تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي

الزيلعي ، فخر الدين

[مقدمة الكتاب]

[مُقَدِّمَة الْكتاب] الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَحَ قُلُوبَ الْعَارِفِينَ بِنُورِ هِدَايَتِهِ، وَزَيَّنَهَا بِالْإِيمَانِ وَمَا أَلْهَمَهَا مِنْ حِكْمَتِهِ، أَحْمَدُهُ حَمْدَ عَارِفٍ لِعَظَمَتِهِ مُقِرٍّ بِوَحْدَانِيِّتِهِ، وَعَلَى مَنْ خَتَمَ بِهِ الرِّسَالَةَ أَفْضَلَ صَلَاتِهِ وَتَحِيَّتِهِ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى الْمَخْصُوصِ بِإِظْهَارِ مِلَّتِهِ عَلَى الْمِلَلِ كُلِّهَا وَدَوَامِ شَرِيعَتِهِ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ وَنِهَايَتِهِ، وَعَلَى آلِهِ الْكِرَامِ وَجَمِيعِ صَحَابَتِهِ وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ إلَى يَوْمِ الدِّينِ بِإِحْيَاءِ سُنَّتِهِ. (أَمَّا بَعْدُ) فَإِنِّي لَمَّا رَأَيْت هَذَا الْمُخْتَصَرَ الْمُسَمَّى بِكَنْزِ الدَّقَائِقِ أَحْسَنَ مُخْتَصَرٍ فِي الْفِقْهِ حَاوِيًا مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْوَاقِعَاتِ مَعَ لَطَافَةِ حَجْمِهِ لِاخْتِصَارِ نَظْمِهِ، أَحْبَبْت أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرْحٌ مُتَوَسِّطٌ يَحُلُّ أَلْفَاظَهُ، وَيُعَلِّلُ أَحْكَامَهُ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ يَسِيرًا مِنْ الْفُرُوعِ مُنَاسِبًا لَهُ مُسَمًّى بِتَبْيِينِ الْحَقَائِقِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَبْيِينِ مَا اكْتَنَزَ مِنْ الدَّقَائِقِ وَزِيَادَةِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ اللَّوَاحِقِ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنِي لِإِتْمَامِهِ مُعْتَصِمًا بِهِ عَنْ الزَّلَلِ وَالْخَلَلِ فِيمَا أَقُولُ وَأَفْعَلُ، وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ. [كِتَابُ الطَّهَارَةِ] [الْوُضُوء] (كِتَابُ الطَّهَارَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَرْضُ الْوُضُوءِ غَسْلُ وَجْهِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَهُوَ مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ) أَيْ الْوَجْهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُوَاجَهَةِ وَهِيَ تَقَعُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَحَدُّ الْوَجْهِ فِي الطُّولِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهُوَ مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ إلَى آخِرِهِ) نُوقِشَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ مِنْ وُجُوهٍ (الْأَوَّلُ) أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ قِصَاصِ شَعْرِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ فِي الطُّولِ مِنْ مَبْدَأِ سَطْحِ الْجَبْهَةِ إلَى مُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. (الثَّانِي) أَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إلَى أَسْفَلِ ذَقَنِهِ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي حُكْمِهِ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى حَدُّ الْوَجْهَ طُولًا مِنْ قِصَاصِ شَعْرِهِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ وَإِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا لَا يَخْفَى. (الثَّالِثُ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنَيْنِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أُذُنٍ شَحْمَةً وَالْعَرْضُ مِنْ الشَّحْمَةِ إلَى الشَّحْمَةِ وَلَيْسَ لِلْأُذُنِ الْوَاحِدَةِ شَحْمَتَانِ. (الرَّابِعُ) يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْحَدِّ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْفَمِ وَأُصُولِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ وَاللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ وَوَنِيمِ الذُّبَابِ وَدَمِ الْبَرَاغِيثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ فِيهِ مُقَدَّرًا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعَسُّفٌ وَهُوَ أَيْضًا بِعَيْنِهِ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَحَدُّ الْوَجْهِ مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ؛ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ تَقَعُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهَا، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَتَسَامَحُونَ فِي إطْلَاقِ الْعِبَارَاتِ وَلَكِنَّ الْعِبَارَةَ الْمُنَقَّحَةَ أَنْ يُقَالَ وَهُوَ مِنْ قِصَاصِ شَعْرِهِ إلَى أَسْفَلِ ذَقَنِهِ وَمِنْ شَحْمَةِ الْأُذُنِ إلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ وَعَنْ الثَّالِثِ بِمَا قَدَّرْنَا أَيْضًا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمُسَامَحَةِ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ سَقَطَتْ لِلْحَرَجِ وَعَلَى حَدِّ مَنْ يَقُولُ الْوَجْهُ مَا يُوَاجِهُهُ الْإِنْسَانُ لَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لِخُرُوجِهَا عَنْ الْمُوَاجَهَةِ عَيْنِيٌّ وَفِي الْقَافِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَالضَّمُّ أَعْلَاهَا وَقَوْلُهُ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ وَهُوَ مُجْتَمَعُ لَحْيَيْهِ

[سنن الوضوء]

مُبْتَدَأِ سَطْحِ الْجَبْهَةِ إلَى مُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] وَقَوْلُهُ: بِمِرْفَقَيْهِ أَيْ مَعَ مِرْفَقَيْهِ، وَتَكُونُ الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ، يُقَالُ: اشْتَرَيْت الْفَرَسَ بِسَرْجِهِ أَيْ مَعَ سَرْجِهِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تَدْخُلُ الْمَرَافِقُ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا قُلْنَا: نَعَمْ لَا تَدْخُلُ لَكِنَّ الْمُغَيَّا هُنَا إنَّمَا هُوَ الْإِسْقَاطُ، فَتَقْدِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَسْقِطُوا مِنْ الْمَنَاكِبِ إلَى الْمَرَافِقِ، إذْ لَوْلَا هَذَا التَّقْدِيرُ لَمْ يَكُنْ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَ الْمَرَافِقِ وَجْهٌ، بَعْدَمَا تَنَاوَلَهُ لَفْظُ الْيَدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرِجْلَيْهِ بِكَعْبَيْهِ) وَالْكَلَامُ فِيهِمَا كَالْكَلَامِ فِي الْيَدِ، وَالْكَعْبُ هُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الْمَفْصِلُ الَّذِي عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْمُحْرِمِ إذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ يَقْطَعُ خُفَّيْهِ مِنْ أَسْفَلِ الْكَعْبِ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] بِتَثْنِيَةِ الْكَعْبِ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ، وَمِنْ اثْنَيْنِ وَهُوَ جُزْءٌ لَهُ فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] وَلَمْ يَقُلْ قَلْبَاكُمَا وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَقِيلَ إلَى الْكِعَابِ كَالْمَرَافِقِ فَبَطَلَ زَعْمُهُ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ وَظِيفَةَ الرِّجْلِ الْمَسْحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الرَّأْسِ، وَلَنَا قِرَاءَةُ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْيَدَيْنِ «، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَمَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ»، وَالْجَرُّ لِلْمُجَاوَرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة: 22] عَلَى مَنْ قَرَأَ بِالْجَرِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَسْحُ رُبْعِ رَأْسِهِ) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ» وَهِيَ الرُّبْعُ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْوَاجِبُ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ اعْتِبَارًا لِآلَةِ الْمَسْحِ، وَهِيَ الْيَدُ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْأَصَابِعُ، وَهِيَ عَشَرَةٌ فَرُبْعُهَا اثْنَانِ وَنِصْفٌ، وَالْوَاحِدُ لَا يَتَجَزَّأُ فَكَمُلَ، وَهُمَا اعْتَبَرَا الْمَمْسُوحَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا إذْ لَوْ جَازَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لَفَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَرَّةً تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ، وَقَوْلُهُ (وَلِحْيَتِهِ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللِّحْيَةُ مَعْطُوفَةً عَلَى الرَّأْسِ أَيْ وَمَسْحُ رُبْعِ رَأْسِهِ وَرُبْعِ لِحْيَتِهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ لِعَدَمِ الْمُوَاجَهَةِ بِهِ أَوْ لِتَعَسُّرِهِ وَجَبَ مَسْحُهُ كَالْجَبِيرَةِ، وَالْمَمْسُوحُ لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ فَاعْتُبِرَ الرُّبْعُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى الرُّبْعِ أَيْ وَمَسْحُ رُبْعِ رَأْسِهِ وَمَسْحُ لِحْيَتِهِ، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ مَسْحُ كُلِّ اللِّحْيَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرُوِيَ عَنْهُ غَسْلُ الرُّبْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا مَسْحُهُ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِ اللِّحْيَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَسَّرَ غَسْلُ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ انْتَقَلَ الْوَاجِبُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ كَالْحَاجِبَيْنِ وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ، وَأَقْرَبُ مِنْهُ مَسْحُ الرَّأْسِ لَمَّا تَعَسَّرَ انْتَقَلَ الْوَظِيفَةُ إلَى الشَّعْرِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ، وَأَمَّا الْمُسْتَرْسِلُ عَنْ الذَّقَنِ فَلَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّتُهُ) أَيْ سُنَّةُ الْوُضُوءِ (غَسْلُ يَدَيْهِ إلَى رُسْغَيْهِ ابْتِدَاءً كَالتَّسْمِيَةِ)، أَمَّا الْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ فَلِأَنَّهُمَا آلَةُ التَّطْهِيرِ فَيُبْدَأُ بِتَنْظِيفِهِمَا وَقَالَ إلَى رُسْغَيْهِ لِوُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِهِ فِي التَّنْظِيفِ، وَأَطْلَقَهُ لِيَتَنَاوَلَ الْمُسْتَيْقِظَ وَغَيْرَهُ، وَقَالَ كَالتَّسْمِيَةِ وَيَعْنِي كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ) وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْأَصَابِعِ وَالْيَدِ الزَّائِدَتَيْنِ وَيَغْسِلُ الْأَقْطَعُ مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ حَتَّى طَرَفَ الْعُضْوِ كَنُونٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا) أَيْ كَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ (قَوْلُهُ إلَى الْمَرَافِقِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ {وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43] يَتَنَاوَلُ كُلَّ الْأَيْدِي إلَى الْمَنَاكِبِ وَهُوَ لُغَةٌ (قَوْلُهُ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ) أَيْ لَمَّا قَالَ إلَى الْكَعْبَيْنِ دَلَّ أَنَّهُ ثَنَّى فِي كُلِّ رِجْلٍ (قَوْلُهُ وَمِنْ النَّاسِ) وَهُمْ الرَّوَافِضُ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَعِنْدَ الرَّوَافِضِ الْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِ الْقَدَمِ وَالْأَصَابِعِ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَالْغَسْلُ غَيْرُ جَائِزٍ. (قَوْلُهُ عَلَى مَنْ قَرَأَ بِالْجَرِّ) أَيْ هُوَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَسْحُ رُبْعِ رَأْسِهِ) وَالْغَسْلُ يَنُوبُ عَنْهُ وَلَوْ مَعَ الْوَجْهِ، وَالْوُضُوءُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فَرْضٌ عَلَى الْمُحْدِثِ لِلصَّلَاةِ وَلَوْ جِنَازَةً أَوْ نَفْلًا وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُهَا وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَوَاجِبٌ لِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلِهَذَا يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَسُنَّةٌ لِلنَّوْمِ عَلَى طَهَارَةٍ وَقَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكَذِبِ وَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ وَعِنْدَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْخُطْبَةِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلِلْجُنُبِ عِنْدَ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَنَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ وَلِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَ أَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الِاخْتِلَافِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِآلَةِ الْمَسْحِ) وَجْهُ اعْتِبَارِ الْآلَةِ أَنَّ الْبَاءَ إنْ دَخَلَتْ عَلَى الْمَحَلِّ اقْتَضَتْ اسْتِيعَابَ الْآلَةِ دُونَ الْمَحَلِّ، وَأَكْثَرُ الْآلَةِ قَائِمَةٌ مَقَامَ كُلِّهَا فَيَجِبُ الْمَسْحُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ انْتَهَى يَحْيَى (قَوْلُهُ وَأَقْرَبُ مِنْهُ مَسْحُ الرَّأْسِ) قِيَاسُ اللِّحْيَةِ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ أَظْهَرُ مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الْحَاجِبَيْنِ وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَ اللِّحْيَةِ مِنْ الْبَشَرَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ كَمَا فِي شَعْرِ الرَّأْسِ بِخِلَافِ الْحَاجِبَيْنِ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ وَهُوَ أَصَحُّ مَذْهَبِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَجْهِ بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ) تَقُولُ رَأَيْت وَجْهَهُ دُونَ لِحْيَتِهِ وَلَا يُقَالُ طَالَ وَجْهُهُ دُونَ لِحْيَتِهِ وَلَا يُقَالُ طَالَ وَجْهُهُ وَيُقَالُ طَالَتْ لِحْيَتُهُ انْتَهَى [سُنَن الْوُضُوء] (قَوْلُهُ وَسُنَّةُ الْوُضُوءِ) ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ انْتَهَى عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَى رُسْغَيْهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الرُّسْغُ كَالْقُفْلِ مَفْصِلٌ مَا بَيْنَ السَّاعِدِ وَالْكَفِّ وَالسَّاقِ وَالْقَدَمِ انْتَهَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ابْتِدَاءً) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا عَلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدِئًا انْتَهَى عَيْنِيٌّ السُّنَّةُ نَفْسُ الِابْتِدَاءِ بِفِعْلِ الْيَدَيْنِ، وَأَمَّا نَفْسُ الْغَسْلِ فَفَرْضٌ انْتَهَى

أَنَّ التَّسْمِيَةَ سُنَّةٌ فِي الِابْتِدَاءِ مُطْلَقًا، فَكَذَا غَسْلُ الْيَدَيْنِ سُنَّةٌ مُطْلَقًا، وَتَقْيِيدُهُ بِالْمُسْتَيْقِظِ فِي الْحَدِيثِ لَا يُنَافِي غَيْرَهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَتْرُكْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ وَكَذَا مَنْ حَكَى وُضُوءَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ تَوَضَّأَ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ طَهُورًا لِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَمَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ طَهُورًا لِأَعْضَاءِ وُضُوئِهِ»، وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُودَ الْوُضُوءِ بِلَا تَسْمِيَةٍ، وَتُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ حَتَّى لَوْ نَسِيَهَا، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ غَسْلِ الْبَعْضِ وَسَمَّى لَا يَكُونُ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَنَحْوِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُضُوءَ كُلَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ، فَيُشْتَرَطُ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ، وَقَدْ فَاتَ وَكُلُّ لُقْمَةٍ مِنْ الْأَكْلِ فِعْلٌ مُبْتَدَأٌ، فَلَمْ يَفُتْ، ثُمَّ قِيلَ يُسَمِّي قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ الْوُضُوءِ وَقِيلَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ عِنْدَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ لَا يَكُونُ تَعْظِيمًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسَمِّي فِيهِمَا احْتِيَاطًا. قَوْلُهُ (وَالسِّوَاكِ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى التَّسْمِيَةِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَطْفًا عَلَى الْغَسْلِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَسْتَاكَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ»، وَقَدْ وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ عِنْدَ فَقْدِهِ يُعَالِجُ بِالْأُصْبُعِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ يَعْنِي السِّوَاكَ وَالتَّسْمِيَةَ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ خَصَائِصِ الْوُضُوءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَسْلُ فَمِهِ وَأَنْفِهِ) عَدَلَ عَنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إلَى الْغَسْلِ إمَّا اخْتِصَارًا أَوْ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ يُشْعِرُ بِالِاسْتِيعَابِ فَكَانَ أَوْلَى، وَهَذَا لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهِمَا الْمُبَالَغَةُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بَالِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا»، وَالْغَسْلُ أَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ سُنَّةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَيَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ يَأْخُذُ لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءً جَدِيدًا هَكَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ بِكَفٍّ وَاحِدٍ» مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعِنْ بِالْيَدَيْنِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ، أَوْ مَعْنَاهُ فَعَلَهُمَا بِالْيَدِ الْيُمْنَى فَيَكُونُ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ: الِاسْتِنْشَاقُ بِالْيُسْرَى؛ لِأَنَّ الْأَنْفَ مَوْضِعُ الْأَذَى كَمَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَقَوْلُهُ وَغَسْلِ فَمِهِ يَجُوزُ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى التَّسْمِيَةِ فَتَكُونُ الْمَضْمَضَةُ مِنْ السُّنَّةِ الَّتِي فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْوُضُوءِ عَلَى اعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَخْلِيلُ لِحْيَتِهِ وَأَصَابِعِهِ) أَمَّا تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ فَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَهُ وَعِنْدَهُمَا جَائِزٌ وَمَعْنَاهُ لَا يَكُونُ بِدْعَةً، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ لِأَنَّهُ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ، وَدَاخِلُهَا لَيْسَ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ وَأَمَّا تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ فَسُنَّةٌ إجْمَاعًا لِلْأَمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْمُسْتَيْقِظِ فِي الْحَدِيثِ) «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي وُضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَبَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ انْتَهَى عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ فِي ابْتِدَائِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ» الْحَدِيثَ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَفُتْ) وَهُوَ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ فِي الْأَكْلِ تَحْصِيلَ السُّنَّةِ فِي الْبَاقِي لِاسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَ انْتَهَى. (قَوْلُهُ إنَّهُ يُسَمِّي فِيهِمَا) أَيْ لَا حَالَةَ الِانْكِشَافِ وَلَا فِي مَحَلِّ النَّجَاسَةِ انْتَهَى كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالسِّوَاكِ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ مِنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْعَلْكَ لِلْمَرْأَةِ يَقُومُ مَقَامَ السِّوَاكِ لِأَنَّهَا تَخَافُ مِنْ السِّوَاكِ سُقُوطَ سِنِّهَا؛ لِأَنَّ سِنَّهَا أَضْعَفُ مِنْ سِنِّ الرَّجُلِ وَهُوَ مَا يُنَقِّي الْأَسْنَانَ انْتَهَى فَإِنْ قُلْت مِنْ فَوَائِده أَنَّهُ يَشُدُّ اللِّثَةَ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا بُعْدَ فِي كَوْنِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ قَدْ تُفْضِي إلَى سُقُوطِ الْأَسْنَانِ مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ، وَمِمَّا يَشْهَدُ بِهِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِرِجَالِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَزِمْت السِّوَاكَ حَتَّى خَشِيت أَنْ يَدْرَدَ فِي» وَالدَّرَدُ سُقُوطُ الْأَسْنَانِ لَكِنَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ لَا تُسْتَحَبُّ لِمَنْ هَذِهِ حَالَتُهُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ فِعْلُهُ أَحْيَانًا انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ قُلْت بَلْ الْأَظْهَرُ هُوَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُفِيدِ أَنَّ السِّوَاكَ مِنْ سُنَنِ الدِّينِ فَحِينَئِذٍ يَسْتَوِي فِيهِ كُلُّ الْأَحْوَالِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا) أَيْ التَّسْمِيَةَ وَالسِّوَاكَ انْتَهَى (قَوْلُهُ عَدَلَ عَنْ الْمَضْمَضَةِ) وَالْمَضْمَضَةُ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ، وَأَمَّا الِاسْتِنْشَاقُ فَهُوَ جَذْبُ الْمَاءِ بِالْمَنْخَرَيْنِ انْتَهَى (قَوْلُهُ يُشْعِرُ بِالِاسْتِيعَابِ) وَإِمَّا تَنْبِيهًا عَلَى حَدَّيْهِمَا انْتَهَى عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ بَالِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ) الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ بِالْغَرْغَرَةِ وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ بِالِاسْتِنْثَارِ انْتَهَى. كَافِي (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ غَسْلُ فَمِهِ وَأَنْفِهِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَاظَبَ عَلَيْهِ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَا وَاجِبَتَيْنِ إذْ لَمْ يَذْكُرُوا عَنْهُ تَرْكَهُمَا وَلَا مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَى الْفِعْلِ مَعَ عَدَمِ التَّرْكِ دَلِيلُ الْوُجُوبِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ بِالْيَدِ الْيُسْرَى) أَيْ لِأَنَّ الْأَنْفَ مَوْضِعُ الْأَذَى كَمَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ انْتَهَى (قَوْلُهُ يَجُوزُ بِالْجَرِّ) أَيْ وَيَجُوزُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْغَسْلِ كَمَا قَالَ ذَلِكَ فِي السِّوَاكِ. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِذَا أَخَذَ الْمَاءَ بِكَفِّهِ فَمَضْمَضَ بِبَعْضِهِ وَاسْتَنْشَقَ بِالْبَاقِي جَازَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى خِلَافِهِ لَا يَجُوزُ انْتَهَى (قَوْلُهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ) لِعَدَمِ وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ الشَّعْرِ، وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فَإِنَّهُمَا سُنَّتَانِ مَعَ أَنَّهُمَا لَيْسَا فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَقَالَ الْكَاكِيُّ فِي جَوَابِهِ إنَّهُمَا فِي الْوَجْهِ وَالْوَجْهُ مَحَلُّ الْفَرْضِ إذْ لَهُمَا حُكْمُ الْخَارِجِ مِنْ وَجْهٍ كَمَا ذَكَرْنَا انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ) أَيْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَسُنَّةٌ إجْمَاعًا لِلْأَمْرِ الْوَارِدِ) فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّخْلِيلُ وَاجِبًا نَظَرًا إلَى الْأَمْرِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْيَدَيْنِ وَاحِدٌ وَثَانِيهَا وَفِي الرِّجْلَيْنِ أَيْضًا مَعَ كَوْنِهِ مَقْرُونًا بِالْوَعِيدِ لِتَارِكِهِ قُلْنَا هَذَا لَا يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ لِكَوْنِهِ مِنْ الْآحَادِ وَلَا الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْوُجُوبِ فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ شَرْطُ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ تَبَعًا لَهَا، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِسُقُوطِهَا وَيَجِبُ بِوُجُوبِهَا فَلَوْ قُلْنَا

الْوَارِدِ بِهِ، وَلِأَنَّ أَثْنَاءَهَا مَحَلٌّ لِلْفَرْضِ بِخِلَافِ اللِّحْيَةِ عِنْدَهُمَا هَذَا إذَا وَصَلَ الْمَاءُ إلَى أَثْنَائِهَا، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بِأَنْ كَانَتْ مُنْضَمَّةً فَوَاجِبٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ»، ثُمَّ قِيلَ التَّعَدِّي يَرْجِعُ إلَى الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَالظُّلْمُ إلَى النُّقْصَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: 33] أَيْ لَمْ تَنْقُصْ، فَالْأَوَّلُ فَرْضٌ وَالثَّانِي سُنَّةٌ وَالثَّالِثُ إكْمَالُ السُّنَّةِ، وَقِيلَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ سُنَّةٌ، وَقِيلَ الثَّانِي سُنَّةٌ وَالثَّالِثُ نَفْلٌ، وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّ الثَّلَاثَ تَقَعُ فَرْضًا كَإِطَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ قِيلَ أُرِيدَ بِهِ مُجَرَّدُ الْعَدَدِ فِيهِمَا، وَقِيلَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَالنُّقْصَانُ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَقِيلَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ، وَالنُّقْصَانُ عَنْ الْحَدِّ الْمَحْدُودِ، وَقِيلَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ الثَّلَاثَ سُنَّةً حَتَّى لَوْ رَأَى الثَّلَاثَ سُنَّةً، ثُمَّ زَادَ لِحَاجَةٍ أُخْرَى كَإِرَادَةِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَكَذَا النُّقْصَانُ لِحَاجَةٍ أُخْرَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِيَّتُهُ) أَيْ وَنِيَّةُ الْوُضُوءِ وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إلَى الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ، وَكَذَا وَقَعَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ يَنْوِي الطَّهَارَةَ وَالْمَذْهَبُ أَنْ يَنْوِيَ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَوْ رَفْعَ الْحَدَثِ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ فِي التَّيَمُّمِ تَكْفِي فَكَذَا هَاهُنَا فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى الشَّخْصِ الْمُتَوَضِّئِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْ وَنِيَّةُ الرَّجُلِ الصَّلَاةَ، فَيَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا ثُمَّ هِيَ سُنَّةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرْضٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ كَالتَّيَمُّمِ، وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُعَلِّمْ الْأَعْرَابِيَّ النِّيَّةَ حِينَ عَلَّمَهُ الْوُضُوءَ مَعَ جَهْلِهِ، وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَعَلَّمَهُ، وَلِأَنَّهُ شَرْطُ الصَّلَاةِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَسَائِرِ شُرُوطِهَا بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مَأْمُورٌ بِهَا فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] أَيْ فَاقْصِدُوا، وَلِأَنَّهَا فِي التَّيَمُّمِ لِصَيْرُورَةِ التُّرَابِ طَهُورًا لِأَنَّهُ مُلَوَّثِ وَالْمَاءُ مُطَهِّرٌ بِنَفْسِهِ حِسًّا وَكَذَا شَرْعًا وَحُكْمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] فَمَنْ شَرَطَ النِّيَّةَ لِصَيْرُورَتِهِ طَهُورًا فَقَدْ زَادَ فِيهِ، وَهُوَ نَسْخٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَسْحُ كُلِّ رَأْسِهِ مَرَّةً وَأُذُنَيْهِ بِمَائِهِ) أَيْ وَمَسْحُ كُلِّ أُذُنَيْهِ بِمَاءِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الرَّأْسِ وَتَكَلَّمُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَضَعُ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَهُ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، وَيَمُدُّهُمَا إلَى قَفَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الرَّأْسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِإِصْبَعَيْهِ وَلَا يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِهَذَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ إلَّا بِهَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْوُجُوبِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ لَسَاوَى التَّبَعُ الْأَصْلَ كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ لَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الضَّعْفِ فِي بَيَانِ الْوُصُولِ فِي شَرْحِ الْأُصُولِ وَجَامِعِ الْأَسْرَارِ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ بَلْ الْوَاجِبُ الْقَوِيُّ أَنَّ الْأَمْرَ الثَّابِتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إنَّمَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ وَلَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ عَنْ ظَاهِرِهِ كَخَبَرِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَخَبَرِ الْفَاتِحَةِ. أَمَّا إذَا وُجِدَ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ وَهَاهُنَا عَارَضَ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ تَعْلِيمِ الْأَعْرَابِيِّ وَالْأَخْبَارِ الَّتِي حُكِيَ فِيهَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ التَّخْلِيلَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا فَحُمِلَ عَلَى النَّدْبِ أَوْ السُّنَّةِ الَّتِي دُونَ الْوُجُوبِ عَمَلًا بِالدَّلِيلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَهَكَذَا جَمِيعُ الدَّلَائِلِ الَّتِي تَدُلُّ ظَوَاهِرُهَا عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ مُعَارَضٌ بِمَا يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِهِ إذَا تَأَمَّلْت فِيهَا وَقَالَ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَلِّلُوا» الْحَدِيثَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَظِيفَةَ الرِّجْلِ الْغَسْلُ لَا الْمَسْحُ فَكَانَ حُجَّةً عَلَى الرَّوَافِضِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ «فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ») قَالَ الْكَرْمَانِيُّ إنَّهُ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْإِحْيَاءِ: إنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَهُ أَصْلًا انْتَهَى فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَ النَّقْصُ مِنْ الثَّلَاثِ ظُلْمًا كَانَ التَّثْلِيثُ وَاجِبًا لَا سُنَّةً قُلْت: كَوْنُهُ ظُلْمًا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ سُنَّةً لَا بِمُجَرَّدِ النَّقْضِ انْتَهَى يَحْيَى. (قَوْلُهُ وَالثَّالِثُ نَفْلٌ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ إلَى آخِرِهِ) رَدَّ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» وَالْحَدِيثُ فِي الْمَصَابِيحِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْفَرْضَ لَمْ يَحْصُلْ بِدُونِهَا انْتَهَى. (قَوْلُهُ ثُمَّ زَادَ لِحَاجَةٍ أُخْرَى) كَإِرَادَةِ الْوُضُوءِ أَوْ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ الشَّكِّ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ وَكَذَا النُّقْصَانُ لِحَاجَةٍ أُخْرَى) كَإِعْوَازِ الْمَاءِ انْتَهَى (قَوْلُهُ أَنْ يَنْوِيَ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْعِبَادَةِ) فَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ مَثَلًا لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الصَّلَاةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ عِبَارَةِ الْمَتْنِ تُفِيدُ أَنَّ السُّنَّةَ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ السُّنَّةُ أَنْ يَنْوِيَ عِبَادَةً لَا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ كَالصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَى الظَّاهِرِ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ انْتَهَى يَحْيَى وَوَقْتُهَا عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ انْتَهَى جَوْهَرَةٌ قَالَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ أَيْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ إيقَاعَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ لِلطَّهَارَةِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ: إنَّ الْمَاءَ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالنِّسْيَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ النِّيَّةَ سُنَّةٌ لِأَنَّ بِهَا يَصِيرُ الْفِعْلُ قُرْبَةً بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَسْحُ كُلِّ رَأْسِهِ مَرَّةً) وَتَرْكُهُ دَائِمًا إثْمٌ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّثْلِيثُ فِي الْغَسْلِ سُنَّةٌ وَالتَّثْلِيثُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ بِالْمِيَاهِ الْمُخْتَلِفَةِ بِدْعَةٌ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ سُنَّةٌ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِإِصْبَعَيْهِ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ ثُمَّ يُدْخِلُ السَّبَّابَةَ فِي أُذُنِهِ وَيُدِيرُ إبْهَامَيْهِ مِنْ وَرَائِهِمَا انْتَهَى قَالَ فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ وَإِدْخَالُ الْأَصَابِعِ فِي صِمَاخِ الْأُذُنَيْنِ أَدَبٌ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ هُوَ الْمَشْهُورُ وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ انْتَهَى

[مستحبات الوضوء]

الطَّرِيقَةِ وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ يُجَافِي كَفَّيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوَضْعِ وَالْمَدِّ فَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ فَكَذَا بِالثَّانِي فَلَا يُفِيدُ تَأْخِيرُهُ، وَلِأَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ بِالنَّصِّ أَيْ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الرَّأْسِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا إذَا مَسَحَهُمَا بِمَاءٍ مَسَحَ بِهِ الرَّأْسَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْمَاءِ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الرَّأْسِ فَالْأُذُنُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ تَبَعًا لَهُ، وَقَوْلُهُ مَرَّةً مَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثَلَاثًا كَالْمَغْسُولِ، وَلَنَا «أَنَّ عُثْمَانَ حَكَى وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَسَحَ مَرَّةً» وَلِأَنَّ التَّكْرَارَ فِي الْغَسْلِ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْظِيفِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْمَسْحِ فَلَا يُفِيدُ التَّكْرَارُ فَصَارَ كَمَسْحِ الْخُفِّ وَالْجَبِيرَةِ وَالتَّيَمُّمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ) أَيْ التَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِذِكْرِهِ، وَلَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةَ فَأَوْجَبَ غَسْلَ الْوَجْهِ عَقِيبَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ، وَمَنْ أَجَازَ الْبُدَاءَةَ بِغَيْرِهِ فَقَدْ فَصَلَ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ امْرِئٍ حَتَّى يَضَعَ الطَّهُورَ مَوَاضِعَهُ فَيَغْسِلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَغْسِلَ وَجْهَهُ ثُمَّ ذِرَاعَيْهِ» الْحَدِيثَ وَكَلِمَةُ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ، وَلَنَا أَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ، وَأَمَّا تَعَلُّقُهُ بِالْفَاءِ قُلْنَا إنَّ الْفَاءَ وَإِنْ اقْتَضَتْ التَّرْتِيبَ لَكِنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْفَاءُ بِالْوَاوِ مَعَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدَةِ فَأَفَادَتْ تَرْتِيبَ غَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ عَلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ لَا تَرْتِيبَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالْبَدِيهَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] فَلِلْقَاتِلِ أَنْ يَبْدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ إجْمَاعًا. وَلَوْ قَالَ لِغُلَامِهِ إذَا دَخَلْت السُّوقَ فَاشْتَرِ لَحْمًا وَخُبْزًا وَمَوْزًا لَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ اللَّحْمِ أَوَّلًا، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَعَلُّقِهِ بِثُمَّ فَإِنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُوجِبُ الْبُدَاءَةَ بِالْيَدَيْنِ وَهُوَ يُوجِبُهُ بِالْوَجْهِ، وَالثَّانِي أَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَصَارَتْ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: 11] أَيْ وَصَوَّرْنَاكُمْ، وقَوْله تَعَالَى {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد: 11] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} [البلد: 12] {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14] {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: 15] {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] أَيْ وَكَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَقْتَ الْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ إطْعَامَ الْكَافِرِ لَا يَنْفَعُ وَلَوْ آمَنَ بَعْدَهُ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثٍ آخَرَ حِينَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» يُوجِبُ التَّرْتِيبَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ وُضُوءَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مُرَتَّبًا قُلْنَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالِابْتِدَاءِ بِالْيَمِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ آدَابِهِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَاءُ)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ الْعُضْوَ الثَّانِيَ قَبْلَ جَفَافِ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ آخَرَ غَيْرِ الْوُضُوءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُسْتَحَبُّهُ التَّيَامُنُ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ حَتَّى فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطَهُورِهِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَسْحُ رَقَبَتِهِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسَحَ عَلَيْهَا. وَمِنْ آدَابِ الْوُضُوءِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ عِنْدَهُ وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ وَإِدْخَالُ خِنْصَرِهِ فِي صِمَاخِ أُذُنَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ، وَتَقْدِيمُ الْوُضُوءِ عَلَى الْوَقْتِ وَتَحْرِيكُ خَاتَمِهِ، وَأَنْ لَا يَسْتَعِينَ فِيهِ بِغَيْرِهِ وَأَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مِنْ أَنَّهُ يُجَافِي كَفَّيْهِ) أَيْ يَمُدُّ الْأَصَابِعَ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ إلَى الْقَفَا، ثُمَّ يَمْسَحُ الْفَوْدَيْنِ بِالْكَفَّيْنِ انْتَهَى يَحْيَى السِّيرَامِيُّ (قَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوَضْعِ) أَيْ وَضْعِ الْكَفَّيْنِ وَمَدِّهِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ثَلَاثًا) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ التَّكْرَارَ) أَيْ وَلِأَنَّ تَكْرَارَ الْمَسْحِ غَسْلٌ فَتُغَيِّرُ وَظِيفَةَ الرَّأْسِ، وَقِيَاسُنَا أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَمْسُوحُ عَلَى الْمَغْسُولِ لِأَنَّهُ قِيَاسُ الْمَمْسُوحِ عَلَى الْمَمْسُوحِ انْتَهَى. ابْنُ فَرْشَتَةَ (قَوْلُهُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْعُلَمَاءِ) لِيَخْرُجَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ النَّصِّ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ (قَوْلُهُ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ امْرِئٍ» إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ ضَعَّفَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ ضَعِيفٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ) فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَاغْسِلُوا هَذِهِ الْأَعْضَاءَ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ نَصُّ الْقُرْآنِ أَوْ الشَّافِعِيُّ انْتَهَى قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: 11] أَيْ وَصَوَّرْنَاكُمْ وقَوْله تَعَالَى {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد: 11] إلَى قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] أَيْ وَكَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَقْتَ الْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ إطْعَامَ الْكَافِرِ لَا يَنْفَعُ وَلَوْ آمَنَ بَعْدَهُ كَذَا فِي أَصْلِ نُسْخَةِ الشَّيْخِ يَحْيَى السِّيرَامِيِّ الَّتِي بِخَطِّ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ الزَّرَايَتِيِّ قَالَ السِّيرَامِيُّ لَمْ يُوجَدْ هَذَا فِي الْمُسَوَّدَةِ الَّتِي بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ) أَيْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِعَدَمِ قَبُولِ الصَّلَاةِ بِدُونِ آدَابِهِ فَعُلِمَ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْوُضُوءِ دُونَ سُنَنِهِ وَآدَابِهِ انْتَهَى يَحْيَى [مُسْتَحَبَّات الْوُضُوء] . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَسْحُ رَقَبَتِهِ) أَيْ بِظَهْرِ الْيَدَيْنِ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ بَلَّتِهِمَا وَالْحُلْقُومُ بِدْعَةٌ انْتَهَى كَمَالٌ، وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ قِيلَ سُنَّةٌ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ انْتَهَى [آدَاب الْوُضُوء] (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَسْتَعِينَ فِيهِ بِغَيْرِهِ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي وُضُوئِهِ بِغَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ الْفَجْرِ لِيَكُونَ أَعْظَمَ لِثَوَابِهِ وَأَخْلَصَ لِعِبَادَتِهِ انْتَهَى وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ أُسَامَةَ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وُضُوئِهِ»، وَكَذَلِكَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَفِي شَرْحِهِ لِمُغَلْطَاي قَالَ فِي الطَّبَرِيِّ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَبَّ عَلَى يَدَيْ عُمَرَ الْوَضُوءَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الْمَنْعُ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ لِأَنَّ رَاوِيَ الْمَنْعِ عَنْهُ أَيَقَعُ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَثَبَتَ أَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، وَكَذَا النَّهْيُ عَنْ عَلِيٍّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ النَّضْرِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الْجَوْنِ عَنْهُ وَهُمَا غَيْرُ حُجَّةٍ فِي الدِّينِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أُسَامَةُ تَبَرَّعَ بِالصَّبِّ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَدْعِيَ الْإِنْسَانُ

[مكروهات الوضوء]

لَا يَتَكَلَّمَ فِيهِ بِكَلَامِ النَّاسِ وَيَنْثُرَ الْمَاءَ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ لَطْمٍ وَالْجُلُوسُ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ وَجَعْلُ الْإِنَاءِ الصَّغِيرِ عَلَى يَسَارِهِ وَالْكَبِيرِ الَّذِي يَغْتَرِفُ مِنْهُ عَلَى يَمِينِهِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَفِعْلِ اللِّسَانِ وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ، وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ اللَّهُمَّ أَرِحْنِي رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَلَا تُرِحْنِي رَائِحَةَ النَّارِ وَعِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، وَعِنْدَ غَسْلِ يَدِهِ الْيُمْنَى اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا، وَعِنْدَ غَسْلِ الْيُسْرَى اللَّهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي وَلَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، وَعِنْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّ عَرْشِك، وَعِنْدَ مَسْحِ أُذُنَيْهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، وَعِنْدَ مَسْحِ عُنُقِهِ اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنْ النَّارِ، وَعِنْدَ غَسْلِ قَدَمِهِ الْيُمْنَى اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمِي عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ، وَعِنْدَ غَسْلِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى اللَّهُمَّ اجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَتِجَارَتِي لَنْ تَبُورَ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ، وَيَقُولُ بَعْدَ الْفَرَاغِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَيَشْرَبُ شَيْئًا مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَائِمًا قِيلَ لَا يَشْرَبُ قَائِمًا إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَعِنْدَ زَمْزَمَ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَلَا يُنْقِصُ مَاؤُهُ أَيْ مَاءَ وُضُوئِهِ عَنْ مُدٍّ. وَمَكْرُوهَاتُهُ لَطْمُ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ وَالْإِسْرَافُ فِيهِ وَتَثْلِيثُ الْمَسْحِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَلَا بَأْسَ بِالتَّمَسُّحِ بِالْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَأَنَسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْقُضُهُ خُرُوجُ نَجِسٍ مِنْهُ) أَيْ وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ خُرُوجُ نَجِسٍ فَدَخَلَ تَحْتَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ جَمِيعُ النَّوَاقِضِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا فِي نَفْسِهِ كَالدُّودَةِ مِنْ الدُّبُرِ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَصْحِبُ شَيْئًا مِنْ النَّجَاسَةِ وَتِلْكَ هِيَ النَّاقِضَةُ لِلْوُضُوءِ فَصَدَقَ قَوْلُهُ خُرُوجُ نَجِسٍ، وَهُوَ مُجْمَلٌ فَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّفْصِيلِ مِنْ بَيَانِ الْمَخْرَجِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ. اعْلَمْ أَنَّ الْمَخْرَجَ عَلَى نَوْعَيْنِ سَبِيلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، أَمَّا السَّبِيلَانِ فَخُرُوجُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُمَا نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ الْمُطْمَئِنِّ مِنْ الْأَرْضِ فَاسْتُعِيرَ لِمَا يَخْرُجُ إلَيْهِ، فَيَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَهُ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ سُئِلَ عَنْ الْحَدَثِ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَكَلِمَةُ مَا عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ الْمُعْتَادِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَاهُ وَمَا رَوَيْنَاهُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمُسْتَحَاضَةِ «تَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ، ثُمَّ خُرُوجُهُ يَكُونُ بِالظُّهُورِ حَتَّى لَا يَنْتَقِضُ بِنُزُولِ الْبَوْلِ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ، وَلَوْ نَزَلَ إلَى الْقُلْفَةِ انْتَقَضَ، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَجِبُ عَلَى الْجُنُبِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خِلْقَةٌ كَالْقَصَبَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ حَشَا إحْلِيلَهُ بِقُطْنٍ فَخُرُوجُهُ بِابْتِلَالِ خَارِجِهِ، وَإِنْ حَشَتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا بِهِ فَإِنْ كَانَ دَاخِلَ الْفَرْجِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّبَّ مِنْ غَيْرِهِ فَيَأْمُرُهُ بِهِ فَيُقَالُ لَهُ نَعَمْ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ عِنْدِ التِّرْمِذِيِّ مُحْسِنًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ الرَّبِيعِ أَنَّهَا قَالَتْ «أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِيضَأَةٍ فَقَالَ اُسْكُبِي فَسَكَبْت» وَالِاسْتِعَانَةُ جَائِزَةٌ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ لِمَا فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ مِنْ عِنْدِ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ ابْنِ حِبَّانَ قَالَ «صَبَبْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَاءَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فِي الْوُضُوءِ»، وَأَمَّا فِي حَدِيثِ «إنَّا لَا نَسْتَعِينُ عَلَى الْوُضُوءِ بِأَحَدٍ» فَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ حَدِيثٌ بَاطِلٌ، لَكِنْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا كَانَ يَسْتَعِينُ عَلَى الْوُضُوءِ بِأَحَدٍ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى الْجَوَازِ وَالثَّانِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، كَذَا قَالَهُ السُّرُوجِيُّ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَالْوُضُوءُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الطَّاهِرَةِ أَوْلَى مِنْهَا عَلَى الطَّنَافِسِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ جِهَةِ الْآدَابِ اسْتِقَاءَ مَائِهِ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يَمْلَأَ الْإِنَاءَ بَعْدَ فَرَاغِهِ اسْتِعْدَادًا لِصَلَاةٍ أُخْرَى، وَأَنْ لَا يُكَلِّمَ النَّاسَ فِي الْوُضُوءِ انْتَهَى. زَادُ الْفَقِيرِ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى تِلَاوَةِ ذِكْرِك إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْأَدْعِيَةَ مَأْثُورَةٌ عَنْ السَّلَفِ، وَلَيْسَتْ بِمَنْقُولَةٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى [مَكْرُوهَات الْوُضُوء] . (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّمَسُّحِ بِالْمِنْدِيلِ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ انْتَهَى كَاكِيٌّ، وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ التَّجْفِيفُ قَبْلَ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ بِالْمِنْدِيلِ لَا يُفْعَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْوَلَاءِ انْتَهَى كَاكِيٌّ [نَوَاقِض الْوُضُوء] . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَنْقُضُهُ خُرُوجُ نَجِسٍ) أَشَارَ بِالْخُرُوجِ إلَى أَنَّ الْمَخْرَجَ لَا يَنْقُضُ، وَالْخُرُوجُ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ فِي السَّبِيلَيْنِ وَفِي غَيْرِهِمَا بِالسَّيَلَانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ النَّوَاقِضُ الْحَقِيقِيَّةُ) احْتِرَازًا عَنْ النَّوَاقِضِ الْحُكْمِيَّةِ كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فَتِلْكَ هِيَ النَّاقِضَةُ لِلْوُضُوءِ) وَعَلَى هَذَا فَإِضَافَتُهُمْ النَّقْضَ إلَى الدُّودَةِ مَجَازٌ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فَيَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَهُ) كَالْحَصَاةِ وَالدُّودَةِ وَالْمُعْتَادُ قَدْ لَا يَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ وَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَلَفْظُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَزَلَ إلَى الْقُلْفَةِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِلَى الْقُلْفَةِ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ النَّقْضُ فِيهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ إذَا خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا بَوْلٌ وَلَمْ يَظْهَرْ (قَوْلُهُ بِابْتِلَالِ خَارِجِهِ) وَلَوْ نَفَذَ إلَى طَاقٍ وَلَمْ يَنْفُذْ إلَى الْآخَرِ نَقَضَ انْتَهَى كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهَا) فَلَوْ أَخْرَجَتْهُ وَعَلَيْهِ بَلَّةٌ كَانَ حَدَثًا حَالَةَ الْإِخْرَاجِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقُطْنَةُ فِي الشَّفَتَيْنِ نَقَضَ انْتَهَى كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَيَنْقُضُهُ خُرُوجُ نَجِسٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ الْخُرُوجُ لَا الْخَارِجُ النَّجِسُ وَعِبَارَتُهُ فِي الْوَافِي وَيَنْقُضُهُ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَهِيَ كَمَا تَرَى صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ الْخَارِجُ النَّجِسُ، وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُسْتَصْفَى عِنْدَ قَوْلِهِ فِي النَّافِعِ وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَدَنِ شُرِطَ الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ النَّجَاسَةِ غَيْرُ نَاقِضٍ مَا لَمْ تُوصَفْ بِالْخُرُوجِ إذْ لَوْ كَانَ نَفْسُهَا نَاقِضًا لَمَا حَصَلَتْ الطَّهَارَةُ لِشَخْصٍ مَا

فِيمَا إذَا عَلِمَتْ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَحْبِسْهُ لَخَرَجَ. وَلَوْ أَدْخَلَتْ فِي فَرْجِهَا أَوْ دُبُرِهَا يَدَهَا أَوْ شَيْئًا آخَرَ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهَا إذَا أَخْرَجَتْهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَصْحِبُ النَّجَاسَةَ، وَالرِّيحُ الْخَارِجُ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ، وَذَكَرِ الرَّجُلِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ اخْتِلَاجٌ وَلَيْسَ بِرِيحٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حَدَثٌ مِنْ قُبُلِهَا قِيَاسًا عَلَى الدُّبُرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ قُبُلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُفْضَاةً وَهِيَ الَّتِي صَارَ مَسْلَكُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ مِنْهَا وَاحِدًا أَوْ الَّتِي صَارَ مَسْلَكُ بَوْلِهَا وَوَطْئِهَا وَاحِدًا فَيُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ احْتِيَاطًا وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَجِبُ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ الرِّيحُ مُنْتِنَةً يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا، وَالْخُنْثَى إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَالْفَرْجُ الْآخَرُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْقُرْحَةِ فَلَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ الْوُضُوءَ مَا لَمْ يَسِلْ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى إيجَابِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا أَيْ غَيْرُ السَّبِيلَيْنِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ فِي الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْقُضُ لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ لَكِنْ مِنْ بَوْلٍ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَارِجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ وَلَوْ كَانَ حَدَثًا لَذَكَرَهُ، وَلِأَنَّ تَرْكَ مَوْضِعٍ أَصَابَهُ نَجَسٌ وَغَسْلَ مَوْضِعٍ لَمْ يُصِبْهُ مِمَّا لَا يُعْقَلُ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ». وَهُوَ مَذْهَبُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَصُدُورِ التَّابِعِينَ، وَلِأَنَّ خُرُوجَ النَّجَسِ مُؤَثِّرٌ فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ، أَمَّا مَوْضِعُ الْخُرُوجِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلِأَنَّ بَدَنَ الْإِنْسَانِ بِاعْتِبَارِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي الْوَصْفِ فَإِذَا وُصِفَ مَوْضِعٌ مِنْهُ بِالنَّجَاسَةِ وَجَبَ وَصْفُ كُلِّهِ بِذَلِكَ كَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالْكَذِبِ وَالصِّدْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُوصَفُ بِهِ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ فَإِذَا صَارَ كُلُّهُ نَجِسًا وَجَبَ تَطْهِيرُ كُلِّهِ، لَكِنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي السَّبِيلَيْنِ لِلْحَرَجِ لِتَكَرُّرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا فَأَلْحَقْنَا بِهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَمَا رَوَاهُ لَا يُنَافِي غَيْرَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّمْسَ عِنْدَهُ حَدَثٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، ثُمَّ الْخُرُوجُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِوُصُولِهِ إلَى مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَ الْجِلْدَةِ مَمْلُوءٌ دَمًا فَبِالظُّهُورِ لَا يَكُونُ خَارِجًا بَلْ بَادِيًا وَهُوَ فِي مَوْضِعِهِ بِخِلَافِ السَّبِيلَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ فَيُسْتَدَلُّ بِالظُّهُورِ عَلَى الِانْتِقَالِ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَكَذَا لَوْ عَلَا عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ مَا لَمْ يَنْحَدِرْ لَمْ يَنْقُضْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَائِلٍ وَبِهِ يَتَحَقَّقُ الْخُرُوجُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَنْتَقِضُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّدِيدِ وَالدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالْمَاءِ خِلَافًا لِلْحَسَنِ فِي غَيْرِ الدَّمِ، هُوَ يَجْعَلُهُ كَالْعَرَقِ وَاللَّبَنِ وَالْمُخَاطِ وَلَنَا أَنَّهُ دَمٌ تَمَّ نُضْجُهُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَنْضَجُ فَيَصِيرُ صَدِيدًا، ثُمَّ يَزْدَادُ نُضْجًا فَيَصِيرُ قَيْحًا، ثُمَّ يَزْدَادُ نُضْجًا فَيَصِيرُ مَاءً فَإِذَا تَمَّ نُضْجُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ فَصَارَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ خِلَافَ الْحَسَنِ فِي الْمَاءِ لَا غَيْرُ وَلَوْ نَزَلَ الدَّمُ مِنْ الْأَنْفِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ إذَا وَصَلَ إلَى مَا لَانَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ نَفْسِ الْفَمِ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّيقِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا انْتَقَضَ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّ الْبُصَاقَ سَائِلٌ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ فَكَذَا مُسَاوِيهِ بِخِلَافِ الْمَغْلُوبِ لِأَنَّهُ سَائِلٌ بِقُوَّةِ الْغَالِبِ، وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ فَإِنْ كَانَ أَحْمَرَ انْتَقَضَ، وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ لَا يَنْتَقِضُ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ خُبْزًا وَرَأَى أَثَرَ الدَّمِ فِيهِ مِنْ أُصُولِ أَسْنَانِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ إصْبَعَهُ أَوْ طَرَفَ كُمِّهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ أَثَرَ الدَّمِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَالْقَيْحُ الْخَارِجُ مِنْ الْأُذُنِ أَوْ الصَّدِيدُ إنْ كَانَ بِدُونِ الْوَجَعِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَمَعَ الْوَجَعِ يَنْقُضُ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْجُرْحِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَلَوْ كَانَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ يَسِيلُ مِنْهُمَا الدُّمُوعُ قَالُوا يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يَدُهَا) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ فِي الدُّبُرِ يَنْقُضُ وُضُوءُهُ وَيَفْسُدُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ إصْبَعَهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْبَلَّةِ السَّائِلَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَذَكَرِ الرَّجُلِ لَا يَنْقُضُ) أَيْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ احْتِيَاطًا) لِاحْتِمَالِ خُرُوجِهَا مِنْ الدُّبُرِ انْتَهَى هِدَايَةٌ. وَأَثَرُ هَذَا الِاحْتِمَالِ يَظْهَرُ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْمُفْضَاةَ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ، وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ تَحْبَلْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْوَطْءَ كَانَ فِي دُبُرِهَا لَا فِي قُبُلِهَا انْتَهَى كَاكِيٌّ. وَفِي حُرْمَةِ جِمَاعِهَا عَلَى الزَّوْجِ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ إتْيَانُهَا فِي قُبُلِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ انْتَهَى كَمَالٌ. وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ إلَى آخِرِهِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي التَّعْلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّبُرِ إشَارَةً إلَى الْأَوَّلِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ يَجِبُ) وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ انْتَهَى كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ) وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي حُكْمِ الْفَرْجِ الْمُعْتَادِ حَتَّى انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ، وَلَا يُشْتَرَطُ السَّيَلَانُ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ انْتَهَى يَحْيَى. (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى إيجَابِ الْوُضُوءِ) يَعْنِي سَالَ أَوْ لَمْ يَسِلْ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ فَرْجٌ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا) أَيْ غَيْرُ السَّبِيلَيْنِ (قَوْلُهُ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْبَدَنِ (قَوْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهِ) أَيْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ) أَيْ وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَصُدُورِ التَّابِعِينَ) كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالثَّوْرِيِّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ إنَّمَا كَانَ حَدَثًا لِكَوْنِهِ خَارِجًا نَجِسًا، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي الْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً فَيَكُونُ حَدَثًا يَحْيَى (قَوْلُهُ خِلَافَ الْحَسَنِ فِي الْمَاءِ) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَفِيهِ تَوْسِعَةٌ لِمَنْ بِهِ جَرَبٌ أَوْ جُدَرِيٌّ أَوْ مَجَلَتْ يَدُهُ مُجْتَبَى (قَوْلُهُ قَالُوا يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ النَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ فِي فَصْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَقَوْلُ هَذَا التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ فَإِنَّ الشَّكَّ وَالِاحْتِمَالَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالنَّقْضِ إذْ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نَعَمْ إذَا عَلِمَ مِنْ طَرِيقِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِإِخْبَارِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ عَلَامَةٍ تُغَلِّبُ ظَنَّ الْمُبْتَلَى يَجِبُ انْتَهَى

لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَدِيدًا أَوْ قَيْحًا، وَلَوْ كَانَ الدَّمُ فِي الْجُرْحِ فَأَخَذَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ أَكَلَهُ الذُّبَابُ فَازْدَادَ فِي مَكَانِهِ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَزِيدُ وَيَسِيلُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ بَطَلَ وُضُوءُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ خَرَجَ بِالْعَصْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخْرَجٌ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَنْقُضُ وَهُوَ حَدَثٌ عَمْدٌ عِنْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَيْءٌ مَلَأَ فَاهُ وَلَوْ مِرَّةً أَوْ عَلَقًا أَوْ طَعَامًا أَوْ مَاءً)، وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الْقَيْءَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ خُرُوجُ نَجِسٍ لِمَا أَنَّهُ يُخَالِفُ فِي حَدِّ الْخُرُوجِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَهُوَ حَدَثٌ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَوْ قَلَسَ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ» الْحَدِيثَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ عَدَّ الْأَحْدَاثَ قَالَ أَوْ دَسْعَةٌ تَمْلَأُ الْفَمَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ؛ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ خِلَافًا لِلْحَسَنِ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرَا، وَلَوْ قَاءَ دَمًا إنْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ نَقَضَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا وَإِنْ صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِلْءُ الْفَمِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَ عَلَقًا يُعْتَبَرُ مِلْءُ الْفَمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ وَإِنَّمَا هُوَ سَوْدَاءُ احْتَرَقَتْ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا نَقَضَ وَإِنْ قَلَّ لِأَنَّهُ مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَى مَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ مِلْءَ الْفَمِ؛ لِأَنَّ لِلْفَمِ حُكْمَ الْخَارِجِ حَتَّى لَا يُفْطِرُ الصَّائِمُ بِالْمَضْمَضَةِ، وَلَهُ حُكْمُ الدَّاخِلِ حَتَّى لَا يُفْطِرُ بِابْتِلَاعِ شَيْءٍ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ مِثْلُ الرِّيقِ فَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ مَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ مِلْءِ الْفَمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلَّا بِكُلْفَةٍ، وَقِيلَ مَا لَا يُمْكِنُ الْكَلَامُ مَعَهُ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى نِصْفِ الْفَمِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بَلْغَمًا) أَيْ الْبَلْغَمُ الصِّرْفُ لَا يَنْقُضُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْقُضُ الصَّاعِدَ مِنْ الْجَوْفِ دُونَ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ فَصَارَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِهِ، وَلِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ فِي الْمَعِدَةِ بِخِلَافِ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ لَيْسَ بِمَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَالْمَعِدَةُ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَزِجٌ لَا يَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ فَصَارَ كَمَا قَاءَ بُصَاقًا، وَلَوْ كَانَ الْبَلْغَمُ مَخْلُوطًا بِالطَّعَامِ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ هُوَ الْغَالِبُ نَقَضَ إجْمَاعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أَوْ دَمًا غَلَبَ عَلَيْهِ الْبُصَاقُ)؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ كُلُّهُ بُصَاقٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَفْسِيرَ الْغَلَبَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ هَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ نَفْسِ الْفَمِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَفَاصِيلَهُ وَاخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسَّبَبُ يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَهُ) أَيْ السَّبَبُ يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَ الْقَيْءِ، وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَكُونَ الْقَيْءُ الثَّانِي قَبْلَ سُكُونِ النَّفْسِ مِنْ الْغَثَيَانِ؛ لِأَنَّ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ أَثَرًا فِي جَمِيعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ لَوْ مَرِضَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ يَرُدُّهُ، وَيَجْعَلُ الثَّانِيَ عَيْنَ الْأَوَّلِ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ يَجْمَعُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ أَيْضًا كَالْعُقُودِ أَيْ حَتَّى يَرْتَبِطُ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ وَكَالْإِقْرَارِ وَالتِّلَاوَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ يَجْمَعُ كَيْفَمَا كَانَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَوْمُ مُضْطَجِعٍ وَمُتَوَرِّكٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخْرَجٌ) قَالَ الْكَمَالُ لَا تَأْثِيرَ يَظْهَرُ لِلْإِخْرَاجِ وَعَدَمِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَلْ النَّقْضُ لِكَوْنِهِ خَارِجًا نَجِسًا، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مَعَ الْإِخْرَاجِ كَمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ عَدَمِهِ فَصَارَ كَالْفَصْدِ وَقِشْرِ النَّفْطَةِ، فَلِذَا اخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ فِي جَامِعِهِ النَّقْضَ وَفِي الْكَافِي وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُخْرَجَ نَاقِضٌ، وَكَيْفَ وَجَمِيعُ الْأَدِلَّةِ الْمُورَدَةِ مِنْ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ تُفِيدُ تَعَلُّقَ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجِسِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُخْرَجِ انْتَهَى. وَفِي النَّوَازِلِ وَفَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ عُصِرَتْ الْقُرْحَةُ فَخَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ وَلَوْ لَمْ يَعْصِرْ لَا يَخْرُجُ لَا يَنْقُضُ، وَلَكِنْ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَفِي الْجَامِعِ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ إذَا عَصَرَهَا فَخَرَجَ الدَّمُ بِعَصْرِهَا انْتَقَضَ وَهُوَ حَدَثٌ عَمْدٌ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَلَا يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَفِي الْكَافِي الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُخْرَجَ نَاقِضٌ وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مِثْلُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، وَقِيلَ فِي الْفَرْقِ إنَّ فِيهِمَا بَعْدَ قَطْعِ الْجِلْدَةِ يَخْرُجُ الدَّمُ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْمُخْرَجُ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَيْءٌ مَلَأَ فَاهُ) أَيْ فَمَ الْمُتَوَضِّئِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ مِرَّةً) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ صَفْرَاءَ انْتَهَى عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ عَلَقًا) أَيْ دَمًا جَامِدًا انْتَهَى عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ» إلَى آخِرِهِ) قِيلَ الْمُدَّعَى وَهُوَ كَوْنُ الْقَيْءِ مِلْءَ الْفَمِ حَدَثًا أَخَصُّ مِنْ الدَّلِيلِ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ، أَقُولُ الْمُدَّعَى هَاهُنَا كَوْنُ الْقَيْءِ حَدَثًا، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ مِلْءِ الْفَمِ فَبِدَلِيلٍ آخَرَ سَيَأْتِي انْتَهَى يَحْيَى. (قَوْلُهُ أَوْ قَلَسَ) الْمَضْبُوطُ أَوْ رَعَفَ يَحْيَى. (قَوْلُهُ تَمْلَأُ الْفَمَ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَهُ سَمَاعًا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى كَاكِيٌّ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يُعَادُ الْوُضُوءُ مِنْ سَبْعٍ مِنْ نَوْمٍ غَالِبٍ وَقَيْءٍ ذَارِعٍ وَتَقَاطُرِ بَوْلٍ وَدَمٍ سَائِلٍ وَدَسْعَةٍ تَمْلَأُ الْفَمَ وَالْحَدَثِ وَالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ» انْتَهَى كَاكِيٌّ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ أَوْ دَسْعَةٍ تَمْلَأُ الْفَمَ يُعْرَفُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُعَادُ الْوُضُوءُ مِنْ سَبْعٍ مِنْ إقْطَارِ الْبَوْلِ وَالدَّمِ السَّائِلِ وَالْقَيْءِ وَمِنْ دَسْعَةٍ تَمْلَأُ الْفَمَ وَنَوْمِ الْمُضْطَجِعِ وَقَهْقَهَةِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ وَخُرُوجِ الدَّمِ»، وَفِيهِ سَهْلُ بْنُ عَفَّانَ وَالْجَارُودُ بْنُ يَزِيدَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ لِلْفَمِ حُكْمَ الْخَارِجِ) قِيلَ هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُقْبَلُ أَقُولُ هَذَا تَعْلِيلُ النَّصِّ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ لَا تَعْلِيلَ يُقَابِلُهُ انْتَهَى يَحْيَى. (قَوْلُهُ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَالْأَصَحُّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إضَافَةُ الْأَحْكَامِ إلَى الْأَسْبَابِ، وَإِنَّمَا تَدُلُّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ السَّبَبُ لَانْتَفَى التَّدَاخُلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ تِلَاوَةٍ سَبَبٌ وَفِي الْأَقَارِيرِ اُعْتُبِرَ الْمَجْلِسُ لِلْعُرْفِ وَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِدَفْعِ الضَّرُورَةِ. (قَوْلُهُ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ أَيْضًا) يَعْنِي كَالسَّبَبِ (قَوْلُهُ وَكَالْإِقْرَارِ) أَيْ الْإِقْرَارِ إذَا تَكَرَّرَ فَهُوَ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنَوْمُ مُضْطَجِعٍ وَمُتَوَرِّكٍ) حُكِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالْإِمَامِيَّةِ أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ بِحَدَثٍ انْتَهَى كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: وَكَانَ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّ مَنْ اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» أَيْ اسْتَرْخَتْ غَايَةَ الِاسْتِرْخَاءِ، وَإِلَّا فَأَصْلُ الِاسْتِرْخَاءِ مَوْجُودٌ حَالَةَ الْقِيَامِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُفِيدُ التَّخْصِيصُ بِحَالَةِ الِاضْطِجَاعِ ثُمَّ النَّائِمُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُضْطَجِعًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَوْ مُتَوَرِّكًا وَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِ لِزَوَالِ الْمَقْعَدَةِ عَنْ الْأَرْضِ أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ لَوْ أُزِيلَ عَنْهُ لَسَقَطَ، فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مَقْعَدَتُهُ زَائِلَةً عَنْ الْأَرْضِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ زَائِلَةً نَقَضَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ زَائِلَةٍ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يَنْقُضُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ يَكُونُ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا»، وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ إنْ كَانَ عَلَى هَيْئَةِ السُّجُودِ بِأَنْ كَانَ رَافِعًا بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ مُجَافِيًا عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَإِلَّا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرِيضِ إذَا كَانَ يُصَلِّي مُضْطَجِعًا فَنَامَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ وُضُوءَهُ يَنْتَقِضُ لِمَا رَوَيْنَا، وَالنُّعَاسُ نَوْعَانِ ثَقِيلٌ وَهُوَ حَدَثٌ فِي حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ وَخَفِيفٌ وَهُوَ لَيْسَ بِحَدَثٍ فِيهَا، وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنْ كَانَ يَسْمَعُ مَا قِيلَ عِنْدَهُ فَهُوَ خَفِيفٌ وَإِلَّا فَهُوَ ثَقِيلٌ وَلَوْ نَامَ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَسَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ أَوْ جَنْبِهِ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ سُقُوطِهِ أَوْ حَالَةَ سُقُوطِهِ أَوْ سَقَطَ نَائِمًا وَانْتَبَهَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَنْتَقِضُ، وَإِنْ اسْتَقَرَّ بَعْدَ السُّقُوطِ نَائِمًا ثُمَّ انْتَبَهَ نَقَضَ لِوُجُودِ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَنْقُضُ بِالسُّقُوطِ لِزَوَالِ الِاسْتِمْسَاكِ حَيْثُ سَقَطَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ أَنْ تُزَايِلَ مَقْعَدَتُهُ الْأَرْضَ لَمْ يَنْتَقِضْ، وَإِنْ زَايَلَهَا وَهُوَ نَائِمٌ انْتَقَضَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ ثُمَّ النَّوْمُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ، وَإِنَّمَا الْحَدَثُ مَا لَا يَخْلُو النَّائِمُ عَنْهُ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مَقَامَهُ كَمَا فِي السَّفَرِ وَنَحْوِهِ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِغْمَاءٌ وَجُنُونٌ وَسُكْرٌ) فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَكُونُ حَدَثًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا أَيْ حَالَةَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّهَا فَوْقَ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا؛ لِأَنَّ النَّائِمَ إذَا نُبِّهَ انْتَبَهَ بِخِلَافِ مَنْ قَامَ بِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ، وَلِأَنَّ لِلْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ أَثَرًا فِي سُقُوطِ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ النَّوْمِ، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَكُونَ النَّوْمُ حَدَثًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا فَتُرِكَ بِالنَّصِّ وَلَا نَصَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَبَقِيَتْ عَلَى الْأَصْلِ، ثُمَّ الْإِغْمَاءُ مَا يَصِيرُ الْعَقْلُ بِهِ مَغْلُوبًا وَالْجُنُونُ مَا يَصِيرُ بِهِ مَسْلُوبًا، وَالْمُرَادُ بِالسُّكْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ إذَا نَامَ أَجْلَسَ عِنْدَهُ مَنْ يَحْفَظُهُ فَإِذَا انْتَبَهَ سَأَلَهُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْهُ أَعَادَ الْوُضُوءَ انْتَهَى. وَفِي أَمَالِي قَاضِي خَانْ نَامَ جَالِسًا وَهُوَ يَتَمَايَلُ فَتَزُولُ مَقْعَدَتُهُ عَنْ الْأَرْضِ، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ انْتَهَى كَاكِيٌّ وَمُجْتَبَى قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ نَامَ مُحْتَبِيًا وَرَأْسُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَنْتَقِضُ انْتَهَى وَفِي الْقُنْيَةِ وَنَوْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِحَدَثٍ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ نَظَمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الطَّرَسُوسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَوْمُ النَّبِيِّ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ... لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ حَتْمًا فَاعْلَمْ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ «تَنَامُ عَيْنَايَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ نَامَ حَتَّى سُمِعَ لَهُ غَطِيطٌ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» انْتَهَى. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ» إلَى آخِرِهِ) قَالَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ إنَّمَا لِحَصْرِ الشَّيْءِ فِي الْحُكْمِ أَوْ لِحَصْرِ الْحُكْمِ فِي الشَّيْءِ؛ لِأَنَّ إنَّ لِلْإِثْبَاتِ وَمَا لِلنَّفْيِ فَيَقْتَضِي إثْبَاتَ الْمَذْكُورِ وَنَفْيَ مَا عَدَاهُ وَلَا يُقَالُ الْحُكْمُ لَمْ يَنْحَصِرْ هَاهُنَا لِانْتِقَاضِهِ بِغَيْرِ النَّوْمِ قُلْنَا حَصْرُ الْوُضُوءِ الْمُتَعَلِّقِ بِالنَّوْمِ فِي النَّوْمِ بِصِفَةِ الِاضْطِجَاعِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبُوا الْوُضُوءَ عَلَى الْمُسْتَنِدِ وَالْمُتَّكِئِ لِاسْتِوَائِهِمَا الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى الْمَنْصُوصِ، وَهُوَ اسْتِرْخَاءُ الْمَفَاصِلِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِمَا بِدَلَالَةِ النَّصِّ هَكَذَا قَالَ أُسْتَاذُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انْتَهَى مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ حَالَةَ الْقِيَامِ وَنَحْوِهِ) أَيْ مِنْ الْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. (قَوْلُهُ وَانْتَبَهَ مِنْ سَاعَتِهِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ عَلَى الْأَرْضِ بِوَضْعِ الْجَنْبِ عَلَيْهَا انْتَهَى يَحْيَى (قَوْلُهُ حَيْثُ سَقَطَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَى الْأَرْضِ. (فَائِدَةٌ) سُئِلْت عَنْ شَخْصٍ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ هَلْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ (فَأَجَبْت) بِعَدَمِ النَّقْضِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ النَّوْمَ نَفْسَهُ لَيْسَ بِنَاقِضٍ، وَإِنَّمَا النَّاقِضُ مَا يَخْرُجُ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ النَّوْمَ نَفْسَهُ نَاقِضٌ لَزِمَهُ نَقْضُ وُضُوءِ مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ الرِّيحِ بِالنَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ النَّوْمُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ) ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي كَوْنِ نَوْمِ الْمُضْطَجِعِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَيْنَهُ حَدَثٌ بِالسُّنَّةِ الْمَرْوِيَّةِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ طَاهِرًا ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَلَا يُزَالُ الْيَقِينُ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ وَخُرُوجُ شَيْءٍ مِنْهُ لَيْسَ بِيَقِينٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ عَيْنَهُ حَدَثٌ وَالثَّانِي أَنَّ الْحَدَثَ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ النَّائِمُ عَادَةً فَإِنَّ نَوْمَ الْمُضْطَجِعِ مُسْتَحْكِمٌ فَتَسْتَرْخِي مَفَاصِلُهُ فَيَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهُ عَادَةً، وَمَا ثَبَتَ مِنْهُ عَادَةً كَالْمُتَيَقِّنِ بِهِ فَيَثْبُتُ الْحَدَثُ تَقْدِيرًا لِقِيَامِ النَّوْمِ مَقَامَ الْخُرُوجِ انْتَهَى كَاكِيٌّ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَجُنُونٌ) وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَنْقُضْ لِغَلَبَةِ الِاسْتِرْخَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ أَقْوَى مِنْ الصَّحِيحِ بَلْ لِعَدَمِ تَمْيِيزِ الْحَدَثِ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالْجُنُونُ مَا بِهِ يَصِيرُ مَسْلُوبًا) فَعَنْ هَذَا صَحَّ الْإِغْمَاءُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُونَ الْجُنُونِ انْتَهَى ع (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالسُّكْرِ مَا لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ) قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ سَرِيِّ الدِّينِ أَمْتَعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى قَيْدِ الشَّرَائِدِ مَا نَصُّهُ وَحَدُّ السُّكْرِ النَّاقِضِ فِيهِ خِلَافٌ فَقِيلَ هُوَ حَدُّهُ فِي الْحَدِّ، وَهُوَ أَنْ لَا يَعْرِفَ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالصَّحِيحُ مَا قِيلَ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحُلْوَانِيُّ أَنَّهُ دَخَلَ فِي مِشْيَتِهِ تَحَرُّكٌ فَهَذَا سُكْرٌ يَنْتَقِضُ بِهِ الْوُضُوءُ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي حُكْمِ الْحِنْثِ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَكْرَانَ وَكَانَ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ يَحْنَثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَالٍ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ كَذَا فِي

إذَا دَخَلَ فِي مَشْيِهِ اخْتِلَالٌ نَقَضَ، وَلِذَا يَحْنَثُ بِهِ فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يَسْكَرَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَقَهْقَهَةُ مُصَلٍّ بَالِغٍ) اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ مُصَلٍّ مِمَّا لَيْسَ بِمُصَلٍّ، وَيَنْصَرِفُ قَوْلُهُ مُصَلٍّ إلَى الصَّلَاةِ الْكَامِلَةِ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَعْهُودَةُ، وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ أَوْ عَلَى الدَّابَّةِ حَيْثُ يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَوْ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ لِحَدَثٍ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مُطْلَقَةً بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ بَالِغٍ مِمَّنْ لَيْسَ بِبَالِغٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِجِنَايَةٍ فِي حَقِّهِ وَقِيلَ يَنْقُضُ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُقَهْقِهَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَالْكُلُّ نَاقِضٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَدَثًا لَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ أَعْمَى تَرَدَّى فِي بِئْرٍ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ فَضَحِكَ بَعْضُ مَنْ كَانَ يُصَلِّي مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ ضَحِكَ مِنْهُمْ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَيُعِيدَ الصَّلَاةَ»، وَالْقِيَاسُ بِمُقَابَلَةِ الْمَنْقُولِ مَرْدُودٌ، وَلِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَحْدَاثِ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالصَّلَاةِ إظْهَارُ الْخُشُوعِ، وَالضِّحْكُ يُنَافِيهِ فَنَاسَبَ الْمُجَازَاةَ بِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ زَجْرًا لَهُ كَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ يَبْطُلَانِ بِالْقَتْلِ، وَلِأَنَّ مَنْ بَلَغَ هَذِهِ الْغَايَةَ مِنْ الضِّحْكِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ رُبَّمَا غَابَ حِسُّهُ فَأَشْبَهَ نَوْمَ الْمُضْطَجِعِ وَالْجُنُونَ. فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ فِي مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِئْرٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الصَّحَابَةِ ضَحِكٌ خُصُوصًا خَلْفَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا يَثْبُتُ، قُلْنَا: لَيْسَ الْمُرَادُ بِمَنْ ضَحِكَ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَلَا الْعَشَرَةَ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ وَلَا الْكِبَارَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بَلْ لَعَلَّ الضَّاحِكَ كَانَ مِنْ بَعْضِ الْأَحْدَاثِ أَوْ الْمُنَافِقِينَ أَوْ بَعْضِ الْأَعْرَابِ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَيْهِمْ كَمَا بَالَ أَعْرَابِيٌّ فِي مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] فَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ كِبَارُ الصَّحَابَةِ بِاللَّهْوِ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِالْبِئْرِ بِئْرٌ حُفِرَتْ لِأَجْلِ الْمَطَرِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهَا تُسَمَّى بِئْرًا وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِالْقَهْقَهَةِ وَلَا يَبْطُلُ الْغُسْلُ وَقِيلَ تَبْطُلُ طَهَارَةُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ، فَيُعِيدُ الْوُضُوءَ دُونَ الْغُسْلِ وَلَوْ قَهْقَهَ نَائِمًا فِي الصَّلَاةِ قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَوُضُوءُهُ، أَمَّا الصَّلَاةُ فَلِأَجْلِ أَنَّهُ كَلَامٌ وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَلِلنَّصِّ إذْ هُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَقِيلَ يَبْطُلُ الْوُضُوءُ دُونَ الصَّلَاةِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْدَاثِ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ، وَقِيلَ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ دُونَ الْوُضُوءِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقَبِيحٍ فِي حَقِّهِ فَلَا تَكُونُ جِنَايَةً، وَبُطْلَانُ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ أَنَّهَا كَلَامٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَلَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ يُبْطِلُ حُكْمَ الْكَلَامِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَلَيْسَتْ الْقَهْقَهَةُ بِقَبِيحَةٍ فِي حَقِّهِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ، ثُمَّ الْقَهْقَهَةُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ بَدَتْ أَسْنَانُهُ أَوْ لَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا، وَالضَّحِكُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ دُونَ جِيرَانِهِ، وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ دُونَ الْوُضُوءِ، وَالتَّبَسُّمُ مَا لَا صَوْتَ فِيهِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُبَاشَرَةٌ فَاحِشَةٌ) وَهِيَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالذَّخِيرَةِ وَفِي عُرُوضِ هَذَا فِي الصَّلَاةِ نَظَرٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ شَرِبَ الْمُسْكِرَ فَقَامَ إلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، ثُمَّ صَارَ فِي أَثْنَائِهَا إلَى حَالَةٍ لَوْ مَشَى فِيهَا لَتَحَرَّكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. (قَوْلُهُ إذَا دَخَلَ فِي مَشْيِهِ اخْتِلَالٌ نَقَضَ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ) خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهَا لَا تُفْسِدُ الْوُضُوءَ وَقُلْنَا الْقَهْقَهَةُ حَدَثٌ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَفْصِيلَ فِي الْأَخْبَارِ وَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ بَاقِيَةٌ انْتَهَى كَافِي. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) أَيْ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بَلْ يَبْطُلُ مَا قَهْقَهَ فِيهِ شَرْحُ الْوِقَايَةِ انْتَهَى هَذَا إذَا قَهْقَهَ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، أَمَّا لَوْ قَهْقَهَ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ الضَّحِكُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لَيْسَ كَالضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ حَالَةُ الْمُنَاجَاةِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فَتَعْظُمُ الْجِنَايَةُ مِنْهُ بِالضَّحِكِ فِي حَالَةِ الْمُنَاجَاةِ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ فَلَا تَكُونُ مُنَاجَاةً، وَكَذَلِكَ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالْمَخْصُوصُ عَنْ الْقِيَاسِ لَا يَلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ مُنَاجَاةً انْتَهَى مُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ بِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ) وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ جَعَلَهَا حَدَثًا فَلَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ مَعَهَا، وَبَعْضُهُمْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ عُقُوبَةً فَيَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ مَعَهَا انْتَهَى كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَيُبْطِلُ التَّيَمُّمَ الْقَهْقَهَةُ) أَيْ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوُضُوءِ قَالَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا يُبْطِلُ الْغُسْلَ وَهَلْ يُبْطِلُ الْوُضُوءَ فِي حَقِّ الْمُغْتَسِلِ حَتَّى لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ بِلَا تَجْدِيدِ وُضُوئِهِ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ لَا يُبْطِلُهُ فَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي ضِمْنِ الْغُسْلِ فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ الْمُتَضَمِّنُ لَا يَبْطُلُ الْمُتَضَمَّنُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُبْطِلُهُ وَيُعِيدُهُ؛ لِأَنَّ إعَادَةَ الْوُضُوءِ وَاجِبَةٌ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ عِنْدَ الْقَهْقَهَةِ لَا أَنَّهَا حَدَثٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ بِخَارِجٍ نَجِسٍ بَلْ هِيَ كَالْبُكَاءِ وَالْكَلَامِ انْتَهَى كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّوْمَ يُبْطِلُ حُكْمَ الْكَلَامِ) الْمُخْتَارُ أَنَّ كَلَامَ النَّائِمِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى يَحْيَى (قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ الْقَهْقَهَةُ إلَى آخِرِهِ) وَعَلَّلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ حَدَثًا بِشَرْطِ كَوْنِهَا جِنَايَةً وَلَا جِنَايَةَ مِنْ النَّائِمِ بِخِلَافِ السَّهْوِ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ فَيُؤَاخَذُ بِهِ، وَلَا يَغْلِبُ وُجُودُ الْقَهْقَهَةِ سَاهِيًا؛ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ تُذَكِّرُهُ فَلَا يُعْذَرُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ زَادِ الْفَقِيرِ وَيَنْقُضُهُ الْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ إلَّا إذَا كَانَ نَائِمًا فِي صَلَاتِهِ وَقَهْقَهَ فِي نَوْمِهِ لَا يَنْتَقِضُ، وَلَكِنْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي الْمُخْتَارِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أُحْجِيَّةٌ وَضَحِكُ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ سَوَاءٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الضِّحْكَ يَنْقُضُ الصَّلَاةَ وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُبَاشَرَةُ فَاحِشَةٍ) تُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ انْتَهَى قُنْيَةٌ. (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مُحْدِثٌ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَفَنِيَ الْمَاءُ فَتَيَمَّمَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَقَهْقَهَ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَغْسِلُ بَاقِيَ الْأَعْضَاءِ وَيُصَلِّي وَعِنْدَهُمَا يَغْسِلُ جَمِيعَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَهْقَهَةَ هَلْ تُبْطِلُ مَا غَسَلَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ

مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، وَيَنْتَشِرَ ذَكَرُهُ لَهَا وَيَضَعَ فَرْجُهُ عَلَى فَرْجِهَا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ مُمَاسَّةَ الْفَرْجِ لِلْفَرْجِ، وَالْأَوَّلُ الظَّاهِرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ إلَّا بِخُرُوجِ مَذْيٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِخِلَافِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ لَا تَخْلُو عَنْ خُرُوجِ مَذْيٍ غَالِبًا وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ وَلَا عِبْرَةَ بِالنَّادِرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا خُرُوجُ دُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ) أَيْ الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الْجُرْحِ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِخِلَافِ الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّبُرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخَارِجَةَ مِنْ الدُّبُرِ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الطَّعَامِ، وَهُوَ لَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ نَقَضَ الْوُضُوءَ فَكَذَا مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، وَالْخَارِجَةُ مِنْ الْجُرْحِ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ اللَّحْمِ وَهُوَ لَوْ سَقَطَ لَا يَنْقُضُ فَكَذَا مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ وَالثَّانِي أَنَّهَا تَسْتَصْحِبُ قَلِيلًا مِنْ الرُّطُوبَةِ وَهُوَ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَسُّ ذَكَرٍ) أَيْ مَسُّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى غَيْرِ النَّاقِضِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَصُدُورِ التَّابِعِينَ مِثْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالثَّوْرِيِّ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَفْتَى بِالْوُضُوءِ مِنْهُ غَيْرَ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ خَالَفَهُ أَكْثَرُهُمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِحَدِيثِ بُسْرَةَ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِاسْتِطْلَاقِ وِكَاءِ الْمَذْيِ فَصَارَ كَالْمَذْيِ، وَكَمَا فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِاسْتِطْلَاقِ الْمَنِيِّ جُعِلَ كَالْمَنِيِّ، وَلَنَا حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَهُ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي رَجُلٍ مَسَّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ هَلْ هُوَ إلَّا مُضْغَةٌ مِنْك أَوْ بَضْعَةٌ مِنْك»، قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَكَابِرِ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْك» وَحَدِيثُ بُسْرَةَ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ حَتَّى قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ لَمْ تَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثُ مَسِّ الذَّكَرِ «وَلَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» «وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ»، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو الْفَرَجِ وَمِثْلُهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ سَبَبٌ لِاسْتِطْلَاقِ وِكَاءِ الْمَذْيِ قُلْنَا الْإِقَامَةُ لَهَا قَاعِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَعَذَّرَ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَقِيقَةِ الشَّيْءِ فَيُقَامُ السَّبَبُ مَقَامَهُ كَمَا فِي نَوْمِ الْمُضْطَجِعِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ أُقِيمَا مَقَامَ الْخَارِجِ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ وُجُودَهُ عِنْدَ سَبَبِهِ مَعَ إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ فَيُجْعَلُ النَّادِرُ كَالْمَعْدُومِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُبَاشَرَةِ الْفَاحِشَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا هُنَا وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا إذَا مَسَّ ذَكَرَ غَيْرِهِ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَاسِّ دُونَ الْمَمْسُوسِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْحَدِيثِ وَلَا وُجِدَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي الْمَاسِّ بَلْ كَانَ الْمَمْسُوسُ أَوْلَى بِالنَّقْضِ عَلَى اعْتِبَارِ الشَّهْوَةِ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ مَسُّ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ أَوْ مَوْضِعُ الْجَبِّ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ يَنْقُضُ بِلَا دَلِيلٍ نَقْلِيٍّ وَلَا عَقْلِيٍّ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَسُّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَامْرَأَةٍ) أَيْ وَمَسُّ امْرَأَةٍ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى غَيْرِ النَّاقِضِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] وَلِأَنَّ مَسَّهَا سَبَبُ خُرُوجِ الْمَذْيِ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَلَنَا حَدِيثُ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ كُنْت أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْت رِجْلِي، وَإِذَا قَامَ بَسَطْتهمَا» وَعَنْهَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَتَوَضَّأُ» وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْجِمَاعُ؛ لِأَنَّ اللَّمْسَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ، وَفَسَّرَ الْآيَةَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْجِمَاعِ وَهُوَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ حَتَّى قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ اللَّمْسُ إذَا قُرِنَ بِالْمَرْأَةِ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ، تَقُولُ الْعَرَبُ لَمَسْت الْمَرْأَةَ أَيْ جَامَعْتهَا فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى الْجِمَاعِ أَوْلَى، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ اللَّمْسِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَعِنْدَهُمْ لَا يُشْتَرَطُ اللَّمْسُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَكَانَتْ الْآيَةُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْمَسَّ وَأَرَادَ بِهِ الْجِمَاعَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [آل عمران: 47]، وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ وَاللَّمْسَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي اللُّغَةِ حَتَّى قَالَ الْجَوْهَرِيُّ اللَّمْسُ وَالْمَسُّ بِالْيَدِ وَيُكْنَى بِهِ عَنْ الْجِمَاعِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ الطَّهَارَةَ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى فِي حَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُ لَا وَعِنْدَهُمَا نَعَمْ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَيَنْتَشِرُ ذَكَرُهُ) فِي الْمُلَامَسَةِ الْفَاحِشَةِ لَا يُعْتَبَرُ انْتِشَارُ آلَةِ الرَّجُلِ فِي انْتِقَاضِ طَهَارَةِ الْمَرْأَةِ كَاللَّمْسِ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ انْتَهَى قُنْيَةٌ وَالْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَالْأَمْرَدِ تَنْقُضُ عِنْدَهُمَا انْتَهَى قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا خُرُوجُ دُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ) وَكَذَا إذَا خَرَجَ الْعِرْقُ الْبَدَنِيُّ) لَا يَنْقُضُ انْتَهَى مس

[الغسل]

وُجُودِ الْمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] إلَى أَنْ قَالَ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَهُمَا حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّيَمُّمِ لِيَكُونَ التُّرَابُ طَهُورًا لِلْحَدَثَيْنِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ كَمَا كَانَ الْمَاءُ طَهُورًا لَهُمَا لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى بَيَانِهِمَا فَإِذَا حُمِلَتْ الْآيَةُ عَلَى الْجِمَاعِ كَانَ بَيَانًا مُفِيدًا لِلْحُكْمِ فِيهِمَا مُحَصِّلًا لِلطَّهَارَتَيْنِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِالتَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ فَيَكُونُ بَيَانًا لِلْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْجِمَاعُ كَمَا فِي سَائِرِ الشَّرَائِعِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَوْ يَحْتَمِلُهُ ثُمَّ بَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ. [الْغُسْل] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَرْضُ الْغُسْلِ غَسْلُ فَمِهِ وَأَنْفِهِ وَبَدَنِهِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الْعُدُولِ عَنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إلَى الْغَسْلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ أَيْ مِنْ السُّنَّةِ، وَهِيَ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ» وَلِهَذَا كَانَتَا سُنَّتَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] أَيْ فَطَهِّرُوا أَبْدَانَكُمْ فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ يَجِبُ غَسْلُهُ، وَبَاطِنُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ يُمْكِنُ غَسْلُهُ فَإِنَّهُمَا يُغْسَلَانِ عَادَةً وَعِبَادَةً نَفْلًا فِي الْوُضُوءِ وَفَرْضًا فِي الْجَنَابَةِ بِخِلَافِ بَاطِنِ الْعَيْنَيْنِ وَبَاطِنِ الْجُرْحِ فَإِنَّهُ يُوَرِّثُ الْعَمَى فِي الْعَيْنَيْنِ وَالضَّرَرَ فِي الْجُرْحِ، وَلِهَذَا كُفَّ بَصَرُ مَنْ تَكَلَّفَ غَسْلَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا مِنْ النَّجَاسَةِ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَبِخِلَافِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ فِيهِ يَجِبُ غَسْلُ الْوَجْهِ، وَهُوَ مَا تَقَعُ الْمُوَاجَهَةُ بِهِ وَلَا تَقَعُ الْمُوَاجَهَةُ بِدَاخِلِ الْأَنْفِ وَالْفَمِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَبِلُّوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ» وَرُوِيَ «فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ» فَفِي الْفَمِ بَشَرَةٌ وَفِي الْأَنْفِ شَعْرَةٌ وَبَشَرَةٌ؛ لِأَنَّ الْبَشَرَةَ هِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي تَقِي اللَّحْمَ مِنْ الْأَذَى وَمَا رَوَاهُ الْخَصْمُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مِنْ الْعَشَرَةِ الْخِتَانَ، وَهُوَ فَرْضٌ عِنْدَهُ وَكَذَا ذَكَرَ الِانْتِقَاصَ بِالْمَاءِ وَهُوَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَذَلِكَ فَرْضٌ عِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ مِنْ بَدَلِهِ، وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الْكِتَابِ اسْمَ الْفَرْضِ عَلَى غَسْلِ الْفَمِ وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ لِمَا أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ يَتَنَاوَلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ وَبَدَنِهِ أَيْ وَغَسْلُ جَمِيعِ بَدَنِهِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا دَلْكُهُ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَرْضُ) أَيْ مَفْرُوضُهُ ذَكَرَ الْمَصْدَرَ وَأَرَادَ بِهِ الْمَفْعُولَ انْتَهَى مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الْأَظَافِرِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ قَالَ مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ وَنَسِيت الْعَاشِرَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةُ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ الِاسْتِنْجَاءُ»، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ عَمَّارٍ وَذَكَرَ الْخِتَانَ بَدَلَ إعْفَاءِ اللِّحْيَةِ، وَذَكَرَ الِانْتِضَاحَ بَدَلَ انْتِقَاصِ الْمَاءِ انْتَهَى فَتْحُ الْقَدِيرِ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى الْجُنُبُ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ لِأَنَّهُ اسْمٌ جَرَى مَجْرَى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الْإِجْنَابُ كَذَا ذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ وَفِيهِ التَّطَهُّرُ وَالِاطِّهَارُ وَالِاغْتِسَالُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ) مَفَاصِلِ الْأَصَابِعِ جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمِّ الْبَاءِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ إلَخْ) الْمَاءُ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْبَوْلُ كَانَ الِانْتِقَاصُ مَصْدَرًا مُضَافًا إلَى الْمَفْعُولِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَاءُ الَّذِي يَغْسِلُ بِهِ الذَّكَرَ كَانَ مَصْدَرًا مُضَافًا إلَى الْفَاعِلِ، وَالْمَفْعُولُ مُقَدَّرٌ وَهُوَ الْبَوْلُ انْتَهَى يَحْيَى. (قَوْلُهُ فَطَهِّرُوا أَبْدَانَكُمْ) وَالْبَدَنُ اسْمٌ لِلظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إلَّا أَنَّ الْبَاطِنَ سَقَطَ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ كَيْ لَا يَلْزَمَ تَكْلِيفُ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ انْتَهَى مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَالْأَنْفُ يُمْكِنُ غَسْلُهُ) فَشَمَلَهُمَا نَصُّ الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ كَمَا شَمَلَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَبِلُّوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ إذْ كَوْنُهُ مِنْ الْفِطْرَةِ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّهَا الدِّينُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ فَلَا يُعَارِضُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَالْمُرَادُ أَعْلَى الْوَاجِبَاتِ عَلَى مَا هُوَ أَعْلَى الْأَقْوَالِ انْتَهَى فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَبَاطِنُ الْجُرْحِ) وَمَا يَعْسُرُ كَثَقْبِ الْقُرْطِ وَجِلْدَةِ الْأَقْلَفِ الَّتِي لَا تَنْحَسِرُ عَنْهَا الْحَشَفَةُ لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ انْتَهَى كُنُوزٌ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُوَرِّثُ الْعَمَى) أَيْ لِأَنَّهُ شَحْمٌ لَا يَقْبَلُ الْمَاءَ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا مِنْ النَّجَاسَةِ إلَى آخِرِهِ) كَمَا إذَا اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ نَجِسٍ انْتَهَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَدَنِهِ) أَيْ جَمِيعِ ظَاهِرِ الْبَدَنِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ الْعَجِينُ فِي الظُّفْرِ فَاغْتَسَلَ لَا يُجْزِي وَفِي الدَّرَنِ يُجْزِي إذْ هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ هُنَاكَ وَكَذَا الطِّينُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَنْفُذُ مِنْ هُنَاكَ وَكَذَا الصِّبْغُ وَالْحِنَّاءُ انْتَهَى شَرْحُ وِقَايَةٍ فَيَجِبُ تَحْرِيكُ الْقُرْطِ وَالْخَاتَمِ الضَّيِّقَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قُرْطٌ فَدَخَلَ الْمَاءُ الثَّقْبَ عِنْدَ مُرُورِهِ أَجْزَأَ كَالسُّرَّةِ، وَإِلَّا أَدْخَلَهُ وَيُدْخِلُهُ الْقُلْفَةَ اسْتِحْبَابًا وَفِي النَّوَازِلِ لَا يُجْزِيهِ تَرْكُهُ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِلْحَرَجِ لَا لِكَوْنِهِ خِلْقَةً انْتَهَى كَمَالٌ كَمَا قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْخِضَابُ إذَا تَجَسَّدَ وَيَبِسَ يَمْنَعُ تَمَامَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَقِشْرَةُ الْقُرْحَةِ إذَا ارْتَفَعَتْ وَلَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهَا لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْخِضَابِ أَنَّ قِشْرَةَ الْقُرْحَةِ مُتَّصِلَةٌ بِالْجِلْدِ اتِّصَالَ الْخِلْقَةِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَإِنْ اغْتَسَلَ الْأَقْلَفُ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَلَمْ يَغْسِلْ مَا وَرَاءَ الْجِلْدِ مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ يُجْزِيهِ وَيَخْرُجُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَعَلَى مَا فِي النَّوَازِلِ مَشَى صَاحِبُ الْبَدَائِعِ فَقَالَ: وَكَذَا الْأَقْلَفُ يَجِبُ عَلَيْهِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْقُلْفَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِإِمْكَانِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ بِلَا حَرَجٍ انْتَهَى. (قَوْلُهُ لَا دَلْكُهُ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَجِبُ الدَّلْكُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ خُصُوصُ صِيغَةِ اطَّهَّرُوا فَإِنْ تَفْعَلْ لِلْمُبَالَغَةِ، وَذَلِكَ بِالدَّلْكِ وَفِي الْحَقَائِقِ الدَّلْكُ عِنْدَ مَالِكٍ شَرْطٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَعِنْدَنَا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَفِي الثَّوْبِ شَرْطٌ إجْمَاعًا. قَالَ فِي الْمُصَفَّى قَالَ الْمَأْمُورُ بِهِ الْفِعْلُ وَهُوَ الْغُسْلُ وَالِاغْتِسَالُ

[سنن الغسل]

لَا يَجِبُ دَلْكُ بَدَنِهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ التَّطْهِيرُ وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى الدَّلْكِ فَمَنْ شَرَطَهُ فَقَدْ زَادَ فِي النَّصِّ وَهُوَ نَسْخٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِدْخَالُ الْمَاءِ دَاخِلَ الْجِلْدَةِ لِلْأَقْلَفِ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُدْخِلَ الْمَاءَ دَاخِلَ الْجِلْدَةِ لِلْأَقْلَفِ لِأَنَّهُ خِلْقَةٌ كَقَصَبَةِ الذَّكَرِ وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ إذَا وَصَلَ الْبَوْلُ إلَى الْقُلْفَةِ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ فَجَعَلُوهُ كَالْخَارِجِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَفِي حَقِّ الْغُسْلِ كَالدَّاخِلِ حَتَّى لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ الْكَرْدَرِيُّ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّتُهُ) أَيْ سُنَّةُ الْغُسْلِ (أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ وَفَرْجَهُ وَنَجَاسَةً لَوْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى بَدَنِهِ ثَلَاثًا) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «وَضَعْت لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسْلًا فَاغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَأَكْفَأَ الْإِنَاءَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَأَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى فَرْجِهِ ثُمَّ دَلَّكَ بِيَدِهِ الْحَائِطَ أَوْ الْأَرْضَ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا وَغَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ» وَلِأَنَّ الْيَدَ آلَةٌ لِلتَّطْهِيرِ فَيُبْدَأُ بِتَنْظِيفِهَا. وَقَوْلُهُ: وَفَرْجَهُ وَنَجَاسَةً لَوْ كَانَتْ أَيْ يَغْسِلُ فَرْجَهُ وَيَغْسِلُ النَّجَاسَةَ لَوْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ لِئَلَّا تَشِيعَ النَّجَاسَةُ، وَكَانَ يُغْنِيهِ أَنْ يَقُولَ وَنَجَاسَةً عَنْ قَوْلِهِ وَفَرْجَهُ لِأَنَّ الْفَرْجَ إنَّمَا يُغْسَلُ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ وَالْمَرْأَةُ تَغْسِلُ فَرْجَهَا الْخَارِجَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَمِ فَيَجِبُ تَطْهِيرُهُ وَهَلْ يَغْسِلُ الْأَقْلَفُ دَاخِلَ الْقُلْفَةِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَضَى فِي لُزُومِ غُسْلِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَقَالَ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَلَمْ يَذْكُرْ تَأْخِيرَ الرِّجْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ إلَّا إذَا كَانَ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ غَسْلُ رَأْسِهِ وَوُجُودُ الْمَسْحِ لَا يَظْهَرُ مَعَ وُجُودِ الْغَسْلِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ غَسْلِ رَأْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُفِيدُ الْمَسْحُ بِخِلَافِ غَسْلِ الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُنْقَضُ ضَفِيرَةٌ إنْ بُلَّ أَصْلُهَا) قَوْلُهُ لَا تَنْقُضُ إنْ كَانَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ فَمَعْنَاهُ ضَفِيرَةُ الْمَرْأَةِ وَحُذِفَتْ الْمَرْأَةُ اخْتِصَارًا، وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ فَمَعْنَاهُ لَا تَنْقُضُ الْمَرْأَةُ ضَفِيرَتَهَا وَفِي تَنْقُضُ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَذْكُورَةً لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ إنْ بُلَّ أَصْلُهَا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ إذْ لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ لَقَالَ إنْ بَلَّتْ، وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ نَقْضُ الضَّفِيرَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُلَبَّدَةً لِحَدِيثِ «أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِك ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَى سَائِرِ جَسَدِك الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ» وَلِأَنَّ فِي النَّقْضِ عَلَيْهَا حَرَجًا وَفِي الْحَلْقِ مُثْلَةً فَسَقَطَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالدَّلْكِ كَمَا فِي غَسْلِ الثَّوْبِ قُلْنَا الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الِاطِّهَارُ فَلَوْ شَرَطْنَا الدَّلْكَ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، وَفِي الثَّوْبِ تَخَلَّلَتْ النَّجَاسَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَصْرِ بَعْدَ الصَّبِّ لِلِاسْتِخْرَاجِ انْتَهَى. وَالدَّلْكُ مِنْ الْمُتِمَّاتِ فَكَانَ مُسْتَحَبًّا انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا مُشْكِلٌ) يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ انْتِقَاضَ الْوُضُوءِ لَمْ يَكُنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جُعِلَ كَالْخَارِجِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْبَوْلَ إذَا وَصَلَ إلَى الْقُلْفَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ فَبِاعْتِبَارِهِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَوْ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ الْجِلْدَةِ لَكِنْ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَلَا حَرَجَ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ انْتَهَى [سُنَن الْغُسْل] . (قَوْلُهُ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْإِفَاضَةِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ ثَلَاثًا ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثَلَاثًا ثُمَّ عَلَى رَأْسِهِ وَعَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثَلَاثًا، وَفِي بَعْضِهَا يَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ ثَلَاثًا بِالرَّأْسِ ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ، وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمَتْنِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ انْتَهَى زَاهِدِيٌّ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ غُسْلًا) الْغُسْلُ بِالضَّمِّ الْمَاءُ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ كَالْأُكْلِ لِمَا يُؤْكَلُ وَهُوَ الضَّمُّ أَيْضًا مِنْ غَسَلْته وَالْغَسْلُ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَبِالْكَسْرِ مَا يَغْسِلُ بِهِ مِنْ خِطْمِيٍّ وَغَيْرِهِ ابْنُ الْأَثِيرِ. قَالَ الشُّمُنِّيُّ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ غِسْلُهُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ مَا يَغْتَسِلُ بِهِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَكَانَ يُغْنِيهِ) قِيلَ لَا اسْتِغْنَاءَ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ عَلَى الْفَرْجِ ثَابِتَةٌ غَالِبًا وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ فَلَا يُلَائِمُ الْفَرْجَ. قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْفَرْجِ انْتَهَى يَحْيَى، وَقَالَ الْعَيْنِيُّ ذَكَرَهُ لِلِاهْتِمَامِ وَاتِّبَاعًا لِمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فَيَجِبُ تَطْهِيرُهُ) وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إدْخَالُ الْإِصْبَعِ فِي قُبُلِهَا وَبِهِ يُفْتِي زَاهِدِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنَجَاسَةً) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى قَوْلُهُ ثُمَّ يُزِيلُ نَجَاسَةً عَلَى التَّنْكِيرِ كَقَوْلِهِ {فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [غافر: 11] لِأَنَّهُ عَسَى يَكُونُ وَعَسَى لَا يَكُونُ وَلِذَلِكَ قَالَ إنْ كَانَتْ وَلَمْ يَقُلْ إذَا كَانَتْ، حَكَى الْإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ عَنْ شَيْخِهِ عَنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ مَعْرِفَةً فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ أَوْ لِلْجِنْسِ لَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ لِمَا أَنَّهُ لَا مَعْهُودَ؛ لِأَنَّ الْعَهْدَ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا ثُمَّ تُعَاوِدَهُ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ كَانَتْ يَأْبَاهُ وَلَا يَجُوزُ الثَّانِي أَيْضًا لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلُّ الْجِنْسِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَقَلُّهُ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ أَيْضًا انْتَهَى. قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي مَاءٍ جَارٍ إنْ مَكَثَ فِيهِ قَدْرَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَقَدْ أَكْمَلَ السُّنَّةَ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَنْقُضُ ضَفِيرَةً إلَى آخِرِهِ) الضَّفْرُ فَتْلُ الشَّعْرِ وَإِدْخَالُ بَعْضِهِ فِي الْبَعْضِ، وَالضَّفِيرَةُ الذُّؤَابَةُ انْتَهَى. يَحْيَى هَذَا فَرْعُ قِيَامِ الضَّفِيرَةِ فَلَوْ كَانَتْ ضَفَائِرُهَا مَنْقُوضَةً فَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ انْتَهَى فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ) أَيْ وَهُوَ تَأْنِيثُ الْفِعْلِ انْتَهَى

[موجبات الغسل]

بِخِلَافِ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ الْحَرَجُ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ عَلَوِيًّا أَوْ تُرْكِيًّا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَقْضُهُ، وَقَوْلُهُ إنْ بُلَّ أَصْلُهَا يَنْفِي وُجُوبَ بَلِّ ذَوَائِبِهَا وَأَثْنَاءِ شَعْرِهَا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَبِلُّوا الشَّعْرَ» وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ قُلْنَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْبَدَنِ، وَلَيْسَ الشَّعْرُ مِنْ الْبَدَنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ نَظَرًا إلَى أُصُولِهِ وَمُنْفَصِلٌ عَنْهُ نَظَرًا إلَى أَطْرَافِهِ فَعَمِلْنَا بِأَصْلِهِ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ وَبِطَرَفِهِ فِي حَقِّ مَنْ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفُرِضَ) أَيْ الْغُسْلُ (عِنْدَ مَنِيٍّ ذِي دَفْقٍ وَشَهْوَةٍ عِنْدَ انْفِصَالِهِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ فَرْضِ الْغُسْلِ وَسُنَّتِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُوجِبُهُ قَوْلُهُ عِنْدَ مَنِيٍّ أَيْ عِنْدَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ إلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى ظَاهِرِهِ أَمَّا الرَّجُلُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الْمَرْأَةُ فِي رِوَايَةٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالشَّهْوَةُ شَرْطٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» أَيْ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِسَبَبِ خُرُوجِ الْمَاءِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَهُوَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَنْ قَضَى شَهْوَتَهُ يُقَالُ أَجْنَبَ فُلَانٌ إذَا قَضَى شَهْوَتَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا حَذَفْت الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاذِفًا فَلَا تَغْتَسِلْ» فَاعْتُبِرَ الْحَذْفُ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالشَّهْوَةِ، وَفِي الْغَايَةِ ذَكَرَ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مُقَيَّدٌ وَحَدِيثَ «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُحْمَلُ وَإِنْ كَانَا فِي حَادِثَتَيْنِ فَقَدْ تَرَكَ أَصْلَهُ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ لَوْ وَرَدَا فِي الْحُكْمِ، وَكَانَ الْمَحَلُّ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَمَا حَمَلْنَا عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قِرَاءَةَ غَيْرِهِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ وَلِاتِّحَادِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَهُوَ الصَّوْمُ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ حَتَّى لَا تُحْمَلَ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فِي اشْتِرَاطِ الْمُؤْمِنَةِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ السَّبَبِ، وَكَذَا التَّكْفِيرُ بِالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لَا يُحْمَلُ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ أَوْ الصَّوْمِ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا إطْعَامٌ وَالْآخَرَ صَوْمٌ أَوْ عِتْقٌ وَإِنْ اتَّحَدَا فِي السَّبَبِ وَالْحُكْمِ، وَهُنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا حَذَفْت الْمَاءَ» وَرَدَا فِي السَّبَبِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبًا مُسْتَقِلًّا إذْ لَا تَزَاحُمَ فِي الْأَسْبَابِ فَلَا يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرَهُ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الشَّهْوَةُ عَمَلًا بِالْمُطْلَقِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ قُلْنَا إنَّمَا شَرَطْنَاهَا بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَاذِفًا فَلَا تَغْتَسِلْ» كَمَا نَفَيْنَا وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ بِالنَّصِّ مَعَ النَّصِّ الْمُقَيَّدِ بِالسَّوْمِ وَالْمُطْلَقُ عَنْهُ قَوْلُهُ عِنْدَ انْفِصَالِهِ أَيْ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ مَحَلِّهِ يَعْنِي أَنَّ الشَّهْوَةَ تُشْتَرَطُ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ الظَّهْرِ لَا عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ رَأْسِ الْإِحْلِيلِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُشْتَرَطُ الشَّهْوَةُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِالِانْفِصَالِ وَالْخُرُوجِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ فِيمَا إذَا انْفَصَلَ وَلَمْ يَخْرُجْ فَإِذَا شُرِطَتْ فِي أَحَدِهِمَا وَجَبَ أَنْ تُشْتَرَطَ فِي الْآخَرِ وَهُمَا يَقُولَانِ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ فَإِذَا وَجَبَ مِنْ وَجْهٍ وَجَبَ احْتِيَاطًا، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا إذَا انْفَصَلَ الْمَنِيُّ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ فَرَبَطَ ذَكَرَهُ بِخَيْطٍ حَتَّى فَتَرَتْ شَهْوَتُهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، وَالثَّانِي إذَا أَمْنَى وَاغْتَسَلَ مِنْ سَاعَتِهِ وَصَلَّى أَوْ لَمْ يُصَلِّ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ ثَانِيًا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ، وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ) أَيْ فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَى أَثْنَاءِ شَعْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُضَفَّرٍ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ) أَيْ لِأَنَّهُ مُضَفَّرٌ فَيَلْحَقُهُ الْحَرَجُ (قَوْلُهُ يَنْفِي وُجُوبَ بَلِّ ذَوَائِبِهَا) هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَبُلُّ ذَوَائِبَهَا ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بَلَّةٍ عَصْرَةٌ، وَقَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ نَقْضُ ضَفِيرَتِهَا وَلَا بَلُّهَا إذَا ابْتَلَّ أَصْلُهَا. قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَوْلُهُ وَلَا بَلُّهَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا تَبُلُّ ذَوَائِبَهَا وَتَعْصِرُهَا لَكِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ وُجُوبِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مَفْتُولَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مَنْقُوضَةً يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى أَثْنَاءِ الشَّعْرِ كَمَا فِي اللِّحْيَةِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَثَمَنُ مَاءِ غُسْلِ الْمَرْأَةِ وَوُضُوئِهَا عَلَى الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا نَصُّهُ فِي صَلَاةِ الْبَقَّالِيِّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الذَّوَائِبِ وَإِنْ جَاوَزَتْ الْقَدَمَيْنِ فِي مَبْسُوطِ بَكْرٍ فِي وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى شُعَبِ عِقَاصِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ انْتَهَى، وَالْأَصَحُّ نَفْيُهُ لِلْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ) وَهُوَ الرَّجُلُ انْتَهَى (قَوْلُهُ فِي حَقِّ مَنْ يَلْحَقُهُ) أَيْ وَهُوَ الْمَرْأَةُ فَلَا يُخَالِفُ الْخَبَرُ النَّصَّ؛ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَ مَا هُوَ مِنْ الْبَدَنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. اهـ. كَافِي [مُوجِبَات الْغُسْل] . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عِنْدَ مَنِيٍّ ذِي دَفْقٍ) قَالَ الْإِمَامُ الْبَيْضَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَاءٌ دَافِقٌ يَعْنِي ذَا دَفْقٍ وَهُوَ صَبٌّ فِيهِ دَفْعٌ وَعَلَى هَذَا فَكُلٌّ مِنْ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَكَانَ الْمَحَلُّ) أَيْ وَالسَّبَبُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالِانْفِصَالِ) أَيْ مِنْ الظَّهْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْخُرُوجُ) أَيْ مِنْ الذَّكَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ وَهُوَ الِانْفِصَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا انْفَصَلَ الْمَنِيُّ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ) إمَّا بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِنَظَرٍ إلَى امْرَأَةٍ أَوْ بِاسْتِمْنَائِهِ بِالْكَفِّ أَوْ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ فَهَذِهِ الصُّوَرُ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَدُهُمَا إذَا انْفَصَلَ الْمَنِيُّ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ. (قَوْلُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ) قَالَ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَصْفَى وَيَعْمَلُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ فِي بَيْتِ إنْسَانٍ وَيَسْتَحْيِي مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، أَوْ خَافَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِمْ رِيبَةٌ بِأَنْ طَافَ حَوْلَ أَهْلِ بَيْتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ خَرَجَ) أَيْ قَبْلَ الْبَوْلِ أَوْ النَّوْمِ

بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ اغْتَسَلَ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَجِبُ لِلثَّانِي حَتَّى يَخْرُجَ فَإِذَا خَرَجَ وَجَبَ وَقْتَ الْخُرُوجِ ابْتِدَاءً، وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَمَا بَالَ أَوْ نَامَ أَوْ مَشَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ مَادَّةَ الْمَنِيِّ الزَّائِلِ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ فَيَكُونُ الثَّانِي زَائِلًا عَنْ مَكَانِهِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ. وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ بَعْدَ الْبَوْلِ وَذَكَرُهُ مُنْتَشِرٌ وَجَبَ الْغُسْلُ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ فِي الْمَنِيِّ الْخَارِجِ بَعْدَ سُكُونِ الشَّهْوَةِ يَجِبُ الْغُسْلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمَنِيِّ الَّذِي يَجِدُهُ النَّائِمُ عَلَى فَخِذِهِ أَوْ فِرَاشِهِ إذَا اسْتَيْقَظَ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إذَا وَجَدَ مَنِيًّا عَلَى فِرَاشِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَيْضًا كَذَا فِي الْغَايَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ فَوَجَدَ عَلَى فَخِذِهِ أَوْ فِرَاشِهِ بَلَلًا إنْ تَذَكَّرَ احْتِلَامًا وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ وَدْيٌ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ احْتِلَامًا فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ وَدْيٌ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُمَا أَخَذَا بِالِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّ النَّائِمَ غَافِلٌ، وَالْمَنِيُّ قَدْ يَرِقُّ بِالْهَوَاءِ فَيَصِيرُ مِثْلَ الْمَذْيِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا، ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْمُبَاشَرَةِ الْفَاحِشَةِ وَمَسْأَلَةِ الْفَأْرَةِ إذَا مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ وَلَمْ يَدْرِ مَتَى وَقَعَتْ وَأَبُو يُوسُفَ وَافَقَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُبَاشَرَةِ لِوُجُودِ فِعْلٍ مِنْ جِهَتِهِ هُوَ سَبَبٌ لِخُرُوجِ الْمَذْيِ، وَخَالَفَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ وَمُحَمَّدٌ وَافَقَهُ فِي الِاحْتِيَاطِ فِي مَسْأَلَةِ النَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ غَافِلٌ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُبَاشِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَافِلٍ عَنْ نَفْسِهِ فَيُحِسُّ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَ بَلَلًا فِي إحْلِيلِهِ، وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الْحِلْمَ فَإِنْ كَانَ ذَكَرُهُ قَبْلَ النَّوْمِ مُنْتَشِرًا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ وَسُئِلَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ عَمَّنْ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَذْكُرُ احْتِلَامًا وَلَمْ يَرَ بَلَلًا فَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ مَذْيٌ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، فَقِيلَ لَهُ ذِكْرٌ فِي حَيْرَةِ الْفُقَهَاءِ فِيمَنْ احْتَلَمَ وَلَمْ يَرَ بَلَلًا فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ نَزَلَ مِنْهُ مَنِيٌّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ ثَانِيًا فَقَالَ إذَا نَزَلَ الْمَنِيُّ بَعْدَمَا اسْتَيْقَظَ فَالْغُسْلُ يَجِبُ بِالْمَنِيِّ لَا بِالِاحْتِلَامِ السَّابِقِ حَتَّى لَا يُعِيدَ الْفَجْرَ لَكِنْ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ الَّذِي زَالَ عَنْ مَوْضِعِهِ بِشَهْوَةٍ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ بِخِلَافِ الْمَذْيِ إذَا رَآهُ يَخْرُجُ لِأَنَّهُ مَذْيٌ وَلَيْسَ فِيهِ احْتِمَالُ أَنَّهُ كَانَ مَنِيًّا فَتَغَيَّرَ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ لَا يَكُونُ فِي الْبَاطِنِ وَلَوْ غُشِيَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ سَكْرَانَ فَوَجَدَ عَلَى فَخِذِهِ أَوْ فِرَاشِهِ مَذْيًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْغُسْلُ؛ لِأَنَّهُ يُحَالُ بِهِ عَلَى هَذَا السَّبَبِ الظَّاهِرِ بِخِلَافِ النَّائِمِ. وَلَوْ احْتَلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَخْرُجْ الْمَنِيُّ مِنْهَا إلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ إنْ وَجَدَتْ لَذَّةَ الْإِنْزَالِ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ مَاءَهَا يَنْزِلُ مِنْ صَدْرِهَا إلَى رَحِمِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ الظُّهُورُ إلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ فِي حَقِّهِ حَقِيقَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ جَامَعَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَدَخَلَ الْمَاءُ فَرْجَهَا لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَلَوْ ظَهَرَ بَعْدَهُ الْحَبَلُ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ إذَا جُومِعَتْ وَسَبَقَ الْمَاءُ حَتَّى حَبِلَتْ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَحْبَلُ إلَّا إذَا أَنْزَلَتْ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُخْلَقُ مِنْ مَائِهِمَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ خَرَجَ إلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَبِهِ يُؤْخَذُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «أُمَّ سُلَيْمٍ جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ فَقَالَ نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» وَعَنْ «خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهَا غُسْلٌ حَتَّى تُنْزِلَ كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ حَتَّى يُنْزِلَ»، وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ «أُمَّ سُلَيْمٍ حَدَّثَتْ أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا رَأَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ.» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَوَارِي حَشَفَةٍ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ عَلَيْهِمَا) أَيْ يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ تَوَارِي الْحَشَفَةِ قَالَ: وَتَوَارِي حَشَفَةٍ وَلَمْ يَقُلْ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ اغْتَسَلَ) أَيْ فَقَدْ وَقَعَتْ الصَّلَاةُ مَوْقِعَهَا بَعْدَ وُجُودِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْغُسْلُ وَنُزُولُ الْمَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرٌ ثَانٍ كَمَا لَوْ جَامَعَ ثَانِيًا أَوْ تَذَكَّرَ فَأَنْزَلَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَذَكَرُهُ مُنْتَشِرٌ وَجَبَ الْغُسْلُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الِانْتِشَارَ دَلِيلُ عَدَمِ انْقِطَاعِ الْمَنِيِّ الْأَوَّلِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ وَدْيٌ) قَالَ ابْنُ فِرِشْتَهْ أَوْ مَذْيٌ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ) أَيْ لِأَنَّهُ عَنْ الِاحْتِلَامِ فَيَكُونُ مَنِيًّا (قَوْلُهُ فَلَا غُسْلَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الِانْتِشَارَ آيَةُ كَوْنِهِ عَنْ غَيْرِ الِاحْتِلَامِ فَيَكُونُ مَذْيًا اهـ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْفَتَاوَى إذَا وُجِدَ فِي الْفِرَاشِ مَنِيٌّ وَيَقُولُ الزَّوْجُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَهِيَ تَقُولُ مِنْ الزَّوْجِ إنْ كَانَ أَبْيَضَ فَمِنْ الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ فَمِنْ الْمَرْأَةِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ مُدَوَّرًا فَمِنْ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَوَّرٍ فَمِنْ الرَّجُلِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ وَأَخَذْنَا بِالثِّقَةِ وَيَضْرِبُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِتَرْكِ الِاغْتِسَالِ إلَّا إذَا كَانَتْ ذِمِّيَّةً اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ الْوُجُوبُ بِالْإِيلَاجِ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَالْمَيِّتَةِ الْآدَمِيَّةِ، وَأَصْحَابُنَا مَنَعُوهُ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الْمَنِيُّ) أَيْ إلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ) الصَّحِيحُ خِلَافُهُ سَيَأْتِي قَرِيبًا اهـ (قَوْلُهُ مِنْ صَدْرِهَا إلَى رَحِمِهَا) أَيْ بِلَا دَفْقٍ (قَوْلُهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا) أَيْ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَالْمُتَحَقِّقُ دُخُولُ الْمَنِيِّ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْله فَقَالَتْ) أَيْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ اهـ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالْمَرْأَةُ فِي الِاحْتِلَامِ كَالرَّجُلِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِتَذَكُّرِ الْإِنْزَالِ وَاللَّذَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَوَارِي) أَيْ تَغَيُّبِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ عَلَيْهِمَا) قَالَ فِي الْوَافِي وَتَوَارِي حَشَفَةٍ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ

لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ الْإِيلَاجِ فِي الدُّبُرِ وَكَذَا فِي الْقُبُلِ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ يَتَحَاذَيَانِ، وَالْحَشَفَةُ مَا فَوْقَ الْخِتَانِ مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ وَقَوْلُهُ: عَلَيْهِمَا أَيْ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ أَوْ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَعَلَى هَذَا يَعُودُ إلَى الْكُلِّ أَيْ إلَى الْمَنِيِّ وَإِلَى التَّوَارِي، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَعُودُ إلَى التَّوَارِي لَا غَيْرُ، وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ لَا يَجِبُ بِالْإِيلَاجِ بِدُونِ الْإِنْزَالِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَلَنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ»، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «إذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ»، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا «قَالَتْ إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ، وَقَالَتْ فَعَلْته أَنَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاغْتَسَلْنَا» وَلِأَنَّهُ سَبَبُ الْإِنْزَالِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَيْضٌ وَنِفَاسٌ) أَيْ يَجِبُ الْغُسْلُ عِنْدَ خُرُوجِ دَمِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَخُرُوجُهُ بِوُصُولِهِ إلَى فَرْجِهَا الْخَارِجِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ بِخَارِجٍ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا أَمَّا الْحَيْضُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَالْهَاءِ أَيْ يَغْتَسِلْنَ، فَلَوْلَا أَنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ لَمَا مَنَعَ مِنْ حَقِّهِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ الْقُرْبَانُ، وَقَالَ فِي الْحَوَاشِي: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْحَيْضِ هُوَ الْمُوجِبُ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الدَّمِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الِاغْتِسَالِ، وَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُ السَّبَبِ شَرْطًا لِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الْحَيْضِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الطَّهَارَةُ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنَّ الطَّهَارَةَ تُوجِبُ الطَّهَارَةَ، وَإِنَّمَا تُوجِبُهَا النَّجَاسَةُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَيْضَ مُنَجِّسٌ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ فَيَتَنَجَّسُ مَوْضِعُ الْخُرُوجِ فَإِذَا تَنَجَّسَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ تَنَجَّسَ كُلُّهُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْبَدَنَ لَا يَتَجَزَّأُ فِي النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ فَوَجَبَ تَطْهِيرُهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَغْتَسِلْ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إذْ الدَّمُ مُسْتَمِرٌّ لَا؛ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ الْمُتَقَدِّمَ، وَقَوْلُهُ وَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُ السَّبَبِ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْمُسَبِّبِ مُعَارَضٌ بِسَائِرِ الْأَحْدَاثِ كَالْبَوْلِ مَثَلًا فَإِنَّ الطَّهَارَةَ فِيهِ لَا تَجِبُ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ الْبَوْلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ وَإِنْ كَانَتْ تَرْفَعُ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْحَدَثِ يَرْفَعُهَا مَا بَعْدَهَا مِنْ الْحَدَثِ، لَا لِأَنَّ الْبَوْلَ لَا يُوجِبُهَا وَلِأَنَّ الْحَائِضَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَنَحْوُهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُوجِبُ هُوَ الِانْقِطَاعُ لَمَا حَرُمَ عَلَيْهَا حَتَّى يَنْقَطِعَ، وَلِأَنَّ الْمُنَجِّسَ خُرُوجُ الدَّمِ فَوَجَبَ التَّطْهِيرُ عِنْدَهُ إذْ التَّنَجُّسُ وَوُجُوبُ التَّطْهِيرِ مِنْهُ مُتَلَازِمَانِ، وَأَمَّا النِّفَاسُ فَلِلْإِجْمَاعِ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْحَيْضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا مَذْيٌ وَوَدْيٌ وَاحْتِلَامٌ بِلَا بَلَلٍ) أَمَّا الِاحْتِلَامُ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ، وَأَمَّا الْمَذْيُ «فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ إنَّمَا يُجْزِيكَ الْوُضُوءُ مِنْهُ»، وَأَمَّا الْوَدْيُ فَلِلْإِجْمَاعِ وَمَنِيُّ الرَّجُلِ خَاثِرٌ أَبْيَضُ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ فِيهِ لُزُوجَةٌ يَنْكَسِرُ الذَّكَرُ عِنْدَ خُرُوجِهِ، وَمَنِيُّ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ، وَالْمَذْيُ رَقِيقٌ يَضْرِبُ إلَى الْبَيَاضِ يَمْتَدُّ، وَخُرُوجُهُ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ مَعَ أَهْلِهِ بِالشَّهْوَةِ، وَيُقَابِلُهُ مِنْ الْمَرْأَةِ الْقَذْيُ، وَالْوَدْيُ بَوْلٌ غَلِيظٌ فَيُعْتَبَرُ بِرَقِيقِهِ وَقِيلَ مَا يَخْرُجُ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْجِمَاعِ وَبَعْدَ الْبَوْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْإِحْرَامِ وَعَرَفَةَ) أَيْ سُنَّ الِاغْتِسَالُ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا الْجُمُعَةُ فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى وُجُوبِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ»، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ تَوَضَّأَ لِلْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَذَلِكَ أَفْضَلُ» وَلِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعٍ فَيُسَنُّ فِيهِ الِاغْتِسَالُ كَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ بَلْ يَتَحَاذَيَانِ)؛ لِأَنَّ خِتَانَ الْمَرْأَةِ فَوْقَ رَحِمِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَلَيْهِمَا) إنْ أُرِيدَ بِهِ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ كَانَ الْمَعْنَى فَرْضَ الْغُسْلِ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِسَبَبِ التَّوَارِي؛ لِأَنَّ الدُّبُرَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْمَنِيِّ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَنَّ التَّوَارِيَ فِي دُبُرِهِ سَبَبٌ لِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ ذَكَرِهِ فَخُرُوجُ الْمَنِيِّ مِنْ الْمَفْعُولِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَفْعُولٌ لَا يَكُونُ إلَّا بِسَبَبِ التَّوَارِي بِخِلَافِ قُبُلِ الرَّجُلِ وَقُبُلِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلٌ لِلْمَنِيِّ فَيُتَصَوَّرُ خُرُوجُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا تَوَارٍ كَمَا يُتَصَوَّرُ بِالتَّوَارِي، فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْخُرُوجِ وَالتَّوَارِي سَبَبًا لِوُجُوبِ الْغُسْلِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا يَعُودُ) أَيْ وُجُوبُ الْغُسْلِ (قَوْلُهُ «بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ») الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَقِيلَ شَفْرَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَقِيلَ فَخِذَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ، وَعَنْ الْخَطَّابِيِّ الْجَهْدُ مِنْ أَسْمَاءِ النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً. اهـ. مَنْبَعٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ جَهَدَهَا) أَيْ بِالْإِيلَاجِ (قَوْلُهُ لَمَّا مُنِعَ مِنْ حَقِّهِ الْوَاجِبِ)؛ لِأَنَّ بِالْمُبَاحَاتِ وَالتَّطَوُّعَاتِ لَا يُمْنَعُ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ حَقَّ نَقْضِ الصَّوْمِ الْمُتَطَوِّعِ بِهِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْحَيْضِ) أَيْ وَهُوَ انْقِطَاعُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الدَّمِ إلَخْ) يَعْنِي عَلَى قَوْلِهِ مَنْ يَقُولُ إنَّ دُرُورَ الدَّمِ هُوَ الْمُوجِبُ يَكُونُ انْقِطَاعُ الدَّمِ شَرْطًا لِوُجُوبِ الِاغْتِسَالِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُ السَّبَبِ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْمُسَبِّبِ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ، وَأَمَّا النِّفَاسُ فَلِلْإِجْمَاعِ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إنْ أَكْمَلَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ كَالطَّاهِرَاتِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا مَذْيٌ) أَيْ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَوَدْيٌ) بِسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ اهـ ع (قَوْلُهُ ابْنُ حُنَيْفٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ (قَوْلُهُ فَلِلْإِجْمَاعِ) أَيْ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَمَنِيُّ الرَّجُلِ خَاثِرٌ) وَالْخَاثِرُ الْغَلِيظُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَيُقَابِلُهُ مِنْ الْمَرْأَةِ الْقَذْيُ) يُقَالُ: كُلُّ ذَكَرٍ يَمْذِي وَكُلُّ أُنْثَى تَقْذِي، وَقَذَتْ الشَّاةُ إذَا أَلْقَتْ بَيَاضًا مِنْ رَحِمِهَا انْتَهَى صِحَاحٌ . (قَوْلُهُ فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ) أَيْ وَهُوَ مَالِكٌ وَالظَّاهِرِيَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ «مَنْ تَوَضَّأَ لِلْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ») أَيْ فَبِالسُّنَّةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ هَذِهِ الْخَصْلَةُ وَقِيلَ أَيْ بِالرُّخْصَةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ هَذِهِ، وَهَذَا أَوْلَى أَيْ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ قَالَ وَإِنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةٌ لَا رُخْصَةٌ كَذَا فِي الطِّلْبَةِ وَالضَّمِيرُ فِي بِهَا يَعُودُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَشْهُورًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى تَوَارَتْ} [ص: 32] أَيْ الشَّمْسُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَنِعْمَتْ بِتَاءٍ مَمْدُودَةٍ وَالْمُدَوَّرَةُ خَطَأٌ، وَكَذَا الْمَدُّ مَعَ الْفَتْحِ فِي قَوْلِهِ فِيهَا وَهُوَ

لَا يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِرَوَائِحِ بَعْضٍ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِهِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، ثُمَّ هَذَا الِاغْتِسَالُ لِلْيَوْمِ عِنْدَ الْحَسَنِ إظْهَارًا لِفَضِيلَتِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ عَلَى مَا قَالَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سَيِّدُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الْوَقْتِ، وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَخْتَصُّ بِهَا، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ لَا يَكُونُ لَهُ فَضْلُ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُ يَكُونُ لَهُ فَضْلُهُ أَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْغُرُوبِ، أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ كَأَهْلِ الْبَرِّيَّةِ وَالْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ، فَإِنَّهُ لَا يُسَنُّ الِاغْتِسَالُ فِي حَقِّهِمْ عِنْدَهُ خِلَافًا لِلْحَسَنِ وَفِي الْكَافِي لَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الصُّبْحِ وَصَلَّى بِهِ الْجُمُعَةَ نَالَ فَضْلَ الْغُسْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ الْحَسَنِ، لَا وَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ وُجُودَ الِاغْتِسَالِ فِيمَا سُنَّ الِاغْتِسَالُ لِأَجْلِهِ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ، وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ بِطَهَارَةِ الِاغْتِسَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَشْتَرِطُ الِاغْتِسَالَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِطَهَارَةِ الِاغْتِسَالِ، فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا مُتَطَهِّرًا بِطَهَارَتِهِ فِي سَاعَةٍ مِنْ الْيَوْمِ عِنْدَ الْحَسَنِ لَا أَنْ يُنْشِئَ الْغُسْلَ فِيهِ، وَأَمَّا غُسْلُ الْعِيدَيْنِ وَعَرَفَةَ فَلِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُقْبَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَ الْفِطْرِ»، وَأَمَّا الْإِحْرَامُ فَلِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اغْتَسَلَ لِإِهْلَالِهِ.» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَجَبَ لِلْمَيِّتِ وَلِمَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا) أَيْ الْغُسْلُ وَجَبَ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ أَمَّا غُسْلُ الْمَيِّتِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتَّةُ حُقُوقٍ وَذَكَرَ مِنْهَا الْغُسْلُ بَعْدَ مَوْتِهِ» وَتَأْتِي كَيْفِيَّةُ غُسْلِهِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ جُنُبًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ فَصَارَ كَالْكَافِرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَبَهَاءٌ وَنِعْمَةٌ حَاشِيَةُ الْهِدَايَةِ لِلدَّامَغَانِيِّ (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ) وَالْمُرَادُ بِالنَّسْخِ نَسْخُ صِفَةِ الْوُجُوبِ دُونَ شَرْعِيَّتِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ هَذَا الِاغْتِسَالُ لِلْيَوْمِ) وَنَقَلَ الْكَاكِيُّ عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْيَوْمِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ) قُلْت فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ خِلَافُ هَذَا قَالَ الْغُسْلُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاخْتَلَفُوا أَنَّ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ أَمْ لِلْيَوْمِ قَالَ س لِلْيَوْمِ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالِاغْتِسَالُ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْيَوْمِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يُعْتَبَرُ وَلَوْ كَانَ الِاغْتِسَالُ لِلْيَوْمِ وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ، وَإِذَا اغْتَسَلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى لَمْ يَكُنْ صَلَاةً بِغُسْلٍ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ حَتَّى صَلَّى كَانَ صَلَاةً بِغُسْلٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ إنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَلَّى بِذَلِكَ الْغُسْلِ كَانَ صَلَاةً بِغُسْلٍ وَإِنْ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى لَا يَكُونُ بِغُسْلٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَشَهِدَ الْجُمُعَةَ قَالَ س لَا يَكُونُ هَذَا كَاَلَّذِي شَهِدَ الْجُمُعَةَ عَلَى غُسْلٍ، وَقَالَ إنْ كَانَ الْغُسْلُ لِلْيَوْمِ فَهُوَ غُسْلٌ تَامٌّ، وَإِنْ كَانَ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّمَا شَهِدَ الصَّلَاةَ عَلَى وُضُوءٍ وَكَذَا إذَا اغْتَسَلَ لِلْإِحْرَامِ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَحْرَمَ كَانَ إحْرَامُهُ عَلَى وُضُوءٍ اهـ. قُلْت قَوْلُهُ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يُعْتَبَرُ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي مُخْتَارَاتِ الْفَتَاوَى وَلَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَا يُعْتَبَرُ بِالْإِجْمَاعِ يَرُدُّ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلزَّيْلَعِيِّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ تَحْصُلُ السُّنَّةُ بِالْغُسْلِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَاَلَّذِي جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ يَقْتَضِي إنْشَاءَ الْغُسْلِ فِي الْيَوْمِ وَالصَّلَاةَ بِهِ، رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ طِيبًا إنْ كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ مَشَى إلَى الْجُمُعَةِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَلَمْ يَتَخَطَّ أَحَدًا وَلَمْ يُؤْذِهِ، ثُمَّ رَكَعَ مَا قُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ»، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَنْ اغْتَسَلَ وَمَسَّ طِيبًا إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ثُمَّ خَرَجَ ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَلَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ وَأَنْصَتَ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا»، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ وَإِذَا أَخَذَ فِي الْمَشْيِ إلَى الْجُمُعَةِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ عِشْرِينَ سَنَةً»، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ دَنَا حَيْثُ يَسْمَعُ خُطْبَةَ الْإِمَامِ» الْحَدِيثَ، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَهُ كَفَّارَةُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةِ ثَلَاثَة أَيَّامٍ» اهـ مِنْ حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمُجْمَعِ لِلْعَلَّامَةِ زَيْنِ الدِّينِ قَاسِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ) الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ الْحَسَنِ وُجُودُ طَهَارَةِ الْغُسْلِ فِي الْيَوْمِ لَا إيقَاعُهَا فِيهِ، وَقَدْ وُجِدَتْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَيَنَالُ فَضْلَ الْغُسْلِ عِنْدَ الْحَسَنِ أَيْضًا اهـ. وَقَدْ يُقَالُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ السُّنَّةُ فِيهِ إنْشَاءَهُ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ لِلتَّنَافِي بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ فَلَا يُمْكِنُ إنْشَاؤُهُ فِيهَا، وَجَمِيعُ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى إنْشَائِهِ فِي الْيَوْمِ إذْ أَلْفَاظُهُ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» «لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا» «مَنْ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ» «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ». اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَوَجَبَ لِلْمَيِّتِ) أَيْ لِأَجْلِهِ وَجَبَ فِعْلُهُ عَلَى الْحَيِّ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِمَنْ أَسْلَمَ) وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَعَلَى مَنْ أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الَّذِي أَسْلَمَ، وَفِعْلُهُ أَيْضًا يَجِبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ؛ لَأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْحَيِّ إقَامَةُ الْغُسْلِ فِي حَقِّهِ فَنَاسَبَ أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ اللَّامُ دُونَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَافْهَمْ. اهـ. عَيْنِيٌّ

[أقسام الماء]

إذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ، وَفِي رِوَايَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ عِنْدَهَا مُخَاطَبٌ فَصَارَ كَالْوُضُوءِ، وَهَذَا لِأَنَّ صِفَةَ الْجَنَابَةِ مُسْتَدَامَةٌ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَدَوَامُهَا بَعْدَهُ كَإِنْشَائِهَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا نُدِبَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكَافِرُ الَّذِي أَسْلَمَ جُنُبًا نُدِبَ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ وَثُمَامَةَ بِذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَا» وَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ فَصَارَ أَنْوَاعُ الْغُسْلِ أَرْبَعَةً فَرْضٌ وَسُنَّةٌ وَوَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمِنْ الْمَنْدُوبِ الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَدُخُولِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَوَضَّأُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْعَيْنِ وَالْبَحْرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا»، وَلَوْ قَالَ يَتَطَهَّرُ بِمَاءِ السَّمَاءِ مَكَانَ قَوْلِهِ يَتَوَضَّأُ كَانَ أَوْلَى حَتَّى يَشْمَلَ الِاغْتِسَالَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَغَيْرَهُ، وَلَكِنْ إذَا عُرِفَ الْحُكْمُ فِي الْوُضُوءِ عُرِفَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَضُرُّهُ، وَكَذَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِمَا ذَابَ مِنْ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَلَا تَجُوزُ بِمَاءِ الْمِلْحِ وَهُوَ يَجْمُدُ فِي الصَّيْفِ وَيَذُوبُ فِي الشِّتَاءِ عَكْسُ الْمَاءِ، وَلَا يُقَالُ قَدْ جُعِلَ مَاءُ الْعَيْنِ قَسِيمًا لِمَاءِ السَّمَاءِ، وَكَذَا الْبَحْرُ جَعَلَهُ قَسِيمًا لَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْجَمِيعُ مَاءُ السَّمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} [الزمر: 21] لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا قَسَمَهَا بِاعْتِبَارِ مَا يُشَاهَدُ عَادَةً، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُنْكَرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ غَيَّرَ طَاهِرٌ أَحَدَ أَوْصَافِهِ أَوْ أَنْتَنَ بِالْمُكْثِ) يَعْنِي يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْمِيَاهِ. وَإِنْ غَيَّرَ شَيْءٌ طَاهِرٌ أَحَدَ أَوْصَافِهِ لِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِمَاءٍ تَغَيَّرَ بِكَثْرَةِ الْأَوْرَاقِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لِأَنَّهُ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِكَثْرَةِ الْأَوْرَاقِ إنْ ظَهَرَ لَوْنُهَا فِي الْكَفِّ لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ، لَكِنْ يُشْرَبُ وَتُزَالُ بِهِ النَّجَاسَةُ لِكَوْنِهِ مُقَيَّدًا وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ بِالطَّبْخِ) يَعْنِي مَا تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنْقُولٌ إلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ بِلَا وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (أَوْ اعْتَصَرَ مِنْ شَجَرٍ أَوْ ثَمَرٍ) أَيْ أَوْ بِمَاءٍ اعْتَصَرَ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَجْزَاءً) أَيْ أَوْ بِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الطَّاهِرَاتِ بِالْأَجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ أُسْتَاذُنَا فَخْرُ الْأَئِمَّةِ الْبَدِيعُ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ غَيْرُ سَدِيدٍ فَإِنَّ سَبَبَ الْغُسْلِ إرَادَةُ الصَّلَاةِ وَزَمَانَ إرَادَتِهَا مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ صِفَةَ الْجَنَابَةِ مُسْتَدَامَةٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَيُعْطَى لَهَا حُكْمُ الْإِنْشَاءِ حَتَّى لَوْ انْقَطَعَ دَمُ الْكَافِرَةِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِتَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الِانْقِطَاعِ. اهـ. زَاهِدِيٌّ فَلِذَا لَوْ أَسْلَمَتْ حَائِضًا ثُمَّ طَهُرَتْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فَيَجِبُ الْغُسْلُ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فَيُفْرَضُ الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] شَامِلٌ لَهُ لَا مَحَالَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ)، وَأَمَّا إذَا بَلَغَ بِالْإِنْزَالِ فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الصَّلَاةُ أَوْ إرَادَتُهَا فَيَكُونُ انْعِقَادُ السَّبَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ وَصِفَةُ الْجَنَابَةِ بَاقِيَةٌ بِدَلِيلِ بَقَاءِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ إجْمَاعًا. اهـ. [أَقْسَام الْمَاء] [طَهَارَة الْمَاء المتوضأ بِهِ] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَتَوَضَّأُ) أَيْ مُرِيدُ الصَّلَاةِ. اهـ. عَيْنِيٌّ وَلَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ الطَّهَارَتَيْنِ شَرَعَ فِي بَيَانِ آلَةِ التَّطْهِيرِ، وَهِيَ الْمِيَاهُ بِأَقْسَامِهَا اهـ ع (قَوْلُهُ مَكَانَ قَوْلِهِ يَتَوَضَّأُ كَانَ أَوْلَى) أَقُولُ التَّوَضُّؤُ بِمَعْنَى التَّطْهِيرِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ غَيَّرَ طَاهِرٌ أَحَدَ أَوْصَافِهِ) أَوْ جَمِيعَ أَوْصَافِهِ إذَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ اهـ إنَّمَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ مَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ مِنْ الرِّقَّةِ وَالسَّيَلَانِ فَلَوْ اخْتَلَطَ بِهِ طَاهِرٌ أَوْجَبَ غِلَظَهُ صَارَ مُقَيَّدًا فَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لَكِنْ يَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِهِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأَمَّا الْمُطْلَقُ طَاهِرٌ أَيْ فِي نَفْسِهِ طَهُورٌ أَيْ مُطَهِّرٌ لِلنَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْمُقَيَّدُ طَاهِرٌ لَا طَهُورٌ. اهـ. يَحْيَى، وَكَتَبَ قَوْلَهُ وَإِنْ غَيَّرَ طَاهِرٌ مَا نَصُّهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ أَمْ لَا كَالطِّينِ وَالزَّعْفَرَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَعْنِي مَا يَتَغَيَّرُ بِالطَّبْخِ) كَالْبَاقِلَاءِ وَالْمَرَقِ أَعْنِي بِالتَّغَيُّرِ بِالطَّبْخِ الثَّخَانَةَ وَالْغِلَظَ حَتَّى إذَا طُبِخَ وَلَمْ يَثْخُنْ بَعْدُ وَرِقَّةُ الْمَاءِ فِيهِ بَاقِيَةٌ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ ذَكَرَهُ النَّاطِفِيُّ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ كَاكِيٌّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ بِالطَّبْخِ الْمُبَالَغَةَ فِي التَّنْظِيفِ فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْمُبَالَغَةَ فِي التَّنْظِيفِ كَمَا إذَا طُبِخَ بِالْأُشْنَانِ وَالصَّابُونِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الْمَاءِ فَيَصِيرُ كَالسَّوِيقِ الْمَخْلُوطِ لِزَوَالِ الِاسْمِ عَنْهُ، قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ بِهِ الْوُضُوءُ إذَا غَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رَائِحَتَهُ قِيلَ مَعْنَاهُ إلَّا مَا غَيَّرَ وَالْمُغَيِّرُ نَجِسٌ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مُغَيِّرٌ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ النَّصَّ عِنْدَنَا وَرَدَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ حَيْثُ تُرَى فِيهِ النَّجَاسَةُ أَوْ يُوجَدُ طَعْمُهَا أَوْ رِيحُهَا فَإِنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ تَدُلُّ عَلَى قِيَامِ النَّجَاسَةِ وَالْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَنْجُسْ بِالنَّجَاسَةِ فَالنَّجَاسَةُ بِعَيْنِهَا لَا تَطْهُرُ بِالْمَاءِ إلَّا أَنْ يَتَلَاشَى فَيَسْقُطُ حُكْمُهَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ، كَذَا أَشَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ اعْتَصَرَ مِنْ شَجَرٍ أَوْ ثَمَرٍ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْأَشْرِبَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الشَّجَرِ كَشَرَابِ الرِّيبَاسِ وَمِنْ الثَّمَرِ كَالرُّمَّانِ وَالْعِنَبِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الطَّاهِرَاتِ) بِأَنْ تَغَيَّرَ عَنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ لَا بِاللَّوْنِ اهـ. قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ التَّوَضُّؤُ بِمَاءِ الزَّعْفَرَانِ أَوْ زَرْدَجِ الْعُصْفُرِ يَجُوزُ إذَا كَانَ رَقِيقًا وَالْمَاءُ غَالِبٌ، وَإِنْ غَلَبَهُ الْحُمْرَةُ وَصَارَ مُتَمَاسِكًا لَا يَجُوزُ بِهِ التَّوَضُّؤُ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءُ لَا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ بِتَغَيُّرِ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرِّيحِ، وَقَالَ أَيْضًا قَاضِي خَانْ وَلَا بِمَاءِ الْوَرْدِ وَالزَّعْفَرَانِ وَلَا بِمَاءِ الصَّابُونِ وَالْحُرْضِ إذَا ذَهَبَتْ رِقَّتُهُ وَصَارَ ثَخِينًا فَإِنْ بَقِيَتْ رِقَّتُهُ وَلَطَافَتُهُ جَازَ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ وَتُكْرَهُ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ حِينَ سَخَّنَتْ الْمَاءَ بِهَا لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُوَرِّثُ الْبَرَصَ» وَعَنْ

اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَاتِ أَصْحَابِنَا مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَمَا لَيْسَ بِمُطْلَقٍ لَا يَجُوزُ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مَاءُ الصَّابُونِ إذَا كَانَ ثَخِينًا قَدْ غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا يَجُوزُ وَكَذَا مَاءُ الْأُشْنَانِ، ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَفِيهِ إذَا كَانَ الطِّينُ غَالِبًا عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إذَا طُرُحَ الزَّاجُ فِي الْمَاءِ حَتَّى اسْوَدَّ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَكَذَا الْعَفْصُ إذَا كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا، وَفِيهِ أَنَّ مُحَمَّدًا اعْتَبَرَ بِلَوْنِ الْمَاءِ وَأَبَا يُوسُفَ بِالْأَجْزَاءِ وَفِي الْمُحِيطِ عَكْسُهُ وَفِي الْهِدَايَةِ الْغَلَبَةُ بِالْأَجْزَاءِ لَا بِتَغَيُّرِ اللَّوْنِ. وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْغَلَبَةَ تُعْتَبَرُ أَوَّلًا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ، ثُمَّ مِنْ حَيْثُ الطَّعْمُ ثُمَّ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءُ، وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ نَقَعَ الْحِمَّصَ وَالْبَاقِلَاءَ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ وَرِيحُهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَأَشَارَ الْقُدُورِيُّ إلَى أَنَّهُ إذَا غَيَّرَ وَصْفَيْنِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَهَكَذَا جَاءَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا تَرَى فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ وَتَوْفِيقٍ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَنَقُولُ: إنَّ الْمَاءَ إذَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ، وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ زَالَ وَصَارَ مُقَيَّدًا لَمْ يَجُزْ وَالتَّقْيِيدُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ أَوْ بِغَلَبَةِ الْمُمْتَزِجِ فَكَمَالُ الِامْتِزَاجِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالطَّبْخِ بَعْدَ خَلْطِهِ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ لَا تُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ أَوْ بِتَشَرُّبِ النَّبَاتِ الْمَاءَ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِعِلَاجٍ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ لَمْ يَكْمُلْ امْتِزَاجُهُ فَجَازَ الْوُضُوءُ بِهِ كَالْمَاءِ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ الْكَرْمِ، وَغَلَبَةُ الْمُمْتَزِجِ تَكُونُ بِالِاخْتِلَاطِ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ وَلَا بِتَشَرُّبِ نَبَاتٍ، ثُمَّ هَذَا الْمُخَالِطُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَمَا دَامَ يَجْرِي عَلَى الْأَعْضَاءِ فَالْمَاءُ هُوَ الْغَالِبُ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ فِي الْأَوْصَافِ كُلِّهَا مِنْ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ الَّتِي لَا تُخَالِفُ الْمَاءَ فِي الْوَصْفِ تُعْتَبَرُ بِالْأَجْزَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِيهَا فَإِنْ غَيَّرَ الثَّلَاثَ أَوْ أَكْثَرَهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا جَازَ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي وَصْفَيْنِ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ كَاللَّبَنِ مَثَلًا يُخَالِفُهُ فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ فَإِنْ كَانَ لَوْنُ اللَّبَنِ أَوْ طَعْمُهُ هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا جَازَ وَكَذَا مَاءُ الْبِطِّيخِ يُخَالِفُهُ فِي الطَّعْمِ فَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فِيهِ بِالطَّعْمِ، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا جَاءَ مِنْهُمْ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ فَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنْ كَانَ رَقِيقًا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُخَالِطُ لَهُ جَامِدًا، وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعُمَرَ مِثْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُكْرَهُ إنْ قَصَدَ لِتَشْمِيسِهِ وَفِي الْغَايَةِ: وَكُرِهَ بِالْمُشَمَّسِ فِي قُطْرٍ حَارٍّ فِي أَوَانٍ مُنْطَبِعَةٍ وَاعْتِبَارُ الْقَصْدِ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أَشَارَ إلَى الْعِلَّةِ الطِّبِّيَّةِ كَانَ اعْتِبَارُ الْقَصْدِ وَعَدَمُهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَأَبَا يُوسُفَ بِالْأَجْزَاءِ) قَالَ فِي الْمَنْبَعِ الْمُرَادُ بِغَلَبَةِ الْأَجْزَاءِ أَنْ يُخْرِجَهُ الطَّاهِرُ عَنْ صِفَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ بِأَنْ يَثْخُنَ لَا أَنْ يَكُونَ الْغَلَبَةُ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ فَاعْتُبِرَ اهـ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْمَاءَ إنْ اخْتَلَطَ بِهِ طَاهِرٌ فَإِنْ غَيَّرَ لَوْنَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلَّوْنِ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ لَوْنَ الْمَاءِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَذَلِكَ مِثْلُ اللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَالزَّعْفَرَانِ يَخْتَلِطُ بِالْمَاءِ وَأَنْ يُغَيِّرَ لَوْنَهُ بَلْ طَعْمَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلطَّعْمِ فَإِنْ غَلَبَ طَعْمُهُ طَعْمَ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ، وَإِلَّا جَازَ مِثْلُ مَاءِ الْبِطِّيخِ وَالْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ وَالْأَنْبِذَةِ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ لَوْنَهُ وَطَعْمَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَجْزَاءِ فَإِنْ غَلَبَ أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ كَالْمَاءِ الْمُعْتَصَرِ مِنْ الثَّمَرِ، وَإِلَّا جَازَ كَالْمَاءِ الْمُتَقَاطِرِ مِنْ الْكَرْمِ بِقَطْعِهِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ وَأَشَارَ الْقُدُورِيُّ) أَيْ حَيْثُ ذَكَرَ أَحَدَ الْأَوْصَافِ اهـ (قَوْلُهُ كَالْمَاءِ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ الْكَرْمِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ يَسِيلُ مِنْ الْكَرْمِ لِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَقِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ. (قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ بِالْأَجْزَاءِ) حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَاءُ رِطْلَيْنِ وَالْمُسْتَعْمَلُ رِطْلًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُطْلَقِ وَبِالْعَكْسِ كَالْمُقَيَّدِ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إذَا غَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ) ذِكْرُ الْأَحَدِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ إنْ تَغَيَّرَ وَصْفَاهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُخَالِطَ بِهِ مُخَالِفٌ فِي الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْ وَصْفَيْنِ، وَبَقِيَ وَصْفٌ وَاحِدٌ لِلْمَاءِ وَصَارَ مَغْلُوبًا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَدَمُ الْجَوَازِ عَلَى تَغْيِيرِ الْوَصْفَيْنِ. اهـ. يَحْيَى. قَالَ الْمُحَقِّقُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اعْلَمْ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ تُزَالُ بِهِ الْأَحْدَاثُ أَعْنِي مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَاءٌ، وَالْمُقَيَّدُ لَا يُزِيلُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنْقُولٌ إلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمُطْلَقِ فِي النَّصِّ وَالْخِلَافُ فِي الْمَاءِ الَّذِي خَالَطَهُ الزَّعْفَرَانُ وَنَحْوُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَقَيَّدَ بِذَلِكَ أَوَّلًا، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ تَقَيَّدَ لِأَنَّهُ يُقَالُ مَاءُ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّهُ يُقَالُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا نَمْنَعُ مَعَ ذَلِكَ مَا دَامَ الْمُخَالِطُ مَغْلُوبًا أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ فِيهِ هَذَا مَاءٌ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَقَدْ رَوَيْنَاهُ يُقَالُ فِي مَاءِ الْمَدِّ وَالنِّيلِ حَالَ غَلَبَةِ لَوْنِ الطِّينِ عَلَيْهِ، وَيَقَعُ الْأَوْرَاقُ فِي الْحِيَاضِ زَمَنَ الْخَرِيفِ فَيَمُرُّ الرَّفِيقَانِ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ هُنَا مَاءٌ يُقَالُ نَشْرَبُ نَتَوَضَّأُ فَيُطْلِقُهُ مَعَ تَغَيُّرِ أَوْصَافِهِ بِانْتِفَاعِهَا فَظَهَرَ لَنَا مِنْ اللِّسَانِ أَنَّ الْمُخَالِطَ الْمَغْلُوبَ لَا يَسْلُبُ الْإِطْلَاقَ فَوَجَبَ تَرْتِيبُ حُكْمِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي هُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ «اغْتَسَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْمَاءُ بِذَلِكَ يَتَغَيَّرُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ لِلْمَغْلُوبِيَّةِ اهـ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى فَإِنْ قِيلَ مِثْلُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ يَعْنِي مَاءَ الْبَاقِلَاءِ وَأَشْبَاهَهُ مَوْجُودٌ فِيمَا ذَكَرْت مِنْ الْمِيَاهِ الْمُطْلَقَةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ مَاءُ الْوَادِي وَمَاءُ الْعَيْنِ قُلْنَا إضَافَتُهُ إلَى الْوَادِي وَالْعَيْنِ إضَافَةُ تَعْرِيفٍ لَا تَقْيِيدٍ؛ لِأَنَّهُ تَتَعَرَّفُ مَاهِيَّتُهُ بِدُونِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ، وَتُفْهَمُ بِمُطْلَقِ قَوْلِنَا الْمَاءُ بِخِلَافِ مَاءِ الْبَاقِلَاءِ وَأَشْبَاهِهِ فَإِنَّهُ لَا تَتَعَرَّفُ مَاهِيَّتُهُ بِدُونِ ذَلِكَ الْقَيْدِ، وَلَا يَنْصَرِفُ الْوَهْمُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلِهَذَا صَحَّ نَفْيُ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ فَيُقَالُ فُلَانٌ: لَمْ يَشْرَبْ الْمَاءَ وَإِنْ كَانَ شَرِبَ الْبَاقِلَاءَ وَالْمَرَقَ وَلَوْ كَانَ مَاءً حَقِيقَةً لَمَا صَحَّ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ لَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُسَمَّى أَبَدًا وَيُكَذَّبُ نَافِيهَا، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَلَحْمُ الْإِبِلِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَلَحْمُ السَّمَكِ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ

[الماء الذي لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه]

جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُخَالِطُ لَهُ يُخَالِفُهُ فِي الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إذَا غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ يُخَالِفُهُ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْ وَصْفَيْنِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ اعْتَبَرَ بِالْأَجْزَاءِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُخَالِطُ لَا يُخَالِفُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصِّفَاتِ فَإِذَا نَظَرْت وَتَأَمَّلْت وَجَدْت مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا، وَوَجَدْت بَعْضَهَا مُصَرَّحًا بِهِ وَبَعْضَهَا مُشَارًا إلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا تَغَيَّرَ بِمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لِأَنَّهُ مَاءٌ مُقَيَّدٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ مَاءُ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوُهُ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» قَالَهُ لِمُحْرِمٍ وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَمَاتَ، وَعَنْ «أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْ قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ» الْحَدِيثَ «وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ حِينَ أَسْلَمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» فَلَوْلَا أَنَّهُ طَهُورٌ لَمَا أَمَرَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ، وَلَمَا «اغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَاءٍ فِيهِ أَثَرُ الْعَجِينِ» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَغْتَسِلُ وَيَغْسِلُ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ وَهُوَ جُنُبٌ وَيُجْتَزَى بِذَلِكَ وَلَا يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ»، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَإِضَافَتُهُ إلَى الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ لِلتَّعْرِيفِ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْبِئْرِ بِخِلَافِ مَاءِ الْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ تَكُونُ إضَافَتُهُ لِلتَّقْيِيدِ، وَلِهَذَا يُنْفَى اسْمُ الْمَاءِ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ نَفْيُهُ عَنْ الْأَوَّلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَاءٍ دَائِمٍ فِيهِ نَجَسٌ إنْ لَمْ يَكُنْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَاءٍ رَاكِدٍ دَائِمٍ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يَبْلُغْ الْمَاءُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَعَنْ غَمْسِ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا»، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ» الْحَدِيثَ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَاهُ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ وَمَاؤُهَا كَانَ جَارِيًا فِي الْبَسَاتِينِ فَعَمِلْنَا بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِ بَعْضِهَا وَلِأَنَّ حَدِيثَ بِئْرِ بُضَاعَةَ لَمْ يَثْبُتْ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَلَا يُعَارِضُ الصَّحِيحَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَا يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ حَتَّى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الْحَدِيثُ غَيْرُ قَوِيٍّ وَقَدْ تَرَكَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ مَعَ شِدَّةِ اتِّبَاعِهِمَا لِلشَّافِعِيِّ لِضَعْفِهِ فَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَاهُ، وَلِأَنَّ الْقِلَّةَ مَجْهُولَةٌ لِتَفَاوُتِ الْقُلَلِ فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا فَلَا يَتَعَبَّدُنَا اللَّهُ تَعَالَى بِمَجْهُولٍ وَتَقْدِيرُهُ بِمَا قَدَّرَهُ بِهِ الشَّافِعِيُّ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ الرَّائِي فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِالنَّقْلِ، وَلِأَنَّ الْقِلَّةَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يُقَالُ لِرَأْسِ الْجَبَلِ قُلَّةٌ وَلِلْجَرَّةِ قُلَّةٌ وَلِلْحِبِّ قُلَّةٌ وَلِرَأْسِ الْإِنْسَانِ قُلَّةٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ قُلَّةٌ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى أَحَدِهَا إلَّا بِدَلِيلٍ. قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ لَنَقْلُ الصَّخْرِ مِنْ قُلَلِ الْجِبَالِ ... أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ ذُلِّ السُّؤَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَهُوَ كَالْجَارِي) أَيْ إذَا بَلَغَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ يَكُونُ كَالْجَارِي حَتَّى لَا يَتَنَجَّسَ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَقَوْلُهُ فَهُوَ كَالْجَارِي بِالْفَاءِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْوَاوُ أَوْلَى لِئَلَّا تَلْتَبِسَ بِالْجَوَابِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ فَهُوَ كَالْجَارِي فَيَفْسُدُ الْمَعْنَى ثُمَّ فِي قَوْلِهِ كَالْجَارِي إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ بُخَارَى وَبَلْخٍ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ مَوْضِعَ الْوُقُوعِ يَتَنَجَّسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ حَيْثُ تَكُونُ إضَافَتُهُ لِلتَّقْيِيدِ) وَعَلَامَةُ إضَافَةِ التَّقْيِيدِ قُصُورُ الْمَاهِيَّةِ فِي الْمُضَافِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَصَلَّى الظُّهْرَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُطْلَقَةٌ إضَافَتُهَا إلَى الظُّهْرِ لِلتَّعْرِيفِ، وَلَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ، وَإِضَافَتُهَا إلَى الْجِنَازَةِ لِلتَّقْيِيدِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَفِي مُشْكِلَاتِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي بَابِ الْكُسُوفِ كُلُّ مَا كَانَتْ الْمَاهِيَّةُ فِيهِ كَامِلَةً فَالْإِضَافَةُ فِيهِ لِلتَّعْرِيفِ، وَمَا كَانَتْ مَاهِيَّتُهُ نَاقِصَةً فَالْإِضَافَةُ فِيهِ لِلتَّقْيِيدِ. نَظِيرُ الْأَوَّلِ مَاءُ السَّمَاءِ وَمَاءُ الْبَحْرِ وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ، وَنَظِيرُ الثَّانِي مَاءُ الْبَاقِلَاءِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَنْفِي اسْمُ الْمَاءِ عَنْهُ) يَقُولُ مَا شَرِبْت مَاءً، وَإِنْ كَانَ شَرِبَ مَاءَ الْبِطِّيخِ وَنَحْوَهُ وَالْحَقِيقَةُ لَا تُنْفَى. اهـ. [الْمَاء الَّذِي لَا يتنجس بوقوع النَّجَاسَة فِيهِ] . (قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْلُغْ الْمَاءُ عَشْرًا) كَالْأَوَانِي وَالْآبَارِ (قَوْلُهُ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبَوْلِ») قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَأَمَّا الْبَوْلُ فِيهِ فَمَكْرُوهٌ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا دَائِمًا أَوْ جَارِيًا وَسَمَّى أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ يَبُولُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي جَاهِلًا اهـ. (قَوْلُهُ بِئْرُ بُضَاعَةَ) بِئْرٌ قَدِيمَةٌ بِالْمَدِينَةِ وَعَنْ الْجَوْهَرِيِّ تُكْسَرُ وَتُضَمُّ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَمَاؤُهَا كَانَ جَارِيًا فِي الْبَسَاتِينِ) وَاعْتِبَارُ عُمُومِ اللَّفْظِ إنَّمَا يَكُونُ أَوْلَى لَوْ لَمْ يَكُنْ الْعَامُّ مَخْصُوصًا، أَمَّا إذَا كَانَ مَخْصُوصًا فَلَا وَهَاهُنَا مَخْصُوصٌ بِدَلِيلٍ يُسَاوِيهِ وَهُوَ مَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ اهـ. رَازِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْقُلَّةَ مَجْهُولَةٌ) الْقُلَّةُ الْجَرَّةُ تُحْمَلُ مِنْ الْيُمْنِ تَسَعُ فِيهَا قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا وَالْقُلَّتَانِ خَمْسُ قِرَبٍ كُلُّ قِرْبَةٍ خَمْسُونَ مَنًّا، وَقِيلَ جَرَّةٌ تَسَعُ فِيهَا مِائَةً وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ وَفِي الْحِلْيَةِ الْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ وَقِيلَ الْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ مَنٍّ، وَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ ثَلَثُمِائَةِ مَنٍّ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ اهـ كَيْ. (قَوْلُهُ يُقَالُ لِرَأْسِ الْجَبَلِ قُلَّةٌ) وَلِقَامَةِ الرَّجُلِ قُلَّةٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إذَا بَلَغَ مَاءُ الْوَادِي قَدْرَ الْقَامَتَيْنِ أَوْ رَأْسَ الْجَبَلَيْنِ لَا يَحْتَمِلُ خَبَثًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَحْرًا أَوْ غَدِيرًا عَظِيمًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا بَلَغَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ) وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ عَدَدُ الْعَشَرَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْدَادِ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ أَدْنَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ نَوْعُ الْأَعْدَادِ وَقِيلَ عَدَدٌ خَطَرَ فِي الشَّرْعِ، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِي نِصَابِ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَفْسُدُ الْمَعْنَى)، وَلَكِنَّا إذَا جَعَلْنَا الْفَاءَ تَفْسِيرِيَّةً يَزُولُ الْإِشْكَالُ اهـ ع. (قَوْلُهُ لَا يَتَنَجَّسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ) أَيْ إلَّا إذَا ظَهَرَ الْأَثَرُ (قَوْلُهُ إنَّ مَوْضِعَ الْوُقُوعِ يَتَنَجَّسُ) أَيْ فِي الرَّاكِدِ الَّذِي يَبْلُغُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ، وَأَمَّا الْجَارِي فَالْأَصَحُّ أَنَّ مَوْضِعَ الْوُقُوعِ فِيهِ لَا يَتَنَجَّسُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا قَوْلُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ، وَقَدْ فَرَّقَ مَشَايِخُ بُخَارَى وَبَلْخٍ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَقَالُوا فِي الْمَرْئِيَّةِ

ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمُفِيدِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْقُدُورِيُّ بِقَوْلِهِ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ أَنَّ كُلَّ مَا خَالَطَهُ النَّجَسُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ جَارِيًا وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ الْوُقُوعِ لَا يَتَنَجَّسُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ إلَّا كَالْجَارِي فَإِذَا تَنَجَّسَ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ مِنْ الْجَارِي فَمِنْهُ أَوْلَى أَنْ يَتَنَجَّسَ، ثُمَّ الْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الْوُقُوعِ فَإِنْ نَقَصَ بَعْدَهُ لَا يَتَنَجَّسُ وَعَلَى الْعَكْسِ لَا يَطْهُرُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْمَسْأَلَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُ بِالتَّحْرِيكِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُ بِالْمِسَاحَةِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ حَتَّى قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ اتَّفَقَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ أَنْ يَرْتَفِعَ وَيَنْخَفِضَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا بَعْدَ الْمُكْثِ وَلَا يُعْتَبَرُ أَصْلُ الْحَرَكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَخْلُو عَنْهُ لِأَنَّهُ مُتَحَرِّكٌ بِطَبْعِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي التَّقْدِيرِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالْمِسَاحَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَمَشَايِخُ بَلْخٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ أَنْ يَكُونَ ثَمَانِيَ فِي ثَمَانٍ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ أَنْ يَكُونَ اثْنَيْ عَشَرَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ أَنْ يَكُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَالذِّرَاعُ الْمَذْكُورُ فِيهِ ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ وَهُوَ ذِرَاعُ الْعَامَّةِ سِتُّ قَبَضَاتٍ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُعْتَبَرُ ذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ وَاخْتَارَهُ فِي خَيْرِ مَطْلُوبٍ وَهِيَ ذِرَاعُ الْمِلْكُ سَبْعَ قَبَضَاتٍ بِإِصْبَعٍ قَائِمَةٍ ثُمَّ لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَاءِ تَنَجَّسَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ إلَى عَشْرَةِ أَذْرُعٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى تَنَجُّسَ مَوْضِعِ الْوُقُوعِ، وَأَمَّا مَنْ اعْتَبَرَ بِالتَّحْرِيكِ فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهُ بِالِاغْتِسَالِ رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ بِالتَّوَضُّؤِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْيَدِ مِنْ غَيْرِ اغْتِسَالٍ وَلَا وُضُوءٍ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِغَمْسِ الرِّجْلِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَخْلُصَ الْجُزْءُ الْمُسْتَعْمَلُ نَفْسُهُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ إلَّا بِحَرَكَةِ الِاسْتِعْمَالِ لَا بِالِاضْطِرَابِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَاءِ عَادَةً، وَقِيلَ يَكْفِي فِيهِ قَدْرُ النَّجَاسَةِ مِنْ الصِّبْغِ فَمَوْضِعٌ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الصِّبْغُ لَمْ يَتَنَجَّسْ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ التَّكَدُّرُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَكْبَرُ الرَّأْيِ يَعْنِي رَأْيَ الْمُبْتَلَى بِهِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ. قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الظَّاهِرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ التَّحَرِّي وَالتَّفْوِيضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ مِنْ غَيْرِ تَحَكُّمٍ بِالتَّقْدِيرِ فِيمَا لَا تَقْدِيرَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ ثُمَّ، الْمُعْتَبَرُ فِي الْعُمْقِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَنْحَسِرُ بِالِاغْتِرَافِ لِأَنَّهُ إذَا انْحَسَرَ يَنْقَطِعُ الْمَاءُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ وَيَصِيرُ الْمَاءُ فِي مَكَانَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْهِنْدُوَانِيُّ، وَالصَّحِيحُ إذَا أَخَذَ الْمَاءُ وَجْهَ الْأَرْضِ يَكْفِي وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ مُقَدَّرٌ بِذِرَاعٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَقِيلَ بِمِقْدَارِ شِبْرٍ وَقِيلَ بِزِيَادَةٍ عَلَى عَرْضِ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ الْمِثْقَالِ، وَلَوْ تَنَجَّسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ وَفِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ) الْمَاءُ الْكَثِيرُ الَّذِي إذَا وَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَا يَتَنَجَّسُ اخْتَلَفُوا فِي بَيَانِهِ فَقِيلَ: يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ وَلَا يُقَدَّرُ فِيهِ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ، وَقِيلَ يُقَدَّرُ إمَّا بِالتَّحْرِيكِ أَوْ الْمِسَاحَةِ أَوْ تَغَيُّرِ اللَّوْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الْآرَاءِ. اهـ. يَحْيَى الْحَوْضُ الْكَبِيرُ إذَا انْجَمَدَ مَاؤُهُ فَثَقَبَ إنْسَانٌ فِيهِ ثَقْبًا وَتَوَضَّأَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إنْ كَانَ الْمَاءُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْجَمْدِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْحَوْضِ الْمُسَقَّفِ، وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْقَصْعَةِ قَالَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ وَقَالَ قَاضِي خَانْ حَوْضٌ كَبِيرٌ تَجَمَّدَ وَثُقِبَ إنْ كَانَ الْمَاءُ تَحْتَ الْجَمْدِ غَيْرَ مُلْتَزِقٍ بِالْجَمْدِ جَازَ فِيهِ الْوُضُوءُ، وَإِنْ كَانَ مُلْتَزِقًا بِالْجَمْدِ إلَّا أَنَّهُ يَتَحَرَّكُ بِالتَّحْرِيكِ فَإِنْ حُرِّكَ الْمَاءُ عِنْدَ إدْخَالِ كُلِّ عُضْوٍ مَرَّةً جَازَ، وَإِنْ خَرَجَ الْمَاءُ مِنْ الثَّقْبِ وَانْبَسَطَ عَلَى وَجْهِ الْجَمْدِ بِقَدْرِ مَا لَوْ دَفَعَ الْمَاءَ بِكَفِّهِ لَا يَنْحَسِرُ مَا تَحْتَهُ مِنْ الْجَمْدِ جَازَ فِيهِ الْوُضُوءُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي الثَّقْبِ كَالْمَاءِ فِي الطَّسْتِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْوُضُوءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّقْبُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ حَوْضٌ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَتَنَجَّسَ أَعْلَاهُ، ثُمَّ انْتَهَى إلَى مَوْضِعٍ هُوَ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ يَصِيرُ طَاهِرًا، وَيُجْعَلُ كَأَنَّ النَّجَاسَةَ وَقَعَتْ فِي الْحَالِ كَالْحَوْضِ الْمُنْجَمِدِ إذَا كَانَ الْمَاءُ فِي ثَقْبِهِ، وَثَقْبُهُ أَقَلُّ مِنْ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ تَنَجَّسَ مَا كَانَ فِي الثَّقْبِ فَإِنْ قَلَّ الْمَاءُ وَتَسَفَّلَ يَطْهُرُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَطْهُرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، ثُمَّ انْبَسَطَ وَصَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ اهـ. (قَوْلُهُ ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ) تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ أَقْصَرُ مِنْ ذِرَاعِ الْمِسَاحَةِ بِإِصْبَعٍ اهـ. كَافِي قَالَ الْكَاكِيُّ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ الْكُتُبِ فِي تَعْيِينِ الذِّرَاعِ فَجُعِلَ الصَّحِيحُ هُنَا أَيْ فِي الْهِدَايَةِ ذِرَاعَ الْكِرْبَاسِ، وَهُوَ سَبْعُ مُشْتَاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُلِّ مُشْتٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ ذَكَرَهُ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَالْمُجْتَبَى وَجَعَلَ الصَّحِيحَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ذِرَاعَ الْمِسَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْمَمْسُوحَاتِ وَهُوَ سَبْعُ مُشْتَاتٍ فَوْقَ كُلِّ مُشْتٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصَحُّ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ذِرَاعُهُمْ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ وَالْمِسَاحَةِ اهـ. (قَوْلُهُ سِتُّ قَبَضَاتٍ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ سِتُّ قَبَضَاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ، وَجَعَلَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ سَبْعًا اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ التَّكَدُّرُ) أَيْ إنْ كَانَ الْمَاءُ بِحَالٍ لَوْ اغْتَسَلَ فِيهِ تَكَدَّرَ الْجَانِبُ الَّذِي اغْتَسَلَ فِيهِ بِسَبَبِ الِاغْتِسَالِ إنْ وَصَلَتْ الْكُدْرَةُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَهُوَ مِمَّا يَخْلُصُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ تَصِلْ فَهُوَ مِمَّا لَا يَخْلُصُ نِهَايَةٌ. (قَوْلُهُ بِالِاغْتِرَافِ) أَيْ لَا يَنْكَشِفُ بِالِاغْتِرَافِ حَتَّى لَوْ انْحَسَرَ ثُمَّ اتَّصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَنَجَّسَ الْحَوْضُ الصَّغِيرُ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْحَوْضُ الصَّغِيرُ إذَا كَانَ نَجِسًا فَدَخَلَ الْمَاءُ مِنْ جَانِبٍ، وَخَرَجَ مِنْ جَانِبٍ يَطْهُرُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِثْلُ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ

[الماء المستعمل]

الْحَوْضُ الصَّغِيرُ بِوُقُوعِ نَجَاسَةٍ فِيهِ ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ مَاءٌ آخَرُ وَخَرَجَ الْمَاءُ مِنْهُ طَهُرَ، وَإِنْ قَلَّ إذَا كَانَ الْخُرُوجُ حَالَ دُخُولِ الْمَاءِ فِيهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْجَارِي وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِخُرُوجِ مَا فِيهِ، وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِخُرُوجِ ثَلَاثَةِ أَمْثَالِ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَسَائِرُ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَهُوَ مَا يَذْهَبُ بِتَبِنَةِ فَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَرَ أَثَرَهُ وَهُوَ طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ) أَيْ الْمَاءُ الْجَارِي مَا يَذْهَبُ بِتَبِنَةِ. وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ مِنْهُ عَائِدَةٌ إلَى الْمَاءِ الْجَارِي، أَيْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي إنْ لَمْ يُرَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي بَلَغَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فِي مَوْضِعِ الْوُقُوعِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ طَعْمٌ أَيْ الْأَثَرُ هُوَ الطَّعْمُ أَوْ اللَّوْنُ أَوْ الرَّائِحَةُ وَحَدُّ الْجَرَيَانِ بِمَا ذَكَرَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ مَا لَا يَتَكَرَّرُ اسْتِعْمَالُهُ، وَقِيلَ إنْ وَضَعَ الْإِنْسَانُ يَدَهُ فِي الْمَاءِ عَرْضًا لَا يَنْقَطِعُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ لَا يَنْحَسِرُ وَجْهُ الْأَرْضِ بِالِاغْتِرَافِ بِكَفَّيْهِ فَهُوَ جَارٍ، وَقِيلَ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا وَهُوَ الْأَصَحُّ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يُرَ أَثَرُهُ أَيْ إنْ لَمْ يُرَ أَثَرُ النَّجَسِ فِيهِ لَا يَتَنَجَّسُ حَتَّى لَوْ بَالَ إنْسَانٌ فِي الْمَاءِ الْجَارِي فَتَوَضَّأَ آخَرُ مِنْ أَسْفَلِهِ جَازَ مَا لَمْ يَرَ أَثَرَهُ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَسْتَقِرُّ مَعَ جَرَيَانِ الْمَاءِ بِخِلَافِ الرَّاكِدِ فِي الصَّحِيحِ، وَإِذَا اعْتَرَضَتْ النَّجَاسَةُ الْمَرْئِيَّةُ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي إنْ كَانَ الْمَاءُ يَجْرِي عَلَى نِصْفِهَا أَوْ كُلِّهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ أَسْفَلَ مِنْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَوْتُ مَا لَا دَمَ لَهُ فِيهِ كَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ وَالسَّمَكِ وَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ لَا يُنَجِّسُهُ) أَيْ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا سَلْمَانُ كُلُّ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَقَعَتْ فِيهِ دَابَّةٌ لَيْسَ لَهَا دَمٌ فَمَاتَتْ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ» وَلِأَنَّ الْمُنَجِّسَ لَهُ الدِّمَاءُ السَّائِلَةُ فَمَا لَا دَمَ بِهِ مَسْفُوحًا لَا يَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَتَنَجَّسُ مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ، وَقَوْلُهُ وَمَوْتُ مَا لَا دَمَ لَهُ فِيهِ يَشْمَلُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَاءِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الصَّحِيحِ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَاءِ أَوْ خَارِجَ الْمَاءِ ثُمَّ يُلْقَى فِيهِ وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لِقُرْبَةٍ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ إذَا اسْتَقَرَّ فِي مَكَان طَاهِرٌ لَا مُطَهَّرٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَارِيَ لَمَّا اتَّصَلَ بِهِ وَخَرَجَ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْجَارِي، وَالْمَاءُ الْجَارِي طَاهِرٌ إلَّا أَنْ تَسْتَبِينَ فِيهِ النَّجَاسَةُ (قَوْلُهُ وَخَرَجَ الْمَاءُ مِنْهُ طَهُرَ) وَفِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. كَاكِيٌّ حَوْضُ الْحَمَّامِ إذَا تَنَجَّسَ وَدَخَلَ فِيهِ الْمَاءُ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مِثْلُ مَا كَانَ فِيهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا خَرَجَ مِنْهُ مِثْلُ مَا كَانَ فِيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً يَطْهُرُ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ الْجَارِي عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ (قَوْلُهُ وَسَائِرُ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَوْضٌ فِيهِ عَصِيرٌ وَقَعَ فِيهِ الْبَوْلُ إنْ كَانَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لَا يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَاءً لَا يَفْسُدُ فَكَذَا إذَا كَانَ عَصِيرًا، وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ يَفْسُدُ فَكَذَا فِي كُلِّ مَا لَوْ كَانَ مَاءً يَفْسُدُ فَإِذَا كَانَ عَصِيرًا يَفْسُدُ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ بَعْدَ أَنْ سَمِعْت مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرْت قُلْت: لَا أُقْبَلُ فِي بَلْدَةٍ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ، قَالَ فَخَرَجْت إلَى بَعْضِ السَّوَادِ فَنَزَلْت بِهَا فَجَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ لِي يَا أَبَا يُوسُفَ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يَتَوَضَّأُ عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ فَانْكَسَرَتْ جِرَارٌ مِنْ خَمْرٍ وَالرَّجُلُ مِنْ تَحْتِ الْجَرْيَةِ، قَالَ فَوَاَللَّهِ مَا دَرَيْت أَنْ أُجِيبَهُ فَقُلْت لِلْغُلَامِ شُدَّ فَلَيْسَ نَصْلُحُ فِي بَلَدٍ إلَّا فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَمَّا وَصَلْت إلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ لِي أَيْنَ كُنْت فَأَخْبَرْته الْخَبَرَ قَالَ فَضَحِكَ وَقَالَ مَا دَرَيْت مَا تُجِيبُهُ قُلْت: وَاَللَّهِ مَا دَرَيْت مَا أُجِيبُهُ فَقَالَ إنْ وَجَدْت رِيحَهُ أَوْ طَعْمَهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْك ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ الْمَكِّيُّ فِي الْبَابِ السَّابِعِ مِنْ مَنَاقِبِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَأَنَّ مَشَايِخَ بُخَارَى أَخَذُوا بِهِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ مَا لَا يَتَكَرَّرُ اسْتِعْمَالُهُ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَتَكَرَّرُ أَنْ لَوْ غَسَلَ يَدَهُ، وَسَالَ مِنْ يَدِهِ إلَى النَّهْرِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ ثَانِيًا لَا يَكُونُ الْمَاءُ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ أَوْ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ الْأَوَّلِ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَرَ أَثَرَهُ) أَيْ لِأَنَّ فِي الْمَاءِ الْجَارِي تَنْتَقِلُ النَّجَاسَةُ مِنْ مَكَانِ وُقُوعِهَا، وَلَا يُعْرَفُ وُجُودُهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ رَائِحَةٍ أَوْ لَوْنٍ وَفِي الْمُحِيطِ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي الْجَارِي إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ كَالْبَوْلِ لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ، وَلَوْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً كَالْجِيفَةِ وَالْعَذِرَةِ فَإِنْ كَانَ النَّهْرُ كَبِيرًا لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ أَسْفَلِ الْجَانِبِ الَّذِي فِيهِ الْجِيفَةُ، وَيَتَوَضَّأُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَإِنْ لَاقَاهَا أَكْثَرُ الْمَاءِ فَهُوَ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ النِّصْفَ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ فِي الْحُكْمِ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الرَّاكِدِ) أَيْ فَإِنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعِ عُمُوقِهَا (قَوْلُهُ وَإِذَا اعْتَرَضَتْ النَّجَاسَةُ الْمَرْئِيَّةُ) كَالْكَلْبِ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ أَسْفَلَ مِنْهَا) وَعَلَى هَذَا مَاءُ الْمَطَرِ إذَا كَانَتْ الْعَذِرَاتُ عِنْدَ الْمِيزَابِ أَوْ فِي السَّطْحِ أَوْ فِي الطُّرُقَاتِ كَيْ، قَالَ الْكَاكِيُّ قَوْلُهُ لَا يُفْسِدُهُ أَقْوَى مِنْ قَوْلِهِ لَا يُنَجِّسُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُفْسِدُهُ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ يَبْقَى طَاهِرًا وَطَهُورًا، وَقَوْلُهُ لَا يُنَجِّسُهُ يُفِيدُ طَهَارَتَهُ لَا طَهُورِيَّتَهُ كَالتُّرَابِ طَاهِرٌ وَلَيْسَ بِطَهُورٍ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً كَيْ . (قَوْلُهُ وَالزُّنْبُورُ) بِضَمِّ الزَّايِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ النَّجَاسَةِ دَمُ الْحَلَمَةِ وَالْوَزَغَةِ يُفْسِدُ الثَّوْبَ وَالْمَاءَ، وَدَمُ الْبَقِّ وَالْبُرْغُوثِ لَا يُفْسِدُ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ وَالضِّفْدَعِ) بِكَسْرِ الدَّالِ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَا لَا دَمَ لَهُ فِيهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلِأَنَّ الْمُنَجِّسَ هُوَ اخْتِلَاطُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِأَجْزَائِهِ حَتَّى حَلَّ الْمُذْكَى لِانْعِدَامِ الدَّمِ وَلَا دَمَ فِيهَا (قَوْلُهُ يَشْمَلُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ) كَالسَّمَكِ وَالضِّفْدَعِ قَالَ الْمُسْتَصْفَى وَمَائِيُّ الْمَعَاشِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْمَاءِ، وَتَقْدِيرُ الدَّلِيلِ أَنَّ الْحَرَارَةَ مِنْ خَاصَّةِ الدَّمِ، وَلَوْ كَانَ لَهَا دَمٌ لَكَانَ لَهَا حَرَارَةٌ؛ لِأَنَّ طَبِيعَتَهُ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ لَهَا حَرَارَةٌ لَأَنْطَفَتْ أَيْ لَمَاتَتْ بِدَوَامِ السُّكُونِ فِي الْمَاءِ لِلْمُضَادَّةِ بَيْنَ الطَّبِيعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بَارِدٌ رَطْبٌ وَالدَّمَ حَارٌّ رَطْبٌ. (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) كَالذُّبَابِ وَالْعَقْرَبِ [الْمَاء الْمُسْتَعْمَل] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إذَا اسْتَقَرَّ فِي مَكَان طَاهِرٌ لَا مُطَهِّرٌ)، وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَقَطَّعَ فِي الْمَاءِ أَوْ لَمْ يَتَقَطَّعْ

وَالْكَلَامُ فِي الْمُسْتَعْمَلِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي صِفَتِهِ وَسَبَبِهِ وَوَقْتِ ثُبُوتِهِ فَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيَّنَ الثَّلَاثَ، فَقَوْلُهُ: طَاهِرٌ لَا مُطَهِّرٌ بَيَانٌ لِصِفَتِهِ، وَقَوْلُهُ: لِقُرْبَةٍ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ بَيَانٌ لِسَبَبِهِ، وَقَوْلُهُ: إذَا اسْتَقَرَّ فِي مَكَان بَيَانٌ لِوَقْتِ ثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَلَامٌ. أَمَّا صِفَتُهُ فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً رَوَاهُ عَنْهُ الْحَسَنُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ نَجِسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ: إنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ مَشَايِخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَأَثْبَتُوا فِيهِ الْخِلَافَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَذَكَرُوا وَجْهَ التَّنْجِيسِ أَنَّهُ مَاءٌ أُزِيلَ بِهِ مَعْنًى مَانِعٌ لِلصَّلَاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أُزِيلَ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، وَقَالَ مَشَايِخُ؛ الْعِرَاقِ إنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْأَصَحُّ، ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَوَجْهُهُ أَنَّ مُلَاقَاةَ الطَّاهِرِ لَا تُوجِبُ التَّنْجِيسَ، وَلَكِنْ أُقِيمَتْ بِهِ قُرْبَةٌ أَوْ أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ فَتَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ كَمَالِ الزَّكَاةِ لَمَّا أُقِيمَتْ بِهِ الْقُرْبَةُ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ حَتَّى حَرُمَ عَلَى الْهَاشِمِيِّ وَالْغَنِيِّ، وَأَمَّا سَبَبُهُ فَإِقَامَةُ الْقُرْبَةِ أَوْ إزَالَةُ الْحَدَثِ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إقَامَةُ الْقُرْبَةِ لَا غَيْرُ وَعِنْدَ زُفَرَ إزَالَةُ الْحَدَثِ لَا غَيْرُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِانْتِقَالِ نَجَاسَةِ الْحَدَثِ أَوْ نَجَاسَةِ الْآثَامِ إلَيْهِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ التَّعْلِيلُ لِمُحَمَّدٍ بِعَدَمِ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَرْوِيٍّ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ أَنَّ إزَالَةَ الْحَدَثِ بِالْمَاءِ مُفْسِدَةٌ لَهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالْجُنُبِ يَدْخُلُ فِي الْبِئْرِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ وَمِثْلُهُ عِنْدَ الْجُرْجَانِيِّ وَمَنْ شَرَطَ نِيَّةَ الْقُرْبَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةِ الْبِئْرِ حَيْثُ قَالَ الْمَاءُ بِحَالِهِ وَالرَّجُلُ طَاهِرٌ إذْ لَوْ كَانَ إزَالَةُ الْحَدَثِ عِنْدَهُ تُوجِبُ الِاسْتِعْمَالَ لَتَغَيَّرَ الْمَاءُ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لِلضَّرُورَةِ لَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِإِزَالَةِ الْحَدَثِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ أَدْخَلَ الْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ الَّتِي طَهُرَتْ يَدَهُ فِي الْمَاءِ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُمْ لِإِزَالَةِ الْحَدَثِ، وَلَكِنْ سَقَطَ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ إذَا تَقَطَّعَ فِي الْمَاءِ أَفْسَدَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ دَمَهُ نَجِسٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَا دَمَ فِي السَّمَكِ إنَّمَا هُوَ مَاءٌ آخَرُ، وَالضِّفْدَعُ الْبَرِّيُّ وَالْبَحْرِيُّ سَوَاءٌ، وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ لِوُجُودِ الدَّمِ فِيهِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَقِيلَ إنْ كَانَ لِلْبَرِّيِّ دَمٌ سَائِلٌ أَفْسَدَهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ الْبَحْرِيُّ مَا يَكُونُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ سُتْرَةٌ دُونَ الْبَرِّيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ شُرْبُهُ وَلَا يَحْرُمُ وَيُعْجَنُ بِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إنَّهُ طَاهِرٌ) أَيْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا سَبَبُهُ فَإِقَامَةُ الْقُرْبَةِ) قَالَ فِي الْكَافِي لِمُحَمَّدٍ إنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِانْتِقَالِ نَجَاسَةِ الْآثَامِ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا تُزَالُ بِالْقُرْبَةِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ» وَقَالَا إسْقَاطُ الْفَرْضِ مُؤَثِّرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا غَسَلَ الْأَعْضَاءَ، وَقَدْ حَلَّ فِيهَا مَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ تَحَوَّلَ ذَلِكَ الْمَانِعُ إلَى الْمَاءِ وَصَارَ نَظِيرَ تَحَوُّلِ الْآثَامِ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ إزَالَةُ الْحَدَثِ) حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُتَوَضِّئُ لِلتَّبَرُّدِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ لِلتَّبَرُّدِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُمَا وَزُفَرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا لِعَدَمِ فَضْلِ الْقُرْبَةِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ زَوَالِ الْحَدَثِ عِنْدَهُ بِلَا نِيَّةٍ، وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُتَوَضِّئُ لِقَصْدِ الْقُرْبَةِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ اهـ. كَاكِيٌّ. قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى إلَّا فِي الْجُنُبِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَإِنْ غَسَلَ رَأْسَ إنْسَانٍ مَقْتُولٍ قَدْ بَانَ مِنْهُ بِالْمَاءِ كَانَ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ إذَا وُجِدَ مَعَ الْبَدَنِ ضُمَّ إلَى الْبَدَنِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ فَكَانَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَنِ فَيَكُونُ غُسَالَتُهُ مُسْتَعْمَلَةً قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْبَدَنِ لَا يَبْقَى طَهُورًا، وَاخْتَلَفُوا فِي طَهَارَتِهِ وَفِي السَّبَبِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي يَأْخُذُ الْمَاءُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ، أَمَّا السَّبَبُ اتَّفَقُوا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا اسْتَعْمَلَهُ لِلطَّهَارَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِسُقُوطِ الْفَرْضِ إذَا لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ، أَوْ قَصَدَ التَّبَرُّدَ أَوْ إخْرَاجَ الدَّلْوِ مِنْ الْبِئْرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَأَمَّا وَقْتُ ثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ اتَّفَقُوا أَنَّهُ مَا دَامَ عَلَى الْعُضْوِ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ، وَبَعْدَ الزَّوَالِ عَنْ الْعُضْوِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ كَانَ فِي الْهَوَى بَعُدَ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُحْدِثَ إذَا غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ فَأَمْسَكَ إنْسَانٌ يَدَهُ تَحْتَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسَلَهُمَا بِذَلِكَ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَكَذَا الْمُحْدِثُ إذَا غَسَلَ عُضْوًا قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الْمَكَانِ غَسَلَ بِهِ عُضْوًا آخَرَ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان وَيَسْكُنْ عَنْ التَّحْرِيكِ. وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَنَجَاسَتِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا هُوَ نَجِسٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ طَاهِرٌ فَإِنْ أَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ ثَوْبًا إنْ كَانَ ذَلِكَ مَاءَ الِاسْتِنْجَاءِ فَأَصَابَهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَاءَ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْحُشْ، وَالْفَاحِشُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يُفْحِشُهُ النَّاظِرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ رُبْعَ الثَّوْبِ فَهُوَ كَبِيرٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ شِبْرًا فِي شِبْرٍ فَهُوَ كَبِيرٌ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقَدَّرُ بِالرُّبْعِ قِيلَ أَرَادَ بِهِ رُبْعَ الْكُمِّ وَرُبْعَ الذَّيْلِ لَا رُبْعَ جَمِيعِ الثَّوْبِ. الْمَرْأَةُ إذَا وَصَلَتْ شَعْرَهَا بِشَعْرِ غَيْرِهَا ثُمَّ غَسَلَتْ الشَّعْرَ الَّذِي وَصَلَتْ لَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ غَسَلَتْ شَعْرَ الرَّأْسِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا اهـ. ظَهِيرِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ) لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ لَا يَجِدَ إنَاءً صَغِيرًا وَلَا يُمْكِنُهُ صَبُّ

وَرَدَ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي اغْتِسَالِهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَعْضَائِهِ أَفْسَدَهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فَكَذَا هُنَا؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ يَكْثُرُ، وَالْجَنَابَةُ تَكْثُرُ أَيْضًا فَلَوْ اغْتَسَلُوا لِإِخْرَاجِ الدَّلْوِ كُلَّمَا وَقَعَ يُحْرَجُونَ وَلَوْ تَوَضَّأَ الصَّبِيُّ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا. وَلَوْ غَسَلَ الطَّاهِرُ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ غَيْرَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَالْفَخِذِ وَالْجَنْبِ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ قِيلَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا كَأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَقِيلَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَأَمَّا وَقْتُ ثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ فَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا حَتَّى يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ أَرْضًا أَوْ إنَاءً أَوْ كَفَّ الْمُتَوَضِّئِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالُوا لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَا بَقِيَ فِي كَفِّهِ مِنْ الْبَلَّةِ يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ بَقِيَ مِنْ بَدَنِهِ لَمْعَةٌ مِنْ عُضْوٍ فَأَخَذَ الْمَاءَ مِنْهُ أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ فَغَسَلَ بِهِ اللَّمْعَةَ جَازَ وَلَا يَجُوزُ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ عُضْوٍ آخَرَ فِي الْوُضُوءِ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ كُلَّهُ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ وَاحِدٍ فِيهَا وَمِنْ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ فِي الْجَنَابَةِ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْعِبَهَا بِهِ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ فِي مَوْضِعٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَا زَايَلَ الْعُضْوَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ بَعْدَهُ، وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْبَلَّةِ بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ فِي رِوَايَةٍ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَعَلَى الصَّحِيحِ إنَّمَا يَجُوزُ بَعْدَمَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الْمَغْسُولِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَأَدَّى بِمَا جَرَى عَلَى الْعُضْوِ لَا بِالْبَلَّةِ الْبَاقِيَةِ فِي الْكَفِّ وَغَيْرِهِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَسْأَلَةُ الْبِئْرِ جحط) أَيْ إذَا انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي الْبِئْرِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الرَّجُلُ وَالْمَاءُ نَجِسَانِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كِلَاهُمَا بِحَالِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كِلَاهُمَا طَاهِرٌ فَالْجِيمُ عَلَامَةُ نَجَاسَتِهِمَا وَالْحَاءُ عَلَامَةُ بَقَائِهِمَا عَلَى حَالِهِمَا وَالطَّاءُ عَلَامَةُ طَهَارَتِهِمَا. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الصَّبِّ وَكَذَا الْمَاءُ لِعَدَمِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الرَّجُلَ بِحَالِهِ لِعَدَمِ الصَّبِّ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَكَذَا الْمَاءُ بِحَالِهِ لِعَدَمِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَإِزَالَةِ الْحَدَثِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَاءَ نَجِسٌ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ الْبَعْضِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَالرَّجُلُ نَجِسٌ لِبَقَاءِ الْحَدَثِ فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ أَوْ لِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقَاوِيلِ وَعَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» وَأَيُّ نَكِرَةٌ يُرَادُ بِهَا جُزْءُ مَا تُضَافُ إلَيْهِ وَقَدْ وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ فَتَعُمُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ وَفِي الْفِيلِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ. وَقَوْلُهُ: طَهُرَ يُفِيدُ طَهَارَةَ بَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ حَتَّى لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا الْوُضُوءُ مِنْهُ عِنْدَهُ، وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ كُلُّ إهَابٍ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ جِلْدٍ يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ، وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ مِثْلُ جِلْدِ الْحَيَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالْفَأْرَةِ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ كَاللَّحْمِ وَعَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَاءِ عَلَى يَدِهِ مِنْ الْكَبِيرِ فَيُضْطَرُّ إلَى الْإِدْخَالِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَلَوْ اغْتَسَلُوا لِإِخْرَاجِ الدَّلْوِ كُلَّمَا وَقَعَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنَّمَا لَمْ يَحْكُمْ مُحَمَّدٌ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّهُمْ لَوْ جَاءُوا بِمَنْ يَطْلُبُ دَلْوَهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُكَلِّفُوهُ بِالِاغْتِسَالِ أَوَّلًا اهـ (قَوْلُهُ بِمَا جَرَى عَلَى الْعُضْوِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْبَلَّةَ الْبَاقِيَةَ فِي الْكَفِّ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ بَلْ الْمُسْتَعْمَلُ الَّذِي انْفَصَلَ مِنْ الْكَفِّ وَجَرَى عَلَى الْعُضْوِ الَّذِي أُرِيدَ غَسْلُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَسْأَلَةُ الْبِئْرِ جحط) كَلَامٌ إضَافِيٌّ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ جحط فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ تَقْدِيرُهُ وَمَسْأَلَةُ الْبِئْرِ تُضْبَطُ فِيهَا بِحُرُوفِ جحط اهـ ع (قَوْلُهُ لِطَلَبِ الدَّلْوِ) قَيَّدَ بِهِ إذْ لَوْ انْغَمَسَ لِلِاغْتِسَالِ يَفْسُدُ الْمَاءُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْجُنُبِ الَّذِي لَيْسَ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ مِنْ الْمَنِيِّ وَغَيْرِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَاءُ) أَيْ طَاهِرٌ طَهُورٌ، وَإِلَّا فَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ) أَيْ الَّتِي يَصِيرُ الْمَاءُ بِهَا مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ شَرْطٌ) أَيْ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ وَإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ) أَيْ لِلْقِيَاسِ وَقَالَ الْكَافِي أَيْ أَسْهَلُ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْأَعْضَاءِ فَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إلَى الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهِ وَبَعْدَ الِانْفِصَالِ لَا ضَرُورَةَ. اهـ. كَاكِيٌّ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُلُّ إهَابٍ) اسْمٌ لِلْجِلْدِ الْغَيْرِ الْمَدْبُوغِ وَالْمُرَادُ إهَابُ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّ إهَابَ الْمُذْكَاةِ طَاهِرٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الدِّبَاغَةِ. اهـ. يَحْيَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا هُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَبَدَّلَ إلَى الطَّهَارَةِ بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي بَابِ الْأَسْآرِ: فَإِنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ نَجِسُ الْعَيْنِ حَتَّى لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا بِالْمُجَاوَرَةِ لَجَازَ بَيْعُهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ وَالدُّهْنِ النَّجِسِ، ثُمَّ الدِّبَاغُ أَثَّرَ فِيهِ وَطُهْرَهُ كَتَخْلِيلِ الْخَمْرِ فَعُلِمَ أَنَّ مَا هُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ يَحْتَمِلُ التَّبَدُّلَ إلَى الطَّهَارَةِ بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ اهـ. (قَوْلُهُ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ») الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ غَيْرَ الْبُخَارِيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْ وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ) أَيْ وَهِيَ الدِّبَاغَةُ اهـ (قَوْلُهُ فَتَعُمُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ)، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَكِيَّةً أَوْ مَيْتَةً. اهـ. رَازِيٌّ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَنْتَفِعُوا بِالْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» وَلِلشَّافِعِيِّ فِي جِلْدِ الْكَلْبِ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَهُ رَازِيٌّ فَإِنْ قِيلَ الْحَدِيثُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ وَلَا يَطْهُرَانِ بِالدِّبَاغِ قُلْنَا جِلْدُ الْخِنْزِيرِ لَا يَنْدَبِغُ فَلَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ شَعْرَهُ غَلِيظٌ يَنْبُتُ مِنْ لَحْمِهِ وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ كَالْخَمْرِ، وَجِلْدُ الْآدَمِيِّ إنْ احْتَمَلَ الدِّبَاغَ طَهُرَ لَكِنْ لَا يَحِلُّ دَبْغُهُ وَسَلْخُهُ وَابْتِذَالُهُ احْتِرَامًا لَهُ كَشَعْرِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَفِي الْفِيلِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ) أَيْ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ نَجِسُ الْعَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا الْوُضُوءُ مِنْهُ) أَيْ بِأَنْ جُعِلَ قُرْبَةً اهـ

مُحَمَّدٍ لَوْ أَصْلَحَ مَصَارِينَ الشَّاةِ الْمَيِّتَةِ أَوْ دَبَغَ الْمَثَانَةَ وَأَصْلَحَهَا طَهُرَتْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ كَاللَّحْمِ ثُمَّ كُلُّ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ وَالْفَسَادَ فَهُوَ دِبَاغٌ، وَاَلَّذِي يَمْنَعُ النَّتْنَ عَلَى نَوْعَيْنِ حَقِيقِيٌّ كَالْقَرَظِ وَالشَّثِّ وَالْعَفْصِ وَنَحْوِهِ وَحُكْمِيٌّ كَالتَّتْرِيبِ وَالتَّشْمِيسِ وَالْإِلْقَاءِ فِي الرِّيحِ، وَلَوْ جَفَّ وَلَمْ يَسْتَحِلَّ لَمْ يَطْهُرْ وَمَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَةِ وَالدِّمَاءِ مِنْ الدِّبَاغِ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ: يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِهَا وَلَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ كَمَا لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ سُؤْرَهُ نَجِسٌ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ) أَمَّا الْخِنْزِيرُ فَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ إذْ الْهَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] رَاجِعٌ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْخِنْزِيرِ لِقُرْبِهِ، فَإِنْ قِيلَ عَوْدُ الضَّمِيرِ كَمَا يَكُونُ إلَى الْأَقْرَبِ يَكُونُ إلَى الْمَقْصُودِ، وَالْمُضَافُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّسْبَةِ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَوَجَبَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ كَمَا يُقَالُ لَقِيت ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثْته قُلْنَا لَا يَمْتَنِعُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114] وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَ الْأَصْلَانِ فَصَرْفُهُ إلَى مَا هُوَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَوْلَى إذْ اللَّحْمُ مَوْجُودٌ فِي الْخِنْزِيرِ، وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَلِحُرْمَتِهِ وَاسْتِثْنَاؤُهُ مَعَ الْخِنْزِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إذَا دُبِغَ طَهُرَ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَسَائِرِ أَجْزَائِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَعْرُ الْإِنْسَانِ وَالْمَيْتَةِ وَعَظْمُهُمَا طَاهِرَانِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْمَيْتَةِ حَلَالٌ إلَّا مَا أُكِلَ مِنْهَا» «وَكَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْطٌ مِنْ عَاجٍ»، وَلِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَاوَلَ شَعْرَهُ أَبَا طَلْحَةَ فَقَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ» وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُمَا نَجِسَانِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ فِيهِمَا حَتَّى لَا يَتَأَلَّمُ الْحَيَوَانُ بِقَطْعِهِمَا فَلَا يُحِلُّهُمَا الْمَوْتُ وَأَرَادَ بِالْمَيْتَةِ غَيْرَ الْخِنْزِيرِ، وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَجَمِيعُ أَجْزَائِهِ نَجِسُ الْعَيْنِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي شَعْرِهِ، وَهُوَ يَقُولُ إنَّ حَلَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَنَا أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ إذْ الْهَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] مُنْصَرِفٌ إلَيْهِ وَهُوَ يَشْمَلُ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ، وَجَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِلْأَسَاكِفَةِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي غَيْرِهِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ، وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ وَبَيْضُهَا وَعَصَبُهَا وَإِفْحَتُهَا الصُّلْبَةُ طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَمُوتُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُشْرَبُ اللَّبَنُ لِأَنَّهُ فِي وِعَاءِ الْمَيْتَةِ وَكَذَا الْبَيْضُ إنْ كَانَ مَائِعًا لَا يَأْكُلُهُ وَنَافِجَةُ الْمِسْكِ إنْ كَانَتْ بِحَالٍ لَوْ أَصَابَهَا الْمَاءُ لَمْ تَفْسُدْ فَهِيَ طَاهِرَةٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ بِكُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الْمَثَانَةُ) بِالْمُثَلَّثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالشَّثُّ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ شَجَرٌ يُدْبَغُ بِوَرَقِهِ، وَهُوَ كَوَرَقِ الْخِلَافِ وَالشَّبُّ تَصْحِيفٌ لِأَنَّهُ صِبَاغٌ لَا دِبَاغٌ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَالْعَفْصُ) أَيْ يَطْهُرُ الْجِلْدُ وَلَا تَعُودُ نَجَاسَتُهُ أَبَدًا. اهـ. وِقَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ جَفَّ وَلَمْ يَسْتَحِلَّ لَمْ يَطْهُرْ) أَيْ لَمْ يَزُلْ نَتْنُهُ وَفِي الْحِلْيَةِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ: سَمِعْت بَعْضَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّمَا يَطْهُرُ بِالتَّشْمِيسِ إذَا عَمِلَتْ الشَّمْسُ بِهِ عَمَلَ الدِّبَاغِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَمَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ) إنَّمَا يَطْهُرُ الْجِلْدُ بِالذَّكَاةِ إذَا كَانَتْ فِي الْمَحَلِّ مِنْ الْأَهْلِ فَذَكَاةُ الْمَجُوسِيِّ لَا يَطْهُرُ بِهَا الْجِلْدُ بَلْ بِالدَّبْغِ؛ لِأَنَّهَا إمَاتَةٌ قَالَهُ الْكَمَالُ، وَفِي الْقُنْيَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ اهـ. وَفِي الْأَسْرَارِ عَنْ مَشَايِخِنَا لَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ بِالذَّكَاةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا لِلْكَرَامَةِ فِيمَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ تَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ لَكِنْ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ تَمْنَعُ مُمَاسَّةَ اللَّحْمِ الْجِلْدَ فَلَا يَنْجُسُ، وَبِهِ أَخَذَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَبُو جَعْفَرٍ وَالنَّاطِفِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَقَاضِي خَانْ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَطْهُرُ لَحْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الْأَكْلُ بِدَلِيلِ أَنَّ جِلْدَهُ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَالْجِلْدُ مُتَّصِلٌ بِاللَّحْمِ، وَبِهِ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ الْكَرَابِيسِيُّ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ: مَجُوسِيٌّ ذَبَحَ حِمَارًا قِيلَ لَا يَطْهُرُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ بِالتُّرَابِ أَوْ بِالشَّمْسِ يَطْهُرُ إذَا يَبِسَ ثُمَّ بِإِصَابَةِ الْمَاءِ هَلْ يَعُودُ نَجِسًا فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَانِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ صَارَ بِالشَّمْسِ بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ لَمْ يَفْسُدْ كَانَ دِبَاغًا اهـ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فَلَوْ أَصَابَهَا مَاءٌ أَوْ شَيْءٌ مَائِعٌ بَعْدَ الدِّبَاغَةِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا يَعُودُ نَجِسًا وَبَعْدَ الْحُكْمِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ) قِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا عِنْدَنَا، وَاَلَّذِي قِيلَ إذَا طُحِنَ سِنُّ الْآدَمِيِّ مَعَ الْحِنْطَةِ لَمْ تُؤْكَلْ فَذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ لَا لِنَجَاسَتِهِ، وَالْجَوَابُ عَنْ تَعَلُّقِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَيْتَةُ مَا فَارَقَهُ الرُّوحُ بِلَا ذَكَاةٍ وَلَا رُوحَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ التَّحْرِيمِ اهـ كَاكِيٌّ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ إهَانَةٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: 40] اهـ ع (قَوْلُهُ إذَا دُبِغَ طَهِرَ) قِيلَ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ لِئَلَّا يُسْتَعْمَلَ كَرَامَةً لَهُ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ)، قَالَ الرَّازِيّ وَجِلْدُ الْآدَمِيِّ إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الدِّبَاغَ فَطَاهِرٌ، وَإِنْ احْتَمَلَهُ طَهُرَ لَكِنْ لَا يَحِلُّ سَلْخُهُ وَدَبْغُهُ وَابْتِذَالُهُ احْتِرَامًا لَهُ انْتَهَى. فَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ مَا عَدَا هَذَيْنِ الْإِهَابَيْنِ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَهُوَ سَاكِتٌ عَنْهُمَا فَلَيْسَ فِيهِ الْحُكْمُ بِنَجَاسَتِهِمَا فَكَيْفَ فَهِمَهُ الشَّارِحُ وَاشْتَغَلَ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ أَقُولُ الْمَفْهُومُ فِي الرِّوَايَاتِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَنَا فَيُفْهَمُ الْحُكْمُ بِنَجَاسَتِهِمَا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ) ذَائِبًا كَانَ أَوْ جَامِدًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْفَحَتُهَا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الْحَاءِ أَوْ تَشْدِيدِهَا شَيْءٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ بَطْنِ الْجَدْيِ أَصْفَرُ يُعْصَرُ فِي صُوفَةٍ مُبْتَلَّةٍ فِي اللَّبَنِ فَيَغْلُظُ كَالْجُبْنِ وَلَا تَكُونُ إلَّا لِذِي كَرِشٍ، وَقِيلَ مِنْ نَفْسِ الْكَرِشِ إلَّا أَنَّهُ يُسَمَّى إنْفَحَةً مَا دَامَ رَضِيعًا، وَإِنْ رَعَى الْعُشْبَ سُمِّيَ كَرِشًا، وَيُقَالُ الْمِنْفَحَةُ أَيْضًا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَشْرَبُ اللَّبَنَ أَيْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إنْ كَانَ جَامِدًا يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ بِكُلِّ حَالٍ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَالصَّحِيحُ فِي نَافِجَةِ الْمِسْكِ جَوَازُ الصَّلَاةِ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. اهـ.

[ماء البئر إذا وقعت فيه نجاسة]

حَالٍ وَمِنْ الذَّكِيَّةِ طَاهِرَةٌ بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُنْزَحُ الْبِئْرُ بِوُقُوعِ نَجِسٍ) أَسْنَدَ الْفِعْلَ إلَى الْبِئْرِ وَالْمُرَادُ مَاؤُهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ كَقَوْلِهِمْ جَرَى الْمِيزَابُ وَسَالَ الْوَادِي وَأَكَلَ الْقِدْرَ، وَالْمُرَادُ مَا حَلَّ فِيهَا وَأَطْلَقَ النَّزْحَ وَلَمْ يُقَدِّرْهُ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ النَّجَاسَةِ، فَأَيُّ نَجِسٍ وَقَعَ فِيهَا يُوجِبُ نَزْحَهَا وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ، إمَّا أَنْ يُوجِبَ نَزْحَ الْجَمِيعِ أَوْ عِشْرِينَ دَلْوًا أَوْ أَرْبَعِينَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْحَلَمَةِ يُنْزَحُ عَشْرُ دِلَاءٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِعَدَمِ النَّقْلِ بِالتَّقْدِيرِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا يُنْزَحُ مِنْ ذَنَبِ الْفَأْرَةِ الْمُنْقَطِعِ الْمُشَمَّعِ عِشْرُونَ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا جَاءَ فِيهِ التَّقْدِيرُ ثُمَّ مَسَائِلُ الْبِئْرِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ؛ لِأَنَّ الْأَقْيِسَةَ فِيهَا مُتَعَارِضَةٌ فَفِي قِيَاسٍ يَجِبُ أَنْ لَا تَطْهُرَ أَبَدًا، وَهُوَ قَوْلُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ غَسْلُ حِجَارَتِهَا وَحِيطَانِهَا وَفِي قِيَاسٍ آخَرَ يَجِبُ أَنْ لَا تُنَجَّسَ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ اتَّفَقَ رَأْيِي وَرَأْيُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْجَارِي لِأَنَّهُ يَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلِهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ أَعْلَاهَا فَلَا تَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهَا كَحَوْضِ الْحَمَّامِ إذَا كَانَ الْمَاءُ يَنْصَبُّ فِيهِ مِنْ أَعْلَاهُ وَيُغْتَرَفُ مِنْ أَسْفَلِهِ لَا يَتَنَجَّسُ بِإِدْخَالِ الْيَدِ النَّجِسَةِ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ وَأَخَذْنَا بِالْأَثَرِ، وَهُوَ فِي الْمَقَادِيرِ كَالْخَبَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِبَعْرَتَيْ إبِلٍ وَغَنَمٍ وَخُرْءِ حَمَّامٍ وَعُصْفُورٍ) أَيْ لَا يَجِبُ النَّزْحُ بِوُقُوعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِيهَا، أَمَّا الْبَعْرُ فَلِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الْآبَارَ فِي الْفَلَوَاتِ لَيْسَ لَهَا رُؤْسٌ حَاجِزَةٌ وَالْإِبِلُ وَالْغَنَمُ تَبْعَرُ حَوْلَهَا فَتُلْقِيهِ الرِّيحُ فِيهَا فَلَوْ أَفْسَدَ الْقَلِيلُ الْمَاءَ لَزِمَ الْحَرَجُ وَهُوَ مَدْفُوعٌ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَالصَّحِيحِ وَالْمُتَكَسِّرِ وَالْبَعْرِ وَالْخِثْيِ وَالرَّوْثِ لِشُمُولِ الضَّرُورَةِ، وَبَعْضُهُمْ يُفَرَّقُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ آبَارِ الْمِصْرِ وَالْفَلَوَاتِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا قُلْنَا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَقِيلَ الثَّلَاثُ كَثِيرٌ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ بَعْرَتَيْ إبِلٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهَا بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ لَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ تَفْسُدُ وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ إنْ وَقَعَتْ فِيهَا بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ لَا تُفْسِدُهُ حَتَّى تَفْحُشَ وَالثَّلَاثُ لَيْسَ بِفَاحِشٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَثِيرَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ، وَالْقَلِيلَ مَا يَسْتَقِلُّهُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَقِيلَ الْكَثِيرُ مَا يُغَطِّي وَجْهَ الْمَاءِ كُلِّهِ، وَقِيلَ مَا لَا يَخْلُو فِيهِ كُلُّ دَلْوٍ عَنْ بَعْرَةٍ، وَالشَّاةُ تَبْعَرُ فِي الْمِحْلَبِ إنْ رَمَى مِنْ سَاعَتِهِ لَا يُنَجَّسُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْإِنَاءِ لَا يُعْفَى «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي فَأْرَةٍ مَاتَتْ فِي السَّمْنِ إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» وَأَمَّا خُرْءُ الْحَمَامِ وَالْعُصْفُورِ فَلَيْسَ بِنَجِسٍ لِعَدَمِ الِاسْتِحَالَةِ إلَى الْفَسَادِ وَلِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى اقْتِنَاءِ الْحَمَامَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ نَجِسٌ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ طَاهِرٌ لِمَا رُوِيَ مِنْ قِصَّةِ «الْعُرَنِيِّينَ أَنَّهُمْ اجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا» وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ مَاء الْبِئْر إذَا وقعت فِيهِ نَجَاسَة] قَوْلُهُ وَتُنْزَحُ الْبِئْرُ) أَيْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ اهـ ع (قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يُوجِبَ) أَيْ الْوُقُوعُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْحَلَمَةِ) الْحَلَمَةُ الْقُرَادُ الضَّخْمُ الْغَلِيظُ اهـ (قَوْلُهُ يُنْزَحُ عَشْرُ دِلَاءٍ) نَقَلَ الْكَاكِيُّ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ أَنَّهُ يُنْزَحُ فِي وَلَدِ الْفَأْرَةِ وَالْحَلَمَةِ عِشْرُونَ. اهـ. (قَوْلُهُ كَحَوْضِ الْحَمَّامِ) فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَفِي نَوَادِرِ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَاءُ الْحَمَّامِ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ وَفِي يَدِهِ قَذَرٌ لَمْ يَتَنَجَّسْ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي بَيَانِ هَذَا الْقَوْلِ قَالَ بَعْضُهُمْ: مُرَادُهُ حَالَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَاءُ يَجْرِي مِنْ الْأُنْبُوبِ إلَى حَوْضِ الْحَمَّامِ، وَالنَّاسُ يَغْتَرِفُونَ غَرْفًا مُتَدَارِكًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَوْضَ الْكَبِيرَ أُلْحِقَ بِالْمَاءِ الْجَارِي عَلَى كُلِّ حَالٍ لِلضَّرُورَةِ اهـ قَالَ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ عَقِبَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْجُمْلَةُ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَفِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ حَوْضُ الْحَمَّامِ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، قِيلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ يَدْخُلُ الْمَاءُ مِنْ الْأُنْبُوبِ وَالْغَرْفُ مُتَدَارَكٌ فَهُوَ كَالْجَارِي، وَتَفْسِيرُ الْغَرْفِ الْمُتَدَارَكِ أَنْ لَا يَسْكُنَ وَجْهُ الْمَاءِ بَيْنَ الْغَرْفَتَيْنِ، وَعَزَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مَا ذَكَرَ الزَّاهِدِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ إلَى أَبِي يُوسُفَ قَالَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ مَا قَالَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ: مَاءُ حَوْضِ الْحَمَّامِ طَاهِرٌ عِنْدَهُمْ مَا لَمْ يُعْلَمْ. (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ النَّزْحُ بِوُقُوعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِيهَا) وَلَوْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي جُبٍّ أُهْرِيقَ الْمَاءُ كُلُّهُ، كَذَا نَقَلَهُ الْكَاكِيُّ عَنْ الْمَبْسُوطِ قَالَ فِي زَادِ الْفَقِيرِ لِلْعَلَّامَةِ الْكَمَالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ وَقَعَ فِيهَا خُرْءُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ لَا يَفْسُدُ الْمَاءُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ فَلَا يَتَنَجَّسُ الثَّوْبُ أَيْضًا فَاعْلَمْهُ إلَّا الدَّجَاجَةَ وَالْبَطَّ وَالْإِوَزَّ، وَخُرْءُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطَّيْرِ لَا يَنْجُسُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَنَجَّسُ وَعَلَى هَذَا حَالُ الثَّوْبِ فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا) أَيْ مِنْ شُمُولِ الضَّرُورَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ رَمَى) أَيْ قَبْلَ التَّفَتُّتِ لَا يَنْجُسُ. اهـ. ظَهِيرِيَّةٌ . (قَوْلُهُ وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ نَجِسٌ) أَيْ عِنْدَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ طَاهِرٌ) وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ») الْحَدِيثَ. الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ» قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَحَادِيثِ عَنْ مَكَان مِنْ وَفِي الْمُغْرِبِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ لَحْنٌ اهـ فَالْبَوْلُ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ وَبَوْلَ مَا لَا يُؤْكَلُ وَالْعَامُّ الْمُتَّفَقُ عَلَى قَبُولِهِ أَوْلَى مِنْ الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ مَتْنَهُ أَقْوَى فَصَارَ كَعَامِّ الْكِتَابِ، وَالْخَاصُّ مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَلِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ الْأَلْبَانُ دُونَ الْأَبْوَالِ وَالْحَدِيثُ حِكَايَةُ حَالٍ فَمَتَى دَارَ بَيْنَ كَوْنِهِ حُجَّةً وَغَيْرَ حُجَّةٍ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى أَنَّهُ خَصَّهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَرَفَ شِفَاءَهُمْ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ وَلَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي زَمَانِنَا حَتَّى لَوْ تَعَيَّنَ الْحَرَامُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ إلَّا أَنْ يَحِلَّ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَلِأَنَّهُ عَلِمَ مَوْتَهُمْ مُرْتَدِّينَ وَحَيًّا، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ شِفَاءُ الْكَافِرِ فِي نَجِسٍ، وَالْحَدِيثُ مُخْتَصٌّ بِنَا لِمَكَانِ الْخِطَابِ وَلِأَنَّ الْمُحَرَّمَ وَالْمُبِيحَ إذَا وَرَدَا جُعِلَ

فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ إلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ فَأَشْبَهَ الْبَعْرَ، ثُمَّ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ تَنَجَّسَ الْبِئْرُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ طَهُورٌ مَا لَمْ يَغْلِبْ فَإِنْ غَلَبَ حَتَّى فَحَشَ فَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ كَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ إذَا اخْتَلَطَتْ بِالْمَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا مَا لَمْ يَكُنْ حَدَثًا) أَيْ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجِسًا كَالْقَيْءِ الْقَلِيلِ وَالدَّمِ إذَا لَمْ يَسِلْ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ دَمٌ وَإِنْ قَلَّ فَيَكُونُ نَجِسًا وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ النَّجِسُ هُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ فَمَا لَا يَكُونُ سَائِلًا لَا يَكُونُ نَجِسًا كَدَمِ الْبَعُوضِ وَالدِّمَاءِ الَّتِي تَبْقَى فِي الْعُرُوقِ بَعْدَ الذَّبْحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُشْرَبُ أَصْلًا) أَيْ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَا يُشْرَبُ أَصْلًا لَا لِلتَّدَاوِي وَلَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ نَجِسٌ، وَالتَّدَاوِي بِالطَّاهِرِ الْحَرَامِ كَلَبَنِ الْأَتَانِ لَا يَجُوزُ فَمَا ظَنُّك بِالنَّجِسِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ لِلتَّدَاوِي لِقِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ لِلتَّدَاوِي وَلِغَيْرِهِ لِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّدَاوِيَ بِالْمُحَرَّمِ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الطَّاهِرِ لَا يَجُوزُ شُرْبُهُ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَشَدُّ إشْكَالًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعِشْرُونَ دَلْوًا وَسَطًا بِمَوْتِ نَحْوِ فَأْرَةٍ) أَيْ يُنْزَحُ عِشْرُونَ دَلْوًا إذَا مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ وَنَحْوُهَا وَقَوْلُهُ وَعِشْرُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْبِئْرِ، وَفِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَصِيرُ مَعْنَاهُ تُنْزَحُ الْبِئْرُ وَعِشْرُونَ دَلْوًا وَأَرْبَعُونَ وَكُلُّهُ فَيَفْسُدُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يَقْتَضِي نَزْحَ الْبِئْرِ وَعِشْرِينَ دَلْوًا وَلَيْسَ هَذَا بِمُرَادٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ تُنْزَحَ الْبِئْرُ إذَا وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِيهَا، ثُمَّ ذَلِكَ النَّجِسُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهُ مَا يُوجِبُ نَزْحَ عِشْرِينَ، وَمِنْهُ مَا يُوجِبُ نَزْحَ أَرْبَعِينَ وَمِنْهُ مَا يُوجِبُ نَزْحَ الْجَمِيعِ. وَلَيْسَ نَزْحُ الْبِئْرِ مُغَايِرًا لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى يُعْطَفَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ وَتَقْسِيمٌ لِذَلِكَ النَّزْحِ الْمُبْهَمِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ عَطْفِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ أَيْضًا مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] وَلَا يُقَالُ إنَّهُ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا يُوجِبُ نَزْحَ الْجَمِيعِ وَبِالْمَعْطُوفِ مَا يُوجِبُ نَزْحَ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُوجِبُ نَزْحَ الْجَمِيعِ أَيْضًا، فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ الْجَمِيعَ لَمَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا لِكَوْنِهِ تَكْرَارًا مَحْضًا وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَبَقِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَقَوْلُهُ بِنَحْوِ فَأْرَةٍ أَيْ بِمَوْتِ فَأْرَةٍ يُنْزَحُ عِشْرُونَ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يُنْزَحُ فِي الْفَأْرَةِ عِشْرُونَ دَلْوًا وَالْعُصْفُورَةُ وَنَحْوُهَا تُعَادِلُ الْفَأْرَةَ فِي الْجُثَّةِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا، وَإِنْ وَقَعَ فِيهَا فَأْرَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَرْبَعَ كَفَارَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْخَمْسَ كَالدَّجَاجَةِ إلَى تِسْعٍ وَالْعَشْرَ كَالشَّاةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِي الْفَأْرَتَيْنِ إذَا كَانَتَا كَهَيْئَةِ الدَّجَاجَةِ يُنْزَحُ أَرْبَعُونَ وَفِي الْهِرَّتَيْنِ يُنْزَحُ مَاؤُهَا كُلُّهُ. وَلَوْ كَانَتْ الْفَأْرَةُ مَجْرُوحَةً نُزِحَ جَمِيعُ الْمَاءِ لِأَجْلِ الدَّمِ وَلَا يُعْتَدُّ بِالنَّزْحِ قَبْلَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ وَلَوْ صُبَّ دَلْوٌ مِنْهَا فِي بِئْرٍ طَاهِرَةٍ نُزِحَ الْمَصْبُوبُ وَقَدْرُ مَا بَقِيَ بَعْدَ تِلْكَ الدَّلْوِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُحَرَّمُ أَحْيَانًا مُبِيحًا لِئَلَّا يَلْزَمَ النَّسْخُ مَرَّتَيْنِ وَلِأَنَّ فِيهِ مُثْلَةً وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ. اهـ. كَافِي فَقَدْ أَبَاحَ الْبَوْلَ كَمَا أَبَاحَ اللَّبَنَ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا أَبَاحَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» كَافِي (قَوْلُهُ «فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ») ثُمَّ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الْقَبْرِ مَعَ اسْتِنْزَاهِ الْبَوْلِ هُوَ أَنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، وَالطَّهَارَةُ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الصَّلَاةِ، وَالِاسْتِنْزَاهُ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الطَّهَارَةِ، وَالصَّلَاةُ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ الْمَرْءُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَانَتْ الطَّهَارَةُ أَوَّلَ مَا يُعَذَّبُ بِتَرْكِهَا فِي أَوَّلِ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ إلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ) قَيَّدَ بِهِمَا احْتِرَازًا عَمَّا لَا نَتْنَ فِيهِ، فَإِنَّ مَا يُحِيلُهُ الطَّبْعُ عَلَى نَوْعَيْنِ نَوْعٌ تُحِيلُهُ إلَى فَسَادٍ وَهُوَ نَجِسٌ كَالدَّمِ وَالْغَائِطِ وَنَوْعٌ لَا تُحِيلُهُ إلَيْهِ كَالْبَيْضَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِنَجِسٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ غَلَبَ حَتَّى فَحَشَ) هَذِهِ زِيَادَةٌ فَاسِدَةٌ فَاحِشَةٌ، قَالَ قَاضِي خَانْ وَزَرْقُ سِبَاعِ الطَّيْرِ يُفْسِدُ الثَّوْبَ إذَا فَحُشَ وَيُفْسِدُ مَاءَ الْأَوَانِي وَلَا يُفْسِدُ مَاءَ الْبِئْرِ (قَوْلُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ حُكْمًا إذْ لَمْ تَنْتَقِضْ بِهِ الطَّهَارَةُ فَيَكُونُ طَاهِرًا حُكْمًا. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّهُ نَجِسٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلسَّيَلَانِ فِي النَّجَاسَةِ، فَإِذَا كَانَ السَّائِلُ نَجِسًا فَغَيْرُ السَّائِلِ يَكُونُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ لَا لِلتَّدَاوِي) أَيْ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ فَلَا يُعْرِضُ عَنْهَا إلَّا بِتَيَقُّنِ الشِّفَاءِ، وَلَمْ يُوجَدْ تَيَقُّنُ شِفَاءِ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ الْأَطِبَّاءُ وَقَوْلُهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ قَطْعِيَّةٍ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ شِفَاءُ قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ لِاخْتِلَافِ الْأَمْزِجَةِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَلِغَيْرِهِ) أَيْ كَمَا فِي لَبَنِ الْأَتَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعِشْرُونَ دَلْوًا إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ سَامٌّ أَبْرَصُ فَمَاتَ يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ وَلَوْ كَانَ الدَّلْوُ مُتَخَرِّقًا يَطْهُرُ إذَا بَقِيَ فِيهِ أَكْثَرُ مَائِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْبِئْرِ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ نُزِحَ مَا فِيهَا فَإِذَا جَاءَ الْمَاءُ بَعْدَهُ لَا يُنْزَحُ مِنْهُ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِنَحْوِ فَأْرَةٍ) وَالصَّعْوَةُ وَالْعُصْفُورُ بِمَنْزِلَةِ الْفَأْرَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْجُثَّةِ. اهـ. قَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ وَتَقْسِيمٌ لِذَلِكَ النَّزْحِ الْمُبْهَمِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ سَاقَ إشْكَالَ الشَّارِحِ قُلْت هَذَا كُلُّهُ تَعَسُّفٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَيُنْزَحُ مِنْ الْبِئْرِ عِشْرُونَ دَلْوًا عِنْدَ وُقُوعِ نَحْوِ فَأْرَةٍ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَبَيَّنَ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى أَنَّ الْحُكْمَ نَزْحُ كُلِّ الْمَاءِ وَفِي الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ نَزْحُ الْبَعْضِ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ اهـ أَيْ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ عَطْفِ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْكُلِّيِّ عَلَى الْكُلِّيِّ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ هُوَ الْبِئْرُ وَالْمَاءُ الْمَنْزُوحُ بِعِشْرِينَ دَلْوًا لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِهِ، أَقُولُ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ نَزْحَ مَاءِ الْبِئْرِ كَانَ مِنْ أَفْرَادِهِ فَهُوَ نَظِيرُ الْآيَةِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ قَبْلَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ) لِأَنَّهَا سَبَبُ النَّجَاسَةِ وَمَعَ بَقَائِهَا لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بَعْدَ تِلْكَ الدَّلْوِ) قَالَ

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يُنْزَحُ قَدْرُ الْبَاقِي بَعْدَ الْمَصْبُوبِ لَا غَيْرُ مِثَالُهُ لَوْ صَبَّ الدَّلْوَ الْعَاشِرَ نَزَحَ أَحَدَ عَشَرَ دَلْوًا فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ الْعَشَرَةُ الَّتِي بَقِيَتْ وَالدَّلْوُ الْمَصْبُوبُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَأْرَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يُنْزَحُ عَشْرُ دِلَاءٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَوْ صَبَّ مَاءَ بِئْرٍ نَجِسَةٍ فِي بِئْرٍ أُخْرَى وَهِيَ نَجِسَةٌ أَيْضًا يَنْظُرُ بَيْنَ الْمَصْبُوبِ وَبَيْنَ الْوَاجِبِ فِيهَا أَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ أَغْنَى عَنْ الْأَقَلِّ فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَنَزْحُ إحْدَاهُمَا يَكْفِي مِثَالُهُ بِئْرَانِ مَاتَتْ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَأْرَةٌ فَنَزَحَ مِنْ إحْدَاهُمَا عَشْرَ دِلَاءٍ مَثَلًا وَصَبَّ فِي الْأُخْرَى يُنْزَحُ عِشْرُونَ وَلَوْ صُبَّ دَلْوٌ وَاحِدَةٌ فَكَذَلِكَ وَلَوْ مَاتَتْ فَأْرَةٌ فِي بِئْرٍ ثَالِثَةٍ فَصُبَّ فِيهَا مِنْ إحْدَى الْبِئْرَيْنِ عِشْرُونَ وَمِنْ الْأُخْرَى عَشْرَةٌ يُنْزَحُ ثَلَاثُونَ، وَلَوْ صُبَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِشْرُونَ نُزِحَ أَرْبَعُونَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْزَحَ الْمَصْبُوبُ ثُمَّ الْوَاجِبُ فِيهَا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ. قَوْلُهُ وَسَطًا الْوَسَطُ هِيَ الدَّلْوُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوُهَا؛ لِأَنَّهَا أَيْسَرُ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ مَا يَسَعُ صَاعًا وَقِيلَ عَشْرَةُ أَرْطَالٍ وَقِيلَ الْكَبِيرُ مَا زَادَ عَلَى الصَّاعِ وَالصَّغِيرُ مَا دُونَ الصَّاعِ وَالْوَسَطُ الصَّاعُ وَلَوْ نَزَحَ بِدَلْوٍ عَظِيمٍ مَرَّةً مِقْدَارَ عِشْرِينَ دَلْوًا جَازَ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِتَوَاتُرِ الدِّلَاءِ يَصِيرُ كَالْمَاءِ الْجَارِي قُلْنَا قَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ وَهُوَ إخْرَاجُ قَدْرِ الْوَاجِبِ وَاعْتِبَارُ مَعْنَى الْجَرَيَانِ سَاقِطٌ، وَلِهَذَا لَوْ نَزَحَهَا فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ دَلْوَيْنِ جَازَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَرْبَعُونَ بِنَحْوِ حَمَامَةٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي الدَّجَاجَةِ تَمُوتُ فِي الْبِئْرِ يُنْزَحُ مِنْهَا أَرْبَعُونَ دَلْوًا، وَالْحَمَامَةُ وَنَحْوُهَا تُعَادِلُهَا فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا ثُمَّ بِطَهَارَةِ الْبِئْرِ يَطْهُرُ الدَّلْوُ وَالرِّشَاءُ وَالْبَكَرَةُ وَنَوَاحِي الْبِئْرِ وَيَدُ الْمُسْتَقِي رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِنَجَاسَةِ الْبِئْرِ فَتَكُونُ طَهَارَتُهَا بِطَهَارَتِهَا نَفْيًا لِلْحَرَجِ كَعُرْوَةِ الْإِبْرِيقِ تَطْهُرُ بِطَهَارَةِ الْيَدِ النَّجِسَةِ فِي الثَّالِثَةِ. وَيَدُ الْمُسْتَنْجِي تَطْهُرُ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ وَكَدَنِّ الْخَمْرِ يَطْهُرُ تَبَعًا إذَا صَارَتْ خَلًّا، وَقِيلَ لَا تَطْهُرُ الدَّلْوُ فِي حَقِّ بِئْرٍ أُخْرَى كَدَمِ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْبِئْرِ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ الدَّلْوُ الْأَخِيرُ عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الدَّلْوِ حُكْمُ الْمُتَّصِلِ بِالْمَاءِ، وَالْبِئْرِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَطْهُرُ بِالِانْفِصَالِ عَنْ الْمَاءِ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا يَتَقَاطَرُ لِلضَّرُورَةِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا انْفَصَلَ الدَّلْوُ الْأَخِيرُ عَنْ الْمَاءِ وَلَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ وَاسْتَقَى مِنْ مَائِهَا رَجُلٌ، ثُمَّ عَادَ الدَّلْوُ فَعِنْدَهُمَا الْمَاءُ الْمَأْخُوذُ قَبْلَ الْعَوْدِ نَجِسٌ وَعِنْدَهُ طَاهِرٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّهُ بِنَحْوِ شَاةٍ وَانْتِفَاخِ حَيَوَانٍ أَوْ تَفَسُّخِهِ) أَيْ يَجِبُ نَزْحُ جَمِيعِ الْمَاءِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا بِتَفَسُّخِ الْحَيَوَانِ أَوْ انْتِفَاخِهِ فَلِانْتِشَارِ الْبَلَّةِ فِي أَجْزَاءِ الْمَاءِ وَأَمَّا بِنَحْوِ الشَّاةِ فَلِمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ زِنْجِيًّا وَقَعَ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ فَمَاتَ فِيهَا فَأَمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ فَأُخْرِجَ وَأَمَرَا بِهَا أَنْ تُنْزَحَ قَالَ فَغَلَبَتْهُمْ عَيْنٌ جَاءَتْهُمْ مِنْ الرُّكْنِ فَأَمَرَا بِهَا فَسُدَّتْ بِالْقُبَاطِيِّ وَالْمَطَارِفِ حَتَّى نَزَحُوهَا فَلَمَّا نَزَحُوهَا انْفَجَرَتْ عَلَيْهِمْ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا، ثُمَّ مَا كَانَ فَوْقَ الْفَأْرَةِ دُونَ الْحَمَامَةِ يَلْحَقُ بِالْفَأْرَةِ وَمَا كَانَ فَوْقَ الدَّجَاجَةِ دُونَ الشَّاةِ يَلْحَقُ بِالدَّجَاجَةِ، هَذَا فِيمَا إذَا مَاتَ الْحَيَوَانُ فِيهَا فَأَمَّا إذَا خَرَجَ حَيًّا فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ نَجِسَ الْعَيْنِ وَلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّاهِدِيُّ فَحُكْمُ الْمَصْبُوبِ فِيهِ حُكْمُ مَا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) وَعَلَى هَذَا لَوْ صَبَّ الدَّلْوَ الْأَخِيرَ فِي أُخْرَى طَاهِرَةٍ يُنْزَحُ مِنْهَا دَلْوٌ فَقَطْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ اهـ. وَبَعْضُهُمْ وَفَّقَ فَقَالَ عَشَرَةٌ سِوَى الْمَصْبُوبِ وَإِحْدَى عَشْرَةَ مَعَ الْمَصْبُوبِ. اهـ. غَايَةٌ. قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ فَأْرَةٌ مَاتَتْ فِي جُبِّ مَاءٍ فَوَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فِي بِئْرٍ فَإِنَّهُ يُنْزَحُ مِنْ الْبِئْرِ عِشْرُونَ دَلْوًا أَوْ ثَلَاثُونَ كَأَنَّ الْفَأْرَةَ وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ، وَإِنْ وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي الْجُبِّ وَتَفَسَّخَتْ ثُمَّ صُبَّ قَطْرَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فِي بِئْرٍ فَإِنَّهُ يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ كَأَنَّ الْفَأْرَةَ وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ وَتَفَسَّخَتْ. (فَرْعٌ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جِلْدُ الْإِنْسَانِ إذَا وَقَعَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ قِشْرُهُ إنْ كَانَ قَلِيلًا مِثْلُ مَا يَتَنَاثَرُ مِنْ شُقُوقِ الرِّجْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا تَفْسُدُ وَمِقْدَارُ الظُّفْرِ كَثِيرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ وَلَوْ وَقَعَ الظُّفْرُ فِي الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ اهـ. قَالَ قَاضِي خَانْ جِلْدُ الْآدَمِيِّ أَوْ لَحْمُهُ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ مِقْدَارَ الظُّفْرِ يُفْسِدُهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ لَا يُفْسِدُهُ. اهـ. . الْفَأْرَةُ إذَا وَقَعَتْ فِي الْخَمْرِ فَصَارَ خَلًّا إنْ لَمْ تَتَفَسَّخْ وَأُخْرِجَتْ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ خَلًّا جَازَ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ جُزْءٌ مِنْهَا فِيهَا، وَإِنْ تَفَسَّخَ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ بَقِيَ فِيهَا جُزْءٌ مِنْهَا. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَيَأْتِي فِي الْأَنْجَاسِ نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ مِقْدَارُ عِشْرِينَ دَلْوًا جَازَ) وَهُوَ أَوْلَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي وَجَبَ إخْرَاجُهُ مِنْهَا قَدْ أُخْرِجَ مَعَ قِلَّةِ مَا يَعُودُ إلَيْهَا مِنْ الْقَطْرِ فَكَانَ أَوْلَى. اهـ. أَقْطَعُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِتَوَاتُرٍ) وَلَا تَوَاتُرَ فِي دَلْوٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُعْتَبَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ كُلَّ يَوْمٍ دَلْوَيْنِ جَازَ) أَيْ وَلَا تَوَاتُرَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا) فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَرَّ أَنَّ مَسَائِلَ الْآبَارِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي الْفَأْرَةِ وَالدَّجَاجَةِ وَالْآدَمِيِّ وَقَدْ قِيسَ مَا عَادَلَهَا بِهَا قُلْنَا بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ هَذَا الْأَصْلُ صَارَ كَاَلَّذِي ثَبَتَ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ فِي حَقِّ التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ الَّتِي يَأْبَى الْقِيَاسُ جَوَازَهَا إذَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْعُقُودِ الَّتِي عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ فِي حَقِّ التَّفْرِيعِ، كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْخَبَّازِيَّةِ وَالْأَوْلَى أَنْ نَقُولَ هَذَا إلْحَاقٌ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ بِالْقِيَاسِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الدَّلْوِ حُكْمُ الْمُتَّصِلِ بِالْمَاءِ) بِدَلِيلِ أَنَّ التَّقَاطُرَ فِيهِ جُعِلَ عَفْوًا، وَلَوْلَا الِاتِّصَالُ لَأَفْسَدَ مَاءَ الْبِئْرِ لِوُقُوعِ النَّجِسِ فَصَارَ بَقَاءُ الِاتِّصَالِ حُكْمًا كَبَقَاءِ الِاتِّصَالِ حَقِيقَةً. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُلُّهُ بِنَحْوِ شَاةٍ إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ وَجَبَ نَزْحُ مَائِهَا فَغَارَ الْمَاءُ ثُمَّ عَادَ عَادَ نَجِسُهُ، وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ قَالَ سَدَّادٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. كَاكِيٌّ. وَكَذَا لَوْ غَاضَ الْمَاءُ بِقَدْرِ عِشْرِينَ طَهُرَ الْبَاقِي. اهـ. كَاكِيٌّ، وَقَدْ نَقَلْت هَذَا الْفَرْعَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ نَقْلًا عَنْ قَاضِي خَانْ

يَكُنْ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ، وَلَمْ يُدْخِلْ فَاهُ فِي الْمَاءِ لَمْ يَتَنَجَّسْ الْمَاءُ. وَإِنْ أَدْخَلَ فَاهُ فِي الْمَاءِ فَمُعْتَبَرٌ بِسُؤْرِهِ فَإِنْ كَانَ سُؤْرُهُ طَاهِرًا فَالْمَاءُ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَالْمَاءُ نَجِسٌ فَيُنْزَحُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ مَشْكُوكًا فَالْمَاءُ مَشْكُوكٌ فَيُنْزَحُ جَمِيعُهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَمَكْرُوهٌ فَيُسْتَحَبُّ نَزْحُهَا، وَإِنْ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ كَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ الْمَاءَ، وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ فَاهُ، وَفِي الْكَلْبِ رِوَايَتَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ أَوَّلًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يُدْخِلْ فَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا وَإِجَارَةً وَبَيْعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِائَتَانِ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ نَزْحُهَا) أَيْ إذَا وَجَبَ نَزْحُ الْجَمِيعِ وَلَمْ يُمْكِنْ فَرَاغُهَا لِكَوْنِهَا مَعِينًا نُزِحَ مِائَتَا دَلْوٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَفْتَى بِمَا شَاهَدَ فِي بَغْدَادَ؛ لِأَنَّ آبَارَهَا كَثِيرَةُ الْمَاءِ لِمُجَاوَرَةِ دِجْلَةَ وَذُكِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَحْفِرَ حَفِيرَةً عُمْقُهَا وَدَوْرُهَا مِثْلُ مَوْضِعِ الْمَاءِ مِنْهَا وَتُجَصَّصُ وَيُصَبُّ فِيهَا فَإِذَا امْتَلَأَتْ فَقَدْ نُزِحَ مَاؤُهَا. وَالثَّانِي أَنْ يُرْسِلَ قَصَبَةً فِي الْمَاءِ وَيَجْعَلَ عَلَامَةً لِمَبْلَغِ الْمَاءِ ثُمَّ يَنْزَحُ عَشْرَ دِلَاءٍ مَثَلًا ثُمَّ تُعَادُ الْقَصَبَةُ فَيَنْظُرُ كَمْ انْتَقَصَ فَإِنْ انْتَقَصَ الْعَشْرَ فَهُوَ مِائَةٌ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا إذَا كَانَ دَوْرُ الْبِئْرِ مِنْ أَوَّلِ حَدِّ الْمَاءِ إلَى قَعْرِ الْبِئْرِ مُتَسَاوِيًا، وَإِلَّا لَا يَلْزَمُ إذَا نَقَصَ شِبْرٌ بِنَزْحِ عَشَرَةٍ مِنْ أَعْلَى الْمَاءِ أَنْ يَنْقُصَ شِبْرٌ بِنَزْحِ مِثْلِهِ مِنْ أَسْفَلِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُنْزَحُ حَتَّى يَغْلِبَهُمْ الْمَاءُ وَقُدْوَتُهُ فِي اشْتِرَاطِ الْغَلَبَةِ عَلِيٌّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْغَلَبَةِ قَالَ قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ فِي الْغَلَبَةِ الْعَجْزُ وَقَالَ غَيْرُهُ يُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الظَّنِّ لَا غَيْرُهُ، وَقِيلَ يُؤْتَى بِرَجُلَيْنِ لَهُمَا بَصَارَةٌ بِأَمْرِ الْمَاءِ فَإِذَا قَدَّرَاهُ بِشَيْءٍ وَجَبَ نَزْحُ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ لِكَوْنِهِمَا نِصَابَ الشَّهَادَةِ الْمُلْزِمَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَجَّسَهَا مُنْذُ ثَلَاثٍ فَأْرَةٌ مُنْتَفِخَةٌ جُهِلَ وَقْتُ وُقُوعِهَا) أَيْ نَجَّسَ الْبِئْرَ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ لَا يُدْرَى وَقْتُ وُقُوعِهَا وَهِيَ مُنْتَفِخَةٌ وَعَادَةُ الْأَصْحَابِ أَنْ يُقَدِّرُوهُ بِالْأَيَّامِ، وَهُوَ قَدَّرَهُ بِاللَّيَالِيِ حَيْثُ حَذَفَ التَّاءَ مِنْ الثَّلَاثِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ إذَا تَمَّ أَحَدُهُمَا ثَلَاثَةً فَقَدْ تَمَّ الْآخَرُ، وَقَوْلُهُ نَجَّسَهَا مُنْذُ ثَلَاثٍ يَعْنِي فِي حَقِّ الْوُضُوءِ حَتَّى يَلْزَمَهُمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا، وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا الثِّيَابَ بِمَائِهَا لَا يَلْزَمُهُمْ إلَّا غَسْلُهَا عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا مُنْذُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَنْتَفِخْ نَجِسُهَا مُنْذُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا وَقْتَ الْعِلْمِ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مَاتَتْ فِي الْحَالِ أَوْ أَلْقَاهَا الرِّيحُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَرَ تَنَجُّسَهَا أَوْ أَلْقَاهَا طَيْرٌ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى رَأَى حِدَأَةً وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْبُسْتَانِ فِي مِنْقَارِهَا جِيفَةٌ فَطَرَحْتهَا فِي بِئْرٍ فَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ، وَلِأَنَّ وُقُوعَهَا فِي الْبِئْرِ حَادِثٌ وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ أَنْ تُضَافَ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِلشَّكِّ فِي الْإِسْنَادِ فَصَارَ كَمَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً لَا يَدْرِي مَتَى أَصَابَتْهُ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْأَصَحِّ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ وُقُوعَ الْحَيَوَانِ الدَّمَوِيِّ فِي الْمَاءِ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ لَا سِيَّمَا فِي الْبِئْرِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ دُونَ الْمَوْهُومِ كَالْمَجْرُوحِ إذَا لَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يُحَالُ بِهِ عَلَى الْجُرْحِ حَتَّى يَجِبَ مُوجِبُهُ إذْ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ السَّبَبِ الظَّاهِرِ بِغَيْرِ الظَّاهِرِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النَّجَاسَةِ فَقَدْ قَالَ الْمُعَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا) كَسُكَّانِ الْبُيُوتِ وَالسِّنَّوْرِ وَالدَّجَاجَةِ الْمُخْلَاةِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الطَّاهِرِ الَّذِي لَمْ يَسْتَنْجِ وَالْحَائِضِ وَالْكَافِرِ وَالذِّمِّيِّ كُلُّهُ. اهـ. زَاهِدِيٌّ وَكَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ أَوْ لَا) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ثُمَّ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّ عَيْنَ الْكَلْبِ نَجِسٌ إلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَدَّرَهُ بِاللَّيَالِيِ إلَى آخِرِهِ) إنْ قِيلَ لَا دَلَالَةَ فِي حَذْفِ التَّاءِ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى مُؤَنَّثٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا ذُكِّرَ الْمَعْدُودُ أَمَّا إذَا لَمْ يُذَكَّرْ فَيُذَكَّرُ مَعَ الْمُذَكَّرِ كَمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ بَعْضُ النُّحَاةِ، وَحِينَئِذٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَشَى عَلَى مَا مَشَتْ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِنْ التَّقْدِيرِ بِالْأَيَّامِ، قُلْت قَدْ قَالَ الْمُرَادِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ: الْفَصِيحُ أَنْ يَكُونَ بِالتَّاءِ لِلْمُذَكَّرِ وَعَدَمِهَا لِلْمُؤَنَّثِ كَمَا لَوْ ذُكِّرَ الْمَعْدُودُ فَتَقُولُ صُمْت خَمْسَةً تُرِيدُ أَيَّامًا وَسِرْت خَمْسًا تُرِيدُ لَيَالِيَ اهـ وَقَوْلُهُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ قُلْت: لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ يُدْخِلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي، وَكَذَا ذِكْرُ اللَّيَالِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ يُدْخِلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ فِي الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنَجِسُهَا مُنْذُ ثَلَاثٍ) وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ مُنْذُ ثَلَاثٍ تَابِعٌ لِصَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ حَيْثُ قَالَ دَجَاجَةٌ بِهَا انْتِفَاخٌ وُجِدَتْ فِي الْبِئْرِ ... فَهِيَ مُذْ ثَلَاثٍ فَسَدَتْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُصَفَّى قَوْلُهُ فَهِيَ مُذْ ثَلَاثٍ أَيْ ثَلَاثِ لَيَالٍ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْأَيَّامُ لَقَالَ مُذْ ثَلَاثَةٍ لَكِنَّ اللَّيَالِيَ تَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ كَمَا أَنَّ الْأَيَّامَ تَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] وقَوْله تَعَالَى {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] أَيْ عَشْرَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا) أَيْ بَعْدَ الْعِلْمِ اهـ (قَوْلُهُ وَقْتَ الْعِلْمِ) أَيْ فِي الْفَصْلَيْنِ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ) أَيْ وَالتَّفَسُّخِ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ رَطْبَةً أَوْ يَابِسَةً. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ) أَيْ وَهُوَ الْوُقُوعُ. اهـ. (قَوْلُهُ دُونَ الْمَوْهُومِ) أَيْ وَهُوَ الْمَوْتُ بِغَيْرِ الْوُقُوعِ، وَقَدَّرْنَا الْمَوْتَ بِلَا انْتِفَاخٍ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذْ مَا دُونَ ذَلِكَ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ التَّقْدِيرُ بِهَا لِتَفَاوُتِهَا، وَالْمَوْتُ مَعَ الِانْتِفَاخِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ تَقَادُمِ الْعَهْدِ وَأَدْنَى حَدِّ التَّقَادُمِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَإِنَّ مَنْ دُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ تَفَسَّخَ ظَاهِرًا كَذَا فِي الْكَافِي

هِيَ عَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعِيدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا فِي الْيَابِسِ وَيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الطَّرِيِّ قِيلَ قَالَهُ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ إنْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَعَادَ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا لِلشَّكِّ فِيمَا قَبْلَهُ وَفِي الْبَدَائِعِ يُعِيدُ مِنْ آخِرِ مَا احْتَلَمَ فِيهِ، وَقِيلَ فِي الْبَوْلِ يُعْتَبَرُ مِنْ آخِرِ مَا بَالَ وَفِي الدَّمِ مِنْ آخِرِ مَا رَعَفَ، وَلَوْ فَتَقَ جُبَّةً فَوَجَدَ فِيهَا فَأْرَةً مَيِّتَةً وَلَمْ يَعْلَمْ مَتَى دَخَلَتْ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَقْبٌ يُعِيدُ الصَّلَاةَ مُنْذُ يَوْمِ وَضَعَ الْقُطْنَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا ثَقْبٌ يُعِيدُهَا مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَهُ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ فَإِذَا كَانَ الْوُقُوعُ سَبَبًا لِمَوْتِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ زَمَانَ وُقُوعِهَا سَابِقٌ عَلَى زَمَانِ وُجُودِهَا، فَقَدَّرَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْمُنْتَفِخِ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِخُ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ غَالِبًا وَبِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي غَيْرِ الْمُنْتَفِخِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الِانْتِفَاخِ دَلِيلُ قُرْبِ الْعَهْدِ وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ إذَا مَاتَ يَنْزِلُ إلَى قَعْرِ الْبِئْرِ، ثُمَّ يَطْفُو فَلَا بُدَّ لِذَلِكَ مِنْ مُضِيِّ زَمَانٍ وَقُدِّرَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا سَاعَاتٌ لَا تَنْضَبِطُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَرَقُ كَالسُّؤْرِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ ثُمَّ الْأَسْآرُ عِنْدَنَا أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ طَاهِرٌ وَمَكْرُوهٌ وَمَشْكُوكٌ فِيهِ وَنَجِسٌ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُ كُلِّ نَوْعٍ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَرَقُ الْحِمَارِ مَشْكُوكًا فِيهِ كَسُؤْرِهِ وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًا» وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنْ الْعَرَقِ عَادَةً وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا رَكِبَهُ. (وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَالْفَرَسِ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَلِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرِبَ اللَّبَنَ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ فَقَالَ الْأَيْمَنُ فَالْأَيْمَنُ» وَلِأَنَّ لُعَابَهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمٍ طَاهِرٍ فَيَكُونُ طَاهِرًا مِثْلَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِمَا بَيَّنَّا، وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كُنْت أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِي فَيَشْرَبُ» فَإِنْ قِيلَ وَجَبَ أَنْ يَتَنَجَّسَ سُؤْرُ الْجُنُبِ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ قِيلَ لَهُ لَمْ يُرْفَعْ الْحَدَثُ لِلضَّرُورَةِ وَفِي رِوَايَةٍ يُرْفَعُ وَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِلْحَرَجِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَلَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ تَنَجَّسَ سُؤْرُهُ فَإِنْ بَلَعَ رِيقَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ طَهُرَ فَمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَائِعَ غَيْرُ الْمَاءِ يَطْهُرُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ صَبٍّ عِنْدَهُ، وَأَمَّا سُؤْرُ الْفَرَسِ فَطَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ لُعَابَهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمِهِ وَهُوَ طَاهِرٌ وَحُرْمَتُهُ لِحُرْمَتِهِ لِكَوْنِهِ آلَةَ الْجِهَادِ لَا لِنَجَاسَتِهِ كَالْآدَمِيِّ أَلَا تَرَى أَنَّ لَبَنَهُ حَلَالٌ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَلَحْمِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَفِي رِوَايَةٍ رَابِعَةٍ سُؤْرُ مَا لَا يُؤْكَلُ كَبَوْلِهِ وَالْفَرَسُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ وَهُوَ رِوَايَةُ الْبَغْدَادِيِّينَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا سُؤْرُهُ طَاهِرٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ مَأْكُولٌ عِنْدَهُمَا وَأَمَّا سُؤْرُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلِأَنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ لَحْمٍ مَأْكُولٍ فَأَخَذَ حُكْمَهُ وَيَلْحَقُ بِهِ سُؤْرُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ نَجِسٌ) أَيْ سُؤْرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نَجِسٌ قَوْلُهُ وَالْكَلْبُ إلَى آخِرِهِ بِالرَّفْعِ أَجْوَدُ عَلَى أَنَّهُ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَ الْكَلَامُ مُشْعِرًا بِحَذْفِهِ، وَقَدْ وُجِدَ هُنَا مَا يُشْعِرُ بِحَذْفِهِ وَهُوَ تَقَدُّمُ ذِكْرِ السُّؤْرِ وَلَوْ جُرَّ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَجْرُورِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ هِيَ عَلَى الْخِلَافِ) وَلَئِنْ سُلَّمَ فَالْفَرْقُ وَاضِحٌ إذْ الثَّوْبُ يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَيْهِ كُلَّ وَقْتٍ فَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَرَآهَا فِيمَا مَضَى وَالْبِئْرُ غَائِبٌ عَنْ بَصَرِهِ وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاطِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَفِي الدَّمِ مِنْ آخِرِ مَا رَعَفَ) وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ فِي الدَّمِ لَا يُعِيدُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ؛ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يُصِيبُهُ فِي الطَّرِيقِ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ يَلْبَسُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فَهُوَ كَالدَّمِ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى زَمَانِ وُجُودِهَا) أَيْ زَمَانِ الْعِلْمِ بِوُجُودِهَا اهـ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْوُقُوعَ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوُقُوعَ سَابِقٌ عَلَى زَمَانِ الْعِلْمِ، وَلَوْ سَلَّمَ فَسَبَبُ الْمَوْتِ الْمُكْثُ بَعْدَ الْوُقُوعِ، فَكَانَ الْمَوْتُ بَعْدَ الْمُكْثِ لَا مِنْ ابْتِدَاءِ الْوُقُوعِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ كَيْفَ يَسْتَنِدُ الْمَوْتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْبِئْرَ بَعِيدَةٌ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْوُقُوعُ قَبْلَ زَمَانِ الْعِلْمِ، فَيَعْمَلُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ احْتِيَاطًا، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُدَّةُ الْمُكْثِ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ بِكَثِيرٍ فَيُعْتَبَرُ الِاحْتِمَالُ احْتِيَاطًا، وَأَمَّا تَقْدِيرُ مُدَّةِ السَّبْقِ عَلَى الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرَ فَلِمَا ذَكَرَ. اهـ. يَحْيَى . (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَسْآرُ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ سُؤْرَ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ طَاهِرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. اهـ. . (قَوْلُهُ «فَقَالَ الْأَيْمَنُ فَالْأَيْمَنُ») يَجُوزُ نَصْبُهُمَا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَعْطِ الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ، وَرَفْعُهُمَا عَلَى الِابْتِدَائِيَّةِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ الْأَيْمَنُ أَحَقُّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ) أَيْ بِشُرْبِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ) ذَكَرَ مُحَمَّدٌ نَجَاسَةَ سُؤْرِ السِّبَاعِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا خَفِيفَةٌ أَوْ غَلِيظَةٌ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ غَلِيظَةٌ وَعَنْ س أَنَّ سُؤْرَ كُلِّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ) أَيْ مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ اهـ؛ لِأَنَّ سُؤْرَ مَعْمُولٌ لِلِابْتِدَاءِ، وَالْآدَمِيُّ مَعْمُولٌ لِسُؤْرٍ فَهُمَا مَعْمُولَانِ لِعَامِلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الْعَطْفُ عَلَيْهِمَا اهـ أَيْ لَا يَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَإِلَّا كَانَ الْخَبَرُ عَنْ الْمُضَافِ خَبَرًا لَهُ وَهُوَ فَاسِدٌ فَيَكُونُ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ مَعَ مُلَاحَظَةِ الْمُضَافِ فِيهِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إذْ الْعَامِلُ فِي الْمُضَافِ هُوَ الِابْتِدَاءُ وَفِي الْمُضَافِ إلَيْهِ الْمُضَافُ فَيُرْفَعُ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ وَيُقَدَّرُ فِيهِ الْمُضَافُ فَلَا يَلْزَمُ الْفَسَادُ وَالْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ) كَتَبَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُسْوَدَّتِهِ هُنَا حَاشِيَةٌ نَصُّهَا إذَا جُرَّ الْكَلْبُ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَجْرُورِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ ثُمَّ إذَا رُفِعَ نَجِسٌ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْخَبَرِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الِابْتِدَاءُ اهـ مَا وُجِدَ بِخَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَيَجُوزُ عِنْدَ الْفَرَّاءِ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ مَجْرُورٌ عَلَى أَنَّهُ حُذِفَ الْمُضَافُ وَتُرِكَ الْمُضَافُ إلَيْهِ عَلَى إعْرَابِهِ كَانَ جَائِزًا إلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ نَحْوُ قَوْلِهِمْ: مَا كُلُّ سَوْدَاءَ تَمْرَةٌ وَلَا بَيْضَاءَ شَحْمَةٌ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي اللَّفْظِ ذِكْرُ الْمُضَافِ، ثُمَّ نَجَاسَةُ سُؤْرِ الْكَلْبِ مَذْهَبُنَا، وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ طَاهِرٌ يُشْرَبُ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا تَعَبُّدًا، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» وَالْأَمْرُ بِالْإِرَاقَةِ دَلِيلُ التَّنَجُّسِ، وَأَقْوَى مِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طُهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا» فَهَذَا يُفِيدُ النَّجَاسَةَ؛ لِأَنَّ الطُّهُورَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الطَّهَارَةِ فَيَسْتَدْعِي سَابِقَةَ التَّنَجُّسِ أَوْ الْحَدَثِ، وَالثَّانِي مُنْتَفٍ فَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ أَنْ تَكُونَ مَعْقُولَةَ الْمَعْنَى فَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ كَوْنِهِ مَعْقُولًا وَتَعَبُّدًا كَانَ جَعْلُهُ مَعْقُولَ الْمَعْنَى أَوْلَى لِنُدْرَةِ التَّعَبُّدِ وَكَثْرَةِ التَّعَقُّلِ، ثُمَّ عِنْدَنَا يَطْهُرُ بِالثَّلَاثِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بُدَّ مِنْ السَّبْعِ لِمَا رَوَيْنَا فَيَكُونُ التَّعَبُّدُ فِي الْعَدَدِ عِنْدَهُ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّهُ أَقَلُّ خُرُوجًا عَنْ الْأَصْلِ. وَلَنَا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَهُوَ الرَّاوِي لِاشْتِرَاطِ السَّبْعِ، وَعِنْدَنَا إذَا عَمِلَ الرَّاوِي بِخِلَافِ مَا رَوَى أَوْ أَفْتَى لَا تَبْقَى رِوَايَتُهُ حُجَّةً لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا فَيَعْمَلَ أَوْ يُفْتِيَ بِخِلَافِهِ إذْ تَسْقُطُ بِهِ عَدَالَتُهُ فَدَلَّ عَلَى نَسْخِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ يُشَدِّدُ فِي أَمْرِ الْكِلَابِ، وَيَأْمُرُ بِقَتْلِهَا قَلْعًا لَهُمْ عَنْ مُخَالَطَتِهَا، ثُمَّ تُرِكَ وَهَذَا كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْمُرُ بِكَسْرِ الْأَوَانِي حِينَ كَانَ يُشَدِّدُ فِي الْخَمْرِ قَلْعًا لَهُمْ عَنْهَا وَحَسْمًا لِمَادَّتِهَا ثُمَّ نَهَى عَنْ كَسْرِ الْأَوَانِي أَوْ تُحْمَلُ السَّبْعُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ أَنَّهُ يُغْسَلُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا» فَخَيَّرَهُ وَلَوْ كَانَ السَّبْعُ وَاجِبًا لَمَا خَيَّرَهُ، ثُمَّ إنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَ الْعَدَدَ تَعَبُّدًا فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ وَعَدَّاهُ إلَى الْبَوْلِ وَإِلَى رُطُوبَةٍ أُخْرَى مِنْ الْكَلْبِ وَإِلَى الْخِنْزِيرِ. وَالشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ تَعَبُّدًا لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَقَدَّرَهُ أَصْحَابُنَا بِالثَّلَاثِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ لِمَا رَوَيْنَاهُ وَلِحَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ، وَأَمَّا نَجَاسَةُ سُؤْرِ الْخِنْزِيرِ فَلِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، وَأَمَّا سُؤْرُ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فَلِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمِهِ وَلَحْمُهُ حَرَامٌ نَجِسٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ طَاهِرٌ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قِيلَ لَهُ أَيُتَوَضَّأُ بِمَا أَفَضَلَتْهُ الْحُمُرُ فَقَالَ نَعَمْ وَبِمَا أَفَضَلَتْهُ السِّبَاعُ»، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ»، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ فِي الْغُدْرَانِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ الْحِيَاضِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ تَرِدُهَا السِّبَاعُ وَالْكِلَابُ وَالْحُمُرُ وَعَنْ الطَّهَارَةِ بِهَا، فَقَالَ لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا وَلَنَا مَا غَيَرَ طَهُورٍ» وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» لِأَنَّهُ قَالَهُ حِينَ سُئِلَ عَنْ الْحِيَاضِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ تَرِدُهَا السِّبَاعُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ سُؤْرُ السِّبَاعِ نَجِسًا لَمْ يَكُنْ لِتَقْيِيدِهِ بِالْقُلَّتَيْنِ فَائِدَةٌ عَلَى زَعْمِهِ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ حُجَّةٌ عِنْدَهُ فَنُلْزِمُهُ بِمَا يَعْتَقِدُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا فِي سُؤْرِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ السِّبَاعِ إشْكَالًا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمٍ نَجِسٍ، ثُمَّ يَقُولُونَ إذَا ذُكِّيَ طَهُرَ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لِأَجْلِ رُطُوبَةِ الدَّمِ وَقَدْ خَرَجَ بِالذَّكَاةِ فَإِنْ كَانُوا يَعْنُونَ بِقَوْلِهِمْ نَجِسٌ نَجَاسَةَ عَيْنِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَطْهُرَ بِالذَّكَاةِ كَالْخِنْزِيرِ، وَإِنْ كَانُوا يَعْنُونَ بِهِ لِأَجْلِ مُجَاوَرَةِ الدَّمِ فَالْمَأْكُولُ كَذَلِكَ يُجَاوِرُهُ الدَّمُ، فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي السُّؤْرِ؟ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَيَتَنَجَّسُ بِمَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْمُذَكَّى فِي حَقِّ الْأَكْلِ، وَالْحُرْمَةُ لَا تُوجِبُ النَّجَاسَةَ وَكَمْ مِنْ طَاهِرٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ إلَّا جِلْدُهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِهِ لَا لِكَرَامَةِ آيَةِ النَّجَاسَةِ لَكِنْ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ جَلْدَةٌ رَقِيقَةٌ تَمْنَعُ تَنَجُّسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي اللَّفْظِ ذِكْرُ الْمُضَافِ) هَذَا شَرْطٌ فِي الْغَالِبِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ (قَوْلُهُ، وَقَالَ مَالِكٌ إنَّهُ طَاهِرٌ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ سُؤْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَكُلِّ سَبُعٍ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ طَاهِرٌ لِكَوْنِهِ حَيًّا، وَيَنْجُسُ بِالْمَوْتِ اهـ. (قَوْلُهُ وُلُوغُهُ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْوُلُوغُ بِضَمِّ الْوَاوِ إذَا شَرِبَ قَلِيلًا، وَإِذَا كَثُرَ فَهُوَ بِفَتْحِهَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ «فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ») جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي) أَيْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي بَدَنِ الْمُصَلِّي. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْعَدَدِ) أَيْ لَا فِي نَفْسِ الْغَسْلِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ السَّبْعُ) الَّذِي فِي مُسَوَّدَةِ الشَّارِحِ التَّسْبِيعُ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ فِي غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ (قَوْلُهُ عَلَى زَعْمِهِ) إنَّمَا قَالَ عَلَى زَعْمِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَمْ مِنْ طَاهِرٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) أَيْ كَالضِّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِهِ لَا لِكَرَامَتِهِ) أَقُولُ مُجَرَّدُ حُرْمَةِ اللَّحْمِ لَا لِلْكَرَامَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّجَاسَةَ كَمَا فِي الضِّفْدَعِ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِهِ أَوَّلًا فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ بِمَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ حُرْمَةَ الْأَكْلِ تَثْبُتُ لِفَسَادِ الْغِذَاءِ كَالذُّبَابِ وَالتُّرَابِ وَالْخُنْفُسَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا أُبِيحَ لِلْغِذَاءِ، أَوْ لِلْخَبَثِ طَبْعًا كَالضُّفْدَعِ وَالسُّلَحْفَاةِ مِمَّا يَسْتَخْبِثُهُ النَّاسُ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، وَإِلَيْهِ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَلِلنَّجَاسَةِ كَمَا فِي الْخِنْزِيرِ وَلِلِاحْتِرَامِ كَمَا فِي الْآدَمِيِّ وَالْكُلُّ مُنْتَفٍ إلَّا النَّجَاسَةَ، أَمَّا الِاحْتِرَامُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فَسَادُ الْغِذَاءِ فَلِأَنَّهُ غِذَاءٌ قَوِيٌّ، وَأَمَّا الْخَبَثُ الطَّبِيعِيُّ فَلِأَنَّهَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ كَانَتْ مَأْكُولَةً فَلَمْ يَبْقَ إلَّا النَّجَاسَةُ. اهـ. يَحْيَى

الْجِلْدِ بِاللَّحْمِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِنَجَاسَةِ السُّؤْرِ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الذَّكَاةُ، وَاللَّحْمُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ وَهَذَا بِخِلَافِ لَحْمِ سِبَاعِ الطَّيْرِ حَيْثُ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ؛ لِأَنَّ سُؤْرَهَا طَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فَدَلَّ عَلَى طَهَارَةِ لَحْمِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْهِرَّةُ وَالدَّجَاجَةُ الْمُخْلَاةُ وَسِبَاعُ الطَّيْرِ وَسَوَاكِنُ الْبُيُوتِ مَكْرُوهٌ) أَيْ سُؤْرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَكْرُوهٌ وَإِعْرَابُهُ بِالرَّفْعِ أَجْوَدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ هَذَا أَمَّا كَرَاهِيَةُ سُؤْرِ الْهِرَّةِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْهِرَّةُ سَبُعٌ» وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُعِثَ لَهُ لَا لِبَيَانِ الصُّوَرِ، ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ كَرَاهَةُ سُؤْرِ الْهِرَّةِ لِحُرْمَةِ لَحْمِهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إلَى التَّحْرِيمِ أَقْرَبُ كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْكَرَاهَةِ لَازِمٌ غَيْرُ عَارِضٍ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ كَرَاهِيَتُهُ لِأَجْلِ أَنَّهَا لَا تَتَحَامَى النَّجَاسَةُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّنَزُّهِ وَهَذَا أَصَحُّ. وَالْأَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِيهَا «إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» فَجَعَلَهَا كَالطَّوَّافِينَ عَلَيْنَا وَهُمْ الْمَمَالِيكُ أَيْ كَمَا سَقَطَ الِاسْتِئْذَانُ فِي حَقِّ مَنْ مَلَّكْته أَيْمَانَنَا بِعِلَّةِ الطَّوْفِ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ فِي حَقِّ الْهِرَّةِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ إذْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَرَجٌ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ هَذَا إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ وَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ تَلْحَسَ الْهِرَّةُ كَفَّ إنْسَانٍ ثُمَّ يُصَلِّيَ قَبْلَ غَسْلِهَا أَوْ يَأْكُلَ مِنْ بَقِيَّةِ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلَتْ مِنْهُ لِقِيَامِ رِيقِهَا بِذَلِكَ، وَلَوْ أَكَلَتْ فَأْرَةٌ فَشَرِبَتْ عَلَى فَوْرِهَا الْمَاءَ تَنَجَّسَ كَشَارِبِ الْخَمْرِ إذَا شَرِبَ الْمَاءَ عَلَى فَوْرِهِ وَلَوْ مَكَثَتْ سَاعَةً ثُمَّ شَرِبَتْ لَا يَتَنَجَّسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِغَسْلِهَا فَاهَا بِلُعَابِهَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ لَا تَجُوزُ عِنْدَهُ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَأَبُو يُوسُفَ قِيلَ مَعَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الصَّبِّ، وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَقِيلَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الصَّبِّ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ كَرَاهِيَةُ السُّؤْرِ أَنْ لَوْ انْحَصَرَتْ أَحْكَامُ السَّبُعِ فِيهَا قُلْنَا الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسِّبَاعِ ثَلَاثَةٌ نَجَاسَةُ السُّؤْرِ كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَكَرَاهِيَتُهُ كَسِبَاعِ الطَّيْرِ وَحُرْمَةِ اللَّحْمِ فَنَجَاسَةُ السُّؤْرِ لَا تُرَادُ إجْمَاعًا لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ»، وَحُرْمَةُ اللَّحْمِ لَا تُرَادُ إجْمَاعًا لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِنَهْيِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَثَبَتَتْ الْكَرَاهَةُ، وَأَمَّا كَرَاهَةُ سُؤْرِ الدَّجَاجَةِ الْمُخْلَاةِ فَلِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةَ وَهِيَ تَصِلُ مِنْقَارَهَا إلَى رِجْلَيْهَا وَيَلْحَقُ بِهَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ الْجَلَّالَةُ وَأَمَّا كَرَاهِيَةُ سُؤْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِنَجَاسَةِ السُّؤْرِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ إذَا ذُبِحَ شَيْءٌ مِنْ السِّبَاعِ مِثْلُ الثَّعْلَبِ وَنَحْوِهِ يَطْهُرُ جِلْدُهُ وَلَا يَطْهُرُ حَتَّى لَوْ صَلَّى الرَّجُلُ وَمَعَهُ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، وَلَوْ وَقَعَ لَحْمُهُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ؛ لِأَنَّ سُؤْرَهُ نَجِسٌ وَنَجَاسَةُ سُؤْرِهِ دَلِيلُ نَجَاسَةِ لَحْمِهِ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَطْهُرُ حَتَّى كَانَتْ هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَلَوْ كَانَتْ بَازِيًا مَذْبُوحًا أَوْ غَيْرَ الْبَازِي مِنْ الطُّيُورِ أَوْ الْفَأْرَةَ أَوْ الْحَيَّةَ تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَ لَحْمِهَا؛ لِأَنَّ سُؤْرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ بِنَجِسٍ، وَكُلُّ مَا لَا يَكُونُ سُؤْرُهُ نَجِسًا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَ لَحْمِهِ إذَا كَانَ مَذْبُوحًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لَحْمُهُ نَجِسًا اهـ وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ فَتَاوَاهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَا بَيْعُ جِلْدِهِ إنْ كَانَ مَيْتَةً، وَإِنْ كَانَ مَذْبُوحًا فَبَاعَ لَحْمَهُ أَوْ جِلْدَهُ جَازَ لِأَنَّهُ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ، وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ. وَيُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِأَنْ يُؤْكَلَ سِنَّوْرًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إلَّا الْخِنْزِيرُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِهِ وَلَا بَيْعُ شَعْرِهِ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِلَحْمِهِ، وَإِنْ كَانَ مَذْبُوحًا وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ السِّبَاعِ وَالْكَلْبِ، وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَذْبُوحًا أَوْ ذَاكَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ اهـ وَثُمَّ قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَيْ إذَا ذُكِّيَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ السِّبَاعِ لَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي جَمِيعِ الْمُتُونِ فِي بَابِ الذَّبَائِحِ أَنَّهُ يَطْهُرُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ هُنَا هُوَ الصَّحِيحُ مُوَافِقٌ لِمَا سَبَقَ مِنْهُ مِنْ التَّصْحِيحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ. اهـ. فَانْظُرْهُ سَيُصَرِّحُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَنَّ لُحُومَ السِّبَاعِ تَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهَا فَرَاجِعْهُ اهـ . (قَوْلُهُ أَمَّا كَرَاهِيَةُ سُؤْرِ الْهِرَّةِ) عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصْغِي الْإِنَاءَ لِلْهِرَّةِ فَتَشْرَبُ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ» وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّوَضُّؤَ لَا يُنَافِي كَرَاهِيَةَ التَّنَزُّهِ لِأَنَّهُ لِلتَّشْرِيعِ أَوْ كَانَ عِنْدَ عَدَمِ مَاءٍ آخَرَ أَوْ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ لَحْمِهَا. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ») سَيَأْتِي فِي بَابِ التَّلْبِيَةِ أَنَّ إنَّ هُنَا لِلتَّعْلِيلِ وَإِنْ كَانَتْ مَكْسُورَةً اهـ رُوِيَ بِالْوَاوِ وَالْمَقْصُودُ تَشْبِيهُ الْهِرَّةِ بِذُكُورِ الْخَدَمِ وَإِنَاثِهِمْ أَيْ الْمَمَالِيكِ وَالْجَوَارِي، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ مِنْ الطَّوَّافِينَ وَهِيَ صِيغَةُ الْعُقَلَاءِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهَا فِعْلُ الْعُقَلَاءِ وَهُوَ الطَّوَافُ، وَرُوِيَ بِأَوْ أَيْضًا وَهُوَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ لِقِيَامِ رِيقِهَا بِذَلِكَ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، وَإِذَا ثَبَتَ كَرَاهَةُ سُؤْرِهَا يُكْرَهُ أَكْلُ مَا تَتَنَاوَلُهُ الْهِرَّةُ مِنْ الثَّرِيدِ وَمَا سَقَطَ مِنْهَا مِنْ قِطَعِ الْخُبْزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا لَحِسَتْ عُضْوًا لَا يُصَلِّي فِيهِ قَبْلَ الْغَسْلِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ لُعَابِهَا اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَكَذَا لَوْ قَاءَ صَبِيٌّ عَلَى ثَدْيِ أُمِّهِ، ثُمَّ مَصَّهَا مِرَارًا أَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ أَوْ عُضْوَهُ نَجَاسَةٌ فَلَحِسَهَا بِلِسَانِهِ حَتَّى زَالَ أَثَرُهَا يَطْهُرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ، وَأَمَّا كَرَاهَةُ سُؤْرِ الدَّجَاجَةِ الْمُخْلَاةِ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً لَمْ يُكْرَهْ، وَهِيَ أَنْ تُحْبَسَ فِي بَيْتٍ وَتُعْلَفَ هُنَاكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْتِشُ نَجَاسَةَ نَفْسِهَا عَادَةً وَلَا تَجِدُ غَيْرَهَا فَنَأْمَنُ عَنْ تَفْتِيشِ النَّجَاسَةِ، وَقِيلَ أَنْ يُجْعَلَ لَهَا بَيْتٌ فَيَكُونُ رَأْسُهَا وَعَلَفُهَا وَمَاؤُهَا خَارِجَ الْبَيْتِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا

سِبَاعِ الطَّيْرِ فَقَدْ قِيلَ هُوَ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا حَرَامٌ كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا وَهُوَ عَظْمٌ جَافٌّ بِخِلَافِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ بِلِسَانِهَا، وَهُوَ رَطْبٌ بِلُعَابِهَا وَلِأَنَّ فِي سُؤْرِ سِبَاعِ الطَّيْرِ ضَرُورَةً وَعُمُومَ بَلْوَى فَإِنَّهَا تَنْقُضُ مِنْ عُلُوٍّ وَهَوَاءٍ فَلَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْأَوَانِي عَنْهَا لَا سِيَّمَا فِي الْبَرَارِي فَأَشْبَهَتْ الْحَيَّةَ وَنَحْوَهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَا يَقَعُ مِنْهَا عَلَى الْجِيَفِ فَسُؤْرُهُ نَجِسٌ، وَمَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ الْمُذَكَّى لَا يُكْرَهُ سُؤْرُهُ، وَأَمَّا سُؤْرُ سَوَاكِنِ الْبَيْتِ فَلِلضَّرُورَةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا نَجِسٌ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ طَوْفَهَا أَلْزَمُ وَهُوَ الْعِلَّةُ فِي الْبَابِ لِسُقُوطِ النَّجَاسَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ فِي الْهِرَّةِ «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ.» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحِمَارُ وَالْبَغْلُ مَشْكُوكٌ) أَيْ سُؤْرُهُمَا مَشْكُوكٌ فِيهِ أَمَّا الْحِمَارُ فَلِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «أَمَرَ يَوْمَ خَيْبَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَقَالَ إنَّهُ رِجْسٌ» وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ «قَالَ لِأَبْجَرَ بْنِ غَالِبٍ حِينَ قَالَ لَهُ لَيْسَ لِي إلَّا حَمِيرَاتٌ كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكِ» وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ كُلُّ مَا يَعْتَلِفُ الْقَتَّ وَالتِّبْنَ فَسُؤْرُهُ طَاهِرٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إنَّهُ رِجْسٌ، وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْكَلْبَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَيُشْبِهُ الْهِرَّةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُرْبَطُ فِي الدُّورِ وَالْأَفْنِيَةِ فَتَعَارَضَتْ الْأَدِلَّةُ فِيهِ فَوَقَعَ الشَّكُّ ثُمَّ قِيلَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْكَلْبَ مِنْ وَجْهٍ وَالْهِرَّةَ مِنْ وَجْهٍ وَقِيلَ فِي طَهُورِيَّتِهِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْهِرَّةَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فَيَكُونُ طَهُورًا بِاعْتِبَارِهِ، وَيُفَارِقُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَضَايِقَ وَلَا يَصْعَدُ الْغُرَفَ فَكَانَ الْبَلْوَى فِيهِ دُونَهَا فِي الْهِرَّةِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا بِاعْتِبَارِهِ فَأَوْجَبَ الشَّكَّ فِي الطَّهُورِيَّةِ وَقِيلَ الشَّكُّ فِي الطَّهَارَةِ وَالطَّهُورِيَّةِ جَمِيعًا، وَأَمَّا الْبَغْلُ فَهُوَ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ هَكَذَا. قَالُوا فِيهِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ أَتَانًا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَتْ فَرَسًا فَفِيهِ إشْكَالٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأُمِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الذِّئْبَ لَوْ نَزَا عَلَى شَاةٍ فَوَلَدَتْ ذِئْبًا حَلَّ أَكْلُهُ وَيُجْزِي فِي الْأُضْحِيَّةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا عِنْدَهُمَا وَطَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْأُمِّ، وَفِي الْغَايَةِ إذَا نَزَا الْحِمَارُ عَلَى الرَّمَكَةِ لَا يُكْرَهُ لَحْمُ الْبَغْلِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُمَا عَنْ مُحَمَّدٍ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ سُؤْرُهُ مَشْكُوكًا فِيهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي لُعَابِهَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي رِوَايَةٍ طَاهِرٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى نَجِسٌ نَجَاسَةً مُخَفَّفَةً وَفِي رِوَايَةٍ مُغَلَّظَةً وَالصَّحِيحُ أَنَّ لُعَابَهُمَا وَعَرَقَهُمَا وَلَبَنَ الْأَتَانِ طَاهِرٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِسُؤْرِهِمَا لِلشَّكِّ الَّذِي تَقَدَّمَ فَلَا يُنَجِّسُ مَا هُوَ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ الثَّابِتَ بِيَقِينٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيْهَا؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَفْتِشُ نَجَاسَةَ نَفْسِهَا فَهِيَ وَالْمُخْلَاةُ سَوَاءٌ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ إنَّ طَوَافَهَا أَلْزَمُ) أَيْ مِنْ طَوَافِ الْهِرَّةِ؛ لِأَنَّ الْفَأْرَةَ تَدْخُلُ مَا لَا تَقْدِرُ الْهِرَّةُ دُخُولَهُ اهـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحِمَارُ وَالْبَغْلُ مَشْكُوكٌ إلَى آخِرِهِ) وَكَانَ أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ يُنْكِرُ هَذَا الْقَوْلَ، وَيَقُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ مَشْكُوكًا وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ يَحْتَاطُ فِيهِ فَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَسُمِّيَ مُشْكِلًا لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فِي طَهَارَتِهِ وَعَدَمِ طَهَارَتِهِ لَا أَنْ يَعْنِيَ بِكَوْنِهِ مُشْكِلًا الْجَهْلَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ. اهـ. كَاكِيٌّ فَإِنْ قِيلَ كَمَا أَنَّ الدَّلِيلَيْنِ تَعَارَضَا فِي فَصْلِ الْحِمَارِ، وَهُوَ قَوْلُهُ «كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ» مَعَ قَوْلِهِ «أَكْفِئُوا الْقُدُورَ» كَذَلِكَ فِي الْهِرَّةِ تَعَارَضَ دَلِيلَانِ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْهِرَّةُ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ، وَقَوْلُهُ الْهِرَّةُ سَبُعٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سُؤْرُ الْهِرَّةِ مَشْكُوكًا كَسُؤْرِ الْحِمَارِ قُلْنَا فِي فَصْلِ الْهِرَّةِ: النَّجَاسَةُ ثَبَتَتْ بِمُقْتَضَى النَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ «الْهِرَّةُ سَبُعٌ» فَإِذَا كَانَ سَبُعًا يَكُونُ نَجِسًا أَمَّا الطَّهَارَةُ ثَبَتَتْ صَرِيحًا بِقَوْلِهِ الْهِرَّةُ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ وَبِإِرْدَافِ الدَّلِيلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْهِرَّةُ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ، وَالصَّرِيحُ لَا يُعَارِضُ الْمُقْتَضَى أَمَّا فِي فَصْلِ الْحِمَارِ كِلَا الطَّرَفَيْنِ مُقْتَضٍ وَهُوَ قَوْلُهُ «أَكْفِئُوا الْقُدُورَ» يَقْتَضِي النَّجَاسَةَ وَقَوْلُهُ «كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ» يَقْتَضِي الطَّهَارَةَ فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِالشَّكِّ فِي سُؤْرِ الْحِمَارِ وَالْكَرَاهَةِ فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ الشَّكُّ بَلْ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ تَرْجِيحًا لِلْحُرْمَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» قُلْنَا التَّرْجِيحُ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْجَمْعِ وَهُنَا الْجَمْعُ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَتَوَضَّأَ فَإِذَا كَانَ الْجَمْعُ مُمْكِنًا فَلَا يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ) حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ يُفْسِدُهُ، وَإِنْ أَصَابَ الْبَدَنَ أَوْ الثَّوْبَ لَا يُفْسِدُهُ. اهـ. قَاضِيخَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي طَهُورِيَّتِهِ) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. اهـ. كَافِي وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ عَلَى الرَّمَكَةِ) هِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْبَرَاذِينِ (قَوْلُهُ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَهُمَا) أَيْ وَإِذَا كَانَتْ أُمُّهُ بَقَرَةً يَنْبَغِي أَنْ يُؤْكَلَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَبَنُ الْأَتَانِ طَاهِرٌ) وَهَذَا فِي الْعَرَقِ بِحُكْمِ الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ صَحِيحٌ أَمَّا فِي اللَّبَنِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا أَنَّ الرِّوَايَةَ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ بِنَجَاسَةِ لَبَنِهِ أَوْ تَسْوِيَةِ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ بِذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ جَانِبَ الطَّهَارَةِ أَحَدٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ غَيْرِ ظَاهِرَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي تَعْلِيلِ سُؤْرِهِ وَكَذَلِكَ اعْتِبَارُ سُؤْرِهِ بِعَرَقِهِ يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَاعْتِبَارُهُ بِلَبَنِهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ فَجُعِلَ لَبَنُهُ نَجِسًا كَمَا تَرَى وَفِي الْمُحِيطِ لَبَنُهُ نَجِسٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَا يُؤْكَلُ، وَاعْتَبَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْبَزْدَوِيُّ فِيهِ الْكَثِيرَ الْفَاحِشَ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ عَيْنِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً لِأَنَّهُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي طَهَارَتِهِ رِوَايَتَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ لَبَنَهُ نَجِسٌ. اهـ. كَاكِيٌّ. وَقِيلَ سُؤْرُ الْفَحْلِ نَجِسٌ لِأَنَّهُ يَشُمُّ الْبَوْلَ فَيَنْجُسُ فَمُهُ، وَسُؤْرُ الْأَتَانِ مُشْكِلٌ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْهُومٌ فَلَا يَنْجُسُ بِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ

إنْ فَقَدَ مَاءً) أَيْ يَتَوَضَّأُ بِسُؤْرِهِمَا وَيَتَيَمَّمُ إنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ سُؤْرَهُمَا مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّيَمُّمِ مَعَهُ لِيَرْتَفِعَ الْحَدَثُ بِيَقِينٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَيًّا قَدَّمَ صَحَّ) أَيْ بِأَيِّ الطَّاهِرَيْنِ بَدَأَ جَازَ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَجُوزُ الْبُدَاءَةُ بِالتَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ مَعَ وُجُودِ مَاءٍ وَاجِبِ الِاسْتِعْمَالِ فَصَارَ كَالْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَاءَ إنْ كَانَ طَهُورًا فَلَا مَعْنَى لِلتَّيَمُّمِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَهُورًا فَالْمُطَهِّرُ هُوَ التَّيَمُّمُ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، وَوُجُودُ هَذَا الْمَاءِ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُطَهَّرِ مِنْهُمَا عَيْنًا وَلَوْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ سُؤْرَ الْحِمَارِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مَضَى فِيهَا فَإِذَا فَرَغَ تَوَضَّأَ بِهِ وَأَعَادَهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الصَّلَاةِ بِيَقِينٍ فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّكِّ، وَإِنَّمَا يُعِيدُهَا لِاحْتِمَالِ الْبُطْلَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ نَبِيذِ التَّمْرِ) أَيْ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ بَلْ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَيْضًا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى نُوحٌ رُجُوعَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ إنَّمَا اخْتَلَفَتْ أَجْوِبَتُهُ لِاخْتِلَافِ أَسْئِلَتِهِمْ فَسُئِلَ مَرَّةً إنْ كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا فَقَالَ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَمَرَّةً إنْ كَانَتْ الْحَلَاوَةُ غَالِبَةً عَلَيْهِ، فَقَالَ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ وَمَرَّةً إذَا لَمْ يَدْرِ أَيَّهُمَا الْغَالِبُ فَقَالَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ آيَةَ التَّيَمُّمِ تَقْتَضِي ثُبُوتَ النَّقْلِ إلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا، وَحَدِيثُ لَيْلَةِ الْجِنِّ يُوجِبُ الْوُضُوءَ بِهِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا وَلِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا وَفِي التَّارِيخِ جَهَالَةً فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. بَيَانُ الِاضْطِرَابِ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَشَنَّعَ مُحَمَّدٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ: يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ أَثَرٌ، وَيَمْنَعُهُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْأَثَرُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَنَبِيذُ التَّمْرِ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ، وَلِهَذَا نَفَى عَنْهُ ابْنُ مَسْعُودٍ اسْمَ الْمَاءِ وَلَمْ يَجُزْ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَصَارَ كَالْخَلِّ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ كَانَ مَنْسُوخًا بِآيَةِ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَلَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ وَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ «عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَأَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ أَمَعَك مَاءٌ فَقُلْت لَا إلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ فِي إدَاوَةٍ فَقَالَ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ فَتَوَضَّأَ بِهِ» وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَأَمَّا إنْكَارُهُمْ كَوْنَ ابْنِ مَسْعُودٍ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كُنْت مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْلَةَ الْجِنِّ فَيَكُونُ الْإِثْبَاتُ أَوْلَى مِنْ النَّفْيِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ فَارَقَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِنْدَ خِطَابِ الْجِنِّ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي أُمِرْت أَنْ أَقْرَأَ عَلَى إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ لِيَقُمْ مَعِي رَجُلٌ مِنْكُمْ وَلَا يَقُمْ مَعِي مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ فَقُمْت مَعَهُ حَتَّى إذَا بَرَزْنَا خَطَّ حَوْلِي خِطَّةً ثُمَّ قَالَ لِي لَا تَخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّك إنْ خَرَجْت مِنْهَا لَمْ تَرَنِي وَلَمْ أَرَك إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى فَثَبَتُّ قَائِمًا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ قَالَ مَالِي أَرَاك قَائِمًا قُلْت مَا قَعَدْت خَشْيَةَ أَنْ أَخْرُجَ مِنْهَا فَسَأَلَنِي عَنْ الْمَاءِ» الْحَدِيثَ. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرٍ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ «وَهُوَ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ لِلِاسْتِنْجَاءِ فَأَتَاهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ فَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ إنَّهَا رِجْسٌ»، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَيْلَةَ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ وَدَعْوَاهُمْ النَّسْخَ فَلَيْسَ بِمُتَيَقَّنٍ بِهِ؛ لِأَنَّ لَيْلَةَ الْجِنِّ كَانَتْ غَيْرَ وَاحِدَةٍ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسْخُ بِيَقِينٍ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ قُلْنَا هُوَ مَاءٌ شَرْعًا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَاءٌ طَهُورٌ» أَيْ شَرْعًا فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] أَيْ حَقِيقَةً أَوْ شَرْعًا، وَلَوْ وَجَدَ نَبِيذَ التَّمْرِ وَالْمَاءَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَالتُّرَابَ يَتَوَضَّأُ بِالنَّبِيذِ لَا غَيْرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَالتَّيَمُّمِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجْمَعُ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالْوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْغَايَةِ وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ النَّبِيذِ وَالسُّؤْرِ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَيًّا قَدَّمَ صَحَّ) وَلَوْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ أَهْرَقَ سُؤْرَ الْحِمَارِ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ كَانَ طَهُورًا. اهـ. فَتَاوَى خَانْ وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ الْمَاءِ لِيَخْرُجَ عَنْ الْخِلَافِ وَلِمُرَاعَاةِ وُجُودِ صُورَةِ الْمَاءِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ) وَفِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ أَنْ لَا يَخْلُوَ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُمَا حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ بِالسُّؤْرِ، وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ جَازَ لِأَنَّهُ جَمَعَهُمَا فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَا فِي الْمُجْتَبَى فَإِنْ قِيلَ هَذَا الطَّرِيقُ يَسْتَلْزِمُ أَدَاءَ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فِي إحْدَى الْمَرَّتَيْنِ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْكُفْرِ لِتَأْدِيَتِهِ إلَى الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ، وَيَجِبُ الْجَمْعُ فِي أَدَاءً وَاحِدٍ قُلْنَا ذَلِكَ فِيمَا أَدَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ بِيَقِينٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ أَدَاؤُهُ بِطَهَارَةٍ مِنْ وَجْهٍ فَلَا لِانْتِفَاءِ الِاسْتِخْفَافِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِالشَّرْعِ مِنْ وَجْهٍ، وَهَاهُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ السُّؤْرِ وَالتُّرَابِ مُطَهِّرٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ الْأَدَاءُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْكُفْرُ كَمَا لَوْ صَلَّى حَنَفِيٌّ بَعْدَ الْفَصْدِ أَوْ الْحِجَامَةِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَلَا يُكْفَرُ لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ، وَهَذَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى بَعْدَ الْبَوْلِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ يَتَيَمَّمُ) قَالَ قَاضِي خَانْ هُوَ الصَّحِيحُ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ) كَلَامُ الْمَاتِنِ فِيهِ إبْهَامٌ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بَلْ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ اهـ قُلْت وَقَدْ قَالَ فِي الْوَافِي فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ تَيَمَّمَ فَقَطْ، وَلَا يَتَوَضَّأُ بِمَا سِوَى نَبِيذِ التَّمْرِ خِلَافًا لِلْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَجَرَى غَيْرُهُ عَلَى قَضِيَّةِ الْقِيَاسِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ إنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ) كَذَا فِي مُسْوَدَّةِ الشَّارِحِ

[باب التيمم]

سُؤْرَ الْحِمَارِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَاءً مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى النَّبِيذِ مَعَ وُجُودِهِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا، وَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّوَضُّؤِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ كَالتَّيَمُّمِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْغُسْلِ بِهِ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يَجُوزُ الِاغْتِسَالُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ النَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يَلْحَقُ بِهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ، وَالْجَنَابَةُ حَدَثٌ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَقَالَ فِي الْمُفِيدِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاغْتِسَالُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ الْحَدَثَيْنِ، وَالضَّرُورَةُ فِي الْجَنَابَةِ دُونَهَا فِي الْوُضُوءِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي النَّبِيذِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ قَالَ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ الْمَاءُ الَّذِي أُلْقِيَ فِيهِ تُمَيْرَاتٌ فَصَارَ حُلْوًا وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ، وَهُوَ رَقِيقٌ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ حُلْوًا كَانَ أَوْ مُرًّا أَوْ مُسْكِرًا قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ الْمَطْبُوخُ الَّذِي زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ، وَفِيهِ بُعْدٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَإِنْ غَيَّرَتْهُ النَّارُ فَمَا دَامَ حُلْوًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ اشْتَدَّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ شُرْبُهُ عِنْدَهُ وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ فِي بَابِ الْمَاءِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ وَإِنْ تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ بَعْدَمَا خُلِطَ بِهِ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مَعْنَى الْمُنْزَلِ مِنْ السَّمَاءِ إذْ النَّارُ قَدْ غَيَّرَتْهُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْمُسْكِرَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لِأَنَّهُ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ مَطْبُوخًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ إذْ النَّارُ قَدْ غَيَّرَتْهُ حُلْوًا كَانَ أَوْ مُشْتَدًّا كَمَطْبُوخِ الْبَاقِلَاءِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُ بِالطَّبْخِ كَمُلَ امْتِزَاجُهُ وَكَمَالُ الِامْتِزَاجِ يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (بَابُ التَّيَمُّمِ) التَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [البقرة: 267] أَيْ لَا تَقْصِدُوا، وَقَالَ الشَّاعِرُ فَلَا أَدْرِي إذَا يَمَّمْت أَرْضًا ... أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيَّهُمَا يَلِينِي وَفِي الشَّرْعِ هُوَ عَلَى مَا قَالُوا اسْتِعْمَالُ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ عَلَى أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى قَصْدِ التَّطْهِيرِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْجُزْءُ عَلَى الْأَعْضَاءِ حَتَّى يَجُوزُ بِالْحَجَرِ الْأَمْلَسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَتَيَمَّمُ لِبُعْدِهِ مِيلًا عَنْ مَاءٍ أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ خَوْفِ سَبُعٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ عَطَشٍ أَوْ فَقْدِ آلَةٍ) أَيْ يَتَيَمَّمُ الشَّخْصُ لِهَذِهِ الْأَعْذَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] أَيْ فَلَمْ تَقْدِرُوا وَبِهَذِهِ الْأَعْذَارِ تَنْتَفِي الْقُدْرَةُ أَمَّا لِبُعْدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ) لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ كَالتُّرَابِ حَتَّى لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِهِ أَيْضًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ كَالتَّيَمُّمِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ مُسْكِرًا) فِي الدِّرَايَةِ أَنَّ التَّوَضُّؤَ بِالْمُسْكِرِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، (قَوْلُهُ وَفِيهِ بُعْدٌ) لِأَنَّهُ مَاءٌ مُقَيَّدٌ فَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَدَّ) لَيْسَتْ فِي مُسْوَدَّةِ الشَّارِحِ [بَابُ التَّيَمُّمِ] ِ ثَلَّثَ بِهِ تَأَسِّيًا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ قَدَّمَ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ الْأَعَمُّ، ثُمَّ الْغُسْلَ لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ ثُمَّ بِالْخَلَفِ لِأَنَّهُ أَبَدًا يَلِي الْأَصْلَ. اهـ. عَيْنِيٌّ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابْتَدَأَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ ثَنَّى بِالْغُسْلِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِالتَّيَمُّمِ اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نَقُولُ ابْتَدَأَ بِالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ الْأَعَمُّ وَالْأَغْلَبُ ثُمَّ بِالْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ الْأَنْدَرُ، ثُمَّ بِالْآلَةِ الَّتِي هُمَا يَحْصُلَانِ بِهَا وَهُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ، ثُمَّ بِالْعَوَارِضِ الَّتِي تَعْتَرِضُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُخَالِطَهُ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ، ثُمَّ بِالْخَلَفِ وَهُوَ بَابُ التَّيَمُّمِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لِغَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَإِنَّمَا شُرِعَ رُخْصَةً لَنَا، وَالرُّخْصَةُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْآلَةُ حَيْثُ اكْتَفَى بِالصَّعِيدِ الَّذِي هُوَ مُلَوِّثٌ وَفِي مَحَلِّهِ حَيْثُ اكْتَفَى بِشَطْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَثُبُوتُ التَّيَمُّمِ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَنُزُولُ الْآيَةِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ اهـ وَفِي الْجَلَّابِيِّ شَرَائِطُ التَّيَمُّمِ أَرْبَعَةٌ النِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ حَتَّى لَا يَجُوزُ تَيَمُّمُ الْكَافِرِ بِنِيَّةِ الْإِسْلَامِ وَالِارْتِدَادُ لَا يُنَافِيهِ وَصِفَةُ مَا يُتَيَمَّمُ بِهِ وَالْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَسُنَنُهُ أَرْبَعَةٌ: التَّسْمِيَةُ فِي ابْتِدَائِهِ، وَأَنْ يُقْبِلَ بِيَدَيْهِ وَيُدْبِرَ حَالَ الضَّرْبِ وَيَنْفُضُهُمَا بَعْدَهُ، وَالْبُدَاءَةُ بِالْوَجْهِ ثُمَّ بِالْيَدِ الْيُمْنَى ثُمَّ بِالْيَدِ الْيُسْرَى. اهـ. مُجْتَبَى قَوْلُهُ: وَنُزُولُ الْآيَةِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ وَرُوِيَ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فِي غَزَاةِ ذَاتِ الْمُرَيْسِيعِ فَنَزَلَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَسَقَطَ مِنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قِلَادَةٌ لِأَسْمَاءِ فَلَمَّا ارْتَحَلُوا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَ بِرَجُلَيْنِ فِي طَلَبِهَا، وَأَقَامَ يَنْتَظِرُهُمَا فَعَدِمَ النَّاسُ الْمَاءَ وَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْفَجْرِ فَأَغْلَظَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَقَالَ لَهَا حَبَسْت الْمُسْلِمِينَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَقَالَ أَسِيد بْنُ حُضَيْرٍ يَرْحَمُك اللَّهُ يَا عَائِشَةُ مَا نَزَلَ بِك أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إلَّا وَجَعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ فَرَجًا». اهـ. أَقْطَعُ (قَوْلُهُ وَفِي الشَّرْعِ إلَى آخِرِهِ) قَالُوا الْقَصْدُ إلَى الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ لِلتَّطْهِيرِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَسْحِ الْيَدَيْنِ عَنْ الصَّعِيدِ لِلطَّاهِرِ وَالْقَصْدُ شَرْطٌ لِأَنَّهُ النِّيَّةُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ لِمَرَضٍ) مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ يَخَافُ زِيَادَةَ الْمَرَضِ أَوْ تَطْوِيلَهُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ بِالتَّحَرُّكِ لِلِاسْتِعْمَالِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا يَتَيَمَّمُ إذَا خَافَ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ مِنْهُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 43] الْآيَةَ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ عَطَشٍ أَوْ فَقْدِ آلَةٍ) الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ وِجْدَانِ الْمَاءِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا. اهـ. يَحْيَى

مِيلًا فَلِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ بِالذَّهَابِ إلَى الْمَاءِ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ وَقَوْلُهُ لِبُعْدِهِ مِيلًا عَنْ مَاءٍ يَنْفِي اشْتِرَاطَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِصْرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا لُحُوقُ الْحَرَجِ وَبِبُعْدِهِ مِيلًا عَنْ مَاءٍ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَهُ وَيَنْفِي أَيْضًا اشْتِرَاطَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْكُلَّ، وَالْمِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ فِي التَّقْدِيرِ وَقِيلَ فِي الْمُسَافِرِ إذَا كَانَ الْمَاءُ أَمَامَهُ يُقَدَّرُ بِمِيلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مِيلٍ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ الْإِيَابِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمِيلَيْنِ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِعَدَمِ سَمَاعِ الصَّوْتِ. وَأَقْرَبُ الْأَقْوَالِ الْمِيلُ وَهُوَ ثُلُثُ فَرْسَخٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ الشَّاشِيِّ طُولُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا وَعَرْضُ كُلِّ إصْبَعٍ سِتُّ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ مُلْصَقَةٍ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَالْبَرِيدُ اثْنَا عَشَرَ مِيلًا ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَلَا يُعْتَبَرُ خَوْفُ الْفَوْتِ خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ يَأْتِي مِنْ قِبَلِهِ، وَأَمَّا الْمَرَضُ فَمَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ خَافَ ازْدِيَادَ الْمَرَضِ أَوْ طُولَهُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ بِالتَّحَرُّكِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُوَضِّئُهُ فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَا يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَيَمَّمُ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا عَجَزَ عَنْ التَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَوَجَدَ مَنْ يُوَجِّهُهُ أَوْ عَجَزَ عَنْ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ أَوْ الْحَجِّ وَوَجَدَ مَنْ يُعِينُهُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ إنْ وَجَدَ بِغَيْرِ أَجْرٍ لَا يَتَيَمَّمُ وَبِأَجْرٍ يَتَيَمَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَعِنْدَهُمَا إنْ وَجَدَ بِرُبْعٍ لَا يَتَيَمَّمُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَتَيَمَّمُ فِي الْمِصْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يُعِينُهُ، وَكَذَا الْعَجْزُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِخِلَافِ مَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ، وَأَمَّا الْبَرْدُ فَلِأَنَّ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ أَوْ الْمَرَضِ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ لِخَوْفِ الْبَرْدِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ وُجُودُ الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ، وَوُجُودُ مَا يُسْتَدْفَأُ بِهِ وَعَدَمُهُ نَادِرٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ وَالْغَرِيبِ وَالنَّادِرُ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ كَخَوْفِ السَّبُعِ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ فَيَتَيَمَّمُ بِالنَّصِّ فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ أَوْ الْخَارِجِ مِنْ الْمِصْرِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ كَسَائِرِ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّيَمُّمِ، وَقَوْلُهُ أَوْ بَرْدٍ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَأَمَّا خَوْفُ السَّبُعِ أَوْ الْعَدُوِّ فَلِلْعَجْزِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَنْفِيَ أَيْضًا اشْتِرَاطَ السَّفَرِ) فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَلِيلُ السَّفَرِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ فِي التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ وَالْإِفْطَارِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ خَرَجَ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ السَّوَادِ لِلِاحْتِطَابِ أَوْ لِلِاحْتِشَاشِ أَوْ لِطَلَبِ الدَّابَّةِ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَإِنْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْقُرْبِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِيلٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ بِهِ الْمُسَافِرُ وَإِنْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُقِيمِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِيلٌ وَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَاءُ عَلَى قَدْرِ مِيلَيْنِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ قَالَ إذَا خَرَجَ الْمُقِيمُ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ مِنْ السَّوَادِ لِلِاحْتِطَابِ أَوْ لِلِاحْتِشَاشِ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَسْمَعُ صَوْتَ أَهْلِ الْمَاءِ فَهُوَ قَرِيبٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ فَهُوَ بَعِيدٌ، وَبِهِ أَخَذَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ إذَا كَانَ هَذَا فِي الْمُقِيمِ فَمَا ظَنُّك بِالْمُسَافِرِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ) هَذَا الْقِيلُ عَزَاهُ الْكَاكِيُّ إلَى الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا كَانَ أَمَامَهُ) وَإِنْ كَانَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً أَوْ خَلْفَهُ فَمُقَدَّرٌ بِمِيلٍ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمُسَافِرُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ وَهُوَ يَخَافُ فَوْتَ الْوَقْتِ لَا يَتَيَمَّمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ خَوْفُ الْفَوْتِ خِلَافًا لِزُفَرَ) قَالَ زُفَرُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَصِلُ إلَى الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَتَيَمَّمُ، وَإِلَّا فَيَتَيَمَّمُ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا قُلْنَا خَوْفَ فَوْتِ الْوَقْتِ بِتَقْصِيرٍ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ أَخَّرَهُ إلَى هَذَا الْوَقْتِ فَلَا يُعْتَبَرُ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ طُولُهُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ) كَالْجُدَرِيِّ وَنَحْوِهِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ أَوْ بِالتَّحَرُّكِ) كَالْمُشْتَكِي مِنْ الْعِرْقِ الْبَدَنِيِّ وَالْمَبْطُونِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ وُجُوبَ الْوُضُوءِ فِيمَا قُلْنَا فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَرِيضِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ وَمَعَهُ قَوْمٌ لَوْ اسْتَعَانَ بِهِمْ فِي الْإِقَامَةِ وَالثَّبَاتِ عَلَى الْقِيَامِ جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَخَافُ عَلَى الْمَرِيضِ زِيَادَةَ الْوَجَعِ فِي قِيَامِهِ وَلَا يَلْحَقُهُ زِيَادَةُ الْحَرَجِ فِي الْوُضُوءِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ)؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ شَامِلٌ لَهُمَا، وَلِهَذَا لَوْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي الْمِصْرِ يَتَيَمَّمُ كَمَا لَوْ عَدِمَ فِي السَّفَرِ ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ كَذَا فِي الْكَافِي، وَقَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى عِنْدَ قَوْلِهِ فِي النَّافِعِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهُوَ مُسَافِرٌ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ تَيَمَّمَ. قَوْلُهُ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِعَادِمِ الْمَاءِ فِي الْمِصْرِ التَّيَمُّمُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ فِي الْمَبْسُوطِ وَفِيهِ رَدٌّ لِمَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِمَنْ خَرَجَ مِنْ الْمِصْرِ مَا لَمْ يَقْصِدْ مُدَّةَ السَّفَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بَرْدٍ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ) وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْأَسْرَارِ صَرَّحَ بِهِ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ) وَهُوَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْخَوْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ وَهْمٍ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ عَادَةً. اهـ.؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ الْمُسَامَحَةُ بِمَا يَكْفِي الْوُضُوءَ مِنْ الْمَاءِ السَّاخِنِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ وَأَمَّا خَوْفُ السَّبُعِ أَوْ الْعَدُوِّ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ الْأَسِيرُ فِي أَيْدِي الْعَدُوِّ مُنِعَ مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ يَتَيَمَّمُ وَيُومِئُ وَيُعِيدُ، وَكَذَا مَنْ مُنِعَ مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ بِتَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ الْمَاءِ لِصٌّ أَوْ ظَالِمٌ يُؤْذِيهِ أَوْ سَبُعٌ أَوْ حَيَّةٌ يَتَيَمَّمُ اهـ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: جَازَ أَنْ تَجِبَ إعَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخَائِفِ مِنْ الْعَدُوِّ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ لِمَا أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ وَفِي تَجْنِيسِ الْمُصَنِّفِ وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَمَنَعَهُ إنْسَانٌ عَنْهُ بِوَعِيدٍ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ ثُمَّ يُعِيدَ الصَّلَاةَ بَعْدَ زَوَالِ ذَلِكَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ

حَقِيقَةً، وَيَلْحَقُ بِهِ مَا هُوَ مِثْلُهُ كَخَوْفِ الْحَيَّةِ أَوْ النَّارِ، وَأَمَّا الْمَاءُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ فَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ، وَالْمَشْغُولُ بِالْحَاجَةِ كَالْمَعْدُومِ وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَهُ ثَمَنُهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِلزَّادِ يَتَيَمَّمُ مَعَهُ، وَكَذَا الْمَاءُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَجِينِ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِاِتِّخَاذِ الْمَرَقَةِ لَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الطَّبْخِ دُونَ حَاجَةِ الْعَطَشِ وَعَطَشُ رَفِيقِهِ كَعَطَشِهِ، وَكَذَا عَطَشُ دَوَابِّهِ وَكَلْبِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَخَافَهُ لِلْحَالِ أَوْ فِي ثَانِي الْحَالِ، وَأَمَّا لِفَقْدِ الْآلَةِ فَلِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ دَلْوًا يَسْتَقِي بِهِ فَوُجُودُ الْبِئْرِ وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُسْتَوْعِبًا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ) فَقَوْلُهُ مُسْتَوْعِبًا صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ يَتَيَمَّمُ تَيَمُّمًا مُسْتَوْعِبًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي يَتَيَمَّمُ فَيَكُونُ حَالًا مُنْتَظِرَةً، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ثُمَّ الِاسْتِيعَابُ شَرْطٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى يُحَرِّكَ الرَّجُلُ خَاتَمَهُ وَالْمَرْأَةُ سِوَارَهَا أَوْ يَنْزِعَانِهِمَا، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَمْسَحُ يَدَيْهِ إلَى الرُّسْغَيْنِ وَلَنَا حَدِيثُ عَمَّارٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ»، وَذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحَ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ فِي صَدْرِ الْآيَةِ، وَأَسْقَطَ مِنْهَا عُضْوَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ فَبَقِيَ الْعُضْوَانِ فِيهِ عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ إذْ لَوْ اخْتَلَفَا لَبَيَّنَهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ وَظِيفَةِ الْوَجْهِ شَيْءٌ فَكَذَا الْيَدَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِضَرْبَتَيْنِ) الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِيَتَيَمَّمَ أَيْ يَتَيَمَّمُ بِضَرْبَتَيْنِ، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ يُقْبِلُ بِهِمَا وَيُدْبِرُ ثُمَّ يَرْفَعُهُمَا وَيَنْفُضُهُمَا وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ، وَيَمْسَحُ الْوَتَرَةَ الَّتِي بَيْنَ الْمَنْخَرَيْنِ ثُمَّ يَضْرِبُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَذَلِكَ وَيَمْسَحُ بِهِمَا ذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعَ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْخُفَّيْنِ وَيَجِبُ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بَيْنَهُمَا غُبَارٌ، وَلَا يَجِبُ فِي الصَّحِيحِ مَسْحُ بَاطِنِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ ضَرْبَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ يَكْفِي، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَمْسَحُ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى ظَاهِرَ يَدِهِ الْيُمْنَى مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِكَفِّهِ الْيُسْرَى بَاطِنَ يَدِهِ الْيُمْنَى إلَى الرُّسْغِ، وَيُمِرُّ بَاطِنَ إبْهَامِهِ الْيُسْرَى عَلَى ظَاهِرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَفْعَلُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ قَالُوا وَهُوَ أَحْوَطُ. وَيُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا) أَيْ يَكْفِيهِ ضَرْبَتَانِ وَلَوْ كَانَ الْمُتَيَمِّمُ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا لِحَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْت فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْت فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْك هَكَذَا» الْحَدِيثَ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ مُلْحَقَتَانِ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِطَاهِرٍ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَقْعٌ وَبِهِ بِلَا عَجْزٍ) الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِطَاهِرٍ مُتَعَلِّقٌ بِيَتَيَمَّمَ أَيْ يَتَيَمَّمُ بِطَاهِرٍ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالتُّرَابِ وَالْحَجَرِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالنُّورَةِ وَالْجِصِّ وَالرَّمْلِ وَالْمَغْرَةِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالزُّمُرُّدِ وَالْبَلْخَش وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْمَرْجَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ كَالْمَحْبُوسِ إذَا صَلَّى بِالتُّرَابِ فِي السِّجْنِ فَإِذَا خَرَجَ يُعِيدُ فَكَذَا هَذَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ مُتَيَمِّمٌ مَرَّ عَلَى الْمَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَسْتَطِيعُ النُّزُولَ إلَيْهِ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ لَا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ) أَشَارَ بِقَوْلِهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ إلَى أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ فِي الْمَسْحِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تَدْخُلُ الْمِرْفَقَانِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّقْدِيرِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ إنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لِكَثْرَةِ الْبَلْوَى فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ الِاسْتِيعَابُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ دَخَلَتْ عَلَى الْمَحَلِّ قُلْنَا زِدْنَا عَلَى النَّصِّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلذِّرَاعَيْنِ»، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ خَلَفًا عَنْ الْوُضُوءِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْصِيفِ، وَكُلُّ تَنْصِيفٍ يَدُلُّ عَلَى إبْقَاءِ الْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ. اهـ. مُسْتَصْفَى قَوْلُهُ عَلَى مَا كَانَ أَيْ مِنْ الِاسْتِيعَابِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِضَرْبَتَيْنِ) اخْتَارَ لَفْظَ الضَّرْبِ وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ جَائِزًا لِمَا أَنَّ الْآثَارَ جَاءَتْ بِلَفْظِ الضَّرْبِ. اهـ. مُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ بِضَرْبَتَيْنِ الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِيَتَيَمَّمَ) وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِمُسْتَوْعِبًا اهـ ع (قَوْلُهُ يُقْبِلُ بِهِمَا) أَيْ يُحَرِّكُهُمَا بَعْدَ الضَّرْبِ أَمَامًا وَخَلْفًا مُبَالَغَةً فِي إيصَالِ التُّرَابِ إلَى أَثْنَاءِ الْأَصَابِعِ، وَإِنْ كَانَ الضَّرْبُ أَوْلَى مِنْ الْوَضْعِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ وَيَنْفُضُ وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ) ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَنْفُضُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ ضَرْبَةٍ نَفْضَةً وَاحِدَةً وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْفُضُهُمَا فِي كُلِّ ضَرْبَةٍ بِنَفْضَتَيْنِ، وَقِيلَ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَتَنَاثَرُ مَا الْتَصَقَ مِنْ التُّرَابِ عَنْ كَفِّهِ بِنَفْضَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَفْضَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَنَاثَرُ بِنَفْضَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَحْتَاجُ إلَى نَفْضَتَيْنِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَلْطِيخُ التُّرَابِ عَلَى عُضْوِ التَّيَمُّمِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النَّفْضِ تَنَاثُرُ التُّرَابِ صِيَانَةً عَنْ التَّلْوِيثِ الَّذِي يُشْبِهُ الْمُثْلَةَ. اهـ. مَنْبَعٌ. (قَوْلُهُ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْك) هَكَذَا فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ أَنْ تَفْعَلَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِطَاهِرٍ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِطَاهِرٍ فِي مَحَلِّ الْجَرِّ صِفَةً لِضَرْبَتَيْنِ أَيْ بِضَرْبَتَيْنِ مُلْتَصِقَتَيْنِ بِطَاهِرٍ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ الْمُسْتَعْمَلِ عِنْدَنَا وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ وَفِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ لَا يَجُوزُ، وَالْمُسْتَعْمَلُ مَا تَنَاثَرَ مِنْ الْعُضْوِ اهـ. وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ وَلَوْ تَيَمَّمَ جَمَاعَةٌ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ أَوْ لَبِنَةٍ أَوْ أَرْضٍ جَازَ كَبَقِيَّةِ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ وَالنُّورَةُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ هَمْزَةُ وَاوِ النُّورَةِ خَطَأٌ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي النَّتَائِجِ النُّورَةُ طِلَاءٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَخْلَاطٍ يُزَالُ بِهِ الشَّعْرُ قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ عَمِلَهَا امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا نُورَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَغَرَةُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ الْمَغَرَةُ الطِّينُ الْأَحْمَرُ بِفَتْحَتَيْنِ وَالتَّسْكِينُ تَخْفِيفٌ اهـ إذَا تَيَمَّمَ ثُمَّ تَيَمَّمَ غَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ

طَاهِرًا. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّعِيدِ وَالْأَرْضِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَرَ التَّيَمُّمَ بِغَيْرِ التُّرَابِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ بِالْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَلَا يَجُوزُ فِي أُخْرَى لِأَنَّهُ يَذُوبُ، وَلَوْ كَانَ مَائِيًّا لَا يَجُوزُ رِوَايَةً وَاحِدَةً كَمَا لَا يَجُوزُ بِالْمَاءِ الْمُتَجَمِّدِ وَيَجُوزُ بِالْآجُرِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ الْخَزَفُ مِنْ طِينٍ خَالِصٍ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ طِينٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ آخَرُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ كَالزُّجَاجِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الرَّمْلِ وَشَيْءٍ آخَرَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ يَجُوزُ بِالْكِيزَانِ وَالْحُبَابِ وَيَجُوزُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مَا دَامَتْ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَمْ يُصْنَعْ مِنْهَا شَيْءٌ وَبَعْدَ السَّبْكِ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَحْتَرِقُ بِالنَّارِ وَيَصِيرُ رَمَادًا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ يَنْطَبِعُ وَيَذُوبُ بِالنَّارِ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف: 8] قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَيْ يَجُوزُ بِجِنْسِ الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُبَارٌ وَالنَّقْعُ الْغُبَارُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ نَقْعٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا، بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِمَا صَعِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ جِنْسِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] أَيْ حَجَرًا أَمْلَسَ وَلَا تَعَلُّقَ لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {طَيِّبًا} [البقرة: 168] عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التُّرَابَ الْمَنْبِتِ؛ لِأَنَّ الطَّيِّبَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يُرَادُ بِهِ الْمَنْبِتُ وَيُرَادُ بِهِ الْحَلَالُ وَيُرَادُ بِهِ الطَّاهِرُ وَهُوَ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ مُرَادًا إذْ الْمُشْتَرَكُ لَا عُمُومَ لَهُ، وَكَذَا الْأَرْضُ فِي الْحَدِيثِ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ كَمَا تَنَاوَلَ فِي حَقِّ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الَّذِي جُعِلَ مَسْجِدًا هُوَ الَّذِي جُعِلَ طَهُورًا قَوْلُهُ وَبِهِ بِلَا عَجْزٍ أَيْ يَجُوزُ بِالنَّقْعِ بِلَا عَجْزٍ عَنْ الصَّعِيدِ لِأَنَّهُ تُرَابٌ رَقِيقٌ وَسَوَاءٌ كَانَ الْغُبَارُ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ حَيَوَانٍ، وَلَوْ أَصَابَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ غُبَارٌ فَإِنْ مَسَحَهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ بِالْغُبَارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التُّرَابِ وَعِنْدَ عَدَمِهِ لَهُ رِوَايَتَانِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِهِ وَيُعِيدُ، وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (نَاوِيًا) أَيْ يَتَيَمَّمُ نَاوِيًا وَهُوَ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي يَتَيَمَّمُ وَكَيْفِيَّةُ النِّيَّةِ أَنْ يَنْوِيَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ مِثْلُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ لَا يُؤَدِّي بِهِ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ اتِّبَاعٌ لِغَيْرِهَا وَفِي التَّيَمُّمِ لِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ رِوَايَتَانِ وَفِي الْغَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَنِيَّةُ الطَّهَارَةِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَازَ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مَا الْتَزَقَ بِيَدَيْهِ وَهُوَ كَفَضْلِ مَا فِي الْإِنَاءِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ فِي أُخْرَى) وَفِي قَاضِيخَانْ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ يَذُوبُ. اهـ. كَاكِيٌّ. قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ بِالْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ اهـ وَلَا يَجُوزُ بِاللُّؤْلُؤِ الْمَدْقُوقِ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَلَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَجُوزُ بِالزِّئْبَقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَكَذَا بِالرَّمَادِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ الْمُتَّخَذِ مِنْ الرَّمْلِ) وَكَذَا الزَّبَادِيُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَطْلِيَّةً بِالدِّهَانِ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ إنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَحْتَرِقُ) أَيْ كَالشَّجَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ يَنْطَبِعُ) أَيْ كَالْحَدِيدِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُبَارٌ) ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ إذَا ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَخْرَةٍ لَا غُبَارَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَرْضٍ نَزَّةٍ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِيَدِهِ شَيْءٌ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ صَعِيدًا جُرُزًا) فَسَّرَ الصَّعِيدَ بِالْجُرُزِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ، وَالْجُرُزُ أَرْضٌ لَا نَبَاتَ فِيهَا فَعُلِمَ أَنَّ النَّبَاتَ لَيْسَ مِنْ الصَّعِيدِ، وَمَا يَذُوبُ بِالنَّارِ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا يَحْتَرِقُ فَلَا يَكُونُ مِنْ الصَّعِيدِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ نَقْعٌ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ فِي اشْتِرَاطِ الْغُبَارِ وَفِي رِوَايَةٍ وَلَا يَجُوزُ بِدُونِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] أَيْ مِنْ التُّرَابِ وَكَلِمَةُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَأَفَادَتْ الْآيَةُ وُجُوبَ الْمَسْحِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَرْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْتَصِقَ بِيَدِهِ شَيْءٌ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الضَّمِيرِ فِي مِنْهُ إلَى الْحَدَثِ الْمَذْكُورِ أَوْ تُحْمَلُ مِنْ عَلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ كَمَا يَجِيءُ وَلِأَنَّ الْتِصَاقَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ فِي الْوُضُوءِ شَرْطٌ فَكَذَا فِي التَّيَمُّمِ وَفِي الْإِيضَاحِ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يُلَطِّخُ الثَّوْبَ بِالطِّينِ، وَيَتَيَمَّمُ بَعْدَ الْجَفَافِ إذَا كَانَ فِي طِينٍ رَدِغَةٍ هُوَ قَوْلُهُ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالطِّينِ الرَّطْبِ إذَا لَمْ يَعْلَقْ مِنْهُ شَيْءٌ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ دَقَّ الْحَجَرُ أَوْ الْآجُرُّ جَازَ أَيْضًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ أَرَادَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أُرِيدَ (قَوْلُهُ الْمَنْبَتُ) أَيْ وَهُوَ التُّرَابُ الْخَالِصُ عَنْ الرَّمْلِ اهـ. (قَوْلُهُ يُرَادُ بِهِ الْمَنْبَتُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ تَعَالَى {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ} [الأعراف: 58] (قَوْلُهُ وَيُرَادُ بِهِ الْحَلَالُ) قَالَ تَعَالَى {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 57] (قَوْلُهُ وَيُرَادُ بِهِ الطَّاهِرُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ تَعَالَى {حَلالا طَيِّبًا} [البقرة: 168] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ». اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْأَرْضُ فِي الْحَدِيثِ) وَهُوَ قَوْلُهُ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا». اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَهُوَ شَرْطٌ. اهـ. (قَوْلُهُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ إلَى آخِرِهِ) الدَّلِيلُ عَلَى اشْتِرَاطِ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ تَرْتِيبُ التَّيَمُّمِ عَلَى الصَّلَاةِ وَهِيَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا جَازَتْ نِيَّةُ الصَّلَاةِ وَقَدْ انْتَفَى فِيهَا الْقَيْدَانِ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهَا نِيَّةٌ لِلصَّلَاةِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ وَصَلَاةُ الظُّهْرِ) احْتِرَازٌ عَنْ التَّيَمُّمِ لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ لَكِنَّهُ يَصِحُّ بِلَا طَهَارَةٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ) أَيْ أَوْ مَسِّ الْمُصْحَفِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ لِلْإِقَامَةِ إلَى آخِرِهِ) وَكَذَا السَّلَامُ أَوْ رَدُّهُ أَوْ الْإِسْلَامُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ) أَيْ لِجَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِدُونِ الْوُضُوءِ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَإِنْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ لَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ قُرْبَةً مَقْصُودَةً لَكِنْ يَحِلُّ لَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَمِنْ الْمُشْكِلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ مِمَّا لَيْسَ

الصَّلَاةِ تَقُومُ مَقَامَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شُرِعَتْ لِلصَّلَاةِ وَشُرِطَتْ لِإِبَاحَتِهَا فَكَانَ نِيَّتُهَا نِيَّةَ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَجِبُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ يُرِيدُ بِهِ الْوُضُوءَ جَازَ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَهُمَا يَقَعُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَتَمَيَّزُ بِالنِّيَّةِ كَصَلَاةِ الْفَرْضِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ لِيَقَعَ طَهَارَةٌ فَإِذَا وَقَعَ طَهَارَةٌ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ يُرَاعَى وُجُودُهَا لَا غَيْرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْعَصْرِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ الظُّهْرَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالتَّعْيِينِ، وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ لَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ يُرِيدُ بِهِ التَّيَمُّمَ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِهِ، وَلَوْ قَالُوا لَوْ تَيَمَّمَ يُرِيدُ بِهِ تَعْلِيمَ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ فَعَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُعْتَبَرُ مُجَرَّدُ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ إلَّا إذَا أَصَابَهُ التُّرَابُ أَوْ الْمَاءُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي الْوُضُوءِ دُونَ التَّيَمُّمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَغَا تَيَمُّمُ كَافِرٍ لَا وُضُوءُهُ) وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ تَيَمُّمُهُ أَيْضًا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ فَرْضٌ عِنْدَهُمْ وَلَا نِيَّةَ لِلْكَافِرِ فَيَلْغُو تَيَمُّمُهُ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَتُعْتَبَرُ لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ حَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ فَلَا يُخَالِفُهُ فِي وَصْفِهِ، وَلَنَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّيَمُّمِ وَهُوَ الْقَصْدُ، وَالْقَصْدُ هُوَ النِّيَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا وَهِيَ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَقَدْ وُجِدَ وَلِأَنَّ التُّرَابَ مُلَوِّثٌ وَمُغَبِّرٌ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُطَهِّرًا لِضَرُورَةِ إرَادَةِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِنَفْسِهِ فَاسْتَغْنَى فِي وُقُوعِهِ طَهَارَةً عَنْ النِّيَّةِ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي وُقُوعِهِ قُرْبَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا نَوَى بِهِ الْإِسْلَامَ صَحَّ وَيُصَلِّي بِهِ إذَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ رَأْسُ الْعِبَادَاتِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ فَصَحَّ تَيَمُّمُهُ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الصَّلَاةَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. قُلْنَا: إنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا جُعِلَ طَهَارَةً إذَا قُصِدَ بِهِ عِبَادَةٌ لَا صِحَّةَ لَهَا بِدُونِهَا، وَالْإِسْلَامُ لَهُ صِحَّةٌ بِدُونِ الطَّهَارَةِ فَلَا يَصِيرُ مُتَيَمِّمًا بِنِيَّتِهِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُ الْمُسْلِمِ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَنْقُضُهُ رِدَّةٌ) أَيْ وَلَا يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ رِدَّةٌ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَنْقُضُهُ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِيهِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ زُفَرَ يَقْتَضِي أَنَّ النِّيَّةَ وَاجِبَةٌ فِي التَّيَمُّمِ عِنْدَهُ وَيَجُوزُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِيهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى فِيهِ وُجُوبَ النِّيَّةِ كَمَا تَكَلَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَإِنْ كَانَ هُوَ لَا يَرَى جَوَازَهَا وَلَنَا أَنَّ الْبَاقِيَ صِفَةُ كَوْنِهِ طَاهِرًا فَاعْتِرَاضُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ لَا يُنَافِيهِ كَالْوُضُوءِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَدَوَامُ النِّيَّةِ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ مِنْ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِإِنْشَاءِ النِّيَّةِ وَالْعِبَادَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بَلْ نَاقِضُ الْوُضُوءِ وَقُدْرَةُ مَاءٍ فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ) أَيْ بَلْ يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ نَاقِضُ الْوُضُوءِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمَاءِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُرَادُ بِهِ طَهُورُ الْحَدَثِ السَّابِقِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ لِنَفْسِهِ وَلَا هُوَ مِنْ جِنْسِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَيَقَعُ طَهُورًا اهـ فَإِنْ قُلْت ذَكَرْت أَنَّ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ لِرَدِّ السَّلَامِ لَا تُصَحِّحُهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ مَعَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَيَمَّمَ لِرَدِّ السَّلَامِ» عَلَى مَا أَسْلَفْته فِي الْأَوَّلِ فَالْجَوَابُ إنْ قَصَدَ رَدَّ السَّلَامِ بِالتَّيَمُّمِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ نَوَى عِنْدَ فِعْلِ التَّيَمُّمِ التَّيَمُّمَ لَهُ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ نَوَى مَا يَصِحُّ مَعَهُ التَّيَمُّمُ، ثُمَّ يَرُدُّ السَّلَامَ إذَا صَارَ طَاهِرًا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ) وَيَكْفِي لِلْحَدَثَيْنِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ فِي الْمُخْتَارِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَنْ تَيَمَّمَ يُرِيدُ بِهِ الْوُضُوءَ أَجْزَأَهُ عَنْ الْجَنَابَةِ. اهـ. زَادُ الْفَقِيرِ. (قَوْلُهُ فَعَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ) أَيْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَرِوَايَةِ الْحَسَنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَرْضٌ عِنْدَهُمْ) أَيْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يُخَالِفُهُ فِي وَصْفِهِ) قُلْنَا بَلْ الْأَصْلُ أَنَّ الَخَلَفَ لَا يُفَارِقُ الْأَصْلَ لَكِنْ قَدْ يُفَارِقُهُ لِاخْتِلَافِ حَالِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْوُضُوءَ بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ، وَسُنَّ التَّكَرُّرُ فِي الْوُضُوءِ دُونَ التَّيَمُّمِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْإِسْلَامُ لَهُ صِحَّةٌ بِدُونِ الطَّهَارَةِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلصَّلَاةِ صَحَّ عِنْدَهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا لَا يُصَحِّحَانِ مِنْهُ تَيَمُّمًا أَصْلًا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ النِّيَّةِ مِنْهُ فَمَا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ النِّيَّةَ تُصَيِّرُ الْفِعْلَ مُنْتَهِضًا سَبَبًا لِلثَّوَابِ وَلَا فِعْلَ يَقَعُ مِنْ الْكَافِرِ كَذَلِكَ حَالَ الْكُفْرِ، وَلِذَا صَحَّحُوا وُضُوءَهُ لِعَدَمِ افْتِقَارِهِ إلَى النِّيَّةِ، وَلَمْ يُصَحِّحْهُ الشَّافِعِيُّ لِمَا افْتَقَرَ إلَيْهَا عِنْدَهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِيهِ) بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّ الْكَافِرَ لَوْ تَيَمَّمَ لَا يَصِحُّ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ وَالتَّقْصِيرِ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ فِعْلِهِ فَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ عِنْدَهُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ. اهـ. كَاكِيٌّ أَوْ نَقُولُ عَدَمُ جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِلْكَافِرِ عِنْدَهُ لَا لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ بَلْ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهُ طَهُورَ الْمُسْلِمِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّيَمُّمُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ» الْحَدِيثَ. وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ بِالِاتِّفَاقِ فَعُلِمَ أَنَّ الْكُفْرَ مُنَافٍ لِطَهُورِيَّتِهِ وَبِالِارْتِدَادِ ارْتَفَعَتْ طَهُورِيَّتُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْبَقَاءُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ) بِأَنْ كَانَ الزَّوْجَانِ رَضِيعَيْنِ، وَقَدْ زَوَّجَ كُلًّا مِنْهُمَا أَبَوَاهُمَا ثُمَّ أَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ أَوْ كَانَا كَبِيرَيْنِ، وَقَدْ مَكَّنَتْ الْمَرْأَةُ ابْنَ زَوْجِهَا بَعْدَ النِّكَاحِ حَيْثُ يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ فِيهِمَا بَعْدَ الثُّبُوتِ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ فِيهِمَا ابْتِدَاءً، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ مُنَافِيَةٍ بِحُكْمٍ يَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالرِّدِّيَّةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ سَبَقَهُ حَدَثٌ فِي الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُهَا فَثَبَتَ أَنْ يُفْسِدَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِ ابْتِدَاءً قُلْنَا ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ» الْحَدِيثَ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ لِإِنْشَاءِ النِّيَّةِ) أَيْ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ (قَوْلُهُ فَالْمُرَادُ بِهِ طَهُورُ الْحَدَثِ السَّابِقِ) التَّيَمُّمُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عِنْدَنَا لَكِنْ رَفْعًا مُمْتَدًّا إلَى وُجُودِ الْمَاءِ، فَإِذَا وُجِدَ عَادَ الْحَدَثُ السَّابِقُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَرْفَعُهُ بَلْ يُبِيحُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ الْحَدَثُ مَوْجُودًا كَمَا فِي سَائِرِ الْأَعْذَارِ، وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي أَنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ عِنْدَنَا، وَيُصَلِّي فَرْضًا وَاحِدًا أَوْ النَّوَافِلَ تَبَعًا لَهُ عِنْدَهُ

الْقُدْرَةَ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ نَاقِضَةٍ إذْ لَيْسَتْ بِخُرُوجِ نَجِسٍ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، وَلَكِنْ انْتَهَتْ طَهُورِيَّةُ التُّرَابِ عِنْدَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ طَهُورًا إلَّا إلَى وُجُودِ الْمَاءِ فَإِذَا وَجَدَهُ كَانَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ، وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهَا فَهُوَ مَشْغُولٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَالْمَعْدُومِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ كَافِيًا لِلْوُضُوءِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَافِيًا فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَلَا يَنْقُضُ تَيَمُّمَهُ إذْ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِهِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ وَيَتَيَمَّمُ لِلْبَاقِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ الْكَافِيَ وَغَيْرَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي لِإِزَالَةِ بَعْضِ النَّجَاسَةِ أَوْ ثَوْبًا يَسْتُرُ بَعْضَ عَوْرَتِهِ وَكَمَا يَجْمَعُ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ بَيْنَ الذَّكِيَّةِ وَالْمَيْتَةِ، وَلَنَا أَنَّ الْغُسْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ الْمُبِيحُ لِلصَّلَاةِ وَمَا لَا يُبِيحُهَا فَوُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُفِدْ كَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ عَبَثًا وَتَضْيِيعًا لِلْمَاءِ فِي مَوْضِعِ عِزَّتِهِ، وَتَضْيِيعُ الْمَالِ حَرَامٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُكَفِّرُ مَا يَكْفِي خَمْسَةَ مَسَاكِينَ أَوْ بَعْضَ رَقَبَةٍ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِطْعَامِ وَلَا بِعِتْقِ بَعْضِ الْعَبْدِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَقَعُ تَطَوُّعًا فَيُثَابُ عَلَيْهِ. وَالْآيَةُ تَشْهَدُ لَنَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا فِي الْوُضُوءِ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَفِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ بِغَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ ثُمَّ قَالَ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] فَكَانَ تَقْدِيرُهُ مَاءً يُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الْكَافِي لِلْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لَا الْقَطْرَةُ وَالْقَطْرَتَانِ وَقَوْلُهُ فَتَعُمُّ الْكَافِيَ وَغَيْرَهُ قُلْنَا لَوْ تَنَاوَلَ غَيْرَ الْكَافِي لَمَا جَازَ الْمَصِيرُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَهُ كَمَا لَا يَجُوزُ مَعَ الْمَاءِ الْكَافِي، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُجِزْ التَّيَمُّمَ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ، وَهَذَا وَاجِدٌ لِلْمَاءِ عَلَى زَعْمِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَنَا بِإِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ وَلَمْ يَأْمُرْنَا بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ فَصَارَ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ وَاعْتِبَارُهُ بِالنَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهَا تَتَجَزَّأُ وَالْحَدَثُ لَا يَتَجَزَّأُ وَلِأَنَّ قَلِيلَهَا عَفْوٌ بِخِلَافِ الْحَدَثِ وَكَذَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ أَنْ نَرَى الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْقُضُ إذَا وَجَدَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] وَهَذَا وَاجِدٌ لِلْمَاءِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَك» أُمِرْنَا بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عِنْدَ وُجُودِهِ مُطْلَقًا فَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ، وَلِأَنَّ التُّرَابَ لَمْ يُجْعَلْ طَهُورًا إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَيَبْطُلُ بِوُجُودِهِ وَلِأَنَّهُ قُدِّرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ كَالْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ إذَا حَاضَتْ فِي عِدَّتِهَا، وَلَوْ كَانَ فِي النَّفْلِ فَرَآهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ احْتِيَاطًا وَكَذَا لَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ أَنْ يَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَتَأْتِي مَعَ أَخَوَاتِهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَهِيَ تَمْنَعُ التَّيَمُّمَ وَتَرْفَعُهُ) أَيْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَاءِ تَمْنَعُ جَوَازَ التَّيَمُّمِ ابْتِدَاءً وَتَرْفَعُهُ بَعْدَمَا تَيَمَّمَ، وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ وَهَذَا تَكْرَارٌ مَحْضٌ لِأَنَّهُ لَمَّا عَدَّ الْأَعْذَارَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَلَمَّا قَالَ وَقُدْرَةُ مَاءٍ عُلِمَ أَنَّهُ تَرْفَعُهُ الْقُدْرَةُ وَلَا يَبْقَى إلَّا فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ ابْتِدَاءً فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ ثَانِيًا، وَلَا يَلِيقُ بِمِثْلِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ. قَالَ (وَرَاجِي الْمَاءِ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ Q؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ ضَرُورِيَّةٌ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. اهـ. يَحْيَى وَلَوْ أَنَّ مُتَوَضِّئًا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَخَرَجَ لِيَتَوَضَّأَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَ، ثُمَّ قَبْلَ الِانْصِرَافِ إلَى مَكَانِهِ وَجَدَ الْمَاءَ تَوَضَّأَ وَبَنَى وَلَوْ انْصَرَفَ إلَى مَكَانِهِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ تَوَضَّأَ وَاسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ اسْتِحْسَانًا. اهـ. ظَهِيرِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ) أَيْ يَتَجَزَّأُ وَقَلِيلُهَا عَفْوٌ كَمَا يَأْتِي اهـ. (قَوْلُهُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ ابْتِدَاءً وَتَرْفَعُهُ) لَا الْوُجُودُ وَإِنْ كَانَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ هُوَ الْوُجُودُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُودِ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَكُونُ قَوْلُهُ فَهِيَ تُمْنَعُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ مَنْ يَقُولُ الْمَانِعُ الْوُجُودُ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ التَّكْرَارُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ النَّاقِضَ قُدْرَةُ الْمَاءِ فَيَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهَا تَكُونُ مَانِعَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ فَهِيَ تُمْنَعُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ مُتَوَهِّمٍ أَنَّ الْوُجُودَ هُوَ الْمَانِعُ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ وَهَذَا تَكْرَارٌ مَحْضٌ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِحَاصِلِ مَا ذَكَرَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى مُخْتَصَرَةٍ فَلَا يَكُونُ مِنْ التَّكْرَارِ فِي شَيْءٍ، بَلْ هُوَ دَأْبُ الْمُحَقِّقِينَ فِي تَقْدِيرَاتِهِمْ يَحْيَى (قَوْلُهُ لَمَّا عَدَّ الْأَعْذَارَ) أَيْ الْمُبِيحَةَ لِلتَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ وَلَا يَلِيقُ) أَيْ التَّكْرَارُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَاجِي الْمَاءِ) وَالْمُرَادُ بِالرَّجَاءِ غَلَبَةُ الظَّنِّ أَيْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَجِدُ الْمَاءَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ، وَهَذَا الِاسْتِحْبَابُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعٍ يَرْجُوهُ مِيلٌ أَوْ أَكْثَرُ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا يُجْزِيهِ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ. اهـ. كَاكِيٌّ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُسْتَحَبُّ لِعَادِمِ الْمَاءِ وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَجِدَهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَإِلَّا تَيَمَّمَ وَصَلَّى لِيَقَعَ الْأَدَاءُ بِأَكْمَلِ الطَّهَارَتَيْنِ، وَصَارَ كَالطَّامِعِ فِي الْجَمَاعَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ التَّأْخِيرَ حَتْمٌ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الرَّأْيِ كَالْمُتَحَقَّقِ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْعَجْزَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ إلَّا بِيَقِينِ مِثْلِهِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ: لِأَنَّ غَالِبَ الرَّأْيِ كَالْمُتَحَقِّقِ مَعَ قَوْلِهِ فِي وَجْهِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَجْزَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ إلَّا بِيَقِينِ مِثْلِهِ مَعَ أَنَّهُ مَنْظُورٌ فِيهِ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ فِي الْعُمْرَانَاتِ وَفِي الْفَلَاةِ إذَا أُخْبِرَ بِقُرْبِ الْمَاءِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الطَّلَبِ اعْتِبَارًا لِغَالِبِ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ خِلَافُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِيلٌ جَازَ التَّيَمُّمُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُسَافِرُ إذَا كَانَ عَلَى تَيَقُّنٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ أَوْ غَالِبُ ظَنِّهِ عَلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَتَيَمَّمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَصَلَّى إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِيلٌ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَلَكِنْ يَخَافُ الْفَوْتَ لَا يَتَيَمَّمُ اهـ

أَيْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ لِيُؤَدِّيَهَا بِأَكْمَلِ الطَّهَارَتَيْنِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ بِالشَّكِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ قَبْلَ الْوَقْتِ) أَيْ صَحَّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَلِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْوُضُوءَ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَأَوْجَبَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَالْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَمَنْ جَوَّزَهُ قَبْلَهُ فَقَدْ أَثْبَتَ التَّيَمُّمَ الْمُسْتَثْنَى عَنْ الْقَاعِدَةِ بِالْقِيَاسِ، وَلَنَا أَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي التَّيَمُّمِ لَمْ تَفْصِلْ بَيْنَ وَقْتٍ وَوَقْتٍ وَالْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا يَجْرِي الْعَامُّ عَلَى عُمُومِهِ، وَمَنْ قَيَّدَهُ بِالْوَقْتِ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْوُضُوءِ فَجَازَ قَبْلَ الْوَقْتِ كَالْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى تَقْدِيمِهِ عَلَى الْوَقْتِ لِيَشْغَلَ أَوَّلَ الْوَقْتِ بِأَدَاءِ الْفَرِيضَةِ أَوْ السُّنَنِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَإِنَّ النُّصُوصَ تَنْفِيهِ وَلَا نَصَّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَا يَجُوزُ وُضُوءُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ بَلْ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَلَئِنْ سُلِّمَ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ فَالْفَرْقُ أَنَّ طَهَارَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ قَدْ وُجِدَ مَا يُنَافِيهَا وَهُوَ سَيَلَانُ الدَّمِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَهُ رَافِعٌ بَعْدَهُ، وَهُوَ الْحَدَثُ أَوْ وُجُودُ الْمَاءِ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ فَصَارَ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَإِنَّهُ رُخْصَةٌ وَبَدَلُ مِثْلِهِ عَنْ الْغُسْلِ بَلْ التَّيَمُّمُ أَقْوَى فَإِنَّ الشَّارِعَ وَقَّتَ الْمَسْحَ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا وَجَعَلَ التَّيَمُّمَ بِالتُّرَابِ طَهُورًا وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْوُضُوءَ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ. قُلْنَا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ التَّيَمُّمَ عَقِيبَ الْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَمْرِ الْجَوَازُ عَقِيبَهُ وَلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ {إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة: 6] أَيْ إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ فَلَا يُنَافِي جَوَازَهُ قَبْلَهُ كَمَا فِي حَقِّ الْوُضُوءِ قَبْلَهُ قَالَ (وَلِفَرْضَيْنِ) أَيْ وَصَحَّ التَّيَمُّمُ لِفَرْضَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَلِّي بِهِ فَرْضًا وَاحِدًا، وَيُصَلِّي النَّوَافِلَ تَبَعًا لَهُ وَهُوَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عِنْدَهُ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ» الْحَدِيثَ فَقَدْ جَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وُضُوءًا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ مُطْلَقًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْوُضُوءِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَالطَّهُورُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمُثْبِتُ لِلطَّهَارَةِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِارْتِفَاعِ الْحَدَثِ إلَى وُجُودِ الْمَاءِ وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُ «بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حِينَ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ عَنْ الْجَنَابَةِ مَا حَمَلَك عَلَى أَنْ صَلَّيْت بِأَصْحَابِك وَأَنْتَ جُنُبٌ» لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَيَمَّمَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ أَوْ ظَنَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْهُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَهَا لَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَلَا يُنْكِرُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - التَّيَمُّمُ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ، وَلَمَّا بَيَّنَ لَهُ السَّبَبَ تَرَكَهُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلَيْنِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] نَزَلَتْ فِي التَّيَمُّمِ. قَالَ (وَخَوْفَ فَوْتِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ) أَيْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ فَصَارَ الْمَاءُ مَعْدُومًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا فَجَأَتْك جِنَازَةٌ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَتَيَمَّمْ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى جِدَارٍ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - السَّلَامَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَالَ إنِّي كَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا عَلَى طُهْرٍ أَوْ قَالَ عَلَى طَهَارَةٍ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لِخَوْفِ الْفَوْتِ جَائِزٌ إذْ تَيَمُّمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَجْلِ خَوْفِ فَوْتِ الرَّدِّ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ بَعْدَ التَّرَاخِي لَا يَكُونُ رَدًّا لَهُ، وَهُوَ حُجَّةٌ أَيْضًا عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي مَنْعِهِ التَّيَمُّمَ بِغَيْرِ التُّرَابِ وَفِي أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ؛ لِأَنَّ حِيطَانَ الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ مَبْنِيَّةً بِالْحِجَارَةِ السُّودِ، ثُمَّ قِيلَ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يُنْتَظَرُ وَلَوْ صَلَّوْا لَهُ حَقُّ الْإِعَادَةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِانْتِظَارَ فِيهَا مَكْرُوهٌ وَلَوْ لَمْ يَنْتَظِرُوهُ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ كَمُلَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ حَتَّى لَوْ جِيءَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى يُعِيدُ التَّيَمُّمَ لَهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ) قَالَ فِي الْوَافِي نُدِبَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِرَاجِي الْمَاءَ (قَوْلُهُ عَنْ الْقَاعِدَةِ بِالْقِيَاسِ)؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّيَمُّمُ، وَلَكِنْ وَرَدَ الشَّرْعُ فِي الْوَقْتِ فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ فَمَنْ أَثْبَتَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَقَدْ أَثْبَتَهُ بِالْقِيَاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ يَجُوزُ) أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَجَبَ التَّيَمُّمُ عَقِيبَ الْمَجِيءِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِفَرْضَيْنِ) أَيْ فَصَاعِدًا. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ فَلَا يُنَافِي جَوَازَهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْوَقْتِ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ) أَيْ بَلْ يُبِيحُ الصَّلَاةَ لِلضَّرُورَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. اهـ. قَوْلُهُ «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ اهـ غَايَةٌ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَخَوْفَ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ جُنُبًا فِي الْمِصْرِ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ هُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِانْتِظَارَ فِيهَا مَكْرُوهٌ) أَيْ وَلِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ. اهـ. نِهَايَةٌ

يُوجَدْ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ يُمْكِنُهُ الْوُضُوءُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ. قَالَ (أَوْ عِيدٍ) أَيْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ عِيدٍ لِمَا بَيَّنَّا، ثُمَّ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ الْإِمَامُ فِي الْعِيدِ لَا يَتَيَمَّمُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ الْفَوْتَ بِزَوَالِ الشَّمْسِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَخَفْ لَا يُجْزِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي بِحَيْثُ يُدْرِكُ بَعْضَهَا مَعَ الْإِمَامِ لَوْ تَوَضَّأَ لَا يَتَيَمَّمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بِنَاءً) أَيْ وَلَوْ كَانَ يَبْنِي بِنَاءً جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَصُورَتُهُ أَنَّهُ يَشْرَعُ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، ثُمَّ يُحْدِثُ الْمُقْتَدِي أَوْ الْإِمَامُ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ لِلْبِنَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا إنْ شَرَعَ بِطَهَارَةِ الْوُضُوءِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِأَنَّهُ أَمِنَ مِنْ الْفَوَاتِ إذْ اللَّاحِقُ يُصَلِّي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَإِنْ شَرَعَ بِالتَّيَمُّمِ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ يَكُونُ وَاجِدًا لِلْمَاءِ فِي صَلَاتِهِ فَتَفْسُدُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ خَوْفَ الْفَوَاتِ بَاقٍ لِأَنَّهُ يَوْمُ زَحْمَةٍ فَيَعْتَرِيهِ مَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ فَتَفُوتُ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ أَفْسَدَ صَلَاةَ الْعِيدِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَتَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَتَفُوتُ إلَى بَدَلٍ قِيلَ لَهُ مِنْ أَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَقَالَ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ. وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ؛ لِأَنَّ جَوَابَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي بَعِيدًا مِنْ الْمِصْرِ وَكَانَ فِي زَمَانِهِ بَعِيدًا مِنْ الْعُمْرَانِ وَكَانَ فِي زَمَانِهِمَا يُصَلُّونَ فِي الْمِصْرِ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَقَالُوا إذَا كَانَ لَا يَخَافُ الزَّوَالَ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْهَا مَعَ الْإِمَامِ لَوْ تَوَضَّأَ لَا يَتَيَمَّمُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَدْرَكَ الْبَعْضَ مَعَهُ يُتِمُّ الْبَاقِيَ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ زَوَالَ الشَّمْسِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا لِتَصَوُّرِ الْفَوَاتِ بِالْفَسَادِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ شَيْئًا مِنْهَا مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَخَافُ الزَّوَالَ فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَيَمَّمُ وَعِنْدَهُمَا لَا قَالَ: (لَا فَوْتِ جُمُعَةٍ وَوَقْتٍ) وَإِعْرَابُ فَوْتٍ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى عِيدٍ أَيْ إذَا خَافَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ إلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ لَهَا، أَوْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ إلَى أَنْ يَشْتَغِلَ بِالطَّهَارَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ بَلْ يَتَوَضَّأُ؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ إلَى بَدَلٍ وَالْفَوَاتُ إلَى بَدَلٍ كَلَا فَوَاتٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُعِدْ إنْ صَلَّى بِهِ وَنَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ) الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَنَسِيَ الْمَاءَ وَاوُ الْحَالِ وَصَاحِبُ الْحَالِ هُوَ الضَّمِيرُ الَّذِي فِي صَلَّى أَيْ وَلَمْ يُعِدْ إنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ نَاسِيًا الْمَاءَ وَفِي رَحْلِهِ حَالٌ مِنْ الْمَاءِ أَيْ نَسِيَ الْمَاءَ كَائِنًا فِي رَحْلِهِ أَوْ مُسْتَقِرًّا فِيهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعِيدُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَضَعَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَضَعَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بِعِلْمِهِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَا يُعِيدُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ مَاءَهُ قَدْ فَنِيَ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَفْنَ يُعِيدُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِهِ فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْكَشْفَ فَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ الْكَشْفِ وَخَطَأِ الظَّنِّ وَلِأَبِي يُوسُفَ مَدْرَكَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَاءَ فِي السَّفَرِ مِنْ أَعَزِّ الْأَشْيَاءِ فَلَا يُنْسَى لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِصِيَانَةِ النَّفْسِ فَلَا يُعْذَرُ وَالْمَدْرَكُ الثَّانِي لَهُ أَنَّ الرَّحْلَ مُعَدٌّ لِلْمَاءِ فَصَارَ كَالْعُمْرَانِ فَكَانَ الطَّلَبُ وَاجِبًا كَمَا لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ عُرْيَانًا وَفِي رَحْلِهِ ثَوْبٌ طَاهِرٌ قَدْ نَسِيَهُ أَوْ صَلَّى مَعَ النَّجَاسَةِ وَفِي رَحْلِهِ مَا يُزِيلُهَا بِهِ، أَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ وَفِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ قَدْ نَسِيَهَا أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْقِيَاسِ نَاسِيًا لِلنَّصِّ، وَهَذَا لِأَنَّ جَوَازَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَهُوَ وَاجِدٌ لَهُ؛ لِأَنَّ رَحْلَهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي رَكْوَةٍ مُعَلَّقَةٍ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ قِرْبَةٍ عَلَى ظَهْرِهِ قَدْ نَسِيَهُ، وَلَهُمَا أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْمَاءِ حَقِيقَةً إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ بِدُونِ الْعِلْمِ فَصَارَ كَفَاقِدِ الدَّلْوِ وَالْغَالِبُ النِّسْيَانُ فِي السَّفَرِ لِكَثْرَةِ الِاشْتِغَالِ وَالتَّعَبِ وَالْخَوْفِ وَكَذَا الْمَاءُ الْمَوْضُوعُ فِي الرَّحْلِ النَّفَادُ فِيهِ غَالِبٌ لِقِلَّتِهِ بِخِلَافِ الْعُمْرَانِ وَلَيْسَ الرَّحْلُ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمَحْمُولِ عَلَى ظَهْرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ عُرْيَانًا فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى الِاتِّفَاقِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنَّ فَرْضَ السَّتْرِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَاتَ لَا إلَى خَلَفٍ، وَهُنَا فَرْضُ الْوُضُوءِ فَاتَ إلَى بَدَلٍ وَهُوَ التَّيَمُّمُ بِعُذْرٍ وَالْفَائِتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ يُحْدِثُ) أَيْ يَسْبِقُهُ الْحَدَثُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَمِنَ مِنْ الْفَوَاتِ) لِأَنَّهُ يَتَوَضَّأُ فَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَعَ بِالتَّيَمُّمِ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ بِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا شَرَعَ بِالتَّيَمُّمِ يَتَيَمَّمُ وَيَبْنِي؛ لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الْوُضُوءَ لَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ فَلَا يُمْكِنُهُ الْإِدْرَاكُ وَكَذَا لَوْ شَرَعَ بِالْوُضُوءِ، وَيَخَافُ زَوَالَ الشَّمْسِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ وَيَرْجُو إدْرَاكَ الْإِمَامِ قَبْلَ الْفَرَاغِ لَمْ يَتَيَمَّمْ إجْمَاعًا وَإِنْ لَمْ يَرْجُ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ اهـ (قَوْلُهُ فَيَعْتَرِيهِ مَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ) كَالْكَلَامِ لِأَنَّ الزِّحَامَ مُقْتَضٍ لَهُ بِأَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَيَرُدَّ السَّلَامَ أَوْ يُهَنِّئُهُ بِالْعِيدِ فَيُجِيبُهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَكَانَ خَوْفُ الْفَوْتِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ إلَّا بِالْجَمَاعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَكَانَ فِي زَمَانِهِ بَعِيدًا) فَكَانَ خَوْفُ الْفَوْتِ قَائِمًا فَأَفْتَى عَلَى وَفْقِ زَمَانِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ يُصَلُّونَ فِي الْمِصْرِ) أَيْ فَلَمْ يَكُنْ خَوْفُ الْفَوْتِ قَائِمًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ عَدَمَ الْإِبَاحَةِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ) قِيلَ النَّوْمُ يُنَافِي الْعِلْمَ كَالنِّسْيَانِ فَيُنَافِي الْقُدْرَةَ فَلَوْ مَرَّ الْمُتَيَمِّمُ النَّائِمُ عَلَى الْمَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْتَقِضَ تَيَمُّمُهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّوْمَ لَحِقَهُ مَا يُزِيلُهُ حَالَةَ الْمُرُورِ عَلَى الْمَاءِ، وَهُوَ كَوْنُهُ أَعَزَّ الْأَشْيَاءِ فَتَتَبَاشَرُ الْقَافِلَةُ بِرُؤْيَتِهِ وَيَتَصَايَحُوا فَيَنْتَبِهُ النَّائِمُ، وَلَمْ يَلْحَقْ النَّاسِي مَا يُزِيلُهُ وَالسَّفَرُ مُنْفَرِدًا نَادِرٌ وَالْمُرَادُ بِالنَّائِمِ النَّائِمُ جَالِسًا لِئَلَّا يَنْتَقِضَ تَيَمُّمُهُ بِالنَّوْمِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمَدْرَكُ الثَّانِي) حَاصِلُ الْمَدْرَكِ الثَّانِي أَنَّ الرَّحْلَ مَحَلُّ الْمَاءِ، وَالرَّحْلُ فِي يَدِهِ فَمَحَلُّ الْمَاءِ فِي يَدِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، أَشَارَ إلَى الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ الرَّحْلُ مُعَدٌّ لِلْمَاءِ وَإِلَى الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ وَهَذَا لِأَنَّ جَوَازَهُ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ أَوْ قِرْبَةٍ عَلَى ظَهْرِهِ قَدْ نَسِيَهُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ نَسِيَ مَا لَا يُنْسَى فَلَا يُعْتَبَرُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْغَالِبُ) جَوَابٌ عَنْ الْمَدْرَكِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَاءُ الْمَوْضُوعُ) جَوَابٌ عَنْ الْمَدْرَكِ الثَّانِي بِمَنْعِ مُقَدِّمَتَيْهِ

بِبَدَلٍ كَلَا فَائِتٍ. وَأَمَّا حُكْمُ الْحَاكِمِ بِالْقِيَاسِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَلِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَنْقُلْ الْحُكْمَ إلَى الْقِيَاسِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْقِيَاسِ إذَا عَلِمَ بِالنَّصِّ عِنْدَ عَالِمٍ آخَرَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَإِنْ بَعُدَ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ، وَلِأَنَّ الْمَاءَ وُجِدَ عَلَى عَدَمِهِ دَلِيلٌ وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمَفَاوِزِ عَدَمُهُ بِخِلَافِ النَّصِّ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى عَدَمِهِ، وَمَسْأَلَةُ الرَّقَبَةِ قِيلَ هِيَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إعْتَاقِهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ بِأَنْ يَقُولَ مَمْلُوكُهُ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَيَكُونُ قَادِرًا وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْمَاءَ بِغَيْرِ عِلْمٍ بِهِ فَثَبَتَ الْعَجْزُ، وَلِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الرَّقَبَةِ الْمِلْكُ، وَقَدْ وُجِدَ وَفِي الْمَاءِ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِي الْمَاءِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ بِخِلَافِ الرَّقَبَةِ، وَكَذَا لِلْحُرِّ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبُولِ فِي الرَّقَبَةِ إذَا مَلَكَ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ لِثُبُوتِ الْقُدْرَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَرْضِ، وَإِنَّ عِدَمَ الْمِلْكِ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ مُعَلَّقًا عَلَى دَابَّةٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ سَائِقًا لَهَا أَوْ رَاكِبًا فَإِنْ كَانَ رَاكِبًا وَكَانَ الْمَاءُ فِي مُؤَخَّرِ الرَّحْلِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ كَانَ فِي مُقَدَّمِهِ يُعِيدُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ بِمَرْأَى عَيْنِهِ فَلَا يُعْذَرُ، وَفِي السَّائِقِ الْحُكْمُ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ مُؤَخَّرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يُعْذَرُ فَيُعِيدُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ فِي مُقَدَّمِهِ فَعَلَى الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ قَائِدًا جَازَ لَهُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ لَا يُعَايِنُهُ فَيُعْذَرُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي الْإِعَادَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَطْلُبُهُ غَلْوَةً إنْ ظَنَّ قُرْبَهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَيَطْلُبُ الْمَاءَ إلَى غَلْوَةٍ، وَالْغَلْوَةُ مِقْدَارُ رَمْيَةِ سَهْمٍ إنْ ظَنَّ أَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءً؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تُوجِبُ الْعَمَلَ كَالْيَقِينِ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ حَتَّى يَطْلُبَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [النساء: 43] فَهَذَا يَقْتَضِي الطَّلَبَ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لَمْ يَجِدْ إلَّا لِمَنْ طَلَبَ وَلَمْ يُصِبْ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ اشْتَرِ لِي رُطَبًا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَعِنَبًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ الرُّطَبِ، وَلَنَا أَنَّ الْوُجُودَ لَا يَقْتَضِي سَابِقَةَ الطَّلَبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] وقَوْله تَعَالَى {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77] وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا طَلَبُ الْجِدَارِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَلِأَنَّهُ بَاطِلٌ بِالْمَرِيضِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ، وَالْمَاءُ عِنْدَهُ فَضْلًا مِنْ أَنْ يَطْلُبَهُ، وَالْآيَةُ مُفَسَّرَةٌ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَاتِ بَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ جَازَ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الصَّوْمِ بِغَيْرِ طَلَبٍ بَلْ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ قَبُولِهَا بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَيْهِ، وَمَسْأَلَةُ الْوَكِيلِ لَيْسَتْ بِنَظِيرَةٍ لَهَا بَلْ هِيَ نَظِيرَةُ مَنْ لَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ، وَلَا يَلْزَمُنَا التَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ حَيْثُ يَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ جِهَتُهَا؛ لِأَنَّ جِهَتَهَا مَوْجُودَةٌ بِيَقِينٍ، وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ تَعْيِينُهَا وَلِأَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ فِي الْأَسْفَارِ وَفِي الْمَفَاوِزِ مَعَ التَّيَقُّنِ بِعَدَمِ الْمَاءِ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ، ثُمَّ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ بِقُرْبِهِ دُونَ الْمِيلِ مَاءً طَلَبَهُ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَعْمَلُ عَمَلَ الْيَقِينِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعَمَلِ، وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْ فِي حَقِّ الِاعْتِقَادِ وَكَذَا إنْ وَجَدَ أَحَدًا يَسْأَلُهُ عَنْ الْمَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ حَتَّى لَوْ صَلَّى وَلَمْ يَسْأَلْهُ، وَأَخْبَرَهُ بِالْمَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ أَعَادَ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَطْلُبُهُ مِنْ رَفِيقِهِ فَإِنْ مَنَعَهُ تَيَمَّمَ) أَيْ يَطْلُبُ الْمَاءَ مِنْ رَفِيقِهِ لِأَنَّهُ مَبْذُولٌ فَكَانَ الْغَالِبُ الْإِعْطَاءَ حَتَّى لَوْ عَلِمَ بِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ قَبْلَ الطَّلَبِ لَا يُجْزِيهِ، وَفِيهَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُعْطِيهِ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا وَسَأَلَهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَأَعْطَاهُ أَعَادَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ أَعْطَاهُ بَعْدَ الْمَنْعِ لَمْ يُعِدْ. قَوْلُهُ فَإِنْ مَنَعَهُ تَيَمَّمَ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الطَّلَبِ أَجْزَأَهُ وَلَا يَجِبُ الطَّلَبُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَاجِزٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فَيَثْبُتُ الْعَجْزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لِمَا قُلْنَاهُ، وَعَنْ الْجَصَّاصِ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ) أَيْ فَإِنَّ الشَّارِعَ قَدْ نَقَلَ الْحُكْمَ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عِنْدَ النِّسْيَانِ (قَوْلُهُ فِي الرَّقَبَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمَاءِ الْقُدْرَةُ دُونَ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّ جَوَازَ التَّوَضُّؤِ يَحْصُلُ بِالْإِبَاحَةِ، وَلَا ذُلَّ فِي قَبُولِهَا وَلِأَنَّ الْمَاءَ مَبْذُولٌ عَادَةً فَلَا ذُلَّ، وَجَوَازُ التَّكْفِيرِ بِالْمِلْكِ وَفِي قَبُولِهِ ذُلٌّ وَلَوْ عَرَضَ عَلَيْهِ ثَمَنَ الْمَاءِ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمَبْذُولٍ فَيَلْحَقُهُ الذُّلُّ بِقَبُولِهِ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْفَقِيرِ إذَا عُرِضَ عَلَيْهِ الْمَالُ اهـ يَحْيَى . (قَوْلُهُ وَالْغَلْوَةُ مِقْدَارُ رَمْيَةِ سَهْمٍ) وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ هِيَ ثَلَثُمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةِ ذِرَاعٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى هَذَا فِي الْفَلَوَاتِ، أَمَّا فِي الْعُمْرَانِ يَجِبُ الطَّلَبُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ (قَوْلُهُ لَا يَقْتَضِي سَابِقَةَ الطَّلَبِ) يُقَالُ فُلَانٌ: وَجَدَ مَالَهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ سَابِقَةَ الطَّلَبِ إلَى آخِرِهِ الطَّلَبُ لِتَبْيِينِ الْحَالِ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ، وَقَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا فَبَقِيَ الْوُجُودُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى لَا يَسْتَلْزِمُ سَابِقَةَ الطَّلَبِ. اهـ. يَحْيَى. (فَرْعٌ) يُبْتَلَى الْحَاجُّ بِحَمْلِ مَاءِ زَمْزَمَ لِلْهَدِيَّةِ وَيُرَصِّصُ رَأْسَ الْقُمْقُمَةِ فَمَا لَمْ يَخِفَّ الْعَطَشُ وَنَحْوُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَهَبَهُ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ يَسْتَوْدِعَهُ مِنْهُ، وَقَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوِيهِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَوْ رَأَى مَعَ غَيْرِهِ مَاءً يَبِيعُهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ كَيْفَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ اهـ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الرُّجُوعَ تَمَلُّكٌ بِسَبَبٍ مَكْرُوهٍ، وَهُوَ مَطْلُوبُ الْعَدَمِ شَرْعًا فَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمَاءُ مَعْدُومًا فِي حَقِّهِ لِذَلِكَ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً كَمَاءِ الْجُبِّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا)؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ لَا عَدَمُ الْوُجُودِ اهـ (قَوْلُهُ تَعْمَلُ عَمَلَ الْيَقِينِ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ غَالِبُ الرَّأْيِ كَالْمُتَحَقَّقِ لَوَجَبَ التَّأْخِيرُ فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَجِدُ الْمَاءَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ قُلْنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ حَتْمٌ وَلِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ ثَمَّ رَأَى أَنَّهُ سَيَصِيرُ بِقُرْبِ الْمَاءِ وَهُنَا غَلَبَةُ ظَنِّهِ أَنَّهُ بِقُرْبِ الْمَاءِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ إنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الطَّلَبِ) وَفِي الْمَبْسُوطِ إنْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ

[الجمع بين التيمم والغسل]

لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فَمُرَادُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مَنْعُهُ إيَّاهُ، وَمُرَادُهُمَا عِنْدَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِعَدَمِ الْمَنْعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ إلَّا بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَلَهُ ثَمَنُهُ لَا يَتَيَمَّمُ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَاءِ وَالْمُرَادُ بِالثَّمَنِ الْفَاضِلُ عَنْ حَاجَتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ طَلَبَ الزِّيَادَةَ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ لَا يَلْزَمُهُ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَهُوَ ضِعْفُ الْقِيمَةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَدَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَاءً يُسَاوِي دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ لَا يَتَيَمَّمُ وَقِيلَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا تَيَمَّمَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَنُهُ تَيَمَّمَ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَكْثَرَهُ مَجْرُوحًا تَيَمَّمَ) أَيْ وَلَوْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْهُ مَجْرُوحًا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ أَكْثَرُ جَمِيعِ بَدَنِهِ مَجْرُوحًا فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ تَيَمَّمَ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعَكْسِهِ يَغْسِلُ) أَيْ إذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَجْرُوحِ يَغْسِلُ لِمَا قُلْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغَسْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ لِلْأَكْثَرِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَسُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَتَأَدَّى بِأَحَدِهِمَا لَا بِهِمَا فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا لِمَكَانِ الشَّكِّ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ جَرِيحًا وَالنِّصْفُ صَحِيحًا لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ التَّيَمُّمَ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ غَسْلَ الصَّحِيحِ وَمَسْحَ الْجَرِيحِ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ حَقِيقِيَّةٌ وَحُكْمِيَّةٌ فَكَانَ أَوْلَى، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ وَلَوْ كَانَ بِأَكْثَرِ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ جِرَاحَةٌ يُخْشَى إمْسَاسُ الْمَاءِ وَبِأَكْثَرِ مَوَاضِعِ التَّيَمُّمِ جِرَاحَةٌ يَضُرُّهُ التَّيَمُّمُ لَا يُصَلِّي، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَغْسِلُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّي وَيُعِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ) أَيْ صَحَّ الْمَسْحُ لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ الْمُسْتَفِيضَةِ، حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَا قُلْت بِالْمَسْحِ حَتَّى وَرَدَتْ فِيهِ آثَارٌ أَضْوَأُ مِنْ الشَّمْسِ حَتَّى قَالَ مَنْ أَنْكَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ يُخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرُ وَقِيلَ: عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَاتِرِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُكَفَّرُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْآحَادِ عِنْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: جَوَازُ الْمَسْحِ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ أَيْضًا عَلَى قِرَاءَةِ الْجَرِّ وَفِيهِ ضَعْفٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ إلَى الْكَعْبَيْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ إجْمَاعًا، ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ رُخْصَةٌ وَلَوْ أَتَى بِالْعَزِيمَةِ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَاءٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ حَيْثُ يَقُولُ لَا يَسْأَلُهُ؛ لِأَنَّ فِي السُّؤَالِ ذُلًّا، وَفِيهِ بَعْضُ الْحَرَجِ، وَالتَّيَمُّمُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَاءَ الطَّهَارَةِ مَبْذُولٌ عَادَةً وَلَيْسَ فِي سُؤَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَذَلَّةٌ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَأَلَ بَعْضَ حَوَائِجِهِ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ [الْجَمْع بَيْن التَّيَمُّم وَالْغُسْل] (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ بِالْفِقْهِ وَالْمَذْكُورُ فِي النَّوَادِرِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ مِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ مِنْ حَيْثُ عَدَدُ الْأَعْضَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ فِي نَفْسِ كُلِّ عُضْوٍ فَلَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ جِرَاحَةٌ، وَالرِّجْلُ لَا جِرَاحَةَ بِهَا يَتَيَمَّمُ سَوَاءٌ كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْجَرِيحَةِ جَرِيحًا أَوْ صَحِيحًا، وَالْآخَرُونَ قَالُوا إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورَةِ جَرِيحًا فَهُوَ الْكَثِيرُ الَّذِي يَجُوزُ مَعَهُ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. كَمَالٌ إنَّمَا أَخَّرَهُ وَإِنْ كَانَ الْوَجْهُ فِيهِ تَقْدِيمَهُ عَلَى التَّيَمُّمِ لِكَوْنِهِ خَلَفًا عَنْ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ وَالتَّيَمُّمِ بِالْكِتَابِ فَيَكُونُ أَقْوَى اهـ. ع [بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: صَحَّ الْمَسْحُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ صَحَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْمَسْحَ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ ضَعْفٌ) يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّا سَلَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَالْآيَةُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ إلَيْهِمَا لَوْ كَانَا غَايَةً لِلْفِعْلِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَايَةً لِلْمَحَلِّ الَّذِي يَجُوزُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ فَلَا يَلْزَمُ الْمَسْحُ إلَى الْكَعْبَيْنِ. اهـ. رَازِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ مَنْ رَآهُ، ثُمَّ لَمْ يَمْسَحْ أَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ كَانَ مَأْجُورًا قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَفْظُ كَانَ مَأْجُورًا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَسْحَ مِنْ النَّوْعِ الرَّابِعِ مِنْ الرُّخْصَةِ وَهُوَ لَمْ تَبْقَ الْعَزِيمَةُ فِيهِ مَشْرُوعَةً كَالرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ لِلْمُسَافِرِ وَلَا يُؤْجَرُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ الرَّابِعِ مَا دَامَ الْمُكَلَّفُ لَابِسَ الْخُفِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ لَهُ نَزْعَهُ، فَإِذَا نَزَعَهُ سَقَطَتْ الرُّخْصَةُ فِي حَقِّهِ فَيَغْسِلُ وَإِنَّمَا يُثَابُ بِتَكَلُّفِ النَّزْعِ وَالْغَسْلِ فَيَصِيرُ كَتَرْكِ السَّفَرِ لِقَصْدِ الْأَحْمَزِ وَقَوْلُ الرُّسْتُغْفَنِيِّ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَمْسَحَ إمَّا لِنَفْيِ التُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ الرَّوَافِضَ لَا يَرَوْنَهُ وَإِمَّا لِلْعَمَلِ بِقِرَاءَةِ الْجَرِّ مَدْفُوعٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ الثَّانِي عَلَى مَا عَلِمْت وَعَدَمُ تَأَتِّي الْأَوَّلِ فِي مَوْضِعٍ يُعْلِمُ أَنَّ الْحَاضِرِينَ لَا يَتَّهِمُونَهُ لِعِلْمِهِمْ بِحَقِيقَةِ حَالِهِ أَوْ جَهْلِهِمْ وُجُودَ مَذْهَبِ الرَّوَافِضِ فَلَا يَنْبَغِي إطْلَاقُ الْجَوَابِ بَلْ إنْ كَانَ مَحَلَّ تُهْمَةٍ هَذَا، وَمَبْنَى السُّؤَالِ عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ وَمَنَعَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ وَخَطَّأَهُمْ فِي تَمْثِيلِهِمْ بِهِ فِي الْأُصُولِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ خَاضَ مَاءٌ بِخُفِّهِ فَانْغَسَلَ أَكْثَرُ قَدَمَيْهِ بَطَلَ الْمَسْحُ، وَكَذَا لَوْ تَكَلَّفَ لِغَسْلِهِمَا مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْعَزِيمَةَ مَشْرُوعَةٌ مَعَ الْخُفِّ اهـ وَمَبْنَى هَذِهِ التَّخْطِئَةِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ شَرْعًا مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَتَبْقَى الْقَدَمُ عَلَى طَهَارَتِهَا وَيَحِلُّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ

مَا رَأَى جَوَازَ الْمَسْحِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَشَقُّ وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا فِي الْكَافِي فَقَالَ: فَإِنْ قُلْت: هَذِهِ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ لِمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُثَابَ بِإِتْيَانِ الْعَزِيمَةِ، إذْ لَا تَبْقَى الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً إذَا كَانَتْ الرُّخْصَةُ لِلْإِسْقَاطِ كَمَا فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ، قُلْنَا الْعَزِيمَةُ لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعَةً مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا أَيْضًا وَالثَّوَابُ بِاعْتِبَارِ النَّزْعِ وَالْغُسْلِ وَإِذَا نُزِعَ صَارَتْ مَشْرُوعَةً. (قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ) وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْغُسْلَ مَشْرُوعٌ وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْ خُفَّيْهِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَبْطُلُ مَسْحُهُ إذَا خَاضَ الْمَاءُ وَدَخَلَ فِي الْخُفِّ حَتَّى انْغَسَلَ أَكْثَرُ رِجْلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَلَوْلَا أَنَّ الْغُسْلَ مَشْرُوعٌ لَمَا بَطَلَ بِغُسْلِ الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ، وَكَذَا لَوْ تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَزْعِ الْخُفِّ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ الرُّخْصَةَ اسْتِبَاحَةُ الْمُحَرَّمِ مَعَ قِيَامِ الْحُرْمَةِ، وَدَلِيلُهَا أَنْ يُعَامَلَ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ وَهِيَ غَيْرُ مُبَاحَةٍ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ لَا يَأْثَمُ كَالْعَفْوِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَهِيَ نَوْعَانِ: إحْدَاهُمَا حَقِيقَةٌ وَالْأُخْرَى مَجَازٌ، فَالْحَقِيقَةُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا أَخَفُّ مِنْ الْآخَرِ كَإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ وَتَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ وَالْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْحَقِيقَةِ مَا يُرَخَّصُ فِيهِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ كَفِطْرِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَأَمَّا الْمَجَازُ فَنَوْعَانِ أَيْضًا أَحَدُهُمَا أَتَمُّ وَهُوَ مَا وُضِعَ عَنَّا مِنْ الْإِصْرِ وَالْأَغْلَالِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمَجَازِ مَا سَقَطَ عَنْ الْعَبْدِ بِخُرُوجِ السَّبَبِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِحُكْمِهِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْ فِي حَقِّهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ كَقَصْرِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَسُقُوطِ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ فِي السِّلْمِ وَسُقُوطِ غَسْلِ الرِّجْلِ مَعَ الْخُفِّ وَتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ هَكَذَا ذَكَرُوهُ وَفِي جَعْلِهِمْ مَسْحَ الْخُفِّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ نَظَرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ امْرَأَةً) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَاسِحُ امْرَأَةً لِاتِّحَادِ الْخِطَابِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ الْوَارِدَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا يَكُونُ وَارِدًا فِي حَقِّ الْآخَرِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى التَّخْصِيصِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا جُنُبًا) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ الْمَسْحُ لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ»؛ وَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ لِلْحَرَجِ فِيمَا يَتَكَرَّرُ وَلَا حَرَجَ فِي الْجَنَابَةِ لِعَدَمِ التَّكْرَارِ وَصُورَةُ مَا يَكُونُ جُنُبًا أَنْ يَلْبَسَ خُفَّيْهِ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ، ثُمَّ يَجْنُبُ وَهُوَ فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ. وَكَذَا الْمُسَافِرُ إذَا أَجْنَبَ فِي الْمُدَّةِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ فَتَيَمَّمَ، ثُمَّ أَحْدَثَ وَوَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي وُضُوءَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ سَرَتْ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُزَالُ بِالْمَسْحِ وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَنْعَ الْمَسْحِ لِلْمُقِيمِ وَالْمَعْذُورِينَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَبْتَلَّ مَعَهُ ظَاهِرُ الْخُفِّ فِي أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ بِهِ الْحَدَثُ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ حَدَثٍ وَاجِبِ الرَّفْعِ إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِلَا غَسْلٍ وَلَا مَسْحٍ وَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسَلَ مَحِلًّا غَيْرَ وَاجِبِ الْغَسْلِ كَالْفَخْذِ وَوِزَانُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَدَثِ وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ كَوْنُ الْإِجْزَاءِ إذَا خَاضَ النَّهْرَ لِابْتِلَالِ الْخُفِّ، ثُمَّ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إنَّمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا لِحُصُولِ الْغَسْلِ بِالْخَوْضِ وَالنَّزْعُ إنَّمَا وَجَبَ لِلْغَسْلِ وَقَدْ حَصَلَ انْتَهَى مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ النَّزْعِ وَالْغَسْلِ) فَيَصِيرُ كَتَرْكِ السَّفَرِ لِقَصْدِ الْأَحْمَزِ أَيْ الْأَشَقِّ بِالْإِتْمَامِ اهـ. (قَوْلُهُ: مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا أَيْضًا) يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْعَزِيمَةَ وَهُوَ إتْمَامُ الصَّلَاةِ لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعَةً اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى انْغَسَلَ أَكْثَرُ رِجْلَيْهِ) قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ الرَّازِيّ الطَّهْرَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْمُسَمَّى بِكَشْفِ الدَّقَائِقِ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الْعَزِيمَةِ عَدَمُ لُزُومِهَا لَا عَدَمُ جَوَازِهَا وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ بِدُخُولِ الْمَاءِ فِي الْخُفِّ لِعَدَمِ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً) أَيْ وَهِيَ مَا لَمْ تَبْقَ الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً فِي مَحَلِّ الرُّخْصَةِ. (قَوْلُهُ: إحْدَاهُمَا) أَيْ وَهُوَ مَا بَقِيَ فِيهِ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ وَالْحُرْمَةُ جَمِيعًا (قَوْلُهُ: وَتَنَاوَلَ) أَيْ بِالْإِكْرَاهِ (قَوْلُهُ: وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْحَقِيقَةِ) وَهُوَ مَا بَقِيَ فِيهِ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ دُونَ الْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا) وَهُوَ مَا لَمْ تَكُنْ الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً أَصْلًا لَا فِي مَحَلِّ الرُّخْصَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَالنَّوْعُ الثَّانِي) أَيْ وَهُوَ مَا بَقِيَ الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً فِي الْجُمْلَةِ أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الرُّخْصَةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَيَّاعُ الْعَسَلِ وَصَفْوَانُ هَذَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَلَوْ جَازَ الْمَسْحُ بَعْدَ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ أَوْ الْوُضُوءِ الْمُقَارِنِ هُوَ أَوْ اللُّبْسِ لِلْحَدَثِ بَعْدَ الْوَقْتِ كَانَ رَافِعًا لِلْحَدَثِ الَّذِي يَحْصُلُ لِلْقَدَمِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ الَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ حَلَّ بِهِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ حَالَ ذَلِكَ الْوُضُوءِ لَكِنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا يُزِيلُ مَا حَلَّ بِالْمَمْسُوحِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْخُفِّ مَانِعًا شَرْعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ الَّذِي يَطْرَأُ بَعْدَهُ إلَى الْقَدَمَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ عَلَى حَدَثٍ بِالْقَدَمَيْنِ لَا يَمْسَحُ فَلَوْ اعْتَبَرَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ رَافِعًا لِمَا بِالْقَدَمِ لَجَازَ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَعْلِيلِهِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْمَنْعَ عَلَى التَّيَمُّمِ بِكَوْنِ التَّيَمُّمِ لَيْسَ طَهَارَةً كَامِلَةً لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا كَاَلَّتِي بِالْمَاءِ مَا بَقِيَ الشَّرْطُ اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا كُنَّا سَفَرًا) جَمْعُ مُسَافِرٍ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ) أَيْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَيَمَّمَ) الْحَاصِلُ أَنَّ خُفَّ الْمُسَافِرِ لَوْ مَنَعَ مِنْ حُلُولِ الْجَنَابَةِ بِقَدَمَيْهِ لَجَازَ لَهُ الْمَسْحُ إذَا تَوَضَّأَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ؛ لِأَنَّ لُبْسَهُ الْخُفَّيْنِ قَبْلَ الْجَنَابَةِ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَهِيَ طَهَارَةُ الْوُضُوءِ لَكِنَّهُ لَا يَمْنَعُ مَحَلَّ الْجَنَابَةِ بِقَدَمَيْهِ، ثُمَّ زَالَتْ بِالتَّيَمُّمِ لَكِنَّ زَوَالَهَا بِهِ لَيْسَ طَهَارَةً كَامِلَةً لِكَوْنِ طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ ضَرُورِيَّةً وَدَوَامُ اللُّبْسِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ فِي حُكْمِ الِابْتِدَاءِ فَكَأَنَّهُ لَبِسَ خُفَّيْهِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ ابْتِدَاءً وَاللُّبْسُ بَعْدَهُ لَا يُبِيحُ الْمَسْحَ إذَا تَوَضَّأَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ

الْقَدَمَيْنِ وَالتَّيَمُّمُ لَيْسَ بِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَتِهِ فَيَنْزِعُهُمَا وَيَغْسِلُهُمَا فَإِذَا نَزَعَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي وُضُوءَهُ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَثَ يَمْنَعُهُ الْخُفُّ مِنْ السِّرَايَةِ إلَى الْقَدَمَيْنِ لِوُجُودِهِ بَعْدَ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، وَلَوْ مَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَاءٍ كَثِيرٍ عَادَ جُنُبًا فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ وَعِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ لَا غَيْرَ تَيَمَّمَ؛ لِأَنَّهُ جُنُبٌ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ إلَّا هَذَا الْمِقْدَارُ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَلَا يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمُدَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَادَ جُنُبًا لِوُجُودِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ إلَّا قَدْرُ مَا يَكْفِي الْوُضُوءَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. وَعَلَى هَذَا تَجْرِي الْمَسَائِلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ لَبِسَهُمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ وَقْتَ الْحَدَثِ)؛ لِأَنَّ الْخُفَّ شُرِعَ مَانِعًا فَلَا بُدَّ مِنْ اللُّبْسِ مَعَ الطَّهَارَةِ، وَإِلَّا كَانَ رَافِعًا قَوْلُهُ عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ احْتِرَازٌ عَنْ وُضُوءٍ غَيْرِ مُسْبَغٍ بِأَنْ بَقِيَ مِنْ أَعْضَائِهِ لُمْعَةٌ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَأَحْدَثَ قَبْلَ الِاسْتِيعَابِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ أَوْ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ وُضُوءٍ نَاقِصٍ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَقْصُهُ كَوُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِمَعْنَاهَا إذَا لَبِسُوا الْخُفَّ، ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَكَالْمُتَيَمِّمِ إذَا لَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فَإِنَّهُمْ لَا يَمْسَحُونَ لِعَدَمِ اللُّبْسِ عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ؛ لِأَنَّهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ يَظْهَرُ الْحَدَثُ السَّابِقُ، وَكَذَا بِوُجُودِ الْمَاءِ فَلَوْ جَازَ لَكَانَ الْخُفُّ رَافِعًا وَيُحْتَرَزُ أَيْضًا مِنْ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ؛ لِأَنَّهُ وُضُوءٌ نَاقِصٌ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ فِي رِوَايَةٍ وَيَجُوزُ فِي أُخْرَى كَسُؤْرِ الْحِمَارِ وَقَوْلُهُ وَقْتَ الْحَدَثِ أَيْ تَامٌّ وَقْتَ الْحَدَثِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّمَامُ وَقْتَ اللُّبْسِ بَلْ وَقْتَ الْحَدَثِ حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَتَمَّ الْوُضُوءَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ التَّمَامِ عِنْدَ الْحَدَثِ، وَكَذَا لَوْ لَبِسَ خُفَّيْهِ مُحْدِثًا وَخَاضَ الْمَاءُ حَتَّى دَخَلَ الْمَاءُ وَانْغَسَلَتْ رِجْلَاهُ وَأَتَمَّ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ، ثُمَّ أَحْدَثَ جَازَ لَهُ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَقْتَ الْحَدَثِ زِيَادَةٌ بِلَا فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ لَبِسَهُمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ يُغْنِي عَنْهُ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ يُطْلَقُ عَلَى ابْتِدَاءِ اللُّبْسِ وَعَلَى الدَّوَامِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إنْ وُجِدَ لُبْسُهُمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ اللُّبْسُ ابْتِدَاءً أَوْ بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بُدَّ مِنْ لُبْسِهِمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ ابْتِدَاءً حَتَّى لَوْ غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَنْزِعُهُمَا وَيَغْسِلُهُمَا، ثُمَّ يَلْبَسُهُمَا فَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَوَضَّأَ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ مِنْ هَذَا الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ حَيْثُ كَانَ لُبْسُهُ عَلَى طَهَارَةِ الْوُضُوءِ وَهِيَ كَامِلَةٌ هَكَذَا يُفْهَمُ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: وَالتَّيَمُّمُ لَيْسَ بِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ) إنْ أُرِيدَ بِعَدَمِ كَمَالِهَا عَدَمُ الرَّفْعِ عَنْ الرِّجْلَيْنِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَإِنْ أُرِيدَ عَدَمُ إصَابَةِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوَظِيفَةِ حِسًّا فَيَمْنَعُ تَأْثِيرُهُ فِي نَفْيِ الْكَمَالِ الْمُعْتَبَرِ فِي الطَّهَارَةِ الَّتِي يَعْقُبُهَا اللُّبْسُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إنْ لَبِسَهُمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ إلَى آخِرِهِ) سَالَ دَمُهَا وَقْتَ الْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ أَوْ وَقْتَ الْوُضُوءِ دُونَهُ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَإِنَّهَا لَا تَمْسَحُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَمَّا لَوْ كَانَ الدَّمُ مُنْقَطِعًا وَقْتَ الْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ فَيَجُوزُ لَهَا الْمَسْحُ هَذَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ أَمَّا فِي الْوَقْتِ لَوْ سَبَقَهَا الْحَدَثُ تَمْسَحُ فِي أَيِّ وَجْهٍ كَانَ كَذَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِقَاضِي خَانْ. اهـ. كَاكِيٌّ نُقِلَتْ مِنْ خَطِّ الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَاشِيَةً عَلَى شَرْحِ الْكَنْزِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ نَصُّهَا مُسْتَحَاضَةٌ أَوْ مَنْ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ تَوَضَّأَ وَالدَّمُ سَائِلٌ أَوْ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، ثُمَّ سَالَ الدَّمُ قَبْلَ اللُّبْسِ أَوْ بَعْدَ لُبْسِ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ قَبْلَ لُبْسِ الْآخَرِ لَهُ الْمَسْحُ مَا دَامَ الْوَقْتُ إنْ أَحْدَثَ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يُحْدِثْ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ وَلَوْ تَوَضَّأَ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ وَلَبِسَ الْخُفَّ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، ثُمَّ سَالَ الدَّمُ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ سَوَاءٌ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ بِغَيْرِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إنْ كَانَ مُقِيمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَعِنْدَ زُفَرَ يَمْسَحُ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ كَامِلَةٌ مَا دَامَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ إلَّا أَنَّا نَقُولُ فِي الْأَوَّلِ الطَّهَارَةُ لَيْسَتْ بِكَامِلَةٍ وَلِهَذَا يُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَعَلَى هَذَا قَدْ أَبْهَمَ الشَّارِحُ اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ الطَّهَارَةِ) أَيْ الْكَامِلَةِ قَبْلَ الْحَدَثِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا كَانَ رَافِعًا) أَيْ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي الْمَسْحِ حِينَئِذٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَوُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ) أَيْ إذَا لَبِسَتْ الْخُفَّ عَلَى السَّيَلَانِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ وُضُوءَهُ نَاقِصٌ) لِأَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ بَدَلٌ مِنْ الْمَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِهَذَا لَوْ وُجِدَ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَلَوْ جَازَ الْمَسْحُ كَانَ هَذَا بَدَلَ الْبَدَلِ وَذَا لَا يَجُوزُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: جَازَ) أَيْ الْمَسْحُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَسُؤْرِ الْحِمَارِ) إذَا تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَتَيَمَّمَ، ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ فَأَحْدَثَ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً مُطْلَقًا وَوَجَدَ سُؤْرَ الْحِمَارِ جَازَ لَهُ التَّوَضُّؤُ بِهِ وَالتَّيَمُّمُ وَيَمْسَحُ فِي هَذَا الْوُضُوءِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ أَمَّا نَبِيذُ التَّمْرِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الدَّوَامِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ لِلدَّوَامِ فِيمَا يُسْتَدَامُ حُكْمَ الْبَقَاءِ قَالَ تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] سُمِّيَ دَوَامُ الْقُعُودِ قُعُودًا اهـ. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الَّذِي عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ إلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِبَارَةَ لَيْسَتْ بِظَاهِرَةٍ فِي حَالَةِ الدَّوَامِ بَلْ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا الِابْتِدَاءُ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إنْ لَبِسَهُمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ) الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا أَعْنِي قَوْلَهُ إنْ لَبِسَهُمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ الِابْتِدَاءُ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ مُوَافِقَةً لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ كَمَالِ الطَّهَارَةِ قَبْلَ اللُّبْسِ (قَوْلُهُ: عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ) بِأَنْ لَبِسَ الْخُفَّ بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأَ اهـ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا سُؤْرَ الْحِمَارِ أَوْ الْبَغْلِ فَتَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَقْرِنَهُ بِالتَّيَمُّمِ وَمَعَهُ سُؤْرُ الْحِمَارِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ سُؤْرِ الْحِمَارِ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَالتَّيَمُّمُ لَيْسَ لَهُ فِي الرِّجْلَيْنِ أَثَرٌ فَصَارَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ إقَامَةُ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ مَعَهُ وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةِ النَّبِيذِ، ثُمَّ أَحْدَثَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً مُطْلَقًا تَوَضَّأَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ طَهُورٌ مُطْلَقٌ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ عِنْدَ

[مدة المسح على الخفين]

فَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ، ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى فَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ حَتَّى يَنْزِعَ الْأُولَى، ثُمَّ يُدْخِلَهَا فِيهِ كَمَا كَانَتْ. قُلْنَا: هَذَا اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ نَزْعَهُ ثُمَّ لُبْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ لَيْسَ فِيهِ حِكْمَةٌ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدْخَلْتهمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ» أَيْ أَدْخَلْت كُلَّ وَاحِدَةٍ الْخُفَّ وَهِيَ طَاهِرَةٌ لَا أَنَّهُمَا اقْتَرَنَا فِي الطَّهَارَةِ وَالْإِدْخَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ عَادَةً وَهَذَا كَمَا يُقَالُ دَخَلْنَا الْبَلَدَ وَنَحْنُ رُكْبَانٌ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ رَاكِبًا عِنْدَ دُخُولِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُمْ رُكْبَانًا عِنْدَ دُخُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا اقْتِرَانِهِمْ فِي الدُّخُولِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثًا) هَذَا بَيَانٌ لِمُدَّةِ الْمَسْحِ أَيْ صَحَّ الْمَسْحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلَى آخِرِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ) بَيَانٌ لِأَوَّلِ وَقْتِ مُدَّةِ الْمَسْحِ أَيْ يَمْسَحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَثَلَاثًا مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ إلَى وَقْتِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ عُهِدَ مَانِعًا فَيُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْمَنْعِ؛ وَلِأَنَّ مَا قَبْلَهُ لَيْسَ بِطَهَارَةِ الْمَسْحِ وَإِنَّمَا هُوَ طَهَارَةُ الْغُسْلِ فَلَا يُعْتَبَرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَلَى ظَاهِرِهِمَا) بَيَانٌ لِمَحِلِّ الْمَسْحِ حَتَّى لَا يَجُوزَ مَسْحُ بَاطِنِهِ أَوْ عَقِبِهِ أَوْ سَاقَيْهِ أَوْ جَوَانِبِهِ أَوْ كَعْبِهِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ بَاطِنُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ لَكِنْ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَرَّةً) أَيْ يَمْسَحُ مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ فَلَا يُسَنُّ فِيهِ التَّكْرَارُ بِخِلَافِ الْغَسْلِ وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِثَلَاثِ أَصَابِعَ) بَيَانٌ لِمِقْدَارِ آلَةِ الْمَسْحِ حَتَّى لَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْخُذَ مَاءً جَدِيدًا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَخَذَ لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءً جَدِيدًا جَازَ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ وَلَوْ أَصَابَ مَوْضِعَ الْمَسْحِ مَاءٌ أَوْ مَطَرٌ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ جَازَ، وَكَذَا لَوْ مَشَى فِي حَشِيشٍ مُبْتَلٍّ بِالْمَطَرِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ كَانَ مُبْتَلًّا بِالطَّلِّ أَوْ أَصَابَ الْخُفَّ طَلٌّ قَدْرَ الْوَاجِبِ قِيلَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَفْسُ دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ يَجْذِبُهُ الْهَوَاءُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ عَلَى حِدَةٍ حَتَّى لَوْ مَسَحَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ مِقْدَارَ أُصْبُعَيْنِ وَعَلَى الْأُخْرَى مِقْدَارَ خَمْسَةِ أَصَابِعَ لَا يَجْزِيهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَصَابِعُ الْيَدِ؛ لِأَنَّهَا آلَةُ الْمَسْحِ وَأَكْثَرُهَا يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يُعْتَبَرُ أَصَابِعُ الرِّجْلِ كَمَا فِي الْخَرْقِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، ثُمَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ قَدْرَ الْآلَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ الْمَمْسُوحِ فَكَأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِبَيَانِ الْآلَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ إذْ هُوَ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَإِذَا مَسَحَ بِهَا فَقَدْ حَصَلَ الْغَرَضُ فَيَكُونُ بَيَانًا لَهُمَا جَمِيعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَبْدَأُ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ) هَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ وَجَدَ مَاءً مُطْلَقًا نَزَعَ خُفَّيْهِ وَتَوَضَّأَ وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَهُورٍ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ وَلَمْ يَتَيَمَّمْ حَتَّى أَحْدَثَ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَيَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَيَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ؛ لِأَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ إنْ كَانَ طَهُورًا فَالتَّيَمُّمُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ الطَّهُورُ هُوَ التُّرَابُ فَالْقَدَمُ لَا حَظَّ لَهُ فِي التَّيَمُّمِ اهـ. وَلَوْ قُطِعَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَبَقِيَ مِنْهَا أَقَلُّ مِنْهُ أَيْ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ بَقِيَ ثَلَاثُ أَصَابِعَ لَكِنْ مِنْ الْعَقِبِ لَا مِنْ مَوْضِعِ الْمَسْحِ فَلَبِسَ عَلَى الصَّحِيحَةِ وَالْمَقْطُوعَةِ لَا يَمْسَحُ لِوُجُوبِ غَسْلِ ذَلِكَ الْبَاقِي كَمَا لَوْ قُطِعَتْ مِنْ الْكَعْبِ حَيْثُ يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَلَا يَمْسَحُ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَنْزِعَ الْأُولَى) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ لَبِسَهُمَا قَبْلَ غَسْلِهِمَا، ثُمَّ خَاضَ مَاءً عَظِيمًا فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى رِجْلَيْهِ وَسَائِرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُمْ. (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالٍ مُقَدَّرٍ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ عَادَةً) أَيْ فِي لُبْسِ الْخِفَافِ. [مُدَّة الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ: وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثًا) فَإِذَا كَمُلَتْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ بَعْدَهَا حَتَّى يَنْزِعَ وَيَغْسِلَ رِجْلَيْهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ جُرْحٍ لَا يَرْقَأُ وَنَحْوُهُ لَيْسَ لَهُ الْمَسْحُ إلَّا فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِذَا خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَدَخَلَ آخَرُ وَجَبَ النَّزْعُ إنْ كَانَ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ عَلَى السَّيَلَانِ، وَإِلَّا يَسْتَكْمِلُ الْمُدَّةَ كَغَيْرِهِ. اهـ. زَادُ الْفَقِيرِ. (قَوْلُهُ: مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ) أَيْ لَا مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَى وَقْتِ الْحَدَثِ) أَيْ إلَى مِثْلِ وَقْتِ ذَلِكَ الْحَدَثِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْخُفَّ عُهِدَ مَانِعًا) أَيْ مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ؛ وَلِأَنَّهُ شُرِعَ تَيْسِيرًا لِتَعَذُّرِ النَّزْعِ وَالْحَاجَةِ إلَى النَّزْعِ عِنْدَ الْحَدَثِ. اهـ. . [مَحِلّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: عَلَى ظَاهِرِهِمَا) وَيَتَعَلَّقُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ بِالْمَحْذُوفِ أَيْ يَمْسَحُ. اهـ. ع وَقَالَ الرَّازِيّ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ صَحَّ اهـ. (قَوْلُهُ: بِالْمَسْحِ) أَيْ مِنْ أَعْلَاهُ وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ ظَاهِرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: خُطُوطًا) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَيْ مُخَطَّطًا وَفِي الْمُجْتَبَى إظْهَارُ الْخُطُوطِ فِي الْمَسْحِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ كَاكِيٌّ وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ إذْ الْخُطُوطُ إنَّمَا تَكُونُ إذَا مَسَحَ مَرَّةً. اهـ. مُسْتَصْفَى. [كَيْفِيَّة الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ) يَتَعَلَّقُ بِالْمَحْذُوفِ الَّذِي قَدَّرْنَاهُ. اهـ. ع وَقَالَ الرَّازِيّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ صَحَّ اهـ. (قَوْلُهُ: لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءٌ جَدِيدٌ أَجَازَ) أَيْ إنْ مَسَحَ كُلَّ مَرَّةٍ غَيْرَ مَا مَسَحَ قَبْلَ ذَلِكَ. اهـ. شَرْحُ الْوُقَايَةِ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمَسْحَ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ (وَبِظَهْرِ الْكَفِّ) يَجُوزُ إنْ كَانَ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا وَلَوْ مَسَحَ بِظَهْرِ الْكَفِّ جَازَ لَكِنَّ السُّنَّةَ بِبَاطِنِهَا شَرْحِ وِقَايَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَصَابَ الْخُفَّ طَلٌّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الطَّلُّ الْمَطَرُ الْخَفِيفُ وَيُقَالُ أَضْعَفُ الْمَطَرِ اهـ. (قَوْلُهُ: يُعْتَبَرُ أَصَابِعُ الرِّجْلِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ يَقَعُ عَلَيْهِ وَهِيَ أَكْثَرُ الْمَمْسُوحِ فَأُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ كَمَا فِي الْخَرْقِ. اهـ. مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) إذْ الْمَسْحُ فِعْلٌ يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ لَا إلَى الْمَحِلِّ فَتُعْتَبَرُ الْآلَاتُ. اهـ. مِعْرَاجٌ وَصَاحِبُ الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ يَمْسَحُ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ يَبْدَأُ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ) لَمَّا بَيَّنَ مِقْدَارَ الْوَاجِبِ اسْتَأْنَفَ الْكَلَامَ لِبَيَانِ الْكَيْفِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ وَقَالَ يَبْدَأُ إلَى آخِرِهِ

نُقِلَ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّ الْمَسْحَ بَدَلُ الْغَسْلِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِهِ وَهَذَا بَيَانُ السُّنَّةِ حَتَّى لَوْ بَدَأَ مِنْ السَّاقِ إلَى الْأَصَابِعِ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَرْقُ الْكَبِيرُ يَمْنَعُهُ) أَيْ يَمْنَعُ الْمَسْحَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ مَعَهُ فَصَارَ كَاللِّفَافَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْقَدَمِ أَصْغَرُهَا) أَيْ الْخَرْقُ الْكَبِيرُ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْقَدَمِ أَصْغَرُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَدَمِ هُوَ الْأَصَابِعُ وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا فَيَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَصْغَرِ لِلِاحْتِيَاطِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يُعْتَبَرُ أَصَابِعُ الْيَدِ اعْتِبَارًا بِالْمَسْحِ وَهُوَ قَوْلُ الرَّازِيّ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَيُعْتَبَرُ هَذَا الْمِقْدَارُ فِي كُلِّ خُفٍّ عَلَى حِدَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْأَصْغَرُ إذَا انْكَشَفَ مَوْضِعٌ غَيْرُ مَوْضِعِ الْأَصَابِعِ، وَأَمَّا إذَا انْكَشَفَ الْأَصَابِعُ نَفْسُهَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَنْكَشِفَ الثَّلَاثُ أَيَّتُهَا كَانَتْ وَلَا يُعْتَبَرُ الْأَصْغَرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ أُصْبُعٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ بِغَيْرِهَا حَتَّى لَوْ انْكَشَفَتْ الْإِبْهَامُ مَعَ جَارَتِهَا وَهُمَا قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصْغَرِهَا يَجُوزُ الْمَسْحُ فَإِنْ كَانَ مَعَ جَارَتَيْهَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ وَفِي مَقْطُوعِ الْأَصَابِعِ يُعْتَبَرُ الْخَرْقُ بِأَصَابِعَ غَيْرِهِ وَقِيلَ بِأَصَابِعَ نَفْسِهِ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً وَالْخَرْقُ الْمَانِعُ هُوَ الْمُنْفَرِجُ الَّذِي يَرَى مَا تَحْتَهُ مِنْ الرِّجْلِ أَوْ يَكُونُ مُنْضَمًّا لَكِنْ يَنْفَرِجُ عِنْدَ الْمَشْيِ وَيَظْهَرُ الْقَدَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْوَضْعِ بِأَنْ كَانَ الْخَرْقُ عَرْضًا وَإِنْ كَانَ طُولًا يَدْخُلُ فِيهِ ثَلَاثُ أَصَابِعَ فَأَكْثَرُ وَلَكِنْ لَا يُرَى شَيْءٌ مِنْ الْقَدَمِ وَلَا يَنْفَرِجُ عِنْدَ الْمَشْيِ لِصَلَابَتِهِ لَا يَمْنَعُ الْمَسْحَ وَلَوْ انْكَشَفَتْ الظِّهَارَةُ وَفِي دَاخِلِهَا بِطَانَةٌ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خِرْقَةٍ مَخْرُوزَةٍ بِالْخُفِّ لَا يَمْنَعُ وَالْخَرْقُ فَوْقَ الْكَعْبِ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِلُبْسِهِ وَالْخَرْقُ فِي الْكَعْبِ وَمَا تَحْتَهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَنْعِ. وَقِيلَ لَوْ كَانَ الْخَرْقُ فَوْقَ الْقَدَمِ لَا يَمْنَعُ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَكْثَرَ الْقَدَمِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْأَصَابِعِ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُهَا فَكَذَا الْقَدَمُ كَذَا فِي الْغَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجْمَعُ فِي خُفٍّ لَا فِيهِمَا) أَيْ وَيَجْمَعُ الْخُرُوقَ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ لَا فِي خُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ الرِّجْلَيْنِ عُضْوَانِ حَقِيقَةً فَعُمِلَ بِهَا أَيْ بِالْحَقِيقَةِ وَلَمْ يَجْمَعْ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ نَقْلُ الْبَلَّةِ مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ وَجُعِلَتَا فِي حُكْمِ عُضْوٍ وَاحِدٍ فِي مَنْعِ الْمَسْحِ عَلَى إحْدَاهُمَا وَغَسْلِ الْأُخْرَى احْتِرَازًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَبَدَلِهِ فِيمَا هُوَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. وَمُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ فَيَتَنَاوَلُ رِجْلًا وَاحِدَةً وَلَكِنْ لَمَّا جُعِلَتَا فِي الْحُكْمِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ تَنَاوَلَهُمَا الْأَمْرُ فَوَجَبَ غَسْلُهُمَا، ثُمَّ الْخَرْقُ الَّذِي يُجْمَعُ أَقَلُّهُ مَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمِسَلَّةُ وَمَا دُونَهُ لَا يُعْتَبَرُ إلْحَاقًا لَهُ بِمَوَاضِعِ الْخَرْزِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ وَالِانْكِشَافِ) أَيْ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ حَيْثُ يُجْمَعُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فِي خُفَّيْهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَكَانِهِ أَوْ فِي الْمَجْمُوعِ وَبِخِلَافِ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ كَانْكِشَافِ شَيْءٍ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِسْكِينٌ وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَمْسَحُ مَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ إيمَاءً إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا. اهـ. مُجْتَبَى وَلَوْ بَدَأَ مِنْ قَبْلِ السَّاقِ جَازَ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ. اهـ. مِسْكِينٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْخَرْقُ الْكَبِيرُ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْضًا. اهـ. ع. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَهُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْقَدَمِ أَصْغَرُهَا) وَمَا ذُكِرَ مِنْ اعْتِبَارِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ وَفِي الْأَجْنَاسِ فِي اعْتِبَارِهَا مَضْمُومَةً أَوْ مُنْفَرِجَةً اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ قَالَ بَعْضُهُمْ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ مَضْمُومَةً لَا مُنْفَرِجَةً. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ: أَصْغَرُهَا بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ الْأَصَابِعِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ أَصْغَرُهَا وَالنَّصْبُ عَلَى تَقْدِيرِ أَعْنِي. اهـ. ع قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَاءٌ كَانَ الْخَرْقُ فِي ظَاهِرِ الْخُفِّ أَوْ فِي بَاطِنِهِ أَوْ فِي نَاحِيَةِ الْعَقِبِ وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ يَعْنِي إذَا كَانَ الْخَرْقُ مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ فَذَلِكَ يَمْنَعُ جَوَازَ الْمَسْحِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَكْشُوفُ مِنْ قِبَلِ الْعَقِبِ أَكْثَرَ مِنْ الْمَسْتُورِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ يَمْسَحُ حَتَّى يَبْدُوَ أَكْثَرُ نِصْفِ الْعَقِبِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ شَرْحُ الْكَنْزِ لِلشَّيْخِ مِسْكِينٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَدَمِ هُوَ الْأَصَابِعُ) حَتَّى يَجِبَ بِقَطْعِهَا الدِّيَةُ. اهـ. ع وَلَوْ كَانَ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ خَرْقٌ فِي مُقَدَّمِ الْخُفِّ قَدْرُ أُصْبُعٍ وَفِي مُؤَخَّرِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَفِي جَانِبِهِ مِثْلُ ذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْأَسْفَلِ مِنْ السَّاقِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جُمِعَ يَصِيرُ قَدْرَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ. اهـ. فَتَاوَى قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) أَيْ لِأَنَّ مَنْعَ الْخَرْقِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَشْيِ وَهُوَ بِالرِّجْلِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ بِالْيَدِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: يُعْتَبَرُ أَكْثَرُهَا) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ وَلَوْ بَدَا ثَلَاثَةٌ مِنْ أَنَامِلِهِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَمْنَعُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَمْنَعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. بَدَائِعُ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ يَبْدُو قَدْرُ ثَلَاثِ أَنَامِلَ وَأَسَافِلُهَا مَسْتُورَةٌ قَالَ السَّرَخْسِيُّ يَمْنَعُ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَا يَمْنَعُ حَتَّى يَبْدُوَ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ بِكَمَالِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيَجْمَعُ فِي خُفٍّ لَا فِيهِمَا) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا دَاعِي إلَى جَمْعِهَا وَهُوَ اعْتِبَارُهَا كَأَنَّهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لِمَنْعِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمَكَانُ حَقِيقَةً لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْخُفِّ بِامْتِنَاعِهِ قَطْعَ الْمَسَافَةِ الْمُعْتَادَةِ بِهِ لَا لِذَاتِهِ وَلَا لِذَاتِ الِانْكِشَافِ مِنْ حَيْثُ هُوَ انْكِشَافٌ، وَإِلَّا لَوَجَبَ الْغُسْلُ فِي الْخَرْقِ الصَّغِيرِ وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ عِنْدَ تَعَرُّفِهَا صَغِيرَةً كَمِقْدَارِ الْحِمَّصَةِ وَالْفُولَةِ لِإِمْكَانِ قَطْعِهَا مَعَ ذَلِكَ وَعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الْبَادِي قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ غُسْلُهُمَا)، وَإِلَّا جُعِلَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ احْتِيَاطًا وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلَا كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْخُرُوقِ وَإِنْ كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ فَلَا يُنَاسِبُهُ التَّضْيِيقُ بِإِيجَابِ الِاحْتِيَاطِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: الْمِسَلَّةُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ الْإِبْرَةُ الْعَظِيمَةُ

[نواقض المسح على الخفين]

فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَشَيْءٍ مِنْ ظَهْرِهَا وَشَيْءٍ مِنْ بَطْنِهَا وَشَيْءٍ مِنْ فَخْذِهَا وَشَيْءٍ مِنْ سَاقِهَا حَيْثُ يُجْمَعُ لِمَنْعِ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخُفِّ وَبَيْنَهُمَا أَنَّ الْخَرْقَ فِي الْخُفِّ إنَّمَا يَمْنَعُ لِكَوْنِهِ مَانِعًا لِتَتَابُعِ الْمَشْيِ فِيهِ بِهِ وَالْخَرْقُ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ قَطْعَ السَّفَرِ بِالْآخَرِ وَالنَّجَاسَةُ تَمْنَعُ الْجَوَازَ لِكَوْنِهِ حَامِلًا لَهَا أَوْ مُجَاوِرًا وَهُوَ حَامِلٌ لِلْكُلِّ أَوْ مُجَاوِرٌ لَهُ، وَكَذَا الِانْكِشَافُ إنَّمَا يَمْنَعُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ سَاتِرٍ لِعَوْرَتِهِ وَهُوَ يُوجَدُ فِي الْكُلِّ؛ وَلِأَنَّ الْبَدَنَ كُلَّهُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فِي الْحُكْمِ وَلِهَذَا يَجُوزُ نَقْلُ الْبِلَّةِ مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ فِي الْجَنَابَةِ فَجَعَلْنَاهُ عُضْوًا وَاحِدًا فِي حَقِّ النَّجَاسَةِ وَالِانْكِشَافِ احْتِيَاطًا وَهَذَا بِخِلَافِ الْخُفِّ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ رُخْصَةً فَلَا يُنَاسِبُ التَّضْيِيقَ، ثُمَّ كَيْفِيَّةُ جَمْعِ الْخُرُوقِ فِي الْخُفِّ ظَاهِرٌ وَكَيْفِيَّةُ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ وَالنَّجَاسَةِ الْمُتَفَرِّقَيْنِ يَأْتِي فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْقُضُهُ نَاقِضُ الْوُضُوءِ)؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ فَيَنْقُضُهُ نَاقِضُ أَصْلِهِ كَالتَّيَمُّمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُزِعَ خُفٌّ)؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ يَسْرِي إلَى الْقَدَمَيْنِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَحُكْمُ النَّزْعِ يَثْبُتُ بِخُرُوجِ الْقَدَمِ إلَى سَاقِ الْخُفِّ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْمَسْحِ فَارَقَ مَكَانَهُ فَكَأَنَّ قَدَمَهُ قَدْ ظَهَرَتْ لَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ سَاقَ الْخُفِّ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلِهَذَا يَجُوزُ مَسْحُ خُفٍّ لَا سَاقَ لَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْكَعْبُ مَسْتُورًا، وَكَذَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّزْعِ بِخُرُوجِ أَكْثَرِ الْقَدَمِ إلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ خَرَجَ الْعَقِبُ أَوْ أَكْثَرُهَا إلَى السَّاقِ بَطَلَ الْمَسْحُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْقَدَمِ بَطَلَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ فِي الْخُفِّ مِنْ الْقَدَمِ قَدْرُ مَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لَا يُنْتَقَضُ، وَإِلَّا انْتَقَضَ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنْ أَمْكَنَ الْمَشْيُ بِهِ لَا يُنْتَقَضُ، وَإِلَّا انْتَقَضَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُضِيُّ الْمُدَّةِ) أَيْ وَيَنْقُضُهُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى التَّوْقِيتِ اعْلَمْ أَنَّ نَزْعَ الْخُفِّ وَمُضِيَّ الْمُدَّةِ غَيْرُ نَاقِضٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا النَّاقِضُ الْحَدَثُ السَّابِقُ لَكِنَّ الْحَدَثَ يَظْهَرُ عِنْدَ وُجُودِهِمَا فَأُضِيفَ النَّقْضُ إلَيْهِمَا وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا دُخُولُ أَحَدِ خُفَّيْهِ الْمَاءُ؛ لِأَنَّ رِجْلَهُ تَصِيرُ بِذَلِكَ مَغْسُولَةً وَيَجِبُ غَسْلُ رِجْلِهِ الْأُخْرَى لِامْتِنَاعِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ غَسْلَ أَكْثَرِ الْقَدَمِ يَنْقُضُهُ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ لَمْ يَخَفْ ذَهَابَ رِجْلِهِ مِنْ الْبَرْدِ) أَيْ يَنْقُضُهُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى رِجْلِهِ الْعَطَبَ بِالنَّزْعِ وَإِنْ خَافَ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ؛ وَالْمُحِيطِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ وَهُوَ مَدْفُوعٌ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَضُرُّهُ الْغَسْلُ صَارَ كَالْجَبِيرَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ وَقَدْ قَالُوا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: لِمَنْعِ جَوَازِ الصَّلَاةِ) أَيْ إنْ بَلَغَ الْمَجْمُوعُ رُبْعَ عُضْوٍ يَمْنَعُ. [نَوَاقِض الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ: وَنَزْعُ خُفٍّ) ذَكَرَ لَفْظَ الْوَاحِدِ وَلَمْ يَقُلْ نَزْعُ الْخُفَّيْنِ لِيُفِيدَ أَنَّ نَزْعَ أَحَدِهِمَا نَاقِضٌ فَإِنَّهُ إذَا نَزَعَ أَحَدَهُمَا وَجَبَ غَسْلُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ فَوَجَبَ غَسْلُ الْأُخْرَى إذْ لَا جَمْعَ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ. اهـ. ش وِقَايَةٍ وَاعْلَمْ بِأَنَّ خَلْعَ الْخُفَّيْنِ قَبْلَ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ الَّتِي لَبِسَ بِهَا الْخُفَّيْنِ لَا يَضُرُّهُ وَإِنْ تَكَرَّرَ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ قَائِمَةٌ وَخَلْعُ الْخُفَّيْنِ لَيْسَ بِحَدَثٍ كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَنَا بِهِ. (قَوْلُهُ: يَسْرِي إلَى الْقَدَمَيْنِ) فَكَأَنَّهُ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ غَسْلُهُمَا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: أَوْ أَكْثَرِهَا) يَعْنِي إذَا أَخْرَجَهُ قَاصِدًا إخْرَاجَ الرِّجْلِ بَطَلَ الْمَسْحُ حَتَّى لَوْ بَدَا لَهُ إعَادَتُهَا فَأَعَادَهَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَعْرَجَ يَمْشِي عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَقَدْ ارْتَفَعَ عَقِبُهُ عَنْ مَوْضِعِ عَقِبِ الْخُفِّ إلَى السَّاقِ لَا يَمْسَحُ وَإِلَى مَا دُونَهُ يَمْسَحُ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْخُفُّ وَاسِعًا يَرْتَفِعُ الْعَقِبُ بِرَفْعِ الرِّجْلِ إلَى السَّاقِ وَيَعُودُ بِوَضْعِهَا فَلَا يَمْسَحُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا انْتَقَضَ) فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَبَرَ مَحَلَّ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ مَا وَرَاءَهُ كَلَا خُرُوجٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنْ أَمْكَنَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ هُوَ مَرْمَى نَظَرِ الْكُلِّ فَمَنْ نَقَضَ بِخُرُوجِ الْعَقِبِ عِنْدَهُ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَعَ حُلُولِ الْعَقِبِ فِي السَّاقِ لَا يُمْكِنُهُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَعُودُ إلَى مَحِلِّهَا عِنْدَ الْوَضْعِ وَمَنْ قَالَ الْأَكْثَرُ فَلِظَنِّهِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مَنُوطٌ بِهِ، وَكَذَا مَنْ قَالَ يَكُونُ الْبَاقِي قَدْرَ الْفَرْضِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ إنَّمَا تَبْتَنِي عَلَى الْمُشَاهَدَةِ وَيَظْهَرُ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْعَقِبِ فِي السَّاقِ يُقْلِقُ عَنْ مُدَاوَمَةِ الْمَشْيِ دَوْسًا عَلَى السَّاقِ نَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إنْ لَمْ يَخَفْ ذَهَابَ رِجْلِهِ مِنْ الْبَرْدِ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ مَضَتْ وَهُوَ يَخَافُ الْبَرْدَ عَلَى رِجْلَيْهِ بِالنَّزْعِ يَسْتَوْعِبُهُ بِالْمَسْحِ كَالْجَبَائِرِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَلَا حَظَّ لِلرِّجْلَيْنِ مِنْ التَّيَمُّمِ فَيَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْضِي فِيهَا بِلَا تَيَمُّمٍ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ مَنْعَ الْخُفِّ بِهَذِهِ فَيَسْرِي الْحَدَثُ بَعْدَهَا إذْ لَا بَقَاءَ لَهَا مَعَ الْحَدَثِ فَكَمَا يَقْطَعُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لِيَغْسِلَ رِجْلَيْهِ يَقْطَعُ عِنْدَ عَدَمِهِ لِيَتَيَمَّمَ لَا لِلرِّجْلَيْنِ فَقَطْ لِيَلْزَم رَفْوُ الْأَصْلِ بِالْخَلْفِ بَلْ لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَصِيرُ مُحْدِثًا بِحَدَثِ الْقَدَمَيْنِ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى غَسْلِهِمَا ارْتَفَعَ كَمَنْ غَسَلَ ابْتِدَاءً الْأَعْضَاءَ إلَّا رِجْلَيْهِ وَفَنِيَ الْمَاءُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لَا لِلرِّجْلَيْنِ فَقَطْ، وَإِلَّا لَكَانَ جَمْعُ الْأَصْلِ وَالْخَلْفِ ثَابِتًا فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ بَلْ لِلْحَدَثِ الْقَائِمِ بِهِ فَإِنَّهُ عَلَى حَالِهِ مَا لَمْ يُتِمَّ الْكُلَّ وَهَذَا لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنْ لَمْ يُصِبْ الرِّجْلَ حَدَثًا لَكِنَّهَا يُصِيبُهَا حُكْمُ الطَّهَارَةِ عِنْدَهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يَصْلُحُ عَدَمُ الْمَاءِ مَانِعًا السِّرَايَةَ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا غَايَةً لِمَنْعِهِ وَعَلَى هَذَا فَمَا ذُكِرَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَالْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْزِعُ إذَا تَمَّتْ إذَا لَمْ يَخَفْ إذْهَابَهُمَا مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ فَإِنْ خَافَ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ مُطْلَقًا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ خَوْفَ الْبَرْدِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَنْعِ السِّرَايَةِ كَمَا أَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُهَا فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَا يَنْزِعُ لَكِنْ لَا يَمْسَحُ بَلْ يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ الْبَرْدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَعَنْ هَذَا نَقَلَ بَعْضُ

مَنْ قَالَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهُوَ أَشْبَهُ لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الرِّجْلِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لَهُ وَيُصَلِّي كَمَا لَوْ بَقِيَ مِنْ أَعْضَائِهِ لُمْعَةٌ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَغْسِلُهَا بِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ فَكَذَا هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَعْدَهُمَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَقَطْ) أَيْ بَعْدَ النَّزْعِ وَبَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَقَطْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ إذَا كَانَ عَلَى وُضُوءٍ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ هُوَ الَّذِي حَلَّ بِقَدَمَيْهِ وَقَدْ غَسَلَ بَعْدَهُ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ وَبَقِيَتْ الْقَدَمَانِ فَقَطْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا غَسْلُهُمَا وَلَا مَعْنَى لِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ الْمُوَالَاةُ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْوُضُوءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخُرُوجُ أَكْثَرِ الْقَدَمِ نَزْعٌ) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْوَجْهُ وَالْخِلَافُ فِيهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ خُرُوجِهِ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ الْإِخْرَاجِ وَفِي لَفْظِ الْمُخْتَصَرِ مَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْخُرُوجَ كَالنَّزْعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَسَحَ مُقِيمٌ فَسَافَرَ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَسَحَ ثَلَاثًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ سَافَرَ بَعْدَمَا مَسَحَ يُتِمُّ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عِبَادَةٌ فَإِذَا شَرَعَ فِيهَا عَلَى حُكْمِ الْإِقَامَةِ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِالسَّفَرِ كَالصَّوْمِ إذَا شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ سَافَرَ لَا يُفْطِرُ وَكَالصَّلَاةِ إذَا شَرَعَ فِيهَا فِي سَفِينَةٍ فِي الْإِقَامَةِ، ثُمَّ سَارَتْ فَصَارَ مُسَافِرًا فِي صَلَاتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِاجْتِمَاعِ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَتَغْلِيبِ حُكْمِ الْحَضَرِ عَلَى السَّفَرِ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا»؛ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الرُّخْصَةِ التَّخْفِيفُ عَنْ الْمُسَافِرِينَ وَهُوَ بِزِيَادَةِ الْمُدَّةِ وَفِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ التَّسْوِيَةُ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ سَافَرَ قَبْلَ الْحَدَثِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْمَسْحِ؛ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَقْتِ فَيُعْتَبَرُ آخِرُهُ كَالصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَافَرَ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ سَرَى إلَى الْقَدَمِ وَالسَّفَرُ لَا يَرْفَعُهُ وَقَوْلُهُ كَالصَّوْمِ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا الصَّوْمُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِهَذَا يَفْسُدُ كُلُّهُ بِفَسَادِ جُزْءٍ مِنْهُ وَكَذَا الصَّلَاةُ، وَأَمَّا الْمَسَحَاتُ فِي الْمُدَّةِ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مُنْفَصِلَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ الْكُلُّ بِفَسَادِ مَسْحَةٍ وَاحِدَةِ فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ وَإِنَّمَا نَظِيرُهُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ أَوْ صَوْمُ الشَّهْرِ لِانْفِصَالِ كُلِّ صَلَاةٍ أَوْ كُلِّ يَوْمٍ عَنْ الْآخَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَقَامَ مُسَافِرٌ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ نَزَعَ، وَإِلَّا يُتِمُّ يَوْمًا وَلَيْلَةً)؛ لِأَنَّ رُخْصَةَ السَّفَرِ لَا تَبْقَى بِدُونِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ عَلَى الْمُوقِ) أَيْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْمُوقِ وَهُوَ الْجُرْمُوقُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ فِي الْغَالِبِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الرُّخْصَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَشَايِخُ تَأْوِيلَ الْمَسْحِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ مَسْحُ جَبِيرَةٍ لَا كَمَسْحِ الْخُفِّ فَعَلَى هَذَا يَسْتَوْعِبُ الْخُفَّ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى أَوْ أَكْثَرُهُ وَهُوَ غَيْرُ الْمَفْهُومِ مِنْ اللَّفْظِ الْمُؤَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يُتِمُّ إذَا كَانَ مُسَمَّى الْجَبِيرَةِ يَصْدُقُ عَلَى سَاتِرٍ لَيْسَ تَحْتَهُ مَحَلُّ وَجَعٍ بَلْ عُضْوٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَخَافُ مِنْ كَشْفِهِ حُدُوثَ الْمَرَضِ لِلْبَرْدِ وَيَسْتَلْزِمُ بُطْلَانُ مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ الْبَرْدِ عَلَى عُضْوٍ أَوْ اسْوِدَادِهِ وَيَقْتَضِي أَيْضًا عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ تَرْكِهِ رَأْسًا وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ إعْطَاؤُهُمْ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ مَسَحَ مُقِيمٌ فَسَافَرَ إلَى آخِرِهِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَجْهٌ يَتَحَوَّلُ مُدَّتُهُ إلَى مُدَّةِ السَّفَرِ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ لَوْ سَافَرَ قَبْلَ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَوَجْهٌ لَا يَتَحَوَّلُ إلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ لَوْ سَافَرَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ، وَوَجْهٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَهُوَ مَا لَوْ سَافَرَ بَعْدَ الْحَدَثِ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ الْمُدَّةِ. اهـ. كَيْ. (قَوْلُهُ: مَسَحَ ثَلَاثًا) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ لَا مِنْ وَقْتِ السَّفَرِ. (قَوْلُهُ: وَتَغْلِيبُ حُكْمِ الْحَضَرِ عَلَى السَّفَرِ) وَإِنَّمَا غَلَبَ حُكْمُ الْحَضَرِ لِكَوْنِهِ عَزِيمَةً وَحُكْمُ السَّفَرِ رُخْصَةٌ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعَزِيمَةُ وَالرُّخْصَةُ فِي عِبَادَةٍ غَلَبَتْ الْعَزِيمَةُ احْتِيَاطًا فَعَلَى هَذَا الْمُسَافِرُ فِي السَّفِينَةِ إذَا دَخَلَتْ الْعُمْرَانَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: التَّسْوِيَةُ) أَيْ بَيْنَ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالصَّوْمِ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَهَذَا لَيْسَ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ الْوَاحِدَ وَالصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَاعْتِبَارُ الْإِقَامَةِ فِي أَوَّلِهِ لَا يُبِيحُ الْإِفْطَارَ وَاعْتِبَارُ السَّفَرِ فِي آخِرِهِ يُبِيحُ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا، وَكَذَا فِي الصَّلَاةِ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْإِقَامَةِ احْتِيَاطًا أَمَّا الْوَقْتُ فَمِمَّا يَتَجَزَّأُ فَلَمْ تَجْتَمِعْ الْإِقَامَةُ وَالسَّفَرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِمَا وُجِدَ وَهُوَ السَّفَرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ وَلَمْ يَمْسَحْ تَتَغَيَّرُ الْمُدَّةُ وَإِنْ انْعَقَدَتْ الْمُدَّةُ عَلَى حُكْمِهَا؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ وَالْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا وَهُوَ عَدَمُ سَرَيَانِ الْحَدَثِ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ أَيْضًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْإِقَامَةُ وَالسَّفَرُ تَدَافَعَتَا فَغَلَبَتْ الْإِقَامَةُ السَّفَرَ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَا هُنَا لَمَّا اقْتَصَرَتْ الْإِقَامَةُ وُجِدَ السَّفَرُ فَلَمْ تَثْبُتْ الْمُعَارَضَةُ وَالتَّدَافُعُ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ نَزَعَ) لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَ يَمْسَحُ وَهُوَ مُقِيمٌ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَصَحَّ عَلَى الْمُوقِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُطَرِّزِيُّ الْمُوقُ خُفٌّ قَصِيرٌ يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْجُرْمُوقُ) حَاصِلُ الْكَلَامِ هُنَا أَنَّ الْجُرْمُوقَ مَا يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ إذَا لَبِسَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ وَبَعْدَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ حَلَّ بِالْخُفِّ فَلَا يَرْفَعُهُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ وَلَوْ لَبِسَهُ قَبْلَ الْحَدَثِ، ثُمَّ أَحْدَثَ حَلَّ الْحَدَثُ بِالْجُرْمُوقِ فَيَمْسَحُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَاسِعًا فَأَدْخَلَ يَدَهُ إلَى الْخُفِّ وَمَسَحَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْحَدَثِ فِيهِ. اهـ. يَحْيَى قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي قَوْلِهِ اسْتِعْمَالًا وَغَرَضًا إشَارَةٌ إلَى جَوَابِ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنَّ الْجُرْمُوقَ لَوْ كَانَ تَبَعًا لِلْخُفِّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْطِلَ الْمَسْحَ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِنَزْعِ أَحَدِ طَاقَيْ خُفِّ وَلَوْ كَانَ تَبَعًا لِلرِّجْلِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ بِنَزْعِهِ فَقَالَ أَنَّهُ تَبَعٌ اسْتِعْمَالًا وَغَرَضًا لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ لَوْ لَبِسَهُ مُنْفَرِدًا بِالْإِجْمَاعِ فَإِذَا لَبِسَهُ عَلَى الْخُفِّ عَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ وَأَثْبَتْنَا الْحُكْمَ بِحَسَبِ الدَّلَائِلِ فَقُلْنَا بِالتَّبَعِيَّةِ عِنْدَ قِيَامِ الْمَمْسُوحِ فَإِذَا زَالَ الْمَمْسُوحُ زَالَتْ التَّبَعِيَّةُ فَيَحِلُّ الْحَدَثُ بِمَا تَحْتَهُ بِخِلَافِ ذِي طَاقَيْنِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّاقَيْنِ مُتَّصِلٌ بِالْآخَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَصِيرَانِ بِحُكْمِ الِاتِّصَالِ كَالشَّعْرِ مَعَ بَشَرَةِ الرَّأْسِ فَكَانَ الْمَسْحُ عَلَى أَحَدِهِمَا مَسْحًا عَلَى مَا تَحْتَهُ حُكْمًا فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا بَدَلًا عَنْ الرِّجْلِ

[المسح على الجورب]

؛ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَلٌ وَلَنَا حَدِيثُ بِلَالٍ قَالَ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى الْمُوقَيْنِ»؛ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْخُفِّ اسْتِعْمَالًا إذْ لَا يُلْبَسُ بِدُونِ الْخُفِّ عَادَةً، وَكَذَا تَبَعٌ لَهُ غَرَضًا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ لُبْسِهِ صِيَانَةُ الْخُفِّ عَنْ الْخَرْقِ وَالْقَذَرِ فَكَانَ كَخُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ لَا عَنْ الْخُفِّ. وَقَوْلُهُ أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، ثُمَّ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقِ أَنْ لَا يُحْدِثَ قَبْلَ لُبْسِهِ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ حَتَّى لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةٍ، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ لُبْسِ الْجُرْمُوقِ، ثُمَّ لَبِسَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ لَبِسَهُ قَبْلَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَدَثِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ وَلَوْ مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ، ثُمَّ نَزَعَهُمَا مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا لَيْسَ مَسْحًا عَلَى الْخُفَّيْنِ لِانْفِصَالِهِمَا عَنْ الْخُفَّيْنِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ لَوْ نَزَعَ أَحَدَ طَاقَيْهِ أَوْ قَشَّرَ جِلْدَ ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ حَيْثُ لَا يُعِيدُ الْمَسْحَ عَلَى مَا تَحْتَهُ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لِلِاتِّصَالِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ بَعْدَ الْمَسْحِ وَلَوْ نَزَعَ أَحَدَ جُرْمُوقَيْهِ بَطَلَ مَسْحُهُمَا فَيُعِيدُ مَسْحَ الْخُفِّ وَالْجُرْمُوقِ الْبَاقِي. وَقَالَ زُفَرُ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ الْمَنْزُوعِ جُرْمُوقَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْآخَرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بَاقٍ فِي غَيْرِ الْمَنْزُوعِ وَلَنَا أَنَّ طَهَارَةَ الرِّجْلَيْنِ لَا تَتَجَزَّأُ إذْ هُمَا وَظِيفَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَغْسِلَ إحْدَاهُمَا وَيَمْسَحَ الْأُخْرَى فَإِذَا انْتَقَضَ فِي إحْدَاهُمَا انْتَقَضَ فِي الْأُخْرَى ضَرُورَةَ عَدَمِ التجزي، ثُمَّ قِيلَ يَنْزِعُ الْجُرْمُوقَ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ نَزْعَ أَحَدِهِمَا كَنَزْعِهِمَا لِعَدَمِ التجزي فَصَارَ كَنَزْعِ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُ الْآخَرِ وَلَا يَنْزِعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ فَوْق الْخُفِّ الْوَاحِدِ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْخُفِّ الْآخَرِ فَكَذَا إذَا نَزَعَ أَحَدَهُمَا فِي الِانْتِهَاءِ، وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَا يَجُوزُ لِوُجُوبِ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ، وَلَوْ كَانَ الْجُرْمُوقُ مِنْ كِرْبَاسٍ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَاللِّفَافَةِ إلَّا أَنْ تَنْفُذَ الْبِلَّةُ إلَى الْخُفِّ قَدْرَ الْوَاجِبِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَوْرَبُ الْمُجَلَّدُ وَالْمُنَعَّلُ وَالثَّخِينُ) أَيْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ إذَا كَانَ مُنَعَّلًا أَوْ مُجَلَّدًا أَوْ ثَخِينًا، أَمَّا إذَا كَانَ مُجَلَّدًا أَوْ مُنَعَّلًا فَإِنَّهُ يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ وَالرُّخْصَةُ لِأَجْلِهِ فَصَارَ كَالْخُفِّ وَالْمُجَلَّدُ هُوَ الَّذِي وُضِعَ الْجِلْدُ عَلَى أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ وَالْمُنَعَّلُ هُوَ الَّذِي وُضِعَ الْجِلْدُ عَلَى أَسْفَلِهِ كَالنَّعْلِ لِلْقَدَمِ وَقِيلَ يَكُونُ إلَى الْكَعْبِ، وَأَمَّا الثَّخِينُ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُهُمَا وَحْدَهُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ عَلَى السَّاقِ مِنْ غَيْرِ رَبْطٍ وَأَنْ لَا يُرَى مَا تَحْتَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَعَدَلَ عَنْهُ فِي الْخُفِّ لِمَا رَوَيْنَا وَلَيْسَ الْجَوْرَبُ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ» وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَيُرْوَى رُجُوعُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِمَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقِيلَ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَنْهُ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ قَالَ لِعُوَّادِهِ فَعَلْت مَا كُنْت أَنْهَى النَّاسَ عَنْهُ فَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى رُجُوعِهِ قَالَ. - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا عَلَى عِمَامَةٍ وَقَلَنْسُوَةٍ وَبُرْقُعٍ وَقُفَّازَيْنِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الْخُفِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي نَزْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَادَةً فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهَا بِالْخُفِّ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَخِرْقَةِ الْقُرْحَةِ) (وَنَحْوِ ذَلِكَ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا) وَلَيْسَ بِبَدَلٍ بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلِهَذَا لَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ فِي إحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَيَغْسِلُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ وَلَوْ كَانَتْ الْجَبِيرَةُ فِي إحْدَى رِجْلَيْهِ مَسَحَ عَلَيْهَا وَغَسَلَ الْأُخْرَى وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ أَلَا تَرَى إلَى حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَهُ بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ فِي إحْدَى يَدَيْهِ» فَثَبَتَ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ مَا دَامَ الْعُذْرُ قَائِمًا أَصْلٌ لَا بَدَلٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَا يَتَوَقَّتُ) أَيْ لَا يَتَوَقَّتُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْغَسْلُ لَا يَتَوَقَّتُ فَكَذَا هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجْمَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا عَنْ الْخُفِّ مَعْنَى وَالْجُرْمُوقُ قَبْلَ النَّزْعِ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الرِّجْلِ فَجَرَى وُجُودُهُ مَجْرَى الْعَدَمِ فَصَارَ كَخُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ بَدَلًا عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ بَعْدَ الْمَسْحِ) وَكَذَا لَوْ كَانَ الْخُفُّ شَعَرِيًّا فَمَسَحَ عَلَى ظَاهِرِ الشَّعْرِ، ثُمَّ حَلَقَ الشَّعْرَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْمَسْحِ. اهـ. نِهَايَةٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فِي وَجْهِ قَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقِ وَبَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ ابْتِدَاءً بِأَنْ كَانَ عَلَى أَحَدِ الْخُفَّيْنِ جُرْمُوقٌ دُونَ الْآخَرِ فَكَذَا بَقَاءٌ وَإِذَا بَقِيَ الْمَسْحُ فِي الْجُرْمُوقِ وَالْخُفِّ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ) أَيْ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ) أَعْنِي اللَّذَيْنِ لَبِسَهُمَا قَبْلَ الْحَدَثِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ الْحَدَثِ كَمَالٌ وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْمُكَعَّبِ السَّاتِرِ لِلْكَعْبِ اتِّفَاقًا وَفِي الِاخْتِيَارِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُقَدِّمَتُهُ مَشْقُوقَةً إذَا كَانَتْ مَشْدُودَةً أَوْ مَزْرُورَةً؛ لِأَنَّهَا كَالْمَخْرُوزَةِ. اهـ. [الْمَسْح عَلَى الْجَوْرَب] (قَوْلُهُ: فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ) مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَكَمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ إذَا كَانَ يَضُرُّهُ الْمَسْحُ عَلَى الْجِرَاحَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ الْمَسْحُ عَلَى الْجِرَاحَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ. اهـ. . [الْمَسْح عَلَى الجبيرة] (قَوْلُهُ: كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا) أَيْ مَا دَامَ الْعُذْرُ قَائِمًا وَلِهَذَا لَوْ مَسَحَ عَلَى عِصَابَةٍ فَسَقَطَتْ فَأَخَذَ أُخْرَى لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَيْهَا لَكِنَّهُ الْأَحْسَنُ نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَلِهَذَا أَيْضًا لَوْ مَسَحَ عَلَى خِرْقَةِ رِجْلِهِ الْمَجْرُوحَةِ وَغَسَلَ الصَّحِيحَةَ وَلَبِسَ الْخُفَّ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَحْدَثَ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَنْزِعُ الْخُفَّ؛ لِأَنَّ الْمَجْرُوحَةَ مَغْسُولَةٌ حُكْمًا وَلَا تَجْتَمِعُ الْوَظِيفَتَانِ فِي الرِّجْلَيْنِ قَالَ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ وَهُوَ لَا يَضُرُّهُ يَجُوزُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ غَسْلُ الْمَجْرُوحَةِ صَارَتْ كَالذَّاهِبَةِ هَذَا إذَا لَبِسَ

مَعَ الْغَسْلِ) أَيْ يَجْمَعُ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ مَعَ الْغَسْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْوَجْهُ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجُوزُ وَإِنْ شَدَّهَا بِلَا وُضُوءٍ) أَيْ وَإِنْ شَدَّ الْجَبِيرَةَ بِلَا وُضُوءٍ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ حَرَجًا؛ وَلِأَنَّ غَسْلَ مَا تَحْتَهَا سَقَطَ وَانْتَقَلَ إلَى الْجَبِيرَةِ بِخِلَافِ الْخُفِّ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَاجِبٌ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «كُسِرَتْ إحْدَى زَنْدَيَّ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ» وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ حَتَّى يَجُوزَ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ حَتَّى تَجُوزُ صَلَاتُهُ بِدُونِهِ وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا قَالَا بِعَدَمِ جَوَازِ تَرْكِ الْمَسْحِ فِيمَنْ لَا يَضُرُّهُ الْمَسْحُ، وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْجَوَازِ فِيمَنْ يَضُرُّهُ الْمَسْحُ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ: إنَّمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ إذَا كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْقُرْحَةِ يَضُرُّهُ، وَأَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَسْحِ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ عَلَى الْجَبِيرَةِ كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى غَسْلِهَا وَفِي الْمُسْتَصْفَى الْخِلَافُ فِي الْمَجْرُوحِ وَفِي الْمَكْسُورِ يَجِبُ الْمَسْحُ اتِّفَاقًا وَفِي الْمُحِيطِ إذَا زَادَتْ الْجَبِيرَةُ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ إنْ كَانَ حَلُّ الْخِرْقَةِ وَغَسْلُ مَا تَحْتَهَا يَضُرُّ بِالْجِرَاحَةِ يَمْسَحُ عَلَى الْكُلِّ تَبَعًا وَإِنْ كَانَ الْحَلُّ وَالْمَسْحُ لَا يَضُرُّ بِالْجُرْحِ لَا يَجْزِيهِ مَسْحُ الْخِرْقَةِ بَلْ يَغْسِلُ مَا حَوْلَ الْجِرَاحَةِ وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْخِرْقَةِ وَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ الْمَسْحُ وَلَا يَضُرُّهُ الْحَلُّ يَمْسَحُ عَلَى الْخِرْقَةِ الَّتِي عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ وَيَغْسِلُ حَوَالَيْهَا وَتَحْتَ الْخِرْقَةِ الزَّائِدَةِ إذْ الثَّابِتُ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَمْسَحُ عَلَى كُلِّ الْعِصَابَةِ كَانَ تَحْتَهَا جِرَاحَةٌ أَوْ لَا) هَذَا إذَا كَانَ يَضُرُّهُ نَزْعُهَا وَغَسْلُ مَا تَحْتَهَا كَالْجَبِيرَةِ وَلَوْ دَخَلَ تَحْتَهَا مَوْضِعٌ صَحِيحٌ أَجْزَأَهُ الْمَسْحُ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الْعِصَابَةَ لَا تُعْصَبُ عَلَى وَجْهٍ يَأْتِي عَلَى مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ فَحَسْبُ بَلْ يَدْخُلُ مَا حَوْلَ الْجِرَاحَةِ تَحْتَ الْعِصَابَةِ وَسَوَّى بَيْنَ الْجِرَاحَةِ وَغَيْرِهَا مِثْلَ الْكَيِّ وَالْكَسْرِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ وَقَوْلُهُ وَيَمْسَحُ عَلَى كُلِّ الْعِصَابَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ انْتَقَلَ إلَيْهَا، وَكَذَا الْجَبِيرَةُ يَمْسَحُ عَلَى كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ وَاجِبٌ وَذَكَرَ الْحَسَنُ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْأَكْثَرِ كَافٍ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْكُلِّ وَلَوْ انْكَسَرَ ظُفُرُهُ فَجَعَلَ عَلَيْهِ دَوَاءً أَوْ عِلْكًا فَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ نَزْعُهُ مَسَحَ عَلَيْهِ وَإِنْ ضَرَّهُ الْمَسْحُ تَرَكَهُ وَشُقُوقُ أَعْضَائِهِ يَمُرُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا مَسَحَ عَلَيْهَا إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا تَرَكَهُ وَغَسَلَ مَا حَوْلَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (فَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ بَطَلَ) أَيْ إنْ سَقَطَتْ الْجَبِيرَةُ عَنْ بُرْءٍ بَطَلَ الْمَسْحُ لِزَوَالِ الْعُذْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخُفَّ عَلَى الصَّحِيحَةِ لَا غَيْرُ فَإِنْ لَبِسَ عَلَى الْجَرِيحَةِ أَيْضًا بَعْدَمَا مَسَحَ عَلَى جَبِيرَتِهَا فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهَا كَغَسْلِ مَا تَحْتَهَا اهـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاسْتِيعَابُ؟ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاسْتِيعَابُ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى الْأَكْثَرِ جَازَ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى النِّصْفِ وَمَا دُونَهُ لَا يَجُوزُ وَبَعْضُهُمْ شَرَطَ الِاسْتِيعَابَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. . (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْخُفِّ) أَيْ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ قَالَ كُسِرَتْ) صَوَابُهُ كُسِرَ أَحَدُ زَنْدَيْ؛ لِأَنَّ الزَّنْدَ مُذَكَّرٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ اهـ. الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «انْكَسَرَ أَحَدُ زَنْدَيْ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ» يَرْوِيهِ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ وَلَا يَصِحُّ. اهـ. عَبْدُ الْحَقِّ. (قَوْلُهُ: يَوْمَ أُحُدٍ) فِي الْمُغْرِبِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَالزَّنْدَانِ عَظْمَا السَّاعِدِ. (قَوْلُهُ: فَأَمَرَنِي) وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِوَاجِبٍ) أَيْ بَلْ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ قَائِمٌ مَقَامَ الْغَسْلِ وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَكَذَا بَدَلُهُ فَأَمَرَ عَلِيٌّ بِهِ لِلِاسْتِحْبَابِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ) لِأَنَّ غَسْلَ هَذَا الْعُضْوِ كَانَ وَاجِبًا، ثُمَّ تَعَذَّرَ فَيَجِبُ بَدَلُهُ كَالتَّيَمُّمِ إذَا تَعَذَّرَ الْوُضُوءُ وَلَا قَرِينَةَ لِلِاسْتِحْبَابِ فَيُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ. اهـ. يَحْيَى قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّجْرِيدِ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَقَوْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا لَمْ يَشْتَهِرْ شُهْرَةً نَقِيضُهُ عَنْهُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَعْنَى مَا قِيلَ أَنَّ عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَشَرْحِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ عَلَى رَأْسِهِ وَبَعْضُهُ صَحِيحٌ فَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ قَدْرَ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ وَهُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ هَذَا الْقَدْرُ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الرَّأْسِ صَحِيحٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ بِمَنْزِلَةٍ وَيَمْسَحُ عَلَى الْجَبَائِرِ. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْقُرْحَةِ يَضُرُّهُ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَضُرَّهُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: الْخِلَافُ فِي الْمَجْرُوحِ) لِأَنَّ الْغَسْلَ يَضُرُّ الْجِرَاحَةَ دُونَ الْكَسْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَكْسُورِ يَجِبُ) وَكَأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْمَسْحِ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْمَكْسُورِ اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَيَمْسَحُ عَلَى كُلِّ الْعِصَابَةِ) قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ لَوْ كَانَ الْمَسْحُ يَضُرُّ بِالْمَاسِحِ سَقَطَ بِالِاتِّفَاقِ لِلْحَرَجِ وَقِيلَ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ سَقَطَ لِلْعُذْرِ وَالْمَسْحُ أَوْلَى وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْغَسْلُ سَقَطَ إلَى خَلْفٍ بِخِلَافِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَانَ يَضُرُّهُ نَزْعُهَا وَغَسْلُ مَا تَحْتَهَا) وَإِنْ لَمْ يَضُرَّاهُ غَسْلُ مَا حَوْلَهَا وَمَسْحُهَا نَفْسِهَا وَإِنْ ضَرَّهُ الْمَسْحُ لَا الْحَلُّ يَمْسَحُ عَلَى الْخِرْقَةِ الَّتِي عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ وَيَغْسِلُ مَا حَوْلَهَا تَحْتَ الْخِرْقَةِ الزَّائِدَةِ إذْ الثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلَمْ أَرَ لَهُمْ مَا إذَا ضَرَّهُ الْحَلُّ لَا الْمَسْحُ لِظُهُورِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْسَحُ عَلَى الْكُلِّ. اهـ. كَمَالٌ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحَلِّ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان لَا يَقْدِرُ عَلَى رَبْطِهَا بِنَفْسِهِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَرْبِطُهَا. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْحَسَنُ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْأَكْثَرِ كَافٍ) قَالَ فِي الْكَافِي وَيَكْتَفِي بِالْمَسْحِ عَلَى أَكْثَرِهَا فِي الصَّحِيحِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى إفْسَادِ الْجِرَاحَةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ بَطَلَ) فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ اسْتَقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ غَسْلَ مَا تَحْتَهَا وَاجِبٌ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ شُرُوعَهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَصِحَّ فَيَسْتَقْبِلُهَا كَافِي وَفِي الْمُجْتَبَى

[باب الحيض]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السُّقُوطُ عَنْ بُرْءٍ لَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ لِقِيَامِ الْعُذْرِ الْمُبِيحِ لِلْمَسْحِ، ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ يُخَالِفُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْجَبِيرَةَ لَا يُشْتَرَطُ شَدُّهَا عَلَى وُضُوءٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ. ثَانِيهَا: أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ. ثَالِثُهَا أَنَّ الْجَبِيرَةَ إذَا سَقَطَتْ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ لَا يُنْتَقَضُ الْمَسْحُ بِخِلَافِ الْخُفِّ. رَابِعُهَا: إذَا سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إذَا كَانَ عَلَى وُضُوءٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ الْأُخْرَى. خَامِسُهَا: أَنَّ الْجَبِيرَةَ يَسْتَوِي فِيهَا الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ وَالْأَصْغَرُ بِخِلَافِ الْخُفِّ. سَادِسُهَا: أَنَّ الْجَبِيرَةَ يَجِبُ اسْتِيعَابُهَا فِي الْمَسْحِ فِي رِوَايَةٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى) (النِّيَّةِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَالرَّأْسِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْغَسْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَفِيهِ نَظَرٌ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لِلْعَتَّابِيِّ يَشْتَرِطُ النِّيَّةَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَجَعَلَهُ كَالتَّيَمُّمِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَلٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ بِالْمَاءِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَالْوُضُوءِ؛ وَلِأَنَّهُ بَعْضُ الْوُضُوءِ فَصَارَ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْجَبِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْحَيْضِ) الْحَيْضُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ السَّيَلَانِ يُقَالُ حَاضَ السَّيْلُ وَالْوَادِي وَحَاضَتْ الْأَرْنَبُ وَحَاضَتْ الشَّجَرَةُ إذَا سَالَ مِنْهَا الصَّمْغُ الْأَحْمَرُ، وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ (هُوَ دَمٌ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ سَلِيمَةٍ عَنْ دَاءٍ وَصِغَرٍ) وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ رَحِمُ امْرَأَةٍ عَنْ الرُّعَافِ وَالدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ وَدَمِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَإِنَّهَا دَمُ عِرْقٍ لَا دَمُ رَحِمٍ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ سَلِيمَةٍ عَنْ دَاءٍ عَنْ دَمِ النِّفَاسِ فَإِنَّ النُّفَسَاءَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضَةِ حَتَّى اعْتَبَرَ تَبَرُّعَاتِهَا مِنْ الثُّلُثِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَصِغَرٍ عَنْ دَمٍ تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي الشَّرْعِ وَفِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ، فَإِنَّ مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ اسْتِحَاضَةٌ وَلَيْسَ بِدَمِ رَحِمٍ ظَاهِرًا فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ وَقِيلَ سَيَلَانُ دَمٍ مِنْ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي تَصِيرُ الْمَرْأَةُ بَالِغَةً بِابْتِدَائِهِ قَالَهُ الْكَرْخِيُّ، ثُمَّ الدِّمَاءُ ثَلَاثَةٌ حَيْضٌ وَاسْتِحَاضَةٌ وَنِفَاسٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمٌ عَلَى مَا يَأْتِي. قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُذْكَرْ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ إذَا بَرِئَ مَوْضِعُ الْجَبَائِرِ وَلَمْ تَسْقُطْ مَا حُكْمُهُ وَفِي شَرْحِ الصِّلَاتِ لَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ اهـ قَالَ فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْهَا فَبَدَّلَهَا بِأُخْرَى فَالْأَحْسَنُ إعَادَةُ الْمَسْحِ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَثْلِيثُ مَسْحِ الْجَبَائِرِ بَلْ يَكْفِي مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ) سَابِعُهَا إذَا مَسَحَهَا، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهَا أُخْرَى أَوْ عِصَابَةً جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْفَوْقَانِيِّ ثَامِنُهَا مَسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ فِي الرِّجْلَيْنِ، ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ مَسَحَ عَلَيْهِمَا تَاسِعُهَا إذَا دَخَلَ الْمَاءُ تَحْتَ الْجَبَائِرِ أَوْ الْعِصَابَةِ لَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ عَاشِرُهَا أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَيُسَنُّ التَّثْلِيثُ عِنْدَ الْبَعْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّأْسِ حَادِيَ عَشَرَهَا إذَا زَالَتْ الْعِصَابَةُ الْفَوْقَانِيَّةُ الَّتِي مَسَحَ عَلَيْهَا وَاسْتَغْنَى عَنْهَا لَا يُعِيدُ الْمَسْحَ عَلَى التَّحْتَانِيَّةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. ثَانِيَ عَشَرَهَا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ كَالْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ أَوْ الرِّجْلِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْخُفِّ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ اعْلَمْ أَنَّ الزَّاهِدَيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ عَشْرَ مَسَائِلَ يُخَالِفُ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ فِيهَا الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَكِنَّهُ فَاتَهُ مَسْأَلَتَانِ وَهُمَا الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْمَسَائِلُ اثْنَيْ عَشَرَ وَهَا أَنَا قَدْ سُقْت لَك الْمَسَائِلَ الَّتِي زَادَهَا الزَّاهِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى النِّيَّةِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَالرَّأْسِ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ وَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِخِلَافِ مَسْحِ الرَّأْسِ وَمَسْحِ الْجَبَائِرِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) وَجْهُ النَّظَرِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ) أَيْ وَهُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ: كَالْوُضُوءِ) وَالْمَسْحِ عَلَى الرَّأْسِ. [بَابُ الْحَيْضِ] (بَابُ الْحَيْضِ) (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: هُوَ دَمٌ) هَذَا التَّعْرِيفُ عَزَاهُ الْكَاكِيُّ إلَى الْفَضْلِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ يَنْفُضُهُ) أَيْ يَسْكُبُهُ وَيَدْفَعُهُ. اهـ. ع قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَخُرُوجُهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ بَاطِنِ الْفَرْجِ إلَى ظَاهِرِهِ لَا يَثْبُتُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالِاسْتِحَاضَةُ إلَّا بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ كَذَلِكَ، فَأَمَّا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فَإِنَّهُمَا يَثْبُتَانِ إذَا أَحَسَّتْ بِنُزُولِ الدَّمِ وَإِنْ لَمْ يَبْرُزْ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ لَهُمَا أَعْنِي الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ وَقْتًا مَعْلُومًا فَيَحْصُلُ بِهِمَا الْمَعْرِفَةُ بِالْإِحْسَاسِ وَلَا كَذَلِكَ الِاسْتِحَاضَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَقْتَ لَهَا يُعْلَمُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ لِيُعْلَمَ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنَّ فُلَانَةَ تَدْعُو بِالْمِصْبَاحِ لَيْلًا فَتَنْتَظِرُ إلَيْهَا قَالَتْ عَائِشَةُ «كُنَّا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَتَكَلَّفُ لِذَلِكَ إلَّا بِالْمَسِّ» وَالْمَسُّ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ وَالْفَتْوَى عَلَى الرِّوَايَةِ قَالَهُ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: سَلِيمَةٍ) عَنْ دَمِ الْجُرْحِ مِنْ جِرَاحَةٍ أَوْ دُمَّلٍ فِي الرَّحِمِ (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ)؛ لِأَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ لَا رَحِمٍ وَأَيْضًا يَتَكَرَّرُ إخْرَاجُ الِاسْتِحَاضَةِ؛ لِأَنَّ السَّلِيمَةَ مِنْ الدَّاءِ تُخْرِجُهُ كَمَا يُخْرِجُهُ الْأَوَّلُ وَتَعْرِيفُهُ بِلَا اسْتِدْرَاكِ وَلَا تَكَرُّرِ دَمٍ مِنْ الرَّحِمِ لَا لِوِلَادَةٍ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ الْقُبُلُ أَيْ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْوِلَادَةِ. اهـ. مِسْكِينٌ. (قَوْلُهُ: فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَدًّا اهـ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الدِّمَاءُ ثَلَاثَةٌ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَقَدْ جَعَلَهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَالدَّمُ الضَّائِعُ قَالُوا: وَالدَّمُ الضَّائِعُ مَا تَرَاهُ

[مدة الحيض]

- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) أَيْ وَأَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِحَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ»، ثُمَّ هُوَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَمَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ اللَّيَالِي وَهُوَ لَيْلَتَانِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَثَلَاثُ لَيَالٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ) لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَقْدِيرِ الْأَقَلِّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْأَكْثَرِ بَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي تَقْدِيرِ الْأَقَلِّ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ بِسَاعَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا نَقَصَ) مِنْ ذَلِكَ (أَوْ زَادَ اسْتِحَاضَةٌ) لِحَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْحَيْضُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسَةٌ وَسِتَّةٌ وَسَبْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَتِسْعَةٌ فَإِذَا جَاوَزَتْ الْعَشَرَةَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ»؛ وَلِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ يَمْنَعُ إلْحَاقَ غَيْرِهِ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا سِوَى الْبَيَاضِ الْخَالِصِ حَيْضٌ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ. وَالدُّرْجَةُ بِضَمِّ الدَّالِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ خِرْقَةٌ أَوْ قُطْنَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ تُدْخِلُهَا الْمَرْأَةُ فِي فَرْجِهَا لِتَعْرِفَ هَلْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ أَثَرِ الْحَيْضِ أَمْ لَا وَالْقَصَّةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ الْجَصَّةُ شَبَّهَتْ الرُّطُوبَةَ الصَّافِيَةَ بَعْدَ الْحَيْضِ بِالْجَصِّ، ثُمَّ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ تَخْرُجَ الْخِرْقَةُ أَوْ الْقُطْنَةُ كَأَنَّهَا قَصَّةٌ لَا يُخَالِطُهَا صُفْرَةٌ وَلَا غَيْرُهَا مِنْ الْأَلْوَانِ، وَقِيلَ الْقَصَّةُ شَيْءٌ يُشْبِهُ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ يَخْرُجُ مِنْ قُبُلِ النِّسَاءِ فِي آخِرِ أَيَّامِهِنَّ يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى طُهْرِهِنَّ، وَقِيلَ: هُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الْحَيْضِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْكُدْرَةُ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ لَا تَكُونُ حَيْضًا وَفِي آخِرِهِ حَيْضٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الرَّحِمِ لَتَأَخَّرَ خُرُوجُ الْكُدْرَةِ عَنْ الصَّافِي وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ أَثَرُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَمِثْلُهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا وَفَمُ الرَّحِمِ مَنْكُوسٌ فَتَخْرُجُ الْكُدْرَةُ أَوَّلًا كَالْجَرَّةِ إذَا ثُقِبَ أَسْفَلُهَا وَجَمِيعُ أَلْوَانِ الدَّمِ مِنْ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ وَالْخُضْرَةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ وَفِي الْمُفِيدِ مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ الْخُضْرَةَ فَقَالَ لَعَلَّهَا أَكَلَتْ قَصِيلًا اسْتِبْعَادًا لَهَا قُلْنَا هِيَ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ وَلَعَلَّهَا أَكَلَتْ نَوْعًا مِنْ الْبُقُولِ، وَالتُّرْبِيَّةُ وَيُقَالُ لَهَا التُّرَابِيَّةُ حَيْضٌ فِي الصَّحِيحِ وَهِيَ مَا يَكُونُ لَوْنُهَا عَلَى لَوْنِ التُّرَابِ وَالتُّرَابِيَّةُ حَيْضٌ وَهِيَ الشَّيْءُ الْخَفِيُّ الْيَسِيرُ مِنْ الرُّطُوبَةِ تَظْهَرُ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ وَلَا تَعْدُو مَحِلَّهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَهَا فَرْجَانِ دَاخِلٌ وَخَارِجٌ فَالدَّاخِلُ بِمَنْزِلَةِ الدُّبُرِ وَالْخَارِجُ بِمَنْزِلَةِ الْأَلْيَتَيْنِ فَإِذَا وَضَعَتْ الْكُرْسُفَ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ فَابْتَلَّ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ مِنْهُ كَانَ حَدَثًا وَحَيْضًا وَنِفَاسًا وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ إلَى الْخَارِجِ لِوُجُودِ الظُّهُورِ وَإِنْ وَضَعَتْهُ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ فَابْتَلَّ مِنْهُ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ وَقْتِ الْبُلُوغِ وَإِنَّمَا سَمَّوْهُ ضَائِعًا لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الِاسْتِحَاضَةِ مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ يُفْسِدُ دَمَ الْحَيْضِ بِالتَّشَوُّتِ وَهَذَا الدَّمُ لَا يُفْسِدُهُ حَتَّى أَنَّ الْمُرَاهِقَةَ إذَا رَأَتْ قَبْلَ تَمَامِ تِسْعِ سِنِينَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَعَقِيبَهَا بَعْدَ تَمَامِ التِّسْعِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ وَطَهُرَتْ طُهْرًا صَحِيحًا كَانَتْ الثَّمَانِيَةُ عَادَةً لَهَا بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ لَفَسَدَ بِهَا الثَّمَانِيَةُ. قَالَ مَوْلَانَا سَلَّمَهُ اللَّهُ وَلَا فِقْهَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ جَعَلُوا الِاسْتِحَاضَةَ قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يُفْسِدُ دَمَ الْحَيْضِ وَيُفِيدُ أَحْكَامَهَا إذَا صَادَفَتْهُ الْأَهْلُ فِي وَقْتِهَا وَقِسْمٌ لَا يُفْسِدُهُ وَلَا يُفِيدُ أَحْكَامَهَا كَدَمِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَعْتُوهَةِ وَالْمَجْنُونَةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ اهـ قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ - أَيْ الدَّمُ - الَّذِي رَأَتْهُ قَبْلَ التِّسْعَةِ وَقَوْلُهُ: لَفَسَدَ بِهَا الثَّمَانِيَةُ يَعْنِي لِثُبُوتِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ إذَا قَذَفَ شَيْئًا أَحْمَرَ يُشْبِهُ الدَّمَ. اهـ. غَايَةٌ. [مُدَّة الْحَيْض] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ) وَفِي الْمُجْتَبَى ذِكْرُ الْأَيَّامِ يَسْتَتْبِعُ اللَّيَالِي كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ حَلَفَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا يُكَلِّمُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُقَرِّرُهُ قِصَّةُ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (قَوْلُهُ: وَأَكْثَرُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ) فَالْكَثْرَةُ بِالثُّلُثَيْنِ وَقِيلَ بِثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ. اهـ. زَاهِدِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَثَمَانِيَةٌ وَتِسْعَةٌ) أَيْ وَعَشَرَةٌ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ) فِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ حَتَّى تَرَيْنَ كَالْقَصَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالدُّرْجَةُ) قَالَ الشُّمُنِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْكُرْسُفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْقُطْنُ وَالدُّرْجَةُ بِضَمِّ الدَّالِ حُقٌّ تَضَعُ الْمَرْأَةُ فِيهِ طِيبًا وَنَحْوَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: خِرْقَةٌ) هَذَا إنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ لِلْكُرْسُفِ لَا لِلدُّرْجَةِ، وَأَمَّا الدُّرْجَةُ فَهِيَ الشَّيْءُ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الْكُرْسُفُ فَتَفَطَّنَ. اهـ. كَاتِبُهُ. (قَوْلُهُ: هُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الْحَيْضِ) ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَيَاضِ وَقْتُ الرُّؤْيَةِ فَلَوْ رَأَتْهُ أَبْيَضَ خَالِصًا إلَّا أَنَّهُ إذَا يَبِسَ اصْفَرَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيَاضِ أَوْ أَصْفَرَ وَلَوْ يَبِسَ ابْيَضَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصُّفْرَةِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: فَتَخْرُجُ الْكُدْرَةُ أَوَّلًا، ثُمَّ الصَّافِي) وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ الْكُدْرَةُ حَيْضًا إذَا تَأَخَّرَتْ عَنْ الصَّافِي لَكِنَّا تَرَكْنَاهُ إجْمَاعًا. اهـ. كَافِي وَضَعَتْ الْكُرْسُفَ فِي اللَّيْلِ وَنَامَتْ فَلَمَّا أَصْبَحَتْ نَظَرَتْ فِيهِ فَرَأَتْ الْبَيَاضَ الْخَالِصَ تَقْضِي الْعِشَاءَ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ مِنْ حِينِ وَضَعَتْهُ وَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَوَضَعَتْ الْكُرْسُفَ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ فَوَجَدَتْ الْبِلَّةَ عَلَيْهِ تُجْعَلُ حَائِضًا بَعْدَ الصُّبْحِ فَتَقْضِي الْعِشَاءَ إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَّتْ أَخْذًا بِالْيَقِينِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ لَعَلَّهَا) الْقَائِلُ هُوَ نَصْرُ بْنُ سَلَّامٍ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الرَّازِيّ، وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ تَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْغِذَاءِ. (قَوْلُهُ: هِيَ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ) وَالْجَوَابُ فِيهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ. اهـ. قَارِئٌ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَالتُّرَبِيَّةُ) مَنْسُوبٌ إلَى التُّرَبِ بِمَعْنَى التُّرَابِ اهـ (قَوْلُهُ: عَلَى لَوْنِ التُّرَابِ) أَيْ وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ اهـ

إنْ كَانَ عَالِيًا عَلَى خَرْقِ الْفَرْجِ أَوْ مُحَاذِيًا لَهُ فَهُوَ حَدَثٌ وَحَيْضٌ وَنِفَاسٌ وَإِنْ كَانَ مُتَسَفِّلًا فَلَا حَتَّى تَنْفُذَ الْبِلَّةُ إلَى الْخَارِجِ لِعَدَمِ الظُّهُورِ وَإِنْ سَقَطَ الْكُرْسُفُ فَهُوَ حَيْضٌ وَنِفَاسٌ وَحَدَثٌ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَمْنَعُ صَلَاةً وَصَوْمًا) أَيْ الْحَيْضُ يَمْنَعُ صَلَاةً وَصَوْمًا لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَقْضِيهِ دُونَهَا) أَيْ تَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ قَالَتْ سَأَلْت عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقُلْت مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ قُلْت لَسْت بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ قَالَتْ «كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ؛ وَلِأَنَّ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ حَرَجًا لِتَكَرُّرِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَتَكْرَارُ الْحَيْضِ فِي كُلِّ شَهْرٍ بِخِلَافِ الصَّوْمِ حَيْثُ يَجِبُ فِي السَّنَةِ شَهْرًا وَاحِدًا وَالْمَرْأَةُ لَا تَحِيضُ عَادَةً فِي الشَّهْرِ إلَّا مَرَّةً فَلَا حَرَجَ، وَكَذَا فِي النِّفَاسِ لَا تَقْضِي الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْحَيْضِ لِطُولِهِ فَيَلْحَقُهَا الْحَرَجُ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ دُونَ الصَّوْمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدُخُولَ مَسْجِدٍ وَالطَّوَافَ) أَيْ يَمْنَعُ الْحَيْضُ دُخُولَ الْمَسْجِدِ، وَكَذَا الْجَنَابَةُ تَمْنَعُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ عَلَى وَجْهِ الْعُبُورِ وَالْمُرُورِ دُونَ اللُّبْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43]، ثُمَّ قَالَ {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] مَعْنَاهُ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ إذْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ عُبُورُ سَبِيلٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَوْضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ اللُّبْثُ فِيهِ إجْمَاعًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الدُّخُولُ فِيهِ كَالْحَائِضِ لِعِلَّةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَجِسٌ حُكْمًا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُمَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ إمَامَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ قَالَ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ مَعْنَى الْآيَةِ وَلَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ جُنُبٌ إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ أَيْ مُسَافِرِينَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ الْمُرَادُ بِعَابِرِي السَّبِيلِ الْمُسَافِرُونَ إذَا لَمْ يَجِدُوا الْمَاءَ يَتَيَمَّمُونَ وَيُصَلُّونَ بِهِ، وَقَوْلُهُ مَعْنَاهُ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ قُلْنَا هَذَا مَجَازٌ وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ وَحَذْفُ الْمُضَافِ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ اللَّبْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا لَا عِنْدَ اللَّبْسِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ جَاءَنِي زَيْدٌ وَأَنْتَ تُرِيدُ غُلَامَ زَيْدٍ لِمَا قُلْنَا؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] لَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا حَقِيقَةُ الصَّلَاةِ لَا مَوَاضِعُهَا إذْ لَا مَنْعَ مِنْ قُرْبَانِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ فِي الصَّحْرَاءِ إجْمَاعًا عَلِمُوا مَا يَقُولُونَ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا، وَقَوْلُهُ وَلَا جُنُبًا عَطْفٌ عَلَيْهِ أَيْ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ جُنُبًا فَكَانَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ قُرْبَانِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْجَنَابَةِ حَتَّى يَغْتَسِلُوا كَمَا نَهَاهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَعْلَمُوا مَا يَقُولُونَ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ عُبُورُ سَبِيلٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَوَاضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ قُلْنَا عُبُورُ السَّبِيلِ هُوَ السَّفَرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَفِي الصَّلَاةِ بِاعْتِبَارِهِ عُبُورَ سَبِيلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَهُوَ حَدَثٌ) أَيْ لِظُهُورِ الْبِلَّةِ وَعَلَى هَذَا إذَا حَشَى الرَّجُلُ إحْلِيلَهُ بِقُطْنَةٍ فَابْتَلَّ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ مِنْ الْقُطْنَةِ لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ وَإِنْ نَفَذَتْ الْبَلَّةُ إلَى الْجَانِبِ الْخَارِجِ نَظَرَ فَإِنْ كَانَتْ الْقُطْنَةُ عَالِيَةً أَوْ مُحَاذِيَةً لِرَأْسِ الْإِحْلِيلِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَسَفِّلَةً لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ عَالِيًا) أَيْ خَارِجًا عَنْهُ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَمْنَعُ صَلَاةً وَصَوْمًا) هَذَا بَيَانُ أَحْكَامِهِ وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ: ثَمَانِيَةٌ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ، وَأَرْبَعَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْحَيْضِ فَأَمَّا الْمُشْتَرَكَةُ فَتَرْكُ الصَّلَاةِ لَا إلَى قَضَاءٍ وَتَرْكُ الصَّوْمِ إلَى قَضَاءٍ وَحُرْمَةُ الدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ وَحُرْمَةُ الطَّوَافِ وَحُرْمَةُ الْقِرَاءَةِ وَحُرْمَةُ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَحُرْمَةُ جِمَاعِهَا وَالثَّامِنُ وُجُوبُ الْغُسْلِ، وَأَمَّا الْمُخْتَصَّةُ فَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءُ وَالْحُكْمُ بِبُلُوغِهَا وَالْفَصْلُ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ لَا يُقَالُ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الصَّوْمُ مَعَ الْحَيْضِ كَمَا يَجُوزُ مَعَ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَفُّ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثَةِ فِي الْجَنَابَةِ مَوْجُودٌ فَيَجُوزُ الصَّوْمُ وَفِي الْحَيْضِ الْكَفُّ عَنْهَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ لَا يُوجَدُ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْ الْجِمَاعِ فِيهِ لِأَجْلِ الْحَيْضِ لَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ صَوْمُهَا. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: أَحَرُورِيَّةٌ) قَالَ فِي الْمَنْبَعِ وَإِنَّمَا قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؛ لِأَنَّ الْخَوَارِجَ يَرَوْنَ قَضَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَائِضِ عَلَى خِلَافِ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ سَلَفًا وَخَلَفًا وَقِيلَ كَانَ سُؤَالُهَا سُؤَالَ تَعَنُّتٍ اهـ مَنْسُوبَةٌ إلَى حَرُورَا قَرْيَةٍ بِالْكُوفَةِ بِهَا أَوَّلُ اجْتِمَاعِ الْخَوَارِجِ وَقَدْ تَعَمَّقُوا فِي أَمْرِ الدِّينِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْهُ فَمَنْ تَعَمَّقَ فِي السُّؤَالِ نُسِبَ إلَيْهِمْ وَكَأَنَّهُ خَارِجِيٌّ فَيُنْسَبُ إلَى قَرْيَتِهِمْ (قَوْلُهُ: بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. اهـ. مَنْبَعٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدُخُولُ مَسْجِدٍ وَالطَّوَافُ) فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ حَرَامًا فَالطَّوَافُ أَوْلَى فَمَا الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِهِ قُلْت لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهَا الْوُقُوفُ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَأَنْ يَجُوزَ الطَّوَافُ أَوْلَى اهـ عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ) فَإِنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ تَيَمَّمَ وَدَخَلَ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَإِنْ نَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَجْنَبَ قِيلَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يَتَيَمَّمَ وَقِيلَ يُبَاحُ. اهـ. اخْتِيَارٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ «وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَصْنَعْ الْقَوْمُ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ يُنْزِلَ لَهُمْ رُخْصَةً فَخَرَجَ إلَيْهِمْ بَعْدُ فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» اهـ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَفْلَتَ بْنِ خَلِيفَةَ وَيُقَالُ فُلَيْتٌ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ إسْنَادِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُصَلُّونَ بِهِ) كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ غَيْرَ مُغْتَسِلِينَ حَتَّى تَغْتَسِلُوا إلَّا أَنْ تَكُونُوا مُسَافِرِينَ. اهـ. كَاكِيٌّ

فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ وَقِيلَ إلَّا بِمَعْنَى وَلَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: 92] أَيْ وَلَا خَطَأً وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ أَيْضًا الطَّوَافَ، وَكَذَا الْجَنَابَةُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ صَلَاةٌ هَكَذَا عَلَّلُوا فِيهِ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ مَسْجِدٌ يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا الطَّوَافُ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْجَابِرُ لِدُخُولِ النَّقْصِ فِي الطَّوَافِ لَا لِدُخُولِهِمَا الْمَسْجِدَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقُرْبَانَ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ) أَيْ وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ قُرْبَانَ زَوْجِهَا مَا تَحْتَ إزَارِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَتَحْرُمُ الْمُبَاشَرَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهَا بِمَا دُونَ الْفَرْجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] وَالْمَحِيضُ هُوَ مَوْضِعُ الْحَيْضِ وَهُوَ الْفَرْجُ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اصْنَعُوا مَا شِئْتُمْ إلَّا الْجِمَاعَ» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِلَّذِي سَأَلَهُ عَمَّا يَحِلُّ لَهُ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ، لَك مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ «شُدِّي عَلَيْك إزَارَك» إذْ لَوْ كَانَ الْمَمْنُوعُ مَوْضِعَ الدَّمِ لَا غَيْرَ لَمْ يَكُنْ لِشَدِّ الْإِزَارِ مَعْنًى فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْحَيْضِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يَعُودُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الدَّمُ أَسْوَدَ يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ وَكُلُّ ذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ) أَيْ يَمْنَعُ الْحَيْضُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَكَذَا الْجَنَابَةُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْآيَةِ وَمَا دُونَهَا فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ يُبَاحُ لَهُمَا قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ وَيُكْرَهُ لَهُمَا قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا مَا بُدِّلَ مِنْهَا هَذَا إذَا قَرَأَهُ عَلَى قَصْدِ التِّلَاوَةِ، وَأَمَّا إذَا قَرَأَهُ عَلَى قَصْدِ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ نَحْوَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] أَوْ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] أَوْ عَلَّمَ الْقُرْآنَ حَرْفًا حَرْفًا فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَلَا تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُنُوتِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَرِهَهَا مُحَمَّدٌ لِشَبَهِهِ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّ أُبَيًّا كَتَبَهُ فِي مُصْحَفِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَسَّهُ إلَّا بِغِلَافِهِ) أَيْ مَسُّ الْقُرْآنِ يَمْنَعُهُ الْحَيْضُ أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ إلَّا طَاهِرٌ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنَعَ الْحَدَثُ الْمَسَّ أَيْ مَسَّ الْقُرْآنِ لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ) (وَمَنَعَهُمَا الْجَنَابَةُ وَالنِّفَاسُ) أَيْ مَنَعَ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالْمَسِّ الْجَنَابَةُ وَالنِّفَاسُ لِمَا بَيَّنَّا وَالنِّفَاسُ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالْحَيْضِ وَغِلَافُهُ مَا يَكُونُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ دُونَ مَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِهِ فِي الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ مَسُّ الْجِلْدِ الْمُتَّصِلِ بِهِ وَمَسُّ حَوَاشِي الْمُصْحَفِ وَالْبَيَاضِ الَّذِي لَا كِتَابَةَ عَلَيْهِ. وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمُصْحَفِ وَيُكْرَهُ مَسُّ الدِّرْهَمِ وَاللَّوْحِ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ وَمَا عَلَّلَ بِهِ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنَّهَا إنَّمَا تَمْتَنِعُ لِلْحَاجَةِ إلَى الدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ فَضَعِيفٌ فَإِنَّهَا وَإِنْ طَافَتْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ مَعَ جَوَازِهِ لِلطَّاهِرِ لِمَا أَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ كَالصَّلَاةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ». اهـ. . (قَوْلُهُ: مَا تَحْتَ إزَارِهَا) أَيْ وَهُوَ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْحَيْضِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ) أَيْ لِوُرُودِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَتْ حِضْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ حَرُمَ وَطْؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. مِعْرَاجٌ وَلَوْ وَطِئَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى التَّوْبَةِ. اهـ. مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ ذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ لَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْآيَةِ وَمَا دُونَهَا) هُوَ الصَّحِيحُ قَالَهُ الْكَاكِيُّ مُعَزِّيًا إلَى التَّجْنِيسِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ يُبَاحُ لَهُمَا قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ) ذَكَرَ نَجْمُ الدِّينِ الزَّاهِدُ أَنَّهُ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْأَكْثَرَ، وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ لَا يُعَدُّ بِهَا قَارِئًا قَالَ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ» فَكَمَا لَا يُعَدُّ قَارِئًا بِمَا دُونَ الْآيَةِ حَتَّى لَا تَصِحَّ بِهَا الصَّلَاةُ كَذَا لَا يُعَدُّ بِهَا قَارِئًا فَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقَالُوا إذَا حَاضَتْ الْمُعَلِّمَةُ تُعَلِّمُ كَلِمَةً كَلِمَةً وَتَقْطَعُ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ وَعَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ نِصْفَ آيَةٍ نِصْفَ آيَةٍ اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا قَرَأَهُ عَلَى قَصْدِ الذِّكْرِ) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْعُيُونِ لَوْ قَرَأَ الْجُنُبَ الْفَاتِحَةَ عَلَى سَبِيلِ الدُّعَاءِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا شَيْئًا مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ، ثُمَّ قَالَ الْكَاكِيُّ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ، قَالَ الْهِنْدَاوِيُّ لَا أُفْتِي بِهَذَا الذِّكْرِ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. كَاكِيٌّ وَلَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ وَيُعَاوِدَ أَهْلَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ «أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ.» وَلَهُ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً» وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِي النَّوْمِ ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَغْسِلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ حَلَّتْ الْفَمَ فَلَوْ شَرِبَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا فَيَصِيرُ شَارِبًا الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ. اهـ. بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنَعَ الْحَدَثُ الْمَسَّ) يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ الَّذِي يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ تَقْلِيبُ الْأَوْرَاقِ بِقَلَمٍ أَوْ سِكِّينٍ. اهـ. قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ كَانَ مَسُّهَا بِالْقَلَمِ وَهُوَ وَاسِطَةٌ مُنْفَصِلَةٌ فَكَانَ كَثَوْبٍ مُنْفَصِلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَمَسُّهُ بِيَدِهِ وَقَالَ لِي بَعْضُ الْإِخْوَانِ هَلْ يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِمِنْدِيلٍ هُوَ لَابِسُهُ عَلَى عُنُقِهِ قُلْت لَا أَعْلَمُ فِيهِ مَنْقُولًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِطَرَفِهِ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ

كَانَ فِيهِمَا كِتَابَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَيُكْرَهُ لَهُمْ أَنْ يَكْتُبُوا كِتَابًا فِيهِ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ يُكْتَبُ بِالْقَلَمِ وَهُوَ فِي يَدِهِ كَذَا فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا يَكْتُبُهُ وَإِنْ كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ مَا دُونَ الْآيَةِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَيُكْرَهُ لَهُمْ مَسُّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالسُّنَنِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا بَأْسَ بِمَسِّهَا بِالْكُمِّ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِالثِّيَابِ الَّتِي يَلْبَسُونَهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَدَنِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَثِيَابُهُ حَائِلَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَهُوَ لَابِسُهَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَامَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ أَوْ جَوْرَبَانِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ لِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ بِالْيَدِ وَكَرِهَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا دَفْعَ الْمُصْحَفِ وَاللَّوْحِ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ الْقُرْآنُ إلَى الصِّبْيَانِ وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ بِهِ بَأْسًا وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِمْ بِالْوُضُوءِ حَرَجًا بِهِمْ وَفِي تَأْخِيرِهِمْ إلَى الْبُلُوغِ تَقْلِيلُ حِفْظِ الْقُرْآنِ فَيُرَخَّصُ لِلضَّرُورَةِ وَلَوْ كَانَ رُقْيَةً فِي غِلَافٍ مُتَجَافٍ عَنْهُ لَمْ يُكْرَهْ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِهِ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِهِ أَفْضَلُ وَيُكْرَهُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ وَأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا يُفْرَشُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَكَذَا عَلَى الْمَحَارِيبِ وَالْجُدْرَانِ لِمَا يُخَافُ مِنْ سُقُوطِ الْكِتَابَةِ، وَكَذَا عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَيُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْمَخْرَجِ وَالْمُغْتَسَلِ وَالْحَمَّامِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِهَا فِي الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ عِنْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُوطَأُ بِلَا غُسْلٍ بِتَصَرُّمٍ لِأَكْثَرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بِتَخْفِيفِ الطَّاءِ جَعَلَ الطُّهْرَ غَايَةً لِلْحُرْمَةِ وَمَا بَعْدَ الْغَايَةِ يُخَالِفُ مَا قَبْلَهَا؛ وَلِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا لِمُضِيِّ الْعَشَرَةِ انْقَطَعَ الدَّمُ أَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِأَقَلِّهِ لَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ) أَيْ إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ لِأَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ لَا تُوطَأُ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ كَامِلَةٍ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَدِرُّ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى فَلَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ إلَّا إذَا أَحْدَثَتْ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الطِّهَارَاتِ وَذَلِكَ بِالِاغْتِسَالِ لِجَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِهِ أَوْ مُضِيِّ الْوَقْتِ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي ذِمَّتِهَا وَهُمَا مِنْ أَحْكَامِهِنَّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ فِي الْحَالَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَجُوزَ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِاعْتِبَارِهِمْ إيَّاهُ فِي الْأَوَّلِ تَابِعًا لَهُ كَبَدَنِهِ دُونَ الثَّانِي قَالُوا فِيمَنْ صَلَّى وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ بِطَرَفِهَا نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ إنْ كَانَ أَلْقَاهُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ لَا يَجُوزُ، وَإِلَّا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِمَسِّهَا بِالْكُمِّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ بِكُمِّهِ أَوْ بِبَعْضِ ثِيَابِهِ؛ لِأَنَّ ثِيَابَهُ الَّتِي عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ بَدَنِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَقَامَ عَلَى النَّجَاسَةِ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ أَوْ جَوْرَبَانِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ وَلَوْ فَرَشَ نَعْلَيْهِ أَوْ جَوْرَبَيْهِ وَقَامَ عَلَيْهِمَا جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَابِسًا صَارَ كَبَعْضِ جَسَدِهِ وَلِهَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَنَّهُمْ يَفْرِشُونَ مَكَاعِبَهُمْ وَيَقُومُونَ عَلَى الْمَكَاعِبِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ الْجُنُبَ لَوْ أَخَذَ الْمُصْحَفَ بِكُمِّهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُكْرَهُ مَسُّهُ بِالْكُمِّ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ فِي الْمُحِيطِ كَرِهَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَسَّ الْمُصْحَفِ بِالْكُمِّ لِلْحَائِضِ وَقَالَ عَامَّتُهُمْ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ مُحَرَّمٌ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُبَاشَرَةِ بِالْيَدِ بِلَا حَائِلٍ وَلِهَذَا لَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْمَسِّ بِالْكُمِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ أَوْ جَوْرَبَانِ) أَمَّا لَوْ فَرَشَ نَعْلَيْهِ فَقَامَ عَلَيْهِمَا جَازَتْ صَلَاتُهُ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ كَاكِيٌّ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ النَّجَاسَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ نَجِسَةً فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ وَقَامَ عَلَى نَعْلَيْهِ جَازَ أَمَّا إذَا كَانَ النَّعْلُ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ طَاهِرًا فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ مِنْهُ نَجِسًا فَكَذَلِكَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ ذِي طَاقَيْنِ أَسْفَلُهُ نَجَسٌ وَقَامَ عَلَى الطَّاهِرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ بِالْمَسِّ بِالثِّيَابِ الَّتِي هُمْ لَابِسُوهَا. (قَوْلُهُ: إلَى الصِّبْيَانِ) أَيْ لِأَنَّ الدَّافِعَ مُكَلَّفٌ بِعَدَمِ الدَّفْعِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَدْفَعَ إلَيْهِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُلْبِسَ الصَّبِيَّ الْحَرِيرَ وَأَنْ لَا يَسْقِيَهُ الْخَمْرَ وَأَنْ لَا يُوَجِّهَهُ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ النَّهْيُ فِي الْقِرَاءَةِ بِالتَّشْدِيدِ اهـ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ نَقْلًا عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ التُّمُرْتَاشِيِّ لَا يَقْرَأُ جَهْرًا عِنْدَ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْأَعْمَالِ وَمِنْ حُرْمَةِ الْقُرْآنِ أَنْ لَا يُقْرَأَ فِي الْأَسْوَاقِ وَمَوَاضِعِ اللَّغْوِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ) أَيْ الْقُرْآنُ. (قَوْلُهُ: وَالْحَمَّامِ) أَيْ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ النَّجَاسَاتِ. اهـ. قَاضِيخَانْ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتُوطَأُ بِلَا غُسْلٍ بِتَصَرُّمٍ) أَيْ انْقِطَاعٍ. (قَوْلُهُ: فَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا) وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا قَبْلَ الِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ كَاَلَّتِي صَارَتْ جُنُبًا وَالْحُكْمُ فِيهَا هَكَذَا. اهـ. مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ: أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتٌ إلَى آخِرِهِ) فَإِذَا انْقَطَعَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ فِي وَقْتٍ مُهْمَلٍ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ قَبْلَ الْغُسْلِ إلَّا إذَا خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الَّذِي طَهُرَتْ فِيهِ أَوْ الْوَقْتُ الَّذِي يَلِي الْمُهْمَلَ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَ تَمَامِهَا لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ وَقْتُ الْمَكْتُوبَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ) أَيْ وَزُفَرُ وَالثَّلَاثَةُ. اهـ. ع قَالَ فِي الْمَنْبَعِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُجْتَبَى مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ دَمًا تَرَكَتْ الصَّلَاةَ كَمَا رَأَتْهُ عِنْدَ مَشَايِخِنَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ مَا لَمْ يَسْتَمِرَّ دَمُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مُتَيَقَّنَةٌ وَالْحَيْضُ مَشْكُوكٌ فِيهِ لِجَوَازِ انْقِطَاعِ دَمِهَا فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْحَيْضَ بِأَنَّهُ أَذًى وَقَدْ رَأَتْهُ فِي وَقْتِهِ فَلَا يَخْرُجُ الْمَرْئِيُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا بِتَوَهُّمِ انْقِطَاعِهِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ كَصَاحِبَةِ الْعَادَةِ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ بِنَفْسِ رُؤْيَةِ الدَّمِ مَعَ تَوَهُّمِ انْقِطَاعِهِ قَبْلَ الثَّلَاثِ فَكَذَا هَذَا اهـ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ لِأَنَّ الدَّمَ يَدِرُّ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى فَلَا بُدَّ مِنْ الِاغْتِسَالِ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ وَلَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ

{وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يَغْتَسِلْنَ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] وَهَذَا يَقْتَضِي قِيَامَ الْحَيْضِ بِهِنَّ فَصَارَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَطْءَ الْحَائِضِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِحَائِضٍ؛ وَلِأَنَّ الِاغْتِسَالَ إنَّمَا صَارَ غَايَةً لِلْحُرْمَةِ لِحِلِّ أَدَاءِ الصَّلَاةِ بَعْدَهُ وَأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيمَا إذَا مَضَى وَقْتُ الصَّلَاةِ لِوُجُوبِهَا فِي الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ دَلَالَةً؛ وَلِأَنَّهَا لَمَّا حَلَّ لَهَا الصَّلَاةُ عِنْدَهُمْ بِلَا اغْتِسَالٍ وَلَا تَيَمُّمٍ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ النَّظِيفِ فَلَأَنْ يَجُوزَ الْوَطْءُ أَوْلَى وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا تَلَى؛ لِأَنَّهَا قُرِئَتْ بِالتَّخْفِيفِ وَهَذَا يَقْتَضِي انْقِطَاعَ الدَّمِ لَا غَيْرُ، فَتَكُونُ قِرَاءَةُ التَّشْدِيدِ مَحْمُولَةً عَلَى مَا إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ وَالتَّخْفِيفُ عَلَى مَا إذَا انْقَطَعَ لِعَشَرَةٍ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَقَوْلُهُ أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ وَهُوَ مَا إذَا أَدْرَكَتْ مِنْ الْوَقْتِ بِقَدْرِ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّ زَمَانَ الِاغْتِسَالِ هُوَ زَمَانُ الْحَيْضِ فَلَا تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي ذِمَّتِهَا مَا لَمْ تُدْرِكْ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الْوَقْتِ وَلِهَذَا لَوْ طَهُرَتْ قُبَيْلَ الصُّبْحِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجْزِيهَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا صَلَاةُ الْعِشَاءِ فَكَأَنَّهَا أَصْبَحَتْ وَهِيَ حَائِضٌ وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا وَالنَّصْرَانِيَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَضَى عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ بِقَدْرِ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ حَلَّ وَطْؤُهَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا فَطَهُرَتْ حُكْمًا، وَلَوْ كَانَ انْقَطَعَ الدَّمُ دُونَ عَادَتِهَا فَوْقَ الثَّلَاثِ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ وَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ حَلَّ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ لِلنَّهْيِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالتَّشْدِيدِ اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَاصِلُهُ إمَّا أَنْ يَنْقَطِعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ أَوْ دُونَهَا لِتَمَامِ الْعَادَةِ أَوْ دُونَهَا فَفِي الْأَوَّلِ يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ وَفِي الثَّالِثِ لَا يَقْرَبُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ مَا لَمْ تَمْضِ عَادَتُهَا، وَفِي الثَّانِي إنْ اغْتَسَلَتْ أَوْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ يَعْنِي خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ حَتَّى صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا حَلَّ، وَإِلَّا لَا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ انْقِطَاعُ النِّفَاسِ إنْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ فِيهَا فَانْقَطَعَ دُونَهَا لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا بِالشَّرْطِ أَوْ لِتَمَامِهَا حَلَّ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ الَّذِي طَهُرَتْ فِيهِ أَوْ لِتَمَامِ الْأَرْبَعِينَ حَلَّ مُطْلَقًا. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ فِي الْآيَةِ قِرَاءَتَيْنِ يَطْهُرْنَ وَيَطَّهَّرْنَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَمُؤَدَّى الْأَوَّلِ انْتِهَاءُ الْحُرْمَةِ الْعَارِضَةِ عَلَى الْحِلِّ بِالِانْقِطَاعِ مُطْلَقًا وَإِذَا انْتَهَتْ الْحُرْمَةُ الْعَارِضَةُ عَلَى الْحِلِّ حَلَّتْ بِالضَّرُورَةِ وَمُؤَدَّى الثَّانِيَةِ عَدَمُ انْتِهَائِهَا عِنْدَهُ بَلْ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ فَوَجَبَ الْجَمْعُ مَا أَمْكَنَ فَحَمَلْنَا الْأُولَى عَلَى الِانْقِطَاعِ لِأَكْثَرِ الْمُدَّةِ وَالثَّانِيَةَ عَلَيْهِ لِتَمَامِ الْعَادَةِ الَّتِي لَيْسَتْ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ؛ لِأَنَّ فِي تَوْقِيفِ قُرْبَانِهَا فِي الِانْقِطَاعِ لِلْأَكْثَرِ عَلَى الْغُسْلِ إنْزَالَهَا حَائِضًا حُكْمًا وَهُوَ مُنَافٍ لِحُكْمِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ إنْزَالَهُ إيَّاهَا طَاهِرَةً قَطْعًا بِخِلَافِ تَمَامِ الْعَادَةِ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَقْطَعْ عَلَيْهَا بِالطُّهْرِ بَلْ يَجُوزُ الْحَيْضُ بَعْدَهُ وَلِذَا لَوْ زَادَتْ وَلَمْ تُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ كَانَ الْكُلُّ حَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا نُحَقِّقُهُ بَقِيَ أَنَّ مُقْتَضَى الثَّانِيَةِ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ قَبْلَ الْغُسْلِ فَرَفْعُ الْحُرْمَةِ قَبْلَهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ مُعَارَضَةٌ لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةَ خُصَّ مِنْهَا صُورَةُ الِانْقِطَاعِ لِلْعَشَرَةِ بِقِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ فَجَازَ أَنْ يُخَصَّ ثَانِيًا بِالْمَعْنَى وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِأَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ أَدْنَاهُ الْوَاقِعُ آخِرًا أَعْنِي أَنْ تَطْهُرَ فِي وَقْتٍ مِنْهُ إلَى خُرُوجِ قَدْرِ الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ لَا أَعَمُّ مِنْ هَذَا وَمِنْ أَنْ تَطْهُرَ فِي أَوَّلِهِ وَيَمْضِي مِنْهُ هَذَا الْمِقْدَارُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُنْزِلُهَا طَاهِرَةً شَرْعًا كَمَا رَأَيْت بَعْضَهُمْ يَغْلَطُ فِيهِ أَلَا تَرَى إلَى تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا وَذَلِكَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرُ وَاحِدٍ لَفْظَةَ أَدْنَى وَعِبَارَةُ الْكَافِي أَوْ تَصِيرُ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا بِمُضِيِّ أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ بِقَدْرِ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ بِأَنْ انْقَطَعَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَجْهُ الثَّالِثِ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ غَيْرَ أَنَّهُ خِلَافُ إنْهَاءِ الْحُرْمَةِ بِالْغُسْلِ الثَّابِتِ بِقِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ فَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي التَّجْنِيسِ مُسَافِرَةٌ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَتَيَمَّمَتْ، ثُمَّ وَجَدَتْ الْمَاءَ جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا لَكِنْ لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا تَيَمَّمَتْ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ فِي حَقِّ الْقُرْبَانِ فَلَمَّا وَجَدَتْ الْمَاءَ فَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ فَصَارَتْ كَالْجُنُبِ. أَمَّا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْمَرْأَةِ دُونَ عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ اغْتَسَلَتْ حِينَ تَخَافُ فَوْتَ الصَّلَاةِ وَصَلَّتْ وَاجْتَنَبَ زَوْجُهَا قُرْبَانَهَا احْتِيَاطًا حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى عَادَتِهَا لَكِنْ تَصُومُ احْتِيَاطًا فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْحَيْضَةُ هِيَ الثَّالِثَةُ مِنْ الْعِدَّةِ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ احْتِيَاطًا وَلَا تَتَزَوَّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ احْتِيَاطًا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ إنْ لَمْ يُعَاوِدْهَا الدَّمُ جَازَ وَإِنْ عَاوَدَهَا إنْ كَانَ فِي الْعَشَرَةِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْعَشَرَةِ فَسَدَ نِكَاحُ الثَّانِي، وَكَذَا صَاحِبُ الِاسْتِبْرَاءِ يَتَجَنَّبُهَا احْتِيَاطًا اهـ. وَمَفْهُومُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْعَشَرَةِ أَنَّهُ إذَا زَادَ لَا يَفْسُدُ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ الْعَوْدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَادَةِ أَمَّا قَبْلَهَا فَيَفْسُدُ وَإِنْ زَادَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُوجِبُ الرَّدَّ إلَى الْعَادَةِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَاوَدَهَا فِيهَا فَيَظْهَرُ أَنَّ النِّكَاحَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَيْضَةِ هَذَا وَقَدْ قَدَّمْت مَا عِنْدِي مِنْ التَّرَدُّدِ فِي الِانْقِطَاعِ بِدُونِ الْقِصَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ زَمَانَ الِاغْتِسَالِ هُوَ زَمَانُ الْحَيْضِ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ مَشَايِخُنَا زَمَانُ الْغُسْلِ مِنْ الطُّهْرِ فِي حَقِّ صَاحِبَةِ الْعَشَرَةِ وَمِنْ الْحَيْضِ فِيمَا دُونَهَا وَلَكِنْ مَا قَالُوهُ فِي حَقِّ الْقُرْبَانِ وَانْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ وَجَوَازِ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ لَا فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ عَقِيبَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ، ثُمَّ اغْتَسَلَتْ عِنْدَ الْفَجْرِ الْكَاذِبِ، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فِي اللَّيْلَةِ السَّادِسَةِ عَشْرَةَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّفَقِ فَهُوَ طُهْرٌ تَامٌّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ وَقْتِ الِاغْتِسَالِ قِيلَ: إنَّ خَلْفَ بْنَ أَيُّوبَ أَرْسَلَ ابْنَهُ مِنْ بَلْخٍ إلَى بَغْدَادَ لِلتَّعَلُّمِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لَهُ مَا تَعَلَّمْت قَالَ تَعَلَّمْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ زَمَانُ الْغُسْلِ مِنْ الطُّهْرِ فِي حَقِّ صَاحِبَةِ الْعَشَرَةِ وَمِنْ الْحَيْضِ فِيمَا دُونَهَا فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا أَضَعْت سَفَرَك. اهـ. وَلِأَنَّ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ إنَّمَا يَتَقَرَّرُ بِالِاغْتِسَالِ فَالْحَيْضُ ثَابِتٌ فِي زَمَنِ الِاشْتِغَالِ بِالِاغْتِسَالِ بِخِلَافِ

[الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الحيض]

يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِنَفْسِ الِانْقِطَاعِ قُبَيْلَ الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَظَرُ فِي حَقِّهَا أَمَارَةٌ زَائِدَةٌ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِإِسْلَامِهَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ وَلَوْ انْقَطَعَ الْحَيْضُ دُونَ عَادَتِهَا فَوْقَ الثَّلَاثِ لَا يَقْرَبُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ لِلِاحْتِيَاطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالطُّهْرُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي الْمُدَّةِ حَيْضٌ وَنِفَاسٌ) مَعْنَاهُ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَالدَّمَانِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ يَكُونُ حَيْضًا وَلَوْ خَرَجَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ عَنْ مُدَّةِ الْحَيْضِ بِأَنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَتِسْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا مَثَلًا لَا يَكُونُ حَيْضًا؛ لِأَنَّ الدَّمَ الْأَخِيرَ لَمْ يُوجَدْ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ وَوَجْهُهُ أَنَّ اسْتِيعَابَ الدَّمِ مُدَّةَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ إجْمَاعًا فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ كَالنِّصَابِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَلَا يُبْتَدَأُ الْحَيْضُ بِالطُّهْرِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَا يُخْتَمُ بِهِ وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا النِّفَاسُ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يَفْصِلْ؛ لِأَنَّهُ طُهْرٌ فَاسِدٌ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَفْتَوْا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا أَسْهَلُ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْحَيْضَ يُبْتَدَأُ بِالطُّهْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا إذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ بِدُونِ الِاغْتِسَالِ فَوَجَبَ الِاشْتِغَالُ بِالِاغْتِسَالِ وَقْتَ الطُّهْرِ دُونَ الْحَيْضِ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الْحَائِضَ لَوْ أَدْرَكَتْ مِنْ آخِرِ الْوَقْتِ قَدْرَ التَّحْرِيمَةِ وَجَبَ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مَا ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهَا لَوْ أَدْرَكَتْ بَعْدَ الطَّهَارَةِ قَدْرَ التَّحْرِيمَةِ وَجَبَ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَزَمَنُ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْحَيْضِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ بَعْدَ الطَّهَارَةِ بِالِاغْتِسَالِ إلَّا قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ فَلَا مُخَالَفَةَ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ كَمَا فِي النَّائِمِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَطَهُرَتْ حُكْمًا لِأَنَّ وُجُوبَ الصَّلَاةِ مِنْ أَحْكَامِ الطِّهَارَاتِ، ثُمَّ انْتِهَاءُ النَّهْيِ عَنْ الْقُرْبَانِ وَإِنْ كَانَ بِالِاغْتِسَالِ بِالنَّصِّ لَكِنَّ الِاغْتِسَالَ إنَّمَا يَكُونُ غَايَةً؛ لِأَنَّهُ حَلَّ لَهَا بِهِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ عَلَى جَانِبِ الِاسْتِمْرَارِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيمَا إذَا مَضَى وَقْتُ الصَّلَاةِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ دَلَالَةً، كَذَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ. اهـ. مِعْرَاجٌ. فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] فِي الْقِرَاءَتَيْنِ يُوجِبُ الِاغْتِسَالَ فِي الْحَالَيْنِ فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَلْيُرَاجَعْ. وَفِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ انْقَطَعَ فِيمَا دُونَ الْعَادَةِ وَلَكِنْ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَاغْتَسَلَتْ أَوْ مَضَى عَلَيْهَا الْوَقْتُ كُرِهَ قُرْبَانُهَا وَالتَّزَوُّجُ لَهَا بِزَوْجٍ آخَرَ حَتَّى تَأْتِيَ عَادَتُهَا وَتَغْتَسِلَ أَمَّا لَوْ انْقَطَعَ عَلَى رَأْسِ عَادَتِهَا أَخَّرَتْ الِاغْتِسَالَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ تَأْخِيرُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَفِيمَا دُونَ عَادَتِهَا بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَنْتَظِرُ فِي حَقِّهَا) أَيْ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِالْفُرُوعِ اهـ. (قَوْلُهُ: زَائِدَةٌ) أَيْ عَلَى الِانْقِطَاعِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ انْقَطَعَ الْحَيْضُ دُونَ عَادَتِهَا) فَفِي جَوَازِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَبُطْلَانِ الرَّجْعَةِ كَأَنَّهَا طَهُرَتْ وَفِي حَقِّ قُرْبَانِ الزَّوْجِ وَالتَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ كَأَنَّهَا لَمْ تَطْهُرْ حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا الْمَعْرُوفَةُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَحَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ قَالَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ. [الطُّهْرِ الْمُتَخَلَّل بَيْن الدَّمَيْنِ فِي مُدَّة الْحَيْض] . اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَنِفَاسُ) يَعْنِي الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَلَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتُجْعَلُ إحَاطَةُ الدَّمِ بِطَرَفَيْهِ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ فِي النِّفَاسِ كَالْعَشَرَةِ فِي الْحَيْضِ، ثُمَّ الطُّهْرُ بَيْنَ الْعَشَرَةِ فِي الْحَيْضِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَتُجْعَلُ إحَاطَةُ الدَّمِ بِطَرَفَيْهِ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَكَذَا النِّفَاسُ وَقَالَا إذَا كَانَ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ نِفَاسًا وَالثَّانِي حَيْضًا إنْ أَمْكَنَ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ لَا يُفْصَلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَيُجْعَلُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي صُورَتُهُ رَأَتْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْأَرْبَعُونَ نِفَاسٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا نِفَاسُهَا الدَّمُ الْأَوَّلُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالطُّهْرُ) الْمُتَخَلِّلُ إلَى آخِرِهِ قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْ الطُّهْرُ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَوْعِبًا لِلْمُدَّةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَوْعِبٍ إذَا كَانَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فَهُوَ حَيْضٌ مِثَالُ الْمُسْتَوْعِبِ مَا إذَا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا قَبْلَ الْعَادَةِ، ثُمَّ عَشَرَةً طُهْرًا، ثُمَّ يَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ وَمِثَالُ غَيْرِ الْمُسْتَوْعِبِ مَا إذَا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا فِي الْعَادَةِ، ثُمَّ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ طُهْرًا، ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِنْدَهُمَا الِابْتِدَاءَ بِالطُّهْرِ وَالْخَتْمَ بِهِ إذَا كَانَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ جَائِزٌ اهـ. وَلَوْ رَأَتْ قَبْلَ عَشَرَتِهَا سَاعَةً دَمًا وَطَهُرَتْ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ عَشَرَتِهَا، ثُمَّ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ مِنْ عَشَرَتِهَا دَمًا، ثُمَّ رَأَتْ الْعَاشِرَ مِنْ أَيَّامِهَا طُهْرًا، ثُمَّ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا بَعْدَهَا فَأَيَّامُهَا الْعَشَرَةُ حَيْضٌ عِنْدَ س وَعِنْدَ م ثَمَانِيَةٌ مِنْ عَشَرَتِهَا الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّمَ حَيْضٌ فَقَطْ وَلَوْ لَمْ تَرَ قَبْلَ أَيَّامِهَا دَمًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالْيَوْمُ الْعَاشِرُ لَيْسَ بِحَيْضٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرَ بَعْدَهُ دَمًا وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَطُهْرُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَرَأَتْ قَبْلَ عَادَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ حَتَّى جَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَادَتُهَا الْخَمْسَةُ حَيْضٌ وَمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا اسْتِحَاضَةٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ حَيْضُهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ عَادَتِهَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ، وَلَوْ رَأَتْ أَوَّلَ خَمْسَتِهَا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ وَجَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَعَادَتُهَا حَيْضٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا وَانْتِهَاءَهَا حَصَلَ بِالدَّمِ وَلَوْ رَأَتْ مِنْ أَوَّلِ خَمْسَتِهَا ثَلَاثَةً دَمًا وَطَهُرَتْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَجَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَعَادَتُهَا حَيْضٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الثَّلَاثَةُ مِنْ عَادَتِهَا حَيْضٌ لَا الْيَوْمَانِ الْآخَرَانِ لِأَنَّهُ لَا يُخْتَمُ الْحَيْضُ بِالطُّهْرِ، وَكَذَا النِّفَاسُ مُلَخَّصٌ مِنْ شَرْحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ عَلَى الطَّحَاوِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ) أَيْ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ) أَيْ لَا مَذْهَبُهُ بَلْ مَذْهَبُهُ سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: لَمْ يَفْصِلْ) فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ عِنْدَهُ حَيْضٌ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا بِهِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا أَسْهَلُ) لِعَدَمِ التَّفَاصِيلِ بِخِلَافِ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ اهـ

وَيُخْتَمُ بِهِ بِشَرْطِ إحَاطَةِ الدَّمِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ دَمٌ لَا يُبْتَدَأُ بِالطُّهْرِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ دَمٌ لَا يُخْتَمُ بِالطُّهْرِ كَمَا إذَا رَأَتْ قَبْلَ عَادَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَعَشَرَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ الَّتِي لَمْ تَرَ فِيهِ الدَّمَ حَيْضٌ إنْ كَانَ عَادَتُهَا هِيَ الْعَشَرَةُ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ رَدَّتْ إلَى أَيَّامِهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ إنْ نَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بِسَاعَةٍ لَا يَفْصِلُ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الدَّمِ لَا حُكْمَ لَهُ فَكَذَا الطُّهْرُ وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا وَكَانَ مِثْلَ الدَّمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ فَكَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّمَيْنِ فَصْلٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَهُوَ حَيْضٌ وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَالْكُلُّ اسْتِحَاضَةٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ الطُّهْرَ أَقَلَّ مِنْ الدَّمَيْنِ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ فَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ حَيْضًا لِسَبْقِهِ دُونَ الثَّانِي. وَمِنْ أَصْلِهِ أَنْ لَا يُبْتَدَأَ الْحَيْضُ بِالطُّهْرِ وَلَا يُخْتَمَ بِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ طُهْرَانِ مُعْتَبَرَانِ وَصَارَ أَحَدُهُمَا حَيْضًا لِاسْتِوَاءِ الدَّمِ بِطَرَفَيْهِ حَتَّى صَارَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي هَلْ يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى الطُّهْرِ الْأَخِيرِ حَتَّى يَصِيرَ الْكُلُّ حَيْضًا أَوْ لَا يَتَعَدَّى؟ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْكَبِيرُ يَتَعَدَّى وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ لَا يَتَعَدَّى. قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِثَالُهُ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَعَلَى الْأَوَّلِ الْكُلُّ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ الدَّمَ فِي طَرَفَيْهِ اسْتَوَى بِالطُّهْرِ فَيُجْعَلُ كَالدَّمِ الْمُسْتَمِرِّ فَكَأَنَّهَا رَأَتْ سِتَّةً دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا، وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَهْلٍ الْغَزَالِيِّ السِّتَّةُ الْأُولَى حَيْضٌ؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ الْعَشَرَةَ طُهْرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا لَمْ يُمَيَّزْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَانَ الطُّهْرُ غَالِبًا فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَعَلَى الْأَوَّلِ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ وَعَلَى الثَّانِي السِّتَّةُ الْأُولَى حَيْضٌ، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ إنْ نَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بِسَاعَةٍ لَا يَفْصِلُ) بِأَنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا أَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَالْكُلُّ حَيْضٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ وَقْتِهِ وَهُوَ وَقْتُ الْحَيْضِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ) بِأَنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا. اهـ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ حَيْضٌ) مِثَالُهُ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا اهـ وَالْأَصْلُ عِنْدَ زُفَرَ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ مِثْلَ أَقَلِّهِ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ، وَإِلَّا أَوْجَبَ الْفَصْلَ وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا، وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ إنْ انْتَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُفْصَلُ وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا فَصَلَ، ثُمَّ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ يُجْعَلُ وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ وَإِنْ أَمْكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ فَالْأَوَّلُ حَيْضٌ وَالثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ فَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ أَنَّ الطُّهْرَ إذَا نَقَصَ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَفْصِلُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا. أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الدَّمَيْنِ فَفَصَلَ وَلَيْسَ فِي كِلَا الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا، وَأَمَّا عِنْدَ زُفَرَ فَلَمْ يَرَ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ مِثْلَ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْحَسَنِ فَكَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ سَاعَتَيْنِ طُهْرًا، ثُمَّ سَاعَةً دَمًا فَذَلِكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَسَبْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَسَبْعَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا حَيْضًا بَلْ الْكُلُّ اسْتِحَاضَةٌ وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَهِيَ حَيْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الدَّمِ حَيْضٌ مُتَقَدِّمَةً كَانَتْ أَوْ مُتَأَخِّرَةً وَالْيَوْمُ اسْتِحَاضَةٌ، وَلَوْ رَأَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ الْعَشَرَةُ حَيْضٌ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَدَدَ الطُّهْرِ مِثْلُ الدَّمَيْنِ وَكِلَا الدَّمَيْنِ فِي الْعَشَرَةِ فَلَمْ يَفْصِلْ وَعِنْدَ الْحَسَنِ يَفْصِلُ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالْأَرْبَعَةُ الْأَيَّامُ فِي الْأَوَّلِ أَوْ الْآخَرِ حَيْضٌ وَاسْتِحَاضَةٌ وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَالطُّهْرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ فَاصِلٌ فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ حَيْضٌ عِنْدَهُمَا وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ اهـ مُلَخَّصٌ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ الطُّهْرُ أَقَلَّ مِنْ الدَّمَيْنِ) لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ فَالْحِيضَان سِتَّةٌ فَيَكُونُ الطُّهْرُ أَرْبَعَةً؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ مَجْمُوعَ الدَّمَيْنِ وَالطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَهُمَا عَشَرَةٌ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَجْمُوعُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ لَمْ يَكُنْ الطُّهْرُ أَقَلَّ مِنْ الدَّمَيْنِ فَحِينَئِذٍ يَكُنْ مِثَالُهُ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَسَبْعَةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأُولَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ فَالْعَشَرَةُ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ حَيْضٌ، وَإِلَّا رُدَّتْ إلَى عَادَتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: طُهْرَانِ مُعْتَبَرَانِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَلَاثَةً اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ الدَّمَ فِي طَرَفَيْهِ) الْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ اعْتَبَرَ كَوْنَ الطُّهْرِ الْأَوَّلِ دَمًا حُكْمًا فَالطُّهْرُ الثَّانِي أَقَلُّ مِنْ مَجْمُوعِ الدَّمَيْنِ فَلَا يَفْصِلُ فَالْكُلُّ دَمٌ وَأَبُو سَهْلٍ اعْتَبَرَ حَقِيقَةَ الطُّهْرِ فَالطُّهْرُ الْأَوَّلُ مِثْلُ مَجْمُوعِ الدَّمَيْنِ فَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا فَالْكُلُّ دَمٌ وَالطُّهْرُ الثَّانِي أَكْثَرُ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ مِنْ مَجْمُوعِ الدَّمَيْنِ فَيَفْصِلُ فَلَا يَكُونُ دَمًا حُكْمًا وَكُلٌّ مِنْ الدَّمَيْنِ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا فَيَكُونُ اسْتِحَاضَةً وَهَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الطُّهْرَيْنِ مُعْتَبَرًا بِأَنْ كَانَ ثَلَاثَةً أَمَّا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُعْتَبَرٍ بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ كَانَ الْكُلُّ حَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ أَبَا سَهْلٍ إنَّمَا يَعْتَبِرُ حَقِيقَةَ الطُّهْرِ إذَا كَانَ مُعْتَبَرًا فَلَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا كَانَ الْكُلُّ حَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَهْلٍ الْغَزَالِيِّ) تَارَةً يَذْكُرُ بِالْغَزَالِيِّ وَتَارَةً بِالْفَرْضِيِّ وَتَارَةً بِالزَّجَّاجِيِّ اهـ طَبَقَاتُ عَبْدِ الْقَادِرِ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا لَمْ يُمَيِّزْ أَحَدَهُمَا) أَيْ إذَا لَمْ يُمَيِّزْ يُعْتَبَرُ الْمَجْمُوعُ وَهُوَ سِتَّةٌ فَالطُّهْرُ غَالِبٌ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْعَشَرَةِ حَيْضًا بِخِلَافِ السِّتَّةِ فَإِنَّ الطُّهْرَ فِيهَا مِثْلُ الدَّمِ فَالْكُلُّ حَيْضٌ اهـ

دَمًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ السِّتَّةُ الْأَخِيرَةُ حَيْضٌ لِمَا قُلْنَا. وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ فِي الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ دَمَيْنِ إذَا نَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَفْصِلْ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً فَصَلَ كَيْفَمَا كَانَ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الدَّمُ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ حَيْضًا وَهُوَ حَيْضٌ وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَالْكُلُّ اسْتِحَاضَةٌ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَانِبَانِ فَالْأَوَّلُ حَيْضٌ لِسَبْقِهِ وَالثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ. {فُرُوعُ عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ} امْرَأَةٌ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ إنْ كَانَ عَادَتُهَا عَشَرَةً أَوْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ يُخْتَمُ بِالطُّهْرِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْأَرْبَعَةُ مِنْ آخِرِهَا حَيْضٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُ الْعَشَرَةِ حَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ خَتْمُ الْعَشَرَةِ بِالطُّهْرِ وَتَعَذَّرَ جَعْلُ مَا قَبْلَ الطُّهْرِ الثَّانِي حَيْضًا؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِيهِ لِلطُّهْرِ فَطَرَحْنَا الدَّمَ الْأَوَّلَ وَالطُّهْرَ الْأَوَّلَ يَبْقَى بَعْدَهُ يَوْمٌ دَمٌ وَيَوْمَانِ طُهْرٌ وَيَوْمٌ دَمٌ وَالطُّهْرُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَجَعَلْنَا الْأَرْبَعَةَ حَيْضًا، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَعِنْدَ زُفَرَ الثَّمَانِيَةُ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ ثَلَاثَةً فِي الْعَشَرَةِ وَلَا يُخْتَمُ بِالطُّهْرِ وَقَدْ وُجِدَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْمُخْتَصَرِ كَذَلِكَ لِخُرُوجِ الدَّمِ الثَّانِي عَنْ الْعَشَرَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ وَأَقَلُّ مَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرً يَوْمًا، هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ مُدَّةُ اللُّزُومِ فَصَارَ كَمُدَّةِ الْإِقَامَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَدُّ إلَى سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ وَقَدْ لَا يُرَى الْحَيْضُ أَصْلًا فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا عِنْدَ نَصْبِ الْعَادَةِ فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ) أَيْ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِ الطُّهْرِ إلَّا إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَاحْتِيجَ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ فَيُقَدَّرُ طُهْرُهَا، وَذَلِكَ كَالْمُبْتَدَأَةِ إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ وَكَصَاحِبَةِ الْعَادَةِ إذَا اسْتَمَرَّ دَمُهَا وَقَدْ نَسِيَتْ عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا أَوَّلَهَا وَآخِرَهَا وَدَوْرَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ فَإِنَّهَا تَتَحَرَّى وَتَمْضِي عَلَى أَكْبَرِ رَأْيِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَأْيٌ وَهِيَ الْمُحَيَّرَةُ وَتُسَمَّى الْمُضَلَّلَةُ لَا يُحْكَمُ لَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الطُّهْرِ أَوْ الْحَيْضِ عَلَى التَّعْيِينِ بَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَصَلَ كَيْفَمَا كَانَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلَ الدَّمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَالْكُلُّ اسْتِحَاضَةٌ) وَهَذَا الْإِمْكَانُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطُّهْرَ إنْ كَانَ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا فَصَلَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مَجْمُوعِ الدَّمَيْنِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ وَقَوْلُهُ: فُرُوعٌ عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ أَيْ أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَقَعُ) وَفِي نُسْخَةٍ يَمْنَعُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُخْتَمُ بِالطُّهْرِ) فَيُلْغِي طُهْرَ يَوْمَيْنِ فَالْبَاقِي ثَمَانِيَةٌ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَجَدَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ) صَوَابُهُ ثَلَاثَةٌ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) يَعْنِي أَقَلَّ الطُّهْرِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ طَرَفَاهُ حَيْضًا لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ حَتَّى لَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا، ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ حَيْضٌ وَلَوْ انْتَقَصَ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَوْ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى حَيْضٌ دُونَ الثَّانِيَةِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَقَادِيرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سُمِعَ مِنْ صَحَابِيٍّ وَذَا سَهْوٌ مِنْهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ حَيْضَتَانِ وَطُهْرَانِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ سُؤَالًا وَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ رَأَتْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً، ثُمَّ طُهْرًا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً أَلَيْسَ قَدْ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَجَابَ فَقَالَ إذَا ضَمَمْت إلَيْهِ طُهْرًا آخَرَ كَانَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَالشَّهْرُ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى ذَلِكَ وَحُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَتْ إنِّي حِضْت فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ مَاذَا تَقُولُ فَقَالَ إنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً مِنْ بِطَانَتِهَا مِمَّنْ يُرْضَى بِدِينِهِ وَأَمَانَتِهِ قُبِلَ مِنْهَا فَقَالَ عَلِيٌّ قالون وَهِيَ بِالرُّومِيَّةِ حَسَنٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ شُرَيْحٌ بِذَلِكَ تَحْقِيقَ النَّفْيِ أَنَّهَا لَا تَجِدُ ذَلِكَ وَأَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] أَيْ لَا يَدْخُلُونَهَا رَأْسًا. (قَوْلُهُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ) قَالَ فِيهَا وَفِيهِ كَلَامٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ مُدَّةُ اللُّزُومِ) أَيْ لُزُومِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا عِنْدَ نَصْبِ الْعَادَةِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ فَإِنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ مُقَدَّرٌ فِي حَقِّهِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ مُدَّتِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ نُقْصَانُ طُهْرِ غَيْرِ الْحَامِلِ عَنْ طُهْرِ الْحَامِلِ وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَانْتَقَصَ عَنْ هَذَا بِشَيْءٍ وَهُوَ السَّاعَةُ صُورَتُهُ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ طُهْرًا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَإِلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كُلُّ طُهْرٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً اهـ قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ لَوْ قُدِّرَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا دُونَ الْيَوْمِ سَاعَاتٌ لَا تُضْبَطُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ) صُورَتُهَا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ امْرَأَةٌ رَأَتْ دَمًا خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً مَثَلًا، ثُمَّ رَأَتْ طُهْرًا مُمْتَدًّا، ثُمَّ رَأَتْ دَمًا مُسْتَمِرًّا هَلْ يُقَدَّرُ لَهَا أَكْثَرُ الطُّهْرِ قَالُوا يُقَدَّرُ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ كَمَا تَرَى وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ لِلْمُتَحَيِّرَةِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَا لَا يَخْفَى. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ) فِي الْمَبْسُوطِ حَتَّى ضَلَّتْ أَيَّامَهَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ نَسِيَتْ عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا) فَإِنْ عَرَفَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعِنْدَ أَبِي عِصْمَةَ يُقَدَّرُ طُهْرُهَا بِمَا رَأَتْ وَهِيَ السِّتَّةُ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا كَذَا بِخَطِّ قَارِئٍ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: لَا يُحْكَمُ لَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الطُّهْرِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ

تَأْخُذُ بِالْأَحْوَطِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ وَهَلْ يُقَدَّرُ طُهْرُهَا فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُقَدَّرُ بِشَيْءٍ وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا مِنْهُمْ أَبُو عِصْمَةَ وَالْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالتَّوْقِيفِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلِهَذَا لَمْ يُقَدَّرْ فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بَلْ عَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ وَتَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَدَّرُوهُ لِلضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى الْعَظِيمَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ يُقَدَّرُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَقَلُّ مِنْ أَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ عَادَةً فَنَقَصْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ سَاعَةً فَإِذَا طَلُقَتْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ فَيَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ بِشَهْرٍ وَإِلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ بُخَارَى. (قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ) يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ حَيْضِهَا فَلَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فَتَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ سِوَاهَا وَثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ، وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي سَهْلٍ الْغَزَالِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ لَا تَرَى الْحَيْضَ فِي كُلِّ شَهْرٍ؛ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْ الْعَوْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِ الشَّهْرِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ وَأَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ يُقَدَّرُ طُهْرُهَا بِسَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ مِنْ الشَّهْرَيْنِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا، وَقَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ يُقَدَّرُ بِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي الْغَالِبِ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَأَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَبَقِيَ الطُّهْرُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا هَذَا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَلَمْ يُقَدِّرُوا الطُّهْرَ بِشَيْءٍ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ تَجْتَنِبُ أَبَدًا مَا تَجْتَنِبُهُ الْحَائِضُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّهِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَتُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ وَالْوِتْرَ وَتَقْرَأُ فِيهِمَا قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ وَلَا تَزِيدُ وَقِيلَ تَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ؛ لِأَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ وَإِنْ حَجَّتْ تَطُوفُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ، ثُمَّ تُعِيدُهُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَتَطُوفُ لِلصَّدْرِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَتَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ، ثُمَّ تَقْضِي خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي رَمَضَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَشَرَةً فِي أَوَّلِهِ وَخَمْسَةً فِي آخِرِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ وَلَا يُتَصَوَّرُ حَيْضُهَا فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنَّهَا حَاضَتْ فِي الْقَضَاءِ عَشَرَةً فَيَسْلَمُ لَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ بِيَقِينٍ وَإِنْ عَلِمَتْ دَوْرَ حَيْضِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً وَلَمْ تَعْرِفْ عَدَدَهُ وَلَا ابْتِدَاءَهُ وَلَا انْتِهَاءَهُ أَوْ عَلِمَتْ الِابْتِدَاءَ دُونَ الِانْتِهَاءِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ ضَلَّتْ أَيَّامَهَا فِي ضِعْفِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: تَأْخُذُ بِالْأَحْوَطِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ) فَتَصُومُ وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ (قَوْلُهُ: مِنْهُمْ أَبُو عِصْمَةَ) سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْمَرْوَزِيِّ. (قَوْلُهُ: وَالْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ) بِمُعْجَمَةٍ هُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ اهـ. (قَوْلُهُ: يُقَدَّرُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً) فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ. (قَوْلُهُ: أَقَلُّ مِنْ أَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ) وَمُدَّةُ الْحَمْلِ مُدَّةُ الطُّهْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ لَا تَرَى الْحَيْضَ فِي كُلِّ شَهْرٍ) فَيُعْتَبَرُ شَهْرٌ بِلَا حَيْضٍ، ثُمَّ شَهْرٌ آخَرُ كَذَلِكَ لِتَثَبُّتِ الْعَادَةِ اهـ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا أَكْثَرُ الطُّهْرِ فَلَا غَايَةَ لَهُ حَتَّى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا طَهُرَتْ سِنِينَ كَثِيرَةً فَإِنَّهَا تَعْمَلُ مَا تَعْمَلُ الطَّاهِرَاتُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ فِي بَنَاتِ آدَمَ أَصْلٌ وَالْحَيْضُ عَارِضٌ فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْهَا الْعَارِضُ يَجِبُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الْأَصْلِ وَإِنْ طَالَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ الَّذِي يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ عِنْدَ الِاسْتِمْرَارِ كَمْ هُوَ قَالَ أَبُو عِصْمَةَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبُو حَازِمٍ الْقَاضِي: إنَّ الطُّهْرَ وَإِنْ طَالَ يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ حَتَّى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَاضَتْ خَمْسَةً وَطَهُرَتْ سِتَّةً، ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ تَبْنِي الِاسْتِمْرَارَ عَلَيْهِ فَتَقْعُدُ خَمْسَةً وَتُصَلِّي سِتَّةً، وَكَذَا لَوْ رَأَتْ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ بُخَارَى إنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ الَّذِي يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِذَا كَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَا يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ وَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ لَهُ تُرَدُّ أَيَّامُهَا إلَى الشَّهْرِ فَتَقْعُدُ مَا كَانَتْ رَأَتْ فِيهِ مِنْ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَتُصَلِّي بَقِيَّةَ الشَّهْرِ هَكَذَا دَأْبُهَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ وَأَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ أَكْثَرُ الطُّهْرِ الَّذِي يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ تُرَدُّ أَيَّامُهَا إلَى الشَّهْرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرُهُ شَهْرٌ وَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ تُرَدُّ أَيَّامُهَا إلَى الشَّهْرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ تُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ اهـ. (قَوْلُهُ: يُقَدَّرُ) أَيْ أَكْثَرُ الطُّهْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَتُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ) أَيْ وَالسُّنَنَ الْمَشْهُورَةَ وَلَا تُصَلِّي شَيْئًا مِنْ التَّطَوُّعَاتِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ تُعِيدُهُ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا طَافَتْ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَكْثَرُهَا عَشَرَةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ ضَلَّتْ أَيَّامَهَا فِي ضَعْفِهَا) مِثَالُ الْإِضْلَالِ فِي الضَّعْفِ امْرَأَةٌ أَيَّامُ حَيْضِهَا ثَلَاثَةٌ فِي السِّتَّةِ الَّتِي فِي آخِرِ الشَّهْرِ، ثُمَّ نَسِيَتْ أَنَّ الثَّلَاثَةَ فِي أَوَّلِ السِّتَّةِ أَوْ آخِرِهَا وَمِثَالُ الْأَكْثَرِ مِنْ الضَّعْفِ امْرَأَةٌ أَيَّامُ حَيْضِهَا ثَلَاثَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ، ثُمَّ نَسِيَتْ أَنَّهَا فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ وَمِثَالُ الْأَقَلِّ امْرَأَةٌ أَيَّامُ حَيْضِهَا ثَلَاثَةٌ فِي الْخَمْسَةِ الَّتِي فِي آخِرِ الشَّهْرِ، ثُمَّ نَسِيَتْ أَنَّهَا فِي أَوَّلِهَا أَوْ آخِرِهَا فَالْمَرْأَةُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا تَتَيَقَّنُ بِالْحَيْضِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ الَّتِي ضَلَّتْ فِيهَا أَوْ آخِرِهَا وَتَتَيَقَّنُ بِهِ فِي بَعْضِهَا فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهَا تَتَيَقَّنُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ الْخَمْسَةِ أَنَّهُ مِنْ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ أَوَّلُ الْحَيْضِ أَوْ آخِرُهُ فَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِيهِ وَفِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ حَالَهَا فِيهِمَا مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَفِي الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ حَالَهَا فِيهِمَا مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ وَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَفِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِمَا قُلْنَا. اهـ. يَحْيَى وَدَمُ

أَوْ أَقَلَّ مِنْ الضِّعْفِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَمَذْكُورٌ فِي الْكُتُبِ الْمُطَوَّلَةِ وَلَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمُخْتَصَرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ) (فَمَا زَادَ عَلَى عَادَتِهَا اسْتِحَاضَةٌ) لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِأَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا وَتُصَلِّي فِي غَيْرِهَا، فَعُلِمَ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى أَيَّامِ أَقْرَائِهَا اسْتِحَاضَةٌ؛ وَلِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِأَنَّ عَادَتَهَا حَيْضٌ وَمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ اسْتِحَاضَةٌ وَشَكَكْنَا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَأَلْحَقْنَاهُ بِمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ يُجَانِسُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخَالِفٌ لِلْمَعْهُودِ فَكَانَ إلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى إذْ الْأَصْلُ الْجَرْيُ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ، ثُمَّ قِيلَ إذَا مَضَتْ عَادَتُهَا تُصَلِّي وَتَصُومُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجَاوِزَ الْعَشَرَةَ فَيَكُونُ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ وَقِيلَ تَتْرُكُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الصِّحَّةُ وَدَمُ الْحَيْضِ دَمُ صِحَّةٍ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ دَمُ عِلَّةٍ وَعَلَى هَذَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ ابْتِدَاءً قِيلَ لَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ بِالنُّقْصَانِ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقِيلَ تَتْرُكُ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ الْعَادَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مُبْتَدَأَةً فَحَيْضُهَا عَشَرَةٌ وَنِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ مُبْتَدَأَةً بِأَنْ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً أَوْ مَعَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ فَحَيْضُهَا أَكْثَرُ الْحَيْضِ وَنِفَاسُهَا أَكْثَرُ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ فَلَا يُحْكَمُ بِالْعَارِضِ إلَّا بِيَقِينٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَتَوَضَّأُ الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ أَوْ اسْتِطْلَاقُ بَطْنٍ أَوْ انْفِلَاتُ رِيحٍ أَوْ رُعَافٌ دَائِمٍ أَوْ جُرْحٌ لَا يَرْقَأُ لِوَقْتِ كُلِّ فَرْضٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ ييي «تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ»؛ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَجُوزَ بِهِ فَرْضٌ وَاحِدٌ فَتُرِكَ لِلضَّرُورَةِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ تُسْتَعَارُ لِلْوَقْتِ يُقَالُ آتِيك لِصَلَاةِ الظُّهْرِ أَيْ لِوَقْتِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ لِوَقْتِ دُلُوكِهَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا» أَيْ لِوَقْتِهَا، وَكَذَا الصَّلَاةُ تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْوَقْتُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ» أَيْ وَقْتُهَا فَكَانَ الْأَخْذُ بِمَا رَوَيْنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُحْكَمٌ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مُحْتَمَلٌ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُحْكَمِ؛ وَلِأَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فِي حَقِّ النَّفْلِ إجْمَاعًا حَيْثُ لَمْ يَجِبْ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؛ وَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ تَقْدِيرٌ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ مَعْنًى إذْ الْوَقْتُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَدَاءِ لِكَوْنِهِ مَحِلَّهُ وَلَهُ شَغْلُ كُلِّهِ بِالْأَدَاءِ عَزِيمَةً وَشَغْلُ الْبَعْضِ رُخْصَةً فَكَأَنَّهُ شَغَلَ كُلَّهُ بِهِ فَكَانَ التَّقْدِيرُ بِهِ تَقْدِيرًا بِالصَّلَاةِ مَعْنًى وَهُوَ مَعْلُومٌ لَا يَتَفَاوَتُ وَالْأَدَاءُ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ الْأَدَاءَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُهُ فِي آخِرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِحَاضَةِ وَهُوَ الَّذِي يَنْقُصُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةٍ أَوْ عَلَى أَكْثَرِ النِّفَاسِ كَرُعَافٍ يَعْنِي حُكْمُهُ كَحُكْمِ رُعَافٍ دَائِمٍ غَيْرِ مُنْقَطِعٍ مِنْ وَقْتِ صَلَاةٍ كَامِلٍ لَا يَمْنَعُ صَوْمًا وَصَلَاةً وَوَطْئًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَوَضَّئِي وَصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» فَيَثْبُتُ حُكْمُ الصَّلَاةِ بِهِ عِبَادَةً وَحُكْمُ الصَّوْمِ وَالْوَطْءِ دَلَالَةً إذْ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ دَمَ الرَّحِمِ يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَالْوَطْءَ وَدَمَ الْعِرْقِ لَا يَمْنَعُ وَاحِدًا مِنْهَا فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ هَذَا الدَّمُ الصَّلَاةَ عُلِمَ أَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ لَا دَمُ رَحِمٍ فَيَثْبُتُ الْحُكْمَانِ الْآخَرَانِ دَلَالَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمُخْتَصَرُ) يُنْظَرُ فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَقِيلَ تَتْرُكُ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْعَادَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ رَأَتْ مَرَّةً سَبْعًا وَمَرَّةً سِتًّا، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ أَخَذَتْ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَانْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ بِالْأَقَلِّ وَفِي حِلِّ التَّزْوِيجِ وَالْوَطْءِ بِالْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا اهـ فَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً فِي شَهْرٍ، ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي كَانَ الْخَمْسَةُ حَيْضًا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَكَانَ الْعَشَرَةُ حَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً فِي شَهْرَيْنِ، ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ كَانَ الْخَمْسَةُ حَيْضًا وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةً بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ سِتَّةً، ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي رَدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ عِنْدَهُمَا وَإِلَى السِّتَّةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ رَأَتْهُ سِتَّةً فِي شَهْرَيْنِ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ رَدَّتْ إلَى السِّتَّةِ وَبَطَلَ عَادَةُ الْخَمْسَةِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ اسْتِطْلَاقُ) أَيْ جَرَيَانُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ مَكْتُوبَةً أَوْ مَنْذُورَةً وَقَالَ مَالِكٌ لِكُلِّ نَفْلٍ أَيْضًا. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ) قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي طَبَقَاتِهِ مِنْ الْفَوَاطِمِ الصَّحَابِيَّاتِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إحْدَى الْمُسْتَحَاضَاتِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو حُبَيْشٍ اسْمُهُ قَيْسٌ فَتَارَةً يَقُولُونَ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ وَتَارَةً يَقُولُونَ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ وَبَعْضُهُمْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ: فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ الْمُسْتَحَاضَةُ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَالْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ هَكَذَا نَسَبَاهَا وَقَالَا فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ وَغَلَّطَهُمَا صَاحِبُ الْغَايَةِ وَقَالَ غَلَطًا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي قَوْلِهِمَا فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَإِنَّمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَالثَّانِي أَنَّهُمَا ذَكَرَاهَا فِي الْمُسْتَحَاضَاتِ إنَّمَا الْمُسْتَحَاضَةُ فَاطِمَةُ بِنْتُ حُبَيْشٍ وَهُوَ أَحَقُّ بِالْغَلَطِ وَالصَّوَابُ مَعَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ) أَيْ تَيَمَّمَتْ وَصَلَّيْت. (قَوْلُهُ: أَيْ وَقْتَهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْمُدْرِكَ إيَّاهُ دُونَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا فِعْلُهُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ) وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْعُذْرِ قَدْ يَكُونُ مُوَسْوِسًا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْفَرِيضَةِ مَرَّاتٍ فَفِي الْأَمْرِ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ مَرَّةٍ حَرَجٌ بَيِّنٌ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى الْفَرِيضَةَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ طَهَارَتُهُ بَاقِيَةً بَعْدَهَا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ فِعْلُ فَرِيضَةٍ أُخْرَى عَمَلًا بِبَقَائِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَاقِيَةً وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ فِعْلُ النَّافِلَةِ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ إذْ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ مِنْ شَرْطِهِمَا الطَّهَارَةُ وَالْفَرْضُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بَاقِيَةً. اهـ. غَايَةٌ

فِي وَسَطِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُطَوِّلُ فَكَانَ التَّقْدِيرُ بِالْمَعْلُومِ أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُصَلُّونَ بِهِ فَرْضًا وَنَفْلًا) أَيْ يُصَلُّونَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ مَا شَاءُوا مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بِهِ إلَّا فَرْضًا وَاحِدًا وَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا مِنْ النَّفْلِ مَا شَاءُوا؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْفَرْضِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ فَقَطْ) أَيْ يَبْطُلُ وُضُوءُهُمْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ زُفَرُ يَبْطُلُ بِالدُّخُولِ فَقَطْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَبْطُلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِزُفَرَ إنَّ اعْتِبَارَ الطَّهَارَةِ مَعَ الْمُنَافِي لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ وَلَا حَاجَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَاجَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْوَقْتِ فَلَا تُعْتَبَرُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَقْتَ أُقِيمَ مَقَامَ الْأَدَاءِ شَرْعًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَيْهِ كَمَا لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَى الْأَدَاءِ حَقِيقَةً؛ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ أَجَازَ إشْغَالَ الْوَقْتِ كُلِّهِ بِالْأَدَاءِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِتَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ؛ وَلِأَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ دَلِيلُ ثُبُوتِ الْحَاجَةِ وَخُرُوجَهُ دَلِيلُ زَوَالِهَا فَإِضَافَةُ الِانْتِقَاضِ إلَى دَلِيلِ زَوَالِ الْحَاجَةِ أَوْلَى مِنْ إضَافَتِهِ إلَى دَلِيلِ ثُبُوتِهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّ طَهَارَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ تُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ زُفَرَ مُسْتَقِيمٌ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِتَخْصِيصِهِ بِالدُّخُولِ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَاجَةِ بِالْخُرُوجِ أَيْضًا وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا إذَا تَوَضَّئُوا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بِهِ الظُّهْرَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَالثَّانِي إذَا تَوَضَّئُوا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُمْ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تُنْتَقَضُ وَلَوْ تَوَضَّئُوا لِصَلَاةِ الْعِيدِ قِيلَ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُؤَدُّوا بِهِ الظُّهْرَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَوَضَّئُوا لِصَلَاةِ الضُّحَى وَلَوْ تَوَضَّئُوا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لِلْعَصْرِ يُصَلُّونَ بِهِ الْعَصْرَ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُمْ لِلْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ كَطَهَارَتِهِمْ لِلظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ وَقَعَتْ لِلظُّهْرِ حَتَّى لَوْ ظَهَرَ فَسَادُ الظُّهْرِ جَازَ لَهُمْ أَنْ يُؤَدُّوا بِهَا صَلَاةَ الظُّهْرِ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ خُرُوجِهِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَشَايِخَنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَضَافُوا انْتِقَاضَ الطَّهَارَةِ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ دُخُولِهِ لِيَسْهُلَ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ، وَإِلَّا فَلَا تَأْثِيرَ لِلْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ فِي الِانْتِقَاضِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْحَدَثُ السَّابِقُ عِنْدَهُ. وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَمَا خَرَجَ الْوَقْتُ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْبِنَاءُ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُمَا عُرِفَ نَصًّا فِي الْحَدَثِ الطَّارِئِ لَا فِي الْحَدَثِ السَّابِقِ وَبِخُرُوجِ الْوَقْتِ يَظْهَرُ الْحَدَثُ السَّابِقُ وَهَذَا لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا يَرْفَعُ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْحَدَثِ وَلَا يَرْفَعُ مَا بَعْدَهُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ رَافِعٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَذَا إذَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ وَقْتُ فَرْضٍ إلَّا وَذَلِكَ الْحَدَثُ يُوجَدُ فِيهِ). وَهَذَا حَدُّ الْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا أَيْ وَحُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ يَثْبُتُ إذَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ إلَّا وَالْحَدَثُ الَّذِي اُبْتُلِيَتْ بِهِ يُوجَدُ فِيهِ وَلَكِنَّ هَذَا شَرْطُ بَقَاءِ الِاسْتِحَاضَةِ بَعْدَمَا ثَبَتَ حُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ، وَأَمَّا شَرْطُ ثُبُوتِهِ ابْتِدَاءً فَأَنْ يَسْتَوْعِبَ اسْتِمْرَارَ الْعُذْرِ وَقْتَ الصَّلَاةِ كَامِلًا كَالِانْقِطَاعِ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْوَقْتَ كُلَّهُ وَفِي الْكَافِي لِحَافِظِ الدِّينِ إنَّمَا يَصِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ فَقَطْ) قَالَ الرَّازِيّ أَيْ يَبْطُلُ وُضُوءُهُمْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ أَيْ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ إذْ الْوَقْتُ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ نَجَسًا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْحَدَثِ يَظْهَرُ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أُضِيفَ إلَيْهِ مَجَازًا أَيْ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ عِنْدَ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْإِنْسَانِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ حَدَثًا قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى مَعْذُورٍ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ، ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ شَرَعَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ طَهُورٌ مِنْ وَجْهٍ لِمَا تَقَدَّمَ وَاقْتِصَارٌ مَنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَدَاءِ وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِالطَّهَارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهَا فِي الْوَقْتِ فَعَمِلْنَا بِالْوَجْهَيْنِ فَجَعَلْنَاهُ طُهُورًا فِي حَقِّ الْمَسْحِ كَمَا سَيَأْتِي وَاقْتِصَارًا فِي حَقِّ الْقَضَاءِ اهـ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ هَاهُنَا كَلَامًا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَائِنَا الْأَرْبَعَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ تُنْتَقَضُ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ عِنْدَ الْخُرُوجِ فَقَطْ لَكِنْ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ إنَّمَا يُوجِبَانِ الطَّهَارَةَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّهَا لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا تُعْتَبَرُ الطَّهَارَةُ الْوَاقِعَةُ قَبْلَهُ فَتُعَادُ بَعْدَ دُخُولِهِ لَا؛ لِأَنَّهَا تُنْتَقَضُ بِالدُّخُولِ وَزُفَرُ إنَّمَا لَمْ يُوجِبْ الطَّهَارَةَ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِدُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ وَقْتِ الْفَجْرِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ قَضَى الْفَجْرَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ قَضَاهُ مَعَ سُنَّتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَضَاهُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِلَا سُنَّتِهِ فَإِيجَابُ زُفَرَ الطَّهَارَةَ بَعْدَ دُخُولِ الظُّهْرِ لَا قَبْلَهُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْفَجْرِ لَيْسَ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تُنْتَقَضُ بِالْخُرُوجِ عِنْدَهُ بَلْ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلَّا بِدُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِنَّ الِانْتِقَاضَ عِنْدَهُ أَيْضًا بِالْخُرُوجِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: أُقِيم مَقَامَ الْأَدَاءِ) لِكَوْنِهِ مَحِلَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ انْتِفَاءِ الْحَاجَةِ بِالْخُرُوجِ) فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَاقِضًا أَيْضًا عِنْدَهُ كَمَا يُنْتَقَضُ بِالدُّخُولِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ وَزُفَرَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ) وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي جَعَلَ خُرُوجَهُ أَوْ دُخُولَهُ نَاقِضًا لِلطَّهَارَةِ إنَّمَا هُوَ وَقْتُ الْفَرْضِ وَصَلَاةُ الْعِيدِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ. (قَوْلُهُ: يُصَلُّونَ بِهِ الْعَصْرَ فِي رِوَايَةٍ) فِي الْبَدَائِعِ لَمْ يَجْعَلْهُ رِوَايَتَيْنِ بَلْ قَالَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ: بَعْدَمَا خَرَجَ الْوَقْتُ) خِلَافًا لِزُفَرَ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ يَجُوزُ مُطْلَقًا أَيْ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْحَدَثِ الطَّارِئِ) أَيْ الْعَارِضِ بَعْدَ اللُّبْسِ وَالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ لَا السَّابِقِ عَلَيْهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا لِمَا عُرِفَ) أَيْ عَدَمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِالطَّهَارَةِ الْمُتَحَقِّقَةِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ ظَهَرَ بَعْدَ الْخُرُوجِ وَالطَّهَارَةُ سَابِقَةٌ عَلَيْهِ فَلَا تَرْفَعُهُ

صَاحِبَ عُذْرٍ إذَا لَمْ يَجِدْ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ زَمَانًا يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْحَدَثِ. وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْفَتَاوَى المرغينانية وَالْوَاقِعَاتِ وَالْحَاوِي وَجَامِعِ الْخَلَّاطِيِّ وَخَيْرِ مَطْلُوبٍ وَالْمَنَافِعِ وَالْحَوَاشِي فَهَذِهِ عَامَّةُ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا تَرَاهُ، فَكَانَ هُوَ الْأَظْهَرُ حَتَّى لَوْ سَالَ دَمُهَا فِي بَعْضِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَتَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ، ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَدَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى وَانْقَطَعَ دَمُهَا فِيهِ أَعَادَتْ تِلْكَ الصَّلَاةَ لِعَدَمِ الِاسْتِيعَابِ وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى خَرَجَ لَا تُعِيدُهَا لِوُجُودِ اسْتِيعَابِ الْوَقْتِ. وَهَذَا كَمَا قَالُوا فِي جَانِبِ الِانْقِطَاعِ أَنَّ الْوُضُوءَ لَوْ كَانَ عَلَى السَّيَلَانِ وَالصَّلَاةَ عَلَى الِانْقِطَاعِ أَوْ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهَا إنْ عَادَ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الِانْقِطَاعِ التَّامِّ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَعَلَيْهَا الْإِعَادَةُ لِوُجُودِ الِانْقِطَاعِ التَّامِّ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا صَلَّتْ صَلَاةَ الْمَعْذُورِينَ وَلَا عُذْرَ، ثَمَّ إنَّمَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ لَوْ تَوَضَّأَتْ وَالدَّمُ سَائِلٌ أَوْ سَالَ بَعْدَ الْوُضُوءِ فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ سَائِلًا عِنْدَ الْوُضُوءِ وَلَمْ يَسِلْ بَعْدَهُ فَلَا حَتَّى إذَا تَوَضَّأَتْ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ، ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهِيَ عَلَى وُضُوئِهَا لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ مَا لَمْ يَسِلْ أَوْ تُحْدِثْ حَدَثًا آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ السَّيَلَانُ بَعْدَهُ حَتَّى يُنْتَقَضَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَفِيهِ طَعَنَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ تُعِيدَ الْوُضُوءَ إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ انْقِطَاعٌ نَاقِصٌ فَلَا يَمْنَعُ اتِّصَالَ الدَّمِ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ فَكَانَ كَالْمُسْتَمِرِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ وَاقِعٌ لِلسَّيَلَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى وُضُوءٍ آخَرَ إذَا سَالَ فِي الْوَقْتِ وَالْوُضُوءُ الْوَاقِعُ لِلسَّيَلَانِ يُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَجَوَابُهُ أَنَّ وُضُوءَهَا وُضُوءُ الطَّاهِرَاتِ إذَا لَمْ يُوجَدْ بَعْدَهُ حَدَثٌ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَرْفَعُ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ مِثْلَ وُضُوءِ غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ وَلَا يَرْفَعُ مَا بَعْدَهُ فَتَعَذَّرَ لِلْحَرَجِ فِي حَقِّ الْحَدَثِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْوُضُوءِ وَهِيَ إنَّمَا تُخَالِفُ الطَّاهِرَاتِ فِي التَّخْفِيفِ لَا فِي التَّغْلِيظِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْحَدَثَ الْمَوْجُودَ حَقِيقَةً مَعْدُومًا حُكْمًا لِلْعُذْرِ وَفِيمَا قَالَهُ عِيسَى يَلْزَمُ جَعْلُ الْحَدَثِ الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً مَوْجُودًا حُكْمًا وَهُوَ عَكْسُ الْمَشْرُوعِ وَلَوْ جَدَّدَتْ الْوُضُوءَ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، ثُمَّ سَالَ الدَّمُ انْتَقَضَ طَهَارَتُهَا؛ لِأَنَّ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَوَضَّأَتْ بَعْدَ السَّيَلَانِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَالَ عِيسَى لَا يُنْتَقَضُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ الثَّانِي، ثُمَّ إذَا أَصَابَ ثَوْبَ صَاحِبِ الْعُذْرِ نَجَسٌ مِنْ الْحَدَثِ الَّذِي اُبْتُلِيَ بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهُ إذَا كَانَ مُفِيدًا بِأَنْ لَا يُصِيبَهُ مَرَّةً أُخْرَى حَتَّى لَوْ لَمْ يَغْسِلْهُ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا بِأَنْ كَانَ يُصِيبُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى أَجْزَأَهُ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ مَا دَامَ الْعُذْرُ قَائِمًا وَقِيلَ إذَا أَصَابَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَغْسِلُهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ وَفِي الصَّلَاةِ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ يَقُولُ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ فِي وَقْتِ كُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْحَدَثِ) عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْكَافِي لَا يُشْتَرَطُ فِي الِابْتِدَاءِ عَدَمُ خُلُوِّ كُلِّ جُزْءٍ عَنْ الْحَدَثِ بَلْ يُكْتَفَى بِعَدَمِ خُلُوِّ الْجُزْءِ الَّذِي يَسَعُهُ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ عَنْ الْحَدَثِ فَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ الِاسْتِيعَابِ قَالَ قَارِئٌ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ خَطَّهُ نُقِلَتْ وَمَا قَالَهُ فِي الْكَافِي أَيْسَرُ لِأَنَّ الْعُذْرَ بِهِ مُتَحَقِّقٌ اهـ قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لَهَا إذْ قَلَّمَا يَسْتَمِرُّ كَمَالُ وَقْتٍ بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ لَحْظَةً فَيُؤَدِّي إلَى نَفْيٍ مُحَقَّقٍ إلَّا فِي الْإِمْكَانِ بِخِلَافِ جَانِبِ الصِّحَّةِ مِنْهُ فَإِنَّهُ بِدَوَامِ انْقِطَاعِهِ وَقْتًا كَامِلًا وَهُوَ مِمَّا لَا يَتَحَقَّقُ اهـ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَتَى قَدَرَ الْمَعْذُورُ عَلَى رَدِّ السَّيَلَانِ بِرِبَاطٍ أَوْ حَشْوٍ أَوْ كَانَ لَوْ جَلَسَ لَا يَسِيلُ وَلَوْ قَامَ سَالَ وَجَبَ رَدُّهُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِرَدِّهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ عُذْرٍ بِخِلَافِ الْحَائِضِ إذَا مَنَعَتْ الدُّرُورَ فَإِنَّهَا حَائِضٌ وَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا بِالْإِيمَاءِ إنْ سَالَ بِالْمَيَلَانِ لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ أَهْوَنُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ بِالْإِيمَاءِ لَهَا وُجُودٌ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ فِي التَّنَفُّلِ عَلَى الدَّابَّةِ وَلَا يَجُوزُ مَعَ الْحَدَثِ بِحَالِ حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا سَالَ جُرْحُهُ وَإِنْ اسْتَلْقَى لَا يَسِيلُ وَجَبَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ كَمَا لَا تَجُوزُ مَعَ الْحَدَثِ إلَّا ضَرُورَةً لَا تَجُوزُ مُسْتَلْقِيًا إلَّا لَهَا فَاسْتَوَيَا وَتَرَجَّحَ الْأَدَاءُ مَعَ الْحَدَثِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْرَازِ الْأَرْكَانِ وَلَوْ كَانَتْ بِهِ دَمَامِلُ أَوْ جُدَرِيٌّ فَتَوَضَّأَ وَبَعْضُهَا سَائِلٌ، ثُمَّ سَالَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ سَائِلًا انْتَقَضَ؛ لِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ جَدِيدٌ فَصَارَ كَالْمَنْخِرَيْنِ،. وَمَسْأَلَةُ الْمَنْخِرَيْنِ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ وَهِيَ مَا إذَا سَالَ أَحَدُ مَنْخِرَيْهِ فَتَوَضَّأَ مَعَ سَيَلَانِهِ وَصَلَّى، ثُمَّ سَالَ الْآخَرُ فِي الْوَقْتِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ جَدِيدٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْحَوَاشِي) لِلْخَبَّازِيِّ لَمْ يَعْزُهُ فِي الْغَايَةِ لِغَيْرِ الذَّخِيرَةِ وَالْمَرغِينَانيَّةِ فَلَعَلَّهُ هُنَا سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَهُوَ اسْتِظْهَارُهُ بِبَقِيَّةِ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: فَتَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ) فَلَا تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ فَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ مَعَ الْحَدَثِ اهـ يَحْيَى. (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ اسْتِيعَابِ الْوَقْتِ) أَيْ الدَّمُ الْمُقَارِنُ لِلْوُضُوءِ أَوْ الصَّلَاةِ لَمَّا اسْتَمَرَّ إلَى أَنْ خَرَجَ الْوَقْتُ الثَّانِي كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ الدَّمَ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ فِي جَانِبِ السَّيَلَانِ كَقَوْلِهِمْ فِي جَانِبِ الِانْقِطَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ إلَى آخِرِهِ) حَاصِلُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُضُوءَهَا لِلسَّيَلَانِ بَلْ لِلطَّهَارَةِ كَوُضُوءِ سَائِرِ الطِّهَارَات وَإِنَّمَا لَمْ تَحْتَجْ إلَى وُضُوءٍ آخَرَ لَوْ سَالَ الدَّمُ بَعْدَهُ لِدَفْعِ الْحَرَجِ، وَإِذَا كَانَ وُضُوءُهَا لِلطَّهَارَةِ لَمْ تُعِدْ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَكْسُ الْمَشْرُوعِ) قِيلَ هَذَا مَنْقُوضٌ بِالْمُؤْتَمِّ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ، أَقُولُ مَنَاطُ الِاعْتِبَارَيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْعُذْرِ الْمُقْتَضِي لِلتَّخْفِيفِ وَهُوَ هُنَا فِي عَدَمِ إيجَابِ الْوُضُوءِ يَجْعَلُ الْحَدَثَ الْمَوْجُودَ حَقِيقَةً فِي الْوَقْتِ كَلَا مَوْجُودٍ لَا فِي إيجَابِهِ يَجْعَلُ غَيْرَ الْمَوْجُودِ كَالْمَوْجُودِ كَمَا أَنَّ التَّخْفِيفَ هُنَاكَ يَجْعَلُ غَيْرَ الْمَوْجُودِ كَالْمَوْجُودِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ) أَيْ فَيُنْتَقَضُ بِالدَّمِ السَّائِلِ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا تَوَضَّأَتْ بَعْدَ السَّيَلَانِ) فَإِنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ بِالسَّيَلَانِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ عَنْ حَاجَةٍ. اهـ. .

[النفاس]

صَلَاةٍ مَرَّةً كَالْوُضُوءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَالنَّجَاسَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهَا يُعْفَى فَأُلْحِقَ الْكَثِيرُ بِالْقَلِيلِ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنِّفَاسُ دَمٌ يَعْقُبُ الْوَلَدَ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَنَفَّسَ الرَّحِمُ بِالْوَلَدِ أَوْ مِنْ خُرُوجِ النَّفْسِ بِمَعْنَى الْوَلَدِ أَوْ بِمَعْنَى الدَّمِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلُودَ نَفْسٌ، وَكَذَا الدَّمُ يُسَمَّى نَفْسًا قَالَ الشَّاعِرُ تَسِيلُ عَلَى حَدِّ السُّيُوفِ نُفُوسُنَا ... وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ السُّيُوفِ تَسِيلُ أَيْ دِمَاؤُنَا وَمِنْهُ قَوْلُ النَّخَعِيّ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ إذَا مَاتَ فِيهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنْهُ هَكَذَا ذَكَرُوا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ النِّفَاسُ بِكَسْرِ النُّونِ وِلَادَةُ الْمَرْأَةِ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الدَّمُ كَمَا سُمِّيَ بِالْحَيْضِ وَفِي الْمُغْرِبِ، وَأَمَّا اشْتِقَاقُهُ مِنْ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ أَوْ خُرُوجِ النَّفْسِ بِمَعْنَى الْوَلَدِ فَلَيْسَ بِذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَمُ الْحَامِلِ اسْتِحَاضَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ حَيْضٌ اعْتِبَارًا بِالنِّفَاسِ بِأَنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَالنِّفَاسُ مِنْ الْأَوَّلِ وَهِيَ حَامِلٌ بِالثَّانِي فَلَوْلَا أَنَّهَا تَحِيضُ لَمَا صَارَتْ نُفَسَاءَ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَمُ رَحِمٍ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» فَجَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وُجُودَ الْحَيْضِ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَبَلِ حَيْثُ جَعَلَ الْحَيْضَ غَايَةً لِلْحُرْمَةِ وَمَا حَلَّتْ إلَّا لِلتَّيَقُّنِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ وَأَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَوْ جَازَ اجْتِمَاعُهُمَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُ الْحَيْضِ دَلِيلًا عَلَى انْتِفَاءِ الْحَبَلِ وَلَمْ تَكُنْ حَلَالًا بِوُجُودِهِ احْتِيَاطًا فِي أَمْرِ الْأَبْضَاعِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ رَفَعَ الْحَيْضَ عَنْ الْحُبْلَى وَجَعَلَ الدَّمَ رِزْقًا لِلْوَلَدِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ؛ وَلِأَنَّ فَمَ الرَّحِمِ يَنْسَدُّ بِالْحَبَلِ كَذَا الْعَادَةُ وَفِيمَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَنْفَتِحُ فَمُهُ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَتَنَفَّسَ بِالدَّمِ فَلَا يَلْزَمُنَا وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ فَإِنْ خَرَجَ أَكْثَرُهُ يَكُونُ نِفَاسًا، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ تَقَطَّعَ فِيهَا وَخَرَجَ أَكْثَرُهُ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَخُرُوجُ أَكْثَرِهِ كَخُرُوجِ كُلِّهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَكُونُ نِفَاسًا؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ عِنْدَهُمَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا قَالَا فِي التَّوْأَمَيْنِ وَفِي الْمُفِيدِ النِّفَاسُ يَثْبُتُ بِخُرُوجِ أَقَلِّ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِخُرُوجِ أَكْثَرِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسِّقْطُ إنْ ظَهَرَ بَعْضُ خَلْقِهِ وَلَدٌ) وَذَلِكَ مِثْلَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ ظُفُرٍ أَوْ شَعْرٍ فَتَكُونُ بِهِ نُفَسَاءَ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ بِهِ وَيَحْنَثُ بِهِ لَوْ كَانَ عَلَّقَ يَمِينَهُ بِالْوِلَادَةِ وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ سُرَّتِهَا لَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ إلَّا إذَا سَالَ الدَّمُ مِنْ فَرْجِهَا لَكِنْ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِهِ وَيَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) أَيْ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْوَلَدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَمَارَةٍ زَائِدَةٍ عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ دَلِيلٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ النِّفَاس] قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالنِّفَاسُ دَمٌ) يُفِيدُ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرُدَّ مَالًا تَكُونُ نُفَسَاءَ اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: يَعْقُبُ الْوَلَدَ) ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي التَّعْرِيفِ فَيُقَالُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ مِنْ الْفَرْجِ فَإِنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ مِنْ قِبَلِ سُرَّتِهَا بِأَنْ كَانَ بِبَطْنِهَا جُرْحٌ فَانْشَقَّتْ وَخَرَجَ الْوَلَدُ مِنْهَا تَكُونُ صَاحِبَةَ جُرْحٍ سَائِلٍ لَا نُفَسَاءَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ: النَّخَعِيّ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لَا يُنَجِّسُ) وَفِي الصِّحَاحِ جَعَلَهُ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ. اهـ. سَرُوجِيٌّ الدَّمُ مَنْفُوسٌ فَتَسْمِيَتُهُ بِالنِّفَاسِ تَسْمِيَةٌ لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ أَوْ خُرُوجِ النَّفْسِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَدَمُ الْحَامِلِ اسْتِحَاضَةٌ) أَيْ وَلَوْ فِي حَالِ وِلَادَتِهَا. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ: وَلَا حَائِضٍ) أَيْ وَلَا حَائِلِ كَذَا فِي مُسْوَدَّةِ الْمُصَنِّفِ اهـ قَالَ فِي مَشَارِعِ الشَّارِعِ وَمَا تَرَاهُ الْحَامِلُ لَا يَكُونُ حَيْضًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَكَذَا مَا تَرَاهُ حَالَ الطَّلْقِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَمَا خَرَجَ وَقْتَ خُرُوجِ الْوَلَدِ دَمُ نِفَاسٍ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مَا لَمْ يَخْرُجْ الرَّأْسُ وَنِصْفُ الْوَلَدِ أَوْ الرِّجْلُ وَأَكْثَرُ الْوَلَدِ لَا يَكُونُ دَمَ نِفَاسٍ اهـ (قَوْلُهُ: وَجُعِلَ الدَّمُ رِزْقًا لِلْوَلَدِ) يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ سُرَّتِهِ لِئَلَّا يَتَلَطَّخَ فَمُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ سُرَّتِهِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيمَا ذَكَرَهُ) أَيْ الشَّافِعِيُّ. (قَوْلُهُ: بِخُرُوجِ الْوَلَدِ) جَعَلْنَا دَمَ الْحَامِلِ اسْتِحَاضَةً قَبْلَ انْفِتَاحِ فَمِ الرَّحِمِ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ وَبَعْدَهُ لَيْسَ بِاسْتِحَاضَةٍ بَلْ نِفَاسٍ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فَأَمَّا إذَا خَرَجَ أَقَلُّهُ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ نُفَسَاءَ وَفِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ لَمْ تُصَلِّ تَصِيرُ عَاصِيَةً، ثُمَّ كَيْفَ تُصَلِّي قَالُوا يُؤْتَى بِقِدْرٍ فَتَجْعَلُ الْقِدْرَ تَحْتَهَا وَتَجْلِسُ هُنَاكَ وَتُصَلِّي كَيْ لَا تُؤْذِي وَلَدَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) أَيْ مَا تَرَاهُ حَالَةَ الْوِلَادَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْأَكْثَرِ اسْتِحَاضَةٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالسِّقْطُ إنْ ظَهَرَ بَعْضُ خَلْقِهِ وَلَدًا) أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا يُسَمَّى وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ وَالْوَصِيَّةَ وَلَا يُعْتَقُ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مُسْتَبِينٌ أَمْ لَا بِأَنْ أُسْقِطَتْ فِي الْمَخْرَجِ فَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَهِيَ مُبْتَدَأَةٌ فِي النِّفَاسِ وَصَاحِبَةُ عَادَةٍ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ عَشَرَةً وَفِي الطُّهْرِ عِشْرِينَ فَنَقُولُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ مُسْتَبِينُ الْخَلْقِ هِيَ نُفَسَاءُ وَنِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَبِنْ لَا تَكُونُ نُفَسَاءَ وَيَكُونُ عَشَرَةٌ عَقِيبَ الْإِسْقَاطِ حَيْضًا إذَا وَافَقَ عَادَتَهَا أَوْ كَانَ ذَلِكَ عَقِيبَ طُهْرٍ صَحِيحٍ فَتَتْرُكُ هِيَ الصَّلَاةَ عَقِيبَ الْإِسْقَاطِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِيَقِينٍ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي عِشْرِينَ يَوْمًا بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ بِالشَّكِّ، ثُمَّ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِيَقِينٍ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِتَمَامِ مُدَّةِ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ طُهْرُهَا عِشْرِينَ وَحَيْضُهَا عَشَرَةً وَذَلِكَ دَأْبُهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ كَيْ لَا تَسْتَبِينَ الْخِلْقَةُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مُدَّةُ النُّطْفَةِ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا مُدَّةُ الْعَلَقَةِ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا مُدَّةُ الْمُضْغَةِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ. (قَوْلُهُ: أَوْ ظُفُرٍ أَوْ شَعْرٍ) فَلَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ وَلَدًا فَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا بِأَنْ امْتَدَّ جُعِلَ إيَّاهُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ بِهِ) أَيْ إذَا اعْتَرَفَ أَنَّهَا حَامِلٌ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَيَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ) أَيْ وَتَصِيرُ صَاحِبَةَ جُرْحٍ بِالدَّمِ السَّائِلِ مِنْهَا. اهـ. غَايَةٌ.

[مدة النفاس]

أَنَّهُ مِنْهُ وَدَمُ الرَّحِمِ يَمْتَدُّ عَادَةً فَجَعَلَ الِامْتِدَادَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ، وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تُرِدْ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ خُرُوجِ النَّفْسِ نِفَاسٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الدَّمِ قَالَ فِي الْمُفِيدِ هُوَ الصَّحِيحُ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ لِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ مَعَ الْوَلَدِ إذْ لَا يَخْلُو عَنْ رُطُوبَةٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَقَلَّهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ دُونَهُ لَا يَكُونُ نِفَاسًا بَلْ مُرَادُهُ إذَا وَقَعَتْ حَاجَةٌ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ فِي النِّفَاسِ لَا يَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ إذْ لَوْ نَصَبَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ أَدَّى إلَى نَقْصِ الْعَادَةِ عِنْدَ عَوْدِ الدَّمِ فِي الْأَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الدَّمَ إذَا كَانَ فِي الْأَرْبَعِينَ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ فِيهِ لَا يَفْصِلُ طَالَ الطُّهْرُ أَوْ قَصُرَ حَتَّى لَوْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَأَرْبَعِينَ إلَّا سَاعَتَيْنِ طُهْرًا، ثُمَّ سَاعَةً دَمًا كَانَ الْأَرْبَعُونَ كُلُّهُ نِفَاسًا وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا يَكُونُ الْأَوَّلُ نِفَاسًا وَالثَّانِي حَيْضًا إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا كَانَ اسْتِحَاضَةً وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مُقَدَّرَةً بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا عِنْدَهُ وَأَبُو يُوسُفَ قَدَّرَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا لِيَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ) أَيْ أَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا لِقَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَرَى النِّفَاسَ شَهْرَيْنِ بِهِ اسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَنَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَمْ تَجْلِسُ الْمَرْأَةُ إذَا وَلَدَتْ؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ» وَقَالَتْ أَيْضًا «كَانَتْ النِّسَاءُ يَجْلِسْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ يَوْمًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ يَقُلْ بِالسِّتِّينَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَرَى النِّفَاسَ شَهْرَيْنِ قُلْنَا مِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ الشَّهْرَيْنِ نِفَاسٌ بَلْ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ اسْتِحَاضَةٌ وَلَيْسَ لَهُ فِي إسْقَاطِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ عَنْهَا وَتَحْرِيمِ وَطْئِهَا عَلَى الزَّوْجِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قِيَاسٍ إلَّا حِكَايَةَ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ امْرَأَةٍ مَجْهُولَةٍ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ عِنْدَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَاعْتِقَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نِفَاسٌ حُجَّةٌ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ الْأَوْزَاعِيُّ نَفْسُهُ بَلْ مَذْهَبُهُ مِثْلُ مَذْهَبِنَا مِنْ وِلَادَةِ الْجَارِيَةِ وَمِنْ الْغُلَامِ أَكْثَرُهُ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَعَنْهُ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَقَوْلُهُ وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ أَيْ الزَّائِدُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ اسْتِحَاضَةٌ لِعَدَمِ النَّقْلِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي الْمَقَادِيرِ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بَيَانُ الْمُبْتَدَأَةِ، وَأَمَّا صَاحِبَةُ الْعَادَةِ إذَا زَادَ دَمُهَا عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا وَقَدْ ذَكَرَهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِفَاسُ التَّوْأَمَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ مِنْ الْوَلَدِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا حَامِلٌ بِهِ فَلَا يَكُونُ دَمُهَا مِنْ الرَّحِمِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ مَا تَرَاهُ الْحَامِلُ مِنْ الدَّمِ حَيْضًا، وَكَذَا لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ إلَّا بِوَضْعِ الثَّانِي؛ وَلِأَنَّ جَعْلَ النِّفَاسِ مِنْ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ نِفَاسَيْنِ بِلَا طُهْرٍ يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ الثَّانِيَ لِتَمَامِ أَرْبَعِينَ مِنْ الْأَوَّلِ وَجَبَ نِفَاسٌ آخَرُ لِلْوَلَدِ الثَّانِي وَلَهُمَا أَنَّ النِّفَاسَ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ وَهِيَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَصَارَ كَالدَّمِ الْخَارِجِ عَقِيبَ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ إذْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُوجَدُ تَنَفُّسُ الرَّحِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ مُدَّة النِّفَاس] قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ) أَيْ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ لَا تَخْلُو ظَاهِرًا عَنْ قَلِيلِ دَمٍ اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) قَالَ فِي الْمُبْتَغَى وَبِوِلَادَتِهَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ وَإِنْ لَمْ تَرَ دَمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حَتَّى لَزِمَهَا الْغُسْلُ فَقَدْ جَعَلَ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَعَلَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْمُفِيدِ هُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمَرْأَةُ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا وَلَمْ تَرَ دَمًا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي حَقِّ الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) بَيَانُهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ، ثُمَّ قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ بَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ وَالْبَاقِي ثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُقَدَّرُ الْأَقَلُّ بِمُدَّةٍ فَيُعْتَبَرُ الْأَقَلُّ عُرْفًا وَهُوَ سَاعَةٌ وَالْبَاقِي لِثَلَاثِ حِيَضٍ وَثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ. . اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَنِفَاسُ التَّوْأَمَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، ثُمَّ يَسْتَوِي مَا إذَا كَانَ خَتْمُ عَادَتِهَا بِالدَّمِ أَوْ بِالطُّهْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ خَتْمُ عَادَتِهَا بِالدَّمِ فَكَذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِالطُّهْرِ فَلَا؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَرَى خَتْمَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِالطُّهْرِ إذَا كَانَ بَعْدَهُ دَمٌ وَمُحَمَّدٌ لَا يَرَى ذَلِكَ وَبَيَانُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَ عَادَتُهَا فِي النِّفَاسِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَانْقَطَعَ دَمُهَا عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ يَوْمًا وَطَهُرَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ تَمَامَ عَادَتِهَا فَصَلَّتْ وَصَامَتْ، ثُمَّ عَاوَدَهَا الدَّمُ فَاسْتَمَرَّ بِهَا حَتَّى جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ ذُكِرَ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فِيمَا وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ وَلَا يَجْزِيهَا صَوْمُهَا فِي الْعَشَرَةِ الَّتِي صَامَتْ فَيَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ يَسْتَقِيمُ فَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَرَى خَتْمَ النِّفَاسِ بِالطُّهْرِ إذَا كَانَ بَعْدَهُ كَمَا يَرَى خَتْمَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ إذَا كَانَ بَعْدَهُ دَمٌ فَيُمْكِنُ جَعْلُ الثَّلَاثِينَ نِفَاسًا لَهَا عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ خَتْمُهَا بِالطُّهْرِ وَمُحَمَّدٌ لَا يَرَى خَتْمَ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ بِالطُّهْرِ فَنِفَاسُهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ عِنْدَهُ عِشْرُونَ يَوْمًا فَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ مَا صَامَتْ فِي الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ بَعْدَ الْعِشْرِينَ

[باب الأنجاس]

وَانْفِتَاحُهُ بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِوَضْعِ حَمْلٍ مُضَافٍ إلَيْهَا فَيَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّفَاسَيْنِ مُتَوَالِيَانِ بَلْ النِّفَاسُ مِنْ الْأَوَّلِ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَالثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ، ثُمَّ شَرْطُ التَّوْأَمَيْنِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَتَّى لَا يُمْكِنَ عُلُوقُ الثَّانِي مِنْ وَطْءٍ حَادِثٍ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ فَهُمَا حَمْلَانِ وَنِفَاسَانِ وَإِنْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَذَلِكَ بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَلَكِنْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجْعَلُ حَمْلًا وَاحِدًا. (بَابُ الْأَنْجَاسِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَطْهُرُ الْبَدَنُ وَالثَّوْبُ بِالْمَاءِ وَبِمَائِعٍ مُزِيلٍ كَالْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي وُجُوبِ غَسْلِ النَّجَسِ وَالثَّانِي فِيمَا يَطْهُرُ بِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] أَيْ فَطَهِّرْهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ وَمَا نُقِلَ خِلَافُ ذَلِكَ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَةِ لَا يُوَافِقُ ظَاهِرَ اللُّغَةِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُتِّيهِ، ثُمَّ اُقْرُصِيهِ، ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ» «وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ» وَلَا فَرْقَ بَيْنَ نَجَاسَةٍ وَنَجَاسَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ غَسْلُ بَوْلِ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ بَلْ يُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَا غَيْرُ، وَلَنَا الْعُمُومَاتُ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ النَّضْحِ وَالصَّبِّ الْمُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَذْيِ «تَوَضَّأْ وَانْضَحْ فَرْجَك» وَلَا يَجْزِيهِ إلَّا الْغُسْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا رَأَتْ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ انْفِتَاحُ الرَّحِمِ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا. (قَوْلُهُ: فَالصَّحِيحُ أَنْ يُجْعَلَ حَمْلًا وَاحِدًا) لِأَنَّ الثَّالِثَ مِنْ عُلُوقِ الثَّانِي وَهُوَ مِنْ عُلُوقِ الْأَوَّلِ. اهـ. يَحْيَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْأَنْجَاسِ] جَمْعُ نَجَسٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ اسْمًا لِكُلِّ مُسْتَقْذَرٍ وَيُطْلَقُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَالْحُكْمِيِّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَابُ الْأَنْجَاسِ الْحَقِيقِيَّةِ تَعْيِينًا لِلْمُرَادِ لَكِنْ لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحُكْمِيِّ كَانَ قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا هُوَ الْحَقِيقِيُّ يَحْيَى. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِمَائِعٍ) أَيْ مَائِعٍ طَاهِرٍ اهـ عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ وَاجِبٌ) أَيْ مُقَيَّدٌ بِالْإِمْكَانِ وَبِمَا إذَا يَسْتَلْزِمُ ارْتِكَابَ مَا هُوَ أَشَدُّ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَتِهَا إلَّا بِإِبْدَاءِ عَوْرَتِهِ لِلنَّاسِ يُصَلِّي مَعَهَا؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ أَشَدُّ فَلَوْ أَبْدَاهَا لِلْإِزَالَةِ فَسَقَ إذْ مَنْ اُبْتُلِيَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَحْظُورَيْنِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْتَكِبَ أَهْوَنَهُمَا أَمَّا مَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ إذَا وَجَدَ مَاءً يَكْفِي أَحَدُهُمَا فَقَطْ إنَّمَا وَجَبَ صَرْفُهُ إلَى النَّجَاسَةِ لَا الْحَدَثِ لِيَتَيَمَّمَ بَعْدَهُ فَيَكُونُ مُحَصِّلًا لِلطَّهَارَتَيْنِ لَا؛ لِأَنَّهَا أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ وَلَا لِأَنَّهُ صَرْفٌ إلَى الْأَخَفِّ حَتَّى يُرَدَّ إشْكَالًا كَمَا قَالَهُ حَمَّادٌ حَتَّى أَوْجَبَ صَرْفَهُ إلَى الْحَدَثِ وَقَوْلُنَا لِيَتَيَمَّمَ بَعْدَهُ هُوَ لِيَقَعَ تَيَمُّمُهُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا أَمَّا لَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ صَرْفِهِ إلَى النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الصَّرْفَ إلَيْهَا فَكَانَ مَعْدُومًا فِي حَقِّ الْحَدَثِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْإِزَالَةِ لِخَفَاءِ خُصُوصِ الْمَحِلِّ الْمُصَابِ مَعَ الْعِلْمِ بِتَنَجُّسِ الثَّوْبِ قِيلَ الْوَاجِبُ غَسْلُ طَرَفٍ مِنْهُ فَإِنْ غَسَلَهُ بِتَحَرٍّ أَوْ بِلَا تَحَرٍّ طَهُرَ وَذِكْرُ الْوَجْهِ يُبَيِّنُ أَنْ لَا أَثَرَ لِلتَّحَرِّي وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضَهُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي قِيَامِ النَّجَاسَةِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَغْسُولِ مَحِلَّهَا فَلَا يُقْضَى بِالنَّجَاسَةِ بِالشَّكِّ كَذَا أَوْرَدَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. قَالَ وَسَمِعْت الشَّيْخَ الْإِمَامَ تَاجَ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ وَيَقِيسُهُ عَلَى مَسْأَلَةٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ هِيَ إذَا فَتَحْنَا حِصْنًا وَفِيهِمْ ذِمِّيٌّ لَا يُعْرَفُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِيَقِينٍ فَلَوْ قُتِلَ الْبَعْضُ أَوْ أُخْرِجَ حَلَّ قَتْلُ الْبَاقِي لِلشَّكِّ فِي قِيَامِ الْمُحَرَّمِ، كَذَا هُنَا وَفِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ مُجَرَّدًا عَنْ التَّعْلِيلِ فَلَوْ صَلَّى مَعَهُ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ فِي طَرَفٍ آخَرَ يَجِبُ إعَادَةُ مَا صَلَّى وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الثَّوْبُ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَا يَدْرِي مَكَانَهَا يُغْسَلُ كُلُّهُ وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ وَذَلِكَ التَّعْلِيلُ مُشْكِلٌ عِنْدِي فَإِنْ غُسِلَ طَرَفٌ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي طُهْرِ الثَّوْبِ بَعْدَ الْيَقِينِ بِنَجَاسَتِهِ قَبْلُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ شَكَّ فِي الْإِزَالَةِ بَعْدَ تَيَقُّنِ قِيَامِ النَّجَاسَةِ وَالشَّكُّ لَا يَرْفَعُ الْمُتَيَقَّنَ قَبْلَهُ وَالْحَقُّ أَنَّ ثُبُوتَ الشَّكِّ فِي كَوْنِ الطَّرَفِ الْمَغْسُولِ وَالرِّجْلِ الْمَخْرَجَ هُوَ مَكَانُ النَّجَاسَةِ وَالْمَعْصُومُ الدَّمُ يُوجِبُ أَلْبَتَّةَ الشَّكَّ فِي طُهْرِ الْبَاقِي وَإِبَاحَةَ دَمِ الْبَاقِينَ وَمِنْ ضَرُورَةِ صَيْرُورَتِهِ مَشْكُوكًا فِيهِ ارْتِفَاعُ الْيَقِينِ عَنْ تَنَجُّسِهِ وَمَعْصُومِيَّتُهُ، وَإِذَا صَارَ مَشْكُوكًا فِي نَجَاسَتِهِ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ إلَّا أَنَّ هَذَا إنْ صَحَّ لَمْ يَبْقَ لِكَلِمَتِهِمْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَعْنِي قَوْلَهُمْ الْيَقِينُ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ مَعْنَى فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ شَكٌّ فِي مَحَلِّ ثُبُوتِ الْيَقِينِ لِتَصَوُّرِ ثُبُوتِ شَكٍّ فِيهِ لَا يَرْتَفِعُ بِهِ ذَلِكَ الْيَقِينُ فَمِنْ هَذَا حَقَّقَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَقِينِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَخْلُصُ الْإِشْكَالُ فِي الْحُكْمِ لَا الدَّلِيلِ فَنَقُولُ وَإِنْ ثَبَتَ الشَّكُّ فِي طَهَارَةِ الْبَاقِي لَكِنْ لَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ ذَلِكَ الْيَقِينِ السَّابِقِ بِنَجَاسَتِهِ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ بَعْدَ غَسْلِ الطَّرَفِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ الطَّارِئَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَقِينِ السَّابِقِ عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْيَقِينُ لَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ فَقَتْلُ الْبَاقِي وَالْحُكْمُ بِطَهَارَةِ الْبَاقِي مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: ثُمَّ اغْسِلِيهِ) وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّطْهِيرِ الْعَصِيرُ وَفِي الْمُغْرِبِ الْحَتُّ الْقَشْرُ بِالْيَدِ أَوْ الْعُودِ وَالْقَرْصُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ اهـ وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُتِّيهِ أَمْرٌ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ سَأَلَتْهُ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ لِكَوْنِهِ نَجِسًا فَيُلْحَقُ كُلُّ نَجِسٍ بِهِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: «وَنَهَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالْمَجْزَرَةِ») أَيْ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ اهـ

اتِّفَاقًا؛ وَلِأَنَّ النَّضْحَ كَثْرَةُ الصَّبِّ وَمِنْهُ النَّاضِحُ لِلْجَمَلِ الَّذِي يُسْتَخْرَجُ بِهِ الْمَاءُ قَالَهُ الْمُهَلَّبُ وَمَا ذَكَرُوا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ أَنَّ بَوْلَ الْجَارِيَةِ أَثْخَنُ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ ضَعِيفٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ثَخِينِ النَّجَاسَةِ وَرَقِيقِهَا فِي وُجُوبِ إزَالَتِهَا بِالْغُسْلِ وَهَذَا الْمُدَّعَى بِنَفْسِهِ تَحَكُّمٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَلَا يُعْتَمَدُ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِالصَّبِيِّ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَحْمِلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَالْبَلْوَى بِهِ أَكْثَرُ وَأَعَمُّ أَضْعَفُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجِبَ غَسْلُ ثِيَابِ النِّسَاءِ مِنْ بَوْلِهَا لِكَوْنِ الِابْتِلَاءِ بِهِ أَشَدَّ فِي حَقِّهِنَّ لِاخْتِصَاصِهِنَّ بِحَمْلِهَا وَمُشَارَكَةِ الرِّجَالِ فِي حَمْلِ الصَّبِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَتَبَيَّنُ لِي فَرْقٌ بَيْنَهُمَا وَلَقَدْ أَنْصَفَ فِيمَا قَالَ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا يَطْهُرُ بِهِ النَّجَسُ فَبِكُلِّ مَائِعٍ يُمْكِنُ إزَالَتُهُ بِهِ كَالْخَلِّ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ وَالْمُتَنَجِّسُ لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ تُرِكَ فِي الْمَاءِ لِلنَّصِّ وَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُ بِالْمَاءِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَفِي الْمَاءِ ضَرُورَةٌ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَمَصَعَتْهُ بِظُفُرِهَا أَيْ حَكَّتْهُ؛ وَلِأَنَّهُ مُزِيلٌ بِطَبْعِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُفِيدَ الطَّهَارَةَ كَالْمَاءِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْلَعُ لَهَا؛ وَلِأَنَّا نُشَاهِدُ وَنَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمَائِعَ يُزِيلُ شَيْئًا مِنْ النَّجَاسَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَلِهَذَا يَتَغَيَّرُ لَوْنُ الْمَاءِ بِهِ وَالنَّجَاسَةُ مُتَنَاهِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ جَوَاهِرَ مُتَنَاهِيَةٍ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِذَا انْتَهَتْ أَجْزَاؤُهَا بَقِيَ الْمَحِلُّ طَاهِرًا لِعَدَمِ الْمُجَاوَرَةِ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّنَجُّسِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ سَقَطَ لِلضَّرُورَةِ كَمَا سَقَطَ فِي الْمَاءِ وَلَا تَعَلُّقَ لِلشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ»؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ اللَّقَبِ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إجْمَاعًا كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلِيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمْ يُجَوِّزْ تَطْهِيرَ الْبَدَنِ إلَّا بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ يَجِبُ إزَالَتُهَا عَنْ الْبَدَنِ فَلَا يَزُولُ بِغَيْرِ الْمَاءِ كَالْحَدَثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الدُّهْنِ) أَيْ لَا يَجُوزُ إزَالَتُهَا بِالدُّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يُخْرِجُ غَيْرَهُ، وَكَذَا الدِّبْسُ وَاللَّبَنُ وَالْعَصِيرُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ غَسَلَ الدَّمَ مِنْ الثَّوْبِ بِدُهْنٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ حَتَّى ذَهَبَ أَثَرُهُ جَازَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخُفُّ بِالدَّلْكِ بِنَجَسٍ ذِي جِرْمٍ) أَيْ يَطْهُرُ الْخُفُّ بِالدَّلْكِ إذَا تَنَجَّسَ بِنَجَسٍ ذِي جِرْمٍ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْجَفَافُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَلْيُقَلِّبْ نَعْلَيْهِ فَإِنْ رَأَى بِهِمَا أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالْأَرْضِ فَإِنَّ الْأَرْضَ لَهُمَا طَهُورٌ»؛ وَلِأَنَّ الْبَلْوَى الْعَامَّةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْجَفَافِ إذْ يَلْحَقُهُمْ بِذَلِكَ حَرَجٌ وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَيُشْتَرَطُ عِنْدَهُ زَوَالُ الرَّائِحَةِ وَعَلَى قَوْلِهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بُدَّ مِنْ الْجَفَافِ إذْ الْمَسْحُ يُكْثِرُهُ وَلَا يُطَهِّرُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ؛ وَزُفَرُ: لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ رُطُوبَتَهَا تَتَدَاخَلُ فِي الْخُفِّ وَالنَّعْلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَصَابَتْهُ رُطُوبَتُهَا دُونَ جِرْمِهَا وَكَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ) مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَخْرُجُ بَعْضُ أَجْزَائِهَا فِي الْمَاءِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَشَى وَرِجْلُهُ مُبْتَلَّةٌ عَلَى أَرْضٍ أَوْ لِبْدٍ نَجِسٍ جَافٍّ لَا يَتَنَجَّسُ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ وَظَهَرَتْ الرُّطُوبَةُ فِي رِجْلِهِ يَتَنَجَّسُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قُلْت يَجِبُ حَمْلُ الرُّطُوبَةِ عَلَى الْبَلَلِ لَا النَّدَاوَةِ فَقَدْ ذُكِرَ فِيهَا إذَا لَفَّ الثَّوْبَ النَّجِسَ الرَّطْبَ فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ الْجَافِّ فَظَهَرَتْ فِيهِ نَدْوَةٌ وَلَمْ يَصِرْ بِحَيْثُ يَقْطُرُ مِنْهُ شَيْءٌ إذَا عُصِرَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ، وَكَذَا لَوْ بَسَطَ عَلَى النَّجِسِ الرَّطْبِ فَتَنَدَّى وَلَيْسَ بِحَيْثُ يَقْطُرُ إذَا عُصِرَ الْأَصَحُّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بَلُّ الثَّوْبِ وَعَصْرُهُ بِنَبْعِ رُءُوسٍ صِغَارٍ لَيْسَ لَهَا قُوَّةُ السَّيَلَانِ لِيَتَّصِل بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَتَقْطُرُ بَلْ تَقِرُّ فِي مَوَاضِعِ نَبْعِهَا، ثُمَّ تَرْجِعُ إذَا حَلَّ الثَّوْبُ وَيَبْعُدُ فِي مِثْلِهِ الْحُكْمُ بِطَهَارَةِ الثَّوْبِ مَعَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْمُخَالِطِ فَالْأَوْلَى إنَاطَةُ عَدَمِ النَّجَاسَةِ بِعَدَمِ نَبْعِ شَيْءٍ عِنْدَ الْأَمْرِ لِيَكُونَ مُجَرَّدَ نَدْوَةٍ لَا بِعَدَمِ التَّقَاطُرِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: لِلنَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ) أَيْ لِأَنَّهَا تَنْدَفِعُ بِالْمَاءِ اهـ قُلْنَا إنَّمَا الْمَاءُ طَهُورٌ بِالنَّصِّ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مُزِيلُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَأَثَرُهُ لَا أَنَّهُ مُبَدِّلٌ حُكْمَ النَّجَاسَةِ إلَى الطَّهَارَةِ وَغَيْرُ الْمَاءِ يُشَاكِلُهُ فِي الْإِزَالَةِ أَوْ أَقْوَى إذْ الْخَلُّ أَقْلَعَ لِلنَّجَاسَةِ مِنْ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْبَوْلَ وَالدُّسُومَةَ فَأُلْحِقَ حِينَئِذٍ بِهِ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ: إلَّا بِالْمَاءِ) لِأَنَّ مَا كَانَ فِي الْبَدَنِ نَظِيرَ الْحَدَثِ إذْ فِي نَظِيرِهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ. اهـ. رَازِيٌّ؛ لِأَنَّ حَرَارَةَ الْبَدَنِ جَاذِبَةٌ وَالْمَاءُ أَدْخَلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ وَعَنْ طَهَارَةِ الْبَدَنِ بِغَيْرِ الْمَاءِ تُفَرَّعُ طَهَارَةُ الثَّدْيِ إذَا قَاءَ عَلَيْهِ الْوَلَدُ ثُمَّ رَضِعَهُ حَتَّى زَالَ أَثَرُ الْقَيْءِ، وَكَذَا إذَا لَحِسَ أُصْبُعَهُ مِنْ نَجَاسَةٍ بِهَا حَتَّى يَذْهَبَ الْأَثَرُ أَوْ شَرِبَ خَمْرًا، ثُمَّ تَرَدَّدَ رِيقُهُ فِي فِيهِ مِرَارًا طَهُرَ حَتَّى لَوْ صَلَّى صَحَّتْ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَصِحُّ وَلَا يُحْكَمُ بِالطَّهَارَةِ بِذَلِكَ لِعَدَمِ الْمَاءِ كَمَا قَالَ قَاضِيخَانْ إنْ كَانَ عَلَى بَدَنٍ نَجَاسَةٌ فَمَسَحَهَا بِخِرْقَةٍ مَبْلُولَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ يَطْهُرُ إنْ كَانَ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا عَلَى بَدَنِهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا الدُّهْنِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَلَمَّا قَيَّدَ الْمَائِعَ بِالْمُزِيلِ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الْمُزِيلِ بِقَوْلِهِ لَا الدُّهْنِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُزِيلٍ لِتَلَوُّثِهِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْخُفُّ بِالدَّلْكِ بِنَجِسٍ ذِي جِرْمٍ) وَالْخُفُّ بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْبَدَن أَيْ يَطْهُرُ الْخُفُّ الْمُتَنَجِّسُ وَالنَّعْلُ الْمُتَنَجِّسُ وَالْبَاءُ فِي بِالدَّلْكِ تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ يَطْهُرُ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِنَجِسٍ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا حَالٌ مِنْ الْخُفِّ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُتَنَجِّسًا بِنَجِسٍ ذِي جِرْمٍ عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: جِرْمٌ) أَيْ جُثَّةٌ كَالرَّوْثِ وَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ) أَيْ الْمُصَنِّفُ أَيْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْخُفُّ بَعْدَ جَفَافِ نَجَاسَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْجَفَافِ. (قَوْلُهُ: أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: إذْ الْمَسْحُ يُكْثِرُهُ) أَيْ قَبْلَ الْجَفَافِ اهـ

فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْبِسَاطِ وَكَالنَّجَاسَةِ الْمَائِعَةِ الَّتِي لَا جِرْمَ لَهَا بِخِلَافِ الْمَنِيِّ فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْخَبَرِ حَتَّى اكْتَفَى بِهِ فِي الثَّوْبِ وَلَهُمَا مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ» الْحَدِيثَ؛ وَلِأَنَّ الْخُفَّ صَلْبٌ لَا تَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ جِرْمِ النَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا تَتَدَاخَلُهُ رُطُوبَتُهَا وَذَلِكَ قَلِيلٌ أَوْ يَجْتَذِبُهُ الْجِرْمُ إذَا جَفَّ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ الْمَسْحِ إلَّا قَلِيلٌ وَذَلِكَ مَعْفُوٌّ فَصَارَ كَالسَّيْفِ وَالْحَدِيدِ الصَّقِيلِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالْبِسَاطِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَخَلْخِلَانِ فَيَتَدَاخَلُهُمَا أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ وَبِخِلَافِ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ لِينَتَهُ وَرُطُوبَتَهُ وَمَا بِهِ مِنْ الْعَرَقِ يَمْنَعُ مِنْ الْجَفَافِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا يُغْسَلُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جِرْمٌ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ تَتَشَرَّبُ فِيهِ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَقِيلَ: إذَا مَشَى عَلَى الرَّمْلِ أَوْ التُّرَابِ فَالْتَصَقَ بِالْخُفِّ أَوْ جَعَلَ عَلَيْهِ تُرَابًا أَوْ رَمْلًا أَوْ رَمَادًا فَمَسَحَهُ يَطْهُرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْجِرْمُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، ثُمَّ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا يَبْقَى بَعْدَ الْجَفَافِ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ كَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ جِرْمٌ وَمَا لَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ فَلَيْسَ بِجِرْمٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَنِيِّ آدَمِيٍّ يَابِسٍ بِالْفَرْكِ، وَإِلَّا يُغْسَلُ) أَيْ إذَا تَنَجَّسَ الْخُفُّ أَوْ الثَّوْبُ بِمَنِيٍّ وَيَبِسَ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَابِسًا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَنِيُّ لَيْسَ بِنَجِسٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يَغْسِلُهُ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «قَالَتْ كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ يُصَلِّي» وَالْوَاوُ لِلْحَالِ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ مَعَهُ وَلَمَا اكْتَفَى بِالْفَرْكِ فِيهِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «سُئِلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ وَإِنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَمْسَحِيهِ بِخِرْقَةٍ أَوْ بِإِذْخِرَةٍ»؛ وَلِأَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ الْبَشَرِ فَصَارَ كَالطِّينِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كُنْت أَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ» الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ عَمَّارٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ وَعَدَّ مِنْهَا الْمَنِيَّ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ إنْ رَأَيْته فَاغْسِلْهُ، وَإِلَّا فَاغْسِلْ الثَّوْبَ كُلَّهُ، وَعَنْ الْحَسَنِ الْمَنِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْبَوْلِ؛ وَلِأَنَّهُ دَمٌ اسْتَحَالَ بِالنُّضْجِ مِنْ حَرَارَةِ الشَّهْوَةِ وَلِهَذَا مَنْ كَثُرَ مِنْهُ الْوِقَاعُ حَتَّى فَتَرَتْ شَهْوَتُهُ يُخْرِجُ دَمًا أَحْمَرَ، وَإِنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اغْسِلِيهِ رَطْبًا وَافْرُكِيهِ يَابِسًا»؛ وَلِأَنَّهُ لَزِجٌ فَلَا تَتَدَاخَلُ أَجْزَاؤُهُ وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ أَوْ يَقِلُّ وَالْقَلِيلُ مَعْفُوٌّ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْإِمَاطَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَلِيلًا أَوْ عَلَى أَنَّهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْغَسْلِ وَتَشْبِيهُهُ بِالْمُخَاطِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنْظَرِ فِي الْبَشَاعَةِ لَا فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ» مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَأَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - آكَدُ فِي اقْتِضَاءِ الْوُجُوبِ مِنْ خَبَرِهَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ لِلْوُجُوبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ تَتَشَبَّثَ بِثِيَابِهِ وَتُشْغِلَهُ عَنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ هَيَّأْت لَهُ الطَّعَامَ وَهُوَ يَأْكُلُ أَيْ يَأْكُلُ بَعْدَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَشَرُ مِنْ النَّجَسِ، ثُمَّ يَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ فَإِنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ نَجِسًا وَيَتَوَلَّدُ مِنْهُ الطَّاهِرُ كَاللَّبَنِ فَإِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الدَّمِ وَهُوَ أَصْلُهُ فَاعْتَبَرَهُ بِالْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يُخْلَقُ مِنْهُمَا الْبَشَرُ وَإِنْ كَانَا نَجِسَيْنِ. ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ قَبْلَ الْمَذْيِ أَمَّا لَوْ خَرَجَ الْمَذْيُ أَوَّلًا، ثُمَّ خَرَجَ الْمَنِيُّ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مَسْأَلَةُ الْمَنِيِّ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْفَحْلَ يُمْذِي، ثُمَّ يُمْنِي وَالْمَذْيُ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ بِالْمَنِيِّ فَيُجْعَلُ تَبَعًا لَهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي رَأْسِ ذَكَرِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عِنْدِي أَنَّ الْمَنِيَّ إذَا خَرَجَ مِنْ رَأْسِ الْإِحْلِيلِ عَلَى سَبِيلِ الدَّفْقِ وَلَمْ يَنْتَشِرْ عَلَى رَأْسِهِ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ الَّذِي هُوَ دَاخِلُ الذَّكَرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَمُرُورُ الْمَنِيِّ عَلَيْهِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَشَرَ عَلَى رَأْسِ الْإِحْلِيلِ حَيْثُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ الَّذِي خَارِجَ الْإِحْلِيلِ مُعْتَبَرٌ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ حَتَّى لَوْ بَالَ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْبَوْلُ ثُقْبَ الْإِحْلِيلِ يُكْتَفَى بِالْفَرْكِ وَلَوْ أَصَابَ الْمَنِيُّ شَيْئًا لَهُ بِطَانَةٌ فَنَفَذَ إلَى الْبِطَانَةِ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ هُوَ الصَّحِيحُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِالدَّلْكِ بِلَا غَسْلٍ اهـ. (قَوْلُهُ: يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ) أَيْ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا خُفًّا كَانَ أَوْ ثَوْبًا أَيْ بِالْغَسْلِ لَا بِالدَّلْكِ قَالَ الْعَيْنِيُّ لِأَنَّ الدَّلْكَ حِينَئِذٍ يَزِيدُهُ انْتِشَارًا أَوْ تَلَوُّثًا. اهـ. . (قَوْلُهُ: فَيُجْعَلُ تَبَعًا لَهُ) وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَا يُمْنِي حَتَّى يُمْذِيَ وَقَدْ طَهَّرَهُ الشَّرْعُ بِالْفَرْكِ يَابِسًا يَلْزَمُ أَنَّهُ اعْتَبَرَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ أَعْنِي اعْتَبَرَهُ مُسْتَهْلِكًا لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَالَ وَلَمْ يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ حَتَّى أَمْنَى فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ حِينَئِذٍ إلَّا بِالْغُسْلِ لِعَدَمِ الْمُلْجِئِ كَمَا قِيلَ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ) وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَرْكِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَتَطْهِيرُ الْأَرْضِ إذَا كَانَتْ رَخْوَةً بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَتْ صَلْبَةً قَالُوا يُصَبُّ عَلَيْهَا، ثُمَّ تُنَشَّفُ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَإِنْ صَبَّ عَلَيْهَا كَثِيرًا حَتَّى تَصَرَّفَتْ النَّجَاسَةُ وَلَمْ يَبْقَ رِيحُهَا وَلَا لَوْنُهَا وَتُرِكَتْ حَتَّى جَفَّتْ طَهُرَتْ اهـ

الْمَنِيُّ غَلِيظًا فَجَفَّ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ وَأَسْفَلُهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصِيبُهُ الْبِلَّةُ دُونَ الْجِرْمِ، ثُمَّ إذَا فُرِكَ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُمَا وَفِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَقِلُّ النَّجَاسَةُ بِالْفَرْكِ وَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ حَتَّى لَوْ أَصَابَهُ مَاءٌ عَادَ نَجِسًا عِنْدَهُ وَلَا يَعُودُ عِنْدَهُمَا وَلَهَا أَخَوَاتٌ مِنْهَا أَنَّ الْخُفَّ إذَا أَصَابَهُ نَجَسٌ وَدَلَّكَهُ، ثُمَّ وَصَلَ الْمَاءُ إلَيْهِ وَمِنْهَا الْأَرْضُ إذَا أَصَابَهَا نَجَاسَةٌ وَذَهَبَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهَا الْمَاءُ وَمِنْهَا جِلْدُ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ بِالشَّمْسِ أَوْ التَّتْرِيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الدَّبَّاغِ الْحُكْمِيِّ، ثُمَّ أَصَابَهُ الْمَاءُ وَمِنْهَا الْبِئْرُ إذَا وَجَبَ نَزْحُ مَائِهَا فَغَارَ الْمَاءُ، ثُمَّ عَادَ فَكُلُّهَا تُحْكَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، ثُمَّ الْمَنِيُّ إذَا أَصَابَ الْبَدَنَ لَا يَجْزِي فِيهِ الْفَرْكُ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِرُطُوبَةِ الْبَدَنِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ الْبَلْوَى فِي حَقِّهِ أَشَدُّ وَعَنْ الْفَضْلِيِّ أَنَّ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَحْوُ السَّيْفِ بِالْمَسْحِ) أَيْ نَحْوُ السَّيْفِ مِنْ الْحَدِيدِ الصَّقِيلِ كَالْمِرْآةِ وَالسِّكِّينِ إذَا تَنَجَّسَ يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ لِمَا صَحَّ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ بِسُيُوفِهِمْ، ثُمَّ يَمْسَحُونَهَا وَيُصَلُّونَ مَعَهَا؛ وَلِأَنَّ غَسْلَ السَّيْفِ وَالْمِرْآةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُفْسِدُهَا فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَلَا بَيْنَ مَا لَهُ جِرْمٌ وَمَا لَا جِرْمَ لَهُ، ثُمَّ قِيلَ يَطْهُرُ حَقِيقَةً فِي رِوَايَةٍ حَتَّى لَوْ قَطَعَ بِهِ الْبِطِّيخَ أَوْ اللَّحْمَ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَقِيلَ تَقِلُّ النَّجَاسَةُ وَلَا يَطْهُرُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ صَقِيلًا حَتَّى لَوْ كَانَ خَشِنًا أَوْ مَنْقُوشًا لَا يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَرْضُ بِالْيُبْسِ وَذَهَابِ الْأَثَرِ لِلصَّلَاةِ لَا لِلتَّيَمُّمِ) أَيْ تَطْهُرُ الْأَرْضُ بِالْيُبْسِ وَذَهَابِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ مِنْ اللَّوْنِ وَالرَّائِحَةِ وَالطَّعْمِ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا دُونَ التَّيَمُّمِ، أَمَّا طَهَارَتُهَا بِالْيُبْسِ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ كُنْت فَتًى شَابًّا عَزَبًا أَبِيت فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَتْ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى طَهَارَتِهَا بِالْجَفَافِ؛ وَلِأَنَّ الْأَرْضَ مِنْ طَبْعِهَا أَنْ تُحِيلَ الْأَشْيَاءَ وَتُنْقِلَهَا إلَى طَبْعِهَا فَتَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ كَالْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ بِخِلَافِ الثَّوْبِ، وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِهِ فَلِأَنَّ طَهَارَةَ الْأَرْضِ فِيهِ ثَبَتَتْ شَرْطًا بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَالتَّوَجُّهِ إلَى الْبَيْتِ ثَبَتَا بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا يَتَأَدَّيَانِ بِمَسْحِ الْأُذُنِ وَالتَّوَجُّهِ إلَى الْحَطِيمِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْأُذُنِ مِنْ الرَّأْسِ وَالْحَطِيمِ مِنْ الْبَيْتِ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ وَلِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَقِلُّ بِالْجَفَافِ وَقَلِيلُ النَّجَاسَةِ يَمْنَعُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَمِنْهَا الْبِئْرُ إذَا وَجَبَ نَزْحُ مَائِهَا فَغَارَ الْمَاءُ، ثُمَّ عَادَ فَكُلُّهَا تُحْكَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ وَظَاهِرُهُ كَوْنُ الظَّاهِرِ النَّجَاسَةَ فِي الْكُلِّ وَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الطَّهَارَةِ فِي الْكُلِّ كَمَا اخْتَارَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ فِي الْأَرْضِ وَهِيَ أَبْعَدُ الْكُلِّ إذْ لَا صُنْعَ فِيهَا أَصْلًا لِيَكُونَ تَطْهِيرًا؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ شَرْعًا بِالْجَفَافِ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ مَعْنَى الزَّكَاةِ فِي الْآثَارِ وَمُلَاقَاةِ الطَّاهِرِ الطَّاهِرَ لَا تُوجِبُ التَّنْجِيسَ بِخِلَافِ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ لَوْ دَخَلَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ نَجُسَ عَلَى مَا قَالُوهُ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَاءِ لَمْ يُعْتَبَرْ مُطَهِّرًا فِي الْبَدَنِ إلَّا فِي الْمَنِيِّ عَلَى رِوَايَةٍ وَالْجَوَازُ بِغَيْرِهِ لِسُقُوطِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ عَفْوًا لَا لِطَهَارَتِهِ فَعَنْهُ أَخَذُوا كَوْنَ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي النَّجَاسَاتِ عَفْوًا اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ رَقِيقٌ) أَيْ فَيُلْحَقُ بِنَجَسٍ لَا جِرْمَ لَهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَيُصَلُّونَ مَعَهَا) وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا ذُكِرَ لَوْ كَانَ عَلَى ظُفُرِهِ نَجَاسَةٌ فَمَسَحَهَا طَهُرَتْ وَكَذَلِكَ الزُّجَاجَةُ وَالزُّبْدِيَّةُ الْخَضْرَاءُ يَعْنِي الْمَدْهُونَةَ وَالْخَشَبَ الْخَرَّاطِيِّ وَالْبُورِيَّا الْقَصَب. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْأَرْض بِالْيُبْسِ) لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَفَافِ بِالشَّمْسِ وَالنَّارِ أَوْ الرِّيحِ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَذَهَابِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْيُبْسِ. اهـ. ع. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لِلصَّلَاةِ) أَيْ لِأَجْلِهَا. اهـ. ع (قَوْلُهُ: دُونَ التَّيَمُّمِ) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ اخْتَصَّ لِلْإِزَالَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا وَالزَّكَاةُ الطَّهَارَةُ» وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ؛ لِأَنَّ الطُّهُورِيَّةَ زَائِدَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الطَّهَارَةِ دُونَ الطُّهُورِيَّةِ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ: عَزَبًا) رَجُلٌ عَزَبٌ بِالتَّحْرِيكِ لَا زَوْجَ لَهُ. اهـ. مُغْرِبٌ. (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) فَلَوْلَا اعْتِبَارُهَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ كَانَ ذَلِكَ تَبْقِيَةً لَهَا بِوَصْفِ النَّجَاسَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ أَلْبَتَّةَ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ مَعَ صِغَرِ الْمَسْجِدِ وَعَدَمِ مَنْ يَتَخَلَّفُ لِلصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ وَكَوْنِ ذَلِكَ يَكُونُ فِي بِقَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ كَانَتْ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ وَتَبُولُ فَإِنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ يُفِيدُ تَكَرُّرَ الْكَائِنِ مِنْهَا وَلِأَنَّ تَبْقِيَتَهَا نَجِسَةً يُنَافِي الْأَمْرَ بِتَطْهِيرِهَا فَوَجَبَ كَوْنُهَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ بِخِلَافِ «أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِإِهْرَاقِ ذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ»؛ لِأَنَّهُ كَانَ نَهَارًا وَالصَّلَاةُ فِيهِ تَتَتَابَعُ نَهَارًا، وَقَدْ لَا يَجِفُّ قَبْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَأَمَرَ بِتَطْهِيرِهَا بِالْمَاءِ بِخِلَافِ مُدَّةِ اللَّيْلِ أَوْ لِأَنَّ الْوَقْتَ إذْ ذَاكَ قَدْ آنَ أَوَانُهُ إذْ ذَاكَ أَكْمَلُ الطَّهَارَتَيْنِ لِلتَّيَسُّرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِذَا قَصَدَ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ صَبَّ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَجُفِّفَتْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِخِرْقَةٍ، وَكَذَا لَوْ صَبَّ مَاءً بِكَثْرَةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَوْنُ النَّجَاسَةِ وَلَا رِيحُهَا فَإِنَّهَا تَطْهُرُ وَلَوْ كَبَسَهَا بِتُرَابٍ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا إنْ لَمْ تُوجَدْ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَى ذَلِكَ التُّرَابِ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابِ هُوَ الْقَطْعُ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ مُطْلَقًا دُونَ الطَّهَارَةِ الْقَطْعِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ تَعَالَى فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا قَطْعًا بَلْ الْحَقُّ أَنَّ إقَامَةَ التَّكَالِيفِ تُبْتَنَى عَلَى الظَّنِّ دُونَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ يَطَّلِعُ عَلَى الظَّاهِرِ دُونَ نَفْسِ الْأَمْرِ مَثَلًا الْمُصَلِّي يُكَلَّفُ بِالْوُضُوءِ بِمَا هُوَ طَاهِرٌ فِي ظَنِّهِ دُونَ نَفْسِ الْأَمْرِ وَبِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي ظَنِّهِ دُونَ نَفْسِ الْأَمْرِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَكِّيًّا. اهـ. يَحْيَى وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِنَصِّ الْكِتَابِ مَا نَصُّهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ التُّرَابُ طَاهِرًا لَا أَنْ تَكُونَ طَهَارَتُهُ بِالْكِتَابِ مَقْطُوعًا بِهَا بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا ظَنًّا، وَكَذَا فِي إخْوَتِهِ بِتَوَجُّهِ هَذَا النَّظَرِ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئٍ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. .

التَّيَمُّمِ دُونَ الصَّلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ نُقْطَةً مِنْ الدَّمِ لَوْ وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ مَنَعَتْ مِنْ التَّطَهُّرِ بِهِ وَفِي الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَفْتَقِرُ إلَى طَهَارَةِ الصَّعِيدِ وَطَهُورِيَّتُهُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالصَّلَاةُ تَفْتَقِرُ إلَى طَهَارَةِ الْمَكَانِ لَا غَيْرُ وَبِالْخَبَرِ تَثْبُتُ الطَّهَارَةُ دُونَ الطَّهُورِيَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَفَا قَدْرَ الدِّرْهَمِ كَعَرْضِ الْكَفِّ مِنْ نَجَسٍ مُغَلَّظٍ كَالدَّمِ وَالْخَمْرِ وَخَرْءِ الدَّجَاجِ وَبَوْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ وَالرَّوْثِ وَالْخِثْيِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ كَكَثِيرِهَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ بِتَطْهِيرِهَا لَمْ تَفْصِلْ إلَّا أَنَّ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ خَارِجٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ كَالذُّبَابِ يَقَعُ عَلَى النَّجَسِ، ثُمَّ عَلَى الثِّيَابِ، وَكَذَا مَوْضِعُ الِاسْتِنْجَاءِ وَهُوَ الْمَخْرَجُ خَارِجٌ عَنْهَا لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ مَعْفُوٌّ إجْمَاعًا فَقَدَّرْنَاهُ بِالدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ مُقَدَّرٌ بِهِ قَالَ النَّخَعِيّ اسْتَقْبَحُوا ذِكْرَ الْمَقْعَدَةِ فِي مَحَافِلِهِمْ فَكَنَّوْهَا بِالدِّرْهَمِ؛ وَلِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَشْمَلُ الْمُقْعَدَةَ وَغَيْرَهَا فَيُعْفَى لِلْحَرَجِ، ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الدِّرْهَمِ فَقِيلَ: يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ الْمِثْقَالِ وَقِيلَ بِالْمِسَاحَةِ وَهُوَ قَدْرُ عَرْضِ الْكَفِّ وَوَفَّقَ أَبُو جَعْفَرٍ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ أَرَادَ مُحَمَّدٌ بِذِكْرِ الْعَرْضِ تَقْدِيرَ النَّجَاسَةِ الْمَائِعَةِ وَبِذِكْرِ الْوَزْنِ تَقْدِيرَ النَّجَاسَةِ الْمُسْتَجْسَدَةِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ يُعْتَبَرُ بِدِرْهَمٍ زَمَانُهُ وَقَدْ قَالُوا إذَا أَصَابَ ثَوْبَهُ دُهْنٌ نَجِسٌ فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ ازْدَادَ حَتَّى صَارَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَصَلَّى فِيهِ فَالْأُولَى جَائِزَةٌ وَالثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَرْغِينَانِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا دُونَ رُبْعِ الثَّوْبِ مِنْ مُخَفَّفٍ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ وَالْفَرَسِ وَخَرْءِ طَيْرٍ لَا يُؤْكَلُ) أَيْ عُفِيَ مَا دُونَ رُبُعِ الثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ وَلِلرُّبْعِ حُكْمُ الْكُلِّ فِي الْأَحْكَامِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ اعْتِبَارِهِ فَقِيلَ رُبُعُ جَمِيعِ ثَوْبٍ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رُبُعُ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَالْمِئْزَرِ وَقِيلَ رُبْعُ طَرَفٍ أَصَابَتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مِنْ نَجَسٍ مُغَلَّظٍ كَالدَّمِ) وَالْمُرَادُ بِالدَّمِ غَيْرُ الْبَاقِي فِي الْعُرُوقِ وَفِي حُكْمِهِ اللَّحْمُ الْمَهْزُولُ إذَا قُطِعَ فَالدَّمُ الَّذِي فِيهِ لَيْسَ نَجِسًا، وَكَذَا الدَّمُ الَّذِي فِي الْكَبِدِ لَا مِنْ غَيْرِهِ كَذَا قِيلَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَمًا فَقَدْ جَاوَرَ الدَّمَ وَالشَّيْءُ يَنْجُسُ بِمُجَاوَرَةِ النَّجَسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْبَاقِي أَنَّهُ مَعْفُوٌّ فِي الْأَكْلِ لَا الثَّوْبِ وَغَيْرُ دَمِ الشَّهِيدِ مَا دَامَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ مُلَطَّخًا بِهِ فِي الصَّلَاةِ صَحَّتْ بِخِلَافِ قَتِيلٍ غَيْرِ الشَّهِيدِ لَمْ يُغَسَّلْ أَوْ غُسِّلَ وَكَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَعَيْنُ الْمِسْكِ قَالُوا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ كَوْنِهِ دَمًا وَلَمْ أَرَ لَهُ تَعْلِيلًا وَذَاكَرْت بَعْضَ الْإِخْوَانِ مِنْ الْمَغَارِبَةِ فِي الزَّبَادِ فَقُلْت لَهُ يُقَالُ أَنَّهُ عَرَقُ حَيَوَانٍ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ فَقَالَ مَا يُحِيلُهُ الطَّبْعُ إلَى صَلَاحٍ كَالظَّبْيَةِ يَخْرُجُ عَنْ النَّجَاسَةِ كَالْمِسْكِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالرَّوْثُ وَالْخِثْيِ) وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا شَيْخُهُ السِّيرَامِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ مَا يَكُونُ لِذِي ظِلْفٍ وَيُجْمَعُ عَلَى أَخْثَاءَ وَخَثِيٍّ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ) وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]. (قَوْلُهُ: فَقَدَّرْنَاهُ بِالدِّرْهَمِ إلَى آخِرِهِ) وَلَا يُعْتَبَرُ نُفُوذُ الْمِقْدَارِ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ إذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ حِينَئِذٍ وَاحِدٌ فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَا طَاقَيْنِ لِتَعَدُّدِهَا فَيَمْنَعُ وَعَنْ هَذَا فُرِّعَ الْمَنْعُ لَوْ صَلَّى مَعَ دِرْهَمٍ مُتَنَجِّسِ الْوَجْهَيْنِ لِوُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَ وَجْهَيْهِ وَهُوَ جَوَاهِرُ سُمْكِهِ؛ وَلِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْفُذُ نَفْسُ مَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ فَلَمْ تَكُنْ النَّجَاسَةُ فِيهِمَا مُتَّحِدَةً ثَمَّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَانِعُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَوْ جَلَسَ الصَّبِيُّ الْمُتَنَجِّسُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي حِجْرِ الْمُصَلِّي وَهُوَ يَسْتَمْسِكُ أَوْ الْحَمَّامُ الْمُتَنَجِّسُ عَلَى رَأْسِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ فَلَمْ يَكُنْ حَامِلَ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَمَلَ مَنْ لَا يَسْتَمْسِكُ حَيْثُ يَصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ هَذَا وَالصَّلَاةُ مَكْرُوهَةٌ مَعَ مَا لَا يَمْنَعُ حَتَّى قِيلَ لَوْ عَلِمَ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ يَرْفُضُهَا مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْوَقْتِ أَوْ الْجَمَاعَةِ. اهـ. فَتْحٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي الدِّرْهَمِ الَّذِي تَنَجَّسَ جَانِبَاهُ مَشَى عَلَيْهِ الْوَلْوَالِجِيُّ فَقَالَ أَمَّا إذَا كَانَ الثَّوْبُ ذَا طَاقَيْنِ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَتَعَدَّدَتْ النَّجَاسَةُ وَكَذَلِكَ الدِّرْهَمُ فَإِنَّ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ فَاصِلًا فَاعْتُبِرَ كُلُّ جَانِبٍ فِي نَفْسِهِ اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَنَفَذَتْ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ حَيْثُ لَوْ ضُمَّ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ إلَى الْآخَرِ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ هَلْ يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الثَّوْبُ ذَا طَاقَيْنِ مَنَعَ أَوْ ذَا طَاقٍ وَاحِدٍ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ اهـ. قَوْلُهُ: وَعَنْ هَذَا فُرِّعَ الْمَنْعُ قَالَ قَاضِي خَانْ إذَا صَلَّى وَمَعَهُ دِرْهَمٌ تَنَجَّسَ جَانِبَاهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْكُلَّ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ. اهـ. . (فَرْعٌ) يَحْفَظُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ مَنْ انْتَهَى إلَى الْقَوْمِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَهُوَ يَخْشَى أَنَّهُ إنْ غَسَلَهُ تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَغْسِلُهُ لِأَنَّ غَسْلَهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهِ وَمَتَى دَخَلَ الْجَمَاعَةَ صَارَ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ. اهـ. . وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ قُبَيْلَ بَابِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مَا نَصُّهُ إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ إنْ كَانَ مُقْتَدِيًا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَغَسَلَ النَّجَاسَةَ يُدْرِكُ إمَامَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يُدْرِكُ جَمَاعَةً أُخْرَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَغْسِلُ الثَّوْبَ لِأَنَّ قَطْعَ الصَّلَاةِ لِلْإِكْمَالِ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ لَا يُدْرِكُ جَمَاعَةً أُخْرَى مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَا دُونَ رُبْعِ الثَّوْبِ) أَيْ أَيُّ ثَوْبٍ كَانَ. (قَوْلُهُ: وَالْفَرَسُ) أَيْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ طَاهِرٌ وَأَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ. اهـ. ع. (قَوْلُهُ: فَقِيلَ رُبُعُ جَمِيعِ ثَوْبٍ عَلَيْهِ) فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ الثَّوْبُ الَّذِي عَلَيْهِ إنْ كَانَ شَامِلًا اُعْتُبِرَ رُبُعُهُ وَإِنْ كَانَ أَدْنَى مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ اُعْتُبِرَ رُبُعُهُ؛ لِأَنَّهُ الْكَثِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَابِ. اهـ. فَتْحٌ

النَّجَاسَةُ كَالذَّيْلِ وَالْكُمِّ وَالدِّخْرِيصِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ وَعَنْهُ ذِرَاعٌ فِي ذِرَاعٍ وَمِثْلُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْكَثِيرَ الْفَاحِشَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْقَدَمَيْنِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَحُدَّ لِذَلِكَ حَدًّا، وَقَالَ: إنَّ الْفَاحِشَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ طِبَاعِ النَّاسِ فَوَقَفَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْغَلِيظَةُ وَالْخَفِيفَةُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْغَلِيظَةُ مَا ثَبَتَتْ نَجَاسَتُهُ بِنَصٍّ لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرُ يُخَالِفُهُ كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ تَعَارُضُ نَصَّيْنِ. وَالْخَفِيفَةُ مَا تَعَارَضَ النَّصَّانِ فِي نَجَاسَتِهِ وَطَهَارَتِهِ وَكَانَ الْأَخْذُ بِالنَّجَاسَةِ أَوْلَى لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ مِثْلَ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ» يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَخَبَرِ الْعُرَنِيِّينَ يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ فَخَفَّ حُكْمُهُ لِلتَّعَارُضِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَا سَاغَ الِاجْتِهَادُ فِي طَهَارَتِهِ فَهُوَ مُخَفَّفٌ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ حُجَّةٌ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الرَّوْثِ وَالْخِثْي وَالْبَعْرِ وَنَحْوِهَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُغَلَّظَةٌ؛ لِأَنَّ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ «أَنَّهُ أَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: إنَّهَا رِكْسٌ» لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرُ وَلَا اعْتِبَارَ عِنْدَهُ بِالْبَلْوَى فِي مَوْضِعِ النَّصِّ كَمَا فِي بَوْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْبَلْوَى فِيهِ أَعَمُّ وَعِنْدَهُمَا مُخَفَّفَةٌ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ فَإِنَّ مَالِكًا يَرَى طَهَارَتَهَا وَلِعُمُومِ الْبَلْوَى لِامْتِلَاءِ الطُّرُقِ بِهَا بِخِلَافِ بَوْلِ الْحِمَارِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُنَشِّفُهُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الرَّوْثَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَاحِشًا وَهُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ حِينَ كَانَ بِالرَّيِّ مَعَ الْخَلِيفَةِ فَرَأَى الطُّرُقَ وَالْخَانَاتِ مَمْلُوءَةً بِهَا وَلِلنَّاسِ فِيهَا بَلْوَى عَظِيمَةٌ فَرَجَعَ إلَيْهِ وَقَاسُوا عَلَيْهِ طِينَ بُخَارَى؛ لِأَنَّ مَمْشَى النَّاسِ وَالدَّوَابِّ فِيهَا وَاحِدٌ وَعِنْدَ ذَلِكَ يُرْوَى رُجُوعُهُ فِي الْخُفِّ إلَى قَوْلِهِمَا إذَا أَصَابَهُ عَذِرَةٌ حَتَّى قَالَ: يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ وَفِي الرَّوْثِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّلْكِ عِنْدَهُ لِمَا قُلْنَا. وَأَمَّا بَوْلُ الْفَرَسِ فَقَدْ تَعَارَضَ فِيهِ نَصَّانِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ كَرَاهَةَ أَكْلِهِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ لِكَرَامَتِهِ كَلَحْمِ الْآدَمِيِّ فَصَارَ مُخَفَّفًا؛ لِأَنَّهُ بَوْلُ بَهَائِمَ طَاهِرَةِ اللَّحْمِ فَيَكُونُ التَّعَارُضُ فِيهِ مَوْجُودًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَأْكُولٌ فَيَكُونُ بَوْلُهُ مُخَفَّفًا عِنْدَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ وَقَوْلُهُ وَخَرْءِ طَيْرٍ لَا يُؤْكَلُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مُغَلَّظَةٌ فِي رِوَايَةِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَفِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجِسٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً، وَقِيلَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّخْفِيفِ أَيْضًا فَحَصَلَ لِأَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ وَلِمُحَمَّدٍ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ وَهُوَ أَنَّ نَجَاسَتَهُ مُخَفَّفَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مُغَلَّظَةٌ وَجْهُ طَهَارَتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ نَتِنٌ وَخَبَثٌ رَائِحَةً وَلَا يُنَحَّى شَيْءٌ مِنْ الطُّيُورِ عَنْ الْمَسَاجِدِ فَعِلْمنَا أَنَّ خَرْءَ جَمِيعِ الطُّيُورِ طَاهِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: فَوَقَفَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ) وَالْأَوْجَهُ إنْكَالُهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى إنْ اسْتَفْحَشَهُ مَنَعَ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. زَادُ الْفَقِيرِ. (قَوْلُهُ: اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً وَهُوَ عَامٌّ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّعْدِيَةِ لَا لِلتَّبْعِيضِ وَالْبَوْلُ مُحَلَّى بِاللَّامِ لِلْجِنْسِ فَيَعُمُّ كُلَّ بَوْلٍ وَقَدْ أَمَرَ بِطَلَبِ النَّزَاهَةِ مِنْهُ وَالطَّاهِرُ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِنْزَاهِ مِنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا اعْتِبَارَ عِنْدَهُ بِالْبَلْوَى) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا قِيلَ أَنَّ الْبَلْوَى لَا تُعْتَبَرُ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ عِنْدَهُ كَبَوْلِ الْإِنْسَانِ مَمْنُوعٌ بَلْ تُعْتَبَرُ إذَا تَحَقَّقَتْ لِلنَّصِّ النَّافِي لِلْحَرَجِ وَهُوَ لَيْسَ مُعَارَضَةً لِلنَّصِّ بِالرَّأْيِ وَالْبَلْوَى فِي بَوْلِ الْإِنْسَانِ فِي الِانْتِضَاحِ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ لَا فِيمَا سِوَاهُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِأَغْلَبِيَّةِ عُسْرِ الِانْفِكَاكِ وَذَلِكَ إنْ تَحَقَّقَ فِي بَوْلِ الْإِنْسَانِ فَكَمَا قُلْنَا وَقَدْ رَتَّبْنَا مُقْتَضَاهُ إذْ قَدْ أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ اهـ. {فَرْعٌ} قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةُ وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الشَّاةِ وَبَوْلُ الْآدَمِيِّ تُجْعَلُ الْخَفِيفَةُ تَبَعًا لِلْغَلِيظَةِ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ رَأَى عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ نَجَاسَةً أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ اشْتَغَلَ بِغَسْلٍ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ مُفِيدٌ وَإِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى كَلَامِهِ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَار لَا يُفِيدُ قَالُوا وَمَشَايِخُنَا قَاسُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى هَذَا إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَسْتَمِعُونَ قَوْلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ مَاءُ فَمِ النَّائِمِ طَاهِرٌ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْفَمِ أَوْ مُنْبَعِثًا مِنْ الْجَوْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ فِيهِ لَوْنُ الدَّمِ فَهُوَ نَجِسٌ وَعِنْدَهُمَا طَاهِرٌ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَاءُ فَمِ الْمَيِّتِ قِيلَ: إنَّهُ نَجِسٌ. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةُ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ الْمَاءُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ فَمِ النَّائِمِ طَاهِرٌ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْبَلْغَمِ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ مَاءُ فَمِ النَّائِمِ إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ فَهُوَ طَاهِرٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْبَلْغَمِ أَوْ مُنْبَعِثًا مِنْ الْجَوْفِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمَاءِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْفَمِ حَالَةَ النَّوْمِ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْبَلْغَمِ فَيَكُونُ طَاهِرًا كَيْفَمَا كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ تَعَارَضَ فِيهِ نَصَّانِ) نَصُّ جَوَازِ أَكْلِهِ وَنَصُّ النَّهْيِ عَنْهُ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: لِأَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ) الْوَاقِعُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ وَمَعَ مُحَمَّدٍ عَلَى رِوَايَةِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَحَصَّلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ خَفِيفٌ وَرِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ طَاهِرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ غَلِيظٌ وَرِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ طَاهِرٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ غَلِيظٌ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. اهـ. فَتْحٌ

حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ وَوَجْهُ التَّغْلِيظِ أَنَّهُ لَا تَكْثُرُ إصَابَتُهُ وَقَدْ غَيَّرَهُ طَبْعُ الْحَيَوَانِ إلَى خَبَثٍ وَنَتِنٍ فَصَارَ كَخَرْءِ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا مَرَّ فَكَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغٌ وَوَجْهُ التَّخْفِيفِ عُمُومُ الْبَلْوَى وَالضَّرُورَةِ وَهِيَ تُوجِبُ التَّخْفِيفَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَبَوْلٌ انْتَضَحَ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ) وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ قَدْرَ الدِّرْهَمِ أَيْ عُفِيَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ وَدَمُ السَّمَكِ إلَى آخِرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ دَمَ السَّمَكِ وَلُعَابَ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَعْفُوًّا وَالْعَفْوُ يَقْتَضِي النَّجَاسَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ السَّمَكَ الْكَبِيرَ إذَا سَالَ مِنْهُ شَيْءٌ فَاحِشٌ يَكُونُ نَجِسًا مُغَلَّظًا وَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالتَّغْلِيظِ مَعَ وُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ عَلَى التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ الدَّمَوِيَّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ وَلِهَذَا اكْتَفَى مُحَمَّدٌ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ أَنَّهُ يَبْيَضُّ بِالشَّمْسِ وَالدَّمُ يَسْوَدُّ بِهَا فَلَا يَكُونُ دَمًا، وَأَمَّا لُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فَقَدْ مَرَّ فِي الْأَسْآرِ، وَأَمَّا الْبَوْلُ الْمُنْتَضِحُ قَدْرَ رُءُوسِ الْإِبَرِ فَمَعْفُوٌّ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ امْتَلَأَ الثَّوْبُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وُجُوبُ غَسْلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ حَقِيقَةً قُلْنَا: لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَسَقَطَ حُكْمُهُ وَقَوْلُهُ قَدْرَ رُءُوسِ الْإِبَرِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ قَدْرَ جَانِبِهَا الْآخَرِ يُعْتَبَرُ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنَّجَسُ الْمَرْئِيُّ يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ)؛ لِأَنَّ تَنَجُّسَ الْمَحِلِّ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا وَلَوْ بِمَرَّةٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِمَرَّةٍ إذَا عَصَرَهُ وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يَغْسِلْهُ ثَلَاثًا بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ الْتَحَقَ بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ لَمْ تُغْسَلْ قَطُّ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يُغْسَلُ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ الْتَحَقَ بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ غُسِلَتْ مَرَّةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا مَا يَشُقُّ) أَيْ إلَّا مَا يَشُقُّ إزَالَةُ أَثَرِهِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِخَوْلَةِ بِنْتِ يَسَارٍ حِينَ قَالَتْ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَكْفِيك الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّك أَثَرُهُ»؛ وَلِأَنَّ فِيهِ حَرَجًا بَيِّنًا فَإِنَّ مَنْ خَضَّبَ يَدَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ بِحِنَّاءَ نَجِسٍ لَا يَزُولُ لَوْنُهُ بِالْغَسْلِ وَفِي قَطْعِهِمَا حَرَجٌ ظَاهِرٌ لَا يَلِيقُ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَتَفْسِيرُ الْمَشَقَّةِ أَنْ يَحْتَاجَ لِإِزَالَتِهِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ سِوَى الْمَاءِ كَالصَّابُونِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ الْمُعَدَّةَ لِقَطْعِ النَّجَاسَةِ الْمَاءُ فَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ فَلَا يُكَلَّفُ بِالْمُعَالَجَةِ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَيْرُهُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا وَالْعَصْرِ كُلَّ مَرَّةٍ) أَيْ غَيْرُ الْمَرْئِيِّ مِنْ النَّجَاسَةِ يَطْهُرُ بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ وَبِالْعَصْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَحْصُلُ عِنْدَهُ غَالِبًا وَلِهَذَا قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا تَكْثُرُ) أَيْ فَلَا يَكُونُ فِيهِ بَلْوَى اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَانَ لِلِاجْتِهَادِ) أَيْ الْمُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ غَيْرِهِمَا اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئٍ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَدَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ وَدَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَخَرْءُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ نَجَاسَةٌ مُخَفَّفَةٌ، قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَدَمُ السَّمَكِ لَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ يَبْيَضُّ بِالشَّمْسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ نَجِسٌ فَقُلْنَا بِخِفَّتِهِ لِذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَبَوْلٌ انْتَضَحَ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ) أَمَّا لَوْ انْتَضَحَ مِثْلُ رُءُوسٍ الْمِسَلَّةِ يَمْنَعُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلَ الْجَانِبِ الْآخَرِ يُعْتَبَرُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يَعْتَبِرُ الْجَانِبَيْنِ وَإِذَا أَصَابَهُ مَا يَكْثُرُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْحِمَارُ طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُحَرَّرْ إذْ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمَا تَصَوَّرَ لَنَا سُؤْرٌ مَشْكُوكٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ خَالَطَهُ شَيْءٌ قَلِيلٌ طَاهِرٌ لَمْ يُغَيِّرْ لَهُ وَصْفًا فَمِنْ أَيْنَ يَجِيءُ الشَّكُّ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) يَعْنِي أَنَّهُ طَاهِرٌ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ) أَيْ وَأَثَرِهِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا وَلَوْ بِمَرَّةٍ إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْمَحِلِّ بِمُجَاوَرَةِ الْعَيْنِ وَقَدْ زَالَتْ وَحَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ ضَرُورَةٌ أَنَّهُ مَأْمُورٌ لِتَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ وَلِذَا كَانَ مَنْدُوبًا وَلَوْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً كَانَتْ مُحَقَّقَةً وَكَانَ حُكْمُهُ الْوُجُوبَ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إلَّا مَا يَشُقُّ إزَالَةُ أَثَرِهِ) أَيْ مِنْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ بِالنِّيلِ أَوْ الْعُصْفُرِ النَّجِسِ فَغَسَلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ طَهُرَ وَلَا تَطْهُرُ النَّجَاسَةُ إلَّا بِمَاءٍ مُتَقَاطِرٍ وَإِنْ لَحِسَهُ بِلِسَانِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَلْقَى بُزَاقَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ طَهُرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ الطِّفْلُ إذَا قَاءَ عَلَى ثَدْيِ أُمِّهِ، ثُمَّ امْتَصَّهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ طَهُرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: «فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَكْفِيك الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّك أَثَرُهُ») أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ يَسَارٍ أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَأَنَا أَحِيضُ فِيهِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ إذَا طَهُرْت فَاغْسِلِيهِ، ثُمَّ صَلِّي فِيهِ قَالَتْ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ قَالَ يَكْفِيك الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّك أَثَرُهُ» فِي إسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ. (قَوْلُهُ: بِحِنَّاءَ نَجِسٍ) فَغُسِلَ إلَى أَنْ صَفَا الْمَاءُ يَطْهُرُ مَعَ قِيَامِ اللَّوْنِ وَقِيلَ يُغْسَلُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، وَأَمَّا الطَّهَارَةُ لَوْ غَسَلَ يَدَهُ مِنْ دُهْنٍ نَجِسٍ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِهِ فَإِنَّمَا عَلَّلَهُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الدُّهْنَ يَطْهُرُ قَالَ فَبَقِيَ عَلَى يَدِهِ طَاهِرًا كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الدُّهْنِ يَنْجُسُ يُجْعَلُ فِي إنَاءٍ، ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَيَعْلُوَا الدُّهْنُ فَيَرْفَعُهُ بِشَيْءٍ هَكَذَا يَفْعَلُ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَطْهُرُ بِمَرَّةٍ كَالْحُكْمِيِّ قُلْنَا: الْحُكْمِيُّ عُرِفَ ثُبُوتُهُ بِالشَّرْعِ وَهُوَ حُكْمُ الشَّرْعِ بِزَوَالِهِ مَرَّةً، وَأَمَّا الْحَقِيقِيُّ عُرِفَ ثُبُوتُهُ بِالْحَقِيقَةِ فَيُعْرَفُ زَوَالُهُ بِالْحَقِيقَةِ وَهَذَا بِتَكْرَارِ الْغُسْلِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبِالْعَصْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْعَصْرِ فِي الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ، قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ وَيَعْتَبِرُ قُوَّةَ كُلِّ عَاصِرٍ حَتَّى إذَا انْقَطَعَ تَقَاطُرُهُ بِعَصْرِهِ، ثُمَّ قَطَرَ بِعَصْرِ رَجُلٍ آخَرَ

[الاستنجاء]

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا» الْحَدِيثَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَتْ لَهُ عَيْنٌ مَرْئِيَّةٌ لَا يُمْكِنُ الْقَطْعُ بِزَوَالِهِ فَلَمْ يَبْقَ سِوَى الِاجْتِهَادِ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ غَالِبًا إلَّا بِالتَّكْرَارِ وَالْعَصْرِ فَشَرَطَهُمَا فِي الْكِتَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ حَتَّى لَوْ جَرَى الْمَاءُ عَلَى ثَوْبٍ نَجَسٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَصْرٌ وَالْمُعْتَبَرُ ظَنُّ الْغَاسِلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ ظَنُّ الْمُسْتَعْمِلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِتَثْلِيثِ الْجَفَافِ فِيمَا لَا يَنْعَصِرُ) أَيْ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَبِالتَّجْفِيفِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فِيمَا لَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ كَالْخَزَفِ وَالْآجُرِّ وَالْخَشَبِ وَالْحَدِيدِ وَالْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ بِالنَّجَسِ؛ لِأَنَّ لِلتَّخْفِيفِ أَثَرًا فِي اسْتِخْرَاجِ النَّجَاسَةِ وَتَفْسِيرُ التَّخْفِيفِ أَنْ يُخَلِّيَهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ التَّقَاطُرُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْيُبْسُ وَعَلَى هَذَا السِّكِّينُ الْمُمَوَّهَةُ بِالْمَاءِ النَّجِسِ وَاللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِهِ وَالْحِنْطَةُ الْمَبْلُولَةُ بِالنَّجَسِ حَتَّى انْتَفَخَتْ تَطْهِيرُهُ بِأَنْ تَمُوهَ السِّكِّينُ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَتُطْبَخَ الْحِنْطَةُ وَاللَّحْمُ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَبْرُدَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْهُرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَبَدًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَصِيرُ وَكُلُّ مَا لَا يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ وَالْأَعْيَانُ النَّجِسَةُ تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ عِنْدَنَا وَذَلِكَ مِثْلُ الْمَيْتَةِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَمْلَحَةِ فَاسْتَحَلَّتْ حَتَّى صَارَتْ مِلْحًا وَالْعَذِرَةِ إذَا صَارَتْ تُرَابًا أَوْ أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ وَصَارَتْ رَمَادًا فَهِيَ نَظِيرُ الْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ أَوْ جِلْدِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا لِلِاسْتِحَالَةِ وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ رَأْسَ الشَّاةِ لَوْ أُحْرِقَ حَتَّى زَالَ الدَّمُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ، وَكَذَا الْبِلَّةُ النَّجِسَةُ فِي التَّنُّورِ تَزُولُ بِالْإِحْرَاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّ الِاسْتِنْجَاءُ بِنَحْوِ حَجَرٍ مُنَقٍّ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ دُونَهُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الثَّوْبُ النَّجِسُ إذَا غُسِلَ ثَلَاثًا وَعُصِرَ مَرَّةً لَا يَطْهُرُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ غُسِلَ ثَلَاثًا وَعُصِرَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، ثُمَّ تَقَاطَرَتْ مِنْهُ قَطْرَةٌ فَأَصَابَتْ شَيْئًا إنْ عَصَرَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَبَالَغَ فِيهِ بِحَيْثُ لَوْ عَصَرَهُ لَا يَسِيلُ مِنْهُ الْمَاءُ فَالْكُلُّ طَاهِرٌ، وَإِلَّا فَمَا تَقَاطَرَ مِنْهُ نَجِسٌ وَمَا أَصَابَ مِنْ شَيْءٍ أَفْسَدَهُ اهـ. {فَرْعٌ} الْوِعَاءُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ الْخَمْرُ هَلْ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ يُنْظَرُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْخَمْرُ إذَا أَصَابَتْ الْحِنْطَةَ فَغَسَلَهَا وَطَحَنَهَا وَخَبَزَهَا فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهَا إذَا كَانَ لَا يُوجَدُ مِنْهُ طَعْمٌ وَلَا رَائِحَةٌ وَإِنْ يُوجَدُ مِنْهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِذَا انْتَفَخَتْ مِنْهُ الْحِنْطَةُ فَلَا تَطْهُرُ أَبَدًا إلَّا إذَا جَعَلَهَا فِي خَلٍّ فَإِنَّهُ يُطَهِّرُ، وَلَوْ وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِي دُهْنٍ أَوْ وَقَعَ فِيهِ فَأْرَةٌ فَغَسَلَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ يَطْهُرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَطْهُرُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَتَّى شَيْءٌ مِنْ غَسْلِهِ (قَوْلُهُ: وَالْآجُرُّ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْآجُرُّ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ وَتَشَرَّبَتْ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْآجُرُّ قَدِيمًا مُسْتَعْمَلًا يَكْفِيهِ الْغَسْلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ حَدِيثًا يُغْسَلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُجَفَّفُ عَلَى أَثَرِ كُلِّ مَرَّةٍ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا السِّكِّينُ الْمُمَوَّهَةُ بِالْمَاءِ النَّجَسِ) قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَوْ مَوَّهَ الْحَدِيدَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ يُمَوِّهُ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَيَطْهُرُ السِّكِّينُ إذَا مُوِّهَ بِمَاءٍ نَجِسٍ لَا تَجُوزُ مَعَهُ الصَّلَاةُ يَعْنِي إذَا كَانَ فَوْقَ الدِّرْهَمِ وَيَجُوزُ قَطْعُ الْبِطِّيخِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ وَلَا يُمْكِنُ إزَالَةُ ذَلِكَ الْمَاءِ عَنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا بِالنَّارِ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ يُبَاحُ قَطْعُ الْبِطِّيخِ بِالسِّكِّينِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ بِوَاسِطَةِ قَطْعِهِ بِهِ لِتَكُونَ إضَاعَةَ الْمَالِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ تَنَجُّسَ السِّكِّينِ إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ مَا شَرِبَهُ مِنْ الْمَاءِ النَّجِسِ وَهُوَ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْبِطِّيخِ بِمُجَرَّدِ قَطْعِهِ بِهِ. اهـ. ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَالْأَعْيَانُ النَّجِسَةُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَطْهُرُ، وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي رَمَادِ السِّرْقِينِ وَالْخَشَبَةِ النَّجِسَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعَذِرَةُ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْعَذِرَاتُ إذَا دُفِنَتْ فِي مَوْضِعٍ حَتَّى صَارَتْ تُرَابًا قِيلَ تَطْهُرُ كَالْحِمَارِ الْمَيِّتِ إذَا وَقَعَ فِي مَمْلَحَةٍ وَصَارَ مِلْحًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا غُسِلَتْ خَابِيَةَ الْخَمْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَطْهُرُ إذَا لَمْ تَبْقَ رَائِحَةُ الْخَمْرِ وَإِنْ بَقِيَتْ لَا إذَا صُبَّ الْمَاءُ فِي الْخَمْرِ، ثُمَّ صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا يَطْهُرُ هُوَ الصَّحِيحُ فَأْرَةٌ وَقَعَتْ فِي الْخَمْرِ وَمَاتَتْ إنْ أُخْرِجَتْ، ثُمَّ تَخَلَّلَتْ صَارَتْ طَاهِرَةً وَإِنْ تَخَلَّلَتْ وَهِيَ فِيهِ إنَّهُ نَجِسٌ الْخَزَفُ الْجَدِيدُ إذَا صُبَّ فِيهِ الْخَمْرُ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَطْهُرُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا يُغْسَلُ ثَلَاثًا يَطْهُرُ وَإِنْ بَقِيَ أَثَرُ الْخَمْرِ يُجْعَلُ فِيهِ الْخَلُّ حَتَّى لَا يَبْقَى أَثَرُهَا فَيَطْهُرُ. (قَوْلُهُ: يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ الْحَرْقُ كَالْغَسْلِ. اهـ. وَلِوَالِجِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ صُبَّ الْخَمْرُ فِي قِدْرٍ فِيهِ لَحْمٌ قَبْلَ الْغَلَيَانِ يَطْهُرُ اللَّحْمُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْغَلَيَانِ لَا يَطْهُرُ وَقِيلَ يُغْسَلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِمَاءٍ طَاهِرٍ وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَتَجْفِيفُهُ بِالتَّبَرُّدِ وَالْخُبْزُ الَّذِي عُجِنَ بِالْخَمْرِ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ. [الِاسْتِنْجَاء] (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَسُنَّ الِاسْتِنْجَاءُ بِنَحْوِ حَجَرٍ مُنَقٍّ) وَهُوَ مَسْحُ مَوْضِعِ النَّجْوِ أَوْ غَسْلُهُ وَالنَّجْوُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَطْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السِّينُ لِلطَّلَبِ أَيْ طَلَبِ النَّجْوِ لِيُزِيلَهُ. اهـ. بَاكِيرٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ إزَالَةُ مَا عَلَى السَّبِيلِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُزَالِ بِهِ حُرْمَةٌ أَوْ قِيمَةٌ كُرِهَ كَقِرْطَاسٍ وَخِرْقَةٍ وَقُطْنَةٍ وَخَلٍّ قِيلَ يُوَرِّثُ ذَلِكَ الْفَقْرَ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ إزَالَةُ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَنْ مَخْرَجِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الِاسْتِنْجَاءُ وَالِاسْتِجْمَارُ وَالِاسْتِطَابَةُ عِبَارَاتٌ عَنْ إزَالَةِ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَنْ مَخْرَجِهِ فَسَمَّى الْكَرْخِيُّ إزَالَةَ ذَلِكَ اسْتِجْمَارًا وَهُوَ طَلَبُ الْجَمْرَةِ وَهِيَ الْحَجَرُ الصَّغِيرُ وَالطَّحَاوِيُّ سَمَّاهَا اسْتِطَابَةً وَهِيَ طَلَبُ الطِّيبِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَالْقُدُورِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ سَمَّاهَا اسْتِنْجَاءً وَهُوَ إمَّا مَأْخُوذٌ مِنْ النَّجْوِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَطْنِ أَوْ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّجْوَةِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ فَكَأَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ حَاجَتِهِ يَسْتَتِرُ بِنَجْوَةٍ أَوْ مَأْخُوذٌ مِنْ نَجَوْت الشَّجَرَةَ وَأَنْجَيْتهَا إذَا قَطَعْتهَا كَأَنَّهُ يَقْطَعُ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِ) وَلِذَا كَانَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. اهـ. كَمَالٌ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ حَاجَتَهُ فَلِيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ أَوْ ثَلَاثِ حَثَيَاتٍ مِنْ التُّرَابِ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ فَرْضٌ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ الْأَنْجَاسِ بِالْمَاءِ شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ اكْتَفَى بِغَيْرِ الْمَاءِ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ لِلضَّرُورَةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» رَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَجِبُ إزَالَتُهُ بِالْمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ بِغَيْرِهِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَاءَ آلَةُ التَّطْهِيرِ وَهُوَ مُطَهِّرٌ حَقِيقَةً فَإِذَا لَمْ يَجِبْ بِالْمُطَهِّرِ فَكَيْفَ يَجِبُ بِغَيْرِهِ فَصَارَ كَالْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَقْعَدَةَ لَا يَجِبُ تَطْهِيرُهَا إذْ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ بِالْمَاءِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ وَقَوْلُهُ بِنَحْوِ حَجَرٍ أَرَادَ بِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي لَا تَتَقَوَّمُ كَالْمَدَرِ وَالتُّرَابِ وَالْعُودِ وَالْخِرْقَةِ وَالْقُطْنِ وَالْجِلْدِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَقَوْلُهُ مُنَقٍّ خَرَجَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ لِكَوْنِهِ سُنَّةً؛ لِأَنَّ الْإِنْقَاءَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالِاسْتِنْجَاءِ فَلَا يَكُونُ دُونَهُ سُنَّةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مُعْتَادًا أَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ فِي الصَّحِيحِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ دَمٌ أَوْ قَيْحٌ يَطْهُرُ بِالْحِجَارَةِ، وَكَذَا لَوْ أَصَابَ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ نَجَاسَةٌ مِنْ الْخَارِجِ يَطْهُرُ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ وَنَحْوِهِ وَصِفَةُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ أَنْ يَجْلِسَ مُعْتَمِدًا عَلَى يَسَارِهِ مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ وَالرِّيحِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَعَهُ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ يُدْبِرُ بِالْأَوَّلِ وَيُقْبِلُ بِالثَّانِي وَيُدْبِرُ بِالثَّالِثِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ هَذَا فِي الصَّيْفِ وَفِي الشِّتَاءِ يُقْبِلُ بِالْأَوَّلِ وَيُدْبِرُ بِالثَّانِي وَيُقْبِلُ بِالثَّالِثِ؛ لِأَنَّ خُصْيَتَيْهِ مُتَدَلِّيَتَانِ فِي الصَّيْفِ فَيَخَافُ مِنْ التَّلْوِيثِ وَالْمَرْأَةُ تَفْعَلُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ فِي الشِّتَاءِ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِ مَا بَقِيَ مِنْ النَّجَاسَةِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ فِي حَقِّ الْعَرَقِ حَتَّى إذَا أَصَابَهُ الْعَرَقُ مِنْ الْمَقْعَدَةِ لَا يَتَنَجَّسُ وَلَوْ قَعَدَ فِي مَاءِ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا سُنَّ فِيهِ عَدَدٌ) أَيْ لَيْسَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ عَدَدٌ مَسْنُونٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بُدَّ مِنْ التَّثْلِيثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَلِيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَاوَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَجَرَيْنِ وَرَوْثَةً فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَرَمَى بِالرَّوْثَةِ وَقَالَ إنَّهُ رِجْسٌ» وَلَوْ كَانَ التَّثْلِيثُ وَاجِبًا لَنَاوَلَهُ ثَالِثًا؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ الْإِنْقَاءُ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الزِّيَادَةِ بِالثَّلَاثِ بَعْدَ حُصُولِهِ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ النَّقَاءُ بِالثَّلَاثِ يُزَادُ عَلَيْهِ إجْمَاعًا لِكَوْنِهِ هُوَ الْمَقْصُودُ وَمَا رَوَاهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ وَاحِدٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ وَأَنْقَى جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَعَلَّ ذِكْرَ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَدِيثِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ وَالْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ النَّقَاءُ بِهَا غَالِبًا أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَحَمْلُهُمْ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجٌ» عَلَى جَوَازِ تَرْكِ الْوِتْرِ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ حَصَلَ النَّقَاءُ بِالثَّلَاثِ فَالزِّيَادَةُ بِدْعَةٌ عِنْدَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَوَاجِبَةٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَرْكِهَا وَعَلَى جَوَازِ الْإِتْيَانِ بِهَا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ حَتَّى يَجُوزَ الِاكْتِفَاءُ بِالْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهَا وِتْرٌ حَقِيقَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَسْلُهُ بِالْمَاءِ أَحَبُّ) أَيْ غَسْلُ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يُقْلِعُ النَّجَاسَةَ وَالْحَجَرُ يُخَفِّفُهَا فَكَانَ أَوْلَى وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] قِيلَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا أَهْلَ قُبَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَيْكُمْ فَمَاذَا تَصْنَعُونَ عِنْدَ الْغَائِطِ فَقَالُوا نُتْبِعُ الْغَائِطَ الْأَحْجَارَ، ثُمَّ نُتْبِعُ الْأَحْجَارَ الْمَاءَ»، ثُمَّ قِيلَ هُوَ أَدَبٌ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى وَقِيلَ سُنَّةٌ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ الْيَوْمَ يَثْلِطُونَ ثَلْطًا وَفِي الْأَوَّلِ كَانُوا يَبْعَرُونَ بَعْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ حَاجَتَهُ فَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثِ أَحْجَارٍ») قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ الَّتِي أَصَابَتْهُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ الْمِثْقَالَ أَوْ أَقَلَّ سُنَّةً وَإِتْبَاعُ الْمَاءِ أَدَبٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: بِنَحْوِ حَجَرٍ) أَرَادَ بِهِ الْأَشْيَاءَ الطَّاهِرَةَ. اهـ. بَاكِيرٌ بِمَعْنَاهُ قَالَ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَيَجُوزُ بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْجَوَاهِرِ الطَّاهِرَةِ إذْ الْمَقْصُودُ إزَالَةُ النَّجْوِ فَمَا صَلَحَ لِذَلِكَ جَازَ بِهِ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ الْمُحْدِثُ إذَا اسْتَنْجَى فَأَصَابَ الْمَاءُ ذَيْلَهُ أَوْ كُمَّهُ إنْ أَصَابَ الْمَاءُ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّالِثَ يَتَنَجَّسُ نَجَاسَةً غَلِيظَةً وَإِنْ أَصَابَهُ الْمَاءُ الرَّابِعُ يَتَنَجَّسُ بِنَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمِلِ. (قَوْلُهُ: الَّتِي لَا تَتَقَوَّمُ) فَلَا يَسْتَنْجِي بِنَحْوِ الْيَاقُوتِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِالْحِجَارَةِ وَنَحْوِهِ) سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ عَنْ الْغَايَةِ عَنْ الْقُنْيَةِ قَوْلُهُ: إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: يُدْبِرُ بِالْأَوَّلِ) الْإِدْبَارُ الذَّهَابُ إلَى جَانِبِ الدُّبُرِ وَالْإِقْبَالُ ضِدُّهُ شَرْحُ وِقَايَةٍ (قَوْلُهُ: وَيُقْبِلُ بِالثَّانِي) أَيْ لِأَنَّ الْإِقْبَالَ أَبْلَغُ فِي التَّنْقِيَةِ اهـ شَرْحُ وِقَايَةٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمُنْتَقَى مَنْ لَمْ يُدْخِلْ أُصْبُعَهُ فِي دُبُرِهِ فَلَيْسَ بِتَنْظِيفٍ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَقِيلَ إنَّهُ يُوَرِّثُ الْبَاسُورَ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ خُصْيَتَيْهِ مُتَدَلِّيَتَانِ) فَلَا يُقْبِلُ احْتِرَازًا عَنْ تَلْوِيثِهِمَا، ثُمَّ يُقْبِلُ، ثُمَّ يُدْبِرُ مُبَالَغَةً فِي التَّنْظِيفِ وَفِي الشِّتَاءِ غَيْرُ مُدَلَّاةٍ فَيُقْبِلُ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّ الْإِقْبَالَ أَبْلَغُ فِي التَّنْقِيَةِ، ثُمَّ يُدْبِرُ، ثُمَّ يُقْبِلُ لِلْمُبَالَغَةِ. اهـ. بَاكِيرٌ. (قَوْلُهُ: وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَغَسْلُهُ بِالْمَاءِ أَحَبُّ) إنْ أَمْكَنَهُ بِلَا كَشْفِ عَوْرَةٍ، وَإِلَّا يُتْرَكُ حَتَّى لَا يَصِيرَ فَاسِقًا. اهـ. بَاكِيرٌ قَالَ الْكَمَالُ وَإِنَّمَا يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ إذَا وَجَدَ مَكَانًا يَسْتَتِرُ فِيهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ لَيْسَ فِيهِ سُتْرَةٌ لَوْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ قَالُوا يَفْسُقُ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُهُ عَوَامُّ الْمُصَلِّينَ فِي الْمِيضَأَةِ فَضْلًا عَنْ شَاطِئِ النِّيلِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّاسَ الْيَوْمَ يَثْلَطُونَ ثَلْطًا) فَتَتَلَوَّثُ الْمَقْعَدَةُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبِلِ اهـ سَرُوجِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ زَادِ الْفَقِيرِ وَيَسْتَنْجِي بِبَطْنِ أُصْبُعٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَيَحْتَرِزُ عَنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَيُنَشِّفُ الْمَحِلَّ إنْ كَانَ صَائِمًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ كَيْ لَا يُفْسِدَ صَوْمَهُ وَإِنَّمَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ مَوْضِعَ الْمِحْقَنَةِ وَقَلَّمَا يَكُونُ اهـ

[الاستنجاء بالعظم والروث]

وَصِفَةُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى بَعْدَمَا اسْتَرْخَى كُلَّ الِاسْتِرْخَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا وَيُصَعِّدُ أُصْبُعَهُ الْوُسْطَى عَلَى سَائِرِ الْأَصَابِعِ قَلِيلًا فِي ابْتِدَاءِ الِاسْتِنْجَاءِ وَيَغْسِلُ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ يُصَعِّدُ بِنْصِرَهُ وَيَغْسِلُ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ يُصَعِّدُ خِنْصَرَهُ، ثُمَّ سِبَابَتَهُ فَيَغْسِلُ حَتَّى يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ بِيَقِينٍ أَوْ غَلَبَةِ ظَنٍّ وَيُبَالِغُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا وَلَا يُقَدَّرُ بِالْعَدَدِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ النَّجَاسَةَ مَرْئِيَّةٌ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا زَوَالُ الْعَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُوَسْوِسًا فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّهِ بِالثَّلَاثِ وَقِيلَ بِالسَّبْعِ وَقِيلَ يُقَدَّرُ فِي الْإِحْلِيلِ بِالثَّلَاثِ وَفِي الْمَقْعَدَةِ بِالْخَمْسِ وَقِيلَ بِالتِّسْعِ وَقِيلَ بِالْعَشْرِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْمَشْيِ أَوْ بِالتَّنَحْنُحِ أَوْ النَّوْمِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَلَوْ خَرَجَ دُبُرُهُ وَهُوَ صَائِمٌ فَغَسَلَهُ لَا يَقُومُ حَتَّى يُنَشِّفَهُ بِخِرْقَةٍ قَبْلَ رَدِّهِ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ وَقِيلَ تَسْتَنْجِي بِرُءُوسِ أَصَابِعِهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى تَطْهِيرِ فَرْجِهَا الْخَارِجِ وَقِيلَ يَكْفِيهَا غَسْلُهُ بِرَاحَتِهَا وَقِيلَ بِعَرْضِ أَصَابِعِهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا أَدْخَلَتْ الْأَصَابِعَ يُخْشَى عَلَيْهَا أَنْ تَجْنُبَ بِسَبَبِ مَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ اللَّذَّةِ وَالْعَذْرَاءُ لَا تَسْتَنْجِي بِأَصَابِعِهَا خَوْفًا مِنْ زَوَالِ الْعُذْرَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجِبُ إنْ جَاوَزَ النَّجَسُ الْمَخْرَجَ) أَيْ يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ إذَا جَاوَزَتْ النَّجَاسَةُ الْمَخْرَجَ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ مِنْ النَّجَاسَةِ إنَّمَا اكْتَفَى فِيهِ بِغَيْرِ الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْمُجَاوِزِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُجَاوِزْ وَكَانَ جُنُبًا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ لِوُجُوبِ غَسْلِ الْمَقْعَدَةِ لِأَجْلِ الْجَنَابَةِ، وَكَذَا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعْتَبَر الْقَدْرُ الْمَانِعُ وَرَاءَ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ) أَيْ الْمُعْتَبَرُ فِي مَنْعِ الصَّلَاةِ مَا جَاوَزَ الْمَخْرَجَ مِنْ النَّجَاسَةِ حَتَّى إذَا كَانَ الْمُجَاوِزُ عَنْ الْمَخْرَجِ قَدْرَ الدِّرْهَمِ وَمَعَ الَّذِي فِي الْمَخْرَجِ يَزِيدُ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ سَاقِطٌ لِلْعِبْرَةِ وَلِهَذَا لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ وَلَا يُضَمُّ إلَى مَا فِي جَسَدِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلْمُجَاوِزِ فَقَطْ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ، وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ مَعَ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ حَتَّى إذَا كَانَ الْمَجْمُوعُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ عِنْدَهُ وَوَجَبَ غَسْلُهُ، وَكَذَا يُضَمُّ مَا فِي الْمَخْرَجِ إلَى مَا فِي جَسَدِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ عِنْدَهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَخْرَجَ كَالْبَاطِنِ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ مَا فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ أَصْلًا وَعِنْدَهُ كَالْخَارِجِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَتْ مَقْعَدَتُهُ كَبِيرَةً وَكَانَ فِيهَا نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَمْ تَتَجَاوَزْ مِنْ الْمَخْرَجِ فَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ لَا يَجْزِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَجْحَارِ وَعَنْ ابْنِ شُجَاعٍ يَجْزِيهِ وَمِثْلُهُ عَنْ الطَّحَاوِيِّ فَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِمَا وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِي الْأَوَّلِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْقُنْيَةِ أَنَّهُ إذَا أَصَابَ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ نَجَاسَةٌ مِنْ الْخَارِجِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَطْهُرُ بِالْحَجَرِ وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِعَظْمٍ وَرَوْثٍ وَطَعَامٍ وَيَمِينٍ) أَيْ لَا يَسْتَنْجِي بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِعَظْمٍ وَرَوْثٍ وَيَمِينِهِ وَقَالَ فِي الْعَظْمِ لَا تَسْتَنْجُوا بِهِ فَإِنَّهُ طَعَامُ إخْوَانِكُمْ» يَعْنِي الْجِنَّ فَطَعَامُنَا أَوْلَى أَنْ لَا يُسْتَنْجَى بِهِ؛ وَلِأَنَّ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالطَّعَامِ إضَاعَةَ الْمَالِ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِعَشَرَةِ أَشْيَاءَ الْعَظْمُ وَالرَّجِيعُ وَالرَّوْثُ وَالطَّعَامُ وَاللَّحْمُ وَالزُّجَاجُ وَالْوَرَقُ وَالْخَزَفُ وَوَرَقُ الشَّجَرِ وَالشَّعْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَابُ الصَّلَاةِ) الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ الْعَالِيَةِ الدُّعَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ وَإِنَّمَا عَدَّى بِعَلَى بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ الْأَعْشَى تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرُبْت مُرْتَحَلًا ... يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا عَلَيْك مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْت فَاغْتَمِضِي ... نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعًا وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ الْمَعْهُودَةِ وَفِيهَا زِيَادَةٌ مَعَ بَقَاءِ مَعْنَى اللُّغَةِ فَيَكُونُ تَغْيِيرًا لَا نَقْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: حَتَّى يُنَشِّفَهُ بِخِرْقَةٍ قَبْلَ رَدِّهِ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عَسَى يَدْخُلُ الْمَاءُ جَوْفَهُ الْمُسْتَنْجِي لَا يَتَنَفَّسُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ إذَا كَانَ صَائِمًا لِهَذَا. اهـ. وَلِوَالِجِيٍّ (قَوْلُهُ: وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي صِفَةِ الِاسْتِنْجَاءِ. (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الْجَنَابَةِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقِيلَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهَيْنِ فَرْضٌ فِي الْغُسْلِ عَنْ الْجَنَابَةِ وَفِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَفِي قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَاجِبٌ وَفِيمَا دُونَهُ سُنَّةٌ وَفِيمَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمَخْرَجَ وَالْإِحْلِيلَ يُسْتَحَبُّ وَفِي الْبَعْرِ أَدَبٌ وَفِي الرِّيحِ بِدْعَةٌ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَسْتَنْجِي بِالْخِرْقَةِ وَالْقُطْنِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يُوَرِّثُ الْفَقْرَ بِالْحَدِيثِ وَمَقْطُوعُ الْيُسْرَى يَسْتَنْجِي بِالْيَمِينِ إنْ قَدَرَ وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ يَمْسَحُ ذِرَاعَيْهِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ وَيُصَلِّي وَلَا يَمَسُّ فَرْجَهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا مَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا. (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَوَّلِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ مَقْعَدَتُهُ صَغِيرَةً. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ. اهـ. . [الِاسْتِنْجَاء بِالْعَظْمِ والروث] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا بِعَظْمٍ وَرَوْثٍ)؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ. اهـ. وَلِوَالِجِيٍّ. (قَوْلُهُ: وَطَعَامٍ وَيَمِينٍ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ. اهـ. . [كِتَابُ الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ: الْعَالِيَةِ) أَيْ الْمَشْهُورَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْأَعْشَى) وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَبِيدٌ بَدَلُ الْأَعْشَى قَالَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ هَذَا رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ وَقَدْ قَرُبَ مُرْتَحَلُهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ رَاحِلَتُهُ وَهِيَ مَرْكَبُهُ الَّتِي يَضَعُ عَلَيْهَا رَحْلَهُ وَيَرْكَبُهُ فَدَعَتْ ابْنَتُهُ لَهُ وَالْمُضْطَجَعُ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَوْضِعُ الِاضْطِجَاعِ وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا دَعَتْ لَهُ عِنْدَ حُضُورِ وَفَاتِهِ بِالْعَافِيَةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ قَرُبْت مُرْتَحَلًا الِارْتِحَالُ إلَى الْقَبْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: صَلَّيْت) أَيْ دَعَوْت لِأَبِيك اهـ. (قَوْلُهُ: فَاغْتَمِضِي) أَيْ أَغْمِضِي عَيْنَك لِأَجْلِ النَّوْمِ.

[مواقيت الصلاة]

عَلَى مَا قَالُوا وَقَالَ فِي الْغَايَةِ الظَّاهِرُ أَنَّهَا مَنْقُولَةٌ لِوُجُودِهَا بِدُونِهِ فِي الْأُمِّيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقْتُ الْفَجْرِ مِنْ الصُّبْحِ الصَّادِقِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا أَوْ كَادَتْ الشَّمْسُ تَطْلُعُ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَقْتٌ لَك وَلِأُمَّتِك» وَسُمِّيَ الْفَجْرُ الثَّانِي صَادِقًا؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَنْ الصُّبْحِ وَبَيَّنَهُ وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ كَاذِبًا؛ لِأَنَّهُ يُضِيءُ، ثُمَّ يَسْوَدُّ وَيَذْهَبُ النُّورُ وَيَعْقُبُهُ الظَّلَامُ فَكَأَنَّهُ كَاذِبٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ إنَّمَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ» أَيْ الْمُنْتَشِرُ فِيهِ وَقَدْ اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَهُ الصُّبْحُ الصَّادِقُ وَآخِرَهُ تَطْلُعُ الشَّمْسُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالظُّهْرُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ سِوَى الْفَيْءِ) أَمَّا أَوَّلُهُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ لِزَوَالِهَا وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَأَمَّا آخِرُهُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ وَقَالَا آخِرَهُ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ، وَفِي رِوَايَةِ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْهُ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ وَالْمُفِيدِ وَالتُّحْفَةِ والإسبيجابي وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ جَعَلَ رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ عَنْهُ وَجَعَلَ الْمِثْلَيْنِ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ وَجَعَلَ الْمُهْمَلَ رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْهُ وَهَذَا لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ أَحَدِهِمْ عَنْهُ لَا تَنْفِي رِوَايَةَ غَيْرِهِ عَنْهُ لَهُمَا إمَامَةُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَلَوْ كَانَ الظُّهْرُ بَاقِيًا لَمَا صَلَّى فِيهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ بِمَعْنَاهُ وَأَشَدُّ الْحَرِّ فِي دِيَارِهِمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةٍ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ، ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ فَأَنْتُمْ هُمْ فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً» الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمِنْ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ مِثْلَ بَقِيَّةِ النَّهَارِ إلَى الْغُرُوبِ فَلَمْ تَكُنْ النَّصَارَى أَكْثَرَ عَمَلًا عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْتُ أَطْوَلَ وَلَا يُقَالُ مِنْ وَقْتِ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ وَمِنْ وَقْتِ الْمِثْلِ إلَى الْغُرُوبِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ فَقَدْ وُجِدَ كَثْرَةُ الْعَمَلِ لِطُولِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا الْقَدْرُ الْيَسِيرُ مِنْ الْوَقْتِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْحِسَابُ وَمُرَادُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَفَاوُتٌ يَظْهَرُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِهِ وَمَا رَوَيَاهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ مَوَاقِيت الصَّلَاة] قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَقْتُ الْفَجْرِ مِنْ الصُّبْحِ الصَّادِقِ) ابْتَدَأَ بِبَيَانِ وَقْتِ الْفَجْرِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِبَيَانِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ أَمَّ فِيهَا جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا أَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ وَقْتُ مَا اُخْتُلِفَ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَتَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ فِي صِحَّةِ إمَامَةِ الْمُتَنَفِّلِ لِلْمُفْتَرِضِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالُوا: إنَّ جِبْرِيلَ كَانَ مُتَنَفِّلًا مُعَلِّمًا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُفْتَرِضٌ قُلْنَا هَذِهِ دَعْوَى فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّهُ كَانَ مُتَنَفِّلًا أَوْ مُفْتَرِضًا أَمَّا كَوْنُهُ مُعَلِّمًا فَبَيِّنٌ وَإِنْ قَالُوا لَا تَكْلِيفَ عَلَى مَلَكِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قُلْنَا هَذَا لَا يُعْلَمُ عَقْلًا وَإِنَّمَا عُلِمَ بِالشَّرْعِ وَجِبْرِيلُ مَأْمُورٌ بِالْإِمَامَةِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُؤْمَرْ غَيْرُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ بِذَلِكَ فَكَمَا خُصَّ بِالْإِمَامَةِ جَازَ أَنْ يُخَصَّ بِالْفَرِيضَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ كَاذِبًا) وَالْعَرَبُ تُشَبِّهُهُ بِذَنَبِ السَّرْحَانِ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا طُولُهُ وَالثَّانِي أَنَّ ضَوْءَهُ يَكُونُ فِي الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ كَمَا أَنَّ الذِّئْبَ يَكْثُرُ شَعْرُ ذَنَبِهِ فِي أَعْلَاهُ لَا فِي أَسْفَلِهِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ لَك وَلِأُمَّتِك وَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ وَقْتًا لِتِلْكَ الْفَرِيضَةِ قُلْنَا وُجِدَ الْبَيَانُ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ وَالْآخَرِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَإِنْ أَوَّلَ وَقْتِ الْفَجْرِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَآخِرَهُ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ» وَفِيهِ بَيَانٌ فِي حَقِّهِمَا؛ وَلِأَنَّ إمَامَةَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ تَكُنْ لِنَفْيِ مَا وَرَاءَ وَقْتِ الْإِمَامَةِ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا وَالْوَقْتُ يَبْقَى بَعْدَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالْوَقْتُ يَبْقَى بَعْدَهُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهَذَا جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ احْتِجَاجِهِمَا بِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ أَوْ نَقُولُ هَذَا بَيَانٌ لِلْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ إذْ الْأَدَاءُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مِمَّا يَتَعَسَّرُ عَلَى النَّائِمِينَ فَيُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ وَفِي التَّأْخِيرِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ فَكَانَ الْمُسْتَحَبُّ مَا بَيْنَهُمَا مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا». اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالظُّهْرِ) أَيْ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْفَجْرِ. اهـ. ع. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مِثْلَيْهِ) وَانْتِصَابُهُ بِالْمَصْدَرِ الْمُضَافِ إلَى فَاعِلِهِ. اهـ. ع. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ إلَى بُلُوغِ الظِّلِّ) أَيْ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ. اهـ. ع. (قَوْلُهُ: وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي هَذَا الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ كَوْنِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ. (قَوْلُهُ: مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) فَيْحُ جَهَنَّمَ شِدَّةُ حَرِّهَا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَأَشَدُّ الْحَرِّ فِي دِيَارِهِمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ) يَعْنِي إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ. (قَوْلُهُ: إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ) إنَّمَا كَانَ مِنْ الْعَصْرِ إلَى الْمَغْرِبِ قِيرَاطَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ زَمَنُ إقَامَةِ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَالُ) أَيْ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ

صَلَّى بِهِ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَلَا يُقَالُ بِتَدَاخُلِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِيهِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ مِثْلَيْنِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَتَدَاخَلُ وَقْتَا صَلَاةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَدْخُلُ وَقْتُ صَلَاةٍ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى»، ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ مَا دَامَ الْقُرْصُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَزُلْ فَإِنْ انْحَطَّ يَسِيرًا فَقَدْ زَالَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقُومُ الرَّجُلُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ عَنْ يَسَارِهِ فَهُوَ الزَّوَالُ وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْخَبَّازِيُّ وَهُوَ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً مُسْتَوِيَةً فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ فَمَا دَامَ ظِلُّ الْعُودِ عَلَى النُّقْصَانِ فَهِيَ عَلَى الصُّعُودِ لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ فَإِذَا وَقَفَ وَلَمْ يَنْقُصْ وَلَمْ يَزِدْ فَهُوَ قِيَامُ الظَّهِيرَةِ فَإِذَا أَخَذَ فِي الزِّيَادَةِ فَقَدْ زَالَتْ الشَّمْسُ فَخَطَّ عَلَى رَأْسِ مَوْضِعِ الزِّيَادَةِ خَطًّا فَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْخَطِّ إلَى الْعُودِ فِي الزَّوَالِ فَإِذَا صَارَ ظِلُّ الْعُودِ مِثْلَيْ الْعُودِ مِنْ رَأْسِ الْخَطِّ لَا مِنْ مَوْضِعِ غَرْزِ الْعُودِ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَبْسُوطِ قَالَ فَيْءُ الزَّوَالِ هُوَ الظِّلُّ الَّذِي يَكُونُ لِلْأَشْيَاءِ وَقْتَ الظَّهِيرَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الظِّلَّ لَا يُسَمَّى فَيْئًا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَوْلُهُ سِوَى الْفَيْءِ أَيْ سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ بَدَلٌ عَنْ الْإِضَافَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَصْرُ مِنْهُ إلَى الْغُرُوبِ) أَيْ وَقْتُ الْعَصْرِ مِنْ وَقْتِ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أَمَّا أَوَّلُهُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَأَمَّا آخِرُهُ فَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ خَرَجَ وَقْتُ الْعَصْرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَغْرِبُ مِنْهُ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ) أَيْ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مِنْ وَقْتِ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَعَنْ أَبِي مُوسَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَقْدِيرِهِ فِي الْجَدِيدِ بِمُضِيِّ قَدْرِ وَضُوءِ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَخَمْسِ رَكَعَاتٍ وَلَا يُعَارِضُهُ إمَامَةُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ بَدَأَ بِهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَلَمْ يَذْكُرْ وَقْتَ الْفَرَاغِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرَاغُ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَيَكُونُ قَوْلُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ لَك وَلِأُمَّتِك إشَارَةً إلَى ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَإِلَى انْتِهَائِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِهِمْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي يَوْمَيْنِ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي آخِرِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَعَا السَّائِلَ، ثُمَّ قَالَ الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ جِبْرِيلَ مَنْسُوخًا بِمَا رَوَيْنَا؛ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ وَحَدِيثُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُتَقَدِّمٌ أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ احْتِرَازًا عَنْ الْكَرَاهِيَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ الْبَيَاضُ) أَيْ الشَّفَقُ هُوَ الْبَيَاضُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَنَسٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعَائِشَةَ وَرِوَايَةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ وَاخْتَارَهُ الْمُبَرِّدُ وَثَعْلَبٌ اللُّغَوِيَّانِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مُحَمَّدٌ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَفَاهَمُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْخَلِيلِ وَالْفَرَّاءِ وَالْأَزْهَرِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً مُسْتَوِيَةً إلَى آخِرِهِ) هَذَا التَّفْسِيرُ عَزَاهُ فِي الْغَايَةِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ قَالَ الرَّازِيّ وَالزَّوَالُ ظُهُورُ زِيَادَةِ الظِّلِّ لِكُلِّ شَخْصٍ فِي جَانِبِ الْمَشْرِقِ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ ظِلًّا وَقْتَ الزَّوَالِ إلَّا بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَصَنْعَاءِ الْيَمَنِ فِي أَطْوَلِ أَيَّامِ السَّنَةِ فَإِنَّ الشَّمْسَ فِيهَا تَأْخُذُ الْحِيطَانَ الْأَرْبَعَةَ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) أَيْ فِي تَفْسِيرِ الْفَيْءِ بِالظِّلِّ. (قَوْلُهُ: لَا يُسَمَّى فَيْئًا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ) لِأَنَّهُ مِنْ فَاءَ أَيْ رَجَعَ وَالْفَيْءُ الرُّجُوعُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْعَصْرُ) ذَهَبَ أَصْحَابُنَا إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَالشَّيْخُ صَدْرُ الدِّينِ الأخلاطي فِي شَرْحِ كِتَابِ مُسْلِمٍ وَصَاحِبُ اللُّبَابِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ كَشْفِ الْمُغَطَّى فِيهَا سَبْعَةَ عَشَرَ قَوْلًا وَسُمِّيَتْ الْعَصْرُ الْوُسْطَى؛ لِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ وَصَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ اهـ سَرُوجِيٌّ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: صَلَّاهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ) أَيْ لَوْ كَانَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مُمْتَدًّا كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَأَمَّ جِبْرِيلُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَفِي آخِرِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بَيَانًا لِأَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَلَمَّا صَلَّى بِهِ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَدٍّ فَيَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى فَلَا يَتَمَسَّكُ بِهِ قُلْنَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ قَوْلٌ فَيَقْدَمُ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ) مَحْمُولٌ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ فَقَطْ أَيْ أَوَّلِ الْوَقْتِ فِي الْيَوْمَيْنِ كَانَ وَاحِدًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ اتِّحَادُ آخِرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: الشَّفَقُ هُوَ الْبَيَاضُ) أَيْ الْبَاقِي فِي الْأُفُقِ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الْحُمْرَةِ. اهـ. بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَعِنْدَ زُفَرَ أَيْضًا. اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ) وَبِهِ قَالَ الثَّلَاثَةُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهَا الْفَتْوَى. اهـ. عَيْنِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ الْفَرَّاءُ تَقُولُ الْعَرَبُ عَلَى فُلَانٍ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ كَأَنَّهُ الشَّفَقُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَآخِرُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا اسْوَدَّ الْأُفُقُ»؛ وَلِأَنَّ الشَّفَقَ مِنْ الرِّقَّةِ وَمِنْهُ شَفَقَةُ الْقَلْبِ وَهِيَ رِقَّتُهُ وَيُقَالُ ثَوْبٌ شَفِيقٌ إذَا كَانَ رَقِيقًا وَهُوَ بِالْبَيَاضِ أَلْيَقُ؛ لِأَنَّهُ أَرَقُّ مِنْ الْحُمْرَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ «وَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ» إذْ النُّورُ يُطْلَقُ عَلَى الْبَيَاضِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ الْعِشَاءَ تَقَعُ بِمَحْضِ اللَّيْلِ فَلَا تَدْخُلُ مَا دَامَ الْبَيَاضُ بَاقِيًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَثَرِ النَّهَارِ وَلِهَذَا يَخْرُجُ بِطُلُوعِ الْبَيَاضِ الْمُعْتَرِضِ مِنْ الْفَجْرِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَكَذَا بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فَلَا تَخْرُجُ الْمَغْرِبُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا لَا تَدْخُلُ الْعِشَاءُ بِالشَّكِّ وَمَا رُوِيَ عَنْ الْخَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ رَاعَيْت الْبَيَاضَ بِمَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَيْلَةً فَمَا ذَهَبَ إلَّا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَاضِ الْجَوِّ وَذَلِكَ يَغِيبُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَأَمَّا بَيَاضُ الشَّفَقِ وَهُوَ رَقِيقُ الْحُمْرَةِ فَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا إلَّا قَلِيلًا قَدْرَ مَا يَتَأَخَّرُ طُلُوعُ الْحُمْرَةِ عَنْ الْبَيَاضِ فِي الْفَجْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعِشَاءُ وَالْوِتْرُ مِنْهُ إلَى الصُّبْحِ) أَيْ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ مِنْ غُرُوبِ الشَّفَقِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ أَمَّا أَوَّلُهُ فَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَدْخُلُ بِمَغِيبِ الشَّفَقِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الشَّفَقِ، وَأَمَّا آخِرُهُ فَلِإِجْمَاعِ السَّلَفِ أَنَّهُ يَبْقَى إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَائِضَ إذَا طَهُرَتْ بِاللَّيْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الْعِشَاءِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْلَا أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهَا وَجَعَلَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقْتَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ وَاحِدًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ بَعْدَمَا صَلَّى الْعِشَاءَ وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ فَرْضٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا سُنَّةٌ عَلَى مَا سَيَجِيءُ بَيَانُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الْعِشَاءِ لِلتَّرْتِيبِ) أَيْ لَا يُقَدَّمُ الْوِتْرُ عَلَى الْعِشَاءِ لِأَجْلِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ لَا لِأَنَّ وَقْتَ الْوِتْرِ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى لَوْ نَسِيَ الْعِشَاءَ وَصَلَّى الْوِتْرَ جَازَ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَهُ فَصَارَا كَفَرْضَيْنِ اجْتَمَعَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالْقَضَاءَيْنِ أَوْ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوِتْرَ سُنَّةُ الْعِشَاءِ فَيَكُونُ تَبَعًا لَهَا فَلَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا قَبْلَ أَدَاءِ الْعِشَاءِ لِعَدَمِ دُخُولِ وَقْتِهَا لَا لِلتَّرْتِيبِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْوِتْرَ قَبْلَ الْعِشَاءِ نَاسِيًا أَوْ صَلَّاهُمَا وَظَهَرَ فَسَادُ الْعِشَاءِ دُونَ الْوِتْرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْوِتْرُ وَيُعِيدُ الْعِشَاءَ وَحْدَهَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِمِثْلِ هَذَا الْعُذْرِ وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُ الْوِتْرَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ حَتَّى لَا تَجُوزَ صَلَاةُ الْفَجْرِ مَا لَمْ يُصَلِّ الْوِتْرَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتَهُمَا لَمْ يَجِبَا) أَيْ مَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ بِأَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَطْلُعُ الْفَجْرُ فِيهِ كَمَا تَغْرُبُ الشَّمْسُ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ لَمْ يَجِبَا عَلَيْهِ لِعَدَمِ السَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ الشَّيْخَ بُرْهَانَ الدِّينِ الْكَبِيرَ أَفْتَى بِأَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ أَنَّهُ لَا يَنْوِي الْقَضَاءَ فِي الصَّحِيحِ لِفَقْدِ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِدُونِ السَّبَبِ لَا يُعْقَلُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْقَضَاءَ يَكُونُ أَدَاءَ ضَرُورَةٍ وَهُوَ فَرْضُ الْوَقْتِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَخْرُجُ) أَيْ لِكَوْنِهِ مِنْ أَثَرِ النَّهَارِ. (قَوْلُهُ: فَلِإِجْمَاعِ السَّلَفِ إلَى آخِرِهِ) وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَأَخَّرَ وَقْتَ الْعِشَاءِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الْعِشَاءِ لِلتَّرْتِيبِ) الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً إلَى صَلَاتِكُمْ أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ». اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَطْلُعُ الْفَجْرُ فِيهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُذْكَرُ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ بُلْغَارَ لَا يَجِدُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَقْتَ الْعِشَاءِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَإِنَّ الشَّمْسَ كَمَا تَغْرُبُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ يَظْهَرُ الْفَجْرُ مِنْ الْمَشْرِقِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَفْتَى بِأَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إلَى آخِرِهِ) وَرُدَّتْ هَذِهِ الْفَتْوَى مِنْ بُلْغَارَ عَلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ فَأَفْتَى بِقَضَاءِ الْعِشَاءِ ثَمَّ وَرَدَتْ بِخُوَارِزْمَ عَلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ سَيْفِ السُّنَّةِ الْبَقَّالِيِّ فَأَفْتَى بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فَبَلَغَ جَوَابُهُ الْحَلْوَانِيَّ فَأَرْسَلَ مَنْ يَسْأَلُهُ فِي عَامَّتِهِ بِجَامِعِ خُوَارِزْمَ مَا تَقُولُ فِيمَنْ أَسْقَطَ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَاحِدَةً هَلْ يَكْفُرُ فَأَحَسَّ بِهِ الشَّيْخُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ قُطِعَ يَدَاهُ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ أَوْ رِجْلَاهُ مِنْ الْكَعْبَيْنِ كَمْ فَرَائِضُ وُضُوئِهِ؟ قَالَ: ثَلَاثٌ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الرَّابِعِ قَالَ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ الْخَامِسَةُ فَبَلَغَ الْحَلْوَانِيُّ جَوَابُهُ فَاسْتَحْسَنَهُ وَوَافَقَهُ فِيهِ. اهـ. مُجْتَبَى قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا يَرْتَابُ مُتَأَمِّلٌ فِي ثُبُوتِ الْفَرْقِ بَيْنَ عَدَمِ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَبَيْنَ سَبَبِهِ الْجَعْلِيِّ الَّذِي جُعِلَ عَلَامَةً عَلَى الْوُجُوبِ الْخَفِيِّ الثَّابِتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَجَوَازِ تَعَدُّدِ الْمُعَرَّفَاتِ لِلشَّيْءِ فَانْتِفَاءُ الْوَقْتِ انْتِفَاءٌ لِلْمُعَرَّفِ وَانْتِفَاءُ الدَّلِيلِ عَلَى الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءً لِجَوَازِ دَلِيلٍ آخَرَ وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ مَا تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ أَخْبَارُ الْإِسْرَاءِ مِنْ فَرْضِ اللَّهِ الصَّلَاةَ خَمْسًا بَعْدَمَا أُمِرُوا أَوَّلًا بِخَمْسِينَ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الْخَمْسِ شَرْعًا عَامًّا لِأَهْلِ الْآفَاقِ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ قُطْرٍ وَقُطْرٍ وَمَا رُوِيَ «ذَكَرَ الدَّجَّالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا مَا لُبْثُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا كَسَنَةٍ وَيَوْمٍ كَشَهْرٍ وَيَوْمٍ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَيَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ لَا أَقْدِرُوا لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَقَدْ أَوْجَبَ فِيهِ ثَلَثَمِائَةِ عَصْرٍ قَبْلَ صَيْرُورَةِ الظِّلِّ مِثْلًا أَوْ مِثْلَيْنِ وَقِسْ عَلَيْهِ فَاسْتَفَدْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ خَمْسٌ عَلَى الْعُمُومِ غَيْرَ أَنَّ تَوْزِيعَهَا عَلَى تِلْكَ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ وُجُودِهَا فَلَا يَسْقُطُ بِعَدَمِهَا الْوُجُوبُ، وَكَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ» وَمَنْ أَفْتَى بِوُجُوبِ الْعِشَاءِ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِ الْوِتْرُ اهـ. (قَوْلُهُ: يَكُونُ أَدَاءَ ضَرُورَةٍ) أَيْ لِعَدَمِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ اهـ

[الأوقات التي يستحب فيها الصلاة]

إذْ لَا يَبْقَى وَقْتُ الْعِشَاءِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتَهُمَا لَمْ يَجِبَا أَيْ لَمْ يَجِبَا عَلَيْهِ فَحَذَفَ الْعَائِدَ عَلَى مَنْ وَهُوَ لَا يَسُوغُ حَذْفُهُ فِي مِثْلِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْ مَوْصُولَةً أَوْ شَرْطِيَّةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ مَوْصُولَةً فَلِأَنَّهَا مُبْتَدَأٌ أَوْ مَا بَعْدَهَا صِلَتُهَا وَلَمْ يَجِبَا خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرُ مَتَى كَانَ جُمْلَةً لَا بُدَّ مِنْ ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى الْمُبْتَدَإِ وَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ إلَّا إذَا كَانَ مَنْصُوبًا فِي الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ وَخَالِدٌ يَحْمَدُ سَادَاتُنَا أَيْ يَحْمَدُهُ أَوْ كَانَ مَجْرُورًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤَدِّي إلَى تَهْيِئَةِ الْعَامِلِ لِلْعَمَلِ وَقَطْعِهِ عَنْهُ كَقَوْلِهِمْ السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ أَيْ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا أَدَّى فَلَا يَسُوغُ حَذْفُهُ لَا يُقَالُ زَيْدٌ مَرَرْت وَهَذَا مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ شَرْطِيَّةً فَلِأَنَّ اسْمَ الشَّرْطِ أَوْ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ لَا بُدَّ فِي الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ جَوَابًا لَهُ مِنْ ضَمِيرٍ عَائِدٍ عَلَيْهِ فَتَقُولُ مَنْ يَقُمْ أَقُمْ مَعَهُ وَغُلَامُ مَنْ تُكْرِمُ أُكْرِمُهُ وَلَا يَجُوزُ مَنْ يَقُمْ أَقُمْ وَلَا غُلَامُ مَنْ تُكْرِمُ أُكْرِمُ فَكَذَا هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ تَأْخِيرُ الْفَجْرِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْفَجْرِ وَلَا يُؤَخِّرُهَا بِحَيْثُ يَقَعُ الشَّكُّ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ بَلْ يُسْفِرُ بِهَا بِحَيْثُ لَوْ ظَهَرَ فَسَادُ صَلَاتِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعِيدَهَا فِي الْوَقْتِ بِقِرَاءَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ وَقِيلَ يُؤَخِّرُهَا جِدًّا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ مَوْهُومٌ فَلَا يُتْرَكُ الْمُسْتَحَبُّ لِأَجْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْأَفْضَلُ التَّعْجِيلُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ لَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَوَسَطُهُ رَحْمَةُ اللَّهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ»، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي صَلَاةً لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْمَغْرِبِ بِجَمْعٍ وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا بِغَلَسٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي دَاوُد بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُصَلِّي بِنَا الْفَجْرَ وَنَحْنُ نَتَرَاءَى الشَّمْسَ مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ قَدْ طَلَعَتْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَذَكَرَهُ فِي الْإِلْمَامِ؛ وَلِأَنَّ فِي الْإِسْفَارِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ وَتَوْسِيعَ الْحَالِ عَلَى النَّائِمِ وَالضَّعِيفِ فِي إدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَلَسِ فِيهِ غَلَسُ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصَابِيحُ وَقْتَ الصُّبْحِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَصَابِيحُ لَعُرِفَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ وَالْغَلَسُ فِي الْأَبْنِيَةِ يَسْتَمِرُّ إلَى وَقْتِ الْإِسْفَارِ جِدًّا يُقَالُ هَذَا بَيْتٌ غَلَسٌ بِالنَّهَارِ فَمَا ظَنُّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تَلَفَّعَتْ بِمُرُوطِهَا لَا تُعْرَفُ فِي النَّهَارِ فَمَا ظَنُّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعَدَمُ مَعْرِفَتِهِنَّ وَبَقَاءُ الْغَلَسِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ غَلَسُ الْمَسْجِدِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا بِغَلَسٍ» وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ غَلَسِ الْمَسْجِدِ لَوَقَعَ التَّنَاقُضُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَاهُ فِعْلٌ وَمَا رَوَيْنَاهُ قَوْلٌ وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ إعْلَامًا لِلْجَوَازِ فَلَا يَضُرُّنَا ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنَ زَكَرِيَّا وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِهِ الْفَضْلُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ يُرَادُ بِهِ الْفَضْلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219] أَيْ الْفَضْلَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ أَلْيَقُ هُنَا مِنْ مَعْنَى التَّجَاوُزِ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يُبَاحُ وَفِي الْفَضْلِ رِضْوَانٌ فَلَا تَنَافِي وَحَمْلُهُمْ الْإِسْفَارَ فِيمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى بَيَانِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَظُهُورِهِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ مَعَ زِيَادَةِ الْأَجْرِ بِالْإِسْفَارِ وَلَا يُقَالُ بِأَنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى نِيَّتِهِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَيَكُونُ أَجْرُ الْإِسْفَارِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَعْظَمَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَتَّبَ الْأَجْرَ عَلَى الصَّلَاةِ لَا عَلَى النِّيَّةِ فَيَكُونُ أَجْرُ الْإِسْفَارِ أَفْضَلَ مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَهْيِئَةِ الْعَامِلِ لِلْعَمَلِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَجْرُورِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا مِنْهُ) أَيْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مِنْهُ. [الْأَوْقَات الَّتِي يُسْتَحَبّ فِيهَا الصَّلَاة] (قَوْلُهُ: أَيْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْفَجْرِ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ صَيْفًا أَوْ شِتَاءً. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ: يُمْكِنُهُ أَنْ يُعِيدَهَا) أَيْ وَيُعِيدَ الْوُضُوءَ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: أَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنْ الثَّقِيلَةِ أَيْ أَنَّهُ (قَوْلُهُ: مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ) تَلَفَّعَتْ الْمَرْأَةُ بِالثَّوْبِ تَسَتَّرَتْ بِهِ وَالْمِرْطُ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ أَوْ خَزٍّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانٌ» إلَخْ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ رِضْوَانَ اللَّهِ تَعَالَى أَحَبُّ مِنْ عَفْوِهِ وَسَبَبُ الْأَحَبِّ أَفْضَلُ اهـ. (قَوْلُهُ: عَفْوُ اللَّهِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ الرِّضْوَانُ لِلْمُحِبِّينَ وَالْعَفْوُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُقَصِّرِينَ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ إلَى آخِرِهِ») وَالْوُجُوبُ لَيْسَ بِمُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ اهـ رَازِيٌّ وَأَسْفَرَ الْفَجْرُ أَضَاءَ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ اُدْخُلُوا صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي وَقْتِ الْإِسْفَارِ. (قَوْلُهُ: إلَّا صَلَاتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) الْمَغْرِبُ وَالْفَجْرُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَاتٍ اهـ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ مِيقَاتِهَا) وَمَعْنَاهُ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ فِعْلُهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَا عِنْدَ الشَّكِّ فِي طُلُوعِهِ وَلَا حَالَ طُلُوعِهِ إجْمَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ الْمُعْتَادُ تَأْخِيرَ الصُّبْحِ وَأَنَّهُ عَجَّلَ بِهَا يَوْمَئِذٍ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الْغَلَسُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَدُلُّ عَلَى مُدَاوَمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّلَاةِ مَعَ الْغَلَسِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الصَّلَاةِ مَعَ الْغَلَسِ إلَّا يَوْمًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَحَمْلُهُمْ الْإِسْفَارَ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ وَآخِرُ الْوَقْتِ عَفْوُ اللَّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ زِيَادَةِ الْأَجْرِ بِالْإِسْفَارِ) قَدْ يُقَالُ زِيَادَةُ الْأَجْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا يَرِدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. اهـ. .

اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْجَوَازِ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ ذَلِكَ لِتَعْظِيمِ أَجْرِهِ لَا لِتَجْوِيزِ صَلَاتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَظُهْرُ الصَّيْفِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا كَانَ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ الْبَرْدُ عَجَّلَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِلْإِبْرَادِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ أَنْ يَكُونَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَأَنْ يَكُونَ فِي بِلَادٍ حَارَّةٍ وَأَنْ يُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ وَأَنْ يَقْصِدَهَا النَّاسُ مِنْ بَعِيدٍ، وَإِلَّا فَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ خَبَّابُ أَنَّهُ قَالَ «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَكَوْنَا لَهُ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يَشْكُنَا أَيْ فَلَمْ يُزِلْ شَكْوَانَا» وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبْرِدْ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ أَبْرِدْ حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا اشْتَدَّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» لَمْ يَفْصِلْ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ نَسْخَهُ وَهُوَ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ أَيْضًا عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ حَرَّ الرَّمْضَاءِ لَا يَزُولُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ وَقْتُ الظُّهْرِ بَلْ اصْفِرَارُ الشَّمْسِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَعْذُرْهُمْ أَوْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ لَمْ يَشْكُنَا بِمَعْنَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُحْوِجْنَا إلَى الشَّكْوَى بَلْ أَمَرَنَا بِالْإِبْرَادِ قَالَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَصْرُ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ) أَيْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا لِقَوْلِ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَعَنْ أَنَسٍ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَصْرَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نُرِيدُ أَنْ نَنْحَرَ جَزُورًا لَنَا وَنُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَهَا قَالَ نَعَمْ فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْنَا مَعَهُ فَوَجَدْنَا الْجَزُورَ لَمْ تُنْحَرْ فَنُحِرَتْ، ثُمَّ قُطِعَتْ، ثُمَّ طَبَخَ مِنْهَا، ثُمَّ أَكَلْنَا مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ مَا دَامَتْ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مِثْلَهُ وَقَدْ اشْتَهَرَتْ الْأَخْبَارُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَنْ أَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ بِتَأْخِيرِ الْعَصْرِ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ تَوْسِعَةً لِوَقْتِ النَّوَافِلِ فَيَكُونُ فِيهِ تَكْثِيرُهَا فَيُنْدَبُ وَفِي التَّعْجِيلِ قَطْعُهَا لِكَرَاهِيَةِ النَّفْلِ بَعْدَهَا فَلَا يُسْتَحَبُّ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، فَإِنَّ الطَّحَاوِيَّ وَغَيْرَهُ قَالَ أَدْنَى الْعَوَالِي مِيلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَيُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ وَيَأْتِي الْعَوَالِي وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ كَذَا فِي الْغَايَةِ، وَكَذَا لَا حُجَّةَ لَهُ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ قَالَ صَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يَقُلْ قَالَ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِعُذْرٍ أَوْ لِيُعْلِمَ أَنَّ التَّقْدِيمَ جَائِزٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ التَّغْيِيرِ قِيلَ هُوَ أَنْ يَتَغَيَّرَ الشُّعَاعُ عَلَى الْحِيطَانِ وَقِيلَ أَنْ تَتَغَيَّرَ الشَّمْسُ بِصُفْرَةٍ أَوْ حُمْرَةٍ، وَقِيلَ إذَا بَقِيَ مِقْدَارُ رُمْحٍ لَمْ تَتَغَيَّرْ وَدُونَهُ قَدْ تَغَيَّرَتْ وَقِيلَ يُوضَعُ طَسْتٌ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ فَإِنْ ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ عَلَى جَوَانِبِهِ فَقَدْ تَغَيَّرَتْ وَإِنْ وَقَعَتْ فِي جَوْفِهِ لَمْ تَتَغَيَّرْ وَقِيلَ إنْ كَانَ يُمْكِنُ النَّظَرُ إلَى الْقُرْصِ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ فَقَدْ تَغَيَّرَتْ، وَإِلَّا فَلَا وَالصَّحِيحُ أَنْ يَصِيرَ الْقُرْصُ بِحَالٍ لَا تَحَارُ فِيهِ الْأَعْيُنُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعِشَاءُ إلَى الثُّلُثِ) أَيْ نُدِبَ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ إلَيْهِ مُسْتَحَبٌّ وَفِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهَا لِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ أَنَا أُعْلِمُ النَّاسَ بِوَقْتِ هَذِهِ الصَّلَاةِ «صَلَاةُ الْعِشَاءِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهَا حِينَ يَسْقُطُ الْقَمَرُ لِثَالِثَةٍ»؛ وَلِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهَا تَعْرِيضَهَا لِلْفَوَاتِ فَيُكْرَهُ وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَامَ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ فَخَرَجَ فَقَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوا الْعِشَاءَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَسْتَحِبُّ تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ وَنَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فَقَالَ إنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي». وَجْهُ مَا ذَكَرُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمُفِيدِ وَالْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ الْمُسْتَحَبُّ هُوَ تَأْخِيرُ وَقْتِ الظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ. اهـ. سَرُوجِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ) أَيْ يُقِيمَ إذْ الْإِقَامَةُ تُسَمَّى أَذَانًا. (قَوْلُهُ: فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ اُدْخُلُوا صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي سَاعَةِ الْبَرْدِ اهـ. . (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ) وَالتَّأْخِيرُ إلَيْهِ مَكْرُوهٌ. اهـ. هِدَايَةٌ وَفِي الْقُنْيَةِ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ اهـ. قَوْلُهُ: وَالتَّأْخِيرُ إلَيْهِ مَكْرُوهٌ أَيْ دُونَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْكَرَاهَةُ لِلشَّيْءِ مَعَ الْأَمْرِ بِهِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا تُحَارُ فِيهِ الْأَعْيُنُ) أَيْ ذَهَبَ ضَوْءُهَا فَلَا يَتَحَيَّرُ فِيهِ الْبَصَرُ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُغْرِبِ. (قَوْلُهُ: عَنْ الشَّعْبِيِّ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخَذْنَا بِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ وَهُوَ اعْتِبَارُ تَغَيُّرِ الْقُرْصِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ الضَّوْءِ يَحْصُلُ بَعْدَ الزَّوَالِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: مُسْتَحَبٌّ وَفِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالتَّوْفِيقُ بِأَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ إلَى الثُّلُثِ مُسْتَحَبًّا فِي الشِّتَاءِ وَإِلَى مَا قَبْلَهُ فِي الصَّيْفِ لِغَلَبَةِ النَّوْمِ فِيهِ اهـ

هُنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ قَوْلُ عَائِشَةَ «كَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ وَرَدَ فِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ صِحَاحٌ وَلَوْ أَوْرَدْنَاهَا لَطَالَ الْكِتَابُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ كَانَ يُصَلِّيهَا حِينَ يَسْقُطُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الثَّالِثِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَوْلُهُ فِي تَأْخِيرِهَا تَعْرِيضُهَا لِلْفَوَاتِ قُلْنَا الْأَصْلُ عَدَمُ الْعَارِضِ وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا أَمِنَ الْفَوَاتَ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ قَطْعَ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ تُؤَخَّرَ الْعِشَاءُ وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا» وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِنَّمَا كَرِهَ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى سَهَرٍ يَفُوتُ بِهِ الصُّبْحُ أَوْ لِئَلَّا يَقَعَ فِي كَلَامِهِ لَغْوٌ فَلَا يَنْبَغِي خَتْمُ الْيَقَظَةِ بِهِ أَوْ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ قِيَامُ اللَّيْلِ لِمَنْ لَهُ بِهِ عَادَةٌ وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَدِيثُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرُ وَحِكَايَةُ الصَّالِحِينَ وَمُذَاكَرَةُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثُ مَعَ الضَّيْفِ وَعَنْ عُمَرَ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَسْمَرُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُمَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ إنَّمَا كَرِهَ النَّوْمَ قَبْلَهَا لِمَنْ خَشَى عَلَيْهِ فَوْتَ وَقْتِهَا أَوْ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، وَأَمَّا مَنْ وَكَّلَ لِنَفْسِهِ مَنْ يُوقِظُهُ فِي وَقْتِهَا فَمُبَاحٌ لَهُ النَّوْمُ، ثُمَّ قِيلَ تَأْخِيرُهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مُبَاحٌ وَإِلَى مَا بَعْدَهُ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ وَقِيلَ تَأْخِيرُهَا إلَى مَا بَعْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْعِشَاءِ فِي الصَّيْفِ لِقِصَرِ اللَّيَالِي فَيَغْلِبُ عَلَيْهِمْ النَّوْمُ فَيُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوِتْرُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ لِمَنْ يَثِقُ بِالِانْتِبَاهِ) أَيْ نُدِبَ تَأْخِيرُ الْوِتْرِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ إذَا كَانَ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَنْتَبِهُ لِيُصَلِّيَ لِيَكُونَ الْوِتْرُ خَتْمًا لِقِيَامِ اللَّيْلِ كُلِّهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وِتْرًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِالِانْتِبَاهِ أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَيُّكُمْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ، ثُمَّ لِيَرْقُدْ وَمَنْ وَثِقَ بِقِيَامٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي بَكْرٍ: مَتَى تُوتِرُ؟ قَالَ: أَوَّلَ اللَّيْلِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ؛ فَقَالَ أَخَذْت بِالْوُثْقَى، ثُمَّ قَالَ لِعُمَرَ: مَتَى تُوتِرُ؟ قَالَ: آخِرَ اللَّيْلِ، قَالَ أَخَذْت بِالْقُوَّةِ» رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَرَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ حَذِرٌ هَذَا وَلِعُمَرَ قَوِيٌّ هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعْجِيلُ ظُهْرِ الشِّتَاءِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الظُّهْرِ فِي الشِّتَاءِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ وَمَا نَدْرِي أَمَا ذَهَبَ مِنْ النَّهَارِ أَكْثَرُ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا كَانَ الْبَرْدُ عَجَّلَ» وَإِنَّمَا أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذِكْرَ تَعْجِيلِ الظُّهْرِ فِي الشِّتَاءِ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى الْعَصْرِ، وَكَذَا أَخَّرَ تَعْجِيلَ الْمَغْرِبِ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ مَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ صِنْفًا وَمَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ صِنْفًا فَقَدَّمَ مَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ شَرَعَ فِيمَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَغْرِبِ) أَيْ نُدِبَ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ «كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَأَنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاشْتِبَاكُهَا كَثْرَتُهَا وَلِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَلَوْلَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَصَلَّاهَا فِي وَقْتَيْنِ كَمَا فَعَلَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَكَانَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَقُولُ تَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ وَلَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُؤَخَّرُ لِعُذْرِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ لِلْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عِشَاءِ الْأَخِيرَةِ فِعْلًا وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَمَا أُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَا يُبَاحُ لَهُ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ إلَى تَغَيُّرِ الشَّمْسِ، وَكَذَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: قَطْعَ السَّمَرِ) السَّمَرُ الْمُسَامَرَةُ وَهُوَ الْحَدِيثُ بِاللَّيْلِ وَقَدْ سَمَرَ يَسْمُرُ فَهُوَ سَامِرٌ. اهـ. مَجْمَعٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ) أَيْ تَحْضُرُهَا الْمَلَائِكَةُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: أَمَا ذَهَبَ) الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَمَا مَوْصُولَةٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ: نُدِبَ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ بِأَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَّا بِجِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ أَوْ سَكْتَةٍ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَيَأْتِي وَتَأْخِيرُهَا لِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ مَكْرُوهٌ وَهِيَ خِلَافِيَّةٌ وَسَنَذْكُرُهَا فِي النَّوَافِلِ، قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا وَمَا رَوَى الْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخَّرَهَا حَتَّى بَدَا نَجْمٌ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْقَلِيلَ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَرَاهَةٌ هُوَ مَا قَبْلَ ظُهُورِ النَّجْمِ، وَفِي الْمُنْيَةِ لَا يُكْرَهُ فِي السَّفَرِ وَلِلْمَائِدَةِ أَوْ كَانَ يَوْمَ غَيْمٍ وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَخَّرَهَا بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ خِلَافٌ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَلَا يَبْعُدُ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ التَّشَبُّهُ بِالْيَهُودِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ عِشَاءِ الْأَخِيرَةِ فِعْلًا) بِأَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فِي آخِرِ وَقْتِهِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْجَمْعِ وَقْتًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ.

[الأوقات التي يكره فيها الصلاة]

مَا بَيَّنَّا وَهُوَ عِنْدَنَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ امْتِدَادِ الْوَقْتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا فِيهَا عَيْنٌ يَوْمِ غَيْمٍ) أَيْ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ كُلِّ صَلَاةٍ فِي أَوَّلِهَا عَيْنٌ يَوْمَ غَيْنٍ وَهِيَ الْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ؛ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ احْتِمَالَ وُقُوعِهَا فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَفِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ تَقْلِيلَ الْجَمَاعَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَطَرِ وَالطِّينِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤَخَّرُ غَيْرُهُ فِيهِ) أَيْ يُؤَخَّرُ غَيْرُ مَا فِي أَوَّلِهِ عَيْنٌ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ وَهِيَ الْفَجْرُ وَالظُّهْرُ وَالْمَغْرِبُ؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ وَالظُّهْرَ لَا كَرَاهِيَةَ فِي وَقْتِهِمَا فَلَا يَضُرُّ التَّأْخِيرُ وَالْمَغْرِبُ يُخَافُ وُقُوعُهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ لِشِدَّةِ الِالْتِبَاسِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ فِي الْكُلِّ يَوْمَ الْغَيْمِ؛ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ تَرَدُّدًا بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَفِي التَّعْجِيلِ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَكَانَ التَّأْخِيرُ أَوْلَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُنِعَ عَنْ الصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ عِنْدَ الطُّلُوعِ وَالِاسْتِوَاءِ وَالْغُرُوبِ إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ) لِقَوْلِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «ثَلَاثُ أَوْقَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ فِيهَا وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهَا مَوْتَانَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَعِنْدَ زَوَالِهَا حَتَّى تَزُولَ وَحِينَ تَضِيفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَنْ نَقْبُرَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ إذْ الدَّفْنُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَالْمُرَادُ بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ مَا تَلَاهَا قَبْلَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ. وَأَمَّا إذَا تَلَاهَا فِيهَا جَازَ أَدَاؤُهَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُهَا لِيُؤَدِّيَهَا فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ بِخِلَافِ الْعَصْرِ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَا حَضَرَتْ قَبْلَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَإِنْ حَضَرَتْ فِيهَا جَازَتْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهَا أُدِّيَتْ كَمَا وَجَبَتْ إذْ الْوُجُوبُ بِالْحُضُورِ وَهُوَ أَفْضَلُ وَالتَّأْخِيرُ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ لَا يُؤَخَّرْنَ وَذَكَرَ مِنْهَا الْجِنَازَةَ» وَقَوْلُهُ إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ أَيْ لَا يَمْنَعُ عَصْرَ يَوْمِهِ وَلَا يُكْرَهُ الْأَدَاءُ فِي وَقْتِ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: تَرَدُّدًا بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ) أَيْ بِالْوُقُوعِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ اهـ. (قَوْلُهُ: بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ) أَيْ بِالْوُقُوعِ قَبْلَ الْوَقْتِ. [الْأَوْقَات الَّتِي يَكْرَه فِيهَا الصَّلَاة] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمُنِعَ عَنْ الصَّلَاةِ) أَيْ الْمُكَلَّفُ مَنْعَ تَحْرِيمٍ. اهـ. عَيْنِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَصْلٌ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَعْمَلَ الْكَرَاهَةَ هُنَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَتَشْمَلُ عَدَمَ الْجَوَازِ وَغَيْرَهُ مِمَّا هُوَ مَطْلُوبُ الْعَدَمِ أَوْ هُوَ بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ لِمَا عُرِفَ مِنْ النَّهْيِ الظَّنِّيِّ الثُّبُوتُ غَيْرُ الْمَصْرُوفِ مِنْ مُقْتَضَاهُ يُفِيدُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا أَفَادَ التَّحْرِيمَ فَالتَّحْرِيمُ فِي مُقَابَلَةِ الْفَرْضِ فِي الرُّتْبَةِ وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ وَالتَّنْزِيهِ بِرُتْبَةِ الْمَنْدُوبِ وَالنَّهْيِ الْوَارِدِ مِنْ الْأَوَّلِ فَكَانَ الثَّابِتُ بِهِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ إنْ كَانَ لِنُقْصَانٍ فِي الْوَقْتِ مَنَعَتْ أَنْ يَصِحَّ فِيهِ مَا تَسَبَّبَ عَنْ وَقْتٍ لَا نَقْصَ فِيهِ لَا لِأَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ بَلْ لِعَدَمِ تَأَدِّي مَا وَجَبَ كَامِلًا نَاقِصًا، فَلِذَا قَالَ عَقِيبَ تَرْجَمَتِهِ بِالْكَرَاهَةِ: لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَى آخِرِهِ، لَكِنْ إنْ أُرِيدَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَالصَّلَاةُ عَامٌّ لَمْ يَصْدُقْ فِي كُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي نَفْلٍ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ صَحَّ شُرُوعُهُ حَتَّى وَجَبَ قَضَاؤُهُ إذَا قَطَعَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَيَجِبُ قَطْعُهُ وَقَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ وَقْتٍ مَكْرُوهٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ أَتَمَّهُ خَرَجَ مِنْ عُهْدَةِ مَا لَزِمَهُ بِالشَّرْعِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ الْقَطْعُ أَفْضَلُ وَالْأَوَّلُ هُوَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَإِنْ أُرِيدَ عَدَمُ الْحِلِّ كَانَ أَعَمَّ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ خُصُوصُ مَا هُوَ حُكْمُ الْقَضَاءِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَهُوَ مَقْصُودُ الْإِفَادَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَقْصُودَهُ الثَّانِي وَلِذَا اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الثَّابِتِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ وَحِينَ تَضِيفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» وَهُوَ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ الْحِلِّ فِي جِنْسِ الصَّلَاةِ دُونَ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي بَعْضِهَا بِخُصُوصِهِ. وَالْمُفِيدُ لَهَا إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا وَنَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ» رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَالنَّسَائِيُّ فَإِنَّهُ أَفَادَ كَوْنَ الْمَنْعِ لَمَّا اتَّصَلَ بِالْوَقْتِ مِمَّا يَسْتَلْزِمُ فِعْلَ الْأَرْكَانِ فِيهِ التَّشَبُّهُ بِعِبَادَةِ الْكُفَّارِ وَهَذَا الْمَعْنَى بِنُقْصَانِ الْوَقْتِ، وَإِلَّا فَالْوَقْتُ لَا نَقْصَ فِيهِ نَفْسِهِ بَلْ هُوَ الْوَقْتُ كَسَائِرِ الْأَوْقَاتِ إنَّمَا النَّقْصُ فِي الْأَرْكَانِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا مَا وَجَبَ كَامِلًا فَخَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا قِيلَ لَوْ تَرَكَ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ مَعَ أَنَّهَا نَاقِصَةٌ تَأَدَّى بِهَا الْكَامِلُ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبَاتِ لَا يُدْخِلُ النَّقْصَ فِي الْأَرْكَانِ الَّتِي هِيَ الْمُقَوَّمَةُ لِلْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ فِعْلِ الْأَرْكَانِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ إلَى آخِرِهِ) رِوَايَةُ مُسْلِمٍ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ وَهُوَ الَّذِي يَصْلُحُ لُغَةً عَرَبِيَّةً لِحَذْفِ التَّاءِ فِي ثَلَاثِ وَلَوْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ أَوْقَاتٍ لَقَالَ ثَلَاثَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَحِينَ تَضِيفُ) أَيْ تَمِيلُ مِنْهُ سُمِّيَ الضَّيْفُ ضَيْفًا لِإِمَالَتِهِ إلَيْك اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ) أَيْ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا. اهـ. نِهَايَةٌ عَنْ التُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ) فَقَدْ ذُكِرَ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْجُزْءَ الْمُقَارِنَ لِلْأَدَاءِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَآخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ وَقْتٌ نَاقِصٌ إذْ هُوَ وَقْتُ عِبَادَةِ الشَّمْسِ فَوَجَبَ نَاقِصًا فَإِذَا أَدَّاهُ أَدَّاهُ كَمَا وَجَبَ فَإِذَا اعْتَرَضَ الْفَسَادُ بِالْغُرُوبِ لَا تَفْسُدُ وَفِي الْفَجْرِ كُلُّ وَقْتِهِ وَقْتٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ لَا تُعْبَدُ قَبْلَ الطُّلُوعِ فَوَجَبَ كَامِلًا فَإِذَا اعْتَرَضَ الْفَسَادُ بِالطُّلُوعِ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّهَا كَمَا وَجَبَتْ فَإِنْ قِيلَ هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مَعْرِضِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْفَجْرِ قَبْلَ الطُّلُوعِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْفَجْرَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» قُلْنَا: لَمَّا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ رَجَعْنَا إلَى الْقِيَاسِ كَمَا هُوَ حُكْمِ التَّعَارُضِ وَالْقِيَاسُ رَجَّحَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَحَدِيثَ النَّهْيِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَأَمَّا سَائِرُ الصَّلَوَاتِ فَلَا يَجُوزُ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثِ لِحَدِيثِ النَّهْيِ فِيهَا إذْ لَا مُعَارِضَ اهـ شَرْحُ وِقَايَةٍ

كَمَا وَجَبَتْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ آخِرُ الْوَقْتِ إنْ لَمْ يُؤَدِّ قَبْلَهُ، وَإِلَّا فَالْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ فَأَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ فَلَا يُكْرَهُ فِعْلُهَا فِيهِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ وَهَذَا كَالْقَضَاءِ لَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ بَعْدَمَا خَرَجَ الْوَقْتُ. وَإِنَّمَا يَحْرُمُ تَفْوِيتُهُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ قَضَاءُ عَصْرِ أَمْسِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَمَّا كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ كَانَ السَّبَبُ نَاقِصًا فَإِذَا قَضَاهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَقَدْ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ قُلْنَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى جَمِيعِ الْوَقْتِ إذْ لَيْسَ بَعْضُ الْوَقْتِ بِالْإِضَافَةِ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا وَجَمِيعُهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ فَلَا يَكُونُ فِيهِ نَاقِصًا، فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ قَضَاؤُهُ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي لِاسْتِحَالَةِ إضَافَةِ الْوُجُوبِ إلَى جَمِيعِ الْوَقْتِ فِي حَقِّهِ قُلْنَا قَالَ الْبَزْدَوِيُّ لَا رِوَايَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى الْوَقْتُ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ كَانَ بِسَبَبِ الْوَقْتِ وَقَدْ زَالَ فَيَرْتَفِعُ النُّقْصَانُ وَثَبَتَتْ كَامِلَةً إذْ الْوُجُوبُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا نَقْصَ فِيهَا بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذَا تَلَاهَا فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَلَمْ يُؤَدِّهَا فِيهِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتٌ آخَرُ مَكْرُوهٌ مِثْلُهُ أَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِيهِ فَأَفْسَدَهُ، ثُمَّ قَضَاهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ مِثْلِهِ حَيْثُ يَجُوزُ وَالْفَرْقُ أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِالتِّلَاوَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الزَّمَانِ لَهَا، ثُمَّ مَعَ هَذَا لَوْ أَدَّاهَا فِي وَقْتِ الْقِرَاءَةِ جَازَتْ فَكَذَا فِي وَقْتٍ آخَرَ مِثْلِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَكَذَا الَّذِي شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ إلَّا لِصِيَانَةِ مَا مَضَى، وَالصِّيَانَةُ تَحْصُلُ بِالْأَدَاءِ فِي مِثْلِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ كَامِلٌ قَبْلَ الشُّرُوعِ حَتَّى يُضَافَ الْوُجُوبُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِيهِ كَالْمُضِيِّ فِي وَقْتِ الشُّرُوعِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ جَازَ لَهُ الْأَدَاءُ فِيهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهُ فِي غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ فِي الصَّلَاةِ وَمَضَى فِيهَا جَازَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْطَعَهَا وَيُؤَدِّيَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ غَيْرِ مَكْرُوهٍ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ جِنْسُ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَنَا إلَّا مَا وَجَبَ نَاقِصًا فَأَدَّاهُ كَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا كُلَّ مَا لَهُ سَبَبٌ كَالْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَيَجُوزُ بِمَكَّةَ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ بَعْدَ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إلَّا بِمَكَّةَ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» وَلَنَا حَدِيثُ عُقْبَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي حَدِيثِ عَمْرٍو وَابْنِ عَبَسَةَ «فَأَقْصِرْ عَنْهَا فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ فَتَعُمُّ الْجَمِيعَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا رَوَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَالثَّانِي ضَعَّفَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَلَا يُعَارِضُ الصِّحَاحَ الْمَشَاهِيرَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ) (لَا عَنْ قَضَاءِ فَائِتَةٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ) أَيْ نَهَى عَنْ التَّنَفُّلِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَلَمْ يَمْنَعْ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فِي نَفْلٍ لَهُ سَبَبٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَمُسْلِمٌ وَالنَّهْي لِمَعْنًى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ أُضِيفَ الْوُجُوبُ إلَى جَمِيعِ الْوَقْتِ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَبَعْضُهُ نَاقِصٌ فِي الْعَصْرِ يَكُونُ الْوَاجِبُ نَاقِصًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ قَضَاؤُهُ فِي وَقْتٍ مِثْلِهِ قُلْنَا السَّبَبُ كَامِلٌ مِنْ وَجْهٍ نَاقِصٌ مِنْ وَجْهٍ وَالْوَاجِبُ كَذَلِكَ فَلَا يَتَأَدَّى فِي الْوَقْتِ النَّاقِصِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْغَنِيُّ إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَوْ قَضَى الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَوَقَعَ آخِرُهُ فِي الْوَقْتِ النَّاقِصِ كَانَ جَائِزًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَقِيلَ فِي الْجَوَابِ إنَّ الْوَقْتَ الْكَامِلَ أَكْثَرُ مِنْ النَّاقِصِ فَكَانَ الْكُلُّ كَامِلًا تَغْلِيبًا. اهـ. جَامِعُ الْأَسْرَارِ. (قَوْلُهُ كَمَا وَجَبَتْ) كَالْمَنْذُورَةِ فِيهِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِاسْتِوَائِهِمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى) أَيْ وَهُوَ الْوُجُوبُ بِالتِّلَاوَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ) أَيْ إذْ لَا دَخْلَ لِلْوَقْتِ فِي وُجُوبِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَالُهُ وَنُقْصَانُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يَجُوزُ جِنْسُ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ فِيمَا يَكُونُ الْوُجُوبُ مُطْلَقًا لَا ضَرُورِيًّا وَيَكُونُ مُضَافًا إلَى سَبَبٍ كَامِلٍ وَالشُّرُوعُ سَبَبٌ نَاقِصٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِغَيْرِهِ لَا لِذَاتِهِ وَلِذَا كَانَ دُونَ النَّذْرِ فَلَا فَرْقَ فِي النَّفْلِ بَيْنَ أَدَائِهِ وَقَضَائِهِ فَيَجُوزُ الْقَضَاءُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحَالٍ يَجُوزُ فِيهِ الْأَدَاءُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الصِّيَانَةُ وَقَوْلُهُمْ مَا وَجَبَ كَامِلًا لَا يُؤَدَّى نَاقِصًا فِي غَيْرِ النَّفْلِ لِأَنَّهُ بَابٌ وَاسِعٌ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فَيَحْتَمِلُ فِيهِ مَا لَا يَحْتَمِلُ فِي غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ فِي النَّفْلِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا صِيَانَةُ عَمَلِهِ مِنْ الْبُطْلَانِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ لِإِكْمَالِهَا وَإِذَا أَتَى بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الصِّيَانَةُ وَلَوْ نَاقِصًا خَرَجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فَيَصِحُّ (قَوْلُهُ: وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) أَيْ كَرَكْعَتَيْ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: وَفِي حَدِيثِ عَمْرٍو) كُنْيَتُهُ أَبُو نَجِيحٍ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُمْنَعْ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصْلُ أَنَّ مَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى فِعْلِهِ كَالْمَنْذُورِ وَقَضَاءِ التَّطَوُّعِ الَّذِي أَفْسَدَهُ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَسَجْدَةِ السَّهْوِ وَنَحْوِهَا لَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَجُوزُ اهـ

فِي غَيْرِ الْوَقْتِ وَهُوَ جَعْلُ الْوَقْتِ كَالْمَشْغُولِ فِيهِ بِفَرْضِ الْوَقْتِ حُكْمًا وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ فَرْضٍ آخَرَ مِثْلِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ فِيهِ فَرْضَ الْوَقْتِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَلَوْ كَانَ لِعَيْنِهِ لَمَنَعَ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ الْأَوْقَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْمُرَادُ بِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَضَاءُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ رَجُلَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَا مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ «مَا صَلَّيَا الْفَجْرَ» مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَمْرِ وَكُلُّ مَا كَانَ وَاجِبًا لِغَيْرِهِ كَالْمَنْذُورِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَاَلَّذِي شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ مُلْحَقٌ بِالنَّفْلِ حَتَّى لَا يُصَلِّيَهَا فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَفْلًا فِي حَقِّ الْوَقْتِ أَوْ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِغَيْرِهَا وَهُوَ صِيَانَةُ الْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ وَخَتْمِ الطَّوَافِ وَإِيفَاءِ النَّذْرِ فَلَا يَكُونُ كَالْوَاجِبِ لِعَيْنِهِ فِي الْقُوَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ الْفَرْضِ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ أَلَا لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا صَلَاةَ إلَّا رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَقَالَتْ حَفْصَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَا تُصَلُّوا إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِصِيغَةِ النَّهْيِ وَلَوْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، ثُمَّ طَلَعَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقُومُ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَلَا يَقْطَعُهُ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِيهِ كَانَ لَا عَنْ قَصْدٍ وَلَوْ صَلَّى الْقَضَاءَ فِي هَذَا الْوَقْتِ جَازَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّنَفُّلِ فِيهِ لِحَقِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حَتَّى يَكُونَ كَالْمَشْغُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُتَعَيِّنٌ لَهَا حَتَّى لَوْ نَوَى تَطَوُّعًا كَانَ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ مِنْهُ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبْلَ الْمَغْرِبِ) أَيْ مُنِعَ مِنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُصَلُّونَهَا وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَرَاهُمْ فَلَمْ يَنْهَهُمْ عَنْهَا» قُلْنَا كَانَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْحَالِ لِيُعْرَفَ أَنَّ وَقْتَ الْكَرَاهِيَةِ قَدْ خَرَجَ بِالْغُرُوبِ وَلِهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ بَعْدَهُمْ قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ النَّخَعِيّ هِيَ بِدْعَةٌ وَإِذَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ ضَعْفِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَمَا ظَنُّك بِفِعْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَقْتِ الْخُطْبَةِ) أَيْ نَهَى عَنْ التَّنَفُّلِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ أَطْلَقَ الْخُطْبَةَ لِيَدْخُلَ فِيهَا جَمِيعُ الْخُطَبِ كَخُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: كَالْمَشْغُولِ فِيهِ بِفَرْضِ الْوَقْتِ) أَيْ كَالْوَقْتِ الَّذِي شُغِلَ فِيهِ بِفَرْضِ الْوَقْتِ وَمَا ثَبَتَ لِحَقِّ الْفَرْضِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِيقَةِ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ شَغْلَ الْوَقْتِ بِالْفَرْضِ التَّقْدِيرِيِّ أَوْلَى مِنْ النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ الْحَقِيقِيِّ فَيَظْهَرُ الشَّغْلُ فِي حَقِّ النَّفْلِ فَيَمْنَعُهُ دُونَ الْفَرْضِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فِي الْوُجُوبِ لِعَيْنِهِ بِمَعْنَى ثُبُوتِهِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى فِعْلِ الْعَبْدِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ بِالسَّمَاعِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَمَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ الْمَنْذُورُ وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ وَمَا شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَأَقُولُ سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ أَنَّ الْمَنْذُورَةَ وَمَا شَرَعَ فِيهَا، ثُمَّ أَفْسَدَهَا مُلْحَقَتَانِ بِالْفَرَائِضِ حَتَّى لَا يَجُوزَ أَدَاؤُهُمَا عَلَى الدَّابَّةِ وَيُمْكِنُ دَفْعُ التَّنَاقُضِ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْإِلْحَاقِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ بَيَانُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ فِيهِمَا لَمَّا كَانَ ضَعِيفًا لِلْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الشَّرْحِ نَظَرْنَا إلَى ضَعْفِهِ فَقُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ هُنَا وَنَظَرْنَا إلَى ثُبُوتِهِ فَقُلْنَا بِعَدَمِ الْجَوَازِ هُنَاكَ أَوْ نَقُولُ فِي الَّذِي شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ أَنَّهُ نَفْلٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَوَاجِبٌ لِغَيْرِهِ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ هُنَا وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي قُلْنَا بِعَدَمِ الْجَوَازِ هُنَاكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَعْكِسُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي ارْتِفَاعَ الْكَرَاهَةِ هُنَا وَثُبُوتَ الْجَوَازِ هُنَاكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاحْتِيَاطُ هَذَا غَايَةُ مَا يُقَالُ فِي دَفْعِ التَّنَاقُضِ وَهُوَ يُعَدُّ مَحَلَّ نَظَرٍ فِي قَضَاءِ النَّافِلَةِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ الْجَوَازِ هُوَ الْوُجُوبُ الْمُطْلَقُ وَالْوُجُوبُ الثَّابِتُ بِالشُّرُوعِ ضَرُورِيٌّ؛ لِأَنَّهُ إمَّا ثَبَتَ ضَرُورَةَ صِيَانَةِ الْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ فَلَا يَثْبُتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِتْيَانِ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهِ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي رِوَايَةِ بَيَانِ النَّازِلِ إذَا رَكِبَ وَلَمْ يَعْتَبِرْ جِهَةَ الْوُجُوبِ فِي الْأَدَاءِ فَكَذَا الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَحْكِي حِكَايَتَهُ وَكَلَامُ صَاحِبِ الْمُغْنِي أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْرَدَ قَضَاءَ مَا شَرَعَ فِيهِ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ فِي مِثْلِهِ نَقْضًا عَلَى كَوْنِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتٍ نَاقِصٍ يَجِبُ بَعْدَ خُرُوجِهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَأَجَابَ بِأَنَّ بَابَ النَّفْلِ أَوْسَعُ فَيُعْفَى فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ وَبَابُ لُزُومِ الْإِتْمَامِ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَلُزُومُ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْإِفْسَادِ إنَّمَا يَثْبُتُ ضَرُورَةَ صَوْنِ الْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ فَلَا يَظْهَرُ فِي غَيْرِ الصَّوْنِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ اشْتِرَاطِ كَمَالِ الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ وَلِإِكْمَالِ الْقَضَاءِ فِي الْمَآلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الصِّيَانَةُ لِإِكْمَالِهَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ أَدَاءِ الْمَنْذُورِ وَمَا شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ إلْحَاقًا لَهُمَا بِالْوَاجِبِ بِعَيْنِهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ أَوْ يُحْمَلُ نَفْيُ الْجَوَازِ عَلَى مَعْنَى الْكَرَاهَةِ مَجَازًا كَمَا فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى آخِرِهِ فَإِنَّ مُرَادَهُ الْكَرَاهَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوَافِلِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي شُرُوحِهِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا تَجُوزُ النَّوَافِلُ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُرَادُ هُوَ الْكَرَاهَةُ. اهـ. مُجْتَبَى. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَوْقَاتِ) أَيْ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِيهَا اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَضَاءُ أَيْضًا) أَيْ لِأَنَّهُ وَقْتٌ نَاقِصٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي شَرَعَ فِيهِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ أَمَّا النَّفَلُ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ مِثْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلُ فِي الصَّفْحَةِ الْمُقَابِلَةِ لِهَذِهِ. اهـ.

وَالْخُطَبِ الَّتِي فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَلِّي الدَّاخِلُ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَخْطُبُ فَدَخَلَ رَجُلٌ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَأَمَرَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ» وَلَنَا النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِي فَرْضِيَّةِ الِاسْتِمَاعِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهَا فِي مَوْضِعِهَا وَالتَّنَفُّلُ يُخِلُّ بِالِاسْتِمَاعِ فَيَحْرُمُ فَلَا يُعَارِضُهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ؛ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ فَرْضٌ وَهُوَ يَحْرُمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» فَمَا ظَنُّك بِالنَّفْلِ؛ وَلِأَنَّ الْمُحَرِّمَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُبِيحِ فَوَجَبَ تَرْكُهُ وَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ دَلَالَةٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَخْطُبُ وَقْتَ مَا صَلَّى بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمْسَكَ عَنْهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَكَلَّمَ مَعَهُ حِينَ أَمَرَهُ بِهَا وَالْأَمْرُ كَلَامٌ وَالْكَلَامُ يُنَافِي الْخُطْبَةَ فَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرَادَ أَنْ يُشْهِرَهُ لِيُرَى حَالُهُ مِنْ الْفَاقَةِ وَالْبَذَاذَةِ لِيُعْتَبَرَ بِهِ أَوْ لِيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَأَمْهَلَهُ حَتَّى يَفْرُغَ فَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ فَلَا يُتْرَكُ الْمَقْطُوعُ بِهِ بِالْمُحْتَمِلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ بِعُذْرٍ) يَعْنِي مَنَعَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِسَبَبِ الْعُذْرِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي وَقْتٍ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِعْلًا بِأَنْ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا بِأَنْ يُصَلِّيَ الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَالثَّانِيَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَإِنَّهُ جَمْعٌ فِي حَقِّ الْفِعْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَمْعًا فِي الْوَقْتِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِعُذْرٍ عَنْ الْجَمْعِ فِي عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعُذْرٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ وَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ لِحَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا مَعَ الْعَصْرِ فَيُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ سَارَ وَكَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ. وَيَقُولُ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا عَجَّلَ السَّيْرَ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَيُقَدِّمُ الْعَصْرَ وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَيُقَدِّمُ الْعِشَاءَ» وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ وَلَنَا النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ بِتَعْيِينِ الْأَوْقَاتِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ مِثْلِهِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةً قَطُّ إلَّا لِوَقْتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَطُّ فِي السَّفَرِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً»؛ وَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الْأُولَى وَتَدْخُلُ الثَّانِيَةُ تَفْرِيطٌ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ بِأَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى وَقْتِ الْأُخْرَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمُسَافِرَ وَالْمُقِيمَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَجْمَعْ احْتِرَازًا عَنْ التَّفْرِيطِ وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ مِنْ الْجَمْعِ إنْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الظُّهْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهِ وَالْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ، وَكَذَا فَعَلَ بِالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» فَيَصِيرُ جَامِعًا فِعْلًا لَا وَقْتًا وَيُحْمَلُ تَصْرِيحُ الرَّاوِي بِخُرُوجِ وَقْتِ الْأُولَى عَلَى أَنَّهُ تَجُوزُ لِقُرْبِهِ مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق: 2] أَيْ قَارَبْنَ بُلُوغَ الْأَجَلِ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِمْسَاكِ بَعْدَ بُلُوغِ الْأَجَلِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الرَّاوِي ظَنَّ ذَلِكَ. وَنَظِيرُهُ مَا رُوِيَ عَنْ «إمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ عَصْرَ أَمْسٍ» أَيْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ ظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُمَا وَقَعَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا رَوَى ابْنُ جَابِرٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ خَرَجْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي سَفَرِهِ وَغَابَتْ الشَّمْسُ فَلَمَّا أَبْطَأَ قُلْت الصَّلَاةَ يَرْحَمُك اللَّهُ فَالْتَفَتَ إلَيَّ وَمَضَى حَتَّى إذَا كَانَ فِي آخِرِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَخْطُبُ فَدَخَلَ رَجُلٌ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ) الْبَذَاذَةُ التَّوَاضُعُ فِي اللُّبْسِ وَعَدَمُ الزِّينَةِ وَفِي الْحَدِيثِ الْبَذَاذَةُ مِنْ الْإِيمَانِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: مِثْلَ مَا صَنَعْت وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ أَصْرَحُ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالِانْتِظَارِ اهـ. (قَوْلُهُ: تُحْرَجَ أُمَّتُهُ) أَيْ تَقَعُ فِي الْحَرَجِ.

[باب الأذان]

الْعِشَاءَ وَقَدْ تَوَارَى الشَّفَقُ فَصَلَّى بِنَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ صَنَعَ هَكَذَا» وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا وَقَالَ نَافِعٌ؛ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ إنَّ مُؤَذِّنَ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الصَّلَاةَ قَالَ سِرْ حَتَّى إذَا كَانَ قَبْلَ غُيُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْت» وَهَذَا أَصْرَحُ مِنْ الْأَوَّلِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَلْفَاظٌ فِي وَقْتِ الْجَمْعِ وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ كُلَّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي وَقْتِ جَمْعِهِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَلَكِنْ فِيهِ وَهْمٌ. وَالصَّحِيحُ مِنْهَا رِوَايَةُ ابْنِ جَابِرٍ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا وَقَدْ رَوَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ هُوَ غَرِيبٌ وَقَالَ أَبُو دَاوُد لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الْوَقْتِ حَدِيثٌ قَائِمٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثُ أَبِي الطُّفَيْلِ مَوْضُوعٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ كَانَ كَثِيرًا مَا يَصِلُ الْحَدِيثَ بِكَلَامِهِ حَتَّى يُوهِمَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِالْجَمْعِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَحَدِيثُهَا الْمُتَقَدِّمُ حُجَّةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا ذِكْرُ التَّأْخِيرِ وَالتَّقْدِيمِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» قِيلَ لَهُ مَا أَرَادَ بِذَلِكَ قَالَ أَنْ لَا تُحْرَجَ أُمَّتُهُ وَعَنْهُ «أَنَّهُ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمْعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» وَلَا يَرَى الشَّافِعِيُّ الْجَمْعَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَكُلُّ جَوَابٍ لَهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْ كُلِّ مَا يَرْوِيهِ فِي الْجَمْعِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَبَا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْبَرِّ أَنْكَرَ تَأْوِيلَنَا فَقَالَ مَعْلُومٌ أَنَّ الْجَمْعَ لِلْمُسَافِرِ رُخْصَةٌ، وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ مُرَاعَاةِ آخِرِ الْأَوَّلِ وَأَوَّلِ الثَّانِي لَكَانَ ذَلِكَ ضِيقًا وَأَكْثَرَ حَرَجًا مِنْ إتْيَانِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ كُلِّ صَلَاةٍ أَوْسَعُ وَمُرَاعَاتُهُ أَمْكَنُ مِنْ مُرَاعَاةِ طَرَفَيْ الْوَقْتَيْنِ وَقَالَ أَيْضًا إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِجَمْعٍ إذَا كَانَ يَأْتِي بِكُلِّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ لَمَّا جَاءَ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُخَالِفِ لِمَذْهَبِهِ أَوَّلَهُ بِمَا أَوَّلْنَاهُ وَقَالَ الرُّخْصَةُ فِي التَّأْخِيرِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ فَقَدْ أَوَّلَهُ بِمَا أَنْكَرَهُ عَلَى خَصْمِهِ فَقُلْنَا إذَا كَانَ الْمُقِيمُ يَتَرَخَّصُ بِالتَّأْخِيرِ فَالْمُسَافِرُ أَوْلَى عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِنْكَارَ خَرَجَ مِنْهُ عَنْ سَهْوٍ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَرَجِ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ تَأْخِيرُ الْأُولَى إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَتَقْدِيمُ الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِهِ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ وَإِنَّمَا نَقُولُ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ وَيُؤَخِّرَ إنْ شَاءَ رُخْصَةً فَانْتَفَى الْحَرَجُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الْأَذَانِ) الْأَذَانُ الْإِعْلَامُ وَسَبَبُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اهْتَمَّ لِلصَّلَاةِ كَيْف يُعْلِمُونَ بِهَا فَذُكِرَ لَهُ رَايَةٌ فَلَمْ يُعْجِبْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الْأَذَانِ] (بَابُ الْأَذَانِ) (قَوْلُهُ: الْأَذَانُ الْإِعْلَامُ) هَذَا فِي اللُّغَةِ وَشَرْعًا إعْلَامٌ مَخْصُوصٌ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ اهـ ع وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَبِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَأَنْ يَكُونَ جَهِيرَ الصَّوْتِ أَسْمَعَ لِلْجِيرَانِ وَالْمُوَاظِبُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الَّذِي لَا يُوَاظِبُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا، وَكَذَا الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ وَقَوْلُ عُمَرَ لَوْلَا الْخَلِيفِيِّ لَأَذِنْت لَا يَسْتَلْزِمُ تَفْضِيلَهُ عَلَيْهَا بَلْ مُرَادُهُ لَأَذِنْت مَعَ الْإِمَامَةِ لَا مَعَ تَرْكِهَا فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُ الْإِمَامِ هُوَ الْمُؤَذِّنُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ أَخْبَارِهِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ الْأَذَانُ أَفْضَلُ اهـ. وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ اهـ فَإِنْ قُلْت هَلْ أَذَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ فِي سَفَرٍ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَهُمْ عَلَى رَوَاحِلِهِمْ السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلِهِمْ» وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ الْحَدِيثَ وَصَحَّحَهُ وَخَرَّجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كَذَا فِي شَرْحِ مُغَلْطَاي قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَى السَّامِعِينَ عِنْدَ الْأَذَانِ فَالْوَاجِبُ الْإِجَابَةُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَرْبَعَةٌ مِنْ الْجَفَاءِ مَنْ بَالَ قَائِمًا وَمَنْ مَسَحَ جَبْهَتَهُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَلَمْ يُجِبْ وَمَنْ سَمِعَ ذِكْرِي وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» وَالْإِجَابَةُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» فَيَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ إلَّا قَوْلَهُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَإِنَّهُ يَقُولُ مَكَانَهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَإِنَّ إعَادَةَ ذَلِكَ يُشْبِهُ الْمُحَاكَاةَ وَالِاسْتِهْزَاءَ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ لَا يُعِيدُهُ السَّامِعُ لِمَا قُلْنَا وَلَكِنَّهُ يَقُولُ صَدَقْت وَبَرَرْت أَوْ مَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّمَ السَّامِعُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَشْتَغِلَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ سِوَى الْإِجَابَةِ وَلَوْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ وَيَشْتَغِلَ بِالِاسْتِمَاعِ وَالْإِجَابَةِ كَذَا قَالُوا فِي الْفَتَاوَى

فَذُكِرَ لَهُ الشَّبُّورُ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى فَذُكِرَ لَهُ النَّارُ فَقَالَ هُوَ لِلْمَجُوسِ فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأُرِيَ الْأَذَانَ فَغَدَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُلْقِيَهُ عَلَى بِلَالٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سُنَّ لِلْفَرَائِضِ) أَيْ الْأَذَانُ وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَكَذَا الْإِقَامَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ اجْتَمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْأَذَانِ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَهُ وَاحِدٌ لَضَرَبْته وَحَبَسْته عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُقَاتَلُ عَلَى تَرْكِ الْفُرُوضِ وَقِيلَ لَا يَدُلُّ قَوْلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ. فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَوْ تَرَكُوا سُنَّةً مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهَا وَلَوْ تَرَكَ وَاحِدٌ ضَرَبْته وَقِيلَ عَنْ مُحَمَّدٍ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ السُّنَّةُ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ يُقَاتَلُ عَلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ وَأَوْجَبَهُ مَالِكٌ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ كَيْفَ يُصَلِّي وَذَكَرَ لَهُ الْوُضُوءَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَأَرْكَانَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا لَهُ، وَلَوْ كَانَا فَرْضًا لَذَكَرَهُ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَالْأَمْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ لِلِاسْتِحْبَابِ وَالسُّنَّةُ تَثْبُتُ بِالْمُوَاظَبَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِلَا تَرْجِيعٍ وَلَحْنٍ) أَمَّا كَوْنُهُ بِلَا تَرْجِيعٍ فَمَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ التَّرْجِيعُ لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ بِذَلِكَ. وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيعٍ وَأَذَانُ بِلَالٍ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَضَرًا وَسَفَرًا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيعٍ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتَلْقِينُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي مَحْذُورَةَ كَانَ تَعْلِيمًا فَظَنَّهُ هُوَ تَرْجِيعًا، وَقِيلَ: إنَّهُ كَانَ فِي يَوْمِ أَسْلَمَ أَخْفَى كَلِمَةَ الشَّهَادَتَيْنِ حَيَاءً مِنْ قَوْمِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْقِصَّةِ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ارْجِعْ فَمُدَّ بِهَا صَوْتَك؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْإِخْفَاءِ فَصَارَ كَسَائِرِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ، وَأَمَّا اللَّحْنُ الْمُرَادُ بِهِ التَّطْرِيبُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤَذِّنٌ يُطْرِبُ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ» وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عُمَرَ إنِّي لَأُحِبُّك فِي اللَّهِ فَقَالَ لَهُ أَنَا أَبْغَضُك فِي اللَّهِ إنَّك تَتَغَنَّى فِي أَذَانِك أَيْ تُطْرِبُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ صَاحِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: فَذُكِرَ لَهُ الشَّبُّورُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ شَيْءٌ يُنْفَخُ فِيهِ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَأُرِيَ الْأَذَانَ إلَى آخِرِهِ) وَلَا اسْتِبْعَادَ فِي ثُبُوتِ الْأَذَانِ بِالرُّؤْيَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّهَا الرُّؤْيَا حَقٌّ» وَالرُّؤْيَا الَّتِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَقِيقَتِهَا مُلْحَقَةٌ بِالْوَحْيِ وَقَدْ تَأَيَّدَتْ رُؤْيَا ابْنِ زَيْدٍ بِرُؤْيَا مَنْ تَنْطِقُ السَّكِينَةُ عَلَى لِسَانِهِ وَهُوَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ السُّهَيْلِيُّ مَا حَاصِلُهُ: إنَّ الْحِكْمَةَ فِي ثُبُوتِهِ بِالرُّؤْيَا دُونَ الْوَحْيِ أَنَّ تَعْظِيمَ الْإِنْسَانِ عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ أَعْظَمُ وَأَقْرَبُ إلَى الْقَبُولِ فَإِظْهَارُهُ لِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْيَقِظَةِ؛ لِأَنَّهُ وَحْيٌ وَالْوَحْيُ مُخْتَصٌّ بِالْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَنَامِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ الْأَذَانَ فِي السَّمَاءِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الْأَرْضِ وَبِهَذِهِ الرُّؤْيَا تَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا أَرَاهُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فِي الْأَرْضِ وَقِيلَ: إنَّهُ ثَبَتَ بِأَذَانِ الْمَلَكِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ الْحِجَابِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَقِيلَ بِتَأْذِينِ جِبْرِيلَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ بِالْمَدِينَةِ وَالْإِسْرَاءُ كَانَ بِمَكَّةَ فَكَيْفَ تَأَخَّرَ وَكَيْفَ اهْتَمُّوا لِتَعْيِينِ الْعَلَامَةِ وَاخْتَلَفَ آرَاؤُهُمْ فِيهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَسْمُوعَ مِنْ الْمَلَكِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّ الْبَشَرِ فَتَأَخَّرَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ وَحْيًا أَوْ رُؤْيَا صَادِقَةً مُلْحَقَةً بِالْوَحْيِ. هَكَذَا وَجَدْت بِخَطِّ الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ نِظَامِ الدِّينِ يَحْيَى السِّيرَامِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَتَبْت مِنْ خَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا نَصُّهُ أَقُولُ ثُبُوتُ الْأَذَانِ وَهُوَ مِنْ مَعَالِمِ الدِّينِ بِالرُّؤْيَا فِيهِ فَوَائِدُ الدَّلَالَةِ، عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَا أَمْرٌ مُحَقَّقٌ لَا خَيَالٌ بَاطِلٌ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَظُهُورُ ثُبُوتِهِ مَنَامًا كَمَا ظَهَرَتْ يَقِظَةً وَتَعْظِيمُ شَأْنِ الدِّينِ رُئِيَ هَذِهِ الرُّؤْيَا حَيْثُ ثَبَتَ بِهَا مَا هُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَمَعَالِمِ الدِّينِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا لَهُ) أَيْ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ (قَوْلُهُ: لِلِاسْتِحْبَابِ) أَيْ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: تَثْبُتُ بِالْمُوَاظَبَةِ) أَيْ لَا بِالْأَمْرِ (قَوْلُهُ: بِلَا تَرْجِيعٍ) التَّرْجِيعُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ خَفَضَ بِهِمَا. (قَوْلُهُ: وَلَحْنٍ) قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ بِلَا تَرْجِيعٍ وَلَحْنٍ يُقَالُ لَحَنَ فِي الْقِرَاءَةِ طَرِبَ وَتَرَنَّمَ مَأْخُوذٌ مِنْ أَلْحَانِ الْأَغَانِي فَلَا يُنْقِصُ شَيْئًا مِنْ حُرُوفِهِ وَلَا يَزِيدُ فِي أَثْنَائِهِ حَرْفًا، وَكَذَا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ كَيْفِيَّاتِ الْحُرُوفِ كَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَالْمَدَّاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِتَحْسِينِ الصَّوْتِ فَأَمَّا مُجَرَّدُ تَحْسِينِ الصَّوْتِ بِلَا تَغْيِيرٍ فَإِنَّهُ حَسَنٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ) فَإِنْ قِيلَ أَذَانُ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي أَوَّلِ شَرْعِ الْأَذَانِ فَيَكُونُ مَنْسُوخًا قِيلَ لَهُ أَلَيْسَ قَدْ رَجَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَدِينَةِ وَبِلَالٌ يُؤَذِّنُ مَعَهُ وَبِالْمَدِينَةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا تَرْجِيعٍ فَقَدْ أَقَرَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْأَذَانِ الَّذِي هُوَ أَذَانُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ؛ وَلِأَنَّ مَا يَخْفِضُ بِهِ صَوْتَهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ فَائِدَةُ الْأَذَانِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ فَلَا يُعْتَبَرُ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ: حَيَاءً مِنْ قَوْمِهِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ فَإِنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ أَخْلَصَ فِي إيمَانِهِ مِنْ أَنْ يَبْقَى مَعَهُ حَيَاءٌ مِنْ قَوْمِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: ارْجِعْ فَمُدَّ بِهَا صَوْتَك) وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ فِي الْقِرَاءَةِ فَكَرِهَهُ وَمَنَعَهُ فَقِيلَ لَهُ لِمَ فَقَالَ لِلسَّائِلِ مَا اسْمُك قَالَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ أَيُعْجِبُك أَنْ يُقَالَ لَك يَا مُوحَامَدُ وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ هَذَا فِي الْأَذَانِ فَفِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْلَى اهـ فَتْحٌ

[كيفية الأذان والإقامة]

الْكِتَابِ الْخَطَأَ فِي الْإِعْرَابِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا، وَكَذَا لَا يَحِلُّ التَّرْجِيعُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَا التَّطْرِيبُ فِيهِ وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِفِعْلِ الْفَسَقَةِ فِي حَالِ فِسْقِهِمْ وَهُوَ التَّغَنِّي وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لِلْفَرَائِضِ عَنْ التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَالْمَنْذُورِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالضُّحَى وَالْأَفْزَاعِ وَالْوِتْرِ؛ لِأَنَّ أَذَانَ الْعِشَاءِ لَا يَقَعُ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَزِيدُ بَعْدَ فَلَاحٍ أَذَانِ الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ «بِلَالًا جَاءَ إلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بَعْدَ الْأَذَانِ فَقَالَ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَتْ لَهُ إنَّ الرَّسُولَ نَائِمٌ فَقَالَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَلَمَّا انْتَبَهَ أَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَالَ اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك»؛ وَلِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَخُصَّ بِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِقَامَةُ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْأَذَانِ فِي عَدَدِ الْكَلِمَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَزِيدُ بَعْدَ فَلَاحِهَا قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ) وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابِهِمَا وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهَا فُرَادَى لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا أُمِرَ بِأَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ وَلَنَا مَا اُشْتُهِرَ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ كَانَ يُثَنِّي الْإِقَامَةَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَالْمَلَكُ النَّازِلُ مِنْ السَّمَاءِ أَقَامَ كَذَلِكَ وَقَالَ أَبُو مَحْذُورَةَ «عَلَّمَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً» وَإِنَّمَا قَالَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً بِالتَّرْجِيعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ النَّخَعِيّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ نَقَصَ الْإِقَامَةَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَقَالَ أَبُو الْفَرْجِ كَانَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مَثْنًى مَثْنًى فَلَمَّا قَامَ بَنُو أُمَيَّةَ أَفْرَدُوا الْإِقَامَةَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ كَانَتْ الْإِقَامَةُ مِثْلَ الْأَذَانِ حَتَّى كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكُ فَجَعَلُوهَا وَاحِدَةً لِلسُّرْعَةِ إذَا خَرَجُوا، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ كَانَ بِلَالٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَذِّنُ مَثْنًى وَيُقِيمُ مَثْنًى بِتَوَاتُرِ الْآثَارِ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فُرَادَى لَأَفْرَدَ، قَوْلُهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ إذْ هِيَ الْأَصْلُ فِيهَا وَمَا سُمِّيَتْ الْإِقَامَةُ إلَّا لِأَجْلِهَا تَسْمِيَةً لِلْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ وَلَا حُجَّةَ لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا رَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْأَمْرَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ غَيْرَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ بِلَالًا امْتَثَلَ لِأَمْرِهِ أَيْضًا بَلْ نَقَلَ إلَيْنَا مُخَالَفَتَهُ فِعْلًا فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ الْمُتَوَاتِرَ عَنْهُ. [كَيْفِيَّة الْأَذَان وَالْإِقَامَة] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَرَسَّلُ فِيهِ) أَيْ فِي الْأَذَانِ (وَيَحْدُرُ فِيهَا) أَيْ فِي الْإِقَامَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا بِلَالُ إذَا أَذَّنْت فَتَرَسَّلْ فِي أَذَانِك وَإِذَا أَقَمْت فَأَحْدِرْ وَاجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتِك قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ» وَالتَّرَسُّلُ التَّمَهُّلُ يُقَالُ عَلَى رِسْلِك وَجَاءَ فُلَانٌ عَلَى رِسْلِهِ وَالْحَدْرُ الْإِسْرَاعُ يُقَالُ حَدَرَ فِي قِرَاءَتِهِ وَحَدُّهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كَلِمَتِي الْأَذَانِ بِسَكْتَةٍ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ وَيُسَكِّنُ كَلِمَاتِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ شَيْئَانِ يُجْزَمَانِ كَانُوا لَا يُعْرِبُونَهُمَا الْآذَانُ وَالْإِقَامَةُ يَعْنِي عَلَى الْوَقْفِ لَكِنْ فِي الْأَذَانِ حَقِيقَةً وَفِي الْإِقَامَةِ يَنْوِي الْوَقْفَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسْتَقْبَلُ بِهِمَا الْقِبْلَةُ)؛ لِأَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَالْمَلَكُ النَّازِلُ أَذَّنَ وَأَقَامَ كَذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُمَا مُشْتَمِلَانِ عَلَى الثَّنَاءِ وَأَحْسَنُ أَحْوَالِ الذَّاكِرِينَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَلَوْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ وَيُكْرَهُ لِتَرْكِهِ الْمُتَوَارَثَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيهِمَا) لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْمُوَالَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ مُعَظَّمٌ كَالْخُطْبَةِ وَيُكْرَهُ رَدُّ السَّلَامِ فِيهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يَرُدُّ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَالْأَذَانُ سُنَّةٌ قُلْنَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَالتَّأْخِيرِ لِعُذْرِ الْأَذَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا بِالصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا لَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَوَّلَ وَجْهَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ؛ وَلِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْقَوْمِ فَيُوَاجِهُهُمْ فِيهِ وَلَا يُحَوِّلُ وَرَاءَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَلَا أَمَامَهُ لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ فِي الْجُمْلَةِ بِغَيْرِهَا مِنْ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: إذَا كَانَ وَحْدَهُ لَا يُحَوِّلُ؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَحِلُّ التَّرْجِيعُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) لَعَلَّهُ التَّلْحِينُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ «قَرَأَ سُورَةَ الْفَتْحِ فَرَجَّعَ فِيهَا» اهـ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَلَا بَأْسَ بِالتَّطْرِيبِ فِي الْأَذَانِ وَهُوَ تَحْسِينُ الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَغَيَّرَ فَإِنْ تَغَيَّرَ بِلَحْنٍ أَوْ مَدٍّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كُرِهَ وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مِنْ الْأَذْكَارِ أَمَّا فِي قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَا بَأْسَ بِهِ بِإِدْخَالِ مَدٍّ وَنَحْوِهِ اهـ. وَفِيهِ قَبِيلَ فَصْلِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي صَلَاتِهِ بِالْأَلْحَانِ إنْ غَيَّرَ الْكَلِمَةَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِمَا عُرِفَ فَإِنْ كَانَ فِي حَرْفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ وَهِيَ الْيَاءُ وَالْأَلِفُ وَالْوَاوُ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى إلَّا إذَا فَحُشَ وَإِنْ قَرَأَ بِالْأَلْحَانِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ كَرِهُوا ذَلِكَ وَكَرِهُوا الِاسْتِمَاعَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْفَسَقَةِ بِمَا يَفْعَلُونَهُ فِي فِسْقِهِمْ، وَكَذَا التَّرْجِيعُ بِالْأَذَانِ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ اهـ فَقَوْلُهُ: وَكَذَا التَّرْجِيعُ بِالْأَذَانِ مُرَادُهُ بِهِ التَّلْحِينُ وَالتَّطْرِيبُ وَفِي بَابِ الْكَرَاهِيَةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْمُنْتَقَى التَّرْجِيعُ بِالْقِرَاءَةِ هَلْ يُكْرَهُ كَأَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِالْأَلْحَانِ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مَكْرُوهٌ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى يُكْرَهُ هَذَا النَّوْعُ فِي الْأَذَانِ اهـ وَهُوَ كَمَا تَرَى يُفِيدُ أَنَّ التَّرْجِيعَ هُوَ التَّلْحِينُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَيَحْدُرُ فِيهَا) هُوَ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَا بِلَالُ إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ عَدِيٍّ «وَإِذَا أَقَمْت فَأَحْدِرْ» بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أَسْرِعْ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْأَذَانِ حَقِيقَةٌ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ فَيَثْبُتُ الْوَقْفُ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: لِتَرْكِهِ الْمُتَوَارَثَ) أَيْ الْمَعْهُودَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ رَدُّ السَّلَامِ فِيهِ) أَيْ وَلَا يَجِبُ الرَّدُّ بَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَلَا يُحَوِّلُ وَرَاءَهُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا أَمَامَهُ) أَيْ لَا يَأْتِي بِهِمَا أَمَامَهُ اهـ

[التأذين للفائتة]

لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحَوِّلُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ سُنَّةَ الْأَذَانِ فَلَا يُتْرَكُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فِي الْيَمِينِ وَالْفَلَاحُ فِي الشِّمَالِ، وَقِيلَ: إنَّ الصَّلَاةَ فِي الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ وَالْفَلَاحُ كَذَلِكَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْتَدِيرُ فِي صَوْمَعَتِهِ) هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ مَعَ ثَبَاتِ قَدَمَيْهِ بِأَنْ كَانَتْ الصَّوْمَعَةُ مُتَّسِعَةً فَيَسْتَدِيرُ وَيُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْهَا لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ بِهِ، وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ فَلَا يَسْتَدِيرُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَذَانِ بِلَالٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجْعَلُ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِبِلَالٍ اجْعَلْ إصْبَعَيْك فِي أُذُنَيْك فَإِنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك» وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ أَصْلِيَّةٍ إذْ لَيْسَ هُوَ فِي أَذَانِ صَاحِبِ الرُّؤْيَا وَلَمْ يُشْرَعْ لِأَصْلِ الْإِعْلَامِ بَلْ لِلْمُبَالَغَةِ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ وَبَيَّنَ الْحِكْمَةَ بِقَوْلِهِ «فَإِنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك» وَإِنْ جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَ وَوَضَعَهَا عَلَى أُذُنَيْهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ جَعَلَ إحْدَى يَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ فَحَسَنٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُثَوِّبُ) وَمَعْنَاهُ الْعَوْدُ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْبَلْخِيّ وَأَبُو يُوسُفَ عَنْ أَصْحَابِنَا قَالَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ فِي نَفْسِ أَذَانِ الْفَجْرِ بَعْدَ الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ أَنَّ التَّثْوِيبَ الْأَوَّلَ كَانَ فِي الْفَجْرِ بَعْدَ الْأَذَانِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَأَحْدَثَ النَّاسُ هَذَا التَّثْوِيبَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ وَهُوَ حَسَنٌ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بَعْدَ الْأَذَانِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الرُّجُوعِ وَالْعَوْدِ إلَى الْإِعْلَامِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَتَثْوِيبُ كُلِّ بِلَادٍ عَلَى مَا تَعَارَفَ أَهْلُهَا وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلْفَجْرِ، ثُمَّ يَقْعُدَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ عِشْرِينَ آيَةً، ثُمَّ يُثَوِّبَ، ثُمَّ يَقْعُدَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُقِيمَ وَهُوَ فِي الْفَجْرِ خَاصَّةً وَكُرِهَ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي حَقِّ أُمَرَاءِ زَمَانِهِ خَصَّهُمْ بِذَلِكَ لِاشْتِغَالِهِمْ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ أُمَرَاءُ زَمَانِنَا مِثْلَهُمْ فَلَا يُخَصُّونَ بِشَيْءٍ وَالْمُتَأَخِّرُونَ اسْتَحْسَنُوهُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِظُهُورِ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَلِهَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكِتَابِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْمَغْرِبِ) أَيْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِبِلَالٍ اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتِك نَفَسًا يَفْرُغُ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ وُضُوئِهِ مَهْلًا وَالْمُتَعَشِّي مِنْ عَشَائِهِ»؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِيَتَأَهَّبَ السَّامِعُونَ بِالطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا فَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا لِيَحْصُلَ بِهِ الْمَقْصُودُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارَ الْفَصْلِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَجْرِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ عِشْرِينَ آيَةً وَفِي الظُّهْرِ قَدْرَ مَا يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ وَفِي الْعَصْرِ بِقَدْرِ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا عِشْرِينَ آيَةً وَالْعِشَاءِ كَالظُّهْرِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ إنْ شَاءَ» وَفِي الْمَغْرِبِ لَا يَجْلِسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً؛ لِأَنَّ الْوَصْلَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَحْصُلُ الْفَصْلُ بِالسَّكْتَةِ لِوُجُودِهَا بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ فَيَجْلِسُ كَمَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَكَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّأْخِيرَ مَكْرُوهٌ فَيَكْتَفِي بِأَدْنَى الْفَصْلِ احْتِرَازًا عَنْهُ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ فِيهَا مُتَّحِدٌ، وَكَذَا النَّغْمَةُ فِيهَا مُتَّحِدَةٌ وَفِي مَسْأَلَتِنَا كِلَاهُمَا مُخْتَلِفٌ وَهَذَا لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ فِي الْمَنَارَةِ وَالْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ يَتَرَسَّلَ فِي الْأَذَانِ وَيَحْدُرَ فِي الْإِقَامَةِ وَمِقْدَارُ السَّكْتَةِ عِنْدَهُ قَدْرُ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ وَرُوِيَ عَنْهُ قَدْرُ مَا يَخْطُو ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ وَعِنْدَهُمَا يَجْلِسُ مِقْدَارَ الْجِلْسَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْهُ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ وَيُقِيمُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي اكْتِفَائِهِ بِالْإِقَامَةِ وَالضَّابِطُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ فَرْضٍ كَانَ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً يُؤَذَّنُ لَهُ وَيُقَامُ سَوَاءٌ أَدَّاهُ مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ إلَّا الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ فَإِنَّ أَدَاءَهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مَكْرُوهٌ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا الْأُولَى الْفَوَائِتُ) يَعْنِي، وَكَذَا إذَا فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ يُؤَذِّنُ لِلْأُولَى مِنْهَا وَيُقِيمُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا نَرْوِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخُيِّرَ فِيهِ) أَيْ فِي الْأَذَانِ (لِلْبَاقِي) أَيْ فِيمَا عَدَا الْأُولَى إنْ شَاءَ أَذَّنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحَوِّلُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ سُنَّةَ الْأَذَانِ) حَتَّى قَالُوا فِي الَّذِي يُؤَذِّنُ لِلْمَوْلُودِ يَنْبَغِي أَنْ يُحَوِّلَ وَجْهَهُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً عِنْدَ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا وَفِي الْبُسْتَانِ لَا يُحَوِّلُ فِي الْإِقَامَةِ إلَّا لِإِنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ، ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ) أَيْ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْأَذَانُ بِحَيْثُ يُسْمِعُ سَائِرَ الْجَوَانِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ) أَيْ مَعَ ثَبَاتِ قَدَمَيْهِ بِأَنْ كَانَتْ صَوْمَعَتُهُ صَغِيرَةً. اهـ. . (قَوْلُهُ: فَحَسَنٌ) أَيْ الْأَذَانُ حَسَنٌ لَا تَرْكُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَلَا يَلِيقُ أَنْ يُوصَفَ تَرْكُهُ بِالْحَسَنِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: أَصَابِعُهُ الْأَرْبَعُ) أَيْ الْإِبْهَامُ وَالسَّبَّابَةُ مِنْ كُلِّ يَدٍ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ أُمَرَاءُ زَمَانِنَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّهُمْ يَشْتَغِلُونَ بِأُمُورِ دُنْيَاهُمْ. اهـ. . (قَوْلُهُ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ) هُوَ مِنْ التَّغْلِيبِ إذْ الْمُرَادُ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَصْلَ) أَيْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. [التأذين للفائتة] (قَوْلُهُ: إلَّا الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) أَيْ، وَإِلَّا مَا تُؤَدِّيهِ النِّسَاءُ أَوْ تَقْضِيهِ بِجَمَاعَتِهِنَّ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَمَّتْهُنَّ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ حِينَ كَانَتْ جَمَاعَتُهُنَّ مَشْرُوعَةً وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَةَ أَيْضًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُمَا لَمَّا كَانَ هُوَ السُّنَّةُ حَالَ شَرْعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ كَانَ حَالَ الْإِفْرَادِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلِمَا رُوِيَ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ الْخَنْدَقِ اهـ

[أذان الجنب والمرأة والمحدث والسكران]

وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَغَلَهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ»؛ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ لِلِاسْتِحْضَارِ وَهُمْ حُضُورٌ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَوْ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَيْهِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْأُولَى تُقْضَى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَالْبَاقِي بِالْإِقَامَةِ لَا غَيْرُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إنَّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَالْمَذْكُورُ فِي الظَّاهِرِ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا خِلَافَ فِيهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُؤَذِّنُ قَبْلَ وَقْتٍ وَيُعَادُ فِيهِ) أَيْ يُعَادُ فِي الْوَقْتِ إذَا أَذَّنَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِلْفَجْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُمْ جَمِيعُ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِأَذَانِ الصُّبْحِ لَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ»؛ وَلِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَقْتِ لِيَتَأَهَّبُوا، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا بِلَالُ لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ فِي الْإِمَامِ وَرِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَغَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ قَالَ اسْتَيْقَظْت وَأَنَا وَسْنَانُ فَظَنَنْت أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُنَادِيَ إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ» وَلَيْسَ لَهُمَا فِيمَا رَوَيَاهُ حُجَّةٌ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهِ إلَّا إخْبَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِفِعْلِ بِلَالٍ وَنَهَاهُ أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ وَفِعْلُهُ لَا يُعَارِضُ نَهْيَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَالثَّانِي - أَنَّ أَذَانَهُ كَانَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ وَلِهَذَا عَتَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَكَى وَقَالَ لَيْتَ بِلَالًا لَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إلَّا مِقْدَارُ مَا يَنْزِلُ هَذَا وَيَصْعَدُ هَذَا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا يَقْصِدَانِ وَقْتًا وَاحِدًا وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَيُصِيبُهُ أَحَدُهُمَا وَيُخْطِئُهُ الْآخَرُ. وَالثَّالِثُ - قَالَ صَاحِبُ الْإِمَامِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ «بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ» لَمْ يَكُنْ فِي سَائِرِ الْعَامِّ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ قُلْنَا هَذَا لَمْ يَكُنْ أَذَانًا وَإِنَّمَا كَانَ تَذْكِيرًا وَتَسْحِيرًا كَالْعَادَةِ الْفَاشِيَةِ بَيْنَهُمْ فِي رَمَضَانَ وَإِنْكَارُ السَّلَفِ عَلَى مَنْ أَذَّنَ بِلَيْلٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْوَقْتِ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بِسَنَدِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ كَانُوا إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ قَالُوا لَهُ اتَّقِ اللَّهَ وَأَعِدْ أَذَانَك وَسَمِعَ عَلْقَمَةُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ خَالَفَ سُنَّةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ نَائِمًا لَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَأَمْثَالُهُ كَثِيرَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ؛ وَلِأَنَّ جَوَازَهُ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ يُؤَدِّي إلَى الْتِبَاسِ أَذَانِ الْفَجْرِ بِأَذَانِ الْمَغْرِبِ وَإِلَى وُقُوعِ أَذَانِ الْفَجْرِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَهَذَا مُحَالٌ فَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ فَسَادُهُ وَهَذِهِ التَّوْقِيتَاتُ الَّتِي وَقَّتُوهَا مِنْ الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ وَجَمِيعِ اللَّيْلِ مُخْتَرَعَةٌ لَمْ تُرْوَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ الْمُحْدِثِ وَأَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ وَالْقَاعِدِ وَالسَّكْرَانِ) أَمَّا أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ»؛ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاعِيًا إلَى مَا لَا يُجِيبُ بِنَفْسِهِ فَيُكْرَهَانِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَيُعَادَانِ فِي رِوَايَةٍ وَلَا يُعَادَانِ فِي أُخْرَى وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُعَادَ الْأَذَانُ دُونَ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْأَذَانِ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ دُونَ الْإِقَامَةِ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ الْأَذَانُ وَالصَّلَاةُ، وَأَمَّا إقَامَةُ الْمُحْدِثِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ لَا تُكْرَهُ إقَامَتُهُ وَفِي كَرَاهِيَةِ أَذَانِ الْمُحْدِثِ رِوَايَتَانِ كَإِقَامَتِهِ وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَابَةِ أَنَّ لِلْأَذَانِ شَبَهًا بِالصَّلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: يَوْمَ الْخَنْدَقِ) أَيْ وَهُوَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ إنْ شَاءَ مَالَ إلَى إيقَاعِ الْقَضَاءِ عَلَى وَفْقِ الْأَدَاءِ فَيُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى كَوْنِ الْأَذَانِ لِلِاسْتِحْضَارِ وَهُمْ حُضُورٌ فَيَكْتَفِي بِالْإِقَامَةِ قِيلَ إذَا كَانَ الرِّفْقُ مُتَعَيِّنًا فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يَجُوزُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا كَقَصْرِ الصَّلَاةِ لِلْمُسَافِرِ وَالرِّفْقُ هُنَا مُتَعَيَّنٌ فِي مُجَرَّدِ الْإِقَامَةِ فَلَا يَتَخَيَّرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ فِي الْفَرَائِضِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ سُنَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَالْمَذْكُورُ) أَيْ مِنْ التَّخْيِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا خِلَافَ فِيهَا) أَيْ فِي أَنَّهُ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ بِلَا تَخْيِيرٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ: فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَازِمًا وَلَكِنَّهُ لَمَّا حَجَّ مَعَ الرَّشِيدِ رَأَى وُقُوفَ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ وَنَوَاحِيهَا رَجَعَ فَأَفْتَى بِلُزُومِ الْوَقْفِ وَرَجَعَ عِنْدَ ذَلِكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إحْدَاهُمَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ تَقْدِيرُهُ الصَّاعَ بِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ وَالثَّالِثَةُ أَذَانُ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ: عَنْ أَبِي رَوَّادٍ) كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَصَوَابُهُ ابْنُ. (قَوْلُهُ: إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ) أَيْ قَدْ أَذَّنَ فِي حَالِ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ. اهـ. رَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ فَإِنَّ فِي بَصَرِهِ شَيْئًا». اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مَا يَنْزِلُ هَذَا) أَيْ بِلَالٌ (قَوْلُهُ: وَيَصْعَدُ هَذَا) أَيْ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ (قَوْلُهُ: فَيُصِيبُهُ أَحَدُهُمَا) وَهُوَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ الْجَمَاعَةُ أَصْبَحْت أَصْبَحْت. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيُخْطِئُهُ الْآخَرُ) وَهُوَ بِلَالٌ لِمَا لَمْ يُبْصِرْهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ إنْكَارِ السَّلَفِ. اهـ. . [أَذَان الجنب وَالْمَرْأَة والمحدث والسكران] (قَوْلُهُ: إلَّا مُتَوَضِّئٌ) فَالْإِقَامَةُ أَوْلَى لِاتِّصَالِهَا بِالصَّلَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُعِدْ) أَيْ الْأَذَانَ (قَوْلُهُ: مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ اهـ

مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُشْتَرَطُ لَهُ دُخُولُ الْوَقْتِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَشَبَهًا بِغَيْرِهَا فَيُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَةُ عَنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَأَمَّا أَذَانُ الْمَرْأَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ حِينَ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِنَّ فَيَكُونُ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ انْتِسَاخِ جَمَاعَتِهِنَّ؛ وَلِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُشْهِرَ نَفْسَهُ وَيُؤَذِّنَ عَلَى الْمَكَانِ الْعَالِي وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ وَالْمَرْأَةُ مَنْهِيَّةٌ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلِهَذَا «جَعَلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - التَّسْبِيحَ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقَ لِلنِّسَاءِ» وَيُعَادُ أَذَانُهَا اسْتِحْبَابًا لِوُقُوعِهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ، وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُوثَقُ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا فَلَمْ يُوجَدْ الْإِعْلَامُ، وَأَمَّا الْقَاعِدُ فَلِأَنَّ الْمَلَكَ النَّازِلَ أَذَّنَ قَائِمًا؛ وَلِأَنَّ الْقَائِمَ أَبْلَغُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ قَاعِدًا مُرَاعَاةً لِسُنَّةِ الْأَذَانِ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِعْلَامِ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَلِفِسْقِهِ أَوْ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَيُسْتَحَبُّ إعَادَتُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا أَذَانُ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ) أَيْ لَا يُكْرَهُ أَذَانُ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَيَكُونُ مُلْزِمًا فَيَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا لِلْمُسَافِرِ) أَيْ تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ «إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا»؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُسْقِطُ الْجَمَاعَةَ فَلَا يُسْقِطُ مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهَا وَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُ الْأَذَانِ وَيُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُ الْإِقَامَةِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُسَافِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ وَلَمْ يُؤَذِّنْ؛ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِيَحْضُرَ الْمُتَفَرِّقُونَ فِي أَشْغَالِهِمْ وَالرُّفْقَةُ حَاضِرُونَ وَالْإِقَامَةُ لِإِعْلَامِ الِافْتِتَاحِ وَهُمْ إلَيْهِ مُحْتَاجُونَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا لِمُصَلٍّ فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا لِمَنْ يُصَلِّي فِي الْمِصْرِ إذَا وُجِدَا فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُقِيمَ قَدْ وَجَدَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِينَا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّبُوا مُؤَذِّنًا صَارَ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِمْ حُكْمًا بِالِاسْتِنَابَةِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْمٍ صَلَّوْا فِي الْمِصْرِ فِي مَنْزِلٍ وَاكْتَفَوْا بِأَذَانِ النَّاسِ أَجْزَأَهُمْ وَقَدْ أَسَاءُوا فَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَا لَهُمَا لَا لِلنِّسَاءِ) أَيْ نُدِبَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ فِي بَيْتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ قَوْلُهُ لَا لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سُنَنِ الْجَمَاعَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَعَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَرَاهِيَتُهُمَا لَهُنَّ وَلَيْسَ عَلَى الْعَبِيدِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سُنَنِ الْجَمَاعَةِ وَجَمَاعَتُهُمْ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ التَّكْبِيرُ عَقِيبَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْأَذَانَ لَيْسَ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ شَبِيهٌ بِهَا فَبِالنَّظَرِ إلَى الْحَقِيقَةِ قُلْنَا لَا يُكْرَهُ مَعَ الْحَدَثِ وَبِالنَّظَرِ إلَى الشَّبَهِ قُلْنَا يُكْرَهُ مَعَ الْجَنَابَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْكَسْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ الشَّبَهُ فِي الْحَدَثِ وَقُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فَفِي الْجَنَابَةِ تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَيَلْغُو الْعَمَلُ بِجَانِبِ الْحَقِيقَةِ اهـ (قَوْلُهُ: وَشُبِّهَا بِغَيْرِهَا) أَيْ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ اهـ (قَوْلُهُ: فَيُشْتَرَطُ لَهُمَا) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ (قَوْلُهُ: وَيُعَادُ أَذَانُهَا اسْتِحْبَابًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يُسْتَحَبُّ إعَادَةُ أَذَانِ أَرْبَعَةٍ الْجُنُبُ وَالْمَرْأَةُ وَالسَّكْرَانُ وَالْمَجْنُونُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ قَاعِدًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ رَاكِبًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ رَاكِبًا فِي السَّفَرِ؛ وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْأَذَانَ أَصْلًا فِي السَّفَرِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ رَاكِبًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَيَنْزِلَ لِلْإِقَامَةِ اهـ، ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَذَانُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنَّ أَذَانَ الرَّجُلِ أَفْضَلُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا لِلْمُسَافِرِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ اكْتَفَى بِالْإِقَامَةِ جَازَ قَالَ الْكَمَالُ لَمَّا ثَبَتَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ سُقُوطُ الْأَذَانِ دُونَ الْإِقَامَةِ كَمَا بَعْدَ أُولَى الْفَوَائِتِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ وَثَانِي الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ صَرَّحَ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي الْحَوَاشِي بِأَنَّ الْإِقَامَةَ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ نَقْلًا مِنْ الْمَبْسُوطِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا أَيْ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ لِلْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُسْقِطُ الْجَمَاعَةَ فَلَا تَسْقُطُ لَوَازِمُهَا الشَّرْعِيَّةُ أَعْنِي دُعَاءَهُمْ فَالتَّرْكُ لِلْكُلِّ حِينَئِذٍ تَرْكٌ لِلْجَمَاعَةِ صُورَةً وَتَشَبُّهًا إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا وَتَرْكُ الْمَجْمُوعِ لَوَازِمُهَا إنْ كَانَتْ بِجَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ تَارِكِهِمَا فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ أَذَانَ الْمَحَلَّةِ وَإِقَامَتَهَا كَأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ) الصَّوَابُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ وَابْنُ عَمٍّ لَهُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَى آخِرِهِ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَقَالَ يَكْفِينَا أَذَانُ الْحَيِّ وَإِقَامَتُهُمْ؛ وَلِأَنَّ مُؤَذِّنَ الْحَيِّ نَائِبٌ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ نَصَّبُوهُ لِلْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَكَانَ أَذَانُهُ وَإِقَامَتُهُ كَأَذَانِ الْكُلِّ وَإِقَامَتِهِمْ وَعَنْ هَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُسَافِرِ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ

[باب شروط الصلاة]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ) أَيْ شُرُوطُ الصَّلَاةِ (طَهَارَةُ بَدَنِهِ مِنْ حَدَثٍ وَخَبَثٍ وَثَوْبِهِ وَمَكَانِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ «اغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَتْرُ عَوْرَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أَيْ مَحَلُّ زِينَتِكُمْ وَالْمُرَادُ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْحَالِّ عَلَى الْمَحَلِّ فِي الْأَوَّلِ وَعَكْسُهُ فِي الثَّانِي وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» أَيْ الْبَالِغَةِ، وَالثَّوْبُ الرَّقِيقُ الَّذِي يَصِفُ مَا تَحْتَهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ مَعْنًى وَشَرَطَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ سَتْرَ عَوْرَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ رَأَى فَرْجَهُ مِنْ زِيقِهِ أَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَرَاهُ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَلْتَصِقْ بِصَدْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ كَانَ كَثِيفَ اللِّحْيَةِ وَسَتَرَ بِهَا يَجُوزُ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ السِّتْرِ بِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا تَجُوزُ وَعَامَّتُهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا السَّتْرَ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ مَسُّهَا وَالنَّظَرُ إلَيْهَا. وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ نَصًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَحْلُولَ الْجَيْبِ فَنَظَرَ إلَى عَوْرَةِ نَفْسِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ وَاحِدٍ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتَهُ لَكِنْ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ إنْسَانٌ مِنْ تَحْتِهِ رَأَى عَوْرَتَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَاشِفٍ لِلْعَوْرَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا كَانَ لِأَحَدِكُمْ ثَوْبَانِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا» وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الصَّلَاةُ فِي السَّرَاوِيلِ وَحْدَهَا تُشْبِهُ فِعْلَ أَهْلِ الْجَفَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ مَا تَحْتَ سُرَّتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ) أَيْ مَا بَيْنَهُمَا هُوَ الْعَوْرَةُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ» وَيُرْوَى مَا دُونَ سُرَّتِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَهُ، وَكَلِمَةُ إلَى نَحْمِلُهَا عَلَى كَلِمَةِ مَعَ عَمَلًا بِكَلِمَةِ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ] قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مِنْ حَدَثٍ) أَيْ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ اهـ ع قِيلَ: إنَّمَا قَدَّمَ الْحَدَثَ لِأَنَّهُ أَقْوَى؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ لَيْسَ بِعَفْوٍ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ مِنْ النَّجَسِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْقَطْرَةَ مِنْ الْخَمْرِ أَوْ الدَّمِ أَوْ الْبَوْلِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ تَنَجَّسَ وَالْجُنُبُ أَوْ الْمُحْدِثُ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ لَا يَنْجُسُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيمٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ (فَرْعٌ) النَّفَلُ وَالْفَرْضُ فِي شَرَائِطِ الصَّلَاةِ وَسُنَنِهَا سَوَاءٌ إلَّا فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةٍ فِي الْفَرْضِ وَثَلَاثَةٍ فِي السُّنَّةِ فَأَمَّا الْفَرْضُ فَتَرْكُ الْقِيَامِ فِيهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَجَوَازُهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ بِالْإِيمَاءِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ وَجَوَازُهَا بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَكَرَاهَةُ فِعْلِهَا فِي جَمَاعَةٍ وَأَنْ لَا يُؤَذِّنَ لَهَا وَأَنْ يَقْعُدَ فِي تَشَهُّدِهَا كَيْفَ شَاءَ كَالْمَرِيضِ لَا يُسَنُّ لَهُ قُعُودٌ دُونَ قُعُودٍ اهـ صَلَاةٌ جَلَّابِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَخَبَثٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ النَّجَاسَةُ مُغَلَّظَةً كَانَتْ أَوْ مُخَفَّفَةً اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَكَانُهُ) فَهَلْ يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ مَكَانِ الْمَيِّتِ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ يُنْظَرُ فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَلَى الْهَامِشِ. (مَسْأَلَةٌ) صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ وَعَلَى جَانِبِهِ نَجَاسَةٌ كَثِيرَةٌ وَقِيَامُهُ عَلَى الطَّاهِرِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ صَغِيرًا كَانَ الْبِسَاطُ أَوْ كَبِيرًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الْبِسَاطُ كَبِيرًا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَالْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ هُوَ أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ أَحَدَ طَرَفَيْهِ لَا يَتَحَرَّكُ الطَّرَفُ الْآخَرُ فَهُوَ كَبِيرٌ وَإِنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ الطَّرَفُ الْآخَرُ فَهُوَ صَغِيرٌ وَاسْتَدَلُّوا بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الزِّيَادَاتِ قَالَ إنْ كَانَ ثَوْبٌ طَوِيلٌ عَلَى أَحَدِ طَرَفَيْهِ نَجَاسَةٌ كَثِيرَةٌ وَتَوَشَّحَ بِطَرَفِهِ الطَّاهِرِ وَصَلَّى وَطَرَفُهُ النَّجَسُ مُلْقًى عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الطَّرَفُ النَّجَسُ الْمُلْقَى عَلَى الْأَرْضِ يَتَحَرَّكُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ تَجُوزُ صَلَاتُهُ فَجَعَلُوا حُكْمَ الْبِسَاطِ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. طح. (قَوْلُهُ: إطْلَاقًا لِاسْمِ الْحَالِّ عَلَى الْمَحَلِّ) أَيْ لِأَنَّ أَخْذَ عَيْنِ الزِّينَةِ لَا يُتَصَوَّرُ فَأُرِيدَ مَحَلُّهَا وَهُوَ الثَّوْبُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ فِي الثَّانِي) أَيْ فَإِنَّ السِّتْرَ لَا يَجِبُ لِعَيْنِ الْمَسْجِدِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الطَّوَافِ عُرْيَانًا فَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ سِتْرَهُ لِلصَّلَاةِ لَا لِأَجْلِ النَّاسِ حَتَّى لَوْ صَلَّى وَحْدَهُ وَلَمْ يَسْتُرْ عَوْرَتَهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَحَدٌ فَإِنْ قِيلَ الْآيَةُ وَرَدَتْ فِي الطَّوَافِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَكَيْفَ يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهَا قُلْنَا الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَهَا هُنَا اللَّفْظُ عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فَيُمْنَعُ الْقَصْرُ عَلَى مَسْجِدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَرَدَتْ الْآيَةُ فِي سَبَبٍ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيمَا سِوَاهُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَإِنْ عَمَّ اللَّفْظُ وَهَا هُنَا تَنَاوَلَتْ الطَّوَافَ الَّذِي وَرَدَتْ لِأَجْلِهِ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ لَا الِافْتِرَاضِ حَتَّى لَوْ طَافَ عُرْيَانًا يُعْتَدُّ بِهِ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ قُلْنَا الْأَمْرُ يُحْمَلُ عَلَى الِافْتِرَاضِ إلَّا إذَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِهِ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ السِّتْرِ فِي الطَّوَافِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ وَلَا دَلِيلَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَيَبْقَى الْأَمْرُ فَرْضًا. اهـ. كَاكِيٌّ. قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِجْمَاعُ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَمْنُوعَةٌ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: الْبَالِغَةُ) هُوَ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ إذْ الْحَيْضُ أَحَدُ أَسْبَابِ الْبُلُوغِ أَوْ ذَكَرَ الْمَلْزُومَ وَأَرَادَ بِهِ اللَّازِمَ فَإِنَّ كُلَّ حَائِضٍ بَالِغَةٌ وَلَا يَنْعَكِسُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ) أَيْ وَتَجُوزُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ تَحْتَهُ نَجَاسَةٌ وَفِيهِ خِلَافٌ. اهـ. قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ لِأَحَدِكُمْ ثَوْبَانِ) أَيْ إزَارٌ وَرِدَاءٌ (قَوْلُهُ: أَهْلُ الْجَفَاءِ) أَيْ الْغِلْظَةُ وَالْمُرَادُ الْعَوَامُّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَهِيَ مَا تَحْتَ سُرَّتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ) وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ الْفَضْلِيُّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى نَبَاتِ الشَّعْرِ مِنْ الْعَانَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لِتَعَامُلِ الْعُمَّالِ فِي الْإِبْدَاءِ عَنْهُ عِنْدَ الِاتِّزَارِ وَفِي الْمَنْعِ عَنْ الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ نَوْعُ حَرَجٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ إذْ التَّعَامُلُ بِخِلَافِ النَّصِّ لَا يُعْتَبَرُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِكَلِمَةِ حَتَّى) أَيْ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَحَدِيثُ حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَهُ لَمْ يُعْرَفْ وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ تَرْتِيبُ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَكَلِمَةٌ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى كَوْنِ حَدِيثِ الرُّكْبَةِ مِمَّا يُحْتَجُّ وَلَهُ طَرِيقَانِ مَعْنَوِيَّانِ وَهُمَا أَنَّ الْغَايَةَ قَدْ تَدْخُلُ وَقَدْ تَخْرُجُ وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاطِ فَحَكَمْنَا بِدُخُولِهَا احْتِيَاطًا وَأَنَّ الرُّكْبَةَ مُلْتَقَى عَظْمِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا فَاجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَلَا مُمَيِّزَ وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ وَجْهُ كَوْنِ الْمَوْضِعِ مَوْضِعَ الِاحْتِيَاطِ. اهـ. كَمَالٌ

أَوْ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ» وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ السُّرَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ وَالرُّكْبَةَ مِنْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَدَنُ الْحُرَّةِ عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَقَدَمَيْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وَالْمُرَادُ مَحَلُّ زِينَتِهِنَّ وَمَا ظَهَرَ مِنْهَا الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَاسْتَثْنَى فِي الْمُخْتَصَرِ الْأَعْضَاءَ الثَّلَاثَةَ لِلِابْتِلَاءِ بِإِبْدَائِهَا؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى الْمُحْرِمَةَ عَنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ» وَلَوْ كَانَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ مِنْ الْعَوْرَةِ لَمَا حَرُمَ سَتْرُهُمَا بِالْمِخْيَطِ وَفِي الْقَدَمِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ لِلِابْتِلَاءِ بِإِبْدَائِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَشْفُ رُبْعِ سَاقِهَا يَمْنَعُ) يَعْنِي جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ يَحْكِي حِكَايَةَ الْكُلِّ كَمَا فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فِي الْإِحْرَامِ حَتَّى يَصِيرَ بِهِ حَلَالًا فِي أَوَانِهِ وَيَلْزَمُهُ الدَّمُ قَبْلَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ انْكِشَافُ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُوصَفُ بِالْكَثْرَةِ إذَا كَانَ مَا يُقَابِلُهُ أَقَلَّ مِنْهُ وَفِي النِّصْفِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَمْنَعُ لِخُرُوجِهِ عَنْ حَدِّ الْقِلَّةِ وَلَا يُمْنَعُ فِي أُخْرَى لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا الشَّعْرُ وَالْبَطْنُ وَالْفَخِذُ وَالْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ) يَعْنِي رُبْعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَمْنَعُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عُضْوٌ كَامِلٌ عَلَى حِدَةٍ وَالْمُرَادُ بِالشَّعْرِ مَا اُسْتُرْسِلَ مِنْ الرَّأْسِ هُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ مَا عَلَى الرَّأْسِ لَا مَا اُسْتُرْسِلَ مِنْهُ وَالْغَلِيظَةُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ وَمَا حَوْلَهُمَا وَالْخَفِيفَةُ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَقَدْ سَوَّى فِي الْمُخْتَصَرِ بَيْنَ الْغَلِيظَةِ وَالْخَفِيفَةِ فِي اعْتِبَارِ الرُّبْعِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يُعْتَبَرُ فِي الْغَلِيظَةِ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ اعْتِبَارًا بِالنَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَهَذَا غِلَظٌ؛ لِأَنَّ تَغْلِيظَهُ يُؤَدِّي إلَى تَخْفِيفِهِ أَوْ إلَى الْإِسْقَاطِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ مَا لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّ كَشْفَ جَمِيعِ الْغَلِيظَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا لَا يَمْنَعُ وَرُبْعُ الْخَفِيفَةِ يَمْنَعُ فَهَذَا أَمْرٌ شَنِيعٌ. وَالِانْكِشَافُ الْكَثِيرُ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ، حَتَّى لَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ كُلُّهَا وَغَطَّاهَا فِي الْحَالِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَالْقَلِيلُ مُقَدَّرٌ بِمَا لَا يُؤَدِّي فِيهِ الرُّكْنَ وَإِنْ أَحْرَمَ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِيهَا، وَكَذَا مَعَ النَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ وَالذَّكَرُ يُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهِ، وَكَذَا الْأُنْثَيَانِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الدِّيَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُضَمُّ الذَّكَرُ إلَى الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِيلَادُ وَاخْتَلَفُوا فِي الدُّبُرِ هَلْ هُوَ عَوْرَةٌ مَعَ الْأَلْيَتَيْنِ أَوْ كُلِّ أَلْيَةٍ مِنْهُمَا عَوْرَةٌ عَلَى حِدَةٍ وَالدُّبُرُ ثَالِثُهُمَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ ثَالِثُهُمَا وَالرُّكْبَةُ تُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهَا فِي رِوَايَةٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْفَخِذِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعُضْوٍ عَلَى حِدَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا هِيَ مُلْتَقَى عَظْمِ الْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالْفَخِذُ عَوْرَةٌ فَيَغْلِبُ الْمُحَرَّمُ عِنْدَ تَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ وَثَدْيُ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ نَاهِدَةً فَهِيَ تَبَعٌ لِصَدْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُنْكَسِرَةً فَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ») هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عُقْبَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْكَمَالُ وَعُقْبَةُ هَذَا هُوَ الْيَشْكُرِيُّ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَفِي الدِّرَايَةِ، وَاعْتُرِضَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكَفِّ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ لُغَةً يَتَنَاوَلُ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ وَلِهَذَا يُقَالُ ظَهْرُ الْكَفِّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَفَّ عُرْفًا وَاسْتِعْمَالًا يَتَنَاوَلُ ظَهْرَهُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَمَنْ تَأَمَّلَ قَوْلَ الْقَائِلِ الْكَفُّ يَتَنَاوَلُ ظَاهِرُهُ أَغْنَاهُ عَنْ تَوْجِيهِ الدَّفْعِ إذْ إضَافَةُ الظَّاهِرِ إلَى مُسَمَّى الْكَفِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ وَفِي مُخْتَلِفَاتِ قَاضِي الْغِنَى ظَاهِرُ الْكَفِّ وَبَاطِنُهُ لَيْسَ بِعَوْرَتَيْنِ إلَى الرُّسْغِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ظَاهِرُ الْكَفِّ عَوْرَةٌ بَاطِنُهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ ذِرَاعَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ كَذَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ وَالْكَاكِيِّ وَفِي الْمَبْسُوطِ فِي الذِّرَاعِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا عَوْرَةٌ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ كَوْنِهِ لَيْسَ عَوْرَةً وَجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِ فَحِلُّ النَّظَرِ مَنُوطٌ بِعَدَمِ خَشْيَةِ الشَّهْوَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعَوْرَةِ وَلِذَا حَرُمَ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَوَجْهُ الْأَمْرَدِ إذَا شَكَّ فِي الشَّهْوَةِ وَلَا عَوْرَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْآيَةِ مَا ظَهَرَ) أَيْ فَالْقَدَمُ لَيْسَ مَوْضِعَ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ عَادَةً وَلِذَا قَالَ تَعَالَى {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] يَعْنِي قَرْعَ الْخَلْخَالِ قَالَ فَأَفَادَ أَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: بِالْمِخْيَطِ) لَيْسَ لَهُ مَعْنًى اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: انْكِشَافُ الْأَكْثَرِ) أَيْ أَكْثَرُ السَّاقِ (قَوْلُهُ: لِخُرُوجِهِ عَنْ حَدِّ الْقِلَّةِ) لِأَنَّ الْمَعْفُوَّ هُوَ الْقَلِيلُ وَالنِّصْفُ لَيْسَ بِقَلِيلٍ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُهُ لَيْسَ بِكَثِيرٍ فَلَا يَكُونُ عَفْوًا. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ) أَيْ لِأَنَّ النِّصْفَ لَيْسَ بِكَثِيرٍ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُهُ لَيْسَ بِكَثِيرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عُضْوٌ كَامِلٌ أَيْ وَلِهَذَا لَوْ حَلَقَ شَعْرَهَا وَلَمْ يَنْبُتْ تَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ جَعَلَ الشَّعْرَ مِنْ الْأَعْضَاءِ لِلتَّغْلِيبِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْآدَمِيِّ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: مَا اُسْتُرْسِلَ) أَيْ وَهُوَ مَا نَزَلَ تَحْتَ الْأُذُنَيْنِ، وَأَمَّا الَّذِي عَلَى الرَّأْسِ فَتَابِعٌ لَهُ (قَوْلُهُ: لَا مَا اُسْتُرْسِلَ مِنْهُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْبَعْضِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ سَوَّى فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ وَكَشْفُ رُبْعِ سَاقِهَا يَمْنَعُ (قَوْلُهُ: مَا لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ) وَهُوَ الدُّبُرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَكْثَرُهَا لَا يَمْنَعُ) وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ قِيلَ إنَّ الْغَلِيظَةَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ مَعَ مَا حَوْلَهُمَا فَيَجُوزُ كَوْنُهُ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ. اهـ. فَتْحٌ وَالِانْكِشَافُ الْقَلِيلُ فِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ أَيْضًا لَا يُفْسِدُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) أَيْ وَإِنْ كَشَفَهَا بِفِعْلِهِ فَسَدَتْ فِي الْحَالِ. اهـ. قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ: وَالرُّكْبَةُ تُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهَا) أَيْ فَكَشْفُ رُبْعِهَا يَمْنَعُ (قَوْلُهُ: وَالْفَخِذُ عَوْرَةٌ) أَيْ فَخِذُ الرَّجُلِ عَوْرَةٌ وَسَاقُهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَالرُّكْبَةُ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا جُعِلَتْ تَبَعًا لِلْفَخِذِ دُونَ السَّاقِ فَجُعِلَتْ عَوْرَةً تَغْلِيبًا لِلْمُحَرَّمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَغْلِبُ الْمُحَرَّمُ) أَيْ فَتُجْعَلُ الرُّكْبَةُ مِنْ الْفَخِذِ لَا مِنْ السَّاقِ

أَصْلٌ بِنَفْسِهَا وَأُذُنُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ بِانْفِرَادِهَا وَإِنْ انْكَشَفَتْ الْعَوْرَةُ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ تَجْمَعُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ امْرَأَةً صَلَّتْ وَانْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهَا وَشَيْءٌ مِنْ ظَهْرِهَا وَشَيْءٌ مِنْ فَرْجِهَا وَشَيْءٌ مِنْ فَخِذِهَا وَلَوْ جُمِعَ بَلَغَ رُبْعَ أَدْنَى عُضْوٍ مِنْهَا مَنَعَ جَوَازَ الصَّلَاةِ، وَكَذَا الطِّيبُ الْمُتَفَرِّقُ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ وَالنَّجَاسَةُ الْمُتَفَرِّقَةُ (قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ) يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ بِالْأَجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْأَدْنَى يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْقَلِيلَ يَمْنَعُ وَلَمْ يَبْلُغْ رُبْعَ الْمُنْكَشِفِ بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ انْكَشَفَ نِصْفُ ثُمُنِ الْفَخِذِ مَثَلًا وَنِصْفُ ثُمُنِ الْأُذُنِ يَبْلُغُ رُبْعَ الْأُذُنِ وَأَكْثَرَ وَلَمْ يَبْلُغْ رُبْعَ جَمِيعِ الْعَوْرَةِ الْمُنْكَشِفَةِ وَمِثْلُهُ نِصْفُ عُشْرِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَبُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ يُخَالِفُ الْقَاعِدَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَمَةُ كَالرَّجُلِ) يَعْنِي فِي الْعَوْرَةِ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَلْقِ عَنْك الْخِمَارَ يَا دَفَارِ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ؛ وَلِأَنَّهَا تَخْرُجُ لِحَاجَةِ مَوْلَاهَا فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا عَادَةً فَاعْتُبِرَ حَالُهَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَظَهْرُهَا وَبَطْنُهَا عَوْرَةٌ)؛ لِأَنَّ لَهُمَا مَزِيَّةً كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَلِهَذَا لَوْ جَعَلَ امْرَأَتَهُ كَظَهْرِ أُمِّهِ الْأَمَةِ كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهَا وَالظِّهَارُ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ فَإِذَا حَرُمَ عَلَى الِابْنِ فَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ أَوْلَى أَنْ يَحْرُمَ وَيَدْخُلَ فِي هَذَا الْجَوَابِ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُسْتَسْعَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِوُجُودِ الرِّقِّ وَلَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فِي صَلَاتِهَا أَوْ بَعْدَ مَا أَحْدَثَتْ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَتَوَضَّأَ أَوْ بَعْدَهُ تَقَنَّعَتْ بِعَمَلٍ رَفِيقٍ مِنْ سَاعَتِهَا وَبَنَتْ عَلَى صَلَاتِهَا وَإِنْ أَدَّتْ رُكْنًا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعِتْقِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا كَالْعُرْيَانِ إذَا وَجَدَ ثَوْبًا فِي صَلَاتِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فَرْضَ السَّتْرِ لَزِمَهَا فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ أَتَتْ بِهِ وَالْعُرْيَانُ لَزِمَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا فَيَسْتَقْبِلُ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ فِيهَا مَاءً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا رُبْعُهُ طَاهِرٌ وَصَلَّى عُرْيَانًا لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ طَاهِرًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخُيِّرَ إنْ طَهُرَ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِهِ) أَيْ إذَا كَانَ الطَّاهِرُ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُوَ يَلِي الْأَوَّلَ فِي الْفَضْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَتْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأُذُنُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْأُذُنَيْنِ عُضْوٌ عَلَى حِدَةٍ كَذَا فِي الْقَنِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَمْعٌ بَلَغَ رُبْعَ أَدْنَى عُضْوٍ إلَخْ) أَيْ أَقَلُّ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ الَّتِي انْكَشَفَ أَبْعَاضُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت أَقُولُ إنْ اُعْتُبِرَ أَدْنَى عُضْوٍ مِنْ الْمُنْكَشِفِ لَا يَرِدُ الْإِشْكَالُ وَهُوَ الْمُرَادُ؛ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ الْبُطْلَانِ وَعَدَمِهِ فَيَبْطُلُ احْتِيَاطًا. اهـ. (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ صَلَّيْت صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهَا فَصَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ إنْ كَانَتْ فِي حَالِ عَجْزِهَا عَنْ السُّتْرَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَعَتَقَتْ وَإِنْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى السُّتْرَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَلَا تُعْتَقُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ عَتَقَتْ لَصَارَتْ حُرَّةً قَبْلَ الصَّلَاةِ وَحِينَئِذٍ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ لَا تُعْتَقُ فَإِثْبَاتُ الْعِتْقِ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِهِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَبَطَلَ الْعِتْقُ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ وَعِنْدَنَا فِي التَّعْلِيقَاتِ الْمَحْضَةِ يُقْتَصَرُ الْعِتْقُ عَلَى الشَّرْطِ وَلَا يَتَقَدَّمُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ صَلَاتُهَا وَتُعْتَقُ بَعْدَ وُجُودِ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي الْجَامِعِ. اهـ. غَايَةُ السُّرُوجِيِّ (قَوْلُهُ: أَنْ يَعْتَبِرَ بِالْأَجْزَاءِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِأَجْزَاءِ الْعَوْرَاتِ الْمُنْكَشِفَةِ لَا بِأَدْنَى عُضْوٍ مِنْهَا فَلَوْ بَلَغَ الْمَجْمُوعُ قَدْرَ رُبْعِ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ مَنَعَ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ: بَيَانُهُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بَيَانُ كَوْنِهِ مُؤَدِّيًا إلَى ذَلِكَ الْمَحْذُورِ اهـ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ انْكَشَفَ نِصْفُ ثَمَنِ الْفَخِذِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْقَنِيَّةِ نَقْلًا مِنْ الرِّوَايَاتِ انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهَا فِي صَلَاتِهَا وَمِنْ فَخِذِهَا شَيْءٌ وَمِنْ سَاقِهَا شَيْءٌ وَمِنْ ظَهْرِهَا شَيْءٌ وَمِنْ بَطْنِهَا فَلَوْ جُمِعَ يَكُونُ قَدْرَ رُبْعِ شَعْرِهَا أَوْ رُبْعِ فَخِذِهَا أَوْ رُبْعِ سَاقِهَا لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّهَا عَوْرَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا نَصٌّ عَلَى أَمْرَيْنِ وَالنَّاسُ عَنْهُمَا غَافِلُونَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ لَا يُعْتَبَرُ بِالْأَجْزَاءِ كَالْأَسْدَاسِ وَالِاتِّسَاعِ بَلْ بِالْقَدْرِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمَكْشُوفَ مِنْ الْكُلِّ لَوْ كَانَ قَدْرَ رُبْعِ أَصْغَرِ الْأَعْضَاءِ الْمَكْشُوفَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازُ حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ مِنْ الْأُذُنِ تُسْعُهَا وَمِنْ السَّاقِ تُسْعُهَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْمَكْشُوفَ قَدْرُ رُبْعِ الْأُذُنِ اهـ قَوْلُهُ: كُلُّهَا عَوْرَةٌ وَاحِدَةٌ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ عَوْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ بَلَغَ الْمَجْمُوعُ رُبْعَهُ فَيُمْنَعُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَبْلُغْ رُبْعَ جَمِيعِ الْعَوْرَةِ) وَهُوَ جَمِيعُ الْفَخِذِ وَالْأُذُنِ اهـ (قَوْلُهُ: نِصْفُ عُشْرِ كُلٍّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَعْضَاءِ اهـ: (قَوْلُهُ: يُخَالِفُ الْقَاعِدَةَ) وَهِيَ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِانْكِشَافِ رُبْعِ الْجَمِيعِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: لِقَوْلِ عُمَرَ إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ قَالَ السُّرُوجِيُّ لَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْكَمَالُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَا دَفَارِ) أَيْ يَا مُنْتِنَةِ (قَوْلُهُ: مَهْنَتُهَا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا الْخِدْمَةُ مِنْ مَهَنَ الْقَوْمُ خَدَمَهُمْ وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ كَذَا فِي الصِّحَاحِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَهُمَا مَزِيَّةً) أَيْ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ فِي الِاشْتِهَاءِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَسْعَاةُ) الْمُسْتَسْعَاةُ الْمَرْهُونَةُ إذَا أَعْتَقَهَا الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ حُرَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ: تَقَنَّعَتْ) هُوَ جَوَابٌ وَقَوْلُهُ: بِعَمَلٍ رَفِيقٍ أَيْ بِأَنْ تَقَنَّعَتْ بِيَدِهَا الْوَاحِدَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا رُبْعُهُ طَاهِرٌ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا حَرِيرًا لَا يُصَلِّي عُرْيَانًا بَلْ يُصَلِّي فِيهِ إلَّا عِنْدَ أَحْمَدَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَصَلَّى عُرْيَانًا إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَ فِي الْغَايَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ عُرْيَانَ مَعَهُ ثَوْبُ دِيبَاجٍ وَثَوْبُ كِرْبَاسَ فِيهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَتَعَيَّنُ الصَّلَاةُ فِي الدِّيبَاجِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ طَهُرَ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِهِ) أَيْ أَوْ كَانَ كُلُّهُ نَجَسًا. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَوْ سَتَرَ عَوْرَتَهُ بِجِلْدِ مَيْتَةٍ غَيْرِ مَدْبُوغٍ وَصَلَّى مَعَهُ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى مَعَ الثَّوْبِ النَّجَسِ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْجِلْدِ أَغْلَظُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَزُولُ بِالْغُسْلِ ثَلَاثًا بِخِلَافِ نَجَاسَةِ الثَّوْبِ اهـ

الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا عُرْيَانًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَهُوَ دُونَهُمَا فِي الْفَضْلِ وَفِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى عُرْيَانًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ مُؤَمِّيًا بِهِمَا إمَّا قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا فَهَذَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ الْإِيمَاءِ قَائِمًا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ هَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي لَا يَجِدُ ثَوْبًا فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْقُعُودِ سَتْرَ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَفِي الْقِيَامِ أَدَاءُ هَذِهِ الْأَرْكَانِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَوْ كَانَ الْإِيمَاءُ جَائِزًا حَالَةَ الْقِيَامِ لَمَا اسْتَقَامَ هَذَا الْكَلَامُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَمَنْ تَابَعَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا؛ لِأَنَّ خِطَابَ التَّطَهُّرِ سَقَطَ عَنْهُ لِعَجْزِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ خِطَابُ السَّتْرِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الطَّاهِرِ فِي حَقِّهِ وَلَنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ السَّتْرُ بِالطَّاهِرِ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ سَقَطَ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَا يُقَالُ فِي الصَّلَاةِ عُرْيَانًا تَرْكُ فُرُوضٍ وَهُوَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَفِي الصَّلَاةِ فِيهِ تَرْكُ فَرْضٍ وَاحِدٍ وَهُوَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ فَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نَمْنَعُهُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهَا قَائِمًا وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَقَدْ أَتَى بِبَدَلِهَا وَهُوَ الْإِيمَاءُ فَلَا يَكُونُ تَارِكًا لَهَا لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْأَصْلِ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ ابْتَلَى بِبَلِيَّتَيْنِ وَهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ يَأْخُذُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ اخْتَلَفَا يَخْتَارُ أَهْوَنَهُمَا؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْحَرَامِ لَا تَجُوزُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ مِثَالُهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُرْحٌ لَوْ سَجَدَ سَالَ جُرْحُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ أَهْوَنُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ جَائِزٌ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّابَّةِ وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ فَإِنْ قَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ، ثُمَّ قَعَدَ وَأَوْمَأَ لِلسُّجُودِ جَازَ لِمَا قُلْنَا وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ. وَكَذَا شَيْخٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ قَائِمًا وَيَقْدِرُ عَلَيْهَا قَاعِدًا يُصَلِّي قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي النَّفْلِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ بِحَالٍ وَلَوْ صَلَّى قَائِمًا مَعَ الْحَدَثِ فِي الْفَصْلَيْنِ وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ نَجَاسَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَتَخَيَّرُ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَحَدُهُمَا رُبْعَ الثَّوْبِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَنْعِ وَلَوْ كَانَ دَمُ أَحَدِهِمَا قَدْرَ الرُّبْعِ وَدَمُ الْآخَرِ أَقَلَّ يُصَلِّي فِي أَقَلِّهِمَا دَمًا وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ لِلرُّبْعِ حُكْمَ الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ الرُّبْعِ أَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ لَكِنْ لَا يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ وَفِي الْآخَرِ قَدْرُ الرُّبْعِ صَلَّى فِي أَيِّهِمَا شَاءَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَقَلِّهِمَا نَجَاسَةً وَلَوْ كَانَ رُبْعُ أَحَدِهِمَا طَاهِرًا وَالْآخَرُ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ يُصَلِّي فِي الَّذِي هُوَ رُبْعُهُ طَاهِرٌ وَلَا يَجُوزُ الْعَكْسُ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً لَوْ صَلَّتْ قَائِمَةً يَنْكَشِفُ مِنْ عَوْرَتِهَا قَدْرُ مَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَلَوْ صَلَّتْ قَاعِدَةً لَا يَنْكَشِفُ مِنْهَا شَيْءٌ فَإِنَّهَا تُصَلِّي قَاعِدَةً لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ أَهْوَنُ وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ يُغَطِّي جَسَدَهَا وَرُبْعَ رَأْسِهَا فَتَرَكَتْ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ يُغَطِّي أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ لَا يَضُرُّهَا تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ لِلرُّبْعِ حُكْمَ الْكُلِّ وَمَا دُونَهُ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ تَقْلِيلًا لِلِانْكِشَافِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عُدِمَ ثَوْبًا صَلَّى قَاعِدًا مُؤَمِّيًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - انْكَسَرَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَخَرَجُوا عُرَاةً فَكَانُوا يُصَلُّونَ جُلُوسًا يُومِئُونَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إيمَاءً بِرُؤْسِهِمْ؛ وَلِأَنَّ السَّتْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَمَنْ تَابَعَهُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْأَسْرَارِ وَلَكِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا. اهـ. (قَوْلُهُ: أَنَّ مَنْ ابْتَلَى بِبَلِيَّتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّ صَوَابَهُ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ بَلِيَّتَيْنِ أَوْ ابْتَلَى بِإِحْدَى بَلِيَّتَيْنِ غَيْرِ عَيْنٍ؛ لِأَنَّ مَنْ ابْتَلَى بِهِمَا لَا يَسْلَمُ مِنْهُمَا فَكَيْفَ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَإِنْ قَامَ أَوْ قَعَدَ سَلِسَ بَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَلْقَى لَمْ يَسْلُسْ يُصَلِّي قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا مَعَ الْبَوْلِ وَإِنْ اسْتَوَى الْكُلُّ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ لَكِنْ فِيمَا قُلْنَا إحْرَازُ الْأَرْكَانِ وَلِهَذَا يُصَلِّي الْعُرْيَانُ قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ وَلَا يَجُوزُ مُسْتَلْقِيًا وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُصَلِّي مُسْتَلْقِيًا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الِاسْتِلْقَاءِ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا عِنْدَ الْعُذْرِ وَلَا تُعْتَبَرُ مَعَ الْحَدَثِ فَكَانَ هَذَا أَيْسَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَاعِدَةِ. اهـ. غَايَةٌ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ (قَوْلُهُ: فِي الْفَصْلَيْنِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ صَلَّى مَنْ بِهِ جُرْحٌ قَائِمًا مَعَ الْحَدَثِ أَوْ صَلَّى الشَّيْخُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ قَائِمًا بِلَا قِرَاءَةٍ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ بِحَالٍ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ صَاحِبَ الْقُنْيَةِ نَقَلَ عَنْ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَوْ كَانَ بِهِ وَجَعُ السِّنِّ بِحَيْثُ لَا يُطِيقُهُ إلَّا بِإِمْسَاكِ الْمَاءِ أَوْ الدَّوَاءِ فِي فَمِهِ وَضَاقَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَقْتَدِي بِإِمَامٍ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ يُصَلِّي بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيُعْذَرُ. اهـ. يَحْيَى وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا الْفَرْعُ فِي الْغَايَةِ وَالدِّرَايَةِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالسِّتْرُ أَفْضَلُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يَضُرُّهَا تَرْكُهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ عُدِمَ ثَوْبًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ نَفْسَهُ مِنْ الْحَشِيشِ وَالْكَلَأِ وَالنَّبَاتِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيِّ لَوْ وَجَدَ طِينًا يُلَطِّخُ بِهِ عَوْرَتَهُ وَيَبْقَى عَلَيْهِ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ وَلَوْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بَعْضَ الْعَوْرَةِ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ وَيَسْتُرُ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ قَاعِدًا مُؤَمِّيًا إلَى آخِرِهِ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا تَكْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ حُكْمُهُ مِنْ قَوْلِهِ وَخُيِّرَ إنْ طَهُرَ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِهِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْعُرَاةُ يُصَلُّونَ وُحْدَانًا قُعُودًا بِالْإِيمَاءِ وَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً جَازَتْ لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَقَامَ الْإِمَامُ وَسَطَهُمْ وَإِنْ تَقَدَّمَهُمْ لِإِحْرَازِ سُنَّةِ الْجَمَاعَةِ جَازَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مُكْتَسٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً وَيَتَقَدَّمَهُمْ الْإِمَامُ الْمُكْتَسِي وَتَكُونُ الْعُرَاةُ صَفًّا وَاحِدًا إنْ أَمْكَنَ وَصَلَاةُ الْعُرَاةِ فُرَادَى أَفْضَلُ كَالنِّسَاءِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَفِي الْوَجْهُ الثَّانِي هُمَا سَوَاءٌ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ عَارِيَّة الثَّوْبِ تَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ عُرْيَانًا كَإِبَاحَةِ الْمَاءِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي لُزُومِ شِرَاءِ الثَّوْبِ بِخِلَافِ

آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِيَامَ يَسْقُطُ فِي النَّفْلِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ دُونَ السَّتْرِ، وَكَذَا السَّتْرُ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ وَالْقِيَامُ يَخْتَصُّ بِهَا فَكَانَ أَقْوَى وَكَيْفِيَّةُ الْقُعُودِ أَنْ يَقْعُدَ مَادًّا رِجْلَيْهِ فِي الْقِبْلَةِ لِيَكُونَ أَسْتَرَ ذَكَرَهُ فِي خَيْرِ مَطْلُوبٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنِّيَّةُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَيَحْتَاجُ هُنَا إلَى ثَلَاثِ نِيَّاتٍ: نِيَّةِ الصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا. وَنِيَّةِ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى. وَنِيَّةِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْجُرْجَانِيِّ وَفِي الْمَبْسُوطِ الصَّحِيحُ أَنَّ اسْتِقْبَالَهَا يُغْنِي عَنْ النِّيَّةِ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ وَقِيلَ إنْ كَانَ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ لَا يُشْتَرَطُ وَفِي الصَّحْرَاءِ يُشْتَرَطُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِلَا فَاصِلٍ) يَعْنِي بِلَا فَاصِلٍ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالْفَاصِلُ عَمَلٌ لَا يَلِيقُ فِي الصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِذَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ يَلِيقُ فِي الصَّلَاةِ مِثْلُ الْوُضُوءِ وَالْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَضُرُّهُ حَتَّى لَوْ نَوَى، ثُمَّ تَوَضَّأَ أَوْ مَشَى إلَى الْمَسْجِدِ فَكَبَّرَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَ لِعَدَمِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ لَا يَلِيقُ فِي الصَّلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ فِي الصَّلَاةِ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ وَلَا يَعْتَدُّ بِالنِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ التَّكْبِيرِ إلَّا عِنْدَ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى لَمْ يَقَعْ عِبَادَةً وَفِي الصَّوْمِ جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا، وَكَذَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ فِي الْحَجِّ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ الْحَجَّ فَأَحْرَمَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَ، وَكَذَا الزَّكَاةُ تَجُوزُ بِنِيَّةٍ وُجِدَتْ عِنْدَ الْإِفْرَازِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي) وَأَدْنَاهُ أَنْ يَصِيرَ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ عَنْهَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُجِيبَ مِنْ غَيْرِ فِكْرَةٍ، وَأَمَّا التَّلَفُّظُ بِهَا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَكِنْ يَحْسُنُ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَكْفِيهِ مُطْلَقُ النِّيَّةِ لِلنَّفْلِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّرَاوِيحِ) هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهَا فِي أَوْقَاتِهَا يُغْنِي عَنْ التَّعْيِينِ وَبِهِ صَارَتْ سُنَّةً لَا بِالتَّعْيِينِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْفَرْضِ شَرْطُ تَعْيِينِهِ كَالْعَصْرِ مَثَلًا)؛ لِأَنَّ الْفُرُوضَ مُتَزَاحِمَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ؛ وَلِأَنَّ فَرْضًا مِنْ الْفُرُوضِ لَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ فَرْضٍ آخَرَ فَوَجَبَ التَّعْيِينُ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ ظُهْرَ الْوَقْتِ مَثَلًا أَوْ فَرْضَ الْوَقْتِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ لِوُجُودِ التَّعْيِينِ وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ خَرَجَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ الظُّهْرِ وَلَوْ نَوَى ظُهْرَ يَوْمِهِ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ خَرَجَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَى مَا عَلَيْهِ وَهُوَ مَخْلَصٌ لِمَنْ يَشُكُّ فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ وَالْخَطَأُ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ لَا يَضُرُّهُ حَتَّى لَوْ نَوَى الْفَجْرَ أَرْبَعًا وَالظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَاءِ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْبَحْرِ الْمُحِيطِ يُصَلِّي الْعُرَاةُ وُحْدَانًا مُتَبَاعِدِينَ فَإِنْ صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ تَوَسَّطَهُمْ الْإِمَامُ وَيُرْسِلُ كُلُّ وَاحِدٍ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ وَيَضَعُ يَدَيْهِ بَيْنَ فَخِذَيْهِ يُومِئُ إيمَاءً وَإِنْ أَوْمَأَ الْقَاعِدُ أَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ الْقَاعِدُ جَازَا هـ سَيِّدٌ. (قَوْلُهُ: نِيَّةُ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ) فِي جُمَلِ النَّوَازِلِ لَكِنْ لَا يَقُولُ نَوَيْت؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَذِبًا إنْ لَمْ يَنْوِ وَيَقَعُ إخْبَارًا عَنْ الْمُحَقِّقِ إنْ كَانَ نَوَى مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَكِنْ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ لَك كَذَا فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا وَرَدَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ. اهـ. كَاكِيٌّ. (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إذَا نَوَى فَرْضًا وَشَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ نَسِيَهُ فَظَنَّهُ تَطَوُّعًا فَأَتَمَّهُ عَلَى أَنَّهُ تَطَوُّعٌ فَهُوَ فَرْضٌ مُسْقِطٌ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ قِرَانُهَا بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ، وَمِثْلُهُ إذَا شَرَعَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَأَتَمَّهَا عَلَى ظَنِّ الْمَكْتُوبَةِ فَهِيَ تَطَوُّعٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَبَّرَ حِينَ شَكَّ يَنْوِي التَّطَوُّعَ فِي الْأَوَّلِ أَوْ الْمَكْتُوبَةَ فِي الثَّانِي حَيْثُ يَصِيرُ خَارِجًا إلَى مَا نَوَى ثَانِيًا لَقَرَانِ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِالنِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ إلَى آخِرِهِ) وَعَنْ الْكَرْخِيِّ تَجُوزُ بِالْمُتَأَخِّرَةِ مَا دَامَ فِي الثَّنَاءِ وَقِيلَ إلَى التَّعَوُّذِ وَقِيلَ إلَى مَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَقِيلَ إلَى الرُّكُوعِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ وَهُوَ وَقْتُ انْفِجَارِ الصُّبْحِ فَلَوْ شُرِطَتْ وَقْتَ الشُّرُوعِ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ وَلَا كَذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ شُرُوعِهَا وَقْتُ انْتِبَاهٍ وَيَقَظَةٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ) أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ نِيَّتِهِ أَنْ يَكُونَ مَنْوِيُّهُ مَعْلُومًا عِنْدَهُ لَا أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا بِلِسَانِهِ فَانْدَفَعَ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَفْسِيرَ النِّيَّةِ بِالْعِلْمِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِشَرْطٍ) أَيْ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ جَمَاعَةٍ إنَّهُ لَا يَكْفِيهِ لِأَدَاءِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَصْفٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ كَوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ فَلَا تَحْصُلُ بِمُطْلَقِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا وَتَحْقِيقُ الْوَجْهِ فِيهِ أَنَّ مَعْنَى السُّنِّيَّةِ كَوْنُ النَّافِلَةِ مُوَاظِبًا عَلَيْهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْفَرِيضَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ قَبْلَهَا فَإِذَا أَوْقَعَ الْمُصَلِّي النَّافِلَةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الْفِعْلَ الْمُسَمَّى سُنَّةً فَالْحَاصِلُ أَنَّ وَصْفَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ إنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ عَلَى مَا سَمِعْت فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَنْوِي السُّنَّةَ بَلْ الصَّلَاةَ لِلَّهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ وَصْفٌ ثَبَتَ بَعْدَ فِعْلِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ تَسْمِيَةً بِمَا لِفِعْلِهِ الْمَخْصُوصِ لَا أَنَّهُ وَصْفٌ يَتَوَقَّفُ حُصُولُهُ عَلَى نِيَّتِهِ وَقَدْ حَصَلَتْ مُقَاوَلَةٌ فِي كِتَابَةِ بَعْضِ أَشْيَاخِ حَلَبَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي تُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ يَنْوِي بِهَا آخِرَ ظُهْرٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ وَلَمْ أَرَهُ بَعْدُ فِي مَوْضِعٍ يَشُكُّ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ إذَا ظَهَرَتْ صِحَّةُ الْجُمُعَةِ تَنُوبُ عَنْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ وَاسْتُفْتِيَ بَعْضُ أَشْيَاخِ مِصْرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَفْتَى بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فَقُلْت هَذِهِ الْفَتْوَى تَتَفَرَّعُ عَلَى اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ السُّنَّةِ فِي النِّيَّةِ وَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ بِنَاءٌ عَلَى التَّحْقِيقِ فَإِنَّهُ إذَا نَوَى آخِرَ ظُهْرٍ فَقَدْ نَوَى أَصْلَ الصَّلَاةِ بِوَصْفٍ فَإِذَا انْتَفَى الْوَصْفُ فِي الْوَاقِعِ وَقُلْنَا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ بُطْلَانَ الْوَصْفِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ أَصْلِ الصَّلَاةِ بَقِيَ نِيَّةُ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَبِهَا يَتَأَدَّى السُّنَّةُ، ثُمَّ رَاجَعْت الْمُفْتِيَ الْمِصْرِيَّ وَذَكَرْت لَهُ هَذَا فَرَجَعَ دُونَ تَوَقُّفٍ هَذَا الْأَمْر الْجَائِزُ فَأَمَّا الِاحْتِيَاطُ فَإِنَّهُ يَنْوِي فِي السُّنَّةِ الصَّلَاةَ مُتَابَعَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَخْفَى تَقْيِيدُ وُقُوعِهَا مِنْ السُّنَّةِ إذَا صَحَّتْ الْجُمُعَةُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ظُهْرٌ فَائِتٌ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ الظُّهْرِ) أَيْ وَهُوَ الْعَصْرُ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ مُطْلَقًا) أَيْ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ اهـ

وَتَلْغُو نِيَّةُ التَّعْيِينِ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَنْوِ ظُهْرَ الْوَقْتِ وَلَا ظُهْرَ الْيَوْمِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ظُهْرٌ آخَرُ فَلَا يَقَعُ بِهِ التَّمْيِيزُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْرُوعُ فِي الْوَقْتِ وَالْقَضَاءُ عَارِضٌ فَكَانَ الْمَشْرُوعُ فِيهِ أَوْلَى وَتَعْيِينُ قَضَاءِ مَا شَرَعَ فِيهِ مِنْ النَّفْلِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَالنَّذْرُ وَالْوِتْرُ وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَفِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَا يَنْوِي فِيهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُقْتَدِي يَنْوِي الْمُتَابَعَةَ أَيْضًا)؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ إمَامِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ حَتَّى يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِالْمُصَلِّي وَلَوْ نَوَاهُ حِينَ وَقَفَ الْإِمَامُ مَوْقِفَ الْإِمَامَةِ جَازَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِغَيْرِ الْمُصَلِّي وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الظُّهْرَ أَوْ نَوَى الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ أَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ لَا غَيْرُ قِيلَ: لَا يُجْزِيهِ لِتَنَوُّعِ الْمُؤَدَّى وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْزِيهِ وَيَنْصَرِفُ إلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْتَدِي عِلْمٌ بِهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ بَلْ عَيَّنَ صَلَاتَهُ وَالْأَفْضَلُ لِلْمُقْتَدِي أَنْ يَقُولَ: اقْتَدَيْت بِمَنْ هُوَ إمَامِي أَوْ بِهَذَا الْإِمَامِ وَلَوْ قَالَ مَعَ هَذَا الْإِمَامِ جَازَ وَلَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ أَزَيْدٌ هُوَ أَمْ عَمْرٌو جَازَ وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو جَازَ وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْغَائِبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْجِنَازَةِ يَنْوِي الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ)؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَعْيِينُهُ وَإِخْلَاصُهُ لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] أَيْ نَحْوَهُ وَجِهَتَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلِلْمَكِّيِّ فَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا) أَيْ عَيْنِ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا بِيَقِينٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ حَائِلٌ مِنْ جِدَارٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى لَوْ اجْتَهَدَ وَصَلَّى وَبَانَ خَطَؤُهُ يُعِيدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَالَ وَهُوَ الْأَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ فَلَا يُكَلَّفُ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا إذَا صَلَّى فِي مَوْضِعٍ عَرَفَ الْقِبْلَةَ فِيهِ بِيَقِينٍ بِالنَّصِّ كَالْمَدِينَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِغَيْرِهِ إصَابَةُ جِهَتِهَا) أَيْ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ فَرْضُهُ إصَابَةُ جِهَةِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ الْفَرْضُ إصَابَةُ عَيْنِهَا فِي حَقِّ الْغَائِبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِي النَّصِّ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ؛ وَلِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْبَيْتِ لِحُرْمَةِ الْبُقْعَةِ وَذَلِكَ فِي الْعَيْنِ دُونَ الْجِهَةِ؛ وَلِأَنَّ الْفَرْضَ لَوْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَتَلْغُو نِيَّةُ التَّعْيِينِ) فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى التَّغْيِيرُ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ) وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْزِيهِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَتَعْيِينُ قَضَاءِ مَا شَرَعَ فِيهِ) أَيْ وَشَرْطُ تَعْيِينٍ وَفِي نُسْخَةٍ وَيُعَيِّنُ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْمُقْتَدِي يَنْوِي الْمُتَابَعَةَ) إلَّا فِي الْجُمُعَةِ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ نَوَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ قِيلَ: تُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ نَوَى الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ يَنْوِي صَلَاتَهُ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا الظُّهْرُ أَوْ الْجُمُعَةُ أَجْزَأَهُ أَيُّهُمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ بَنَى صَلَاتَهُ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْإِمَامِ فَالْعِلْمُ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يُغْنِي فِي حَقِّ التَّبَعِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْتَدِي عِلْمٌ) قَالَ فِي الْفَتْحِ قُبَيْلَ بَابِ الْحَدَثِ لَوْ شَرَعَ نَاوِيًا أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَنَوُّعِ الْمُؤَدِّي) أَيْ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ (قَوْلُهُ: بَلْ عَيَّنَ صَلَاتَهُ) كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ وَقَامَ مَقَامَ نِيَّتَيْنِ وَبِهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَالْكَرْمَانِيُّ وَالْجَلَّابِيُّ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ: كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَيْ وَالْخُلَاصَةِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْغَائِبِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ كَانَ يَرَى شَخْصَهُ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا خَلَفَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ اهـ وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ قَالَ نَوَيْت الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا الشَّابِّ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بِفَرْضِيَّتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالشَّيْخِ فَإِذَا هُوَ شَابٌّ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَلِلْمَكِّيِّ فَرْضُهُ) أَيْ فَرْضُ الِاسْتِقْبَالِ اهـ ع (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ إصَابَةُ عَيْنِهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ إصَابَةُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ بِأَنَّهُ لَوْ أُخْرِجَ خَطٌّ مُسْتَقِيمٌ مِنْهُ وَقَعَ عَلَى الْكَعْبَةِ أَوْ هَوَائِهَا إذْ الْقِبْلَةُ هِيَ الْعَرْصَةُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ حَتَّى لَوْ رَفَعَ الْبِنَاءَ وَصَلَّى إلَى هَوَائِهِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ جَازَ وَهُوَ أَعْلَى مِنْ الْبِنَاءِ وَإِصَابَةُ الْجِهَةِ بِأَنَّهُ لَوْ أُخْرِجَ خَطٌّ مُسْتَقِيمٌ مِنْهُ وَقَعَ عَلَى الْكَعْبَةِ أَوْ هَوَائِهَا أَوْ مُنْحَرِفًا عَنْهَا إلَى جِهَةِ الْيَمِينِ أَوْ الشِّمَالِ. اهـ. يَحْيَى وَكَتَبَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: إصَابَةُ عَيْنِهَا أَيْ حَتَّى لَوْ صَلَّى مَكِّيٌّ فِي بَيْتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَتْ الْجُدْرَانُ يَقَعُ اسْتِقْبَالُهُ عَلَى شَطْرِ الْكَعْبَةِ بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ كَذَا فِي الْكَافِي وَفِي الدِّرَايَةِ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالْغَائِبِ وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ أَصْلِيًّا كَالْجَبَلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْعَدَ لِيَصِلَ إلَى الْيَقِينِ وَفِي النَّظْمِ الْكَعْبَةُ قِبْلَةُ مَنْ بِالْمَسْجِدِ. وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةُ مَنْ بِمَكَّةَ وَمَكَّةُ قِبْلَةُ الْحَرَمِ وَالْحَرَمُ قِبْلَةُ الْعَالَمِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ هَذَا يُشِيرُ إلَى مَنْ كَانَ بِمُعَايَنَةِ الْكَعْبَةِ فَالشَّرْطُ إصَابَةُ عَيْنِهَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِمُعَايَنَتِهَا فَالشَّرْطُ إصَابَةُ جِهَتِهَا هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيُّ هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ، وَإِلَّا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ الْعَالَمِ اهـ وَعِنْدِي فِي جَوَازِ التَّحَرِّي مَعَ إمْكَانِ صُعُودِهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ وَتَرْكِ الْقَاطِعِ مَعَ إمْكَانِهِ لَا يَجُوزُ وَمَا أَقْرَبَ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ الِاسْتِخْبَارُ فَوْقَ التَّحَرِّي فَإِذَا امْتَنَعَ الْمَصِيرُ إلَى الظَّنِّيِّ مَعَ إمْكَانِ ظَنِّيٍّ أَقْوَى مِنْهُ فَكَيْفَ يَتْرُكُ الْيَقِينَ مَعَ إمْكَانِهِ لِلظَّنِّ. اهـ. فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ اجْتَهَدَ) أَيْ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَائِلِ اهـ (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى الِاخْتِلَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْفَرْضُ إصَابَةُ عَيْنِهَا) أَيْ نِيَّةً لَا تَوَجُّهًا وَسَيَأْتِي اهـ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ لَا يَكْفُرُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ جِهَةِ الْكَعْبَةِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ اهـ

هُوَ الْجِهَةَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إذَا تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ فِي الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ اجْتِهَادٍ إلَى يَقِينٍ فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ دَلَّ عَلَى أَنَّ فَرْضَهُ الْعَيْنُ وَقَدْ انْتَقَلَ مِنْ اجْتِهَادٍ إلَى اجْتِهَادٍ وَجْهُ قَوْلِ الْعَامَّةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ»؛ وَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْبَيْتُ قِبْلَةُ مَنْ يُصَلِّي فِي مَكَّةَ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي الْبَطْحَاءِ وَمَكَّةَ قِبْلَةُ أَهْلِ الْحَرَمِ وَالْحَرَمُ قِبْلَةُ الْآفَاقِيِّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَشْرِقُ قِبْلَةُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَالْمَغْرِبُ قِبْلَةُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْجَنُوبُ قِبْلَةُ أَهْلِ الشِّمَالِ وَالشِّمَالُ قِبْلَةُ أَهْلِ الْجَنُوبِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ، أَوْ نِيَّةُ الْجِهَةِ تَكْفِيهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى وُجُوبَ النِّيَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَائِفُ يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ) لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْخَوْفُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ لِصٍّ حَتَّى إذَا خَافَ أَنْ يَرَاهُ إذَا تَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ وَلَوْ خَافَ أَنْ يَرَاهُ الْعَدُوُّ إنْ قَعَدَ صَلَّى مُضْطَجِعًا بِالْإِيمَاءِ، وَكَذَا الْهَارِبُ مِنْ الْعَدُوِّ رَاكِبًا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى خَشَبَةٍ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ يَخَافُ الْغَرَقَ إذَا انْحَرَفَ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَوْ كَانَ فِي طِينٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ جَازَ لَهُ الْإِيمَاءُ عَلَى الدَّابَّةِ وَاقِفَةً إذَا قَدَرَ، وَإِلَّا فَسَائِرَةً وَيَتَوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى النُّزُولِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ نَزَلَ وَأَوْمَأَ قَائِمًا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ دُونَ السُّجُودِ أَوْمَأَ قَاعِدًا وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ نَدِيَّةً مُبْتَلَّةً لَا يَغِيبُ وَجْهُهُ فِي الطِّينِ صَلَّى عَلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ تَحَرَّى) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]» وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِبْلَةُ الْمُتَحَرِّي جِهَةُ قَصْدِهِ؛ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ وَاجِبٌ. إقَامَةً لِلْوَاجِبِ بِقَدْرِ الْوُسْعِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ عَالِمٍ بِالْقِبْلَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْبَارَ فَوْقَ التَّحَرِّي لِكَوْنِ الْخَبَرِ مُلْزِمًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَالتَّحَرِّي مُلْزِمٌ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يُصَارُ إلَى الْأَدْنَى مَعَ إمْكَانِ الْأَعْلَى وَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي مَعَ الْمَحَارِيبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَخْطَأَ لَمْ يُعِدْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُعِيدُ إذَا اسْتَدْبَرَهَا؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ صَلَّى الْفَرْضَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ اجْتِهَادٍ إلَى يَقِينٍ) أَيْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ الْجِهَةِ يَقِينًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ انْتَقَلَ مِنْ اجْتِهَادٍ إلَى اجْتِهَادٍ) إذْ لَا يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ الْعَيْنِ يَقِينًا. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى وُجُوبَ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةَ الْعَيْنِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْخَائِفُ يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ) وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي خِدْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الْجِهَةِ فَيَسْتَحِيلُ الْإِقْبَالُ عَلَيْهِ فَابْتَلَانَا بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ لَا أَنَّ الْعِبَادَةَ لَهَا حَتَّى لَوْ سَجَدَ لِلْكَعْبَةِ يَكْفُرُ فَلَمَّا اعْتَرَاهُ الْخَوْفُ تَحَقَّقَ الْعُذْرُ فَأَشْبَهَ حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ فِي تَحَقُّقِ الْعُذْرِ فَيَتَوَجَّهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ؛ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ لَمْ تُعْتَبَرْ لِعَيْنِهَا بَلْ لِلِابْتِلَاءِ فَيَتَحَقَّقُ الْمَقْصُودُ بِالتَّوَجُّهِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ. اهـ. كَاكِيٌّ فَتَحَرَّرَ أَنَّ جِهَةَ الِاسْتِقْبَالِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَجِهَتِهَا وَجِهَةِ التَّحَرِّي وَأَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ وَالْكُلُّ فِي حَالَةِ الْأَمْنِ إلَّا الْأَخِيرُ فَإِنَّهُ حَالَةُ الْخَوْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ، وَكَذَا الْمَرِيضُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَيْهَا اهـ (قَوْلُهُ: يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ) أَيْ بِالْإِيمَاءِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إذَا انْحَرَفَ إلَى الْقِبْلَةِ) أَيْ فَيُصَلِّي حَيْثُمَا كَانَ وَجْهُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ) لَيْسَ فِي مُسَوَّدَةِ الشَّارِحِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ تَحَرَّى إلَى آخِرِهِ) لَوْ تَحَرَّى وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَقِيلَ يُصَلِّي إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ اهـ زَادَ الْفَقِيرُ (قَوْلُهُ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ فِي سَفَرِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: عَلَى حِيَالِهِ) أَيْ قِبَالَتِهِ اهـ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ: فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) أَيْ قِبْلَتُهُ الَّتِي أَمَرَ بِهَا وَارْتَضَى بِهَا ذَكَرَهُ فِي الْكَشَّافِ وَفِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ أَيْ فَثَمَّ قِبْلَةُ اللَّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ بْنِ سَعِيدٍ السَّمَّانِ وَهُوَ مُضَعَّفٌ فِي الْحَدِيثِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ إلَى آخِرِهِ) فِي التَّقْيِيدِ بِحَضْرَتِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ اهـ قَالَ فِي الْغَايَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَنَّ أَعْمَى صَلَّى رَكْعَةً لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَسَوَّاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَاقْتَدَى بِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ دُونَ الْمُقْتَدِي قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْأَعْمَى مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ أَمَّا إذَا وَجَدَ وَلَمْ يَسْأَلْهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ أُنَاسٌ فَلَمْ يَسْأَلْهُمْ حَتَّى تَحَرَّى وَصَلَّى إلَى الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا تَحَرِّيهِ، ثُمَّ سَأَلَهُمْ عَنْ الْقِبْلَةِ فَلَمْ يَعْلَمُوا أَيْضًا جِهَةَ الْقِبْلَةِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي السُّؤَالِ فَتَرْكُ السُّؤَالِ لَمْ يُغَيِّرْ الْحُكْمَ وَإِنْ كَانُوا يَعْلَمُونَ جِهَةَ الْقِبْلَةِ نَظَرٌ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا يُعِيدُ وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّحَرِّي؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَا فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ سَأَلَهُمْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَلَمْ يُخْبِرُوهُ فَتَحَرَّى وَصَلَّى إلَى جِهَةٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي الصَّلَاةِ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ السُّؤَالُ. اهـ. طح (قَوْلُهُ: مُلْزِمًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ) أَيْ كَمَا فِي خَبَرِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَرِوَايَةِ الْحَدِيثِ. اهـ. غَايَةٌ

دَخَلَ أَوْ صَامَ قَبْلَ أَوَانِهِ أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ نَجَسٍ أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجَسٍ بِالِاجْتِهَادِ أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادٍ فِي قَضِيَّةٍ، ثُمَّ وَجَدَ نَصًّا بِخِلَافِهِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ وَالْأَثَرِ؛ وَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقْصَى غَايَةَ الِاسْتِقْصَاءِ لَعَلِمَ حَقِيقَتَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ جَهْلَ الْقَاضِي بِالنَّصِّ كَانَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ، وَكَذَا الْجَهْلُ بِالنَّجَسِ وَالْوَقْتِ لِإِمْكَانِهِ أَنْ يَسْأَلَ غَيْرَهُ مِمَّنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْأَلَ مِمَّنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ عِلْمَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى عِلْمِ الْعَلَامَاتِ مِنْ النُّجُومِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا زَالَتْ بِالْغَيْمِ عَمَّ الْعَجْزُ الْجَمِيعَ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَا تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ لِعَجْزِهِ وَالذِّمِّيُّ لَوْ أَسْلَمَ يَلْزَمُهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّحْصِيلِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ الْعِلْمِ. فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ كَانَ التَّقْصِيرُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يُعْذَرُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ سَأَلَ غَيْرَهُ وَأَخْبَرَهُ لَأَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ مِثْلِ اجْتِهَادِهِ لَا عَنْ يَقِينٍ فَلَا تَقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ وَلَوْ عَرَفَ بَعْدَمَا صَلَّى إنَّمَا يَعْرِفُ بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ لَا يَنْقُضُ مَا مَضَى مِنْ الِاجْتِهَادِ؛ وَلِأَنَّ الْقِبْلَةَ تَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ جِهَةٍ إلَى جِهَةٍ كَمَا فِي حَالَةِ الرُّكُوبِ وَالْخَوْفِ فَكَذَا فِي حَالَةِ الِاشْتِبَاهِ فَلَا يُعِيدُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ عَلِمَ بِهِ فِي صَلَاتِهِ) أَيْ عَلِمَ بِالْخَطَأِ (اسْتَدَارَ) لِأَنَّ تَبَدُّلَ الِاجْتِهَادِ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ النُّسَخِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانُوا يُصَلُّونَ بِمَسْجِدِ قُبَاءَ إلَى الشَّامِ فَأُخْبِرُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ فَاسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ إذْ لَا نَصَّ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي الْقُرْآنِ فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ، ثُمَّ نُسِخَ بِالْكِتَابِ وَعَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّسْخِ لَا يَثْبُتُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمُكَلَّفُ وَعَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَلَ. ثُمَّ مَسَائِلُ جِنْسِ التَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ لَا تَخْلُو إمَّا إنْ لَمْ يَشُكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَمَّا إذَا لَمْ يَشُكَّ وَصَلَّى إلَى جِهَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ حَتَّى يَظْهَرَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ أَوْ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ ظَاهِرِ حَالِ الْمُسْلِمِ أَدَاءَ الصَّلَاةِ إلَيْهَا فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْجَوَازِ وَإِنْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَلَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ يَرْتَفِعُ بِالدَّلِيلِ إذْ مَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ فَوْقَ مَا ثَبَتَ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَأَمَّا إذَا شَكَّ وَتَحَرَّى فَحُكْمُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَأَمَّا إذَا شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ فَيَفْسُدُ بِتَرْكِهِ إلَّا إذَا عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ مَا افْتَرَضَ لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ حُصُولُهُ لَا غَيْرُ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ يَسْتَقْبِلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْنِي لِمَا ذَكَرْنَا وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ حَالَتَهُ قَوِيَتْ بِالْعِلْمِ وَبِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ لَا يَجُوزُ فَصَارَ كَالْأُمِّيِّ إذَا تَعَلَّمَ سُورَةً وَالْمُومِئِ إذَا قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ نَجَسٍ أَوْ تَوَضَّأَ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ إذَا تَحَرَّى فِي الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ تَجِبُ الْإِعَادَةُ، فَهَلْ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ هُنَا قُلْنَا الْأَصْلُ إنَّ مَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ بَعْدَ الثُّبُوتِ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَأَمْرُ الْقِبْلَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَحَوَّلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى الْكَعْبَةِ، ثُمَّ مِنْهَا إلَى جِهَتِهَا وَمَا لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ بَعْدَ الثُّبُوتِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَطَهَارَةُ الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ لَا تَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهَذَا لِأَنَّ مَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ يَجِبُ الْقَوْلُ بِالتَّحَوُّلِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا كَذَلِكَ مَا لَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ. اهـ. سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا التَّوَجُّهَ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي) فَتَعَيَّنَتْ قِبْلَةً لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْجِهَةُ حَالَةَ الْعَجْزِ مَنْزِلَةَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَالْمِحْرَابِ حَالَ الْقُدْرَةِ وَإِنَّمَا عُرِفَ التَّحَرِّي شَرْطًا نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لَا لِأَصْلِ الْقِبْلَةِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا أَخْطَأَ قِبْلَةً؛ لِأَنَّ قِبْلَتَهُ جِهَةُ التَّحَرِّي وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُنَاكَ هُوَ الصَّلَاةُ بِالثَّوْبِ الطَّاهِرِ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ أَمَرَهُ بِإِصَابَتِهِ بِالتَّحَرِّي فَإِذَا لَمْ يُصِبْ انْعَدَمَ الشَّرْطُ فَلَمْ تَجُزْ. أَمَّا هُنَا فَالشَّرْطُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَقِبْلَتُهُ هَذِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَدْ اسْتَقْبَلَهَا فَهُوَ الْفَرْقُ. اهـ. بَدَائِعُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي كِتَابِ التَّحَرِّي وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْقِبْلَةِ فَقَدْ قِيلَ لَا يُصَلِّي وَقَدْ قِيلَ يُصَلِّي إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَقِيلَ يُخَيَّرُ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى رَكْعَةً بِالتَّحَرِّي إلَى جِهَةٍ، ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَذَا فِي حَالَةِ الِاشْتِبَاهِ إلَى آخِرِهِ) بِخِلَافِ طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْمَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَقْبَلُ الِانْتِقَالَ فَيُعِيدُ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلِمَ بِالْخَطَأِ اسْتَدَارَ) أَيْ وَيُتِمُّ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَرَّى فِي الثَّوْبَيْنِ فَصَلَّى فِي أَحَدِهِمَا، ثُمَّ تَحَوَّلَ تَحَرِّيهِ إلَى ثَوْبٍ آخَرَ وَكُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي الثَّوْبِ الْأَوَّلِ جَازَتْ دُونَ الثَّانِي. اهـ. ظَهِيرِيَّةٌ (قَوْلُهُ: بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ النَّسْخِ) أَيْ وَهُوَ لَا يُبْطِلُ الْمَاضِيَ؛ لِأَنَّ أَثَرَ النَّسْخِ يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي (قَوْلُهُ: فَأُخْبِرُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ إلَى آخِرِهِ) وَتَحَوُّلُ الْقِبْلَةِ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى رَأْسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَجَبٍ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ أَوْ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ فِي شَعْبَانَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ فِي حَدِيثِ تَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى جَوَازِ نَسْخِ) وَعَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ بَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ بِالِاجْتِهَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْلُغَ الْمُكَلَّفَ) إذْ لَوْ ثَبَتَ قَبْلَهُ مِنْ وَقْتِ نُزُولِ النَّاسِخِ لَاسْتَأْنَفُوا صَلَاتَهُمْ اهـ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ التَّحَرِّي بَعْدَمَا شَكَّ إنْ أَصَابَ أَيْ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ جَازَتْ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا افْتَرَضَ) أَيْ وَهُوَ التَّحَرِّي. اهـ. (قَوْلُهُ: لِغَيْرِهِ) أَيْ وَهُوَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ حُصُولُهُ) أَيْ أَنَّ التَّحَرِّيَ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِ إلَّا لِتَحْصِيلِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَإِذَا حَصَلَتْ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ حَصَلَ الْمَقْصُودُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْنِي) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ لِمَا قُلْنَا وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَسْتَقْبِلُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ النَّسْخِ اهـ

[باب صفة الصلاة]

وَالسُّجُودِ وَإِنْ تَحَرَّى وَوَقَعَ تَحَرِّيهِ إلَى جِهَةٍ فَصَلَّى إلَى جِهَةٍ أُخْرَى لَا تُجْزِيهِ أَصَابَ أَوْ لَمْ يُصِبْ أَمَّا إذَا لَمْ يُصِبْ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا أَصَابَ؛ لِأَنَّ الْجِهَةَ الَّتِي أَدَّى إلَيْهَا اجْتِهَادُهُ صَارَتْ قِبْلَةً لَهُ قَائِمَةً مَقَامَ الْكَعْبَةِ فِي حَقِّهِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ يَقُولُ إنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ نَجَسٌ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ طَاهِرٌ أَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ مُحْدِثٌ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ طَاهِرٌ أَوْ صَلَّى الْفَرْضَ وَعِنْدَهُ أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ تَحَرِّيهِ فَلَا تَنْقَلِبُ جَائِزَةً وَإِنْ ظَهَرَ بِخِلَافِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَحَرَّى قَوْمٌ جِهَاتٍ وَجَهِلُوا حَالَ إمَامِهِمْ يُجْزِيهِمْ) أَيْ تَحَرَّى جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَصَلَّى إمَامُهُمْ إلَى جِهَةٍ وَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَأْمُومِينَ إلَى جِهَةٍ وَلَا يَدْرُونَ مَا صَنَعَ الْإِمَامُ يُجْزِيهِمْ إذَا كَانُوا خَلْفَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ وَهِيَ جِهَةُ التَّحَرِّي وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ لَا تُمْنَعُ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ حَالَ إمَامِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ، وَكَذَا إذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ فَرْضَ الْمَقَامِ وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ تَحَرَّى الْقِبْلَةَ فَأَخْطَأَ فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، ثُمَّ عَلِمَ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ وَقَدْ عَلِمَ حَالَتَهُ الْأُولَى لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الدَّاخِلِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ وَعَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ عَلَى الْخَطَأِ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ وَلَوْ قَامَ اللَّاحِقُ لِلْقَضَاءِ فَعَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ كَانَ عَلَى الْخَطَأِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَرْضُهَا التَّحْرِيمَةُ) أَيْ فَرْضُ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] وَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي هَذَا الْبَابِ لِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْكَانِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ رُكْنُ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ كَالْقِرَاءَةِ؛ وَلِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَهِيَ آيَةُ الرُّكْنِيَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ صَلَاةٍ بِتَحْرِيمَةِ صَلَاةٍ أُخْرَى وَلَوْلَا أَنَّهَا مِنْ الْأَرْكَانِ لَجَازَ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] عَطَفَ الصَّلَاةَ عَلَى الذِّكْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّحْرِيمَةُ وَمُقْتَضَى الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ إذْ الشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» فَأَضَافَ التَّحْرِيمَ إلَى الصَّلَاةِ وَالْمُضَافُ غَيْرُ الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُضَافُ إلَى نَفْسِهِ وَمَا رَوَاهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فَإِنَّ التَّسْبِيحَ لَيْسَ بِرُكْنٍ إجْمَاعًا أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَكْبِيرِ الِانْتِقَالِ وَقَوْلُهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ فَأَلْقَاهُ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا أَوْ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ فَسَتَرَهَا عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّكْبِيرِ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ أَوْ شَرَعَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: هُوَ يَقُولُ: إنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَصَارَ كَمَا إذَا تَحَرَّى فِي الْأَوَانِي فَتَوَضَّأَ بِغَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّحَرِّي، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ تَحَرِّيهِ كَذَا هَذَا. اهـ. أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ هُنَا هُوَ التَّوَضُّؤُ بِالطَّاهِرِ حَقِيقَةً وَقَدْ وُجِدَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ مُحْدِثٌ إلَى آخِرِهِ) أَيْ كَمَا إذَا تَحَرَّى فِي الْأَوَانِي فَتَوَضَّأَ بِغَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّحَرِّي. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ لَا تَمْنَعُ) أَيْ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَامَ اللَّاحِقُ إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْفَرْعُ كَتَبَهُ عَلَى هَامِشِ الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: كَانَ عَلَى الْخَطَأِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ لِأَنَّ اللَّاحِقَ وَهُوَ النَّائِمُ يُصَلِّي مِثْلَ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ كَأَنَّهُ خَلَفَهُ وَلَوْ أَمَرْنَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ مِثْلَ مَا صَلَّى الْإِمَامُ لَكَانَ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَوْ أَمَرْنَاهُ أَنْ يُحَوِّلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ إلَى آخِرِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَ إمَامٍ فَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُ إمَامِهِ عَلَى الْخَطَأِ. اهـ. . [بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ] (بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ) الْمُرَادُ بِصِفَةِ الصَّلَاةِ أَرْكَانُهَا؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ الْأَرْكَانُ غَالِبًا وَإِنْ ذُكِرَ فِيهِ مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ اسْتِطْرَادًا كَالتَّحْرِيمَةِ وَالْقُعُودِ الْأَخِيرِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الصِّفَةَ عَلَى الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ فِي ذَاتِهَا لِكَوْنِهَا أَعْرَاضًا قَائِمَةً بِالْمُصَلِّي. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَرْضُهَا التَّحْرِيمَةُ إلَى آخِرِهِ) التَّحْرِيمُ جَعْلُ الشَّيْءِ مُحَرَّمًا نَقْلٌ لِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ؛ لِأَنَّهَا تُحَرِّمُ مَا لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَأُلْحِقَ بِهِ تَاءُ النَّقْلِ تَنْبِيهًا عَلَى النَّقْلِ كَتَاءِ الْحَقِيقَةِ وَتُسَمَّى تَاءُ الِاسْمِيَّةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلتَّكْبِيرَةِ وَقَدْ كَانَ مَصْدَرًا فَفِيهِ تَحْقِيقٌ وَدَلَالَةٌ عَلَى اسْمِيَّتِهِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: فَرْضُ الصَّلَاةِ) الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْفَرَائِضُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي النَّافِلَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ التَّحْرِيمَةُ) أَيْ بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ سَائِرَ التَّكْبِيرَاتِ لَيْسَ بِفَرْضٍ بِالْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَ هَذَا لِلْفَرِيضَةِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَعْطِيلِ النَّصِّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: إذْ الشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ نَظِيرَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لَكِنَّ جَوَازَهُ لِنُكْتَةٍ بَلَاغِيَةٍ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ هُنَا. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَجْعَلْ التَّحْرِيمَةَ نَفْسَ الصَّلَاةِ بَلْ جُزْأَهَا، وَالْجُزْءُ لَيْسَ عَيْنَ الْكُلِّ فَلَا يَلْزَمُ عَطْفُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْعَطْفُ يَقْتَضِي خُرُوجَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ عَنْ الْمَعْطُوفِ وَبِالْعَكْسِ فَلَا يَجُوزُ عَطْفُ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَلَا الْعَكْسُ وَخُرُوجُ الْمُضَافِ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَبِالْعَكْسِ وَلِذَا اسْتَدَلَّ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ بِعَطْفِ عَمَلِ الصَّالِحَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ وَبِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ عَلَى خُرُوجِهِ مِنْهُ لَكِنْ يَرِدُ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145]. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا جَازَ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهَا عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رُكْنٌ اهـ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ فَيَجِبُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ لَا تَصِحَّ هَذِهِ الْفُرُوعُ اهـ

التَّكْبِيرِ قَبْلَ ظُهُور الزَّوَالِ مَثَلًا، ثُمَّ ظَهَرَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا أَوْ مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ فَاسْتَقْبَلَهَا عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا جَازَ وَلَئِنْ سَلَّمَ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْأَدَاءِ لَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ صَلَاةٍ بِتَحْرِيمَةِ صَلَاةٍ أُخْرَى مَمْنُوعٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ النَّفَلَ بِتَحْرِيمَةِ صَلَاةٍ أُخْرَى إجْمَاعًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَأَدَاءُ فَرْضٍ بِتَحْرِيمَةِ فَرْضٍ آخَرَ يَجُوزُ عِنْدَ صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى الظَّاهِرِ لَعَارَضَهُمْ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ وَلَيْسَتْ مِنْ الْأَرْكَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ صَلَاةٍ أُخْرَى إجْمَاعًا فَكَذَا التَّحْرِيمَةُ وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقَدَ عَلَى الْأَدَاءِ وَلَيْسَ مِنْ الْأَدَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقِيَامُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وَهُوَ رُكْنٌ فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقِرَاءَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» وَعَلَى فَرْضِيَّتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِيَّتِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقُعُودُ الْأَخِيرُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ) وَهُوَ فَرْضٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ السُّجُودِ فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُ» إذَا هُوَ أَحْدَثَ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ إلَى قَوْلِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ قَالَ إذَا فَعَلْت هَذَا أَوْ قُلْت هَذَا فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُك إنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» عَلَّقَ تَمَامَ الصَّلَاةِ بِهِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْفَرْضُ إلَّا بِهِ فَهُوَ فَرْضٌ وَلَا يُقَالُ: إنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إذَا قُلْت هَذَا وَلَمْ تَقْعُدْ أَوْ قَعَدْت وَلَمْ تَقُلْ فَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى مَا قُلْتُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ لَوْ وُجِدَتْ فِي غَيْرِ حَالِ الْقُعُودِ لَا تُعْتَبَرُ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا قُلْت هَذَا وَأَنْتَ قَاعِدٌ أَوْ قَعَدْت وَلَمْ تَقُلْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخُرُوجُ بِصُنْعِهِ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَخْرِيجِ الْبَرْدَعِيِّ أَخَذَهُ مِنْ الِاثْنَى عَشْرِيَّةَ قَالَ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ فَرْضٌ لِمَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِيهَا وَعَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: عِنْدَ صَدْرِ الْإِسْلَامِ) أَيْ وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِهِ اهـ (قَوْلُهُ: لَعَارَضَهُمْ بِالنِّيَّةِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ نَقْضٌ إجْمَالِيٌّ يَرُدُّ عَلَى دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ لَا مُعَارَضَةٌ وَقَدْ يُقَالُ أَرَادَ بِهَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الْمُخَالَفَةُ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] أَيْ مُطِيعِينَ وَلَمْ يَجِبْ الْقِيَامُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ إجْمَاعًا فَيَجِبُ فِيهَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَعْطِيلِ النَّصِّ اهـ رَازِيٌّ وَقِيلَ سَاكِتِينَ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ وَقِيلَ خَاشِعِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ رُكْنٌ فِي الْفَرْضِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُصَلِّي الْقَائِمُ خَلْفَ الْقَاعِدِ وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فِي الْفَرَائِضِ كَانَ مَخْصُوصًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَكَذَا صَرَّحَ صَاحِبُ الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي غَيْرِهَا فَتَجِبُ فِيهَا. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْقُعُودُ الْأَخِيرُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي قَدْرِ الْفَرْضِ مِنْ الْقَعْدَةِ قِيلَ قَدْرُ مَا يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَدْرُ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ شَرْعِيَّتَهَا لِقِرَاءَتِهِ وَأَقَلُّ مَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اسْمُ التَّشَهُّدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا يَنْشَأُ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ مَا شُرِعَ لِغَيْرِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ غَيْرُهُ يَكُونُ آكَدَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ مِمَّا لَمْ يُعْهَدْ بَلْ وَخِلَافُ الْمَعْقُولِ فَإِذَا كَانَ شَرْعِيَّةُ الْقَعْدَةِ لِلذِّكْرِ أَوْ السَّلَامِ كَانَتْ دُونَهُمَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَيِّنَ سَبَبَ شَرْعِيَّتِهَا الْخُرُوجُ. اهـ. وَفِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَلَوْ شَرَعَ الْمُقْتَدِي فِي قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَفَرَغَ عَنْهُ قَبْلَ إمَامِهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ وَذَهَبَ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ عَقْدُهُ الْإِمَامَةَ فِي حَقِّهِ وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ أَوْ تَكَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمُقْتَدِي التَّشَهُّدَ يُتِمُّ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ أَجْزَأَهُ. اهـ. مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ) إلَى قَوْلِهِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ فَرْضٌ إلَى آخِرِهِ) قِيلَ إنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ وَهُوَ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِرُكْنٍ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْمَاهِيَةِ عَلَيْهَا شَرْعًا؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي يَحْنَثُ بِالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَعْدَةِ فَعَلِمَ أَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْخُرُوجِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَفْعَالٌ وُضِعَتْ لِلتَّعْظِيمِ وَلَيْسَ الْقُعُودُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا سِوَاهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ سُنَّةٌ إلَى آخِرِهِ) لَكِنْ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ عَمْدًا عِنْدَهُ كَذَا فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ (قَوْلُهُ: وَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُؤَدِّبَ وَلَدَهُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ إذَا عَقَلَهُمَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغُوا سَبْعًا وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا إذَا بَلَغُوا عَشْرًا وَلَا تُفْتَرَضُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ» وَلَوْ احْتَلَمَ الصَّبِيُّ بِاللَّيْلِ، ثُمَّ انْتَبَهَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَضَى صَلَاةَ الْعِشَاءِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ حُكِمَ بِبُلُوغِهِ بِالِاحْتِلَامِ وَقَدْ انْتَبَهَ وَالْوَقْتُ قَائِمٌ فَيَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَإِنْ لَمْ يَنْتَبِهْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا قُلْت إلَى آخِرِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ وَالْحَقُّ أَنَّ غَايَةَ الْإِدْرَاجِ هُنَا أَنْ تَصِيرَ مَوْقُوفَةً وَالْمَوْقُوفُ فِي مِثْلِهِ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قِيلَ هَذَا خَبَرُ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضِيَّةُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَشْهُورٌ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى نَصِّ الْكِتَابِ وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَنَصُّ الْكِتَابِ مُجْمَلٌ فَيُلْحَقُ بِهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ بَيَانًا قِيلَ فَيَلْحَقُ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» بَيَانًا فَيَكُونُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَرْضًا (وَأُجِيبَ) بِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْفِيُّ الْفَضِيلَةَ فَلَا يَصْلُحُ بَيَانًا وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ مُحْكَمٌ فَنَصُّ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهَا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: أَوْ قَعَدَتْ وَلَمْ تَقُلْ إلَى آخِرِهِ) فَصَارَ التَّخْيِيرُ فِي الْقَوْلِ لَا فِي الْفِعْلِ إذْ الْفِعْلُ ثَابِتٌ فِي الْحَالَيْنِ. اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَاجِبُهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَضَمُّ سُورَةٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ رُكْنٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ» وَقَالَ مَالِكٌ قِرَاءَتُهُمَا رُكْنٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا» هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ خِلَافَ مَالِكٍ فِي السُّورَةِ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ ضَمَّ السُّورَةِ وَاجِبٌ وَخَطَّأَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِيهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ وَلَكِنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ بِهِ فَقُلْنَا بِوُجُوبِهِمَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» وَلَوْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ رُكْنًا لَعَلَّمَهُ إيَّاهَا لِجَهْلِهِ بِالْأَحْكَامِ وَحَاجَتِهِ إلَيْهَا وَقَوْلُهُ «لَا صَلَاةَ» مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ كَقَوْلِهِ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَهِيَ خِدَاجٌ» لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ بِدُونِهَا بَلْ عَلَى النَّقْصِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ) لِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقِرَاءَةُ فِي الْأُولَيَيْنِ قِرَاءَةٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ التَّخْيِيرُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرِعَايَةُ التَّرْتِيبِ فِي فِعْلٍ مُكَرَّرٍ) أَيْ مُكَرَّرٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسُّجُودِ أَوْ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَعَدَدِ رَكَعَاتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَوَاجِبُهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَضَمُّ سُورَةٍ) وَهَلْ وُجُوبُ الضَّمِّ فِي الْفَرْضِ فَقَطْ أَمْ فِيهِ وَغَيْرُهُ فَاَلَّذِي كَانَ يُفِيدُهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ قَاضِي الْقُضَاةِ شَمْسُ الدِّينِ الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَغَيْرِهِ فِي وُجُوبِ الضَّمِّ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقَاتِ الْمَشَايِخِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِالْفَرْضِ وَقَدْ وَقَفْت فِي الْقُنْيَةِ عَلَى مَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ ذَلِكَ بِالْفَرْضِ قَالَ فِيهَا فِي بَابِ السُّنَنِ مَا نَصُّهُ وَلَوْ خَافَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى سُنَّةَ الْفَجْرِ بِوَجْهِهَا تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ وَلَوْ اقْتَصَرَ فِيهَا بِالْفَاتِحَةِ وَتَسْبِيحَةٍ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُدْرِكُهَا فَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ جَائِزٌ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ فَتَرْكُ سُنَّةِ السُّنَّةِ أَوْلَى وَعَنْ الْقَاضِي الزرنجري لَوْ خَافَ أَنْ يَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ يُصَلِّي السُّنَّةَ وَيَتْرُكُ الثَّنَاءَ وَالتَّعَوُّذَ وَسُنَّةَ الْقِرَاءَةِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ لِيَكُونَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا، وَكَذَا فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ. اهـ. وَفِي الْيَتِيمَةِ سُئِلَ عَبْدُ الرَّحِيمِ عَمَّنْ نَسِيَ قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ التَّطَوُّعِ هَلْ يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ فَقَالَ يَلْزَمُهُ قِيلَ لَهُ فَلَوْ تَرَكَهَا عَامِدًا قَالَ يُكْرَهُ. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةُ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ أَوْ ثَلَاثُ آيَاتٍ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ. اهـ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِمَجْدِ الْأَئِمَّةِ التَّرْجُمَانِيِّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ السُّورَةُ وَاجِبَةٌ لَكِنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْجَبُ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا فِي الصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَلَوْ تَرَكَ السُّورَةَ لَمْ يُؤْمَرْ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةٍ» إلَى آخِرِهِ) قِيلَ هَذَا خَبَرُ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضِيَّةُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَشْهُورٌ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى نَصِّ الْكِتَابِ وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَنَصُّ الْكِتَابِ مُجْمَلٌ فَيَلْحَقُ بِهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ بَيَانًا قِيلَ فَيَلْحَقُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» بَيَانًا فَتَكُونُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَرْضًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِنَفْيِ الْفَضِيلَةِ فَلَا يَصِحُّ بَيَانًا وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ مُحْكَمٌ فَنَصُّ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهَا فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَخَطَّأَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إلَى آخِرِهِ) لَمْ يُخَطِّئْ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَاحِبَ الْهِدَايَةِ بَلْ قَالَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ ضَمَّ السُّورَةِ إلَى الْفَاتِحَةِ رُكْنٌ فِيمَا عَلِمْته وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّخْطِئَةُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسُّجُودِ إلَى آخِرِهِ) الْمَشْرُوعُ فِي الصَّلَاةِ فَرْضًا أَنْوَاعُ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَالْقَعْدَةِ وَمَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَمَا يَتَعَدَّدُ فِي الصَّلَاةِ كَالرَّكَعَاتِ وَمَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسَّجْدَةِ مَنْبَعٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ إذَا أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ نَامَ خَلْفَهُ أَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَسَبَقَهُ الْإِمَامُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ أَوْ عَادَ مِنْ وُضُوئِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِهِ، ثُمَّ يُتَابِعُ إمَامَهُ لِمَا نَذْكُرُ وَلَوْ تَابَعَ إمَامَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ قَضَى بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ جَازَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَدَاءِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَبَقِيَ قَائِمًا وَأَمْكَنَهُ أَدَاءُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَأَدَّى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْأُولَى، ثُمَّ قَضَى الْأُولَى بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ تَذَكَّرَ سُجُودًا فِي الرُّكُوعِ وَقَضَاهُ أَوْ سَجْدَةً فِي السَّجْدَةِ وَقَضَاهَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ الرُّكُوعَ أَوْ السُّجُودَ الَّذِي هُوَ فِيهِمَا وَلَوْ اعْتَدَّ بِهِمَا وَلَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَدَّ بِهِمَا. وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَقَعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ فَإِذَا أَتَى بِهِ قَبْلَهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَلَا يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ كَمَا إذَا قَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَةُ السُّجُودِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا وَلَنَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَمَرَ بِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ بِحَرْفِ الْفَاءِ الْمُقْتَضِي لِلتَّعْقِيبِ بِلَا فَصْلٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِقَضَاءِ الْفَائِتِ وَالْأَمْرُ دَلِيلُ الْجَوَازِ وَلِهَذَا يَبْدَأُ الْمَسْبُوقُ بِمَا أَدْرَكَ الْإِمَامُ لَا بِمَا سَبَقَهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَقَدْ أَخَّرَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَمْرِ بِحَرْفِ الْوَاوِ وَأَنَّهُ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ فَأَيُّهُمَا فَعَلَ يَقَعُ مَأْمُورًا بِهِ فَصَارَ مُعْتَدًّا بِهِ إلَّا أَنَّ الْمَسْبُوقَ صَارَ مَخْصُوصًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَنَّ لَكُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ سُنَّةً حَسَنَةً فَاسْتَنُّوا بِهَا». وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ بِظَاهِرِهِ وَبِضَرُورَتِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَإِسْقَاطُ التَّرْتِيبِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ إسْقَاطٌ فِيمَا هُوَ مِنْ أَجْزَائِهَا ضَرُورَةً إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِالسُّجُودِ قَبْلَ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ لِتَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ بِالسَّجْدَةِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الرُّكُوعِ. اهـ. بَدَائِعُ

[سنن الصلاة]

حَتَّى لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَضَاهَا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ جَازَ وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا لَمَا جَازَ، وَكَذَا مَا يَقْضِيهِ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ عِنْدَنَا وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا لَكَانَ آخِرًا، وَأَمَّا مَا شُرِعَ غَيْرُ مُكَرَّرٍ فِي رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ أَوْ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَالتَّرْتِيبُ فِيهِ فَرْضٌ حَتَّى لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْقِيَامِ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً أَوْ نَحْوَهَا بَطَلَ الْقُعُودُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ فَرْضٌ وَإِنَّمَا كَانَ فَرْضًا؛ لِأَنَّ مَا اتَّحَدَتْ شَرْعِيَّتُهُ يُرَاعَى وُجُودُهُ صُورَةً وَمَعْنًى فِي مَحَلِّهِ تَحَرُّزًا عَنْ تَفْوِيتِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ جُزْءًا أَوْ كُلًّا إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ جُزْءًا أَوْ كُلًّا مِنْ جِنْسِهِ لِضَرُورَةِ اتِّحَادِهِ فِي الشَّرْعِيَّةِ وَالْإِفْرَادُ بِالشَّرْعِيَّةِ دَلِيلُ تَوَقُّفِ ذَلِكَ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ) وَهُوَ تَسْكِينُ الْجَوَارِحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَأَدْنَاهُ مِقْدَارُ تَسْبِيحَةٍ وَهَذَا تَخْرِيجُ الْكَرْخِيِّ وَفِي تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِتَكْمِيلِ الْأَرْكَانِ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِذَاتِهِ فَيَكُونُ سُنَّةً وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ شُرِعَ لِتَكْمِيلِ رُكْنٍ فَيَكُونُ وَاجِبًا كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ «صَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ إلَى أَنْ قَالَ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَرْكَعَ فَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَيَسْتَرْخِيَ» الْحَدِيثُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] أُمِرْنَا بِالرُّكُوعِ وَهُوَ الِانْحِنَاءُ لُغَةً وَبِالسُّجُودِ وَهُوَ الِانْخِفَاضُ لُغَةً فَتَتَعَلَّقُ الرُّكْنِيَّةُ بِالْأَدْنَى مِنْهُمَا وَفِي آخِرِ مَا رَوَاهُ سَمَّاهُ صَلَاةٌ فَقَالَ لَهُ «إذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك وَإِذَا انْتَقَصْت مِنْهَا شَيْئًا انْتَقَصَ مِنْ صَلَاتِك وَلَمْ تَذْهَبْ كُلُّهَا» وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ وَضْعَ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَالثَّنَاءَ وَالتَّسْمِيعَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فَرْضًا بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقُعُودُ الْأَوَّلُ) وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ هُوَ سُنَّةٌ وَقَدْ عُرِفَ فِي الْمُطَوَّلَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّشَهُّدُ وَلَفْظُ السَّلَامِ وَقُنُوتُ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ) هُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَذْكَارِ كَالتَّعَوُّذِ وَالثَّنَاءِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَذْكَارِ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ لِلسَّهْوِ إلَّا فِي الْأَفْعَالِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْأَذْكَارَ تُضَافُ إلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ يُقَالُ تَشَهُّدُ الصَّلَاةِ وَقُنُوتُ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ فَصَارَتْ مِنْ خَصَائِصِهَا بِخِلَافِ تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ حَيْثُ تُضَافُ إلَى الرُّكُوعِ فَقَطْ فَلَا يَجِبُ الْجَابِرُ بِتَرْكِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِيمَا يَجْهَرُ وَيُسِرُّ) وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هُمَا سُنَّتَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَقْصُودَيْنِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْقِرَاءَةُ فَصَارَا كَالْقَوْمَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَنُهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ وَنَشْرُ أَصَابِعِهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ نَاشِرًا أَصَابِعَهُ» وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ لَا يَضُمَّ كُلَّ الضَّمِّ وَلَا يُفَرِّجَ كُلَّ التَّفْرِيجِ بَلْ يَتْرُكُهَا عَلَى حَالِهَا مَنْشُورَةً. قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بَطَلَ الْقُعُودُ) فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْقُعُودَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ (قَوْلُهُ: جُزْءًا أَوْ كُلًّا) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ مَا تَعَلَّقَ؛ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْمُتَّحِدِ كُلُّ الصَّلَاةِ كَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ جُزْؤُهَا وَهُوَ الرَّكْعَةُ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَّحِدَ لَمْ يُشْرَعْ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ جِنْسِهِ فِي مَحَلِّهِ فَإِنْ فَاتَ فَاتَ أَصْلًا فَيَفُوتُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ جُزْءِ الصَّلَاةِ أَوْ كُلِّهَا بِخِلَافِ الْمُتَكَرِّرِ فَإِنَّهُ لَوْ فَاتَ أَحَدُ فِعْلَيْهِ بَقِيَ الْفِعْلُ الْآخَرُ مِنْ جِنْسِهِ فَلَمْ يَفُتْ مَا تَعَلَّقَ بِهِ كَمَا لَوْ أَتَى بِإِحْدَى السَّجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَتَرَكَ الْأُخْرَى وَإِنَّمَا قَالَ يُرَاعَى وُجُودُهُ صُورَةً وَمَعْنًى؛ لِأَنَّ أَحَدَ فِعْلِي الْمُتَكَرِّرِ لَوْ فَاتَ عَنْ مَحَلِّهِ، ثُمَّ أَتَى بِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ الْتَحَقَ بِمَحَلِّهِ الْأَوَّلِ فَكَانَ مَوْجُودًا فِيهِ مَعْنًى وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ صُورَةً بِخِلَافِ الْمُتَّحِدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْتَحِقْ بِمَحَلِّهِ الْأَوَّلِ حَيْثُ فَاتَ بِفَوَاتِهِ فَلَمْ يُوجَدْ صُورَةً وَمَعْنًى. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ فَرْضٌ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ فَرْضٌ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ أَبُو الْيُسْرِ مَنْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَلَوْ أَعَادَ يَكُونُ الْفَرْضُ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ لُزُومَ الْإِعَادَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى أَنَّ الْفَرْضَ أَيُّهُمَا. اهـ. كَذَا فِي الدِّرَايَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذْ هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَيَكُونُ جَابِرًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ وَبِجَعْلِهِ الثَّانِيَ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ لَازِمُ تَرْكِ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يُحْتَسَبُ الْكَامِلُ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ. اهـ. مِنْهُ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ الطُّمَأْنِينَةُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا فَرْضٌ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي الْكِتَابِ وَلَكِنْ تَلَقَّيْنَاهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِمَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِهِ) اسْمُهُ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: سَمَّاهُ صَلَاةً) وَالْبَاطِلَةُ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ أَوْ يُقَالُ وَصْفُهَا بِالنَّقْصِ وَالْبَاطِلَةُ إنَّمَا تُوصَفُ بِالِانْعِدَامِ فَعُلِمَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَهُ بِإِعَادَتِهَا لِيُوقِعَهَا عَلَى غَيْرِ كَرَاهَةٍ لَا لِلْفَسَادِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: انْتَقَصَ مِنْ صَلَاتِك) مِنْ زَائِدَةٌ أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالتَّشَهُّدُ) أَيْ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلِذَلِكَ أُطْلِقَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فِي الْأُولَى وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَعْضِ اهـ ع. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ إلَى آخِرِهِ) لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمَا وَهَذَا إذَا كَانَ إمَامًا أَمَّا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. اهـ. رَازِيٌّ. [سُنَن الصَّلَاة] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَسُنَنُهَا إلَى آخِرِهِ) هِيَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ عَلَى مَا ذُكِرَ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: لِلتَّحْرِيمَةِ) أَيْ وَتُعَيَّنُ لَفْظَةُ اللَّهُ أَكْبَرُ. اهـ. كُنُوزٌ.

- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَهْرُ الْإِمَامِ بِالتَّكْبِيرِ) لِحَاجَتِهِ إلَى الْإِعْلَامِ بِالدُّخُولِ وَالِانْتِقَالِ وَلِهَذَا سُنَّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ أَيْضًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ وَالتَّأْمِينُ سِرًّا) لِلنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ سِرًّا رَاجِعٌ إلَى الْأَرْبَعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَضْعُ يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضَعُ عَلَى الصَّدْرِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَضَعُ عَلَى الصَّدْرِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ»؛ وَلِأَنَّ الْوَضْعَ عَلَى الصَّدْرِ أَقْرَبُ إلَى الْخُضُوعِ مِنْ الْوَضْعِ عَلَى الْعَوْرَةِ وَلَنَا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ مِنْ السُّنَّةِ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ كَمَا بَيْنَ يَدِي الْمُلُوكِ وَوَضْعُهَا عَلَى الْعَوْرَةِ لَا يَضُرُّ فَوْقَ الثِّيَابِ فَكَذَا بِلَا حَائِلٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا تَضَعُ الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا عَلَى صَدْرِهَا وَإِنْ كَانَ عَوْرَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَكْبِيرُ الرُّكُوعِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرَّفْعُ مِنْهُ) أَيْ الرَّفْعُ مِنْ الرُّكُوعِ سُنَّةٌ وَإِعْرَابُ الرَّفْعِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى التَّكْبِيرِ وَلَا يَجُوزُ خَفْضُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَإِنَّمَا يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرَّفْعَ مِنْهُ فَرْضٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْتِقَالُ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ بِأَنْ يَنْحَطَّ مِنْ رُكُوعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَسْبِيحُهُ ثَلَاثًا) أَيْ تَسْبِيحُ الرُّكُوعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» أَيْ أَدْنَى كَمَالِ السُّنَّةِ أَوْ الْفَضِيلَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَخْذُ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ وَتَفْرِيجُ أَصَابِعِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَسٍ «إذَا رَكَعْت فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِك». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَكْبِيرُ السُّجُودِ) لِمَا رَوَيْنَا وَلَوْ قَالَ (وَتَكْبِيرُ السُّجُودِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ) كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ سُنَّةٌ، وَكَذَا الرَّفْعُ نَفْسُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ فَرْضُ وَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْتِقَالُ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ بِأَنْ سَجَدَ عَلَى الْوِسَادَةِ، ثُمَّ تُنْزَعُ وَيَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ ثَانِيًا وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا إلَّا عِنْدَ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ الرَّفْعَ حَتَّى يَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْجُلُوسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَسْبِيحُهُ ثَلَاثًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ) يَعْنِي وَضْعَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ حَالَةَ السُّجُودِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمَ وَعَدَّ مِنْهَا الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لِتَحَقُّقِ السُّجُودِ بِدُونِ وَضْعِهِمَا، وَأَمَّا وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ فَرْضٌ فِي السُّجُودِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَافْتِرَاشُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصْبُ الْيُمْنَى) يَعْنِي فِي حَالَةِ الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ) أَيْ الْقَوْمَةُ مِنْ الرُّكُوعِ وَالْجِلْسَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَهُمَا سُنَّتَانِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْوَجْهُ فِي تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِحَاجَتِهِ إلَى الْإِعْلَامِ) أَيْ لِيَعْلَمَ الْأَعْمَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا سُنَّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ) أَيْ لِيَعْلَمَ الْأَصَمُّ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمَّا الثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ وَالتَّأْمِينُ سِرًّا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ مُنْفَرِدًا فَلِلنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالتَّسْمِيَةُ) سَيَأْتِي فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَنَّهُ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: سِرًّا) وَانْتِصَابُهُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ وَالتَّقْدِيرُ تُسَرُّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ سِرًّا أَوْ يُسِرُّهَا الْمُصَلِّي سِرًّا. اهـ. ع. قَوْلُهُ: وَلَنَا حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى آخِرِهِ لَمْ يُجِبْ عَنْ حَدِيثِ الشَّافِعِيِّ. قَوْلُهُ: بِالتَّسْمِيعِ وَيَجُوزُ جَرُّهُ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ ذِكْرٌ فِيهِ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ لَفْظُ التَّكْبِيرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَيَلْزَمُ عَلَى وَجْهِ الرَّفْعِ تَكْرَارُ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَالْقَوْمَةُ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنْ يُرَادَ مِنْ الْقَوْمَةِ الْقَوْمَةُ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ. اهـ. بَاكِيرٌ. (قَوْلُهُ: إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ) ظَاهِرُهُ وَهُوَ الْوُجُوبُ مَتْرُوكٌ إجْمَاعًا. اهـ. . (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ» إلَى آخِرِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ» أَيْ أَعْضَاءٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ إلَى آخِرِهِ) وَسَمَّى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَظْمًا بِاعْتِبَارِ الْجُمْلَةِ وَإِنْ اشْتَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى عِظَامٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْجُمْلَةِ بِاسْمِ بَعْضِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ فَرْضٌ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْجَلَّابِيِّ مَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا رَفَعَ أَحَدَ قَدَمَيْهِ لَا يَجُوزُ وَقَدْ رَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ وَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ يَجُوزُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَرَاهَةَ وَذَكَرَ الْكَرَاهَةَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَعَدَمُ الْجَوَازِ عِنْدَ تَرْكِ وَضْعِ الرِّجْلَيْنِ وَفِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ لَوْ لَمْ يَضَعْ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ جَازَ. اهـ. كَاكِيٌّ مَعَ حَذْفٍ قَالَ الْكَمَالُ، وَأَمَّا افْتِرَاضُ وَضْعِ الْقَدَمِ فَلِأَنَّ السُّجُودَ مَعَ رَفْعِهِمَا بِالتَّلَاعُبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَيَكْفِيهِ وَضْعُ إصْبَعٍ وَاحِدَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي حَالَةِ الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ) أَيْ فِي الْقَعْدَتَيْنِ. اهـ. ع. (قَوْلُهُ: وَهُمَا سُنَّتَانِ) أَيْ بِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ بِخِلَافِ الطُّمَأْنِينَةِ عَلَى مَا سَمِعْت مِنْ الْخِلَافِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ وَاجِبَتَيْنِ لِلْمُوَاظَبَةِ وَلِمَا رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلَعَلَّهُ كَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إيجَابُ سُجُودِ السَّهْوِ فِيهِ فِيمَا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ مَا يُوجِبُ السَّهْوَ قَالَ الْمُصَلِّي إذَا رَكَعَ وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى خَرَّ سَاهِيًا سَاجِدًا تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَيْهِ السَّهْوُ وَيُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا فَرَائِضُ عَلَى الْفَرَائِضِ الْعَمَلِيَّةِ وَهِيَ الْوَاجِبَةُ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ. اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالْفَرْضِيَّةِ. اهـ.

[آداب الصلاة]

وَفِي قَوْلِهِ الْقَوْمَةُ نَوْعُ إشْكَالٍ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَرِيبٍ أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ سُنَّةٌ وَهُوَ الْقَوْمَةُ فَيَكُونُ تَكْرَارًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءُ) يَعْنِي بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ بِالدُّعَاءِ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَلَا تَجِبُ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَتَعَيَّنَتْ فِي الصَّلَاةِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ تَرْكُ الْأَمْرِ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ فَرَائِضَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُعَلِّمْهُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَعَلَّمَهُ، وَكَذَا لَمْ يُرْوَ فِي تَشَهُّدِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ أَوْجَبَهَا فَقَدْ خَالَفَ الْآثَارَ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ لَهُ سَلَفٌ يُقْتَدَى بِهِ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ بَلْ يَجِبُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً كَمَا اخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ أَوْ كُلَّمَا ذُكِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ قَدْ وَفَّيْنَا بِمُوجِبِ الْأَمْرِ بِقَوْلِنَا السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ فَلَا يَجِبُ ثَانِيًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ إذْ لَوْ وَجَبَ لَمَا تَفَرَّغَ لِعِبَادَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَخْلُو عَنْ ذِكْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَكْتَفِي بِمَرَّةٍ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَآدَابُهَا) أَيْ آدَابُ الصَّلَاةِ (نَظَرُهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ) أَيْ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ وَفِي حَالَةِ الرُّكُوعِ إلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ وَفِي سُجُودِهِ إلَى أَرْنَبَتِهِ وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ وَعِنْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى إلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَعِنْدَ الثَّانِيَةِ إلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخُشُوعُ وَتَرْكُ التَّكَلُّفِ فَإِذَا تَرَكَهُ وَقَعَ بَصَرُهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَظْمُ فَمِهِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ) أَيْ إمْسَاكُ فَمِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ سَدُّهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ بِيَدِهِ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِخْرَاجُ كَفَّيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ)؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَأَبْعَدُ إلَى التَّشَبُّهِ بِالْجَبَابِرَةِ وَأَمْكَنُ مِنْ نَشْرِ الْأَصَابِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَفْعُ السُّعَالِ مَا اسْتَطَاعَ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَيَجْتَنِبُهُ مَا أَمْكَنَهُ الِاجْتِنَابُ عَنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقِيَامُ حِينَ قِيلَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ)؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِ فَيُسْتَحَبُّ الْمُسَارَعَةُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ حَاضِرًا لَا يَقُومُونَ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِمْ وَيَقِفَ مَكَانَهُ فِي رِوَايَةٍ وَفِي أُخْرَى يَقُومُونَ إذَا اخْتَلَطَ بِهِمْ وَقِيلَ يَقُومُ كُلُّ صَفٍّ يَنْتَهِي إلَيْهِ الْإِمَامُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِنْ دَخَلَ مِنْ قُدَّامَ وَقَفُوا حِينَ يَقَعُ بَصَرُهُمْ عَلَيْهِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَقُومُونَ حِينَ قِيلَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ الْأُولَى وَيُحْرِمُونَ عِنْدَ الثَّانِيَةِ قُلْنَا هَذَا إخْبَارٌ عَنْ قِيَامِ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقِيَامِ قَبْلَهُ لِيَكُونَ صَادِقًا فِي إخْبَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ الْقَوْمَةُ نَوْعُ إشْكَالٍ إلَى قَوْلِهِ تَكْرَارًا) لَيْسَ هُوَ ثَابِتٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ الَّتِي لَيْسَتْ بِخَطِّ الشَّارِحِ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ قُلْت وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ فَالْمُرَادُ بِالْقَوْمَةِ حَقِيقَتُهَا وَبِالرَّفْعِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّفْعِ لَا حَقِيقَةُ الْقِيَامِ وَبِمَا ذَكَرْنَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَيَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ وَدَعْوَى التَّكْرَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْقَوْمَةُ فَيَكُونُ تَكْرَارًا إلَى آخِرِهِ) تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: كَمَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ) أَيْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ ذَكَرْت عِنْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فَقَدْ جَفَانِي». اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُ السَّوْقِ التَّقَابُلُ بَيْنَ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ وَالْقَوْلِ بِالْمَرَّةِ وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَرَّةٌ مُرَادُ قَائِلِهِ الِافْتِرَاضُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ عَلَيْهِ كَمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ مُسْتَنِدَهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ غَيْرُ مُخَالِفٍ فِي أَنَّهُ لَا إكْفَارَ بِجَحْدٍ مُقْتَضَاهُ بَلْ التَّفْسِيقُ بَلْ التَّقَابُلُ بَيْنَ الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِهِ إذَا ذَكَرُوا قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَوْلَى قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ وَجَعَلَ فِي الْفِقْهِ قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ أَصَحَّ وَاخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ بَعْدَ النَّقْلِ عَنْهُمَا ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ التَّقَابُلِ، ثُمَّ التَّرْجِيحُ وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا قُلْنَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُوجِبُ الْأَمْرِ الْقَاطِعِ الِافْتِرَاضُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَقُلْنَا بِهِ. اهـ. وَاعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَخْلُ عَنْ ذِكْرِهِ فَلَوْ وَجَبَتْ كُلَّمَا ذُكِرَ لَا نَجِدُ فَرَاغًا عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مُدَّةَ عُمْرِنَا وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْفَرَاغَ يُوجَدُ بِالتَّدَاخُلِ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ هَذَا الْجَوَابَ بِأَنَّ التَّدَاخُلَ يُوجَدُ فِي حَقِّ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقُّهُ وَفِي قَوْلِهِ جَفَانِي دَلَالَةٌ عَلَيْهِ وَلَا تَدَاخُلَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِهَذَا قَالُوا مَنْ عَطَسَ وَحَمِدَ اللَّهَ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ يَنْبَغِي لِلسَّامِعِ أَنْ يُشَمِّتَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَيُجِيبُ عَنْ اعْتِرَاضِهِ بِأَنْ نَقُولَ الْمُرَادُ مِنْ ذِكْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُوجِبِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ الذِّكْرُ الْمَسْمُوعُ فِي غَيْرِ ضِمْنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ كُلَّمَا ذُكِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا. [آدَاب الصَّلَاة] (قَوْلُهُ: وَآدَابُهَا) هِيَ سِتَّةٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: نَظَرُهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالِ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ التَّشَهُّدِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي حَالِ الْقِيَامِ فَقَطْ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ) قَالَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت وَفِي التَّشَهُّدِ إلَى مَسْجِدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِخْرَاجُ كَفَّيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ) أَيْ الْأَوَّلِ إلَّا عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْ الْبَرْدِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ) أَيْ وَحَصَلَتْ مِنْهُ حُرُوفٌ. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْقِيَامُ) أَيْ قِيَامُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ. اهـ. ع قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْمُبْتَغَى. اهـ.

[فصل الشروع في الصلاة وبيان إحرامها وأحوالها]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشُرُوعُ الْإِمَامِ مُذْ قِيلَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَشْرَعُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْإِقَامَةِ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ مُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ وَإِعَانَةً لِلْمُؤَذِّنِ عَلَى الشُّرُوعِ مَعَهُ لَهُمَا أَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَمِينٌ وَقَدْ أَخْبَرَ بِقِيَامِ الصَّلَاةِ فَيَشْرَعُ عِنْدَهُ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنْ الْكَذِبِ وَفِيهِ مُسَارَعَةٌ إلَى الْمُنَاجَاةِ وَقَدْ تَابَعَ الْمُؤَذِّنَ فِي الْأَكْثَرِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا الْمُتَابَعَةُ فِي الْأَذَانِ دُونَ الْإِقَامَةِ (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ) لِمَا تَلَوْنَا وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ يَقُولُ يَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا وَفِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ نَوَى الْأَخْرَسُ وَالْأُمِّيُّ الَّذِي لَا يُحْسِنُ شَيْئًا يَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ بِاللِّسَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَفْعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ) لِمَا رَوَيْنَا وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَقْتَضِي الْمُقَارَنَةَ وَلَا الْمُفَارَقَةَ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ وَقَالَ الصَّفَّارُ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مُقَارِنًا لِلتَّكْبِيرِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ سُنَّةُ التَّكْبِيرِ فَيُقَارِنُهُ كَتَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتِي أُذُنَيْهِ وَبِرُؤْسِ الْأَصَابِعِ فُرُوعَ أُذُنَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ وَعَلَى هَذَا تَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ وَالْأَعْيَادُ لَهُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ» وَلَنَا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَأَنَسٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ «إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ»؛ وَلِأَنَّ رَفْعَ الْيَدِ لِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ وَهُوَ بِمَا قُلْنَا وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّ وَائِلًا قَالَ: ثُمَّ أَتَيْته مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَعَلَيْهِمْ الْأَكْسِيَةُ وَالْبَرَانِسُ فَكَانُوا يَرْفَعُونَ فِيهَا إلَى مَنَاكِبِهِمْ فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِعُذْرِ الْبَرْدِ وَلَوْ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرِ رَفَعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ مَحَلُّهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا قَدْرَ مَا يُمْكِنُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى رَفَعَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّفْعُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَسْنُونِ وَلَا يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ عَمَّا زَادَ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي الرَّفْعِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ يَدَهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَرْفَعُ إلَى مَنْكِبَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَرَعَ بِالتَّسْبِيحِ أَوْ بِالتَّهْلِيلِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ صَحَّ كَمَا لَوْ قَرَأَ بِهَا عَاجِزًا) أَيْ لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ بِالْفَارِسِيَّةِ عَاجِزًا عَنْ الْقِرَاءَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ شَرَطَ الْعَجْزَ لِتَصِحَّ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا الِافْتِتَاحُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَشْرَعَ بِالتَّكْبِيرِ وَهَلْ يُكْرَهُ الشُّرُوعُ بِغَيْرِهِ أَمْ لَا ذَكَرَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ لَمْ يَجُزْ إلَّا اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ الْأَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ كَبِيرٌ أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَيَشْرَعُ) أَيْ الْمُصَلِّي وَهُوَ الْإِمَامُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَهُمَا إلَى آخِرِهِ) هَذَا كُلُّهُ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ مُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ وَبَقِيَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ وَإِعَانَةً لِلْمُؤَذِّنِ عَلَى الشُّرُوعِ. اهـ. [فَصْلٌ الشروع فِي الصَّلَاة وَبَيَان إحرامها وأحوالها] (فَصْلٌ) أَيْ فِي بَيَانِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيَانِ إحْرَامِهَا وَأَحْوَالِهَا. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِذَا أَرَادَ) أَيْ الْمُكَلَّفُ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ أَيَّ صَلَاةٍ كَانَتْ. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: كَبَّرَ) إلَّا أَنْ يَكُونَ أَخْرَسَ أَوْ أُمِّيًّا لَا يُحْسِنُ شَيْئًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا. اهـ. ع (قَوْلُهُ: حُجَّةً عَلَى مَنْ يَقُولُ يَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَهُوَ الزُّهْرِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَطَائِفَةٌ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَصِحُّ الِافْتِتَاحُ إلَّا فِي حَالَةِ الْقِيَامِ حَتَّى لَوْ كَبَّرَ قَاعِدًا، ثُمَّ قَامَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَلَوْ جَاءَ إلَى الْإِمَامِ فَحَنَى، ثُمَّ كَبَّرَ فَإِنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ يَصِحُّ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ بِاللِّسَانِ) أَيْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ حَرَكَةٌ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ نَفْسُ الْوَاجِبِ لَا يُحْكَمُ بِوُجُوبِ غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَرَفَعَ يَدَيْهِ) أَيْ يَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ أَوَّلًا إلَى آخِرِهِ) وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُكَبِّرَ أَوَّلًا، ثُمَّ يَرْفَعَ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَحِينَئِذٍ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ نَفْيَ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ رَفْعُ الْيَدِ فِي الْعُرْفِ يُفِيدُ الْإِنْكَارَ وَالنَّفْيَ فَالْمُصَلِّي بِفِعْلِهِ يَنْفِي الْكِبْرِيَاءَ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِقَوْلِهِ يُثْبِتُهُ لَهُ تَعَالَى وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتِي أُذُنَيْهِ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ وَيَمَسُّ طَرَفَ إبْهَامَيْهِ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ بِأَصَابِعِهِ فَوْقَ أُذُنَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَرْفَعُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِشَرْحِ الْبَقَّالِيِّ تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا فِي التَّكْبِيرِ إلَى مَنْكِبَيْهَا حِذَاءَ ثَدْيَيْهَا قِيلَ هُوَ السُّنَّةُ فِي الْحُرَّةِ فَأَمَّا الْأَمَةُ فَكَالرَّجُلِ؛ لِأَنَّ كَفَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ شَرَعَ بِالتَّسْبِيحِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ عِوَضَ اللَّهُ أَكْبَرُ. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ بِالتَّهْلِيلِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ خداي بذرك بِمَعْنَى اللَّهُ أَكْبَرُ، وَكَذَا سَائِرُ لُغَاتِ الْعَجَمِ مِثْلُ السُّرْيَانِيَّةِ وَالْعِبْرَانِيَّةِ وَالتُّرْكِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ) أَيْ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الْأَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ) أَيْ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَنَبِيُّنَا مِنْ جُمْلَتِهِمْ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ اللَّهُ كَبِيرٌ إلَى آخِرِهِ) فِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْجَلَالَةِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَقَدْ رُوِيَ الْأَوَّلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَلَوْ قَالَ أَكْبَرُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ وَالثَّانِي لَيْسَ بِلَازِمٍ

إلَّا بِالْأَوَّلَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالتَّعْلِيلُ لِلتَّعْدِيَةِ يُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِ الْمَنْقُولِ فَلَا يَجُوزُ وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ زِيَادَةَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ لَا تُزِيدُهُ إلَّا تَأْكِيدًا فَيَجُوزُ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَفْعَلَ تَقْتَضِي الزِّيَادَةَ بَعْدَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ إيَّاهُ فِي الصِّفَةِ وَفِي صِفَاتِ اللَّهِ لَا يُمْكِنُ فَكَانَ بِمَعْنَى فَعِيلٍ إذْ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَامِهِمْ بِمَعْنَى فَعِيلٍ قَالَ الشَّاعِرُ إنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا ... بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ أَيْ عَزِيزٌ طَوِيلٌ وَقَالَ تَعَالَى {لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى} [الليل: 15] أَيْ الشَّقِيُّ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} [الليل: 17] أَيْ التَّقِيُّ وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] أَيْ هَيِّنٌ عَلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ حَتَّى يَكُونَ شَارِعًا بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ إذَا كَانَ يُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَارِسِيَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ؛ لِأَنَّ لِلْعَرَبِيَّةِ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] أَيْ فَعَظِّمْ وَهُوَ يَحْصُلُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ وَالْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ أَنْ تَكُونَ مُعَلَّلَةً لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّكْبِيرِ وَالصَّلَاةِ التَّعْظِيمُ وَقَدْ حَصَلَ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْمُعَيَّنِ مَعَ عِلْمِنَا أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لِعَيْنِهِ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَلَوْ آمَنَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ جَازَ إجْمَاعًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. وَكَذَا التَّلْبِيَةُ فِي الْحَجِّ وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ الذَّبْحِ يَجُوزُ بِهَا بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هَذَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخُطْبَةُ وَالْقُنُوتُ وَالتَّشَهُّدُ وَفِي الْأَذَانِ يُعْتَبَرُ الْمُتَعَارَفُ، ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّ مَا تَجَرَّدَ لِلتَّعْظِيمِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ الِافْتِتَاحُ بِهِ نَحْوَ اللَّهُ إلَهٌ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَمَا كَانَ خَبَرًا لَمْ يَجُزْ نَحْوَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ لَا يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّهُ لِلتَّبَرُّكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي وَقِيلَ يَصِيرُ شَارِعًا وَلَوْ ذَكَرَ الِاسْمَ دُونَ الصِّفَةِ بِأَنْ قَالَ اللَّهُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَوْ الرَّبُّ أَوْ الْكَبِيرُ أَوْ أَكْبَرُ أَوْ الْأَكْبَرُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَّا بِالِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَمُرَادُهُ الْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ، وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ قَالَ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا إجْمَاعًا وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ بِالرَّحْمَنِ يَصِيرُ شَارِعًا وَبِالرَّحِيمِ لَا؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ. وَلَوْ افْتَتَحَ بِاللَّهُمَّ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ أَمِنَّا بِخَيْرٍ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَيَصِيرُ شَارِعًا فِي أُخْرَى؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ فَيَكُونُ تَعْظِيمًا خَالِصًا، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَجَائِزَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَجُوزُ إذَا كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِمَنْظُومٍ عَرَبِيٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 3] وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2]. وَالْمُرَادُ نَظْمُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بِهَذَا النَّظْمِ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى} [الأعلى: 18] {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: 19] فَصُحُفُ إبْرَاهِيمَ كَانَتْ بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَصُحُفُ مُوسَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَدَلَّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ قُرْآنًا وَمَا تَلَيَاهُ لَا يَنْفِي كَوْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ لَوْ قَالَ كَبِيرٌ أَوْ الْكِبَارُ جَازَ عِنْدَهُ أَيْضًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ زِيَادَةَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ لَا تَزِيدُ إلَّا تَأْكِيدًا) أَيْ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ جَاءَ) أَيْ أَفْعَلُ (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] أَيْ وقَوْله تَعَالَى {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15]. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ أَنْ تَكُونَ مُعَلَّلَةً) أَيْ وَالتَّعَبُّدُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّكْبِيرِ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى يَقْتَصِرَ عَلَى لَفْظِ " أَكْبَرُ " بَلْ الْوَاجِبُ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ كَبَّرَ مُتَعَجِّبًا وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّعْظِيمَ لَمْ يَجُزْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَى آخِرِهِ) ثُمَّ لَوْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا الرَّحْمَنُ أَوْ الْعَزِيزُ كَانَ مُسْلِمًا فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ فَفِي فُرُوعِهِ أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَنْ مَا تَجَرَّدَ لِلتَّعْظِيمِ) أَيْ لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ آخَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَا كَانَ خَبَرًا) أَيْ عَنْ أَمْرٍ غَيْرِ التَّعْظِيمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْبَدَائِعِ أَنَّ صِحَّةَ الشُّرُوعِ بِالِاسْمِ وَحْدَهُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَاعْتُبِرَ الِاسْمُ مَعَ الصِّفَةِ فِيهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إلَّا بِالِاسْمِ وَالصِّفَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ إنَّمَا يَتِمُّ بِالْخَبَرِ وَالتَّعْظِيمُ حُكْمٌ عَلَى الْمُعَظَّمِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ تَظْهَرُ فِي حَائِضٍ طَهُرَتْ وَفِي الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الِاسْمَ فَقَطْ تَجِبُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ أَبْدَلَ الْكَافَ قَافًا يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَفْعَلُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ بِالرَّحْمَنِ يَصِيرُ شَارِعًا) أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ فِي كَلَامِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ شَارِعًا فِي أُخْرَى إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ) لِأَنَّ الْمِيمَ بَدَلٌ مِنْ حَرْفِ النِّدَاءِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصَحُّ قَوْلُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الأنفال: 32] إلَى قَوْلِهِ {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] فَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اقْصِدْنَا بِالْخَيْرِ لَفَسَدَ مَعْنَى الْآيَةِ؛ لِأَنَّ سُؤَالَ الْعَذَابِ مَعَ قَوْلِهِمْ اقْصِدْنَا بِالْخَيْرِ مُتَنَاقِضٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَصُحُفُ إبْرَاهِيمَ كَانَتْ بِالسُّرْيَانِيَّةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ ابْنُ سَلَّامٍ إنَّمَا سُمِّيَتْ اللُّغَةُ سُرْيَانِيَّةً؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ عَلَّمَهُ سِرًّا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَأَنْطَقَهُ بِهَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ إنَّمَا نَطَقَ إبْرَاهِيمُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ حِينَ عَبَرَ النَّهْرَ فَارًّا مِنْ نُمْرُودَ وَقَدْ كَانَ نُمْرُودُ قَالَ لِلَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ خَلْفَهُ إذَا رَأَيْتُمْ فَتًى يَتَكَلَّمُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ فَرُدُّوهُ فَلَمَّا أَدْرَكُوهُ اسْتَنْطَقُوهُ فَحَوَّلَ اللَّهُ لِسَانَهُ عِبْرَانِيًّا وَذَلِكَ حِينَ عَبَرَ النَّهْرَ فَسُمِّيَتْ لِذَلِكَ عِبْرَانِيَّةً أَوَّلُ ش بُخَارِيٌّ لِلْعَيْنِيِّ

غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ قُرْآنًا؛ لِأَنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَيَجُوزُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ سِوَى الْفَارِسِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمُنَزَّلَ هُوَ الْمَعْنَى عِنْدَهُ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ النَّظْمُ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْجِزَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِعْجَازُ وَقَعَ بِهِمَا جَمِيعًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ النَّظْمَ رُكْنًا لَازِمًا فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً رُخْصَةً؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَالَةِ الْإِعْجَازِ وَقَدْ جَاءَ التَّخْفِيفُ فِي حَقِّ التِّلَاوَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» فَكَذَا هُنَا. وَالْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ إذَا اكْتَفَى بِهِ وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ حَتَّى إذَا قَرَأَ مَعَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَيُرْوَى رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَلَا يَجُوزُ بِالتَّفْسِيرِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِهَا) أَيْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ الذِّكْرُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِاَللَّهُمِ اغْفِرْ لِي) أَيْ لَا يَكُونُ شَارِعًا بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَاجَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعْظِيمًا خَالِصًا وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ وَلَمْ يُرِدْ عَلَيْهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَضْعُ يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ مُسْتَفْتِحًا) لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ سُنَّةُ الْقِيَامِ الَّذِي فِيهِ ذِكْرٌ حَتَّى يَضَعَ كَمَا فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ وَفِي الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْجَنَائِزِ وَلَا يَضَعُ فِي الْقَوْمَةِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَقِيلَ سُنَّةُ الْقِيَامِ مُطْلَقًا حَتَّى يَضَعَ فِي الْكُلِّ وَقِيلَ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ حَتَّى لَا يَضَعَ حَالَةَ الثَّنَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْوَضْعِ قِيلَ يَضَعُ الْكَفَّ عَلَى الْكَفِّ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ وَضْعَهَا عَلَى الْمِفْصَلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْبِضُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى رُسْغِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضَعُهَا كَذَلِكَ وَيَكُونُ الرُّسْغُ وَسَطَ الْكَفِّ وَاخْتَارَ الْهِنْدُوَانِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُفِيدِ يَأْخُذُ رُسْغَهَا بِالْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْأَخْذِ الْوَضْعُ وَلَا يَنْعَكِسُ. وَقَوْلُهُ مُسْتَفْتِحًا هُوَ حَالٌ مِنْ الْوَاضِعِ أَيْ يَضَعُ قَائِلًا سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْضِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَضُمُّ إلَيْهِ وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَيَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَأْتِي بِالتَّوَجُّهِ فَقَطْ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ وَجَّهْت وَجْهِي» إلَى آخِرِهِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ» إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ؛ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمَا وَرِوَايَةُ جَابِرٍ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّهَجُّدِ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ، ثُمَّ نُسِخَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] قَالُوا يَقُولُ حِينَ يَقُومُ لِلصَّلَاةِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ؛ وَلِأَنَّ مَا قُلْنَا ثَنَاءٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ أَوْلَى مِنْ إخْبَارِ حَالِهِ كَمَا فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَيْثُ لَا يَشْتَغِلُ بِإِخْبَارِ حَالِهِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت أَوْ سَجَدْت وَإِنَّمَا يَشْتَغِلُ بِالتَّسْبِيحِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالتَّوَجُّهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الْقِيَامِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَهُوَ مَذْمُومٌ شَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا لِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ» أَيْ مُتَحَيِّرِينَ وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعَزِيمَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعَوَّذَ سِرًّا لِلْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ لَا الْمُقْتَدِي وَيُؤَخَّرُ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: سِوَى الْفَارِسِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ تَخْصِيصِ الْبَرْدَعِيِّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ») أَيْ لُغَاتٍ (قَوْلُهُ: جَازَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُرْوَى رُجُوعُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا الشُّرُوعُ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ الْقِرَاءَةُ بِهَا فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَصَحَّ رُجُوعُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ تَعَالَى غَيْرَ ذَلِكَ التَّفْسِيرِ؛ وَلِأَنَّهُ كَلَامُ النَّاسِ وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا بَدَّلَ لَفْظًا عَرَبِيًّا بِلَفْظٍ عَجَمِيٍّ يُمَاثِلُهُ وَزْنًا وَمَعْنًى. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَلَا يَضَعُ فِي الْقَوْمَةِ) أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، ثُمَّ الْإِرْسَالُ فِي الْقَوْمَةِ بِنَاءً عَلَى الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ يَقْتَضِي أَنَّ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ وَإِنَّمَا يَتِمُّ إذَا قِيلَ بِأَنَّ التَّحْمِيدَ وَالتَّسْمِيعَ لَيْسَ سُنَّةً فِيهَا بَلْ فِي نَفْسِ الِانْتِقَالِ إلَيْهَا لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ النُّصُوصِ وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ قَلَّمَا يَقَعُ التَّحْمِيدُ إلَّا فِي الْقِيَامِ حَالَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ سُنَّةٌ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمِفْصَلِ) أَيْ مِفْصَلِ الْأَصَابِعِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ: مُسْتَفْتِحًا إلَى آخِرِهِ) الْمُقْتَدِي هَلْ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنِّي لَا أَحْفَظُ فِيهِ رِوَايَةً عَنْ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنِّي أُثْنِي مَا لَمْ يَبْدَأْ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ لَا يُجْهَرُ فِيهَا أَثْنَى وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَقْرَأُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجَهْرِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ النَّضْرِ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يُثْنِي وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ فِي الرُّكُوعِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الرُّكُوعِ، وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي وَعَنْ الْجَصَّاصِ أَنَّهُ يَأْتِي. اهـ. صَفَوِيٌّ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ) كَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ فَمِنْ الْكَاتِبِ وَهُوَ الصَّوَابُ لَا مَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ إذْ لَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ وَلَا مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَرْفُوعًا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ عَبْدَةَ بْنَ أَبِي لُبَابَةَ يَرْوِيهِ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرِوَايَةُ جَابِرٍ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّهَجُّدِ) أَيْ التَّنَفُّلِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَيُؤْتِي فِيهِ بِمَا شَاءَ، وَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَيُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا اُشْتُهِرَ وَلِذَا لَمْ يُؤْتَ بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُك فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَشَاهِيرِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَتَعَوَّذَ سِرًّا) وَانْتِصَابُ سِرًّا عَلَى الْحَالِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ تَعَوَّذَ تَعَوُّذًا سِرًّا. اهـ. ع

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] أَيْ إذَا أَرَدْت قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ كَمَا تَقُولُ إذَا دَخَلْت عَلَى السُّلْطَانِ فَتَأَهَّبْ أَيْ إذَا أَرَدْت الدُّخُولَ عَلَيْهِ وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ يَتَعَوَّذُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ لِظَاهِرِ النَّصِّ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَتَعَوَّذُ، وَكَذَا لَا يَأْتِي بِالثَّنَاءِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ «كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اسْتَفْتَحَ، ثُمَّ يَقُولُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ فِيمَا رُوِيَ الْقِرَاءَةُ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلَاةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَالْقِرَاءَةُ تُسَمَّى صَلَاةً كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ» أَيْ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ بِدَلِيلِ سِيَاقِهِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ يَجِبُ التَّعَوُّذُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا رُجُوعًا إلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَلَا حُجَّةَ لَهُمَا فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَإِنَّمَا يُسِرُّ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ وَذَكَرَ مِنْهَا التَّعَوُّذَ وَقَوْلُهُ لِلْقِرَاءَةِ هُوَ قَوْلُهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ فِيهَا فَيَكُونُ تَبَعًا لِلثَّنَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ لَا لِلْقِرَاءَةِ فَيَتَعَوَّذُ عِنْدَهُ كُلُّ مَنْ يُثْنِي كَالْمُقْتَدِي وَيُقَدَّمُ عَلَى تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ لِكَوْنِهِ تَبَعًا لِلثَّنَاءِ وَعِنْدَهُمَا تَبَعًا لِلْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي بِهِ كُلُّ مَنْ يَقْرَأُ كَالْمَسْبُوقِ إذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ وَيُؤَخَّرُ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ وَلَا يَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْرَأُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقُولَ أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْهِنْدُوَانِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ حَمْزَةَ مِنْ الْقُرَّاءِ لِمُوَافَقَتِهِ الْقُرْآنَ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَقُولَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَابْنِ كَثِيرٍ مِنْ الْقُرَّاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَمَّى سِرًّا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ يَجْهَرُونَ بِهَا وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجْهَرُ بِهَا» ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي الْإِنْصَافِ وَمَا رَوَاهُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَهْرِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهَا أَحْيَانًا لِلتَّعْلِيمِ كَمَا كَانَ يَجْهَرُ أَحْيَانًا بِالْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ تَعْلِيمًا وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الطُّرُقُ عَنْهُمْ لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَقَوْلُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَيْ فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَأْتِي بِهَا إلَّا فِي الْأُولَى فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ فَجَعَلَهَا كَالتَّعَوُّذِ وَلَا يَأْتِي بِهَا بَيْنَ السُّورَةِ وَالْفَاتِحَةِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ وَلَا يَأْتِي بِهَا فِي الْجَهْرِيَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْفَاءُ بَيْنَ الْجَهْرَيْنِ وَهُوَ شَنِيعٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ) أَيْ الْبَسْمَلَةُ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ وَلَا مِنْ آخِرِهَا وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ. وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ إلَّا فِي النَّمْلِ فَإِنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَطْعِ وَذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِثْلُهُ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَنَسٍ إلَى آخِرِهِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ. اهـ. يَحْيَى وَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَرَادَ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى عَنْ أَنَسٍ الْآتِيَةِ فِي دَلِيلِ مَالِكٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ كَمَا ذَكَرَ هُنَا مِنْ سَبْقِ الْيَرَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِلصَّلَاةِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ. اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَسْتَعِيذُ الْمَسْبُوقُ مَرَّتَيْنِ إذَا افْتَتَحَ وَإِذَا قَرَأَ فِيمَا يَقْضِي ذِكْرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ طَلَبُ الْإِعَاذَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَالْمَزِيدُ قَرِيبٌ فِي الْمَعْنَى مِنْ الثُّلَاثِيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ وَلَاشْتَرَاكَهُمَا فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْأُولَى فِي رِوَايَةٍ إلَى آخِرِهِ) هِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ. اهـ. فَتْحٌ وَفِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُسَمِّيَ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ وَمَنْ قَالَ مَرَّةً فَقَدْ غَلِطَ إنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي وُجُوبِهَا فَعِنْدَهُمَا تَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ كَالْأُولَى وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ وَالْمُعَلَّى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْوُجُوبُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. اهـ. وَرَأَيْت حَاشِيَةً بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ نَصُّهَا وَغَلِطَ الْمُغَلِّطُ بِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ الْوَاجِبِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ قُرْآنٌ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ وَأَجْمَعَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ ذِكْرٌ غَيْرَ التَّشَهُّدِ وَالْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَتَكْبِيرَةِ الْقُنُوتِ، وَأَمَّا النَّصُّ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ فَفِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَالْمُفِيدِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ إلَى آخِرِهِ) مَنْ أَنْكَرَ كَوْنَهَا مِنْ الْقُرْآنِ لَا يَكْفُرُ عِنْدَنَا وَبَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَانَ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قَوْلُهُ: رَبِّ الْعَالَمِينَ لَيْسَتْ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ. اهـ.

قَوْلًا وَاحِدًا، وَكَذَا مِنْ غَيْرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى كِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ مَعَ الْأَمْرِ بِتَجْرِيدِ الْمَصَاحِفِ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَعْلَمُونَ انْقِضَاءَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهَا أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ وَلَا مِنْ آخِرِهَا بَلْ هِيَ آيَةٌ مُنْفَرِدَةٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «إنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِهَا» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثِينَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ» وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثُونَ آيَةً مِنْ غَيْرِ الْبَسْمَلَةِ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ نِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ يَقُولُ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي» الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَابْتَدَأَ الْقِسْمَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَلَوْ كَانَتْ الْبَسْمَلَةُ مِنْهَا لَابْتَدَأَ بِهَا. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي بَكْرٍ «كَيْفَ تَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَسْمَلَةَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ فِيمَا رَوَاهُ مَالِكٌ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ» مَحْمُولٌ عَلَى الْجَهْرِ أَيْ كَانَ يَفْتَتِحُ جَهْرًا بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَمْ يَجْهَرْ بِالْبَسْمَلَةِ وَتَرْكُ الْجَهْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَكِتَابَتُهَا فِي الْمَصَاحِفِ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ أَوْ مِنْ آخِرِهَا وَلِهَذَا طَوَّلُوا بَاءَهَا لِيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ كُتَّابَ الْمَصَاحِفِ كُلَّهُمْ عَدُّوا آيَاتِ السُّوَرِ فَأَخْرَجُوهَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، وَكَذَا الْقُرَّاءُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَنْ جَعَلَهَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَقَدْ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ السُّورَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَتْ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ لَجَازَتْ الصَّلَاةُ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذْ لَا يُشْتَرَطُ أَكْثَرُ مِنْ آيَةٍ قُلْنَا إنَّمَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهَا لِاشْتِبَاهِ الْآثَارِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي كَوْنِهَا آيَةً لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ) أَمَّا الْفَاتِحَةُ وَالسُّورَةُ فَوَاجِبَتَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَكِنَّ الْفَاتِحَةَ أَوْجَبَ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالْإِعَادَةِ بِتَرْكِهَا دُونَ السُّورَةِ وَثَلَاثُ آيَاتٍ تَقُومُ مَقَامَ السُّورَةِ فِي الْإِعْجَازِ فَكَذَا هُنَا، وَكَذَا الْآيَةُ الطَّوِيلَةُ تَقُومُ مَقَامَهَا وَهَذَا لِبَيَانِ الْوَاجِبِ، وَأَمَّا لِبَيَانِ الْفَرْضِ وَالْمُسْتَحَبِّ فَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَمَّنَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ سِرًّا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَقَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ فِي رِوَايَةٍ لَا يَأْتِي الْإِمَامُ بِالتَّأْمِينِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ» قُسِمَ بَيْنَهُمَا وَهِيَ تُنَافِي الشَّرِكَةَ؛ وَلِأَنَّ سُنَّةَ الدُّعَاءِ تَأْمِينُ السَّامِعِ لَا الدَّاعِي وَآخِرُ الْفَاتِحَةِ دُعَاءٌ فَلَا يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ دَاعٍ. وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا رَوَيْنَاهُ وَقَوْلُهُمْ سُنَّةُ الدُّعَاءِ تَأْمِينُ السَّامِعِ لَا الدَّاعِي غَلَطٌ؛ لِأَنَّ التَّأْمِينَ لَيْسَ فِيهِ إلَّا زِيَادَةُ الدُّعَاءِ وَالدَّاعِي أَوْلَى بِهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيمَا رَوَوْهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا وَقَوْلُهُ سِرًّا هُوَ مَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجْهَرُ بِهَا عِنْدَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ لِحَدِيثِ وَائِلٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقْرَأُ غَيْرَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقَالَ آمِينَ وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ» وَلَنَا حَدِيثُ وَائِلٍ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ آمِينَ خَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَسَمْت الصَّلَاةَ) أَيْ الْفَاتِحَةَ (قَوْلُهُ: يَفْتَتِحُ جَهْرًا بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) رَبِّ الْعَالَمِينَ لَيْسَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَسُورَةٍ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ إلَى آخِرِهِ) فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ سُئِلَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ أَفْضَلُ أَمْ قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِتَمَامِهَا قَالَ إنْ كَانَ آخِرَ السُّورَةِ الَّتِي أَرَادَ قِرَاءَتَهَا أَكْثَرَ مِنْ السُّورَةِ الَّتِي أَرَادَ قِرَاءَتَهَا فَالْقِرَاءَةُ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَتْ السُّورَةُ أَكْثَرَ آيَةٍ فَقِرَاءَتُهَا أَفْضَلُ وَفِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ آخِرَ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ آخِرَ سُورَةٍ عَلَى حِدَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَوَاجِبَتَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَوَاجِبُهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَضَمُّ سُورَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُؤْمَرَ بِالْإِعَادَةِ) أَيْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لَا بِإِعَادَةِ الْفَاتِحَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِالْإِعَادَةِ بِتَرْكِهَا دُونَ السُّورَةِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِمَجْدِ الْأَئِمَّةِ التَّرْجُمَانِيِّ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ السُّورَةُ وَاجِبَةٌ لَكِنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْجَبُ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا فِي الصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَلَوْ تَرَكَ السُّورَةَ لَا يُؤْمَرُ. اهـ. وَقَدْ نَقَلْت هَذِهِ الْعِبَارَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَوَاجِبُهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَضَمُّ سُورَةٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَأَمَّنَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ سِرًّا) وَفِي الْمُحِيطِ وَفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ سَمِعَ الْمُقْتَدِي مِنْ الْإِمَامِ وَلَا الضَّالِّينَ فِي صَلَاةٍ لَا يُجْهَرُ فِيهَا هَلْ يُؤَمِّنُ قَالَ مَشَايِخُنَا لَا يُؤَمِّنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْرَ لَغْوٌ فَلَا يَنْبَغِي وَعِنْدَ الْهِنْدُوَانِيُّ يُؤَمِّنُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الدِّرَايَةِ أَنَّهُ مَسْنُونٌ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْقَارِئِ خَارِجَ الصَّلَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ) أَيْ فِي الْإِخْلَاصِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَهِيَ تُنَافِي الشَّرِكَةَ) وَحَمَلُوا قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَمِنَ» عَلَى بُلُوغِ مَوْضِعِ التَّأْمِينِ. اهـ. غَايَةٌ

عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُخْفِي الْإِمَامُ أَرْبَعًا: التَّعَوُّذَ وَالْبَسْمَلَةَ وَآمِينَ وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَيُرْوَى مِثْلُ قَوْلِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْضُهُمْ يَقُولُ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ خَمْسَةٌ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ ثَلَاثَةٌ، وَكُلُّهُمْ بَعْدَ التَّأْمِينِ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِخْفَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ بِهَا عَقِيبَ الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ لَأَوْهَمَ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ دَفْعًا لِلْإِيهَامِ وَلِهَذَا لَمْ تُكْتَبْ فِي الْمَصَاحِفِ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَفِي آمِينَ لُغَتَانِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ وَالتَّشْدِيدُ خَطَأٌ فَاحِشٌ وَهُوَ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ حَكَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ حَتَّى لَوْ قَالَ آمِينَ بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ، قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ فِيهَا لُغَةً بِالتَّشْدِيدِ مِنْهُمْ الْوَاحِدِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ وَلَوْ قَالَ: آمِنُ بِالْمَدِّ وَحَذْفِ الْيَاءِ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ وَلَوْ قَالَ أَمِنَ بِالْقَصْرِ وَحَذْفِ الْيَاءِ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْقُرْآنِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَمَّنَ بِالْقَصْرِ وَالتَّشْدِيدِ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَبَّرَ بِلَا مَدٍّ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبْزَى أَنَّهُ قَالَ «صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ لَا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ» أَيْ لَا يَمُدُّ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ يَقُولُ التَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَيُرْوَى خَذْمٌ بِالْخَاءِ وَالذَّالِ أَيْ سَرِيعٌ؛ وَلِأَنَّ الْمَدَّ إنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ وَهِيَ هَمْزَةُ اللَّهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ وَإِنْ تَعَمَّدَهُ يَكْفُرُ لِأَجْلِ الشَّكِّ فِي الْكِبْرِيَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي هَمْزَةِ أَكْبَرَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ فِي بَاءِ أَكْبَرَ فَقَدْ قِيلَ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَحْتَمِلُ الْمَدَّ لُغَةً؛ وَلِأَنَّ أَكِبَارَ جَمْعُ كِبْرٍ وَهُوَ الطَّبْلُ فَيَخْرُجُ مِنْ مَعْنَى التَّكْبِيرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ نَشَأَتْ مِنْ الْإِشْبَاعِ وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْإِشْبَاعَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشَّعْرِ وَإِنْ كَانَ الْمَدُّ فِي لَامِ اللَّهِ فَحَسَنٌ مَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حَدِّهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَكَعَ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالصَّحَابَةِ مِنْ التَّطْبِيقِ وَهُوَ أَنْ يَضُمَّ إحْدَى كَفَّيْهِ إلَى الْأُخْرَى وَيُرْسِلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ جَعَلْت يَدَيَّ بَيْنَ رُكْبَتَيْ فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا فَنُهِينَا وَلَا يُنْدَبُ إلَى التَّفْرِيجِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ مِنْ الْأَخْذِ بِالرُّكَبِ وَآمَنُ مِنْ السُّقُوطِ وَلَا إلَى ضَمِّ الْأَصَابِعِ إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ لِيَكُونَ أَمْكَنَ مِنْ الْإِدْغَامِ أَيْ الِاتِّكَاءِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ قُوَّتَهَا تَزْدَادُ بِالضَّمِّ وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ يُتْرَكُ عَلَى الْعَادَةِ وَلَا يَتَكَلَّفُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا وَمَا رُوِيَ مِنْ نَشْرِ الْأَصَابِعِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّشْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الطَّيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَسَطَ ظَهْرَهُ وَسَوَّى رَأْسَهُ بِعَجُزِهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فَكَانَ إذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ» وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ «إذَا رَكَعَ لَوْ كَانَ قَدَحُ مَاءٍ عَلَى ظَهْرِهِ لَمَا تَحَوَّلَ لِاسْتِوَاءِ ظَهْرِهِ» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ» أَيْ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ وَلَمْ يَخْفِضْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَبَّحَ فِيهِ ثَلَاثًا) أَيْ فِي الرُّكُوعِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا أُنْزِلَتْ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ وَلَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَأَوْهَمَ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَيُمْنَعُ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى قَالُوا بِارْتِدَادِ مَنْ قَالَ إنَّهُ مِنْهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِي آمِينَ لُغَتَانِ الْمَدُّ إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ مُخْتَارُ الْفُقَهَاءِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَالْقَصْرُ) أَيْ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَهْلِ اللُّغَةِ. اهـ. عِ أَيْ وَمُخْتَارُ الْأُدَبَاءِ أَيْضًا. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ) أَيْ دُعَاءَنَا (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ نَدْعُوك قَاصِدِينَ إجَابَتَك؛ لِأَنَّ مَعْنَى آمِينَ قَاصِدِينَ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْمُصَلِّي إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَقَالَ آمِّينَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيَقُولُ آمِينَ بِغَيْرِ مَدٍّ وَلَا تَشْدِيدٍ أَوْ آمِينَ بِالْمَدِّ دُونَ التَّشْدِيدِ وَمَعْنَاهُ يَا أَمِينُ اسْتَجِبْ لَنَا إلَّا أَنَّهُ أُسْقِطَتْ يَاءُ النِّدَاءِ وَأُدْخِلَتْ الْمَدَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ آمَنَ بِالْمَدِّ وَحَذْفِ الْيَاءِ) يُشِيرُ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الأحقاف: 17]. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَكَبَّرَ بِلَا مَدٍّ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ «يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ». اهـ. (قَوْلُهُ: بِالْخَاءِ وَالذَّالِ) أَيْ الْمُعْجَمَةُ (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الشَّكِّ فِي الْكِبْرِيَاءِ) وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّقْرِيرِ فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ كُفْرٌ وَلَا فَسَادٌ قَالَهُ فِي الْعِنَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَحْتَمِلُ الْمَدَّ) أَيْ حَتَّى قَالَ مَشَايِخُنَا لَوْ أَدْخَلَ الْمَدَّ بَيْنَ الْبَاءِ وَالرَّاءِ فِي لَفْظِ " أَكْبَرُ " عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا بِخِلَافِ مَا لَوْ فَعَلَ الْمُؤَذِّنُ حَيْثُ لَا تَجِبُ إعَادَةُ الْآذَانِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ أَوْسَعُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: نَشَأَتْ مِنْ الْإِشْبَاعِ) أَيْ إشْبَاعِ فَتْحَةِ الْبَاءِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ) أَيْ نَاصِبًا سَاقَيْهِ وَحَنْيِهِمَا شِبْهَ الْقَوْسِ كَمَا يَفْعَلُهُ عَامَّةُ النَّاسِ مَكْرُوهٌ ذَكَرَهُ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ وَأَخَذَ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ. اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ حَالَةَ الْقِيَامِ قَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ. اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِيَكُونَ أَمْكَنَ مِنْ الْإِدْغَامِ) أَيْ وَلِيَقَعَ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ مُوَاجِهَةً إلَى الْقِبْلَةِ فَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ إلَى الْقِبْلَةِ مَا اسْتَطَاعَ». اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى النَّشْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الطَّيِّ) أَيْ لَا التَّفْرِيجُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَسَوَّى رَأْسَهُ بِعَجُزِهِ) أَيْ وَهُوَ نِصْفُهُ الْمُؤَخَّرُ اهـ ع وَالْعَجُزُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَهُوَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَجِيزَةُ لِلْمَرْأَةِ خَاصَّةً ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَفِي الْمُغْرِبِ الْعَجِيزَةُ تُسْتَعَارُ لِلرَّجُلِ. اهـ. غَايَةٌ.

نَزَلَتْ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» وَيُكْرَهُ أَنْ يُنْقِصَ التَّسْبِيحَ عَنْ الثَّلَاثِ أَوْ يَتْرُكَهُ كُلَّهُ وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ لَهُ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَذَكَرَهُ لَهُ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَتَنَاوَلُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ دُونَ تَسْبِيحَاتِهِمَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْأَمْرُ قَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِحْبَابِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ الثَّلَاثِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمُقْتَدِي ثَلَاثًا أَتَمَّ ثَلَاثًا فِي رِوَايَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ وَكُلَّمَا زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِلْمُنْفَرِدِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْخَتْمُ عَلَى وِتْرٍ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يَزِيدُ عَلَى وَجْهٍ يَمَلُّ الْقَوْمُ مِنْهُ وَلَا يَأْتِي فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِغَيْرِ التَّسْبِيحِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَزِيدُ فِي الرُّكُوعِ اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت وَلَك خَشَعْت وَلَك أَسْلَمْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَفِي السُّجُودِ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ عِنْدَنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي فَصْلِ الْوَاجِبَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاكْتَفَى الْإِمَامُ بِالتَّسْمِيعِ وَالْمُؤْتَمُّ وَالْمُنْفَرِدُ بِالتَّحْمِيدِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجْمَعُ الْإِمَامَيْنِ الذِّكْرَيْنِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ وَلِأَنَّهُ حَرَّضَ غَيْرَهُ فَلَا يَنْسَى نَفْسَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَأْتِي الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ بِالذِّكْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْتَمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِيمَا يَفْعَلُ وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَسَمَ بَيْنَهُمَا وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ وَلَا يَلْزَمُنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ» حَيْثُ يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ مَعَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ وَقَدْ عَدَّ مِنْهَا التَّحْمِيدَ فَقَدْ عُرِفَ التَّحْمِيدُ أَيْضًا مِنْ خَارِجٍ فَوَجَبَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ قُلْنَا مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْقِسْمَةِ مَرْفُوعٌ وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فَلَا يُعَارِضُ الْمَرْفُوعَ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَالَ أَبُو مُطِيعٍ) هُوَ الْبَلْخِيّ تِلْمِيذُ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ) أَيْ لِأَنَّ عِنْدَهُ الثَّلَاثَ فَرْضٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ قَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِحْبَابِ) أَيْ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ) أَيْ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ وَتَسْبِيحَاتُ الرُّكُوعِ سُنَّةٌ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ سَمِعَ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ خَفْقَ النِّعَالِ هَلْ يَنْتَظِرُ أَمْ لَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى عَنْ ذَلِكَ فَكَرِهَاهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَخْشَى عَلَيْهِ أَمْرًا عَظِيمًا يَعْنِي الشِّرْكَ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ مِقْدَارَ التَّسْبِيحَةِ وَالتَّسْبِيحَتَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُطَوِّلُ التَّسْبِيحَاتِ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعَدَدِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ إنْ كَانَ الْجَائِي غَنِيًّا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا جَازَ انْتِظَارُهُ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَرَفَ الْجَائِيَ لَا يَنْتَظِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذْ فِيهِ إعَانَةٌ عَلَى الطَّاعَةِ. اهـ. وَقِيلَ إنْ أَطَالَ الرُّكُوعَ لِإِدْرَاكِ الْجَائِي خَاصَّةً وَلَا يُرِيدُ إطَالَةَ الرُّكُوعِ لِلتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ فَهَذَا مَكْرُوهٌ إذَا كَانَ أَوَّلَ رُكُوعِهِ لِلَّهِ وَآخِرُهُ لِلْجَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ فِي صَلَاتِهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ أَمْرًا عَظِيمًا وَلَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّ إطَالَةَ الرُّكُوعِ لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لِلْقَوْمِ وَإِنَّمَا كَانَتْ لِأَجْلِ إدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَإِنْ أَطَالَهُ لِلتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ كَمَا شُرِعَ فِيهِ وَيُدْرِكُ الْجَائِي الرَّكْعَةَ كَانَ الرُّكُوعُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا بَأْسَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ يُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ عَلَى الثَّانِيَةِ لِيُدْرِكَ الْقَوْمُ الرَّكْعَةَ. اهـ. غَايَةٌ، ثُمَّ قَالَ وَيُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. اهـ. كَاكِيٌّ. قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُقْتَدِي يُتِمُّ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ وَلَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الْقِيَامِ إنْ كَانَ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَ فِي الْأَخِيرَةِ وَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فَقَدْ قِيلَ يُتَابِعُهُ وَقِيلَ يُتِمُّ مَا بَقِيَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ التَّشَهُّدَ وَقَامَ أَوْ سَلَّمَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّهُ يُتِمُّ تَشَهُّدَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ وَرَأَيْت فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْمَسْبُوقُ إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يَفْرُغْ هُوَ قِيلَ يُتِمُّ التَّشَهُّدَ وَقِيلَ لَا يُتِمُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي بِالتَّشَهُّدِ هُنَا مُتَابَعَةً لِلْإِمَامِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْمُتَابَعَةُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ وَقَدْ قِيلَ يُتِمُّ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ذِكْرٍ وَاحِدٍ فَلَوْ قَطَعَهُ تَبْطُلُ بِخِلَافِ تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّ كُلَّ تَسْبِيحَةٍ ذِكْرٌ عَلَى حِدَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَاكْتَفَى الْإِمَامُ بِالتَّسْمِيعِ إلَى آخِرِهِ) لَكِنْ يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ فِي نَفْسِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَا يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ حَرَّضَ غَيْرَهُ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ يَحْمَدُ بِقَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ قَبِلَ اللَّهُ حَمْدَ مَنْ حَمِدَهُ وَالسَّمَاعُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْقَبُولُ مَجَازًا كَمَا يُقَالُ سَمِعَ الْأَمِيرُ كَلَامَ فُلَانٍ إذَا قَبِلَ وَيُقَالُ مَا سَمِعَ كَلَامَهُ أَيْ رَدَّهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ وَإِنْ سَمِعَهُ حَقِيقَةً وَفِي الْحَدِيثِ أَعُوذُ بِك مِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ أَيْ لَا يُسْتَجَابُ وَفِي الْفَوَائِدِ الْحَمِيدِيَّةِ الْهَاءُ فِي حَمِدَهُ لِلسَّكْتَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ لَا لِلْكِنَايَةِ كَذَا نُقِلَ عَنْ الثِّقَاتِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى الْهَاءُ لِلْكِنَايَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاشْكُرُوا لَهُ} [العنكبوت: 17]. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ) تَتِمَّتُهُ «فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». اهـ. (قَوْلُهُ: إنَّهُ قَالَ أَرْبَعٌ) قَالَ فِي الْأَسْرَارِ إنَّهُ غَرِيبٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْقِسْمَةِ مَرْفُوعٌ) أَيْ بِرِوَايَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ

بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحُثُّ مَنْ خَلْفَهُ عَلَى التَّحْمِيدِ فَلَا مَعْنَى لِمُقَابَلَةِ الْقَوْمِ لَهُ عَلَى الْحَثِّ بَلْ يَشْتَغِلُونَ بِالتَّحْمِيدِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ اللَّائِقَ لِلْمُحَرِّضِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْإِجَابَةِ طَاعَةً دُونَ الْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْمُحَاكَاةَ وَمَا رَوَيَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِانْفِرَادِ، وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَخْتَارُ قَوْلَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ الْمُؤْتَمَّ لَا يَخْتَصُّ بِالذِّكْرِ دُونَ الْإِمَامِ وَقَدْ يَخْتَصُّ الْإِمَامُ بِهِ كَالْقِرَاءَةِ وَقَوْلُهُ وَالْمُنْفَرِدُ بِالتَّحْمِيدِ أَيْ اكْتَفَى الْمُنْفَرِدُ بِالتَّحْمِيدِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيعَ حَثٌّ لِمَنْ هُوَ مَعَهُ عَلَى التَّحْمِيدِ وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ لِيَحُثَّهُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ وَقَعَ الثَّانِي فِي حَالِ الِاعْتِدَالِ وَهُوَ لَمْ يَشْرَعْ إلَّا فِي الِانْتِقَالِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّسْمِيعِ لَا غَيْرُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ إمَامُ نَفْسِهِ وَالْإِمَامُ يَقْتَصِرُ عَلَى التَّسْمِيعِ عِنْدَهُ وَهُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إمَامُ نَفْسِهِ فَيَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ، ثُمَّ بِالتَّحْمِيدِ لِعَدَمِ مَنْ يَمْتَثِلُ بِهِ خَلْفَهُ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ فِي لَفْظِ التَّحْمِيدِ فَقَالَ فِي بَعْضِهَا يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَفِي بَعْضِهَا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَفِي بَعْضِهَا رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ أَفْضَلُ لِزِيَادَةِ الثَّنَاءِ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِك رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَبَيْنَ قَوْلِك رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ. وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْوَاوِ قِيلَ هِيَ زَائِدَةٌ وَقِيلَ هِيَ عَاطِفَةٌ تَقْدِيرُهُ رَبَّنَا حَمِدْنَاك وَلَك الْحَمْدُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ كَبَّرَ) لِمَا رَوَيْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَضَعَ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ وَائِلٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَضَعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «إذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَضَعُ وَجْهَهُ إذَا سَجَدَ بَيْن كَفَّيْهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ وَائِلٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَجَدَ فَجَعَلَ كَفَّيْهِ بِحِذَاءِ أُذُنَيْهِ» قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَلَعَلَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِعَكْسِ النُّهُوضِ) أَيْ الْهُبُوطِ بِعَكْسِ النُّهُوضِ حَتَّى قَالُوا: إذَا أَرَادَ السُّجُودَ يَضَعُ أَوَّلًا مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَنْفَهُ ثُمَّ جَبْهَتَهُ، وَكَذَا إذَا أَرَادَ الرَّفْعَ يَرْفَعُ أَوَّلًا جَبْهَتَهُ، ثُمَّ أَنْفَهُ، ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ حَافِيًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَخَفِّفًا فَلَا يُمْكِنُهُ وَضْعُ الرُّكْبَتَيْنِ أَوَّلًا فَيَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَجَدَ بِأَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) أَيْ عَلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ إذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَقَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَهُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَلَا يُصِيبُ أَنْفَهُ الْأَرْضَ فَقَالَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصِيبُ أَنْفُهُ الْأَرْضَ» وَهِيَ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ دُونَ الْجَوَازِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ وَكُرِهَ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَقَوْلُهُ وَكُرِهَ بِأَحَدِهِمَا يَقْتَضِي كَرَاهِيَةَ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ أَيْضًا فَقَالَ وَوَضْعُ الْجَبْهَةِ وَحْدَهَا أَوْ الْأَنْفَ وَحْدَهُ يُكْرَهُ وَيُجْزِي عِنْدَهُ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِوَضْعِهِمَا إلَّا إذَا كَانَ بِأَحَدِهِمَا عُذْرٌ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ إنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْمُحَاكَاةَ) أَيْ كَمَا قُلْنَا فِي جَوَابِ الْمُؤَذِّنِ فِي قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَا رَوَيَاهُ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُرْوَ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّفْلِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَخْتَارُ قَوْلَهُمَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْفَضْلِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَخْتَصُّ الْإِمَامُ بِهِ كَالْقِرَاءَةِ) أَيْ فَبِكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَذْكُورَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي الِانْتِقَالِ) أَيْ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ ذِكْرَيْنِ كَانَ الذِّكْرُ الْأَوَّلُ لِلِانْتِقَالِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَأَمَّا الِانْتِقَالُ مِنْ الْقِيَامِ إلَى السُّجُودِ فَلَهُ ذِكْرٌ وَهُوَ التَّكْبِيرُ فَالذِّكْرُ الثَّانِي يَقَعُ لِمُجَرَّدِ اعْتِدَالِ الْقِيَامِ لَا لِلِانْتِقَالِ وَالذِّكْرُ لَمْ يُسَنَّ إلَّا لِلِانْتِقَالِ وَلِذَا لَمْ يُسَنَّ ذِكْرٌ فِي حَالَةِ الْقَعْدَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّسْمِيعِ لَا غَيْرُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ نَصًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَالَ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّ الْمُنْفَرِدَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ إلَى آخِرِهِ) وَأَمَّا الْمُقْتَدِي لَا يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِهَا رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَفِي بَعْضِهَا اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَغَايَةٌ وَفِي الْبَدَائِعِ الْأَشْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ. اهـ. وَفِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ) أَيْ وَالذَّخِيرَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: قِيلَ هِيَ زَائِدَةٌ إلَى آخِرِهِ) تَقُولُ الْعَرَبُ بِعْنِي هَذَا الثَّوْبَ فَيَقُولُ الْمُخَاطَبُ نَعَمْ وَهُوَ لَك بِدِرْهَمٍ فَالْوَاوُ زَائِدَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هِيَ عَاطِفَةٌ) أَيْ عَلَى مَحْذُوفٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: بِعَكْسِ النُّهُوضِ) أَيْ الْقِيَامِ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ بِأَحَدِهِمَا عُذْرٌ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْبُوَيْرِيِّ لَوْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا عُذْرٌ جَازَ السُّجُودُ عَلَى الْآخَرِ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَوْ تَرَكَ السُّجُودَ عَلَى الْمَقْدُورِ مِنْهُمَا وَأَوْمَأَ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ بِهِمَا عُذْرٌ يُومِئُ وَلَا يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِهِمَا كَالْخَدِّ وَالذَّقَنِ. اهـ. غَايَةٌ

كَرَاهِيَةٍ وَفِي الْأَنْفِ وَحْدَهُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَبْهَةِ عِنْدَهُمَا وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا حَتَّى حَكَى السِّغْنَاقِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ تَتَأَدَّى بِهِ الصَّلَاةُ بِإِجْمَاعِ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْخِلَافَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُمَا. قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمَ وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةَ» وَلَوْ كَانَ الْأَنْفُ مَحَلًّا لِلسُّجُودِ لَذَكَرَهُ فَصَارَ كَالْخَدِّ وَالذَّقَنِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ وَلَا أَكْفُفَ الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «الْجَبْهَةُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ» هَكَذَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ؛ وَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلسُّجُودِ إجْمَاعًا فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ كَالْجَبْهَةِ بِخِلَافِ الذَّقَنِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلسُّجُودِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ عَلَى الذَّقَنِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْجَبْهَةِ وَعَلَى الْأَنْفِ يَلْزَمُهُ وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا سُئِلَ نُصَيْرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَّنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى حَجَرٍ صَغِيرٍ فَقَالَ إنْ وَضَعَ أَكْثَرَ جَبْهَتِهِ يَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا فَقِيلَ لَهُ إنْ وَصَلَ قَدْرَ الْأَنْفِ مِنْهَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَلَى قَوْلِهِ فَقَالَ الْأَنْفُ عُضْوٌ كَامِلٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ بِكَوْرِ عِمَامَتِهِ) أَيْ كُرِهَ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ وَيَجُوزُ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَكِّنْ جَبْهَتَك وَأَنْفَك مِنْ الْأَرْضِ» وَلِحَدِيثِ خَبَّابُ بْنِ الْأَرَتِّ أَنَّهُ قَالَ «شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا» أَيْ لَمْ يُزِلْ شَكْوَانَا وَلَنَا حَدِيثُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ؛ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الْحَسَنُ كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ؛ وَلِأَنَّهُ حَائِلٌ لَا يَمْنَعُ مِنْ السُّجُودِ فَيَجُوزُ كَالْخُفِّ وَالنَّعْلِ وَمَا رَوَاهُ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ يُوجَدُ مَعَهُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ مُمَاسَّةُ الْأَرْضِ بِهَا إجْمَاعًا وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ. وَمِنْ فُرُوعِهِ لَوْ سَجَدَ عَلَى كَفِّهِ وَهِيَ عَلَى الْأَرْضِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ بَسَطَ كُمَّهُ عَلَى النَّجَاسَةِ فَسَجَدَ عَلَيْهِ يَجُوزُ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكُمَّ تَبَعٌ لَهُ فَكَأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَيْهَا حَنِثَ وَإِنْ كَانَ ثَوْبُهُ حَائِلًا بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِهِ أَيْضًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى فَخِذِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَبِعُذْرٍ يَجُوزُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لَكِنَّ الْإِيمَاءَ يَكْفِيهِ إذَا كَانَ بِهِ عُذْرٌ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مَنْ هُوَ فِي صَلَاتِهِ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ وَعَلَى ظَهْرِ مَنْ يُصَلِّي صَلَاةً أُخْرَى أَوْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى التُّرَابِ وَإِنْ بَسَطَ كُمَّهُ لِيَتَّقِيَ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ يُكْرَهُ لِلتَّكَبُّرِ وَعَنْ ثِيَابِهِ لَا لِعَدَمِهِ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ لَا يُلْقِي حَجْمَهُ لَا يَجُوزُ كَالْقُطْنِ الْمَحْلُوجِ وَالثَّلْجِ وَالتِّبْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَفِي الْأَنْفِ وَحْدَهُ إلَى آخِرِهِ)، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ وَضْعُ مَا صَلُبَ مِنْ الْأَنْفِ لَا مَا لَانَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا أَكْفُفَ) أَيْ عَنْ الِاسْتِرْسَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ذَكَرَ الْجَبْهَةَ أَشَارَ إلَى الْأَنْفِ إلَى أَنَّهُمَا فِي حُكْمِ عُضْوٍ وَاحِدٍ وَلِذَا كَانَ أَعْضَاءُ السُّجُودِ سَبْعَةً، وَإِلَّا كَانَتْ ثَمَانِيَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ الْأَنْفُ عُضْوٌ كَامِلٌ) أَيْ وَقَدْرُهُ مِنْ الْجَبْهَةِ لَيْسَ بِعُضْوٍ كَامِلٍ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ بِكَوْرِ عِمَامَتِهِ) أَيْ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ. اهـ. وَمَا ذُكِرَ فِي التَّجْنِيسِ فِي عَلَامَةِ الْمِيمِ أَنَّهُ يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ لَا يُرَادُ بِهِ أَصْلُ التَّعْظِيمِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ بَلْ نِهَايَتُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِعْلٌ وُضِعَ لِلتَّعْظِيمِ؛ وَلِأَنَّ الْمُشَاهَدَ مِنْ وَضْعِ الرَّجُلِ الْجَبْهَةَ فِي الْعِمَامَةِ عَلَى الْأَرْضِ نَاكِسًا لِغَيْرِهِ عَدَّهُ تَعْظِيمًا أَيْ تَعْظِيمٌ. اهـ. فَتْحٌ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَى آخِرِهِ) وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا وُجِدَ حَجْمُ الْأَرْضِ أَمَّا بِدُونِهِ فَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَتَفْسِيرُ وُجِدَ أَنَّ الْحَجْمَ مَا قَالُوا أَنَّهُ لَوْ بَالَغَ لَا يَتَسَفَّلُ رَأْسَهُ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَجُوزُ) لِأَنَّ الْكُمَّ تَبَعٌ لَهُ فَكَأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ صَحَّحَ الْجَوَازَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَجُوزُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَجُوزُ وَلَمْ نَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا لَكِنْ إنْ كَانَ بِعُذْرٍ كَفَاهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ الْإِيمَاءِ كَأَنْ عَدِمَ الْخِلَافَ فِيهِ لِكَوْنِ السُّجُودِ يَقَعُ عَلَى جُزْءِ الرُّكْبَةِ وَهُوَ لَا يَأْخُذُ قَدْرَ الْوَاجِبِ مِنْ الرُّكْبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مَنْ هُوَ فِي صَلَاتِهِ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ) وَقِيلَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ سُجُودُ الثَّانِي عَلَى الْأَرْضِ. اهـ. مُجْتَبَى (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى التُّرَابِ إلَى آخِرِهِ). (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ مَسَحَ جَبْهَتَهُ مِنْ التُّرَابِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِإِزَالَةِ شُبْهَةِ الْمُثْلَةِ وَلَوْ مَسَحَ بَعْدَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَقَبْلَهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَلَوَّثُ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَلَا يُفِيدُهُ وَإِنْ مَسَحَ لِكُلِّ مَرَّةٍ يَكْثُرُ الْعَمَلُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ لَا يُلْقِي حَجْمَهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَى الْحَشِيشِ وَالتِّبْنِ وَالْقُطْنِ وَالطَّنْفَسَةِ إنْ وُجِدَ حَجْمُ الْأَرْضِ، وَكَذَا الثَّلْجُ الْمُلَبَّدُ فَإِنْ كَانَ بِحَالٍ يَغِيبُ فِيهِ وَجْهُهُ وَلَا يَجِدُ الْحَجْمَ أَوْ عَلَى الْعَجَلَةِ عَلَى الْأَرْضِ يَجُوزُ كَالسَّرِيرِ لَا إنْ كَانَتْ عَلَى الْبَقَرِ كَالْبِسَاطِ الْمَشْدُودِ بَيْنَ الْأَشْجَارِ وَعَلَى الْعِرْزَالِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ يَجُوزُ لَا عَلَى الدَّخَنِ وَالْأُرْزِ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ وَلَوْ ارْتَفَعَ مَوْضِعُ السُّجُودِ عَنْ مَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ قَدْرَ لَبِنَةٍ أَوْ لَبِنْتَيْنِ مَنْصُوبَتَيْنِ جَازَ لَا إنْ زَادَ. اهـ.

وَالدُّخْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَبْدَى ضَبْعَيْهِ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَجَدَ يُجَنِّحُ حَتَّى يُرَى وَضَحُ إبِطَيْهِ» أَيْ بَيَاضُهُمَا وَقِيلَ إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ ازْدِحَامٌ لَا يُجَافِي حَتَّى لَا يُؤْذِيَ جَارَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ازْدِحَامٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَافَى بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ) لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى إنَّ بَهْمَةً لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَرَّتْ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَجَّهَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «إذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضَهُمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَبَّحَ فِيهِ ثَلَاثًا) أَيْ فِي السُّجُودِ لِمَا رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ وَتُلْزِقُ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا) لِمَا رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَرَّ عَلَى امْرَأَتَيْنِ تُصَلِّيَانِ فَقَالَ إذَا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بَعْضَ اللَّحْمِ إلَى بَعْضٍ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ»، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي عَشْرِ خِصَالٍ: تَرْفَعُ يَدَيْهَا إلَى مَنْكِبَيْهَا، وَتَضَعُ يَمِينَهَا عَلَى شِمَالِهَا تَحْتَ ثَدْيِهَا، وَلَا تُجَافِي بَطْنَهَا عَنْ فَخِذَيْهَا، وَتَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى فَخِذَيْهَا تَبْلُغُ رُءُوسُ أَصَابِعِهَا رُكْبَتَيْهَا، وَلَا تَفْتَحُ إبْطَيْهَا فِي السُّجُودِ، وَتَجْلِسُ مُتَوَرِّكَةً فِي التَّشَهُّدِ، وَلَا تُفَرِّجُ أَصَابِعَهَا فِي الرُّكُوعِ، وَلَا تَؤُمُّ الرِّجَالَ وَتُكْرَهُ جَمَاعَتُهُنَّ وَيَقُومُ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا) أَيْ مِنْ السُّجُودِ لِمَا رَوَيْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَلَسَ مُطْمَئِنًّا) يَعْنِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رُكُوعُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ»، ثُمَّ الْجِلْسَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهَا وَالْقَوْمَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهَا سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى قَوْلِهِمَا، فَقَالَ الْكَرْخِيُّ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ سُنَّةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَخِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ وَلَيْسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ، وَكَذَا بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَمَا وَرَدَ فِيهِمَا مِنْ الدُّعَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ، قَالَ يَعْقُوبُ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الْفَرِيضَةِ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي قَالَ يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَيَسْكُتُ وَكَذَلِكَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ يَسْكُتُ فَقَدْ أَحْسَنَ الْجَوَابَ حَيْثُ لَمْ يُنْهَ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ صَرِيحًا مِنْ قُوَّةِ احْتِرَازِهِ، وَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ بِإِيثَارِ التَّحْمِيدِ فِيهِ وَالسُّكُوتِ بَعْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَاعِدًا وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ بِحَيْثُ لَا يُشْكِلُ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ قَدْ رَفَعَ يَجُوزُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِقْدَارَ مَا تَمُرُّ الرِّيحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ جَازَ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِقْدَارَ مَا يُسَمَّى بِهِ رَافِعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى لَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مَيِّتٍ عَلَيْهِ لِبْدٌ إنْ لَمْ يَجِدْ حَجْمَهُ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إنْ كَانَ مَغْسُولًا جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إزَارٌ. اهـ. قَوْلُهُ: كَالْبِسَاطِ الْمَشْدُودِ إلَى آخِرِهِ هَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى نَقْلًا عَنْ النَّظْمِ وَلَمْ يُعَلِّلْهُ وَكَأَنَّهُ لِعَدَمِ وُجُودِ حَجْمِ الْأَرْضِ حَالَ السُّجُودِ، وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْعَجَلَةِ إذَا كَانَتْ عَلَى الْبَقَرِ فَإِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْفَرِيضَةِ لَا النَّافِلَةِ وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ مَا يُفْصِحُ بِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: ضَبْعَيْهِ) وَالضَّبُعُ بِسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْعَضُدُ وَبِضَمِّهَا الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ الْمَعْرُوفُ وَالسَّنَةُ الْمُجْدِبَةُ ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ وَفِي الْمُحِيطِ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا لُغَتَانِ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْته قَالَ فِي الْمَنَافِع الضَّبُعُ بِالسُّكُونِ لَا غَيْرُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ) أَيْ ابْنُ بُحَيْنَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: «إذَا سَجَدَ يُجَنِّحُ» إلَى آخِرِهِ) فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ «إذَا سَجَدَ جَخَّ» بِجِيمٍ، ثُمَّ خَاءٍ مَشْدُودَةٍ وَيُرْوَى جَخَّى بِالْيَاءِ فِي آخِرِهِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ أَيْ فَتَحَ عَضُدَيْهِ وَجَافَاهُمَا مِنْ جَنْبَيْهِ وَرَفَعَ بَطْنَهُ عَنْ الْأَرْضِ. اهـ. نِهَايَةُ ابْنِ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ: حَتَّى أَنَّ بَهْمَةً) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ الْأُنْثَى مِنْ صِغَارِ الْغَنَمِ بَعْدَ السَّخْلَةِ فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا يَضَعُهُ أُمُّهُ، ثُمَّ يَصِيرُ بَهْمَةً. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْبَهِيمَةُ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: «حَتَّى أَنَّ بَهْمَةً لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَرَّتْ») رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَقَالَا فِيهِ بُهَيْمَةٌ وَعَلَى الْبَاءِ ضَمَّةٌ بِخَطِّ بَعْضِ الْحُفَّاظِ عَلَى تَصْغِيرِ بَهْمَةٍ قِيلَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَفَتْحُهَا خَطَأٌ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ سِبْطُ بْنِ الْجَوْزِيِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ) أَيْ تَضُمُّ نَفْسَهَا اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتُلْزِقُ بَطْنَهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا. اهـ. ع (قَوْلُهُ: عَلَى فَخِذَيْهَا تَبْلُغُ) فِي نُسْخَةٍ بِحَيْثُ تَبْلُغُ (قَوْلُهُ: مِنْ السُّجُودِ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ: قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ) أَيْ كَانَ لُبْثُهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ قَرِيبًا مِنْ التَّسَاوِي إلَّا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ فَإِنَّ اللُّبْثَ فِيهِمَا لَا يَقْرُبُ اللُّبْثَ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ بَلْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ: قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُتَسَاوِيَةً بَلْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَسِيرٌ وَلَمَّا كَانَ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالْقِيَامُ مِنْ الرُّكُوعِ قَرِيبَيْنِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَانَا مُشْتَمِلَيْنِ عَلَى الِاطْمِئْنَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ إلَى آخِرِهِ) فِيهِ شَيْءٌ تَقَدَّمَ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ الرَّفْعَ مِنْ السُّجُودِ سُنَّةً. اهـ. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ الْجِلْسَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ وَالْقَوْمَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ فِيهَا سُنَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَلِيلًا، ثُمَّ سَجَدَ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا وَإِنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا. اهـ. وَلَمْ يُحْكَ غَيْرُهُ. اهـ. .

جَازَ لِوُجُودِ الْفَصْلِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَجَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الرِّوَايَةَ الْأُولَى أَصَحَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَبَّرَ وَسَجَدَ مُطْمَئِنًّا) لِمَا رَوَيْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَبَّرَ لِلنُّهُوضِ بِلَا اعْتِمَادٍ وَقُعُودٍ) أَيْ كَبَّرَ لِلنُّهُوضِ وَنَهَضَ بِلَا اعْتِمَادٍ وَقُعُودٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا» وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَنْهَضُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ؛ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي حَدِيثِ وَائِلٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا نَهَضَ اعْتَمَدَ عَلَى فَخِذَيْهِ» وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الضَّعْفِ بِسَبَبِ الْكِبَرِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ فَقَالَ إنَّ رِجْلَيَّ لَا تَحْمِلَانِي؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَشْرُوعَةً لَشُرِعَ التَّكْبِيرُ عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْهَا إلَى الْقِيَامِ كَمَا فِي سَائِرِ الِانْتِقَالَاتِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ حَالَةٍ إلَى حَالَةٍ؛ وَلِأَنَّهَا جِلْسَةُ اسْتِرَاحَةٍ وَفِي الصَّلَاةِ شُغْلٌ عَنْ الرَّاحَةِ وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عِنْدَ النُّهُوضِ وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ بِالْيَمِينِ وَالنُّهُوضُ بِالشِّمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالثَّانِيَةُ كَالْأُولَى) أَيْ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ كَالرَّكْعَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ تَكْرَارُ الْأَرْكَانِ فَلَا يَخْتَلِفُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنَّهُ لَا يُثْنِي) لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ الْعِبَادَةِ دُونَ أَثْنَائِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَعَوَّذُ)؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ فَلَا يَتَكَرَّرُ إلَّا بِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَعَوَّذَ وَقَرَأَ، ثُمَّ سَكَتَ قَلِيلًا، ثُمَّ قَرَأَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي فقعس صمعج) أَيْ إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: وَهِيَ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ، وَالْقُنُوتِ، وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْمَرُوتَيْنِ وَالْمَوْقِفَيْنِ وَالْجَمْرَتَيْنِ. فَالْفَاءُ فِيهِ عَلَامَةٌ لِلِافْتِتَاحِ وَالْقَافُ لِلْقُنُوتِ وَالْعَيْنُ لِلْعِيدِ وَالسِّينُ لِلِاسْتِلَامِ وَالصَّادُ لِلصَّفَا وَالْمِيمُ لِلْمَرْوَةِ وَالْعَيْنُ لِعَرَفَةَ وَجَمْعٍ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِسَبَبِ الْكِبَرِ) فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «قَدْ بَدَّنْتُ أَيْ كَبُرْت فَلَا تُبَادِرُونِي بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ» اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الرَّوْضَةِ قَالَ إذَا كَانَ شَيْخًا أَوْ رَجُلًا بَدِينًا لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّهُوضِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْتَمِدَ بِهِ عَلَى الْأَرْضِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ بِالْيَمِينِ) أَيْ مُبْتَدِئًا بِالْيَمِينِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ) أَيْ الْمُصَلِّي اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يَرْفَعُ) أَيْ الْمُكَلَّفُ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَالْجَمْرَتَيْنِ) وَالْمُرَادُ الْوُقُوفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَى وَالْوُسْطَى. اهـ. بَاكِيرٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَ كَفِّهِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي التَّكْبِيرَاتِ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ وَفِي الَّتِي فِي الْحَجِّ بَاطِنُ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ إلَّا عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِبَاطِنِ كَفِّهِ إلَى الْحَجَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالصَّادُ لِلصَّفَا وَالْمِيمُ لِلْمَرْوَةِ) وَجَعَلَهُمَا الْمُصَنِّفُ شَيْئًا وَاحِدًا نَظَرًا إلَى السَّعْيِ. اهـ. مُسْتَصْفًى فَوَائِدُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُقْتَدِي إذَا أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ هَذِهِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا إذَا أَتَى بِهِمَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ مَعَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ أَوْ أَتَى بِهِمَا قَبْلَهُ وَيُدْرِكُهُ الْإِمَامُ فِي آخِرِ رَكَعَاتِهِ فَإِنْ أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ فِي كُلِّهَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ وَإِذَا رَكَعَ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ يَقْضِي أَرْبَعًا بِلَا قِرَاءَةٍ وَإِنْ رَكَعَ بَعْدَ الْإِمَامِ وَسَجَدَ بَعْدَهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ. اهـ. وَأَنْتَ إذَا عَلِمْت أَنَّ مُدْرِكَ أَوَّلِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَاحِقٌ وَهُوَ يَقْضِي قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى فَرُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ فِي الثَّانِيَةِ قَضَاءٌ عَنْ الْأُولَى وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ وَفِي الرَّابِعَةِ عَنْ الثَّالِثَةِ وَيَقْضِي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ رَكْعَةً بِلَا قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ وَفِي الثَّانِيَةِ يَلْتَحِقُ سَجْدَتَاهُ فِي الثَّانِيَةِ بِرُكُوعِهِ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَبَرًا وَيَلْغُو رُكُوعُهُ فِي الثَّانِيَةِ لِوُقُوعِهِ عَقِبَ رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ بِلَا سُجُودٍ وَبَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ، ثُمَّ رُكُوعُهُ وَالثَّالِثَةُ مَعَ الْإِمَامِ مُعْتَبَرٌ وَيُلْتَحَقُ بِهِ سُجُودُهُ فِي رَابِعَةِ الْإِمَامِ فَيَصِيرُ عَلَيْهِ الثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ فَيَقْضِي رَكْعَتَيْنِ وَقَضَاءُ الْأَرْبَعِ فِي الثَّالِثَةِ ظَاهِرٌ. (تَتِمَّةٌ فِيمَا يُتَابِعُ الْإِمَامُ فِيهِ وَفِيمَا لَا يُتَابِعُهُ). إذَا رَفَعَ الْمُقْتَدِي رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ الْإِمَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ وَلَا يَصِيرَ رُكُوعَيْنِ، وَكَذَا فِي السُّجُودِ وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُقْتَدِي سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ يُسَبِّحُ وَيَتْرُكُ الثَّنَاءَ وَفِي صَلَاةِ الْعِيدِ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ فِي الرُّكُوعِ وَلَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ التَّشَهُّدَ يُتِمُّهُ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ وَقَامَ جَازَ وَفِي الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ إذَا سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ يُتِمُّهُ وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ الدُّعَاءِ سَلَّمَ مَعَهُ وَلَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ التَّشَهُّدِ لَا يُسَلِّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ حَدَثِ الْإِمَامِ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ بَلْ يَفْسُدُ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَيَبْقَى بَعْدَ سَلَامِهِ وَكَلَامِهِ وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَتَأَخَّرَ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ وَيُتَابِعُهُ فِي الْقُنُوتِ وَقَدَّمْنَا مَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْقُنُوتَ فِي بَابِ الْوِتْرِ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْنُتَ وَيُدْرِكَ الرُّكُوعَ قَنَتَ، وَإِلَّا تَابَعَ وَفِي نَظْمِ الزندويستي خَمْسَةٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ لَا يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ الْقُنُوتُ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ وَالْقَعْدَةُ الْأُولَى وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَسُجُودُ السَّهْوِ إذَا تَلَا فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَسْجُدْ أَوْ سَهَا وَلَمْ يَسْجُدْ. وَأَرْبَعَةٌ إذَا فَعَلَهَا لَا يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ: إذَا زَادَ سَجْدَةً مَثَلًا أَوْ زَادَ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَسَمِعَ التَّكْبِيرَ مِنْ الْإِمَامِ لَا مِنْ الْمُؤَذِّنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ خَامِسَةٍ فِي تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ أَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا. اهـ. سَنَذْكُرُ مَا يَصْنَعُ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ فِي بَابِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَخَمْسَةٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ لَا يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ إذَا لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ فِي الِافْتِتَاحِ وَإِذَا لَمْ يُثْنِ مَا دَامَ فِي الْفَاتِحَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السُّورَةِ فَكَذَا عِنْدَ س خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَهُ فِي جَهْرِ الْقِرَاءَةِ لَا يُثْنِي إذَا لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ أَوْ لَمْ يُسَبِّحْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ وَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ يُسَلِّمُ الْقَوْمُ

الْمُزْدَلِفَةُ وَالْجِيمُ لِلْجَمْرَةِ الْأُولَى وَالْوُسْطَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَرْفَعُ فِي الرُّكُوعِ، وَالرَّفْعُ مِنْهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا افْتَتَحَ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ حِينَ يُكَبِّرُ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَهُ وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَعَلَ مِثْلَهُ وَقَالَ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ» وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْهُمَا حَتَّى انْصَرَفَ»؛ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيَكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلِ شَمْسٍ اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ «أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَيْضًا «صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ؛ وَعُمَرَ فَلَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إلَّا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ» وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ خَدَمْت ابْنَ عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا رَأَيْته يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَالرَّاوِي إذَا فَعَلَ بِخِلَافِ مَا رَوَى تُتْرَكُ رِوَايَتُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْمَوْقِفَيْنِ وَالْجَمْرَتَيْنِ» وَيُرْوَى «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» مَكَانَ قَوْلِهِ تُرْفَعُ وَحُكِيَ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ لَقِيَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ مَا بَالُ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَقَدْ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ» فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَدَّثَنِي حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ «يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، ثُمَّ لَا يَعُودَ» فَقَالَ عَجَبًا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ أُحَدِّثُهُ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَهُوَ يُحَدِّثُنِي بِحَدِيثِ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَرَجَّحَ بِعُلُوِّ إسْنَادِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَمَّا حَمَّادٌ فَكَانَ أَفْقَهَ مِنْ الزُّهْرِيِّ، وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ فَكَانَ أَفْقَهَ مِنْ سَالِمٍ وَلَوْلَا سَبْقُ ابْنِ عُمَرَ لَقُلْت عَلْقَمَةُ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَعَبْدُ اللَّهِ فَرَجَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ بِفِقْهِ رُوَاتِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَا بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا فَرَغَ مِنْ سَجْدَتِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَيْهَا وَنَصَبَ يُمْنَاهُ وَوَجَّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) هَكَذَا وَصَفَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قُعُودَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ نُمَيْرٍ الْخُزَاعِيِّ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدًا فِي الصَّلَاةِ وَاضِعًا يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى رَافِعًا إصْبَعَهُ السَّبَّابَةَ وَقَدْ حَنَاهَا شَيْئًا وَهُوَ يَدْعُو» وَفِي حَدِيثِ وَائِلٍ «وَضَعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ وَرُكْبَتِهِ الْيُسْرَى» وَذَكَرَ فِيهِ التَّحْلِيقَ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ يَعْقِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ لَا يُسَلِّمُونَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَلَّمَ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ بِالْحَدَثِ يَفْسُدُ مِنْ صَلَاتِهِمْ مَحَلُّهُ فَيَنْتَفِي مَحَلُّ السَّلَامِ وَإِذَا نَسِيَ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ. 1 - (فَرْعٌ) صَلَّى الْكَافِرُ بِجَمَاعَةٍ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَمُنْفَرِدًا لَا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ صَلَاةِ دِينِنَا وَوُجُودُ اللَّازِمِ الْمُسَاوِي يَسْتَلْزِمُ الْمَلْزُومَ الْمُعَيَّنَ وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِحَجٍّ وَلَا صَوْمِ رَمَضَانَ وَفِي كَوْنِ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ نَظَرٌ. اهـ. وَوَجْهُ النَّظَرِ هُوَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً كَمَ. اهـ. هُوَ مُشَاهَدٌ وَعَلَّلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ كَرَاهَةَ وُقُوفِ الْإِمَامِ بِطَاقِ الْمَسْجِدِ لِكَوْنِهَا شَبِيهَةً بِصُنْعِهِمْ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي بَابِ الْإِمَامِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا يُفِيدُ شَرْعِيَّةَ الصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ فِي دِينِهِمْ. اهـ. (أَقُولُ) يُمْكِنُ النَّظَرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ الْجَمَاعَةُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ دِينِنَا الْجَمَاعَةُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْ كَوْنِهَا بِقِيَامٍ، ثُمَّ رُكُوعٍ، ثُمَّ سُجُودٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْهَيْئَاتِ وَيُرْشِدُ إلَى مَا قُلْنَا قَوْلُ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ مَا يَكُونُ إسْلَامًا مِنْ الْكَافِرِ مَا نَصُّهُ كَافِرٌ لَمْ يُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّهُ صَلَّى مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِجَمَاعَةٍ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يُصَلُّونَ بِالْجَمَاعَةِ عَلَى هَيْئَةِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ) قَالَ الْإِمَامُ وَشُمْسٌ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ جَمْعُ شُمُوسٍ وَهُوَ النُّفُورُ مِنْ الدَّوَابِّ الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ لِسَغَبِهِ وَحِدَّتِهِ (قُلْت) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِضَمِّ الْمِيمِ مَعَ الشِّينِ؛ لِأَنَّ مَا زِيَادَتُهُ مَدَّةٌ ثَالِثَةٌ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ يُجْمَعُ كَذَلِكَ وَهِيَ خَمْسَةُ أَمْثِلَةٍ فِي الْأَسْمَاءِ، وَكَذَا فِي الصِّفَاتِ الْأَسْمَاءُ نَحْوُ قَذَالٍ وَجِرَابٍ وَغُرَابٍ وَرَغِيفٍ وَعَمُودٍ وَالصِّفَاتُ نَحْوَ صَنَّاعٍ وَكَنَّازٍ وَشُجَاعٍ وَنَذِيرٍ وَصَبُورٍ وَالْجَمِيعُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَذُبَّ فِي جَمْعِ ذُبَابٍ نَادِرٌ وَإِنَّمَا الْجَمْعُ عَلَى فُعْلٍ بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ نَحْوَ أَحْمَرَ وَحَمْرَاءَ فَإِنَّهُمَا يُجْمَعَانِ عَلَى حُمْرٍ بِسُكُونِ الْمِيمِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي تَعْرِيفِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ إلَى آخِرِهِ) دَخَلَ فِي هَذَا الْقُنُوتُ وَالْعِيدُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى إلَى آخِرِهِ) وَفِي مُسْلِمٍ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى» وَلَا شَكَّ بِأَنَّ وَضْعَ الْكَفِّ مَعَ قَبْضِ الْأَصَابِعِ لَا يَتَحَقَّقُ حَقِيقَةً أَيْ فَالْمُرَادُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَضَعَ الْكَفَّ، ثُمَّ قَبَضَ الْأَصَابِعَ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِشَارَةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِشَارَةِ قَالَ يَقْبِضُ خِنْصَرَهُ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ وَيُقِيمُ الْمُسَبِّحَةَ، وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ يُقِيمُ الْأُصْبُعَ عِنْدَ لَا إلَهَ وَيَضَعُهَا عِنْدَ إلَّا اللَّهُ لِيَكُونَ الرَّفْعُ لِلنَّفْيِ وَالْوَضْعُ لِلْإِثْبَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَطْرَافُ

الْخِنْصَرَ وَيُحَلِّقَ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ وَيُشِيرَ بِالسَّبَّابَةِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُشِيرُ وَنَحْنُ نَصْنَعُ بِصُنْعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يَرَوْنَ الْإِشَارَةَ وَكَرِهَهَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى لَا إشَارَةَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا عِنْدَ الشَّهَادَةِ فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ حَسَنٌ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ تَتَوَرَّكُ) أَيْ الْمَرْأَةُ تَتَوَرَّكُ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَرَأَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) وَهُوَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَخْذُ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْلَى وَهُوَ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ» إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَلَكِنْ قَالَا: " السَّلَامُ " بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَزِيَادَةُ أَشْهَدُ فِي «قَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِتَنْكِيرِ سَلَامٍ وَزِيَادَةِ أَشْهَدُ فِي قَوْلِهِ «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» وَخَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَكِنْ قَالَ «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ كَمُسْلِمٍ لَكِنَّهُ نَكَّرَ السَّلَامَ وَقَالَ «وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» وَهَذَا فِيهِ اضْطِرَابٌ كَثِيرٌ كَمَا تَرَاهُ وَكُلُّهُمْ رَوَوْهُ خِلَافَ مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ مَعَ ضَعْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ وَشَرَطَ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ أَيْضًا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَهِيَ لَيْسَ فِي تَشَهُّدِ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ أَخَذَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ حَمَّادٌ أَخَذَ إبْرَاهِيمُ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ. وَقَالَ عَلْقَمَةُ أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ كَمَا كَانَ يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ» وَكَانَ يَأْخُذُ عَلَيْنَا بِالْوَاوِ وَالْأَلِفِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ النَّقْلِ عَلَى نَقْلِ تَشَهُّدِهِ وَصِحَّتِهِ حَتَّى قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ. وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ أَنَّ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَصَحُّ مَا يُرْوَى وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ حَتَّى قَالَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا يُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ فِي الْكُتَّابِ فَذَكَرَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كُنَّا نَتَعَلَّمُ التَّشَهُّدَ كَمَا نَتَعَلَّمُ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فَذَكَرَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيَّ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَهَرَ بِالْبَسْمَلَةِ وَقَنَتَ فِي الصُّبْحِ وَتَشَهَّدَ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي صَحَّ النَّقْلُ بِخِلَافِهَا فَإِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصَابِعِ عَلَى حَرْفِ الرُّكْبَةِ لَا مُبَاعَدَةً عَنْهَا. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْمَشْيَخَةِ فِي حَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَيْ يُشِيرُ، ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ كَيْفَ يُشِيرُ قَالَ يَقْبِضُ خِنْصَرَهُ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ وَيُقِيمُ السَّبَّابَةَ وَيُشِيرُ بِهَا هَكَذَا رَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَكَذَا يُشِيرُ وَهُوَ أَحَدُ وُجُوهِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِشَارَةِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَعْقِدُ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ وَهُوَ أَيْضًا أَحَدُ وُجُوهِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ وَلَا يُشْبِهُ اسْتِعْمَالَ الْأَصَابِعِ لِلْحِسَابِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِحَالِ الصَّلَاةِ فَكَانَ أَوْلَى، كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَرَوْنَ الْإِشَارَةَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ. اهـ. قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُشِيرَ بِالسَّبَّابَةِ مِنْ الْيَدَيْنِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحَدٌ أَحَدٌ». اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى لَمَّا كَثُرَتْ الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا فِي كَوْنِ الْإِشَارَةِ سُنَّةً، وَكَذَا عَنْ الْكُوفِيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ كَانَ الْعَمَلُ بِهَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَرِهَهَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمُنْيَةِ وَالْوَاقِعَاتِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّحِيَّاتُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ إنَّمَا جُمِعَتْ التَّحِيَّاتُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ كَانَ لَهُ تَحِيَّةٌ يُحَيَّا بِهَا فَجَمِيعُ الْجَمِيعِ لِلَّهِ قَالَ الْفَرَّاءُ التَّحِيَّةُ الْمُلْكُ وَقِيلَ الْبَقَاءُ الدَّائِمُ يُقَالُ حَيَّاك اللَّهُ أَيْ أَبْقَاك حَيًّا دَائِمًا وَقِيلَ الْعَظَمَةُ وَالسَّلَامَةُ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالصَّلَوَاتُ قِيلَ هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَقِيلَ الصَّلَوَاتُ الشَّرْعِيَّةُ وَقِيلَ الرَّحْمَةُ وَقِيلَ الْأَدْعِيَةُ وَعَنْ الْأَزْهَرِيِّ الْعِبَادَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ قِيلَ الطَّيِّبَاتُ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى نُقِلَ هَذَا عَنْ الْأَزْهَرِيِّ وَذَلِكَ مِثْلُ التَّوْحِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّمْجِيدِ، وَقَالَ أَبُو الْمُنْذِرِ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ: الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيْ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْك تَسْلِيمًا وَسَلَامًا، ثُمَّ رُفِعَ لِيَدُلَّ عَلَى الثُّبُوتِ بِالِابْتِدَاءِ وَفِي الْمَنَافِعِ يَعْنِي ذَلِكَ السَّلَامُ الَّذِي سَلَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْك لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ وَالْبَرَكَةُ الْخَيْرُ كُلُّهُ قَالَ النَّوَوِيُّ لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ كَلَامًا فِي الضَّمِيرِ فِي عَلَيْنَا قَالَ وَفَاوَضْت فِيهِ كِبَارًا فَحَصَلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَاضِرُونَ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ وَفِي الْمَنَافِعِ التَّحِيَّاتُ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} [النساء: 86] وَالصَّلَوَاتُ الْعِبَادَاتُ الْفِعْلِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَحْرِيكِ الصَّلَوَيْنِ وَالطَّيِّبَاتُ الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 57]. اهـ. غَايَةٌ مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْبَدْرِيَّةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ عُبُودِيَّتَهُ عَلَى رِسَالَتِهِ فِي قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إظْهَارًا بِأَنَّا لَا نَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ وَالنَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ. اهـ. كَاكِيٌّ

مُتَّبِعٌ هَوًى مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ عَلَيْهِ الِاسْمُ مَجَازًا فَعُذْرُهُ عُذْرُ الْمُقَلِّدِ وَرَجَّحُوا مَذْهَبَهُمْ بِتَعْلِيمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ حَدَثٌ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ تَعْلِيمِ ابْنِ مَسْعُودٍ قُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ وَالْفِقْهِ بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْعَبَادِلَةُ صِغَارُ الصَّحَابَةِ وَأَحْدَاثُهُمْ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كِبَرِ سِنِّهِ تَقَدُّمُ تَعْلِيمِهِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعَلِّمَهُ بَعْدَ الصِّغَارِ وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ التَّرْجِيحُ بِصِغَرِ السِّنِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ أَخَذُوا بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي عِدَّةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ وَتَرَكُوا رِوَايَتَهُ فِيهَا مِنْهَا أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَرَجَّحُوهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالُوا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ وَأَقْدَمُ صُحْبَةً وَأَكْثَرُ اخْتِلَاطًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، ثُمَّ التَّرْجِيحُ لِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَتَشَهُّدَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ الْتَزَمَ الصِّحَّةَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ. وَالثَّانِي - أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِ بِخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالثَّالِثُ - تَعْلِيمُ الصِّدِّيقِ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ. وَالرَّابِعُ - حَدِيثُهُ لَيْسَ فِيهِ اضْطِرَابٌ بِخِلَافِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْخَامِسُ - أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالنَّقْلِ عَمِلُوا بِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ وَأَتْبَاعِهِ. وَالسَّادِسُ - فِيهِ وَاوُ الْعَطْفِ فِي مَقَامَيْنِ فَيَكُونُ ثَنَاءً مُسْتَقِلًّا بِفَائِدَتِهِ لِكَوْنِهِ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ كَمَا فِي الْقَسَمِ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ كَانَتْ أَيْمَانًا ثَلَاثًا حَتَّى إذَا حَنِثَ تَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَلَوْ كَانَتْ بِلَا وَاوٍ تَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَالسَّابِعُ - أَنَّ السَّلَامَ مُعَرَّفٌ فِي مَوْضِعَيْنِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ وَالْعُمُومَ وَمُنَكَّرٌ فِي الْآخَرِ. وَالثَّامِنُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَا يَنْزِلُ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ. وَالتَّاسِعُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ بِكَفِّ ابْنِ مَسْعُودٍ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَعَلَّمَهُ» فَفِيهِ زِيَادَةُ اهْتِمَامٍ فِي أَمْرِ التَّشَهُّدِ وَاسْتِثْبَاتٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ. وَالْعَاشِرُ - تَشْدِيدُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى أَصْحَابِهِ حِينَ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْوَاوَ وَالْأَلِفَ حَتَّى قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ كُنَّا نَحْفَظُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ التَّشَهُّدَ كَمَا نَحْفَظُ حُرُوفَ الْقُرْآنِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِ وَلَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ اكْتَفَى بِالْفَاتِحَةِ) لِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا» وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ حَتَّى يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي بَابِ النَّوَافِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَفِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ اكْتَفَى بِالْفَاتِحَةِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ وَقَرَأَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ لَا يَشْمَلُ الْمَغْرِبَ إذْ لَا أَخِيرَتَيْنِ لَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقُعُودُ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ) يَعْنِي فِي افْتِرَاشِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصْبِ الْيُمْنَى كَالْقُعُودِ الْأَوَّلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ يَتَعَقَّبُهُ التَّسْلِيمُ يَتَوَرَّكُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ مَالِكٌ يَتَوَرَّكُ فِي الْجَمِيعِ وَقَالَ أَحْمَدُ يَتَوَرَّكُ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ ثَانٍ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْإِقْعَاءِ وَالتَّوَرُّكِ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرُوِيَ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: فَإِذَا جَلَسْت فَاجْلِسْ عَلَى رِجْلِك الْيُسْرَى» رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت لَأَحْفَظَنَّ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ فَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَقَعَدَ عَلَيْهَا وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ مِرْفَقَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ عَقَدَ أَصَابِعَهُ وَجَعَلَ حَلْقَةَ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى، ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو بِالْأُخْرَى» وَيُرْوَى بِالْمُسَبِّحَةِ وَيُرْوَى بِالسَّبَّابَةِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي قَوْلِ وَائِلٍ، ثُمَّ عَقَدَ أَصَابِعَهُ يَدْعُو دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا التَّشَهُّدُ الثَّانِي كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَخَذُوا بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ) أَيْ حَيْثُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْمِعُنَا الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ» أَحْيَانًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرَجَّحُوهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ) فِي قَوْلِهِ لَا قِرَاءَةَ فِيهِمَا أَصْلًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» أَيْ لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ كَمَا فَسَّرَهُ كَذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالُوا: إنَّ ذَلِكَ احْتِرَازٌ عَنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَا يَنْزِلُ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ) أَيْ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ فَفِيهِ زِيَادَةُ اسْتِحْبَابٍ وَحَثٌّ وَتَأْكِيدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يَنْوِي بِالْفَاتِحَةِ الذِّكْرَ وَالثَّنَاءَ لَا الْقِرَاءَةَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ يَنْوِي الدُّعَاءَ وَسَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ عَنْهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَقَالَتْ اقْرَأْ وَلَكِنْ عَلَى وَجْهِ الثَّنَاءِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ) أَيْ فَضِيلَةُ الْقِرَاءَةِ عَلَى السُّكُوتِ لَا وُجُوبُهَا. اهـ. قَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى تَصْحِيحَ الشَّارِحِ قُلْت الصَّحِيحُ هُوَ الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَقْرَأُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا إلَى آخِرِهِ) وَقَدْ تَكُونُ الْقِرَاءَةُ فَرْضًا فِي الْأَرْبَعِ وَذَلِكَ فِيمَنْ سَبَقَ بِرَكْعَتَيْنِ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ هَذَا الْمَسْبُوقُ وَأَشَارَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ فَالْمَسْبُوقُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِمَامِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَإِذَا قَرَأَ فِيهِمَا أُلْحِقَتْ قِرَاءَتُهُ هَذِهِ بِالْأُولَيَيْنِ فَخَلَتْ الْأُخْرَيَانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَصَارَ كَأَنَّ الْخَلِيفَةَ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَإِذَا قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ فِيمَا سَبَقَ وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ. اهـ. سِرَاجٌ وَهَّاجٌ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ فَرْضٌ فِي الْقُعُودِ الثَّانِي لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَالسَّلَامُ عَلَى مِيكَائِيلَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تَقُولُوا هَكَذَا وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ» إلَى آخِرِهِ أَمَرَهُمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْقُعُودِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رُوِيَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ التَّقْدِيرُ لُغَةً أَيْ قَبْلَ أَنْ يُقَدَّرَ لَنَا وَعَلَى تَجِيءُ بِمَعْنَى اللَّامِ كَمَا تَجِيءُ اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أَيْ فَعَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ بِهَذَا التَّشَهُّدِ فَكَانَ مَتْرُوكًا عِنْدَهُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَعَلَّهُ قَالَهُ اجْتِهَادًا وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَشَهَّدَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَرْضٌ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي بَيَانِ السُّنَنِ وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَقْصِيرَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذْ الرَّحْمَةُ تَكُونُ بِإِتْيَانِ مَا يُلَامُ عَلَيْهِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَعْظِيمِهِمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُتَكَلِّمِينَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مِنْ أَشْوَقِ الْعِبَادِ إلَى مَدِيدِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَسْتَغْنِي أَحَدٌ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُصَلِّي عَلَى أَحَدٍ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَوْقِيرًا لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ) أَيْ دَعَا لِنَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَالْمُشَبَّهُ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ إبْرَاهِيمَ قِيلَ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ اللَّهُ وَمَنْزِلَتَهُ إذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا خَيْرَ الْبَرِّيَّةِ فَقَالَ ذَلِكَ إبْرَاهِيمُ فَلَمَّا أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَنْزِلَتِهِ وَكَشَفَ لَهُ عَنْ مَرْتَبَتِهِ أَبْقَى الدَّعْوَةَ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْمَزِيَّةَ. الْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّ ذَلِكَ تَشْبِيهٌ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِأَصْلِ الصَّلَاةِ لَا الْقَدْرِ بِالْقَدْرِ وَهُوَ كَمَا اخْتَارُوا فِي قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] أَنَّ الْمُرَادَ أَصْلُ الصِّيَامِ لَا عَيْنُهُ وَلَا وَقْتُهُ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: سُؤَالُ التَّسْوِيَةِ مَعَ إبْرَاهِيمَ فِيهَا وَيَزِيدُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهَا الرَّابِعُ أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ لَا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ مَقْطُوعًا عَنْ التَّشْبِيهِ وَقَوْلُهُ: وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ. الْخَامِسُ: أَنَّ الْمُشَبَّهَ الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ الْمَجْمُوعُ بِالْمَجْمُوعِ وَمُعْظَمُ الْأَنْبِيَاءِ آلُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فَإِذَا تَقَابَلَتْ الْجُمْلَةُ بِالْجُمْلَةِ وَتَعَذَّرَ أَنْ يَكُونَ لِآلِ الرَّسُولِ مَا لِآلِ إبْرَاهِيمَ الَّذِينَ هُمْ أَنْبِيَاءٌ فَمَا تَوَفَّرَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ حَاصِلًا لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَكُونُ زَائِدًا عَلَى الْحَاصِلِ لِإِبْرَاهِيمَ. كَذَا فِي الْغَايَةِ وَالدِّرَايَةِ لَكِنْ زَادَ فِي الْغَايَةِ خَمْسَةَ أَجْوِبَةٍ أُخْرَى فَلْتُرَاجَعْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. فَإِنْ قِيلَ مَا الْحِكْمَةُ لِمَ خُصَّ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ بِذِكْرِنَا فِي الصَّلَاةِ؟ فَقِيلَ: لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ وَلَمْ يُسَلِّمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أُمَّتِهِ غَيْرَ إبْرَاهِيمَ فَأُمِرْنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِ فِي آخِرِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مُجَازَاةً عَلَى إحْسَانِهِ. وَالثَّانِي - أَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ جَلَسَ مَعَ أَهْلِهِ فَبَكَى إبْرَاهِيمُ وَدَعَا وَقَالَ اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ شُيُوخِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالَ أَهْلُ بَيْتِهِ آمِينَ، ثُمَّ قَالَ إِسْحَاقُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ كُهُولِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالَ أَهْلُ بَيْتِهِ: آمِينَ، ثُمَّ دَعَا إسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَالَ اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ شَبَابِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالُوا: آمِينَ، ثُمَّ دَعَتْ سَارَةُ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ نِسْوَانِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالُوا: آمِينَ، ثُمَّ دَعَتْ هَاجَرُ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ الْمَوَالِي وَالْمُوَالَيَاتِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالُوا: آمِينَ فَلَمَّا سَبَقَ مِنْهُمْ السَّلَامُ أُمِرْنَا بِذِكْرِهِمْ فِي الصَّلَاةِ مُجَازَاةً لَهُمْ عَلَى حُسْنِ صَنِيعِهِمْ. اهـ. مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فِي آخِرِهَا. اهـ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ «سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَجَّلَ هَذَا، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدَمَا شَاءَ» قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ) أَيْ الْمُصَلِّي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَعْظِيمِهِمْ) وَلِهَذَا لَوْ ذُكِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقَالُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ. اهـ. كَاكِيٌّ، وَكَذَا إذَا ذُكِرَ الصَّحَابِيَّ لَا يُقَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ يُقَالُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ) وَفِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ بِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا عَتْبَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْأَثَرَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَهَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ الرُّسْتُغْفَنِيُّ وَقَالَ مَعْنَى وَارْحَمْ مُحَمَّدًا رَاجِعٌ إلَى أُمَّتِهِ إمَّا بِطَرِيقِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ أَوْ بِطَرِيقِ الِاسْتِعْطَافِ بِوَاسِطَةٍ كَشَخْصٍ جَنَى وَأَبُوهُ شَيْخٌ يُقَالُ لِلْمُعَاقِبِ ارْحَمْ هَذَا الشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَالرَّحْمَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الِابْنِ فِي الْحَقِيقَةِ فَكَذَا هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَلِّي عَلَى أَحَدٍ غَيْرَ نَبِيٍّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى آلِ النَّبِيِّ عَلَى إثْرِ ذِكْرِهِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالسُّنَّةَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بِمَا. اهـ. غَايَةٌ

وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَدَعَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَخُصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7] أَيْ فَاجْتَهِدْ فِي الدُّعَاءِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَعْنَاهُ فَإِذَا فَرَغْت مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ أَوْ قَارَبْت الْفَرَاغَ مِنْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق: 2] أَيْ قَارَبْنَ بُلُوغَ الْأَجَلِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا كَلَامَ النَّاسِ) أَيْ لَا يَدْعُو بِكَلَامِ النَّاسِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ مَا جَازَ خَارِجَهَا مِنْ الدُّنْيَا فَيَقُولُ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي دَرَاهِمَ وَجَارِيَةً صِفَتُهَا كَذَا وَخَلِّصْ فُلَانًا مِنْ السِّجْنِ وَأَهْلِكْ فُلَانًا؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَدْعُو عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعَلَى قَبَائِلَ مِنْ الْعَرَبِ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأَدْعُو فِي صَلَاتِي حَتَّى بِشَعِيرِ حِمَارِي وَمِلْحِ بَيْتِي وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ الْكَلَامُ مُبَاحًا فِيهَا؛ وَلِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مُحَرَّمٌ وَمَا ذَكَرَهُ مُبِيحٌ وَالْمُحَرَّمُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُبِيحِ؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَيْنَا قَوْلٌ وَمَا رَوَاهُ فِعْلٌ وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَا بَلَغَهُ هَذَا الْحَدِيثُ أَوْ تَأَوَّلَهُ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الدُّعَاءُ لَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ لِآدَمِيٍّ قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ فِي كَلَامِ النَّاسِ الْمُخَاطَبَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ قَرَأْت الْفَاتِحَةَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خِطَابًا لِآدَمِيٍّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ يُخَاطِبُهُ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ فَهُوَ كَلَامُهُمْ وَمَا يَسْتَحِيلُ فَلَيْسَ بِكَلَامِهِمْ وَقِيلَ كُلُّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ مَعْنَاهُ لَا يُفْسِدُ كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَمَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ يُفْسِدُ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَلِعَمِّي وَخَالِي، وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ، وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي بَقْلًا وَقِثَّاءً وَفُوَمًا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ يُفْسِدُ إنَّمَا يُفْسِدُ إذَا لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إذَا قَعَدَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ كَالتَّحْرِيمَةِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ نَاوِيًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ اهـ. (فَرْعٌ) الْمَسْبُوقُ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الزِّيَادَةِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يُتَابِعُ وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ وَخُوَاهَرْ زَادَهْ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مُؤَخَّرٌ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ قَعْدَةٌ أُولَى فِي حَقِّهِ وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَدْعُو بِدَعَوَاتِ الْقُرْآنِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْهُ أَنَّهُ يَدْعُو بِذَلِكَ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسْكُتُ وَعَنْ هِشَامٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ وَقَالَا لَا مَعْنَى لِلسُّكُوتِ فِي الصَّلَاةِ بِلَا اسْتِمَاعٍ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكَرِّرَ التَّشَهُّدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ قُلْت يُشْكِلُ عَلَيْهِمَا الْقِيَامُ فَإِنَّ الْمُقْتَدِيَ يَسْكُتُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِمَاعٍ وَرَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْتِي بِالدَّعَوَاتِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ الْخَزَاخَزِيُّ؛ لِأَنَّ فِي الِاشْتِغَالِ بِهَا فِي التَّشَهُّدِ تَأْخِيرَ الْأَرْكَانِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ هُنَا، ثُمَّ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ لَا يُعَجِّلُ بِالْقِيَامِ وَيَنْظُرُ هَلْ يَشْتَغِلُ الْإِمَامُ بِقَضَاءِ مَا نَسِيَهُ فَإِذَا تَيَقَّنَ فَرَاغُهُ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ وَلَا يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ وَفِيهِ حِكَايَةٌ وَهِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ عَلَى مَائِدَةِ الرَّشِيدِ فَقَالَ لِزُفَرَ مَا تَقُولُ يَا أَبَا هُذَيْلٍ مَتَى يَقُومُ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ فَقَالَ زُفَرُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَقَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ أَخْطَأْت فَقَالَ زُفَرُ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً فَقَالَ أَخْطَأْت فَقَالَ زُفَرُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَقَالَ أَخْطَأْت، ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّمَا يَقُومُ بَعْدَ تَيَقُّنِهِ أَنَّ الْإِمَامَ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَقَالَ زُفَرُ أَحْسَنْت أَيَّدَ اللَّهُ الْقَاضِيَ قَالَ الزَّنْدَوَسْتِيُّ فِي نَظْمِهِ يَمْكُثُ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ إلَى تَطَوُّعِهِ إنْ كَانَ بَعْدَهَا تَطَوُّعٌ وَيَسْتَنِدُ إلَى الْمِحْرَابِ إنْ كَانَ لَا تَطَوُّعَ بَعْدَهَا وَلَوْ قَامَ قَبْلَ سَلَامِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَيَكُونُ مُسِيئًا حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ الْمَسْبُوقُ فِي الْجُمُعَةِ يُصَلِّي فِي الطَّرِيقِ فَخَافَ أَنْ تُفْسِدُ الْمَارَّةُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ فَقَامَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ جَازَ. اهـ. غَايَةٌ مَعَ حَذْفٍ. قَالَ الْكَمَالُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ لِلْمَسْبُوقِ وَلَا يَقُومُ الْمَسْبُوقُ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ إذَا خَافَ وَهُوَ مَاسِحٌ تَمَامَ الْمُدَّةِ لَوْ انْتَظَرَ سَلَامَ الْإِمَامِ أَوْ خَافَ الْمَسْبُوقُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالْفَجْرِ أَوْ الْمَعْذُورِ خُرُوجَ الْوَقْتِ أَوْ خَافَ أَنْ يَبْتَدِرَهُ الْحَدَثُ أَوْ أَنْ يَمُرَّ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ قَامَ فِي غَيْرِهَا بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ صَحَّ وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ وَهَذَا مُخَالَفَةٌ لَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ كَلَامُهُمْ) كَقَوْلِك أَعْطِنِي مَالًا وَأَطْعِمْنِي وَاقْضِ دَيْنِي وَزَوِّجْنِي امْرَأَةً وَمَا يُقْصَدُ بِهِ مَلَاذُ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِكَلَامِهِمْ إلَى آخِرِهِ) هَذَا تَفْسِيرُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِمَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ «قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سُجُودِهِ أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك وَبِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» قَالَ وَهَذَا مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فَسَقَطَ قَوْلُ الْمُخَالِفِ قُلْت مَا أَجْهَلَهُ بِالْفِقْهِ وَنَقَلَهُ وَمَا أَقَلَّ وَرَعَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَشْتَرِطُ أَنْ يُوجَدَ مَا يَدْعُو بِهِ فِي الْقُرْآنِ بَلْ يَشْتَرِطُ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَهُ وَبِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته فِي الْمُخْتَصَرَاتِ الَّتِي يَحْفَظُهَا الْمُبْتَدِئُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي أَمْرِي وَأَكْرِمْنِي اللَّهُمَّ أَنْعِمْ عَلَيَّ اللَّهُمَّ عَافَنِي مِنْ النَّارِ وَسَدِّدْنِي

الْقَوْمَ وَالْحَفَظَةَ وَالْإِمَامَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ أَوْ فِيهِمَا لَوْ مُحَاذِيًا) وَهَذَا الْكَلَامُ شَامِلٌ لِأَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّفْصِيلِ فَنَقُولُ: أَمَّا السَّلَامُ فَلِلنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَهُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَنَا حَتَّى يَصِحَّ الْخُرُوجُ بِغَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ «إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» الْحَدِيثُ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَالتِّرْمِذِيُّ؛ وَالْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَمَا رَوَاهُ إنْ صَحَّ لَا يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ. وَقَدْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ وَقَوْلُهُ وَسَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ كَالتَّحْرِيمَةِ أَيْ سَلَّمَ مُقَارِنًا لِتَسْلِيمِ الْإِمَامِ كَمَا أَنَّهُ يَحْرُمُ مُقَارِنًا لِتَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُسَلِّمُ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ وَيُكَبِّرُ لِلتَّحْرِيمَةِ بَعْدَمَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ فِي التَّحْرِيمَةِ لَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فَكَبِّرُوا» وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَيَكُونُ أَمْرًا بِالتَّكْبِيرِ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فَإِذَا أَتَى بِهِ مُقَارِنًا فَقَدْ أَتَى بِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ فَلَا يَجُوزُ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَلِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءُ صَلَاتِهِ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْبِنَاءُ عَلَى صَلَاتِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ الْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ الْمُؤْتَمِّينَ بِالتَّكْبِيرِ فِي زَمَانٍ يُكَبِّرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ «إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا»؛ لِأَنَّ إذَا لِلْوَقْتِ حَقِيقَةً كَالْحِينِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ فَكَبِّرُوا فِي زَمَانٍ فِيهِ يُكَبِّرُ الْإِمَامُ وَالْفَاءُ وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّعْقِيبِ فَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلْقِرَانِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا»، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ فِي زَمَانِ الْقِرَاءَةِ لَا بَعْدَهُ وَقَوْلُهُمَا الِاقْتِدَاءُ بِنَاءً إلَى آخِرِهِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَافَقَةِ وَهِيَ بِالْقِرَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى الْمَعْدُومِ أَنْ لَوْ كَانَ شُرُوعُ الْمُقْتَدِي سَابِقًا عَلَى شُرُوعِ الْإِمَامِ فَإِذَا كَانَ مُقَارِنًا لَهُ لَا تَكُونُ صَلَاةُ الْإِمَامِ مَعْدُومَةً وَقْتَ وُجُودِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي، ثُمَّ قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ مُقَارِنًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ. وَقِيلَ لَا اخْتِلَافَ فِي الْجَوَازِ بَلْ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ يَعْنِي الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِمَامِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْقِرَانِ احْتِمَالَ وُقُوعِ تَكْبِيرِ الْمُؤْتَمِّ سَابِقًا عَلَى تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فَيَقَعُ فَاسِدًا فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْفَسَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ عَقْدُ مُوَافَقَةٍ وَأَنَّهَا فِي الْقِرَانِ لَا فِي التَّأْخِيرِ فَكَانَ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الِاخْتِلَافِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ احْتِمَالِ السَّبْقِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا تَيَقَّنَ فِي عَدَمِ السَّبْقِ، وَأَمَّا السَّلَامُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُسَلِّمُ مُقَارِنًا لِتَسْلِيمِ الْإِمَامِ فَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُسَلِّمُ بَعْدَ الْإِمَامِ مِثْلَ قَوْلِهِمَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّكْبِيرَ شُرُوعٌ فِي الْعِبَادَةِ فَيُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمُبَادَرَةُ، وَأَمَّا السَّلَامُ فَتَرْكٌ لِلْعِبَادَةِ وَخُرُوجٌ مِنْهَا فَلَا تُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمُبَادَرَةُ، وَأَمَّا التَّسْلِيمُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ فَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَيَمِيلُ قَلِيلًا إلَى الْيَمِينِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يَمِيلُ إلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ شَيْئًا» وَلِعَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ». وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَلَئِنْ صَحَّ فَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْلَى لِتَقَدُّمِ الرِّجَالِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النِّسَاءِ وَتَأَخُّرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQارْفَعْنِي وَاصْرِفْ عَنِّي شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَارْزُقْنِي الْحَجَّ إلَى بَيْتِك وَجِهَادًا فِي سَبِيلِك وَاشْغَلْنِي بِطَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك وَاجْعَلْنَا عَابِدِينَ شَاكِرِينَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ فَهَذَا كُلُّهُ حَسَنٌ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَوْ قَالَ فِي صَلَاتِهِ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي الْحَجَّ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ وَإِنْ قَالَ اللَّهُمَّ اقْضِ دَيْنِي تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ إلَى آخِرِهِ) رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ». اهـ. قَوْلُهُ: وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَى آخِرِهِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالسُّنَّةُ فِي السَّلَامِ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى. اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَقَدُّمِ الرِّجَالِ فِي الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكْتُوبَةِ الْمُؤَدَّاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلًّا مِنْ صَلَاتِهِ وَحُضُورِهِ إيَّاهَا لَيْسَ بِمَقْصُورٍ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهَا النَّوَافِلَ لَيْلًا وَنَهَارًا وَغَيْرَهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَهِيَ تَعْلَمُ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ بِلَا اشْتِبَاهٍ إنْ لَمْ تَكُنْ أَكْمَلَ عِلْمًا مِنْ غَيْرِهَا بِهِ فَكَمِثْلِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَى ذَلِكَ مَعَهَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنَّ فِي أَحَادِيثِ التَّسْلِيمِ مَرَّةً وَاحِدَةً ضَعْفًا إذْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ يَرْوِي مَنَاكِيرَ وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ النَّسَائِيّ ضَعِيفٌ

النِّسَاءِ وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ أَخْفَضُ مِنْ الْأُولَى وَهُوَ الْأَحْسَنُ فَلَعَلَّهَا خُفِيَتْ عَلَى مَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يُعِيدُ السَّلَامَ عَنْ يَسَارِهِ وَلَوْ سَلَّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَمَّا النِّيَّةُ فَيَنْوِي بِكُلِّ تَسْلِيمَةٍ مَنْ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ الْحَاضِرِينَ الَّذِينَ لَهُمْ شَرِكَةٌ فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَهُوَ لَمَّا اشْتَغَلَ بِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ عَنْهُمْ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ التَّحَلُّلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَاضِرًا وَقَالُوا لَا يَنْوِي النِّسَاءَ فِي زَمَانِنَا لِعَدَمِ حُضُورِهِنَّ الْجَمَاعَةَ وَلِكَرَاهِيَتِهِ وَإِنَّمَا خُصَّ الْحَاضِرُونَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ خِطَابًا لِلْغَائِبَيْنِ وَقِيلَ يَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّحْرِيمَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ فَصَارَ كَالْغَائِبِ عَنْ جَمِيعِهِمْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا عِنْدَنَا فِي سَلَامِ التَّشَهُّدِ، أَمَّا فِي سَلَامِ التَّحْلِيلِ فَيَخُصُّ الْحَاضِرِينَ لِأَجْلِ الْخِطَابِ هُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ قَالَ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ نَوَاهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يُحَاذِيهِ نَوَاهُ فِيهِمَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ أَوْ فِيهِمَا أَيْ نَوَى الْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ إنْ كَانَ فِيهِمْ أَوْ فِي الْأَيْسَرِ إنْ كَانَ فِيهِمْ أَوْ فِيهِمَا فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ بِحِذَائِهِ؛ لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْوِيهِ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ تَرْجِيحًا لِلْأَيْمَنِ وَلِلسَّبْقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِمَامُ يَنْوِي الْقَوْمَ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ) وَقِيلَ: لَا يَنْوِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ وَقِيلَ: يَنْوِي بِالْأُولَى لَا غَيْرُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى لِلتَّحِيَّةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةَ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ فِي التَّحِيَّةِ وَالْمُنْفَرِدُ يَنْوِي الْحَفَظَةَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُمْ وَلَا يَنْوِي فِي الْمَلَائِكَةِ عَدَدًا مَحْصُورًا؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ قَدْ اُخْتُلِفَتْ فَأَشْبَهَ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، ثُمَّ قَدَّمَ الْقَوْمَ بِالذِّكْرِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فِي الْمُخْتَصَرِ كَمَا هُوَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ بِعَكْسِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ حُكْمٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَمِنْهُمْ مَنْ ظَنَّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ فِي تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَاخْتَارَهُ الْبَاقِلَّانِيُّ وَالْحَلِيمِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ الْأَخِيرِ فِي تَفْضِيلِ الْبَشَرِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا لِمَا قُلْنَا وَيُرْوَى عَنْهُ التَّوَقُّفُ فِيهِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ خَوَاصَّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ الْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَعَوَامُّ بَنِي آدَمَ مِنْ الْأَتْقِيَاءِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ وَخَوَاصُّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ بَنِي آدَمَ وَشَرَحَهُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَهَرَ بِقِرَاءَةِ الْفَجْرِ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ رَوْحِ بْنِ عَطَاءٍ تَرَكَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَحْمَدُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. اهـ. نَقَلَ مِنْ حَاشِيَةٍ بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فَلَعَلَّهَا خَفِيَتْ إلَى آخِرِهِ) وَلِأَنَّ فِي أَحَادِيثِنَا زِيَادَةً صَحِيحَةً وَهِيَ مَقْبُولَةٌ مِنْ الْعَدْلِ؛ وَلِأَنَّ الْمُثْبِتَ أَوْلَى مِنْ النَّافِي لِلزِّيَادَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا إلَى آخِرِهِ) أَيْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ. اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا النِّيَّةُ فَيَنْوِي) لِأَنَّ السَّلَامَ قُرْبَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ والمرغيناني وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَكُونَ السَّلَامُ فِي التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَتَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى وَلِهَذَا خَفِيَتْ عَلَى مَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: هَذَا عِنْدَنَا فِي سَلَامِ التَّشَهُّدِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَالَ الْعَبْدُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ». اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَنْوِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ) وَالْإِشَارَةُ فَوْقَ النِّيَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ فِي التَّحِيَّةِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْحَاوِي لَوْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ السَّلَامُ قَبْلَ قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ لَا يَصِيرُ دَاخِلًا فِي صَلَاتِهِ قَالَ فِي التُّحْفَةِ هَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي وَالْمُنْفَرِدِ وَفِي الْقُنْيَةِ هَذَا عِنْدَ الْعَامَّةِ وَقِيلَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِهِمَا حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ الْأُولَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ مَعَهُ هَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ وَذَكَرَ فِيهَا بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ مَا نَصُّهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى كَقَوْلِنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. وَمَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَنْ الْحَاوِي نَقَلَهُ فِي الدِّرَايَةِ عَنْ النَّوَازِلِ، ثُمَّ قَالَ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْخُرُوجَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَلَيْكُمْ. اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قِيلَ الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَالْأُولَى. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَتْ) فَفِي بَعْضِهَا مَا كَانَ وَهْمًا الْكَاتِبَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَوَاحِدٌ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ خَمْسٌ مِنْ الْحَفَظَةِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ وَوَاحِدٌ عَنْ يَسَارِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ وَوَاحِدٌ أَمَامَهُ يُلْقِيهِ إلَى الْخَيْرَاتِ وَوَاحِدٌ وَرَاءَهُ يَدْفَعُ عَنْهُ الْمَكَارِهَ وَآخَرُ عِنْدَ نَاصِيَتِهِ يَكْتُبُ مَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُبَلِّغُهُ إلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقِيلَ سِتُّونَ وَقِيلَ مِائَةٌ وَسِتُّونَ. اهـ. وَأَنَّ عَدَدَهُمْ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ لَنَا قَطْعًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ آمَنْت بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ أَوَّلِهِمْ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا لِمَا قُلْنَا إلَى آخِرِهِ) وَفِي جَامِعِ الْكُرْدِيِّ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآدَمِيِّ الْعَقْلَ وَالشَّهْوَةَ وَفِي الْمَلَائِكَةِ الْعَقْلَ دُونَ الشَّهْوَةِ وَفِي الْبَهَائِمِ الشَّهْوَةَ دُونَهُ فَمَنْ سَلَّطَ مِنَّا عَقْلَهُ عَلَى شَهْوَتِهِ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى عَقْلِهِ وَتَرَكَ الْعَمَلَ بِمُوجِبِ شَهْوَتِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَإِنْ سَلَّطَ شَهْوَتَهُ عَلَى عَقْلِهِ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى شَهْوَتِهِ لَا عَقْلِهِ فَهُوَ مِنْ الْبَهَائِمِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179] فَكَانَ الْمُؤْمِنُ الْمُتَّقِي أَفْضَلَ مِنْهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَشَرْحُهُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ خَوَاصَّ الْبَشَرِ

الْإِمَامُ (وَأُولَى الْعِشَاءَيْنِ وَلَوْ قَضَاءً وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَيُسِرُّ فِي غَيْرِهَا كَمُتَنَفِّلٍ بِالنَّهَارِ)؛ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فِي الْجَهْرِ، وَكَذَا يَجْهَرُ فِي التَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ إذَا كَانَ إمَامًا لِلتَّوَارُثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخُيِّرَ الْمُنْفَرِدُ فِيمَا يَجْهَرُ كَمُتَنَفِّلٍ بِاللَّيْلِ) أَيْ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَهُوَ أَفْضَلُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ وَلِهَذَا كَانَ أَدَاؤُهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ أَفْضَلُ وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ «مَنْ صَلَّى عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ» وَلَكِنْ لَا يُبَالِغُ فِي الْجَهْرِ مِثْلَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ وَقَوْلُهُ فِيمَا يَجْهَرُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ بَلْ يُخَافِتُ فِيهِ حَتْمًا وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ الْمُخَافَتَةُ فَالْمُنْفَرِدُ أَوْلَى، وَذَكَرَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُخَيَّرُ فِيمَا يُخَافِتُ أَيْضًا اسْتِدْلَالًا بِعَدَمِ وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ عَلَيْهِ إنْ جَهَرَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْجَهْرَ وَالْإِسْمَاعَ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَجْهَرُ جَهْرُ الْإِمَامِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ يَجْهَرُ فِيهَا يُخَيَّرُ الْمُنْفَرِدُ كَمَا كَانَ فِي الْوَقْتِ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ فَلَا يُخَالِفُهُ فِي الْوَصْفِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ؛ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْإِخْفَاءَ فِيهِ حَتْمًا بِخِلَافِ مَا اخْتَارُوهُ وَقَوْلُهُ كَمُتَنَفِّلٍ بِاللَّيْلِ يَعْنِي بِهِ الْمُنْفَرِدَ؛ لِأَنَّ النَّوَافِلَ أَتْبَاعُ الْفَرَائِضِ لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ لَهَا فَيُخَيَّرُ فِيهَا الْمُنْفَرِدُ كَمَا يُخَيَّرُ فِي الْفَرَائِضِ وَإِنْ كَانَ إمَامًا جَهَرَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا أَتْبَاعُ الْفَرَائِضِ وَلِهَذَا يُخْفِي فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ وَلَوْ كَانَ إمَامًا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ فَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ الْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ وَالْمُخَافَتَةُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ الْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَالْمُخَافَتَةُ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ دُونَ الصِّمَاخِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ لَا تُسَمَّى قِرَاءَةً بِدُونِ الصَّوْتِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَوُجُوبِ السَّجْدَةِ بِالتِّلَاوَةِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَرَكَ السُّورَةَ فِي أُولَيَيْ الْعِشَاءِ) (قَرَأَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَعَ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا وَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ لَا) أَيْ لَا يَقْضِيهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَصَارَ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالْأُضْحِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فَلَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُمْ الْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ وَخَوَاصَّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ أَوْسَاطِ الْبَشَرِ وَأَوْسَاطَ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ أَوْسَاطِ الْمَلَائِكَةِ وَعَوَامَّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْبَشَرِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَيُسِرُّ فِي غَيْرِهَا) وَلَوْ قَضَاءً فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ إذَا قُضِيَتْ فِي النَّهَارِ بِجَمَاعَةٍ يَجْهَرُ فِيهَا وَصَلَاةُ النَّهَارِ إذَا قُضِيَتْ فِي اللَّيْلِ بِجَمَاعَةٍ يُخَافِتُ فِيهَا. اهـ. مُسْتَوْفَى ش بَزْدَوِيٌّ وَالثَّانِي فِي قَاضِي خَانْ إنْ أَمَّ لَيْلًا فِي صَلَاةِ النَّهَارِ يُخَافِتُ وَلَا يَجْهَرُ وَإِنْ جَهَرَ سَاهِيًا عَلَيْهِ السَّهْوُ. اهـ. خُلَاصَةٌ فِي السَّهْوِ وَلَوْ أَمَّ فِي التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ فَخَافَتَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ أَسَاءَ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا فَعَلَيْهِ السَّهْوُ. اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ بَلْ يُخَافِتُ إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُخَافَتَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِنَفْيِ الْمُغَالَطَةِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا فِي صَلَاةٍ تُؤَدَّى عَلَى سَبِيلِ الشُّهْرَةِ وَالْمُنْفَرِدُ يُؤَدِّي عَلَى سَبِيلِ الْخَفِيَّةِ فَلَمْ تَكُنْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، وَكَذَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَفِيهَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ (قَوْلُهُ: حَتْمًا وَهُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ وَلَوْ جَهَرَ يَكُونُ مُسِيئًا كَذَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. اهـ. قَالَ فِي الْغَايَةِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ قَالَ الْمُنْفَرِدُ يُخَافِتُ لَا مَحَالَةَ اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْأَفْضَلُ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ أَنْ تَكُونَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ إلَى آخِرِهِ) وَفِي هَذَا الدَّفْعِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا يُنْكَرُ أَنَّ وَاجِبًا قَدْ يَكُونُ آكَدَ مِنْ وَاجِبٍ لَكِنْ لَمْ يُنَطْ وُجُوبُ السَّهْوِ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لَا بِآكَدِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ بِرُتْبَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْهُ فَحَيْثُ كَانَتْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُنْفَرِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَرْكِهَا السُّجُودُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ لَهَا إلَى آخِرِهِ) وَذَكَرَ فِي مَعْنَى التَّكْمِيلِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مُكَمِّلَاتٌ لِلْمَتْرُوكَاتِ مِنْ الْفَرَائِضِ عَلَى مَا وَرَدَ أَنَّ الْعَبْدَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَى الصَّلَوَاتِ فَإِنْ كَانَ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا يُقَالُ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَلْ تَجِدُونَ لَهُ نَافِلَةً فَإِنْ وُجِدَتْ كَمَّلَتْ الْفَرَائِضَ مِنْهَا وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَالثَّانِي أَنَّهَا مُكَمِّلَاتٌ لِمَا دَخَلَهَا مِنْ النَّقْصِ بِالسَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ بِتَرْكِ سُنَنِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَتَرْكِ الْخُشُوعِ فِيهَا فَهَذَا تَكْمِيلٌ لِنَقْصِ الصِّفَةِ دُونَ الْعَدَدِ الْأَصْلِيِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: الْهِنْدُوَانِيُّ) بِكَسْرِ الْهَاءِ قَلْعَةٌ بِبَلْخٍ وَالشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يُنْسَبُ إلَيْهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ) أَيْ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا لَهُ اهـ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا الْإِيلَاءُ وَالْبَيْعُ عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْعِ أَنْ يُسْمِعَ الْمُشْتَرِيَ وَفِي النِّصَابِ سُئِلَ الْفَضْلِيُّ عَنْ الْإِمَامِ يُسْمِعُ قِرَاءَتَهُ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ قَالَ لَا يَكُونُ جَهْرًا وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ الْكُلَّ. اهـ. . (قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ إلَّا بِدَلِيلٍ إلَى آخِرِهِ) أَيْ كَالْجَهْرِ فِي الْقَضَاءِ بِجَمَاعَةٍ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَهُوَ جَهْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قَضَاءِ الْفَجْرِ وَكَالْوِتْرِ يُقْضَى بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَاهُ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالدَّلِيلُ شَرْعِيَّةُ مَالِهِ لِيَصْرِفَهُ إلَى مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ صَرْفُ مَالِهِ إلَى مَا عَلَيْهِ وَالسُّورَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَمْ يُوجَدْ الدَّلِيلُ فَلَا يَقْضِي كَمَا إذَا فَاتَ تَكْبِيرَاتُ التَّشْرِيقِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ) أَيْ وَتَكْبِيرَاتُ التَّشْرِيقِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْأُضْحِيَّةُ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ أَيَّامِهَا. اهـ. غَايَةٌ

بِهَا وَلَهُمَا وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي مَشْرُوعَةٌ فَإِذَا قَرَأَهَا مَرَّةً وَقَعَتْ عَنْ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِكَوْنِهَا فِي مَحَلِّهَا وَلَوْ كَرَّرَهَا خَالَفَ الْمَشْرُوعَ بِخِلَافِ السُّورَةِ فَإِنَّ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَيْسَ مَحَلًّا لَهَا أَدَاءً فَجَازَ أَنْ يَقَعَ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْقَضَاءِ؛ وَلِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ شُرِعَتْ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا السُّورَةُ فَلَوْ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ تَتَرَتَّبُ الْفَاتِحَةُ عَلَى السُّورَةِ وَهَذَا خِلَافُ الْمَشْرُوعِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ السُّورَةَ؛ لِأَنَّهُ أُمْكِنَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ قَرَأَهَا وَقَوْلُهُ جَهْرًا؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ صِفَةُ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ وَفِي الْأَصْلِ ذَكَرَ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ فَقَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهَا؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي أَصْلِ الْوَضْعِ فَغَيْرُ مَوْصُولَةٍ بِالْفَاتِحَةِ الْوَاجِبَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ مُرَاعَاةُ مَوْضُوعِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالسُّورَةِ دُونَ الْفَاتِحَةِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ فِي الْفَاتِحَةِ قَاضٍ فِي السُّورَةِ فَتُرَاعَى صِفَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي أَصْلِ وَضْعِهِ وَلَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَلْتَحِقُ بِمَحَلِّ الْأَدَاءِ فَتَخْلُو الْأُخْرَتَانِ عَنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْحُكْمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقْرَأَ إذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَأْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا الْتَحَقَ بِالْأُولَيَيْنِ فَخَلَتْ الرَّكْعَتَانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَكَذَا هَذَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ بِالسُّورَةِ وَحْدَهَا لَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ حَقِيقَةً وَهُوَ شَنِيعٌ فَتَغْيِيرُ السُّورَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ فِي مَحَلِّهَا وَهِيَ أَسْبَقُ أَيْضًا وَلَيْسَتْ بِتَبَعٍ لِلسُّورَةِ بِخِلَافِ السُّورَةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجْهَرُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ السُّورَةَ وَاجِبَةٌ وَالْفَاتِحَةَ فِيهِمَا نَفْلٌ فَلَمَّا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ لِمَا بَيَّنَّا كَانَ تَغْيِيرُ النَّفْلِ أَوْلَى، ثُمَّ يُقَدِّمُ السُّورَةَ عَلَى الْفَاتِحَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالْأُولَيَيْنِ فَكَانَ تَقْدِيمُهَا أَوْلَى وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُقَدِّمُ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَأَقَلُّ تَغْيِيرًا. وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْفَاتِحَةَ وَيَقْرَأَ السُّورَةَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَبِتَرْكِ السُّورَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا تَنْقَلِبُ وَاجِبَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِتَقَعَ السُّورَةُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ عَلَى سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ قَرَأَ السُّورَةَ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَنَسِيَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يَقْرَأُ السُّورَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَتْرُكُ الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضَ الْفَرْضِ بَعْدَ التَّمَامِ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ وَقَعَتْ فَرْضًا وَالْفَاتِحَةُ وَاجِبَةٌ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ نَقْضَ الْفَرْضِ لِأَجْلِ الْفَرْضِ جَائِزٌ وَالْفَاتِحَةُ إذَا قُرِئَتْ تَصِيرُ فَرْضًا فَصَارَ كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ السُّورَةَ وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ آيَةٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَارِئًا عُرْفًا بِدُونِهِ فَأَشْبَهَ مَا دُونَ الْآيَةِ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَّا أَنَّ مَا دُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ كَرَّرَهَا خَالَفَ الْمَشْرُوعَ) أَيْ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ فِي قِيَامٍ وَاحِدٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ أَنَّ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ فِي التَّطَوُّعِ لَا يُكْرَهُ لِوُرُودِ الْخَبَرِ فِي مِثْلِهِ. اهـ. قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ) أَيْ وُجُوبِ قَضَاءِ السُّورَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجَهْرَ صِفَةُ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ) أَيْ أَوْ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ وَنَصٌّ فِي الرِّوَايَةِ فَيَكُونُ كَالْوُجُوبِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَصْرَحُ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ. اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَقَعْ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إذَا فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهِ لَا يَقْضِي إلَّا بِدَلِيلٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُرَبَّعَةٌ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا ذُكِرَ وَعَكْسُهُ قَوْلُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْضِيهِمَا. اهـ. قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ وَقِرَاءَةَ السُّورَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَالْوَاجِبُ أَوْلَى بِالْقَضَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ أَحَبُّ إلَيَّ) أَيْ إذَا تَرَكَ السُّورَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَنْ يَقْضِيَهَا) أَيْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِلَفْظَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ فِي الْمَحَبَّةِ عِنْدَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ) هَذَا وَجْهُ الْأَحَبِّيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَمْ يُمْكِنْ مُرَاعَاةُ مَوْضُوعِهَا إلَى آخِرِهِ) وَاَلَّذِي يُقَوِّي عَدَمَ الْوُجُوبِ أَنَّ قَوْلَهُ أَحَبُّ إلَيَّ ظَاهِرٌ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ وَقَوْلُهُ: وَجَهَرَ مُحْتَمَلٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الظَّاهِرِ لِمَا عُرِفَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: دُونَ الْفَاتِحَةِ) أَيْ وَهَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ وَصَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَجَعَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَ مِنْ الْجَوَابِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فَيُرَاعِي صِفَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى آخِرِهِ) أَقُولُ هَذَا الْكَلَامُ أَخَذَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْغَايَةِ وَقَدْ أَسْقَطَ مِنْ الْبَيْنِ قَبْلَ قَوْلِهِ جَمْعًا شَيْئًا لَا يَتَّضِحُ الْكَلَامُ إلَّا بِهِ وَهُوَ لَا يَكُونُ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. قُلْت وَقَدْ وَقَفْت عَلَى نُسْخَةٍ قُوبِلَتْ عَلَى نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ أَثْبَتَ فِيهَا قَوْلَهُ وَلَا يَكُونُ وَقَدْ أَثْبَتَهَا عَلَى الْهَامِشِ وَكَتَبْت عَلَيْهَا صَحَّ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَخَلَتْ الرَّكْعَتَانِ) أَيْ اللَّتَانِ اقْتَدَى بِهِ فِيهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ السُّورَةِ) أَيْ فَإِنَّهَا تَبَعٌ وَالتَّبَعُ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ فَيُخَافِتُ بِالسُّورَةِ تَبَعًا لِلْفَاتِحَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجْهَرُ بِهِمَا) وَفِي الْهِدَايَةِ وَيَجْهَرُ بِهِمَا هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: وَالْفَاتِحَةُ فِيهِمَا نَفْلٌ) أَيْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ (قَوْلُهُ: فَلَمَّا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ) أَيْ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ فِي رَكْعَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَانَ تَغْيِيرُ النَّفْلِ أَوْلَى) لِأَنَّ النَّفَلَ قَابِلٌ لِلتَّغْيِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ شَرَعَ خَلْفَ إمَامٍ يُصَلِّي الظُّهْرَ فِي رَكْعَتَيْنِ تَلْزَمُهُ أَرْبَعٌ، وَكَذَا لَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي الْمَغْرِبِ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَيَضُمُّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى حَتَّى لَا يَتَنَفَّلَ بِالثَّلَاثِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) أَيْ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ. اهـ. .

الْآيَةِ خَارِجٌ وَالْآيَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حُكْمًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَتُهَا بِخِلَافِ مَا دُونَ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ وَعِنْدَهُمَا الْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ أَوْلَى وَلَوْ كَانَتْ الْآيَةُ كَلِمَةً مِثْلُ مُدْهَامَّتَانِ أَوْ حَرْفًا وَاحِدًا مِثْلَ " ص " وَ " ق " وَ " ن " اُخْتُلِفَ فِيهَا وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عَادًّا لَا قَارِئًا وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ مِثْلَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ فِي رَكْعَةٍ وَنِصْفَهَا فِي أُخْرَى اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَا قَرَأَ آيَةً تَامَّةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْآيَاتِ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ يَعْدِلُهَا فَلَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ آيَةٍ وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ قَرَأَ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِرَارًا حَتَّى تَبْلُغَ قَدْرَ آيَةٍ تَامَّةٍ لَا يَجُوزُ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ إنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ قَالَ اقْرَأْ بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ بِقَلِيلٍ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَدْنَى عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَنُهَا فِي السَّفَرِ الْفَاتِحَةَ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَقَرَأَ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بِالتِّينِ»؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفَ وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ فَإِنْ كَانَ عَلَى إقَامَةٍ وَقَرَأَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ الْبُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْحَضَرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ لَوْ فَجْرًا أَوْ ظُهْرًا وَأَوْسَاطُهُ لَوْ عَصْرًا أَوْ عِشَاءً وَقِصَارُهُ لَوْ مَغْرِبًا) لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْعَجَلَةِ فَكَانَ التَّخْفِيفُ أَلْيَقَ بِهَا وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ اُسْتُحِبَّ فِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ إلَى آخِرِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ كَوْنَهُ غَيْرُ قَارِئٍ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ وَكَوْنَهُ قَارِئًا بِذَلِكَ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ هَذَا قَارِئٌ لَمْ يُخْطِئْ الْمُتَكَلِّمُ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ مَنَعَ مَا دُونَ الْآيَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ قَارِئًا عُرْفًا وَأَجَازَ الْآيَةَ الْقَصِيرَةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِهِ قَارِئًا بَلْ يُعَدُّ قَارِئًا عُرْفًا وَالْحَقُّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِي قِيَامِ الْعُرْفِ فِي عَدِّهِ قَارِئًا بِالْقَصِيرَةِ قَالَا: لَا يُعَدُّ وَهُوَ يُمْنَعُ نَعَمْ ذَلِكَ مَبْنَاهُ عَلَى رِوَايَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ وَفِي الْأَسْرَارِ مَا قَالَاهُ احْتِيَاطًا فَإِنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَلِدْ، ثُمَّ نَظَرَ لَا يُتَعَارَفُ قُرْآنًا وَهُوَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً فَمِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ حَرُمَ عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَمِنْ حَيْثُ الْعَدَمُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ احْتِيَاطًا فِيهِمَا. اهـ. كَمَالٌ قَوْلُهُ: نَعَمْ ذَلِكَ مَبْنَاهُ إلَى آخِرِهِ أَيْ بِنَاءُ الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ إلَى آخِرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَرْفًا وَاحِدًا مِثْلُ ص إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ وَكَوْنُ نَحْوِ ص حَرْفًا غَلَطٌ بَلْ الْحَرْفُ مُسَمَّى ذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ الْمَقْرُوءَ، وَالْمَقْرُوءُ وَهُوَ الِاسْمُ صَارَ كَلِمَةً فَالصَّوَابُ فِي التَّقْسِيمِ أَنْ يُقَالَ هِيَ كَلِمَتَانِ أَوْ كَلِمَةٌ. اهـ. (فَرْعٌ) الْقِرَاءَةُ أَنْوَاعٌ فَرِيضَةٌ وَوَاجِبَةٌ وَسُنَّةٌ وَمَكْرُوهَةٌ فَالْفَرِيضَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ قَدْرُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقِرَاءَةِ مَقْصُودَةً لَا يَشُوبُهَا قَصْدُ خِطَابِ أَحَدٍ وَلَا جَوَابُهُ وَلَا قَصْدُ التَّلْقِينِ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا يَجْرِي فِي كَلَامِ النَّاسِ وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِهِمَا وَالْوَاجِبَةُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ مَعَ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ، وَالْمَسْنُونَةُ تَتَنَوَّعُ إلَى قِرَاءَةٍ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَالْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ وَتَعْيِينُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْمُصْحَفِ عِنْدَهُمَا. اهـ. مِنْ الدِّرَايَةِ بِاخْتِصَارٍ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ ثَابِتَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَمَا قِيلَ لَوْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَنَحْوَهَا وَقَعَ الْكُلُّ فَرْضًا، وَكَذَا إذَا أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مُشْكِلٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَحَقَّقْ قَدْرُ الْقِرَاءَةِ إلَّا فَرْضًا فَأَيْنَ بَاقِي الْأَقْسَامِ وَجْهُ الْقَيْلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] يُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْآيَةِ وَمَا فَوْقَهَا مُطْلَقًا لِصِدْقِ مَا تَيَسَّرَ عَلَى كُلِّ مَا قُرِئَ فَمَهْمَا قُرِئَ يَكُونُ الْفَرْضُ وَمَعْنَى قَسَّمَ السُّنَّةَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ تَجْعَلَ الْفَرْضَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْعَلُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَعْلُهُ بِعَدَدِ أَرْبَعِينَ مَثَلًا إلَى الْمِائَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَنِصْفُهَا فِي أُخْرَى اخْتَلَفُوا فِيهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ إلَى آخِرِهِ) قُلْت: إنْ اُعْتُبِرَ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْمَرْوِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ فَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا مَا نَصُّهُ وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنْ اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ رَوَاهُ أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِينِ بِإِسْنَادِهِ وَبِمَعْنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ. اهـ. وَأَمَّا فِي الظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ فَلَمْ أَرَهُ بَلْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ غَيْرَ أَنَّ فِي الدِّرَايَةِ مَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ» آيَةً. اهـ. فَتْحٌ

التَّأْخِيرُ فَيُخْشَى بِالتَّطْوِيلِ أَنْ يَقَعَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ فَيُوَقَّتُ فِيهِمَا بِالْأَوْسَاطِ بِخِلَافِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُمَا مَدِيدَةٌ وَسُمِّيَ الْمُفَصَّلُ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ فِيهِ وَقِيلَ لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ فِيهِ، ثُمَّ آخِرَ الْمُفَصَّلِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] بِلَا خِلَافٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَوَّلِهِ فَقِيلَ مِنْ سُورَةِ الْقِتَالِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ الْحُجُرَاتِ وَهُوَ السَّبْعُ الْأَخِيرُ وَقِيلَ مِنْ " ق " وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ الْجَاثِيَةِ وَهُوَ غَرِيبٌ فَالطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى لَمْ يَكُنْ وَالْقِصَارُ مِنْهَا إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ وَقِيلَ الطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى عَبَسَ وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى وَالضُّحَى وَالْقِصَارُ مِنْهَا إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ فِي الْحَضَرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ خَمْسِينَ آيَةً سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ آيَةً إلَى سِتِّينَ وَمِنْ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا وَمُرَادُهُ أَنْ يُوَزِّعَ الْأَرْبَعِينَ أَوْ الْخَمْسِينَ بِأَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ بِمَا بَقِيَ إلَى تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ لَا أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ، ثُمَّ قِيلَ الْمِائَةُ أَكْثَرُ مَا يُقْرَأُ فِيهِمَا وَالْأَرْبَعُونَ أَقَلُّ مَا يُقْرَأُ فِيهِمَا وَقِيلَ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ التَّوْفِيقِ فَقِيلَ إنَّهُ يَقْرَأُ بِالرَّاغِبِينَ إلَى مِائَةٍ وَبِالْكَسَالَى إلَى أَرْبَعِينَ وَبِالْأَوْسَاطِ إلَى السِّتِّينَ وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى طُولِ اللَّيَالِيِ وَقِصَرِهَا فَفِي الشِّتَاءِ يَقْرَأُ مِائَةً وَفِي الصَّيْفِ أَرْبَعِينَ وَفِي الْخَرِيفِ وَالرَّبِيعِ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ. وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى طُولِ الْآيَاتِ وَقِصَرِهَا فَيَقْرَأُ أَرْبَعِينَ إذَا كَانَتْ طِوَالًا كَسُورَةِ الْمُلْكِ وَيَقْرَأُ خَمْسِينَ إذَا كَانَتْ أَوْسَاطًا وَمَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ إذَا كَانَتْ قِصَارًا كَسُورَةِ الْمُزَّمِّلِ وَالْمُدَّثِّرِ وَالرَّحْمَنِ وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى قِلَّةِ الْأَشْغَالِ وَكَثْرَتِهَا وَقِيلَ يَعْتَبِرُ حَالَ نَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ يَقْرَأُ مِائَةً وَإِلَّا فَأَرْبَعِينَ وَأَصْلُ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِيهَا اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ ب ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ» وَنَحْوِهَا وَكَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدُ إلَى تَخْفِيفٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَلَمْ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَنَحْوِهَا وَفِي الظُّهْرِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَفِي الْمَغْرِبِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ». وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُطَالُ أُولَى الْفَجْرِ فَقَطْ) هَذَا قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطِيلَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مَعَهَا وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَيُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ وَلَهُمَا مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالطَّارِقِ» وَنَحْوِهِمَا مِنْ السُّوَرِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ «وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ» وَهُمَا سَوَاءٌ؛ وَلِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ اسْتَوَيَا فِي وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ وَوَصْفِهَا فَيَسْتَوِيَانِ فِي مِقْدَارِهَا بِخِلَافِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَيُطِيلُ الْأُولَى إعَانَةً لَهُمْ عَلَى إدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ كَانَتَا فِي وَقْتِ الِاشْتِغَالِ لَكِنْ بَعْدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ يَتَعَيَّنُ الْإِجَابَةُ فَالتَّقْصِيرُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ. وَمَا رَوَاهُ مِنْ إطَالَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى إطَالَتِهَا بِالثَّنَاءِ وَالِاسْتِعَاذَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَنْ يَقَعَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ إلَى آخِرِهِ) وَالْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ أَعَمُّ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى النِّصْفِ فِي الْعِشَاءِ مُبَاحٌ وَبَعْدَهُ مَكْرُوهٌ وَهَذَا قَرِيبٌ فِي الْعَصْرِ بَعِيدٌ فِي الْعِشَاءِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَيُوَقِّتُ فِيهِمَا بِالْأَوْسَاطِ) قُلْت هَذَا التَّعْلِيلُ مَاشٍ فِي الْعَصْرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي الْعِشَاءِ إذْ بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا لَا تَقَعُ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا مُبَاحٌ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ بَلْ التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ أَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ النَّوْمِ فَبِالتَّأْخِيرِ وَالتَّطْوِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ يَحْصُلُ التَّغْيِيرُ وَالتَّقْلِيلُ لِلْجَمَاعَةِ بِغَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَقِيلَ مِنْ سُورَةِ الْقِتَالِ إلَى آخِرِهِ) السُّورَةُ تُهْمَزُ وَلَا تُهْمَزُ لُغَتَانِ وَتَرْكُ هَمْزِهَا أَشْهَرُ وَأَصَحُّ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ) أَيْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْجَلَّابِيُّ بَدَلُ الْحَلْوَانِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطِيلَ إلَى آخِرِهِ) وَاتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ إطَالَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى إلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُطِيلَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى. اهـ. كَذَا فِي الْغَايَةِ وَفِي الدِّرَايَةِ وَإِطَالَةُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى بِثَلَاثِ آيَاتٍ فَصَاعِدًا فِي الْفَرَائِضِ مَكْرُوهٌ وَفِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ أَمْرَهَا أَسْهَلُ كَذَا فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ وَفِي الْقَنِيَّةِ الْقِرَاءَةُ الْمَسْنُونَةُ يَسْتَوِي فِيهَا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِالثَّنَاءِ وَالِاسْتِعَاذَةِ) أَيْ وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ قَوْلُ الرَّاوِي وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ عَلَى التَّشْبِيهِ فِي أَصْلِ الْإِطَالَةِ لَا فِي قَدْرِهَا فَإِنَّ تِلْكَ الْإِطَالَةَ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُعْتَبَرَةُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَقَدْ قُدِّرَتْ بِأَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى مَثَلًا بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ بِتَمَامِ الْأَرْبَعِينَ؛ وَلِأَنَّ الْإِطَالَةَ فِي الصُّبْحِ لَمَّا كَانَتْ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا بِحَيْثُ تُعَدُّ إطَالَةً لَكِنْ كَوْنُ التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ غَيْرَ الْمُتَبَادَرِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ أَحَبُّ. اهـ. فَتْحٌ

قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ التَّطْوِيلُ يُعْتَبَرُ بِالْآيِ إنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً وَإِنْ كَانَتْ الْآيَاتُ مُتَفَاوِتَةً مِنْ حَيْثُ الطُّولُ وَالْقِصَرُ يُعْتَبَرُ الْكَلِمَاتُ وَالْحُرُوفُ وَلَا يُعْتَبَرُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِيمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّفَاوُتُ بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً فِي الْأُولَى، ثُمَّ يُعِيدَهَا فِي الثَّانِيَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَغْرِبِ إذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ، ثُمَّ قَامَ وَقَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَتَعَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِصَلَاةٍ) لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ الْوَاجِبَاتِ وَيُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ يُؤَقِّتَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ مِثْلُ أَنْ يَقْرَأَ أَلَمْ السَّجْدَةُ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ والإسبيجابي هَذَا إذَا رَآهُ حَتْمًا وَاجِبًا بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُمَا أَوْ رَأَى قِرَاءَةَ غَيْرِهِمَا مَكْرُوهًا أَمَّا لَوْ قَرَأَ لِأَجْلِ التَّيْسِيرِ عَلَيْهِ أَوْ تَبَرُّكًا بِقِرَاءَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا كَرَاهِيَةَ فِي ذَلِكَ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهُمَا أَحْيَانًا لِئَلَّا يَظُنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَجُوزُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ) بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِلْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ قَرَءُوا خَلْفَهُ لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا»؛ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى «{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَانُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَنَزَلَتْ» وَقَالَ أَحْمَدُ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» قَالَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ؛ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْت بِالْقُرْآنِ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قَالَ أَحْمَدُ مَا سَمِعْنَا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يَقُولُ إنَّ الْإِمَامَ إذَا جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ لَا تُجْزِي صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ يَعْنِي خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ وَعَنْ جَابِرٍ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَكَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْمَأْمُومَ مُخَاطَبٌ بِالِاسْتِمَاعِ إجْمَاعًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يُنَافِيهِ إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَصَارَ نَظِيرَ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِالِاسْتِمَاعِ لَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَخْطُبَ لِنَفْسِهِ بَلْ لَا يَجُوزُ فَكَذَا هَذَا فَإِنْ قَالُوا يَتْبَعُ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ قُلْنَا يُشْكِلُ عَلَيْكُمْ فِيمَا إذَا لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفُرُوعٌ مَنْقُولَةٌ مِنْ الْغَايَةِ) كُرِهَ الْجَمْعُ بَيْنَ سُورَتَيْنِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ جَمَاعَةً وَعِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَبَيْنَهُمَا سُوَرٌ أَوْ سُورَةٌ يُكْرَهُ وَإِنْ قَرَأَ بَعْضَ السُّورَةِ فِي رَكْعَةٍ وَبَعْضَهَا فِي الثَّانِيَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ وَسَطِ السُّورَةِ وَمِنْ آخِرِهَا وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً أَوْ آيَةً فِي رَكْعَةٍ، ثُمَّ يَقْرَأَ فِي الثَّانِيَةِ مَا فَوْقَهَا وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَنْكُوسًا فَقَالَ ذَلِكَ مَنْكُوسُ الْقَلْبِ وَهُوَ بِأَنْ يَقْرَأَ سُورَةً، ثُمَّ يَقْرَأَ بَعْدَهَا سُورَةً قَبْلَهَا فِي النَّظْمِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَلَمْ يَكْرَهْهُ مَالِكٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِيمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ إلَى آخِرِهِ) فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَرَأَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الْمَغْرِبِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ أَطْوَلُ مِنْ الْأُولَى». اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ) أَيْ وَالثُّلُثَانِ فِي الْأُولَى وَالثُّلُثُ فِي الثَّانِيَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُشْتَرَطُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا تَحْرِيرَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُدَاوَمَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ مُطْلَقًا مَكْرُوهَةٌ سَوَاءٌ رَآهُ حَتْمًا يُكْرَهُ غَيْرُهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ لَا يُفَصِّلُ وَهُوَ إيهَامُ التَّفْصِيلِ وَهَجْرُ الْبَاقِي لَكِنَّ الْهِجْرَانَ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَقْرَأْ الْبَاقِيَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى فَالْحَقُّ أَنَّهُ إيهَامُ التَّعْيِينِ، ثُمَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَدَمُ الْمُدَاوَمَةِ لَا الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْعَدَمِ كَمَا يَفْعَلُهُ حَنَفِيَّةُ الْعَصْرِ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ بِذَلِكَ أَحْيَانًا تَبَرُّكًا بِالْمَأْثُورِ فَإِنَّ لُزُومَ الْإِيهَامِ يَنْتَفِي بِالتَّرْكِ أَحْيَانًا وَلِذَا قَالُوا السُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَظَاهِرُ هَذَا إفَادَةُ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِيهَامَ الْمَذْكُورَ مُنْتَفٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَلِّي نَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَظُنَّ الْجَاهِلُ إلَى آخِرِهِ) وَلِهَذَا ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ يُكْرَهُ تَخْصِيصُ الْمَكَانِ فِي الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَصِيرُ الصَّلَاةُ طَبْعًا وَالْعِبَادَةُ مَتَى صَارَتْ طَبْعًا فَسَبِيلُهَا التَّرْكُ وَلِهَذَا كُرِهَ صَوْمُ الْأَبَدِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ) أَيْ سَوَاءٌ جَهَرَ الْإِمَامُ أَوْ أَسَرَّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ) أَمَّا الْأُولَى فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] وَهُوَ عَامٌّ فِي الْمُصَلِّينَ، وَكَذَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ». اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَأَنْصِتُوا إلَى آخِرِهِ) فَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلْمُقْتَدِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى حَالَةِ الْخَطِّيَّةِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِمَا فِيهَا لِمَا فِيهَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ فَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَرَكُوا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا «سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ خَلْفَهُ فَقَالَ مَا لِي أُنَازَعُ فِي الْقُرْآنِ» وَقِيلَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامِ وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ الْخَلَّالِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ» وَرُوِيَ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ. اهـ.

[باب الإمامة والحدث في الصلاة]

يَسْكُتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ إجْمَاعًا وَحَدِيثُ عُبَادَةَ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ. وَقَوْلُهُ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ حَظَّ الْمُقْتَدِي الْإِنْصَاتُ وَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ وَقَعَ عَنْهُمَا فَيُجْزِيهِ وَلِهَذَا يُجْزِيهِ إذَا كَانَ مَسْبُوقًا بِالْإِجْمَاعِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَتُهُ لَهُ قِرَاءَةٌ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُنْصِتُ وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ أَوْ خَطَبَ أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)؛ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ وَالْإِنْصَاتَ فَرْضٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ الْقِرَاءَةِ، وَكَذَا الْإِمَامُ نَفْسُهُ لَا يَشْتَغِلُ بِالدُّعَاءِ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا سَأَلَهَا وَآيَةِ عَذَابٍ إلَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ» مَحْمُولٌ عَلَى النَّوَافِلِ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَطْوِيلًا عَلَى الْقَوْمِ وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَكَذَا فِي الْخُطْبَةِ يُنْصِتُ وَيَسْتَمِعُ وَإِنْ صَلَّى الْخَطِيبُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ فَرْضٌ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] فَيُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ، وَكَذَا لَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّهُ وَيُشَمِّتُ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ إذْ الْمَجْلِسُ وَاحِدٌ وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ خَطَبَ إلَى آخِرِهِ ظَاهِرُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَرَأَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فَلَا يَسْتَقِيمُ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْصَاتُ وَاجِبًا قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْصَاتُ فِيهَا وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ أَوْ خَطَبَ وَأَيْضًا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِعَتَيْنِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يُنْصِتُوا إذَا خَطَبَ وَإِنْ صَلَّى الْخَطِيبُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنَّائِي كَالْقَرِيبِ) أَيْ النَّائِي عَنْ الْمِنْبَرِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ كَالْقَرِيبِ مِنْهُ عَلَى الْمُخْتَارِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِنْصَاتُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِمَاعِ لَا يَعْجِزُ عَنْ الْإِنْصَاتِ فَصَارَ كَالْمُؤْتَمِّ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ؛ وَلِأَنَّ صَوْتَهُ قَدْ يَبْلُغُ مَنْ يَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ فَيُشْغِلُهُمْ عَنْ الِاسْتِمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) أَيْ قَوِيَّةٌ تُشْبِهُ الْوَاجِبَ فِي الْقُوَّةِ حَتَّى اُسْتُدِلَّ بِمُلَازَمَتِهَا عَلَى وُجُودِ الْإِيمَانِ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ: إنَّهَا فَرِيضَةٌ، ثُمَّ مِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ: إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ لَهُمْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامُ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» فَتَارِكُ السُّنَّةِ لَا يُحَرَّقُ عَلَيْهِ بَيْتُهُ فَدَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ) مِثْلَ آيَاتِ الْجَنَّةِ. اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ قَرَأَ إلَى آخِرِهِ قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت فَاعِلُ قَرَأَ هُوَ الْإِمَامُ وَفَاعِلُ خَطَبَ هُوَ الْخَطِيبُ وَهُوَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ غَيْرُ إمَامٍ فَيَكُونُ هَذَا الْعَطْفُ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ أُخْرَى وَلَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ فَافْهَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالتَّرْهِيبُ) أَيْ التَّخْوِيفُ مِثْلُ آيَاتِ النَّارِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْإِنْصَاتُ فَرْضٌ بِالنَّصِّ إلَى آخِرِهِ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] وَالْإِنْصَاتُ لَا يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ عَدَمُ الْكَلَامِ لَكِنْ قِيلَ: إنَّهُ السُّكُوتُ لِلِاسْتِمَاعِ لَا مُطْلَقًا وَحَاصِلُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَمْرَانِ الِاسْتِمَاعُ وَالسُّكُوتُ فَيُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأَوَّلُ يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ وَالثَّانِي لَا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَجِبُ السُّكُوتُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ وُرُودَ الْآيَةِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ هَذَا وَفِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ فِي الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ يَكْتُبُ الْفِقْهَ وَبِجَنْبِهِ رَجُلٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ فَالْإِثْمُ عَلَى الْقَارِئِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَرَأَ عَلَى السَّطْحِ بِاللَّيْلِ جَهْرًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ يَأْثَمُ وَهَذَا صَرِيحُ إطْلَاقِ الْوُجُوبِ؛ وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ. اهـ. فَتْحٌ مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ إلَى آخِرِهِ) أَفَادَ وُجُوبَ السُّكُوتِ فِي الثَّانِيَةِ كُلِّهَا أَيْضًا مَا خَلَا الْمُسْتَثْنَى وَرُوِيَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ حَكَى أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ وَاشْتَغَلَ هُوَ بِالِامْتِثَالِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ مُوَافَقَتُهُ وَالْأَشْبَهُ عَدَمُ الِالْتِفَاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالنَّائِي إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا النَّائِي فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَالْأَحْوَطُ السُّكُوتُ يَعْنِي عَدَمَ الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا لَا الْكَلَامَ الْمُبَاحَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْخُطْبَةِ فَكَيْفَ فِي حَالِهَا؛ وَلِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَمِعْ فَقَدْ تُشَوِّشُ هَمْهَمَتُهُ عَلَى مَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ اهـ. [بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ] (بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ) (قَوْلُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ إلَى آخِرِهِ) لَكِنْ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْفَرْضِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقِيلَ: إنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ وَقَوْلُهُ الْآخَرُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَأَصْحَابُهُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَأَقَلُّ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجَمَاعَةُ اثْنَانِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِمَامِ وَاحِدٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ»؛ وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ بِهِ الِاجْتِمَاعُ اثْنَانِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ اهـ

[الأحق بالإمامة]

عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَهَذَا يُفِيدُ الْجَوَازَ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ لَمَا جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ مَعَ الْقِيَامِ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ بَلْ كَانَتْ تَسْقُطُ عَنْهُمْ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ لَا نَفْيُ الْجَوَازِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِلْآبِقِ وَالْمَرْأَةِ النَّاشِزَةِ»، وَكَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهَا فَرِيضَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ لَا يُصَلِّي بِدَلِيلٍ آخَرَ. وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَةَ؛ وَلِأَنَّ إطْلَاقَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] يَقْتَضِي الْجَوَازَ مُطْلَقًا فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ نُسِخَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَفِي الْغَايَةِ قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا: إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَفِي الْمُفِيدِ الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةٌ لِوُجُوبِهَا بِالسُّنَّةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ تَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ عَلَى الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ وَإِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا لَكِنْ لَوْ أَتَى مَسْجِدًا آخَرَ لِيُصَلِّيَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَحَسَنٌ وَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ فَحَسَنٌ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يَجْمَعُ فِي أَهْلِهِ وَيُصَلِّي بِهِمْ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَسْجِدَ حَيِّهِ أَنْ يَتْبَعَ الْجَمَاعَاتِ وَإِنْ دَخَلَهُ صَلَّى فِيهِ وَتَسْقُطُ الْجَمَاعَةُ بِالْأَعْذَارِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُقْعَدِ وَالزَّمِنِ وَمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَمَقْطُوعِ الرِّجْلِ وَالْمَفْلُوجِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ وَالْأَعْمَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ فَقَالَ لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَالطِّينِ وَالْمَطَرِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَعْلَمُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) يَعْنِي الْأَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَقْرَأُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَؤُمُّ الْقَوْمُ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فِي الْقِرَاءَةِ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا وَفِي رِوَايَةٍ سِلْمًا»؛ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا بُدَّ مِنْهَا وَالْحَاجَةَ إلَى الْفِقْهِ إذَا نَابَتْ نَائِبَةٌ وَلَنَا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَؤُمُّ الْقَوْمُ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءٌ فَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» الْحَدِيثُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ» وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَقْرَأُ لِلْقُرْآنِ مِنْهُ مِثْلُ أُبَيٍّ وَغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْقَوْمِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ صِحَّةً وَفَسَادًا فَتَقْدِيمُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِهَا أَوْلَى إذَا عَلِمَ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَدْرَ مَا تَقُومُ بِهِ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ؛ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ يُحْتَاجُ إلَيْهَا لِإِقَامَةِ رُكْنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ رُكْنٌ زَائِدٌ أَيْضًا وَالْفِقْهُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِجَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وَمُسْتَحَبَّاتِهَا وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْأَقْرَأَ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهُ بِأَحْكَامِهِ حَتَّى يُرْوَى عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حَفِظَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا كَانَتْ تَنْزِلُ سُورَةٌ إلَّا وَنَعْلَمُ أَمْرَهَا وَنَهْيَهَا وَزَجْرَهَا وَحَلَالَهَا وَحَرَامَهَا وَالرَّجُلُ الْيَوْمَ يَقْرَأُ السُّورَةَ وَلَا يَعْرِفُ مِنْ أَحْكَامِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَةَ إلَى آخِرِهِ) قُلْت وَلَوْ نَقَلَ الْحَدِيثَ لَا يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَةَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرِيضَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا يُزَادُ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ نَسْخٌ عَلَى مَا عُرِفَ وَبِمِثْلِهِ لَا يَثْبُتُ نَسْخُ الْكِتَابِ وَالْكِتَابُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ بِدُونِ الْجَمَاعَةِ لِمَا مَرَّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا إنَّهَا وَاجِبَةٌ إلَى آخِرِهِ) وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَلَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ نَاحِيَةٍ أَثِمُوا وَوَجَبَ قِتَالُهُمْ بِالسِّلَاحِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَفِي شَرْحِ خُوَاهَرْ زَادَهْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ غَايَةَ التَّأْكِيدِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَقِيلَ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ اهـ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ قَوْلُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ فِيمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَقَدْ سَمَّاهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا سُنَّةً مُؤَكَّدَةً وَهُمَا سَوَاءٌ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْعِبَارَةِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالْوَاجِبَ سَوَاءٌ خُصُوصًا فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَرْخِيَّ سَمَّاهَا سُنَّةً، ثُمَّ فَسَّرَهَا بِالْوَاجِبِ فَقَالَ الْجَمَاعَةُ لَا يُرَخَّصُ لِأَحَدٍ التَّأْخِيرُ عَنْهَا إلَّا بِعُذْرٍ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْوَاجِبِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَعْمَى إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَالْأَعْمَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقٌ وَالْخِلَافُ فِي الْجُمُعَةِ لَا الْجَمَاعَةِ فَفِي الدِّرَايَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَعْمَى وَبِالْمَطَرِ وَالطِّينِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ فِي الصَّحِيحِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ فَقَالَ: لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّإِ الْحَدِيثُ رُخْصَةٌ يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا ابْتَلَّتْ النِّعَالُ فَالصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ» اهـ. وَالنَّعْلُ الْأَرْضُ الْغَلِيظَةُ يَبْرُقُ حَصَاهَا وَلَا تُنْبِتُ شَيْئًا. اهـ. كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَوَّلَ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ. [الْأَحَقّ بِالْإِمَامَةِ] (قَوْلُهُ يَعْنِي الْأَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ) الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الْفِقْهُ وَعِلْمُ الشَّرِيعَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ سَلَّمَا) أَيْ إسْلَامًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا كَانَتْ تَنْزِلُ سُورَةٌ إلَى آخِرِهِ) فَكَانَ الْأَقْرَأُ فِيهِمْ هُوَ الْأَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ وَالْأَحْكَامِ فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَكَثِيرٌ مِنْ الْقُرَّاءِ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي الْعِلْمِ. اهـ. غَايَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: الْكَلَامُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْجَوَازِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَالْحَدِيثُ بِصِيغَتِهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إمَامَةِ الثَّانِي عِنْدَ وُجُودِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ صِيغَتَهُ صِيغَةُ إخْبَارٍ وَهُوَ فِي اقْتِضَاءِ الْوُجُوبِ آكَدُ مِنْ الْأَمْرِ أَوْ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِالشَّرْطِ قُلْنَا صِيغَةُ الْإِخْبَارِ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّةِ لَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ صِيغَةَ

شَيْئًا؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَاهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَانَ يُسْتَدَلُّ بِحِفْظِهِ عَلَى عِلْمِهِ لِقُرْبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ وَلَمَّا طَالَ الزَّمَانُ وَتَفَقَّهُوا قُدِّمَ الْأَعْلَمُ نَصًّا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَعْلَمُهُمْ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأَقْرَأُ) لِمَا رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأَوْرَعُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْعَلُوا أَئِمَّتَكُمْ خِيَارَكُمْ فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ»؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّمَ أَقْدَمَهُمْ هِجْرَةً وَلَا هِجْرَةَ الْيَوْمَ فَأَقَمْنَا الْوَرَعَ مَقَامَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأَسَنُّ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَلِصَاحِبٍ لَهُ «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاة فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» وَلَمْ يَذْكُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّقْدِيمَ بِالْقِرَاءَةِ وَالْعِلْمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِيهِمَا؛ وَلِأَنَّ الْأَكْبَرَ سِنًّا يَكُونُ أَخْشَعَ قَلْبًا عَادَةً وَأَعْظَمَهُمْ بَيْنَهُمْ حُرْمَةً وَرَغْبَةً وَالنَّاسُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ أَكْثَرُ فَيَكُونُ فِي تَقْدِيمِهِ تَكْثِيرُ الْجَمَاعَةِ فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فِي السِّنِّ فَأَحْسَنُهُمْ خُلُقًا فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَكْمَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَثْرَةُ الْجَمَاعَةِ وَرَغْبَةُ النَّاسِ فِيهِ أَكْثَرَ وَاجْتِمَاعُهُمْ عَلَيْهِ أَوْفَرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ إمَامَةُ الْعَبْدِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لِلتَّعَلُّمِ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ (وَالْأَعْرَابِيِّ) وَهُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ عَجَمِيًّا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ (وَالْفَاسِقِ) لِأَنَّهُ لَا يَهْتَمُّ لِأَمْرِ دِينِهِ؛ وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ لِلْإِمَامَةِ تَعْظِيمَهُ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ إهَانَتُهُ شَرْعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُبْتَدِعِ) أَيْ صَاحِبِ الْهَوَى قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ صَاحِبِ هَوًى وَبِدْعَةٍ وَلَا تَجُوزُ خَلْفَ الرَّافِضِيِّ وَالْجَهْمِيِّ وَالْقَدَرِيِّ وَالْمُشَبِّهِ وَمَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، حَاصِلُهُ إنْ كَانَ هَوَى لَا يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَعْمَى) لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ وَلَا يَهْتَدِي إلَى الْقِبْلَةِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِيعَابِ الْوُضُوءِ غَالِبًا وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا كَانَ لَا يُوَازِيه غَيْرُهُ فِي الْفَضِيلَةِ فِي مَسْجِدِهِ فَهُوَ أَوْلَى وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ «اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَعِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ عَلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَا أَعْمَيَيْنِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَلَدِ الزِّنَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُعَلِّمُهُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ وَإِنْ تَقَدَّمُوا جَازَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِخْبَارِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَعْنَى الْأَمْرِ وَلَكِنْ يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِوُجُودِ الْجَوَازِ بِدُونِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ الْأَقْرَأُ فِي الْحَدِيثِ الْأَعْلَمُ يَلْزَمُ تَكْرَارُ الْأَعْلَمِ فِي الْحَدِيثِ وَيَئُولُ تَقْدِيرُهُ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَعْلَمُهُمْ فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَعْلَمُهُمْ قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فَأَعْلَمُهُمْ بِأَحْكَامِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ السُّنَّةِ، وَمِنْ قَوْلِهِ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ أَعْلَمُهُمْ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ جَمِيعًا فَكَانَ الْأَعْلَمُ الثَّانِي غَيْرَ الْأَعْلَمِ الْأَوَّلِ. اهـ. دِرَايَةٌ وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِمَسَائِلِ الصَّلَاةِ مُتَبَحِّرًا فِيهَا غَيْرَ مُتَبَحِّرٍ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْمُتَبَحِّرِ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الْمُجْتَبَى فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْعِلْمِ وَأَحَدُهُمَا أَقْرَأُ فَقَدَّمُوا غَيْرَهُ أَسَاءُوا وَلَا يَأْثَمُونَ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: ثُمَّ الْأَوْرَعُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: ثُمَّ الْوَرَعُ لَيْسَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ فِي تَرْتِيبِ الْإِمَامَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَعْلَمِ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً وَلَكِنْ أَصْحَابُنَا وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ جَعَلُوا مَكَانَ الْهِجْرَةِ الْوَرَعَ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ مُنْقَطِعَةٌ فِي زَمَانِنَا، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَإِنَّمَا الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السَّيِّئَاتِ» فَجَعَلُوا الْهِجْرَةَ عَنْ الْمَعَاصِي مَكَانَ تِلْكَ الْهِجْرَةِ فَإِنَّ هِجْرَتَهُمْ لِتَعَلُّمِ الْأَحْكَامِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَزْدَادُ الْوَرَعُ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِلَاكُ دِينِكُمْ الْوَرَعُ» وَفِي الْحَدِيثِ «الْجِهَادُ جِهَادَانِ أَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْآخَرِ وَهُوَ أَنْ تُجَاهِدَ نَفْسَك وَهَوَاك وَالْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ إحْدَاهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْأُخْرَى وَهُوَ أَنْ تَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ». اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، ثُمَّ الْأَسَنُّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ مَنْ امْتَدَّ عُمُرُهُ إلَى الْإِسْلَامِ كَانَ أَكْثَرَ طَاعَةٍ وَمُدَاوَمَةٍ عَلَى الْإِسْلَامِ قَالَ الثَّوْرِيُّ الْمُرَادُ بِالسِّنِّ سِنٌّ مَضَى فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ أَسْلَمَ قَرِيبًا عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا إلَى آخِرِهِ) وَفَسَّرَ فِي الْكَافِي حَسَنَ الْوَجْهِ بِأَنْ يُصَلِّيَ فِي اللَّيْلِ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى مَا رَوَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ» وَالْمُحَدِّثُونَ لَا يُثْبِتُونَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَكُرِهَ إمَامَةُ الْعَبْدِ إلَى آخِرِهِ) فَلَوْ اجْتَمَعَ الْمُعْتَقُ وَالْحُرُّ الْأَصْلِيُّ وَاسْتَوَيَا فِي الْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ فَالْحُرُّ الْأَصْلِيُّ أُولَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمُبْتَدِعِ إلَى آخِرِهِ) الْبِدْعَةُ هِيَ الْحَدَثُ فِي الدِّينِ فَإِنْ اخْتَصَّ بِالِاعْتِقَادِ فَهَوَى اهـ مُوضِحٌ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» إلَى آخِرِهِ) تَمَامُ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ «وَصَلُّوا عَلَى كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» فَأَعَلَّهُ بِأَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ دُونَهُ ثِقَاتٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَنْ سَمَّى الْإِرْسَالَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ حُجَّةٌ مَقْبُولَةٌ عِنْدَنَا وَرَوَاهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ وَأَعَلَّهُ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَالْعُقَيْلِيِّ كُلُّهَا مُضَعَّفَةٌ مِنْ قِبَلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَبِذَلِكَ يَرْتَقِي إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ الصَّوَابُ. اهـ. كَمَالٌ وَفِي الْمُجْتَبَى وَقِيلَ: إمَامَةُ الْمُقِيمِ لِلْمُسَافِرِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ وَعَنْ أَبِي الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيِّ هُمَا سَوَاءٌ اهـ. وَفِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ مُخْتَصَرِ الْجَوَاهِرِ يُرَجَّحُ بِالْفَضَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْخَلِيفِيَّةِ وَالْمَكَانِيَّةِ وَكَمَالُ الصُّورَةِ كَالشَّرَفِ فِي النَّسَبِ وَالسِّنِّ، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ حَسَنُ اللِّبَاسِ وَقِيلَ وَبِصَبَاحَةِ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخَلْقِ وَبِمِلْكِ رَقَبَةِ الْمَكَانِ أَوْ مَنْفَعَتِهِ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْلَى مِنْ الْمَالِكِ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي هَذِهِ الْخِصَالِ يُقْرَعُ أَوْ الْخِيَارُ إلَى الْقَوْمِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ أَحْرَزَ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ لَكِنْ لَا يُحْرِزُ ثَوَابَ الْمُصَلِّي خَلْفَ تَقِيٍّ اهـ. يُرِيدُ بِالْمُبْتَدَعِ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ وَلَا بَأْسَ بِتَفْصِيلِهِ الِاقْتِدَاءَ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ جَائِزٌ إلَّا الْجَهْمِيَّةَ وَالْقَدَرِيَّةَ وَالرَّوَافِضَ وَالْقَائِلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَالْخَطَّابِيَّةَ وَالْمُشَبِّهَةَ وَجُمْلَتُهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا وَلَمْ يَغْلُ حَتَّى لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَتُكْرَهُ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ

بَرٍّ وَفَاجِرٍ» وَالْفَاجِرُ إذَا تَعَذَّرَ مَنْعُهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ خَلْفَهُ وَفِي غَيْرِهَا يَنْتَقِلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ يُصَلِّيَانِ الْجُمُعَةَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ قَالَ (وَتَطْوِيلُ الصَّلَاةِ) أَيْ كُرِهَ تَطْوِيلُ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذْ أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلِيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ»، وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ «مَا صَلَّيْت وَرَاءَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَمَاعَةُ النِّسَاءِ) أَيْ كُرِهَ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا»؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُنَّ أَحَدُ الْمَحْظُورَيْنِ إمَّا قِيَامُ الْإِمَامِ وَسَطَ الصَّفِّ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ تَقَدَّمَ الْإِمَامُ وَهُوَ أَيْضًا مَكْرُوهٌ فِي حَقِّهِنَّ فَصِرْنَ كَالْعُرَاةِ لَمْ يُشْرَعْ فِي حَقِّهِنَّ الْجَمَاعَةُ أَصْلًا وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ لَهُنَّ الْأَذَانُ وَهُوَ دُعَاءٌ إلَى الْجَمَاعَةِ وَلَوْلَا كَرَاهِيَةُ جَمَاعَتِهِنَّ لَشُرِعَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ فَعَلْنَ يَقِفُ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَلْفَ مُنْكِرِ الشَّفَاعَةِ وَالرُّؤْيَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لِتَوَارُثِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَنْ قَالَ لَا يَرَى لِعَظَمَتِهِ وَجَلَالَتِهِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ كَذَا قِيلَ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الدَّلِيلِ إذَا تَأَمَّلْت، وَلَا يُصَلِّي خَلْفَ مُنْكِرِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْمُشَبِّهِ إذَا قَالَ لَهُ تَعَالَى يَدٌ وَرِجْلٌ كَمَا لِلْعِبَادِ فَهُوَ كَافِرٌ مَلْعُونٌ وَإِنْ قَالَ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إطْلَاقَ لَفْظِ الْجِسْمِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُوهِمٌ لِلنَّقْصِ فَرَفَعَهُ بِقَوْلِهِ لَا كَالْأَجْسَامِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدَ الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ مَعْصِيَةٌ تَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْإِيهَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ عَلَى التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ وَقِيلَ يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا وَهُوَ حَسَنٌ بَلْ أَوْلَى بِالتَّكْفِيرِ وَفِي الرَّوَافِضِ إنْ فَضَّلَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الثَّلَاثَةِ فَمُبْتَدَعٌ وَإِنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ أَوْ عُمَرَ فَهُوَ كَافِرٌ وَمُنْكِرُ الْمِعْرَاجِ إنْ أَنْكَرَ الْإِسْرَاءَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَكَافِرٌ وَإِنْ أَنْكَرَ الْمِعْرَاجَ مِنْهُ فَمُبْتَدَعٌ اهـ مِنْ الْخُلَاصَةِ إلَّا تَعْلِيلَ إطْلَاقِ الْجِسْمِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ لَا تَجُوزُ وَبِخَطِّ الْحَلْوَانِيِّ تُمْنَعُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يَخُوضُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَيُنَاظِرُ أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ كَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُتَكَلِّمِ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِحَقٍّ. قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ أَبِي يُوسُفَ مَنْ يُنَاظِرُ فِي دَقَائِقِ عِلْمِ الْكَلَامِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى: وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُتَكَلِّمِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الَّذِي قَرَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ حِينَ رَأَى ابْنَهُ حَمَّادًا يُنَاظِرُ فِي الْكَلَامِ فَنَهَاهُ فَقَالَ رَأَيْتُك تُنَاظِرُ فِي الْكَلَامِ وَتَنْهَانِي فَقَالَ كُنَّا نُنَاظِرُ وَكَأَنَّ عَلَى رُؤْسِنَا الطَّيْرَ مَخَافَةَ أَنْ يَزِلَّ صَاحِبُنَا وَأَنْتُمْ تُنَاظِرُونَ وَتُرِيدُونَ زِلَّةَ صَاحِبِكُمْ وَمَنْ أَرَادَ زِلَّةَ صَاحِبِهِ فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَكْفُرَ فَهُوَ قَدْ كَفَرَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَهَذَا هُوَ الْخَوْضُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَهَذَا الْمُتَكَلِّمُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِكُفْرِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مَعَ مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ عَنْ عَدَمِ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْمُبْتَدَعَةِ كُلِّهِمْ مَحْمَلُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْمُعْتَقَدَ نَفْسُهُ كُفْرٌ فَالْقَائِلُ بِهِ قَائِلٌ بِمَا هُوَ كُفْرٌ وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ قَوْلِهِ ذَلِكَ عَنْ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ وَمُجْتَهِدًا فِي طَلَبِ الْحَقِّ لَكِنْ جَزْمُهُمْ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْجَمْعُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ خَلْفَهُمْ عَدَمُ الْحِلِّ أَيْ عَدَمُ حِلِّ أَنْ يَفْعَلَ وَهُوَ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِخِلَافِ مُطْلَقِ اسْمِ الْجِسْمِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِاخْتِيَارِهِ إطْلَاقَ مَا هُوَ مُوهِمٌ النَّقْصَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَلَوْ نَفَى التَّشْبِيهَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا التَّسَاهُلَ وَالِاسْتِخْفَافَ بِذَلِكَ وَفِي مَسْأَلَةِ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ قَوْلٌ آخَرُ ذَكَرْته فِي الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُسَايِرَةِ وَيُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَشْهُورِ بِآكِلِ الرِّبَا وَيَجُوزُ بِالشَّافِعِيِّ بِشُرُوطٍ نَذْكُرُهَا فِي بَابِ الْوِتْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِهَا يَنْتَقِلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ) لِأَنَّ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ يَجِدُ إمَامًا غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ قَالَ الْكَمَالُ: يَعْنِي أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنَّهُ يَتَحَوَّلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَلَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَى هَذَا فَتُكْرَهُ فِي الْجُمُعَةِ إذَا تَعَدَّدَتْ إقَامَتُهَا فِي الْمِصْرِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ التَّحَوُّلِ حِينَئِذٍ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ يَكُونُ مُحْرِزًا ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» أَمَّا لَا يَنَالُ ثَوَابَ مَنْ صَلَّى خَلْفَ التَّقِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ يُصَلِّيَانِ الْجُمُعَةَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ) أَيْ وَقَدْ كَانَ فِي غَايَةِ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا صَبْرًا وَمَاتَ فِي حَبْسِهِ خَمْسُونَ أَلْفًا مِنْ الرِّجَالِ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا مِنْ النِّسَاءِ سِوَى مَنْ قَتَلَ فِي حُرُوبِهِ وَزُحُوفِهِ وَكَانَ حَبْسُهُ يُقَالُ لَهُ الْجَائِرُ بِغَيْرِ سَقْفٍ صَيْفًا وَشِتَاءً وَيُسْقَوْنَ الْمَاءَ بِالرَّمَادِ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَوْ جَاءَ كُلُّ أُمَّةٍ بِخَبِيثَاتِهَا جِئْنَا بِأَبِي مُحَمَّدٍ وَغَلَبْنَاهُمْ يَعْنِي الْحَجَّاجَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا) الْمَخْدَعُ الْخِزَانَةُ تَكُونُ فِي الْبَيْتِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمَخْدَعُ بِضَمِّ الْمِيمِ بَيْتٌ صَغِيرٌ يُحْرَزُ فِيهِ الشَّيْءُ وَتَثْلِيثُ الْمِيمِ لُغَةً. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ فَعَلْنَ يَقِفُ الْإِمَامُ وَسْطَهُنَّ) قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ الْإِمَامُ مَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ أَيْ يُقْتَدَى بِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَمِنْهُ قَامَتْ الْإِمَامُ وَسْطَهُنَّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْإِمَامَةُ وَتَرْكُ الْهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ أَيْ مَصْدَرٌ لَا وَصْفٌ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تَقُولُ جَلَسْت وَسْطَ الْقَوْمِ بِالْإِسْكَانِ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ وَجَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ وَكُلُّ مَوْضِعٍ صَلُحَ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ سَاكِنٌ وَمَا لَا يَصْلُحُ فَهُوَ بِالْفَتْحِ وَرُبَّمَا سَكَنَ وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ وَفِي الْفَصِيحِ وَجَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ وَاحْتَجَمْت وَسَطَ رَأْسِي بِالْفَتْحِ وَمِنْهُ يَشُدُّ فِي وَسَطِهِ الْهِمْيَانَ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ كُلُّ مَا كَانَ يَبِينُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ كَوَسْطِ الْقِلَادَةِ وَالصَّفِّ وَالسُّبْحَةِ فَهُوَ

كَالْعُرَاةِ)؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَعَلَتْ كَذَلِكَ حِينَ كَانَ جَمَاعَتُهُنَّ مُسْتَحَبَّةً، ثُمَّ نُسِخَ الِاسْتِحْبَابُ؛ وَلِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَنْ الْبُرُوزِ وَلَا سِيَّمَا فِي الصَّلَاةِ وَلِهَذَا كَانَ صَلَاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ وَتَنْخَفِضُ فِي سُجُودِهَا وَلَا تُجَافِي بَطْنَهَا عَنْ فَخِذَيْهَا وَفِي تَقْدِيمِ إمَامَتِهِنَّ زِيَادَةُ الْبُرُوزِ فَيُكْرَهُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ حَيْثُ يُصَلِّينَ وَحْدَهُنَّ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ فَلَا تُتْرَكُ بِالْمَحْظُورِ؛ وَلِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ مُكَرَّرَةً فَإِذَا صَلَّيْنَ فُرَادَى تَفُوتُهُنَّ بِفَرَاغِ الْوَاحِدَةِ قَبْلَهُنَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقِفُ الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ مُسَاوِيًا لَهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَضَعُ إصْبَعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ عِنْدَ الْعَوَامّ وَلَنَا حَدِيثُ «ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَامَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ» وَيُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَسَارِهِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ خَلْفَهُ فِي رِوَايَةٍ وَيُكْرَهُ فِي أُخْرَى وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنْ صَلَّى خَلْفَهُ جَازَتْ، وَكَذَا إنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ مُسِيءٌ فَمِنْهُمْ مَنْ صَرَفَ قَوْلَهُ وَهُوَ مُسِيءٌ إلَى الْأَخِيرِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَفَهُ إلَى الْفِعْلَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالصَّبِيُّ فِي هَذَا كَالْبَالِغِ حَتَّى يَقِفَ عَنْ يَمِينِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالِاثْنَانِ خَلْفَهُ) أَيْ يَقِفُ الِاثْنَانِ خَلْفَهُ يَعْنِي خَلْفَ الْإِمَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَتَوَسَّطُهُمَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَوَقَفَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ هَكَذَا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَنَا حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «قُمْت عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَجَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» وَفِعْلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ كَانَ لِضِيقِ الْمَكَانِ كَذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَهُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَذْهَبِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْإِبَاحَةِ وَمَا رَوَيْنَاهُ دَلِيلُ الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ صَبِيٌّ يَعْقِلُ وَامْرَأَةٌ يَقُومُ الصَّبِيُّ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَصُفُّ الرِّجَالُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ النِّسَاءُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّ خَيْرَ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرَّهَا آخِرُهَا وَخَيْرَ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرَّهَا أَوَّلُهَا»؛ وَلِأَنَّ فِي الْمُحَاذَاةِ مَفْسَدَةً فَيُؤَخِّرْنَ وَيَنْبَغِي لِلْقَوْمِ إذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ أَنْ يَتَرَاصُّوا وَيَسُدُّوا الْخَلَلَ وَيُسَوُّوا بَيْنَ مَنَاكِبِهِمْ فِي الصُّفُوفِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ الْإِمَامُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ الْقُلُوبِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ بِإِزَاءِ الْوَسَطِ فَإِنْ وَقَفَ فِي مَيْمَنَةِ الصَّفِّ أَوْ مَيْسَرَتِهِ فَقَدْ أَسَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَحَارِيبَ لَمْ تُنْصَبْ إلَّا فِي الْوَسَطِ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ لِمَقَامِ الْإِمَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَاذَتْهُ مُشْتَهَاةٌ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً فِي مَكَان مُتَّحَدٍ بِلَا حَائِلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِسْكَانِ وَمَا كَانَ مُنْضَمًّا لَا يَبِينُ كَالدَّارِ وَالسَّاحَةِ فَهُوَ بِالْفَتْحِ وَأَجَازُوا فِي الْمَفْتُوحِ الْإِسْكَانَ وَلَمْ يُجِيزُوا فِي السَّاكِنِ الْفَتْحَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: كَالْعُرَاةِ) أَيْ لَيْسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ فِي أَفْضَلِيَّةِ الِانْفِرَادِ وَفِي أَفْضَلِيَّةِ قِيَامِ الْإِمَامِ وَسَطَهُنَّ، وَأَمَّا الْعُرَاةُ فَيُصَلُّونَ قُعُودًا بِإِيمَاءٍ فَهُوَ أَفْضَلُ وَلَا كَذَلِكَ النِّسَاءُ بَلْ يُصَلِّينَ قَائِمَاتٍ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ حَيْثُ يُصَلِّينَ وَحْدَهُنَّ جَمَاعَةً إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِلَا كَرَاهَةٍ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَضَعُ إصْبَعَهُ إلَى آخِرِهِ) وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَسَارِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي أَطْوَلَ وَسُجُودُهُ قُدَّامَ الْإِمَامِ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَوْضِعِ الْوُقُوفِ اهـ دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِضِيقِ الْمَكَانِ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ وَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِضِيقِ الْمَكَانِ لَيْسَ لَهُ مَكَانٌ بَلْ مَا قَالَهُ الْحَازِمِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا فَعَلَهُ بِمَكَّةَ إذْ فِيهَا التَّطْبِيقُ وَأَحْكَامٌ أُخَرُ هِيَ الْآنَ مَتْرُوكَةٌ وَهَذَا مِنْ جُمْلَتِهَا وَلَمَّا قَدِمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الشَّارِحُ هُنَا اهـ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِيَلِيَنِي إلَى آخِرِهِ) قِيلَ اسْتَدَلَّا لَهُ بِهِ عَلَى سُنِّيَّةِ صَفِّ الرِّجَالِ، ثُمَّ الصِّبْيَانِ، ثُمَّ النِّسَاءِ لَا يَتِمُّ إنَّمَا فِيهِ تَقْدِيمُ الْبَالِغِينَ أَوْ نَوْعٍ مِنْهُمْ وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ «يَا مَعْشَرَ الْأَشْعَرِيِّينَ اجْتَمِعُوا وَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ حَتَّى أُرِيَكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاجْتَمَعُوا وَجَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَأَرَاهُمْ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفَّ الرِّجَالَ، ثُمَّ أَدْنَى الصَّفَّ وَصَفَّ الْوِلْدَانَ خَلْفَهُمْ وَصَفَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الصِّبْيَانِ» الْحَدِيثُ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. اهـ. فَتْحٌ وَاعْلَمْ أَنَّ صَفَّ الْخَنَاثَى بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَبَعْدَ النِّسَاءِ الْمُرَاهِقَاتِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إنَّ خَيْرَ صُفُوفِ الرِّجَالِ) أَيْ أَفْضَلَ صُفُوفِ الرِّجَالِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ آخِرُهَا وَفِي غَيْرِهَا أَوَّلُهَا إظْهَارًا لِلتَّوَاضُعِ لِتَكُونَ شَفَاعَتُهُ أَدْعَى إلَى الْقَبُولِ اهـ فَنِيَّةٌ فِي الْجَنَائِزِ (قَوْلُهُ إلَى اخْتِلَافِ الْقُلُوبِ) أَيْ وَتَغْيِيرُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْض فَيَكُونُ تَحْذِيرًا مِنْ وُقُوعِ التَّبَاغُضِ وَالتَّنَافُرِ وَعَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ حَاذَتْهُ) أَيْ الْمُصَلِّي أُنْثَى اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مُشْتَهَاةٌ) أَيْ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فِي صَلَاةٍ إلَى آخِرِهِ) فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ أَيْ حَالِ كَوْنِهِمَا فِي صَلَاةٍ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فِي مَكَان) نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا اهـ وَلَوْ قَامَ وَاحِدٌ بِجَنْبِ الْإِمَامِ وَخَلْفُهُ صَفٌّ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: بِلَا حَائِلٍ) أَيْ لِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ تَقُومُ بِهِمَا فَلَوْ كَانَتْ عِلَّةُ الْفَسَادِ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِهِمَا لَكَانَ الْحُكْمُ وَهُوَ الْفَسَادُ ثَابِتًا فِي حَقِّهِمَا إذْ الِاسْتِوَاءُ فِي الْعِلَّةِ يَقْتَضِي الِاسْتِوَاءَ فِي الْمَعْلُولِ. اهـ. رَازِيٌّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا وَقَفَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ

فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إنْ نَوَى إمَامَتَهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَفْسُدُ اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهَا وَتَرْكُ مَكَانِهَا فِي الصَّفِّ لَا يُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ الرَّجُلِ كَالصَّبِيِّ إذَا حَاذَى الرَّجُلَ فَصَارَتْ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الرَّجُلَ مَأْمُورٌ بِتَأْخِيرِ النِّسَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» فَإِذَا تَرَكَ التَّأْخِيرَ فَقَدْ تَرَكَ مَكَانَهُ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَالْمُقْتَدِي إذَا تَقَدَّمَ عَلَى إمَامِهِ وَكَسَائِرِ الْمُنْهَيَاتِ مِنْ الْكَلَامِ وَالْحَدَثِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُفْسِدِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَأْمُورَةٍ بِالتَّأْخِيرِ؛ وَلِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ حَالَةُ الْمُنَاجَاةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْطُرَ بِبَالِهِ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيكِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى فَسَادِ الصَّلَاةِ، وَمُحَاذَاتُهَا الرَّجُلَ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ مِنْ الْفَرَائِضِ صِيَانَةً لِصَلَاتِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ بِخِلَافِ مُحَاذَاةِ الصَّبِيِّ حَيْثُ لَا تَفْسُدُ لِخُلُوِّهِ عَمَّا يُوجِبُ التَّشْوِيشَ، وَلَئِنْ وُجِدَ فَهُوَ نَادِرٌ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَفِي الْمَرْأَةِ وُجِدَ الدَّاعِي مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَقَوِيَ السَّبَبُ فَافْتَرَقَا وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنَّمَا هِيَ دُعَاءٌ لِلْمَيِّتِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَرْأَةِ إجْمَاعًا لِعِلَّةِ وُجُوبِ التَّأْخِيرِ لَا لِدُنُوِّ حَالِ صَلَاتِهَا كَصَلَاةِ الصَّبِيِّ وَلَا لِتَغَايُرِ الْفَرْضِ وَلَا لِعَدَمِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا كَأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ مِنْ الْمُسْتَحَاضَةِ وَنَحْوِهَا وَتِلْكَ الْعِلَّةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ أَنْ يُحَاذِيَهُ وَبَيْنَ أَنْ تَتَقَدَّمَهُ إذْ عَدَمُ التَّأْخِيرِ فِيهِمَا مَعَ الْمُشَارَكَةِ فِي الصَّلَاةِ قَدْ وُجِدَ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ. وَنَقُولُ: إنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ، فَجَازَ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمُحَاذَاةِ السَّاقُ وَالْكَعْبُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ إلَى آخِرِهِ قَدْ تَضْمَنُ شُرُوطًا مُجْمَلَةً فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِهَا وَتَفْسِيرُ كُلِّ شَرْطٍ عَلَى حِيَالِهِ فَتَقُولُ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمُحَاذِيَةُ مُشْتَهَاةً بِأَنْ كَانَتْ بِنْتَ سَبْعِ سِنِينَ اعْتِبَارًا بِتَزَوُّجِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا حَتَّى صَلُحَتْ كَمَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ وَقِيلَ: بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ نَظَرًا إلَى بِنَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِهَا وَلِهَذَا تَبْلُغُ فِي التِّسْعِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ السِّنَّ الَّتِي ذُكِرَتْ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَصْلُحَ لِلْجِمَاعِ بِأَنْ تَكُونَ عَبْلَةً ضَخْمَةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَحْرَمًا أَوْ أَجْنَبِيَّةً لِلْإِطْلَاقِ وَلَا تَفْسُدُ بِالْمَجْنُونَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ صَلَاتِهَا وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُطْلَقَةً وَهِيَ الَّتِي لَهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ وَإِنْ كَانَا يُصَلِّيَانِ بِالْإِيمَاءِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي الْأَصْلِ، وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا تَحْرِيمَةٌ وَأَدَاءٌ يَعْنِي بِالْمُشْتَرَكَةِ تَحْرِيمَةَ أَنْ يَكُونَا بَانِيَيْنِ تَحْرِيمَتَهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَيَعْنِي بِالْمُشْتَرَكَةِ أَدَاءً أَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَالْمُدْرِكُ بِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَكَان وَاحِدٍ يُصَلِّي كُلٌّ مِنْهُمَا وَحْدَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الرَّجُلِ وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ مُحَاذَاةَ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ فِي صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ إنَّمَا تُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا عَوْرَةٌ فَرُبَّمَا تُشَوِّشُ الْأَمْرَ عَلَى الْمُصَلِّي فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِفَسَادِ صَلَاةِ الرَّجُلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ حَكَى عَنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ صُورَةً فِي الْمُحَاذَاةِ تَفْسُدُ فِيهَا صَلَاةُ الْمَرْأَةِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الرَّجُلِ وَبَيَانُهَا جَاءَتْ امْرَأَةٌ فَشَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَمَا شَرَعَ الرَّجُلُ نَاوِيًا إمَامَةَ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً حِينَ شَرَعَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ فَقَامَتْ بِحِذَائِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهَا خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ فَإِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّأْخِيرُ لَهَا فَقَدْ تَرَكَ فَرْض الْمُقَامِ، وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهَا لَا يُمْكِنُهُ التَّأْخِيرَ بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهَا خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا تَأْخِيرُهَا بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِالْيَدِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ التَّأْخِيرُ فَيَلْزَمُهَا التَّأَخُّرُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ فَإِذَا لَمْ تَتَأَخَّرْ فَقَدْ تَرَكَتْ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ الْمَقَامِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهَا قَالَ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَفْسُدُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَهُوَ الْقِيَاسُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَقَالَتْ الثَّلَاثَةُ الْمُحَاذَاةُ غَيْرُ مُفْسِدَةٍ أَصْلًا اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُحَاذَاةِ الصَّبِيِّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا مُحَاذَاةُ الْأَمْرَدِ فَصَرَّحَ الْكُلُّ بِعَدَمِ إفْسَادِهِ إلَّا مَنْ شَذَّ وَلَا مُتَمَسَّكَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَا فِي الدِّرَايَةِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْمَرْأَةِ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِعُرُوضِ الشَّهْوَةِ بَلْ هُوَ لِتَرْكِ فَرْضِ الْقِيَامِ وَلَيْسَ هَذَا فِي الصَّبِيِّ وَمَنْ تَسَاهَلَ فَعَلَّلَ بِهِ صَرَّحَ بِنَفْيِهِ فِي الصَّبِيِّ مُدَّعِيًا عَدَمَ اشْتِهَائِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ) قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ لَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الْمَشَاهِيرِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اهـ. (قَوْلُهُ وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْخَلَّاطِيِّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ الْمُفْسِدَةَ هِيَ أَنْ تُحَاذِيَ قَدَمَ الْمَرْأَةِ عُضْوًا مِنْ الْمُصَلِّي حَتَّى لَوْ كَانَتْ عَلَى ظُلَّةٍ وَحَاذَتْ رَجُلًا أَسْفَلَ مِنْهَا إنْ حَاذَى قَدَمَهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ إنَّ السِّنَّ الَّتِي ذَكَرْت إلَى آخِرِهِ) أَيْ السِّنَّ مِنْ الْفَمِ مُؤَنَّثَةٌ وَالسِّنُّ إذَا عَنَيْت بِهِ الْعُمْرَ مُؤَنَّثَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْمُدَّةِ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِاتِّحَادِ الْفَرْضَيْنِ وَبِاقْتِدَاءِ الْمُتَطَوِّعَةِ بِالْمُتَطَوِّعِ وَبِالْمُفْتَرِضِ اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ) أَوْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَؤُمُّ الْآخَرَ فِيمَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا فَلَوْ اقْتَدَتْ نَاوِيَةً لِلْعَصْرِ بِمُصَلَّى الظُّهْرِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ حَيْثُ الْفَرْضُ وَصَحَّ نَفْلًا فَحَاذَتْهُ فَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْأَذَانِ تَفْسُدُ وَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ مِنْ الْمَبْسُوطِ لَا وَقِيلَ رِوَايَةُ بَابِ الْأَذَانِ قَوْلُهُمَا وَرِوَايَةُ بَابِ الْحَدَثِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي خِلَالِهَا عِنْدَهُمَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَتْ ابْتِدَاءَ النَّفْلِ حَيْثُ تَفْسُدُ بِلَا تَرَدُّدٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ) أَيْ أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا إمَامًا لِلْآخَرِ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ تَحْقِيقًا) أَيْ حَالَ الْمُحَاذَاةِ اهـ

تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تَحْرِيمَتِهِ، وَكَذَا بِأَنَّ أَدَاءَهُ عَلَى أَدَاءِ الْإِمَامِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُفَارِقْهُ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهَا وَاللَّاحِقُ بِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ حَقِيقَةً لِالْتِزَامِهِ مُتَابَعَتَهُ وَهُوَ الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ وَفَاتَهُ مِنْ الْآخَرِ بِسَبَبِ النَّوْمِ أَوْ الْحَدَثِ، وَكَذَا بِأَنَّ أَدَاءَهُ فِيمَا يَقْضِيه عَلَى أَدَاءِ الْإِمَامِ تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَتَهُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ بِالتَّحْرِيمَةِ فَتَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً فَيَبْقَى حُكْمُ تِلْكَ الشَّرِكَةِ مَا لَمْ تَنْتَهِ الْأَفْعَالُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَا تُرَادُ لِذَاتِهَا بَلْ لِلْأَفْعَالِ فَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ تَبْقَى الشَّرِكَةُ عَلَى حَالِهَا فَصَارَ اللَّاحِقُ فِيمَا يَقْضِي كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ تَقْدِيرًا وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ بِسَهْوِهِ وَإِذَا تَبَدَّلَ اجْتِهَادُهُ فِي الْقِبْلَةِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَدَخَلَ مِصْرَهُ لِلْوُضُوءِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا تَنْقَلِبُ أَرْبَعًا، وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا تَنْقَلِبُ أَرْبَعًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَا مَسْبُوقَيْنِ وَحَاذَتْهُ فِيمَا يَقْضِيَانِ حَيْثُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَا بَانِيَيْنِ فِي حَقِّ التَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُنْفَرِدَانِ فِيمَا يَقْضِيَانِ وَلِهَذَا يَقْرَآنِ وَيَلْزَمُهُمَا السُّجُودُ بِسَهْوِهِمَا وَإِذَا تَبَدَّلَ اجْتِهَادُهُمَا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمَا بَلْ يَتَحَوَّلَانِ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَبْنِيَانِ وَتَنْقَلِبُ صَلَاتُهُمَا أَرْبَعًا بِدُخُولِ الْمِصْرِ أَوْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِيه إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ الْأُولَى لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَانَ فِي حَقِّ التَّحْرِيمَةِ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَالثَّانِيَةُ لَوْ كَبَّرَ نَاوِيًا اسْتِئْنَافَ صَلَاتِهِ وَقَطْعِهَا يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا وَقَاطِعًا بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَالثَّالِثَةُ لَوْ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ، وَعَلَى الْإِمَامِ سَجْدَتَا سَهْوٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ بِسَهْوِ غَيْرِهِ. وَالرَّابِعَةُ أَنَّهُ يَأْتِي بِتَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ حَيْثُ لَا يَأْتِي بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ هُوَ مُنْفَرِدٌ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِيمَا يَقْضِيه حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلَوْ حَاذَتْهُ فِي الطَّرِيقِ وَهُمَا لَاحِقَانِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُمَا مُشْتَغِلَانِ بِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ لَا بِحَقِيقَتِهَا فَانْعَدَمَتْ الشَّرِكَةُ أَدَاءً وَإِنْ وُجِدَتْ تَحْرِيمَةٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَجْمُوعِ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ وَلَوْ اقْتَدَيَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ أَحْدَثَا فَذَهَبَ لِلْوُضُوءِ، ثُمَّ حَاذَتْهُ فِي الْقَضَاءِ يَنْظُرُ فَإِنْ حَاذَتْهُ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ لِلْإِمَامِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ الشَّرِكَةِ فِيهِمَا تَقْدِيرًا لِكَوْنِهِمَا لَاحِقَيْنِ فِيهِمَا وَإِنْ حَاذَتْهُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِيهِمَا لِكَوْنِهِمَا مَسْبُوقَيْنِ وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَا فِي مَكَان وَاحِدٍ بِلَا حَائِلٍ؛ لِأَنَّ الْحَائِلَ يَرْفَعُ الْمُحَاذَاةَ وَأَدْنَاهُ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ؛ لِأَنَّ أَدْنَى الْأَحْوَالِ الْقُعُودُ فَقُدِّرَ أَدْنَاهُ بِهِ وَغِلَظُهُ مِثْلُ غِلَظِ الْأُصْبُعِ وَالْفُرْجَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْحَائِلِ وَأَدْنَاهَا قَدْرُ مَا يَقُومُ فِيهِ الرَّجُلُ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى دُكَّانِ قَدْرِ قَامَةِ الرَّجُلِ وَالْآخَرُ أَسْفَلُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُحَاذَاةِ. وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ إمَامَتَهَا أَوْ إمَامَةَ النِّسَاءِ وَقْتَ الشُّرُوعِ لَا بَعْدَهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ إمَامَتِهَا قِيَاسًا عَلَى الرِّجَالِ وَاعْتَبَرَهُ بِالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، وَلَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ بِالنِّيَّةِ كَالْمُقْتَدِي لِمَا لَزِمَهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ لَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ الرِّجَالِ، وَأَمَّا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فَأَكْثَرُهُمْ مَنَعُوا الْحُكْمَ فِيهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَّمَ وَفَرَّقَ بِأَنَّ فِيهِمَا ضَرُورَةً فَإِنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا وَحْدَهَا؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِجَنْبِ الرِّجَالِ لِكَثْرَةِ الِازْدِحَامِ فِيهِمَا فَلَا يُفْضِي إلَى فَسَادِ صَلَاتِهِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْمُقْتَدِيَ يَلْزَمُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَتِهَا وَمَعَ هَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْتِزَامُهُ بِالنِّيَّةِ فَكَذَا الْإِمَامُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَاللَّاحِقُ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاللَّاحِقُ مَنْ يَقْضِي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَمَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ فَاتَهُ بَعْضُهَا إلَى آخِرِهِ كَمَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ اللَّاحِقِ الْمَسْبُوقِ اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَنْقَلِبُ أَرْبَعًا) أَيْ؛ لِأَنَّ إمَامَهُ لَا يَلْحَقُ صَلَاتَهُ تَغْيِيرٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَذَا هُوَ فَكَأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهَا بِفَرَاغِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَا مَسْبُوقَيْنِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَاسْتَشْهَدَ فِي الْجَامِعِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ اللَّاحِقِ وَالْمَسْبُوقِ بِمَسَائِلَ مِنْهَا إذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِالتَّحَرِّي وَخَلْفُهُ لَاحِقٌ وَمَسْبُوقٌ فَعَلِمَا بِالْقِبْلَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ تَفْسُدُ صَلَاةُ اللَّاحِقِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفَهُ حُكْمًا وَقَدْ عَجَزَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَمَادَى عَلَى حَالِهِ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ عِنْدَهُ وَإِنْ اسْتَقْبَلَ بِمَا عِنْدَهُ فَقَدْ خَالَفَ إمَامَهُ وَهُوَ خَلَفَهُ حُكْمًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَاذَتْهُ فِي الطَّرِيقِ) أَيْ فِي الذَّهَابِ أَوْ الْعَوْدِ اهـ ش تَلْخِيصٌ (قَوْلُهُ لَا بِحَقِيقَتِهَا) أَيْ وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ مِنْ لَا يَشْتَرِطُ أَدَاءَ رُكْنٍ بِالْمُحَاذَاةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اقْتَدَيَا) أَيْ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ اهـ قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ وَشَرَطَ فِي الْيَنَابِيعِ شَرْطًا سَادِسًا فَقَالَ: إذَا نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَقْتَدِيَا بِهِ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ فَصَلَاتُهُمَا جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تُوجَدْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَيْثُ انْفَرَدَا فِي بَعْضِهَا فَإِذَا وُجِدَتْ الشَّرِكَةُ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَوَقَفَتْ بِجَنْبِ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَصَلَاتُهَا مَعَ الْقَوْمِ لِفَسَادِ صَلَاةِ إمَامِهِمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، ثُمَّ سَاقَ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ اقْتَدَيَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ أَحْدَثَا إلَى آخِرِهِ دَلِيلًا عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِمَا مَسْبُوقَيْنِ إلَى آخِرِهِ) وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّاحِقَ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي أَوَّلًا مَا لَحِقَ فِيهِ، ثُمَّ مَا سَبَقَ بِهِ وَهَذَا عِنْدَ زُفَرَ ظَاهِرٌ وَعِنْدَنَا وَإِنْ صَحَّ عَكْسُهُ لَكِنْ يَجِبُ هَذَا فَبِاعْتِبَارِهِ يَفْسُدُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى دُكَّانٍ إلَى آخِرِهِ) بَيَانٌ لِمُحْتَرَزٍ قَوْلُهُ فِي مَكَان وَاحِدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَكْثَرُهُمْ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ اقْتِدَاءَهُنَّ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ عِنْدَ كَثِيرٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ يَجُوزُ بِدُونِهَا نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ الْجَوَابِ حَمْلًا عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْسِرْ اهـ. (قَوْلُهُ مَنَعُوا الْحُكْمَ) أَيْ وَهُوَ جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِلَا نِيَّةٍ اهـ

الْإِمَامِ وَلِهَذَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْقِرَاءَةَ وَيَلْزَمُهُ حُكْمُ سَهْوِهِ فَكَانَ تَبَعًا لَهُ وَالْتِزَامُهُ الْتِزَامًا لَهُ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ إذَا ائْتَمَّتْ بِهِ مُحَاذِيَةً لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَالْأَوَّلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ تَصِيرُ دَاخِلَةً فِي صَلَاتِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ إنْ لَمْ تُحَاذِ أَحَدًا تَمَّتْ صَلَاتُهَا وَإِنْ تَقَدَّمَتْ حَتَّى حَاذَتْ رَجُلًا أَوْ وَقَفَ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا وَصَحَّتْ صَلَاةُ الرَّجُلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُحَاذِيَةِ ابْتِدَاءً أَنَّ الْفَسَادَ فِي هَذِهِ مُحْتَمَلٌ وَفِي تِلْكَ لَازِمٌ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ النِّسَاءِ لِصِحَّةِ نِيَّتِهِنَّ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَلَوْ نَوَى النِّسَاءُ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا فَحَاذَتْهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالشَّرْطُ السَّادِسُ وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ تَكُونَ الْمُحَاذَاةُ فِي رُكْنٍ كَامِلٍ حَتَّى لَوْ كَبَّرَتْ فِي صَفٍّ وَرَكَعَتْ فِي آخَرَ وَسَجَدَتْ فِي ثَالِثٍ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ عَنْ يَمِينِهَا وَيَسَارِهَا وَخَلْفِهَا مِنْ كُلِّ صَفٍّ فَصَارَ كَالْمَدْفُوعِ إلَى صَفِّ النِّسَاءِ وَفِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ يُشْتَرَطُ أَنْ تُؤَدِّيَ رُكْنًا مُحَاذِيَةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ وَقَفَتْ مِقْدَارَ رُكْنٍ فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ لَوْ حَاذَتْهُ أَقَلَّ مِنْ مِقْدَارِ رُكْنٍ فَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُفْسِدُ إلَّا مِقْدَارُ الرُّكْنِ وَالشَّرْطُ السَّابِعُ وَهُوَ أَيْضًا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ تَكُونَ جِهَتُهُمَا مُتَّحِدَةً حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَتْ لَا يُفْسِدُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ إلَّا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ بِالتَّحَرِّي إلَى جِهَةٍ. وَالشَّامِلُ لِلْجَمِيعِ أَنْ يُقَالَ: إنْ حَاذَتْهُ مُشْتَهَاةٌ فِي رُكْنٍ مِنْ صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً فِي مَكَان مُتَّحِدٍ بِلَا حَائِلٍ وَلَا فُرْجَةٍ أَفْسَدَتْ صَلَاتَهُ إنْ نَوَى إمَامَتَهَا وَكَانَتْ جِهَتُهُمَا مُتَّحِدَةً، ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ تُفْسِدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةٍ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهَا وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهَا وَآخَرُ خَلْفَهَا وَلَا تُفْسِدُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي فَسَدَتْ صَلَاتُهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ يَكُونُ حَائِلًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ وَالْمَرْأَتَانِ يُفْسِدَانِ صَلَاةَ أَرْبَعَةٍ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهِمَا وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِمَا وَصَلَاةَ اثْنَيْنِ خَلْفَهُمَا بِحِذَائِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَثْنَى لَيْسَ بِجَمْعٍ تَامٍّ فَهُمَا كَالْوَاحِدَةِ فَلَا يَتَعَدَّى الْفَسَادُ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا أَفْسَدْنَ صَلَاةَ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهِنَّ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِنَّ وَثَلَاثَةً ثَلَاثَةً إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ وَهَذَا جَوَابُ الظَّاهِرِ وَفِي رِوَايَةٍ الثَّلَاثُ كَالصَّفِّ حَتَّى تَفْسُدَ صَلَاةُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُنَّ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ جَمْعٌ كَامِلٌ فَيَصِرْنَ كَالصَّفِّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَثْنَى كَالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَقَدَّمُهُمَا كَمَا يَتَقَدَّمُ الثَّلَاثُ وَعَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ الثَّلَاثَ كَالِاثْنَيْنِ حَتَّى لَا يُفْسِدْنَ إلَّا صَلَاةَ خَمْسَةٍ وَلَا يَسْرِي الْفَسَادُ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ فِي الصَّفِّ التَّامِّ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إمَامِهِ طَرِيقٌ أَوْ نَهْرٌ أَوْ صَفٌّ مِنْ نِسَاءٍ فَلَيْسَ هُوَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ كَانَ صَفٌّ تَامٌّ مِنْ النِّسَاءِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَوَرَاءَهُنَّ صُفُوفٌ مِنْ الرِّجَالِ فَسَدَتْ صَلَاةُ تِلْكَ الصُّفُوفِ كُلِّهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ تَفْسُدَ صَلَاةُ صَفٍّ وَاحِدٍ لَا غَيْرُ لِوُجُودِ الْحَائِلِ فِي حَقِّ بَاقِي الصُّفُوفِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَثَرِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ) يَعْنِي فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَيَسْتَوِي فِيهِ الشَّوَابُّ وَالْعَجَائِزُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِظُهُورِ الْفَسَادِ فِي زَمَانِنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ الْعَجُوزُ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْعِيدَيْنِ وَيُكْرَهُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ وَقِيلَ الْمَغْرِبُ كَالظُّهْرِ لِانْتِشَارِ الْفُسَّاقِ فِيهِ وَالْجُمُعَةُ كَالْعِيدَيْنِ لِإِمْكَانِ الِاعْتِزَالِ وَقَالَا يَخْرُجْنَ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فِتْنَةَ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِيهِنَّ فَصَارَ كَالْعِيدَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ إذَا ائْتَمَّتْ بِهِ) أَيْ إذَا اقْتَدَتْ بِالْإِمَامِ مُحَاذِيَةً لَهُ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامِ لِفَسَادِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إذَا وَقَفَتْ خَلْفَهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَلْفَهَا رَجُلٌ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ فَالصَّوَابُ أَنَّ اقْتِدَاءَهَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْفَسَادُ عَلَى مَنْ بِجَنْبِهَا وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي النِّيَّةَ مِمَّنْ بِجَنْبِهَا عَلَى الْأَصْلِ الْمَارِّ إلَّا أَنَّهُ مَوْلَى عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ إمَامِهِ فَيَتَوَقَّفُ مَا يَلْتَزِمُهُ عَلَى الْتِزَامِ إمَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا لِاحْتِمَالِ الْفَسَادِ مِنْ جِهَتِهَا بِالْمَشْيِ وَالْمُحَاذَاةِ فَتَحْتَاجُ إلَى الِالْتِزَامِ وَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ مُحَاذِيَةً لَازِمٌ أَيْ وَاقِعٌ وَفِي الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ خَلْفَهُ وَلَيْسَ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ مُحْتَمِلٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمْشِيَ فَتَحَاذَى وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ ذَلِكَ فَلَمْ تُشْتَرَطْ نِيَّةُ الْإِمَامِ هَذَا فِي صَلَاةٍ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا، وَأَمَّا فِي صَلَاةٍ لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهَا فَالتَّقَدُّمُ عَلَيْهِ وَمُحَاذَاتُهَا إيَّاهُ يُورِثُ الْكَرَاهَةَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَخَلَفَهَا مِنْ كُلِّ صَفٍّ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا أَدَّتْ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ صَلَاتِهَا فِي كُلِّ صَفٍّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ فِي آخَرِ بَابِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ. (فَرْعٌ) امْرَأَةٌ وَقَفَتْ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ وَقَدْ نَوَى إمَامَةَ النِّسَاءِ وَاسْتَقْبَلَتْ الْجِهَةَ الَّتِي اسْتَقْبَلَهَا الْإِمَامُ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ وَإِنْ اسْتَقْبَلَتْ جِهَةً أُخْرَى لَا تَفْسُدُ ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالشَّامِلُ لِلْجَمِيعِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْجَامِعُ أَنْ يُقَالَ: مُحَاذَاةٌ مُشْتَهَاةٌ مَنْوِيَّةُ الْإِمَامِ فِي رُكْنِ صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةٌ وَأَدَاءٌ مَعَ اتِّحَادِ مَكَان وَجِهَةٍ دُونَ حَائِلٍ وَلَا فُرْجَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا جَوَابُ الظَّاهِرِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَثِيرًا مَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِهَذَا السَّبَبِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى اهـ زَادَ الْفَقِيرُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ الْجَمَاعَاتِ الْجُمَعُ وَالْأَعْيَادُ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَمَجَالِسُ الْوَعْظِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْجُهَّالِ الَّذِينَ تَحَلَّوْا بِحِلْيَةِ الْعُلَمَاءِ وَقَصْدُهُمْ الشَّهَوَاتِ وَتَحْصِيلَ الدُّنْيَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ الْعَجُوزُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلَا يُقَالُ عَجُوزَةٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْعَوَامُّ تَقُولُهُ (قَوْلُهُ لِانْتِشَارِ الْفُسَّاقِ فِيهِ) أَيْ وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ اهـ

وَلَهُ أَنَّ فَرَطَ الشَّبَقِ حَامِلٌ فَتَقَعُ الْفِتْنَةُ غَيْرَ أَنَّ الْفُسَّاقَ انْتِشَارُهُمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ، أَمَّا فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ فَهُمْ نَائِمُونَ وَفِي الْمَغْرِبِ بِالطَّعَامِ مَشْغُولُونَ وَالْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا الْمَنْعُ فِي الْجَمِيعِ لِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى مِنْ النِّسَاءِ مَا رَأَيْنَا لَمَنَعَهُنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا مَنَعَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ نِسَاءَهَا. وَالنِّسَاءُ أَحْدَثْنَ الزِّينَةَ وَالطِّيبَ وَلِبْسَ الْحَلْيِ وَلِهَذَا مَنَعَهُنَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا يُنْكَرُ تَغَيُّرُ الْأَحْكَامِ لِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ كَغَلْقِ الْمَسَاجِدِ يَجُوزُ فِي زَمَانِنَا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ) أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِمَا رَوَيْنَا، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِمَا نُبَيِّنُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالصَّبِيِّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ قَدَّمَهُ قَوْمُهُ وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، وَلَنَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَؤُمُّ الْغُلَامُ الَّذِي لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَؤُمُّ الْغُلَامُ حَتَّى يَحْتَلِمَ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ الْمُفْتَرِضُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَأَمَّا إمَامَةُ عَمْرٍو فَلَيْسَ بِمَسْمُوعٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا قَدَّمُوهُ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِ أَحْفَظَ مِنْهُمْ لِمَا كَانَ يُتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ حِينَ كَانَتْ تَمُرُّ بِهِمْ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِفِعْلِ الصَّغِيرِ عَلَى الْجَوَازِ، وَقَدْ قَالَ هُوَ بِنَفْسِهِ وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ وَكُنْت إذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيِّ: أَلَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ الْفَارُوقِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَأَفْعَالِهِمْ حُجَّةً وَاسْتَدَلُّوا بِفِعْلِ صَبِيٍّ مِثْلِ هَذَا حَالُهُ وَفِي النَّوَافِلِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ وَاخْتَارَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ لِلْحَاجَةِ وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ فَجَازَ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِهِ كَالظَّانِّ وَهُوَ الَّذِي يَشْرَعُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَلَيْهِ أَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا ثَالِثَةٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا بِخِلَافِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، فَكَذَا هَذَا. وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ وَمَنَعَهُ أَبُو يُوسُفَ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُ بُخَارَى وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ نَفْلَ الصَّبِيِّ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ وَلَا يُبْنَى الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ بِخِلَافِ الظَّانِّ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَاعْتُبِرَ الْعَارِضُ عَدَمًا وَبِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الصَّبِيِّ بِالصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَّحِدَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَاهِرٌ بِمَعْذُورٍ) أَيْ فَسَدَ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ كَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ يُصَلُّونَ مَعَ الْحَدَثِ حَقِيقَةً لَكِنْ جَعَلَ الْحَدَثَ الْمَوْجُودَ حَقِيقَةً كَالْمَعْدُومِ حُكْمًا فِي حَقِّهِمْ لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ فَلَا يَتَعَدَّاهُمْ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَقْوَى حَالًا مِنْهُمْ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَهُوَ الْحَرْفُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ فَرْطَ الشَّبَقِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَأَفْرَطَ فِي الْأَمْرِ إذَا جَاوَزَ فِيهِ الْحَدَّ وَالِاسْمُ مِنْهُ الْفَرَطُ بِالتَّسْكِينِ يُقَالُ إيَّاكَ وَالْفَرَطُ فِي الْأَمْرِ وَالشَّبَقُ شِدَّةُ الْغِلْمَةِ مِنْ شَبِقَ الْفَحْلُ بِالْكَسْرِ إذَا اشْتَدَّتْ غِلْمَتُهُ أَيْ شَهْوَتُهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا الْمَنْعُ فِي الْجَمِيعِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إلَّا الْعَجَائِزَ الْمُتَفَانِيَةَ فِيمَا يَظْهَرُ لِي دُونَ الْعَجَائِزِ وَالْمُتَبَرِّجَاتِ وَذَوَاتِ الرَّمَقِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ)، سَلِمَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ الْجَرْمِيِّ إمَامُ قَوْمِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ اُخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ، وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ اللَّامِ فَهُوَ رَبِيبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. (قَوْلُهُ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ إلَى آخِرِهِ) وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ صَبِيٌّ يَؤُمُّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي التَّرَاوِيحِ. اهـ. جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ) أَيْ حَيْثُ لَا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ نَفْلُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الظَّانِّ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ إلَى آخِرِهِ) إذْ عِنْدَ زُفَرَ يَجِبُ الْقَضَاءُ إذَا فَسَدَ الْمَظْنُونُ قَاسَهُ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِهِ بِنُسُكٍ مَظْنُونٍ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ حَتَّى إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا نُسُكَ كَانَ إحْرَامُهُ لَازِمًا لِلْفِعْلِ وَالصَّدَقَةِ الْمَظْنُونِ وُجُوبُهَا فَإِنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْ الْفَقِيرِ وَالْجَوَابُ الْفَرْقُ بِالْعِلْمِ بِفَرْقِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ إحْرَامٍ وَإِنْ عَرَضَتْ ضَرُورَةٌ تُوجِبُ رَفْضَهُ إلَّا بِأَفْعَالٍ أَوْ دَمٍ، ثُمَّ قَضَاءِ أَصْلِهِ مَنْ أُحْصِرَ وَاضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَمْ يَتَمَكَّنْ شَرْعًا مِنْ الْخُرُوجِ بِلَا لُزُومِ شَيْءٍ ثُمَّ الْقَضَاءِ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَإِنَّ الدَّفْعَ عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ يُوجِبُ أَمْرَيْنِ سُقُوطُ الْوَاجِبِ وَثُبُوتُ الثَّوَابِ فَإِذَا كَانَ الْوُجُوبُ مُنْتَفِيًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ثَبَتَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَطْلُبُ بِهِ ثَوَابَهُ وَقَدْ حَصَلَ وَثَبَتَ الْمِلْكُ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ لِلْفَقِيرِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِخِلَافِ مَنْ دَفَعَ لِقَضَاءِ دَيْنٍ يَظُنُّهُ وَلَا دَيْنَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِلْكُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَكَانَ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقَدْ ثَبَتَ شَرْعًا قَبُولُ مَا هُوَ مِنْهَا لِلْفَرْضِ إجْمَاعًا كَمَا فِي زِيَادَةِ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ وَتَمَامِ الرَّكْعَةِ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ فَلَمْ تَلْزَمْ لُزُومُهَا إذَا ظَهَرَ عَدَمُ وُجُوبِهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهَا إلَّا مُسْقِطًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ الْعَارِضُ) أَيْ عَارِضُ ظَنِّ الْإِمَامِ عَدَمًا فِي حَقِّ مَنْ اقْتَدَى بِهِ فَجَعَلَ كَأَنَّ الضَّمَانَ غَيْرُ سَاقِطٍ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي فَبَقِيَ اقْتِدَاءُ ضَامِنٍ بِضَامِنٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ غَيْرُ مُمْتَدٍّ عَرَضَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ الصِّبَا؛ لِأَنَّهُ أَصْلِيٌّ فَلَمْ يُجْعَلْ مَعْدُومًا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَّحِدَةٌ) أَيْ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَسَدَ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ) وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ اهـ ع (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمَعْذُورِ بِالْمَعْذُورِ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا) مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الزَّاهِدِيِّ وَاقْتِدَاءُ الْمُسْتَحَاضَةِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ وَالضَّالَّةُ بِالضَّالَّةِ لَا يَجُوزُ كَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ اهـ وَفِي الضَّالَّةِ نَقْلًا عَنْ مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ لَوْ اقْتَدَى خُنْثَى بِمِثْلِهِ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَالْمُقْتَدِي بِهَا ذَكَرٌ وَقَالَ فِي الْوَبَرِيِّ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ قَالَ الْحَدَّادِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُصَلِّي مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ خَلْفَ مِثْلِهِ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى خَلْفَ مَنْ بِهِ السَّلَسُ وَانْفِلَاتُ الرِّيحِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ عُذْرَيْنِ وَالْمَأْمُومَ صَاحِبُ عُذْرٍ وَاحِدٍ اهـ

الْمَعْذُورِ بِالْمَعْذُورِ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَ فَلَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَارِئٍ بِأُمِّيٍّ)؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ أُمِّيٍّ بِأَخْرَسَ؛ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّحْرِيمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُكْتَسٍ بِعَارٍ وَغَيْرِ مُومِئٍ بِمُومِئٍ) لِقُوَّةِ حَالِهِمَا وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَهِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظُنُّ بِمُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي النَّافِلَةَ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتْرُكُ فَضِيلَةَ الْفَرْضِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَى أَئِمَّتِكُمْ» وَهُوَ يُوجِبُ الْمُوَافَقَةَ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَأَوْصَافِهَا وَفِي الْأَفْعَالِ وَصِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ لَمْ تُوجَدْ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ. وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَوْ الْفَجْرَ أَوْ النَّفَلَ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَمَا شُرِعَ صَلَاةُ الْخَوْفِ مَعَ الْمُنَافِي بَلْ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُصَلِّي بِكُلِّ طَائِفَةٍ عَلَى حِدَةٍ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَافِلَةً وَمَعَ قَوْمِهِ فَرِيضَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا مُعَاذُ إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِك»، وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي مَعَهُ الْفَرْضَ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْكَلَامِ مَعْنًى فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّافِلَةَ وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ تَارِكًا لِفَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ يَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَقَارِئٍ بِأُمِّيٍّ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْقَارِئُ إذَا اقْتَدَى بِأُمِّيٍّ قِيلَ يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ وَقِيلَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَفِي رِوَايَةٍ عَدَمُ الشُّرُوعِ أَصَحُّ اهـ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ مَنْ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ يَكُونُ أُمِّيًّا حَتَّى يُصَلِّيَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَعَلَى هَذَا مَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ مِنْ الْمُصْحَفِ وَلَمْ يَحْفَظْ يَكُونُ أُمِّيًّا. اهـ. كَاكِيٌّ. وَقَالَ فِي الْغَايَةِ فَالْأُمِّيُّ عِنْدَنَا مَنْ لَا يَحْفَظُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَصِحُّ بِهِ صَلَاتُهُ اهـ قَالَ الْأَكْمَلُ وَمَنْ أَحْسَنَ قِرَاءَةَ آيَةٍ مِنْ التَّنْزِيلِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ أُمِّيًّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَثَلَاثِ آيَاتٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ مَنْ يَحْفَظُ التَّنْزِيلَ بِهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ يَتِمُّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمِقْدَارِ اهـ. وَلَوْ اقْتَدَى الْأُمِّيُّ بِالْقَارِئِ فَتَعَلَّمَ سُورَةً فِي وَسْطِ الصَّلَاةِ قَالَ الْفَضْلِيُّ لَا تَفْسُدُ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ بِقِرَاءَةٍ وَقَالَ غَيْرُهُ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ يَقْوَى حَالُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ جَائِزَةٌ إلَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ أُمِّيًّا وَالْمُقْتَدِي قَارِئًا أَوْ أَخْرَسَ وَالْمُقْتَدِي أُمِّيًّا حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ هَلْ يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ فِي رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ وَزِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ لَا يَصِيرُ حَتَّى لَوْ ضَحِكَ قَهْقَهَةً لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ وَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْأَذَانِ يَصِيرُ شَارِعًا. وَفِي الْمُحِيطِ الصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَطَوِّعًا لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ كَالنَّذْرِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَكَذَا إذَا شَرَعَ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ وَقِيلَ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْأَذَانِ قَوْلُهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَسَادَ الْجِهَةِ يُوجِبُ فَسَادَ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. دِرَايَةٌ وَهَذَا الْفَرْعُ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ أَوْ تَعَلَّمَ أُمِّيٌّ سُورَةً وَقَدْ ذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ عِنْدَ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالْقِرَاءَةِ حَقِيقَةٌ فَوْقَ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ حُكْمًا فَلَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا اهـ قَوْلُهُ وَلَمْ يَحْفَظْ يَكُونُ أُمِّيًّا اُنْظُرْ إلَى مَا كُتِبَ عَلَى هَامِشِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ عِنْدَ قَوْلِهِ الْقِرَاءَةُ فِيهَا مِنْ مُصْحَفٍ مَفْسَدَةٌ مَنْقُولًا عَنْ أَبِي الْبَقَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَغَيْرِ مُومِئٍ بِمُومِئٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِقُوَّةِ حَالِهِمَا إلَى آخِرِهِ) الْمُرَادُ بِقُوَّةِ الْحَالِ الِاشْتِمَالُ عَلَى مَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْإِمَامِ مِمَّا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُفْتَرِضٍ بِمُتَنَقِّلٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَقِّلِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَا فِي الْبَعْضِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذُكِرَ إذَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فَسَبَقَ الْإِمَامُ الْحَدَثَ قَبْلَ السُّجُودِ فَاسْتَخْلَفَهُ صَحَّ وَيَأْتِي بِالسَّجْدَتَيْنِ وَيَكُونَانِ نَفْلًا لِلْخَلِيفَةِ حَتَّى يُعِيدَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَفَرْضًا فِي حَقِّ مَنْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ، وَكَذَا الْمُتَنَفِّلُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُفْتَرِضِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي يَجُوزُ وَهُوَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَالْعَامَّةُ عَلَى الْمَنْعِ مُطْلَقًا وَمَنَعُوا نَفْلِيَّةَ السَّجْدَتَيْنِ بَلْ هُمَا فَرْضٌ عَلَى الْخَلِيفَةِ وَلِذَا لَوْ تَرَكَهُمَا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَلَزِمَهُ مَا لَزِمَهُ وَقَالُوا صَلَاةُ الْمُتَنَفِّلِ الْمُقْتَدِي أَخَذَتْ حُكْمَ الْفَرْضِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ وَلِهَذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَكَذَا لَوْ أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِشَاءَ الْآخِرَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ فَيُصَلِّي بِهِمْ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ جَابِرٍ «كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ» انْتَهَى كَمَالٌ (قَوْلُهُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ إلَى آخِرِهِ) الْمَفْهُومُ مِنْهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ نَافِلَةً غَيْرَ الصَّلَاةِ الَّتِي تُقَامُ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ وُقُوعُ الْخِلَافِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَهَذَا الْمَحْذُورُ مُنْتَفٍ مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الصَّلَاةِ الْمُقَامَةِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَقَدْ رَدَّ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الزِّيَادَةَ الَّتِي هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ فَقَالَ قَدْ رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَوْ مِنْ قَوْلِ عَمْرٍو أَوْ مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ بِنَاءً عَلَى ظَنٍّ وَاجْتِهَادٍ لَا يَجْزِمُ اهـ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ فَضَعَّفَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَقَالَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُيَيْنَةَ اهـ

وَفَضِيلَةِ إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْمِهِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» النَّهْيُ عَنْ الِانْفِرَادِ لَا أَنْ يُوَافِقَ الْإِمَامَ فِي صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِينَ صَلَّيَا الْفَرْضَ فِي رِحَالِهِمَا «إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ مُطْلَقَ النَّفْلِ لَمَّا صَحَّ هَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمُفْتَرِضٍ آخَرَ) أَيْ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مُفْتَرِضٍ بِمُفْتَرِضٍ فَرْضًا آخَرَ وَآخَرُ صِفَةٌ لِفَرْضٍ مَحْذُوفٍ كَمَا قَدَرْنَاهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمُفْتَرِضٍ لِفَسَادِ الْمَعْنَى إذْ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ إلَّا بِمُفْتَرِضٍ آخَرَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ اتِّحَادَ الصَّلَاتَيْنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ شَرِكَةٌ وَمُوَافَقَةٌ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالِاتِّحَادِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُمْكِنَهُ الدُّخُولُ فِي صَلَاتِهِ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَتَكُونُ صَلَاةُ الْإِمَامِ مُتَضَمِّنَةً لِصَلَاةِ الْمُقْتَدِي وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَامِنٌ أَيْ تَتَضَمَّنُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالنَّاذِرِ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ إنَّمَا يَجِبُ بِالْتِزَامِهِ فَلَا يَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فَيَكُون بِمَنْزِلَةِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَقِّلِ إلَّا إذَا نَذَرَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِ مَا نَذَرَ بِهِ صَاحِبُهُ فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ صَحَّ لِلِاتِّحَادِ وَلَوْ أَفْسَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّطَوُّعَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، ثُمَّ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فِي قَضَائِهِ لَا يَجُوزُ لِلِاخْتِلَافِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُقْتَدِيًا بِالْآخَرِ فَأَفْسَدَاهُ، ثُمَّ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ صَحَّ لِلِاتِّحَادِ كَمَا يَصِحُّ قَبْلَ الْإِفْسَادِ وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْحَالِفِ بِالْحَالِفِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُمَا عَارِضٌ لِتَحَقُّقِ الْبِرِّ فَبَقِيَتْ نَفْلًا. وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالْحَالِفِ لِقُوَّةِ النَّذْرِ وَعَلَى الْعَكْسِ يَجُوزُ وَلَوْ اقْتَدَى مُقَلِّدُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوِتْرِ بِمُقَلِّدِ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ لِاتِّحَادِ الصَّلَاةِ وَلَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِقَادِ، ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ هَلْ يَصِيرُ شَارِعًا فِي التَّطَوُّعِ أَمْ لَا ذَكَرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِيهِ وَذَكَرَ فِي بَابِ الْأَذَانِ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْأَذَانِ قَوْلُهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ إذَا بَطَلَ يَنْقَلِبُ نَفْلًا كَشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ إذَا بَطَلَتْ تَنْقَلِبُ عَنَانًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا بَطَلَتْ جِهَةُ الْفَرْضِيَّةِ يَبْطُلُ أَصْلُ الصَّلَاةِ (قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ) الْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ فَسَدَتْ لِفَقْدِ شَرْطِ الصَّلَاةِ كَالطَّاهِرِ خَلْفَ الْمَعْذُورِ لَا يَكُونُ شَارِعًا وَإِنْ كَانَ لِلِاخْتِلَافِ بَيْن الصَّلَاتَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَارِعًا فِيهِ غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ لِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِهِ فَصَارَ كَالظَّانِّ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ بُطْلَانِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا اقْتِدَاءَ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ) أَيْ لَا يُفْسِدُ اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُفْسِدُ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ بِالْمَاءِ أَصْلِيَّةٌ فَيَكُونُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَلَا يَجُوزُ. وَلَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ عَنْ الْجَنَابَةِ وَهُمْ مُتَوَضِّئُونَ فَعَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ»؛ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ وَلِهَذَا لَا تَتَقَدَّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إذْ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءٌ إلَى آخِرِهِ) لَعَلَّ لَا زَائِدَةٌ اهـ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ إلَّا بِمُفْتَرِضٍ إلَى آخِرِهِ) كَذَا هُوَ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَلَى هَذَا فَلَفْظَةُ لَا مِنْ قَوْلِهِ إذْ لَا يَجُوزُ لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ اهـ وَفِي مُسَوَّدَةِ الْمُصَنِّفِ لَفْظَةُ لَا ثَابِتَةٌ وَلَفْظَةُ إلَّا سَاقِطَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ اتِّحَادَ الصَّلَاتَيْنِ شَرْطٌ إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ هَذَا قَضَاءً لِلْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهَا عَلَى هَامِشِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ عِنْدَ وَمُفْتَرِضٍ مُتَنَفِّلًا وَلَا نَعْكِسُ اهـ. فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَاضِي بِالْقَاضِي إذَا فَاتَهُمَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ كَالْأَدَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْغَايَةِ قَالَ قَبِيلُ الْكَلَامِ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُحَاذَاةِ وَلَوْ نَسِيَ رَجُلٌ الظُّهْرَ وَآخَرُ الْعَصْرَ فَأَمَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لَمْ تَجُزْ صَلَاةُ الْمُؤْتَمِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَاتَتْهُمَا مِنْ يَوْمَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ جَازَتْ صَلَاتُهُمَا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْقَوْمِ بِنَاءً عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ حَتَّى فَسَدَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَتُنْتَقَصُ بِسَهْوِ الْإِمَامِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ وَعَلَى الْمَوْجُودِ صَحِيحٌ فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ انْعَقَدَتْ تَحْرِيمَةُ الْقَوْمِ لِصَلَاةٍ مَوْصُوفَةٍ بِوَصْفِ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ فَكَانَ هَذَا بِنَاءً عَلَى الْمَعْدُومِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ اتَّصَفَ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَوَجَبَتَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَكَانَ بِنَاءً عَلَى الْمَوْجُودِ اهـ. (قَوْلُهُ بِعَيْنِ مَا نَذَرَ بِهِ صَاحِبُهُ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ نَذَرْت أَنْ أُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ نَذَرَهُمَا فُلَانٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالْحَالِفِ إلَى آخِرِهِ) وَلَا مَنْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّيهِمَا اهـ. زَادَ الْفَقِيرُ (قَوْلُهُ بِمُقَلَّدِ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِاتِّحَادِ الصَّلَاةِ) قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَعِنْدِي نَظِيرُهُ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ هَذَا قَضَاءً فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَبَقَ نَقْلًا عَنْ الْهِدَايَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ لَا اقْتِدَاءَ مُتَوَضِّئٍ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْخُلَاصَةِ اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَيْ لَا يُفْسِدُ إلَى آخِرِهِ) قَيَّدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الْمُتَوَضِّئِينَ مَاءٌ خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَصْلُهُ فَرْعٌ إذَا رَأَى الْمُتَوَضِّئُ الْمُقْتَدِي بِمُتَيَمِّمٍ مَاءً فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَرَهُ الْإِمَامُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ لِوُجُودِ الْمَاءِ وَمَنَعَهُ زُفَرُ بِأَنَّ وُجُودَهُ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِعِلْمِهِ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّ مَحَلَّ الْفَسَادِ عِنْدَهُمْ إذَا ظَنَّ عِلْمَ إمَامِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ بِذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ عَنْ الْجَنَابَةِ إلَى آخِرِهِ) وَالْمُحْدِثُ الْمُتَيَمِّمُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْ الْجُنُبِ الْمُتَيَمِّمِ. اهـ. كُنُوزُ الْفِقْهِ لِلْمَرْعَشِيِّ

بِقَدْرِ الْحَاجَةِ عِنْدَنَا وَقِيلَ هَذَا الْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التُّرَابَ خُلْفٌ عَنْ الْمَاءِ عِنْدَهُمَا فَيَعْمَلُ عَمَلَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالتُّرَابِ بَدَلٌ عَنْ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَيَكُونُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَلَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَاسِلٍ بِمَاسِحٍ) لِاسْتِوَاءِ حَالِهِمَا وَهَذَا لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ بِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً وَإِنْ جُعِلَ فِي حَقِّهَا مَعْدُومًا حُكْمًا لِلضَّرُورَةِ وَالْمَاسِحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ كَالْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَائِمٍ بِقَاعِدٍ وَبِأَحْدَبَ) أَمَّا اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا؛ وَلِأَنَّ حَالَ الْقَائِمِ أَقْوَى مِنْ حَالِ الْقَاعِدِ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ. وَلَهُمَا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ وَجَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يُهَادِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ فَجَاءَ فَجَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَمُسْلِمٌ. وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إمَامًا وَلِهَذَا جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ وَمَعْنَى قَوْلِهَا وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ؛ فَأَبُو بَكْرٍ كَانَ مُبَلِّغًا حِينَئِذٍ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ إمَامَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ وَمَا رَوَيَاهُ ضَعَّفَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَأَمَّا إمَامَةُ الْأَحْدَبِ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ حُدْبَهُ إذَا بَلَغَ حَدَّ الرُّكُوعِ عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ الْأَقْيَسُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ هُوَ اسْتِوَاءُ النِّصْفَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ اسْتِوَاءُ نِصْفِهِ الْأَسْفَلَ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْقَاعِدُ الْقَائِمَ لِوُجُودِ اسْتِوَاءِ نِصْفِهِ الْأَعْلَى، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ، هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَوْ كَانَ بِقَدَمِ الْإِمَامِ عِوَجٌ فَقَامَ عَلَى بَعْضِهَا يَجُوزُ وَغَيْرُهُ أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُومِئٍ بِمِثْلِهِ) وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ يُومِئُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا لِاسْتِوَائِهِمَا وَإِنْ كَانَ مُضْطَجِعًا وَالْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَقْصُودٌ بِدَلِيلِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ بِخِلَافِ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِذَاتِهِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ فَكَانَ الْقَاعِدُ أَقْوَى حَالًا وَقِيلَ يَجُوزُ. وَالْمُخْتَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَغَاسِلٍ بِمَاسِحٍ) أَيْ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ اهـ ع (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ) أَيْ وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ. قَوْلُهُ «فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ الظُّهْرَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ الْأَحَدِ وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي إنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ الظُّهْرَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا الصُّبْحُ (قَوْلُهُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ) هُمَا عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ اهـ. (قَوْلُهُ يَسْمَعُ النَّاسُ تَكْبِيرَهُ إلَى آخِرِهِ) فِي الدِّرَايَةِ وَبِهِ يُعْرَفُ جَوَازُ رَفْعِ الْمُؤَذِّنِينَ أَصْوَاتَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا اهـ. أَقُولُ لَيْسَ مَقْصُودُهُ خُصُوصَ الرَّفْعِ الْكَائِنِ فِي زَمَانِنَا بَلْ أَصْلُ الرَّفْعِ لِإِبْلَاغِ الِانْتِقَالَاتِ أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الَّذِي تَعَارَفُوهُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ فَإِنَّهُ غَالِبًا يَشْتَمِلُ عَلَى مُدَّةِ هَمْزَةِ اللَّهِ أَوْ أَكْبَرِ أَوْ بَائِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ فَإِنَّهُمْ يُبَالِغُونَ فِي الصِّيَاحِ زِيَادَةً عَلَى حَاجَةِ الْإِبْلَاغِ وَالِاشْتِغَالِ بِتَحْرِيرَاتِ النَّغَمِ إظْهَارًا لِلصِّنَاعَةِ النَّغَمِيَّةِ لَا إقَامَةً لِلْعِبَادَةِ وَالصِّيَاحُ مُلْحَقٌ بِالْكَلَامِ الَّذِي بِسَاطُهُ ذَلِكَ الصِّيَاحُ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ أَنَّهُ إذَا ارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ لَا يَفْسُدُ وَلِمُصِيبَةٍ بَلَغَتْهُ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ تَعَرَّضَ لِسُؤَالِ الْجَنَّةِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْ النَّارِ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا تَفْسُدُ وَفِي الثَّانِي لِإِظْهَارِهَا وَلَوْ صَرَّحَ بِهَا فَقَالَ وَا مُصِيبَتَاهْ أَوْ أَدْرَكُونِي أَفْسَدَ وَإِنْ كَانَ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ إذَا حَصَلَ بِهِ الْحُرُوفُ وَهُنَا مَعْلُومٌ إنْ قَصَدَهُ إعْجَابُ النَّاسِ بِهِ وَلَوْ قَالَ أُعْجِبُوا مِنْ حُسْنِ صَوْتِي وَتَحْرِيرِي فِيهِ أَفْسَدَ وَحُصُولُ الْحُرُوفِ لَازِمٌ مِنْ التَّلْحِينِ وَلَا أَرَى أَنَّ ذَلِكَ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ كَمَا لَا أَرَى تَحْرِيرَ النَّغَمِ فِي الدُّعَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْقُرَّاءُ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا نَوْعُ لَعِبٍ فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ فِي الشَّاهِدِ سَائِلُ حَاجَةٍ مِنْ مِلْكٍ أَدَّى سُؤَالُهُ وَطَلَبُهُ بِتَحْرِيرِ النَّغَمِ فِيهِ مِنْ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالتَّرْتِيبِ وَالرُّجُوعِ كَالتَّغَنِّي نُسِبَ أَلْبَتَّةَ إلَى قَصْدِ السُّخْرِيَةِ وَاللَّعِبِ إذْ مَقَامُ طَلَبِ الْحَاجَةِ التَّضَرُّعُ لَا التَّغَنِّي. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إمَامَةُ الْأَحْدَبِ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ بِعَلَامَةِ النُّونِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ الْأَحْدَبُ إذَا بَلَغَتْ حَدَبَتُهُ الرُّكُوعَ يُشِيرُ بِرَأْسِهِ لِلرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَمَّا هُوَ أَعْلَى اهـ (قَوْلُهُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ فَتَاوَى الْقَاضِي إذْ فِيهَا وَتَجُوزُ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ بِمَنْزِلَةِ اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ اهـ فَأَطْلَقَ كَمَا تَرَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَى آخِرِهِ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَلَّذِي وَقَفْنَا عَلَيْهِ فِي نُسَخٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ هَكَذَا وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَقِيلَ يَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بِقَدَمِ الْإِمَامِ عَوَجٌ) الْعَوَجُ بِفَتْحَتَيْنِ فِي الْأَجْسَادِ خِلَافُ الِاعْتِدَالِ وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ بَابِ تَعَبٍ يُقَالُ عَوِجَ الْعُودُ وَنَحْوُهُ فَهُوَ أَعْوَجُ وَالْأُنْثَى عَوْجَاءُ مِنْ بَابِ أَحْمَرُ وَالْعِوَجُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَعَانِي يُقَالُ فِي الدِّينِ عِوَجٌ وَفِي الْأَمْرِ عِوَجٌ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَائِمًا لَا يَجُوزُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ أَقْوَى وَالْقُعُودَ مُعْتَبَرٌ بِدَلِيلِ اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِهِ دُونَ الْمُضْطَجِعِ فَتَثْبُتُ بِهِ الْقُوَّةُ كَذَا عَلَّلَ فِي الْغَايَةِ

الْأَوَّلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ)؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى إذْ الْحَاجَةُ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ إلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْفَرْضِ وَزِيَادَةِ صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْمُفْتَرِضِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي أَخَذَتْ حُكْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ وَلِهَذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ أَفْسَدَ الْمُقْتَدِي صَلَاتَهُ يَلْزَمُهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي الرُّبَاعِيَّةِ فَكَانَ تَبَعًا لِلْإِمَامِ فَتَكُونُ الْقِرَاءَةُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي نَفْلًا فِي حَقِّهِ كَمَا هِيَ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ أَعَادَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعِيدُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْجُنُبُ وَاَلَّذِي فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا إمَامٍ صَلَّى بِقَوْمٍ وَهُوَ جُنُبٌ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُمْ، ثُمَّ لِيَغْتَسِل هُوَ، ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَمِثْلُ ذَلِكَ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ فَأَعَادَ وَلَمْ يَأْمُرْ الْقَوْمَ بِالْإِعَادَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَالِ الْإِمَامِ فَتَعَذَّرَ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ» وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَأَعَادَ بِهِمْ»؛ وَلِأَنَّ صَلَاتَهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ فَصَارَ كَالْجُمُعَةِ وَكَمَا إذَا بَانَ أَنَّ الْإِمَامَ كَافِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ خُنْثَى أَوْ أُمِّيٌّ وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ بَانَ أَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا الْمُحْدِثُ؛ لِأَنَّهُ لَا إحْرَامَ لَهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَلَا مُعْتَبَرًا بِعَدَمِ إمْكَانِ الْإِطْلَاعِ فِي الشُّرُوطِ وَمَا رَوَاهُ وَضَعَّفَهُ أَبُو الْفَرَجِ، وَأَمَّا أَثَرُ عُمَرَ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَيْقِنْ بِالْجَنَابَةِ وَإِنَّمَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ بِالِاحْتِيَاطِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إلَى الْجُرُف فَإِذَا هُوَ قَدْ احْتَلَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَقَالَ مَا أَرَانِي إلَّا قَدْ احْتَلَمَتْ وَمَا شَعَرَتْ وَصَلَّيْت وَمَا اغْتَسَلَتْ قَالَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ وَنَضَحَ مَا لَمْ يَرَهُ وَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اقْتَدَى أُمِّيٌّ وَقَارِئٌ بِأُمِّيٍّ أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ) أَيْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ أَمَّ قَوْمًا مَعْذُورِينَ وَغَيْرَ مَعْذُورِينَ فَصَارَ كَالْعَارِي إذَا أَمَّ قَوْمًا لَابِسِينَ وَعُرَاةً، وَكَذَا سَائِرُ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ إذَا أَمُّوا تَبْطُلْ صَلَاةُ غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ لَا غَيْرُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِمَامَ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْقَارِئِ حَتَّى تَكُونَ صَلَاتُهُ بِقِرَاءَةٍ فَإِذَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ مِمَّنْ يَقْرَأُ وَمِمَّنْ لَا يَقْرَأُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْذَارِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لِلْمُؤْتَمِّ فَتَرْكُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ سِتْرُ الْإِمَامِ سِتْرًا لِلْقَوْمِ حَتَّى لَا تَكُونَ عَوْرَتُهُمْ مَسْتُورَةً بِسِتْرِ عَوْرَةِ الْإِمَامِ، وَكَذَا سَائِرُ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ وَلَا يَكُونُ الشَّرْطُ الْمَوْجُودُ مِنْ الْإِمَامِ مَوْجُودًا فِي حَقِّهِمْ فَافْتَرَقَا، ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ عِنْدَهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ خَلْفَهُ قَارِئًا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا الْحَالُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ إذَا اقْتَدَى بِهِ الْقَارِئُ وَلَمْ يَنْوِ الْأُمِّيُّ إمَامَتَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ كَالْمَرْأَةِ وَقِيلَ تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهُ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ بِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ فَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ عِلْمُهُ عَلَى الظَّاهِرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَكَيْفَ تُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي شُرُوعِهِ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصِيرُ شَارِعًا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يَصِيرُ شَارِعًا فَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْقِرَاءَةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْكَرْخِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْأُمِّيُّ يُصَلِّي وَحْدَهُ وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالزُّهْرِيُّ: لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ شَرِكَةٌ وَمَوَاهِبَ وَالْمُغَايِرَةُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ ثَابِتَةٌ وَجَوَابُهُمَا مَا قُلْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي ذَرٍّ كَيْفَ بِك يَا أَبَا ذَرٍّ إذَا كَانَ أُمَرَاءُ سَوْءٍ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَصَلِّ فِي بَيْتِك، ثُمَّ اجْعَلْ صَلَاتَك مَعَهُمْ سُبْحَةً». اهـ. دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُعِيدُ) أَيْ وَفِي الْجُمُعَةِ يُعِيدُ عِنْدَهُمْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِيهِمَا نَقْلًا عَنْ أَبِي الْفَرَجِ لَا يُعْرَفَانِ اهـ. (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى أَمَّهُمْ زَمَانًا، ثُمَّ قَالَ إنَّهُ كَانَ كَافِرًا وَصَلَّيْت مَعَ الْعِلْمِ بِالنَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ أَوْ بِلَا طَهَارَةٍ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إعَادَةٌ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ لِفِسْقِهِ بِاعْتِرَافِهِ. اهـ. فَتْحٌ. (فَرْعٌ) نَقَلَهُ فِي الدِّرَايَةِ عَنْ جُمَلِ النَّوَازِلِ شَكَّ فِي إتْمَامِ وُضُوءِ إمَامِهِ جَازَ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْإِتْمَامُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَيْقِنْ بِالْجَنَابَةِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّ عُمَرَ خَرَجَ إلَى الْجُرْفِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْجُرُفُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِالسُّكُونِ لِلتَّخْفِيفِ مَا جَرَفَتْهُ السُّيُولُ وَأَكَلَتْهُ مِنْ الْأَرْضِ وَبِالْمُخَفَّفِ اسْمُ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَدِينَةِ بِطَرِيقِ مَكَّةَ عَلَى فَرْسَخٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ) وَجْهُهُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَائِدَةَ إمَّا فِي لُزُومِ الْإِتْمَامِ أَوْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَصِيرُ شَارِعًا) أَيْ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ قَادِرٌ عَلَى التَّكْبِيرِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْقِرَاءَةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إلَى آخِرِهِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْ الْمُقْتَدِي بِهِ مُتَنَفِّلًا الْقَضَاءُ مَعَ أَنَّهُ إفْسَادٌ بَعْدَ الشُّرُوعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ شَارِعًا فِي صَلَاةٍ لَا قِرَاءَةَ فِيهَا وَالشُّرُوعُ كَالنَّذْرِ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً بِلَا قِرَاءَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ هَذَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْأُمِّيُّ يُصَلِّي وَحْدَهُ وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ أَبُو حَازِمٍ عَلَى

يَظْهَرُ مِنْهُمَا رَغْبَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ وَفِيمَا إذَا قَدَّمَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بَعْدَمَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ خِلَافَ زُفَرَ هُوَ يَقُولُ: إنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ قَدْ تَأَدَّى قَبْلَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْأُمِّيَّ أَضْعَفُ حَالًا وَأَنْقَصُ صَلَاةً مِنْ الْقَارِئِ فَلَا يَصْلُحُ إمَامًا لَهُ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ فَلَا يَجُوزُ خُلُوُّهَا عَنْ الْقِرَاءَةِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ الْقَادِرُ بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ لَا يُعَدُّ قَادِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبْ الْجُمُعَةَ وَالْحَجَّ عَلَى الضَّرِيرِ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا يَمْشِي مَعَهُ فَكَيْفَ اعْتَبَرَهُ قَادِرًا فِي مَسَائِلِ الْأُمِّيِّ قُلْنَا: إنَّمَا لَا تُعْتَبَرُ قُدْرَةُ الْغَيْرِ إذَا تَعَلَّقَ بِاخْتِيَارِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَهُنَا الْأُمِّيُّ قَادِرٌ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْقَارِئِ فَيَنْزِلُ قَادِرًا عَلَى الْقِرَاءَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ) أَيْ الْمُصَلِّي (تَوَضَّأَ وَبَنَى) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ يُنَافِيهَا وَالْمَشْيُ وَالِانْحِرَافُ يُفْسِدَانِهَا فَأَشْبَهَ الْحَدَثَ الْعَمْدَ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ أَوْ أَمَذَى فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَقَاءَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَيُقَدِّمْ مِنْ لَمْ يَسْبِقْ بِشَيْءٍ»؛ وَلِأَنَّ الْبَلْوَى فِيمَا سَبَقَ فَلَا تُلْحِقُ بِهِ مَا يَتَعَمَّدُ وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ وَقِيلَ: إنَّ الْمُنْفَرِدَ يَسْتَقْبِلُ وَالْإِمَامُ وَالْمُؤْتَمُّ يَبْنِي صِيَانَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَالْمُنْفَرِدُ إنْ شَاءَ أَتَمَّ فِي مَنْزِلِهِ وَإِنْ شَاءَ عَادَ إلَى مَكَانِهِ وَالْمُقْتَدِي يَعُودُ إلَى مَكَانِهِ حَتْمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَدْ فَرَغَ أَوْ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْمُقْتَدِي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْعَوْدُ أَفْضَلُ لِيَكُونَ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَضْلِيِّ وَالْكَرْخِيِّ وَقِيلَ مَنْزِلُهُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْمَشْيِ وَذَكَرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ الْعَوْدَ يُفْسِدُ؛ لِأَنَّهُ مَشْيٌ بِلَا حَاجَةٍ وَمِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْبِنَاءِ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ سَاعَتِهِ حَتَّى لَوْ أَدَّى رُكْنًا مَعَ الْحَدَثِ أَوْ مَكَثَ مَكَانَهُ قَدْرَ مَا يُؤَدِّي رُكْنًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إلَّا إذَا أَحْدَثَ بِالنَّوْمِ وَمَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ انْتَبَهَ فَإِنَّهُ يَبْنِي وَفِي الْمُنْتَقَى إنْ لَمْ يَنْوِ بِمَقَامِهِ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَلَوْ قَرَأَ ذَاهِبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا بَلْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي ذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ: اقْتِدَاءُ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ صَحِيحٌ فِي الْأَصْلِ لَكِنْ إذَا جَاءَ أَوَانُ الْقِرَاءَةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ: لَا يَصِحُّ أَصْلًا هَذَا لَفْظُ صَاحِبِ الْغَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا قَدَّمَهُ) أَيْ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ) كَتَبَ الشَّيْخُ الشِّلْبِيُّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ تَرْجَمَةً وَهِيَ قَوْلُهُ بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَوْجُودَةٌ فِي غَالِبِ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ الْمَتْنِ وَفِي بَعْضِهَا مِنْهَا ضَمَّهُ إلَى بَابِ الْإِمَامَةِ فَقَالَ بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ مَشَى الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ إلَى آخِرِهِ) عَنْ الْعَلَّامَةِ فَخْرِ الدِّينِ الْمَايَمُرْغِيِّ الْبِنَاءُ فِي الْأَحْدَاثِ الْخَارِجَةِ مِنْ بَدَنِهِ مُوجِبَةٌ لِلْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ بِلَا قَصْدِهِ لِلْحَدَثِ أَوْ سَبَبِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَأْتِ بَعْدَهُ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ تَوَقُّفٍ أَوْ فِعْلٍ يُنَافِي الصَّلَاةَ مِمَّا لَهُ بُدٌّ مِنْهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ قَاءَ إلَى آخِرِهِ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ وَلْيَبْنِ أَمْرٌ وَأَدْنَى دَرَجَاتِهِ الْإِبَاحَةُ فَيَثْبُتُ شَرْعِيَّةُ الْبِنَاءِ وَلَا يُقَالُ قَوْلُهُ فَلْيَتَوَضَّأْ لِلْوُجُوبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَلْيَبْنِ لِلْوُجُوبِ أَيْضًا قُلْنَا لَا يَضُرُّنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْوُجُوبِ يَكُونُ الْمُدَّعِي أَثْبَتَ لَكِنَّ الْبِنَاءَ غَيْرُ وَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى آخِرِهِ) الْحَدِيثُ الثَّانِي قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ فِيهِ: إنَّهُ غَرِيبٌ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَأَحْدَثَ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ، ثُمَّ لِيَنْصَرِفْ» وَلَوْ صَحَّ مَا رَوَاهُ لَمْ يَجُزْ اسْتِخْلَافُهُ الْمَسْبُوقُ إذْ لَا صَارِفَ لَهُ عَنْ الْوُجُوبِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَمَعْنَى الِاسْتِئْنَافِ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَشْرَعُ بَعْدَ الْوُضُوءِ. اهـ. (قَوْلُهُ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْجَوَابُ عَنْ إلْحَاقِهِ بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ) أَيْ فَيَتَخَيَّرُ اهـ وَالْمُرَادُ بِالْحَائِلِ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ الْعَوْدَ يُفْسِدُ) أَيْ وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا الصَّلَاةَ فِي مَكَان وَاحِدٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَشَى بِلَا حَاجَةٍ) قَالَ فِي الْغَايَةِ، ثُمَّ لَوْ حَمَلَ الْإِنَاءَ بَعْدَ الْوُضُوءِ إلَى مَوْضِعِ صَلَاتِهِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ جَازَ الْبِنَاءُ وَلَوْ حَمَلَهُ مَعَ نَفْسِهِ لِيَتَوَضَّأَ بِهِ لَا يَبْنِي ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَقَالَ فِي الْمُفِيدِ كُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَبَهَ فَإِنَّهُ يَبْنِي) وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ فِي حَالِ نَوْمِهِ، ثُمَّ انْتَبَهَ وَذَهَبَ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ فِي حَالِ نَوْمِهِ كَالْعَدَمِ اغَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ جُزْءٌ) الَّذِي فِي مُسَوَّدَةِ الْمُصَنِّفِ لَمْ يُؤَدِّ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَوْ تَرَكَ رُكُوعًا يَضَعُ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ مُشِيرًا إلَيْهِ وَفِي السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ وَفِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْفَمِ وَفِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ يَضَعُ إصْبَعَهُ عَلَى أَنْفِهِ اهـ وَفِي الْغَايَةِ لِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَسَجْدَةٍ يَضَعُ إصْبَعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ إنْ كَانَتْ وَاحِدَةً بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ وَفِي اثْنَتَيْنِ بِإِصْبَعَيْنِ وَفِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ يَضَعُ إصْبَعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَلِسَانُهُ وَفِي السَّهْوِ وَيُشِيرُ بِذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ بِتَحْوِيلِ رَأْسِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا قَالَ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ أَيْضًا قَالَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ لَا يَرْتَفِعُ مُسْتَوِيًا بَلْ يَتَأَخَّرُ مُحْدَوْدِبًا ثُمَّ يَنْصَرِفُ اهـ وَقَالَ فِي الْمُجْتَبَى أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ لَا يَرْتَفِعُ مُسْتَوِيًا فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ بَلْ يَتَأَخَّرُ مَحْدُودٌ بِإِثْمٍ يَنْصَرِفُ اهـ. (قَوْلُهُ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ إلَى آخِرِهِ) قُلْنَا هُوَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَمَا وُجِدَ مِنْهُ صَالِحًا لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْهَا انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْقَصْدِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ فَلِذَا كَانَ

تَفْسُدُ وَآيِبًا لَا وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَالصَّحِيحُ الْفَسَادُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ أَدَّى رُكْنًا مَعَ الْحَدَثِ وَفِي الثَّانِي مَعَ الْمَشْيِ، وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ: لَوْ أَحْدَثَ رَاكِعًا وَرَفَعَ رَأْسَهُ قَائِلًا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَا يَبْنِي، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَحْدَثَ فِي سُجُودِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ يُرِيدُ بِهِ إتْمَامَ سُجُودِهِ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَرَادَ الِانْصِرَافَ لَا تَفْسُدُ وَمِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ سَمَاوِيًّا حَتَّى لَوْ أَصَابَتْهُ شَجَّةٌ أَوْ عَضَّةُ زُنْبُورٍ فَسَالَ مِنْهَا دَمٌ لَا يَبْنِي؛ لِأَنَّهُ بِصُنْعِ الْعِبَادِ مَعَ نُدْرَتِهِ فَلَا يَلْحَقُ بِالْغَالِبِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْنِي لِعَدَمِ صُنْعِهِ وَلَوْ وَقَعَتْ طُوبَةٌ مِنْ سَطْحٍ أَوْ سَفَرْجَلَةٌ مِنْ شَجَرَةٍ أَوْ تَعَثَّرَ بِشَيْءٍ مَوْضُوعٍ فِي الْمَسْجِدِ فَأَدْمَاهُ قِيلَ يَبْنِي لِعَدَمِ صُنْعِ الْعِبَادِ وَقِيلَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَوْ عَطَسَ فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ مِنْ عُطَاسِهِ أَوْ تَنَحْنَحَ فَخَرَجَتْ مِنْهُ رِيحٌ بِقُوَّتِهِ. وَقِيلَ يَبْنِي وَقِيلَ لَا يَبْنِي وَلَوْ سَقَطَ مِنْ الْمَرْأَةِ الْكُرْسُفُ بِغَيْرِ صُنْعِهَا مَبْلُولًا بَنَتْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَبِتَحْرِيكِهَا بَنَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْنِي وَإِنْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ فَغَسَلَهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ سَبْقِ الْحَدَثِ مِنْهُ بَنَى وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خَارِجٍ لَا يَبْنِي خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ هَذَا غَسْلٌ لِثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ ابْتِدَاءً وَفِي الْأَوَّلِ تَبَعًا لِلْوُضُوءِ وَلَوْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ مِنْ خَارِجٍ وَمِنْ سَبْقِ الْحَدَثِ لَا يَبْنِي وَإِنْ كَانَتَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ لِلِاسْتِنْجَاءِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَكَذَا إذَا كَشَفَتْ الْمَرْأَةُ ذِرَاعَيْهَا لِلْوُضُوءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَيَتَوَضَّأُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَيَسْتَوْعِبُ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ وَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ وَيَأْتِي بِسَائِرِ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَقِيلَ يَتَوَضَّأُ مَرَّةً مَرَّةً وَإِنْ زَادَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاسْتَخْلَفَ لَوْ إمَامًا) أَيْ إنْ كَانَ إمَامًا لِمَا رَوَيْنَا وَصُورَةُ الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَتَأَخَّرَ مُحْدَوْدِبًا وَاضِعًا يَدَهُ فِي أَنْفِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ قَدْ رَعَفَ فَيَنْقَطِعُ عَنْهُ الظُّنُونُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ ذَاهِبًا أَوْ أَيْبًا تَفْسُدُ لِأَدَائِهِ رُكْنًا مَعَ الْحَدَثِ أَوْ الْمَشْيِ وَإِنْ قِيلَ تَفْسُدُ فِي الذَّهَابِ لَا الْإِيَابِ وَقِيلَ بَلْ فِي عَكْسِهِ بِخِلَافِ الذِّكْرِ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَجْزَاءِ. اهـ. فَتْحٌ (فُرُوعٌ) مِنْ الْغَايَةِ وَلَوْ جَاوَزَ الْمَاءَ فَذَهَبَ إلَى غَيْرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَشَى بِلَا حَاجَةٍ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ يَبْنِي وَلَوْ اسْتَقَى مَاءً لِوُضُوئِهِ أَوْ خَرَزَ دَلْوَهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْبِنَاءِ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ يَسْتَقِي مِنْ الْبِئْرِ وَيَبْنِي قَالَ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ لَا يَبْنِي وَذَكَرَ فِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ يَبْنِي وَلَمْ يُحْكَ خِلَافًا وَرَوَى أَبُو سَلِيمَانِ أَيْضًا أَنَّ الِاسْتِقَاءَ مِنْ الْبِئْرِ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ الْمَاءُ بَعِيدًا أَوْ الْبِئْرُ قَرِيبَةً تَحْتَاجُ إلَى النَّزَحِ يَخْتَارُ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مُؤْنَةً وَلَوْ طَلَبَ الْمَاءَ بِالْإِشَارَةِ أَوْ اشْتَرَاهُ بِالتَّعَاطِي أَوْ نَسِيَ ثَوْبَهُ فِي مَوْضِعِ الْوُضُوءِ فَرَجَعَ وَأَخَذَهُ لَا يَبْنِي وَلَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ بِرَأْسِهِ فَرَجَعَ وَمَسَحَ يَجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ وَالْمُجْتَبَى نَزْحُ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ لَا يُفْسِدُ وَلَوْ كَانَ الدَّلْوُ مُتَخَرِّقًا فَحِرْزُهُ تَفْسُدُ اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَوْ أَحْدَثَ رَاكِعًا وَرَفَعَ رَأْسَهُ قَائِلًا سَمِعَ اللَّهُ إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَقَى. اهـ. غَايَةٌ أَيْ وَلِأَنَّ الرَّفْعَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلِانْصِرَافِ فَمُجَرَّدُهُ لَا يَمْنَعُ فَلَمَّا اقْتَرَنَ بِهِ التَّسْمِيعُ ظَهَرَ قَصْدُ الْأَدَاءِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَعَ نَدْرَتِهِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالضَّمِّ لُغَةً. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ عَلَى الِاخْتِلَافِ) أَيْ لِأَنَّ الْوَضْعَ وَالْإِنْبَاتَ مِنْ صُنْعِهِمْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بَنَتْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) أَيْ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى تَصَوُّرِ بِنَائِهَا كَالرَّجُلِ خِلَافًا لِابْنِ رُسْتُمَ وَهُوَ قَوْلُ الْمَشَايِخِ اهـ فَتْحٌ قَوْلُهُ خِلَافًا لِابْنِ رُسْتُمَ أَيْ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي الْوُضُوءِ وَالْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَنْ فِي الْحَدِيثِ تَتَنَاوَلُ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ لِلِاسْتِنْجَاءِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا اسْتَنْجَى الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فَسَدَتْ، ثُمَّ نُقِلَ مِنْ التَّجْرِيدِ يَسْتَنْجِي مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا اسْتَقْبَلَ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ إنْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْهُ لَمْ يُفْسِدْ وَإِنْ وَجَدَ بِأَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ وَغَسَلَ النَّجَاسَةَ تَحْتَ الْقَمِيصِ وَأَبْدَى عَوْرَتَهُ فَسَدَتْ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا كَشَفَتْ الْمَرْأَةُ ذِرَاعَيْهَا إلَى آخِرِهِ) أَوْ كَشَفَتْ رَأْسَهَا لِلْمَسْحِ. اهـ. فَتْحٌ بِالْمَعْنَى قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ إنْ أَمْكَنَهَا الْوُضُوءُ مِنْ غَيْرِ كَشْفِ عَوْرَتِهَا بِأَنْ يُمْكِنَهَا غَسْلُ ذِرَاعَيْهَا فِي الْكُمَّيْنِ وَمَسْحُ رَأْسِهَا مَعَ الْخِمَارِ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ رَقِيقًا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ فَكَشَفَتْهَا لَا تَبْنِي وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهَا بِأَنْ كَانَ عَلَيْهَا جُبَّةٌ وَخِمَارٌ ثَخِينٌ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ جَازَ كَالرَّجُلِ إذَا كَشَفَ عَوْرَتَهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ النَّجَاسَةِ الْمُخْرَجِ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا أَطْلَقَ الْجَوَابَ؛ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهَا الْغَسْلَ فِي الْكُمَّيْنِ حَرَجًا اهـ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَإِنْ رُوِيَ جَوَازُ كَشْفِهِمَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَاسْتَخْلَفَ لَوْ إمَامًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَلَوْ تَقَدَّمَ رَجُلَانِ بَعْدَمَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَتَأَخَّرَ فَأَيُّهُمَا سَبَقَ إلَى مَقَامِ الْإِمَامِ فَهُوَ الْإِمَامُ وَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يَقْتَدُوا بِهِ وَإِنْ تَقَدَّمَا مَعًا فَأَيُّهُمَا اقْتَدَى بِهِ الْقَوْمُ فَهُوَ الْإِمَامُ وَلَوْ اقْتَدَى بَعْضُهُمْ بِهَذَا وَبَعْضُهُمْ بِهَذَا يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ فَصَلَاةُ الْأَكْثَرِ مَعَ إمَامِهِمْ جَائِزَةٌ وَصَلَاةُ الْأَقَلِّينَ مَعَ إمَامِهِمْ فَاسِدَةٌ وَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا اهـ. وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَلْآنَ وَصُفُوفٌ خَارِجَ الْمَسْجِدِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُمْ جَمِيعًا بِالْإِمَامِ فَخَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَاسْتَخْلَفَ وَاحِدًا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ لَا تَصِحُّ وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ الِاسْتِخْلَافُ اهـ ش الطَّحَاوِيُّ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ إمَامًا) أَيْ إنْ كَانَ الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ إمَامًا. اهـ. (قَوْلُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ قَدْ رَعَفَ) أَيْ آخِذًا بِثَوْبِ رَجُلٍ إلَى الْمِحْرَابِ أَوْ مُشِيرًا إلَيْهِ اهـ

وَيُقَدِّمُ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيه وَلَا يَسْتَخْلِفُ بِالْكَلَامِ بَلْ بِالْإِشَارَةِ وَلَوْ تَكَلَّمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ فِي الصَّحْرَاءِ وَفِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ حَتَّى جَاوَزَ هَذَا الْحَدَّ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ وَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ صُفُوفٌ مُتَّصِلَةٌ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ لِمَوَاضِعِ الصُّفُوفِ حُكْمَ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الصَّحْرَاءِ وَلَهُمَا أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاتُهُمْ بِنَفْسِ الِانْحِرَافِ لَكِنْ فِي الْمَسْجِدِ ضَرُورَةٌ وَلَا ضَرُورَةَ خَارِجَهُ. وَلِهَذَا لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ وَكَبَّرَ الْقَوْمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مِنْ الصُّفُوفِ الَّتِي خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَمَا لَوْ حُصِرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ) أَيْ اسْتَخْلَفَ فِي الْحَدَثِ كَمَا يَسْتَخْلِفُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِيمَا إذَا حَضَرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ بَلْ يُتِمُّهَا بِلَا قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَجَوَازُ الِاسْتِخْلَافِ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ فِيمَا يَغْلِبُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ نِسْيَانَ جَمِيعِ مَا يَحْفَظُهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ بَعِيدٌ فَصَارَ كَالْجَنَابَةِ وَلَهُ أَنَّ الْعَجْزَ هُنَا أَلْزَمُ؛ لِأَنَّ فِي الْحَدَثِ لَوْ وُجِدَ مَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَبْنِي فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِخْلَافِ، وَلِهَذَا لَوْ تَعَلَّمَ مِنْ مُصْحَفٍ أَوْ عَلَّمَهُ إنْسَانٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى زِيَادَةِ أُمُورٍ غَالِبًا مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى الْوُضُوءِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْرَأْ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ وَاعْتَرَاهُ خَجَلٌ أَوْ خَوْفٌ فَحُصِرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ. أَمَّا إذَا قَرَأَ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَلَا يَسْتَخْلِفُ بَلْ يَرْكَعُ وَيَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهِ، وَكَذَا إذَا نَسِيَ الْقُرْآنَ وَصَارَ أُمِّيًّا فَاسْتِخْلَافُهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ إتْمَامَ الْقَارِئِ صَلَاةَ الْأُمِّيِّ لَا تَجُوزُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يَظُنُّ الْحَدَثَ أَوْ جُنَّ أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ) وَقَوْلُهُ يَظُنُّ الْحَدَثَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيه) أَيْ لِقُرْبِهِ وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى»؛ لِأَنَّهُ إذَا نَابَهُ نَائِبَةٌ اسْتَخْلَفَ مِنْهُمْ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَكَلَّمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ إلَى آخِرِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ كَانَ عَلَيْهِ الِاسْتِخْلَافُ لِيَصِيرَ هُوَ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِينَ بِهِ كَغَيْرِهِ فَيَتْرُكَ الِاسْتِخْلَافِ لِمَا أَنْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ فَلَأَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ كَانَ أَوْلَى وَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ كَالْمُنْفَرِدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَهُمَا) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مِنْ آخَرِ الصُّفُوفِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ نَوَى الْخَلِيفَةُ الْإِمَامَةَ مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ إمَامًا فَتَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ كَانَ مُتَقَدِّمَهُ دُونَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَمَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فِي صِفَةٍ وَمَنْ خَلْفَهُ وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ إمَامًا إذَا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَخَرَجَ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْخَلِيفَةُ إلَى مَكَانِهِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ) أَيْ بِالْمَسْجِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مِنْ الصُّفُوفِ الَّتِي خَارِجَ الْمَسْجِدِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ وَفِي الْمَسْجِدِ يَسْتَخْلِفُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ سَوَاءٌ إلَّا إذَا كَانَ مِثْلَ جَامِعِ الْمَنْصُورِ وَجَامِعِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. اهـ. غَايَةٌ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَتَوَضَّأَ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ يَنْتَظِرُونَ وَرَجَعَ إلَى مَكَانِهِ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ أَجُزْأَهُمْ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ لَوْ سَبَقَ الْحَدَثُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَفِي الِاسْتِخْلَافِ خِلَافٌ كَذَا فِي الْغَايَةِ قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدٌ اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ حُصِرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ) الْحَصَرُ بِفَتْحَتَيْنِ الْعِيُّ وَضِيقُ الصَّدْرِ وَالْفِعْلُ مِنْهُ حَصِرَ مِثْل لَبِسَ فَهُوَ حَصَرٌ وَمِنْهُ إمَامُ حَصَرٍ وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقْرَأَ وَضَمُّ الْحَاءِ فِيهِ خَطَأٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَقَدْ حَصِرَ عَنْهُ. اهـ. نِهَايَةٌ قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَصِرَ عَلَى فَعِلَ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ مِنْ حَصَرَهُ إذَا حَبَسَهُ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَمَعْنَاهُ مَنَعَ وَحَبَسَ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِسَبَبِ خَجَلٍ وَبِالْوَجْهَيْنِ حَصَلَ لِي السَّمَاعُ مِنْ شَيْخِنَا الْمُحَقِّقِ بُرْهَانِ الدِّينِ الخريفغني - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِمَا صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ وَرَدَتْ اللُّغَتَانِ أَيْضًا فِي كُتِبَ اللُّغَةِ كَالصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا إنْكَارُ الْمُطَرِّزِيُّ ضَمَّ الْحَاءِ فَهُوَ فِي مَكْسُورِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَا يَجِيءُ لَهُ مَفْعُولٌ مَا لَمْ يُسَمِّ فَاعِلَهُ لَا فِي مَفْتُوحِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ يَجُوزُ بِنَاءُ الْفِعْلِ مِنْهُ لِلْمَفْعُولِ فَافْهَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْعَجْزَ هُنَا أَلْزَمُ) أَيْ أَثْبَتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَجْزِ فِي الْحَدَثِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إلَى زِيَادَةِ أُمُورٍ غَالِبًا) اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ غَالِبًا عَنْ فَاقِدِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يُوجَدُ مِنْهُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَصَارَ أُمِّيًّا فَاسْتِخْلَافُهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إذَا لَحِقَهُ خَجَلٌ أَوْ خَوْفٌ فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ أَمَّا إذَا نَسِيَ فَصَارَ أُمِّيًّا لَمْ يَجْرِ وَتَقَدَّمَ فِي دَلِيلِهِمَا مَا يَقْتَضِي أَنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ فِي النِّسْيَانِ وَهُوَ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا فَلَا يَخْلُو مِنْ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ النِّسْيَانُ هُنَاكَ بِمَا يُشْبِهُ مِنْ امْتِنَاعِ الْقِرَاءَةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ يَظُنُّ) بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ جُنَّ) يُقَالُ جُنَّ الرَّجُلُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَلَا يُقَالُ جَنَّهُ اللَّهُ بَلْ أَجَنَّهُ اللَّهُ فَهُوَ مَجْنُونٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَقِيَاسُهُ مُجَنٌّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ هَذَا إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَأَمَّا لَوْ وُجِدَتْ بَعْدَهُ فَصَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ خَارِجًا عَنْهَا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنْ قِيلَ الْخُرُوجُ بِفِعْلِهِ فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يُوجَدْ قُلْنَا وُجِدَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا صَارَ مُحْدِثًا بِهَا لَا بُدَّ مِنْ اضْطِرَابٍ أَوْ مُكْثٍ بَعْدَ الْحَدَثِ فَإِنَّ الْمُكْثَ إذًا جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَدَثِ وَهُوَ صُنِعَ كَيْفَمَا كَانَ فَحِينَئِذٍ وُجِدَ الصُّنْعُ إمَّا مِنْ حَيْثُ الِاضْطِرَابُ أَوْ مِنْ حَيْثُ الْمُكْثُ اهـ

مَعْنَاهُ يَظُنُّ الْحَدَثَ مِنْهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ أَمَّا الِاسْتِقْبَالُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَلِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ يُصَلِّي مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِوُجُودِ الِانْصِرَافِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ انْصَرَفَ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ فَأَلْحَقَ قَصْدَ الْإِصْلَاحِ بِحَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا أَلْحَقْنَا التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ الْبُغَاةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ كَانَ مَاسِحًا عَلَى الْخُفَّيْنِ وَظَنَّ أَنَّ مُدَّةَ مَسْحِهِ قَدْ انْقَضَتْ أَوْ كَانَ مُتَيَمِّمًا فَرَأَى سَرَابًا فَظَنَّهُ مَاءً أَوْ كَانَ فِي الظُّهْرِ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ أَوْ رَأَى حُمْرَةً فِي ثَوْبِهِ فَظَنَّهَا نَجَاسَةً فَانْصَرَفَ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الِانْصِرَافَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ. وَلِهَذَا لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ يَسْتَقْبِلُ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَالدَّارُ وَالْجَبَّانَةُ وَالْجِنَازَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَرْأَةُ إذَا نَزَلَتْ مِنْ مُصَلَّاهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَلِهَذَا تَعْتَكِفُ فِيهِ وَمَكَانُ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاء لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ تَقَدَّمَ قُدَّامُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَّ سُتْرَةٌ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَالْحَدُّ السُّتْرَةُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَدْرُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سُتْرَةٌ وَإِنْ اسْتَخْلَفَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي نَصْرٍ وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ لَمْ يَأْتِ بِالرُّكُوعِ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ أَتَى فَسَدَتْ كَأَنَّهُ يُرِيدُ بِالرُّكُوعِ الرُّكْنَ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ قَامَ الْخَلِيفَةُ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرُكْنٍ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ جَازَتْ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ نَفْسَهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ فَيَكُونُ مُفْسِدًا وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْحَدَثِ وَإِنَّمَا تُرِكَ لِلْعُذْرِ وَلَا عُذْرَ هُنَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الِاسْتِخْلَافِ وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي وَحْدَهُ فِي الصَّحْرَاءِ فَحَدُّهُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ وَقِيلَ مِقْدَارُ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ. وَأَمَّا الِاسْتِقْبَالُ فِيمَا إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ احْتَلَمَ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ نَادِرَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ؛ وَلِأَنَّهُ يَبْقَى فِي مَكَانِهِ بَعْدَ وُجُودِ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ شَرْطَ الْبِنَاءِ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ سَاعَتِهِ وَفِي الِاحْتِلَامِ يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ وَإِلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْحَدَثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ فَيَتَوَضَّأُ لِيَأْتِيَ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَعَمَّدْهُ أَوْ تَكَلَّمْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) أَيْ تَعَمَّدْ الْحَدَثَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ فَخَرَجَ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَكَذَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ لَكِنْ يَبْطُلُ وُضُوءُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي فَسَادِ الصَّلَاةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا تُؤَثِّرَ فِي فَسَادِ الْوُضُوءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ بِإِعَادَتِهِمَا فَإِذَا لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ فَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ قُلْنَا وُجُودُ الْقَهْقَهَةِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ كَوُجُودِهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَصَارَ كُنْيَةَ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهَا تَنْقَلِبُ أَرْبَعًا بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى الْبِنَاءِ، وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى السُّجُودِ يَرْفَعُ السَّلَامَ دُونَ الْقَعْدَةِ فَكَأَنَّهُ قَهْقَهَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ، ثُمَّ الْقَوْمُ بَطَلَ وُضُوءُهُ دُونَهُمْ لِخُرُوجِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ بِقَهْقَهَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ، ثُمَّ قَهْقَهُوا حَيْثُ يَبْطُلُ وُضُوءُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِهِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لَهُمْ الْبِنَاءُ بَعْدَمَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَلَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مَعًا بَطَلَ وُضُوءُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مَعْنَاهُ يُظَنُّ الْحَدَثُ مِنْهُ) أَيْ بِأَنْ ظَنَّ الْمُخَاطَ رُعَافًا مَثَلًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْبُغَاةِ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى لَا يَلْزَمُهُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ كَالْأَهْلِ الْعَدْلِ وَإِنَّمَا افْتَرَقُوا فِي الْآثَامِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ أَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ لَظَنَّ فَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقُهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا جَازَ الْبِنَاءُ فَظَهَرَ خِلَافُهُ جَازَ الْبِنَاءُ وَإِنْ كَانَ لَوْ كَأَنْ لَمْ يَجُزْ فَظَهَرَ خِلَافُهُ لَمْ يَجُزْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ إلَى آخِرِهِ) وَالْأَوْجَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سُتْرَةً أَنْ يُعْتَبَرَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَحُكْمُ الْمُنْفَرِدِ ذَلِكَ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ جَازَتْ) أَيْ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْقَوْمُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ لَا صَلَاةُ الْإِمَامِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ قَهْقَهَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ إلَى آخِرِهِ) إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْعَوْدُ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ كَالْعَوْدِ إلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ فَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ إلَى آخِرِهِ) اُنْظُرْ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ كَمَا تَفْسُدُ بِقَهْقَهَةِ إمَامِهِ (قَوْلُهُ وَبَطَلَتْ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ إلَى آخِرِهِ الْمَسَائِلُ الْمُلَقَّبَةُ بِاَلْاِثْنَا عَشْرِيَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَتِهِ الْمَاءَ إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ. اهـ. غَايَةٌ فَإِنْ قِيلَ يَشْكُلُ عَلَى هَذَا بِالْمُتَيَمِّمِ إذَا أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ فَانْصَرَفَ، ثُمَّ وَجَدَ مَاءً لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ هُنَاكَ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي مَسْحِ الْخُفِّ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ هُنَا وَلَا يَلْزَمُهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَنَّ التَّيَمُّمَ يُنْتَقَضُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ إلَى ابْتِدَاءِ وُجُودِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فَيَصِيرُ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُنْتَقَضْ التَّيَمُّمُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ لِانْتِقَاضِهِ بِالْحَدَثِ الطَّارِئِ عَلَى التَّيَمُّمِ فَلَمْ تُوجَدْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ حَالَ قِيَامِ الْخُلْفِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخُلْفِ فَلَا يَلْزَمُ الِانْتِقَاضُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ. قَوْلُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِي مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ أَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ وَعَلَيْك بِمُرَاجَعَةِ هَذَا الْمَحَلِّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ

(وَبَطَلَتْ إنْ رَأَى مُتَيَمِّمٌ مَاءً) أَيْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَتِهِ الْمَاءَ وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ حَتَّى لَوْ رَآهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ لَا تَبْطُلُ وَلَوْ قَدَرَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ بَطَلَتْ فَدَارَ الْحُكْمُ عَلَى الْقُدْرَةِ لَا غَيْرُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْمُتَيَمِّمِ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَوَضِّئٌ يُصَلِّي خَلْفَ مُتَيَمِّمٍ فَرَأَى الْمُؤْتَمُّ الْمُتَوَضِّئُ الْمَاءَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعِلْمِهِ أَنَّ إمَامَهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَاءِ بِإِخْبَارِهِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ فَلَوْ قَالَ وَبَطَلَتْ إنْ رَأَى مُتَيَمِّمٌ أَوْ مُقْتَدٍ بِهِ مَاءً لَشَمِلَ الْكُلَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ) هَذَا إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِدًا لَهُ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ الرِّجْلَيْنِ لَا حَظَّ لَهُمَا مِنْ التَّيَمُّمِ وَقِيلَ تَبْطُلُ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ يَسْرِي إلَى الْقَدَمِ فَيَتَيَمَّمُ إذَا بَقِيَ لَمْعَةٌ مِنْ عُضْوِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَوْ أَحْدَثَ فَذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَتَمَّتْ الْمُدَّةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بَلْ يَتَوَضَّأُ. وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَيَبْنِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ لِحَدَثٍ حَلَّ بِهِمَا لِلْحَالِ فَصَارَ كَحَدَثٍ سَبَقَهُ لِلْحَالِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ لَيْسَ بِحَدَثٍ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَلَى الشُّرُوعِ عِنْدَهُ فَكَأَنَّهُ شُرِعَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا أَحْدَثَ فَذَهَبَ لِلْوُضُوءِ فَوَجَدَ مَاءً فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا أَحْدَثَتْ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ ذَهَبَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ تَتَوَضَّأَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ نَزَعَ خُفَّيْهِ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ) بِأَنْ كَانُوا وَاسِعَيْنِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى الْمُعَالَجَةِ فِي النَّزْعِ وَإِنْ كَانَ النَّزْعُ بِفِعْلٍ عَنِيفٍ تَمَّتْ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ بِفِعْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَعَلَّمَ أُمِّيٌّ سُورَةً) أَيْ تَذَكَّرَ أَوْ حَفِظَهَا بِالسَّمَاعِ مِمَّنْ يَقْرَأُ مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ بِالتَّعَلُّمِ، أَمَّا لَوْ تَعَلَّمَ حَقِيقَةً تَمَّتْ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ صَنْعَةٍ لِأَنَّ التَّعَلُّمَ فِي الصَّلَاةِ قَاطِعٌ وَقَوْلُهُ سُورَةٌ وَقَعَ اتِّفَاقًا أَوْ هُوَ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالْآيَةُ تَكْفِي وَهَذَا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا بِحَيْثُ تَجُوزُ إمَامَتُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ قَارِئٍ فَقَدْ قِيلَ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ فَقَدْ تَكَامَلَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَبِنَاءُ الْكَامِلِ عَلَى الْكَامِلِ جَائِزٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي اللَّيْثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَتِهِ الْمَاءِ) أَيْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ اهـ ع (قَوْلُهُ أَوْ مُقْتَدٍ بِهِ مَاءٌ لَشَمِلَ الْكُلَّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ حَكَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت الْمُصَنِّفُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرَهُ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُقْتَدِي بِالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى مَاءً فَفِيهَا خِلَافُ زُفَرَ وَلَيْسَ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ) أَيْ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ. اهـ. رَازِيٌّ وَسَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا اهـ ع (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِدًا لَهُ لَا تَبْطُلُ) قَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقَدْ قَالُوا إذَا انْتَقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ تَفْسُدُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لَهُ وَيُصَلِّي كَمَا لَوْ بَقِيَ فِي أَعْضَائِهِ لَمْعَةٌ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَغْسِلُهَا بِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ فَكَذَا هَذَا اهـ. قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ قَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْضِي فِيهَا بِلَا تَيَمُّمٍ قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ وَتَتِمَّةُ كَلَامِهِ نَقَلْته فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَانْظُرْهُ إنْ أَرَدْته اهـ، وَكَذَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ مَنِيعٌ (قَوْلُهُ أَوْ نَزَعَ خُفَّيْهِ) أَيْ أَوْ أَحَدَهُمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ تَعَلَّمَ أُمِّيٌّ سُورَةً إلَى آخِرِهِ) اقْتَدَى الْأُمِّيُّ بِقَارِئٍ بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَةً إلَى آخِرِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ الْإِمَامُ قَالَ الْأُمِّيُّ لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ فِي الْقِيَاسِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ الْتَزَمَ أَدَاءَ هَذِهِ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةٍ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ حِينَ قَامَ لِلْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِي فَلَا تَكُونُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ قِرَاءَةً لَهُ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ الْقِرَاءَةَ ضِمْنًا لِلِاقْتِدَاءِ وَهُوَ مُقْتَدٍ فِيمَا بَقِيَ عَلَى الْإِمَامِ لَا فِيمَا سَبَقَهُ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَنَى كَانَ مُؤَدِّيًا بَعْضَ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةٍ وَبَعْضَهَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ كَانَ مُؤَدِّيًا كُلَّهَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ. اهـ. بَدَائِعُ وَفِي الْبَدَائِعِ أُمِّيٌّ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ، ثُمَّ تَعَلَّمَ سُورَةً فَقَرَأَهَا فِيمَا بَقِيَ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ مِثْلُ الْأَخْرَسِ يَزُولُ خَرَسُهُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَارِئًا فِي الِابْتِدَاءِ فَصَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بِقِرَاءَةٍ، ثُمَّ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ فَصَارَ أُمِّيًّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ لَا تَفْسُدُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَفْسُدُ فِي الْأَوَّلِ وَلَا تَفْسُدُ فِي الثَّانِي اسْتِحْسَانًا وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَقَطْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَارِئَ لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَجْزَأَهُ فَإِذَا كَانَ قَارِئًا فِي الِابْتِدَاءِ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ فَعَجْزُهُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ كَمَا لَوْ تَرَكَ مَعَ الْقُدْرَةِ وَإِذَا تَعَلَّمَ وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فَلَا يَضُرُّ عَجْزُهُ عَنْهَا فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا لَا يَضُرُّ تَرْكُهَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ فِي الْأَوَّلِ يَحْصُلُ الْأَدَاءُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ فَأَمَرَ بِالِاسْتِقْبَالِ وَلَوْ اسْتَقْبَلَهَا فِي الثَّانِي لَأَدَّى كُلَّ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَكَانَ الْبِنَاءُ أَوْلَى لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا الْبَعْضَ بِقِرَاءَةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ فَلَا تَسْقُطُ إلَّا بِشَرْطِ الْعَجْزِ عَنْهَا فِي كُلِّ الصَّلَاةِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِهَا فَاتَ الشَّرْطُ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُؤَدَّى لَمْ يَقَعْ صَلَاةً؛ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْأُمِّيِّ لَمْ تَنْعَقِدْ لِلْقِرَاءَةِ بَلْ انْعَقَدَتْ لِأَفْعَالِ صَلَاتِهِ، فَإِذَا قَدَرَ صَارَتْ الْقِرَاءَةُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا بِلَا تَحْرِيمَةٍ كَأَدَاءِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَالصَّلَاةُ لَا تُوجَدُ بِدُونِ أَرْكَانِهَا فَفَسَدَتْ وَلِأَنَّ الْأَسَاسَ الضَّعِيفَ لَا يَحْتَمِلُ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَيْهِ. وَالصَّلَاةُ بِقِرَاءَةٍ أَقْوَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهَا عَلَى الضَّعِيفِ كَالْعَارِي إذَا وَجَدَ ثَوْبًا وَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَإِذَا كَانَ قَارِئًا فِي الِابْتِدَاءِ فَقَدْ عَقَدَ تَحْرِيمَتَهُ لِأَدَاءِ كُلِّ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةٍ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَدْ قِيلَ: إنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. غَايَةٌ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ

وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ أَنَّهَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالْقِرَاءَةِ حَقِيقَةٌ فَوْقَ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ حُكْمًا فَلَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ وَجَدَ عَارٍ ثَوْبًا) أَيْ ثَوْبًا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ كَانَتْ فِيهِ وَعِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ وَلَكِنْ رُبْعُهُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ طَاهِرٌ وَهُوَ سَاتِرٌ لِلْعَوْرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ قَدْرٌ مُومِئٌ) أَيْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ آخِرَ صَلَاتِهِ أَقْوَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّعِيفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً) أَيْ فَائِتَةً عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْقُطْ التَّرْتِيبُ بَعْدُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ فَائِتَةً عَلَى الْإِمَامِ فَتَذَّكَّرهَا الْمُؤْتَمُّ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُؤْتَمِّ وَحْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا) لِأَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ عَدَمُ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْإِمَامَةِ فِي حَقِّ الْقَارِئِ لَا بِالِاسْتِخْلَافِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ حَتَّى جَازَ اسْتِخْلَافُ الْقَارِئِ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا مُسْتَقِيمٌ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ عَمَلٌ كَثِيرٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَا يُؤَثِّرُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ رُخْصَةً. وَلِهَذَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ وَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَهُوَ الِاسْتِخْلَافُ فَكَذَا هُنَا لَا حَاجَةَ إلَى إمَامٍ لَا تَصْلُحُ صَلَاتُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ أَوْ سَقَطَتْ جَبِيرَتُهُ عَنْ بُرْءٍ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُفْسِدَةٌ لِلصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ زَالَ عُذْرُ الْمَعْذُورِ) كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِمَعْنَاهَا إذَا اسْتَوْعَبَ الِانْقِطَاعَ وَقْتًا كَامِلًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَلَقَّبَهَا اثْنَا عَشْرِيَّةَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى الْمُرَكَّبِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ عَدَدَهَا اثْنَا عَشْرَةَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَقَدْ زِيدَ عَلَيْهَا مَسَائِلُ فَمِنْهَا إذَا كَانَ يُصَلِّي بِالثَّوْبِ النَّجِسِ فَوَجَدَ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَ يُصَلِّي الْقَضَاءَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْأَوْقَاتُ الْمَكْرُوهَةُ مِنْ الزَّوَالِ وَتَغَيُّرِ الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ أَوْ طُلُوعِهَا، وَمِنْهَا الْأَمَةُ إذَا كَانَتْ تُصَلِّي بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَأَعْتَقَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ تَسْتُرْ عَوْرَتَهَا مِنْ سَاعَتِهَا فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ إذَا عَرَضَ لَهُ وَاحِدَةً مِنْهَا بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ كَانَ خَلْفَهُ لَوْ كَانَ إمَامًا. وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَعَرَضَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ سَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ أَنَّهَا تَفْسُدُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا اهـ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ قَوْلُهُ أَوْ كَانَ أُمِّيًّا فَتَعَلَّمَ سُورَةً يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ يُصَلِّي وَحْدَهُ أَمَّا لَوْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْن أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا) أَيْ بَعْدَمَا أَحْدَثَ اهـ ع (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ) أَيْ فِي كِتَابِ كَشْفِ الْغَوَامِضِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ) أَيْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ اهـ عِ (قَوْلُهُ: أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ إلَى آخِرِهِ) قِيلَ كَيْفَ يَتَحَقَّقُ هَذَا الْخِلَافُ وَدُخُولُ الْعَصْرِ عِنْدَهُ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا إذَا صَارَ مِثْلَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقْتًا مُهْمَلًا فَإِذَا صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ يَتَحَقَّقُ الْخُرُوجُ عِنْدَهُمْ وَتَمَّتْ الصَّلَاةُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ بَاطِلَةٌ وَهَذَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ وَقِيلَ يُمْكِنُ أَنْ يَقْعُدَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ مِثْلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا تَرَى وَلَكِنْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ عَلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْخُرُوجَ وَالدُّخُولَ بِكَوْنِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: هَذِهِ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ كَقَوْلِهِمَا يَعْنِي حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْخِلَافُ وَفِي الْمَنَافِعِ هَذَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمَا إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَعِنْدَهُ إذَا صَارَ مِثْلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقِيلَ تَخْصِيصُ الْجُمُعَةِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الظُّهْرِ كَذَلِكَ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ الْعَصْرِ فِي الظُّهْرِ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ) يَعْنِي أَوَّلًا لِذَلِكَ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ أَوْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ زَالَ عُذْرُ الْمَعْذُورِ) أَيْ بِأَنْ تَوَضَّأَتْ مُسْتَحَاضَةٌ مَعَ السَّيَلَانِ وَشُرِعَتْ فِي الظُّهْرِ وَقَعَدَتْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَانْقَطَعَ الدَّمُ وَدَامَ الِانْقِطَاعُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ تُعِيدُ الظُّهْرَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ ع (قَوْلُهُ إذَا اسْتَوْعَبَ الِانْقِطَاعُ وَقْتًا كَامِلًا) أَيْ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَوُقُوعُ الِانْقِطَاعِ فِيهِ، فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّهُ انْقِطَاعٌ مُؤَثِّرٌ فَيَظْهَرُ الْفَسَادُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَقْضِيهَا. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى الْمَرْكَبِ) أَيْ إلَّا أَنْ يُسَمَّى بِهِ فَيُنْسَبُ إلَى صَدْرِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ سَلَّمَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَعَادَ إلَيْهِمَا فَلَمَّا سَجَدَ سَجْدَةً تَعَلَّمَ سُورَةً تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَعَلَّمَ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَيَصِيرُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَلَوْ سَلَّمَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ أَوْ قِرَاءَةَ تَشَهُّدٍ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي الْكِتَابِ قَالَ: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الِاثْنَيْ عَشْرَةَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ سَاهِيًا فَيُجْعَلُ كَالْعَدَمِ أَمَّا لَوْ سَلَّمَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّمَ سُورَةً وَعَلَيْهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ. اهـ. غَايَةٌ

[الاستخلاف في الصلاة]

الْقَوْمُ قَبْلَ الْإِمَامِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ دُونَ الْقَوْمِ، وَكَذَا إذَا سَجَدَ هُوَ لِلسَّهْوِ وَلَمْ يَسْجُدْ الْقَوْمُ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْطُلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، ثُمَّ قِيلَ: هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ لَهُمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ يُضَادُّ الصَّلَاةَ فَلَا يَكُونُ مِنْ جُمْلَتِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِلصَّلَاةِ تَحْرِيمًا وَتَحْلِيلًا فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِصُنْعِهِ كَالْحَجِّ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ وَكُلُّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا مِثْلَهُ وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْ قَارَبَتْ التَّمَامَ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» يَعْنِي مِنْ قُرْبٍ مِنْ الْمَوْتِ وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ وَقْفٍ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ». وَكَانَ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ فَرْضٌ وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْذَعِيُّ لَمَّا رَأَى جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهَا تَبْطُلُ فَقَالَ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ: إنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ إلَّا بِتَرْكِ فَرْضٍ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا الْخُرُوجُ مِنْهَا بِفِعْلِهِ، فَقَالَ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا كَمَا زَعَمَهُ لَاخْتَصَّ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ وَهُوَ السَّلَامُ وَلَمَّا لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا قَالَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّ مَا يُغَيِّرُ فِي أَثْنَائِهَا يُغَيِّرُ فِي آخِرِهَا كَنِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَاقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ لَا لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ) أَيْ جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْمَسْبُوقَ بِرَكْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُنْفَرِدًا فِيمَا يَقْضِي بَعْدَ فَرَاغِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْمُدْرِكَ لِمَا رَوَيْنَا وَلِكَوْنِهِ أَقْدَرُ عَلَى الْإِتْمَامِ وَأَعْلَمُ بِحَالِ الْإِمَامِ وَيَنْبَغِي لِهَذَا الْمَسْبُوقِ أَنْ لَا يَقْبَلَ وَأَنْ لَا يَتَقَدَّمَ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ فَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ وَيَسْتَخْلِفُ مُدْرِكًا عِنْدَ إتْمَامِ صَلَاةِ إمَامِهِ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُقَدِّمَ مُقِيمًا لِعَجْزِهِ عَنْ إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَزِمُوا مُتَابَعَتَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ إذْ لَا يَلْزَمُهُمْ الْإِتْمَامُ بِاسْتِخْلَافِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ بِنِيَّةِ الْمُسْتَخْلِفِ بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ أَوْ بِنِيَّةِ خَلِيفَتِهِ وَلَوْ قَدَّمَهُ أَيْ قَدَّمَ الْمُقِيمَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا فَإِذَا أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ قُدِّمَ مُسَافِرٌ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ، ثُمَّ يُصَلِّي كُلُّ مُقِيمٍ رَكْعَتَيْنِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ اقْتِدَاءَهُمْ انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلْمُتَابَعَةِ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَوْ قَامَ فَاقْتَدُوا بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، وَكَذَا إذَا اسْتَخْلَفَ مُسَافِرًا فَقَامَ فَاقْتَدُوا بِهِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمُقِيمِينَ دُونَ الْمُسَافِرِينَ الْمُدْرِكِينَ. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ كَانَ الْخَلِيفَةُ مَسْبُوقًا فَقَامَ بَعْدَ فَرَاغِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَتَابَعُوهُ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ وَاللَّاحِقِينَ دُونَ الْمُدْرِكِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ) أَيْ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ فَرْضٌ عِنْدَهُ فَتَفْسُدُ اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ) أَيْ فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهَا بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ) أَيْ إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا يُغَيِّرُ فِي أَثْنَائِهَا يُغَيِّرُ فِي آخِرِهَا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَيُحْمَلُ اعْتِرَاضُ الْمُغَيِّرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ بِخِلَافِ الْكَلَامِ وَالْقَهْقَهَةِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَمُحَاذَاةِ الْمَرْأَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهَا قَاطِعَةٌ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا بِصُنْعِهِ لَا أَنَّهَا بِغَيْرِهِ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّأْسِيسِ مَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْمُجْتَبَى وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا. اهـ. دِرَايَةٌ. [الِاسْتِخْلَاف فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْمُدْرِكَ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَيُقَدَّمُ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ». اهـ. نِهَايَةٌ وَالْمُقْتَدُونَ بِمَنْزِلَةِ الرَّعَايَا. اهـ. كَاكِيٌّ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ، كَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ فَاشْتِغَالُهُ بِاسْتِخْلَافِهِ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَكَذَا لَوْ قَدَّمَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً تَفْسُدُ صَلَاةُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَقَالَ زُفَرُ صَلَاةُ الْمَرْأَةِ وَالنِّسَاءِ صَحِيحَةٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَدَّمَ أُمِّيًّا أَوْ عَارِيًّا. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْقَوْمِ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقُومُوا إلَى الْقَضَاءِ فَيَقْضُوا وُحْدَانًا وَيَسْجُدُونَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقَضَاءِ وَالتَّسْلِيمِ. اهـ. شَرْحُ الطَّحَاوِيِّ. (قَوْلُهُ أَوْ بِنِيَّةِ خَلِيفَتِهِ) أَيْ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فِي الْأَصْلِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُمْ أَرْبَعًا لِلِاقْتِدَاءِ بِالْمُقِيمِ، قُلْنَا: لَيْسَ هُوَ إمَامًا إلَّا ضَرُورَةً عَجَزَ الْأَوَّلُ عَنْ الْإِتْمَامِ لَمَّا شَرَعَ فِيهِ فَيَصِيرُ قَائِمًا مَقَامَهُ فِيمَا هُوَ قَدْرُ صَلَاتِهِ إذْ الْخُلْفُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ هُوَ فَكَانُوا مُقْتَدِينَ بِالْمُسَافِرِ مَعْنًى وَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضًا عَلَى الْخَلِيفَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، أَمَّا لَوْ نَوَى الْإِمَامُ أَوَّلًا الْإِقَامَةَ قَبْلَ اسْتِخْلَافِهِ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْخَلِيفَةُ صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ وَهَذَا إذَا عَلِمَ بِنِيَّةِ الْإِمَامِ بِأَنْ أَشَارَ الْإِمَامُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِخْلَافِ فَأَفْهَمَهُ قَصْدَ الْإِقَامَةِ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ وَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ. اهـ. فَتْحٌ فِي بَابِ الْمُسَافِرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَامَ فَاقْتَدُوا بِهِ بَطَلَتْ إلَى آخِرِهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَوْ قَامَ أَيْ قَامَ الْمُقِيمُ الْمُسْتَخْلَفُ فَاقْتَدُوا بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، وَكَذَا إذَا اسْتَخْلَفَ مُسَافِرًا فَقَامَ وَهَذَا لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهُوَ حَاشِيَةٌ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ

وَلَوْ قَدَّمَ لَاحِقًا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ لِلْحَالِ إلَّا بِارْتِكَابِ مَكْرُوهٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلًا بِمَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ قَدَّمَهُ فَلَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَ مُدْرِكًا فَإِنْ تَقَدَّمَ أَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ لَا يُتَابِعُوهُ حَتَّى يَفْرُغَ مَا عَلَيْهِ فَيَقَعَ الْأَدَاءُ مُرَتَّبًا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ، ثُمَّ تَأَخَّرَ وَقَدَّمَ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ جَازَ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يُصَلِّي الْمَسْبُوقُ أَوَّلًا مَعَ الْإِمَامِ آخِرَ صَلَاتِهِ فَإِذَا قَامَ يَقْضِي فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ تَفْسُدُ بِالْمُنَافِي صَلَاتُهُ دُونَ الْقَوْمِ) أَيْ لَوْ أَتَمَّ الْمَسْبُوقُ الْمُسْتَخْلَفُ صَلَاةَ الْإِمَامِ فَأَتَى بِمَا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ ضَحِكٍ وَكَلَامٍ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ دُونَ صَلَاةِ الْقَوْمِ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ وُجِدَ فِي حَقِّهِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَفِي حَقِّهِمْ بَعْدَ تَمَامِ أَرْكَانِهَا. وَكَذَا تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ هُوَ مِثْلُ حَالِهِ وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ إنْ فَرَغَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ تَفْسُدْ وَقِيلَ: لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُقْتَدِيًا بِالْخَلِيفَةِ قَصْدًا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَخْلَفَهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِفَسَادِ صَلَاةِ إمَامِهِ وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَنْزِلِهِ قَبْلَ فَرَاغِ هَذَا الْمُسْتَخْلَفِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ انْفِرَادَهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَمَا تَفْسُدُ بِقَهْقَهَةِ إمَامِهِ لَدَى اخْتِتَامِهِ لَا بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَكَلَامِهِ) أَيْ كَمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ بِقَهْقَهَةِ إمَامِهِ فِيمَا إذَا لَمْ يُحْدِثْ الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا لَكِنْ وُجِدَ مِنْهُ الْقَهْقَهَةُ حِينَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فَإِنَّ صَلَاةَ الْمَسْبُوقِ تَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَكَلَامِهِ أَيْ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَا بِكَلَامِهِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَفْسُدُ بِقَهْقَهَتِهِ أَيْضًا. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَدَثُ الْعَمْدُ لَهُمَا أَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي مَبْنِيَّةٌ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ صِحَّةً وَفَسَادًا وَلَمْ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَكَذَا صَلَاتُهُ كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَهُ أَنَّ الْقَهْقَهَةَ وَالْحَدَثَ الْعَمْدَ مُفْسِدَانِ لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِيَانِهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيُفْسِدَانِ مِثْلَهُ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُورِ غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْمُدْرِكَ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى الْبِنَاءِ وَالْمَسْبُوقَ وَمَنْ حَالُهُ مِثْلُ حَالِهِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ بِخِلَافِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» فَصَارَ مِنْ وَاجِبَاتِ التَّحْرِيمَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِنَا مِنْهُ وَالْكَلَامُ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ لِوُجُودِ كَافِ الْخِطَابِ فِيهِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يُصَلِّي إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجْزِيه، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْبُدَاءَةِ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ الْمَأْمُورَ بِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَالْمَسْبُوقِ إذَا بَدَأَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يُتَابِعَ فِيمَا أَدْرَكَ مَعَهُ وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِجَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ إلَّا تَرْكَ التَّرْتِيبِ فِي أَفْعَالِهَا وَالتَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَوْ ثَبَتَ افْتِرَاضُهُ لَكَانَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْأَرْكَانِ وَالْفَرَائِضِ وَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ جَارٍ مَجْرَى النَّسْخِ وَلَا يَثْبُتُ نَسْخٌ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ مِثْلِهِ وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ جَعَلَ التَّرْتِيبَ يُسَاوِي دَلِيلَ افْتِرَاضِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ صَلَاتِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَرْضًا لَفَسَدَتْ، وَكَذَا الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ مِنْ السُّجُودِ يُتَابِعُهُ فِيهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَتَرْكُهَا لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ خِلَافَ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّ هُنَاكَ لَيْسَ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ بَلْ لِلْعَمَلِ بِالْمَنْسُوخِ أَوْ لِلِانْفِرَادِ عِنْدَ وُجُوبِ الِاقْتِدَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ) أَيْ فَقَدْ قَدَّمَ آخِرَهَا عَلَى أَوَّلِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: صَلَاتُهُ دُونَ الْقَوْمِ إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْقَوْمِ أَيْضًا اهـ ع (قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ إنْ فَرَغَ) أَيْ مِنْ صَلَاتِهِ خَلْفَ الثَّانِي مَعَ الْقَوْمِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) أَيْ كَغَيْرِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ) أَيْ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَخْلَفَهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِهِ إلَى آخِرِهِ) وَلِذَا قَالُوا: لَوْ تَذَكَّرَ الْخَلِيفَةُ فَائِتَةً فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالْقَوْمِ وَلَوْ تَذَكَّرَهَا الْأَوَّلُ بَعْدَمَا خَرَجَ تَذَكَّرَهَا الْأَوَّلُ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ خَاصَّةً أَوْ قَبْلَ خُرُوجِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْخَلِيفَةِ وَالْقَوْمِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ انْفِرَادَهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ) أَيْ عِنْدَنَا وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا نَوَى مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ وَأَتَمَّ لِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِيهِ قَوْلَانِ وَأَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَكَلَامِهِ) قَالَ الرَّازِيّ يَعْنِي إذَا قَهْقَهَ الْإِمَامُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ، وَأَمَّا لَوْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ وَالْخُرُوجَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَاطِعَانِ الصَّلَاةَ لَا مُفْسِدَانِ فَإِذَا صَادَفَا جُزْءًا لَمْ يُفْسِدَاهُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ لَكِنَّهُ يَقْطَعُهَا فِي أَوَانِهِ وَلَا يَقْطَعُهَا فِي غَيْرِ أَوَانِهِ اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ كَمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ إلَى آخِرِهِ) قَيَّدَ بِالْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُدْرِكِ لَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا وَفِي صَلَاةِ اللَّاحِقِ رِوَايَتَانِ قِيلَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ. اهـ. قُنْيَةٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي صَلَاةِ اللَّاحِق رِوَايَتَانِ وَقَبْلَ التَّشَهُّدِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ وَبَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ لَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا. اهـ. (قَوْلُهُ كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ وَالْخُرُوجِ إلَى آخِرِهِ)؛ لِأَنَّ مَنْ وُجِدَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْجِنَايَةُ أَوْلَى بِفَسَادِ صَلَاتِهِ فَإِذَا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ كَانَ غَيْرُهُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَيَفْسُدَانِ إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ اللَّاحِقُ وَالْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ) أَيْ مُتَمِّمٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمَ) أَيْ وَهُوَ أَمْرٌ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ) أَيْ مِنْ وَجْهٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ كَافِ الْخِطَابِ فِيهِ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى كَانَ مُفْسِدًا أَيْ خِلَالَ الصَّلَاةِ وَيُفَارِقُهُ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ السَّلَامَ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ فِي مَوْضِعِهِ دُونَ الْكَلَامِ

فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يُسَلِّمُوا وَلَوْ قَهْقَهُوا بَعْدَمَا سَلَّمَ يَبْطُلُ وُضُوءُهُمْ وَلَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ قَهْقَهَ لَمْ يُسَلِّمُوا وَلَمْ يَبْطُلْ وُضُوءُهُمْ بِالْقَهْقَهَةِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ وَكَلَامِهِ وَبِحَدَثِهِ عَمْدًا أَوْ قَهْقَهَتِهِ يَخْرُجُونَ، وَكَذَا الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْ مُوجِبَاتِ التَّحْرِيمَةِ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] وَلَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ لِلْقَضَاءِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ، ثُمَّ أَحْدَثَ الْإِمَامُ عَمْدًا أَوْ قَهْقَهَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ انْفِرَادُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ مُتَابَعَةُ إمَامِهِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالسَّجْدَةِ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَأَكَّدْ انْفِرَادِهِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَإِنْ لَمْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِتَرْكِ الْمُتَابَعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى وَأَعَادَهُمَا) أَمَّا الْوُضُوءُ وَالْبِنَاءُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا إعَادَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلِأَنَّ إتْمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَتَحَقَّقُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ تَمَّ قَبْلَ الِانْتِقَالِ لَكِنَّ الْجِلْسَةَ وَالْقَوْمَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُعِدْهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَ إمَامًا فَقَدَّمَ غَيْرَهُ دَامَ الْمُقَدَّمُ عَلَى رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْإِتْمَامُ بِالِاسْتِدَامَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ لِلْمُدَاوَمَةِ فِيمَا لَهُ امْتِدَادُ حُكْمِ الِابْتِدَاءِ وَلِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ امْتِدَادٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ رَكَعَ وَسَجَدَ ابْتِدَاءً وَلِهَذَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ رَاكِبُهَا بِالِاسْتِدَامَةِ عَلَى اللُّبْسِ أَوْ عَلَى الرُّكُوبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ذَكَرَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا سَجْدَةً فَسَجَدَهَا لَمْ يُعِدْهُمَا) يَعْنِي لَوْ ذَكَرَ فِي رُكُوعِهِ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً فَانْحَطَّ مِنْ رُكُوعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ أَوْ ذَكَرَهَا وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَفَعَ رَأْسه مِنْ السُّجُودِ فَسَجَدَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ الَّذِي كَانَ فِيهِ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَاجِبَاتِ وَقَدْ حَصَلَ الِانْتِقَالُ مَعَ الطَّهَارَةِ وَالْأَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ فَأَظْهَرْنَا شُبْهَةَ الْإِنْهَاءِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لِمَكَانِ الِافْتِقَارِ إلَى الْبِنَاءِ وَأَظْهَرْنَا شُبْهَةَ الْقَطْعِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْبِنَاءِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ يُوَضِّحُهُ) أَيْ الْفَرْقُ. اهـ. (وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ قَهْقَهَ لَمْ يُسَلِّمُوا) أَيْ بَلْ يَقُومُونَ وَيَذْهَبُونَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْطُلْ وُضُوءُهُمْ بِالْقَهْقَهَةِ) أَيْ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ عَمْدًا أَوْ قَهْقَهَ اهـ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَوْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُقْتَدِي مِنْ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ التَّشَهُّدَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّلَامِ وَلَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا لَا يُتِمُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ مُوجِبَاتِ التَّحْرِيمَةِ) أَيْ وَاجِبَاتِ التَّحْرِيمَةِ اهـ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا قَيَّدَ الرَّكْعَةَ إلَى آخِرِهِ) بِأَنْ قَامَ الْمَسْبُوقُ لِلْقَضَاءِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ وَهُوَ أَنْ لَا يَقُومَ إلَّا بَعْدَ سَلَامِهِ. اهـ. فَتْحٌ وَلَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ الْإِمَامُ وَهُوَ مَسْبُوقٌ بِرَكْعَةٍ أَوْ بِرَكْعَتَيْنِ فَإِنَّ قِيَامَهُ وَقِرَاءَتَهُ إلَى أَنْ يَقْعُدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَغْوٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قِيَامٌ وَقِرَاءَةٌ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَالْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْهُمَا فَرْضٌ وَفِي رَكْعَةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ بَعْدَمَا تَشَهَّدَ الْإِمَامُ قِيَامٌ وَإِنْ قَلَّ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ اهـ. وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ قِيَامٌ بَعْدَ قُعُودِ الْإِمَامِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ اهـ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا إذَا أَقَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ فَقَضَاهُ أَجُزْأَهُ وَهُوَ مُسِيءٌ أَمَّا الْجَوَازُ فَلِأَنَّ قِيَامَهُ حَصَلَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْإِسَاءَةُ فَلِتَرْكِهِ انْتِظَارَ سَلَامِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ أَوَانَ قِيَامِهِ لِلْقَضَاءِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَ الْقِيَامَ عَنْ السَّلَامِ وَلَوْ قَامَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سُجُودَ سَهْوٍ فَسَجَدَ إنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْبُوقُ رَكْعَتَهُ بِسَجْدَةٍ يَسْجُدُ مَعَ الْإِمَامِ وَيَبْطُلُ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ لَا يَعُودُ لِاسْتِحْكَامِ الِانْفِرَادِ وَلَوْ عَادَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِاقْتِدَائِهِ بَعْدَ الِانْفِرَادِ وَلَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ فَسَجَدَهَا إنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْبُوقُ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ عَادَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ مَعَهُ أَيْضًا، ثُمَّ يَقْضِي مَا عَلَيْهِ وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ لَمْ يُعِدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَوْدُ الْإِمَامِ إلَى سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِرَفْضِ الْقَعْدَةِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَتَرْتَفِضُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا وَإِنْ قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ فَإِنْ تَابَعَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَرِوَايَتَانِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ الْفَسَادُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَدَمُهُ وَلَوْ ذَكَرَ الْإِمَامُ سَجْدَةً صَلَاتِيَّةً تَابَعَهُ الْمَسْبُوقُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ فَسَدَتْ وَإِنْ سَجَدَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ تَابَعَ الْإِمَامَ أَوْ لَمْ يُتَابِعْهُ اهـ. قَوْلُهُ: لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قِيَامٌ مُعْتَدٍّ بِهِ فِي هَذِهِ الرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِيَامُ بَعْدَ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلِهَذَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَأَمَّا إذَا قَامَ بَعْدَمَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ فَقَضَى أَجْزَأَهُ وَهُوَ مُسِيءٌ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ إمَامِهِ) أَيْ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بَعْدَ سُجُودِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الْقَوْمِ لَاحِقٌ إنْ فَعَلَ الْإِمَامُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَامَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ لَا تَفْسُدُ، وَإِلَّا تَفْسُدُ عِنْدَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ) أَيْ وَلَوْ تَابَعَهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. اهـ. دِرَايَةٌ بِمَعْنَاهَا. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ) فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَسُجُودِهِ بِالْوَاوِ وَكَتَبَ حَاشِيَةً بِخَطِّهِ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ وَنَصُّهَا وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَسُجُودِهِ بِمَعْنَى أَوْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] أَيْ أَوْ ثُلَاثَ أَوْ رُبَاعَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ رَكَعَ وَسَجَدَ ابْتِدَاءً) أَيْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ الرُّكُوعِ. اهـ. عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً) أَيْ أَوْ سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ اهـ اك وَنِهَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ إلَى آخِرِهِ) بَقِيَ أَنَّ

[باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها]

أَنْ يُعِيدَ لِتَقَعَ الْأَفْعَالُ مُرَتَّبَةً بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الرُّكُوعِ لِأَنَّ الْقَوْمَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعَيَّنَ الْمَأْمُومُ الْوَاحِدُ لِلِاسْتِخْلَافِ بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ إذَا كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ شَخْصٌ وَاحِدٌ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ تَعَيَّنَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ لِلْإِمَامَةِ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ بِالنِّيَّةِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ الْأَوَّلِ لِقَطْعِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَا مُزَاحَمَةَ هُنَا وَصَارَ الْإِمَامُ مُؤْتَمًّا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَهُوَ عَلَى إمَامَتِهِ حَتَّى يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ يَسْتَمِرُّ عَلَى إمَامَتِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُتَابِعُ الَّذِي خَلْفَهُ وَإِنْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ إلَّا هُوَ تَعَيَّنَ لِلْإِمَامَةِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَلْفَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَوْلُهُ وَتَعَيَّنَ الْوَاحِدُ لِلِاسْتِخْلَافِ يَشْمَلُ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهُ وَمِنْ لَا يَصْلُحُ مِثْلَ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْخُنْثَى وَالْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ وَالْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ وَالْمُقِيمِ خَلْفَ الْمُسَافِرِ فِي الْقَضَاءِ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَعَيَّنُ لِلْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى إصْلَاحِ صَلَاتِهِ كَمَا يَحْتَاجُ مِنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ إلَيْهَا، ثُمَّ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَهُ قَصْدًا وَلَا تَبْطُلُ فِي أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ انْتَقَلَتْ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ كَانَ لِلْإِصْلَاحِ وَلَوْ تَعَيَّنَ هُنَا لَزِمَ الْفَسَادُ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، ثُمَّ إذَا تَعَيَّنَ لِلْإِمَامَةِ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ وَالْمُقْتَدِي إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِخُلُوِّ مَوْضِعِ الْإِمَامَةِ عَنْ الْإِمَامَةِ وَقِيلَ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي دُونَ صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْحَدَثِ وَالْمُقْتَدِي يَكُونُ مُقْتَدِيًا بِمَنْ هُوَ خَارِجُ الْمَسْجِدِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِذَلِكَ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ، وَأَمَّا إذَا اسْتَخْلَفَهُ فَبِالْإِجْمَاعِ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْمُسْتَخْلَفُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ خَلْفَهُ جَمَاعَةٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ أَوْ الْقَوْمِ أَوْ يَتَعَيَّنُ هُوَ بِالتَّقَدُّمِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلسِّغْنَاقِيِّ لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ رَجُلَيْنِ أَوْ هُوَ رَجُلًا وَالْقَوْمُ رَجُلًا أَوْ الْقَوْمُ رَجُلَيْنِ أَوْ بَعْضُهُمْ رَجُلًا وَبَعْضُهُمْ رَجُلًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ وَفِي الْغَايَةِ لَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ رَجُلًا وَالْقَوْمُ رَجُلًا فَالْإِمَامُ مَنْ قَدَّمَهُ الْإِمَامُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْقَوْمُ أَنْ يَأْتَمُّوا بِالْآخَرِ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ وَلَوْ قَدَّمَ كُلُّ طَائِفَةٍ رَجُلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْأَكْثَرِ وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ وَإِنْ تَقَدَّمَ رَجُلَانِ فَالسَّابِقُ إلَى مَكَانِ الْإِمَامِ يَتَعَيَّنُ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي التَّقَدُّمِ وَاقْتَدَى بَعْضُهُمْ بِهَذَا وَبَعْضُهُمْ بِهَذَا فَصَلَاةُ الَّذِي ائْتَمَّ بِهِ الْأَكْثَرُ صَحِيحَةً وَصَلَاةُ الْأَقَلِّ فَاسِدَةٌ وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ لَا يُمْكِنُ التَّرْجِيحُ فَتَفْسُدُ صَلَاةُ الطَّائِفَتَيْنِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يُفْسِدُ الصَّلَاةَ التَّكَلُّمُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامُ النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ لَا يُبْطِلُهَا إلَّا إذَا طَالَ وَيُعْرَفُ الطُّولُ بِالْعُرْفِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَلَّمَ نَاسِيًا فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَلَمْ يُعِدْ صَلَاتَهُ» وَلَوْ كَانَ كَلَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQانْتِفَاءَ الِافْتِرَاضِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْأَوْلَوِيَّةِ لِجَوَازِ الْوُجُوبِ، ثُمَّ الْوُجُوبُ هُوَ الثَّابِتُ عَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ عَدِّ الْوَاجِبَاتِ حَيْثُ قَالَ: وَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ الْأَفْعَالِ. فَأَشَارَ فِي الْكَافِي إلَى الْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ وَلَئِنْ كَانَ التَّرْتِيبُ وَاجِبًا فَقَدْ سَقَطَ بِالنِّسْيَانِ وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ الْوَارِدَ عَلَى الْعِبَارَةِ أَعْنِي تَعْلِيلَ الْأَوْلَوِيَّةِ بِانْتِفَاءِ الِافْتِرَاضِ فِي الْمُتَكَرِّرِ بَلْ تَعْلِيلُهُ إنَّمَا هُوَ لِسُقُوطِ الْوُجُوبِ بِالنِّسْيَانِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ مَرْتَبَةٌ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ) يَعْنِي أَنَّهُ يَقَعُ مُرَتَّبًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ مَحْسُوبًا لَهُ أَوْ يُرِيدُ بِهِ تَقْرِيبَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَى مَحَلِّهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ) أَيْ فَحَيْثُ انْحَطَّ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَوْ بِرَفْعِ رَأْسِهِ فَقَدْ تَرَكَ الْفَرْضَ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ اهـ اك. (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْإِمَامَةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي دُونَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ إمَامًا فَلَمْ تَنْتَقِلْ الْإِمَامَةُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْمُقْتَدِي مُقْتَدِيًا بِلَا إمَامٍ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَبَاقٍ عَلَى إمَامَتِهِ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَخْلَفُ) لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. . [بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا] (بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْعَوَارِضِ السَّمَاوِيَّةِ شَرَعَ فِي الْعَوَارِضِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ وَقَدَّمَ السَّمَاوِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَقُ فِي الْعَارِضِيَّةِ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ عَلَى دَفْعِهَا لَا يُقَالُ النِّسْيَانُ مِنْ قَبِيلِ السَّمَاوِيَّةِ فَكَيْفَ عَدَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامَ النَّاسِي فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ قَبِيلِ الْمُكْتَسَبَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ عَدَّهُ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَ كَلَامِ النَّاسِي وَالْعَامِدِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ إلَى آخِرِهِ) أَمَّا الْفَسَادُ يَرْجِعُ إلَى ذَاتِ الصَّلَاةِ وَالْكَرَاهَةُ إلَى وَصْفِهَا. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: يُفْسِدُ الصَّلَاةَ التَّكَلُّمُ) أَيْ أَيَّ صَلَاةٍ كَانَتْ. اهـ. ع (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَى آخِرِهِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى السَّلَامِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفُقَهَاءُ يَذْكُرُونَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا يُوجَدُ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ بَلْ «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا اهـ. وقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ. اهـ. غَايَةٌ

النَّاسِي مُفْسِدًا لَأَعَادَ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَكَذَا الْكَلَامُ الْقَلِيلُ وَلَنَا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَأَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ لَا نَتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّ مُبَاشَرَةَ مَا لَا يَصْلُحُ فِي الصَّلَاةِ مُفْسِدٌ عَامِدًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ الْعَمَلِ لِأَنَّ أَصْلَهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ فِي الْحَيِّ حَرَكَاتٍ لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ طَبْعًا فَعُفِيَ مَا لَمْ يُكْثِرْ وَيَدْخُلْ فِي حَدِّ مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الْعَمْدُ وَالنِّسْيَانُ وَلَيْسَ الْكَلَامُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَبْعِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَلَا يُعْفَى وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُهُ عَلَى الصَّوْمِ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ لِكَوْنِهَا عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ تُخَالِفُ الْعَادَةَ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فَلَا يَكْثُرُ النِّسْيَانُ فِيهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ رَفْعُ الْحُكْمِ إذْ ذَاتُ الْخَطَأِ وَأُخْتَاهُ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ وَحُكْمُهُ نَوْعَانِ الْجَوَازُ وَالْفَسَادُ فِي الدُّنْيَا وَمَبْنَاهُمَا عَلَى وُجُودِ السَّبَبِ وَالثَّانِي فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَمَبْنَاهُمَا عَلَى وُجُودِ الْعَزِيمَةِ فَصَارَ مُشْتَرَكًا وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ وَقَدْ أُرِيدَ حُكْمُ الْآخِرَةِ فَانْتَفَى الْآخَرُ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْحُكْمَ مُقْتَضًى إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُهُ وَهُوَ أَيْضًا لَا عُمُومَ لَهُ وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخٌ بِمَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا عَمْدًا كَلَامًا كَثِيرًا فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيت قَالَ لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ قَالَ بَلْ نَسِيت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ أَصْدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَأَوْمَئُوا» إي نَعَمْ وَعِنْدَهُ الْكَلَامُ الْكَثِيرُ مُفْسِدٌ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا. وَكَذَا كَلَامُ الْعَامِدِ وَإِنْ قَلَّ فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَبِاعْتِبَارِهِ لَا تَبْطُلُ إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا كَلَامٌ مِنْ وَجْهٍ فَبِاعْتِبَارِهِ تَبْطُلُ إذَا تَعَمَّدَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ فَإِنْ قِيلَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا وَجْهَ لِدَعْوَى النَّسْخِ فِيهِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ كَانَ بِمَكَّةَ وَرَاوِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ؛ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ قُلْنَا: الْآيَةُ نَاسِخَةٌ مَدَنِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ إجْمَاعًا فَمِنْ أَيْنَ لِلْخَطَّابِيِّ أَنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ كَانَ بِمَكَّةَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَأَخُّرِ إسْلَامِهِ أَنْ تَتَقَدَّمَ الْآيَةُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَلَئِنْ صَحَّ تَقَدُّمُ الْآيَةِ عَلَى إسْلَامِهِ لَا يَلْزَمُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ صَلَّى بِنَا أَيْ صَلَّى بِأَصْحَابِنَا فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا نَقَلَهُ الزُّهْرِيُّ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ قَبْلَ خَيْبَرَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ، وَإِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ فِي عَامِ خَيْبَرَ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ وَلَمْ يَصْحَبْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَرْبَعَ سِنِينَ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَى الْخَطَّابِيِّ حَتَّى يَتَبَيَّنَ فِي كُلِّ فَصْلٍ صَرِيحًا بِلَا احْتِمَالٍ مَعَ تَحَقُّقِنَا نَسْخَ الْكَلَامِ بِالْآيَةِ الْمَدَنِيَّةِ وَمَعَ عِلْمِنَا بِأَنَّ صُحْبَةَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَكُنْ بِمَكَّةَ. وَإِنَّمَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ الَّذِي رَوَى النَّسْخَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ وَارْتِفَاعُ بُكَائِهِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ لَا مِنْ ذِكْرِ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ) لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ التَّأَسُّفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ) إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّحْمِيدُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ أَبُو دَاوُد لَا يَحِلُّ مَكَانٌ لَا يَصْلُحُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ إلَخْ) رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَحْمَدُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ) وَاسْمُهُ الْخِرْبَاقُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ وَذَكَرَ نَجْمُ الدِّينِ بْنُ الرِّفْعَةِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ كَانَ فِي إحْدَى يَدَيْهِ طُولٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ) يُرْوَى بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَبِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الصَّادِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ دُعَاءٌ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ وَهَذَا شُرِحَ فِي التَّشَهُّدِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَبِاعْتِبَارِهِ لَا تَبْطُلُ إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي زَادِ الْفَقِيرِ يُفْسِدُهَا الْكَلَامُ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ إلَّا السَّلَامَ سَاهِيًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ السَّلَامُ عَلَى إنْسَانٍ إذْ صَرَّحُوا أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ سَاهِيًا فَقَالَ السَّلَامُ، ثُمَّ عَلِمَ فَسَكَتَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بَلْ الْمُرَادُ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ سَاهِيًا قَبْلَ إتْمَامِهَا وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّهُ أَكْمَلُ أَمَّا إذَا سَلَّمَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مَثَلًا سَاهِيًا بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا تَرْوِيحَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَلْيُحْفَظْ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا كَلَامٌ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ لِوُجُودِ كَافِ الْخِطَابِ اهـ. (قَوْلُهُ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ لَكِنْ غَلَّطُوا الزُّهْرِيَّ فِي ذَلِكَ وَقَالُوا عَاشَ ذُو الْيَدَيْنِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقِيلَ إلَى أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ وَقَالُوا: الَّذِي قُتِلَ بِبَدْرٍ ذُو الشِّمَالَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي عَامِ خَيْبَرَ) أَيْ سَنَةَ سَبْعٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْأَنِينُ) وَهُوَ الصَّوْتُ الْحَاصِلُ مِنْ قَوْلِهِ آهْ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالتَّأَوُّهُ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَوَّاهُ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مِنْ وَجَعٍ) أَيْ فِي بَدَنِهِ اهـ عِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ مُصِيبَةٌ) أَصَابَتْهُ فِي النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ اهـ عِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا مِنْ ذِكْرِ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لَا يُفْسِدُهَا هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إذَا كَانَتْ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ مِنْ أَجْلِ ذِكْرِ نَارٍ اهـ ع؛ وَلِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ كَأَنَّهُ قَالَ أَنَا مُصَابٌ فَعَزُّونِي وَلَوْ أَفْصَحَ بِهِ تَفْسُدُ فَكَذَا هَذَا وَفِي الثَّانِي كَأَنَّهُ قَالَهُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ. اهـ. رَازِيٌّ. وَلَوْ مَرَّ الْمُصَلِّي بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَوْ آيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ فَوَقَفَ عِنْدَهَا وَسَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ أَوْ بِآيَةِ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ فَوَقَفَ وَسَأَلَ اللَّهَ النَّجَاةَ مِنْ النَّارِ إنْ كَانَ فِي التَّطَوُّعِ فَهُوَ حَسَنٌ إذَا كَانَ وَحْدَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَالْجَزَعُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَعِينُونِي فَإِنِّي مُتَوَجِّعٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْخُشُوعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ بِمَعْنَى التَّسْبِيحِ أَوْ الدُّعَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَنِينَ وَالتَّأَوُّهَ وَالْبُكَاءَ قَدْ يَنْشَأُ مِنْ مَعْرِفَةِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَغِنَاهُ عَنْ خَلْقِهِ وَكِبْرِيَائِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالرَّغْبَةِ فَيَكُونُ كَالتَّقْدِيسِ وَالدُّعَاءِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَرْفَيْنِ أَوْ عَلَى حَرْفَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ وَالْآخَرُ أَصْلِيٌّ لَا تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا. وَحُرُوفُ الزِّيَادَةِ عَشْرَةٌ يَجْمَعُهَا قَوْلُك أَمَانٌ وَتَسْهِيلٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ وَالْبُكَاءُ يَقْطَعُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إذَا حَصَلَ مِنْهُ حَرْفَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَلَهُ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنْ الْبُكَاءِ» وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّنَحْنُحُ بِلَا عُذْرٍ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ وَقَدْ حَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَا يَتَلَفَّظُ بِهِ وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ كَانَ مَدْفُوعًا إلَيْهِ لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَكَذَا الْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ إذَا كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَصَارَ كَالْعُطَاسِ وَالْجَشَّا إذَا حَصَلَ بِهِمَا حُرُوفٌ، وَلَوْ تَنَحْنَحَ لِإِصْلَاحِ صَوْتِهِ وَتَحْسِينِهِ لَا تَفْسُدُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ فَتَنَحْنَحَ الْمُقْتَدِي لِيَهْتَدِيَ الْإِمَامُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ التَّنَحْنُحَ لِلْإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَفْسُدُ وَلَوْ نَفَخَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا تَبْطُلُ، وَإِلَّا فَلَا وَالْمَسْمُوعُ مَا لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ نَحْوُ أُفٍّ وَتُفٍّ وَغَيْرُ الْمَسْمُوعِ بِخِلَافِهِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْحَلْوَانِيُّ. وَبَعْضُهُمْ لَا يَشْتَرِطُ فِي النَّفْخِ الْمَسْمُوعِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَعَلَى هَذَا إذَا نَفَرَ طَيْرًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ دَعَاهُ بِمَا هُوَ مَسْمُوعٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَوَابُ عَاطِسٍ بِيَرْحَمُكَ اللَّهُ) لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي مُخَاطَبَاتِ النَّاسِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك فَكَانَ مِنْ كَلَامِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْعَاطِسُ لِنَفْسِهِ يَرْحَمُك اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِنَفْسِهِ أَوْ قَالَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ جَوَابًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَتْحُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ) لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، ثُمَّ شُرِطَ فِي الْأَصْلِ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيُعْفَى الْقَلِيلُ مِنْهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْكَلَامِ فَلَا يُعْفَى الْقَلِيلُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْعَمَلِ وَالْفَرْقُ قَدْ تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ يَشْمَلُ فَتْحَ الْمُقْتَدِي عَلَى الْمُقْتَدَى وَعَلَى غَيْرِ الْمُصَلِّي وَعَلَى الْمُصَلِّي وَحْدَهُ وَفَتْحَ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ عَلَى أَيِّ شَخْصٍ كَانَ وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التِّلَاوَةَ دُونَ الْفَتْحِ. وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قِيلَ لَهُ مَا مَالُك فَقَالَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ صَلَاتَهُ إنْ أَرَادَ بِهِ جَوَابًا، وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ لَا تَفْسُدُ اسْتِحْسَانًا وَقِيلَ إنْ قَرَأَ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَقِيلَ إنْ انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى فَفَتَحَ عَلَيْهِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْفَاتِحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ فَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ إلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ إلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا مَثَلٌ إلَّا وَقَفَ وَتَفَكَّرَ» وَالْإِمَامُ فِي الْفَرَائِضِ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ فِي الْمَكْتُوبَاتِ، وَكَذَا الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا فَكَانَ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ تَثْقِيلٌ عَلَى الْقَوْمِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَكِنْ لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي خُشُوعِهِ وَالْخُشُوعُ زِينَةُ الصَّلَاةِ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ) أَيْ وَهُوَ الْقِدْرُ وَبِأَزِيزِ الْمِرْجَلِ يَحْصُلُ الْحُرُوفُ لِمَنْ يَصْغَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالتَّنَحْنُحِ بِلَا عُذْرٍ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِاجْتِمَاعِ الْبُزَاقِ فِي حَلْقِهِ اهـ. وَكَذَا التَّثَاؤُبُ إذَا ظَهَرَ لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا) أَيْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَيْهِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ كَانَ مَدْفُوعًا) أَيْ وَمَدْفُوعَ الطَّبْعِ اهـ (قَوْلُهُ لِلْإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَفْسُدُ) وَلَا يُكْرَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ خُوَاهَرْ زَادَهْ إلَى آخِرِهِ) وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُصَفَّى قَالَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ بِهِ التَّأْفِيفَ أَوْ لَمْ يُرِدْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِنَفْسِهِ يَرْحَمُك إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَرْحَمُنِي اللَّهُ وَبِهَذَا لَا تَفْسُدُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ فِي قَوْلِهِ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَهُمَا مُتَمَسِّكَانِ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ فَإِنَّهُ فِي عَيْنِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَهُ كَانَ فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَبِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَتْحُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفَتْحٍ الْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَفَتْحٍ الصِّغَارُ ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا فَتَحَ عَلَى الْمُصَلِّي رَجُلٌ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَأَخَذَ الْمُصَلِّي بِفَتْحِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ فَتَحَ الْمُصَلِّي عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ إنْ أَرَادَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَعْلِيمَ ذَلِكَ الرَّجُلِ تَفْسُدُ اهـ. (قَوْلُهُ إنْ أَرَادَ بِهِ جَوَابًا، وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَكَذَا لَوْ كَانَ أَمَامَهُ كِتَابٌ وَخَلْفَهُ رَجُلٌ يُسَمَّى يَحْيَى فَقَالَ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ وَابْنُهُ خَارِجَهَا فَقَالَ {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هود: 42] فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ أَرَادَ بِذَلِكَ تَعْلِيمَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْ وَأَرَادَ جَوَابَ السَّائِلِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ مَا كَانَ قُرْآنًا أَوْ ثَنَاءً لَا يَتَغَيَّرُ بِالنِّيَّةِ، كَذَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَسَيَأْتِي مَعْنَى هَذِهِ الْحَاشِيَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: إنْ قَرَأَ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ إلَخْ) وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَفَتَاوَاهُ وَجَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ لَوْ اسْتَفْتَحَ بَعْدَمَا قَرَأَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَفَتَحَ عَلَيْهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْتَحْ رُبَّمَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ مَا يَكُونُ مُفْسِدًا فَكَانَ فِيهِ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ إلَى آخِرِهِ)

وَكَذَا صَلَاةُ الْإِمَامِ إنْ أَخَذَ بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اسْتَطْعَمَك الْإِمَامُ فَأَطْعِمْهُ» مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَيَنْوِي الْفَتْحَ عَلَى إمَامِهِ دُونَ الْقِرَاءَةِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْفَتْحَ مُرَخَّصٌ فِيهِ وَالْقِرَاءَةَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَيَنْبَغِي لِلْمُقْتَدِي أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَذَكَّرُ الْإِمَامُ فَيَكُونُ التَّلْقِينُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ بَلْ يَرْكَعُ إذَا قَرَأَ قَدْرَ الْفَرْضِ، وَإِلَّا انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَوَابُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) وَكَذَا إذَا قِيلَ لَهُ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بَيْنَ يَدَيْهِ بِصِفَةٍ لَا تَلِيقُ بِهِ تَعَالَى، فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ يُرِيدُ بِهِ الرَّدَّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَفْسُدُ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ لَهُ أَنَّهُ ثَنَاءٌ بِصِيغَتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِعْلَامَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَأَرَادَ بِهِ خِطَابَهُ يَكُونُ كَلَامًا مُفْسِدًا لَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اسْمُهُ يَحْيَى {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] وَأَرَادَ بِهِ الْخِطَابَ، وَلِهَذَا لَوْ قَرَأَ الْجُنُبُ الْفَاتِحَةَ عَلَى نِيَّةِ الثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ دُونَ الْقِرَاءَةِ يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَهَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى نِيَّةِ الدُّعَاءِ دُونَ الْقِرَاءَةِ تَجُوزُ وَإِنْ لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا الْقِرَاءَةُ لِمَا قُلْنَا وَلِأَنَّ الْجَوَابَ يَنْتَظِمُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى قُدُومِهِ فَتَفْسُدُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ فِيمَا إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِعْلَامَ أَيْضًا لَكِنَّا تَرَكْنَاهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ» فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَالِاسْتِرْجَاعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسَّلَامُ وَرَدُّهُ) لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَلَوْ صَافَحَ بِنِيَّةِ السَّلَامِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَعْنًى وَلَا يَرُدُّ بِالْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَرُدَّ بِالْإِشَارَةِ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا عَلَى جَابِرٍ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ صُهَيْبٍ «سَلَّمْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي فَرَدَّ عَلَيَّ بِالْإِشَارَةِ» يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ نَهْيًا لَهُ عَنْ السَّلَامِ أَوْ كَانَ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ وَهُوَ يُشِيرُ فَظَنَّهُ رَدًّا، وَلَوْ أَشَارَ يُرِيدُ بِهِ رَدَّ السَّلَامِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ طَلَبَ مِنْ الْمُصَلِّي شَيْءٌ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ بِنَعَمْ أَوْ بِلَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ فِي فَصْلِ مَا يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي وَالْقَارِئِ وَالْجَالِسِ لِلْقَضَاءِ أَوْ لِلْبَحْثِ فِي الْفِقْهِ أَوْ لِلتَّخَلِّي وَلَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَلَوْ سَمِعَ اسْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى عَلَيْهِ تَفْسُدُ. وَلَوْ سَمِعَ الْأَذَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الْقِيلُ اعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ) أَيْ وَوُجُودِ التَّعْلِيمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا اسْتَطْعَمَك إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي سُنَنِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَنْوِي الْقِرَاءَةَ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ خَلْفَ إمَامِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَالْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَإِنَّمَا هَذَا إذَا أَرَادَ الْفَتْحَ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَ التِّلَاوَةَ دُونَ التَّعْلِيمِ، قَالَ السُّرُوجِيُّ نَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ التِّلَاوَةُ فِي ضِمْنِهَا الْفَتْحُ مَمْنُوعَةً بَلْ الْمَمْنُوعَةُ التِّلَاوَةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الْفَتْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ) وَتَفْسِيرُ الْإِلْجَاءِ أَنْ يُرَدِّدَ الْآيَةَ أَوْ يَقِفَ سَاكِتًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ أَمَعَ اللَّهِ إلَهٌ آخَرُ فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ اهـ. (قَوْلُهُ: إنَّهُ ثَنَاءٌ بِصِيغَتِهِ) أَيْ بِأَصْلِهِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ) أَيْ بِإِرَادَتِهِ غَيْرَ الثَّنَاءِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِرْجَاعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُفِيدِ أَنَّ فِي الِاسْتِرْجَاعِ وَفِي {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12] تَفْسُدُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِرْجَاعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَشَارَ إلَى آخِرِهِ) بِرَأْسِهِ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ بِأُصْبُعِهِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَبُرْهَانِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ الْمُصَلِّي وَيُجِيبُ هُوَ بِرَأْسِهِ اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا بَأْسَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يُجِيبَ الْمُتَكَلِّمُ بِرَأْسِهِ بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ عَنْ عَائِشَةَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ مَعَ الْمُصَلِّي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران: 39]. اهـ. زَاهِدِيٌّ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي وَالْقَارِئِ) أَيْ وَالذَّاكِرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَصَلَّى عَلَيْهِ تَفْسُدُ) أَيْ وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْمَعْ اسْمَهُ لَا تَفْسُدُ وَلَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ نَعَمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ تَفْسُدُ، وَإِلَّا لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَرَى عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ دَعَا أَوْ سَبَّحَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَفْسُدُ ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ سَمِعَ الْمُصَلِّي قَوْلَهُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ لَبَّيْكَ يَا سَيِّدِي فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَلَوْ فَعَلَ قِيلَ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ وَقِيلَ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَلَوْ سَمِعَ اسْمَ الشَّيْطَانِ فَقَالَ لَعَنَهُ اللَّهُ تَفْسُدُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ وَلَوْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ الرَّحْمَةِ أَوْ الْعَذَابِ فَقَالَ الْمُقْتَدِي صَدَقَ اللَّهُ لَا تَفْسُدُ وَقَدْ أَسَاءَ وَلَوْ وَسْوَسَ لَهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ إنْ كَانَ فِي الْآخِرَةِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا تَفْسُدُ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْمَرِيضُ يَقُولُ عِنْدَ الْقِيَامِ وَالِانْحِطَاطِ بِاسْمِ اللَّهِ تَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَوْ عَوَّدَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ لِلْحُمَّى وَنَحْوِهَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمْ وَلَوْ قَالَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ: رَبِّي وَرَبُّك اللَّهُ، تَفْسُدُ. ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْمَرْغِينَانِيُّ وَلَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا تَفْسُدُ الْإِمَامُ إذَا قَرَأَ آيَةَ الرَّحْمَةِ يُكْرَهُ أَنْ يَسْأَلَ الرَّحْمَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّطْوِيلِ وَالتَّثْقِيلِ عَلَى الْقَوْمِ وَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ بِالتَّخْفِيفِ، وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالِاسْتِمَاعِ وَلَا بَأْسَ لِلْمُنْفَرِدِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «افْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَمَا مَرَّ بِآيَةِ الرَّحْمَةِ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا وَسَأَلَ أَوْ آيَةِ عَذَابٍ إلَّا اسْتَعَاذَ» وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ أَمَّنَ بِدُعَاءِ رَجُلٍ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ تَفْسُدُ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْفَتْحِ وَلَوْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فَقَالَ بِاسْمِ اللَّهِ تَفْسُدُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ وَفِيهِ أَيْضًا وَلَوْ قَرَأَ ذِكْرَ الشَّيْطَانِ فَلَعَنَهُ لَا تَفْسُدُ اهـ

فَأَجَابَ وَأَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ تَفْسُدُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ لَا تَفْسُدُ، وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ تَفْسُدُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَافْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعِ) أَيْ يَفْسُدُ افْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعِ وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ مَثَلًا فَافْتَتَحَ الْعَصْرَ أَوْ التَّطَوُّعَ تَكْبِيرَةً جَدِيدَةً فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي غَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ وَهُوَ التَّطَوُّعُ فِيمَا إذَا نَوَاهُ أَوْ نَوَى الْعَصْرَ وَكَانَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ أَوْ فِي الْعَصْرِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ التَّرْتِيبِ بِأَنْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ أَوْ بِضِيقِ الْوَقْتِ فَيَخْرُجُ عَمَّا هُوَ فِيهِ ضَرُورَةً. وَكَذَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ فَافْتَتَحَ الْفَرْضَ أَوْ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ فَافْتَتَحَ الظُّهْرَ أَوْ بِالْعَكْسِ يَخْرُجُ عَمَّا هُوَ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الظُّهْرُ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ) يَعْنِي لَا يَفْسُدُ افْتِتَاحُ الظُّهْرِ بَعْدَمَا صَلَّى مِنْهُ رَكْعَةً بَلْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يُجْتَزَأَ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الشُّرُوعَ فِي عَيْنِ مَا هُوَ فِيهِ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ إلَّا إذَا كَبَّرَ يَنْوِي إمَامَةَ النِّسَاءِ أَوْ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ أَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا فَكَبَّرَ يَنْوِي الِانْفِرَادَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ شَارِعًا فِيمَا كَبَّرَ لَهُ وَيَبْطُلُ مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ لِلتَّغَايُرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا كَبَّرَ يَنْوِي الِاسْتِئْنَافَ يَتَطَرَّفَانِ كَانَتْ الثَّانِيَةُ الَّتِي نَوَى الشُّرُوعَ فِيهَا هِيَ الْأُولَى بِعَيْنِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ تُخَالِفْهَا فِي شَيْءٍ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَيُجْتَزَأُ بِمَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ وَإِنْ خَالَفْتهَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَيُسْتَأْنَفُ نَظِيرُهُ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ، ثُمَّ جَدَّدَاهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ يَبْطُلُ بِهِ وَيَنْعَقِدُ ثَانِيًا وَإِنْ جَدَّدَاهُ بِأَلْفٍ بَقِيَ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ الْمُغَايِرَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ فَجِيءَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى فَكَبَّرَ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الثَّانِيَةِ بَطَلَ مَا مَضَى وَيَصِيرُ شَارِعًا فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الصَّلَاةَ عَلَى الثَّانِيَةِ أَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا فَهُوَ عَلَى حَالِهِ وَيُجْتَزَأُ بِمَا مَضَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقِرَاءَتُهُ مِنْ مُصْحَفٍ) يَعْنِي تَفْسُدُ الصَّلَاةُ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُكْرَهُ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ يَقْرَأُ مِنْ الْمُصْحَفِ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ عِبَادَةٌ انْضَافَتْ إلَى عِبَادَةٍ أُخْرَى وَهُوَ النَّظَرُ إلَى الْمُصْحَفِ وَلِهَذَا كَانَتْ الْقِرَاءَةُ مِنْ الْمُصْحَفِ أَفْضَلَ مِنْ الْقِرَاءَةِ غَائِبًا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِفِعْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ وَوَضْعَهُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَرَفْعَهُ عِنْدَ الْقِيَامِ وَتَقْلِيبَ أَوْرَاقِهِ وَالنَّظَرَ إلَيْهِ وَفَهْمَهُ عَمَلُ كَثِيرٍ وَيَقْطَعُ مَنْ رَآهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَلَقَّنُ مِنْ الْمُصْحَفِ فَأَشْبَهَ التَّلَقُّنَ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يُفْسِدُ افْتِتَاحُ الْعَصْرِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَحْصِيلَ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ وَإِنْ نَوَى الظُّهْرَ فَهِيَ هِيَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَحْصِيلَ مَا هُوَ بِحَاصِلٍ فَإِنْ قِيلَ الْإِمَامُ إذَا تَحَرَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، ثُمَّ جِيءَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى فَنَوَى الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَيُحْرِمُ بَقِيَ فِي الْأُولَى وَإِنْ نَوَى تَحْصِيلَ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمَبْسُوطِ قِيلَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ نَوَى الْإِعْرَاضَ عَنْ الْأُولَى وَالْإِقْبَالَ عَلَى الثَّانِيَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِارْتِفَاضِ الْأُولَى وَانْتِقَاضِهَا أَمَّا هَاهُنَا فَلَمْ يَنْوِ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْأُولَى فَبَقِيَ فِيهَا كَمَا كَانَ إذْ لَا تَصِحُّ الثَّانِيَةُ مَعَ بَقَاءِ الْأُولَى فَافْتَرَقَا. اهـ. فَوَائِدُ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ بِتَكْبِيرَةٍ جَدِيدَةٍ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ) أَيْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تَفْسُدُ اهـ وَلَوْ نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فَلَمَّا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ نَوَى أَنَّهَا الْعَصْرُ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً نَوَى أَنَّهَا الْعِشَاءُ فَصَلَاتُهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ. اهـ. خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا نَوَاهُ أَوْ نَوَى الْعَصْرَ) لِأَنَّ صَاحِبَ التَّرْتِيبِ إذَا انْتَقَلَ مِنْ الظُّهْرِ إلَى الْعَصْرِ لَا يَصِيرُ مُنْتَقِلًا إلَى الْعَصْرِ بَلْ إلَى النَّفْلِ؛ لِأَنَّ الْعَصْرَ لَا يَنْعَقِدُ عَصْرًا قَبْلَ أَدَاءِ الظُّهْرِ فِي حَقِّهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِضِيقِ الْوَقْتِ) أَوْ بِالنِّسْيَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الظُّهْرِ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ ظَرْفٌ لِشَيْئَيْنِ وَهُمَا قَوْلُهُ افْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعُ وَقَوْلُهُ لَا الظُّهْرِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَافْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعُ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ لَا افْتِتَاحُ الظُّهْرِ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ فَافْهَمْ اهـ. (قَوْلُهُ يَعْنِي لَا يُفْسِدُ) أَيْ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الرَّكْعَةِ فَمَا دُونَهَا وَمَا فَوْقَهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَتَّى يُجْتَزَأَ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا إذَا نَوَى بِقَلْبِهِ، أَمَّا إذَا نَوَى بِلِسَانِهِ وَقَالَ نَوَيْت أَنْ أُصَلِّيَ الظُّهْرَ انْتَقَضَ ظُهْرُهُ وَلَا يُجْتَزَأُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ. اهـ. خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نَوَى الشُّرُوعَ فِي عَيْنِ مَا هُوَ فِيهِ إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ صَلَّى أَرْبَعًا عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْأُولَى انْتَقَضَتْ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّالِثَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ جَدَّدَاهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ إلَى آخِرِهِ) أَوْ جَدَّدَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ. اهـ. فَوَائِدُ الظَّهِيرِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الثَّانِي بِمِائَةِ دِينَارٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يَبْطُلُ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْمُغَايِرَةِ) وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي الشُّفْعَةِ بِسَبَبِ الْبَيْعِ الثَّانِي إذَا سَلَّمَ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ اهـ بَاكِيرٌ وَغَايَةٌ وَكَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ شَارِعًا فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا فَهُوَ عَلَى حَالِهِ) لِأَنَّهُ نَوَى اتِّحَادَ الْمَوْجُودِ وَهُوَ لَغْوٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِرَاءَتُهُ) أَيْ بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ التَّكَلُّمُ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) أَيْ وَالشَّافِعِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ النَّظَرُ إلَى الْمُصْحَفِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْطُوا أَعْيُنَكُمْ حَظَّهَا مِنْ الْعِبَادَةِ قِيلَ وَمَا حَظُّهَا قَالَ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ». اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ إلَى آخِرِهِ) وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَتَهُ مَكْرُوهَةٌ وَلَا يُظَنُّ بِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَرْضَى بِالْمَكْرُوهِ وَتُصَلِّي خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي صَلَاةً مَكْرُوهَةً. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ إلَى آخِرِهِ) مَأْخَذَانِ لِلْأَصْحَابِ فِي الْبُطْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ أَحَدُهُمَا الْبُطْلَانُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ التَّلَقُّنَ مِنْ غَيْرِهِ إلَى آخِرِهِ) وَجَعَلَ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ هَذَا التَّعْلِيلَ أَصَحَّ. اهـ. كَاكِيٌّ

لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَحْمُولِ وَالْمَوْضُوعِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ وَأَثَرُ ذَكْوَانَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ غَائِبًا وَلَوْ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَقَرَأَهُ مِنْ مَكْتُوبٍ مِنْ غَيْرِ حَمْلِ الْمُصْحَفِ قَالُوا: لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ الْأَمْرَيْنِ وَلَمْ يَفْصِلْ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْنَهُمَا إذَا قَرَأَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا مِنْ الْمُصْحَفِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنْ قَرَأَ مِقْدَارَ آيَةٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ قَرَأَ مِقْدَارَ الْفَاتِحَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ) لِأَنَّهُمَا مُنَافِيَانِ لِلصَّلَاةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ؛ لِأَنَّهَا عَلَى هَيْئَةٍ تُخَالِفُ الْعَادَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ لُزُومِ الطَّهَارَةِ وَالْإِحْرَامِ وَالْخُشُوعِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالِانْتِقَالَاتِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ مَعَ تَرْكِ النُّطْقِ الَّذِي هُوَ كَالنَّفْسِ وَكُلُّ ذَلِكَ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فَيَكُونُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِيهَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَلَا يُعْذَرُ فَصَارَ كَالْحَدَثِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ هَيْئَتَهُ لَا تُخَالِفُ الْعَادَةَ وَزَمَنُهُ طَوِيلٌ فَيَكْثُرُ فِيهِ النِّسْيَانُ فَيُعْذَرُ، ثُمَّ أَطْلَقَ الْأَكْلَ وَمُرَادُهُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ وَفَهِمَهُ أَوْ أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ أَوْ مَرَّ مَارٌّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ أَثِمَ) أَيْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا النَّظَرُ إلَى الْمَكْتُوبِ وَفَهْمُهُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمَلٍ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْتَفْهِمِ وَغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ لِعَدَمِ الْفِعْلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ مُسْتَفْهِمًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ الْمَكْتُوبُ غَيْرَ قُرْآنٍ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ فَنَظَرَ إلَيْهِ وَفَهِمَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَهُ فَكَذَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْفَرْقُ لَهُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْيَمِينِ إنَّمَا هُوَ الْفَهْمُ وَقَدْ وُجِدَ وَلَا كَذَلِكَ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَأَمَّا أَكْلُ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِهِ الصَّوْمُ فَصَارَ كَالرِّيقِ إلَّا إذَا كَانَ كَثِيرًا فَتَفْسُدُ بِهِ صَلَاتُهُ كَمَا يَفْسُدُ بِهِ صَوْمُهُ وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ، وَأَمَّا الْمُرُورُ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ إلَى آخِرِهِ) فَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ يَقْرَأُ مِنْ الْمُصْحَفِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَوْضُوعًا وَعَلَى الثَّانِي كَوْنُ تِلْكَ مُرَاجَعَةً كَانَتْ قُبَيْلَ الصَّلَاةِ لِيَكُونَ بِذِكْرِهِ أَقْرَبَ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي دَفْعِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا فَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» فَإِنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ لَيْسَ فِيهَا تَلَقُّنٌ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ قِيَاسُ مَا يَتَعَلَّمُهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ مُعَلِّمٍ حَيٍّ عَلَيْهَا مِنْ مُعَلِّمٍ حَيٍّ بِجَامِعٍ أَنَّهُ تَلَقَّنَ مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ الْمَنَاطُ فِي الْأَصْلِ فَقَطْ فَإِنْ فَعَلَ الْخَارِجَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْفَسَادِ بَلْ الْمُؤَثِّرُ فِعْلُ مَنْ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ مِنْهُ إلَّا التَّلَقُّنُ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْأَكْمَلُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مِقْدَارَ مَا يُقْرَأُ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ إذَا قَرَأَ مِقْدَارَ آيَةٍ تَامَّةٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ قِرَاءَةً وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مِقْدَارَ الْفَاتِحَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ عِنْدَهُ فِي الْإِفْسَادِ وَعِنْدَهُمَا فِي عَدَمِهِ سَوَاءٌ فَلِهَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ قَالُوا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) أَيْ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ هَذِهِ مُضَافَةٌ إلَى حِفْظِهِ لَا إلَى تَلَقُّنِهِ مِنْ الْمُصْحَفِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَطْلَقَ الْأَكْلَ إلَى آخِرِهِ) أَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَالْأَكْلُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ خَارِجٍ وَالْحُكْمُ فِيهِ فَسَادُ الصَّوْمِ قَلِيلًا كَانَ الْمَأْكُولُ كَسِمْسِمَةٍ أَوْ كَثِيرًا، وَأَمَّا أَكْلُ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ) أَيْ مَكْتُوبٍ غَيْرِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ هُوَ قُرْآنٌ وَفَهِمَهُ لَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَى آخِرِهِ) وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُ أَيْضًا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ نَصًّا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ إذْ الْفَسَادُ بِالْكَلَامِ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَكَذَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ) أَيْ وَلِهَذَا قَالُوا: يَجِبُ أَنْ لَا يَضَعَ الْمُعَلِّمُ الْجُزْءَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ مَكْتُوبًا فِيهِ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِيَ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ وَيُفْهَمُ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْيَمِينِ إنَّمَا هُوَ الْفَهْمُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ قِيلَ تَحْنِيثُ مُحَمَّدٍ فِي الْيَمِينِ عَلَى قِرَاءَةِ كِتَابِ فُلَانٍ بِمُجَرَّدِ الْفَهْمِ بِدُونِ الْقِرَاءَةِ مُشْكِلٌ مَعَ التَّسْلِيمِ أَنَّ الْغَرَضَ وَالْمَقْصُودَ أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَى سِرِّهِ وَبِالْفَهْمِ لِكِتَابِهِ فَاتَ الْغَرَضُ لَكِنْ بِفَوَاتِ الْغَرَضِ يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ وَلَا يَحْنَثُ فِيهَا إذْ لَمْ يُوجَدْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَهُ بِعَشْرَةٍ لَا شَكَّ أَنَّ غَرَضَهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ الثَّوْبُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ فَاتَ غَرَضُهُ لِعَدَمِ وُجُودِ لَفْظِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت لَهَا شَيْئًا بِفَلْسٍ فَاشْتَرَى بِدِينَارٍ لَا يَحْنَثُ وَمِنْ امْتَنَعَ مِنْ بَذْلِ الشَّيْءِ الْحَقِيرِ وَهُوَ الْفَلْسُ كَأَنْ أَمْنَعَ مِنْ بَذْلِ الشَّيْءِ النَّفِيسِ وَهَذَا هُوَ الْغَرَضُ وَالسِّيَاقُ وَمَعَ هَذَا لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنْ يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ الْفَهْمُ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ كِتَابِهِ سَبَبٌ لِفَهْمِ مَا فِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ وَدَخَلَ فُلَانٌ دَارَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ دَارِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ دَارَهَا يَقَعْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذِكْرَ دُخُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارَ الْآخَرِ كِنَايَةً عَنْ الِاجْتِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبَ الِاجْتِمَاعِ كَذَا هَاهُنَا عِنْدَهُ اهـ قِيلَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قِرَاءَتِهِ كِتَابِ فُلَانٍ فَهْمَ مَا فِيهِ عِنْدَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ إذَا فَهِمَهُ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ مَرَّ مَارٌّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ أَهْلِ الظَّاهِرِ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِمُرُورِ الْمَرْأَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ» وَفِي الْكَاتِي عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ تَفْسُدُ بِمُرُورِ الْكَلْبِ وَالْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَفِي الْحِلْيَةِ قَالَ أَحْمَدُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَفِي قَلْبِي مِنْ الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا قَالَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ»، وَأَمَّا إثْمُ الْمَارِّ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ وَهُوَ يُصَلِّي» وَتَكَلَّمُوا فِي الْمَوْضِع الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ وَهُوَ مِنْ قَدَمِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَيَنْبَغِي لِمَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَتَّخِذَ أَمَامَهُ سُتْرَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَسْتَتِرَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ وَلَوْ بِسَهْمٍ». وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طُولُهَا ذِرَاعًا وَغِلَظُهَا غِلَظَ الْأُصْبُعِ لِمَا رَوَيْنَاهُ وَلِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْغَرَضُ وَيَقْرُبُ مِنْ السُّتْرَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» حِينَ سَأَلَهُ رَاوِي الْحَدِيثِ أَبُو ذَرٍّ وَقُلْنَا أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ هَذَا الْحَدِيث وَحِينَ بَلَغَهَا قَالَتْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ يَا أَهْلَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ قَرَنْتُمُونَا بِالْكِلَابِ وَالْحُمُرِ «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعْتِرَاضَ الْجِنَازَةِ فَإِذَا سَجَدَ خَنَسْت رِجْلَيَّ وَإِذَا قَامَ مَدَدْتهَا» وَحَدِيثُ وَلَدِ أُمِّ سَلَمَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ كَمَا سَيَجِيءُ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «قَالَ زُرْت النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى حِمَارٍ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَالْحِمَارُ يَرْبَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ». اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْغَايَةِ، ثُمَّ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيَّ الْمُصَلِّي آثِمٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطَةِ يُكْرَهُ الْمُرُورُ وَصَرَّحَ الْعِجْلِيّ بِتَحْرِيمِهِ وَوَافَقَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَصْحَابُنَا نَصُّوا عَلَى كَرَاهِيَتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ والمرغيناني. اهـ. (قَوْلُهُ «وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ) أَيْ مَعَهُ شَيْطَانٍ بِدَلِيلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَأَحْمَدُ وَقِيلَ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَقِيلَ فِعْلُهُ فِعْلُ الشَّيْطَانِ وَالشَّيْطَانُ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مُتَمَرِّدٍ عَاتٍ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَوْ الدَّوَابِّ قَالَهُ سِيبَوَيْهِ اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ «لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ») وَفِي مُسْنَدِ الدَّارَقُطْنِيّ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ إلَى آخِرِهِ) هُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ. اهـ. قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا إذَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْجَامِعِ الَّذِي لَهُ حُكْمُ الصَّحْرَاءِ أَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَالْحَدُّ هُوَ الْمَسْجِدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَارِّ أُسْطُوَانَةٌ أَوْ غَيْرُهَا وَفِي الْكَافِي أَوْ رَجُلٌ قَائِمٌ أَوْ قَاعِدٌ ظَهْرُهُ إلَى الْمُصَلِّي، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُكْرَهُ فِيهِ الْمُرُورُ قِيلَ يُقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَقِيلَ بِخَمْسَةِ وَقِيلَ بِأَرْبَعِينَ وَقِيلَ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ وَقِيلَ بِقَدْرِ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ خَاشِعٍ لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ فَلَا يُكْرَهُ نَحْوُهُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَهَى بَصَرِهِ فِي قِيَامِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي رُكُوعِهِ إلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَفِي سُجُودِهِ إلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ وَفِي السَّلَامِ إلَى مَنْكِبَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ لَوْ صَلَّى رَامِيًا بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَلَمْ يَقَعْ بَصَرُهُ عَلَيْهِ لَمْ يُكْرَهْ وَهَذَا حَسَنٌ وَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَقَاضِي خَانْ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَ شَيْخُ شَيْخِي مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ والتمرتاشي أَشْبَهُ إلَى الصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّي إذَا صَلَّى عَلَى الدُّكَّانِ وَيُحَاذِي أَعْضَاؤُهُ أَعْضَاءَ الْمَارِّ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ يَمُرُّ أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلُهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ. اهـ. يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ سُجُودِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ يَسْجُدُ عَلَى الدُّكَّانِ فَكَانَ مَوْضِعُ النِّيَّةِ دُونَ مَحَلِّ الْمُرُورِ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَعَ ذَلِكَ تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ اتِّفَاقًا فَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَمْشِي فِي كُلِّ الصُّوَرِ غَيْرَ مَنْصُوصٍ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ السُّتْرَةَ مِنْ مَحَاسِنِ الصَّلَاةِ، وَقَائِدَتُهَا قَبْضُ الْخَوَاطِرِ مِنْ الِانْتِشَارِ وَكَفُّ الْبَصَرِ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ حَتَّى يَكُونَ الْمُصَلِّي مُجْتَمَعًا لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ وَمَحْضِ عُبُودِيَّتِهِ وَلِهَذَا شُرِعَتْ الصَّلَاةُ إلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ الصَّمْتِ وَتَرْكِ الْأَفْعَالِ الْعَادِيَةِ وَمَنْعِ الْعَدْوِ وَالْإِسْرَاعِ فِي الطَّرِيقِ وَإِنْ فَاتَتْ الْجَمَاعَةُ وَفَضِيلَةُ الِاقْتِدَاءِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا فَوْقَ حَمْلِ الْمُصْحَفِ وَتَقْلِيبِ أَوْرَاقِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى جَوَازِ هَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ كَانَ فِعْلُهُ لِذَلِكَ فِي بَيْتِهِ. قُلْت قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ وَحَكَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي النَّافِلَةِ وَمِثْلُهُ لَا يَجُوزُ فِي الْفَرِيضَةِ وَذَكَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْفَرْضِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ إنِّي لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ مِثْلَ هَذَا مَكْرُوهٌ فَيَكُونُ إمَّا فِي النَّافِلَةِ وَإِمَّا مَنْسُوخًا قَالَ وَرَوَى أَشْهَبُ؛ وَابْنُ نَافِعٍ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ فَحُمِلَ عَلَى الضَّرُورَةِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ قَالَ وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أُمَامَةَ كَانَ عَلَيْهَا أَثِيَابٌ طَاهِرَةٌ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرَ مِنْهَا مَا يَحْدُثُ مِنْ الصِّبْيَانِ مِنْ الْبَوْلِ وَكَانَ رَءُوفًا رَحِيمًا بِالْأَطْفَالِ حَتَّى إذَا سَمِعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ خَفَّفَ فِي صَلَاتِهِ كَيْ لَا يَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ خَلْفَهُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَإِذَا فَعَلَتْ الْمَرْأَةُ بِوَلَدِهَا مِثْلَ هَذَا تَكُونُ مُسِيئَةً؛ لِأَنَّهَا شَغَلَتْ نَفْسَهَا بِمَا لَيْسَ مِنْ عَمَلِ صَلَاتِهَا وَفِيهِ تَرْكُ سُنَّةِ الِاعْتِمَادِ وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْعَمَلُ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الِاعْتِمَادُ سُنَّةً فِيهَا. اهـ. سَرُوجِيٌّ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ ادَّهَنَ أَوْ سَرَّحَ رَأْسَهُ أَوْ حَمَلَتْ امْرَأَةٌ صَبِيَّهَا فَأَرْضَعَتْهُ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَّا حَمْلُ الصَّبِيِّ بِدُونِ الْإِرْضَاعِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَقَدْ حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَكَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَهَا فَإِذَا قَامَ رَفَعَهَا»، ثُمَّ هَذَا الصَّنِيعُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ مَنْ يَحْفَظُهَا وَلِبَيَانِهِ الشَّرْعَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُوجِبِ فَسَادِ الصَّلَاةِ وَمِثْلُ هَذَا أَيْضًا فِي زَمَانِنَا لَا يُكْرَهُ لِوَاحِدٍ مِنَّا لَوْ فَعَلَ عِنْدَ الْحَاجَةِ أَمَّا بِدُونِ الْحَاجَةِ فَيُكْرَهُ. اهـ

إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَيَجْعَلُ السُّتْرَةَ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْمَنُ أَفْضَلُ» لِحَدِيثِ الْمِقْدَادِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إلَى عُودٍ وَلَا عَمُودٍ وَلَا شَجَرَةٍ إلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ وَلَا يَصْمُدُ إلَيْهِ صَمَدًا» أَيْ لَا يُقَابِلُهُ مُسْتَوِيًا مُسْتَقِيمًا بَلْ كَانَ يَمِيلُ عَنْهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْغَرَزُ لِصَلَابَةِ الْأَرْضِ لَا يَضَعُهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْآخَرِينَ لِوُرُودِ الْخَبَرِ فِيهَا لَكِنْ يَضَعُهَا طُولًا لَا عَرْضًا وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَطِّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَغْرِزُهُ أَوْ يَضَعُهُ حَسْبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوَضْعِ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ إذَا أَمِنَ الْمُرُورَ وَلَمْ يُوَاجِهْ الطَّرِيقَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ» وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِلْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِالْأَبْطَحِ إلَى عَنَزَةَ رُكِّزَتْ لَهُ» وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ وَيَدْرَأُ الْمَارَّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً أَوْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ». وَالدَّرْءُ مُبَاحٌ وَرُخْصَةٌ مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ بِالْمُعَالَجَةِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْمُقَاتَلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ الْعَمَلُ فِيهَا مُبَاحًا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يُغْلِظَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَقِيلَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} [التوبة: 30] وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الدَّرْءِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَدْرَأُ بِالْإِشَارَةِ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي حُجْرَتِهِ فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِيَدِهِ هَكَذَا فَرَجَعَ فَمَرَّتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَمَضَتْ فَلَمَّا صَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ هُنَّ أَغْلَبُ» وَلَمْ يُسَبِّحْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَدْرَأُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طُولُهَا ذِرَاعًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيمَا إذَا كَانَتْ السُّتْرَةُ أَقَلَّ مِنْ ذِرَاعٍ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَوْ وَضَعَ قَبَاءَهُ أَوْ خُفَّيْهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَارْتَفَعَ قَدْرَ ذِرَاعٍ كَانَ سُتْرَةً بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَفِيهِ خِلَافٌ وَفِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ النَّهْرُ الْكَبِيرُ لَيْسَ بِسُتْرَةٍ كَالطَّرِيقِ، وَكَذَا الْحَوْضُ الْكَبِيرُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ لَكِنْ يَضَعُهَا طُولًا) أَيْ لِيَكُونَ عَلَى مِثَالِ الْغَرْزِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَطِّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَغْرِزُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَغْرِزُهُ أَوْ يَضَعُهُ هَلْ يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ خَطًّا فَالْمَنْعُ هُوَ الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمِنْ غَيْرِهِمْ وَفِي الْمَبْسُوطِ حَكَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَخُطُّ وَالْخَطُّ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا نَأْخُذُ بِالْخَطِّ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْمُحِيطِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَفِي الْوَاقِعَاتِ هُوَ الْمُخْتَارُ فَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ الْإِلْقَاءُ هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ اسْتَتَرَ بِظَهْرِ جَالِسٍ كَانَ سُتْرَةً، وَكَذَا الدَّابَّةُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَائِمِ وَقَالُوا حِيلَةُ الرَّاكِبِ أَنْ يَنْزِلَ فَيَجْعَلَ الدَّابَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَتَصِيرُ هِيَ سُتْرَةٌ فَيَمُرُّ وَلَوْ مَرَّ رَجُلَانِ مُتَحَاذِيَانِ فَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ يَلِي الْمُصَلِّي. اهـ وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ لَوْ كَانَ الْمَارُّ اثْنَيْنِ يَقُومُ الْوَاحِدُ أَمَامَهُ وَيَمُرُّ الْآخَرُ وَيَفْعَلُ هَكَذَا. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْغَايَةِ: الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرُورَ مَكْرُوهٌ وَالْمَارَّ أَثِمٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ هَذَا إذَا كَانَ مَنْدُوحَةً عَنْ الْمُرُورِ، وَإِلَّا يَأْثَمُ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ فَالْحَالُ أَرْبَعٌ يَأْثَمَانِ لَا يَأْثَمَانِ يَأْثَمُ الْمَارُّ وَحْدَهُ يَأْثَمُ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ اهـ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَّخِذَ الْمُصَلِّي سُتْرَةً وَيَمُرُّ الْمَارُّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ مَعَ إمْكَانِ الْمُرُورِ مِنْ غَيْرِهِ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَّخِذَ الْمُصَلِّي سُتْرَةً وَيَمُرُّ الْمَارُّ مِنْ وَرَائِهَا الثَّالِثَةُ أَنْ يَتَّخِذَ الْمُصَلِّي سُتْرَةً وَيَمُرُّ الْمَارُّ مِنْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ مَعَ إمْكَانِ الْمُرُورِ مِنْ غَيْرِهِ الرَّابِعُ أَنْ لَا يَتَّخِذَ الْمُصَلِّي سُتْرَةً أَوْ يَقِفَ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَجِدُ الْمَارُّ بُدًّا مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَقَدْ جَمَعَ هَذِهِ الْحَالَاتِ الْأَرْبَعَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَأْتَمُّ الْمُصَلِّي إنْ تَعَرَّضَ وَالْمَارُّ وَلَهُ مَنْدُوحَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ فَالْمَانِعُ يَقُولُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهِ إذْ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَعِيدٍ وَالْمُجِيزُ يَقُولُ وَرَدَ الْأَثَرُ بِهِ وَهُوَ مَا فِي أَبِي دَاوُد «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا» وَلَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامُهُ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ وَالسُّنَّةُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مَعَ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْجُمْلَةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ جَمْعُ الْخَاطِرِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهِ كَيْ لَا يَنْشُرُ قَالَ أَبُو دَاوُد وَقَالُوا الْخَطُّ بِالطُّولِ وَقَالُوا الْخَطُّ بِالْعَرْضِ مِثْل الْهِلَالُ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُعْتَبَرُ الْغَرْزُ دُونَ الْإِلْقَاءِ وَالْخَطِّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ إذَا أَمِنَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَدْ فَعَلَهُ مُحَمَّدٌ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ غَيْرَ مَرَّةٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ «إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَى عَنَزَةٍ) بِالتَّنْوِينِ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ نَكِرَةٌ وَهِيَ شِبْهُ الْعُكَّازَةِ وَهِيَ عَصًا ذَاتُ زَجٍّ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالزَّجُّ الْحَدِيدَةُ الَّتِي فِي أَسْفَلِ الرُّمْحِ وَفِي الْكَاتِي لَوْ أُرِيدَ عَنَزَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكُونُ غَيْرَ مُنْصَرِفٍ لِلتَّأْنِيثِ وَالْعِلْمِيَّةِ فَيَجُوزُ بِالنَّصْبِ وَبِالْجَرِّ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْل الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ مِنْ كَلَامِهِ لَا مِنْ الْحَدِيثِ. اهـ. كَمَالٌ وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ هَكَذَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا». اهـ. فَتْحٌ وَيَمُرُّونَ ضَمِيرُ الْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ الْعَاقِلِ اعْتِبَارًا لِلرَّاكِبِ مَعَ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَتَغْلِيبًا عَلَيْهِمَا. اهـ. شُمُنِّيٌّ (قَوْلُهُ حِينَ كَانَ الْعَمَلُ فِيهَا مُبَاحًا) وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الثَّابِتُ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَلَمَّا صَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ هُنَّ أُغْلَبُ إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَدْرَأُ) أَيْ الرَّجُلُ قَالَ الشُّمُنِّيُّ قَيَّدْنَا بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَدْرَأُ بِالتَّسْبِيحِ بَلْ بِالتَّصْفِيقِ؛ لِأَنَّ فِي صَوْتِهَا فِتْنَةً، وَكَيْفِيَّةُ تَصْفِيقِهَا أَنْ تَضْرِبَ بِظُهُورِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى عَلَى صَفْحَةِ الْكَفِّ الْيُسْرَى اهـ

بِالتَّسْبِيحِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا كِفَايَةً وَقِيلَ يَدْفَعُهُ بِيَدِهِ مَرَّةً إنْ لَمْ يَمْتَنِعْ بِالتَّسْبِيحِ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ عِلَاجٌ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَكُرِهَ عَبَثُهُ بِثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ) أَيْ عَبَثُ الْمُصَلِّي بِثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ وَالْهَاءُ فِيهِمَا وَفِيمَا قَبْلَهُمَا مِنْ الْكَلِمَاتِ رَاجِعَةٌ إلَى الْمُصَلِّي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كُرِهَ الْعَبَثُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ وَالرَّفَثَ فِي الصِّيَامِ وَالضَّحِكَ فِي الْمَقَابِرِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا» «وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَعْبَثُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَلْبُ الْحَصَى إلَّا لِلسُّجُودِ مَرَّةً) أَيْ كُرِهَ قَلْبُ الْحَصَى إلَّا لِعَدَمِ إمْكَانِ السُّجُودِ فَيُسَوِّيهِ مَرَّةً «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً أَوْ فَذَرْ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَمْسَحُ الْحَصَى فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ» «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ إنْ كُنْت فَاعِلًا فَوَاحِدَةً مَعْنَاهُ لَا تَمْسَحُ وَإِنْ مَسَحْت فَلَا تَزِدْ عَلَى وَاحِدَةٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك»، وَكَذَا يُكْرَهُ تَشْبِيكُ الْأَصَابِعِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ تِلْكَ صَلَاةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ «وَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا قَدْ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَفَرَّجَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ أَصَابِعِهِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّخَصُّرُ) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَخَصِّرًا وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْوَضْعِ الْمُسِنُّونَ. وَالتَّخَصُّرُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الِاخْتِصَارُ فِي الصَّلَاةِ رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ» مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ فِعْلُ الْيَهُودِ فِي صَلَاتِهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ لَا أَنَّ لَهُمْ رَاحَةً فِيهَا وَقِيلَ هُوَ التَّوَكُّؤُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِالتَّسْبِيحِ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَالْجَوَابُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ». اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَدْفَعُهُ بِيَدِهِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمُفِيدِ يَدْرَأُ بِالتَّسْبِيحِ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ دَفَعَهُ بِيَدِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِالْأَخْذِ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ مَشْيٌ وَلَا عِلَاجٌ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَكُرِهَ عَبَثُهُ بِثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ الْعَبَثُ الْفِعْلُ لِغَرَضٍ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَوْ كَانَ لِنَفْعٍ كَسَلْتِ الْعَرَقِ عَنْ وَجْهِهِ وَالتُّرَابِ فَلَيْسَ بِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَتُكْرَهُ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَفِي الْغَايَةِ قَالَ فِي الْحَاوِي وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَصَالِحِهَا عِنْدَ الصَّلَاةِ وَيَتَعَمَّمَ، وَكَذَا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلْيَسْتَقْبِلْ بِهَا الْقِبْلَةَ وَفِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا اللِّبْسُ فِي الصَّلَاةِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ مُسْتَحَبٌّ وَجَائِزٌ وَمَكْرُوهٌ فَالْمُسْتَحَبُّ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ قَمِيصٌ وَإِزَارٌ وَرِدَاءٌ وَعِمَامَةٌ هَكَذَا حَكَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ الْمُسْتَحَبُّ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ وَالْجَائِزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ أَوْ قَمِيصٍ ضَيِّقٍ لِوُجُودِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَأَصْلِ الزِّينَةِ وَالْمَكْرُوهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ أَوْ إزَارٍ لَا غَيْرُ وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ الْمُسْتَحَبُّ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَهِيَ إزَارٌ وَدِرْعٌ وَخِمَارٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَى كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ فِي السَّرَاوِيلِ وَحْدَهَا وَعِنْدَهُ قَمِيصٌ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لِبْسَتَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي لِحَافٍ لَا يَتَوَشَّحُ بِهِ وَالْأُخْرَى أَنْ يُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ» أَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُد. اهـ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا») الْحَدِيثَ، قَالَ الْكَمَالُ رَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بَكْرٍ مُرْسَلًا قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ هَذَا مِنْ مُنْكَرَاتِ ابْنِ عَبَّاسٍ (قَوْلُهُ لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ) ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً أَوْ فَذَرْ) هَكَذَا هُوَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ بِغَيْرِ فَاءٍ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ فَذَرْ أَيْضًا مَا نَصُّهُ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ «سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سَأَلْته عَنْ مَسْحِ الْحَصَا فَقَالَ وَاحِدَةً أَوْ دَعْ»، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ أَصَحُّ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ «فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ. اهـ. غَايَةٌ وَمَعْنَاهُ الْإِقْبَالُ عَلَى الرَّحْمَةِ وَتَرْكُ الِاشْتِغَالِ عَنْهَا بِالْحَصَى وَغَيْرِهِ. اهـ. وَقَدْ أُخْرِجَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَمْسَحْ الْحَصَى وَأَنْتَ تُصَلِّي فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةٌ». اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَفَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْفَرْقَعَةُ وَالتَّشْبِيكُ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَتَكُونُ فِيهِ إجْمَاعًا وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَا يُشَبِّكُ أَصَابِعَهُ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْوَضْعُ أَوْ الْأَخْذُ الْمَسْنُونُ اهـ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَرِهَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الْفَرْقَعَةَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَلْقِينُ الشَّيْطَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. اهـ. غَايَةٌ وَقَالَ الْكَمَالُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ» وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْحَارِثِ اهـ. وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِعَلِيٍّ إنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ تُصَلِّي». اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ «وَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا قَدْ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الصَّلَاةِ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالتَّخَصُّرِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يُكْرَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا فَإِنَّ إبْلِيسَ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّةِ مُتَخَصِّرًا. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَحَدِيثُ التَّخَصُّرِ أَخْرَجُوهُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَخَصِّرًا» وَفِي لَفْظٍ «نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ» اهـ

عَلَى الْعَصَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْمِخْصَرَةِ وَهِيَ السَّوْطُ وَالْعَصَا وَنَحْوُهُمَا وَمِنْهُ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِ أُنَيْسٌ وَقَدْ أَعْطَاهُ عَصًا تَخَصَّرَ بِهَا فَإِنَّ الْمُتَخَصِّرِينَ فِي الْجَنَّةِ وَقِيلَ أَنْ يَخْتَصِرَ السُّورَةَ فَيَقْرَأَ آخِرَهَا وَقِيلَ هُوَ أَنْ لَا يُتِمَّ صَلَاتَهُ فِي رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَحُدُودِهَا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالِالْتِفَاتُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَا يُكْرَهُ» ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ»، ثُمَّ الِالْتِفَاتُ ثَلَاثَةٌ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَهُ وَمُبَاحٌ، وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ بِمُؤَخَّرِ عَيْنَيْهِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ بِمَوْقِ عَيْنَيْهِ وَمُبْطِلٌ وَهُوَ أَنْ يُحَوِّلَ صَدْرَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ لَيَنْتَهُنَّ أَوْ لَتُخْطَفُنَّ أَبْصَارَهُمْ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِقْعَاءُ) لِقَوْلِ أَبِي ذَرٍّ «نَهَانِي خَلِيلِي عَنْ ثَلَاثٍ أَنْ أَنْقُرَ نَقْرَ الدِّيكِ وَأَنْ أُقْعِيَ إقْعَاءَ الْكَلْبِ وَأَنْ أَفْتَرِشَ افْتِرَاشَ الثَّعْلَبِ» وَالْإِقْعَاءُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَيَنْصِبَ فَخِذَيْهِ وَيَضُمَّ رُكْبَتَيْهِ إلَى صَدْرِهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ هُوَ أَنْ يَنْصِبَ قَدَمَيْهِ وَيَقْعُدَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِإِقْعَاءِ الْكَلْبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَافْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ) لِمَا رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرِدُّ السَّلَامِ بِيَدِهِ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَلَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا الْمُصَافَحَةُ فَمُفْسِدَةٌ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالِالْتِفَاتِ إلَى آخِرِهِ) هُوَ مَكْرُوهٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ «فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ») فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرَائِضِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ «وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ بِمُؤْقِ عَيْنَيْهِ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِمُؤْقِ عَيْنَيْهِ) الْمُؤْقُ مَهْمُوزُ الْعَيْنِ مُؤَخَّرُ الْعَيْنِ وَالْمَأَقُ مُقَدِّمُهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَكْتَحِلُ مِنْ قِبَلِ مُؤْقِهِ مَرَّةً وَمِنْ قِبَلِ مَأْقِهِ أُخْرَى» قَالَ الزُّهْرِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْفَنِّ أَنَّهُمَا بِمَعْنَى الْمُؤَخَّرِ، وَكَذَا الْمَأَقِي اهـ غَايَةٌ قَوْلُهُ مَهْمُوزُ الْعَيْنِ وَيَجُوزُ قَلْبُ الْهَمْزَةُ وَاوًا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يُحَوَّلَ صَدْرُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ فَرْعٌ: الْمُصَلِّي إذَا حَوَّلَ صَدْرَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ حَوَّلَ وَجْهَهُ دُونَ صَدْرِهِ لَا تَفْسُدُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَفِي الْمَرْغِينَانِيُّ إنْ أَدَّى رُكْنًا مَعَ تَحْوِيلِ صَدْرِهِ قِيلَ هَذَا الْجَوَابُ أَلْيَقُ بِقَوْلِهِمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدَ فِي الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْبَارَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ يُفْسِدُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ تَرْكِ الصَّلَاةِ لَا تَفْسُدُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ أَصْلُهُ انْصَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَتِمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَبْنِي مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْنِي. اهـ (قَوْلُهُ «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ» إلَى آخِرِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ ابْنُ شَدَّادٍ فِي أَحْكَامِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ «نَهَانِي خَلِيلِي» إلَى آخِرِهِ) قَدْ عَابَ بَعْضُ النَّاسِ قَوْلَهُ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلِيلِي بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَّخِذْهُ وَلَا أَحَدًا مِنْ الْخَلْقِ خَلِيلًا وَهَذَا إنَّمَا وَقَعَ فِيهِ قَائِلُهُ لِظَنِّهِ أَنَّ خَلِيلًا بِمَعْنَى مُخَالِلٍ مِنْ الْمُخَالَلَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ خَلِيلًا مِثْلُ حَبِيبٍ لَا يَلْزَمُ فِيهِ مِنْ الْمُفَاعَلَةِ شَيْءٌ إذْ قَدْ يَجِبُ الْكَارِهُ. اهـ. شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ فِي بَابِ الضُّحَى. اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ الْكَمَالُ وَحَدِيثُ الْإِقْعَاءِ وَالِافْتِرَاشِ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ» وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ تَعْنِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ وَأَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَعُقْبَةُ الشَّيْطَانِ الْإِقْعَاءُ» اهـ. (قَوْلُهُ أَمَّا الْمُصَافَحَةُ فَمُفْسِدَةٌ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ شَارِحُ الْكَنْزِ إنَّهُ بِالْإِشَارَةِ مَكْرُوهٌ وَبِالْمُصَافَحَةِ مُفْسِدٌ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْآخَرُ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْكِتَابِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَذْكُورَ هُنَا قُلْت أَجَازَ الْبَاقُونَ رَدَّ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ وَلَنَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَشَارَ فِي الصَّلَاةِ إشَارَةً تُفْهِمُ أَوْ تُفَقِّهُ فَقَدْ قَطَعَ الصَّلَاةَ» وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِابْنِ إِسْحَاقَ وَأَبُو غَطَفَانَ مَجْهُولٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنْ أَبَا غَطَفَانَ هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ وَيُقَالُ ابْنُ مَالِكٍ الْمُرِّيِّ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَمَا عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ لَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد وَأَبُو غَطَفَانَ مَجْهُولٌ لَا يُقْبَلُ وَابْنُ إِسْحَاقَ ثِقَةٌ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَبْوَابِ الطَّهَارَةِ، ثُمَّ أَخْرَجَ لِلْخَصْمِ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ «مَرَرْت بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ إشَارَةً وَقَالَ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ رَدَّ عَلَيَّ إشَارَةً بِأُصْبُعِهِ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَعِدَّةُ أَحَادِيثَ تُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى وَالْجَوَابُ أَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ كَرَاهَةِ الْإِشَارَةِ، وَلَنَا أَنْ لَا نَقُولَ بِهِ فَإِنَّ مَا فِي الْغَايَةِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَصَاحِبِ الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ الْمُصَلِّي وَيُجِيبُ هُوَ بِرَأْسِهِ يُفِيدُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ

قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّرَبُّعُ بِلَا عُذْرٍ) لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَقْصُ شَعْرِهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ مَالَك وَرَأْسِي فَقَالَ سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّمَا مِثْلُ هَذَا مِثْلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ» وَالْعَقْصُ هُوَ جَمْعُ الشَّعْرِ عَلَى الرَّأْسِ وَشَدُّهُ بِشَيْءٍ حَتَّى لَا يَنْحَلَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفُّ ثَوْبِهِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ تَجَبُّرٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَدْلُهُ) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ كَتِفَيْهِ وَيُرْسِلَ جَوَانِبَهُ وَلِأَنَّ فِيهَا تَشَبُّهًا بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَيُكْرَهُ وَمِنْ السَّدْلِ أَنْ يَجْعَلَ الْقَبَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ وَيُكْرَهُ الصَّمَّاءُ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْهَا وَهُوَ أَنْ يَشْمَلَ بِثَوْبِهِ فَيُجَلِّلَ بِهِ جَسَدَهُ كُلَّهُ مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدَمِهِ وَلَا يَرْفَعُ جَانِبًا يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْهُ سَمَّى بِهِ لِعَدَمِ مَنْفَذٍ يُخْرِجُ مِنْهُ يَدَيْهِ كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ، وَقِيلَ أَنْ يَشْمَلَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَيْهِ إزَارٌ وَقَالَ هِشَامٌ سَأَلَتْ مُحَمَّدًا عَنْ الِاضْطِبَاعِ فَأَرَانِي الصَّمَّاءَ فَقُلْت هَذِهِ الصَّمَّاءُ فَقَالَ إنَّمَا تَكُونُ الصَّمَّاءُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْك إزَارٌ وَهُوَ اشْتِمَالُ الْيَهُودِ وَيُكْرَهُ الِاعْتِجَارُ وَهُوَ أَنْ يُكَوِّرَ عِمَامَتَهُ وَيَتْرُكَ وَسَطَ رَأْسِهِ مَكْشُوفًا وَقِيلَ أَنْ يَنْتَقِبَ بِعِمَامَتِهِ فَيُغَطِّيَ أَنْفَهُ إمَّا لِلْحَرِّ أَوْ لِلْبَرْدِ أَوْ لِلتَّكَبُّرِ وَيُكْرَهُ التَّلَثُّمُ وَهُوَ تَغْطِيَةُ الْأَنْفِ وَالْفَمِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ حَالَ عِبَادَتِهِمْ النِّيرَانَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّثَاؤُبُ) لِأَنَّهُ مِنْ التَّكَاسُلِ وَالِامْتِلَاءِ فَإِنْ غَلَبَهُ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ غَلَبَهُ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ كُمَّهُ عَلَى فِيهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَقُلْ هَاءَ هَاءَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ» وَفِي رَاوِيَةٍ «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فَمِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيهِ» وَيُكْرَهُ التَّمَطِّي فَإِنَّهُ مِنْ التَّكَاسُلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يُغْمِضْ عَيْنَيْهِ»؛ وَلِأَنَّهُ يُنَافِي الْخُشُوعَ وَفِيهِ نَوْعُ عَبَثٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثِينَ وَإِنْ شَغَلَهُ قَطَعَهَا، وَكَذَا الرِّيحُ وَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا صَلَاةَ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثِينَ» مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَنَفْيِ الْفَضِيلَةِ حَتَّى لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ تَفُوتُهُ يُصَلِّي لِأَنَّ الْأَدَاءَ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْلَى مِنْ الْقَضَاءِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُرَوِّحَ عَلَى نَفْسِهِ بِمِرْوَحَةِ أَوْ بِكُمِّهِ. وَلَا تَفْسُدُ بِهِ الصَّلَاةُ مَا لَمْ يَكْثُرْ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَفْعًا لِلْخِلَافِ. فَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِمَا يُوجِبُهُ مِنْ الشَّتِّ وَالشُّغْلِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤَيَّدٌ عَنْ أَنْ يَتَأَثَّرَ عَنْ ذَلِكَ فَلِذَا مَنَعَ وَفَعَلَهُ هُوَ وَلَوْ تَعَارَضَا قُدِّمَ الْمَانِعُ اهـ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ عَامٌّ أَمَّا فِعْلُهُ فَرُبَّمَا يَكُونُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْجُلُوسِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ التَّرَبُّعُ جُلُوسُ الْجَبَابِرَةِ فَلِذَا كُرِهَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ «فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَرَبَّعُ فِي جُلُوسِهِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ»، وَكَذَا جُلُوسُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَرَبِّعًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ «إنَّمَا مِثْلُ هَذَا مِثْلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. اهـ. غَايَةٌ. قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ أَنَّ الشَّعْرَ يَسْجُدُ مَعَهُ وَلِهَذَا مِثْلُهُ بِاَلَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِرَجُلٍ رَآهُ يَسْجُدُ وَهُوَ مَعْقُوصٌ شَعْرُهُ أَرْسِلْهُ يَسْجُدُ مَعَك. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَفُّ ثَوْبِهِ) أَيْ وَهُوَ رَفْعُهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَوْ مِنْ خَلْفِهِ عِنْدَ السُّجُودِ كَمَا يَفْعَلُهُ تُرْكُ هَذَا الزَّمَانِ اهـ ع (قَوْلُهُ وَكَفُّ ثَوْبِهِ) وَهُوَ أَنْ يَضُمَّ أَطْرَافَهُ اتِّقَاءَ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ. اهـ شَرْحُ وِقَايَةٍ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَسَدْلُهُ إلَى آخِرِهِ) وَذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ لِلْفَارَابِيِّ السَّدْلُ بِسُكُونِ الدَّالِ وَفِي الْمُغْرِبِ بِفَتْحِهَا وَقَالَ هُوَ مِنْ بَابِ طَلَبَ طَلَبًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى آخِرِهِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. اهـ. فَتْحٌ وَفِي الدِّرَايَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي كَرَاهَةِ السَّدْلِ خَارِجَ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ كَتِفَيْهِ وَيُرْسِلَ جَوَانِبَهُ) يَصْدُقُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمِنْدِيلُ مُرْسَلًا مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ كَمَا يَعْتَادُهُ كَثِيرٌ فَيَنْبَغِي لِمَنْ عَلَى عُنُقِهِ مِنْدِيلٌ أَنْ يَضَعَهُ عِنْدَ الصَّلَاةِ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْقَبَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ) أَيْ وَلَمْ يَعْطِفْ بَعْضُهُ. اهـ. جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ وَيَتْرُكُ وَسَطَ رَأْسِهِ مَكْشُوفًا) تَشْبِيهًا بِالشُّطَّارِ أَهْلَ الْفَسَادِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ التَّلَثُّمُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْفَرَّاءُ اللِّثَامُ مَا كَانَ عَلَى الْفَمِ مِنْ النِّقَابِ وَاللِّقَامُ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْنَبَةِ. اهـ. مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ وَيُكْرَهُ لَهُ شَدُّ وَسَطِهِ؛ لِأَنَّهُ صَنِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَلَوْ صَلَّى وَقَدْ شَمَّرَ كُمَّيْهِ لِعَمَلٍ أَوْ هَيْئَةٍ ذَلِكَ يُكْرَهُ وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالتَّثَاؤُبُ) هُوَ تَفَاعُلٌ مِنْ الثَّوْبَاءَ وَهِيَ مَهْمُوزَةٌ فَتْرَةٌ مِنْ ثَقْلَةِ النُّعَاسِ يَفْتَحُ فَاهُ وَمِنْهُ إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُغَطِّ فَاهُ وَتَثَاوُبٌ غَلَطٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالتَّثَاؤُبُ قَالَ سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَا تَثَاءَبَ نَبِيٌّ قَطُّ وَأَنَّهَا مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ. . اهـ. زَرْكَشِيٌّ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِشَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ» آلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَدَاءَ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْلَى مِنْ الْقَضَاءِ) ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَتُكْرَهُ فِي قَوَارِعِ الطَّرِيقِ وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْمَخْرَجِ وَالْمُغْتَسَلِ وَالْحَمَّامِ فَإِنْ غَسَلَ فِي الْحَمَّامِ مَكَانًا

غَيْرُ مُفْسِدٍ اتِّفَاقًا وَالْكَثِيرَ مُفْسِدٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ أَنَّ مَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ عَادَةً كَثِيرٌ، وَإِنْ فَعَلَهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ كَالتَّعْمِيمِ وَلُبْسِ الْقَمِيصِ وَشَدِّ السَّرَاوِيلِ وَالرَّمْيِ عَنْ الْقَوْسِ وَمَا يُقَامُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ قَلِيلٌ وَإِنْ فَعَلَهُ بِيَدَيْنِ كَنَزْعِ الْقَمِيصِ وَحَلِّ السَّرَاوِيلِ وَلِبْسِ الْقَلَنْسُوَةِ وَنَزْعِهَا وَنَزْعِ اللِّجَامِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّ الثَّلَاثَ الْمُتَوَالِيَاتِ كَثِيرٌ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ حَتَّى لَوْ رَوَّحَ عَلَى نَفْسِهِ بِمِرْوَحَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ حَكَّ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ أَوْ رَمَى ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ أَوْ نَتَفَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْوَلَاءِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ فَصَلَ لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ كَثُرَ وَعَلَى هَذَا قَتْلُ الْقُمَّلِ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْكَثِيرَ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْفَاعِلِ وَالْقَلِيلُ بِخِلَافِهِ وَالرَّابِعُ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ وَهُوَ الْمُصَلِّي فَإِنْ اسْتَكْثَرَهُ كَانَ كَثِيرًا وَإِنْ اسْتَقَلَّهُ كَانَ قَلِيلًا وَهَذَا أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ إلَى دَأْبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ مِنْ دَأْبِهِ أَنْ لَا يُقَدَّرَ فِي جِنْسٍ مِثْلَ هَذَا بِشَيْءٍ بَلْ يُفَوِّضُهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ وَالْخَامِسُ أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ نَاظِرٌ مِنْ بَعِيدٍ إنْ كَانَ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَهُوَ كَثِيرٌ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ وَإِنْ شَكَّ فَلَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقِيَامُ الْإِمَامِ لَا سُجُودُهُ فِي الطَّاقِ) أَيْ يُكْرَهُ قِيَامُ الْإِمَامِ فِي الطَّاقِ وَهُوَ الْمِحْرَابُ وَلَا يُكْرَهُ سُجُودُهُ فِيهِ إذَا كَانَ قَائِمًا خَارِجَ الْمِحْرَابِ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ تَخْصِيصُ الْإِمَامِ بِالْمَكَانِ وَحْدَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِحْرَابَ يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْمَكَانَيْنِ، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْقِدَمُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ الْمِحْرَابُ مَكْشُوفًا بِحَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ حَالُ الْإِمَامِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي الْجَوَانِبِ لَا يُكْرَهُ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَانْفِرَادُ الْإِمَامِ عَلَى الدُّكَّانِ وَعَكْسُهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فَوْقَ شَيْءٍ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ» يَعْنِي أَسْفَلَ مِنْهُ وَلِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَؤُمَّنَّ فِي مَقَامٍ أَرْفَعَ مِنْ مَقَامِهِمْ» وَلِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَرْفَعُونَ مَقَامَ إمَامِهِمْ فَيَكُونُ تَشْبِيهًا بِهِمْ، وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ أَعْلَى مِنْ الْإِمَامِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يُكْرَهُ لِزَوَالِ الْمَعْنَى وَهُوَ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْمَكَانَيْنِ فَكَانَ تَشْبِيهًا بِهِمْ وَلِأَنَّ فِيهِ ازْدِرَاءً بِالْإِمَامِ، ثُمَّ قَدْرُ الِارْتِفَاعِ قَامَةٌ وَلَا بَأْسَ بِمَا دُونَهَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصَلَّى فِيهِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا مَوْضِعُ جُلُوسِ الْحَمَّامِيِّ وَيُكْرَهُ أَيْضًا فِي الْمَقْبَرَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَوْضِعٍ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ لَا نَجَاسَةَ فِيهِ وَلَا قَبْرَ فِيهِ اهـ زَادَ الْفَقِيرُ اهـ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ صَلَّى وَفِي فَمِهِ شَيْءٌ يُمْسِكُهُ إنْ كَانَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَلَكِنْ يُخِلُّ بِهَا كَدِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ أَوْ لُؤْلُؤَةٍ لَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ شَيْءٌ مِنْ الرُّكْنِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّكْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الرُّكْنُ وَإِنْ كَانَ فِي فِيهِ سَكْرَةٌ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَكْلٌ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي كَفِّهِ شَيْءٌ يُمْسِكُهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُهُ عَنْ الْأَخْذِ بِالرَّكْبِ فِي الرُّكُوعِ أَوْ الِاعْتِمَادِ عَلَى الرَّاحَتَيْنِ عِنْدَ السُّجُودِ يُكْرَهُ لِمَنْعِهِ عَنْ تَحْصِيلِ السُّنَّةِ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ رَمَى طَائِرًا بِحَجَرٍ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْخَامِسُ أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ مَضَغَ الْعِلْكَ فِي الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ إلَيْهِ مِنْ بُعْدٍ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ التَّحْدِيدِ هُوَ هَذَا حَيْثُ حُكِمَ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى اسْتِعْمَالِ الْيَدِ رَأْسًا فَضْلًا عَنْ اسْتِعْمَالِ الْيَدَيْنِ. اهـ. وَلَوْ ادَّهَنَ أَوْ سَرَّحَ لِحْيَتَهُ أَوْ حَمَلَتْ امْرَأَةٌ صَبِيَّهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَّا حَمْلُ الصَّبِيِّ بِدُونِ الْإِرْضَاعِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَقَدْ حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَكَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ رَفَعَهَا، ثُمَّ هَذَا الصَّنِيعُ لَمْ يُكْرَهْ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى ذَلِكَ لِعَدَمِ مَنْ يَحْفَظُهَا أَوْ لِبَيَانِهِ الشَّرْعَ بِالْفِعْلِ أَنْ هَذَا غَيْرُ مُوجِبٍ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَمِثْلُ هَذَا نَصًّا فِي زَمَانِنَا لَا يُكْرَهُ لِوَاحِدٍ مِنَّا لَوْ فَعَلَ عِنْدَ الْحَاجَةِ أَمَّا بِدُونِ الْحَاجَةِ فَيُكْرَهُ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ يُكْرَهُ قِيَامُ الْإِمَامِ فِي الطَّاقِ) إلَّا لِعُذْرٍ كَكَثْرَةِ الْقَوْمِ. اهـ زَادُ الْفَقِيرِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ سُجُودُهُ فِيهِ إذَا كَانَ قَائِمًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ مَقَامُ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَسُجُودُهُ فِي الطَّاقَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي الطَّاقِ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَهَذَا عَلَى عُرْفٍ فِي دِيَارِهِمْ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ الْأَبْنِيَةِ فِيهَا مِنْ الْآجُرِّ فَيَتَّخِذُونَ طَاقَاتٍ فِي الْمَحَارِيبِ وَلَمْ يَرِدْ بِهَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّ الطَّاقَ لَيْسَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَكِنْ أَرَادُوا بِالْمَسْجِدِ مَوْضِعَ السُّجُودِ أَيْ الصَّلَاةَ. وَلَمَّا لَمْ يَتَعَوَّدْ الصَّلَاةَ فِي الطَّاقِ حَسُنَ الْفَصْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَسْجِدِ فِي قَوْلِك الْمَسْجِدُ بَيْتُ اللَّهِ يُفِيدُ غَيْرَ مَا يُفِيدُ قَوْلُك هَذَا مَسْجِدِي أَيْ مَوْضِعُ صَلَاتِي، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُجَامِعُ الْمِلْكَ وَالثَّانِي يُجَامِعُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَمُرَادُهُ فِي الْكِتَابِ هَذَا الثَّانِي وَإِنَّمَا كَشَفْت لَك عَنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الِاسْتِعْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ زَعَمُوا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَجْعَلْ الطَّاقَ مِنْ الْمَسْجِدِ حَيْثُ قَسَّمَ وَفَصَّلَ فَعَابُوا أَبَا حَنِيفَةَ عَمَّا ذَكَرَ مِنْ الصَّوَابِ فَقَعَدُوا تَحْتَ الْمَعَابِ. اهـ. نِهَايَةُ الْكِفَايَةِ لِدِرَايَةِ الْهِدَايَةِ لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْقَدَمُ كَمَا فِي كَثِيرِ مِنْ الْأَحْكَامِ) أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْضِعَ الْقَدَمِ طَهَارَتُهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ دُونَ طَهَارَةِ مَوْضِعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَلَوْ اقْتَدَى بِرَجُلٍ وَقَدَمُهُ بِعَقِبِ قَدَمِ الْإِمَامِ وَرَأْسُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى رَأْسِ الْإِمَامِ لِطُولِهِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ بِوَضْعِ قَدَمِهِ دُونَ جَسَدِهِ وَلَوْ كَانَ قَدَمَا الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ وَجَسَدُهُ فِي الْحِلِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ. اهـ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ حَالُ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ فِي جَانِبِ الطَّاقِ عَمُودَانِ وَوَرَاءَ ذَلِكَ فُرْجَةٌ يَطَّلِعُ مِنْهَا مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وَمِنْ عَلَى يَسَارِهِ عَلَى حَالِهِ (قَوْلُهُ، ثُمَّ قَدْرُ الِارْتِفَاعِ قَامَةٌ) أَيْ قَامَةُ الرَّجُلِ الْوَسَطِ. اهـ بِأَكْبَرَ قَالَ الرَّازِيّ، ثُمَّ قَدْرُ الِارْتِفَاعِ قَامَةُ رَجُلٍ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ

مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقِيلَ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِامْتِيَازُ وَقِيلَ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ اعْتِبَارًا بِالسُّتْرَةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضُ الْقَوْمِ لَا يُكْرَهُ فِي الصَّحِيحِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْكَرَاهَةِ وَهُوَ انْفِرَادُ الْإِمَامِ بِالْمَكَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلُبْسُ ثَوْبٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ حَامِلَ الصَّنَمِ فَيُكْرَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنْ يَكُونَ فَوْقَ رَأْسِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ بِحِذَائِهِ صُورَةً) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَتَهَا فَيُكْرَهُ وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً أَنْ تَكُونَ أَمَامَ الْمُصَلِّي ثُمَّ فَوْقَ رَأْسِهِ، ثُمَّ عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ عَلَى يَسَارِهِ، ثُمَّ خَلْفَهُ وَفِي الْغَايَةِ إنْ كَانَ التِّمْثَالُ فِي مُؤَخَّرِ الظَّهْرِ وَالْقِبْلَةِ لَا يُكْرَه؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ عِبَادَتَهُ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً) لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ وَالْكَرَاهَةُ بِاعْتِبَارِ الْعِبَادَةِ فَإِذَا لَمْ يُعْبَدْ مِثْلُهَا لَا يُكْرَهُ رُوِيَ أَنَّ خَاتَمَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَلَيْهِ ذُبَابَتَانِ وَخَاتَمَ دَانْيَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ عَلَيْهِ أَسَدٌ وَلَبْوَةُ وَبَيْنَهُمَا رَجُلٌ يَلْحَسَانِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ مَقْطُوعَةَ الرَّأْسِ) أَيْ مَمْحُوَّةَ الرَّأْسِ بِخَيْطٍ يَخِيطُهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لِلرَّأْسِ أَثَرٌ أَوْ يَطْلِيهِ بِمَغْرَةٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ يَنْحِتُهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ بِدُونِ الرَّأْسِ عَادَةً وَلَا اعْتِبَارَ بِالْخَيْطِ بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ لِأَنَّ مِنْ الطُّيُورِ مَا هُوَ مُطَوَّقٌ وَلَا بِإِزَالَةِ الْحَاجِبَيْنِ أَوْ الْعَيْنَيْنِ؛ لِأَنَّهَا تُعْبَدُ بِدُونِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ لِغَيْرِ ذِي رُوحٍ) أَيْ أَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ غَيْرَ ذِي الرُّوحِ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ صُورَةُ النَّخْلِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ عَادَةً وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي تِمْثَالِ الْأَشْجَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحِ) أَيْ يُكْرَهُ عَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحِ بِالْيَدِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ لَا عَلَى مَا يَلِيه مِمَّا هُوَ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُدُّ الْآيَ فِي الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةً لِسُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَدَّ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» وَمَا رَوَيَاهُ ضَعِيفٌ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَحِينَ كَانَ الْعَمَلُ مُبَاحًا فِيهَا وَمُرَاعَاةُ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ مُمْكِنَةٌ بِدُونِهِ بِأَنْ، يُنْظَرَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَمُرَاعَاةُ سُنَّةِ التَّسْبِيحِ مُمْكِنَةٌ أَيْضًا بِأَنْ يَحْفَظَ بِقَلْبِهِ وَيَضُمَّ الْأَنَامِلَ فِي مَوْضِعِهَا لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ هُوَ الْعَدُّ بِالْأَصَابِعِ وَبِسُبْحَةٍ يُمْسِكُهَا بِيَدِهِ دُونَ الْغَمْزِ بِهَا وَالْحِفْظُ بِقَلْبِهِ، ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَرَائِضِ وَيَجُوزُ فِي النَّوَافِلِ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي النَّوَافِلِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْفَرَائِضِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ وَاخْتَلَفُوا فِي عَدِّ التَّسْبِيحِ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنْ الرِّيَاءِ وَأَقْرَبَ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالتَّقْصِيرِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُدَّ ذُنُوبَك لِتَسْتَغْفِرَ مِنْهَا وَقَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: لَا يُكْرَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ فِي الصَّحِيحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ» وَلِأَنَّ فِي قَتْلِهِمَا دَفْعَ الشُّغْلِ وَإِزَالَةَ الْأَذَى فَأَشْبَهَ دَرْءَ الْمَارِّ وَتَسْوِيَةَ الْحَصَى لِلسُّجُودِ وَمَسْحَ الْعَرَقِ، ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا تُقْتَلُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ قَتْلِهَا بِفِعْلٍ يَسِيرٍ كَالْعَقْرَبِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمُعَالَجَةِ وَالْمَشْيِ فَمُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ كَالْمَشْيِ فِي الْحَدَثِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالتَّوَضُّؤِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ أَذَاهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيّ وَمَالِكٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» وَقَالُوا لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْتَلَ الْحَيَّةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي تَمْشِي مُسْتَوِيَةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْجَانِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ وَإِيَّاكُمْ وَالْحَيَّةَ الْبَيْضَاءَ فَإِنَّهَا مِنْ الْجِنِّ» وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَاهَدَ الْجِنَّ أَنْ لَا يَدْخُلُوا بُيُوتَ أُمَّتِهِ وَلَا يُظْهِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَإِذَا خَالَفُوا فَقَدْ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ فَلَا حُرْمَةَ لَهُمْ، وَالْأَوْلَى هُوَ الْإِنْذَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا» إلَى آخِرِهِ) الْمُرَادُ بِهِمْ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ بِالْبَرَكَةِ لَا الْحَفَظَةُ وَعَدَمُ دُخُولِهِمْ لِزَجْرِ صَاحِبِ الْبَيْتِ عَنْ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ وَأَجَازَ سُلَيْمَانُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّصَاوِيرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ} [سبأ: 13] وَالتَّمَاثِيلُ صُوَرُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصُّلَحَاءِ كَانَتْ تُعْمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ نُحَاسٍ وَرُخَامٍ لِيَرَاهَا النَّاسَ، فَيَعْبُدُوا نَحْوَ عِبَادَتِهِمْ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَخْتَلِفُ فِيهِ الشَّرَائِعُ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالتَّمَاثِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صُورَةِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ التِّمْثَالَ أَعَمُّ، مِنْ ذَلِكَ. اهـ. شَرْحُ مَشَارِقَ. (قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّ خَاتَمَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَلَيْهِ ذُبَابَتَانِ) الْمَذْكُورَةُ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ أَنَّ الذُّبَابَتَيْنِ كَانَتَا عَلَى خَاتَمِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ (قَوْلُهُ وَخَاتَمُ دَانْيَالَ كَانَ عَلَيْهِ أَسَدٌ إلَى آخِرِهِ) وَسَبَبُ تَصْوِيرِ دَانْيَالَ ذَلِكَ عَلَى خَاتَمِهِ هُوَ أَنْ بُخْتَ نَصَّرَ لَمَّا أَخَذَ بِتَتَبُّعِ الصَّبِيَّانِ، وَيَقْتُلُهُمْ وَوُلِدَ دَانْيَالَ، أَلْقَتْهُ أُمُّهُ فِي غَيْضَةٍ رَجَاءَ أَنْ يَنْجُوَ فَقَيَّضَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَسَدًا يَحْفَظُهُ وَلَبْوَة تُرْضِعُهُ وَهُمَا يَلْحَسَانِهِ فَلَمَّا كَبِرَ صَوَّرَ ذَلِكَ فِي خَاتَمِهِ حَتَّى لَا يَنْسَى نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ اهـ مُغْرِبٌ فِي دنل وَوُجِدَ هَذَا الْخَاتَمُ فِي عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. مُغْرِبٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ بِدُونِ الرَّأْسِ) أَيْ وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى إلَى تَنُّورٍ أَوْ كَانُونٍ فِيهِ نَارٌ كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَتَهَا وَإِلَى قِنْدِيلٍ أَوْ شَمْعٍ أَوْ سِرَاجٍ لَا لِعَدَمِ التَّشَبُّهِ اهـ ع (قَوْلُهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ) وَالْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ لَنَا اهـ ع (قَوْلُهُ «اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ» إلَى آخِرِهِ) الطُّفْيَةُ خُوصَةُ الْمُقْلِ وَالْأَسْوَدُ الْعَظِيمُ مِنْ الْحَيَّاتِ وَهُوَ أَخْبَثُهَا وَفِيهِ سَوَادٌ كَأَنَّهُ شَبَهُ، الْخَطَّيْنِ عَلَى ظَهْرِهِ بِطُفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرُ الْقَصِيرُ الذَّنَبِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

[فصل استقبال القبلة بالفرج في الخلاء واستدبارها]

وَالْإِعْذَارُ فَيُقَالُ لَهَا ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّهِ أَوْ خَلِّي طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَبَتْ قَتَلَهَا وَلَكِنَّ الْإِنْذَارَ إنَّمَا يَكُونُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَعَلَى هَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَتْلُ الْقَمْلَةِ فِي الصَّلَاةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ دَفْنِهَا وَاخْتَارَ أَبُو حَنِيفَةَ دَفْنَهَا تَحْتَ الْحَصَى رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَرِهَهُمَا أَبُو يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ مِنْهَا الْأَذَى وَكَانَ عُمَرُ وَأَنَسٌ يَقْتُلَانِ الْقَمْلَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصَّلَاةُ إلَى ظَهْرِ قَاعِدٍ يَتَحَدَّثُ) وَمِنْ النَّاسُ مَنْ كَرِهَ الصَّلَاةَ إلَى قَوْمٍ يَتَحَدَّثُونَ أَوْ نَائِمِينَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الصَّحْرَاءِ أَمَرَ عِكْرِمَةَ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُصَلِّيَ» وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى سَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ قَالَ لِي وَلِّ ظَهْرَك وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِحَيْثُ يُشَوِّشُونَ عَلَى الْمُصَلِّي وَيَقَعُ الْغَلَطُ فِي صَلَاتِهِ وَفِي النَّائِمِ إذَا كَانَ يَظْهَرُ مِنْهُ صَوْتٌ فَيَضْحَكُ مَنْ هُوَ فِي صَلَاتِهِ أَوْ يَخْجَلُ النَّائِمُ إذَا انْتَبَهَ فَإِذَا أَمِنَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهَا، أَلَا تَرَى إلَى مَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ نَائِمَةً بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي»، وَكَذَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بَعْضُهُمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَبَعْضُهُمْ يَتَذَاكَرُونَ الْعِلْمَ وَالْمَوَاعِظَ وَبَعْضُهُمْ يُصَلُّونَ وَلَمْ يَنْهَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَنَهَاهُمْ عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَى مُصْحَفٍ أَوْ سَيْفٍ مُعَلَّقٍ) وَمِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّيْفُ مَوْضُوعًا عَلَى الْأَرْضِ لِأَنَّ السَّيْفَ آلَةُ الْحَرْبِ وَفِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ فَلَا يَلِيقُ تَقْدِيمُهُ فِي حَالِ الِابْتِهَالِ وَفِي اسْتِقْبَالِ الْمُصْحَفِ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ؛ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَتَهُ فَيُكْرَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُمَا لَا يُعْبَدَانِ وَبِاعْتِبَارِهَا تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ وَفِي اسْتِقْبَالِ الْمُصْحَفِ تَعْظِيمُهُ وَقَدْ أُمِرْنَا بِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَوْضُوعًا وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِلْقِرَاءَةِ وَهُوَ مَكْرُوهًا عِنْدَنَا بَلْ مُفْسِدٌ وَكَلَامُنَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقِرَاءَةِ فَلَا يَكُونُ تَشَبُّهًا بِهِمْ وَفِي السَّيْفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] وَإِذَا كَانَ مُعَلَّقًا بَيْنَ يَدَيْهِ كَانَ أَمْكَنَ لِأَخْذِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ فَلَا يُوجِبُ الْكَرَاهَةَ وَقَدْ «كَانَتْ الْعَنَزَةُ تُرْكَزُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُصَلِّي إلَيْهَا». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ شَمْعٍ أَوْ سِرَاجٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يُعْبَدَانِ وَالْكَرَاهَةُ بِاعْتِبَارِهَا وَإِنَّمَا تَعَبَّدَهَا الْمَجُوسُ إذَا كَانَتْ فِي الْكَانُونِ وَفِيهَا الْجَمْرُ أَوْ فِي التَّنُّورِ فَلَا يُكْرَهُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ إنْ لَمْ يَسْجُدْ عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ اسْتِهَانَةٌ بِالصُّورَةِ فَلَا يُكْرَهُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهَا يُشْبِهُ عِبَادَتَهَا فَيُكْرَهُ وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ فِي الْأَصْلِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ مُعَظَّمٌ فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَعْظِيمٍ لِلصُّورَةِ بِتَعْظِيمِ ذَلِكَ الْبِسَاطِ فَيُكْرَهُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى وِسَادَةٍ مُلْقَاةٍ أَوْ بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا تُدَاسُ وَتُوطَأُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوِسَادَةُ مَنْصُوبَةً أَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى السِّتْرِ؛ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهَا. (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُرِهَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا فِي الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ الْبِلَادِ لِأَنَّ قِبْلَتَهُمْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَفِي الِاسْتِدْبَارِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُكْرَهُ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ التَّعْظِيمِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «رَقَيْت يَوْمًا عَلَى بَيْتِ أُخْتِي حَفْصَةَ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدًا لِحَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ»؛ وَلِأَنَّ فَرْجَهُ غَيْرُ مُوَازٍ لَهَا وَمَا يَنْحَطُّ مِنْهُ يَنْحَطُّ إلَى الْأَرْضِ بِخِلَافِ الْمُسْتَقْبِلِ؛ لِأَنَّ فَرْجَهُ مُوَازٍ لَهَا وَمَا يَنْحَطُّ مِنْهُ يَنْحَطُّ إلَيْهَا وَالْأَحْوَطُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْقَوْلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ إذْ الْفِعْلُ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْإِعْذَارُ بِخِلَافِ الْقَوْلِ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الْبُنْيَانِ دُونَ الصَّحْرَاءِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا، وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُوَجِّهَ وَلَدَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ لِيَبُولَ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ غَفَلَ وَقَعَدَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فِي الْخَلَاءِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَنْحَرِفَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ جَلَسَ يَبُولُ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ فَذَكَرَ وَانْحَرَفَ عَنْهَا إجْلَالًا لَهَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ» وَيُسْتَحَبُّ لَهُ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الْخَلَاءِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ وَيُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَعِنْدَ الْخُرُوجِ يُقَدِّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا الْمُتَحَدِّثِ» أَخْرَجَهُ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ وَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ أَيْضًا. اهـ. عَبْدُ الْحَقِّ. (قَوْلُهُ وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي الْحَجَّاجِ وَالطَّارِئُ رَفَعَهُ قَالَ «نَهَى أَنْ يَتَحَدَّثَ الرَّجُلَانِ وَبَيْنَهُمَا أَحَدٌ يُصَلِّي» ذَكَرَهُ فِي الْمَرَاسِيلِ اهـ. . [فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا] (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ رَقَيْت يَوْمًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ رَقَيْته أَرْقِيه مِنْ بَابِ رَمَى رُقِيَا عَوَّذْته بِاَللَّهِ وَالِاسْمُ الرُّقْيَا عَلَى فُعْلَى وَالْمَرَّةُ رُقْيَةٌ وَالْجَمْعُ رُقَى مِثْلُ مُدْيَةٍ وَمُدَى وَرَقِيت فِي السُّلَّمِ وَغَيْرِهِ أَرْقَى مِنْ بَابِ تَعِبَ رُقِيًّا عَلَى فُعُولٍ. اهـ. (قَوْلُهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ مُسْتَدْبِرًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ اهـ

[باب الوتر والنوافل]

رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَلَا يَتَنَحْنَحَ وَلَا يَبْزُقَ وَلَا يَمْتَخِطَ وَيَسْكُتَ إذَا عَطَسَ وَيَقُولَ إذَا خَرَجَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَ عَنِّي مَا يُؤْذِينِي وَأَبْقَى مَا يَنْفَعُنِي، وَيُكْرَهُ مَدُّ الرِّجْلِ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِلَى الْمُصْحَفِ وَإِلَى كُتُبِ الْفِقْهِ فِي النَّوْمِ وَغَيْرِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَلْقُ بَابِ الْمَسْجِدِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِالْغَلْقِ فِي زَمَانِنَا فِي غَيْرِ أَوَانِ الصَّلَاةِ صِيَانَةً لِمَتَاعِ الْمَسْجِدِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ كَمَا قُلْنَا فِي مَنْعِ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ فِي زَمَانِنَا لِفَسَادِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَقِيلَ إذَا تَقَارَبَ الْوَقْتَانِ لَا يُغْلَقُ كَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيُغْلَقُ بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَمِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الظُّهْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَطْءُ فَوْقَهُ) أَيْ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي لِأَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ مَسْجِدٌ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ وَلِهَذَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ بِسَطْحِ الْمَسْجِدِ بِمِنْ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِالصُّعُودِ إلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَوَقَفَ عَلَى سَطْحِهَا يَحْنَثُ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَسْجِدِ يَحْرُمُ مُبَاشَرَةُ النِّسَاءِ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَلِأَنَّ تَطْهِيرَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ» الْحَدِيثَ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الْمَسْجِدَ لَيَنْزَوِي مِنْ النُّخَامَةِ كَمَا يَنْزَوِي الْجِلْدُ مِنْ النَّارِ» فَإِذَا كُرِهَ التَّنَخُّمُ فِيهِ مَعَ طَهَارَتِهِ فَالْبَوْلُ أَحْرَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا فَوْقَ بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ) يَعْنِي لَا يُكْرَهُ الْوَطْءُ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي فَوْقَ بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ وَالْمُرَادُ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ نَدَبْنَا إلَيْهِ حَتَّى لَا يَصِحَّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ إلَّا لِلنِّسَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ كَالْمَسْجِدِ لِكَوْنِهِ مَكَانًا وَاحِدًا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الِاقْتِدَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا نَقْشُهُ بِالْجِصِّ وَمَاءِ الذَّهَبِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ نَقْشُ الْمَسْجِدِ بِهِمَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ تَزْيِينُ الْمَسَاجِدِ» الْحَدِيثُ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ حِين مَرَّ بِهِ رَسُولُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ لِتَزْيِينِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسَاكِينُ أَحْوَجُ مِنْ الْأَسَاطِينِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ قُرْبَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ وَإِجْلَالِ الدِّينِ وَقَدْ زُخْرِفَتْ الْكَعْبَةُ بِمَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَسُتِرَتْ بِأَلْوَانِ الدِّيبَاجِ تَعْظِيمًا لَهَا وَعِنْدَنَا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَصَرْفُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ أَحَبُّ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَتَكَلَّفَ لِدَقَائِقِ النَّقْشِ فِي الْمِحْرَابِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ يُلْهِي الْمُصَلِّي وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّهْيُ الْوَارِدُ عَنْ التَّزْيِينِ أَوْ عَلَى التَّزْيِينِ مَعَ تَرْكِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقُلُوبُهُمْ خَاوِيَةٌ عَنْ الْإِيمَانِ» هَذَا إذَا فَعَلَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمُتَوَلِّي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَإِنْ فَعَلَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضِيعَ مَالَ الْوَقْفِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ مَا يَرْجِعُ إلَى إحْكَامِ الْبِنَاءِ حَتَّى لَوْ جَعَلَ الْبَيَاضَ فَوْقَ السَّوَادِ لِلْبَقَاءِ ضَمِنَ، ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَعَلَى هَذَا تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ يَكْرَهُونَ شَدَّ الْمَصَاحِفِ وَاِتِّخَاذَ الشَّدِّ لَهَا كَيْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الْمَنْعِ فَأَشْبَهَ غَلْقَ بَابِ الْمَسْجِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْوِتْرُ وَاجِبٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَاهُ عَنْهُ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَصَلَّى فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ إلَى آخِرِهِ) هِيَ بِالْوَاوِ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشُّرَّاحِ بِأَوْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّخَلِّي) أَيْ التَّغَوُّطُ اهـ بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ) أَيْ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ اهـ ع (قَوْلُهُ وَإِنْ نَدَبْنَا إلَيْهِ إلَى آخِرِهِ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ مَنْدُوبٌ لَأَنْ يَتَّخِذَ فِي بَيْتِهِ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ السُّنَنَ وَالنَّوَافِلَ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ. اهـ. خُلَاصَةٌ فِي الْفَصْلِ. (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ) أَيْ مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ اهـ وَقَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتْوَاهُ فِي بَابِ الرَّجُلِ يَجْعَلُ دَارِهِ مَسْجِدًا مَا نَصُّهُ: مَسْجِدٌ اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ لِصَلَاةِ الْعِيدِ هَلْ يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَكُونُ مَسْجِدًا حَتَّى لَوْ مَاتَ لَا يُورَثُ عَنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَهُوَ مَسْجِدٌ لَا يُورَثُ عَنْهُ وَمَا اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْ الصُّفُوفِ أَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ حَالَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَا غَيْرُ وَهُوَ وَالْجَبَّانَةُ سَوَاءٌ وَيُجَنَّبُ هَذَا الْمَكَانُ كَمَا يُجَنَّبُ الْمُجَسَّدُ احْتِيَاطًا. اهـ. وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَقْفِ مَسْجِدٌ اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ لِصَلَاةِ الْعِيدِ يُجَنَّبُ كَمَا يُجَنَّبُ الْمَسَاجِدُ؛ لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ الْجَوَابُ فِيهِ يَجْرِي عَلَى الْإِطْلَاقِ وَاَلَّذِي اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ أَنَّهُ مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ انْفَصَلَ الصُّفُوفُ أَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَا رِفْقًا بِالنَّاسِ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَهُ ضَمِنَ إلَى آخِرِهِ) إلَّا إذَا خَافَ طَمَعَ الظَّلَمَةِ فِيمَا اجْتَمَعَ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ. اهـ. كُنُوزٌ. [بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ] (قَوْلُهُ بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ)

الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْهُ أَنَّهُ فَرِيضَةٌ وَرَوَى نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَقِيلَ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَأَرَادَ بِقَوْلِهِ سُنَّةٌ طَرِيقَةً أَوْ ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِالسُّنَّةِ وَبِقَوْلِهِ فَرْضُ لُزُومِهِ عَمَلًا لَا عِلْمًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْعَمَلِ دُونَ الِاعْتِقَادِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - هُوَ سُنَّةٌ لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ «قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرَهُنَّ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَهَذَا يَنْفِي الْفَرْضِيَّةَ وَالْوُجُوبَ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الْوِتْرَ عَلَى الرَّاحِلَةِ». وَالْفَرْضُ لَا يُؤَدَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَفِي قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوُسْطَى لَا تَتَحَقَّقُ فِي الشَّفْعِ وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ إذَا كَانَتْ الصَّلَوَاتُ وِتْرًا فَتَكُونُ الْوُسْطَى بَيْنَ شَفْعَيْنِ وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُ وَلَا يُقَامُ وَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي كُلِّهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْعَلُوا آخَرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْأَمْرُ وَكَلِمَةُ عَلَى وَحَقٌّ لِلْوُجُوبِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» وَالزِّيَادَةُ تَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَلَا جَائِزَ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً عَلَى النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْصُورٍ فَلَا تَتَحَقَّقُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ فَتَعَيَّنَ الْفَرْضُ لِكَوْنِهِ مَحْصُورًا وَهَذَا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا عَلَى الْمُقَدَّرَاتِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» قَالَهُ ثَلَاثًا قَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَدْ وَثَّقَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ نَامَ عَنْ وِتْرٍ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيَقْضِهِ إذَا ذَكَرَهُ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ فَرْعُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَقَدْ ظَهَرَ فِيهِ آثَارُ الْوُجُوبِ حَيْثُ يُقْضَى وَلَا يُؤَدَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا يَجُوزُ بِدُونِ نِيَّةِ الْوِتْرِ بِخِلَافِ التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ؛ وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ وَلَوْ كَانَ سُنَّةً تَبَعًا لِلْعِشَاءِ لَكُرِهَ تَأْخِيرُهُ كَمَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُ سُنَّتِهَا تَبَعًا لَهَا. وَالْجَوَابُ عَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِ الْوِتْرِ وَفِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زَادَكُمْ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ وُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] وَقَدْ حَرَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَكْلَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَغَيْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِهِ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ «لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ» وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَجَّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِ الْحَجِّ فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ وُجُوبِ الْوِتْرِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] يَجُوزُ أَنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَ وُجُوبِ الْوِتْرِ فَتَكُونُ وُسْطَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الرَّاحِلَةِ فَغَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى أَصْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْوِتْرَ فَرْضًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ جَوَازَ هَذَا الْفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، ثُمَّ يَقُولُونَ فِي حَقِّ إلْزَامِ خَصْمِهِمْ إنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا جَازَ عَلَى الرَّاحِلَةِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ بَيَانِ أَوْقَاتِهَا وَكَيْفِيَّةِ أَدَائِهَا وَالْأَدَاءِ الْكَامِلِ وَالْقَاصِرِ فِيهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ صَلَاةٍ هِيَ دُونَ الْفَرَائِضِ وَفَوْقَ النَّوَافِلِ وَهِيَ صَلَاةُ الْوِتْرِ وَدَلَالَةُ أَنَّهَا قَصَدَتْ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةُ إيرَادَ النَّوَافِلِ بَعْدَهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ كَمَا هُوَ حَقُّهُ. اهـ. نِهَايَةٌ وَالنَّوَافِلُ جَمْعُ نَافِلَةٍ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةُ وَمِنْهُ سُمِّيَ النَّفَلُ لِلْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا وُضِعَ الْجِهَادُ لَهُ وَهُوَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ سُمِّيَ وَلَدُ الْوَلَدِ نَافِلَةً وَسُمِّيَتْ صَلَاةُ النَّفْلِ نَفْلًا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْهُ أَنَّهُ فَرِيضَةٌ) أَيْ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ سُنَّةٌ إلَى آخِرِهِ) وَهِيَ عِنْدَهُمَا أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ جَمِيعِ السُّنَنِ حَتَّى لَا تَجُوزُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَلَا عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَتُقْضَى، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. اهـ. اخْتِيَارٌ. (قَوْلُهُ وَفِي قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] إشَارَةٌ إلَيْهِ) أَيْ إلَى نَفْيِ الْفَرِيضَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يُؤَذَّنُ لَهُ وَلَا يُقَامُ إلَى آخِرِهِ) وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَيَخْتَصُّ بِالْفَرَائِضِ الْمُطْلَقَةِ وَلِهَذَا لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَمِنْ خَطِّهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً» إلَى آخِرِهِ) فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ وُجُوبَ الْوِتْرِ كَانَ بَعْدَ سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ زَادَكُمْ فَأَضَافَ إلَى اللَّهِ لَا إلَى نَفْسِهِ وَالسُّنَنُ تُضَافُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ نِهَايَةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا بِالزِّيَادَةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَتَحَقَّقُ عَلَى الشَّيْءِ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ لَا يُقَالُ زَادَ فِي ثَمَنِهِ إذَا وَهَبَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً وَلَا يُقَالُ زَادَ عَلَى الْهِبَةِ إذَا بَاعَ وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ فَكَذَا الزِّيَادَةُ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْرِيفِ فَكَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ وَزِيَادَةُ التَّعْرِيفِ زِيَادَةُ وَصْفٍ لَا أَصْلٌ وَهُوَ الْوُجُوبُ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ أَمَرَ بِأَدَائِهَا وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْعَجَبِ إلَى آخِره) وَقَدْ ادَّعَى النَّوَوِيُّ أَنَّ جَوَازَ فِعْلِ هَذَا الْوَاجِبِ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي هَذِهِ الدَّعْوَى تَوَقُّفٌ فَإِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ خَاصٍّ وَلَمْ يُنْقَلْ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ جَائِزٌ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ عُذْرٌ أَمْ لَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِعُذْرٍ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ

لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ أَوْ لِأَجْلِ الْعُذْرِ فَلَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ وَإِنَّمَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يُعَرَّى عَنْ شُبْهَةٍ وَهُوَ يُؤَدَّى فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَيَكْتَفِي بِآذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِهِ لِقُصُورِ دَلِيلِهِ فَتُرَاعَى جِهَةُ النَّفْلِيَّةِ فِيهِ احْتِيَاطًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ وَإِنْ شَاءَ بِثَلَاثٍ وَإِنْ شَاءَ بِخَمْسٍ إلَى إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ وَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ، وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُوتِرُ بِسَبْعٍ أَوْ بِخَمْسٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمَةٍ» وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّالِثَةِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ» الْحَدِيثَ، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ» وَعَنْهَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا» فَلَوْ كَانَ يَفْصِلُ لَقَالَتْ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ وَاحِدَةً وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْبُتَيْرَاءِ» وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ الْوِتْرُ ثَلَاثٌ كَوِتْرِ النَّهَارِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَعَنْهُ مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ وَحَكَى الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إجْمَاعَ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْوِتْرِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا تُوَتِّرُوا بِثَلَاثٍ أَوْتَرُوا بِسَبْعٍ أَوْ خَمْسٍ» الْحَدِيثَ. وَالْإِيتَارُ بِالثَّلَاثِ جَائِزٌ إجْمَاعًا، وَكَذَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا فِي آخِرِهَا» وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ أَمْرِ الْوِتْرِ؛ لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ الْمُسْتَقِرَّةَ لَا يُخَيَّرُ فِي أَعْدَادِ رَكَعَاتِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَنَتَ فِي ثَالِثَتِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَبَدًا بَعْدَ أَنْ كَبَّرَ) لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَكَذَا «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْحَسَنِ حِينَ عَلَّمَهُ الْقُنُوتَ اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ يَعْنِي غَيْرَ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك إلَى آخِرِهِ اللَّهُمَّ أَهْدِنَا إلَى آخِرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً) لِمَا رَوَيْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَقْنُتُ لِغَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ «صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا»، وَكَذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَلَنَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ» أَخْرَجَاهُ فَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ يَجْعَلُ أَوَّلًا فِعْلَهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ الْخَصَائِصِ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ هُنَا دَلِيلًا لِلْجَوَازِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَّةِ وَمَا بِالْعَهْدِ مِنْ قِدَمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ إلَى آخِرِهِ) النَّسَائِيّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ فَإِذَا فَرَغَ قَالَ عِنْدَ فَرَاغِهِ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُطِيلُ فِي آخِرِهِنَّ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ» وَحَدِيثُ النَّسَائِيّ أَصَحُّ إسْنَادًا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ بِثَلَاثِ يَقْرَأُ فِيهِنَّ بِتِسْعِ سُوَرٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِثَلَاثِ سُوَرٍ آخِرُهُنَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ». اهـ. عَبْدُ الْحَقِّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَقَنَتَ فِي ثَالِثَتِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَبَدًا بَعْدَ أَنْ كَبَّرَ) أَيْ رَافِعًا يَدَيْهِ اهـ ع وَهَذِهِ التَّكْبِيرَةُ وَاجِبَةٌ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ فِي الْوِتْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ رُبَّمَا يَكُونُ جَاهِلًا فَيَأْتِي بِدُعَاءٍ يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ فَيُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّوْقِيتَ فِي الدُّعَاءِ يُذْهِبُ رِقَّةَ الْقَلْبِ مَحْمُولٌ عَلَى أَدْعِيَةِ الْمَنَاسِكِ دُونَ الصَّلَاةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُذْهِبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ) أَيْ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِي الْقِرَاءَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَكَذَا فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَقَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ إلَى آخِرِهِ) وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً مُعَيَّنَةً عَلَى الدَّوَامِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ مُطْلَقُ الْقِرَاءَةِ بِقَوْلِهِ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالتَّعْيِينُ عَلَى الدَّوَامِ يُفْضِي إلَى أَنْ يَعْتَقِدَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَكِنْ لَوْ قَرَأَ بِمَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ أَحْيَانًا يَكُونُ حَسَنًا وَلَكِنْ لَا يُوَاظِبُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ. اهـ. نِهَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَلَا يَقْنُتُ لِغَيْرِهِ إلَى آخِرِهِ) (فَرْعٌ) إنْ نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ قَنَتَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ إنَّمَا لَا يَقْنُتُ عِنْدَنَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ بَلِيَّةٍ فَإِنْ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ أَوْ بَلِيَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ صَاحِبُ النَّافِعِ فِي مَجْمُوعِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ سُنَّةٌ فِي الْفَجْرِ وَيَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا عِنْدَ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ إلَى الدُّعَاءِ قَالَ لَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَزَلْ مُحَارِبًا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يَقْنُتْ فِي الصَّلَوَاتِ قُلْت رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ وَرَوَى

قَوْمٍ مِنْ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ يَقْنُتُوا» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْقُنُوتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ بِدْعَةٌ وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَدْعُو عَلَى قَوْمٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مُعَاتِبًا لَهُ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] فَتَرَكَ» وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الثِّقَاتِ أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتْبَعُ الْمُؤْتَمُّ قَانِتَ الْوِتْرِ) أَيْ يَتْبَعُ الْمُقْتَدِي الْإِمَامَ الْقَانِتَ فِي الْوِتْرِ فِي قُنُوتِهِ وَيُخْفِي هُوَ وَالْقَوْمُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَقِيلَ يَجْهَرُ الْإِمَامُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُفِيدِ وَقِيلَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْنُتُ الْإِمَامُ دُونَ الْمُؤْتَمِّ كَمَا لَا يَقْرَأُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْفَجْرِ مَعَ كَوْنِهِ مَنْسُوخًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُتَابِعُهُ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِيَقِينِ فَصَارَ كَالثَّنَاءِ وَالتَّشَهُّدِ وَالدُّعَاءِ بَعْدَهُ وَتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ رَفْعُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ صَوْتَهُمَا فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ أَحَبُّ إلَيَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْفَجْرِ) أَيْ لَا يُتَابِعُ الْمُؤْتَمُّ الْإِمَامَ الْقَانِتَ فِي الْفَجْرِ فِي الْقُنُوتِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُتَابِعُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ وَالْقُنُوتُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَصَارَ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ، وَالْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَبَّرَ خَمْسًا فِي الْجِنَازَةِ حَيْثُ لَا يُتَابِعُهُ فِي الْخَامِسَةِ لِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا، ثُمَّ قِيلَ يَسْكُتُ وَاقِفًا لِيُتَابِعَهُ فِيمَا يَجِبُ مُتَابَعَتُهُ، وَقِيلَ يَقْعُدُ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ لِأَنَّ السَّاكِتَ شَرِيكُ الدَّاعِي بِدَلِيلِ مُشَارَكَتِهِ الْإِمَامَ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ فِي غَيْرِ الْقُنُوتِ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيَّةِ إذَا كَانَ يُحْتَاطُ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ بِأَنْ كَانَ يُجَدِّدُ الْوُضُوءَ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ وَيَغْسِلُ ثَوْبَهُ مِنْ الْمَنِيِّ وَلَا يَكُونُ شَاكًّا فِي إيمَانِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلَا مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَا يَقْطَعُ وِتْرَهُ بِالسَّلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ اقْتِدَاءَ الْحَنَفِيِّ بِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ يَجُوزُ وَيُصَلِّي مَعَهُ بَقِيَّةَ الْوِتْرِ لِأَنَّ إمَامَهُ لَمْ يَخْرُجْ بِسَلَامِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ قَدْ رَعَفَ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ إذَا صَحَّتْ عَلَى زَعْمِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ عَلَى زَعْمِ الْمُقْتَدِي وَقِيلَ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ قَامَ الْمُقْتَدِي وَأَتَمَّ الْوِتْرَ وَحْدَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالشَّافِعِيَّةِ فِي الْوِتْرِ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْوُجُوبِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْحَنَفِيِّ وَلَوْ عَلِمَ الْمُقْتَدِي مِنْ الْإِمَامِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عَلَى زَعْمِ الْإِمَامِ كَمَسِّ الْمَرْأَةِ وَالذَّكَرِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْإِمَامُ لَا يَدْرِي بِذَلِكَ تَجُوزُ صَلَاتُهُ عَلَى رَأْيِ الْأَكْثَرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ الْهِنْدُوَانِيُّ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَرَى بُطْلَانَ هَذِهِ الصَّلَاةِ فَتَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي تَبَعًا لَهُ وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَرَى جَوَازَ صَلَاةِ إمَامِهِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ رَأْيُ نَفْسِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسُّنَّةُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ رَكْعَتَانِ وَقَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا أَرْبَعٌ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ ثِنْتَيْنِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حَنْبَلٍ وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بَعْدَ الزَّوَالِ أَرْبَعَ رَكَعَاتِ فَقُلْت مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي تُدَاوِمُ عَلَيْهَا فَقَالَ هَذِهِ سَاعَةٌ تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فِيهَا فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ فَقُلْت أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت أَبِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ فَقَالَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ» رَوَاهُ الطَّحَاوِيِّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كُلُّ شَيْءٍ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُنُوتِ إنَّمَا هُوَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَلَا يَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الْوِتْرِ وَالْغَدَاةِ إذَا كَانَ يَسْتَنْصِرُ وَيَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ وَعَنْ عُمَرَ فِي الْقُنُوتِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّك وَعَدُوِّهِمْ اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رَسُولَك وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَك اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ بَأْسَك الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجْهَرُ الْإِمَامُ) أَيْ دُونَ الْمُقْتَدِي اهـ وَاخْتَارَ مَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ الْإِخْفَاءَ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ جَمِيعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ». اهـ. بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ وَفِي نَوَادِرِ إلَى آخِرِهِ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيَّةِ إذَا كَانَ يُحْتَاطُ إلَى آخِرِهِ) لَا كَمَا قِيلَ إنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اهـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ) أَيْ انْحِرَافًا فَاحِشًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ الْمَغَارِبَ كَانَ فَاحِشًا. اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ بِالسَّلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ قَدْ رَعَفَ إلَى آخِرِهِ) وَرَأَى الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِهِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ فِي حَقِّهِ وَهُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ فِي فَصْلِ الرُّعَافِ وَالْحِجَامَةِ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُ إلَّا إذَا رَآهُ احْتَجَمَ، ثُمَّ غَابَ عَنْهُ فَالْأَصَحُّ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ لِجَوَازِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ احْتِيَاطًا وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ فَإِنْ شَهِدَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ مَسَّ امْرَأَةً، ثُمَّ صَلَّى قَبْلَ الْوُضُوءِ قَالَ مَشَايِخُنَا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَجَمَاعَةٌ لَا يَجُوزُ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي جِهَةِ التَّحَرِّي بِمَنْعِ الِاقْتِدَاءِ. اهـ. قُنْيَةٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْوُجُوبَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْحَنَفِيِّ) عِبَارَةُ بَاكِيرٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ اهـ. (فَرْعٌ) إذَا كَانَ عَلَى الرَّجُلِ فَائِتَةٌ حَدِيثَةٌ فَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَنَسِيَ الْفَائِتَةَ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَاقْتَدَى بِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً حَدِيثَةً فَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ وَصَلَاةُ الْمُقْتَدِي فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ. اهـ. وَلْوَالَجِيُّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ آدَابِ الْقَضَاءِ. اهـ. .

وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ فَيَكُونُ سُنَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعًا. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْكَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مِنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلِيُصَلِّ أَرْبَعًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعُ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا عَنْ السُّنَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ وَرَوَى نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا وَقَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ أَقْوَى السُّنَنِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ، ثُمَّ سُنَّةُ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَدَعْهُمَا فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ، ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ فَإِنَّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَقِيلَ هِيَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ وَذَكَرَ الْحَسَنُ أَنَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ آكَدُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَالْأَفْضَلُ فِي السُّنَنِ أَدَاؤُهَا فِي الْمَنْزِلِ إلَّا التَّرَاوِيحَ وَقِيلَ: إنَّ الْفَضِيلَةَ لَا تَخْتَصُّ بِوَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَكِنْ كُلَّمَا كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الرِّيَاءِ وَأَجْمَعَ لِلْخُشُوعِ وَالْإِخْلَاصِ فَهُوَ أَفْضَلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْعَصْرِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَلَا يَعْتَدُّونَهَا مِنْ السُّنَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعِشَاءُ وَبَعْدَهُ) أَيْ نَدَبَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّ الْعِشَاءَ كَالظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَقِيلَ هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى أَرْبَعًا وَقِيلَ الْأَرْبَعُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالرَّكْعَتَانِ قَوْلُهُمَا بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسِّتُّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ كُتِبَ مِنْ الْأَوَّابِينَ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25]». قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ وَعَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا) أَيْ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَلَوْلَا الْكَرَاهَةُ لَزَادَ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ وَقَدْ جَاءَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ إلَى ثَمَانٍ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُصَلِّي خَمْسًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَسَبْعًا وَتِسْعًا وَإِحْدَى عَشْرَةَ» وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي خَمْسًا رَكْعَتَانِ مِنْهَا قِيَامُ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وِتْرٌ وَفِي السَّبْعِ أَرْبَعٌ قِيَامُ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وِتْرٌ وَفِي التِّسْعِ سِتٌّ قِيَامُ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وِتْرٌ وَفِي إحْدَى عَشْرَةَ ثَمَانٍ قِيَامُ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وِتْرٌ وَفِي رِوَايَةٍ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ قِيلَ تَأْوِيلُهُ ثَمَانٍ مِنْهَا قِيَامُ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وِتْرٌ وَرَكْعَتَانِ سُنَّةُ الْفَجْرِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تُكْرَهُ لِمَا فِيهَا مِنْ وَصْلِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَزِيدُ بِاللَّيْلِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا رُبَاعُ) أَيْ الْأَفْضَلُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْأَفْضَلُ فِي اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَفِي النَّهَارِ أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِيهِمَا مَثْنَى مَثْنَى لِحَدِيثِ الْبَارِقِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا لَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ. وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ» وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَغَيْرِهِ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ؛ وَلِأَنَّهُ أَدْوَمُ تَحْرِيمَةً فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَشَقَّةٍ وَأَزْيَدَ فَضِيلَةً وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَعَلَى الْعَكْسِ يَخْرُجُ وَحَدِيثُ الْبَارِقِيِّ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَمَعْنَاهُ شَفْعٌ لَا وِتْرٌ؛ وَلِأَنَّ رَاوِيَهُ ابْنُ عُمَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَالرَّاوِي إذَا فَعَلَ بِخِلَافِ مَا رُوِيَ لَا تَلْزَمُ رِوَايَتُهُ حُجَّةً، وَلَا يُمْكِنُ الِاعْتِبَارُ بِالتَّرَاوِيحِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ فَيُرَاعَى فِيهِ جِهَةُ التَّخْفِيفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ أَقْوَى السُّنَنِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوهُمَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» وَقَالَ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». اهـ. زَاهِدِيٌّ قَوْلُهُ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ وَالْمُرَادُ بِالْخَيْلِ جَيْشُ الْعَدُوِّ. اهـ. كَاكِيٌّ فِي إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ) حَتَّى لَوْ أَنْكَرَهَا يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ. اهـ. مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ: ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ) ثُمَّ التَّطَوُّعُ قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ التَّطَوُّعُ قَبْلَ الْعِشَاءِ. اهـ. قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْحَسَنُ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِي السُّنَنِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَالنَّوَافِلِ اهـ كَمَا فِي وَعَزَى فِي الْغَايَةِ لِلْحَلْوَانِيِّ (قَوْلُهُ إلَّا التَّرَاوِيحَ)؛ لِأَنَّ فِي التَّرَاوِيحِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَنَدَبَ الْأَرْبَعَ) أَيْ اسْتَحَبَّ اهـ ع. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ) قَوْلُهُ بِتَسْلِيمَةٍ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا رُبَاعُ) أَيْ أَرْبَعَةٌ أَرْبَعَةٌ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْوَصْفِ وَالْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ عَنْ أَرْبَعَةٍ أَرْبَعَةٍ كَثَلَاثٍ مَعْدُولٌ عَنْ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَثْنَى مَثْنَى مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ عَلَى كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَسَمَّاهُ مَثْنَى لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِتَشَهُّدٍ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالسَّلَامِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ مَعْنَاهُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِالتَّشَهُّدِ اهـ

تَيْسِيرًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطُولُ الْقِيَامِ أَحَبُّ مِنْ كَثْرَةِ السُّجُودِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» أَيْ الْقِيَامُ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ تَكْثُرُ بِطُولِ الْقِيَامِ وَبِكَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَكْثُرُ التَّسْبِيحَ وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ فَكَانَ اجْتِمَاعُ أَجْزَائِهِ أَوْلَى وَأَفْضَلُ مِنْ اجْتِمَاعِ رُكْنٍ وَسُنَّةٍ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ سُنَّةٌ وَهِيَ رَكْعَتَانِ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ» وَأَدَاءُ الْفَرْضِ يَنُوبُ عَنْ التَّحِيَّةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ عَقِيبَ الْوُضُوءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا إلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» وَصَلَاةُ الضُّحَى مُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فَصَاعِدًا لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا شَاءَ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ) لِمَا لَمْ يُعَيِّنْ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ عَبَّرَ عَنْهَا بِالْفَرْضِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا غَيْرَ مُتَعَيِّنَتَيْنِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْكُلِّ أَوْ قَرَأَ فِي رَكْعَةٍ مِنْهَا لَا غَيْرُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْأُولَيَيْنِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ فَرْضٌ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ وَكُلُّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ». وَقَالَ مَالِكٌ فِي ثَلَاثٍ مِنْهَا إقَامَةٌ لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ تَيْسِيرًا وَقَالَ زُفَرَ فِي رَكْعَةٍ مِنْهَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ إنَّمَا أَوْجَبْنَاهَا فِي الثَّانِيَةِ اسْتِدْلَالًا بِالْأُولَى؛ لِأَنَّهُمَا يَتَشَاكَلَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ فَيُفَارِقَانِهِمَا فِي حَقِّ السُّقُوطِ فِي السَّفَرِ وَفِي صِفَةِ الْقِرَاءَةِ وَقَدْرِهَا فَلَا يَلْحَقَانِ بِهِمَا وَفِيهِ أَثَرُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا اقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَسَبِّحْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَكَفَى بِهِمَا قُدْوَةً وَالصَّلَاةُ فِيمَا رُوِيَ مَذْكُورَةٌ صَرِيحًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلَةِ مِنْهَا وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ عَادَةً كَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إنْ شَاءَ سَبَّحَ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ قَدْرَهَا وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلِّ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ) أَيْ الْقِرَاءَةُ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَفِي جَمِيعِ الْوِتْرِ أَمَّا النَّفَلُ فَلِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى إلَّا رَكْعَتَانِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ قَعْدَةٍ مِنْهُ وَيَسْتَفْتِحُ فِي الثَّالِثَةِ وَلَا يُؤَثِّرُ فَسَادُ الشَّفْعِ الثَّانِي فِي فَسَادِ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِتَرْكِ الْقُعُودِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ فَصَارَ كُلُّ شَفْعٍ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِيمَا إذَا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَلَمْ يَقْعُدْ إلَّا فِي آخِرِهَا حَيْثُ قَالَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَكَذَا السِّتُّ وَالثَّمَانِي فِي الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَطُولُ الْقِيَامِ أَحَبُّ مِنْ كَثْرَةِ السُّجُودِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ طُولُ الْقِيَامِ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ مِنْ كَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَقَالَ أَحْمَزُهَا أَيْ أَشَقُّهَا عَلَى الْبَدَنِ قُلْت ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ السُّجُودَ أَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ وَالْقِيَامَ وَسِيلَةٌ لِأَجْلِ الْخُرُورِ لِلسُّجُودِ مِنْ الْقِيَامِ حَتَّى قَالُوا إذَا عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ يَسْقُطُ الْقِيَامُ فَيَقْعُدُ وَيُومِئُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إذْ السُّجُودُ غَايَةُ إظْهَارِ الْخُضُوعِ لِلَّهِ تَعَالَى بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَلِهَذَا لَوْ سَجَدَ عَلَى الْأَرْضِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَكْفُرُ وَلَوْ قَامَ أَوْ رَكَعَ لَا يَكْفُرُ وَكَيْفَ يَكُونُ الْوَسِيلَةُ أَفْضَلَ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ الْفَضْلُ بِالْأَشَقِّ كَمَا عَلَّلَ بِهِ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ فَالرُّكُوعُ الطَّوِيلُ أَشَقُّ مِنْ الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ. اهـ. غَايَةٌ. وَأَمَّا كَوْنُ تَطْوِيلِ السُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الرُّكُوعِ فَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا رَجَّحَ الْقِيَامَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ وَهُمَا الْقِيَامُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. اهـ. غَايَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ لَهُ وِرْدٌ مِنْ الْقُرْآنِ يَقْرَؤُهُ فِي الصَّلَاةِ فَكَثْرَةُ السُّجُودِ أَحَبُّ إلَيَّ وَأَفْضَلُ، وَإِلَّا فَطُولُ الْقِيَامِ. اهـ. غَايَةٌ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ طُولَ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَكَثْرَتِهِمَا، ثُمَّ إطَالَةُ السُّجُودِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ تَطْوِيلُ السُّجُودِ وَتَكْثِيرُ السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَقَوْمٌ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا وَتَوَقَّفَ ابْنُ حَنْبَلٍ فِيهِمَا. اهـ. غَايَةٌ مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ سُنَّةٌ إلَى آخِرِهِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَيُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ فِي رَكْعَةٍ مِنْهَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمِّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ أَصْلًا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِوُرُودِ الْأَمْرِ. اهـ. عَيْنِيٌّ قَوْلُهُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ إلَى آخِرِهِ أَيْ وَإِنَّمَا هِيَ سُنَّةٌ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَقْوَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ الْأَفْعَالِ كَلَا وَالْقَادِرُ عَلَى الْأَقْوَالِ لَا يُخَاطَبُ بِالصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ بِخِلَافِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَإِنَّهَا لَا يُؤْتَى بِهَا فِي الصَّلَاةِ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ إنَّمَا أَوْجَبْنَاهَا) لَفْظَةً إنَّمَا لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي التَّحْرِيمَةِ الْأُولَى إلَّا رَكْعَتَانِ فِي الْمَشْهُورِ هَذَا إذَا نَوَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْمَشْهُورِ فَأَمَّا إذَا شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. نِهَايَةٌ وَمِثْلُهُ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ اهـ قَوْلُهُ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْمَشْهُورِ احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْبَعٌ وَقَدْ جَعَلَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ غَيْرَ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ اهـ

وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَعْدَةَ صَارَتْ فَرْضًا لَغَيْرهَا وَهُوَ الْخَتْمُ وَالْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ فَرْضًا فِي الْفَرَائِضِ إلَّا فِي آخِرِهَا فَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ أَوَانَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ تَبْقَ الْقَعْدَةُ فَرِيضَةً بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهَا رُكْنٌ مَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ فَإِذَا تَرَكَهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَأَمَّا الْوِتْرُ فَلِلِاحْتِيَاطِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَزِمَ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ وَلَوْ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ وَلَنَا أَنَّ الْمُؤَدَّى قُرْبَةٌ فَتَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ الْبُطْلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِلُزُومِ الْمُضِيِّ فِيهِ فَصَارَ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِذَا لَزِمَهُ الْمُضِيُّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ عَلَى مَا يَأْتِي تَمَامُهُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ وَلَوْ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ أَيْ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَلَوْ كَانَ الشُّرُوعُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ اعْتِبَارًا بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ وَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يُسَمَّى صَائِمًا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ حَتَّى يَحْنَثَ بِهِ الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يَصُومَ فَيَصِيرَ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِهِ فَيَجِبُ إبْطَالُهُ وَلَا يَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُصَلِّيًا حَتَّى يُتِمَّ رَكْعَةً وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الصَّلَاةُ وَلَمْ تُوجَدْ قَبْلَ تَمَامِ الرَّكْعَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ أَوْ يُصَلِّيَ فِيهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا كَرَاهِيَةَ فِي الِالْتِزَامِ قَوْلًا فَيَجِبُ صِيَانَتُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا وَأَفْسَدَهُ بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ أَوْ قَبْلَهُ) لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ فَيَلْزَمُهُ بِهِ فَفَسَادُهُ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِالْقُعُودِ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ الشَّفْعِ الثَّانِي لِصِحَّةِ شُرُوعِهِ فِيهِ وَإِنْ أَفْسَدَهُ قَبْلَ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لِصِحَّةِ شُرُوعِهِ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الثَّانِي لِعَدَمِ شُرُوعِهِ فِيهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ اعْتِبَارًا لِلشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ وَلَوْ قَعَدَ فِي الْأَوَّلِ وَسَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ بِالْقُعُودِ وَالثَّانِي لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ قَارَنَتْ سَبَبَ الْوُجُوبِ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى اعْتِبَارًا بِالنَّذْرِ فَإِنْ مِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاةٌ وَنَوَى الْأَرْبَعَ يَلْزَمُهُ مَا نَوَى لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالسَّبَبِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ مَا شَرَعَ فِيهِ وَمَا لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِهِ وَلَا تَعَلُّقَ لِأَحَدِ الشَّفْعَيْنِ بِالْآخِرِ وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الشُّرُوعُ وَلَمْ يُوجَدْ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي مَا لَمْ يَقُمْ إلَى الثَّالِثَةِ فَلَمْ تَقْتَرِنْ النِّيَّةُ بِالسَّبَبِ وَإِنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَهِيَ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْإِيجَابِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ النَّذْرِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ النَّذْرُ فَاقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِهِ مُؤَثِّرٌ وَسُنَّةُ الظُّهْرِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ وَقِيلَ يَقْضِي أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلِهَذَا لَا يُصَلِّي فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَلَا يَسْتَفْتِحُ فِي الثَّالِثَةِ وَلَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِالِانْتِقَالِ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ بِهِ، وَكَذَا الْخَلْوَةُ لَا تَصِحُّ مَا لَمْ يَفْرُغْ الْأَرْبَعَ حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ امْرَأَتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ فَانْتَقَلَ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي بَعْدَ دُخُولِهَا لَا يَلْزَمُهُ كَمَالُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ كَالظُّهْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا أَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ الْأُخْرَيَيْنِ) أَيْ قَضَى رَكْعَتَيْنِ إذَا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا أَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ أَوْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا فَلِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ فَسَدَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فَيَقْضِيه وَلَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِفَسَادِ الْأَوَّلِ فَلَا يَقْضِيه، وَأَمَّا إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَلِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ وَصَحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي، ثُمَّ فَسَدَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ فَيَقْضِيه، وَأَمَّا إذَا قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَقَطْ فَلِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ فَسَدَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ فَيَقْضِيه وَلَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَمَّا الْوِتْرُ فَلِلِاحْتِيَاطِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا فَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي الْكُلِّ نَظَرًا إلَيْهِ وَبِالنَّظَرِ إلَى مَذْهَبِهِ لَا يَجِبُ فَتَجِبُ احْتِيَاطًا. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَزِمَ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا اهـ ع (قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ زُفَرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ اعْتِبَارًا بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ يَوْمَ الْعِيدِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا وَأَفْسَدَهُ) أَيْ الْأَرْبَعَ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ اهـ ع (قَوْلُهُ بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ) أَيْ وَبَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الشَّفْعِ الثَّانِي بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ بِالْقُعُودِ وَكُلُّ شَفْعٍ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ إلَى آخِرِهِ اهـ قَوْلُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ خِلَافًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا تَرَى إذْ لَا وَجْهَ لَهُ وَسَاقَ الْخِلَافَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ مَا إذَا أَفْسَدَهُ قَبْلَ الْقُعُودِ وَوَجْهُ الْخِلَافِ ظَاهِرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ رَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ فِيمَنْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ يَنْوِي أَرْبَعًا، ثُمَّ أَفْسَدَهَا قَضَى أَرْبَعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْأَزْهَرِيِّ النَّيْسَابُورِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ افْتَتَحَ النَّافِلَةَ يَنْوِي عَدَدًا يَلْزَمُهُ بِالِافْتِتَاحِ ذَلِكَ الْعَدَدُ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ رَكْعَةٍ وَرَوَى غَسَّانُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إنْ نَوَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَزِمَهُ وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ مَا تَنَاوَلَهُ وَإِنْ كَثُرَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ قَضَى رَكْعَتَيْنِ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي غَالِبِ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ قَضَى رَكْعَتَيْنِ أَيْ إذَا صَلَّى إلَى آخِرِهِ وَهُوَ تَصَرُّفٌ مِنْ النُّسَّاخِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ شَامِلٌ لِخَمْسِ مَسَائِلَ. اهـ

عِنْدَهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَرْبَعًا لَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ) أَيْ قَضَى أَرْبَعًا إذَا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَقَرَأَ فِي رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ شَفْعٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْقَسِمُ إلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ وَالْأَصْلُ فِيهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ إذَا قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ فَلَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ بِدَلِيلِ وُجُودِ الصَّلَاةِ بِدُونِهَا فِي الْجُمْلَةِ كَصَلَاةِ الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ وَالْمُقْتَدِي وَلِهَذَا مِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ دُونَ الْأَفْعَالِ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ وَعَلَى الْعَكْسِ لَا تَلْزَمُهُ لَكِنْ يُوجِبُ فَسَادَ الْأَدَاءِ وَهُوَ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ فَلَا تَبْطُلُ التَّحْرِيمَةُ فَيَصِحُّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى وُجُوبِهَا فَلَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَفِي إحْدَاهُمَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَحَكَمْنَا بِبُطْلَانِهَا فِي حَقِّ لُزُومِ الْقَضَاءِ وَبِبَقَائِهَا فِي حَقِّ لُزُومِ الشَّفْعِ الثَّانِي احْتِيَاطًا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأَرْبَعِ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ بَطَلَتْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ فَلَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ فَصَحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَيَقْضِي الْكُلَّ وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ يَقْضِي الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ لِصِحَّةِ الْأُولَيَيْنِ وَفَسَادِ الْأُخْرَيَيْنِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ قَدْ بَطَلَتْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا فَلَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُف يَصِحُّ شُرُوعُهُ فِيهِ لَكِنْ لَمَّا قَرَأَ فِيهِمَا صَحَّتَا وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ مَرَّ وَجْهُهُ. وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا رَوَاهَا مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ وَلَمْ يَرْجِعْ مُحَمَّدٌ عَنْهَا وَاعْتَمَدَ الْمَشَايِخُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي الْأُولَيَيْنِ فِيهِمَا لِمَا قُلْنَا وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا وَلَوْ نَوَى أَنْ يَكُونَ الشَّفْعُ الثَّانِي قَضَاءً عَنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَقَرَأَ فِيهِ لَا يَكُونُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْكُلَّ بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَكُونُ الْبَعْضُ قَضَاءً عَنْ الْبَعْضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلَهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلُهَا» وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يُصَلِّي رَكْعَتَانِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَانِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ فَيَكُونُ بَيَانًا لِفَرْضِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ كُلِّهَا وَقِيلَ كَانُوا يُصَلُّونَ الْفَرِيضَةَ، ثُمَّ يُصَلُّونَ بَعْدَهَا مِثْلَهَا يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ زِيَادَةَ الْأَجْرِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَقِيلَ هُوَ نَهْيٌ عَنْ إعَادَةِ الْمَكْتُوبَةِ بِمُجَرَّدِ تَوَهُّمِ الْفَسَادِ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيطِ الْوَسْوَسَةِ عَلَى الْقَلْبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَنَفَّلُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ ابْتِدَاءً وَبِنَاءً) أَمَّا الِابْتِدَاءُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ) يَشْمَلُ صُورَتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ) يَشْمَلُ صُورَتَيْنِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ) يَشْمَلُ أَرْبَعَ صُوَرٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ) يَشْمَلُ صُورَتَيْنِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ. اهـ (قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ عِنْدَهُمَا)؛ لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَصْلُحْ لِتَرْكِهِ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا) أَيْ لِعَدَمِ بُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَا يُصَلِّي إلَى آخِرِهِ) هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ لِمَا فِيهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ بَابَ النَّفْلِ أَوْسَعُ اهـ ع. (قَوْلُهُ وَيَتَنَفَّلُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مَعَ قُدْرَةِ الْقِيَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ ابْتِدَاءً وَبِنَاءً) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا حَالَيْنِ بِمَعْنَى مُبْتَدِئًا وَبَانِيًا وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ فِي حَالِ الِابْتِدَاءِ وَحَالَةِ الْبِنَاءِ اهـ ع وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَكَذَا فِي النَّذْرِ إذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى صِفَةِ الْقِيَامِ فِي الصَّحِيحِ. اهـ. كُنُوزٌ (قَوْلُهُ «وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا فِي النَّافِلَةِ أَمَّا الْفَرِيضَةُ فَلَا يَجُوزُ الْقُعُودُ فَإِنْ عَجَزَ لَمْ يَنْقُصْ مِنْ أَجْرِهِ اهـ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ مُقِيمًا صَحِيحًا»، ثُمَّ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَخْصُوصٌ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ حُدِّثْت أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ صَلَاةِ الْقَائِمِ فَأَتَيْته فَوَجَدْته يُصَلِّي جَالِسًا قَالَ حُدِّثْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّك قُلْت صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا قَالَ أَجَلْ وَلَكِنْ لَسْت كَأَحَدِكُمْ». هَذَا وَفِي الْحَدِيثِ صَلَاةُ النَّائِمِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ وَلَا نَعْلَمُ الصَّلَاةَ نَائِمًا تَسُوغُ إلَّا فِي الْفَرْضِ حَالَةَ الْعَجْزِ عَنْ الْقُعُودِ وَهَذَا حِينَئِذٍ يُعَكِّرُ عَلَى حَمْلِهِمْ الْحَدِيثَ عَلَى النَّفْلِ وَعَلَى كَوْنِهِ فِي الْفَرْضِ لَا يَسْقُطُ مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ شَيْءٌ وَالْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ إنَّمَا يُفِيدُ كِتَابَةَ مِثْلِ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ مُقِيمًا صَحِيحًا وَإِنَّمَا عَاقَهُ الْمَرَضُ عَنْ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا أَصْلًا وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ احْتِسَابَ مَا صَلَّى قَاعِدًا بِالصَّلَاةِ قَائِمًا لِجَوَازِ احْتِسَابِهِ نِصْفًا، ثُمَّ يُكْمِلُ لَهُ كُلَّ عَمَلِهِ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فَضْلًا، وَإِلَّا فَالْمُعَارَضَةُ قَائِمَةٌ لَا تَجُوزُ إلَّا بِتَجْوِيزِ النَّافِلَةِ نَائِمًا وَلَا أَعْلَمُهُ فِي فِقْهِنَا. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ «فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ») قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا. اهـ. غَايَةٌ

وَالْمُرَادُ بِهِ النَّفَلُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْعُذْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ» وَالْفَرْضُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِدَلِيلِ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا» الْحَدِيثَ، فَتَعَيَّنَ النَّفَلُ مُرَادًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَرُبَّمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فَجَازَ تَرْكُهُ كَيْ لَا يَتْرُكَهُ أَصْلًا وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ فِي غَيْرِ حَالَةِ التَّشَهُّدِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ احْتَبَى وَإِنْ شَاءَ تَرَبَّعَ وَإِنْ شَاءَ قَعَدَ كَمَا يَقْعُدُ فِي التَّشَهُّدِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحْتَبِي لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي فِي آخِرِ عُمْرِهِ مُحْتَبِيًا» وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَتَرَبَّعُ وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ يَقْعُدُ كَمَا يَقْعُدُ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ عُهِدَ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ وَهُوَ أَنْ يَقْعُدَ بَعْدَمَا أَحْرَمَ قَائِمًا فَلِأَنَّ الْقِيَامَ لَيْسَ بِرُكْنٍ فِي النَّفْلِ فَجَازَ تَرْكُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ عِنْدَنَا فَأَشْبَهَ النَّذْرَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالتَّحْرِيمَةِ صِيَانَةُ مَا مَضَى فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا يُصَحِّحُ التَّحْرِيمَةَ وَتَحْرِيمَةُ التَّطَوُّعِ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ إذْ هُوَ لَيْسَ بِرُكْنٍ فِيهِ وَلِأَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ يَجُوزُ فِي الِابْتِدَاءِ فَالْبَقَاءُ أَسْهَلُ كَمَا فِي كَثِيرِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْعُدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ دَلَّ عَلَيْهِ إطْلَاقُهُ فِي الْكِتَابِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّذْرِ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي النَّذْرِ بِاسْمِ الصَّلَاةِ وَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى هَذِهِ الْأَرْكَانِ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهَا وَفِي الشُّرُوعِ وَجَبَ بِالتَّحْرِيمَةِ وَهِيَ لَا تُوجِبُ الْقِيَامَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَاكِبًا خَارِجَ الْمِصْرِ مُومِيًا إلَى أَيْ جِهَةِ تَوَجَّهَتْ دَابَّتُهُ) أَيْ وَيَتَنَفَّلُ رَاكِبًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ النَّوَافِلَ فِي كُلِّ جِهَةٍ» لَكِنْ يَخْفِضُ السُّجُودَ مِنْ الرُّكُوعِ وَيُومِئُ إيمَاءً وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ غَيْرَ مُخْتَصَّةٍ بِوَقْتٍ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ تَنْقَطِعُ عَنْهُ النَّافِلَةُ أَوْ يَنْقَطِعُ هُوَ عَنْ الْقَافِلَةِ، وَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْعُذْرِ) أَيْ إذْ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ تُسَاوِي صَلَاةُ الْقَاعِدِ صَلَاةَ الْقَائِمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ») رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي سُنَنِهِ اهـ غَايَةٌ قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ فِي غَيْرِ حَالَةِ التَّشَهُّدِ إلَخْ) أَمَّا فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ فَيَقْعُدُ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إجْمَاعًا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ عَنْ الذَّخِيرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ) أَيْ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيمَاءُ قَائِمًا حَيْثُ لَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ قِيَامٌ حَيْثُ جَوَّزْنَا اقْتِدَاءَ الْقَائِمِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُومِئِ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ إنْ شَاءَ احْتَبَى وَإِنْ شَاءَ تَرَبَّعَ إلَى آخِرِهِ وَوَجْهُ التَّرَبُّعِ وَالِاحْتِبَاءِ فِي حَالَةِ الْقِرَاءَةِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ حَالَةِ الْقِرَاءَةِ وَحَالَةِ التَّشَهُّدِ. اهـ. غَايَةٌ وَوَجْهُ مَنْ قَالَ يَجْلِسُ كَيْفَ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ الْقِيَامُ سَقَطَتْ هَيْئَتُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَهِدَ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ) دُونَ غَيْرِهَا فَكَانَتْ أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَقْعُدَ بَعْدَمَا أَحْرَمَ قَائِمًا إلَى آخِرِهِ) أَيْ يَشْرَعَ قَائِمًا وَصَلَّى بَعْضَهَا، ثُمَّ كَمَّلَهَا قَاعِدًا اهـ ع وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ قَائِمًا وَأَتَمَّهُ قَاعِدًا بِعُذْرٍ جَازَ وَكَذَا بِغَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَهُ وَلَوْ تَوَكَّأَ عَلَى عَصًا أَوْ حَائِطٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ قَالَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ كَالتَّتَابُعِ فِي الصَّوْمِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً وَهُوَ رَاكِبٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا رَاكِبًا وَفِي الْأَصْلِ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فَصَلَّى رَاكِبًا وَفِي الْأَصْلِ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فَصَلَّى رَاكِبًا لَمْ يُجْزِهِ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ النَّاذِرُ رَاكِبًا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ إذْ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ الْكَامِلَةِ وَالصَّلَاةُ بِالْإِيمَاءِ نَاقِصَةٌ وَهَذَا دَلِيلٌ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِأَجْلِ الْإِيمَاءِ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَوْ السَّمَاعِ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْهُ رَاكِبًا فَيَلْزَمُهُ كَذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ سَبَبُ وُجُوبِ الْمَنْذُورِ أَيْضًا النَّذْرَ وَقَدْ كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ كَالتِّلَاوَةِ قُلْت النَّذْرُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَأَدَّاهُ فِيهَا لَا يُجْزِيه كَقَضَاءِ الْعَصْرِ عِنْدَ الْغُرُوبِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَدْ مَنَعَ فِي النَّوَادِرِ أَنْ يَتَنَفَّلَ عَلَى جَنْبِهِ قُلْت وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَلَا يَتَنَفَّلُ قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ ذَكَرَهُمَا فِي الزِّيَادَاتِ. اهـ. غَايَةٌ وَلَوْ افْتَتَحَهَا قَاعِدًا، ثُمَّ قَامَ يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِمَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَفْتَتِحُ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا فَيَقْرَأُ وِرْدَهُ حَتَّى إذَا بَقِيَ عَشْرُ آيَاتٍ وَنَحْوُهَا قَامَ» الْحَدِيثَ، وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَمُحَمَّدٌ وَإِنْ قَالَ إنَّ التَّحْرِيمَةَ الْمُنْعَقِدَةَ لِلْقُعُودِ لَا تَكُونُ مُنْعَقِدَةً لِلْقِيَامِ حَتَّى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ عِنْدَهُ فَلَا يُتِمُّهَا قَائِمًا لَمْ يُخَالِفْ فِي الْجَوَازِ هُنَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْمُتَطَوِّعِ لَمْ تَنْعَقِدْ لِلْقُعُودِ أَلْبَتَّةَ بَلْ لِلْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَازَ لَهُ شَرْعًا تَرْكُهُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ فَمَا انْعَقَدَتْ إلَّا لِلْمَقْدُورِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّذْرِ إلَى آخِرِهِ) إذَا نَصَّ عَلَى صِفَةِ الْقِيَامِ أَمَّا إذَا لَمْ يَنُصَّ فَهُوَ كَالنَّفْلِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْكُنُوزِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْكَافِي. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ تَنْقَطِعُ عَنْهُ النَّافِلَةُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ يَنْقَطِعُ هُوَ عَنْ الْقَافِلَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَنْتَظِرُونَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ) أَيْ فَيَنْزِلُونَ كُلَّهُمْ إذَا جَاءَ الْوَقْتُ. اهـ. غَايَةٌ

فَلَا تَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَكَذَا الْوَاجِبَاتُ مِنْ الْوِتْرِ وَالْمَنْذُورِ وَمَا شَرَعَ فِيهِ فَأَفْسَدَهُ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالسَّجْدَةِ الَّتِي تُلِيَتْ عَلَى الْأَرْضِ. وَأَمَّا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ فَنَوَافِلُ حَتَّى تَجُوزَ عَلَى الدَّابَّةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ غَيْرِهَا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَدَاؤُهَا قَاعِدًا وَالتَّقْيِيدُ بِخَارِجِ الْمِصْرِ يَنْفِي اشْتِرَاطَ السَّفَرِ وَالْجَوَازَ فِي الْمِصْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِصْرِ فَقِيلَ إذَا خَرَجَ قَدْرَ فَرْسَخَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ يَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إذَا خَرَجَ قَدْرَ الْمِيلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْمِصْرِ أَيْضًا وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ خَارِجَ الْمِصْرِ فَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ إلَى الرُّكُوبِ أَغْلَبُ وَلَا تَضُرُّهُ النَّجَاسَةُ عَلَى الدَّابَّةِ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ عَلَى السَّرْجِ أَوْ الرِّكَابَيْنِ تَمْنَعُ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ عَلَى الرِّكَابَيْنِ لَا تَمْنَعُ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ تَمْنَعُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِيهَا ضَرُورَةً فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا كَمَا تَسْقُطُ الْأَرْكَانُ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْعَجَلَةِ فَإِنْ كَانَ طَرَفُهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ أَوْ لَا تَسِيرُ فَهِيَ صَلَاةٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السَّرِيرِ، وَكَذَا لَوْ رَكَّزَ تَحْتَ الْمَحْمَلِ خَشَبَةً حَتَّى بَقِيَ قَرَارُهُ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى الدَّابَّةِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَنَى بِنُزُولِهِ لَا بِعَكْسِهِ) أَيْ إذَا افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ رَاكِبًا، ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي وَلَا يَبْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَا تَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ إلَى آخِرِهِ) وَهِيَ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ نُزُولِهِ أَوْ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ لِصٍّ أَوْ كَانَ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ قَالَ فِي الْمُحِيطِ يَغِيبُ وَجْهُهُ فِيهَا لَا يَجِدُ مَكَانًا جَافًّا أَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ جُمُوحًا لَوْ نَزَلَ لَا يُمْكِنُهُ رُكُوبُهَا إلَّا بِعَنَاءٍ أَوْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا لَوْ نَزَلَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْكَبَ فَلَا يَجِدُ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى الرُّكُوبِ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ فَكَمَا تَسْقُطُ الْأَرْكَانُ عَنْ الرَّاكِبِ يَسْقُطُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ قُلْت الْأَرْكَانُ تَسْقُطُ إلَى بَدَلٍ بِخِلَافِ الِاسْتِقْبَالِ وَلِهَذَا إذَا عَجَزَ عَنْ الْبَدَلِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْأَدَاءُ. اهـ. غَايَةٌ. قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَيْ إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً لَا سَائِرَةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا شَرَعَ فِيهِ فَأَفْسَدَهُ) الْمُرَادُ مِنْ نَفْيِ الْجَوَازِ فِي الَّذِي شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالشُّرُوعِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ الصِّيَانَةِ وَلِذَا لَا يُشْتَرَطُ الْكَمَالُ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ. اهـ. يَحْيَى وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَمَا شَرَعَ أَيْ عَلَى الْأَرْضِ اهـ (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ لَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ عَلَى الدَّابَّةِ خَارِجَ الْمِصْرِ، ثُمَّ دَخَلَ الْمِصْرِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا ذَكَرَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يُتِمُّهَا وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ قِيلَ يُتِمُّهَا قَاعِدًا عَلَى الدَّابَّةِ مَا لَمْ يَبْلُغْ مَنْزِلَهُ وَقِيلَ يُتِمُّهَا بِالنُّزُولِ عَلَى الْأَرْضِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ حَتَّى يَجُوزَ لِلْعَالِمِ أَنْ يَتْرُكَ سَائِرَ السُّنَنِ لِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ دُونَ سُنَّةِ الْفَجْرِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَدَاؤُهَا قَاعِدًا) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا قَاعِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّقْيِيدُ بِخَارِجِ الْمِصْرِ يَنْفِي اشْتِرَاطَ السَّفَرِ) أَيْ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْمِصْرِ أَيْضًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكِتَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ وَجْهُ الظَّاهِرِ يَدُلَّانِ أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ صَاحِب الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَقَاضِي خَانْ لَا يُوَافِقُ ذَلِكَ اهـ وَفِي الْهَارُونِيَّاتِ قَالَ مَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمِصْرِ وَجَوَّزَهَا أَبُو يُوسُفَ وَكَرِهَهَا مُحَمَّدٌ وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مُحْتَسِبُ بَغْدَادَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ يُصَلِّي فِي بَغْدَادَ عَلَى دَابَّتِهِ فِي أَزِقَّتِهَا يُومِئُ إيمَاءً وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى حِمَارٍ فِي أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ يُومِئُ إيمَاءً» وَفِي الْمَبْسُوطِ رَوَى أَبُو يُوسُفَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَكِبَ حِمَارًا فِي الْمَدِينَةِ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَكَانَ يُصَلِّي وَهُوَ رَاكِبٌ» فَلَمْ يَرْفَعْ أَبُو حَنِيفَةَ رَأْسَهُ قِيلَ إنَّمَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ لِلْحَدِيثِ وَقِيلَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ فَتَرَكَهُ وَأَبُو يُوسُفَ أَخَذَ بِهِ، وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مُحَمَّدٌ لِكَثْرَةِ اللَّغَطِ وَالشَّغَبِ فِي الْمِصْرِ فَرُبَّمَا اُبْتُلِيَ بِالْغَلَطِ فِي قِرَاءَتِهِ. اهـ. غَايَةٌ. وَذَكَرَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ حَرَّكَ رِجْلَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا مُتَدَارِكًا أَوْ ضَرَبَهَا بِخَشَبَةٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ النَّخْسِ إذَا لَمْ تَسِرْ، وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَتْ تَنْسَاقُ بِنَفْسِهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْسَاقُ فَرَفَعَ صَوْتَهُ فَهَيَّبَهَا بِهِ وَنَخَسَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. اهـ. غَايَةٌ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ لِخَوْفِ الْعَدُوِّ وَكَيْفَمَا كَانَتْ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى السَّيْرِ فَأَمَّا لِعُذْرِ الطِّينِ وَالرَّدْغَةِ فَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ سَائِرَةً؛ لِأَنَّ السَّيْرَ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ فِي الْأَصْلِ فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ إلَّا لِضَرُورَةِ وَلَمْ تُوجَدْ وَلَوْ اسْتَطَاعَ النُّزُولَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقُعُودِ لِلطِّينِ وَالرَّدْغَةِ يَنْزِلُ وَيُومِئُ قَائِمًا عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ يَنْزِلُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْمٌ يُصِيبُهُمْ الْمَطَرُ فَيَكْثُرُ الْمَطَرُ إنْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَنْزِلُوا أَوْمَئُوا عَلَى الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ خَلَفٌ، وَالْمَصِيرُ إلَى الْخَلَفِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ جَائِزٌ وَإِنْ أَوْمَئُوا وَالدَّوَابُّ تَسِيرُ لَمْ يُجْزِهِمْ إنْ كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى إيقَافِ الدَّابَّةِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا جَازَ وَإِنْ قَدَرُوا عَلَى النُّزُولِ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الِانْحِرَافِ إلَى الْقِبْلَةِ أَجْزَأَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ. اهـ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْخَائِفُ يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ) أَيْ مَعَ إمْكَانِ النُّزُولِ وَالْأَدَاءِ عَلَى الْأَرْضِ لِلضَّرُورَةِ وَالْأَرْكَانُ أَقْوَى مِنْ الشَّرَائِطِ فَإِذَا سَقَطَتْ فَشَرْطُ طَهَارَةِ الْمَكَانِ أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي) أَيْ؛ لِأَنَّ النُّزُولَ عَمَلٌ يَسِيرٌ اهـ ع

بِعَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا افْتَتَحَ نَازِلًا، ثُمَّ رَكِبَ وَالْفَرْقُ أَنَّ إحْرَامَ الرَّاكِبِ انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِوَاسِطَةِ النُّزُولِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْإِيمَاءِ رُخْصَةً أَوْ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَزِيمَةً، وَإِحْرَامُ النَّازِلِ انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ مَا لَزِمَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ إذَا نَزَلَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَوَّلَ صَلَاتِهِ بِالْإِيمَاءِ وَآخِرَهَا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَصَارَ كَالْمَرِيضِ إذَا كَانَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَةً اسْتَقْبَلَ لِأَنَّ قَبْلَ أَدَاءِ الرَّكْعَةِ مُجَرَّدَ تَحْرِيمَةٍ، وَهِيَ شَرْطٌ فَالشَّرْطُ الْمُنْعَقِدُ لِلضَّعِيفِ كَانَ شَرْطًا لِلْقَوِيِّ كَالطَّهَارَةِ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى رَكْعَةً فَقَدْ تَأَكَّدَ فِعْلُ الضَّعِيفِ فَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ الْقَوِيَّ كَمَا فِي الِاقْتِدَاءِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الرَّاكِبَ إذَا نَزَلَ اسْتَقْبَلَ وَالنَّازِلَ إذَا رَكِبَ يَبْنِي؛ لِأَنَّهُ إذَا افْتَتَحَ رَاكِبًا كَانَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ بِالْإِيمَاءِ فَإِذَا نَزَلَ لَزِمَهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَإِذَا افْتَتَحَ نَازِلًا صَارَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِذَا رَكِبَ صَارَتْ بِالْإِيمَاءِ وَهُوَ أَضْعَفُ فَيَجُوزُ بِنَاءُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّ فِي رَمَضَانَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ بِجَمَاعَةٍ وَالْخَتْمُ مَرَّةً وَبِجِلْسَةٍ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ بِقَدْرِهَا) أَيْ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بِقَدْرِ الْأَرْبَعَةِ الْكَلَامُ فِي التَّرَاوِيحِ فِي مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ فِي صِفَتِهَا وَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَصًّا وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا وَاظَبَ عَلَيْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالثَّانِي فِي عَدَدِ رَكَعَاتِهَا وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً وَعِنْدَ مَالِكٍ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ رَكْعَةً وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَنَا مَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَعَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مِثْلَهُ فَصَارَ إجْمَاعًا وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ فُرَادَى كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالثَّالِثُ فِي وَقْتِهَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ إنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَقْتٌ لَهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا قِيَامُ اللَّيْلِ وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى وَقْتُهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ وَقْتَهَا مَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعِشَاءَ صَلَّوْهَا بِلَا طَهَارَةٍ دُونَ التَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ أَعَادُوا التَّرَاوِيحَ مَعَ الْعِشَاءِ دُونَ الْوِتْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَدَائِهَا بَعْدَ النِّصْفِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ فَصَارَ كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالْأَفْضَلُ فِيهَا آخِرُهُ وَالرَّابِعُ فِي أَدَائِهَا بِجَمَاعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهُوَ مَا إذَا افْتَتَحَ نَازِلًا، ثُمَّ رَكِبَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَعَنْ زُفَرَ يَبْنِي أَيْضًا اهـ ع. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ سُنَنِهَا أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ تَرْوِيحَتَيْنِ إمَامٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ، وَعَمَلُ السَّلَفِ وَلَا يُصَلِّي التَّرْوِيحَةَ الْوَاحِدَةَ إمَامَانِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ السَّلَفِ وَلَا يُصَلِّي إمَامٌ وَاحِدٌ التَّرَاوِيحَ فِي مَسْجِدَيْنِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ عَلَى الْكَمَالِ وَلَوْ فَعَلَ لَا يُحْتَسَبُ الثَّانِي مِنْ التَّرَاوِيحِ وَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يُعِيدُوا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ إمَامِهِمْ نَافِلَةً وَصَلَاتُهُمْ سُنَّةٌ وَالسُّنَّةُ أَقْوَى فَلَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَمَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ مَحْسُوبٌ وَلَا بَأْسَ لِغَيْرِ الْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُتَطَوِّعِ بِمَنْ يُصَلِّي السُّنَّةَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ. اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَبَعْدَهُ بِجَمَاعَةٍ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ سُنَّ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْخَتْمِ إلَخْ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بِجَمَاعَةٍ أَيْ يُسَنُّ بِخَتْمِ الْقُرْآنِ فِيهَا اهـ ع (قَوْلُهُ وَهِيَ سُنَّةٌ) أَيْ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَاظَبَ عَلَيْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ إلَخْ) هُوَ تَغْلِيبٌ إذَا لَمْ يَرِدْ كُلُّهُمْ بَلْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيًّا وَهَذَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَنْقُولِ أَنَّ مَبْدَأَهَا مِنْ زَمَنِ عُمَرَ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ الْقِيَامُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سُنَّةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا. اهـ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتْرُكْهُ إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا وَاظَبَ عَلَيْهَا بَلْ أَقَامَهَا فِي بَعْضِ اللَّيَالِي رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّاهَا لَيْلَتَيْنِ بِجَمَاعَةٍ، ثُمَّ تَرَكَ وَقَالَ أَخْشَى أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ» لَكِنَّ الصَّحَابَةَ وَاظَبُوا عَلَيْهَا فَكَانَتْ سُنَّةَ الصَّحَابَةِ اهـ وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا اقْتَدَى مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ بِمَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ النَّافِلَةَ قِيلَ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلتَّرَاوِيحِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِعَمَلِ السَّلَفِ وَلَوْ اقْتَدَى مَنْ يُصَلِّي التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى بِمَنْ يُصَلِّي التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ قِيلَ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَّحِدَةٌ فَكَانَ نِيَّةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لَغْوًا وَلِهَذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ مُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بِمُصَلِّي الْأَرْبَعِ قَبْلَهُ فَهَذَا أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً) أَيْ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. اهـ. غَايَةٌ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي التَّقْدِيرِ بِعِشْرِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِيُوَافِقَ الْفَرَائِضَ الِاعْتِقَادِيَّةَ وَالْعَمَلِيَّةَ كَالْوِتْرِ فَإِنَّهَا عِشْرُونَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِهِ) الظَّرْفُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ دُونَ الْوِتْرِ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ حَتَّى أَنَّ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ أَوَّلًا، ثُمَّ يَتْبَعُ إمَامَهُ وَالْأَصَحُّ أَنْ يَتْرُكَ السُّنَّةَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فِعْلُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِيهَا آخِرُهُ إلَى آخِرِهِ) قُلْت لَوْ كَانَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ مُسْتَحَبًّا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ فِي أَدَائِهَا بِجَمَاعَةٍ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَدْرِيَّةِ أَنَّ نَفْسَ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ وَأَدَاؤُهَا بِجَمَاعَةٍ مُسْتَحَبٌّ اهـ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا صَلَّوْا التَّرَاوِيحَ، ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوهَا ثَانِيًا يُصَلُّونَ

وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَدَاؤُهَا فِي بَيْتِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَأَشْبَاهِهَا فَلْيُصَلِّهَا فِي بَيْتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا كَبِيرًا يُقْتَدَى بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ». وَجْهُ الظَّاهِرِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَرْكِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا بِالْجَمَاعَةِ وَهُوَ خَشْيَةُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَلِهَذَا يُرْوَى التَّخَلُّفُ عَنْ بَعْضِهِمْ كَابْنِ عُمَرَ وَسَالِمٍ وَالْقَاسِمِ وَإِبْرَاهِيمَ وَنَافِعٍ وَنَفْسُ الصَّلَاةِ سُنَّةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ. وَالْخَامِسُ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ تَخْفِيفًا لِأَنَّ النَّوَافِلَ تُبْنَى عَلَى التَّخْفِيفِ فَيَكُونُ مِثْلُ أَخَفِّ الْفَرَائِضِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقْرَأُ فِيهَا مِقْدَارُ مَا يُقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثِينَ آيَةً لِأَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَقَعُ عِنْدَ قَائِلِ هَذَا فِيهَا ثَلَاثُ خَتْمٍ وَلِأَنَّ كُلَّ عُشْرٍ مَخْصُوصٍ بِفَضِيلَةٍ عَلَى حِدَةٍ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَنَّهُ «شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنْ النَّارِ» وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَبَّ الْخَتْمَ فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ رَجَاءَ أَنْ يَنَالُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَضَافَرَتْ عَلَيْهَا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ وَنَحْوِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْخَتْمُ مَرَّةً وَهُوَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ مَعَ التَّخْفِيفِ لِأَنَّ عَدَدَ رَكَعَاتِ التَّرَاوِيحِ فِي الشَّهْرِ سِتُّمِائَةِ رَكْعَةٍ وَعَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَشَيْءٌ فَإِذَا قَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرًا يَحْصُلُ الْخَتْمُ وَلَا يَتْرُكُ الْخَتْمَ مَرَّةً لِكَسَلِ الْقَوْمِ بِخِلَافِ الدَّعَوَاتِ فِي التَّشَهُّدِ حَيْثُ يَتْرُكُ إذَا عَرَفَ مِنْهُمْ الْمَلَلَ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَخْتِمُ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ فَقِيلَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ مِنْ غَيْرِ تَرَاوِيحَ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِ خَتْمِ الْقُرْآنِ وَقَدْ حَصَلَ مَرَّةً وَقِيلَ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا يَشَاءُ. وَالسَّادِسُ فِي الْجِلْسَةِ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ، وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ وَالْوِتْرِ وَقَوْلُهُ وَبِجِلْسَةٍ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ يَشْمَلُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً حَيْثُ عَطَفَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّنَنِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلتَّوَارُثِ عَنْ السَّلَفِ وَلِأَنَّ اسْمَ التَّرَاوِيحِ يُنْبِئُ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفُرَادَى لَا بِجَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَطَوُّعٌ مُطْلَقٌ وَالتَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ بِجَمَاعَةٍ مَكْرُوهٌ. وَيَجُوزُ التَّرَاوِيحُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ. اهـ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا إذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا لَا تُقْضَى؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ آكَدُ مِنْ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَتِلْكَ لَا تُقْضَى فَكَذَا هَذِهِ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا كَبِيرًا يُقْتَدَى بِهِ) أَيْ فَيَكُونُ فِي حُضُورِهِ الْمَسْجِدَ تَرْغِيبُ النَّاسِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ خَشْيَةَ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا) أَوْرَدَ بَعْضُهُمْ هُنَا إشْكَالًا فَقَالَ كَيْفَ يَخْشَى أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمِنَ مِنْ الزِّيَادَةِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ؟. وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ زِيَادَةُ الْأَوْقَاتِ وَنُقْصَانِهَا لَا زِيَادَةُ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَنُقْصَانِهَا، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ فِي السَّفَرِ وَزِيدَتْ فِي الْحَضَرِ» (قَوْلُهُ فَيَكُونُ مِثْلُ أَخَفِّ الْفَرَائِضِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ وَقَالَ الشَّهِيدُ هَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْخَتْمِ وَهُوَ سُنَّةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقْرَأُ فِيهَا مِقْدَارُ مَا يُقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ إلَى آخِرِهِ) وَقِيلَ ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٌ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ أَوْ آيَتَانِ مُتَوَسِّطَتَانِ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ آيَتَانِ قُلْت وَالْمُتَأَخِّرُونَ كَانُوا يُفْتُونَ فِي زَمَانِنَا بِثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ حَتَّى لَا يَمَلَّ الْقَوْمُ وَلَا يَلْزَمُ تَعْطِيلُهَا، وَهَذَا حَسَنٌ فَإِنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الْمَكْتُوبَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يُسِئْ فَهَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ فَمَا ظَنُّك فِي غَيْرِهَا. اهـ. زَاهِدِي (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ إلَى آخِرِهِ). قَالَ فِي الْبَدَائِعِ هَذَا فِي زَمَانِهِمْ فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ الْإِمَامُ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْقَوْمِ مِنْ الرَّغْبَةِ وَالْكَسَلِ فَيَقْرَأُ قَدْرَ مَا لَا يُوجِبُ تَنْفِيرَ الْقَوْمِ عَنْ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالْأَفْضَلُ تَعْدِيلُ الْقِرَاءَةِ فِي التَّرْوِيحَاتِ كُلِّهَا فَإِنْ لَمْ يَعْدِلْ فَلَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْخَتْمُ فِيهَا مَرَّةً إلَى آخِرِهِ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ إحْدَى وَسِتِّينَ خَتْمَةً فِي كُلِّ يَوْمٍ خَتْمَةً وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ خَتْمَةً وَفِي كُلِّ التَّرَاوِيحِ خَتْمَةً. اهـ. فَتْحٌ وَكَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَشَيْءٍ) قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ جَمِيعُ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ آيَةً أَلْفٌ وَعْدٌ وَأَلْفٌ وَعِيدٌ وَأَلْفٌ أَمْرٌ وَأَلْفٌ نَهْيٌ وَأَلْفٌ قَصَصٌ وَأَلْفٌ خَبَرٌ وَخَمْسُمِائَةٍ حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَمِائَةٌ دُعَاءٌ وَتَسْبِيحٌ وَسِتَّةُ وَسِتُّونَ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الدَّعَوَاتِ فِي التَّشَهُّدِ) حَيْثُ يَتْرُكُ إذَا عَرَفَ مِنْهُمْ الْمَلَلَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لَا يَتْرُكُهَا؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ وَلَا يَتْرُكُ السُّنَنَ لِلْجَمَاعَاتِ كَالتَّسْبِيحَاتِ وَالثَّنَاءِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالسَّادِسُ فِي الْجِلْسَةِ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ سُنَنِهَا أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةِ عَلَى حِدَةٍ وَلَوْ صَلَّى تَرْوِيحَةً بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى أَصْلِ عُلَمَائِنَا أَنَّ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً تَتَأَدَّى بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَةَ شَرْطٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ هَلْ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ أَوْ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ بِتَرْكِ التَّسْلِيمَةِ وَالتَّحْرِيمَةِ وَالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ عَامَّتُهُمْ إنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ كُلَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِجَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطِهَا؛ لِأَنَّ تَجْدِيدَ التَّحْرِيمَةِ لِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا هَذَا إذَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ

[باب إدراك الفريضة]

ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الِاسْتِرَاحَةِ، ثُمَّ هُمْ مُخَيَّرُونَ فِي حَالَةِ الْجُلُوسِ إنْ شَاءُوا سَبَّحُوا وَإِنْ شَاءُوا قَرَءُوا الْقُرْآنَ وَإِنْ شَاءُوا صَلُّوا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فُرَادَى وَإِنْ شَاءُوا قَعَدُوا سَاكِتِينَ، وَأَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ أُسْبُوعًا وَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُصَلُّونَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فُرَادَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوتَرُ بِجَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ) عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُوتِرَ بِجَمَاعَةٍ وَقَالَ الْآخَرُونَ أَنْ يُوتِرَ فِي مَنْزِلِهِ مُنْفَرِدًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى الْوِتْرِ بِجَمَاعَةٍ كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى التَّرَاوِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ فَأُقِيمَ يُتِمُّ شَفْعًا) أَيْ لَوْ صَلَّى رَجُلٌ مِنْ الظُّهْرِ رَكْعَةً بِأَنْ قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ أَيْ دَخَلَ فِيهَا الْإِمَامُ يَضُمُّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقْتَدِي) إحْرَازُ الْفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةُ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ يَقْطَعُ وَيَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهَا بِمَحِلِّ الرَّفْضِ، وَالْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ وَلَوْ أُقِيمَتْ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ ضَمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَلَوْ أُقِيمَتْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنْ كَانَ يُصَلِّي ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ إذَا جَازَ عِنْدَهُمَا هَلْ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ أَوْ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَكُونَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ كَامِلًا، وَكَمَالُهُ بِالْقَعْدَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَالْكَامِلُ لَا يَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيُوتَرُ بِجَمَاعَةٍ إلَى آخِرِهِ) يُوتَرُ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُوتِرُ الْإِمَامُ اهـ ع (قَوْلُهُ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ إلَى آخِرِهِ) يَعْنِي عَمَلًا، وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ فِي الْوِتْرِ خَارِجَ رَمَضَانَ جَائِزٌ وَفِي الْحَوَاشِي قَالَ وَيَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُوتِرَ بِجَمَاعَةٍ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ نَفْلٌ مِنْ وَجْهٍ، وَالْجَمَاعَةُ فِي النَّفْلِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ مَكْرُوهَةٌ فَالِاحْتِيَاطُ تَرْكُهَا فِيهِ وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَوْ صَلَّاهَا بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَهُ ذَلِكَ وَعَدَمُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَيْسَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتٍ يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ فَإِنْ صَحَّ هَذَا قَدَحَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَأَمَّا فِي رَمَضَانَ فَأَدَاؤُهَا فِي جَمَاعَةٍ أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهَا فِي مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي الْوِتْرِ وَذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي الْفَرِيضَةِ وَالْوِتْرِ وَكَانَ أُبَيٍّ يَؤُمُّهُمْ فِي التَّرَاوِيحِ اهـ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نَفْلٌ أَيْ الْوِتْرُ اهـ وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ مَكْرُوهَةٌ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ وَصَلَاةُ النَّفْلِ بِالْجَمَاعَةِ مَكْرُوهٌ مَا خَلَا قِيَامَ رَمَضَانَ وَصَلَاةَ الْكُسُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهَا الصَّحَابَةُ. اهـ. . [بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ] (بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ فَرْضَهَا وَوَاجِبَهَا وَنَفْلَهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَدَاءِ الْكَامِلِ اهـ وَحَقِيقَةُ هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ شَتَّى تَتَعَلَّقُ بِالْفَرَائِضِ فِي الْأَدَاءِ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ فِي بَيَانِ الْأَدَاءِ الْكَامِلِ أَيْ وَهُوَ الْأَدَاءُ بِالْجَمَاعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ بِالْإِقَامَةِ شُرُوعَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ لَا إقَامَةَ الْمُؤَذِّنِ فَإِنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَالرَّجُلُ لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا. اهـ. (قَوْلُهُ صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ إذَا بَطَلَتْ صِفَةُ الْفَرْضِيَّةِ بَطَلَ أَصْلُ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَكُنْ الْمُؤَدَّى مَصُونًا عَنْ الْبُطْلَانِ عِنْدَهُ قِيلَ فِي جَوَابِهِ لَيْسَ هَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِ نَفْسِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْمُضِيِّ فِيهَا كَمَا إذَا قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ وَهُوَ لَمْ يَقْعُدْ فِي الرَّابِعَةِ وَهَا هُنَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إخْرَاجِ نَفْسِهِ بِالْمُضِيِّ فِيهَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إبْطَالَ صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِإِطْلَاقٍ مِنْ الشَّرْعِ وَإِبْطَالَ صِفَتِهَا هُنَاكَ لَيْسَ بِإِطْلَاقٍ مِنْ جِهَتِهِ فَجَازَ أَنْ يَنْتَفِلَ نَفْلًا هَاهُنَا وَصَارَ كَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا أَيْسَرَ فِي خِلَالِ الصَّوْمِ حَيْثُ يُبْطِلُ جِهَةَ كَوْنِهِ كَفَّارَةً لَا أَصْلَ الصَّوْمِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ أَيْ وَلِلنَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ إلَى آخِرِهِ) احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيِّ وَبَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْطَعُ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا بِمَحِلِّ الرَّفْضِ وَالْقَطْعِ لِلْإِكْمَالِ) أَيْ يَعْنِي هُوَ تَفْوِيتُ وَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ لِتَحْصِيلِهِ بِوَجْهٍ أَكْمَلَ فَصَارَ كَهَدْمِ الْمَسْجِدِ لِتَجْدِيدِهِ، وَإِذَا كَانَ الْقَطْعُ، ثُمَّ الْإِعَادَةُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ إحْسَانٍ جَائِزًا لِحُطَامِ الدُّنْيَا إذَا فَارَ قَدْرُهَا وَالْمُسَافِرُ إذَا نَدَّتْ دَابَّتُهُ أَوْ خَافَ فَوْتَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ فَجَوَازُهُ لِتَحْصِيلِ نَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ. . اهـ. فَتْحٌ. وَلِهَذَا لَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ وَسَجَدَ الْإِمَامُ لِلسَّهْوِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَ إمَامَهُ وَيَرْفُضَ تِلْكَ الرَّكْعَةَ وَلَوْ سَجَدَ الْإِمَامُ بَعْدَمَا قَيَّدَ بِالسَّجْدَةِ لَا يُتَابَعُ إمَامُهُ حَتَّى لَوْ تَابَعَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ لَهُ أَنْ يَرْفُضَ الْقِيَامَ وَيَعُودَ إلَى الْقُعُودِ وَيُسَلِّمَ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي لَا يَحْنَثُ بِمَا دُونَ الرَّكْعَةِ فَعَلِمَ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ لَهُ وِلَايَةَ الرَّفْضِ قَبْلَ التَّقْيِيدِ بِالسَّجْدَةِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ وَقَعَ قُرْبَةً فَوَجَبَ صِيَانَتُهُ مَا أَمْكَنَ بِالنَّصِّ وَاسْتِئْنَافُ الْفَرْضِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ

فِي الْبَيْتِ مَثَلًا فَأُقِيمَتْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ فَأُقِيمَتْ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ وَلَوْ كَانَ فِي النَّفْلِ لَا يَقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِكْمَالِ وَلَوْ كَانَ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ فَأُقِيمَ أَوْ خَطَبَ قِيلَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقِيلَ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا مَرَّ فِي النَّوَافِلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ صَلَّى ثَلَاثًا يُتِمُّ وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا) أَيْ لَوْ صَلَّى مِنْ الظُّهْرِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ أُقِيمَتْ يُتِمُّ الظُّهْرَ مُنْفَرِدًا عَلَى حَالِهِ، ثُمَّ يَقْتَدِي بِالْإِمَامِ إحْرَازًا لِلْفَضْلِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُتِمُّهَا قَاعِدًا لِتَنْقَلِبَ صَلَاتُهُ نَفْلًا، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَ الْجَمَاعَةِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ ثَوَابِ النَّفْلِ وَثَوَابِ الْجَمَاعَةِ فِي الْفَرْضِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنْ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَلَا يَحْتَمِلُ النَّقْصُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ بُعْدٌ، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ حَيْثُ يَقْطَعُهَا وَيَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ عَادَ إلَى الْقُعُودِ لِيُسَلِّمَ وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَام وَلَا يُسَلِّمُ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ وَقِيلَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ وَلَيْسَ بِتَحَلُّلِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْعَوْدَ حَتْمٌ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ صَلَاةِ مُعْتَدٍ بِهَا لَمْ يُشْرَعْ إلَّا قَاعِدًا، ثُمَّ إذَا قَعَدَ قِيلَ يُعِيدُ التَّشَهُّدَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ قُعُودَ خَتْمٍ وَقِيلَ يَكْفِيه التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَعَدَ ارْتَفَضَ الْقِيَامُ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ، ثُمَّ قِيلَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَقِيلَ تَسْلِيمَتَيْنِ وَقَوْلُهُ وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ الْفَرْضِ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَحُكْمُ الْعِشَاءِ كَالظُّهْرِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَذَا الْعَصْرُ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَتَمَّهَا وَحْدَهُ لَا يَشْرَعُ مَعَ الْإِمَامِ لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الْفَجْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ فَأُقِيمَ يَقْطَعُ وَيَقْتَدِي) لِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ لِإِتْيَانِهِ بِالْكُلِّ أَوْ الْأَكْثَرُ، وَكَذَا يَقْطَعُ الثَّانِيَةَ مَا لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ وَإِذَا قَيَّدَهَا بِهَا لَمْ يَقْطَعْهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَإِذَا أَتَمَّهَا لَمْ يَشْرَعْ مَعَ الْإِمَامِ لِكَرَاهِيَةِ النَّفْلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالْوِتْرِ فِي النَّفْلِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَوْ مُخَالَفَةِ إمَامِهِ فَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي الْمَغْرِبِ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْإِمَامِ أَخَفُّ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَسْلُبُ قُدْرَةَ صَوْنِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إتْمَامِ رَكْعَتَيْنِ مَعَ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ صَلَاةِ الْفَرْضِ بِجَمَاعَةٍ، وَإِنْ فَاتَهُ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ فَلَا يَجُوزُ الْإِبْطَالُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَتَيْنِ نَعَمْ غَايَةُ الْأَكْمَلِيَّةِ فِي أَنْ لَا يَفُوتَهُ شَيْءٌ مَعَ الْإِمَامِ وَيُعَارِضُهُ حُرْمَةُ الْإِبْطَالِ بِخِلَافِ إتْمَامِ رَكْعَتَيْنِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِبْطَالٍ لِلصَّلَاةِ بَلْ لِوَصْفِهَا إلَى وَصْفٍ أَكْمَلَ فَصَارَ كَالنَّفْلِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَعَ فِي النَّفْلِ فَحَضَرَتْ جِنَازَةٌ خَافَ إنْ لَمْ يَقْطَعْهَا تَفُوتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمَصْلَحَتَيْنِ مَعًا وَقَطْعُ النَّفْلِ مُعْقِبٌ لِلْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْجِنَازَةِ لَوْ اخْتَارَ تَفْوِيتَهَا كَانَ لَا إلَى خَلَفٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إحْرَازُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مُخَالَفَةُ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ فِي النَّفْلِ لَا يَقْطَعُ) أَيْ بَلْ يُتِمُّ شَفْعًا، ثُمَّ يَدْخُلُ فِي الْفَرْضِ. اهـ. (قَوْلُهُ قِيلَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ) أَيْ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ والإسبيجابي وَالْبَقَّالِيُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا) قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ اخْتِيَارُ حُسَامِ الدِّينِ الشَّهِيدِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ لَفْظُ مُحَمَّدٍ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا فَحَمَلَ بَعْضُهُمْ لَفْظَ الْفَرَاغِ عَلَى الْقَطْعِ وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْإِتْمَامِ. اهـ. غَايَةٌ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ فِي قَضَائِهَا بَعْدَ الْفَرْضِ وَلَا إبْطَالَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا يَفُوتُ فَرْضُ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْأَدَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ بِلَا سَبَبٍ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ وَرَوَى الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أُسْتَاذِهِ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ قَالَ كُنْت أُفْتِي زَمَانًا أَنَّهُ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ عَلَى حِدَةٍ حَتَّى وُجِدَتْ رِوَايَةٌ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ اهـ قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ فَإِذَا أَتَمَّهَا وَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ يَكُونُ مَا يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ نَافِلَةً وَيَنْوِي النَّفَلَ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تُعَادُ الصَّلَوَاتُ بِالْجَمَاعَةِ إلَّا الْمَغْرِبَ؛ لِأَنَّهَا وِتْرٌ وَلَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد وَهَلْ يُعِيدُهَا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ أَوْ النَّفْلِ أَوْ إكْمَالِ الْفَضِيلَةِ أَوْ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ اهـ قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ أَيْ وَهُوَ الْقَطْعُ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ يَقْطَعُهَا إلَى آخِرِهِ) هَذَا بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ اخْتِيَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ عَدَمَ قَطْعِ الْأُولَى قَبْلَ السُّجُودِ وَضَمِّ ثَانِيَةٍ؛ لِأَنَّ ضَمَّهَا هُنَا مُفَوِّتٌ لِاسْتِدْرَاكِ مَصْلَحَةِ الْفَرْضِ بِجَمَاعَةٍ فَيَفُوتُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُصْلَحَتَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الشُّرُوعَ) أَيْ بِقَلْبِهِ فَإِذَا دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ تَبْطُلُ صَلَاةُ نَفْسِهِ ضِمْنًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْفَعْ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ إلَى الْقُعُودِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً) أَيْ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ لِلتَّحَلُّلِ، وَهَذَا قَطْعٌ مِنْ وَجْهٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ تَسْلِيمَتَيْنِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ تَحَلُّلٌ مِنْ الْقُرْبَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فَإِنْ قِيلَ التَّنَفُّلُ بِالْجَمَاعَةِ خَارِجَ رَمَضَانَ مَكْرُوهٌ قُلْنَا ذَاكَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ، وَالْقَوْمُ يُؤَدُّونَ النَّفَلَ أَمَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ يُؤَدِّي الْفَرْضَ، وَالْقَوْمُ النَّفَلَ لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رَوَيْنَا. اهـ. . (قَوْلُهُ أَوْ الْأَكْثَرُ) وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَنَفِّلًا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ قَالَ قَاضِي خَانْ وَذَلِكَ حَرَامٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِتَأْخِيرِ فَرْضِ الْمَغْرِبِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالْوِتْرِ) أَيْ وَهُوَ مُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ إذْ التَّنَفُّلُ بِالثَّلَاثِ حَرَامٌ قَالَهُ قَاضِي خَانْ قُلْت الْوِتْرُ ثَلَاثٌ وَهُوَ نَفْلٌ عِنْدَهُمَا وَذَلِكَ مَشْرُوعٌ فَكَيْفَ يَكُونُ مِثْلُهُ حَرَامًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ أَوْ مُخَالَفَةَ إمَامِهِ) أَيْ فِيمَا لَوْ صَلَّى أَرْبَعًا وَهِيَ حَرَامٌ أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْإِمَامِ أَخَفُّ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ إلَخْ) لِأَنَّهَا مُخَالَفَةٌ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَيَصِيرُ كَالْمُقِيمِ إذَا اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ يَصِحُّ وَكَالْمَسْبُوقِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَجَامِعِ قَاضِي خَانْ وَالْفَرْقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ أَنَّ صَلَاتَهُ عَلَى عَرْضِيَّةِ أَنْ تَصِيرَ أَرْبَعًا فَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ لَا تَكُونُ مُخَالَفَةً

وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ قِيلَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَقَضَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالِاقْتِدَاءِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ تَطَوُّعًا فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ بِهَا وَعَنْ بِشْرٍ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَام وَلَا يُسَلِّمُ إلَّا بَعْدَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ خُرُوجُهُ مِنْ مَسْجِدٍ أُذِّنَ فِيهِ حَتَّى يُصَلِّيَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا مُنَافِقٌ أَوْ رَجُلٌ يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ يُرِيدُ الرُّجُوعَ» وَقَالُوا إذَا كَانَ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ جَمَاعَتِهِ بِأَنْ كَانَ مُؤَذِّنًا أَوَإِمَامًا فِي مَسْجِدٍ آخَرَ تَتَفَرَّقُ الْجَمَاعَةُ بِغَيْبَتِهِ يَخْرُجُ بَعْدَ النِّدَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ صُورَةً تَكْمِيلٌ مَعْنًى وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى، وَفِي النِّهَايَةِ إنْ خَرَجَ لِيُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ صَلَّى لَا) أَيْ وَإِنْ صَلَّى فَرْضَ الْوَقْتِ لَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ النِّدَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَجَابَ دَاعِيَ اللَّهِ مَرَّةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ثَانِيًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ إنْ شُرِعَ فِي الْإِقَامَةِ) لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِمُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا وَرُبَّمَا يُظَنُّ أَنَّهُ لَا يَرَى جَوَازَ الصَّلَاةِ خَلْفَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا تَزْعُمُ الْخَوَارِجُ وَالشِّيعَةُ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَيَخْرُجُ، وَإِنْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ لِكَرَاهِيَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ خَافَ فَوَاتَ الْفَجْرِ إنْ أَدَّى سُنَّتَهُ ائْتَمَّ وَتَرَكَهَا) لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ وَالْوَعِيدَ بِتَرْكِهَا أَلْزَمُ فَكَانَ إحْرَازُ فَضِيلَتِهَا أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْشَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ سُنَّةَ الْفَجْرِ فَإِنْ كَانَ يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَ إحْدَاهُمَا لَا يَتْرُكُهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ وَهَذَا لِأَنَّ إدْرَاكَ الرَّكْعَةِ كَإِدْرَاكِ الْجَمِيعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» وَيُصَلِّيهَا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ يُصَلِّيهَا فِي الشَّتْوِيِّ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّيْفِيِّ وَإِنْ كَانَ فِي الشَّتْوِيِّ صَلَّاهَا فِي الصَّيْفِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعَانِ صَلَّاهَا خَلْفَ الصُّفُوفِ عِنْدَ سَارِيَةِ الْمَسْجِدِ وَيَبْعُدُ عَنْ الصُّفُوفِ مَهْمَا أَمْكَنَهُ لِيَنْفِيَ التُّهْمَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَهُ فِي التَّشَهُّدِ قِيلَ هُوَ كَإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا كَذَلِكَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَقَدْ عُرِفَ جَوَازُهُ بِالْحَدِيثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَضَافَ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى يَصِيرُ مُتَنَفِّلًا بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَقَدْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ قِيلَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ أَرْبَعًا سَاهِيًا بَعْدَمَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثِ وَقَدْ اقْتَدَى بِهِ الرَّجُلُ مُتَطَوِّعًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّ الرَّابِعَةَ وَجَبَتْ عَلَى الْمُقْتَدِي بِالشُّرُوعِ وَعَلَى الْإِمَامِ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا فَصَارَ كَرَجُلٍ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِالنَّذْرِ فَاقْتَدَى فِيهِنَّ بِغَيْرِهِ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي كَذَا هَذَا. اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَقَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُتَابَعَةَ عَلَى الِانْفِرَادِ فَإِذَا اقْتَدَى فِي مَوْضِعِ الِانْفِرَادِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ حَتَّى لَوْ سَهَا الْإِمَامُ عَنْ الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ الثَّالِثَةِ وَصَلَّى الرَّابِعَةَ وَصَلَّى الْمُقْتَدِي مَعَهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ بِشْرٍ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ) وَوَجْهُهُ مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ أَنَّ هَذَا نَقْصٌ وَقَعَ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي الظُّهْرِ بَعْدَمَا صَلَّاهَا وَتَرَكَ الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي مَعَ خُلُوِّهِمَا عَنْ الْقِرَاءَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهُوَ نَقْصٌ فِي صَلَاةِ الْمُقْتَدِي وَلَمْ يُكْرَهْ لِمَجِيئِهِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِمَنْعِ خُلُوِّهِمَا عَنْ الْقِرَاءَةِ حُكْمًا. اهـ. (قَوْلُهُ مَعَ الْإِمَامِ) أَيْ فِي الثَّالِثَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُسَلِّمُ إلَّا بَعْدَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إلَى آخِرِهِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ؛ لِأَنَّ بِالْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ صَارَ مُلْتَزِمًا لِلرَّكْعَتَيْنِ إذْ الرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تَكُونُ صَلَاةً لِلنَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ وَقَالَ فِيهِ نَوْعُ تَغْيِيرٍ إلَّا أَنَّ هَذَا التَّغْيِيرَ إنَّمَا وَقَعَ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ يَسْجُدُ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ السُّجُودُ قَبْلَ الرُّكُوعِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ وَكَمَنْ أَدْرَكَهُ فِي الْقَعْدَةِ فَإِنَّهُ يُتَابِعُهُ فِيهَا وَهِيَ قَبْلَ الْأَرْكَانِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ. اهـ. كَاكِيٌّ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَدْخُلُ فَإِنْ دَخَلَ يَفْعَلُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ» إلَى آخِرِهِ) قَالَ سَبْط ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَوَاهُ النَّسَائِيّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَلَا بَأْسَ إلَى آخِرِهِ) وَالْأَفْضَلُ عَدَمُ الْخُرُوجِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ إلَى حَاجَةٍ لِعَزْمِ أَنْ يَعُودَ فَيُدْرِكَ اهـ زَادُ الْفَقِيرِ (قَوْلُهُ وَالْعِشَاءُ إنْ شَرَعَ فِي الْإِقَامَةِ إلَى آخِرِهِ) أَمَّا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِكَرَاهِيَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا إلَى آخِرِهِ) أَمَّا بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَلِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بِالثَّلَاثِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ) أَيْ مِنْ فَضِيلَةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهَا تَفْضُلُ الْفَرْضَ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا لَا تَبْلُغُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ ضِعْفًا وَاحِدًا مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا أَضْعَافُ الْفَرْضِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا مُكَمِّلَةٌ ذَاتِيَّةٌ لِلْفَرَائِضِ وَالسُّنَّةُ مُكَمِّلَةٌ خَارِجِيَّةٌ عَنْهَا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْوَعِيدُ بِتَرْكِهَا أَلْزَمُ) أَيْ مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِمَامِ مِنْ قَوْلِ أَبِي مَسْعُودٍ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ هَمِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيقِ بُيُوتِ الْمُتَخَلِّفِينَ وَمِنْ رِوَايَةِ الْحَاكِمِ «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» الْحَدِيثَ، فَارْجِعْ إلَيْهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيُصَلِّيهَا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ إلَى آخِرِهِ) التَّقْيِيدُ بِالْأَدَاءِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ»؛ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُخَالَفَةَ لِلْجَمَاعَةِ وَالِانْتِبَاذَ عَنْهُمْ وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِد مَكَانٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ غَيْرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَتَفَاوَتُ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّيْفِيِّ فَصَلَاتُهُ إيَّاهَا فِي الشَّتْوِيِّ أَخَفُّ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الصَّيْفِيِّ وَقَلْبِهِ، وَأَشَدُّ مَا يَكُونُ كَرَاهَةً أَنْ يُصَلِّيَهَا مُخَالِطًا لِلصَّفِّ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ

الْجُمُعَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ السُّنَنِ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ أَتَى بِهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْفَرْضِ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ إحْرَازُ الْفَضِيلَتَيْنِ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ رَكْعَةٍ شَرَعَ مَعَهُ بِخِلَافِ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تُقْضَ إلَّا تَبَعًا) أَيْ لَمْ تُقْضَ سُنَّةُ الْفَجْرِ إلَّا تَبَعًا لِلْفَرْضِ إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ وَقَضَاهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي السُّنَّةِ أَنْ لَا تُقْضَى لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ لَكِنْ وَرَدَ الْخَبَرُ بِقَضَائِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَاهَا مَعَ الْفَرْضِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ» فَيَبْقَى مَا رَوَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَفِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَأَمَّا إذَا فَاتَتْ بِلَا فَرْضٍ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهَا إلَى الزَّوَالِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا تُقْضَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِالْإِجْمَاعِ لِكَرَاهِيَةِ النَّفْلِ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ السُّنَنِ فَلَا تُقْضَى وَحْدَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَضَى الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ) أَيْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ (قَبْلَ شَفْعِهِ) أَيْ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الْفَرْضِ وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا يَبْدَأُ بِالرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْضِي الْأَرْبَعَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا فَاتَ مَحَلُّهَا صَارَتْ نَفْلًا مُبْتَدَأً فَيَبْدَأُ بِالرَّكْعَتَيْنِ كَيْ لَا يَفُوتَ مَحَلُّهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ سُنَّةٌ عَلَى حَالِهَا فَيَبْدَأُ بِهَا، أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ قَضَاهَا بَعْدَهُ» أَطْلَقْت عَلَيْهِ اسْمَ الْقَضَاءِ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُقَامُ مَقَامَ الْفَائِتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ) أَيْ بِإِدْرَاكِ التَّشَهُّدِ بَلْ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْوَجْهُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ هُنَا لِمَا سَنَذْكُرُهُ وَمَا عَنْ الْفَقِيهِ إسْمَاعِيلَ الزَّاهِدِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُشْرَعَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ يُطِعْهُمَا فَيَجِبُ الْقَضَاءُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ دَفَعَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ مَا وَجَبَ مِنْ الشُّرُوعِ لَيْسَ بِأَقْوَى مِمَّا وَجَبَ بِالنَّذْرِ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْمَنْذُورَ لَا يُؤَدَّى بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ الطُّلُوعِ وَأَيْضًا شُرُوعٌ فِي الْعِبَادَةِ لِقَصْدِ الْإِفْسَادِ فَإِنْ قِيلَ لِيُؤَدِّيَهَا مَرَّةً أُخْرَى قُلْنَا إبْطَالُ الْعَمَلِ قَصْدًا مَنْهِيٌّ وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ. اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّفْعَ الثَّانِيَ أَوْلَى مِنْ الدَّفْعِ الْأَوَّلِ فَقَدْ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مَا نَصُّهُ قِيلَ فِيمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مِنْ التَّنْظِيرِ نَظَرٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ هُنَا وَجَبَتَا عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَجَازَ أَدَاؤُهُمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ النَّظِيرِ فَإِنَّهُ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالزَّمَانِ فَيَجِبُ الْمَنْذُورُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَلَا يَتَأَدَّى بِصِفَةِ النُّقْصَانِ. اهـ (قَوْلُهُ وَفِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ قَضَائِهَا بِتَبَعِيَّةِ الْفَرْضِ قَبْلَ الزَّوَالِ قَضَاؤُهَا بِتَبَعِيَّةِ الْفَرْضِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا هُوَ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ اخْتِصَاصَ تَبَعِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا مَعْنَى لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهَا إلَى الزَّوَالِ) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَالْفَضْلِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُمَا يَقُولَانِ؛ لِأَنَّ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ وَإِنْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ وَقَالَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ لَوْ قَضَى يَكُونُ نَفْلًا مُبْتَدَأً أَوْ سُنَّةً كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) لَا يُسَاعِدُهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَضَاهَا مَعَ الصُّبْحِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَلْ يَسْتَدِلُّ لَهُ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ» وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِكٍ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ السُّنَنِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي قَاضِي خَانْ وَبَقِيَّةُ السُّنَنِ إذَا فَاتَتْ عَنْ أَوْقَاتِهَا وَحْدَهَا لَا تُقْضَى وَإِنْ فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ لَا تُقْضَى عِنْدَنَا وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ تُقْضَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَفِي الْمُحِيطِ وَبَقِيَّةُ السُّنَنِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ لَا تُقْضَى وَحْدَهَا وَلَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ. اهـ. غَايَةٌ. وَفِي الْبَدَائِعِ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي سَائِرِ السُّنَنِ سِوَى الْفَجْرِ أَنَّهَا إذَا فَاتَتْ عَنْ أَوْقَاتِهَا لَا تُقْضَى سَوَاءٌ فَاتَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ الْفَرِيضَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْضِي قِيَاسًا عَلَى الْوِتْرِ. اهـ. وَفِي الْكَافِي وَفِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَقْضِيهَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْوَقْتِ الْمُهْمَلِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ فَرْضُ وَقْتٍ آخَرَ مَعَ أَنَّ وَقْتَهُ كَالْمَشْغُولِ بِهِ وَقِيلَ يَقْضِيهَا تَبَعًا أَيْضًا وَلَا يَقْضِيهَا مَقْصُودًا إجْمَاعًا. اهـ. . (قَوْلُهُ أَيْ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ فَاتَتْ عَنْ الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ فَلَا تَفُوتُ الرَّكْعَتَانِ أَيْضًا عَنْ مَوْضِعِهِمَا قَصْدًا بِلَا ضَرُورَةٍ وَفِي الْمُصَفَّى وَتَبِعَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ جَعَلَ قَوْلَهُمَا بِتَأْخِيرِ الْأَرْبَعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَقَعُ سُنَّةً بَلْ نَفْلًا مُطْلَقًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَقَعُ سُنَّةً فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَاَلَّذِي يَقَعُ عِنْدِي أَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ الِاتِّفَاقُ عَلَى قَضَاءِ الْأَرْبَعِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَتَأْخِيرُهَا عَنْهُمَا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهَا تُقْضَى اتِّفَاقٌ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ هَلْ تَقَعُ بَعْدَ الْفَجْرِ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا مُبْتَدَأً حَكَوْا الْخِلَافَ فِي أَنَّهَا تُقْضَى أَوَّلًا فَلَوْ كَانَا يَقُولَانِ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ إنَّهَا تَكُونُ نَفْلًا مُطْلَقًا لَجَعَلُوهَا خِلَافِيَّةً فِي أَصْلِ الْقَضَاءِ فَاَلَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُمْ إذَا قَالُوا وَقَضَى أَوَّلًا يَعْنِي أَنَّهَا تُفْعَلُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَتَقَعُ سُنَّةً كَمَا هِيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ لَا تَقَعُ سُنَّةً وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ هَذَا مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّرَاوِيحِ إذَا فَاتَتْ التَّرَاوِيحُ لَا تُقْضَى بِجَمَاعَةٍ وَهَلْ تُقْضَى بِلَا جَمَاعَةٍ قِيلَ نَعَمْ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ تَرَاوِيحَ أُخْرَى وَقِيلَ مَا لَمْ يَمْضِ رَمَضَانُ وَقِيلَ لَا تُقْضَى. قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهَا دُونَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَتِلْكَ لَا تُقْضَى إذَا فَاتَتْ بِلَا فَرِيضَةٍ فَكَذَا التَّرَاوِيحُ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَضَاهَا وَحْدَهُ كَانَ نَفْلًا مُسْتَحَبًّا وَلَا يَكُونُ تَرَاوِيحَ اهـ دَلَّ أَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ جَعْلِهِ قَضَاءً يَقَعُ تَرَاوِيحَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ

(وَلَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ جَمَاعَةً بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ) لِأَنَّهُ فَاتَهُ الْأَكْثَرُ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُدْرِكْ الثَّلَاثَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَقَدْ انْفَرَدَ عَنْهُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَفَاتَهُ رَكْعَةٌ فَعَلَى ظَاهِرِ الْجَوَابِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ اللَّاحِقِ فَإِنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ حُكْمًا وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ فِيمَا سُبِقَ بِهِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ أَنَّ اللَّاحِقَ أَيْضًا لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ صَلَّيْت بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالْأَوَّلُ اسْتِحْسَانٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بَلْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا) أَيْ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ آخِرَ الشَّيْءِ فَقَدْ أَدْرَكَهُ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ يَحْنَثُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ إنَّ الْمَسْبُوقَ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَطَوَّعُ قَبْلَ الْفَرْضِ إنْ أَمِنَ فَوْتَ الْوَقْتِ، وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ لَا يَتَطَوَّعُ وَهَذَا الْكَلَامُ مُجْمَلٌ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَفْصِيلِ فَنَقُولُ إنَّ التَّطَوُّعَ عَلَى وَجْهَيْنِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهِيَ السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ وَغَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَيْهَا وَالْمُصَلِّي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَرْضَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدٍ فَإِنْ كَانَ يُؤَدِّيه بِجَمَاعَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ قَطْعًا وَلَا يَتَخَيَّرُ فِيهَا مَعَ الْإِمْكَانِ لِكَوْنِهَا مُؤَكَّدَةً وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّيه مُنْفَرِدًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةٍ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ بِالْجَمَاعَةِ وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهَا وَهُوَ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا فَلَا يَكُونُ سُنَّةً بِدُونِ الْمُوَاظَبَةِ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ قَبْلَ الْفَرْضِ لِقَطْعِ طَمَعِ الشَّيْطَانِ عَنْ الْمُصَلِّي وَبَعْدَهُ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ يُمْكِنُ فِي الْفَرْضِ وَالْمُنْفَرِدُ أَحْوَجُ إلَى ذَلِكَ وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِيهَا لَمْ يُفَرِّقْ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إلَّا إذَا خَافَ الْفَوْتَ لِأَنَّ أَدَاءَ الْفَرْضِ فِي وَقْتِهِ وَاجِبٌ، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ مِنْ التَّطَوُّعِ يَتَخَيَّرُ الْمُصَلِّي فِيهِ مُطْلَقًا: قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَدْرَكَ إمَامَهُ رَاكِعًا فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَصِيرُ مُدْرِكًا لَهَا لِأَنَّهُ أَدْرَكَهُ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ فِيهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ قَائِمًا فَرَكَعَ وَلَمْ يَرْكَعْ الْمُؤْتَمُّ مَعَهُ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» ـــــــــــــــــــــــــــــ Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا فَاتَتْ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ قَضَاهَا بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ فَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى قَضَائِهَا كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ جَمَاعَةً إلَى آخِرِهِ) وَقَدْ ذَكَرَ فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ فَائِدَةَ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَأَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَلَمْ يُدْرِكْ الثَّلَاثَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَقَدْ صَلَّى رَكَعَاتٍ بِدُونِهِ وَالْمَسْبُوقُ فِيمَا يَقْضِي كَالْمُنْفَرِدِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بَلْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ أَدْرَكْت الظُّهْرَ حَنِثَ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ اهـ ع. (قَوْلُهُ لِقَطْعِ طَمَعِ الشَّيْطَانِ عَنْ الْمُصَلِّي إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّهُ يَقُولُ إذَا لَمْ يُطِعْنِي فِي تَرْكِ مَا لَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُطِيعُنِي فِي تَرْكِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ إلَى آخِرِهِ) وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّ النَّوَافِلَ شُرِعَتْ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ يُمْكِنُ فِي الْفَرَائِضِ صَاحَبَ النَّافِعِ وَالْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ قَالَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ عَلَتْ رُتْبَتُهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْصِيرٍ حَتَّى أَنَّ وَاحِدًا لَوْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ لَا يَلْزَمُ عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ قَالَ السُّرُوجِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ صَلَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَايَةِ الْكَمَالِ وَلَا نَقْصَ فِيهَا وَقَدْ وَاظَبَ عَلَى هَذِهِ السُّنَنَ فَنَحْنُ نَأْتِي بِهَا تَأَسِّيًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَعْنَى الْجُبْرَانِ فَإِنْ حَصَلَ بِهَا الْجُبْرَانُ أَيْضًا هُوَ مِنْ فَضْلِهِ الْعَمِيمِ وَقَدْ أَكَّدَ بَعْضَ السُّنَنِ وَأَمَرَ بِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِمَعْنَى الْجُبْرَانِ لَاسْتَوَتْ السُّنَنُ كُلُّهَا إذْ لَيْسَ بَعْضُ الْفَرَائِضِ بِأَوْلَى بِدُخُولِ النَّقْصِ فِيهَا؛ وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ لِمَنْ يُخَفِّفُ فِي صَلَاتِهِ وَيُصَلِّي صَلَاةً أُخْرَى جَابِرَةً لِمَا أُدْخِلَ فِيهَا مِنْ النَّقْصِ بَلْ الْجُبْرَانُ بِسُجُودِ السَّهْوِ إذَا تَرَكَ وَاجِبًا سَهْوًا لَا عَمْدًا وَقِيلَ النَّوَافِلُ جَوَابِرٌ لِمَا فَاتَ الْعَبْدَ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ. اهـ. غَايَةٌ فِي بَابِ النَّوَافِلِ قَوْلُهُ لِمَا فَاتَ الْعَبْدَ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ عَلَى مَا وَرَدَ أَنَّ الْعَبْدَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَى الصَّلَوَاتِ فَإِنْ كَانَ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا يُقَالُ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَلْ تَجِدُونَ لَهُ نَافِلَةً فَإِنْ وُجِدَتْ كَمُلَتْ الْفَرَائِضُ مِنْهَا ذَكَرَهُ فِي الْغَابَةِ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ وَالْمُنْفَرِدُ أَحْوَجُ إلَى ذَلِكَ) أَيْ لِنُقْصَانِ صَلَاتِهِ مِنْ وَجْهٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ يَتَخَيَّرُ الْمُصَلِّي فِيهِ مُطْلَقًا) يَعْنِي بِجَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ) يَعْنِي سَوَاءٌ تَمَكَّنَ مِنْ الرُّكُوعِ أَوَّلًا اهـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَنَّ عِنْدَهُ هُوَ لَاحِقٌ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَعِنْدَنَا هُوَ مَسْبُوقٌ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ. اهـ. قَوْلُهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَيْ إذْ الْوَاجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ وَلَكِنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ جَازَ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ» إلَى آخِرِهِ) يُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا جِئْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا». اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمُدْرِكُ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَكْبِيرَتَيْنِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَلَوْ نَوَى بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ الْوَاحِدَةِ الرُّكُوعَ لَا الِافْتِتَاحَ جَازَ وَلَغَتْ نِيَّتُهُ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ وَقَالَ الْمَحْبُوبِيُّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَمَالِكٌ يَنْبَغِي أَنْ يُكَبِّرَ وَيَرْكَعَ، ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَلْتَحِقَ بِالصَّفِّ كَيْ لَا

[باب قضاء الفوائت]

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَكَعَ مَعَهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَدْرَكْت الْإِمَامَ رَاكِعًا فَرَكَعْت مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ فَقَدْ أَدْرَكْت الرَّكْعَةَ وَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ تَرْكَعَ فَقَدْ فَاتَتْك تِلْكَ الرَّكْعَةُ فَهَذَا الْأَثَرُ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَيَكُونُ تَفْسِيرًا لِلْخَبَرِ وَلِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ لِلْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَمْ تُوجَدْ لَا فِي الْقِيَامِ وَلَا فِي الرُّكُوعِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ فَإِنَّهُ شَارَكَهُ فِي الْقِيَامِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ لَمْ يَقِفْ حَتَّى انْحَطَّ لِلرُّكُوعِ فَرَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَكَعَ مُقْتَدٍ) أَيْ قَبْلَ الْإِمَامِ (فَأَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِيهِ صَحَّ) وَقَالَ زُفَرُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ قَبْلَ الْإِمَامِ يُعْتَدُّ بِهِ فَكَذَا مَا يَبْنِيه عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ الْمُشَارَكَةُ فِي جُزْءٍ مِنْ الرُّكْنِ؛ لِأَنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرُّكُوعِ فَيَقَعُ مَوْقِعَهُ كَمَا لَوْ شَارَكَهُ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ دُونَ الْآخَرِ بِأَنْ رَكَعَ مَعَهُ وَرَفَعَ قَبْلَهُ فَيُجْعَلُ مُبْتَدِئًا لِلْقَدْرِ الَّذِي شَارَكَهُ فِيهِ لَا بَانِيًا بِخِلَافِ مَا لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ وَلَا الْمُتَابَعَةُ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَأَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهَا لَا يُجْزِيه؛ لِأَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَكَذَا فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ وَلَوْ أَطَالَ الْإِمَامُ السُّجُودَ فَرَفَعَ الْمُقْتَدِي رَأْسَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ سَجَدَ ثَانِيًا فَسَجَدَ مَعَهُ إنْ نَوَى الْأُولَى أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ تَكُونُ عَنْ الْأُولَى، وَكَذَا إنْ نَوَى الثَّانِيَةَ وَالْمُتَابَعَةَ لِرُجْحَانِ الْمُتَابَعَةِ وَتَلْغُو نِيَّتُهُ لِلْمُخَالَفَةِ وَإِنْ نَوَى الثَّانِيَةَ لَا غَيْرُ كَانَتْ عَنْ الثَّانِيَةِ فَإِنْ شَارَكَهُ الْإِمَامُ فِيهَا جَازَتْ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا سَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ) الْقَضَاءُ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِسَبَبِهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ الْأَدَاء، وَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]» أَيْ لِذِكْرِ صَلَاتِي فَيَكُونُ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ أَوْ مِنْ مَجَازِ الْمُلَازَمَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَامَ إلَيْهَا ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ أَصْلِ الْوَاجِبِ لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَسُقُوطَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فَضِيلَةُ الْوَقْتِ أَمْرٌ مَعْقُولٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَفُوتَهُ الرُّكُوعُ كَمَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ لِكَيْ لَا يَحْتَاجَ إلَى الْمَشْيِ فِي الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ عَلِمَ بِالنَّهْيِ وَمَشَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَعِنْدَنَا لَوْ مَشَى ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ تَبْطُلُ، وَإِلَّا يُكْرَهُ فَمَنْ اخْتَارَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا تَعُدْ لَا تُؤَخِّرْ الْمَجِيءَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَنْ اخْتَارَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ قَالَ مَعْنَاهُ لَا تَعُدْ إلَى مِثْلِ هَذَا الصَّنِيعِ وَهُوَ التَّكْبِيرُ قَبْلَ الِاتِّصَالِ بِالصَّفِّ وَالْمَشْيِ فِي الرُّكُوعِ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْعَمَلُ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالثَّنَاءِ لَا يَفُوتُهُ الرُّكُوعُ يُثْنِي؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَفُوتُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ يُثْنِي؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ يَفُوتُ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَالثَّنَاءُ يَفُوتُ أَصْلًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُثْنِي؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَفُوتُهُ فَسُنَّةُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا تَفُوتُهُ وَفَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ أَكْثَرُ مِنْ فَضِيلَةِ الثَّنَاءِ. وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا مَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ وَيُثْنِي، ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي أَيِّ حَالٍ كَانَ لِمَا رَوَى مُعَاذٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْإِمَامَ عَلَى حَالٍ فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْإِمَامُ وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْعِلْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِيهِ صَحَّ) أَيْ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَحَرَامٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَّا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ رَكَعَ مَعَهُ وَرَفَعَ قَبْلَهُ إلَى آخِرِهِ) حَيْثُ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ كَذَا هَذَا يَجُوزُ وَيُكْرَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا بَانِيًا) وَهَذَا مَنْعٌ لِقَوْلِهِ إنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى فَاسِدٍ بَلْ هُوَ ابْتِدَاءُ وَمَا قَبْلَهُ لَغْوٌ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ إنْ نَوَى الْأُولَى أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ إلَى آخِرِهِ) وَإِنْ أَطَالَ الْمُؤْتَمُّ سُجُودَهُ فَسَجَدَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَظَنَّ الْإِمَامُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى فَسَجَدَ ثَانِيًا يَكُونُ عَنْ الثَّانِيَةِ وَإِنْ نَوَى الْأُولَى لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تُصَادِفْ مَحَلَّهَا إلَّا بِاعْتِبَارِ فِعْلِهِ بِاعْتِبَارِ فِعْلِ الْإِمَامِ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذْ النِّيَّةُ صَادَفَتْ مَحَلَّهَا بِاعْتِبَارِ فِعْلِهِ فَإِنَّهَا ثَانِيَةٌ فِي حَقِّهِ فَصَحَّتْ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْمُحِيطِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ) فَكَذَا فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ. اهـ. . [بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ] (بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ) قَالَ فِي الْمَنَافِعِ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ نَوْعَانِ أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ وَقَدْ فَرَغَ مِنْ الْأَدَاءِ فَشَرَعَ فِي الْقَضَاءِ قُلْت يَبْقَى عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ) أَيْ لِلْفَائِتَةِ تَرَكَهَا نَاسِيًا أَوْ لِعُذْرٍ غَيْرِ النِّسْيَانِ أَوْ عَامِدًا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ

[الترتيب في الصلاة]

وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لَا تَكُونُ عِبَادَةً إلَّا بِمُوَافَقَةِ الْأَمْرِ وَمَا لَا يُؤْمَرُ بِهِ خَارِجَ الْوَقْتِ لَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ عِبَادَةً؛ وَلِهَذَا لَا يَقْضِي رَمْيَ الْجِمَارِ بَعْدَ أَيَّامِهِ، وَكَذَا الْجُمُعَةَ وَصَلَاةَ الْعِيدَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ مُسْتَحَقٌّ)، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ وَلَنَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ مِنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا، وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُصَلِّ الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ، وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ كَالْخَبَرِ وَقَدْ رَفَعَهُ بَعْضُهُمْ أَيْضًا وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَهَا» دَلَّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ مُسْتَحَقٌّ إذْ لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَمَا أَخَّرَ الْمَغْرِبَ الَّتِي يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا لِأَمْرٍ مُسْتَحَبٍّ وَكَوْنُهُ أَصْلًا بِنَفْسِهِ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِغَيْرِهِ كَالْإِيمَانِ فَإِنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ بِتَبَعٍ لِشَيْءٍ، وَمَعَ هَذَا هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّ تَقَدُّمَ الظُّهْرِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَصْرِ فِي الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ فَكَذَا هَاهُنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْقُطُ) أَيْ التَّرْتِيبُ (بِضِيقِ الْوَقْتِ وَالنِّسْيَانِ وَصَيْرُورَتِهَا سِتًّا) أَيْ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا وَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ أَمَّا سُقُوطُهُ بِضِيقِ الْوَقْتِ؛ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ تَفْوِيتُ الْوَقْتِيَّةِ لِتَدَارُكِ الْفَائِتَةِ وَلِأَنَّهُ وَقْتَ لِلْوَقْتِيَّةِ بِالْكِتَابِ وَوُقِّتَ لِلْفَائِتَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْكِتَابُ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَقْدِيمِهَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا بِدَلِيلِ حُرْمَةِ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْأَشْغَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَقَدَّمَ الْوَقْتِيَّةَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْخَبَرِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَفْسِيرُ ضِيقِ الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ مَا لَا يَسَعُ فِيهِ الْوَقْتِيَّةَ وَالْفَائِتَةَ جَمِيعًا حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْعِشَاءِ مَثَلًا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِقَضَائِهِ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ بَعْدَهُ تَطْلُعُ الشَّمْسُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِيهِ صَلَّى الْفَجْرَ فِي الْوَقْتِ وَقَضَى الْعِشَاءَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ. وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ قَدْ ضَاقَ فَصَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ بَطَلَ الْفَجْرُ فَإِذَا بَطَلَ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ يُصَلِّي الْعِشَاءَ ثُمَّ يُعِيدُ الْفَجْرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سَعَةٌ يُعِيدُ الْفَجْرَ فَقَطْ فَإِنْ أَعَادَ الْفَجْرَ فَتَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ يَسَعُهُمَا صَلَّاهُمَا وَإِلَّا أَعَادَ الْفَجْرَ وَهَكَذَا يَفْعَلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالْعِشَاءِ وَلَمْ يُعِدْ الْفَجْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَابْنُ حَبِيبٍ لَا تُقْضَى الْمُتَعَمَّدَةُ فِي التَّرْكِ؛ لِأَنَّ تَارِكَهَا مُرْتَدٌّ. اهـ. غَايَةٌ. [التَّرْتِيب فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ مُسْتَحَقٌّ) أَيْ وَاجِبٌ. اهـ. كَاكِيٌّ وَعَيْنِيٌّ وَالْمُرَادُ بِالْفَوَائِتِ الثَّلَاثَةُ أَوْ الْأَرْبَعَةُ أَوْ الْخَمْسَةُ أَوْ السِّتَّةُ. اهـ. عَيْنِيٌّ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالْجَهْلُ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ لَا يُسْقِطُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ خِلَافًا لِزُفَرَ اهـ. وَفِي الْبِدَايَةِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَنْ جَهِلَ فَرْضِيَّةَ التَّرْتِيبِ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ كَالنَّاسِي رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ اهـ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: صَلَّى الْمَغْرِبَ أَرْبَعًا وَلَمْ يَعْقِدْ عِنْدَ الثَّالِثَةِ، وَهُوَ يَظُنّ أَنَّهُ يُجْزِيهِ، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ صَلَوَاتٍ أَرْبَعٍ فَسَادَهَا فَالْجَاهِلُ كَالنَّاسِي فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا صَلَّاهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ هَذَا الْحَدِيثُ يَصْلُحُ حُجَّةً عَلَى مُحَمَّدٍ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ بُطْلَانُ أَصْلِ الصَّلَاةِ حَيْثُ أَمَرَهُ بِالْمُضِيِّ وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَعَلَّهُ مَا بَلَغَهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَإِلَّا لَمَا خَالَفَهُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ) يَعْنِي يَصِحُّ لَا أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالنَّافِلَةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ يَكُونُ آثِمًا بِتَفْوِيتِ الْفَرْضِ بِهَا وَيُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَقْدِيمِهَا إلَى آخِرِهِ) قِيلَ الْمُرَادُ مِنْ النَّهْيِ قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِجْمَاعُ لَا نَهْيُ الشَّارِعِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى تَقْدِيمِ الْوَقْتِيَّةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا) أَيْ فِي غَيْرِ الْفَائِتَةِ، وَهُوَ كَوْنُ الِاشْتِغَالِ بِهَا يُفَوِّتُ الْوَقْتِيَّةَ، وَهَذَا يُوجِبُ كَوْنَهُ عَاصِيًا فِي ذَلِكَ أَمَّا هِيَ فِي نَفْسِهَا فَلَا مَعْصِيَةَ فِي ذَاتِهَا اهـ فَتْحٌ وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ قَابِلًا لِلْفَائِتَةِ، وَعِنْدَ سَعَةِ الْوَقْتِ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْفَائِتَةِ، وَلَوْ بَدَأَ بِفَرْضِ الْوَقْتِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ النَّهْيُ عَنْ الْبُدَاءَةِ بِالْفَائِتَةِ لَمْ يَكُنْ لِمَعْنًى فِيهَا؛ بَلْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ فَرْضِ الْوَقْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَمَا يُنْهَى عَنْ الْبُدَاءَةِ بِالْفَائِتَةِ يُنْهَى عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالتَّطَوُّعِ وَالنَّهْيُ مَتَى كَانَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا كَالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَعِنْدَ سَعَةِ الْوَقْتِ النَّهْيُ عَنْ الْبُدَاءَةِ بِفَرْضِ الْوَقْتِ لِمَعْنًى فِيهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُنْهَى عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالتَّطَوُّعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالنَّهْيُ مَتَى كَانَ لِمَعْنًى فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَانَ مُفْسِدًا لَهُ فَإِنْ افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا، وَهُوَ نَاسٍ لِلظُّهْرِ فَصَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً فَاحْمَرَّتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ فَإِنَّهُ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ تَذَكُّرَ الظُّهْرِ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا يَمْنَعُ افْتِتَاحَ الْعَصْرِ فَلَا يَمْنَعُ الْمُضِيَّ فِيهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَكَذَا يُفْعَلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى) أَيْ وَفَرْضُهُ مَا يَلِي الطُّلُوعَ وَمَا قَبْلَهُ تَطَوُّعٌ. اهـ. زَاهِدِيٌّ. {فَرْعٌ} افْتَتَحَ الْعَصْرَ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ لَمْ يُجْزِ عَنْ الْعَصْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ ضَحِكَ فَقَهْقَهَ لَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ وَيَجُوزُ عَنْ التَّطَوُّعِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ عَنْ التَّطَوُّعِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلصَّلَاةِ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا أُفْسِدَتْ صَارَ خَارِجًا عَنْ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَهُمَا بِفَسَادِ الْجِهَةِ لَا يَفْسُدُ أَصْلُ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا اعْتَرَضَ مُنَافِيًا لِأَصْلِ الصَّلَاةِ وَتَذَكُّرُ الظُّهْرِ لَا يُنَافِي أَصْلَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ أَدَاءَ الْعَصْرِ فَيَفْسُدُ الْعَصْرُ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي الْعِشَاءِ جَازَ فَجْرُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَقْتَ كَانَ ضَيِّقًا ثُمَّ ضِيقُ الْوَقْتِ يُعْتَبَرُ عِنْدَ الشُّرُوعِ حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِيَّةِ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ وَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا حَتَّى ضَاقَ الْوَقْتُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَهَا وَيَشْرَعَ فِيهَا، وَلَوْ شَرَعَ نَاسِيًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ جَازَتْ صَلَاتُهُ. وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِيهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَانَتْ جَائِزَةً فَالْبَقَاءُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ الْفَوَائِتُ كَثِيرَةً وَلَمْ يَسْقُطْ التَّرْتِيبُ فِيهَا بَعْدُ، وَالْوَقْتُ لَا يَسَعُ فِيهِ الْمَتْرُوكَاتِ كُلَّهَا مَعَ الْوَقْتِيَّةِ لَكِنْ يَسَعُ فِيهِ بَعْضَهَا مَعَهَا لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَا لَمْ يَقْضِ ذَلِكَ الْبَعْضَ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الصَّرْفُ إلَى هَذَا الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعَصْرِ لِأَصْلِ الْوَقْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ الْحَسَنِ: الْعِبْرَةُ لِلْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِثْلُهُ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ الظُّهْرِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالظُّهْرِ يَقَعُ الْعَصْرُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ عِنْدَهُمَا فَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَالْعَصْرَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَعِنْدَ الْحَسَنِ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فَيُصَلِّي الْعَصْرَ فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَيُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَلَوْ كَانَ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ قَدْرُ مَا لَا يَسَعُ فِيهِ الظُّهْرَ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ جَوَازِ الظُّهْرِ فِيهِ. وَلَوْ دَخَلَ فِي الْعَصْرِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ فِيهِ حَتَّى ضَاقَ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ لَمْ يَجُزْ الْعَصْرُ إلَّا إذَا قَطَعَ وَاسْتَقْبَلَ، وَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ مَا ضَاقَ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ فِيهِ الظُّهْرَ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَانَ جَائِزًا فَكَذَا لَا يُمْنَعُ الْبَقَاءُ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ عَلَى مَا مَرَّ لَوْ شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ، وَالشَّمْسُ حَمْرَاءُ وَغَرَبَتْ، وَهُوَ فِيهَا أَتَمَّهَا. طَعَنَ عِيسَى فِيهِ فَقَالَ الصَّحِيحُ يَقْطَعُهَا ثُمَّ يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقْتٌ مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَهَا يَكُونُ كُلُّهَا قَضَاءً، وَلَوْ مَضَى فِيهَا كَانَ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ فَكَانَ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّهُ حِينَ شَرَعَ فِيهَا كَانَ مَأْمُورًا بِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْكُلَّ لَا يَقَعُ فِي الْوَقْتِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَانِعًا لَمَا أُمِرَ بِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْعَصْرَ اسْتِحْسَانًا وَيَجْزِيهِ وَأَمَّا سُقُوطُهُ بِالنِّسْيَانِ فَلِلتَّعَذُّرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالْفَائِتَةِ مَعَ النِّسْيَانِ وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَلِأَنَّ الْوَقْتَ إنَّمَا يَصِيرُ وَقْتًا لِلْفَائِتَةِ بِالتَّذَكُّرِ وَمَا لَمْ يَتَذَكَّرْ لَا يَكُونُ وَقْتًا لَهَا فَلَا اجْتِمَاعَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا سُقُوطُهُ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا فَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ التَّرْتِيبُ فِيهَا لَوَقَعُوا فِي حَرَجٍ عَظِيمٍ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهَا عِنْدَ كَثْرَتِهَا قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ) أَيْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَدَثَ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ وَلَا يَمْنَعُ بَقَاءَهَا اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَطَعَ وَاسْتَقْبَلَ إلَى آخِرِهِ)؛ لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِي الْعَصْرِ مَعَ تَرْكِ الظُّهْرِ فَيَقْطَعُ، ثُمَّ يَفْتَتِحُهَا ثَانِيًا، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَلَوْ افْتَتَحَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ ثُمَّ تَذَكَّرَ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لِلتَّرْتِيبِ وَقَدْ وُجِدَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاخْتِتَامِهَا وَهُوَ النِّسْيَانُ وَضِيقُ الْوَقْتِ اهـ. قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فَقَالَ الصَّحِيحُ يَقْطَعُهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ قَدْ زَالَ، وَهُوَ ضِيقُ الْوَقْتِ فَعَادَ التَّرْتِيبُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْضِي فِيهَا، ثُمَّ يَقْضِي الظُّهْرَ، ثُمَّ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ذَكَرَهُ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَضَى فِيهَا كَانَ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَلَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ لِضِيقِ الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ لَا يَعُودُ عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى لَوْ خَرَجَ فِي خِلَالِ الْوَقْتِيَّةِ لَا يَفْسُدُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ مُؤَدٍّ عَلَى الْأَصَحِّ لَا قَاضٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا سُقُوطُهُ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمَبْسُوطِ كَانَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ يَقُولُ: مَنْ تَرَكَ صَلَاةً لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ فِي عُمُرِهِ مَا لَمْ يَقْضِهَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لَهَا؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْفَوَائِتِ تَكُونُ عَنْ كَثْرَةِ تَفْرِيطٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّخْفِيفَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي صَلَاةِ سِتَّةٌ فَجَعَلَ حَدَّ الْكَثْرَةِ مَا زَادَ عَلَى سِتَّةٍ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ إلَّا بِمُضِيِّ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ قَلِيلٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَى أَجَلٍ دُونَ الشَّهْرِ وَمَا فَوْقَ الشَّهْرِ كَثِيرٌ فَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ قُلْت الْفَوَائِتُ أَوْ كَثُرَتْ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا يَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ. اهـ. كَاكِيٌّ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ إذَا كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ حَتَّى سَقَطَ التَّرْتِيبُ لِأَجْلِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ فِي نَفْسِهَا أَيْضًا حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةُ شَهْرٍ فَصَلَّى ثَلَاثِينَ فَجْرًا، ثُمَّ صَلَّى ثَلَاثِينَ ظُهْرًا هَكَذَا إلَى آخِرِهِ أَجْزَأَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا التَّرْتِيبُ فِي نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ فَجْرَ الْيَوْمِ الثَّانِي حَصَلَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَصْحَابِنَا بِخِلَافِ مَا يَقُولُ الْعَوَامُّ أَنَّهُ يُرَاعَى التَّرْتِيبُ فِي الْفَوَائِتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا أَنَّ الْفَوَائِتَ لَمَّا كَثُرَتْ أُسْقِطَ التَّرْتِيبُ عَنْ أَغْيَارِهَا؛ فَلَأَنْ يَسْقُطَ فِي نَفْسِهَا كَانَ أَوْلَى، وَشَبَّهَهُ الْإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ الْكُرْدِيُّ بِالضَّرْبِ لِمَا أَثَّرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرْبِ إيلَامًا فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي مَوْضِعِ الضَّرْبِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهَا عِنْدَ كَثْرَتِهَا) أَيْ مَعَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْحَاجَاتِ. اهـ. فَتْحٌ وَذَكَرَ فِي الدِّرَايَةِ أَنَّ الْكَثْرَةَ الْمُسْقِطَةَ صَيْرُورَةُ الْفَوَائِتِ خَمْسًا فِي رَاوِيَةِ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَوْ دُخُولُ وَقْتِ السَّادِسَةِ مَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَوْ صَيْرُورَتُهَا سِتًّا بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا. وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ اهـ. وَذَكَرَ فِي الدِّرَايَةِ أَيْضًا أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنْ الْفَوَائِتِ فِي بَابِ الْكَثْرَةِ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فَرْضًا لَا تَحْصُلُ بِهِ الْكَثْرَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ وَظِيفَةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَالْكَثْرَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْأَوْقَاتُ أَوْ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ وَلَا مَدْخَلَ لِلْوِتْرِ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْفَوَائِتِ الصَّلَوَاتِ الْمُؤَقَّتَةَ اهـ.

وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيُعْتَبَرُ فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ خُرُوجُ وَقْتِ الصَّلَاةِ السَّادِسَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الدُّخُولَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ تَبْلُغَ الْأَوْقَاتُ الْمُتَخَلِّلَةُ مُذْ فَاتَهُ سِتَّةً، وَإِنْ أَدَّى مَا بَعْدَهَا فِي أَوْقَاتِهَا وَقِيلَ: الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ الْفَوَائِتُ سِتًّا، وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا تَرَكَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ مَثَلًا الظُّهْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْعَصْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْمَغْرِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْعٌ} عَنْ أَبِي نَصْرٍ فِيمَنْ يَقْضِي صَلَوَاتِ عُمُرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فَاتَهُ شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ نُقْصَانٍ دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ أَوْ لِكَرَاهَةٍ فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَفْعَلُ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَإِذَا لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لَا بَعْدَهُ وَقَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ التَّرْجُمَانِيُّ: الْقَضَاءُ أَوْلَى فِي الْحَالَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْفَوَائِتِ قِيلَ يَنْوِي أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ الْأَوَّلَ صَارَ الظُّهْرُ الثَّانِي أَوَّلَ ظُهْرٍ مَتْرُوكٍ فِي ذِمَّتِهِ وَقِيلَ يَنْوِي آخِرَ ظُهْرٍ لِلَّهِ عَلَيْهِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَضَى الْآخِرَ صَارَ الَّذِي قَبْلَهُ آخِرًا، وَلَوْ نَوَى الْفَائِتَةَ وَلَمْ يَنْوِ أَوَّلًا وَلَا آخِرًا جَازَ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ إلَى آخِرِهِ) احْتَجَّ بِأَنَّ كَثْرَةَ الشَّيْءِ هُوَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى أَقْصَاهُ وَأَقْصَى الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ فَشُبِّهَ بِالصَّوْمِ حَتَّى قَالُوا: إنَّ الْجُنُونَ الْكَثِيرَ مُفْسِدٌ بِاسْتِغْرَاقِ الشَّهْرِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ خُرُوجُ وَقْتِ الصَّلَاةِ السَّادِسَةِ)؛ لِأَنَّ الْفَوَائِتَ لَا تَدْخُلُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ بِدُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ وَإِنَّمَا تَدْخُلُ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ؛ لِأَنَّ وَاحِدَةً مِنْهَا تَصِيرُ مُكَرَّرَةً، وَلَوْ تَرَكَ صَلَاةً، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا خَمْسًا، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْفَائِتَةِ فَإِنَّهُ يَقْضِيهِنَّ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَقْضِي الْمَتْرُوكَةَ وَأَرْبَعَةً بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ السَّادِسَةَ جَائِزَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِهَا حَتَّى صَلَّى السَّابِعَةَ فَالسَّابِعَةُ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ إذَا صَلَّى السَّابِعَةَ تَعُودُ الْمُؤَدَّيَاتُ الْخَمْسُ إلَى الْجَوَازِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ وَحْدَهَا اسْتِحْسَانًا وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَقْضِي الْفَائِتَةَ وَخَمْسًا بَعْدَهَا قِيَاسًا وَعَلَى هَذَا إذَا تَرَكَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى السَّادِسَةَ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْفَوَائِتِ فَالسَّادِسَةُ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ صَلَّى السَّابِعَةَ تَنْقَلِبُ السَّادِسَةُ إلَى الْجَوَازِ عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْخَمْسِ وَعِنْدَهُمَا لَا تَنْقَلِبُ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ السِّتِّ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ صَلَاةً، ثُمَّ صَلَّى شَهْرًا، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْفَائِتَةِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لَا غَيْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ، وَخَمْسٌ بَعْدَهَا إلَّا عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ يُعِيدُ الْفَائِتَةَ وَجَمِيعَ مَا صَلَّى بَعْدَهَا مِنْ صَلَاةِ الشَّهْرِ اهـ مِنْ الْبَدَائِعِ مُلَخَّصًا اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الْخَمْسِ، وَهُوَ صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَانَ فِيهِ شِيمَةُ الِاتِّحَادِ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسِيَّةُ فَشَرَطَ الدُّخُولَ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ لِتَثْبُتَ الْكَثْرَةُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ التَّكْرَارَ ثَمَّ لَزَادَتْ الزِّيَادَةُ الْمُؤَكَّدَةُ عَلَى الْأَصْلِ الْمُؤَكَّدِ إذَا لَا يَدْخُلُ وَقْتُ وَظِيفَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يَمْضِ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا اهـ. سَيِّدٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ تَبْلَعَ الْأَوْقَاتُ الْمُتَخَلَّلَةُ مُذْ فَاتَهُ سِتَّةً إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ الْأَوْقَاتُ الْمُتَخَلَّلَةُ سِتَّةً مُذْ فَاتَتْهُ الْفَائِتَةُ، وَإِنْ أَدِّي مَا بَعْدَهَا فِي أَوْقَاتِهَا، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ الْفَوَائِتُ سِتًّا، وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ مَثَلًا الظُّهْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْعَصْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْمَغْرِبَ مِنْ يَوْمٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ يَعْنِي بَيْنَ الْمَتْرُوكَاتِ وَعَلَى الثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ الْفَوَائِتَ بِنَفْسِهَا يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ سِتًّا. وَمِثْلُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُصَفَّى فِي وَجْهِ اقْتِصَارِ صَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ عَلَى نَقْلِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِيمَا إذَا تَرَكَ ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ دُونَ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا قَالَ لِلْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَتْ ثَلَاثَةً فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ يَزِيدُ عَلَى سِتٍّ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْفَوَائِتِ بِنَفْسِهَا سِتًّا يَعْنِي فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي الزَّائِدِ عَلَى الصَّلَاتَيْنِ اقْتَصَرَ فِي الْمَنْظُومَةِ عَلَى نَقْلِ الْخِلَافِ فِيهِمَا وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ عَلِمَ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَقْتِيَّةَ الْمُؤَادَةَ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ تَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ كَمَالَ خَمْسِ وَقْتِيَّاتٍ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ شَيْئًا مِنْهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ السَّادِسَةِ صَارَتْ كُلُّهَا صَحِيحَةً أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى قَوْلِهِ كَوْنُ الْمُتَخَلَّلَاتِ سِتَّ فَوَائِتَ؛ لِأَنَّهُ مَعَ دُخُولِ وَقْتِهَا تَثْبُتُ الصِّحَّةُ فَلَا يَتَحَقَّقُ فَائِتًا سِوَى الْمَتْرُوكَةِ إذْ ذَاكَ، وَالْمُسْقَطُ هُوَ سِتُّ فَوَائِتَ لَا مُجَرَّدُ أَوْقَاتٍ لَا فَوَائِتَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ إذْ السُّقُوطُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلْزَامُ الِاشْتِغَالِ بِأَدَائِهَا إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ فَمُجَرَّدُ الْأَوْقَاتِ بِلَا فَوَائِتَ لَا أَثَرَ لَهُ فَلَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِهِ فَإِنْ قُلْت إنَّمَا ذَكَرَ مَنْ رَأَيْت فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى السَّادِسَةَ مِنْ الْمُؤَدَّيَاتِ، وَهِيَ سَابِعَةُ الْمَتْرُوكَةِ صَارَتْ الْخَمْسُ صَحِيحَةً وَلَمْ يَحْكُمُوا بِالصِّحَّةِ عَلَى قَوْلِهِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ وَقْتِهَا فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْهُمْ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُؤَدِّي السَّادِسَةَ فِي وَقْتِهَا لَا بَعْدَ خُرُوجِهِ فَأُقِيمَ أَدَاؤُهَا مَقَامَ دُخُولِ وَقْتِهَا لِمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّ تَعْلِيلَهُ لِصِحَّةِ الْخَمْسِ يَقْطَعُ بِثُبُوتِ الصِّحَّةِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ أَدَّاهَا أَوْ لَا. وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ بِالْخَطَأِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ خِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي الثَّلَاثِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ بِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَوْ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا فِي الثِّنْتَيْنِ ابْتِدَاءً كَمَا نُحَقِّقُهُ بِذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ بِشُعَبِهَا وَبِهِ يَتَبَيَّنُ مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ إذْ قَدْ صَيَّرْنَا إلَيْهَا إحْرَازًا لِفَائِدَتِهَا فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِيهَا إلْحَاقُ نَاسِي التَّرْتِيبَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْفَائِتَتَيْنِ بِنَاسِي الْفَائِتَةِ فَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِهِ وَهُوَ أَلْحَقَهُ بِنَاسِي التَّعْيِينِ وَهُوَ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ لَمْ يَدْرِ مَا هِيَ وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ يُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِجَامِعِ تَحَقُّقِ طَرِيقٍ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ فَيَجِبُ سُلُوكُهَا، وَهَذَا الْوَجْهُ يُصَرِّحُ بِإِيجَابِ التَّرْتِيبِ فِي الْقَضَاءِ فَيَجِبُ الطَّرِيقُ الَّتِي تَعَيَّنَهَا كَمَا قِيلَ إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ صُورَةُ قَضَاءِ الصَّلَاتَيْنِ عِنْدَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ، ثُمَّ الظُّهْرَ فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ أَوَّلًا هُوَ

مِنْ يَوْمٍ، وَلَا يَدْرِي أَيَّتَهَا أُولَى فَعَلَى الْأَوَّلِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ؛ لِأَنَّ الْمُتَخَلِّلَةَ بَيْنَ الْفَوَائِتِ كَثِيرَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْفَوَائِتَ بِنَفْسِهَا يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ سِتًّا فَيُصَلِّي سَبْعَ صَلَوَاتٍ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْفَوَائِتُ الْقَدِيمَةُ وَالْحَدِيثَةُ قِيلَ تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَعَ تَذَكُّرِ الْحَدِيثَةِ لِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ وَقِيلَ: لَا تَجُوزُ وَيُجْعَلُ الْمَاضِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ أَيْضًا بِالظَّنِّ الْمُعْتَبَرِ كَمَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ، وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ فَسَدَ ظُهْرُهُ ثُمَّ قَضَى الْفَجْرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ يَجُوزُ الْعَصْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَاءِ الْعَصْرِ، وَهُوَ ظَنّ مُعْتَبَرٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُعِدْ بِعَوْدِهَا إلَى الْقِلَّةِ) أَيْ لَمْ يُعِدْ التَّرْتِيبَ بِعَوْدِ الْفَوَائِتِ إلَى الْقِلَّةِ بِقَضَاءِ بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ قَدْ تَلَاشَى فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقِيلَ: يَعُودُ التَّرْتِيبُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ سُقُوطِ التَّرْتِيبِ الْكَثْرَةُ وَقَدْ زَالَتْ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالظُّهْرَ. فَالظُّهْرُ الْأَخِيرَةُ تَقَعُ نَفْلًا، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْعَصْرَ فَالظُّهْرُ الْأَوَّلُ يَقَعُ نَفْلًا وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِالظُّهْرِ يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْعَصْرِ فَيُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ، وَلَوْ كَانَتْ الْفَوَائِتُ ثَلَاثًا ظُهْرٌ مِنْ يَوْمٍ وَعَصْرٌ مِنْ يَوْمٍ وَمَغْرِبٌ مِنْ يَوْمٍ وَلَا يَدْرِي تَرْتِيبَهَا وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ، ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الظُّهْرَ، ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ سَبْعَ صَلَوَاتٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثِ يَحْتَمِلُ أَنَّ كَوْنَهَا أُولَى أَوْ أَخِيرَةً أَوْ مُتَوَسِّطَةً تَجِيءُ تِسْعًا الثَّابِتُ فِي الْخَارِجِ سِتٌّ لِلتَّدَاخُلِ؛ لِأَنَّ تَوَسُّطَ الظُّهْرِ يَصْدُقُ فِي الْخَارِجِ أَمَّا مَعَ تَقَدُّمِ الْعَصْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ فَلَا يَكُونُ كُلٌّ قِسْمًا بِرَأْسِهِ، وَكَذَا هُمَا فَخَرَجَ بِوَاسِطَةِ كُلٍّ وَاحِدَةٌ يَبْقَى الثَّابِتُ الظُّهْرُ، ثُمَّ الْعَصْرُ، ثُمَّ الْمَغْرِبُ أَوْ الظُّهْرُ ثُمَّ الْمَغْرِبُ، ثُمَّ الْعَصْرُ فَهَذَانِ قِسْمَا تَقَدُّمِ الظُّهْرِ وَلِتَقَدُّمِ الْعَصْرِ مِثْلُهُمَا وَلِلْمَغْرِبِ كَذَلِكَ فَإِنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ مَعَ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ يُصَلِّي تِلْكَ السَّبْعَ، ثُمَّ يُصَلَّى الرَّابِعَةَ وَهِيَ الْعِشَاءُ فَصَارَتْ ثَمَانِيَةً، ثُمَّ يُعِيدُ تِلْكَ السَّبْعَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَالْجُمْلَةُ خَمْسَ عَشَرَةَ فَلَوْ كَانَتْ خَمْسًا مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ بِأَنْ تَرَكَ الْفَجْرَ أَيْضًا يُصَلِّي إحْدَى وَثَلَاثِينَ صَلَاةً تِلْكَ الْخَمْسَ عَشَرَةَ عَلَى ذَلِكَ النَّحْوِ، ثُمَّ يُصَلِّي الْخَامِسَةَ أَعْنِي الْفَجْرَ، ثُمَّ يُعِيدُ تِلْكَ الْخَمْسَ عَشَرَةَ فَالضَّابِطُ أَنَّ الْمَتْرُوكَةَ. وَإِنْ كَانَتَا ثِنْتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا، ثُمَّ يُعِيدُ أَوَّلَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةً صَلَّى تِلْكَ الثَّلَاثَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَعَادَ تِلْكَ الثَّلَاثِ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةً صَلَّى قَضَاءً الثَّلَاثَ كَمَا قُلْنَا، ثُمَّ الرَّابِعَةَ، ثُمَّ أَعَادَ مَا يَلْزَمُهُ فِي قَضَاءِ الثَّلَاثِ، وَإِنْ كَانَتْ خَمْسَةً فَعَلَ مَا لَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ أَرْبَعًا ثُمَّ يُصَلِّي الْخَامِسَةَ، ثُمَّ يَفْعَلُ مَا يَلْزَمُهُ فِي أَرْبَعٍ وَإِنَّمَا أَطْنَبْنَا لِكَثْرَةِ سُؤَالِ السُّؤَالِ عَنْهُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَأَنَّهُ تَخْفِيفًا عَلَى النَّاسِ لِكَسَلِهِمْ وَإِلَّا فَدَلِيلُهُمَا لَا يَتَرَجَّحُ عَلَى دَلِيلِهِ، وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا وَرَاءَ الصَّلَاتَيْنِ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ فَلَا يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الْأُولَى فِي قَوْلِ الْكُلِّ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ إعَادَةَ ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ فِي وَقْتِ الْوَقْتِيَّةِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ مُسْتَقِيمٌ أَمَّا إيجَابُ سَبْعِ صَلَوَاتٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَا يَسْتَقِيمُ لِتَضَمُّنِهِ تَفْوِيتَ الْوَقْتِيَّةِ اهـ. فَهَذَا يُوَضِّحُ لَك أَنَّ خِلَافَ هَؤُلَاءِ فِيمَا وَرَاءَ الثِّنْتَيْنِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ إيجَابِ سَبْعٍ بِإِيجَابِ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ كَسَبْعِ فَوَائِتَ مَعْنًى لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ إيجَابَ التَّرْتِيبِ فِي قَضَائِهَا يُوجِبُ سَبْعَ صَلَوَاتٍ فَإِذَا كَانَ التَّرْتِيبُ يَسْقُطُ بِسِتٍّ فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ بِسَبْعٍ وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى لَمْ يَعْتَبِرُوا إلَّا تَحَقُّقَ فَوَاتِ سِتٍّ وَالْأَوَّلُونَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِالسِّتِّ مَوْجُودٌ فِي إيجَابِ سَبْعٍ فَظَهَرَ بِهَذَا مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لَا كَمَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ قَوْلُهُ خَمْسُ وَقْتِيَّاتٍ أَيْ بِالْمُؤَدَّاةِ الْأُوَلِ اهـ وَقَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ أَيْ وَقْتِ السَّادِسَةِ اهـ وَقَوْلُهُ ابْتِدَاءً أَيْ لَا مَبْنًى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَوْقَاتٌ مُتَخَلَّلَةٌ لَا فَوَائِتَ فِيهَا اهـ مِنْهُ وَقَوْلُهُ وَهُوَ أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ اهـ وَقَوْلُهُ وَهَذَا أَيْ، وَهُوَ قِيَاسُهُ عَلَى نَاسِي التَّعْيِينِ اهـ مِنْهُ وَقَوْلُهُ ثُمَّ أَعَادَ مَا يَلْزَمُهُ فِي قَضَاءٍ إلَى آخِرِهِ أَيْ وَهُوَ سَبْعُ صَلَوَاتٍ اهـ. وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَفْعَلُ مَا يَلْزَمُهُ فِي أَرْبَعٍ هَذَا وَإِنَّمَا وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ مِنْ تِلْكَ الصَّلَوَاتِ مَا هُوَ نَفْلٌ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ وَسِيلَةً إلَى تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَتِهَا بِيَقِينٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ فَوَجَبَ لِوُجُوبِهَا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ صَحَّتْ النِّيَّةُ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي وُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ؟ (أُجِيبُ) بِإِنَّمَا صَحَّتْ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ كُلِّ وَاحِدَةٍ فِي ذِمَّتِهِ فَصَحَّتْ لِذَلِكَ لِظَنِّهِ بَقَاءَهَا فِي ذِمَّتِهِ فَأَشْبَهَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ مُعَيَّنَةٌ فَشَكَّ فِي أَدَائِهَا فَإِنَّهَا تَجْزِيهِ مَعَ شَكِّهِ لِاسْتِنَادِ نِيَّتِهِ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا فِي ذِمَّتِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ كَأَنَّهُ خَبَرُ كَأَنَّهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ كَأَنَّهُ قِيلَ ذَلِكَ تَخْفِيفًا اهـ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ) أَيْ فَيُصَلِّي أَيَّ صَلَاةٍ شَاءَ مِنْ الثَّلَاثِ اهـ (قَوْلُهُ فَيُصَلِّي سَبْعَ صَلَوَاتٍ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ: لَا تَجُوزُ وَيُجْعَلُ الْمَاضِي إلَى آخِرِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ وَمَا قَالُوا يُؤَدِّي إلَى التَّهَاوُنِ لَا إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ فَإِنَّ مَنْ اعْتَادَ تَفْوِيتَ الصَّلَاةِ وَغَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ التَّكَاسُلُ لَوْ أُفْتِيَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ يُفَوِّتُ أُخْرَى وَهَلُمَّ جَرَّا حَتَّى تَبْلُغَ حَدَّ الْكَثْرَةِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ زَاجِرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ) أَيْ وَأَنْ لَا تَصِيرَ الْمَعْصِيَةُ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ قَالَ أَبُو حَفْصٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّرْتِيبَ إذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ كَمَاءٍ قَلِيلٍ نَجَسٍ دَخَلَ عَلَيْهِ مَاءٌ جَارٍ حَتَّى سَالَ فَعَادَ قَلِيلًا لَمْ يَعُدْ نَجَسًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ إلَى آخِرِهِ) فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ صَلَاةَ شَهْرٍ مَثَلًا، ثُمَّ قَضَاهَا إلَّا صَلَاةً، ثُمَّ قَضَى الْوَقْتِيَّةَ ذَاكِرًا لَهَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ اهـ ع

يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَجَعَلَ يَقْضِي مِنْ الْغَدِ مَعَ كُلِّ وَقْتِيَّةٍ فَائِتَةً فَالْفَوَائِتُ جَائِزَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْوَقْتِيَّاتُ فَاسِدَةٌ إنْ قَدَّمَهَا لِدُخُولِ الْفَوَائِتِ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ، وَإِنْ أَخَّرَهَا فَكَذَلِكَ إلَّا الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَائِهَا (قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ الْكَرِيمِ) لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عَوْدِ التَّرْتِيبِ بَعْدَ سُقُوطِهِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَوْ سَقَطَ لَجَازَتْ الْوَقْتِيَّةُ الَّتِي بَدَأَ بِهَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ فَاتَهُ أَكْثَرُ مِنْ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَجْزَأَتْهُ الَّتِي بَدَأَ بِهَا؛ وَلِأَنَّ التَّرْتِيبَ إنَّمَا يَسْقُطُ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ هُنَا وَلَا يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِدُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِفَسَادِ الْوَقْتِيَّةِ الَّتِي بَدَأَ بِهَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَوْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ لَمَا فَسَدَتْ الَّتِي بَدَأَ بِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ عِنْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ صَلَّى فَرْضًا ذَاكِرًا فَائِتَةً، وَلَوْ وِتْرًا فَسَدَ فَرْضُهُ مَوْقُوفًا) حَتَّى لَوْ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ مَا لَمْ يَقْضِ الْفَائِتَةَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا، وَلَوْ قَضَى الْفَائِتَةَ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ سِتَّةُ أَوْقَاتٍ بَطَلَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ، وَانْقَلَبَ نَفْلًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْوِتْرُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْفَرْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَفْلٌ عِنْدَهُمَا، وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ، وَالنَّوَافِلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا إذَا صَلَّى الْفَرْضَ ذَاكِرًا لِلْفَائِتَةِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَبْطُلُ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ وَتَنْقَلِبُ نَفْلًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ مَا حُكِمَ بِفَسَادِهِ لِمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيهِ لَا يَصِحُّ إذَا سَقَطَ التَّرْتِيبُ فِيهِ كَمَنْ افْتَتَحَ الْفَرْضَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ذَاكِرًا لِلْفَائِتَةِ ثُمَّ ضَاقَ الْوَقْتُ لَمْ يُحْكَمْ بِجَوَازِهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ عِلَّةُ سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي حَقِّ مَا بَعْدَهَا لَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا كَمَا لَوْ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ ثَبَتَ الْإِذْنُ دَلَالَةً فِي حَقِّ مَا بَعْدَ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ لَا فِي حَقِّهِ، وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا صَارَ مُعَلَّمًا بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثَبَتَ الْحِلُّ فِيمَا بَعْدَهَا لَا فِيهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا تَبْقَى التَّحْرِيمَةُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْفَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِدُخُولِ الْفَوَائِتِ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ إلَى آخِرِهِ) فَإِنَّهُ مَتَى أَدَّى صَلَاةً مِنْ الْوَقْتِيَّاتِ صَارَتْ هِيَ سَادِسَةَ الْمَتْرُوكَاتِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا قَضَى مَتْرُوكَةً بَعْدَهَا عَادَتْ الْمَتْرُوكَاتُ خَمْسًا، ثُمَّ لَا يَزَالُ هَكَذَا فَلَا يَعُودُ إلَى الْجَوَازِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ صَارَتْ هِيَ سَادِسَةَ الْمَتْرُوكَاتِ فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَعُودَ كَانَ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا قَضَى بَعْدَهَا فَائِتَةً حَتَّى عَادَتْ الْمَتْرُوكَاتُ إلَى خَمْسٍ أَنْ تَجُوزَ الْوَقْتِيَّةُ الثَّانِيَةُ قَدَّمَهَا أَوْ أَخَّرَهَا، وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَ عِدَّةٍ لَا تُوجِبُ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ أَعْنِي خَمْسًا أَوْ أَرْبَعًا لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ إلَى الْخَمْسِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ إلَى آخِرِهِ) فَكَانَ فِي مَعْنَى النَّاسِي قَالُوا هَذَا إذَا ظَنَّ أَنَّ صَلَاةَ يَوْمِهِ جَائِزَةٌ، وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ الْعِشَاءُ الْأَخِيرَةُ أَيْضًا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَالْعَتَّابِيُّ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَالشَّهِيدُ فِي عُدَّةِ الْمُفْتِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَالَ أَدَائِهَا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَلَّى وَقْتِيَّةً أَوَّلًا فَقَدْ صَلَّاهَا قَبْلَ سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فَلَمْ تَجُزْ وَصَارَتْ مِنْ الْفَوَائِتِ فَصَارَتْ سِتًّا فَإِذَا قَضَى فَائِتَةً بَعْدَهَا عَادَتْ الْفَوَائِتُ خَمْسًا فَلَمْ يَزَلْ كَذَا أَمَّا إذَا قَدَّمَ الْفَوَائِتَ لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّاتُ إلَّا الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا وَفِي زَعْمِهِ أَنَّهُ أَعَادَ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ فَلَا يَصِيرُ الْوَقْتُ وَقْتًا لِلْفَائِتَةِ إذَا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَائِتَةَ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا اهـ وَبِهَذَا سَقَطَ إشْكَالُ الشَّارِحِ كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ هُنَا) أَيْ حَتَّى صَارَتْ خَمْسًا بِقَضَاءِ الْفَائِتَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ إذْ لَوْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى تِلْكَ الرَّاوِيَةِ لَمَا فَسَدَتْ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي يُقَالُ فِيهَا وَاحِدَةٌ تُصَحِّحُ الْخَمْسَ وَوَاحِدَةٌ تُفْسِدُ الْخَمْسَ فَالْمُصَحِّحَةُ هِيَ السَّادِسَةُ وَالْمُفْسِدَةُ هِيَ الْمَتْرُوكَةُ تُقْضَى قَبْلَ السَّادِسَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ وِتْرًا) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي غَالِبِ نُسَخِ الْمَتْنِ، وَلَوْ وِتْرًا اهـ. {فَرْعٌ} وَفِي الْحَاوِي لَا يَدْرِي كَمِيَّةَ الْفَوَائِتِ يَعْمَلُ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ يَقْضِي حَتَّى يَسْتَيْقِنَ وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَقْضِي احْتِيَاطًا فَقِيلَ يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَقِيلَ لَا يَقْرَأُ، وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَدْرِي أَيُّهَا هِيَ يَقْضِي الْخَمْسَ احْتِيَاطًا وَفِي صَلَاةِ الْجَلَّابِيِّ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَدْرِي أَيَّتَهَا هِيَ يَتَحَرَّى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ أَعَادَ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالثَّوْرِيُّ يُعِيدُ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ رَكْعَتَانِ يَنْوِي بِهِمَا الْفَجْرَ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَأَرْبَعًا يَنْوِي ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا أَوْ عِشَاءً إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَثَلَاثًا بِنِيَّةِ الْمَغْرِبِ وَقَالَ زُفَرُ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَالْمُزَنِيِّ يُصَلِّي أَرْبَعًا يَقْعُدُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ يَنْوِي الصَّلَاةَ الَّتِي عَلَيْهِ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَمَّنْ نَسِيَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا مِنْ أَيَّةِ صَلَاةٍ قَالَ يُعِيدُ الْخَمْسَ قُلْت فَإِنْ نَسِيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ يُعِيدُ صَلَاةَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالرَّازِيِّ وَالنَّسَفِيِّ مَعَ الثَّوْرِيِّ وَفِي جَامِعِ الْكُرْدِيِّ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ رُكْنًا مِنْ صَلَاةٍ لَا يَدْرِي أَيَّتُهَا يَقْضِي صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ فِي الْقَضَاءِ شَرْطٌ وَأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ بِجَهْلِهِ بِهَا فَيَقْضِي صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ وَبِهِ ظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْمَرِيسِيِّ وَالْمُزَنِيِّ. وَلَوْ نَسِيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ أَوْ سِتًّا مِنْ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعًا مِنْ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أَوْ ثَمَانِيًا مِنْ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ قَضَى صَلَوَاتِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ سِتَّةٍ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ تَعْيِينِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ، وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ إذَا صَارَتْ سِتًّا عَادَتْ الْمَفْعُولَاتُ صَحِيحَةً كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْفَائِتَةِ. وَالْفَرْضُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّ صَلَاةٍ وَتَعْيِينُ النِّيَّةِ وَاجِبٌ وَلَا طَرِيقَ إلَى قَضَاءِ الْفَوَائِتِ عَيْنًا إلَّا بِقَضَاءِ جَمِيعِ صَلَوَاتِ الْأَيَّامِ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَا يَخْفَى حُسْنُ هَذَا النَّظَرِ اهـ

[باب سجود السهو]

فَإِذَا بَطَلَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِالْكَثْرَةِ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِالْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ تُؤَثِّرَ فِي السُّقُوطِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَعَادَهَا غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ جَازَتْ عِنْدَهُمَا أَيْضًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ قِلَّتُهَا وَقَدْ زَالَتْ فَلَا يَبْقَى الْمَانِعُ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَوَقَّفَ حُكْمٌ عَلَى أَمْرٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ إلَى الْفَقِيرِ يَتَوَقَّفُ فَإِنْ بَقِيَ النِّصَابُ إلَى تَمَامِ الْحَوْلِ صَارَ فَرْضًا، وَإِنْ نَقَصَ وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى النُّقْصَانِ صَارَ نَفْلًا. وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ يَتَوَقَّفُ وَكَذَا ظُهْرَ الْجُمُعَةِ إذَا صَلَّاهُ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ يَتَوَقَّفُ، وَكَذَا أَصْحَابُ الْأَعْذَارِ إذَا انْقَطَعَ عُذْرُهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ عَادَ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا صَاحِبَةُ الْعَادَةِ لَوْ جَاوَزَ الدَّمُ عَادَتَهَا فَاغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ يَتَوَقَّفُ فَإِنْ جَاوَزَ الدَّمُ الْعَشَرَةَ جَازَتْ وَكَذَا صَوْمُهَا إنْ صَامَتْ، وَإِنْ لَمْ تُجَاوِزْهَا نُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ، وَكَذَا لَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ الْعَادَةِ فَاغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ أَوْ صَامَتْ يَتَوَقَّفُ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ صَحَّ، وَإِنْ عَادَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ ضِيقِ الْوَقْتِ فَإِنَّ ضِيقَ الْوَقْتِ لَا يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا قُدِّمْت الْوَقْتِيَّةُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا؛ لِقُوَّتِهَا مَعَ بَقَاءِ التَّرْتِيبِ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فِيمَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ حَتَّى لَوْ قَدَّمَ الْمُتَأَخِّرَةَ مِنْ الْفَوَائِتِ لَا تَجُوزُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. (بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ بَعْدَ السَّلَامِ سَجْدَتَانِ بِتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ بِتَرْكِ وَاجِبٍ، وَإِنْ تَكَرَّرَ) أَيْ، وَإِنْ تَكَرَّرَ تَرْكُ الْوَاجِبِ حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ سَجْدَتَيْنِ اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلِ فِي صِفَتِهِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ إذَا سَهَا الْإِمَامُ وَجَبَ عَلَى الْمُؤْتَمِّ السُّجُودُ نَصَّ عَلَى وُجُوبِهِ وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ فَصَارَ كَالدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْعِبَادَةِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَاجِبٌ وَذَلِكَ يَجْبُرُ النُّقْصَانَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ سُنَّةٌ اسْتِدْلَالًا بِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْعَوْدَ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ لَا يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْقَعْدَةَ وَقَالُوا لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَرَفَعَهُ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالصُّلْبِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَلِهَذَا يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ، وَلَوْلَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَمَا رَفَعَهُمَا وَإِنَّمَا لَا يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهُ لِكَوْنِهَا فَرْضًا بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْقَعْدَةِ لِكَوْنِهَا رُكْنًا وَبِخِلَافِ سَجْدَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِذَا بَطَلَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ بَطَلَتْ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ التَّذَكُّرِ لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ. اهـ. فَتْحٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ يَنْبَنِي مَا إذَا خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْجُمُعَةِ فَقَهْقَهَ لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ اقْتَدِي بِهِ رَجُلٌ صَحَّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الِاخْتِلَافَ هَكَذَا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ أَيْسَرَ بَقِيَ نَفْلًا إجْمَاعًا فَكَذَا فِي الصَّلَاةِ وَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لِكَوْنِ الصَّلَاةِ مَظْنُونَةً كَذَا قَالَهُ فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّرْتِيبَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يُوجِبُ ثُبُوتَ صِحَّةِ الْمُؤَدَّيَاتِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ وَقْتِ سَادِسَتِهَا الَّتِي هِيَ سَابِعَةُ الْمَتْرُوكَةِ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ تَثْبُتُ حِينَئِذٍ وَهِيَ الْمُسْقِطَةُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى أَدَائِهَا كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّصْوِيرِ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ وَأَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَى مَا إذَا كَانَ ظَانًّا عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ مَشَايِخِهِمْ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يَقْطَعُ بِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ ظَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ أَوْ لَا اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ إلَخْ) فَإِنْ أَفَاضَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ تَنْقَلِبُ نَفْلًا، وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا مَعَ الْعِشَاءِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ الْمُزْدَلِفَةَ وَتَوَجَّهَ إلَى مَكَّةَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى إلَى الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ مَا أَصْبَحَ جَازَ الْمَغْرِبُ اهـ كَاكِيٌّ [بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ] (قَوْلُهُ سُجُودُ السَّهْوِ) إضَافَةُ السُّجُودِ إلَى السَّهْوِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْإِضَافَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ سَجْدَتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إذَا اجْتَمَعَ نَقْصٌ وَزِيَادَةٌ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ تَدَاخَلَ وَإِلَّا فَلَا كَمَحْظُورَاتِ الْحَجِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ» وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَتَكَرَّرُ السُّجُودُ بَعْدَ السَّهْوِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ السُّجُودَ وَجَبَ بِعِلَّةِ السَّهْوِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَتَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يُوجِبُ عِلِّيَّةَ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ مِثْلَ زَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ وَسَرَقَ صَفْوَانُ فَقُطِعَ، وَإِذَا كَانَ السَّهْوُ هُوَ الْعِلَّةُ انْدَرَجَتْ أَفْرَادُهُ تَحْتَ السَّجْدَتَيْنِ وَعَنْ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ لِكُلِّ سَهْوٍ صَلَاةٌ سَجْدَتَانِ فَعَمَّ أَفْرَادَ سَهْوِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ سَاهِيًا وَقَامَ وَهُوَ سَهْوٌ آخَرُ»، وَغَيْرَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ أَوْ مَعْنَاهُ يَكْفِي لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَجْدَتَا السَّهْوِ يَجْزِيَانِ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ وَزِيَادَةٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَدِيٍّ وَفِيهِ حَكِيمُ بْنُ نَافِعٍ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَضَعَّفَهُ أَبُو زُرْعَةَ فَالْجَرْحُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ سَبَبِهِ لَا يُسْمَعُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ السُّجُودَ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ السَّهْوِ كَقَوْلِهِمْ لِكُلِّ ذَنْبٍ تَوْبَةٌ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهَا فَرْضًا إلَى آخِرِهِ) وَعَلَى هَذَا لَوْ سَلَّمَ بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْ سَجْدَةِ السَّهْوِ يَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ وَلَا يَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ بَعْدَ تَيْنِكَ السَّجْدَتَيْنِ حَيْثُ تَفْسُدُ لِتَرْكِ الْفَرْضِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْقَعْدَةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الْقَعْدَةُ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ لَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِهَا لِيَقَعَ خَتْمُ الصَّلَاةِ

التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا أَثَرُ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ رُكْنٌ فَيُعْطَى لَهَا حُكْمُهَا وَلِأَنَّ السَّجْدَةَ الصُّلْبِيَّةَ وَسَجْدَةَ التِّلَاوَةِ مَحَلُّهُمَا قَبْلَ الْقَعْدَةِ فَإِذَا عَادَ إلَى السُّجُودِ عَادَ إلَى شَيْءٍ مَحَلُّهُ قَبْلَهَا فَيَرْفَعُهَا بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَهَا فَلَا يَرْفَعُهَا وَقِيلَ: إنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَا تَرْفَعُ الْقَعْدَةَ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَا تَرْفَعُ الْفَرْضَ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَالثَّانِي فِي مَحَلِّهِ، وَهُوَ بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَنَا كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَبْلَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ الْمَذْهَبَيْنِ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ. وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِمَا وَالتَّرْجِيحُ لِمَا قُلْنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ السَّلَامَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَيُقَدَّمُ عَلَى سُجُودِ السَّهْوِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ فَيُؤَخَّرُ عَنْ السَّلَامِ حَتَّى لَوْ سَهَا عَنْ السَّلَامِ يَنْجَبِرُ بِهِ. وَالثَّالِثُ فِي بَيَانِ مَا يُفْعَلُ بَعْدَ السُّجُودِ قَالَ فِي الْكِتَابِ بِتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ أَيْ يَأْتِي بِهِمَا بَعْدَ السُّجُودِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ» وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّسْلِيمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ صَرْفًا لِلسَّلَامِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ إلَى الْمَعْهُودِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلَا يَنْحَرِفُ عَنْ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَعْنَى التَّحِيَّةِ دُونَ التَّحْلِيلِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ لَا يَأْتِي بِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ تَسْلِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ. وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءِ فِي قَعْدَةِ السَّهْوِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُمَا آخِرُ الصَّلَاةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَقِيلَ: يَأْتِي بِهِمَا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ كُلُّ قَعْدَةٍ فِي آخِرِهَا سَلَامٌ فَفِيهَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَأْتِي بِهِمَا فِي الْقَعْدَتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا فَيُوَافِقُ مَوْضُوعَ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ ذَهَبَ بَعْدَ مَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ السَّهْوَ وَانْصَرَفَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَإِذَا انْصَرَفَ بَعْدَ السُّجُودِ أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ، ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي مَكَانِهِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ يَسْجُدُ وَيَقْعُدُ بَعْدَهَا قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِرَفْضِ الْقَعْدَةِ بِالْعَوْدِ إلَى السَّجْدَةِ وَجَازَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاضَ الْقَعْدَةِ حَصَلَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الشَّرِكَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَوْمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَهَا فَلَا يَرْفَعُهَا إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْحَوَاشِي إذَا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِصَابَةُ لَفْظَةِ السَّلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ. اهـ. غَايَةٌ. (فَرْعٌ) شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَتَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ حَتَّى اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَطَالَ بِأَنْ كَانَ مِقْدَارَ مَا يُؤَدَّى فِيهِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ لَمْ يُطِلْ لَا يَسْجُدُ، وَكَذَا إنْ كَانَ تَفَكُّرُهُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلسَّهْوِ سَهْوٌ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ لَا سَهْوَ صَلَاةٍ أُخْرَى، وَلَوْ شَكَّ فِي سُجُودِ السَّهْوِ يَتَحَرَّى وَلَا يَسْجُدُ لِهَذَا السَّهْوِ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ سُجُودِ السَّهْوِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ اهـ لُخِّصَ مِنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ فَيُؤَخَّرُ عَنْ السَّلَامِ) أَيْ لِيَكُونَ جَبْرًا لِكُلِّ سَهْوٍ يَقَعُ فِي الصَّلَاةِ وَمَا لَمْ يُسَلِّمْ فَتَوَهُّمُ السَّهْوِ ثَابِتٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَشَغَلَهُ ذَلِكَ حَتَّى أَخَّرَ السَّلَامَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا فَإِنَّهُ لَوْ سَجَدَ لِهَذَا النَّقْصِ بِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ تَكَرَّرَ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ بَقِيَ نَقْصًا لَازِمًا غَيْرَ مَجْبُورٍ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يُؤَخَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ لِهَذَا الْمُجَوَّزِ، وَهَذَا دَلِيلُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لَا يَجِبُ إعَادَتُهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ بِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ أَيْ، وَهُوَ السَّلَامُ اهـ. (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّسْلِيمِ) أَيْ التَّسْلِيمِ الَّذِي قَبْلَ سُجُودِ السَّهْوِ. اهـ. (قَوْلُهُ تَسْلِيمَتَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ) وَفِي الْيَنَابِيعِ التَّسْلِيمَتَانِ أَصَحُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ هُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ) أَيْ وَأَبِي الْيُسْرِ وَالْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ حِينَ سُئِلَ عَنْ هَذَا لَمْ يُجِزْ مَالِكٌ الشِّمَالَ حَتَّى يَتْرُكَ السَّلَامَ عَلَيْهِ، وَنَسَبَ أَبُو الْيُسْرِ الْقَائِلُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ إلَى الْبِدْعَةِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إنَّمَا اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَاهُ بِإِشَارَةِ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فَتَقَصَّيْنَا عَنْ عُهْدَةِ الْبِدْعَةِ وَإِنَّمَا الْعُهْدَةُ عَلَى مَنْ قَصَّرَ فِي طَلَبِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ) وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، وَهُوَ الْأَصْوَبُ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ أَحْوَطُ اهـ. (فَائِدَةٌ) شَرَعَ فِي الظُّهْرِ، ثُمَّ تَوَهَّمَ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ فَصَلَّى عَلَى ذَلِكَ الْوَهْمِ رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ شَرْطُ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ لَا شَرْطُ بَقَائِهَا كَأَصْلِ النِّيَّةِ فَلَمْ يُوجَدْ تَغْيِيرُ فَرْضٍ، وَلَا تَرْكُ وَاجِبٍ، وَإِنْ تَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ تَفَكُّرًا شَغَلَهُ عَنْ رُكْنٍ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ اسْتِحْسَانًا عَلَى مَا مَرَّ. اهـ. بَدَائِعُ. وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فَقَرَأَ، ثُمَّ شَكَّ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَإِعَادَةِ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ كَبَّرَ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ بِزِيَادَةِ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ أَخَّرَ رُكْنًا، وَهُوَ الرُّكُوعُ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا شَكَّ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ فَتَفَكَّرَ حَتَّى اسْتَيْقَنَ وَبَيْنَ مَا إذَا شَكَّ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، ثُمَّ اسْتَيْقَنَ فِي حَقِّ وُجُوبِ السَّجْدَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ الْوَاجِبَ، وَهُوَ السَّلَامُ، وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ مَا سَلَّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً ثُمَّ اسْتَيْقَنَ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى خَرَجَ عَنْ الصَّلَاةِ وَانْعَدَمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَنْقِيصُهَا بِتَفْوِيتِ وَاجِبٍ مِنْهَا فَاسْتَحَالَ إيجَابُ الْجَابِرِ، وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ فَعَادَ إلَى الْوُضُوءِ، ثُمَّ شَكَّ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ إلَى الصَّلَاةِ فَتَفَكَّرَ، ثُمَّ اسْتَيْقَنَ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ السَّهْوُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا إذَا طَالَ تَفَكُّرُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُؤَدٍّ لَهَا. اهـ. بَدَائِعُ وَقَالُوا: لَوْ افْتَتَحَ فَشَكَّ أَنَّهُ هَلْ كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَبَّرَ إنْ شَغَلَهُ التَّفَكُّرُ عَنْ أَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ الصَّلَاةِ كَانَ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَإِلَّا فَلَا. وَكَذَا لَوْ شَكَّ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ أَوْ فِي الْعَصْرِ أَوْ سَهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ إنْ تَفَكَّرَ قَدْرَ رُكْنٍ كَالرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يَجِبُ، وَإِنْ شَكَّ فِي

يُصَلِّي فِي الْأُولَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُصَلِّي فِي الْأَخِيرَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ يُخْرِجُهُ مِنْهَا عِنْدَهُمَا فَكَانَتْ الْأُولَى هِيَ الْقَعْدَةُ لِلْخَتْمِ فَيُصَلِّي فِيهَا وَيَدْعُو لِيَكُونَ خُرُوجُهُ مِنْهَا بَعْدَ الْأَرْكَانِ وَالسُّنَنِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ وَالْآدَابِ قَالَ فِي الْمُفِيدِ هُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُخْرِجُهُ مِنْهَا فَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَالدُّعَاءَ إلَى قَعْدَةِ السَّهْوِ فَإِنَّهَا هِيَ الْأَخِيرَةُ وَالرَّابِعُ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِسُجُودِ السَّهْوِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ تَغْيِيرِهِ أَوْ تَأْخِيرِ رُكْنٍ أَوْ تَقْدِيمِهِ أَوْ تَكْرَارِهِ أَوْ تَرْكِ التَّرْتِيبِ فِيمَا شَرَعَ مُكَرَّرًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لَا غَيْرُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَيْ يَجِبُ سَجْدَتَانِ بِسَبَبِ تَرْكِ وَاجِبٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالتَّغْيِيرِ تَرْكَ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ فَصَارَ تَرْكُ الْوَاجِبِ شَامِلًا لِلْكُلِّ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ فَنَقُولُ: وَاجِبَاتُ الصَّلَاةِ أَنْوَاعٌ مِنْهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ فَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ أَكْثَرَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ كَرَّرَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا، وَهُوَ السُّورَةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَادَهَا بَعْدَ السُّورَةِ أَوْ كَرَّرَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَحْدَهَا وَتَرَكَ السُّورَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ مَعَ الْفَاتِحَةِ آيَةً قَصِيرَةً؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ، وَلَوْ أَخَّرَ الْفَاتِحَةَ عَنْ السُّورَةِ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ آيَةً فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ الْقَوْمَةِ أَوْ الْقُعُودِ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ الْقِرَاءَةِ. وَلَوْ قَرَأَ السُّورَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ الذِّكْرِ وَمِنْهَا التَّشَهُّدُ فَإِذَا تَرَكَهُ فِي الْقُعُودِ الْأَوَّلِ أَوْ الْأَخِيرِ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَكَذَا إذَا تَرَكَ بَعْضَهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ تَشَهَّدَ فِي قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ مَحَلُّ الثَّنَاءِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ تَشَهَّدَ فِي قِيَامِهِ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَبَعْدَهَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَحَلَّ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فَإِذَا تَشَهَّدَ فِيهِ فَقَدْ أَخَّرَ الْوَاجِبَ وَقَبْلَهَا مَحَلُّ الثَّنَاءِ، وَلَوْ كَرَّرَ التَّشَهُّدَ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَكَذَا إذَا زَادَ عَلَى التَّشَهُّدِ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ رُكْنًا، وَهُوَ الْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجِبُ حَتَّى يَقُولَ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَلَوْ كَرَّرَهُ فِي الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَمِنْهَا الْقُنُوتُ فَإِذَا تَرَكَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ. وَتَرْكُهُ يَتَحَقَّقُ بِرَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ تَرَكَ الْقُنُوتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ فِي صَلَاةٍ صَلَّاهَا قَبْلَهَا لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَ تَفَكُّرُهُ، وَلَوْ انْصَرَفَ لِسَبْقِ حَدَثٍ فَشَكَّ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، ثُمَّ عَلِمَ وَشَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ وُضُوئِهِ سَاعَةً، ثُمَّ أَتَمَّ وُضُوءَهُ كَانَ عَلَيْهِ السَّهْوُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُرْمَتِهَا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَرَأَ آيَةً فِي الرُّكُوعِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ فِي سُجُودِهِ أَوْ فِي قِيَامِهِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَهَذِهِ الْأَرْكَانُ مَوَاضِعُ الثَّنَاءِ اهـ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اهـ. وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي الْقَعْدَةِ إنَّمَا يَجِبُ السَّهْوُ إذَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ التَّشَهُّدِ أَمَّا إذَا فَرَغَ فَلَا يَجِبُ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ مَحَلُّ الثَّنَاءِ أَيْ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهِمَا فَإِنَّ فِيهِ السَّهْوَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَبْلَهَا مَحَلُّ الثَّنَاءِ إلَى آخِرِهِ)، وَهَذَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا زَادَ عَلَى التَّشَهُّدِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ زَادَ عَلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ فِي أَمَالِي الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ لَهُمَا أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لَوَجَبَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ شَرْعٌ وَلَا يُعْقَلُ تَمَكُّنُ النُّقْصَانِ فِي الصَّلَاةِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ بِتَأْخِيرِ الْفَرْضِ، وَهُوَ الْقِيَامُ إلَّا أَنَّ التَّأْخِيرَ حَصَلَ بِالصَّلَاةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهَا تَأْخِيرٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا صَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا، وَلَوْ تَلَا سَجْدَةً فَنَسِيَ أَنْ يَسْجُدَهَا، ثُمَّ تَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا وَيَسْجُدَ بِهَا لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ الْوَاجِبَ عَنْ وَقْتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إلَى آخِرِهِ)، وَلَوْ زَادَ حَرْفًا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مُقَدَّمًا عَلَى بَقِيَّةِ الْأَقْوَالِ وَلَمْ يُصَحِّحْ مِنْ الْأَقْوَالِ شَيْئًا لَكِنْ تَقْدِيمُهُ هَذَا الْقَوْلَ عَلَى غَيْرِهِ يُرْشِدُ إلَى أَنَّهُ أَصَحُّ. وَهَكَذَا قَدَّمَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَهُنَاكَ عِبَارَتُهُ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ زَادَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ حَرْفًا يَجِبُ السَّهْوُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ إذَا قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ إنَّمَا يَجِبُ إذَا قَالَ مَعَهُ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ آخَرُونَ إلَى آخِرِهِ) وَعَنْ الصَّفَّارِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِي هَذَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَسْتَقْبِحُ إذْ أُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت قَدْ: أَوْجَبَ سُجُودَ السَّهْوِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِكَوْنِهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا فَكَذَا بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَوْنِهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ إلَى آخِرِهِ)، وَكَذَا قِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ إذَا سَهَا عَنْهَا فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ، ثُمَّ تَذَكَّرَهَا قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَ مَا سَلَّمَ سَاهِيًا قَرَأَهَا وَسَلَّمَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى يَسَارِهِ قَبْلَ يَمِينِهِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي السَّلَامِ مِنْ بَابِ السُّنَّةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ السَّهْوِ، وَلَوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ. اهـ. بَدَائِعُ

فَفِي عَوْدِهِ إلَى الْقِيَامِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَةَ الَّتِي بَعْدَ الْقِرَاءَةِ قَبْلَ الْقُنُوتِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ تَكْبِيرَةِ الْعِيدِ وَمِنْهَا تَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ فَإِذَا تَرَكَهَا أَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً مِنْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَلَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ تَبَعًا لِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ بِخِلَافِ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُلْحَقَةً بِهَا وَمِنْهَا الْبَسْمَلَةُ فَإِذَا تَرَكَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ، وَقِيلَ إنْ تَرَكَهَا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ يَجِبُ، وَإِنْ تَرَكَهَا بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ لَا يَجِبُ، وَمِنْهَا الْجَهْرُ وَالْإِخْفَاءُ حَتَّى لَوْ جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ أَوْ خَافَتَ فِيمَا يَجْهَرُ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مَا يَجِبُ بِهِ السَّهْوُ مِنْهُمَا فَقِيلَ إنْ جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ خَافَتَ فِيمَا يَجْهَرُ يَنْظُرُ فَإِنْ خَافَتَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَوْ أَكْثَرِهَا فَعَلَيْهِ السَّهْوُ وَإِنْ خَافَتَ فِي أَقَلِّهَا فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى فَيُعْتَبَرُ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَهْرِ فِيمَا يُخَافِتُ أَقْبَحُ مِنْ الْمُخَافَتَةِ فِيمَا يَجْهَرُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِالْمَنْسُوخِ فَغُلِّظَ حُكْمُهُ، وَلِأَنَّ لِصَلَاةِ الْجَهْرِ حَظًّا مِنْ الْمُخَافَتَةِ كَالْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ. وَكَذَا الْمُنْفَرِد يَتَخَيَّرُ فِيمَا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ وَلَا حَظَّ لِصَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ مِنْ الْجَهْرِ فَأَوْجَبْنَا السُّجُودَ فِي الْجَهْرِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَشَرَطْنَا الْكَثْرَةَ فِي الْمُخَافَتَةِ وَفِي الْفَاتِحَةِ أَكْثَرَهَا؛ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ كُلَّهَا ثَنَاءٌ وَدُعَاءٌ؛ وَلِهَذَا شُرِعَتْ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى سَبِيلِ الدُّعَاءِ فَأُعْطِيَ لَهَا حُكْمُ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ مِنْ وَجْهٍ، وَإِنْ كَانَتْ تِلَاوَةً حَقِيقَةً وَالْجَهْرُ بِالثَّنَاءِ لَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ وَبِالتِّلَاوَةِ يُوجِبُ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ فِي الْفَصْلَيْنِ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَعَنْ الْكَثِيرِ يُمْكِنُ، وَمَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَثِيرٌ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ آيَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمُنْفَرِدُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّهْوُ بِالْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فَفِي عَوْدِهِ إلَى الْقُنُوتِ رِوَايَتَانِ إلَى آخِرِهِ) أَحَدُهُمَا يَعُودُ وَيَقْنُتُ وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقِيلَ لَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ وَالْأَوَّلُ الْأَوْجَهُ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقُنُوتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُمَا أَنَّهُ سُنَّةٌ، ثُمَّ رَجَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتَاوَى رِوَايَةَ عَدَمِ الْعَوْدِ إلَى الْقُنُوتِ وَجَعَلَهَا ظَاهِرَ الرَّاوِيَةِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فِي بَابِ الْقُنُوتِ، وَأَمَّا حُكْمُ الْقُنُوتِ إذَا فَاتَ عَنْ مَحَلِّهِ فَيَقُولُ إذَا نَسِيَ الْقُنُوتَ حَتَّى رَكَعَ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ مَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ لَا يَعُودُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقُنُوتُ وَإِنْ كَانَ فِي الرُّكُوعِ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقُنُوتِ؛ لِأَنَّ لَهُ شَبَهًا بِالْقُرْآنِ فَيَعُودُ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ، وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ مَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْهُ أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ يَعُودُ وَيُنْتَقَضُ رُكُوعُهُ كَذَا هَذَا وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ أَنَّ الرُّكُوعَ يَتَكَامَلُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ الْقِرَاءَةِ أَصْلًا فَيَتَكَامَلُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ عَلَى التَّعْيِينِ وَاجِبَةٌ فَيُنْتَقَضُ الرُّكُوعُ بِتَرْكِهَا فَكَانَ نَقْضُ الرُّكُوعِ لِلْأَدَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ وَالْأَحْسَنِ وَكَانَ مَشْرُوعًا. وَأَمَّا الْقُنُوتُ فَلَيْسَ مِمَّا يَتَكَامَلُ بِهِ الرُّكُوعُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا قُنُوتَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَالرُّكُوعُ يُعْتَبَرُ بِدُونِهِ فَلَمْ يَكُنْ النَّقْضُ لِلتَّكْمِيلِ لِكَمَالِهِ فِي نَفْسِهِ فَلَوْ نَقَضَ كَانَ النَّقْضُ لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ الْفَرْضِ لِتَحْصِيلِ الْوَاجِبِ فَهُوَ الْفَرْقُ وَلَا يَقْنُتُ فِي الرُّجُوعِ بِخِلَافِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ إذَا تَذَكَّرَهَا فِي حَالِ الرُّكُوعِ حَيْثُ يُكَبِّرُ فِيهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ لَمْ تَخْتَصَّ بِالْقِيَامِ الْمَحْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ يُؤْتَى بِهَا فِي حَالَةِ الِانْحِطَاطِ وَهِيَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَإِذَا جَازَ أَدَاءُ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي غَيْرِ مَحْضِ الْقِيَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَ أَدَاءُ الْبَاقِي مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَأَمَّا الْقُنُوتُ فَلَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي مَحَلِّ الثَّنَاءِ غَيْرِ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الرُّكُوعِ الَّذِي هُوَ قِيَامٌ مِنْ وَجْهٍ، وَلَوْ أَنَّهُ عَادَ إلَى الْقِيَامِ وَقَنَتَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْتَقَضَ رُكُوعُهُ عَلَى قِيَاسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ إلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ حَيْثُ يُنْتَقَضُ رُكُوعُهُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا تَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ فَتَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ قَضَاهَا فِي الرُّكُوعِ بِخِلَافِ الْقُنُوتِ إذَا تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ حَيْثُ يَسْقُطُ اهـ. (قَوْلُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إلَى آخِرِهِ)، وَكَذَا إذَا سَهَا عَنْهَا أَوْ أَتَى بِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ تَغْيِيرُ فَرْضٍ أَوْ وَاجِبٍ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْبَسْمَلَةُ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ نَقْلًا عَنْ أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ وَلَا يَتَعَلَّقُ السَّهْوُ بِتَرْكِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ وَتَكْبِيرَاتِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَكُلُّ ذِكْرٍ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَهُوَ مَا يُجْعَلُ عَلَامَةً لِغَيْرِهِ فَتَرْكُهُ لَا يُلْزِمُ السَّهْوَ وَمَا هُوَ مَقْصُودٌ وَهُوَ أَنْ لَا يُجْعَلَ عَلَامَةً لِغَيْرِهِ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ) وَفِي الْمُفِيدِ لَا يَجِبُ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ وَالتَّأْمِينِ شَيْءٌ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَهَا بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ لَا يَجِبُ) وَأَوْجَبَ عَيْنُ الْأَئِمَّةِ الْكَرَابِيسِيُّ السَّهْوَ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْجَهْرُ وَالْإِخْفَاءُ إلَى آخِرِهِ) فِي الْمُنْتَقَى وَغَرِيبِ الرَّاوِيَةِ فِي النَّفْلِ يَجْهَرُ فَإِنْ خَافَتْ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ فِي الْفَصْلَيْنِ إلَخْ)، وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ الْقَاضِي التَّمِيمِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّهْوُ بِالْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ كَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَقَدْ يُقَالُ كَوْنُهُ مُخَيَّرًا فِي الْجَهْرِيَّةِ مُسَلَّمٌ أَمَّا فِي السَّرِيَّةِ قُلْنَا أَنْ نَمْنَعَ تَجْوِيزَ الْجَهْرِيَّةِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي يُخَافِتُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ لَا يُخَيِّرُ الْمُنْفَرِدُ بَيْنَ الْجَهْرِيَّةِ وَالْمُخَافَتَةِ بَلْ يُخَافِتُ اهـ. وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيُخْفِي فِيمَا يُخْفِي الْإِمَامُ وَيَتَخَيَّرُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهَا اهـ

لِأَنَّهُمَا مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ وَمِنْهَا الْقَعْدَةُ الْأُولَى حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ. وَكَذَا تَأْخِير الرُّكْنِ يُوجِبُ السَّهْوَ حَتَّى لَوْ أَخَّرَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَكَذَا تَكْرَارُهُ كَرُكُوعَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ سَجَدَاتٍ، وَفِي الْبَدَائِعِ اخْتَلَفُوا فِي تَرْكِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ وَالْقَوْمَةِ وَالْقَعْدَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِسَهْوِ إمَامِهِ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ بِسَهْوِ إمَامِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ وَسَجَدَ الْقَوْمُ مَعَهُ» وَلِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ صَارَ تَبَعًا لِلْإِمَامِ؛ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ الْأَرْبَعُ بِاقْتِدَائِهِ بِالْإِمَامِ الْمُقِيمِ أَوْ نَوَى إمَامُهُ الْإِقَامَةَ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِهِ وَقْتَ السَّهْوِ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَمَا سَهَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْجُدَ مَعَ الْإِمَامِ تَبَعًا لَهُ، وَلَوْ دَخَلَ مَعَهُ بَعْدَ مَا سَجَدَ سَجْدَةَ السَّهْوِ يُتَابِعُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يَقْضِي الْأُولَى، وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ بَعْدَمَا سَجَدَهُمَا لَا يَقْضِيهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَا يَسْجُدْ الْمُؤْتَمُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ وَمَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا تَبَعًا لَهُ بِخِلَافِ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ حَيْثُ يَأْتِي بِهِ الْمُؤْتَمُّ، وَإِنْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ فِيهِ حَتْمًا وَسُجُودُ السَّهْوِ يُؤَدَّى فِي حُرْمَتِهَا؛ وَلِهَذَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ بَعْدَ مَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِسَهْوِهِ) أَيْ لَا يَجِبُ بِسَهْوِ نَفْسِهِ يَعْنِي الْمُقْتَدِيَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ وَحْدَهُ كَانَ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ، وَلَوْ تَابَعَهُ الْإِمَامُ يَنْقَلِبُ التَّبَعُ أَصْلًا، وَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا فَسَهَا بَعْدَ مَا قَامَ لِقَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِيهِ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ يَنْظُرُ فَإِنْ سَلَّمَ مُقَارِنًا لِسَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ بِهِ، وَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَهُ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَهَا عَنْ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ وَهُوَ إلَيْهِ أَقْرَبُ عَادَ)؛ لِأَنَّ مَا يَقْرُبُ إلَى الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ ثُمَّ، قِيلَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِلتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ بِقَدْرِ مَا اشْتَغَلَ بِالْقِيَامِ أَخَّرَ وَاجِبًا وَجَبَ وَصْلُهُ بِمَا قَبْلَهُ وَقِيلَ: لَا يَسْجُدُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ إلَى آخِرِهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَكْمَلُ وَأَمَّا كَوْنُ وُجُوبِ الْمُخَافَتَةِ مِنْ خَصَائِصِهَا فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُخَافَتَةُ فَيَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِهَا أُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَجْهُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُنْفَرِدِ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ أَنَّ عَلَيْهِ السَّهْوَ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُخَافَتَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِنَفْيِ الْمُغَالَطَةِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي صُورَةٍ تُؤَدَّى عَلَى الشُّهْرَةِ وَالْمُنْفَرِدُ لَمْ يُؤَدِّ كَذَلِكَ فَلَمْ تَكُنْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِسَهْوِ إمَامِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ أَيْ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِ وَاجِبًا إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ بِتَرْكِ إمَامِهِ الْوَاجِبَ إنْ كَانَ مُقْتَدِيًا كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ بِشَرْطِ أَنْ يَسْجُدَ الْإِمَامُ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ يَتْرُكُهَا الْمُقْتَدِي أَيْضًا اهـ ع (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ صَارَ تَبَعًا لِلْإِمَامِ) حَتَّى قَالُوا لَوْ تَرَكَ بَعْضُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ التَّشَهُّدَ حَتَّى قَامُوا مَعَهُ بَعْدَ مَا تَشَهَّدَ كَانَ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ أَنْ يَعُودَ فَيَتَشَهَّدَ وَيَلْحَقُهُ، وَإِنْ خَافَ أَنْ يَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ حَيْثُ لَا يَعُودُ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ هُنَا فَرْضٌ بِحُكْمِ الْمُتَابَعَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ فَلَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ السَّجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقْضِي السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ رَكْعَةٍ فَإِنْ خَافَ ذَلِكَ تَرَكَهَا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ هُوَ يَقْضِي هَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ ضَمِنَ قَضَاءِ الرَّكْعَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِإِحْرَازِ الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى إذَا خَافَ فَوْتَهَا، وَهُنَا لَا يَقْضِي التَّشَهُّدَ بَعْدَ هَذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ ثُمَّ يَتْبَعُ كَاَلَّذِي نَامَ خَلْفَ إمَامِهِ، ثُمَّ انْتَبَهَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِهِ وَقْتَ السَّهْوِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ اللَّاحِقُ إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ مَعَ إمَامِهِ لَا يَعْتَدُّ بِهِ وَيَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ لَيْسَ بِآخِرِ صَلَاتِهِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ آخِرُ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَصِيرُ فِي حَقِّهِ آخِرًا تَحْقِيقًا لِلْمُتَابَعَةِ، وَلَوْ تَابَعَ الْمَسْبُوقُ إمَامَهُ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَهْوٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ انْفِرَادُهُ وَفِي الْفَتَاوَى إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَسْبُوقُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَهْوٌ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ عَلِمَ فَسَدَتْ. اهـ. غَايَةٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَاللَّاحِقُ لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ فَيَأْتِي بِهِمَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَتَى بِهِ الْإِمَامُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ إلَى آخِرِهِ) وَقَدْ أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ مَا إذَا قَامَ الْمَسْبُوقُ لِقَضَاءِ مَا سُبِقَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَالْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ، عُلِمَ بِهَا أَنَّ الْمُخَالَفَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَا تُعَدُّ مُخَالَفَةً وَفِي النِّهَايَةِ جَوَابُهُ أَنَّ هَاهُنَا يَصِيرُ مُخَالِفًا وَهُنَاكَ لَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَوْ سَجَدَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْجُدَ فِي الْحَالَةِ الَّتِي مَعَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهَا فَفِي الْأَوَّلِ مُخَالَفَةٌ صُورَةً وَمَعْنًى، وَفِي الثَّانِي مَعْنًى لَا صُورَةً؛ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ فِي صَلَاةٍ أَدَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ هَاهُنَا فَصَارَ كَأَنَّهُ سَجَدَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي مَعَ الْإِمَامِ فَكَانَتْ مُخَالَفَةً مَعْنًى بِخِلَافِ تَيْنِكَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَقَّقَانِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَتَعَلَّقَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَا تَكُونُ مُخَالَفَةً صُورَةً وَلَا مَعْنًى. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا إذَا سَلَّمَ سَاهِيًا أَمَّا إذَا سَلَّمَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ مَسْبُوقٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ سَلَامَ الْعَمْدِ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِي الثَّانِيَةِ اِ هـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ سَهَا عَنْ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ) أَيْ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَوْ الثَّلَاثِ مِنْ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْمُحِيطِ فِي الظُّهْرِ؛ وَلِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فِي التَّطَوُّعِ فَرْضٌ فَكَانَتْ كَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهَا لَا مَحَالَةَ وَإِنْ اسْتَوَى قَائِمًا. اهـ. كَاكِيٌّ

يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَامِ وَمَعْنَى الْقُرْبِ إلَى الْقُعُودِ أَنْ يَرْفَعَ أَلْيَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ وَرُكْبَتَاهُ عَلَيْهَا وَقِيلَ: مَا لَمْ يَنْتَصِبْ النِّصْفُ الْأَسْفَلُ فَهُوَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبُ، وَإِنْ انْتَصَبَ فَهُوَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالنِّصْفِ الْأَعْلَى وَقِيلَ: يَعُودُ إلَى الْقُعُودِ مَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبُ فَلَا يَعُودُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْقَائِمِ مَعْنًى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ)؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ وَهُوَ الْقُعُودُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ عَادَ إلَى الْقُعُودِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِرَفْضِ الْفَرْضِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِأَجْلِ مَا هُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَهَا عَنْ الْأَخِيرِ) أَيْ عَنْ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ (عَادَ مَا لَمْ يَسْجُدْ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْكِمْ خُرُوجُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَفِي الْقُعُودِ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ وَقَدْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِرَفْضِ مَا أَتَى بِهِ إذْ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ)؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ فَرْضًا، وَهُوَ الْقُعُودُ الْأَخِيرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَ فَرْضُهُ بِرَفْعِهِ) أَيْ بِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ السُّجُودِ؛ لِأَنَّ الْخَامِسَةَ قَدْ انْعَقَدَتْ وَاسْتَحْكَمَ دُخُولُهُ فِي النَّفْلِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرْضِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ خُرُوجُهُ مِنْ الْفَرْضِ وَقَوْلُهُ بِرَفْعِهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْطُلُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ سُجُودٌ كَامِلٌ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ تَمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ يَنْتَقِضُ الرُّكْنُ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ إذَا بَنَى، وَلَوْ تَمَّ بِالْوَضْعِ لَمَا انْتَقَضَ بِالْحَدَثِ، وَكَذَا لَوْ سَجَدَ الْمُؤْتَمُّ قَبْلَ إمَامِهِ فَأَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِي السُّجُودِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ تَمَّ بِنَفْسِ الْوَضْعِ لَمَا جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ رُكْنٍ سَبَقَ بِهِ الْمُؤْتَمُّ إمَامَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ فَإِنَّهُ يَبْنِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُ لَا يَبْنِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَارَتْ نَفْلًا) أَيْ انْقَلَبَتْ صَلَاتُهُ نَفْلًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَنْقَلِبُ بِنَاءً عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ صِفَةَ الْفَرْضِيَّةِ إذَا بَطَلَتْ لَا تَبْطُلُ التَّحْرِيمَةُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ تَبْطُلُ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالثَّانِي - أَنَّ تَرْكَ الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ رَكْعَتَيْ النَّفْلِ لَا يَبْطُلُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَبْطُلُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي النَّوَافِلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيَضُمُّ إلَيْهَا سَادِسَةً)؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالْوِتْرِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَإِنْ لَمْ يَضُمَّ إلَيْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ظَانٌّ ثُمَّ قِيلَ: يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِالْفَسَادِ لَا يَنْجَبِرُ بِالسُّجُودِ، وَلَوْ اقْتَدِي بِهِ إنْسَانٌ يَلْزَمُهُ سِتُّ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَدَّى بِهَذِهِ التَّحْرِيمَةِ وَسُقُوطُهُ عَنْ الْإِمَامِ لِلظَّنِّ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ الْإِمَامُ إلَى الْقُعُودِ بَعْدَ اقْتِدَائِهِ بِهِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَادَ جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَقُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ، ثُمَّ قَامَ يَظُنُّهَا الْقَعْدَةَ الْأُولَى عَادَ وَسَلَّمَ)؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، ثُمَّ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اخْتَارَهَا مَشَايِخُ بُخَارَى وَأَمَّا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَمَا لَمْ يَسْتَوِ قَائِمًا يَعُودُ. اهـ. (قَوْلُهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِخِلَافِ تَرْكِ الْقِيَامِ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ لِإِظْهَارِ مُخَالَفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ الْكَفَرَةِ وَلَيْسَ فِيمَا نَحْنُ مَعْنَاهُ أَصْلًا عَلَى أَنَّا نَقُولُ: الْجِنَايَةُ هُنَا بِالرَّفْضِ وَلَيْسَ تَرْكُ الْقِيَامِ لِلسُّجُودِ رَفْضًا لَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُمْ بَعْدَهَا قَدْرَ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى رَكَعَ صَحَّتْ هَذَا وَفِي النَّفْسِ مِنْ التَّصْحِيحِ شَيْءٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ زِيَادَةَ قِيَامِ مَا فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَكِنَّهُ بِالصِّحَّةِ لَا يَحِلُّ فَاعْرِفْ أَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَا تَفْسُدُ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِاقْتِرَانِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِالرَّفْضِ لَكِنْ يُقَالُ الْمُتَحَقَّقُ لُزُومُ الْإِثْمِ أَيْضًا بِالرَّفْضِ أَمَّا الْفَسَادُ فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ اسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ فَيَتَرَجَّحُ بِهَذَا الْبَحْثِ الْقَوْلُ الْمُقَابِلُ لِلْمُصَحَّحِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ سَهَا عَنْ الْأَخِيرِ إلَى آخِرِهِ) يَشْمَلُ قَعْدَةَ الصُّبْحِ اهـ ع (قَوْلُهُ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الصَّلَاةِ؛ وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي فَرِيضَةً. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ)؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ وَأَقْيَسُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ) أَيْ سَجْدَةِ الْخَامِسَةِ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَبْنِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَى آخِرِهِ)؛ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُتِمُّ السَّجْدَةَ بِالرَّفْعِ وَالرَّفْعُ وُجِدَ مَعَ الْحَدَثِ فَلَا يُعْتَبَرُ فَبَطَلَتْ السَّجْدَةُ فِي نَفْسِهَا فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَسْجُدْ، وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. كَاكِيٌّ. وَقَدْ سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ بَطَلَتْ وَلَا يَعُودُ إلَيْهَا فَأُخْبِرَ بِجَوَابِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ زِهْ صَلَاةٌ فَسَدَتْ يُصْلِحُهَا الْحَدَثُ وَزِهْ بِمُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا هَاءٌ كَلِمَةُ تَعَجُّبٍ، وَهُوَ هُنَا عَلَى وَجْهِ التَّهَكُّمِ قِيلَ قَالَهُ لِغَيْظٍ لَحِقَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ بِسَبَبِ مَا بَلَغَهُ مِنْ عَيْبِهِ قَوْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ إذَا خَرِبَ إنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَسْجِدًا وَإِنْ صَارَ مَأْوَى الْكِلَابِ وَالدَّوَابِّ. اهـ. فَتْحٌ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ يَبْنِي أَيْ عَلَى الْفَرْضِ أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْحَدَثِ أَمْكَنَهُ إصْلَاحُ فَرْضِهِ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَأْتِيَ فَيَقْعُدَ وَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ حَصَلَ مَعَ الْحَدَثِ فَلَا يَكُونُ مُكَمِّلًا لِلسَّجْدَةِ لِيَفْسُدَ الْفَرْضُ بِهِ وَهُوَ أَعْنِي صِحَّةَ الْبِنَاءِ بِسَبَبِ سَبْقِ الْحَدَثِ إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ فِي السُّجُودِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنْ تَذَكَّرَ ذَلِكَ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا لِمَا سَنَذْكُرُ فِي تَتِمَّةٍ يَعْقِدُهَا فِي السَّجَدَاتِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ لَا يَبْنِي) أَيْ وَيَنْقَلِبُ فَرْضُهُ نَفْلًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَضُمَّ إلَيْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَى آخِرِهِ)، وَإِنْ كَانَ الضَّمُّ وَاجِبًا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَصْلِ لِعَدَمِ جَوَازِ التَّنَفُّلِ بِالْوِتْرِ؛ لِأَنَّهُ مَظْنُونُ الْوُجُوبِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَاللُّزُومُ إنَّمَا يَثْبُتُ شَرْعًا بِالِالْتِزَامِ أَوْ إلْزَامِ الرَّبِّ تَعَالَى ابْتِدَاءً وَشُرُوعُهُ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ بَلْ يَقْصِدُ الْإِسْقَاطَ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ سَقَطَ أَصْلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ، وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ) أَيْ فِي الْخَامِسَةِ، ثُمَّ أَفْسَدَهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ سِتُّ رَكَعَاتٍ) عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ اهـ كَذَا فِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ اهـ

وَالتَّسْلِيمُ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَعُودُ لِيَأْتِيَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَإِنْ سَجَدَ لِلْخَامِسَةِ تَمَّ فَرْضَهُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا إصَابَةَ لَفْظِ السَّلَامِ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ عِنْدَنَا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمَّ إلَيْهَا سَادِسَةً) لِتَصِيرَ الرَّكْعَتَانِ لَهُ نَفْلًا؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُجْزِيهِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبُتَيْرَاءِ، ثُمَّ لَا يَنُوبَانِ عَنْ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الْفَرْضِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهَا بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ مَقْصُودَةٍ قَالُوا وَفِي الْعَصْرِ لَا يَضُمُّ إلَيْهَا سَادِسَةً لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا وَقِيلَ: يَضُمُّ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ. وَالنَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْعَصْرِ يَتَنَاوَلُ الْمَقْصُودَ فَلَا يُكْرَهُ بِدُونِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الْفَجْرِ إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَقَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ لَا يَضُمُّ إلَيْهَا رَابِعَةً لِكَرَاهِيَةِ التَّنَفُّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَالتَّسْلِيمُ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ إلَى آخِرِهِ)، وَلَوْ سَلَّمَ قَائِمًا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، ثُمَّ إذَا عَادَ لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ، وَكَذَا لَوْ قَامَ عَامِدًا قَالَ النَّاطِفِيُّ يُعِيدُ، ثُمَّ قِيلَ الْقَوْمُ يَتْبَعُونَهُ فَإِنْ عَادَ عَادُوا مَعَهُ، وَإِنْ مَضَى فِي النَّافِلَةِ اتَّبَعُوهُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ تَمَّتْ بِالْقَعْدَةِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْبَلْخِيّ عَنْ عُلَمَائِنَا أَنَّهُمْ لَا يَتْبَعُونَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا اتِّبَاعَ فِي الْبِدْعَةِ لَكِنْ يَنْتَظِرُونَهُ قُعُودًا فَإِنْ عَادَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ اتَّبَعُوهُ بِالسَّلَامِ فَإِنْ قَيَّدَ سَلَّمُوا فِي الْحَالِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ والتمرتاشي. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يَخْفَى عَدَمُ مُتَابَعَتِهِمْ لَهُ فِيمَا إذَا قَامَ قَبْلَ الْقَعْدَةِ اهـ قَوْلُهُ لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ أَيْ بَلْ يَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ اهـ وَقَوْلُهُ فِيمَا إذَا قَامَ أَيْ إلَى الْخَامِسَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِيَأْتِيَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ) أَيْ كَمَا لَوْ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ، وَهُوَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ فَإِنَّهُ يَرْفُضُهَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَضَمَّ إلَيْهَا سَادِسَةً إلَى آخِرِهِ) هَذَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى مَعْنَى التَّخْيِيرِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْإِيجَابِ وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ أَنْ يُضِيفَ وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ وَإِنَّمَا وَجَبَ الضَّمُّ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّنَفُّلِ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَنُوبَانِ عَنْ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فَلَا تَنُوبُ عَنْ الْكَامِلَةِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَضُمُّ إلَيْهَا إلَى آخِرِهِ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ اهـ (قَوْلُهُ وَالنَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ فِي الْعَصْرِ أَعْنِي صَلَّاهَا خَمْسًا بَعْدَ مَا قَعَدَ الثَّانِيَةَ أَوْ فِي الْفَجْرِ سَجَدَ فِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْقَعْدَةِ قَالُوا: لَا يَضُمُّ سَادِسَةً؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَنَفِّلًا بِرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَضُمَّ وَالنَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّلِ الْقَصْدِيِّ بَعْدَهُمَا، وَكَذَا إذَا تَطَوَّعَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ الْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّهَا، ثُمَّ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَفَّلْ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَصْدًا اهـ. (فَرْعٌ) تَرَكَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً مِنْ رَكْعَةٍ فَتَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ قَضَاهَا وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْضِيهَا وَيَقْضِي مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ بَعْدَ الْمَتْرُوكِ حَصَلَ قَبْلَ أَوَانِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ شُرِعَتْ مُرَتَّبَةً كَمَا لَوْ قَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ قُلْنَا: الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ صَادَفَتْ مَحَلَّهَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا بَعْدَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ وُجِدْت الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ تَتَقَيَّدُ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا الثَّانِيَةُ تَكْرَارٌ فَكَانَ أَدَاءُ الثَّانِيَةِ مُعْتَبَرًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ الْمَتْرُوكُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ مَحَلُّهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ لِتَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ، وَالرَّكْعَةُ بِدُونِ الرُّكُوعِ لَا تَتَحَقَّقُ، وَكَذَا لَوْ ذَكَرَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ قَضَاهُمَا وَيَبْدَأُ بِالْأُولَى مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ تَرَكَهَا مِنْ الْأُولَى وَالْأُخْرَى صُلْبِيَّةً تَرَكَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ يُرَتِّبُ أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ يَبْدَأُ بِالثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى قُلْنَا: الْقَضَاءُ مُعْتَبَرٌ بِالْأَدَاءِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً، وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ خَرَّ لَهَا مِنْ رُكُوعِهِ وَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ فَسَجَدَ لَهَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لِيَكُونَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ وَهُوَ التَّرْتِيبُ، وَأَنَّ التَّرْتِيبَ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُمَا أَجْزَأَهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَرْضٌ عِنْدَهُ فَالْتُحِقَتْ السَّجْدَةُ بِمَحَلِّهَا فَبَطَلَ مَا أَدَّى مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ وَعِنْدَنَا التَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَاحِدَةٌ لَيْسَ بِفَرْضٍ؛ وَلِهَذَا يَبْدَأُ الْمَسْبُوقُ بِمَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيهِ وَلَئِنْ كَانَ فَرْضًا فَقَدْ سَقَطَ بِعُذْرِ النِّسْيَانِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عَلَيْهِ إعَادَةَ الرُّكُوعِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْقَوْمَةَ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَرْضٌ اهـ. وَلَوْ تَرَكَ رُكُوعًا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ بِأَنْ قَرَأَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، ثُمَّ قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَقَدْ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا الرُّكُوعُ قَضَاءً عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْكَعْ لَا يَعْتَدَّ بِالسُّجُودِ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ إذْ مَحَلُّهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَكَذَا إذَا افْتَتَحَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا السُّجُودُ قَضَاءً عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ رُكُوعَهُ مُعْتَبَرٌ لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ إلَّا أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى أَنْ يُقَيِّدَ بِسَجْدَةٍ فَقِيَامُهُ وَقِرَاءَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ، وَسُجُودُهُ بَعْدُ فِي مَحَلِّهِ، وَكَذَا إذَا قَرَأَ أَوْ رَكَعَ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ صَلَّى رَكْعَةً؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ رُكُوعَانِ وَسُجُودُهُ بَعْدَهُ فَيُلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا وَيَلْغُو الْآخَرُ فَفِي بَابِ الْحَدَثِ اعْتَبَرَ الْأَوَّلَ وَفِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ اعْتَبَرَ الثَّانِيَ، وَالْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ فَمُدْرِكُهَا مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ قَائِمًا صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً. وَكَذَا إنْ رَكَعَ فِي الْأَوَّلِ فَلَمْ يَسْجُدْ، ثُمَّ رَكَعَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَسْجُدْ وَسَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَرْكَعْ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ زِيَادَةَ السَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ كَزِيَادَةِ الرَّكْعَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ السَّجْدَةَ الْوَاحِدَةَ قُرْبَةٌ وَهِيَ سَجْدَةُ الشُّكْرِ، وَعِنْدَهُمَا السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ إلَّا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ رَكْعَةً كَامِلَةً؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ صَلَاةً كَامِلَةً فَانْعَقَدَ نَفْلًا فَصَارَ مُنْتَقِلًا إلَيْهَا فَلَا يَبْقَى فِي الْفَرْضِ ضَرُورَةٌ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْبَدَائِعِ.

بَعْدَهَا، وَكَذَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ بَطَلَ بِتَرْكِ الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَالتَّنَفُّلُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فِي الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ فِي الرَّابِعَةِ وَقَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ حَيْثُ يَضُمُّ إلَيْهَا سَادِسَةً؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ قَبْلَ الْعَصْرِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ، وَهُوَ النُّقْصَانُ الْمُتَمَكِّنُ فِي النَّفْلِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَأَنْ يَجِبَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى النَّفْلِ وَمَنْ سَهَا فِي صَلَاةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ تَمَكَّنَ فِي الْفَرْضِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَهُوَ السَّلَامُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْفَرْضِ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا اشْتَمَلَتْ عَلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ وَوَصْفِهَا وَبِالِانْتِقَالِ إلَى النَّفْلِ انْقَطَعَ الْوَصْفُ لَا غَيْرُ وَبَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ فِي حَقِّ الْجَبْرِ كَمَا بَقِيَتْ فِي حَقِّ الِاقْتِدَاءِ فَصَارَتْ الصَّلَاةُ وَاحِدَةً كَمَنْ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ تَطَوُّعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ سَهَا فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ لَكِنْ كُلُّهَا فِي حَقِّ التَّحْرِيمَةِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ: الْأَصَحُّ أَنْ يُجْعَلَ سُجُودُ السَّهْوِ جَابِرًا لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِي الْإِحْرَامِ فَيَنْجَبِرُ بِهِ النَّقْصُ الْمُتَمَكِّنُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ جَمِيعًا وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُصَلِّي سِتًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَدَّى بِهَذِهِ التَّحْرِيمَةِ وَالصَّلَاةُ وَاحِدَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَعِنْدَهُمَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ اسْتَحْكَمَ خُرُوجَهُ عَنْ الْفَرْضِ فَصَارَ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، وَلَوْ أَفْسَدَ الْمُقْتَدِي لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِالْإِمَامِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُقْتَدَى لَصَارَ بِمَنْزِلَةِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِعَارِضٍ يَخُصُّ الْإِمَامَ، وَهُوَ الظَّنُّ فَلَا يَتَعَدَّاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ فِي الرَّابِعَةِ حَيْثُ يَلْزَمُ الْمُقْتَدِي سِتُّ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ لَمَّا انْقَلَبَتْ نَفْلًا صَارَتْ التَّحْرِيمَةُ كَأَنَّهَا عُقِدَتْ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّفْلِ ابْتِدَاءً وَهُنَا لَمَّا قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ تَمَّ فَرْضُهُ فَصَارَ شَارِعًا فِي النَّفْلِ بِالْقِيَامِ لَهُ فَصَارَ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ لِانْفِصَالِهِ عَمَّا قَبْلَهُ فَيَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اقْتِدَاءُ الْبَالِغِ بِالصَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ التَّطَوُّعِ لَكِنْ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُؤْتَمِّ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ اللُّزُومِ فِي الصَّبِيِّ أَصْلِيٌّ بِخِلَافِ الظَّانِّ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْإِمَامَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فِي شَفْعِ التَّطَوُّعِ) (لَمْ يَبْنِ شَفْعًا آخَرَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَنَى لَبَطَلَ سُجُودُهُ لِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ، ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ حَيْثُ يَبْنِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْنِ لَبَطَلَ جَمِيعُ صَلَاتِهِ وَمَعَ هَذَا لَوْ بَنَى صَحَّ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ وَيُعِيدُ سُجُودَ السَّهْوِ فِي الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ السُّجُودِ وَقَعَ وَفِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَلَا يَعْتَدُّ بِهِ وَقِيلَ لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ الْجَبْرَ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ، وَكَذَا الْمُسَافِرُ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ مَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَيَلْزَمُهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَيُعِيدُ سُجُودَ السَّهْوِ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَلَّمَ السَّاهِي فَاقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ فَإِنْ سَجَدَ صَحَّ وَإِلَّا لَا) أَيْ لَوْ سَلَّمَ مَنْ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فَإِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَا يَصِحُّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَلِأَنَّ عِنْدَهُمَا سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ الصَّلَاةِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ السُّجُودَ وَجَبَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ لِيَتَحَقَّقَ الْجَبْرُ وَعِنْدَهُمَا يُخْرِجُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ مُحَلِّلٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَا يُحَلِّلُ هَذَا لِحَاجَتِهِ إلَى أَدَاءِ السُّجُودِ وَلَا يَظْهَرُ الْمَنْعُ عَنْ عَمَلِهِ دُونَ السُّجُودِ إذْ لَا حَاجَةَ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْعَوْدِ إلَى السُّجُودِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِالسَّلَامِ بَلْ يَتَوَقَّفُ بِمَعْنَى أَنَّهُ إنْ عَادَ إلَى السُّجُودِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حِينِ سَلَّمَ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ حِينِ سَلَّمَ وَتَنْقَطِعُ بِهِ التَّحْرِيمَةُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَإِنَّمَا التَّوَقُّفُ فِي عَوْدِ التَّحْرِيمَةِ ثَانِيًا بِمَعْنَى أَنَّهُ إنْ عَادَ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ تَعُودُ التَّحْرِيمَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا أَسْهَلُ لِتَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ إذَا بَطَلَتْ لَا تَعُودُ إلَّا بِإِعَادَتِهَا وَلَمْ تُوجَدْ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ وَفِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ وَتَغَيُّرِ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، ثُمَّ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَلْ يَتْرُكُهُ وَيَقُومُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ اقْتِدَاءُ الْبَالِغِ بِالصَّبِيِّ) أَيْ فِي التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ مَسْأَلَةِ الظَّانِّ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَهَذَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمُؤْتَمَّ أَيْضًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَهُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَفِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ) أَيْ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُنْتَقَضُ وَعِنْدَهُمَا لَا اهـ (قَوْلُهُ وَتَغَيَّرَ الْفَرْضُ إلَخْ) يَعْنِي إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَنَوَى الْإِقَامَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ عِنْدَهُمَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَوَّلُ رُبَاعِيَّةً وَيَأْتِي بِسُجُودِ السَّهْوِ. اهـ.

[باب صلاة المريض]

سَجَدَ لَبَطَلَ سُجُودُهُ لِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَلَا يُؤْمَرُ بِشَيْءٍ إذَا كَانَ فِي أَدَائِهِ إبْطَالُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ سَلَّمَ لِلْقَطْعِ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّسْلِيمِ قَطْعَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ تُغَيِّرُ الْمَشْرُوعَ فَتَلْغُو كَمَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ سِتًّا أَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الظُّهْرَ أَرْبَعًا بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلسَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يُؤْتَى بِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَالصُّلْبِيَّةُ يُؤْتَى بِهَا فِي حَقِيقَتِهَا وَقَدْ بَطَلَتْ بِالسَّلَامِ الْعَمْدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى أَوَّلَ مَرَّةٍ اسْتَأْنَفَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْتَقْبِلْ الصَّلَاةَ» وَلِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إسْقَاطِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَرْضِ بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى أَوْ لَمْ يُصَلِّ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَذَا وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ أَوَّلَ، فَقِيلَ أَوَّلَ مَا عُرِضَ لَهُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ السَّهْوَ لَمْ يَكُنْ عَادَةً لَا أَنَّهُ لَمْ يَسْهُ قَطُّ، وَقِيلَ أَوَّلَ سَهْوٍ وَقَعَ لَهُ فِي عُمُرِهِ وَلَمْ يَكُنْ سَهَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ، ثُمَّ الِاسْتِقْبَالُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِالْخُرُوجِ عَنْ الْأُولَى، وَذَلِكَ بِالسَّلَامِ أَوْ الْكَلَامِ أَوْ عَمَلٍ آخَرَ مِمَّا يُنَافِي الصَّلَاةَ، وَالسَّلَامُ قَاعِدًا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عُهِدَ مُحَلِّلًا شَرْعًا وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ يَلْغُو؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَثُرَ تَحَرَّى) أَيْ إنْ كَثُرَ شَكُّهُ تَحَرَّى وَأَخَذَ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ» وَالتَّحَرِّي طَلَبُ الْأَحْرَى وَلِأَنَّهُ يُحْرَجُ بِالْإِعَادَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُوَسْوِسًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَتَعَيَّنَ التَّحَرِّي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا أَخَذَ بِالْأَقَلِّ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ»؛ وَلِأَنَّ فِي الْإِعَادَةِ حَرَجًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ انْعَدَمَ التَّرْجِيحُ بِالرَّأْيِ فَتَعَيَّنَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ وَيَقْعُدَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ كَيْ لَا تَبْطُلَ صَلَاتُهُ بِتَرْكِ الْقَعْدَةِ، مِثَالُهُ لَوْ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا فَيُتِمُّ بِالْقُعُودِ ثُمَّ زَادَ رَكْعَةً أُخْرَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا، وَلَوْ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا، ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْعُدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُنَّ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَوَهَّمَ مُصَلِّي الظُّهْرَ أَنَّهُ أَتَمَّهَا فَسَلَّمَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَتَمَّهَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) أَيْ أَتَمَّ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِأَنَّ السَّلَامَ سَاهِيًا لَا يُبْطِلُ صَلَاتَهُ لِكَوْنِهِ دُعَاءً مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُسَافِرٌ، وَعَلَى ظَنِّ أَنَّهَا جُمُعَةٌ أَوْ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فَظَنَّ أَنَّ فَرْضَ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ أَوْ كَانَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَظَنَّ أَنَّهَا التَّرَاوِيحُ حَيْثُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَامِدًا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. [بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ إلَخْ) أَيْ فِي مَجْلِسِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ أَوْ يَتَكَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَوْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهَذِهِ تُفِيدُ أَنَّ الِانْحِرَافَ عَنْ الْقِبْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرُ مَانِعٍ عَنْ السُّجُودِ اهـ اك. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْتُ، وَلَوْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى، وَهُوَ أَوَّلُ مَا عَرَضَ لَهُ مِنْ الشَّكِّ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحَرَّى فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ أَخَذَ بِالْمُتَيَقَّنِ، وَإِنْ وَقَعَ أَخَذَ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ وَإِذَا أَخَذَ بِالْمُتَيَقَّنِ يَقْعُدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَوْضِعُ جُلُوسٍ مِثَالُهُ شَكَّ فِي الظُّهْرِ، وَهُوَ قَائِمٌ أَنَّهَا الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ يُتِمُّ الرَّكْعَةَ وَيَقْعُدُ، ثُمَّ يَأْتِي بِأُخْرَى وَيَقْعُدُ ثُمَّ يَأْتِي بِأُخْرَى وَيَقْعُدُ ثُمَّ يَأْتِي بِأُخْرَى وَيَقْعُدُ وَلَا تَأْثِيرَ لِلشَّكِّ بَعْدَ السَّلَامِ، وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّشَهُّدِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي الْوُضُوءِ كَأَنْ شَكَّ فِي مَسْحِ رَأْسِهِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْفَرَاغِ يَمْسَحُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ نَقَصَ مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً وَعِنْدَ الْمُصَلِّي أَنَّهُ أَتَمَّ لَا يَلْتَفِتُ إلَى إخْبَارِهِ وَإِنْ شَكَّ فِي صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعِيدُ احْتِيَاطًا، وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ لَا يُعْتَبَرُ شَكُّهُ وَيَجِبُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخْبِرُ عَدْلَيْنِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُونَ فَقَالُوا ثَلَاثًا وَقَالَ أَرْبَعًا إنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ لَا يَأْخُذُ بِقَوْلِهِمْ وَإِلَّا أَخَذَ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَوْمُ وَالْإِمَامُ مَعَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ أَخَذَ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ وَاحِدٌ، وَلَوْ اسْتَيْقَنَ وَاحِدٌ بِالتَّمَامِ وَآخَرُ بِالنُّقْصَانِ وَشَكَّ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ، لَا إعَادَةَ عَلَى أَحَدٍ إلَّا عَلَى مُسْتَيْقِنِ النُّقْصَانَ أَمَّا لَوْ اسْتَيْقَنَ وَاحِدٌ بِالنُّقْصَانِ وَلَمْ يَسْتَيْقِنْ أَحَدٌ بِالتَّمَامِ بَلْ هُمْ وَاقِفُونَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ أَعَادُوهَا احْتِيَاطًا لِعَدَمِ الْمُعَارَضَةِ هُنَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا وَهَذِهِ الْإِعَادَةُ عَلَى وَجْهِ الْأَوْلَى اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ كَثُرَ شَكُّهُ تَحَرَّى إلَخْ) وَأَمَّا الشَّكُّ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ ذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ يَتَحَرَّى كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا يُؤَدِّي ثَانِيًا؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الرُّكْنِ وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهِ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ وَزِيَادَةَ الرَّكْعَةِ تُفْسِدُ الصَّلَاةَ فَكَانَ التَّحَرِّي فِي بَابِ الصَّلَاةِ أَحْوَطَ. اهـ. مُحِيطُ أَبِي الْقَاسِمِ السَّرَخْسِيِّ (قَوْلُهُ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ إلَخْ) وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ لَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَهَذَا عَلَى مَا إذَا وَقَعَ لَهُ غَيْرُ مَرَّةٍ وَلَمْ يَحْصُلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَرْكَ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا فَافْهَمْ. اهـ. عَيْنِيٌّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ أَوْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ)، وَكَذَا إذَا خَافَ إبْطَاءَ الْبُرْءِ بِالْقِيَامِ أَوْ دَوَرَانِ الرَّأْسِ أَوْ كَانَ يَجِدُ لِلْقِيَامِ أَلَمًا شَدِيدًا يُصَلِّي قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِك» وَلِأَنَّ فِي الْقِيَامِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَرَجًا بَيِّنًا وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ مُتَّكِئًا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا مُتَّكِئًا وَلَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ قَدَرَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى عَصًا أَوْ عَلَى خَادِمٍ لَهُ فَإِنَّهُ يَقُومُ وَيَتَّكِئُ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُمَا قُدْرَتُهُ عَلَى الْوُضُوءِ بِغَيْرِهِ كَقُدْرَتِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ دُونَ تَمَامِهِ بِأَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّكْبِيرِ قَائِمًا أَوْ عَلَى التَّكْبِيرِ وَبَعْضِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْقِيَامِ وَيَأْتِي بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقْعُدُ إذَا عَجَزَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَلْوَانِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ مُومِيًا إنْ تَعَذَّرَ) أَيْ يُصَلِّي مُومِيًا، وَهُوَ قَاعِدٌ إنْ تَعَذَّرَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى قَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ» الْحَدِيثَ وَلِأَنَّ الطَّاعَةَ تَجِبُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ فَلَا يُكَلَّفُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ) أَيْ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْإِيمَاءَ قَائِمٌ مَقَامَهُمَا فَيَأْخُذُ حُكْمَهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنْ قَدَرْت أَنْ تَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ فَاسْجُدْ؛ وَإِلَّا فَأَوْمِ بِرَأْسِك» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ رَفَعَ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ (وَهُوَ يَخْفِضُ رَأْسَهُ صَحَّ) لِوُجُودِ الْإِيمَاءِ وَقِيلَ: هُوَ سُجُودٌ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ الشَّيْءُ الْمَوْضُوعُ بِحَالٍ لَوْ سَجَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ) ذَكَرَهَا عَقِيبَ سُجُودِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَوَارِضِ السَّمَاوِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ وُقُوعًا وَأَعَمُّ مَوْقِعًا؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ صَلَاةَ الْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ فَقَدَّمَهُ لِشِدَّةِ مِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهِ وَإِمَّا؛ لِأَنَّ السَّهْوَ تَقْصِيرٌ وَلَهُ جَبْرٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَأَتْبَعَهُ صَلَاةَ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَعَ قُصُورٍ شُرِعَتْ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْغَايَةِ وَهِيَ مِنْ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ كَدَقِّ الْقَصَّارِ أَوْ إلَى مَحَلِّهِ وَأَنَّهُ سَائِغٌ كَقَوْلِهِمْ: جُرْحُ زَيْدٍ لَا يَنْدَمِلُ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الصَّلَاةُ الصَّادِرَةُ مِنْ الْمَرِيضِ فَالْمَرِيضُ فَاعِلُهَا وَمُوجِدُهَا أَمَّا قَوْلُهُمْ جُرْحُ زَيْدٍ لَا يَنْدَمِلُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ زَيْدًا مَجْرُوحٌ فَلَا يَكُونُ نَظِيرُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. اهـ. (قَوْلُهُ أَلَمًا شَدِيدًا إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ لَحِقَهُ نَوْعُ مَشَقَّةٍ لَمْ يَجُزْ تَرْكُ الْقِيَامِ بِسَبَبِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ «كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ صَلِّ قَائِمًا إلَى آخِرِهِ» اهـ غَايَةٌ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى لِابْنِ تَيْمِيَّةَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَسَبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَزَادَ النَّسَائِيّ «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا». اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ دُونَ تَمَامِهِ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يُؤْمَرُ أَنْ يَقُومَ مِقْدَارَ مَا يَقْدِرُ فَإِنْ عَجَزَ قَعَدَ حَتَّى لَوْ قَدَرَ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ لِلْقِرَاءَةِ أَوْ يَقْدِرَ لِبَعْضِ الْقِرَاءَةِ دُونَ تَمَامِهَا لَزِمَهُ الْقِيَامُ فِيمَا يَقْدِرُ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ فِي التَّكْبِيرِ وَفِي قَاضِي خَانْ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ خِفْت أَنْ لَا تُجْزِيَهُ صَلَاتُهُ وَيَقْعُدُ فِي غَيْرِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْحَلْوَانِيُّ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَيْ الْهِنْدُوَانِيُّ. اهـ. زَاهِدِيٌّ وَقَوْلُهُ خِفْت أَنْ لَا تُجْزِيَهُ قَالَ الزَّاهِدِيُّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَا يُرْوَى عَنْ أَصْحَابِنَا خِلَافُهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُصَلِّي الْمَرِيضُ» إلَى آخِرِهِ) تَمَامُهُ «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا رِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ النَّوَوِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُجْتَبَى كَيْفِيَّةُ الِانْحِنَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُشْتَبَهٌ عَلَيَّ فِي أَنَّهُ يَكْفِي بَعْضُ الِانْحِنَاء أَمْ أَقْصَى مَا يُمْكِنُ فَظَفِرْت عَلَى الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إذَا خَفَضَ رَأْسَهُ لِلرُّكُوعِ شَيْئًا، ثُمَّ لِلسُّجُودِ جَازَ، وَلَوْ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ وِسَادَةً فَأَلْصَقَ جَبْهَتَهُ فَإِنْ وَجَدَ أَدْنَى الِانْحِنَاء جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا فِي التُّحْفَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ كَانَتْ الْوِسَادَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ عَلَيْهَا جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ فَعَلَتْ هَكَذَا وَلَمْ يَمْنَعْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إذَا كَانَ بِجَبْهَتِهِ أَوْ أَنْفِهِ عُذْرٌ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَقْرِيبُ الْجَبْهَةِ إلَى الْأَرْضِ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُهُ، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ اهـ (مَسْأَلَةٌ) ذَكَرَهَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا إذَا كَانَ فِي جَبْهَتِهِ جُرْحٌ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ عَلَيْهَا لَا يُجْزِيهِ الْإِيمَاءُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى أَنْفِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ. اهـ. . (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنْ قَدَرْت أَنْ تَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ» إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ رَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَادَ مَرِيضًا فَرَآهُ يُصَلِّي عَلَى وِسَادَةٍ فَأَخَذَهَا فَرَمَى بِهَا فَأَخَذَ عُودًا لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ فَرَمَى بِهِ وَقَالَ صَلِّ عَلَى الْأَرْضِ إنْ اسْتَطَعْت وَإِلَّا فَأَوْمِ إيمَاءً وَاجْعَلْ سُجُودَك أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِكَ» قَالَ الْبَزَّارُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ إلَّا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ وَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَعَطَاءٌ عَنْ الثَّوْرِيِّ اهـ. وَأَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ثِقَةٌ وَرُوِيَ نَحْوُهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ يَخْفِضُ رَأْسَهُ صَحَّ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْأَصْلِ يُكْرَهُ لِلْمُومِي أَنْ يَرْفَعَ عُودًا أَوْ وِسَادَةً يَسْجُدُ عَلَيْهَا وَفِي الْيَنَابِيعِ يَكُونُ مُسِيئًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هُوَ سُجُودٌ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ يُعَدُّ هَذَا سُجُودًا أَوْ إيمَاءً قِيلَ: هُوَ إيمَاءٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الْمَبْسُوطِ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِالْإِيمَاءِ لَا بِوَضْعِ الرَّأْسِ. اهـ.

عَلَيْهِ الصَّحِيحُ تَجُوزُ جَازَ لِلْمَرِيضِ عَلَى أَنَّهُ سُجُودٌ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لِلصَّحِيحِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهِ فَهُوَ إيمَاءٌ فَيَجُوزُ لِلْمَرِيضِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا)، وَإِنْ لَمْ يَخْفِضْ رَأْسَهُ لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ الْإِيمَاءِ وَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقُعُودِ مُسْتَوِيًا وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ مُتَّكِئًا أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى حَائِطٍ أَوْ إنْسَانٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُضْطَجِعًا عَلَى الْمُخْتَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَعَذَّرَ الْقُعُودُ أَوْمَأَ مُسْتَلْقِيًا أَوْ عَلَى جَنْبِهِ) وَالِاسْتِلْقَاءُ أَنْ يُلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ وَيُجْعَلَ رِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَتَحْتَ رَأْسِهِ مِخَدَّةٌ لِيَرْتَفِعَ فَيَصِيرُ شِبْهَ الْقَاعِدِ وَيَصِيرُ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ لَا إلَى السَّمَاءِ، وَهُوَ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى قَفَاهُ» وَلِأَنَّ إشَارَةَ الْمُسْتَلْقِي تَقَعُ إلَى هَوَاءِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ قِبْلَةٌ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ وَإِشَارَةُ الْمُضْطَجِعِ عَلَى الْجَنْبِ إلَى جَانِبِ قَدَمَيْهِ وَبِهِ لَا تَتَأَدَّى الصَّلَاةُ إذْ هُوَ لَيْسَ بِقِبْلَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُومِي عَلَى الْجَنْبِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ وَلَنَا مَا بَيَّنَّا، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى جَنْبِك» أَيْ سَاقِطًا؛ لِأَنَّ الْجَنْبَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّقُوطَ يُقَالُ بَقِيَ فُلَانٌ شَهْرًا عَلَى جَنْبِهِ إذَا طَالَ مَرَضُهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَلْقِيًا؛ وَلِأَنَّ الْمَرَضَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَإِذَا زَالَ فَقَعَدَ أَوْ قَامَ كَانَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْجَنْبِ وَقِيلَ: كَانَ عِمْرَانُ يَمْنَعُهُ مَرَضُهُ مِنْ الِاسْتِلْقَاءِ؛ وَلِذَلِكَ أُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْجَنْبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا أُخِّرَتْ) أَيْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ أُخِّرَتْ الصَّلَاةُ (وَلَمْ يُومِئْ بِعَيْنَيْهِ وَقَلْبِهِ وَحَاجِبَيْهِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يُومِئُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَنَحْنُ نَقُولُ: نَصْبُ الْأَبْدَالِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ وَلَمْ يُمْكِنْ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهِ رُكْنُ الصَّلَاةِ دُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أُخِّرَتْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ قَلِيلًا دُونَ سِتِّ صَلَوَاتٍ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ كَثِيرًا وَكَانَ مُفِيقًا يَفْهَمُ مَضْمُونَ الْخِطَابِ فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حَيْثُ تَسْقُطُ عَنْهُ إذَا كَثُرَ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إذَا كَثُرَ، وَإِنْ كَانَ يَفْهَمُ مَضْمُونَ الْخِطَابِ فِي الْأَصَحِّ فَجَعَلَهُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ وَرِجْلَاهُ مِنْ السَّاقَيْنِ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ ذَكَرَهُ مُسْتَشْهِدًا بِهِ (قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ) لَا دَلِيلَ فِيمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ عَلَى سُقُوطِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْعَجْزَ مُتَّصِلٌ بِالْمَوْتِ، وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا صَحَّ الْمَرِيضُ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمَرِيضُ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجَعِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ الْإِيصَاءُ بِهِ، وَإِنْ قُلْت فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى قَفَاهُ) تَمَامُ الْحَدِيثِ «يُومِئُ إيمَاءً فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنْهُ». اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَوَى أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يُصَلِّي الْمَرِيضُ» وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ مَعَ أَنَّ دَأْبَهُ ذَلِكَ وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهُ غَرِيبٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُومِئُ عَلَى الْجَنْبِ) أَيْ الْأَيْمَنِ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِوَجْهِهِ وَمُقَدَّمِ بَدَنِهِ كَالْمَيِّتِ فِي لَحْدِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْجَنْبَ يَذْكُرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّقُوطُ إلَخْ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36]. اهـ. . (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ إلَى آخِرِهِ) يُومِئُ بِحَاجِبَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِعَيْنِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ لِوُجُودِ فَهْمِ الْخِطَابِ وَسَبَبِ الْوُجُوبِ وَصَلَاحِيَّةِ الذِّمَّةِ، وَهُوَ وُسْعُ مِثْلِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ بِحَاجِبَيْهِ وَقَلْبِهِ؛ لِأَنَّهُ وُسْعُ مِثْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يُومِئُ بِعَيْنَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ؛ لِأَنَّهُ وُسْعُ مِثْلِهِ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقُعُودَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَأَوْمَأَ بِطَرَفِهِ» وَيُعِيدُ إذَا صَحَّ فِي قَوْلِ الْكُلِّ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ يُومِئُ بِحَاجِبَيْهِ وَعَيْنَيْهِ وَإِذَا صَحَّ أَعَادَ وَفِي التُّحْفَةِ وَالْقُنْيَةِ عَنْ الْحَسَنِ يُومِئُ بِقَلْبِهِ وَحَاجِبَيْهِ وَيُعِيدُ اهـ. (قَوْلُهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) وَفِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْحَاوِي عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِيمَاءَ بِالْقَلْبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَسْت أَحْفَظُ قَوْلَهُ فِي الْإِيمَاءِ بِالْعَيْنَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُومِئُ بِعَيْنَيْهِ عِنْدَ عَجْزِهِ وَلَا يُومِئُ بِقَلْبِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ دُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) وَلَئِنْ قَالَ يَتَأَدَّى بِالْقَلْبِ فَرْضُ الصَّلَاةِ، وَهُوَ النِّيَّةُ قُلْنَا هِيَ شَرْطٌ وَالسَّجْدَةُ رُكْنٌ فَلَا يَنْقَاسَانِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ دُونَ سِتِّ صَلَوَاتٍ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ)، وَكَذَا قَالَ فِي الْمَنَافِعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْقُطُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إلَخْ) وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرَّاوِيَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. كَاكِيٌّ فَعَلَى هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ» أَيْ عُذْرِ السُّقُوطِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ لِوُجُودِ فَهْمِ الْخِطَابِ وَسَبَبِ الْوُجُوبِ وَصَلَاحِيَّةِ الذِّمَّةِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ فَقَالَ هُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ» أَيْ عُذْرِ التَّأْخِيرِ وَفِي مَسْأَلَةِ مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَيَجِبُ فِي الْوُضُوءِ غَسْلُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ) وَمُنْيَةِ الْمُفْتِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَيْت فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْكَرْخِيِّ أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذَا كَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ يُصَلِّي بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَلَا يُعِيدُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. ظَهِيرِيَّةٌ

أَفْطَرَا فِي رَمَضَانَ وَمَاتَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ وَالصِّحَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَا الْقِيَامُ أَوْمَأَ قَاعِدًا) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يُصَلِّي قَائِمًا بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ فَلَا يَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ رُكْنٍ آخَرَ وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ الْخُضُوعُ وَالْخُشُوعُ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَالْقِيَامُ وَسِيلَةٌ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَجِبُ بِدُونِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّوَاضُعَ يُوجَدُ فِي الرُّكُوعِ وَنِهَايَتُهُ تُوجَدُ فِي السُّجُودِ؛ وَلِهَذَا لَوْ سَجَدَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَكْفُرُ وَالْقِيَامُ وَسِيلَةٌ إلَى السُّجُودِ فَصَارَ تَبَعًا لَهُ فَسَقَطَ بِسُقُوطِهِ؛ وَلِهَذَا شُرِعَ السُّجُودُ بِدُونِ الْقِيَامِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَلَمْ يُشْرَعْ الْقِيَامُ بِدُونِ السُّجُودِ فَإِذَا لَمْ يَتَعَقَّبْهُ السُّجُودُ لَا يَكُونُ رُكْنًا فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْإِيمَاءِ قَاعِدًا وَبَيْنَ الْإِيمَاءِ قَائِمًا، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا إلَّا أَنَّهُ أَشْبَهُ بِالسُّجُودِ لِكَوْنِ رَأْسِهِ فِيهِ أَخْفَضَ وَأَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ الْمَقْصُود وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ يُومِئُ لِلرُّكُوعِ قَائِمًا وَلِلسُّجُودِ قَاعِدًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَرِضَ فِي صَلَاتِهِ يُتِمُّ بِمَا قَدَرَ) مَعْنَاهُ صَحِيحٌ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ قَائِمًا فَحَدَثَ بِهِ مَرَضٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِيَامِ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَمُومِيًا قَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَمُضْطَجِعًا؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى فَصَارَ كَالِاقْتِدَاءِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ إذَا صَارَ إلَى الْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَجُوزُ بِدُونِهِمَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ بَعْضِ صَلَاتِهِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَبَعْضِهَا بِالْإِيمَاءِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُؤَدِّيَ الْكُلَّ بِالْإِيمَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فَصَحَّ بَنَى) أَيْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فَصَحَّ بَنَى، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاقْتِدَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانَ مُومِيًا لَا) أَيْ لَوْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ مُومِيًا فَصَحَّ حَتَّى قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا يَبْنِي وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ لِلرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ عِنْدَهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْإِمَامَةِ، وَلَوْ كَانَ يُومِئُ مُضْطَجِعًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اسْتَأْنَفَ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْقُعُودِ أَقْوَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّعِيفِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ افْتَتَحَهَا بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ قَدَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ بِالْإِيمَاءِ جَازَ لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَا الْقِيَامُ أَوْمَأَ قَاعِدًا) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الْمُصَلِّي قَاعِدًا تَطَوُّعًا أَوْ فَرِيضَةً بِعُذْرٍ كَيْفَ يَقْعُدُ؟ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ يَقْعُدُ فِي التَّشَهُّدِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ إجْمَاعًا أَمَّا فِي حَالَةِ الْقِرَاءَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ شَاءَ قَعَدَ كَذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَبَّعَ، وَإِنْ شَاءَ قَعَدَ مُحْتَبِيًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ عَنْهُ الرُّكْنُ لِلتَّخْفِيفِ فَالتَّخْفِيفُ فِي هَيْئَةِ الْقُعُودِ أَوْلَى، وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَالْمُفِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْعُدُ كَيْفَ شَاءَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْإِقْعَاءُ الْمَكْرُوهُ وَمَدُّ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحْتَبِي وَعَنْهُ يَتَرَبَّعُ، وَفِي الْمُفِيدِ عَنْهُ يَتَرَبَّعُ فِي الِابْتِدَاءِ فَإِذَا رَكَعَ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَتَرَبَّعُ وَعِنْدَ زُفَرَ يَفْتَرِشُ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا قَالَ أَبُو اللَّيْثِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ مَعْهُودٌ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّخْيِيرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْمُفِيدِ وَالتُّحْفَةِ وَالْقُنْيَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ الْإِيمَاءُ بَعْضُ السُّجُودِ وَلَيْسَ بِبَدَلٍ وَلَا خَلَفٍ عَنْهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَوَاشِي وَخَيْرُ مَطْلُوبٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَالْإِيمَاءُ بِالسُّجُودِ لَيْسَ مِنْ السُّجُودِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ السُّجُودِ لَوَجَبَ اسْتِيفَاءُ الْقِرَاءَةِ اهـ (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ رُكْنُ الدِّينِ الصَّيَّادِيُّ أَنَّ بِكْرًا لَوْ حَشَتْ فَرْجَهَا تَذْهَبُ عُذْرَتُهَا، وَإِنْ لَمْ تَحْشُ يَسِيلُ مِنْهُ الدَّمُ قَالَ تُصَلِّي مَعَ الدَّمِ؛ لِأَنَّ ذَهَابَ عُذْرَتِهَا ذَهَابُ جُزْءٍ مِنْهَا رَجُلٌ بِهِ وَجَعُ السِّنِّ إنْ أَمْسَكَ فِي فَمِهِ مَاءً بَارِدًا أَوْ دَوَاءً بَيْنَ أَسْنَانِهِ يَسْكُنُ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ يَقْتَدِي بِغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يُصَلِّي بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَكَذَا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ لَوْ كَبَّرَ يَسِيلُ جُرْحُهُ يَشْرَعُ فِيهَا بِغَيْرِ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، وَكَذَا مَنْ يَلْحَنُ فِي قِرَاءَتِهِ لَحْنًا مُفْسِدًا يُصَلِّي بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ كَالْأُمِّيِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُشْرَعُ الْقِيَامُ بِدُونِ السُّجُودِ إلَى آخِرِهِ) لَا يُقَالُ يَرِدُ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَيْثُ لَمْ يَلْزَمْ ثَمَّةَ سُقُوطُ الْقِيَامِ بِسَبَبِ سُقُوطِ السُّجُودِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً بَلْ هِيَ دُعَاءٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُجْتَبَى وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَوْ أَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ قَائِمًا يَجُوزُ، وَلَوْ أَوْمَأَ بِالسُّجُودِ قَائِمًا لَا يَجُوزُ قُلْت، وَهَذَا أَحْسَنُ وَأَقْيَسُ كَمَا لَوْ أَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ جَالِسًا لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَاهُنَا أَقْوَالًا لَا يَجُوزُ الْإِيمَاءُ بِهِمَا إلَّا قَائِمًا وَبِهِ قَالَ زُفَرُ يَجُوزُ الْإِيمَاءُ بِهِمَا قَائِمًا إنْ شَاءَ أَوْ قَاعِدًا إنْ شَاءَ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ يُومِئُ بِالرُّكُوعِ قَائِمًا بِالسُّجُودِ جَالِسًا لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلسُّجُودِ قَاعِدًا) أَيْ اعْتِبَارًا لِأَصْلِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالِاقْتِدَاءِ) أَيْ صَارَ بِنَاءُ الْمَرِيضِ عَلَى أَوَّلِ صَلَاتِهِ كَالِاقْتِدَاءِ أَيْ يَجُوزُ هَذَا كَمَا يَجُوزُ ذَاكَ إذْ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْقَاعِدِ بِالْقَائِمِ وَالْمُومِئِ بِالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلرُّكُوعِ إلَى آخِرِهِ) قُلْنَا لَا بَلْ لِلْمَقْدُورِ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ إذْ ذَاكَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَلَزِمَا فَإِذَا صَارَ الْمَقْدُورُ الْإِيمَاءَ لَزِمَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاقْتِدَاءِ)؛ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْإِمَامَةِ إلَى آخِرِهِ) الذَّاكِرُ لِخِلَافِ زُفَرَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَا هَذَا الشَّارِحُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمُومِئٌ بِمِثْلِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا بِالْإِيمَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ تَحْرِيمَةٍ فَلَا يَكُونُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ اهـ. مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ أَعْيَا) أَيْ إنْ تَعِبَ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ وَكَذَا لَهُ أَنْ يَقْعُدَ إنْ أَعْيَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْقُعُودُ إلَّا إذَا عَجَزَ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ وَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ بِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ إسَاءَةٌ فِي الْأَدَبِ وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْقُعُودُ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَيَجُوزُ الِاتِّكَاءُ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ؛ وَلِهَذَا إذَا قَدَرَ الْمَرِيضُ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَّكِئًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْقُعُودُ وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقُعُودُ عِنْدَهُمَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ الْقُعُودُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ فَكَذَا لَا يُكْرَهُ أَنْ يَقْعُدَ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَذَكَرَ الْبَزْدَوِيُّ أَنَّ الِاتِّكَاءَ يُكْرَهُ وَالْقُعُودَ لَا يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَشْرُوعٌ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْإِتْكَاءُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ ابْتِدَاءً؛ وَلِهَذَا يُكْرَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ التَّطَوُّعَ مُتَّكِئًا وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ قَاعِدًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ صَلَّى فِي فُلْكٍ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ صَحَّ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَلَهُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ دَوَرَانُ الرَّأْسِ، وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ لَكِنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَالْخُرُوجُ أَفْضَلُ إنْ أَمْكَنَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِقَلْبِهِ وَالْمَرْبُوطُ عَلَى الشَّطِّ كَالشَّطِّ هُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا إذَا كَانَ قَرَارُهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ يَضْطَرِبُ اضْطِرَابًا شَدِيدًا فَهُوَ كَالسَّائِرِ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرُ فَهُوَ كَالْوَاقِفِ وَفِي الْإِيضَاحِ فَإِنْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ عَلَى الْأَرْضِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّابَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْبُوطَةٍ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ خَمْسَ صَلَوَاتٍ قَضَى، وَلَوْ أَكْثَرَ لَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَقْضِي إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَنْبَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَخْ) مَعْنَاهُ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا بِالْإِيمَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ تَحْرِيمَةٍ فَلَا يَكُونُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ اهـ مِنْ خَطّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُفِيدِ أَصْلُهُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَبْنِي آخِرَ صَلَاتِهِ عَلَى أَوَّلِهَا كَمَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَبْنِي صَلَاتَهُ عَلَى صَلَاةِ إمَامِهِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ الِاقْتِدَاءُ ثَمَّةَ جَازَ الْبِنَاءُ هُنَا وَمَا لَا فَلَا، وَفِي الْحَوَاشِي لَا يَلْزَمُ بِنَاءُ الرَّاكِبِ عَلَى الْإِيمَاءِ إذَا نَزَلَ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِمَا فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ رَاكِعًا وَسَاجِدًا تَقْدِيرًا بِخِلَافِ الْمَرِيضِ الْمُومِئِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُمَا فَيَكُونُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ مَعْدُومَيْنِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ مُحَالٌ. اهـ. غَايَةٌ. {فُرُوعٌ} مِنْ الدِّرَايَةِ عَبْدٌ مَرِيضٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَوَضَّأَ يَجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ أَنْ يُوَضِّئَهُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ الْمَرِيضَةِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُوَضِّئَهَا. مَرِيضٌ إنْ صَامَ فِي رَمَضَانَ صَلَّى قَاعِدًا وَإِنْ أَفْطَرَ صَلَّى قَائِمًا يُصَلِّي قَاعِدًا. مَرِيضٌ تَحْتَهُ ثِيَابٌ نَجِسَةٌ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُبْسَطُ تَحْتَهُ شَيْءٌ إلَّا وَيَتَنَجَّسُ مِنْ سَاعَتِهِ يُصَلِّي عَلَى حَالِهِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَنَجَّسْ وَلَكِنْ يَزْدَادُ مَرَضُهُ وَيَلْحَقُهُ بِالتَّحْوِيلِ مَشَقَّةٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ أَعْيَا)، وَفِي الصِّحَاحِ الْإِعْيَاءُ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ يُقَالُ أَعْيَا الرَّجُلُ فِي الْمَشْيِ إذَا تَعِبَ وَأَعْيَاهُ اللَّهُ كِلَاهُمَا بِالْأَلِفِ وَالْمُرَادُ هُنَا اللَّازِمُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ قِيَامٌ فِيهِ قُصُورٌ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ الْقُعُودُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ إلَى آخِره)، وَفِي الْمُحِيطِ وَالْمُجْتَبَى لَوْ تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ الْخُرُوجَ إلَى الْجَمَاعَةِ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ قِيلَ لَا يَخْرُجُ مَخَافَةَ فَوْتِ الرُّكْنِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} [آل عمران: 191] الْآيَةَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ وَابْنُ عُمَرَ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ أَيْ قِيَامًا أَيْ إنْ قَدَرُوا وَقُعُودًا إنْ عَجَزُوا عَنْهُ، وَعَلَى جَنُوبِهِمْ إنْ عَجَزُوا عَنْ الْقُعُودِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «صَلِّ قَائِمًا» الْحَدِيثَ. اهـ. دِرَايَةٌ، وَفِي الْغَايَةِ، وَلَوْ كَانَ يُطِيقُ الْقِيَامَ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ وَلَا يُطِيقُهُ مَعَ الْإِمَامِ يُصَلِّي وَحْدَهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَقِيلَ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عِنْدَهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ اهـ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ بَعْدَ هَذَا بِأَوْرَاقٍ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ صَلَّى قَائِمًا لِعَجْزٍ عَنْ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ، وَإِنْ قَاعِدًا يَقْدِرُ عَلَيْهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْعُدُ اهـ فَهَذَا مُشْكَلٌ عَلَى تَعْلِيلِهِ السَّابِقِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْبَزْدَوِيُّ) أَيْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فِي الصَّحِيحِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَشْرُوعٌ ابْتِدَاءً) إذْ «صَلَاةُ الْقَاعِدَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ» كَمَا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى فِي فُلْكٍ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ صَحَّ) أَيْ وَيَدُورُ إلَى الْقِبْلَةِ كَيْفَمَا دَارَتْ السَّفِينَةُ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ لِلتَّعَذُّرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ رَجُلٌ مِنْ السَّفِينَةِ بِإِمَامٍ فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى إلَّا أَنْ تَكُونَا مَقْرُونَتَيْنِ مَرْبُوطَتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ اقْتَدَى مَنْ عَلَى الْبَرِّ بِإِمَامٍ فِي السَّفِينَةِ لَمْ يَجُزْ اقْتِدَاؤُهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ طَائِفَةٌ مِنْ النَّهْرِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَيَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي فِيهَا أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ كَيْفَمَا دَارَتْ السَّفِينَةُ؛ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْقِبْلَةِ فِيهَا فَرْضٌ بِالنَّصِّ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَهَذَا قَادِرٌ بِخِلَافِ رَاكِبِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ اسْتِقْبَالِهَا حَتَّى أَنَّ الرَّاكِبَ يَسِيرُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ فَأَعْرَضَ عَنْ الْقِبْلَةِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَى آخِرِهِ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى مُسَافِرٌ فِيهَا بِالْإِيمَاءِ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَكْتُوبَةً أَوْ نَافِلَةً؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْجُدَ فِيهَا فَلَا يُعْذَرُ وَالْإِيمَاءُ شُرِعَ عِنْدَ الْعَجْزِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمَرْبُوطُ عَلَى الشَّطِّ كَالشَّطِّ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّابَّةِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَقَرَّتْ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ كَالسَّرِيرِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ جُنَّ إلَخْ قَضَى، وَلَوْ أَكْثَرَ لَا) أَيْ

[باب سجود التلاوة]

عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ النَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يُعْذَرُ وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ فَقَضَاهُنَّ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَمْ يَقْضِ وَلِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا قَصُرَتْ لَا يُحْرَجُ فِي الْقَضَاءِ فَيَجِبُ كَالنَّائِمِ، وَإِذَا طَالَتْ يُحْرَجُ فَيَسْقُطُ كَالْحَائِضِ وَالْجُنُونُ كَالْأَغْمَاءِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ الْكَثْرَةُ تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ الْأَوْقَاتُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَتَّى لَا يَسْقُطُ الْقَضَاءُ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ سِتَّ صَلَوَاتٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَأَفَاقَ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ اسْتَوْعَبَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ إذَا أَفَاقَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ التَّكْرَارَ بِاسْتِيعَابِ سِتَّةِ أَوْقَاتٍ وَلَمْ يُوجَدْ، وَهَذَا إذَا دَامَ الْإِغْمَاءُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُفِقْ فِي الْمُدَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يُفِيقُ فِيهَا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ مِثْلُ أَنْ يَخِفَّ عَنْهُ الْمَرَضُ عِنْدَ الصُّبْحِ مَثَلًا فَيُفِيقُ قَلِيلًا، ثُمَّ يُعَاوِدُهُ فَيُغْمَى عَلَيْهِ تُعْتَبَرُ هَذِهِ الْإِفَاقَةُ فَيَبْطُلُ مَا قَبْلَهَا مِنْ حُكْمِ الْإِغْمَاءِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ لَكِنَّهُ يُفِيقُ بَغْتَةً فَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ الْأَصِحَّاءِ، ثُمَّ يُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الْإِفَاقَةِ، وَلَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْخَمْرِ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ طَالَ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ؛ وَلِهَذَا يَقَعُ طَلَاقُهُ، وَكَذَا إذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ أَوْ الدَّوَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ عُرِفَ بِالْأَثَرِ إذَا حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَصَارَ كَالْمَرَضِ، وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِفَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ آدَمِيٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ بِسَبَبِ ضَعْفِ قَلْبِهِ، وَهُوَ مَرَض وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَنَا وَقَالَ بِشْرٌ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ طَالَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يُعْذَرُ إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَ فِي الْمَنَافِعِ أَنَّ الْأَعْذَارَ أَنْوَاعٌ: مُمْتَدٌّ جِدًّا كَالصِّبَا يَمْنَعُ، قَاصِرٌ جِدًّا كَالنَّوْمِ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَمَا يَكُونُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَإِنْ امْتَدَّ أُلْحِقَ بِالْمُمْتَدِّ جِدًّا حَتَّى سَقَطَ عَنْهُ الْقَضَاءُ، وَإِنْ قَصُرَ أُلْحِقَ بِالنَّوْمِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. اهـ. غَايَةٌ (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الْكُنُوزِ مُعْتَقَلُ اللِّسَانِ كَالْأَخْرَسِ فَإِنْ انْطَلَقَ لِسَانُهُ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَعَادَ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ زَادَ عَلَى الدَّوْرَةِ سَاعَةً سَقَطَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ إلَى آخِرِهِ) تَخْرِيجًا عَلَى مَا مَرَّ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَإِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَالَ هُنَاكَ بِقَوْلِهِمَا فَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مُطَالَبٌ بِالْفَرْقِ إلَّا أَنَّهُمَا مُجِيبَانِ هُنَا بِالتَّمَسُّكِ بِالْأَثَرِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ. قَوْلُهُ فَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مُطَالَبٌ إلَى آخِرِهِ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي كِلَا الْبَابَيْنِ وَاتَّفَقَ الْمَشَايِخُ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ الرَّاوِيَةِ وَالصَّحِيحَ فِي الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَدَدِ الصَّلَوَاتِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَغَيْرِهَا فَلَا احْتِيَاجَ إلَى طَلَبِ الْفَرْقِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الْإِفَاقَةِ إلَى آخِرِهِ) أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَجْنُونَ قَدْ يَتَكَلَّمُ فِي جُنُونِهِ بِكَلَامِ الْأَصِحَّاءِ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْهُ إفَاقَةً كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِفَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ آدَمِيٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ) قُلْت يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ الِاتِّفَاقَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الْبَنْجِ الْمُتَقَدِّمَةِ ذُكِرَ فِيهَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الِاتِّفَاقِ الْمَذْكُورِ مَا إذَا اسْتَوْعَبَ الْإِغْمَاءُ سِتَّ صَلَوَاتٍ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْإِغْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ، فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِغْمَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْمَتْنِ فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِهَا بَعْدَهَا قُلْت لَعَلَّهُ ذَكَرَهَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِغْمَاءِ بَيْنَ السَّمَاوِيِّ الْمَحْضِ وَبَيْنَ مَا حَصَلَ سَبَبُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ صُنْعٌ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي حَالِ الْمُطَالَعَةِ - وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ - ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ هَذَا صَاحِبَ الْمَنْبَعِ قَالَ فِيهِ مَا نَصُّهُ نَاقِلًا عَنْ الْمُحِيطِ: وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِفَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ وَالْفَزَعَ إنَّمَا يَجِيءُ لِضَعْفِ قَلْبِهِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْمَرَضِ. اهـ. [بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ] (بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ) وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ تَلَا يَتْلُو بِمَعْنَى قَرَأَ وَتَلَا بِمَعْنَى تَبِعَ مَصْدَرُهُ تُلُوٌّ. اهـ. عَيْنِيٌّ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ مِنْ حَقِّ هَذَا الْبَابِ أَنْ يُقْرَنَ بِبَابِ سُجُودِ السَّهْوِ كَمَا هُوَ مَوْضُوعٌ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ وَالتَّتِمَّةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهَا بِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيَانُ السَّجْدَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ بَيَانَ صَلَاةِ الْمَرِيضِ بَعْدَ السَّهْوِ لِمَا قُلْنَا إنَّهُمَا مِنْ الْعَوَارِضِ السَّمَاوِيَّةِ أَلْحَقَ هَذَا الْبَابَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إلْحَاقٌ بِبَابِ سُجُودِ السَّهْوِ أَوْ بِمُنَاسَبَةِ أَنَّ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ سُقُوطَ بَعْضِ الْأَرْكَانِ رُخْصَةً لِلْحَرَجِ، وَفِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ يَثْبُتُ التَّدَاخُلُ رُخْصَةً لِلْحَرَجِ أَيْضًا اهـ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ إلَى السَّبَبِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَأَقْوَى وُجُوهِ الِاخْتِصَاصِ اخْتِصَاصُ الْمُسَبَّبِ بِسَبَبِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّهُ حَادِثٌ بِهِ وَقَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ كَمَا ذَكَرَهُ فَإِنَّ حُدُوثَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي إذَا فَرَغَ مِنْهَا، وَوُجُوبُهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً مِنْهَا أُولَى الْحَجِّ وَصِّ عَلَى مَنْ تَلَا، وَلَوْ إمَامًا أَوْ سَمِعَ، وَلَوْ غَيْرَ قَاصِدٍ أَوْ مُؤْتَمًّا لَا بِتِلَاوَتِهِ) أَمَّا الْوُجُوبُ فَمَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَسْجُدْهَا وَلَمْ يَسْجُدْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ كُنْت إمَامَنَا لَوْ سَجَدْت لَسَجَدْنَا مَعَك»، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَسَجَدَ، وَلَنَا أَنَّ آيَاتِ السَّجْدَةِ كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٌ أَمْرٌ صَرِيحٌ، وَهُوَ لِلْوُجُوبِ، وَقِسْمٌ فِيهِ ذِكْرُ فِعْلِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ وَاجِبٌ وَقِسْمٌ فِيهِ ذِكْرُ اسْتِنْكَافِ الْكُفَّارِ، وَمُخَالَفَتُهُمْ وَاجِبَةٌ؛ وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ لَمْ يَسْجُدْ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ لِلْحَالِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ إذْ هِيَ لَا تَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ وَقَوْلُهُ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً أَيْ بِتِلَاوَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً وَهِيَ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ وَفِي الرَّعْدِ وَالنَّحْلِ وَبَنِي إسْرَائِيلَ وَمَرْيَمَ وَالْأُولَى مِنْ الْحَجِّ وَالْفُرْقَانِ وَالنَّمْلِ وأَلَمْ تَنْزِيلُ وَص وَحم السَّجْدَةِ وَالنَّجْمِ وَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] كَذَلِكَ كُتِبَ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَوْلُهُ مِنْهَا أُولَى الْحَجِّ خَصَّهَا بِالذِّكْرِ احْتِرَازًا عَنْ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ مِنْ السَّجْدَةِ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا لَا يَقْرَأْهُمَا» وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ فِي الْحَجِّ هِيَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ سَجْدَةُ الصَّلَاةِ وَقِرَانُهَا بِالرُّكُوعِ يُؤَيِّدُ مَا رُوِيَ عَنْهُمَا وَمَا رَوَاهُ لَمْ يَثْبُتْ، ذَكَرَ ضَعْفَهُ فِي الْغَايَةِ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَالْمُرَادُ بِإِحْدَاهُمَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَبِالْأُخْرَى سَجْدَةُ الصَّلَاةِ وَذَمُّ تَارِكِهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ خُصُوصًا عَلَى مَذْهَبِهِ فَإِنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عِنْدَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ بِتَرْكِهَا وَخَصَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ص أَيْضًا بِالذِّكْرِ لِمَا فِيهَا مِنْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَإِنَّمَا هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ حَتَّى لَوْ تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ لَا يَسْجُدُهَا عِنْدَهُ لَهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ فِي ص وَقَالَ سَجَدَهَا دَاوُد تَوْبَةً وَنَحْنُ نَسْجُدُهَا شُكْرًا وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ فِي ص وَمَا رَوَاهُ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَئِنْ صَحَّ فَمَعْنَى قَوْلِهِ شُكْرًا أَيْ لِأَجْلِ الشُّكْرِ فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا وَجَبَتْ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ مَالِكٌ لَا سُجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ مُذْ تَحَوَّلَ إلَى الْمَدِينَةِ» وَلِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ «قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُورَةَ النَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا» وَلَنَا مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ فِي النَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ» الْحَدِيثَ، وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ الصَّائِغِ قَالَ صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] فَسَجَدَ فِيهَا فَقُلْتُ مَا هَذِهِ؟ فَقَالَ «سَجَدْت بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا أَزَالَ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي انْشَقَّتْ وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1]» وَمَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ مُتَأَخِّرٌ فِي سَابِعِ سَنَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ نَافٍ فَلَا يُعَارِضُ الْمُثْبِتَ وَحَدِيثُ زَيْدٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَرَأَهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ أَوْ أَنَّهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَسْجُدْهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا لَمْ يَسْجُدْهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ كَالْإِمَامِ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً بِالِاحْتِمَالِ فَلَا يُعَارِضُ غَيْرَ الْمُحْتَمَلِ. قَوْلُهُ عَلَى مَنْ تَلَا، وَلَوْ إمَامًا أَيْ يَجِبُ عَلَى مَنْ تَلَا، وَلَوْ كَانَ التَّالِي إمَامًا قَوْلُهُ أَوْ سَمِعَ، وَلَوْ غَيْرَ قَاصِدٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا عَلَى التَّالِي وَالسَّامِعِ مِنْ غَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا الْحَجُّ حُدُوثُهُ بِفِعْلِ الْحَاجِّ وَوُجُوبُهُ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَخِيَارُ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ حُدُوثُهُمَا بِالشَّرْعِ اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قُلْت التِّلَاوَةُ سَبَبٌ فِي حَقِّ التَّالِي وَالسَّمَاعُ سَبَبٌ فِي حَقِّ السَّامِعِ فَلِمَ لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ بَابٌ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالسَّمَاعِ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّمَاعَ سَبَبٌ فِي حَقِّ السَّامِعِ بَلْ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ التِّلَاوَةُ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ بَعْض مَشَايِخِنَا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ سَبَبٌ فِي حَقِّهِ لَكِنْ إنَّمَا لَمْ يُذْكَرْ لِكَوْنِ التِّلَاوَةِ أَصْلًا فِي الْبَابِ؛ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ إذَا لَمْ تُوجَدْ لَا يُوجَدُ السَّمَاعُ اهـ قَالَ الْوَبَرِيُّ وَسَبَبُ وُجُوبِهَا ثَلَاثَةٌ التِّلَاوَةُ لِلسَّجْدَةِ وَسَمَاعُهَا وَالِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا وَلَمْ يَقْرَأْهَا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ يَجِبُ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِتِلَاوَتِهَا فَتَكُونُ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الظَّرْفِ أَيْ يَجِبُ فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً اهـ ع قَالَ فِي الْكُنُوزِ وَمَنْ قَرَأَ آيَاتِ السُّجُودِ كُلَّهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَسَجَدَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَهَمَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ وَاجِبٌ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90]. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ أَيْ لَيْسَتْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ. اهـ. غَايَةٌ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ عَزَائِمُ السُّجُودِ أَرْبَعَةٌ الم تَنْزِيلُ، وحم، وَالنَّجْمُ، وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ) أَيْ «وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي انْشَقَّتْ وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1]. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ غَيْرَ قَاصِدٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ تَلَاهَا» وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَنَّهُ دَيْنٌ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْوَدِيعَةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُطْلَقًا فَيَتَنَاوَلُ الْقَاصِدَ وَغَيْرَهُ وَلِأَنَّ السَّبَبَ يَعْمَلُ عَمَلَهُ قَصَدَ بِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مَجْعُولٌ لِلْحُكْمِ. اهـ. فَتْحٌ

فَصْلٍ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً وَقَالَ تَعَالَى {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: 20] {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] ذَمَّ السَّامِعِينَ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَقَوْلُهُ أَوْ مُؤْتَمًّا أَيْ وَلَوْ كَانَ السَّامِعُ مُؤْتَمًّا، وَلَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الْمُؤْتَمِّ قِرَاءَةَ إمَامِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، وَإِنْ قَرَأَ سِرًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا وَقْتَ الْقِرَاءَةِ وَاقْتَدَى بِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لَهَا، وَقَوْلُهُ لَا بِتِلَاوَتِهِ أَيْ لَا يَجِبُ بِتِلَاوَةِ الْمُقْتَدِي عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْ الْمُصَلِّينَ بِصَلَاةِ إمَامِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَيَسْجُدُونَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَهُوَ التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ وَلَا مَانِعَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا بِخِلَافِ حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَلْبِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ أَوْ التِّلَاوَةِ وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا؛ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا، وَلَيْسَ هُوَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ تَحَمَّلَ عَنْ الْمُقْتَدِي فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فَلَا حُكْمَ لِقِرَاءَتِهِ كَسَهْوِهِ وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَلَا حُكْمَ لِتَصَرُّفِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ؛ لِأَنَّهُمَا مَنْهِيَّانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَلَيْسَا بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِمَا فَتُعْتَبَرُ قِرَاءَتُهُمَا غَيْرَ أَنَّ الْحَائِضَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِقِرَاءَتِهَا، وَلَا بِسَمَاعِهَا فَإِنَّ السَّجْدَةَ رُكْنُ الصَّلَاةِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِأَهْلٍ لَهَا وَبِخِلَافِ مَنْ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَعْدُوهُمْ وَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُمْ يَسْجُدُونَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا تِلَاوَةُ مَنْ يُشَارِكُهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَتَكُونُ صَلَاتِيَّةً ضَرُورَةً وَالصَّلَاتِيَّةُ لَا تُقْضَى خَارِجَ الصَّلَاةِ كَمَا لَوْ تَلَاهَا الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمِعُوهَا مِمَّنْ هُوَ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ يَسْجُدُونَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ مُسْتَنِدٌ إلَى التِّلَاوَةِ وَهِيَ خَارِجَ الصَّلَاةِ. ، وَلَوْ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ التَّشَهُّدِ لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ لِلْحَجْرِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهَا تَجِبُ وَتَتَأَدَّى فِيهِ ، وَلَوْ سَمِعَهَا مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لِكُفْرٍ أَوْ لِصِغَرٍ أَوْ لِجُنُونٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ تَجِبُ عَلَيْهِ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَقِيلَ: لَا تَجِبُ بِقِرَاءَةِ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَكَذَا لَا تَجِبُ بِقِرَاءَةِ النَّائِمِ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ، وَلَوْ سَمِعَهَا مِنْ طُوطِيٍّ لَا تَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَمِعَهَا الْمُصَلِّي مِنْ غَيْرِهِ سَجَدَ بَعْدَ الصَّلَاةِ) لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَهُوَ السَّمَاعُ وَلَا يَسْجُدُهَا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ؛ لِأَنَّ سَمَاعَهُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَجَدَ فِيهَا أَعَادَهَا) أَيْ أَعَادَ السَّجْدَةَ لَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا الْكَامِلُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ هَذِهِ التِّلَاوَةِ مُؤَخَّرٌ إلَى مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا يَصِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَى قَلْبِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ) أَيْ إنْ سَجَدَ الْمَأْمُومُ وَتَابَعَهُ الْإِمَامُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ التِّلَاوَةِ) أَيْ إنْ سَجَدَهَا الْإِمَامُ وَتَابَعَهُ التَّالِي الْمَأْمُومُ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ التِّلَاوَةِ أَنْ يَسْجُدَ التَّالِي وَيُتَابِعُهُ السَّامِعُ وَلِذَلِكَ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلتَّالِي الَّذِي لَمْ يَسْجُدْ كُنْت إمَامَنَا لَوْ سَجَدْت لَسَجَدْنَا» وَلِذَا كَانَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَتَقَدَّمَ التَّالِي وَيُصَفُّ الْقَوْمُ خَلْفَهُ فَيَسْجُدُونَ، وَفِي الْخُلَاصَةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَرْفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ) فَخَرَجَ مِنْ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلْقِرَاءَةِ حُكْمًا؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَلَيْسَا بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِمَا) أَيْ حَتَّى لَا تَنْفُذَ قِرَاءَةُ الْغَيْرِ عَلَيْهِمَا؛ وَلِهَذَا يُبَاحُ لَهُمَا قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ. اهـ. كَافِي قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَثَرُ الْحَجْرِ عَدَمُ اعْتِبَارِ فِعْلِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَتَصَرُّفِهِ وَأَثَرُ النَّهْيِ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ لَا تَرْكُ الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقًا لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ فَالْمَحْجُورُ هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ يَنْفُذُ فِعْلُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ شَاءَ أَوْ أَبَى كَمَا لَوْ فَعَلَهُ هُوَ فِي حَالِ أَهْلِيَّتِهِ، وَالْمَأْمُومُ كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْقِرَاءَةُ حَتَّى تُعَدَّ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ عَلَيْهِ وَصَارَتْ قِرَاءَةً لَهُ كَتَصَرُّفِ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ كَأَنَّهُ تَصَرَّفَ فَكَأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ قِرَاءَتُهُ فَكَانَتْ كَعَدَمِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ فَإِنَّهُمَا مَنْهِيَّانِ فَكَانَتْ مَمْنُوعَةً لَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا بِعَدَمِهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي السِّرِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحْسِنُ قِرَاءَةَ الْمُؤْتَمِّ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ الِاحْتِيَاطُ فَلَيْسَ عِنْدَهُ بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بَلْ مُجَوِّزًا لَهُ التَّرْكَ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ أَعْنِي اسْتِحْسَانَ الْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ. وَالْحَقُّ عَنْهُ خِلَافُهُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَا وَلَمَّا كَانَ مُقْتَضَى هَذَا الْوُجُوبِ بِالسَّمَاعِ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِمَا بِتِلَاوَتِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ بِتِلَاوَتِهَا اسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ بِسَمَاعِهَا مِنْ غَيْرِ حَائِضٍ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ السَّبَبِ لِلصَّلَاةِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهَا وَالسَّجْدَةُ جُزْءُ الصَّلَاةِ لَا بِقَيْدِ الْجُزْئِيَّةِ بَلْ نَظَرًا إلَى ذَاتِهَا اُعْتُبِرَتْ مُسْتَقِلَّةً فَلَا فَرْقَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِسَبَبِهَا كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ بِسَبَبِهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَلَا قَضَاؤُهَا كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ بِالتِّلَاوَةِ وَالسَّمَاعِ سُجُودٌ وَيَجِبُ عَلَى السَّامِعِ مِنْهُمْ إذَا كَانَ أَهْلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ) أَيْ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِينَ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ فَلَا يَعْدُوهُمْ) إذْ عِلَّةُ الْحَجْرِ الِاقْتِدَاءُ وَهُوَ وُجِدَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَتَثْبُتُ تِلْكَ الْعِلَّةُ، وَهُوَ الْحَجْرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَلَوْ تَلَا) أَيْ مَنْ يَكُونُ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي حُكْمِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ إلَى آخِرِهِ)؛ لِأَنَّ السَّبَبَ سَمَاعُ تِلَاوَةٍ صَحِيحَةٍ، وَصِحَّةُ التِّلَاوَةِ بِالتَّمْيِيزِ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْمَنْبَعِ، وَفِي الْوَبَرِيِّ سَبَبُ وُجُوبِهَا ثَلَاثَةٌ: التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ وَالِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا وَلَمْ يَقْرَأْهَا، ثُمَّ التِّلَاوَةُ تُوجِبُ التِّلَاوَةَ عَلَى التَّالِي بِشَرْطَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ حَتَّى لَوْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مَجْنُونًا جُنُونًا مُمْتَدًّا أَوْ صَبِيًّا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ عَقِيبَ طُهْرٍ دُونَ الْعَشَرَةِ وَالْأَرْبَعِينَ لَمْ يَلْزَمْهُمْ وَالتَّالِي إذَا كَانَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا أَوْ سَكْرَانًا أَوْ مَجْنُونًا قَاصِرًا بِأَنْ كَانَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، أَوْ بِأَقَلَّ لَزِمَتْهُ تَلَاهَا أَوْ سَمِعَهَا وَالصَّبِيُّ يُؤْمَرُ بِالسَّجْدَةِ فَإِنْ فَعَلَ، وَإِلَّا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَلَتْهَا الْمَرْأَةُ فِي صَلَاتِهَا فَحَاضَتْ قَبْلَ السُّجُودِ سَقَطَ وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ التَّالِي مُؤْتَمًّا. اهـ.

سَبَبًا إلَّا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى سَبَبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلَاهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ حَيْثُ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ لِلْحَالِ وَإِنَّمَا لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ مَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ سَجَدَ مَعَهُ وَلَا يَعْتَدُّ بِهَا وَلَا تَبْطُلُ تَحْرِيمَتُهُ بِذَلِكَ وَقِيلَ: يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَهِيَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ؛ لِأَنَّهَا مُؤَخَّرَةٌ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا سَجَدَ فِيهَا صَارَ رَافِضًا لَهَا كَمَنْ صَلَّى النَّفَلَ فِي خِلَالِ الْفَرْضِ وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يُعِيدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّجْدَةَ الْوَاحِدَةَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُ كَسَجْدَةِ الشُّكْرِ فَيَتَحَقَّقُ الِانْتِقَالُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَمِعَ مِنْ إمَامٍ فَأَتَمَّ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ سَجَدَ مَعَهُ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْمَعْهَا سَجَدَهَا مَعَهُ تَبَعًا لَهُ فَهَاهُنَا أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ لَوْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ مَا سَجَدَهَا الْإِمَامُ لَا يَسْجُدُهَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، وَهَذَا إذَا أَدْرَكَهُ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُدْرِكًا لِلسَّجْدَةِ بِإِدْرَاكِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ فَيَصِيرُ مُؤَدِّيًا لَهَا وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْجُدَهَا فِي الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ وَلَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا صَلَاتِيَّةٌ فَلَا تُقْضَى خَارِجَهَا فَصَارَ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْوِتْرِ حَيْثُ لَا يَقْنُتُ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ حَيْثُ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ رَاكِعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ مَحَلُّهُ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ مَحَلُّ التَّكْبِيرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِيهِ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلْإِمَامِ وَلَا فَاتَ مَحَلُّهُ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا يَصِيرُ مُؤَدِّيًا لِلسَّجْدَةِ وَلَا تَصِيرُ هِيَ صَلَاتِيَّةً فَيُؤَدِّيهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ وَقِيلَ: لَا يَصِيرُ مُؤَدِّيًا لَهَا وَلَكِنْ تَصِيرُ صَلَاتِيَّةً فَلَا يُؤَدِّيهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْتَدِ بِالْإِمَامِ (سَجَدَهَا) لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تُقْضَ الصَّلَاتِيَّةُ خَارِجَهَا) أَيْ خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ لَهَا مَزِيَّةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ وَلِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَأَفْعَالُهَا لَا تَتَأَدَّى خَارِجَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَلَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَسَجَدَ وَأَعَادَهَا فِيهَا) أَيْ أَعَادَ تِلَاوَتَهَا فِي الصَّلَاةِ (سَجَدَ أُخْرَى)؛ لِأَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ أَقْوَى فَلَا تَكُونُ تَبَعًا لِلْأَضْعَفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ أَوَّلًا كَفَتْهُ وَاحِدَةٌ) أَيْ إنْ لَمْ يَسْجُدْهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ حَتَّى دَخَلَ فِيهَا فَتَلَاهَا فَسَجَدَ لَهَا أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاتِيَّةُ عَنْ التِّلَاوَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُتَّحِدٌ، وَالصَّلَاتِيَّةُ أَقْوَى فَصَارَتْ الْأُولَى تَبَعًا لَهَا وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ يَسْجُدُ لِلْأُولَى إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلَّاحِقِ أَوْ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ قَدْ تَبَدَّلَ بِالِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَبَدَّلَ بِعَمَلٍ آخَرَ؛ وَلِهَذَا لَوْ سَجَدَ لِلْأُولَى، ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ أُخْرَى لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ وَلِأَنَّ لِلْأُولَى قُوَّةَ السَّبَقِ فَاسْتَوَيَا فَلَا تَسْتَتْبِعُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَبِمِثْلِهِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَجْلِسُ وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِالْأُولَى؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِكَوْنِهَا أَكْمَلَ فَلَا تَكُونُ تَبَعًا لِلْأَضْعَفِ لَا لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ السَّابِقُ تَبَعًا لِلَّاحِقِ كَالسُّنَنِ لِلْفَرَائِضِ وَعَلَى هَذَا لَوْ تَلَاهَا فِي صَلَاةٍ بَعْدَ مَا سَمِعَهَا مِنْ غَيْرِهِ تَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ لَا تَكْفِيهِ وَفِي الْوَبَرِيِّ لَوْ سَمِعَ الْمُصَلِّي آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ تَلَاهَا أَجْزَأَتْهُ وَاحِدَةٌ عَنْ الْكُلِّ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْهَا سَقَطَ الْكُلُّ، وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ الَّتِي سَمِعَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَتَانِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَلَوْ تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ، ثُمَّ سَلَّمَ وَأَعَادَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةٌ أُخْرَى، وَهَذَا يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَمَنْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسٍ لَا فِي مَجْلِسَيْنِ) أَيْ أَجْزَأَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الصَّلَاتِيَّةُ كَمَا تُجْزِئُ مَنْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُجْعَلُ كَمَنْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَدَاخَلُ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى السُّجُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ مَا أَمْكَنَ وَإِمْكَانُهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ جَامِعًا لِلْمُتَفَرِّقَاتِ فِيمَا يَتَكَرَّرُ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَغَيْرِهِ وَالْقَارِئُ مُحْتَاجٌ إلَى التَّكْرَارِ لِلْحِفْظِ وَالتَّعْلِيمِ وَالِاعْتِبَارِ، وَهُوَ تَدَاخُلٌ فِي السَّبَبِ دُونَ الْحُكْمِ وَمَعْنَاهُ أَنْ تُجْعَلَ التِّلَاوَاتُ كُلُّهَا كَتِلَاوَةٍ وَاحِدَةٍ تَكُونُ الْوَاحِدَةُ مِنْهَا سَبَبًا وَالْبَاقِي تَبَعًا لَهَا وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْعِبَادَاتِ إذْ السَّبَبُ مَتَى تَحَقَّقَ لَا يَجُوزُ تَرْكُ حُكْمِهِ؛ وَلِهَذَا يُحْكَمُ بِوُجُوبِهَا فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ وَالتَّدَاخُلُ فِي الْحُكْمِ أَلْيَقُ فِي الْعُقُوبَاتِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ فَهُوَ يَنْزَجِرُ بِوَاحِدَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ، ثُمَّ سَلَّمَ وَأَعَادَهَا إلَى آخِرِهِ)، وَإِنْ قَرَأَهَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَسَجَدَ ثُمَّ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فِي مَكَانِهِ فَقَرَأَهَا فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ أُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَجَدَ أَوَّلًا حَتَّى شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي مَكَانِهِ فَقَرَأَهَا فَسَجَدَ لَهُمَا جَمِيعًا أَجْزَأَتْهُ عَنْهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مِنْ نَوَادِرِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا يَجْزِيهِ عَنْهُمَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ الَّتِي تَلَاهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ تَلَاهَا، ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا وَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى فَرَغَ سَقَطَتْ إحْدَاهُمَا وَبَقِيَتْ الْأُخْرَى. اهـ. تَتَارْخَانْ

[مواضع سجود التلاوة]

فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الثَّانِيَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّدَاخُلَ فِي السَّبَبِ تَنُوبُ فِيهِ الْوَاحِدَةُ عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا وَفِي التَّدَاخُلِ فِي الْحُكْمِ لَا تَنُوبُ إلَّا عَمَّا قَبْلَهَا حَتَّى لَوْ زَنَى فَحُدَّ، ثُمَّ زَنَى فِي الْمَجْلِسِ يُحَدُّ ثَانِيًا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ الْمَجْلِسُ لَا يَخْتَلِفُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَلَا بِخُطْوَةٍ وَخُطْوَتَيْنِ، وَلَا بِالِانْتِقَالِ مِنْ زَاوِيَةٍ إلَى زَاوِيَةٍ فِي بَيْتٍ أَوْ مَسْجِدٍ وَقِيلَ: إذَا كَانَ الْمَجْلِسُ كَبِيرًا يَخْتَلِفُ وَالسَّفِينَةُ كَالْبَيْتِ وَفِي الدَّوْسِ وَتَسْدِيَةِ الثَّوْبِ وَالِانْتِقَالِ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ وَالسَّجِّ فِي نَهْرٍ أَوْ حَوْضٍ يَتَكَرَّرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَرَّرَهَا رَاكِبًا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ تَتَكَرَّرُ إلَّا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ لِلْأَمَاكِنِ إذْ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّحَادِ الْمَكَانِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْدَثَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ مَا قَرَأَهَا فَذَهَبَ لِلْوُضُوءِ، ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ الْعَوْدِ لَا تَتَكَرَّرُ لِمَا قُلْنَا وَلَا تَقْطَعُ الْكَلِمَةُ وَلَا الْكَلِمَتَانِ وَلَا اللُّقْمَةُ وَلَا اللُّقْمَتَانِ، وَالْكَثِيرُ قَاطِعٌ، وَلَوْ تَلَاهَا فَسَجَدَ ثُمَّ أَطَالَ الْجُلُوسَ أَوْ الْقِرَاءَةَ فَأَعَادَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ، وَلَوْ تَبَدَّلَ مَجْلِسُ السَّامِعِ دُونَ التَّالِي تَتَكَرَّرُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ السَّمَاعُ، وَكَذَا إذَا تَبَدَّلَ مَجْلِسُ التَّالِي دُونَ السَّامِعِ عَلَى مَا قِيلَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ لِمَا قُلْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَيْفِيَّتُهُ) أَيْ وَكَيْفِيَّةُ السُّجُودِ (أَنْ يَسْجُدَ بِشَرَائِطِ الصَّلَاةِ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ بِلَا رَفْعِ يَدٍ وَتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ) أَيْ بِلَا تَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ، وَالْمُرَادُ بِالتَّكْبِيرَتَيْنِ تَكْبِيرَةٌ عِنْدَ الْوَضْعِ وَالْأُخْرَى عِنْدَ الرَّفْعِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ دُونَ الِانْتِهَاءِ، وَقِيلَ: يُكَبِّرُ فِي الِابْتِدَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الِانْتِهَاءِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يُكَبِّرُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُكَبِّرُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لِلِانْتِقَالِ فَيَأْتِي بِهِ فِيهِمَا اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَقَوْلُهُ بِلَا رَفْعِ يَدٍ لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَفْعَلُ فِي السَّجْدَةِ يَعْنِي لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ» وَلَا تَشَهُّدَ عَلَيْهِ وَلَا سَلَامَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلتَّحْلِيلِ، وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّحْرِيمَةِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا، ثُمَّ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُومَ فَيَسْجُدَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلِأَنَّ الْخُرُورَ فِيهِ أَكْمَلُ فَكَانَ أَوْلَى وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ مَا يَقُولُ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً وَيَدَعَ آيَةَ السَّجْدَةِ)؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِنْكَافَ عَنْهَا وَيُوهِمُ الْفِرَارَ مِنْ لُزُومِ السَّجْدَةِ وَهِجْرَانَ بَعْضِ الْقُرْآنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا يُكْرَهُ عَكْسُهُ، وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَيَدَعَ مَا سِوَاهَا؛ لِأَنَّهُ مُبَادِرٌ إلَيْهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْرَأَ قَبْلَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ لِدَفْعِ وَهْمِ التَّفْضِيلِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ إنْ قَرَأَ مَعَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ فَهُوَ أَحَبُّ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا كَانَ أَعَمَّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَعَهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا وَلَا كَذَلِكَ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُ قَبْلَهَا وَاسْتَحْسَنُوا إخْفَاءَهَا شَفَقَةً عَلَى السَّامِعِينَ وَقِيلَ: إنْ وَقَعَ بِقَلْبِهِ أَنَّهُمْ يُؤَدُّونَهَا وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ جَهَرَ بِهَا لِيَكُونَ حَثًّا لَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ. [مواضع سُجُود التِّلَاوَة] وَمَوْضِعُ السُّجُودِ فِي حم السَّجْدَةِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ عِنْدَ قَوْلِهِ {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172] وَفِي النَّمْلِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129] وَشَذَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25] وَقِيلَ: عَلَى قِرَاءَةِ الْكِسَائِيّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {أَلا يَسْجُدُوا} [النمل: 25] بِالتَّخْفِيفِ وَفِي ص عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] عِنْدَنَا وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد: 29] وَفِي الِانْشِقَاقِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ فِي آخِرِ السُّورَةِ. ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ إلَّا الْحَرْفَ الَّذِي فِي آخِرِهَا لَا يَسْجُدُ، وَلَوْ قَرَأَ الْحَرْفَ الَّذِي يَسْجُدُ فِيهِ وَحْدَهُ لَا يَسْجُدُ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ آيَةِ السَّجْدَةِ بِحَرْفِ السَّجْدَةِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ لَوْ قَرَأَ {وَاسْجُدْ} [العلق: 19] وَسَكَتَ وَلَمْ يَقُلْ {وَاقْتَرَبَ} [الأنبياء: 97] تَلْزَمُهُ السَّجْدَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا بِالِانْتِقَالِ مِنْ زَاوِيَةٍ إلَى زَاوِيَةٍ إلَى آخِرِهِ)، وَلَوْ قَرَأَهَا فِي زَوَايَا الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ يَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبَيْتِ وَالدَّارِ وَقِيلَ فِي الدَّارِ إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً كَبَيْتِ السُّلْطَانِ فَتَلَا فِي دَارٍ مِنْهَا، ثُمَّ تَلَا فِي دَارٍ أُخْرَى يَلْزَمُهُ سَجْدَةٌ أُخْرَى، وَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ إذَا تَلَا فِي دَارٍ، ثُمَّ تَلَا فِي دَارٍ أُخْرَى يَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي الْحُجَّةِ إذَا قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فَتَحَوَّلَ عَنْ مَكَانِهِ كَثِيرًا فَأَعَادَ التِّلَاوَةَ يَجِبُ إعَادَةُ السُّجُودِ. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَرَّرَهَا رَاكِبًا عَلَى الدَّابَّةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ الَّذِي عَقَدَهُ آخِرَهَا فِيمَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - رَجُلٌ تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ عَلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى غُصْنٍ آخَرَ فَأَعَادَهَا إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الِانْتِقَالُ بِدُونِ نُزُولٍ مِنْ الْأَوَّلِ كَفَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُتَّحِدٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِقَالُ إلَّا بِالنُّزُولِ مِنْ الْأَوَّلِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ غَيْرُ مُتَّحِدٍ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ مِرَارًا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ فَسَمِعَهَا رَجُلٌ يَسُوقُ الدَّابَّةَ خَلْفَهُ وَجَبَ عَلَى التَّالِي سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَى سَائِقِ الدَّابَّةِ بِكُلِّ تِلَاوَةٍ سَجْدَةٌ. اهـ. [كَيْفِيَّة سُجُود التِّلَاوَة] (بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ). وَهُوَ مُفَاعِلٌ مِنْ سَافَرَ بِمَعْنَى سَفَرَ؛ لِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ. اهـ. عَيْنِيٌّ السَّفَرُ عَارِضٌ مُكْتَسَبٌ كَالتِّلَاوَةِ إلَّا أَنَّ التِّلَاوَةَ عَارِضٌ هُوَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا بِعَارِضٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ إلَّا بِعَارِضٍ فَلِذَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ ذَلِكَ اهـ كَمَالٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ جَاوَزَ بُيُوتَ مِصْرِهِ مُرِيدًا سَيْرًا وَسَطًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ قَدْرُهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا حَقِيقَةَ السَّيْرِ فِيهَا حَتَّى لَوْ قَطَعَهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ قَصَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ جَبَلٍ قَصَرَ الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ) قَوْلُهُ وَسَطًا صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَالْعَامِلُ فِيهِ السَّيْرُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِأَنْ وَالْفِعْلِ، تَقْدِيرُهُ مُرِيدًا أَنْ يَسِيرَ سَيْرًا وَسَطًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمُرَادُهُ التَّقْدِيرُ لَا أَنْ يَسِيرَ فِيهَا سَيْرًا وَسَطًا وَلَا أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ السَّيْرَ وَإِنَّمَا يُرِيدُ قَدْرَ تِلْكَ الْمَسَافَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مُرِيدًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ سَيْرًا وَسَطًا فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَيْ مُرِيدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسَطًا أَيْ بِسَيْرٍ وَسَطٍ أَوْ نَقُولُ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَحَذْفٌ تَقْدِيرُهُ مُرِيدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ سَيْرًا وَسَطًا أَيْ بِسَيْرٍ وَسَطٍ، وَهُوَ سَيْرُ الْإِبِلِ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ كَلَامُهُ يَتَضَمَّنُ أَشْيَاءَ أَحَدَهَا - بَيَانُ مَوْضِعٍ يُبْتَدَأُ فِيهِ بِالْقَصَرِ وَالثَّانِيَ - بَيَانُ اشْتِرَاطِ قَصْرِ السَّفَرِ، وَالثَّالِثَ - بَيَانُ قَدْرِ مَسَافَتِهِ وَالرَّابِعَ - تَحَتُّمُ الْقَصْرِ فِيهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْمِصْرِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَصَرَ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ» وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَقَصَرْنَا، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ الْمُجَاوَزَةُ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى لَوْ جَاوَزَ عُمْرَانَ الْمِصْرِ قَصَرَ، وَإِنْ كَانَ بِحِذَائِهِ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ أَبْنِيَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِرُبَضِ الْمِصْرِ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَتُهَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ بَيَانُ اشْتِرَاطِ قَصْدِ السَّفَرِ فَلَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ مِنْ قَصْدِ مَسَافَةٍ مُقَدَّرَةٍ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى يَتَرَخَّصَ بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِينَ وَإِلَّا لَا يَتَرَخَّصُ أَبَدًا، وَلَوْ طَافَ الدُّنْيَا جَمِيعَهَا بِأَنْ كَانَ طَالِبَ آبِقٍ أَوْ غَرِيمٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَيَكْفِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ يَعْنِي إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُسَافِرُ قَصَرَ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْمِصْرِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّيَقُّنُ. وَأَمَّا الثَّالِثُ - وَهُوَ بَيَانُ مَسَافَةِ السَّفَرِ فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا أَقَلُّ مَسَافَةٍ تَتَغَيَّرُ فِيهَا الْأَحْكَامُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِسَيْرٍ مُتَوَسِّطٍ، وَهُوَ سَيْرُ الْإِبِلِ وَمَشْيُ الْأَقْدَامِ فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا»، وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ شُرِعَ لَهُ مَسْحُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذْ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ، وَالْمُسَافِرُ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَمَا فِي جَانِبِ الْمُقِيمِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا إذَا قَدَّرَ أَقَلَّ مُدَّةِ السَّفَرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّرَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ مُدَّتِهِ لِانْتِهَاءِ سَفَرِهِ فَاقْتَضَى تَقْدِيرُهُ بِهِ ضَرُورَةً وَإِلَّا لَخَرَجَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَى آخِرِهِ) فِي الْيَنَابِيعِ الْمُرَادُ بِالْأَيَّامِ فِي الْكِتَابِ النُّهُرُ دُونَ اللَّيَالِيِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ جَبَلٍ إلَى آخِرِهِ) تَفْصِيلٌ لِلسَّيْرِ الْمُتَّصَفِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالتَّقْدِيرُ سَيْرًا مُتَّصَفًا بِكَوْنِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَاصِلًا أَوْ وَاقِعًا فِي بَحْرٍ أَوْ فِي بَرٍّ أَوْ فِي جَبَلٍ اهـ ع. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ قَصَرَ الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْفَرْضِ لِيَخْرُجَ عَنْ السُّنَنِ فَإِنَّهَا لَا تُقْصَرُ وَقَيَّدَ بِالرُّبَاعِيِّ لِيَخْرُجَ الْفَجْرُ وَالْمَغْرِبُ. اهـ. دِرَايَةٌ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي الْقَصْرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] الْآيَةَ وَقَدْ انْتَسَخَ التَّعْلِيقُ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَ عَامًّا وَبِعُمُومِهِ أَخَذَ نُفَاةُ الْقِيَاسِ فَلَمْ يُقَدِّرُوهُ بِمُدَّةٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِهِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الضَّرْبِ فِي غَيْرِ الْأَرْضِ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ نَقُولُ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ وَلَيْسَ فِي التَّرْكِيبِ مَا ذَكَرَهُ بَلْ قَوْلُهُ سَيْرًا هُوَ مَفْعُولُ قَوْلِهِ مُرِيدًا، ثُمَّ إنَّ هَذَا السَّيْرَ مُتَّصِفٌ بِشَيْئَيْنِ: الْأَوَّلُ - أَنْ يَكُونَ وَسَطًا وَالثَّانِي - أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ مُرِيدًا سَيْرًا وَلَكِنَّهُ بِمُجَرَّدِ إرَادَةِ السَّيْرِ مُطْلَقًا لَا يُرَخَّصُ لَهُ بَلْ حِينَ أَرَادَ السَّيْرَ الْوَسَطَ الْمُقَدَّرَ بِثَلَاثَةٍ فَحِينَئِذٍ انْتِصَابُ سَيْرًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَانْتِصَابُ وَسَطًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ سَيْرًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَفْعُولًا لِقَوْلِهِ مُرِيدًا فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ مُرِيدًا بِسَيْرٍ وَسَطٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اهـ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمُسَافِرُ إذَا بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ حَتَّى بَلَغَ الْمَرْحَلَةَ فَنَزَلَ فِيهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَاتَ فِيهَا ثُمَّ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَمَشَى حَتَّى بَلَغَ الْمَقْصِدَ وَقْتَ الزَّوَالِ هَلْ يَصِيرُ مُسَافِرًا بِهَذَا أَوْ هَلْ يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا. اهـ. . (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ مِنْ قَصْدِ مَسَافَةٍ إلَى آخِرِهِ)، وَالِاعْتِبَارُ لِلْقَصْدِ مَعَ السَّيْرِ لَا السَّيْرِ الْمُجَرَّدِ وَالْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ، وَالْإِقَامَةُ ضِدُّ السَّفَرِ ثَبَتَتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ دَاعِيَةٌ إلَى تَرْكِ الْفِعْلِ، وَفِي التَّرْكِ يَكْفِيهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ أَمَّا السَّفَرُ فَإِنْشَاءُ فِعْلٍ فَلَا يَكْفِيهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَعَلَى هَذَا قَالُوا أَمِيرٌ خَرَجَ مَعَ جَيْشِهِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ يُدْرِكُهُمْ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْإِقَامَةِ فِي الذَّهَابِ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، وَكَذَا الْمُكْثُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَمَّا فِي الرُّجُوعِ فَإِنْ كَانَتْ مُدَّةَ سَفَرٍ قَصَرُوا، وَلَوْ أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ فَعَلِمَ بِهِ أَهْلُ دَارِهِ فَهَرَبَ مِنْهُمْ يُرِيدُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَصِرْ مُسَافِرًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ أَوْ عَلِمُوا وَلَمْ يَخْشَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ عَلَى إقَامَتِهِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الْقَصْرِ تَفَرَّعَ فِي صَبِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ خَرَجَا قَاصِدَيْنِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَفِي أَثْنَائِهَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ فَيَقْصُرُ الَّذِي أَسْلَمَ فِيمَا بَقِيَ وَيُتِمُّ الَّذِي بَلَغَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَصْرِ وَالنِّيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ حِينَ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِخِلَافِ النَّصْرَانِيِّ وَالْبَاقِي بَعْدَ صِحَّةِ النِّيَّةِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ بِسَيْرٍ مُتَوَسِّطٍ) أَيْ مَعَ الِاسْتِرَاحَاتِ الَّتِي تَتَخَلَّلُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَشْيُ الْأَقْدَامِ) الْمُرَادُ بِمَشْيِ الْأَقْدَامِ سَيْرُ الْقَافِلَةِ اهـ. وَإِنَّ أَعْجَلَ السَّيْرَ سَيْرُ الْبَرِيدِ وَأَبْطَأَهُ سَيْرُ الْعَجَلَةِ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَكْثَرَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ إلَى آخِرِهِ)، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِجَوَازِ أَنْ يَبْلُغَ مَقْصِدَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بَعْدَ الزَّوَالِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَوْ قَدَرَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِمَسْحِ الْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ

بَعْضُ الْمُسَافِرِينَ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثِ مَرَاحِلَ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ فِي السَّيْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرْحَلَةٌ خُصُوصًا فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَقِيلَ: إنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْفَرَاسِخِ فَقُدِّرَ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا وَقِيلَ: بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَقِيلَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةَ السَّفَرِ فِي الْمَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْبَرِّ وَإِنْ أَسْرَعَ فِي السَّيْرِ وَسَارَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنْ يَنْظُرَ كَمْ تَسِيرُ السَّفِينَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ مُسْتَوِيَةً مُعْتَدِلَةً فَيُجْعَلُ ذَلِكَ هُوَ الْمُقَدَّرُ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِهِ كَمَا فِي الْجَبَلِ. وَأَمَّا الرَّابِعُ فَعِنْدَنَا فَرْضُ الْمُسَافِرِ فِي الرَّبَاعِيَةِ رَكْعَتَانِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فَرْضُهُ الْأَرْبَعُ وَالْقَصْرُ رُخْصَةٌ اعْتِبَارًا بِالصَّوْمِ وَلَنَا حَدِيثُ «عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «صَحِبْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّفَرِ فَكَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى صَلَاتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي السَّفَرِ رَوَى الْقَصْرَ فَلَوْ كَانَ فَرْضُ الْمُسَافِرِ أَرْبَعًا لَمَا تَرَكَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الدَّوَامِ لِاخْتِيَارِهِ الْأَشَقَّ وَالْعَزِيمَةَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَرْبَعَ فِي حَقِّهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلِأَنَّ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَا يُقْضَى، وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَهَذَا آيَةُ النَّافِلَةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُقْضَى ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيَّامٍ إذَا كَانَ سَفَرُهُ يَسْتَوْعِبُهَا فَصَاعِدًا لَا يُقَالُ إنَّهُ احْتِمَالٌ يُخَالِفُهُ الظَّاهِرُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ صَارُوا إلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ حَتَّى بَلَغَ الْمَرْحَلَةَ فَنَزَلَ بِهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَاتَ فِيهَا ثُمَّ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَمَشَى إلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَنَزَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ فِي الثَّالِثِ وَمَشَى إلَى الزَّوَالِ فَبَلَغَ الْمَقْصِدَ قَالَ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا عِنْدَ النِّيَّةِ وَعَلَى هَذَا خَرَجَ الْحَدِيثُ إلَى حَيِّزِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ قَالُوا بَقِيَّةُ كُلِّ يَوْمٍ مُلْحَقَةٌ بِالْمُقْضَى مِنْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَخَلُّلِ الِاسْتِرَاحَاتِ لِتَعَذُّرِ مُوَاصَلَةِ السَّيْرِ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ أَنَّ مُسَافِرًا مَسَحَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ عَصْرَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَمْسَحُ فِيهِ فَلَيْسَ تَمَامُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مُلْحَقًا بِهِ شَرَعَا حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ رُخْصَةُ السَّفَرِ وَلَا هُوَ سَفَرٌ حَقِيقَةً فَظَهَرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ شَرْعًا إذَا كَانَ سَفَرُهُ ثَلَاثَةً وَهُوَ عَيْنُ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْمُسَافِرِينَ لَا يَمْسَحُهَا وَآلَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِمَنْعِ هَذَا الْقَوْلِ وَاخْتِيَارِ مُقَابِلِهِ وَإِنْ صَحَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَعَلَى هَذَا يَقُولُ: لَا يَقْصُرُ هَذَا الْمُسَافِرُ وَأَنَا لَا أَقُولُ بِاخْتِيَارِ مُقَابِلِهِ بَلْ إنَّهُ لَا مَخْلَصَ مِمَّا أَوْرَدْنَاهُ إلَّا بِهِ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرُوا وَمِمَّنْ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ - وَإِنَّمَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ وَعْرًا بِحَيْثُ يُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا قَصَرَ بِالنَّصِّ وَعَلَى التَّقْدِيرِ بِأَحَدِ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ لَا يَقْصُرُ فَيُعَارِضُ النَّصَّ فَلَا يُعْتَبَرُ سِوَى سَيْرِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى اعْتِبَارِ سَيْرِ الثَّلَاثَةِ بِمَشْيِ الْأَقْدَامِ لَوْ سَارَ مُسْتَعْجِلًا كَالْبَرِيدِ فِي يَوْمٍ قَصَرَ فِيهِ وَأَفْطَرَ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ، وَهُوَ قَطْعُ مُسَافِرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَمَشْيِ الْأَقْدَامِ كَذَا ذَكَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا يُقَوِّي الْإِشْكَالَ الَّذِي قُلْنَا، وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِمَنْعِ قَصْرِ مُسَافِرِ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ قَطَعَ فِيهِ مَسِيرَةَ أَيَّامٍ وَإِلَّا لَزِمَ الْقَصْرُ لَوْ قَطَعَهَا فِي سَاعَةٍ صَغِيرَةٍ كَقَدْرِ دَرَجَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ صَاحِبَ كَرَامَةِ الطَّيِّ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ مَسَافَةَ ثَلَاثَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ. وَهُوَ بَعِيدٌ لِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ وَهِيَ الْعِلَّةُ أَعْنِي لِلتَّقْدِيرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرِهَا؛ لِأَنَّهَا الْمَجْعُولَةُ مَظِنَّةً لِلْحُكْمِ بِالنَّصِّ الْمُقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ مَسْحِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ أَنَّ بِالْأَكْثَرِ يُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ ذَلِكَ الْفَرْعُ، وَهُوَ مَا إذَا وَصَلَ عِنْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ إلَى الْمَقْصِدِ فَلَوْ صَحَّ تَفْرِيعُهُمْ جَوَازَ التَّرَخُّصِ مَعَ سَيْرِ يَوْمٍ وَاحِدٍ إذَا قَطَعَ فِيهِ قَدْرَ ثَلَاثَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ يَبْطُلُ الدَّلِيلُ وَلَا دَلِيلَ غَيْرُهُ فِي تَقْدِيرِهِمْ أَدْنَى مُدَّةِ الْمَسْحِ فَيَبْطُلُ أَصْلُ الْحُكْمِ أَعْنِي تَقْدِيرَهُمْ أَدْنَى السَّفَرِ يَتَرَخَّصُ بِثَلَاثَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ يَحْكِي خِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا عَزِيمَةٌ أَوْ رُخْصَةٌ وَيَنْقُلُ اخْتِلَافَ عِبَارَاتِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ رُخْصَةً عَنَى رُخْصَةَ الْإِسْقَاطِ، وَهُوَ الْعَزِيمَةُ وَتَسْمِيَتُهَا رُخْصَةً مَجَازٌ، وَهَذَا بَحْثٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ «عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَإِعْلَالُهُ بِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ مَدْفُوعٌ بِثُبُوتِ ذَلِكَ حَكَمَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ، وَهَذَا آيَةُ النَّافِلَةِ) يَعْنِي لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِ الْفِعْلِ فَرْضًا إلَّا كَوْنَهُ مَطْلُوبًا أَلْبَتَّةَ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا عَلَى الْخِلَافِ الِاصْطِلَاحِيِّ فَإِثْبَاتُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَدَائِهِ وَتَرْكِهِ رُخْصَةٌ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَيْسَ حَقِيقَةً إلَّا نَفْيُ الِافْتِرَاضِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَفْهُومِ الْفَرْضِ فَيَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ ثُبُوتَ التَّرَخُّصِ مَعَ قِيَامِ الِافْتِرَاضِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي التَّأْخِيرِ وَنَحْوِهِ مِنْ عَدَمِ إلْزَامِ بَعْضِ الْكَيْفِيَّاتِ الَّتِي عُهِدَتْ لَازِمَةً فِي الْفَرْضِ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَطْعِيٌّ فِي الْإِسْقَاطِ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْفَرْضِ مَا بَقِيَ. اهـ. فَتْحٌ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُ الشَّارِحِ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ إلَى آخِرِهِ مُشْكَلٌ بِالزَّائِدِ عَلَى قِرَاءَةِ آيَةٍ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ فَإِنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ يُثَابُ وَيَقَعُ فَرْضًا، وَلَوْ تَرَكَهُ لَا يُعَاقَبُ مَعَ أَنَّهُ يَقَعُ فَرْضًا، وَكَذَا بِالزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الْفَرْضِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَبِصَوْمِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَا يُعَاقَبُ، وَلَوْ فَعَلَهُ يُثَابُ وَيَقَعُ فَرْضًا، وَكَذَا مِنْ لَا اسْتِطَاعَةَ لَهُ عَلَى الْحَجِّ لَوْ تَرَكَهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ أَتَمَّ وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ صَحَّ) أَيْ أَتَمَّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَقَعَدَ فِي الْأُولَيَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ صَحَّ فَرْضُهُ وَالْأُخْرَيَانِ لَهُ نَافِلَةٌ اعْتِبَارًا بِالْفَجْرِ وَيَصِيرُ مُسِيئًا لِتَأْخِيرِهِ السَّلَامَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ لَا يَصِحُّ فَرْضُهُ لِاخْتِلَاطِ النَّافِلَةِ بِالْفَرْضِ قَبْلَ إكْمَالِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ وَأَمَّا إذَا نَوَاهَا بَعْدَ مَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ صَحَّ فَرْضُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا بِالنِّيَّةِ فَانْقَلَبَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا وَتَرْكُ الْقَعْدَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ غَيْرُ مُفْسِدٍ فِي حَقِّهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ صَحَّ فَرْضُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِمَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَتَّى يَدْخُلَ مِصْرَهُ أَوْ يَنْوِيَ إقَامَةَ نِصْفِ شَهْرٍ بِبَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ). وَهَذَا الْكَلَامُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ وَإِلَّا لَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ لَا يَصِحُّ فَرْضُهُ حَتَّى يَدْخُلَ مِصْرَهُ أَوْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ لِكَوْنِهِ مُقِيمًا وَالثَّانِيَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ مَنْ جَاوَزَ بُيُوتَ مِصْرِهِ مُرِيدًا سَيْرًا إلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ إذَا جَاوَزَ بُيُوتَ مِصْرِهِ قَصَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مِصْرِهِ فَيَدْخُلُهُ أَوْ يَنْوِي الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَالُوا: إنَّمَا يُشْتَرَطُ دُخُولُ الْمِصْرِ لِلْإِتْمَامِ إذَا سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسِرْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَيُتِمُّ بِمُجَرَّدِ الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهُ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ السَّفَرَ قَبْلَ الِاسْتِحْكَامِ إذْ هُوَ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَالتَّقْيِيدُ بِالْبَلَدِ وَالْقَرْيَةِ يَنْفِي صِحَّةَ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِهِمَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ صَالِحٍ لَهَا هَذَا إذَا سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسِرْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْإِقَامَةُ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ بَلْ تَصِحُّ، وَلَوْ فِي الْمَفَازَةِ وَقَدَّرَ الْإِقَامَةَ بِنِصْفِ شَهْرٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا: إذَا قَدِمْت بَلْدَةً وَأَنْتَ مُسَافِرٌ وَفِي نَفْسِك أَنْ تُقِيمَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَأَكْمِلْ صَلَاتَك، وَإِنْ كُنْت لَا تَدْرِي مَتَى تَظْعَنُ فَاقْصِرْهَا وَالْأَثَرُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ كَالْخَبَرِ إذْ الرَّأْيُ لَا يُهْتَدَى إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ مُطْلَقِ اللُّبْثِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَعْرَى عَنْهُ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَكُونَ مُسَافِرًا أَبَدًا فَقَدَّرْنَاهَا بِمُدَّةِ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ مُوجِبَتَانِ كَمَا قَدَّرْنَا الْحَيْضَ وَالسَّفَرَ بِتَقْدِيرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُعَاقَبُ، وَلَوْ أَتَى بِمِثْلِهِ يُثَابُ وَيَقَعُ فَرْضًا قُلْنَا الزَّائِدُ عَلَى آيَتَيْنِ وَثَلَاثٍ إنَّمَا يَقَعُ فَرْضًا بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَأْمُورِ لِحُصُولِ الِامْتِثَالِ بِهِ وَلَكِنْ لَوْ أَتَى بِالزِّيَادَةِ يَقَعُ فَرْضًا لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْأَمْرِ وَيَتَنَاوَلُ مُطْلَقَ الْأَمْرِ إيَّاهَا عَلَى مَا عُرِفَ تَحْقِيقُهُ فِي الْأُصُولِ فَالْأَمْرُ بِالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَمَا وُجِدَ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ يَكُونُ فَرْضًا، وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالظُّهْرِ غَيْرُ مُطْلَقٍ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِالْأَرْبَعِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَبِالرَّكْعَتَيْنِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى بِرَكْعَةٍ لَا يَجُوزُ مَعَ أَنَّهَا صَلَاةٌ، وَلَوْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ لَا يَجُوزُ عَنْ الْفَرْضِ، ثُمَّ لَمَّا تَعَيَّنَتْ الرَّكْعَتَانِ لِلْفَرْضِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَبْقَ الْأَرْبَعُ فَرْضًا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا أَحَدَهُمَا أَمَّا الصَّوْمُ فَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ الْأَمْرِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] فَالْمَأْمُورُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ شَيْءٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ بِالْإِفْطَارِ فَلَا يُعَاقَبُ بِالتَّرْكِ. وَلَوْ أَتَى بِهِ يَقَعُ فَرْضًا وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَإِنَّمَا لَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ فَأَمَّا إذَا تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ فَقَدْ حَدَثَتْ لَهُ الِاسْتِطَاعَةُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ الِاسْتِطَاعَةُ بِالْبَدَنِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ فَيَقَعُ مَا أَدَّى فَرْضًا كَمَا لَوْ صَارَ غَنِيًّا كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ، وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ، وَفِي الْمُحِيطِ اُخْتُلِفَ فِي السُّنَنِ وَلَا قَصْرَ فِيهَا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ تَخْفِيفًا، وَهُوَ فِي الْفَرَائِضِ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ فَقِيلَ: التَّرْكُ أَفْضَلُ تَرَخُّصًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ تَرْكُهَا وَقِيلَ الْفِعْلُ أَفْضَلُ تَقَرُّبًا وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ حَالَ النُّزُولِ الْفِعْلُ أَفْضَلُ وَحَالَ السَّيْرِ التَّرْكُ أَفْضَلُ وَقِيلَ: يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ لِقُوَّتِهَا وَقِيلَ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ أَيْضًا، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا بَأْس بِتَرْكِ السُّنَنِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ أَفْضَلُ وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ حَالَ السَّيْرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُهُ الْمُكْثُ لِأَدَائِهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ لَوْ افْتَتَحَهَا الْمُسَافِرُ بِنِيَّةِ الْأَرْبَعِ أَعَادَ حَتَّى يَفْتَتِحَهَا بِنِيَّةِ الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ الرَّازِيّ، وَهُوَ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى أَرْبَعًا فَقَدْ خَالَفَ فَرْضَهُ كَنِيَّةِ الْفَجْرِ أَرْبَعًا، وَلَوْ نَوَاهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَوَاهَا أَرْبَعًا بَعْدَ الِافْتِتَاحِ فَهِيَ مُلْغَاةٌ كَمَنْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ، ثُمَّ نَوَى الْعَصْرَ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ. (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ مُسِيئًا لِتَأْخِيرِهِ السَّلَامَ إلَخْ إذْ السَّلَامُ وَاجِبٌ وَلِأَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فِي النَّفْلِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ صَحَّ فَرْضُهُ) أَيْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. اهـ. كَاكِيٌّ وَالْخِلَافُ مَذْكُورٌ فِي الْمَجْمَعِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يَنْوِي الْإِقَامَةَ نِصْفَ شَهْرٍ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ) ظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ حَتَّى يَدْخُلَ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ فَيَنْوِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَنِيَّتُهُ الْإِقَامَةُ بِالْقَرْيَةِ وَالْبَلَدِ مُتَحَقِّقَةٌ حَالَ سَفَرِهِ إلَيْهَا قَبْلَ دُخُولِهَا لَكِنْ تَرَكَهُ لِظُهُورِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الْمَفَازَةِ إلَخْ) حَتَّى إنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ فِطْرَهُ فِي رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ يَوْمَانِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَضَ السَّفَرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لِاحْتِمَالِهِ النَّقْضَ إذَا لَمْ يَسْتَحْكِمْ إذْ لَمْ يَتِمَّ عِلَّةً فَكَانَتْ الْإِقَامَةُ نَقْضًا لِلْعَارِضِ لَا ابْتِدَاءَ عِلَّةِ الْإِتْمَامِ، وَلَوْ قِيلَ الْعِلَّةُ مُفَارَقَةُ الْبُيُوتِ قَاصِدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا اسْتِكْمَالَ سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حُكْمِ السَّفَرِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ الْعِلَّةُ لِحُكْمِ السَّفَرِ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ مَا لَمْ يُمْكِنْهُ حُكْمُ الْإِقَامَةِ احْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ. اهـ. فَتْحٌ أَيْ احْتَاجَ مَنْ قَالَ: الْعِلَّةُ اسْتِكْمَالُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَى الْجَوَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَثَرُ إلَخْ) قَدْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ فَقَدَّرْنَاهَا لِمُدَّةِ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ مُوجِبَتَانِ فَهَذَا قَوْلٌ قِيَاسٌ أَصْلُهُ مُدَّةُ السَّفَرِ، وَالْعِلَّةُ كَوْنُهَا مُوجِبَةَ مَا كَانَ سَاقِطًا وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي مُدَّةِ الْإِقَامَةِ وَهِيَ الْفَرْعُ فَاعْتُبِرَتْ كَمِّيَّتُهَا بِهَا، وَهُوَ الْحُكْمُ وَإِصْلَاحُهُ بِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ التَّقْدِيرِ بِالْخَبَرِ وَجَدْنَاهُ عَلَى وَفْقِ صُورَةِ قِيَاسٍ ظَاهِرٍ فَرَجَّحْنَا بِهِ الْمَرْوِيَّ عَنْ

مُسْقِطَتَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِمَكَّةَ وَمِنًى) أَيْ لَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ وَمِنًى حَيْثُ لَا يُتِمُّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لَا تَكُونُ فِي مَكَانَيْنِ إذْ لَوْ جَازَتْ فِي مَكَانَيْنِ لَجَازَتْ فِي أَمَاكِنَ فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّ السَّفَرَ لَا يَتَحَقَّقُ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْمُسَافِرِ فِي الْمَرَاحِلِ لَوْ جُمِعَتْ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَكْثَرَ إلَّا إذَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ فِي اللَّيْلِ فِي أَحَدِهِمَا فَيَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْمَرْءِ تُضَافُ إلَى مَبِيتِهِ يُقَالُ فُلَانٌ يَسْكُنُ فِي حَارَةِ كَذَا، وَإِنْ كَانَ بِالنَّهَارِ فِي الْأَسْوَاقِ هَذَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ كَمَا ذَكَرَ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ بِأَنْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ قَرِيبَةً مِنْ الْمِصْرِ بِحَيْثُ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى سَاكِنِهَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ كَمَوْطِنٍ وَاحِدٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَصَرَ إنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ وَبَقِيَ سِنِينَ) أَيْ قَصَرَ إنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَقُولُ غَدًا أَخْرُجُ أَوْ بَعْدَهُ، وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ السَّفَرَ لَا يَعْرَى عَنْهُ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِدُونِ عَزِيمَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ نَوَى عَسْكَرٌ ذَلِكَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ، وَإِنْ حَاصَرُوا مِصْرًا أَوْ حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِنَا فِي غَيْرِهِ) قَوْلُهُ أَوْ نَوَى عَسْكَرٌ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْهُ مَعْنَاهُ قَصَرَ إنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ نَوَى عَسْكَرٌ ذَلِكَ أَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِأَرْضِ الْحَرْبِ، وَلَوْ حَاصَرُوا مِصْرًا مِنْ أَمْصَارِهِمْ أَوْ حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ يُخَالِفُ عَزِيمَتَهُمْ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْقَرَارِ وَالْفِرَارِ فَصَارَ كَالْمَفَازَةِ وَالْجَزِيرَةِ وَالسَّفِينَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ تَصِحُّ نِيَّتُهُمْ فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ ظَاهِرًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ إذَا كَانُوا فِي بُيُوتِ الْمَدَرِ، وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّرَدُّدِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا فِيمَنْ دَخَلَ بَلْدَةً لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَنَوَى إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَصِيرُ مُقِيمًا؛ لِأَنَّهُ إنْ قَضَى حَاجَتَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ يَخْرُجُ مِنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ) يَعْنِي حَيْثُ تَصِحُّ مِنْهُمْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانُوا فِي الْمَفَازَةِ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ عُمَرَ عَلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا بِمَكَّةَ وَمِنًى إلَخْ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ كَمَالًا، وَلَوْ اُعْتُبِرَ فِي مَوْضِعَيْنِ لَأَمْكَنَ اعْتِبَارُهَا فِي مَوَاضِعَ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَخْلُو عَنْهُ السَّفَرُ فَلَا يُمْكِنُ تَحَقُّقُ الرُّخْصَةِ حِينَئِذٍ فَلَوْ نَوَى الْمَبِيتَ فِي أَحَدِهِمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتَمَّ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُقِيمًا بِالْمَبِيتِ فِي أَحَدِهِمَا وَذَكَرَ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ الْحَاجَّ إذَا دَخَلَ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ مَكَّةَ وَنَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ دَخَلَ قَبْلَ أَيَّامِ الْعَشْرِ لَكِنْ بَقِيَ إلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ لِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنَوَى الْإِقَامَةَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَلَا يَصِحُّ قِيلَ: كَانَ سَبَبُ تَفَقُّهِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا بِطَلَبِ الْحَدِيثِ قَالَ فَدَخَلْت مَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مَعَ صَاحِبٍ لِي وَعَزَمْت عَلَى الْإِقَامَةِ شَهْرًا فَجَعَلْت أُتِمُّ الصَّلَاةَ فَلَقِيَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ أَخْطَأْت فَإِنَّك تَخْرُجُ إلَى مِنًى وَعَرَفَاتٍ فَلَمَّا رَجَعْت إلَى مِنًى بَدَا لِصَاحِبِي أَنْ يَخْرُجَ وَعَزَمْت عَلَى أَنْ أُصَاحِبَهُ فَجَعَلْت أَقْصُرُ الصَّلَاةَ، فَقَالَ لِي صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ: أَخْطَأْت فَإِنَّك مُقِيمٌ بِمَكَّةَ فَمَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا لَا تَصِيرُ مُسَافِرًا فَقُلْت فِي نَفْسِي أَخْطَأْت فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَنْفَعْنِي مَا جَمَعْت مِنْ الْأَخْبَارِ فَدَخَلْت مَسْجِدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاشْتَغَلْت بِالْفِقْهِ مِنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِأَبِي الْبَقَاءِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ إلَّا إذَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ) أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا. (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ وَبَقِيَ سِنِينَ إلَخْ)؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَقَامَ بِأَذَرْبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَقْصُرُ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ ذَلِكَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ نَوَى عَسْكَرٌ ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَلَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمِنًا وَنَوَى الْإِقَامَةَ فِي دَارِهِمْ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَالْأَسِيرُ إذَا انْفَلَتَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ وَتَوَطَّنَ فِي غَارٍ أَوْ سَرَبٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَقْصُرُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ إلَخْ) أَمَّا إذَا حَاصَرُوهُمْ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ تَصِحُّ نِيَّتُهُمْ لِلْإِقَامَةِ بِلَا خِلَافٍ اهـ ع (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ يُخَالِفُ عَزِيمَتَهُمْ)؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ تِلْكَ الْعَزِيمَةِ مُوَطَّنُونَ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ هُزِمُوا قَبْلَ تَمَامِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ أَمْرٌ مُجَوَّزٌ لَمْ يُقِيمُوا، وَهَذَا مَعْنَى قِيَامِ التَّرَدُّدِ فِي الْإِقَامَةِ فَلَمْ تُقْطَعْ النِّيَّةُ عَلَيْهَا وَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ قَطْعِ النِّيَّةِ مِنْ قَطْعِ الْقَصْدِ، وَإِنْ كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ وُصُولِ الْمَدَدِ إلَى الْعَدُوِّ وَوُجُودِ مَكِيدَةٍ مِنْ الْقَلِيلِ يُهْزَمُ بِهَا الْكَثِيرُ قَائِمٌ، وَذَلِكَ بِمَنْعِ قَطْعِ الْقَصْدِ؛ وَلِهَذَا يُضَعَّفُ تَعْلِيلُ أَبِي يُوسُفَ الصِّحَّةَ إذَا كَانُوا فِي بُيُوتِ الْمَدَرِ لَا إنْ كَانُوا فِي الْأَخْبِيَةِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ بُيُوتِ الْمَدَرِ لَيْسَ عَلَى ثُبُوتِ الْإِقَامَةِ بَلْ مَعَ النِّيَّةِ وَلَمْ تُقْطَعْ. اهـ. كَمَالٌ قَوْلُهُ الصِّحَّةُ أَيْ صِحَّةُ النِّيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْمَفَازَةِ) أَيْ فَصَارَ الْمِصْرُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ الْفَتْحِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْعَسْكَرِ كَالْمَفَازَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْضِعِ إقَامَةٍ قَبْلَ الْفَتْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ تَصِحُّ بِنِيَّتِهِمْ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَخْ) أَيْ فِي مُحَاصَرَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَفِي مُحَاصَرَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ. اهـ. (قَوْلُهُ تَصِحُّ إذَا كَانُوا فِي بُيُوتِ إلَخْ)؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إقَامَةٍ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ) أَيْ كَالْأَعْرَابِ وَالْأَتْرَاكِ وَالرِّعَاءِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَالْأَخْبِيَةُ جَمْعُ خِبَاءٍ، وَهُوَ بَيْتُ الشَّعْرِ اهـ ع (قَوْلُهُ يَعْنِي حَيْثُ تَصِحُّ مِنْهُمْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ إلَخْ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. هِدَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَعَلَّلَ فِيهِ بِوَجْهَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ إلَخْ) وَالسَّفَرَ عَارِضٌ فَحَمْلُهُمْ عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى وَالثَّانِي أَنَّ السَّفَرَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ النِّيَّةِ إلَى مَكَان إلَيْهِ مُدَّةُ السَّفَرِ وَهُمْ لَا يَنْوُونَ ذَلِكَ قَطُّ بَلْ يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَاءٍ إلَى مَاءٍ وَمِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى فَكَانُوا مُقِيمِينَ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِي التُّحْفَةِ الْأَعْرَابُ وَالْأَكْرَادُ وَالتَّرَاكِمَةُ وَالرِّعَاءُ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي بُيُوتِ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ مُقِيمُونَ؛ لِأَنَّ مَقَامَهُمْ الْمَفَاوِزُ عَادَةً وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَفِي الْمُحِيطِ

فَلَا تَبْطُلُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى بِخِلَافِ الْعَسْكَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اقْتَدَى مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ فِي الْوَقْتِ صَحَّ وَأَتَمَّ) هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ فَيَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ إلَى أَرْبَعٍ كَمَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لِاتِّصَالِ الْمُغَيَّرِ بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ، وَإِنْ أَفْسَدَهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْأَرْبَعِ لِلْمُتَابَعَةِ وَقَدْ زَالَتْ بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ، ثُمَّ أَفْسَدَ حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْأَرْبَعُ؛ لِأَنَّهُ بِالشُّرُوعِ الْتَزَمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ قَصْدًا وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَلْتَزِمْ قَصْدًا وَإِنَّمَا قَصَدَ إسْقَاطَ الْفَرْضِ عَنْ ذِمَّتِهِ وَتَغَيَّرَ فَرْضُهُ حُكْمًا لِلْمُتَابَعَةِ وَقَدْ زَالَتْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ الْوَقْتِ لِانْقِضَاءِ السَّبَبِ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَيَكُونُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ التَّحْرِيمَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعَكْسِهِ صَحَّ فِيهِمَا) أَيْ بِعَكْسِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ جَازَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ اقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ أَمَّا جَوَازُهُ فِي الْوَقْتِ فَلِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِمَكَّةَ بِأَهْلِ مَكَّةَ، وَهُوَ مُسَافِرٌ فَقَالَ: أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ كُلُّ مُسَافِرٍ صَلَّى بِمُقِيمٍ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فَرْضٌ فِي حَقِّهِ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَبِنَاءُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ جَائِزٌ وَأَمَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ صَلَاتَهُ أَقْوَى مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ إذَا سَلَّمَ أَتَمَّ الْمُقِيمُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَمَّا إذَا ارْتَحَلُوا عَنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِمْ فِي الصَّيْفِ وَقَصَدُوا مَوْضِعًا آخَرَ لِلْإِقَامَةِ فِي الشِّتَاءِ وَبَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُمْ يَصِيرُونَ مُسَافِرِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْمُجْتَبَى ذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ الْمَلَّاحُ مُسَافِرٌ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ وَحَالُهُ فِي السَّفِينَةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَسَفِينَتُهُ لَيْسَتْ بِوَطَنٍ لَهُ إلَّا عِنْدَ الْحَسَنِ وَأَحْمَدَ، وَفِي الْمُحِيطِ صَاحِبُ السَّفِينَةِ وَالْمَلَّاحُ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ وَطَنِهِ. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ فَلَا تَبْطُلُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى) يَعْنِي هُمْ لَا يَقْصِدُونَ سَفَرًا بَلْ الِانْتِقَالَ مِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى، وَهَذَا؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ الْمَقَامُ فِي الْمَفَاوِزِ فَكَانَتْ فِي حَقِّهِمْ كَالْقُرَى فِي حَقِّ أَهْلِ الْقُرَى. اهـ. فَتْحٌ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ أَمَّا مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بَلْ هُوَ مُسَافِرٌ فَلَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي مَرْعًى أَوْ جَزِيرَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ صَحَّ وَأَتَمَّ) أَيْ سَوَاءٌ اقْتَدَى بِهِ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ كُلِّهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ إنْ أَدْرَكَ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِ رَكْعَةً لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الْقَصْرُ خَلْفَ الْمُقِيمِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِاتِّصَالِ الْمُغَيَّرِ بِالسَّبَبِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ: انْعِقَادُ الِاقْتِدَاءِ سَبَبًا لِلتَّغَيُّرِ مَوْقُوفٌ عَلَى صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ وَصِحَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى تَغَيُّرِ فَرْضِهِ، إذْ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَزِمَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ فَقَدْ تَوَقَّفَ التَّغَيُّرُ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَصِحَّتُهُ عَلَى التَّغَيُّرِ، وَهُوَ دَوْرٌ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ دَوْرُ مَعِيَّةٍ لَا دَوْرُ تَرَتُّبٍ فَإِنْ ثَبَتَ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ وَالتَّغَيُّرِ مَعًا إلَّا أَنَّهُ فِي الْمُلَاحَظَةِ يَكُونُ ثُبُوتُ التَّغَيُّرِ لِتَصْحِيحِ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ شَرْعًا مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ وَلَا مَانِعَ إلَّا عَدَمُ التَّغَيُّرِ، وَهُوَ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِفَرْضِ ثُبُوتِ التَّغَيُّرِ بِمَا يَصْلُحُ سَبَبًا لَهُ فَلْيَكُنْ طَلَبُ الشَّرْعِ تَصْحِيحَ الِاقْتِدَاءِ سَبَبًا لَهُ أَيْضًا فَيَثْبُتُ عِنْدَ الِاقْتِدَاءِ فَتَثْبُتُ الصِّحَّةُ مَعَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَفْسَدَهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْإِفْسَادُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِلْمُتَابَعَةِ وَقَدْ زَالَتْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَدَى الْمُقِيمُ بِالْمُسَافِرِ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ الْمُقِيمَ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ مَعَ أَنَّهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِالْخَلِيفَةِ الْمُقِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُؤْتَمُّ خَلِيفَةً عَنْ الْمُسَافِرِ كَانَ الْمُسَافِرُ كَأَنَّهُ الْإِمَامُ فَيَأْخُذُ الْخَلِيفَةُ صِفَةَ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ، وَلَوْ أَمَّ مُسَافِرٌ مُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ فَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ تَكَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسَافِرِينَ أَوْ قَامَ فَذَهَبَ، ثُمَّ نَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ وَفَرْضُ الْمُسَافِرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَرْبَعًا لِوُجُودِ الْمُغَيَّرِ فِي مَحَلِّهِ وَصَلَاةُ مَنْ تَكَلَّمَ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي وَقْتٍ لَوْ تَكَلَّمَ إمَامُهُ لَمْ تَفْسُدْ فَكَذَا صَلَاةُ الْمُقْتَدِي إذَا كَانَ بِمِثْلِ حَالِهِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَ نِيَّتِهِ فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا ثُمَّ تَكَلَّمَ وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْمُسَافِرِينَ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ لِلتَّبَعِيَّةِ وَقَدْ زَالَتْ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَعْدَهُ لَا) قَالَ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْخَلَّاطِيِّ هَذَا فِي صَلَاةٍ تَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ أَمَّا فِي صَلَاةٍ لَا تَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ كَالْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا إذَا خَرَجَ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ أَمَّا إذَا اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ، ثُمَّ خَرَجَ قَبْلَ الْفَرَاغِ فَلَا يَفْسُدُ وَلَا يَبْطُلُ اقْتِدَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اقْتَدَى صَارَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا لِلتَّبَعِيَّةِ كَالْمُقِيمِ وَصَلَاةُ الْمُقِيمِ لَا تَصِيرُ رَكْعَتَيْنِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَكَذَا لَوْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَانْتَبَهَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَعْنِي يُتِمُّ أَرْبَعًا. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ فَلَا يَفْسُدُ وَالْحَرْفُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ فِي وَقْتٍ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِضِيقِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْعَصْرِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ التَّحْرِيمَةِ وَغَابَتْ الشَّمْسُ أَتَمَّهَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى عِنْدَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِ أَتَمَّهَا وَقَوْلُهُ مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ أَيْ قَدْرِ التَّحْرِيمَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ لَا يَتَغَيَّرُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لَا يَتَغَيَّرُ قَصْدًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ الْوَقْتِ لِانْقِضَاءِ السَّبَبِ فَلَا يَتَغَيَّرُ تَبَعًا بِالِاقْتِدَاءِ (قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ) أَيْ الْأُولَى إنْ اقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْمُسَافِرِ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ فَرْضُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِمَامِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ اسْمَ النَّفْلِ مَجَازًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عَدَمِ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِالتَّرْكِ. اهـ. فَتْحٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ امْتَنَعَ لِأَجْلِ الْقَعْدَةِ، وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْآخِرِ امْتَنَعَ لِأَجْلِ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ نَفْلٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ انْتَقَلَتْ الْقِرَاءَةُ مِنْ الْأُخْرَيَيْنِ إلَى الْأُولَيَيْنِ فَتَبْقَى الْأُخْرَيَانِ بِلَا قِرَاءَةٍ، وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ امْتَنَعَ لِأَجْلِ التَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّ

صَلَاتَهُمْ مُنْفَرِدِينَ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا الْمُوَافَقَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَيَنْفَرِدُونَ فِي الْبَاقِي كَالْمَسْبُوقِ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ قَدْ تَأَدَّى بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِمِثْلِهِ لَا السَّفَرِ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ بِمِثْلِهِ وَالسَّفَرِ وَالْأَصْلِيِّ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَوْطَانَ ثَلَاثَةٌ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ، وَهُوَ مَوْلِدُ الْإِنْسَانِ أَوْ الْبَلْدَةِ الَّتِي تَأَهَّلَ فِيهَا وَوَطَنُ إقَامَةٍ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْوِي الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا وَوَطَنُ سُكْنَى وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَنْوِي أَنْ يُقِيمَ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا الْوَطَنَ قَالُوا؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِيهِ مُسَافِرًا عَلَى حَالِهِ فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ وَنَحْنُ نَذْكُرُ فَائِدَتَهُ مِنْ قَرِيبٍ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْطَانِ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ وَبِمَا هُوَ فَوْقَهُ وَلَا يَبْطُلُ بِمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَنْتَقِضُ بِمِثْلِهِ وَبِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ لَا بِمَا دُونَهُ وَقَوْلُهُ وَيَبْطُلُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِمِثْلِهِ أَيْ بِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَلِهَذَا عَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْسَهُ بِمَكَّةَ مُسَافِرًا حَيْثُ قَالَ «فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» هَذَا إذَا انْتَقَلَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَهْلِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ بِأَهْلِهِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْدَثَ أَهْلًا بِبَلْدَةٍ أُخْرَى فَلَا يَبْطُلُ وَطَنُهُ الْأَوَّلُ وَيُتِمُّ فِيهِمَا. وَقَوْلُهُ لَا السَّفَرِ فِيهِ حَذْفٌ أَيْ لَا بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ وَلَا بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ وَكِلَاهُمَا لَا يَبْطُلُ بِهِ الْأَصْلِيُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُهُ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ بِمِثْلِهِ أَيْ يَبْطُلُ وَطَنُ الْإِقَامَةِ بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ لِمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ وَالسَّفَرِ وَالْأَصْلِيِّ أَيْ وَيَبْطُلُ بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ وَبِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ ضِدُّ الْإِقَامَةِ فَلَا يَبْقَى مَعَهُ وَالْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ فَوْقَهُ، وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْأَوْطَانِ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ فِيهَا إذَا أَدْخَلَهَا وَهُوَ مُسَافِرٌ قَبْلَ أَنْ تَبْطُلَ وَتُتَصَوَّرُ تِلْكَ الْفَائِدَةِ فِي وَطَنِ السُّكْنَى أَيْضًا فِي رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ إلَى قَرْيَةٍ لِحَاجَةٍ وَلَمْ يَقْصِدْ السَّفَرَ وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهَا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْقَرْيَةِ لَا لِلسَّفَرِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُقِيمَ لَيْلَةً فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَسَافَرَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ، وَلَوْ مَرَّ بِتِلْكَ الْقَرْيَةِ وَدَخَلَهَا أَتَمَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْرِيمَةَ الْمُسَافِرِ أَقْوَى لِكَوْنِهَا مُتَضَمِّنَةً لِلْفَرْضِ فَقَطْ وَتَحْرِيمَةَ الْمُقِيمِ مُتَضَمِّنَةً لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ التَّحْرِيمَةِ اهـ مِنْ خَطِّهِ. - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ انْتَقَلَتْ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ يَجِبُ جَعْلُهُ فِيهِمَا. اهـ. . (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ فِي الْأَصَحِّ احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ يَقْرَءُونَ؛ لِأَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ؛ وَلِهَذَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِمْ إذَا سَهَوْا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ قَدْ تَأَدَّى) أَيْ فَيَتْرُكُهَا احْتِيَاطًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَاحِقًا كَانَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ فَكَانَ مُقْتَدِيًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ مُنْفَرِدٌ حَقِيقَةً فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مُقْتَدٍ وَتُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ إذْ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ صَارَ مُؤَدًّى فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَدَارَتْ قِرَاءَتُهُ بَيْنَ الْحُرْمَةِ وَالنَّدْبِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي التَّرْكِ؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ وَاجِبُ الِامْتِنَاعِ وَالْمَنْدُوبَ جَائِزُ التَّرْكِ فَلَوْ كَانَ حَرَامًا أَثِمَ بِالْفِعْلِ، وَلَوْ كَانَ مَنْدُوبًا لَا يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ أَدْرَكَ قِرَاءَةً نَافِلَةً فَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ فِيمَا يَقْضِي فَرْضًا فَيَجِبُ الْإِتْيَانُ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ إلَى آخِرِهِ) وَيُسَمَّى وَطَنُ الْقَرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ الَّتِي تَأَهَّلَ فِيهَا) أَيْ وَمَنْ قَصْدُهُ التَّعَيُّشُ بِهِ لَا الِارْتِحَالُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَنْ يُقِيمَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى آخِرِهِ) وَيُسَمَّى وَطَنُ الْإِقَامَةِ وَطَنًا مُسْتَعَارًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَاعِدًا) أَيْ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ وَلَا بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ إلَى آخِرِهِ)، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَطَنَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ لَا يَبْطُلُ بِالْأَخِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا دُونَهُ وَالثَّانِي وَطَنُ الْإِقَامَةِ يَبْطُلُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ وَبِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَبِالسَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَالثَّالِثُ، وَهُوَ وَطَنُ السُّكْنَى يَبْطُلُ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ فَوْقَهُ وَبِالسَّفَرِ اهـ. قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ الْوَطَنُ وَطَنَانِ: وَطَنٌ أَصْلِيٌّ وَوَطَنٌ مُسْتَعَارٌ وَلَمْ يَعْتَبِرْ وَطَنَ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ بَلْ حُكْمُ السَّفَرِ فِيهِ بَاقٍ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَابِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ الْبَعْضُ فَإِنَّ الْإِمَامَ السَّرَخْسِيَّ ذَكَرَ فِي مَبْسُوطِهِ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَطَنَ السُّكْنَى مُعْتَبَرٌ فَقَالَ: لَوْ خَرَجَ إلَى الْقَادِسِيَّةِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى الْحِيرَةِ يُرِيدُ الشَّامَ وَلَهُ بِالْقَادِسِيَّةِ ثَقَلٌ يُرِيدُ أَنْ يَحْمِلَهُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ يَقْصُرُ؛ لِأَنَّ الْقَادِسِيَّةَ وَطَنُ السُّكْنَى فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ بِهَا مُدَّةً أَوْ لَمْ يَعْزِمْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ فِنَاءِ الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكُوفَةِ دُونَ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ الْحِيرَةِ انْتَقَضَ وَطَنُهُ بِالْقَادِسِيَّةِ؛ لِأَنَّ وَطَنَ السُّكْنَى يُنْتَقَضُ بِمِثْلِهِ وَقَدْ ظَهَرَ لَهُ بِالْحِيرَةِ وَطَنُ السُّكْنَى فَالْتَحَقَ بِمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْقَادِسِيَّةِ فَإِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْحِيرَةِ وَبَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقَادِسِيَّةِ لِحَمْلِ الثَّقَلِ وَيَرْتَحِلُ إلَى الشَّامِ وَلَا يَمُرُّ بِالْكُوفَةِ يُتِمُّ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ يَقْصُرُ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ السُّكْنَى الَّذِي بِالْقَادِسِيَّةِ قَدْ انْتَقَضَ بِخُرُوجِهِ مِنْهَا عَلَى قَصْدِ الْحِيرَةِ كَمَا لَوْ دَخَلَهَا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ وَطَنُهُ بِالْقَادِسِيَّةِ لِلسُّكْنَى بَاقٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ بِقَصْدِ الْحِيرَةِ وَطَنُ سُكْنَى آخَرُ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا فَبَقِيَ وَطَنُهُ بِالْقَادِسِيَّةِ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْهَا لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ لِتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ أَوْ اسْتِقْبَالٍ فَلِذَا يُتِمُّ بِالْقَادِسِيَّةِ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهَا فَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صِحَّةُ مَا قُلْنَا، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ ضِدُّ الْإِقَامَةِ فَلَا يَبْقَى مَعَهُ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ فَالسَّفَرُ ضِدٌّ لِلْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ فَلِمَ لَمْ يُبْطِلْهُ، فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَالْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ فَوْقَهُ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يُنْتَقَضُ أَيْ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَخْرُجُ مَعَ أَصْحَابِهِ إلَى الْغَزَوَاتِ بِالْمَدِينَةِ وَلَا يُنْتَقَضُ وَطَنُهُ بِالْمَدِينَةِ حَيْثُ لَمْ يُجَدِّدْ نِيَّتَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ» اهـ

مِمَّا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلَهُ، ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ السَّفَرِ لِثُبُوتِ الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ إجْمَاعًا وَفِي ثُبُوتِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ (وَفَائِتَةُ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ تُقْضَى رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعًا) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ أَيْ فَائِتَةُ السَّفَرِ تُقْضَى رَكْعَتَيْنِ وَفَائِتَةُ الْحَضَرِ تُقْضَى أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَاتَتْهُ فِي الْمَرَضِ فِي حَالَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَيْثُ يَقْضِيهَا فِي الصِّحَّةِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا أَوْ فَاتَتْهُ فِي الصِّحَّةِ حَيْثُ يَقْضِيهَا فِي الْمَرَضِ بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ إلَّا أَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ عَنْهُ بِالْعَجْزِ فَإِذَا قَدَرَ أَتَى بِهِمَا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ كَصَلَاةِ الْفَجْرِ وَعَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ آخَرُ الْوَقْتِ) أَيْ الْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْأَرْبَعِ أَوْ الرَّكْعَتَيْنِ آخِرُ الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ آخِرُ الْوَقْتِ مُسَافِرًا وَجَبَ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْبَعُ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّبَبِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ وَلِهَذَا لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَبِعَكْسِهِ لَوْ حَاضَتْ أَوْ جُنَّ أَوْ نَفِسَتْ فِيهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَاصِي كَغَيْرِهِ) أَيْ فِي التَّرَخُّصِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَفِي ثُبُوتِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ) قَالَ الْكَمَالُ فِي رِوَايَةٍ لَا يُشْتَرَطُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَفِي أُخْرَى إنَّمَا يَصِيرُ الْوَطَنُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ سَفَرٌ وَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْهُ مُدَّةُ سَفَرٍ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ لَا بِقَصْدِ السَّفَرِ فَوَصَلَ إلَى قَرْيَةٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ لَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إقَامَةٍ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ بِعَدَمِ تَقَدُّمِ السَّفَرِ، وَكَذَا إذَا قَصَدَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ وَخَرَجَ فَلَمَّا وَصَلَ إلَى قَرْيَةٍ مَسِيرَتُهَا مِنْ وَطَنِهِ دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا وَلَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إقَامَةٍ وَالتَّخَرُّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ بَغْدَادِيٌّ وَكُوفِيٌّ خَرَجَا مِنْ وَطَنِهِمَا يُرِيدَانِ قَصْرَ ابْنِ هُبَيْرَةَ لِيُقِيمَا فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَبَيْنَ كُوفَةَ وَبَغْدَادَ خَمْسُ مَرَاحِلَ وَالْقَصْرُ مُنْتَصَفُ ذَلِكَ فَلَمَّا قَدِمَاهُ خَرَجَا مِنْهُ إلَى الْكُوفَةِ لِيُقِيمَا بِهَا ثُمَّ يَرْجِعَا إلَى بَغْدَادَ فَإِنَّهُمَا يُتِمَّانِ إلَى الْكُوفَةِ وَبِهَا؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُمَا مِنْ وَطَنِهِمَا إلَى الْقَصْرِ لَيْسَ سَفَرًا، وَكَذَا مِنْ الْقَصْرِ إلَى الْكُوفَةِ فَبَقِيَا مُقِيمَيْنِ إلَى الْكُوفَةِ فَإِنْ خَرَجَا مِنْ الْكُوفَةِ إلَى بَغْدَادَ يَقْصُرَانِ الصَّلَاةَ، وَإِنْ قَصَدَا الْمُرُورَ عَلَى الْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا بَغْدَادَ وَلَيْسَ بِهَا وَطَنٌ أَمَّا الْكُوفِيُّ فَلِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ نَقَضَ وَطَنَ الْقَصْرِ. وَأَمَّا الْبَغْدَادِيُّ فَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ يُتِمُّ الصَّلَاةَ وَعَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ يَعْنِي الزِّيَادَاتِ يَقْصُرُ، وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ وَطَنَ الْبَغْدَادِيِّ بِالْقَصْرِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعِهَا وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَنْقُضُهَا وَقِيَامُ وَطَنِهِ بِالْقَصْرِ يَمْنَعُ تَحَقُّقَ السَّفَرِ، وَجْهُ رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ وَطَنَ الْإِقَامَةِ لَا يَكُونُ بَعْدَ تَقْدِيمِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ مِنْ الْمُقِيمِ لَغْوٌ، وَلَمْ يُوجَدْ تَقْدِيمُ السَّفَرِ فَلَمْ يَصِحَّ وَطَنُهُ بِالْقَصْرِ فَصَارَ مُسَافِرًا إلَى بَغْدَادَ اهـ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ تُبَيِّنُ أَنَّ السَّفَرَ النَّاقِضَ لِوَطَنِ الْإِقَامَةِ مَا لَيْسَ فِيهِ مُرُورٌ عَلَى وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَوْ مَا يَكُونُ الْمُرُورُ فِيهِ بَعْدَ سَيْرِ مُدَّةِ السَّفَرِ، وَمِثَالُهُ فِي دِيَارِنَا قَاهِرِيٌّ خَرَجَ إلَى بُلْبَيْسَ فَنَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ مِنْهَا إلَى الصَّالِحِيَّةِ فَلَمَّا دَخَلَهَا بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقَاهِرَةِ وَيَمُرَّ بِبُلْبَيْسَ فَعَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ السَّفَرِ لِوَطَنِ الْإِقَامَةِ يَقْصُرُ إلَى الْقَاهِرَةِ وَعَلَى الْأُخْرَى يُتِمُّ. اهـ. . (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّبَبِيَّةِ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ كُلُّ الْوَقْتِ لَا الْأَخِيرُ قُلْنَا الْمُعْتَبَرُ فِي تَقَرُّرِ الْقَضَاءِ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ وَلَا اعْتِبَارَ لِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ سَافَرَ فِيهِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ أَقَامَ فِيهِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ وَإِنَّمَا الْإِضَافَةُ إلَى كُلِّهِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ حَالُهُ بِالْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ وَالْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالسَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْقَضَاءِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَأَمَّا فِي حَقِّ تَقَرُّرِ الْقَضَاءِ فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ، وَإِنْ كَانَ الْوُجُوبُ مُضَافًا إلَى كُلِّهِ إلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِهِ عَلَى أَنَّ مُخْتَارَ الْبَعْضِ عَدَمُ الْإِضَافَةِ إلَى كُلِّهِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ مَذْهَبَ الْبَعْضِ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَالَ الْكَمَالُ عِنْدَ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ تَقَرُّرِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَصِفَةُ الدَّيْنِ تُعْتَبَرُ حَالَ تَقَرُّرِهِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَأَمَّا اعْتِبَارُ كُلِّ الْوَقْتِ إذَا خَرَجَ فِي حَقِّهِ فَلِيَثْبُتَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ إذْ الْأَصْلُ فِي أَسْبَابِ الْمَشْرُوعَاتِ أَنْ تُطْلَبَ الْعِبَادَاتُ كَامِلَةً وَإِنَّمَا تُحْمَلُ نَقْصُهَا لِعُرُوضِ تَأْخِيرِهِ إلَى الْجُزْءِ النَّاقِصِ مَعَ تَوَجُّهِ طَلَبِهَا إذَا عَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا قَبْلَهُ وَبِخُرُوجِهِ عَنْ غَيْرِ إدْرَاكٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ الْعَارِضُ فَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ اعْتِبَارِ وَقْتِ الْوُجُوبِ. وَقَالَ زُفَرُ إذَا سَافَرَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَاةَ السَّفَرِ يَقْضِي صَلَاةَ السَّفَرِ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَهُ يُصَلِّي صَلَاةَ الْمُقِيمِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَا تَنْتَقِلُ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ وَعِنْدَنَا نَنْتَقِلُ إلَى الَّذِي يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَهُوَ مُقِيمٌ أَرْبَعًا، ثُمَّ سَافَرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ شَيْئًا فِي مَنْزِلِهِ فَرَجَعَ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِلَا طَهَارَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ صَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَصَارَتْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا، وَهُوَ مُسَافِرٌ فِيهِ فَصَارَتْ فِي ذِمَّتِهِ صَلَاةُ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ خَرَجَ وَقْتُهَا، وَهُوَ مُقِيمٌ. اهـ. فَتْحٌ، وَلَوْ صَلَّاهُمَا فِي وَقْتِهِمَا، ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ فَرَجَعَ أَيْ قَبْلَ الْغُرُوبِ. اهـ. كَاكِيٌّ.

بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِينَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُطِيعِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفِيدُ الرُّخْصَةَ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ تَخْفِيفًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يُوجِبُ التَّغْلِيظَ وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ، وَلِأَنَّ نَفْسَ السَّفَرِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ مَا يَكُونُ بَعْدَهُ أَوْ يُجَاوِرُهُ وَالرُّخْصَةُ تَتَعَلَّقُ بِالسَّفَرِ لَا بِالْمَعْصِيَةِ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ الْمُجَاوِرَةَ لَا تَنْفِي الْأَحْكَامَ كَالْبَيْعِ عِنْدَ النِّدَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ مِنْ الْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ دُونَ التَّبَعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْجُنْدِيِّ) هَذَا تَفْسِيرُ التَّبَعِ أَيْ الْمَرْأَةُ تَبَعٌ لِلزَّوْجِ وَالْعَبْدُ تَبَعٌ لِلْمَوْلَى وَالْجُنْدِيُّ تَبَعٌ لِلْأَمِيرِ وَالْمَرْأَةُ إنَّمَا تَكُونُ تَبَعًا لِلزَّوْجِ إذَا وَفَّاهَا مَهْرَهَا الْمُعَجَّلَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوفِ فَلَا تَكُونُ تَبَعًا لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ السَّفَرِ بِهَا، وَكَذَا بَعْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا عِنْدَهُ وَالْجُنْدِيُّ إنَّمَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَمِيرِ إذَا كَانَ يَرْتَزِقُ مِنْ الْأَمِيرِ وَمِنْ الْأَتْبَاعِ الْأَجِيرُ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالتِّلْمِيذُ مَعَ أُسْتَاذِهِ وَالْمُكْرَهُ عَلَى السَّفَرِ وَالْأَسِيرُ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَعْلَمْ التَّابِعُ بِنِيَّةِ الْمَتْبُوعِ الْإِقَامَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ حَتَّى يَعْلَمَ كَمَا فِي تَوَجُّهِ الْخِطَابِ الشَّرْعِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) صُورَتُهُ مَنْ سَافَرَ بِنِيَّةِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ الْبَغْيِ عَلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ أَوْ التَّمَرُّدِ عَلَى الْمَوْلَى بِأَنْ أَبَقَ الْعَبْدُ أَوْ خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ) أَيْ نُصُوصِ الرُّخْصَةِ قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا» وَمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُفِيدَةِ تَعْلِيقَ الْقَصْرِ عَلَى مُسَمَّى السَّفَرِ فَوَجَبَ إعْمَالُ إطْلَاقِهَا إلَّا بِمُقَيَّدٍ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، ثُمَّ نَصُّ الْكِتَابِ، وَإِنْ وَرَدَ فِي الصَّوْمِ لَكِنْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الصَّلَاةِ بِنَتِيجَةِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ فَكَأَنَّ زِيَادَةَ قَيْدِ الْإِبَاحَةِ فِيهِ تَجْرِي مَجْرَى النَّسْخِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ مَا يَكُونُ بَعْدَهُ أَوْ يُجَاوِرُهُ) كَالْإِبَاقِ وَنَحْوِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ دُونَ التَّبَعِ إلَخْ) أَمَّا إذَا كَانَ مُضَافًا إلَيْهِ لَا يَصِيرُ تَبَعًا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ صَلَّى بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ عَامَ حَجِّهِ مَعَ الرَّشِيدِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْهُمْ نَحْنُ أَفْقَهُ بِهَذَا مِنْك فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَوْ كُنْت فَقِيهًا مَا تَكَلَّمْت فِي الصَّلَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ فَإِنْ قِيلَ: ذُكِرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْعِلْمَ بِحَالِ الْإِمَامِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ، وَرِوَايَةُ الْكِتَابِ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِحَالِهِ أَنَّهُ مُقِيمٌ أَوْ مُسَافِرٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا عَالِمِينَ بِكَوْنِهِ مُسَافِرًا كَانَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ عَبَثًا لِاشْتِغَالِهِ بِمَا لَا يُفِيدُ، وَإِنْ كَانُوا عَالِمِينَ بِكَوْنِهِ مُقِيمًا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ كَذِبًا عِنْدَهُمْ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الِاقْتِدَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي نَوَادِرِ الْمَبْسُوطِ رَجُلٌ صَلَّى بِالْقَوْمِ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَمُسَافِرٌ هُوَ أَوْ مُقِيمٌ فَصَلَاةُ الْقَوْمِ فَاسِدَةٌ سَوَاءٌ كَانُوا مُقِيمِينَ أَوْ مُسَافِرِينَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مَنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ أَنَّهُ مُقِيمٌ وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ حِينَ سَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ سَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مُسَافِرٌ جَازَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ إنْ كَانُوا مُسَافِرِينَ أَوْ مُقِيمِينَ فَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ بَعْدَ فَرَاغِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا هُوَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فِيمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَيَجِبُ قَبُولُ خَبَرِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا إلَخْ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ قَوْلُهُ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إصْلَاحِ صَلَاةِ الْقَوْمِ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِمَا أَنَّهُ إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ سَلَّمُوا لِسَلَامِهِ. وَإِنْ كَانُوا مُقِيمِينَ قَامُوا وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَإِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ جَازَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ وَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةُ إعْلَامٍ أَنَّهُ مُسَافِرٌ وَاقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا أَمْرًا وَاجِبًا، وَكَانَ مُسْتَحَبًّا وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ الْإِمَامُ الْقَوْمَ قَبْلَ شُرُوعِهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ فَإِذَا لَمْ يُخْبِرْ أَخْبَرَ بَعْدَ السَّلَامِ. اهـ. وَلَوْ قَامَ الْمُقِيمُ الْمُقْتَدِي قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَنَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ سُجُودِهِ رُفِضَ ذَلِكَ وَتَابَعَ الْإِمَامَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَسَجَدَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَحْكَمْ خُرُوجُهُ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَى الْإِمَامِ رَكْعَتَانِ بِوَاسِطَةِ التَّغَيُّرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ فِيهِمَا فَإِذَا انْفَرَدَ فَسَدَتْ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْإِمَامُ بَعْدَ مَا سَجَدَ الْمُقْتَدِي فَإِنَّهُ يُتِمُّ مُنْفَرِدًا فَلَوْ رَفَضَ فَتَابَعَ فَسَدَتْ لِاقْتِدَائِهِ حَيْثُ وَجَبَ الِانْفِرَادُ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَالْأَسِيرُ إلَخْ)، وَفِي حُكْمِ الْأَسِيرِ مَنْ بَعَثَ إلَيْهِ الْمَوْلَى لِيُؤْتَى بِهِ مِنْ بَلَدِهِ وَالْغَرِيمُ إذْ أَلْزَمَهُ غَرِيمُهُ أَوْ حَبَسَهُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَمَنْ قَصْدُهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَالنِّيَّةُ فِي السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ نِيَّتُهُ وَإِلَّا فَنِيَّةُ الْحَابِسِ. اهـ. فَتْحٌ. وَفِي الدِّرَايَةِ وَالْغَرِيمُ الْمُفْلِسُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ صَاحِبِ الدَّيْنِ. اهـ. وَفِي الدِّرَايَةِ مُسْلِمٌ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ إنْ كَانَ مَسِيرَةُ الْعَدُوِّ مُدَّةَ سَفَرٍ يَقْصُرُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يَسْأَلُهُ فَإِنْ سَأَلَهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْعَدُوُّ مُسَافِرًا يَقْصُرُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا الْعَبْدُ يَسْأَلُ سَيِّدَهُ وَالْأَعْمَى إنْ كَانَ لَهُ قَائِدٌ فِي السَّفَرِ فَإِذَا كَانَ أَجِيرًا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْأَعْمَى، وَإِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اعْتِبَارِ النِّيَّةِ مِنْ الْمَتْبُوعِ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ أَمَّ سَيِّدَهُ فِي السَّفَرِ فَنَوَى السَّيِّدُ الْإِقَامَةَ صَحَّتْ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ الْعَبْدُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ مُقِيمٍ حَالَ سَفَرٍ وَالْعَبْدُ فِي الصَّلَاةِ فَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ أَمَّ مَعَ السَّيِّدِ غَيْرَهُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ

[باب صلاة الجمعة]

وَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ كَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مُسَافِرٍ وَمُقِيمٍ يُتِمُّ وَقِيلَ يَقْصُرُ وَقِيلَ: إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فِي الْخِدْمَةِ يَقْصُرُ فِي نَوْبَةِ الْمُسَافِرِ وَيُتِمُّ فِي نَوْبَةِ الْمُقِيمِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمُسَافِرُ فِي بَلَدٍ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا وَقِيلَ: يَصِيرُ مُقِيمًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (شَرْطُ أَدَائِهَا الْمِصْرُ) أَيْ شَرْطُ جَوَازِ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ الْمِصْرُ حَتَّى لَا يَجُوزَ أَدَاؤُهَا فِي الْمَفَازَةِ وَلَا فِي الْقُرَى لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا فِطْرَ وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ) أَيْ الْمِصْرُ (كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ)، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَعَنْهُ أَنَّهُمْ لَوْ اجْتَمَعُوا فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِمْ لَا يَسَعُهُمْ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَلْخِيّ وَعَنْهُ هُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ كُلُّ مُحْتَرَفٍ وَيُوجَدُ فِيهِ جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي مَعَايِشِهِمْ وَفِيهِ فَقِيهٌ مُفْتٍ وَقَاضٍ يُقِيمُ الْحُدُودَ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَبْلُغُ سُكَّانُهُ عَشْرَةَ آلَافٍ وَقِيلَ: يُوجَدُ فِيهِ عَشْرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ أَهْلُهُ بِحَالٍ لَوْ قَصَدَهُمْ عَدُوٌّ يُمْكِنُهُمْ دَفْعُهُ وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ يَعِيشُ فِيهِ كُلِّ مُحْتَرَفٍ بِحِرْفَتِهِ مِنْ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِحِرْفَةٍ أُخْرَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ كُلُّ مَوْضِعٍ مَصَّرَهُ الْإِمَامُ فَهُوَ مِصْرٌ حَتَّى لَوْ بَعَثَ إلَى قَرْيَةٍ نَائِبًا لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ يَصِيرُ مِصْرًا فَإِذَا عَزَلَهُ يُلْتَحَقُ بِالْقُرَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمِصْرُ كُلُّ بَلْدَةٍ فِيهَا سِكَكٌ وَأَسْوَاقٌ وَلَهَا رَسَاتِيقُ وَوَالٍ يُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ ظَالِمِهِ وَعَالِمٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَهْلِ الْقُرَى إذَا كَانَ لَهَا أَبْنِيَةٌ مُجْتَمِعَةٌ وَفِيهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا وَهُمْ أَحْرَارٌ بَالِغُونَ عُقَلَاءُ مُقِيمُونَ لَا يَظْعَنُونَ صَيْفًا وَلَا شِتَاءً إلَّا ظَعْنَ حَاجَةٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَا قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ» وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ «أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي حَرَّةَ بَنِي بَيَاضَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ. قَالَ قُلْت كَمْ كُنْتُمْ يَوْمئِذٍ قَالَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» وَمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ حُذَيْفَةُ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى جُمُعَةٌ وَإِنَّمَا الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِثْلَ الْمَدَائِنِ وَلِأَنَّ لِلْمَدِينَةِ قُرًى كَثِيرَةً وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُمْ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ لَأَمَرَهُمْ بِهَا وَلَنُقِلَ إلَيْنَا نَقْلًا مُسْتَفِيضًا وَلَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ فِيمَا رَوَى مِنْ الْحَدِيثَيْنِ أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلِأَنَّ جُوَاثَا اسْمٌ لِحِصْنٍ بِالْبَحْرَيْنِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ قَالَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ هِيَ مَدِينَةٌ وَالْمَدِينَةُ تُسَمَّى قَرْيَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] وَهِيَ مَكَّةُ وَالطَّائِفُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الْجُمُعَةُ وَكَانَتْ بِغَيْرِ إذْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا عَلَى مَا رُوِيَ فِي الْقِصَّةِ أَنَّهُمْ قَالُوا لِلْيَهُودِ يَوْمٌ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَلِلنَّصَارَى يَوْمٌ فَلْنَجْعَلْ لَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَنَوَى السَّيِّدُ الْإِقَامَةَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ فِي حَقِّ عَبْدِهِ لَا فِي حَقِّ الْقَوْمِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَيُقَدِّمُ الْعَبْدُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَاحِدًا مِنْ الْمُسَافِرِينَ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ، ثُمَّ يَقُومُ هُوَ وَالسَّيِّدُ فَيُتِمُّ كُلٌّ مِنْهُمَا أَرْبَعًا. وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا صَلَّى مُسَافِرٌ بِمُقِيمِينَ وَمُسَافِرِينَ فَأَحْدَثَ فَقَدَّمَ مُقِيمًا لَا يَنْقَلِبُ فَرْضُ الْقَوْمِ أَرْبَعًا وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ بِمَاذَا يُعْلَمُ الْعَبْدُ قِيلَ يَنْصِبُ الْمَوْلَى أُصْبُعَهُ أَوَّلًا وَيُشِيرُ بِأُصْبُعَيْهِ، ثُمَّ يَنْصِبُ الْأَرْبَعَةَ وَيُشِيرُ بِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ) أَيْ مِنْ وَقْتِ نِيَّةِ الْمَتْبُوعِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ) أَيْ فَيَقْضُونَ مَا صَلَّوْا قَصْرًا قَبْلَ عِلْمِهِمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ قِيلَ يُتِمُّ) أَيْ تَرْجِيحًا لِلْإِقَامَةِ احْتِيَاطًا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَقْصُرُ) أَيْ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كَوْنِهِ مُقِيمًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمُسَافِرُ إلَخْ) أَمَّا الْمُسَافِرَةُ فَتَصِيرُ مُقِيمَةً بِالتَّزَوُّجِ اتِّفَاقًا. اهـ. قُنْيَةٌ. [بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيلَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ تَنَصَّفَتْ بِوَاسِطَةِ السَّفَرِ وَصَلَاةَ الْجُمُعَةِ تَنَصَّفَتْ بِوَاسِطَةِ الْخُطْبَةِ اهـ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الِاجْتِمَاعِ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهِ، وَكَانَ اسْمُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْعَرُوبَةُ وَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهَا جُمُعَةً كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ وَتُسَمَّى يَوْمَ الْمَزِيدِ أَيْضًا لِتَزَايُدِ الْخَيْرَاتِ فِيهِ أَوْ لِتَزَايُدِ الثَّوَابِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْعِيدُ أَيْضًا كَمَا جَاءَ فِي عِبَارَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ اهـ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَضَمُّ الْمِيمِ لُغَةُ الْحِجَازِ وَفَتْحُهَا لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَإِسْكَانُهَا لُغَةُ عُقَيْلٍ وَقَرَأَ بِهَا الْأَعْمَشُ وَالْجَمْعُ جُمَعٍ وَجُمُعَاتٍ مِثْلَ غُرَفٍ وَغُرُفَاتٍ فِي وُجُوهِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ إلَخْ) يَحْرُسُ النَّاسَ وَيَمْنَعُ الْمُفْسِدِينَ وَيُقَوِّي أَحْكَامَ الشَّرْعِ اهـ ع (قَوْلُهُ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ إلَخْ) فَيَرْجُمُ الْمُحْصَنَ الزَّانِيَ وَيَجْلِدُ غَيْرَ الْمُحْصَنِ وَيَقْطَعُ السَّارِقَ وَيَحُدُّ الْقَاذِفَ وَشَارِبَ الْخَمْرِ وَيَحْكُمُ بِالْقَوَدِ وَالدِّيَةِ وَنَحْوِهَا اهـ ع (قَوْلُهُ جُمِّعَتْ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ صُلِّيَتْ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ اهـ (قَوْلُهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِنَا فِي حَرَّةَ بَنِي بَيَاضَةَ إلَخْ) هِيَ قَرْيَةٌ عَلَى مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى حَاشِيَةِ مُسَوَّدَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ اسْمٌ لِحِصْنٍ) أَيْ فَهِيَ مِصْرٌ إذْ لَا يَخْلُو الْحِصْنُ عَنْ حَاكِمٍ عَلَيْهِمْ وَعَالِمٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ مَكَّةُ وَالطَّائِفُ) وَلَا شَكَّ أَنَّ مَكَّةَ مِصْرٌ. اهـ. فَتْحٌ

يَوْمًا نَجْتَمِعُ فِيهِ نَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَنُصَلِّي فَقَالُوا: يَوْمَ السَّبْتِ لِلْيَهُودِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ لِلنَّصَارَى فَاجْعَلُوهُ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ فَاجْتَمَعُوا إلَى أَسْعَدَ فَصَلَّى بِهِمْ وَذَكَّرَهُمْ وَسَمَّوْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ بَعْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ مُصَلَّاهُ) أَيْ مُصَلَّى الْمِصْرِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمِصْرِ يَعْنِي شَرْطُ أَدَائِهَا الْمِصْرُ أَوْ مُصَلَّاهُ وَالْحُكْمُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى الْمُصَلَّى بَلْ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَتِهِ فِي حَقِّ حَوَائِجِ أَهْلِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِحَوَائِجِهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ الْأَفْنِيَةِ فَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهَا بِمِيلٍ وَبَعْضُهُمْ بِمِيلَيْنِ وَقِيلَ بِفَرْسَخَيْنِ وَقِيلَ: بِغَلْوَةٍ وَقِيلَ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمِصْرِ وَالْمُصَلَّى مَزَارِعُ لَا تَجُوزُ فِيهِ الْجُمُعَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنًى مِصْرٌ لَا عَرَفَاتٌ) حَتَّى تَجُوزُ الْجُمُعَةُ فِي مِنًى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ أَمِيرَ الْحِجَازِ أَوْ الْخَلِيفَةُ لَا أَمِيرَ الْمَوْسِمِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي أُمُورَ الْحَجِّ لَا غَيْرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجُوزُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْقُرَى حَتَّى لَا يُعِيدَ بِهَا، وَلَهُمَا أَنَّهَا تَتَمَصَّرُ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ وَعَدَمُ التَّعَيُّدِ لِلتَّخْفِيفِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِأُمُورِ الْحَجِّ بِخِلَافِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهَا فَضَاءٌ وَبِمِنًى أَبْنِيَةٌ وَدُورٌ وَسِكَكٌ وَقَوْلُهُمْ تَتَمَصَّرُ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجُوزُ فِيهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى مِصْرًا بَعْدَهَا وَقِيلَ: تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَدَّرَ الْفِنَاءَ بِفَرْسَخَيْنِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْسَخَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُؤَدَّى فِي مِصْرٍ فِي مَوَاضِعَ) أَيْ تُؤَدَّى الْجُمُعَةُ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِي الِاجْتِمَاعِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فِي مَدِينَةٍ كَبِيرَةٍ حَرَجًا بَيِّنًا، وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ عَظِيمٌ كَدِجْلَةَ وَعَنْهُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ جِسْرٌ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِرَفْعِ الْجِسْرِ فَإِنْ أُدِّيَتْ فِي مَوْضِعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْجُمُعَةُ لِلْأَوَّلِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَاجْتَمَعُوا إلَى أَسْعَدَ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيلَ «إنَّ الْأَنْصَارَ قَالُوا إنْ لِلْيَهُودِ يَوْمًا فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ وَلِلنَّصَارَى مِثْلُ ذَلِكَ فَهَلُمُّوا نَجْعَلُ لَنَا يَوْمًا نَجْتَمِعُ فِيهِ فَنَذْكُرُ اللَّهَ وَنُصَلِّي فَقَالُوا: يَوْمَ السَّبْتِ لِلْيَهُودِ: وَيَوْمَ الْأَحَدِ لِلنَّصَارَى فَاجْعَلُوهُ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ فَاجْتَمَعُوا إلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَصَلَّى بِهِمْ يَوْمئِذٍ رَكْعَتَيْنِ وَذَكَّرَهُمْ فَسَمُّوهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ» اهـ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ وَيُسَمَّى يَوْمَ الْعَرُوبَةِ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْإِعْرَابِ وَهُوَ التَّحْسِينُ لِتَزَيُّنِ النَّاسِ فِيهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: 37] أَيْ مُتَحَسِّنَاتٍ لِبُعُولَتِهِنَّ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَقِيلَ بِغَلْوَةٍ إلَخْ) وَقِيلَ بِمُنْتَهَى حَدِّ الصَّوْتِ إذَا صَاحَ فِي الْمِصْرِ أَوْ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ فَمُنْتَهَى صَوْتِهِ فِنَاءُ الْمِصْرِ اهـ ع قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا وَفِنَاءُ الْمِصْرِ مَا أُعِدَّ لِحَوَائِجِ الْمِصْرِ مِنْ رَكْضِ الْخَيْلِ وَالْخُرُوجِ لِلرَّمْيِ وَنَحْوِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنًى مِصْرٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِمِنًى فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ مَكَّةَ فَصَارَتْ كَرَبْضِ الْمِصْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهَا فِي نَفْسِهَا مَوْضِعٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهَا جَامِعًا وَأَسْوَاقًا مُرَتَّبَةً وَسُلْطَانًا يُقِيمُ الْحُدُودَ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ فَصَارَتْ كَسَائِرِ الْأَمْصَارِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا جُمُعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِ الْحَاجِّ كَعَرَفَةَ اهـ قُلْت وَقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنًى مِصْرٌ اخْتِيَارٌ لِلْقَوْلِ الثَّانِي فَلَيْسَتْ عِنْدَهُ مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَدَمُ التَّعَيُّدِ) أَيْ عَدَمُ إقَامَتِهِمْ صَلَاةَ الْعِيدِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا فَضَاءٌ) أَيْ وَلَيْسَتْ مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَ فَرَاسِخَ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ) أَيْ وَتَوَابِعِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَرَمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْسَخَيْنِ) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَقُولُ تَبِعَهُ فِي هَذَا الْبَدْرُ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ وَمِنًى مَوْضِعٌ عَنْ مَكَّةَ فَرْسَخٌ قَوْلُهُ الْعَيْنِيُّ أَيْ وَالْكَمَالُ أَيْضًا. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الدِّينِ قَاسِمٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْمِصْرِ: وَلَا تَجُوزُ بِمَوْضِعَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ يَعْقُوبَ تَجُوزُ بِمَوْضِعَيْنِ مِنْهُ فَقَطْ، ثُمَّ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ كَبِيرٌ فَاصِلٌ وَجَوَّزَهَا مُحَمَّدٌ فِي مَوَاضِعَ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا مَشَى فِي الْكَنْزِ وَزَادَ فِي الزَّيْلَعِيِّ كَثِيرَةً وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ أَتَى بِهَا مِنْ عِنْدِهِ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الرِّوَايَةِ بَلْ كُلُّ مَنْ قَالَ فِي مَوَاضِعَ أَرَادَ ثَلَاثَةً وَكُلُّ مَنْ قَالَ مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ أَرَادَ ثَلَاثَةً فَقَطْ بَيَانُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا بَأْسَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَجَازَ أَبُو يُوسُفَ فِي مَوْضِعَيْنِ دُونَ ثَلَاثَةٍ إذَا كَانَ الْمِصْرُ لَهُ جَانِبَانِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَا بَأْسَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ عَنْ النَّاسِ إذَا كَانَتْ الْبَلْدَةُ كَبِيرَةً فَإِنَّهُ يَشُقُّ عَلَى كُلِّ جَانِبٍ الْمَسِيرُ إلَى جَانِبٍ آخَرَ وَصَارَ كَصَلَاةِ الْعِيدِ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ مِصْرًا لَهُ جَانِبَانِ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ فَيَصِيرُ فِي حُكْمِ مِصْرَيْنِ كَبَغْدَادَ وَبَيَانُ الثَّانِي أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ جَامِعٍ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ وَلَفْظُ الْكَرْخِيِّ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا بَأْسَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الْمَوْضِعِ وَالْمَوْضِعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُ بِأَكْثَرَ ثَلَاثَةٌ، وَقَطَعَ الْقُدُورِيُّ الِاحْتِمَالَاتِ فَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ اسْتِحْسَانًا وَلَا تَجُوزُ فِيمَا زَادَ لِلِاكْتِفَاءِ بِالصَّلَاةِ فِي طَرَفَيْ الْمِصْرِ وَوَسَطِهِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَرْخِيِّ وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَقَالَ إنَّ الْمِصْرَ إذَا عَظُمَ وَبَعُدَ أَطْرَافُهُ شَقَّ عَلَى أَهْلِهِ الْمَسِيرُ مِنْ طَرَفٍ إلَى طَرَفٍ آخَرَ فَجَوَّزَهَا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ اهـ. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَأَجَازَهُ مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ فِي الدُّرَرِ وَأَطْلَقَ خِلَافَ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ اخْتَلَفَ فِي الصَّحِيحِ فَاخْتَارَ الطَّحْطَاوِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ قَوْلَ مُحَمَّدٍ اهـ

تَحْرِيمَةً وَقِيلَ: فَرَاغًا وَقِيلَ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَقِيلَ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَا تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ عَظِيمٌ كَدِجْلَةَ وَعَنْهُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ جِسْرٌ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِرَفْعِ الْجِسْرِ فِي بَغْدَادَ وَقْتَ الصَّلَاةِ لِتَكُونَ كَمِصْرَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ) أَيْ شَرْطُ أَدَائِهَا السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُصَلَّى، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُشْتَرَطُ لَهَا السُّلْطَانُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ حِينَ كَانَ عُثْمَانُ مَحْصُورًا وَلِأَنَّهَا فَرْضٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا السُّلْطَانُ كَسَائِرِ الْفَرَائِضِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَهَا اسْتِخْفَافًا بِهَا وَلَهُ إمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ فَلَا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ» الْحَدِيثَ وَشَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ إمَامٌ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَرْبَعٌ إلَى السُّلْطَانِ فَذَكَرَ مِنْهَا الْجُمُعَةَ وَمِثْلُهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهَا تُؤَدَّى بِجَمْعٍ عَظِيمٍ فَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّقَدُّمِ وَفِي أَدَائِهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ آخِرِهِ فَيَلِيهَا السُّلْطَانُ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ وَتَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْتَمِلُ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِإِذْنِ عُثْمَانَ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ مَعَ الِاحْتِمَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَقْتُ الظُّهْرِ) أَيْ شَرْطُ أَدَائِهَا وَقْتَ الظُّهْرِ وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا قَبْلَ الزَّوَالِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ، ثُمَّ نَذْهَبُ إلَى جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ» وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بِهِ» وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ «مَا كُنَّا نُقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَالَ أَبُو سُهَيْلٍ «إنَّا كُنَّا نَرْجِعُ مِنْ الْجُمُعَةِ فَنُقِيلُ قَائِلَةَ الضُّحَى» وَلِأَنَّهَا عِيدٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ عِيدَانِ» فَتَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ، وَلَنَا الْمَشَاهِيرُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّيهَا بَعْدَ الزَّوَالِ»، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَصَارَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِلَّا لَمَا أَخَّرُوهَا إلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِيهِ إخْبَارٌ بِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالرَّوَاحَ كَانَا حِينَ الزَّوَالِ لَا أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ قَبْلَهُ وَحَدِيثُ سَلَمَةَ مَعْنَاهُ لَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ طَوِيلٌ بِحَيْثُ يَسْتَظِلُّ بِهِ الْمَارُّ؛ لِأَنَّ حِيطَانَ الْمَدِينَةِ كَانَتْ قَصِيرَةً فَلَا يَظْهَرُ الظِّلُّ الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِهِ الْمَارُّ إلَّا بَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ وَمَعْنَى حَدِيثِ سَهْلٍ وَأَبِي سُهَيْلٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الْقَيْلُولَةَ وَالْغَدَاءَ إلَى مَا بَعْدَ الْجُمُعَةِ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ التَّبْكِيرِ إلَيْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَتَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ) أَيْ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا وَقْتُ الظُّهْرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ الظُّهْرَ عَلَيْهَا لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخُطْبَةُ قَبْلَهَا) أَيْ الْخُطْبَةُ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مِنْ شُرُوطِ أَدَائِهَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُصَلِّهَا بِدُونِهَا فَكَانَتْ شَرْطًا إذْ الْأَصْلُ هُوَ الظُّهْرُ وَسُقُوطُهُ بِالْجُمُعَةِ خِلَافُ الْأَصْلِ وَمَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَلَوْ حَصَلَتْ فِي الْمَسْجِدَيْنِ مَعًا كَانَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا فَاسِدَةً وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُعِيدُوا الْجُمُعَةَ مَعًا إنْ كَانَتْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِهِ صَلَّوْا الظُّهْرَ أَرْبَعًا هَكَذَا ذَكَرَ الطَّحْطَاوِيُّ هُنَا وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ وَأَمَّا صَلَاةُ الْعِيدِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْهُمَا فَجَائِزٌ إجْمَاعًا. اهـ. وَفِيهِ وَلَوْ نَزَلَ بِأَهْلِ مِصْرٍ نَازِلَةٌ وَخَرَجُوا مِنْ الْمِصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَصَلَّى بِهِمْ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ إنْ كَانُوا فِي فِنَاءِ الْمِصْرِ صَحَّ، وَإِنْ كَانُوا بَعِيدًا لَا وَكَذَا صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَالسُّلْطَانُ إلَخْ) قَالَ فِي الْعُيُونِ وَالِي مِصْرٍ قَدْ مَاتَ وَلَمْ يَبْلُغْ مَوْتُهُ الْخَلِيفَةَ حَتَّى مَضَتْ بِهِ الْجُمَعُ فَإِنْ صَلَّى بِهِمْ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ أَوْ صَاحِبُ شُرْطَةٍ أَوْ الْقَاضِي جَازَ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِمْ أَمْرَ الْعَامَّةِ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْعَامَّةُ عَلَى أَنْ يُقَدِّمُوا رَجُلًا مِنْ غَيْرِ أَمْرِ خَلِيفَةِ الْمَيِّتِ أَوْ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ وَلَمْ تَكُنْ جُمُعَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِمْ أَمْرَهُمْ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ قَاضٍ وَلَا خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ بِأَنْ كَانَ الْكُلُّ هُوَ الْمَيِّتُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى بِالنَّاسِ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَحْصُورٌ لَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ وَشَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ إمَامٌ إلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَتَجُوزُ خَلْفَ الْمُتَغَلِّبِ الَّذِي هُوَ لَا مَنْشُورَ لَهُ مِنْ السُّلْطَانِ إذَا كَانَتْ سِيرَتُهُ فِي رَعِيَّتِهِ سِيرَةُ الْأُمَرَاءِ اهـ (قَوْلُهُ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُجْعَلْ إلَى السُّلْطَانِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى تَفْوِيتِهَا عَلَى النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَسْبِقُ إلَى إقَامَتِهَا لِغَرَضٍ مَعَ نَفَرٍ يَسِيرٍ فَيُفَوِّتُهَا عَلَى الْبَاقِينَ فَجُعِلَتْ إلَى السُّلْطَانِ لِيُسَوِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَلَا تَفُوتَ بَعْضَهُمْ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَوَقْتُ الظُّهْرِ إلَخْ) وَقَالَ مَالِكٌ تَصِحُّ وَقْتَ الْعَصْرِ. اهـ. أَقْطَعُ (قَوْلُهُ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ اهـ ع. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْخُطْبَةُ قَبْلَهَا إلَخْ) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَالسَّعْيُ لَا يَجِبُ إلَى مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِاسْتِمَاعِهَا وَنَهَى عَنْ التَّشَاغُلِ عَنْهَا، وَهَذَا صِفَةُ الْوَاجِبِ. اهـ. أَقْطَعُ (قَوْلُهُ مِنْ شُرُوطِ أَدَائِهَا) أَيْ حَتَّى لَوْ صَلَّوْا بِلَا خُطْبَةٍ أَوْ خَطَبُوا قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يَجُزْ. اهـ. عَيْنِيٌّ، وَلَوْ خَطَبَ بَعْدَ مَا صَلَّى لَمْ يَجُزْ، وَفِي الْعِيدِ لَوْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ، ثُمَّ صَلَّى يَجُوزُ وَالْفَرْقُ أَنَّا نَعْتَبِرُ التَّغْيِيرَ بِالتَّرْكِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ فِي الْجُمُعَةِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا لَوْ غَيَّرَ مَوْضِعَهَا، وَلَوْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ فِي الْعِيدِ يَجُوزُ فَكَذَا إذَا غَيَّرَ مَوْضِعَهَا اهـ

[شرائط أدائها]

وَهِيَ قَبْلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ كَانُوا صُمًّا أَوْ نِيَامًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُسَنُّ خُطْبَتَانِ بِجِلْسَةٍ بَيْنَهُمَا وَبِطَهَارَةِ قَائِمًا) بِهَا وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَوْ خَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً أَوْ لَمْ يَجْلِسْ بَيْنَهُمَا أَوْ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ غَيْرِ قَائِمٍ جَازَتْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الذِّكْرُ وَالْوَعْظُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمُخَالَفَةِ التَّوَارُثِ وَيُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا إذَا كَانَ جُنُبًا كَأَذَانِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ الْخُطْبَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ لَهَا دُخُولُ الْوَقْتِ فَلِذَا يُشْتَرَطُ لَهَا سَائِرُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَطَهَارَةِ الْمَكَانِ وَالثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَعِنْدَنَا لَا تَقُومُ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا تُنَافِي الصَّلَاةَ لِمَا فِيهَا مِنْ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَالْكَلَامِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا شَرَائِطُ الصَّلَاةِ وَرُوِيَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ خَطَبُوا خُطْبَةً وَاحِدَةً مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَالْمُغِيرَةُ وَأُبَيُّ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ وَجُلُوسُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لِلِاسْتِرَاحَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفَتْ تَحْمِيدَةٌ أَوْ تَهْلِيلَةٌ أَوْ تَسْبِيحَةٌ) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَعَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَارْتُجَّ عَلَيْهِ فَنَزَلَ وَصَلَّى بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ يُسَمَّى خُطْبَةً، وَأَقَلُّهُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ يُثْنِي بِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً عُرْفًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بُدَّ مِنْ خُطْبَتَيْنِ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً عُرْفًا، وَلَئِنْ سَلِمَ فَهُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ وَقَعَ لِأَجْلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكْتَفِيَ عَلَى الْأَدْنَى كَمَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَمَاعَةُ) أَيْ شَرْطُ أَدَائِهَا الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْهَا وَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ الْمُنْفَرِدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُمْ ثَلَاثَةٌ) أَيْ أَقَلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهِيَ قَبْلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ إلَخْ) فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَصَلَّى بَعْدَ الزَّوَالِ لَا تَجُوزُ، وَإِنْ شُرِعَتْ الْخُطْبَةُ شَرْطًا لِلْجَوَازِ وَالشُّرُوطُ تَكُونُ مُقَدَّمَةً عَلَى الْمَشْرُوطِ لَهُ إلَّا أَنَّهَا شُرِعَتْ بِمَنْزِلَةِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَهُوَ الشَّفْعُ الثَّانِي فَكَمَا لَا تَجُوزُ إقَامَةُ الشَّفْعِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَكَذَا الْخُطْبَةُ. اهـ. ذَخِيرَةٌ، وَفِيهَا وَلَوْ خَطَبَ فِي الْوَقْتِ وَالْقَوْمُ غُيَّبٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يُعْتَدُّ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ، وَهَذِهِ إقَامَةٌ عُرِفَتْ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا فَيُرَاعَى لِإِقَامَتِهَا جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مَا خَطَبُوا إلَّا عِنْدَ الْجَمْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ إلَخْ) فَإِنْ خَطَبَ وَحْدَهُ أَوْ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ أَوْ الصِّبْيَانِ لَا يَجُوزُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُسَنُّ خُطْبَتَانِ بِجِلْسَةٍ إلَخْ) وَمِقْدَارُهَا أَنْ يَسْتَقِرَّ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ فِي مَوْضِعِهِ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ إلَخْ) قَالَ أَبُو نَصْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ خَطَبَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ اهـ (فَرْعٌ) خَطَبَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَأَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ نَظَرَ إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مِمَّنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ شَهِدَ بَعْضَهَا، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَيُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْرَ فَلَوْ أَمَرَ هَذَا الْمَأْمُورُ الَّذِي لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ غَيْرَهُ مِمَّنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ أَوْ بَعْضَهَا لَمْ يَجُزْ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ الْأَوَّلُ شَهِدَ الْخُطْبَةَ إلَّا أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَأَمَرَ مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ، وَلَوْ أَمَرَ الْمَأْمُورُ الْأَوَّلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَصِحَّ الْأَمْرُ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَيْضًا أَنْ يَأْمُرُوا غَيْرَهُمْ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ وَقَعَ فَاسِدًا. اهـ. ش الطَّحَاوِيُّ، وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ بَعْدَ مَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ شُرُوعُهُ فِي الْجُمُعَةِ أُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ اهـ. (فَائِدَةٌ) مِنْ سُنَنِ الْخُطْبَةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقَوْمَ بِوَجْهِهِ مُسْتَدْبِرًا الْقِبْلَةَ، وَالْقَوْمُ يَسْتَقْبِلُونَهُ بِوُجُوهِهِمْ وَهَلْ يُسَلِّمُ الْخَطِيبُ عَلَيْهِمْ فَعِنْدَنَا لَا يُسَلِّمُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ السَّلَامِ مِنْ خُرُوجِهِ إلَى الْمِنْبَرِ وَدُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ تَوَجُّهِهِ إلَيْهِمْ كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ» وَمَا رَوَاهُ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَمِنْ سُنَنِ الْخُطْبَةِ أَنْ لَا يُطَوِّلَهَا؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِتَقْصِيرِ الْخُطْبَةِ». اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ (قَوْلُهُ كَانَ لِلِاسْتِرَاحَةِ إلَخْ) ذَكَرَ الْغَزْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْطُبُ فِي الْجُمُعَةِ خُطْبَةً وَاحِدَةً فَلَمَّا ثَقُلَ جَعَلَهَا خُطْبَتَيْنِ». اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَفَتْ تَحْمِيدَةٌ إلَخْ) أَيْ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ تَهْلِيلَةٌ) أَيْ قَوْلُهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ تَسْبِيحَةٌ) أَيْ قَوْلُهُ سُبْحَانَ اللَّهِ اهـ ع (قَوْلُهُ فَارْتُجَّ عَلَيْهِ) أَيْ فَقَالَ إنَّكُمْ إلَى إمَامٍ فَعَّالٍ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إلَى إمَامٍ قَوَّالٍ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يَرْتَادَانِ لِهَذَا الْمَقَامِ مَقَالًا وَسَتَأْتِيكُمْ الْخُطَبُ مِنْ بَعْدُ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ. اهـ. أَقْطَعُ، وَفِي الْحَقَائِقِ لَوْ قَالَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَانَ هَذَا خُطْبَةً تَجُوزُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَقَالَا لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْخُطْبَةِ حَتَّى يَكُونَ كَلَامًا يُسَمَّى خُطْبَةً فِي الْعَادَةِ إلَّا أَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ حَتَّى إذَا أَجَابَ عَاطِسًا لَا يَنُوبُ عَنْ الْخُطْبَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الزَّرَنْجَرِيُّ: أَقَلُّ مَا يُسَمَّى خُطْبَةً عَلَى قَوْلِهِمَا مِقْدَارُ التَّشَهُّدِ مِنْ قَوْلِهِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. . [شَرَائِط أَدَائِهَا] (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ الْمُنْفَرِدِ) حَتَّى لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْجُمُعَةِ وَحْدَهُ وَكَبَّرَ الْقَوْمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ كَذَا ذَكَرَهُ هَذَا الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ سَبْقِ الْحَدَثِ فَلْيُنْظَرْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَاسْتَخْلَفَ لَوْ إمَامًا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَالَ الْفَقِيهُ فِي بَابِ الِاقْتِدَاءِ إلَخْ وَمَا يَمْنَعُهُ بَعْدَ أَنْ رَقَمَ

الْجَمَاعَةِ ثَلَاثَةٌ (سِوَى الْإِمَامِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ، وَهِيَ مُنْبِئَةٌ عَنْهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقَلُّهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا أَحْرَارٌ مُقِيمُونَ لَا يَظْعَنُونَ صَيْفًا وَلَا شِتَاءً إلَّا ظَعْنَ حَاجَةٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ ثَلَاثَةٍ إمَامًا وَفِي أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَ جُمُعَةً وَأَضْحَى وَفِطْرًا» وَلِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَحْدِيدِ الْمِصْرِ وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ الصَّحِيحَ إنَّمَا هُوَ الثَّلَاثُ لِكَوْنِهِ جَمْعًا تَسْمِيَةً، وَمَعْنًى وَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ عَلَى حِدَةٍ، وَكَذَا الْإِمَامُ فَلَا يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] يَقْتَضِي مُنَادِيًا وَذَاكِرًا وَالسَّاعِينَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اسْعَوْا جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ وَمَعَ الْمُنَادَى ثَلَاثَةٌ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ضَعَّفَهُ أَهْلُ النَّقْلِ حَتَّى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْهُمْ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ، وَكَذَا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَيَرُدُّهُ أَيْضًا مَا رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] أَيْ قَائِمًا تَخْطُبُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَقَدْ صَحَّ أَنَّهَا عُقِدَتْ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ نَفَرُوا قَبْلَ سُجُودِهِ بَطَلَتْ) يَعْنِي إذَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ ثُمَّ نَفَرُوا قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ بَطَلَتْ الْجُمُعَةُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَبْطُلُ، وَلَوْ نَفَرُوا بَعْدَ السُّجُودِ لَا تَبْطُلُ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْجَمَاعَةُ شَرْطٌ فَيُشْتَرَطُ دَوَامُهَا كَالْوَقْتِ وَالطَّهَارَةِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَقَدْ انْعَقَدَتْ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا كَالْخُطْبَةِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ بَنَى عَلَيْهِ الْجُمُعَةَ لِوُجُودِ الِانْعِقَادِ، وَإِنْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي رَكْعَةٍ وَلَهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ لَكِنَّ الِانْعِقَادَ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَتِمُّ الشُّرُوعُ فِيهَا مَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ إذْ لَيْسَ لِمَا دُونَهَا حُكْمُ الصَّلَاةِ؛ وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي مَا لَمْ يَسْجُدْ وَلَا يَتِمُّ الِانْعِقَادُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُمْكِنُهُ وَحْدَهُ أَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَشْرَعُ فِي الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ ابْتِدَاءً بِحَضْرَةِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ وَمَعَ هَذَا لَوْ نَفَرُوا قَبْلَ أَنْ يُحْرِمُوا بَطَلَتْ، وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الشُّرُوعِ كَافِيًا لَمَا بَطَلَتْ وَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَاءِ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ وَلَا بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ وَالْمَرْضَى وَالْأُمِّيِّينَ وَالْخُرَسَاءُ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ؛ وَلِهَذَا صَلَحُوا لِلْإِمَامَةِ فِيهَا فَإِنَّ الْأُمِّيَّ وَالْأَخْرَسَ يَصْلُحُ أَنْ يَؤُمَّ فِي الْجُمُعَةِ قَوْمًا مِثْلَهُ بَعْدَ مَا خَطَبَ غَيْرُهُ وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ وَلَمْ يُحْرِمُوا حَتَّى قَرَأَ وَرَكَعَ فَأَحْرَمُوا بَعْدَ مَا رَكَعَ فَإِنْ أَدْرَكُوهُ فِي الرُّكُوعِ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِهَا بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فَيَكْتَفِي بِالِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ بَانِيًا عَلَى صَلَاتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِذْنُ الْعَامُّ) أَيْ مِنْ شَرْطِ أَدَائِهَا أَنْ يَأْذَنَ الْإِمَامُ لِلنَّاسِ إذْنًا عَامًّا حَتَّى لَوْ غَلَقَ بَابَ قَصْرِهِ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِ الدِّينِ فَتَجِبُ إقَامَتُهَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِهَارِ، وَإِنْ فَتَحَ بَابَ قَصْرِهِ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ حَقَّ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَرْطُ وُجُوبِهَا الْإِقَامَةُ وَالذُّكُورَةُ وَالصِّحَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَسَلَامَةُ الْعَيْنَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ شُرُوطِ الْجَوَازِ وَهِيَ فِي غَيْرُ الْمُصَلَّى شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الْأَوْصَافُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمُصَلِّي وَقَدْ بَقِيَ لَهُ مِنْهَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ فَإِنَّهُمَا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ أَيْضًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ إنْ أَدَّاهَا جَازَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ)؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ لِأَجْلِهِ تَخْفِيفًا فَإِذَا تَحَمَّلَهُ جَازَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ وَاَلَّذِي لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمُخْتَفِي مِنْ السُّلْطَانِ الظَّالِمِ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ كَالْمُقْعَدِ وَالْمَفْلُوجِ وَمَقْطُوعِ الرِّجْلِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالْأَعْمَى، وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَلَاءٍ الْحَامِيِّ مَعَهُ صَفٌّ وَاحِدٌ فِي الْمَسْجِدِ وَبَاقِيهِ خَالٍ فَقَامَ رَجُلٌ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَزِيقَ الْبَابِ وَاصْطَفَّ النَّاسُ عِنْدَهُ تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانٌ وَاحِدٌ فَاَلَّذِي عِنْدَ الْإِمَامِ كَأَنَّهُ عِنْدَ الْبَابِ حُكْمًا وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ السَّعْدِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ بَكْرِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَشَرْحِ السَّرَخْسِيِّ لَا يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ إلَخْ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أُصُولِهِ ظَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اثْنَانِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدَّرَهُ بِالْوَصَايَا وَالْمَوَارِيثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عِنْدَهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ حَتَّى لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ تَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَلَوْ قَالَتْ خَالَعَنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ دَرَاهِمَ، وَفِي يَدِهَا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ يَلْزَمُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ نِسَاءً وَلَا يَشْتَرِي عَبِيدًا أَوْ لَا يُكَلِّمُ رِجَالًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالثَّلَاثَةِ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَلَى أَنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَجَعَلَ أَبُو يُوسُفَ الْإِمَامَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ حَتَّى يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ عَلَيْهِمَا كَالثَّلَاثَةِ. اهـ. شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِأَبِي الْبَقَاءِ (قَوْلُهُ وَمَعَ الْمُنَادِي ثَلَاثَةٌ)، وَكَذَا مَعَ الذَّاكِرِ يَصِيرُونَ أَرْبَعَةً. اهـ. . (قَوْلُهُ فَإِنْ نَفَرُوا قَبْلَ سُجُودِهِ إلَخْ)، وَلَوْ افْتَتَحَ الْإِمَامُ وَخَلْفَهُ قَوْمٌ فَلَمْ يَفْتَتِحُوا، وَنَفَرُوا وَبَقِيَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَيَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ جَاءَ قَوْمٌ آخَرُونَ فَوَقَفُوا خَلْفَ الْإِمَامِ، ثُمَّ نَفَرَ الْأَوَّلُونَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ. اهـ. بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ وَالْإِذْنُ الْعَامُّ) وَهِيَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا شَرْطًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ النِّدَاءَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَالنِّدَاءُ لِلْإِشْهَارِ، وَكَذَا تُسَمَّى جُمُعَةً لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْجَمَاعَاتُ كُلُّهَا مَأْذُونِينَ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِاسْمِ. اهـ. بَدَائِعُ

[شرائط وجوبها]

وَالْعَبْدِ الَّذِي حَضَرَ بَابَ الْجَامِعِ لِيَحْفَظَ دَابَّةَ مَوْلَاهُ وَأَمْكَنَهُ الْأَدَاءُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخِلَّ بِالْحِفْظِ وَالْأَجِيرِ؛ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُسَافِرِ، وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا) وَقَالَ زُفَرُ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا جَازَتْ صَلَاتُهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ فَلَا يَكُونُ أَصْلًا وَلَنَا أَنَّهُمْ أَهْلُ الْإِمَامَةِ وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُمْ الْوُجُوبُ تَحْقِيقًا لِلرُّخْصَةِ فَإِذَا حَضَرُوا تَقَعُ فَرْضًا كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَسْلُوبُ الْأَهْلِيَّةِ وَبِخِلَافِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إمَامًا لِلرِّجَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَنْعَقِدُ بِهِمْ) أَيْ تَنْعَقِدُ بِحُضُورِهِمْ الْجُمُعَةَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُمْ جَازَتْ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَحُوا لِلْإِمَامَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَصْلُحُوا لِلِاقْتِدَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَهَا كُرِهَ) وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ ظُهْرُهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ هِيَ الْأَصْلُ إذْ هِيَ الْمَأْمُورُ بِهَا دُونَ الظُّهْرِ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ عَنْهَا فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الظُّهْرُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ دُونَ الْجُمُعَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى شَرَائِطَ لَا تَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ وَالتَّكْلِيفُ يَعْتَمِدُ الْوُسْعَ؛ وَلِهَذَا لَوْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ يَقْضِي بِنِيَّةِ الظُّهْرِ، وَهَذَا آيَةُ الْفَرْضِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِهِ بِالْجُمُعَةِ فَيَكُونُ بِتَرْكِهِ مُسِيئًا فَيُكْرَهُ، وَهَذَا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ هُوَ الظُّهْرُ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ زُفَرَ الْجُمُعَةُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الظُّهْرِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَهُ فِي الْجُمُعَةِ وَالثَّانِي لَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً عَلَيْهِ وَكَانَ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ تَفُوتُهُ الْجُمُعَةُ دُونَ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ يَقْضِي وَيُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَهُ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ زُفَرَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِضِيقِ الْوَقْتِ عِنْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ سَعَى إلَيْهَا بَطَلَ) أَيْ فَإِنْ سَعَى إلَى الْجُمُعَةِ بَعْدَ مَا صَلَّى الظُّهْرَ بَطَلَ ظُهْرُهُ هَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَهَا أَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا بَعْدُ وَأَقَامَهَا الْإِمَامُ بَعْدَ السَّعْيِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْهَا أَوْ كَانَ سَعْيُهُ مُقَارِنًا لِفَرَاغِهِ أَوْ لَمْ يُقِمْهَا الْإِمَامُ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ فَلَا يَبْطُلُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الِانْفِصَالُ عَنْ دَارِهِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ قَبْلَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجُمُعَةِ وَقْتَ الِانْفِصَالِ وَلَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فَلَا يَبْطُلُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَيَبْطُلُ عِنْدَ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ، وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يُتِمَّهَا حَتَّى لَوْ أَفْسَدَهَا بَعْدَ مَا شَرَعَ فِيهَا لَا يَبْطُلُ الظُّهْرُ، لَهُمَا أَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ دُونَ الظُّهْرِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الظُّهْرُ وَالْجُمُعَةُ فَوْقَهُ فَيَبْطُلُ بِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ خَصَائِصِهَا فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَعْيٍ إلَيْهَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْجَامِعِ وَلَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْغَبْ فِي الْجُمُعَةِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ صَلَّى الْمَرِيضُ وَنَحْوُهُ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ سَعَى إلَى الْجُمُعَةِ بَطَلَ ظُهْرُهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ بِالِالْتِزَامِ يَلْتَحِقُ بِالصَّحِيحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ لِلْمَعْذُورِ وَالْمَسْجُونِ أَدَاءُ الظُّهْرِ بِجَمَاعَةٍ فِي الْمِصْرِ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وَلِأَنَّ فِي أَدَاءِ الظُّهْرِ بِجَمَاعَةٍ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا تَقْلِيلَ الْجَمَاعَةِ فِي الْجَامِعِ وَمُعَارَضَتَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ بِخِلَافِ أَهْلِ السَّوَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا جُمُعَةَ هُنَاكَ فَلَا يُفْضِي إلَى التَّقْلِيلِ، وَلَا إلَى الْمُعَارَضَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَدْرَكَهَا فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَتَمَّ جُمُعَةً) وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَدْرَكَ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ الْإِمَامِ أَتَمَّ جُمُعَةً وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا أَتَمَّ ظُهْرًا؛ لِأَنَّهُ جُمُعَةٌ مِنْ وَجْهٍ ظُهْرٌ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ الشُّرُوطِ فِي حَقِّهِ فَيُصَلِّي أَرْبَعًا اعْتِبَارًا لِلظُّهْرِ وَيَقْعُدُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ لَا مَحَالَةَ اعْتِبَارًا لِلْجُمُعَةِ وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِاحْتِمَالِ النَّفْلِيَّةِ وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ، وَهُوَ الَّذِي صَلَّاهُ الْإِمَامُ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ لَا صَلَاةٌ أُخْرَى وَلِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ نِيَّةُ الْجُمُعَةِ وَلَا وَجْهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ شَرَائِط وُجُوبهَا] قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ الَّذِي حَضَرَ بَابَ الْجَامِعِ) اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْعَبْدِ إذَا حَضَرَ مَعَ مَوْلَاهُ الْجُمُعَةَ أَوْ مُصَلَّى الْعِيدِ لِيَحْفَظَ دَابَّتَهُ عَلَى بَابِ الْجَامِعِ أَوْ فِي الْمُصَلَّى هَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى إذَا كَانَ لَا يُخِلُّ بِحَقِّ مَوْلَاهُ فِي إمْسَاكِ دَابَّتِهِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ، وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ وَأَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي أَدَائِهَا. اهـ. ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا تَجُوزُ إلَخْ) أَيْ لِمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا اهـ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ عَبْدَهُ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ وَالْعِيدَيْنِ وَعَلَى الْمُكَاتَبِ الْجُمُعَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَدْرَكَ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ) يَصِيرُ مُدْرِكًا لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. اهـ. بَدَائِعُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِأَنْ يُشَارِكَهُ فِي رُكُوعِهَا بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا أَتَمَّهَا ظُهْرًا إلَخْ) وَأَمَّا إذَا أَدْرَكَهُ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَ مَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَعَادَ إلَيْهِمَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ لِوُقُوعِ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِانْعِدَامِ الْمُشَارَكَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَيُصَلِّي أَرْبَعًا وَلَا تَكُونُ الْأَرْبَعُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ظُهْرًا مَحْضًا حَتَّى قَالَ يَقْرَأُ فِي الْأَرْبَعِ كُلِّهَا وَعَنْهُ فِي افْتِرَاضِ الْقَعْدَةِ الْأُولَى رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ عَنْهُ فَرْضٌ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُعَلَّى عَنْهُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَكَأَنَّ مُحَمَّدًا سَلَكَ طَرِيقَةَ الِاحْتِيَاطِ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ فَأَوْجَبَ مَا يَخْرُجُ عَنْ الْفَرْضِ بِيَقِينٍ جُمُعَةً كَانَ الْفَرْضَ أَوْ ظُهْرًا وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْأَرْبَعُ ظُهْرٌ مَحْضٌ. اهـ. بَدَائِعُ قَوْلُهُ «فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ إلَخْ وَلَكِنْ ائْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ». اهـ. .

[باب صلاة العيدين]

لِمَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَلَا تُبْنَى إحْدَاهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْأُخْرَى؛ وَلِهَذَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَهُوَ فِي الْجُمُعَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ بِنَاءُ الظُّهْرِ عَلَيْهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ) أَيْ صَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ (فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ إذَا خَرَجَ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ وَإِذَا نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ وَاخْتَلَفَا فِي جُلُوسِهِ إذَا سَكَتَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُبَاحُ لَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُبَاحُ لَهُ، لَهُمَا أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِلْإِخْلَالِ بِفَرْضِ الِاسْتِمَاعِ وَلَا اسْتِمَاعَ هُنَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْتَدُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّ الْكَلَامَ قَدْ يَمْتَدُّ فَأَشْبَهَ الصَّلَاةَ وَالنَّائِي عَنْ الْمِنْبَرِ لَا يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ النَّاسِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُسَبِّحَ وَيُهَلِّلَ وَيَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي رِوَايَةٍ وَالْأَحْوَطُ الْإِنْصَاتُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجِبُ السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] وَقِيلَ بِالْأَذَانِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا هُوَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ إذَا وَقَعَ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَوَجَّهَ عِنْدَ الْأَذَانِ الثَّانِي لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّنَّةِ قَبْلَهَا، وَمِنْ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ بَلْ يُخْشَى عَلَيْهِ فَوَاتُ الْجُمُعَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَجِبُ السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْجُمُعَةِ يَجِبُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَذِّنْ لَهَا أَحَدٌ؛ وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ الْأَذَانُ قَبْلَ الْوَقْتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أُذِّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأُقِيمَ بَعْدَ تَمَامِ الْخُطْبَةِ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. [بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] (بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ بِشَرَائِطِهَا) أَيْ بِشَرَائِطِ الْجُمُعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ) أَيْ وَلَا يُشَمِّتُوا الْعَاطِسَ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْعَاطِسَ وَقْتَ الْخُطْبَةِ مَاذَا يَصْنَعُ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ يَحْمَدُ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ وَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الْخُطْبَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى بِلِسَانِهِ. اهـ. ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفَا فِي جُلُوسِهِ إذَا سَكَتَ إلَخْ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هُنَا فَصْلٌ آخَرُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ، وَلَكِنَّهُ أَشَارَ بِرَأْسِهِ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ نَحْوَ، إنْ رَأَى مُنْكَرًا مِنْ إنْسَانٍ فَنَهَاهُ بِيَدِهِ أَوْ أُخْبِرَ بِخَبَرٍ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ هَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ؟ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ كَرِهَ وَسَوَّى بَيْنَ الْإِشَارَةِ بِالرَّأْسِ وَبَيْنَ التَّكَلُّمِ بِاللِّسَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ يَخْطُبُ فَرَدَّ عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ». اهـ. ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَالنَّائِي عَنْ الْمِنْبَرِ إلَخْ) قَالَ الْأَقْطَعُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ فِيمَنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ الْإِمَامِ لَا يَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ فَاخْتَارَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ السُّكُوتَ وَاخْتَارَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ النَّائِي عَنْ الْخَطِيبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بَلْ يَسْكُتُ هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتُ مَقْصُودٌ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِمَاعِ قَدَرَ عَلَى الْإِنْصَاتِ. اهـ. وَالصَّلَاةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ وَتَكَلَّمُوا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْمَقْصُورَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا يَلِي الْمَقْصُورَةَ؛ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ الْعَامَّةُ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْمَقْصُورَةِ فَلَا يَتَطَرَّقُ الْعَامَّةُ إلَى الدُّخُولِ اهـ وَتَكَلَّمُوا فِي الدُّنُوِّ مِنْ الْإِمَامِ أَفْضَلُ أَمْ التَّبَاعُدِ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ الصَّحِيحُ أَنَّ الدُّنُوَّ مِنْ الْإِمَامِ أَفْضَلُ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ التَّبَاعُدَ أَفْضَلُ كَيْ لَا يَسْمَعَ مَدْحَ الظَّلَمَةِ وَالدُّعَاءَ لَهُمْ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَيَجِبُ السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ لِلسَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ بَعْدَهُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ لَهُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ إنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَلَوْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ لَا يُكْرَهُ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِصْرِهِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ وَيُكْرَهُ لَهُ الْخُرُوجُ قَبْلَ أَدَائِهَا اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا ثُمَّ قَالَ إنَّا لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ قِيلَ عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ يَتَحَقَّقُ مَبْدَأُ الْفِنَاءِ إذْ هُوَ مُقَدَّرٌ بِغَلْوَةٍ فِي الْمُخْتَارِ أَوْ لِبُيُوتِ مِصْرِهِ وَقِيلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَالْفِنَاءُ مُلْتَحِقٌ بِالْمِصْرِ شَرْعًا حَتَّى جَازَتْ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدَانِ فِيهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَقْصُرَ بِمُجَرَّدِ الْمُفَارَقَةِ لِلْبُيُوتِ بَلْ إذَا جَاوَزَ الْفِنَاءَ أُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا أُلْحِقَ بِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ حَوَائِجِ أَهْلِهِ الْمُقِيمِينَ فِيهِ لَا مُطْلَقًا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ مَنَعَ الْجُمُعَةَ فِيهِ إذَا كَانَ مُنْقَطِعًا عَنْ الْعُمْرَانِ فَلَا يَرِدُ الْإِشْكَالُ، وَفِي قَاضِي خَانْ فَصَّلَ فِي الْفِنَاءِ فَقَالَ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ غَلْوَةٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ تُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْفِنَاءِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ أَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ قَدْرَ غَلْوَةٍ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ عُمْرَانِ الْمِصْرِ هَذَا وَإِذَا كَانَتْ قَرْيَةً أَوْ قُرًى مُتَّصِلَةً بِالْمِصْرِ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَهَا، وَفِي الْفَتَاوَى أَيْضًا إنْ كَانَ فِي الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَحَلَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْمِصْرِ، وَفِي الْقَدِيمِ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْمِصْرِ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ تِلْكَ الْمَحَلَّةَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ صَدَقَ مُفَارَقَةُ بُيُوتِ الْمِصْرِ مَعَ عَدَمِ جَوَازِ الْقَصْرِ فَفِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ إرْسَالٌ غَيْرُ وَاقِعٍ، وَلَوْ ادَّعَيْنَا أَنَّ بُيُوتَ تِلْكَ الْقُرَى دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى بُيُوتِ الْمِصْرِ انْدَفَعَ هَذَا لَكِنَّهُ تَعَسُّفٌ ظَاهِرٌ. اهـ. . (بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ)

[مندوبات عيد الفطر]

(سِوَى الْخُطْبَةِ) نَصٌّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ وَالثَّانِي فَرْضٌ وَلَا يُتْرَكُ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى السُّنِّيَّةِ وَوَجْهُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ عَقِيبَ قَوْلِهِ فَهَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ «قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] الْمُرَادُ بِهَا صَلَاةُ الْعِيدِ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] فِي تَأْوِيلٍ وَقَدْ وَاظَبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ، وَهُوَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَهِيَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى، وَكَذَا لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَالْأَوَّلُ سَنَةٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِالسُّنَّةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ وَلَا يُتْرَكُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ فِي الْفِطْرِ أَنْ يَطْعَمَ) أَيْ يَأْكُلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى لِقَوْلِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قَلَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ وِتْرًا» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا حُلْوًا لِمَا رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَغْتَسِلُ وَيَسْتَاكُ وَيَتَطَيَّبُ)؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعٍ كَالْجُمُعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُ فِي الْعِيدَيْنِ بُرْدَ حِبَرٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ نُؤَدِّيَهَا قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهُوَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى فَيُقَدِّمُ لِلْفَقِيرِ لِيَأْكُلَ قَبْلَهَا فَيَتَفَرَّغُ قَلْبُهُ لِلصَّلَاةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى الْمُصَلَّى غَيْرَ مُكَبِّرٍ وَمُتَنَفِّلٍ قَبْلَهَا) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُكَبِّرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَهْرِ لَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} [البقرة: 185] قَالَ أَكْثَرُهُمْ هُوَ التَّكْبِيرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -؛ وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ فِيهِ مِنْ الشَّعَائِرِ وَمَبْنَاهَا عَلَى الْإِشْهَارِ وَالْإِظْهَارِ دُونَ الْإِخْفَاءِ فَصَارَ كَالْأَضْحَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} [الأعراف: 205] الْآيَةَ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّنَاءِ الْإِخْفَاءُ إلَّا مَا خَصَّهُ الشَّرْعُ كَيَوْمِ الْأَضْحَى وَرُوِيَ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّاسَ يُكَبِّرُونَ فَقَالَ لِقَائِدِهِ: أَكَبَّرَ الْإِمَامُ؟ قَالَ لَا قَالَ: أَفَجُنَّ النَّاسُ أَدْرَكْنَا مِثْلَ هَذَا الْيَوْمِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا كَانَ أَحَدٌ يُكَبِّرُ قَبْلَ الْإِمَامِ» وَسُئِلَ النَّخَعِيّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ذَلِكَ تَكْبِيرُ الْحَاكَةِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُمْنَعَ الْعَامَّةُ عَنْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ وَقَوْلِهِ وَمُتَنَفِّلٍ أَيْ غَيْرِ مُتَنَفِّلٍ وَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ إلَخْ) وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو مُوسَى الضَّرِيرُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ قَالَ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَصَارَتْ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. اهـ. أَقْطَعُ [مَنْدُوبَات عِيد الْفِطْر] (قَوْلُهُ بُرْدَ حِبْرٍ) الْحِبْرُ الْوَشْيُ مِنْ التَّحْبِيرِ بِمَعْنَى التَّحْسِينِ اهـ بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. حَانُوتِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُوَ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَكَتَبَ بِخَطِّهِ عَلَى الْهَامِشِ لَعَلَّهُ فَهِيَ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَهْرِ) قَالَ الْأَقْطَعُ، وَهَذَا خِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ فِي عِيدِ الْفِطْرِ اهـ، ثُمَّ مَحَلُّ الْخِلَافِ التَّكْبِيرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى ذَاهِبًا لَا جَائِيًا إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمَا التَّكْبِيرُ فِيهِ جَهْرًا، ثُمَّ إذَا قُلْنَا يُكَبِّرُ ذَاهِبًا هَلْ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ إذَا وَصَلَ إلَى الْمُصَلَّى أَوْ يُكَبِّرُ إلَى حِينِ يَشْرَعُ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ رِوَايَتَانِ هَذَا وَبِقَوْلِهِمَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ جُبَيْرٍ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَالْحَكَمِ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَحَمَّادٍ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَبِهِ نَأْخُذُ، ثُمَّ مَا أَوَّلُ وَقْتِ التَّكْبِيرِ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ سَلَمَةَ وَعُرْوَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَقَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ابْتِدَاؤُهُ عِنْدَ الْغُدُوِّ إلَى الصَّلَاةِ لَا قَبْلَهَا وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ - قَالَ الْكَمَالُ الْخِلَافُ فِي الْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْفِطْرِ لَا فِي أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَعِنْدَهُمَا يَجْهَرُ بِهِ كَالْأَضْحَى وَعِنْدَهُ لَا يَجْهَرُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِهِمَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ التَّكْبِيرِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِسَائِرِ الْأَلْفَاظِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ بَلْ مِنْ إيقَاعِهِ عَلَى وَجْهِ الْبِدْعَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ بِدْعَةٌ تُخَالِفُ الْأَمْرَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف: 205] فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ فِي الْأَضْحَى، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ التَّكْبِيرُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَالْأَوْلَى الِاكْتِفَاءُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إلَخْ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِأَبِي جَعْفَرٍ هَذَا الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ وَأَنْ يَكُونَ الْفَقِيهُ الْهِنْدُوَانِيُّ إذْ فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَاَلَّذِي عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ الْعَامَّةُ مِنْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ قَالَ: وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَعَنْ الْفَقِيه أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَمِعْت أَنَّ مَشَايِخَنَا كَانُوا يَرَوْنَ التَّكْبِيرَ فِي الْأَسْوَاقِ فِي الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ يُوسُفَ كَانَ يُفْتِي بِالتَّكْبِيرِ فِي الْأَسْوَاقِ فِي الْأَيَّامِ الْعَشْرِ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَعِنْدِي: لَا يَنْبَغِي أَنْ تُمْنَعَ الْعَامَّةُ مِنْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ وَبِهِ نَأْخُذُ هَذَا فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ قِيلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا أَنْ يُكَبِّرُوا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْمَسَاجِدِ قَالَ نَعَمْ اهـ كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ الْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ

[وقت صلاة العيد وكيفيتها]

اتِّفَاقًا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْبَيْتِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَبَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ يَوْمَ الْأَضْحَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا» وَيُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ وَالِابْتِكَارُ مَاشِيًا بَعْدَ مَا صَلَّى الْفَجْرَ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ وَيَرْجِعُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَقْتُهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى زَوَالِهَا) وَالْمُرَادُ بِالِارْتِفَاعِ أَنْ تَبْيَضَّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقْتُهَا طُلُوعُ الشَّمْسِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا، وَلَنَا النَّهْيُ الْمَشْهُورُ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ «وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُصَلِّي الْعِيدَ حِينَ تَرْتَفِعُ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ وَحِينَ شَهِدَ الْوَفْدُ فِي الْيَوْمِ الْمُكَمِّلِ لِلثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَمَرَ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ»، وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا لَمَا أَخَّرَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُثْنِيًا قَبْلَ الزَّوَائِدِ) أَمَّا الرَّكْعَتَانِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَأَمَّا الثَّنَاءُ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ فَلِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى سَائِرِ الْأَفْعَالِ وَالْأَذْكَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ ثَلَاثٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) أَيْ التَّكْبِيرَاتُ الزَّوَائِدُ ثَلَاثٌ فِي الْأُولَى وَثَلَاثٌ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ثِنْتَا عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً يَعْنِي مَعَ الْأُصُولِ فَالزَّوَائِدُ مِنْهَا خَمْسٌ فِي الْأُولَى وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَفِي رِوَايَةٍ أَرْبَعٌ فِي الثَّانِيَةِ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخَذَ بِقَوْلِهِ وَلَكِنْ حَمَلَ مَا رُوِيَ عَنْهُ كُلُّهُ عَلَى الزَّوَائِدِ فَصَارَتْ الْجُمْلَةُ عِنْدَهُ مَعَ الثَّلَاثَةِ الْأُصُولِ خَمْسَ عَشْرَةَ أَوْ سِتَّ عَشْرَةَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَظَهَرَ عَمَلُ الْعِلَّةِ الْيَوْمَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ بَنِيهِ الْخُلَفَاءَ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِذَلِكَ، احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدِ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ» صَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَنَا مَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ «أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ حِينَ سُئِلَ عَنْ تَكْبِيرَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ قَالَ كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا كَتَكْبِيرِهِ عَلَى الْجِنَازَةِ» وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ وَرَفْعَ الْأَيْدِي خِلَافُ الْمَعْهُودِ فَكَانَ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ أَحْوَطَ وَمَا رَوَاهُ ضَعَّفَهُ أَبُو الْفَرَجِ وَغَيْرُهُ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً؛ لِأَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ وَإِنَّمَا قَالَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ تُضَمُّ إلَيْهَا، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يُضَمُّ إلَيْهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ فَتَجِبُ كَوُجُوبِهَا فَيَكُونُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَالِسًا وَعِنْدَهُ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَسَأَلَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَنْ التَّكْبِيرِ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا ثُمَّ يَقْرَأُ فَيَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُومُ فِي الثَّانِيَةِ فَيَقْرَأُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ كَالْمَرْفُوعِ وَقَدْ رَفَعَهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَيْضًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ الثَّنَاءِ وَالثَّنَاءُ حَيْثُ شُرِعَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى شُرِعَ مُقَدَّمًا عَلَى الْقِرَاءَةِ كَالِاسْتِفْتَاحِ وَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ) وَنَصَّ الْكَرْخِيُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَيْضًا. اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى والْوَلْوَالِجِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ (قَوْلُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا) يَعْنِي فِي الْبَيْتِ وَالْمُصَلَّى اهـ بِخَطِّ الشَّارِحِ خَاصَّةً. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ وَالِابْتِكَارُ إلَخْ) التَّبْكِيرُ سُرْعَةُ الِانْتِبَاهِ وَالِابْتِكَارُ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْمُصَلَّى اهـ بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى) رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ رَجَعَ فِي غَيْرِهِ» خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّتِي ذَهَبَ مِنْهَا إلَى الْمُصَلَّى؛ لِأَنَّ مَكَانَ الْقُرْبَةِ يَشْهَدُ فَفِيهِ تَكْثِيرٌ لِلشُّهُودِ. اهـ. رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ «قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4] قَالَ أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا تَقُولُ عَمِلَ كَذَا، وَكَذَا فِي كُلِّ يَوْمٍ كَذَا، وَكَذَا فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ. اهـ. [وَقْت صَلَاة الْعِيد وكيفيتها] (قَوْلُهُ سَبْعًا فِي الْأُولَى إلَخْ) قَالَ الْأَقْطَعُ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ وَيَبْدَأُ فِيهِمَا بِالتَّكْبِيرِ وَرَوَى مُعَلَّى عَنْهُ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرِ كُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَبِأَيِّ الْأَخْبَارِ أَخَذَ فَحَسَنٌ. اهـ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ فِي الْعِيدِ الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ» قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ صَحَّحَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ. (فَرْعٌ) لَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ فَإِنَّهُ يَعُودُ وَيُكَبِّرُ وَقَدْ انْتَقَضَ رُكُوعُهُ وَيُعِيدُ الْقِرَاءَةَ فَرْقٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي حَيْثُ أُمِرَ الْإِمَامُ بِالْعَوْدِ إلَى الْقِيَامِ وَلَمْ نَأْمُرْهُ بِالتَّكْبِيرَاتِ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَالْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ حَيْثُ أُمِرَ الْمُقْتَدِي بِالتَّكْبِيرِ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ مَحَلَّ التَّكْبِيرَاتِ فِي الْأَصْلِ الْقِيَامُ الْمَحْضُ وَإِنَّمَا أَلْحَقْنَا حَالَةَ الرُّكُوعِ بِالْقِيَامِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي ضَرُورَةَ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَبَقِيَ مَحَلُّهَا الْقِيَامُ الْمَحْضُ فَأُمِرَ بِالْعَوْدِ إلَيْهِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ الْعَوْدِ إلَى الْقِيَامِ ارْتِفَاضُ الرُّكُوعِ كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ الْفَاتِحَةَ فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ يَعُودُ وَيَرْكَعُ وَيَقْرَأُ وَيَرْتَفِضُ رُكُوعُهُ كَذَا هُنَا وَلَا يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ؛ لِأَنَّهَا تَمَّتْ بِالْفَرَاغِ عَنْهَا وَالرُّكْنُ بَعْدَ تَمَامِهِ وَالِانْتِقَالُ عَنْهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْضِ وَالْإِبْطَالِ فَبَقِيَ عَلَى مَا تَمَّتْ هَذَا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَنْ الْقِرَاءَةِ أَمَّا إذَا تَذَكَّرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ عَنْهَا بِأَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ دُونَ السُّورَةِ يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ وَيَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِالْقِرَاءَةِ قَبْلَ أَوَانِهَا فَيَتْرُكُهَا وَيَأْتِي بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ لِكَوْنِ الْمَحَلِّ مَحَلًّا لَهُ، ثُمَّ يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ مَتَى تُرِكَ قَبْلَ تَمَامِهِ يَرْتَفِضُ مِنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي نَفْسِهِ وَمَا لَا يَتَجَزَّأُ فِي نَفْسِهِ فَوُجُودُهُ مُعْتَبَرٌ بِالْجُزْءِ الَّذِي بِهِ تَمَامُهُ فِي الْحُكْمِ وَنَظِيرُهُ مَنْ ذَكَرَ سَجْدَةً فِي الرُّكُوعِ خَرَّ لَهَا وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَالَ إلَى آخِرِ الْمَقَالَةِ) لَيْسَ مِنْ الْأَصْلِ بَلْ هُوَ حَاشِيَةٌ بِخَطِّ الشَّارِحِ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ

الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ شُرِعَ مُؤَخَّرًا كَالْقُنُوتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الزَّوَائِدِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ وَذَكَرَ مِنْهَا تَكْبِيرَاتِ الْأَعْيَادِ» وَيَسْكُتُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ؛ لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَبِالْمُوَالَاةِ تُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ كَانَ نَائِيًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ)؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَطَبَ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ» بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ يَخْطُبُ لَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ فِيهَا شَرْطٌ وَشَرْطُ الشَّيْءِ يَتَقَدَّمُهُ أَوْ يُقَارِنُهُ وَفِي الْعِيدِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهَا جَازَتْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فَبِتَغْيِيرِهَا أَوْلَى وَيُكْرَهُ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يُعَلِّمُ) النَّاسَ (فِيهَا أَحْكَامَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ)؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تُقْضَ إنْ فَاتَتْ مَعَ الْإِمَامِ) يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ صَلَّاهَا مَعَ جَمَاعَةٍ وَفَاتَتْ بَعْضَ النَّاسِ لَا يَقْضِيهَا مَنْ فَاتَتْهُ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ، وَكَذَلِكَ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِصِفَةِ كَوْنِهَا صَلَاةَ الْعِيدِ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا بِشَرَائِطَ لَا تَتِمُّ بِالْمُنْفَرِدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُؤَخَّرُ بِعُذْرٍ إلَى الْغَدِ فَقَطْ) أَيْ تُؤَخَّرُ صَلَاةُ الْعِيدِ إلَى الْغَدِ إذَا مَنَعَهُمْ مِنْ إقَامَتِهَا عُذْرٌ بِأَنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ الْهِلَالُ وَشَهِدَ عِنْدَ الْإِمَامِ بِالْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ جَمْعُ النَّاسِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ صَلَّاهَا فِي يَوْمِ غَيْمٍ فَظَهَرَ أَنَّهَا وَقَعَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا تُؤَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَى الْغَدِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا أَنْ لَا تُقْضَى كَالْجُمُعَةِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَّرَهَا إلَى الْغَدِ» وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ أَخَّرَهَا إلَى مَا بَعْدَهُ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ أَحْكَامُ الْأَضْحَى) أَيْ الْأَحْكَامُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْفِطْرِ مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ إلَى هُنَا مِنْ الشُّرُوطِ وَالْمَنْدُوبَاتُ هِيَ أَحْكَامُ يَوْمِ الْأَضْحَى فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْدَادِ مَا يُوَافِقُ تِلْكَ الْأَحْكَامِ فَتَرَكَهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَّ مَا يُخَالِفُهَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِلْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَكِنْ هُنَا يُؤَخِّرُ الْأَكْلَ عَنْهَا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَا يَطْعَمُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ» وَقِيلَ: هَذَا فِي حَقِّ مَنْ يُضَحِّي لِيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ أَوْ لَا أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا، ثُمَّ قِيلَ الْأَكْلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْكُلَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ جَهْرًا)؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ جَهْرًا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعَلِّمُ الْأُضْحِيَّةَ وَتَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ) فِي الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَعْلِيمِ أَحْكَامِ الْوَقْتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُؤَخَّرُ بِعُذْرٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) أَيْ صَلَاةُ الْأَضْحَى وَلَا تُؤَخَّرُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَجُوزُ مَا دَامَ وَقْتُهَا بَاقِيًا وَلَا تَجُوزُ بَعْدَ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى، ثُمَّ الْعُذْرُ هُنَا لِنَفْيِ الْكَرَاهِيَةِ حَتَّى لَوْ أَخَّرُوهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَتْ الصَّلَاةُ وَقَدْ أَسَاءُوا وَفِي الْفِطْرِ لِلْجَوَازِ حَتَّى لَوْ أَخَّرُوهَا إلَى الْغَدِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا تَجُوزُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّعْرِيفُ لَيْسَ بِشَيْءٍ)، وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تَشَبُّهًا بِالْوَاقِفِينَ بِعَرَفَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْبَصْرَةِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْوُقُوفَ عُرِفَ عِبَادَةً مُخْتَصَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الزَّوَائِدِ إلَخْ) وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَرْفَعُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ» وَلِأَنَّهَا تَكْبِيرَةٌ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا غَيْرُ قَائِمَةٍ مَقَامَ غَيْرِهَا فَتُرْفَعُ الْيَدُ عِنْدَهَا كَالتَّكْبِيرِ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَكْبِيرٌ مَسْنُونٌ فَصَارَ كَتَكْبِيرِ الرُّكُوعِ. اهـ. أَقْطَعُ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَرْفَعُ قِيَاسًا عَلَى تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ اهـ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إذَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِالتَّكْبِيرَاتِ يَقْضِيهَا، ثُمَّ يَرْكَعُ الْأَنْفَعُ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ وَاجِبَةٌ، وَفِي الْمَنَافِعِ، وَكَذَا رِعَايَةُ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي الِافْتِتَاحِ حَتَّى يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ إذَا قَالَ اللَّهُ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ دُونَ غَيْرِهَا. اهـ. تَتَارْخَانْ (قَوْلُهُ وَبِالْمُوَالَاةِ يُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ كَانَ نَائِيًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ لَا يَكْفِي فِي دَفْعِ الِاشْتِبَاهِ عَنْهُمْ هَذَا الْقَدْرُ فَصَلَ بِأَكْثَرَ أَوْ كَانَ يَكْفِي لِذَلِكَ أَقَلُّ سَكْتٍ أَقَلَّ وَلَيْسَ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ عِنْدَنَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْعِيدِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1]» وَرَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ مَرَّةً فِي الْعِيدَيْنِ فَقَطْ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ إلَخْ) وَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ يُكَبِّرُ الْقَوْمُ مَعَهُ وَإِذَا صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي النَّاسُ فِي أَنْفُسِهِمْ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ وَسُنَّةِ الْإِنْصَاتِ. اهـ. تَتَارْخَانْ (قَوْلُهُ أَوْ صَلَّاهَا فِي يَوْمِ غَيْمٍ إلَخْ) لَوْ ظَهَرَ الْغَلَطُ فِي الْعِيدَيْنِ بِأَنْ صَلَّاهُمَا بَعْدَ الزَّوَالِ يَنْظُرُ فِي بَابِ الْهَدْيِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَلَوْ شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ قَبْلَ يَوْمِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَخَّرُوهَا إلَى الْغَدِ إلَخْ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُصَلِّهَا الْإِمَامُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى بِغَيْرِ عُذْرٍ صَلَّاهَا فِي الْغَدِ فِي وَقْتِهَا، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا فِي الْغَدِ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ صَلَّاهَا بَعْدَ غَدٍ فِي الْوَقْتِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَهُ لِخُرُوجِ أَيَّامِ التَّضْحِيَةِ الَّتِي هِيَ أَيَّامُ الْعِيدِ لَكِنَّ التَّارِكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ مُسِيءٌ اهـ. فَقَوْلُهُ الَّتِي هِيَ أَيَّامُ الْعِيدِ فِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ تَقَعُ أَدَاءً لَا قَضَاءً لَكِنْ قَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةَ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْغَدِ تَقَعُ قَضَاءً لَا أَدَاءً فَرَاجِعْهُ اهـ ك

[تكبير التشريق وقته وعدده وشروطه]

بِالْمَكَانِ فَلَا يَكُونُ عِبَادَةً دُونَهُ كَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ وَفِعْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَرَجَ لِلدُّعَاءِ لِأَجْلِ الِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِهِ لَا لِلتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ عَرَفَةَ. [تَكْبِير التَّشْرِيق وَقْته وعدده وَشُرُوطه] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّ بَعْدَ فَجْرِ عَرَفَةَ إلَى ثَمَانِ مَرَّةً اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِهِ بِشَرْطِ إقَامَةٍ وَمِصْرٍ وَمَكْتُوبَةٍ وَجَمَاعَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ) وَالْكَلَامُ فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ - فِي صِفَتِهِ وَالثَّانِي - فِي وَقْتِهِ وَالثَّالِثُ - فِي عَدَدِهِ وَمَاهِيَّتِهِ وَالرَّابِعُ - فِي شُرُوطِهِ فَأَمَّا صِفَتُهُ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] وَلِأَنَّهُ مِنْ الشَّعَائِرِ فَصَارَ كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَتَكْبِيرَاتِهِ وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَسُنَّ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ اسْمَ السُّنَّةِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الطَّرِيقَةِ الْمَرْضِيَّةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِيمَا بَعْدُ وَبِالِاقْتِدَاءِ يَجِبُ، وَلَوْلَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَمَا وَجَبَ بِالِاقْتِدَاءِ. وَأَمَّا وَقْتُهُ فَأَوَّلُهُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا وَآخِرُهُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذْ هُوَ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ بِدْعَةٌ فَكَانَ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ أَوْلَى احْتِيَاطًا. وَأَمَّا عَدَدُهُ وَمَاهِيَّتُهُ فَهِيَ أَنْ يَقُولَ مَرَّةً وَاحِدَةً: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ بِشَرْطِ إقَامَةٍ وَمِصْرٍ وَمَكْتُوبَةٍ وَجَمَاعَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ احْتِرَازًا عَنْ الْمُسَافِرِينَ وَالْقُرَى وَالنَّافِلَةِ وَالْوِتْرِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْمُنْفَرِدِ وَجَمَاعَةٍ غَيْرِ مُسْتَحَبَّةٍ كَجَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ شُرُوطَهُ شُرُوطُ الْجُمُعَةِ غَيْرَ الْخُطْبَةِ وَالسُّلْطَانِ وَالْحُرِّيَّةِ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هُوَ عَلَى كُلِّ مَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَكْتُوبَةِ، وَلَهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ أَثَرِ عَلِيٍّ فِي الْجُمُعَةِ وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ صَلَاةَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَدَاؤُهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِأَنْ أَدَّاهَا فِي وَقْتِهَا أَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَاهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لَمْ يَفُتْ عَنْ وَقْتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَصَارَ كَرَمْيِ الْجِمَارِ. وَأَمَّا إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ قَبْلَ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَقَضَاهَا فِيهَا لَا يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى وَفْقِ الْأَدَاءِ، وَكَذَا لَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَاهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ قَضَاهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مِنْ قَابِلٍ لَا يُكَبِّرُ عَقِيبَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا فَلَا تُقْضَى كَرَمْيِ الْجِمَارِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالِاقْتِدَاءِ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ) يَعْنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَيْهِمَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، وَالْمَرْأَةُ تُخَافِتُ بِالتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ تَحْرِيمَةٌ لَكِنْ لَا يُكَبِّرُ مَعَ الْإِمَامِ وَيُكَبِّرُ بَعْدَ مَا قَضَى مَا فَاتَهُ لِمَا نُبَيِّنُ مِنْ الْمَعْنَى ، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَ يُكَبِّرُ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى فِي أَثَرِ الصَّلَاةِ لَا فِي نَفْسِهَا فَلَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ فِيهِ حَتْمًا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي حَالَةِ السُّجُودِ دُونَ حَالَةِ التَّكْبِيرِ، وَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمِنْ شُرُوطِهِ) هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ. اهـ. . (قَوْلُهُ لَا يُكَبِّرُ عَقِيبَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ إلَخْ) الَّذِي يُؤَدَّى عَقِيبَ الصَّلَاةِ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَتَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ وَالتَّلْبِيَةُ فَسَجْدَتَا السَّهْوِ تُؤَدَّى فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا سَهْوٍ وَتَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لَا فِي تَحْرِيمِهَا فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ وَالتَّلْبِيَةُ لَا تُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَلَا فِي تَحْرِيمَتِهَا وَتُؤَدَّى عِنْدَ الصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ فَلَوْ كَانَ مُحْرِمًا وَسَهَا سَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ لَبَّى فَإِنْ لَبَّى أَوَّلًا سَقَطَ التَّكْبِيرُ كَأَنَّهُ تَكَلَّمَ وَالْكَلَامُ يُسْقِطُ التَّكْبِيرَ وَسُجُودَ السَّهْوِ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: اعْلَمْ أَنَّ التَّكْبِيرَ يُؤَدَّى بِنَاءً عَلَى الصَّلَاةِ لَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَمِنْ حَيْثُ يُؤَدَّى بِنَاءً عَلَى الصَّلَاةِ فَكُلُّ مَا يَقْطَعُ الْبِنَاءَ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ وَكُلُّ مَا لَا يَقْطَعُ الْبِنَاءَ لَا يُسْقِطُ التَّكْبِيرَ فَإِذَا تَكَلَّمَ بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ ضَحِكَ فَقَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا أَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى أَوْ أَعْرَضَ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلتَّكْبِيرِ أَوْ خَرَجَ عَنْ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ سَاهٍ عَنْهُ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَقْطَعُ الْبِنَاءَ وَتُسْقِطُ التَّكْبِيرَ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لَوْ أَنَّ إنْسَانًا اقْتَدَى بِهِ فِي التَّكْبِيرِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ وَإِذَا سَقَطَ عَنْ الْإِمَامِ بِالْكَلَامِ وَمَا أَشْبَهَهُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ. وَكَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى رَأْيَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَنْ خَلْفَهُ يَرَى رَأْيَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُكَبِّرُ، وَإِنْ تَرَكَ إمَامُهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يُكَبِّرُ مَعَ الْإِمَامِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ تَابَعَهُ فِي التَّكْبِيرِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِمَا سُبِقَ بِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لَيْسَ مِمَّا يُضَادُّ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ تَكْبِيرًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَابَعَهُ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ فِيهِ. اهـ. وَكَذَا إذَا تَابَعَ فِي التَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ كَلَامٌ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَأَمَّا التَّلْبِيَةُ إذَا كَانُوا مُحْرِمِينَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ يُؤْتَى بِهَا لَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَلَا بِنَاءً عَلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهَا جَوَابٌ لِنِدَاءِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] فَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَى الْإِمَامِ تَكْبِيرٌ وَسَجْدَتَا السَّهْوِ وَالتَّلْبِيَةُ فَأَوَّلًا يَبْدَأُ بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ بِالتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى بِنَاءً عَلَى الصَّلَاةِ وَيَخْتَصُّ بِهَا ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ، وَلَوْ بَدَأَ بِالتَّلْبِيَةِ سَقَطَ عَنْهُ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَالتَّكْبِيرُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ يَقْطَعُ الْبِنَاءَ اهـ

[باب الكسوف]

الْمَسْبُوقُ يُتَابِعُهُ فِيهِ وَلَا يُؤَخِّرُ لِمَا ذَكَرْنَا. وَيَنْتَظِرُ الْمُقْتَدِي الْإِمَامَ حَتَّى يَأْتِيَ بِشَيْءٍ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ وَهِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تَقْطَعُ الْبِنَاءَ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْكَلَامِ، وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ تَوَضَّأَ وَكَبَّرَ عَلَى الصَّحِيحِ (بَابُ الْكُسُوفِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَالنَّفْلِ إمَامُ الْجُمُعَةِ) وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ كَالنَّفْلِ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ لَهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى صَلَاةَ كُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِ رُكُوعَاتٍ، وَأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ»، وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ قَبِيصَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَنْتَظِرُ الْمُقْتَدِي الْإِمَامَ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ إذَا نَسِيَ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ فَمَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُهُ الْقَوْمُ لِبَقَاءِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَإِنْ خَرَجَ أَوْ أَتَى بِمَا يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ وَذَلِكَ كَالْقَهْقَهَةِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ كَبَّرُوا؛ لِأَنَّهُ انْقَطَعَتْ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ، وَكَذَا إذَا اقْتَدَى بِمَنْ لَا يَرَى التَّكْبِيرَ عَقِيبَ تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَرَى ذَلِكَ كَبَّرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ بَلْ فِي إثْرِ الصَّلَاةِ فَيُتَابِعُهُ إنْ أَتَى بِهِ وَإِلَّا انْفَرَدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِيمَا يُؤَدَّى فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ كَسُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ يَتْرُكُهُ الْمُقْتَدِي. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ يُكَبِّرُ مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ؛ لِأَنَّ سَبْقَ الْحَدَثِ لَا يَقْطَعُ الْبِنَاءَ فَلَا يُسْقِطُ التَّكْبِيرَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَبَّرَ عَلَى الصَّحِيحِ إلَخْ)، وَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَلَا يَخْرُجُ لِلطَّهَارَةِ اهـ. [بَابُ الْكُسُوفِ] [كَيْفِيَّة صَلَاة الْكُسُوف] (قَوْلُهُ: بَابٌ الْكُسُوفُ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يُصَلِّي نَافِلَةً فِي جَمَاعَةٍ إلَّا قِيَامَ رَمَضَانَ وَصَلَاةَ الْكُسُوفِ وَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ إنْ شَاءُوا صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَالتَّخْيِيرُ يَكُونُ فِي النَّوَافِلِ لَا فِي الْوَاجِبَاتِ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّهُ وَاجِبٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ مَاتَ ابْنُهُ إبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ: إنَّمَا انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَلَا إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ أَوْ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَاحْمَدُوا اللَّهَ تَعَالَى وَكَبِّرُوهُ وَسَبِّحُوهُ وَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ»، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَقُومُوا وَصَلُّوا» وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ. اهـ. وَتَسْمِيَةُ مُحَمَّدٍ إيَّاهَا نَافِلَةً لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَادَةِ وَكُلُّ وَاجِبٍ زِيَادَةٌ عَلَى الْفَرَائِضِ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ لَا تَنْفِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ قَدْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْوَاجِبَاتِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَلَاةُ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ مُتَشَارِكَةٌ فِي عَوَارِضَ هِيَ الشَّرْعِيَّةُ نَهَارًا بِلَا أَذَانٍ، وَلَا إقَامَةٍ، وَصَلَاةُ الْعِيدِ آكَدُ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْجُمْهُورِ أَوْ وَاجِبَةٌ عَلَى قُوَيْلَةٍ وَاسْتِنَانُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَظَهَرَ وَجْهُ تَرْتِيبِ أَبْوَابِهَا وَيُقَالُ كَسَفَ اللَّهُ الشَّمْسَ يَتَعَدَّى وَكَسَفَتْ الشَّمْسُ لَا يَتَعَدَّى وَسَبَبُهَا الْكُسُوفُ. اهـ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا تُصَلَّى بِجَمَاعَةٍ، وَفِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ مُصَلَّى الْعِيدِ، وَلَا تُصَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ. اهـ كَمَالٌ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَلَاةُ النَّهَارِ وَتُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ إلَّا أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَمَّا كَانَتْ أَقْوَى مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ قَدَّمَهَا عَلَيْهَا وَلِهَذَا قِيلَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ وَاجِبَةٌ، وَقِيلَ سُنَّةٌ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَاجِبَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ بَلْ قَالُوا سُنَّةٌ. اهـ. قَوْلُهُ: وَلَا تُصَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ أَيْ الثَّلَاثَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُفِيدِ وَالْقُنْيَةِ وَالتُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ، وَفِيهِمَا الْعِبَارَةُ لِلتُّحْفَةِ؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ نَافِلَةً فَهِيَ فِيهَا مَكْرُوهَةٌ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ النَّهْيِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهَا أَسْبَابٌ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً يُكْرَهُ أَيْضًا كَالْوِتْرِ. اهـ. وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ مَا لَهُ سَبَبٌ لَا يُكْرَهُ فِيهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَاجِبَةٌ فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ النَّسَفِيُّ فِي الْكَافِي: وَصِفَتُهَا أَنَّهَا سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ لِلْأَمْرِ وَقَالَ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ: وَصِفَتُهَا سُنَّةٌ وَاخْتَارَ فِي الْأَسْرَارِ وُجُوبَهَا لِلْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» قَالَ: وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ تُقَامُ عَلَى سَبِيلِ الشُّهْرَةِ فَكَانَ شِعَارًا لِلدِّينِ حَالَ الْفَزَعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ دَفْعُ الْأَمْرِ الْمَخُوفِ فَهِيَ مَصْلَحَةٌ تَعُودُ إلَيْنَا دُنْيَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ كَانَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ ثُمَّ وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَفْزَاعُ فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ الْهَلَاكِ يُحْشَرُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ، وَلَا يُعَاقَبُونَ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ فَيُفْتَرَضُ التَّوْبَةُ وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَإِلَّا لَكَانَتْ فَرْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَالنَّفْلِ) أَيْ بِلَا أَذَانٍ، وَلَا إقَامَةٍ، وَلَا خُطْبَةٍ وَيُنَادَى الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ فَيَجْتَمِعُوا إنْ لَمْ يَكُونُوا اجْتَمَعُوا. اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: إمَامُ الْجُمُعَةِ) فِي مُصَلَّى الْعِيدِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَتُؤَدَّى فِي الْمَكَانِ الْمُعَدِّ

فَقَالَ إنَّمَا هَذِهِ الْآيَاتُ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنْ الْمَكْتُوبَةِ»، وَقَدْ رَوَى الرَّكْعَتَيْنِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَأَبُو بَكْرَةَ وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَالْأَخْذُ بِهَذَا أَوْلَى لِوُجُودِ الْأَمْرِ بِهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ وَلِكَثْرَةِ رُوَاتِهِ وَصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ فِيهِ وَمُوَافَقَتِهِ الْأُصُولَ الْمَعْهُودَةَ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَذْهَبَهُمَا خِلَافُ ذَلِكَ وَصَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ حِينَ كَانَ أَمِيرًا عَلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ وَالرَّاوِي إذَا كَانَ مَذْهَبُهُ خِلَافَ مَا رَوَى لَا يَبْقَى فِيمَا رَوَى حُجَّةٌ؛ وَلِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ، وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَخَمْسَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَسِتَّ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ»، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ فَكُلُّ جَوَابٍ لَهُ عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الرُّكُوعَيْنِ فَهُوَ جَوَابٌ لَنَا عَمَّا زَادَ عَلَى رُكُوعٍ وَاحِدٍ. وَتَأْوِيلُ مَا زَادَ عَلَى رُكُوعٍ وَاحِدٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَوَّلَ الرُّكُوعَ فِيهَا فَإِنَّهُ عُرِضَ عَلَيْهِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَمَلَّ بَعْضُ الْقَوْمِ فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ أَوْ ظَنُّوا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَفَعَ رَأْسَهُ فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ أَوْ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ عَلَى عَادَةِ الرُّكُوعِ الْمُعْتَادِ فَوَجَدُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِعًا فَرَكَعُوا ثُمَّ فَعَلُوا ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَكَذَلِكَ فَفَعَلَ مَنْ خَلْفَهُمْ كَذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى مَا، وَقَعَ فِي ظَنِّهِ، وَمِثْلُ هَذَا الِاشْتِبَاهِ قَدْ يَقَعُ لِمَنْ كَانَ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ فَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي صَفِّ النِّسَاءِ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي صَفِّ الصِّبْيَانِ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ إلَّا مَرَّةً فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ ثَابِتًا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مِنْ الرُّوَاةِ لِلِاشْتِبَاهِ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ: «إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ لِيَخْتَبِرَ حَالَ الشَّمْسِ هَلْ انْجَلَتْ أَمْ لَا» فَظَنَّهُ بَعْضُهُمْ رُكُوعًا فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَهُ فَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَا مَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (بِلَا جَهْرٍ) أَيْ بِلَا جَهْرٍ بِالْقِرَاءَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجْهَرُ فِيهَا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا»، وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» «وَحَكَى سَمُرَةُ صَلَاتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَطُولَ قِيَامِهِ، وَقَالَ لَمْ نَسْمَعْ لَهُ صَوْتًا»، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا سَمِعْت لَهُ حَرْفًا وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ جَهَرَ بِالْآيَةِ وَالْآيَتَيْنِ لِيُعَلِّمَ أَنَّ فِيهَا الْقِرَاءَةَ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ «فَحَزَرْت قِرَاءَتَهُ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلَوْ جَهَرَ سَمِعَتْ، وَمَا حَزَرَتْ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخُطْبَةٍ) أَيْ بِلَا خُطْبَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - انْصَرَفَ، وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا» الْحَدِيثَ. ، وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ بِالصَّلَاةِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْخُطْبَةِ»، وَلَوْ كَانَتْ مَشْرُوعَةً لَبَيَّنَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ لِيَرُدَّهُمْ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ بْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ» وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى هَذَا أَنَّهَا أَخْبَرَتْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَطَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِإِظْهَارِ الشَّعَائِرِ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَصَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ أَجْزَأَهُمْ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِمَا مَرَّ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ «كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا» إلَخْ) أَيْ، وَهِيَ الصُّبْحُ فَإِنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ كَانَ عِنْدَ ارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحَيْنِ. اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ صَلَّى ثَلَاثَ رُكُوعَاتٍ إلَخْ) الَّذِي، وَقَفْت عَلَيْهِ فِي نُسْخَةِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمُحَقِّق قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَكَذَا وَلِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَخَمْسَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَسِتَّ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ». اهـ. وَقَدْ كَانَ فِي نُسْخَتِي كَذَلِكَ لَكِنِّي أَصْلَحْتهَا عَلَى مَا هُنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّمْسِ الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الثَّلَاثُ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِالنَّاسِ سِتَّ رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ»، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ كَسَفَتْ الشَّمْسُ ثَمَانَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ ذَلِكَ. اهـ. وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَشْرَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» قَالَ أَبُو عُمَرَ سَمَاعُ قَتَادَةَ مِنْ عَطَاءٍ عِنْدَهُمْ غَيْرُ صَحِيحٍ. اهـ. عَبْدُ الْحَقِّ وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ الطِّوَالِ ثُمَّ رَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ الثَّانِيَةَ فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ الطِّوَالِ ثُمَّ رَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ كَمَا هُوَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو حَتَّى يَنْجَلِيَ كُسُوفُهَا». اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجْهَرُ فِيهَا إلَى آخِرِهِ)، وَفِي الْمُحِيطِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ قَوْلُهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِيَرُدَّهُمْ عَنْ قَوْلِهِمْ إلَى آخِرِهِ)، وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْكُسُوفَ يَكُونُ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فَكَسَفَتْ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي عَاشِرِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ عَشْرٍ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ. اهـ. ذَخَائِرُ الْعُقْبَى فِي مَنَاقِبِ ذَوِي الْقُرْبَى

[باب الاستسقاء]

بَعْدَ الِانْجِلَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَكَانَتْ قَبْلَهُ كَالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ثُمَّ يَدْعُو حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ»، وَهَذَا يُفِيدُ اسْتِيعَابَ الْوَقْتِ بِهِمَا أَيْ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، وَهُوَ السُّنَّةُ ثُمَّ هُوَ فِي الدُّعَاءِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَعَا جَالِسًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَإِنْ شَاءَ قَائِمًا يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَيُؤَخِّرُ الدُّعَاءَ عَنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ فِي الْأَدْعِيَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِلَّا صَلَّوْا فُرَادَى كَالْخُسُوفِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالْفَزَعِ) أَيْ إنْ لَمْ يُصَلِّ إمَامُ الْجُمُعَةِ صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ إذْ هِيَ تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ، وَقَوْلُهُ كَالْخُسُوفِ إلَى آخِرِهِ أَيْ كَخُسُوفِ الْقَمَرِ حَيْثُ يُصَلَّى فِيهِ فُرَادَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَسَفَ فِي عَهْدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِرَارًا، وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَمَعَ النَّاسَ لَهُ؛ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ بِاللَّيْلِ بَعْدَ مَا نَامُوا لَا يُمْكِنُ، وَهُوَ سَبَبُ الْفِتْنَةِ أَيْضًا فَلَا يُشْرَعُ بَلْ يَتَضَرَّعُ كُلُّ وَاحِدٍ لِنَفْسِهِ، وَكَذَا فِي الظُّلْمَةِ الْهَائِلَةِ بِالنَّهَارِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَانْتِثَارِ الْكَوَاكِبِ وَالضَّوْءِ الْهَائِلِ بِاللَّيْلِ وَالثَّلْجِ وَالْأَمْطَارِ الدَّائِمَةِ، وَعُمُومِ الْأَمْرَاضِ وَالْخَوْفِ الْغَالِبِ مِنْ الْعَدُوِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْزَاعِ وَالْأَهْوَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْآيَاتِ الْمُخَوِّفَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَهُ صَلَاةٌ لَا بِجَمَاعَةٍ) أَيْ لِلِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ لَا بِجَمَاعَةٍ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِصِفَةِ تِلْكَ الصَّلَاةِ هَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ عِبَارَاتُهُمْ فِيهَا فَقَالَ الْقُدُورِيُّ: لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي جَمَاعَةٍ فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ، وَسَأَلَ أَبُو يُوسُفَ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الِاسْتِسْقَاءِ هَلْ فِيهِ صَلَاةٌ أَوْ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ أَوْ خُطْبَةٌ فَقَالَ أَمَّا صَلَاةٌ بِجَمَاعَةٍ فَلَا، وَلَكِنْ فِيهِ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَإِنْ صَلَّوْا وُحْدَانًا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا يَنْفِي كَوْنَهَا سُنَّةً مُسْتَحَبَّةً، وَلَكِنْ إنْ صَلَّوْا وُحْدَانًا لَا تَكُونُ بِدْعَةً، وَلَا يُكْرَهُ فَكَأَنَّهُ يَرَى إبَاحَتَهَا فَقَطْ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهَذَا يَنْفِي مَشْرُوعِيَّتَهَا مُطْلَقًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُصَلِّي الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ رَكْعَتَيْنِ بِجَمَاعَةٍ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي رِوَايَةٍ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أُخْرَى لِمُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا يَسْتَسْقِي فَجَعَلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ يَدْعُو اللَّهَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَجَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ يَخْطُبُ النَّاسَ فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُغِيثَنَا قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» الْحَدِيثَ. فَقَدْ اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُصَلِّ لَهُ وَثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَسْقَى، وَلَمْ يُصَلِّ، وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَمَا تَرَكَهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ وَالسُّنَّةُ لَا تَثْبُتُ بِمِثْلِهِ بَلْ بِالْمُوَاظَبَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ) أَيْ لَهُ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] جَعَلَهُ سَبَبًا لِإِرْسَالِ السَّمَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا قَلْبُ رِدَاءٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا» إلَى آخِرِهِ) هَكَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ» يَعْنِي الْكُسُوفَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا». اهـ. (قَوْلُهُ اسْتِيعَابَ الْوَقْتِ بِهِمَا) أَيْ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ (قَوْلُهُ لَمْ يُصَلِّ إمَامُ الْجُمُعَةِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ غَائِبًا. اهـ. ع (قَوْلُهُ أَيْ كَخُسُوفِ الْقَمَرِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ الصَّلَاةُ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ حَسَنَةٌ، وَكَذَا فِي الظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالْفَزَعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ». (فَائِدَةٌ) الضَّرْبُ عَلَى الْكَاسَاتِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ خُسُوفِ الْقَمَرِ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ فَيَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ لِعُمُومِ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ. اهـ. شَرْحُ الْعُمْدَةِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ. اهـ. [بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ] قَالَ الْعَيْنِيُّ الِاسْتِسْقَاءُ طَلَبُ السُّقْيَا بِضَمِّ السِّينِ، وَهُوَ الْمَطَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ إلَى آخِرِهِ) فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قَوْلَهُ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ) كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ، وَفِي نُسْخَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ زَيْدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: «وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ») إلَى هُنَا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَزَادَ الْبُخَارِيُّ «جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ». اهـ. عَبْدُ الْحَقِّ (قَوْلُهُ: نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ إلَى آخِرِهِ) سُمِّيَتْ دَارُ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا بِيعَتْ فِي قَضَاءِ دَيْنِ عُمَرَ الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَهِيَ دَارُ مَرْوَانَ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَدُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ) هُمَا بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ صَلَاةٌ. اهـ. ع قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقِيَاسُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ إذَا تَأَخَّرَ الْمَطَرُ عَنْ أَوَانِهِ فَعَلَهُ أَيْضًا لَوْ مَلَحَتْ الْمِيَاهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا أَوْ غَارَتْ. اهـ

[باب الخوف]

أَيْ لَيْسَ فِيهِ قَلْبُ رِدَاءٍ، وَهَذَا عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقْلِبُ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ دُونَ الْقَوْمِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ لِمُحَمَّدٍ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ. وَمَا رُوِيَ أَنَّ الْقَوْمَ فَعَلُوهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ مُوَافَقَةً لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَخَلْعِ النِّعَالِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ، وَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ تَفَاؤُلًا أَوْ لِيَكُونَ الرِّدَاءُ أَثْبَتَ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ أَوْ عَرَفَ بِالْوَحْيِ تَغَيُّرَ الْحَالِ عِنْدَ تَغْيِيرِهِ الرِّدَاءَ، وَكَيْفِيَّةُ الْقَلْبِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ أَنْ يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ مَا أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَالْجُبَّةِ جَعَلَ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَلَا يَخْطُبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْجَمَاعَةِ، وَلَا جَمَاعَةَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَخْطُبُ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ خُطْبَتَيْنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَيَسْتَقْبِلُ بِالدُّعَاءِ الْقِبْلَةَ قَائِمًا وَالنَّاسُ قَاعِدُونَ مُسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحُضُورُ ذِمِّيٍّ) أَيْ لَا تَحْضُرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الِاسْتِسْقَاءَ {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: 14]؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَعْدَائِهِ وَالدُّعَاءُ لِاسْتِنْزَالِ الرَّحْمَةِ، وَإِنَّمَا تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنَّمَا يَخْرُجُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) يَعْنِي مُتَتَابِعَاتٍ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ وَيَخْرُجُونَ مُشَاةً فِي ثِيَابٍ خَلِقَةٍ غَسِيلَةٍ أَوْ مُرَقَّعَةٍ مُتَذَلِّلِينَ مُتَوَاضِعِينَ خَاشِعِينَ لِلَّهِ تَعَالَى نَاكِسِي رُءُوسِهِمْ وَيُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ وَيُجَدِّدُونَ التَّوْبَةَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَرَاضَوْنَ بَيْنَهُمْ وَيَسْتَسْقُونَ بِالضَّعَفَةِ وَالشُّيُوخِ وَالصِّبْيَانِ، وَفِي الْحَدِيثِ «لَوْلَا صِبْيَانٌ رُضَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ، وَعِبَادُ اللَّهِ الرُّكَّعُ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا». (بَابُ الْخَوْفِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ وَقَفَ الْإِمَامُ طَائِفَةً بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ) بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُهُمْ أَذَاهُمْ (وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً لَوْ) كَانَ الْإِمَامُ (مُسَافِرًا) أَوْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ أَوْ الْعِيدِ (وَرَكْعَتَيْنِ لَوْ مُقِيمًا، وَمَضَتْ هَذِهِ إلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ وَصَلَّى بِهِمْ مَا بَقِيَ وَسَلَّمَ وَذَهَبُوا إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى الْعَدُوِّ (وَجَاءَتْ الْأُولَى، وَأَتَمُّوا) بِلَا قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ (وَسَلَّمُوا، وَمَضَوْا ثُمَّ الْأُخْرَى) أَيْ ثُمَّ جَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: فَعَلَهُ تَفَاؤُلًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ التَّحْوِيلِ كَانَ تَفَاؤُلًا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَصَحَّحَهُ قَالَ «وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ»، وَفِي الْمُطَوَّلَاتِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ لِكَيْ يَنْقَلِبَ الْقَحْطُ إلَى الْخِصْبِ»، وَفِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ لِتَتَحَوَّلَ السَّنَةُ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِ وَكِيعٍ. اهـ. وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ التَّحْوِيلِ قِيلَ فِي الْخُطْبَتَيْنِ، وَقِيلَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ بَعْدَ انْقِضَائِهِمَا وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ «أَنَّهُ كَانَ يُحَوِّلُ إذَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ لِلدُّعَاءِ». اهـ. ابْنُ الْمُلَقِّنِ شَرْحُ عُمْدَةٍ (قَوْلُهُ: لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الدُّعَاءُ فَلَا يَقْطَعُهَا بِالْجِلْسَةِ. اهـ كَافِي. [بَابُ الْخَوْفِ] [كَيْفِيَّة صَلَاة الْخَوْف] (بَابُ الْخَوْفِ). قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ شَرْعِيَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِعَارِضِ خَوْفٍ، وَقُدِّمَ الِاسْتِسْقَاءُ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ ثَمَّ وَهُوَ انْقِطَاعُ الْمَطَرِ سَمَاوِيٌّ وَهُنَا اخْتِيَارِيٌّ، وَهُوَ الْجِهَادُ الَّذِي سَبَبُهُ كُفْرُ الْكَافِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا اشْتَدَّ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إنْ كَانَ الْقَوْمُ بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ فَخَافُوا إنْ اشْتَغَلُوا بِالصَّلَاةِ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِمْ فَأَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا الْفَجْرَ بِالْجَمَاعَةِ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ اشْتِدَادُ الْخَوْفِ كَمَا تَرَى ثُمَّ قَالَ، وَلَوْ نَزَلُوا أَرْضًا مَخُوفًا يَخَافُونَ مِنْ الْعَدُوِّ، وَلَا يَرَوْنَهُ فَصَلَّوْا بِالذَّهَابِ وَالْإِيَابِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى. قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اشْتِدَادُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الشَّرْطُ حُضُورُ عَدُوٍّ وَسَبُعٍ فَلَوْ رَأَوْا سَوَادًا ظَنُّوهُ عَدُوًّا صَلَّوْهَا فَإِنْ تَبَيَّنَ كَمَا ظَنُّوا جَازَتْ لِتَبَيُّنِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ، وَإِنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ لَمْ تَجُزْ إلَّا إنْ ظَهَرَ بَعْدَ أَنْ انْصَرَفَتْ الطَّائِفَةُ مِنْ نَوْبَتِهَا فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ تَتَجَاوَزَ الصُّفُوفَ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَبْنُوا اسْتِحْسَانًا كَمَنْ انْصَرَفَ عَلَى ظَنِّ الْحَدَثِ يَتَوَقَّفُ الْفَسَادُ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ عَلَى مُجَاوَزَةِ الصُّفُوفِ، وَلَوْ شَرَعُوا بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ فَذَهَبَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الِانْحِرَافُ وَالِانْصِرَافُ لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ وَلَوْ شَرَعُوا فِي صَلَاتِهِمْ ثُمَّ حَضَرَ جَازَ الِانْحِرَافُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ. انْتَهَى. وَهَذِهِ الْفُرُوعُ سَتَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ انْتَهَى. قَوْلُهُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمُحِيطُ وَالْمَبْسُوطُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَوْلُهُ بَلْ الشَّرْطُ حُضُورُ عَدُوٍّ إلَى آخِرِهِ تَبِعَ فِيهِ شَيْخَ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ حَيْثُ قَالَ: الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ حَضْرَةُ الْعَدُوِّ لَا حَقِيقَةُ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ حَضْرَةَ الْعَدُوِّ أُقِيمَ مَقَامَ الْخَوْفِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا فِي تَعْلِيقِ الرُّخَصِ بِنَفْسِ السَّفَرِ. انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً) أَيْ وَسَجْدَتَيْنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ إذَا سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً يَجُوزُ الِانْصِرَافُ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} [النساء: 102]، وَقُلْنَا السَّجْدَةُ تَنْصَرِفُ إلَى الْكَمَالِ الْمَعْهُودِ، وَهُوَ السَّجْدَتَانِ كَذَا قَالَ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ. وَقِيلَ قَوْلُهُ: سَجْدَتَيْنِ تَأْكِيدٌ، وَإِلَّا قَوْلُهُ رَكْعَةً كَافٍ إذْ الرَّكْعَةُ تَتِمُّ بِسَجْدَةٍ فَرُفِعَ هَذَا الِاحْتِمَالُ، وَهَذَا حَسَنٌ. انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَمَضَتْ هَذِهِ إلَى الْعَدُوِّ) مُشَاةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْكَبُوا دَوَابَّهُمْ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا

(وَأَتَمُّوا بِقِرَاءَةٍ)؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ حَتَّى يَقْضِيَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِلَا قِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَبِقِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَالْمَسْبُوقُ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وَقَفَ حَتَّى تُتِمَّ هَذِهِ الطَّائِفَةُ صَلَاتَهُمْ وَيُسَلِّمُونَ وَيَذْهَبُونَ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَإِذَا قَامُوا لِقَضَاءِ مَا سُبِقُوا انْتَظَرَهُمْ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ لِحَدِيثِ سَهْلٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ»، وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةَ الْعَدُوِّ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَقَامُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً» وَالْأَخْذُ بِهَذَا أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ الْأُصُولِ، وَمَا رَوَاهُ يُخَالِفُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُؤْتَمَّ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ قَبْلَ الْإِمَامِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا إمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ»، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا يَأْمَنُ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ انْتِظَارَ الْإِمَامِ لِلْمَأْمُومِ الْمَسْبُوقِ، وَهُوَ خِلَافُ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجْعَلُهُمْ صَفَّيْنِ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ فَيُحْرِمُونَ كُلُّهُمْ مَعَهُ وَيَرْكَعُونَ فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَالصَّفُّ الثَّانِي يَحْرُسُونَهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَتَقَدَّمَ الثَّانِي فَإِذَا سَجَدَ سَجَدُوا مَعَهُ، وَهَكَذَا يَفْعَلُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وقَوْله تَعَالَى {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] وقَوْله تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةَ، شَرَطَ لِإِقَامَتِهَا أَنْ يَكُونَ هُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَهُمْ؛ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَهَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَنَافِي، وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ انْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْدَهُ، وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ صَلَّوْهَا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّاهَا عَلِيٌّ يَوْمَ صِفِّينَ وَصَلَّاهَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَحُذَيْفَةُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ فَصَارَ إجْمَاعًا وَجَوَازُهَا خَلْفَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ لِاسْتِدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَتَرْكُ الْمَشْيِ وَاجِبٌ فَلَا يَجُوزُ ارْتِكَابُ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ لِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ قَوْلِ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ وَلِهَذَا إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا، كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَجْعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ فَيُصَلِّيَ هُوَ بِطَائِفَةٍ وَيَأْمُرَ مَنْ يُصَلِّي بِالْأُخْرَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَصَلَّى فِي الْمَغْرِبِ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً)؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ شَطْرٌ فِي الْمَغْرِبِ، وَلِهَذَا شُرِعَ الْقُعُودُ عَقِيبَهُمَا؛ وَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَانَتْ الطَّائِفَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَتَمُّوا بِقِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ) أَيْ وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ ثُمَّ إنَّهُمْ لَا يَنْصَرِفُونَ رُكْبَانًا حَتَّى إذَا رَكِبُوا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ مِنْهُ بُدٌّ فَلَمْ يَكُنْ عَفْوًا، وَالْمَشْيُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَكُونُ عَفْوًا. انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْعَدُوُّ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا صَلَّوْا بِالذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ شَاءُوا صَلَّوْا صَفَّيْنِ فَيَفْتَتِحُ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ بِهِمْ جَمِيعًا وَكُلُّهُمْ مُسْتَعِدُّونَ بِالسِّلَاحِ فَإِذَا رَكَعَ رَكَعُوا جَمِيعًا، وَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَالصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ يَحْرُسُونَهُمْ فَإِذَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ سَجَدَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَالْأَوَّلُ يَحْرُسُونَهُمْ ثُمَّ سَجَدَ الْإِمَامُ وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَالْآخَرُ يَحْرُسُونَهُمْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ صَلَّوْا هَكَذَا جَازَتْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ صَلَّوْا بِالذَّهَابِ وَالْإِيَابِ لَا تَجُوزُ لَهُمْ الصَّلَاةُ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هَكَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وقَوْله تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ} [النساء: 102] إلَى آخِرِهِ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ بِقَوْلِهِ {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا} [النساء: 102]، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُمْ كُلُّهُمْ لَمْ يَفُتْهُمْ شَيْءٌ. انْتَهَى مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ صَلَّوْهَا إلَى آخِرِهِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرَائِعِ أَنْ تَكُونَ عَامَّةَ الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا إلَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى التَّخْصِيصِ فَإِنْ قَالَ قَدْ وُجِدَ التَّخْصِيصُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ كَوْنَ الرَّسُولِ فِيهِمْ فَقَالَ {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] قُلْنَا الشَّرْطُ يُوجِبُ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ، وَلَا يَقْتَضِي الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ أَوْ مَعْنَاهُ إذَا كُنْت أَنْتَ فِيهِمْ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَك فِي الْإِمَامَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: 103]. انْتَهَى مُصَفَّى. (قَوْلُهُ: وَصَلَّى فِي الْمَغْرِبِ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ) أَيْ تَشَهَّدَ بِهِمْ وَيَنْصَرِفُونَ ثُمَّ يُصَلِّي بِالثَّانِيَةِ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُ الْإِمَامُ، وَلَا يُسَلِّمُونَ مَعَهُ بَلْ يَرُوحُونَ مَقَامَهُمْ فَتَجِيءُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَيَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَعَلَيْهِمْ أَيْضًا أَنْ يَتَشَهَّدُوا فِيمَا بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ فِيمَا أَدْرَكَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ وَآخِرُهَا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ، وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ وَسَبَقَهُ الْإِمَامُ بِالْأُولَيَيْنِ فَإِذَا قَامَ إلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَقْضِي رَكْعَةً وَيَقْرَأُ فِيهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً وَيَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ قَدْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً، وَهَذِهِ ثَانِيَتُهُ فَالْقَعْدَةُ فِي الثَّانِيَةِ سُنَّةٌ فِي الْمَغْرِبِ ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى وَيَقْرَأُ فِيهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً، وَإِذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ مَا يُقْضَى أَوَّلُ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، وَهَذَا التَّشَهُّدُ فَرْضٌ عَلَيْهِ. انْتَهَى طَحَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّشَهُّدُ أَيْ الْقُعُودُ

الْأُولَى أَوْلَى بِهَا لِلسَّبْقِ وَلِكَوْنِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ الْأُولَى فِي الْحُكْمِ. وَلَوْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الطَّائِفَتَيْنِ أَمَّا الْأُولَى فَلِانْصِرَافِهِمْ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهُمْ لَمَّا أَدْرَكُوا الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ صَارُوا مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى لِإِدْرَاكِهِمْ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ، وَقَدْ انْصَرَفُوا فِي أَوَانِ رُجُوعِهِمْ فَتَبْطُلُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ انْصَرَفَ فِي أَوَانِ الْعَوْدِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ عَادَ فِي أَوَانِ الِانْصِرَافِ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ مُقْبِلٌ وَالْأَوَّلُ مُعْرِضٌ فَلَا يُعْذَرُ إلَّا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الِانْصِرَافُ فِي أَوَانِهِ، وَإِنْ أَخَّرَ الِانْصِرَافَ ثُمَّ انْصَرَفَ قَبْلَ أَوَانِ عَوْدِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ انْصِرَافِهِ مَا لَمْ يَجِئْ أَوَانُ عَوْدِهِ، وَلَوْ جَعَلَهُمْ ثَلَاثَ طَوَائِفَ وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَصَلَاةُ الْأُولَى فَاسِدَةٌ، وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ صَحِيحَةٌ، وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ جَعَلَهُمْ فِي الرُّبَاعِيَّةِ أَرْبَعَ طَوَائِفَ وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَسَدَتْ صَلَاةُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ، وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ صَحِيحَةٌ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْمَعْنَى، وَلَوْ جَعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ فَانْصَرَفُوا إلَّا رَجُلًا مِنْهُمْ فَصَلَّى الثَّالِثَةَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَمَا بَعْدَ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ إلَى الْفَرَاغِ أَوَانُ انْصِرَافِهِمْ، وَصَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍّ لِعَدَمِ الْمُفْسِدِ فِي حَقِّهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَاتَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ)؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ، وَلَوْ قَاتَلَهُمْ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ كَالرَّمْيَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الْعَمَلِ فِيمَا تَقَدَّمَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا رُكْبَانًا فُرَادَى بِالْإِيمَاءِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرُوا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] وَالتَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ يَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشُّرُوطِ، وَلَا تَجُوزُ بِجَمَاعَةٍ لِعَدَمِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَكَانِ إلَّا إذَا كَانَ رَاكِبًا مَعَ الْإِمَامِ عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ اسْتِحْسَانًا إحْرَازًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ جَوَّزَ لَهُمْ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الذَّهَابُ وَالْمَجِيءُ لِأَجْلِ إحْرَازِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ ذَلِكَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ، وَلَيْسَ لِلرَّأْيِ مَدْخَلٌ فِي إثْبَاتِ الرُّخَصِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ، وَلَا تَجُوزُ رَاكِبًا فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَجُوزُ فِيهِ فَكَذَا الْفَرْضُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا مَاشِيًا فِي غَيْرِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ عَمَلٌ كَثِيرٌ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ كَالْغَرِيقِ السَّابِحِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ السَّبْحَ عَمَلٌ كَثِيرٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَمْ تَجُزْ بِلَا حُضُورِ عَدُوٍّ) لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ حَتَّى لَوْ رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوا أَنَّهُ عَدُوٌّ فَصَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدُوٍّ أَعَادُوهَا لِمَا قُلْنَا إلَّا إذَا بَانَ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَجَاوَزُوا الصُّفُوفَ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَبْنُوا اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ شَرَعُوا فِيهَا، وَالْعَدُوُّ حَاضِرٌ ثُمَّ ذَهَبَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ وَبِعَكْسِهِ لَوْ شَرَعُوا فِيهَا ثُمَّ حَضَرَ الْعَدُوُّ جَازَ لَهُمْ الِانْحِرَافُ فِي أَوَانِهِ لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ صَحِيحَةٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِانْصِرَافِهِمْ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ صَارُوا مِنْ عِدَادِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْضُوا أَوَّلًا الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَتَشَهَّدُونَ، وَلَا يُسَلِّمُونَ ثُمَّ يَقُومُونَ وَيَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِقِرَاءَةٍ، وَإِذَا عَادَتْ الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ يَقْضُونَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِقِرَاءَةٍ. اهـ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِالْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَسَدَتْ صَلَاةُ الْأُولَى إلَخْ) لَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ الْقَوْمَ فِي الْمَغْرِبِ طَائِفَتَيْنِ فَصَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً وَانْصَرَفُوا وَصَلَّى بِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَانْصَرَفُوا عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ تُقْسَمُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ ثُمَّ جَاءَتْ الْأُولَى فَصَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ انْصَرَفُوا قَبْلَ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ انْصِرَافِهِمْ بَعْدَمَا يُصَلِّي الْإِمَامُ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ بِالِانْصِرَافِ؛ لِأَنَّهُمْ انْصَرَفُوا فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ عِدَادِ الْأُولَى غَيْرَ أَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ بِرَكْعَةٍ فَلَمَّا انْصَرَفُوا بَعْدَمَا صَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَتَشَهَّدَ فَقَدْ انْصَرَفُوا فِي وَقْتِهِ ثُمَّ الطَّائِفَةُ الْأُولَى لَمَّا عَادُوا وَصَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ الثَّالِثَةِ لَمْ تَعُدْ صَلَاتُهُمْ إلَى الْجَوَازِ إلَّا أَنْ يُجَدِّدُوا التَّكْبِيرَةَ فِيهَا فَحِينَئِذٍ تَجُوزُ وَصَارُوا الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ فَإِذَا انْصَرَفُوا بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ إلَى الْعَدُوِّ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمْ، وَعَلَى الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إذَا عَادُوا أَنْ يَقْضُوا الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَتَشَهَّدُوا، وَلَا يُسَلِّمُونَ ثُمَّ يَقُومُونَ وَيَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِقِرَاءَةٍ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى إذَا عَادُوا يَقْضُونَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِقِرَاءَةٍ. اهـ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِالْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ صَحِيحَةٌ) أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُمْ انْصَرَفُوا فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَكَذَا الثَّالِثَةُ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ عِدَادِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَوَقْتُ انْصِرَافِهِمْ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَبْلَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ، وَأَمَّا عَدَمُ فَسَادِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ فَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ مِنْ الْأُولَى وَانْصَرَفُوا فِي وَقْتِهِ وَالرَّابِعَةُ مِنْ الثَّانِيَةِ وَانْصَرَفُوا فِي وَقْتِهِ أَيْضًا فَإِذَا عَادَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ يَقْضُونَ الرَّكْعَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَتَشَهَّدُونَ، وَلَا يُسَلِّمُونَ ثُمَّ يَقُومُونَ وَيَقْضُونَ الْأُولَى بِقِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ فِيهَا وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ فَإِذَا عَادَتْ الرَّابِعَةُ يَقْضُونَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ الْأُولَيَانِ بِقِرَاءَةٍ وَالثَّالِثَةُ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَإِنْ شَاءُوا قَرَءُوا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَيَتَشَهَّدُونَ عَقِيبَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَتَشَهَّدُونَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ. اهـ طَحَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ إلَخْ) بِأَنْ لَا يَدَعُهُمْ الْعَدُوُّ يُصَلُّونَ نَازِلِينَ بَلْ يُهَاجِمُونَهُمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: صَلَّوْا رُكْبَانًا إلَخْ) وَيَجْعَلُونَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ، وَهَذَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَصْرُ فِي الصِّفَاتِ، وَهُوَ الْإِيمَاءُ لَا الْقَصْرُ فِي أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِالْخَوْفِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239]، وَقَالَ تَعَالَى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] وَالْمُرَادُ مِنْهُ حَالَ الْعُذْرِ وَالْخَوْفُ عُذْرٌ فَيَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْقِبْلَةِ، وَهَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً رُكْبَانًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ إذَا صَلَّوْا بِإِيمَاءٍ وَزَالَ الْخَوْفُ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ وَالْخَوْفُ مِنْ الْعَدُوِّ وَالسَّبُعِ سَوَاءٌ. اهـ. شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِأَبِي الْبَقَاءِ (قَوْلُهُ: وَجَازَ لَهُمْ الِانْحِرَافُ فِي أَوَانِهِ) أَيْ فَإِنْ انْحَرَفُوا فِي غَيْرِ أَوَانِ انْحِرَافِهِمْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ. اهـ. .

[باب الجنائز]

(بَابُ الْجَنَائِزِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وُلِّيَ الْمُحْتَضَرُ الْقِبْلَةَ عَلَى يَمِينِهِ) أَيْ وُجِّهَ وَجْهُ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَعَلَامَاتُ احْتِضَارِهِ أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ فَلَا تَنْتَصِبَانِ وَيَنْعَوِجُ أَنْفُهُ وَيَنْخَسِفُ صُدْغَاهُ وَتَمْتَدُّ جِلْدَةُ الْخُصْيَةِ؛ لِأَنَّ الْخُصْيَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ وَتَتَدَلَّى جِلْدَتُهَا، وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالُوا تُوُفِّيَ، وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لَك، وَأَوْصَى أَنْ يُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ لَمَّا اُحْتُضِرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابَ الْفِطْرَةَ»، وَقَدْ رَدَدْتُ ثُلُثَهُ عَلَى وَلَدِهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَرُبَ مِنْ الْوَضْعِ فِي اللَّحْدِ فَيُوضَعُ كَمَا يُوضَعُ فِيهِ، وَالْمُعْتَادُ فِي زَمَانِنَا أَنْ يُلْقَى عَلَى قَفَاهُ، وَقَدَمَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ قَالُوا: لِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا وَجْهَ ذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إلَّا نَقْلًا، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ أَسْهَلُ لِتَغْمِيضِهِ وَشَدِّ لَحْيَيْهِ عَقِيبَ الْمَوْتِ، وَأَمْنَعُ مِنْ تَقَوُّسِ أَعْضَائِهِ ثُمَّ إذَا أُلْقِيَ عَلَى الْقَفَا يُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ. وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلُقِّنَ الشَّهَادَةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَالْمُرَادُ مَنْ قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»؛ وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يَتَعَرَّضُ فِيهِ الشَّيْطَانُ لِإِفْسَادِ اعْتِقَادِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى مُذَكِّرٍ، وَمُنَبِّهٍ عَلَى التَّوْحِيدِ. وَكَيْفِيَّةُ التَّلْقِينِ أَنْ تُذْكَرَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ عِنْدَهُ، وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي تَلْقِينِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقِيلَ يُلَقَّنُ لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَا، وَقِيلَ لَا يُلَقَّنُ، وَقِيلَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَلَا يُنْهَى عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ مَاتَ شُدَّ لَحْيَاهُ وَغُمِّضَ عَيْنَاهُ) بِذَلِكَ جَرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الْجَنَائِزِ] قَالَ ابْنُ فَارِسٍ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ جَنَزَ يَجْنِزُ بِفَتْحِ النُّونِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ إذَا سَتَرَ. اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا كَانَ الْمَوْتُ آخِرَ الْعَوَارِضِ ذَكَرَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ آخِرًا لِلْمُنَاسَبَةِ. اهـ. أَوْ نَقُولُ الصَّلَاةُ صَلَاتَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُقَيَّدَةٌ فَلَمَّا بَيَّنَ الصَّلَاةَ الْمُطْلَقَةَ شَرَعَ فِي بَيَانِ الصَّلَاةِ الْمُقَيَّدَةِ أَوْ نَقُولُ الْمَأْمُورُ بِهِ نَوْعَانِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ وَحَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهَا وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا وَهُوَ قَضَاءُ حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ صَلَاةٍ هِيَ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ صَلَاةٍ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا. اهـ. وَالْمُنَاسَبَةُ الْخَاصَّةُ بِالْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْخَوْفَ قَدْ يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ حَتَّى قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: إنَّ مَنْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَالدَّمُ يَسِيلُ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتِيلٍ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مَاتَ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِهَذِهِ الصَّلَاةِ كَغَيْرِهَا صِفَةٌ وَسَبَبٌ وَشَرْطٌ وَرُكْنٌ وَسُنَنٌ وَآدَابٌ. أَمَّا صِفَتُهَا فَفَرْضُ كِفَايَةٍ وَسَبَبُهَا الْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ فَإِنَّهَا وَجَبَتْ قَضَاءً لِحَقِّهِ وَرُكْنُهَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَأَمَّا شَرْطُهَا فِيمَا هُوَ شَرْطُ الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ وَتَزِيدُ هَذِهِ بِأُمُورٍ تُذْكَرُ هُنَا، وَسُنَّتُهَا كَوْنُهُ مُكَفَّنًا بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَوْ ثِيَابُهُ فِي الشَّهِيدِ وَكَوْنُ هَذَا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ تَسَاهُلٌ وَآدَابُهَا كَغَيْرِهَا وَالْجِنَازَةُ بِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ وَبِالْكَسْرِ السَّرِيرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وُلِّيَ الْمُحْتَضَرُ الْقِبْلَةَ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ وَتَوْجِيهُ الْمُحْتَضَرِ إلَى الْقِبْلَةِ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ وَكَرِهَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوَجَّهْ إلَى الْقِبْلَةِ، وَأَنْكَرَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَقَالَ أَلَسْت مُسْلِمًا وَلِلْجُمْهُورِ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ وَشَيْخُهُ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ إلَخْ. اهـ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَطْلُبَ الدُّعَاءَ مِنْ الْمَرِيضِ لِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دَخَلْتَ عَلَى الْمَرِيضِ فَمُرْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَك فَإِنَّ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا يَمْتَنِعُ حُضُورُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلْبُخَارِيِّ وَيُخْرَجُ مِنْ عِنْدِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْجُنُبُ. اهـ. (قَوْلُهُ: «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابَ» إلَخْ) «ثُمَّ ذَهَبَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَأَدْخِلْهُ جَنَّتَكَ، وَقَدْ فَعَلْتَ» قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَلَا أَعْلَمُ فِي تَوْجِيهِ الْقِبْلَةِ غَيْرَهُ. اهـ أَبُو الْبَقَاءِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَادُ فِي زَمَانِنَا إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ السُّنَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ مَنْ قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ إلَخْ) هُوَ مِثْلُ لَفْظِ الْقَتِيلِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ». اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا) قَالَ الْكَمَالُ، وَإِذَا ظَهَرَ مِنْهُ كَلِمَاتٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ وَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ وَلِذَا اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنْ يَذْهَبَ عَقْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِهَذَا الْخَوْفِ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارُوا قِيَامَهُ فِي حَالِ الْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُلَقَّنُ لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَا إلَخْ) وَنُسِبَ إلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَخِلَافُهُ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ قَاضِي خَانْ: إنْ كَانَ التَّلْقِينُ لَا يَنْفَعُ لَا يَضُرُّ أَيْضًا فَيَجُوزُ. اهـ. قَالَ فِي الْحَقَائِقِ قَالَ صَاحِبُ الْغِيَاثِ سَمِعْت أُسْتَاذِي قَاضِي خَانْ يَحْكِي عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ أَنَّهُ لَقَّنَ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَ دَفْنِهِ، وَأَوْصَانِي بِتَلْقِينِهِ فَلَقَّنْتُهُ بَعْدَ مَا دُفِنَ ثُمَّ نَقَلَ صَاحِبُ الْحَقَائِقِ مَا نَقَلَهُ أَوَّلًا عَنْ قَاضِي خَانْ. وَعِبَارَتُهُ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ الشَّافِعِيِّ وَيَحْسُنُ التَّلْقِينُ وَالتَّسْمِيعُ، قَالَ فِي الْحَقَائِقِ ذَكَرَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الصَّفَّارُ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّ تَلْقِينَ الْمَيِّتِ مَشْرُوعٌ لِأَنَّهُ تُعَادُ إلَيْهِ رُوحُهُ، وَعَقْلُهُ وَيَفْهَمُ مَا يُلَقَّنُ قُلْت وَلَفْظُ التَّسْمِيعِ يُخَرَّجُ عَلَى هَذَا وَصُورَتُهُ أَنَّهُ يَقُولُ يَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ اُذْكُرْ دِينَكَ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا، وَعَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةُ لَا يُفِيدُ التَّلْقِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ عِنْدَهُمْ مُسْتَحِيلٌ. اهـ مَا قَالَهُ فِي الْحَقَائِقِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ فَإِنْ مَاتَ شُدَّ لَحْيَاهُ إلَخْ) بِفَتْحِ اللَّامِ تَثْنِيَةُ لَحْيٍ، وَهُوَ مَنْبَتُ اللِّحْيَةِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَغُمِّضَ عَيْنَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَمُدَّتْ أَطْرَافُهُ. اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ وَيُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ سَيْفٌ أَوْ مُدْيَةٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْحَدِيدِ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ

التَّوَارُثُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَحْسِينَهُ إذْ لَوْ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ لَبَقِيَ فَظِيعَ الْمَنْظَرِ، وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ دُخُولِ الْهَوَامِّ فِي جَوْفِهِ وَالْمَاءِ عِنْدَ غُسْلِهِ وَيَقُولُ مُغَمِّضُهُ بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ مُجَمَّرٍ وِتْرًا) لِئَلَّا تُغَيِّرَهُ نَدَاوَةُ الْأَرْضِ وَلِيَنْضُبَ عَنْهُ الْمَاءُ عِنْدَ غُسْلِهِ، وَفِي التَّجْمِيرِ تَعْظِيمُهُ، وَإِزَالَةُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَإِنَّمَا يُوتَرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ»، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يُدَارَ بِالْمِجْمَرَةِ حَوْلَ السَّرِيرِ مَرَّةً أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا قَوْلُهُ وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ مُجَمَّرٍ يُشِيرُ إلَى أَنَّ السَّرِيرَ يُجَمَّرُ قَبْلَ وَضْعِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يُوضَعُ عَلَيْهِ كَمَا مَاتَ، وَلَا يُؤَخَّرُ إلَى وَقْتِ الْغُسْلِ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يُفْعَلُ هَذَا عِنْدَ إرَادَةِ غُسْلِهِ إخْفَاءً لِلرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: إذَا أَرَادُوا غُسْلَهُ وَضَعُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ حَدِيدَةٌ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَتُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ حَتَّى يُغَسَّلَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَسَتْرُ عَوْرَتِهِ)؛ لِأَنَّ سَتْرَهَا وَاجِبٌ، وَالنَّظَرُ إلَيْهَا حَرَامٌ كَعَوْرَةِ الْحَيِّ، وَيُسْتَرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَطْنُهُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَلَا يُجْعَلُ عَلَى بَطْنِهِ مُصْحَفٌ، وَأَسْرَعُوا فِي جِهَازِهِ، وَإِعْلَامِ جِيرَانِهِ، وَأَصْدِقَائِهِ حَتَّى يُؤَدُّوا حَقَّهُ بِالصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ النِّدَاءُ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْمَحَلَّاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قَالَ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعْلَامَ النَّاسِ فَيُؤَدُّونَ حَقَّهُ، وَفِيهِ تَكْثِيرٌ لِلْمُصَلِّينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ لَهُ. اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ. (قَوْلُهُ: وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ إلَخْ) قِيلَ طُولًا إلَى الْقِبْلَةِ، وَقِيلَ عَرْضًا قَالَ السَّرَخْسِيُّ: الْأَصَحُّ كَيْفَ تَيَسَّرَ قَوْلُهُ: طُولًا إلَى الْقِبْلَةِ أَيْ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ كَالْمُحْتَضَرِ قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَبَعْضُ أَئِمَّةِ خُرَاسَانَ. اهـ. وَقَوْلُهُ وَقِيلَ عَرْضًا أَيْ كَمَا يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَيْفِيَّةَ وَضْعِ التَّخْتِ أَنَّهُ يُوضَعُ إلَى الْقِبْلَةِ طُولًا أَوْ عَرْضًا فَمِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ اخْتَارَ الْوَضْعَ طُولًا كَمَا يُفْعَلُ بِهِ فِي مَرَضِهِ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ بِالْإِيمَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ الْوَضْعَ كَمَا يُوضَعُ فِي قَبْرِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوضَعُ كَمَا تَيَسَّرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ. اهـ. وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَسِّلَ أَحَدًا مِنْ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتَهُ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِهَا انْقَطَعَتْ الزَّوْجِيَّةُ وَلِهَذَا حَلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا، وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا مِنْ سَاعَتِهِ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَهَا فَلَوْ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ فِي سَفَرٍ بَيْنَ الرِّجَالِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ عُلِّمَتْ الْغُسْلَ وَيُخَلُّونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا فَتُغَسِّلُهَا وَتُكَفِّنُهَا، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ عُلِّمَ الْغُسْلَ وَالتَّكْفِينَ وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَإِلَّا فَلَا تُغَسَّلُ بَلْ تُيَمَّمُ فَإِنْ كَانَ الْمُيَمِّمُ لَهَا مَحْرَمًا يَمَّمَهَا بِغَيْرِ خِرْقَةٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْرَمٍ فَبِخِرْقَةٍ عَلَى كَفَّيْهِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِهَا وَيُعْرِضُ عَنْ ذِرَاعَيْهَا ثُمَّ تُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهَا، وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسْوَةٍ فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ امْرَأَتُهُ فَإِنَّهَا تُغَسِّلُهُ وَتُكَفِّنُهُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ النِّسَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ امْرَأَتُهُ نُظِرَ إنْ كَانَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ كَافِرٌ عُلِّمَ غُسْلَهُ وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَيُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ ثُمَّ النِّسَاءُ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ صَبِيَّةٌ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ عُلِّمَتْ وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَتُغَسِّلُهُ وَتُكَفِّنُهُ وَتُصَلِّي عَلَيْهِ النِّسَاءُ الْبَالِغَاتُ وَيَدْفِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَبِيَّةٌ فَإِنَّهُنَّ يُيَمِّمْنَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْمُيَمِّمَةُ مَحْرَمًا لَهُ تُيَمِّمُهُ بِغَيْرِ خِرْقَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَحْرَمَةٍ فَإِنَّهَا تُيَمِّمُهُ بِخِرْقَةٍ وَيُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَيَدْفِنَّهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْ الْمَيِّتَةُ لَمْ يَبْلُغَا حَدَّ الشَّهْوَةِ فَإِنَّهُمَا يُغَسَّلَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ غَسَّلَهُمَا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ. اهـ. طَحَاوِيٌّ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خُنْثَى مُشْكِلًا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ صَغِيرًا غُسِّلَ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ الْغَاسِلُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، وَإِنْ كَانَ بَلَغَ حَدَّ الشَّهْوَةِ لَا يُغَسَّلُ لِلتَّعَذُّرِ بَلْ يُيَمَّمُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُيَمِّمُ ذَا رَحِمٍ مِنْهُ يَمَّمَهُ بِغَيْرِ خِرْقَةٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَبِخِرْقَةٍ وَيُعْرِضُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ اهـ. وَالسُّنَّةُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ أَنْ يُغَسِّلَ الرَّجُلَ رَجُلٌ وَالْمَرْأَةَ امْرَأَة، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَ أَحَدًا مِنْ الرِّجَالِ إلَّا زَوْجَهَا الَّذِي مَاتَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا مَاتَ غَسَّلَتْهُ أَسْمَاءُ زَوْجَتُهُ فَلَوْ كَانَ طَلَّقَهَا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَلَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الزَّوْجِيَّةَ، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا لَا تُغَسِّلُهُ، وَلَوْ مَاتَ، وَهِيَ زَوْجَتُهُ ثُمَّ فَعَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فِعْلًا لَوْ فَعَلَتْهُ حَالَ حَيَاتِهِ بَانَتْ بِهِ وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ كَالرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ بِشَهْوَةٍ بَطَلَ حَقُّهَا فِي الْغُسْلِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ وَطِئَ أُخْتَ امْرَأَتِهِ بِشُبْهَةٍ فَمَا دَامَتْ هَذِهِ تَعْتَدُّ لَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِامْرَأَتِهِ فَإِنْ مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَلَيْسَ لِزَوْجَتِهِ أَنْ تُغَسِّلَهُ لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ تَرِثُ مِنْهُ وَتَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَلَوْ انْقَضَتْ عِدَّةُ أُخْتِهَا بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحُرْمَةِ قَدْ زَالَ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَزَوْجَتُهُ مَجُوسِيَّةٌ فَمَاتَ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا لَا تُغَسِّلُهُ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ فَلَوْ أَسْلَمَتْ كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ، وَقَالَ زُفَرُ: كَانَ لَهَا الْغُسْلُ عِنْدَ وَفَاةِ الزَّوْجِ لَا يَبْطُلُ حَقُّهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِرِدَّةٍ أَوْ لَمْسٍ لِأَبِي الزَّوْجِ أَوْ ابْنِهِ بِشَهْوَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا غُسْلٌ عِنْدَ مَوْتِهِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ زَالَ سَبَبُ الْحُرْمَةِ. اهـ طَحَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُدَارَ بِالْمِجْمَرَةِ) وَالْمِجْمَرَة بِكَسْرِ الْأَوَّلِ هِيَ الْمِبْخَرَةُ وَالْمِدْخَنَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْمِجْمَرُ بِحَذْفِ الْهَاءِ مَا يُبَخَّرُ بِهِ مِنْ عُودٍ وَغَيْرِهِ، وَهِيَ لُغَةٌ أَيْضًا فِي الْمِجْمَرَةِ. اهـ مِصْبَاحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا) قَالَ الْكَمَالُ أَوْ سَبْعًا. اهـ. وَكَذَا فِي الْكَافِي لِلنَّسَفِيِّ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِئَلَّا تُغَيِّرَهُ نَدَاوَةُ الْأَرْضِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ حَتَّى يُغَسَّلَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلشَّيْخِ أَبِي الْبَقَاءِ ثُمَّ غُسْلُ الْمَيِّتِ لِمَاذَا وَجَبَ؟. فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: سَبَبُ وُجُوبِهِ الْحَدَثُ فَإِنَّ الْمَوْتَ سَبَبٌ لِاسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ فَوَجَبَ غَسْلُهُ كُلِّهِ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ حَالَ الْحَيَاةِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ لِتَكَرُّرِ سَبَبِهِ وَغَلَبَةِ وُجُودِ الْحَدَثِ فِي كُلِّ وَقْتٍ حَتَّى إنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ لَمَّا لَمْ يَكْثُرْ وُجُودُهُ كَالْحَدَثِ لَمْ يَكْتَفِ فِيهِ إلَّا بِغَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَلَا حَرَجَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَوَجَبَ غَسْلُ الْكُلِّ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنَّ الْآدَمِيَّ بِالْمَوْتِ لَا يُنَجَّسُ بِتَشَرُّبِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ فِي أَجْزَائِهِ كَرَامَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ لَمَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي حُكِمَ بِنَجَاسَتِهَا

يُشَدُّ الْإِزَارُ عَلَيْهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ «لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ، وَلَا مَيِّتٍ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَجُرِّدَ) لِيُمْكِنَهُمْ التَّنْظِيفُ قَالُوا يُجَرَّدُ كَمَا مَاتَ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ تَحْمِي فَيُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُغَسَّلُ فِي قَمِيصٍ وَاسِعِ الْكُمَّيْنِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غُسِّلَ فِي قَمِيصِهِ قُلْنَا ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا نُجَرِّدُهُ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَمْ نُغَسِّلُهُ فِي ثِيَابِهِ فَسَمِعُوا هَاتِفًا يَقُولُ لَا تُجَرِّدُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي رِوَايَةٍ غَسِّلُوهُ فِي قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ تَجْرِيدُ مَوْتَاهُمْ كَافَّةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَيُنَجِّسُ الْمَيِّتَ وَيَشِيعُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ إلَّا بَلَلٌ طَيِّبٌ، وَكَانَ طَيِّبًا حَيًّا، وَمَيِّتًا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَوُضِّئَ بِلَا مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ)؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةُ الِاغْتِسَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْمَاءِ مِنْهُ فَيُتْرَكَانِ وَيُخَالِفُ الْجُنُبَ فِيهِمَا، وَفِي غَسْلِ الْيَدِ فَإِنَّ الْجُنُبَ يَبْدَأُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ، وَالْمَيِّتُ يُبْدَأُ بِغَسْلِ وَجْهِهِ؛ لِأَنَّ الْجُنُبَ هُوَ الْغَاسِلُ لِنَفْسِهِ فَيَبْدَأُ بِتَنْظِيفِ الْيَدِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَيِّتُ، وَلَا يُؤَخَّرُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ كَالْجُنُبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَسْحِ رَأْسِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُمْسَحُ كَمَا أَنَّ الْجُنُبَ يَمْسَحُ فِي الصَّحِيحِ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الصَّلَاةَ لَا يُوَضَّأُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ مَغْلِيٌّ بِسِدْرٍ أَوْ حُرْضٍ)؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ، وَقَدْ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُغَسَّلَ ابْنَتُهُ وَالْمُحْرِمُ الَّذِي وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِلَّا فَالْقَرَاحِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ سِدْرٌ، وَلَا حُرْضٌ فَلْيُصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْقَرَاحُ، وَهُوَ الْمَاءُ الْخَالِصُ الْمَغْلِيُّ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَوْتِ، الْآدَمِيُّ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَيِّتَ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ قَبْلَ الْغُسْلِ تَنَجَّسَ الْبِئْرُ وَلَوْ وَقَعَ بَعْدَ الْغُسْلِ لَمْ يُنَجَّسْ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُنَجَّسْ بِالْمَوْتِ وَلَكِنْ وَجَبَ غُسْلُهُ لِلْحَدَثِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَخْلُو عَنْ سَابِقَةِ الْحَدَثِ، وَعَامَّةُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: إنَّ بِالْمَوْتِ يُنَجَّسُ الْآدَمِيُّ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ كَمَا تُنَجَّسُ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَهَا دَمٌ سَائِلٌ بِالْمَوْتِ وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ كَالشَّاةِ يُوجِبُ تَنَجُّسَهُ وَيَجِبُ نَزْحُ مَا فِي الْبِئْرِ كُلِّهِ وَكَذَا لَوْ حَمَلَ مَيِّتًا قَبْلَ الْغُسْلِ وَصَلَّى مَعَهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ قَبْلَ غُسْلِهِ يُكْرَهُ وَبَعْدَهُ لَا يُكْرَهُ، وَلَوْ كَانَ الْغُسْلُ لِأَجْلِ الْحَدَثِ يَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ حَمَلَ مُحْدِثًا، وَلَا يُكْرَهُ قِرَاءَتُهُ كَمَا لَوْ قَرَأَهَا الْمُحْدِثُ، وَكَذَا لَا يَمْسَحُ رَأْسَ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ لِلْحَدَثِ يَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّ الْمَسْحُ كَمَا فِي الْجُنُبِ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِثُبُوتِ النَّجَاسَةِ بَعْدَ ثُبُوتِ عِلَّتِهَا، وَهِيَ احْتِبَاسُ الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ، وَقَوْلٌ بِزَوَالِ النَّجَاسَةِ بِالْغُسْلِ؛ لِأَنَّ لِلْغُسْلِ أَثَرًا فِي إزَالَتِهَا كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي إزَالَتِهِ نَجَاسَةَ الْمَوْتِ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَكَانَ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ فِي الثُّبُوتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَفِي الزَّوَالِ بِالْغُسْلِ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ فِيهِ عَمَلٌ بِالدَّلِيلَيْنِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ مَنْعُ ثُبُوتِ النَّجَاسَةِ مَعَ قِيَامِ عِلَّتِهَا وَلَمْ نَجِدْ نَجَاسَةً لَا تَعْمَلُ فِي التَّنْجِيسِ فِي الْآدَمِيِّ فِي حَالَةِ كَرَامَةٍ لَهُ فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يُسَجَّى بِثَوْبٍ وَيَقْرَأُ عِنْدَهُ الْقُرْآنُ إلَى أَنْ يُرْفَعَ. اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَيِّتِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ تَنَجُّسِهِ بِالْمَوْتِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ كَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي حَالَ الْمُطَالَعَةِ مِنْ التَّوْفِيقِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. قَوْلُهُ: لِمَاذَا وَجَبَ؟. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ يَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ وَكَذَا الْوَاجِبُ هُوَ الْغُسْلُ مَرَّةً وَالتَّكْرَارُ سُنَّةٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ حَتَّى لَوْ اكْتَفَى بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ غَمَسَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي مَاءٍ جَارٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ إنْ وَجَبَ لِإِزَالَةِ الْحَدَثِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَإِنْ وَجَبَ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمُنْتَشِرَةِ فِيهِ كَرَامَةً لَهُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعَامَّةُ فَالْحُكْمُ بِالزَّوَالِ بِالْغُسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَقْرَبُ إلَى مُعْتَبَرِ الْكَرَامَةِ، وَإِنْ أَصَابَهُ الْمَطَرُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِعْلُ الْغُسْلِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ غَرِقَ فِي الْمَاءِ فَأُخْرِجَ إنْ كَانَ الْمُخْرِجُ حَوَّلَهُ كَمَا يُحَوَّلُ الشَّيْءُ فِي الْمَاءِ لِقَصْدِ التَّطْهِيرِ وَسَقَطَ التَّطْهِيرُ، وَإِلَّا فَلَا لِمَا قُلْنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُكْتَفَى بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ هُوَ الصَّحِيحُ تَيْسِيرًا قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّهُ يُسْتَرُ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ وَصَحَّحَهَا فِي النِّهَايَةِ بِحَدِيثِ عَلِيِّ الْمَذْكُورِ آنِفًا. اهـ. وَمَا صَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ أَبِي نَصْرٍ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَمَا اخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. اهـ (قَوْلُهُ: وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ «لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ، وَلَا مَيِّتٍ») هَكَذَا فِي نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ «وَلَا تَنْظُرْ» بِالْوَاوِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا تُبْرِزْ فَخِذَك وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ، وَلَا مَيِّتٍ». اهـ. وَمُرَادُهُ بِصَاحِبِ السُّنَنِ أَبُو دَاوُد. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةُ الِاغْتِسَالِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غُسْلُ الْمَيِّتِ فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ إذَا لَمْ يَكُنْ خُنْثَى مُشْكِلًا فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قِيلَ يُيَمَّمُ، وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. اهـ. وَفِي التَّتِمَّةِ الْخُنْثَى كَيْفَ يُغَسَّلُ قِيلَ يُجْعَلُ فِي كُوَّارَةٍ فَيُغَسَّلُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ يُيَمَّمُ، وَلَا يُغَسَّلُ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ أَوْ كَانَ مُرَاهِقًا. اهـ. وَفِي الدِّرَايَةِ، وَلَوْ مَاتَ الْخُنْثَى يُيَمَّمُ وَرَاءَ الثَّوْبِ، وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَحْرَمٌ وَيَكُونُ مَوْضِعُ غُسْلِهِ مُظْلِمًا، وَقِيلَ يُجْعَلُ فِي كُوَّارَةٍ فَيُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُيَمَّمُ. اهـ. قَوْلُهُ: غُسْلُ الْمَيِّتِ فَرْضٌ أَيْ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ كَالدَّفْنِ وَالصَّلَاةِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُجْتَبَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ مَغْلِيٌّ) مِنْ الْإِغْلَاءِ لَا مِنْ الْغَلْيِ وَالْغَلَيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ حُرُضٌ) هُوَ أَشْنَانٌ غَيْرُ مَطْحُونٍ. اهـ فَتْحٌ

الْمَقْصُودَ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ تَحْصُلُ بِهِ وَالسَّخِينُ أَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَغُسِلَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْخِطْمِيِّ)؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْوَسَخِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِالصَّابُونِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُ هَذَا إذَا كَانَ فِي رَأْسِهِ شَعْرٌ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُضْجِعَ عَلَى يَسَارِهِ فَيُغْسَلُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي التَّحْتَ مِنْهُ ثُمَّ عَلَى يَمِينِهِ كَذَلِكَ)؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ يُبْدَأُ أَوَّلًا بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ ثُمَّ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ ثُمَّ بِالْمَاءِ وَشَيْءٍ مِنْ الْكَافُورِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ثُمَّ أُجْلِسَ مُسْنَدًا إلَيْهِ، وَمُسِحَ بَطْنُهُ رَفِيقًا) لِيَسِيلَ مَا بَقِيَ فِي الْمَخْرَجِ، وَلَا تَبْتَلُّ أَكْفَانُهُ فِي الْآخِرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَا خَرَجَ مِنْهُ غَسَلَهُ) تَنْظِيفًا لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي إنْجَائِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُنْجِيهِ مِثْلَ مَا كَانَ يَسْتَنْجِي فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَلَا يَمَسَّ عَوْرَتَهُ؛ لِأَنَّ مَسَّ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ، وَلَكِنْ يَلُفُّ خِرْقَةً عَلَى يَدِهِ فَيَغْسِلُ حَتَّى يَطْهُرَ الْمَوْضِعُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُنَجَّى؛ لِأَنَّ الْمُسْكَةَ قَدْ زَالَتْ فَلَوْ نُجِّيَ رُبَّمَا يَزْدَادُ الِاسْتِرْخَاءُ فَتَخْرُجُ نَجَاسَةٌ أُخْرَى فَيُكْتَفَى بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ لَا يَخْلُو عَنْ النَّجَاسَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهَا اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (، وَلَمْ يُعَدْ غُسْلُهُ)؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ نَصًّا، وَقَدْ حَصَلَ، وَلَا وُضُوءُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعَادُ وُضُوءُهُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ، وَلَنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ حَدَثًا فَالْمَوْتُ فَوْقَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِكَوْنِهِ يَنْفِي التَّمْيِيزَ فَوْقَ الْإِغْمَاءِ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ مَعَ بَقَاءِ الْمَوْتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنُشِّفَ بِثَوْبٍ) كَيْ لَا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَجُعِلَ الْحَنُوطُ)، وَهُوَ الطِّيبُ (عَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَ بِذَلِكَ وَاسْتَعْمَلَهُ أَنَسٌ وَابْنُ عُمَرَ، وَلَا بَأْسَ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الطِّيبِ غَيْرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْكَافُورُ عَلَى مَسَاجِدِهِ) يَعْنِي جَبْهَتَهُ، وَأَنْفَهُ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ، وَقَدَمَيْهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُجْعَلَ الْقُطْنُ عَلَى وَجْهِهِ، وَأَنْ تُحْشَى بِهِ مَخَارِقُهُ كَالدُّبُرِ وَالْقُبُلِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْفَمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (، وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُهُ وَلِحْيَتُهُ، وَلَا يُقَصُّ ظُفُرُهُ وَشَعْرُهُ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِلزِّينَةِ، وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهَا، وَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ذَلِكَ فَقَالَتْ عَلَامَ تَنُصُّونَ مَيِّتَكُمْ، وَقَوْلُهُ وَلِحْيَتُهُ تَكْرَارٌ مَحْضٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُسَرَّحُ شَعْرُهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ شَعْرِ جَسَدِهِ أَوْ يُقَالُ حَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ تَقْدِيرُهُ: وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُ رَأْسِهِ، وَلَا شَعْرُ لِحْيَتِهِ فَعَلَى هَذَا يُفِيدُ فَائِدَةً جَدِيدَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكَفَنُهُ سُنَّةً) أَيْ كَفَنُ الرَّجُلِ لِلسُّنَّةِ (إزَارٌ، وَقَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ) فَالْقَمِيصُ مِنْ الْمَنْكِبَيْنِ إلَى الْقَدَمَيْنِ، وَهُوَ بِلَا دَخَارِيصَ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي قَمِيصِ الْحَيِّ لِيَتَّسِعَ أَسْفَلُهُ لِلْمَشْيِ وَلَا جَيْبٍ، وَلَا كُمَّيْنِ، وَلَا تُكَفُّ أَطْرَافُهُ، وَلَوْ كُفِّنَ فِي قَمِيصِهِ قُطِعَ جَيْبُهُ وَكُمَّيْهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللِّفَافَةِ وَالْإِزَارِ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا عِمَامَةٌ، وَلَا قَمِيصٌ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ لِيُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ فَكُفِّنَ فِيهِ»، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي قَمِيصِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَحُلَّةٍ نَجْرَانِيَّةٍ، وَالْحُلَّةُ ثَوْبَانِ وَالْعَمَلُ بِمَا رَوَيْنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا رَوَاهُ فِعْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَلَا يُعَارِضُ فِعْلَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ أَنَّ مَا رَوَاهُ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ وَالْحَالُ أَكْشَفُ عَلَى الرِّجَالِ لِحُضُورِهِمْ دُونَ النِّسَاءِ لِبُعْدِهِنَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكِفَايَةً) أَيْ، وَكَفَنُهُ كِفَايَةً (إزَارٌ وَلِفَافَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ»؛ وَلِأَنَّهُ أَدْنَى مَا يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ حَالَ حَيَاتِهِ عَادَةً فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَقِيلَ قَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ. وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَرُورَةٌ مَا يُوجَدُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ، وَهُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى دُونِ مَا ذَكَرْنَا كَمَا رُوِيَ «أَنَّ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا نَمِرَةٌ فَكَانَتْ إذَا وُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ تَبْدُو رِجْلَاهُ، وَإِذَا وُضِعَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ أَنْ يُغَطَّى رَأْسُهُ وَيُجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْإِذْخِرِ»، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ بِالْخِطْمِيِّ) هُوَ مُشَدَّدُ الْيَاءِ غِسْلٌ مَعْرُوفٌ وَكَسْرُ الْخَاءِ أَكْثَرُ مِنْ الْفَتْحِ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ فَيُغَسَّلُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي التَّحْتَ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ، وَلَا يُكَبُّ الْمَيِّتُ عَلَى وَجْهِهِ لِيُغْسَلَ ظَهْرُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: مُسْنَدًا) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْغَاسِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَبِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يُوجِبْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَعَلَّ مُحَمَّدًا رَجَعَ، وَعَرَفَ رُجُوعَ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْحَنُوطُ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ عِطْرٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: عَلَى مَسَاجِدِهِ) جَمْعُ مَسْجَدٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَوْضِعُ السُّجُودِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَلَا يُسَرَّحُ إلَخْ) أَيْ، وَلَا يُخْتَنُ فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. كُنُوزٌ (قَوْلُهُ: وَلِحْيَتُهُ تَكْرَارٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ قُلْت لَوْ لَمْ يَذْكُرْ لِحْيَتَهُ رُبَّمَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ لِحْيَتَهُ تُسَرَّحُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ لَا يُسَرَّحُ شَعْرُهُ لَا يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلَى لِحْيَتِهِ لِكَوْنِهَا مَخْصُوصَةً بِاسْمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ إلَخْ) التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خِيَارِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِفَافَةٌ) فَالسَّاقِطُ الْقَمِيصُ وَالضَّابِطُ الْقَافُ مَعَ الْقَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا نَمِرَةٌ) النَّمِرَةُ كِسَاءٌ فِيهِ خُطُوطٌ سُودٌ وَبِيضٌ. اهـ. مُغْرِبٌ

[فصل السلطان أحق بصلاة الجنازة]

وَحْدَهَا لَا يَكْفِي خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلُفَّ مِنْ يَسَارِهِ ثُمَّ مِنْ يَمِينِهِ) أَيْ لُفَّ الْكَفَنُ مِنْ يَسَارِ الْمَيِّتِ ثُمَّ يَمِينِهِ، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ تُبْسَطَ اللِّفَافَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الْإِزَارُ فَوْقَهَا ثُمَّ يُوضَعُ الْمَيِّتُ عَلَيْهِ مُقَمَّصًا ثُمَّ يُعْطَفُ عَلَيْهِ الْإِزَارُ وَحْدَهُ مِنْ قِبَلِ الْيَسَارِ ثُمَّ مِنْ قِبَلِ الْيَمِينِ ثُمَّ اللِّفَافَةُ كَذَلِكَ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَعُقِدَ) أَيْ الْكَفَنُ (إنْ خِيفَ انْتِشَارُهُ) صِيَانَةً عَنْ الْكَشْفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفَنُهَا) أَيْ كَفَنُ الْمَرْأَةِ (سُنَّةً دِرْعٌ وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ وَلِفَافَةٌ وَخِرْقَةٌ تُرْبَطُ بِهَا ثَدْيَاهَا) لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى اللَّوَاتِي غَسَلْنَ ابْنَتَهُ خَمْسَ أَثْوَابٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكِفَايَةً) أَيْ كَفَنُهَا كِفَايَةً إزَارٌ وَلِفَافَةٌ (وَخِمَارٌ)؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مَا تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ حَالَ حَيَاتِهَا وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهَا، وَمَا دُونَ ذَلِكَ كَفَنُ الضَّرُورَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتُلْبَسُ الدِّرْعَ أَوَّلًا ثُمَّ يُجْعَلُ شَعْرُهَا ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا فَوْقَ الدِّرْعِ ثُمَّ الْخِمَارُ فَوْقَهُ تَحْتَ اللِّفَافَةِ) ثُمَّ يُعْطَفُ الْإِزَارُ ثُمَّ اللِّفَافَةُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ ثُمَّ الْخِرْقَةُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ، وَعَرْضُهَا مَا بَيْنَ الثَّدْيِ إلَى السُّرَّةِ، وَقِيلَ مَا بَيْنَ الثَّدْيِ إلَى الرُّكْبَةِ لِئَلَّا يَنْتَشِرَ الْكَفَنُ بِالْفَخِذَيْنِ وَقْتَ الْمَشْيِ، وَمَا دُونَ الثَّالِثَةِ كَفَنُ الضَّرُورَةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْأَكْفَانِ الْبِيضُ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ الْمُزَعْفَرُ وَالْمُعَصْفَرُ وَالْإِبْرَيْسَمُ، وَلَا يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ. وَالصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ فِي التَّكْفِينِ كَالْبَالِغِ وَالْمُرَاهِقَةُ كَالْبَالِغَةِ، وَأَدْنَى مَا يُكَفَّنُ بِهِ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَالصَّبِيَّةُ ثَوْبَانِ وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي الْكَفَنِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي مِقْدَارِهِ وَصِفَتِهِ، وَمَنْ عَلَيْهِ الْكَفَنُ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَنْ عَلَيْهِ الْكَفَنُ، وَهُوَ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِرْثِ إلَى قَدْرِ السَّنَةِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ مَالِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَالرَّهْنِ وَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إلَّا الزَّوْجَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِ الْوُصْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُجَمَّرُ الْأَكْفَانُ أَوَّلًا وِتْرًا) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُدْرَجَ فِيهَا الْمَيِّتُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ فَأَجْمِرُوا وِتْرًا»، وَلَا يُزَادُ عَلَى خَمْسٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَجَمِيعُ مَا يُجَمَّرُ فِيهِ الْمَيِّتُ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ لِإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَعِنْدَ غُسْلِهِ، وَعِنْدَ تَكْفِينِهِ، وَلَا يُجَمَّرُ خَلْفَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُتْبَعُ الْجِنَازَةُ بِصَوْتٍ وَلَا نَارٍ»، وَكَذَا يُكْرَهُ فِي الْقَبْرِ (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (السُّلْطَانُ أَحَقُّ بِصَلَاتِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ الْخَلِيفَةُ أَوْلَى إنْ حَضَرَ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَإِمَامُ الْمِصْرِ، وَهُوَ سُلْطَانُهَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخَلِيفَةِ وَبَعْدَهُ الْقَاضِي وَبَعْدَهُ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ وَبَعْدَهُ خَلِيفَةُ الْوَالِي وَبَعْدَهُ خَلِيفَةُ الْقَاضِي وَبَعْدَ هَؤُلَاءِ إمَامُ الْحَيِّ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا فَالْأَقْرَبُ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ إمَامَ الْحَيِّ أَوْلَى بِهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَلِيُّ الْمَيِّتِ أَوْلَى بِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْوِلَايَةِ كَالْإِنْكَاحِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ لَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ قَدَّمَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ فَقَالَ لَوْلَا السُّنَّةُ لَمَا قَدَّمْتُكَ، وَكَانَ سَعِيدٌ وَالِيًا فِي الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي اللُّبَابِ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ اسْتِخْفَافًا بِهِ، وَتَعْظِيمُهُ وَاجِبٌ شَرْعًا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْضُرْ السُّلْطَانُ، وَلَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) أَيْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: دِرْعٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ أَيْ قَمِيصٌ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَدِرْعُ الْمَرْأَةِ مَا تَلْبَسُهُ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ، وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَيْ هُوَ مَا جَيْبُهُ إلَى الصَّدْرِ، وَالْقَمِيصُ مَا شِقُّهُ إلَى الْمَنْكِبِ، وَلَمْ أَجِدْهُ أَنَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ: وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ وَلِفَافَةٌ) هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَيُسْدَلُ شَعْرُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهَا، وَلَا يُجْعَلُ ضَفِيرَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ضَفْرَ الشَّعْرِ، وَإِسْدَالَهُ خَلْفَ الظَّهْرِ لِلزِّينَةِ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ حَالَةُ الْحَسْرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْإِبْرَيْسَمُ إلَخْ) وَجَازَ تَكْفِينُهَا فِي الْحَرِيرِ لَا تَكْفِينُهُ. اهـ. مُنْيَةٌ. [فَصْلٌ السُّلْطَانُ أَحَقُّ بِصَلَاةِ الْجِنَازَة] (قَوْلُهُ: فَصْلٌ: السُّلْطَانُ أَحَقُّ بِصَلَاتِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَوْتَى ثَابِتَةٌ بِمَفْهُومِ الْكِتَابِ وَبِالتَّوَارُثِ مِنْ الْعَهْدِ الْأَوَّلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] فَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِ يُشْعِرُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُوَافِقِ وَرُوِيَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ صَلَّتْ عَلَى آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقَالَتْ لِوَلَدِهِ هَذِهِ سُنَّةُ مَوْتَاكُمْ وَإِذَا ثَبَتَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إمَامٍ فَلِذَلِكَ قَالَ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ فَالصَّلَاةُ فِي الْأَصْلِ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْمَيِّتِ، وَأَوْلَاهُمْ بِهِ غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ وَالسُّلْطَانُ يُقَدَّمُ بِعَارِضِ الْإِمَامَةِ وَالسَّلْطَنَةِ فَلِذَلِكَ قَيَّدَ بِالشَّرْطِ فَقَالَ إنْ حَضَرَ فَإِنَّ فِي التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ ازْدِرَاءً بِهِ، وَفِيهِ فَسَادُ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ إنْ لَمْ يَحْضُرْ الْإِمَامُ أَوْ السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي فَيُسْتَحَبُّ تَقَدُّمُ إمَامِ الْحَيِّ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ، وَأَمَّا إمَامُ الْحَيِّ فَتَقْدِيمُهُ عَلَى طَرِيقِ الْأَفْضَلِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ كَتَقْدِيمِ السُّلْطَانِ. وَبَيَانُ أَنَّ الْحَقَّ إلَى الْأَوْلِيَاءِ مَا قَالَ فَإِنْ صَلَّى الْوَلِيُّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ، وَمَا قَالَ أَيْضًا فَإِنْ صَلَّى غَيْرُ الْوَلِيِّ بِدُونِ السُّلْطَانِ فِي نُسْخَةٍ أَعَادَ الْوَلِيُّ فَعُلِمَ بِهَذَيْنِ أَنَّ الْحَقَّ إلَى الْأَوْلِيَاءِ حَيْثُ قَالَ لَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ الْإِعَادَةُ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ السُّلْطَانُ بِعَارِضٍ وَلِهَذَا قَالَ إنْ حَضَرَ. اهـ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ حَضَرَ السُّلْطَانُ وَصَلَّى الْوَلِيُّ يُعِيدُ السُّلْطَانُ، وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ السُّلْطَانُ وَصَلَّى الْوَلِيُّ لَيْسَ لِأَحَدٍ الْإِعَادَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِيُّ الْمَيِّتِ أَوْلَى بِهَا إلَخْ)، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: كَالْإِنْكَاحِ إلَخْ) فَيَكُونُ الْوَلِيُّ مُقَدَّمًا عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَجْهُ الْأَوَّلِ) أَيْ، وَهُوَ أَنَّ السُّلْطَانَ وَمَنْ بَعْدَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَلِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْإِجْمَاعُ عَلَى الِافْتِرَاضِ وَكَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ كَافٍ، وَقِيلَ فِي مُسْنَدِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] وَالْحَمْلُ عَلَى الْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ أَوْلَى مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِحَمْلِهَا عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ. اهـ. قَوْلُهُ: فِي مُسْنَدِ الْأَوَّلِ أَيْ الْفَرْضِيَّةِ. اهـ.

[شرط الصلاة على الميت]

صَاحِبِكُمْ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ لَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِإِقَامَةِ الْبَعْضِ فَتَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَكَذَا تَكْفِينُهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَكَذَا غُسْلُهُ وَدَفْنُهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَشَرْطُهَا) أَيْ شَرْطُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (إسْلَامُ الْمَيِّتِ وَطَهَارَتُهُ) أَمَّا الْإِسْلَامُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ، وَهُمْ الْكَفَرَةُ؛ وَلِأَنَّهَا شَفَاعَةٌ لِلْمَيِّتِ إكْرَامًا لَهُ وَطَلَبًا لِلْمَغْفِرَةِ، وَالْكَافِرُ لَا تَنْفَعُهُ الشَّفَاعَةُ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْإِكْرَامَ، وَأَمَّا الطَّهَارَةُ فَلِأَنَّ الْمَيِّتَ لَهُ حُكْمُ الْإِمَامِ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ وَضْعُهُ أَمَامَ الْقَوْمِ حَتَّى لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لَوْ وَضَعُوهُ خَلْفَهُمْ وَالْإِمَامُ تُشْتَرَطُ طَهَارَتُهُ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ، وَلَهُ حُكْمُ الْمُؤْتَمِّ أَيْضًا بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْإِمَامِ مَا دَامَ الْغُسْلُ مُمْكِنًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ دُفِنَ قَبْلَ الْغُسْلِ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِالنَّبْشِ يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْمُؤْتَمِّ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى قَبْرِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ الْغُسْلِ ثُمَّ دُفِنَ تُعَادُ الصَّلَاةُ لِفَسَادِ الْأُولَى، وَقِيلَ تَنْقَلِبُ الْأُولَى صَحِيحَةً عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ فَلَا تُعَادُ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ثُمَّ الْقَاضِي إنْ حَضَرَ ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ)؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَرَضِيَ بِهِ فَكَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَلَيْسَ تَقْدِيمُهُ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ إمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْلَى مِنْ إمَامِ الْحَيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْوَلِيُّ)؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ، وَالْوِلَايَةُ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ إذَا حَضَرَ كَيْ لَا يَكُونَ ازْدِرَاءٌ بِهِ لَا؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ إلَيْهِ، وَتَرْتِيبُ الْأَوْلِيَاءِ فِيهَا كَتَرْتِيبِهِمْ فِي التَّعْصِيبِ وَالْإِنْكَاحِ لَكِنْ إذَا اجْتَمَعَ أَبُو الْمَيِّتِ وَابْنُهُ كَانَ الْأَبُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى الِابْنِ، وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَهُمَا الِابْنُ أَوْلَى بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْفَضِيلَةُ، وَالْأَبُ أَفْضَلُ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ الْأَسَنُّ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ بِغَيْرِهِ، وَالْمُكَاتَبُ أَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَى عَبِيدِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ، وَلَهُ وَلِيٌّ حُرٌّ فَالْمَوْلَى أَوْلَى عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، وَلَوْ تَرَكَ وَفَاءً فَأُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ كَانَ الْوَلِيُّ أَوْلَى، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ حَاضِرًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ التَّوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلِيٌّ فَالزَّوْجُ أَوْلَى ثُمَّ الْجِيرَانُ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ حَقُّهُ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ أَوْ يَأْذَنَ لِلنَّاسِ بِالِانْصِرَافِ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الدَّفْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا إلَّا بِإِذْنِهِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا بَأْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَكَذَا تَكْفِينُهُ) أَيْ وَكُلُّ مَا يُعْتَبَرُ شَرْطًا لِصِحَّةِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ مِنْ الطَّهَارَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْحُكْمِيَّةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالنِّيَّةُ تُعْتَبَرُ شَرْطًا لِصِحَّتِهَا. اهـ بَدَائِعُ. [شَرْط الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت] (قَوْلُهُ: وَطَهَارَتُهُ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. اهـ. وَسُئِلَ قَاضِي خَانْ عَنْ طَهَارَةِ مَكَانِ الْمَيِّتِ هَلْ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ قَالَ: إنْ كَانَ عَلَى الْجِنَازَةِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ جِنَازَةٍ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ مَكَانِ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَدٍّ، وَهَكَذَا أَجَابَ الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ وَسُئِلَ عَمَّنْ أَنْكَرَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ هَلْ يَكْفُرُ قَالَ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ. اهـ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا وَضْعُهُ أَمَامَ الْمُصَلِّي فَلِهَذَا الْقَيْدِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى غَائِبٍ، وَلَا حَاضِرٍ مَحْمُولٍ عَلَى دَابَّةٍ وَغَيْرِهَا، وَلَا مَوْضُوعٍ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُصَلِّي. اهـ. كَمَالٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ أَخْطَئُوا بِالرَّأْسِ وَوَضَعُوهُ فِي مَوْضِعِ الرِّجْلَيْنِ وَصَلَّوْا عَلَيْهَا جَازَتْ الصَّلَاةُ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا إنَّمَا الْحَاصِلُ تَغْيِيرُ صِفَةِ الْوَضْعِ، وَذَا لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ إلَّا أَنَّهُمْ إنْ تَعَمَّدُوا ذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءُوا لِتَغْيِيرِهِمْ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى قَبْرِهِ لِلضَّرُورَةِ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ بَعْدُ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ فَيُغَسَّلُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامُ الْحَيِّ حَاضِرًا فَالْوِلَايَةُ بَعْدُ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ عَصَبَاتِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَا وِلَايَةَ لِإِمَامِ الْحَيِّ إنَّمَا الْوِلَايَةُ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِأَقْرَبِ أَوْلِيَائِهِ أَنْ يُقَدِّمَ إمَامَ الْحَيِّ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُوَ أَحَقُّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ. اهـ. وَإِمَامُ الْحَيِّ إمَامُ مَسْجِدِ حَارَتِهِ. اهـ. ع قَالَ الْكَمَالُ: وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فُلَانٌ فَفِي الْعُيُونِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ جَائِزَةٌ وَيُؤْمَرُ فُلَانٌ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَهُ حَالَ حَيَاتِهِ) أَيْ وَلِهَذَا لَوْ عَيَّنَ الْمَيِّتُ أَحَدًا فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْقَرِيبِ لِرِضَاهُ بِهِ. اهـ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ) قَالَ الْكَمَالُ وَتَعْلِيلُ الْكِتَابِ يُرْشِدُ إلَيْهِ. اهـ. يَعْنِي بِالتَّعْلِيلِ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَرْتِيبُ الْأَوْلِيَاءِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنُهُ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَحَقُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْقَرِيبِ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ وَلَوْ مَاتَ وَلَهُ ابْنٌ، وَلَهُ أَبٌ فَالْوِلَايَةُ لِابْنِهِ، وَلَكِنَّهُ يُقَدِّمُ الْجَدَّ تَعْظِيمًا. وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ ابْنُهُ أَوْ عَبْدُهُ وَمَوْلَاهُ حَاضِرٌ فَالْوِلَايَةُ لَهُ لَكِنَّهُ يُقَدِّمُ مَوْلَاهُ احْتِرَامًا لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ إلَخْ) فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَبُو الْمَعْتُوهَةِ أَوْلَى بِإِنْكَاحِهَا مِنْ ابْنِهَا، وَعِنْدَهُمَا الِابْنُ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ بِغَيْرِهِ) كَمَا فِي أَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَسَنُّهُمْ أَوْلَى. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ قَدَّمَ الْأَسَنُّ أَجْنَبِيًّا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلِلصَّغِيرِ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الرُّتْبَةِ، وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا الْأَسَنَّ بِالسُّنَّةِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ «لِيَتَكَلَّمْ أَكْبَرُكُمَا»، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْحَقَّ لِلِابْنِ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُقَدِّمَ هُوَ أَبَاهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: سَائِرُ الْقَرَابَاتِ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا ابْنٌ فَإِنْ كَانَ فَالزَّوْجُ أَوْلَى مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلِابْنِ، وَهُوَ يُقَدِّمُ أَبَاهُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا شَقِيقًا وَالْآخَرُ لِأَبٍ جَازَ تَقْدِيمُ الشَّقِيقِ الْأَجْنَبِيَّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ إلَخْ) أَيْ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ، وَإِذَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ فَصَلَّى لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الْإِعَادَةُ. اهـ جَوْهَرَةٌ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَأْذَنُ لِلنَّاسِ بِالِانْصِرَافِ إلَخْ) أَيْ إلَى حَالِهِمْ لِئَلَّا يَتَكَلَّفُوا حُضُورَ الدَّفْنِ، وَلَهُمْ

[كيفية صلاة الجنازة]

بِالْأَذَانِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُؤَذَّنُ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ لَا بَأْسَ بِالْأَذَانِ أَيْ الْإِعْلَامِ، وَهُوَ أَنْ يُعْلِمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيَقْضُوا حَقَّهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَشْيِيعِهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْجِنَازَةُ يُتَبَارَكُ بِهَا، وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي الْأَزِقَّةِ وَالْأَسْوَاقِ؛ لِأَنَّهُ نَعْيُ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ لَهُ وَتَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالِاعْتِبَارِ بِهِ وَالِاسْتِعْدَادِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ نَعْيَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَبْعَثُونَ إلَى الْقَبَائِلِ يَنْعَوْنَ مَعَ ضَجِيجٍ وَبُكَاءٍ وَعَوِيلٍ وَتَعْدِيدٍ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ صَلَّى غَيْرُ الْوَلِيِّ وَالسُّلْطَانِ أَعَادَ الْوَلِيُّ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَقَّ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَمْ يُصَلِّ غَيْرُهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَمَا صَلَّى الْوَلِيُّ، وَكَذَا بَعْدَ إمَامِ الْحَيِّ وَبَعْدَ كُلِّ مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْوَلِيِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَمَا صَلَّى عَلَيْهِ أَهْلُهُ»، وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ قَدْ تَأَدَّى بِالْأُولَى، وَالتَّنَفُّلُ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلِهَذَا لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً وَتَرَكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْيَوْمَ كَمَا وُضِعَ لِأَنَّ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَأْكُلُهَا التُّرَابُ، وَإِنَّمَا صَلَّى النَّبِيُّ عَلَيْهِ بَعْدَمَا صُلِّيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ صَلَّى عَلَى قَبْرِهِ مَا لَمْ يَتَفَسَّخْ) إقَامَةً لِلْوَاجِبِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْأَشْخَاصِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَهِيَ) أَيْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ (أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ بِثَنَاءٍ بَعْدَ الْأُولَى وَصَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الثَّانِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوَانِعُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ انْصِرَافَهُمْ بَعْدَ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ مَكْرُوهٌ، وَعِبَارَةُ الْكَافِي إنْ فَرَغُوا فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَمْشُوا خَلْفَ الْجِنَازَةِ إلَى أَنْ يَنْتَهُوا إلَى الْقَبْرِ، وَلَا يَرْجِعُ أَحَدٌ بِلَا إذْنٍ فَمَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فَقَدْ يَتَحَرَّجُونَ وَالْإِذْنُ مُطْلَقٌ لِلِانْصِرَافِ لَا مَانِعٌ مِنْ حُضُورِ الدَّفْنِ، وَعَلَى هَذَا فَالْأَوْلَى هُوَ الْإِذْنُ، وَإِنْ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ لَا بَأْسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَطَّرِدْ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ. اهـ. أَيْ وَكَوْنُ تَرْكِ مَدْخُولِهِ أَوْلَى عُرِفَ فِي مَوَاضِعَ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: لِيَقْضُوا حَقَّهُ إلَخْ) وَلِيَنْتَفِعَ الْمَيِّتُ بِكَثْرَتِهِمْ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ فِيهِ إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ» وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي الْأَزِقَّةِ وَالْأَسْوَاقِ؛ لِأَنَّهُ نَعْيُ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ تَنْوِيهٍ بِذِكْرِهِ وَتَفْخِيمٍ بَلْ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْمُصَلِّينَ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: أَعَادَ الْوَلِيُّ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا كَانَ الْغَيْرُ غَيْرَ مُقَدَّمٍ عَلَى الْوَلِيِّ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِ كَالْقَاضِي وَنَائِبِهِ لَمْ يَعِدْ. اهـ. وَقَدْ عَزَى فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا إلَى فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّجْنِيسِ رَجُلٌ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَالْوَلِيُّ خَلْفَهُ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ إنْ تَابَعَهُ وَصَلَّى مَعَهُ لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى مَرَّةً، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ إنْ كَانَ الْمُصَلِّي سُلْطَانًا أَوْ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ فِي الْبَلْدَةِ أَوْ الْقَاضِيَ أَوْ الْوَالِيَ عَلَى الْبَلْدَةِ أَوْ إمَامَ الْحَيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ الْأَوْلَى مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمْ فَلَهُ الْإِعَادَةُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَكَذَا لَوْ صَلَّى إمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ لَا تُعَادُ كَذَا فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ. اهـ. وَلَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ غَائِبًا بِمَكَانٍ تَفُوتُ الصَّلَاةُ بِحُضُورِهِ بَطَلَتْ وِلَايَتُهُ وَتَحَوَّلَ إلَى الْأَبْعَدِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْغَائِبُ غَيْرَهُ بِكِتَابَةٍ فَإِنَّ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَلَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُقَدِّمَ مَنْ شَاءَ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَدْ سَقَطَتْ لِمَا أَنَّ فِي التَّوَقُّفِ عَلَى حُضُورِهِ ضَرَرًا بِالْمَيِّتِ وَالْوِلَايَةُ تَسْقُطُ مَعَ ضَرَرِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَالْمَرِيضُ فِي الْمِصْرِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ يُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ، وَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ قَائِمَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ مَعَ مَرَضِهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ التَّقْدِيمِ، وَلَا حَقَّ لِلنِّسَاءِ وَالصِّغَارِ وَالْمَجَانِينِ فِي التَّقْدِيمِ. اهـ بَدَائِعُ. وَفِيهَا وَسَائِرُ الْقَرَابَاتِ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ وَكَذَا مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنُ الْمَوْلَى وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ السَّبَبَ قَدْ انْقَطَعَ فِيمَا بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ مَا صَلَّى الْوَلِيُّ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ إمَامًا فِيهَا أَوْ قَدَّمَ غَيْرَهُ فَاقْتَدَى بِهِ أَوْ تَقَدَّمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَاقْتَدَى بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ أَنَّ الْفَرْضَ تَأَدَّى وَالتَّنَفُّلُ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ يَسْتَلْزِمُ مَنْعَ الْوَلِيِّ أَيْضًا مِنْ الْإِعَادَةِ إذَا صَلَّى مِنْ الْوَلِيِّ أَوْلَى مِنْهُ إذْ الْفَرْضُ، وَهُوَ قَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ تَأَدَّى بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ مِنْ مَنْعِ التَّنَفُّلِ، وَأَعَادَ إنْ عَدِمَ الْمَشْرُوعِيَّةَ فِي حَقِّ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ أَمَّا مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَتَبْقَى الْمَشْرُوعِيَّةُ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: صَلَّى عَلَى قَبْرِهِ) هَذَا إذَا أُهِيلَ التُّرَابُ سَوَاءٌ كَانَ غُسِّلَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلَمًا لِمَالِكِهِ تَعَالَى، وَخَرَجَ عَنْ أَيْدِينَا فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ بَعْدُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُهَلْ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا دُفِنَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْغُسْلِ إنْ أَهَالُوا عَلَيْهِ لَا يُخْرَجُ، وَهَلْ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ قِيلَ لَا وَالْكَرْخِيُّ نَعَمْ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِتَرْكِ الشَّرْطِ مَعَ الْإِمْكَانِ، وَالْآنَ زَالَ الْإِمْكَانُ فَسَقَطَتْ فَرْضِيَّةُ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ وَدُعَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ لَا تَجُوزُ بِلَا طَهَارَةٍ أَصْلًا، وَإِلَى الثَّانِي تَجُوزُ بِلَا عَجْزٍ فَقُلْنَا تَجُوزُ بِدُونِهَا حَالَةَ الْعَجْزِ لَا الْقُدْرَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ مَا لَمْ يَتَفَسَّخْ) لِأَنَّ بَعْدَ التَّفَسُّخِ يَتَشَقَّقُ الْبَدَنُ وَيَتَفَرَّقُ وَالصَّلَاةُ مَشْرُوعَةٌ عَلَى الْبَدَنِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُصَلِّي إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَالْمَكَانِ) إذْ مِنْهُ مَا يُسْرِعُ بِالْإِبْلَاءِ وَمِنْهُ لَا حَتَّى لَوْ كَانَ فِي رَأْيِهِمْ أَنَّهُ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ قَبْلَ الثَّلَاثِ لَا يُصَلُّونَ إلَى الثَّلَاثِ. اهـ فَتْحٌ. [كَيْفِيَّة صَلَاة الْجِنَازَة] (قَوْلُهُ: أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ بِثَنَاءٍ إلَخْ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَخْ قَالُوا لَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ إلَّا أَنْ يَقْرَأَهَا بِنِيَّةِ الثَّنَاءِ، وَلَمْ تَثْبُتْ الْقِرَاءَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ أُبَيًّا كَانَ لَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَصَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ كَمَا يُصَلِّي فِي التَّشَهُّدِ

وَدُعَاءٌ بَعْدَ الثَّالِثَةِ وَتَسْلِيمَتَيْنِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ» وَثَبَتَ عَلَيْهَا حَتَّى تُوُفِّيَ فَنَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا، وَالْبُدَاءَةُ بِالثَّنَاءِ ثُمَّ الصَّلَاةِ سُنَّةُ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَرْجَى لِلْقَبُولِ وَيَدْعُو لِلْمَيِّتِ وَلِنَفْسِهِ وَلِأَبَوَيْهِ وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ سِوَى التَّسْلِيمَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَقُولُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] وَيَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ كَمَا وَصَفْنَاهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَيَنْوِي الْمَيِّتَ كَمَا يَنْوِي الْإِمَامَ، وَيُخَافِتُ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي التَّكْبِيرِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ اخْتَارُوا الرَّفْعَ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَلَنَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ» وَالرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مُضْطَرِبَةٌ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يَرْفَعُ إلَّا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، وَلَئِنْ صَحَّتْ فَلَا تُعَارِضُ فِعْلَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَلَوْ كَبَّرَ) الْإِمَامُ (خَمْسًا لَمْ يُتْبَعْ)؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا وَيَنْتَظِرُ تَسْلِيمَ الْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يُسْتَغْفَرُ لِصَبِيٍّ)؛ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ (وَلَا لِمَجْنُونٍ)؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ (وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَاجْعَلْهُ لَنَا أَجْرًا وَذُخْرًا وَاجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا مُشَفَّعًا) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَنْتَظِرُ الْمَسْبُوقُ لِيُكَبِّرَ مَعَهُ لَا مَنْ كَانَ حَاضِرًا فِي حَالَةِ التَّحْرِيمَةِ) أَيْ يَنْتَظِرُ الْمَسْبُوقُ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ حَتَّى يُكَبِّرَ مَعَهُ، وَلَا يَنْتَظِرُ الَّذِي كَانَ حَاضِرًا وَقْتَ التَّحْرِيمَةِ، وَصُورَتُهُ إذَا أَتَى رَجُلٌ وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ لَا يُكَبِّرُ الْآتِي حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ فَيُكَبِّرَ مَعَهُ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا وَقْتَ التَّحْرِيمَةِ وَيُكَبِّرُ، وَلَا يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْمَسْبُوقِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَبِّرُ حِينَ يَحْضُرُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ، وَالْمَسْبُوقُ يَأْتِي بِهِ فَصَارَ كَمَنْ كَانَ حَاضِرًا وَقْتَ تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ، وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ، وَالْمَسْبُوقُ لَا يَبْتَدِئُ بِمَا فَاتَهُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ إذْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِخِلَافِ مَنْ كَانَ حَاضِرًا فِي حَالَةِ التَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُدْرِكِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْأَوْلَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْبُدَاءَةُ بِالثَّنَاءِ ثُمَّ بِالصَّلَاةِ سُنَّةُ الدُّعَاءِ) يُفِيدُ أَنَّ تَرْكَهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ فَلَا يَكُونُ رُكْنًا قَالَهُ الْكَمَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِيهَا دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ) قَالَ الْكَمَالُ: وَلَيْسَ فِيهَا دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ سِوَى أَنَّهُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ، وَإِنْ دَعَا بِالْمَأْثُورِ فَمَا أَحْسَنَهُ وَأَبْلَغَهُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَلَا يُجْهَرُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِشَيْءِ مِنْ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَصَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَالْإِخْفَاءُ فِي الذِّكْرِ أَوْلَى، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجْهَرُونَ كُلَّ الْجَهْرِ وَلَا يُسِرُّونَ كُلَّ السِّرِّ. اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ (قَوْلُهُ: وَيَنْتَظِرُ تَسْلِيمَ الْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ)، وَفِي أُخْرَى يُسَلِّمُ كَمَا يُكَبِّرُ الْخَامِسَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَقَاءَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ فَرَاغِهَا لَيْسَ بِخَطَأٍ مُطْلَقًا إنَّمَا الْخَطَأُ فِي الْمُتَابَعَةِ فِي الْخَامِسَةِ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إنَّمَا لَا يُتَابِعُهُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ إذَا سَمِعَ مِنْ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا لَمْ يَسْمَعْ إلَّا مِنْ الْمُبَلِّغِ فَيُتَابِعُهُ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. قَوْلُهُ: وَفِي أُخْرَى أَيْ رِوَايَةٍ أُخْرَى. اهـ. وَقَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَيْ كَرَوْضَةِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَبِّرُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُصَفَّى إذَا حَضَرَ الرَّجُلُ، وَقَدْ كَبَّرَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِلِافْتِتَاحِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُكَبِّرُ حِينَ حَضَرَ لِلِافْتِتَاحِ ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يَصِرْ مَسْبُوقًا بِشَيْءٍ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ، وَلَا يُكَبِّرُ لِلثَّانِيَةِ ثُمَّ يُتَابِعُهُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ ثُمَّ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ، وَعِنْدَهُمَا إذَا جَاءَ الرَّجُلُ بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ لِلِافْتِتَاحِ لَا يُكَبِّرُ هُوَ بَلْ يَمْكُثُ حَتَّى يُكَبِّرَ الثَّانِيَةَ فَيُكَبِّرَ مَعَهُ الثَّانِيَةَ وَيَكُونُ هَذَا التَّكْبِيرُ تَكْبِيرَ الِافْتِتَاحِ فِي حَقِّ هَذَا الرَّجُلِ، وَيَصِيرُ مَسْبُوقًا بِتَكْبِيرَةٍ ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِيمَا بَقِيَ ثُمَّ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ يَأْتِي بِمَا سُبِقَ كَمَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ تَكْبِيرَتَيْنِ لَا يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ مَا لَمْ يُكَبِّرْ الْإِمَامُ الثَّالِثَةَ فَإِذَا كَبَّرَ الثَّالِثَةَ تَابَعَهُ هَذَا الرَّجُلُ وَيُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ وَيَكُونُ مَسْبُوقًا بِتَكْبِيرَتَيْنِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَعَلَ كَمَا قُلْنَا فَإِنْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ ثَلَاثًا لَا يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ فَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ تَابَعَهُ هَذَا الرَّجُلُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَتَى بِمَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ، وَهِيَ ثَلَاثُ تَكْبِيرَاتٍ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ فَاتَهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُكَبِّرُ حِينَ حَضَرَ. وَإِذَا جَاءَ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ الْأَرْبَعِ يُكَبِّرُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، وَهَلْ يَأْتِي بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ ذَكَرَ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَأْمَنُ رَفْعَ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ، وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ فِي النَّوَازِلِ الْمَسْأَلَةَ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَقَالَ مَنْ فَاتَهُ بَعْضُ التَّكْبِيرَاتِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَتَى بِهَا مُتَتَابِعَةً بِلَا دُعَاءٍ مَا دَامَتْ الْجِنَازَةُ عَلَى الْأَرْضِ فَإِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ عَلَى الْأَكْتَافِ أَوْ رُفِعَتْ بِالْأَيْدِي وَلَمْ تُوضَعْ عَلَى الْأَكْتَافِ لَا يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي. اهـ.، وَفِي الْحَقَائِقِ فَإِنْ سُبِقَ بِأَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِلصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ يَصِيرُ مُدْرِكًا يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ يُكَبِّرُ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ بِلَا أَذْكَارٍ قَبْلَ رَفْعِ الْجِنَازَةِ قَالُوا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ إلَخْ) لِقَوْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَرْبَعٌ كَأَرْبَعِ الظُّهْرِ وَلِذَا لَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً مِنْهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَ رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ. اهـ. فَتْحٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْتَظِرْ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ لَكَانَ قَاضِيًا لِمَا فَاتَهُ قَبْلَ أَدَاءِ مَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذْ هُوَ مَنْسُوخٌ إلَخْ) فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ قَالَ «كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سُبِقَ الرَّجُلُ بِبَعْضِ صَلَاتِهِ سَأَلَهُمْ فَأَوْمَئُوا إلَيْهِ بِاَلَّذِي سُبِقَ فَيَقْضِي مَا سُبِقَ ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ فَجَاءَ مُعَاذٌ وَالْقَوْمُ قُعُودٌ فِي صَلَاتِهِمْ

مُقَارِنًا لَهُ إلَّا بِحَرَجٍ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ مَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ لَا يَدْخُلُ مَعَهُ، وَقَدْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَدْخُلُ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ لَهُمَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ الْإِمَامَ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَضَرَ قَبْلَ الرَّابِعَةِ ثُمَّ الْمَسْبُوقُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ نَسَقًا بِغَيْرِ دُعَاءٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَاهُ بِدُعَاءٍ تَرْتَفِعُ الْجِنَازَةُ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ بِلَا حُضُورِ مَيِّتٍ، وَلَوْ رُفِعَتْ قَطَعَ التَّكْبِيرَ إذَا وُضِعَتْ عَلَى الْأَعْنَاقِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَتْ إلَى الْأَرْضِ أَقْرَبَ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ، وَقِيلَ لَا يَقْطَعُ حَتَّى تَتَبَاعَدَ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ الصَّدْرِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ أَنَّ أَبَا غَالِبٍ قَالَ صَلَّيْت خَلْفَ أَنَسٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَقَامَ حِيَالَ صَدْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الصَّدْرَ مَحَلُّ الْإِيمَانِ، وَمَعْدِنُ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ، وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ فَيَكُونُ الْقِيَامُ عِنْدَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الشَّفَاعَةَ وَقَعَتْ لِأَجْلِ إيمَانِهِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ بِحِذَاءِ صَدْرِهِ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ وَسَطِهَا؛ لِأَنَّ أَنَسًا فَعَلَ كَذَلِكَ، وَقَالَ هُوَ السُّنَّةُ، وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّهُ قَالَ «صَلَّيْت وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ وَسَطَهَا» قُلْنَا الْوَسَطُ هُوَ الصَّدْرُ فَإِنَّ فَوْقَهُ يَدَيْهِ وَرَأْسَهُ وَتَحْتَهُ بَطْنَهُ وَرِجْلَيْهِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَنَسٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ وَقَفَ عِنْدَ مَنْكِبَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مِنْ الرُّوَاةِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ فِي مِثْلِهِ قَدْ يُشْتَبَهُ لِتَقَارُبِ الْمَوْضِعَيْنِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ النَّاظِرُ إلَيْهِ بَعِيدًا، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (: وَلَمْ يُصَلُّوا رُكْبَانًا) يَعْنِي مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ، وَكَذَا لَمْ يُصَلُّوا قَاعِدِينَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ، وَلِهَذَا لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا؛ وَلِأَنَّ الْقِيَامَ يَجِبُ وَسِيلَةً إلَى السُّجُودِ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ السُّجُودُ لَمْ يَجِبْ الْقِيَامُ كَمَا قُلْنَا فِي الْمَرِيضِ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ دُونَ السُّجُودِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ لِوُجُودِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ احْتِيَاطًا، وَكَذَا لَا تَجُوزُ عَلَى مَيِّتٍ، وَهُوَ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ عَلَى أَيْدِي النَّاسِ عَلَى الْمُخْتَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا فِي مَسْجِدٍ) أَيْ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهِيَةَ التَّحْرِيمِ فِي رِوَايَةٍ، وَكَرَاهِيَةُ التَّنْزِيهِ فِي أُخْرَى أَمَّا الَّذِي بُنِيَ لِأَجْلِ صَلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَعَدَ فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ فَقَضَى مَا كَانَ سُبِقَ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ فَاقْتَدُوا بِهِ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَقَدْ سُبِقَ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ فَلِيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ بِصَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ فَلْيَقْضِ مَا سَبَقَهُ بِهِ». وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ مُعَاذٍ نَظَرًا فِي بَابِ الْأَذَانِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ «كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ قَالَ فَجَاءَ مُعَاذٌ وَالْقَوْمُ قُعُودٌ» فَسَاقَ الْحَدِيثَ وَضَعَّفَ سَنَدَهُ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَذَلِكَ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ «كَانَ الرَّجُلُ إذَا جَاءَ، وَقَدْ صَلَّى الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ فَسَاقَهُ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ الدَّاخِلَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً فَاتَّبِعُوهَا»، وَهَذَانِ مُرْسَلَانِ، وَلَا يَضُرُّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْسُوخًا كَفَى الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنْ لَا يَقْضِيَ مَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ مَعَ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْكَافِي إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مَعْنَيَانِ مَعْنَى الِافْتِتَاحِ وَالْقِيَامِ مَقَامَ رَكْعَةٍ وَمَعْنَى الِافْتِتَاحِ يَتَرَجَّحُ فِيهَا وَلِذَا خُصَّتْ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَدْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ)؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى أَنْ يُكَبِّرَ وَحْدَهُ لِمَا قُلْنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ)، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ الْأُولَى يُكَبِّرُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَهُمَا حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ بِحُضُورِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ انْتِظَارِهِ صَيْرُورَتُهُ مَسْبُوقًا بِتَكْبِيرَةٍ فَيُكَبِّرُهَا بَعْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْتَظِرُهُ بَلْ يُكَبِّرُ كَمَا لَوْ حَضَرَ، وَلَوْ كَبَّرَ كَمَا حَضَرَ، وَلَمْ يَنْتَظِرْ لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا لَكِنْ مَا أَدَّاهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا لَمْ يَجِبْ السُّجُودُ لَا يَجِبُ الْقِيَامُ كَمَا قُلْنَا إلَخْ) فِي الْبَدَائِعِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ وَالْأَرْكَانُ فِيهَا التَّكْبِيرَاتُ وَيُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا حَالَةَ الرُّكُوبِ كَمَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا حَالَةَ الْقِيَامِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّ الشَّرْعَ مَا وَرَدَ بِهَا إلَّا فِي حَالَةِ الْقِيَامِ فَيُرَاعَى فِيهَا مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَبِهَذَا لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْخَلَلِ فِي شَرَائِطِهَا فَكَذَا فِي الرُّكْنِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ أَهَمُّ مِنْ الشَّرْطِ؛ وَلِأَنَّ الْأَدَاءَ قُعُودًا وَرُكْبَانًا يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِخْفَافِ بِالْمَيِّتِ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ لِتَعْظِيمِهِ وَلِهَذَا تَسْقُطُ فِي حَقِّ مَنْ تَجِبُ إهَانَتُهُ كَالْبَاغِي وَالْكَافِرِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ مَا شُرِعَ لِلتَّعْظِيمِ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِخْفَافِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْصِ، وَلَوْ كَانَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ مَرِيضًا فَصَلَّى قَاعِدًا وَصَلَّى النَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا مَا أَجْزَأَهُمْ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ إلَخْ)، وَلَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ طَاهِرٍ أَوْ حَصَلَ قِيَامُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ أَوْ كَانَ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ بَدَنِهِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ، وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ، وَأَمَّا إذَا صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ، وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ. اهـ. طَحَاوِيٌّ. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ فَصَلَّى عَلَيْهِ قَاعِدًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ أَجْزَأَهُمْ جَمِيعًا عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ لِلْقَوْمِ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِجَوَازِ صَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ. اهـ. طَحَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهِيَةَ التَّحْرِيمِ) قَالَ الْكَمَالُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأَوْلَى كَوْنُهَا تَنْزِيهِيَّةً إذْ الْحَدِيثُ لَيْسَ هُوَ نَهْيًا غَيْرَ مَصْرُوفٍ، وَلَا قُرِنَ الْفِعْلُ بِوَعِيدٍ بِظَنِّيٍّ بَلْ سَلْبُ الْأَجْرِ وَسَلْبُ الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ لِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الصَّلَاةَ نَفْسَهَا سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلثَّوَابِ فَسَلْبُ الثَّوَابِ مَعَ فِعْلِهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَا يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ إثْمٍ يُقَاوِمُ ذَلِكَ الثَّوَابَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ هَلْ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَالصَّحِيحُ

الْجِنَازَةِ فَلَا يُكْرَهُ فِيهَا وَجْهُ الْكَرَاهِيَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي مَسْجِدٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ»، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِهَا إذَا لَمْ يُخَفْ تَلْوِيثُهُ؛ لِأَنَّ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ صَلَّى عَلَيْهَا أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَتْ عَائِشَةُ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هَلْ عَابَ النَّاسُ عَلَيْنَا مَا فَعَلْنَا فَقِيلَ لَهَا نَعَمْ فَقَالَتْ مَا أَسْرَعَ مَا نَسُوا مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جِنَازَةِ سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نُجَنِّبَ الْمَسَاجِدَ الصِّبْيَانَ وَالْمَجَانِينَ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى بِذَلِكَ لِزَوَالِ مَسْكَنِهِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ دَلِيلٌ لَنَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ قَدْ عَابُوا عَلَيْهِنَّ فَلَوْلَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ مَعْرُوفَةٌ بَيْنَهُمْ لَمَا عَابُوا عَلَيْهِنَّ، وَقَوْلُهَا هَلْ عَابَ النَّاسُ عَلَيْنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ لَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ، وَلَوْلَا الْكَرَاهِيَةُ لَجَرَتْ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: تَأْوِيلُ حَدِيثِ ابْنِ الْبَيْضَاءِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مُعْتَكِفًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَمَرَ بِالْجِنَازَةِ فَوُضِعَتْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ لِلْعُذْرِ» فَعَلِمَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ وَخَفِيَ عَلَيْهَا، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا وُضِعَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِعُذْرٍ، وَالْقَوْمُ كُلُّهُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْإِمَامُ وَبَعْضُ الْقَوْمِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْبَاقُونَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يُكْرَهُ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِأَجْلِ التَّلْوِيثِ أَوْ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِأَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ لَا لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ اسْتَهَلَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ) وَالِاسْتِهْلَالُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ مِنْ رَفْعِ صَوْتٍ أَوْ حَرَكَةِ عُضْوٍ وَحُكْمُهُ أَنْ يُغَسَّلَ وَيُسَمَّى وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيَرِثَ وَيُورَثَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اسْتَهَلَّ السِّقْطُ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ» وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ خُرُوجُ الْأَكْثَرِ حَيًّا حَتَّى لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ، وَهُوَ يَتَحَرَّكُ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَرَجَ الْأَقَلُّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْجُزْءِ وَلِهَذَا لَمْ يَرِثْ وَاخْتَلَفُوا فِي غُسْلِهِ وَتَسْمِيَتِهِ فَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَمْ يُسَمَّ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُسَمَّى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَصَبِيٍّ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) أَيْ كَمَا لَا يُصَلَّى عَلَى صَبِيٍّ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمَوْلُودَ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا لَا يُصَلَّى عَلَى الصَّبِيِّ الْمَسْبِيِّ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سُبِيَ مَعَ أَحَدِهِمَا صَارَ تَبَعًا لَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ» الْحَدِيثَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ أَحَدُهُمَا)؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ خَيْرَهُمَا دِينًا فَيُصَلَّى عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ هُوَ) أَيْ أَوْ يُسْلِمُ هُوَ يَعْنِي الصَّبِيَّ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ صَحِيحٌ إذَا كَانَ مُسْتَدِلًّا عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا عَلَى مَا يَأْتِي فِي السِّيَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أَوْ لَمْ يُسْبَ أَحَدُهُمَا مَعَهُ) أَيْ إذَا لَمْ يُسْبَ مَعَ الصَّبِيِّ أَحَدُ أَبَوَيْهِ فَحِينَئِذٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ تَبَعًا لِلسَّابِي أَوْ لِلدَّارِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَبَوَيْنِ تَنْقَطِعُ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي تَقْدِيمِ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ أَوْ السَّابِي بَعْدَ الْأَبَوَيْنِ فَقَالَ فِي الْغَايَةِ: التَّبَعِيَّةُ عَلَى مَرَاتِبَ أَقْوَاهَا تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ الدَّارُ ثُمَّ الْيَدُ، وَكَذَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ رَتَّبَ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ عَلَى تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ؛ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ حَقِيقِيَّةٍ، وَهَذَا يَجُوزُ إدْخَالَ الْمَيِّتِ فِيهِ، وَحَاجَةُ النَّاسِ مَاسَّةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَسْجِدًا تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَيْهِمْ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مُصَلَّى الْعِيدِ أَنَّهُ هَلْ هُوَ مَسْجِدٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ انْفَصَلَتْ الصُّفُوفُ؛ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ إلَخْ)، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْمُخْتَلَفَاتِ وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ لَا يُصَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ بِالْمَسْجِدِ إلَّا عَنْ عُذْرٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ؛ وَلِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِأَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ فَلَا يُقَامُ غَيْرُهَا فِيهَا قَصْدًا إلَّا بِعُذْرٍ، وَفِيمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا يَجُوزُ لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَجُوزُ لِلْمَعْنَى الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِأَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ إلَخْ) فِي الْخُلَاصَةِ مَكْرُوهٌ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْإِمَامُ مَعَ بَعْضِ الْقَوْمِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ الْبَاقُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ وَالْقَوْمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ هَكَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ هُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِمَا أَوْرَدَهُ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. وَهَذَا الْإِطْلَاقُ فِي الْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَتَوَابِعِهَا مِنْ النَّوَافِلِ وَالذِّكْرِ وَتَدْرِيسِ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِاحْتِمَالِ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْفَقُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يَسْتَدِلُّ بِهِ الْمُصَنِّفُ. اهـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ لِكَرَامَةِ بَنِي آدَمَ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا وَيُغَسَّلُ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. وَقَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ كَفَى فِي نَفْيِهِ كَوْنُهُ نَفْسًا مِنْ وَجْهٍ جُزْءٍ مِنْ الْحَيِّ مِنْ وَجْهٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي لَا فَأَعْمَلْنَا الشَّبَهَيْنِ فَقُلْنَا يُغَسَّلُ عَمَلًا بِالْأَوَّلِ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عَمَلًا بِالثَّانِي وَرَجَّحْنَا خِلَافَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي غُسْلِ السِّقْطِ الَّذِي لَمْ تَتِمَّ خِلْقَةُ أَعْضَائِهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ. اهـ. كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ، وَقِيلَ لَا يُغَسَّلُ بَلْ يُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَيُدْفَنُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَيُحْشَرُ هَذَا السِّقْطُ، وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ يُحْشَرُ، وَإِلَّا فَلَا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ يُحْشَرُ إذَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ السَّابِي بَعْدَ الْأَبَوَيْنِ إلَخْ) وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ أَوْ لَا. اهـ. بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ: تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ إلَخْ) أَوْ أَحَدِهِمَا أَيْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لَا فِي الْعُقْبَى فَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّ أَطْفَالَهُمْ فِي النَّارِ أَلْبَتَّةَ بَلْ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَكُونُونَ خَدَمَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ إنْ كَانُوا قَالُوا بَلَى يَوْمَ أَخْذِ

فِي كِتَابِ السِّيَرِ: الدِّينُ يَثْبُتُ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَأَقْوَى التَّبَعِيَّةِ تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا سَبَبٌ لِوُجُودِهِ ثُمَّ تَبَعِيَّةُ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ فِي يَدِهِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْيَدِ تُعْتَبَرُ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ وُجُودِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّقِيطَ الْمَوْجُودَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمٌ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي اللَّقِيطِ أَيْضًا قِيلَ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ، وَقِيلَ الْوَاجِدُ، وَقِيلَ الْأَنْفَعُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُغَسِّلُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ الْكَافِرَ وَيُكَفِّنُهُ وَيَدْفِنُهُ) لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَمَا هَلَكَ أَبُوهُ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عَمَّك الضَّالَّ قَدْ مَاتَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اذْهَبْ فَاغْسِلْهُ، وَكَفِّنْهُ وَوَارِهِ» الْحَدِيثُ لَكِنْ يُغَسَّلُ غُسْلَ الثَّوْبِ النَّجَسِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَلَا بُدَاءَةٍ بِالْمَيَامِنِ، وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَتُحْفَرُ لَهُ حَفِيرَةٌ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ التَّكْفِينِ وَاللَّحْدِ وَيُلْقَى، وَلَا يُوضَعُ. وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ، وَلَهُ أَبٌ كَافِرٌ هَلْ يُمَكَّنُ أَنْ يُجَهِّزَهُ قَالَ فِي الْغَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ إذَا مَاتَ مُسْلِمٌ، وَلَمْ يُوجَدْ رَجُلٌ يُغَسِّلُهُ قَالَ تُعَلِّمُ النِّسَاءُ الْكَافِرَ فَيُغَسِّلُهُ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُؤْخَذُ سَرِيرُهُ بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ) يَعْنِي وَقْتَ الْحَمْلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحْمِلُهَا رَجُلَانِ يَضَعُ السَّابِقُ عَلَى أَصْلِ عُنُقِهِ وَالثَّانِي عَلَى أَعْلَى صَدْرِهِ؛ لِأَنَّ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ حُمِلَتْ كَذَلِكَ، وَلَنَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا تَبِعَ أَحَدُكُمْ الْجِنَازَةَ فَلْيَأْخُذْ بِقَوَائِمِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعِ ثُمَّ لْيَتَطَوَّعْ بَعْدُ أَوْ فَلْيَذْرِ أَيْ فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَلَى الْحَامِلِينَ وَصِيَانَةً عَنْ السُّقُوطِ وَالِانْقِلَابِ، وَزِيَادَةَ الْإِكْرَامِ لِلْمَيِّتِ، وَالْإِسْرَاعَ بِهِ، وَتَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِحَمْلِ الْمَتَاعِ وَلِهَذَا يُكْرَهُ عَلَى الظَّهْرِ وَالدَّابَّةِ، وَمَا رَوَاهُ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُعَجَّلُ بِهِ بِلَا خَبَبٍ) أَيْ يُسْرَعُ بِالْمَيِّتِ وَقْتَ الْمَشْيِ بِلَا خَبَبٍ وَحَدُّهُ أَنْ يُسْرِعَ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَضْطَرِبُ الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَرَّبْتُمُوهَا إلَى الْخَيْرِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ أَعْنَاقِكُمْ»، وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ «مَرَّتْ بِرَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِنَازَةٌ تَمْخَضُ مَخْضَ الزِّقِّ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ»، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «سَأَلْنَا نَبِيَّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ فَقَالَ مَا دُونَ الْخَبَبِ»، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْرَعَ بِتَجْهِيزِهِ كُلِّهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجُلُوسٍ قَبْلَ وَضْعِهَا) أَيْ بِلَا جُلُوسٍ قَبْلَ وَضْعِ الْجِنَازَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ قَبْلَ وَضْعِهَا، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَبِعَ الْجِنَازَةَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ»؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعَاوُنِ، وَالْقِيَامُ أَمْكَنُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُمْ حَضَرُوا إكْرَامًا، وَفِي الْجُلُوسِ قَبْلَ الْوَضْعِ ازْدِرَاءٌ بِهِ هَذَا فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ يَمْشِي مَعَ الْجِنَازَةِ، وَأَمَّا الْقَاعِدُ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا مَرَّتْ بِهِ أَوْ الْقَاعِدُ عَلَى الْقَبْرِ فَلَا يَقُومُ لَهَا، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ لَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ»، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ» فَصَارَ مَا رَوَوْهُ مَنْسُوخًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَشْيٍ قُدَّامَهَا) أَيْ بِلَا مَشْيٍ قُدَّامَ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَشْيُ قُدَّامَهَا أَفْضَلُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»؛ وَلِأَنَّهُمْ شُفَعَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَالشَّفِيعُ يَتَقَدَّمُ فِي الْعَادَةِ، وَلَنَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ»، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ، وَعَدَّ مِنْهَا اتِّبَاعَ الْجِنَازَةِ»، وَعَنْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «وَمَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ» الْحَدِيثَ. وَالِاتِّبَاعُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى التَّالِي، وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَمْشِي خَلْفَهَا، وَقَالَ إنَّ فَضْلَ الْمَاشِي خَلْفَهَا عَلَى الْمَاشِي أَمَامَهَا كَفَضْلِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ كَانَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ لَكِنَّهُمَا سَهْلَانِ يُسَهِّلَانِ عَلَى النَّاسِ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَشَى خَلْفَ الْجِنَازَةِ فَسَأَلَهُ نَافِعٌ كَيْفَ الْمَشْيُ فِي الْجِنَازَةِ خَلْفَهَا أَمْ أَمَامَهَا؟. فَقَالَ أَمَا تَرَانِي أَمْشِي خَلْفَهَا، وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» وَبِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَهْدِ عَنْ اعْتِقَادٍ فَفِي الْجَنَّةِ، وَإِلَّا فَفِي النَّارِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِمْ إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِغَيْرِ ذَنْبٍ، وَهَذَا نَفْيٌ لِهَذَا التَّفْصِيلِ وَتَوَقَّفَ فِيهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَبَعِيَّةُ الْيَدِ إلَخْ)، وَفِي الْمُحِيطِ عِنْدَ عَدَمِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ يَكُونُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ وَعِنْدَ عَدَمِ صَاحِبِ الْيَدِ يَكُونُ تَبَعًا لِلدَّارِ، وَلَعَلَّهُ أَوْلَى فَإِنَّ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ صَبِيٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَمَاتَ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ. اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَيُغَسِّلُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ الْكَافِرَ إلَخْ) أَطْلَقَ الْوَلِيَّ يَعْنِي الْقَرِيبَ فَيَشْمَلُ ذَوِي الْأَرْحَامَ كَالْأُخْتِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ ثُمَّ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ كَافِرٌ فَإِنْ كَانَ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَيَتْبَعُ الْجِنَازَةَ مِنْ بَعِيدٍ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُفْرُهُ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - بِارْتِدَادِهِ فَإِنْ كَانَ يُحْفَرُ لَهُ حَفِيرَةٌ وَيُلْقَى فِيهَا كَالْكَلْبِ، وَلَا يُدْفَعُ إلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَى دِينِهِمْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ سَرِيرُهُ بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ إلَخْ)، وَفِي الذَّهَابِ بِالْجِنَازَةِ يُقَدَّمُ الرَّأْسُ فَإِذَا انْتَهَوْا لِلْمُصَلَّى فَإِنَّهُ يُوضَعُ عَرْضًا رَأْسُهُ عَلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَرِجْلَاهُ عَلَى يَسَارِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يُصَلَّى عَلَيْهِ. اهـ. طَحَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيُعَجَّلُ بِهِ بِلَا خَبَبٍ) أَيْ، وَلَوْ مَشَوْا بِهِ الْخَبَبَ كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ ازْدِرَاءٌ بِالْمَيِّتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَمَشَى قُدَّامَهَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَفْضَلُ لِلْمُشَيِّعِ لِلْجِنَازَةِ الْمَشْيُ خَلْفَهَا وَيَجُوزُ أَمَامُهَا إلَّا أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنْهَا أَوْ يَتَقَدَّمَ الْكُلُّ فَيُكْرَهُ، وَلَا يَمْشِي عَنْ يَمِينِهَا وَلَا عَنْ شِمَالِهَا وَيُكْرَهُ لِمُشَيِّعِهَا

عُلِمَ أَنَّ فِي الْمَشْيِ أَمَامَهَا فَضِيلَةً، وَالْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَمْرِ وَالْفِعْلِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا مَشَى ابْنُ عُمَرَ خَلْفَهَا، وَهُوَ الرَّاوِي لِمَشْيِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَامَهَا؛ وَلِأَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَمْكَنُ لِلْمُعَاوَنَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا أَوْ إذَا نَابَتْ نَائِبَةٌ فَكَانَ أَوْلَى. وَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُمْ إنَّ الشَّفِيعَ يَتَقَدَّمُ عَادَةً؛ لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ، وَهُمْ يَتَأَخَّرُونَ عِنْدَهَا؛ وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَادَةً إذَا خِيفَ عَلَيْهِ بَطْشُ الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ فَيَمْنَعُهُ الشَّفِيعُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ هُنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَضَعْ مُقَدَّمَهَا عَلَى يَمِينِك ثُمَّ مُؤَخَّرَهَا ثُمَّ مُقَدَّمَهَا عَلَى يَسَارِك ثُمَّ مُؤَخَّرَهَا)، وَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ عِنْدَ كَثْرَةِ الْحَامِلِينَ إذَا تَنَاوَبُوا فِي حَمْلِهَا يَبْتَدِئُ الْحَامِلُ مِنْ الْيَمِينِ الْمُقَدَّمِ لِلْمَيِّتِ، وَهُوَ يَمِينُ الْحَامِلِ فَيَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالْمُؤَخَّرِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالْمُقَدَّمِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ بِالْمُؤَخَّرِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ إيثَارًا لِلتَّيَامُنِ وَالْمُقَدَّمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْمِلَهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشْرَ خُطُوَاتٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً أَرْبَعِينَ خُطْوَةً كُفِّرَتْ عَنْهُ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُحْفَرُ الْقَبْرُ) وَاخْتَلَفُوا فِي عُمْقِهِ قِيلَ نِصْفُ الْقَامَةِ، وَقِيلَ إلَى الصَّدْرِ، وَإِنْ زَادُوا فَحَسَنٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُلْحَدُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا»، وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً فَلَا بَأْسَ بِالشَّقِّ وَاِتِّخَاذِ التَّابُوتِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ حَدِيدٍ وَيُفْرَشُ فِيهِ التُّرَابُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُدْخَلُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُوضَعُ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ رِجْلُ الْمَيِّتِ ثُمَّ يُسَلُّ سَلًّا مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُلَّ سَلًّا مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَذَ الْمَيِّتَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ»، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ قَبْرًا لَيْلًا فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ، وَأَخَذَ الْمَيِّتَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ»؛ وَلِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ أَشْرَفُ فَكَانَ أَوْلَى، وَقَدْ اضْطَرَبَتْ الرِّوَايَةُ فِي إدْخَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ رَوَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُخِذَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يُسَلَّ سَلًّا، وَلَئِنْ صَحَّ السَّلُّ لَمْ يُعَارِضْ مَا رَوَيْنَا؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَمَا رَوَيْنَاهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُلَّ لِأَجْلِ ضِيقِ الْمَكَانِ أَوْ لِخَوْفِ أَنْ يَنْهَارَ اللَّحْدُ لِرَخَاوَةِ الْأَرْضِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَقُولُ وَاضِعُهُ بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا وَضَعَ مَيِّتًا فِي قَبْرِهِ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ) بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتُحَلُّ الْعُقْدَةُ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِسَمُرَةَ، وَقَدْ مَاتَ لَهُ ابْنٌ أَطْلِقْ عُقَدَ رَأْسِهِ، وَعُقَدَ رِجْلَيْهِ»؛ وَلِأَنَّهُ وَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الِانْتِشَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَيْهِ وَالْقَصَبُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ اللَّبِنَ» وَرُوِيَ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ، وَالْمُهَاجِرُونَ كَانُوا يَسْتَحْسِنُونَ الْقَصَبَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا الْآجُرُّ وَالْخَشَبُ)؛ لِأَنَّهُمَا لِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ، وَالْقَبْرُ مَوْضِعُ الْبِلَى؛ وَلِأَنَّ بِالْآجُرِّ أَثَرُ النَّارِ فَيُكْرَهُ تَفَاؤُلًا، وَلِهَذَا يُكْرَهُ الْإِجْمَارُ بِالنَّارِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلَةٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، وَمَحَلُّ الْمِحَنِ بِخِلَافِ الْبَيْتِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ فِيهِ الْإِجْمَارُ، وَلَا غَسْلُهُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُسَجَّى قَبْرُهَا لَا قَبْرُهُ) أَيْ يُسَجَّى قَبْرُ الْمَرْأَةِ بِثَوْبٍ حَتَّى يُجْعَلَ اللَّبِنُ عَلَيْهِ لَا قَبْرُ الرَّجُلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ قَدْ دَفَنُوا مَيِّتًا وَبَسَطُوا عَلَى قَبْرِهِ ثَوْبًا فَجَذَبَهُ، وَقَالَ إنَّمَا يُصْنَعُ هَذَا لِلنِّسَاءِ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السِّتْرِ، وَمَبْنَى حَالِ الرِّجَالِ عَلَى الْكَشْفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُهَالُ التُّرَابُ) سَتْرًا لَهُ، وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ} [المائدة: 31] وَيُكْرَهُ أَنْ يُزَادَ عَلَى التُّرَابِ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْ الْقَبْرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْثَى عَلَيْهِ التُّرَابُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ فَحَثَى عَلَيْهِ التُّرَابَ مِنْ قِبَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَيَذْكُرُ فِي نَفْسِهِ. اهـ. وَعَلَى مُشَيِّعِي الْجِنَازَةِ الصَّمْتُ وَيُكْرَهُ لَهُمْ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ مَنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ الصُّمَاتُ مُخَالِفًا لِأَهْلِ الْكِتَابِ. اهـ. طَحَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَضَعْ مُقَدَّمَهَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَكَيْفِيَّةُ الْحَمْلِ أَنْ تَضَعَ مُقَدَّمَ الْجِنَازَةِ عَلَى يَمِينِك هُوَ حِكَايَةُ خِطَابِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَبِي يُوسُفَ وَالْمُرَادُ بِمُقَدَّمِ الْجِنَازَةِ يَمِينُهَا وَيَمِينُ الْجِنَازَةِ بِمَعْنَى الْمَيِّتِ هُوَ يَسَارُ السَّرِيرِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَالْحَاصِلُ أَنْ تَضَعَ يَسَارَ السَّرِيرِ الْمُقَدَّمَ عَلَى يَمِينِك ثُمَّ يَسَارَهُ الْمُؤَخَّرَ ثُمَّ يَمِينَهُ الْمُقَدَّمَ عَلَى يَسَارِك ثُمَّ يَمِينَهُ الْمُؤَخَّرَ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا إيثَارًا لِلتَّيَامُنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً) أَيْ فَيَخَافُ أَنْ يَنْهَارَ اللَّحْدُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِالشَّقِّ إلَخْ) بَلْ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ الْأَرْضِينَ مِنْ الرِّمَالِ يَسْكُنُهَا بَعْضُ الْأَعْرَابِ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا الشَّقُّ أَيْضًا بَلْ يُوضَعُ الْمَيِّتُ، وَيُهَالُ عَلَيْهِ نَفْسُهُ، قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: وَيُدْخَلُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ) أَيْ وَذَلِكَ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْقَبْرِ، وَيُحْمَلُ الْمَيِّتُ مِنْهُ فَيُوضَعُ فِي اللَّحْدِ فَيَكُونُ الْآخِذُ لَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَالَ الْأَخْذِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُسَلُّ سَلًّا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَالسَّلُّ إخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ الشَّيْءِ بِجَذْبٍ وَأُرِيدَ هُنَا إخْرَاجُ الْمَيِّتِ مِنْ الْجِنَازَةِ إلَى الْقَبْرِ. اهـ فِي الْبَدَائِعِ. وَصُورَةُ السَّلِّ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَيُجْعَلُ رِجْلَا الْمَيِّتِ إلَى الْقَبْرِ طُولًا ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجْلَيْهِ وَيُدْخَلُ رِجْلَاهُ فِي الْقَبْرِ وَيُذْهَبُ بِهِ إلَى أَنْ يَصِيرَ رِجْلَاهُ إلَى مَوْضِعِهِمَا وَيُدْخَلُ رَأْسُهُ الْقَبْرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرُوِيَ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الطُّنُّ بِالضَّمِّ حُزْمَةُ الْقَصَبِ وَالْقَصَبَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْحُزْمَةِ طُنَّةٌ. اهـ. فَرْعٌ: قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: الْمَرْأَةُ إذَا مَاتَتْ، وَلَيْسَ لَهَا مَحْرَمٌ فَأَهْلُ الصَّلَاحِ مِنْ جِيرَانِهَا يَلِي دَفْنَهَا، وَلَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْ النِّسَاءِ الْقَبْرَ؛ لِأَنَّ مَسَّ الْأَجْنَبِيِّ إيَّاهَا فَوْقَ الثَّوْبِ يَجُوزُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْوَفَاةِ. اهـ. فَرْعٌ آخَرُ: لَا يَضُرُّ وِتْرٌ دَخَلَهُ أَوْ شَفْعٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السُّنَّةُ هِيَ الْوِتْرُ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْكَفَنِ وَالْغُسْلِ وَالْإِجْمَارِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[فصل تعزية أهل الميت]

رَأْسِهِ ثَلَاثًا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ، وَلَا يُرَبَّعُ، وَلَا يُجَصَّصُ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَنَّمًا، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ مُسَنَّمَةً، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: رَأَيْت قُبُورَ شُهَدَاءِ أُحُدٍ مُسَنَّمَةً، وَسَنَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ قَبْرَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيُسَنَّمُ قَدْرَ الشِّبْرِ، وَقِيلَ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَلَا بَأْسَ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ حِفْظًا لِتُرَابِهِ عَنْ الِانْدِرَاسِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى التَّطْيِينِ وَيَكْرَهُ أَنْ يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ أَوْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ أَوْ يَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ يُوطَأَ عَلَيْهِ أَوْ يُقْضَى عَلَيْهِ حَاجَةُ الْإِنْسَانِ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ يُعَلَّمَ بِعَلَامَةٍ مِنْ كِتَابَةٍ وَنَحْوِهِ أَوْ يُصَلَّى إلَيْهِ أَوْ يُصَلَّى بَيْنَ الْقُبُورِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُوطَأَ عَلَيْهِ»، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» «وَنَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ». وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ أَوْ وَضْعِ الْحَجَرِ لِيَكُونَ عَلَامَةً لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَضَعَ حَجَرًا عَلَى قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ» وَحَمَلَ الطَّحَاوِيُّ الْجُلُوسَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ عَلَى الْجُلُوسِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يُخْرَجُ مِنْ الْقَبْرِ) يَعْنِي لَا يُخْرَجُ الْمَيِّتُ مِنْ الْقَبْرِ بَعْدَ مَا أُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ نَبْشِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً) فَيُخْرَجَ لِحَقِّ صَاحِبِهَا إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ سَوَّاهُ مَعَ الْأَرْضِ وَانْتَفَعَ بِهِ زِرَاعَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَلَوْ بَقِيَ فِي الْأَرْضِ مَتَاعٌ لِإِنْسَانٍ قِيلَ لَمْ يُنْبَشْ بَلْ يُحْفَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَتَاعِ وَيُخْرَجُ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِنَبْشِهِ وَإِخْرَاجِهِ. وَلَوْ وُضِعَ الْمَيِّتُ فِيهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ أَوْ جُعِلَ رَأْسُهُ فِي مَوْضِعِ رِجْلَيْهِ وَأُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ لَمْ يُنْبَشْ، وَلَوْ سُوِّيَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ، وَلَمْ يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ نُزِعَ اللَّبِنُ، وَرُوعِيَ السُّنَّةُ، وَلَوْ بَلِيَ الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا جَازَ دَفْنُ غَيْرِهِ فِي قَبْرِهِ وَزَرْعُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) وَلَا بَأْسَ بِتَعْزِيَةِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَتَرْغِيبِهِمْ فِي الصَّبْرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» وَيَقُولُ لَهُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك، وَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ لَهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ مِنْ فَرْشِ الْبُسُطِ وَالْأَطْعِمَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ عِنْدَ السُّرُورِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ»، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَعْقِرُ عِنْدَ الْقَبْرِ بَقَرَةً أَوْ شَاةً، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُتَّخَذَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ»، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَدْخَلَهُ الْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٌّ وَصُهَيْبٌ وَقِيلَ فِي الرَّابِعِ إنَّهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَقِيلَ إنَّهُ أَبُو رَافِعٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّفْعَ سُنَّةٌ؛ وَلِأَنَّ الدُّخُولَ فِي الْقَبْرِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْوَضْعِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ الشَّفْعُ وَالْوِتْرُ فِيهِ سَوَاءٌ؛ وَلِأَنَّهُ مِثْلُ حَمْلِ الْمَيِّتِ. اهـ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُعَلَّمُ بِعَلَامَةٍ مِنْ كِتَابَةٍ وَنَحْوِهِ إلَخْ)، وَهَلْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْقُبُورِ مَكْرُوهَةٌ؟. تَكَلَّمُوا فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُكْرَهُ. اهـ. وَمَشَايِخُنَا أَخَذُوا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ مَاتَ فَأَجْلَسَ وَارِثُهُ رَجُلًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى قَبْرِهِ تَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَلِهَذَا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْعِيَاضِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَمَا أَوْصَى بِهِ. اهـ. ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْكَرَاهِيَةِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً أَوْ يَأْخُذُهَا شَفِيعٌ) وَلِذَا لَمْ يُحَوَّلْ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ دُفِنُوا بِأَرْضِ الْحَرْبِ إذْ لَا عُذْرَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: زِرَاعَةً أَوْ غَيْرَهَا إلَخْ) فَإِنَّ حَقَّهُ فِي ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا فَإِنْ شَاءَ تَرَكَ حَقَّهُ فِي بَاطِنِهَا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَقِيَ فِي الْقَبْرِ مَتَاعٌ) قَالَ الْكَمَالُ وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يَسْقُطَ فِي اللَّحْدِ مَالٌ ثَوْبٌ أَوْ دِرْهَمٌ لِأَحَدٍ وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمَشَايِخِ فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا، وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ تَصْبِرْ وَأَرَادَتْ نَقْلَهُ أَنَّهُ لَا يَسَعُهَا ذَلِكَ فَتَجْوِيزُ شَوَاذِّ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَلَمْ نَعْلَمْ خِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ وَقَدْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ أَوْ بِلَا صَلَاةٍ فَلَمْ يُبِيحُوهُ لِتَدَارُكِ فَرْضٍ لَحِقَهُ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِهِ أَمَّا إذَا أَرَادُوا نَقْلَهُ قَبْلَ الدَّفْنِ وَتَسْوِيَةِ اللَّبِنِ فَلَا بَأْسَ بِنَقْلِهِ نَحْوَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ؛ لِأَنَّ الْمَسَافَةَ إلَى الْمَقَابِرِ قَدْ تَبْلُغُ هَذَا الْمِقْدَارَ، وَقَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ قَوْلُ سَلَمَةَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَقْلَهُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ مَكْرُوهٌ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْفَنَ كُلٌّ فِي مَقْبَرَةِ الْبَلْدَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَنُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ حِينَ زَارَتْ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ مَاتَ بِالشَّامِ وَحُمِلَ مِنْهَا لَوْ كَانَ الْأَمْرُ فِيكَ إلَيَّ مَا نَقَلْتُكَ، وَلَدَفَنْتُكَ حَيْثُ مِتَّ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ فِي النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَا إثْمَ لِمَا نُقِلَ أَنَّ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَاتَ بِمِصْرَ فَنُقِلَ إلَى الشَّامِ وَمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَقَلَ تَابُوتَ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ مَا أَتَى عَلَيْهِ زَمَانٌ مِنْ مِصْرَ إلَى الشَّامِ لِيَكُونَ مَعَ آبَائِهِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَلَمْ يَتَوَفَّرْ فِيهِ كَوْنُهُ شَرْعًا لَنَا إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ مَاتَ فِي ضَيْعَةٍ عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ الْمَدِينَةِ فَحُمِلَ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ إلَيْهَا قَوْلُهُ: وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَيْ لِنَبْشِهِ. اهـ. [فَصَلِّ تعزية أَهْل الْمَيِّت] (قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ بِتَعْزِيَةِ أَهْلِ الْمَيِّتِ إلَخْ)، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنْ يُعَزَّى إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يُتْرَكُ لِئَلَّا يَتَجَدَّدَ الْحُزْنُ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إلَّا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ (قَوْلُهُ: وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) أَيْ صَبَّرَك. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ عِنْدَ السُّرُورِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ، وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ مِنْ النِّيَاحَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُتَّخَذَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَيُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْأَقْرِبَاءِ الْأَبَاعِدِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا») الْحَدِيثَ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ

[باب الشهيد]

(بَابٌ الشَّهِيدُ) سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُهُ إكْرَامًا لَهُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هُوَ) أَيْ الشَّهِيدُ (مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ، وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ ظُلْمًا، وَلَمْ تَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ)، وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ، وَلَمْ تَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شُهَدَاءُ أُحُدٍ وَكُلُّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ طَاهِرٍ قُتِلَ ظُلْمًا، وَلَمْ يَرْتَثَّ، وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ عِوَضٌ مَالِيٌّ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُمْ، وَقَوْلُهُ مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ يَتَنَاوَلُ مَنْ قَتَلُوهُ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسْبِيبًا؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ مُضَافٌ إلَيْهِمْ حَتَّى لَوْ أَوْطَئُوا دَابَّتَهُمْ مُسْلِمًا أَوْ نَفَّرُوا دَابَّةَ مُسْلِمٍ فَرَمَتْهُ أَوْ رَمَوْهُ مِنْ السُّورِ أَوْ أَلْقَوْا عَلَيْهِ حَائِطًا أَوْ رَمَوْا بِنَارٍ فَأَحْرَقُوا سُفُنَهُمْ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ فَمَاتَ بِهِ مُسْلِمٌ كَانَ شَهِيدًا لِمَا قُلْنَاهُ، وَلَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةُ مُشْرِكٍ لَيْسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَوَطِئَتْ مُسْلِمًا أَوْ رَمَى مُسْلِمٌ إلَى الْكُفَّارِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا أَوْ نَفَرَتْ دَابَّةُ مُسْلِمٍ مِنْ سَوَادِ الْكُفَّارِ أَوْ نَفَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَأَلْجَؤُهُمْ إلَى خَنْدَقٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ جَعَلُوا حَوْلَهُمْ الْحَسَكَ فَمَشَى عَلَيْهَا مُسْلِمٌ فَمَاتَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَيْهِمْ. وَإِنْ طَعَنُوهُمْ حَتَّى أَلْقَوْهُمْ فِي النَّارِ يَكُونُوا شُهَدَاءَ إجْمَاعًا قَوْلُهُ وَبِهِ أَثَرٌ أَيْ أَثَرٌ يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى الْقَتْلِ كَالْجُرْحِ وَسَيَلَانِ الدَّمِ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ إذْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ وَجُرْحٍ فِي الْبَاطِنِ عَادَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَوْ كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ دُبُرِهِ لَا يَكُونُ شَهِيدًا؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْمَخَارِقِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ عَادَةً إذْ الْإِنْسَانُ يُبْتَلَى بِالرُّعَافِ وَيَبُولُ الْجَبَانُ دَمًا وَصَاحِبُ الْبَاسُورِ يَخْرُجُ الدَّمُ مِنْ دُبُرِهِ، وَقَدْ يَمُوتُ الْجَبَانُ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ فَزَعًا، وَكَوْنُهُ فِي الْمَعْرَكَةِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِقَتْلِهِ بِلَا إصَابَةٍ فَلَمْ يَقَعْ مَقَامَ الْقَتْلِ، وَلَوْ كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ فِيهِ فَإِنْ ارْتَقَى مِنْ الْجَوْفِ، وَكَانَ صَافِيًا يَكُونُ شَهِيدًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْبَاطِنِ، وَإِنْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ لَا يَكُونُ شَهِيدًا؛ لِأَنَّهُ رُعَافٌ خَرَجَ مِنْ جَانِبِ الْفَمِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ جَامِدًا لَا يَكُونُ شَهِيدًا؛ لِأَنَّهُ سَوْدَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ احْتَرَقَتْ قَوْلُهُ، وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ أَيْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ حَتَّى لَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِالصُّلْحِ أَوْ بِقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ أَوْ شَخْصًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ؛ وَلِأَنَّهُ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ وَيُلِحُّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ فَإِنَّ الْحُزْنَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَيَضْعُفُونَ. اهـ كَمَالٌ. [بَابٌ الشَّهِيدُ] الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الشَّهِيدَ لَمَّا كَانَ مَيِّتًا بِأَجَلِهِ يَلِيقُ إيرَادُ بَابِ الشَّهِيدِ بَعْدَ الْجَنَائِزِ أَوْ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الشَّهِيدِ إلَى الْمَيِّتِ كَنِسْبَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّ الشَّهِيدَ حَيٌّ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] فَلَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ الْمَيِّتِ الْمُطْلَقِ عَقَّبَهُ بِبَيَانِ حُكْمِ الْمَيِّتِ الْمُقَيَّدِ أَيْضًا كَذَا فِي مُشْكِلَاتِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّمَا ذَكَرَ الشَّهِيدَ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يُخَالِفُ حُكْمَ سَائِرِ الْمَوْتَى فِي حَقِّ التَّكْفِينِ وَالْغُسْلِ فَإِنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي عَلَيْهِ وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالسِّلَاحُ وَمَا لَا يَصْلُحُ لِلْكَفَنِ، وَلَا يُغَسَّلُ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُهُ) أَيْ تَشْهَدُ مَوْتَهُ فَهُوَ مَشْهُودٌ، وَهُوَ عَلَى هَذَا فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ) أَوْ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ حَاضِرٌ، وَهُوَ عَلَى هَذَا فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ قَالَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ ظُلْمًا إلَخْ)، وَلَوْ قُتِلَ بِشَيْءٍ لَا يُوصَفُ بِالظُّلْمِ كَمَا إذَا انْهَدَمَ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ أَوْ سَقَطَ مِنْ الْجَبَلِ أَوْ غَرِقَ فِي الْمَاءِ أَوْ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ. اهـ طَحَاوِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ ظُلْمًا مَا نَصُّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. (قَوْلُهُ: أَوْ جَعَلُوا حَوْلَهُمْ الْحَسَكَ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ قَتِيلُ الْحَسَكِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُغَسَّلَ؛ لِأَنَّ جَعْلَهُ تَسْبِيبٌ لِلْقَتْلِ قُلْنَا مَا قُصِدَ بِهِ الْقَتْلُ يَكُونُ تَسْبِيبًا وَمَا لَا فَلَا، وَهُمْ قَصَدُوا بِهِ الدَّفْعَ لَا الْقَتْلَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: كَالْجُرْحِ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ جَرَحَهُ جَرْحًا وَالِاسْمُ الْجُرْحُ بِالضَّمِّ. اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ كَالْجُرْحِ أَوْ رَضٍّ ظَاهِرٍ. اهـ. كَمَالٌ بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ فِيهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ ظَهَرَ الدَّمُ مِنْ الْفَمِ فَقَالُوا إنْ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ بِأَنْ يَكُونَ صَافِيًا غُسِلَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَهُ مِنْ جِرَاحَةٍ فِيهِ فَلَا يُغْسَلُ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ الْمُرْتَقِيَ مِنْ الْجَوْفِ قَدْ يَكُونُ عَلَقًا فَهُوَ سَوْدَاءُ بِصُورَةٍ، وَقَدْ يَكُونُ رَقِيقًا مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ فَلَمْ يَلْزَمْ كَوْنُهُ مِنْ جِرَاحَةٍ حَادِثَةٍ بَلْ هُوَ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَاتِ حِينَئِذٍ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَا يَصْعَدُ مِنْ الْجَوْفِ لَا يَكُونُ صَافِيًا أَلْبَتَّةَ فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ إلَخْ) وَكَانَ مُرْتَقِيًا مِنْ الْجَوْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ شَخْصًا) يَعْنِي أَوْ قَتَلَ الْأَبُ شَخْصًا آخَرَ وَوَارِثُ ذَلِكَ الشَّخْصِ ابْنُ الْقَاتِلِ. اهـ. كَذَلِكَ بِخَطِّ الشَّارِحِ حَانُوتِيٌّ (فَرْعٌ)، وَإِذَا قُتِلَ فِي قِتَالٍ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا فِي الْقِتَالِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ. الثَّانِي فِي الْقِتَالِ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْخَوَارِجِ. الثَّالِثُ فِي الْقِتَالِ مَعَ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالسُّرَّاقِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ مِنْ هَذَا بَعْدَ أَنْ قُتِلَ بِفِعْلٍ مَنْسُوبٍ إلَى الْعَدُوِّ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَارٍ أَوْ قُتِلَ مِنْ وَطْءِ دَوَابِّهِمْ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلٍ مَنْسُوبٍ إلَيْهِمْ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمُبَاشَرَةِ مِنْهُمْ أَوْ بِالتَّسَبُّبِ لَا يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ لَا يَجِبُ فِيهِ مَالٌ فَيَكُونُ الْمَقْتُولُ شَهِيدًا كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ «السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ») قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرُوهُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ حَدِيثًا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، وَإِنَّمَا مُعْتَمَدُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ». اهـ. اعْلَمْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ الْبَائِعُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْجَنَّةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] وَالْبَاءُ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ فَتَكُونُ الْجَنَّةُ ثَمَنًا، وَقَدْ عُرِفَ

آخَرَ وَوَارِثُهُ ابْنُهُ يَكُونُ شَهِيدًا؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَتْلِ لَمْ يُوجِبْ الدِّيَةَ بَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَإِنَّمَا سَقَطَ بِالصُّلْحِ أَوْ بِالشُّبْهَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا غُسْلٍ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِدَفْنِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ»؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ شَفَاعَةٌ، وَهُمْ مُسْتَغْنُونَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ؛ وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ تَرْغِيبًا لِغَيْرِهِمْ فِي الشَّهَادَةِ لِيَنَالُوا دَرَجَةَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِخِلَافِ النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ كَسْبِيَّةٍ فَلَا يُمْكِنُ التَّرْغِيبُ فِيهَا؛ وَلِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ، عِنْدَ اللَّهِ، وَالصَّلَاةُ شُرِعَتْ فِي حَقِّ الْأَمْوَاتِ، وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ مَعَ حَمْزَةَ، وَكَانَ يُؤْتَى بِتِسْعَةٍ تِسْعَةٍ وَحَمْزَةُ عَاشِرُهُمْ فَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ» الْحَدِيثَ، وَقَدْ صَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى غَيْرِهِمْ كَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَى أَعْرَابِيًّا نَصِيبَهُ، وَقَالَ قَسَمْتُهُ لَك فَقَالَ مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنْ اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَاهُنَا، وَأَشَارَ إلَى حَلْقِهِ فَأَمُوتَ، وَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ ثُمَّ أُتِيَ بِالرَّجُلِ فَأَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ وَكُفِّنَ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى عَلَيْهِ» الْحَدِيثَ، وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمِنْبَرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ شُرِعَتْ إكْرَامًا لَهُ، وَالطَّاهِرُ مِنْ الذَّنْبِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا كَالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ نَافٍ، وَمَا رَوَيْنَاهُ مُثْبِتٌ فَكَانَ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَيْنَاهُ يُوَافِقُ الْأُصُولَ، وَمَا رَوَاهُ يُخَالِفُ فَالْأَخْذُ بِمَا يُوَافِقُ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ جَابِرًا كَانَ مَشْغُولًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُشْهِدَ أَبُوهُ، وَعَمُّهُ وَخَالُهُ فَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ لِيُدَبِّرَ كَيْفَ يَحْمِلُهُمْ إلَيْهَا ثُمَّ سَمِعَ مُنَادِي، رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُدْفَنَ الْقَتْلَى فِي مُصَارِعِهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا حِينَ صَلَّى عَلَيْهِمْ فَرَوَى عَلَى مَا عِنْدَهُ، وَفِي ظَنِّهِ، وَمَنْ لَمْ يَغِبْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَيْهِمْ، وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ أُسَامَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ الْبَيْتَ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مِنْ الْكَعْبَةِ لِطَلَبِ الْمَاءِ» وَرَوَى بِلَالٌ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى فِيهِ»، وَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَغِبْ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِمْ لَنَبَّهَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا وَعِلَّةِ سُقُوطِهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَى تَرْكِ الْغُسْلِ وَعِلَّةِ سُقُوطِهِ «؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى غَيْرِ قَتْلَى أُحُدٍ» مِنْ غَيْرِ تَعَارُضٍ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الصَّلَاةَ شَفَاعَةٌ، وَهُمْ مُسْتَغْنَوْنَ، عَنْهَا فَفَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ دُعَاءٌ لَهُ، وَلَا يَسْتَغْنِي أَحَدٌ عَنْ الدُّعَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ، وَأَعْلَى دَرَجَةً وَيُصَلَّى عَلَى الصَّبِيِّ، وَهُوَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ قَطُّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ قُلْنَا تِلْكَ الْحَيَاةُ لَيْسَتْ حَيَاةَ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا هِيَ حَيَاةُ الْأُخْرَى، وَهِيَ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ وَتِلْكَ لَا تَمْنَعُ مِنْ إجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمَوْتَى عَلَيْهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ وَتُقْسَمُ أَمْوَالُهُمْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَتَعْتَدُّ نِسَاؤُهُمْ وَتُعْتَقُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِمْ، وَمُدَبَّرُوهُمْ وَتَحِلُّ دُيُونُهُمْ الْمُؤَجَّلَةُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُدْفَنُ بِدَمِهِ وَثِيَابِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِمْ لَا تُغَسِّلُوهُمْ فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا مَا لَيْسَ مِنْ الْكَفَنِ) كَالْفَرْوِ وَالْحَشْوِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالسِّلَاحِ وَالْخُفِّ فَإِنَّهَا تُنْزَعُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُزَادُ وَيُنْقَصُ) يَعْنِي يُزَادُ عَلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ إذَا كَانَتْ دُونَ كَفَنِ السُّنَّةِ، وَيُنْقَصُ إذَا كَانَتْ أَزْيَدَ مُرَاعَاةً لِلسُّنَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُغَسَّلُ إنْ قُتِلَ جُنُبًا أَوْ صَبِيًّا)، وَكَذَا إنْ قُتِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الدَّائِنَ إذَا مَلَكَ الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا، وَهُنَا قَدْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ، وَهُوَ نَفْسُهُ لَمَّا قُتِلَ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الدُّيُونُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ «السَّيْفُ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ» ثُمَّ الْمَبِيعُ إنَّمَا يَصِحُّ عَنْ عَقْلٍ وَتَمْيِيزٍ فَلِهَذَا يُغْسَلُ الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، وَإِذَا اُرْتُثَّ يَسْقُطُ حُكْمُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الِارْتِثَاثَ بِمَنْزِلَةِ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا الِاسْتِغْفَارُ لَهُ وَالشَّفَاعَةُ وَالتَّكْرِيمُ تُسْتَفَادُ إرَادَتُهَا مِنْ إيجَابِ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ فَنَقُولُ إذَا أَوْجَبَ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ تَكْرِيمًا فَلَأَنْ يُوجِبَهَا عَلَى الشَّهِيدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الْكَرَامَةَ أَظْهَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى النَّبِيِّ كَانَ أَوْلَى فَإِنَّ الدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَبَوَيْهِ هَذَا وَلَوْ اخْتَلَطَ قَتْلَى الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلَى الْكُفَّارِ أَوْ مَوْتَاهُمْ بِمَوْتَاهُمْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ فَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيَنْوِي أَهْلَ الْإِسْلَامِ فِيهَا بِالدُّعَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ») قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْكَلْمُ الْجِرَاحَةُ وَالْجَمْعُ كُلُومٌ. اهـ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَا يُغْسَلُ عَنْ الشَّهِيدِ دَمُهُ، وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ لِمَا، رَوَيْنَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ، وَلَا تُغَسِّلُوهُمْ»: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ غَسْلِ الدَّمِ عَنْ الشَّهِيدِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نَزْعِ الثِّيَابِ، وَإِنَّمَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ، وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ». اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَيُغَسَّلُ إنْ قُتِلَ جُنُبًا) قَالَ فِي الْكَافِي، وَلَهُ أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُسْلِمَ طَاهِرٌ، وَإِنَّمَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَالشَّهَادَةُ مَانِعَةُ نَجَاسَةٍ ثَبَتَتْ بِالْمَوْتِ بِسَبَبِ احْتِبَاسِ الدِّمَاءِ السَّيَالَةِ فِيهِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَهَا دِمَاءٌ سَائِلَةٌ وَالشَّهَادَةُ مَانِعَةٌ مِنْ الِاحْتِبَاسِ فَلَا تَثْبُتُ نَجَاسَةُ الْمَوْتِ غَيْرَ رَافِعَةٍ نَجَاسَةً ثَابِتَةً وَحَاجَتُنَا إلَى الرَّفْعِ لِقِيَامِ الْجَنَابَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِالشَّهَادَةِ كَالنَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ إجْمَاعًا حَتَّى يُغْسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ

مَجْنُونًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يُغَسَّلُ لِعُمُومِ مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْجَنَابَةِ سَقَطَ بِالْمَوْتِ لِانْتِهَاءِ التَّكْلِيفِ وَالثَّانِي لَمْ يَجِبْ لِلشَّهَادَةِ؛ وَلِأَنَّ الشَّهِيدَ إنَّمَا لَا يُغَسَّلُ لِتَطَهُّرِهِ عَنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ أَطْهَرُ فَكَانَا أَحَقَّ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِبِ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فَغَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنِّي رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُ حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِمَاءِ الْمُزْنِ فِي صَحَائِفِ الْفِضَّةِ». وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ «فَذَهَبْنَا وَنَظَرْنَا إلَيْهِ فَإِذَا رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ خَرَجَ، وَهُوَ جُنُبٌ»، وَأَوْلَادُهُ يُسَمَّوْنَ أَوْلَادَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ؛ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ عُرِفَتْ مَانِعَةً لَا رَافِعَةً فَلَا تَرْفَعُ الْجَنَابَةَ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَا فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ كَفَى عَنْ الْغُسْلِ فِي حَقِّهِمْ لِوُقُوعِهِ طُهْرَةً، وَلَا ذَنْبَ لَهُمَا فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ بِهِمْ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَائِضُ إذَا اُسْتُشْهِدَتْ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَكَذَا قَبْلَهُ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الصَّحِيحِ وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِي الْجُنُبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ اُرْتُثَّ بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ تَدَاوَى أَوْ مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ، وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ أَوْ أَوْصَى)؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَصِيرُ خَلِقًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ وَيَنَالُ شَيْئًا مِنْ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ فَيُغَسَّلُ؛ لِأَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ مَاتُوا عِطَاشًا وَالْكَأْسُ يُدَارُ عَلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ نُقْصَانِ الشَّهَادَةِ إلَّا إذَا حُمِلَ مِنْ مَصْرَعِهِ كَيْ لَا تَطَأَهُ الْخَيْلُ؛ لِأَنَّهُ مَا نَالَ شَيْئًا مِنْ الرَّاحَةِ، وَقَوْلُهُ أَوْ مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ يَعْقِلُ أَيْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَجِبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِتَرْكِهَا فَيَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ إنْ بَقِيَ يَوْمًا كَامِلًا أَوْ لَيْلَةً كَامِلَةً غُسِّلَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ إنْ بَقِيَ يَوْمًا، وَلَيْلَةً غُسِّلَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا فَلَا تُعْتَبَرُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ لَا يُغَسَّلُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِحَيَاتِهِ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ أَوْصَى يَتَنَاوَلُ الْوَصِيَّةَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَبِأُمُورِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا بِالْوَصِيَّةِ، وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا، وَفِي الْوَصِيَّةِ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا إجْمَاعًا، وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَفِي أُمُورِ الدُّنْيَا يَكُونُ مُرْتَثًّا إجْمَاعًا، وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا فَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَمُحَمَّدٌ لَا يُخَالِفُهُ فِيهَا وَجَوَابُ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يُخَالِفُهُ فِيهَا، وَمِنْ الِارْتِثَاثِ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ، وَقِيلَ بِكَلِمَةٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُنْقِصُ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فَيُغَسَّلُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا وُجِدَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَأَمَّا قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَلَا يَكُونُ مُرْتَثًّا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أَوْ قُتِلَ فِي الْمِصْرِ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا)؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فَخَفَّ أَثَرُ الظُّلْمِ فَيُغَسَّلُ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ فِي الْمِصْرِ، وَعُلِمَ قَاتِلُهُ لَمْ يُغَسَّلْ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِصَاصَ، وَهُوَ عُقُوبَةٌ شُرِعَ لِتَشَفِّي الْأَوْلِيَاءِ، وَلَيْسَ بِعِوَضٍ لِعَدَمِ عَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا عِوَضٌ عَنْهُ وَلِهَذَا تَعُودُ مَنْفَعَتُهَا إلَيْهِ حَتَّى يُقْضَى بِهَا دُيُونُهُ فَبَقِيَ كَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ وَجْهٍ بِإِخْلَافِ بَدَلِهِ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ دَلِيلُ خِفَّةِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ، وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ دَلِيلُ نِهَايَةِ الظُّلْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالشُّبْهَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أَوْ قُتِلَ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ)؛ لِأَنَّهُ بَاذِلٌ نَفْسَهُ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُمْ فَيُغَسَّلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا لِبَغْيٍ، وَقَطْعِ طَرِيقٍ) أَيْ لَا مِنْ قُتِلَ لِأَجْلِ بَغْيٍ بِأَنْ كَانَ مَعَ الْبُغَاةِ، وَلَا مَنْ قُتِلَ لِأَجْلِ قَطْعِ طَرِيقِ فَإِنَّهُمَا لَا يُغَسَّلَانِ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمَا أَيْضًا إهَانَةً لَهُمَا، وَقِيلَ يُغَسَّلَانِ، وَلَا يُصَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَنَابَةُ كَانَتْ مَانِعَةً لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ إدْخَالَهُ، وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَلَأَنْ يَمْنَعَ إدْخَالَهُ فِي الْقَبْرِ لِلْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى. وَأَمَّا الْحَدَثُ فَلَا حُكْمَ لَهُ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْمَنْعِ مِنْ الْعَرْضِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ حَنْظَلَةَ قُتِلَ جُنُبًا فَغَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَمَا غَسَّلُوا إذْ غُسْلُهُمْ لِلتَّعْلِيمِ كَمَا فِي آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنْ قِيلَ الْوَاجِبُ غُسْلُ الْآدَمِيِّينَ لَا غُسْلُ الْمَلَائِكَةِ قُلْنَا الْوَاجِبُ هُوَ الْغُسْلُ فَأَمَّا الْغَاسِلُ فَيَجُوزُ مَنْ كَانَ، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ غُسْلَ الْجُنُبِ وَجَبَ وَجَبَ عَلَيْنَا؛ لِأَنَّا مُخَاطَبُونَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ دُونَ الْمَلَائِكَةِ وَإِنَّمَا أُمِرُوا فِي الْبَعْضِ إظْهَارًا لِلْفَضِيلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْجَنَابَةِ سَقَطَ إلَخْ)؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِوُجُوبِ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ، وَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ فَيَسْقُطُ الْغُسْلُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ أَطْهُرُ فَكَانَا أَحَقَّ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ) أَيْ، وَهُوَ سُقُوطُ الْغُسْلِ فَإِنَّ سَقُوطَهُ لِإِبْقَاءِ أَثَرِ الْمَظْلُومِيَّةِ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ أَوْلَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَظْلُومِيَّتَهُ أَشَدُّ حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - خُصُومَةُ الْبَهِيمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَشَدُّ مِنْ خُصُومَةِ الْمُسْلِمِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَائِضُ إلَى آخِرِهِ) احْتِرَازًا عَنْ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ وَاجِبًا عَلَيْهِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ إذْ لَا يَجِبُ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ بِالْمَوْتِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْجُنُبِ إذْ قَدْ صَارَ أَصْلًا مُعَلَّلًا بِالْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ اُرْتُثَّ بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ تَدَاوَى أَوْ مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ اُرْتُثَّ غُسِّلَ، وَهُوَ مَنْ صَارَ خَلِقًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ لِنَيْلِ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَخِفُّ أَثَرُ الظُّلْمِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ: لِنَيْلِ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ خَلِقًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ وَحُكْمُ الشَّهَادَةِ أَنْ لَا يُغَسَّلَ، وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ خَلِقًا فِي نَفْسِ الشَّهَادَةِ بَلْ هُوَ شَهِيدٌ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ إلَى آخِرِهِ)

[باب الصلاة في الكعبة]

عَلَيْهِمَا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّهِيدِ، وَقِيلَ هَذَا إذَا قُتِلَا فِي حَالَةِ الْمُحَارَبَةِ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، وَأَمَّا إذَا قُتِلَا بَعْدَ ثُبُوتِ يَدِ الْإِمَامِ عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُمَا يُغَسَّلَانِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمَا، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ أَخَذَ بِهِ الْكِبَارُ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ قَتْلَ قَاطِعِ الطَّرِيقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَتْلُ الْبَاغِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلسِّيَاسَةِ أَوْ لِكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَى الْعَامَّةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُغَسَّلَانِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمَا كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ بِحَقٍّ فَصَارَ كَمَنْ قُتِلَ بِالْقِصَاصِ أَوْ بِالْحَدِّ، وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى أَصْحَابِ النَّهْرَوَانِ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ فَقِيلَ لَهُ أَكُفَّارٌ هُمْ فَقَالَ أَخِوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا فَأَشَارَ إلَى الْعِلَّةِ، وَهِيَ الْبَغْيُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي السِّيَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَلِأَنَّهُ قُتِلَ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ مُحَارِبًا لِلْمُسْلِمِينَ كَالْحَرْبِيِّ فَلَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عُقُوبَةً لَهُ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ كَالْمَصْلُوبِ يُتْرَكُ عَلَى الْخَشَبَةِ عُقُوبَةً لَهُ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ، وَكَذَا مَنْ يَقْتُلُ بِالْخَنْقِ غِيلَةً؛ لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَحُكْمُ أَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ حُكْمُ الْبُغَاةِ، وَمَنْ قَتَلَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إهَانَةً لَهُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا يُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ غَيْرُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَإِنْ كَانَ بَاغِيًا عَلَى نَفْسِهِ كَسَائِرِ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابٌ: الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (صَحَّ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فِيهَا، وَفَوْقَهَا) أَيْ صَحَّ فَرْضُ الصَّلَاةِ وَنَفْلُهَا فِي الْكَعْبَةِ، وَفَوْقَ الْكَعْبَةِ لِحَدِيثِ بِلَالٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ الْبَيْتَ وَصَلَّى فِيهِ وقَوْله تَعَالَى» {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهِ إذْ لَا مَعْنَى لِتَطْهِيرِ الْمَكَانِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَهِيَ لَا تَجُوزُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ شَطْرِهِ لَا اسْتِيعَابُهُ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِيمَنْ صَلَّى فِيهَا أَوْ فَوْقَهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِبْلَةَ هِيَ الْعَرْصَةُ وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ دُونَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُحَوَّلُ وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَلَا بِنَاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ فَوْقَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ إمَامِهِ فِيهَا) أَيْ فِي الْكَعْبَةِ (صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ، وَلَيْسَ بِمُتَقَدِّمٍ عَلَى إمَامِهِ، وَلَا يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّحَرِّي، وَكَذَا إذَا جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ لِوُجُودِ شَرَائِطِهَا، وَلَكِنْ يُكْرَهُ بِلَا حَائِلٍ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الصُّورَةِ، وَلَوْ جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى جَوَانِبِ الْإِمَامِ تَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَى وَجْهِهِ لَا) أَيْ مَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ تَحَلَّقُوا حَوْلَهَا) أَيْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ (صَحَّ لِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْكَعْبَةِ (مِنْ الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِهِ)؛ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ لَا يَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ. وَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ فِي الْكَعْبَةِ وَتَحَلَّقَ الْمُقْتَدُونَ حَوْلَهَا جَازَ إذَا كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا لِأَنَّهُ كَقِيَامِهِ فِي الْمِحْرَابِ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ الْكَمَالُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَوْنُ هَذَا فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هَذَا إذَا قُتِلَا إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْقَيْدُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْوَلْوَالِجِيُّ فَقَالَ أَهْلُ الْبَغْيِ إذَا قُتِلُوا فِي الْحَرْبِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَوْ قُتِلُوا بَعْدَمَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا صُلِّيَ عَلَيْهِمْ وَكَذَا قُطَّاعُ الطَّرِيقِ إذَا قُتِلُوا فِي حَالِ حَرْبِهِمْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ فَإِنْ أَخَذَهُمْ الْإِمَامُ وَقَتَلَهُمْ صَلَّى عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَا دَامُوا فِي الْحَرْبِ كَانُوا مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا فَقَدْ تَرَكُوا الْبَغْيَ وَمَشَايِخُنَا جَعَلُوا حُكْمَ الْمَقْتُولِينَ بِالْعَصَبِيَّةِ حُكْمَ أَهْلِ الْبَغْيِ حَتَّى قَالُوا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: غِيلَةً) وَالْغِيلَةُ بِالْكَسْرِ الِاغْتِيَالُ يُقَالُ قَتَلَهُ غِيلَةً، وَهُوَ أَنْ يَخْدَعَهُ فَيَذْهَبَ بِهِ إلَى مَوْضِعٍ فَإِذَا صَارَ إلَيْهِ قَتَلَهُ. اهـ مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ. . [بَابٌ الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ] وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي إيرَادِ هَذَا الْبَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ خَارِجَ الْكَعْبَةِ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْتَ مَأْمَنٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] وَالْقَبْرُ مَأْمَنٌ لِقَالَبِ الْمَيِّتِ أَيْضًا؛ وَلِأَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الْكَعْبَةِ مُسْتَقْبِلٌ مِنْ وَجْهٍ وَمُسْتَدْبِرٌ مِنْ وَجْهٍ وَكَذَلِكَ الشَّهِيدُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ مَيِّتٌ عِنْدَ النَّاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ شَطْرِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ غَيْرِ عَيْنٍ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْجُزْءُ قِبْلَةً لَهُ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ وَمَتَى صَارَ قِبْلَةً فَاسْتِدْبَارُهَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ يَكُونُ مُفْسِدًا فَأَمَّا الْأَجْزَاءُ الَّتِي لَمْ يَتَوَجَّهْ إلَيْهَا لَمْ تَصِرْ قِبْلَةً فِي حَقِّهِ فَاسْتِدْبَارُهَا لَا يَكُونُ مُفْسِدًا، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ رَكْعَةً إلَى جِهَةٍ وَرَكْعَةً إلَى جِهَةٍ أُخْرَى لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَدْبِرًا عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي صَارَتْ قِبْلَةً فِي حَقِّهِ بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ النَّائِي عَنْ الْكَعْبَةِ إذَا صَلَّى بِالتَّحَرِّي إلَى الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ بِأَنْ صَلَّى رَكْعَةً إلَى جِهَةٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَصَلَّى رَكْعَةً إلَيْهَا هَكَذَا جَازَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ الِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْجِهَةَ الَّتِي تَحَرَّى إلَيْهَا مَا صَارَتْ قِبْلَةً لَهُ بِيَقِينٍ بَلْ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ فَمَتَى تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى صَارَتْ قِبْلَتَهُ هَذِهِ الْجِهَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَمْ يَبْطُلْ مَا أَدَّى بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى بِالِاجْتِهَادِ لَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ فَصَارَ مُصَلِّيًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا إلَى الْقِبْلَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ بِيَقِينٍ فَهُوَ الْفَرْقُ. اهـ [كِتَابُ الزَّكَاةِ] وَتُسَمَّى صَدَقَةً أَيْضًا قَالَ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] مِنْ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ؛ لِأَنَّ دَافِعَهَا مُصَدِّقٌ بِوُجُوبِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ إذَا زَادَ) قَالَ الْكَمَالُ، وَفِي هَذَا الِاسْتِشْهَادِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الزَّكَاءُ بِالْمَدِّ بِمَعْنَى النَّمَاءِ يُقَالُ زَكَا زَكَاءً فَيَجُوزُ كَوْنُ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ مِنْهُ لَا مِنْ الزَّكَاةِ بَلْ كَوْنُهَا مِنْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ عَيْنِ لَفْظِ الزَّكَاةِ فِي مَعْنَى النَّمَاءِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهَا نَفْسُ الْمَالِ الْمُخْرَجِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ قَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُتَعَلَّقَ الْإِيتَاءِ هُوَ الْمَالُ، وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُوَ نَفْسُ فِعْلِ الْإِيتَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يَصِفُونَهُ بِالْوُجُوبِ وَمُتَعَلَّقُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ وَمُنَاسَبَةُ اللُّغَوِيِّ أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ إذْ يَحْصُلُ بِهِ النَّمَاءُ بِالْخَلَفِ مِنْهُ تَعَالَى فِي الدَّارَيْنِ وَالطَّهَارَةُ لِلنَّفْسِ مِنْ دَنَسِ الْبُخْلِ وَالْمُخَالَفَةِ وَلِلْمَالِ بِإِخْرَاجِ حَقِّ الْغَيْرِ مِنْهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ أَعْنِي الْفُقَرَاءَ ثُمَّ هِيَ فَرِيضَةٌ مَحْكَمَةٌ وَسَبَبُهَا الْمَالُ الْمَخْصُوصُ أَعْنِي النِّصَابَ النَّامِيَ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا وَلِذَا تُضَافُ إلَيْهِ فَيُقَالُ زَكَاةُ الْمَالِ وَشَرْطُهَا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْفَرَاغُ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْأَفْضَلُ فِي الزَّكَاةِ الْإِعْلَانُ بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُه

قَالَ (كِتَابُ الزَّكَاةِ) الزَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَادَةِ يُقَالُ زَكَا الْمَالُ إذَا زَادَ وَزَكَا الزَّرْعُ إذَا زَادَ، وَعَنْ الطَّهَارَةِ أَيْضًا، وَمِنْهُ {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ وَلَا مَوْلَاهُ بِشَرْطِ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُمَلِّكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِلَّهِ تَعَالَى) هَذَا فِي الشَّرْعِ، وَقَوْلُهُ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ أَيْ الزَّكَاةُ تَمْلِيكُ الْمَالِ وَتَرِدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا مُلِّكَتْ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ مَوْجُودٌ فِيهَا، وَلَوْ قَالَ تَمْلِيكُ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لَانْفَصَلَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ يَجِبُ فِيهَا تَمْلِيكُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْإِيتَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ، وَلَا تَتَأَدَّى بِالْإِبَاحَةِ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[شروط وجوبها]

لَوْ كَفَلَ يَتِيمًا فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ نَاوِيًا لِلزَّكَاةِ لَا يُجْزِيهِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ كَسَاهُ تُجْزِيهِ لِوُجُودِ التَّمْلِيكِ. وَقَوْلُهُ: مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ وَلَا مَوْلَاهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْغَنِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْهَاشِمِيِّ وَمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ مَعَ الْعِلْمِ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ: بِشَرْطِ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُمَلِّكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الدَّفْعِ إلَى فُرُوعِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا، وَإِلَى أُصُولِهِ، وَإِنْ عَلَوْا، وَمِنْ دَفْعِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ، وَمِنْ دَفْعِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى الْآخَرِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ: لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ، وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَشَرْطُ وُجُوبِهَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَمِلْكُ نِصَابٍ حَوْلِيٍّ فَارِغٍ عَنْ الدَّيْنِ وَحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ نَامٍ، وَلَوْ تَقْدِيرًا) أَيْ شَرْطُ لُزُومِ الزَّكَاةِ عِلْمًا، وَعَمَلًا، وَأَرَادَ بِالْوُجُوبِ الْفَرْضِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ شُرُوطُهَا أَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَا بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ابْتَغُوا فِي مَالِ الْيَتَامَى خَيْرًا كَيْ لَا تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ»؛ وَلِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ فَتَجِبُ فِي مَالِهِمَا كَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالْغَرَامَاتِ الْمَالِيَّةِ فَصَارَتْ كَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» الْحَدِيثَ؛ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ لِكَوْنِهَا أَحَدَ أَرْكَانِ الدِّينِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ»، وَعَدَّ مِنْهَا الزَّكَاةَ، وَهُمَا لَيْسَا بِمُخَاطَبِينَ فِي الْعِبَادَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا سَائِرُ أَرْكَانِهِ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ عِبَادَةً لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُؤَنِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ؛ وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةَ، وَهِيَ لَا تَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا، وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الْغَيْرِ، وَلَا يَلْزَمُنَا الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّا لَا نَعْتَبِرُ نِيَّتَهُ، وَإِنَّمَا نَعْتَبِرُ نِيَّةَ الْمُوَكِّلِ وَلِهَذَا تَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ أَنَّهَا مِنْ الزَّكَاةِ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَهُمَا نَاقِصٌ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَبَرُّعُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ بِتَقْدِيرِ الْكُلِّ التَّرَاخِي، وَهُوَ بَعِيدٌ لَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ زَمَانِ أَدَاءِ الْمُكَلَّفِينَ فَتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ) أَيْ وَكَذَا إنْ دَفَعَ الطَّعَامَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَأْكُلُ فِي الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ دَفْعٍ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَسَاهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلْخَلْخَالِيِّ لَوْ أَنْفَقَ عَلَى الْيَتِيمِ نَاوِيًا لِلزَّكَاةِ لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ النَّفَقَةَ إلَيْهِ وَيَأْخُذَهَا الْيَتِيمُ بِيَدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُمَلِّكِ) هُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ الْمَالِكُ. اهـ. ع [شُرُوط وُجُوبهَا] (قَوْلُهُ: وَمِلْكُ نِصَابٍ) أَيْ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي سَوَائِمِ الْوَقْفِ وَالْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِي الزَّكَاةِ تَمْلِيكًا، وَالتَّمْلِيكُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يُتَصَوَّرُ، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَالِ الَّذِي اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْعَدُوُّ، وَأَحْرَزُوهُ بِدَارِهِمْ عِنْدَنَا. اهـ. بَدَائِعُ وَيُنْتَقَضُ بِوُجُوبِ الْعُشْرِ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِالْوُجُوبِ الْفَرْضِيَّةَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَطْعِيَّةِ الدَّلِيلِ إمَّا مَجَازٌ فِي الْعُرْفِ بِعَلَاقَةِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ لُزُومِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِتَرْكِهِ عَدَلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْفَرْضُ إلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّ بَعْضَ مَقَادِيرِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا ثَبَتَتْ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ أَوْ حَقِيقَةٌ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْوَاجِبَ نَوْعَانِ قَطْعِيٌّ وَظَنِّيٌّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْوَاجِبُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ اسْمٌ أَعَمُّ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ نَوْعٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ: الدَّلِيلُ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالْإِجْمَاعُ وَالسُّنَّةُ وَالْمَعْقُولُ قُلْت السُّنَّةُ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْفَرْضُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُتَوَاتِرَةً أَوْ مَشْهُورَةً لَا سِيَّمَا فَرْضًا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَالزَّكَاةُ جَاحِدُهَا يَكْفُرُ، وَالسُّنَّةُ الْوَارِدَةُ فِيهِ أَخْبَارُ آحَادٍ صِحَاحٍ وَبِهَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ دُونَ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، وَالْمَشْهُورُ آحَادٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ تَوَاتَرَ نَقْلَهُ مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ وَالْعَقْلُ لَا يَثْبُتُ بِهِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْمَعْقُولِ الْمَقَايِيسَ الْمُسْتَنْبَطَةَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْفَرْضِيَّةُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ «أَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ» قُلْت لَا يَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْفَرِيضَةِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ الثَّانِي أَنَّ دُخُولَهُ الْجَنَّةَ قَدْ يُقَالُ بِالرَّغَائِبِ إذَا فَعَلَهَا الْإِنْسَانُ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ لِلُحُوقِ الذَّمِّ وَالْوَعِيدِ بِتَرْكِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَا بِشَرْطٍ إلَى آخِرِهِ)، وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ حَنْبَلٍ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِهِمَا وَيُطْلَبُ الْوَصِيُّ وَالْوَلِيُّ بِالْأَدَاءِ وَيَأْثَمُ بِالتَّرْكِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ الْوَلِيُّ وَجَبَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ إخْرَاجُهَا لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ. وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيَّةِ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِمَا بَلْ تَجِبُ فِي مَالِهِمَا، وَعِبَارَةُ الْحَنَابِلَةِ: الْوُجُوبُ عَلَيْهِمَا. ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي. اهـ. غَايَةٌ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: الْوُجُوبُ يَخْتَصُّ بِالذِّمَّةِ، وَلَا تَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْوَلِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فِي ذِمَّةِ الصَّبِيِّ، وَفِيهِ تَوْجِيهُ الْخِطَابِ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ابْتَغُوا» إلَى آخِرِهِ) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ مَدَارُهَا عَلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَحَدُهَا فِيهِ الْمُثَنَّيْ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَفِي الثَّانِي مَنْدَلٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَمْرٍو وَفِي الثَّالِثِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ عَنْ عَمْرٍو أَمَّا الْمُثَنَّى فَقَالَ أَحْمَدُ لَا يُسَاوِي شَيْئًا، وَأَمَّا مَنْدَلٌ كَانَ يَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ وَيُسْنِدُ الْمَوْقُوفَاتِ مِنْ سُوءِ حِفْظِهِ، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ ضَعِيفًا، وَقَالَ شَمْسُ الدِّينِ سِبْطِ أَبِي الْفَرَجِ أَحَادِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ لَا تَصِحُّ عِنْدَ الْحُذَّاقِ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي الْغَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى إلَى آخِرِهِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ مَالِ بِالْأَفْرَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ») بِالتَّاءِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ:، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ إلَى آخِرِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. اهـ.

فَصَارَا كَالْمُكَاتَبِ بَلْ دُونَهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ، وَهُمَا لَا يَمْلِكَانِهِ فَكَيْفَ يَنْمُو مَالُهُمَا، وَهِيَ لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْمَالِ النَّامِي، وَمَا رَوَاهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ، وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ، وَلَا يَلْزَمُنَا مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقُ الْعِبَادِ، وَلِهَذَا تَتَأَدَّى بِدُونِ النِّيَّةِ، وَهُمَا أَهْلٌ لَهَا، وَكَذَا الْعُشْرُ الْغَالِبُ فِيهِ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَفِي الْأَرْضِ الْوَقْفِ، وَكَذَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَلِهَذَا يَتَحَمَّلُهَا عَنْ غَيْرِهِ كَالْأَبِ عَنْ أَوْلَادِهِ، وَلَا يَجْرِي التَّحَمُّلُ فِي الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ ثُمَّ لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ حَوْلِهِ مِنْ وَقْتِ بُلُوغِهِ، وَكَذَا إذَا أَفَاقَ الْمَجْنُونُ الْأَصْلِيُّ، وَهُوَ الَّذِي بَلَغَ مَجْنُونًا يُعْتَبَرُ أَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنْ وَقْتِ إفَاقَتِهِ، وَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يُنْظَرُ فَإِنْ اسْتَوْعَبَ جُنُونُهُ حَوْلًا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْعَبَ مُدَّةَ التَّكْلِيفِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ جُنُونُهُ أَقَلَّ مِنْ الشَّهْرِ فِي حَقِّ الصَّوْمِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ أَفَاقَ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا إذْ هِيَ لَا تَصِحُّ مَعَ الْكُفْرِ فَكَذَا لَا تَجِبُ مَعَهُ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلِتَحَقُّقِ التَّمْلِيكِ إذْ الرَّقِيقُ لَا يَمْلِكُ لِيُمَلِّكَ غَيْرَهُ، وَأَمَّا مِلْكُ النِّصَابِ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّرَ السَّبَبَ بِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ حَوْلِيًّا أَيْ تَمَّ عَلَيْهِ حَوْلٌ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي لِكَوْنِ الْوَاجِبِ جُزْءٍ مِنْ الْفَضْلِ لَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219] أَيْ الْفَضْلَ، وَالنُّمُوُّ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْحَوْلِ غَالِبًا أَمَّا الْمَوَاشِي فَظَاهِرٌ، وَكَذَا أَمْوَالُ التِّجَارَةِ لِاخْتِلَافِ الْأَسْعَارِ فِيهِ غَالِبًا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْفُصُولِ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ الْحَوْلُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ، وَهُوَ النُّمُوُّ، وَأَمَّا كَوْنُهُ فَارِغًا عَنْ الدَّيْنِ، وَعَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَدُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ، وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَآلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ وَكُتُبِ الْفِقْهِ لِأَهْلِهَا فَلِأَنَّ الْمَشْغُولَ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْمَعْدُومِ وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ إلَى آخِرِهِ) وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ أَضَافَ الْأَكْلَ إلَى جَمِيعِ الْمَالِ وَالنَّفَقَةُ هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ جَمِيعَ الْمَالِ دُونَ الزَّكَاةِ قُلْت هَذَا فِيهِ تَفْصِيلٌ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهُ حَتَّى مَضَتْ سُنُونَ يَجُوزُ أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ بَلْ يَصِيرُ كُلُّهُ زَكَاةً. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْعُشْرُ الْغَالِبُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ لَا تَدْخُلُ فِيهِ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الصَّدَقَةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَهُ حَتَّى تُصْرَفَ فِي مَصَارِفِ الزَّكَاةِ، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: الْعُشْرُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ حَقِيقَةً. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنْ وَقْتِ إفَاقَتِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ صَارَ أَهْلًا كَمَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ وَلِهَذَا مُنِعَ وُجُوبُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. اهـ. غَايَةٌ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَنْ الْبَدَائِعِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ هُوَ الْهِدَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ يُوهِمُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ، وَإِنْ جُنَّ بَعْضَ السَّنَةِ ثُمَّ أَفَاقَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ إنْ أَفَاقَ سَاعَةً مِنْهَا فِي أَوَّلِهَا أَوْ فِي وَسَطِهَا أَوْ فِي آخِرِهَا تَجِبُ زَكَاةُ تِلْكَ السَّنَةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْوَبَرِيِّ، وَفِي الْيَنَابِيعِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ مُفِيقًا فِي نِصْفِ السَّنَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِسْلَامُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ثُمَّ الْإِسْلَامُ كَمَا هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ وُجُوبِهَا سَقَطَتْ كَمَا فِي الْمَوْتِ فَلَوْ بَقِيَ عَلَى ارْتِدَادِهِ سِنِينَ فَبَعْدَ إسْلَامِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِتِلْكَ السِّنِينَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ وَكَذَا بِالْمَوْتِ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ، وَلَنَا أَنَّهَا عِبَادَةٌ فَتَسْقُطُ بِهَا كَالصَّلَاةِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ. اهـ. قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالنَّظَرُ التَّاسِعُ فِي مُسْقِطَاتِهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ مِنْهَا رُجُوعُ الْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ مَا حَالَ الْحَوْلُ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِقَضَاءٍ وَبِغَيْرِهِ وَمِنْهَا الرِّدَّةُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَحْمَدَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ») رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ الْأَسْعَارِ فِيهِ غَالِبًا) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ لِمَا يُبْتَذَلُ مِنْ الثِّيَابِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَسِلَاحِ الِاسْتِعْمَالِ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَكَذَا الدُّورُ وَالْحَوَانِيتُ وَالْجِمَالُ يُؤَجِّرُهَا لَا زَكَاةَ فِيهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكُتُبِ الْفِقْهِ لِأَهْلِهَا) أَيْ وَلِغَيْرِ أَهْلِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَكَذَا طَعَامُ أَهْلِهِ وَمَا يَتَجَمَّلُ بِهِ مِنْ الْأَوَانِي إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَا اللُّؤْلُؤُ وَالْجَوْهَرُ وَالْيَاقُوتُ والبلخش وَالزُّمُرُّدُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْفُصُوصِ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ، وَكَذَا آلَاتُ الْمُحْتَرَفِينَ كَقُدُورِ الصَّبَّاغِينَ، وَقَوَارِيرِ الْعَطَّارِينَ وَظُرُوفِ الْأَمْتِعَةِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ اشْتَرَى جَوَالِقَ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ يُؤَجِّرُهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ نَخَّاسًا اشْتَرَى دَوَابَّ يَبِيعُهَا أَوْ غَيْرَهَا فَاشْتَرَى لَهَا جِلَالًا وَمَقَاوِدَ وَنَحْوَهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نِيَّتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا مَعَهَا فَإِنْ كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَبِيعَهَا آخِرًا فَلَا عِبْرَةَ لِهَذِهِ النِّيَّةِ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ. غَايَةٌ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَقَالُوا فِي نَخَّاسِ الدَّوَابِّ إذَا اشْتَرَى الْمَقَاوِدَ وَالْجِلَالَ وَالْبَرَاذِعَ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُبَاعُ مَعَ الدَّوَابِّ عَادَةً يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا تُبَاعُ، وَلَكِنْ تُمْسَكُ وَتُحْفَظُ بِهَا الدَّوَابُّ فَهِيَ مِنْ آلَاتِ الصُّنَّاعِ فَلَا يَكُونُ مَالَ التِّجَارَةِ إذَا لَمْ يَنْوِ التِّجَارَةَ عِنْدَ شِرَائِهَا. اهـ.

مَعَ الْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَطَشِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ لِلْعُمُومَاتِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً، وَكَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَخْلُصَ أَمْوَالُهُ فَيُؤَدِّيَ مِنْهَا الزَّكَاةَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ لِإِغْنَاءِ الْفَقِيرِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْغِنَى بِالْمَالِ الْمُسْتَقْرَضِ مَا لَمْ يَقْضِهِ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ نَاقِصٌ حَيْثُ كَانَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَصَارَ كَمَالِ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمَوْهُوبُ لَهُ حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِرِضَا الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ بِدُونِهِمَا، وَفِيمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ يَلْزَمُ تَزْكِيَةُ مَالٍ وَاحِدٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا بِأَنْ كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ يُسَاوِي أَلْفًا فَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ بِدَيْنٍ ثُمَّ بَاعَهُ الْآخَرُ كَذَلِكَ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ عَشَرَةُ أَنْفُسٍ مَثَلًا فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَكَاةُ أَلْفٍ، وَالْمَالُ فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ فُسِخَتْ الْبِيَاعَاتِ بِعَيْبٍ رَجَعَ إلَى الْأَوَّلِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَيْءٌ. وَلَا فَرْقَ فِي الدَّيْنِ بَيْنَ الْمُؤَجَّلِ وَالْحَالِّ وَالْمُرَادُ بِالدَّيْنِ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَدَيْنَ الزَّكَاةِ مَانِعٌ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَقَصُ بِهِ النِّصَابُ، وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَهْلِهَا) لَيْسَ بِقَيْدٍ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَهِيَ تُسَاوِي نِصَابًا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَعَدَّهَا لِلتِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الْأَهْلِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْأَهْلَ إذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ لِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْكُتُبِ لِلتَّدْرِيسِ وَالْحِفْظِ وَالتَّصْحِيحِ لَا يَخْرُجُونَ بِهَا عَنْ الْفُقَرَاءِ، وَإِنْ سَاوَتْ نِصَابًا فَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الزَّكَاةَ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْ حَاجَتِهِمْ نُسَخٌ تُسَاوِي نِصَابًا كَأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ نُسْخَتَانِ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ فَإِنَّ النُّسْخَتَيْنِ يُحْتَاجُ إلَيْهِمَا لِتَصْحِيحِ كُلٍّ مِنْ الْأُخْرَى وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَهْلِ فَإِنَّهُمْ يُحْرَمُونَ بِهَا أَخْذَ الزَّكَاةِ إذْ الْحِرْمَانُ تَعَلَّقَ بِمِلْكِ قَدْرِ نِصَابٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَامِيًا، وَإِنَّمَا النَّمَاءُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ ثُمَّ الْمُرَادُ كُتُبُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ أَمَّا كُتُبُ الطِّبِّ وَالنَّحْوِ وَالنُّجُومِ فَمُعْتَبَرَةٌ فِي الْمَنْعِ مُطْلَقًا وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي الْكُتُبِ إنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْحِفْظِ وَالدِّرَاسَةِ وَالتَّصْحِيحِ لَا يَكُونُ نِصَابًا وَحَلَّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ فِقْهًا كَانَ أَوْ حَدِيثًا أَوْ أَدَبًا كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمُصْحَفُ عَلَى هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَقَالَ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لَوْ كَانَ لَهُ كُتُبٌ إنْ كَانَتْ كُتُبَ النُّجُومِ وَالْأَدَبِ وَالطِّبِّ وَالتَّعْبِيرِ يُعْتَبَرُ. وَأَمَّا كُتُبُ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالْمُصْحَفُ الْوَاحِدُ فَلَا يُعْتَبَرُ نِصَابًا، وَهَذَا تَنَاقُضٌ فِي كُتُبِ الْأَدَبِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ نُسْخَةً مِنْ النَّحْوِ أَوْ نُسْخَتَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ النِّصَابِ وَكَذَا مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْكَلَامِ غَيْرُ الْمَخْلُوطِ بِالْآرَاءِ بَلْ مَقْصُورٌ عَلَى تَحْقِيقِ الْحَقِّ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُ الْمَخْلُوطِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ إلَى آخِرِهِ) وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَابْنِ حَنْبَلٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ) أَيْ دُونَ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ لِلَّهِ كَالزَّكَاةِ أَوْ لَهُمْ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفِ وَأَرْشِ الْجِرَاحَةِ وَمَهْرِ الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ النُّقُودِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا. اهـ. بَاكِيرٌ أَيْضًا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَنَفَقَةُ الْمَحَارِمِ بَعْدَ الْقَضَاءِ إذْ نَفَقَةُ الْمَحَارِمِ تَصِيرُ دَيْنًا فِي الْقَضَاءِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ نَفَقَتَهُمْ لَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ حَتَّى تَسْقُطَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا فَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ كَمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ مَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ الْحَاكِمُ بِالِاسْتِدَانَةِ فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَمَرَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ فَتَصِيرُ دِينًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ) أَيْ وَالْحَجُّ وَنَفَقَةُ الْمَحَارِمِ وَالزَّوْجَاتِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ أَمَّا النُّذُورُ وَالْكَفَّارَاتُ وَدَيْنُ الْحَجِّ فَلِأَنَّهَا يُفْتَى بِهَا، وَلَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْمَحَارِمِ وَالزَّوْجَاتِ فَلِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَا تَصِيرُ دَيْنًا. اهـ. غَايَةٌ، وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَفِي الْجَامِعِ دَيْنُ النَّذْرِ لَا يُمْنَعُ وَمَتَى اُسْتُحِقَّ بِجِهَةِ الزَّكَاةِ بَطَلَ النَّذْرُ فِيهِ. بَيَانُهُ: لَهُ مِائَتَانِ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهُمَا وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِمَا سَقَطَ النَّذْرُ بِقَدْرِ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ اُسْتُحِقَّ بِجِهَةِ الزَّكَاةِ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَيَتَصَدَّقُ لِلنَّذْرِ بِسَبْعَةٍ وَتِسْعِينَ وَنِصْفٍ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهُمَا لِلنَّذْرِ يَقَعُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ عَنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ بِتَعْيِينِ اللَّهِ فَلَا تَبْطُلُ بِتَعْيِينِهِ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ نَذَرَ بِمِائَةٍ مُطْلَقَةٍ لَزِمَتْهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمَنْذُورِ الذِّمَّةُ فَلَوْ تَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهُمَا لِلنَّذْرِ يَقَعُ دِرْهَمَانِ فَنِصْفٌ لِلزَّكَاةِ وَيَتَصَدَّقُ بِمِثْلِهَا عَنْ النَّذْرِ. اهـ. وَكَذَا أَيْضًا صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَهَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالْأَضْحَى لِعَدَمِ الْمُطَالِبِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ وَنَفَقَةٍ فُرِضَتْ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْمُطَالِبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَقَطَ، وَعَرَّفَهَا سَنَةً ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ مُتَيَقِّنًا لِاحْتِمَالِ إجَازَةِ صَاحِبِ الْمَالِ الصَّدَقَةَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ إلَى آخِرِهِ) صُورَتُهُ لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ لَمْ يُزَكِّهِ فِيهِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ خَمْسَةً مِنْهَا مَشْغُولَةٌ بِدَيْنِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ الْفَاضِلُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي عَنْ الدَّيْنِ نِصَابًا كَامِلًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يُزَكِّهَا حَوْلَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَالْحَوْلِ الثَّانِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ) صُورَتُهُ لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَلَمْ يُزَكِّهِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ اسْتَفَادَ غَيْرَهُ وَحَالَ عَلَى النِّصَابِ الْمُسْتَفَادِ الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ فِيهِ لِاشْتِغَالِ خَمْسَةٍ مِنْهُ بِدَيْنِ الْمُسْتَهْلَكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ

وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَمِنْ جِهَةِ نُوَّابِهِ فِي الْبَاطِنَةِ؛ لِأَنَّ الْمُلَّاكَ نُوَّابُهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ كَانَ يَأْخُذُهَا إلَى زَمَنِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ فَوَّضَهَا إلَى أَرْبَابِهَا فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ قَطْعًا لِطَمَعِ الظَّلَمَةِ فِيهَا فَكَانَ ذَلِكَ تَوْكِيلًا مِنْهُ لِأَرْبَابِهَا. وَقِيلَ لِأَبِي يُوسُفَ مَا حُجَّتُك عَلَى زُفَرَ؟. فَقَالَ مَا حُجَّتِي عَلَى رَجُلٍ يُوجِبُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا ثَمَانُونَ حَوْلًا، وَلَوْ طَرَأَ الدَّيْنُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَهَلَاكِ النِّصَابِ كُلِّهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْنَعُ كَنُقْصَانِ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ أَوْ الْأَصَالَةِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ حَيْثُ تَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي مَالِهِ دُونَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَصِيلَ وَالْكَفِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبٌ بِهِ أَمَّا الْغَاصِبَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهِ بَلْ أَحَدُهُمَا. وَإِنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ زَكَّى الْفَاضِلَ إذَا بَلَغَ نِصَابًا لِفَرَاغِهِ عَنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نُصُبٌ يَصْرِفُ الدَّيْنَ إلَى أَيْسَرِهَا قَضَاءً. مِثَالُهُ: إذَا كَانَ لَهُ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ، وَعُرُوضٌ لِلتِّجَارَةِ وَسَوَائِمُ مِنْ الْإِبِلِ، وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ كَانَ يَسْتَغْرِقُ الْجَمِيعَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ صُرِفَ إلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوَّلًا إذْ الْقَضَاءُ مِنْهُمَا أَيْسَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِمَا؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَتَعَلَّقُ الْمَصْلَحَةُ بِعَيْنِهِمَا؛ وَلِأَنَّهُمَا لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ مِنْهُمَا جَبْرًا، وَكَذَا لِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا إذَا ظَفِرَ بِهِمَا، وَهُمَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمَا الدَّيْنُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُمَا شَيْءٌ صُرِفَ إلَى الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهَا عُرْضَةٌ لِلْبَيْعِ بِخِلَافِ السَّوَائِمِ؛ لِأَنَّهَا لِلنَّسْلِ وَالدَّرِّ وَالْقِنْيَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُرُوضٌ أَوْ فَضَلَ الدَّيْنُ عَنْهَا صُرِفَ إلَى السَّوَائِمِ فَإِنْ كَانَتْ السَّوَائِمُ أَجْنَاسًا صُرِفَ إلَى أَقَلِّهَا زَكَاةً نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً وَخَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ يُخَيَّرُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوَاجِبِ، وَقِيلَ يُصْرَفُ إلَى الْغَنَمِ لِتَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ. وَقَوْلُهُ: نَامٍ، وَلَوْ تَقْدِيرًا أَيْ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ أَنْ يَكُونَ نَامِيًا حَقِيقَةً بِالتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ وَبِالتِّجَارَاتِ أَوْ تَقْدِيرًا بِأَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ بِكَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ نَائِبِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلُ لَمْ يُسْتَهْلَكْ بَلْ هَلَكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي الْمُسْتَفَادِ لِسُقُوطِ زَكَاةِ الْأَوَّلِ بِالْهَلَاكِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ حَيْثُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَمِنْ فُرُوعِهِ إذَا بَاعَ نِصَابَ السَّائِمَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ بِسَائِمَةٍ مِثْلِهَا أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ يُرِيدُ الْفِرَارَ مِنْ الصَّدَقَةِ أَوْ لَا يُرِيدُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي الْبَدَلِ إلَّا لِحَوْلٍ جَدِيدٍ أَوْ يَكُونُ لَهُ مَا يَضُمُّهُ إلَيْهِ فِي صُورَةِ الدَّرَاهِمِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِبْدَالَ السَّائِمَةِ بِغَيْرِهَا مُطْلَقًا اسْتِهْلَاكٌ بِخِلَافِ غَيْرِ السَّائِمَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الثَّانِي) أَيْ لَهُ أَنَّ هَذَا الدَّيْنَ لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَمُرَّ عَلَى عَاشِرٍ فَيُطَالِبَهُ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا وَزَادَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ قَالَ الْكَمَالُ: وَهِيَ رِوَايَةُ أَصْحَابِ الْإِمْلَاءِ وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَ رِوَايَةٍ عَنْهُ مَرَّضَهَا. اهـ. (مَسْأَلَةٌ) لَهُ مَالَانِ أَحَدُهُمَا مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَالْآخَرُ مِمَّا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِمَّا لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَإِنَّ الدَّيْنَ لَا يُصْرَفُ إلَى الْمَالِ الَّذِي لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. اهـ. شَرْحٌ طَحَاوِيٍّ (قَوْلُهُ: مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ) أَيْ السَّوَائِمِ، وَقَوْلُهُ وَمِنْ جِهَةِ نُوَّابِهِ فِي الْبَاطِنَةِ أَيْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمُلَّاكَ نُوَّابُهُ إلَى آخِرِهِ) وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] الْآيَةَ يُوجِبُ حَقَّ أَخْذِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا لِلْإِمَامِ، وَعَلَى هَذَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلِيفَتَانِ بَعْدَهُ فَلَمَّا وُلِّيَ عُثْمَانُ وَظَهَرَ تَغَيُّرُ النَّاسِ كَرِهَ أَنْ تُفَتِّشَ السُّعَاةُ عَلَى النَّاسِ مَسْتُورَ أَمْوَالِهِمْ فَفَوَّضَ الدَّفْعَ إلَى الْمُلَّاكِ نِيَابَةً عَنْهُ»، وَلَمْ تَخْتَلِفْ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يُسْقِطُ طَلَبَ الْإِمَامِ أَصْلًا وَلِذَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ لَا يُؤَدُّونَ زَكَاتَهُمْ طَالَبَهُمْ بِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَنُقْصَانِ النِّصَابِ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى إذَا سَقَطَ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ يَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ إذَا تَمَّ الْحَوْلُ، وَقَالَ زُفَرُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ يَحْكِ الْخِلَافَ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ إلَخْ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ رَجُلٌ لَهُ أَلْفٌ عَلَى رَجُلٍ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلِلْأَصِيلِ أَلْفٌ وَالْكَفِيلُ أَلْفٌ فَحَالَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا أَتْلَفَهُ حَيْثُ تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي أَلْفِهِ دُونَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ إنْ ضَمِنَ يَرْجِعُ عَلَى غَاصِبِهِ بِخِلَافِ غَاصِبِهِ. اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ أَيْضًا، وَإِنَّمَا فَارَقَ الْغَصْبُ الْكَفَالَةَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْكَفَالَةِ بِأَمْرِ الْأَصِيلِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ إذَا أَدَّى كَالْغَاصِبِ لِأَنَّ فِي الْغَصْبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا جَمِيعًا بَلْ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا يَبْرَأُ الْآخَرُ أَمَّا فِي الْكَفَالَةِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا مَعًا فَكَانَ كُلٌّ مُطَالَبًا بِالدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ السَّوَائِمُ أَجْنَاسًا إلَى آخِرِهِ) حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ وَثَلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ يُصْرَفُ إلَى الْغَنَمِ ثُمَّ إلَى الْبَقَرِ إنْ كَانَ التَّبِيعُ أَقَلَّ قِيمَةً مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: يُخَيَّرُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوَاجِبِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النِّصَابَيْنِ شَاةٌ وَسَطٌ. اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُصْرَفُ إلَى الْغَنَمِ إلَى آخِرِهِ)، وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْمُصَدِّقُ حَاضِرًا؛ لِأَنَّهُ نَاظِرٌ لِلْفُقَرَاءِ، وَقِيلَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَتْ الْغَنَمُ لَهُ عِجَافًا فَيَكُونُ الْوَاجِبُ وَاحِدَةً مِنْهَا، وَفِي الْخَمْسِ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ وَسَطٌ فَكَانَ الْوَاجِبُ فِي الْغَنَمِ أَقَلَّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِتَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ) إذْ لَوْ صَرَفَ الدَّيْنَ إلَى الْإِبِلِ لَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الْغَنَمِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ لِانْتِقَاصِ النِّصَابِ. اهـ. قَالَ فِي الْغَايَةِ وَمِنْهَا أَيْ مِنْ مَوَانِعِ الزَّكَاةِ وُجُوبُ الرَّهْنِ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِعَدَمِ مِلْكِ الْيَدِ بِخِلَافِ الْعُشْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ. اهـ.

السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي فَلَا بُدَّ مِنْهُ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ مَالِ الضِّمَارِ كَالْآبِقِ وَالْمَفْقُودِ وَالْمَغْصُوبِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَالْمَالِ السَّاقِطِ فِي الْبَحْرِ وَالْمَدْفُونِ فِي الْمَفَازَةِ إذَا نَسِيَ مَكَانَهُ وَاَلَّذِي أَخَذَهُ السُّلْطَانُ مُصَادَرَةً الْوَدِيعَةِ إذَا نَسِيَ الْمُودَعَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَعَارِفِهِ وَالدَّيْنِ الْمَجْحُودِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ثُمَّ صَارَتْ لَهُ بَعْدَ سِنِينَ بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ الْمُودَعُ مِنْ مَعَارِفِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَاضِي إذَا تَذَكَّرَ، وَفِي الْمَدْفُونِ فِي كَرْمٍ أَوْ أَرْضٍ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَهُوَ مِلْكُ نِصَابٍ نَامٍ، وَفَوَاتُ الْيَدِ لَا يُخِلُّ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ كَمَالِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَا زَكَاةَ فِي الْمَالِ الضِّمَارِ» مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ بَعِيرٌ ضَامِرٌ إذَا كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِهُزَالِهِ أَوْ مِنْ الْإِضْمَارِ، وَهُوَ الْإِخْفَاءُ وَالتَّغَيُّبُ؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي، وَلَا نَمَاءَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَلَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ وَابْنُ السَّبِيلِ قَادِرٌ بِنَائِبِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي الدَّيْنِ الْمَجْحُودِ تَجِبُ لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ لَا تُقْبَلُ وَكُلَّ قَاضٍ لَا يَعْدِلُ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُقِرٍّ تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: لَا تَجِبُ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا كَانَ مُفْلِسًا بِنَاءً عَلَى تَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ بِالتَّفْلِيسِ عِنْدَهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِيهِ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ النَّمَاءَ الْحَقِيقِيَّ وَالتَّقْدِيرِيَّ وَيَنْقَسِمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى قِسْمَيْنِ إلَى خِلْقِيٍّ، وَفِعْلِيٍّ فَالْخِلْقِيُّ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا لِلتِّجَارَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّيَّةُ وَالْفِعْلِيُّ مَا يَكُونُ بِإِعْدَادِ الْعَبْدِ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ كَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنْ اقْتَرَنَتْ بِهِ النِّيَّةُ صَارَتْ لِلتِّجَارَةِ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَالدَّيْنُ الْمَجْحُودُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الدَّيْنَ الْمَجْحُودَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يَكُونُ نِصَابًا مَا لَمْ يُحَلِّفْهُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي بِالدَّيْنِ يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ يُقِرُّ فِي السِّرِّ وَيَجْحَدُ فِي الْعَلَانِيَةِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. اهـ. قَالَ الْكَمَالُ: وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا فَلَمَّا قَدَّمَهُ إلَى الْقَاضِي جَحَدَ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَمَضَى زَمَانٌ فِي تَعْدِيلِ الشُّهُودِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ مِنْ يَوْمِ جَحَدَ إلَى أَنْ عُدِّلُوا؛ لِأَنَّهُ كَانَ جَاحِدًا وَيَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فِيمَا كَانَ مُقِرًّا قَبْلَ الْخُصُومَةِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَلَى اخْتِيَارِ الْإِطْلَاقِ فِي الْمَجْحُودِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَ النَّاسِ) أَيْ أَوْ كَانَ شُهُودُهُ غَائِبِينَ فَحَضَرُوا بَعْدَ سِنِينَ أَوْ تَذَكَّرُوا بَعْدَمَا نَسُوا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَدْفُونِ فِي كَرْمٍ أَوْ أَرْضٍ) أَيْ مَمْلُوكَةٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَفَازَةِ قَدْ تَقَدَّمَ. اهـ. وَالْمَدْفُونُ فِي الْبَيْتِ نِصَابٌ لِتَيَسُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ: نِصَابٌ أَيْ عِنْدَ الْكُلِّ. اهـ. غَايَةٌ وَمِنْ جُمْلَةِ الضِّمَارِ الْمَالُ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ الْعَدُوُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. فَتْحٌ، وَلَوْ ظَنَّ مَالَهُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ يَجِبُ. اهـ. غَايَةٌ (فَرْعٌ) فِي الْمُحِيطِ، وَعِدَّةِ الْمُفْتِي تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَلْفٍ، وَقَبَضَتْهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا أَمَةً فَرَدَّ الْمَوْلَى نِكَاحَهَا فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَلْفِ عَلَى الزَّوْجِ لِعَدَمِ يَدِهِ، وَلَا عَلَى الزَّوْجَةِ لِعَدَمِ مِلْكِهَا كَرَجُلٍ حَلَقَ لِحْيَةَ إنْسَانٍ، وَأَخَذَ دِيَتَهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهُ ثُمَّ نَبَتَتْ لَا تَجِبُ عَلَى الْجَانِي لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ، وَلَا عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَكَذَا إذَا وَهَبَ لَهُ أَلْفًا وَحَالَ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ فَسَوَّى بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَكِنْ اسْتِحْقَاقُ مَا لَا يَتَعَيَّنُ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ كَالدَّيْنِ اللَّاحِقِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَمَا يَتَعَيَّنُ يُسْقِطُهَا فَالْهِبَةُ لَيْسَتْ نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ قَالَ فِي الْجَامِعِ وَالْمُحِيطِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ، وَقَبَضَتْهُ وَحَالَ عَلَيْهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا زَكَّتْ الْأَلْفَ وَكَذَا لَوْ قَبَّلَتْ ابْنَهُ لَا يَتَعَيَّنُ رَدُّهُ بَلْ الْوَاجِبُ رَدُّ مِثْلِهِ فَكَانَ ذَلِكَ دَيْنًا لَحِقَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ بِخِلَافِ الْقَرْضِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَالِ الضِّمَارِ) فِعَالٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مُفْعِلٍ، وَفِي الصِّحَاحِ الضِّمَارُ مَا لَا يُرْجَى مِنْ الدَّيْنِ وَالْوَعْدِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا إلَخْ) إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَقْلِ الْأَصْحَابِ كَصَاحِبِ الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي عَبْدِ التِّجَارَةِ قَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً فَدُفِعَ بِهِ أَنَّ الثَّانِيَ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ مَالِ التِّجَارَةِ، وَكَذَا إذَا فَدَى بِالدِّيَةِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، وَأَمَّا إذَا قَتَلَهُ عَمْدًا فَصَالَحَ الْمَوْلَى مِنْ الْقِصَاصِ عَلَى الْعَبْدِ الْقَاتِلِ أَوْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعُرُوضِ لَا يَكُونُ مَالَ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الْقِصَاصِ لَا عِوَضُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ) كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُفَسَّقُ إلَّا إذَا كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ، وَلَوْ كَانَ يُقِرُّ سِرًّا وَيَجْحَدُ عَلَانِيَةً لَا زَكَاةَ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَكُلَّ قَاضٍ لَا يَعْدِلُ) فَفِي الْمُجَاثَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الْخُصُومَةِ ذُلٌّ. اهـ. غَايَةٌ، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِهِ فَهُوَ نِصَابٌ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا لِلتِّجَارَةِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَوْلُهُمْ فِي النَّقْدَيْنِ خُلِقَا لِلتِّجَارَةِ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا خُلِقَا لِلتَّوَسُّلِ بِهِمَا إلَى تَحْصِيلِ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ مَاسَّةٌ فِي دَفْعِ الْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَسْكَنِ، وَهَذِهِ غَيْرُ نَفْسِ النَّقْدَيْنِ، وَفِي أَحَدِهِمَا عَلَى التَّغَالُبِ مَا لَا يَخْفَى فَخُلِقَ النَّقْدَانِ لِغَرَضِ أَنْ يُسْتَبْدَلَ بِهِمَا مَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ بِعَيْنِهِ بَعْدَ خَلْقِ الرَّغْبَةِ فِيهِمَا فَكَانَا لِلتِّجَارَةِ خِلْقَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَمَلُ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ كَانَ لِلتِّجَارَةِ قَالَ الْكَمَالُ الْمُرَادُ مَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ لَا عُمُومُ شَيْءٍ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً أَوْ عُشْرِيَّةً لِيَتَّجِرَ فِيهَا لَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَإِلَّا لَاجْتَمَعَ فِيهَا الْحَقَّانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْأَرْضُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ) وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ آجَرَ دَارِهِ

[شرط صحة أداء الزكاة]

بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ حَتَّى يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ عَمَلٌ فَلَا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ وَنَوَاهُ لِلْخِدْمَةِ حَيْثُ يَكُونُ لِلْخِدْمَةِ بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَرْكُ الْعَمَلِ فَيَتِمُّ بِهَا وَنَظِيرُهُ الْمُقِيمُ وَالصَّائِمُ وَالْكَافِرُ وَالْعَلُوفَةُ وَالسَّائِمَةُ حَيْثُ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا، وَلَا مُفْطِرًا، وَلَا عَلُوفَةً، وَلَا مُسْلِمًا، وَلَا سَائِمَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَمَلٌ فَلَا تَتِمُّ بِالنِّيَّةِ وَيَكُونُ مُقِيمًا وَصَائِمًا، وَكَافِرًا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَرْكُ الْعَمَلِ فَيَتِمُّ بِهَا، وَلَوْ وَرِثَهُ وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ لَا يَكُونُ لَهَا لِانْعِدَامِ الْفِعْلِ مِنْهُ. وَلِهَذَا لَوْ وَرِثَ قَرِيبَهُ وَنَوَاهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْهَا، وَلَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ إذَا عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْإِرْثِ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْخُلْعِ أَوْ الصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَمَلُ التِّجَارَةِ أَمْ لَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَشَرْطُ أَدَائِهَا نِيَّةٌ مُقَارِنَةٌ لِلْأَدَاءِ أَوْ لِعَزْلِ مَا وَجَبَ أَوْ تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ) أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ نِيَّةٌ مُقَارِنَةٌ لِلْأَدَاءِ أَوْ لِعَزْلِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ أَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ النِّصَابِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الِاقْتِرَانُ بِالْأَدَاءِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ يَتَفَرَّقُ فَيُحْرَجُ بِاسْتِحْضَارِ النِّيَّةِ عِنْدَ كُلِّ دَفْعٍ فَاكْتُفِيَ بِوُجُودِهَا حَالَةَ الْعَزْلِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ فِعْلٌ مِنْهُ فَجَازَتْ النِّيَّةُ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ، وَلَمْ يَعْزِلْ شَيْئًا وَجَعَلَ يَتَصَدَّقُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى آخِرِ السَّنَةِ، وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ حَيْثُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَمْ تَقْتَرِنْ بِفِعْلٍ مَا فَلَا تُعْتَبَرُ، وَقَوْلُهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَقَدْ دَخَلَ الْجُزْءُ الْوَاجِبُ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِ الْوَاجِبِ جُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ النَّفَلَ أَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ حَيْثُ لَا يَكُونُ الْإِمْسَاكُ مُجْزِئًا عَنْهُ إلَّا بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ دَفْعَ الْمَالِ بِنَفْسِهِ قُرْبَةٌ كَيْفَمَا كَانَ. وَالْإِمْسَاكُ لَا يَكُونُ قُرْبَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ فَافْتَرَقَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إيقَاعُهُ قُرْبَةً، وَقَدْ حَصَلَ بِنَفْسِ الدَّفْعِ إلَى الْفَقِيرِ دُونَ الْإِمْسَاكِ، وَلَوْ دَفَعَ جَمِيعَ النِّصَابِ إلَى الْفَقِيرِ يَنْوِي بِهِ عَنْ النَّذْرِ أَوْ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَيَضْمَنُ قَدْرَ الْوَاجِبِ كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فِي الصَّوْمِ إذَا نَوَى فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعَبْدٍ يُرِيدُ بِهِ التِّجَارَةَ فَهُوَ لِلتِّجَارَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْجَامِعِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ كَبَيْعِ الْعَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَبِيعَهُ) أَيْ فَيَكُونَ لِلتِّجَارَةِ بِتِلْكَ النِّيَّةِ السَّابِقَةِ، وَكَذَا فِي الْفُصُولِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَنْوِي لِلتِّجَارَةِ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْعَرْضِ وَمُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ إذَا اشْتَرَى بِتِلْكَ الْعُرُوضِ عُرُوضًا أُخَرَ صَارَتْ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ قَدْ وُجِدَتْ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَعْمَلْ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُصَادِفْ عَمَلَ التِّجَارَةِ فَإِذَا وُجِدَتْ التِّجَارَةُ بَعْدَ ذَلِكَ عَمِلَتْ النِّيَّةُ السَّابِقَةُ فَيَصِيرُ الْمَالُ لِلتِّجَارَةِ لِوُجُودِ نِيَّةِ التِّجَارَةِ مَعَ التِّجَارَةِ. اهـ. بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَرِثَهُ وَنَوَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ مَنْ وَرِثَ أَعْيَانًا وَنَوَى التِّجَارَةَ فِيهَا عِنْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ لَا يُعْمَلْ بِنِيَّتِهِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ والمرغيناني إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَهِيَ عَلَى مَا وَرِثَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالصُّلْحُ عَنْ الْقَوَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ إلَخْ) قَالَ أَبُو يُوسُفَ تَعْمَلُ نِيَّتُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ قَوْلُهُ: كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى الْقَلْبِ فَقَالَ عَلَى قَوْلِهِمَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ تِجَارَةً. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ تَمَلُّكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِكَسْبِهِ، وَالتِّجَارَةُ لَيْسَتْ إلَّا الِاكْتِسَابَ، وَفِيهِ احْتِيَاطٌ لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ. اهـ. غَايَةٌ، وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِي الْعَبْدِ الْمُتَزَوِّجِ عَلَيْهِ بَاطِلَةٌ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي نِيَّةِ التِّجَارَةِ فِي الْقَرْضِ، وَأَصْلُهُ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ أَنَّ رَجُلًا لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَاسْتَقْرَضَ حِنْطَةً لِغَيْرِ التِّجَارَةِ فَتَمَّ حَوْلُ الدَّرَاهِمِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا وَفِي الْحِنْطَةِ فَقَوْلُهُ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِي الْقَرْضِ صَحِيحَةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَصَحُّ أَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ لَا تَعْمَلُ فِي الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ لِمَا عُرِفَ وَنِيَّةُ التِّجَارَةِ لَا تَعْمَلُ فِي الْعَوَارِيِّ وَمَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ أَيْ كَانَتْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ عِنْدَ الْقَرْضِ. اهـ. غَايَةٌ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ أَوْ عَرَضِ التِّجَارَةِ بِعَيْنِهَا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الثَّانِي حَتَّى تَقْبِضَهَا وَيَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بَعْدَ قَبْضِهَا؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالدِّيَةِ وَبَدَلِ الْكِتَابَةِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَكَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفِي الْحَاوِي الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْمَهْرِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ، وَفِي الْجَامِعِ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ نِصَابٌ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي الْمُحِيطِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نِصَابٌ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَالٍ بِخِلَافِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ. اهـ. غَايَةٌ. [شَرْط صِحَّة أَدَاء الزَّكَاة] (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الزَّكَاةِ) أَيْ إلَّا زَكَاةَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ إلَخْ)، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ إنَّ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَدَائِهَا فَأَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ كَرْهًا وَوَضَعَهَا فِي أَهْلِهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَلَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ فِيهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لِلْإِمَامِ وِلَايَةُ أَخْذِ الصَّدَقَاتِ فَقَامَ دَفْعُهُ مَقَامَ دَفْعِ الْمَالِكِ كَالْأَبِ يُعْطِي صَدَقَةَ الْفِطْرِ جَازَ مَعَ عَدَمِ نِيَّةِ الصَّغِيرِ لِوُجُودِ نِيَّةِ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي الْإِعْطَاءِ. اهـ. بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ: فَقَدْ دَخَلَ الْجُزْءُ الْوَاجِبُ فِيهِ) أَيْ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ بِنِيَّةِ النَّفْلِ حَيْثُ يَتَأَدَّى بِهَا الْفَرْضُ بِخِلَافِ الْحَجِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ كَالصَّوْمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ لَمَّا اُحْتُمِلَ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْفَرْضِ كَالصَّلَاةِ قُلْنَا دَلَالَةُ الْحَالِ مُعَيِّنَةٌ إذْ الْعَاقِلُ لَا يَتَنَفَّلُ مَعَ تَحَقُّقِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ كَالْحَاجِّ إذَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ فَرْضٌ، وَلَا نَفْلٌ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ لِدَلَالَةِ حَالِهِ. (قُلْت) وَمِثْلُهُ إذَا وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ قَبْضِهِ يُجْعَلُ عَنْ فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَتَّى يَبْرَأَ

[باب صدقة السوائم]

التَّطَوُّعَ يَقَعُ عَنْ النَّذْرِ، وَإِنْ صَامَ فِيهِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَيَقْضِي النَّذْرَ، وَلَوْ وَهَبَ بَعْضَ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ سَقَطَ عَنْهُ زَكَاةُ الْمُؤَدَّى عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ إذْ الْوَاجِبُ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ فَصَارَ كَالْهَلَاكِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِكَوْنِ الْبَاقِي مَحِلًّا لِلْوَاجِبِ بِخِلَافِ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ فَيُعْذَرُ، وَالدَّفْعُ بِصُنْعِهِ فَلَا يُعْذَرُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى فَقِيرٍ فَأَبْرَأَهُ مِنْهُ سَقَطَ زَكَاتُهُ عَنْهُ نَوَى بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّهُ كَالْهَلَاكِ فَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ سَقَطَ زَكَاةُ ذَلِكَ الْبَعْضِ لِمَا قُلْنَا، وَزَكَاةُ الْبَاقِي لَا تَسْقُطُ عَنْهُ وَلَوْ نَوَى بِهِ الْأَدَاءَ عَنْ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْبَاقِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالًا فَكَانَ الْبَاقِي خَيْرًا مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ السَّاقِطُ عَنْهُ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَنِيٍّ فَوَهَبَهُ مِنْهُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ قِيلَ يَضْمَنُ قَدْرَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ ضَمَانِهِ، وَلَا يُجْعَلُ هِبَةً؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ وَالْهِبَةَ تَطَوُّعٌ وَكَذَا إذَا، وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ صَدَاقَهَا الْمُعَيَّنَ لِزَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يُجْعَلُ عَنْ الطَّلَاقِ الْوَاجِبِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا هِبَةً لِمَا ذَكَرْنَا وَيَرِدُ عَلَى تَعْلِيلِهِ الصَّلَاةَ فَإِنَّهَا تُجْعَلُ تَطَوُّعًا، وَلَا تُجْعَلُ عَنْ الْفَرْضِ فَقَدْ تَنَفَّلَ الْعَاقِلُ مَعَ تَحَقُّقِ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ أَنَّ التَّنَفُّلَ بِالصَّلَاةِ مَشْرُوعٌ قَبْلَ الْفَرْضِ كَالسُّنَنِ وَيُمْكِنُ أَدَاءُ الْفَرْضِ فِي الْوَقْتِ مَعَ إحْرَازِ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً فَرْضًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا فَلَوْ صُرِفَ إلَى النَّفْلِ يَفُوتُ الْفَرْضُ إلَى السَّنَةِ الْأُخْرَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ الزَّكَاةِ، وَهِبَةِ الْمَبِيعِ، وَهِبَةِ الصَّدَاقِ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْمَالِ وَالْمَبِيعِ وَالصَّدَاقِ مُتَعَيِّنَةٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَالْوَاجِبُ فِيهَا التَّمْلِيكُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعَكْسِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ، وَأَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، وَلَهُ عَلَى آخَرَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ جَعَلَهَا عَلَى الْمِائَتَيْنِ لَا يَجُوزُ إمَّا لِتَفَاوُتِ الذِّمَمِ أَوْ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ قَبْضِ الدَّيْنِ الْبَاقِي، وَلَوْ جَعَلَ الْخَمْسَةَ عَنْ الْمِائَتَيْنِ لِلَّذِي عَلَيْهِ الْمِائَتَانِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى تَجُوزُ لِعَدَمِ تَفَاوُتِ الذِّمَمِ، وَعَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ لَا تَجُوزُ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ مِنْ زَكَاةِ الْعَيْنِ فَإِذَا قَبَضَهَا أَخَذَهَا مِنْهُ قَضَاءً عَنْ دَيْنِهِ. اهـ. فِي الْإِيضَاحِ تَصَدَّقَ بِخَمْسَةٍ وَنَوَى بِهَا الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى فَانْتَفَى الْأَضْعَفُ، وَهُوَ النَّفَلُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَغَتْ نِيَّتُهُ فَلَا تَقَعُ عَنْ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيقَاعُهَا عَنْهُمَا لِلتَّنَافِي بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ وَعَدَمِ التَّعْيِينِ وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَفِي الرَّوْضَةِ دَفَعَ إلَى فَقِيرٍ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَاهُ عَنْ الزَّكَاةِ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْفَقِيرِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ أَعْطَى رَجُلًا مَالًا يَتَصَدَّقُ تَطَوُّعًا فَلَمْ يَتَصَدَّقْ الْمَأْمُورُ حَتَّى نَوَى الْآمِرُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ الْمَأْمُورُ وَقَعَ عَنْ الزَّكَاةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَنْ كَفَّارَتِي ثُمَّ نَوَى الزَّكَاةَ قَبْلَ دَفْعِهِ، وَلَوْ خَلَطَ الْوَكِيلُ دَرَاهِمَ الْمُزَكِّينَ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ زَكَاتِهِمْ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَفِي جَمْعِ النَّوَازِلِ وَضَعَهَا عَلَى كَفِّ فَقِيرٍ فَانْتَهَبُوهَا جَازَ عَنْ الزَّكَاةِ، وَلَوْ سَقَطَتْ وَرَفَعَهَا فَقِيرٌ وَرَضِيَ بِهَا جَازَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ إبِلٌ وَغَنَمٌ فَأَدَّى شَاةً لَا يَنْوِي أَحَدَهُمَا صَرَفَهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، وَلَوْ نَوَى عَنْ أَحَدِهِمَا فَهَلَكَتْ لَمْ يُجْزِ عَنْ الْأُخْرَى بِخِلَافِ النَّقْدَيْنِ، وَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى مَنْ أَحْبَبْت لَمْ يُعْطِ نَفْسَهُ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: قِيلَ يَضْمَنُ قَدْرَ الْوَاجِبِ) وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ) أَيْ فِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَأَنَّهُ بُنِيَ عَلَى أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ أَوْ هَلَاكٌ. اهـ. فَتْحٌ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا لَا يَضْمَنُ وَجْهُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ، وَهِيَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَكَانَ امْتِنَاعًا مِنْ الْوُجُوبِ لَا اسْتِهْلَاكًا لِلْوَاجِبِ كَاسْتِهْلَاكِ النِّصَابِ الْعَيْنَ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِيَوْمٍ وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّهُ أَتْلَفَ الْمَالَ بَعْدَ وُجُودِ أَصْلِ الْوُجُوبِ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ الْفُقَرَاءِ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ وَهَبَ الْعَيْنَ مِنْ الْغَنِيِّ بَعْدَ الْوُجُوبِ؛ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ قَابِضًا حُكْمًا كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَزْوِيجِ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ. اهـ. غَايَةٌ، وَفِي قُنْيَةٌ الْمُنْيَةِ دَفَعَ لِمُحْتَرَمٍ زَكَاةَ مَالِهِ، وَقَالَ دَفَعْتُهُ إلَيْكَ قَرْضًا وَنَوَى الزَّكَاةَ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ لِلْقَلْبِ دُونَ اللِّسَانِ، وَقَالَ عَيْنُ الْأَئِمَّةِ الْكَرَابِيسِيُّ لَا يُجْزِيهِ، وَقَالَ يُوسُفُ التَّرْجُمَانِيُّ يُجْزِيهِ إذَا تَأَوَّلَ الْقَرْضَ بِالزَّكَاةِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ وَالْأَصَحُّ رِوَايَةُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِنِيَّةِ الدَّافِعِ لَا لِعِلْمِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ بِمَا أَخَذَهُ الظَّالِمُ ظُلْمًا، وَقَدْ نَوَى فِيهِ الزَّكَاةَ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ، وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُهُ الظَّالِمُ عَلَى غَيْرِ جِهَةِ الزَّكَاةِ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ مِسْكِينًا دِرْهَمًا وَنَوَاهُ مِنْ زَكَاتِهِ أَجْزَأَهُ. اهـ. لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالنِّيَّةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ. اهـ. قُنْيَةٌ. [بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ]

(بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ) الْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهَا بِالصَّدَقَةِ اقْتِدَاءً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] أَيْ الزَّكَاةُ وَالسَّوَائِمُ جَمْعُ سَائِمَةٍ يُقَالُ سَامَتْ الْمَاشِيَةُ سَوْمًا أَيْ رَعَتْ، وَأَسَامَهَا صَاحِبُهَا وَالْمُرَادُ الَّتِي تُسَامُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ فَإِنْ أَسَامَهَا لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ أَسَامَهَا لِلْبَيْعِ وَالتِّجَارَةِ فَفِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ لَا زَكَاةُ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ قَدْرًا وَسَبَبًا فَلَا يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَلَا يُبْنَى حَوْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى حَوْلِ الْآخَرِ. وَإِنَّمَا بَدَأَ بِالسَّوَائِمِ اقْتِدَاءً بِكُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهَا كَانَتْ مُفْتَتَحَةً بِهَا؛ وَلِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ عِنْدَ الْعَرَبِ فَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِهَا أَهَمَّ ثُمَّ قَدَّمَ مِنْهَا مَا هُوَ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ) أَيْ السَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ حَتَّى لَوْ عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ لَا تَكُونُ سَائِمَةً حَتَّى لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهَا، وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ يُشْتَرَطُ الرَّعْيُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ كَالنِّصَابِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْأَكْثَرِ، وَفِي بَعْضِهَا إنْ عَلَفَهَا بِقَدْرِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ أَنَّ مُؤْنَةَ عَلَفِهَا أَكْثَرُ مِمَّا لَوْ كَانَتْ سَائِمَةً فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْأَكْثَرِ كَمَا لَوْ كَانَ أَكْثَرُ النِّصَابِ سَائِمَةً، وَلَنَا أَنَّ اسْمَ السَّائِمَةِ لَا يَزُولُ بِالْعَلَفِ الْيَسِيرِ فَلَا يَمْنَعُ دُخُولَهَا فِي الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْعَلَفِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَقَدْ لَا يُوجَدُ الْمَرْعَى فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى الْعَلَفِ فِي بَعْضِ الْفُصُولِ فَلَوْ اُعْتُبِرَ الْيَسِيرُ مِنْهُ لَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعْضُ النِّصَابِ مَعْلُوفًا؛ لِأَنَّ النِّصَابَ بِوَصْفِ الْإِسَامَةِ عِلَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ فِي جَمِيعِهِ وَالْحَوْلُ شَرْطٌ فَيُكْتَفَى بِأَكْثَرِهِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ، وَفِيمَا إذَا عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ وَقَعَ الشَّكُّ فِي السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا صَارَ سَبَبًا بِوَصْفِ الْإِسَامَةِ فَلَا يَجِبُ الْحُكْمُ مَعَ الشَّكِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجِبُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إبِلًا بِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِيمَا دُونَهُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ، وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ) عَلَى هَذَا اتَّفَقَتْ الْآثَارُ وَاشْتَهَرَتْ كُتُبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ، وَفِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ شَاذٌّ لَا يَكَادُ يَصِحُّ عَنْهُ حَتَّى قَالَ الثَّوْرِيُّ: هَذَا غَلَطٌ وَقَعَ مِنْ رِجَالِ عَلِيٍّ أَمَّا عَلِيٌّ فَإِنَّهُ أَفْقَهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ مُوَالَاةً بَيْنَ الْوَاجِبَيْنِ، وَلَا وَقَصَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ خِلَافُ أُصُولِ الزَّكَاةِ. وَبِنْتُ الْمَخَاضِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ مَخَاضًا عَادَةً أَيْ حَامِلًا بِأُخْرَى وَيُسَمَّى وَجَعُ الْوِلَادَةِ مَخَاضًا أَيْضًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 23] وَبِنْتُ اللَّبُونِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ سَمَّيْت بِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا تَلِدُ أُخْرَى وَتَكُونُ ذَاتَ لَبَنٍ غَالِبًا وَالْحِقَّةُ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا حُقَّ لَهَا الْحَمْلُ وَالرُّكُوبُ أَوْ الضِّرَابُ وَالْجَذَعَةُ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ سُمِّيَتْ بِهِ لِمَعْنًى فِي أَسْنَانِهَا يَعْرِفُهُ أَرْبَابُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الزَّكَاةُ) سُمِّيَتْ بِهَا لِدَلَالَتِهَا عَلَى صِدْقِ الْعَبْدِ فِي الْعُبُودِيَّةِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ) أَيْ أَوْ التَّسْمِينِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ إلَى آخِرِهِ) الرِّعْيُ بِالْكَسْرِ الْكَلَأُ وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَالْمَرْعَى الرِّعْيُ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ اعْتَرَضَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ تَفْسِيرُ السَّائِمَةِ الَّتِي فِيهَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فَهُوَ تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ إذْ بَقِيَ قَيْدُ كَوْنِ ذَلِكَ لِغَرَضِ النَّسْلِ وَالدَّرِّ وَالتَّسْمِينِ، وَإِلَّا فَيَشْمَلُ الْإِسَامَةَ لِغَرَضِ الْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ، وَلَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ) أَيْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إبِلًا إلَى آخِرِهِ) أَرَادَ بِهِ الْفَرْضَ. اهـ. ع وَالْإِبِلُ اسْمُ جَمْعٍ كَالْغَنَمِ لَا وَاحِدَ لَهُمَا مِنْ لَفْظِهِمَا، وَهُمَا مُؤَنَّثَانِ وَلِهَذَا يُقَالُ فِي تَصْغِيرِهِمَا أُبَيْلَةٌ وَغُنَيْمَةٌ وَكَأَنَّ الْغَنَمَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ إذْ لَيْسَ لَهَا آلَةُ الدِّفَاعِ كَالْقَرْنِ وَالنَّابِ لِلثَّوْرِ وَالْبَعِيرِ. اهـ. دِرَايَةٌ قَوْلُهُ: غُنَيْمَةٌ أَيْ كَمَا يُقَالُ دُوَيْرَةٍ وَنُوَيْرَةُ. اهـ. قَالَ فِي الْغَايَةِ: وَالْإِبِلُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُ الْبَاءِ تَخْفِيفًا، وَهُوَ فِعْلٌ وَمِثْلُهُ بِلِزٌ فِي الصِّفَاتِ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْقَصِيرَةُ الْعَظِيمَةُ الْحَسَنَةُ قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا وَذَكَرَ الْمَيْدَانِيُّ أَرْبَعَةً وَزَادَ عَلَيْهِمَا إطْلًا، وَهُوَ الْخَاصِرَةُ، وَإِبْدًا لِلْوَحْشِيَّةِ أَيْ وَالْوَلُودِ، وَهِيَ الَّتِي تَلِدُ كُلَّ عَامٍ قَالَ فِي الْمُمْتِعِ، وَفِيمَا زَعَمَ سِيبَوَيْهِ لَمْ يَأْتِ فِعْلٌ إلَّا إبِلٌ وَبِلْزٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَشْهَرَ فِيهِ بِلِزٌّ بِالتَّشْدِيدِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَخْفِيفًا وَلَا حُجَّةَ فِي إطْلٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ إلَّا فِي الشِّعْرِ نَحْوُ قَوْلِ امْرِئِ الْقِيسِ لَهُ إطْلَا ظَبْيٍ وَسَاقَا نَعَامَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا أُتْبِعَتْ فِيهِ الطَّاءُ الْهَمْزَةَ لِلضَّرُورَةِ قَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ فِي الْمُمْتِعِ وَجَاءَ وَتَدٌ لُغَةً فِي الْوَتَدِ وَحِبِرٌ الْقَلَحُ عَلَى الْأَسْنَانِ، وَإِبِطٌ وَجَلْح وَحَلَبَ، وَهِيَ جِنْسٌ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ. اهـ. غَايَةٌ وَلَفْظُهَا مُؤَنَّثٌ تَقُولُ إبِلٌ سَائِمَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ) هِيَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي سِتٍّ، وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ إلَى آخِرِهِ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَشَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ذَكَرَهُ السَّفَاقِسِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا وَقَصَ بَيْنَهُمَا إلَى آخِرِهِ) فَإِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى أَنَّ الْوَقَصَ يَتْلُو الْوَاجِبَ وَالْوُجُوبُ يَتْلُو الْوَقَصَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِنْتُ الْمَخَاضِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْيَنَابِيعِ بِنْتُ الْمَخَاضِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ وَبِنْتُ لَبُونٍ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ إلَى آخِرِهَا، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ فِيمَا نُقِلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: سُمِّيَتْ بِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي مَا يُطْلَبُ مِنْهَا إلَّا بِضَرْبٍ مُكَلِّفٍ وَحَبْسٍ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِك جَذَعْت الدَّابَّةَ إذَا حَبَسْتهَا مِنْ غَيْرِ عَلَفٍ. اهـ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الْمُعْتَبَرُ فِي سِنِّ الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَسَطٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فِي السِّنِّ وَالْقِيمَةِ عَفْوٌ قُلْت يَعْنِي لِإِيجَابِ الشَّاةِ الْوَسَطِ، وَإِلَّا لَوْ لَمْ تَكُنْ

الْإِبِلِ، وَهِيَ أَكْبَرُ سِنٍّ يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ وَالْعَفْوُ بَيْنَ الْوَاجِبَيْنِ مِنْ خَمْسٍ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةٌ أَرْبَعَةٌ، وَمِنْهَا إلَى وُجُوبِ بِنْتِ لَبُونٍ عَشَرَةٌ، وَمِنْهَا إلَى حِقَّةٍ تِسْعَةٌ، وَمِنْهَا إلَى جَذَعَةٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَمِنْهَا إلَى بِنْتَيْ لَبُونٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ أَيْضًا، وَمِنْهَا إلَى حِقَّتَيْنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ أَيْضًا، وَمِنْهَا إلَى وَاجِبٍ آخَرَ، وَهُوَ الشَّاةُ بَعْدَ الِاسْتِئْنَافِ عَلَى مَا يُذْكَرُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ إلَى مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَثَمَانِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى مِائَتَيْنِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ أَبَدًا كَمَا بَعْدَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ)، وَمَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ الْفَرِيضَةَ تُسْتَأْنَفُ بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ فَيَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ فَيَكُونُ هَذَا مَعَ الْمِائَةِ الْأُولَى وَالْعِشْرِينَ مِائَةً وَخَمْسًا وَأَرْبَعِينَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَى مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ ثُمَّ إذَا زَادَتْ خَمْسَةً يَجِبُ فِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ، وَالْعَفْوُ فِيهِ بَيْنَ الْوَاجِبَاتِ أَرْبَعَةٌ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ فَيَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ مَعَ ثَلَاثِ حِقَاقٍ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَيَجِبُ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ مَعَ ثَلَاثِ حِقَاقٍ فَيَكُونُ مَعَ الْأَوَّلِ مِائَةً وَخَمْسًا وَسَبْعِينَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ مَعَ ثَلَاثِ حِقَاقٍ فَيَكُونُ مَعَ الْأَوَّلِ مِائَةً وَسِتًّا وَثَمَانِينَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَثَمَانِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ مَعَ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ فَتَكُونُ جُمْلَةُ الْإِبِلِ مِائَةً وَسِتًّا وَتِسْعِينَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ فَإِذَا تَمَّ خَمْسِينَ، وَهُوَ مِائَتَانِ مَعَ الْأَوَّلِ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ دَائِمًا كَمَا اُسْتُؤْنِفَتْ فِي هَذِهِ الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ، وَالْعَفْوُ فِيهَا بَيْنَ الْوَاجِبَاتِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ مَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مَا إذَا وَجَبَتْ الْحِقَّةُ فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ فَإِنَّ الْعَفْوَ فِيهَا فِي الْأَوَّلِ إلَى وَاجِبٍ آخَرَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَهُنَا ثَمَانِيَةٌ فِي كُلِّ دَوْرٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ أَبَدًا كَمَا بَعْدَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَإِذَا صَارَتْ مِائَةً وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ ثُمَّ يَدُورُ الْحِسَابُ عَلَى الْأَرْبَعِينَاتِ وَالْخَمْسِينَاتِ فَيَجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حَقَّةٌ كَمَا يَدُورُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَطًا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا دُونَ الْوَسَطِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَسَطٌ، وَفِي سِتِّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ أَوْ ابْنُ لَبُونٍ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ سَوَاءٌ كُنَّ مُنْفَرِدَاتٍ أَوْ مُخْتَلِطَاتٍ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْمُفِيدِ وَالْبَدَائِعِ لَا يُجْزِي فِي الْإِبِلِ إلَّا الْإِنَاثُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَلَا يُجْزِي الذُّكُورُ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَفِي الْمَنَافِعِ اُعْتُبِرَ فِي الْإِبِلِ الْإِنَاثُ وَالصِّغَارُ دُونَ الذُّكُورِ كَبِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٍ وَجَذَعَةٍ، وَهَذِهِ الْأَسْنَانُ صِغَارٌ حَتَّى لَا تُجْزِي فِي الْأُضْحِيَّةِ فَجُعِلَتْ الْأُنُوثَةُ كَالْجَابِرِ لِلصِّغَرِ بِخِلَافِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَكْبَرُ سِنٍّ يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ) وَبَعْدَهَا ثَنِيٌّ وَسُدُسٌ وَبَازِلٌ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ أَخْذِ كَرَائِمِ أَمْوَالِ النَّاسِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ إلَى آخِرِهِ) أَيْ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ فَيَجِبُ. اهـ. هَذَا هُوَ الِاسْتِئْنَافُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى آخِرِهِ)، وَفِي الْمَبْسُوطِ إنْ شَاءَ أَدَّى أَرْبَعَ حِقَاقٍ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتَ لَبُونٍ. اهـ غَايَةٌ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْكِتَابُ بَيْنَ أَرْبَعِ حِقَاقٍ وَخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ كَيْفَ يَصِحُّ فِيمَا بَلَغَ النِّصَابُ مِائَةً وَسِتًّا وَتِسْعِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ بِهَذَا الْحِسَابُ قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيمَا قَبْلَ الْمِائَتَيْنِ فَيَصِحُّ فِي الْمِائَتَيْنِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي تَأْخِيرِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ إلَى أَنْ كَانَتْ الْإِبِلُ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَرْبَعِ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ. اهـ. كَاكِيٌّ. قَوْلُهُ: وَفِي الْمَبْسُوطِ أَيْ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا بَعْدَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ إلَى آخِرِهِ) قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ الِاسْتِئْنَافِ الَّذِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ الِاسْتِئْنَافُ لَيْسَ إيجَابَ بِنْتِ لَبُونٍ، وَلَا إيجَابَ أَرْبَعِ حِقَاقٍ لِانْعِدَامِ وُجُودِ نِصَابِهِمَا. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ) الذَّوْدُ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ الثَّلَاثِ إلَى الْعَشَرَةِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَقِيلَ مِنْ اثْنَيْنِ إلَى التِّسْعَةِ. اهـ. دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا تَمَّ خَمْسِينَ وَهُوَ مِائَتَانِ مَعَ الْأَوَّلِ تُسْتَأْنَفُ) قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِئْنَافَ آتٍ فِي بَابِ الْإِبِلِ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ الْأَوَّلُ مِنْ خَمْسَةٍ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَالثَّانِي مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَالثَّالِثُ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ إلَى مِائَتَيْنِ فَالِاسْتِئْنَافُ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ كَالِاسْتِئْنَافِ الْأَخِيرِ لَا كَالِاسْتِئْنَافِ الْأَوَّلِ، وَلَا كَالِاسْتِئْنَافِ الثَّانِي فَإِنَّ فِي الِاسْتِئْنَافِ الْأَوَّلِ جَمِيعَ الْوَاجِبَاتِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ شَاةٌ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ، وَفِي الِاسْتِئْنَافِ الثَّانِي ثَلَاثَةُ شِيَاهٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَحِقَّةٌ وَفِي الثَّالِثِ أَرْبَعَةُ شِيَاهٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، وَالِاسْتِئْنَافُ الرَّابِعُ وَمَا بَعْدَهُ كَالِاسْتِئْنَافِ الثَّالِثِ وَلِهَذَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا بَعْدَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا اُسْتُؤْنِفَتْ فِي هَذِهِ الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ إلَى آخِرِهِ) يَعْنِي فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ مَعَ الْأَرْبَعِ حِقَاقٍ أَوْ الْخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ مَعَهَا، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ مَعَهَا، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعٌ مَعَهَا فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ مَعَهَا إلَى سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَبِنْتُ لَبُونٍ مَعَهَا إلَى سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسُ حِقَاقٍ حِينَئِذٍ إلَى مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ كَذَلِكَ فَفِي مِائَتَيْنِ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ سِتَّةُ حِقَاقٍ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ وَهَكَذَا. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ

[باب صدقة البقر]

الْبَقَرِ عَلَى الثَّلَاثِينَاتِ وَالْأَرْبَعِينَاتِ لَهُ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَتَبَ إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» مِنْ غَيْرِ شَرْطِ عَدَدِ مَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ، وَمَا دُونَ بِنْتِ لَبُونٍ، وَهُوَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَالشَّاةُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَنَا «كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَكَانَ فِيهِ إذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى أَنْ تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ فَمَا فَضَلَ فَإِنَّهُ يُعَادُ إلَى أَوَّلِ فَرَائِضِ الْإِبِلِ فَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهِ الْغَنَمُ فَفِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثُ ابْنِ حَزْمٍ فِي الصَّدَقَاتِ صَحِيحٌ، وَمَذْهَبُنَا مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَكَفَى بِهِمَا قُدْوَةً، وَهُمَا أَفْقَهُ الصَّحَابَةِ وَعَلِيٌّ كَانَ عَامِلًا فَكَانَ أَعْلَمَ بِحَالِ الزَّكَاةِ، وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ قَدْ عَمِلْنَا بِمُوجَبِهِ فَإِنَّا أَوْجَبْنَا فِي أَرْبَعِينَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَفِي خَمْسِينَ حِقَّةً فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَرْبَعِينَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَالْوَاجِبُ فِي الْخَمْسِينَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ، وَلَا يَتَعَرَّضُ هَذَا الْحَدِيثُ لِنَفْيِ الْوَاجِبِ عَمَّا دُونَهُ فَنُوجِبُهُ بِمَا رَوَيْنَا وَتُحْمَلُ الزِّيَادَةُ فِيمَا رَوَاهُ عَلَى الزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ. أَلَا تَرَى مَا يَرْوِيهِ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَتَبَ الصَّدَقَةَ، وَلَمْ يُخْرِجْهَا إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ قَالَ ثُمَّ أَخْرَجَهَا أَبُو بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ فَعَمِلَ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُمَرُ فَعَمِلَ بِهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُثْمَانُ فَعَمِلَ بِهَا فَكَانَ فِيهَا فِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا كَثُرَتْ الْإِبِلُ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَبِزِيَادَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يُقَالُ كَثُرَتْ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا بَلْ يَنُصُّ عَلَيْهِ. وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كُلُّهَا تَنُصُّ عَلَى وُجُوبِ الشَّاةِ بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ ذَكَرَهَا فِي الْغَايَةِ، وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَأَوْرَدْنَاهَا؛ وَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ الزَّائِدَةَ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ إنْ كَانَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْوَاجِبِ يَكُونُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ وَثُلُثٍ بِنْتُ لَبُونٍ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِحَدِيثِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْوَاجِبِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِأُصُولِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ مَا لَا يَكُونُ لَهُ حَظٌّ مِنْ الْوَاجِبِ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْوَاجِبُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْبُخْتُ كَالْعِرَابِ)؛ لِأَنَّ اسْمَ الْإِبِلِ يَتَنَاوَلُهُمَا فَيَدْخُلَانِ تَحْتَ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ ضَرُورَةً وَالْبُخْتُ جَمْعُ بُخْتِيٍّ، وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الْعَرَبِيِّ وَالْفَالِجِ، وَالْفَالِجُ هُوَ الْجَمَلُ الضَّخْمُ ذُو السَّنَامَيْنِ يُحْمَلُ مِنْ السِّنْدِ لِلْفَحْلَةِ، وَالْبُخْتِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى بُخْتَ نَصَّرَ وَالْعِرَابُ جَمْعُ عَرَبِيٍّ لِلْبَهَائِمِ وَلِلْأَنَاسِيِّ عَرَبٌ فَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الْجَمْعِ وَالْعَرَبُ هُمْ الَّذِينَ اسْتَوْطَنُوا الْمُدُنَ أَوْ الْقُرَى الْعَرَبِيَّةَ وَالْأَعْرَابُ أَهْلُ الْبَدْوِ وَاخْتَلَفُوا فِي نِسْبَتِهِمْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ نُسِبُوا إلَى عَرَبَةَ بِفَتْحَتَيْنِ، وَهِيَ مِنْ تِهَامَةِ؛ لِأَنَّ أَبَاهُمْ إسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَشَأَ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ صَدَقَةُ الْبَقَرِ] (بَابٌ صَدَقَةُ الْبَقَرِ) قَدَّمَ الْبَقَرَ عَلَى الْغَنَمِ لِقُرْبِهَا مِنْ الْإِبِلِ مِنْ حَيْثُ الضَّخَامَةُ حَتَّى شَمَلَهَا اسْمُ الْبَدَنَةِ سُمِّيَتْ بَقَرًا؛ لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ تَشُقُّهَا وَالْبَقَرُ جِنْسٌ، وَالْوَاحِدَةُ بَقَرَةٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَالتَّمْرِ وَالتَّمْرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعٌ ذُو سَنَةٍ أَوْ تَبِيعَةٌ، وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ ذُو سَنَتَيْنِ أَوْ مُسِنَّةٌ)، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَالتَّبِيعُ مَا طَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ وَالْمُسِنُّ مَا طَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ مِنْ الْبَقَرِ وَادَّعَوْا فِيهِ الْإِجْمَاعَ مِنْ حَيْثُ إنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَمْسِينَ، وَقَالَ قَوْمٌ فِي خَمْسٍ مِنْ الْبَقَرِ شَاةٌ، وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَقَرَةٌ إلَى خَمْسٍ وَتِسْعِينَ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا بَقَرَتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةٌ اعْتَبَرُوهُ بِالْإِبِلِ، وَقَالُوا هُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَوْلُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، وَلَنَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ «مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُمَرُ فَعَمِلَ بِهَا) أَيْ حَتَّى تُوُفِّيَ ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُثْمَانُ فَعَمِلَ بِهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا عَلِيٌّ فَعَمِلَ بِهَا. اهـ. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ إلَى قَوْلِهِ ذَكَرَهَا فِي الْغَايَةِ) نَقَلَهُ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ فِي الْفَتْحِ مَعْزِيًّا إلَى الشَّارِحِ وَرَأَيْت بِهَامِشِ فَتْحِ الْقَدِيرِ حَاشِيَةً بِخَطِّ الشَّيْخِ الْعَلَامَةِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصُّهَا: وَهَذِهِ الْحَوَالَةُ مِنْ شَارِحِ الْكَنْزِ غَيْرُ رَائِجَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْوَاجِبُ) أَيْ كَالْمَعْلُوفَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (بَابٌ: صَدَقَةُ الْبَقَرِ). (قَوْلُهُ: وَالْوَاحِدَةُ بَقَرَةٌ إلَى آخِرِهِ) وَالْهَاءُ لِلْإِفْرَادِ. اهـ. غَايَةٌ وَالْبَيْقُورُ الْبَقَرُ وَالْيَاءُ وَالْوَاوُ زَائِدَتَانِ وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الْبَقَرَةَ بَاقُورَةً وَالْبَاقِرُ اسْمُ جَمْعٍ لِلْبَقَرِ مَعَ رُعَاتِهِ كَالْجَامِلِ لِجَمَاعَةِ الْجِمَالِ، وَفِي شَرْحِ النَّوَوِيِّ الْبَقَرُ جِنْسٌ وَاحِدَتُهُ بَقَرَةٌ وَبَاقُورَةٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْبَقَرَةُ الْأُنْثَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فِي ثَلَاثِينَ بَقَرَةً إلَى آخِرِهِ) أَيْ سَائِمَةً غَيْرَ مُشْتَرَكَةٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. اهـ. بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى آخِرِهِ) فَإِذَا مَلَكَ خَمْسِينَ بَقَرَةً عَامًا قَمَرِيًّا مُتَّصِلًا فَفِيهَا بَقَرَةٌ، وَفِي الْمِائَةِ بَقَرَتَانِ ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ بَقَرَةً بَقَرَةٌ، وَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: اعْتَبَرُوهُ بِالْإِبِلِ) أَيْ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا يُجْزِيهِ عَنْ سَبْعَةٍ. اهـ. غَايَةٌ

بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَفِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ إلَى سِتِّينَ) أَيْ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ يَجِبُ فِيهِ بِحِسَابِهِ إلَى سِتِّينَ فَفِي الْوَاحِدَةِ الزَّائِدَةِ رُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ عُشْرِ التَّبِيعِ، وَفِي الثِّنْتَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثَا عُشْرِ تَبِيعٍ، وَفِي الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ عُشْرِ مُسِنَّةٍ أَوْ عُشْرُ تَبِيعٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُمَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنًّا أَوْ مُسِنَّةً فَقَالُوا الْأَوْقَاصُ فَقَالَ مَا أَمَرَنِي فِيهَا بِشَيْءٍ وَسَأَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ عَنْ الْأَوْقَاصِ فَقَالَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ»، وَفَسَّرُوهَا بِمَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الزَّكَاةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ وَاجِبَيْنِ وَقَصٌ؛ لِأَنَّ تَوَالِيَ الْوَاجِبَاتِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِيهَا لَا سِيَّمَا فِيمَا يُؤَدِّي إلَى التَّشْقِيصِ فِي الْمَوَاشِي وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْأَوْقَاصَ مِنْ الْبَقَرِ تِسْعٌ تِسْعٌ كَمَا قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ وَبَعْدَ السِّتِّينَ فَكَذَا هُنَا. وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الْمَالَ سَبَبُ الْوُجُوبِ، وَنَصْبُ النِّصَابِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا إخْلَاؤُهُ عَنْ الْوَاجِبِ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ غَيْرُ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فِي الصَّحِيحِ، وَلَئِنْ ثَبَتَ فَقَدْ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الصِّغَارُ إذَا كَانَتْ وَحْدَهَا وَبِهِ نَقُولُ فَلَا يَلْزَمُهُ حُجَّةٌ مَعَ الِاحْتِمَالِ فَإِنْ قِيلَ فِيمَا قُلْت أَيْضًا خِلَافُ الْقِيَاسِ، وَهُوَ إيجَابُ الْكُسُورِ فِيمَ يَتَرَجَّحُ مَذْهَبُهُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا قُلْنَا إيجَابُ الْكُسُورِ أَهْوَنُ مِنْ نَصْبِ النِّصَابِ بِالرَّأْيِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ التَّقْدِيرِ، وَإِخْلَاءَ الْمَالِ عَنْ الْوَاجِبِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24] {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 25] ظَاهِرٌ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَالٍ فَلَا يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ عَنْ الْوَاجِبِ بِالرَّأْيِ؛ وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الْعِبَادَاتِ الْإِيجَابُ أَيْضًا فَكَانَ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْوَقَصِ، وَهُوَ تِسْعَةَ عَشَرَ لَيْسَ مِنْ أَوْقَاصِ الْبَقَرِ إذْ هِيَ تِسْعَةٌ تِسْعَةٌ فَبَطَلَ قِيَاسُهُمْ عَلَيْهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَفِيهَا تَبِيعَانِ) أَيْ فِي السِّتِّينَ تَبِيعَانِ (وَفِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ، وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ فَالْفَرْضُ يَتَغَيَّرُ فِي كُلِّ عَشْرٍ مِنْ تَبِيعٍ إلَى مُسِنَّةٍ) أَيْ يَجِبُ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَتَبَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ فَيَتَغَيَّرُ فِي كُلِّ عَشْرٍ مِنْ تَبِيعٍ إلَى مُسِنَّةٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: رُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ) أَيْ أَوْ مُسِنٍّ (قَوْلُهُ: أَوْ ثُلُثُ عُشْرِ التَّبِيعِ) أَيْ أَوْ تَبِيعَةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ عُشْرُ تَبِيعٍ)، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا نِصَابَ فِي الزِّيَادَةِ عِنْدَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) أَيْ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَابْنُ حَنْبَلٍ، وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ، وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. غَايَةٌ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ أَيْضًا، وَلَا خِلَافَ فِيمَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ، وَلَا بَعْدَ السِّتِّينَ فِي غَيْرِ الْعُقُودِ. اهـ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لَمَّا بَعَثَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قَالَ فِي الْغَايَةِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَبَقِيَّةُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَطَّانِ رَدَّهُ بِأَنَّ بَقِيَّةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَسْعُودِيُّ. اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ مَا نَصُّهُ أَسَدُ بْنُ عُمَرَ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ: وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ أَيْ وَالْبَزَّارُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: «فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ عَنْ الْأَوْقَاصِ فَقَالَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ») قَالَ الْمَسْعُودِيُّ وَالْأَوْقَاصُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَالْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُطَرِّزِيُّ الْوَقَصُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ فِي جَمِيعِ الْمَاشِيَةِ قُلْت وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَصَنَّفَ ابْنُ بَرِّيٍّ جُزْءًا فِي تَخْطِئَةِ الْفُقَهَاءِ، وَلَحْنِهِمْ فِي إسْكَانِ الْقَافِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَالشَّنَقُ مِثْلُهُ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الشَّنَقُ يَخْتَصُّ بِالْإِبِلِ وَالْوَقَصُ بِالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَيُقَالُ، وَقَسٌ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا، وَقِيلَ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَقَالَ سَنَدٌ الْجُمْهُورُ عَلَى تَسْكِينِ الْقَافِ، وَقِيلَ تُفْتَحُ؛ لِأَنَّ جَمْعَهُ أَوْقَاصٌ كَجَبَلٍ، وَأَجْبَالٍ وَجَمَلٍ، وَأَجْمَالٍ، وَلَوْ كَانَ سَاكِنًا لَجُمِعَ عَلَى أَفْعُلٍ نَحْوُ فَلْسٍ، وَأَفْلُسٍ وَكَلْبٍ وَأَكْلُبٍ. قَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الذَّخِيرَةِ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا حَوْلٌ وَأَحْوَالٌ، وَهَوْلٌ وَأَهْوَالٌ (قُلْت) بَابُ ثَوْبٍ وَحَوْلٍ وَهُوَ الْمُعْتَلُّ الْعَيْنِ بِالْوَاوِ قِيَاسُهُ أَنْ يُجْمَعَ كَذَلِكَ فَلَا نَقْضَ، وَإِنَّمَا الَّذِي أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ بْنِ يَعِيشَ وَشَرْحُ الْمُفَصَّلِ نَحْوُ فَرْخٍ، وَأَفْرَاخٍ، وَزَنْدٍ وَأَزْنَادٍ وَرَأْدٍ وَأَرْآدٍ، وَأَنْفٍ وَآنَافٍ وَالرَّأْدُ أَصْلُ اللَّحْيَيْنِ وَالزَّنْدُ الْعُودُ الَّذِي يُقْدَحُ بِهِ النَّارُ، وَهُوَ الْأَعْلَى وَالزَّنْدَةُ السُّفْلَى فِيهَا ثُقْبٌ وَهِيَ الْأُنْثَى وَجَمَعُوا هَذِهِ الْأَسْمَاءَ عَلَى أَفْعَالٍ؛ لِأَنَّ الرَّأْدَ فِي مَعْنَى الذَّقَنِ وَالزَّنْدُ فِي مَعْنَى الْعُودِ، وَفَرْخٌ فِي مَعْنَى طَيْرٍ أَوْ وَلَدٍ فَحُمِلَتْ عَلَى الْمَعْنَى فِي الْجَمْعِ أَوْ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ مُقَارِنَةٌ لِلْأَلِفِ فَقَالُوا أَرْآدٌ كَمَا قَالُوا أَبْوَابٌ وَالنُّونُ فِي زَنْدٍ وَأَنْفٍ سَاكِنَةٌ فَهِيَ غُنَّةٌ فَجَرَتْ بِغُنَّتِهَا مَجْرَى الْمُتَحَرِّكَةِ، وَالرَّاءُ فِي فَرْخٍ حَرْفٌ مُكَرَّرٌ فَجَرَى تَكْرِيرُهُ مَجْرَى الْحَرَكَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْجَمْعِ وَنَقَضَ النُّورِيُّ بِأَوْطَابٍ، وَأَوْعَادٍ وَأَوْغَادٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَئِنْ ثَبَتَ فَقَدْ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ) أَيْ بِالْوَقَصِ (قَوْلُهُ: الصِّغَارُ) أَيْ، وَهُوَ الْعَجَاجِيلُ. اهـ. دِرَايَةٌ وَالْمُرَادُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ. اهـ. غَايَةٌ بِالْمَعْنَى أَوْ الْمُرَادُ مِنْهَا إنْ أُرِيدَ الْعَفْوُ قِلَّةُ الْعَدَدِ فِي الِابْتِدَاءِ فَإِنَّ الْوَقَصَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمَّا لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. دِرَايَةٌ

[فصل في الغنم]

وَبِالْعَكْسِ ضَرُورَةً، وَإِنْ اُحْتُمِلَ تَقْدِيرُهُمَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ كَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَثَلًا إنْ شَاءَ أَدَّى ثَلَاثَ مُسِنَّاتٍ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى أَرْبَعَةَ أَتْبِعَةً؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْجَامُوسُ كَالْبَقَرِ)؛ لِأَنَّهُ بَقَرٌ حَقِيقَةً إذْ هُوَ نَوْعٌ مِنْهُ فَيَتَنَاوَلُهُمَا النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ بِاسْمِ الْبَقَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْبَقَرِ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَامُوسِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ، وَفِي الْعَادَةِ أَنَّ أَوْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَيْهِ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَقَرًا فَاشْتَرَى جَامُوسًا يَحْنَثُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا قُلْنَا، وَأَنْوَاعُ الْبَقَرِ ثَلَاثَةٌ الْعِرَابُ وَالْجَامُوسُ والدريانية، وَهِيَ الَّتِي لَهَا أَسْنِمَةٌ وَالْبَقَرُ يَشْمَلُ الْكُلَّ فَيَكُونُ حُكْمُهَا وَاحِدًا فِي قَدْرِ النِّصَابِ وَالْوَاجِبِ، وَعِنْدَ الِاخْتِلَاطِ يَجِبُ ضَمُّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ أَغْلِبْهَا إنْ كَانَ بَعْضُهَا أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُؤْخَذُ أَعْلَى الْأَدْنَى، وَأَدْنَى الْأَعْلَى، وَعَلَى هَذَا الْبُخْتُ وَالْعِرَابُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ. وَقَوْلُهُ: وَالْجَامُوسُ كَالْبَقَرِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَقَرٍ. (فَصْلٌ) فِي الْغَنَمِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، وَفِي مِائَةٍ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ، وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ) بِهَذَا اشْتَهَرَتْ كُتُبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُتُبُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْمَعْزُ كَالضَّأْنِ)؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِاسْمِ الشَّاةِ وَالْغَنَمِ، وَهُوَ شَامِلٌ لَهُمَا فَكَانَا جِنْسًا وَاحِدًا فَيَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤْخَذُ الثَّنِيُّ فِي زَكَاتِهَا لَا الْجَذَعُ) وَالثَّنِيُّ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَالْجَذَعُ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُهَا، وَهَذَا عَلَى تَفْسِيرِ الْفُقَهَاءِ، وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْجَذَعُ: مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَطَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّنِيُّ مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ وَطَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُجْزِيهِ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا حَقُّنَا فِي الْجَذَعُ»؛ وَلِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهِ الْأُضْحِيَّةُ فَكَذَا الزَّكَاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَالْجَامُوسُ كَالْبَقَرِ) وَالْبَقَرُ الْوَحْشِيُّ مُلْحَقٌ بِغَيْرِ الْجِنْسِ كَالْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ حَتَّى لَوْ آلَفَ لَا يَلْتَحِقُ بِالْأَهْلِيِّ حُكْمًا بِدَلِيلِ حِلِّ أَكْلِهِ فَكَذَا الْبَقَرُ الْوَحْشِيُّ، وَفِي الْمُغْنِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي بَقَرِ الْوَحْشِ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ، وَالسَّوْمُ وَالنِّصَابُ حَوْلًا كَامِلًا شَرْطٌ عِنْدَهُ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ السَّوْمُ وَمِلْكُ النِّصَابِ حَوْلًا كَامِلًا وَمَتَى يَجْتَمِعُ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ ثَلَاثُونَ كَالسَّائِمَةِ وَاسْمُ الْبَقَرِ لَا يَتَنَاوَلُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَكَانَ الْقَوْلُ بِهِ شَرْعًا بِلَا كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قِيَاسٍ صَحِيحٍ وَلِهَذَا لَا يُجْزِي فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ، وَلَيْسَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَصَارَ كَالظِّبَاءِ بَلْ أَوْلَى فَإِنَّ الظَّبْيَةَ تُسَمَّى عَنْزًا، وَلَا تُسَمَّى بَقَرُ الْوَحْشِ بَقَرًا بِغَيْرِ إضَافَةٍ وَيَجِبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد، وَعِنْدَنَا إنْ كَانَتْ الْأُمُّ أَهْلِيَّةً يَجِبُ، وَإِنْ كَانَتْ وَحْشِيَّةً لَا يَجِبُ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ قَاسُوا عَلَى الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ السَّائِمَةِ وَالْعَلُوفَةِ وَزَعَمُوا أَنَّ غَنَمَ مَكَّةَ مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَ الظِّبَاءِ وَالْغَنَمِ وَفِيهَا الزَّكَاةُ، وَأَلْزَمَنَا النَّوَوِيُّ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْإِلْزَامَانِ بَاطِلَانِ، وَفِي الْمُحَلَّى قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا فِي إنَاثِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي الْعَادَةِ أَنَّ أَوْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَيْهِ) أَيْ حَتَّى لَوْ كَثُرَ فِي مَوْضِعٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ كَذَا فِي مَبْسُوطِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَقَرٍ) أَيْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَالْبُخْتُ كَالْعِرَابِ؛ لِأَنَّهَا فَرْدَانِ لِجِنْسٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْإِبِلُ. اهـ. [فَصْلٌ فِي الْغَنَمِ] (فَصْلٌ فِي الْغَنَمِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَى آخِرِهِ) إذْ لَيْسَ لَهَا آلَةُ الدِّفَاعِ فَكَانَتْ غَنِيمَةً لِكُلِّ طَالِبٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْمَعْزُ) أَيْ وَهُوَ اسْمٌ لِذَاتِ الشَّعْرِ. اهـ. بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ: كَالضَّأْنِ) أَيْ، وَهُوَ اسْمٌ لِذَاتِ الصُّوفِ. اهـ. بَاكِيرٌ وَالضَّأْنُ مَهْمُوزٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهُ بِالْإِسْكَانِ كَنَظَائِرِهِ يَعْنِي كَرَأْسٍ وَبَأْسٍ (قُلْت) تَخْفِيفُهُ لَيْسَ بِالْإِسْكَانِ بَلْ بِإِبْدَالِهَا أَلِفًا كَمَا فِي رَأْسٍ فَأُبْدِلَتْ بِحَرْفِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا لَمَّا كَانَتْ سَاكِنَةً، وَإِسْكَانُ الْأَلِفِ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا سَاكِنَةً قَالَ وَهُوَ جَمْعُ ضَائِنٍ بِهَمْزَةٍ قَبْلَ النُّونِ كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ وَيُقَالُ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا ضَأَنٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ كَحَارِسٍ وَحَرَسٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى ضَئِينٍ كَغَازٍ وَغَزِيٍّ. (قُلْت) الرَّكْبُ وَالْحَرَسُ وَالْغُزَّى كُلٌّ مِنْهَا لَيْسَ بِجَمْعٍ عَلَى الْأَصَحِّ بَلْ هُوَ اسْمُ جَمْعٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي النَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ، وَلَعَلَّ صِنَاعَةَ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَهُ غَيْرُ قَوِيَّةٍ قَالَ وَالْمَعْزُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَإِسْكَانِهَا اسْمُ جِنْسٍ وَالْوَاحِدُ مَاعِزٌ. (قُلْت) هُمَا اسْمُ جَمْعٍ كَرَكْبٍ وَحَلْقٍ، وَالْمَعِيزُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْأُمْعُوزُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى الْمَعْزِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ الثَّنِيُّ فِي زَكَاتِهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُجْزِيهِ الْجَذَعُ إلَى آخِرِهِ) وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُهُمَا)، وَفِي الْمَعْزِ لَا يُجْزِي إلَّا الثَّنِيُّ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا حَقُّنَا فِي الْجَذَعِ») غَرِيبٌ بِلَفْظِهِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ «جَاءَنِي رَجُلَانِ مُرْتَدِفَانِ فَقَالَا إنَّا رَسُولَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَنَا إلَيْك لِتُؤْتِيَنَا صَدَقَةَ غَنَمِك قُلْتُ: وَمَا هِيَ قَالَا شَاةٌ قَالَ فَعَمِدْتُ إلَى شَاةٍ مُمْتَلِئَةٍ مَخَاضًا وَشَحْمًا فَقَالَا هَذِهِ شَاةٌ شَافِعٌ، وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَأْخُذَ شَافِعًا وَالشَّافِعُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدُهَا قُلْت فَأَيُّ شَيْءٍ تَأْخُذَانِ قَالَا عَنَاقًا جَذَعًا أَوْ ثَنِيَّةً فَأَخْرَجْتُ إلَيْهِمَا عَنَاقًا فَتَنَاوَلَاهَا» وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ سَفِينَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعَثَهُ مُصَدِّقًا فَكَانَ يَعُدُّ السَّخْلَ فَقَالُوا تَعُدُّ عَلَيْنَا السَّخْلَ وَلَا تَأْخُذُهُ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ نَعَمْ تَعُدُّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي، وَلَا تَأْخُذُهَا، وَلَا تُؤْخَذْ الْأَكُولَةُ وَلَا الرُّبَى، وَلَا الْمَاخِضُ وَلَا فَحْلُ الْغَنَمِ، وَتُؤْخَذُ الْجَذَعَةُ وَالثَّنِيَّةُ وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ

[زكاة الخيل]

وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ؛ لِأَنَّهُ يَنْزُو فَيُلَقِّحُ، وَمِنْ الْمَعْزِ لَا يُلَقِّحُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا، وَمَرْفُوعًا: «لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا» وَجَوَازُ التَّضْحِيَةِ بِهِ عُرِفَ نَصًّا فَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ، وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ يَجُوزُ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ الْجَذَعُ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْجَذَعَ لَا يَجُوزُ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ فِي الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ الْجَذَعَةُ، وَهِيَ الْأُنْثَى وَيُؤْخَذُ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ الذُّكُورُ إلَّا إذَا كَانَ النِّصَابُ كُلُّهُ ذُكُورًا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ النَّسْلِ لَا تَحْصُلُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ ذُكُورًا يَجِبُ عَلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» وَاسْمُ الشَّاةِ يَتَنَاوَلُهُمَا؛ وَلِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ الْغَنَمِ لَا يَتَفَاوَتَانِ فَجَازَ أَحَدُهُمَا كَمَا فِي الْبَقَرِ دُونَ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ الْأُنْثَى فِيهَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَهِيَ بِنْتُ لَبُونٍ وَبِنْتُ الْمَخَاضِ وَالْحِقَّةُ وَالْجَذَعَةُ؛ وَلِأَنَّهُمَا مِنْ الْإِبِلِ يَتَفَاوَتَانِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَلَا يَقُومُ الذَّكَرُ مَقَامَ الْأُنْثَى، وَقَوْلُهُ إنَّ مَنْفَعَةَ النَّسْلِ لَا تَحْصُلُ مِنْهُ قُلْت إنَّ رِعَايَةَ مَنْفَعَتِهِ فِي النِّصَابِ تَخْفِيفًا فِي حَقِّ الْمُلَّاكِ حَتَّى لَا يُؤْخَذَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِمْ جَبْرٌ إلَّا فِيمَا يَأْخُذُهُ الْفَقِيرُ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ سَدَّ الْخَلَّةِ لَا النَّسْلَ مِنْهُ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا شَيْءَ فِي الْخَيْلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَنَمِ وَخِيَارُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ سَنَدُهُ صَحِيحٌ وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ فَغَرِيبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَالدَّلِيلُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ كَانَ قَوْلُ الصَّحَابِيَّيْنِ نَأْخُذُ عَنَاقًا جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَكَذَا قَوْلُ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَيَجِبُ تَرْجِيحُ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَعْنِي مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الْجَذَعَةِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي تَعْيِينِ الثَّنِيِّ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَعْزِ لَا يُلَقِّحُ) حَتَّى يَصِيرَ ثَنِيًّا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَجَوَازُ التَّضْحِيَةِ بِهِ عُرِفَ نَصًّا) أَيْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ». اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ إلَخْ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَمْلُ صَاحِبِ الْكِتَابِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا حَقُّنَا الْجَذَعُ وَالثَّنِيُّ» عَلَى الْإِبِلِ بَعِيدٌ فَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْ الْإِبِلِ لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إذْ الذَّكَرُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا وَالثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ لَا يُؤْخَذُ لِأَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ الْجَذَعَةَ مِنْ الْإِبِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى لَا يَتَفَاوَتَانِ) أَيْ مِنْ الْغَنَمِ. اهـ. (فُرُوعٌ) شَاةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا وَبَيْنَ آخِرِ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ شَاةً فَعَلَى الَّذِي تَمَّ نِصَابُهُ شَاةٌ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ التِّسْعَةَ وَالثَّلَاثِينَ وَنِصْفَيْنِ مِنْ شَاتَيْنِ فَلَمْ يُكْمِلْ الْأَرْبَعِينَ، وَلَنَا أَنَّهُ مَلَكَ نِصْفَ الثَّمَانِينَ شَائِعًا بِدَلِيلِ أَنَّ شَرِيكَهُ لَوْ كَانَ وَاحِدًا تَجِبُ فَبِتَعَدُّدِ الشُّرَكَاءِ لَا يَنْقُصُ مِلْكُهُ، وَلَا يَعْدَمُ صِفَةُ الْغِنَى فِي حَقِّهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ ثَمَانُونَ شَاةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَمَانِينَ رَجُلًا كُلُّ شَاةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ ثَمَانُونَ بَقَرَةً بَيْنَ ثَمَانِينَ نَفَرًا لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ بَقَرَةٍ وَلِأَحَدِهِمْ ثَمَانُونَ نِصْفًا أَوْ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ بَيْنَ وَاحِدٍ وَبَيْنَ عَشَرَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ بَعِيرٍ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ نَصِيبِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَفِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الَّذِي تَمَّ نِصَابُهُ الزَّكَاةُ عِنْدَنَا قَوْلٌ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ، وَفِي النَّوَادِرِ ثَمَانُونَ شَاةً لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ ثُلُثَاهَا وَالْآخَرُ لَهُ ثُلُثُهَا فَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ شَاةً لِزَكَاةِ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ رَجَعَ صَاحِبُ الثُّلُثِ بِقِيمَةِ ثُلُثِ شَاةٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثُّلُثَيْنِ دَفَعَ ثُلُثَ شَاةٍ مِنْ مِلْكِ شَرِيكِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ مِائَةً وَعِشْرِينَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخِرِ ثُلُثُهَا تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ، وَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ شَاتَيْنِ فَصَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ بِقِيمَةِ ثُلُثِ شَاةٍ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ فِي شَاتَيْنِ شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَثُلُثٌ فَإِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ شَاةً كَامِلًا لِأَجَلِ صَاحِبِ الثُّلُثِ فَقَدْ أَخَذَ ثُلُثًا مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ لِأَجْلِ زَكَاةِ صَاحِبِ الثُّلُثِ فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ»، وَفِي الْمَبْسُوطِ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْكَثِيرِ عَلَى صَاحِبِ الْقَلِيلِ بِثُلُثِ شَاةٍ ثُمَّ إذَا حَالَ حَوْلٌ آخَرُ يَجِبُ شَاةٌ فِي مَالِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْقَلِيلِ لِنَقْصِ مَالِهِ عَنْ النِّصَابِ فَإِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ شَاةً مِنْ عَرَضِ الْمَالِكَيْنِ رَجَعَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ عَلَى صَاحِبِ الْكَثِيرِ بِثُلُثِ شَاةٍ فَهُوَ مَعْنَى التَّرَاجُعِ بِالسَّوِيَّةِ. وَفِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُهُ «بِالسَّوِيَّةِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ إذَا ظَلَمَ أَحَدَهُمَا بِالزِّيَادَةِ لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى شَرِيكِهِ بَلْ يَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْوَاجِبِ دُونَ الزِّيَادَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ شَاةً بَيْنَ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا مِائَةٌ وَلِلْآخِرِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْهَا ثَلَاثَ شِيَاهٍ رَجَعَ صَاحِبُ الْمِائَةِ عَلَى الْآخَرِ بِخُمُسِ شَاةٍ، وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ رَجُلٌ لَهُ عِشْرُونَ مِنْ الْغَنَمِ فِي جَبَلٍ، وَعِشْرُونَ فِي السَّوَادِ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُصَدِّقِينَ زَكَاةَ مَا فِي عَمَلِهِ، وَهُوَ نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ. [زَكَاة الخيل] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا شَيْءَ فِي الْخَيْلِ) وَالْخَيْلُ اسْمُ جَمْعٍ لِلْعِرَابِ وَالْبَرَاذِينِ ذُكُورِهَا، وَإِنَاثِهَا كَالرَّكْبِ، وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَوَاحِدُهَا فَرَسٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يَذْكُرُ وَيُؤَنَّثُ وَيُصَغَّرُ بِغَيْرِ تَاءٍ، وَهُوَ شَاذٌّ وَمَعَهَا ثَمَانِي كَلِمَاتٍ فِي بَيْتٍ مَوْزُونٍ وَهُوَ ذَوْدٌ وَقَوْسٌ وَحَرْبٌ دِرْعُهَا فَرَسٌ ... نَابٌ كَذَا نَصَفٌ عِرْسٌ ضُحًا غَرَبُ وَفِي الْقِدْرِ وَجْهَانِ وَالْأَجْوَدُ قَدِيرٌ، وَفِي الصِّحَاحِ الْخَيْلُ الْفُرْسَانُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ} [الإسراء: 64] وَالْخَيْلُ أَيْضًا الْخُيُولُ فَيَكُونُ الثَّانِي جَمْعَ اسْمِ الْجَمْعِ كَالْقَوْمِ وَالْأَقْوَامِ وَالْخَيَّالَةُ أَصْحَابُ الْخَيْلِ، وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ «يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي» أَيْ يَا فُرْسَانَ خَيْلِ اللَّهِ ارْكَبِي بِحَذْفِ الْمُضَافِ قُلْت لَا حَاجَةَ بِنَا إلَى حَذْفِ الْمُضَافِ؛ لِأَنَّ الْخَيْلَ بَيْنَ الْفُرْسَانِ وَالْخُيُولِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ارْكَبِي. اهـ. غَايَةٌ

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ: إذَا كَانَتْ ذُكُورًا، وَإِنَاثًا فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا، وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلَامِهِ صَدَقَةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْجَبْهَةِ وَالْكُسْعَةِ وَالنُّخَّةِ»، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي الْخَيْلِ فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ» ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ وَثَبَتَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ، وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا»، وَهُوَ الزَّكَاةُ. وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ «سُئِلَ عَنْ الْحَمِيرِ بَعْدَ الْخَيْلِ فَقَالَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ» فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ زَكَاةَ التِّجَارَةِ لَمَا صَحَّ نَفْيُهُ عَنْ الْحَمِيرِ، وَالتَّخْيِيرُ مَأْثُورٌ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْخَبَرُ فِي صَدَقَةِ الْخَيْلِ صَحِيحٌ عَنْ عُمَرَ، وَمَرْوَانُ شَاوَرَ الصَّحَابَةَ فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ فِي عَبْدِهِ، وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» فَقَالَ مَرْوَانُ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَا أَبَا سَعِيدٍ مَا تَقُولُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَجَبًا مِنْ مَرْوَانَ أُحَدِّثُهُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ يَا أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ زَيْدٌ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَرَسَ الْغَازِي، وَإِنَّمَا خَيَّرَ عُمَرُ أَرْبَابَهَا بَيْنَ الدِّينَارِ وَبَيْنَ رُبْعِ عُشْرِ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْفَرَسِ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ أَرْبَعِينَ دِينَارٍ وَتَفَاوُتُهَا قَلِيلٌ ثُمَّ شُرِطَ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا أَنْ تَكُونَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ بِالتَّنَاسُلِ يَحْصُلُ بِهِمَا، وَلَوْ كَانَتْ إنَاثًا مُنْفَرِدَاتٍ أَوْ ذُكُورًا مُنْفَرِدَاتٍ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَجِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ)، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي قَوْلُهُ: وَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْخِيَارَ إلَى الْعَامِلِ فِي كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إلَى حِمَايَةِ السُّلْطَانِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ) وَاسْمُهُ مُسْلِمٌ شَيْخُ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ) حَكَاهُ عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: «عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْجَبْهَةِ» إلَى آخِرِهِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْجَبْهَةُ الْخَيْلُ وَالْكُسْعَةُ الْحَمِيرُ وَالنُّخَّةُ الرَّقِيقُ قَالَ الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: النُّخَّةُ بِالضَّمِّ الْبَقَرُ الْعَامِلُ وَالْكُسْعَةُ مَضْمُومَةُ الْكَافِ، وَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا الرَّقِيقُ وَالْآخَرُ الْحَمِيرُ وَكِلَاهُمَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْكَسْعِ، وَهُوَ الدَّفْعُ وَكَذَا فِي النُّخَّةِ إنَّهَا الْعَوَامِلُ مِنْ الْبَقَرِ أَوْ مِنْ الرَّقِيقِ، وَذَكَرَ الْفَارِسِيُّ فِي مَجْمَعِ الْغَرَائِبِ لِلْفَرَّاءِ أَنَّ النُّخَّةَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُصَدِّقُ دِينَارًا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَقِيلَ النُّخَّةُ الْحَمِيرُ، وَقِيلَ كُلُّ دَابَّةٍ اُسْتُعْمِلَتْ مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ وَرَقِيقٍ. اهـ. غَايَةٌ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْجَبْهَةُ الْخَيْلُ وَالْكُسْعَةُ الْحَمِيرُ، وَقِيلَ صِغَارُ الْغَنَمِ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ النَّخَّةُ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ الرَّقِيقُ. اهـ. كَاكِيٌّ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ، وَفِي الْإِمَامِ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاذٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْجَبْهَةِ وَالْكُسْعَةِ وَالنُّخَّةِ» قَالَ بَقِيَّةُ الْجَبْهَةُ الْخَيْلُ وَالْكُسْعَةُ الْبِغَالُ وَالنُّخَّةُ الْمُرَبَّيَاتُ فِي الْبُيُوتِ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرْفَعُهُ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ) أَيْ وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: «فَقَالَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ») أَيْ سِوَى هَذِهِ الْآيَةِ الْجَامِعَةِ الْفَاذَّةِ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8]. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ زَكَاةَ التِّجَارَةِ) كَذَا فِي نُسْخَةِ شَيْخِنَا، وَفِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ الْخَيْلُ وَهُوَ خِلَافُ الصَّوَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْخَبَرُ فِي صَدَقَةِ الْخَيْلِ صَحِيحٌ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَرْوَانُ شَاوَرَ الصَّحَابَةَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ، وَقَعَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ فِي زَمَنِهِ فَشَاوَرَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَرَسَ الْغَازِي إلَى آخِرِهِ) فَأَمَّا مَا حِيزَ لِطَلَبِ نَسْلِهَا فَفِيهَا الصَّدَقَةُ فَقَالَ كَمْ فَقَالَ فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي الْيَنَابِيعِ وَغَيْرِهِ قِيلَ هَذَا فِي خَيْلِ الْعَرَبِ كَانَ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرَسٍ كَانَ قِيمَتُهَا أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالدِّينَارُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَأَمَّا الْآنَ تَتَفَاوَتُ قِيمَتُهَا فَتُقَوَّمُ. اهـ. غَايَةٌ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ أَيْضًا وَحَدِيثُهُمْ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى خَيْلِ الرُّكُوبِ إذْ هُوَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ أَنَّهَا تَجِبُ إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ؛ وَلِأَنَّ الْغُلَامَ الْمَعْطُوفَ لَا يَكُونُ سَائِمَةً فَكَذَا الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ حَدِيثُ عَلِيٍّ قَالَ أَبُو دَاوُد رَوَاهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ ثُمَّ إنَّ الرَّقِيقَ إنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَائِمَةً فَهُوَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا حَدِيثُ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي مُعَاذٍ فَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَبُو مُعَاذٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ قُلْت وَبَقِيَّةُ ضَعِيفٌ مُدَلِّسٌ أَيْضًا، وَقِيلَ أَحَادِيثُ بَقِيَّةَ غَيْرُ نَقِيَّةٍ فَكُنْ مِنْهَا عَلَى تَقِيَّةٍ وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَسَانِيدُ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعِيفَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَشْبَهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَالرَّاجِحُ فِي الذُّكُورِ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَفِي الْإِنَاثِ الْوُجُوبُ. اهـ. وَفِي الدِّرَايَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا سَائِمَةٌ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَجْهُهُ أَنَّ الْآثَارَ جَعَلَتْ هَذَا نَظِيرَ سَائِرِ أَنْوَاعِ السَّوَائِمِ فَإِنَّ بِسَبَبِ السَّوْمِ تَخِفُّ الْمُؤْنَةُ وَبِهِ يَصِيرُ الْمَالُ مَالَ الزَّكَاةِ فَكَذَا فِي الْخَيْلِ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ الْخَيْلُ إنْ كَانَتْ تُعْلَفُ لِلرُّكُوبِ أَوْ الْحَمْلِ أَوْ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إجْمَاعًا، وَإِنْ

فِي الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاسَلُ بِالْفَحْلِ الْمُسْتَعَارِ، وَلَا يَجِبُ فِي الذُّكُورِ لِعَدَمِ النَّمَاءِ بِخِلَافِ ذُكُورِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْمُنْفَرِدَاتِ؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا يَزْدَادُ بِالسِّمَنِ وَزِيَادَةُ السِّمَنِ إذْ هُوَ مَأْكُولٌ دُونَ لَحْمِ الْخَيْلِ فَلَا تُعْتَبَرُ زِيَادَتُهَا، وَكَذَا لَا تُعْتَبَرُ زِيَادَتُهَا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا عَلَى أَصْلِهِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا نِصَابٌ أَمْ لَا قِيلَ يُشْتَرَطُ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ فَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ خَمْسَةٌ، وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ، وَقِيلَ اثْنَتَانِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِعَدَمِ النَّقْلِ بِالتَّقْدِيرِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ عَيْنِهَا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَوَاشِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَ) لَا فِي (الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِمَا شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8]» وَالْمَقَادِيرُ لَا تَثْبُتُ إلَّا سَمَاعًا؛ وَلِأَنَّ الْبِغَالَ لَا تَتَنَاسَلُ فَلَا نَمَاءَ، وَهُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْحَمِيرِ الْحَمْلُ وَالرُّكُوبُ غَالِبًا دُونَ التَّنَاسُلِ، وَإِنَّمَا تُسَامُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْحَاجَةِ لِدَفْعِ مُؤْنَةِ الْعَلَفِ تَخْفِيفًا، وَلَوْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ كَسَائِرِ الْعُرُوضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَ) لَا فِي (الْحُمْلَانِ وَالْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ) أَيْ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ يَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْمَسَانِّ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَزُفَرُ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْت عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَقُلْت لَهُ مَا تَقُولُ فِيمَنْ يَمْلِكُ أَرْبَعِينَ حَمَلًا فَقَالَ فِيهَا شَاةٌ مُسِنَّةٌ فَقُلْت رُبَّمَا تَأْتِي قِيمَةُ الشَّاةِ عَلَى أَكْثَرِهَا أَوْ جَمِيعِهَا فَتَأَمَّلَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لَا، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا فَقُلْت أَوَ يُؤْخَذُ الْحَمَلُ فِي الزَّكَاةِ فَتَأَمَّلَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لَا إذًا لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ فَعُدَّ هَذَا مِنْ مَنَاقِبِهِ حَيْثُ أَخَذَ بِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ أَقَاوِيلِهِ مُجْتَهِدٌ، وَلَمْ يَضِعْ مِنْ أَقَاوِيلِهِ شَيْءٌ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ لَوْ قَالَ قَوْلًا رَابِعًا لَأَخَذْت بِهِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ رَدَّ هَذَا، وَقَالَ إنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ الصِّبْيَانِ مُحَالٌ فَمَا ظَنُّك بِأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا مَعْنَى لِرَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ فَوَجَبَ أَنْ يُؤَوَّلَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ فَيُقَالُ إنَّهُ امْتَحَنَ أَبَا يُوسُفَ هَلْ يَهْتَدِي إلَى طَرِيقِ الْمُنَاظَرَةِ فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ يَهْتَدِي إلَيْهِ قَالَ قَوْلًا عُوِّلَ عَلَيْهِ وَتَكَلَّمُوا فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ. قِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا إجْمَاعًا، وَإِذَا كَانَتْ تُسَامُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَهِيَ ذُكُورٌ، وَإِنَاثٌ تَجِبُ عِنْدَهُ فِيهَا الزَّكَاةُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَفِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ وَالْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَةِ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ الْمَشْهُورُ عَدَمُ الْوُجُوبِ فِيهِمَا، وَقَالَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِمَا. انْتَهَى. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ فِي الذُّكُورِ لِعَدَمِ النَّمَاءِ) أَيْ التَّنَاسُلِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ إلَى آخِرِهِ) أَمَّا السَّوَائِمُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا زِيَادَةُ الْمَالِيَّةِ. اهـ. غَايَةٌ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: قِيلَ يُشْتَرَطُ إلَخْ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَبْلُغَ نِصَابًا. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ خَمْسَةٌ) أَيْ كَالْإِبِلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ إلَى آخِرِهِ) عَزَا هَذَا الْقَوْلَ فِي الْغَايَةِ إلَى أَحْمَدَ الْعِيَاضِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ عَيْنِهَا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهَا) فِيهِ نَظَرٌ إذْ فِي سَائِرِ الْمَوَاشِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَدَاءِ الْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ. اهـ. مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَقَدْ نَصَّ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ عَيْنهَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْفَقِيرِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا غَيْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ عِنْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِمَا شَيْءٌ») مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: الْفَاذَّةُ) الْفَاذَّةُ الْمُنْفَرِدَةُ الْقَلِيلَةُ فِي بَابِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ الْبِغَالَ لَا تَتَنَاسَلُ) أَيْ لَيْسَ لَهَا دَرٌّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْحَمِيرِ الْحَمْلُ إلَخْ) أَيْ وَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ الْكُسْعَةِ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَا فِي الْحُمْلَانِ وَالْفُصْلَانِ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْكِبَارِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْعَجَاجِيلِ) قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ الْعِجْلُ مِنْ أَوْلَادِ الْبَقَرِ حِينَ تَضَعُهُ أُمُّهُ إلَى شَهْر وَجَمْعُهُ عِجَلَةٌ (قُلْت) مِثْلُ قِرْدٍ وَقِرَدَةٍ، وَعُجُولٌ كَقُرُودٍ وَالْعُجُولُ مِثْلُ عِجْلٍ، وَالْجَمْعُ عَجَاجِيلٌ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَقَاضِي خَانْ والإسبيجابي وَخِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَخَيْرِ مَطْلُوبٍ وَالْمَنَافِعِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ: وَالْعَجَاجِيلُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْعُجُولَ مَعَ أَنَّ الْعِجْلَ وَالْعُجُولَ أَخَفُّ عَلَى اللِّسَانِ وَأَشْهَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ مِنْ الْعُجُولِ وَالْعَجَاجِيلِ وَالْحُمْلَانُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ حَمَلٍ، وَنَظِيرُ الْمَكْسُورِ خَرَبٌ وَخِرْبَانٌ. اهـ. سَرُوجِيٌّ قَوْلُهُ: جَمْعُ حَمَلٍ بِالتَّحْرِيكِ وَلَدُ الشَّاةِ وَالْفُصْلَانُ جَمْعُ فَصِيلٍ وَلَدِ النَّاقَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ ابْنَ مَخَاضٍ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ، وَفَصَلَتْ الْأُمُّ رَضِيعَهَا فَصْلًا أَيْضًا فَطَمَتْهُ وَالِاسْمُ الْفِصَالُ بِالْكَسْرِ وَهَذَا زَمَانُ فِصَالِهِ كَمَا يُقَالُ زَمَانُ فِطَامِهِ وَمِنْهُ الْفَصِيلُ لِوَلَدِ النَّاقَةِ؛ لِأَنَّهُ يُفْصَلُ عَنْ أُمِّهِ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَالْجَمْعُ فُصْلَانٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ، وَهُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ إلَخْ) مِنْ الْجَذَعِ وَالثَّنِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَزُفَرُ) أَيْ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي الْمُغْنِي فِي الصَّحِيحِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ) أَيْ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ. اهـ. غَايَةٌ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَالشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ) وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَدَاوُد وَأَبُو سُلَيْمَانَ. انْتَهَى. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: قَالَ قَوْلًا عُوِّلَ عَلَيْهِ) كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَتَكَلَّمُوا فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ) فَإِنَّهَا مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ بِدُونِ مُضِيِّ الْحَوْلِ وَبَعْدَ الْحَوْلِ يَصِيرُ الْحَمَلُ شَاةً وَالْفَصِيلُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَالْعُجُولُ تَبِيعًا وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا. اهـ بَاكِيرٌ

صُورَتُهَا إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ مِنْ الْمَوَاشِي فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَهَلَكَتْ الْأُمَّهَاتُ وَبَقِيَتْ الْأَوْلَادُ فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهَا فَهَلْ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ أَمْ لَا، وَقِيلَ لَوْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ ثُمَّ هَلَكَتْ الْكِبَارُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهَا وَبَقِيَتْ الصِّغَارُ فَهَلْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ بِحِصَّتِهِ أَمْ لَا، وَقِيلَ لَوْ مَلَكَ الصِّغَارَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَلَيْسَ فِيهَا كِبَارٌ فَهَلْ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ فِيهَا أَمْ لَا فَالصُّوَرُ كُلُّهَا عَلَى الْخِلَافِ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ وَمَالِكٍ أَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ بِاسْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَيَتَنَاوَلُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ كَمَا فِي الْأَيْمَانِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْإِبِلَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْفَصِيلِ وَلِهَذَا يُعَدُّ مَعَ الْكِبَارِ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ، وَلَوْلَا أَنَّهَا نِصَابٌ وَاحِدٌ لَمَا كَمُلَ بِهَا. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْمَسَانِّ لَأَضْرَرْنَا بِأَرْبَابِهَا، وَلَوْ لَمْ نُوجِبْ أَصْلًا لَأَضْرَرْنَا بِالْفُقَرَاءِ فَأَوْجَبْنَا وَاحِدَةً مِنْهَا كَمَا فِي الْمَهَازِيلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكِبَرَ وَالصِّغَرَ وَصْفٌ فَفَوَاتُهُ لَا يُوجِبُ فَوَاتَ الْوُجُوبِ كَالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الصِّغَارَ لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْوُجُوبِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ قَلِيلًا فِي كَثِيرٍ، وَهُوَ أَسْنَانٌ مَعْلُومَةٌ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْكِبَارَ فِيهَا أَدَّى إلَى قَلْبِ الْمَوْضُوعِ فَإِنَّهُ إيجَابُ الْكَثِيرِ فِي الْقَلِيلِ وَرُبَّمَا يَزِيدُ عَلَى جَمِيعِهَا «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَخْذِ كَرَائِمِ أَمْوَالِ النَّاسِ»، وَهِيَ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ صَاحِبِ الْمَالِ فَمَا ظَنُّك بِمَا يَزِيدُ عَلَى الْمَالِ كُلِّهِ، وَهِيَ لَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَلَوْ أَوْجَبْنَا وَاحِدَةً مِنْهَا أَدَّى إلَى التَّقْدِيرِ بِالرَّأْيِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ أَيْضًا، وَقَدْ نَهَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَخْذِ الصِّغَارِ فَقَالَ عُدَّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ، وَلَوْ رَاحَ بِهَا الرَّاعِي يَحْمِلُهَا بِكَفَّيْهِ أَوْ عَلَى كَتِفِهِ، وَلَا تَأْخُذْهَا مِنْهُمْ وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّمْثِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ رُوِيَ عِقَالًا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ. وَهُوَ لَيْسَ لَهُ مَدْخَلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِذَا كَانَ فِيهَا كِبَارٌ صَارَتْ الصِّغَارُ تَبَعًا لَهَا فِي انْعِقَادِ النِّصَابِ لَا فِي جَوَازِ الْأَخْذِ فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا، وَفِي الْمَهَازِيلِ أَمْكَنَ إيجَابُ الْمُسَمَّى، وَهُوَ الْأَسْنَانُ الْمُقَدَّرَةُ شَرْعًا ثُمَّ تَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُؤْخَذُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ مِنْ الْمَوَاشِي) أَيْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ النُّوقِ أَوْ ثَلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ أَوْ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ. اهـ كَاكِيٌّ وَإِنَّمَا صَوَّرْنَا نِصَابَ النُّوقِ، وَلَمْ نُصَوِّرْ خَمْسَةً؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَوْجَبَ وَاحِدَةً مِنْهَا وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي أَقَلِّ مِنْهَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَهَلَكَتْ الْأُمَّهَاتُ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْأُمَّهَاتُ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْفَصِيحُ فِي غَيْرِ الْآدَمِيَّاتِ الْأُمَّاتُ بِحَذْفِ الْهَاءِ، وَفِي الْآدَمِيَّاتِ الْأُمَّهَاتُ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمُفَصَّلِ قَدْ غَلَبَتْ الْأُمَّهَاتُ فِي الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْأُمَّاتُ فِي الْبَهَائِمِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ يَعِيشَ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَالصُّوَرُ كُلُّهَا عَلَى الْخِلَافِ إلَخْ) فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَنْعَقِدُ وَفِي قَوْلِ الْبَاقِينَ يَنْعَقِدُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: بِأَكْلِ الْفَصِيلِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا إلَخْ)، وَفِي الْأَسْرَارِ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا إلَخْ) الْعَنَاقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ. اهـ. غَايَةٌ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ)، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ «أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي عَهْدِي أَيْ فِي كِتَابِي أَنْ لَا آخُذَ مِنْ رَاضِعِ اللَّبَنِ شَيْئًا». اهـ. كَاكِيٌّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَفِي النَّسَائِيّ «لَا آخُذُ رَاضِعَ لَبَنٍ» قَالَ النَّوَوِيُّ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «نُهِينَا عَنْ الْأَخْذِ مِنْ رَاضِعٍ». اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَرُبَّمَا يَزِيدُ عَلَى جَمِيعِهَا إلَخْ) خُصُوصًا إذَا كَانَتْ أَسْنَانُهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَيَكُونُ هَذَا إخْرَاجَ كُلِّ الْمَالِ مَعْنًى، وَهُوَ مَعْلُومُ النَّفْيِ بِالضَّرُورَةِ بَلْ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ زَكَاةَ الْمَالِ فَإِنَّ إضَافَةَ اسْمِ زَكَاةِ الْمَالِ يَأْبَى كَوْنَهُ إخْرَاجَ الْكُلِّ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ إخْرَاجَ الْكَرَائِمِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الْقَلِيلِ يَلْزَمُكُمْ فِيمَا إذَا كَانَ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَاقِي كَذَلِكَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ لُزُومَ إخْرَاجِ الْكُلِّ مَعْنًى مُنْتَفٍ لَكِنْ ثُبُوتُ انْتِفَاءِ إخْرَاجِ الْكُلِّ فِي الشَّرْعِ كَثُبُوتِ انْتِفَاءِ إخْرَاجِ الْكُلِّ فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ عَنْ هَذَا فَهُوَ جَوَابٌ لَنَا عَنْ ذَاكَ؟. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ فِي صُورَةِ وُجُودِ مُسِنَّةٍ مَعَ الْحُمْلَانِ، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ أَعْنِي مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ ضَرُورِيَّةِ الِانْتِفَاءَيْنِ فِي غَيْرِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْحَقَ بِهَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَفِي الْإِيضَاحِ وَجَامِعِ الْكَرْدَرِيِّ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الصِّغَارِ كِبَارٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ فَيَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ حَمَلًا مُسِنٌّ يَجِبُ وَيُؤْخَذُ الْمُسِنُّ، وَكَذَا فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكِبَارِ يَتَنَاوَلُ الصِّغَارَ مَعَ الْكِبَارِ. اهـ. زَادَ فِي الْكَافِي بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ قَالَ فِي الْغَايَةِ: قُلْت لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ مَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْحُمْلَانِ وَمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْعُجُولِ؛ لِأَنَّ الْكِبَارَ مِنْهُمَا فِي هَذَا الْعَدَدِ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ فَالصِّغَارُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْوُجُوبِ. اهـ. وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ عُدُولِ الشَّارِحِ عَمَّا عَبَّرَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا إلَى مَا ذَكَرَهُ فَاعْلَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي انْعِقَادِ النِّصَابِ لَا فِي جَوَازِ الْأَخْذِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ مِنْ الثُّنْيَانِ هَذَا إذَا كَانَ عَدَدُ الْوَاجِبِ مِنْ الْكِبَارِ مَوْجُودًا فِيهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا يَجِبُ بَيَانُهُ لَوْ كَانَتْ لَهُ مُسِنَّتَانِ وَمِائَةٌ وَتِسْعَةَ عَشَرَ حَمَلًا يَجِبُ فِيهَا مُسِنَّتَانِ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ حَمَلًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَجِبُ مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُسِنَّةٌ وَحَمَلٌ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَصِيلُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَإِذَا وَجَبَتْ الْمُسِنَّةُ دُفِعَتْ وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الْوَسَطِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِاعْتِبَارِهَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ بَطَلَتْ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوُجُوبُ بِاعْتِبَارِهَا كَانَ هَلَاكُهَا كَهَلَاكِ الْكُلِّ وَالْحُكْمُ لَا يَبْقَى فِي التَّبَعِ بَعْدَ فَوَاتِ الْأَصْلِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْقَى فِي الصِّغَارِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءٍ مِنْ الْحَمَلِ لِأَنَّ عِنْدَهُ الصِّغَارُ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ إلَّا أَنَّ فَضْلَ الْكَبِيرِ كَانَ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْمُسِنَّةِ فَيَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا وَيَكُونُ هَذَا نُقْصَانًا لِلنِّصَابِ. وَلَوْ هَلَكَتْ الْحُمْلَانُ وَبَقِيَتْ الْمُسِنَّةُ يُؤْخَذُ

الصِّغَارِ بِقَدْرِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْكِبَارِ عَدَدًا مِنْ جِنْسِهِ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْفُصْلَانِ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ مِنْ الشِّيَاهِ فَرُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْإِجْحَافِ بِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ خُمُسُ فَصِيلٍ، وَفِي الْعَشْرِ خُمُسَا فَصِيلٍ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ، وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ؛ لِأَنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَصِيلًا فَيَجِبُ فِيمَا دُونَهُ بِحِسَابِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ الْأَقَلُّ مِنْ الشَّاةِ، وَمِنْ خُمُسِ الْفَصِيلِ، وَفِي الْعَشْرِ مِنْ الشَّاتَيْنِ وَمِنْ خُمُسَيْ الْفَصِيلِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ إلَى عِشْرِينَ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ الْأَقَلُّ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ الْفُصْلَانِ وَمِنْ الشَّاةِ، وَفِي الْعَشْرِ الْأَقَلُّ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَمِنْ شَاتَيْنِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ الْأَقَلُّ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَمِنْ ثَلَاثِ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ الْأَقَلُّ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَمِنْ أَرْبَعِ شِيَاهٍ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهَا يُجْزِئُهُ عَنْ الشَّاةِ فِي الْكِبَارِ فَكَذَا فِي الصِّغَارِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْخَمْسِ بَيْنَ شَاةٍ وَبَيْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَفِي الْعَشَرَةِ بَيْنَ شَاتَيْنِ وَبَيْنَ ثِنْتَيْنِ مِنْهَا، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ بَيْنَ ثَلَاثٍ مِنْهَا وَبَيْنَ ثَلَاثِ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ بَيْنَ أَرْبَعٍ مِنْهَا وَبَيْنَ أَرْبَعِ شِيَاهٍ، وَهَذَا أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ فِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعًا مِنْهَا، وَفِي خَمْسً وَعِشْرِينَ وَاحِدَةٌ، وَفِيهِ بُعْدٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَ) لَا فِي (الْعَوَامِلِ وَالْعَلُوفَةِ)، وَقَالَ مَالِكٌ تَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ لِلْعُمُومَاتِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]، «وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ خُذْ مِنْ الْإِبِلِ الْإِبِلَ، وَمِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً» مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِوَصْفٍ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ»؛ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ فِي السَّبَبِ، وَفِيهِ لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةِ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَنْعَدِمُ بِالْعَلَفِ وَالِاسْتِعْمَالِ بَلْ يَزْدَادُ الِانْتِفَاعُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَيَزْدَادُ النَّمَاءُ بِالْعَلَفِ فَكَانَ أَدْعَى إلَى الشُّكْرِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ» قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَطَّانُ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ، وَعَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النُّخَّةِ صَدَقَةٌ قَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ النُّخَّةُ الْإِبِلُ الْعَوَامِلُ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ الْبَقَرُ الْعَوَامِلُ، وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَيْسَ فِي الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي وَدَلِيلُ النَّمَاءِ الْإِسَامَةُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ أَوْ الِاعْتِدَادُ لِلتِّجَارَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْعَوَامِلِ وَتَكْثُرُ الْمُؤْنَةُ فِي الْعَلُوفَةِ فَلَمْ يُوجَدْ النَّمَاءُ مَعْنًى، وَقَوْلُهُ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي السَّبَبِ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا لَمْ نَحْمِلْ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَإِنَّمَا نَفَيْنَا الزَّكَاةَ عَنْ الْعَلُوفَةِ وَالْعَوَامِلِ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ النُّصُوصِ. وَقَوْلُهُ: يَزْدَادُ الِانْتِفَاعُ بِالِاسْتِعْمَالِ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا زِيَادَةُ الِانْتِفَاعِ تَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الزَّكَاةِ كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَنَحْوِهَا؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ بِزِيَادَةِ الِانْتِفَاعِ بَلْ بِزِيَادَةِ الْعَيْنِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّمَاءَ يَزْدَادُ بِالْعَلَفِ بَلْ تَتَرَاكَمُ الْمُؤْنَةُ فَلَا يَظْهَرُ النَّمَاءُ مَعْنًى وَالشَّارِعُ لَمْ يُوجِبْ الزَّكَاةَ إلَّا فِي الْمَالِ النَّامِي وَلِهَذَا شُرِطَ الْحَوْلُ لِتَحَقُّقِ النَّمَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ مَا لَوْ كَانَتْ الْعَلُوفَةُ لِلتِّجَارَةِ حَيْثُ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْعَلَفَ يُنَافِي الْإِسَامَةَ؛ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ، وَلَا يُنَافِي التِّجَارَةَ وَبِاعْتِبَارِ الْإِسَامَةِ تَجِبُ زَكَاةُ السَّائِمَةِ دُونَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ التِّجَارَةِ وَالْعَلَفُ لَا يُنَافِيهَا فَافْتَرَقَا أَلَا تَرَى أَنَّ عَبِيدَهُ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِقْدَارَ الْعَلَفِ الَّذِي يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَ) لَا فِي (الْعَفْوِ) أَيْ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي النِّصَابِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: تَجِبُ فِيهِمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ إلَى التِّسْعِ» أَخْبَرَ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقِسْطُهَا، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءٍ مِنْ الْمُسِنَّةِ جُعِلَ هَلَاكُ الْمُسِنَّةِ كَهَلَاكِ الْكُلِّ أَوْ لَمْ يُجْعَلْ قِيَامُهَا كَقِيَامِ الْكُلِّ وَالْفَرْقَ يُطْلَبُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْكِبَارِ عَدَدًا مِنْ جِنْسِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْحُمْلَانِ، وَفِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْعَجَاجِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا فِي الْعَلُوفَةِ) هِيَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مَا يُعْلَفُ مِنْ الْغَنَمِ وَغَيْرِهَا الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ، وَأَمَّا الْعُلُوفَةُ بِالضَّمِّ فَجَمْعُ عَلَفٍ يُقَالُ عَلَفْتُ الدَّابَّةَ، وَلَا يُقَالُ أَعْلَفْتُهَا وَالدَّابَّةُ مَعْلُوفَةٌ وَعَلِيفَةٌ. اهـ. بَاكِيرٌ، وَعَدَمُ الْوُجُوبِ فِي الْمَعْلُوفَةِ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْعَوَامِلُ) هِيَ الْمُعَدَّاتُ لِلْأَعْمَالِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ تَجِبُ إلَخْ) وَقَتَادَةُ وَمَكْحُولٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا سِيَّمَا إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ) أَيْ، وَعَادَةُ الْأَنْعَامِ السَّوْمُ لَا سِيَّمَا فِي الْحِجَازِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ. اهـ. قَوْلُهُ: «لَيْسَ فِي الْمُثِيرَةِ أَيْ الَّتِي يُثَارُ بِهَا الْأَرْضُ أَيْ تُحْرَثُ». اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِتَحَقُّقِ النَّمَاءِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَتْ الْعَلُوفَةُ لِلتِّجَارَةِ وَجَبَ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ فَلَوْ انْعَدَمَ النَّمَاءُ بِالْعَلَفِ امْتَنَعَ فِيهَا قُلْت النَّمَاءُ فِي مَالِ التِّجَارَةِ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ، وَلَمْ تَنْحَصِرْ زِيَادَةُ ثَمَنِهَا فِي السِّمَنِ الْحَادِثِ بَلْ قَدْ يَحْصُلُ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ فَصْلٍ إلَى فَصْلٍ أَوْ بِالنَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَنْوِيَّةِ لِلتِّجَارَةِ النَّمَاءُ فِيهَا مُنْحَصِرٌ بِالسِّمَنِ فَثَبَتَ أَنَّ عَلَفَهَا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ نَمَائِهَا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ، وَلَا هُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ) أَيْ دُونَ زَكَاةِ السَّائِمَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ زَكَاةِ السَّائِمَةِ وَزَكَاةِ التِّجَارَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ) لَيْسَ فِي مُسْوَدَّةِ الشَّارِحِ.

الْكُلِّ، وَكَذَا قَالَ فِي كُلِّ نِصَابٍ؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَكُلُّهُ نِعْمَةٌ وَيَحْصُلُ بِهِ الْغِنَى؛ وَلِأَنَّ النِّصَابَ مِنْهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فَإِذَا وَجَدَ أَكْثَرَ مِنْهُ تَعَلَّقَ بِالْكُلِّ كَنِصَابِ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ وَالسَّفَرِ وَالْحَيْضِ، وَكُلِّ مَا كَانَ مُقَدَّرًا شَرْعًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَفْوًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ، وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَكُونَ عَشْرًا» ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النِّصَابِ تُسَمَّى فِي الشَّرْعِ عَفْوًا وَالْعَفْوُ مَا يَخْلُو عَنْ الْوُجُوبِ، وَمَا رَوَيَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَحَلٌّ صَالِحٌ لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ، وَعَفْوٌ فَهَلَكَ قَدْرُ الْعَفْوِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ كَتِسْعٍ مِنْ الْإِبِلِ مَثَلًا فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَهَلَكَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ تَسْقُطُ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَهَلَكَ مِنْهَا ثَمَانُونَ سَقَطَ عِنْدَهُمَا ثُلُثَا شَاةٍ وَبَقِيَ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ فِيهِمَا فَيَسْقُطُ بِقَدْرِ مَا هَلَكَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي النِّصَابِ دُونَ الْعَفْوِ، وَقَدْ بَقِيَ النِّصَابُ؛ وَلِأَنَّ النِّصَابَ أَصْلٌ، وَالْعَفْوُ تَبَعٌ فَيُصْرَفُ الْهَالِكُ أَوَّلًا إلَى التَّبَعِ كَمَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا هَلَكَ يُصْرَفُ أَوَّلًا إلَى الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ. وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ نُصُبٌ يُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى الْعَفْوِ ثُمَّ إلَى النِّصَابِ الْأَخِيرِ ثُمَّ إلَى الَّذِي يَلِيهِ ثُمَّ إلَى الَّذِي يَلِيهِ كَذَلِكَ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يُبْنَى عَلَى النِّصَابِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ تَبَعًا لَهُ فَيُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَيْهِ كَمَا فِي الْعَفْوِ وَأَبُو يُوسُفَ يَصْرِفُهُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَى النُّصُبِ شَائِعًا. مِثَالُهُ إذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلَكَ مِنْهَا عِشْرُونَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ أَرْبَعُ شِيَاهٍ كَأَنَّ الْحَوْلَ حَالَ عَلَى عِشْرِينَ فَقَطْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ وَسَقَطَ النِّصْفُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ عِشْرُونَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ وَيَسْقُطُ سِتَّةَ عَشَرَ جُزْءًا؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ عَفْوٌ فَيُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَيْهَا أَوَّلًا ثُمَّ إلَى النُّصُبِ الْبَاقِيَةِ شَائِعًا وَمُحَمَّدٌ سَوَّى بَيْعَ الْعَفْوِ وَالنُّصُبِ وَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ صَرَفَ الْهَالِكَ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ فِيهِ، وَفِي جَعْلِهِ شَائِعًا فِي النُّصُبِ صِيَانَةَ الْوَاجِبِ، وَلَيْسَ فِي صَرْفِهِ إلَى النِّصَابِ الْأَخِيرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ سَبَبٌ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ أَصْلٌ وَالْبَاقِي تَبَعٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى الْأَوَّلِ وَلِهَذَا لَوْ مَلَكَ نِصَابًا فَقَدَّمَ زَكَاةَ نُصُبٍ جَازَ، وَلَوْلَا أَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ لَمَا جَازَ كَمَا لَوْ قَدَّمَ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَ نِصَابًا فَإِذَا كَانَ تَبَعًا يُصْرَفُ إلَيْهِ الْهَلَاكُ كَمَا فِي الْعَفْوِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَ) لَا (الْهَالِكِ بَعْدَ الْوُجُوبِ) أَيْ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالٍ هَلَكَ بَعْدَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهِ، وَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِذَا وَجَدَ أَكْثَرَ مِنْهُ تَعَلَّقَ بِالْكُلِّ إلَخْ) وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ وَكَذَا قَالَ إذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ، وَهَكَذَا ذَكَرَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَقَالَ فِي الْغَنَمِ إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا شَاةٌ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ الْحَدِيثَ، وَهَذَا يَنُصُّ عَلَى مَا قُلْنَا، وَهَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ عُمَرَ الْمَرْوِيِّ فِي أَبِي دَاوُد. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَنِصَابِ السَّرِقَةِ إلَخْ) كَمَا لَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِحَقٍّ فَقَضَى بِهِ فَإِنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ شَهَادَةَ الْكُلِّ، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ الثَّالِثِ فِي الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ رَجَعُوا ضَمِنُوا. اهـ. كَافِي وَكَذَا الشَّهَادَةُ، وَقَتْلُ الْوَاحِدِ جَمَاعَةً وَالْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالنَّجَاسَةُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ» إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِهِمَا فِي الثُّبُوتِ أَنَّهُ ثَبَتَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَإِنَّمَا نَسَبَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ إلَى رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ فِي كِتَابَيْهِمَا فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ؛ وَلِأَنَّ جَعْلَ الْهَالِكِ غَيْرَ النِّصَابِ تَحَكُّمٌ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْكُلِّ فَيُجْعَلُ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْكُلِّ ضَرُورَةَ عَدَمِ تَعَيُّنِ بَعْضِهَا لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يُسَمَّى عَفْوًا فِي الشَّرْعِ يَتَضَاءَلُ عَنْ مُعَارَضَةِ النَّصِّ الصَّحِيحِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النِّصَابِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ عَلَى النُّصُبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَهَلَكَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ)، وَإِنْ هَلَكَ خَمْسٌ فَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ خُمُسُ شَاةٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَسْقُطُ خَمْسَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْعَفْوُ تَبَعٌ إلَخْ) إذْ النِّصَابُ بِاسْمِهِ وَحُكْمِهِ يَسْتَغْنِي عَنْهُ وَالْعَفْوُ بِذَلِكَ لَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ وَيُجْعَلُ مَا زَادَ عَلَى الْأَوَّلِ عِنْدَ الْهَلَاكِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ أَصْلًا. اهـ كَافِي (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلَكَ مِنْهَا عِشْرُونَ) أَيْ بَعْدَ الْحَوْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَأَنَّ الْحَوْلَ حَالَ عَلَى عِشْرِينَ فَقَطْ) أَيْ جَعْلًا لِلْهَالِكِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَيُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَيْهَا) وَبَقِيَ الْوَاجِبُ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فَيَبْقَى الْوَاجِبُ بِقَدْرِ الْبَاقِي. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي مَالٍ هَلَكَ بَعْدَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهِ) سَوَاءٌ تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ وَكَذَا تَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَكَذَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلَا يُؤْمَرُ الْوَصِيُّ وَالْوَارِثُ بِأَدَائِهَا، وَكَذَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرٍ أَوْ نَذْرٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ نَفَقَةٌ أَوْ خَرَاجٌ أَوْ جِزْيَةٌ، وَلَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ عُشْرٌ فَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ قَائِمًا لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْقُطُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ فَلَا تُؤَدَّى إلَّا بِالْخِيَارِ إمَّا مُبَاشَرَةً أَوْ إنَابَةً فَإِنْ أَوْصَى بِهَا فَقَدْ أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ فَيُؤْخَذُ مِنْ الثُّلُثِ حِينَئِذٍ، وَإِذَا لَمْ يُوصِ فَلَمْ يَنُبْ غَيْرُهُ مَنَابَهُ فَلَوْ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ جَبْرًا لَكَانَ الْوَارِثُ نَائِبًا جَبْرًا، وَالْجَبْرُ يُنَافِي الْعِبَادَةَ إذْ الْعِبَادَةُ فِعْلٌ يَأْتِي بِهِ الْعَبْدُ بِاخْتِيَارِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَهَا جَبْرًا مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَدَائِهِ، وَلَوْ أَخَذَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَوَجْهُ عَدَمِ سُقُوطِ الْعُشْرِ بِالْمَوْتِ أَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ، وَكَمَا نَبَتَ نَبَتَ مُشْتَرَكًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] أَضَافَ الْمُخْرَجَ إلَى الْكُلِّ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ جَمِيعًا، وَإِذَا نَبَتَ مُشْتَرَكًا فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ. اهـ. بَدَائِعُ

هَلَكَ بَعْضُهُ سَقَطَتْ عَنْهُ بِحِسَابِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ لَا تَسْقُطُ زَكَاتُهَا؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ فَلَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ بِالْأَدَاءِ مُتَوَجِّهٌ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ تَفْرِيطًا بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَهِيَ السَّائِمَةُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِيهَا إلَى الْإِمَامِ فَلَا يَكُونُ تَفْرِيطًا مَا لَمْ يَطْلُبْ حَتَّى لَوْ طَلَب، وَمَنَعَهُ ضَمِنَ فَكَذَا هَذَا، وَلَنَا أَنَّ الْمَالَ مَحَلٌّ لِلزَّكَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} [الذاريات: 19] الْآيَةَ فَتَفُوتُ بِفَوَاتِ الْمَحِلِّ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا مَاتَ، وَكَاَلَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ ذِمَّتُهُ لَا الْمَالُ، وَلَوْ طَلَبَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ فَمَنَعَهُ حَتَّى هَلَكَ الْمَالُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ وَأَبِي سَهْلٍ الزَّجَّاجِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ عَامَّتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ بِهَذَا الْمَنْعِ عَلَى أَحَدٍ مِلْكًا، وَلَا يَدًا فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَبَ وَاحِدٌ مِنْ الْفُقَرَاءِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ، وَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ يَضْمَنُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُ، وَمَنْعُهُ يُوجِبُ الضَّمَانَ كَالْوَدِيعَةِ قُلْنَا فِي الْوَدِيعَةِ مَنْعُهَا عَنْ الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ وَالسَّاعِي لَيْسَ بِمَالِكٍ فَافْتَرَقَا، وَلَا يَلْزَمُنَا الِاسْتِهْلَاكُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ وَجَبَ سِنٌّ) أَيْ ذَاتُ سِنٍّ (وَلَمْ يُوجَدْ دَفَعَ أَعْلَى مِنْهَا، وَأَخَذَ الْفَضْلَ أَوْ دُونَهَا وَرَدَّ الْفَضْلَ أَوْ دَفَعَ الْقِيمَةَ) وَاشْتِرَاطُ عَدَمِ السِّنِّ الْوَاجِبِ لِجَوَازِ دَفْعِ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى أَوْ لِجَوَازِ دَفْعِ الْقِيمَةِ وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ دَفَعَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَعَ وُجُودِ السِّنِّ الْوَاجِبِ جَازَ وَالْخِيَارُ فِي ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: بَعْدَ الْوُجُوبِ وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ طَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ وُجِدَ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ خِلَافٌ فِيمَا إذَا تَلِفَ النِّصَابُ بَعْدَ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الصَّرْفِ إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ نَفْسًا لَا يَتَحَقَّقُ أَبَدًا، وَالتَّمَكُّنُ شَرْطُ الْوُجُوبِ عِنْدَهُمْ، وَالْهَلَاكُ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْمَالَ مَحَلٌّ لِلزَّكَاةِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ تَقُولُونَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ حَتَّى أَسْقَطْتُمْ الزَّكَاةَ بِهَلَاكِ النِّصَابِ وَتَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَ الْوَطْءَ كَجَارِيَةِ الْمُكَاتَبِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى أَجَابَ الْإِمَامُ رُكْنُ الدِّينِ فِي الْمُنْتَخَبِ بِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَمْلُوكٌ لَهُ يَدًا حَقِيقَةً وَلِلْمَوْلَى رَقَبَةً حَقِيقَةً بِخِلَافِ جَارِيَةِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْفُقَرَاءِ يَدًا، وَلَا رَقَبَةً قَبْلَ الدَّفْعِ. (قُلْت) لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى رَقَبَةً كَمَا زَعَمَ لَفَسَدَ نِكَاحُ الْمَوْلَى فِيمَا إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ زَوْجَةَ مَوْلَاهُ إذْ مِلْكُهُ رَقَبَةَ زَوْجَتِهِ يَمْنَعُ نِكَاحَهُ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَإِنَّمَا لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقُّ الْمِلْكِ دُونَ حَقِيقَتِهِ وَحَقُّ الْمِلْكِ يَمْنَعُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَلَا يَمْنَعُ الْبَقَاءَ، ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا مَاتَ) فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَقُّ بِمَوْتِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ طَلَبَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ) أَيْ فِي السَّائِمَةِ وَالْعُشُورِ فَإِنَّ حَقَّ الْأَخْذِ فِيهَا لِلْإِمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي طَاهِرٍ إلَخْ)، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ؛ لِأَنَّ السَّاعِيَ وَإِنْ تَعَيَّنَ لَكِنْ لِلْمَالِكِ رَأْيٌ فِي اخْتِيَارِ مَحَلِّ الْأَدَاءِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْقِيمَةِ ثُمَّ الْقِيمَةُ شَائِعَةٌ فِي مَحَالَّ كَثِيرَةٍ، وَالرَّأْيُ يَسْتَدْعِي زَمَانًا فَالْحَبْسُ كَذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ طَلَبَ وَاحِدٌ مِنْ الْفُقَرَاءِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَأَخَذَ الْفَضْلَ أَوْ دُونَهَا وَرَدَّ الْفَضْلَ) مُطْلَقًا يُفِيدُ أَنَّ جُبْرَانَ مَا بَيْنَ السِّنَّيْنِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ بَلْ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَوْقَاتِ غَلَاءً وَرُخْصًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ مُقَدَّرٌ بِشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ لِمَا قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الصِّدِّيق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ تُوجَدْ أَعْطَى إمَّا بِنْتَ لَبُونٍ، وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ أَوْ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرٍ قُلْنَا هَذَا كَانَ قِيمَةُ التَّفَاوُتِ فِي زَمَانِهِمْ وَابْنُ اللَّبُونِ يَعْدِلُ بِنْتَ الْمَخَاضِ إذْ ذَاكَ جَعْلًا لِزِيَادَةِ السِّنِّ مُقَابِلًا لِزِيَادَةِ الْأُنُوثَةِ فَإِذَا تَغَيَّرَ تَغَيَّرَ، وَإِلَّا لَزِمَ عَدَمُ الْإِيجَابِ مَعْنًى بِأَنْ يَكُونَ الشَّاتَانِ أَوْ الْعِشْرُونَ الَّتِي يَأْخُذُهَا مِنْ الْمُصَدِّقِ تُسَاوِي الَّذِي يُعْطِيهِ خُصُوصًا إذَا فَرَضْنَا الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَهَازِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ كَوْنُ الشَّاتَيْنِ يُسَاوِيَانِ بِنْتَ لَبُونٍ مَهْزُولَةٍ جِدًّا فَإِعْطَاؤُهَا فِي بِنْتِ مَخَاضٍ مَعَ اسْتِرْدَادِ شَاتَيْنِ إخْلَاءٌ مَعْنًى أَوْ الْإِجْحَافُ بِرَبِّ الْمَالِ بِأَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَهُوَ الدَّافِعُ لِلْأَدْنَى، وَكُلٌّ مِنْ اللَّازِمَيْنِ مُنْتَفٍ شَرْعًا فَيَنْتَفِي مَلْزُومُهُمَا وَهُوَ تَعَيُّنُ الْجَابِرِ. اهـ. فَتْحٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ إلَى الْمُصَدِّقِ يُعَيِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْخِيَارُ إلَى الْمَالِكِ إلَّا فِي دَفْعِ الْأَعْلَى فَإِنَّ لِلْمُصَدِّقِ أَنْ لَا يَأْخُذَ وَيَطْلُبَ عَيْنَ الْوَاجِبِ أَوْ قِيمَتَهُ. اهـ. كَافِي بِاخْتِصَارٍ، وَأَطْلَقَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْخِيَارَ لِرَبِّ الْمَالِ إذْ الْخِيَارُ شُرِعَ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُجْعَلَ الْخِيَارُ إلَيْهِ مَعَ تَحَقُّقِ قَوْلِهِمْ يُجْبَرُ الْمُصَدِّقُ عَلَى قَبُولِ الْأَدْنَى مَعَ الْفَضْلِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْأَعْلَى وَرَدِّ الْفَضْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَتَضَمَّنُ بَيْعَ الْفَضْلِ مِنْ الْمُصَدِّقِ وَمَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى التَّرَاضِي لَا الْجَبْرِ، وَهَذَا يُحَقِّقُ أَنْ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْأَعْلَى إذْ مَعْنَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ مُطْلَقًا أَنْ يُقَالَ لَهُ أَعْطِهِ مَا شِئْت أَعْلَى أَوْ أَدْنَى فَإِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ الْأَعْلَى لَمْ يُجْعَلْ الْخِيَارُ إلَيْهِ فِيهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ لَوْ طَلَبَ السَّاعِي مِنْهُ الْأَعْلَى فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَوْ يُعْطِيَ الْأَدْنَى. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ دَفَعَ الْقِيمَةَ) قَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ أَدَّى ثَلَاثَ شِيَاهٍ سِمَانٍ عَنْ أَرْبَعٍ وَسَطٍ أَوْ بَعْضَ بِنْتِ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْوَسَطُ فَلَمْ يَكُنْ الْأَعْلَى دَاخِلًا فِي النَّصِّ، وَالْجُودَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ فَيَقُومُ مَقَامَ الشَّاةِ الرَّابِعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مِثْلِيًّا بِأَنْ أَدَّى أَرْبَعَةَ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةٍ عَنْ خَمْسَةٍ وَسَطٍ، وَهِيَ تُسَاوِيهَا لَا يَجُوزُ أَوْ كِسْوَةً بِأَنْ أَدَّى ثَوْبًا يَعْدِلُ ثَوْبَيْنِ لَمْ يُجْزِ إلَّا عَنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ أَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَيْنِ وَسَطَيْنِ فَأَهْدَى شَاةً أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُسَاوِي كُلٌّ مِنْهُمَا وَسَطَيْنِ لَا يَجُوزُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْجُودَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ لِجِنْسِهَا فَلَا تَقُومُ الْجُودَةُ مَقَامَ الْقَفِيزِ الْخَامِسِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الثَّوْبِ فِي الْكَفَّارَةِ لَا بِقَيْدِ الْوَسَطِ وَكَانَ الْأَعْلَى وَغَيْرُهُ دَاخِلًا تَحْتَ النَّصِّ

لِرَبِّ الْمَالِ وَيُجْبَرُ السَّاعِي عَلَى الْقَبُولِ إلَّا إذَا دَفَعَ أَعْلَى مِنْهَا وَطَلَبَ الْفَضْلَ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ لِلزِّيَادَةِ، وَلَا إجْبَارَ فِيهِ، وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ قَدْرَ الْوَاجِبِ، وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْمُصَدِّقَ لَا خِيَارَ لَهُ إلَّا إذَا أَعْطَاهُ بَعْضَ الْعَيْنِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ لِمَا فِيهِ مِنْ عَيْبِ التَّشْقِيصِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَعَ الْعَيْبِ قَدْ يَكُونُ يُسَاوِي قَدْرَ الْوَاجِبِ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ، وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ إجْبَارَ الْمُصَدِّقِ عَلَى شِرَاءِ الزَّائِدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْعُشْرُ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتُ وَالنُّذُورُ لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ بِنْتُ لَبُونٍ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ عَلَى الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ؛ وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ تَعَلَّقَتْ بِمَحَلٍّ فَلَا تَتَأَدَّى بِغَيْرِهَا كَالْهَدَايَا وَالضَّحَايَا، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ»، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ، وَلَمْ تُوجَدْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ دَفَعَهَا وَشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا»، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ الْقِيمَةِ فِيهَا إذْ لَيْسَ فِي الْقِيمَةِ إلَّا إقَامَةُ شَيْءٍ مَقَامَ شَيْءٍ وقَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] لَيْسَ فِيهِ تَعْيِينٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ. ، وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَهْلِ الْيَمَنِ ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي الْإِرَاقَةِ وَالتَّحْرِيرِ، وَقَدْ الْتَزَمَ إرَاقَتَيْنِ وَتَحْرِيرَيْنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِوَاحِدٍ بِخِلَافِ النَّذْرِ بِالتَّصَدُّقِ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ فَتَصَدَّقَ بِشَاةٍ تَعْدِلُهُمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إغْنَاءُ الْفَقِيرِ وَبِهِ تَحْصُلُ الْقُرْبَةُ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْقِيمَةِ، وَعَلَى مَا قُلْنَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقَفِيزٍ رَدِيءٍ فَتَصَدَّقَ بِنِصْفِهِ جَيِّدًا يُسَاوِي تَمَامَهُ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْجُودَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا هُنَا لِلرِّبَوِيَّةِ وَالْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ بِخِلَافِ جِنْسٍ آخَرَ لَوْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ قَفِيزٍ مِنْهُ يُسَاوِي جَازَ الْكُلُّ مِنْ الْكَافِي. اهـ. (فُرُوعٌ) عَجَّلَ عَنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً فَهَلَكَ مِنْ بَقِيَّةِ النِّصَابِ وَاحِدَةً، وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا حَتَّى تَمَّ الْحَوْلُ أَمْسَكَ السَّاعِي مِنْ الْمُعَجَّلِ قَدْرَ تَبِيعٍ، وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمُسِنَّةَ وَيُعْطِيَهُ مِمَّا عِنْدَهُ تَبِيعًا؛ لِأَنَّ قَدْرَ التَّبِيعِ مِنْ الْمُسِنَّةِ صَارَ زَكَاةً حَقًّا لِلْفُقَرَاءِ فَلَا يُسْتَرَدُّ، وَمِثْلُهُ فِي تَعْجِيلِ بِنْتِ مَخَاضٍ عَنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إذَا نَقَصَ الْبَاقِي وَاحِدَةً فَتَمَّ الْحَوْلُ أَمْسَكَ السَّاعِي قَدْرَ أَرْبَعِ شِيَاهٍ وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا، وَلَا يَحْبِسُ شَيْئًا وَيُطَالِبُ بِأَرْبَعِ شِيَاهٍ؛ لِأَنَّ فِي إمْسَاكِ الْبَعْضِ ضَرَرًا لِلتَّشْقِيصِ بِالشَّرِكَةِ، وَقِيَاسُ هَذَا فِي الْبَقَرِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمُسِنَّةَ لَكِنْ فِي هَذَا نَظَرٌ إذْ لَا شَرِكَةَ بَعْدَ دَفْعِ قِيمَةِ الْبَاقِي، وَلَوْ كَانَ اسْتَهْلَكَ الْمُعَجَّلَ أَمْسَكَ مِنْ قِيمَتِهَا قَدْرَ التَّبِيعِ وَالْأَرْبَعِ شِيَاهٍ وَرَدَّ الْبَاقِيَ، وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ وَقَدْ زَادَ الْأَرْبَعُونَ إلَى سِتِّينَ فَحَقُّ السَّاعِي بِتَبِيعَيْنِ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُ الْمُسِنَّةِ بَلْ يُكْمِلُ الْفَضْلَ لِلسَّاعِي بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ الْمُسِنَّةَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ فَإِذَا هِيَ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْمُسِنَّةَ وَيَأْخُذُ تَبِيعًا؛ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْغَلَطِ يُعْدِمُ الرِّضَا أَمَّا هُنَاكَ فَدَفَعَ عَنْ رِضًا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَصِيرَ زَكَاةً، وَلَمْ يَظْهَرْ إذْ الِاحْتِمَالُ لَمْ يَكُنْ وَلَمْ يَظْهَرْ الْغَلَطُ حَتَّى يُصَدَّقَ بِهَا السَّاعِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا كَرْهًا عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيمَا عَمِلَ لِغَيْرِهِ فَضَمَانُ خَطَئِهِ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْعَمَلُ لَهُ فَإِنْ وُجِدَ الْفَقِيرُ ضَمَّنَهُ مَا زَادَ عَلَى التَّبِيعِ. وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَجْمُوعِ فِي يَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ، وَهُوَ بَيْتُ مَالِ الْفُقَرَاءِ كَالْقَاضِي إذَا أَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ فَضَمَانُهُ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْقَضَاءُ لَهُ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ السَّاعِي تَعَمَّدَ الْأَخْذَ فَضَمَانُهُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، هَذَا، وَلَوْ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَصِيرَ قَدْرُ أَرْبَعٍ مِنْ الْغَنَمِ زَكَاةً وَيُرَدَّ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ وَقْتَ التَّعْجِيلِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الْكُلُّ زَكَاةً لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَجَّلَ يُجْعَلُ زَكَاةً مَقْصُودًا عَلَى الْحَالِ هَذَا، وَلَوْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْغَنَمِ فَسَيَأْتِي. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَيُجْبَرُ السَّاعِي) أَيْ حَتَّى يُجْعَلَ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ قَدْرَ الْوَاجِبِ إلَخْ) كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْخِيَارُ إلَى الْمُصَدِّقِ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ بَعْضَ الْعَيْنِ نَحْوُ مَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ بِنْتَ لَبُونٍ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ الْحِقَّةِ أَوْ كَانَ الْوَاجِبُ حَقَّةً فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ الْجَذَعَةِ فَلَهُ حَقُّ الِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَشْقَاصَ فِي الْأَعْيَانِ عَيْبٌ. اهـ كَاكِيٌّ. (فَائِدَةٌ) قَالَ بَعْضُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ دَفْعَ الْكَلْبِ عَنْ الشَّاةِ، وَقَصَدَ بِهِ الشُّنْعَةَ، وَهَذَا يَكُونُ شَنِيعًا فَإِنَّ أَهْلَ الصَّيْدِ، وَأَصْحَابَ الْمَاشِيَةِ يَبْذُلُونَ الشَّاةَ وَالْأَمْوَالَ النَّفِيسَةَ لِتَحْصِيلِ الْكَلْبِ السَّلُوقِيِّ لِلصَّيْدِ وَكَلْبِ الْحِرَاسَةِ لِلْمَاشِيَةِ، وَهُوَ مَالٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ وَمَالِكٌ يُبِيحُ أَكْلَهُ، وَالسَّاعِي إذَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ الصَّدَقَاتُ مِنْ الْغَنَمِ يَحْتَاجُ إلَى حِرَاسَتِهَا مِنْ الذِّئْبِ بِذَلِكَ فَلَا شُنْعَةَ فِي أَخْذِهِ لِحِفْظِ مَا عِنْدَهُ مِنْ السَّائِمَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ الْمُصَدِّقَ) فَهُوَ عَامِلُ الصَّدَقَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَعْطَاهُ بَعْضَ الْعَيْنِ إلَخْ) نَحْوُ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ بِنْتَ لَبُونٍ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ حِقَّةٍ عَنْهُ أَوْ كَانَ الْوَاجِبُ حِقَّةً فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ جَذَعَةٍ فَلَهُ حَقُّ الِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَشْقَاصَ فِي الْأَعْيَانِ عَيْبٌ فَلَهُ أَنْ لَا يَرْضَى بِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ: وَالْكَفَّارَاتُ وَالنُّذُورُ) أَيْ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّينَارِ فَتَصَدَّقَ بِعِدْلِهِ دَرَاهِمَ أَوْ بِهَذَا الْخُبْزِ فَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ جَازَ عِنْدَنَا. اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَابْنُ لَبُونٍ إلَخْ) هَذَا نَصٌّ عَلَى وُجُوبِ دَفْعِ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ ابْنَ اللَّبُونِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ لَا يَجُوزُ فِي الْإِبِلِ إلَّا بِالْقِيمَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَهْلِ الْيَمَنِ إلَخْ) فِي خُطْبَةٍ بِالْيَمَنِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ) أَيْ؛ وَلِأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَأْخُذُ الْعُرُوضَ فِي الزَّكَاةِ وَيَجْعَلُهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَلِهَذَا الْمَذْهَبِ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ مَعَ كَثْرَةِ مُخَالَفَتِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ لِكَثْرَةِ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: خَمِيصٍ) وَقَعَ بِالصَّادِ وَالصَّوَابُ بِالسِّينِ هَكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَهْلُ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خَلَّةٍ الْفَقِيرِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَيِّ مَالٍ كَانَ وَالتَّقْيِيدُ بِالشَّاةِ وَنَحْوِهَا لِبَيَانِ الْقَدْرِ لَا لِلتَّعْيِينِ كَالْجِزْيَةِ بِخِلَافِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِيهَا الْإِرَاقَةُ، وَهِيَ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ، وَهَذَا مَعْقُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ عِنْدَهُ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ، وَلَوْ كَانَ تَعَبُّدًا لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُؤْخَذُ الْوَسَطُ) أَيْ يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ وَسَطُ سِنٍّ وَجَبَ حَتَّى لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ لَبُونٍ مَثَلًا لَا يُؤْخَذُ خِيَارُ بِنْتِ لَبُونٍ مِنْ مَالِهِ، وَلَا أَرْدَأُ بِنْتِ لَبُونٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِنْتُ لَبُونٍ وَسَطٌ، وَكَذَا غَيْرُهَا مِنْ الْإِسْنَانِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إيَّاكُمْ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «إذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ قَسَمَ الشِّيَاهَ أَثْلَاثًا ثُلُثٌ جِيَادٌ وَثُلُثٌ أَوْسَاطٌ وَثُلُثٌ شِرَارٌ، وَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْ الْوَسَطِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَرَفَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ «لَا تَأْخُذْ الْأَكُولَةَ، وَلَا الرُّبَّى، وَلَا الْمَخَاضَ، وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُضَمُّ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِنْسِ نِصَابٍ إلَيْهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ فَاسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ مِنْ جِنْسِهِ ضَمَّهُ إلَى ذَلِكَ النِّصَابِ وَزَكَّاهُ بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُضَمُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَأَنَسٍ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي حَقِّ الْمِلْكِ فَكَذَا فِي حَقِّ شَرَائِطِهِ فَصَارَ كَثَمَنِ السَّوَائِمِ، وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ السَّائِمَةَ بَعْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللُّغَةِ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْخَمِيسُ وَالْخَمُوسُ ثَوْبٌ طُولُهُ خَمْسُ أَذْرُعٍ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ كِسَاءٌ قَيْسُهُ خَمْسُ أَذْرُعٍ، وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ إنَّمَا قِيلَ لَهُ خَمِيسٌ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَمَرَ بِعَمَلِهِ مِلْكٌ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ خَمِيسٌ فَنُسِبَ إلَيْهِ وَاللَّبِيسُ مَا يُلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ، وَقِيلَ الْمَلْبُوسُ الْخَلَقُ. اهـ. سَرُوجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِيهِ خَمِيسٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِغَيْرِ إسْنَادٍ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ قَالَ النَّوَوِيُّ إذَا كَانَ تَعْلِيقُهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فَهُوَ حُجَّةٌ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَلَمْ يَخْفَ فِعْلُهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَلَى الصَّحَابَةِ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ: وَلَمْ يَخْفَ فِعْلُهُ أَيْ مُعَاذٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خَلَّةِ الْفَقِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ بِأَخْذِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَنَحْوِهَا وَبِأَخْذِ شَاةٍ عَنْ الْإِبِلِ وَفِي الْغَنَمِ وَبِأَخْذِ تَبِيعٍ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ الْمَوَاشِي لَا يَتَيَسَّرُ عَلَيْهِمْ إلَّا مِنْهَا لَا أَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ لَا يُجْزِيهِمْ، وَقَدْ جَوَّزَتْ الشَّافِعِيَّةُ أَخْذَ بَعِيرٍ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَأَخْذَ تَبِيعَيْنِ عَنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ مَكَانَ الْمُسِنَّةِ وَأَخْذَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ عَنْ الْحِقَّةِ، وَالْجَذَعَةِ عَنْ الْحِقَّةِ وَالْحِقَّتَيْنِ عَنْ بِنْتَيْ مَخَاضٍ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ بِالْقِيَاسِ وَالْمَعْنَى فَهَذَا هُوَ عَيْنُ أَخْذِ الْقِيمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْجِزْيَةِ) فَإِنَّهُ إنْ أَدَّى الثِّيَابَ مَكَانَ الدَّنَانِيرِ جَازَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كِفَايَةً لِلْمُقَاتِلَةِ فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِمْ مَحَلٌّ صَالِحٌ لِكِفَايَتِهِمْ فَتَتَأَدَّى بِالْقِيمَةِ. اهـ كَافِي. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إيَّاكُمْ» إلَخْ) الَّذِي فِي الْغَايَةِ إيَّاكَ بِالْإِفْرَادِ. اهـ. لَمْ يَقَعْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ إيَّاكُمْ وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ إيَّاكَ وَالْخِطَابُ لِمُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. اق، وَفِي مُسْلِمٍ «فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ». اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْ الْوَسَطِ) ذَكَرَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ فِي الْمُنْتَقَى الْوَسَطُ أَعْلَى الْأَدْوَنِ، وَأَدْوَنَ الْأَعْلَى، وَقِيلَ إذَا كَانَ عِشْرُونَ مِنْ الضَّأْنِ، وَعِشْرُونَ مِنْ الْمَعْزِ يَأْخُذُ الْأَوْسَطَ، وَمَعْرِفَتُهُ أَنْ يُقَوَّمَ الْوَسَطُ مِنْ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ فَيَأْخُذُ شَاةً تُسَاوِي نِصْفَ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَثَلًا الْوَسَطُ مِنْ الْمَعْزِ تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَالْوَسَطُ مِنْ الضَّأْنِ عِشْرِينَ فَيُؤْخَذُ شَاةٌ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ. اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: «لَا تَأْخُذْ الْأَكُولَةَ» إلَخْ) وَالْأَكُولَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الشَّاةُ السَّمِينَةُ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْأَكْلِ وَالرُّبَّى بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ مَقْصُورَةً هِيَ الَّتِي تُرَبِّي وَلَدَهَا قَالُوا وَجَمْعُهَا رُبَابٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفِي الْمُغْرِبِ الرُّبَّى الْحَدِيثَةُ النِّتَاجِ مِنْ الشَّاةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الَّتِي مَعَهَا، وَلَدُهَا وَالْجَمْعُ رُبَابٌ بِالضَّمِّ وَالْمَاخِضُ الْحَامِلُ الَّتِي حَانَ وِلَادَتُهَا، وَإِلَّا فَهِيَ خَلِفَةٌ وَالْمَخَاضُ الطَّلْقُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 23]، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ الَّتِي أَخَذَهَا الْمَخَاضُ وَهُوَ وَجَعُ الْوِلَادَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيُضَمُّ مُسْتَفَادٌ إلَخْ)، وَفِي الْمَبْسُوطِ سَوَاءٌ اسْتَفَادَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ. اهـ. كَاكِيٌّ، وَفِي الْيَنَابِيعِ الْمَسْأَلَةُ ذَاتُ صُوَرٍ مِنْهَا إذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ نَاقَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَ قُرْبِ الْحَوْلِ إحْدَى عَشَرَةَ مِنْهَا ثُمَّ تَمَّ حَوْلُ الْأُمَّاتِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ، وَهَذَا اتِّفَاقٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَكَذَا إنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ بَقَرَةً فَوَلَدَتْ كُلُّهَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَتَمَّ حَوْلُهَا تَجِبُ فِيهَا مُسِنَّتَانِ، وَمِنْهَا إذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَوَلَدَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ إحْدَى وَثَمَانِينَ فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى الْأُمَّاتِ يَجِبُ فِيهَا شَاتَانِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا لَوْ مَلَكَهَا بِسَبَبٍ آخَرَ عِنْدَنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا إذَا كَانَ نِصَابٌ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَمَلَكَ نِصَابًا آخَرَ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهَا ثُمَّ حَالَ حَوْلُ النِّصَابِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ زَكَاةُ النِّصَابَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِبِلَ لَا تُضَمُّ إلَى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَلَا بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ، وَكَذَا لَا تُضَمُّ السَّائِمَةُ إلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَلَا يُضَمَّانِ إلَى السَّائِمَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَثَمَنِ السَّوَائِمِ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ، وَفِي الْجَامِعِ إذَا كَانَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ أَوْ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ فَأَدَّى زَكَاتَهَا ثُمَّ بَاعَهَا بِأَلْفٍ فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى الْأَلْفِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ لَا يُضَمُّ الثَّمَنُ إلَى الْأَلْفِ الَّذِي تَمَّ حَوْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُضَمُّ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا بِعَبْدٍ وَنَوَى التِّجَارَةَ فِيهِ لَا يُضَمُّ الْعَبْدُ، وَلَا ثَمَنُهُ، وَلَوْ نَوَى الْخِدْمَةَ فِي الْعَبْدِ ثُمَّ بَاعَهُ يُضَمُّ الثَّمَنُ إلَى الْأَلْفِ هَكَذَا فِي التَّحْرِيرِ، وَفِي الْوَجِيزِ لَوْ نَوَى فِي الْعَبْدِ الْخِدْمَةَ ثُمَّ بَاعَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَجْهُ الضَّمِّ أَنَّ بِنِيَّةِ الْخِدْمَةِ فِيهِ صَارَ بِحَالٍ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَطُّ، وَكَأَنَّهُ مَالٌ آخَرُ لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ، وَلَا زَكَاةُ أَصْلِهِ، وَلَوْ بَاعَهَا بِعَبْدٍ لِلْخِدْمَةِ ثُمَّ بَاعَهُ يَضُمُّ ثَمَنَهُ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَهَا عَلُوفَةً أَوْ أَسَامَهَا يَضُمُّ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَقُمْ مَقَامَ أَصْلٍ، وَهُوَ مَالُ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ غَنَمٌ، وَإِبِلٌ فَبَاعَ الْغَنَمَ بِإِبِلٍ، وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْإِبِلِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ لَا يَضُمُّ الْإِبِلَ الَّتِي كَانَتْ هِيَ ثَمَنَ الْغَنَمِ

مَا أَدَّى زَكَاتَهَا حَيْثُ لَا يَضُمُّ ثَمَنَهَا إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْأَرْبَاحِ وَالْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ فِي حَقِّ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ بِأَصْلٍ فَكَذَا فِي شَرَائِطِهِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تُؤَدُّونَ فِيهِ زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ فَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَجِيءَ رَأْسُ الشَّهْرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْحَادِثِ عِنْدَ مَجِيءِ رَأْسِ السَّنَةِ؛ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ ضَمُّهُ فِي حَقِّ الْقَدْرِ حَتَّى إذَا كَانَ عِنْدَهُ ثَلَاثُونَ بَقَرَةً مَثَلًا فَاسْتَفَادَ عَشَرَةً فَإِنَّهُ يَضُمُّ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمُسِنَّةِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْحَوْلِ؛ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْمُجَانَسَةُ فِي الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضُمُّ الْجِنْسَ إلَى الْجِنْسِ فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ بِعِلَّةِ الْمُجَانَسَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ رِبْحًا، وَلَا وَلَدًا فَكَذَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا يَتَعَسَّرُ تَمْيِيزُ الْحَوْلِ لِكُلِّ مُسْتَفَادٍ لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْغَلَّةِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَغِلُّونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيُحْرَجُونَ بِهِ حَرَجًا عَظِيمًا، وَمَا شُرِطَ الْحَوْلُ إلَّا لِلتَّيْسِيرِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ. وَمَا رَوَاهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَلَئِنْ ثَبَتَ لَيْسَ فِيهِ مَا يُنَافِي مَذْهَبَنَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ إمَّا أَصَالَةً أَوْ تَبَعًا كَمَا قَالَ هُوَ فِي الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ، وَالزِّيَادَةُ الَّتِي فِي السِّمَنِ بِخِلَافِ ثَمَنِ السَّوَائِمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضُمَّ يُؤَدِّي إلَى الثَّنْيِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ أَخَذَ الْخَرَاجَ وَالْعُشْرَ وَالزَّكَاةَ بُغَاةٌ لَمْ تُؤْخَذْ أُخْرَى)؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَحْمِهِمْ وَالْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ إلَى عَامِلِهِ إنْ كُنْت لَا تَحْمِيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْإِبِلِ الْأُولَى عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُضَمُّ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ دَنَانِيرُ، وَأَمْوَالُ التِّجَارَةِ فَهِيَ كَالدَّرَاهِمِ فِي الْخِلَافِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ عِلَّةَ الضَّمِّ الْجِنْسِيَّةُ عِنْدَنَا، وَقَدْ وُجِدَتْ فَيَثْبُتُ الْمَعْلُولُ، وَهُوَ الضَّمُّ عَمَلًا بِالْعِلَّةِ كَمَا إذَا جَعَلَهَا عَلُوفَةً ثُمَّ بَاعَهَا وَصَارَ كَثَمَنِ الطَّعَامِ الْمَعْشُورِ وَثَمَنِ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةُ بَعْدَ أَدَاءِ عُشْرِهَا وَثَمَنِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ بَعْدَ أَدَاءِ خَرَاجِهَا وَثَمَنِ الْعَبْدِ بَعْدَ أَدَاءِ فِطْرَتِهِ، وَلَهُ أَنَّ ثَمَنَهَا قَامَ مَقَامَ عَيْنِهَا؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهَا، وَقَدْ أَدَّى زَكَاتَهَا فِي الْحَوْلِ فَلَوْ ضَمَّهَا إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ النِّصَابِ، وَأَدَّى زَكَاتَهُ يَكُونُ مُؤَدِّيًا زَكَاةَ مَالٍ وَاحِدٍ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ثَنْيَ فِي الصَّدَقَةِ» بِخِلَافِ ثَمَنِ الطَّعَامِ الْمَعْشُورِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ حَقِيقَةً لَا الْخَرَاجُ فَاخْتَلَفَ السَّبَبُ وَبِخِلَافِ ثَمَنِ الْأَرْضِ الَّتِي أُخِذَ عُشْرُ الْخَرَاجِ مِنْهَا لِأَنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ الْمَالُ لَا الْأَرْضُ وَسَبَبُ وُجُوبِ الْخَرَاجِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ حُكْمًا وَبِخِلَافِ ثَمَنِ الْعَبْدِ الَّذِي أُدِّيَتْ فِطْرَتُهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ ذِمَّةُ الْمَوْلَى لَا الْعَبْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لَا تَسْقُطُ فَاخْتَلَفَ السَّبَبُ وَلَا تَعَلُّقَ لِلْمَالِيَّةِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا عَنْ الْإِجْزَاءِ وَسَبَبُ وُجُوبِهَا رَأْسٌ يَمُونُهُ، وَمَنْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَالضَّمُّ لَا يُؤَدِّي إلَى الثِّنَى لِاخْتِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ؛ وَلِأَنَّ الْعُشْرَ يُفَارِقُ الزَّكَاةَ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ الْمِلْكُ وَلَا الْمَالِكُ حَتَّى وَجَبَ الْعُشْرُ فِي أَرْضٍ وَالْمُكَاتَبِ مَعَ انْتِفَاءِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ السَّائِمَةِ الْمَوْقُوفَةِ وَانْتِفَاءِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ. قُلْت فِي ضَمِّ ثَمَنِ الْعَبْدِ بَعْدَ إخْرَاجِ فِطْرَتِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يُوجِبُوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي عَبِيدِ التِّجَارَةِ، وَعَلَّلُوا بِالثَّنْيِ فِي الصَّدَقَةِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ السَّبَبُ لَا يُبَالَى بِالثَّنْيِ كَالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ فَالْحَاصِلُ إنْ نَظَرْنَا إلَى اخْتِلَافِ السَّبَبِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِيهِمْ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَإِنْ لَمْ يُنْظَرْ إلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضُمَّ ثَمَنَهُمْ بَعْدَ إخْرَاجِ الْفِطْرَةِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الضَّمَّ فِي الْبَدَلِ مَعَ اخْتِلَافِ السَّبَبِ فَهُوَ أَنْزَلُ دَرَجَةً، وَالْعَيْنُ مُتَّحِدَةٌ فِي الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي عَبِيدِ التِّجَارَةِ فَكَانَ كَالْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ مُخْتَلِفٌ مَعَ اخْتِلَافِ سَبَبِ وُجُوبِهَا. اهـ. قَالَ الْكَمَالُ: وَلَوْ كَانَ لَهُ نِصَابَانِ نَقْدَانِ فَمَا لَمْ يُؤَدِّ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الثَّنَى كَثَمَنِ إبِلٍ أُدِّيَ زَكَاتُهَا وَنِصَابٌ آخَرُ ثُمَّ وُهِبَ لَهُ أَلْفٌ ضُمَّتْ إلَى أَقْرَبِهِمَا حَوْلًا مِنْ حِينِ الْهِبَةِ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ، وَلَوْ رَبِحَ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ وَلَدَ أَحَدُهُمَا ضُمَّ إلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالذَّاتِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْحَالِ. اهـ. فَإِنْ قِيلَ عِلَّةُ الضَّمِّ عِنْدَكُمْ الْجِنْسِيَّةُ دُونَ التَّوَالُدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى فِيهَا الْقُرْبُ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْفُقَرَاءِ كَمَا قُلْتُمْ فِي غَيْرِهَا قَدْ بَيَّنَّا قُوَّةَ الِاتِّصَالِ فِيهَا وَالْجِنْسِيَّةُ مَوْجُودَةٌ فِيهَا أَيْضًا فَالتَّوَالُدُ إنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً صَلُحَ أَنْ يَكُونَ مُرَجِّحًا. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْمَالَيْنِ لَوْ كَانَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَصَارَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لَا تُصْرَفُ إلَى ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَهُمَا؛ لِأَنَّا لَوْ ضَمَمْنَاهَا إلَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ نِصْفِ الْجَارِيَةِ فِي نِصْفِ السَّنَةِ وَالنِّصْفِ الْآخَرِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَهَذَا مُحَالٌ فَإِذَا ثَبَتَ بَعْدَ هَذَا فِي الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ ثَبَتَ فِي الْمُنْفَصِلَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً، وَالضَّمُّ مُسْتَحِقٌّ فِيهَا فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالِانْفِصَالِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يُضَمُّ ثَمَنُهَا إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَقَدْ نَصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَجْمَعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) أَيْ بِمَعْنَاهُ وَقِيلَ إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَأَسْنَدَ رِوَايَةَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الدِّرَايَةِ إلَى التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا لَكِنَّهُ ذَكَرَ بَدَلَ قَوْلِهِ «رَأْسَ الشَّهْرِ» «رَأْسَ السَّنَةِ»، وَمَا فِي الشَّرْح مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى مَا فِي الْكِتَابَيْنِ وَاحِدٌ فَاعْلَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ ثَلَاثُونَ بَقَرَةً مَثَلًا فَاسْتَفَادَ عَشَرَةً) أَيْ بِالْوِلَادَةِ أَوْ الرِّبْحِ حَتَّى تَصِيرَ الْمَسْأَلَةُ اتِّفَاقِيَّةً بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا) كَذَا فِي نُسْخَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ، وَكَتَبَ تَحْتَ ذَلِكَ أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الْأَرْبَاحِ وَالْأَوْلَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُؤَدِّي إلَى الثِّنَى) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَقَوْلُهُ «لَا ثِنًى فِي الصَّدَقَةِ» مَكْسُورَةٌ مَقْصُورٌ أَيْ لَا تُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخَذَ الْخَرَاجَ وَالْعُشْرَ وَالزَّكَاةَ بُغَاةٌ إلَخْ) الْبُغَاةُ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَدْلِ بِحَيْثُ يَسْتَحِلُّونَ قَتْلَ الْعَادِلِ وَمَالَهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَدَانُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا مَنْ أَذْنَبَ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً فَقَدْ كَفَرَ وَحَلَّ قَتْلُهُ إلَّا أَنْ يَتُوبَ وَتَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [الجن: 23]. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْجِبَايَةُ إلَخْ) الْجِبَايَةُ هِيَ الْأَخْذُ، وَالْجَمْعُ مِنْ جَبَى الْخَرَاجَ جِبَايَةً جَمَعَهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: بِالْحِمَايَةِ) أَيْ بِالْحِفْظِ. اهـ. كَاكِيٌّ

فَلَا تَجْبِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا مَرَّ هُوَ بِهِمْ فَعَشَّرُوهُ حَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا إذَا مَرَّ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَرَّ عَلَيْهِمْ لَا مِنْ الْإِمَامِ، وَالذِّمِّيُّ فِيهِ كَالْمُسْلِمِ وَاشْتِرَاطُ أَخْذِهِمْ الْخَرَاجَ وَنَحْوَهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُ سِنِينَ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ شَيْءٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إذَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُمْ ثَانِيًا نُفْتِيهِمْ بِأَنْ يُعِيدُوهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَصْرِفُونَهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا ظَاهِرًا، وَقِيلَ لَا نُفْتِيهِمْ بِإِعَادَةِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُمْ مَصَارِفُ لَهُ لِكَوْنِهِمْ مُقَاتِلَةً، وَقِيلَ إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ أَجْزَأَتْهُ الصَّدَقَاتُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ حُوسِبُوا بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبَعَاتِ يَكُونُونَ فُقَرَاءَ، وَأَمَّا مُلُوكُ زَمَانِنَا فَهَلْ تَسْقُطُ هَذِهِ الْحُقُوقُ بِأَخْذِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ أَمْ لَا قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ تَسْقُطُ، وَإِنْ لَمْ يَضَعُوهَا فِي أَهْلِهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُمْ فَكَانَ الْوَبَالُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ يَسْقُطُ الْخَرَاجُ، وَلَا تَسْقُطُ الصَّدَقَاتُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبُغَاةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ: لَا يَسْقُطُ الْجَمِيعُ، وَقِيلَ إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ يَسْقُطُ، وَإِلَّا فَلَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبُغَاةِ، وَعَلَى هَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ الرَّجُلِ فِي جِبَايَاتِ الظَّلَمَةِ وَالْمُصَادَرَاتِ إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ جَازَ عَمَّا نَوَى. وَلَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَأَقَامَ فِيهَا سِنِينَ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ لِعَدَمِ الْحِمَايَةِ وَنُفْتِيهِ بِأَدَائِهَا إنْ كَانَ عَالِمًا بِوُجُوبِهَا، وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَبْلُغْهُ، وَهُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ عَجَّلَ ذُو نِصَابٍ لِسِنِينَ أَوْ لِنُصُبٍ صَحَّ)، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي بِكَوْنِهِ حَوْلِيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: حَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا) أَيْ بِلَا خِلَافٍ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالذِّمِّيُّ فِيهِ كَالْمُسْلِمِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذُوا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ خَرَاجَ رُءُوسِهِمْ لَمْ يُؤَاخِذْهُمْ الْإِمَامُ بِمَا مَضَى لِعَجْزِهِ عَنْ حِمَايَتِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِمْ مُقَاتِلَةً) أَيْ؛ لِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ. اهـ. فَتْحٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالزَّكَاةُ مَصْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ وَلَا يَصْرِفُونَهَا إلَيْهِمْ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ) أَيْ الْمَظَالِمِ جَمْعُ تَبِعَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ تَسْقُطُ) أَيْ إذَا نَوَى عِنْدَ الدَّفْعِ أَنَّهُ مِنْ الصَّدَقَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ إلَخْ) فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَعْمَشِ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ، وَنَسَبَ مَا قَالَهُ لِلْإِسْكَافِ عَكْسُ مَا ذُكِرَ هُنَا. اهـ. وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ أَخْذُ الصَّدَقَةِ جَائِزٌ لِعَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ وَالِي خُرَاسَانَ وَحُكِيَ أَنَّ أَمِيرَ بَلْخٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَسَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَمَّا يُكَفِّرُ بِهِ يَمِينَهُ فَأَفْتَوْهُ بِالصِّيَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ لِحَشَمِهِ إنَّهُمْ يَقُولُونَ لِي مَا عَلَيْك مِنْ التَّبِعَاتِ فَوْقَ مَالِكَ فَكَفَّارَتُك كَفَّارَةُ يَمِينِ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا. اهـ. غَايَةٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَدُفِعَ إلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ سَقَطَ، ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ جَازَ عَمَّا نَوَى) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. كَافِي قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ هَذَا فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أَمَّا لَوْ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ فَنَوَى هُوَ أَدَاءَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ فَعَلَى قَوْلِ طَائِفَةٍ يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلطَّالِبِ وِلَايَةُ أَخْذِ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَصِلْ إلَى مُسْتَحِقِّهِ ظَاهِرًا وَلَا إلَى نَائِبِهِ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْبَاغِي أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَصْرِفَهُ إلَى الشَّهَوَاتِ، وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ظَاهِرًا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ عَجَّلَ ذُو نَصَّابٍ) تَنْصِيصٌ عَلَى شَرْطِ جَوَازِ التَّعْجِيلِ فَلَوْ مَلَكَ أَقَلَّ فَعَجَّلَ خَمْسَةً عَنْ مِائَتَيْنِ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى مِائَتَيْنِ لَا يَجُوزُ، وَفِيهِ شَرْطَانِ آخَرَانِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ النِّصَابُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَلَوْ عَجَّلَ خَمْسَةً مِنْ مِائَتَيْنِ ثُمَّ هَلَكَ مَا فِي يَدِهِ إلَّا دِرْهَمًا ثُمَّ اسْتَفَادَ فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى مِائَتَيْنِ جَازَ مَا عَجَّلَ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ تَبْقَ الدَّرَاهِمُ، وَأَنْ يَكُونَ النِّصَابُ كَامِلًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَلَوْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ الْأَرْبَعِينَ، وَحَالَ الْحَوْلُ، وَعِنْدَهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى إنَّهُ إنْ كَانَ صَرَفَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ، وَقَعَتْ نَفْلًا، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِ السَّاعِي أَوْ الْإِمَامِ أَخَذَهَا، وَلَوْ كَانَ الْأَدَاءُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَقَعَ عَنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ انْتَقَصَ النِّصَابُ بِأَدَائِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِيضَاحِ، وَهُوَ فِي فَصْلِ السَّاعِي خِلَافُ الصَّحِيحِ بَلْ الصَّحِيحُ فِيمَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ السَّاعِي وُقُوعُهَا زَكَاةً فَلَا يَسْتَرِدُّهَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ إلَّا يَوْمًا فَعَجَّلَ مِنْ زَكَاتِهَا ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَا بَقِيَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَصَدَّقَ بِشَاةٍ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ عَلَى الْفَقِيرِ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً فَتَمَّ الْحَوْلُ لَا تَجُوزُ عَنْ الزَّكَاةِ أَمَّا لَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ إلَى الْمُصَدِّقِ فَتَمَّ الْحَوْلُ وَالشَّاةُ فِي يَدِ الْمُصَدِّقِ جَازَ هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْمُصَدِّقِ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْ الْمَدْفُوعِ وَبَسْطُهُ مِنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ إذَا عَجَّلَ خَمْسَةً مِنْ مِائَتَيْنِ فَأَمَّا إنْ حَالَ الْحَوْلُ، وَعِنْدَهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ أَوْ اسْتَفَادَ خَمْسَةً أُخْرَى فَحَالَ عَلَى مِائَتَيْنِ أَوْ اُنْتُقِصَ مِنْ الْبَاقِي دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ. (الْفَصْلُ الْأَوَّلُ). إذَا لَمْ تَزِدْ، وَلَمْ تَنْقُصْ فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْخَمْسَةُ قَائِمَةً فِي يَدِ السَّاعِي فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ وَيَأْخُذَ الْخَمْسَةَ مِنْ السَّاعِي؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِالدَّفْعِ إلَى السَّاعِي، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَهِيَ فِي مَعْنَى الضِّمَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الزَّكَاةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ يَدَ السَّاعِي فِي الْمَقْبُوضِ يَدُ الْمَالِكِ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَقِيَامُهَا فِي يَدِهِ كَقِيَامِهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ؛ وَلِأَنَّ الْمُعَجَّلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ زَكَاةً فَتَكُونُ يَدُهُ يَدَ الْمَالِكِ فَاعْتَبَرْنَا أَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ احْتِيَاطًا؛ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِنَفْيِ الْوُجُوبِ يُؤَدِّي إلَى الْمُنَاقَضَةِ. بَيَانُهُ أَنَّا لَوْ لَمْ نُوجِبْ الزَّكَاةَ بَقِيَتْ الْخَمْسَةُ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ حَالَ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى عَدَمِ تَقْدِيرِ إيجَابِ الزَّكَاةِ، وَإِذَا قُلْنَا تَجِبُ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ لَا مُسْتَنِدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَنَدَ الْوُجُوبُ إلَى أَوَّلِ الْحَوْلِ بَقِيَ النِّصَابُ نَاقِصًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَيَبْطُلُ الْوُجُوبُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْ الِاسْتِرْدَادَ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهَا زَكَاةً مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ فَمَا دَامَ احْتِمَالُ الْوُجُوبِ قَائِمًا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ كَمَنْ نَقَدَ الثَّمَنَ فِي بَيْعٍ شَرِطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِرْدَادُ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ بِهِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ الْمَالِكِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ ضِمَارًا؛ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِفَرْضٍ لَيْسَ ضِمَارًا فَجَعَلَهَا ضِمَارًا فَيَبْطُلُ الْفَرْضِيَّةُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ السَّاعِي اسْتَهْلَكَهَا أَوْ أَنْفَقَهَا

فَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ عَلَى الْحَوْلِ كَمَا لَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ عَلَى أَصْلِ النِّصَابِ؛ وَلِأَنَّ الْأَدَاءَ إسْقَاطٌ لِلْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ، وَلَا إسْقَاطَ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَصَارَ كَأَدَاءِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ إلَّا لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ حَوْلَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ بَعْدُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ قَبْلَ كَمَالِ النِّصَابِ، وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَسْلَفَ مِنْ الْعَبَّاسِ زَكَاةَ عَامَيْنِ»؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي فَالْمَالُ أَصْلٌ وَالنَّمَاءُ وَصْفٌ لَهُ فَجَازَ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى نَفْسِهِ فَرْضًا؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ وَجَبَ الْمِثْلُ فِي الذِّمَّةِ وَذَلِكَ كَقِيَامِ الْعَيْنِ فِي يَدِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَهَا السَّاعِي عِمَالَةً؛ لِأَنَّ الْعِمَالَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لِلْوَاجِبِ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ فَيَتَحَقَّقُ حِينَئِذٍ سَبَبُ الْعِمَالَةِ، وَمَا قَبَضَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَلَا يُقَالُ مَا فِي ذِمَّةِ السَّاعِي دَيْنٌ، وَأَدَاءُ الدَّيْنِ مِنْ الْعَيْنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَيْرِ السَّاعِي أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى السَّاعِي فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُ فَلَا يُفِيدُ الطَّلَبُ مِنْهُ ثُمَّ دَفْعُهَا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ السَّاعِي صَرَفَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ إلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ فَقِيرٌ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ السَّاعِيَ مَأْمُورٌ بِالصَّرْفِ إلَيْهِمْ، وَلَوْ صَرَفَ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ يَصِيرُ مِلْكًا وَيَنْقُصُ بِهِ النِّصَابُ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَلَوْ ضَاعَتْ مِنْ السَّاعِي قَبْلَ الْحَوْلِ وَوَجَدَهَا بَعْدَهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا كَمَا لَوْ ضَاعَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ نَفْسِهِ فَوَجَدَهَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهَا لِزَكَاةِ هَذِهِ السَّنَةَ، وَلَمْ تَصِرْ قُلْت لِأَنَّ بِالضَّيَاعِ صَارَ ضِمَارًا فَلَوْ لَمْ يَسْتَرِدَّهَا حَتَّى دَفَعَهَا السَّاعِي لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إذَا كَانَ الْمَالِكُ نَهَاهُ قَبْلَ هَذَا عِنْدَهُمَا أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ، وَأَصْلُهُ الْوَكِيلُ يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إذَا أَدَّى بَعْدَ أَدَاءِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ يَضْمَنُ عَلِمَ بِأَدَائِهِ أَوْ لَا، وَعِنْدَهُمَا لَا إلَّا إنْ عَلِمَهُ. (الْفَصْلُ الثَّانِي). إذَا اسْتَفَادَ خَمْسَةً فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى مِائَتَيْنِ يَصِيرُ الْمُؤَدَّى زَكَاةً فِي كُلِّ الْوُجُوهِ مِنْ وَقْتِ التَّعْجِيلِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ هُنَا كَوْنُ الدَّيْنِ زَكَاةً عَنْ الْعَيْنِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ تِلْكَ الْخَمْسَةِ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً عِنْدَ السَّاعِي أَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ لَا يَرَى الزَّكَاةَ فِي الْكَسْرِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهَا ظَهَرَ خُرُوجُهَا عَنْ مِلْكِهِ مِنْ وَقْتِ التَّعْجِيلِ، وَهَذَا التَّعْجِيلُ إنَّمَا يَخُصُّهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَأَمَّا لَوْ مَلَكَ مِائَتَيْنِ فَجَعَلَهَا كُلَّهَا صَحَّ، وَلَا يَسْتَرِدُّهَا قَبْلَ الْحَوْلِ كَمَا فِي غَيْرِهَا لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا زَكَاةً بِأَنْ يَسْتَفِيدَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ فَلَوْ اسْتَفَادَهَا لَا تَجِبُ زَكَاةُ هَذِهِ الْمِائَتَيْنِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ بِالِاتِّفَاقِ. (الْفَصْلُ الثَّالِثُ). إذَا انْتَقَصَ عَمَّا فِي يَدِهِ فَلَا تَجِبُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا فَيَسْتَرِدُّ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ السَّاعِي، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا أَوْ أَكَلَهَا قَرْضًا أَوْ بِجِهَةِ الْعِمَالَةِ ضَمِنَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ نَفْسِهِ، وَهُوَ فَقِيرٌ لَا يَضْمَنُ لِمَا قَدَّمْنَا إلَّا إنْ تَصَدَّقَ بِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَيَضْمَنُ عِنْدَهُ عَلِمَ بِالنُّقْصَانِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَعِنْدَهُمَا إنْ عَلِمَ، وَلَوْ كَانَ نَهَاهُ ضَمِنَ عِنْدَ الْكُلِّ. (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ السَّاعِيَ إذَا أَخَذَ الْخَمْسَةَ عِمَالَةً ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ وَلَمْ يَكْمُلْ النِّصَابُ فِي يَدِ الْمَالِكِ تَقَعُ الْخَمْسَةُ زَكَاةً بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِسَبَبِ لُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ لَا عِمَالَةَ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ ذَكَرَ فِي مِثْلِهِ مِنْ السَّائِمَةِ خِلَافَهُ بَعْدَ قَرِيبٍ، وَقَالَ مَا حَاصِلُهُ: إذَا عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ فَتَصَدَّقَ بِهَا السَّاعِي قَبْلَ الْحَوْلِ وَتَمَّ الْحَوْلُ، وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا تَقَعُ تَطَوُّعًا، وَلَا يَضْمَنُ، وَلَوْ بَاعَهَا السَّاعِي لِلْفُقَرَاءِ إنْ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا فَكَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا فِي يَدِهِ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِأَنَّ نِصَابَ السَّائِمَةِ نَقَصَ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَلَا يَكْمُلُ بِالثَّمَنِ فَإِنْ كَانَتْ الشَّاةُ قَائِمَةً فِي يَدِ السَّاعِي صَارَتْ زَكَاةً كَمَا قَدَّمْنَا؛ لِأَنَّ قِيَامَهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ، وَلَوْ كَانَ السَّاعِي أَخَذَهَا مِنْ عِمَالَتِهِ وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ وَجَعَلَهَا الْإِمَامُ لَهُ عِمَالَةً فَتَمَّ الْحَوْلُ، وَعِنْدَ الْمَالِكِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَالْمُعَجَّلُ قَائِمٌ فِي يَدِ السَّاعِي فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَيَسْتَرِدُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهَا مِنْ الْعِمَالَةِ زَالَتْ عَنْ مِلْكِهِ فَانْتَقَصَ النِّصَابُ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ بِسَبَبٍ فَاسِدٍ. فَإِنْ كَانَ السَّاعِي بَاعَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ كَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَاعَ جَازَ بَيْعُهُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَالِكِ وَيَكُونُ الثَّمَنُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ فَإِنْ قُلْت لِمَ كَانَ هَذَا الِاخْتِلَافُ قُلْت؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْمُعَجِّلِ بِذَلِكَ السَّبَبِ فَحِينَ تَمَّ الْحَوْلُ يَصِيرُ ضَامِنًا بِالْقِيمَةِ، وَالسَّائِمَةُ لَا يَكْمُلُ نِصَابُهَا بِالدَّيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا هَذَا، وَمَهْمَا تَصَدَّقَ السَّاعِي مِمَّا عَجَّلَ مِنْ نَقْدٍ أَوْ سَائِمَةٍ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بَلْ إمَّا أَنْ تَقَعَ نَفْلًا إنْ لَمْ يَكْمُلْ أَوْ بَعْضُهُ إنْ كَانَ عَنْ نُصُبٍ فَهَلَكَ بَعْضُهَا أَوْ فَرْضًا أَوْ بَعْدَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ كَمَا لَوْ اُنْتُقِصَ النِّصَابُ ضَمِنَ عَلِمَ أَوْ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ إلَّا إنْ عَلِمَ بِالِانْتِقَاصِ فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ نَهَاهُ بَعْدَ الْحَوْلِ ضَمِنَ عِنْدَ الْكُلِّ، وَقَبْلَهُ لَا. انْتَهَى. فَتْحُ الْقَدِيرِ. مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْمُفِيدِ عَجَّلَ زَكَاتَهُ إلَى فَقِيرٍ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَمَاتَ الْفَقِيرُ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ أَيْسَرَ تَقَعُ زَكَاةً عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا، وَقَعَتْ قُرْبَةً فَيُعْتَبَرُ حَالُهُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُفِيدِ وَالتَّحْرِيرِ وَزِيَادَاتِ الصَّابِيِّ الزَّكَاةُ تَجِبُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِ الْحَوْلِ قُلْت: إذَا كُنَّا جَعَلْنَا الْحَوْلَ كَالشَّرْطِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْنِدَ الْوُجُوبَ إلَى أَوَّلِ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يَقْتَصِرُ بِلَا خِلَافٍ؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْمَالِ النَّامِي وَالْحَوْلُ أُقِيمَ مَقَامَ النَّمَاءِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْغَالِبُ فِيهَا تَفَاوُتُ الْأَسْعَارِ وَيُقَوِّي هَذَا مَا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي زِيَادَاتِهِ إنَّ الْمُعَجَّلَ يَقَعُ زَكَاةً مِنْ وَقْتِ التَّعْجِيلِ إذَا اسْتَفَادَ مِمَّا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ أَنَّ الْمُعَجَّلَ فِي يَدِ السَّاعِي فِي الْقِيَاسِ يُسْتَشْهَدُ الْوُجُوبُ إلَى أَوَّلِ الْحَوْلِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقْتَصِرُ عَلَى آخَرِ الْحَوْلِ. اهـ. غَايَةٌ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ ذُو نِصَابٍ مَا نَصُّهُ لِسِنِينَ، وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ فَعَجَّلَ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ ظَانًّا أَنَّهَا فِي مِلْكِهِ لَهُ أَنْ يَحْتَسِبَ الزِّيَادَةَ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَأَدَاءِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ) بِجَامِعِ أَنَّهُ أَدَاءٌ قَبْلَ السَّبَبِ إذْ السَّبَبُ هُوَ النِّصَابُ الْحَوْلِيُّ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ حَوْلَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ) أَيْ النِّصَابُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَسْلَفَ مِنْ الْعَبَّاسِ» إلَخْ)، وَهُوَ مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُد عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ الْعَبَّاسَ «سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَعْجِيلِ زَكَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ». اهـ. كَاكِيٌّ، وَقَالَ

[باب زكاة المال]

وُجُودِ أَصْلِهِ كَالتَّكْفِيرِ بَعْدَ الْجَرْحِ قَبْلَ السِّرَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّمَ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَ نِصَابًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يُوجَدْ ثُمَّ الْمُقَدَّمُ يَقَعُ زَكَاةً إذَا تَمَّ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا فَإِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ فِي يَدِ السَّاعِي يَسْتَرِدُّهَا؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ حَتَّى يُكْمِلَ النِّصَابَ بِمَا فِي يَدِهِ وَيَدُ الْفَقِيرِ أَيْضًا حَتَّى تَسْقُطَ عَنْهُ الزَّكَاةُ بِالْهَلَاكِ فِي يَدِهِ فَيَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَلَا يَضْمَنَهُ إنْ كَانَ هَالِكًا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ لِنُصُبٍ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نِصَابٌ فَيُقَدِّمُ لِنُصُبٍ كَثِيرَةٍ لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ بَعْدُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ حَوْلَهَا قَدْ انْعَقَدَ وَلِهَذَا يُضَمُّ إلَى النِّصَابِ فَيُزَكَّى بِحَوْلِهِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ هُوَ يَقُولُ كُلُّ نِصَابٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ فَيَكُونُ أَدَاءً قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبِ وَنَحْنُ نَقُولُ النِّصَابُ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ، وَمَا بَعْدَهُ تَابِعٌ لَهُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الضَّمِّ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ). أَرَادَ بِالْمَالِ غَيْرَ السَّوَائِمِ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ عَائِدٌ إلَى الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَاتُوا رُبُعَ عُشْرِ أَمْوَالِكُمْ» لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ السَّائِمَةِ لِأَنَّ زَكَاةَ السَّائِمَةِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِرُبُعِ الْعُشْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا رُبُعُ الْعُشْرِ) أَيْ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَنِصْفُ دِينَارٍ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي الرَّقَّةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» وَالْأُوقِيَّةُ كَانَتْ فِي أَيَّامِهِمْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي أَقَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْغَايَةِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ (قَوْلُهُ: فَيَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا إلَخْ) وَلِذَا إنْ بَاعَهُ السَّاعِي لِنَفْسِهِ ضَمِنَهُ، وَإِنْ أَدَّاهُ إلَى الْفَقِيرِ يَقَعُ نَفْلًا كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَالزِّيَادَاتِ، وَفِيهِ لَوْ بَاعَهُ لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِثَمَنِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ الثَّمَنَ. اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَنَحْنُ نَقُولُ النِّصَابُ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ) أَيْ فِي السَّبَبِيَّةِ. اهـ. (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ النِّصَابُ كَامِلًا وَقْتَ التَّعْجِيلِ ثُمَّ هَلَكَ جَمِيعُ الْمَالِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْمَالِ حَبَّةٌ مَثَلًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَاتَمٌ، وَلَا سِكِّينٌ مُفَضَّضٌ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، وَإِنْ قَلَّ، وَلَا شَيْءَ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ بَطَلَ الْحَوْلُ فَصَارَ مَا عَجَّلَ تَطَوُّعًا ثُمَّ اسْتَفَادَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِنْ الْمَالِ نِصَابًا كَامِلًا فَحَالَ الْحَوْلُ وَوَجَبَتْ فِيهِ زَكَاةٌ فَمَا عَجَّلَ لَا يَنُوبُ عَنْهُ، وَأَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ شَيْءٌ يَسِيرٌ ثُمَّ اسْتَفَادَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ نِصَابًا كَامِلًا فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهِ صَحَّ التَّعْجِيلُ، وَسَقَطَتْ عَنْهُ زَكَاةُ السَّنَةِ. اهـ. طَحَاوِيٌّ. (فَرْعٌ آخَرُ) لَوْ دَفَعَ الْإِمَامُ الْمُعَجَّلَ إلَى فَقِيرٍ فَأَيْسَرَ الْفَقِيرُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ أَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ جَازَ عَنْ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ يَسْتَرِدُّهُ الْإِمَامُ إلَّا إذَا كَانَ غِنَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ لَنَا الصَّدَقَةُ لَاقَتْ كَفَّ الْفَقِيرِ فَلَا يُعْتَبَرُ غِنَاهُ الْحَادِثُ كَمَا إذَا دَفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ بَعْدَ الْحَوْلِ ثُمَّ حَدَثَ ذَلِكَ. اهـ. بَدَائِعُ. [بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ] (بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ) (قَوْلُهُ أَرَادَ بِالْمَالِ غَيْرَ السَّوَائِمِ) أَيْ لِأَنَّ حُكْمَهَا بَيِّنٌ فِيمَا مَضَى. اهـ. ع (قَوْلُهُ يَجِبُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا) أَيْ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْقِيمَةُ بَلْ الْوَزْنُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَفِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلْأَقْطَعِ يُعْتَبَرُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالذَّهَبُ مَا لَمْ يَبْلُغْ قِيمَتَهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ وَكَانَ الدِّينَارُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقَوَّمًا بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مَصْكُوكَةً أَوْ لَا وَكَذَا عَشَرَةُ الْمَهْرِ وَفِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ مَا لَمْ يَبْلُغْ قِيمَتُهُ نِصَابًا مَصْكُوكًا مِنْ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ لُزُومَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقَوُّمِ وَالْعُرْفُ أَنْ يُقَوَّمَ بِالْمَصْكُوكِ وَكَذَا نِصَابُ السَّرِقَةِ احْتِيَاطًا لِلدَّرْءِ اهـ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ نَقَصَتْ الْمِائَتَانِ حَبَّةٌ فِي مِيزَانٍ وَكَانَتْ تَامَّةً فِي مِيزَانٍ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِلشَّكِّ وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ لَا تَجِبُ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ تَجِبُ وَشَنَّعَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَبَالَغَ وَعِنْدَ مَالِكٍ لَوْ نَقَصَتْ الْمِائَتَانِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ تَجِبُ وَعَنْهُ لَا تَمْنَعُ الْحَبَّةُ وَالْحَبَّتَانِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَعَنْهُ قِيرَاطَانِ وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا كَمُلَتْ الْمِائَتَانِ فِي الْعَدَدِ وَنَقَصَتْ فِي الْوَزْنِ لَا تَجِبُ وَإِنْ قَلَّ النَّقْصُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَاتُوا رُبُعَ عُشْرِ أَمْوَالِكُمْ» (قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِي الرِّقَةِ) الرِّقَةُ: بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ كَذَا فِي الْغَايَةِ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُغْرِبِ الْفِضَّةُ تَتَنَاوَلُ الْمَضْرُوبَ وَغَيْرَهُ وَالرِّقَةُ تَخْتَصُّ بِالْمَضْرُوبِ وَأَصْلُهَا وَرِقٌ اهـ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْهُمْ أَنَّ الرِّقَةَ هِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ قُلْت قَدْ ذَكَرَ السَّفَاقِسِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْوَرِقَ اسْمٌ لَهُمَا كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَقَالَ ثَعْلَبٌ وَهُوَ أَصَحُّ التَّأْوِيلَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسٍ ذُو صَدَقَةٍ وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ «لَيْسَ دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ» الْحَدِيثُ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ خَمْسُ أَوَاقٍ مَا نَصُّهُ قَالَ الْفَاسِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ وَمِنْ الرُّوَاة مَنْ يَمُدَّ هَمْزَةَ الْجَمْعِ فَيَقُولُ آوَاقٍ وَهُوَ خَطَأٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأُوقِيَّةُ كَانَتْ إلَخْ) هِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَجَمْعُهَا أَوَاقِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ وَأَنْكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنْ يُقَالَ وَقِيَّةٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَحَكَى اللَّحْيَانِيُّ أَنَّهُ يُقَالُ وُقِيَّةٌ وَيُجْمَعُ عَلَى وَقَايَا كَرَكِيَّةٍ وَرَكَايَا. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْأُوقِيَّةُ أَفَعُولَةٌ فَتَكُونُ الْهَمْزَةُ زَائِدَةً وَهِيَ مِنْ الْوِقَايَةِ لِأَنَّهَا تَقِي صَاحِبَهَا الْحَاجَةَ وَقِيلَ هِيَ فِعْلِيَّةٌ فَالْهَمْزَةُ أَصْلِيَّةٌ وَهِيَ مِنْ الْأَوْقِ وَهُوَ الثِّقَلُ

مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا صَدَقَةٌ وَفِي عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ «فَإِذَا بَلَغَ الْوَرِقُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تِبْرًا أَوْ حُلِيًّا أَوْ آنِيَةً) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ حُلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ وَخَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ» وَلِأَنَّهُ مُبْتَذَلٌ فِي مُبَاحٍ وَلَيْسَ بِنَامٍ اهـ فَشَابَهُ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ وَلَنَا مَا رَوَاهُ حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي يَدِهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مُسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا قَالَتْ لَا قَالَ أَيَسُرُّك أَنْ يُسَوِّرَك اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ فَخَلَعَتْهُمَا وَأَلْقَتْهُمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ». قَالَ النَّوَوِيُّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «دَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ فَقُلْت صَنَعْتهنَّ أَتَزَيَّنُ لَك بِهِنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ قُلْت لَا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ حَسْبُك مِنْ النَّارِ» أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ «كُنْت أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ فَقَالَ مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدِّي زَكَاتَهُ فَزَكِّي فَلَيْسَ بِكَنْزٍ» أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا وَعُمُومُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] الْآيَةَ يَتَنَاوَلُ الْحُلِيَّ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِالرَّأْيِ وَكَذَا الْأَحَادِيثُ الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ تَتَنَاوَلُهُمَا وَمَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَوْلُهُ مُبْتَذَلٌ فِي مُبَاحٍ وَلَيْسَ بِنَامٍ لَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّ عَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا حَقِيقَةُ النَّمَاءِ وَلَا تَسْقُطُ زَكَاتُهُمَا بِالِاسْتِعْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا إذَا كَانَا مُعَدَّيْنِ لِلنَّفَقَةِ أَوْ كَانَا حُلِيَّ الرَّجُلِ أَوْ حُلِيَّ الْمَرْأَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُعْتَادِ تَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ إجْمَاعًا وَلَوْ كَانَا كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ لَمَا وَجَبَتْ وَلِأَنَّهُمَا خُلِقَا أَثْمَانًا لِلتِّجَارَةِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى نِيَّةِ التِّجَارَةِ وَلَا تَبْطُلُ الثَّمَنِيَّةُ بِالِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ مِنْ اللَّآلِئِ وَالْيَاقُوتِ وَالْفُصُوصِ كُلِّهَا لِأَنَّهَا خُلِقَتْ لِلِابْتِذَالِ فَلَا تَكُونُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ فِي كُلِّ خُمُسٍ بِحِسَابِهِ) أَيْ فِي كُلِّ خُمُسٍ نِصَابٌ تَجِبُ فِيهِ بِحِسَابِهِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا مِنْ الْوَرِقِ فَيَجِبُ فِيهِ دِرْهَمٌ وَمِنْ الذَّهَبِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ فَيَجِبُ فِيهَا قِيرَاطَانِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَالَا مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَزَكَاتُهُ بِحِسَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ وَكَانَ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي الرَّقَّةِ رُبُعُ الْعُشْرِ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَاشْتِرَاطُ النِّصَابِ فِي الِابْتِدَاءِ لِتَحَقُّقِ الْغِنَى وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَلْزَمُ التَّشْقِيصُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ «إذَا بَلَغَ الْوَرِقُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةٌ وَلَا تَأْخُذْ مِمَّا زَادَ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا» وَلِأَنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ وَفِي إيجَابِ الْكُسُورِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَذْكُرْ فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ إلَّا الْأَوَّلَ قَالَ وَهَمْزَتُهَا زَائِدَةٌ وَيُشَدَّدُ الْجَمْعُ وَيُخَفَّفُ مِثْلُ أَثَفْيَةً وَأَثَافِيُّ وَأَثَافٍ وَرُبَّمَا يَجِيءُ فِي الْحَدِيثِ وَقِيَّةٌ وَلَيْسَتْ بِالْعَالِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَ الْوَرِقُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَلَهُ تَخْفِيفَانِ فَتْحُ الْوَاوِ وَكَسْرُهَا مَعَ سُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ قِيَاسٌ وَهُوَ اسْمٌ لِلْفِضَّةِ وَقِيلَ لِلدَّرَاهِمِ خَاصَّةً اهـ غَايَةٌ قَوْلُهُ وَهُوَ اسْمٌ لِلْفِضَّةِ أَيْ مَضْرُوبَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ إلَخْ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ») ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسْكَتَانِ) أَيْ سِوَارَانِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ تِبْرًا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ التِّبْرُ مَا كَانَ غَيْرَ مَضْرُوبٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ حُلِيًّا) سَوَاءٌ كَانَ مُبَاحًا أَوْ لَا حَتَّى يَجِبَ أَنْ يَضُمَّ الْخَاتَمَ مِنْ الْفِضَّةِ وَحِلْيَةَ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَكُلُّ مَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ الِاسْمُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٌ) وَالْفَتَخَاتُ الْخَوَاتِمُ الْكِبَارُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كُنْت أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ) وَفِي الصِّحَاحِ حُلِيٌّ مِنْ الدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد) أَيْ بِاللَّفْظِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فَبِلَفْظٍ آخَرَ قَالَ الْكَمَالُ وَلَفْظُهُ «إذَا أَدَّيْت زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ». اهـ. (قَوْلُهُ تَتَنَاوَلُهُمَا) أَيْ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْبَعْضِ مِنْهُمَا بِمَا لَمْ يَثْبُتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ إلَخْ) إنَّمَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْمُعْتَادِ) أَيْ كَخَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ فِي كُلِّ خُمُسٍ بِحِسَابِهِ) وَهُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَانِ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ مَضَى عَلَيْهَا عَامَانِ عِنْدَهُ عَلَيْهِ عَشْرَةٌ وَعِنْدَهُمَا خَمْسَةٌ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ وَثُمُنٌ فَيَبْقَى السَّالِمُ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِائَتَانِ إلَّا ثُمُنُ دِرْهَمٍ فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَعِنْدَهُ لَا زَكَاةَ فِي الْكُسُورِ فَيَبْقَى السَّالِمُ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةٌ أُخْرَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) أَيْ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَوَاهُ عَنْهُمَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُ التَّشْقِيصُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ إلَّا أَنَّا فِي السَّوَائِمِ اعْتَبَرْنَا النِّصَابَ بَعْدَ النِّصَابِ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ التَّشْقِيصِ لِمَا يَدْخُلُ مِنْ إيجَابِهِ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ عَلَى الْمَالِكِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ هُنَا كَذَا فِي الْإِيضَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي إيجَابِ الْكُسُورِ ذَلِكَ) بَيَانُهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي حَبَّةٍ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ حَبَّةٍ وَهَذَا لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْبَقَرِ عِنْدَهُ لِسُهُولَةِ حِسَابِهِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْعَلَّامَةُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَسَبْعَةَ دَرَاهِمَ وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِهِمَا خَمْسَةٌ وَسَبْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى جَاءَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ

وَقَوْلُ عَلِيٍّ لَا يُعَارِضُ الْمَرْفُوعَ وَكَذَا كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالرَّقَّةِ النِّصَابَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُعْتَبَرُ وَزْنُهُمَا أَدَاءً وَوُجُوبًا) أَيْ يُعْتَبَرُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَدَّى قَدْرَ الْوَاجِبِ وَزْنًا وَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَكَذَا فِي حَقِّ الْوُجُوبِ يُعْتَبَرُ أَنْ يَبْلُغَ وَزْنُهُمَا نِصَابًا وَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْوَزْنِ فِي الْأَدَاءِ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ زُفَرُ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ الْأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ جِيَادٍ خَمْسَةً زُيُوفًا قِيمَتُهَا أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ جِيَادٌ جَازَ عِنْدَهُمَا وَيُكْرَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ لِأَنَّ زُفَرَ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الْأَنْفَعَ وَهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْوَزْنَ وَلَوْ أَدَّى أَرْبَعَةً جَيِّدَةً قِيمَتُهَا خَمْسَةٌ رَدِيئَةٌ عَنْ خَمْسَةٍ رَدِيئَةٍ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ كَانَ لَهُ إبْرِيقُ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَتَانِ وَقِيمَتُهُ لِصِنَاعَتِهِ ثَلَاثُمِائَةٍ إنْ أَدَّى مِنْ الْعَيْنِ يُؤَدِّي رُبُعَ عُشْرِهِ وَهُوَ خَمْسَةٌ قِيمَتُهَا سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ وَإِنْ أَدَّى خَمْسَةً قِيمَتُهَا خَمْسَةٌ جَازَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ وَلَوْ أَدَّى مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِزُفَرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَالِيَّةِ كَمَا إذَا أَدَّى مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَلَا يَلْزَمُ الرِّبَا لِأَنَّهُ لَا رِبًا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ وَكَذَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ إلَّا أَنَّهُ احْتَاطَ لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ فَاعْتَبَرَ الْأَنْفَعَ وَهُمَا يَقُولَانِ الْجَوْدَةُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ لَا قِيمَةَ لَهَا إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا وَقَوْلُهُ لَا رِبًا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ قُلْنَا عَامَلَنَا اللَّهُ مُعَامَلَةَ الْمُكَاتَبِينَ حَتَّى اسْتَقْرَضَ مِنَّا بَلْ مُعَامَلَةَ الْأَحْرَارِ حَتَّى أَجَازَ تَصَرُّفَاتِنَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُقَالُ فِيهِ تَضْيِيعُ الْجَوْدَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا بَاعَا الْمَصُوغَ بِوَزْنِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَكَالْمَرِيضِ إذَا أَوْصَى بِمَصُوغٍ وَزْنُهُ قَدْرُ ثُلُثِ مَالِهِ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ تَصَرُّفُهُمَا مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ وَلَا نَظَرَ فِيهِ وَالْمَرِيضُ مَحْجُورٌ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ فَلَا يَجُوزُ تَضْيِيعُ الْجَوْدَةِ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ اعْتِبَارُ الْوَزْنِ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ إبْرِيقُ فِضَّةٍ وَزْنُهَا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَقِيمَتُهَا مِائَتَانِ لَا يَجِبُ فِيهَا لِمَا قُلْنَا وَعَلَى هَذَا الذَّهَبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الدَّرَاهِمِ وَزْنُ سَبْعَةٍ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ) أَيْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ وَزْنُ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ وَالْمِثْقَالُ وَهُوَ الدِّينَارُ عِشْرُونَ قِيرَاطًا وَالدِّرْهَمُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَالْقِيرَاطُ خَمْسُ شَعِيرَاتٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ فَبَعْضُهَا كَانَ عِشْرِينَ قِيرَاطًا مِثْلُ الدِّينَارِ وَبَعْضُهَا كَانَ اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الدِّينَارِ وَبَعْضُهَا عَشَرَةُ قَرَارِيطَ نِصْفُ الدِّينَارِ فَالْأَوَّلُ وَزْنُ عَشَرَةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهُ وَزْنُ الْعَشَرَةِ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالثَّانِي وَزْنُ سِتَّةٍ أَيْ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهُ وَزْنُ سِتَّةٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالثَّالِثُ وَزْنُ خَمْسَةٍ أَيْ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهُ وَزْنُ خَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَوَقَعَ التَّنَازُعُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ فَأَخَذَ عُمَرُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ دِرْهَمًا فَخَلَطَهُ فَجَعَلَهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مُتَسَاوِيَةً فَخَرَجَ كُلُّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا فَبَقِيَ الْعَمَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَدِرْهَمٍ وَزَكَاةُ ثَلَاثَةِ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ وَلِأَنَّهُ أَوَفْقُ لِقَيْدِ الزَّكَوَاتِ لِأَنَّهَا تَدُورُ بِعَفْوٍ وَنِصَابٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَدَّى أَرْبَعَةً جَيِّدَةً قِيمَتُهَا خَمْسَةٌ رَدِيئَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ أَدَّى شَاةً سَمِينَةً عَنْ شَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ تُعَدُّ قِيمَتُهَا بِشَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ جَازَ لِأَنَّ الْحَيَوَانُ لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا وَالْجَوْدَةُ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا مُتَقَوِّمَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ بِشَاتَيْنِ فَبِقَدْرِ الْوَسَطِ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَبِقَدْرِ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ يَقَعُ عَنْ شَاةٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَإِنْ أَدَّى مِنْ النِّصَابِ رُبُعَ عُشْرِهِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ بِكَمَالِهِ وَإِنْ أَدَّى مِنْ غَيْرِ النِّصَابِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ يُرَاعَى فِيهِ صِفَةُ الْوَاجِبِ مِنْ الْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ وَالرَّدِيءِ وَلَوْ أَدَّى مَكَانَ الْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى طَرِيقِ التَّقْوِيمِ بِقَدْرِهِ وَعَلَيْهِ التَّكْمِيلُ لِأَنَّ الْعُرُوضَ لَيْسَتْ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُ ثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ فَكَانَتْ الْجَوْدَةُ فِيهَا مُتَقَوِّمَةً وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى ثَوْبًا جَيِّدًا عَنْ ثَوْبَيْنِ رَدِيئِينَ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَيُرَاعَى فِيهِ قِيمَةُ الْوَاجِبِ حَتَّى إذَا أَدَّى أَنْقَصَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِقَدْرِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَدَّى مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ) أَيْ بِأَنْ أَدَّى مِنْ الذَّهَبِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ أَيْ مَا يُسَاوِي سَبْعَةً وَنِصْفًا وَفِي الْقُدُورِيِّ إنْ زَكَّى مِنْ عَيْنِ الْإِبْرِيقِ أَدَّى رُبُعَ عُشْرِهِ وَيَكُونُ الْفَقِيرُ شَرِيكُهُ فِيهِ بِرُبُعِ الْعُشْرِ وَإِنْ أَدَّى مِنْ قِيمَتِهِ عَدَلَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. اهـ. غَايَةٌ وَكُتِبَ عَلَى قَوْلِهِ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ أَيْضًا مَا نَصُّهُ كَالْغَصْبِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ مُعَامَلَةُ الْمُكَاتَبِينَ) أَيْ وَأَثْبَتَ لَنَا يَدًا وَالرِّبَا يَجْرِي بَيْنَ الْمَوْلَى وَمُكَاتَبِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ مُعَامَلَةُ الْأَحْرَارِ) تَبِعَ الشَّارِحُ صَاحِبَ الْغَايَةِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهُ عَامَلَنَا مُعَامَلَةَ الْمُكَاتَبِينَ قُلْت وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَامَلَنَا مُعَامَلَةَ الْأَحْرَارِ حَتَّى صَحِيحُ اقْتِرَاضِنَا وَتَبَرُّعَاتِنَا وَإِعْتَاقِنَا وَالْمُكَاتَبُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَالْأَصْحَابُ لَمْ يَذْكُرُوا غَيْرَ الْأَوَّلِ فِيمَا عَلِمْت اهـ قَوْلُهُ وَإِعْتَاقُنَا أَيْ وَأَوْجَبَ عَلَيْنَا الْحَجَّ وَالزَّكَاةَ وَأَثْبَتَ لَنَا شَهَادَةً وَجَوَّزَ لَنَا التَّزَوُّجَ بِالْأَرْبَعِ مِنْ النِّسَاءِ اهـ (قَوْلُهُ وَزْنُهَا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَقِيمَتُهَا مِائَتَانِ لَا يَجِبُ) أَيْ وَمُحَمَّدٌ إنَّمَا يُرَاعِي حَقَّ الْفُقَرَاءِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَكَمَالَ النِّصَابِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الذَّهَبُ) قَدْ تَقَدَّمَ مَا ذَكَرَهُ الْأَقْطَعُ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ فَلْيُرَاجَعْ أَوَّلَ الْبَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَخَرْجُ كُلِّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا إلَخْ) لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ قِيرَاطًا وَثُلُثُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَخَذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ دِرْهَمًا إلَخْ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْضُهَا اثْنَا عَشَرَ قِيرَاطًا وَبَعْضُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَبَعْضُهَا خَمْسَةً وَعِشْرُونَ وَكَانَ النَّاسُ مُخْتَلِفِينَ

عَلَيْهِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي الدِّيَاتِ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ دِرْهَمَ مِصْرَ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ حَبَّةً وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ دِرْهَمِ الزَّكَاةِ فَالنِّصَابُ مِنْهُ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَحَبَّتَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَالِبُ الْوَرِقِ وَرِقٌ لَا عَكْسُهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْوَرِقِ الْفِضَّةَ فَهُوَ فِضَّةٌ وَلَا يَكُونُ عَكْسُهُ فِضَّةً وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْغِشَّ وَإِنَّمَا هُوَ عُرُوضٌ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ وَتَخْلُو عَنْ الْكَثِيرِ فَجَعَلْنَا الْغَلَبَةَ فَاصِلَةً وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى النِّصْفِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ الْفِضَّةَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ فِضَّةٌ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ الْغِشَّ يُنْظَرُ فَإِنْ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لِلتِّجَارَةِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ فِضَّتُهُ تَتَخَلَّصُ تُعْتَبَرُ فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا وَحْدَهَا أَوْ بِالضَّمِّ إلَى غَيْرِهَا لِأَنَّ عَيْنَ الْفِضَّةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةُ التِّجَارَةِ وَلَا الْقِيمَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ لَمْ تَتَخَلَّصْ مِنْهُ فِضَّتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْفِضَّةَ قَدْ هَلَكَتْ فِيهِ إذْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا لَا حَالًا وَلَا مَآلًا فَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلْغِشِّ وَهُوَ عُرُوضٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فَصَارَتْ كَالثِّيَابِ الْمُمَوَّهَةِ بِمَاءِ الذَّهَبِ. فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْفِضَّةِ الْمَغْلُوبَةِ وَبَيْنَ الْغِشِّ الْمَغْلُوبِ حَتَّى اعْتَبَرْتُمْ الْفِضَّةَ الْمَغْلُوبَةَ وَأَجْرَيْتُمْ عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْفِضَّةِ إذَا كَانَتْ تَخْلُصُ مِنْهُ وَلَمْ تَعْتَبِرُوا الْغِشَّ الْمَغْلُوبَ بَلْ جَعَلْتُمْ كُلَّهُ فِضَّةً قُلْنَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفِضَّةَ قَائِمَةٌ فِي كَثِيرِ الْغِشِّ حَقِيقَةً حَالًا بِاللَّوْنِ وَمَآلًا بِالْإِذَابَةِ بِخِلَافِ الْغِشِّ الْمَغْلُوبِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ حَالًا وَلَا يَخْلُصُ مَآلًا بَلْ يَحْتَرِقُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الذَّهَبُ الْمَغْشُوشُ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ حُكْمَهُ يُعْرَفُ بِبَيَانِ حُكْمِ الْفِضَّةِ الْمَغْشُوشَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ وَالْغِشُّ سَوَاءً ذَكَرَ أَبُو النَّصْرِ أَنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ احْتِيَاطًا وَقِيلَ لَا تَجِبُ وَقِيلَ يَجِبُ فِيهَا دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي الْغِطْرِيفِيَّةِ وَالْعَادِلِيَّةِ فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عَدَدًا لِأَنَّ الْغِشَّ فِيهِمَا غَالِبٌ فَصَارَا فُلُوسًا فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ فِيهِ لَا الْوَزْنِ وَالذَّهَبُ الْمَخْلُوطُ بِالْفِضَّةِ إنْ بَلَغَ الذَّهَبُ نِصَابَ الذَّهَبِ وَجَبَتْ فِيهِ زَكَاةُ الذَّهَبِ وَإِنْ بَلَغَتْ الْفِضَّةُ نِصَابَ الْفِضَّةِ وَجَبَتْ فِيهِ زَكَاةُ الْفِضَّةِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ غَالِبَةً وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَغْلُوبَةً فَهُوَ كُلُّهُ ذَهَبٌ لِأَنَّهُ أَعَزُّ وَأَغْلَى قِيمَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي عُرُوضِ تِجَارَةٍ بَلَغَتْ نِصَابَ وَرِقٍ أَوْ ذَهَبٍ) يَعْنِي فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ يَجِبُ رُبُعُ الْعُشْرِ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ نِصَابًا وَيُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْأَنْفَعُ أَيُّهُمَا كَانَ أَنْفَعَ لِلْمَسَاكِينِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا رُبُعُ الْعُشْرِ وَاعْتِبَارُ الْأَنْفَعِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَعْنَاهُ يَقُومُ بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا إنْ كَانَ يَبْلُغُ بِأَحَدِهِمَا وَلَا يَبْلُغَ بِالْآخَرِ احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ وَفِي الْأَصْلِ خَيَّرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مُعَامَلَتِهِمْ فَشَاوَرَ عُمَرُ الصَّحَابَةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ خُذُوا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ فَأَخَذُوا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ ثُلُثَهُ فَبَلَغَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا فَجَعَلَهُ دِرْهَمًا فَجَاءَتْ الْعَشَرَةُ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ قِيرَاطًا وَذَلِكَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ اهـ وَمَا فِي الِاخْتِيَارِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ (قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ) أَيْ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ لِلشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ مَا ذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مِنْ دَرَاهِمَ مَصْرِفِيَّةٍ نَظَرٌ عَلَى مَا اعْتَبَرُوهُ فِي دِرْهَمِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْحَبَّةِ الشَّعِيرَ فَدِرْهَمُ الزَّكَاةِ سَبْعُونَ شَعِيرَةً إذْ كَانَ الْعَشَرَةُ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ الْمِثْقَالُ مِائَةُ شَعِيرَةٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَهُوَ إذَنْ أَصْغَرُ لَا أَكْبَرُ وَإِنْ أَرَادَ بِالْحَبَّةِ أَنَّهُ شَعِيرَتَانِ كَمَا وَقَعَ تَفْسِيرُهَا فِي تَعْرِيفِ السَّجَاوَنْدِيِّ الطَّوِيلُ فَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ إذْ الْوَاقِعُ أَنَّ دِرْهَمَ مِصْرَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ شَعِيرَةً لِأَنَّ كُلَّ رُبُعٍ مِنْهُ مُقَدَّرٌ بِأَرْبَعِ خَرَانِيبَ وَالْخُرْنُوبَةُ مُقَدَّرَةٌ بِأَرْبَعِ قَمْحَاتٍ وَسَطٍ. اهـ. (قَوْله لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَخْلُو إلَخْ) لِأَجْلِ الِانْطِبَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ الْغِشُّ إلَخْ) لِأَنَّ الْغِشَّ فِيهَا مَغْمُورٌ وَيُسْتَهْلَكُ كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْجِيَادِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ قَالَ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا كُلُّهَا الْفِضَّةُ وَمَا يَغْلِبُ فِضَّتُهُ عَلَى غِشِّهِ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الدَّرَاهِمِ مُطْلَقًا وَالشَّرْعُ أَوْجَبَ بِاسْمِ الدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهَا الْغِشُّ وَالْفِضَّةُ فِيهَا مَغْلُوبَةٌ فَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً أَوْ يُمْسِكُهَا لِلتِّجَارَةِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنْ أَدْنَى الدَّرَاهِمِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَهِيَ الَّتِي الْغَالِبُ عَلَيْهَا الْفِضَّةُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا اهـ بَدَائِعُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَائِجَةً وَلَا مُعَدَّةً لِلتِّجَارَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ يَبْلُغُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ بِأَنْ كَانَتْ كَثِيرَةً. اهـ. (قَوْلُهُ لَا حَالًا) أَيْ بِاللَّوْنِ (قَوْلُهُ وَلَا مَآلًا) أَيْ بِالْإِذَابَةِ اهـ (قَوْلُهُ ذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ) أَيْ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَأَبُو نَصْرٍ هَذَا هُوَ الْأَقْطَعُ اهـ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجِبُ فِيهَا دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْيَنَابِيعِ حَكَى لِي هَذَا مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْمُحَقِّقُ فِي الْفَتْحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْوُجُوبِ أَنَّهُ تَجِبُ فِي الْكُلِّ الزَّكَاةُ فَفِي مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ كَأَنَّهَا كُلُّهَا فِضَّةٌ أَلَا تَرَى إلَى تَعْلِيلِهِ بِالِاحْتِيَاطِ وَقَوْلُ النَّفْي مَعْنَاهُ لَا يَجِبُ لِذَلِكَ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى اعْتِبَارِ أَنْ يَخْلُصَ وَعِنْدَهُ مَا يَضُمُّهُ إلَيْهِ فَيَخُصُّهُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا قَوْلَانِ لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ فَحِكَايَةُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ لَيْسَ بِوَاقِعٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي عُرُوضِ تِجَارَةٍ إلَخْ) الْعَرُوضُ جَمْعُ عَرَضٍ بِفَتْحَتَيْنِ حُطَامُ الدُّنْيَا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالصِّحَاحِ وَفِي الصِّحَاحِ وَالْعَرْضُ بِسُكُونِ الرَّاءِ الْمَتَاعُ وَكُلُّ شَيْءٍ فَهُوَ عَرْضُ سِوَى الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعَرُوضُ الْأَمْتِعَةُ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ وَلَا يَكُونُ حَيَوَانًا وَلَا عَقَارًا فَعَلَى هَذَا جَعَلَهَا هُنَا جَمْعَ عَرْضٍ بِالسُّكُونِ أَوْلَى لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْأَمْوَالِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ النَّقْدِ وَالْحَيَوَانَاتِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ غَيْرُ النَّقْدِ وَالْحَيَوَانَاتِ مَمْنُوعٌ بَلْ فِي بَيَانِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ السَّائِمَةَ الْمَنُوبَةَ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ السَّائِمَةِ كَالْإِبِلِ أَوْ لَا كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَالصَّوَابُ اعْتِبَارُهَا هُنَا جَمْعُ عَرْضِ بِالسُّكُونِ عَلَى تَفْسِيرِ الصِّحَاحِ فَيَخْرُجُ

لِأَنَّ الثَّمَنَيْنِ فِي تَقْدِيرِ قِيَمِ الْأَشْيَاءِ بِهِمَا سَوَاءٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِمَا اشْتَرَى إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِمَعْرِفَةِ الْمَالِيَّةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ بِقِيمَتِهِ وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ النُّقُودِ يُقَوِّمُهَا بِالْغَالِبِ مِنْ النُّقُودِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَهْلَكِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَيَقُومُ بِالْمِصْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ يُقَوَّمُ فِي الْمِصْرِ الَّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ لِلتِّجَارَةِ فِي بَلَدٍ آخَرَ يُقَوَّمُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْعَبْدُ وَيُقَوَّمُ بِالْمَضْرُوبَةِ وَقَوْلُهُ فِي عُرُوضِ تِجَارَةٍ لَيْسَ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ وَنَوَاهَا لِلتِّجَارَةِ لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ وَاجِبٌ فِيهَا وَكَذَا إذَا اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ وَزَرَعَهَا أَوْ اشْتَرَى بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهُ وَجَبَ فِيهِ الزَّكَاةُ بِخِلَافِ الْخَرَاجِيَّةِ حَيْثُ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ فَيَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَقِيقَةُ الزَّرْعِ وَلَا كَذَلِكَ الْعُشْرُ وَالْأَعْيَانُ الَّتِي تَشْتَرِيهَا الْأُجَرَاءُ لِيَعْمَلُوا بِهَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ إذَا كَانَ لَهَا أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالصِّبْغِ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهُمْ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فِي حُكْمِ الْعِوَضِ عَنْ الْعَيْنِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يُوَفِّيَهُ الْأَجْرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ لَا تُجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ كَالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَذَا حَطَبُ الْخَبَّازِ وَالدُّهْنُ لِلدَّبَّاغِ بِخِلَافِ السِّمْسِمِ الَّذِي يَشْتَرِيهِ الْخَبَّازُ لِيَجْعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْخُبْزِ فَإِنَّهُ عَيْنٌ بَاقِيَةٍ يَبِيعُهُ مَعَ الْخُبْزِ فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُقْصَانُ النِّصَابِ فِي الْحَوْلِ لَا يَضُرُّ إنْ كَمُلَ فِي طَرَفَيْهِ) أَيْ إذَا كَانَ النِّصَابُ كَامِلًا فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ وَانْتِهَائِهِ فَنُقْصَانُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُسْقِطُهَا لِأَنَّ حَوَلَانَ الْحَوْلِ عَلَى النِّصَابِ كَامِلًا شَرْطُ الْوُجُوبِ بِالنَّصِّ وَلَمْ يُوجَدْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي السَّائِمَةِ مِثْلَ قَوْلِ زُفَرَ وَفِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ يُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ خَاصَّةً لِأَنَّ النِّصَابَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَيَشُقُّ عَلَى صَاحِبِهِ تَقْوِيمُهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ لِأَنَّ الْقِيمَةَ بِاعْتِبَارِ رَغَبَاتِ النَّاسِ فَيَعْسُرُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ رَغْبَتِهِمْ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَفِي آخِرِهِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَالزَّكَاةُ لَا تَجِبُ إلَّا فِي النِّصَابِ بِالنَّصِّ وَلَنَا أَنَّ الْحَوْلَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا عَلَى النِّصَابِ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا فِي النِّصَابِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِيهِمَا وَيَسْقُطُ الْكَمَالُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لِلْحَرَجِ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَبْقَى الْمَالُ حَوْلًا عَلَى حَالِهِ وَنَظِيرُهُ الْيَمِينُ حَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْمِلْكُ حَالَةَ الِانْعِقَادِ وَحَالَةَ نُزُولِ الْجَزَاءِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ النِّصَابِ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ لِيَضُمَّ الْمُسْتَفَادَ إلَيْهِ لِأَنَّ هَلَاكَ الْكُلِّ يُبْطِلُ انْعِقَادَ الْحَوْلِ إذْ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِدُونِ الْمَالِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا اشْتَرَى عَصِيرًا لِلتِّجَارَةِ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَتَخَمَّرَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ثُمَّ تَخَلَّلَ وَالْخَلُّ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يُسْتَأْنَفُ الْحَوْلُ لِلْخَلِّ وَبَطَلَ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَلَوْ اشْتَرَى شِيَاهًا تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَمَاتَتْ كُلُّهَا وَدُبِغَ جِلْدُهَا وَصَارَ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَا يَبْطُلُ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ بَلْ يُزَكِّيهَا إذَا تَمَّ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْخَمْرَ إذَا تَخَمَّرَتْ هَلَكَتْ كُلُّهَا وَصَارَتْ غَيْرَ مَالٍ فَانْقَطَعَ الْحَوْلُ ثُمَّ بِالتَّخَلُّلِ صَارَ مَالًا مُسْتَحْدَثًا غَيْرَ الْأَوَّلِ وَالشِّيَاهُ إذَا مَاتَتْ لَمْ يَهْلَكْ كُلُّ الْمَالِ لِأَنَّ شَعْرَهَا وَصُوفَهَا وَقَرْنَهَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا فَلَمْ يَبْطُلْ الْحَوْلُ لِبَقَاءِ الْبَعْضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ إلَى الثَّمَنَيْنِ وَالذَّهَبِ إلَى الْفِضَّةِ قِيمَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQالنُّقُودُ فَقَطْ لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ وَإِيَّاهُ عَنَى فِي النِّهَايَةِ بِقَوْلِهِ هَذَا فَإِنَّهُ فَرَّعَ عَلَيْهِ إخْرَاجَ الْحَيَوَانِ. اهـ. فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقَوِّمُهَا إلَخْ) رَوَاهُ عَنْهُ مُحَمَّدٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَعَنْهُ التَّخْيِيرُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ اهـ (قَوْلُهُ بِمَا اشْتَرَى) أَيْ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ يُقَوِّمُهَا بِالْغَالِبِ مِنْ النُّقُودِ) كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِالنَّقْدِ) رَوَاهُ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ) أَيْ اعْتِبَارًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِحُقُوقِ الْعِبَادِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ) أَيْ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ مَعَ الْعُشْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ إلَخْ) لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْأَجِيرُ هُوَ بِإِزَاءِ عَمَلِهِ لَا بِإِزَاءِ تِلْكَ الْأَعْيَانِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ إلَخْ) أَيْ وَالْقَلْي وَالْعَفْصِ. اهـ. غَايَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَاكِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَشَى فِي الدِّرَايَةِ عَلَى أَنَّ الْعَفْصَ وَالدُّهْنَ لِدَبْغِ الْجِلْدِ مَنْ قَبِيلِ مَالَهُ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَأَوْجَبَ فِيهِ الزَّكَاةَ وَعَزَى ذَلِكَ إلَى فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَكَذَا حَطْبُ الْخَبَّازِ) أَيْ وَالْمِلْحُ لِلْخُبْزِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالدُّهْنُ لِلدَّبَّاغِ) أَيْ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى فُلُوسًا لِلنَّفَقَةِ لِأَنَّهَا صُفْرٌ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إنْ كَمَّلَ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ كَمَّلَ الشَّيْءَ كُمُولًا مِنْ بَابِ قَعَدَ وَالِاسْمُ الْكَمَالُ وَكَمَّلَ مِنْ أَبْوَابِ قَرَّبَ وَضَرَبَ وَتَعِبَ لُغَاتٌ لَكِنَّ بَابَ تَعِبَ أَرْدَؤُهَا كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ وَانْتِهَائِهِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ النِّصَابِ إلَخْ) حَتَّى لَوْ بَقِيَ دِرْهَمٌ أَوْ فَلَسٌ مِنْهُ ثُمَّ اسْتَفَادَ قَبْلَ فَرَاغِ الْحَوْلِ حَتَّى تَمَّ عَلَى نِصَابِ زَكَاةٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِيَضُمَّ الْمُسْتَفَادَ إلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ خَاتَمُ فِضَّةٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ هَلَاكَ الْكُلِّ يُبْطِلُ انْعِقَادَ الْحَوْلِ) أَيْ وَجَعَلَ السَّائِمَةَ عَلُوفَةً كَهَلَاكِ الْكُلِّ لِوُرُودِ الْمُغَيِّرِ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ النُّقْصَانِ فِي الذَّاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَبْطُلْ الْحَوْلُ لِبَقَاءِ الْبَعْضِ) إلَّا أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ مَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ اشْتَرَى عَصِيرًا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَتَخَمَّرَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلِمَا مَضَتْ سَبْعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا صَارَ خَلًّا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَتَمَّتْ السَّنَةُ كَانَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ عَادَ لِلتِّجَارَةِ كَمَا

أَيْ تُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ إلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ فَيَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ لِأَنَّ الْكُلَّ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهَا لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْأَعْدَادِ وَوُجُوبِ الزَّكَاةِ بِاعْتِبَارِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ حَقِيقَةً بِالْمُشَاهَدَةِ وَحُكْمًا حَتَّى لَا يَجْرِيَ الرِّبَا بَيْنَهُمَا فَصَارَا كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِخِلَافِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ حَيْثُ تُضَمُّ إلَيْهِمَا لِأَنَّ زَكَاتَهَا زَكَاةُ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ لِأَنَّ وُجُوبَهَا فِي الْعُرُوضِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَهِيَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَأَمَّا وُجُوبُهَا فِي النَّقْدَيْنِ فَبِاعْتِبَارِ عَيْنِهِمَا لَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ بِدَلَالَةِ حَالَةِ الِانْفِرَادِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّهُ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يُضَمَّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ وَالسُّنَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ بِاعْتِبَارَيْنِ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِمَا بِوُجُودِهِمَا فِي مِلْكِهِ وَلَا تُعْتَبَرُ جِهَةُ إمْسَاكِهِ لِمَاذَا يُمْسِكُهَا لِكَوْنِهِمَا لِلتِّجَارَةِ خِلْقَةً وَبِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ. وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَّفِقُ لِغَيْرِهِمَا مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَنَحْوِهِمَا وَاَلَّذِي يُحَقِّقُ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ نِصَابَ أَحَدِهِمَا يَكْمُلُ بِمَا يَكْمُلُ بِهِ نِصَابُ الْآخَرِ وَهُوَ عُرُوضُ التِّجَارَةِ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنْسُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَيُضَمُّ إلَيْهِمَا ثُمَّ لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا مِنْ جِنْسِ الْآخَرِ وَهَذَا خُلْفٌ وَإِنَّمَا لَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِهِمَا صُورَةً وَاسْتِدْلَالُهُ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الْقِيمَةَ اُعْتُبِرَتْ لِلضَّمِّ وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِغَيْرِهِ فَقَطْ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمَا يُضَمُّ إلَى الْآخَرِ بِالْقِيمَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُضَمُّ بِالْأَجْزَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ وَفِي الْغَايَةِ نَصَّ الْقُدُورِيِّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ حُكْمَ الْحَوْلِ لَا يَنْقَطِعُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَصِيرِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا وَقِيلَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ الْحَوْلَ لَا يَنْقَطِعُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَصِيرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا اهـ قَوْلُهُ لَا يَنْقَطِعُ أَيْ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَنَا. اهـ. كَاكِيٌّ 1 - (فَرْعٌ) فِي الْمُجْتَبَى الدَّيْنُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْحَوْلِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا وَقَالَ زُفَرُ يَقْطَعُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَضُمُّ قِيمَةَ الْعُرُوضِ إلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) أَيْ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ اهـ كَيْ (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْأَعْدَادِ) أَيْ فَالثَّمَنَانِ لِلتِّجَارَةِ وَضْعًا وَالْعُرُوضُ جَعْلًا. اهـ. بُكَيْر (قَوْلُهُ بِدَلَالَةِ حَالَةِ الِانْفِرَادِ) أَيْ فَإِنَّ النِّصَابَ لَا يَكْمُلُ بِالْقِيمَةِ بَلْ يَكْمُلُ بِالْوَزْنِ كَثُرَتْ الْقِيمَةُ أَوْ قَلَّتْ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ بُكَيْر) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ مَشَايِخُنَا عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَاقَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَضُمَّ الذَّهَبَ إلَخْ) ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرُهُمَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ اهـ غَايَةٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَحُكْمُ مِثْلُ هَذَا الرَّفْعُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ سُنَّةَ الصَّحَابَةِ فَهِيَ حُجَّةٌ لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي نَفَقَاتِ الْمَبْتُوتَةِ مَا يُوَافِقُهُ وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ مَا يُخَالِفُهُ قَالَ الْكَافِي فِي شَرْحِ الْمَنَارِ إذَا قَالَ الرَّاوِي مِنْ السُّنَّةِ كَذَا فَعِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يُحْمَلُ عَلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أُمِرْنَا بِكَذَا أَوْ نُهِينَا عَنْ كَذَا اهـ (قَوْلُهُ لِمَاذَا يَمْسِكُهُمَا) أَيْ لِلنَّمَاءِ أَوْ لِلنَّفَقَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يُحَقِّقُ هَذَا الْمَعْنَى إلَخْ) فَكَذَا يُكْمِلُ نِصَابَ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ وَإِذَا جَازَ تَكْمِيلُ نِصَابِ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ بِالضَّمِّ إلَى الثَّوْبِ أَوْ الْعَبْدِ بِالْقِيمَةِ فَإِلَى أَحَدِهِمَا أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِهِمَا صُورَةً) أَيْ فَحِينَئِذٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا إلَّا أَحَدُ وَصْفَيْ الرِّبَا وَهُوَ الْوَزْنُ فَكَانَتْ شُبْهَةُ الْعِلَّةِ لَا حَقِيقَتُهَا فَيَثْبُتُ شُبْهَةَ الْفَضْلِ وَهُوَ رِبَا النَّسِيئَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ أَيْضًا وَيُرَدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ هُنَا سُؤَالٌ فَإِنَّهُ لَا يَرَى ضَمَّ ثَمَنِ السَّوَائِمِ الَّتِي زُكِّيَتْ إلَى مَا مَعَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَيَكْتَفِي بِحَوْلِهَا لِأَجْلِ الثَّنْي فِي الصَّدَقَةِ وَأَوْجَبَ ضَمَّ ثَمَنَ الْعَبْدِ الَّذِي أَدَّى صَدَقَةَ فِطْرِهِ إلَى مَا مَعَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ تَجِبُ عَنْ عَبْدِ الْخِدْمَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ حَتَّى وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَمِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْحَوْلِ حَتَّى لَوْ مَلَكَ عَبْدًا قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ الْفِطْرِ تَجِبُ فِطْرَتُهُ فَإِذَا اخْتَلَفَ السَّبَبُ كَيْفَ يُؤَدِّي إلَى الشَّيْءِ وَاَلَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ أَنَّا لَوْ أَخَذْنَا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ عَبِيدِ التِّجَارَةِ لَأَخَذْنَا عَنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ صَدَقَتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ صَدَقَةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ ضَمِّ ثَمَنِهِ فَإِنَّ الْأَخْذَ مِنْ بَدَلِهِ وَصَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ عَيْنِهِ مَعَ اخْتِلَافِ السَّبَبِ وَفِي ثَمَنِ الْإِبِلِ الْمُزَكَّاةِ الْبَدَلُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُبْدَلِ لِاتِّحَادِ جِهَةِ الزَّكَاةِ وَالسَّبَبِ فَافْتَرَقَا. اهـ. (قَوْلُهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا) أَيْ وَمَالِكٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ يَضُمُّ بِالْأَجْزَاءِ) وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ ذَكَرَهَا فِي الْمُفِيدِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ عَلَى هَذَا الْمَحَلِّ مَا نَصُّهُ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ وَالْيَنَابِيعِ وَالتُّحْفَةِ وَالْغُنْيَةِ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ تُسَاوِي مِائَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَعِنْدَهُ تَجِبُ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ بِالْأَجْزَاءِ نِصَابًا تَامًّا فَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبُعُ عُشْرِهِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِيهِمَا دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا وَرُبُعُ دِينَارٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَجِبُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عَلَى قَوْلِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَشَرَةِ أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَدْ اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْيَنَابِيعِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ إذَا قُوِّمَتْ بِالدَّنَانِيرِ تَبْلُغُ نِصَابًا مِنْ الذَّهَبِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِرْهَمًا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ سَوَاءٌ كَانَ الضَّمُّ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِالْأَجْزَاءِ وَكَذَا فِي التُّحْفَةِ وَالْغُنْيَةِ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ وَغَيْرُهُ

[باب العاشر]

حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَعَكْسُهُ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا لَا تَبْلُغُ مِائَةَ دِرْهَمٍ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عِنْدَهُمَا وَلَا تَجِبُ عِنْدَهُ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ لَا تَبْلُغُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَالْمِائَةُ تَبْلُغُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ ضَرُورَةً لَهُمَا أَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي عَيْنِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْوَزْنُ بِدَلَالَةِ حَالِ الِانْفِرَادِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ إبْرِيقُ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَقِيمَتُهُ مِائَتَانِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَهُ أَنَّ الضَّمَّ لِلْمُجَانَسَةِ وَهِيَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ لَا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا صَارَا جِنْسًا وَاحِدًا فِي كَوْنِهِمَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ فَيُضَمَّانِ بِهِ بِخِلَافِ حَالَةِ الِانْفِرَادِ لِمَا ذَكَرْنَا وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ فِضَّةٌ وَعُرُوضٌ أَوْ ذَهَبٌ وَعُرُوضٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُقَوِّمَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَيَضُمُّ قِيمَتَهُ إلَى قِيمَةِ الْعُرُوضِ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقَوِّمُ الْعُرُوضَ بِهِ وَيَضُمُّ قِيمَتَهُ إلَيْهِمَا بِالْأَجْزَاءِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَوِّمَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لِمَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (بَابُ الْعَاشِرِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ مَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ التُّجَّارِ) مَأْخُوذٌ مِنْ عَشَرْت الْقَوْمَ أَعْشُرُهُمْ إذَا أَخَذْت عُشْرَ أَمْوَالِهِمْ وَإِنَّمَا يَنْصِبُهُ لِيُؤَمِّن التُّجَّارَ مِنْ اللُّصُوصِ وَيَحْمِيَهُمْ مِنْهُمْ فَيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ الْأَمْوَالِ لِأَنَّ الْجِبَايَةَ بِالْحِمَايَةِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ لِأَنَّ الْكُلَّ يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ فِي الْفَيَافِي فَصَارَتْ ظَاهِرَةً وَالْأَخْذُ يَحْمِلُهُ عَلَى الْحِمَايَةِ فَيُشْرَعُ. وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّ الْعَاشِرِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ أَمْوَالَ النَّاسِ ظُلْمًا كَمَا يَفْعَلُهُ الظَّلَمَةُ الْيَوْمَ وَأَمَّا أَخْذُ الصَّدَقَاتِ فَإِلَى الْإِمَامِ كَذَا كَانَ فِي أَيَّامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَفَوَّضَ عُثْمَانُ إلَى أَرْبَابِهَا فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ إذَا لَمْ يَمُرَّ بِهَا عَلَى الْعَاشِرِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ فَقَالَ لَهُ أَتَسْتَعْمِلُنِي عَلَى الْمَكْسِ مِنْ عَمَلِك فَقَالَ أَفَلَا تَرْضَى أَنْ أُقَلِّدَك مَا قَلَّدَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَى الضَّمِّ بِالْأَجْزَاءِ أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ نِصَابٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى قِيمَتِهَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا نِصْفٌ وَرُبُعٌ وَمِنْ الْآخَرِ رُبُعٌ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا نِصْفٌ وَرُبُعٌ وَثُمُنٌ وَمِنْ الْآخَرِ ثُمُنٌ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَخْ) أَيْ لِكَمَالِ النِّصَابِ بِالْقِيمَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ لِأَنَّهُ مَلَكَ نِصْفَ نِصَابِ الدَّرَاهِمِ وَرُبُعَ نِصَابِ الدَّنَانِيرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عِنْدَهُمَا وَلَا تَجِبُ عِنْدَهُ) مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا تَجِبُ عِنْدَهُ أَيْ فِي نِصَابِ الْفِضَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ لَمْ تَبْلُغْ نِصَابًا وَأَمَّا فِي نِصَابِ الذَّهَبِ فَوَاجِبَةٌ عِنْدَهُ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ) (قُلْت) لَكِنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَالْمِائَةُ تَبْلُغُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ) قَالَ فِي الْغَايَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيمَا يُؤَدِّي فَرَوَى ابْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُؤَدِّي مِنْ الْمِائَةِ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا وَمِنْ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ رُبُعَ مِثْقَالٍ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمُعَادَلَةِ وَالنَّظَرِ إلَى الْجَانِبَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقُومُ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ فَتُؤَدَّى الزَّكَاةُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى نُصُوصِ الزَّكَاةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْوَزْنُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْجَوَابِ عَمَّا اُسْتُدِلَّا بِهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَصُوغِ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ شَرْعًا هُوَ الْقَدْرُ فَقَطْ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيمَةَ فِيهِمَا إنَّمَا تَظْهَرُ إذَا قُوبِلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَعِنْدَ الضَّمِّ لِمَا قُلْنَا أَنَّهُ بِالْمُجَانَسَةِ وَهِيَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ انْفِرَادِ الْمَصُوغِ حَتَّى لَوْ وَجَبَ تَقْوِيمُهُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ بِأَنْ اسْتَهْلَكَ قَوْمٌ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَظَهَرَتْ قِيمَةُ الصِّيغَةِ وَالْجَوْدَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصِّيغَةَ سَاقَطَتَا الِاعْتِبَارَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ إبْرِيقُ فِضَّةٍ إلَخْ) وَقِيمَتُهُ مِائَتَانِ لِلنَّقْشِ وَالصِّيَاغَةِ (قَوْلُهُ وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَنْ عِنْدَهُ حِنْطَةٌ لِلتِّجَارَةِ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. [بَابُ الْعَاشِرِ] (بَابُ الْعَاشِرِ) أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَمَّا قَبْلَهُ لِتَمَحُّضِ مَا قَبْلَهُ فِي الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّ الْمُرَادَ بَابُ مَا يُؤْخَذُ مِمَّنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ وَذَلِكَ يَكُونُ زَكَاةً كَالْمَأْخُوذِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهَا كَالْمَأْخُوذِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ وَلَمَّا كَانَ فِيهِ الْعِبَادَةُ قَدَّمَهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ الْخُمُسِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ) تَغْلِيبٌ لِاسْمِ الْعِبَادَةِ عَلَى غَيْرِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مِنْ عَشَّرْت الْقَوْمَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَمِنْهُ الْعَاشِرُ وَالْعَشَّارُ وَأُعَشِّرُهُمْ بِالْكَسْرِ عَشْرًا بِالْفَتْحِ إذَا صِرْت عَاشِرَهُمْ وَعَاشِرُ الْعَشَرَةِ أَحَدُهُمْ وَعَاشِرُ التِّسْعَةِ إذَا صَيَّرَ التِّسْعَةَ عَشْرَةً بِنَفْسِهِ فَمِنْ الْأَوَّلِ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ بِالْإِضَافَةِ لَا غَيْرُ وَمِنْ الثَّانِي ثَالِثُ اثْنَيْنِ إنْ شِئْت أَضَفْت وَإِنْ شِئْت نَصَبْت وَأَعْمَلْت ثَالِثًا وَتَسْمِيَةِ آخِذِ رُبُعِ الْعُشْرِ عَاشِرًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُشْرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَعْشُرُهُمْ) هُوَ بِضَمِّ الشِّينِ عُشْرًا بِضَمِّ الْعَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَمَنْ قَالَ لَمْ يَتِمَّ الْحَوْلُ أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ أَوْ أَدَّيْت أَنَا أَوْ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَحَلَفَ صُدِّقَ إلَّا فِي السَّوَائِمِ فِي دَفْعِهِ بِنَفْسِهِ) أَيْ مَنْ قَالَ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ لَمْ يَتِمَّ عَلَى مَالِي الْحَوْلُ أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ أَوْ أَدَّيْت أَنَا بِنَفْسِي إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ أَوْ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَحَلَفَ صُدِّقَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَانِعَةٌ مِنْ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْحَوْلَ وَالْفَرَاغَ مِنْ الدَّيْنِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَهُوَ بِدَعْوَاهُ إيَّاهُمَا مُنْكِرٌ لِلْوُجُوبِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَبِدَعْوَاهُ الْأَدَاءَ إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ مُدَّعٍ لِوَضْعِ الْأَمَانَةِ مَوْضِعَهَا فَيُصَدَّقُ إذْ قَوْلُ الْأَمِينِ مَقْبُولٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ ثَانِيًا وَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ وَلَا يَمِينَ فِي الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَهُ مُكَذِّبٌ فَيَحْلِفُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ وَقَوْلُهُ أَوْ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ مَعْطُوفٌ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَتَقْدِيرُهُ أَدَّيْت أَنَا إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ أَوْ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَقَوْلُهُ إلَّا فِي السَّوَائِمِ فِي دَفْعِهِ بِنَفْسِهِ أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي السَّوَائِمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَهُوَ مَا إذَا قَالَ أَدَّيْت أَنَا زَكَاتَهُ فِي الْمِصْرِ وَيُصَدَّقُ فِي بَاقِي الصُّوَرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَدَّقُ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَيَجُوزُ كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيلِ إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلْإِمَامِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ كَمَا فِي الْجِزْيَةِ وَالدَّيْنِ لِلصَّغِيرِ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَدِينُ فَإِنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْخُذَهُ ثَانِيًا بِخِلَافِ دَفْعِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ لِلْمُوَكِّلِ حَقُّ الْأَخْذِ وَلِهَذَا لَوْ امْتَنَعَ الْوَكِيلُ مِنْ قَبْضِ الثَّمَنِ أُجْبِرَ عَلَى إحَالَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يُصَدَّقُ أَيْ لَا يُجْتَزَأُ بِمَا أَدَّاهُ بَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا وَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ بِأَدَائِهِ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَكُونُ هُوَ الزَّكَاةَ وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا إذَا أَدَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ وَالْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِثْلُ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنَا أَدَّيْت زَكَاتَهَا بَعْدَمَا أَخْرَجْتُهَا مِنْ الْمَدِينَةِ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهَا بِالْإِخْرَاجِ الْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ فَكَانَ الْأَخْذُ فِيهَا لِلْإِمَامِ وَإِنَّمَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ أَدَّيْتهَا إلَى عَاشِرٍ آخَرَ إذَا كَانَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٌ آخَرُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْمُخْتَصَرِ إخْرَاجُ الْبَرَاءَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَا يَكُونُ عَلَامَةً وَشَرْطُهُ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِذَلِكَ فَكَانَ مِنْ عَلَامَةِ صِدْقِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ هَذَا الْمَالُ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ أَوْ مَا هُوَ لِي وَإِنَّمَا هُوَ وَدِيعَةٌ أَوْ بِضَاعَةٌ أَوْ مُضَارَبَةٌ أَوْ أَنَا أَجِيرٌ فِيهِ أَوْ أَنَا مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَمَنْ قَالَ لَمْ يَتِمَّ الْحَوْلُ أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ) أُرِيدَ بِهِ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ الْعِبَادِ إذْ هُوَ الْمَانِعُ وَقَوْلُهُ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَالٌ آخَرُ مِنْ جِنْسِ هَذَا الْمَالِ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ لِأَنَّ مُرُورَ الْحَوْلِ عَلَى الْمُسْتَفَادِ لَيْسَ بِشَرْطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ كَافِي قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ قَوْلَهُ عَلَيَّ دَيْنٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَاشِرَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَدْرِ الدَّيْنِ فَإِنْ أَخْبَرَ بِمَا يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ فَحِينَئِذٍ يُصَدِّقُهُ وَإِلَّا فَلَا اهـ كَلَامُ صَاحِبِ الْحَوَاشِي (قُلْت) فَإِنْ أَخْبَرَ بِمَا يَنْقُصُ عَنْ النِّصَابِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ إذْ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ زَكَاةً حَتَّى يَشْتَرِطَ شَرَائِطَ الزَّكَاةِ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ لِلْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ فِي الْعِبَادَاتِ) أَيْ كَمَنْ قَالَ صُمْت وَصَلَّيْت صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الْمِصْرِ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى إلَى الْفُقَرَاءِ بَعْدَ خُرُوجِهِ إلَى السَّفَرِ لَمْ يَسْقُطْ أَخْذُ حَقِّ الْعَاشِرِ كَمَا سَيَجِيءُ بَعْدَ أَسْطُرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي السَّوَائِمِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَإِنْ حَلَفَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُوَكِّلِ) أَيْ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُشْتَرِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلْإِمَامِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خُذْ مِنْ الْإِبِلِ الْإِبِلَ». اهـ. كَافِي وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُمْكِنُ أَنْ يَضْمَنَ مَنْعَ كَوْنِهِ أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى الْمُسْتَحَقِّ بَلْ الْمُسْتَحَقُّ وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِمَامَ مُسْتَحِقُّ الْأَخْذِ وَالْفَقِيرُ مُسْتَحِقُّ التَّمَلُّكِ وَالِانْتِفَاعِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هُنَاكَ مُسْتَحَقَّيْنِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَبْرُ الْحَقِّ الَّذِي فَوَّتَهُ لَيْسَ إلَّا بِإِعَادَةِ الدَّفْعِ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ دَفْعِهِ) أَيْ دَفْعِ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُوَكِّلِ اهـ وَاَلَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِخِلَافِ دَفْعِ الْوَكِيلِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ بِأَدَائِهِ إلَى آخِرِهِ) وَكَذَا لَا يَبْرَأُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْفَقِيرِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا. اهـ. غَايَةٌ وَفِي جَامِعِ أَبِي الْيُسْرِ وَلَوْ أَجَازَ الْإِمَامُ إعْطَاءَهُ لَا يَكُونُ بِهِ بَأْسٌ لِأَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يُعْطِيَ الْفَقِيرَ بِنَفْسِهِ جَازَ فَكَذَا إذَا أَجَازَ بَعْدَ الْإِعْطَاءِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا إلَى آخِرِهِ) وَقِيلَ الزَّكَاةُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سِيَاسَةٌ وَالْمَفْهُومُ مِنْ السِّيَاسَةِ هُنَا كَوْنُ الْأَخْذِ لِيَنْزَجِرَ عَنْ ارْتِكَابِ تَفْوِيتِ حَقِّ الْإِمَامِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَوْنُ الزَّكَاةِ فِي صُورَةِ الْمُرُورِ مَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَيَدْفَعُهُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي السَّابِقِ وَوُجِدَ فِي اللَّاحِقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا أَدَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ) أَيْ بِجَامِعِ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ بَعْدَ الْأَدَاءِ بِفِعْلِ الثَّانِي مَعَ امْتِنَاعِ تَعَدُّدِ الْفَرْضِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْمُخْتَصَرِ إخْرَاجُ الْبَرَاءَةِ) أَيْ الْخَطِّ مِنْ الْعَاشِرِ الْآخَرِ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا. (قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. كَافِي وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ عَسَى لَا تَبْقَى وَقَدْ لَا يَأْخُذُهَا صَاحِبُ السَّائِمَةِ غَفْلَةً. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ) أَيْ وَقَدْ يُزَوِّرُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَشَرْطُهُ إلَخْ) ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَشْتَرِطُ إخْرَاجَ الْبَرَاءَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ الْيَمِينُ مَعَهَا قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْأَصْلِ) أَيْ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. هِدَايَةٌ

فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ شَيْءٍ صُدِّقَ فِيهِ الْمُسْلِمُ صُدِّقَ فِيهِ الذِّمِّيُّ) لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهُ تَحْقِيقًا لِلتَّضْعِيفِ كَمَا قُلْنَا فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَقَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ صُدِّقَ فِيهِ الْمُسْلِمُ صُدِّقَ فِيهِ الذِّمِّيُّ لَا يُمْكِنُ إجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ جِزْيَةٌ وَفِي الْجِزْيَةِ لَا يُصَدَّقُ إذَا قَالَ أَدَّيْتهَا أَنَا لِأَنَّ فُقَرَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَيْسُوا بِمَصَارِفَ لِهَذَا الْحَقِّ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الصَّرْفِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَهُوَ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْحَرْبِيُّ إلَّا فِي أُمِّ وَلَدِهِ) أَيْ لَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ جَوَارٍ فَقَالَ هُنَّ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِيهِ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْحِمَايَةِ وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ شَرَائِطُ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ عَلَيَّ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ يُوجِبُ نَقْصًا فِي الْمِلْكِ وَمِلْكُ الْحَرْبِيِّ نَاقِصٌ وَإِنْ قَالَ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَالْأَخْذُ مِنْهُ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ الْحَوْلِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقِيمَ فِي دَارِنَا حَوْلًا إلَّا بِاسْتِرْقَاقٍ أَوْ وَضْعِ جِزْيَةٍ وَإِنْ قَالَ لَيْسَ هَذَا الْمَالُ لِلتِّجَارَةِ وَهُوَ مَا دَخَلَ إلَّا بِقَصْدِ التِّجَارَةِ وَلِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لَيْسَ بِزَكَاةٍ وَلَا ضِعْفِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرَائِطُهَا وَإِنْ ادَّعَى بِضَاعَةً أَوْ نَحْوَهَا فَلَا حُرْمَةَ لِصَاحِبِهَا وَلَا أَمَانَ وَإِنَّمَا الْأَمَانُ لِلَّذِي فِي يَدِهِ غَيْرَ أَنَّ إقْرَارَهُ بِنَسَبِ مَنْ فِي يَدِهِ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ غِلْمَانٌ فَقَالَ هُمْ أَوْلَادِي صَحَّ وَلَزِمَهُ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا يَثْبُتُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَثْبُتُ تَبَعًا لِلنَّسَبِ فَتَثْبُتُ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّهَا تَنْبَنِي عَلَى النَّسَبِ فَإِذَا ثَبَتَ انْعَدَمَتْ الْمَالِيَّةُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ هُمْ مُدَبَّرُونَ حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَصِحُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَوْلُهُ لَا الْحَرْبِيُّ إلَّا فِي أُمِّ وَلَدِهِ يَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِهِ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهُ) أَيْ مِنْ الْحَوْلِ وَالنِّصَابِ وَالْفَرَاغِ مِنْ الدَّيْنِ وَكَوْنِهِ لِلتِّجَارَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ تَحْقِيقًا لِلتَّضْعِيفِ) فَإِنَّ تَضْعِيفَ الشَّيْءِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ وَإِلَّا كَانَ تَبْدِيلًا لَكِنْ بَقِيَ أَنَّهُ أَيْ دَاعٍ إلَى اعْتِبَارِهِ تَضْعِيفًا لَا ابْتِدَاءَ وَظِيفَةٍ عِنْدَ دُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَبَنُو تَغْلِبَ رُوعِيَ فِيهِمْ ذَلِكَ لِوُقُوعِ الصُّلْحِ عَلَيْهِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي صَخْرَةَ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى عَيْنِ التَّمْرِ مُصَدِّقًا فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا بِهَا لِلتِّجَارَةِ رُبُعَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ وَكَذَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ وَغَيْرِهِ وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ وَهُوَ أَنَّهُ أَحْوَجَ إلَى الْحِمَايَةِ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُهُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ أَخَذَ مِنْهُ أَكْثَرَ وَاخْتِيرَ مِثْلَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّ بَاقِي هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ قَوْلُهُمْ وَالْحَرْبِيُّ مِنْ الذِّمِّيِّ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ مِنْ الْمُسْلِمِ أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَةَ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ وَلَهُ جَائِزَةٌ كَشَهَادَةٍ الْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ لَمْ يُوجِبْ اعْتِبَارَ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّ فَلَوْ اقْتَضَى هَذَا الْمَعْنَى اعْتِبَارَهُ تَضْعِيفَ عَيْنِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الذِّمِّيِّ لَزِمَ مُرَاعَاتُهَا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ صُدِّقَ فِيهِ الْمُسْلِمُ صُدِّقَ فِيهِ الذِّمِّيُّ لَا يُمْكِنُ إجْرَاؤُهُ إلَخْ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ لِلْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا قَالَ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ أَدَّيْتهَا إلَى عَاشِرٍ غَيْرِك أَوْ دَفْعَتُهَا إلَى الْمَسَاكِينِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. اهـ. (قُلْت) قَوْلُ أَصْحَابِنَا مَا يُصَدَّقُ فِيهِ الْمُسْلِمُ يُصَدَّقُ فِيهِ الذِّمِّيُّ لَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا قَالَ الذِّمِّيّ دَفَعَتْهَا إلَى الْمَسَاكِين كَمَا ذَكَره شَارِح الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّ مَسَاكِين أَهْلِ الذِّمَّةِ لَيْسُوا مَصَارِف مَا يُؤْخَذ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ بَنِي تَغْلِبَ الَّذِينَ قَالُوا لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خُذْ مِنَّا ضِعْفَ مَا تَأْخُذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَسَمَّهَا زَكَاة فَأَخَذَهُ عُمَرُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّ الزَّكَاة لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ وَلِهَذَا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ يُوَضِّعُ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ وَلَا يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَكَيْفَ يُقْبَلُ قَوْلُ الذِّمِّيِّ دَفَعْتهَا إلَى الْمَسَاكِينَ بِنَفْسِي وَالْمَسَاكِينُ لَيْسُوا مِنْ مَصَارِفِ هَذَا الْمَالِ وَالذِّمِّيُّ غَيْرُ التَّغْلِبِيِّ أَبْعَدُ إذْ لَيْسَ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شُبْهَةُ الزَّكَاةِ بَلْ هُوَ مَالٌ يُؤْخَذُ بِحِمَايَةِ الْإِمَامِ اهـ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَأْخُوذٌ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ جِزْيَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ لَيْسَ بِجِزْيَةٍ قَالَ قِوَامُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ جِزْيَةُ رُءُوسِهِمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ غَيْرَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فَإِنَّ عُمَرَ صَالَحَهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ مُضَاعَفَةً مَكَانَ الْجِزْيَةِ فَإِذَا أَخَذَ الْعَاشِرُ مِنْهُمْ سَقَطَتْ الْجِزْيَةُ اهـ وَقَدْ يُقَالُ قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ جِزْيَةٌ أَيْ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ لَا أَنَّهُ يُجْتَزَأُ بِهِ عَنْ الْجِزْيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الْحَرْبِيُّ إلَّا فِي أُمِّ وَلَدِهِ إلَخْ) وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ هَؤُلَاءِ بَنِيَّ وَمِثْلُهُمْ لَا يُولَدُونَ لَهُ يُعْتَقُونَ وَيُعْشَرُونَ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْعِتْقِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ مِثْلُهُمْ يُولَدُونَ لَهُ لَا يُعْشَرُونَ لِثُبُوتِ نَسَبِهِمْ مِنْهُ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ أَيْ لَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ إلَّا فِي الْجَوَارِي قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعِبَارَةُ الْجَيِّدَةُ أَنْ يُقَالَ وَلَا يُلْتَفَتُ أَوْ وَلَا يُتْرَكُ الْأَخْذُ مِنْهُ لَا وَلَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ لَوْ صُدِّقَ بِأَنْ ثَبَتَ صِدْقُهُ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَافِرِينَ مَعَهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَخَذَ مِنْهُ فَإِنَّ الْمَأْخُوذَ لَيْسَ زَكَاةً لِيَكُفَّ عَنْهُ لِعَدَمِ الْحَوْلِ وَوُجُودِ الدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقِيمَ فِي دَارِنَا) أَيْ حَتَّى لَوْ أَقَامَ فِي دَارِنَا حَوْلًا يَصِيرُ ذِمِّيًّا اهـ (قَوْله بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ هُمْ مُدَبَّرُونَ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ قَالَ كُنْت أَعْتَقْتهمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ عِتْقَهُ فِيهَا لَا يَصِحُّ كَتَدْبِيرِهِ لِأَنَّهُ قَارَنَ بِهِ مَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ إذْ يُعْتِقُهُ بِلِسَانِهِ وَيَسْتَرِقُّهُ بِيَدِهِ فَلَمْ يَقَعْ عِتْقُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ

الصُّوَرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فِيمَا إذَا قَالَ أَدَّيْت أَنَا إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٌ آخَرُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَدَّقْ يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِئْصَالِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَخَذَ مِنَّا رُبُعَ الْعُشْرِ وَمِنْ الذِّمِّيِّ ضِعْفَهُ وَمِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرَ بِشَرْطِ نِصَابٍ وَأَخْذِهِمْ مِنَّا) أَيْ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ رُبُعُ الْعُشْرِ وَمِنْ الذِّمِّيِّ ضِعْفُهُ وَهُوَ نِصْفُ الْعُشْرِ وَمِنْ الْحَرْبِيِّ ضِعْفُ ذَلِكَ وَهُوَ الْعُشْرُ بِذَلِكَ أَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُعَاتَهُ وَلِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ زَكَاةً هُوَ رُبُعُ الْعُشْرِ وَكَانَ الْإِمَامُ أَخَذَهُ لِلْحِمَايَةِ وَهُوَ يَحْمِي مَالَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ أَيْضًا فَيَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الْأَخْذِ فَيُقَدِّرُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الذِّمِّيِّ بِضِعْفِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ إظْهَارًا لِلصَّغَارِ عَلَيْهِمْ وَيُضَعِّفُ ذَلِكَ مِنْ الْحَرْبِيِّ إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ وَلِأَنَّ حَاجَةَ الذِّمِّيِّ إلَى الْحِمَايَةِ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِ إلَيْهَا لِأَنَّ طَمَعَ اللُّصُوصِ فِي مَالِ الذِّمِّيِّ أَكْثَرُ وَكَذَا حَاجَةُ الْحَرْبِيِّ إلَى الْحِمَايَةِ أَكْثَرُ لِمَا أَنَّ طَمَعَهُمْ فِي مَالِهِ أَكْثَرُ فَيَجِبُ عَلَى التَّفَاوُتِ. وَقَوْلُهُ بِشَرْطِ نِصَابٍ أَيْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ مَالُهُ نِصَابًا أَمَّا مِنْ الذِّمِّيِّ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُ الزَّكَاةِ فَصَارَ شَرْطُهُ شَرْطَ الزَّكَاةِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ فَلِأَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ لِحَاجَتِهِ إلَى مَا يُوَصِّلُهُ إلَى مَأْمَنِهِ وَمَا دُونَ النِّصَابِ قَلِيلٌ فَالْأَخْذُ مِنْ مِثْلِهِ يَكُونُ غَدْرًا وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فِيهِ، وَالْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا مِنْ مِثْلِهَا لِأَنَّ الْأَخْذَ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ زَكَاةٌ أَوْ ضِعْفُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّصَابِ وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ لَمْ يَزُلْ عَفْوًا وَهُوَ لِلنَّفَقَةِ عَادَةً فَأَخْذُهُمْ مِنَّا مِنْ مِثْلِهِ ظُلْمٌ وَخِيَانَةٌ لَا مُتَابَعَةٌ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّا مَتَى عَرَفْنَا مَا يَأْخُذُونَ مِنَّا أَخَذْنَا مِنْهُمْ مِثْلَهُ بِذَلِكَ أَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ أَخَذْنَا مِنْهُمْ الْعُشْرَ لِقَوْلِ عُمَرَ فَإِنْ أَعْيَاكُمْ فَالْعُشْرُ وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْكُلَّ نَأْخُذُ مِنْهُمْ الْجَمِيعَ إلَّا قَدْرَ مَا يُوَصِّلُهُ إلَى مَأْمَنِهِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قَدْرَ ذَلِكَ فَلَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهِ ثُمَّ رَدِّهِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنَّا لَا نَأْخُذُ مِنْهُمْ لِيَسْتَمِرُّوا عَلَيْهِ وَلِأَنَّا أَحَقُّ بِالْمَكَارِمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِشَرْطِ نِصَابٍ وَأَخْذِهِمْ مِنَّا لِأَنَّهُ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُثَنِّ فِي حَوْلٍ بِلَا عَوْدٍ) أَيْ إذَا أَخَذَ مِنْ الْحَرْبِيِّ مَرَّةً لَا يَأْخُذُ مِنْهُ ثَانِيًا فِي تِلْكَ السَّنَةِ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الْأَخْذَ لِحِفْظِهِ وَلَوْ أَخَذَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَسْتَأْصِلُهُ فَيَعُودُ عَلَى مَوْضِعِهِ بِالنَّقْضِ وَلِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَخْذِ تَثْبُتُ بِالْأَمَانِ وَهُوَ فِي حُكْمِ الْأَمَانِ الْأَوَّلِ مَا دَامَ فِي دَارِنَا وَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ لَهُ الْأَمَانُ بِمُرُورِ الْحَوْلِ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْمُقَامِ فِي دَارِنَا حَوْلًا فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا بَعْدَ الْحَوْلِ إلَّا بِأَمَانٍ جَدِيدٍ وَلَوْ مَرَّ عَلَى عَاشِرٍ فَأَخَذَ مِنْهُ ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ وَمَرَّ عَلَيْهِ أَخَذَ مِنْهُ ثَانِيًا وَلَوْ كَانَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمَانَ الْأَوَّلَ انْتَهَى بِدُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ وَقَدْ رَجَعَ بِأَمَانٍ جَدِيدٍ وَلِأَنَّ الْأَخْذَ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ لَا يُفْضِي إلَى الِاسْتِئْصَالِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ حَيْثُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا مَرَّتَيْنِ فِي حَوْلٍ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا زَكَاةٌ أَوْ ضِعْفُهَا وَهِيَ لَا تَجِبُ فِي الْحَوْلِ مَرَّتَيْنِ وَيُرْوَى أَنَّ حَرْبِيًّا نَصْرَانِيًّا مَرَّ عَلَى عَاشِرِ عُمَرَ بِفَرَسٍ لِيَبِيعَهُ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ مِنْهُ أَلْفَيْنِ ثُمَّ لَمْ يَتَّفِقْ بَيْعُهُ فَرَجَعَ وَمَرَّ عَلَيْهِ عَائِدًا إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَطَلَبَ مِنْهُ الْعُشْرَ فَقَالَ إنْ أَدَّيْت عُشْرَهُ كُلَّمَا مَرَرْت بِك لَمْ يَبْقَ لِي مِنْهُ شَيْءٌ فَتَرَك الْفَرَسَ عِنْدَهُ وَجَاءَ إلَى عُمَرَ فَوَجَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَصْحَابِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إذَا قَالَ أَدَّيْت أَنَا إلَى عَاشِرٍ آخَرَ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَإِنْ قَالَ أَدَّيْته إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٌ آخَرُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أُجْرَةُ الْحِمَايَةِ وَلَيْسَ فِي مَعْنَى الزَّكَاةِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ وَقَدْ وُجِدَتْ الْحِمَايَةُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْأَخْذِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ الْأَمَانِ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ الْمُجَازَاةُ بِالتَّاءِ الْمُدَوَّرَةِ لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ لَا جَمْعُ مُؤَنَّثٍ ثُمَّ أَنَّ عُمَرَ أَشَارَ إلَى هَذَا الْمَعْنَى حِينَ نَصَبَ الْعَشَّارَ حَيْثُ قِيلَ لَهُ كَمْ يَأْخُذْ مِمَّا يَمُرُّ بِهِ الْحَرْبِيُّ فَقَالَ كَمْ يَأْخُذُونَ مِنَّا قَالَ الْعُشْرُ قَالَ خُذْ مِنْهُمْ الْعُشْرَ وَلَا نَعْنِي بِقَوْلِنَا بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ أَنَّ أَخَذْنَا بِمُقَابَلَةِ أَخْذِهِمْ فَإِنَّ أَخْذَهُمْ ظُلْمٌ وَأَخْذُنَا حَقٌّ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّا إذَا عَامَلْنَاهُمْ بِمِثْلِ مَا يُعَامِلُونَا كَانَ ذَلِكَ أَقْرَبَ إلَى مَقْصُودِ الْأَمَانِ وَاتِّصَالِ التِّجَارَاتِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِذَلِكَ أَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَخْ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَمْرُ الصَّحَابَةِ وَاجِبٌ لِأَنَّ أُصُولَ الشَّرْعِ الْكِتَابُ وَيَتْبَعُهُ شَرَائِعُ مَنْ قَبْلَنَا وَالسُّنَّةُ وَيَتْبَعُهَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَالْإِجْمَاعُ وَيَتْبَعُهُ عَمَلُ النَّاسِ وَالْقِيَاسُ وَيَتْبَعُهُ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ اهـ دِرَايَةٌ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ مَرَّ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ عَلَى الْعَاشِرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِمَا ثُمَّ مَرَّا فِي الْحَوْلِ الثَّانِي يُؤْخَذُ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ ثَبَتَ وَالْمُسْقِطُ لَمْ يُوجَدْ اهـ وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ آخِرَ الْمَقَالَةِ الْآتِيَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَعْيَاكُمْ) أَيْ عَجَزْتُمْ عَنْ مَعْرِفَةِ مَا يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا قَدْرَ مَا يُوَصِّلُهُ) أَيْ لِأَنَّ أَخْذَ الْجَمِيعِ غَدْرٌ. اهـ. هِدَايَةٌ بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قَدْرَ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6]. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَدُّهُ عَلَيْهِ) وَقِيلَ نَأْخُذُ الْكُلَّ مُجَازَاةً زَجْرًا لَهُمْ عَنْ مِثْلِهِ مَعَنَا قُلْنَا ذَلِكَ بَعْدَ إعْطَائِهِ الْأَمَانَ غَدْرٌ وَلَا نَتَخَلَّقُ نَحْنُ بِهِ لِتَخَلُّقِهِمْ بِهِ بَلْ نُهِينَا عَنْهُ وَصَارَ كَمَا لَوْ قَتَلُوا الدَّاخِلَ إلَيْهِمْ بَعْدَ إعْطَاءِ الْأَمَانِ لَا نَفْعَلُ ذَلِكَ كَذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمَرَّ عَلَيْهِ أَخَذَ مِنْهُ ثَانِيًا) أَيْ وَثَالِثًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ فِي يَوْمِهِ) أَيْ لِقُرْبِ الدَّارَيْنِ وَاتِّصَالِهِمَا كَمَا فِي جَزِيرَةِ الْأَنْدَلُسِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَتَرَك الْفَرَسَ عِنْدَهُ وَجَاءَ إلَى عُمَرَ) أَيْ بِمَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. غَايَةٌ

يَنْظُرُ فِي كِتَابٍ فَوَقَفَ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ فَقَالَ عُمَرُ أَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفِيُّ مَا وَرَاءَك فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ فَعَادَ عُمَرُ إلَى مَا كَانَ فِيهِ فَظَنَّ النَّصْرَانِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى ظِلَامَتِهِ فَعَزَمَ عَلَى أَدَاءِ الْعُشْرِ ثَانِيًا وَرَجَعَ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى الْعَاشِرِ وَجَدَ كِتَابَ عُمَرَ قَدْ سَبَقَ وَفِيهِ أَنَّك إذَا أَخَذْت مِنْهُ مَرَّةً فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ مَرَّةً أُخْرَى قَالَ النَّصْرَانِيّ إنْ دِينًا يَكُونُ الْعَدْلُ فِيهِ هَكَذَا لَحَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ حَقًّا فَأَسْلَمَ. وَلَوْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِعَاشِرٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْعَاشِرُ حَتَّى خَرَجَ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَعْشُرْهُ لِمَا مَضَى لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ بِالرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعُشِّرَ الْخَمْرُ لَا الْخِنْزِيرُ) يَعْنِي إذَا مَرَّ بِهِمَا عَلَى الْعَاشِرِ عَشَرَ الْخَمْرَ أَيْ مِنْ قِيمَتِهَا دُونَ الْخِنْزِيرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَعْشُرُهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا قِيمَةَ لَهُمَا وَقَالَ زُفَرُ يَعْشُرُهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ مَرَّ بِهِمَا جَمِيعًا عُشِّرَا وَإِنْ مَرَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ عُشِّرَ الْخَمْرُ دُونَ الْخِنْزِيرِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْخِنْزِيرَ تَبَعًا لِلْخَمْرِ فَكَمْ مِنْ حُكْمٍ ثَبَتَ تَبَعًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِعُمَّالِهِ فِي خُمُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا وَلِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْحِمَايَةِ وَالْمُسْلِمُ يَحْمِي خَمْرَ نَفْسِهِ لِلتَّخْلِيلِ وَلَا يَحْمِي خِنْزِيرَهُ بَلْ يُسَيِّبُهُ فَكَذَا عَلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَهِيَ بِعَرْضِيَّةٍ أَنْ تَصِيرَ مَالًا فَتُعْشَرُ هِيَ دُونَ الْخِنْزِيرِ وَلِأَنَّ الْخَمْرَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْخِنْزِيرَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَأَخْذُ الْقِيمَةِ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ وَفِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى حَيَوَانٍ فَأَتَى بِالْقِيمَةِ تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَصِيرٍ فَأَتَى بِالْقِيمَةِ لَا تُجْبَرُ فَيَكُونُ أَخْذُ قِيمَةِ الْخِنْزِيرِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ وَلَا يَكُونُ أَخْذُ قِيمَةِ الْخَمْرِ كَأَخْذِ عَيْنِهَا وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ قِيمَةَ الْخَمْرِ تُعْرَفُ بِقَوْلِ فَاسِقَيْنِ تَابَا أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَسْلَمَا وَقَالَ فِي الْكَافِي تُعْرَفُ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَجُلُودُ الْمَيِّتَةِ كَالْخَمْرِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ الْكَرْخِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا فِي بَيْتِهِ) أَيْ لَا يُعْشِرُ الْعَاشِرُ مَا فِي بَيْتِ الْمَارِّ مِنْ الْمَالِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا الْخِنْزِيرُ وَهَذَا لِأَنَّ مَا فِي بَيْتِهِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ حِمَايَةٍ وَلِهَذَا لَا يُكَمِّلُ بِهِ النِّصَابَ أَيْضًا لِيَأْخُذَ الْعَاشِرُ مِمَّا فِي يَدِهِ حَتَّى لَوْ مَرَّ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ لَهُ مِائَةً أُخْرَى فِي الْبَيْتِ لَمْ يَأْخُذْ الْعَاشِرُ مِنْ الْمِائَةِ الَّتِي مَرَّ بِهَا لِقِلَّتِهَا وَلَا مِمَّا فِي بَيْتِهِ لِمَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبِضَاعَةَ) أَيْ لَا يُعْشَرُ مِنْ الْبِضَاعَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَمَالَ الْمُضَارَبَةِ) أَيْ لَا يُعْشَرُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا يَعْشُرُهُ لِأَنَّهُ كَالْمَالِكِ حَتَّى جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ) أَيْ فَقَالَ عُمَرُ أَتَاك الْغَوْثُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَمْ يَعْشِرْهُ لِمَا مَضَى) أَيْ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمِنَ لَمَّا دَخَلَ دَارِهِ انْتَهَى أَمَانُهُ وَعَادَ حَرْبِيًّا مُبَاحُ الدَّمِ وَالْمَالِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعُشْرُ دَيْنًا عَلَيْهِ لَنَا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَلَوْ مَرَّ ذِمِّيٌّ بِخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ نَهَيْنَاهُ عَنْ تَعْشِيرِهِمَا قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا قَيَّدَ بِالذِّمِّيِّ لِأَنَّ الْعَاشِرَ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُسْلِمِ إذَا مَرَّ بِالْخَمْرِ اتِّفَاقًا مِنْ الْفَوَائِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ مِنْ قِيمَتِهَا) إنَّمَا فُسِّرَ بِهَذَا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مَسْرُوقٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ يَأْخُذُهُ مِنْ عَيْنِ الْخَمْرِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ يَعْشِرُهُمَا) وَفِي الْمُحِيطِ قَوْلُ زُفَرَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ قُلْت يَعْنِي عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْخِنْزِيرَ تَبَعًا لِلْخَمْرِ) أَيْ دُونَ الْعَكْسِ لِأَنَّهَا أَظْهَرُ مَالِيَّةً لِأَنَّهَا قَبْلَ التَّخَمُّرِ مَالٌ وَبَعْدَهُ بِتَقْدِيرِ التَّخَلُّلِ كَذَلِكَ وَلَيْسَ الْخِنْزِيرُ كَذَلِكَ وَلِهَذَا إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَمَعَهُ خَمْرٌ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمَوْلَى لَا الْخِنْزِيرُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَكَذَا عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ فَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ اهـ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ غَصْبَ خِنْزِيرٍ ذِمِّيٍّ فَرَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي يَأْمُرُهُ بِرَدِّهِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ حِمَايَةً عَلَى الْغَيْرِ أُجِيبَ بِتَخْصِيصِ الْإِطْلَاقِ أَيْ يَحْمِيه عَلَى غَيْرِهِ لِغَرَضٍ يَسْتَوْفِيه فَخَرَجَ حِمَايَةُ الْقَاضِي. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا) أَيْ لَمَّا كَانَتْ عَصِيرًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ بِعَرَضِيَّةٍ أَنْ تَصِيرَ مَالًا) أَيْ مُقَوِّمًا بِالتَّخْلِيلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَأَخْذُ الْقِيمَةِ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ) اسْتَشْكَلَ عَلَيْهِ مَسَائِلَ الْأُولَى مَا فِي الشُّفْعَةِ مِنْ قَوْلِهِ إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ دَارًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ أَخَذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ثَانِيهَا لَوْ أَتْلَفَ مُسْلِمٌ خِنْزِيرَ ذِمِّيٍّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ثَالِثُهَا لَوْ أَخَذَ ذِمِّيٌّ قِيمَةَ خِنْزِيرِهِ مِنْ ذِمِّيٍّ وَقَضَى بِهَا دَيْنًا لِمُسْلِمٍ عَلَيْهِ طَابَ لِلْمُسْلِمِ ذَلِكَ أُجِيبُ عَنْ الْأَخِيرِ بِأَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ شَرْعًا وَمَلَكَ الْمُسْلِمُ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ قَبْضُهُ عَنْ الدَّيْنِ وَعَمَّا قَبِلَهُ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِسُقُوطِ الْمَالِيَّةِ فِي الْعَيْنِ وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا لَا إلَيْهِمْ فَيَتَحَقَّقُ الْمَنْعُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا عِنْدَ الْقَبْضِ وَالْحِيَازَةِ لَا عِنْدَ دَفْعِهَا إلَيْهِمْ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ كَدَفْعِ عَيْنِهَا وَهُوَ تَبْعِيدٌ وَإِزَالَةٌ فَهُوَ كَتَسْيِيبِ الْخِنْزِيرِ وَالِانْتِفَاعِ بِالسِّرْقِينِ بِاسْتِهْلَاكِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَجُلُودُ الْمَيْتَةِ كَالْخَمْرِ إلَى آخِرِهِ) فَإِنَّهَا كَانَتْ مَالًا فِي الِابْتِدَاءِ وَتَصِيرُ مَالًا فِي الِانْتِهَاءِ بِالدَّبْغِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِضَاعَتُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الْإِيضَاحِ يُشْتَرَطُ لِلْأَخْذِ حُضُورُ الْمَالِكِ وَالْمَالِ جَمِيعًا فَلَوْ مَرَّ مَالِكٌ بِلَا مَالٍ لَا يُؤْخَذُ وَلَوْ مَرَّ مَالٌ بِلَا مَالِكٍ لَمْ يُؤْخَذْ أَيْضًا اهـ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْأَصْلِ وَلَوْ مَرَّ رَجُلٌ بِمَالٍ مَعَهُ مُضَارَبَةً أَوْ مَرَّ الْأَجِيرُ بِمَالِ أُسْتَاذِهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ وَهَذَا مِثْلُ صَاحِبِ الْبِضَاعَةِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَالْمَالِكِ) أَيْ وَرَبُّ الْمَالِ كَالْأَجْنَبِيِّ. اهـ. غَايَةٌ

[باب الركاز]

بَيْعُهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ عَزْلُهُ بَعْدَمَا صَارَ عُرُوضًا ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يَعْشُرُهُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَصَارَ كَالْأَجِيرِ وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ قَدْ رَبِحَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَشَرَ نَصِيبَهُ إذَا بَلَغَ نِصَابًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَعْشُرُهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرِيكٍ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِطَرِيقِ الْأُجْرَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْعِمَالَةِ وَعِنْدَنَا يَمْلِكُ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَسْبَ الْمَأْذُونِ) أَيْ لَا يُعْشَرُ كَسْبُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إذَا مَرَّ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لَهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ وَلَا نَائِبٍ عَنْ الْمَوْلَى فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْشُرُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا أَدْرِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ عَنْ هَذِهِ أَمْ لَا وَقِيَاسُ قَوْلِهِ الثَّانِي فِي الْمُضَارَبَةِ أَنَّهُ لَا يَعْشُرُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ تَكَلَّفَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ إنَّ الْعَبْدَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يَتَقَيَّدَ بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ إذَا قَيَّدَ الْمَوْلَى بِهِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ يَكُونُ رُجُوعُهُ فِي الْمُضَارَبَةِ رُجُوعًا فِيهِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا بَعْدَ ذِكْرِ الْمُضَارِبِ وَالْمُسْتَبْضِعِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فَكَانَ هَذَا حَاصِلُ الْجَوَابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ الْمِلْكِ وَلَوْ كَانَ مَوْلَاهُ مَعَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَالَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِلشُّغْلِ عِنْدَهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَثَنَّى إنْ عَشَرَ الْخَوَارِجُ) أَيْ إذَا مَرَّ عَلَى عَاشِرِ الْخَوَارِجِ وَهُمْ الْبُغَاةُ فَعَشَرُوهُ ثُمَّ مَرَّ عَلَى عَاشِرِ الْعَدْلِ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَرَّ بِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا غَلَبُوا عَلَى بِلَادٍ فَأَخَذُوا الزَّكَاةَ وَغَيْرَهَا حَيْثُ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ ثَانِيًا إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ الْإِمَامِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ الرِّكَازِ] (بَابُ الرِّكَازِ) وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يَكُونُ تَحْتَ الْأَرْضِ خِلْقَةً أَوْ بِدَفْنِ الْعِبَادِ وَالْمَعْدِنُ اسْمٌ لِمَا يَكُونُ فِيهَا خِلْقَةً وَالْكَنْزُ اسْمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بَعْدَمَا صَارَ) أَيْ رَأْسُ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا نَائِبَ عَنْهُ) أَيْ وَالزَّكَاةُ تَسْتَدْعِي نِيَّةَ مَنْ عَلَيْهِ وَهُوَ كَالْمَالِكِ فِي التَّصَرُّفِ الاسترباحي لَا فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ إذَا بَلَغَ نِصَابًا) وَيَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يُكَمِّلُ بِهِ النِّصَابَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ كَامِلٌ حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِهِ الشُّفْعَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ تَكَلَّفَ فِي الْفَرْقِ إلَى قَوْلِهِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى) أَيْ بَلْ يُبَاعُ الْعَبْدُ فِيهَا وَمَا زَادَ فَيُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحِجْرِ فَيَكُونُ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَخْفَى عَدَمُ تَأْثِيرِ هَذَا الْفَرْقِ فَإِنَّ مَنَاطَ عَدَمِ الْأَخْذِ مِنْ الْمُضَارِبِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ كَوْنُهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَا نِيَّةَ حِينَئِذٍ وَمُجَرَّدُ دُخُولِهِ فِي الْحِمَايَةِ لَا يُوجِبُ الْأَخْذَ إلَّا مَعَ وُجُودِ شُرُوطِ الزَّكَاةِ عَلَى مَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ فَلَا أَثَرَ لِمَا ذُكِرَ فِي الْفَرْقِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمَأْذُونِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْكَافِي اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ) أَيْ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ حَتَّى يَرْجِعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لِلْمُضَارَبَةِ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَتَاعَ الْمُضَارَبَةِ فَضَاعَ الْمَالُ قَبْلَ أَنْ يَنْعَقِدَ ذَلِكَ مِنْهُ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ إلَى آخِرِهِ) وَكَذَا الْحُكْمُ عَلَى قَوْلِهِمْ فِيمَا لَوْ كَانَ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَقَطْ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي قَالَ فِيهِمَا إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ أَوْ لِلشَّغْلِ اهـ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي هَذَا الشَّرْحِ إذْ الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ كَانَ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ يُفْهَمُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَفِي الدِّرَايَةِ مَا نَصُّهُ وَذَكَرَ الْمَحْبُوبِيُّ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِكَسْبِهِ لَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ مَوْلَاهُ أَوْ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا مَالِكَ لِهَذَا الْمَالِ وَقْتَ الْمُرُورِ وَعِنْدَهُمَا شُغْلُ الدَّيْنِ مَانِعٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ دَيْنٌ لَمْ يَحُطَّ بِكَسْبِهِ عُشْرَ الْفَاضِلِ مِنْ الدَّيْنِ إذَا بَلَغَ النِّصَابَ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ حَالُ الْمَوْلَى فَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ الْمُسْلِمُ وَالْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ أَخَذَ رُبُعَ الْعُشْرِ وَبِالْعَكْسِ أَخَذَ نِصْفَ الْعُشْرِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الرِّكَازِ) أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ الْعَاشِرِ لِمَا أَنَّ الْعُشْرَ أَكْثَرُ وُجُودًا مِنْ الْخُمُسِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الْمَعَادِنِ وَكَانَ بَيَانُهُ أَحْوَجَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ أَوْ لِأَنَّ الْعُشْرَ أَقَلَّ مِنْ الْخُمُسِ وَالْقَلِيلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْكَثِيرِ ذَاتًا فَقُدِّمَ بَيَانًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَعْدِنُ إلَى آخِرِهِ) الْمَعْدِنُ مِنْ الْعَدْنِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ وَمِنْهُ يُقَالُ عَدَنَ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ بِهِ وَمِنْهُ جَنَّاتٌ عَدْنٍ وَمَرْكَزُ كُلُّ شَيْءٍ مَعْدِنُهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فَأَصْلُ الْمَعْدِنِ الْمَكَانُ بِقَيْدِ الِاسْتِقْرَارِ فِيهِ ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي نَفْسِ الْأَجْزَاءِ الْمُسْتَقِرَّةِ الَّتِي رَكَّبَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خَلْقَ الْأَرْضَ حَتَّى صَارَ الِانْتِقَالُ مِنْ اللَّفْظِ إلَيْهِ انْتِقَالًا بِلَا قَرِينَةٍ وَالْكَنْزُ لِلْمُثْبَتِ فِيهَا مِنْ الْأَمْوَالِ بِفِعْلِ الْإِنْسَانِ وَالرِّكَازُ يَعُمُّهُمَا لِأَنَّهُ مِنْ الرِّكْزِ مُرَادًا بِهِ الْمَرْكُوزَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ رَاكِزِهِ الْخَالِقَ أَوْ الْمَخْلُوقَ فَكَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا وَلَيْسَ خَاصًّا بِالدَّفِينِ وَلَوْ دَارَ الْأَمْرُ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ مَجَازًا فِيهِ أَوْ مُتَوَاطِئًا إذْ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَعْدِنِ كَانَ الْمُتَوَاطِئُ مُتَعَيَّنًا. اهـ. كَمَالٌ

لِمَدْفُونِ الْعِبَادِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (خُمِسَ مَعْدِنُ نَقْدٍ وَنَحْوِ حَدِيدٍ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ) يَعْنِي إذَا وُجِدَ مَعْدِنُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّقْدِ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ صُفْرٍ أَوْ رَصَاصٍ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ أُخِذَ مِنْهُ الْخُمُسُ وَكَذَا إذَا وُجِدَ فِي الصَّحْرَاءِ الَّتِي لَيْسَتْ بِعُشْرِيَّةٍ وَلَا خَرَاجِيَّةٍ وَاشْتِرَاطُهُمَا فِي الْمُخْتَصَرِ لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأَرْضِ أَوْ احْتِرَازًا عَنْ دَارِهِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ كَالْحَطَبِ وَنَحْوِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُسْتَخْرَجُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا بَلَغَ نِصَابًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ لِأَنَّهُ لِلتَّنْمِيَةِ وَهَذَا كُلُّهُ نَمَاءٌ فَأَشْبَهَ الزَّرْعَ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَلَا يُقَالُ الرِّكَازُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَعْدِنِ فَيُعْلَمُ أَنَّ الْخُمُسَ فِيهِ لَا فِي الْمَعْدِنِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَعْدِنُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُنَافِي وُجُوبَ الْخُمُسِ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْدِنُ رِكَازًا لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا هُوَ جُبَارٌ ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ بِاسْمٍ شَامِلٍ لَهُمَا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ قِيلَ وَمَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الذَّهَبُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ وَفِي الْإِمَامِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «وَفِي السُّيُوبِ الْخُمُسُ» وَالسُّيُوبُ عُرُوقُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ وَلِأَنَّهَا كَانَتْ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ فَحَوَتْهَا أَيْدِينَا غَلَبَةً فَكَانَتْ غَنِيمَةً وَفِي الْغَنَائِمِ الْخُمُسُ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ أَحَدٍ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ كَمَا قُلْتُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ خُمِسَ مَعْدِنُ نَقْدٍ إلَى آخِرِهِ) هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ بِأَنْ كَانَتْ مِنْ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَمْلُوكَةِ أَمَّا حُكْمُ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ لَا دَارُهُ أَوْ أَرْضُهُ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلُهُ فِي النُّقَايَةِ خُمِسَ مَعْدِنُ ذَهَبٍ وَنَحْوُهُ وُجِدَ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ إنْ لَمْ تُمْلَكْ الْأَرْضُ وَإِلَّا فَلِمَالِكِهَا وَلَا شَيْءَ فِيهِ إنْ وُجِدَ فِي دَارِهِ وَفِي أَرْضِهِ رِوَايَتَانِ اهـ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا جَامِدٌ يَذُوبُ وَيَنْطَبِعُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَثَانِيهَا جَامِدٌ لَا يَذُوبُ كَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْيَاقُوتِ وَالْفَيْرُوزَجِ لَا شَيْءَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَثَالِثُهَا مَائِعٌ لَا يَتَجَمَّدُ كَالْمَاءِ وَالْقِيرِ وَالنِّفْطِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَلَا يَجِبُ الْخُمُسُ إلَّا فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ. اهـ. فَتْحٌ وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْحَاشِيَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي آخَرِ الْبَابِ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْخُمُسِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ فَلِأَنَّهُ مَائِعٌ خَارِجٌ مِنْ الْأَرْضِ فَصَارَ كَالْمَاءِ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِهِ فِي الثَّانِي فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي الْحَجَرِ» وَلِلْقِيَاسِ عَلَى التُّرَابِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْفِ بِهِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِيهِ كَوُجُوبِهَا فِي غَيْرِهَا فَيَتَعَيَّنُ الْخُمُسُ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ خَمَسْت الْقَوْمَ أَخْمُسُهُمْ بِالضَّمِّ إذَا أَخَذْت مِنْهُمْ خُمُسَ أَمْوَالِهِمْ وَخَمَّسْتُهُمْ أَخْمِسُهُمْ بِالْكَسْرِ إذَا كُنْت خَامِسَهُمْ أَوْ كَمَّلْتهمْ بِنَفْسِك خَمْسَةً اهـ. (قَوْلُهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا بَلَغَ نِصَابًا) أَيْ وَعِنْدَنَا تَجِبُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّصَابُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ) وَقَالُوا كَمْ مِنْ حَوْلٍ قَدْ مَضَى عَلَيْهِ وَضَعْفُ هَذَا الْكَلَامِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الَّتِي مَضَتْ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ تُحْسَبُ عَلَيْهِ وَلَنَا أَنَّ النُّصُوصَ خَالِيَةٌ عَنْ اشْتِرَاطِ النِّصَابِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ سَمْعِيٍّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُنَا وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» إلَى آخِرِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَالسَّفَاقِسِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الْعَجْمَاءُ الْبَهِيمَةُ تَنْفَلِتُ مِنْ يَدِ صَاحِبِهَا سُمِّيَتْ بِهَا لِعَدَمِ نُطْقِهَا وَالْجُبَارُ الْهَدَرُ يَعْنِي أَنَّ جِنَايَتَهَا هَدَرٌ لَا غَرَامَةَ فِيهَا وَالْبِئْرُ جُبَارٌ يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا يَحْفِرُهَا الرَّجُلُ بِأَرْضِ فَلَاةٍ لِلْمَارَّةِ فَيَسْقُطُ فِيهَا إنْسَانٌ أَوْ بِحَيْثُ يَجُوزُ لَهُ حَفْرُهَا مِنْ الْعُمْرَانِ وَالثَّانِي يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَحْفِرُ لَهُ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ فَتَنْهَارُ عَلَى الْأَجِيرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا الْمَعْدِنُ إذَا اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحْفِرُ فِيهِ فَيَنْهَارُ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَلَا شَكَّ فِي صِدْقِ الْغَنِيمَةِ عَلَى هَذَا الْمَالِ فَإِنَّهُ كَانَ مَعَ مَحَلِّهِ مِنْ الْأَرْضِ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ وَقَدْ أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَكَانَ غَنِيمَةً كَمَا أَنَّ مَحَلَّهُ أَعْنِي الْأَرْضَ كَذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالرِّكَازُ يَعُمُّ الْمَعْدِنَ وَالْكَنْزَ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ فَكَانَ إيجَابًا فِيهِمَا وَلَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ إرَادَةِ الْمَعْدِنِ بِسَبَبِ عَطْفِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ إفَادَةِ أَنَّهُ جُبَارٌ أَيْ هَدَرٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَتَنَاقَضَ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِالْمَعْدِنِ لَيْسَ هُوَ الْمُعَلَّقُ بِهِ فِيمَنْ ضَمِنَ الرِّكَازَ لِيَخْتَلِفَ بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ إذَا الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ إهْلَاكَهُ أَوْ الْهَلَاكَ بِهِ لِلْأَجِيرِ الْحَافِرِ لَهُ غَيْرَ مَضْمُونٍ لَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ نَفْسُهُ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ أَصْلًا وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي كَمِّيَّتِهِ لَا فِي أَصْلِهِ وَكَمَا أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي الْبِئْرِ وَالْعَجْمَاءِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَثْبَتَ لِلْمَعْدِنِ بِخُصُوصِهِ حُكْمًا فَنَصَّ عَلَى خُصُوصِ اسْمِهِ ثُمَّ أَثْبَتَ لَهُ حُكْمًا آخَرَ مَعَ غَيْرِهِ فَعَبَّرَ بِالِاسْمِ الَّذِي يَعُمُّهُمَا لِيَثْبُتَ فِيهِمَا فَإِنَّهُ عَلَّقَ الْحُكْمَ أَعْنِي وُجُوبَ الْخُمُسِ بِمَا سُمِّيَ رِكَازًا فَمَا كَانَ مِنْ أَفْرَادِهِ وَجَبَ فِيهِ وَلَوْ فُرِضَ مَجَازًا فِي الْمَعْدِنِ وَجَبَ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ تَعْمِيمُهُ لِعَدَمِ مَا يُعَارِضُهُ لِمَا قُلْنَا مِنْ انْدِرَاجِهِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَعَ عَدَمِ مَا يَقْوَى عَلَى مُعَارِضَتِهِمَا فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ قِيلَ وَمَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الذَّهَبُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ الْأَرْضُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ فَهُوَ وَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ فِي الْإِمَامِ مُضَعَّفٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَفِي الْإِمَامِ أَيْضًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي السُّيُوبِ الْخُمُسُ» وَالسُّيُوبُ عُرُوقُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ وَلَا يَصِحُّ جَعَلَهُمَا شَاهِدَيْنِ عَلَى الْمُرَادِ بِالرِّكَازِ كَمَا ظَنُّوا فَإِنَّ الْأَوَّلَ خَصَّ الذَّهَبَ وَالِاتِّفَاقُ أَنَّهُ لَا يَخُصُّهُ فَإِنَّمَا نَبَّهَ حِينَئِذٍ عَلَى مَا كَانَ مِثْلَهُ فِي أَنَّهُ جَامِدٌ يَنْطَبِعُ وَالثَّانِي لَمْ يَذْكُرْ

لَكَانَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلْغَانِمِينَ قُلْنَا لِلْوَاجِدِ يَدٌ حَقِيقَةً لِثُبُوتِهَا عَلَى الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَيَدُ الْغَانِمِينَ حُكْمِيَّةٌ لِثُبُوتِهَا عَلَى الظَّاهِرِ فَقَطْ فَكَانَتْ الْحَقِيقَةُ أَوْلَى بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ وَاعْتُبِرَتْ الْحُكْمِيَّةُ فِي حَقِّ الْخُمُسِ وَاعْتِبَارُهُ بِالزَّرْعِ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الزَّرْعَ يَجِبُ فِيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ بَقِيَ عِنْدَ صَاحِبِهِ سِنِينَ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ تَجِبُ فِيهِمَا كُلَّمَا حَالَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ فَافْتَرَقَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا دَارِهِ وَأَرْضِهِ) أَيْ لَا يَجِبُ فِيمَا وَجَدَهُ فِي دَارِهِ وَأَرْضِهِ مِنْ الْمَعْدِنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَجِبُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَهُ أَنَّ الدَّارَ مُلِكَتْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ وَالْمَعْدِنُ جُزْءٌ مِنْهَا فَلَا يُخَالِفُ الْكُلَّ بِخِلَافِ الْكَنْزِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ وَفِيمَا إذَا وَجَدَهُ فِي أَرْضِهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَا يَجِبُ كَمَا ذُكِرَ هُنَا لِأَنَّ الْمَعْدِنَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَلَيْسَ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ مِنْهَا خُمُسٌ فَكَذَا فِي هَذَا الْجُزْءِ وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَجِبُ لِأَنَّ الْأَرْضَ مَا مُلِكَتْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِيهَا الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ بِخِلَافِ الدَّارِ لِأَنَّهَا مُلِكَتْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ نَخْلَةٌ تَطْرَحُ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَكْرَارًا مِنْ الثِّمَارِ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَنْزٌ) أَيْ وَخُمِسَ كَنْزٌ فَيَكُونُ الْخُمُسُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ خُمِسَ مَعْدِنُ نَقْدٍ قَالَ (وَبَاقِيَةٌ لِلْمُخْتَطِّ لَهُ) أَيْ الْبَاقِي بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ مِنْ الْكَنْزِ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ لِلْمُخْتَطِّ لَهُ وَهُوَ الَّذِي مَلَّكَهُ الْإِمَامُ هَذِهِ الْبُقْعَةَ أَوَّلَ الْفَتْحِ هَذَا إذَا وُجِدَ فِي بُقْعَةٍ مَمْلُوكَةٍ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ وَإِنْ وُجِدَ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ فَهُوَ لِلْوَاجِدِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ لِلْوَاجِدِ فِي الْمَمْلُوكَةِ أَيْضًا أَمَّا وُجُوبُ الْخُمُسِ فَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَهُوَ يَشْمَلُ الْمَعْدِنَ وَالْكَنْزَ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّكْزِ وَهُوَ الْإِثْبَاتُ وَإِنْ كَانَ الْمُثْبَتُ مُخْتَلِفًا وَأَمَّا الْبَاقِي فَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ مِنْ دَفِينِ الْكُفَّارِ وَقَدْ وَقَعَ أَصْلُهُ فِي يَدِ الْغَانِمِينَ إلَّا أَنَّهُمْ هَلَكُوا قَبْلَ تَمَامِ الْإِحْرَازِ مِنْهُمْ فَصَارَ الْمُسْتَخْرِجُ أَوَّلَ مُحْرِزٍ لَهُ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ كَمَا إذَا وَجَدَهُ فِي غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ حَيْثُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأَرْضِ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَلَهُمَا أَنَّ يَدَ الْمُخْتَطِّ لَهُ سَبَقَتْ إلَيْهِ وَهُوَ مَالٌ مُبَاحٌ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا مَلَّكَهُ صَارَتْ فِي يَدِهِ بِمَا فِي بَاطِنِهَا وَهِيَ يَدُ الْخُصُوصِ فَيَمْلِكُ بِهَا مَا فِي بَاطِنِهَا ثُمَّ بِالْبَيْعِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ لَفْظَ الرِّكَازِ بَلْ السُّيُوبِ فَإِذَا كَانَتْ السُّيُوبُ تَخُصُّ النَّقْدَيْنِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إفْرَادُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ وَالِاتِّفَاقُ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَصِّصٍ لِلْعَامِّ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْنَا لِلْوَاجِدِ يَدٌ حَقِيقَةً إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّهُمْ لَمَّا ثَبَتَتْ أَيْدِيهِمْ عَلَى ظَاهِرِ الْأَرْضِ حَقِيقَةً ثَبَتَتْ عَلَى بَاطِنِهَا حُكْمًا فَصَارَ مَا فِي بَاطِنِهَا غَنِيمَةً حُكْمًا لَا حَقِيقَةً اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَتْ الْحَقِيقَةُ أَوْلَى بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ) أَيْ مُسْلِمًا كَانَ الْوَاجِدُ أَوْ ذِمِّيًّا حُرًّا أَوْ عَبْدًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا الْمَالِ لِاسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ فَكُلُّ مَنْ سَمَّيْنَاهُ لَهُ حَقٌّ فِيهَا سَهْمًا أَوْ رَضْخًا بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَأْمِنُ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لَوْ وَجَدَ فِي دَارِنَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ أَمَّا الْحَرْبِيُّ لَوْ دَخَلَ دَارَنَا وَطَلَبَ الْمَعْدِنَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ وَجَدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْكُلُّ وَلَوْ طَلَبَ بِإِذْنِهِ يُخْمَسُ أَمَّا لَوْ وَجَدَهُ الذِّمِّيُّ يُخْمَسُ فِي الْحَالَيْنِ وَالْبَاقِي لَهُ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَلَهُ رَضْخٌ فِي الْغَنِيمَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَا يَجِبُ لِمَا ذَكَرْنَا) قَالَ الْكَمَالُ اسْتَدَلَّ لَهُمَا بِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَقَدَّمَ أَنَّهُ أَعَمَّ مِنْ الْمَعْدِنِ وَلَهُ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا مُؤْنَةَ فِي أَرْضِ الدَّارِ فَكَذَا فِي هَذَا الْجُزْءِ مِنْهَا وَأُجِيبَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالدَّارِ وَصِحَّتُهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى إبْدَاءِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ وَكَوْنِ الدَّارِ خُصَّتْ مِنْ حُكْمَيْ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ بِالْإِجْمَاعِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَخْصُوصَةً مِنْ كُلِّ حُكْمٍ إلَّا بِدَلِيلٍ فِي كُلِّ حُكْمٍ عَلَى أَنَّهُ أَيْضًا قَدْ يَمْنَعُ كَوْنَ الْمَعْدِنِ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ وَلِذَا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ وَتَأْوِيلُهُ بِأَنَّهُ خُلِقَ فِيهِ مَعَ خِلْقَتِهَا لَا يُوجِبُ الْجُزْئِيَّةَ وَعَلَى حَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ يَصِحُّ الْإِخْرَاجُ مِنْ حُكْمِ الْأَرْضِ لَا عَلَى تَقْدِيرِ هَذَا التَّأْوِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَعْدِنُ جُزْءٌ مِنْهَا فَلَا يُخَالِفُ الْكُلَّ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ لَجَازَ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَجْزَاءِ قُلْنَا أَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا بِخِلَافِ الْكَنْزِ لَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكَنْزِ) أَيْ فَإِنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مُلِكَتْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ) أَيْ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِيهَا عُشْرٌ وَلَا خَرَاجٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِلْمُخْتَطِّ لَهُ) أَوْ لِوَرَثَتِهِ أَوْ وَرَثَةِ وَرَثَتِهِ إنْ عُرِفُوا وَإِلَّا يُعْطَ أَقْصَى مَالِكٍ لِلْأَرْضِ أَوْ وَرَثَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفُوا فَلِبَيْتِ الْمَالِ. اهـ. سَرُوجِيٌّ وَفِي الْمُجْتَبَى فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الْمُخْتَطُّ لَهُ وَلَا وَرَثَتُهُ ذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ أَنَّهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَذَكَرَ السُّرُوجِيُّ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَقْصَى مَالِكٍ يُعْرَفُ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِلْمُتَأَمِّلِ قَالَهُ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَإِنْ وُجِدَ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ فَهُوَ لِلْوَاجِدِ) أَيْ الْبَاقِي وَهُوَ أَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ مِنْهُ لِلْوَاجِدِ اهـ. (قَوْلُهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ) أَيْ كَالْجِبَالِ وَالْمَفَاوِزِ وَنَحْوِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ وَقَوْلُهُ لِلْوَاجِدِ أَيْ اتِّفَاقًا غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ لِلْوَاجِدِ) وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. اهـ. غَايَةٌ وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الثَّلَاثَةُ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ) أَيْ فَلَا يَمْلِكُهُ مُشْتَرِي الْأَرْضِ كَاللُّؤْلُؤَةِ فِي بَطْنِ السَّمَكَةِ يَمْلِكُهَا الصَّائِدُ لِسَبْقِ يَدِ الْمَخْصُوصِ إلَى السَّمَكَةِ حَالَ إبَاحَتِهَا ثُمَّ لَا يَمْلِكُهَا مُشْتَرِي السَّمَكَةِ لِانْتِفَاءِ الْإِبَاحَةِ هَذَا وَمَا ذُكِرَ فِي السَّمَكَةِ مِنْ الْإِطْلَاقِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ إذَا كَانَتْ الدُّرَّةُ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْمَثْقُوبَةِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَطْنِهَا عَنْبَرٌ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا تَأْكُلُهُ وَكُلُّ مَا تَأْكُلُهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الدُّرَّةُ فِي صَدَفَةٍ مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي قُلْنَا هَذَا الْكَلَامُ لَا يُفِيدُ إلَّا مَعَ دَعْوَى أَنَّهَا تَأْكُلُ الدُّرَّةَ غَيْرَ الْمَثْقُوبَةِ كَأَكْلِهَا الْعَنْبَرَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ نَعَمْ قَدْ يُتَّفَقُ أَنَّهَا تَبْتَلِعُهَا مَرَّةً بِخِلَافِ الْعَنْبَرِ لِأَنَّهُ حَشِيشٌ وَالصَّدَفُ دَسَمٌ وَمِنْ شَأْنِهَا أَكْلُ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ

فِيهَا بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَيَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى ضَرْبِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بِأَنْ كَانَ نَقْشُهُ صَنَمًا أَوْ اسْمَ مُلُوكِهِمْ الْمَعْرُوفِينَ وَإِنْ كَانَ ضَرْبُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ كَالْمَكْتُوبِ عَلَيْهَا كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ فَهُوَ لُقَطَةٌ وَحُكْمُهَا مَعْرُوفٌ وَإِنْ اشْتَبَهَ الضَّرْبُ عَلَيْهِمْ فَهُوَ جَاهِلِيٌّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَقِيلَ يُجْعَلُ إسْلَامِيًّا فِي زَمَانِنَا لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ وَالْمَتَاعُ مِنْ السِّلَاحِ وَالْآلَاتِ وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَالْفُصُوصِ وَالْقُمَاشِ فِي هَذَا كَالْكَنْزِ حَتَّى يُخْمَسَ لِأَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لِلْكُفَّارِ فَحَوَتْهُ أَيْدِينَا قَهْرًا فَصَارَتْ غَنِيمَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزِئْبَقٌ) أَيْ وَخُمِسَ زِئْبَقٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ لَا خُمُسَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ فِيهِ الْخُمُسُ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا خُمُسَ فِيهِ وَكُنْت أَقُولُ فِيهِ الْخُمُسُ فَلَمْ أَزَلْ أُنَاظِرُهُ حَتَّى قَالَ فِيهِ الْخُمُسُ ثُمَّ رَأَيْت أَنَّهُ لَا خُمُسَ فِيهِ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَنْبُعُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مَائِعٌ يَنْبُعُ مِنْ الْأَرْضِ فَأَشْبَهَ الْقِيرَ وَالنِّفْطَ وَلَهُمَا أَنَّهُ يَنْطَبِعُ مَعَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ حَجَرٌ يُطْبَخُ فَيَسِيلُ الزِّئْبَقُ مِنْهُ فَأَشْبَهَ الرَّصَاصَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا رِكَازَ دَارِ حَرْبٍ) أَيْ لَا يُخْمَسُ رِكَازٌ وَجَدَهُ مُسْتَأْمِنٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ هُوَ الْمَأْخُوذُ جَهْرًا وَقَهْرًا وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مُتَلَصِّصٍ غَيْرِ مُجَاهِرٍ ثُمَّ إنْ وَجَدَهُ فِي دَارِ بَعْضِهِمْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِمْ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي الصَّحْرَاءِ فَهُوَ لَهُ لِعَدَمِ الْغَدْرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ عَلَى الْخُصُوصِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْمَعْدِنِ وَالْكَنْزِ وَلِهَذَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الرِّكَازِ لِيَدْخُلَ النَّوْعَانِ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَيْرُوزَجُ) أَيْ لَا يُخْمَسُ فَيْرُوزَجُ وَهُوَ حَجَرٌ مُضِيءٌ يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ» وَكَذَا لَا يَجِبُ فِي الْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَجَمِيعِ الْجَوَاهِرِ وَالْفُصُوصِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الْأَرْضَ بِدَرَاهِمَ فَوَجَدَ فِيهَا مَعْدِنَ فِضَّةٍ أَضْعَافَ الثَّمَنِ فَهَذَا رِبًا مُحَقَّقٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فَهُوَ لُقَطَةٌ وَحُكْمُهَا مَعْرُوفٌ) أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ تَعْرِيفُهَا ثُمَّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا وَعَلَى غَيْرِهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا وَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا أَبَدًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ) أَيْ لِأَنَّهُ أَيْ الْجَاهِلِيُّ أَصْلٌ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الشَّرْعِ أَوْ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَكْنِزَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] الْآيَةَ وَكَانَ الْكَنْزُ مَخْصُوصًا بِالْجَاهِلِيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ) فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ آثَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَيَجِبُ الْبَقَاءُ مَعَ الظَّاهِرِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ خِلَافُهُ وَالْحَقُّ مَنْعُ هَذَا الظَّاهِرِ بَلْ دَفِينُهُمْ إلَى الْيَوْمِ يُوجَدُ بِدِيَارِنَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَزَئْبِقٌ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ بَعْدَ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ بِالْهَمْزَةِ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالزَّئْبِقُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَقَدْ عُرِّبَ بِالْهَمْزَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ إلَى آخِرِهِ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الزِّئْبَقِ الَّذِي أُصِيبَ فِي مَعْدِنِهِ لِأَنَّ الزِّئْبَقَ الْمَوْجُودُ فِي خَزَائِنِ الْكُفَّارِ يُخْمَسُ اتِّفَاقًا. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ فَلَمْ أَزَلْ أُنَاظِرُهُ) وَأَقُولُ هُوَ كَالرَّصَاصِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ الْقِيرَ وَالنِّفْطَ) فَيَصِيرُ مِنْ جُمْلَةِ الْمِيَاهِ وَلَا خُمُسَ فِي الْهَارِبَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ يَنْطَبِعُ مَعَ غَيْرِهِ) أَيْ فَكَانَ كَالْفِضَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَنْطَبِعُ مَا لَمْ يُخَالِطُهَا شَيْءٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مُتَلَصِّصٍ) وَلَوْ دَخَلَ الْمُتَلَصِّصُ دَارَهُمْ فَأَخَذَ شَيْئًا لَا يُخْمَسُ لِانْتِفَاءِ مُسَمَّى الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهَا مَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ غَلَبَةً وَقَهْرًا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ غَايَةُ مَا تَقْتَضِيهِ الْآيَةُ وَالْقِيَاسُ وُجُوبُ الْخُمُسِ فِي مُسَمَّى الْغَنِيمَةِ فَانْتِفَاءُ مُسَمَّى الْغَنِيمَةِ فِي الْمَأْخُوذِ مِنْ ذَلِكَ الْكَنْزِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْخُمُسِ إلَّا بِالْإِسْنَادِ إلَى الْأَصْلِ وَقَدْ وُجِدَ دَلِيلٌ يَخْرُجُ عَنْ الْأَصْلِ وَهُوَ عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» بِخِلَافِ الْمُتَلَصِّصِ فَإِنَّ مَا أَصَابَهُ لَيْسَ غَنِيمَةً وَلَا رِكَازًا وَلَا دَلِيلَ يُوجِبُهُ فِيهِ فَبَقِيَ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ. اهـ. فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ وَجَدَهُ فِي دَارِ بَعْضِهِمْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِمْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعْدِنًا أَوْ كَنْزًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ) وَمَعَ هَذَا لَوْ أَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا مَلَكَهُ وَلَمْ يُطْلَبْ بِهِ وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ وَيُكْرَهُ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَفِي هَذَا الْمَحَلِّ فُرُوعٌ جَمَّةٌ يُنْظَرُ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي الصَّحْرَاءِ) أَيْ أَرْضٍ لَا مَالِك لَهَا كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَتَعْلِيلُ الْكِتَابِ يُفِيدُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ لَهُ لِعَدَمِ الْغَدْرِ) يَعْنِي أَنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ إبَاحَةٍ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّحَرُّزُ مِنْ الْغَدْرِ فَقَطْ وَبِأَخْذِ غَيْرِ مَمْلُوكٍ مِنْ أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لَمْ يَغْدِرْ بِأَحَدٍ بِخِلَافِهِ مِنْ الْمَمْلُوكَةِ نَعَمْ لَهُمْ يَدٌ حُكْمِيَّةٌ عَلَى مَا فِي صَحْرَاءِ دَارِهِمْ وَدَارُ الْحَرْبِ لَيْسَتْ دَارَ أَحْكَامٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا إلَّا الْحَقِيقَةُ بِخِلَافِ دَارِنَا فَلِذَا لَا يُعْطَى الْمُسْتَأْمِنُ مِنْهُمْ مَا وَجَدَهُ فِي صَحْرَائِنَا. اهـ. فَتْحٌ. 1 - (فُرُوعٌ) وَمَنْ يَحْفِرُ مَعْدِنًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ يُخْرِجُ الْخُمُسَ وَبَاقِيهِ لَهُ وَإِنْ حَفَرَ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ وَجَاءَ آخَرُ فَحَفَرَ وَوَصَلَ إلَى الْمَعْدِنِ فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ الْوَاجِدُ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْحَفْرِ فَوَجَدَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَهُوَ لِلْوَاجِدِ وَمَنْ تَقَبَّلَ مِنْ السُّلْطَانِ مَعْدِنًا فَاسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ وَاسْتَخْرَجُوا الْمَعْدِنَ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ وَالْبَاقِي لِلْمُتَقَبِّلِ وَإِنْ عَمِلُوا بِغَيْرِ إذْنِ الْمُتَقَبِّلِ فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَهُمْ دُونَ الْمُتَقَبِّلِ وَلَوْ بَاعَ الرِّكَازَ فَالْخُمُسُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ عَلَى الْوَاجِدِ الْبَائِعِ بِخُمُسِ الثَّمَنِ. اهـ. غَايَةٌ وَدِرَايَةٌ 1 - وَفِي الدِّرَايَةِ مَصْرِفُ خُمُسِ الْمَعْدِنِ مَصْرِفُ الْغَنِيمَةِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالْمُزَنِيِّ وَابْنُ الْوَكِيلِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُصْرَفُ إلَى حَمَلَةِ الْقُرْآنِ وَذَوِي الْمَرَضِ وَكَتَبَةِ الْأُمَرَاءِ وَدَوَابِّ الْبُرُدِ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الزَّكَاةِ وَقَاسَهُ عَلَى الزَّرْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ») هُوَ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ» مِنْ طَرِيقَيْنِ ضَعِيفَيْنِ الْأَوَّلُ بِعُمَرَ بْنِ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيِّ وَالثَّانِي بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ لَيْسَ فِي حَجَرِ اللُّؤْلُؤِ

[باب العشر]

الْحِجَارَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَصَارَتْ كَالتُّرَابِ وَالْمِلْحِ وَالنُّورَةِ وَغَيْرِهَا هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا أَخَذَهَا مِنْ مَعْدِنِهَا وَأَمَّا إذَا وُجِدَتْ كَنْزًا وَهُوَ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ فَفِيهِ الْخُمُسُ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكَنْزِ لَا الْمَالِيَّةُ لِكَوْنِهِ غَنِيمَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلُؤْلُؤٌ وَعَنْبَرٌ) أَيْ لَا يُخْمَسُ لُؤْلُؤٌ وَلَا عَنْبَرٌ وَكَذَا جَمِيعُ الْحِلْيَةِ الْمُسْتَخْرَجَةِ مِنْ الْبَحْرِ حَتَّى الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فِيهِ بِأَنْ كَانَتْ كَنْزًا فِي قَعْرِ الْبَحْرِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ فِي جَمِيعِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ لِأَنَّهُ مِمَّا تَحْوِيهِ يَدُ الْمُلُوكِ كَالْمَعْدِنِ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخَذَ الْخُمُسَ مِنْ الْعَنْبَرِ وَلَهُمَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ سُئِلَ عَنْ الْعَنْبَرِ لَا خُمُسَ فِيهِ وَلِأَنَّ قَعْرَ الْبَحْرِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَهْرُ أَحَدٍ فَانْعَدَمَتْ الْيَدُ وَهِيَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْخُمُسِ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْغَنِيمَةِ فَلَمْ تَكُنْ غَنِيمَةً بِدُونِهَا وَلِأَنَّ الْعَنْبَرَ خَثَى دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ وَقِيلَ أَنَّهُ يَنْبُتُ فِي الْبَحْرِ بِمَنْزِلَةِ الْحَشِيشِ وَقِيلَ إنَّهُ شَجَرٌ وَالُؤْلُؤٌ مَطَرُ رَبِيعٍ يَقَعُ فِي الصَّدَفِ فَيَصِيرُ لُؤْلُؤًا وَقِيلَ يُخْلَقُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ مَطَرٍ وَلَا شَيْءٍ فِي الْجَمِيعِ لِمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِغَنِيمَةٍ وَحَدِيثُ عُمَرَ كَانَ فِيمَا دَسَرَهُ الْبَحْرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبِهِ نَقُول لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ فِي أَيْدِيهِمْ بِكَوْنِهِ فِي السَّاحِلِ عِنْدَهُمْ وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا أُخِذَ مِنْ الْبَحْرِ ابْتِدَاءً أَوْ دَسَرَهُ الْبَحْرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَصَارَ حَاصِلُ مَا يُوجَدُ تَحْتَ الْأَرْضِ نَوْعَيْنِ مَعْدِنٌ وَكَنْزٌ وَلَا تَفْصِيلَ فِي الْكَنْزِ بَلْ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ كَيْفَمَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا لِأَنَّهُ دَفِينُ الْكُفَّارِ فَحَوَتْهُ أَيْدِينَا قَهْرًا فَصَارَ غَنِيمَةً وَفِيهَا يُشْتَرَطُ الْمَالِيَّةُ لَا غَيْرُ وَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ يَذُوبُ بِالنَّارِ وَيَنْطَبِعُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَنَوْعٌ لَا يَذُوبُ وَلَا يَنْطَبِعُ كَالْكُحْلِ وَسَائِرِ الْحِجَارَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَنَوْعٌ يَكُونُ مَائِعًا كَالْقِيرِ وَالنِّفْطِ وَالْمِلْحِ الْمَائِيِّ فَالْوُجُوبُ يَخْتَصُّ بِالنَّوْعِ الْأَوَّلِ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (بَابُ الْعُشْرِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ فِي عَسَلِ أَرْضِ الْعُشْرِ وَمَسْقِيِّ سَمَاءٍ وَسَيْحٍ بِلَا شَرْطِ نِصَابٍ وَبَقَاءٍ إلَّا الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ) أَيْ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي عَسَلٍ وُجِدَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ سَوَاءٌ سُقِيَ سَيْحًا أَوْ سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ نِصَابٌ وَلَا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَبْقَى حَتَّى يَجِبَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ إلَّا الْحَطَبِ وَالْقَصَبِ وَالْحَشِيشِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَا لَا يَجِبُ الْعُشْرُ إلَّا فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا حَجَرِ الزُّمُرُّدِ زَكَاةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلُؤْلُؤٌ) اللُّؤْلُؤُ بِهَمْزَتَيْنِ وَبِوَاوَيْنِ وَالثَّانِيَةُ بِالْوَاوِ وَالْأَوَّلُ بِالْهَمْزِ وَبِالْعَكْسِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَرْبَعُ لُغَاتٍ قُلْت لَا يُقَالُ لِتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ لُغَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ خَثَى دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ) أَيْ وَلَيْسَ فِي أَخْثَاءِ الدَّوَابِّ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَشِيشِ) أَيْ فِي الْبَرِّ هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إنَّهُ شَجَرٌ) أَيْ وَلَيْسَ فِي الْأَشْجَارِ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاللُّؤْلُؤُ مَطَرٌ إلَى آخِرِهِ) فَعَلَى هَذَا أَصْلُهُ مَاءٌ وَلَا شَيْءَ فِي الْمَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُخْلَقُ فِيهِ) أَيْ وَأَنَّ الصَّدَفَ حَيَوَانٌ يُخْلَقُ فِيهِ اللُّؤْلُؤُ وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ شَيْءٌ وَنَظِيرُهُ ظَبْيُ الْمِسْكِ يُوجَدُ فِي الْبَرِّ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. اهـ. غَايَةٌ [بَابُ الْعُشْرِ] ِ يَجُوزُ فِيهِ الْإِضَافَةُ وَتَرْكُهَا اهـ بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ وَمَسْقِيِّ سَمَاءٍ وَسَيْحٍ) وَفِي الصِّحَاحِ سَاحَ الْمَاءُ يَسِيحُ سَيْحًا إذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ) ظَاهِرُهُ كَوْنُ سِوَى مَا اسْتَثْنَى دَاخِلًا فِي الْوُجُوبِ وَسَيَنُصُّ عَلَى إخْرَاجِ السَّعَفِ وَالتِّبْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُمْكِنُ إدْرَاجُهُمَا فِي مُسَمَّى الْحَشِيشِ عَلَى مَا فِيهِ وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا مِنْ إخْرَاجِ الطُّرَفَاءِ وَالدُّلْبِ وَشَجَرِ الْقُطْنِ وَالْبَاذِنْجَانِ فَيُدْرَجُ فِي الْحَطَبِ لَكِنْ بَقِيَ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْأَدْوِيَةِ كَالْإِهْلِيلَجِ وَالْكُنْدُرِ وَلَا يَجِبُ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَشْجَارِ كَالصَّمْغِ وَالْقَطِرَانِ وَلَا فِيمَا هُوَ تَابِعٌ لِلْأَرْضِ كَالنَّخْلِ وَالْأَشْجَارِ لِأَنَّهَا كَالْأَرْضِ وَلِهَذَا تَسْتَتْبِعُهَا الْأَرْضُ فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي كُلِّ بَذْرٍ لَا يُطْلَبُ بِالزِّرَاعَةِ كَبِزْرِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ بِكَوْنِهَا غَيْرَ مَقْصُودَةٍ فِي نَفْسِهَا وَيَجِبُ فِي الْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ وَبِزْرِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودٌ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ فِي بَعْضِ هَذِهِ مِمَّا لَا يَرِدُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ أَمَّا قَصَبُ السُّكَّرِ وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ فَفِيهِمَا الْعُشْرُ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِمَا اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى يَجِبَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ) وَجُمِعَتْ بِالْأَلِفِ وَالتَّاءِ لَغَلَبَتْهَا اسْمًا إذْ الْحَمْرَاءُ لَا تُجْمَعُ عَلَى حَمْرَاوَاتٍ وَلَكِنْ تُجْمَعُ عَلَى حُمْرٍ وَحُمْرَانَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ مَذْهَبُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَمُجَاهِدٍ وَحَمَّادٍ وَزُفَرَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَكَاهُ فِي الْإِمَامِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ فِي الْخَضْرَاوَاتِ يُؤَدِّيهَا الْمَالِكُ إلَى الْفَقِيرِ لَا أَنَّهُ يَأْخُذُهَا السُّلْطَانُ هَكَذَا فِي الْأَسْرَارِ لِلْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ) وَهِيَ مَا يَبْقَى سَنَةً بِلَا عِلَاجٍ غَالِبًا بِخِلَافِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْعِنَبِ فِي بِلَادِهِمْ وَالْبِطِّيخِ الصَّيْفِيِّ فِي دِيَارِنَا وَعِلَاجُهُ الْحَاجَةُ إلَى تَقْلِيبِهِ وَتَعْلِيقِ الْعِنَبِ. اهـ. فَتْحٌ وَذُكِرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّ التِّينَ الَّذِي يَبِسَ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَلَا عُشْرَ فِي التُّفَّاحِ وَالْخَوْخِ الَّذِي يُشَقُّ وَيَيْبَسُ إذْ الْغَالِبُ خِلَافُهُ فَاعْتُبِرَ الْغَالِبُ فِيهِ وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَيَجِبُ فِي بِزْرِ الْقُنَّبِ دُونَ عِيدَانِهِ وَيَجِبُ فِي الْكَمُّونُ وَالْكَرَاوْيَا وَالْخَرْدَلِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْحُبُوبِ. اهـ. غَايَةٌ

إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَارَ الْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ النِّصَابِ وَفِي اشْتِرَاطِ الْبَقَاءِ لَهُمَا فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَتَعَيَّنَ الْعُشْرُ وَلِأَنَّهُ صَدَقَةٌ حَتَّى يَصْرِفَ مَصَارِفَهَا وَلَا يُبْتَدَأُ الْكَافِرُ بِهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّصَابُ لِيَتَحَقَّقَ الْغِنَى كَالزَّكَاةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثْرِيًّا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ غَيْرُ مُسْلِمٍ كُلُّ ذَلِكَ بِلَا فَصْلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ مُؤْنَةً لَهَا فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَالْخَرَاجِ وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ وَقِيمَةُ الْوَسْقِ كَانَتْ يَوْمئِذٍ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ فِيهِ يُنْبِئُ عَنْهَا وَلَا يُعْتَبَرُ الْمَالِكُ فِيهِ حَتَّى تَجِبَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ وَالْمُكَاتَبِ فَكَيْفَ تُعْتَبَرُ صِفَتُهُ وَهُوَ الْغِنَى وَلَهُمَا فِي الثَّانِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ غَيْرُ مَنْفِيَّةٍ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ الْعُشْرُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ السَّبَبَ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ وَقَدْ يُسْتَنْمَى بِمَا لَا يَبْقَى فَيَجِبُ الْعُشْرُ كَالْخَرَاجِ وَمَا رَوَيَاهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ لِأَنَّ أَبَا عِيسَى قَالَ لَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى صَدَقَةٍ يَأْخُذُهَا الْعَاشِرُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهَذَا بِخِلَافِهِ ظَاهِرًا أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ عَيْنِهِ بَلْ يَأْخُذُ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِأَخْذِ الْعَيْنِ فِي الْبَرَارِيِّ حَيْثُ لَا يَجِدُ مَنْ يَشْتَرِيهِ. أَمَّا الْحَطَبُ وَالْقَصَبُ وَالْحَشِيشُ لَا يُقْصَدُ بِهَا اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ غَالِبًا بَلْ تُنْفَى عَنْهَا حَتَّى لَوْ اسْتَغَلَّ بِهَا أَرْضَهُ وَجَبَ فِيهَا الْعُشْرُ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَا يُقْصَدُ بِهِ اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ لَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَذَلِكَ مِثْلُ السَّعَفِ وَالتِّبْنِ وَكُلُّ حُبٍّ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ كَبِزْرِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ لِكَوْنِهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فِي نَفْسِهَا وَكَذَا لَا عُشْرَ فِيمَا هُوَ تَابِعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَالْوَسْقُ إلَى آخِرِهِ) هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَيُرْوَى بِكَسْرِهَا أَيْضًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ وَالنَّوَوِيُّ وَسُكُونِ السِّينِ. اهـ. غَايَةٌ (فَرْعٌ) الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ إذَا بَلَغَ نِصَابًا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْمِلْكُ دُونَ الْمَالِكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ حَتَّى يَبْلُغَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) وَكُلُّ صَاعٍ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ فَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَلْفٌ وَمِائَتَا مَنٍّ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَقَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ الْوَسْقُ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ وَكَوْنُ الْوَسْقِ سِتِّينَ صَاعًا مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ لِحَدِيثِ الْأَوْسَاقِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ عَثْرِيًّا) الْعَثَرِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَيُرْوَى سُكُونُهَا هُوَ مَا تَسْقِيهِ السَّمَاءُ وَتُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ الْعَذْيَ وَأَنْكَرَ الْقَلَعِيُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ الْعَثَرِيُّ الشَّجَرُ الَّذِي يَشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ الْمُجْتَمِعِ فِي مَوْضِعٍ فَيَجْرِي إلَيْهِ كَالسَّاقِيَةِ وَقَالَ إنَّمَا هُوَ مَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْقَلَعِيُّ بَلْ قَوْلٌ قَلِيلٌ لِأَهْلِ اللُّغَةِ وَذَكَرَ ابْنُ فَارِسٍ فِيهِ قَوْلَيْنِ لِأَهْلِ اللُّغَةِ وَقَالَ الْعَثَرِيُّ مِنْ النَّخْلِ مَا سُقِيَ سَيْحًا وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّ الْعَثَرِيَّ مَخْصُوصٌ بِمَا سُقِيَ مِنْ مَاءِ السَّيْلِ. اهـ. غَايَةٌ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ يُنْبِئُ عَنْهَا) أَيْ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ فِيمَا أَخْرَجَتْ اسْمُ الْعُشْرِ لَا الصَّدَقَةُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ) أَيْ كَالرَّيَاحِينِ وَالْأَوْرَادِ وَالْبُقُولِ وَالْخِيَارِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ يَجِبُ فِي كُلِّ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ) أَيْ بِالْخَارِجِ تَحْقِيقًا فِي حَقِّ الْعُشْرِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَبْلَ السَّبَبِ فَإِذَا أَخْرَجَتْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لَوْ لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا لَكَانَ إخْلَاءً لِلسَّبَبِ عَنْ الْحُكْمِ وَحَقِيقَةُ الِاسْتِدْلَالِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَامِّ السَّابِقِ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلِ الْجَعْلِ وَالْمُفِيدُ لِسَبَبِيَّتِهَا كَذَلِكَ هُوَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ الْخَاصُّ أَفَادَ أَنَّ السَّبَبَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِإِخْرَاجِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا لَا مُطْلَقًا فَلَا يَصِحُّ هَذَا مُسْتَقِلًّا بَلْ هُوَ فَرْعُ الْعَامِّ الْمُفِيدِ سَبَبِيَّتُهَا مُطْلَقًا وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَنْعِ تَعْجِيلِ الْعُشْرِ فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ أَجَازَهُ بَعْدَ الزَّرْعِ قَبْلَ النَّبَاتِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الثَّمَرَةِ فِي الشَّجَرِ هَكَذَا حُكِيَ مَذْهَبُهُ فِي الْكَافِي وَفِي الْمَنْظُومَةِ خَصَّ خِلَافَهُ بِثَمَرِ الْأَشْجَارِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ السَّبَبِ نَظَرًا إلَى أَنَّ نُمُوَّ الْأَشْجَارِ يُثْبِتُ نَمَاءَ الْأَرْضِ تَحْقِيقًا فَيَثْبُتُ السَّبَبُ بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَمْ يَتَحَقَّقْ نَمَاءُ الْأَرْضِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ مِثْلُ السَّعَفِ إلَى آخِرِهِ) السَّعَفُ وَرَقُ جَرِيدِ النَّخْلِ الَّذِي يُصْنَعُ مِنْهُ الزِّنْبِيلُ وَالْمَرَاوِحُ وَعَنْ اللَّيْثِ أَكْثَرُ مَا يُقَالُ لَهُ السَّعَفُ إذْ يَبِسَ وَإِذَا كَانَتْ رَطْبَةً فَهِيَ الشَّطْبَةُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالتِّبْنُ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي التِّبْنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِزِرَاعَةِ الْحَبِّ غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ فَصَلَهُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَبِّ وَجَبَ الْعُشْرُ فِيهِ لِأَنَّهُ صَارَ هُوَ الْمَقْصُودُ وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ كَانَ الْعُشْرُ فِيهِ قَبْلَ الِانْعِقَادِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الْحَبِّ عِنْدَ الِانْعِقَادِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي التِّبْنِ إذَا يَبِسَ فِيهِ الْعُشْرُ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ مَا يَسْتَنْبِتُ فِي الْأَرْضِ وَيُقْصَدُ بِالِاسْتِغْلَالِ كَقَوَائِمِ الْخِلَافِ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ فَإِنَّ صَاحِبَ التُّحْفَةِ قَالَ يُقْطَعُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي كُلِّ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعٍ اهـ (فَرْعٌ) اُخْتُلِفَ فِي الْمَنِّ إذَا سَقَطَ عَلَى الشَّوْكِ الْأَخْضَرِ فِي أَرْضِهِ قِيلَ لَا يَجِبُ فِيهِ عُشْرٌ وَقِيلَ يَجِبُ وَلَوْ سَقَطَ عَلَى الْأَشْجَارِ لَا يَجِبُ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ

لِلْأَرْضِ كَالنَّخْلِ وَالْأَشْجَارِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ جُزْءِ الْأَرْضِ وَلِهَذَا يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ وَكُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الشَّجَرِ كَالصَّمْغِ وَالْقَطِرَانِ لَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ الِاسْتِغْلَالُ وَيَجِبُ فِي الْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ وَبِزْرِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ فِيهِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِيمَا لَا يُوَسَّقُ إذَا كَانَ مِمَّا يَبْقَى كَالزَّعْفَرَانِ وَالْقُطْنِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَسْقِ كَالذُّرَةِ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ فِيهِ فَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَا يُمْكِنُ كَمَا فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُهُ رَدَدْنَاهُ إلَى النَّقْدَيْنِ وَاعْتِبَارُ الْأَدْنَى لِكَوْنِهِ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ الْخَارِجُ خَمْسَةَ أَعْدَادٍ مِنْ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ فَاعْتُبِرَ فِي الْقُطْنِ خَمْسَةُ أَحْمَالٍ كُلُّ حِمْلٍ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ وَفِي الزَّعْفَرَانِ خَمْسَةُ أَمْنَانٍ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوَسْقِ كَانَ لِأَجْلِ أَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ كُلِّ نَوْعٍ بِأَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ نَوْعَيْنِ يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَالْعَسَلُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ عِنْدَهُ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قِيمَةُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ فِيمَا لَا يُوَسَّقُ وَعَنْهُ أَنَّهُ قَدْرُهُ بِعَشْرٍ قِرَبٍ لِأَنَّ بَنِي سَيَّارَةَ كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْهُ التَّقْدِيرُ بِعَشْرَةِ أَرْطَالٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِخَمْسَةِ أَفْرَاقٍ كُلُّ فَرْقٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا لِأَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحَيَوَانِ فَأَشْبَهَ الْإِبْرَيْسَمَ وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشْرُ» ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ وَلِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الثِّمَارَ وَالْأَنْوَارَ وَفِيهِمَا الْعُشْرُ فَكَذَا مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا بِخِلَافِ دُودِ الْقَزِّ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْأَوْرَاقَ وَلَا عُشْرَ فِيهَا. وَمَا يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ مِنْ الْعَسَلِ وَالثِّمَارِ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ السَّبَبَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ وَلَمْ تُوجَدْ قُلْنَا الْمَقْصُودُ الْخَارِجُ وَقَدْ حَصَلَ وَفِي قَصَبِ السُّكْرِ الْعُشْرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ عِنْدَهُ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يَعْتَبِرَ قِيمَةَ مَا يَخْرُجُ مِنْ السُّكْرِ أَنْ يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصَابُ السُّكَّرِ خَمْسَةُ أَمْنَانٍ لِأَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ كَالزَّعْفَرَانِ ثُمَّ وَقْتُ وُجُوبِ الْعُشْرِ عِنْدَ ظُهُورِ الثَّمَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقْتُ الْإِدْرَاكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقْتُ تَصْفِيَتِهِ وَحُصُولِهِ فِي الْحَظِيرَةِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِصْفُهُ فِي مَسْقِيِّ غَرَبٍ وَدَالِيَةٍ) أَيْ يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِغَرَبٍ أَوْ دَالِيَةٍ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الَّذِي فِي يَجِبُ وَجَازَ ذَلِكَ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ وَإِنَّمَا يَجِبُ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَكْثُرُ فِيهِ وَتَقِلُّ فِيمَا سُقِيَ سَيْحًا أَوْ سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَإِنْ سُقِيَ سَيْحًا وَبِدَالِيَةٍ فَالْمُعْتَبَرُ أَكْثَرُ السَّنَةِ كَمَا مَرَّ فِي السَّائِمَةِ وَالْعُلُوفَةِ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ إنْ سَقَى نِصْفَهَا بِكُلْفَةٍ وَنِصْفَهَا بِغَيْرِ كُلْفَةٍ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ فَيُؤْخَذُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَظِيفَتَيْنِ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (قَالَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى رَحْمَةِ رَبِّهِ وَعَفْوِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ نَوْعَيْنِ) أَيْ كُلٌّ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ) أَيْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ) أَيْ كَالرَّدِيءِ وَالْجَيِّدِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ إذَا أَخَذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ. اهـ. فَتْحٌ وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَالْمُفِيدِ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ أَنْوَارِ الثِّمَارِ وَلَا شَيْءَ فِي الثِّمَارِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَكَذَا فِيمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ ثِمَارِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ بَنِي سَيَّارَةَ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابِ الْمُؤْتَلَفِ وَالْمُخْتَلِفِ صَوَابُهُ شَبَابَةَ بِالْمُعْجَمَةِ وَبِبَاءَيْنِ مُوَحَّدَتَيْنِ وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ فِهْرٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ كُلُّ فَرَقٍ إلَخْ) الْفَرَقُ بِتَحْرِيكِ الرَّاءِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يُسَكِّنُونَهَا وَهُوَ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ إنَّهُ لَمْ يَرَ تَقْدِيرَهُ لِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فِيمَا عِنْدَهُ مِنْ أُصُولِ اللُّغَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ الْإِبْرَيْسَمَ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَفَتْحِ السِّينِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي قَصَبِ السُّكَّرِ الْعُشْرُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْد أَنْ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ مَعْزِيًّا إلَيْهِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ بَلْ إذَا بَلَغَ قِيمَةَ نَفْسِ الْخَارِجِ مِنْ الْقَصَبِ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يُوَسَّقُ كَانَ ذَلِكَ نِصَابُ الْقَصَبِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصَابُ السُّكَّرِ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ يُرِيدُ إذَا بَلَغَ الْقَصَبُ قَدْرًا يَخْرُجُ مِنْهُ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ سُكَّرٍ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِلَّا فَالسُّكَّرُ نَفْسُهُ لَيْسَ مَالُ الزَّكَاةِ إلَّا إذَا أُعِدَّ لِلتِّجَارَةِ وَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ أَنْ يَبْلُغَ قِيمَتَهُ نِصَابًا وَإِذَنْ فَالصَّوَابُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ يَبْلُغَ الْقَصَبُ الْخَارِجُ خَمْسَةَ مَقَادِيرَ مِنْ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ الْقَصَبُ لِنَفْسِهِ كَخَمْسَةِ أَطْنَانٍ فِي عُرْفِ دِيَارِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ) وَعِنْدَهُمَا فِيهِ وَفِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْإِمَامُ يَجِبُ عَلَيْهِ عُشْرُ مَا أَكَلَ أَوْ أَطْعَمَ وَمُحَمَّدٌ يُحْتَسَبُ بِهِ فِي تَكْمِيلِ الْأَوْسُقِ يَعْنِي إذَا بَلَغَ الْمَأْكُولُ مَعَ مَا بَقِيَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْبَاقِي لَا فِي التَّالِفِ وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَلَا يَعْتَبِرُ الزَّاهِدَ بَلْ يَعْتَبِرُ فِي الْبَاقِي خَمْسَةَ أَوْسُقٍ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْمَالِكُ مِنْ الْمُتْلِفِ ضَمَانَ مَا أَتْلَفَهُ فَيَجِبُ عُشْرُهُ وَعُشْرُ مَا بَقِيَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَنِصْفُهُ فِي مَسْقِيِّ غَرْبٍ إلَخْ) الْغَرْبُ الدَّلْوُ الْكَبِيرُ وَالدَّالِيَةُ الدُّولَابُ وَالسَّانِيَةُ النَّاقَةُ الَّتِي يُسْقَى بِهَا اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ يَجِبُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَنَا أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ اهـ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَإِنْ سُقِيَ سَيْحًا وَبِدَالِيَةِ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ السَّنَةِ فَإِنْ اسْتَوَيَا يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ نَظَرًا لِلْمَالِكِ كَالسَّائِمَةِ. اهـ. (قُلْت) وَهَذَا النَّقْلُ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَكَأَنَّهُ

قِيَاسُ هَذَا عَلَى السَّائِمَةِ يُوجِبُ الْأَقَلَّ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَهُمَا فَشَكَكْنَا فِي الْأَكْثَرِ فَلَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ بِالشَّكِّ كَمَا قُلْنَا هُنَاكَ إنَّهُ إذَا عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ تَرَدَّدَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُرْفَعُ الْمُؤَنُ) أَيْ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ لَا تُحْتَسَبُ أُجْرَةُ الْعُمَّالِ وَنَفَقَةُ الْبَقَرِ وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ وَأُجْرَةُ الْحَافِظِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْمُؤَنِ مِنْ الْخَارِجِ فَتُسَلَّمُ لَهُ بِلَا عُشْرٍ ثُمَّ يُعْشَرُ الْبَاقِي لِأَنَّ قَدْرَ الْمُؤَنِ كَالسَّالِمِ لَهُ بِعِوَضٍ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَلَنَا إطْلَاقُ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حُكْمٌ بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمُؤْنَةِ فَلَا مَعْنَى لِرَفْعِهَا إذْ لَوْ رُفِعَتْ الْمُؤْنَةُ لَكَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا وَهُوَ الْعُشْرُ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْمُؤْنَةِ لَا فِيمَا يَبْقَى بَعْدَ رَفْعِهَا لِأَنَّ الْبَاقِيَ حَاصِلٌ بِلَا عِوَضٍ فِيهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضِعْفُهُ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ لِتَغْلِبِيٍّ وَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ ابْتَاعَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) أَيْ وَيَجِبُ ضِعْفُ الْعُشْرِ وَهُوَ الْخُمُسُ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ لِبَنِي تَغْلِبَ وَلَوْ أَسْلَمَ هُوَ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَمَّا وُجُوبُ الضِّعْفِ عَلَيْهِ فَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِيمَا اشْتَرَاهُ التَّغْلِبِيُّ مِنْ الْمُسْلِمِ عُشْرًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ عِنْدَهُ وَأَمَّا بَقَاءُ التَّضْعِيفِ بَعْدَمَا أَسْلَمَ هُوَ أَوْ بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فَلِأَنَّ التَّضْعِيفَ صَارَ وَظِيفَةً فَيَبْقَى بَعْدَ إسْلَامِهِ كَالْخَرَاجِ وَتَنْتَقِلُ إلَى الْمُسْلِمِ وَإِلَى الذِّمِّيِّ بِمَا فِيهَا مِنْ الْوَظِيفَةِ كَالْخَرَاجِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّضْعِيفَ خَرَاجٌ وَالْمُسْلِمَ أَهْلٌ لَهُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَكَذَا الذِّمِّيُّ أَهْلٌ لِلتَّضْعِيفِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ التَّغْلِبِيُّ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ تَعُودُ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ لِزَوَالِ الدَّاعِي إلَى التَّضْعِيفِ وَهُوَ الْكُفْرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ كُلِّهَا مِنْ السَّوَائِمِ وَالنَّقْدِ وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ ثُمَّ إذَا أَسْلَمَ أَوْ بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ سَقَطَ التَّضْعِيفُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ ذِمِّيٌّ آخَرُ غَيْرُ التَّغْلِبِيِّ حَيْثُ يَبْقَى مُضَاعَفًا عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى التَّضْعِيفِ بَاقٍ فِيهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّضْعِيفَ خَرَاجٌ وَالْخَرَاجُ لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْمُسْلِمِ بِخِلَافِ التَّضْعِيفِ فِي السَّوَائِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ لَا تَوْظِيفَ فِيهَا وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِجَعْلِ السَّوَائِمِ عُلُوفَةً وَأَمْوَالُ التِّجَارَةِ لِلْخِدْمَةِ وَبَيْعُهَا لِذِمِّيٍّ غَيْرِ التَّغْلِبِيِّ فَكَذَا لَا تَتَغَيَّرُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْمُسْلِمِ وَاخْتَلَفَتْ نُسَخُ الْكِتَابِ وَهُوَ الْمَبْسُوطُ فِي بَيَانِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بَقَاءِ التَّضْعِيفِ إنْ كَانَ التَّضْعِيفُ أَصْلِيًّا وَلَا يُتَصَوَّرُ التَّضْعِيفُ الْحَادِثُ عِنْدَهُ لِأَنَّ وَظِيفَةَ الْأَرْضِ لَا تَتَغَيَّرُ عِنْدَهُ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخَرَاجٌ إنْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ مُسْلِمٍ) أَيْ يَجِبُ الْخَرَاجُ إنْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ غَيْرَ تَغْلِبِيٍّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ مُسْلِمٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا وَيُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا التَّغْلِبِيُّ وَهَذَا أَهْوَنُ مِنْ التَّبْدِيلِ وَهَذَا لِأَنَّ الْكَافِرَ أَهْلٌ لِلتَّضْعِيفِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلصَّدَقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ يُضَعِّفُ عَلَيْهِ وَكَذَا بَنُو تَغْلِبَ يُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ فِي جَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ فَلَا تَنَافِيَ ثُمَّ هُوَ خَرَاجٌ حَقِيقَةً فَيُوضَعُ مَوْضِعَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عُشْرٌ وَاحِدٌ كَمَا كَانَتْ لِأَنَّ وَظِيفَةَ الْأَرْضِ لَا تَتَبَدَّلُ عِنْدَهُ كَالْخَرَاجِ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ فِي رِوَايَةِ قُرَيْشِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْهُ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الزَّكَاةِ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَمَّا لَمْ يَتَغَيَّرْ عِنْدَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ مَصْرِفُهُ أَيْضًا لِأَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ فَلَا يَسْقُطُ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْكَافِرِ لَيْسَ بِصَدَقَةٍ بَلْ هُوَ خَرَاجٌ فَيُصْرَفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ) أَيْ مِمَّا فِيهِ الْعُشْرُ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ مِمَّا فِيهِ الْعُشْرُ أَيْ أَوْ نِصْفُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْحَافِظِ وَغَيْرُ ذَلِكَ) يَعْنِي لَا يُقَالُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي قَدْرِ الْخَارِجِ الَّذِي بِمُقَابَلَةِ الْمُؤْنَةِ بَلْ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْكُلِّ فِي الْمَرْغِينَانِيِّ مُؤْنَةُ حَمْلِ الْعُشْرِ عَلَى السُّلْطَانِ دُونَ صَاحِبِ الْأَرْضِ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ قَدْرَ الْمُؤَنِ كَالسَّالِمِ إلَخْ) أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ سَلِمَ لَهُ قَدْرُ مَا غَرِمَ مِنْ نُقْصَانِ الْأَرْضِ وَطَابَ لَهُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَكَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا وَهُوَ الْعُشْرُ) أَيْ دَائِمًا فِي الْبَاقِي لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ إلَى نِصْفِهِ إلَّا لِلْمُؤْنَةِ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ رَفْعِ قَدْرِ الْمُؤْنَةِ لَا مُؤْنَةَ فِيهِ فَكَانَ الْوَاجِبُ دَائِمًا الْعُشْرَ لَكِنَّ الْوَاجِبَ قَدْ تَفَاوَتَ شَرْعًا مَرَّةً الْعُشْرُ وَمَرَّةً نِصْفُهُ لِسَبَبِ الْمُؤْنَةِ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ شَرْعًا عَدَمَ عُشْرِ بَعْضِ الْخَارِجِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُسَاوِي لِلْمُؤْنَةِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ لِتَغْلِبِيٍّ) وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى بَنِي تَغْلِبَ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ. اهـ. عَيْنِيٌّ وَفِي الصِّحَاحِ تَغْلِبُ أَبُو قَبِيلَةٍ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا تَغْلِبِيٌّ بِفَتْحِ اللَّامِ اسْتِيحَاشًا لِتَوَالِي الْكَسْرَتَيْنِ مَعَ يَاءَيْ النَّسَبِ وَرُبَّمَا قَالُوهُ بِالْكَسْرِ لِأَنَّ فِيهِ حَرْفَيْنِ غَيْرَ مَكْسُورَيْنِ وَفَارَقَ النِّسْبَةَ إلَى نَمِرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَبْقَى بَعْدَ إسْلَامِهِ كَالْخَرَاجِ) أَيْ فَإِنَّ أَرْضَ الْخَرَاجِ لَا تَتَغَيَّرُ بِالْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ) فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ نِصْفُ الْعُشْرِ وَهُوَ تَضْعِيفٌ عَلَى كَافِرٍ غَيْرِ تَغْلِبِيٍّ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ كَانَ التَّضْعِيفُ أَصْلِيًّا) أَيْ بِأَنْ وَرِثَهَا مِنْ آبَائِهِ أَوْ تَدَاوَلَتْهَا الْأَيْدِي مِنْ تَغْلِبِيٍّ إلَى تَغْلِبِيٍّ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ التَّضْعِيفُ الْحَادِثُ إلَخْ) بِأَنْ اشْتَرَاهَا التَّغْلِبِيُّ مِنْ مُسْلِمٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَخَرَاجٍ إنْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ أَرْضًا إلَخْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْخَرَاجُ لَا يَتَبَدَّلُ وَالْعُشْرُ يَتَبَدَّلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَتَبَدَّلَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَتَبَدَّلَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ فِي رِوَايَةِ قُرَيْشِ بْنِ إسْمَاعِيلَ) كَذَا هُوَ فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ

مَصَارِفَهُ، كَمَالٍ يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْهُمْ وَكَالْمَأْخُوذِ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْكُفْرُ يُنَافِيهَا وَلَا وَجْهَ لِلتَّضْعِيفِ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَالْإِسْلَامُ لَا يُنَافِيهَا بَقَاءً كَالرِّقِّ ثُمَّ لَمْ يَشْتَرِطْ الْقَبْضَ لِوُجُوبِ الْخَرَاجِ فِي الْكِتَابِ وَشَرَطَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ وَلَوْ اشْتَرَى تَغْلِبِيٌّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ مُسْلِمٍ يُضَاعَفُ الْعُشْرُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ لِدُخُولِهَا تَحْتَ قَوْلِهِ وَضَعَّفَهُ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ لِتَغْلِبِيٍّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعُشْرٌ إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ بِشُفْعَةٍ أَوْ رَدَّ عَلَى الْبَائِعِ لِلْفَسَادِ) أَيْ يَجِبُ عُشْرٌ وَاحِدٌ إنْ أَخَذَهَا مِنْ الذِّمِّيِّ مُسْلِمٌ بِالشُّفْعَةِ أَوْ رَدَّ عَلَى الْبَائِعِ الْمُسْلِمِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَى الشَّفِيعِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بِالرَّدِّ وَالْفَسْخِ جَعَلَ الْبَيْعَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ وَهُوَ الْبَائِعُ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهَذَا الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مُسْتَحِقَّ الرَّدِّ وَكَذَلِكَ الرَّدُّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ بِقَضَاءٍ لِأَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ إنْ كَانَ بِقَضَاءٍ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ الْفَسْخِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ وَهِيَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَصَارَ شِرَاءً مِنْ الذِّمِّيِّ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْوَظِيفَةِ وَقِيلَ لَيْسَ لِلذِّمِّيِّ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ لِأَنَّ كَوْنَهَا خَرَاجِيَّةً عَيْبٌ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ يَرْتَفِعُ بِالْفَسْخِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَعَلَ مُسْلِمٌ دَارِهِ بُسْتَانًا فَمُؤْنَتُهُ تَدُورُ مَعَ مَائِهِ) فَإِنْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْعُشْرِ فَهُوَ عُشْرِيٌّ وَإِنْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَهُوَ خَرَاجِيٌّ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُبْتَدَأُ بِالْخَرَاجِ لَكِنَّ الْوَظِيفَةَ تَدُورُ مَعَ الْمَاءِ الْخَرَاجِيِّ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَنْمُو إلَّا بِالْمَاءِ فَصَارَتْ تَبَعًا لَهُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا بِهِ كَأَنَّهُ مَلَكَ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً وَظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ خَرَاجٍ عَلَى الْمُسْلِمِ وَجَعَلُوهُ نَقْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوهُ بَلْ نَقُولُ كَانَ فِي الْمَاءِ وَظِيفَةٌ قَدِيمَةٌ فَلَزِمَتْهُ بِالسَّقْيِ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا جَعَلَ الذِّمِّيُّ دَارِهِ بُسْتَانًا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فِيهِ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِهِ قَالُوا يَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يَجِبَ فِيهِ الْعُشْرَانِ وَعَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعُشْرٌ إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ وَضْعِ الْخَرَاجِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَصَارَ شِرَاءً مِنْ الذِّمِّيِّ) أَيْ بَعْدَمَا صَارَتْ خَرَاجِيَّةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَيْسَ لِلذِّمِّيِّ إلَخْ) هَذَا الْقَوْلُ عَزَاهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى نَوَادِرِ زَكَاةِ الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ) هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِمَّا فِي النَّوَادِرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ بِالرَّدِّ بِالْقَضَاءِ لِلْمَانِعِ فَمَنْعُهُ بِأَنَّهُ مَانِعٌ مُرْتَفِعٌ بِالرَّدِّ وَهَذَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الرَّدَّ بِالتَّرَاضِي إقَالَةٌ فَلَا يَمْتَنِعُ لِلْعَيْبِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَعَلَ مُسْلِمٌ دَارِهِ بُسْتَانًا إلَى آخِرِهِ) الْبُسْتَانُ كُلُّ أَرْضٍ تَحَوَّطَ عَلَيْهَا حَائِطٌ وَفِيهَا أَشْجَارٌ مُتَفَرِّقَةٌ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَهُوَ خَرَاجِيٌّ) قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ كَانَتْ تُسْقَى بِهَذَا مَرَّةً وَبِهَذَا أُخْرَى فَالْعُشْرُ أَحَقُّ بِالْمُسْلِمِ اهـ أَيْ وَإِنْ كَانَتْ عُشْرِيَّةً فِي الْأَصْلِ سَقَطَ عُشْرُهَا بِاخْتِطَاطِهَا دَارًا. اهـ. فَتْحٌ وَإِنْ كَانَتْ خَرَاجِيَّةً سَقَطَ خَرَاجُهَا بِالِاخْتِطَاطِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَعَلَ الذِّمِّيُّ دَارِهِ بُسْتَانًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ فِيمَا إذَا اتَّخَذَ الذِّمِّيُّ دَارِهِ بُسْتَانًا أَوْ رَضَخَتْ لَهُ أَرْضٌ أَوْ أَحْيَاهَا فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِنْ سَقَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِيهَا الْعُشْرُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ إذَا سَقَى دَارِهِ الَّتِي جَعَلَهَا بُسْتَانًا بِمَاءِ الْخَرَاجِ حَيْثُ يَجِبُ الْخَرَاجُ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِيهِمَا عُشْرَانِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَاحِدٌ كَمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِمَا ثُمَّ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَرْضٍ اسْتَقَرَّ فِيهَا الْعُشْرُ وَصَارَ وَظِيفَةً لَهَا بِأَنْ كَانَتْ فِي يَدِ مُسْلِمٍ اهـ وَقَدْ قَرَّرَ هُوَ ثُبُوتَ الْوَظِيفَةِ فِي الْمَاءِ وَهُوَ حَقٌّ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَدْفَعُ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ بِمَا أَوْرَدَهُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ فِي جَعْلِهَا خَرَاجِيَّةً إذَا سُقِيَتْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ ابْتِدَاءً تَوْظِيفُ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ كَمَا ظَنَّهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ حُسَامُ الدِّينِ السِّغْنَاقِيُّ فِي النِّهَايَةِ وَأَيَّدَ عَدَمَ امْتِنَاعِهِ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو الْيُسْرِ مِنْ أَنَّ ضَرْبَ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً جَائِزٌ وَقَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ لَا صِغَارَ فِي خَرَاجِ الْأَرَاضِي إنَّمَا الصَّغَارُ فِي خَرَاجِ الْجَمَاجِمِ بَلْ إنَّمَا هُوَ انْتِقَالُ مَا تَقَرَّرَ فِيهِ الْخَرَاجُ بِوَظِيفَتِهِ إلَيْهِ وَهُوَ الْمَاءُ فَإِنَّ فِيهِ وَظِيفَةَ الْخَرَاجِ فَإِذَا سُقِيَ بِهِ انْتَقَلَ هُوَ بِوَظِيفَتِهِ إلَى أَرْضِ الْمُسْلِمِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى خَرَاجِيَّةً وَهَذَا لِأَنَّ الْمُقَاتِلَةَ هُمْ الَّذِينَ حَمَوْا هَذَا الْمَاءَ فَثَبَتَ حَقُّهُمْ فِيهِ وَحَقُّهُمْ هُوَ الْخَرَاجُ فَإِذَا سَقَى بِهِ مُسْلِمٌ أَخَذَ مِنْهُ حَقَّهُمْ كَمَا أَنَّ ثُبُوتَ حَقِّهِمْ فِي الْأَرْضِ أَعْنِي خَرَاجَهَا لِحِمَايَتِهِمْ إيَّاهَا مِثْلُ ذَلِكَ وَصَرَّحَ مُحَمَّدٌ فِي أَبْوَابِ السِّيَرِ مِنْ الزِّيَادَاتِ بِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُبْتَدَأُ بِتَوْظِيفِ الْخَرَاجِ وَحَمَلَهُ السَّرَخْسِيُّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُبَاشِرْ سَبَبَ ابْتِدَائِهِ بِذَلِكَ لِيَخْرُجَ هَذَا الْوَضْعُ وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْهُ اهـ قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي مَاءِ الْخَرَاجِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ مَاءَ الْأَنْهَارِ الَّتِي شَقَّتْهَا الْكَفَرَةُ كَانَتْ لَهُمْ يَدٌ عَلَيْهَا ثُمَّ حَوَيْنَاهَا قَهْرًا وَقَرَّرْنَا يَدَ أَهْلِهَا عَلَيْهَا كَأَرَاضِيِهِمْ وَأَمَّا مَاءُ الْعُشْرِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فَإِنَّ الْآبَارَ وَالْعُيُونَ الَّتِي فِي دَارِ الْحَرْبِ وَحَوَيْنَاهَا قَهْرًا خَرَاجِيَّةٌ صَرَّحُوا بِذَلِكَ مُعَلِّلِينَ بِأَنَّهَا غَنِيمَةٌ وَعَلَّلُوا الْعُشْرِيَّةَ بِعَدَمِ ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهَا فَلَمْ تَكُنْ غَنِيمَةً وَلَا يَتِمُّ هَذَا إلَّا فِي الْبِحَارِ وَالْأَمْطَارِ ثُمَّ قَالُوا فِي مَائِهِمَا لَوْ سَقَى كَافِرٌ بِهِمَا أَرْضَهُ يَكُونُ فِيهَا الْخَرَاجُ بَلْ الْبِحَارُ أَيْضًا خَرَاجِيَّةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَاءُ الْمَطَرِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَافِرَ إذَا سَقَى بِهِ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ اشْتَرَاهَا ذِمِّيٌّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ الَّتِي كَانَتْ حِينَ كَانَتْ الْأَرْضُ دَارَ حَرْبٍ خَرَاجِيَّةً لَا يَنْفِي الْعُشْرَ فِي كُلِّ عَيْنٍ وَبِئْرٍ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ احْتَفَرَتْهَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ صَيْرُورَةِ الْأَرْضِ دَارَ إسْلَامٍ وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ التَّعْمِيمُ فَإِنَّ مَا تَرَاهُ مِنْهَا الْآنَ إمَّا

[باب المصرف]

قَوْلِ مُحَمَّدٍ عُشْرٌ وَاحِدٌ كَمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِمَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَرْضٍ اسْتَقَرَّ فِيهَا الْعُشْرُ وَصَارَ وَظِيفَةً لَهَا بِأَنْ كَانَتْ فِي يَدِ مُسْلِمٍ ثُمَّ الْمَاءُ الْخَرَاجِيُّ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي كَانَ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَالْعُشْرِيُّ مَا عَدَا ذَلِكَ كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْبِحَارِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي سَيْحُونَ وَجَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتَ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عُشْرِيٌّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَرَاجِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ أَوْ لَا يَدْخُلُ وَهَلْ تَرِدُ عَلَيْهِ يَدُ أَحَدٍ أَمْ لَا وَهَكَذَا ذَكَرُوا وَهَذَا فِي حَقِّ الْخَرَاجِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ لَهُ مَاءً حَقِيقَةٌ لِأَنَّ الْأَنْهُرَ الَّتِي احْتَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ حَوَتْهَا أَيْدِينَا قَهْرًا كَأَرَاضِيِهِمْ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْعُشْرِ فَلَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ لَا مَاءَ لَهُ حَقِيقَةً وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الْخَرَاجِ فِي أَرْضٍ لِكَافِرٍ تُسْقَى بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْبِحَارِ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمِيَاهُ عُشْرِيَّةً لَاخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ اشْتَرَاهَا ذِمِّيٌّ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ تَدُورُ مَعَ الْمَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَارُهُ حُرٌّ) أَيْ دَارُ الذِّمِّيِّ حُرَّةٌ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الْمَسَاكِنَ عَفْوًا وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهَا لَا تُسْتَنْمَى وَوُجُوبُ الْخَرَاجِ بِاعْتِبَارِهِ وَعَلَى هَذَا الْمَقَابِرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَعَيْنِ قِيرٍ وَنِفْطٍ فِي أَرْضِ عُشْرٍ وَلَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ يَجِبُ الْخَرَاجُ) أَيْ لَا يَجِبُ فِي دَارِ الذِّمِّيِّ شَيْءٌ كَمَا لَا يَجِبُ فِي عَيْنِ قِيرٍ وَنِفْطٍ إذَا كَانَتْ فِي أَرْضِ عُشْرٍ وَلَوْ كَانَتْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ يَجِبُ الْخَرَاجُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَنْزَالِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا هُمَا عَيْنٌ فَوَّارَةٌ كَعَيْنِ الْمَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ حَرِيمُهُ يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ يَجِبُ فِيهِ الْخَرَاجُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ يَجِبُ الْخَرَاجُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ حَرِيمُهُ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْخَرَاجُ أَيْضًا وَالْقِيرُ الزِّفْتُ وَيُقَالُ الْقَارُ وَالنِّفْطُ دُهْنٌ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الْمَصْرِفِ) أَيْ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ وَقَدْ سَقَطَ مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْهُمْ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ إذْ لَا نَسْخَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ) أَيْ الْمَصْرِفُ هُوَ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ لِمَا تَلَوْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ) أَيْ الْمِسْكِينُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ إذْ الْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَالشَّافِعِيُّ بِعَكْسِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِكُلٍّ وَجْهٌ فَوَجْهُ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا قَوْله تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79] فَأَثْبَتَ لِلْمَسَاكِينِ السَّفِينَةَ وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَأَلَ الْمَسْكَنَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْلُومُ الْحُدُوثِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَإِمَّا مَجْهُولُ الْحَالِ أَمَّا ثُبُوتُ مَعْلُومِيَّةِ أَنَّهُ جَاهِلِيٌّ فَمُتَعَذِّرٌ إذْ أَكْثَرُ مَا كَانَ مِنْ فِعْلِهِمْ قَدْ دُثِّرَ وَسَفَّتْهُ الرِّيَاحُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْأَقْوَالِ الْعَوَامّ غَيْرُ مُسْتَنِدِينَ فِيهِ إلَى ثَبْتٍ فَيَجِبُ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا يَرَاهُ بِأَنَّهُ إسْلَامِيٌّ إضَافَةً لِلْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ وَقْتَيْهِ الْمُمْكِنَيْنِ وَيَكُونُ ظُهُورُ الْقِسْمَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَقْيِ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ تَسْبِقْ فِيهِ وَظِيفَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِمَا) أَيْ فِي الْمُسْلِمِ إذَا بَاعَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ نَصْرَانِيٍّ اهـ (قَوْلُهُ كَمَاءِ السَّمَاءِ) أَيْ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي سَيْحُونَ) أَيْ نَهْرِ التُّرْكِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَجِيحُونَ) أَيْ نَهْرِ تِرْمِذَ. اهـ. فَتْحٌ وَدِجْلَةَ هِيَ نَهْرُ بَغْدَادَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفُرَاتَ) هُوَ نَهْرُ الْكُوفَةِ (قَوْلُهُ وَهَلْ تَرِدُ عَلَيْهِ يَدٌ إلَى آخِرِهِ) عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ نَعَمْ فَإِنَّ السُّفُنَ يُشَدُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ حَتَّى تَصِيرَ جِسْرًا يَمُرُّ عَلَيْهِ كَالْقَنْطَرَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ اهـ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَذَا النِّيلُ خَرَاجِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ بِاِتِّخَاذِ قَنْطَرَةِ السُّفُنِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَعَيْنِ قِيرٍ وَنِفْطٍ) وَالنِّفْطُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَهُوَ أَفْصَحُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِيَسْتَأْمِنَ أَنْزَالَ الْأَرْضِ) جَمْعُ نُزْلٍ بِسُكُونِ الزَّايِ وَضَمِّ النُّونِ وَهُوَ الرِّيعُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ حَرِيمُهُ يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ إلَى آخِرِهِ) وَلَا شَيْءَ فِي الْمِلْحِ فِي الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ أَوْ الْخَرَاجِيَّةِ كَالْمَاءِ وَالْجَمَدِ. اهـ. غَايَةٌ [بَابُ الْمَصْرِفِ] (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ) قَالَ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَالظَّاهِرِيَّةُ إنَّ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ بَاقٍ لَمْ يَسْقُطْ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَقَوْلِ صَاحِبِ الْكِتَابِ وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِيهِ بَعْدُ مَعَ مُخَالَفَةِ مَنْ ذَكَرْنَاهُمْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ السُّكُوتِيَّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ) أَيْ كَانْتِهَاءِ النَّفِيرِ الْعَامِّ بِانْدِفَاعِ الْعَدُوِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٌ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ وَمَالِكٍ وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ دُرَيْدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَيُونُسَ وَابْنِ السِّكِّيتِ وَابْنِ قُتَيْبَةَ وَالْقُتَبِيِّ وَالْأَخْفَشِ وَثَعْلَبٍ نَقَلْته مِنْ عِدَّةِ كُتُبٍ وَقَالَ السَّفَاقِسِيُّ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ جَمِيعًا اهـ غَايَةٌ وَقَوْلُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَهُوَ مَا دُونَ النِّصَابِ أَوْ قَدْرَ نِصَابٍ غَيْرِ تَامٍّ وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ فِي الْحَاجَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالشَّافِعِيُّ بِعَكْسِهِ) وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ فِي الزَّكَاةِ بَلْ تَظْهَرُ فِي الْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ وَالنُّذُورِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ الْمَسْكَنَةَ» إلَى آخِرِهِ) رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ التَّعَوُّذِ مِنْ الْفَقْرِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ اهـ غَايَةٌ

وَتَعَوَّذَ مِنْ الْفَقْرِ» وَلِأَنَّ اللَّهَ قَدَّمَهُمْ بِالذِّكْرِ وَالتَّقْدِيمُ يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ وَلِأَنَّ الْفَقِيرَ بِمَعْنَى الْمَفْقُورِ وَهُوَ الْمَكْسُورُ الْفِقَارِ فَكَانَ أَسْوَأَ حَالًا مِنْهُ قَالَ الشَّاعِرُ هَلْ لَك مِنْ أَجْرٍ عَظِيمٍ تُؤْجَرُهْ ... تُغِيثُ مِسْكِينًا كَثِيرًا عَسْكَرُهْ عَشْرُ شِيَاهٍ سَمْعُهُ وَبَصَرُهْ وَوَجْهُ مَنْ قَالَ إنَّ الْمِسْكِينَ أَسْوَأُ حَالًا قَوْله تَعَالَى {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَلْصَقَ بَطْنَهُ بِالتُّرَابِ مِنْ الْجُوعِ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] خَصَّهُمْ بِصَرْفِ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِمْ وَلَا فَاقَةَ أَعْظَمُ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الطَّعَامِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فَيُعْطَى وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظَةُ الْمِسْكِينِ مِنْ سَكَنَ مُبَالَغَةٌ كَأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْحَرَكَةِ مِنْ الْجُوعِ فَلَمْ يَبْرَحْ مَكَانَهُ وَقَالَ تَعَالَى فِي الْفُقَرَاءِ {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273] وَلَوْلَا أَنَّ لَهُمْ حَالًا جَمِيلًا لَمَا حَسِبَهُمْ أَغْنِيَاءَ وَقَالَ الشَّاعِرُ أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ سَمَّاهُ فَقِيرًا مَعَ أَنَّ لَهُ حَلُوبَةً وَلَا دَلَالَةَ فِيمَا تَلَا لِأَنَّ السَّفِينَةَ مَا كَانَتْ لَهُمْ وَإِنَّمَا كَانُوا فِيهَا أُجَرَاءَ وَقِيلَ لَهُمْ مَسَاكِينُ تَرَحُّمًا كَمَا يُقَالُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّةٍ مِسْكِينٌ أَوْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَقْهُورِينَ بِقَهْرِ الْمَلِكِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [البقرة: 61] وَقَوْلُهُمْ الْفَقِيرُ بِمَعْنَى الْمَفْقُورِ وَهُوَ الْمَكْسُورُ الْفِقَارِ مَمْنُوعٌ فَإِنْ الْأَخْفَشَ قَالَ الْفَقِيرُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَقَرْت لَهُ فِقْرَةً مِنْ مَالِي أَيْ أَعْطَيْته فَيَكُونُ الْفَقِيرُ مَنْ لَهُ قِطْعَةٌ مِنْ الْمَالِ لَا تُغْنِيهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا أَنْشَدَ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّ لَهُ عَشْرَ شِيَاهٍ بَلْ لَوْ حَصَلَتْ لَهُ عَشْرُ شِيَاهٍ لَكَانَتْ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَامِلُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمَدْيُونُ وَمُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ وَابْنُ السَّبِيلِ) أَيْ هَؤُلَاءِ هُمْ الْمَصَارِفُ لِمَا تَلَوْنَا فَالْعَامِلُ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْإِمَامُ إنْ عَمِلَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فَيُعْطِيَهُ مَا يَسَعُهُ وَأَعْوَانُهُ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثَّمَنِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ كِفَايَتُهُ الزَّكَاةَ لَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُقَدَّرٌ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَلَنَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِمَالَةً أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ الْأَمْوَالِ لَوْ حَمَلُوا الزَّكَاةَ إلَى الْإِمَامِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا وَلَوْ هَلَكَ مَا جَمَعَهُ مِنْ الزَّكَاةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا كَالْمُضَارِبِ إذَا هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ شَبْهَ الصَّدَقَةِ بِدَلِيلِ سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَلَا تَحِلُّ لِلْعَامِلِ الْهَاشِمِيِّ تَنْزِيهًا لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شُبْهَةِ الْوَسَخِ وَتَحِلُّ لِلْغَنِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُوَازِي الْهَاشِمِيَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِي حَقِّهِ وَلَا تُصْرَفُ إلَى الْإِمَامِ وَلَا إلَى الْقَاضِي لِأَنَّ كِفَايَتَهُمَا فِي الْفَيْءِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ وَهُوَ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الصَّدَقَاتِ وَفِي الرِّقَابِ الْمُكَاتَبُونَ أَيْ يُعَانُونَ فِي فَكِّ رِقَابِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ مَالِكٌ يُعْتَقُ مِنْهَا الرَّقَبَةُ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَكَيْفَ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَلَنَا مَا رَوَاهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي مِنْ الْجَنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَتَعَوَّذَ مِنْ الْفَقْرِ إلَى آخِرِهِ) وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَقْرَ الْمُتَعَوَّذَ مِنْهُ لَيْسَ إلَّا فَقْرَ النَّفْسِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ الْعَفَافَ وَالْغِنَى وَالْمُرَادُ بِهِ غِنَى النَّفْسِ لَا كَثْرَةُ الدُّنْيَا فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالتَّقْدِيمُ يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ) أَيْ بِهِمْ وَذَلِكَ مَظِنَّةُ زِيَادَةِ حَاجَتِهِمْ وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّهُ قَدَّمَ الْعَامِلِينَ عَلَى الرِّقَابِ مَعَ أَنَّ حَالَهُمْ أَحْسَنُ ظَاهِرًا وَأَخَّرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ مَعَ الدَّلَالَةِ عَلَى زِيَادَةِ تَأْكِيدِ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حَيْثُ أَضَافَ إلَيْهِمْ بِلَفْظَةِ فِي فَدَلَّ أَنَّ التَّقْدِيمَ لِاعْتِبَارٍ آخَرَ غَيْرَ زِيَادَةِ الْحَاجَةِ وَالِاعْتِبَارَاتُ الْمُنَاسِبَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ ضَبْطٍ خُصُوصًا مِنْ عَلَّامِ الْغُيُوبِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَلْصَقَ بَطْنَهُ بِالتُّرَابِ إلَى آخِرِهِ) أَوْ أَنَّهُ أَلْصَقَ جِلْدَهُ بِالتُّرَابِ مُحْتَفِرًا حُفْرَةً جَعَلَهَا إزَارَهُ لِعَدَمِ مَا يُوَارِيهِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ إلَى آخِرِهِ) بِمَحَلِّ الْإِثْبَاتِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ فَيُعْطَى مُرَادٌ مَعَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ نَفَى الْمَسْكَنَةَ عَمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى لُقْمَةٍ وَلُقْمَتَيْنِ بِطَرِيقِ الْمَسْأَلَةِ وَأَثْبَتَهَا لِغَيْرِهِ فَهُوَ بِالضَّرُورَةِ مَنْ لَا يَسْأَلُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى اللُّقْمَةِ وَاللُّقْمَتَيْنِ لَكِنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ مُبَالَغَةٍ فِي الْمَسْكَنَةِ وَكَذَا صَرَّحَ الْمَشَايِخُ فِي غَرَضِ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ الْكَامِلُ فِي الْمَسْكَنَةِ وَعَلَى هَذَا فَالْمَسْكَنَةُ الْمَنْفِيَّةُ عَنْ غَيْرِهِ هِيَ الْمَسْكَنَةُ الْمُبَالَغُ فِيهَا لَا مُطْلَقُ الْمَسْكَنَةِ وَحِينَئِذٍ لَكِنْ لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ) يُقَالُ لَيْسَ لَهُ سَبَدٌ وَلَا لَبَدٌ أَيْ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كَانُوا فِيهَا أُجَرَاءَ) أَيْ أَوْ عَارِيَّةٌ مَعَهُمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْعَامِلُ وَالْمُكَاتَبُ) الْمُرَادُ مُكَاتَبُ غَيْرِهِ وَمُكَاتَبُ الْهَاشِمِيِّ قَالَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ (قَوْلُهُ فَيُعْطِيهِ مَا يَسَعُهُ وَأَعْوَانَهُ) أَيْ كِفَايَتَهُمْ بِالْوَسَطِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُقَدَّرٌ بِالثُّمُنِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَقْدِيرُ الشَّافِعِيِّ بِالثُّمُنِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَى كُلِّ الْأَصْنَافِ وَهُمْ ثَمَانِيَةٌ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ سُقُوطِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ السَّاقِطَ سَهْمُ الْكَفَّارَةِ مِنْهُمْ لَا الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمُتَأَلَّفِينَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أَغْنِيَاءَ كَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ سَهْمُ الْمُتَأَلَّفِينَ الْأَغْنِيَاءَ مَنَعْنَاهُ وَإِلَّا لَمْ يُفِدْ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ دَاخِلُونَ فِي صِنْفِ الْفُقَرَاءِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلنَّوَوِيِّ الْعَامِلُ يَسْتَحِقُّ قَدْرَ أَجْرِ مِثْلِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثُّمُنِ فَيَبْدَأُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَمُلْتَقَى الْبِحَارِ مُقَدَّرٌ بِالثُّمُنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْته. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ) أَيْ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ اهـ. (قَوْلُهُ وَتَحِلُّ لِلْغَنِيِّ) أَيْ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لِأَجْلِ الْفَقِيرِ فَكَأَنَّهُ يَأْخُذُ الْفَقِيرُ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهَا مِنْ حَوَائِجِ الْفَقِيرِ كَذَا سَمِعْت مِنْ شَيْخِي الْعَلَّامَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. كَاكِيٌّ

وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ فَقَالَ أَعْتِقْ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَيْسَا وَاحِدًا قَالَ لَا عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنٌ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ وَالنَّاكِحُ الْمُتَعَفِّفُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الزَّكَاةِ التَّمْلِيكُ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْقِنِّ فَتَعَيَّنَ الْمُكَاتَبُ وَهَذَا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مَصْرُوفَةً إلَى مَوْلَاهُ أَوْ إلَى نَفْسِ الْعَبْدِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا وَلَا الثَّانِي لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ نَفْسِهِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يُتْلِفُ عَلَى مِلْكِ مَوْلَاهُ وَالدَّفْعُ إلَى عَبْدٍ لِلْغَنِيِّ كَالدَّفْعِ إلَى مَوْلَاهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا وَلَا سَبِيلَ لِلْمَوْلَى عَلَى مَا فِي يَدِهِ. وَالْغَارِمُ مِنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ وَلَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى النَّاسِ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مَنْ تَحَمَّلَ غَرَامَةً فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا وَلَنَا أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَالْغَرِيمُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَدْيُونِ وَعَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ وَأَصْلُ الْغَرَامَةِ فِي اللُّغَةِ اللُّزُومُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ هُمْ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ بَعِيرًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ الْحَاجَّ» قُلْنَا الطَّاعَاتُ كُلُّهَا سَبِيلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْغُزَاةُ وَلَا يُصْرَفُ إلَى غَنِيِّهِمْ لِمَا يُذْكَرُ مِنْ قَرِيبٍ وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهِ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لِزِيَادَةِ حَاجَتِهِ وَهُوَ الْفَقْرُ وَالِانْقِطَاعُ وَابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الْمُسَافِرُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلُزُومِهِ الطَّرِيقَ فَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي بَلَدِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَقْرِضَ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهِ عَنْ الْأَدَاءِ وَأُلْحِقَ بِهِ كُلُّ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَقَدْ وُجِدَتْ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ يَدًا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا ظَاهِرًا ثُمَّ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَالِهِ كَالْفَقِيرِ إذَا اسْتَغْنَى أَوْ الْمُكَاتَبِ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَقَالَ أَعْتِقْ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ إلَى آخِرِهِ) أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ مُكَاتَبًا قَامَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ أَيُّهَا الْأَمِيرُ حُثَّ النَّاسَ عَلَيَّ فَحَثَّ عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى فَأَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ هَذَا يُلْقِي عِمَامَةً وَهَذَا يُلْقِي مُلَاءَةً وَهَذَا يُلْقِي خَاتَمًا حَتَّى أَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ سَوَادًا كَثِيرًا فَلَمَّا رَأَى أَبُو مُوسَى مَا أُلْقِي عَلَيْهِ قَالَ اجْمَعُوهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَبِيعَ فَأَعْطَى الْمُكَاتَبَ مُكَاتَبَهُ ثُمَّ أَعْطَى الْفَضْلَ فِي الرِّقَابِ وَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ إنَّ هَذَا الَّذِي أَعْطَوْهُ فِي الرِّقَابِ وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالُوا فِي الرِّقَابِ هُمْ الْمُكَاتَبُونَ وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إلَى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ فَقَالَ أَعْتِقْ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ فَقَالَ أَوَلَيْسَا سَوَاءً قَالَ لَا عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فَقَالَ لَيْسَ فِيهِ مَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ هَذَا مَعْنَى وَفِي الرِّقَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا إلَى آخِرِهِ) وَمَا يَأْخُذُهُ عِوَضٌ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ زَكَاةً. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى النَّاسِ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ) فَهُوَ غَنِيٌّ فِي الظَّاهِرِ وَتَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ) مِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالتُّحْفَةِ وَالْقُنْيَةِ وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَالْمُفِيدِ وَالتَّجْرِيدِ والمرغيناني والْوَلْوَالِجِيِّ وَعَامَّةِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهُمْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ كَشَفْت عَنْ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ ثَلَاثِينَ مُصَنَّفًا فَكَيْفَ لَا يَتَكَلَّمُ الْإِمَامُ فِي مَعْرِفَةِ سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ وُقُوعِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَفِي الْوَبَرِيِّ هُمْ الْحُجَّاجُ وَالْغُزَاةُ الْمُنْقَطِعُونَ عَنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ أَرَادَ بِهِ الْفُقَرَاءَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ وَلَمْ يَحْكِيَا خِلَافًا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ سَبِيلُ اللَّهِ هُوَ الْغَازِي غَيْرُ الْغَنِيِّ وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ الْغَازِي دُونَ الْحَاجِّ وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمِثْلُهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَهَؤُلَاءِ نَقَلُوا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرْته ثُمَّ وَجَدْت فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مَا يُوَافِقُ نَقْلَ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَبِيلُ اللَّهِ فُقَرَاءُ الْغَرَاةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْحَاجُّ أَيْضًا حَكَاهُ عَنْ فَتَاوَى الْبَقَّالِيِّ وَفِي الْغَزْنَوِيِّ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ. اهـ. غَايَةٌ. وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ وَقِيلَ سَبِيلُ اللَّهِ طَلَبَةُ الْعِلْمِ قُلْت هَذَا بَعِيدٌ فَإِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمْ طَلَبَةُ الْعِلْمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَابْنُ السَّبِيلِ) وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ هُوَ الْغَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي بَلَدِهِ وَمَنْ لَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا لِغَيْبَتِهِمْ أَوْ لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ أَوْ لِإِعْسَارِهِ أَوْ لِتَأْجِيلِهِ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ فِي مَكَان لَا شَيْءَ فِيهِ وَقَوْلُ الْعَتَّابِيِّ هُوَ الْغَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لَيْسَ نَفْيُ الشَّيْءِ عَلَى إطْلَاقِهِ أَوْ عُمُومِهِ بَلْ الْمُرَادُ شَيْءٌ لَا يَكْفِيهِ لِرُجُوعِهِ إلَى وَطَنِهِ يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي قُنْيَةٌ الْمُنْيَةِ ابْنُ السَّبِيلِ لَهُ مَا يَكْفِيهِ فِي مَعِيشَتِهِ وَزَادٌ يَكْفِيهِ إلَى وَطَنِهِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ

عَجَزَ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمَصَارِفُ الْمَذْكُورُونَ فِي الْآيَةِ وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ وَقَدْ سَقَطَ مِنْهُمْ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُمْ كَانُوا أَصْنَافًا ثَلَاثَةً صِنْفٌ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَأَلَّفُهُمْ لِيُسْلِمُوا وَصِنْفٌ يُعْطِيهِمْ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ وَصِنْفٌ كَانُوا أَسْلَمُوا وَفِي إسْلَامِهِمْ ضَعْفٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَقْرِيرَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ جِهَادًا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْجِهَادَ تَارَةً بِالسِّنَانِ وَتَارَةً بِالْبَنَانِ وَتَارَةً بِالْإِحْسَانِ وَكَانَ يُعْطِيهِمْ كَثِيرًا حَتَّى أَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ وَصَفْوَانَ وَالْأَقْرَعَ وَعُيَيْنَةَ وَعَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ لَقَدْ أَعْطَانِي مَا أَعْطَانِي وَهُوَ أَبْغَضُ النَّاسِ إلَيَّ فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ ثُمَّ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ جَاءَ عُيَيْنَةُ وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ يَطْلُبَانِ أَرْضًا فَكَتَبَ لَهُمَا بِهَا فَجَاءَ عُمَرُ فَمَزَّقَ الْكِتَابَ. وَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْكُمْ فَإِنْ ثَبَتُّمْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَبَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ السَّيْفُ فَانْصَرَفَا إلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَالَا أَنْتَ الْخَلِيفَةُ أَمْ هُوَ فَقَالَ هُوَ إنْ شَاءَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيَدْفَعُ إلَى كُلِّهِمْ أَوْ إلَى صِنْفٍ) أَيْ صَاحِبُ الْمَالِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَاهَا جَمِيعَهُمْ وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ أَيْ صِنْفٍ شَاءَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَجَمَاعَةٍ أُخَرَ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى ثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ إلَّا الْعَامِلُ وَكَذَا قَالَ فِي جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَخُمُسِ الرِّكَازِ لَهُ مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ زِيَادٍ قَالَ «أَمَّرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْمٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَعْطِنِي مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ فِي قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ بِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَلَا مَلَكٍ مُقَرَّبٍ حَتَّى تَوَلَّى قِسْمَتَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ جَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ قَالَ إنْ كُنْت مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَزَعَمُوا أَنَّهُ نَصٌّ فِيهِمْ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ إلَيْهِمْ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ وَأَشْرَكَ بَيْنَهُمْ بِوَاوِ التَّشْرِيكِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَمْلُوكًا لَهُمْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَقَدْ ذَكَرَهُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ ثَلَاثَةٌ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] بَعْدَ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] وَقَدْ تَنَاوَلَ جِنْسَ الصَّدَقَاتِ وَبَيَّنَ أَنَّ إيتَاءَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ لَا غَيْرُ خَيْرٌ لَنَا وَلَا يُقَالُ أَرَادَ بِهِ نَصِيبَهُمْ لِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الصَّدَقَاتِ وَهُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتَرُدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ أَنَّ اللَّامَ تَكُونُ لِلْعَاقِبَةِ يُقَالُ لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ وَقَالَ تَعَالَى {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] أَيْ عَاقِبَتُهُ ذَلِكَ. وَكَذَا عَاقِبَةُ الصَّدَقَاتِ لِلْفُقَرَاءِ لَا أَنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ جِهَادًا إلَى آخِرِهِ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يَجُوزُ صَرْفُ الصَّدَقَاتِ إلَى الْكُفَّارِ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى أَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ) وَاسْمُهُ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَقْرَعَ) أَيْ ابْنَ حَابِسٍ الْمُجَاشِعِيَّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعُيَيْنَةَ) أَيْ ابْنَ حِصْنٍ الْفَزَارِيَّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ) أَيْ مَعَ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ كَوْنِهِ سَبَبًا لِإِثَارَةِ النَّائِرَةَ وَارْتِدَادِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْلَا اتِّفَاقُ عَقَائِدِهِمْ عَلَى حَقِّيَّتِهِ وَأَنَّ مَفْسَدَةَ مُخَالَفَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَقَّعَةِ لَبَادَرُوا لِإِنْكَارِهِ نَعَمْ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنِدِ عِلْمِهِمْ بِدَلِيلٍ أَفَادَ نَسْخَ ذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ أَوْ أَفَادَ تَقَيُّدَ الْحُكْمِ بِحَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَلَى كَوْنِهِ حُكْمًا مُغَيًّا بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ انْتِهَاؤُهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ أَوْ مِنْ آخِرِ عَطَاءٍ أَعْطَاهُمُوهُ حَالَ حَيَاتِهِ أَمَّا مُجَرَّدُ تَعْلِيلِهِ بِكَوْنِهِ مُعَلَّلًا انْتَهَتْ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا يُعْتَمَدُ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ فِي مَسَائِلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَحْتَاجُ فِي بَقَائِهِ إلَى بَقَاءِ عِلَّتِهِ لِثُبُوتِ اسْتِغْنَائِهِ فِي بَقَائِهِ عَنْهَا شَرْعًا لِمَا عُلِمَ فِي الرِّقِّ وَالِاضْطِبَاعِ وَالرَّمَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ خُصُوصِ مَحَلٍّ يَقَعُ فِيهِ الِانْتِفَاءُ عِنْدَ الِانْتِفَاءِ مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مِمَّا شُرِعَ مُقَيَّدًا ثُبُوتُهُ بِثُبُوتِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا تَعْيِينُهُ فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ بَلْ إنْ ظَهَرَ وَإِلَّا وَجَبَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهِيَ قَوْلُهُ {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] وَالْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ فِي قَوْلِنَا حُكْمٌ مُغَيًّا بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ الْعِلَّةُ الْغَائِبَةُ وَهَذَا لِأَنَّ الدَّفْعَ لِلْمُؤَلَّفَةِ هُوَ الْعِلَّةُ لِلْإِعْزَازِ إذْ يُفْعَلُ الدَّفْعُ لِيَحْصُلَ الْإِعْزَازُ فَإِنَّمَا انْتَهَى تَرَتُّبُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْإِعْزَازُ عَلَى الدَّفْعِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ وَعَنْ هَذَا قِيلَ عَدَمُ الدَّفْعِ الْآنَ لِلْمُؤَلَّفَةِ تَقْرِيرٌ لِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَسْخَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ الْإِعْزَازُ وَكَانَ بِالدَّفْعِ وَالْآنَ هُوَ فِي عَدَمِ الدَّفْعِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَنْفِي النَّسْخَ لِأَنَّ إبَاحَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ ارْتَفَعَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ عِلَّةُ حُكْمٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ فَنُسِخَ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فَيَدْفَعُ إلَى كُلِّهِمْ) أَيْ إلَى الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ إلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْعُدُولُ عَنْ اللَّازِمِ إلَى فِي فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُمْ أَرْسَخُ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّصْدِيقِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ فِي لِلْوِعَاءِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُمْ أَحِقَّاءُ بِأَنْ تُوضَعَ فِيهِمْ الصَّدَقَاتُ وَتَكْرِيرُ فِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] فَضْلُ تَرْجِيحٍ لِهَذَيْنِ عَلَى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ إعَادَةَ الْعَامِلِ تَدُلُّ عَلَى مَزِيدِ قُوَّةٍ وَتَأْكِيدٍ كَقَوْلِك مَرَرْت بِزَيْدٍ وَبِعَمْرٍو اهـ (فَائِدَةٌ) فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الْفَقِيرُ الَّذِي يَسْأَلُ إلْحَافًا وَيَأْكُلُ إسْرَافًا يُؤْجَرُ عَلَى الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] أَيْ فَالْإِخْفَاءُ خَيْرٌ لَكُمْ قَالُوا الْمُرَادُ صَدَقَاتُ التَّطَوُّعِ وَالْجَهْرُ فِي الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ

مِلْكُهُمْ وَتَكُونُ لِلِاخْتِصَاصِ وَهُوَ أَصْلُهَا وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْمِلْكِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمُفَصَّلِ غَيْرَ الِاخْتِصَاصِ وَجَعْلُهَا لِلتَّمْلِيكِ غَيْرُ مُمْكِنٍ هُنَا لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ وَلَا يُعْرَفُ مَالِكٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فِي الشَّرْعِ وَكَذَا الْمَالُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ حَتَّى جَازَ لَهُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَالِ مِنْ جِنْسِهِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ قَدْرَ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِهِ فَيَدْفَعَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لِلْمِلْكِ لَمَا جَازَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةً لَهُ لِلتِّجَارَةِ لِمُشَارَكَتِهِ الْفُقَرَاءَ فِيهَا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ بَعْضَهُمْ لَيْسَ فِيهِ لَامٌ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى التَّمْلِيكِ وَقَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَهُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ إلَى آخِرِهِ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ وَيَبْطُلُ مَعْنَى الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] حَتَّى حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْوَاحِدَةُ وَلِأَنَّ بَعْضَهُمْ ذُكِرَ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ كَابْنِ السَّبِيلِ وَاشْتِرَاطُ الْجَمْعِ فِيهِ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ هُوَ فِي الْعَامِلِ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا وَالْمَذْكُورُ فِيهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهَذَا خُلْفٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا إلَى ذِمِّيٍّ) أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى ذِمِّيٍّ وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8] الْآيَةَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَالتَّقْيِيدُ زِيَادَةٌ وَهُوَ نَسْخٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِهَذَا جَازَ صَرْفُ الصَّدَقَاتِ كُلِّهَا إلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمِنِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ فَإِنْ قِيلَ حَدِيثُ مُعَاذٍ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ لِأَنَّهُ نُسِخَ قُلْنَا النَّصُّ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فُقَرَاءَ أَهْلِ الْحَرْبِ خَرَجُوا مِنْ عُمُومِ الْفُقَرَاءِ وَكَذَا أُصُولُ الْمُزَكِّي كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَكَذَا فُرُوعُهُ وَزَوْجَتُهُ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ مَعَ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ ذَكَرَ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ مَشْهُورٌ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ فَجَازَ التَّخْصِيصُ بِمِثْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ غَيْرُهَا) أَيْ صَحَّ دَفْعُ غَيْرِ الزَّكَاةِ مِنْ الصَّدَقَاتِ إلَى الذِّمِّيِّ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ فَصَارَ كَالْحَرْبِيِّ وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا لِزُفَرَ مِنْ الدَّلِيلِ وَلَوْلَا حَدِيثُ مُعَاذٍ لَقُلْنَا بِجَوَازِ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَى الذِّمِّيِّ، وَالْحَرْبِيُّ خَارِجٌ بِالنَّصِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِنَاءُ مَسْجِدٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْنَى بِالزَّكَاةِ الْمَسْجِدُ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ شَرْطٌ فِيهَا وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَا لَا يُبْنَى بِهَا الْقَنَاطِرُ وَالسِّقَايَاتُ وَإِصْلَاحُ الطُّرُقَاتِ وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ وَكُلُّ مَا لَا تَمْلِيكَ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَكْفِينُ مَيِّتٍ وَقَضَاءُ دَيْنِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَفَّنَ بِهَا مَيِّتٌ وَلَا يُقْضَى بِهَا دَيْنُ الْمَيِّتِ لِانْعِدَامِ رُكْنِهَا وَهُوَ التَّمْلِيكُ أَمَّا التَّكْفِينُ فَظَاهِرٌ لِاسْتِحَالَةِ تَمْلِيكِ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ شَخْصٌ بِتَكْفِينِهِ ثُمَّ أَخْرَجَتْهُ السِّبَاعُ وَأَكَلَتْهُ يَكُونُ الْكَفَنُ لِلْمُتَبَرِّعِ بِهِ لَا لِوَارِثَةِ الْمَيِّتِ وَأَمَّا قَضَاءُ دَيْنِهِ فَلِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْحَيِّ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَدْيُونِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَسْتَرِدُّهُ الدَّافِعُ وَلَيْسَ لِلْمَدْيُونِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ وَالْمُفِيدِ أَنَّهُ لَوْ قُضِيَ بِهَا دَيْنُ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِأَمْرِهِ جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى إذَا كَانَ الْمُزَكِّي مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ بِالْيَسَارِ كَانَ إخْفَاؤُهُ أَفْضَلَ وَالْمُتَطَوِّعُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ كَانَ إظْهَارُهُ أَفْضَلَ. اهـ. مَدَارِكٌ. (قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ مَالِكٍ مُخْتَصٌّ بِمِلْكِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَذْكُرْ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمُفَصَّلِ غَيْرَ الِاخْتِصَاصِ) أَيْ لِعُمُومِهِ اهـ غَايَةٌ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لِلِاخْتِصَاصِ قُلْنَا اللَّامُ فِي الْآيَةِ فِي الِاخْتِصَاصِ يَعْنِي أَنَّهُمْ مُخْتَصُّونَ بِالزَّكَاةِ وَلَا تَكُونُ لِغَيْرِهِمْ كَقَوْلِك الْخِلَافَةُ لِقُرَيْشٍ وَالسِّقَايَةُ لِبَنِي هَاشِمٍ أَيْ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِمْ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لَهُمْ فَتَكُونُ اللَّامُ لِبَيَانِ مَحَلِّ صَرْفِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى ذِمِّيٍّ) أَيْ وَكَذَا الْعُشْرُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالتُّحْفَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ} [الممتحنة: 9] إلَى آخِرِهِ) بِالْإِجْمَاعِ ضَمِيرُ أَغْنِيَائِهِمْ يَنْصَرِفُ إلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَا ضَمِيرُ فُقَرَائِهِمْ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَأَلَّا يَخْتَلُّ الْكَلَامُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ فَزِدْنَا هَذَا الْوَصْفَ بِهِ كَمَا زِدْنَا صِفَةَ التَّتَابُعِ عَلَى صَوْمِ الْكَفَّارَةِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ هِدَايَةٌ وَفِي الْمُحِيطِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَّا التَّطَوُّعُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَفُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْخِلَافِ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَعِبَادَةِ الرَّحْمَنِ وَالذِّمِّيُّ يَتَقَوَّى بِهِ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا لِزُفَرَ مِنْ الدَّلِيلِ) وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا. اهـ. هِدَايَةٌ وَكَافِي قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ وَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ اهـ وَرَوَاهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَتْحِ عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مُرْسَلًا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَرَوَاهُ أَيْضًا الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة: 272]. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِنَاءِ مَسْجِدٍ) أَيْ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ إلَى ذِمِّيٍّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ رُكْنِهَا وَهُوَ التَّمْلِيكُ) أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا صَدَقَةً وَحَقِيقَةُ تَمْلِيكِ الْمَالِ مِنْ الْفَقِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَسْتَرِدُّهُ الدَّافِعُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَحَلُّ هَذَا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَيِّ أَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَيَجُوزُ عَنْ الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْهُ وَالدَّائِنُ يَقْبِضُهُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْهُ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ أَوْ مَيِّتٌ بِأَمْرِهِ جَازَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَعْلُومٌ إرَادَةُ قَيْدِ فَقْرِ الْمَدْيُونِ فَظَاهِرُ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ يُوَافِقُهُ لَكِنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْكِتَابِ وَكَذَا عِبَارَةُ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ لَوْ بَنَى مَسْجِدًا بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ أَوْ حَجٍّ أَوْ عِتْقٍ أَوْ قَضَى دَيْنَ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِغَيْرِ إذْنِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشِرَاءُ قِنٍّ يُعْتَقُ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ فَيُعْتَقُ خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَالْحِيلَةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفَقِيرِ ثُمَّ يَأْمُرَهُ أَنْ يَفْعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ وَيَحْصُلَ لِلْفَقِيرِ ثَوَابُ هَذِهِ الْقُرَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَصْلُهُ وَإِنْ عَلَا وَفَرْعُهُ وَإِنْ سَفَلَ وَزَوْجَتُهُ وَزَوْجُهَا وَعَبْدُهُ وَمُكَاتَبُهُ وَمُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى أُصُولِهِ وَهُمْ الْأَبَوَانِ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَإِنْ عَلَوْا وَلَا إلَى فُرُوعِهِ وَهُمْ الْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ بَيْنَ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ اتِّصَالًا فِي الْمَنَافِعِ لِوُجُودِ الِاشْتِرَاكِ فِي الِانْتِفَاعِ بَيْنَهُمْ عَادَةً وَكَذَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ لَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِكَوْنِهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ التَّمْلِيكُ عَلَى الْكَمَالِ وَبِالدَّفْعِ إلَى عَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَلَمْ يُوجَدْ التَّمْلِيكُ وَهُوَ رُكْنٌ فِيهَا وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ وَكَذَا جَمِيعُ الصَّدَقَاتِ كَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنُّذُورِ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا لِهَؤُلَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ خُمُسِ الرِّكَازِ حَيْثُ يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا الْفَقْرُ وَلِهَذَا لَوْ افْتَقَرَ هُوَ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَفِيمَا إذَا دَفَعَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الشَّافِعِيِّ لَهُمْ حَدِيثُ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك أَمَرْت الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ فَأَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ هُوَ وَوَلَدُهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ زَوْجُك وَوَلَدُك أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِمْ». وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاتِّصَالِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا يُسْتَغْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَالِ الْآخَرِ عَادَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ يُسْتَغْنَى بِمَالِهَا وَهِيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ شَيْءٌ فَمَا ظَنُّك بِالْمَرْأَةِ فَتَكُونُ كَأَنَّهَا لَمْ تُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهَا وَحَدِيثُ زَيْنَبَ كَانَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ زَوْجُك وَوَلَدُك أَحَقُّ وَالْوَاجِبُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى الْوَلَدِ وَكَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَجِبُ فِي الْحُلِيِّ وَعِنْدَنَا لَا يَجِبُ كُلُّهُ وَهِيَ تَصَدَّقَتْ بِالْكُلِّ فَدَلَّ أَنَّهَا كَانَتْ تَطَوُّعًا وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا «قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي امْرَأَةٌ ذَاتُ صَنْعَةٍ أَبِيعُ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَيِّ لَا يَجُوزُ عَدَمُ الْجَوَازِ فِي الْمَيِّتِ مُطْلَقًا أَلَا تَرَى إلَى تَخْصِيصِ الْحَيِّ فِي حُكْمِ عَدَمِ الْجَوَازِ بِعَدَمِ الْإِذْنِ وَإِطْلَاقِهِ فِي الْمَيِّتِ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ تَمْلِيكًا لِلْمَدْيُونِ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَمْرِهِ بَلْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَأْمُورِ وَقَبْضِ الدَّائِنِ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ الْمَدْيُونُ أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ لِمَوْتِهِ وَقَوْلُهُمْ الْمَيِّتُ يَبْقَى مِلْكُهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ جِهَازِهِ وَنَحْوِهِ حَاصِلُهُ بَقَاؤُهُ بَعْدَ ابْتِدَاءِ ثُبُوتِهِ حَالَ الْأَهْلِيَّةِ وَأَيْنَ هُوَ مِنْ حُدُوثِ مِلْكِهِ بِالتَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ، وَعَمَّا قُلْنَا يُشْكِلُ اسْتِرْدَادَ الْمُزَكَّى عِنْدَ التَّصَادُقِ إذَا وَقَعَ بِأَمْرِ الْمَدْيُونِ لِأَنَّ بِالدَّفْعِ وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْفَقِيرِ بِالتَّمْلِيكِ وَقَبْضُ النَّائِبِ أَعْنِي الْفَقِيرَ وَعَدَمُ الدَّيْنِ فِي الْوَاقِعِ إنَّمَا يَبْطُلُ بِهِ صَيْرُورَتَهُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ نِيَابَةً لَا التَّمْلِيكُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ مَلَكَ فَقِيرًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مَدْيُونٌ وَظُهُورُ عَدَمِهِ لَا يُؤَثِّرُ عَدَمُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْفَقِيرِ إذَا عَجَّلَ لَهُ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ وَلَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ الْمُعَجَّلُ عَنْهُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالدَّفْعِ فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ الِاسْتِرْدَادَ هُنَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا عَجَّلَ لِلسَّاعِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَيْثُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ لِعَدَمِ زَوَالِ الْمِلْكِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَكَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْفَتَاوَى وَلَوْ جَاءَ الْفَقِيرُ إلَى الْمَالِكِ بِدَرَاهِمَ سَتُّوقَةٍ لِيَرُدَّهَا فَقَالَ الْمَالِكُ رُدَّ الْبَاقِيَ فَإِنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ النِّصَابَ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا وَلَا زَكَاةَ عَلَيَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْفَقِيرِ فَيَكُونَ هِبَةً مُبْتَدَأً مِنْ الْفَقِيرِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْفَقِيرُ صَبِيًّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَإِنْ رَضِيَ فَهُنَا أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا) أَيْ وَلَا أَوْلَادُ بِنْتِهِ. اهـ. غَايَةٌ نَقْلًا عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ (قَوْلُهُ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالنُّذُورُ) أَيْ وَجَزَاءُ قَتْلِ الصَّيْدِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ افْتَقَرَ هُوَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ) فَصَارَ الْأَصْلُ فِي الدَّفْعِ الْمُسْقِطِ كَوْنَهُ عَلَى وَجْهٍ تَنْقَطِعُ مَنْفَعَتُهُ عَنْ الدَّافِعِ ذَكَرُوا مَعْنَاهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ مَعَ قَبْضٍ مُعْتَبَرٍ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ دَفَعَ لِلصَّغِيرِ الْفَقِيرِ غَيْرِ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَإِنْ دَفَعَهَا الصَّبِيُّ إلَى أَبِيهِ قَالُوا كَمَا لَوْ وَضَعَ زَكَاتَهُ عَلَى دُكَّانٍ فَجَاءَ الْفَقِيرُ وَقَبَضَهَا لَا يَجُوزُ فَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ يُقْبِضَهَا لَهُمَا الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ أَوْ الْأَجَانِبِ الَّذِينَ يَعُولُونَهُ أَوْ الْمُلْتَقِطُ يَقْبِضُ لِلَّقِيطِ وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ مُرَاهِقًا أَوْ يَعْقِلُ الْقَبْضَ بِأَنْ كَانَ لَا يَرْمِي وَلَا يُخْدَعُ عَنْهُ يَجُوزُ وَلَوْ وَضَعَ الزَّكَاةَ عَلَى يَدِهِ فَانْتَهَبَهَا الْفُقَرَاءُ جَازَ وَكَذَا إنْ سَقَطَ مَالُهُ مِنْ يَدِهِ فَرَفَعَهُ فَقِيرٌ فَرَضِيَ بِهِ جَازَ إنْ كَانَ يَعْرِفُهُ وَالْمَالُ قَائِمٌ وَالدَّفْعُ إلَى الْمَعْتُوهِ مُجْزِئٌ. اهـ. فَتْحٌ. (فَائِدَةٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَا يُعْطِي لِمُبَانَتِهِ فِي الْعِدَّةِ بِوَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ وَلَا يُعْطِي الْوَلَدَ الْمَنْفِيَّ بِاللِّعَانِ وَلَا الْمَخْلُوقَ مِنْ مَائِهِ بِالزِّنَا وَقِيلَ فِي الْوَلَدِ الرَّقِيقِ وَالزَّوْجَةِ الرَّقِيقَةِ كَذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ وَمَنْ زَنَى بِمَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَدَفَعَ الزَّوْجُ زَكَاةَ مَالِهِ إلَى هَذَا الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ مِنْ الزَّوْجِ بِالْإِجْمَاعِ وَالزَّانِي لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى وَلَدِ الْمَزْنِيَّةِ وَلِلْمَزْنِيَّةِ زَوْجٌ مَعْرُوفٌ يَجُوزُ لِأَنَّ نَسَبَهُ يَثْبُتُ مِنْ النَّاكِحِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَزْنِيَّةِ زَوْجٌ لَا يَجُوزُ لِلزَّانِي دَفْعُ الزَّكَاةِ لِهَذَا الْوَلَدِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَمِيعُ الْقَرَابَاتِ غَيْرِ الْأَوْلَادِ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ وَهُوَ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ مَعَ الصَّدَقَةِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ فِي عِيَالِهِ وَلَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي النَّفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ يَنْوِي الزَّكَاةَ جَازَ عَنْ

وَلَيْسَ لِزَوْجِي وَلَا لِوَلَدِي شَيْءٌ فَشَغَلُونِي فَلَا أَتَصَدَّقُ فَهَلْ لِي فِيهِمْ أَجْرٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَك فِي ذَلِكَ أَجْرَانِ أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَأَجْرُ الصِّلَةِ» رَوَاهُ الطَّحْطَاوِيُّ عَنْ رَيْطَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَيْطَةُ هَذِهِ هِيَ زَيْنَبُ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّدَقَةُ مِنْ فَضْلِ صَنْعَتِهَا لَا تَكُونُ مِنْ الزَّكَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ) أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مُعْتَقِ الْبَعْضِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إذَا أُعْتِقَ بَعْضُهُ عَتَقَ كُلُّهُ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ وَصُورَتُهُ أَنْ يُعْتِقَ مَالِكُ الْكُلِّ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهُ أَوْ يُعْتِقَهُ شَرِيكُهُ فَيَسْتَسْعِيَهُ السَّاكِتُ فَيَكُونَ مُكَاتَبًا لَهُ أَمَّا إذَا اخْتَارَ التَّضْمِينَ أَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الْعَبْدِ جَازَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الزَّكَاةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ كَمُكَاتَبِ الْغَيْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَنِيٌّ بِمِلْكِ نِصَابٍ) أَيْ لَا يَدْفَعُ إلَى غَنِيٍّ بِسَبَبِ مِلْكِ نِصَابٍ وَإِنَّمَا قَالَ بِمِلْكِ نِصَابٍ لِأَنَّ الْغِنَى عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ الْأُولَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَالثَّانِيَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمِقْدَارِ النِّصَابِ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا لِأَنَّ حِرْمَانَ الزَّكَاةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَالثَّالِثَةُ مَا يَحْرُمُ بِهِ السُّؤَالُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِقُوتِ يَوْمِهِ وَمَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَكَذَا الْفَقِيرُ الْقَوِيُّ الْمُكْتَسِبُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى غَنِيِّ الْغُزَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فِي الدِّيوَانِ وَلَمْ يَكُنْ يَأْخُذْ مِنْ الْفَيْءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْعَامِلُ عَلَيْهَا وَالْغَارِمُ وَرَجُلٌ اشْتَرَى الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ وَرَجُلٌ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَأَهْدَاهَا إلَى الْغَنِيِّ» وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ قَسِيمَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِقَوْلِهِ {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] بَعْدَ ذِكْرِهِمَا فَكَانَ غَيْرُهُمَا ضَرُورَةً وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَمَا رَوَيَاهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَنِيِّ بِقُوَّةِ الْبَدَنِ أَوْ نَقُولُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا مَا دَامَ مُقِيمًا ثُمَّ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الْغَزْوِ يَحْتَاجُ إلَى عِدَّةٍ مِنْ السِّلَاحِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَكْفِيهِ مَا فِي يَدِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِذَلِكَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَالْحَدِيثُ مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ فِي الدِّيوَانِ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْفَيْءِ فَإِذَا حَمَلُوهُ عَلَى هَذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَبْدُهُ وَطِفْلُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّكَاةِ وَإِنْ فَرَضَهَا عَلَيْهِ فَدَفَعَهَا يَنْوِي الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَدَاءُ وَاجِبٍ فِي وَاجِبٍ آخَرَ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا لَمْ يَحْتَسِبْهَا بِالنَّفَقَةِ لِتَحَقُّقِ التَّمْلِيكِ عَلَى الْكَمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ رَيْطَةُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ فِي كِتَابِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ الرَّيْطَةُ كُلُّ مُلَاءَةٍ لَمْ تَكُنْ لِفْقَيْنِ أَيْ قِطْعَتَيْنِ مُتَضَامَّتَيْنِ وَقِيلَ كُلُّ ثَوْبٍ رَقِيقٍ لَيِّنٍ رَيْطَةٌ وَبِهَا سُمِّيَتْ رَيْطَةُ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَمَّا رَيْطَةُ فَهِيَ بِنْتُ سُفْيَانَ لَهَا صُحْبَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَغَنِيٌّ بِمِلْكِ نِصَابٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ أَيْ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ قَالَ الْكَمَالُ مِنْ فُرُوعِهَا قَوْمٌ دَفَعُوا الزَّكَاةَ إلَى مَنْ يَجْمَعُهَا لِفَقِيرٍ فَاجْتَمَعَ عِنْدَ الْآخِذِ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ جَمَعَهُ لَهُ بِأَمْرِهِ قَالُوا كُلُّ مَنْ دَفَعَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَا فِي يَدِ الْجَابِي مِائَتَيْنِ جَازَتْ زَكَاتُهُ وَمَنْ دَفَعَ بَعْدَهُ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ مَدْيُونًا فَيُعْتَبَرُ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي مِائَتَيْنِ تَفَضُّلٌ بَعْدَ دَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ جَازَ الْكُلُّ مُطْلَقًا لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ هُوَ وَكِيلٌ عَنْ الْفَقِيرِ فَمَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ يَمْلِكُهُ وَفِي الثَّانِي وَكِيلُ الدَّافِعِينَ فَمَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِلْكُهُمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ أَعْطَى فَقِيرًا أَلْفًا وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَوَزْنُهَا مِائَةُ مِائَةٍ وَقَبْضُهَا كَذَلِكَ يَجْزِيهِ كُلُّ الْأَلْفِ مِنْ الزَّكَاةِ إذَا كَانَتْ كُلُّهَا حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ وَدَفْعُ كُلِّهَا فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَهَا جُمْلَةً وَلَوْ كَانَتْ غَائِبَةً وَاسْتَدْعَى بِهَا مِائَةَ مِائَةٍ كُلَّمَا حَضَرَتْ مِائَةٌ دَفَعَهَا إلَيْهِ لَا يَجُوزُ مِنْهَا إلَّا مِائَتَانِ وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ. اهـ. فَتْحٌ وَلَوْ اشْتَرَى قُوتَ سَنَةٍ يُسَاوِي نِصَابًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ نِصَابًا وَقِيلَ إنْ كَانَ بِطَعَامِ شَهْرٍ يُسَاوِي نِصَابًا جَازَ الصَّرْفُ إلَيْهِ إلَّا إنْ زَادَ وَلَوْ كَانَ لَهُ كِسْوَةُ الشِّتَاءِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الصَّيْفِ جَازَ الصَّرْفُ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الزَّارِعِ مَا زَادَ عَلَى ثَوْرَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ. قَوْلُهُ أَيْ مِنْ أَيِّ مَالٍ يَعْنِي سَوَاءً كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ سَوَائِمَ أَوْ عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ لَكِنَّهُ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ. اهـ. زَاهِدِيٌّ وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ لَا تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ وَتَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ إنْ لَمْ يُؤَوَّلْ مُشْكِلٌ اهـ (فَرْعٌ) لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ مِقْدَارَ الْكِفَايَةِ وَفِي الْحَاوِي دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ أَفْضَلُ مِنْ تَفْرِيقِهِ عَلَى جَمَاعَةٍ لِحُصُولِ الْغِنَى لِلْوَاحِدِ دُونَ الْجَمَاعَةِ وَفِي قَاضِي خَانْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَالصَّدَقَةُ بِهِ عَلَى وَاحِدٍ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ فُلُوسًا وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ. اهـ. غَايَةٌ. وَالتَّصَدُّقُ عَلَى الْفَقِيرِ الْعَالِمِ أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ عَلَى الْجَاهِلِ وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الدَّفْعُ إلَى مَدْيُونٍ لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْفَقِيرِ وَالدَّفْعُ إلَى الْوَاحِدِ أَفْضَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَدْفُوعُ نِصَابًا. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ) أَيْ عَلَى مَالِكِهِ وَهُوَ النَّامِي خِلْقَةً أَوْ إعْدَادًا وَهُوَ سَالِمٌ مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالثَّانِيَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَحُرْمَةُ وَضْعِ الزَّكَاةِ فِيهِ وَوُجُوبُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ اهـ خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ) وَعَلَيْهِ الْعَامَّةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ. اهـ. بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ) كَذَا فِي نُسْخَةِ شَيْخِنَا وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَظَاهِرِهِ. اهـ.

أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى عَبْدِ الْغَنِيِّ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ وَاقِعٌ لِلْمَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ وَلَا يَمْلِكُ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ زَمِنًا وَلَيْسَ فِي عِيَالِ مَوْلَاهُ وَلَا يَجِدُ شَيْئًا يَجُوزُ وَكَذَا إذَا كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا وَلَدُهُ الصَّغِيرُ فَلِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَبِيرًا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِمَالِ أَبِيهِ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي عِيَالِ الْأَبِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحِيحِ وَبِخِلَافِ امْرَأَةِ الْغَنِيِّ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ غَنِيَّةً بِيَسَارِ الزَّوْجِ وَبِقَدْرِ النَّفَقَةِ لَا تَصِيرُ مُوسِرَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ هَاشِمِيٌّ) أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى بَنِي هَاشِمٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا أَوْسَاخُ النَّاسِ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَطْلَقَ الْهَاشِمِيُّ هُنَا وَفَسَّرَهُمْ الْقُدُورِيُّ فَقَالَ هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَبَّاسٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِهِمْ بِالذِّكْرِ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَى بَعْضِ بَنِي هَاشِمٍ وَهُمْ بَنُو أَبِي لَهَبٍ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّدَقَةِ كَرَامَةٌ لَهُمْ اسْتَحَقُّوهَا بِنَصْرِهِمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ثُمَّ سَرَى ذَلِكَ إلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَبُو لَهَبٍ آذَى النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَبَالَغَ فِي أَذِيَّتِهِ فَاسْتَحَقَّ الْإِهَانَةَ قَالَ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ وَمَا عَدَا الْمَذْكُورِينَ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَوَالِيهِمْ) أَيْ لَا يَحِلُّ دَفْعُهَا إلَى مَوَالِيهِمْ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَالَ الرَّجُلُ لِأَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا فَقَالَ لَا حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْطَلَقَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَالتَّطَوُّعِ وَكَذَا الْوَقْفُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ سَمُّوا فِي الْوَقْفِ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يُسَمُّوا لَا يَجُوزُ فَجَعَلَهُمْ عَلَى مِثَالِ الْغَنِيِّ وَرَوَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَى الْهَاشِمِيِّ فِي زَمَانِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْهَاشِمِيَّ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ إلَى الْهَاشِمِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى عَبْدِ الْغَنِيِّ) أَيْ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ اهـ غَايَةٌ بِخِلَافِ مُكَاتَبِهِ فَإِنَّهُ مَصْرِفٌ بِالنَّصِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَإِلَى عَبْدِ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ) إلَى قَوْلِهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِي وُقُوعُ ذَلِكَ الْمِلْكِ لِمَوْلَاهُ بِهَذَا الْعَارِضِ وَهُوَ الْمَانِعُ وَغَايَةُ مَا فِي هَذَا وُجُوبُ كِفَايَتِهِ عَلَى السَّيِّدِ وَتَأْثِيمُهُ بِتَرْكِهِ وَاسْتِحْبَابُ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ عَلَيْهِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ عِنْدَ غَيْبَةِ مَوْلَاهُ الْغَنِيِّ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكَسْبِ لَا يَنْزِلُ عَنْ ابْنِ السَّبِيلِ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ لَا يَجُوزُ وَضْعُ الْعُشْرِ فِيمَنْ لَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ الزَّكَاةَ اهـ (قَوْلُهُ فَلِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ) وَفِي قُنْيَةٌ الْمُنْيَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ أَبٌ وَلَهُ أُمٌّ غَنِيَّةٌ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إلَخْ) إنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى وَنَحْوَهُ بِخِلَافِ بِنْتِ الْغَنِيِّ الْكَبِيرَةِ فَإِنَّهَا تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا هَذِهِ الْأَعْذَارُ وَتُصْرَفُ الزَّكَاةُ إلَيْهَا لِمَا ذُكِرَ فِي الِابْنِ الْكَبِيرِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ امْرَأَةِ الْغَنِيِّ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَسَوَاءٌ فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ لَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجْزِيهِ لِأَنَّهَا مَكْفِيَّةٌ لِمَا يَسْتَوْجِبُهُ عَلَى الْغَنِيِّ فَالصَّرْفُ لَهَا كَالصَّرْفِ إلَى ابْنِ الْغَنِيِّ وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْبَابَهَا النَّفَقَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ بِخِلَافِ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ الْجُزْئِيَّةِ فَكَانَ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ فَالدَّفْعُ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ إلَى نَفْسِ الْغَنِيِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ نَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ إلَخْ) السِّرُّ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا دَفْعُ التُّهْمَةِ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهَا ثَانِيهَا أَنَّهَا طَهُورٌ لِلْمُتَصَدِّقِينَ مِنْ الذُّنُوبِ فَلَا يَلِيقُ بِذِي الشَّرَفِ الْعَظِيمِ أَنْ يَأْخُذَهَا لِكَوْنِهَا فِي مُقَابَلَةِ ذَنْبٍ أَوْ نَقِيصَةٍ ثَالِثُهَا أَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ فَلَا يَلِيقُ أَيْضًا بِهِ أَخْذُهَا وَهَذَا أَقْوَاهَا رَابِعُهَا أَنَّ يَدَ الْمُعْطِي أَعْلَى فَلَمْ يُرِدْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ فَوْقَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدًا وَلِهَذَا أَبَاحَ لَهُ الْغَنَائِمَ مِنْ الْأَنْفَالِ وَخُمُسَ الْخُمُسِ مِنْ الْفَيْءِ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ بِالسَّيْفِ قَهْرًا. اهـ. ابْنُ دِحْيَةَ (فَرْعٌ) ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ كَافَّةً اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَزْوَاجَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَدْخُلْنَ فِي آلِهِ الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَفِي الْمُغْنِي عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ إنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَى أَزْوَاجِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ الرَّجُلُ لِأَبِي رَافِعٍ) وَاسْمُهُ إبْرَاهِيمُ وَقِيلَ أَسْلَمُ وَقِيلَ ثَابِتٌ وَقِيلَ هُرْمُزُ ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ كَذَا فِي الْغَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَبُو رَافِعٍ هَذَا اسْمُهُ أَسْلَمُ وَاسْمُ ابْنِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ) عَلَيْهِ مَشْي الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ حَيْثُ قَالَ كُلُّ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ صَدَقَةُ النَّفْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرَوَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَخْ) قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَتْ بِالْمَشْهُورَةِ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِالصَّدَقَاتِ كُلِّهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَالْحُرْمَةُ لِلْعِوَضِ وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ فَلَمَّا سَقَطَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَلَّتْ لَهُمْ الصَّدَقَةُ قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِي النَّتْفِ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى بَنِي هَاشِمٍ فِي قَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. كَاكِيٌّ

(وَلَوْ دَفَعَ بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ مَوْلَاهُ أَوْ كَافِرٌ أَوْ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ صَحَّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ خَطَأَهُ قَدْ ظَهَرَ بِيَقِينٍ فَصَارَ كَمَا إذَا تَوَضَّأَ بِمَاءٍ أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ نَجِسًا أَوْ قَضَى الْقَاضِي بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ نَصٌّ بِخِلَافِهِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ بِالِاجْتِهَادِ وَلَهُمَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَجِئْت فَأَخَذْتهَا فَأَتَيْته بِهَا فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا إيَّاكَ أَرَدْت فَخَاصَمْته إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَك مَا نَوَيْت يَا يَزِيدُ وَلَك مَا أَخَذْت يَا مَعْنُ فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ تَطَوُّعًا قُلْنَا كَلِمَةُ مَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَك مَا نَوَيْت عَامَّةٌ وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالِاجْتِهَادِ دُونَ الْقَطْعِ فَيَنْبَنِي الْأَمْرُ عَلَى مَا يَقَعُ عِنْدَهُ كَمَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ. وَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِالْإِعَادَةِ لَكَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ أَيْضًا فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا حَقِيقَةً وَفِي قَوْلِهِ دَفَعَ بِتَحَرٍّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا دَفَعَ بِغَيْرِ تَحَرٍّ وَأَخْطَأَ لَا يُجْزِئُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّا نَقُولُ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّى وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ فَهُوَ جَائِزٌ أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا دَفَعَهَا وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَمْ لَا فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مَصْرِفٍ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ وَهُوَ شَاكٌّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ تَحَرَّ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ فَهُوَ عَلَى الْفَسَادِ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَصْرِفٌ وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إذَا صَرَفَ إلَيْهِ وَفِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مَصْرِفٌ لَا يَجْزِيهِ عِنْدَهُمَا قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَتَحَرَّى وَصَلَّى إلَى جِهَةٍ وَفِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِبْلَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَلَوْ أَصَابَ الْقِبْلَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ. وَالْفَرْقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ) أَيْ ذِمِّيٌّ. اهـ. بَاكِيرٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ جَوَازُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأَصْلِ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُسْتَأْمِنًا فِي دِيَارِنَا وَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَامِعِ الْبَرَامِكَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذْ التَّصَدُّقُ عَلَى الْحَرْبِيِّ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ لَهُ وَفِي التُّحْفَةِ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ مُسْتَأْمِنًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ ذَكَرْت أَنَّهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ. (تَتِمَّةٌ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الدَّفْعِ لِبَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ تَنْتَظِمُ الصَّدَقَةَ النَّافِلَةَ وَالْوَاجِبَةَ فَجَرَوْا عَلَى مُوجِبِ ذَلِكَ فِي الْوَاجِبَةِ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ صَرْفُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَعُشْرِ الْأَرْضِ وَغَلَّةِ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُسَمِّ بَنِي هَاشِمٍ لَا يَجُوزُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ فِي مَنْعِ صَدَقَةِ الْأَوْقَاتِ لَهُمْ وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ وَأَمَّا الصَّدَقَةُ النَّافِلَةُ فَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَيَجُوزُ النَّفَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا يَجُوزُ النَّفَلُ لِلْغَنِيِّ كَذَا فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ اهـ وَصَرَّحَ فِي الْكَافِي بِدَفْعِ صَدَقَةِ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ عَلَى أَنَّهُ بَيَانُ الْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ خِلَافٌ فَقَالَ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ وَالْوَقْفُ فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى فِي الْوَاجِبِ يُطَهِّرُ نَفْسَهُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ فَيَتَدَنَّسُ الْمُؤَدَّى كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَفِي النَّفْلِ مُتَبَرِّعٌ بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَدَنَّسُ بِهِ الْمُؤَدَّى كَمَنْ تَبَرَّدَ بِالْمَاءِ اهـ. وَالْحَقُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إجْرَاءُ صَدَقَةِ الْوَقْفِ مَجْرَى النَّافِلَةِ فَإِنْ ثَبَتَ فِي النَّافِلَةِ جَوَازُ الدَّفْعِ يَجِبُ دَفْعُ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَلَا إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْوَاقِفَ مُتَبَرِّعٌ بِتَصَدُّقِهِ بِالْوَقْفِ إذْ لَا إيقَافَ وَاجِبٌ وَكَأَنَّ مَنْشَأَ الْغَلَطِ وُجُوبُ دَفْعِهَا عَلَى النَّاظِرِ وَبِذَلِكَ لَمْ تَصِرْ صَدَقَةً وَاجِبَةً عَلَى الْمَالِكِ بَلْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ وُجُوبَ اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ عَلَى النَّاظِرِ فَوُجُوبُ الْأَدَاءِ هُوَ نَفْسُ هَذَا الْوُجُوبِ فَلْنَتَكَلَّمْ فِي النَّافِلَةِ ثُمَّ يُعْطَى مِثْلُ حُكْمِهِ لِلْوَقْفِ فَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَالتَّطَوُّعِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضٌ يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ اهـ فَقَدْ أَثْبَتَ الْخِلَافَ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِ حُرْمَةِ النَّافِلَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْعُمُومَاتِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ فَلَا تُدْفَعُ إلَيْهِمْ النَّافِلَةُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ مَعَ الْأَدَبِ وَخَفْضِ الْجَنَاحِ تَكْرِمَةً لِأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ إلَيْك لَحْمُ بَرِيرَةَ الَّذِي تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهَا لَمْ يَأْكُلْهُ حَتَّى اعْتَبَرَهُ هَدِيَّةً فَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا مِنْهَا هَدِيَّةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ صَدَقَةً نَافِلَةً وَأَيْضًا لَا تَخْصِيصَ لِلْعُمُومَاتِ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَالْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يُخَصُّ بِهِ ابْتِدَاءً بَلْ بَعْدَ إخْرَاجِ شَيْءٍ بِسَمْعِيٍّ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا يَتِمُّ فِي الْقِيَاسِ الْمَقْصُودِ وَغَيْرِ الْمَقْصُودِ اهـ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْفَتْحِ فَلْيَنْظُرْ ثَمَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ صَحَّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ أَيْ وَلَكِنْ لَا يَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ وَهَلْ يَطِيبُ لِلْقَابِضِ إذَا ظَهَرَ الْحَالُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنْ لَا يَطِيبَ يَتَصَدَّقُ بِهَا وَقِيلَ يَرُدُّهُ عَلَى الْمُعْطِي عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ لِيُعِيدَ الْأَدَاءَ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا أَيْ لِأَنَّهُ مِلْكٌ خَبِيثٌ. اهـ. دِرَايَةٌ وَفِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَأَعْطَاهُمْ الْوَصِيُّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَغْنِيَاءٌ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ ضَامِنٌ بِالْإِنْفَاقِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَاعْتُبِرَ فِيهَا التَّوَسُّعُ وَالْوَصِيَّةُ حَقُّ الْعِبَادَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْحَقِيقَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَ وَلَا يَأْثَمُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ قُلْنَا كَلِمَةُ مَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَك مَا نَوَيْت عَامَّةٌ) أَيْ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَلَا يَخْتَصُّ عُمُومُهَا عِنْدَنَا بِالشَّرْطِيَّةِ وَالِاسْتِفْهَامِيَّة ثُمَّ لَوْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لَاسْتَفْصَلَ فَلِمَا عَمَّا وَأَطْلَقَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا) قَوْلُهُ عِنْدَهُمَا لَيْسَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ إذَا أَصَابَ وَأَلْحَقَ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْجَوَازِ مَعْنًى اهـ فَتْحٌ

لَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لَا تَكُونُ صَلَاةً وَلَا طَاعَةً وَإِنَّمَا هِيَ مَعْصِيَةٌ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَخْشَى عَلَيْهِ يَعْنِي الْكُفْرَ، وَالْمَعْصِيَةُ لَا تَنْقَلِبُ طَاعَةً وَدَفْعُ الْمَالِ إلَى غَيْرِ الْفَقِيرِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا فَإِذَا أَصَابَ صَحَّ وَنَابَ عَنْ الْوَاجِبِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْغَنِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ مُمْكِنٌ فَلَا يُعْذَرُ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْغَنِيِّ مُتَعَذِّرٌ فَيُعْذَرُ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُتَعَسِّرٌ وَلَوْ كُلِّفَ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ لَحُرِجَ وَهُوَ مَدْفُوعٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ لَا) أَيْ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ عَبْدُ الدَّافِعِ أَوْ مُكَاتَبَهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ إلَى عَبْدِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ وَلَهُ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقٌّ فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ الْإِغْنَاءُ) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يُغْنِيَ بِهَا إنْسَانًا بِأَنْ يُعْطِيَ لِوَاحِدٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا وَهُوَ جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْغِنَى قَارَنَ الْأَدَاءَ لِأَنَّ الْغِنَى حُكْمُهُ وَالْحُكْمُ مَعَ الْعِلَّةِ يَقْتَرِنَانِ فَحَصَلَ الْأَدَاءُ إلَى الْغَنِيِّ وَلَنَا أَنَّ الْأَدَاءَ يُلَاقِي الْفَقْرَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تُتِمُّ التَّمْلِيكَ وَحَالَةُ التَّمْلِيكِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَقِيرٌ وَإِنَّمَا يَصِيرُ غَنِيًّا بَعْدَ تَمَامِ التَّمْلِيكِ فَيَتَأَخَّرُ الْغَنِيُّ عَنْ التَّمْلِيكِ ضَرُورَةً وَلِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا لَهُ لِأَنَّ الْمَانِعَ مَا يَسْبِقُهُ لَا مَا يَلْحَقُهُ وَلَوْ كَانَ مَانِعًا لَهُ لَمَا صَحَّ إيقَاعُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا بِالْإِيقَاعِ تَصِيرُ أَجْنَبِيَّةً وَكَذَا الْإِعْتَاقُ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ جَاوَرَ الْمُفْسِدَ فَصَارَ كَمَنْ صَلَّى وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ قَالُوا إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطِيَهُ قَدْرَ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ وَزِيَادَةً دُونَ مِائَتَيْنِ لِأَنَّ قَدْرَ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الدَّفْعَ وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطَى قَدْرَ مَا لَوْ فَرَّقَ عَلَيْهِمْ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ عَنْ السُّؤَالِ) أَيْ نُدِبَ الْإِغْنَاءُ عَنْ السُّؤَالِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنَوْهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» وَالسُّؤَالُ ذُلٌّ فَكَانَ فِيهِ صِيَانَةُ الْمُسْلِمِ عَنْ الْوُقُوعِ فِيهِ وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَاوِزَ الْمَانِعَ وَهُوَ الْغِنَى الْمُطْلَقُ فَكَانَ أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ نَقْلُهَا إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِغَيْرِ قَرِيبٍ وَأَحْوَجَ) أَيْ كُرِهَ نَقْلُ الزَّكَاةِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِغَيْرِ قَرِيبٍ وَلِغَيْرِ كَوْنِهِمْ أَحْوَجَ فَإِنْ نَقَلَهَا إلَى قَرَابَتِهِ أَوْ إلَى قَوْمٍ هُمْ إلَيْهَا أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لَا يُكْرَهُ فَأَمَّا كَرَاهِيَةُ النَّقْلِ لِغَيْرِ هَذَيْنِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتَرُدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» وَلِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ حَقِّ الْجِوَارِ فَكَانَ أَوْلَى وَأَمَّا عَدَمُ كَرَاهِيَةِ نَقْلِهَا إلَى أَقَارِبِهِ أَوْ إلَى قَوْمٍ هُمْ أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَلِقَوْلِ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ ائْتُونِي بِعَرْضِ ثِيَابِ خَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ صِلَةَ الْقَرِيبِ أَوْ زِيَادَةَ دَفْعِ الْحَاجَةِ فَلَا يُكْرَهُ وَإِنْ نَقَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْمَكَانِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الزَّكَاةِ مَكَانُ الْمَالِ حَتَّى لَوْ كَانَ هُوَ فِي بَلَدٍ وَمَالُهُ فِي بَلَدٍ أُخْرَى يُفَرَّقُ فِي مَوْضِعِ الْمَالِ وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ يُعْتَبَرُ مَكَانُهُ لَا مَكَانُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَعَبِيدِهِ فِي الصَّحِيحِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّكَاةَ مَحَلُّهَا الْمَالُ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الذِّمَّةِ وَلِهَذَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِهِمْ وَقَالُوا الْأَفْضَلُ فِي صَرْفِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى إخْوَتِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَعْمَامِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ أَخْوَالِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ ثُمَّ جِيرَانِهِ ثُمَّ أَهْلِ سَكَنِهِ ثُمَّ أَهْلِ مِصْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَسْأَلُ مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ) يَعْنِي لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ جَمْرَ جَهَنَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُغْنِيهِ قَالَ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ قَالَ فِي الْغَايَةِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ تُحَرِّمُ سُؤَالَ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ) أَيْ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا قُوَّةُ مَرْتَبَةِ الرُّكْنِ عَلَى الشَّرْطِ مَعَ أَنَّ جَوَازَ الْأَدَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِمَا فَإِنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْغَنِيِّ وَغَيْرِهِ فَاتَ شَرْطُ الْأَدَاءِ وَهُوَ الْفَقْرُ فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَفِي عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ فَاتَ التَّمْلِيكُ وَهُوَ الرُّكْنُ فَلِذَلِكَ جَازَ الْأَدَاءُ فِي الْأُولَى مَعَ ظُهُورِ الْغِنَى عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَجُزْ هَاهُنَا بِالِاتِّفَاقِ كَذَا قِيلَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَهُ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقٌّ) أَيْ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ. اهـ. دِرَايَةٌ 1 - (فُرُوعٌ) مِنْ مَسَائِلِ الْأَمْرِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ ذَكَرَهَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ وَالْوَاقِعَاتِ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ ادْفَعْ زَكَاتِي إلَى مَنْ شِئْت أَوْ أَعْطِهَا مَنْ شِئْت فَدَفَعَهَا لِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ جَعَلَهُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ ضَعْهَا حَيْثُ شِئْت جَازَ وَضْعُهَا فِي نَفْسِهِ وَقَالَ فِي الْمَرْغِينَانِيِّ وَكَّلَ بِدَفْعِ زَكَاتِهِ فَدَفَعَهَا لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ أَوْ الصَّغِيرِ أَوْ زَوْجَتِهِ يَجُوزُ وَلَا يُمْسِكُ لِنَفْسِهِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الصُّغْرَى أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ إلَى إنْسَانٍ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ جَازَ لَهُ وَضْعُهُ فِي نَفْسِهِ وَلَوْ قَالَ أَعْطِهِ مَنْ شِئْت لَا يَجُوزُ وَضْعُهُ فِي نَفْسِهِ عَلَّلَ فَقَالَ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْرِفَةً بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَالْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَأَحَالَهُ إلَى الْجَامِعِ لَكِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ بَاطِلٌ بِمَسْأَلَةِ الْوَضْعِ وَفِي الْمَبْسُوطِ أَوْصَى إلَيْهِ بِثُلُثِهِ يَضَعُهُ أَوْ يَجْعَلُهُ حَيْثُ شَاءَ فَجَعَلَهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ جَازَ كَالْمُوصِي وَلَيْسَ لَهُ جَعْلُهُ أَوْ وَضْعُهُ فِي وَلَدِ الْمُوصِي كَالْمُوصِي فَإِنْ وَضَعَهُ فِي بَعْضِ وَلَدِ الْمُوصِي فَهُوَ بَاطِلٌ وَيُرَدُّ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَحَدًا بَعْدَ ذَلِكَ لِانْتِهَائِهِ بِهِ وَصَارَ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْمُوصِي وَفِي الْجَامِعِ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَضْعِ وَبَيْنَ الدَّفْعِ وَالصَّرْفِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّفْعَ وَالصَّرْفَ لِلتَّمْلِيكِ كَالْإِعْطَاءِ وَالْإِيتَاءِ وَالْوَاحِدُ لَا يَكُونُ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ عِنْدَهُ وَلَيْسَ الْوَضْعُ لِلتَّمْلِيكِ فَافْتَرَقَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ) كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَالْوَاوُ فِيهِ بِمَعْنَى أَوْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالذُّرَةُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ إلَى آخِرِهِ) وَيَجِبُ كَوْنُ

[باب صدقة الفطر]

وَيَجُوزُ مَعَهَا سُؤَالُ الْجُبَّةِ وَالْكِسَاءِ وَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الْأُوقِيَّةِ وَالْخَمْسِينَ سُؤَالُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَجَاءَ فِي الْخَبَرِ حُرْمَةُ السُّؤَالِ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَرُوِيَ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ أُوقِيَّةً وَعَلَى مَنْ يَكُونُ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ [بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ] (بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ) وَهُوَ لَفْظٌ إسْلَامِيٌّ اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ كَأَنَّهُ مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ النُّفُوسِ وَالْخِلْقَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَجِبُ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ ذِي نِصَابٍ فَضَلَ عَنْ مَسْكَنِهِ وَثِيَابِهِ وَأَثَاثِهِ وَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَعَبِيدِهِ) أَيْ تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَمَسْكَنِهِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ أَمَّا وُجُوبُهَا فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي خُطْبَتِهِ «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِمَامِ وَبِمِثْلِهِ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ وَشَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِيَتَحَقَّقَ التَّمْلِيكُ وَالْإِسْلَامَ لِتَقَعَ قُرْبَةً وَمِلْكَ النِّصَابِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمِقْدَارِ النِّصَابِ فَاضِلًا عَمَّا ذُكِرَ عَلَى مَا مَرَّ فِي حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَمْلِكُ زِيَادَةً عَلَى قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ نَامِيًا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَنْ نَفْسِهِ وَطِفْلِهِ الْفَقِيرِ وَعَبِيدِهِ لِلْخِدْمَةِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ) يَعْنِي يُخْرِجُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْمَلِهِ كَوْنُ مَنْ بِالْمَدِينَةِ أَحْوَجَ أَوْ ذَلِكَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ إعْطَاءِ فُقَرَائِهِمْ. اهـ. فَتْحٌ (بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ) وَجْهُ مُنَاسَبَتِهَا بِالزَّكَاةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ وَأَوْرَدَهَا فِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَ الصَّوْمِ بِاعْتِبَارِ تَرْتِيبِ الْوُجُودِ وَأَوْرَدَهَا صَاحِبُ الْكِتَابِ هُنَا رِعَايَةً لِجَانِبِ الصَّدَقَةِ وَرَجَّحَهَا لِمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَلَامِ الْمُضَافُ لَا الْمُضَافُ إلَيْهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ شَرْطًا وَحَقُّ هَذَا الْبَابِ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْعُشْرِ لِمَا أَنَّ الْعُشْرَ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَهَذِهِ عِبَادَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ إلَّا أَنَّ الْعُشْرَ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَهِيَ ثَبَتَتْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ أَنَّ الْعُشْرَ مِنْ أَنْوَاعِ الزَّكَاةِ وَالْمُرَادُ بِالْفِطْرِ يَوْمُهُ كَيَوْمِ النَّحْرِ لِمَا أَنَّ الْفِطْرَ اللُّغَوِيَّ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَسُمِّيَتْ صَدَقَةً وَهِيَ الْعَطِيَّةُ الَّتِي يُرَادُ بِهَا الْمَثُوبَةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا تُظْهِرُ صِدْقَ الرَّجُلِ كَالصَّدَاقِ يُظْهِرُ صِدْقَ الرَّجُلِ فِي الْمَرْأَةِ وَإِضَافَةُ الصَّدَقَةِ إلَى الْفِطْرِ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى الشَّرْطِ كَمَا فِي حُجَّةِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ مَجَازٌ لِمَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ كَمَا فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ كَأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَى الشَّرْطِ لِيَصِيرَ مُحَرِّضًا لَهُ عَلَى الْأَدَاءِ فِي هَذَا الْوَقْتِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَمَّا مَعْرِفَتُهَا فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هِيَ لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ وَلَا مُعَرَّبَةٌ بَلْ هِيَ اصْطِلَاحِيَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ. قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قِيلَ لَفْظَةٌ إسْلَامِيَّةٌ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّهَا مَا عُرِفَتْ إلَّا فِي الْإِسْلَامِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ هُوَ اسْمُهَا عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته وَيُقَالُ لَهَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَزَكَاةُ رَمَضَانَ وَزَكَاةُ الصَّوْمِ اهـ. وَأَمَّا مَعْرِفَتُهَا شَرْعًا فَإِنَّهَا اسْمٌ لِمَا يُعْطَى مِنْ الْمَالِ بِطَرِيقِ الصِّلَاتِ وَالْعِبَادَةِ تَرَحُّمًا مُقَدَّرًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا تُعْطَى صِلَةً تَكَرُّمًا لَا تَرَحُّمًا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْله تَجِبُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِعْلٌ وَفَاعِلُهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ وَهُوَ قَوْلُهُ نِصْفُ صَاعٍ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَذْكِيرُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ ضَمِيرًا رَاجِعًا إلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي الْبَابِ فَيَجِبُ التَّأْنِيثُ حِينَئِذٍ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ نِصْفَ صَاعٍ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ نِصْفُ صَاعٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ) وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِشَرْطَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُمَا مَالٌ يُؤَدِّي وَلِيُّهُمَا مِنْ مَالِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى شَرْحُ النَّافِعِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ صِفَتَيْنِ لِلْعَبْدِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَلَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا رَاجِعَيْنِ إلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ الصَّغِيرُ إلَى الْحُرِّ وَالْكَبِيرُ إلَى الْعَبْدِ فَيَجِبُ الْأَدَاءُ عَنْ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ عَبْدِهِ الْكَبِيرِ لَأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ عَبْدِهِ الصَّغِيرِ أَوْلَى وَلَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْحُرِّ الصَّغِيرِ لَأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ أَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» إلَخْ) ذَكَرَ فِي مَجَازَاتِ الْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَجَازٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُتَصَدِّقَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ إذَا كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ مِنْ غِنًى وَالظُّهْرُ هَاهُنَا كِنَايَةٌ عَنْ الْقُوَّةِ فَكَانَ الْمَالُ لِلْغَنِيِّ بِمَنْزِلَةِ الظَّهْرِ الَّذِي عَلَيْهِ اعْتِمَادُهُ وَإِلَيْهِ اسْتِنَادُهُ وَلِذَلِكَ يُقَالُ فُلَانٌ ظَهْرُ فُلَانٍ إذَا كَانَ يَتَقَوَّى بِهِ وَيَلْتَجِئُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ وَذُكِرَ فِي الْمُغْرِبِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى أَيْ صَادِرَةً عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَالظَّهْرُ فِيهِ مُقْحَمٌ كَمَا فِي ظَهْرِ الْقَلْبِ فَظَهْرُ الْغَيْبِ اهـ كَشْفٌ كَبِيرٌ فِي بَحْثِ الْقُدْرَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ

وَهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ عَلَى الْكَمَالِ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ فَقِيرًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ تَجِبُ مِنْ مَالِهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ هُوَ يَقُولُ أَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ وَهُمَا يَقُولَانِ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُهَا عَنْ الْغَيْرِ فَصَارَتْ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَلِهَذَا لَا يَتَحَمَّلُهَا أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَلَدُهُ الْمَجْنُونُ الْكَبِيرُ وَقَوْلُهُ وَعَبِيدُهُ لِلْخِدْمَةِ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ عَبِيدِهِ لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ عَنْهُمْ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى الشَّيْءِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبِيدٌ وَعَبِيدُ عَبِيدٍ تَجِبُ عَنْ الْعَبِيدِ لِمَا قُلْنَا وَلَا تَجِبُ عَنْ عَبِيدِ الْعَبِيدِ إنْ كَانُوا لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ كَانُوا لِلْخِدْمَةِ تَجِبُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبِيدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا تَجِبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى هَلْ يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَمْ لَا ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إسْلَامُ الْعَبْدِ كَالزَّكَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا عَنْ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَلِي عَلَيْهَا وَلَا يُمَوِّنُهَا إلَّا لِضَرُورَةِ انْتِظَامِ مَصَالِحِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ الرَّوَاتِبِ نَحْوُ الْأَدْوِيَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَ) لَا (وَلَدُهُ الْكَبِيرُ) لِأَنَّهُ لَا يُمَوِّنُهُ وَلَا يَلِي عَلَيْهِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ وَكَذَا إنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَدَّى عَنْهُ وَعَنْ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا جَازَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً وَلَا يُؤَدِّي عَنْ أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ وَنَوَافِلِهِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي مَعْنَى نَفْسِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَ) لَا (مُكَاتَبِهِ) لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَ) لَا (عَبْدٍ أَوْ عَبِيدٍ لَهُمَا) أَيْ لَا تَجِبُ عَنْ عَبْدٍ أَوْ عَبِيدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْعَبِيدِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَشْقَاصِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ وَهُمَا يَرَيَانِهَا وَقِيلَ لَا تَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ النَّصِيبَ لَا يَجْتَمِعُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَمْ تَتِمَّ الرَّقَبَةُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَتْ لَهُمَا جَارِيَةٌ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا عَنْ الْأُمِّ لِمَا قُلْنَا وَعَنْ الْوَلَدِ تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ تَامَّةٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ لَا يَتَجَزَّأُ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ وَلَدًا لِلْبَاقِي مِنْهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَجِبُ عَلَيْهِمَا صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُمَا وَالْمُؤْنَةَ عَلَيْهِمَا فَكَذَا الصَّدَقَةُ لِأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلتَّجَزُّؤِ كَالْمُؤْنَةِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ أَوْ مَأْسُورٌ أَوْ مَغْصُوبٌ مَجْحُودٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِطْرَتُهُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا عَنْ نَفْسِهِ بِسَبَبِهِمْ وَمِنْ الْمَرْهُونِ تَجِبُ فِي الْمَشْهُورِ إنْ فَضَلَ بَعْدَ الدَّيْنِ قَدْرَ النِّصَابِ وَكَذَا بِسَبَبِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُسْتَغْرَقِ بِالدَّيْنِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي حَيْثُ تَجِبُ عَنْهُمَا كَيْفَمَا كَانَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ فِي الرَّهْنِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الْعَبْدِ الْمُسْتَغْرَقِ وَالْجَانِي وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْعَبْدِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ عَلَى الْمَوْلَى، وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ لَا تَجِبُ فِطْرَتَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَوَقَّفُ لَوْ مَبِيعًا بِخِيَارِ) أَيْ يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ صَدَقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مُقْتَصِرًا عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى فَقَالَ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَتَعْلِيقَاتُهُ الْمَجْزُومَةُ لَهَا حُكْمُ الصِّحَّةِ وَرَوَاهُ مَرَّةً مُسْنَدًا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ تَجِبُ مِنْ مَالِهِ عِنْدَهُمَا) وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَى الصَّغِيرِ وَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى بَلَغَ وَجَبَ الْقَضَاءُ عِنْدَهُمَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ) أَيْ تَجِبُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ غَنِيًّا لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَإِنْ كَانَتْ عِبَادَةً. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ نَحْوُ الْأَدْوِيَةِ) أَيْ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً) أَيْ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا الْإِعَادَةُ فِيهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا مُكَاتَبُهُ إلَخْ) وَفِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ أَقْوَالٌ سِتَّةٌ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لَا شَيْءَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لَعَلَّهُ أَقْوَى فِي الدَّلِيلِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَجِبُ عَلَى الْمُعْتَقِ كُلِّهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُ حُرٌّ عِنْدَهُمَا وَبَقِيَّةُ الْأَقْوَالِ تُنْظَرُ فِي الْغَايَةِ السُّرُوجِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ قِسْمَةِ الرَّقِيقِ جَبْرًا وَلَمْ يَجْتَمِعْ لِوَاحِدٍ مَا يُسَمَّى رَأْسًا وَمُحَمَّدٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْقِسْمَةِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْقِسْمَةِ بِنَاءً عَلَى الْمِلْكِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ بِاعْتِبَارِ الْمُؤْنَةِ عَنْ وِلَايَةٍ لَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَلِذَا تَجِبُ عَنْ الْوَلَدِ وَلَا مِلْكَ وَلَا تَجِبُ عَنْ الْآبِقِ مَعَ الْمِلْكِ فِيهِ وَلَوْ سَلَّمَ فَجَوَازُ الْقِسْمَةِ لَيْسَ عِلَّةً تَامَّةً لِثُبُوتِهَا وَكَلَامُنَا فِيمَا قَبْلَهَا وَقَبْلَهَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِي مِلْكِ أَحَدٍ رَأْسٌ كَامِلٍ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ) يَعْنِي أَنَّ السَّبَبَ هُوَ رَأْسٌ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ لِأَنَّ الْمُفَادَ بِالنَّصِّ مِنْ قَوْلِهِ تَمُونُونَ عَلَيْكُمْ مُؤْنَتَهُ وَلَيْسَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُؤْنَتُهُ بَلْ بَعْضُهَا وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَيْسَ إيَّاهُ وَلَا سَبَبَ إلَّا هَذَا فَعِنْدَ انْتِفَائِهِ يَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَا أَنَّ الْعَدَمَ يُؤَثِّرُ شَيْئًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَشْقَاصِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَعْبُدْ مَثَلًا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةُ عَبْدَيْنِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْخَامِسِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ صَدَقَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَحَكَى الزَّعْفَرَانِيُّ والإسبيجابي قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِمَا فَكَذَا الصَّدَقَةُ إلَخْ) وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا أَوْ مَيِّتًا فَعَلَى الْآخَرِ صَدَقَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَهُمَا وَلَا نَصَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ إلَخْ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى فَإِنْ عَادَ الْعَبْدُ مِنْ الْإِبَاقِ أَوْ رُدَّ الْمَغْصُوبُ عَلَيْهِ بَعْدَمَا مَضَى يَوْمُ الْفِطْرِ كَانَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ مَا مَضَى. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِطْرَتُهُ) قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ الْفِطْرُ بِكَسْرِ الْفَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ قَبْلَ الْمُوصَى لَهُ وَقَبْلَ رَدِّهِ اهـ غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْعَبْدِ

فِطْرِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا وَإِذَا مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَالْخِيَارُ بَاقٍ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ الْعَبْدُ لَهُ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ فُسِخَ فَعَلَى الْبَائِعِ وَقَالَ زُفَرُ تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ وَالزَّوَالُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ حُكْمِ عَلَيْهِ كَالْمُقِيمِ إذَا سَافَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حَيْثُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ أَنْشَأَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ لِأَنَّهُ مِنْ وَظَائِفِهِ كَالنَّفَقَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ وَالْوِلَايَةَ مَوْقُوفَانِ فِيهِ فَكَذَا مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ فُسِخَ يَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَوْ أُجِيزَ يَسْتَنِدُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِهِ الزَّوَائِدَ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا لِلْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ فَلَا تَحْتَمِلُ التَّوَقُّفَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَكُونُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَصُورَتُهُ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا وَكَانَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ فَتَمَّ الْحَوْلُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَعِنْدَنَا يُضَمُّ إلَى نِصَابِ مَنْ يَصِيرُ الْعَبْدُ لَهُ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ فَإِنْ قَبَضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَتُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا لَهُ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْقَبْضِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا تَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ مِلْكُهُ وَلَمْ يَتَقَرَّرْ وَأَمَّا الْبَائِعُ فَلِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ غَيْرُ مُنْتَفِعٍ بِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَإِنْ رَدَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِيَارِ عَيْبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ بِقَضَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ مُنْتَفِعًا بِهِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ وَتَأَكُّدِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا أَوْ قَبَضَهُ قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَبَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فَصَدَقَتُهُ عَلَيْهِ لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ وَلَوْ قَبَضَهُ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَعَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي يَقْتَصِرُ عَلَى الْقَبْضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ) أَيْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ (أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الزَّبِيبُ بِمَنْزِلَةِ الشَّعِيرِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ صَاعٌ وَلَا يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ ذَكَرَ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي خُطْبَتِهِ «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» الْحَدِيثَ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ قَبْلَ يَوْمِ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ فَقَالَ إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مُدَّانِ مِنْ بُرٍّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الطَّعَامِ» وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ» وَهُوَ مُرْسَلُ سَعِيدٍ وَمَرَاسِيلُهُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْخَصْمِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أَمَرَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ». وَقَالَ هُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَجَابِرٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لَا يُجْزِئُهُ فَكَانَ إجْمَاعًا وَحَدِيثُ الْخُدْرِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَرَّعُونَ بِالزِّيَادَةِ وَكَلَامُنَا فِي الْوُجُوبِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَرَفَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَنَظِيرُهُ مَا قَالَ جَابِرٌ «كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُسْتَعَارُ الْوَدِيعَةُ وَالْجَانِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ مِنْ سَهْوِ الْقَلَمِ وَلَوْ بِيعَ الْعَبْدُ بَيْعًا فَاسِدًا فَمَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ قَبْلَ قَبْضِهِ ثُمَّ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَأَعْتَقَهُ فَالْفِطْرَةُ عَلَى الْبَائِعِ وَكَذَا لَوْ مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَهُوَ مَقْبُوضُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ الْبَائِعُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ بَاعَهُ فَالصَّدَقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِتَعَذُّرِ مِلْكِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ لِأَحَدٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ كَالْمُعَارِ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ تَجِبُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ دُونَ الْخِدْمَةِ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَعَارِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ تَجِبُ عَلَى مَالِك الْخِدْمَةِ اهـ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَرَقِيقُ الْأَحْبَاسِ وَرَقِيقُ الْقُوَّامِ الَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَى زَمْزَمَ وَرَقِيقُ الْفَيْءِ وَرَقِيقُ الْغَنِيمَةِ وَالسَّبْيِ وَالْأَسْرَى قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا فِطْرَةَ فِيهِمْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ لِمُعَيَّنٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ لِأَنَّهُ) أَيْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى تَأْوِيلِ التَّصَدُّقِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِلْمُشْتَرِي إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ) كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ فَلَا تَحْتَمِلُ التَّوَقُّفَ) فَإِنَّ الْمَمْلُوكَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا فِي الْحَالِ فَلَوْ جَعَلْنَاهَا مَوْقُوفَةً مَاتَ الْمَمْلُوكُ جَوْعًا فَلِأَجْلِ الضَّرُورَةِ اعْتَبَرْنَا فِيهِ الْمِلْكَ لِلْحَالِ بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا) أَيْ وَقْتَ الْوُجُوبِ. اهـ. كَاكِيٌّ نِصْفُ (قَوْلُهُ أَوْ زَبِيبٌ) أَلْحَقَهُ شَيْخُنَا وَلَيْسَ فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ) وَصَحَّحَهَا أَبُو الْيُسْرِ لِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ تَقْدِيرِهَا بِصَاعٍ كَمَا سَتَقِفُ عَنْ قَرِيبٍ وَرَفَعَ الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِعِزَّةِ الزَّبِيبِ فِي زَمَانِهِ كَالْحِنْطَةِ لَا يَقْوَى لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَى قَدْرٍ فِيهِ لَا يَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ فِيهِ نَفْسِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كُنَّا نُخْرِجُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا مَوْقُوفٌ فِي الْمُوَطَّأِ لَمْ تَخْتَلِفْ فِيهِ رِوَايَةٌ فِيمَا عَلِمْت قَالُوا وَالطَّعَامُ هُوَ الْبُرُّ بِدَلِيلِ ذِكْرِ الشَّعِيرِ مَعَهُ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ) وَالْأَقِطُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ جُبْنُ اللَّبَنِ بَعْدَ إخْرَاجِ زُبْدِهِ وَقِيلَ جُبْنٌ يُتَّخَذُ مِنْ لَبَنٍ حَامِضٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ ذَكَرَ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ) رَوَاهُ مَالِكٌ

أَسْمَاءَ كَانَتْ لَنَا فَرَسٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَبَحْنَاهَا وَأَكَلْنَاهَا كُلُّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ حُجَّةً مَا لَمْ يَثْبُتْ عِلْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ وَلَهُمَا فِي الزَّبِيبِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ يُقَارِبُ التَّمْرَ مِنْ حَيْثُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ التَّفَكُّهُ وَلَهُ مَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ وَلِأَنَّهُ وَالْبُرُّ يَتَقَارَبَانِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُؤْكَلُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَلَا يَرْمِي مِنْ الْبُرِّ النُّخَالَةَ وَلَا مِنْ الزَّبِيبِ الْحَبَّ إلَّا الْمُتَرَفِّهُونَ بِخِلَافِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ يُرْمَى مِنْهُمَا النَّوَى وَالنُّخَالَةُ وَبِهِ ظَهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ دَقِيقَ الْبُرِّ وَسَوِيقَهُ كَالْبُرِّ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا مِنْ الشَّعِيرِ وَحُكْمُهُمَا أَنَّهُمَا كَالشَّعِيرِ حَتَّى يَجِبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الصَّاعُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَاعَى فِيهِمَا الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ احْتِيَاطًا لِضَعْفِ الْآثَارِ فِيهِمَا لِعَدَمِ الِاشْتِهَارِ حَتَّى إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً تَتَأَدَّى بِالْقَدْرِ وَإِلَّا فَبِالْقِيمَةِ. وَعَلَى هَذَا فِي الزَّبِيبِ أَيْضًا يُرَاعَى فِيهِ الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ لِأَنَّ الْغَالِبَ قِيمَةُ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَبْلُغُ قَدْرَ الْوَاجِبِ وَالْخُبْزُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُوَ أَنْ يَكُون مَنَوَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ مِنْ دَقِيقِهِ نِصْفُ صَاعٍ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ مِنْ خُبْزِهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ لِكَوْنِهِ أَنْفَعَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَلَا يُرَاعَى فِيهِ الْقَدْرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ الْأَثَرُ فَصَارَ كَالذُّرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحُبُوبِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ فِيهَا الْأَثَرُ بِخِلَافِ الدَّقِيقِ وَالزَّبِيبِ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ) أَيْ الصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحِجَازِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ وَخَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ أَصْغَرُ مِنْ الثَّمَانِيَةِ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمَّا حَجَّ سَأَلَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ عَنْ الصَّاعِ فَقَالُوا خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَجَاءَهُ جَمَاعَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَهُ صَاعُهُ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخْبَرَنِي أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَهُوَ التَّفَكُّهُ) وَالِاسْتِحْلَاءُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْبُرُّ يَتَقَارَبَانِ) فِي الْمَعْنَى. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْله وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَاعِيَ فِيهِمَا) أَيْ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى إذَا كَانَتْ) أَيْ الْحِنْطَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ صَحِيحَةً) أَيْ غَيْرَ مَطْحُونَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ تَتَأَدَّى بِالْقَدْرِ وَإِلَّا فَبِالْقِيمَةِ) وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ يُؤَدِّي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ دَقِيقِ الْبُرِّ قِيمَتُهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ الْبُرِّ حَتَّى لَوْ كَانَ أَقَلَّ لَا يَجُوزُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالْأَحْوَطُ فِي الزَّبِيبِ الْقِيمَةُ لِعَدَمِ شُهْرَةِ النَّصِّ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَالْخُبْزُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ) فَإِنَّ فِي الْغَالِبِ كَوْنُ نِصْفِ صَاعٍ دَقِيقٍ لَا يَنْقُصُ قِيمَتُهُ عَنْ قِيمَةِ نِصْفِ صَاعٍ مَا هُوَ دَقِيقُهُ بَلْ يَزِيدُ حَتَّى لَوْ فُرِضَ نَقْصُهُ كَمَا يَتَّفِقُ فِي أَيَّامِ الْبِدَارِ كَانَ الْوَاجِبُ مَا قُلْنَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ الْأَثَرُ) أَيْ وَهُوَ مَوْزُونٌ غَيْرُ مَكِيلٍ وَالْكَيْلُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ بِالنَّصِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالذُّرَةِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَأَصْلُهُ ذَرْوٌ أَوْ ذَرْيٌ وَالْهَاءُ عِوَضٌ اهـ (قَوْلُهُ بِالْبَغْدَادِيِّ) فِي الْهِدَايَةِ بِالْعِرَاقِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ) أَيْ بِالْبَغْدَادِيِّ. اهـ. غَايَةٌ وَالرِّطْلُ زِنَةُ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ وَهُوَ الْعَدَسُ وَالْمَاشُّ فَمَا وَسِعَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ أَوْ خَمْسَةً وَثُلُثًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ الصَّاعُ كَذَا قَالُوا وَعَلَى هَذَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ آنِفًا فِي تَقْدِيرِ الصَّاعِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا إذَا تَأَمَّلَ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالرِّطْلُ الْبَغْدَادِيُّ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا قَالَ النَّوَوِيُّ الْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْعَدَسُ وَالْمَاشُّ يَسْتَوِي فِيهِمَا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يَعْنِي أَنَّ الصَّاعَ مِنْهُمَا يَكُونُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ وَالثَّمَانِيَةُ الْأَرْطَالُ مِنْهُمَا صَاعٌ وَمَا سِوَاهُمَا قَدْ يَكُونُ الْوَزْنُ أَقَلَّ مِنْ الْكَيْلِ كَالْمِلْحِ وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ كَالشَّعِيرِ فَإِذَا كَانَ الْمِكْيَالُ يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ مِنْ الْعَدَسِ وَالْمَاشِّ فَهُوَ الصَّاعُ الَّذِي يُكَالُ بِهِ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ. اهـ. غَايَةٌ. قَالَ الْعَلَّامَةُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مَا نَصُّهُ الصَّاعُ كَيْلٌ يَسَعُ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ فَقْدٍ وَثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ مِنْ الْمَجِّ وَهُوَ الْمَاشُّ أَوْ مِنْ الْعَدَسِ وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِهِمَا لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ حَبَّاتِهِمَا عِظَمًا وَصِغَرًا وَتَخَلْخُلًا وَاكْتِنَازًا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْحُبُوبِ فَإِنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا كَثِيرٌ غَايَةُ الْكَثْرَةِ وَإِنِّي قَدْ وَزَنْت الْمَاشَّ وَالْحِنْطَةَ الْجَيِّدَةَ الْمُكْتَنَزَةَ وَالشَّعِيرَ وَجَعَلْتهَا فِي الْمِكْيَالِ فَالْمَاشُّ أَثْقَلُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالْحِنْطَةُ مِنْ الشَّعِيرِ فَالْمِكْيَالُ الَّذِي يُمْلَأُ بِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ مِنْ الْمَجِّ يُمْلَأُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ مِنْ الْحِنْطَةِ الْجَيِّدَةِ الْمُكْتَنَزَةِ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُقَدَّرَ الصَّاعُ بِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ مِنْ الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ إنْ قُدِّرَ بِالْحِنْطَةِ الْمُكْتَنَزَةِ فَكَمَا يُجْعَلُ فِيهِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْحِنْطَةِ يُمْلَأُ بِهَا وَإِنْ كَانَ يُمْلَأُ بِأَقَلَّ مِنْ تِلْكَ إذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ الْمُتَخَلْخِلَةُ لَكِنْ إنْ قُدِّرَ بِالْمَجِّ يَكُونُ أَصْغَرَ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَا يَسَعُ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ مِنْ الْحِنْطَةِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَحْوَطَ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا وَلَعَلَّ تَقْدِيرَ الصَّاعِ بِثَمَانِيَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ وَثُلُثٍ مِنْ الْمَاشِّ وَالْعَدَسِ لِمَا كَانَ فِيهِ مَا فِيهِ أَوْرَدَهُ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُتَبَرِّيًا عَنْهُ بِلَفْظِ كَذَا قَالُوا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ) وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافٌ فِي قَدْرِ صَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَا قَالَهُ الْحِجَازِيُّونَ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَمَا قَالَهُ الْحِجَازِيُّونَ أَصْغَرُ فَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ هُوَ أَصْغَرُ الصِّيعَانِ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ حِبَّانَ رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ وَمُدُّنَا أَكْبَرُ الْأَمْدَادِ فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي قَلِيلِنَا وَكَثِيرِنَا وَاجْعَلْ لَنَا مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ» اهـ ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَفِي تَرْكِهِ إنْكَارَ كَوْنِهِ أَصْغَرَ الصِّيعَانِ بَيَانٌ أَنَّ صَاعَ الْمَدِينَةِ كَذَلِكَ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَوَاضِعِ كَوْنِ السُّكُونِ حُجَّةً لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ حَتَّى يَلْزَمَ رَدُّهُ إنْ كَانَ خَطَأً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَسَاقَهُ فَلْيُنْظَرْ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

أَنَّهُ صَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ آخَرُ أَخْبَرَنِي أَخِي أَنَّهُ صَاعُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ مَذْهَبِهِ. وَلَنَا مَا رَوَاهُ صَاحِبُ الْإِمَامِ عَنْ أَنَسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ بِمُدٍّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ جَرَتْ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَنَّهُ صَاعٌ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحَجَّاجِيِّ وَكَانَ يَفْتَخِرُ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ وَيَقُولُ أَلَمْ أُخْرِجْ لَكُمْ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَشْهُورٌ وَمَا رَوَاهُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ أَنَّهُ أَصْغَرُ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ أَصْغَرُ الصِّيعَانِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْهَاشِمِيَّ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْحَجَّاجِيِّ وَالْجَمَاعَةُ الَّذِينَ لَقِيَهُمْ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقُومُ بِهِمْ حُجَّةٌ لِكَوْنِهِمْ مَجْهُولِينَ نَقَلُوا عَنْ مَجْهُولِينَ مِثْلَهُمْ وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الصَّاعِ. وَإِنَّمَا أَبُو يُوسُفَ لَمَّا حَرَّرَ صَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَجَدَهُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بِرِطْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهَلْ أَكْبَرُ مِنْ رِطْلِ أَهْلِ بَغْدَادَ لِأَنَّهُ ثَلَاثُونَ إسْتَارًا وَالرِّطْلُ الْبَغْدَادِيُّ عِشْرُونَ إسْتَارًا فَإِذَا قَابَلَتْ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ بِخَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بِالْمَدَنِيِّ تَجِدُهُمَا سَوَاءً فَوَقَعَ الْوَهْمُ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَهُوَ أَشْبَهُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ فِيهِ لَذَكَرَهُ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ ثُمَّ يَعْتَبِرُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ بِالْوَزْنِ فِيمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّاعِ بِأَنَّهُ كَمْ رِطْلٌ هُوَ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْوَزْنِ إذْ لَا مَعْنَى لِاخْتِلَافِهِمْ فِيهِ إلَّا إذَا اُعْتُبِرَ بِهِ وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْكَيْلِ لِأَنَّ الْآثَارَ جَاءَتْ بِالصَّاعِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْكَيْلِ وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ وَأَعْجَلُ بِهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْحِنْطَةَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ قُلْنَا لَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بِالْحِنْطَةِ لِأَنَّ الْخِلَافَ وَاقِعٌ فِي الْحِنْطَةِ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ أَيْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صُبْحَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ بَعْدَهُ لَا تَجِبُ) أَيْ تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ وُلِدَ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَصُبْحَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لِتَجِب فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ يَتَعَلَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ أَوْ وُلِدَ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْفِطْرَ بِانْفِصَالِ الصَّوْمِ وَذَلِكَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ رَمَضَانَ وَهَذَا لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَجِبُ لِرَمَضَانَ لَا لِشَوَّالٍ وَيَوْمُ الْفِطْرِ أَوْ لَيْلَتُهُ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ شَوَّالٍ فَمَنْ وُلِدَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَوْ مَلَكَ فِيهَا نِصَابًا لَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَمْلِكْ فِي رَمَضَانَ وَنَحْنُ نَقُولُ يَتَعَلَّقُ بِفِطْرٍ مُخَالِفٌ لِلْعَادَةِ وَهُوَ الْيَوْمُ إذْ لَوْ تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِالْغُرُوبِ لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ فِطْرَةً لِأَنَّ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فِطْرٌ بَعْدَ صَوْمٍ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَلِهَذَا يُقَالُ يَوْمُ الْفِطْرِ وَلَا يُعَارِضُ هَذَا بِقَوْلِهِمْ لَيْلَةَ الْفِطْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْيَوْمِ تَقْدِيرُهُ لَيْلَةَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ وَهُوَ الْيَوْمُ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ يَتَوَضَّأُ بِمُدٍّ رِطْلَيْنِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ رَوَاهُ فِي الْغَايَةِ مَرَّةً بِتَعْرِيفِ مُدٍّ وَمَرَّةً بِتَنْكِيرِهِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ» هَكَذَا وَقَعَ مُفَسَّرًا عَنْ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ فِي ثَلَاثَةِ طُرُقٍ رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعَّفَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَكَذَا كَانَ صَاعُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ وَكَانَ ذَلِكَ قَدْ فُقِدَ فَأَخْرَجَهُ الْحَجَّاجُ وَكَانَ يَمُنُّ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ وَيَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ يَا أَهْلَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَمَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ أَلَمْ أُخْرِجْ لَكُمْ صَاعَ عُمَرَ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ حَجَّاجِيًّا أَيْضًا. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْهَاشِمِيَّ) أَيْ وَهُوَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَبُو يُوسُفَ لَمَّا حَرَّرَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى مَا فِي تَضْعِيفِهِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِ النَّقْلِ عَنْ مَجْهُولِينَ مِنْ النَّظَرِ بَلْ الْأَقْرَبُ مِنْهُ عَدَمُ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ خِلَافَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلَ ضَعْفِ أَصْلِ وُقُوعِ الْوَاقِعَةِ لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ رَوَاهَا ثِقَةٌ لِأَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِعَامَّةِ النَّاسِ وَمُشَافَهَتَهُ إيَّاهُمْ مِمَّا يُوجِبُ شُهْرَةَ رُجُوعِهِ وَلَوْ كَانَ لَمْ يَعُمَّهُ مُحَمَّدٌ فَهُوَ عَلَى بَاطِنِهِ اهـ. قَوْلُهُ مِنْ النَّظَرِ لِأَبِي يُوسُفَ عُرِفَ بِوُجُوهِ الِاسْتِدْلَالِ ثُمَّ لَمْ يُخَالِفْ ذَلِكَ طَرِيقَ الْأُصُولِ لِأَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَنْ لَيْسَ بِمَعْلُومِ الْجُرْحِ وَلَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِيهِ الْأَصْلُ فِي الْمُسْلِمُ الْعَدَالَةُ مَا لَمْ تَثْبُتْ الرِّيبَةُ وَلَا طَرِيقَ الْمُحَدِّثِينَ إذْ الضَّعِيفُ يَرْتَقِي حَدِيثُهُ إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَعْفُهُ بِالْكَذِبِ فَإِنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الَّذِينَ أَخْبَرُوا أَبَا يُوسُفَ فِيهِمْ ضَعِيفٌ لَارْتَقَى إخْبَارُهُمْ الْمَذْكُورُ إلَى الْحُجَّةِ لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ تَعَدُّدًا كَثِيرًا فَكَيْفَ وَهُوَ يَقُولُ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كُلٌّ يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ (قَوْلُهُ عِشْرُونَ إسْتَارًا) الْإِسْتَارُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ فَإِذَا ضَرَبْت مِائَةً وَسِتِّينَ فِي سِتَّةِ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ يَصِيرُ أَلْفًا وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. اهـ. بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْكَيْلِ) حَتَّى لَوْ وَزَنَ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ فَدَفَعَهَا إلَى الْقَوْمِ لَا يَجْزِيهِ لِجَوَازِ كَوْنِ الْحِنْطَةِ ثَقِيلَةً لَا تَبْلُغُ نِصْفَ صَاعٍ وَإِنْ وَزَنَتْ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ) أَيْ وَالدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ الشِّدَّةِ فَالْأَدَاءُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ دَقِيقِهِ أَفْضَلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَفِي زَمَنِ السَّعَةِ الدَّرَاهِمُ أَفْضَلُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ) إذْ فِي الدَّقِيقِ وَالْقِيمَةِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. اهـ. هِدَايَةٌ

(وَصَحَّ لَوْ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ) أَيْ جَازَ أَدَاءُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ إذَا قَدَّمَهُ عَلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ وَهُوَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ. أَمَّا جَوَازُ التَّقْدِيمِ فَلِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَدَاءِ الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُودِ النِّصَابِ وَلَا تَفْصِيلَ فِيهِ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمُدَّةٍ فِي الصَّحِيحِ وَعِنْدَ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ لَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَلَا فِطْرَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَقِيلَ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَقِيلَ فِي الْعُشْرِ الْأَخِيرِ وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا أَصْلًا كَالْأُضْحِيَّةِ قُلْنَا الْأُضْحِيَّةَ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ فَلَا تَكُونُ عِبَادَةً إلَّا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ بِخِلَافِ التَّصَدُّقِ وَأَمَّا جَوَازُ الْأَدَاءِ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَالِيَّةٌ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى فَلَا تَسْقُطُ بَعْدَ الْوُجُوبِ إلَّا بِالْأَدَاءِ كَالزَّكَاةِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ يَوْمِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ اخْتَصَّتْ بِيَوْمِ الْعِيدِ فَتَسْقُطُ بِمُضِيِّهِ كَالْأُضْحِيَّةِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ قُلْنَا هِيَ قُرْبَةٌ مَعْقُولَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ كَالزَّكَاةِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَلَا تَكُونُ قُرْبَةً إلَّا فِي وَقْتِهَا. وَإِذَا مَضَى وَقْتُهَا لَا تَسْقُطُ أَيْضًا وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى التَّصَدُّقِ بِهَا وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ بِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَيُقَدِّمَ لِلْفَقِيرِ أَيْضًا لِيَأْكُلَ مِنْهَا قَبْلَهَا وَيَتَفَرَّغَ لِلصَّلَاةِ وَيَجِبُ دَفْعُ صَدَقَةِ فِطْرِ كُلِّ شَخْصٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ فَرَّقَهُ عَلَى مِسْكِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِغْنَاءُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنَوْهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَصَارَ كَأَدَاءِ الزَّكَاةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الْقِيَاسُ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّبَبِ فَهُوَ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَسُقُوطُ مَا يُسْتَحَبُّ إذَا وَجَبَ بِفِعْلٍ قَبْلَ الْوُجُوبِ خِلَافُ الْقِيَاسِ فَلَا يَتِمُّ فِي مِثْلِهِ إلَّا السَّمْعُ وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ إلَى أَنْ قَالَ وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ بِإِذْنٍ سَابِقٍ فَإِنَّ الْإِسْقَاطَ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمَّا كَانَ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ لَمْ يَصْرِفْهُمْ لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يُسْمَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَمَنْ سَقَطَ عَنْهُ الصَّوْمُ لِكِبَرٍ أَوْ عُذْرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالصَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَتَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى مَنْ سَقَطَ عَنْهُ الصَّوْمُ بِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا) قَائِلُهُ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ. اهـ. دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَإِذَا مَضَى وَقْتُهَا لَا تَسْقُطُ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا قِيلَ مِنْ مَنْعِ سُقُوطِ الْأُضْحِيَّةَ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى التَّصَدُّقِ بِهَا لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا يَنْتَفِي بِذَلِكَ كَوْنُ نَفْسِ الْأُضْحِيَّةَ وَهُوَ إرَاقَةُ دَمٍ سُنَّ مُقَدَّرٍ قَدْ سَقَطَ وَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ وَرُبَّمَا يُؤْخَذُ سُقُوطُهَا بِبَادِئِ الرَّأْيِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُقَدَّمِ أَوَّلَ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ لَكِنْ قَدْ يُرْفَعُ بِاتِّحَادِ مَرْجِعِ ضَمِيرِ أَدَّاهَا فِي الْمَرَّتَيْنِ إذْ يُفِيدُ أَنَّهَا هِيَ الْمُؤَدَّاةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ غَيْرَ أَنَّهُ نَقَصَ الثَّوَابَ فَصَارَتْ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ ظَاهِرِهِ يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِي بَاقِي الْيَوْمِ وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُهُ هُوَ مَصْرُوفٌ عَنْهُ عِنْدَهُ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَهَا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَأَمَّا وَقْتُ أَدَائِهَا فَيَوْمُ الْفِطْرِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَبَعْدَهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكُونُ أَدَاءً وَيَجِبُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ وَلَا بِالِافْتِقَارِ بَعْدَ وُجُوبِهَا اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ) وَاَلَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. اهـ. غَايَةٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَدَّاهَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَإِنْ أَدَّاهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ دَفْعُ صَدَقَةِ فِطْرِ كُلِّ شَخْصٍ إلَى مِسْكِينٍ إلَى آخِرِهِ) وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى أَيِّ عَدَدٍ شَاءَ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُعْطِيَ مِسْكِينًا وَاحِدًا لِأَنَّ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِغْنَاءُ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ جَازَ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّقَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي آخِرِ فَتَاوِيهِ رَجُلٌ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَأَدَّى لِكُلِّ مِسْكِينٍ فَلْسًا وَجَمْعُ ذَلِكَ الْفُلُوسِ يَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ يَجُوزُ ذَلِكَ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْعَلَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ وَبِهَذَا لَا يَقَعُ الْغِنَى اهـ. قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِغْنَاءِ لَا بِالْمَسْأَلَةِ يَعْنِي أَغْنَوْهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ قِيلَ الْمِثْلُ زَائِدٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَفَائِدَتُهُ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ إذْ لَوْ لَمْ يُذْكَرْ لَاقْتَصَرَ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ اهـ كَشْفٌ كَبِيرٌ فِي بَحْثِ الْقُدْرَةِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ دَفْعُ صَدَقَةِ فِطْرِ كُلِّ شَخْصٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ) قَالَ فِي الْغَايَةِ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مَا يَجِبُ عَنْ جَمَاعَةٍ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَمَا يَجِبُ عَنْ وَاحِدٍ لِمَسَاكِينَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ جَوَّزَهُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرُ الْكَرْخِيِّ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ يُجَوِّزْ دَفْعَ مَا يَجِبُ لِوَاحِدٍ إلَى الْمَسَاكِينِ قَالُوا لِأَنَّ الْإِغْنَاءَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ اهـ وَعَلَى الْأَوَّلِ مَشَى فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ

[كتاب الصوم]

يُسْتَغْنَى بِمَا دُونَ ذَلِكَ وَجَوَّزَ الْكَرْخِيُّ تَفْرِيقَ صَدَقَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى مَسَاكِينَ لِأَنَّ الْإِغْنَاءَ يَحْصُلُ بِالْمَجْمُوعِ وَيَجُوزُ دَفْعُ مَا يَجِبُ عَلَى جَمَاعَةٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (كِتَابُ الصَّوْمِ) الصَّوْمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِمْسَاكُ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26] أَيْ صَمْتًا وَسُكُوتًا وَكَانَ ذَلِكَ مَشْرُوعًا فِي دِينِهِمْ وَقَالَ النَّابِغَةُ خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا أَيْ مُمْسِكَةٌ عَنْ السَّيْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْغُرُوبِ بِنِيَّةٍ مِنْ أَهْلِهِ) وَهَذَا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ الصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ نَهَارًا مَعَ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ أَشْمَلُ فَإِنَّهُ بِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِهِ احْتَرَزَ عَنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْكَافِرِ فَخَرَجُوا مِنْهُ وَلَمْ يَخْرُجُوا عَلَى مَا قَالَ الْقُدُورِيُّ وَقَالَ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْغُرُوبِ وَلَمْ يَقُلْ نَهَارًا كَمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ لِأَنَّ النَّهَارَ اسْمٌ لِمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» فَلَمْ يَكُنْ صَحِيحًا مُخْلِصًا وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِالْيَوْمِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوِصَالُ مُتَعَذِّرًا وَمَنْهِيًّا عَنْهُ تَعَيَّنَ الْيَوْمُ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْعِبَادَةِ إذْ تَرْكُ الْأَكْلِ بِاللَّيْلِ مُعْتَادٌ وَاشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَةِ مِنْ الْعَادَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَيْرِهَا أَيْضًا وَيَجُوزُ التَّلْفِيقُ مِنْ جِنْسَيْنِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَنِصْفَ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَلَنَا أَنَّ الْمُخَيَّرَ إذَا أَخْرَجَ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ مَثَلًا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ فِي قَدْرِهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ نِصْفٌ فَوَجَبَ أَنْ يُخَيَّرَ فِي أَدَائِهِ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ شَاءَ كَالْأَوَّلِ سُرُوجِي. [كِتَابُ الصَّوْمِ] الْحِكْمَةُ فِي الصَّوْمِ حُصُولُ التَّقْوَى لِمُبَاشِرِهِ إذْ لَا مَشْرُوعَ أَدَلُّ عَلَى التَّقْوَى مِنْهُ فَإِنَّ مَنْ أَدَّى هَذِهِ الْأَمَانَةَ كَانَ أَشَدَّ أَدَاءً لِغَيْرِهَا مِنْ الْأَمَانَاتِ وَأَكْثَرَ اتِّقَاءً لِمَا يُخَافُ حُلُولُهُ مِنْ النِّقْمَةِ بِمُبَاشَرَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقَاذُورَاتِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184] وَفِيهِ مَعْرِفَةُ قَدْرِ النِّعَمِ وَمَعْرِفَةُ مَا عَلَيْهِ الْفُقَرَاءُ مِنْ تَحَمُّلِ مَرَارَةِ الْجُوعِ فَيَكُونُ حَامِلًا عَلَى مُوَاسَاتِهِمْ وَفِيهِ إطْفَاءُ حَرَارَةِ الشَّهْوَةِ الْخَدَّاعَةِ الْمُنْسِيَةِ لِلْعَوَاقِبِ وَرَدُّ جِمَاحِ النَّفْسِ الْأَمَارَةِ بِالسُّوءِ وَانْقِيَادِهَا لِطَاعَةِ مَوْلَاهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَانٍ لَا تُحْصَى. اهـ. كَشْفٌ كَبِيرٌ (قَوْلُهُ هُوَ الْإِمْسَاكُ) مُطْلَقًا صَامَ عَنْ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ النَّابِغَةُ) أَيْ الذُّبْيَانِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ تَأْكُلُ (قَوْلُهُ وَالْجِمَاعُ إلَى آخِرِهِ) وَأَلْحَقَ بِالْجِمَاعِ مَا هُوَ فِي الْجِمَاعِ كَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ مَعَ الْإِنْزَالِ عَلَى مَا يَأْتِي وَكَذَا بِالْأَكْلِ مَا لَيْسَ بِأَكْلٍ كَمَا لَوْ اسْتِقَاءَ عَامِدًا أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً إذَا وَصَلَ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ عَلَى مَا يَأْتِي. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلِهِ وَلَمْ يَخْرُجُوا عَلَى مَا قَالَ الْقُدُورِيُّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَقْضُ طَرْدِهِ بِإِمْسَاكِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَلَا يَصْدُقُ الْمَحْدُودُ عَنْ إمْسَاكٍ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَذَلِكَ بَعْدَمَا أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّهَارَ اسْمٌ لِمَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْغُرُوبِ وَعَكْسُهُ النَّاسِي فَإِنَّهُ يَصْدُقُ مَعَهُ الْمَحْدُودُ وَهُوَ الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ وَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ وَهَذَا فَسَادُ الْعَكْسِ وَجُعِلَ فِي النِّهَايَةِ إمْسَاكُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مُفْسِدًا لِلْعَكْسِ وَجُعِلَ أَكْلُ النَّاسِي مُفْسِدًا لِلطَّرْدِ وَالتَّحْقِيقُ مَا أَسْمَعْتُك وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مَوْجُودٌ مَعَ أَكْلِ النَّاسِي فَإِنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ أَكْلَهُ عَدَمًا وَالْمُرَادُ مِنْ النَّهَارِ الْيَوْمُ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ وَبِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ خَرَجَتْ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لِلصَّوْمِ شَرْعًا وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ مِنْ الْعِنَايَةِ وَالْحَدُّ الصَّحِيحُ إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ مَنْوِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي وَقْتِهِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مَعْنَاهُ وَهُوَ تَفْصِيلُهُ اهـ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ الَّتِي قَدَّمَهَا أَوَّلَ الْبَابِ وَفِي الشَّرْعِ إمْسَاكٌ عَنْ الْجِمَاعِ وَعَنْ إدْخَالِ شَيْءٍ بَطْنًا لَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ عَنْ نِيَّةٍ وَنَكَّرْنَا الْبَطْنَ وَوَصَفْنَاهُ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ إلَى بَاطِنِ دِمَاغِهِ شَيْءٌ فَسَدَ أَوْ إلَى بَاطِنِ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ لَا يَفْسُدُ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا زِيدَ فِي حَدِّ الصَّوْمِ بِإِذْنِهِ حَتَّى لَا يُنْتَقَضَ بِصَوْمِ الْحَائِضِ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْهُ وَلَيْسَتْ بِمَأْذُونَةٍ فِيهِ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يُنْتَقَضُ حِينَئِذٍ بِصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنَّ صَوْمَهُ مُعْتَبَرٌ عِنْدَكُمْ مَعَ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَأُجِيبُ بِمَنْعِ عَدَمِ وُجُودِ الْإِذْنِ فِيهِ بَلْ الْإِذْنُ مَوْجُودٌ مِنْ الشَّارِعِ فِيهِ لِأَنَّ الصَّوْمَ مَشْرُوعٌ فِيهِ وَإِنَّمَا النَّهْيُ بِاعْتِبَارِ تَرْكِ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ مُلَخَّصًا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَالْحَدُّ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْكَمَالُ عَزَاهُ فِي الدِّرَايَةِ إلَى الْإِمَامِ بَدْرِ الدِّينِ الْوَرْسَكِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّهَارَ اسْمٌ لِمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَخْ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ النَّهَارَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ وِسَادَك لَعَرِيضٌ إنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلُ وَبَيَاضُ النَّهَارِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهَارَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ النَّهَارُ ضِدُّ اللَّيْلِ وَاللَّيْلُ يَنْتَهِي بِطُلُوعِ الْفَجْرِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَقْسَامُهُ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَمَسْنُونٌ وَمَنْدُوبٌ وَنَفْلٌ وَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَتَحْرِيمًا فَالْأَوَّلُ رَمَضَانُ وَقَضَاؤُهُ

فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَنَفْلٌ فَالْفَرْضُ نَوْعَانِ مُعَيَّنٌ كَرَمَضَانَ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْوَاجِبُ نَوْعَانِ مُعَيَّنٌ كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ كَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالنَّفَلُ كُلُّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْجُمْلَةُ خَمْسَةَ أَنْوَاعٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا صَوْمُ رَمَضَانَ فَرْضٌ لِأَنَّ فَرْضِيَّتَهُ ثَبَتَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَذَكَرَ مِنْهَا «صَوْمَ رَمَضَانَ» وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَكَذَا قَضَاؤُهُ وَصَوْمُ الْكَفَّارَاتِ الَّتِي ثَبَتَتْ بِالْكِتَابِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى فِي الْإِحْرَامِ عَلَى مَا يَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَبَبُ صَوْمِ رَمَضَانَ قِيلَ الشَّهْرُ لِمَا تَلَوْنَا وَلِهَذَا لَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ ثُمَّ جُنَّ بَاقِيهِ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ وَيُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ صَوْمُ الشَّهْرِ وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» فَيَسْتَوِي فِيهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ إلَّا أَنَّهُ أُبِيحَ الْأَكْلُ بِاللَّيْلِ لِتَعَذُّرِ الْوِصَالِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَقِيلَ إنَّ كُلَّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِصَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ الصِّيَامَ مُتَفَرِّقٌ فِي الْأَيَّامِ تَفَرُّقَ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ بَلْ أَشَدَّ لِدُخُولِ وَقْتٍ لَا يَصِحُّ فِيهِ الصَّوْمُ وَهُوَ اللَّيْلُ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ يَوْمٍ سَبَبًا عَلَى حِدَةٍ وَلِهَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ عَنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَلْزَمُهُ صَوْمُهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ اللَّيْلَ وَهَذَا اخْتِيَارُ عَلِيٍّ الْبَزْدَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَشَرْطُ وُجُوبِهِ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَشَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهِ الصِّحَّةُ وَالْإِقَامَةُ وَشَرْطُ صِحَّةِ أَدَائِهِ النِّيَّةُ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَرُكْنُهُ الْكَفُّ عَنْ اقْتِضَاءِ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ وَالثَّوَابُ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وقَوْله تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْذُورُ فَرْضًا لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ قُلْنَا الْكِتَابُ مَخْصُوصٌ خُصَّ مِنْهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ قَطْعِيًّا كَالْآيَةِ الْمُؤَوَّلَةِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلِهَذَا جَازَ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ بَعْدَمَا خُصَّ وَلَوْ كَانَ قَطْعِيًّا لَمَا جَازَ وَبِمِثْلِهِ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ لَا الْفَرْضِيَّةُ وَسَبَبُ وُجُوبِهِ النَّذْرُ وَلِهَذَا جَازَ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ تَقْدِيمُهُ لِوُجُودِ سَبَبِهِ بِخِلَافِ رَمَضَانَ وَقَدْ بَيَّنَّا الشَّرْطَ وَالرُّكْنَ وَالْحُكْمَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَا نُعِيدُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَهُوَ فَرْضٌ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَهُوَ وَاجِبٌ وَالنَّفَلُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ) أَيْ جَازَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْكَفَّارَاتُ لِلظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْيَمِينِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى فِي الْإِحْرَامِ لِثُبُوتِ هَذِهِ بِالْقَاطِعِ سَنَدًا وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا، وَالْوَاجِبُ الْمَنْذُورُ وَالْمَسْنُونُ عَاشُورَاءُ مَعَ التَّاسِعِ وَالْمَنْدُوبُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيُنْدَبُ فِيهَا كَوْنُهَا الْأَيَّامَ الْبِيضَ وَكُلُّ صَوْمٍ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ طَلَبُهُ وَالْوَعْدُ عَلَيْهِ كَصَوْمِ دَاوُد وَنَحْوِهِ وَالنَّفَلِ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ كَرَاهَتُهُ وَالْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا عَاشُورَاءُ مُفْرَدًا عَنْ التَّاسِعِ وَنَحْوُ يَوْمِ الْمِهْرَجَانِ وَتَحْرِيمًا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْعِيدَيْنِ وَسَنَعْقِدُ بِذَيْلِ هَذَا الْبَابِ فُرُوعًا لِتَفْصِيلِ هَذِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَسَبَبُ صَوْمِ رَمَضَانَ إلَخْ) وَسَبَبُ صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ أَسْبَابُهَا مِنْ الْحِنْثِ وَالْقَتْلِ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَشَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الشُّرُوطِ الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَيُرَادُ بِالْعِلْمِ الْإِدْرَاكُ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمَ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَعِنْدَهُمَا لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلِمَ بِالْوُجُوبِ أَوْ لَا اهـ (قَوْلُهُ وَشَرْطُ صِحَّةِ أَدَائِهِ النِّيَّةُ) وَالْوَقْتُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ وَنَيْلُ الثَّوَابِ إنْ كَانَ صَوْمًا لَازِمًا وَإِلَّا فَالثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ) بِالرَّفْعِ وَوَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ بِالنَّصْبِ قَوْلُهُ خَصَّ مِنْهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ إلَخْ وَالنَّذْرُ بِالْمَعْصِيَةِ (قَوْلُهُ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ) أَيْ أَوْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاجِبٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَمْ يَلْزَمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ قَطْعِيًّا) فَإِنْ قِيلَ قَدْ خَصَّ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} [البقرة: 185] الْمَجَانِينَ وَالصِّبْيَانَ وَأَصْحَابَ الْأَعْذَارِ مَعَ هَذَا ثَبَتَتْ الْفَرِيضَةُ قُلْنَا خُصُّوا بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَهُوَ عَدَمُ الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَخْصُوصُ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ لَا يُخْرِجُ النَّصَّ عَنْ الْقَطْعِ أَوْ لَمَّا دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا دَاخِلِينَ فَلَا يَكُونُ تَخْصِيصًا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ) أَيْ فَيُفِيدُ الْوُجُوبَ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا شُرُوطُ لُزُومِ النَّذْرِ وَهِيَ كَوْنُ الْمَنْذُورِ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لَا لِغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا تَضَافَرَتْ كَلِمَاتُ الْأَصْحَابِ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْمَجْمَعِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْبَدَائِعِ يُفْتَرَضُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ الْمَنْذُورِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى غَيْرِ مَا يَنْبَغِي هَذَا لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ فَرْضٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَسَبَبُ وُجُوبِهِ النَّذْرُ) وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَوَجَبَ أَوْ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَ عَنْهُ جُمَادَى وَيَوْمًا آخَرَ أَجْزَأَ عَنْ الْمَنْذُورِ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَيَلْغُو تَعْيِينُ الْيَوْمِ لِأَنَّ صِحَّةَ النَّذْرِ وَلُزُومَهُ بِمَا بِهِ يَكُونُ الْمَنْذُورُ عِبَادَةً إذْ لَا نَذْرَ بِغَيْرِهَا وَالْمُحَقَّقُ كَذَلِكَ الصَّوْمُ لَا خُصُوصُ الزَّمَانِ وَلَا بِاعْتِبَارِهِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَهُوَ فَرْضٌ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ فَرْضٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ وَاجِبٌ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ وَاجِبٌ

هَذِهِ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ مِنْ الصَّوْمِ بِنِيَّةِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِأَنْ يُعَيِّنَ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّوْمِ أَوْ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَكَذَا يَجُوزُ أَيْضًا صَوْمُ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَالثَّانِي فِي كَيْفِيَّتِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الْكُلُّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ وَيَعْزِمْ» وَيُرْوَى «لِمَنْ لَمْ يُجَمِّعْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» بِالتَّشْدِيدِ وَيَجْمَعْ بِالتَّخْفِيفِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِأَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ قَدْ بَطَلَ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فَكَذَا الثَّانِي لِعَدَمِ التَّجَزِّي أَوْ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ وَقَاسَهُ عَلَى النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ مِنْهُ النَّفَلَ لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْنَا لَا فَقَالَ إنِّي إذًا صَائِمٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ صَائِمًا بَعْضَ النَّهَارِ لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى النَّشَاطِ أَوْ لِأَنَّ النَّفَلَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ صَلَاةُ النَّفْلِ قَاعِدًا أَوْ رَاكِبًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] أَبَاحَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالصِّيَامِ بَعْدُ بِكَلِمَةِ ثُمَّ وَهِيَ لِلتَّرَاخِي فَتَصِيرُ الْعَزِيمَةُ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا مَحَالَةَ وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُمْسِكْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ» وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الصَّوْمِ اللُّغَوِيِّ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» أَوْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى اللَّيْلِ فَإِنَّهُ لَوْ نَوَى قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَنْ يَصُومَ غَدًا لَا يَصِحُّ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ اللَّيْلِ بَلْ نَوَى أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ وَقْتِ نَوَى مِنْ النَّهَارِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الصِّيَامِ كَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَاتِ وَلِأَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ النَّفَلَ فَكَذَا مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فِي التَّعَيُّنِ وَلِأَنَّهُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِهِ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَكْثَرِهِ كَالنَّفْلِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد إلَخْ) وَاخْتَلَفُوا فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَلَمْ يَرَوْهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ إلَّا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ وَالْأَكْثَرُ عَلَى وَقْفِهِ وَقَدْ رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يَبْلُغُ بِهِ حَفْصَةَ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَمْرًا يُجَابُ قَبْلَ نَسْخِهِ بِرَمَضَانَ إذْ لَا يُؤْمَرُ مَنْ أَكَلَ بِإِمْسَاكِ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ إلَّا فِي يَوْمٍ مَفْرُوضِ الصَّوْمِ بِعَيْنِهِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ قَضَاءِ رَمَضَانَ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ وَلَمْ يَنْوِهِ لَيْلًا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فِيهِ نَهَارًا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ كَانَ وَاجِبًا وَقَدْ مَنَعَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُعَاوِيَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْنَا صِيَامُهُ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ فَإِنِّي صَائِمٌ فَصَامَ النَّاسُ» قَالَ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ أَكَلَ بِالْقَضَاءِ وَيُدْفَعُ بِأَنَّ مُعَاوِيَةَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ فَإِنْ كَانَ سَمِعَ هَذَا بَعْدَ إسْلَامِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ سَمْعُهُ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ نَسْخِهِ بِإِيجَابِ رَمَضَانَ وَيَكُونُ الْمَعْنَى لَمْ يُفْرَضْ بَعْدَ إيجَابِ رَمَضَانَ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَدِلَّةِ الصَّرِيحَةِ فِي وُجُوبِهِ وَإِنْ كَانَ سَمْعُهُ قَبْلَهُ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ قَبْلَ افْتِرَاضِهِ وَنَسْخُ عَاشُورَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» انْتَهَى فَتْحُ الْقَدِيرِ. قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِ فَرْضِيَّةِ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ النَّسْخُ دَلَالَتُهُ عَلَى شَرَائِطَ كَالتَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَدْ نُسِخَ وَلَمْ يُنْسَخْ سَائِرُ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطِهَا انْتَهَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَمَّا شَهِدَ عِنْدَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالرَّجُلُ مِنْ أَسْلَمَ (قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ) فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ غَايَةٌ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (قَوْلُهُ بَلْ نَوَى أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ وَقْتِ نَوَى مِنْ النَّهَارِ إلَخْ) فَيَكُونُ الْجَارُّ وَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ مُتَعَلِّقًا بِصِيَامِ الثَّانِي لَا بِبَيْتٍ وَيُجْمَعُ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ الْمُقْتَرِنَةُ بِأَكْثَرِهِ كَالنَّفْلِ إلَخْ) يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّخْفِيفِ فِي النَّفْلِ بِذَلِكَ ثُبُوتُ مِثْلِهِ فِي الْفَرْضِ أَلَا تَرَى إلَى جَوَازِ النَّافِلَةِ جَالِسًا بِلَا عِلَّةٍ وَعَلَى الدَّابَّةِ بِلَا عُذْرٍ مَعَ عَدَمِهِ فِي الْفَرْضِ وَالْحَقُّ أَنَّ صِحَّتَهُ فَرْعُ ذَلِكَ النَّصِّ فَإِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ جَوَازُ الصَّوْمِ فِي الْوَاجِبِ الْمُعَيَّنِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ بِالنَّصِّ عُلِمَ عَدَمُ اعْتِبَارِ فَرْضٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّفْلِ فِي هَذَا الْحُكْمِ انْتَهَى فَتْحٌ. وَمِنْ فُرُوعِ النِّيَّةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ مِنْ اللَّيْلِ فِي الْكُلِّ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٌ الْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيَّ قَضَاؤُهُ مِنْ هَذَا الرَّمَضَانِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ جَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ جَازَ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ فِطْرٍ فَصَامَ أَحَدًا وَسِتِّينَ يَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَلَمْ يُعَيِّنْ يَوْمَ الْقَضَاءِ جَازَ وَهَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْقَضَاءِ قِيلَ يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا فَصَامَ شَهْرًا يَنْوِي الْقَضَاءَ عَنْ الشَّهْرِ الَّذِي عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ نَوَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا لِغَيْرِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجْزِئُهُ وَلَوْ صَامَ شَهْرًا يَنْوِي الْقَضَاءَ عَنْ سَنَةِ كَذَا عَلَى الْخَطَإِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ أَفْطَرَ ذَلِكَ قَالَ لَا يَجُوزُ بِهِ وَإِذَا اشْتَبَهَ عَلَى الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ رَمَضَانُ تَحَرَّى وَصَامَ فَإِنْ ظَهَرَ صَوْمُهُ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَهُ جَازَ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ شَوَّالًا فَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ فَلَوْ كَانَ نَاقِصًا فَقَضَاءُ يَوْمَيْنِ أَوْ ذَا الْحِجَّةِ قَضَى أَرْبَعَةً لِمَكَانِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ فَإِنْ اتَّفَقَ كَوْنُهُ نَاقِصًا عَنْ ذَلِكَ الرَّمَضَانِ قَضَى

الْإِمْسَاكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يَتَوَقَّفُ عَلَى صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ النَّفَلُ لَا عَلَى صَوْمٍ آخَرَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلْأَدَاءِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ التَّقْدِيمُ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي جِنْسِ الصَّائِمِينَ كَمَا فِي يَوْمِ الشَّكِّ وَكَالْمَجْنُونِ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ الْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ فِيهِ فَلَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِجَوَازِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَلَا يَلْزَمُنَا الْحَجُّ مَرَّةً وَالصَّلَاةُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ النِّيَّةِ فِيهِمَا لِأَنَّ الصَّوْمَ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَهُمَا أَرْكَانٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى الْعَقْدِ كَيْ لَا يَمْضِيَ بَعْضُ الرُّكْنِ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ وَنِصْفِهِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا وَقْتِ الزَّوَالِ فَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ قَبْلَهَا لِتَتَحَقَّقَ فِي الْأَكْثَرِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ وَالصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ وَكَذَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ النَّفَلُ بِنِيَّةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَصِحُّ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ كَانَ وَنَحْنُ نَقُولُ الصَّوْمُ عِبَادَةً قَهْرُ النَّفْسِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِغَيْرِ الْمُقَدَّرِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِمَا فِي هَذَا الْوَقْتِ فَصَارَ كَالْقَضَاءِ قُلْنَا هُمَا يُخَالِفَانِ الْغَيْرَ فِي التَّخْفِيفِ لَا فِي التَّغْلِيظِ وَهَذَا لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مُتَعَيَّنٌ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُمَا تَأْخِيرُهُ تَحْقِيقًا لِلرُّخْصَةِ فَإِذَا صَامَاهُ الْتَحَقَا بِالصَّحِيحِ الْمُقِيمِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فَصَوْمُ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ وَكَذَلِكَ يَتَأَدَّى النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ فَإِنَّهُ إذَا نَوَى فِيهِ وَاجِبًا آخَرَ يَكُونُ عَمَّا نَوَى وَلَا يَكُونُ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صَوْمٌ مَعْلُومٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَلَنَا أَنَّ رَمَضَانَ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ صَوْمٌ آخَرُ فَكَانَ مُتَعَيَّنًا لِلْفَرْضِ وَالْمُتَعَيَّنُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ فَيُصَابُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْإِمْسَاكِ بِلَا نِيَّةٍ حَيْثُ لَا يَكُونُ عَنْهُ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالْعِبَادَةِ فَكَانَ مُتَرَدِّدًا بِأَصْلِهِ مُتَعَيَّنًا بِوَصْفِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ فِي الْمُتَرَدِّدِ لَا فِي الْمُتَعَيَّنِ فَيُصَابُ بِالْمُطْلَقِ وَمَعَ الْخَطَإِ فِي الْوَصْفِ كَالْمُتَوَحِّدِ فِي الدَّارِ يُصَابُ بِاسْمِ جِنْسِهِ وَمَعَ الْخَطَإِ فِي الْوَصْفِ وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الرُّخْصَةَ كَيْ لَا تَلْزَمَهُ الْمَشَقَّةُ فَإِذَا تَحَمَّلَهَا الْتَحَقَ بِغَيْرِ الْمَعْذُورِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ نَوَى الْمُسَافِرُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ يَكُونُ عَمَّا نَوَى لِأَنَّهُ شَغَلَ الْوَقْتَ بِالْأَهَمِّ وَرُخْصَتُهُ مُتَعَلِّقَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْسَةً ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ هَذَا إذَا نَوَى أَنْ يَصُومَ مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ أَمَّا إذَا نَوَى صَوْمَ غَدٍ أَدَاءً لِصِيَامِ رَمَضَانَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ رَمَضَانَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْجَوَازَ وَهُوَ حَسَنٌ انْتَهَى فَتْحٌ. (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَمْضِيَ بَعْضُ الرُّكْنِ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ الْأَرْكَانُ (قَوْلُهُ بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ فَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الرُّكْنُ عِبَادَةً انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيْنَ اخْتَصَّ اعْتِبَارَهَا بِوُجُودِهَا فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ وَمَا رَوَيْتُمْ لَا يُوجِبُهُ قُلْنَا لَمَّا كَانَ مَا رَوَيْنَاهُ وَاقِعَةَ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ وَاحْتَمَلَ كَوْنَ إجَازَةِ الصَّوْمِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ فِيهَا فِي أَكْثَرِهِ بِأَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَسْلَمِيَّ بِالنِّدَاءِ كَانَ وَالْبَاقِي مِنْ النَّهَارِ أَكْثَرُهُ وَاحْتَمَلَ كَوْنَهَا لِلتَّجْوِيزِ مِنْ النَّهَارِ مُطْلَقًا فِي الْوَاجِبِ فَقُلْنَا بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ خُصُوصًا وَمَعَنَا نَصٌّ يَمْنَعُهَا مِنْ النَّهَارِ مُطْلَقًا وَعَضَّدَهُ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ لِلْأَكْثَرِ مِنْ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَعَلَى اعْتِبَارِ هَذَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ كُلِّ النَّهَارِ بِلَا نِيَّةٍ لَوْ اكْتَفَى بِهَا فِي أَقَلِّهِ فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ الْآخَرُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ النَّفَلُ) قَالَ فِي الدَّارِيَةِ وَفِي النِّيَّةِ بَعْدَ الزَّوَالِ لَهُ قَوْلَانِ ثُمَّ إذَا نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَجَوَّزْنَاهُ فَهُوَ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ. اهـ. قَالَ السُّرُوجِيُّ التَّجَزِّي فِي النَّفْلِ لَيْسَ قَوْلًا لِلشَّافِعِي بَلْ يُنْسَبُ ذَلِكَ لِلْمَرْوَزِيِّ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبُ فِي الْمُجَرَّدِ وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِغَيْرِ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا) وَهُوَ الْيَوْمَ لَيْسَ لَفْظًا شَرْعًا فِي الشَّارِحِ (قَوْلُهُ يَكُونُ عَمَّا نَوَى) أَيْ مِنْ الْوَاجِبِ إذَا كَانَتْ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ ذَكَرَهُ فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ عَنْهُ خِلَافًا لِزُفَرِ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ قَالَ زُفَرُ يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيم بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهِ صَوْمُ غَيْرِ رَمَضَانَ لِتَعَيُّنِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَمَا لَوْ دَفَعَ نِصَابَ الزَّكَاةِ جَمِيعَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَهَذَا لِأَنَّ الزَّمَانَ مِعْيَارٌ لَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ إلَّا صَوْمٌ وَاحِدٌ وَإِذَا كَانَ صَوْمُ رَمَضَانَ مُسْتَحَقًّا فِيهِ انْتَفَى غَيْرُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ مُزَاحِمٌ وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَذْهَبًا لِزُفَرَ وَيَقُولُ مَذْهَبُهُ تَأْدِيَةُ جَمِيعِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَأَلْزَمَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ زُفَرَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ أَيَّامًا صَائِمًا إذَا لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ لِوُجُودِ الْإِمْسَاكِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ قَالَ فَإِنْ الْتَزَمَهُ مُلْتَزِمٌ كَانَ مُسْتَبْشَعًا. اهـ. سَرُوجِيٌّ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ يُكْتَفَى بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي رَمَضَانَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إنْ نَوَى الْمُسَافِرُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ) كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ يَكُونُ عَمَّا نَوَى) أَيْ بِلَا اخْتِلَافٍ فِي الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شَغَلَ الْوَقْتَ بِالْأَهَمِّ) أَيْ لِتَحَتُّمِ الْوَاجِبِ فِي الْحَالِ وَغَيْرُهُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إلَى إدْرَاكِ الْعِدَّةِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي رَمَضَانَ فِي سَفَرِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ الْآخَرِ الَّذِي نَوَاهُ لَوْ مَاتَ فِيهِ وَكَانَ الْإِتْيَانُ بِهِ آكَدَ وَأَحَقَّ فَصُرِفَ إلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ

بِمُطْلَقِ السَّفَرِ وَقَدْ وُجِدَ وَإِنْ نَوَى الْمَرِيضُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسَافِرِ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّ رُخْصَةَ الْمُسَافِرِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالسَّفَرِ وَرُخْصَةَ الْمَرِيضِ بِالْعَجْزِ فَإِذَا صَامَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ عَاجِزٍ فَالْتَحَقَ بِالصَّحِيحِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ نَوَيَا النَّفَلَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ أَنَّهُ لَمْ يَصْرِفْ الْوَقْتَ إلَى الْأَهَمِّ وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ تَرْكُ صَوْمِ رَمَضَانَ لِأَجْلِ بَدَنِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لِأَجْلِ زِيَادَةِ دِينِهِ وَلَوْ نَوَى فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ صَحَّ عَمَّا نَوَى بِخِلَافِ رَمَضَانَ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَمَضَانَ تَعَيَّنَ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ وَلَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِ صَلَاحِيَّتِهِ لِغَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ وَفِي النَّذْرِ تَعَيَّنَ بِتَعْيِينِ النَّاذِرِ وَلَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِ صَلَاحِيَّةِ مَا لَهُ وَهُوَ النَّفَلُ لَا مَا عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَنَحْوُهُ وَجَوَازُ النَّفْلِ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ ظَاهِرٌ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا بَقِيَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُبَيَّتَةٍ) أَيْ مَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَنْوَاعِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُبَيَّتَةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَهِيَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ إذْ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مُتَعَيَّنٌ لَهَا فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهَا إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَمْ تَصِحَّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالنَّفَلِ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُتَعَيَّنٌ لَهَا وَهَذَا لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ النَّفَلُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ الْإِمْسَاكُ عَلَيْهَا أَيْ النِّيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ بَعْدَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ) يَوْمًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ الْهِلَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الْمَرِيضُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمَرِيضُ فِي النِّيَّةِ كَالصَّحِيحِ فِي الْأَصَحِّ اهـ وَفِي الْبَدَائِعِ الْكَرْخِيُّ سَوَّى بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَقَالَ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ التَّسْوِيَةُ هِيَ الصَّحِيحُ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ نَوَى بِهِ الْمَرِيضُ وَاجِبًا آخَرَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ صَوْمَهُ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ وَهَكَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ سَهْوٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ وَمُرَادُهُ مَرِيضٌ يُطِيقُ الصَّوْمَ وَيَخَافُ مِنْهُ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ أَطْلَقَ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ قُلْت وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْفِقْهِ وَفِي الْمُحِيطِ لَا يَقَعُ عَنْهُ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَقِيلَ لَا رِوَايَةَ فِي إطْلَاقِ النِّيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ وَإِنْ نَوَى النَّفَلَ فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَذَا الْمَرِيضُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقَعُ نَفْلًا هَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى أَيْ الْمَرِيضُ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ التَّعْيِينَ إنَّمَا حَصَلَ لِوِلَايَةِ النَّاذِرِ فَلَا يَعْدُو النَّاذِرَ فَصَحَّ تَعْيِينُهُ فِيمَا لَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَبْقَى النَّفَلُ مَشْرُوعًا فَأَمَّا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهُوَ أَنْ لَا يَبْقَى مُحْتَمَلًا بِحَقِّهِ أَعْنِي الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ فَلَا فَاعْتُبِرَ فِي احْتِمَالِهِمَا بِمَا لَوْ لَمْ يَنْذُرْ كَذَا فِي الْكَافِي وَبِهِ يَظْهَرُ تَعْلِيلُ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ) وَنَحْوُهُ الْكَفَّارَةُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا بَقِيَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ) فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ أَنْوَاعُ الصَّوْمِ سِتَّةٌ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ انْتِصَافِ النَّهَارِ وَهِيَ صَوْمُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَالنَّفَلُ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ ذَلِكَ وَثَلَاثَةٌ لَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَهِيَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ الْكَفَّارَاتِ وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ وَالنِّيَّةُ فِيهَا لِتَعْيِينِ الْوَقْتِ لَهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لَهَا وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ تَقَعُ نَفْلًا فَلَا يُمْكِنُ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْوِيلُهُ إلَى الْوَاجِبِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ أَصْبَحَ لَمْ يَنْوِ فِطْرًا وَلَا غَيْرَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ وَصَامَ يُجْزِئُهُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ وَلَوْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا أَوْ مُتَهَتِّكًا اعْتَادَ الْفِطْرَ لَا يُجْزِئْهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَالتَّسَحُّرُ مِنْهُ نِيَّةٌ وَلَا يَجُوزُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِي ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ والمرغيناني إذَا نَوَى الْإِفْطَارَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الصَّوْمِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِطْرًا حَتَّى يَأْكُلَ وَكَذَا لَوْ نَوَى الرُّجُوعَ لَا يَكُونُ رُجُوعًا وَكَذَا لَوْ نَوَى الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ لَا تَفْسُدُ حَتَّى يَتَكَلَّمَ وَفِي اللَّيْلِ لَوْ نَوَى الْإِفْطَارَ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ نِيَّتِهِ يَكُونُ رُجُوعًا ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ أَوْ نَامَ بَعْدَ النِّيَّةِ لَا تَبْطُلُ نِيَّتُهُ وَحَكَى الْأَكْثَرُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهَا تَبْطُلُ وَيَجِبُ تَجْدِيدُهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَجَعَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ هَذَا عَامَ حَجَّ وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ هَذَا خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ قَالَ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّ النِّيَّةَ عَمَلُ الْقَلْبِ دُونَ اللِّسَانِ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانُ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَصِيرَ صَائِمًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْبَيْعِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِيرُ صَائِمًا لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ الْإِبْطَالُ بَلْ هُوَ لِلِاسْتِعَانَةِ وَطَلَبًا لِلتَّوْفِيقِ وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ انْتَهَى غَايَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَهِيَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ) أَيْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْمُتْعَةِ وَالْحَلْقِ وَكَفَّارَةِ رَمَضَانَ انْتَهَى كَاكِيٌّ وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ التَّبْيِيتِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ مِنْ النَّهَارِ فَلَمْ يَصِحَّ هَلْ يَقَعُ عَنْ النَّفْلِ فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ نَعَمْ وَلَوْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ قِيلَ هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ صَوْمَهُ عَنْ الْقَضَاءِ لَمْ يَصِحَّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَمَا فِي الْمَضْمُونِ انْتَهَى فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا ثَبَتَ فِي مِصْرٍ لَزِمَ سَائِرَ النَّاسِ فَيَلْزَمُ أَهْلَ الْمَشْرِقِ رُؤْيَةُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ لِأَنَّ السَّبَبَ الشَّهْرُ وَانْعِقَادُهُ فِي حَقِّ قَوْمٍ لِرُؤْيَةٍ لَا يَسْتَلْزِمُ انْعِقَادَهُ فِي حَقِّ آخَرِينَ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَصَارَ كَمَا لَوْ زَالَتْ أَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ عَلَى قَوْمٍ دُونَ آخَرِينَ وَجَبَ عَلَى الْأَوَّلِينَ الظُّهْرُ وَالْمَغْرِبُ دُونَ أُولَئِكَ وَجْهُ الْأَوَّلِ عُمُومُ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ صُومُوا مُعَلَّقًا لِمُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ فِي قَوْلِهِ لِرُؤْيَتِهِ وَبِرُؤْيَةِ قَوْمٍ يَصْدُقُ اسْمُ الرُّؤْيَةِ فَيَثْبُتُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ عُمُومِ الْحُكْمِ فَيَعُمُّ الْوُجُوبُ بِخِلَافِ الزَّوَالِ وَأَخِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَعَلُّقُ عُمُومِ الْوُجُوبِ بِمُطْلَقِ مُسَمَّاهُ فِي خِطَابٍ

عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَيَجِبُ الْتِمَاسُ الْهِلَالِ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يُشِيرُ بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ وَخَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ يَعْنِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا مِنْ غَيْرِ خَنْسٍ يَعْنِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَيَجِبُ طَلَبُهُ لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا) وَوَقَعَ الشَّكُّ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُغَمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ رَمَضَانَ أَوْ هِلَالُ شَعْبَانَ فَيَقَعُ الشَّكُّ أَنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ آخَرُ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ وَإِنَّمَا كُرِهَ غَيْرُ التَّطَوُّعِ لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِرَجُلٍ هَلْ صُمْت مِنْ سُرَرِ شَعْبَانَ قَالَ لَا قَالَ فَإِذَا أَفْطَرْت فَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» وَفِي لَفْظٍ فَصُمْ يَوْمًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ أَخِي دَاوُد» وَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكُلُّ وَهُوَ مَذْهَبُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمُعَاوِيَةَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَسُرَرُ الشَّهْرِ آخِرُهُ سُمِّيَ بِهِ لِاسْتِسْرَارِ الْقَمَرِ فِيهِ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ غَيْرُ التَّطَوُّعِ حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا زَادَ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى صَوْمِهِمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَاشْتَهَرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ قَالَهُ أَحْمَدُ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْوِيَ رَمَضَانَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا بَيَّنَّا ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ صَحَّ عَنْهُ لِأَنَّهُ شَهِدَ الشَّهْرَ وَصَامَهُ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ تَطَوُّعًا وَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ظَانٌّ وَالثَّانِي أَنْ يَنْوِيَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِمَا رَوَيْنَا إلَّا أَنَّهُ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهِيَةِ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يُجْزِئُهُ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ فَقَدْ قِيلَ يَكُونُ تَطَوُّعًا لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ مِنْ الْوَاجِبِ وَقِيلَ يُجْزِئُهُ عَنْ الَّذِي نَوَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ لِأَنَّ النَّهْيَ لِأَجْلِ تَرْكِ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَهُوَ يُلَازِمُ كُلَّ صَوْمٍ وَالْكَرَاهِيَةُ هُنَا لِصُورَةِ النَّهْيِ لَا غَيْرُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ التَّطَوُّعِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَنْوِيَ التَّطَوُّعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الشَّارِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إنَّمَا يَلْزَمُ مُتَأَخِّرِي الرُّؤْيَةِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ رُؤْيَةُ أُولَئِكَ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ حَتَّى لَوْ شَهِدَ جَمَاعَةٌ أَهْلُ بَلَدِ كَذَا رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَكُمْ فَصَامُوا وَهَذَا الْيَوْمُ ثَلَاثُونَ بِحِسَابِهِمْ وَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْهِلَالَ لَا يُبَاحُ فِطْرُ غَدٍ وَلَا تُتْرَكُ التَّرَاوِيحُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ لَمْ يَشْهَدُوا بِالرُّؤْيَةِ وَلَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ. وَإِنَّمَا حَكَوْا رُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ قَاضِيَ بَلَدٍ شَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةِ كَذَا وَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا جَازَ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمَا لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَقَدْ شَهِدُوا بِهِ وَمُخْتَارُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَشَايِخِ اعْتِبَارُ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَعُورِضَ لَهُمْ بِحَدِيثِ كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ قَدِمْت الشَّامَ فَقَضَيْت حَاجَتَهَا وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْت الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمُوهُ فَقُلْت رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْته فَقُلْت نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْت أَوَلَا نَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصَوْمِهِ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَكَّ أَحَدُ رُوَاتِهِ فِي نَكْتَفِي بِالنُّونِ أَوْ بِالتَّاءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ نَصٌّ وَذَاكَ مُحْتَمَلُ الْمُرَادِ أَنَّ كُلَّ أَهْلِ مَطْلَعٍ مُكَلَّفُونَ بِالصَّوْمِ لِرُؤْيَتِهِمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَدْ قَالَ إنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ هَكَذَا إلَى نَحْوِ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِينَئِذٍ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ مِثْلَ مَا وَقَعَ مِنْ كَلَامِهِ لَوْ وَقَعَ لَنَا لَمْ نَحْكُمْ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ وَلَا عَلَى حُكْمِ غَيْرِ الْحَاكِمِ فَإِنْ قِيلَ إخْبَارُهُ عَنْ صَوْمِ مُعَاوِيَةَ يَتَضَمَّنُهُ لِأَنَّهُ الْإِمَامُ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَلَوْ سَلَّمَ فَهُوَ وَاحِدٌ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَى الْقَاضِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْأَخْذُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَحْوَطُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْتِمَاسُ الْهِلَالِ إلَخْ) هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ) تَسَاهُلٌ فَإِنَّ التَّرَائِيَ إنَّمَا يَجِبُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ لَا فِي الْيَوْمِ الَّتِي هِيَ عَشِيَّتُهُ نَعَمْ لَوْ رُئِيَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَانَ كَرُؤْيَتِهِ فِي لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّلَاثِينَ انْتَهَى فَتْحٌ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَخَنَسَ إبْهَامَهُ) خَنَسَ بِالْخَاءِ وَالنُّونِ أَجْوَدُ مِمَّنْ قَالَ حَبَسَ الْإِبْهَامَ بِمَعْنَى عَطَفَهُ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا مِنْ غَيْرِ خَنْسٍ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ) وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ (قَوْلُهُ وَفِي لَفْظِ فَصُمْ يَوْمًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ السُّرَرَ قَدْ يُقَالُ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ لَيَالِي الشَّهْرِ لَكِنْ دَلَّ قَوْلُهُ صُمْ يَوْمًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ صُمْ آخِرَهَا لَا كُلَّهَا وَإِلَّا قَالَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَكَانَهَا وَكَذَا قَوْلُهُ مِنْ سُرَرِ الشَّهْرِ لِإِفَادَةِ التَّبْعِيضِ وَعِنْدَنَا هَذَا يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ صَوْمِهِ لَا وُجُوبَهُ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِنَهْيِ التَّقَدُّمِ بِصِيَامِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ التَّقَدُّمَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَيَصِيرُ حَدِيثُ السُّرَرِ لِلِاسْتِحْبَابِ (قَوْلُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي صَوْمِ دَاوُد الْكُلَّ أَيْ يَوْمَ الشَّكِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَسُرَرُ الشَّهْرِ آخِرُهُ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَسُرَرُ الشَّهْرِ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْهُ وَكَذَلِكَ سِرَارُهُ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ اسْتَسَرَّ الْقَمَرُ أَيْ خَفِيَ لَيْلَةَ السِّرَارِ فَرُبَّمَا اسْتَسَرَّ لَيْلَةً وَرُبَّمَا اسْتَسَرَّ لَيْلَتَيْنِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهِيَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ نَصٌّ فِي زِيَادَةِ يَوْمٍ مِنْ

وَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِمَا بَيَّنَّا وَمَا رَوَاهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ وَمِنْ قَوْلِهِ لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ إلَّا تَطَوُّعًا لَا أَصْلَ لَهُ وَيُرْوَى الْأَوَّلُ مَوْقُوفًا عَلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَهُوَ فِي مِثْلِهِ كَالْمَرْفُوعِ ثُمَّ إنْ صَامَ ثَلَاثَةً مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ أَوْ وَافَقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ذَلِكَ فَقَدْ قِيلَ الْفِطْرُ أَفْضَلُ احْتِرَازًا عَنْ ظَاهِرِ النَّهْيِ وَقِيلَ الصَّوْمُ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِهِ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ رَادًّا عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ عَلِيًّا مَذْهَبُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ غَيْمٌ يَصُومُ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي بِنَفْسِهِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ وَيَأْمُرُ الْعَامَّةَ بِالتَّلَوُّمِ إلَى أَنْ يَذْهَبَ وَقْتَ النِّيَّةِ ثُمَّ يَأْمُرَهُمْ بِالْإِفْطَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ ارْتِكَابِ النَّهْيِ ثُمَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَهُوَ مَا إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ إنْ أَفْسَدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُلْتَزِمًا وَالرَّابِعُ أَنْ يَضَّجِعَ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَصُومَ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَصُومَهُ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا لِعَدَمِ الْجَزْمِ فِي الْعَزِيمَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَوَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَدَاءً فَهُوَ صَائِمٌ وَإِلَّا فَمُفْطِرٌ أَوْ نَوَى إنْ وَجَدَ سَحُورًا فَهُوَ صَائِمٌ وَإِلَّا فَمُفْطِرٌ وَالْخَامِسُ أَنْ يَضْجَعَ فِي وَصْفِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِيَ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْ رَمَضَانَ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَعَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَكْرُوهَيْنِ ثُمَّ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانِ أَجْزَأَهُ عَنْهُ لِوُجُودِ الْجَزْمِ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ لِلتَّرَدُّدِ فِي وَصْفِ النِّيَّةِ وَتَعْيِينُ الْجِهَةِ شَرْطٌ فِيهِ لَكِنَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ لِشُرُوعِهِ مُسْقِطًا وَالسَّادِسُ أَنْ يَنْوِيَ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْهُ وَعَنْ التَّطَوُّعِ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَيُكْرَهُ لِأَنَّهُ نَاوٍ لِلْفَرْضِ مِنْ وَجْهٍ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ عَنْهُ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ صَارَ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ لِدُخُولِ الْإِسْقَاطِ فِي عَزِيمَتِهِ مِنْ وَجْهٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ أَوْ الْفِطْرِ وَرَدَّ قَوْلَهُ صَامَ) أَمَّا إذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَقَدْ رَآهُ ظَاهِرًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ وَأَمَّا هِلَالُ الْفِطْرِ فَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ أَنْ يَصُومَ وَلَا يُفْطِرَ إلَّا مَعَ النَّاسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» وَالنَّاسُ لَمْ يُفْطِرُوا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُفْطِرَ وَلِأَنَّ اتِّفَاقَ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ وَالْجَمِّ الْغَفِيرِ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَتِهِ يَدُلُّ عَلَى خَطَإِ هَذَا الرَّائِي مَعَ اسْتِوَائِهِمْ فِي قُوَّةِ النَّظَرِ وَحِدَّةِ الْبَصَرِ وَمَعْرِفَةِ مَنَازِلِ الْقَمَرِ وَالْحِرْصِ مِنْهُمْ عَلَى طَلَبِهِ وَلَعَلَّهُ رَأَى شَعْرَةً طَوِيلَةً قَائِمَةً بِحَاجِبِهِ أَوْ جُفُونِهِ وَقِيلَ لَا يَصُومُ بَلْ يَأْكُلُ سِرًّا وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُفْطِرُ أَيْ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَكِنْ لَا يَنْوِي الصَّوْمَ وَلَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي ثَبَتَتْ عِنْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (فَإِنْ أَفْطَرَ قَضَى فَقَطْ) أَيْ إنْ أَفْطَرَ بَعْدَمَا رَدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَمَضَانَ بِخِلَافِ الثَّانِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ) يَعْنِي إذَا صَامَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ يُنَازِعُ فِيمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ فِي صَوْمِهَا لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فَهَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ أَنَّهَا تَصُومُهُ عَلَى أَنَّهُ يَوْمٌ مِنْ شَعْبَانَ كَيْ لَا تَقَعَ فِي إفْطَارِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَيَبْعُدُ أَنْ تَقْصِدَ بِهِ رَمَضَانَ بَعْدَ حُكْمِهَا بِأَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ وَكَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ احْتِمَالٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ الْخَاصَّةِ وَهُوَ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ ضَبْطِ نَفْسِهِ عَنْ الْإِضْجَاعِ فِي النِّيَّةِ وَمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ عَنْ الْفَرْضِ إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ لِتُهْمَةِ ارْتِكَابِ النَّهْيِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَوْ أَفْتَى الْعَامَّةُ بِالنَّفْلِ عَسَى يَقَعُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ خَالَفَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَهُوَ أَطْلَقَهَا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ أَنْ يُضَجِّعَ) وَالتَّضْجِيعُ فِي النِّيَّةِ هُوَ التَّرَدُّدُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَفِي هَذَا الْوَجْهِ إلَخْ) رَأَيْت عَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ حَاشِيَةً بِغَيْرِ خَطِّهِ نَصُّهَا أَوْرَدَ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ مَالِكٍ فِي الدَّرْسِ عَلَى هَذَا وَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِجَوَازِ صَوْمِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ نَوَيْت صِيَامَهُ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ صَحِيحٌ وَالْكَلَامُ الْآخَرُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِبْطَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ جُمْلَةٌ أُخْرَى وَهَذَا إعْرَاضٌ عَنْ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي نِيَّةِ ذَلِكَ لَا التَّلَفُّظُ بِهِ اهـ مَا رَأَيْته (قَوْلُهُ وَعَنْ التَّطَوُّعِ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ إلَخْ) رَأَيْت عَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ الشَّارِحِ حَاشِيَةً بِغَيْرِ خَطِّهِ نَصُّهَا وَقَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ فُقَهَاءِ الدَّرْسِ تَرَدُّدٌ فِيمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ هَلْ يَكُونُ مَكْرُوهًا أَوْ لَا وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ وَصْفَ الْكَرَاهَةِ عَامٌّ لِلْوَجْهَيْنِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا وَكَذَا لَفْظُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ فَلِأَنَّهُ نَوَى الْفَرْضَ مِنْ وَجْهٍ وَنِيَّةُ الْفَرْضِ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِسَبَبِ الْكَرَاهَةِ اهـ مَا رَأَيْته وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَوْلُهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْ عِبَارَةُ الشَّارِحِ كَعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِدُخُولِ الْإِسْقَاطِ فِي عَزِيمَتِهِ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ حَيْثُ نَوَى رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَالنَّفَلُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ إنْ كَانَ مُلْتَزِمًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (قَوْلُهُ وَرُدَّ قَوْلَهُ) أَيْ وَرَدَّهُ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ إنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ أَوْ لِتَفَرُّدِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا عِلَّةٌ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَإِنَّمَا يَرُدُّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً أَوْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مَعْنَاهُ وَقْتُ

وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَمَّا الْفِطْرُ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ فَيَكُونُ شُبْهَةً وَأَمَّا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ فَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا رَدَّ شَهَادَتَهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الِاشْتِبَاهَ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَمَسَحَ عُمَرُ عَلَى حَاجِبِهِ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ الْهِلَالُ فَقَالَ فَقَدْته يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَعَلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ شَعْرَةً مِنْ حَاجِبِهِ أَوْ جَفْنِهِ تَقَوَّسَتْ فَظَنَّهَا هِلَالًا وَقِيلَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِمَا لِلظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْفِطَرِ وَلِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ فِي رَمَضَانَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِلشُّبْهَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلِأَنَّ رَدَّ الْإِمَامِ شَهَادَتَهُ حُكْمٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَضَى بِالْقِصَاصِ بِالشَّهَادَةِ فَقَتَلَهُ الْوَلِيُّ ثُمَّ جَاءَ الْمَقْتُولُ حَيًّا لَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الْقِصَاصُ لِأَنَّ قَضَاءَهُ بِهِ يَصِيرُ شُبْهَةً وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّ الْإِمَامِ شَهَادَتَهُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهَا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْكَفَّارَةَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا إنْ أَفْطَرَ بِالْوِقَاعِ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ حَقِيقَةً لِتَيَقُّنِهِ بِهِ وَحُكْمًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا وَالْإِمَامُ إذَا رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ لَا يُفْطِرُ وَلَا يَخْرُجُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ لِمَا مَرَّ وَلَوْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَصَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّا إنَّمَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الصَّوْمَ احْتِيَاطًا وَالِاحْتِيَاطُ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ مُوَافَقَةِ النَّاسِ وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقُبِلَ بِعِلَّةِ خَبَرِ عَدْلٍ وَلَوْ قِنًّا أَوْ أُنْثَى لِرَمَضَانَ وَحُرَّيْنِ أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ لِلْفِطْرِ) أَيْ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ خَبَرُ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً وَفِي هِلَالِ الْفِطْرِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ حُرٍّ وَامْرَأَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ وَالْعِلَّةُ الْغَيْمُ أَوْ الْغُبَارُ وَنَحْوُهُمَا أَمَّا هِلَالُ رَمَضَانَ فَلِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا كَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَتُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ لِأَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ فِي الدِّيَانَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ تَلَقِّيهَا مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَرِوَايَاتِ الْأَخْبَارِ بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ يُتَحَرَّى فِي قَبُولِ الْفَاسِقِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَلَقِّيهِ مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ لِأَنَّهُ وَاقِعَةٌ خَاصَّةً لَا يُمْكِنُ اسْتِصْحَابُ الْعُدُولِ فِيهَا وَفِي هِلَالِ رَمَضَانَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ مُتَشَوِّقُونَ إلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِيهِ وَفِي عُدُولِهِمْ كَثْرَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَبُولِ خَبَرِ الْفَاسِقِ فِيهِ كَمَا فِي رِوَايَاتِ الْأَخْبَارِ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ عَدْلًا كَانَ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَوْمِكُمْ الْمَفْرُوضِ يَوْمَ صَوْمِكُمْ لِأَنَّ نَفْسَ الصَّوْمِ فِعْلُنَا وَهُوَ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ وَإِنَّمَا لَا يَحْتَاجُ لِلْحُكْمَيَّ وَهُوَ شَهْرُ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ شَرْعًا لَا بِفِعْلِ النَّاسِ فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ شَهْرَ الصَّوْمِ يَوْمُ صَوْمِهِمْ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّ الْإِمَامِ شَهَادَتَهُ) أَيْ فَإِنْ أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّهِ فَلَا رِوَايَةَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْإِمَامُ إذَا رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ) أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) أَيْ فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ. اهـ. غَايَةٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ رُؤْيَتَهُ مُوجِبَةٌ عَلَيْهِ الصَّوْمَ وَعَدَمُ صَوْمِ النَّاسِ الْمُتَفَرِّعُ عَنْ تَكْذِيبِ الشَّرْعِ إيَّاهُ قَامَ شُبْهَةً فِيهِ مَانِعَةً مِنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ إنْ أَفْطَرَ بِحُكْمِ النَّصِّ بِالصَّوْمِ يَوْمَ يَصُومُ النَّاسُ وَعَدَمُ فِطْرِ النَّاسِ الْيَوْمَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ صَوْمِهِ مُوجِبٌ لِلصَّوْمِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ النَّصِّ أَيْضًا وَالْحَقِيقَةُ الَّتِي عِنْدَهُ وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ وَكَوْنُهُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بِالنَّصِّ شُبْهَةً فِيهِ مَانِعَةً مِنْ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ إذَا أَفْطَرَ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ وَهُوَ فَاسِقٌ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَأَفْطَرَ هُوَ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ خِلَافًا لِلْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لِأَنَّهُ يَوْمُ صَوْمِ النَّاسِ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ خِلَافٌ لِأَنَّ وَجْهَ النَّفْيِ كَوْنُهُ بِمَا لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ هُنَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقِيلَ بِعِلَّةِ خَبَرِ عَدْلٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا فَائِدَةً جَلِيلَةً لَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا هِيَ أَنَّ الرَّمَضَانِيَّةَ إذَا ثَبَتَتْ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ فِي حَدِّ الْأَمْرِ الدِّينِيِّ وَهُوَ الصَّوْمُ يَثْبُتُ جَمِيعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ وَالْعِتْقِ وَالْأَيْمَانِ وَحُلُولِ الْآجَالِ وَغَيْرِهَا تَبَعًا وَضِمْنًا وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً بِقَوْلِ الْوَاحِدِ فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا كَمَا فِي شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى النَّسَبِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مَقْبُولَةً ثُمَّ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ابْتِدَاءً قَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ الْمُسَمَّى بِالْمُضْمَرَاتِ مَا نَصُّهُ فِي الْمُحِيطِ الْوَاحِدِ إذَا شَهِدَ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ عِنْدَ الْقَاضِي وَالسَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةٌ وَقَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَلَمَّا أَتَمُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا غُمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ شَوَّالٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَصُومُونَ مِنْ الْغَدِ وَإِنْ غُمَّ يَوْمَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَلَا يُفْطِرُونَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُفْطِرُونَ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ بِلَا خِلَافٍ وَالْحُجَّةُ لَهُمَا أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ لَا تُقْبَلُ فِي الْفِطْرِ فَلَا يُفْطِرُونَ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْفِطْرَ مِنْ أَحْكَامِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ فَيَجُوزُ كَمَا قُلْنَا فِي حِلِّ الْآجَالِ وَحِنْثِ الْأَيْمَانِ انْتَهَى فَقَوْلُهُ كَمَا قُلْنَا إلَى آخِرِهِ شَاهِدٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُتَّفِقِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ قِنًّا) أَيْ رَقِيقًا وَاخْتَارَ هَذَا اللَّفْظَ لِيَشْمَلَ الْمُكَاتَبَ وَالْمُدَبَّرَ وَمُعْتَقَ الْبَعْضِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَوْ أُنْثَى لِيَشْمَلَ الْأَمَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ انْتَهَى ع (قَوْلُهُ وَتَأْوِيلُ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّهُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ يَرْجِعُ قَوْلُهُ إلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ لَا أَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِهِ الْخِلَافُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ فَرْعُ ثُبُوتِهَا وَلَا ثُبُوتَ فِي الْمَسْتُورِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ تُقْبَلُ شَهَادَةٌ الْمَسْتُورِ وَبِهِ أَخَذَ الْحَلْوَانِيُّ فَصَارَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُتَحَقِّقَ فِي الْمَذْهَبِ هُوَ اشْتِرَاطُ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ أَوْ الِاكْتِفَاءُ بِالسِّتْرِ

غَيْرَ عَدْلٍ أَنْ يَكُونَ مَسْتُورًا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُعْرَفْ بِالْعَدَالَةِ وَلَا بِالدَّعَارَةِ وَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَمَا تَابَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُضُورُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَا يَكُونُ مُلْزَمًا إلَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ وَالصَّحَابَةُ كَانُوا يَقْبَلُونَ أَخْبَارَ أَبِي بَكْرَةَ بَعْدَمَا حُدَّ فِي الْقَذْفِ لِكَوْنِهِ عَدْلًا وَلِهَذَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يُشْتَرَطُ الْمُثَنَّى اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الشَّهَادَاتِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ فَقَالَ أَتَشَهَّدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَتَشَهَّدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ لَفْظُهَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَسَائِرِ الْأَخْبَارِ ثُمَّ إذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَأَكْمَلُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ لَا يُفْطِرُونَ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِلِاحْتِيَاطِ وَلِأَنَّ الْفِطْرَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ وَيَثْبُتُ الْفِطْرُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ بِالْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْفِطْرُ ابْتِدَاءً كَاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ بِنَاءً عَلَى النَّسَبِ الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَإِنْ كَانَ الْإِرْثُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا ابْتِدَاءً وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَا يُفْطِرُونَ لِظُهُورِ غَلَطِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً يُفْطِرُونَ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْغَلَطِ وَأَمَّا هِلَالُ الْفِطْرِ فَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ وَهُوَ الْفِطْرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِمْ فَيُشْتَرَطُ فَهِيَ مَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ حُقُوقِهِمْ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَدِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ الدَّعْوَى كَعِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْحُرَّةِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ لِكَوْنِهِ شَهَادَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَجَمْعٌ عَظِيمٌ لَهُمَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فِيهِمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ جَمَاعَةً كَثِيرَةً بِحَيْثُ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ يُوهِمُ الْغَلَطَ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ فِي خَبَرِهِ حَتَّى يَكُونَ جَمْعًا كَثِيرًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَقُّ الْغَيْمُ مِنْ مَوْضِعِ الْهِلَالِ فَيَتَّفِقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا وَتُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَلَى شَهَادَةِ الْوَاحِدِ أَمَّا مَعَ تَبَيُّنِ الْفِسْقِ فَلَا قَائِلَ بِهِ عِنْدَنَا وَعَلَى هَذَا تَفَرَّعَ مَا لَوْ شَهِدُوا فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَ صَوْمِهِمْ بِيَوْمٍ إنْ كَانُوا فِي هَذَا الْمِصْرِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْحِسْبَةَ وَإِنْ جَاءُوا مِنْ خَارِجٍ قُبِلَتْ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا بِالدِّعَارَةِ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ بَابِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالدَّعَارَةُ الْفِسْقُ وَالْخُبْثُ يُقَالُ هُوَ خَبِيثٌ دَاعِرٌ بَيِّنُ الدَّعَرِ وَالدَّعَارَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ يُتَمَسَّكُ بِهِ لِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ فِي قَبُولِ الْمَسْتُورِ لَكِنَّ الْحَقَّ أَنْ لَا مُتَمَسَّكَ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الزَّمَانِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْإِسْلَامِ بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سَأَلَهُ عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ إنْ كَانَ هُوَ أَوَّلَ إسْلَامِهِ فَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ عَدَالَتِهِ لِأَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ أَسْلَمَ عَدْلًا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ خِلَافُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ إخْبَارًا عَنْ حَالِهِ السَّابِقِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ قَدْ ثَبَتَتْ بِإِسْلَامِهِ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِبَقَائِهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ الْخِلَافُ وَلَمْ يَكُنْ الْفِسْقُ غَالِبًا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَعَارُضِ غَلَبَةِ ذَلِكَ الْحَاصِلِ فَيَجِبُ التَّوْقِيفُ إلَى ظُهُورِهَا انْتَهَى (قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ) قَالَ الْكَمَالُ هَكَذَا الرَّاوِيَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ قَبِلَهُ بِغَيْمٍ أَوْ فِي صَحْوٍ وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا إذَا لَمْ يَرَ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ ثُمَّ خَصَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْفَتَاوَى أَضَافُوا مَعَهُ أَبَا يُوسُفَ وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ فِي قَبُولِهِ فِي صَحْوٍ وَفِي قَبُولِهِ بِغَيْمٍ أَخَذَ يَقُولُ مُحَمَّدٌ انْتَهَى فَرْعٌ إذَا صَامَ أَهْلُ مِصْرٍ رَمَضَانَ عَلَى غَيْرِ رُؤْيَةٍ بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ إنْ كَانُوا أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ عَنْ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ إنْ لَمْ يَرَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَضَوْا يَوْمًا وَاحِدًا حَمْلًا عَلَى نُقْصَانِ شَعْبَانَ غَيْرَ أَنَّهُ اتَّفَقَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ وَإِنْ أَكْمَلُوا شَعْبَانَ عَنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ قَضَوْا يَوْمَيْنِ احْتِيَاطًا انْتَهَى لِاحْتِمَالِ نُقْصَانِ شَعْبَانَ مَعَ مَا قَبْلِهِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ كَانُوا بِالضَّرُورَةِ مُكَمِّلِينَ رَجَبٍ انْتَهَى كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ) أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ انْتَهَى غَايَةٌ الْأَتْقَانِيِّ (قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ الْفِطْرُ) أَيْ تَبَعًا وَضِمْنًا انْتَهَى (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ بِالْوَاحِدِ) مَثَّلَ بِثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ لَا بِثُبُوتِ الْفِطْرِ فَهُوَ مَعْنَى مَا أَجَابَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ حُسَيْنًا قَالَ لَهُ يَثْبُتُ الْفِطْرُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فَقَالَ لَا بَلْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِثُبُوتِهِ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَبِالضَّرُورَةِ يَثْبُتُ الْفِطْرُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا انْتَهَى فَتْحٌ وَلَوْ صَامُوا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَفْطَرُوا بِتَمَامِ الْعِدَّةِ اتِّفَاقًا انْتَهَى كَافِي وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ السُّغْدِيِّ لَا يُفْطِرُونَ وَهَكَذَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنْ قَبِلَهَا فِي صَحْوٍ لَا يُفْطِرُونَ أَوْ فِي غَيْمٍ أَفْطَرُوا لِتَحَقُّقِ زِيَادَةِ الْقُوَّةِ فِي الثُّبُوتِ فِي الثَّانِي وَلَا اشْتِرَاكَ فِي عَدَمِ الثُّبُوتِ أَصْلًا فِي الْأَوَّلِ فَصَارَ كَالْوَاحِدِ لَمْ يَبْعُدْ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى النَّسَبِ الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ) وَهَذَا الِاسْتِشْهَادُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ لَا يُتَصَوَّرُ ذِكْرُهُ فِي الْإِيضَاحِ قُلْنَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُ فِي الْفِرَاشِ انْتَهَى مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ) أَيْ عِنْدَ الْكُلِّ وَعِتْقُ الْعَبْدِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ الدَّعْوَى فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ انْتَهَى فَتْحٌ نَقْلًا عَنْ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ يُوهِمُ الْغَلَطَ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ ظَاهِرٌ فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ اللَّفْظِ مُتَحَقِّقٌ فِي الْبَيِّنَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُكْمِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ قَبُولَهَا بَلْ التَّفَرُّدُ مِنْ بَيْنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ بِالرُّؤْيَةِ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهَ هُوَ إلَيْهِ مَعَ فَرْضِ عَدَمِ الْمَانِعِ وَسَلَامَةِ الْإِبْصَارِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأَبْصَارُ فِي الْحِدَّةِ ظَاهِرٌ فِي غَلَطِهِ كَتَفَرُّدِ نَاقِلِ زِيَادَةٍ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَهْلِ مَجْلِسٍ مُشَارِكِينَ لَهُ فِي السَّمَاعِ فَإِنَّهَا تُرَدُّ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي حِدَّةِ السَّمْعِ أَيْضًا وَاقِعٌ كَمَا فِي الْإِبْصَارِ مَعَ أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لِمُشَارِكَيْهِ

لِلْبَعْضِ النَّظَرُ فَيَسْتَدُّ ثُمَّ قِيلَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَمْسُونَ رَجُلًا اعْتِبَارًا بِالْقَسَامَةِ وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ خَمْسُمِائَةٍ بِبَلْخٍ قَلِيلٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَهْلِ الْمِصْرِ وَبَيْنَ مَنْ وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي شَهِدَ بِذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَلَا عِلَّةَ فِي السَّمَاءِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَيُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَنَصَّ الطَّحْطَاوِيُّ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِقِلَّةِ الْمَوَانِعِ مِنْ غُبَارٍ وَدُخَانٍ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ فِي الْمِصْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ) أَيْ هِلَالُ الْأَضْحَى كَهِلَالِ الْفِطْرِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ هِلَالُ الْفِطْرِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعِبَادِ وَهُوَ التَّوَسُّعُ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَصَارَ كَالْفِطْرِ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرَمَضَانَ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ وَهُوَ ظُهُورُ وَقْتِ الْحَجِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ) وَقِيلَ يُعْتَبَرُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلَدٍ وَلَمْ يَرَهُ أَهْلُ بَلْدَةٍ أُخْرَى يَجِبُ أَنْ يَصُومُوا بِرُؤْيَةِ أُولَئِكَ كَيْفَمَا كَانَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَهُ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَقَارُبٌ بِحَيْثُ لَا تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ يَجِبُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ تَخْتَلِفُ لَا يَجِبُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ حَتَّى إذَا صَامَ أَهْلُ بَلْدَةٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَأَهْلُ بَلْدَةٍ أُخْرَى تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا يَجِبُ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ يَوْمٍ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ لِأَنَّ كُلَّ قَوْمٍ مُخَاطَبُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ وَانْفِصَالُ الْهِلَالِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ كَمَا أَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ وَخُرُوجَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ حَتَّى إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فِي الْمَشْرِقِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَزُولَ فِي الْمَغْرِبِ وَكَذَا طُلُوعُ الْفَجْرِ وَغُرُوبُ الشَّمْسِ بَلْ كُلَّمَا تَحَرَّكَتْ الشَّمْسُ دَرَجَةً فَتِلْكَ طُلُوعُ فَجْرٍ لِقَوْمٍ وَطُلُوعُ شَمْسٍ لِآخَرَيْنِ وَغُرُوبُ لِبَعْضٍ وَنِصْفُ لَيْلٍ لِغَيْرِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الضَّرِيرَ الْفَقِيهَ صَاحِبَ الْمُخْتَصَرِ قَدِمَ الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَسُئِلَ عَمَّنْ صَعِدَ عَلَى مَنَارَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَيَرَى الشَّمْسَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ بَعْدَمَا غَرَبَتْ عِنْدَهُمْ فِي الْبَلَدِ أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فَقَالَ لَا وَيَحِلُّ لِأَهْلِ الْبَلَدِ لِأَنَّ كُلًّا مُخَاطَبٌ بِمَا عِنْدَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَطَالِعِ مَا رُوِيَ عَنْ كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ فَقَالَ فَقَدِمْت الشَّامَ وَقَضَيْت حَاجَتَهَا وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ شَهْرُ رَمَضَانَ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْت الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَقُلْت رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْته فَقُلْت نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْت أَوَلَا نَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ وَلَوْ رَأَوْا الْهِلَالَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ نَهَارًا فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا مِنْ شَوَّالٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَقِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي السَّمَاعِ بِمُشَارَكَتِهِ فِي التَّرَائِي كَثْرَةً وَالزِّيَادَةُ الْمَقْبُولَةُ مَا عُلِمَ فِيهِ تَعَدُّدُ الْمَجْلِسِ أَوْ جُهِلَ فِيهِ الْحَالُ مِنْ الِاتِّحَادِ وَالتَّعَدُّدِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ لَا يُرِيدُ تَفَرُّدَ الْوَاحِدِ وَإِلَّا لَأَفَادَ قَبُولَ الِاثْنَيْنِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بَلْ الْمُرَادُ تَفَرُّدُ مَنْ لَمْ يَقَعْ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ مِنْ بَيْنِ أَضْعَافِهِمْ مِنْ الْخَلَائِقِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ) أَيْ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْحَالَةِ انْتَهَى فَتْحٌ وَالْحَقُّ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِتَوَاتُرِ الْخَبَرِ وَمَجِيئِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْقَسَامَةِ) وَالْجَامِعُ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ أَمْرًا عَظِيمًا وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَمَّا جُعِلَ خَمْسُونَ مُعَرَّفًا لَحِقَهُ مَعَ احْتِيَاجِهِ فَلَأَنْ يُجْعَلَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَعَ اسْتِغْنَائِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ أَوْلَى انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَصَّ الطَّحْطَاوِيُّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا عَنْ الطَّحَاوِيِّ مِنْ الْفَرْقِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَة وَكَذَا مَا يُشِيرُ إلَيْهِ كِتَابُ الِاسْتِحْسَانِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ كَانَ الَّذِي شَهِدَ بِذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَلَا عِلَّةَ فِي السَّمَاءِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْقُيُودَ الْمَذْكُورَةَ تُفِيدُ بِمَفْهُومَاتِهَا الْمُخَالِفَةِ الْجَوَازَ عِنْدَ عَدَمِهَا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ إلَخْ) وَفِي التُّحْفَةِ رَجَّحَ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ فَقَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُخْبِرَ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَعَدَّى مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ انْتَهَى وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرُ دِينٍ وَهُوَ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَهِلَالِ رَمَضَانَ فِي تَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيُقْبَلُ فِيهِ فِي الْغَيْمِ الْوَاحِدِ الْعَدْلُ وَلَا يُقْبَلُ فِي الصَّحْوِ إلَّا التَّوَاتُرُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الضَّرِيرَ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الضَّرِيرِ أَنَّهُ اسْتَفْتَى مِنْهُ رَجُلٌ إسْكَنْدَرِيٌّ إلَخْ وَقَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُوسَى الضَّرِيرِ أَنَّهُ اسْتَفْتَى مِنْهُ رَجُلٌ إسْكَنْدَرِيٌّ اهـ (قَوْلُهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ) أَيْ فَيَجِبُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِطْرُهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبِلَةِ إلَخْ) وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ لِلْمُسْتَقْبِلَةِ هَكَذَا حُكِيَ الْخِلَافُ فِي الْإِيضَاحِ وَحَكَاهُ فِي الْمَنْظُومَةِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَطْ وَفِي التُّحْفَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ إلَى الْعَصْرِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبِلَةِ بِلَا خِلَافٍ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ كَقَوْلِهِمَا وَعَنْ عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اهـ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُرَى قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا وَهُوَ لِلثَّلَاثِينَ فَيُحْكَمُ بِوُجُوبِ الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ عَلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ وَلَهُمَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» فَوَجَبَ سَبْقُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ وَالْمَفْهُومُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الرُّؤْيَةُ عِنْدَ عَشِيَّةِ آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الثَّلَاثِينَ وَالْمُخْتَارُ

[باب ما يفسد الصوم وما لا يفسده]

إنْ كَانَتْ الشَّمْسُ تَتْلُو الْقَمَرَ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَإِنْ كَانَ الْقَمَرُ يَتْلُوهَا فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ إنْ أَفْطَرُوا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ أَفْطَرُوا بِتَأْوِيلٍ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ). قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ أَوْ ادَّهَنَ أَوْ احْتَجَمَ أَوْ اكْتَحَلَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ ذُبَابٌ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ أَوْ أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ أَوْ قَاءَ وَعَادَ لَمْ يُفْطِرْ) أَمَّا إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فَالْقِيَاسُ أَنْ يُفْطِرَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِوُجُودِ مَا يُضَادُّ الصَّوْمَ فَصَارَ كَالْكَلَامِ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ وَكَتَرْكِ النِّيَّةِ فِيهِ وَكَالْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ الِاعْتِكَافِ وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ؛ وَلِأَنَّ النِّسْيَانَ غَالِبٌ لِلْإِنْسَانِ فَلَوْ كَانَ مُفْطِرًا لَحَرِجُوا وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ فِي الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ لِأَنَّ حَالَتَهُ مُذَكِّرَةٌ وَهَذَا لِأَنَّ هَيْئَتَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تُخَالِفُ هَيْئَةَ الْعَادَةِ وَفِي الصَّوْمِ لَا تُخَالِفُ فَلَا مُذَكِّرَ لَهُ فِيهِ وَلَا يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا كَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يُنَافِي الصَّوْمَ لِأَنَّا نَقُولُ أَمْرُهُ بِإِتْمَامِ صَوْمِهِ وَبِالْإِمْسَاكِ تَشَبُّهًا لَا يُتِمُّ صَوْمَهُ وَالْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الْإِتْمَامُ لِلصَّوْمِ وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ فَإِذَا ثَبَتَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثَبَتَ فِي الْجِمَاعِ دَلَالَةً لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فَقَالَ لَهُ آخَرُ أَنْتَ صَائِمٌ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ فَأَكَلَ ثُمَّ تَذَّكَّر أَنَّهُ صَائِمٌ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ أُخْبِرَ بِأَنَّ هَذَا الْأَكْلَ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ حُجَّةٌ وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ نَاسٍ وَلَوْ رَأَى صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا يُذَكِّرُهُ إنْ كَانَ شَابًّا لِأَنَّ لَهُ قُوَّةً بِدُونِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ شَيْخًا لَا يُذَكِّرُهُ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَقْدِرُ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَا بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَفْصِلْ وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا أَفْطَرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُفْطِرْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَالْمُرَادُ بِهِ رَفْعُ الْحُكْمِ إذْ هُوَ مَوْجُودٌ حِسًّا وَالْحُكْمُ نَوْعَانِ دُنْيَوِيٌّ وَهُوَ الْفَسَادُ وَأُخْرَوِيٌّ وَهُوَ الْإِثْمُ وَمُسَمَّى الْحُكْمِ يَشْمَلُهُمَا فَيَتَنَاوَلُ الْحُكْمَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْفِطْرَ فَلَا يَفْسُدُ كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ النَّاسِيَ قَصَدَ الْأَكْلَ وَالْمُخْطِئُ لَيْسَ بِقَاصِدٍ وَلَنَا أَنَّ الْمُفْطِرَ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ فَيَفْسُدُ صَوْمُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي النَّاسِي إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رَوَيْنَا فَصَارَ كَمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ هُوَ بِيَدِهِ أَوْ كَمَنْ أَكَلَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ طَالِعٌ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْإِثْمِ وَرَفْعِهِ لِأَنَّهُ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مُرَادًا لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مُقْتَضًى وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ وَالْقِيَاسُ عَلَى النَّاسِي مُمْتَنِعٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّسْيَانَ غَالِبٌ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَيُعْذَرُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ نَادِرَةٌ فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا بِهِ وَالثَّانِي أَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُمَا وَهُوَ كَوْنُهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ إلَّا أَنَّ وَاحِدًا لَوْ رَآهُ فِي نَهَارِ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَظَنَّ انْقِضَاءَ مُدَّةِ الصَّوْمِ وَأَفْطَرَ عَمْدًا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَإِنْ رَآهُ بَعْدَ الزَّوَالِ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ هَذَا وَتُكْرَهُ الْإِشَارَةُ إلَى الْهِلَالِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ لِأَنَّهُ فِعْلُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ) وَهُوَ كَوْنُهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ مُطْلَقًا. اهـ. [بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا) أَيْ لِصَوْمِهِ لِأَنَّهُ ذَاكِرٌ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَوْ الْجِمَاعِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ نَاسِيًا قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ اهـ ع (قَوْلُهُ لَمْ يُفْطِرْ) هُوَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مُسْنَدًا إلَى الْأَكْلِ وَمَا يُضَاهِيهِ اهـ دِرَايَةٌ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ إنْ أَكَلَ نَاسِيًا قَبْلَ النِّيَّةِ ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ وَفِي الْبَقَّالِيِّ النِّسْيَانُ قَبْلَ النِّيَّةِ كَهُوَ بَعْدَهَا. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّمَا اللَّهُ أَطْعَمَهُ) كَذَا هُوَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَفِي مُسْلِمٍ «فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ». اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فَقَالَ آخَرُ أَنْتَ صَائِمٌ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَجُلٌ أَكَلَ نَاسِيًا فَقِيلَ لَهُ إنَّكَ صَائِمٌ وَهُوَ لَا يُذْكَرُ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ حُجَّةٌ اهـ (قَوْلُهُ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) وَفِي الْخِزَانَةِ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ حُجَّةٌ) وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى تَأَمُّلِ الْحَالِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَأْي صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّ رَجُلًا نَظَرَ إلَى غَيْرِهِ يَأْكُلُ نَاسِيًا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ لَا يُذَكِّرَهُ إذَا كَانَ قَوِيًّا عَلَى صَوْمِهِ وَإِنْ كَانَ يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا) بِأَنْ تَمَضْمَضَ فَسَبَقَ الْمَاءُ حَلْقَهُ (قَوْلُهُ أَوْ مُكْرَهًا) سَوَاءٌ صَبَّ الْمَاءَ فِي حَلْقِهِ أَوْ شَرِبَهُ بِنَفْسِهِ مُكْرَهًا غَايَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا فِي الْمُكْرَهِ عَلَى الْجِمَاعِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ وَذَلِكَ أَمَارَةُ اخْتِيَارِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ فَسَادَ الصَّوْمِ يَتَحَقَّقُ بِالْإِيلَاجِ وَهُوَ مُكْرَهٌ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ انْتَشَرَتْ آلَتُهُ يُجَامِعُ. اهـ. فَتْحٌ

الْحَقُّ وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ الْعِبَادِ فَيَفْتَرِقَانِ كَالْمَرِيضِ وَالْمُقَيَّدِ إذَا صَلَّيَا قَاعِدَيْنِ حَيْثُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُقَيَّدِ دُونَ الْمَرِيضِ وَأَمَّا إذَا احْتَلَمَ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْحِجَامَةُ وَالْقَيْءُ وَالِاحْتِلَامُ» وَلِأَنَّ فِيهِ حَرَجًا لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ إلَّا بِتَرْكِ النَّوْمِ وَهُوَ مُبَاحٌ وَلِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِنْزَالُ عَنْ شَهْوَةٍ بِالْمُبَاشَرَةِ وَأَمَّا إذَا أَنْزَلَ بِنَظَرٍ فَلِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ أَنْزَلَ بِالنَّظْرَةِ الْأُولَى لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَإِنْ أَنْزَلَ بِالثَّانِيَةِ يَفْسُدُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ «لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا الْأُولَى لَك وَالْأُخْرَى عَلَيْك» وَلِأَنَّ النَّظْرَةَ الْأُولَى تَقَعُ بَغْتَةً فَلَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهَا بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَلَنَا أَنَّ النَّظَرَ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِهَا فَصَارَ كَالْإِنْزَالِ بِالتَّفَكُّرِ وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَلِأَنَّ مَا يَكُونُ مُفَطِّرًا لَا يُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ فِيهِ وَمَا لَا يَكُونُ مُفَطِّرًا لَا يُفَطِّرُ بِالتَّكْرَارِ كَالْمَسِّ وَالِاسْتِمْنَاءِ بِالْكَفِّ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُفْسِدُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ إنْ قَصَدَ بِهِ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] إلَى أَنْ قَالَ {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] أَيْ الظَّالِمُونَ الْمُتَجَاوِزُونَ فَلَمْ يُبَحْ الِاسْتِمْتَاعُ إلَّا بِهِمَا فَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْكَفِّ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ سَأَلْت عَنْهُ عَطَاءً فَقَالَ مَكْرُوهٌ سَمِعْت قَوْمًا يُحْشَرُونَ وَأَيْدِيهِمْ حَبَالَى فَأَظُنُّ أَنَّهُمْ هُمْ هَؤُلَاءِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَذَّبَ اللَّهُ أُمَّةً كَانُوا يَعْبَثُونَ بِمَذَاكِيرِهِمْ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ تَسْكِينَ مَا بِهِ مِنْ الشَّهْوَةِ يُرْجَى أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ وَبَالٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَتَى بَهِيمَةً فَأَنْزَلَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ وَلَوْ قَبَّلَ بَهِيمَةً أَوْ مَسَّ فَرْجَهَا فَأَنْزَلَ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إذَا ادَّهَنَ فَلِعَدَمِ الْمُنَافِي وَالدَّاخِلُ مِنْ الْمَسَامِّ لَا مِنْ الْمَسَالِكِ لَا يُنَافِيهِ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ وَوَجَدَ بَرْدَهُ فِي كَبِدِهِ وَأَمَّا الِاحْتِجَامُ فَلِمَا رَوَيْنَا وَلِعَدَمِ الْمُنَافِي وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ يُفَطِّرُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَنْ «أَنَسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ أَنَسٌ أَوَّلُ مَا كُرِهَتْ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ «أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَفْطَرَ هَذَانِ ثُمَّ رَخَّصَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحِجَامَةِ بَعْدُ لِلصَّائِمِ» وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا بَيَّنَّا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَلِأَنَّ احْتِجَامَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ وَقَوْلَهُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ عَامَ الْفَتْحِ وَلِأَنَّ الْحِجَامَةَ لَيْسَ فِيهَا إلَّا إخْرَاجُ الدَّمِ فَصَارَتْ كَالِافْتِصَادِ وَالْجَرْحِ وَأَمَّا الِاكْتِحَالُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكْتَحَلَ وَهُوَ صَائِمٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَ طَعْمَ الْكُحْلِ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ وَكَذَا لَوْ بَزَقَ وَوَجَدَ لَوْنَهُ فِي الْأَصَحِّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَفْسُدُ صَوْمه إذَا وَصَلَ إلَى حَلْقِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوِّحِ عِنْدَ النَّوْمِ وَقَالَ لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدِّمَاغِ مَسْلَكٌ وَالدَّمْعُ يَخْرُجُ بِالتَّرَشُّحِ كَالْعَرَقِ وَالدَّاخِلُ مِنْ الْمَسَامِّ لَا يُنَافِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ مَا يَجِدُهُ فِي حَلْقِهِ أَثَرُ الْكُحْلِ لَا عَيْنُهُ فَلَا يَضُرُّهُ كَمَنْ ذَاقَ الدَّوَاءَ وَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ وَلَا يُمْكِنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ إلَخْ) يَرْوِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ ضَعِيفٌ اهـ غَايَةٌ وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ وَبَيَّنَ ضَعْفَ رُوَاتِهِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَرْتَقِي إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ وَضَعْفُ رُوَاتِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْحِفْظِ لَا الْعَدَالَةِ فَالتَّضَافُرُ دَلِيلُ الْإِجَادَةِ فِي خُصُوصِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَيْءِ مَا ذَرَعَ الصَّائِمُ عَلَى مَا سَيَظْهَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَفْسُدُ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ لَا يَفْسُدُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ كَأَنَّهُ اُعْتُبِرَتْ الْمُبَاشَرَةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا مُبَاشَرَةَ الْغَيْرِ أَوْ لَا بِأَنْ يُرَادَ مُبَاشَرَةٌ هِيَ سَبَبُ الْإِنْزَالِ سَوَاءٌ كَانَ مَا بُوشِرَ بِمَا يَشْتَهِي عَادَةً أَوْ لَا وَلِهَذَا أَفْطَرَ بِإِنْزَالٍ فِي فَرَجِ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ وَلَيْسَ مِمَّا يَشْتَهِي عَادَةً. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ الدَّاخِلُ مِنْ الْمَسَامِّ) الْمَسَامُّ الْمَنَافِذُ مَأْخُوذٌ مِنْ سَمِّ الْإِبْرَةِ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ إلَّا مِنْ الْأَطِبَّاءِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ إلَى آخِرِهِ) الْقَائِلُ لَهُ ثَابِتٌ الْبُنَانِيَّ عَلَى مَا فِي الْغَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الرِّوَايَةُ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ صَائِمٌ بَعْدَمَا قَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا) قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُرْوَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِهِمَا وَهُمَا يَغْتَابَانِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ أَيْ غَيْبَتُهُمَا أَذْهَبَتْ ثَوَابَ صَوْمِهِمَا فَصَارَا كَالْمُفْطِرِ مِنْ حَيْثُ حِرْمَانُ الثَّوَابِ وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ تَعَرَّضَا لِلْإِفْطَارِ الْمَحْجُومُ لِلضَّعْفِ وَالْحَاجِمُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَصِلَ إلَى جَوْفِهِ بِمَصِّ الْمُلَازِمِ اهـ (قَوْلُهُ: وَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ) أَيْ وَكَمَنْ أَخَذَ حَنْظَلَةً فِي فَمِهِ فَوَجَدَ مَرَارَتَهَا فِي حَلْقِهِ أَوْ مَاءً فَوَجَدَ عُذُوبَتَهُ أَوْ نَدَاوَتَهُ فِي حَلْقِهِ وَكَمَا لَوْ صَبَّ لَبَنًا فِي عَيْنَيْهِ أَوْ دَوَاءً فَوَجَدَ طَعْمَهُ أَوْ مَرَارَتَهُ فِي حَلْقِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ. اهـ. غَايَةٌ

الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَصَارَ كَالْغُبَارِ وَالدُّخَانِ وَلَئِنْ كَانَ عَيْنَهُ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَسَامِّ فَلَا يُفَطِّرُهُ وَمَا رَوَيَاهُ مُنْكَرٌ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ ذَلِكَ شَفَقَةً عَلَيْهِمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَرَفَ فِي الْإِثْمِدِ صِفَةً لَا تُوَافِقُ الصَّائِمَ كَالْحَرَارَةِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ قَبَّلَ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ إذَا لَمْ يُنْزِلْ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَالْحِجَامَةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ يَعْنِي رُوَاتَهُ وَلِأَنَّ الْمُنَافِيَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ صُورَةً أَوْ مَعْنًى وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْمُصَاهَرَةِ وَالرَّجْعَةِ حَيْثُ يَثْبُتَانِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا أُدِيرَ عَلَى السَّبَبِ الْمُفْضِي إلَى الْوِقَاعِ وَهُنَا عَلَى قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَنْزَلَ بِالْقُبْلَةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْمُصَاهَرَةِ وَيَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ وَلَوْ أَنْزَلَ بِقُبْلَةٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِوُجُودِ مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ الْإِنْزَالُ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْكَفَّارَةِ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ فَانْعَدَمَ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكْفِي لِوُجُوبِهِ وُجُودُ الْمُنَافِي صُورَةً أَوْ مَعْنًى وَلَا يَكْفِي ذَلِكَ لِوُجُوبِ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمُنَافِي صُورَةً وَمَعْنًى لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ حَيْثُ تَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِأَجْلِ جَبْرِ الْفَائِتِ وَفِي الصَّوْمِ حَصَلَ الْجَبْرُ بِالْقَضَاءِ فَكَانَتْ زَاجِرَةً فَقَطْ فَشَابَهَتْ الْحُدُودَ فَتَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ بِالْإِكْرَاهِ وَالْخَطَإِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ وَلَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ إذَا أَمِنَ الْإِنْزَالَ وَالْجِمَاعَ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ «وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ لِأَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ بِفِطْرٍ وَرُبَّمَا يَصِيرُ فِطْرًا بِعَاقِبَتِهِ فَإِنْ أَمِنَ اُعْتُبِرَ عَيْنُهُ فَأُبِيحَ وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ يُعْتَبَرُ عَاقِبَتُهُ فَيُكْرَهُ وَالشَّافِعِيُّ أَبَاحَ الْقُبْلَةَ فِي الْحَالَيْنِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيِّنَاهُ وَالْمَسُّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةُ مِثْلُ التَّقْبِيلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ وَأَتَاهُ آخَرُ فَنَهَاهُ فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ وَاَلَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّهُ يُفَرَّقُ فِيهِمَا وَفِي التَّقْبِيلِ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَتِهِ التَّقْبِيلَ فِيهِمَا وَعَلَى مُحَمَّدٍ فِي مَنْعِهِ الْمُبَاشَرَةَ فِيهِمَا وَتَفْسِيرُ الْمُبَاشَرَةِ أَنْ يَتَجَرَّدَا عَنْ الثِّيَابِ وَيَضَعَ فَرْجَهُ عَلَى فَرْجِهَا وَأَمَّا إذَا دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ ذُبَابٌ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ فَلِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَأَشْبَهَ الدُّخَانَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُفَطِّرَهُ لِوُصُولِ الْمُفَطِّرِ إلَى جَوْفِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَغَذَّى بِهِ كَالتُّرَابِ وَالْحَصَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ فَصَارَ كَبَلَلٍ يَبْقَى فِي فِيهِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخِزَانَةِ أَنَّ دُمُوعَهُ أَوْ عَرَقَهُ إذَا دَخَلَ فِي حَلْقِهِ وَهُوَ قَلِيلٌ مِثْلُ قَطْرَةٍ أَوْ قَطْرَتَيْنِ لَا يُفَطِّرُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ بِحَيْثُ يَجِدُ مُلُوحَتَهُ فِي الْحَلْقِ يُفْسِدُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّلْجِ وَالْمَطَرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُفْسِدُهُ لِإِمْكَانِ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ بِأَنْ يَأْوِيَهُ خَيْمَةٌ أَوْ سَقْفٌ وَأَمَّا إذَا أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا إذَا كَانَ قَلِيلًا مِنْ الَّذِي بَقِيَ مِنْ أَكْلِ اللَّيْلِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يُفَطِّرهُ وَقَالَ زُفَرُ يُفَطِّرُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْفَمَ لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِالْمَضْمَضَةِ فَيَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُصَاهَرَةِ وَالرَّجْعَةِ) أَيْ لَوْ قَبْلَ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ يَصِيرُ مُرَاجِعًا وَبِالْقُبْلَةِ أَيْضًا مَعَ الشَّهْوَةِ يَنْتَشِرُ لَهَا الذَّكَرُ وَتَثْبُتُ حُرْمَةُ أُمَّهَاتِ الْمُقَبَّلَةِ كَبَنَاتِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ إلَى آخِرِهِ) وَالتَّقْبِيلُ الْفَاحِشُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ أَنْ يَمْضُغَ شَفَتَهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمَسُّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَى آخِرِهِ) فِي الذَّخِيرَةِ إنْ مَسَّهَا بِحَائِلٍ فَأَنْزَلَ إنْ وَجَدَ حَرَارَةَ بَدَنِهَا أَفْطَرَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إذَا أَنْزَلَ بِحَائِلٍ فَفِي فَسَادِهِ وَجْهَانِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَى مُحَمَّدٍ إلَى آخِرِهِ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ لِأَنَّهَا قَلَّمَا تَخْلُو عَنْ الْفِتْنَةِ. اهـ. هِدَايَةٌ قُلْنَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ بِحَالٍ يَأْمَنُ فَإِنْ خَافَ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ وَالْأَوْجَهُ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ سَبَبًا غَالِبًا فَأَقَلُّ الْأُمُورِ لُزُومُ الْكَرَاهَةِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ تَحَقُّقِ الْخَوْفِ بِالْفِعْلِ كَمَا هُوَ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَضَعُ فَرْجَهُ عَلَى فَرْجِهَا إلَى آخِرِهِ) وَهَذَا خَاصٌّ مِنْ مُطْلَقِ الْمُبَاشَرَةِ وَهُوَ الْمُفَادُ بِالْحَدِيثِ فَجَعْلُ الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى مُحَمَّدٍ مَحَلُّ نَظَرٍ إذْ لَا عُمُومَ لِلْفِعْلِ الْمُثْبَتِ فِي أَقْسَامِهِ بَلْ وَلَا فِي الزَّمَانِ وَفَهْمُهُ فِيهِ مِنْ إدْخَالِ الرَّاوِي لَفْظَ كَانَ عَلَى الْمُضَارِعِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ الدُّخَانَ) فَإِنَّ الصَّائِمَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يُفْتَحَ فَاهُ يَتَحَدَّثُ مَعَ النَّاسِ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَكَانَ عَفْوًا كَافِيًا (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخِزَانَةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ سَاقَ مَا فِي الْخِزَانَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقَطْرَةَ يَجِدُ مُلُوحَتَهَا فَالْأَوْلَى عِنْدِي الِاعْتِبَارُ بِوِجْدَانِ الْمُلُوحَةِ لِصَحِيحِ الْحِسِّ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَوْ دَخَلَ دَمْعُهُ أَوْ عَرَقُ جَبِينِهِ أَوْ دَمُ رُعَافِهِ حَلْقَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَتْهُ فَإِنَّهُ عَلَّقَ بِوُصُولِهِ إلَى الْحَلْقِ وَمُجَرَّدُ وُجْدَانِ الْمُلُوحَةِ دَلِيلُ ذَلِكَ انْتَهَى (قَوْلُهُ بِأَنْ يَأْوَاهُ خَيْمَةٌ أَوْ سَقْفٌ إلَى آخِرِهِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ سَائِرًا مُسَافِرًا أَفْسَدَهُ فَالْأَوْلَى تَعْلِيلُ الْإِمْكَانِ لِتَيَسُّرِ طَبْقِ الْفَمِ وَفَتْحِهِ أَحْيَانًا مَعَ الِاحْتِرَاسِ عَنْ الدُّخُولِ وَلَوْ دَخَلَ فَمَه الْمَطَرُ فَابْتَلَعَهُ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ. اهـ. فَتْحٌ وَلَوْ اسْتَشَمَّ الْمُخَاطَ مِنْ أَنْفِهِ حَتَّى أَدْخَلَهُ إلَى فَمِهِ وَابْتَلَعَهُ عَمْدًا لَا يُفْطِرُ وَلَوْ خَرَجَ رِيقُهُ مِنْ فَمِهِ فَأَدْخَلَهُ وَابْتَلَعَهُ إنْ كَانَ لَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ فِيهِ بَلْ الْمُتَّصِلُ بِمَا فِيهِ كَالْخَيْطِ فَاسْتَشْرَبَهُ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ كَانَ انْقَطَعَ فَأَخَذَهُ وَأَعَادَهُ أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ وَلَوْ اخْتَلَطَ بِالرِّيقِ لَوْنُ صِبْغِ إبْرَيْسَمَ يَعْمَلُهُ مُخْرِجًا لِلْخَيْطِ مِنْ فِيهِ فَابْتَلَعَ هَذَا الرِّيقَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ أَفْطَرَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَأْوَاهُ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ

دَاخِلًا مِنْ الْخَارِجِ وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَا يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ عَادَةً فَصَارَ تَبَعًا لِأَسْنَانِهِ بِمَنْزِلَةِ رِيقِهِ وَالْكَثِيرُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَجُعِلَ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ وَإِنْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ وَأَخْرَجَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الصَّائِمَ إذَا ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَلَوْ ابْتَلَعَهَا ابْتِدَاءً مِنْ خَارِجٍ يَفْسُدُ وَلَوْ مَضَغَهَا لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهَا تَتَلَاشَى وَفِي مِقْدَارِ الْحِمَّصَةِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ زُفَرَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ طَعَامٌ مُتَغَيِّرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعَافُهُ الطَّبْعُ وَلَوْ جَمَعَ رِيقَهُ فِي فِيهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ لَمْ يُفَطِّرْهُ وَيُكْرَهُ وَلَوْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ يُفَطِّرُهُ كَرِيقِ غَيْرِهِ وَالدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ وَالدَّمُ غَالِبٌ أَوْ مُسَاوٍ فَطَّرَهُ إنْ ابْتَلَعَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَهُ مِنْ خَارِجٍ فَيَنْظُرُ إنْ ابْتَلَعَهُ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ فَطَّرَهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَإِنْ مَضَغَهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا يُفَطِّرُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا إذَا قَاءَ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتِقَاء عَمْدًا فَلْيَقْضِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَيَسْتَوِي فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ وَمَا دُونَهُ إذَا قَاءَ حَتَّى لَا يَفْسُدَ صَوْمُهُ فِيهِمَا وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ قَاءَ وَعَادَ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْعَوْدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِانْتِفَاءِ الْإِفْطَارِ عَلَى مَا يَجِيءُ تَفَاصِيلُهُ مِنْ قَرِيبٍ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَعَادَهُ أَوْ اسْتَقَاءَ أَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً أَوْ حَدِيدًا قَضَى فَقَطْ) أَيْ إنْ أَعَادَ الْقَيْءَ أَوْ قَاءَ عَامِدًا إلَى آخِرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا غَيْرُ أَيْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَمَّا إعَادَةُ الْقَيْءِ وَالِاسْتِقَاءَةِ فَالْجُمْلَةُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ قَاءَ عَمْدًا أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ لَا يَكُونَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ عَادَ هُوَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَعَادَهُ أَوْ خَرَجَ وَلَمْ يُعِدْهُ وَلَا عَادَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَخَرَجَ لَا يُفَطِّرُهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَإِنْ عَادَ هُوَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلصَّوْمِ إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ حَتَّى انْتَقَضَتْ بِهِ الطَّهَارَةُ وَقَدْ دَخَلَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُفْسِدُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ الْفِطْرُ وَهُوَ الِابْتِلَاعُ وَكَذَا مَعْنَاهُ إذْ لَا يَتَغَذَّى بِهِ فَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَصَارَ تَبَعًا) وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ تَابِعًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ عَنْ بَقَاءِ أَثَرٍ مِنْ الْمَأْكَلِ حَوَالَيْ الْأَسْنَانِ وَإِنْ قَلَّ ثُمَّ يَجْرِي مَعَ الرِّيقِ النَّابِعِ مِنْ مَحَلِّهِ إلَى الْحَلْقِ فَامْتَنَعَ تَعْلِيقُ الْإِفْطَارِ بِعَيْنِهِ فَتَعَلَّقَ بِالْكَثِيرِ وَهُوَ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ كَثِيرًا فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ جَعَلَ الْفَاصِلَ كَوْنَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ فِي ابْتِلَاعِهِ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالرِّيقِ أَوَّلًا الْأَوَّلُ قَلِيلٌ وَالثَّانِي كَثِيرٌ وَهُوَ حَسَنٌ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِفْطَارِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُصُولِ كَوْنُهُ لَا يَسْهُلُ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ وَذَلِكَ فِيمَا يَجْرِي بِنَفْسِهِ مَعَ الرِّيقِ إلَى الْجَوْفِ لَا فِيمَا يَتَعَمَّدُ فِي إدْخَالِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِيهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَجُعِلَ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا مِقْدَارَ الْحِمَّصَةِ) وَجُعِلَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ الْمُفْسِدُ مَا يَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ الْحِمَّصَةِ، وَقَدْرُ الْحِمَّصَةِ عَفْوٌ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ ثَعْلَبٌ الِاخْتِيَارُ فَتْحُ الْمِيمِ وَقَالَ الْمُبَرَّدُ وَهُوَ الْحِمِّصُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَلَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ إلَّا حِلِّزٌ وَهُوَ الْقَصِيرُ وَجِلِّقٌ اسْمُ مَوْضِعٍ بِالشَّامِ. اهـ. صِحَاحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَكَلَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُهُ) الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ أَكَلَ الْمَضْغُ وَالِابْتِلَاعُ أَوْ الْأَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ مُجَرَّدِ الِابْتِلَاعِ فَيُفِيدُ حِينَئِذٍ خِلَافَ مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَنَّهُ إذَا مَضَغَ مَا أَدْخَلَهُ وَهُوَ دُونَ الْحِمَّصَةِ لَا يُفَطِّرُهُ لَكِنَّ تَشْبِيهَهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ الْفَسَادِ فِي ابْتِلَاعِ سِمْسِمَةٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَعَدَمِهِ إذَا مَضَغَهَا يُوجِبُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَكْلِ الِابْتِلَاعُ فَقَطْ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ إعْطَاءُ النَّظِيرِ وَفِي الْكَافِي فِي السِّمْسِمَةِ قَالَ إنْ مَضَغَهَا لَا يَفْسُدُ إلَّا أَنْ يَجِدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا فَلْيَكُنْ الْأَصْلُ فِي كُلِّ قَلِيلٍ مَضْغَهُ. اهـ. فَتْحٌ وَأَيْضًا إذَا ابْتَلَعَ السِّمْسِمَة حَتَّى فَسَدَ هَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ قِيلَ لَا وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُهَا لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يُتَغَذَّى بِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُهُ) أَيْ لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي السِّمْسِمَة انْتَهَى دِرَايَة (قَوْلُهُ وَلَوْ مَضَغَهَا لَا يَفْسُدُ) وَكَذَا لَوْ مَضَغَ حَبَّةَ حِنْطَةٍ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِأَنَّهَا تَلْتَزِقُ بِأَسْنَانِهِ فَلَا يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ شَيْءٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَنَّهُ يَعَافُهُ الطَّبْعُ) أَيْ يَكْرَهُهُ انْتَهَى كَاكِيٌّ فَصَارَ نَظِيرَ التُّرَابِ وَزُفَرُ يَقُولُ بَلْ نَظِيرَ اللَّحْمِ الْمُنْتِنِ وَفِيهِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُفْتِيَ فِي الْوَقَائِعِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ضَرْبِ اجْتِهَادٍ وَمَعْرِفَةٍ بِأَحْوَالِ النَّاسِ وَقَدْ عَرَفَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ فَيَنْظُرَ فِي صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَعَافُ طَبْعُهُ ذَلِكَ أَخَذَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا أَثَرَ لِذَلِكَ عِنْدَهُ أَخَذَ بِقَوْلِ زُفَرَ وَلَوْ ابْتَلَعَ حَبَّةَ عِنَبٍ لَيْسَ مَعَهَا ثُفْرُوقُهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنْ مَضَغَهَا وَهُوَ مَعَهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ) ذَرَعَهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ سَبَقَهُ وَغَلَبَهُ انْتَهَى صِحَاحٌ وَمَا رُوِيَ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فِي يَوْمٍ كَانَ يَصُومُهُ فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَشَرِبَهُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا كُنْت تَصُومُهُ قَالَ أَجَلْ وَلَكِنِّي قِئْت» مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوْ عُرُوضِ الضَّعْفِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَالْجُمْلَةُ فِيهِ) أَيْ فِي مَسَائِلِ الْقَيْءِ انْتَهَى (قَوْلُهُ أَوْ لَا يَكُونُ) مِلْءَ الْفَمِ أَيْ فَصَارَتْ الْأَقْسَامُ أَرْبَعَةً (قَوْلُهُ أَوْ خَرَجَ وَلَمْ يُعِدْهُ وَلَا عَادَ بِنَفْسِهِ) أَيْ فَصَارَتْ الْأَقْسَامُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ حَاصِلَةً مِنْ ضَرْبِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ عَادَ هُوَ) أَيْ الْقَيْءُ الَّذِي ذَرَعَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ الْفِطْرِ وَهُوَ) أَيْ صُورَةُ الْفِطْرِ ذَكَرَ ضَمِيرَهُ نَظَرًا إلَى الْخَبَرِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إذْ لَا يُتَغَذَّى بِهِ) أَيْ عَادَةً. اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهِ فَإِنَّهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ مَطْعُومٌ فَإِذَا اسْتَقَرَّ فِي الْمَعِدَةِ يَحْصُلُ بِهِ التَّغَذِّي بِخِلَافِ الْحَصَا وَنَحْوِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْتَدْ فِيهِ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحِلِّ وَنُفُورِ الطَّبْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَبُو يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ فَأَصْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْعَوْدِ وَالْإِعَادَةِ اعْتِبَارُ الْخُرُوجِ وَهُوَ بِمِلْءِ الْفَمِ وَأَصَّلَ مُحَمَّدٍ فِيهِ الْإِعَادَةَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. اهـ. فَتْحٌ

الْخُرُوجَ وَمُحَمَّد يَعْتَبِرُ الصُّنْعَ وَإِنْ أَعَادَهُ أَفْطَرَ بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الصُّنْعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْخُرُوجِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَم لَا يُفَطِّرُهُ لِمَا رَوَيْنَا فَإِنْ عَادَ لَا يُفَطِّرُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالصُّنْعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ أَعَادَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الصُّنْعِ وَلَا يَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَسَدَ صَوْمُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَفْرِيعُ الْعَوْدِ وَالْإِعَادَةِ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِالْقَيْءِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلَا يَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ الصَّحِيحُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ ثُمَّ إنْ عَادَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُفْطِرْ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ أَعَادَهُ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ وَفِي رِوَايَةِ يُفْطِرُ لِكَثْرَةِ الصُّنْعِ وَزُفَرُ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي أَنَّ قَلِيلَهُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَهُوَ جَرَى عَلَى أَصْلِهِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ فِي الصَّوْمِ هَذَا إذَا قَاءَ طَعَامًا أَوْ مَاءً أَوْ مَرَّةً فَإِنْ قَاءَ بَلْغَمًا فَغَيْرُ مُفْسِدٍ لِصَوْمِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ مُفْطِرٌ إذَا قَاءَ مِلْءَ الْفَمِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَإِنْ قَاءَ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِلْءَ فِيهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ أَوْ غَدْوَةٍ ثُمَّ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ عَشِيَّةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ذَكَرَهُ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَمْ يَفْصِلْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ مِلْءِ الْفَمِ وَمَا دُونَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ مِلْءَ الْفَمِ نَاقِضٌ لِلطَّهَارَةِ لَا مَا دُونَهُ وَأَمَّا إذَا ابْتَلَعَ الْحَصَاةَ أَوْ الْحَدِيدَ فَلِوُجُودِ صُورَةِ الْفِطْرِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ عَادَةً كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَفِي الدَّقِيقِ وَالْأُرْزِ وَالْعَجِينِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفِي الْمِلْحِ لَا تَجِبُ إلَّا إذَا اعْتَادَ ذَلِكَ يَعْنِي أَكَلَهُ وَحْدَهُ وَقِيلَ فِي قَلِيلِهِ تَجِبُ دُونَ كَثِيرِهِ وَفِي النِّيءِ مِنْ اللَّحْمِ تَجِبُ دُونَ الشَّحْمِ وَعِنْدَ أَبِي اللَّيْثِ تَجِبُ فِي الشَّحْمِ أَيْضًا هَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ قَدِيدٍ وَإِنْ كَانَ قَدِيدًا تَجِبُ فِيهِمَا وَعَلَى هَذَا أَوْرَاقُ الْأَشْجَارِ إنْ كَانَتْ تُؤْكَلُ عَادَةً تَجِبُ فِيهَا وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ النَّبَاتَاتُ كُلُّهَا وَلَا تَجِبُ فِي الطِّينِ إلَّا طِينَ الْأَرْمَنِيِّ لِأَنَّهُ يُتَدَاوَى بِهِ وَلَوْ ابْتَلَعَ فُسْتُقَةً غَيْرَ مَشْقُوقَةٍ وَلَمْ يَمْضُغْهَا لَا تَجِبُ وَإِلَّا فَتَجِبُ وَلَوْ الْتَقَمَ لُقْمَةً نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ بَعْدَمَا مَضَغَهَا فَابْتَلَعَهَا ذَكَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ لَا يُفْطِرُهُ لِمَا رَوَيْنَا) مُسْتَدْرِكٌ لِدُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ سَابِقًا فَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَخَرَجَ إلَى آخِرِهِ وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ فَعَادَ لَا يُفْطِرُهُ بِالْإِجْمَاعِ إلَى آخِرِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ التَّكْرَارِ وَلِصُلْحٍ جَعَلَهُ قَسِيمًا لِقَوْلِهِ سَابِقًا إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَتَأَمَّلْ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعَادَهُ) أَيْ الْقَيْءَ الَّذِي ذَرَعَهُ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتِقَاءَ عَامِدًا) قَيَّدَ بِهِ لِيَخْرُجَ مَا إذَا اسْتِقَاءَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُفْطِرَاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُف إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَمْ يُفْطِرْ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ عَدَمِ الْخُرُوجِ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمَا بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ إنَّمَا أُنِيطَ بِمَا يَدْخُلُ أَوْ بِالْقَيْءِ عَمْدًا إمَّا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَادَةً دُخُولُ شَيْءٍ أَوْ لَا بِاعْتِبَارِهِ بَلْ ابْتِدَاءً شَرَعَ يُفْطِرُ بِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْحَظَ فِيهِ تَحَقُّقَ كَوْنِهِ خَارِجًا نَجِسًا أَوْ طَاهِرًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَلْغَمِ وَغَيْرِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ اهـ قَوْلُهُ نَقَضَ الطَّهَارَةَ أَيْ بِالْخَارِجِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ بِالنَّجَاسَةِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْ مَحَلِّهَا وَلَمْ يُوجَدْ فِي قَيْءِ الْبَلْغَمِ اهـ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا إذَا ابْتَلَعَ الْحَصَاةَ أَوْ الْحَدِيدَ) إنَّمَا قَالَ ابْتَلَعَ وَلَمْ يَقُلْ أَكَلَ لِأَنَّ الْأَكْلَ الْمَضْغُ، وَالْمَضْغُ لَا يَنْفَعِلُ فِي الْحَصَاةِ. اهـ. دَارِيَةٌ (قَوْلُهُ الْفِطْرُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِمَّا دَخَلَ إلَى آخِره) أَيْ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ غَايَةٌ وَرَفَعَهُ فِي الْهِدَايَة وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى جَمَاعَةٍ اهـ قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ الْجَمْعُ بَيْنَ آثَارِ الْفِطْرِ مِمَّا دَخَلَ وَبَيْنَ آثَارِ الْقَيْءِ أَنَّ فِي الْقَيْءِ يَتَحَقَّقُ رُجُوعُ شَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ وَإِنْ قَلَّ فَلِاعْتِبَارِهِ يُفْطِرُ وَفِيمَا إذَا ذَرَعَهُ إنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ أَيْضًا لَكِنْ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادِ فَكَانَ كَالنِّسْيَانِ لَا كَالْإِكْرَاهِ وَالْخَطَأِ اهـ (قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي قَلِيلِهِ تَجِبُ دُونَ كَثِيرِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ مُضِرٌّ. اهـ. غَايَةٌ وَهَذَا مِنْ الِامْتِحَانِيَّاتِ اهـ (قَوْلُهُ وَفِي النِّيءِ مِنْ اللَّحْمِ تَجِبُ) وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً كَانَ مُنْتِنًا إلَّا إنْ دَوَّدَتْ فَلَا تَجِبُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ قَدِيدًا تَجِبُ فِيهِمَا) أَيْ بِلَا خِلَافٍ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ فِي الطِّينِ) أَيْ وَلَا فِي النَّوَاةِ وَالْقُطْنِ وَالْكَاغَدِ وَالسَّفَرْجَلِ إذَا لَمْ يُدْرَكْ وَلَا هُوَ مَطْبُوخٌ وَلَا فِي ابْتِلَاعِ الْجَوْزَةِ الرَّطْبَةِ وَتَجِبُ لَوْ مَضَغَهَا وَبَلَعَ الْيَابِسَةَ وَمَضَغَهَا عَلَى هَذَا وَكَذَا يَابِسُ اللَّوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَالْفُسْتُقِ وَقِيلَ هَذَا إنْ وَصَلَ الْقِشْرُ أَوَّلًا إلَى حَلْقِهِ أَمَّا إذَا وَصَلَ اللُّبُّ أَوَّلًا كَفَّرَ وَفِي ابْتِلَاعِ اللَّوْزَةِ الرَّطْبَةِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا تُؤْكَلُ كَمَا هِيَ بِخِلَافِ الْجَوْزَةِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا وَابْتِلَاعُ التُّفَّاحَةِ كَالْمَوْزَةِ وَالرُّمَّانَةِ، وَالْبَيْضَةُ كَالْجَوْزَةِ وَفِي ابْتِلَاعِ الْبِطِّيخَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْخَوْخَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْهَلِيلَجَة رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ. اهـ. فَتْحٌ وَلَوْ أَكَلَ كَافُورًا أَوْ مِسْكًا أَوْ زَعْفَرَانًا أَوْ غَالِيَةً كَفَّرَ لِأَنَّهُ يُتَدَاوَى بِهَا. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا طِينَ الْأَرْمَنِيِّ) قَالَ الْكَمَالُ وَتَجِبُ بِالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ وَبِغَيْرِهِ عَلَى مَنْ يَعْتَادُ أَكْلَهُ كَالْمُسَمَّى بِالطَّفْلِ لَا عَلَى مَنْ لَا يَعْتَادُهُ وَلَا بِأَكْلِ الدَّمِ إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ ابْتَلَعَ فُسْتُقَةً غَيْرَ مَشْقُوقَةٍ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَإِنْ ابْتَلَعَ فُسْتُقَةً مَشْقُوقَةً تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْقُوقَةً لَا تَجِبُ إلَّا إذَا مَضَغَهَا اهـ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَتَجِبُ) بِأَنْ كَانَتْ مَشْقُوقَةً فَابْتَلَعَهَا أَوْ غَيْرَ مَشْقُوقَةٍ فَمَضَغَهَا اهـ

لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ قِيلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَقِيلَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا وَقِيلَ إنْ ابْتَلَعَهَا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ فِيهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ ثُمَّ أَعَادَهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ بَعْدَ إخْرَاجِهَا تَعَافُهَا النَّفْسُ وَمَا دَامَتْ فِي فَمِهِ يَتَلَذَّذُ بِهَا وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ قِيلَ إنْ كَانَتْ سُخْنَةً بَعْدُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ جَامَعَ أَوْ جُومِعَ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ عَمْدًا غِذَاءً أَوْ دَوَاءً قَضَى وَكَفَّرَ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ) أَمَّا وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَلِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ الْفَائِتَةِ إذْ فِي صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ مَصْلَحَةٌ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْحَكِيمُ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَقَدْ فَوَّتَهُ فَيَقْضِيهِ لِتَحْصِيلِهَا وَأَمَّا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَلِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِنْزَالُ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْجِمَاعِ كَالْحَدِّ وَالِاغْتِسَالِ وَغَيْرِهِمَا تَتَعَلَّقُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَفَسَادُ الصَّوْمِ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ مِنْهَا وَلِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ مُتَحَقِّقٌ بِدُونِ الْإِنْزَالِ وَإِنَّمَا هُوَ تَبَعٌ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِهَا وَالْجِمَاعُ فِي الدُّبُرِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مُسْتَقْذَرٌ وَمَنْ لَهُ طَبِيعَةٌ سَلِيمَةٌ لَا يَمِيلُ إلَيْهِ فَلَا يَسْتَدْعِي زَاجِرًا لِلِامْتِنَاعِ بِدُونِهِ فَصَارَ كَالْحَدِّ وَفِيمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ تَجِبُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ مَحَلٌّ مُشْتَهًى عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ الْأَصَحُّ بِخِلَافِ الْحَدِّ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالزِّنَا وَلَيْسَ هَذَا بِزِنًا حَقِيقَةً لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ الْخَالِي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ وَلَا مَعْنَى لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إفْسَادُ الْفِرَاشِ وَاشْتِبَاهُ الْأَنْسَابِ وَقَوْلُهُ أَوْ جُومِعَ نَصَّ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ إنْ كَانَ بِطَوْعِهَا وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْوِقَاعِ وَهُوَ مِنْهُ دُونَهَا وَإِنَّمَا هِيَ مَحَلٌّ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُوجِبْهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَوْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَيْهَا لَبَعَثَ إلَيْهَا أَوْ أَفْتَاهُ بِذَلِكَ كَمَا بَعَثَ أُنَيْسًا إلَى امْرَأَةِ صَاحِبِ الْعَسِيفِ وَقَالَ إنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا حِينَ ادَّعَى زِنَاهَا وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ عَلَيْهَا وَيَتَحَمَّلُ عَنْهَا الزَّوْجُ إذَا كَفَّرَ بِالْمَالِ كَثَمَنِ الْمَاءِ لِلِاغْتِسَالِ وَإِنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ يَجِبُ عَلَيْهَا وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إنْ كَانَتْ سُخْنَةً بَعْدُ إلَى آخِرِهِ) لَا إنْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ حَتَّى بَرَدَتْ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تُعَافُ لَا قَبْلَهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ عِنْدَ الْكُلِّ فِي السُّقُوطِ الْعِيَافَةُ غَيْرَ أَنَّ كُلًّا وَقَعَ عِنْدَهُ إنَّ الِاسْتِكْرَاءَ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ كَذَا لَا كَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ جَامَعَ أَوْ جُومِعَ إلَى آخِرِهِ) وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ امْرَأَتَانِ تَسَاحَقَتَا فَإِنْ أَنْزَلَتَا فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ لَمْ تُنْزِلَا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا انْتَهَى غَايَةٌ وَلَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ انْتَهَى دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَكَلَ وَشَرِبَ عَمْدًا) يَعْنِي فِي صَوْمِ رَمَضَانَ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ مَنْ أَكَلَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا عَلَى وَجْهِ الشُّهْرَةِ يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ قَضَى وَكَفَّرَ) أَيْ إذَا كَانَ عَمْدًا وَقَدْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ) وَالْكَافُ فِي كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ لِأَنَّهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَكَفَّرَ تَكْفِيرًا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي التَّرْتِيبِ اهـ ع (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِنْزَالُ) أَيْ فِي الْمَحَلَّيْنِ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ مُتَحَقِّقٌ بِدُونِ الْإِنْزَالِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ كَمَا بِالْأَكْلِ تَجِبُ بِلُقْمَةٍ لَا بِالشِّبَعِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُشْتَرَطْ الْإِنْزَالُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَهُوَ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَأَنْ لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَفِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ الَّتِي يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهَا أَوْلَى فَعَدَمُ الِاشْتِرَاطِ عَلَى هَذَا ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ نَصِّ الْحَدِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مِنْهُ دُونَهَا) أَيْ وَلِهَذَا يُقَالُ جَامَعَ فُلَانٌ وَلَا يُقَالُ جَامَعَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَى الْمَرْأَةِ) أَيْ امْرَأَةِ الْأَعْرَابِيِّ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهَا اهـ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ أَفْطَرَ إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كَذَا قَالَ سَبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى نِهَايَةُ الصَّنَائِعِ قُلْت لَا أَصْلَ لَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُخَرِّجَهُ الشَّيْخَانِ. اهـ. غَايَةٌ (فَرْعٌ) وَفِي الْمُجْتَبَى فِي الْمَبْسُوطَيْنِ لَوْ مَكَّنَتْ نَفْسَهَا مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ فَزَنَى بِهَا فَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ وَفِي النَّوَادِرِ عَلَى قِيَاسِ الْحَدِّ لَا يَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُكْرَهَةً لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ الشَّرْطُ الْإِكْرَاهُ عِنْدَ الْإِيلَاجِ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ لَوْ وَقَعَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَمَا لَا فَلَا وَلَوْ أَكْرَهَتْ زَوْجَهَا عَلَى الْجِمَاعِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَبِهِ يُفْتِي وَقَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ جَامَعَ مُكْرَهًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا الْكَفَّارَةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الِانْتِشَارَ أَمَارَةُ الِاخْتِيَارِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا وَلَوْ كَتَمَتْ طُلُوعَ الْفَجْرِ عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى جَامَعَهَا فَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ) قَالَ الْكَمَالُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا» عَلَّقَ الْكَفَّارَةَ بِالْإِفْطَارِ فَإِنْ قِيلَ لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ لِأَنَّهُ حِكَايَةُ وَاقِعَةِ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيَجِبُ كَوْنُ ذَلِكَ الْفِطْرِ بِأَمْرٍ خَاصٍّ لَا بِالْأَعَمِّ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ أَنَّهُ بِالْجِمَاعِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَا مُتَمَسَّكَ بِهِ لِأَحَدٍ بَلْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ جِمَاعُ الرَّجُلِ وَهُوَ السَّائِلُ بِمَجِيئِهِ مُفَسِّرًا لِذَلِكَ بِرِوَايَةِ نَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ رَجُلًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قُلْنَا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ تَعْلِيقُهَا بِالْإِفْطَارِ وَهِيَ عِبَارَةُ الرَّاوِي أَعَنَى أَبَا هُرَيْرَةَ إذْ أَفَادَ أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ خُصُوصِ الْأَحْوَالِ الَّتِي شَاهَدَهَا فِي قَضَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ سَمِعَ مَا يُفِيدُ أَنَّ إيجَابَهَا عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ إفْطَارٌ لَا بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ الْإِفْطَارِ فَيَصِحُّ التَّمَسُّكُ وَهَذَا كَمَا قَالُوهُ فِي أُصُولِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا نَقَلَ الرَّاوِي بِلَفْظٍ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فَإِنَّهُمْ اخْتَارُوا اعْتِبَارَهُ وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِ الرَّاوِي قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فَهَذَا مِثْلُهُ بِلَا تَفَاوُتٍ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَلِأَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَيْهَا إذَا طَاوَعَتْهُ فَالْكَفَّارَةُ أَوْلَى

بِمَعْنَاهُ وَكَلِمَةُ مَنْ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [الأحزاب: 31] وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالْإِفْسَادِ وَقَدْ شَارَكَتْهُ فِيهِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ مَعَ أَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ فَالْكَفَّارَةُ أَوْلَى وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أَوْ عُقُوبَةٌ وَلَا تَحَمُّلَ فِيهِمَا عَنْ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَبْعَثْ إلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِهِ لِأَنَّ الْبَيَانَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ بَيَانٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْجِنَايَةِ وَحُكْمِهَا وَالْمَقْصُودُ فِيهِ الْإِعْلَامُ وَمَعْرِفَةُ الْحُكْمِ بِالْفَتْوَى وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ قَضِيَّةِ صَاحِبِ الْعَسِيفِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ إقَامَةُ الْحَدِّ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْبَعْثِ إلَيْهَا وَلِأَنَّ اعْتِرَافَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَكُونُ اعْتِرَافًا عَلَيْهَا وَلَا يَلْزَمُهَا بِخِلَافِ امْرَأَةِ صَاحِبِ الْعَسِيفِ فَإِنَّهُ جَاءَ لِذَلِكَ وَاعْتَرَفَ عَلَيْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَعْثِ لِيَنْكَشِفَ الْحَالُ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَبْعَثْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الْمَرْأَةِ فِي قَضِيَّةِ مَاعِزٍ حِينَ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهَا كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ مُفْطِرَةً بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ لِذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ مَعَ الِاحْتِمَالِ وَأَمَّا وُجُوبُهَا بِأَكْلِ مَا يَتَغَذَّى بِهِ أَوْ يَتَدَاوَى بِهِ أَوْ يَشْرَبُهُ فَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ بِهَا لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِمَاعِ كَالْحَدِّ وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ لِأَنَّ شَهْوَةَ الْفَرْجِ أَشَدُّ هَيَجَانًا وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ أَشَقُّ عَلَى الْمَرْءِ وَعِنْدَ حُصُولِهِ يَغْلِبُ الْبَشَرَ وَلَا كَذَلِكَ شَهْوَةُ الْبَطْنِ فَيَكُونُ أَدْعَى إلَى الزَّاجِرِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا هُوَ دُونَهُ فِي اسْتِدْعَاءِ الزَّاجِرِ وَنَظِيرُهُ شُرْبُ الْخَمْرِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَلِأَنَّهَا شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِارْتِفَاعِ الذَّنْبِ بِالتَّوْبَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَلَفْظُ أَفْطَرَ فِي الْحَدِيثَيْنِ يَتَنَاوَلُ الْمَأْكُولَ وَغَيْرَهُ وَلِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْإِفْسَادِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ لَا بِالْجِمَاعِ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْإِفْسَادُ دُونَ الْجِمَاعِ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِوَطْءِ مَنْكُوحَتِهِ وَمَمْلُوكَتِهِ إذَا كَانَ بِالنَّهَارِ لِوُجُودِ الْإِفْسَادِ لَا بِاللَّيْلِ لِعَدَمِهِ بِخِلَافِ الْحَدِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَهُ عِلَّةً لَهَا بِقَوْلِهِ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ الْحَدِيثَ فَبَطَلَ قَوْلُهُ تَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ شَهْوَةَ الْفَرْجِ أَشَدُّ هَيَجَانًا وَلَا الصَّبْرَ عَنْ اقْتِضَائِهِ أَشَدُّ عَلَى الْمَرْءِ بَلْ شَهْوَةُ الْبَطْنِ أَشَدُّ وَهُوَ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ وَلِهَذَا رُخِّصَ فِيهِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِئَلَّا يَهْلَكَ بِخِلَافِ الْفَرْجِ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ يُضْعِفُ شَهْوَةَ الْفَرْجِ وَلِهَذَا أَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْعَزَبَ بِالصَّوْمِ وَيُقَوِّي شَهْوَةَ الْبَطْنِ فَكَانَ أَدْعَى إلَى الزَّاجِرِ وَبِإِيجَابِ الْإِعْتَاقِ تَكْفِيرًا عُلِمَ أَنَّ التَّوْبَةَ وَحْدَهَا غَيْرُ مُكَفِّرَةٍ لِهَذَا الذَّنْبِ وَأَمَّا كَوْنُهَا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ يَعْنِي فِي التَّرْتِيبِ فَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ هَلَكْت يَا رَسُولَ اللَّه قَالَ وَمَا أَهْلَكَك قَالَ وَقَعْت عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ قَالَ هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكَيْنَا قَالَ لَا ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا قَالَ عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى وُجُوبِهِ مُرَتَّبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى نَظِيرِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فَتَكُونُ ثَابِتَةً بِدَلَالَةِ نَصِّ حَدِّهَا اهـ (قَوْلُهُ لِوُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِهِ) وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ بَيَانُ حُكْمِ الرَّجُلِ بَيَانُ حُكْمِ الْمَرْأَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «حُكْمِي فِي الْوَاحِدِ حُكْمِي فِي الْجَمَاعَةِ وَخِطَابِي لِلْوَاحِدِ خِطَابٌ لِلْجَمَاعَةِ» وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ حُكْمَ الْإِمَاءِ فِي الْحَدِّ بِقَوْلِهِ {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَكَانَ الْعَبْدُ فِي ذَلِكَ كَالْأَمَةِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَعْرِفَةُ الْحُكْمِ بِالْفَتْوَى وَقَدْ حَصَلَ) أَيْ وَسُكُوتُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا لَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِهَا كَمَا لَمْ يَدُلَّ سُكُوتُهُ عَنْ فَسَادِ صَوْمِهَا وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تَسْأَلْهُ عَنْهَا وَلَا سَأَلَهُ الزَّوْجُ عَنْهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهَا كَانَتْ مُكْرَهَةً) أَيْ وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أُهْلِكْت فِي رِوَايَةٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْإِفْسَادِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَقَوْلُ الْأَعْرَابِيِّ هَلَكَتْ أَشَارَ إلَى هَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ بِإِفْسَادِ صَوْمَهُ وَكَانَ الْحُكْمُ مُعَلَّقًا بِالْفِطْرِ الْهَاتِكِ لِحُرْمَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ لَا بِنَفْسِ جِمَاعِ زَوْجَتِهِ فَإِنَّ جِمَاعَ زَوْجَتِهِ أَوْ مَمْلُوكَتَهُ حَلَالٌ عِنْدَ عَدَمِ إفْسَادِ الصَّوْمِ اهـ (قَوْلُهُ وَبِإِيجَابِ الْإِعْتَاقِ إلَى آخِرِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فِي وَجْهِ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ لِارْتِفَاعِ الذَّنْبِ بِالتَّوْبَةِ وَهُوَ غَيْرُ دَافِعٍ لِكَلَامِهِ لِأَنَّهُ يُسَلَّمُ أَنَّ هَذَا الذَّنْبَ لَا يَرْتَفِعُ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ وَبِهَذَا يَثْبُتُ كَوْنُهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يَعْنِي الْقَاعِدَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ فِي الشَّرْعِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى آخِرِهِ) اسْمُهُ سَلَمَةُ الْبَيَاضِيُّ الْأَنْصَارِيُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ) الْعَرَقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَيُرْوَى بِسُكُونِ الرَّاءِ مِكْتَلٌ مِنْ الْخُوصِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَقَالَ تَصَدَّقْ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ وَيُرْوَى بِعَرَقٍ فِيهِ خَمْسَةَ عَشْرَ صَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) اللَّابَةُ الْحَرَّةُ وَهِيَ حِجَارَةٌ سُودٌ وَالْمَدِينَةُ يَكْتَنِفُهَا حَرَّتَانِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ) وَفِي لَفْظٍ ثَنَايَاهُ وَفِي لَفْظٍ أَنْيَابُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك إلَى آخِرِهِ) زَادَ فِي الْهِدَايَةِ يُجْزِيك وَلَا يُجْزِي أَحَدًا بَعْدَك اهـ وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد زَادَ الزُّهْرِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ خَاصَّةً وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ التَّكْفِيرِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ ذَلِكَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَعَنْ ذَلِكَ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِأَيِّ شَيْءٍ أَفْطَرَ قَالَ لِانْتِسَاخِهِ بِمَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ كُلْهَا

فَخُصَّ الْأَعْرَابِيُّ بِأَحْكَامٍ ثَلَاثَةٍ بِجَوَازِ الْإِطْعَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصِّيَامِ وَصَرْفِهِ إلَى نَفْسِهِ وَالِاكْتِفَاءِ بَخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا كَفَّارَةَ بِالْإِنْزَالِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) لِانْعِدَامِ الْجِمَاعِ صُورَةً وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِوُجُودِهِ مَعْنًى وَالْمُرَادُ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ غَيْرُ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ كَالْفَخِذِ وَالْإِبْطِ وَالْبَطْنِ وَهُوَ فِي مَعْنَى اللَّمْسِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَالْقُبْلَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا قَبْلَ هَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِإِفْسَادِ صَوْمٍ غَيْرِ رَمَضَانَ) أَيْ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِ الصَّوْمِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَلَوْ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَرَدَتْ فِي هَتْكِ حُرْمَةِ رَمَضَانَ إذْ لَا يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ عَنْ الصَّوْمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الزَّمَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنِهِ أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً بِدَوَاءٍ وَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ) لِأَنَّ الْفِطْرَ مِمَّا دَخَلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ وَالْمُرَادُ بِالْإِقْطَارِ فِي أُذُنِهِ الدُّهْنُ وَأَمَّا إذَا أَقْطَرَ فِيهَا الْمَاءَ فَلَا يُفْطِرُ ذَكَرَهُ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَلَوْ اسْتَنْشَقَ وَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى دِمَاغِهِ أَفْطَرَ فَجَعَلَ الدِّمَاغَ كَالْجَوْفِ لِأَنَّ قِوَامَ الْبَدَنِ بِهِمَا وَشَرَطَ الْقُدُورِيُّ أَنْ يَكُونَ الدَّوَاءُ رَطْبًا وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ لَا لِكَوْنِهِ يَابِسًا أَوْ رَطْبًا وَإِنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْتَ وَعِيَالَك اهـ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَأَمَّا رَفْعُ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ يُجْزِيك وَلَا يُجْزِي أَحَدًا بَعْدَك فَلَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ وَكَذَا لَفْظُ الْفَرْقِ بِالْفَاءِ بَلْ بِالْعَيْنِ وَهُوَ مِكْتَلٌ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا عَلَى مَا قَبْلُ قُلْنَا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أُخِّرَ عَنْهُ إلَى الْمَيْسَرَةِ إذَا كَانَ فَقِيرًا فِي الْحَالِ عَاجِزًا عَنْ الصَّوْمِ بَعْدَمَا ذَكَرَ لَهُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قِيلَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَدْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْك وَلَفْظُ وَأَهْلَكْت لَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ اهـ فَتْحٌ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ فَخُصَّ الْأَعْرَابِيُّ إلَى آخِرِهِ) نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَنْ الْحَوَاشِي اهـ فَإِنْ قِيلَ اعْتَرَفَ بِالْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَلَمْ يُعَزِّرْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ مُسْتَفْتٍ فَلَوْ عُزِّرَ لَامْتَنَعَ مِنْ الِاسْتِفْتَاءِ فَيَكُونُ سَبَبًا لِتَرْكِ الِاسْتِفْتَاءِ فَلَمْ يُعَزِّرْهُ لِذَلِكَ قُلْت قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِّ فَلَا يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْزِيرِ وَقَوْلُ الْأَعْرَابِيِّ هَلَكْت يُشْعِرُ بِالْعَمْدِيَّةِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالتَّحْرِيمِ وَلَوْ كَانَ مَعَ النِّسْيَانِ لَعُدَّ مِنْهُ عُذْرًا لِنَفْسِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ) بِفَتْحِ التَّاءِ فِيهِمَا. اهـ. غَايَةٌ وَالسَّعُوطُ بِفَتْحِ السِّينِ مَا يُجْعَلُ فِي الْأَنْفِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ اهـ ع (قَوْلُهُ أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً إلَى آخِرِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ هُنَا فِي الْآمَّةِ وَالْجَائِفَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يُفْطِرُ وَالْخِلَافُ مَذْكُورٌ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَعَلَيْك بِمُرَاجَعَةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ تَحْقِيقَ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَوَصَلَ) أَيْ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ يَرْجِعُ إلَى الْجَائِفَةِ لِأَنَّهَا الْجِرَاحَةُ فِي الْبَطْنِ أَوْ دِمَاغِهِ يَرْجِعُ إلَى الْآمَّةِ لِأَنَّهَا الْجِرَاحَةُ فِي الرَّأْسِ مِنْ أَمَمْته بِالْعَصَا ضَرَبْت أُمَّ رَأْسِهِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي هِيَ مَجْمَعُ الرَّأْسِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْفِطْرَ مِمَّا دَخَلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلِوُجُودِ مَعْنَى الْفِطْرِ وَهُوَ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ وَلَا كَفَّارَةَ لِانْعِدَامِ الصُّورَةِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْفِطْرُ إلَّا بِصُورَتِهِ أَوْ مَعْنَاهُ وَقَدَّمَ أَنَّ صُورَتَهُ الِابْتِلَاعُ وَذَكَرَ أَنَّ مَعْنَاهُ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ إلَى الْجُوَافِ فَاقْتَضَى فِيمَا لَوْ طُعِنَ بِرُمْحٍ أَوْ رُمِيَ بِسَهْمٍ فَبَقِيَ الْحَدِيدُ فِي بَطْنِهِ أَوْ أَدْخَلَ خَشَبَةً فِي دُبُرِهِ وَغَيَّبَهَا أَوْ احْتَشَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ أَوْ اسْتَنْجَى فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى دَاخِلِ دُبُرِهِ لِمُبَالَغَتِهِ فِيهِ عَدَمُ الْفِطْرِ لِفُقْدَانِ الصُّورَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمَعْنَى وَهُوَ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ مِنْ التَّغْذِيَةِ أَوْ التَّدَاوِي لَكِنَّ الثَّابِتَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّعْنَةِ وَالرَّمْيَةِ الْخِلَافُ وَصَحَّحَ عَدَمَ الْإِفْطَارِ جَمَاعَةٌ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي ثُبُوتِ الْإِفْطَارِ فِيمَا بَعْدَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ طَرَفُ الْخَشَبَةِ بِيَدِهِ وَطَرَفُ الْحَشْوِ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ وَالْمَاءُ لَمْ يَصِلْ إلَى كَثِيرِ دَاخِلٍ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ وَالْحَدُّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَيْهِ الْفَسَادُ قَدْرُ الْمِحْقَنَةِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَلَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ اهـ نَعَمْ لَوْ خَرَجَ سُرْمُهُ فَغَسَلَهُ ثَبَتَ ذَلِكَ الْوُصُولُ بِلَا اسْتِبْعَادٍ فَإِنْ قَامَ قَبْلَ أَنْ يُنَشِّفَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَشَّفَهُ لِأَنَّ الْمَاءَ اتَّصَلَ بِظَاهِرٍ ثُمَّ زَالَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَاطِنِ بِعَوْدِ الْمَقْعَدَةِ لَا يُقَالُ الْمَاءُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَكَرُوا أَنَّ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى هُنَاكَ يُورِثُ دَاءً عَظِيمًا لَا يُقَالُ يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ عَلَى مَا بِحَيْثُ يَصْلُحُ بِهِ وَتَنْدَفِعُ حَاجَتُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْصُلُ عِنْدَهُ ضَرَرٌ أَحْيَانًا فَيَنْدَفِعُ إشْكَالُ الِاسْتِنْجَاءِ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ عَلَّلَ الْمُصَنِّفُ مَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ الْفَسَادِ فِيمَا إذَا دَخَلَ الْمَاءُ أُذُنَيْهِ أَوْ أَدْخَلَهُ بِقَوْلِهِ لِانْعِدَامِ الْمَعْنَى وَالصُّورَةِ وَذَلِكَ أَفَادَهُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِ دِمَاغِهِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِمَا فِيهِ صَلَاحَ مَا ذَكَرْت لَمْ يَصِحَّ هَذَا التَّعْلِيلُ وَبَسَطَهُ فِي الْكَافِي فَقَالَ لِأَنَّ الْمَاءَ يَفْسُدُ بِمُخَالَطَةِ خَلْطٍ دَاخِلَ الْأُذُنِ فَلَمْ يَصِلْ إلَى الدِّمَاغِ شَيْءٌ مُصْلِحٌ لَهُ فَلَا يَحْصُلُ مَعْنَى الْفِطْرِ فَلَا يُفْسِدُهُ فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ الصُّورَةِ بِالْإِدْخَالِ بِصُنْعِهِ كَمَا هُوَ فِي عِبَارَةِ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ فِي تَعْلِيلِ مَا اخْتَارَهُ مِنْ ثُبُوتِ الْفَسَادِ إذَا أَدْخَلَ الْمَاءَ أُذُنَهُ لَا إذَا دَخَلَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَمَا إذَا خَاضَ نَهْرًا حَيْثُ قَالَ إذَا خَاضَ الْمَاءَ فَدَخَلَ أُذُنَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَإِنْ صَبَّ الْمَاءَ فِيهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ مُوَصَّلٌ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ كَمَا لَوْ أَدْخَلَ خَشَبَةً وَغَيَّبَهَا إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَبِهِ تَنْدَفِعُ الْإِشْكَالَاتُ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَاءِ التَّفْصِيلُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى هَذَا فَاعْتِبَارُ مَا بِهِ الصَّلَاحُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْإِفْطَارِ إمَّا عَلَى مَعْنَى مَا بِهِ فِي نَفْسِهِ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ فِي السُّؤَالِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ لِتَعْمِيمِ عَدَمِ الْإِفْسَادِ فِي دُخُولِ الْمَاءِ الْأُذُنَ فَيَصْلُحُ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِيهِ وَوَجْهُ أَنَّهُ لَازِمٌ فِيمَا لَوْ احْتَقَنَ بِحُقْنَةٍ ضَارَّةٍ لِخُصُوصِ مَرَضِ الْمُحْتَقِنِ أَوْ أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الشِّبَعِ وَالِامْتِلَاءِ قَرِيبًا مِنْ التُّخَمَةِ فَإِنَّ الْأَكْلِ فِي هَذِهِ الْحَالَة مَضَرَّةٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ فَضْلًا عَنْ الْقَضَاءِ الْكَفَّارَةُ وَإِمَّا عَلَى حَقِيقَةِ الْإِصْلَاحِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْكَافِي وَالْمُصَنِّفِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُ تَعْمِيمُ الْفَسَادِ فِي الْمَاءِ الدَّاخِلِ

شَرَطَهُ الْقُدُورِيُّ لِأَنَّ الرَّطْبَ هُوَ الَّذِي يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ عَادَةً وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ لَوْ أَدْخَلَتْ الصَّائِمَةُ أُصْبُعَهَا فِي فَرْجِهَا أَوْ دُبُرِهَا لَا يَفْسُدُ عَلَى الْمُخْتَار إلَّا أَنْ تَكُونَ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ أَوْ دُهْنٍ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي دُبُرِهِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَالْقَضَاءِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْوُجُوبِ كَالْخَشَبَةِ لَا كَالذَّكَرِ وَفِي الْخِزَانَةِ أَدْخَلَ قُطْنَةً فِي دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ فَغَيَّبَهَا قَضَاهُ وَإِنْ كَانَ طَرَفُهُ خَارِجًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَوْ رُمِيَ بِسَهْمٍ فَنَفَذَ مِنْ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى أَوْ بِحَجَرٍ فِي جَائِفَةٍ فَدَخَلَ فِي جَوْفِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَإِنْ وَضَعَتْ حَشْوًا فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ فَسَدَ صَوْمُهَا وَلَوْ دَخَلَ الْمَاءُ بَاطِنَهُ بِالِاسْتِنْجَاءِ فَسَدَ وَلَوْ خَرَجَتْ مَقْعَدَتُهُ فَغَسَلَهَا ثُمَّ أَدْخَلَهَا فَسَدَ صَوْمُهُ إلَّا أَنْ يُجَفِّفَهَا قَبْلَهُ وَلَوْ طُعِنَ بِرُمْحٍ أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ وَبَقِيَ فِي جَوْفِهِ فَسَدَ وَإِنْ بَقِيَ طَرَفُهُ خَارِجًا لَمْ يَفْسُدْ وَلَوْ شَدَّ الطَّعَامَ بِخَيْطٍ وَأَرْسَلَهُ فِي حَلْقِهِ وَطَرَفُ الْخَيْطِ فِي يَدِهِ لَا يَفْسُدُ إلَّا إذَا انْفَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقْطَرَ فِي إحْلِيلِهِ لَا) أَيْ لَا يُفْطِرُ سَوَاءٌ أَقْطَرَ فِيهِ الْمَاءَ أَوْ الدُّهْنَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُفَطِّرُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ تَوَقَّفَ فِيهِ وَقِيلَ هُوَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ بَيْنَ الْمَثَانَةِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذٌ أَمْ لَا وَهُوَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ عَلَى التَّحْقِيقِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مَنْفَذَ لَهُ وَإِنَّمَا يَجْتَمِعُ الْبَوْلُ فِيهَا بِالتَّرْشِيحِ كَذَا يَقُولُ الْأَطِبَّاءُ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا وَصَلَ إلَى الْمَثَانَةِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَصِلْ بِأَنْ كَانَ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ بَعْدُ لَا يُفْطِرُ بِالْإِجْمَاعِ وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الْمَثَانَةَ نَفْسَهَا جَوْفًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ مَا دَامَ فِي الْقَصَبَةِ وَلَيْسَا بِشَيْءٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِقْطَارِ فِي قُبُلِهَا وَالصَّحِيحُ الْفِطْرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ ذَوْقُ شَيْءٍ وَمَضْغُهُ بِلَا عُذْرٍ وَمَضْغُ الْعِلْكِ) أَمَّا كَرَاهِيَةُ الذَّوْقِ فَلِأَنَّهُ تَعَرَّضَ لِإِفْسَادِ صَوْمِهِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَ زَوْجُهَا سَيِّئَ الْخُلُقِ لَا بَأْسَ بِأَنْ تَذُوقَ الْمَرْأَةُ الْمَرَقَ بِلِسَانِهَا قَالُوا هَذَا فِي الْفَرْضِ وَأَمَّا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ فِيهِ مُبَاحٌ بِالْعُذْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَبِغَيْرِهِ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا مَضْغُهُ بِلَا عُذْرٍ أَيْ مَضْغُ الصَّائِمِ فَلِمَا بَيَّنَّا مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْإِفْسَادِ وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ لَمْ تَجِدْ الْمَرْأَةُ مَنْ يَمْضُغُ لِصَبِيِّهَا الطَّعَامَ مِنْ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا يَصُومُ وَلَمْ تَجِدْ طَبِيخًا وَلَا لَبَنًا حَلِيبًا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِلضَّرُورَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْأُذُنِ وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُ تَعْمِيمُ عَدَمِهِ فِيهِ اهـ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ أَوْ دُهْنٍ) أَيْ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ إنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً صَوْمَهَا قُلْت وَهَذَا تَنْبِيهٌ حَسَنٌ يَجِبُ أَنْ يُحْفَظَ إذْ الصَّوْمُ إنَّمَا يَفْسُدُ فِي جَمِيعِ الْفُصُولِ إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلصَّوْمِ وَإِلَّا فَلَا اهـ دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فَدَخَلَ فِي جَوْفِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ) هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَلَعَلَّ عَدَمَ الْفَسَادِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجَرِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَفَذَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَإِلَّا فَيُشْكِلُ بِقَوْلِهِ بَعْدُ وَلَوْ طُعِنَ بِرُمْحٍ إلَى آخِرِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُجَفِّفَهَا قَبْلَهُ) لِأَنَّ الْمَاءَ اتَّصَلَ بِظَاهِرٍ ثُمَّ زَالَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَاطِنِ بِعَوْدِ الْمَقْعَدَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ وَمَالِكٌ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَابْنِ صَالِحٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) أَيْ وَالشَّافِعِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ بَيْنَ الْمَثَانَةِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذٌ) أَيْ فَيَصِلُ إلَى الْجَوْفِ مَا يُقْطَرُ فِيهَا أَوْ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مَنْفَذًا مُسْتَقِيمًا أَوْ شِبْهَ الْحَاءِ فَيُتَصَوَّرُ الْخُرُوجُ وَلَا يُتَصَوَّرُ الدُّخُولُ لِعَدَمِ الدَّافِعِ الْمُوجِبِ لَهُ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ الْمَثَانَةِ) هِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالتَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مَجْمَعُ الْبَوْلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَجْتَمِعُ الْبَوْلُ فِيهَا بِالتَّرْشِيحِ) أَيْ وَمَا يَخْرُجُ بِسَبِيلِ التَّرْشِيحِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ سُدَّ رَأْسُ الْكُوزِ وَأُلْقِيَ فِي الْمَاءِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ بِسَبِيلِ التَّرْشِيحِ وَلَوْ مُلِئَ مَاءٌ يَخْرُجُ تَرْشِيحًا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الْمَثَانَةَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بَيْنَ ثُبُوتِ الْفِطْرِ بِاعْتِبَارِ وُصُولِهِ إلَى الْجَوْفِ أَوْ إلَى جَوْفِ الْمَثَانَةِ بَلْ يَصِحُّ إنَاطَتُهُ بِالثَّانِي بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَصِلُ إذْ ذَاكَ إلَى الْجَوْفِ لَا بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ وَمَا نُقِلَ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ فِيمَا إذَا حَشَى ذَكَرَهُ بِقُطْنَةٍ فَغَيَّبَهَا أَنَّهُ يَفْسُدُ كَاحْتِشَائِهَا مِمَّا يُقْضَى بِبُطْلَانِهِ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْفَسَادِ فِي الْإِقْطَارِ مَا دَامَ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى إلَى التَّعْلِيلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَيْفَ هُوَ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ وَعَدَمِهِ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ الْمَنْفَذِ أَوْ اسْتِقَامَتِهِ وَعَدَمِهِ لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي فِي حَشْوِ الدُّبُرِ وَفَرْجِهَا الدَّاخِلَ عَدَمَ الْفَسَادِ وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِإِثْبَاتِ أَنَّ الْمَدْخَلَ فِيهِمَا تَجْتَذِبُهُ الطَّبِيعَةُ فَلَا يَعُودُ إلَّا مَعَ الْخَارِجِ الْمُعْتَادِ وَهُوَ فِي الدُّبُرِ مَعْلُومٌ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِفَتِيلَةِ دَوَاءٍ أَوْ صَابُونَةٍ غَيْرَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ فِي غَيْرِهِ أَنَّ شَأْنَ الطَّبِيعَةِ ذَلِكَ فِي كُلِّ مُدْخَلٍ كَالْخَشَبَةِ أَوْ فِيمَا يُتَدَاوَى بِهِ لِقَبُولِ الطَّبِيعَةِ إيَّاهُ لِحَاجَتِهَا إلَيْهِ وَفِي الْقُبُلِ ذَكَرْت لَنَا مَنْ تَضَعُ مِثْلَ الْحِمَّصَةِ تَسُدُّ بِهَا فِي الدَّاخِلِ تَحَرُّزًا مِنْ الْحَبْلِ أَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهَا حَتَّى تَخْرُجَ هِيَ بَعْدَ أَيَّامٍ مَعَ الْخَارِجِ اهـ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِقْطَارِ فِي قُبُلِهَا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْإِقْطَارُ فِي أَقْبَالِ النِّسَاءِ قَالُوا هُوَ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُفْسِدُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْحُقْنَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ ذَوْقٌ) وَهُوَ مَعْرِفَةُ الشَّيْءِ بِفَمِهِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ عَيْنِهِ فِي حَلْقِهِ اهـ بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا فَالذَّوْقُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْطَارٍ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَصِيرُ إيَّاهُ. اهـ. فَتْحٌ وَفِي الْمُجْتَبَى يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ ذَوْقُ الْعَسَلِ وَالدُّهْنِ عِنْدَ الشِّرَاءِ لِمَعْرِفَةِ جَوْدَتِهِ كَمَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ ذَوْقُ الْمَرَقَةِ وَقِيلَ لَا بَأْسَ إذَا لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ شِرَائِهِ وَيَخَافُ الْغَبْنَ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ بِلَا عُذْرٍ يَرْجِعُ إلَى الذَّوْقِ وَالْمَضْغِ جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا جَعَلَهُ الشَّارِحُ قَيْدًا لِلْمَضْغِ فَقَطْ اهـ

الْإِفْطَارُ إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ فَالْمَضْغُ أَوْلَى وَأَمَّا مَضْغُ الْعِلْكِ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِالْإِفْطَارِ لِأَنَّ مَنْ رَآهُ مِنْ بَعِيدٍ يَظُنُّهُ آكِلًا وَفَسَدَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقِفَنَّ مَوَاقِفَ التُّهَمِ» وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إيَّاكَ وَمَا يَسْبِقُ إلَى الْقُلُوبِ إنْكَارُهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَك اعْتِذَارُهُ وَذِكْرُ الْعِلْكِ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ لَا يُفَطِّرُ وَمُحَمَّدٌ أَيْضًا ذَكَرَهُ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ مَمْضُوغًا لِأَنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَمْضُوغٍ يُفَطِّرُ لِأَنَّهُ يَتَفَتَّتُ وَيَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ وَقِيلَ فِي الْأَسْوَدِ يُفَطِّرُ وَإِنْ كَانَ مُلْتَئِمًا وَفِي غَيْرِ الصَّوْمِ لَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ السِّوَاكِ فِي حَقِّهِنَّ لِأَنَّ بِنْيَتَهُنَّ ضَعِيفَةٌ فَلَا تَحْتَمِلُ السِّوَاكَ وَهُوَ يُنَقِّي الْأَسْنَانَ وَيَشُدُّ اللِّثَةَ كَالسِّوَاكِ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عِلَّةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ بِخِلَافِ النِّسَاءِ وَلَوْ كَانَ الْخَيَّاطُ يَخِيطُ بِخَيْطٍ مَصْبُوغٍ وَهُوَ يَبُلُّ بِرِيقِهِ وَيَبْلَعُهُ فَإِنْ تَغَيَّرَ بِهِ رِيقُهُ وَصَارَ مِثْلَ صِبْغِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا كَحْلٌ وَدَهْنُ شَارِبٍ وَسِوَاكٌ وَالْقُبْلَةُ إنْ أَمِنَ) يَعْنِي لَا تُكْرَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لِلصَّائِمِ أَمَّا الْكُحْلُ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اكْتَحَلَ وَهُوَ صَائِمٌ» وَمُرَادُهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الزِّينَةَ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا أَوْ صَائِمًا وَأَمَّا دَهْنُ الشَّارِبِ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُنَافِي فِي الصَّوْمِ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ حَيْثُ يَحْرُمُ فِيهِ الدَّهْنُ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الشَّعَثِ وَلِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْخِضَابِ وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِمَنْعِهِ عَنْهُ فِي الْإِحْرَامِ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ وَهِيَ الْقَبْضَةُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يُقَصُّ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْخُذُ مِنْ اللِّحْيَةِ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا أَوْرَدَهُ أَبُو عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مِنْ سَعَادَةِ الرَّجُلِ خِفَّةُ لِحْيَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِأَنَّ مَنْ رَآهُ مِنْ بَعِيدٍ يَظُنُّهُ أَكْلًا) وَلَا يَضُرُّ وُصُولُ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ إلَى بَاطِنِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُلْتَئِمًا) أَيْ لِأَنَّهُ يُفَتَّتُ وَإِنْ مُضِغَ وَالْأَبْيَضُ يَتَفَتَّتُ قَبْلَ الْمَضْغِ فَيَصِلُ إلَى الْجَوْفِ وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ عَدَمَ الْفَسَادِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِعَدَمِ الْوُصُولِ فَإِذَا فُرِضَ فِي مَضْغِ الْعِلْكِ مَعْرِفَةُ الْوُصُولِ مِنْهُ عَادَةً وَجَبَ الْحُكْمُ بِالْفَسَادِ لِأَنَّهُ كَالْمُتَيَقَّنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ) أَيْ فَهُوَ مُبَاحٌ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النِّسَاءِ) أَيْ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ لِأَنَّهُ سِوَاكُهُنَّ. اهـ. فَتْحٌ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ تَرْكُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا كَحْلٌ وَدَهْنٌ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالدَّالِ مَصْدَرَانِ وَيَجُوزُ ضَمُّهُمَا وَيَكُونُ الْمَعْنَى اسْتِعْمَالُهُمَا كَذَا قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَدَهْنُ الشَّارِبِ بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ وَبِضَمِّهَا عَلَى إقَامَةِ اسْمِ الْعَيْنِ مَقَامَ الْمَصْدَرِ وَفِي الْأَمْثِلَةِ عَجِبْت مِنْ دُهْنِك لِحْيَتَك بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِ التَّاءِ عَلَى هَذِهِ الْإِقَامَةِ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بَأْسَ بِالِاكْتِحَالِ لِلرِّجَالِ إذَا قُصِدَ بِهِ دُونَ الزِّينَةِ وَيُسْتَحْسَنُ دَهْنُ الشَّارِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الزِّينَةُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ دُونَ الزِّينَةِ لِأَنَّهُ تُعُورِفَ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ ثُمَّ قَيَّدَ دَهْنَ الشَّارِبِ بِذَلِكَ أَيْضًا وَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ وَفِي الْكَافِي يُسْتَحْسَنُ دَهْنُ شَعْرِ الْوَجْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الزِّينَةُ بِهِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ فَقُيِّدَ بِانْتِفَاءِ هَذَا الْقَصْدِ فَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ تَبَرُّجٌ بِالزِّنْيَةِ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُ عَشْرَ خِصَالٍ ذَكَرَ مِنْهَا التَّبَرُّجَ بِالزِّينَةِ لِغَيْرِ مَحَلِّهَا» وَسَنُورِدُهُ بِتَمَامِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْكَرَاهَةِ وَمَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ «أَبِي قَتَادَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ لِي جَمَّةً أَفَأُرَجِّلُهَا قَالَ نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا فَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ رُبَّمَا دَهَنَهَا فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا» فَإِنَّمَا هُوَ مُبَالَغَةٌ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي قَصْدِ الِامْتِثَالِ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا لِحَظِّ النَّفْسِ الطَّالِبَةِ لِلزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِكْرَامَ وَالْجَمَالَ الْمَطْلُوبَ يَتَحَقَّقُ مَعَ دُونِ هَذَا الْمِقْدَارِ وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَالُ لَهُ عُبَيْدٌ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْهَى عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْإِرْفَاهِ فَسُئِلَ ابْنُ بَرِيرَةَ عَنْ الْإِرْفَاهِ قَالَ التَّرْجِيلُ» وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّرْجِيلُ الَّذِي يَخْرُجُ إلَى حَدِّ الزِّينَةِ لَا مَا كَانَ لِقَصْدِ دَفْعِ أَذَى الشَّعْرِ وَالشَّعَثِ هَذَا وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ قَصْدِ الْجَمَالِ وَقَصْدِ الزِّينَةِ فَالْقَصْدُ الْأَوَّلُ لِدَفْعِ الشَّيْنِ وَإِقَامَةِ مَا بِهِ الْوَقَارُ وَإِظْهَارِ النِّعْمَةِ شُكْرًا لَا فَخْرًا وَهُوَ أَثَرُ أَدَبِ النَّفْسِ وَشَهَامَتِهَا وَالثَّانِي أَثَرُ ضَعْفِهَا وَقَالُوا بِالْخِضَابِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ وَلَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ الزِّينَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ حَصَلَتْ زِينَةٌ فَقَدْ حَصَلَتْ فِي ضِمْنِ قَصْدِ مَطْلُوبٍ فَلَمْ يَضُرَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَفِتًا إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ الْقُبْضَةُ) بِضَمِّ الْقَافِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ) يَجِبُ قَطْعُهُ. اهـ. فَتْحٌ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ رَوَاهُ أَبُو عِيسَى) يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ فِي جَامِعِهِ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَإِنْ قُلْت يُعَارِضُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُحْفُوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوا اللِّحَى فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ ابْن عُمْر رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْفَاضِلَ عَنْ الْقَبْضَةُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى عَنْ الْهَيْثَمِ بْن أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ ثُمَّ يَقُصُّ مَا تَحْتَ الْقَبْضَةِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ سَالِمٍ الْمُقَفَّعِ قَالَ رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَفْطَرَ قَالَ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ تَعْلِيقًا فَقَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا حَجّ أَوْ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَسْنَدَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْن أَيُّوبَ مِنْ وَلَدِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ قَالَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَيَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنْ الْقَبْضَةِ، فَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى النَّسْخِ كَمَا هُوَ أَصْلُنَا فِي عَمَلِ الرَّاوِي عَلَى خِلَافِ مَرْوِيِّهِ مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ

وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ وَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ وَأَمَّا السِّوَاكُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» وَلِأَنَّهُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ وَمَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ فَيُسْتَحَبُّ كَالْمَضْمَضَةِ وَإِطْلَاقُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ يَتَنَاوَلُ الْمَبْلُولَ بِالْمَاءِ وَغَيْرَهُ وَكَرِهَهُ أَبُو يُوسُفَ بِالرَّطْبِ وَالْمَبْلُولِ بِالْمَاءِ وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ الزَّوَالِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الْأَثَرِ الْمَحْمُودِ فَشَابَهَ دَمَ الشَّهِيدِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا ذَكَرْنَا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لَا أَعُدُّهُ وَلَا أُحْصِيهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِيهِ كُلُّهَا مُطْلَقَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهَا بِزَمَانٍ بِالرَّأْيِ وَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَاكُ وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ بِحَالِهِ عِنْدَ رَبِّهِ وَلِأَنَّ الْخُلُوفَ لَا يَزُولُ بِالسِّوَاكِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعِدَةِ لَا مِنْ الْفَمِ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ الْفَمِ لَوَجَبَ أَنْ يَمْتَنِعَ قَبْلَهُ لِأَنَّ تَعَاهُدَهُ بِالسِّوَاكِ قَبْلَهُ يَمْنَعُ وُجُودَهُ بَعْدَهُ وَلِأَنَّ الْخُلُوفَ أَثَرُ الْعِبَادَةِ وَالْأَلْيَقُ بِهِ الْإِخْفَاءُ بِخِلَافِ دَمِ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ أَثَرُ الظُّلْمِ وَمِنْ شَأْنِ حُجَّةِ الْمَظْلُومِ أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةً غَيْرَ خَفِيَّةٍ وَمَدْحُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْخُلُوفَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ عَنْ الْكَلَامِ مَعَهُ لِتَغَيُّرِ فَمِهِمْ فَمَنَعَهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِذِكْرِ شَأْنِهِ عِنْدَ اللَّهِ وَتَفْخِيمِ حَالِهِ وَدَعَاهُمْ إلَى الْكَلَامِ مَعَهُ وَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لِأَنَّهُ يَتَمَضْمَضُ بِالْمَاءِ فَكَيْفَ يُكْرَهُ لَهُ اسْتِعْمَالُ الْعُودِ الرَّطْبِ وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَبْقَى فِي فَمِهِ مِنْ الْبَلَلِ مِنْ أَثَرِ الْمَضْمَضَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَاكَ عَرْضًا بِعُودٍ فِي غِلَظِ الْخِنْصَرِ ثُمَّ يَغْسِلَ فَمَه بَعْدَهُ وَذُكِرَ فِي السِّوَاكِ عَشْرُ خِصَالٍ يَشُدُّ اللِّثَةَ وَيُنَقِّي الْخُضْرَةَ وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ وَيُذْهِبُ الْمُرَّةَ وَيُطَيِّبُ النَّكْهَةَ وَتَمَامٌ لِلْوُضُوءِ وَمَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ وَيَزِيدُ فِي الْحَسَنَاتِ وَيُصَحِّحُ الْجِسْمَ وَيُوَافِقُ السُّنَّةَ وَأَمَّا الْقُبْلَةُ فَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهَا بِشُعَبِهَا فَلَا نُعِيدُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعُمَيْرٍ الرَّاوِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحْمَلَ الْإِعْفَاءُ عَلَى إعْفَائِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْخَذَ غَالِبُهَا أَوْ كُلُّهَا كَمَا هُوَ فِعْلُ مَجُوسِ الْأَعَاجِمِ مِنْ حَلْقِ لِحَاهُمْ كَمَا يُشَاهَدُ فِي الْهُنُودِ وَبَعْضِ أَجْنَاسِ الْفِرِنْجِ فَيَقَعُ بِذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَيُؤَيِّدُ إرَادَةَ هَذَا مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوَا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْهَا وَهِيَ دُونَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ وَمُخَنَّثَةِ الرِّجَالِ فَلَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ) الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ «مِنْ خَيْرِ خُلَلِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَفِيهِ مُجَالِدٌ ضَعَّفَهُ كَثِيرٌ اهـ وَلَيَّنَهُ بَعْضُهُمْ وَالْخِلَالُ جَمْعُ خَلَّةٍ وَهِيَ الْخَصْلَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَخُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ) الْخُلُوفُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ خَطَأٌ وَحَكَى الْقَابِسِيُّ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ قَالَ صَاحِبُ الْأَفْعَالِ خَلَفَ فَمُهُ وَأَخْلَفَ إذَا تَغَيَّرَ بِخُلُوِّ الْمَعِدَةِ لِأَجْلِ تَرْكِ الْأَكْلِ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ صَاحِبَهُ يَجِدُهُ عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِ ثَوَابِهِ وَأَجْرِهِ وَقِيلَ يَعْبَقُ فِي الْآخِرَةِ أَطْيَبَ مِنْ عَبَقِ الْمِسْكِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ فَضْلُ تَغَيُّرِ رَائِحَةِ فَمِهِ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعَمَلِ كَفَضْلِ الْمِسْكِ عِنْدَ الْعِبَادِ عَلَى الرَّوَائِحِ الْمُتَغَيِّرَةِ وَلَيْسَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُوصَفُ بِالشَّمِّ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ طِيبُهُ عِنْدَ اللَّهِ رِضَاهُ بِهِ وَثَنَاؤُهُ الْجَمِيلُ وَثَوَابُهُ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْخُلُوفَ لَا يَزُولُ بِالسِّوَاكِ) بَلْ إنَّمَا يَزُولُ أَثَرُهُ الظَّاهِرُ عَلَى السِّنِّ مِنْ الِاصْفِرَارِ وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَهُ خُلُوُّ الْمَعِدَةِ مِنْ الطَّعَامِ، وَالسِّوَاكُ لَا يُفِيدُ شَغْلَهَا بِطَعَامٍ لِيَرْتَفِعَ السَّبَبُ. اهـ. فَتْحٌ 1 - (فُرُوعٌ) صَوْمُ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهُ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا وَاخْتَلَفُوا فَقِيلَ الْأَفْضَلُ وَصْلُهَا بِيَوْمِ الْفِطْرِ وَقِيلَ بَلْ يُفَرِّقُهَا فِي الشَّهْرِ وَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ وَقَعَ الْفَصْلُ بِيَوْمِ الْفِطْرِ فَلَمْ يَلْزَمْ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى اعْتِقَادِ لُزُومِهَا مِنْ الْعَوَامّ لِكَثْرَةِ الْمُدَاوَمَةِ وَلِذَا سَمِعْنَا مَنْ يَقُولُ يَوْمَ الْفِطْرِ نَحْنُ إلَى الْآنِ لَمْ يَأْتِ عِيدُنَا أَوْ نَحْوُهُ فَأَمَّا عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ بِهِ وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ أَيَّامٍ نُهِينَا عَنْ تَعْظِيمِهَا فَإِنْ وَافَقَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَلَا بَأْسَ وَمَنْ صَامَ شَعْبَانَ وَوَصَلَهُ بِرَمَضَانَ فَحَسَنٌ وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ أَيَّامِ الْبِيضِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ مَا لَمْ يَظُنَّ إلْحَاقَهُ بِالْوَاجِبِ وَكَذَا صَوْمُ عَاشُورَاءَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا فَإِنْ أَفْرَدَهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلتَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ مُسْتَحَبٌّ وَلِلْحَاجِّ إنْ كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الْوُقُوفِ وَالدَّعَوَاتِ وَالْمُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَهُوَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لِأَنَّهُ لِإِخْلَالِهِ بِالْأَهَمِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُسِيءَ خُلُقَهُ فَيُوقِعَهُ فِي مَحْظُورٍ وَكَذَا صَوْمُ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّهُ يُعْجِزُهُ عَنْ أَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَسَيَأْتِي صَوْمُ يَوْمِ الْمُسَافِرِ وَيُكْرَهُ صَوْمُ الصَّمْتِ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ وَلَا يَتَكَلَّمَ يَعْنِي يَلْتَزِمُ عَدَمَ الْكَلَامِ بَلْ يَتَكَلَّمُ بِخَيْرٍ وَبِحَاجَتِهِ إنْ عَنَّتْ وَيُكْرَهُ صَوْمُ الْوِصَالِ وَلَوْ يَوْمَيْنِ وَيُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ لِأَنَّهُ يُضْعِفُهُ أَوْ يَصِيرُ طَبْعًا لَهُ وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْعَادَةِ وَلَا يَحِلُّ صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا وَلَا بَأْسَ بِصَوْمِ الْجُمُعَةِ مُفْرَدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ التَّطَوُّعَ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَلَهُ أَنْ يُفَطِّرَهَا وَكَذَا الْمَمْلُوكُ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّيِّدِ إلَّا إذَا كَانَ غَائِبًا وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ضَرَرَهُ ضَرَرٌ بِالسَّيِّدِ فِي مَالِهِ وَكُلُّ صَوْمٍ وَجَبَ عَلَى الْمَمْلُوكِ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ كَالنُّذُورِ وَصِيَامَاتِ الْكَفَّارَاتِ كَالنَّفْلِ إلَّا كَفَّارَةَ الظِّهَارِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ كَمَا سَتَعْلَمُهُ فِي الظِّهَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ فَلَا بَأْسَ إلَى آخِرِهِ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا كَانَتْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُعَدَّ ذَلِكَ مِنْ رَمَضَانَ فَيَكُونَ تَشَبُّهًا بِالنَّصَارَى وَالْيَوْمُ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى اهـ قَوْلُهُ

[فصل في العوارض]

(فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ). قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لِمَنْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ الْفِطْرُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُفْطِرُ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَامْتِدَادَهُ قَدْ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الِاجْتِهَادُ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَفْطَرَ وَكَذَا إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ حَاذِقٌ عَدْلٌ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى أَنْ يَمْرَضَ بِالصَّوْمِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ وَكَذَا الْأَمَةُ الَّتِي تَخْدُمُ إذَا خَافَتْ الضَّعْفَ جَازَ أَنْ تُفْطِرَ ثُمَّ تَقْضِيَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُسَافِرِ وَصَوْمُهُ أَحَبُّ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِمَنْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَإِنَّمَا جَازَ الْفِطْرُ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَخْلُو عَنْ الْمَشَقَّةِ وَلِهَذَا قِيلَ الْمَسَافَةُ مَسُّ آفَةٍ وَأُقِيمَ نَفْسُ السَّفَرِ مَقَامَهَا وَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ لِأَنَّهُ يَزِيدُ بِالْأَكْلِ وَيَخِفُّ بِتَرْكِهِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْمُبِيحُ بِمُجَرَّدِهِ وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْفِطْرُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الظَّاهِرِ لَا يَجُوزُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فَقِيلَ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ يَكُونُ قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبِ فَصَارَ رَمَضَانُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ كَشَعْبَانَ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وقَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] عَامٌّ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَإِنَّمَا أُجِيزَ لَهُ التَّأْخِيرُ رُخْصَةً فَإِذَا أَخَذَ بِالْعَزِيمَةِ كَانَ أَفْضَلَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْوَقْعُ الْإِنْكَارُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» خَرَجَ فِي مُسَافِرٍ ضَرَّهُ الصَّوْمُ عَلَى مَا رُوِيَ فِي الْقِصَّةِ أَنَّهُ غُشِيَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ رَمَضَانَ أَفْضَلُ الْوَقْتَيْنِ فَكَانَ الْأَدَاءُ فِيهِ أَفْضَلَ وَلِهَذَا كَانُوا يَجْتَهِدُونَ عَلَى تَحْصِيلِهِ فِي رَمَضَانَ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ مَا فِينَا صَائِمٌ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ أَيَّامِ الْبِيضِ الثَّالِثَ إلَخْ) وَقِيلَ الرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ وَالْمُرَادُ بِأَيَّامِ الْبِيضِ أَيَّامُ اللَّيَالِي الْبِيضِ لِأَنَّ الْقَمَرَ يَبْقَى فِي هَذِهِ اللَّيَالِي مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا وَإِلَّا فَالْأَيَّامُ كُلُّهَا بِيضٌ. اهـ. دِرَايَةٌ فِي آخِرِ بَابِ الِاعْتِكَافِ وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُ التَّطَوُّعِ لِمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ. اهـ. دِرَايَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ [فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ] وَهِيَ حَرِيَّةٌ بِالتَّأْخِيرِ الْأَعْذَارُ الْمُبِيحَةُ لِلْفِطْرِ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ وَالْحَبَلُ وَالرَّضَاعُ إذَا أَضَرَّ بِهَا أَوْ بِوَلَدِهَا وَالْكِبَرُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَالْعَطَشُ الشَّدِيدُ وَالْجُوعُ كَذَلِكَ إذَا خِيفَ مِنْهُمَا الْهَلَاكُ أَوْ نُقْصَانُ الْعَقْلِ كَالْأَمَةِ إذَا ضَعُفَتْ عَنْ الْعَمَلِ وَخَشِيَتْ الْهَلَاكَ بِالصَّوْمِ وَكَذَا الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مُتَوَكِّلُ السُّلْطَانِ إلَى الْعِمَارَةِ فِي الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ وَالْعَمَلُ حَثِيثٌ إذَا خَشِيَ الْهَلَاكَ أَوْ نُقْصَانَ الْعَقْلِ وَقَالُوا الْغَازِي إذَا كَانَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَيَخَافُ الضَّعْفَ إنْ لَمْ يُفْطِرْ قَبْلَ الْحَرْبِ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِمَنْ خَافَ زِيَادَةً) أَيْ أَوْ تَأَخَّرَ بُرْؤُهُ انْتَهَى ع (قَوْلُهُ الْمَرَضُ) الْمَرَضُ مَعْنًى يَزُولُ بِحُلُولِهِ فِي بَدَنِ الْحَيِّ اعْتِدَالُ الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ الْفِطْرُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ الْفِطْرُ انْتَهَى ع (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى أَنْ يَمْرَضَ إلَخْ) وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ لَا يُعْتَبَرُ خَوْفُ الْمَرَضِ اهـ ع (قَوْلُهُ وَأُقِيمَ نَفْسُ السَّفَرِ مَقَامَهَا) لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ لَهُ الْإِفْطَارُ وَبِمُجَرَّدِ السَّفَرِ لَحِقَتْهُ الْمَشَقَّةُ أَوَّلًا انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَرَضِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِ الْمَرَضِ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ ثَمَّةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ لِأَنَّ الْمَرَضَ الَّذِي يَنْفَعُهُ الِاحْتِمَاءُ لَا يُبِيحُ الْإِفْطَارَ فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ الْإِفْطَارُ بِمُجَرَّدِ الْمَرَضِ مَا لَمْ يَكُنْ صَوْمُهُ مُفْضِيًا إلَى الْحَرَجِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُسَافِرَ يَجُوزُ لَهُ الْإِفْطَارُ كَيْفَمَا كَانَ يُمْكِنُ وَإِذَا لَحِقَتْهُ الْمَشَقَّةُ مِنْ الصَّوْمِ فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِذَا لَمْ تَلْحَقْهُ الْمَشَقَّةُ فَعِنْدَنَا الصَّوْمُ أَفْضَلُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْإِفْطَارُ أَفْضَلُ انْتَهَى وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الْقَصْرُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِكْمَالِ لِأَنَّ ذَاكَ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ وَهَذَا رُخْصَةُ تَرْفِيهٍ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ الْفِطْرُ أَفْضَلُ إلَخْ) الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ كَمَذْهَبِنَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ ذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا شَاذًّا ضَعِيفًا مُخَرَّجًا مِنْ الْقَصْرِ أَنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ انْتَهَى غَايَةٌ وَفِي الْحِلْيَةِ قَالَ أَحْمَدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ الْفِطْرُ أَفْضَلُ وَفِي الْمُغْنِي عِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ مَكْرُوهٌ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» إلَخْ) مَخْصُوصٌ بِسَبَبِهِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ عَلَى مَا رُوِيَ فِي الْقِصَّةِ) هُوَ مَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا صَائِمٌ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» انْتَهَى فَتْحُ الْقَدِيرِ قَوْلُهُ فِي السَّفَرِ أَيْ لِمَنْ هَذَا حَالُهُ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ) وَاسْمُهُ عُوَيْمِرُ بْنُ عَامِرٍ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنْصَارِيٌّ حَارِثِيٌّ مَدَنِيٌّ نَزَلَ الشَّامَ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ مَا فِينَا صَائِمٌ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ إلَخْ) فَعُلِمَ أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ اخْتِيَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ الصَّوْمَ عَمَلٌ بِالْعَزِيمَةِ وَالْإِفْطَارَ رُخْصَةٌ وَالْعَمَلُ بِالْعَزِيمَةِ أَوْلَى مَعَ اعْتِقَادِ الرُّخْصَةِ كَمَا فِي غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ الْمَسْحِ انْتَهَى غَايَةُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ) أَيْ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ انْتَهَى غَايَةٌ

إلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] أَيْ يُشْرَعُ الْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ وَالْقَضَاءُ بَعْدَهُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ فَلَمْ يُرِدْ الْعُسْرَ بِنَا وَإِنَّمَا أَرَادَ الْيُسْرَ وَلَا يَتَعَيَّنُ الْيُسْرُ بِالتَّأْخِيرِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مُوَافَقَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّوْمِ أَيْسَرُ عِنْدَهُ مِنْ أَنْ يَصُومَ بَعْدَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ فَيَتَخَيَّرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قَضَاءَ إنْ مَاتَا عَلَيْهِمَا) أَيْ لَا قَضَاءَ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إنْ مَاتَا عَلَى حَالِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَلِأَنَّهُمَا عُذِرَا فِي الْأَدَاءِ فَلَأَنْ يُعْذَرَا فِي الْقَضَاءِ أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ فَرْعُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْأَصْلِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْفَرْعِ وَإِنْ صَحَّ الْمَرِيضُ أَوْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ وَلَمْ يَقْضِ حَتَّى مَاتَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ بِقَدْرِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ أَيْ لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِهِ إعْمَالًا لِلْعِلَّةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَذَكَرَ الطَّحْطَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْكُلِّ وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحْطَاوِيُّ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا صَحَّ وَأَدْرَكَ مِنْ الْعِدَّةِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي النَّذْرِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ فَصَحَّ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ قَضَاءُ مَا صَحَّ فِيهِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمَرِيضِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا إذَا بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ ثُمَّ بَرِئَ يَوْمًا يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْإِطْعَامِ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا كَالصَّحِيحِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا فَمَاتَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِقَدْرِ مَا صَحَّ كَرَمَضَانَ إذْ إيجَابُ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ فِي النَّذْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْمَنْذُورَ سَبَبُهُ النَّذْرُ وَقَدْ وُجِدَ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُطْعِمُ وَلِيُّهُمَا لِكُلِّ يَوْمٍ كَالْفِطْرَةِ بِوَصِيَّةٍ) أَيْ يُطْعِمُ وَلِيُّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ عَنْهُمَا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ كَمَا يُطْعِمُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ غَيْرِهِ إنْ أَوْصَيَا بِالْإِطْعَامِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا عَجَزَا عَنْ الصَّوْمِ الَّذِي هُوَ فِي ذِمَّتِهِمَا الْتَحَقَا بِالشَّيْخِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْإِيصَاءُ بِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ شَرْطُ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ وَهُنَا مُخَالِفٌ لَهُ لِأَنَّ الَّذِي وَرَدَ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي مِنْ الْفِدْيَةِ لَيْسَ بِمِثْلِ الصَّوْمِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى قُلْنَا الْمُخَالِفُ لِلْقِيَاسِ يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ دَلَالَةً لَا قِيَاسًا إذَا كَانَ مِثْلَهُ فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ إلَّا فِي الِاسْمِ وَفِيمَا لَا يَكُونُ مَنَاطًا وَهُمَا عَاجِزَانِ عَنْ الصَّوْمِ كَالشَّيْخِ الْفَانِي فَيَكُونُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي أَحَدِهِمَا وَارِدًا فِي الْآخَرِ فَيَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ دَلَالَةً وَقَالَ مَالِكٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا لِعَجْزِهِمَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا بَدَلُهُ لِأَنَّهُ فَرْعُ وُجُوبِ الْأَصْلِ فَصَارَ كَصَوْمِ الْمُتْعَةِ كَمَا إذَا مَاتَا وَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا قُلْنَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا بِإِدْرَاكِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِالتَّفْرِيطِ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَا عَلَى حَالِهِمَا لِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَبِخِلَافِ صِيَامِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَأَبُو دَاوُد وَفِي لَفْظٍ وَفِي رَمَضَانَ عَامَ الْفَتْحِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مُوَافَقَةَ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ) فَإِنَّ الِانْتِسَاءَ تَخْفِيفٌ وَلِأَنَّ النَّفْسَ تَوَطَّنَتْ عَلَى هَذَا الزَّمَانِ مَا لَمْ تَتَوَطَّنْ عَلَى غَيْرِهِ فَالصَّوْمُ فِيهِ أَيْسَرُ عَلَيْهَا وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] لَيْسَ مَعْنَاهُ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ الْمَعْنَى فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ عِدَّةٌ أَوْ الْمَعْنَى فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يَحِلُّ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَيْهَا لَا كَمَا ظَنَّهُ أَهْلُ الظَّوَاهِرِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْكُلِّ) فَيَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْجَمِيعِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَالصَّحِيحِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا فَمَاتَ إلَخْ) يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ لِأَنَّ الْكُلَّ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ بِالْخُلْفِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ إذَا عَجَزَ عَنْ التَّفْرِيغِ بِالْأَصْلِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ فِي النَّذْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) أَيْ وَفِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ النَّذْرُ هُوَ السَّبَبُ دُونَ الْوَقْتِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْإِيصَاءُ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لَهُمَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَجْهُ الْفَرْقِ لَهُمَا أَنَّ النَّذْرَ هُوَ السَّبَبُ فِي وُجُوبِ الْكُلِّ فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ صَحَّ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ وَالصَّحِيحُ لَوْ قَالَهُ وَمَاتَ قَبْلَ إدْرَاكِ عِدَّةِ الْمَنْذُورِ لَزِمَهُ الْكُلُّ فَكَذَلِكَ هَذَا بِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ وَحَقِيقَةُ هَذَا الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ فِي النَّذْرِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ النَّذْرِ بِذَلِكَ غَيْرَ مُوجِبٍ شَيْئًا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ وَإِلَّا لَزِمَ الْكُلُّ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لِتَظْهَرَ فَائِدَتُهُ فِي الْإِيصَاءِ بَلْ هُوَ مُعَلَّقٌ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ أَدَوَاتُ التَّعْلِيقِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْمُكَلَّفِ مَا أَمْكَنَ وَالنَّذْرُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَيَنْزِلُ عِنْدَ الصِّحَّةِ فَيَجِبُ الْكُلُّ ثُمَّ يَعْجِزُ عَنْهُ لِعَدَمِ إدْرَاكِ الْعِدَّةِ فَيَجِبُ الْإِيصَاءُ كَمَا لَوْ لَمْ يُجْعَلْ مُعَلَّقًا فِي الْمَعْنَى عَلَى مَا قُلْنَا وَأَمَّا قَوْلُهُمْ السَّبَبُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّ إدْرَاكَ الْعِدَّةِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَرِيضِ أَوْ الْأَدَاءِ فَصَرَّحَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ فَقَالَ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ جَعَلَهُ سَبَبَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَعَلَى ظَاهِرِ الْأَوَّلِ أَنَّ سَبَبَ الْقَضَاءِ عَلَى مَا اعْتَرَفُوا بِصِحَّتِهِ هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَيَلْزَمُهُ عَدَمُ حِلِّ التَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ عِدَّةٍ يُدْرِكُهَا فَإِنْ قَالَ سَبَبُ الْأَدَاءِ لَا يَسْتَلْزِمُ حُرْمَةَ التَّأْخِيرِ عَنْهُ قُلْنَا فَلْيَكُنْ نَفْسُ رَمَضَانَ سَبَبَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى الْمَرِيضِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ هَذَا الِاعْتِبَارِ سِوَى ذَلِكَ اللَّازِمِ فَإِذْ كَانَ مُنْتَفِيًا لَزِمَ إذْ هُوَ الْأَصْلُ وَيَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْكُلِّ إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْعِدَّةَ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ) فَأَمَّا الصَّحِيحُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ الشَّهْرِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْكُلَّ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ بِالْخُلْفِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ فِي الْتِزَامِ أَدَاءِ الصَّوْمِ حَتَّى يَبْرَأَ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَبْرَأْ حَتَّى مَاتَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْذُورِ فَصَارَ نَظِيرَ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَإِيجَابُ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ يُخَالِفُ إيجَابَ الْعَبْدِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى عَبْدِهِ حُجَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ نَذَرَ بِأَلْفِ حُجَّةٍ تَلْزَمُهُ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ

عَنْ الدَّمِ فَلَوْ جَازَ عَنْهُ الْفِدْيَةُ لَكَانَ بَدَلَ الْبَدَلِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلِيَّ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَلْزَمُهُ اعْتِبَارًا بِدُيُونِ الْعِبَادِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ عِنْدَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الِاخْتِيَارِ وَذَلِكَ بِالْإِيصَاءِ دُونَ الْوِرَاثَةِ وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْعِبَادَةِ النِّيَّةَ وَأَدَاءَهُ بِنَفْسِهِ فَإِذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ إيصَاءٍ فَاتَ الشَّرْطُ فَيَسْقُطُ لِلتَّعَذُّرِ بِخِلَافِ حَقِّ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ وُصُولُهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لَا غَيْرُ وَلِهَذَا لَوْ ظَفِرَ بِهِ الْغَرِيمُ يَأْخُذُهُ وَيَبْرَأُ مَنْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ فِي حَيَاتِهِ صَحَّ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ لَمْ يُوصِ فَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَلِيُّ يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ إذَا تَبَرَّعَ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بِالْإِعْتَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِهَا أَهَمَّ وَتُعْتَبَرُ كُلُّ صَلَاةٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يَصُومُ عَنْهُ الْوَلِيُّ وَلَا يُصَلِّي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَصُومُ عَنْهُ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا فَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُجْزِي ذَلِكَ عَنْهَا فَقَالَتْ نَعَمْ قَالَ صَوْمِي عَنْ أُمِّك» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَمْ تَذْكُرْ الْوَصِيَّةَ وَلَا سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا أَوْصَتْ أَمْ لَا وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكَيْنَا» قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا وَلِأَنَّهُ لَا يَصُومُ عَنْهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَالصَّلَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَضَيَا مَا قَدَّرَا بِلَا شَرْطِ وَلَاءٍ) أَيْ قَضَى الْمُسَافِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَهُ وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلِيَّ إلَخْ) ثُمَّ إذَا أَوْصَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ وَعَلَى هَذَا دَيْنُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ وَالْكَفَّارَاتُ الْمَالِيَّةُ وَالْحَجُّ وَفِدْيَةُ الصِّيَامَاتِ الَّتِي عَلَيْهِ وَالصَّدَقَةُ الْمَنْذُورَةُ وَالْخَرَاجُ وَالْجِزْيَةُ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ إلَخْ) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّهَا دَيْنٌ انْتَهَى وَعَلَى هَذَا الزَّكَاةُ إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنُ الزَّكَاةِ بِأَنْ اسْتَهْلَكَ مَالَ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَالْعُشْرَ بَعْدَ وَقْتِ وُجُوبِهِ لَا يَجِبُ عَلَى وَارِثِهِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ الزَّكَاةَ وَالْعُشْرَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ ثُمَّ إذَا أَوْصَى فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ إخْرَاجُهُمَا إذَا كَانَا يُخْرَجَانِ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ زَادَ دَيْنُهُمَا عَلَى الثُّلُثِ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ فَإِنْ أَخْرَجَ كَانَ مُتَطَوِّعًا عَنْ الْمَيِّتِ وَيُحْكَمُ بِجَوَازِ إجْزَائِهِ وَلِذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّبَرُّعِ الْوَارِثُ يُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا إذَا أَوْصَى بِإِطْعَامٍ عَنْ الصَّلَوَاتِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ اسْتِحْسَانًا) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ قَدْ ثَبَتَتْ شَرْعًا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ثَابِتَةٌ وَمِثْلُ مِثْلِ الشَّيْءِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِثْلًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ يَجِبُ الْإِفْطَارُ وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا لَا يَجِبُ فَالِاحْتِيَاطُ فِي الْإِيجَابِ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ ثُبُوتَ الْمُمَاثَلَةِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ الَّذِي هُوَ السُّقُوطُ وَإِلَّا كَانَ بِرًّا مُبْتَدَأً يَصْلُح مَاحِيًا لِلسَّيِّئَاتِ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِ يُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ جَزْمٍ كَمَا قَالَ فِي تَبَرُّعِ الْوَارِثِ بِالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ إيصَائِهِ عَنْ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِالْإِجْزَاءِ انْتَهَى فَتْحٌ فَرْعٌ رَجُلٌ مَاتَ وَقَدْ فَاتَهُ صَلَاةُ عَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا اسْتَقْرَضَ وَارِثُهُ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ وَدَفَعَهُ إلَى مِسْكِينٍ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ الْمِسْكِينُ عَلَى الْوَارِثِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ حَتَّى يُتِمَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ انْتَهَى بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ كُلُّ صَلَاةٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ) هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ لِكُلِّ صَلَاةِ يَوْمٍ مِسْكِينًا لِأَنَّهَا كَصِيَامِ يَوْمٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةِ فَرْضٍ عَلَى حِدَةٍ فَكَانَ كَصَوْمِ يَوْمٍ انْتَهَى فَتْحٌ وَفِي الْحَاوِي قَالَ عِصَامٌ كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ كَالصَّوْمِ فَإِنَّهُ وَظِيفَةُ الْيَوْمِ مِثْلُ صَلَاةِ الْيَوْمِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْن سَلَمَةَ يَقُولُ لَمَّا رَجَعْت مِنْ الْعِرَاقِ لَقِيت مُحَمَّدَ بْن مُقَاتِلٍ بِالرَّيِّ فَعَرَضَ عَلَيَّ أَجْوِبَةَ مَسَائِلَ كَتَبَ إلَيْهِ بِهَا أَهْلُ بَلْخٍ وَفِيهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَدْ أَجَابَ بِأَنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَنَاظَرْته وَقُلْت هَذَا خِلَافُ الصَّوْمِ لِأَنَّ الصَّوْمَ يَتَعَلَّقُ أَوَّلُهُ بِآخِرِهِ وَلَا كَذَلِكَ صَلَاةُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَمَحَا جَوَابَهُ وَكَتَبَ عَلَى الْحَاشِيَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ فَلَمَّا قَدِمْت بَلْخًا قُلْت لَهُمْ لِي عَلَيْكُمْ مِنَّةٌ رَدَدْت ابْنَ مُقَاتِلٍ إلَى قَوْلِي وَعَلَامَةُ ذَلِكَ مَحْوُ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ وَكَتَبَ جَوَابِي عَلَى الْحَاشِيَةِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بِقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَبِاحْتِجَاجِهِ أَقُولُ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصُومُ عَنْهُ) هَذَا فِي الْقَدِيمِ وَلَيْسَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ مَذْهَبًا فَإِنَّهُ غَسَلَ كُتُبَهُ الْقَدِيمَةَ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالرُّجُوعِ عَنْهَا هَكَذَا نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِهِ انْتَهَى غَايَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ مِثْلَ قَوْلِنَا انْتَهَى دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ إلَخْ) وَيُرْوَى صَوْمُ شَهْرٍ وَيُرْوَى صَوْمُ شَهْرَيْنِ يَرْوِيهِمَا بُرَيْدَةَ وَهُمَا فِي مُسْلِمٍ وَفِي بَعْضِهَا إنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَيُرْوَى «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ» وَيُرْوَى عَلَيْهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَيُرْوَى أَنَّهَا قَالَتْ إنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَكَذَا السَّفَاقِسِيُّ فِيهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ هَذَا فِيهِ اضْطِرَابٌ عَظِيمٌ يَدُلُّ عَلَى وَهْمِ الرُّوَاةِ وَبِدُونِ هَذَا يَعْتَلُّ الْحَدِيثُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ بَطَّالٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رِوَايَةً وَقَدْ خَالَفَهُ بِفَتْوَاهُ فَدَلَّ عَلَى نَسْخِ مَا رَوَاهُ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَذْكُرْ الْوَصِيَّةُ إلَخْ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِيصَاءِ انْتَهَى قَوْلُهُ أَنَّهَا أَوْصَتْ أَمْ لَا وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ إنَّ دَيْنَ اللَّهِ أَحَقُّ انْتَهَى أَحَقُّ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» إلَخْ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَمَّا الصَّلَاةُ فَبِالْإِجْمَاعِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ حَالَ حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قُلْت اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عَنْهُ هَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَضَيَا مَا قَدَرَا بِلَا شَرْطِ وَلَاءٍ) أَيْ مُتَابَعَةً وَهُوَ التَّرْتِيبُ انْتَهَى ع قَالَ فِي الْغَايَةِ وَحُكِيَ وُجُوبَ التَّتَابُعِ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَعُرْوَةَ انْتَهَى

وَالْمَرِيضُ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَا مِنْ الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَمَّا الْقَضَاءُ فَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّرْتِيبِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يَجِبُ التَّرْتِيبُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَلْيَسْرُدْهُ وَلَا يَقْطَعْهُ» وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «قَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُئِلَ عَنْ تَقْطِيعِ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَقَالَ لَوْ كَانَ عَلَى أَحَدِكُمْ دَيْنٌ فَقَضَاهُ دِرْهَمًا وَدِرْهَمَيْنِ حَتَّى قَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَهَلْ كَانَ قَاضِيًا دَيْنَهُ فَقَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْعَفْوِ وَالتَّجَاوُزِ» قَالَ أَبُو عُمَرَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَلَا يَجِبُ فِيهِ التَّرْتِيبُ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا مَضَى فَكَذَا الْقَضَاءُ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فَإِنْ قِيلَ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَةٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا كَمَا قُلْتُمْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ قُلْنَا قِرَاءَةُ أُبَيٍّ لَيْسَتْ بِمَشْهُورَةٍ فَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهَا لِأَنَّهُ نُسِخَ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَقْضِيَهُ مُرَتَّبًا مُتَتَابِعًا مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ جَاءَ رَمَضَانُ قَدَّمَ الْأَدَاءَ عَلَى الْقَضَاءِ) أَيْ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ الثَّانِي صَامَ رَمَضَانَ الثَّانِيَ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ ثُمَّ صَامَ الْقَضَاءَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ إنْ أَخَّرَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي رَجُلٍ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ ثُمَّ صَحَّ وَلَمْ يَصُمْهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُ الَّذِي أَدْرَكَهُ ثُمَّ يَصُومُ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا» وَلَنَا إطْلَاقُ مَا تَلَوْنَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِزَمَانٍ وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ عَنْ وَقْتِهِ لَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ وَهُوَ مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ أَوْلَى أَنْ لَا يُوجِبَهَا وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ كَانَ يَكْذِبُ وَفِيهِ عُمَرُ أَيْضًا قَالَ فِيهِ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إنْ خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ أَوْ النَّفْسِ) أَيْ لَهُمَا الْفِطْرُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ لِمَنْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ الْفِطْرُ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ» وَلِأَنَّهُمَا يَلْحَقُهُمَا الْحَرَجُ بِالصَّوْمِ فَيُشْرَعُ الْإِفْطَارُ فِي حَقِّهِمَا كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَقَالَ فِي الْحَوَاشِي الْمُرَادُ بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لِوُجُوبِ الْإِرْضَاعِ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّ الْأَبَ يَسْتَأْجِرُ غَيْرَهَا وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَيَرُدُّهُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرُهُ إذَا خَافَتَا عَلَى نَفْسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا إذْ لَا وَلَدَ لِلْمُسْتَأْجَرَةِ وَكَذَا إطْلَاقُ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمِّ دِيَانَةً لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ قُدْرَةٌ عَلَى اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ فَصَارَتْ كَالظِّئْرِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا خَافَتْ الْمُرْضِعُ عَلَى الْوَلَدِ فَأَفْطَرَتْ فَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ انْتَفَعَ بِهِ مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الصَّوْمُ وَهُوَ الْوَلَدُ فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ كَإِفْطَارِ الشَّيْخِ الْفَانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ) يَعْنِي دَاوُد وَأَهْلَ الظَّاهِرِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ إلَخْ) رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ) أَيْ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَالدَّوَاوِينِ وَلَوْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودِ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا مَشْهُورَةٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْآحَادِ عِنْدَهُمْ كَذَا فِي الْغَايَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ) أَيْ وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ) بِالتَّنْوِينِ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَالنُّونَ الْمَزِيدَتَيْنِ فِي غَيْرِ الصِّفَاتِ، شَرْطُ عَدَمِ انْصِرَافِهِ الْعَلَمِيَّةُ وَهُنَا وَصَفَهُ بِآخِرَ نَكِرَةٍ دَلِيلُ نَكَارَتِهِ انْتَهَى دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إلَخْ) أَيْ وَلِلْحَامِلِ الْفِطْرُ أَيْضًا (قَوْلُهُ عَلَى الْوَلَدِ) رَاجِعٌ إلَى الْمُرْضِعِ وَقَوْلُهُ أَوْ النَّفْسُ رَاجِعٌ إلَى الْحَامِلِ انْتَهَى عَيْنِيٌّ قَالَ الْقِوَامُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَامِلُ هِيَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ وَالْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي لَهَا لَبَنٌ وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ فِي آخِرِهِمَا كَمَا فِي حَائِضٍ وَطَالِقٍ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَةِ الثَّابِتَةِ لَا الْحَادِثَةِ وَلِلْبَصْرِيِّينَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مَذْهَبَانِ مَذْهَبُ الْخَلِيلِ بِمَعْنَى النَّسَبِ كَلَابِنٍ وَتَامِرٍ بِمَعْنَى ذَاتِ حَمْلٍ وَذَاتِ إرْضَاعٍ وَذَاتِ حَيْضٍ وَذَاتِ طَلَاقٍ وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ يُؤَوَّلُ بِإِنْسَانٍ أَوْ شَيْءٍ حَامِلٍ أَوْ حَائِضٍ وَكَذَا فِي الْبَاقِي فَإِذَا أُرِيدَ الْحُدُوثُ يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ بِأَنْ يُقَالَ حَائِضَةٌ الْآنَ أَوْ غَدًا فَافْهَمْ وَفِي كِتَابِ الْإِصْلَاحِ عَنْ الْفَرَّاءِ يُقَالُ هَذِهِ امْرَأَةٌ حَامِلٌ وَحَامِلَةٌ إذَا كَانَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ فَمَنْ قَالَ حَامِلٌ قَالَ هَذَا نَعْتٌ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمُؤَنَّثِ وَمَنْ قَالَ حَامِلَةٌ بَنَاهُ عَلَى حَمَلَتْ انْتَهَى وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] فَإِنْ قُلْت لِمَ قَالَ مُرْضِعَةٍ دُونَ مُرْضِعٍ قُلْت الْمُرْضِعَةُ هِيَ الَّتِي فِي حَالِ الْإِرْضَاعِ مُلَقِّمَةً ثَدْيَهَا الصَّبِيَّ وَالْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُرْضِعَ وَلَمْ تُبَاشِرْ الْإِرْضَاعَ فِي حَالِ وَضْعِهَا فَقِيلَ مُرْضِعَةٍ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْهَوْلَ إذَا فُوجِئَتْ بِهِ هَذِهِ وَقَدْ أَلْقَمَتْ الرَّضِيعَ ثَدْيَهَا نَزَعَتْهُ عَنْ فِيهِ لِمَا لَحِقَهَا مِنْ الدَّهْشَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْحَوَاشِي الْمُرَادُ بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ أُمَّ الْوَلَدِ وَلِلْوَلَدِ أَبٌ لَا تُفْطِرُ الْأُمُّ لِأَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا وَالْإِرْضَاعُ غَيْرُ وَاجِبٍ قَالَ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مُوسِرًا أَوْ يَأْخُذَ الْوَلَدَ ضَرْعَ غَيْرِهَا أَمَّا لَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا أَوْ الْوَلَدُ لَا يَأْخُذُ ضَرْعَ غَيْرِ أُمِّهِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى أُمِّهِ الْإِرْضَاعُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَيَرُدُّهُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ إلَخْ) وَكَذَا عِبَارَةُ غَيْرِ الْقُدُورِيِّ تُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْأُمِّ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ إلَخْ) قُلْت الْمُرْضِعُ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الظِّئْرَ وَالْأُمَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الشَّيْخِ هَذَا لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَلِهَذَا أَطْلَقَ بِذِكْرِ الْوَلَدِ وَلَمْ

وَلَنَا أَنَّ الْفِدْيَةَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الشَّيْخِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ خِلَافُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْخَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْفِدْيَةِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ وَالطِّفْلُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى أُمِّهِ وَهِيَ قَدْ أَتَتْ بِبَدَلِهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ وَلِأَنَّ الْفِدْيَةَ كَفَّارَةٌ وَهِيَ لَا تَجِبُ عِنْدَهُ بِالْأَكْلِ بِغَيْرِ عُذْرٍ بَلْ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَهُ أَلْبَتَّةَ وَلَوْ بِالْجِمَاعِ فَكَيْفَ تَجِبُ عَلَيْهَا هُنَا بِالْأَكْلِ بِعُذْرٍ وَهَذَا خُلْفٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي وَهُوَ يَفْدِي فَقَطْ) أَيْ لِلشَّيْخِ الْفَانِي الْفِطْرُ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ مِنْ الْعَطْفِ وَهُوَ وَحْدَهُ يَفْدِي دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ} [البقرة: 184] أَيْ لَا يُطِيقُونَهُ وَالْعَرَبُ تَحْذِفُ لَا إذَا كَانَ مَوْضِعُهَا ظَاهِرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] أَيْ لَا تَفْتَأُ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هِيَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ فَلَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافُ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ الطَّحْطَاوِيُّ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ فَأَشْبَهَ الْمَرِيضَ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبُرْءِ وَالْمُسَافِرَ إذَا مَاتَ فِي حَالِ السَّفَرِ فَصَارَ كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ فَعَلَ حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا نَسَخَتْهَا» وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَرِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ تُقَدَّمُ عَلَى رِوَايَةِ سَلَمَةَ لِأَنَّهُ أَفْقَهُ وَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى الْقِيَاسِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَعْذَارِ مِثْلُ رَمَضَانَ وَلَوْ كَانَ الشَّيْخُ الْفَانِي مُسَافِرًا وَمَاتَ فِي السَّفَرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصِحَّاءِ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ لَا فِي التَّغْلِيظِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُتَطَوِّعِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ وَيَقْضِي) أَيْ لِمَنْ يَصُومُ النَّفَلَ أَنْ يُفْطِرَ فِي رِوَايَةٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْنَا لَا قَالَ إنِّي إذًا صَائِمٌ ثُمَّ أَتَى يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ إلَيْنَا حَيْسٌ فَقَالَ أَرِنِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْت صَائِمًا فَأَكَلَ» وَزَادَ النَّسَائِيّ وَلَكِنْ أَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ وَصَحَّحَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» أَيْ فَلْيَدْعُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ ثَبَتَ هَذَا عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَذْكُرْ مِثْلَ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهِ انْتَهَى ع (قَوْلُهُ وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي) وَفِي الْمَنَافِعِ الْفَانِي الَّذِي قَارَبَ الْفَنَاءَ أَوْ الَّذِي فَنِيَتْ قُوَّتُهُ انْتَهَى غَايَةٌ وَفِي جَامِعِ الْبُرْهَانِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الْأَدَاءِ وَلَا يُرْجَى لَهُ الْأَدَاءُ وَلَا يُرْجَى لَهُ عَوْدُ الْقُوَّةِ وَيَكُونُ مَآلُهُ الْمَوْتَ بِسَبَبِ الْهَرَمِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَ إجْمَاعًا) وَأَيْضًا لَوْ كَانَ لَكَانَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ مُقَدَّمًا لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ بَلْ عَنْ سَمَاعٍ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ مُثْبَتٌ فِي نَظْمِ كِتَابِ اللَّهِ فَجَعَلَهُ مَنْفِيًّا بِتَقْدِيرِ حَرْفِ النَّفْيِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِسَمَاعٍ أَلْبَتَّةَ وَكَثِيرًا مَا يُضْمَرُ حَرْفُ لَا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي التَّنْزِيلِ الْكَرِيمِ {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] أَيْ لَا تَفْتَأُ وَفِيهِ {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] {رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15] وَقَالَ الشَّاعِرُ فَقُلْت يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لِدِيكِ وَأَوْصَالِي أَيْ لَا أَبْرَحُ وَقَالَ تَنْفَكُّ تَسْمَعُ مَا حَيِيت بِهَالِكٍ حَتَّى تَكُونَهْ أَيْ لَا تَنْفَكُّ وَرِوَايَةُ الْأَفْقَهِ أَوْلَى وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] لَيْسَ نَصًّا فِي نَسْخِ إجَازَةِ الِاقْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِير قَوْلُهُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ أَيْ عَجْزًا مُسْتَمِرًّا إلَى الْمَوْتِ اهـ هـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) أَيْ الْإِيصَاءُ بِالْفِدْيَةِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ كَانَ الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَالْهَرِمَةُ مُسَافِرَيْنِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ إلَخْ) يَعْنِي إنَّمَا يَنْتَقِلُ وُجُوبُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ التَّعْيِينِ وَلَا تَعْيِينَ إلَى الْمُسَافِرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِانْتِقَالِ وَلَا تَجُوزُ الْفِدْيَةُ عَنْ صَوْمٍ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى صَارَ شَيْخًا فَانِيًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ جَازَتْ لَهُ الْفِدْيَةُ وَكَذَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ لِأَنَّهُ اسْتَيْقَنَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى قَضَائِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِطْعَامِ لِفَقْرِهِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَسْتَقِيلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لِشِدَّةِ الْحَرِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَهُ فِي الشِّتَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ نَذَرَ الْأَبَدَ وَلَوْ نَذَرَ يَوْمًا مُعَيَّنًا فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ فَانِيًا جَازَتْ الْفِدْيَةُ عَنْهُ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا تَجُوزُ لَهُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى الصَّوْمِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَمَّا يُكَفِّرُ بِهِ مِنْ الْمَالِ فَإِنْ مَاتَ فَأَوْصَى بِالتَّكْفِيرِ جَازَ مِنْ ثُلُثِهِ وَهَذَا يَجُوزُ فِي الْفِدْيَةِ طَعَامُ الْإِبَاحَةِ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الصَّدَقَةِ فِيهَا وَالْإِطْعَامِ فِي الْفِدْيَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْمُتَطَوِّعِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ إذَا أَفْسَدَ عَنْ قَصْدٍ أَوْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ عَرَضَ الْحَيْضُ لِلصَّائِمَةِ الْمُتَطَوِّعَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي نَفْسِ الْإِفْطَارِ هَلْ يُبَاحُ أَوْ لَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا إلَّا بِعُذْرٍ وَرِوَايَةُ الْمُنْتَقَى يُبَاحُ بِغَيْرِ عُذْرٍ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هَلْ لِلضِّيَافَةِ عُذْرٌ أَوْ لَا قِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَقِيلَ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ إلَّا إذَا كَانَ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ عُقُوقُ أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ عَلَى رَجُلٍ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيُفْطِرَنَّ لَا يُفْطِرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ يَرْضَى بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ يُفْطِرُ وَاعْتِقَادِي أَنَّ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى أَوْجُهُ اهـ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَوْ كَانَ الْفِطْرُ جَائِزًا لَكَانَ الْأَفْضَلُ الْفِطْرَ لِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ الَّتِي هِيَ السُّنَّةُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعُذْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الضِّيَافَةِ هَلْ تَكُونُ عُذْرًا قِيلَ لَا تَكُونُ عُذْرًا لِمَا رَوَيْنَا وَقِيلَ تَكُونُ عُذْرًا قَبْلَ الزَّوَالِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ طَعَامًا فَدَعَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابًا لَهُ فَلَمَّا جِيءَ بِالطَّعَامِ تَنَحَّى أَحَدُهُمْ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَالَك فَقَالَ إنِّي صَائِمٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَكَلَّفَ لَك أَخُوك وَصَنَعَ ثُمَّ تَقُولُ إنِّي صَائِمٌ كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» وَعَيَّنَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إنَّهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَبَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَكُونُ عُذْرًا إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ يُفْطِرُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا يُفْطِرُ بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ يَقْضِي مَذْهَبُنَا وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجِبُ صِيَامُهُ وَلَا قَضَاؤُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ أَوْ أَمِينُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَامَ تَطَوُّعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ» وَلِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْأَدَاءِ وَقَدْ مَضَى مَا تَبَرَّعَ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ أَصْبَحْت أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ إلَيْنَا طَعَامٌ فَأَفْطَرْنَا عَلَيْهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَدَرَتْنِي حَفْصَةُ وَكَانَتْ بِنْتَ أَبِيهَا فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ» ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ يَوْمًا عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ إنِّي أَصْبَحْت صَائِمًا فَمَرَّتْ بِي جَارِيَةٌ لِي فَوَقَعْت عَلَيْهَا فَمَا تَرَوْنَ فَقَالَ عَلِيٌّ أَصَبْت حَلَالًا وَتَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَنْتَ أَحْسَنُهُمْ فُتْيَا وَلِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ قُرْبَةٌ فَيَجِبُ صِيَانَتُهُ وَحِفْظُهُ عَنْ الْبُطْلَانِ وَقَضَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْسَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِإِتْيَانِ الْبَاقِي فَيَجِبُ إتْمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْسَادِ ضَرُورَةً فَصَارَ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ التَّطَوُّعَيْنِ فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقِيلَ تَكُونُ عُذْرًا) أَيْ فِي التَّطَوُّعِ فِي الصَّحِيحِ دُونَ صَوْمِ الْقَضَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كُلْ وَصُمْ يَوْمًا) ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَيَّنَهُ) أَيْ عَيَّنَ الَّذِي صَنَعَ الطَّعَامَ أَفَادَهُ شَيْخُنَا اهـ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ يُفْطِرُ) أَيْ فِي التَّطَوُّعِ دُونَ قَضَاءِ رَمَضَانَ. اهـ. غَايَةٌ نَقْلًا عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَحْسَنُ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مَا فِي مُسْلِمٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّارِحُ عَلَى إبَاحَةِ الْإِفْطَارِ بِغَيْرِ عُذْرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اقْضِيَا يَوْمًا إلَخْ) وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ خُرُوجٌ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ بَلْ هُوَ مَحْفُوفٌ بِمَا يُوجِبُ مُقْتَضَاهُ وَيُؤَكِّدُهُ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] كَلَامُ الْمُفَسِّرِينَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا تُحْبِطُوا الطَّاعَاتِ بِالْكَبَائِرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] إلَى أَنْ قَالَ {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} [الحجرات: 2] وَكَلَامُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ أَوْ لَا تُبْطِلُوهَا بِمَعْصِيَتِهِمَا أَوْ الْإِبْطَالُ بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْهُ بِالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ أَوْ بِالْعُجْبِ وَالْكُلُّ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِبْطَالِ إخْرَاجُهَا عَنْ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا فَائِدَةٌ أَصْلًا كَأَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ وَهَذَا غَيْرُ الْإِبْطَالِ الْمُوجِبِ لِلْقَضَاءِ فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ بِاعْتِبَارِ الْمُرَادِ دَلِيلًا عَلَى مَنْعِ هَذَا الْإِبْطَالِ بَلْ دَلِيلًا عَلَى مَنْعِهِ بِدُونِ قَضَاءٍ فَيَكُونُ دَلِيلُ رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا إبَاحَةُ الْفِطْرِ مَعَ إيجَابِ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا اخْتَرْنَاهَا لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ بِاعْتِبَارِ الْمُرَادِ مِنْهَا عَلَى سِوَى ذَلِكَ وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ لَا تُفِيدُ سِوَى إيجَابِ الْقَضَاءِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَهِيَ قَوْلُهُ وَلَا تَعُودَا وَهِيَ مَعَ كَوْنِهَا مُنْفَرَدًا بِهَا لَا تَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِلشَّافِعِيِّ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ ثُبُوتِ الْحُجِّيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ وَكَذَا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «آخَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُبْتَذِلَةً فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُك قَالَتْ أَخُوك أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامٌ فَقَالَ كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَ مَا آكُلُ حَتَّى تَأْكُلَ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْل قَالَ لَهُ سَلْمَانُ قُمْ الْآنَ قَالَ فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ إنَّ لِرَبِّك عَلَيْك حَقًّا وَلِنَفْسِك عَلَيْك حَقًّا وَلِنَفْسِك عَلَيْك حَقًّا وَلِأَهْلِك عَلَيْك حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَ سَلْمَانُ» وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الضِّيَافَةَ عُذْرٌ وَكَذَا مَا أَسْنَدَهُ الدَّارَقُطْنِيّ إلَى جَابِرٍ قَالَ «صَنَعَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا فَدَعَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ فَلَمَّا أَتَى بِالطَّعَامِ تَنَحَّى رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالَك قَالَ إنِّي صَائِمٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكَلَّفَ أَخُوك وَصَنَعَ طَعَامًا ثُمَّ تَقُولُ إنِّي صَائِمٌ كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ كَوْنِ الْفِطْرِ مَمْنُوعًا إذْ لَا يُعْهَدُ لِلضِّيَافَةِ أَثَرٌ فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبَاتِ وَلِذَا مَنَعَ الْمُحَقِّقُونَ كَوْنَهَا عُذْرًا كَالْكَرْخِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ وَاسْتَدَلَّا بِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» أَيْ فَلْيَدْعُ لَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ ثَبَتَ مَوْقُوفًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ سَلْمَانَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى تَتَظَافَرُ الْأَدِلَّةُ وَلَا يُعَارِضُ مَا اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ مَا يُثْبِتُهَا عَلَى مَا لَا يَخْفَى. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ قَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ مَكَانَهُ) زَادَ الطَّبَرَانِيُّ وَلَا تَعُودَا. اهـ. فَتْحُ (قَوْلُهُ أَنْتَ أَحْسَنُهُمْ) رَوَاهُ فِي الْمُحَلَّى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. اهـ. غَايَةٌ

قِيلَ وُجُوبُ إتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِالْأَمْرِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] قُلْنَا قَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ذَكَرَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا إنْ تَطَوَّعَ عَقِيبَ قَوْلِ الْأَعْرَابِيّ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا وَمَا رَوَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَكَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّ فِي طَرِيقِهِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَلَئِنْ صَحَّا فَالْمُرَادُ بِالْخِيَارِ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ نَفْيُ الْإِجْبَارِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّارِعَ وَإِنْ أَمَرَهُ بِالنَّفْلِ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَيْهِ بَلْ اخْتِيَارُهُ بَاقٍ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ الثَّانِي بَيَانُ وَقْتِ الشَّرْعِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصُومَ تَطَوُّعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ إنْ شَاءَ شَرَعَ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَشْرَعْ كَمَا يُقَالُ مَنْ دَخَلَ عَلَى السُّلْطَانِ فَلْيَتَأَهَّبْ أَيْ مَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَمْسَكَ) يَوْمَهُ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالتَّشَبُّهِ (وَلَمْ يَقْضِ شَيْئًا) لِأَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فِيهِ وَقَالَ زُفَرُ إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ إدْرَاكَ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَإِدْرَاكِ كُلِّهِ كَمَا فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ كَذَلِكَ فِي الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَنَحْنُ نَقُولُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّلَاةِ الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ فَوُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ وَفِي الصَّوْمِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ هُوَ السَّبَبُ وَالْأَهْلِيَّةُ مَعْدُومَةٌ عِنْدَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا أَدْرَكَا وَقْتَ النِّيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِمَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِإِمْكَانِ تَحْصِيلِهِ وَإِنْ لَمْ يَصُومَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ لِمَا قُلْنَا وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ وُجُوبًا كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ أَدَاءً وَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ مُنْعَدِمَةٌ فِي أَوَّلِهِ فَلَا يَجِبُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ إنْ لَمْ يَصُمْ وَيُجْزِيهِ عَنْ الْوَاجِبِ إنْ نَوَاهُ فِي وَقْتِهِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَوْعَبِ مِنْهُ كَالْمَرِيضِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَلَوْ نَوَى الْكَافِرُ الَّذِي أَسْلَمَ تَطَوُّعًا لَا يُجْزِيهِ عَنْ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّطَوُّعِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ الَّذِي بَلَغَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ وَقِيلَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ يَلْزَمُهُمَا بِالشُّرُوعِ فِيهِ نَهَارًا حَتَّى لَوْ أَفْسَدَاهُ وَجَبَ عَلَيْهِمَا قَضَاؤُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْإِمْسَاكِ قِيلَ إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ مُفْطِرٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ وَقِيلَ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِذَلِكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ حِينَ كَانَ صَوْمُهُ وَاجِبًا وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ لِمَا رَوَيْنَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَنْ صَارَ أَهْلًا لِلصَّوْمِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَلَمْ يَكُنْ فِي أَوَّلِهِ كَذَلِكَ كَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي طَرِيقِهِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ) ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] لَيْسَ مَا فِي الْآيَةِ نَظِيرُ مَا فِي الْحَدِيثِ إذْ الْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلتَّهْدِيدِ وَفِي الْحَدِيثِ لِلتَّخْيِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَمْسَكَ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِ اهـ ع (قَوْلُهُ بِالتَّشَبُّهِ) أَيْ بِالصَّائِمِينَ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقْضِ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا اهـ ع (فَرْعٌ) وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّوْمِ إذَا أَطَاقَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ قَالَ لَا يُجْزِيهِ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَتُجْزِيهِ الصَّلَاةُ قَبْلَهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُؤْمَرُ حَتَّى يَبْلُغَ وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَر اخْتِلَافَ مَشَايِخِ بَلْخٍ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ إذَا أُمِرَ فَلَمْ يَصُمْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ يُضْرَبُ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ عَلَى الصَّوْمِ كَمَا يُضْرَبُ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا يُضْرَبُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ فَيُضْرَبُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ اهـ كَاكِيٌّ قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي آخِرِ بَابِ الِاعْتِكَافِ مَا نَصُّهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْمَالِكِيَّةِ صَوْمُ الصَّبِيِّ وَحَجُّهُ وَصَلَاتُهُ لَيْسَتْ بِشَرْعِيَّةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ ذَلِكَ تَمْرِينٌ لِلصَّبِيِّ (قُلْت) قَدْ نَقَلَ هَذَا غَيْرُهُ مِنْ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ عَنْ الْإِمَامِ وَنَقْلُهُمْ غَلَطٌ مَحْظُورٌ وَمَا أَعْلَمُ أَيَّ شَيْءٍ مُسْتَنَدُ نَقْلِهِمْ الْبَاطِلِ بَلْ اعْتِكَافُ الصَّبِيِّ وَصَوْمُهُ وَصَلَاتُهُ وَحَجُّهُ صَحِيحٌ شَرْعِيٌّ بِلَا خِلَافٍ وَأَجْرُهُ لَهُ دُونَ أَبَوَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْإِمْسَاكِ) يَعْنِي الْإِمْسَاكَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ مَا أَفْطَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ حِينَ كَانَ صَوْمُهُ وَاجِبًا) أَيْ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ عِنْدَ قَوْلِهِ صَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَنْ صَارَ أَهْلًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ مَنْ تَحَقَّقَ بِصِفَةٍ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَوْ قَارَنَ ابْتِدَاءُ وُجُودِهَا طُلُوعَ الْفَجْرِ وَتِلْكَ الصِّفَةُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّتْ مَعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ يَطْهُرَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ وَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ وَالْمَرِيضِ يَقْوَى وَالْمُسَافِرِ يَقْدَمُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْأَكْلِ أَمَّا إذَا قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ كَمَا فِي الْكِتَابِ وَكَذَا لَوْ كَانَ نَوَى الْفِطْرَ وَلَمْ يُفْطِرْ حَتَّى قَدِمَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِيَّةُ الصَّوْمِ وَاَلَّذِي أَفْطَرَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مُكْرَهًا أَوْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ اسْتَبَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقِيلَ الْإِمْسَاكُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ نَهَارًا لَا يَحْسُنُ أَنْ تَأْكُلَ وَالنَّاسُ صِيَامٌ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فَلْيَصُمْ وَقَالَ فِي الْحَائِضِ فَلْتَدَعْ وَقَوْلُ الْإِمَامِ لَا يَحْسُنُ تَعْلِيلًا لِلْوُجُوبِ أَيْ لَا يَحْسُنُ بَلْ يَقْبُحُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي بَعْضِهَا فَقَالَ فِي الْمُسَافِر إذَا أَقَامَ بَعْدَ الزَّوَالِ إنِّي أَسْتَقْبِحُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَالنَّاسُ صِيَامٌ وَهُوَ مُقِيمٌ فَبَيَّنَ مُرَادَهُ بِعَدَمِ الِاسْتِحْسَانِ وَلِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ مِنْ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِمْسَاكِ لِمَنْ أَكَلَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ

وَالْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُمْسِكُ إلَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلصَّوْمِ فِي أَوَّلِهِ كَالْمُفْطِرِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بِأَنْ تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ أَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا الْفَجْرُ طَالِعٌ وَالشَّمْسُ لَمْ تَغْرُبْ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ تَشَبُّهًا خَلَفٌ عَنْ الصَّوْمِ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَصْلُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ وَالْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِمْسَاكُ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَذَا وَنَحْنُ نَقُولُ الْإِمْسَاكُ أَصْلٌ وَلَيْسَ بِخَلَفٍ عَنْ الصَّوْمِ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ ذَكَرَهُمْ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّشَبُّهِ قَدْ تَحَقَّقَ فِيهِمْ كَمَا تَحَقَّقَ فِي حَقِّ الصَّوْمِ فِي حَقِّهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ ثُمَّ قَدِمَ وَنَوَى الصَّوْمَ فِي وَقْتِهِ صَحَّ) أَيْ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَهُوَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الصَّوْمِ وُجُوبًا وَأَدَاءً وَإِنَّمَا هُوَ مُرَخِّصٌ فَقَطْ فَإِذَا زَالَ الْتَحَقَ بِالْمُقِيمِ لِانْعِدَامِ الْمُرَخَّصِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا وَلِهَذَا قَالَ صَحَّ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي اللُّزُومِ حَتَّى يَلْزَمَهُ أَنْ يَنْوِيَ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الصَّوْمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى الصَّوْمَ وَهُوَ مُسَافِرٌ فِي رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَهَذَا أَوْلَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ السَّفَرُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ كَمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِلشُّهْبَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقْضِي بِإِغْمَاءٍ سِوَى يَوْمٍ حَدَثَ فِي لَيْلَتِهِ) أَيْ يَقْضِي إذَا فَاتَهُ الصَّوْمُ بِسَبَبِ الْإِغْمَاءِ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ لَا يُزِيلُ الْحِجَا وَيُضْعِفُ الْقُوَى فَلَا يُنَافِي فِي الْوُجُوبِ وَلَا الْأَدَاءِ وَلَا يَقْضِي يَوْمًا حَدَثَ فِي لَيْلَتِهِ الْإِغْمَاءُ لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْوِي مِنْ اللَّيْلِ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ مُسَافِرًا قَضَاهُ كُلَّهُ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ رَمَضَانَ كُلَّهُ قَضَاهُ كُلَّهُ إلَّا أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْهُ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ كَانَ الْإِغْمَاءُ حَدَثَ فِي شَعْبَانَ قَضَاهُ كُلَّهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِجُنُونٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ) أَيْ يَقْضِي إذَا فَاتَهُ بِجُنُونٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ جُنُونُهُ غَيْرَ مُسْتَوْعِبٍ لِشَهْرِ رَمَضَانَ وَالْمُمْتَدُّ الْمُسْتَوْعِبُ لَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ بِهِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَقَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ اعْتِبَارًا بِالْإِغْمَاءِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَرَجِ لَا سِيَّمَا إذَا تَوَالَى عَلَيْهِ سِنِينَ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ لِأَنَّ امْتِدَادَهُ نَادِرٌ فَلَا يُعْتَبَرُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَوْعِبٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ لَا يُحْرِجُ وَالسَّبَبُ قَدْ تَحَقَّقَ وَالْأَهْلِيَّةُ بِالذِّمَّةِ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَهُوَ مُنْتَفٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَكَذَا مَا يُبْنَى عَلَيْهِ وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَضَاءَ يَتَرَتَّبُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ بَلْ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِوُجُودِ السَّبَبِ وَجَبَ أَدَاؤُهُ أَوْ لَمْ يَجِبْ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ وَكَذَا الْمُسَافِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْأَدَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ بِوُجُودِ السَّبَبِ وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالْمُطَالَبَةِ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَا يُطَالَبُ بِالْأَدَاءِ إلَّا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِالْعَقْلِ الْمُمَيِّزِ وَنَفْسِ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الذِّمَّةُ صَالِحَةً لِلْوُجُوبِ وَبَنُو آدَمَ ذِمَّتُهُمْ صَالِحَةٌ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ إذَا وُجِدَ مِنْهُ سَبَبُهُ ثُمَّ يُؤَخَّرُ عَنْهُ الْأَدَاءُ إلَى وُجُودِ الْقُدْرَةِ فَكَذَا هَذَا ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَأَلْحَقَ الْأَصْلِيَّ بِالصِّبَا وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْذَارَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مَا لَا يَمْتَدُّ غَالِبًا كَالنَّوْمِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ شَيْءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَ كَانَ وَاجِبًا وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ فَوَائِدُ قُيُودِ الضَّابِطِ وَقُلْنَا كُلُّ مَنْ تَحَقَّقَ أَوْ قَارَنَ وَلَمْ نَقُلْ مَنْ صَارَ بِصِفَةٍ إلَى آخِرِهِ لِيَشْمَلَ مَنْ أَكَلَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا لِأَنَّ الصَّيْرُورَةَ لِلتَّحَوُّلِ وَلَوْ لِامْتِنَاعِ مَا يَلِيهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْمُفَادُ بِهِمَا فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ نِيَّةُ الْإِفْطَارِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بَلْ إذَا قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَوَسُّعًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مُرَخَّصٌ فَقَطْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ إذَا لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ فَإِذَا نَوَاهُ لَيْلًا وَأَصْبَحَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُضَ عَزِيمَتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلَا يَحِلُّ فِطْرُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُبِيحَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَهُوَ السَّفَرُ قَائِمٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَبِهَا تَنْدَفِعُ الْكَفَّارَةُ اهـ (قَوْلُهُ فَهَذَا أَوْلَى) وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ هُوَ أَنَّ الْمُرَخِّصَ وَهُوَ السَّفَرُ قَائِمٌ وَقْتَ الْإِفْطَارِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُبَحْ لَهُ الْإِفْطَارُ فَلَأَنْ لَا يُبَاحَ لَهُ الْإِفْطَارُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمُرَخِّصُ لَيْسَ بِقَائِمٍ وَقْتَ الْفِطْرِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ وَالْمَسْأَلَةُ الْمُسْتَوْضَحُ بِهَا (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ السَّفَرُ فِي أَوَّلِهِ) رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَقَوْلُهُ أَوْ آخِرِهِ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمُسْتَوْضَحِ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُزِيلُ الْحِجَا) أَيْ الْعَقْلَ وَلِهَذَا اُبْتُلِيَ بِهِ مَنْ هُوَ مَعْصُومٌ مِنْ زَوَالِ الْعَقْلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الْأَصْلِيِّ إلَى آخِرِهِ) وَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِيِّ مَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالصِّبَا بِأَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا وَمِنْ الْعَارِضِ هُوَ أَنْ يَبْلُغَ مُفِيقًا ثُمَّ يُجَنَّ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ كَانَ جُنُونُهُ أَصْلِيًّا فَالْمَحْفُوظُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ مَا مَضَى لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْخِطَابِ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْآنَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُف أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي الْقِيَاسِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ فَأُوجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءَ مَا مَضَى لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يُفَارِقُ الطَّارِئَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَكَذَا فِي الصَّوْمِ وَلَيْسَ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْعَارِضِيُّ) أَيْ وَبَيْنَ أَنْ يُفِيقَ الْمَجْنُونُ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ مِنْ آخَرِ يَوْمٍ أَوْ بَعْدَهُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَإِنْ اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ. اهـ. فَتْحٌ

مِنْ الْعِبَادَاتِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ لِأَحَدِ بِسَبَبِهِ وَمَا يَمْتَدُّ خِلْقَةً كَالصِّبَا فَيَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ وَمَا يَمْتَدُّ وَقْتَ الصَّلَاةِ لَا وَقْتَ الصَّوْمِ غَالِبًا كَالْإِغْمَاءِ فَإِنْ امْتَدَّ فِي الصَّلَاةِ بِأَنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ جُعِلَ عُذْرًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ لِكَوْنِهِ غَالِبًا وَلَمْ يُجْعَلْ عُذْرًا فِي الصَّوْمِ لِأَنَّ امْتِدَادَهُ شَهْرًا نَادِرٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي إيجَابِهِ حَرَجٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَدُّ طَوِيلًا أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ لَوْ امْتَدَّ طَوِيلًا لَهَلَكَ وَبَقَاءُ حَيَاتِهِ بِدُونِهِمَا نَادِرٌ وَلَا حَرَجَ فِي النَّوَادِرِ وَمَا يَمْتَدُّ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَدْ لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ الْجُنُونُ فَإِنْ امْتَدَّ فِيهِمَا أَسْقَطَهُمَا وَإِلَّا فَلَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِإِمْسَاكٍ بِلَا نِيَّةِ صَوْمٍ وَفِطْرٍ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إنْ أَمْسَكَ فِي رَمَضَانَ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِلَا نِيَّةِ صَوْمٍ وَلَا فِطْرٍ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى عِنْدَهُ بِدُونِ النِّيَّةِ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ هُوَ الْإِمْسَاكُ وَقَدْ وُجِدَ وَهَذَا لِأَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَتَى بِهِ وَقَعَ عَنْهُ كَمَا إذَا وَهَبَ كُلَّ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِجِهَةِ الْعِبَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [البينة: 5] وَالْإِخْلَاصُ لَا يَكُونُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ زُفَرُ أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْعَبْدِ وَأَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَهَذَا خُلْفٌ وَفِي هِبَةِ النِّصَابِ وُجِدَتْ مِنْهُ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي لُزُومِ الْقَضَاءِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ يَعْنِي لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إنْ لَمْ يَأْكُلْ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ أَكَلَ عِنْدَ زُفَرَ لِأَنَّهُ صَائِمٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْحُكْمُ عَلَى عَكْسِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ وَعِنْدَهُمَا إنْ أَكَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَكَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِنْ أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ بِهِ إمْكَانَ التَّحْصِيلِ فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَالَ فِي الْقَاضِي خَانْ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ فِي الْجُنُونِ الْعَارِضِيِّ إذَا أَفَاقَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ قَضَى جَمِيعَهُ وَفِي الْأَصْلِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَقَالَ يَقْضِي مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ وَهَكَذَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ جُنَّ رَمَضَانَ كُلَّهُ لَمْ يَقْضِهِ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ أَيْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ اللَّيْلَةِ ثُمَّ جُنَّ وَأَصْبَحَ مَجْنُونًا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَضَى صَوْمَ الشَّهْرِ كُلِّهِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِهِ وَفِي جَمِيعِ النَّوَازِلِ إذَا أَفَاقَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا وَاسْتَوْعَبَ الشَّهْرَ اخْتَلَفَ فِيهِ أَئِمَّةُ بُخَارَى وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَا يُصَامُ فِيهَا وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ كُلَّهُ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ حَتَّى لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ فِيهِ كَاللَّيْلِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ اهـ وَلَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَعَلِمَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَلِمَ فِي خِلَالِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَالْمَجْنُونَ سَوَاءٌ. اهـ. دِرَايَةٌ (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ جُنَّ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ أَفَاقَ فِي رَمَضَانَ آخَرَ بَعْدَ سِنِينَ قَضَى الشَّهْرَ الَّذِي جُنَّ فِيهِ وَاَلَّذِي أَفَاقَ فِيهِ وَلَمْ يَقْضِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ السِّنِينَ لِاسْتِيعَابِهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى عِنْدَهُ بِدُونِ النِّيَّةِ إلَى آخِرِهِ) وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يُنْكِرُ هَذَا الْمَذْهَبَ لِزُفَرَ وَيَقُولُ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُ أَنَّ صَوْمَ جَمِيعِ الشَّهْرِ يَتَأَدَّى بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي أَوَّلِهَا كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَقَالَ أَبُو الْيُسْرِ هَذَا قَوْلٌ قَالَهُ زُفَرُ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ) قُيِّدَ بِهِمَا لِأَنَّ الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ النِّيَّةِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ التَّعْيِينِ فِي حَقِّهِمَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا وَهَبَ كُلَّ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ) أَيْ عَلَى مَذْهَبِكُمْ فَهُوَ إلْزَامِيٌّ مِنْ زُفَرَ بِهِ فَإِنَّ إعْطَاءَ النِّصَابِ فَقِيرًا وَاحِدًا عِنْدَهُ لَا يَقَعُ بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ أَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ مَدْيُونًا فَعِنْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ أَدَاءُ النِّصَابِ إلَيْهِ زَكَاةً بِالِاتِّفَاقِ اهـ (قَوْلُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي لُزُومِ الْقَضَاءِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ) قَالَ فِي الْكَافِي ثُمَّ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ لِأَنَّا ذَكَرْنَا فِيمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ رَمَضَانَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ صَائِمًا فِي يَوْمِهَا وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ لِأَنَّا حَمَلْنَا أَمْرَهُ عَلَى النِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ وَهُنَا لَمْ يُحْمَلْ أَمْرُهُ عَلَى النِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَتَأْوِيلُهَا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا لَا يَنْوِي شَيْئًا وَذَا مُطْلَقٌ لَهُ فَلَا يَصْلُحُ حَالُهُ دَلِيلًا عَلَى الْعَزِيمَةِ أَوْ رَجُلًا مُتَهَتِّكًا اعْتَادَ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ وَحَالُ مِثْلِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَزِيمَةِ الصَّوْمِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ لَمْ يَنْوِ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ لَا صَوْمًا وَلَا فِطْرًا إلَى آخِرِهِ وَمَنْ حَقَّقَ تَرْكِيبَ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ مَنْ لَمْ يَنْوِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ جَزَمَ بِأَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِخِلَافِ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِغْمَاءَ قَدْ يُوجِبُ نِسْيَانَهُ حَالَ نَفْسِهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ فَيَنْبَنِي الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ وَهُوَ وُجُودُ النِّيَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فَيُفْتَى بِلُزُومِ صَوْمِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَيْضًا لِأَنَّ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى قِيَامِ النِّيَّةِ أَمَّا هُنَا فَإِنَّمَا عَلَّقَهُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ بِنَفْسِ عَدَمِ النِّيَّةِ ابْتِدَاءً لَا بِأَمْرٍ يُوجِبُ النِّسْيَانَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَدْرَى بِحَالَتِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَمَنْ شَكَّ أَنَّهُ كَانَ نَوَى أَمْ لَا أَمْكَنَ أَنْ يُجَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْبِنَاءِ عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ) أَيْ فَصَارَ الْآكِلُ قَبْلَ الزَّوَالِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ قَبْلَ الزَّوَالِ كَانَ بِفَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ صَوْمًا فَبِالْأَكْلِ فَوَّتَ هَذَا الْإِمْكَانَ بِمَنْزِلَةِ تَفْوِيتِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْغَصْبِ فَإِنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ كَمَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ لِتَفْوِيتِ الْأَصْلِ يَضْمَنُ غَاصِبُ الْغَاصِبِ لِتَفْوِيتِ إمْكَانِ الرَّدِّ لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَضْمَنَ الثَّانِي بِسَبَبِ

أَوْ تَسَحَّرَ ظَنَّهُ لَيْلًا وَالْفَجْرُ طَالِعٌ أَوْ أَفْطَرَ كَذَلِكَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ أَمْسَكَ يَوْمَهُ وَقَضَى وَلَمْ يُكَفِّرْ كَأَكْلِهِ عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ نَاسِيًا وَنَائِمَةٌ وَمَجْنُونَةٌ وُطِئَتَا) يَعْنِي هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ النَّهَارِ تَشَبُّهًا وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا ثُمَّ أَكَلَ عَمْدًا وَكَمَا لَا تَجِبُ عَلَى نَائِمَةٍ وَمَجْنُونَةٍ وُطِئَتَا أَمَّا وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ عَلَيْهِمْ فِي بَقِيَّةِ النَّهَارِ فَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فَلَا نُعِيدُهُ وَنُبَيِّنُ غَيْرَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فَنَقُولُ أَمَّا إذَا تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ فَإِذَا الْفَجْرُ طَالِعٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ كَمَا فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ هَذَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ اللَّيْلُ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَلَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتْرُكَهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُحَرَّمِ وَلَوْ أَكَلَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ لِمَا قُلْنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَسَاءَ بِالْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ إذَا كَانَ بِبَصَرِهِ عِلَّةٌ أَوْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً أَوْ مُتَغَيِّمَةً أَوْ كَانَ فِي مَكَان لَا يَسْتَبِينُ فِيهِ الْفَجْرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ فَلَا يَأْكُلْ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تُعْمَلُ عَمَلَ الْيَقِينِ وَإِنْ أَكَلَ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ قِيلَ يَقْضِيهِ احْتِيَاطًا وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَكَلَ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِمَا قُلْنَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَمْ تَكْمُلْ الْجِنَايَةُ وَأَمَّا إذَا أَفْطَرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا هِيَ لَمْ تَغْرُبْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِيهِ قَوْلُ عُمَرَ مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ وَقَضَاءُ يَوْمٍ عَلَيْنَا يَسِيرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهَا غَرَبَتْ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَأَى أَنَّهَا غَرَبَتْ وَلَوْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ فَأَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ وَالتَّفْوِيتَ عِلَّتُهُ وَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ قِيَامِ صَاحِبِ الْعِلَّةِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِسَبَبِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ مَا أَزَالَ الْيَدَ الْمُحِقَّةَ فَتَعَيَّنَ لِتَضْمِينِهِ تَفْوِيتَ الْإِمْكَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ تَسَحَّرَ ظَنَّهُ لَيْلًا) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَضَمَّنَتْ خَمْسَةَ فُصُولٍ، فَسَادُ صَوْمِهِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَوُجُوبُ إمْسَاكِ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ وَأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ وَالْخَامِسُ لَوْ أَكَلَ بَعْدَهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ اهـ وَعَدَّهَا فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ خَمْسَةً أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ قَالَ وَالْخَامِسُ أَنْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5]. اهـ. (قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِهِ) يُفِيدُ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ اسْتِحْبَابَ التَّرْكِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْإِسَاءَةِ إنْ لَمْ يُتْرَكْ بَلْ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ ذَلِكَ مَفْضُولًا وَفِعْلُ الْمَفْضُولِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِسَاءَةَ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ «فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَالْكَذِبَ رِيبَةٌ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَنَقُولُ الْمَرْوِيُّ لَفْظُ الْأَمْرِ فَإِنْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ مُقْتَضَاهُ الْوُجُوبَ فَيَلْزَمُ بِتَرْكِهِ الْإِثْمُ لَا الْإِسَاءَةُ أَوْ انْصَرَفَ عَنْهُ بِصَارِفٍ كَانَ نَدْبًا وَلَا إسَاءَةَ بِتَرْكِ الْمَنْدُوبِ بَلْ إنْ فَعَلَهُ نَالَ ثَوَابَهُ وَإِلَّا لَمْ يَنَلْ شَيْئًا فَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ كَوْنِهِ دَلِيلًا لِلْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ فَلَا يَصْلُحُ جَعْلُهُ دَلِيلًا عَلَى هَذِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ إسَاءَةٌ مَعَهَا إثْمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. فَتْحُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) وَصَحَّحَهُ فِي الْإِيضَاحِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا أَفْطَرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ إلَى آخِرِهِ) يُرَى عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنْ الرَّأْيِ بِمَعْنَى الظَّنِّ لَا الرُّؤْيَةِ بِمَعْنَى الْيَقِينِ كَقَوْلِهِ رَأَيْت اللَّهَ أَكْبَرَ كُلِّ شَيْءٍ أَيْ عَلِمْته وَلَوْ صِيغَ مِنْهُ لِلْفَاعِلِ مُرَادًا بِهِ الْمَفْعُولُ لَمْ يَمْتَنِعْ فِي الْقِيَاسِ لَكِنْ لَمْ يُسْمَعْ بِمَعْنَاهُ إلَّا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ قَالَ وَكُنْت أَرَى زَيْدًا كَمَا قِيلَ سَيِّدًا ... إذَا إنَّهُ عَبْدُ الْقَفَا وَاللَّهَازِمِ فَأُرِيت بِمَعْنَى أُظْنِنْت أَيْ دُفِعَ إلَى الظَّنِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَا تَجَانَفْنَا) أَيْ مَا تَمَايَلْنَا وَمَا تَعَمَّدْنَا مِنْ الْجَنَفِ وَهُوَ الْمِيلُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا تَعَمَّدْنَا فِي هَذَا ارْتِكَابَ مَعْصِيَةٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ) لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النَّهَارُ وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ) أَيْ وَمُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ لُزُومُهَا لِأَنَّ الثَّابِتَ حَالَ غَلَبَةِ ظَنِّ الْغُرُوبِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ لَا حَقِيقَتُهَا فَفِي حَالِ الشَّكِّ دُونَ ذَلِكَ وَهُوَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ لَا تُسْقِطُ الْعُقُوبَاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ شَاكًّا إلَى قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ اهـ وَهَاكَ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ بِتَمَامِهَا وَلَوْ كَانَ شَاكًّا فِيهِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ نَظَرًا إلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ النَّهَارُ (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فِي آخِرِ بَابِ الِاعْتِكَافِ وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَبِك آمَنْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت وَصَوْمَ الْغَدِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ نَوَيْت فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت اهـ (قَوْلُهُ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ النَّهَارَ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ أَكْبَرُ رَأْيِهِ وَأَوْرَدَ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ غَرَبَتْ وَاثْنَانِ بِأَنْ لَا فَأَفْطَرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْغُرُوبِ لَا كَفَّارَةَ مَعَ أَنَّ تَعَارُضَهُمَا يُوجِبُ الشَّكَّ أُجِيبُ بِمَنْعِ الشَّكِّ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِعَدَمِهِ عَلَى النَّفْيِ فَبَقِيَتْ الشَّهَادَةُ بِالْغُرُوبِ بِلَا مُعَارِضَ فَوَجَبَ ظَنُّهُ وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. اهـ. فَتْحُ قَوْلُهُ بِلَا مُعَارِضٍ حَتَّى إنَّ الشَّهَادَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَفْطَرَ

وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بِاللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّسَحُّرَ مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةٌ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ فَضْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السُّحُورِ وَيُرْوَى السُّحُورُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ وَالْمُسْتَحَبُّ فِيهِ التَّأْخِيرُ وَفِي الْفِطْرِ التَّعْجِيلُ لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا أَخَّرُوا السُّحُورَ وَعَجَّلُوا الْفِطْرَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لَا تَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتَمَرَاتٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمَرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَكَلَ عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ نَاسِيًا فَلِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ فَتَحَقَّقَ الشُّبْهَةُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَهُ الْحَدِيثُ وَعِلْمِهِ أَوْ لَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الدَّلِيلِ فَلَا تَنْتَفِي بِالْعِلْمِ كَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ الِابْنِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ كَيْفَمَا كَانَ لِمَا قُلْنَا وَكَذَا لَوْ جَامَعَ نَاسِيًا ثُمَّ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ عَمْدًا وَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى مِنْ النَّهَارِ أَوْ أَصْبَحَ مُسَافِرًا فَنَوَى الْإِقَامَةَ فَأَكَلَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَكَذَا عَنْهُمَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَلَيْسَ بِشَاذٍّ حَتَّى يَجْتَزِئَ بِتَرْكِهِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ لَقُلْت بِفِطْرِهِ بِالْأَكْلِ نَاسِيًا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى قُوَّتِهِمَا أَعْنِي قُوَّةَ الْحَدِيثِ وَقُوَّةَ الْقِيَاسِ وَعَلَى هَذَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ ثُمَّ أَفْطَرَ عَمْدًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَعُودُ إلَى الْجَوْفِ عَادَةً فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَلَوْ احْتَجَمَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفَطِّرُهُ فَأَكَلَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الظَّنَّ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ فَقِيهٌ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْفَتْوَى دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فِي حَقِّهِ وَلَوْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» فَأَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ أَقْوَى مِنْ فَتْوَى الْمُفْتِي فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خِلَافُ ذَلِكَ لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ الِاقْتِدَاءُ بِالْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ فِي حَقِّهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثِ وَلَوْ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ بِالِاتِّفَاقِ لِهَذَا الْمَعْنَى اهـ دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ التَّسَحُّرَ مُسْتَحَبٌّ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ سُنَّةٌ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً) قِيلَ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ حُصُولُ التَّقَوِّي بِهِ عَلَى صَوْمِ الْغَدِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَعِينُوا بِقَائِلَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَبِأَكْلِ السَّحُورِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ» أَوْ الْمُرَادُ زِيَادَةُ الثَّوَابِ لِاسْتِنَانِهِ بِسُنَنِ الْمُرْسَلِينَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَرْقٌ بَيْنَ صَوْمِنَا وَصَوْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ السَّحُورُ وَلَا مُنَافَاةَ فَلْيَكُنْ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَالسَّحُورُ مَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ» وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ فِي أَكْلِ السَّحُورِ بَرَكَةٌ بِنَاءً عَلَى ضَبْطِهِ بِضَمِّ السِّينِ جَمْعُ سَحَرٍ فَأَمَّا عَلَى فَتْحِهَا وَهُوَ الْأَعْرَفُ فِي الرِّوَايَةِ فَهُوَ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ كَالْوَضُوءِ بِالْفَتْحِ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ بِالضَّمِّ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ وَنَيْلَ الثَّوَابِ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالْفِعْلِ لَا بِنَفْسِ الْمَأْكُولِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ) أَيْ إلَّا أَبَا دَاوُد عَنْ أَنَسٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الرَّدِّ عَلَى الشِّيعَةِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الْفِطْرَ إلَى ظُهُورِ النَّجْمِ لِأَنَّهُمْ إذَا أَخَّرُوهُ كَانَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ) أَيْ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَبْقَى صَائِمًا بِأَكْلِهِ عِنْدَ النِّسْيَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنْ يَبْلُغَهُ الْحَدِيثُ وَعِلْمُهُ) أَيْ عِلْمُ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُهُ الْأَكْلُ نَاسِيًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ كَيْفَمَا كَانَ) نَظَرًا إلَى قِيَامِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ الثَّابِتَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ بِثُبُوتِ هَذَا الدَّلِيلِ وَإِنْ قَامَ الدَّلِيلُ الرَّاجِحُ عَلَى تَبَايُنِ الْمِلْكَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ) أَيْ مِنْ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَعِلْمُهُ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ بَلْ يُوجِبُ الْعَمَلَ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالرَّاوِي. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ) أَيْ وَهِيَ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَبْقَى مَعَ مُنَافِيهِ اهـ وَأَيْضًا نَظَرًا إلَى الْقِيَاسِ وَلَا تَنْتَفِي هَذِهِ الشُّبْهَةُ بِالْعِلْمِ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْعَمَلَ فَلَا تَنْتَفِي بِهِ الشُّبْهَةُ كَافِي قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّنَّ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى دَلِيلٍ إلَى آخِرِهِ قَالَ فِي فِي الدِّرَايَةِ لِأَنَّ انْعِدَامَ الرُّكْنِ بِوُصُولِ الشَّيْءِ إلَى بَاطِنِهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ أَوْ بِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ» وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهُمَا لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى وَحُكْمُ الِاسْتِفْتَاءِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ اهـ قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ فَقِيهٌ بِذَلِكَ أَيْ مِنْ أَيٍّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ قَالَ الْمَحْبُوبِي بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي مِمَّنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْفَتْوَى وَيُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ فِي الْبَلْدَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِغَيْرِهِ هَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ رُسْتُم عَنْ مُحَمَّدٍ وَبِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَتَصِيرُ فَتْوَى الْمُفْتِي شُبْهَةً وَلَا يَصِيرُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ فِي حَقِّهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثِ) أَيْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفًا عَنْ ظَاهِرِهِ أَوْ مَنْسُوخًا اهـ كَافِي (قَوْلُهُ وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ) أَيْ بِأَنَّهُ يُفْطِرُ. اهـ. فَتْحٌ وَلَيْسَ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي النِّسْيَانِ لِأَنَّ خِلَافَهُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ لِمُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ. اهـ. كَافِي بِالْمَعْنَى

[فصل نذر صوم يوم النحر]

لَا يُورَثُ شُبْهَةً لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ كَانَا يَغْتَابَانِ النَّاسَ فَلَا يَحْصُلُ لَهُمَا أَجْرُ الصَّائِمِ وَالْقُبْلَةُ وَاللَّمْسُ وَالْمُبَاشَرَةُ كَالْحِجَامَةِ حَتَّى لَا تَسْقُطَ الْكَفَّارَةُ بِهِ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ فَقِيهٌ وَلَوْ اغْتَابَ إنْسَانًا فَأَفْطَرَ بَعْدَهُ مُتَعَمِّدًا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ كَيْفَمَا كَانَ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ وَقَوْلُ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يُورَثُ شُبْهَةً وَقِيلَ هِيَ كَالْحِجَامَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَأَمَّا النَّائِمَةُ وَالْمَجْنُونَةُ إذَا جُومِعَتَا فَلِوُجُودِ مَا يُنَافِي الصَّوْمَ وَهُوَ الْجِمَاعُ فَالْأَكْلُ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِفْسَادٍ لِوُجُودِ الْفَسَادِ قَبْلَهُ فَلَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُمَا بِهَذَا الْجِمَاعِ اعْتِبَارًا بِالنَّاسِي إذْ عُذْرُهُمَا أَبْلَغُ مِنْ عُذْرِهِ لِوُجُودِ قَصْدِ الْأَكْلِ فِيهِ دُونَهُمَا وَنَحْنُ نَقُولُ النِّسْيَانُ يَغْلِبُ وُجُودُهُ وَهُمَا نَادِرَانِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُمَا بِهِ ثُمَّ تَصْوِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي النَّائِمَةِ ظَاهِرٌ وَصُورَتُهَا فِي الْمَجْنُونَةِ أَنَّهَا نَوَتْ الصَّوْمَ ثُمَّ جُنَّتْ بِالنَّهَارِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَجَامَعَهَا إنْسَانٌ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ لَمَّا قَرَأْت عَلَى مُحَمَّدٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قُلْت لَهُ كَيْفَ تَكُونُ صَائِمَةً وَهِيَ مَجْنُونَةٌ فَقَالَ لِي دَعْ هَذَا فَإِنَّهُ انْتَشَرَ فِي الْأَرْضِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ وَهِيَ مَجْبُورَةٌ أَيْ مُكْرَهَةٌ فَظَنَّ النَّاسِخُ أَنَّهَا مَجْنُونَةٌ وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَعْ هَذَا فَإِنَّهُ انْتَشَرَ فِي الْآفَاقِ وَرُوِيَ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ أَنَّهُ قَالَ قُلْت لِمُحَمَّدٍ أَهَذِهِ الْمَجْنُونَةُ قَالَ لَا بَلْ الْمَجْبُورَةُ فَقُلْت أَلَا نَجْعَلُهَا مَجْبُورَةً فَقَالَ بَلَى ثُمَّ قَالَ كَيْفَ وَقَدْ سَارَتْ بِهَا الرُّكْبَانُ دَعُوهَا وَالْمَجْبُورَةُ بِمَعْنَى مُجْبَرَةٍ ضَعِيفٌ لَفْظًا صَحِيحٌ حُكْمًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ فَتَذَكَّرَ فَقَطَعَ الشُّرْبَ أَوْ أَلْقَى اللُّقْمَةَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فَنَزَعَهُ لِلْحَالِ عِنْدَ الذِّكْرِ أَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ يُجَامِعُهَا فَنَزَعَهُ مَعَ الطُّلُوعِ فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَقَالَ زُفَرُ يُفَطِّرُهُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي فَصْلِ الْجِمَاعِ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ النَّزْعِ مُبَاشِرٌ لِلْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتِهِ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّمَكُّنُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ وَأَخَوَاتُهَا فَنَزَعَهُ لِلْحَالِ يَحْنَثُ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَفْسُدُ صَوْمُهُ فِي الْجِمَاعِ خَاصَّةً لِأَنَّ النَّزْعَ نَفْسَهُ جِمَاعٌ لِوُجُودِ مُمَاسَّةِ الْفَرْجِ بِالْفَرْجِ وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ النَّزْعَ تَرْكُ الْفِعْلِ فَلَا يُنَافِي الصَّوْمَ لِأَنَّ فِعْلَهُ الْجِمَاعَ وَقَدْ تَرَكَهُ بِالنَّزْعِ وَكَذَا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ تَرَكَهُ بِالْقَطْعِ فَلَا يُفَطِّرُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَصْلٌ) (مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ أَفْطَرَ وَقَضَى) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهِ لِأَنَّهُ نَذَرَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَلَنَا أَنَّهُ نَذْرٌ بِصَوْمٍ مَشْرُوعٍ فَيَصِحُّ وَالنَّهْيُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ) أَيْ مَعَ فَرْضِ عِلْمِ الْآكِلِ كَوْنَ الْحَدِيثِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْقُبْلَةُ وَاللَّمْسُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ مَسَّ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ أَوْ ضَاجَعَهَا وَلَمْ يُنْزِلْ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا تَأَوَّلَ حَدِيثًا أَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخْطَأَ الْفَقِيهُ وَلَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْفَتْوَى وَالْحَدِيثِ يَصِيرُ شُبْهَةً كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِيهِ لَوْ دَهَنَ شَارِبَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا أَوْ تَأَوَّلَ حَدِيثًا لِمَا قُلْنَا يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ فِيمَنْ اغْتَابَ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا مِنْ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا أَوْ تَأَوَّلَ حَدِيثًا لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِفَتْوَى الْفَقِيهِ وَلَا بِتَأْوِيلِهِ الْحَدِيثَ هُنَا لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَشْتَبِهُ عَلَى مَنْ لَهُ شَمَّةٌ مِنْ الْفِقْهِ وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْمَرْوِيِّ الْغَيْبَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ حَقِيقَةَ الْإِفْطَارِ فَلَمْ يُصَيِّرْهُ ذَلِكَ شُبْهَةً اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُمَا) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا ذَكَرَهَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُمَا نَادِرَانِ) أَيْ جِمَاعُ النَّائِمَةِ وَالْمَجْنُونَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمَجْبُورَةُ بِمَعْنَى مُجْبَرَةٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ ثَعْلَبٌ فِي فَصِيحِهِ جَبَرْت الْكَسْرَ صَحَّحْته وَأَجْبَرْت فُلَانًا قَهَرْته جَبْرًا فِي الْأَوَّلِ وَإِجْبَارًا فِي الثَّانِي فَهُوَ مَجْبُورٌ مِنْ جَبَرَ وَمُجْبَرٌ مِنْ أَجْبَرَ اهـ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ جَبَرَهُ بِمَعْنَى أَجْبَرَهُ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ وَلِذَا قَلَّ اسْتِعْمَالُ الْمَجْبُورِ بِمَعْنَى الْمُجْبَرِ وَاسْتَصْعَبَ وَضْع الْمَجْبُورَةِ مَوْضِعَ الْمَجْنُونَةِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَائِلِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ وَلَوْ بَدَأَ بِالْجِمَاعِ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ إنْ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ قِيلَ لَا كَفَّارَةَ وَقِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يُحَرِّكْ نَفْسَهُ بَعْدَ التَّذَكُّرِ حَتَّى أَنْزَلَ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ بَعْدُ فَعَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَدْخَلَ وَلَوْ جَامَعَ عَامِدًا قَبْلَ الْفَجْرِ فَطَلَعَ وَجَبَ النَّزْعُ فِي الْحَالِ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا نَظِيرُهُ مَا قَالُوا أَوْلَجَ ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ إنْ نَزَعَ أَوْ لَمْ يَنْزِعْ وَلَمْ يُحَرِّكْ حَتَّى أَنْزَلَ لَا تَطْلُقُ وَلَا تُعْتَقُ وَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ طَلُقَتْ وَعَتَقَتْ وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْحَرَكَةِ الثَّانِيَةِ وَيَجِبُ الْعَقْدُ لِلْأَمَةِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا. اهـ. [فَصْلٌ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ فِي الْفَتْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِوَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ فِي النُّسْخَةِ الْأُخْرَى مُشَارٌ بِهِ إلَى مَعْهُودٍ فِي الذِّهْنِ بِنَاءً عَلَى شُهْرَةِ الْأَيَّامِ عَنْ صِيَامِهَا وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْعِيدَيْنِ وَيُنَاسِبُ النُّسْخَةَ الْأُولَى الِاسْتِدْلَال فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْأَضْحَى وَصِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ» وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا سَمِعْته يَقُولُ «لَا يَصِحُّ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ» وَيُنَاسِبُ النُّسْخَةَ الْأُخْرَى الِاسْتِدْلَال بِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَصُومُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ إلَى آخِرِهِ اهـ

لَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الِانْتِهَاءُ وَالنَّهْيُ عَمَّا لَا يُتَصَوَّرُ لَا يَكُونُ فَيَقْتَضِي تَصَوُّرَهُ وَحُرْمَتَهُ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا ضَرُورَةً وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ وَلَكِنَّهُ يُفْطِرُ احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ ثُمَّ يَقْضِي إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ وَإِنْ صَامَ فِيهِ يَخْرُجُ عَنْ الْعَهْدِ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ كَمَا الْتَزَمَهُ نَاقِصًا لِمَكَانِ النَّهْيِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَانَ نَوَى يَمِينًا كَفَّرَ أَيْضًا) أَيْ مَعَ الْقَضَاءِ تَجِبُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِأَنَّهُمَا صَحَّا فَيَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَفْطَرَ مُوجِبُهُمَا الْكَفَّارَةُ بِالْيَمِينِ وَالْقَضَاءُ بِالنَّذْرِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى النَّذْرَ لَا غَيْرُ أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا يَكُونُ نَذْرًا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ عِنْدَ نِيَّتِهِ لَهُ فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْيَمِينَ مُحْتَمِلُ كَلَامَهُ لِأَنَّ النَّذْرَ إيجَابُ الْمُبَاحِ وَهُوَ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْبِرَّ وَقَدْ عَيَّنَهُ بِعَزِيمَتِهِ وَنَفَى غَيْرَهُ وَإِنْ نَوَاهُمَا جَمِيعًا يَكُونُ نَذْرًا وَيَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ نَذْرًا لَا غَيْرُ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ يَكُونُ أَيْضًا نَذْرًا وَيَمِينًا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَكُونُ يَمِينًا لَا غَيْرُ وَلَهُ أَنَّ النَّذْرَ فِيهِ حَقِيقَةٌ وَالْيَمِينَ مَجَازٌ فَلَا يَنْتَظِمُهَا لَفْظٌ وَاحِدٌ وَالْمَجَازُ يَتَعَيَّنُ بِنِيَّتِهِ وَعِنْدَ نِيَّتِهِمَا تَتَرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ لِأَنَّ النَّذْرَ إيجَابُ الْمُبَاحِ فَيَسْتَدْعِي تَحْرِيمَ ضِدِّهِ وَأَنَّهُ يَمِينٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ثُمَّ قَالَ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] فَكَانَ نَذْرًا بِصِيغَتِهِ يَمِينًا بِمُوجِبِهِ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ تُمْلَكُ بِصِيغَتِهِ تَحْرِيرٌ بِمُوجِبِهِ حَتَّى إذَا نَوَى عَنْ الْكَفَّارَةِ أَجْزَأَهُ أَوْ نَقُولُ إنَّهُمَا يَقْتَضِيَانِ الْوُجُوبَ أَمَّا النَّذْرُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْيَمِينُ فَلِأَنَّهُ يُوجِبُ الْبِرَّ إلَّا أَنَّ النَّذْرَ يَقْتَضِيهِ لِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ وَالْيَمِينُ يَقْتَضِيهِ لِغَيْرِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ كَمَا جَمَعْنَا بَيْنَ جِهَتَيْ التَّبَرُّعِ وَالْمُعَاوَضَةِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَكَمَا جَمَعْنَا بَيْنَ جِهَتَيْ الْفَسْخِ وَالْبَيْعِ فِي الْإِقَالَةِ فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ مَعَ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ فَمَعَ اتِّفَاقِهِ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا لِعَيْنِهِ وَوَاجِبًا لِغَيْرِهِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ كَمَنْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَن الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ أَوْ لَيُطِيعَن أَبَوَيْهِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِهَتَيْنِ مُؤَكِّدَةً لِلْأُخْرَى فَلَا تَنَافِي ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَالنَّهْيُ عَمَّا لَا يُتَصَوَّرُ لَا يَكُونُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِحُكْمِ النَّهْيِ بَعْدَمَا كَانَ مَشْرُوعًا بِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ النَّهْيَ غَيْرُ النَّسْخِ فَالنَّسْخُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَشْرُوعِ بِالرَّفْعِ أَوْ الِانْتِهَاءُ أَوْ بِعَدَمِ فِعْلِ الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا وَلَا صُنْعً لِلْعَبِدِ فِي الشَّرْعِ وَالنَّهْيُ مَنْعُ الْمُكَلَّفِ مِنْ فِعْلِ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِي الْوَقْتِ فَيَبْقَى الْحَالُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ مَعَ مَنْعِهِ وَيَصِيرُ فِعْلُهُ حَرَامًا وَقَدْ يُوجَدُ النَّسْخُ وَلَا نَهْيَ كَصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ انْتَسَخَ وُجُوبُهُ وَبَقِيَ نَدْبُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ) أَيْ كَمَا لَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ الَّذِي تَلَاهَا فِيهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ نَاقِصًا) قَالَ فِي الْكَافِي كَمَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ هَذِهِ الرَّقَبَةَ وَهِيَ عَمْيَاءُ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ بِإِعْتَاقِهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَتَأَدَّى شَيْءٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ يَكُونُ نَذْرًا) أَيْ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ) أَيْ وَبِالْإِجْمَاعِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ يَكُونُ يَمِينًا) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ) أَيْ وَلَمْ يَخْطِرْ بَالُهُ بِالنَّذْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَهُ أَنَّ النَّذْرَ فِيهِ حَقِيقَةٌ وَالْيَمِينَ مَجَازٌ) أَيْ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفُ الْأَوَّلُ عَلَى النِّيَّةِ وَيَتَوَقَّفُ الثَّانِي. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمَجَازُ يَتَعَيَّنُ بِنِيَّتِهِ) أَيْ فَيَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِالْإِفْطَارِ دُونَ الْقَضَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ نِيَّتِهِمَا تَتَرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ) لِقُوَّتِهَا إذْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُمْتَنِعٌ فَإِذَا أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ) أَيْ فَجَازَ أَنْ يَجْتَمِعَا. اهـ. كَافِي وَالْجِهَتَانِ الْكَائِنَتَانِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا جِهَةُ الْيَمِينِ وَجِهَةُ النَّذْرِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ يَقْتَضِيَانِ الْوُجُوبَ) أَيْ وُجُوبَ مَا تَعَلَّقَتَا بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ) أَيْ بِالْحِنْثِ فَالنَّاذِرُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَكَانَ اللَّفْظُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً لِأَحَدِهِمَا مَجَازًا لِلْآخَرِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ اللَّفْظِ الْعَامِّ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى النَّذْرِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْأَلْفَاظِ الْمُشَكِّكَةِ تَكُونُ وَاحِدًا إلَّا أَنَّهُ فِي الْبَعْضِ أَصْدَقُ كَالْبَيَاضِ فِي الثَّلْجِ، وَالْعَاجُ أَصْدَقُ مِنْ الثَّوْبِ وَفِي التَّحْرِيرِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ فَدَخَلَهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا يَحْنَثُ (قُلْت) الْمُرَادُ ثَمَّةَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَهُوَ الْحُصُولُ فِيهَا وَهَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مُرَادٌ وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يُصْرَفُ إلَى الْيَمِينِ وَفِي الْمَقِيسِ عَلَيْهَا يُصْرَفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فَلَمْ تَكُنْ مِثْلَهَا وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ بِلَفْظَيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ يَمِينٌ عَلَيَّ كَذَا نَذْرٌ فَيَكُونُ إيجَابُ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ مُوجِبَ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي لَفْظِهِ ذَكَرَ ذَلِكَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْخَلَّاطِيُّ فِي جَامِعِهِ إذْ اللَّامُ تُسْتَعْمَلُ لِلْقَسَمِ قَالَ الشَّاعِرُ لِلَّهِ يَبْقَى عَلَى الْأَيَّامِ ذُو حَيْدٍ اهـ سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا) أَيْ لَا نُفَارِقُهُمَا فِي الْإِيجَابِ. اهـ. كَافِي بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَالْمُعَاوَضَةُ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ) يَعْنِي جُعِلَ هِبَةً فِي الِابْتِدَاءِ لِلَفْظِ الْهِبَةِ وَبَيْعًا فِي الِانْتِهَاءِ لِدَلَالَةِ الْمُعَاوَضَةِ فَاعْتُبِرَتْ الْأَحْكَامُ الثَّلَاثَةُ لِجِهَةِ التَّبَرُّعِ وَهِيَ اشْتِرَاطُ التَّقَابُضِ وَالْبُطْلَانِ بِالشُّيُوعِ وَعَدَمُ جَوَازِ تَصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهَا وَاعْتُبِرَتْ جِهَةُ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْأَحْكَامِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَاسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَمَا جَمَعْنَا بَيْنَ جِهَتَيْ الْفَسْخِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ فَإِنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِصِيغَتِهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ بِمَعْنَاهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَنْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَن الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ)

وَلَا يَضُرُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِهِ لِأَنَّهُمَا حُكْمٌ آخَرُ سِوَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ إذْ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ لُزُومُ الْوَفَاءِ بِهِ فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ أَفْطَرَ أَيَّامًا مَنْهِيَّةً وَهِيَ يَوْمَا الْعِيدِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَقَضَاهَا) لِأَنَّ النَّذْرَ بِالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ نَذْرٌ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْهَا وَقَالَ فِي الْغَايَةِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَذَرَ قَبْلَ عِيدِ الْفِطْرِ أَمَّا إذَا قَالَ فِي شَوَّالٍ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمِ الْفِطْرِ وَكَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَلْ يَلْزَمُهُ صِيَامُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ هَذَا قِيَاسُهُ وَهَذَا سَهْوٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذِهِ السَّنَةَ عِبَارَةٌ عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ وَقْتِ النَّذْرِ إلَى وَقْتِ النَّذْرِ وَهَذِهِ الْمُدَّةُ لَا تَخْلُو عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَمْلِ فَيَكُونُ نَذْرًا بِهَا وَكَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ السَّنَةَ لَكِنَّهُ شَرَطَ التَّتَابُعَ لِأَنَّ السَّنَةَ الْمُتَتَابِعَةَ لَا تَعْرَى عَنْهَا لَكِنْ يَقْضِيهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مَوْصُولَةً تَحْقِيقًا لِلتَّتَابُعِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا نَذَرَ سَنَةً مُعَيَّنَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَرْتِيبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَجَاوِزٌ كَرَمَضَانَ وَلِهَذَا لَا يُعِيدُ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا وَفِي الثَّانِي يُعِيدُ لِفَقْدِ الشَّرْطِ وَلَوْ صَامَ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ وَيَتَأَتَّى فِي الْفَصْلَيْنِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ لَا يُجْزِيهِ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَيَقْضِي خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا لِأَنَّ السَّنَةَ الْمُنْكَرَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ اسْمٌ لِأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ قَدْرَ السَّنَةِ فَلَا تَدْخُلُ فِي النَّذْرِ هَذِهِ الْأَيَّامُ وَلَا شَهْرُ رَمَضَانَ بَلْ يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِهَا قَدْرُ السَّنَةِ فَإِذَا أَدَّاهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَقَدْ أَدَّاهَا نَاقِصَةً فَلَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَامِلِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ رَمَضَانَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ قَدْرِهِ بِخِلَافِ الْفَصْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لِأَنَّ رَمَضَانَ دَاخِلٌ فِي النَّذْرِ فَلَمْ يَصِحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ لِأَنَّ صَوْمَهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَيَكُونُ جُمْلَةُ مَا لَزِمَهُ فِي الْفَصْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِالنَّذْرِ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَفِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لِعَدَمِ دُخُولِ رَمَضَانَ فِيهِ وَلَوْ نَوَى يَمِينًا أَوْ نَذْرًا أَوْ يَمِينًا وَنَذْرًا فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوُجُوهِ السِّتَّةِ بِالِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ فِيهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قَضَاءَ إنْ شَرَعَ فِيهَا ثُمَّ أَفْطَرَ) أَيْ إنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فِي هَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْوَقْتِ فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا لَعَيْنهَا وَلِغَيْرِهَا حَتَّى يَجِبَ الْقَضَاءُ بِاعْتِبَارِ وُجُوبِ عَيْنِهَا وَالْكَفَّارَةُ بِاعْتِبَارِ الْوُجُوبِ لِغَيْرِهَا وَلَا يُسَمَّى هَذَا مَجَازًا بَلْ هُوَ عَمَلٌ بِالدَّلِيلَيْنِ. اهـ. كَاكِيٌّ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ سَوَاءٌ أَرَادَهُ أَنْ يَقُولَ صَوْمَ يَوْمٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ سَنَةٍ وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ كَلَامًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ النَّذْرُ لَزِمَهُ لِأَنَّ هَزْلَ النَّذْرِ كَالْجِدِّ كَالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَالَتْهُ قَضَتْ مَعَ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيَّامَ حَيْضِهَا لِأَنَّ تِلْكَ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْ الْحَيْضِ فَصَحَّ الْإِيجَابُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ خِلَافُ زُفَرَ فَإِنَّهُ مَنْصُوصٌ عَنْهُ فِي قَوْلِهَا أَنْ أَصُومَ غَدًا فَوَافَقَ حَيْضَهَا لَا تَقْضِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَقْضِيهِ لِأَنَّهَا لَمْ تُضِفْهُ إلَى يَوْمِ حَيْضِهَا بَلْ إلَى الْمَحَلِّ غَيْرَ أَنَّهُ اتَّفَقَ عُرُوضُ الْمَانِعِ فَلَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْإِيجَابِ حَالَ صُدُورِهِ فَتَقْضِي وَكَذَا إذَا نَذَرَتْ صَوْمَ الْغَدِ وَهِيَ حَائِضٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ يَوْمَ حَيْضِي لَا قَضَاءَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ لِإِضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَصَارَ كَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّيْلِ ثُمَّ عِبَارَةُ الْكِتَابِ تُفِيدُ الْوُجُوبَ لِمَا عُرِفَ وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ الْأَفْضَلُ فِطْرُهَا حَتَّى لَوْ صَامَهَا خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ تَسَاهُلٌ بَلْ الْفِطْرُ وَاجِبٌ لِاسْتِلْزَامِ صَوْمِهَا الْمَعْصِيَةَ وَتَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ الْفِطْرَ بِهَا فَإِنْ صَامَهَا أَثِمَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا الْتَزَمَهَا نَاقِصَةً لَكِنْ قَارَنَ هَذَا الِالْتِزَامَ وَاجِبٌ آخَرُ وَهُوَ لُزُومُ الْفِطْرِ تَرْكَهُ فَتَحْمِلُ إثْمَهُ. اهـ. فَتْحٌ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ هَذَا سَهْوٌ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي السُّنَّةِ الْمُعَيَّنَةِ حَيْثُ قَالَ هَذِهِ السُّنَّةُ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا بَقِيَ مِنْهَا أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ وَقَدْ مَضَى بَعْضُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَوْمُ بَقِيَّتِهِ فَكَذَا هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ مِنْ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ وَضْعَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ أَفْطَرَ أَيَّامًا مَنْهِيَّةٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ النَّذْرِ عَلَيْهَا وَإِلَّا لَا يُتَصَوَّرُ الْإِفْطَارُ اهـ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ شَيْخِي الْعَلَّامَةِ أَمْتَعَ اللَّهُ بِوُجُودِهِ هُوَ الشَّيْخُ صَلَاحُ الدِّينِ الطَّرَابُلُسِيُّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ نَذْرًا بِهَا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا سَهْوٌ بَلْ الْمَسْأَلَةُ كَمَا هِيَ فِي الْغَايَةِ مَنْقُولَةٌ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهَذَا الشَّهْرِ وَلِأَنَّ كُلَّ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَرَبِيَّةٍ عِبَارَةٌ عَنْ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَهَا مَبْدَأٌ وَمَخْتَمٌ خَاصَّانِ عِنْدَ الْعَرَبِ مَبْدَؤُهَا الْمَحْرَمُ وَآخِرُهَا ذُو الْحِجَّةِ فَإِذَا قَالَ هَذِهِ فَإِنَّمَا تُفِيدُ الْإِشَارَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا فَحَقِيقَةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ نَذَرَ بِالْمُدَّةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَى آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُدَّةُ الْمَاضِيَةُ الَّتِي مَبْدَؤُهَا الْمَحْرَمُ إلَى وَقْتِ التَّكَلُّمِ فَيَلْغُو فِي حَقِّ الْمَاضِي كَمَا يَلْغُو فِي قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ وَهَذَا فَرْعٌ يُنَاسِبُ هَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ الْيَوْمَ أَوْ الْيَوْمَ أَمْسِ لَزِمَ صَوْمُ الْيَوْمِ وَلَوْ قَالَ غَدًا هَذَا الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الْيَوْمَ غَدًا لَزِمَهُ صَوْمُ أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ تَفَوَّهَ بِهِ وَلَوْ قَالَ شَهْرًا لَزِمَهُ شَهْرٌ كَامِلٌ وَلَوْ قَالَ الشَّهْرَ وَجَبَتْ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الشَّهْرَ مُعَرَّفًا فَيُصْرَفُ إلَى الْمَعْهُودِ بِالْحُضُورِ فَإِنْ نَوَى شَهْرًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ صَوْمُ يَوْمَيْنِ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا صَوْمُ يَوْمِهِ بِخِلَافِ عَشْرِ حَجَّاتٍ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ السَّنَةَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ يُفْطِرُ وَيَقْضِي إذَا لَمْ يُعَيِّنْ السَّنَةَ بَلْ نَكَّرَهَا وَلَكِنْ وَصَفَهَا بِالتَّتَابُعِ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ سَنَةً مُتَتَابِعَةً فَهُوَ كَمَا لَوْ عَيَّنَ السَّنَةَ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذِهِ السَّنَةَ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ فَعَلَيْهِ صَوْمُ سَنَةٍ بِالْأَهِلَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَقْضِي خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ) أَيْ ثَلَاثِينَ لِرَمَضَانَ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهَلْ يَجِبُ وَصْلُهَا بِمَا مَضَى قِيلَ نَعَمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ هَذَا غَلَطٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِيَهُ. اهـ. فَتْحٌ

[باب الاعتكاف]

الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الشُّرُوعِ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ كَالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ صَوْمَ هَذِهِ الْأَيَّامِ مَأْمُورٌ بِنَقْضِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ بِالشُّرُوعِ يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ الْإِتْمَامِ فَلَا يَجِبُ وَهَذَا لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ يَكُونُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ لِأَنَّهُ صَوْمٌ فَيَكُونُ إعْرَاضًا عَنْ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ بِخِلَافِ النَّذْرِ بِصَوْمِ الْعِيدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِنَفْسِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ بِالْفِعْلِ فَكَانَتْ مِنْ ضَرُورَاتِ الْمُبَاشَرَةِ لَا مِنْ ضَرُورَاتِ إيجَابِ الْمُبَاشَرَةِ وَبِخِلَافِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ حَيْثُ لَا يَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَالشُّرُوعَ لَيْسَ بِصَلَاةٍ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي مَا لَمْ يَسْجُدْ وَالشُّرُوعُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْقَضَاءِ دُونَ الصَّلَاةِ فَصَارَ كَالنَّذْرِ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْأَدَاءُ بِذَلِكَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ بِأَنْ يُمْسِكَ حَتَّى تَبْيَضَّ الشَّمْسُ فَحَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الِاعْتِكَافِ). وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْإِقَامَةُ عَلَى الشَّيْءِ وَلُزُومُهُ وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] وقَوْله تَعَالَى {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] وَفِي الشَّرِيعَةِ هُوَ الْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَاللُّبْثُ فِيهِ مَعَ الصَّوْمِ وَالنِّيَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125] وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ فِيهِ مَوْجُودٌ مَعَ زِيَادَةِ وَصْفٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سُنَّ لُبْثٌ فِي مَسْجِدٍ بِصَوْمٍ وَنِيَّةٍ) أَيْ جُعِلَ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ سُنَّةً بِشَرْطِ نِيَّةِ الِاعْتِكَافِ وَالصَّوْمِ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ الِاعْتِكَافُ مُسْتَحَبٌّ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَالْمُوَاظَبَةُ دَلِيلُ السُّنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْعُيُونِ جَعَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْخِلَافُ لِأَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ وَعَلَى هَذَا مَشَى صَاحِبُ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ يَكُونُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ إلَى آخِرِهِ) لِصِدْقِ اسْمِ الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ وَالصَّائِمِ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِمْسَاكِ بِنِيَّةٍ وَلِذَا حَنِثَ بِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَصُومُ وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ بِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَصُومُ صَوْمًا. اهـ. فَتْحٌ (فَرْعٌ) فِي الْوَلْوَالِجِيِّ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَآخِرِهِ فَصَوْمُ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ لِأَنَّ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ أَوَّلِهِ وَالسَّادِسَ عَشَرَ مِنْ آخِرِهِ وَمَا عَدَاهُمَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَا مُتَتَابِعَيْنِ اهـ غَايَةٌ فِي آخِرِ بَابِ الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الصَّلَاةُ إلَى آخِرِهِ) وَالصَّلَاةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ أَرْكَانٍ مَعْلُومَةٍ فَمَا لَمْ يَفْعَلْهَا لَا يَتَحَقَّقُ لِأَنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ بِوُجُودِ جَمِيعِ حَقِيقَتِهِ فَإِذَا قَطَعَهَا فَقَدْ قَطَعَ مَا لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ بَعْدُ قَطْعُهُ فَيَكُونَ مُبْطِلًا لِلْعَمَلِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْإِبْطَالِ فَيَلْزَمَ بِهِ الْقَضَاءُ إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ بَعْدَ السَّجْدَةِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَالْجَوَابُ مُطْلَقٌ فِي الْوُجُوبِ. اهـ. فَتْحٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ أَيْضًا وَالْأَظْهَرُ هُوَ الْفَرْقُ. اهـ. غَايَةٌ [بَابُ الِاعْتِكَافِ] أَخَّرَهُ عَنْ الصَّوْمِ لِأَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ طَبْعًا فَيُقَدَّمُ وَضْعًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْإِقَامَةُ إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ عَطَاءٌ مَثَلُ الْمُعْتَكِفِ كَمِثْلِ رَجُلٍ لَهُ حَاجَةٌ إلَى عَظِيمٍ فَيَجْلِسُ عَلَى بَابِهِ وَيَقُولُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتِي وَهُوَ أَشْرَفُ الْأَعْمَالِ إنْ كَانَ عَنْ إخْلَاصٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَيْهِ) أَيْ بِرًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى إلَى آخِرِهِ) أَيْ وقَوْله تَعَالَى {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} [طه: 97]. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ) أَيْ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ بَعْدَهُ فَهَذِهِ الْمُوَاظَبَةُ الْمَقْرُونَةُ بِعَدَمِ التَّرْكِ مَرَّةً لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَتْ دَلِيلَ السُّنَّةِ وَإِلَّا كَانَتْ تَكُونُ دَلِيلَ الْوُجُوبِ أَوْ نَقُولُ اللَّفْظُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى عَدَمِ التَّرْكِ ظَاهِرٌ لَكِنْ وَجَدْنَا صَرِيحًا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْكِ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ إلَى مَكَانِهِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ أَنْ تَعْتَكِفَ فِيهِ فَأَذِنَ لَهَا فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً فَسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً أُخْرَى فَسَمِعَتْ زَيْنَبُ فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً أُخْرَى فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْغَدَاةِ بَصَرَ أَرْبَعَ قِبَابٍ فَقَالَ مَا هَذَا فَأُخْبِرَ خَبَرَهُنَّ فَقَالَ مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هَذَا الْبِرِّ انْزِعُوهَا فَلَا أَرَاهَا فَنُزِعَتْ فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ وَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ» هَذَا وَأَمَّا اعْتِكَافُ الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ فَقَدْ «وَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَهُ فَلَمَّا فَرَغَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ إنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَك يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْآخِرَ» وَعَنْ هَذَا ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي لَيْلَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَوَرَدَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ» وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ وَلَا يُدْرَى أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ وَقَدْ تَتَقَدَّمُ وَقَدْ تَتَأَخَّرُ وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ هَكَذَا النَّقْلُ عَنْهُمْ وَفِي الْمَنْظُومَةِ وَالشُّرُوحِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ وَفِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّهَا تَدُورُ فِي السَّنَةِ تَكُونُ

وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَاجِبٌ وَهُوَ الْمَنْذُورُ وَسُنَّةٌ وَهُوَ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْمِنَةِ وَمِنْ مَحَاسِنِ الِاعْتِكَافِ أَنَّ فِيهِ تَفْرِيغَ الْقَلْبِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَتَسْلِيمُ النَّفْسِ إلَى الْمَوْلَى وَمُلَازَمَةُ عِبَادَتِهِ وَبَيْتِهِ وَهُوَ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الصَّوْمِ وَنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ أَمَّا اللُّبْثُ فَرُكْنُهُ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْهُ وَشَرْطُهُ النِّيَّةُ وَالْمَسْجِدُ وَالصَّوْمُ وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصَّوْمُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَهُ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صَوْمٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ رَفَعَهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السُّوسِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يَرْفَعُهُ وَرُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنْت نَذَرْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ أَوْفِ بِنَذْرِك فَاعْتَكِفْ لَيْلَةً» وَهِيَ لَا تَقْبَلُ الصَّوْمَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الشِّرْكِ وَيَصُومَ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ إسْلَامِهِ فَقَالَ أَوْفِ بِنَذْرِك» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ فَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ مِنْ شَرْطِهِ لَمَا احْتَاجَ إلَى إيجَابِ الصَّوْمِ فِيهِ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الدِّينِ فَكَيْفَ يَكُونُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ وَالشَّرْطِيَّةُ تُنْبِئُ عَنْ التَّبَعِيَّةِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَبَعًا لِمَا هُوَ دُونَهُ وَلَنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا وَلَا يَشْهَدَ جِنَازَةً وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلَا يُبَاشِرَهَا وَلَا يَخْرُجَ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمِثْلُهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اعْتَكَفَ بِلَا صَوْمٍ وَلَوْ كَانَ جَائِزًا لَفَعَلَ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ وَلِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ صَائِمًا يَلْزَمُهُ الِاعْتِكَافُ صَائِمًا وَلَوْلَا أَنَّهُ شَرْطٌ لَمَا لَزِمَهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُتَصَدِّقًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَهَذَا لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا مَقْصُودًا لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَنْصِبَ الْأَسْبَابَ وَلَا يَشْرَعَ الْأَحْكَامَ بَلْ لَهُ أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُوجَبْ الْمُكْثُ وَحْدَهُ إلَّا فِي ضِمْنِ عِبَادَةٍ كَالْقُعُودِ فِي التَّشَهُّدِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا يَجِبُ فِيهِ الْمُكْثُ فَإِنَّهُ لَوْ اجْتَازَ بِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ يَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ الصَّوْمُ شَرْطًا فِيهِ لَكَانَ شَرْطَ انْعِقَادٍ أَوْ دَوَامٍ وَلَيْسَ هُوَ شَرْطًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَلِيلِ جَوَازِ الشُّرُوعِ فِيهِ لَيْلًا وَبَقَائِهِ فِيهِ بَعْدَمَا شَرَعَ قُلْنَا الشَّرَائِطُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلَا إمْكَانَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي رَمَضَانَ وَتَكُونُ فِي غَيْرِهِ فَجُعِلَ ذَلِكَ رِوَايَةً وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَإِنْ قَالَ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ عَتَقَ وَطَلُقَتْ إذَا انْسَلَخَ الشَّهْرُ وَإِنْ قَالَهُ بَعْدَ لَيْلَةٍ مِنْهُ فَصَاعِدًا لَمْ يُعْتَق حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ الْعَامَ الْقَابِلَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إذَا جَاءَ مِثْلُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ رَمَضَانَ الْآتِي وَأَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْأَدِلَّةِ الْمُفِيدَةِ لِكَوْنِهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي ذَلِكَ الرَّمَضَانُ الَّذِي كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْتَمَسَهَا فِيهِ وَالسِّيَاقَاتُ تَدُلُّ عَلَيْهِ لِمَنْ تَأَمَّلَ طُرُقَ الْأَحَادِيثِ وَأَلْفَاظَهَا كَقَوْلِهِ إنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَك وَإِنَّمَا كَانَ يَطْلُبُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاءُ وَمِنْ عَلَامَتِهَا أَنَّهَا بُلْجَةٌ سَاكِنَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا قَارَّةٌ تَطْلُعُ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا بِلَا شُعَاعٍ كَأَنَّهَا طَسْتٌ كَذَا قَالُوا وَإِنَّمَا أُخْفِيَتْ لِيَجْتَهِدَ فِي طَلَبِهَا فَيَنَالَ بِذَلِكَ أَجْرَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ كَمَا أَخْفَى سُبْحَانَهُ السَّاعَةَ لِيَكُونُوا عَلَى وَجَلٍ مِنْ قِيَامِهَا بَغْتَةً. اهـ. فَتْحٌ مَعَ حَذْفٍ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَيَنْبَغِي لِمَنْ رَأَى لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَنْ يَكْتُمَهَا وَيَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى بِإِخْلَاصٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ) خِلَافُ كُلٍّ مِنْ الْإِطْلَاقَيْنِ بَلْ الْحَقُّ أَنْ يَقِلَّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَاجِبٌ وَهُوَ الْمَنْذُورُ) أَيْ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَقَوْلُهُ فِي الِاعْتِكَافِ وَهُوَ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الصَّوْمِ يُرِيدُ بِهِ الْوَاجِبَ فِي حَقِّ غَيْرِ النِّسَاءِ اهـ (قَوْلُهُ وَنِيَّةُ الِاعْتِكَافِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا مَفْهُومُهُ عِنْدَنَا وَفِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ إذْ هُوَ لُغَةً مُطْلَقُ الْإِقَامَةِ فِي أَيِّ مَكَان عَلَى أَيِّ غَرَضٍ كَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ رُكْنَهُ اللُّبْثُ بِشَرْطِ الصَّوْمِ وَالنِّيَّةِ وَكَذَا الْمَسْجِدُ مِنْ الشُّرُوطِ أَيْ كَوْنُهُ فِيهِ وَهَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ مُطْلَقًا لَا عَلَى اشْتِرَاطِهِ لِلْوَاجِبِ مِنْهُ فَقَطْ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلنَّفْلِ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا أَيْضًا إطْلَاقُ قَوْلِهِ وَالصَّوْمُ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إنَّمَا هُوَ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَلَيْسَ هُوَ عَلَى مَا يَنْبَغِي لِأَنَّهُ إنْ ادَّعَى انْتِهَاضَ دَلِيلِهِ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَزِمَهُ تَرْجِيحُ هَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ رَفَعَهُ أَبُو بَكْرٍ) هُوَ شَيْخُ الدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ لَا يَرْفَعُهُ إلَى آخِرِهِ) لَكِنَّهُ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ فِي رَفْعِهِ مَعَ أَنَّ النَّافِيَ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ قَالَ أَوْفِ بِنَذْرِك) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ إلَى آخِرِهِ) انْفَرَدَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ مِنْ شَرْطِهِ إلَى آخِرِهِ) كَوْنُ الصَّوْمِ مِنْ شَرْطِهِ إنَّمَا عُرِفَ بِالشَّرْعِ وَلَا شَرْعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ جَائِزًا إلَى آخِرِهِ) كَذَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ. اهـ. غَايَةٌ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ النَّذْرَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ الرَّبِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الِاعْتِكَافُ بِالنَّذْرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا يَجِبُ كَالنَّذْرِ بِصَوْمِ اللَّيْلِ وَالِاعْتِكَافُ مِنْ جِنْسِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِلَّهِ تَعَالَى قُلْنَا بَلْ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ اللُّبْثُ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ الْوُقُوفُ أَوْ النَّذْرُ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْوَاجِبِ وَهَذَا كَذَلِكَ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الصَّوْمِ وَمِنْ جِنْسِ الصَّوْمِ وَاجِبٌ فَيَكُونُ النَّذْرُ بِهِ مُشْتَمِلًا عَلَى اللُّبْثِ وَالصَّوْمِ وَمِنْ جِنْسِ الصَّوْمِ

اللَّيْلِ فَيَسْقُطُ لِلتَّعَذُّرِ وَجُعِلَتْ اللَّيَالِي تَابِعَةً لِلْأَيَّامِ كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ أَلَا تَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْمُسْتَحَاضَةِ تَصِحُّ مَعَ السَّيْلَانِ وَإِنْ عُدِمَ الشَّرْطُ لِلتَّعَذُّرِ وَكَذَا الْخُرُوجُ لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ لَا يُنَافِيهِ لِلْعَجْزِ مَعَ أَنَّ الرُّكْنَ أَقْوَى مِنْ الشَّرْطِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ وَمَعَ هَذَا تَعَلَّقَ بِهِ جَوَازُ الِاعْتِكَافِ كَالصَّلَاةِ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا وَمَعَ هَذَا تَعَلَّقَ بِهَا تَمَامُ الطَّوَافِ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْإِيمَانَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَتَعَلَّقَ بِهِ صِحَّةُ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالَ لِأَنَّ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صَوْمٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ» عَائِدٌ عَلَى الِاعْتِكَافِ دُونَ الصَّوْمِ فَيَكُونُ بَيَانًا عَلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْمَنْذُورَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الصَّوْمِ وَالتَّطَوُّعُ مِنْهُ يَصِحُّ بِدُونِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَلِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مَذْهَبُهُ خِلَافُ ذَلِكَ عَلَى مَا حَكَيْنَا فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَحَدِيثُ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا وَلَيْلَةً بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنَّهُ نَذَرَ فِي الشِّرْكِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَ وَلَيْسَ فِي اللَّيْلِ صَوْمٌ وَبِدَلِيلِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا قَالَ فِي الْغَايَةِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ نَذَرْت أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَهَذَا أَصْلُ الْحَدِيثِ فَنَقَلَ بَعْضُ الرُّوَاةِ اللَّيْلَةَ وَبَعْضُهُمْ الْيَوْمَ وَلِأَنَّهُ كَانَ الصَّوْمُ مَشْرُوعًا بِاللَّيْلِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَلَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ نَسْخِهِ وَالْحَدِيثُ الْأَخِيرُ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثُمَّ الصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَاجِبِ مِنْهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَلِصِحَّةِ التَّطَوُّعِ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَأَقَلُّهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَوْمٌ يَدْخُلُ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ قَطَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ قَضَاهُ وَلَوْ أَفْسَدَهُ يَقْضِيهِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا إنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ وَلَيْسَ لِأَقَلِّهِ تَقْدِيرٌ عَلَى الظَّاهِرِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَنَوَى الِاعْتِكَافَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ صَحَّ لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَلِهَذَا يُصَلِّي النَّفَلَ قَاعِدًا وَرَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَالنُّزُولِ وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ أَقَلَّهُ أَكْثَرُ الْيَوْمِ حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ بَقِيَّةَ النَّهَارِ صَحَّ عِنْدَهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالِاعْتِكَافُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ لِقَوْلِ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ اللُّبْثِ وَاجِبٌ فَيَصِحُّ النَّذْرُ عَلَى هَذَا نُقِلَ عَنْ صَدْرِ سُلَيْمَانَ وَفِي جَامِعِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ النَّذْرُ بِالِاعْتِكَافِ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِنْسِهِ إيجَابٌ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ إنَّمَا شُرِعَ لِدَوَامِ الصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ صَارَ قُرْبَةً فَصَارَ الْتِزَامُهُ بِمَنْزِلَةِ الْتِزَامِ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ عُبَادَةَ مَقْصُودَةٌ اهـ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ) عَائِدٌ عَلَى الِاعْتِكَافِ أَيْ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَنْذُورِ بِالنَّذْرِ مَعْلُومٌ وَالْخَفَاءُ فِي وُجُوبِ غَيْرِ الْمَنْذُورِ بِالنَّذْرِ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الِاعْتِكَافِ أَكْثَرَ فَائِدَةً وَأَوْلَى بِحَمْلِ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ عَلَيْهِ أَوْ يَحْتَمِلُهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَنَقَلَ بَعْضُ الرُّوَاةِ اللَّيْلَةَ وَبَعْضُهُمْ الْيَوْمَ إلَخْ) أَيْ فَيَجُوزُ لِلرَّاوِي نَقْلُ بَعْضِ مَا سَمِعَ. اهـ. غَايَةٌ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ النَّوَوِيَّ أَنْكَرَ عَلَى صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ اسْتِدْلَالَهُ بِحَدِيثِ عُمَرَ هَذَا وَقَالَ هُوَ نَذْرُ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ النَّذْرَ الْجَارِيَ فِي الْكُفْرِ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَاجِبًا عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْحَدِيثُ الْأَخِيرُ) أَيْ الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَحَسَّنَهُ اهـ (قَوْلُهُ ثُمَّ الصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَاجِبِ إلَخْ) ثُمَّ لَمَّا اشْتَرَطَ الصَّوْمَ لِصِحَّتِهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى إنَّ رَجُلًا صَامَ تَطَوُّعًا ثُمَّ قَالَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ عَلَيَّ الِاعْتِكَافُ هَذَا الْيَوْمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاعْتِكَافُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّوْمِ وَإِذَا وَجَبَ الِاعْتِكَافُ وَجَبَ الصَّوْمُ وَالصَّوْمُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ انْعَقَدَ تَطَوُّعًا فَتَعَذَّرَ جَعْلُهُ وَاجِبًا كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْوَلْوَالِجِيُّ (قَوْلُهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَعَلَ رِوَايَةَ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي النَّفْلِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ جَمَاعَةٌ وَلَا يَحْضُرنِي مُتَمَسَّكٌ لِذَلِكَ فِي السُّنَّةِ سِوَى حَدِيثِ الْقِبَابِ أَوَّلَ الْبَابِ فِي الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ حَتَّى اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي اعْتِكَافِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَلَا صَوْمَ فِيهِ وَفَرَّعُوا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إذَا شَرَعَ سَاعَةً ثُمَّ تَرَكَهُ لَا يَكُونُ إبْطَالًا لِلِاعْتِكَافِ بَلْ إنْهَاءً لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَلْزَمُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ أَيْ مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ صَلَاةٌ وَاحِدَةً بِجَمَاعَةٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَأَدَاءُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ الْخَمْسِ فِيهِ شَرْطٌ اهـ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ يَصِحُّ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا حَتَّى لَوْ جَعَلَ بَعْضَ بُيُوتِ دَارِهِ مَسْجِدًا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ وَالْمَسْجِدُ الْجَامِعُ أَفْضَلُ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِ حُذَيْفَةَ إلَخْ) أَسْنَدَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَ دَارِك وَدَارِ أَبِي مُوسَى يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عُكُوفٌ قَالَ فَلَعَلَّهُمْ أَصَابُوا وَأَخْطَأْت أَوْ حَفِظُوا وَأُنْسِيت قَالَ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إنْ أَبْغَضَ الْأُمُورِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْبِدَعُ وَإِنَّ مِنْ الْبِدَعِ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي فِي الدُّورِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ قَالَ أَخْبَرَنِي جَابِرٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَرْفُوعًا فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ) وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَسْجِدِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمُخْتَارَةُ. اهـ.

[اعتكاف المرأة]

فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ لِأَنَّهُ عِبَادَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فَيَخْتَصُّ بِمَكَانٍ يُصَلَّى فِيهِ قِيلَ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْجَامِعِ وَأَمَّا فِي الْجَامِعِ فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ الْخَمْسَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَالنَّفَلَ يَجُوزُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كُلَّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ مَعْلُومٌ وَيُصَلَّى فِيهِ الصُّوَاتُ الْخَمْسُ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ يُعْتَكَفُ فِيهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ كُلُّ مَسْجِدٍ لَهُ مُؤَذِّنٌ وَإِمَامٌ فَالِاعْتِكَافُ فِيهِ يَصِحُّ ذِكْرُهُ فِي الْغَايَةِ ثُمَّ أَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ مَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ فِي الْجَامِعِ ثُمَّ مَا كَانَ أَهْلُهُ أَكْثَرَ وَأَوْفَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَقَلُّهُ نَفْلًا سَاعَةٌ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَرْأَةُ تَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا) لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْضِعُ لِصَلَاتِهَا فَيَتَحَقَّقُ انْتِظَارُهَا فِيهِ وَلَوْ اعْتَكَفَتْ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ جَازَ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَمَسْجِدُ حَيِّهَا أَفْضَلُ لَهَا مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْتَكِفَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ صَلَاتِهَا مِنْ بَيْتِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسْجِدٌ لَا يَجُوزُ لَهَا الِاعْتِكَافُ فِيهِ وَلَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا إذَا اُعْتُكِفَ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا لِحَاجَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَالْجُمُعَةِ أَوْ طَبِيعِيَّةٍ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَثَرِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلِمَا رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ إذَا كَانَ مُعْتَكِفًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ تُرِيدُ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ هَكَذَا فَسَّرَهُ الزُّهْرِيُّ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا فِي زَمَنِ الِاعْتِكَافِ فَتَكُونَ مُسْتَثْنَاةً ضَرُورَةً لَا يَمْكُثُ فِي بَيْتِهِ بَعْدَمَا فَرَغَ طَهُورُهُ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَالْجُمُعَةُ أَهَمُّ حَاجَاتِهِ فَيُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ لِأَجْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ إذَا خَرَجَ إلَى الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْجَامِعِ قُلْنَا الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مَشْرُوعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ ثُمَّ هُوَ مَأْمُورٌ بِالسَّعْيِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] فَيَكُونُ الْخُرُوجُ لَهَا مُسْتَثْنًى كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَلِأَنَّا لَوْ أَلْزَمْنَاهُ الِاعْتِكَافَ فِي الْجَامِعِ لِأَجْلِ الْجُمُعَةِ يَكْثُرُ خُرُوجُهُ وَمَشْيُهُ الْمُنَافِيَانِ لِلِاعْتِكَافِ لِبُعْدِ مَنْزِلِهِ بِخِلَافِ مَسْجِدِ حَيِّهِ وَلِأَنَّ فِيهِ إخْلَاءَ الْمَسَاجِدِ عَنْ الِاعْتِكَافِ وَهِجْرَانَهَا وَيَخْرُجُ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ إنْ كَانَ مُعْتَكَفُهُ قَرِيبًا مِنْ الْجَامِعِ بِحَيْثُ لَوْ انْتَظَرَ زَوَالَ الشَّمْسِ لَا تَفُوتُهُ الْخُطْبَةُ وَإِنْ كَانَ تَفُوتُهُ لَا يَنْتَظِرُ زَوَالَ الشَّمْسِ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصِلَ إلَى الْجَامِعِ وَيُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْأَذَانِ لِلْخُطْبَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ سِتُّ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَأَرْبَعٌ سُنَّةٌ وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ يَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا سِتُّ رَكَعَاتٍ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ وَلَا يَمْكُثُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لِلْحَاجَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ السُّنَّةِ لِأَنَّهَا أَتْبَاعٌ لِلْفَرَائِضِ فَتَكُونُ مُلْحَقَةً بِهَا وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَإِنْ مَكَثَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ اعْتِكَاف الْمَرْأَة] قَوْلُهُ وَلَوْ اعْتَكَفَتْ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ جَازَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ اعْتَكَفَتْ فِي الْجَامِعِ أَوْ فِي مَسْجِدِ حَيِّهَا وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْجَامِعِ فِي حَقِّهَا جَازَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ ذَكَرَ الْكَرَاهَةَ قَاضِي خَانْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا وَلَا إلَى نَفْسِ الْبَيْتِ مِنْ مَسْجِدِ بَيْتِهَا إذَا اعْتَكَفَتْ وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَلَا تَعْتَكِفُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهَا وَإِنْ أَذِنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهَا وَلَا يَمْنَعَهَا وَفِي الْأَمَةِ تَمْلِكُ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِذْنِ مَعَ الْكَرَاهَةِ الْمُؤْتَمَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ أَسَاءَ وَأَثِمَ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسْجِدٌ إلَخْ) وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهَا مَسْجِدٌ تَجْعَلُ فِي بَيْتِهَا مَسْجِدًا فَتَعْتَكِفُ فِيهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَخْرُجُ) أَيْ الْمُعْتَكِفُ (قَوْلُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَسْجِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْجُمُعَةِ) أَيْ وَالِاغْتِسَالِ وَالْوُضُوءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بَعْدَمَا فَرَغَ طَهُورُهُ) بِفَتْحِ الطَّاءِ مَصْدَرٌ قَالَ الْمُبَرَّدُ خَمْسَةٌ مِنْ الْمَصَادِرِ عَلَى فَعُولٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ الطَّهُورُ وَالْوَضُوءُ وَالْقَبُولُ وَالْوَزُوعُ وَالْوَلُوعُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ قُلْنَا الِاعْتِكَافُ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ كَمَالُ الدِّينِ هَذَا وَجْهُ الْإِلْزَامِ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يُجْزِيه فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَأَمَّا عَلَى رَأَيْنَا أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ الْخَمْسُ بِجَمَاعَةٍ أَوْ دُونَهَا إذَا كَانَ جَامِعًا فَلَا يَكُونُ التَّمَسُّكُ عَلَى الْعُمُومِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] كَمَا فَعَلَهُ الشَّارِحُونَ صَحِيحًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ إلْزَامًا بِالدَّلِيلِ فَإِذَا صَحَّ فَبَعْدَ ذَلِكَ الضَّرُورَةُ مُطْلِقَةٌ لِلْخُرُوجِ مَعَ بَقَاءِ الِاعْتِكَافِ وَهِيَ هُنَا مُتَحَقِّقَةٌ نَظَرًا إلَى الْأَمْرِ بِالْجُمُعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ سِتُّ رَكَعَاتٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي خُرُوجِهِ عَلَى إدْرَاكِ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا يُصَلِّي قَبْلَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ اهـ (قَوْلُهُ رَكْعَتَانِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ) قَالَ الْكَمَالُ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الْفَرِيضَةِ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَجْزَأَ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهَا فِي تَحْقِيقِهَا وَكَذَا السُّنَّةُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ إمَّا ضَعِيفَةٌ أَوْ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْوَقْتِ مِمَّا يَسَعُ فِيهِ السُّنَّةَ، وَأَدَاءُ الْفَرْضِ بَعْدَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ مِمَّا يُعْرَفُ تَخْمِينًا لَا قَطْعًا فَقَدْ يَدْخُلُ قَبْلَ الزَّوَالِ لِعَدَمِ مُطَابَقَةِ ظَنِّهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالسُّنَّةِ فَيَبْدَأَ بِالتَّحِيَّةِ فَيَنْبَغِيَ أَنْ يَتَحَرَّى عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَصْدُقُ الْحَزْرُ اهـ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا سِتُّ رَكَعَاتٍ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السُّنَّةَ بَعْدَهَا أَرْبَعٌ وَقَوْلُهُمَا سِتٌّ وَمِنْهُمْ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى السِّتِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَدَّمْنَا الْوَجْهَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِلْفَرِيقَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ مَكَثَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ) وَلَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً. اهـ. كَافِي

لِلِاعْتِكَافِ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا الْمُكْثُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الِاعْتِكَافَ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يُتِمُّهُ فِي غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ خَرَجَ سَاعَةً بِلَا عُذْرٍ فَسَدَ) أَيْ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَفْسُدُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَقَوْلُهُ أَقْيَسَ لِأَنَّ الْخُرُوجَ يُنَافِي اللُّبْثَ وَمَا يُنَافِي الشَّيْءَ يَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَدَثِ فِي الطُّهْرِ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ أَوْسَعُ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَوْ لَمْ يُبَحْ لَوَقَعُوا فِي الْحَرَجِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِإِقَامَةِ الْحَوَائِجِ وَلَا حَرَجَ فِي الْكَثِيرِ وَالْفَاصِلُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إذْ الْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ كَمَا فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُرُّ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَيَمُرُّ كَمَا هُوَ وَلَا يُعَرِّجُ يَسْأَلُ عَنْهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَذَا لَوْ خَرَجَ لِلْجِنَازَةِ يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَكَذَا لِصَلَاتِهَا وَلَوْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ أَوْ لِإِنْجَاءِ الْغَرِيقِ أَوْ الْحَرِيقِ وَالْجِهَادِ إذَا كَانَ النَّفِيرُ عَامًّا أَوْ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ كُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةُ الْوُقُوعِ فَتَكُونُ مُسْتَثْنَاةً وَلِهَذَا لَوْ انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَانْتَقَلَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَسْجِدًا بَعْدَ ذَلِكَ فَفَاتَ شَرْطُهُ وَكَذَا لَوْ تَفَرَّقَ أَهْلُهُ لِعَدَمِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِيهِ وَلَوْ أَخْرَجَهُ ظَالِمٌ كَرْهًا أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ مِنْ الْمُكَابِرِينَ فَخَرَجَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعْتَكِفَةً فِي الْمَسْجِدِ فَطَلُقَتْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى بَيْتِهَا وَتَبْنِيَ عَلَى اعْتِكَافِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَنَوْمُهُ وَمُبَايَعَتُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ إذْ لَيْسَ فِي تَقَضِّي هَذِهِ الْحَاجَاتِ مَا يُنَافِي الْمَسْجِدَ حَتَّى لَوْ خَرَجَ لِأَجْلِهَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي خُرُوجِهِ إلَى بَيْتِهِ لِلْأَكْلِ قُلْنَا الْأَكْلُ فِي الْمَسْجِدِ مُبَاحٌ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْكُلُ فِي الْمَسْجِدِ بِلَا ضَرُورَةٍ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ إحْضَارُ الْمَبِيعِ وَالصَّمْتُ وَالتَّكَلُّمُ إلَّا بِخَيْرٍ) أَمَّا إحْضَارُ الْمَبِيعِ وَهِيَ السِّلَعُ لِلْبَيْعِ فَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُحْرَزٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَفِيهِ شَغْلُهُ بِهَا وَجَعْلُهُ كَالدُّكَّانِ وَقَوْلُهُ وَكُرِهَ إحْضَارُ الْمَبِيعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ مَا بَدَا لَهُ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْ غَيْرِ إحْضَارِ السِّلْعَةِ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ مَتْجَرًا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ فِيهِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَلِهَذَا تُكْرَهُ الْخِيَاطَةُ وَالْخَرَزُ فِيهِ وَلِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ يُكْرَهُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك» الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَ سَاعَةً بِلَا عُذْرٍ فَسَدَ) أَيْ فِي الْمَنْذُورِ سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ) يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَعْدُودَةِ الَّتِي رُجِّحَ فِيهَا الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ ثُمَّ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِحْسَانِ بِالضَّرُورَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاسْتِنْبَاطٌ مِنْ عَدَمِ أَمْرِهِ إذَا خَرَجَ إلَى الْغَائِطِ أَنْ يُسْرِعَ الْمَشْيَ بَلْ يَمْشِيَ عَلَى التُّؤَدَةِ وَبِقَدْرِ الْبُطْءِ تَتَخَلَّلُ السَّكَنَاتُ بَيْنَ الْحَرَكَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي فَنِّ الطَّبِيعَةِ وَبِذَلِكَ يَثْبُتُ قَدْرٌ مِنْ الْخُرُوجِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ فَجَعَلْنَا الْفَاصِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَثِيرِ أَقَلَّ مِنْ أَكْثَرِ الْيَوْمِ أَوْ اللَّيْلَةِ لِأَنَّ مُقَابِلَ الْأَكْثَرِ يَكُونُ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَأَنَا لَا أَشُكُّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى السُّوقِ لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ أَوْ الْقِمَارِ مِنْ بَعْدِ الْفَجْرِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا مُعْتَكِفٌ قَالَ مَا أَبْعَدَك عَنْ الْعَاكِفِينَ وَلَا يَتِمُّ مَبْنَى هَذَا الِاسْتِحْسَانِ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ الَّتِي يُنَاطُ بِهَا التَّخْفِيفُ هِيَ الضَّرُورَةُ اللَّازِمَةُ أَوْ الْغَالِبَةُ الْوُقُوعُ وَمُجَرَّدُ عُرُوضِ مَا هُوَ مُلْجِئٌ لَيْسَ بِذَاكَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ مُدَافَعَةُ الْأَخْبَثَيْنِ عَلَى وَجْهٍ عَجَزَ عَنْ دَفْعِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ لَا يُقَالُ بِبَقَاءِ صَلَاتِهِ كَمَا يُحْكَمُ بِهِ مَعَ السَّلَسِ مَعَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَالْإِلْجَاءِ وَسُمِّيَ ذَلِكَ مَعْذُورًا دُونَ هَذَا مَعَ أَنَّهُمَا يُجِيزَانِهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَصْلًا إذْ الْمَسْأَلَةُ هِيَ أَنَّ خُرُوجَهُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ لَا يُفْسِدُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِحَاجَةٍ أَوْ لَا بَلْ لِلَّعِبِ وَأَمَّا عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ بِالْإِسْرَاعِ فَلَيْسَ لِإِطْلَاقِ الْخُرُوجِ الْيَسِيرِ بَلْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْأَنَاةَ وَالرِّفْقَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى طَلَبَهُ إلَى الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُفَوِّتُ بَعْضَهَا مَعَهُ بِالْجَمَاعَةِ وَكَرِهَ الْإِسْرَاعَ وَنَهَى عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُحَصِّلًا لَهَا كُلِّهَا فِي الْجَمَاعَةِ تَحْصِيلًا لِفَضِيلَةِ الْخُشُوعِ إذْ هُوَ يَذْهَبُ بِالسُّرْعَةِ وَالْعَاكِفُ أَحْوَجُ إلَيْهَا فِي عُمُومِ أَحْوَالِهِ لِأَنَّهُ سَلَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَقَيِّدًا بِمَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالِانْتِظَارِ لِلصَّلَاةِ فَهُوَ فِي حَالِ الْمَشْيِ الْمُطْلَقِ لَهُ دَاخِلٌ فِي الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ الِانْتِظَارُ اهـ وَالْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ حُكْمًا فَكَانَ مُحْتَاجًا إلَى تَحْصِيلِ الْخُشُوعِ فِي حَالِ الْخُرُوجِ فَكَانَتْ تِلْكَ السَّكَنَاتُ كَذَلِكَ وَهِيَ مَعْدُودَةٌ مِنْ نَفْسِ الِاعْتِكَافِ لَا مِنْ الْخُرُوجِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْقَلِيلَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لَمْ يَلْزَمْ تَقْدِيرُهُ بِمَا هُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُقَابِلِهِ مِنْ بَقِيَّةِ تَمَامِ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ بَلْ بِمَا يُعَدُّ كَثِيرًا فِي نَظَرِ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ فَهِمُوا مَعْنَى الْعُكُوفِ وَأَنَّ الْخُرُوجَ يُنَافِيهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ) أَيْ وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَا يَخْرُجُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ تَعَيَّنَ لِأَدَائِهَا لِأَنَّ هَذَا لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا وَلَا عِبْرَةَ لِلنَّادِرِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي شَرْحِ الصَّوْمِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ الْمُعْتَكِفُ يَخْرُجُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ شَاهِدٌ آخَرُ فَيَنْوِيَ حَقَّهُ وَلَوْ أَحْرَمَ الْمُعْتَكِفُ بِحَجٍّ لَزِمَهُ إذْ لَا يُنَافِيهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ فَيَخْرُجَ حِينَئِذٍ وَلْيَسْتَقْبِلْ الِاعْتِكَافَ وَلَوْ احْتَلَمَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ تَلْوِيثٍ فَعَلَ وَإِلَّا خَرَجَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ يَعُودُ اهـ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُخْرِجَ رَأْسَهُ

عَلَيْك» وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ يُكْرَهُ التَّعْلِيمُ فِيهِ بِأَجْرٍ وَكَذَا كِتَابَةُ الْمُصْحَفِ فِيهِ بِأَجْرٍ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْخَيَّاطُ يَحْفَظُ الْمَسْجِدَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخِيطَ فِيهِ وَلَا يَسْتَطْرِقَهُ إلَّا لِعُذْرٍ وَكُلُّ مَا يُكْرَهُ فِيهِ يُكْرَهُ فِي سَطْحِهِ وَأَمَّا الصَّمْتُ فَالْمُرَادُ بِهِ صَمْتٌ يَعْتَقِدُهُ عِبَادَةً وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَعَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَتِمُّ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتِ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهُوَ صَوْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَنُسِخَ وَيُلَازِمُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ وَالتَّدْرِيسِ وَسَيْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَصَصَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَكِتَابَةَ أُمُورِ الدِّينِ وَأَمَّا التَّكَلُّمُ بِغَيْرِ الْخَيْرِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ فَمَا ظَنُّك بِالْمُعْتَكِفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَأَلْحَقَ بِهِ دَوَاعِيَهُ وَهُوَ اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مَحْظُورٌ فِيهِ لِمَا تَلَوْنَا فَيَتَعَدَّى إلَى دَوَاعِيهِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ وَالظِّهَارِ وَالِاسْتِبْرَاءِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْهُ هُوَ الرُّكْنُ فِيهِ وَالْحَظْرُ يَثْبُتُ ضِمْنًا كَيْ لَا يَفُوتَ الرُّكْنُ فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى دَوَاعِيهِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى لَصَارَ الْكَفُّ عَنْ الدَّوَاعِي رُكْنًا وَالرُّكْنِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ وَالْحُرْمَةُ تَثْبُتُ بِهَا وَلِأَنَّ الصَّوْمَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ فَلَوْ مَنَعُوا عَنْ الدَّوَاعِي لَحَرَجُوا وَبِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيْضِ لِأَنَّهَا زَمَانُ نَفْرَةٍ فَلَمْ تَكُنْ دَاعِيَةً إلَى الْوَطْءِ وَلِأَنَّ الْحَيْضَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الصَّوْمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ بِوَطْئِهِ) أَيْ يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِوَطْئِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا نَهَارًا أَوْ لَيْلًا لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ بِالنَّصِّ فَكَانَ مُفْسِدًا لَهُ كَيْفَمَا كَانَ كَالْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ حَيْثُ لَا يَفْسُدُ بِهِ إذَا كَانَ نَاسِيًا وَالْفَرْقُ أَنَّ حَالَةَ الْمُعْتَكِفِ مُذَكِّرَةٌ كَحَالَةِ الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ وَحَالَةَ الصِّيَامِ غَيْرُ مُذَكِّرَةٍ وَلَوْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَنْزَلَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ وَلَوْ أَمْنَى بِالتَّفَكُّرِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْمَسْجِدِ إلَى بَعْضِ أَهْلِهِ لِيَغْسِلَهُ أَوْ يُرَجِّلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ غَسَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي إنَاءٍ بِحَيْثُ لَا يُلَوِّثُ الْمَسْجِدَ لَا بَأْسَ بِهِ وَصُعُودُ الْمِئْذَنَةِ إنْ كَانَ مِنْ بَابِهَا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ لَا يُفْسِدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا فِي الْمُؤَذِّنِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِلْأَذَانِ مَعْلُومٌ فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى أَمَّا غَيْرُهُ فَيَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ أَقْيَسُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْخَيَّاطُ يَحْفَظُ الْمَسْجِدَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَخِيطَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ أُعِدَّ لِلْعِبَادَةِ دُونَ الِاكْتِسَاب وَكَذَا الْوَرَّاقُ وَالْفَقِيهُ إذَا كَتَبَ بِأَجْرٍ أَوْ الْمُعَلِّمُ إذَا عَلَّمَ الصِّبْيَانَ بِأَجْرٍ وَإِنْ فَعَلُوا بِغَيْرِ أَجْرٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ إذَا قَعَدَ الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ خَيَّاطًا يَخِيطُ فِيهِ وَيَحْفَظُ الْمَسْجِدَ عَنْ الصِّبْيَانِ وَالدَّوَابِّ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْهُ هُوَ الرُّكْنُ فِيهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَاصِلُ الْوَجْهِ الْحَكَمُ بِاسْتِلْزَامِ حُرْمَةِ الشَّيْءِ ابْتِدَاءً فِي الْعِبَادَةِ حُرْمَةُ دَوَاعِيه وَبِعَدَمِ اسْتِلْزَامِ حُرْمَةَ الدَّوَاعِي إذَا كَانَتْ حُرْمَتُهُ ثَابِتَةً ضِمْنَ ثُبُوتِ الْأَمْرِ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ التَّحْرِيمِ الضِّمْنِيِّ لِضِدِّ مَأْمُورٍ بِهِ وَالْقَصْدِيِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ ثُبُوتَ مَا لَهُ الدَّوَاعِي عِنْدَ ثُبُوتِهَا مَعَ قِيَامِ الْحَاجِزِ الشَّرْعِيِّ عَنْهُ لَيْسَ قَطْعِيًّا وَلَا غَالِبًا غَيْرَ أَنَّهَا طَرِيقٌ فِي الْجُمْلَةِ فَحُرِّمَتْ لِلتَّحْرِيمِ الْقَصْدِيِّ دَوَاعِيهِ لَا الضِّمْنِيِّ إذْ هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ الْمَقْصُودُ لَيْسَ إلَّا تَحْصِيلَ الْمَأْمُورِ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَلْحُوظٍ فِي الطَّلَبِ إلَّا لِغَيْرِهِ فَلَا تَتَعَدَّى الْحُرْمَةُ إلَى دَوَاعِيهِ إذَا عُرِفَ هَذَا فَحُرْمَةُ الْوَطْءِ فِي الِاعْتِكَافِ قَصْدِيٌّ إذْ هُوَ ثَابِتٌ بِالنَّهْيِ الْمُفِيدِ لِلْحُرْمَةِ ابْتِدَاءً لِنَفْسِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ} [البقرة: 187] وَمِثْلُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَالِاسْتِبْرَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة: 197] الْآيَةَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَنْكِحُوا الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» فَيُعَدَّى إلَى الدَّوَاعِي فِيهَا وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ ضِمْنِيٌّ لِلْأَمْرِ الطَّالِبِ لِلصَّوْمِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الْكَفِّ فَحُرْمَةُ الْوَطْءِ تَثْبُتُ ضِمْنًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ حُرْمَةَ الْفِعْلِ وَهُوَ الْوَطْءُ هِيَ الثَّابِتَةُ أَوَّلًا بِالصِّيغَةِ ثُمَّ تَثْبُتُ وُجُوبُ الْكَفِّ عَنْهُ ضِمْنًا فَلِذَا تَثْبُتُ سَمْعًا حِلُّ الدَّوَاعِي فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابَيْهِمَا اهـ (فَرْعٌ) فِي الْمُجْتَبَى وَفِي جَامِعِ الْإِسْبِيجَابِيِّ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ أَنْ يَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ مُقِيمًا كَانَ أَوْ غَرِيبًا مُضْطَجِعًا أَوْ مُتَّكِئًا رِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ لَا فَالْمُعْتَكِفُ أَوْلَى وَيَلْبَسُ الْمُعْتَكِفُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيَنَامُ فِيهِ وَيَتَطَيَّبُ وَيَدَّهِنُ وَيَغْسِلُ رَأْسَهُ فِيهِ وَقَالَ أَحْمَدُ يُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَلْبَسَ الرَّفِيعَ مِنْ الثِّيَابِ وَيَتَطَيَّبَ وَلَوْ سَكِرَ لَيْلًا لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِي وَأَحْمَدَ وَعِنْدَ مَالِكٍ السُّكْرُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الِاعْتِكَافَ وَبَقَاءَهُ وَلَا يُفْسِدُهُ سِبَابٌ وَلَا جِدَالٌ وَلَا كَبِيرَةٌ مِمَّا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَعِنْدَ مَالِكٍ يُفْسِدُهُ الْكَبَائِرُ دُونَ الصَّوْمِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُبْطِلُهُ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ بِوَطْئِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا فَسَدَ الِاعْتِكَافُ الْوَاجِبُ وَجَبَ قَضَاؤُهُ إلَّا إذَا فَسَدَ بِالرِّدَّةِ خَاصَّةً فَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ يَقْضِي قَدْرَ مَا فَسَدَ لَيْسَ غَيْرُ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا يَقْضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ أَصْلُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ لِأَنَّهُ لَزِمَ مُتَتَابِعًا فَيُرَاعَى فِيهِ صِفَةُ التَّتَابُعِ وَسَوَاءٌ فَسَدَ بِصُنْعِهِ كَالْخُرُوجِ وَالْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ وَالرِّدَّةِ أَوْ لِعُذْرٍ كَمَا إذَا مَرِضَ فَاحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَالْحَيْضِ وَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ الطَّوِيلِ وَأَمَّا الرِّدَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدْ) وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ الْمُفْسِدُ أُورِدَ عَلَيْهِ لَمَّا لَمْ يُفْسِدْ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] الْآيَةَ أُجِيبُ

بِالنَّظَرِ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَزِمَهُ اللَّيَالِي أَيْضًا بِنَذْرِ اعْتِكَافِهِ أَيَّامٍ) مَعْنَاهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ أَيَّامًا لَزِمَتْهُ بِلَيَالِيِهَا لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ يُدْخِلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي وَكَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ اللَّيَالِيَ لَزِمَتْهُ بِأَيَّامِهَا لِأَنَّهُ بِذِكْرِ اللَّيَالِي يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وَقَالَ تَعَالَى {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ فَعَبَّرَ عَنْهَا تَارَةً بِالْأَيَّامِ وَتَارَةً بِاللَّيَالِيِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَ أَحَدِهِمَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ الْآخَرَ وَتَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى وَكَانَتْ مُتَتَابِعَةً وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّتَابُعُ لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا قَابِلَةٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّفَرُّقِ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصَّوْمِ فَتَخَلُّلُهَا يُوجِبُ التَّفَرُّقَ فَيَجِبُ عَلَى التَّفَرُّقِ حَتَّى يَنُصَّ عَلَى التَّتَابُعِ ثُمَّ يَدْخُلَ فِي الِاعْتِكَافِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ وَيَخْرُجَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ وَإِنْ نَوَى الْأَيَّامَ خَاصَّةً صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَيْلَتَانِ يَنْذُرُ يَوْمَيْنِ) أَيْ يَلْزَمُهُ لَيْلَتَانِ بِنَذْرِ اعْتِكَافِ يَوْمَيْنِ لِأَنَّهُ بِذِكْرِ يَوْمَيْنِ يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهِمَا مِنْ اللَّيْلَتَيْنِ فِي الْعَادَةِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُذْ يَوْمَيْنِ وَالْمُرَادُ بِلَيْلَتِهِمَا كَمَا يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ اللَّيْلُ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ لَا تَلْزَمُهُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ إلَّا تَبَعًا لِضَرُورَةِ الْوَصْلِ بَيْنَ الْأَيَّامِ وَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِ اللَّيْلَةِ الْأُولَى لِتَحَقُّقِ الْوَصْلِ بِدُونِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّثْنِيَةِ فَقَطْ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ وَلَا اعْتِكَافَ بِدُونِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ بِيَوْمِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ مَجَازَهَا وَهُوَ الْجِمَاعُ مُرَادٌ فَيَبْطُلُ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ لِامْتِنَاعِ الْجَمْعِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِانْكِشَافِ أَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ مَا صَدَقَاتِ الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ خَاصَّةٌ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُبْلَةِ وَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَالْمَسِّ بِالْيَدِ وَالْجِمَاعِ مُتَوَاطِئًا أَوْ مُشَكِّكًا فَأَيُّهَا أُرِيدَ بِهِ كَانَ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ كُلُّ اسْمٍ بِمَعْنَى كُلٍّ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُرَادَ بِهِ فَرْدَانِ مِنْ مَفْهُومِهِ فِي إطْلَاقِ وَاحِدٍ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ سِيَاقُ النَّهْيِ وَهُوَ يُفِيدُ الْعُمُومَ فَيُفِيدُ تَحْرِيمَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُبَاشَرَةِ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَعْنَاهُ لَوْ نَذَرَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ بِلِسَانِهِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَكَذَا إذَا قَالَ شَهْرًا وَلَمْ يَنْوِهِ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا لَيْلُهُ وَنَهَارُهُ وَيَفْتَتِحُهُ مَتَى شَاءَ بِالْعَدَدِ اهـ لَا هِلَالِيًّا وَالشَّهْرُ الْمُعَيَّنُ هِلَالِيٌّ فَإِنْ فَرَّقَ اسْتَقْبَلَ وَقَالَ زُفَرُ إنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَشَهْرًا يَلْحَقُ بِالْإِجَارَاتِ وَالْأَيْمَانِ فِي لُزُومِ التَّتَابُعِ وَدُخُولِ اللَّيَالِي فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَبِالصَّوْمِ فِي عَدَمِ لُزُومِ الِاتِّصَالِ بِالْوَقْتِ الَّذِي نَذَرَ فِيهِ وَالْمُعَيَّنُ لِذَلِكَ عُرِفَ الِاسْتِعْمَالُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ) أَيْ فَلَمَّا كَانَ عَدَدُ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي مُتَسَاوِيًا فَذِكْرُ الْأَيَّامِ يَتَنَاوَلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِيِ بِخِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحاقة: 7]. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ) أَيْ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْيَوْمِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ نَوَى الْأَيَّامَ دُونَ اللَّيَالِيِ أَوْ قَلَبَهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَيْسَ بِاسْمٍ عَامٍّ كَالْعَشَرَةِ عَلَى مَجْمُوعِ الْآحَادِ فَلَا تَنْطَلِقُ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ أَصْلًا كَمَا لَا تَنْطَلِقُ الْعَشَرَةُ عَلَى خَمْسَةٍ مَثَلًا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا أَمَّا لَوْ قَالَ شَهْرًا بِالنَّهَرُ دُونَ اللَّيَالِيِ لَزِمَهُ كَمَا قَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ اسْتَثْنَى فَقَالَ شَهْرًا إلَّا اللَّيَالِيَ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا فَكَأَنَّهُ قَالَ ثَلَاثِينَ نَهَارًا وَلَوْ اسْتَثْنَى الْأَيَّامَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْبَاقِيَ اللَّيَالِيُ الْمُجَرَّدَةُ وَلَا يَصِحُّ فِيهَا لِمُنَافَاتِهَا شَرْطَهُ وَهُوَ الصَّوْمُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ بِيَوْمِهَا إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ نَوَى بِاللَّيْلَةِ الْيَوْمَ لَزِمَهُ وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَصِلَ قَضَاءَ أَيَّامِ حَيْضِهَا بِالشَّهْرِ فِيمَا إذَا نَذَرَتْ اعْتِكَافَ شَهْر فَحَاضَتْ فِيهِ وَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِهِ وَعَنْ لُزُومِ التَّتَابُعِ قَالُوا لَوْ أُغْمِيَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَوْ أَصَابَهُ عَتَهٌ أَوْ لَمَمٌ اسْتَقْبَلَ إذَا بَرَأَ لِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي آخَرِ يَوْمٍ وَفِي الصَّوْمِ لَا يَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ وَيَقْضِي مَا بَعْدَهُ فَأَفَادُوا أَنَّ الْإِغْمَاءَ إنَّمَا يُنَافِي شَرْطَ الصَّوْمِ وَهُوَ النِّيَّةُ وَالظَّاهِرُ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ فَلَا يَقْضِيهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الْفَرْقِ أَنْ يُقَالَ هُوَ عِبَادَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَالِانْتِظَارُ يَنْقَطِعُ بِالْإِغْمَاءِ فِي الصَّلَوَاتِ الَّتِي تَجِبُ بَعْدَ الْإِغْمَاءِ بِخِلَافِ الْإِمْسَاكِ الْمَسْبُوقِ بِالنِّيَّةِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الصَّوْمِ اهـ فَتْحُ.

[كتاب الحج]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْحَجِّ) الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ وَعَنْ الْخَلِيلِ هُوَ كَثْرَةُ الْقَصْدِ إلَى مَنْ يُعَظِّمُهُ قَالَ الْمُخَبَّلُ: أَلَمْ تَعْلَمِي يَا أُمَّ أَسْعَدَ أَنَّمَا ... تَخَاطَأَنِي رِيَبُ الزَّمَانِ لِأَكْبَرَا وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيرَةً ... يَحُجُّونَ سَبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ زِيَارَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ) وَهَذَا فِي الشَّرْعِ جُعِلَ لِقَصْدٍ خَاصٍّ مَعَ زِيَادَةِ وَصْفٍ كَالتَّيَمُّمِ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الْقَصْدِ فِي اللُّغَةِ ثُمَّ جُعِلَ فِي الشَّرْعِ اسْمًا لِقَصْدٍ خَاصٍّ بِزِيَادَةِ وَصْفٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فُرِضَ مَرَّةً عَلَى الْفَوْرِ بِشَرْطِ حُرِّيَّةٍ وَبُلُوغٍ وَعَقْلٍ وَصِحَّةٍ وَقُدْرَةٍ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ فَضُلَتْ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ كِتَابُ الْحَجِّ] (كِتَابُ الْحَجِّ) الْعِبَادَاتُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالصَّلَاةِ وَمَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالزَّكَاةِ وَمُرَكَّبَةٌ كَالْحَجِّ فَلَمَّا بَيَّنَ النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ شَرَعَ فِي بَيَانِ النَّوْعِ الْآخَرِ، وَهُوَ الْحَجُّ. الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَقُرِئَ بِهِمَا قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وَتَفْسِيرُهُ لُغَةً وَشَرْعًا وَسَبَبُهُ قَدْ ذُكِرَ فِي الشَّرْحِ وَشُرُوطُهُ الْوَقْتُ وَالِاسْتِطَاعَةُ وَرُكْنُهُ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ وَوَاجِبَاتُهُ سَتَأْتِي نَقْلًا عَنْ الْكَافِي وَمَاهِيَّتُه أُمُورُ الْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالتَّحْلِيلُ وَوَقْتُهُ نَوْعَانِ: مَدِيدٌ وَقَصِيرٌ، فَالْمَدِيدُ مِنْ شَوَّالٍ إلَى عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَالْقَصِيرُ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ فِي الدُّنْيَا وَحُصُولُ الثَّوَابِ فِي الْعُقْبَى وَحِكْمَتُهُ إمَاتَةُ النَّفْسِ بِاخْتِيَارِ مُفَارَقَةِ الْأَوْطَانِ وَالْخِلَّانِ وَالْإِخْوَانِ وَالْأَهْلِ وَالْوِلْدَانِ وَالتَّشَبُّهُ بِالْمَوْتَى فِي اتِّخَاذِ الثَّوْبَيْنِ مِثْلَ الْكَفَنِ وَمَنْعُ إزَالَةِ التَّفَثِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُوتُوا قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا» وَفِي هَذِهِ الْأَمَانَةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ حُصُولُ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ الْأَبَدِيَّةِ السَّرْمَدِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ تَخَاطَأَنِي) أَيْ أَخْطَأَنِي (قَوْلُهُ رِيَبُ الزَّمَانِ) فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ رِيَبُ الْمَنُونِ، وَهُوَ الْمَوْتُ (قَوْلُهُ وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا إلَخْ) عَوْفٌ قَبِيلَةٌ وَالْحُلُولُ الْجَمَاعَاتُ يُقَالُ حُلَّةٌ وَحُلَلٌ وَحُلُولٌ وَقِيلَ، وَهُوَ جَمْعُ حَالٍّ كَمَا يُقَالُ نَازِلٌ وَنُزُولٌ. اهـ. (قَوْلُهُ يَحُجُّونَ سَبَّ الزِّبْرِقَانِ) أَيْ عِمَامَتَهُ، وَهُوَ حِصْنُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيّ وَالزِّبْرِقَانُ الْقَمَرُ لُقِّبَ بِهِ حِصْنٌ لِجَمَالِهِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الزِّبْرِقَانِ مَا نَصُّهُ قَالَ نَشْوَانُ الْحِمْيَرِيُّ فِي شَمْسِ الْعُلُومِ فِعْلِلَانٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَاللَّامِ الزِّبْرِقَانُ الْقَمَرُ وَالزِّبْرِقَانُ لَقَبٌ لِحِصْنِ بْنِ بَدْرٍ التَّمِيمِيِّ وَيُقَالُ، إنَّمَا سُمِّيَ الزِّبْرِقَانُ لِصُفْرَةِ عِمَامَتِهِ، وَكَانَ تَصْفِيرُ الْعَمَائِمِ لِلسَّادَةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَوْرَاقِ السَّبِّ الْكَثِيرِ السِّبَابُ وَالسَّبُّ الْخِمَارُ وَالسَّبُّ الْعِمَامَةُ فِي قَوْلِهِ وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ. . الْبَيْتَ أَيْ الْمَصْبُوغِ بِالزَّعْفَرَانِ وَكَانَ سَادَتُهُمْ يُصَفِّرُونَ عَمَائِمَهُمْ اهـ يَقُولُ مَا أَخَّرَنِي الدَّهْرُ إلَى حَالِ الْكِبْرِ إلَّا لِأَحْضُرَ الزِّبْرِقَانَ وَقَدْ تَعَالَى وَسَادَ قَوْمَهُ فَالْوُفُودُ يَطُوفُونَ بِبَابِهِ وَكَانَ الرَّئِيسُ مِنْهُمْ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ لِيُعْلَمَ بِهَا يُقَالُ زَبْرَقْت الْعِمَامَةَ إذْ صَفَّرْتهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ:، إنَّ الزِّبْرِقَانَ كَانَتْ لَهُ عِمَامَةٌ وَكَانَ يَحُجُّ فِي كُلِّ عَامٍ وَيَمْسَحُهَا بِخُلُوقِ الْكَعْبَةِ فَتَصْفَرُّ وَكَانَ كُلُّ مَنْ كَسَلَ عَنْ الْحَجِّ مِنْ قَوْمِهِ أَتَاهَا وَتَمَسَّحَ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ زِيَارَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ) أَيْ، وَهُوَ الْبَيْتُ شَرَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. (قَوْلُهُ فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ، وَهُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ (قَوْلُهُ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ، وَهُوَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْوُقُوفُ مُحْرِمًا. اهـ. ع. (قَوْلُهُ وَقُدْرَةٍ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ) أَيْ حَتَّى لَوْ كَانَ عَادَتُهُ سُؤَالَ النَّاسِ وَالْمَشْيَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ زَادٌ وَلَا رَاحِلَةٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ. اهـ. غَايَةٌ

مَسْكَنِهِ وَعَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَنَفَقَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ وَعِيَالِهِ) أَمَّا وُجُوبُهُ مَرَّةً فِي الْعُمُرِ فَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَوْ قُلْتهَا لَوَجَبَتْ وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا الْحَجُّ مَرَّةٌ فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ، وَهُوَ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ وَأَمَّا وُجُوبُهُ عَلَى الْفَوْرِ فَلِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ خَاصٍّ وَالْمَوْتُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ فَيَتَضَيَّقُ احْتِيَاطًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ ابْنَ شُجَاعٍ رَوَى عَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَجَدَ مَا يَحُجُّ بِهِ وَقَدْ قَصَدَ التَّزَوُّجَ قَالَ يَحُجُّ وَلَا يَتَزَوَّجُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرِيضَةٌ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى هُوَ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ فَكَأَنَّ الْعُمُرَ فِيهِ كَالْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ وَلِهَذَا يَنْوِي الْأَدَاءَ فَلَا يُتَصَوَّرُ فَوَاتُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَجَّ سَنَةَ عَشْرٍ» وَكَانَ فَرْضُ الْحَجِّ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَخَّرَهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ وَتَضِلُّ الرَّاحِلَةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ وَاَلَّذِي نَزَلَ فِي سَنَةِ سِتٍّ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، وَهُوَ أَمْرٌ بِإِتْمَامِ مَا شَرَعَ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْإِيجَابِ مِنْ غَيْرِ شُرُوعٍ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] الْآيَةَ، وَهِيَ نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ فَتَأْخِيرُهُ إلَى السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ إمَّا؛ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ أَوْ لِلْخَوْفِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ كَرِهَ مُخَالَطَةَ الْمُشْرِكِينَ فِي نُسُكِهِمْ إذْ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَأَخَّرَ الْحَجَّ حَتَّى بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا فَنَادَى أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ ثُمَّ حَجَّ وَكَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَيْهِ أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْلَا أَنَّ لَهُ عُذْرًا لَمَا أَخَّرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَنِيَّةُ الْأَدَاءِ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّرَاخِي أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عِنْدَهُمَا عَلَى الْفَوْرِ وَمَعَ هَذَا لَوْ أَخَّرَهَا يَنْوِي الْأَدَاءَ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَأْثَمِ حَتَّى يَفْسُقَ وَتُرَدَّ شَهَادَتُهُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ حَجَّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ الْإِثْمُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَثِمَ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ فَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَأَيُّمَا رَجُلٍ مَمْلُوكٍ حَجَّ بِأَهْلِهِ فَمَاتَ فَأَجْزَأَتْ عَنْهُ فَإِنْ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ» ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلِأَنَّ الْحَجَّ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ وَفِي نِيَّةِ الصَّبِيِّ قُصُورٌ؛ وَلِهَذَا سَقَطَ عَنْهُ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا وَلَا مَالَ لِلْعَبْدِ؛ وَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ الْمُولَى فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ لَبَطَلَ حَقُّ الْمَوْلَى فِي زَمَانٍ طَوِيلٍ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ فَصَارَ كَالْجِهَادِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُمَا يَسِيرٌ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى الْمَالِ وَالْعَقْلُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّكَالِيفِ وَصِحَّةُ الْجَوَارِحِ مِنْ شَرْطِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ وَالِاسْتِطَاعَةُ مُنْعَدِمَةٌ دُونَهَا. وَالْأَعْمَى إذَا وَجَدَ مَنْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ سَفَرِهِ وَوَجَدَا زَادًا وَرَاحِلَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ بِنَفْسِهِ فَلَا تَعْتَبِرُ الْقُدْرَةُ بِغَيْرِهِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَدَى يُؤَدِّي بِنَفْسِهِ فَأَشْبَهَ الضَّالُّ عَنْ مَوَاضِعِ النُّسُكِ وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ وَالزَّمِنُ وَمَقْطُوعُ الرَّجُلَيْنِ وَالشَّيْخُ الَّذِي لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِنَفْسِهِ وَالْمَحْبُوسُ وَالْأَعْمَى إذَا وَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَلَمْ يَجِدْ مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَنَفَقَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) أَيْ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ وَالْوَاجِبَاتُ تُضَافُ إلَى أَسْبَابِهَا. اهـ. كَافِي وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ عَلَى الصَّحِيحِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْمُحِيطِ سَبَبُهُ كَوْنُهُ مُنْعِمًا عَلَيْهِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَقَدْ رَتَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يُشْعِرُ بِسَبَبِيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ كَقَوْلِنَا زَنَى فَرُجِمَ وَسَهَا فَسَجَدَ وَسَرَقَ فَقُطِعَ فَتَكُونُ الِاسْتِطَاعَةُ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إلَخْ) وَفِي الْمُحِيطِ والمرغيناني وَالْكَرْمَانِيِّ أَنَّ أَصَحَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَفِي قُنْيَةٌ الْمُنْيَةِ يَجِبُ مُضَيَّقًا عَلَى الْمُخْتَارِ وَبِالْأَدَاءِ يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ، وَهِيَ نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ الصَّحِيحِ، إنَّ الْحَجَّ فُرِضَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ وَأَنَّ آيَةَ فَرْضِهِ هِيَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]، وَهِيَ نَزَلَتْ عَامَ الْوُفُودِ أَوَاخِرَ سَنَةِ تِسْعٍ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يُؤَخِّرْ الْحَجَّ بَعْدَ فَرْضِهِ عَامًا وَاحِدًا» وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِهَدْيِهِ وَحَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ بِيَدِ مَنْ ادَّعَى تَقَدُّمَ فَرْضِ الْحَجِّ سَنَةَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ دَلِيلٌ وَاحِدٌ وَغَايَةُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ فُرِضَ سَنَةَ سِتٍّ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، وَهِيَ نَزَلَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ابْتِدَاءٌ لِفَرْضِ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمْرُ بِإِتْمَامِهِ إذَا شَرَعَ فِيهِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ وُجُوبِ ابْتِدَائِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ الِاخْتِلَافُ انْتَهَى (وَلَهُ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ إلَخْ) أَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَقَدْ خَالَفَتْ فِيهَا الظَّاهِرِيَّةُ وَأَوْجَبُوهُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ) هُوَ خَبَرُ أَنَّ أَيْ ثَابِتٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ إذَا وَجَدَ مَنْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ سَفَرِهِ) أَيْ بِأَنْ وَجَدَ قَائِدًا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالزَّمِنُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الزَّمِنُ الَّذِي طَالَ مَرَضُهُ زَمَانًا انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَالْمَحْبُوسُ) أَيْ مِنْ قِبَلِ الْجَائِرِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَعْمَى إلَخْ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى الْأَعْمَى إذَا وَجَدَ قَائِدًا حُرًّا يُطَاوِعُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا لَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالذَّخِيرَةِ أَمَّا لَوْ وَجَدَ الْأَعْمَى زَادًا وَرَاحِلَةً وَلَمْ يَجِدْ قَائِدًا لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ فِي قَوْلِهِمْ وَهَلْ يَجِبُ الْإِحْجَاجُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ، وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا لَا يَلْزَمُهُ بِنَفْسِهِ عِنْدَهُ انْتَهَى كَاكِيٌّ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا حَجَّ عَلَى الْأَعْمَى، وَإِنْ مَلَكَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ

يَهْدِيهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَجُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا يَجِبُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِحْجَاجِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْجَاجُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْحَجِّ بِالْبَدَنِ وَالْأَصْلُ لَمْ يَجِبُ فَلَا يَجِبُ الْبَدَلُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُمْ لَزِمَهُمْ الْأَصْلُ، وَهُوَ الْحَجُّ بِالْبَدَنِ فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ عَجَزُوا عَنْهُ فَيَجِبُ الْبَدَلُ عَلَيْهِمْ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِهِ وَيَعْتَبِرُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهُ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَلَا يَعْتَبِرُ قَبْلَهُ حَتَّى جَازَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ مَالَهُ فِيمَا أَحَبَّ فَإِذَا صَرَفَهُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ خَالِيَةً عَنْ الْعِدَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عِنْدَ خُرُوجِهِمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ، وَهُوَ قَدَرَ مَا يَكْتَرِي بِهِ شِقَّ مَحْمَلٍ فَاضِلًا عَمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْمَشْغُولَ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْمَعْدُومِ شَرْعًا، وَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَكْتَرِيَ عُقْبَةً لَا غَيْرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَيُعْتَبَرُ فِي نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ الْوَسَطُ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ وَلَا تَقْتِيرٍ وَلَا يَتْرُكُ نَفَقَتَهُ لِمَا بَعْدَ إيَابِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ يَتْرُكُ نَفَقَةَ يَوْمٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ نَفَقَةَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّكَسُّبَ كَمَا يُقْدِمُ فَيُقَدِّرُ بِالشَّهْرِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهُمْ الرَّاحِلَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَمْنُ طَرِيقٍ وَمَحْرَمٌ أَوْ زَوْجٌ لِامْرَأَةٍ فِي سَفَرٍ) أَيْ هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَمْنِ الطَّرِيقِ لِلْكُلِّ وَبِشَرْطِ وُجُودِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسِيرَةُ سَفَرٍ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَمَّا كَوْنُ الطَّرِيقِ آمِنًا فَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْحَجُّ بِدُونِهِ فَصَارَ كَالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْبَيْتِ بِدُونِهِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ فَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِطَاعَةِ وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ يَقُولُ هُوَ شَرْطُ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا سُئِلَ عَنْ الِاسْتِطَاعَةِ فَسَّرَهَا بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ» وَلَوْ كَانَ أَمْنُ الطَّرِيقِ مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ لَبَيَّنَهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي شَرْطِ الْعِبَادَةِ بِالرَّأْيِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا مِنْ الْعِبَادَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْوَاجِبُ كَالْقَيْدِ مِنْ الظَّالِمِ لَا يَسْقُطُ بِهِ خِطَابُ الشَّرْعِ، وَإِنْ طَالَ بِخِلَافِ الْمَرَضِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِيصَاءِ فَمَنْ جَعَلَهُ شَرْطَ الْأَدَاءِ يُوجِبُهُ وَمَنْ جَعَلَهُ شَرْطَ الْوُجُوبِ لَا يُوجِبُهُ وَسُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ عَمَّنْ لَا يَحُجُّ خَوْفًا مِنْ الْقَرَامِطَةِ فِي الْبَادِيَةِ فَقَالَ مَا سَلِمَتْ الْبَادِيَةُ مِنْ الْآفَاتِ أَيْ لَا تَخْلُو عَنْهَا كَقِلَّةِ الْمَاءِ وَشِدَّةِ الْحَرِّ وَهَيَجَانِ الرِّيحِ السَّمُومِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ: لَا أَشُكُّ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ النِّسَاءِ وَلَكِنْ أَشُكُّ فِي سُقُوطِهِ عَنْ الرِّجَالِ وَالْبَادِيَةُ عِنْدِي دَارُ الْحَرْبِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الثَّلْجِيُّ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ خُرَاسَانَ حَجٌّ مُذْ كَذَا وَكَذَا سَنَةً وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ: لَا أَقُولُ الْحَجُّ فَرِيضَةٌ فِي زَمَانِنَا قَالَهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ وَأَفْتَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ الْحَجَّ قَدْ سَقَطَ عَنْ أَهْلِ بَغْدَادَ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الطَّرِيقِ السَّلَامَةَ يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ بَحْرٌ لَا يَجِبُ وَسَيْحُونُ وَجَيْحُونَ وَالْفُرَاتِ أَنْهَارٌ وَلَيْسَتْ بِبِحَارٍ فَلَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الْبَحْرِ السَّلَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَهُ أَلْفُ قَائِدٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي مَالِهِ، وَفِي الرَّوْضَةِ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَجٌّ يُبَاشِرُهُ وَلَا جُمُعَةٌ وَلَا جَمَاعَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَلْفُ قَائِدٍ وَعَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ذَكَرَهُ فِي مَنَاسِكِ ابْنِ شُجَاعٍ وَفِي الْمُحِيطِ عِنْدَ فَقْدِ سَلَامَةِ الْبَدَنِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ بِالْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ الْفِدْيَةِ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ حَالَةَ الْيَأْسِ بِالنَّصِّ انْتَهَى غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهُ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ إلَخْ) حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ أَوْ اشْتَرَى بِهِ عُرُوضًا أَوْ حَيَوَانًا قَبْلَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ بَعْدَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ، وَيَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ لَقِيَ اللَّهَ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ فَاضِلٌ عَنْ سُكْنَى مِثْلِهِ لَا يَسْكُنُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يُؤَجِّرُهُ أَوْ يُعِيرُهُ أَوْ عَبْدٌ لَا يَسْتَخْدِمُهُ أَوْ مَتَاعٌ لَا يَلْبَسُهُ أَوْ كَانَتْ لَهُ كُتُبٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَحُجَّ بِثَمَنِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَاضِلَةٌ عَنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَيُعَدُّ مُسْتَطِيعًا كَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ دَرَاهِمُ وَلَيْسَ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا خَادِمٌ فَالْحَجُّ لَازِمٌ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ صَرَفَهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ يَأْثَمُ لِوُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ بِمِلْكِ الدَّرَاهِمِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ ثَمَّةَ يَتَضَرَّرُ بِالْبَيْعِ انْتَهَى كَرْمَانِيٌّ. 1 - (قَوْلُهُ خَالِيَةً عَنْ الْعِدَّةِ) أَيِّ عِدَّةٍ كَانَتْ زَاهِدِيٌّ (قَوْلُهُ قَدْرُ مَا يُكْتَرَى بِهِ شِقُّ مَحْمَلٍ) الشِّقُّ الْجَانِبُ، وَهُوَ نِصْفُ بَعِيرٍ يَحْمِلُ عَلَيْهِ الْمُسَافِرُ مَتَاعَهُ وَطَعَامَهُ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْعِدْلُ الَّذِي فِيهِ زَادُ الْحَاجِّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ، وَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَكْتَرِيَ عُقْبَةً) الْعُقْبَةُ النَّوْبَةُ وَعُقْبَةُ الْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ اثْنَانِ بَعِيرًا يَتَعَاقَبَانِ فِي الرُّكُوبِ فَرْسَخًا فَرْسَخًا أَوْ مَنْزِلًا مَنْزِلًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ، وَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ إلَخْ) أَمَّا الزَّادُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ صَرَّحَ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَفِي قَوْلِهِ فِي النِّهَايَةِ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ تَكَسُّبُهُ فِي الطَّرِيقِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا) أَيْ عَدَمَ الْأَمْنِ يَكُونُ مِنْ الْعِبَادَةِ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِيصَاءِ) أَيْ بِالْحَجِّ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْأَمْنِ اهـ كَافِيٌّ (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ بَحْرٌ لَا يَجِبُ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ رُكُوبَ الْبَحْرِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ وَقَالَ الْكَاكِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ اهـ

مِنْ مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ لِلْمَرْأَةِ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ مَحْرَمٌ مِنْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ لَهَا الْحَجُّ إذَا خَرَجَتْ فِي رِفْقَةٍ وَمَعَهَا نِسَاءٌ ثِقَاتٌ لِلْعُمُومَاتِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ» وَلِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنْ الْحِيرَةِ تَؤُمُّ الْبَيْتَ لَا جِوَارَ مَعَهَا لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى» وَقَالَ عَدِيٌّ: رَأَيْت الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا زَوْجًا وَلَا مَحْرَمًا؛ وَلِأَنَّهُ سَفَرٌ وَاجِبٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا الْمَحْرَمُ فِيهِ كَالْمُهَاجِرَةِ وَالْمَأْسُورَةِ إذَا تَخَلَّصَتْ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَحُجَّ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا» ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ وَعَزَاهُ إلَى الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَلَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ، إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتَتَبْت فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّهَا يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ وَتَزْدَادُ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا وَلِهَذَا تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا مِنْ النِّسَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ وَحْدَهَا عَادَةً فَتَحْتَاجُ إلَى مَنْ يُرْكِبُهَا وَيُنْزِلُهَا مِنْ الْمَحَارِمِ أَوْ الزَّوْجِ فَعِنْدَ عَدَمِهِمْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَطِيعَةً وَالنُّصُوصُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مِنْ مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ) أَيْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ انْتَهَى كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ لِلْمَرْأَةِ) فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ والْوَلْوَالِجِيِّ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا. اهـ. كَاكِيٌّ. (تَتِمَّةٌ): قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي دَاعِي مَنَارِ الْبَيَانِ بِجَامِعِ النُّسُكَيْنِ بِالْقُرْآنِ: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِهِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: شُرُوطُ الْوُجُوبِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَمِنْ شَرْطِ هَذَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنْ لَا يَكُونَا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَلَا بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ فِي حَقِّ الرَّاحِلَةِ بَلْ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ فِيهِمَا أَوْ بِطَرِيقِ الِاسْتِئْجَارِ فِي حَقِّ الرَّاحِلَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ بِجِهَةٍ مَنْ لَا مِنَّةَ لَهُ عَلَيْهِ كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَوْ فِيمَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْمِنَّةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ وَالْوَقْتُ، وَهُوَ وَقْتُ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ وَأَشْهُرُ الْحَجِّ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ فِيهَا وَالْعِلْمُ بِكَوْنِ الْحَجِّ فَرْضًا، وَهَذَا مِمَّا زَادَهُ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَهُ نَصًّا، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ، ثُمَّ الْعِلْمُ يَثْبُتُ لِمَنْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِمُجَرَّدِ الْوُجُودِ فِيهَا سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْفَرِيضَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَشَأَ فِيهَا عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ لَا وَأَمَّا لِلْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَبِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَعِنْدَهُمَا لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ فِي هَذَا الْإِخْبَارِ وَشُرُوطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ صِحَّةُ الْبَدَنِ وَزَوَالُ الْمَوَانِعِ الْحِسِّيَّةِ عَلَى الذَّهَابِ إلَى الْحَجِّ حَتَّى أَنَّ الْمُقْعَدَ وَمَقْطُوعَ الرِّجْلَيْنِ وَالْمَرِيضَ وَالشَّيْخَ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْأَعْمَى وَالْمَحْبُوسَ وَالْخَائِفَ مِنْ السُّلْطَانِ الَّذِي يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَجُّ بِأَنْفُسِهِمْ وَلَا الْإِحْجَاجُ عَنْهُمْ إنْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ رِوَايَةُ الصَّاحِبَيْنِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَأْمُرُوا مَنْ يَحُجُّ عَنْهُمْ بِمَالِهِمْ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ مَا دَامَ الْعَجْزُ مُسْتَمِرًّا بِهِمْ فَإِنْ زَالَ فَعَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ بِأَنْفُسِهِمْ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ اخْتِيَارُهُ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْمُحَقِّق أَثَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَوْجَهُ وَأَمْنُ الطَّرِيقِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ بَرًّا كَانَ أَوْ بَحْرًا عَلَى الصَّحِيحِ وَعَدَمُ قِيَادَةِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَخُرُوجُ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ مَعَهَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا فَوْقَهَا وَشُرُوطُ صِحَّتِهِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ وَالْوَقْتُ الْمَخْصُوصُ وَالْمَكَانُ الْمَخْصُوصُ وَالْإِسْلَامُ إذْ لَا صِحَّةَ لِحَجٍّ كَافِرٍ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْإِيمَانِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ بِلَا خِلَافٍ. (تَنْبِيهٌ) وَمَا فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَغَيْرِهَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ حَجَّ أَوْ تَهَيَّأَ لِلْإِحْرَامِ وَلَبَّى وَشَهِدَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ إسْلَامًا لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَا بِقَلِيلٍ تَأَمَّلْ، وَإِذًا فَظَهَرَ أَنَّ الْإِسْلَامَ كَمَا هُوَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ فَهُوَ أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ غَايَتُهُ أَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ عِنْدَ مَشَايِخِنَا الْبُخَارِيِّينَ وَمِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ التَّمْيِيزُ وَالْعَقْلُ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ أَيْضًا لَكِنْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ «امْرَأَةً رَفَعَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبِيًّا وَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بِصِحَّةِ حَجَّةِ الصَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَكَذَا بِصِحَّةِ حَجِّ الْمَجْنُونِ وَيُحْرِمُ عَنْهُمَا الْأَبُ يَعْنِي وَمَنْ بِمَثَابَتِهِ وَكَأَنَّ دَلِيلَهُمْ عَلَى جَوَازِ حَجِّ الْمَجْنُونِ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ فِيمَا أَعْلَمُ دَلَالَةَ النَّصِّ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ شَرَطَتْ فِي وُقُوعِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إفَاقَتَهُ عِنْدَ الْأَرْكَانِ غَيْرَ مُشْتَرِطِينَ ذَلِكَ فِي وُقُوعِهِ تَطَوُّعًا وَلَمْ أَقِفْ لِمَشَايِخِنَا عَلَى التَّعَرُّضِ لِصِحَّةِ حَجِّهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَا بِنَفْيٍ وَلَا بِإِثْبَاتٍ لَا مَعَ هَذَا الِاشْتِرَاطِ وَلَا بِدُونِهِ إلَّا أَنَّهُ فِيمَا يَظْهَرُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُفِيقًا عِنْدَ التَّلَبُّسِ بِالْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَاقِلًا ثُمَّ عَرَضَ لَهُ الْجُنُونُ فَفَعَلَ بِهِ مَا عَلَى الْحَاجِّ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمُقْتَضَى قَوَاعِدِنَا أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يُفِقْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ بِسِنِينَ وَإِلَّا فَلَا لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا فَأَمْعِنْ النَّظَرَ فِيهِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْحَاشِيَةِ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ بِقَلِيلٍ تَأَمَّلْ مَا نَصَّهُ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مَا إذَا حَجَّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا حَجَّ مُنْفَرِدًا وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حِينَئِذٍ كَمَا إذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى مَعَ الْجَمَاعَةِ قُنْيَةٌ

[مواقيت الإحرام]

الْعَامَّةُ هُمْ خَصَّصُوهَا بِرَأْيِهِمْ حَتَّى اشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا رِفْقَةٌ وَنِسَاءٌ ثِقَاتٌ وَنَحْنُ خَصَّصْنَاهَا بِمَا رَوَيْنَا وَجَازَ ذَلِكَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ أَوْ لِكَوْنِهِ مَخْصُوصًا بِالْإِجْمَاعِ عِنْدَ عَدَمِ الرِّفْقَةِ وَالنِّسَاءُ الثِّقَاتُ وَالْمُهَاجِرَةُ وَالْمَأْسُورَةُ لَا تَنْشِآنِ سَفَرًا، وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُمَا النَّجَاةُ لَا غَيْرُ خَوْفًا مِنْ تَبَدُّلِ الدِّينِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ وَجَدَتَا عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ تُسَافِرَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لِحُصُولِ الْأَمْنِ بِذَلِكَ وَلِهَذَا لَا تَقْصِدَانِ مَكَانًا مُعَيَّنًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ وَلِأَنَّ لَهُمَا ضَرُورَةً إلَيْهِ، وَهِيَ تُبِيحُ الْمَحْظُورَ وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا أَنَّهُمَا لَوْ كَانَتَا مُعْتَدَّتَيْنِ لَا نَمْنَعُهُمَا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ أَقْوَى فِي مَنْعِ الْخُرُوجِ مِنْ عَدَمِ الْمَحْرَمِ حَتَّى مَنَعَتْ مَا دُونَ السَّفَرِ بِخِلَافِ عَدَمِ الْمَحْرَمِ؛ وَلِهَذَا لَا تَخْرُجُ الْمُعْتَدَّةُ لِلْحَجِّ بِالْإِجْمَاعِ وَحَدِيثُ عَدِيٍّ يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَوَازِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَاقَ الْكَلَامُ لِبَيَانِ أَمْنِ الطَّرِيقِ مِنْ الْعَدْلِ لَا لِبَيَانِ أَنَّهَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ نَظِيرُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَبِهِ «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَسِيرُ الظَّعِينَةُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْحِيرَةِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ بِخِطَامِ رَاحِلَتِهَا» الْحَدِيثَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَسِيرَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْحِيرَةِ وَلَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُنَا خُرُوجُهَا إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ لِأَيِّ حَاجَةٍ شَاءَتْ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَةُ خُرُوجِهَا وَحْدَهَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَإِذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُ إذَا خَرَجَتْ عِنْدَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهَا أَوْ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَقَبْلَهُ يَمْنَعُهَا وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْإِحْرَامِ إلَى أَدْنَى الْمَوَاقِيتِ وَبِمَكَّةَ إلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ. وَإِنْ أَحْرَمَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا وَتَصِيرَ كَالْمُحْصَرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ مَنْعُهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ تَفْوِيتَ حَقِّهِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَجَّتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ فِي حَجٍّ مَنْذُورٍ أَوْ تَطَوُّعٍ وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ وَالْحَجُّ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهَا وَبِخِلَافِ الْحَجِّ الْمَنْذُورِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهَا بِالْتِزَامِهَا فَلَا يَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَصَارَ نَفْلًا فِي حَقِّهِ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ بِلَا مَحْرَمٍ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمَحْرَمِ فِيهِ، وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ مَعَ كُلِّ مَحْرَمٍ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا وَكَافِرًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَجُوسِيًّا أَوْ فَاسِقًا لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْفِتْنَةِ أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الصِّيَانَةُ وَالصَّبِيَّةُ الَّتِي بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ مِثْلَ الْبَالِغَةِ حَتَّى لَا يُسَارُ بِهَا إلَّا مَعَ الْمَحْرَمِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الزَّوْجَ أَوْ الْمَحْرَمَ شَرْطًا لِوُجُوبٍ أَمْ شَرْطًا لِأَدَاءٍ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَحْرَمِ وَرَاحِلَتِهِ إذَا أَبَى أَنْ يَحُجَّ مَعَهَا إلَّا بِالزَّادِ مِنْهَا وَالرَّاحِلَةِ وَفِي وُجُوبِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا لِيَحُجَّ بِهَا إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا فَمَنْ قَالَ هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ وَلِهَذَا لَوْ مَلَكَ الْمَالَ كَانَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَبُولِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَكَذَا لَوْ أُبِيحَ لَهُ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ شَرْطُ الْأَدَاءِ أَوْجَبَ عَلَيْهَا جَمِيعَ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ أَوْ عَبْدٌ فَبَلَغَ أَوْ عَتَقَ فَمَضَى لَمْ يَجُزْ عَنْ فَرْضِهِ)؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ لِأَدَاءِ النَّفْلِ فَلَا يَنْقَلِبُ لِلْفَرْضِ كَالضَّرُورَةِ إذَا أَحْرَمَ لِلنَّفْلِ لَا يُؤَدِّي بِهِ الْفَرْضَ وَكَإِحْرَامِ الصَّلَاةِ إذَا عَقَدَ لِلنَّفْلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ الْفَرْضَ فَإِنْ قِيلَ الْإِحْرَامُ شَرْطٌ عِنْدَكُمْ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِهِ كَالصَّبِيِّ إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ بَلَغَ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ قُلْنَا الْإِحْرَامُ يُشْبِهُ الرُّكْنَ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ اتِّصَالُ الْأَدَاءِ بِهِ فَأَخَذْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا مَضَى يَكُونُ عَنْ الْفَرْضِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بِالسِّنِّ يَكُونُ عَنْ الْفَرْضِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يَكُونُ عَنْهُ وَلَوْ جَدَّدَ الصَّبِيُّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَنَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ فَعَلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَيُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ وَإِحْرَامُ الْعَبْدِ لَازِمٌ فَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ أُحْصِرَ وَتَحَلَّلَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِارْتِكَابِ مَحْظُورَاتِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ الصَّبِيُّ لَوْ أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ صَارَ مُحْرِمًا وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجَرِّدَهُ وَيُلْبِسَهُ إزَارًا وَرِدَاءً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَذَاتُ عِرْقٍ وَالْجُحْفَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِبَيَانِ أَمْنِ الطَّرِيقِ مِنْ الْعَدْلِ) أَيْ بِسَبَبِ الْعَدْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ نَظِيرُهُ: قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ) أَيْ فِي مِثْلِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا) أَيْ أَوْ عَبْدًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الزَّوْجَ أَوْ الْمُحْرِمَ إلَخْ) صَحَّحَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ الْأَوَّلَ وَصَحَّحَ السِّغْنَاقِيُّ الثَّانِيَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي وُجُوبِ التَّزْوِيجِ عَلَيْهَا) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ لِيَحُجَّ بِهَا كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ اكْتِسَابُ الْمَالِ لِأَجْلِ الْحَجِّ اهـ. (قَوْلُهُ فَبَلَغَ أَوْ عَتَقَ فَمَضَى) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إحْرَامِهِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ وَإِحْرَامُ الْعَبْدِ لَازِمٌ) أَيْ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا حَتَّى لَوْ أَصَابَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ الصِّيَامُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ جَانِيًا عَلَى إحْرَامِهِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ بِالْإِرَاقَةِ أَوْ بِالْإِطْعَامِ، وَإِنْ كَانَ تَكْفِيرُهُ بِالصَّوْمِ. اهـ. كَاكِيٌّ. فَائِدَةٌ قَالَ فِي الْكَافِي وَاعْلَمْ أَنَّ فُرُوضَ الْحَجِّ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ وَوَاجِبُهُ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ وَطَوَافُ الصَّدْرِ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ وَغَيْرُهَا سُنَنٌ وَآدَابٌ اهـ. [مَوَاقِيت الْإِحْرَام] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَمَنْ لَا وَعَنْ شَرَائِطِهِ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَوَاقِيتِ الْإِحْرَامِ اهـ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْوَقْتُ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُبْهَمَةِ وَالْمَوَاقِيتُ جَمْعُ الْمِيقَاتِ، وَهُوَ الْوَقْتُ الْمَحْدُودُ فَاسْتُعِيرَ لِلْمَكَانِ وَمِنْهُ مَوَاقِيتُ الْحَجِّ لِمَوَاضِع الْإِحْرَامِ وَقَدْ فَعَلَ بِالْوَقْتِ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ تَعَدَّى وَقْتُهُ إلَى وَقْتٍ أَقْرَبَ مِنْهُ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ أَيْ مِيقَاتُهُ بُسْتَانُ بَنِي عَامِرٍ ثُمَّ

وَقَرْنٌ وَيَلَمْلَمَ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا) أَيْ الْمَوَاقِيتُ الَّتِي لَا يَتَجَاوَزُهَا الْإِنْسَانُ إلَّا مُحْرِمًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ وَقْتٌ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ فَقَالَ هُنَّ لَهُمْ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد فِي أَكْثَرِ طُرُقِهِ هُنَّ لَهُنَّ وَالْأَوَّلُ الْأَصَحُّ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالثَّانِي بِطَرِيقِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ تَقْدِيرُهُ هُنَّ لِأَهْلِهِنَّ فَحَذَفَ الْأَهْلَ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَمَنْ سَلَكَ مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ أَحْرَمَ مِنْهُ لِمَا رَوَيْنَا، وَإِنْ سَلَكَ مِيقَاتَيْنِ فِي الْبَحْرِ أَوْ الْبَرِّ اجْتَهَدَ أَوْ أَحْرَمَ إذَا حَاذَى مِيقَاتًا مِنْهُمَا وَأَبْعَدُهُمَا أَوْلَى بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَحْرَمَ مِنْ الْجُحْفَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا مَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا وَكَذَا كُلَّمَا كَانَ الثَّانِي أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إذَا أَرَادَتْ الْحَجَّ أَحْرَمَتْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَإِذَا أَرَادَتْ الْعُمْرَةَ أَحْرَمَتْ مِنْ الْجُحْفَةِ فَكَأَنَّهَا طَلَبَتْ زِيَادَةَ الْأَجْرِ فِي الْحَجِّ لِزِيَادَةِ فَضْلِهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْجُحْفَةُ مِيقَاتًا لَهَا لَمَا جَازَ لَهَا تَأْخِيرُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ فِي الْمِيقَاتِ ثُمَّ الْآفَاقِيُّ إذْ انْتَهَى إلَى الْمِيقَاتِ عَلَى قَصْدِ دُخُولِ مَكَّةَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ قَصَدَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ، وَإِذَا أَرَادَ غَيْرَهُمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ شُرِعَ لِأَدَاءِ النُّسُكِ فَإِذَا نَوَاهُ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لِتَحِيَّةِ الْبُقْعَةِ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إلَّا بِالْإِحْرَامِ» الْحَدِيثَ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لِتَعْظِيمِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الشَّرِيفَةِ فَيَسْتَوِي فِيهِ التَّاجِرُ وَالْمُعْتَمِرُ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْبَيْتَ مُعَظَّمًا وَجَعَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِنَاءً لَهُ وَجَعَلَ مَكَّةَ فِنَاءً لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَجَعَلَ الْمِيقَاتَ فِنَاءً لِلْمُحْرِمِ وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِكَيْفِيَّةِ تَعْظِيمِهِ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَمَا رَوَاهُ كَانَ مُخْتَصًّا بِتِلْكَ السَّاعَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ «مَكَّةُ حَرَامٌ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حَرَامًا» يَعْنِي الدُّخُولَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حِلِّ الدُّخُولِ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْقِتَالِ وَقَوْلُهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَالْإِحْرَامُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا؛ وَلِهَذَا وَجَبَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ عِنْدَ إرَادَةِ النُّسُكِ إجْمَاعًا وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِحَاجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُكْثِرُ دُخُولَهُ مَكَّةَ وَفِي إيجَابِ الْإِحْرَامِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَأَلْحَقُوا بِأَهْلِ مَكَّةَ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُمْ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بَعْدَمَا خَرَجُوا مِنْهَا لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلِهَذَا أُلْحِقُوا بِهِمْ فِي عَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدُوا أَدَاءَ النُّسُكِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا لَا عَكْسُهُ) أَيْ جَازَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ، وَهُوَ تَأْخِيرُهُ عَنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِيمُ أَفْضَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَفَسَّرَتْ الصَّحَابَةُ الْإِتْمَامَ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمِنْ الْأَمَاكِنِ الْقَاصِيَةِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَهَلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQاُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ حَدٍّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ هَلْ فِي ذَلِكَ وَقْتٌ أَيْ حَدٌّ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَقَدْ اشْتَقُّوا فِيهِ فَقَالُوا وَقَتَ اللَّهُ الصَّلَاةَ وَوَقَّتَهَا بِالتَّشْدِيدِ أَيْ بَيَّنَ وَقْتَهَا وَحَدَّدَهُ (قَوْلُهُ وَقَرَنَ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْقَرَنُ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَوْضِعٌ، وَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ وَمِنْهُ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ وَالْقَرْنُ بِالسُّكُونِ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ عَلَيْهِ فِي مَكَانَيْنِ فِيهِ فِي تَحْرِيكِ الرَّاءِ وَنِسْبَةُ أُوَيْسٍ إلَى الْمَكَانِ، وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَى قَرَنٍ، وَهُوَ بَطْنٌ مِنْ مُرَادِ قَبِيلَةٍ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَلِأَهْلِ النَّجْدِ) بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي خَطِّهِ (قَوْلُهُ فَقَالَ هُنَّ لَهُمْ) هُنَّ ضَمِيرُ جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ الْعَاقِلِ فِي الْأَصْلِ وَقَدْ يُعَادُ عَلَى مَا لَا يَعْقِلُ وَأَكْثَرُ ذَلِكَ فِي الْعَشَرَةِ فَدُونٍ فَإِذَا جَاوَزَهَا قَالُوهُ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] ثُمَّ قَالَ {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] اهـ شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ (قَوْلُهُ فَمُهَلُّهُ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ مَوْضِعُ إهْلَالِهِمْ. اهـ. تَنْقِيحٌ الزَّرْكَشِيّ وَضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَاءِ (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ إلَخْ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ لَكِنَّ الْوَاقِعَ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بَعْدَهَا أَوْ فِيهَا نَفْسِهَا فِي نَصِّ الرِّوَايَةِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ أَيْ جَازَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ إلَخْ) بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ أَجْمَعُوا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَغَيْرِهِ فَيَجِبُ حَمْلُ الْأَفْضَلِيَّةِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِنْ دَارِهِ إلَى مَكَّةَ دُونَ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي قَاضِي خَانْ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِيمُ أَفْضَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَفَسَّرَتْ الصَّحَابَةُ إلَخْ) ثُمَّ هَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ إيجَابَ الْإِتْمَامِ عَلَى مَنْ شَرَعَ فِي بَحْثِ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي أَوَّلَ كِتَابِ الْحَجِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) هِيَ تَصْغِيرُ الدَّارِ وَعَنْ شَيْخِ شَيْخِي، وَإِنَّمَا قَالَ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ لِمُقَابَلَةِ بَيْتِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْبُيُوتِ مُحَقَّرٌ بِنِسْبَتِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ

[باب الإحرام]

غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ وَابْنُ مَاجَهْ وَذَكَرَ فِيهِ الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِ أَكْثَرُ وَالتَّعْظِيمَ أَوْفَرُ فَكَانَ عَزِيمَةً وَالتَّأْخِيرُ إلَى الْمِيقَاتِ رُخْصَةً؛ وَلِهَذَا كَانَ كِبَارُ الصَّحَابَةِ يَتَبَادَرُونَ إلَيْهِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمِنْ بَصْرَةَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الشَّامِ وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّقْدِيمَ، إنَّمَا يَكُونُ أَفْضَلَ إذَا كَانَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِدَاخِلِهَا الْحِلُّ) أَيْ الْمِيقَاتُ لِأَهْلِ دَاخِلِ الْمَوَاقِيتِ الْحِلُّ الَّذِي هُوَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ إلَى الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ خَارِجَ الْحَرَمِ كُلِّهِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ فِي حَقِّهِ وَالْحَرَمُ فِي حَقِّهِ كَالْمِيقَاتِ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ إلَّا مُحْرِمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمَكِّيِّ الْحَرَمُ لِلْحَجِّ وَالْحِلُّ لِلْعُمْرَةِ) أَيْ الْوَقْتُ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْحَرَمُ فِي الْحَجِّ وَالْحِلُّ فِي الْعُمْرَةِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَأْمُرُ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ أَدَاءَ الْحَجِّ فِي عَرَفَةَ، وَهِيَ فِي الْحِلِّ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحَرَمِ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ وَأَدَاءُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلِّ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ بِتَبْدِيلِ الْمَكَانِ وَالتَّنْعِيمُ أَفْضُلُ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ الْإِحْرَامِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِذَا أَرَدْت أَنْ تُحْرِمَ فَتَوَضَّأَ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ) لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتَوَضَّأُ أَحْيَانَا وَيَغْتَسِلُ أَحْيَانَا، وَإِنَّمَا كَانَ الْغُسْلُ أَفْضَلَ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اخْتَارَهُ»؛ وَلِأَنَّهُ أَعَمُّ وَأَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ فَكَانَ أَفْضَلَ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْغُسْلِ تَحْصِيلُ النَّظَافَةِ وَإِزَالَةُ الرَّائِحَةِ لَا الطَّهَارَةُ حَتَّى تُؤْمَرَ بِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ امْرَأَتُهُ حِينَ نَفِسَتْ بِابْنِهِ مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «إنَّ النُّفَسَاءَ وَالْحَائِضَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ وَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَا يُتَصَوَّرُ حُصُولُ الطَّهَارَةِ لَهَا؛ وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبَسْ إزَارًا وَرِدَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ «غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ أَيْ وَمَا تَأَخَّرَ وَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» رَوَاهُ فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ، إنَّمَا يَكُونُ أَفْضَلَ إلَخْ) ثُمَّ إذَا انْتَفَتْ الْأَفْضَلِيَّةُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ نَفْسَهُ هَلْ يَكُونُ الثَّابِتُ الْإِبَاحَةَ أَوْ الْكَرَاهَةَ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ لِأَهْلِ دَاخِلِ الْمَوَاقِيتِ) وَمَنْ هُوَ فِي نَفْسِ الْمَوَاقِيتِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ وَلِلْمَكِّيِّ الْحَرَمُ) اُنْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُبَيْلَ بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ نَافِعٌ هُنَا (قَوْلُهُ وَالتَّنْعِيمُ أَفْضَلُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالتَّنْعِيمُ مَصْدَرُ نَعَّمَهُ إذَا أَتْرَفَهُ وَبِهِ سُمِّيَ التَّنْعِيمُ، وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ عِنْدَ مَسْجِدِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اهـ. [بَابُ الْإِحْرَامِ] (بَابُ الْإِحْرَامِ) لَمَّا ذَكَرَ الْمَوَاقِيتِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنَّ الْإِحْرَامَ كَيْفَ يُفْعَلُ عِنْدَ الْمَوَاقِيتِ وَالْإِحْرَامُ مَصْدَرُ قَوْلِك أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةٍ لَا تُهْتَكُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ بِالْإِحْرَامِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الرَّفَثُ وَالْفُسُوقُ وَالْجِدَالُ وَقَتْلُ الصَّيْدِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَصُورَةُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَنْ يُلَبِّيَ بِلِسَانِهِ وَيَنْوِيَ بِقَلْبِهِ الْحَجَّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْكُرَ النِّيَّةَ بِاللِّسَانِ مَعَ الْقَلْبِ ثُمَّ الْمُحْرِمُونَ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ مُفْرِدٌ بِالْحَجِّ وَمُفْرِدٌ بِالْعُمْرَةِ وَقَارِنٌ وَمُتَمَتِّعٌ وَبَيَانُ الْكُلِّ يَأْتِي فِي الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ الْإِحْرَامُ شَرْطُ الْأَدَاءِ عِنْدَنَا حَتَّى لَا يَصِحَّ الْحَجُّ بِدُونِهِ كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رُكْنٌ؛ وَلِهَذَا جَازَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ عِنْدَنَا كَتَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَأَحْرَمَ الشَّخْصُ دَخَلَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَمَعْنَاهُ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِي شَيْءٍ حُرِّمَ عَلَيْهِ بِهِ مَا كَانَ حَلَالًا لَهُ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ أَنْجَدَ إذَا أَتَى نَجْدًا وَأَتْهَمَ إذَا أَتَى تِهَامَةَ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ الْعِبَادَاتِ مَا لَهَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَمِنْهَا مَا لَيْسَ لَهَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ كَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ اهـ (قَوْلُهُ، وَإِذَا أَرَدْت) أَيْ أَيُّهَا الطَّالِبُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً وَقَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِالْخِطَابِ تَحْرِيضًا عَلَى تَعَلُّمِ أُمُورِ الْإِحْرَامِ وَاهْتِمَامًا لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى مَعْرِفَتِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْغُسْلِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَهَذَا الْغُسْلُ أَعْنِي غُسْلَ الْإِحْرَامِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنْظِيفِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ بِدَلَالَةِ اغْتِسَالِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ ثُمَّ غُسْلٌ يَكُونُ بِمَعْنَى النَّظَافَةِ فَالْوُضُوءُ يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ امْرَأَتُهُ إلَخْ) هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ نَفِسَتْ بِالشَّجَرَةِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَفِي الْكَرْمَانِيِّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ نُفِسَتْ) هُوَ بِضَمِّ النُّونِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَالْجَمْعُ نِفَاسٌ وَالنِّفَاسُ مَصْدَرُ نُفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا إذَا وَلَدَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَهُنَّ نِفَاسٌ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَسْمَاءَ نَفِسَتْ أَيْ حَاضَتْ وَالضَّمُّ فِيهِ خَطَأٌ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ التَّيَمُّمُ إلَخْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُسَنُّ التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ قُلْنَا الْمَقْصُودُ بِالْغُسْلِ تَنْظِيفُ الْبَدَنِ وَقَطْعُ الرَّائِحَةِ وَالتُّرَابُ مُلَوِّثٌ وَمُغَبِّرٌ وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ وَتَكْرَارُ الْمَسْحِ بِهِ. اهـ. سَرُوجِيٌّ وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْغُسْلِ تَحْصِيلُ النَّظَافَةِ إلَى آخِرِهِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ) أَيْ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْغُسْلِ فِيهِمَا إقَامَةُ السُّنَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ الْمَتْنِ وَالْبَسْ إزَارًا وَرِدَاءً) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ مُضْطَبِعًا فِيهِ

جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَبِسَهُمَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَلَا بُدَّ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَذَلِكَ فِيمَا عَيَّنَّاهُ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْجَدِيدُ أَوْ الْغِسِّيلُ لِلنَّظَافَةِ وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَفُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَرْكَبْهُ النَّجَاسَةُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَا أَبْيَضَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْجِنَازَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَطَيَّبْ) وَكَرِهَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِرَجُلٍ مُحْرِمٍ سَأَلَهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الطِّيبِ أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِك فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا»؛ وَلِأَنَّهُ مُنْتَفِعٌ بِالطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَلَا يَجُوزُ، وَلَنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ إحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ» وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ تَطَيَّبَ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَبِيصَ الدُّهْنِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيِّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا يَنْهَانَا عَنْهُ»؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَطَيِّبٍ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَالْبَاقِي فِي جَسَدِهِ تَابِعٌ لَهُ كَالْحَلَقِ بِخِلَافِ لُبْسِ الْمَخِيطِ أَوْ لُبْسِ الْمُطَيَّبِ؛ لِأَنَّهُ مُبَايِنٌ لَهُ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي عَامِ الْفَتْحِ فِي الْعُمْرَةِ وَمَا رَوَيْنَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ الْمُحْرِمُ لَا يَشُمُّ طِيبًا آخَرَ مِنْ خَارِجٍ غَيْرَ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَا الرَّيْحَانَ وَلَا الثِّمَارَ الطَّيِّبَةَ الرَّائِحَةِ ثُمَّ كَمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَقْلِيمُ أَظْفَارِهِ وَقَصُّ شَارِبِهِ وَحَلْقُ عَانَتِهِ وَنَتْفُ إبْطِهِ وَتَسْرِيحُ رَأْسِهِ عَقِيبَ الْغَسِيلِ لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ إذَا أَرَادُوا أَنْ يُحْرِمُوا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) يَعْنِي بَعْدَ اللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَلَا يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَتُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي)؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَأَمَاكِنَ مُتَبَايِنَةٍ فَلَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ عَادَةً فَيَسْأَلُ التَّيْسِيرَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ وَيَسْأَلُ مِنْهُ التَّقَبُّلَ كَمَا سَأَلَهُ الْخَلِيلُ وَإِسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فِي قَوْلِهِمَا {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] وَكَذَا يُسْأَلُ فِي جَمِيعِ الطَّاعَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلسَّدَادِ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا يُرِيدُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَبِّ دُبُرَ صَلَاتِك تَنْوِي بِهَا الْحَجَّ) أَيْ لَبِّ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، وَأَنْتَ تَنْوِي الْحَجَّ بِالتَّلْبِيَةِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ أَيْ التَّلْبِيَةَ» وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ إهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا عَلَا عَلَى جَبَلِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَتَوَشَّحَ بِرِدَائِهِ وَيُخْرِجَهُ مِنْ تَحْتِ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَيُلْقِيَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ وَيُغَطِّيَهُ وَيُبْدِيَ مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ، فَإِنَّهُ سُنَّةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَبِسَ فِي إحْرَامِهِ إزَارًا وَرِدَاءً» عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَاضْطَبَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ لَمْ يَبْقَ سُنَّةً فِي هَذَا الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ لِأَجْلِ الْمُشْرِكِينَ إظْهَارًا لِلْقُوَّةِ وَالْجَلَادَةِ حَيْثُ طَعَنَ الْمُشْرِكُونَ فِي عَجْزِهِمْ وَضَعْفِهِمْ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ اهـ وَقَوْلُهُ إزَارًا الْإِزَارُ مِنْ الْحَقْوِ وَالرِّدَاءُ مِنْ الْكَتِفِ وَيُدْخِلُ الرِّدَاءَ تَحْتَ يَمِينِهِ وَيُلْقِيهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ فَيَبْقَى كَتِفُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّمَا ذَكَرَ جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ كَرَاهَةُ لُبْسِ الْجَدِيدِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا اهـ وَقَوْلُهُ أَوْ غَسِيلَيْنِ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: وَقَدَّمَ الْجَدِيدَ عَلَى الْغَسِيلِ لِمَا أَنَّهُ أَفْضَلُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَزَيَّنْ لِعِبَادَةِ رَبِّك». اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَطَيَّبَ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَيَمَسُّ طِيبًا إنْ شَاءَ وَيَدْهُنُ بِأَيِّ دُهْنٍ شَاءَ وَيَتَطَيَّبُ بِأَيِّ طِيبٍ شَاءَ سَوَاءٌ تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَوْ لَا وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَيَتَطَيَّبُ وَيَدْهُنُ بِمَا شَاءَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْأُصُولِ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْت لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا حَتَّى رَأَيْت قَوْمًا أَحْضَرُوا طِيبًا كَثِيرًا، وَرَأَيْت أَمْرًا شَنِيعًا فَكَرِهْته. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِهِ قَالَ) أَيْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَبِيصَ الطِّيبِ) وَالْوَبِيصُ هُوَ بَرِيقُ الطِّيبِ هَذَا فِي الْبَدَنِ أَمَّا فِي الثَّوْبِ فَيُكْرَهُ الطِّيبُ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ سَرِيعًا. اهـ. كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ لُبْسِ الْمَخِيطِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَا إذَا لَبِسَ ثَوْبًا قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ حَيْثُ يُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ تَبَعًا لِكَوْنِ الثَّوْبِ مُبَايِنًا عَنْ الْبَدَنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ) لَيْسَتْ الْوَاوُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَسْأَلُ التَّيْسِيرُ مِنْ اللَّهِ إلَخْ) وَفِي الصَّلَاةِ لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ هَذَا الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهَا يَسِيرَةٌ وَأَدَاءَهَا عَادَةً مُتَيَسِّرٌ اهـ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَبِّ دُبُرَ صَلَاتِك إلَخْ) ثُمَّ الْكَلَامُ فِي التَّلْبِيَةِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ عَقِيبَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْأَفْضَلُ أَنْ يُلَبِّيَ إذَا انْبَعَثَتْ بِهِ نَاقَتُهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَمِنْهَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْإِحْرَامِ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ حَتَّى يَضُمَّ إلَيْهَا التَّلْبِيَةَ أَوْ يَسُوقَ الْهَدْيَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَسَيَجِيءُ بَيَانُ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ عَجَبًا لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إهْلَالِهِ فَقَالَ إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ، إنَّمَا كَانَتْ مِنْهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ فَسَمِعَ بِذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوا عَنْهُ ثُمَّ رَكِبَ فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ فَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوا عَنْهُ» وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ، إنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ فَقَالُوا، إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ ثُمَّ مَضَى فَلَمَّا عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ فَأَدْرَكَ ذَلِكَ أَقْوَامٌ فَقَالُوا، إنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ وَأَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَهُ فِي مُصَلَّاهُ فَأَزَالَ الْإِشْكَالَ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ شَرْطٌ لِجَمِيعِ الْعِبَادَاتِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [البينة: 5] وَالْإِخْلَاصُ بِالنِّيَّةِ وَذِكْرُ مَا يُحْرِمُ بِهِ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ ذَكَرَ وَقَالَ نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ إلَى آخِرِهَا كَانَ أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ الْقَلْبِ اللِّسَانَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَهِيَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك) أَيْ التَّلْبِيَةُ أَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ إلَخْ كَذَا حَكَى ابْنُ عُمَرَ تَلْبِيَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَثَعْلَبٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ قَوْلِهِ، إنَّ الْحَمْدَ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ لَمَّا قَالَ لَبَّيْكَ اسْتَأْنَفَ كَلَامًا آخَرَ زِيَادَةَ ثَنَاءٍ وَتَوْحِيدٍ وَالْفَتْحُ تَعْلِيلٌ كَأَنَّهُ قَالَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك فَيَكُونُ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا يَكُونُ فِيهِ كَثِيرُ مَدْحٍ وَبِالْكَسْرِ ابْتِدَاءُ ثَنَاءٍ فَكَانَ الْأَوْلَى وَالْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ فَتْحَهَا وَبِالْكَسْرِ لَا يَتَعَيَّنُ الِابْتِدَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46] وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، إنَّهَا مِنْ الطَّوَافَيْنِ وَالطَّوَّافَاتِ» وَالتَّلْبِيَةُ إجَابَةٌ لِدَعْوَةِ الدَّاعِي وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّاعِي مَنْ هُوَ قِيلَ هُوَ اللَّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [إبراهيم: 10] وَقِيلَ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، إنَّ سَيِّدًا بَنَى دَارًا وَاِتَّخَذَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا أَرَادَ بِهِ نَفْسَهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» كَمَا حَكَى مُجَاهِدٌ «أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا قِيلَ لَهُ {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَقُولُ قَالَ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ فَصَعِدَ جَبَلَ أَبِي قُبَيْسٍ فَنَادَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ فَأَجَابُوهُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ فِي صُلْبِ آبَائِهِمْ وَأَرْحَامِ أُمَّهَاتِهِمْ» فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ التَّلْبِيَةِ فَمَنْ أَجَابَ مِنْهُمْ مَرَّةً حَجَّ مَرَّةً وَمَنْ أَجَابَ مَرَّتَيْنِ حَجَّ مَرَّتَيْنِ وَعَلَى هَذَا يَحُجُّونَ بِعَدَدِ مَا أَجَابُوا وَمَنْ لَمْ يُجِبْ لَمْ يَحُجَّ وَلَبَّيْكَ وَرَدَتْ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا تَكْثِيرُ الْإِجَابَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهَا قِيلَ مَعْنَاهَا أَنَا أُقِيمُ فِي طَاعَتِك إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ وَلَبَّ بِهِ إذَا أَقَامَ وَلَزِمَهُ وَلَمْ يُفَارِقْهُ وَقِيلَ مَعْنَاهَا اتِّجَاهِي وَقَصْدِي إلَيْك مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَلِبُّ دَارَك أَيْ تُوَاجِهُهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَحَبَّتِي لَك مِنْ قَوْلِهِمْ امْرَأَةٌ لَبَّةٌ إذَا كَانَتْ مُحِبَّةً لِزَوْجِهَا أَوْ عَاطِفَةً عَلَى وَلَدِهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ إخْلَاصِي لَك مِنْ قَوْلِهِمْ حَسَبٌ لُبَابٌ إذَا كَانَ خَالِصًا وَمِنْهُ لُبُّ الطَّعَامِ وَلُبَابُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهَا الْخُضُوعُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَا مُلَبٍّ بَيْنَ يَدَيْك أَيْ خَاضِعٌ وَقِيلَ قُرْبًا مِنْك وَطَاعَةً؛ لِأَنَّ الْإِلْبَابَ الْقُرْبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزِدْ فِيهَا وَلَا تَنْقُصْ) أَيْ زِدْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَا شِئْت وَلَا تَنْقُصْ مِنْهَا شَيْئًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إهْلَالِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمْرَاتٍ وَحَجَّ وَاحِدَةً»، وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ السَّنَةُ الْعَاشِرَةُ مِنْ الْهِجْرَةِ اعْتَمَرَ عُمْرَتَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ وَمِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ مِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الصَّحِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَرْسَالًا) جَمْعُ رَسَلٍ، وَهُوَ الْجَمَاعَةُ الْمُتَفَرِّقَةُ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالرَّسَلُ بِفَتْحَتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاَيْمُ اللَّهِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ اَيْمُ اللَّهِ مِنْ أَلْفَاظِ الْقَسَمِ كَقَوْلِك لَعَمْرُ اللَّهِ وَعَهْدُ اللَّهِ وَفِيهَا لُغَاتٌ كَثِيرَةٌ وَتُفْتَحُ هَمْزَتُهَا وَتُكْسَرُ، وَهَمْزَتُهَا هَمْزَةُ وَصْلٍ وَقَدْ تُقْطَعُ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْ النُّحَاةِ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا جَمْعُ يَمِينٍ وَغَيْرُهُمْ يَقُولُ هِيَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِلْقَسَمِ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي بَابِ الْيَاءِ مَعَ اللَّامِ وَالْمِيمِ أَهْلُ الْكُوفَةِ يَقُولُونَ أَيْمَنُ جَمْعُ يَمِينِ الْقَسَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَهُوَ إلَخْ) ذَكَرَهُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ أَوْلَى إلَخْ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْعُضْوَيْنِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. (قَوْلُهُ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ إلَخْ) وَيَجُوزُ رَفْعُ النِّعْمَةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ. اهـ. غَايَةٌ وَالنِّعْمَةُ بِكَسْرِ النُّونِ كُلُّ مَا يَصِلُ إلَى الْخَلْقِ مِنْ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْمُلْكُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ سَعَةُ الْمَقْدُورِ وَالْمِلْكُ بِالْكَسْرِ حِيَازَةُ الشَّيْءِ وَتَوْصِيفُ اللَّهِ بِالْأَوَّلِ أَبْلَغُ عَلَى مَا لَا يَخْفَى. اهـ. عَيْنِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا) أَيْ لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي الِابْتِدَاءِ أَكْثَرُ ذَكَرَهُ ابْنُ فِرِشْتَا. اهـ. (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46] إلَخْ) وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26] {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا} [الإسراء: 34] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 91]. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَعِدَ جَبَلَ أَبِي قُبَيْسٍ) كَذَا هُوَ فِي الْكَافِي وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ الْخَلِيلَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - بِبِنَاءِ الْبَيْتِ بَنَاهُ مِنْ خَمْسَةِ أَجْبُلٍ طُورِ سَيْنَاءَ وَطُورِ زِيتَا وَلُبْنَانَ وَالْجُودِيُّ وَأَسَّسَهُ مِنْ حِرَاءَ فَوَقَفَ فِي الْمَقَامِ وَنَادَى: عِبَادَ اللَّهِ حُجُّوا بَيْتَ اللَّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِهَا تَكْثِيرُ الْإِجَابَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ) أَيْ كَمَا يُقَالُ اُدْخُلُوا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ دُخُولُ الْجَمِيعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَسَبٌ لُبَابٌ) وَالْحَسَبُ بِفَتْحَتَيْنِ مَا يُعَدُّ مِنْ الْمَآثِرِ. اهـ. مِصْبَاحٌ

عَنْهُ لَا يَزِيدُ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَنْظُومٌ فَتُخِلُّ بِهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ كَالتَّشَهُّدِ وَالْأَذَانِ وَلَنَا أَنَّ أَجِلَّاءَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَزِيدُونَ عَلَيْهَا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ زِيَادَةً عَلَى الْمَرْوِيِّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بَيْنَ يَدَيْك وَالرُّغْبَا إلَيْك وَالْعَمَلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ «جَابِرٍ أَنَّهُ رَوَى تَلْبِيَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ ذَا الْمَعَارِجِ وَنَحْوَهُ مِنْ الْكَلَامِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْمَعُ فَلَا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا» وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَهَا لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إلَيْك وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ زِيَادَةٌ كَثِيرَةٌ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَجِلَّاءِ الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّنَاءُ وَإِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ، فَإِنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَهِيَ لَا تَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ فِي وَسَطِهَا؛ لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ وَأَذْكَارٌ مَحْصُورَةٌ؛ وَلِهَذَا لَا يُكَرَّرُ فِيهَا التَّشَهُّدُ وَالتَّلْبِيَةُ تُكَرَّرُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَخِيرِ زَادَ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهَا فَرَغَتْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الدَّعَوَاتِ وَالْأَذْكَارِ وَبِخِلَافِ الْأَذَانِ؛ لِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ وَلَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ الْمُتَعَارَفِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ عَنِّي» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِذَا لَبَّيْت نَاوِيًا فَقَدْ أَحْرَمْت) وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَكُونُ شَارِعًا عِنْدَ وُجُودِهِمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ بِأَيِّهِمَا يَصِيرُ شَارِعًا وَذَكَرَ حُسَامُ الدِّينِ الشَّهِيدُ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ لَا بِالتَّلْبِيَةِ كَمَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ بِالنِّيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّكْبِيرِ لَا بِالتَّكْبِيرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ تَلْبِيَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ:؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَامِ الْتَزَمَ الْكَفَّ عَنْ الْمَحْظُورَاتِ فَيَصِيرُ شَارِعًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَالصَّوْمِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَرْضُ الْحَجِّ الْإِهْلَالُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ التَّلْبِيَةُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْإِحْرَامُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا إحْرَامَ إلَّا لِمَنْ أَهَلَّ أَوْ لَبَّى؛ وَلِأَنَّ الْحَجَّ يَشْتَمِلُ عَلَى أَرْكَانٍ فَوَجَبَ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي تَحْرِيمِهِ ذِكْرٌ يُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ كَالصَّلَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ الْتِزَامُ الْكَفِّ بَلْ هُوَ الْتِزَامُ الْأَفْعَالِ كَالصَّلَاةِ وَالْكَفُّ شَرْطٌ فِيهِ كَالصَّلَاةِ وَيَصِيرُ شَرْعًا بِذِكْرٍ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ فَارِسِيَّةً كَانَتْ أَوْ عَرَبِيَّةً فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ أَنَّ بَابَ الْحَجِّ أَوْسَعُ حَتَّى تَجْرِيَ فِيهِ النِّيَابَةُ وَيُقَامُ غَيْرُ الذِّكْرِ مَقَامَ الذِّكْرِ كَتَقْلِيدِ الْبُدْنِ فَكَذَا غَيْرُ التَّلْبِيَةِ وَغَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ إذَا أَحْرَمَ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَا بِمَا شَاءَ عَقِيبَ إحْرَامِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ التَّلْبِيَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّلْبِيَةِ سَأَلَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ التَّلْبِيَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى أَدَاءِ فَرْضِ الْحَجِّ وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَاجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لَك وَآمَنُوا بِوَعْدِك وَاتَّبَعُوا أَمْرَك وَاجْعَلْنِي مِنْ وَفْدِك الَّذِينَ رَضِيت عَنْهُمْ وَارْتَضَيْت وَقَبِلْت اللَّهُمَّ قَدْ أَحْرَمَ لَك شَعْرِي وَبَشَرِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَمُخِّي وَعِظَامِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَاتَّقِ الرَّفَثَ وَالْفُسُوقَ وَالْجِدَالَ) لِمَا تَلَوْنَا، وَهُوَ صِيغَةُ نَفْيٍ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ، وَهُوَ أَبْلَغُ صِيَغِ النَّهْيِ حَيْثُ ذُكِرَ بِلَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّخَلُّفَ، وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَقِيلَ ذِكْرُ الْجِمَاعِ وَدَوَاعِيهِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِنَّ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَأَنْشَدَ يَوْمًا وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسًا ... إنْ تَصْدُقْ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسًا فَقِيلَ لَهُ أَتَرْفُثُ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ فَقَالَ الرَّفَثُ ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَالْفُسُوقُ الْمَعَاصِي وَالْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهُوَ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ وَأَقْبَحُ وُجُوهِ الْمَعَاصِي؛ لِأَنَّهَا حَالَةُ التَّضَرُّعِ وَهَجْرُ الْمُبَاحَاتِ وَالْإِقْبَالُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَظِيرُهُ الظُّلْمُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] وَالْجِدَالُ الْخِصَامُ مَعَ الرِّفْقَةِ وَالْمُنَازَعَةُ وَالسِّبَابُ وَقِيلَ هُوَ جِدَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي تَقْدِيمِ الْحَجِّ وَتَأْخِيرِهِ وَقِيلَ التَّفَاخُرُ بِذِكْرِ أَيَّامِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ أَجِلَّاءَ الصَّحَابَةِ إلَخْ) كَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالرُّغْبَا إلَيْك) الرُّغْبَا بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْقَصْرِ وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ، وَهِيَ السُّؤَالُ وَالطَّلَبُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِذْ الْبَيْتُ إلَخْ) لَمْ يَعْتَبِرْ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ اعْتِبَارِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْفِقْهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِكُلِّ ثَنَاءٍ وَتَسْبِيحٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّلْبِيَةَ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَرْضُ الْحَجِّ الْإِهْلَالُ) وَالْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَمِنْهُ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ إذَا صَرَخَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْإِحْرَامُ) قَالَ الْكَمَالُ: وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْإِحْرَامُ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمَا كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ التَّلْبِيَةُ كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ اهـ (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ شَارِعًا بِذِكْرٍ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ) أَيْ سِوَى التَّلْبِيَةِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَارِسِيَّةً كَانَتْ أَوْ عَرَبِيَّةً فِي الْمَشْهُورِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِدُونِ التَّلْبِيَةِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُهَا كَمَا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ عِنْدَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْغَايَةِ: الْأَخْرَسُ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ بِالتَّلْبِيَةِ إنْ قَدَرَ فَيَصِيرُ مُحْرِمًا وَتَحْرِيكُهُ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ شَرْطٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الصَّلَاةِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّهُ عَمَلٌ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَامَ فِيهِ غَيْرُ التَّلْبِيَةِ مَقَامَهَا، وَهُوَ سَوْقُ الْهَدْيِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَاتَّقِ إلَخْ) أَيْ إذَا أَحْرَمْت فَاتَّقِ أَيْ فَاجْتَنِبْ. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسًا) الضَّمِيرُ فِي هُنَّ يَرْجِعُ إلَى الْإِبِلِ وَالْهَمِيسُ صَوْتُ إخْفَافِهَا وَلَمِيسُ اسْمُ جَارِيَتِهِ وَالْمَعْنَى إنْ يَصْدُقُ الْفَأْلُ نَفْعَلُ بِهَا مَا نُرِيدُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ هُوَ جِدَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي تَقْدِيمِ الْحَجِّ وَتَأْخِيرِهِ) أَيْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَحُجُّونَ عَامًا فِي ذِي الْحِجَّةِ وَعَامًا فِي صَفَرٍ وَعَامًا فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ

فَرُبَّمَا أَفْضَى ذَلِكَ إلَى الْقِتَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَتْلُ الصَّيْدِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وَلِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ حِينَ سَأَلُوهُ عَنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ اصْطَادَهُ أَبُو قَتَادَةَ هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَّقَ حِلَّهُ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ وَالْأَمْرِ؛ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ قَدْ الْتَزَمَ بِالْإِحْرَامِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلصَّيْدِ بِمَا يُزِيلُ أَمْنَهُ وَالْأَمْرُ بِهِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ يُزِيلُ الْأَمْنَ عَنْهُ فَيَحْرُمُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ أَنَّ الْإِشَارَةَ تَقْتَضِي الْحَضْرَةَ وَالدَّلَالَةَ تَقْتَضِي الْغَيْبَةَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلُبْسُ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْقَبَاءِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَاقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَالثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يَنْفُضُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ قَالَ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ وَلَا الْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا وَالْكَعْبُ هُنَا الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ فِيمَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يَنْفُضُ أَيْ لَا يَفُوحُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ وَالتَّفْسِيرَانِ مَرْوِيَّانِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الطِّيبُ لَا اللَّوْنُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ الْمَصْبُوغَ بِمَغْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ الزِّينَةُ وَالْمُحْرِمُ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ عَنْهَا حَتَّى قَالُوا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمَةِ أَنْ تَتَحَلَّى بِأَنْوَاعِ الْحُلِيِّ وَتَلْبَسَ الْحَرِيرَ بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ حَيْثُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الزِّينَةَ أَيْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسِتْرُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ) يَعْنِي يَتَّقِيهِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لِلرَّجُلِ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ لَمَا كَانَ لِتَخْصِيصِ الْمَرْأَةِ فَائِدَةٌ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ وَمَاتَ لَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ الرَّأْسِ لَا يُخَمِّرُهُ الْمُحْرِمُ قَالَ هُوَ الصَّحِيحُ رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهَا تَغْطِيَتُهُ، وَهُوَ عَوْرَةٌ كَانَ عَلَى الرَّجُلِ أَوْلَى وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَلَا يُعَارِضُ الْمَرْفُوعَ؛ وَلِأَنَّهُ مَعْنَاهُ أَنَّ إحْرَامَ الْمَرْأَةِ أَثَرٌ فِي الْوَجْهِ فَقَطْ وَسَاقَهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِيهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُغَطِّي وَجْهَهُ وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى رَأْسِهِ الْعِدْلَ وَالطَّبَقَ وَالْإِجَّانَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَغْطِيَةٍ لِلرَّأْسِ وَلَا يَحْمِلُ مَا يُغَطِّي بِهِ الرَّأْسَ عَادَةً كَالثِّيَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمَّا «حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذِي الْحِجَّةِ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ أَلَا إنَّ الزَّمَانَ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّ الشُّهُورَ اثْنَا عَشْرَ شَهْرًا أَرْبَعَةٌ مِنْهَا حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْوَقْتُ فِي بَابِ الْحَجِّ بِقَوْلِهِ أَلَا، إنَّ الزَّمَانَ الْحَدِيثَ لَا تُجَادِلُوا بَعْدَ هَذَا فِي وَقْتِ الْحَجِّ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَتْلُ الصَّيْدِ إلَخْ) سَمَّاهُ صَيْدًا قَبْلَ وُقُوعِ الِاصْطِيَادِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ عَاقِبَتِهِ اهـ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَأُرِيدُ بِالصَّيْدِ الْمَصِيدُ هُنَا إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ، وَهُوَ الِاصْطِيَادُ لَمَا صَحَّ إسْنَادُ الْقَتْلِ إلَيْهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ وَصَيْدُ الْبَرِّ حَرَامٌ عَلَيْهِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْخَمْسِ الْفَوَاسِقِ وَالصَّيْدُ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَصَيْدُ الْبَرِّ مَا كَانَ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْبَرِّ وَصَيْدُ الْبَحْرِ مَا كَانَ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْبَحْرِ أَمَّا الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَحْرِ وَتَوَالُدُهُ فِي الْبَرِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَاَلَّذِي يَتَوَالَدُ فِي الْبَحْرِ وَيَكُونُ فِي الْبَرِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ كَالضُّفْدَعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ التَّوَالُدُ وَالْكَيْنُونَةُ عَارِضٌ فَيُعْتَبَرُ الْأَصْلُ دُونَ الْعَارِضِ اهـ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَأَمَّا مَا لَا يَتَوَحَّشُ كَالدَّجَاجِ الْأَهْلِيِّ وَالْبَطِّ الْكَسْكَرِيِّ، وَهُوَ الْبَطُّ الْكَبِيرُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَنَازِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ فَلَا بَأْسَ بِذَبْحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَوَحِّشٍ وَأَمَّا الْبَطُّ الَّذِي يَصِيرُ فَهُوَ صَيْدٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَحِّشٌ اهـ (قَوْلُهُ عَلَّقَ حِلَّهُ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ وَالْأَمْرِ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيلُ وَعِنْدَكُمْ الصَّيْدُ لَا يَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ بِإِشَارَةِ الْمُحْرِمِ وَدَلَالَتِهِ قُلْنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ. اهـ. مُسْتَصْفَى وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْحِلِّ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَحَلَّ لَهُ لَحْمُ مَا صَادَهُ حَلَالٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِوَرْسٍ) وَالْوَرْسُ شَيْءٌ أَحْمَرُ قَانِئٌ يُشْبِهُ سَحِيقَ الزَّعْفَرَانِ مَجْلُوبٌ مِنْ الْيَمَنِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ هُوَ الْكُرْكُمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْكَعْبُ هُنَا إلَخْ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْكَعْبُ هُنَا الْعَظْمُ الْمُثَلَّثُ الْمُبَطَّنُ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ لَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَنْفُضُ) أَيْ لَا يَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الطِّيبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ) وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلطِّيبِ لَا لِلتَّنَاثُرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَصْبُوغًا رَائِحَةً طَيِّبَةً لَا يَتَنَاثَرُ مِنْهُ شَيْءٌ يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْهُ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى اهـ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ أَيْ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى أَثَرُ الصَّبْغِ عَلَى غَيْرِهِ اهـ كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ قَالَ الْعَيْنِيُّ، وَهُوَ أَقْرَبُ لِمَادَّةِ اللَّفْظِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسَتْرُ الرَّأْسِ إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَجُوزُ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَلَوْ غَطَّى رُبُعَ رَأْسِهِ فَصَاعِدًا يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ الرُّبُعَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ عَلَى مَا عُرِفَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ لَخَفَّةِ الْجِنَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ دَمٌ حَتَّى يُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَطَّى رَأْسَهُ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ عَلَى الرَّجُلِ أَوْلَى) أَيْ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِحْرَامِ فِي الرَّجُلِ آكَدُ مِنْهُ فِي الْمَرْأَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ يَجُوزُ لَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ وَالْخُفَّيْنِ وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» الْفَرْقُ بَيْنَ إحْرَامَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُغَطِّي وَجْهَهُ فِي

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَسْلُهُمَا بِالْخِطْمِيِّ) أَيْ يَتَّقِي غَسْلَ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ بِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ لِحْيَتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا يَتَّقِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَصَارَ طِيبًا وَعِنْدَهُمَا يَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلَيِّنُ الشَّعْرَ فَيَجْتَنِبُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فَعِنْدَهُ يَجِبُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ وَعِنْدَهُمَا الصَّدَقَةُ. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ رَاجِعٌ إلَى اشْتِبَاهِ الْخِطْمِيَّ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ عَلَى التَّحْقِيقِ وَنَظِيرُهُ اخْتِلَافُهُمْ فِي نِكَاحِ الصَّائِبَاتِ وَصِحَّةِ الرُّقْبَى وَالْإِقْطَارِ بِالْإِقْطَارِ فِي الْإِحْلِيلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَسُّ الطِّيبِ) أَيْ يَجْتَنِبُهُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ لَا تُحَنِّطُوهُ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «قَامَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَنْ الْحَاجُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الشَّعِثُ التَّفِلُ» رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَالشَّعَثُ انْتِشَارُ الشَّعْرِ وَالتَّفَلُ الرِّيحُ الْكَرِيهَةُ وَعَلَى هَذَا الِادِّهَانُ وَالْحِنَّاءُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لَهُ الْخِضَابُ بِالْحِنَّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ خَلِيلِي لَا يُحِبُّ رِيحَهُ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُحِبُّ الطِّيبَ» وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى الْمُعْتَدَّةَ عَنْ الدُّهْنِ وَالْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ وَقَالَ الْحِنَّاءُ طِيبٌ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُحِبُّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الطِّيبِ إمَّا لِشِدَّةِ رَائِحَتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلْقُ رَأْسِهِ وَقَصُّ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] وَالْقَصُّ فِي مَعْنَى الْحَلْقِ فَثَبَتَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الشُّعْثِ وَقَضَاءَ التَّفَثِ فَلَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الِاغْتِسَالُ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ) يَعْنِي لَا يَتَّقِي الِاغْتِسَالَ وَدُخُولَ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اغْتَسَلَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَكَى أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ اغْتِسَالَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ عُمَرُ يَغْتَسِلُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُغَيِّبَ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ لِتَوَهُّمِ التَّغْطِيَةِ أَوْ خِيفَةَ قَتْلِ الْقَمْلِ فَإِنْ فَعَلَ أَطْعَمَ، وَإِنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَتَدَلَّكَ افْتَدَى قُلْنَا لَيْسَ بِتَغْطِيَةٍ مُعْتَادَةٍ فَأَشْبَهَ صَبَّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَوَضْعَ يَدَيْهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَ الْحَمَّامَ فِي الْجُحْفَةِ وَقَالَ مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِأَوْسَاخِنَا شَيْئًا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالِاسْتِظْلَالُ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمَلِ) أَيْ لَا يَتَّقِيهِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُعَادِلُ امْرَأَتَهُ فِي الْمَحْمَلِ لَا يَجْعَلُ عَلَيْهَا ظِلًّا وَلَا يَضَعُ ثَوْبَهُ عَلَى شَجَرَةٍ فَيَتَظَلَّلُ بِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَمَرَ رَجُلًا قَدْ رَفَعَ ثَوْبًا عَلَى عُودٍ يَسْتَتِرُ مِنْ الشَّمْسِ فَقَالَ أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْت لَهُ أَيْ أَبْرِزْ لِلشَّمْسِ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ وَلَنَا حَدِيث «أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ حَجَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْت أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَا يُعَارِضُهُ أَثَرُ ابْنِ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِحْرَامِ وَبَيَانُهُ أَنَّ وَجْهَ الْمَرْأَةِ مَسْتُورٌ عَادَةً فَإِذَا كَشَفَتْهُ فِي الْإِحْرَامِ يَظْهَرُ أَثَرُ الْإِحْرَامِ وَرَأْسُ الرَّجُلِ مَسْتُورٌ عَادَةً فَإِذَا كَشَفَهُ يَظْهَرُ أَثَرُ الْإِحْرَامِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَلَا يُقَالُ الْقِسْمَةُ تَقْتَضِي قَطْعَ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ تَحَقَّقَ انْقِطَاعُ الشَّرِكَةِ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَتَّقِي غَسْلَ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ) وَفِي الْمُحِيطِ وَكَذَا جَسَدُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَقْتُلُ الْهَوَامَّ) بِالتَّشْدِيدِ جَمْعُ هَامَّةٍ، وَهِيَ الدَّابَّةُ مِنْ دَوَابِّ الْأَرْضِ وَأُرِيدَ بِهَا الْقَمْلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ التَّفِلُ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ التَّفِلُ الَّذِي تَرَكَ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ مِنْ التَّفْلِ، وَهُوَ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ اهـ قَالَ السُّرُوجِيُّ: نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَدَنِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ طِيبٌ مَحْضٌ مُعَدٌّ لِلتَّطَيُّبِ بِهِ كَالْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْغَالِيَةِ وَالْعَنْبَرِ وَالْكَافُورِ وَنَحْوِهَا وَتَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ اُسْتُعْمِلَ حَتَّى لَوْ دَاوَى بِهِ عَيْنَيْهِ أَوْ شُقُوقَ رِجْلَيْهِ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَنَوْعٌ لَيْسَ بِطِيبٍ بِنَفْسِهِ وَلَا فِيهِ مَعْنَى الطِّيبِ كَالشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ فَسَوَاءٌ أَكَلَهُ أَوْ أَدْهَنَ بِهِ أَوْ جَعَلَهُ فِي شُقُوقِ رِجْلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَنَوْعٌ لَيْسَ بِطِيبٍ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ أَصْلٌ لِلطِّيبِ وَيُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهِ الْإِدَامِ كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ، فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ عَلَى وَجْهِ الْإِدْهَانِ فِي الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ يُعْطَى حُكْمَ الطِّيبِ، وَإِنْ أُكِلَ وَاسْتُعْمِلَ فِي شُقُوقِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ دَاوَى بِهِ الْجُرْحَ أَوْ دَهَنَ سَاقَيْهِ لَا يُعْطَى حُكْمَ الطِّيبِ كَالشَّحْمِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ، وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَكْتَحِلَ بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ وَيُجْبِرَ الْكَسْرَ وَيَعْصِبَهُ وَيَنْزِعَ الضِّرْسَ وَيَخْتَتِنَ وَيَلْبَسَ الْخَاتَمَ وَيُكْرَهُ تَعْصِيبُ رَأْسِهِ وَلَوْ عَصَّبَهُ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ عَصَّبَ غَيْرَهُ مِنْ بَدَنِهِ لِعِلَّةٍ أَوْ غَيْرِ عِلَّةٍ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ بِلَا عِلَّةٍ اهـ وَفِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَفِي الْكُحْلِ الْمُطَيِّبِ فِي الْمَرَّةِ وَالْمَرَّتَيْنِ صَدَقَةٌ وَفِي الْكَثِيرِ دَمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَلْقِ رَأْسِهِ إلَخْ) كَانَ الْقِيَاسُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا أَنْ يُقَالَ رَأْسِك وَشَعْرِك وَظُفْرِك اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنْ الْخِطَابِ إلَى الْغَيْبَةِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْهُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَفِي جَوَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْجِمَاعُ وَحَلْقُ الرَّأْسِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَالطِّيبُ وَالنُّورَةِ وَلُبْسُ الْمَخِيطِ وَالْخُفِّ وَالِاصْطِيَادُ فِي الْبَرِّ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَالْأَدْهَانُ حَتَّى لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يَذْبَحُ شَاةً إلَّا فِي الْجِمَاعِ فَإِنَّ حُكْمَهُ مُخْتَلِفٌ عَلَى مَا يَجِيءُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) وَدَفَعَ بِتَجْوِيزِ كَوْنِ هَذَا الرَّمْيِ فِي قَوْلِهِ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَانَ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ، فَيَكُونُ بَعْدَ إحْلَالِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ مِنْ أَلْفَاظِهِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَحِينَئِذٍ يَبْعُدُ وَيَكُونُ مُنْقَطِعًا بَاطِنًا، وَإِنْ كَانَ السَّنَدُ صَحِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ رَمْيَهَا يَوْمَ النَّحْرِ يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ فِي وَقْتٍ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَظْلِيلٍ فَالْأَحْسَنُ الِاسْتِدْلَال بِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ «فَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَصَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ قَالَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَهَا» الْحَدِيثَ تَقَدَّمَ وَنَمِرَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ خَرَجْت مَعَ عُمَرَ

وَلَوْ دَخَلَ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ حَتَّى غَطَّاهُ إنْ كَانَ لَا يُصِيبُ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِظْلَالٌ وَلَيْسَ بِتَغْطِيَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَدُّ الْهِمْيَانِ فِي وَسَطِهِ) وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَشُدُّ إذَا كَانَتْ فِيهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ، وَإِنْ شَدَّ افْتَدَى لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَوْثَقِي عَلَيْك نَفَقَتَك بِمَا شِئْت حِينَ سَأَلَتْ عَنْهُ؛» وَلِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَلَا يُبَاحُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِيهِ نَفَقَتُهُ وَلَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُطْلِقُهُ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ وَلَا هَذَا لَيْسَ بِلُبْسِ مَخِيطٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا إذَا كَانَ فِيهِ نَفَقَةُ نَفْسِهِ، وَكَذَا شَدُّ الْمِنْطَقَةِ وَالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ وَالتَّخَتُّمُ بِالْخَاتَمِ كُلُّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَ شَدَّ الْمِنْطَقَةِ بِالْإِبْرَيْسَمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَكْثِرْ التَّلْبِيَةَ مَتَى صَلَّيْت أَوْ عَلَوْت شَرَفًا أَوْ هَبَطْت وَادِيًا أَوْ لَقِيت رَكْبًا وَبِالْأَسْحَارِ رَافِعًا صَوْتَك بِهَا) وَكَذَا إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ أَوْ اسْتَعْطَفَ رَاحِلَتَهُ وَعِنْدَ كُلِّ رُكُوبٍ وَنُزُولٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُلَبِّي إذَا لَقِيَ رَكْبًا أَوْ صَعِدَ أَكَمَةً أَوْ هَبَطَ وَادِيًا وَفِي أَدْبَارِ الْمَكْتُوبَةِ وَآخِرَ اللَّيْلِ» ذَكَرَهُ فِي الْإِلْمَامِ وَقَالَ النَّخَعِيّ: كَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ؛ وَلِأَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ بِمَنْزِلَةِ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ أَوَّلُهَا شَرْطٌ وَبَاقِيهَا سُنَّةٌ فَيَأْتِي بِهَا عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُئِلَ أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ قَالَ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ الْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجُّ إسَالَةُ الدَّمِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ زِينَةُ الْحَجِّ وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَبْلُغُونَ الرَّوْحَاءَ حَتَّى تُبَحَّ حُلُوقُهُمْ مِنْ التَّلْبِيَةِ وَقَالَ أَنَسٌ سَمِعْتهمْ يَصْرُخُونَ بِهَا وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ زِيَادَةً عَلَى طَاقَتِهِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِذَلِكَ وَلَا يَتْرُكُهُ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَإِنْ تَرَكَهُ يَكُونُ مُسِيئًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ الْحَرَمَ اللَّهُمَّ، إنَّ هَذَا أَمْنَك وَحَرَمُك الَّذِي مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا فَحَرِّمْ لَحْمِي وَدَمِي وَعَظْمِي وَبَشَرِي عَلَى النَّارِ اللَّهُمَّ أَمِّنِّي مِنْ عَذَابِك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك فَإِنَّك أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَأَسْأَلُك أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَيُلَبِّي وَيُثْنِي عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْتَحْضِرُ الْخُشُوعَ وَالْخُضُوعَ فِي قَلْبِهِ وَجَسَدِهِ مَا أَمْكَنَهُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ مَنْ دَخَلَ فَتَوَاضَعَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَآثَرَ رِضَا اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ أُمُورِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ» وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْدَمُ مَكَّةَ إلَّا بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا وَيَذْكُرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ» وَعَنْ نَافِعٍ كَانَ «ابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طُوًى ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ وَيُحَدِّثُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَيَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا، وَهِيَ ثَنِيَّةٌ كَدَاءَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى دَرْبِ الْمُعَلَّى وَطَرِيقِ الْأَبْطَحِ وَمِنَى بِجَنْبِ الْحَجُونِ، وَهُوَ مَقْبَرَةُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَقْبَرَةُ عَلَى يَسَارِ الدَّاخِلِ وَالسِّرُّ فِي هَذَا الدُّخُولِ أَنَّ نِسْبَةَ بَابِ الْبَيْتِ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ وَجْهِ الْإِنْسَانِ إلَيْهِ، وَأَمَاثِلُ النَّاسِ يُقْصَدُونَ مِنْ جِهَةِ وُجُوهِهِمْ لَا مِنْ ظُهُورِهِمْ وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى، وَهِيَ ثَنِيَّةُ كُدًى مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ عَلَى دَرْبِ الْيَمَنِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَلَا يَضُرُّهُ لَيْلًا دَخَلَهَا أَوْ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا» رَوَاهُ النَّسَائِيّ فَدَخَلَهَا نَهَارًا فِي حَجَّتِهِ وَلَيْلًا فِي عُمْرَتِهِ وَهُمَا سَوَاءٌ فِي الدُّخُولِ؛ وَلِأَنَّهُ دُخُولُ بَلْدَةٍ فَاسْتَوَى فِيهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ كَدُخُولِ سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ الدُّخُولِ لَيْلًا خَوْفًا مِنْ السُّرَّاقِ وَشَفَقَةً عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَ يَطْرَحُ النَّطْعَ عَلَى الشَّجَرَةِ فَيَسْتَظِلُّ بِهِ يَعْنِي، وَهُوَ مُحْرِمٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ) يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُصِيبُ يُكْرَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّغْطِيَةَ بِالْمُمَاسَّةِ يُقَالُ لِمَنْ جَلَسَ فِي خَيْمَةٍ وَنَزَعَ مَا عَلَى رَأْسِهِ جَلَسَ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشَدَّ الْهِمْيَانَ فِي وَسَطِهِ) وَسِينُ الْوَسَطِ مُتَحَرِّكٌ إذَا دَخَلَهُ حَرْفُ الْجَارِ فَلَا يُقَالُ جَلَسْت فِي وَسْطِ الدَّارِ وَالْهِمْيَانُ فُعْلَانَ مِنْ هَمَى الْمَاءُ وَالدَّمْعُ يَهَمِي هَمَيَانًا إذَا سَالَ وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَهَمِي بِمَا فِيهِ هـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَكْثِرْ التَّلْبِيَةَ إلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ عَادَ مِنْ الْتِفَاتِ الْغَيْبَةِ إلَى الْحُضُورِ حَيْثُ قَالَ وَأَكْثِرْ بِالْخِطَابِ اهـ وَقَوْلُهُ وَأَكْثِرْ التَّلْبِيَةَ إلَخْ فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ سِتٍّ دُبُرِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا اسْتَقَلَّتْ بِالرَّجُلِ رَاحِلَتُهُ، وَإِذَا صَعِدَ شَرَفًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَإِذَا لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَبِالْأَسْحَارِ ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَدْبَارُ الصَّلَوَاتِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ كَمَا هُوَ النَّصُّ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْبَدَائِعِ فَقَالَ فَرَائِضَ كَانَتْ أَوْ نَوَافِلَ وَخَصَّ الطَّحَاوِيُّ بِالْمَكْتُوبَاتِ دُونَ النَّوَافِلِ وَالْفَوَائِتِ وَأَجْرَاهَا فِي مَجْرَى التَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيق وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ الصَّلَوَاتِ تَعْرِيفُ الْمَعْهُودِ الْخَاصِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ لَقِيت رَكْبًا) رَكْبًا جَمْعُ رَاكِبٍ كَوَفْدٍ جَمْعُ وَافِدٍ قَالَ يَعْقُوبُ هُوَ الْعَشَرَةُ فَمَا فَوْقَهَا مِنْ الْإِبِلِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ وَبِالْأَسْحَارِ) أَيْ لِكَوْنِهَا وَقْتَ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الدُّعَاءِ الْأَذْكَارُ الْخَفِيَّةُ إلَّا فِيمَا تَعَلَّقَ بِإِعْلَامٍ مَقْصُودٍ كَالْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ لِلْوَعْظِ وَتَكْبِيرَاتِ الصَّلَاةِ لِلِانْتِقَالِ وَالْقِرَاءَةِ لِلِاسْتِمَاعِ فَالتَّلْبِيَةُ أَيْضًا لِلشُّرُوعِ فِيمَا هُوَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ، فَلِذَا كَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِيهَا رَفْعَ الصَّوْتِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَتْرُكُ) أَيْ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ) أَيْ فِي حَقِّ الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ، وَهِيَ ثَنِيَّةُ كَدَاءَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَمَنْعِ الصَّرْفِ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ وَمَنْعِ الصَّرْفِ أَيْ وَيَجُوزُ أَيْضًا صَرْفُهُ (قَوْلُهُ، وَهِيَ ثَنِيَّةُ كُدًى) أَيْ بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ

الْحُجَّاجِ» وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك جِئْت لِأُؤَدِّيَ فَرَائِضَك وَأَطْلُبَ رَحْمَتَك وَأَلْتَمِسَ رِضَاك مُتَّبِعًا لِأَمْرِك رَاضِيًا بِقَضَائِك أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّينَ إلَيْك الْمُشْفِقِينَ مِنْ عَذَابِك الْخَائِفِينَ مِنْ عِقَابِك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي الْيَوْمَ بِعَفْوِك وَتَحْفَظَنِي بِرَحْمَتِك وَتَجَاوَزْ عَنِّي بِمَغْفِرَتِك وَتُعِينُنِي عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِك اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخَلَنِي فِيهَا وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَابْدَأْ بِالْمَسْجِدِ بِدُخُولِ مَكَّةَ) لِمَا رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ «أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ» ثُمَّ حَجّ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ عُمَرُ كَذَلِكَ ثُمَّ عُثْمَانُ فَرَأَيْت أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثُمَّ حَجَجْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ رَأَيْت الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ بِسَفَرِهِ زِيَارَةُ الْبَيْتِ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ وَيَكُونُ مُلَبِّيًا فِي دُخُولِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بَابَ بَنِي شَيْبَةَ فَيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ مِنْهُ وَخَرَجَ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ؛ وَلِأَنَّ بَابَ بَنِي شَيْبَةَ قُبَالَةَ الْبَيْتِ وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي دُخُولِهِ وَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخَلَنِي فِيهَا اللَّهُمَّ أَنِّي أَسْأَلُك فِي مَقَامِي هَذَا أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك وَأَنْ تَرْحَمَنِي وَتُقِيلَ عَثْرَتِي وَتَغْفِرَ ذَنْبِي وَتَضَعَ عَنِّي وِزْرِي وَيُلَاحِظُ جَلَالَةَ الْبُقْعَةِ وَيَتَلَطَّفُ بِمَنْ يُزَاحِمُهُ وَيَعْذُرُهُ وَيَرْحَمُهُ؛ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مَا نُزِعَتْ إلَّا مِنْ قَلْبِ شَقِيٍّ فَإِذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْتِ الْمُطَهَّرِ كَبَّرَ وَهَلَّلَ ثَلَاثًا وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ اللَّهُمَّ زِدْ بَيْتَك هَذَا تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَعِظَمِهِ وَكَرَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَدْعُو بِمَا بَدَا لَهُ وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ كَانَ يَقُولُ أَعُوذُ بِرَبِّ الْبَيْتِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْفَقْرِ وَمِنْ ضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ» وَلَا يَبْدَأُ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ بَلْ بِاسْتِلَامِ الرُّكْنِ وَالطَّوَافِ لِمَا رَوَيْنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ تِلْقَاءَ الْبَيْتِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمِلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدْعُو بِحَاجَتِهِ» لِحَدِيثِ عَطَاءٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ أَعُوذُ بِرَبِّ الْبَيْتِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْفَقْرِ وَمِنْ ضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ» وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُعَيِّنْ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يُذْهِبُ الرِّقَّةَ فَيَكُونُ كَمَنْ يُكَرِّرُ مَحْفُوظَهُ، وَإِنْ تَبَرَّكَ بِمَا نُقِلَ مِنْهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ فَحَسَنٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُسْتَلِمًا بِلَا إيذَاءٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَبَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَقْبَلَهُ فَكَبَّرَ وَهَلَّلَ» «وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ يَا عُمَرُ، إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ فَلَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ إنْ وَجَدْت خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِلَامَ سُنَّةٌ وَتَرْكُ الْإِيذَاءِ وَاجِبٌ فَالْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ أَوْلَى وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِلَامِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْحَجَرِ وَيُقَبِّلَ الْحَجَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا لِقَوْلِ ابْنُ عُمَرَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَعَنْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ وَوَضَعَ شَفَتَهُ عَلَيْهِ وَبَكَى طَوِيلًا فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ يَا عُمَرُ هَهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَقَبَّلَهُمَا لِقَوْلِ نَافِعٍ رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ وَقَالَ مَا تَرَكْته مُنْذُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّرْفِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَبْدَأُ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالُوا أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ مُحْرِمًا كَانَ أَوَّلًا الطَّوَافُ لَا الصَّلَاةُ اللَّهُمَّ إلَّا إنْ دَخَلَ فِي وَقْتِ مَنْعِ النَّاسِ مِنْ الطَّوَافِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مَكْتُوبَةٌ أَوْ خَافَ فَوَاتَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ الْوِتْرَ أَوْ السُّنَّةَ رَاتِبَةً أَوْ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَيُقَدِّمُ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى الطَّوَافِ ثُمَّ يَطُوفُ فَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَطَوَافُ تَحِيَّةٍ أَوْ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَطَوَافُ الْقُدُومِ، وَهُوَ أَيْضًا تَحِيَّةٌ إلَّا أَنَّهُ أَخَصُّ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ هَذَا إنْ دَخَلَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنْ دَخَلَ فِيهِ فَطَوَافُ الْفَرْضِ يُغْنِي كَالْبُدَاءَةِ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ يُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِالْعُمْرَةِ فَطَوَافُ الْعُمْرَةِ لَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ طَوَافُ الْقُدُومِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَبِّرْ) أَيْ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ اهـ قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ يَعْنِي عِنْدَ التَّكْبِيرِ لِافْتِتَاحِ الطَّوَافِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَ بِقِيَاسِ الشُّبْهَةِ لَا الْعِلَّةِ وَيَكُونُ بَاطِنُهُمَا فِي هَذَا الرَّفْعِ إلَى الْحَجَرِ كَهَيْئَتِهِمَا فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَكَذَا يَفْعَلُ فِي كُلِّ شَوْطٍ إذَا لَمْ يَسْتَلِمْهُ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَيَدْعُو بِحَاجَتِهِ إلَخْ) وَسُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ مِنْ أَهَمِّهَا عَقِيبَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ الْمُسْتَجَابَةَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَمْ يُعَيِّنْ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ) الْمَشَاهِدُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأَمَاكِنُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ مُسْتَلِمًا) يَعْنِي بَعْدَ الرَّفْعِ لِلِافْتِتَاحِ وَالتَّكْبِيرِ تَسْتَلِمُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيُقَبِّلْ الْحَجَرَ) ثُمَّ هَذَا التَّقْبِيلُ لَا يَكُونُ لَهُ صَوْتٌ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَقَبَّلَهُمَا) وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَسَحَ الْوَجْهَ بِالْيَدِ مَكَانَ تَقْبِيلِ الْيَدِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لَا يُشْرَعُ التَّقْبِيلُ إلَّا لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْمُصْحَفِ وَلِأَيْدِي الصَّالِحِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَلِلْقَادِمَيْنِ مِنْ السَّفَرِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرَدَ وَلَا امْرَأَةً مُحَرَّمَةً وَلِوُجُوهِ الْمَوْتَى الصَّالِحِينَ وَمَنْ نَطَقَ بِعِلْمٍ أَوْ حِكْمَةٍ يُنْتَفَعُ بِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَفِعْلِ السَّلَفِ فَأَمَّا تَقْبِيلُ الْأَحْجَارِ وَالْقُبُورِ وَالْجُدَرَانِ وَالسُّتُورِ وَأَيْدِي الظَّلَمَةِ وَالْفَسَقَةِ وَاسْتِلَامِ ذَلِكَ جَمِيعِهِ فَلَا يَجُوزُ. وَلَوْ كَانَتْ أَحْجَارَ الْكَعْبَةِ أَوْ الْقَبْرَ الْمُشَرَّفَ أَوْ جِدَارَ حُجْرَتِهِ أَوْ سُتُورَهُمَا أَوْ صَخْرَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّ التَّقْبِيلَ وَالِاسْتِلَامَ وَنَحْوَهُمَا تَعْظِيمٌ وَالتَّعْظِيمُ خَاصٌّ بِاَللَّهِ فَلَا يَجُوزُ

رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ أَمَسَّ الْحَجَرَ شَيْئًا كَالْعُرْجُونِ وَنَحْوَهُ وَقَبَّلَهُ لِقَوْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَجَعَلَ بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْحَجَرِ مُشِيرًا بِهِمَا إلَيْهِ كَأَنَّهُ وَاضِعٌ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُمَا نَحْوَ وَجْهِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ» وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا وَجَدَ الزِّحَامَ عَلَى الْحَجَرِ اسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَدَعَا إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْحَجَرِ سَجَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ سَجَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ هَكَذَا وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ إنِّي أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُك لَمَا قَبَّلْتُك رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَزَادَ الْأَزْرَقِيُّ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ قَالَ وَبِمَ قُلْت قَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَأَيْنَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: 172] قَالَ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَسَحَ ظَهْرَهُ فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ ظَهْرِهِ فَقَرَّرَهُمْ أَنَّهُ الرَّبُّ وَأَنَّهُمْ الْعَبِيدُ ثُمَّ كَتَبَ مِيثَاقَهُمْ فِي رَقٍّ وَكَانَ هَذَا الْحَجَرُ لَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ فَقَالَ لَهُ افْتَحْ فَاكَ فَأَلْقَمَهُ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَالَ تَشْهَدُ لِمَنْ وَافَاك بِالْمُوَافَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ أَعِيشَ فِي قَوْمٍ لَسْت فِيهِمْ يَا أَبَا الْحَسَنِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فَخَشِيَ أَنْ يَظُنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ مِنْ ذَلِكَ فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ إلَّا تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلِيٌّ لَمْ يُخَالِفْهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَعُمَرُ لَمْ يُنْكِرْ نَفْعَهُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَيَقُولُ بَعْدَ الِاسْتِلَامِ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إلَيْك بَسَطْت يَدِي وَفِيمَا عِنْدَك عَظُمَتْ رَغْبَتِي فَاقْبَلْ دَعْوَتِي وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَجُدْ لِي بِمَغْفِرَتِك وَأَعِذْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ يَقُولُهُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطُفْ مُضْطَبِعًا وَرَاءَ الْحَطِيمِ آخِذًا عَنْ يَمِينِك مِمَّا يَلِي الْبَابَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) لِمَا رَوَى يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ مُضْطَبِعًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالِاضْطِبَاعُ هُوَ أَنْ يُلْقِيَ طَرَفَ رِدَائِهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ وَيُخْرِجَهُ مِنْ تَحْتِ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَيُلْقِيَ طَرَفَهُ الْآخَرَ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ وَتَكُونَ كَتِفُهُ الْيُمْنَى مَكْشُوفَةً وَالْيُسْرَى مُغَطَّاةٌ بِطَرَفَيْ الْإِزَارِ وَسُمِّيَ اضْطِبَاعًا مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّبُعِ، وَهُوَ الْعَضُدُ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَكْشُوفًا وَأَمَّا طَوَافُهُ وَرَاءَ الْحَطِيمِ؛ فَلِأَنَّ الْحَطِيمَ مِنْ الْبَيْتِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا «سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحِجْرِ أَمِنْ الْبَيْتِ هُوَ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ قَالَ، إنَّ قَوْمَك قَصُرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ قَالَتْ فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا قَالَ فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُك لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَاف أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا فِيمَا أَذِنَ فِيهِ اهـ قَوْلُهُ لَا يُشْرَعُ التَّقْبِيلُ إلَّا لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَيْ وَعَتَبَةِ الْكَعْبَةِ نَصَّ عَلَيْهَا فِي الْمَجْمَعِ وَسَتَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَكَذَلِكَ الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ نَصَّ عَلَيْهِ الْوَلْوَالِجِيُّ وَالشَّارِحُ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْعُرْجُونِ)، وَهُوَ الْعَذْقُ الَّذِي يُعْوَجُّ وَيُقْطَعُ مِنْهُ الشَّمَارِيخُ فَيَبْقَى عَلَى النَّخْلِ يَابِسًا وَفِي الْمُغْرِبِ أَصْلُ الْكِبَاسَةِ لِانْعِرَاجِهِ وَاعْوِجَاجِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِمِحْجَنٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ عُودٌ مُعَقَّفُ الرَّأْسِ وَمَائِلُهُ وَالْحَجَنُ الِاعْوِجَاجُ وَالْمِحْجَنَةُ الْجُوكَانُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ، وَإِذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْحَجَرِ سَجَدَ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ السُّجُودُ عَلَى الْحَجَرِ عَقِيبَ التَّقْبِيلِ فَعَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُهُ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ بِجَبْهَتِهِ وَقَالَ رَأَيْت عُمَرَ قَبَّلَهُ ثُمَّ سَجَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ فَفَعَلْته» رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَجَدَ عَلَى الْحَجَرِ» وَصَحَّحَهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ لِمَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ تَوَسُّطِ عُمَرَ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ قِوَامَ الدِّينِ الْكَاكِيَّ قَالَ وَعِنْدَنَا الْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ لِعَدَمِ الرِّوَايَةِ فِي الْمَشَاهِيرِ وَنَقَلَ السُّجُودَ عَنْ أَصْحَابِنَا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي مَنَاسِكِهِ اهـ قَالَ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ وَحْدَهُ السُّجُودَ عَلَى الْحَجَرِ وَقَالَ إنَّهُ بِدْعَةٌ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَطُفْ مُضْطَبِعًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ الْبَيْتِ فِي طَوَافِهِ إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا وَالْأَفْضَلُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ وَيَكُونُ طَوَافُهُ وَرَاءَ الشَّاذَرْوَانِ كَيْ لَا يَكُونَ بَعْضُ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ الشَّاذَرْوَانُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ الطَّوَافُ عَلَيْهِ وَالشَّاذَرْوَانُ هُوَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ الْمُلْصَقَةُ بِالْبَيْتِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى فُرْجَةِ الْحُجْرَةِ قِيلَ بَقِيَ مِنْهُ حِينَ عُمِّرَتْ قُرَيْشٌ وَضُيِّقَتْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ لَا مَرَدَ لَهُ كَثُبُوتِ كَوْنِ بَعْضِ الْحَجَرِ مِنْ الْبَيْتِ فَالْقَوْلُ قَوْلَانِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَيْتَ هُوَ الْجِدَارُ الْمَرْئِيُّ قَائِمًا إلَى أَعْلَاهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِالطَّوَافِ مِنْ جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ لِيَكُونَ مَارًّا عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَيَخْرُجُ مِنْ خِلَافِ مَنْ يَشْتَرِطُ الْمُرُورَ كَذَلِكَ عَلَيْهِ وَشَرْطُهُ أَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلًا عَلَى جَانِبِ الْحَجَرِ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْحَجَرُ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ يَمْشِي كَذَلِكَ مُسْتَقْبِلًا حَتَّى يُجَاوِزَ الْحَجَرَ فَإِذَا جَاوَزَهُ انْتَقَلَ وَجَعَلَ يَسَارَهُ إلَى الْبَيْتِ وَهَذَا فِي الِافْتِتَاحِ خَاصَّةً اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْغَايَةِ ثُمَّ الْمُوَالَاةُ فِي الطَّوَافِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ شَرْطٌ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ إذَا طَالَ الْفَصْلُ وَفِي الْوَبَرِيِّ لَوْ أُقِيمَتْ الْمَكْتُوبَةُ يَقْطَعُ وَيَدْخُلُ فِيهَا ثُمَّ يَبْنِي وَكَذَا فِي السَّعْيِ اهـ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَالْقِيَامُ وَاجِبٌ فِي الطَّوَافِ حَتَّى لَوْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا أَوْ فِي مَحَفَّةٍ إنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ لِعُذْرٍ يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ فَفِي الْمُشَبَّهِ بِهَا أَوْلَى وَلِغَيْرِ عُذْرٍ يُعَدُّ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَإِنْ خَرَجَ فَعَلَيْهِ دَمٌ

أُدْخِلَ الْحِجْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَلْيَطُفْ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَسُمِّيَ حَطِيمًا؛ لِأَنَّهُ حُطِّمَ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ كُسِّرَ وَسُمِّيَ حِجْرًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ حُجِرَ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ مُنِعَ مِنْهُ، وَهُوَ مَحُوطٌ مَمْدُودٌ عَلَى صُورَةِ نِصْفِ دَائِرَةٍ خَارِجٌ مِنْ جِدَارِ الْبَيْتِ مِنْ جِهَةِ الشَّامِ تَحْتَ الْمِيزَابِ وَلَيْسَ كُلُّهُ مِنْ الْبَيْتِ بَلْ مِقْدَارُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْهُ مِنْ الْبَيْتِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ سِتُّ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ وَمَا زَادَ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَوْ لَمْ يَطُفْ بِالْحِجْرِ بَلْ دَخَلَ الْفُرْجَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَيُعِيدُ الطَّوَافَ كُلَّهُ وَلَوْ أَعَادَ الْحِجْرَ وَحْدَهُ أَجْزَأَهُ وَيَدْخُلُ فِي الْفُرْجَةِ فِي الْإِعَادَةِ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بَلْ لَمَّا وَصَلَ إلَى الْفُرْجَةِ عَادَ وَرَاءَهُ مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ أَجْزَأَهُ قَالَ فِي الْغَايَةِ لَا يُعَدُّ عَوْدُهُ شَوْطًا؛ لِأَنَّهُ مَنْكُوسٌ وَأَمَّا أَخْذُ الطَّائِفِ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ أَيْ شُرُوعُهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ. وَإِذَا حَاذَى الْمُلْتَزَمَ فِي أَوَّلِ طَوَافِهِ، وَهُوَ بَيْنَ الْبَابِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ قَالَ اللَّهُمَّ، إنَّ لَك حُقُوقًا عَلَيَّ فَتَصَدَّقْ بِهَا عَلَيَّ، وَإِذَا حَاذَى الْبَابَ يَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا الْبَيْتُ بَيْتُك وَهَذَا الْحَرَمُ حَرَمُك وَهَذَا الْأَمْنُ أَمْنُك وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِينَ بِك مِنْ النَّارِ أَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ فَأَعِذْنِي مِنْهَا، وَإِذَا حَاذَى الْمَقَامَ عَنْ يَمِينِهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ، إنَّ هَذَا مَقَامُ إبْرَاهِيمَ الْعَائِذُ اللَّائِذُ بِك مِنْ النَّارِ حَرِّمْ لُحُومَنَا وَبَشَرَتَنَا عَلَى النَّارِ، وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الْعِرَاقِيَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الشِّرْكِ وَالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ، وَإِذَا أَتَى مِيزَابَ الرَّحْمَةِ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك إيمَانًا لَا يَزُولُ وَيَقِينًا لَا يَنْفَدُ وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ أَظَلَّنِي تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّ عَرْشِك وَاسْقِنِي بِكَأْسِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرْبَةً لَا أَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الشَّامِيَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَتِجَارَةً لَنْ تَبُورَ يَا عَزِيزُ يَا غَفُورُ. وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْكُفْرِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الْفَقْرِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَرَمَّلْ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ) لِمَا رَوَيْنَا وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ يَمْشِي بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا لَوْ طَافَ زَحْفًا فَعَلَيْهِ دَمٌ اهـ قَوْلُهُ وَفِي الْوَبَرِيِّ لَوْ أُقِيمَتْ الْمَكْتُوبَةُ إلَخْ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فَلَوْ خَرَجَ الطَّائِفُ مِنْ طَوَافِهِ لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ أَوْ جِنَازَةٍ أَوْ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ ثُمَّ عَادَ يَبْنِي عَلَى طَوَافِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَطَشَ فِي طَوَافِهِ فَخَرَجَ إلَى زَمْزَمَ ثُمَّ عَادَ بَنَى»؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُحَرِّمُ الْأَفْعَالَ الَّتِي لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَلَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا حَرَّمَتْ كُلَّ فِعْلٍ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ اهـ وَقَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ طَافَ زَحْفًا فَعَلَيْهِ دَمٌ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا عَلَى هَذَا نَصَّ الْمَشَايِخُ، وَهُوَ كَلَامُ مُحَمَّدٍ وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ الطَّوَافُ مَاشِيًا أَفْضَلُ تَسَاهُلٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ لَا يُقَالُ بَلْ يَنْبَغِي فِي النَّافِلَةِ أَنْ تَجِبَ صَدَقَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ وَجَبَ الْمَشْيُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ شُرُوعَهُ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ الْمَشْيِ وَالشُّرُوعُ، إنَّمَا يُوجِبُ مَا شَرَعَ فِيهِ. اهـ. فَتْحٌ (فَرْعٌ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَطُوفَ مُتَنَعِّلًا إذَا كَانَتَا طَاهِرَتَيْنِ أَوْ بِخُفِّهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ كُرِهَتْ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْكُوسٌ) أَيْ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ طَوَافَ الْمَنْكُوسِ لَا يَصِحُّ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الِاعْتِدَادُ بِهِ وَيَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ فَالْوَاجِبُ هُوَ الْأَخْذُ فِي الطَّوَافِ مِنْ جِهَةِ الْبَابِ فَيَكُونُ بِنَاءُ الْكَعْبَةِ عَنْ يَسَارِ الطَّائِفِ فَتَرْكُهُ تَرْكُ وَاجِبٍ فَإِنَّمَا يُوجِبُ الْإِثْمَ فَتَجِبُ إعَادَتُهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ إعَادَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَأَمَّا الِافْتِتَاحُ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ قِيلَ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّوَافِ فِي الْآيَةِ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ فَالْتُحِقَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانًا وَقِيلَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ لَا مُجْمَلَةٌ غَيْرَ أَنَّ الِافْتِتَاحَ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتْرُكْهُ قَطُّ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي الْفُرُوعِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالطَّوَافِ وَلَوْ قِيلَ، إنَّهُ وَاجِبٌ لَمْ يَبْعُدْ؛ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ مَرَّةً دَلِيلُهُ فَيَأْثَمُ بِهِ وَيُجْزِئُ وَلَوْ كَانَ فِي آيَةِ الطَّوَافِ إجْمَالٌ لَكَانَ شَرْطًا كَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ لَكِنَّهُ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ مُطْلَقُ التَّطَوُّفِ هُوَ الْفَرْضُ وَافْتِتَاحُهُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبٌ لِلْمُوَاظَبَةِ اهـ وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ افْتَتَحَ الطَّوَافَ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ كَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَنَحْوِهِ وَخَتَمَ بِهِ لَا يَجُوزُ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اهـ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَلَوْ افْتَتَحَ الطَّوَافَ مِنْ غَيْرِ الرُّكْنِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ أَتَى بِالطَّوَافِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ الْمُسْتَفِيضَةَ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الْقَدْرِ حَتَّى يَصِيرَ إلَى الرُّكْنِ، وَهُوَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ؛ لِأَنَّهُ افْتَتَحَ مِنْ غَيْرِ مَوْضِعِ الِافْتِتَاحِ فَلَا يُعْتَدُّ بِافْتِتَاحِهِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا رُوِيَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا انْتَهَى فِي الْبِنَاءِ إلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ قَالَ لِإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ائْتِنِي بِحَجَرٍ اجْعَلْهُ عَلَامَةً لِابْتِدَاءِ الطَّوَافِ فَخَرَجَ فَجَاءَهُ بِحَجَرٍ فَقَالَ ائْتِنِي بِغَيْرِهِ فَأَتَاهُ بِغَيْرِهِ فَقَالَ ائْتِنِي بِغَيْرِهِ فَأَتَاهُ بِغَيْرِهِ إلَى ثَالِثِ مَرَّةٍ فَأَلْقَاهُ وَقَالَ لَهُ قَدْ أَتَانِي بِحَجَرٍ مَنْ أَغْنَانِي عَنْ حَجَرِك فَرَأَى الْحَجَرَ فِي مَوْضِعِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا مَوْضِعَ الِافْتِتَاحِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتَدَأَ مِنْهُ وَقَالَ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُحَاذِي بِجَمِيعِ بَدَنِهِ جَمِيعَ الْحَجَرِ بِأَنْ يَقِفَ عَلَى يَمِينِ الْحَجَرِ مِمَّا يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ ثُمَّ يَمُرَّ مُسْتَقْبِلًا لَهُ، وَهُوَ الْأَكْمَلُ الْأَفْضَلُ عِنْدَ الْكُلِّ فَإِنْ كَانَ يُحَاذِي بِبَعْضِ بَدَنِهِ جَمِيعَ الْحَجَرِ مِثْلَ أَنْ يَقِفَ حِذَاءَ وَسْطِ الْحَجَرِ وَبَعْضُ بَدَنِهِ يَكُونُ خَارِجًا مِنْ الْحَجَرِ فَلَهُ فِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ فِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ وَفِي الْجَدِيدِ لَا يَجُوزُ كَاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ بِبَعْضِ بَدَنِهِ عِنْدَهُ فَإِذَا طَافَ الثَّانِيَ احْتَسَبَ الْأَوَّلَ مِنْ حِينِ يَمُرُّ عَلَى الْحَجَرِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَعِنْدَنَا الْعِبْرَةُ لِلْأَكْثَرِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ تَرَمَّلْ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ مَشَى شَوْطًا ثُمَّ تَذَكَّرَ لَا يَرْمُلُ إلَّا فِي شَوْطَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الثَّلَاثَةِ لَا يَرْمُلُ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ

وَالشَّامِيِّ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَابْنُ جُبَيْرٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَدِمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ وَقَدْ أَوْهَنَتْهُمْ الْحُمَّى فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ أَوْهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ وَلَقُوا مِنْهَا شَرًّا فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى مَا قَالُوا فَلَمَّا قَدِمُوا قَعَدَ الْمُشْرِكُونَ مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ أَيْ قُوَّتَهُمْ فَلَمَّا رَأَوْهُمْ رَمَلُوا قَالُوا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ أَوْهَنَتْهُمْ هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنَّا» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَنَا فِي الرَّمَلِ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا رَمَلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِإِرَادَةِ الْجَلَدِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى قُلْنَا «فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» وَأَصْحَابُهُ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، وَإِنْ زَاحَمَهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ وَقَفَ فَإِذَا وَجَدَ مَسْلَكًا رَمَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ فَيَقِفُ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ بِخِلَافِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ بَدَلٌ لَهُ وَالرَّمَلُ أَنْ يَهُزَّ فِي مَشْيِهِ الْكَتِفَيْنِ كَالْمُبَارِزِ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاسْتَلِمْ الْحَجَرَ كُلَّمَا مَرَرْت بِهِ إنْ اسْتَطَعْت) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَافَ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ» أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّ أَشْوَاطَ الطَّوَافِ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ وَالِاسْتِلَامَ كَالتَّكْبِيرِ فَيَفْتَتِحُ بِهِ كُلَّ شَوْطٍ كَمَا يَفْتَتِحُ كُلَّ رَكْعَةٍ بِالتَّكْبِيرِ وَيَخْتِمُ الطَّوَافَ بِالِاسْتِلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِلَامِ اسْتَقْبَلَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَلَا يُقَبِّلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ سُنَّةٌ وَيُقَبِّلُهُ مِثْلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «لَمْ أَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا الْيَمَانِيَيْنِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ لَكِنَّ لَهُ فِي مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ إنَّ «مَسْحَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ يَحُطُّ الْخَطَايَا حَطًّا» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُقَبِّلُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ قَبَّلَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَعَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَا تَرَكْت اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُنْذُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُهُمَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ فِي كُلِّ طَوَافِهِ وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا مِنْ الْأَرْكَانِ» لِمَا رَوَيْنَا وَسُئِلَ مُعَاوِيَةُ عَنْ اسْتِلَامِ الْأَرْكَانِ كُلِّهَا قَالَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا وَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْجَوَابِ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ صَدَقْت وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ وُكِّلَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ سَبْعُونَ أَلْفِ مَلَكٍ فَمَنْ قَالَ عِنْدَهُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قَالُوا آمِينَ» وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ ذَلِكَ وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ ثُمَّ دَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاخْتِمْ الطَّوَافَ بِهِ وَبِرَكْعَتَيْنِ فِي الْمَقَامِ أَوْ حَيْثُ تَيَسَّرَ مِنْ الْمَسْجِدِ) أَيْ اخْتِمْ الطَّوَافَ بِالِاسْتِلَامِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَاخْتِمْهُ بِرَكْعَتَيْنِ فِي الْمَقَامِ أَوْ فِي أَيْ مَوْضِعٍ تَيَسَّرَ لَك مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ سُنَّةٌ لِانْعِدَامِ دَلِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا رَمَلَ فِيهِ إلَخْ) وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَنَّهُ لَا رَمَلَ أَصْلًا وَنَقَلَهُ الْكَرْمَانِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ سَبَبَهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَدْ صَارَ سُنَّةً بِذَلِكَ السَّبَبِ لَكِنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ زَوَالِهِ كَرَمْيِ الْجِمَارِ وَسَبَبُهُ رَمْيُ الْخَلِيلِ الشَّيْطَانَ الَّذِي كَانَ يَرَاهُ ثُمَّ بَقِيَ بَعْدَ زَوَالِ ذَلِكَ السَّبَبِ وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ قِيلَ فِي حِكْمَةِ الرَّمَلِ الْيَوْمَ إرَاءَةُ الْقُوَّةِ وَالْجَلَادَةِ فِي الطَّاعَةِ وَأَنَّهُ حَسَنٌ فِي طَاعَةٍ يَتَحَمَّلُ فِيهَا الْمَشَاقَّ وَقِيلَ، إنَّا نُرِي الشَّيْطَانَ بِأَنَّ السَّفَرَ مَا أَضْنَانَا حَتَّى تَنْقَطِعَ وَسْوَسَتُنَا فِي الْمَنَاسِكِ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْنَا «فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ») أَيْ وَلَمْ يَبْقَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمئِذٍ اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ إلَخْ) هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَخْ) هَذَا مُقَابِلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ إذْ لَيْسَ فِيهِ سِوَى إثْبَاتِ رُؤْيَةِ اسْتِلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلرُّكْنَيْنِ وَمُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ كَوْنَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُوَاظَبَةِ وَلَا سُنِّيَّةَ دُونِهَا غَيْرَ أَنَّا عَلِمْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى اسْتِلَامِ الْأَسْوَدِ مِنْ خَارِجٍ فَقُلْنَا بِاسْتِنَانِهِ فَيَكُونُ مُجَرَّدُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ إلَّا الْيَمَانِيَيْنِ) الْيَمَانِيَيْنِ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّغْلِيبِ. اهـ. غَايَةٌ وَهُمَا الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ وَالْحَجَرُ الْأَسْوَدُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُقَبِّلُ الرُّكْنَ» إلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي الْمُوَاظَبَةِ وَأَظْهَرُ مِنْهُ مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ فِي كُلِّ طَوَافِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ) هَذَا نَدْبٌ وَالْمَنْدُوبُ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مُنْذُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُهُمَا إلَخْ) هَذَا أَيْضًا لَيْسَ حُجَّةً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ يَسْتَلِمُهُ فَلَمْ يَتْرُكْهُ هُوَ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مُحَافَظَةً مِنْهُ عَلَى الْأَمْرِ الْمُسْتَحَبِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا) أَيْ غَيْرَ الْحَجَرِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِرَكْعَتَيْنِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ: وَلَا تُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ عَنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عِنْدَنَا كَمَا لَا تُجْزِئُ الْمَنْذُورَةُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ اهـ قَالَ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ قُلْت لَا يُجْبَرُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ بِدَمٍ بَلْ يُصَلِّيهِمَا فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ وَلَوْ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى أَهْلِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ سُنَّةٌ إلَخْ) وَتَمَسُّكًا بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ حَيْثُ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ فَقَدْ جَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ تَطَوُّعًا» فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ وَتَمَسُّكًا

الْوُجُوبِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا انْتَهَى إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثُمَّ عَادَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ فَنَبَّهَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَقَالَ السُّدِّيَّ وَقَتَادَةُ أُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا عِنْدَ الْمَقَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لِلْقُدُومِ، وَهُوَ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ) وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِلْقُدُومِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ طُفْ فِيمَا تَقَدَّمَ أَيْ طُفْ لِلْقُدُومِ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ وَقَوْلُهُ، وَهُوَ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ أَيْ طَوَافُ الْقُدُومِ سُنَّةٌ لِغَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَتَى الْبَيْتَ فَلْيُحَيِّهِ بِالطَّوَافِ» أَمْرٌ، وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمَّاهُ تَحِيَّةً بِقَوْلِهِ فَلْيُحَيِّهِ فَلَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِإِكْرَامٍ يَبْدَأُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ كَلَفْظِ التَّطَوُّعِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَإِنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ أَكْرِمُوا الشُّهُودَ وَلَا يَلْزَمُنَا وُجُوبُ رَدِّ السَّلَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86]؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ إحْسَانٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَازَاةٌ لِسَلَامِهِ الْأَوَّلِ أَوْ نَقُولُ الْمَأْمُورُ بِهِ الْجَوَابُ الْمُقَيَّدُ بِأَحْسَنَ وَذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ وَلِأَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ لَا تَتَكَرَّرُ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ رُكْنٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ هَذَا فَرْضًا لَتَكَرَّرَ وَقَوْلُهُ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَنْ يَقْدَمُ وَأَهْلُ مَكَّةَ لَا يَقْدَمُونَ فَلَا يَكُونُ سُنَّةً فِي حَقِّهِمْ كَالْجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَقَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتنِي وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتنِي وَاخْلُفْ عَلَى كُلِّ غَائِبَةٍ لِي بِخَيْرٍ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ صَلَاتِهِ خَلْفَ الْمَقَامِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا وَيَتَضَلَّعُ مِنْهُ وَيُفْرِغُ الْبَاقِيَ فِي الْبِئْرِ وَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك رِزْقًا وَاسِعًا وَعِلْمًا نَافِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى طَعَامًا لِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ فَصَاعِدًا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ أُخَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ انْصَرَفَ عَنْ وِتْرٍ مِثْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ ثُمَّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَادَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَلَمَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ خَرَجَ» فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ اُخْرُجْ إلَى الصَّفَا وَقُمْ عَلَيْهِ مُسْتَقْبِلًا الْبَيْتَ مُهَلِّلًا مُكَبِّرًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاعِيًا رَبَّك بِحَاجَتِك) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَوَحَّدَ اللَّهَ تَعَالَى وَكَبَّرَهُ وَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ دَعَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ وَمَا رُوِيَ مِنْ الْحَدِيثِ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ، فَإِنَّا أَجْمَعْنَا أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَاجِبَةٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ) أَيْ إلَّا أَنَّ اسْتِفَادَةَ ذَلِكَ مِنْ التَّنْبِيهِ، وَهُوَ ظَنِّيٌّ فَكَانَ الثَّابِتُ الْوُجُوبَ وَيَلْزَمُهُ حُكْمُنَا بِمُوَاظَبَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ إذْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْوَاجِبِ اهـ فَتْحٌ قَوْلُهُ فَكَانَ الثَّابِتُ الْوُجُوبَ أَيْ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِلْقُدُومِ، وَهُوَ سُنَّةٌ إلَخْ) طَوَافُ الْقُدُومِ لَهُ سِتَّةُ أَسْمَاءٍ الْأَوَّلُ هَذَا وَالثَّانِي طَوَافُ اللِّقَاءِ وَالثَّالِثُ طَوَافُ التَّحِيَّةِ وَالرَّابِعُ طَوَافُ أَوَّلِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ وَالْخَامِسُ الطَّوَافُ لِلنَّفْلِ وَالسَّادِسُ طَوَافُ الْوُرُودِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِيهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّ الطَّوَافَ لَا يُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَيُؤَخِّرُ رَكْعَتَيْهِ إلَى وَقْتِ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ، وَهُوَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ أَتَى الْبَيْتَ» إلَخْ) الْحَدِيثَ هَذَا غَرِيبٌ جِدًّا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ) أَيْ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهَا التَّبَرُّعُ؛ لِأَنَّهَا فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إكْرَامٍ يَبْدَأُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ كَلَفْظِ التَّطَوُّعِ فَلَوْ قَالَ تَطَوَّعَ أَفَادَ النَّدْبَ فَكَذَا إذَا قَالَ تَحِيَّةً. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهَا أَيْ التَّحِيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَازَاةٌ لِسَلَامَةِ الْأَوَّلِ) فَلَفْظُ التَّحِيَّةِ فِيهِ مِنْ مَجَازِ الْمُشَاكَلَةِ مِثْلُ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ لَا تَتَكَرَّرُ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الدَّلِيلُ الْقَائِلُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّوَافِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَقَدْ تَعَيَّنَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا يُفِيدُ لَوْ ادَّعَى فِي طَوَافِ الْقُدُومِ الرُّكْنِيَّةَ بِدَعْوَى الِافْتِرَاضِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مُدَّعَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ لَوْ نَسِيَهُمَا فَلَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي طَوَافٍ آخَرَ إنْ كَانَ قَبْلَ إتْمَامِ شَوْطٍ رَفَضَهُ وَبَعْدَ إتْمَامِهِ لَا اهـ ثُمَّ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَصْلُ فِي وَقْتٍ لَا يُكْرَهُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَمَّا إذَا كَانَ فِي وَقْتٍ يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْوَصْلَ لَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ انْصَرَفَ عَنْ وِتْرٍ إلَخْ) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوِتْرَ أَصْلٌ لِلطَّوَافِ، وَهُوَ سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ عَادَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَلَمَهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ يَأْتِي الْمَقَامَ فَيُصَلِّي عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ حَيْثُ تَيَسَّرَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ فَيَسْتَلِمُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَادَ إلَى الْحَجَرِ وَاسْتَلَمَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كَانَ يُفْتَتَحُ بِالِاسْتِلَامِ فَكَذَا السَّعْيُ يُفْتَتَحُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ سَعْيٌ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ اُخْرُجْ إلَى الصَّفَا إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ثُمَّ الصُّعُودُ عَلَى الصَّفَا سُنَّةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّهُ رُكْنٌ اهـ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ لَمْ يَصْعَدْ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي السَّعْيِ الَّذِي ذَكَرْنَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَيُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ السُّنَّةِ وَلَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ اهـ قَوْلُهُ ثُمَّ الصُّعُودُ عَلَى الصَّفَا أَيْ وَالْمَرْوَةِ. اهـ. فَتْحٌ وَقَوْلُهُ سُنَّةٌ أَيْ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ

بَيَّنَ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْتَصَبَتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَعَلَا عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُو مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَدَّمَانِ عَلَى الدُّعَاءِ تَقْرِيبًا إلَى الْإِجَابَةِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الدَّعَوَاتِ، وَإِنَّمَا يَصْعَدُ عَلَى الصَّفَا بِقَدْرِ مَا يَكُونُ الْبَيْتُ بِمَرْأَى عَيْنِهِ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْبَيْتِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالصُّعُودِ فَيَكْتَفِي بِهِ وَيَخْرُجُ إلَى الصَّفَا مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ، وَإِنَّمَا خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بَابَ الصَّفَا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْأَبْوَابِ إلَيْهِ فَكَانَ اتِّفَاقًا لَا قَصْدًا ذِكْرُ الدَّعَوَاتِ الْمَنْقُولَةِ فِي هَذَا الْمَوَاضِعِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عِنْدَ الْحَجَرِ بِدُعَاءِ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ اللَّهُمَّ، إنَّك تَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي فَاقْبَلْ مَعْذِرَتِي وَتَعْلَمُ حَاجَتِي فَأَعْطِنِي سُؤَالِي اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك إيمَانًا يُبَاشِرُ قَلْبِي وَيَقِينًا صَادِقًا حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُصِيبُنِي إلَّا مَا كَتَبْت عَلَيَّ وَالرِّضَا بِمَا قَسَمْت لِي فَأَوْحَى اللَّهُ إنِّي قَدْ غَفَرْت لَك وَلَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّتِك يَدْعُونِي بِمِثْلِ مَا دَعَوْتنِي إلَّا غَفَرْت ذُنُوبَهُ وَكَشَفْت هُمُومَهُ وَنَزَعْت الْفَقْرَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ وَأَنْجَزَتْ لَهُ كُلَّ نَاجِزٍ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا، وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُهَا ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ وَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخِلْنِي فِيهَا وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَإِذَا صَعِدَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَيَجْعَلُ بَطْنَهُمَا إلَى السَّمَاءِ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ الْأَيْدِيَ لَا تُرْفَعُ إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيُثْنِي عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ اهْبِطْ نَحْوَ الْمَرْوَةِ سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ وَافْعَلْ عَلَيْهَا فِعْلَك عَلَى الصَّفَا) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ذِكْرُ الدَّعَوَاتِ الْمَنْقُولَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَنْ السَّلَفِ وَيَقُولُ فِي هُبُوطِهِ إلَى الْمَرْوَةِ اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنِي بِسُنَّةِ نَبِيِّك وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِ وَأَعِذْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَإِذَا وَصَلَ إلَى بَطْنِ الْوَادِي بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ وَهُمَا الْمِيلَانِ الْأَخْضَرَانِ أَحَدُهُمَا فِي رُكْنِ الْجِدَارِ وَالْآخَرُ مُتَّصِلٌ بِدَارِ عَبَّاسٍ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَيَقُولُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ مَا قَالَ عَلَى الصَّفَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطُفْ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَبْدَأُ بِالصَّفَا وَتَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ» الْحَدِيثَ وَرَوَى النَّسَائِيّ «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» عَلَى الْأَمْرِ وَلَوْ بَدَأَ مِنْ الْمَرْوَةِ لَا يُعْتَدُّ بِالْأُولَى لِمُخَالِفَتِهِ الْأَمْرَ ثُمَّ الذَّهَابُ إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ وَالْعَوْدُ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ آخَرُ هَكَذَا يَفْعَلُ إلَى سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الذَّهَابُ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ وَالرُّجُوعُ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ قِيَاسًا عَلَى الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ شَوْطٌ فَكَذَا مِنْ الصَّفَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «فَلَمَّا كَانَ آخِرَ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت» الْحَدِيثَ جَعَلَ آخِرَ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ آخِرَهُ عَلَى الصَّفَا وَلَوَقَعَ الْخَتْمُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ رُوَاةَ نُسُكِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ» وَبِمَا قَالُوهُ يَصِيرُ أَرْبَعَةَ عَشْرَ شَوْطًا؛ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَوْدُهُ إلَى الصَّفَا شَوْطًا كَانَ نَقْضًا لِفِعْلِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ أَنَّ الشَّوْطَ فِي الطَّوَافِ لَا يَتِمُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ إلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجُزْءِ الَّذِي سَمَّاهُ حُصُولُ الرِّفْقِ بِأُصُولِ الرِّزْقِ مَا نَصُّهُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ إلَى الْأَرْضِ قَامَ وِجَاهَ الْكَعْبَةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ هَذَا الدُّعَاءَ اللَّهُمَّ، إنَّك تَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي فَاقْبَلْ مَعْذِرَتِي وَتَعْلَمُ حَاجَتِي فَأَعْطِنِي سُؤْلِي وَتَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك إيمَانًا يُبَاشِرُ قَلْبِي وَيَقِينًا صَادِقًا حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَنِي إلَّا مَا كَتَبْت لِي وَرَضِّنِي بِمَا قَسَمْت لِي. اهـ. (قَوْلُهُ بِمِثْلِ مَا دَعَوْتنِي) أَيْ بِهَذَا الدُّعَاءِ. اهـ. طَبَرَانِيٌّ فِي الْأَوْسَطِ (قَوْلُهُ: وَكَشَفْت هُمُومَهُ) أَيْ وَزَجَرْت عَنْهُ الشَّيْطَانَ. اهـ. طَبَرَانِيٌّ فِي الْأَوْسَطِ (قَوْلُهُ وَهُمَا الْمِيلَانِ الْأَخْضَرَانِ)، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَحْمَرُ أَوْ أَصْفَرُ قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ الْمِيلَانِ عَلَامَتَانِ بِمَوْضِعِ الْهَرْوَلَةِ فِي مَمَرِّ بَطْنِ الْوَادِي اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ تَبْدَأْ بِالصَّفَا وَتَخْتِمْ بِالْمَرْوَةِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ، وَإِنْ سَعَى رَاكِبًا لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَبِغَيْرِ عُذْرٍ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا فِي الطَّوَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرَوَى النَّسَائِيّ «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» إلَخْ) وَرُوِيَ نَبْدَأُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يَعْتَدُّ بِالْأُولَى) وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ أَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ وَأَتَى الصَّفَا جَازَ وَيَعْتَدُّ بِهِ، وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِتَرْكِ السُّنَّةِ فَيُسْتَحَبُّ إعَادَةُ ذَلِكَ الشَّوْطِ قَالَ السُّرُوجِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ وَلَا أَصْلَ لِمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَقَالَ الرَّازِيّ: فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ قَبْلَ الصَّفَا لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ الشَّوْطَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ التَّرْتِيبِ فِي أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ اهـ فَقَوْلُ السُّرُوجِيِّ لَا أَصْلَ لِمَا قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ آخِرَهُ عَلَى الصَّفَا) أَيْ وَهَذَا لَا يَنْتَهِضُ

مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى الْحَجَرِ وَفِي السَّعْيِ يَتِمُّ بِالْمَرْوَةِ فَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ تَكْرَارًا مَحْضًا ثُمَّ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَاجِبٌ عِنْدَنَا، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: هُوَ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ لِمَا رُوِيَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ أَنَّهَا قَالَتْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ وَرَاءَهُمْ يَسْعَى حَتَّى أَرَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ يَدُورُ بِهِ إزَارُهُ، وَهُوَ يَقُولُ اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158] فَرَفَعَ الْجُنَاحَ وَالتَّخْيِيرُ يَنْفِي الْفَرِيضَةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230]. وَقَوْلُهُ {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: 158] كَقَوْلِهِ {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة: 184] وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِهِمَا، وَهُوَ إنْ لَمْ يَثْبُتْ قُرْآنًا لَا يَنْزِلُ عَنْ الْخَبَرِ الْمَسْمُوعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةِ يَا ابْنَ أُخْتِي «طَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَافَ الْمُسْلِمُونَ فَكَانَتْ سُنَّةً، وَإِنَّمَا كَانَ مَنْ أَهَلَّ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ لَا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]» الْآيَةَ فَقَدْ نَصَّتْ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَهُمَا سُنَّةٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَكْتُوبًا أَنْ يَكُونَ رُكْنًا أَوْ فَرْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] الْآيَةَ وَالرُّكْنِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِخِلَافِ الْوُجُوبِ ثُمَّ قِيلَ، إنَّ سَبَبَ شَرْعِيَّةِ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا تَرَكَ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ هُنَاكَ عَطِشَ فَصَعِدَتْ الصَّفَا تَنْظُرُ هَلْ بِالْمَوْضِعِ مَاءٌ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا فَنَزَلَتْ فَسَعَتْ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى خَرَجَتْ مِنْهُ إلَى جِهَةِ الْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّهَا تَوَارَتْ بِالْوَادِي عَنْ وَلَدِهَا فَسَعَتْ شَفَقَةً عَلَيْهِ فَجُعِلَ ذَلِكَ نُسُكًا إظْهَارًا لِشَرَفِهَا وَتَفْخِيمًا لِأَمْرِهَا وَعَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أُمِرَ بِالْمَنَاسِكِ عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ السَّعْيِ فَسَابَقَهُ فَسَبَقَهُ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ. وَقِيلَ، إنَّمَا سَعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إظْهَارًا لِلْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ لِلْمُشْرِكَيْنِ النَّاظِرِينَ إلَيْهِ فِي الْوَادِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ أَقِمْ بِمَكَّةَ حَرَامًا)؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَلَا تَتَحَلَّلْ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِأَفْعَالِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا طَافَ لِلْقُدُومِ وَتَحَلَّلَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ بِذَلِكَ أَصْحَابَهُ إلَّا مَنْ سَاقَ مِنْهُمْ الْهَدْيَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ بَعْضُهَا يَنُصُّ بِفَسْخِ الْحَجِّ وَبَعْضُهَا يَجْعَلُ الْحَجَّ عُمْرَةً ثُمَّ التَّحَلُّلَ وَالْأَحَادِيثُ صِحَاحٌ وَنَحْنُ نَقُولُ كَانَ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِهِمْ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ «الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً قَالَ بَلْ لَنَا خَاصَّةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ كَانَتْ الْمُتْعَةُ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَبْسُوطِ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا ثُمَّ نُسِخَ وَقَالَ فِيهِ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا الْيَوْمَ أَنْهَى عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا مُتْعَةُ النِّسَاءِ وَمُتْعَةُ الْحَجِّ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ الْيَوْمَ كَمُتْعَةِ النِّكَاحِ؛ وَلِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ فَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَأَحَلُّوا حِينَ طَافُوا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَمْ يَحِلُّوا إلَى يَوْمِ النَّحْرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مُعَارِضًا لِلْأَحَادِيثِ الْمُثْبِتَةِ لِلتَّحَلُّلِ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِإِبْطَالِ مَذْهَبِ الطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ طَوَافِهِ بِالْمَرْوَةِ فَهُوَ آخِرُ الشَّوْطِ السَّابِعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ آخِرُ وُقُوفِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ، فَإِنَّهُ، إنَّمَا يَخْتِمُ بِالصَّفَا عِنْدَهُ فَكَانَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي آخِرِ وُقُوفِهِ بِالْمَرْوَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِنْتُ أَبِي تُجْزَأَةَ) الَّذِي شَاهَدْتُهُ فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخَطِّهِ شَجَرَةً، وَهُوَ تَحْرِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْإِصَابَةِ وَمِنْ خَطِّ تِلْمِيذِهِ الْحَافِظِ السَّخَاوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَقَلْت مَا نَصُّهُ حَبِيبَةُ بِنْتُ أَبِي تُجْزَأَةَ الْعَبْدَرِيَّةُ ثُمَّ الشَّيْبِيَّةِ رَوَى حَدِيثَهَا الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمِّلِ وَابْنِ سَعْدٍ عَنْهُ مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَجَزٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ كُلِّهِمْ عَنْ ابْنِ الْمُؤَمِّلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ حَدَّثَتْنِي صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ «عَنْ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا حَبِيبَةُ بِنْتُ أَبِي تُجْزَأَةَ قَالَتْ دَخَلْت دَارَ أَبِي حُسَيْنٍ فِي نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَتَّى أَنَّ ثَوْبَهُ لَيَدُورُ بِهِ، وَهُوَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ اسْعَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ» قَالَ أَبُو عُمَرَ قِيلَ اسْمُهَا حَبِيبَةُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَقِيلَ بِالتَّصْغِيرِ وَقَالَ غَيْرُهُ تُجْزَأَةُ ضَبَطَهَا الدَّارَقُطْنِيّ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ إلَخْ) وَالْكِتَابَةُ تَدُلُّ عَلَى الرُّكْنِيَّةِ وَكَذَا الْأَمْرُ اهـ كَاكِيٌّ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّعْيِ الْمَكْتُوبِ الْجَرْيُ الْكَائِنُ فِي بَطْنِ الْوَادِي إذَا رَاجَعْته لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّعْيِ الطَّوَافُ بَيْنَهُمَا اتَّفَقَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ لَهُمْ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْجَرْيِ الْمَسْنُونِ لَمَّا وَصَلَ إلَى مَحَلِّهِ شَرْعًا أَعْنِي بَطْنَ الْوَادِي وَلَا يُسَنُّ جَرْيٌ شَدِيدٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ بِخِلَافِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ، إنَّمَا هُوَ مَشْيٌ فِيهِ شِدَّةٌ وَتَصَلُّبٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَرَفَعَ الْجُنَاحَ وَالتَّخْيِيرَ) أَيْ الْمُسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ تَطَوَّعَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ، إنَّمَا سَعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ إلَخْ) وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَغَلُ بِطَلَبِ الْمَعْنَى فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ مِنْ الرَّمْيِ وَغَيْرِهِ بَلْ هِيَ أُمُورٌ تَوْقِيفِيَّةٌ يُحَالُ الْعِلْمُ بِالْحَالِ فِيهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ أَقِمْ بِمَكَّةَ حَرَامًا) أَيْ مُحْرِمًا وَالْحَرَامُ وَالْمُحْرِمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ اهـ كَاكِيٌّ

- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطُفْ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَك)؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الصَّلَاةَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» وَالصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَكَذَا الطَّوَافُ فَطَوَافُ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ لِلْغُرَبَاءِ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَلِأَهْلِ مَكَّةَ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهُ غَيْرَ أَنَّ الْغُرَبَاءَ مَا يُمْكِنُهُمْ الطَّوَافُ إلَّا فِي أَيَّامِ الْحَجِّ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَوْلَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ هَذِهِ الْأَطْوِفَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَالتَّنَقُّلُ بِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَا يَرْمُلُ فِي هَذِهِ الْأَطْوِفَةِ؛ لِأَنَّ الرَّمَلَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ وَكَذَا لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ إنْ أَخَّرَ السَّعْيَ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ فِي الْغَايَةِ إذَا كَانَ قَارِنًا لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ إنْ كَانَ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَيُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، وَهِيَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ اُخْطُبْ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ وَعَلِّمْ فِيهَا الْمَنَاسِكَ)، وَهُوَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَخْطُبُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى تَعْلِيمِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَيُعَلِّمُ فِيهِ الْخُرُوجَ إلَى مِنًى وَإِلَى عَرَفَاتٍ وَالصَّلَاةَ وَالْوُقُوفَ فِيهَا وَالْإِفَاضَةَ مِنْهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْحَجِّ ثَلَاثُ خُطَبٍ أَوَّلُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَالثَّانِيَةُ بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالثَّالِثَةُ بِمِنًى فِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشْرَ فَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ خُطْبَتَيْنِ بِيَوْمٍ كُلُّهَا خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يَجْلِسُ فِي وَسَطِهَا إلَّا خُطْبَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنَّهَا خُطْبَتَانِ فَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا وَكُلُّهَا تُخْطَبُ بَعْدَ الزَّوَالِ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ إلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ فَإِنَّهَا بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَقَالَ زُفَرُ يَخْطُبُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوَّلُهَا يَوْمُ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهَا يَوْمُ الْمَوْسِمِ وَمَجْمَعُ الْحُجَّاجِ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَطَبَ يَوْمَ السَّابِعِ» وَكَذَا أَبُو بَكْرٍ وَقَرَأَ عَلِيٌّ سُورَةَ بَرَاءَةَ عَلَيْهِمْ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخُطْبَةِ التَّعْلِيمُ فَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ النَّحْرِ يَوْمَا اشْتِغَالٍ فَكَانَ مَا ذَكَرْنَا أَنْفَعَ وَفِي الْقُلُوبِ أَنْجَعَ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ خُطْبَةٍ مِنْ الْآخَرِينَ فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ رُحْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَوَجَّهَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى وَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ رَاحَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ يَوْمَ عَرَفَةَ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُبَيِّنْ الْوَقْتَ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ إلَى مِنًى مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ لَمْ يُقَيِّدَاهُ بِوَقْتٍ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُفِيدِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ إلَى مِنًى بَعْدَمَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا رَوَيْنَا وَاتَّفَقَتْ الرُّوَاةُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ وَصَلَّى بِهَا الْفَجْرَ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ تَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ وَمَرَّ بِمِنًى أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمِنًى فِي هَذَا الْيَوْمِ إقَامَةُ نُسُكٍ. وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ بِتَرْكِهِ الِاقْتِدَاءَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ وَافَقَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ الْجُمُعَةَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مِنًى قَبْلَ الزَّوَالِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ لَا يَخْرُجُ مَا لَمْ يُصَلِّهَا لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَخْرُجُ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مَا لَمْ يُصَلِّهَا وَسُمِّيَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْوُونَ إبِلَهُمْ فِيهِ لِأَجْلِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَقِيلَ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ يَذْبَحُ وَلَدَهُ بِأَمْرِ رَبِّهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَّى فِي النَّهَارِ كُلِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ) أَيْ إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقْ إلَّا بِخَيْرٍ هَذَا الْحَدِيثُ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ هَذِهِ الْأَطْوِفَةِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي التُّحْفَةِ الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَسْعَى عَقِيبَ طَوَافِ اللِّقَاءِ وَيَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَرْمُلَ فِيهِ دُونَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَإِنْ أَتَى بِالسَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ يَرْمُلُ فِيهِ كَمَا فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَفِي الْمُحِيطِ الْأَفْضَلُ لِلْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ إذَا أَتَى بِطَوَافِ الْقُدُومِ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ الْوَاجِبُ تَبَعًا لِلسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ السَّعْيُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ لِكَثْرَةِ الْوَظَائِفِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَإِذَا سَعَى عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْمُلَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَإِنْ أَخَّرَ السَّعْيَ عَنْ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَرْمُلُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الرَّمَلَ شُرِعَ فِي طَوَافٍ عَقِيبَهُ سَعْيٌ اهـ قَوْلُهُ لِكَثْرَةِ الْوَظَائِفِ أَيْ فَإِنَّهُ يَرْمِي وَقَدْ يَذْبَحُ ثُمَّ يَحْلِقُ بِمِنًى ثُمَّ يَجِيءُ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ الطَّوَافَ الْمَفْرُوضَ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مِنًى لِيَبِيتَ بِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَجِبُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَالتَّنَقُّلُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلِمَ فِيهَا) أَيْ فِي الْخُطْبَةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَلَيْسَ بِإِضْمَارٍ قَبْلَ الذِّكْرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ اُخْطُبْ يَدُلُّ عَلَيْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُعَلِّمُ فِيهِ) أَيْ كَيْفِيَّةَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَكَيْفِيَّةَ الرَّمَلِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا) أَيْ جِلْسَةً خَفِيفَةً قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْتَدِئُ الْخُطْبَةَ إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَخْطُبُ الْإِمَامُ قَبْلَ الْأَذَانِ فَإِذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ خُطْبَتِهِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُلُوبِ أَنْجَعَ) أَيْ أَبْلَغَ. اهـ. فَتْحٌ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَتَخَوَّلُ فِي الْمَوْعِظَةِ». اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ خُطْبَةٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ فِي مَوْضِعِهَا) قُلْت أَمَّا الْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ فَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَفِ الشَّارِحُ بِمَا وَعَدَهُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فِيمَا يَأْتِي وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مِنْ الْآخَرَيْنِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ أَيْ مِنْ الْيَوْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ لَمْ يُبَيِّنْ الْوَقْتَ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ إلَى مِنًى مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ) قَالَ فِي الْوَافِي ثُمَّ أَتَى مِنًى بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَّى فِي النَّهَارِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ رَوَّأْت فِي الْأَمْرِ تَرْوِئَةً فَكَّرْت فِيهِ وَنَظَرْت وَمِنْهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَأَصْلُهَا الْهَمْزُ وَأَخْذُهَا مِنْ الرَّوِيَّةِ خَطَأٌ وَمِنْ الرَّيِّ مَنْظُورٌ فِيهِ أَيْ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ وَيُقَالُ رَوَيْت فِي الْأَمْرِ أَيْ نَظَرْت فِيهِ وَفَكَّرْت قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ وَيُقَالُ رَجُلٌ لَهُ رُوَاءٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْمَدِّ أَيْ مَنْظَرٌ اهـ

أَيْ تَفَكَّرَ أَنَّ مَا رَآهُ مِنْ اللَّهِ فَيَأْتَمِرُهُ أَوَّلًا مِنْ الرُّؤَى، وَهُوَ مَهْمُوزٌ ذَكَرَهُ فِي طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ وَقِيلَ مِنْ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَرْوِي لِلنَّاسِ مَنَاسِكَهُمْ، وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَ زُفَرَ إذْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ عِنْدَهُ فِيهِ وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لَا يَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ فِي أَحْوَالِهِ كُلِّهَا فِي مَكَّةَ وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ وَيُلَبِّي عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ وَيُهَلِّلُ وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ إيَّاكَ أَرْجُو وَلَك أَدْعُو وَإِلَيْك أَرْغَبُ اللَّهُمَّ بَلِّغْنِي صَالِحَ عَمَلِي وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي فَإِذَا دَخَلَ مِنًى قَالَ اللَّهُمَّ هَذَا مِنًى وَهَذَا مِمَّا دَلَلْتنَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَمُنَّ عَلَيْنَا بِجَوَامِع الْخَيْرَاتِ وَبِمَا مَنَنْت عَلَى إبْرَاهِيمَ خَلِيلِك وَمُحَمَّدٍ حَبِيبِك وَبِمَا مَنَنْت عَلَى أَوْلِيَائِك وَأَهْلِ طَاعَتِك فَإِنِّي عَبْدُك وَنَاصِيَتِي بِيَدِك جِئْت طَالِبًا مَرْضَاتَك وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ عِنْدَ مَسْجِدِ الْخَيْفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «غَدَا مِنْ مِنًى حِينَ طَلَعَ الصُّبْحُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ عَرَفَةَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذَا الْمَقَامِ إقَامَةُ نُسُكٍ وَلِهَذَا لَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ جَازَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ التَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَاتٍ اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَوَجْهَك أَرَدْت فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي مَبْرُورًا وَارْحَمْنِي وَلَا تُخَيِّبْنِي وَبَارِكْ لِي فِي سَفَرِي وَاقْضِ بِعَرَفَاتٍ حَاجَتِي، إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَيُلَبِّي وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ لِقَوْلِ «ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ أُنْكِرَ عَلَيْهِ التَّلْبِيَةُ فِي مِنًى أَجَهِلَ النَّاسُ أَمْ نَسُوا وَاَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَقَدْ خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلَّا أَنْ يَخْلِطَهَا بِتَكْبِيرٍ أَوْ تَهْلِيلٍ» رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسِيرَ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ وَيَعُودُ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا فِي الْعِيدَيْنِ فَإِذَا قَرُبَ مِنْ عَرَفَةَ وَوَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى جَبَل الرَّحْمَةِ وَعَايَنَهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَوَجْهَك أَرَدْت اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ وَأَعْطِنِي سُؤْلِي وَوَجِّهْ لِي الْخَيْرَ أَيْنَمَا تَوَجَّهْت سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يُلَبِّي إلَى أَنْ يَدْخُلَ عَرَفَاتٍ يَنْزِلُ مَعَ النَّاسِ حَيْثُ شَاءَ وَقُرْبُ الْجَبَلِ أَفْضَلُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَطْنُ نَمِرَةَ أَفْضَلُ لِنُزُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ قُلْنَا نَمِرَةُ فِي عَرَفَةَ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» وَارْتَفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ وَنُزُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ قَصْدًا قَالَ فِي الْأَصْلِ يَنْزِلُ مَعَ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الِانْتِبَاذَ، وَهُوَ أَنْ يَنْزِلَ نَاحِيَةً عَنْ النَّاسِ تَجْبُرُ وَالْحَالُ حَالُ تَضَرُّعٍ وَمَسْكَنَةٍ؛ وَلِأَنَّ الْإِجَابَةَ فِي الْجَمْعِ أَرْجَى؛ وَلِأَنَّهُ آمِنٌ مِنْ اللُّصُوصِ وَالْخَطَّافِينَ وَقِيلَ مُرَادُهُ أَنْ لَا يَنْزِلَ عَلَى الطَّرِيقِ كَيْ لَا لَا يَضِيقَ عَلَى الْمَارَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ اُخْطُبْ) يَعْنِي خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ الْأَذَانِ قَبْلَ الصَّلَاةِ تَجْلِسُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْجُمُعَةِ هَكَذَا رُوِيَ مِنْ خُطْبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَصِفَةُ الْخُطْبَةِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيُهَلِّلَ وَيُكَبِّرَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَعِظَ النَّاسَ وَيَأْمُرَهُمْ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَيُعَلِّمَهُمْ الْمَنَاسِكَ الَّتِي هِيَ إلَى الْخُطْبَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ خُطْبَةُ يَوْمِ الْحَادِيَ عَشْرَ وَتِلْكَ الْمَنَاسِكُ هِيَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَالْإِفَاضَةُ مِنْهُمَا وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ وَقَالَ مَالِكٌ: يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا خُطْبَةُ وَعْظٍ كَالْعِيدِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَعْلِيمُ الْمَنَاسِكِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَنْ أَصْحَابِنَا إذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ وَجَلَسَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ يُؤَذِّنُونَ وَالْإِمَامُ فِي الْفُسْطَاطِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَخْطُبُ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ أَنَّ الْإِمَامَ يَبْدَأُ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الْأَذَانِ فَإِذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ خُطْبَتِهِ أَذَّنُوا ثُمَّ يُتِمُّ الْخُطْبَةَ بَعْدَهُ فَإِذَا فَرَغَ أَقَامُوا لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ فَخَطَبَ بِالنَّاسِ الْخُطْبَةَ الْأُولَى ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ ثُمَّ أَخَذَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ فَفَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ وَبِلَالٌ مِنْ الْأَذَانِ ثُمَّ أَقَامَ بِلَالٌ» الْحَدِيثَ فَصَارَ لِأَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَعَهُمْ وَالصَّحِيحُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا خَرَجَ وَاسْتَوَى عَلَى نَاقَتِهِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ» وَيُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ الْجُمُعَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ صَلِّ بَعْدَ الزَّوَالِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَيْ تَفَكَّرَ أَنَّ مَا رَآهُ مِنْ اللَّهِ) أَيْ أَمْ مِنْ الشَّيْطَانِ فَمِنْ ذَلِكَ سُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَلَمَّا رَأَى اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ عَرَفَ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ فَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَلَمَّا رَأَى اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ هَمَّ بِنَحْرِهِ فَسُمِّيَ يَوْمَ النَّحْرِ كَذَلِكَ فِي الْكَشَّافِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ، وَهُوَ مَهْمُوزٌ ذَكَرَهُ فِي طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ) قَالَ السُّرُوجِيُّ: وَفِيهِ بُعْدٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ اهـ (قَوْلُهُ وَقِيلَ مِنْ الرِّوَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ: وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ، وَهُوَ أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى فِيهِ حَوَّاءَ وَفِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ، وَهُوَ أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُرِي إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ مَنَاسِكَهُ ذَكَرَهُمَا الْكَرْمَانِيُّ وَهُمَا بَعِيدَانِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ) أَيْ بِمِنًى بِغَلَسٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَيَعُودُ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ) وَالْمَأْزِمَانِ الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْعِيدَيْنِ) أَيْ حَيْثُ يَذْهَبُ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ مِنْ أُخْرَى. اهـ. (قَوْلُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ الْأَذَانِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ اغْتَسَلَ إنْ أَحَبَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ اجْتِمَاعِ النَّاسِ فَيُسْتَحَبُّ فِيهِ الِاغْتِسَالُ لِلنَّظَافَةِ كَمَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ) لَكِنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) أَيْ، وَهُوَ تَعْلِيمُ الْمَنَاسِكِ اهـ.

بِشَرْطِ الْإِمَامِ وَالْإِحْرَامِ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ» صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ فِي اعْتِبَارِ الْأَذَانَيْنِ ثُمَّ بَيَانُهُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ وَيُقِيمُ لِلظُّهْرِ ثُمَّ يُقِيمُ لِلْعَصْرِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي قَبْلَ وَقْتِهِ الْمَعْهُودِ فَيُفْرِدُ بِالْإِقَامَةِ إعْلَامًا لِلنَّاسِ بِأَنَّهُ شَارِعٌ فِيهِ وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ وَرُوِيَ أَنَّ سَالِمًا قَالَ لِلْحَجَّاجِ إنْ كُنْت تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ فَاقْصِرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الصَّلَاةَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ صَدَقَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ تَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَأَعَادَ الْأَذَانَ خِلَافًا لِمَا يَرْوِي عَنْهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتَّطَوُّعِ أَوْ بِعَمَلٍ آخَرَ يَقْطَعُ فَوْرَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ فَيُعِيدُهُ لِلْعَصْرِ وَلَوْ لَمْ يَخْطُبْ جَازَتْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَقَوْلُهُ بِشَرْطِ الْإِمَامِ وَالْإِحْرَامِ يَعْنِي يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِشَرْطِ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ حَتَّى لَوْ صَلَّاهُمَا أَوْ صَلَّى أَحَدَهُمَا مُنْفَرِدًا أَوْ غَيْرَ مُحْرِمٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْجَمْعُ وَالْمُرَادُ بِالْإِحْرَامِ إحْرَامُ الْحَجِّ ثُمَّ قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الزَّوَالِ لِيَجُوزَ الْجَمْعُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا قَبْلَ الزَّوَالِ وَأَحْرَمَ بَعْدَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْجَمْعُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالتَّقْدِيمِ عَلَى الصَّلَاتَيْنِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الظُّهْرِ صَحِيحَةً حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَّ فَسَادُهَا بَعْدَمَا صَلَّاهُمَا أَعَادَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ جَوَازَ تَقْدِيمِ الْعَصْرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ زُفَرُ: تُرَاعَى هَذِهِ الشَّرَائِطُ فِي الْعَصْرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ الْمُغَيَّرُ عَنْ وَقْتِهِ قُلْنَا التَّقْدِيمُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ثَبَتَ جَوَازُهُ بِالشَّرْعِ إذَا كَانَ مُرَتَّبًا عَلَى ظُهْرٍ مُؤَدَّاةٍ بِهَذِهِ الشَّرَائِطِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ الثَّانِي، وَهُوَ الْجَمْعُ بِالْمُزْدَلِفَةِ؛ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ مُؤَخَّرٌ عَنْ وَقْتِهِ فَلَا تُرَاعَى فِيهِ الشَّرَائِطُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْإِحْرَامُ فِي حَقِّ الْعَصْرِ حَتَّى قَالَا يَجُوزُ لِلْمُنْفَرِدِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ لِلْحَاجَةِ إلَى امْتِدَادِ الْوُقُوفِ وَالْمُنْفَرِدُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ قُلْنَا الْمُحَافَظَةُ فِي الْوَقْتِ فَرْضٌ بِالنَّصِّ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَّا فِيمَا وَرَدَ النَّصُّ بِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ جَوَازَ التَّقْدِيمِ لِحَاجَةِ امْتِدَادِ الْوُقُوفِ بَلْ لِصِيَانَةِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ الِاجْتِمَاعُ بَعْدَمَا تَفَرَّقُوا فِي الْمَوْقِفِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُنَافِي الْوُقُوفَ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِعَمَلٍ آخَرَ كَالنَّوْمِ وَالْأَكْلِ لَا يُنَافِيهِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ التَّقْدِيمَ لِمَا ذَكَرْنَا لَا لِأَجْلِ الِامْتِدَادِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ جَوَازُ الْجَمْعِ لِلْإِمَامِ وَحْدَهُ فَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَلَوْ نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا نَفَرُوا عَنْهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ عَلَى قَوْلِهِ فَوَجْهُ الْجَوَازِ الضَّرُورَةُ إذْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ مُقْتَدِيًا بِهِ وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ هُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ وَلَوْ مَاتَ الْإِمَامُ، وَهُوَ الْخَلِيفَةُ جَمَعَ نَائِبُهُ أَوْ صَاحِبُ شُرْطَتِهِ؛ لِأَنَّ النُّوَّابَ لَا يَنْعَزِلُونَ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَائِبٌ وَلَا صَاحِبُ شُرْطَةِ صَلُّوا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا عِنْدَهُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي الظُّهْرِ فَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ يَجْمَعُ الْمُسْتَخْلَفُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَهُمَا كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ جَاءَ الْإِمَامُ بَعْدَمَا فَرَغَ الْخَلِيفَةُ مِنْ الْعَصْرِ صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ جَازَ وَيَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ إلَى الْمَوْقِفِ وَقِفْ بِقُرْبِ الْجَبَلِ) أَيْ ثُمَّ رُحْ إلَى الْمَوْقِف وَقِفْ بِقُرْبِ الْجَبَلِ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ السُّودِ الْكِبَارِ بِأَسْفَلِ الْجَبَلِ، وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَاتٍ يُقَالُ لَهُ إلَالٌ عَلَى وَزْنِ هِلَالٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقَفَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالْجَبَلُ يُسَمَّى جَبَلَ الرَّحْمَةِ وَالْمَوْقِفُ الْمَوْقِفَ الْأَعْظَمَ فَيَقِفُ الْإِمَامُ بِمَوْقِفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ خَلْفَهُ وَاقِفُونَ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةِ رَافِعِي أَيْدِيهِمْ بِالدُّعَاءِ بَاسِطِينَ إلَى السَّمَاءِ مُتَضَرِّعِينَ مُتَخَشَّعِينَ وَالْوُقُوفُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ الْوُقُوفُ قَائِمًا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - «وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ») لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفَعُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ تَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا كُرِهَ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ الْعَصْرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَغِلَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالنَّافِلَةِ غَيْرَ سُنَّةِ الظُّهْرِ يُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ قَالَ «فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» وَكَذَا يُنَافِي إطْلَاقَ الْمَشَايِخِ فِي قَوْلِهِمْ وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ التَّطَوُّعَ يُقَالُ عَلَى السُّنَّةِ قَوْلُهُ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ زَادَ فِي الدِّرَايَةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ صَلَّاهُمَا أَوْ صَلَّى أَحَدَهُمَا مُنْفَرِدًا إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَعَ الْإِمَامِ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْغَايَةِ ثُمَّ إنْ اتَّفَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يُصَلِّي فِيهَا الْجُمُعَةَ اتِّفَاقًا وَمَا حَكَتْ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ الْمُنَاظَرَةِ بَيْنَ الْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ وَمَالِكٍ بَيْنَ يَدَيْ هَارُونَ الرَّشِيدِ لَا أَصْلَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَرَى الْجُمُعَةَ فِي الْقُرَى فَكَيْفَ كَانَ يَرَى الْجُمُعَةَ فِي الْبَرَارِيِ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ جَوَازَ الْجُمُعَةِ بِعَرَفَاتٍ، وَهُوَ غَلَطٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ هُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ) أَيْ حَتَّى لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ مَعَ غَيْرِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْمُنْفَرِدِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقِفْ بِقُرْبِ الْجَبَلِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْوُقُوفِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَيَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فَالْوُقُوفُ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ عَدَمٌ وَالرُّكْنُ سَاعَةٌ مِنْ ذَلِكَ وَالْوَاجِبُ إنْ وَقَفَ نَهَارًا مُدَّةً إلَى الْغُرُوبِ أَوْ لَيْلًا فَلَا وَاجِبَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَالْوُقُوفُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفْضَلُ) أَيْ لِلْإِمَامِ وَكَذَا هُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَمَتْنِ الْهِدَايَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَعَلَّلَ لَهُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ بِأَنَّ النَّاسَ يَقْتَدُونَ بِالْإِمَامِ فِي الدُّعَاءِ، فَإِذَا وَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ كَانَ أَبْلَغَ فِي مُشَاهَدَتِهِ وَأَمْكَنَ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ»، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى قَدَمَيْهِ جَازَ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِمَا بَيَّنَّا اهـ.

عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ وَشِعَابُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ فِي تَجْوِيزِ الْوُقُوفِ بِبَطْنِ عُرَنَةَ وَإِيجَابِ الدَّمِ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَامِدًا مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا مُصَلَّيَا دَاعِيًا) أَيْ قِفْ حَامِدًا لِلَّهِ تَعَالَى وَمُهَلِّلًا مُكَبِّرًا مُلَبِّيًا سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ عَلَى عَرَفَةَ وَتَدْعُو لِلَّهِ تَعَالَى بِحَاجَتِك لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْته أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ» حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لِأُمَّتِهِ بِالْمَغْفِرَةِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ ثُمَّ أَعَادَ الدُّعَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَأُجِيبَ حَتَّى الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ، إنَّ اللَّهَ تَطَوَّلَ عَلَى أَهْلِ عَرَفَةَ فَيُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَقَالَ اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا أَقْبَلُوا يَضْرِبُونَ إلَيَّ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ فَاشْهَدُوا أَنِّي غَفَرْت لَهُمْ إلَّا التَّبَعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ قَالَ ثُمَّ، إنَّ الْقَوْمَ أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى جَمْعٍ فَقَالَ يَا مَلَائِكَتِي اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي وَقَفُوا وَعَادُوا فِي الطَّلَبِ وَالرَّغْبَةِ وَالْمَسْأَلَةِ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ وَهَبْت مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ وَتَحَمَّلْت التَّبَعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ» رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ وَيُلَبِّي سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَقَالَ مَالِكٌ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَطَعَهُ فِيهِ وَادَّعَوْا أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَائِشَةَ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُسَامَةَ أَنَّهُمَا قَالَا «لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي الْمُحَلَّى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَكَذَا عُمَرُ وَعَلِيٌّ فَلَمْ يَصِحَّ النَّقْلُ عَنْهُمْ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ مَنْ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ الرَّوَاحِ إلَى عَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ قَطَعَهُ لِانْتِهَاءِ وَقْتِ التَّلْبِيَةِ وَلَكِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الذِّكْرِ كَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْإِحْرَامِ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَأْتِي بِهَا إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْأَفْعَالِ فِي الْإِحْرَامِ ثُمَّ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى بِحَاجَتِهِ بِمَا بَدَا لَهُ مِنْ الدَّعَوَاتِ رَافِعًا يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَجْتَهِدُ فِيهِ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَاتٍ يَدْعُو وَيَدَاهُ إلَى صَدْرِهِ كَاسْتِطْعَامِ الْمِسْكِينِ» رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ تُبَاهِي بِهِ مَلَائِكَتَك اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي اللَّهُمَّ، إنَّك تَسْمَعُ كَلَامِي وَتَرَى مَكَانِي وَتَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي وَلَا يَخْفَى عَلَيْك شَيْءٌ مِنْ أَمْرِي أَنَا الْبَائِسُ الْفَقِيرُ الْمُسْتَغِيثُ الْمُسْتَجِيرُ الْمَغْرُورُ أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمِسْكِينِ وَأَبْتَهِلُ إلَيْك ابْتِهَالَ الْمُذْنِبِ الذَّلِيلِ وَأَدْعُوك دُعَاءَ الْخَائِفِ الْحَقِيرِ وَمَنْ خَضَعَتْ لَك رَقَبَتُهُ وَفَاضَتْ لَك عَيْنَاهُ وَرَغِمَ لَك أَنْفُهُ وَلَا تَجْعَلْنِي بِدُعَائِك رَبِّ شَقِيًّا وَكُنْ بِي رَءُوفًا رَحِيمًا يَا خَيْرَ مَسْئُولٍ وَيَا أَكْرَمَ مَأْمُولٍ وَيَخْتَارُ مِنْ الدُّعَاءِ مَا شَاءَ وَيُكْثِرُ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّلْبِيَةِ وَتَعْظِيمِ الرَّغْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك أَنْ تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَتَعْصِمَنِي فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِي وَتَفْتَحَ لِي أَبْوَابَ طَاعَتِك وَتُغْلِقَ عَنِّي أَبْوَابَ مَعْصِيَتِك وَتَحْفَظَنِي مِنْ بَيْنِ يَدِي وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَمِنْ تَحْتِي وَتُلْبِسَنِي ثِيَابَ التَّقْوَى وَالْعَافِيَةِ أَبَدًا مَا أَبْقَيْتنِي وَتَرْحَمَنِي إذَا تَوَفَّيْتنِي وَتَجْعَلَنِي مِمَّنْ يَكْتَسِبُ الْمَالَ مِنْ حِلِّهِ وَيُنْفِقَهُ فِي سَبِيلِك يَا فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ضَجَّتْ لَك الْأَصْوَاتُ بِصُنُوفِ اللُّغَاتِ يَسْأَلُونَك الْحَاجَاتِ وَحَاجَتِي أَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي فِي دَارِ الْبَلَاءِ إذَا نَسِيَنِي الْأَهْلُ وَالْأَقْرَبُونَ اللَّهُمَّ إلَيْك خَرَجْنَا وَبِفِنَائِك أَنَخْنَا وَإِيَّاكَ قَصَدْنَا وَمَا عِنْدَك طَلَبنَا وَلِإِحْسَانِك تَعَرَّضْنَا وَرَحْمَتِك رَجَوْنَا وَمِنْ عَذَابِك أَشْفَقْنَا وَلِبَيْتِك الْحَرَامِ حَجَجْنَا يَا مَنْ يَمْلِكُ حَوَائِجَ السَّائِلِينَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ضَمَائِرِ الصَّامِتِينَ اللَّهُمَّ، إنَّا أَضْيَافُك وَلِكُلِّ ضَيْفٍ قِرًى فَاجْعَلْ قِرَانًا مِنْك الْجَنَّةَ وَلِكُلِّ سَائِلٍ عَطِيَّةٌ وَلِكُلِّ رَاجٍ ثَوَابٌ وَلِكُلِّ مُتَوَسِّلٍ إلَيْك عَفْوٌ يَا عَفُوُّ وَقَدْ وَفَدْنَا إلَى بَيْتِك الْحَرَامِ وَوَقَفْنَا بِهَذِهِ الْمَشَاعِرِ الْعِظَامِ وَشَاهَدْنَا هَذِهِ الْمَشَاهِدَ الْكِرَامَ رَجَاءً لِمَا عِنْدَك فَلَا تُخَيِّبْ رَجَاءَنَا وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَتَجَاوَزْ عَنَّا وَأَعْتِقْ رِقَابَنَا مِنْ النَّارِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ السِّرَاجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَأُجِيبَ حَتَّى الدِّمَاءُ وَالْمَظَالِمُ) أَيْ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا. اهـ. كَاكِيٌّ وَالْمَظَالِمُ جَمْعُ مَظْلَمَةٌ، وَهُوَ الظُّلْمُ أَوْ اسْمٌ لِلْمَأْخُوذِ ظُلْمًا يَعْنِي اُسْتُجِيبَ دُعَاؤُهُ فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ أَيْضًا وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يُسْتَجَابَ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعِبَادِ بِهَا قِيلَ فِي جَوَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْخُصُومِ بِالِازْدِيَادِ فِي مَثُوبَاتِهِمْ حَتَّى تَرَكُوا خُصُومَاتِهِمْ فِيهِمَا وَاسْتَوْجَبُوا الْمَغْفِرَةَ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ فِيهِ فَلَمَّا رَمَاهَا قَطَعَ التَّلْبِيَةَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْإِحْرَامِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَعْنَى يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقْطَعَ إلَّا عِنْدَ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَاقٍ قَبْلَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَيَأْتِي بِهَا إلَى آخِرِ الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْإِحْرَامِ، فَإِنَّهَا كَالتَّكْبِيرِ وَآخِرُهُ مَعَ الْقَعْدَةِ؛ لِأَنَّهَا آخِرُ الْأَحْوَالِ اهـ. (ذِكْرُ مَا جَاءَ فِي وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ فَائِدَةٌ). لَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ فِي أَفْضَلِ الْأَيَّامِ تَطْلُقُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَقِيلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَطْلُقُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَيُحْمَلُ حَدِيثُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا يَوْمُ عَرَفَةَ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا. اهـ. شَرْحُ الْمَشَارِقِ لِابْنِ فِرِشْتَا فِي خَامِسِ بَابٍ

الْمُنِيرِ الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ الْمُبَارَكِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَيَجْتَهِدُ أَنْ يَقْطُرَ مِنْ عَيْنَيْهِ قَطَرَاتٍ مِنْ الدَّمْعِ، فَإِنَّهُ دَلِيلُ الْقَبُولِ وَيَدْعُو لِأَبَوَيْهِ وَأَهْلِهِ وَإِخْوَانِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَعَارِفِهِ وَجِيرَانِهِ وَيُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ مَعَ قُوَّةِ الرَّجَاءِ لِلْإِجَابَةِ وَلَا يُقَصِّرُ فِيهِ فَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ لَا يُمْكِنُهُ تَدَارُكُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِنْ الْآفَاقِ، وَهُوَ مَجْمَعٌ عَظِيمٌ وَمَوْقِفٌ جَلِيلٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الْمُخْلِصِينَ وَخَاصَّتُهُ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَخْيَارِ وَالْأَبْدَالِ، وَهُوَ مَقَامُ الْخَوْفِ وَأَعْظَمُ مَجَامِعِ الدُّنْيَا وَعَنْ الْفُضَيْلِ أَنَّهُ نَظَرَ إلَى بُكَاءِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ فَقَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ صَارُوا إلَى رَجُلٍ فَسَأَلُوهُ دَانِقًا أَكَانَ يَرُدُّهُمْ قَالُوا لَا قَالَ وَاَللَّهِ لَلْمَغْفِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ أَهْوَنُ مِنْ إجَابَةِ رَجُلٍ بِدَانِقٍ. وَيَحْذَرُ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَالْمُنَافَرَةِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ فِيهِ ذِكْرُ مَا جَاءَ فِي وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةً فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ» رَوَاهُ رَزِينُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ قِيلَ إذَا وَافَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ غُفِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ رَوَاهُ رَزِينٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ بَابُ قَوْلِهِ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ مَا نَصُّهُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ رَزِينٌ فِي جَامِعِهِ مَرْفُوعًا «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ عَرَفَهُ» وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةً فِي غَيْرِهَا فَهُوَ حَدِيثٌ لَا أَعْرِفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ صَحَابِيَّهُ وَلَا مَنْ خَرَّجَهُ بَلْ أَدْرَجَهُ فِي حَدِيثِ الْمُوَطَّإِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُرْسَلًا عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَرِيرٍ وَلَيْسَتْ الزِّيَادَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُوَطَّآتِ اهـ قَالَ فِي الدِّيبَاجِ الْمُذَهَّبِ لِابْنِ فَرْحُونٍ رَزِينُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبْدَرِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ السَّرَقُسْطِيُّ جَاوَرَ بِمَكَّةَ أَعْوَامًا وَحَدَّثَ بِهَا عَنْ أَبِي مَكْتُومٍ عِيسَى بْنِ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ وَغَيْرِهِ ذَكَرَهُ السَّلَفِيُّ وَقَالَ شَيْخٌ عَالِمٌ، وَلَكِنَّهُ نَازِلُ الْإِسْنَادِ وَلَهُ تَآلِيفُ مِنْهَا كِتَابٌ جَمَعَ فِيهِ مَا فِي الصِّحَاحِ الْخَمْسَةِ وَالْمُوَطَّإِ وَكِتَابٌ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ وَقَالَ ابْنُ بَشْكُوَالَ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا فَاضِلًا عَالِمًا بِالْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ اهـ وَقَدْ وَقَفْت عَلَى جُزْءٍ مُسَمًّى بِاللُّمْعَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَزِيَّةِ وَقْفَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ تَأْلِيفُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَامِلِ الْعَلَّامَةِ تَاجُ الدِّينِ عُمَرُ الْإِسْكَنْدَرِيُّ اللَّخْمِيُّ الْمَالِكِيُّ الشَّهِيرُ بِابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَنَفَعَنَا بِبَرَكَتِهِ قَالَ فِي دِيبَاجَتِهِ أَمَّا بَعْدُ حَمْدًا لِلَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ جَمَاعَةً تَكَرَّرَ سُؤَالُهُمْ عَنْ مَزِيَّةِ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْأَيَّامِ وَقَصَدُوا الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ مُبَيَّنًا فَقُلْت: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ لَا رَبَّ سِوَاهُ وَلَا مَعْبُودَ حَاشَاهُ الْمَزِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ (الْأَوَّلُ) أَنَّهَا وَقْفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ، وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ وَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ سِوَاهَا وَحَجَّ الْفَرْضَ حَجَّتَيْنِ وَفِيهَا مَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ عَرَفَةَ عَشِيَّةَ الْجُمُعَةِ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، إنَّمَا يَخْتَارُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَفْضَلَ كَمَا اخْتَارَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ وَاخْتَارَ لَهُ خَيْرَ الْأُمَمِ قَالَ تَعَالَى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وَاخْتَارَ لَهُ مِنْهَا خَيْرَ أَصْحَابِهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ خَيْرَ الْكُتُبِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْأَعْمَالَ تُشَرَّفُ بِشَرَفِ الْأَزْمِنَةِ كَمَا تُشَرَّفُ بِشَرَفِ الْأَمْكِنَةِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ» زَادَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُوَطَّإِ وَابْنُ دَاوُد وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِيهِ «تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إلَّا، وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ». (قُلْت) مُصِيخَةٌ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي أَبِي دَاوُد مَسِيخَةٌ بِالسِّينِ أَيْ مُصْغِيَةٌ مُسْتَمِعَةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ مِنْ شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ كَوْنُ الْخَيْرِ الْمُتَنَاهِي فِي الْأَشْخَاصِ وَالْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُفَضِّلَ مَا شَاءَ وَيُقَدِّمُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَخَيْرُ الْأَشْخَاصِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَيْرُ الْأُمَمِ أُمَّتُهُ وَخَيْرُ الْبِقَاعِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ عَلَى اخْتِلَافٍ وَخَيْرُ الْأَزْمِنَةِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَخَيْرُ سَاعَاتِهَا السَّاعَةُ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ اهـ وَعَظَّمَتْ الْيَهُودُ يَوْمَ السَّبْتِ لَمَّا كَانَ تَمَامُ الْخَلْقِ فِيهِ فَظَنَّتْ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ لَهُ فَضِيلَةً وَعَظَّمَتْ النَّصَارَى يَوْمَ الْأَحَدِ لَمَّا كَانَ بَدْءُ الْخَلْقِ فِيهِ وَكُلُّ ذَلِكَ بِحُكْمِ عُقُولِهِمْ وَهَدَى اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ لِسَبَبِ الِاتِّبَاعِ فَعَظَّمَتْ مَا عَظَّمَ اللَّهُ وَقَدْ قِيلَ، إنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُمْ بِالْجُمُعَةِ وَفَضَّلَهَا فَنَاظَرُوهُ فِي ذَلِكَ وَخَالَفُوهُ وَاعْتَقَدُوا أَنَّ السَّبْتَ أَفْضَلُ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ دَعْهُمْ وَمَا اخْتَارُوا وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مِنْ الْأَيَّامِ الْمُعَظَّمَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَلَمْ تَزَلْ الْأَنْبِيَاءُ يُخْبِرُونَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَظَّمَهُ مِنْ حَيْثُ، إنَّ فِيهِ تَمَامَ الْخَلْقِ وَكَمَالَ الزِّيَادَةِ فَهُوَ أَحَدُ الْأَسْبَابِ الَّتِي اُخْتُصَّ بِهَا وَاقْتَضَتْ تَشْرِيفَهُ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54] قَالَ أَوَّلُهَا الْأَحَدُ وَآخِرُهَا الْجُمُعَةُ فَلَمَّا اجْتَمَعَ خَلْقُهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أُتِيتُ بِمِرْآةٍ فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَفِي رِوَايَةِ بَيْضَاءُ فَقُلْت يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الْمِرْآةُ قَالَ هَذِهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قُلْت مَا هَذِهِ النُّكْتَةُ قَالَ هَذِهِ السَّاعَةُ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ السِّرُّ فِي كَوْنِهَا سَوْدَاءَ هُوَ انْبِهَامُهَا وَالْتِبَاسُ عَيْنِهَا وَبَيَاضُهَا عَلَى مُقْتَضَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى تَنْبِيهٌ عَلَى شَرَفِهَا وَخُصُوصِيَّتِهَا مِنْ حَيْثُ، إنَّ الْبَيَاضَ أَشْرَفُ الْأَلْوَانِ وَكَانَ الْجُمُعَةُ مِنْ الْأَيَّامِ الْمُعَظَّمَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ.

لِكُلِّ أَهْلِ الْمَوْقِفِ وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَقِفُوا بِقُرْبِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يُعَلِّمُ فَيَسْمَعُوا وَيَعُوا وَيَكُونُوا وَرَاءَهُ لِيَكُونُوا مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِيَّةِ؛ لِأَنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَهُوَ سُنَّةٌ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالْإِحْرَامِ وَلَوْ اكْتَفَى بِالْوُضُوءِ جَازَ ثُمَّ إذَا دَنَا وَقْتُ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ وَارْزُقْنِيهِ أَبَدًا مَا أَبْقَيْتنِي وَاجْعَلْنِي الْيَوْمَ مُفْلِحًا مُنْجِحًا مَرْحُومًا مُسْتَجَابَ الدُّعَاءِ مَغْفُورَ الذُّنُوبِ وَاجْعَلْنِي مِنْ أَكْرَمِ وَفْدِك وَأَعْطِنِي أَفْضَلَ مَا أَعْطَيْت أَحَدًا مِنْهُمْ مِنْ النِّعْمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَالتَّجَاوُزِ وَالْغُفْرَانِ وَالرِّزْقِ الْوَاسِعِ الْحَلَالِ وَبَارِكْ لِي فِي جَمِيعِ أُمُورِي وَمَا أَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ وَوَلَدٍ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ إلَى مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ) أَيْ ثُمَّ رُحْ إلَى مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَفَعَ حِينَ غَابَتْ الشَّمْسُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «لَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا» الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ «وَقَالَ أُسَامَةُ فَلَمَّا وَقَعَتْ الشَّمْسُ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ مُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْهَا وَالشَّمْسُ عَلَى الْجِبَالِ كَعَمَائِمِ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى هِينَتِهِ، وَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ لِمَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ لَمَّا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ رَأَى أَصْحَابَهُ يَتَسَارَعُونَ فِي السُّوقِ وَالْمَشْيِ فَقَالَ لَيْسَ الْبِرُّ فِي إيجَافِ الْخَيْلِ وَلَا فِي إيضَاعِ الْإِبِلِ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ»؛ وَلِأَنَّ الْإِسْرَاعَ مِنْ الْكُلِّ يُؤَدِّي إلَى الْإِيذَاءِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ لَيْسَ السَّابِقُ مَنْ سَبَقَ بَعِيرُهُ وَفَرَسُهُ، وَلَكِنَّ السَّابِقَ مَنْ غُفِرَ لَهُ فَإِنْ خَافَ الزِّحَامَ فَدَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُجَاوِزْ حُدُودَ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفِضْ مِنْ عَرَفَةَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ فِي مَكَانِهِ كَيْ لَا يَكُونَ آخِذًا فِي الْإِيذَاءِ، وَهُوَ الْإِفَاضَةُ قَبْلَ أَوَانِهِ وَكَيْلَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ وَلَوْ مَكَثَ قَلِيلًا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَبَعْدَ دَفْعِ الْإِمَامِ لِخَوْفِ الزِّحَامِ أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا دَعَتْ بِشَرَابٍ فَأَفْطَرَتْ بَعْدَ إفَاضَةِ الْإِمَامِ خَرَّجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْإِمَامُ أَفَاضَ النَّاسُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَخْطَأَ السُّنَّةَ وَيَكُونُ طَرِيقُهُ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ عَلَى الْمَأْزِمَيْنِ بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ دُونَ طَرِيقِ الضَّبِّ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيَحْمَدُ وَيُلَبِّي سَاعَةً فَسَاعَةً وَيَقُولُ عِنْدَ دَفْعِهِ مِنْ عَرَفَاتٍ اللَّهُمَّ إلَيْك أَفَضْت وَمِنْ عَذَابِك أَشْفَقْت وَإِلَيْك رَغِبْت فَاخْلُفْنِي فِيمَا تَرَكْت وَانْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتنِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ فِي طَرِيقِهِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَمِنْ عَرَفَاتٍ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ فَرْسَخٌ وَمِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى فَرْسَخٌ وَمِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمُزْدَلِفَةَ مَاشِيًا تَعْظِيمًا لَهَا وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهَا اللَّهُمَّ، إنَّ هَذَا جَمْعٌ أَسْأَلُك أَنْ تَرْزُقَنِي فِيهِ جَوَامِعَ الْخَيْرِ كُلِّهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْطِيهَا غَيْرُك اللَّهُمَّ رَبَّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَرَبَّ زَمْزَمَ وَالْمَقَامِ وَرَبَّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَرَبَّ الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَرَبَّ الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَرَبَّ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَرَبَّ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْعِظَامِ أَسْأَلُك أَنْ تُبَلِّغَ رُوحَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ السَّلَامِ وَأَنْ تُصْلِحَ لِي دِينِي وَذُرِّيَّتِي وَتَغْفِرَ ذَنْبِي وَتَشْرَحَ صَدْرِي وَتُطَهِّرَ قَلْبِي وَتَرْزُقَنِي الْخَيْرَ الَّذِي سَأَلَتْك أَنْ تَجْمَعَهُ لِي فِي قَلْبِي وَأَنْ تَقِيَنِي جَوَامِعَ الشَّرِّ، إنَّك وَلِيٌّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَانْزِلْ بِقُرْبِ جَبَلِ قُزَحَ)؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْقِفُ فَيَنْزِلُ عِنْدَهُ وَلَا يَنْزِلُ عَلَى الطَّرِيقِ كَيْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى الْمَارَّةِ وَلَا يَنْفَرِدُ عَنْ النَّاسِ فِي النُّزُولِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي النُّزُولِ فِي عَرَفَاتٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَلِّ بِالنَّاسِ الْعِشَاءَيْنِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) وَقَالَ زُفَرُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ صَلَّاهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَيُقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اعْتِبَارًا بِالْجَمْعِ الْأَوَّلِ وَبِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُكْتَفَى بِهِ فِي الْقَضَاءِ وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَذَّنَ لِلْمَغْرِبِ بِجَمْعٍ فَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ بِالْإِقَامَةِ الْأُولَى» قَالَ ابْنُ حَزْمٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَمْعِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهِ وَالْقَوْمُ حُضُورٌ فَلَا يُفْرَدُ بِالْإِقَامَةِ وَالْعَصْرُ بِعَرَفَةَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْإِعْلَامِ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَانَ يَسِيرَ الْعَنَقَ) الْعَنَقُ بِفَتْحَتَيْنِ سَيْرٌ سَهْلٌ فِي سُرْعَةٍ لَيْسَ بِالشَّدِيدِ وَالنَّصُّ رَفْعُ السَّيْرِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً) الْفَجْوَةُ الْفُرْجَةُ بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ وَيُرْوَى فُرْجَةً. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَقَالَ لَيْسَ الْبِرُّ فِي إيجَافِ الْخَيْلِ) الْإِيجَافُ مِنْ الْوَجِيفِ، وَهُوَ نَوْعُ سَيْرٍ مِنْ سَيْرِ الْخَيْلِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَلَا فِي إيضَاعِ الْإِبِلِ) الْإِيضَاعُ الْإِسْرَاعُ فِي السَّيْرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَدَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ) أَيْ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُجَاوِزْ حُدُودَ عَرَفَةَ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَاوَزَهَا قَبْلَ الْإِمَامِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ بِأَنْ نَدَّ بَعِيرُهُ فَتَبِعَهُ إنْ جَاوَزَ عَرَفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ جَاوَزَ قَبْلَهُ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ أَصْلًا أَوْ عَادَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَهُ فَدَفَعَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ الْغُرُوبِ سَقَطَ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ تَدَارَكَهُ فِي وَقْتِهِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمُزْدَلِفَةَ) أَيْ وَيَغْتَسِلَ بِاللَّيْلِ لِلْوُقُوفِ وَالْعِيدِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَلِّ بِالنَّاسِ الْعِشَاءَيْنِ) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ لِهَذَا الْجَمْعِ إجْمَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) أَيْ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ. اهـ. كَاكِيٌّ

وَلَا يَتَطَوَّعْ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمْ يَتَطَوَّعْ بَيْنَهُمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ تَطَوَّعَ أَوْ تَشَاغَلَ بِشَيْءٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا أَعَادَ الْإِقَامَةَ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الصَّلَاتَيْنِ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَالْعِشَاءُ بَيْنَهُمَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تَجُزْ الْمَغْرِبُ فِي الطَّرِيقِ) أَيْ وَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ لَمْ تَجُزْ وَكَذَا لَوْ صَلَّاهَا فِي عَرَفَاتٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا الْمَعْهُودِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَقْتٌ لَهَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَلِهَذَا لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ لَوَجَبَ إلَّا أَنَّهُ أَخْطَأَ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ وَلَنَا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ وَلَمْ يَسْبُغْ الْوُضُوءَ قُلْت الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الصَّلَاةُ أَمَامَك فَرَكِبَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَعْنَاهُ وَقْتُهَا أَمَامَك إذْ نَفْسُهَا لَا تُوجَدُ قَبْلَ إيجَادِهَا وَعِنْدَ إيجَادِهَا لَا تَكُونُ أَمَامَهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُصَلَّى أَمَامَك أَيْ مَكَانُ الصَّلَاةِ وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ «إذَا أَفَاضَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا بِجَمْعٍ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِيُمْكِنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ لِيَصِيرَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ فَسَقَطَتْ الْإِعَادَةُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ لِذَهَابِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي عَرَفَةَ بَعْدَمَا دَخَلَ وَقْتُهَا وَلَوْ خَشِيَ طُلُوعَ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّاهُمَا فِي الطَّرِيقِ جَازَ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْيِيَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، فَإِنَّ لَيْلَةُ الْعِيدِ جَامِعَةٌ لِأَنْوَاعِ الْفَضْلِ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَجَلَالَةِ أَهْلِ الْجَمْعِ وَهُمْ وَفْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَخَيْرُ عِبَادِهِ وَمَنْ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ صَلِّ الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّاهَا يَوْمَئِذٍ بِغَلَسٍ»، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّغْلِيسِ دَفْعَ حَاجَةِ الْوُقُوفِ فَيَجُوزُ كَتَقْدِيمِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ قِفْ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاعِيًا بِحَاجَتِك وَقِفْ عَلَى جَبَلِ قُزَحٍ إنْ أَمْكَنَك وَإِلَّا فَبِقُرْبٍ مِنْهُ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَا اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ إلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ رَمْي مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعَا لِأُمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْمَغْفِرَةِ فَأُجِيبَ بِأَنِّي قَدْ غَفَرْت لَهُمْ مَا خَلَا الْمَظَالِمَ فَإِنِّي آخِذٌ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ قَالَ أَيْ رَبِّ إنْ شِئْت آتَيْت الْمَظْلُومَ مِنْ الْخَيْرِ وَغَفَرْت لِلظَّالِمِ فَلَمْ يُجَبْ عَشِيَّتَهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ وَفِيهِ قَالَ، إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إبْلِيسَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ اسْتَجَابَ دُعَائِي وَغَفَرَ لِأُمْتَى أَخَذَ التُّرَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ تَشَاغَلْ) أَيْ سَوَّى بَيْنَ التَّطَوُّعِ وَالتَّشَاغُلِ بِشَيْءٍ آخَرَ فِي إعَادَةِ الْإِقَامَةِ، وَهُوَ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَكِنْ أُشِيرَ فِي مَبْسُوطِ الْإِسْبِيجَابِيُّ الَّذِي اخْتَصَرَهُ مِنْ مَبْسُوطِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهَا فِي التَّطَوُّعِ وَإِلَى إعَادَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي التَّعَشِّي وَغَيْرِهِ فَقِيلَ قَالَ زُفَرُ يُعِيدُهُمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْفَصْلُ بِهِ فَيُفْرِدُ الثَّانِيَةَ بِهِمَا إذَا كَانَ فَصَلَ بِالتَّعَشِّي. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَعَادَ الْإِقَامَةَ) أَيْ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانِ كَمَا فِي الْجَمْعِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّا اكْتَفَيْنَا بِإِعَادَةِ الْإِقَامَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الْمَغْرِبَ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ لِلْعِشَاءِ» كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ الْأَصْلُ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَلَفْظُهُ قَالَ «فَلَمَّا أَتَى جَمْعًا أَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ أَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ» اهـ (قَوْلُهُ وَالْعِشَاءُ بَيْنَهُمَا) قَالَ السُّرُوجِيُّ: لَكِنَّ ظَاهِرَهُ بِإِعَادَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يَحُجَّ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً» فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى مَا نُقِلَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ حَجَّةً بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ لَمْ تَجُزْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ قُلْت سُقُوطُ إعَادَتِهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ فَاسِدَةً فِي الطَّرِيقِ أَوْ بِعَرَفَةَ أَوْ بِالْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَتَأْوِيلُ الْأَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِمَعْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ أَمَامَك يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهَا فَاسِدَةً كَمَا لَوْ صَلَّاهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهَذَا سُؤَالٌ قَوِيٌّ اهـ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ إيجَادِهَا لَا تَكُونُ أَمَامَهُ) أَيْ بَلْ تَكُونُ وَرَاءَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ) أَيْ وَقَدْ يُقَالُ مُقْتَضَاهُ أَيْ حَدِيثُ أُسَامَةَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ فَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ لِلْجَمْعِ فَإِذَا فَاتَ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ تَخْصِيصٌ لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ وَمَرْجِعُهُ إلَى تَقْدِيمِ الْمَعْنَى عَلَى النَّصِّ وَكَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَى النَّصِّ لَا يُقَالُ لَوْ أَجْرَيْنَاهُ عَلَى إطْلَاقِهِ أَدَّى إلَى تَقْدِيمِ الظَّنِّيِّ عَلَى الْقَاطِعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ قُلْنَا بِافْتِرَاضِ ذَلِكَ لَكُنَّا نَحْكُمُ بِالْإِجْزَاءِ وَنُوجِبُ إعَادَةَ مَا وَقَعَ مُجْزِئًا شَرْعًا مُطْلَقًا وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ نَظِيرُ وُجُوبِ إعَادَةِ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ حَيْثُ يُحْكَمُ بِإِجْزَائِهَا وَتَجِبُ إعَادَتُهَا مُطْلَقًا اهـ فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي الطَّرِيقِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْمَغْرِبِ فَإِذَا لَمْ تُجْزِئْ الْمَغْرِبَ فَمَا رَتَّبَ عَلَيْهِ أَوْلَى. اهـ. كَاكِيٌّ

فَجَعَلَ يَحْثُو عَلَى رَأْسِهِ وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ» خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ ثُمَّ يَجْتَهِدُ وَيَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُتِمَّ مُرَادَهُ وَسُؤَالَهُ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ كَمَا أَتَمَّ لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ خَيْرُ مَطْلُوبٍ وَخَيْرُ مَرْغُوبٍ اللَّهُمَّ، إنَّ لِكُلِّ وَفْدٍ جَائِزَةً وَقُرًى فَاجْعَلْ قِرَايَ فِي هَذَا الْمَكَانِ قَبُولَ تَوْبَتِي وَالتَّجَاوُزَ عَنْ خَطِيئَتِي وَأَنْ تَجْمَعَ عَلَى الْهُدَى أَمْرِي اللَّهُمَّ عَجَّتْ لَك الْأَصْوَاتُ بِالْحَاجَاتِ وَأَنْتَ تَسْمَعُهَا وَلَا يَشْغَلُك شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ وَحَاجَتِي أَنْ لَا تُضَيِّعَ تَعَبِي وَنَصَبِي وَأَنْ لَا تَجْعَلَنِي مِنْ الْمَحْرُومِينَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ الشَّرِيفِ وَارْزُقْنِي ذَلِكَ أَبَدًا مَا أَبْقَيْتنِي، فَإِنِّي لَا أُرِيدُ إلَّا رَحْمَتَك وَلَا أَبْتَغِي إلَّا رِضَاك وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمُخْبِتِينَ وَالْمُتَّبِعِينَ لِأَمْرِك وَالْعَامِلِينَ بِفَرَائِضِك الَّتِي جَاءَ بِهَا كِتَابُك وَحَثَّ عَلَيْهَا رَسُولُك - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ) أَيْ الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ لِمَا رَوَيْنَا ثُمَّ وَقْتُ الْوُقُوفِ فِيهَا مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ خَرَجَ وَقْتُهُ وَلَوْ وَقَفَ فِيهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ مَرَّ بِهَا جَازَ كَمَا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَقَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَجُوزُ وَالْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ سُنَّةٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَاجِبٌ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَاجِبٌ وَقَالَ مَالِكٌ: سُنَّةٌ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: رُكْنٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] وَلِحَدِيثِ عُرْوَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ مَنْ وَقَفَ مَعَنَا هَذَا الْمَوْقِفَ وَقَدْ كَانَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» عَلَّقَ بِهِ تَمَامَ الْحَجِّ، وَهُوَ آيَةُ الرُّكْنِيَّةِ وَلَنَا أَنَّ «سَوْدَةَ اسْتَأْذَنَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُفِيضَ بِلَيْلٍ فَأَذِنَ لَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا جَازَ تَرْكُهُ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَمَا تَلَاهُ لَا يَشْهَدُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ الذِّكْرُ، وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ هِيَ الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ هُوَ قُزَحُ وَلَوْ كَانَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ الْمُزْدَلِفَةَ كُلَّهَا لَقَالَ فِي الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ فِي الْمُزْدَلِفَةِ لَا عَيْنِ الْمُزْدَلِفَةِ وَسَمَّيْت مُزْدَلِفَةً لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَالِازْدِلَافُ الِاجْتِمَاعُ قَالَ اللَّه تَعَالَى {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ} [الشعراء: 64] أَيْ جَمَعْنَاهُمْ وَقِيلَ لِاجْتِمَاعِ آدَمَ وَحَوَّاءَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فِيهَا وَقِيلَ لِاقْتِرَابِ النَّاسِ فِيهَا مِنْ مِنًى وَالِازْدِلَافُ الِاقْتِرَابُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى} [ص: 25] وَسُمِّيَتْ جَمْعًا لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَقِيلَ لِلْجَمْعِ فِيهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ وَسُمِّيَ الْمُحَسِّرُ مُحَسِّرًا؛ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الْفِيلِ حُسِّرَ فِيهِ أَيْ أَعْيَا وَكَلَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ إلَى مِنًى بَعْدَمَا أَسْفَرَ) أَيْ ثُمَّ رُحْ إلَى مِنًى بَعْدَمَا أَسْفَرَ جِدًّا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَلِمَا رَوَى «عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ يَنْفِرُونَ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَشْرَقَ ثَبِيرْ كَيْمَا نُغَيِّرْ فَخَالَفَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفَاضَ مِنْ قَبْلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَلَوْ دَفَعَ بِلَيْلٍ لِعُذْرٍ بِهِ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ عِلَّةٍ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - « ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ) الْوَيْلُ الْحُزْنُ وَالْمَشَقَّةُ إلَى الْهَلَاكِ وَالثُّبُورُ الْهَلَاكُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَيْسَ وَادِيَ مُحَسِّرٍ مِنْ مِنًى وَلَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ وَمُزْدَلِفَةَ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ مُنْقَطِعٌ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا فِي قَوْلِهِمْ مُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ وَكَذَا عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ أَنَّ الْمَكَانَيْنِ لَيْسَا مَكَانَ وُقُوفٍ فَلَوْ وَقَفَ فِيهِمَا لَا يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي مِنًى سَوَاءٌ قُلْنَا، إنَّ عُرَنَةَ وَمُحَسِّرًا مِنْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ أَوْ لَا وَهَكَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنَا تَخْرِيجَهُ وَكَذَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدٍ وَوَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا مَكَانُهُ يَعْنِيَ الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةَ فَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ مُزْدَلِفَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْزِلَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ وَرَوَى الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ وَقَفَ بِهِ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَذَكَرَ مِثْلَ هَذَا فِي بَطْنِ عُرَنَةَ أَعْنِي قَوْلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ وَادِي الشَّيْطَانِ وَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالْإِجْزَاءِ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ بَلْ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ، وَأَمَّا الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعٌ عَلَى عَدَمِ إجْزَاءِ الْوُقُوفِ بِالْمَكَانَيْنِ هُوَ أَنَّ عُرَنَةَ وَوَادِيَ مُحَسِّرٍ إنْ كَانَا مِنْ مُسَمًّى عَرَفَةَ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ يُجْزِئُ الْوُقُوفُ فِيهِمَا وَيَكُونُ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ أَطْلَقَ الْوُقُوفَ بِمُسَمَّاهُمَا مُطْلَقًا وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مَنَعَهُ فِي بَعْضِهِ فَقَيَّدَهُ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ فَيَثْبُتُ الرُّكْنُ بِالْوُقُوفِ فِي مُسَمَّاهُمَا مُطْلَقًا وَالْوُجُوبُ فِي كَوْنِهِ فِي غَيْرِ الْمَكَانَيْنِ الْمُسْتَثْنَيَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ مُسَمَّاهُمَا لَا يُجْزِئُ أَصْلًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ اهـ (قَوْلُهُ إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا) وَفِي الْمُحِيطِ حَدَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِسْفَارَ فَقَالَ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ دَفْعٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ الذِّكْرُ) أَيْ دُونَ الْوُقُوفِ (قَوْلُهُ، وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ) أَيْ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمَّا عَلَّقَ بِهِ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) كَمَا إذَا قُلْت أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ لَا تَكُونُ فِيهِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَفِي كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ لِلْمُزْدَلِفَةِ ثَلَاثَةَ أَسْمَاءٍ الْمُزْدَلِفَةِ وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَجَمْعٌ اهـ (قَوْلُهُ لَا عَيْنِ الْمُزْدَلِفَةِ) الظَّاهِرُ فِي الْكَرْمَانِيِّ بَدَلُ عَيْنٍ غَيْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَسُمِّيَتْ جَمْعًا) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونَ الْمِيمِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَعْيَا وَكَلَّ) أَيْ عَنْ الْمَسِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَشْرَقَ) يُرْوَى مِنْ أَشْرَقَ إذَا أَضَاءَ وَشَرَقَ إذَا طَلَعَ أَيْ اُدْخُلْ أَيُّهَا الْجِيلُ فِي الشُّرُوقِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ ثَبِيرٌ)، وَهُوَ جَبَلٌ كَبِيرٌ مِنْ جِبَالِ مِنًى. اهـ. (قَوْلُهُ كَيْمَا نُغَيِّرَ) أَيْ نُسْرِعَ اهـ

أَذِنَ لِضَعَفَةِ النَّاسِ أَنْ يَدْفَعُوا بِلَيْلٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي دَفْعِهِ اللَّهُمَّ إلَيْك أَفَضْت وَمِنْ عَذَابِك أَشْفَقْت وَإِلَيْك تَوَجَّهْت وَمِنْك رَهِبْت اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ نُسُكِي وَأَعْظِمْ أَجْرِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَاسْتَجِبْ دَعْوَتِي وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ أَسْرَعَ إنْ كَانَ مَاشِيًا وَحَرَّكَ دَابَّتَهُ إنْ كَانَ رَاكِبًا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَعَلَ ذَلِكَ» وَفِيمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَارْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ كَحَصَى الْخَذْفِ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ انْتَهَى إلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَرَمَى بِسَبْعٍ وَقَالَ هَكَذَا رَمَى مَنْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَمَاهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَهُوَ رَاكِبٌ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَعَمَلًا مَشْكُورًا» ثُمَّ قَالَ هُنَا كَانَ يَقُومُ مَنْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَلَوْ رَمَاهَا بِأَكْبَرَ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكِبَارِ مِنْ الْحِجَارَةِ كَيْ لَا يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ وَلَوْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ مَا حَوْلَهَا مَوْضِعُ النُّسُكِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي لِمَا رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَبِّرْ بِكُلِّ حَصَاةٍ) أَيْ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ لِمَا رَوَيْنَا وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ التَّعْظِيمِ بِالذِّكْرِ، وَهُوَ مِنْ آدَابِ الرَّمْيِ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَقِفْ عِنْدَهَا بِخِلَافِ الْجَمْرَةِ الْأُولَى وَالْوُسْطَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَلَى مَا يُذْكَرُ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ وَقَفَ عِنْدَهُ وَكُلُّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ لَمْ يَقِفْ عِنْدَهُ وَرَمْيُهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ لِمَا رَوَيْنَا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَهُ رَاكِبًا وَإِلَّا فَمَاشِيًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاقْطَعْ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا) أَيْ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ تَرْمِيهَا لِمَا رَوَيْنَا وَلَمَّا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «أُسَامَةَ كَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَرَفَةَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى فَكِلَاهُمَا قَالَ لَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا تَأْوِيلَ مَنْ قَطَعَهُمَا مِنْهُمْ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينَ بِالْمُسَبِّحَةِ وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْجَوَازِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهَيْئَةٍ دُونَ هَيْئَةٍ بَلْ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ وَمِقْدَارُ الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَبَيْنَهُ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ طَرْحًا وَلَوْ طَرَحَهَا طَرْحًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ رَمْيٌ إلَى قَدَمَيْهِ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالِفَتِهِ السُّنَّةَ وَلَوْ وَضَعَهَا وَضْعًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَمْيٍ وَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَوْ وَقَعَتْ بَعِيدًا لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً إلَّا فِي مَكَان مَخْصُوصٍ وَلَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ تَفْرِيقُ الْأَفْعَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) أَيْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ الْحَصَيَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَهَا لِيَتَيَقَّنَ طَهَارَتَهَا فَإِنَّهُ يُقَامُ بِهَا قُرْبَةٌ وَلَوْ رَمَى بِمُتَنَجِّسَةٍ بِيَقِينٍ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ. اهـ. كَمَالٌ قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ الْحَصَيَاتِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَوْضِعٍ نَجِسٍ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ قُرْبَةٌ فَيُكْرَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ مَعَ النَّجَاسَةِ وَكَذَا كَرِهُوا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَصَى الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَوْضِعٍ مَحْفُوظٍ عَنْ الْأَنْجَاسِ فَيُكْرَهُ إخْرَاجُهَا إلَى مَوْضِعٍ لَا يُحْفَظُ مِنْ الْأَنْجَاسِ اهـ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقَامُ بِهَا قُرْبَةٌ أَيْ؛ وَلِأَنَّ مِنْهَا يَقَعُ فِي يَدِ مَلَكٍ فَيُسْتَحَبُّ طَهَارَتُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَحَصَى الْخَذْفِ)، وَهُوَ مِثْلُ حَبَّةِ الْبَاقِلَّا وَأَصْغَرُ مِنْهَا وَمِثْلُ النَّوَاةِ. اهـ. غَايَةٌ. (فَائِدَةٌ) وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، إنَّمَا يُسَمَّى جَمْرَةً؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أُمِرَ بِذَبْحِ الْوَلَدِ جَاءَ الشَّيْطَانُ يُوَسْوِسُهُ فَكَانَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَرْمِي إلَيْهِ الْأَحْجَارَ طَرْدًا لَهُ وَكَانَ يُجْمِرُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْ يُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ وَالْإِجْمَارُ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) قِيلَ، إنَّمَا خَصَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَاسِكِ الْحَجِّ مَذْكُورٌ فِيهَا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَاقْطَعْ التَّلْبِيَةَ إلَخْ) قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَالظَّاهِرِيَّةُ أَنَّهُ يَقْطَعُهَا إذَا رَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ رُجُوعًا إلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَإِنَّمَا رَمَى بَعْضَهَا وَيَرْوِي ثُمَّ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ وَلَنَا مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَطَعَهَا عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ» رَوَاهُ خَلِيلٌ فِي الْمَنَاسِكِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ فَلَا يُلَبِّي مَعَهَا وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْفِعْلَ لَا عُمُومَ لَهُ فَيُصَدَّقُ بِرَمْيِهَا بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّهُ رَمَى الْجَمْرَةَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي قَوْلُهُ وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ رَمْيُ الْجَمْرَةِ إلَخْ ظَاهِرُ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ الْجَمْرَةَ يَرْمِي إلَيْهَا بِالْحَصْيِ وَلَا قَائِلَ بِرَمْيِ الْجَمْرَةِ كُلِّهَا بَلْ الْوَاجِبُ أَنْ يَرْمِيَ إلَى جِهَةِ الْجَمْرَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَلَا يُشْتَرَطُ رَمْيُ كُلِّ الْجَمْرَةِ وَلَا بَعْضِهَا، وَهُوَ كَلَامٌ بِلَا تَأَمُّلٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا تَأْوِيلَ مَنْ قَطَعَهَا مِنْهُمْ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ «وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ». اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: فِي مَنَاسِكِهِ فَإِنْ رَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي إحْدَى الْجِمَارِ إنْ وَقَعَتْ مُتَفَرِّقَةً عَلَى مَوْضِعِ الْجَمَرَاتِ جَازَ لِحُصُولِ الْجَمْرَةِ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَشْوَاطِ فِي الْحَدِّ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى مَكَان وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَقَالَ مَالِكٌ: وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عَنْ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ كَيْفَمَا كَانَ وَيَرْمِيهَا بِسِتَّةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالرَّمْيِ بِسَبْعِ مَرَّاتٍ وَقَدْ رَمَى مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَالَ عَطَاءٌ الْأَصَمُّ يُجْزِئُهُ كَيْفَمَا كَانَ وَقَالَ الْحَسَنُ إنْ كَانَ جَاهِلًا أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا اهـ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ رَمَى سَبْعًا رَمْيَةً وَاحِدَةً فَكَأَنَّهُ رَمَى حَصَاةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَرْمِيَ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقَدْ رَمَى مَرَّةً اهـ وَقَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ رَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ اهـ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا عَزَاهُ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَيَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ إلَّا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَهَا مَرْدُودٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَا تُقَبِّلَ مِنْهُ رُفِعَ وَمَا لَمْ يُتَقَبَّلْ تُرِكَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ هِضَابًا يَسُدُّ الطَّرِيقَ فَيُتَشَاءَمُ بِهِ وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَالطِّينِ وَالْمَغْرَةِ وَالنُّورَةِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ وَالْكُحْلِ أَوْ قَبْضَةٍ مِنْ تُرَابٍ وَالْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ كَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالزُّمُرُّذِ وَالْبَلْخَشِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْبَلُّورِ وَالْعَقِيقِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ وَالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْجَوَاهِرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إمَّا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ نِثَارٌ وَلَيْسَ بِرَمْيٍ وَوَقْتُهُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيُكْرَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُسْتَحَبُّ بَعْدَهُ إلَى الزَّوَالِ وَيُبَاحُ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ الرَّمْيُ بَعْدَ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ تُفِيضَ وَتُصَلِّيَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِمَكَّةَ فَرَمَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَفَاضَتْ وَلَا» شَكَّ أَنَّهَا إذَا صَلَّتْ الصُّبْحَ بِمَكَّةَ فَقَدْ أَفَاضَتْ مِنْ مِنًى قَبْلَ الْفَجْرِ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ أَنَّهُ قَالَ، «إنَّ أَسْمَاءَ نَزَلَتْ بِجَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ فَقَامَتْ تُصَلِّي فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْت لَا فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْت نَعَمْ قَالَتْ فَارْتَحِلُوا فَارْتَحَلْنَا وَمَشَيْنَا حَتَّى رَمَتْ الْجَمْرَةَ ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتْ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا فَقُلْت يَا هينا مَا أُرَانَا إلَّا قَدْ غَلَّسْنَا قَالَتْ يَا بُنَيَّ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِلظَّعْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ بَعْدَ الصُّبْحِ مَكَانَ غَلَّسْنَا وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اشْتِبَاهِ الْحَالِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «قَدَّمْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حُمُرَاتٍ لَنَا مِنْ جَمْعٍ فَجَعَلَ يَلْطَحُ أَفْخَاذَنَا وَيَقُولُ أَيْ بُنَيَّ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ «وَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضُحًى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ وَقَدَّمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَعَفَةَ أَهْلِهِ وَقَالَ لَا تَرْمُوا إلَّا مُصْبِحِينَ» فَهَذَا الْبَيَانُ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالْأَوَّلُ لِبَيَانِ الِاسْتِحْبَابِ؛ وَلِأَنَّهُ مَا قَالَهُ يُؤَدِّي إلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ بِتَحْصِيلِ حَجَّتَيْنِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ يَرْمِيَ بِاللَّيْلِ ثُمَّ يَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ بِاللَّيْلِ ثُمَّ يُحْرِمُ بِحَجَّةٍ أُخْرَى وَيَرْجِعُ إلَى عَرَفَاتٍ وَيَقِفُ بِهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَفْعَلُ بَقِيَّةَ الْأَفْعَالِ وَلَوْ كَانَ هَذَا جَائِزًا لَمَا أَمَرَ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِالْجِمَاعِ أَنْ يَقْضِيَ مِنْ قَابِلٍ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّمَهَا ذَلِكَ وَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ وَلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهَا أَنْ تَرْمِيَ لَيْلًا وَبِمِثْلِ هَذَا لَا يُتْرَكُ الْمَرْفُوعُ أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَتْرُكْ الْمَنْقُولَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ قَالَ لَهُ أَبِي كُنَّا لَا نَغْتَسِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ بَلْ قَالَ لَهُ أَخْبَرْتُمُوهُ بِذَلِكَ فَسَكَتَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا رَمَتْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَظَنَّ الرَّاوِي قَبْلَهُ وَبِهَذِهِ الْأَجْوِبَةِ يُجَابُ عَنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ. وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الْوُقُوعِ بَعْدَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ قَبْلَهُ لَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى سَنَدٍ فِي الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ (قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ) قَالَ الْكَمَالُ يَتَضَمَّنُ خِلَافَ مَا قِيلَ أَنَّهُ يَلْتَقِطُهَا مِنْ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَى الطَّرِيقِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ جَرَى التَّوَارُثُ بِذَلِكَ وَمَا قِيلَ يَأْخُذُهَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعًا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فِي الْيَوْمِ فَقَطْ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا سُنَّةَ فِي ذَلِكَ يُوجِبُ خِلَافَهَا الْإِسَاءَةُ اهـ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعَ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ وَيَحْمِلَهَا مَعَهُ إلَى مِنًى يَرْمِي بِهَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ ائْتِنِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ فَأَتَاهُ بِهِنَّ فَجَعَلَ يُقَلِّبُهُنَّ بِيَدِهِ وَيَقُولُ بِمِثْلِهِنَّ بِمِثْلِهِنَّ وَلَا تَغْلُوا فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ» وَلَوْ أَخَذَ الْحَصَى مِنْ غَيْرِ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ وَلَا يُكْرَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ يَأْخُذُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعِينَ حَصَاةٍ وَكَذَا فِي بَعْضِ الْمَنَاسِكِ، وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَذْهَبِنَا. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ إلَخْ) وَلَوْ أَخَذَهَا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُجْزِئُهُ أَمَّا الْجَوَازُ فَلِوُجُودِ فِعْلِ الرَّمْيِ وَأَمَّا الْإِسَاءَةُ فَلِتَرْكِ السُّنَّةِ اهـ كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَا تُقَبِّلَ مِنْهُ رُفِعَ) قَالَ مُجَاهِدٌ لَمَّا سَمِعْت هَذَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَعَلْت عَلَى حَصَيَاتِي عَلَامَةً ثُمَّ تَوَسَّطْت الْجَمْرَةَ فَرَمَيْت مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثُمَّ طَلَبْت فَلَمْ أَجِدْ بِتِلْكَ الْعَلَامَةِ شَيْئًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ هِضَابًا) وَالْهَضْبَةُ الْجَبَلُ الْمُنْبَسِطُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ عِنْدَنَا وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ جَوَازُ الرَّمْيِ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَفِيهِمَا خِلَافٌ مَنَعَهُ الشَّارِحُونَ وَغَيْرُهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْمَرْمَى بِهِ يَكُونُ الرَّمْيُ بِهِ اسْتِهَانَةَ شَرْطٍ وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ بِنَاءً عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الِاشْتِرَاطِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ جَوَازَهُ الْفَارِسِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ جَوَازَهُ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُبَاحُ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ) وَلَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ إلَى اللَّيْلِ رَمَاهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ تَبَعٌ لِلْيَوْمِ فِي مِثْلِ هَذَا كَمَا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الْغَدِ رَمَاهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ. اهـ. كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَقُلْت يَا هَيْنَا) الَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ هَكَذَا يَا هَيْنَا بِيَا النِّدَاءِ ثُمَّ بَعْدَهَا هَاءٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ فَنُونٌ فَأَلِفٌ اهـ (قَوْلُهُ فَجَعَلَ يَلْطَحُ أَفْخَاذَنَا) قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ اللَّامِ مِنْ بَابِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ اللَّطْحُ مِثْلُ الْحَطْءِ، وَهُوَ الضَّرْبُ اللِّينُ عَلَى الظَّهْرِ بِبَطْنِ الْكَفِّ وَقَدْ لَطَحَهُ وَيُقَالُ أَيْضًا لَطَّحَ بِهِ إذَا ضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ اهـ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ مَنَعَ اهـ (قَوْلُهُ وَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ) أَيْ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ كَمَا قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بَلْ قَالَ أَخْبَرْتُمُوهُ بِذَلِكَ فَسَكَتَ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ أَشْيَاءَ يَظُنُّونَ جَوَازَهَا وَلَا يَعْلَمُ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ يَا هَيِّنًا كَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الشَّارِحِ الَّتِي بِأَيْدِينَا وَكَذَلِكَ ضَبَطَهُ الْمُحَشِّي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَاَلَّذِي فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ يَا هَنْتَاهْ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبَعْدَ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ أَلِفٌ آخِرُهُ هَاءٌ سَاكِنَةٌ أَيْ يَا هَذِهِ اهـ كَتَبَهُ مُصَحِّحُهُ)

الرَّاوِيَ قَالَ مَا أَرَانَا أَلَا قَدْ غَلَّسْنَا وَالْغَلَسُ يَكُونُ بَعْدَ الْفَجْرِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا يَوْمئِذٍ بِغَلَسٍ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ دَفْعَهَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ كَانَ بَعْدَمَا غَابَ الْقَمَرُ، وَهُوَ لَا يَغِيبُ فِي اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ إلَّا آخِرَ اللَّيْلِ وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ إلَى أَنْ يَتَأَهَّبُوا لِلدَّفْعِ وَيَصِلُوا إلَى مِنًى يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا قَعَدَتْ بَعْدَمَا غَابَ الْقَمَرُ زَمَانًا طَوِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الرَّاوِي أَنَّهَا دَفَعَتْ كَمَا غَابَ الْقَمَرُ مَعَ أَنَّ أَحْمَدَ دَفَعَ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ فَلَمْ يَصِحَّ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا رُوِيَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ فِي أَوَّلِهِ فَكَذَا فِي آخِرِهِ لِعَدَمِ الْفَارِقِ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَذِنَ لِلرُّعَاةِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا» مَحْمُولٌ عَلَى اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ اذْبَحْ) وَهَذَا الذَّبْحُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمُفْرَدِ وَيَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ الذَّبْحُ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَأَمَرَ عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ وَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ثُمَّ رَكِبَ فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ» الْحَدِيثَ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ احْلِقْ أَوْ قَصِّرْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ لْيَقْضُوا} [الحج: 29] مُرَتَّبًا عَلَى الذَّبْحِ وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى مِنًى فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ خُذْ وَأَشَارَ إلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحَلْقُ أَحَبُّ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ قَالَ وَلِلْمُقَصِّرِينَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَضَاءُ التَّفَثِ لِمَا تَلَوْنَا، وَهُوَ بِالْحَلْقِ أَتَمُّ فَكَانَ أَوْلَى وَيُكْتَفَى بِحَلْقِ رُبُعِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ لِلرُّبُعِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَحَلْقُ الْكُلِّ أَوْلَى اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِ رُبُعِ الرَّأْسِ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ؛ وَلِأَنَّ الْحَلْقَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ وَكَذَا الذَّبْحُ عِنْدَنَا فِي حَقِّ الْمُحْصِرِ فَيُقَدِّمُ الرَّمْيَ عَلَيْهِمَا وَالذَّبْحُ لَيْسَ بِمُحَلَّلٍ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ وَلَا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْحَلْقِ لِيَقَعَ فِي الْإِحْرَامِ وَيَجِبُ إجْرَاءُ مُوسَى عَلَى الْأَقْرَعِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَلَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ قُرُوحٌ لَا يُمْكِنُ إمْرَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ) أَيْ لِمَا عُرِفَ أَنَّ وَقْتَ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ إذَا دَخَلَ مِنْ النَّهَارِ امْتَدَّ إلَى آخِرِ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَتْلُو ذَلِكَ النَّهَارَ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ فَاللَّيَالِيُ فِي الرَّمْيِ تَابِعَةٌ لِلْأَيَّامِ السَّابِقَةِ لَا اللَّاحِقَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَهَذَا الذَّبْحُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمُفْرِدِ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ ثُمَّ الْحَاجُّ إنْ كَانَ مُفْرِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُ الْهَدْيِ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ يَحْلِقُ فَإِذَا حَلَقَ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ اهـ (قَوْلُهُ فَنَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ) أَيْ نَحْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثًا وَسِتِّينَ كَانَ ذَلِكَ لِمُدَّةِ عُمُرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» لِكُلِّ سَنَةٍ بَدَنَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَأَمَرَ عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ) أَيْ سَبْعًا وَثَلَاثِينَ بَدَنَةً تَمَامَ الْمِائَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ احْلِقْ أَوْ قَصِّرْ) وَفِي الْمَبْسُوطِ، إنَّمَا يُخَيَّرُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ شَعْرُهُ مُلَبَّدًا أَوْ مَعْقُوصًا أَوْ مُضَفَّرًا فَإِنْ كَانَ لَا يَتَخَيَّرُ بَلْ يَلْزَمُهُ الْحَلْقُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَحْمَدُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ لَبَّدَ شَعْرَ رَأْسِهِ أَوْ ضَفَّرَ أَوْ عَقَصَ فَعَلَيْهِ الْحَلْقُ. اهـ. كَاكِيٌّ مُخْتَصَرًا وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ثُمَّ التَّرْتِيبُ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ ثُمَّ يَذْبَحَ ثُمَّ يَحْلِقَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، إنَّ أَوَّلَ نُسُكًا أَنْ نَرْمِيَ ثُمَّ نَذْبَحَ ثُمَّ نَحْلِقَ» فَيُفِيدُ التَّرْتِيبَ فِي ضَابِطِهِ ر ذ ح. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَلْقُ أَحَبُّ) وَعَنْ وَكِيعٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْطَأْت فِي سِتَّةِ أَبْوَابٍ مِنْ الْمَنَاسِكِ عَلَّمَنِيهَا حَجَّامٌ وَذَلِكَ أَنَّنِي حِينَ أَرَدْت أَنْ أَحْلِقَ رَأْسِي وَقَفْت عَلَى حَجَّامٍ فَقُلْت لَهُ بِكَمْ تَحْلِقُ رَأْسِي فَقَالَ لِي أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ قُلْت نَعَمْ قَالَ النُّسُكُ لَا يُشَارَطُ عَلَيْهِ اجْلِسْ فَجَلَسْت مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ فَقَالَ لِي حَوِّلْ وَجْهَك إلَى الْقِبْلَةِ فَحَوَّلْته وَأَرَدْت أَنْ يَحْلِقَ رَأْسِي مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَقَالَ لِي أَدِرْ الشِّقَّ الْأَيْمَنَ مِنْ رَأْسِك فَأَدَرْته وَجَعَلَ يَحْلِقُ وَأَنَا سَاكِتٌ فَقَالَ لِي كَبِّرْ فَجَعَلْت أَكْبَرُ حَتَّى قُمْت لِأَذْهَب فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ فَقُلْت رَحْلِي قَالَ ادْفِنْ شَعْرَك ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ امْضِ فَقُلْت لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك مَا أَمَرَتْنِي بِهِ فَقَالَ رَأَيْت عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَفْعَلُ هَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي مُثِيرِ الْغَرَامِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَظْهِرِيِّ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْحَالِقِ وَيَسَارِ الْمَحْلُوقِ رَأْسَهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِيَمِينِ الْمَحْلُوقِ قُلْت ذَكَرَهُ كَذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَمْ يَعْزُ إلَى أَحَدٌ وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى، وَهُوَ مِنْ الْآدَابِ وَقَدْ ذَكَرْت الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ فِي بُدَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشِقِّ رَأْسِهِ الْكَرِيمِ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ كَلَامٌ وَقَدْ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ وَقَدْ أَخَذَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ الْحَجَّامِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَلَوْ كَانَ مَذْهَبُهُ خِلَافَ ذَلِكَ لَمَا وَافَقَهُ مَعَ كَوْنِهِ حَجَّامًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالتَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا أَقَلُّ مِنْ رُبُعِ الرَّأْسِ كَمَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فَإِنْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ، وَهُوَ مُسِيءٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ حَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ أَوْ تَقْصِيرُ جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَقَدْ تَرَكَ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُسِيئًا اهـ ثُمَّ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَفِي آدَابِ الْمُفْتِينَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ قَصَّرَتْ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْ رَأْسِهَا وَذَلِكَ يَبْلُغُ النِّصْفَ أَوْ دُونَهُ أَجْزَأَهَا وَعَلَّلَ فِيهِ وَقَالَ؛ لِأَنَّ حَلْقَ رُبُعِ الرَّأْسِ أَوْ تَقْصِيرَ رُبُعِهِ مِثْلُ حَلْقِ جَمِيعِ الرَّأْسِ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فَكَذَا فِي حُصُولِ التَّحَلُّلِ اهـ (قَوْلُهُ الْأُنْمُلَةُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْأُنْمُلَةُ الْعُقْدَةُ مِنْ الْأَصَابِعِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الْأَنَامِلُ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ أَكْثَرُ مِنْ ضَمِّهَا وَابْنُ قُتَيْبَةَ يَجْعَلُ الضَّمَّ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ اهـ وَفِي الْمُغْرِبِ الْأُنْمُلَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ وَمَنْ خَطَّأَ رَاوِيَهَا فَقَدْ أَخْطَأَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ إجْرَاءُ الْمُوسَى إلَخْ) وَقِيلَ اسْتِحْبَابًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِجْرَاءِ لِلْإِزَالَةِ لَا لِعَيْنِهِ فَإِذَا سَقَطَ مَا وَجَبَ لِأَجْلِهِ سَقَطَ هُوَ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ يَمْنَعُ وُجُوبَ عَيْنِ الْإِجْرَاءِ وَلِذَا كَانَ لِلْإِزَالَةِ بَلْ الْوَاجِبُ طَرِيقُ الْإِزَالَةِ وَلَوْ فُرِضَ

الْمُوسَى عَلَيْهِ وَلَا يَصِلُ إلَى تَقْصِيرِهِ فَقَدْ حَلَّ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ أَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ وَشَوَارِبَهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَصَّ أَظْفَارَهُ»؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ التَّفَثِ فَيُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَلَوْ فَعَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ لَك غَيْرَ النِّسَاءِ) وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ أَيْضًا لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الطِّيبَ وَالنِّسَاءَ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ فَيَحْرُمُ كَمَا يَحْرُمُ سَائِرُ الدَّوَاعِي مِنْ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَرَمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَمَيْتُمْ وَذَبَحْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَحَلَّ لَكُمْ الثِّيَابُ وَالطِّيبُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَالرَّمْيُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ قَبْلَ أَوَانِهِ بِخِلَافِ الْحَلْقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ إلَى مَكَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ غَدًا أَوْ بَعْدَهُ فَطُفْ لِلرُّكْنِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ، وَإِنْ قَدَّمْتهمَا وَإِلَّا فَعَلَا) يَعْنِي ثُمَّ رُحْ إلَى مَكَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ وَطُفْ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَلَا تَرْمُلُ فِيهِ وَلَا تَسْعَى بَعْدَهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إنْ كُنْتَ رَمَلْتَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَسَعَيْتَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَارْمُلْ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَاسْعِ بَعْدَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ يَوْمَ النَّحْرِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ بَعْدَمَا طَافَ بِالْبَيْتِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْهُ أَنَسٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ بِمِنًى ثُمَّ رَكِبَ إلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ» وَرَوَتْ «عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ إفَاضَتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَتْ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ» وَهَذَا الِاخْتِلَافُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الْعَوْدُ إلَى الْبَيْتِ فَرَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مَا وَقَعَ عِنْدَهُ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ إحْرَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ أَيَّامَ مِنًى وَوَقْتُهُ أَيَّامُ النَّحْرِ»؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ الطَّوَافَ عَلَى الذَّبْحِ وَالْأَكْلِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا} [البقرة: 58] ثُمَّ قَالَ {وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: 29] فَكَانَ وَقْتُهُمَا وَاحِدًا وَأَوَّلُ وَقْتٍ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَقْتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالطَّوَافُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَدَّى إلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَأَوَّلُهَا أَفْضَلُهَا كَمَا فِي النَّحْرِ ثُمَّ إنْ كَانَ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَلَا يَرْمُلُ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَلَا يَسْعَى وَإِلَّا رَمَلَ وَسَعَى وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ رَمَلَ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا وَمَوْضِعُ السَّعْيِ عَقِيبَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلطَّوَافِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لِمَا دُونَهُ، وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ لَهُ التَّقْدِيمُ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ رُخْصَةً؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ عَلَيْهِ الْأَفْعَالُ يَوْمَ النَّحْرِ فَيَخْرُجُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدِ هَذَا الطَّوَافِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ لَك النِّسَاءُ) لِإِجْمَاعِ الْأَمَةِ عَلَى ذَلِكَ وَحَلَّ النِّسَاءُ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ لَا بِالطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ هُوَ الْمُحَلِّلُ دُونَ الطَّوَافِ غَيْرَ أَنَّهُ أُخِّرَ عَمَلُهُ إلَى مَا بَعْدَ الطَّوَافِ فَإِذَا طَافَ عَمِلَ الْحَلْقُ عَمَلَهُ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أُخِّرَ عَمَلُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِحَاجَتِهِ إلَى الِاسْتِرْدَادِ فَإِذَا انْقَضَتْ عَمِلَ الطَّلَاقُ عَمَلَهُ فَبَانَتْ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى طَافَ بِالْبَيْتِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَحْلِقَ، وَكَذَا إذَا طَافَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الرُّكْنُ وَمَا زَادَ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَبْسُوطِ وَهَذَا الطَّوَافُ هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ وَيُسَمَّى طَوَافَ الزِّيَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنُّورَةِ أَوْ الْحَلْقِ أَوْ النَّتْفِ، وَإِنْ عَسِرَ فِي أَكْثَرِ الرُّءُوسِ أَوْ قَاتَلَ غَيْرَهُ فَنَتَفَهُ أَجْزَأَهُ عَنْ الْحَلْقِ قَصْدًا وَلَوْ تَعَذَّرَ الْحَلْقُ لِعَارِضٍ تَعَيَّنَ التَّقْصِيرُ أَوْ التَّقْصِيرُ تَعَيَّنَ الْحَلْقُ كَأَنْ لَبَّدَهُ بِصَمْغٍ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الْمِقْرَاضُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَقَدْ حَلَّ) أَيْ كَمَا لَوْ حَلَقَهُ وَالْأَحْسَنُ تَأْخِيرُ إحْلَالِهِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَالْمُتَيَمِّمِ الطَّامِعِ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَعَدَمُ وُجُودِ الْمُوسَى أَوْ الْحَالِقِ لَيْسَ بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ مَرْجُوٌّ فِي كُلِّ وَقْتٍ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ) أَيْ وَقَوْلُ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ أَوْ عَلَى مَا بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالرَّمْيُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ) أَيْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ هُوَ يَقُولُ يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالْحَلْقِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي التَّحْلِيلِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ بَعْدَمَا طَافَ بِالْبَيْتِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ وَهْمٌ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثَ جَابِرٍ وَثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِثْلُ حَدِيثِ جَابِرٍ بِطَرِيقٍ فِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ وَلِهَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَإِذَا تَعَارَضَا وَلَا بُدَّ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي أَحَدِ الْمَكَانَيْنِ فَفِي مَكَّةَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْلَى لِثُبُوتِ مُضَاعَفَةِ الْفَرَائِضِ فِيهِ وَلَوْ تَجَشَّمْنَا الْجَمْعَ حَمَلْنَا فِعْلَهُ بِمِنًى عَلَى الْإِعَادَةِ بِسَبَبٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ يُوجِبُ نُقْصَانَ الْمُؤَدَّى أَوَّلًا اهـ (قَوْلُهُ فَكَانَ وَقْتُهُمَا وَاحِدًا) يَعْنِي فَكَانَ وَقْتُ الذَّبْحِ وَقْتًا لِلطَّوَافِ لَا وَقْتَ الطَّوَافِ فَإِنَّ الطَّوَافَ لَا يَتَوَقَّفُ أَيَّامَ النَّحْرِ حَتَّى يَفُوتَ بِفَوَاتِهِ بَلْ وَقْتُهُ الْعُمُرُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ إلَخْ) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ خَتْمَ كُلِّ طَوَافٍ بِرَكْعَتَيْنِ فَرْضًا كَانَ الطَّوَافُ أَوْ وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا وَاجِبٌ عِنْدَنَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الرُّكْنُ) وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ أَنَّ رُكْنَهُ أَكْثَرُهُ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ وَثُلُثَا شَوْطٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَيُسَمَّى طَوَافَ الزِّيَارَةِ إلَخْ) وَفِي الْمَبْسُوطِ هُوَ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} [التوبة: 3]. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَيْ يَوْمَ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَمَامَ الْحَجِّ وَمُعْظَمَ أَفْعَالِهِ؛ وَلِأَنَّ الْإِعْلَامَ كَانَ فِيهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ الْجَمَرَاتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» وَقِيلَ يَوْمُ عَرَفَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَوَصَفَ الْحَجَّ

عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَطَوَافَ الْإِفَاضَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَطَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ وَطَوَافَ الرُّكْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ)؛ لِأَنَّهُ مُؤَقَّتٌ بِهَا فَلَا يُؤَخِّرْهُ عَنْهَا وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ إنْ أَخَّرَهُ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ إنْ أَخَّرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ وَوَقْتُ الْحَلْقِ هُوَ وَقْتُ الطَّوَافِ عَلَى الِاخْتِلَافِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ إلَى مِنًى) أَيْ ثُمَّ رُحْ إلَى مِنًى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَادَ إلَيْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ وَلِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ النُّسُكُ، وَهُوَ الرَّمْيُ وَمَوْضِعُهُ مِنًى فَيُقِيمُ بِهَا حَتَّى يُقِيمَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَارْمِ الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي ثَانِي النَّحْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ بَادِئًا بِمَا تَلِي الْمَسْجِدَ ثُمَّ بِمَا تَلِيهَا ثُمَّ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقِفْ عِنْدَ كُلِّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ ثُمَّ غَدًا كَذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَهُ كَذَلِكَ إنْ مَكَثْت) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «أَفَاضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجِمَارَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَيُطِيلُ الْمَقَامَ وَيَتَضَرَّعُ وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ جَابِرٌ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَبَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا، وَإِذَا وَقَفَ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ يَقِفُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو بِحَاجَتِهِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ» وَالْمُرَادُ رَفْعُهَا بِالدُّعَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِأَبَوَيْهِ وَأَقَارِبِهِ وَمَعَارِفِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ» وَحِكْمَةُ الْوُقُوفِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ تَحْصِيلُ الدُّعَاءِ لِكَوْنِهِ فِي وَسَطِ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ قَدْ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَهُ كَذَلِكَ إنْ مَكَثْت أَيْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ تَرْمِي عَلَى مَا رَمَيْت فِي الْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ إنْ مَكَثْت عَلَّقَهُ بِمُكْثِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ إنْ شَاءَ نَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ، وَإِنْ شَاءَ مَكَثَ إلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ. وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] فَخَيَّرَهُ بَيْنَهُمَا وَنَفَى الْحَرَجَ عَنْهُمَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْكُثَ وَيَرْمِيَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَبَرَ حَتَّى رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ» وَلَا يُقَالُ نَفْيُ الْإِثْمِ عَنْهُمَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَالْإِبَاحَةَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَزَلَتْ الْآيَةُ عَلَى سَبَبٍ، وَهُوَ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا فِرْقَتَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْمُتَعَجِّلُ آثِمٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْمُتَأَخِّرُ آثِمٌ فَنَفَى الْإِثْمَ عَنْهُمَا لِأَخْذِ أَحَدِهِمَا بِالرُّخْصَةِ وَالْآخَرُ بِالْفَضْلِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّخْيِيرَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسَافِرَ يُخَيَّرُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ ثُمَّ الصَّوْمُ أَفْضَلُ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ وَإِلَّا فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَغْفِرُ لَهُمَا بِسَبَبِ تَقْوَاهُمَا فَلَا يَبْقَى عَلَيْهِمَا ذَنْبٌ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَهُ أَنْ يَنْفِرَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَإِذْ طَلَعَ الْفَجْرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ حَتَّى يَرْمِيَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ النَّفْرَ أُبِيحَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] لَا فِي اللَّيْلِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ نَفَرَ فِي وَقْتٍ لَا يَجِبُ فِيهِ الرَّمْيُ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ فَجَازَ لَهُ النَّفْرِ كَالنَّهَارِ وَمِنْ النَّاس مَنْ مَنَعَ جَوَاز النَّفْرِ الْأَوَّلِ لِأَهْلِ مَكَّةَ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ عَلَى عُمُومِهَا وَالرُّخْصَةُ لِجَمِيعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْأَكْبَرِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ تُسَمَّى الْحَجَّ الْأَصْغَرَ أَوْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَجِّ مَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ أَعْمَالِهِ فَإِنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ بَاقِي الْأَعْمَالِ أَوْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحَجَّ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَوَافَقَ عِيدُهُ أَعْيَادَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ فِيهِ عِزُّ الْمُسْلِمِينَ وَذُلُّ الْمُشْرِكِينَ. اهـ. بَيْضَاوِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ إلَخْ) هَلْ هَذَا التَّرْتِيبُ مُتَعَيَّنٌ أَوْ أَوْلَوِيٌّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَفِي الْمَنَاسِكِ لَوْ بَدَأَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَإِنْ عَادَ عَلَى الْوُسْطَى ثُمَّ عَلَى الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِهِ فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ التَّرْتِيبُ شَرْطٌ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقِفْ عِنْدَ كُلِّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ) قِيلَ يَقِفُ قَدْرَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ يُوضَعُ فِي يَدِهِ وَيَرْمِي بِهَا أَمْ يَرْمِي عَنْهُ غَيْرُهُ وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَلَوْ رَمَى بِحَصَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا لِنَفْسِهِ وَالْأُخْرَى لِلْآخَرِ جَازَ وَيُكْرَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ غَدًا كَذَلِكَ) هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِيَوْمِ النَّفْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ فِيهِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ سُمِّيَ يَوْمَ النَّفْرِ الثَّانِي. اهـ. فَتْحٌ. (فَائِدَةٌ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ وَالْمَعْلُومَاتِ). قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ الْحَادِيَ عَشْرَ وَالثَّانِي عَشْرَ وَالثَّالِثَ عَشْرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ كَذَا النَّقْلُ أَمَّا الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا هِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَالْيَوْمُ الْحَادِيَ عَشْرَ، وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَذَا النَّقْلُ (قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) أَيْ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ، وَهُوَ رِوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ الْمَسَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلْيَقُمْ إلَى الْغَدِ حَتَّى يَنْفِرَ مَعَ النَّاسِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ نَفَرَ فِي وَقْتٍ لَا يَجِبُ فِيهِ الرَّمْيُ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ) أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَمَاهَا عَنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَجَازَ لَهُ النَّفْرُ كَالنَّهَارِ) أَيْ كَالنَّهَارِ الثَّالِثِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ قُلْت وَلَوْ رَمَاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَهُمَا عَنْ يَوْمِهِ وَقَدْ امْتَنَعَ فِيهِ النَّفْرُ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ؛ لِأَنَّ لَيْلَةَ يَوْمِ الرَّابِعِ مُلْحَقَةٌ بِالْيَوْمِ الثَّالِثِ فِي حَقِّ الرَّمْيِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ رَمْيَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَرَمَى فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ يَجُوزُ فَصَارَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ بِمَنْزِلَةِ الْيَوْمِ فَيَكُونُ خِيَارُهُ فِي النَّفْرِ ثَابِتًا فِيهِ كَمَا قَبْلَ

النَّاسِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَمَيْت فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ قَبْلَ الزَّوَالِ صَحَّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ، وَإِنَّمَا رَخَّصَ لَهُ فِيهِ فِي النَّفْرِ فَإِذَا لَمْ يَتَرَخَّصْ بِالنَّفْرِ اُلْتُحِقَ بِسَائِرِ الْأَيَّامِ وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَثَرُ التَّخْفِيفِ فِيهِ فِي حَقِّ التَّرْكِ فَلَأَنْ يَظْهَرَ جَوَازُهُ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا أَوْلَى بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ فِيهِمَا فَكَذَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ؛ وَلِأَنَّهُ يَوْمُ نَفْرٍ فَيَحْتَاجُ إلَى تَعْجِيلِ النَّفْرِ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ وَمَتَاعِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ فِيهِ النَّفْرُ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إنْ شَاءَ نَفَرَ. وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَنْفِرْ، وَأَمَّا يَوْمُ النَّحْرِ فَأَوَّلُ وَقْتِ الرَّمْيِ فِيهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَآخِرُهُ الْغُرُوبُ وَلَوْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ رَمَاهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ الرِّعَاءِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ يَجِبُ دَمٌ عِنْدَهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَارْمِ مَاشِيًا وَإِلَّا فَرَاكِبًا) هَذَا لِبَيَانِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَأَمَّا الْجَوَازُ فَثَابِتٌ كَيْفَمَا كَانَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الرَّمْيُ وَالْأَوَّلُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْجَرَّاحِ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ تَلَامِذَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ تِلْمِيذِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَانَ عَالِمًا بِالْمَنَاسِكِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْت عَلَى أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ يَا إبْرَاهِيمُ مَا تَقُولُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ يَرْمِيهَا الْحَاجُّ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا فَقُلْت يَرْمِيهَا مَاشِيًا فَقَالَ أَخْطَأْت فَقُلْت يَرْمِيهَا رَاكِبًا فَقَالَ أَخْطَأْت قُلْت فَمَاذَا يَقُولُ الْإِمَامُ قَالَ كُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ يَرْمِيهَا مَاشِيًا وَكُلُّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ يَرْمِيهَا رَاكِبًا فَخَرَجْت مِنْ عِنْدِهِ فَسَمِعْت بُكَاءَ النَّاسِ فِي دَارِهِ فَقِيلَ لِي قُضِيَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ رَاكِبًا يَوْمَ النَّحْرِ» يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ «عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا وَسَائِرَ ذَلِكَ مَاشِيًا وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ»؛ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ بَعْدَهُ وُقُوفٌ وَدُعَاءٌ فَالْمَشْيُ أَقْرَبُ إلَى التَّضَرُّعِ وَيُكْرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ مِنًى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَاتَ بِهَا» وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُؤَدِّبُ النَّاسَ عَلَى تَرْكِ الْمُقَامِ بِهَا وَلَوْ بَاتَ فِي غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمَبِيتَ فِيهَا لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ فِي أَيَّامِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْوَاجِبَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ أَنْ تُقَدِّمَ ثَقَلَك وَتُقِيمَ بِمِنًى لِلرَّمْيِ)؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ، وَهُوَ فِي الْعِبَادَةِ فَيُكْرَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ إلَى الْمُحَصَّبِ) أَيْ رُحْ إلَى الْمُحَصَّبِ وَانْزِلْ بِهِ، وَهُوَ الْأَبْطَحُ وَيُسَمَّى الْحَصْبَاءَ وَالْبَطْحَاءَ وَالْخَيْفَ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْجَبَلِ الَّذِي عِنْدَهُ مَقَابِرُ مَكَّةَ وَالْجَبَلُ الَّذِي يُقَابِلُهُ مُصْعِدًا فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى مِنًى مُرْتَفِعًا عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغُرُوبِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ وَقْتُ الرَّمْيِ فَلَا يَبْقَى خِيَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ اللَّيَالِيَ فِيهَا تَابِعَةٌ لِلْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ فَكَمَا كَانَ خِيَارُهُ ثَابِتًا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَكَذَا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي بَعْدَهُ وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَلَوْ ثَبَتَ يُحْمَلُ عَلَى سِيَاقِ الْأَفْضَلِيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ يَجُوزُ أَيْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)، وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَطَاوُسٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَجُوزُ)، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ) أَيْ الْيَوْمَيْنِ يَوْمِ الثَّانِي وَيَوْمِ الثَّالِثِ دُونَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ فَإِنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَبْلَ الزَّوَالِ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. كَاكِيٌّ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَيَفُوتُ الرَّمْيُ بِخُرُوجِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَعَنْ عَطَاءٍ يَرْمِيهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشْرَ فَإِنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَلَمْ يُرِقْ أَرَاقَ دَمًا كَقَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ لَا يَرْمِي لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشْرَ لِانْقِضَاءِ وَقْتِهِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَشْهُورِ) أَيْ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ احْتِرَازٌ عَمَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَرْمِيَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ فَإِنْ رَمَى قَبْلَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَحَمَلَ الْمَرْوِيَّ عَنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى اخْتِيَارِ الْأَفْضَلِ وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ إتْبَاعِ الْمَنْقُولِ لِعَدَمِ الْمَعْقُولِيَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ تَخْفِيفٍ فِيهِمَا بِتَجْوِيزِ التَّرْكِ لِيَنْفَتِحَ بَابُ التَّخْفِيفِ بِالتَّقْدِيمِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ) أَيْ وَلَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ: وَيَثْبُتُ وَصْفُ الْقَضَاءِ فِي الرَّمْيِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ سِوَى ثُبُوتِ الْإِسَاءَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِعُذْرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقِيلَ لِي قُضِيَ أَبُو يُوسُفَ) فَتَعَجَّبْت مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الْعِلْمِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ الرَّمْيُ كُلُّهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ. اهـ.؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ رُكُوبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ كُلِّهِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَحْمِلُ مَا رُوِيَ مِنْ رُكُوبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمْيِ الْجِمَارِ كُلِّهَا فِي أَنَّهُ فَعَلَ لِيُظْهِرَ فِعْلَهُ فَيُقْتَدَى بِهِ وَيُسْأَلَ وَيُحْفَظَ عَنْهُ الْمَنَاسِكُ كَمَا ذَكَرَ فِي طَوَافِهِ رَاكِبًا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَلَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ» وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَطْلَقَ اسْتِحْبَابَ الْمَشْيِ قَالَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْمَشْيُ إلَى الْجِمَارِ، وَإِنْ رَكِبَ النَّهَارَ فَلَا بَأْسَ وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ وَتَظْهَرُ أَوْلَوِيَّتُهُ؛ لِأَنَّا إذَا حَمَلْنَا رُكُوبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا قُلْنَا يَبْقَى كَوْنُهُ مُؤَدِّيًا عِبَادَةً وَأَدَاؤُهَا مَاشِيًا أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ وَخُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مُشَاةٌ فِي جَمِيعِ الرَّمْيِ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ الْأَذَى بِالرُّكُوبِ بَيْنَهُمْ مَعَ الْمُزَاحَمَةِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ مِنًى إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالْمَبِيتُ بِهِ فِي هَذِهِ اللَّيَالِيِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعُمَرُ كَانَ يُؤَدِّبُ إلَخْ) وَتَأْدِيبُ عُمَرَ لَا يُوجِبُ الْبَيْتُوتَةَ كَتَأْدِيبِهِ عِنْدَ تَقْدِيمِ الثَّقَلِ مَعَ أَنَّ تَقْدِيمَ الثَّقَلِ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ مَالِكٍ. اهـ. كَاكِيٌّ وَالثَّقَلُ بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ، وَهُوَ مَتَاعُ الْمُسَافِرِ وَقُمَاشُهُ وَحَشَمُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) أَيْ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُرِهَ أَنْ تُقَدِّمَ ثَقَلَك إلَى مَكَّةَ) لَفْظَةُ مَكَّةَ ثَابِتَةٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَلَيْسَتْ فِي خَطِّ الزَّيْلَعِيِّ اهـ.

بَطْنِ الْوَادِي وَلَيْسَتْ الْمَقْبَرَةُ مِنْ الْمُحَصَّبِ وَالْحَصْبَاءُ الْحَصَى وَالْأَبْطَحُ مَسِيلٌ وَاسِعٌ فِيهِ دِقَاقُ الْحَصْبَاءِ وَالْخَيْفُ مَا انْحَدَرَ مِنْ غِلَظِ الْجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنْ مَسِيلِ الْمَاءِ، وَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ دَعَا سَاعَةً نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ وَالنُّزُولُ فِيهِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ بِسُنَّةٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ نُزُولُ الْأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَإِنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَ التَّحْطِيبُ بِسُنَّةٍ، إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَنْزِلَ بِالْأَبْطَحِ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى وَلَكِنِّي جِئْت فَضَرَبْت لَهُ فِيهِ قُبَّةً فَنَزَلَ وَكَانَ عَلَى ثَقَلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى كُفْرِهِمْ» وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يُؤْوُهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا إلَيْهِمْ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَمَالَئُوا عَلَى مُقَاطَعَتِهِمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا فَعُلِمَ أَنَّ نُزُولَهُ كَانَ قَصْدًا وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ النُّزُولُ بِهِ سُنَّةٌ فَقِيلَ لَهُ، إنَّ رَجُلًا يَقُولُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ فَقَالَ كَذَبَ أَنَاخَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَيُّ سُنَّةٍ أَقْوَى مِنْ هَذَا فَإِنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَصْدًا وَفِعْلَ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ثَبَتَ فِيهِ. وَكَانَ قَوْلُ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ظَنًّا مِنْهُمَا فَلَا يُعَارِضْ الْمَرْفُوعَ وَالْمُثْبِتُ يُقَدَّمُ أَيْضًا عَلَى النَّافِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَطُفْ لِلصَّدْرِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً ثُمَّ رَكِبَ إلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَا يَرْمُلُ فِي هَذَا الطَّوَافِ لِمَا بَيَّنَّا وَيُسَمَّى هَذَا طَوَافَ الصَّدْرِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُرُ عَنْهُ أَيْ يَرْجِعُ وَالصَّدْرُ رُجُوعٌ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُوَدِّعُ بِهِ الْبَيْتَ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ لِأَجْلِهِ يُفِيضُ إلَى الْبَيْتِ مِنْ مِنًى وَطَوَافُ آخِرِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَوَافَ بَعْدَهُ وَطَوَافُ الْوَاجِبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ وَاجِبٌ إلَّا عَلَى مَكَّةَ) وَقَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ سُنَّةٌ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا سَقَطَ عَنْ الْمَكِّيِّ وَعَنْ الْحَائِضِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْفِرْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ «أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَهْلُ مَكَّةَ لَا يَصْدُرُونَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ التَّوْدِيعَ مِنْ شَأْنِ الْمُفَارِقِ وَيَلْحَقُ بِهِمْ أَهْلُ مَا دُونَ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَتِهِمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَمَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ النَّفْرُ الْأَوَّلُ لَزِمَهُ التَّوْدِيعُ كَنِيَّةِ الشُّرُوعِ فِيهِ فَلَا يَسْقُطُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْحَائِضُ مُسْتَثْنَاةٌ بِالنَّصِّ وَالنُّفَسَاءُ بِمَنْزِلَتِهَا فَيَتَنَاوَلُهَا النَّصُّ دَلَالَةً وَلَيْسَ لِلْعُمْرَةِ طَوَافُ الصَّدْرِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا طَوَافُ الْقُدُومِ فَكَذَا طَوَافُ الصَّدْرِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عَقِيبَ طَوَافِ الصَّدْرِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ اشْرَبْ مِنْ زَمْزَمَ) وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَبْدَأُ بِالْمُلْتَزَمِ أَوْ بِزَمْزَمَ وَالْأَصَحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالنُّزُولُ فِيهِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا) وَيُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ) أَيْ أَسْهَلَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ) وَأَبُو رَافِعٍ هَذَا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَاهُ لَهُ الْعَبَّاسُ فَلَمَّا بُشِّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْلَامِ الْعَبَّاسِ أَعْتَقَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمُهُ أَسْلَمُ وَقِيلَ إبْرَاهِيمُ وَقِيلَ ثَابِتٌ وَقِيلَ هُرْمُزُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ) الْخَيْفُ خَيْفَانِ خَيْفُ مِنًى وَخَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ، وَهُوَ الْمُحَصَّبُ وَسُمِّيَ بِالْمُحَصَّبِ لِأَنَّ السَّيْلَ يَحْمِلُ الْحَصْبَاءَ مِنْ مَوْضِعِ الْجَرْيِ فَتَقِفُ فِيهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ حَيْثُ تَقَاسَمَتْ) أَيْ تَعَاهَدَتْ وَتَحَالَفَتْ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ عَلَى كُفْرِهِمْ) وَفِي الْفَوَائِدِ قَوْلُهُ عَلَى شِرْكِهِمْ أَيْ مَعَ شِرْكِهِمْ وَعَلَى بِمَعْنَى مَعَ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ يَقُولُ الشِّعْرَ عَلَى صِغَرِ سِنِّهِ أَيْ مَعَ صِغَرٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَكُونُونَ مَعَ الشِّرْكِ لَا مَحَالَةَ يَحْلِفُونَ مِنْ شِرْكِهِمْ لَا، إنَّهُمْ كَانُوا شُرَكَاءَ وَفِي وَقْتِ الْحَلِفِ كَانُوا مُسْلِمِينَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَطَوَافَ الْإِفَاضَةِ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ هُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ هُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَقَالَ فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ الْإِفَاضَةُ الزَّحْفُ وَالدَّفْعُ فِي السَّيْرِ بِكَثْرَةٍ وَلَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَفَرُّقٍ وَجَمْعٍ وَأَصْلُ الْإِفَاضَةِ الصَّبُّ فَاسْتُعِيرَتْ لِلدَّفْعِ فِي السَّيْرِ وَأَصْلُهُ أَفَاضَ نَفْسَهُ أَوْ رَاحِلَتَهُ فَرَفَضُوا ذَكَرَ الْمَفْعُولَ حَتَّى أَشْبَهَ غَيْرَ الْمُتَعَدِّي وَمِنْهُ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ يَوْمَ النَّحْرِ يُفِيضُ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ ثُمَّ يَرْجِعُ وَأَفَاضَ الْقَوْمُ فِي الْحَدِيثِ يُفِيضُونَ إذَا انْدَفَعُوا فِيهِ اهـ لَكِنَّ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُنَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي الْوَرَقَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ أَنَّ طَوَافَ الرُّكْنِ يُسَمَّى طَوَافَ الْإِفَاضَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَطَافَ الْوَاجِبَ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ) لَهُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَهُوَ قَوْلُنَا وَأَحْمَدُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا سَقَطَ عَنْ الْحَائِضِ) قُلْت يَبْطُلُ قَوْلُهُ بِالْمَبِيتِ لَيَالِيَ مِنًى فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الدَّمَ عَلَى تَارِكِهِ وَقَدْ سَقَطَ عَنْ الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ يَبْطُلُ قَوْلُهُ أَيْ قَوْلُ مَالِكٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ هُنَا خِلَافًا وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ قُبَيْلَ بَابِ الْجِنَايَاتِ فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْعُمْرَةِ طَوَافُ الصَّدْرِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ رُكْنُ الْعُمْرَةِ فَكَيْفَ يَصِيرُ مِثْلُ رُكْنِهِ تَبَعًا لَهُ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَكَذَا فَائِتُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحِقٌّ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُعْتَمِرِ وَلَيْسَ عَلَى الْمُعْتَمِرِ طَوَافُ الصَّدْرِ. اهـ. كَاكِيٌّ.

[فصل من لم يدخل مكة ووقف بعرفة]

أَنَّهُ يَبْدَأُ بِزَمْزَمَ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ فَيَسْتَقِيَ بِنَفْسِهِ الْمَاءَ وَيَشْرَبَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ وَيَتَنَفَّسَ فِيهِ مَرَّاتٍ وَيَرْفَعَ بَصَرَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَيَنْظُرَ إلَى الْبَيْتِ وَيَمْسَحَ بِهِ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَجَسَدَهُ وَيَصُبَّ عَلَيْهِ إنْ تَيَسَّرَ وَذَكَرَ الْمُلَّا فِي سِيرَتِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَزَعَ لِنَفْسِهِ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ» وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ لَمَّا شَرِبَ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا أَفَاضَ أَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَهُ» قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ السَّكَنِ وَاَلَّذِي نَزَعَ لَهُ الدَّلْوَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «لَوْلَا أَنْ يَتَّخِذَهُ النَّاسُ نُسُكًا وَيَغْلِبُوكُمْ عَلَيْهِ لَنَزَعْت مَعَكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِي رِوَايَةٍ «لَمَّا نَزَعُوا الدَّلْوَ غَسَلَ مِنْهُ وَجْهَهُ وَتَمَضْمَضَ فِيهِ ثُمَّ أَعَادُوهُ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا شَرِبْت مِنْ زَمْزَمَ فَاسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَنَفَّسْ وَتَضَلَّعْ مِنْهُ فَإِذَا فَرَغْت فَاحْمَدْ اللَّهَ تَعَالَى وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي مَاءِ زَمْزَمَ، إنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إنَّهَا طَعَامُ طَعْمٍ وَشِفَاءُ سَقَمٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» وَقَدْ شَرِبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِمَطَالِبَ جَلِيلَةٍ فَنَالُوهَا بِبَرَكَتِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ اشْرَبُوا مِنْ شَرَابِ الْأَبْرَارِ وَصَلُّوا فِي مُصَلَّى الْأَخْيَارِ وَقَالَ شَرَابُ الْأَبْرَارِ مَاءُ زَمْزَمَ وَمُصَلَّى الْأَخْيَارِ تَحْتَ الْمِيزَابِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْتَزِمْ الْمُلْتَزَمَ وَتَشَبَّثْ بِالْأَسْتَارِ وَالْتَصِقْ بِالْجِدَارِ) وَالْمُلْتَزَمُ هُوَ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيَلْزَقُ صَدْرَهُ بِهِ وَالتَّشَبُّثُ التَّعَلُّقُ وَالْمُرَادُ بِالْأَسْتَارِ أَسْتَارُ الْكَعْبَةِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بَابَ الْبَيْتِ أَوَّلًا وَيُقَبِّلَ الْعَتَبَةَ وَيَدْخُلَ الْبَيْتَ حَافِيًا ثُمَّ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ فَيَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ عَلَيْهِ وَيَتَشَبَّثَ بِالْأَسْتَارِ سَاعَةً يَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ بِمَا أَحَبَّ مِنْ أُمُورِ الدَّارَيْنِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتُك الَّذِي جَعَلْته مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمَيْنِ اللَّهُمَّ كَمَا هَدَيْتنِي لَهُ فَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَلَا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ بَيْتِك وَارْزُقْنِي الْعَوْدَ إلَيْهِ حَتَّى تَرْضَى عَنِّي بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ، وَهُوَ يَمْشِي وَرَاءً وَبَصَرُهُ إلَى الْبَيْتِ مُتَبَاكِيًا مُتَحَسِّرًا عَلَى فِرَاقِ الْبَيْتِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَفِي ذَلِكَ إجْلَالُ الْبَيْتِ وَتَعْظِيمُهُ، وَهُوَ وَاجِبُ التَّعْظِيمِ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِهِ فِي تَعْظِيمِ الْأَكَابِرِ وَالْمُنْكِرُ لِذَلِكَ مُكَابِرٌ وَهَذَا تَمَامُ الْحَجِّ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى وَطَنِهِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ نَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَصْلٌ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ)؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي ابْتِدَاءِ الْحَجِّ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَفْعَالِ فَلَا يَكُونُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ سُنَّةٌ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ يَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ فَيُغْنِيهِ عَنْ طَوَافِ الْقُدُومِ كَالصَّلَاةِ الْفَرْضِ تُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ فِي الْعُمْرَةِ طَوَافُ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْعُمْرَةِ يُغْنِي عَنْهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَلَا يَجِبُ الْجَابِرُ بِتَرْكِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ الزَّوَالِ إلَى فَجْرِ النَّحْرِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَلَوْ جَاهِلًا أَوْ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ» وَهَذَا بَيَانُ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَالَ «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ» وَهَذَا بَيَانُ آخِرَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِعَرَفَةَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُصُولُ فَقَطْ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يُشْكِلُ بِالطَّوَافِ، فَإِنَّهُ لَوْ طَافَ هَارِبًا مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ طَالِبًا غَرِيمًا لَهُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الطَّوَافِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ حَتَّى أَجَزْتُمُوهُ مَعَ الْجَهْلِ؛ لِكَوْنِهِ عَرَفَةَ وَمَعَ عَدَمِ نِيَّةِ الطَّوَافِ قُلْنَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنُ الْعِبَادَةِ وَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ بِنَفْسِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ فَوُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَصْلِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ يُغْنِي عَنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي رُكْنِهِ كَمَا فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ وَلِهَذَا يُنْتَفَلُ بِهِ فَاشْتُرِطَ فِيهِ أَصْلُ النِّيَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعْيِينُ الْجِهَةِ كَمَا قُلْنَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ أَوْ نَقُولُ، إنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ مَا يُفْعَلُ فِي الْإِحْرَامِ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَالْوُقُوفُ يُؤْتَى بِهِ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ وَالطَّوَافُ يَقَعُ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ) بِضَمِّ الطَّاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ أَيْ طَعَامٌ يُشْبِعُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ «مَاءُ زَمْزَم لِمَا شُرِبَ لَهُ») أَيْ إنْ شَرِبْته لِتُشْفَى شَفَاك اللَّهُ، وَإِنْ شَرِبْته لِشِبَعِك أَشْبَعَك اللَّهُ، وَإِنْ شَرِبْته لِقَطْعِ ظَمَئِك قَطَعَهُ اللَّهُ، وَهِيَ هَزْمَةُ جِبْرِيلَ وَسُقْيَا اللَّهِ إسْمَاعِيلَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَتَشَبَّثَ) التَّشَبُّثُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ التَّعَلُّقُ. اهـ. صِحَاحٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا تَمَامُ الْحَجِّ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَعَنْ الْأَعْمَشِ. مِنْ إتْمَامِ الْحَجِّ ضَرْبُ الْجِمَالِ. [فَصْلٌ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ] (فَصْلٌ) حَاصِلُهُ مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ هِيَ عَوَارِضُ خَارِجَةٌ عَنْ أَصْلِ التَّرْتِيبِ، وَهِيَ تَتْلُو الصُّوَرَ السَّلِيمَةَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْعُمْرَةِ يُغْنِي عَنْهُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ عَنْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمَشْيُ، وَإِنْ أَسْرَعَ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ وُقُوفٍ عَلَى مَا قُرِّرَ فِي فَنِّهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ جَاهِلًا أَوْ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ) أَيْ وَكَذَا مَنْ كَانَ مَجْنُونًا أَوْ سَكْرَانَ أَوْ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَمْ يُجْزِئْهُ إلَخْ) قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ يُجْزِئُهُ وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ اهـ (قَوْلُهُ وَمَعَ عَدَمِ نِيَّةِ الْوُقُوفِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الطَّوَافِ وَالصَّوَابُ الْوُقُوفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعْيِينُ الْجِهَةِ) أَيْ حَتَّى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ طَوَافًا وَاجِبًا عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ أَجْزَأَهُ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَمَّا وَجَبَ بِالنَّذْرِ. اهـ. كَاكِيٌّ

التَّحَلُّلِ وَيَقَعُ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَصْلُ النِّيَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعْيِينُ الْجِهَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ الِاكْتِفَاءُ بِوُقُوفِ النَّهَارِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْوُقُوفِ فِي جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» رَوَاهُ بِمَعْنَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ بِإِغْمَائِهِ جَازَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَجُوزُ وَلَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ عِنْدَ عَجْزِهِ فَأَحْرَمَ عَنْهُ عِنْدَ إغْمَائِهِ جَازَ إجْمَاعًا لَهُمَا أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ نَائِبِهِ وَالدَّلَالَةُ تَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ وَجَوَازُ الْإِذْنِ بِهِ لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَكَيْفَ يَعْرِفُ الْعَوَامُّ دَلَالَتَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ صَرِيحًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِنَابَةَ فِي بَابِ الْحَجِّ جَائِزَةٌ فِي الْإِحْرَامِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّغِيرَ يُحْرِمُ عَنْهُ أَبُوهُ وَكَذَا فِي الْأَفْعَالِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا مَرُّوا بِهِ بِعَرَفَاتٍ وَحَطُّوا الْحَصَى فِي كَفِّهِ وَرَمَوْا بِهَا صَحَّ، وَكَذَا إذَا طَافُوا بِهِ بِأَمْرِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الِاسْتِنَابَةَ ثَابِتَةٌ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرِّفْقَةِ وَالِاجْتِمَاعَ لِلسَّفَرِ الَّذِي الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِحْرَامُ وَفِعْلُ الْمَنَاسِكِ اسْتِعَانَةً بِالرِّفْقَةِ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَالثَّابِتُ دَلَالَةً كَالثَّابِتِ نَصًّا كَشُرْبِ مَاءِ السِّقَايَةِ وَكَمَنْ أَوْضَعَ لَحْمًا فِي قِدْرٍ وَوَضَعَهَا عَلَى الْكَانُونِ وَطَبَخَهُ إنْسَانٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ دَلَالَةً؛ وَلِأَنَّ الْأَرْكَانَ كَالْوُقُوفِ وَالْوَاجِبَاتُ كَرَمْيِ الْجَارِ جَازَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِهِ إذَا عَجَزَ فَلَأَنْ يَجُوزَ الْإِحْرَامُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَهُوَ شَرْطٌ أَوْلَى وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ رُفَقَاؤُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ قِيلَ يَجُوزُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ) يَعْنِي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ أَوَامِرَ الشَّرْعِ عَامَّةُ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى الْخُصُوصِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (غَيْرَ أَنَّهَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا لَا رَأْسَهَا) وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا وَلَا يَذْكُرُ الْوَجْهَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا تُخَالِفُهُ فِي الرَّأْسِ فَيَكُونُ فِي ذِكْرِهِ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ وَلَا يُقَالُ، إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَعْلَمَ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِيهِ وَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ لَمَا عُرِفَ؛ لِأَنَّهُ، إنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنَّمَا لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ عَوْرَةٌ بِخِلَافِ رَأْسِ الرَّجُلِ وَوَجْهِهَا وَلَوْ سَدَلَتْ شَيْئًا عَلَى وَجْهِهَا وَجَافَتْهُ عَنْهُ جَازَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْنَا سَدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُلَبِّي جَهْرًا) بَلْ تُسْمِعُ نَفْسَهَا لَا غَيْرُ لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ أَوْ يُؤَدِّي إلَى الْفِتْنَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَرْمُلُ وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ)؛ لِأَنَّهُ مُخِلٌّ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهَا إظْهَارُ الْجَلَدِ؛ لِأَنَّ بِنْيَتَهَا غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلْحِرَابِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعْيِينُ الْجِهَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ) وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا الْعُمْرَةِ وَالْأَوَّلُ يَعُمُّهُمَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ الْوُقُوفِ فِي جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ) وَرُكْنُ الْوُقُوفِ وُقُوفُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ عِنْدَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ بِإِغْمَائِهِ جَازَ) أَيْ اسْتِحْسَانًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَجُوزُ) حَتَّى لَوْ أَفَاقَ فَأَدَّى الْمَنَاسِكَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ يَجُوزُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمْ أَيْ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَأَحْرَمَ) يَعْنِي أَحْرَمُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَعَنْ الرَّفِيقِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ حَتَّى لَوْ قُتِلَ صَيْدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ هَذَا؛ لِأَنَّ الرُّفَقَاءَ إذَا لَبِسُوا الرِّدَاءَ وَتَجَنَّبُوا الْمَحْظُورَاتِ صَارَ هُوَ مُحْرِمًا وَيَتَدَاخَلُ الْإِحْرَامَانِ وَصَارَ إحْرَامُهُمْ عَنْهُ كَإِحْرَامِ الْأَبِ عَنْ ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ مِنْ حَيْثُ، إنَّ عِبَارَتَهُ فِي الْإِهْلَالِ عَنْ ابْنِهِ كَعِبَارَةِ ابْنِهِ فَكَذَا عِبَارَةُ الرُّفَقَاءِ كَعِبَارَتِهِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُمْ إفْصَاحًا فَلَا يَلْزَمُهُمْ الْجَزَاءُ بِاعْتِبَارِ إحْرَامِهِ فَيَجِبُ عَلَى الرَّفِيقِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِإِحْرَامِ النِّيَابَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا النَّائِبُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي رُفَقَاءَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ جَازَ إجْمَاعًا) وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا يَجُوزُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَجَوَازُ الْإِذْنِ بِهِ) أَيْ بِعَقْدِ الرِّفْقَةِ وَقِيلَ بِالْإِحْرَامِ بِسَبَبٍ عِنْدَ الرِّفْقَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ) أَيْ وَلِهَذَا أَنْكَرَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَشُرْبِ مَاءِ السِّقَايَةِ) أَيْ بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا سَافَرُوا إلَّا لَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ جَازَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: وَالْمَرِيضُ لَوْ وَضَعَ فِي يَدِهِ ثُمَّ رَمَى عَنْهُ أَوْ رَمَى رَجُلٌ عَنْهُ أَجْزَأَهُ إذْ لَمْ يَقْدِرْ أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْجَوَازِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِعَجْزِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ غَيْرُ رُفَقَائِهِ) لَفْظَةُ غَيْرُ سَاقِطَةٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ وَالصَّوَابُ إثْبَاتُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ قِيلَ يَجُوزُ) أَيْ، وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ لَا الْوِلَايَةِ وَدَلَالَةُ الْإِعَانَةِ قَائِمَةٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ عُلِمَ قَصْدُهُ رَفِيقًا كَانَ أَوْ لَا وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ عِنْدَنَا اتِّفَاقًا كَالْوُضُوءِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ شَبَهُ الرُّكْنِ مَعَ ذَلِكَ فَجَازَتْ النِّيَابَةُ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِهِ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ كَالْوُضُوءِ إلَخْ كَمَنْ أَجْرَى الْمَاءَ عَلَى أَعْضَاءِ الْمُحْدِثِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ مُتَوَضِّئًا أَوْ غَطَّى عَوْرَةَ عُرْيَانَ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ مُحَصِّلًا لِلشَّرْطِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ) قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ وَكَانَ الْجَصَّاصُ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يَجُوزُ وَلَا تَخْتَصُّ بِذَلِكَ رُفَقَاؤُهُ بَلْ هُمْ وَغَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ) أَيْ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا فِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً وَالْخَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً هَذِهِ مَذْكُورَةٌ فِيهَا. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَوَامِرَ الشَّرْعِ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ) لَفْظَةُ فِي لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا) أَيْ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ سَدَلَتْ شَيْئًا) أَيْ أَرْسَلَتْ مِنْ سَدَلَ الثَّوْبَ أَرْسَلَهُ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَسْدَلَتْ وَفِي الْمُغْرِبِ أَسْدَلَتْ خَطَأٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَجَافَتْهُ) وَجَافِيَهُ بِالْجِيمِ أَيْ بَاعَدَتْ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَنْ وَجْهِهَا. اهـ. كَاكِيٌّ

وَلَا تَحْلِقُ رَأْسَهَا وَلَكِنْ تُقَصِّرُ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ الْحَلْقُ، إنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّ حَلْقَ رَأْسِهَا مُثْلَةٌ كَحَلْقِ اللِّحْيَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَلْبَسُ الْمَخِيطَ)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبَاحَ السَّرَاوِيلَ وَالْقَمِيصَ لِلنِّسَاءِ الْمُحْرِمَاتِ» فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ وَلِأَنَّ فِي لُبْسِ غَيْرِ الْمَخِيطِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ وَلَا تَضْطَبِعُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الرَّمَلِ وَلَا تَسْتَلِمُ الْحَجَرَ إذَا كَانَ هُنَاكَ جَمْعٌ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَنْ مُمَاسَّةِ الرِّجَالِ، وَإِنْ وَجَدَتْهُ خَالِيًا عَنْ الرِّجَالِ اسْتَلَمَتْهُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ وَتَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ وَالْقُفَّازَيْنِ وَتَتْرُكُ طَوَافَ الصَّدْرِ بِعُذْرِ الْحَيْضِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا دَمٌ بِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِعُذْرِ الْحَيْضِ وَلَا تَحُجُّ إلَّا مَعَ الْمَحْرَمِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تُقَصِّرُ مِنْ رَأْسِهَا مَا شَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِالرُّبُعِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِي التَّقْدِيرِ بِالرُّبُعِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا وَلَا يَخْلُو بِامْرَأَةٍ وَلَا رَجُلٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَوْ يَكُونُ ذَكَرًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَلَّدَ بَدَنَةً تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا أَوْ جَزَاءَ صَيْدٍ أَوْ نَحْوَهُ فَتَوَجَّهَ مَعَهَا يُرِيدُ الْحَجَّ فَقَدْ أَحْرَمَ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ إذَا قَلَّدَ الرَّجُلُ هَدْيَهُ فَقَدْ أَحْرَمَ وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ كَالْمَرْفُوعِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا سَاقَهُ لِقَوْلِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كُنْت فَتَلَتْ قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا فَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ حِلًّا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ؛ وَلِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ بَعْدَ التَّقْلِيدِ فِي مَعْنَى التَّلْبِيَةِ إذْ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ فَصَارَ مِنْ خَصَائِصِهِ كَالتَّلْبِيَةِ إذْ الْمَقْصُودُ بِالتَّلْبِيَةِ إظْهَارُ الْإِجَابَةِ لِلدَّعْوَةِ وَبِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ يَحْصُلُ إظْهَارُ الْإِجَابَةِ أَيْضًا وَإِظْهَارُ الْإِجَابَةِ قَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ مِنْ شَعَائِرِ الْحَجِّ كَالتَّلْبِيَةِ، فَإِذَا اتَّصَلَ بِالنِّيَّةِ يَكُونُ مُحْرِمًا كَالتَّلْبِيَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَّدَهُ وَلَمْ يَسُقْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِهِ لَلَزِمَ الْحَرَجُ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَلَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي بَدَنَةٍ فَقَلَّدَهَا أَحَدُهُمْ صَارُوا مُحْرِمِينَ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْبَقِيَّةِ وَسَارُوا مَعَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَعَثَ بِهَا ثُمَّ تَوَجَّهَ إلَيْهَا لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ»؛ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ هَدْيٌ يَسُوقُهُ عِنْدَ التَّوَجُّهِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَبِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا، فَإِذَا أَدْرَكَهَا فَقَدْ اُقْتُرِنَتْ نِيَّتُهُ بِعَمَلٍ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْحَجِّ فَيَصِيرُ مُحْرِمًا كَمَا لَوْ سَاقَهَا مِنْ الِابْتِدَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا فِي بَدَنَةِ الْمُتْعَةِ) فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا حِينَ تَوَجَّهَ إلَيْهَا مَعْنَاهُ إذْ نَوَى الْإِحْرَامَ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِيرَ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا لِمَا بَيَّنَّا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا الْهَدْيَ مَشْرُوعٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ نُسُكًا مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَضْعًا؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَكَّةَ وَيَجِبُ شُكْرًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ يَجِبُ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ مَكَّةَ؛ وَلِأَنَّ لِهَدْيِ الْمُتْعَةِ نَوْعَ اخْتِصَاصٍ بِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ بِسَبَبِهِ، فَإِنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ، فَكَذَا فِي ابْتِدَاءِ الشُّرُوعِ يَخْتَصُّ بِأَنْ يَصِيرَ مُحْرِمًا بِنَفْسِ التَّوَجُّهِ وَقَالَ أَبُو الْيُسْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَدْيُ الْقِرَانِ كَذَلِكَ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الرُّقَيَّاتِ أَنَّ هَدْيَ الْمُتْعَةِ، إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِهِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ إذَا حَصَلَ التَّقْلِيدُ وَالتَّوَجُّهُ إلَيْهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَمَّا إذَا حَصَلَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَا يَكُونُ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهِ وَصِفَةُ التَّقْلِيدِ أَنْ يُعَلِّقَ فِي عُنُقِ بَدَنَتِهِ قِطْعَةَ نَعْلٍ وَشِرَاكَ نَعْلٍ أَوْ عُرْوَةَ مَزَادَةٍ أَوْ لِحَاءَ شَجَرٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ هَدْيٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ جَلَّلَهَا أَوْ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَ شَاةً لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا) يَعْنِي، وَإِنْ سَاقَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ التَّجْلِيلَ لِدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالذِّبَّانِ وَالْإِشْعَارُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَكُونُ مِنْ النُّسُكِ وَعِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ حَسَنًا فَقَدْ يُفْعَلُ لِلْمُعَالَجَةِ بِخِلَافِ التَّقْلِيدِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْهَدْيِ وَالتَّجْلِيلُ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ هَدَايَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ مُقَلَّدَةً مُجَلَّلَةً وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ: «تَصَدَّقْ بِجَلَالِهَا وَخِطَامِهَا» عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالتَّقْلِيدُ أَحَبُّ مِنْ التَّجْلِيلِ؛ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَلْبَسُ الْمَخِيطَ) أَيْ وَلَكِنْ لَا تَلْبَسُ الْمَصْبُوغَ بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ غُسِلَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَزَيُّنٌ، وَهُوَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ ذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تُقَصِّرُ مِنْ رَأْسِهَا مَا شَاءَتْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَسَابِعُهَا لَيْسَ عَلَيْهَا التَّقْصِيرُ فِي الرَّأْسِ قَدْرَ رُبُعِ الرَّأْسِ كَمَا فِي الرَّجُلِ بَلْ عَلَيْهَا أَنْ تُقَصِّرَ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهَا قَدْرَ أُنْمُلَةٍ لِقَوْلِ عُمَرَ الْمَرْأَةُ تَقُصُّ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ جَزَاءَ صَيْدٍ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ جَزَاءُ الصَّيْدِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ قُلْنَا هَذَا فِي حَقِّ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ أَوْ جَزَاءُ صَيْدِ الْحَرَمِ بِأَنْ قَتَلَ الْحَلَالُ نَعَامَةَ الْحَرَمِ وَوَجَبَتْ قِيمَتُهَا جَزَاءً. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ نَحْوَهُ) يُرِيدُ بِهِ دَمًا وَجَبَ جَبْرًا لِنَقَائِصِ الْحَجِّ كَمَا لَوْ طَافَ جُنُبًا طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَاشْتَرَى بَدَنَةً فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَتَوَجَّهَ مَعَهَا أَوْ يُرِيدُ بِهِ الْبَدَنَةَ لِلْمُتْعَةِ أَوْ لِلْقِرَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَتَوَجَّهَ مَعَهَا يُرِيدُ الْحَجَّ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ التَّقْلِيدُ وَالتَّوَجُّهُ مَعَهَا وَنِيَّةُ النُّسُكِ وَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ قَلَّدَ بَدَنَةً بِغَيْرِ نِيَّةِ الْإِحْرَامِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا وَلَوْ سَاقَهَا هَدْيًا قَاصِدًا إلَى مَكَّةَ صَارَ مُحْرِمًا بِالسَّوْقِ نَوَى الْإِحْرَامَ أَوْ لَمْ يَنْوِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِظْهَارُ الْإِجَابَةِ قَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ) أَيْ كَمَا إذَا قِيلَ لَك يَا فُلَانُ فَأَسْرَعْت إلَى خِدْمَتِهِ حَتَّى مَثُلْت بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَذِهِ إجَابَةُ الْفِعْلِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَسَارُوا مَعَهَا) أَيْ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِمْ لَا يَصِيرُونَ مُحْرِمِينَ إلَّا الْمُقَلِّدَ وَحْدَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ مَشْرُوعٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ نُسُكًا) اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ وَجَبَ ابْتِدَاءً جَزَاءٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَضْعًا) أَرَادَ بِهِ الْوَضْعَ الشَّرْعِيَّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ لِحَاءَ شَجَرٍ) هُوَ بِالْمَدِّ قِشْرُهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالذِّبَّانِ) الذُّبَابُ جَمْعُهُ فِي الْكَثْرَةِ ذِبَّانٌ مِثْلُ غُرَابٌ وَغِرْبَانٌ وَفِي الْقِلَّةِ أَذِبَّةٌ الْوَاحِدُ ذُبَابَةٌ. اهـ. مِصْبَاحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَقَدْ يَكُونُ لِلزِّينَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ

[باب القران]

سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقْلِيدُ الشَّاةِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ أَيْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبُدْنُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً» الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «نَحَرْنَا الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْمُغْرِبِ الْبَدَنَةُ فِي اللُّغَةِ مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً وَلَنَا قَوْلُ الْخَلِيلِ، إنَّ الْبَدَنَةَ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ تُهْدَى إلَى مَكَّةَ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ وَلِأَنَّ الْبَدَنَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَدَانَةِ، وَهِيَ الضَّخَامَةُ وَقَدْ اشْتَرَكَا فِيهَا وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْبَدَنَةُ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الْبَدَنَةُ تَقَعُ عَلَى الْجَمَلِ وَالنَّاقَةُ وَالْبَقَرَةُ، وَهِيَ بِالْإِبِلِ أَشْبَهَ لِعِظَمِهَا، وَهِيَ مِنْ بَدَنَ بَدَانَةً مِثْلَ كَرُمَ كَرَامَةً وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «كُنَّا نَنْحَرُ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» فَقِيلَ لَهُ وَالْبَقَرَةُ فَقَالَ وَهَلْ هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. (بَابُ الْقِرَانِ) الْقِرَانُ مَصْدَرٌ مِنْ قَرَنْت إذَا جَمَعْت بَيْنَ شَيْئَيْنِ يُقَالُ قَرَنْت الْبَعِيرَيْنِ إذَا جَمَعْت بَيْنَهُمَا بِحَبْلٍ وَالْقَارِنُ الْجَامِعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَشْهَبُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ ثُمَّ الْقِرَانُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَمَتَّعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيُحْلِلْ ثُمَّ يُهِلْ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ وَلَمْ يُحْلِلْ هُوَ مِنْ شَيْءٍ حُرِّمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ» بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «تَمَتَّعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَلِلشَّافِعِيِّ حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ «أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ خَالِصًا لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَطُفْنَا وَسَعَيْنَا ثُمَّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُحِلَّ وَقَالَ لَوْلَا هَدْيِي لَحَلَلْت ثُمَّ قَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت مُتْعَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ لِلْأَبَدِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَكَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ» الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ لَسْنَا نَنْوِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبُدْنُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ) فِي جَامِعِ الْعَتَّابِيِّ إذَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْبَدَنَةَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَنَا إنْ شَاءَ أَهْدَى الْإِبِلَ، وَإِنْ شَاءَ أَهْدَى الْبَقَرَةَ، وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَدْيَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمُ وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْجَزُورَ فَهُوَ مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً لِكُلٍّ عِنْدَنَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً) وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِاسْمٍ خَاصٍّ لَا يَنْفِي الدُّخُولَ فِي اسْمٍ عَامٍّ وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالِاسْمِ الْأَعَمِّ فِي الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْبَدَنَةُ خُصُوصَ بَعْضِ مَا يَصْلُحُ لَهُ، وَهُوَ الْجَزُورُ لَا كُلَّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةِ إعْطَاءِ الْبَقَرَةِ لِمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فِي مَقَامِ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْأَجْرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمُسَارَعَةِ وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ خُصُوصُ الْجَزُورِ إلَّا ظَاهِرًا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْإِرَادَةِ الْأَخَصِّ بِخُصُوصِهِ بِالْأَعَمِّ لَكِنْ يَلْزَمُهُ النَّقْلُ وَالْحُكْمُ بِاسْتِعْمَالِ لَفْظٍ فِي خُصُوصِ بَعْضِ مَاصَدَقَاتِهِ مَعَ الْحُكْمِ بِبَقَاءِ مَا اسْتَقَرَّ لَهُ عَلَى حَالِهِ أَسْهَلُ مِنْ الْحُكْمِ بِنَقْلِهِ عَنْهُ بِسَبَبِ اسْتِعْمَالٍ مِنْ الِاسْتِعْمَالَاتِ مِنْ غَيْرِ كَثْرَةٍ فِيهِ وَعِنْدَ تَعَارُضِ الْحُكْمَيْنِ وَلُزُومِ أَحَدِهِمَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالنَّقْلِ فِي لِسَانِ أَهْلِ الْعُرْفِ الَّذِي يَدَّعِي نَقْلَهُ إلَيْهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ كُنَّا نَنْحَرُ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ فَقِيلَ وَالْبَقَرَةُ فَقَالَ وَهَلْ هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ اهـ. [بَابُ الْقِرَانِ] (بَابُ الْقِرَانِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْإِفْرَادِ بِالْحَجِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِرَانِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمُفْرَدِ سَابِقٌ عَلَى وُجُودِ الْمُرَكَّبِ، وَإِنْ قَدَّمَ الْقِرَانَ عَلَى التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْهُ عِنْدَنَا اهـ (قَوْلُهُ الْقِرَانُ مَصْدَرٌ) وَمَصْدَرُ الثَّلَاثِي يَجِيءُ عَلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا فِعَالٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ بَابِ قَتَلَ وَفِي لُغَةٍ مِنْ بَابِ ضَرَبَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَامِ وَالِاسْمُ الْقِرَانُ مِثْلُ كِتَابٍ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَرَنَ الشَّخْصُ لِلسَّائِلِ إذَا جَمَعَ لَهُ بَعِيرَيْنِ فِي قِرَانٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْحَبْلُ وَالْقَرَنُ بِفَتْحَتَيْنِ لُغَةً فِيهِ قَالَ الثَّعَالِبِيُّ لَا يُقَالُ لِلْحَبْلِ قَرَنٌ حَتَّى يُقْرَنَ فِيهِ بَعِيرَانِ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ هَكَذَا نَقَلَ أَصْحَابُنَا قَوْلَ مَالِكٍ وَلَكِنْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْإِفْرَادُ بِالْحَجِّ أَحَبُّ إلَى مَالِكٍ مِنْ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ مَالِكٌ: وَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ وَلَا ذِكْرَ لِلْقِرَانِ فِيهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا ذِكْرَ لِلْقِرَانِ فِي كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَنَقُولُ لَا نُسَلِّمُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَقَدْ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ إتْمَامَهُمَا أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ لَوْلَا هَدْيِي) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ هَكَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ اهـ

إلَّا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْرَدَ الْحَجَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخَذْت بِرِوَايَةِ جَابِرٍ لِتَقَدُّمٍ صُحْبَتِهِ وَحُسْنِ سِيَاقِهِ لِابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ وَبِرِوَايَةِ عَائِشَةَ لِفَضْلِ حِفْظِهَا وَبِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ لِقُرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَادَّعَى أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ أَفْرَدُوا الْحَجَّ وَاخْتِلَافُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فِي كَرَاهِيَةِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ دُونَ الْإِفْرَادِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْقِرَانُ رُخْصَةٌ» فَالْعَزِيمَةُ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ فِي الْإِفْرَادِ زِيَادَةُ التَّلْبِيَةِ وَالسَّفَرُ وَالْحَلْقُ فَكَانَ أَوْلَى وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَإِتْمَامُهُمَا أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ كَذَا فَسَّرَتْهُ الصَّحَابَةُ، وَهُوَ الْقِرَانُ وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَعَنْهُ «سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالتَّكْرَارُ لِتَأْكِيدِ أَمْرِ الْقِرَانِ وَعَنْ «مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ شَهِدْت عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَعُثْمَانَ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ فَقَالَ مَا كُنْت أَدَعُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» لِقَوْلِ أَحَدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ قَالَ «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ سُرَاقَةُ «قَرَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الْهِرْمَاسُ بْنُ زِيَادٍ الْبَاهِلِيُّ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ» وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ «أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ كَيْفَ أَهْلَلْت قُلْت أَهْلَلْت بِإِهْلَالِك فَقَالَ أَنِّي سُقْت الْهَدْيَ وَقَرَنْت» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ قَارِنًا» وَرَوَى ذَلِكَ عَنْهُ سِتَّةَ عَشْرَ صَحَابِيًّا بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ وَهُمْ عُمَرُ وَابْنُهُ وَعَلِيٌّ وَجَابِرٌ وَعِمْرَانُ وَالْبَرَاءُ وَأَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو قَتَادَةَ وَابْنُ أَبِي أَوْفَى وَسُرَاقَةُ وَأَبُو طَلْحَةَ وَالْهِرْمَاسُ وَعَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ مَعَ الِاعْتِكَافِ وَالْحِرَاسَةَ فِي سَبِيلِ اللَّه تَعَالَى مَعَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالتَّلْبِيَةُ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ نُسُكٍ، وَهُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ وَفِيهِ امْتِدَادُ إحْرَامِهِمَا بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ وَالْمُفْرِدِ وَالسَّفَرُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَالْحَلْقُ خُرُوجٌ عَنْ الْعِبَادَةِ فَلَا يَتَرَجَّحُ بِهَا إذْ الْمَقْصُودُ بِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْقِرَانُ رُخْصَةٌ» نَفْيُ قَوْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ أَوْ بِسُقُوطِ سَفَرِ الْعُمْرَةِ صَارَ رُخْصَةً؛ وَلِأَنَّ فِيمَا قُلْنَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ كُلِّهَا فَكَانَ أَوْلَى بَيَانُهُ أَنَّ الْقَارِنَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُلَبِّيَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَبِأَحَدِهِمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فِي اللَّفْظِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُلَبِّي بِهِمَا تَارَةً وَبِأَحَدِهِمَا أُخْرَى فَمَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ فَقَطْ قَالَ كَانَ مُفْرِدًا وَمَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْعُمْرَةِ قَالَ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَمَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِهِمَا أَوْ عَرَفَ حَقِيقَةَ الْحَالِ قَالَ كَانَ قَارِنًا؛ وَلِأَنَّ مَا يَرْوِيه الشَّافِعِيُّ يُثْبِتُ الْحَجَّ وَمَا يَرْوِيهِ أَحْمَدُ يُثْبِتُ الْعُمْرَةَ فَثَبَتَا وَمَا نَرْوِيهِ نَحْنُ يُثْبِتُ الْجَمِيعَ فَلَا تَنَافِي مَعَ أَنَّ الْمُثْبِتَ أَوْلَى مِنْ النَّافِي؛ وَلِأَنَّ بَعْضَ مَا رَوَيْنَا يَنُصُّ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ قَرَنَتْ وَفِي بَعْضِهَا يَنُصُّ الرَّاوِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمِعَتْهُ يُلَبِّي بِهِمَا فَكَانَ مُفَسَّرًا بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ؛ وَلِأَنَّ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ رَوَى خِلَافَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ فَتَعَيَّنَ تَرْكُ رِوَايَتِهِمْ لِلتَّنَاقُضِ وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَأَوْرَدْنَاهَا مُفَصَّلَةً وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ عِنْدَنَا يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ وَعِنْدَهُ طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْرَدَ الْحَجَّ») رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ». اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَبِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ لِقُرْبِهِ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْهَا الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْقِرَانُ رُخْصَةٌ») قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِي الْأَدَاءِ مُتَعَذِّرٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ مَعَ الِاعْتِكَافِ وَالْحِرَاسَةِ مَعَ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً فِي الْإِحْرَامِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْأَرْكَانِ عِنْدَنَا بَلْ شَرْطٌ فَلَا يَتِمُّ التَّشْبِيهُ، وَأَيْضًا عَلِمْت أَنَّ مَوَاضِعَ الْخِلَافِ مَا إذَا أَتَى بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَكِنْ أَفْرَدَ كُلًّا مِنْهُمَا فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ يَكُونُ الْقِرَانُ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامِهِمَا أَفْضَلَ فَمُلَاقَاةُ التَّشْبِيهِ تَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا صَامَ يَوْمًا بِلَا اعْتِكَافٍ ثُمَّ اعْتَكَفَ يَوْمًا آخَرَ بِلَا صَوْمٍ نَفْلًا أَوْ حَرَسَ لَيْلًا بِلَا صَلَاةٍ وَصَلَّى لَيْلَةً بِلَا حِرَاسَةٍ يَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَفْضَلَ، وَهَذَا لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بِسَمْعٍ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْأَثْوَبِيَّةِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ اهـ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قِيلَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ إذَا قَرَنَ يَصِيرُ مُخَالِفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَوْ كَانَ الْقِرَانُ أَفْضَلَ مِنْ الْإِفْرَادِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَفْضَلَ مِمَّا أُمِرَ وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ وَاحِدٌ بِالْحَجِّ وَآخَرُ بِالْعُمْرَةِ فَقَرَنَ لَا يُجْزِئُهُ، وَقَدْ أَتَى بِالْأَفْضَلِ قُلْنَا: إنَّهُ مَأْمُورٌ بِصَرْفِ النَّفَقَةِ إلَى عِبَادَةٍ تَقَعُ لِلْآمِرِ عَلَى الْخُلُوصِ، وَهِيَ إفْرَادُ الْحَجِّ لَهُ وَقَدْ صَرَفَهَا إلَى عِبَادَةٍ تَقَعُ لِلْآمِرِ وَعِبَادَةٍ تَقَعُ لِنَفْسِهِ فَكَانَ مُخَالِفًا لِأَمْرِهِ فَيَضْمَنُ، وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، إنَّمَا لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ بِإِخْلَاصِ سَفْرَةٍ لَهُ، وَإِنْفَاقِ مَالِهِ فِي كُلِّ سَفْرَةٍ وَلَمْ يَفْعَلْ فَيَضْمَنُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ مَعَ الِاعْتِكَافِ وَالْحِرَاسَةَ) يَعْنِي يَحْمِي الْغُزَاةَ وَيُصَلِّي أَيْضًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ) تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ، وَفِيهِ امْتِدَادُ إحْرَامِهِمَا وَقَوْلُهُ وَالْمُفْرِدُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ نُسُكٍ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ فَاعْلَمْهُ اهـ (قَوْلُهُ الْقِرَانُ رُخْصَةٌ) أَيْ لَوْ صَحَّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ نَفْيُ قَوْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إلَخْ) وَكَانُوا يُحْرِمُونَ بِالْعُمْرَةِ حِينَ يَنْسَلِخُ ذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ فَنَفَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ الْقِرَانُ رُخْصَةٌ يَعْنِي أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ جَائِزَةٌ وَلَمْ يُرِدْ بِهَا حَقِيقَةَ الرُّخْصَةِ، وَهِيَ مَا بُنِيَ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ بَلْ الْقِرَانُ عَزِيمَةٌ كَالْإِفْرَادِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

وَاحِدًا لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا» وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ الصَّبِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّهُ قَالَ «كُنْت رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمْت وَأَهْلَلْت بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ قَالَ فَسَمِعَنِي زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَنَا أَهِلُّ بِهِمَا فَقَالَا لَهَذَا أَضَلُّ مِنْ بَعِيرِ أَهْلِهِ فَكَأَنَّمَا حُمِّلَ عَلَيَّ بِكَلِمَتِهِمَا جَبَلٌ فَقَدِمْت عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرْته فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمَا فَلَامَهُمَا وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَقَالَ سَبِيلُهُمَا وَاحِدٌ وَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ كَمَا صَنَعْت» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ؛ وَلِأَنَّ الْقِرَانَ هُوَ الْجَمْعُ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ إلَّا أَحَدَهُمَا لَمْ يَكُنْ جَامِعًا؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَدَاخُلَ فِي الْعِبَادَةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَبَطَلَ مَا قَالَ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ غَيْرُ مَرْفُوعٍ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ فَلَا يُعَارِضُ الْمَرْفُوعَ وَحَدِيثُ جَابِرٍ مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ رَوَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ مُفْرِدًا» عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً وَمَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ أَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا جَمْعَ مُتْعَةٍ لَا جَمْعَ قِرَانٍ؛ لِأَنَّ حُجَّتَهُمْ الْمَضْمُومَةَ إلَى الْعُمْرَةِ كَانَتْ مَكِّيَّةً ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْإِفْرَادِ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْبَيَانِ هَلْ هُوَ إفْرَادُ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِحْرَامٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ الْمُرَادُ الثَّالِثُ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ اسْتِدْلَالًا بِمَوَاضِع الِاحْتِجَاجِ فَإِنَّهُ قَالَ مِنْ جِهَةِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ فِي الْإِفْرَادِ زِيَادَةَ التَّلْبِيَةِ وَالسَّفَرَ وَالْحَلْقَ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بِإِحْرَامٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ حَجَّةٌ كُوفِيَّةٌ وَعُمْرَةٌ كُوفِيَّةٌ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْ الْقِرَانِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْوَاقِعَ فِيهِ، إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ أَفْضَلُ أَوْ الْجَمْعُ بَيْنُهُمَا أَفْضَلُ وَأَمَّا كَوْنُ الْقِرَانِ أَفْضَلَ مِنْ الْحَجِّ وَحْدَهُ فَمَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ فِي الْقِرَانِ الْحَجَّ وَزِيَادَةً وَجُعِلَ نَظِيرَ هَذَا الِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَفْضَلُ أَمْ بِتَحْرِيمَتَيْنِ أَفْضَلُ وَلَمْ يَنْقُلْ فِيهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا قَالَهُ حَزْرًا وَاسْتِدْلَالًا بِمَوَاضِعِ الِاحْتِجَاجِ وَإِطْلَاقُهُمْ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يُرَادُ بِهِ الْإِفْرَادُ بِالْحَجِّ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَكَانَ مُحَمَّدٌ مَعَ الشَّافِعِيِّ أَوْ كُلُّهُمْ كَانُوا مَعَهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ قَوْلَهُمَا خِلَافُ ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَهُوَ أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ فَيَسِّرْهُمَا لِي وَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي) أَيْ الْقِرَانَ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا مِنْ الْمِيقَاتِ إلَى آخِرِهِ لِمَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ؛ وَلِأَنَّ الْقِرَانَ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ وَبِهِ يَتَحَقَّقُ الْجَمْعُ وَاشْتِرَاطُ الْإِهْلَالِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمِيقَاتِ جَازَ وَصَارَ قَارِنًا، وَهُوَ أَفْضَلُ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا دَاخِلَ الْمِيقَاتِ أَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ صَارَ قَارِنًا لِوُجُودِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلَوْ طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ صَارَ مُتَمَتِّعًا وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهُ صَارَ قَارِنًا لِمَا ذَكَرْنَا وَقَدْ أَسَاءَ لِتَقْدِيمِهِ إحْرَامَ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ فِعْلًا فَكَذَا إحْرَامًا وَلِهَذَا يُقَدِّمُ الْعُمْرَةَ بِالذِّكْرِ إذَا أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا وَفِي التَّلْبِيَةِ بَعْدَهُ وَالدُّعَاءُ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، وَهِيَ مُؤَخَّرَةٌ فِيمَا تَلَوْنَا وَفِي بَعْضِ مَا رَوَيْنَا وَلَوْ أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ بَعْدَمَا طَافَ لِلْحَجِّ طَوَافَ الْقُدُومِ يَكُونُ قَارِنًا وَيَلْزَمُهُ دَمُ جَبْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ دَمُ شُكْرٍ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ فِي رَمَضَانَ فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ هَلْ هُوَ إفْرَادُ الْحَجَّةِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْ الْقِرَانِ) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِسَفَرَيْنِ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ مِنْ سَفَرٍ وَاحِدٍ وَأَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَحْمَزُهَا مَا لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ نَهْيٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ فِي التَّمَتُّعِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا كَوْنُ الْقِرَانِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَأَمَّا كَوْنُ الْقَارِنِ (قَوْلُهُ وَجَعَلَ) أَيْ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ إلَخْ) أَيْ فَلْيَكُنْ مَعَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ قَوْلَهُمَا خِلَافُ ذَلِكَ) أَيْ بَلْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ عِنْدِي اهـ. (قَوْلُهُ، وَهُوَ أَنْ يُهِلَّ) أَيْ يُحْرِمَ. اهـ. ع (قَوْلُهُ وَيَقُولُ) أَيْ عَقِيبَ الصَّلَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ صَارَ قَارِنًا إلَخْ)؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَشْوَاطِ مِنْ الْعُمْرَةِ بَاقٍ فَصَارَ كَأَنَّ الْكُلَّ بَاقٍ حُكْمًا اهـ (قَوْلُهُ، وَهِيَ مُؤَخَّرَةٌ فِيمَا تَلَوْنَا) أَيْ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]. اهـ. (قَوْلُهُ يَكُونُ قَارِنًا، وَيَلْزَمُهُ دَمُ جَبْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ) وَفِي الْبَدَائِعِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرْفُضَ الْعُمْرَةَ وَلَوْ مَضَى عَلَيْهِ جَازَ وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ فِي رَمَضَانَ فَهُوَ قَارِنٌ) أَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الْقَارِنِ مَعَ أَنَّهُ أَتَى بِالْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّمَتُّعَ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلَوْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا بِإِحْرَامٍ مَكِّيٍّ لِلْحَجِّ وَلِذَلِكَ أَثْبَتَ حُكْمَ التَّمَتُّعِ فِي الْقَارِنِ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ فِي أَوَّلِ بَابِ التَّمَتُّعِ عَلَى الْهَامِشِ وَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ فَهُوَ قَارِنٌ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إلَخْ اهـ.

قَارِنٌ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَطُفْ لِعُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَيَطُوفُ وَيَسْعَى لَهَا) أَيْ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِلْعُمْرَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الطَّوَافِ وَيُهَرْوِلُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ فِي السَّعْيِ وَيُصَلِّي بَعْدَ الطَّوَافِ رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (ثُمَّ يَحُجُّ كَمَا مَرَّ) فَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ وَيَفْعَلُ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْحَجِّ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْمُفْرِدِ، وَإِنَّمَا يُقَدِّمُ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَكَلِمَةُ إلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ فَيُقَدِّمُ الْعُمْرَةَ ضَرُورَةً حَتَّى يَكُونَ الِانْتِهَاءُ بِالْحَجِّ وَالْآيَةُ، وَإِنْ نَزَلَتْ فِي التَّمَتُّعِ فَالْقِرَانُ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَرَفَّقَ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ فِيهِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْأَوَّلَ لِلْحَجِّ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْعُمْرَةِ كَرَمَضَانَ وَكَطَوَافِ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ إذَا نَوَاهُ لِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ إلَّا لَهُ وَلَا يَتَحَلَّلُ بَيْنَهُمَا بِالْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامَيْنِ أَمَّا عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَوَانَ التَّحَلُّلِ فِيهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَمَّا عَلَى إحْرَامُ الْعُمْرَةِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَوَانَ تَحَلُّلِ الْقَارِنِ يَوْمَ النَّحْرِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُنْتَقَى فَقَالَ قَارِنٌ طَافَ لِعُمْرَتِهِ ثُمَّ حَلَقَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ وَلَا يَتَحَلَّلُ مِنْ عُمْرَتِهِ بِالْحَلْقِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَقَعُ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامَيْنِ وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ وَفَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَحَلَقَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وَلَا يَتَحَلَّلُ بِذَلِكَ مِنْ عُمْرَتِهِ بَلْ يَكُونُ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامِهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَهَذَا أَوْلَى وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِيهِ يَكُونُ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِالْحَلْقِ بَعْدَ الذَّبْحِ كَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ طَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ جَازَ وَأَسَاءَ) أَيْ لَوْ طَافَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَوَافَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْعَى بَيْنَهُمَا ثُمَّ سَعَى سَعْيَيْنِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَيْهِ وَأَسَاءَ بِتَأْخِيرِهِ سَعْيَ الْعُمْرَةِ وَتَقْدِيمِ طَوَافِ التَّحِيَّةِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ شَيْءٌ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ النُّسُكِ وَتَأْخِيرَهُ لَا يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَهُمَا وَأَمَّا عِنْدَهُ فَطَوَافُ الْقُدُومِ سُنَّةٌ فَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الْجَابِرَ فَكَذَا تَقْدِيمُهُ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ أَهْوَنُ مِنْ التَّرْكِ وَالسَّعْيُ تَأْخِيرُهُ بِعَمَلٍ آخَرَ كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا فَكَذَا بِالِاشْتِغَالِ بِالطَّوَافِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِذَا رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ سُبُعَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَالْقِرَانُ بِمَعْنَى التَّمَتُّعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَارِنًا وَذَبَحَ الْهَدَايَا» وَقَالَ جَابِرٌ «حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَرَادَ بِالْبَدَنَةِ هُنَا الْبَعِيرَ وَالْبَقَرَةَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَدَنَةِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَيُجْزِئُ سُبُعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ وَاحِدٍ وَالْهَدْيُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَكُلُّ مَا كَانَ أَعْظَمَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَامَ الْعَاجِزُ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ وَسَبْعَةً إذَا فَرَغَ وَلَوْ بِمَكَّةَ) أَيْ صَامَ الْعَاجِزُ عَنْ الْهَدْيِ إلَى آخِرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] الْآيَةَ، وَهُوَ، وَإِنْ نَزَلَ فِي التَّمَتُّعِ فَالْقِرَانُ بِمَعْنَاهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَتَنَاوَلُهُ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ لِأَجْلِ شُكْرِ النِّعْمَةِ حَيْثُ وُفِّقَ لِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَالْقَارِنُ يُشَارِكُهُ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقْتُهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْحَجِّ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا وَوَقْتُهُ أَشْهُرُ الْحَجِّ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَطُوفُ وَيَسْعَى لَهَا) أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمَّا لَوْ طَافَ لَهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يَكُونُ قَارِنًا كَمَا أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ أَوَّلَ بَابِ التَّمَتُّعِ اهـ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ) أَيْ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ مَعَ الرَّمَلِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَالسَّعْيُ بَعْدَ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ هِيَ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعُمْرَةَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ ثُمَّ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ إنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْعُمْرَةِ لَكِنَّ الْقَارِنَ لَيْسَ عَلَيْهِ حَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَسْعَى بَعْدَهُ) يَعْنِي أَنَّهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ يَبْدَأُ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَارِنٌ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ شَرَعَ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَيَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ فِي ابْتِدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الْحَجِّ لَا الْعُمْرَةِ وَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَيَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي فِي كُلِّ شَوْطٍ كَمَا فِي الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْآيَةُ، وَإِنْ نَزَلَتْ فِي التَّمَتُّعِ فَالْقِرَانُ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إلَخْ) أَوْ نَقُولُ قَدْ صَحَّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَرَنَ الْحَجَّ بِالْعُمْرَةِ» وَقَدْ قَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَدَائِهِ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ فَيُقَدِّمُ الْقَارِنُ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ جَازَ وَأَسَاءَ)، وَإِنَّمَا صَارَ مُسِيئًا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي حَقِّ الْقَارِنِ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى لِعُمْرَتِهِ ثُمَّ يَطُوفَ وَيَسْعَى لِحَجَّتِهِ فَلَمَّا جَمَعَ بَيْنَ الطَّوَافَيْنِ وَالسَّعْيَيْنِ تَرَكَ السُّنَّةَ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَالسَّعْيُ إلَخْ) يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَسَعْيِ الْعُمْرَةِ أَشْيَاءُ كَالْأَكْلِ فَجَازَ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا طَوَافُ الْحَجِّ أَيْضًا وَلَا يَبْطُلُ طَوَافُ الْحَجِّ بِتَقْدِيمِهِ عَلَى سَعْيِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْحَجِّ لَيْسَ بِمُرَتَّبٍ عَلَى سَعْيِ الْعُمْرَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ السَّعْيَ لَا تَفْسُدُ بِهِ الْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بَلْ طَوَافُ الْحَجِّ مُرَتَّبٌ عَلَى طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَقَدْ حَصَلَ، وَإِنَّمَا بَطَلَ تَقْدِيمُ السَّعْيِ عَلَى الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلطَّوَافِ فَلَمْ يَصِحَّ تَقْدِيمُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ تَأْخِيرُهُ) أَيْ عَنْ الطَّوَافِ اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِذَا رَمَى) أَيْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ اهـ

[باب التمتع]

حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا فَيَصُومَ يَوْمَ السَّابِعِ وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلُ الْهَدْيِ فَيُنْدَبُ تَأْخِيرُهُ لِاحْتِمَالِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِمَكَّةَ أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَلَوْ صَامَهَا بِمَكَّةَ يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلنَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ فِيهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّيْءِ لَا يَجُوزُ قَبْلَهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ بِالْإِقَامَةِ هُنَاكَ وَلَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يُصَامَ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الدَّمِ وَأَنَّهُ يَكُونُ بِمَكَّةَ فَكَذَا بَدَلُهُ إلَّا أَنَّ النَّصَّ عَلَّقَهُ بِالرُّجُوعِ تَيْسِيرًا إذْ الصَّوْمُ فِي وَطَنِهِ أَيْسَرُ لَهُ فَإِذَا تَحَمَّلَهُ جَازَ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ بَلْ بِالْفَرَاغِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الرُّجُوعِ فَأَطْلَقَ الْمُسَبَّبُ عَلَى السَّبَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَصُمْ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ تَعَيَّنَ الدَّمُ) أَيْ إنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ وَلَا السَّبْعَةَ بَعْدَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصُومُ الثَّلَاثَةَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ مُؤَقَّتٌ فَيُقْضَى بَعْدَ فَوَاتِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَقَالَ مَالِكٌ يَصُومُهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَهَذَا وَقْتُهُ وَلَنَا النَّهْيُ الْمَعْرُوفُ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَجَازَ تَخْصِيصُ مَا تَلِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ وَيَدْخُلُهُ نَقْصٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ وَلَا يُؤَدِّي بَعْدَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ أَصْلٌ وَقَدْ نُقِلَ حُكْمُهُ إلَى بَدَلٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إذْ الصَّوْمُ لَيْسَ بِمَثَلٍ لَهُ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَتُرَاعَى فِيهِ تِلْكَ الْأَوْصَافُ فَإِذَا فَاتَتْ فَقَدْ تَعَذَّرَ أَدَاؤُهُ عَلَى الْوَصْفِ الْمَشْرُوعِ فَنُقِلَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْهَدْيُ وَلَوْ جَازَ الصَّوْمُ بَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ لَكَانَ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ وَالْأَبْدَالُ لَا تُعْرَفُ إلَّا شَرْعًا وَجَوَازُ الدَّمِ عَلَى الْأَصْلِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَمَرَ فِي مِثْلِهِ بِذَبْحِ الشَّاةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ تَحَلَّلَ وَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمُ الْقِرَانِ وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الذَّبْحِ وَلَوْ وَجَدَ هَدْيًا بَعْدَمَا صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَطَلَ صَوْمِهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الذَّبْحُ، وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَمَا تَحَلَّلَ فَلَا ذَبْحَ عَلَيْهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالصَّوْمِ، وَهُوَ التَّحَلُّلُ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَمَا صَلَّى وَلَوْ صَامَ مَعَ وُجُودِ الْهَدْيِ يَنْظُرُ فَإِنْ بَقِيَ الْهَدْيُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ، وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ الذَّبْحِ جَازَ لِلْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ وَقْتَ التَّحَلُّلِ لَا وَقْتَ الصَّوْمِ وَشَرْطُ جَوَازِ هَذَا الصَّوْمِ وُجُودُ الْإِحْرَامِ وَأَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مُتَمَتِّعًا شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبُهُ فَلَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ وَقَضَاؤُهَا) أَيْ إنْ لَمْ يَدْخُلْ الْقَارِنُ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ وَقَضَاؤُهَا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ رَافِضًا لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّاهَا بَعْدَ الْوُقُوفِ لَصَارَ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِيرُ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِالتَّوَجُّهِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ وَلِأَنَّ التَّوَجُّهَ مِنْ خَصَائِصِ الْوُقُوفِ وَمُقَدَّمَاتِهِ فَيَعْتَبِرُ بِحَقِيقَتِهِ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِهِ الظُّهْرُ عِنْدَهُ بِمُجَرَّدِ السَّعْيِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِنَقْضِ الظُّهْرِ وَالتَّوَجُّهِ إلَى الْجُمُعَةِ فَيُعْطَى لِخَصَائِصِهَا حُكْمُ الْجُمُعَةِ وَالْقَارِنُ مَنْهِيٌّ عَنْ رَفْضِ الْعُمْرَةِ وَمَأْمُورٌ بِالرُّجُوعِ إلَى مَكَّةَ لِيُقِيمَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فَلَا يُعْطَى لِمُقَدَّمَاتِهِ حُكْمُ عَيْنِهِ فَافْتَرَقَا، وَإِنَّمَا يَقْضِي الْعُمْرَةَ لِتَحَقُّقِ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَهُوَ مُلْزَمٌ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَفَّقْ لِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا قَبْلَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ فَصَارَ كَالْمُحْصَرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَصِيرُ رَافِضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى الْإِتْيَانَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَلَنَا أَنَّ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ مُعْتَمِرَةً أَوْ قَارِنَةً، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَمَّا حَاضَتْ بِسَرِفٍ وَقَدِمَتْ لَمْ تَطُفْ لِعُمْرَتِهَا حَتَّى مَضَتْ إلَى عَرَفَاتٍ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَرْفُضَ عُمْرَتَهَا وَتَصْنَعَ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ» الْحَدِيثَ. [بَابُ التَّمَتُّعِ] {بَابُ التَّمَتُّعِ} التَّمَتُّعُ مِنْ الْمَتَاعِ، وَهُوَ الِانْتِفَاعُ أَوْ النَّفْعُ، قَالَ الشَّاعِرُ وَقَفْت عَلَى قَبْرٍ غَرِيبٍ بِقَفْرَةٍ ... مَتَاعٍ قَلِيلٍ مِنْ حَبِيبٍ مُفَارِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَخْ) وَيَجُوزُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ إحْرَامِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ طَوِيلٌ فِي أَحْكَامِ الرَّازِيّ اهـ. (قَوْلُهُ فَأَطْلَقَ الْمُسَبَّبَ عَلَى السَّبَبِ إلَخْ)، وَإِنَّمَا صِرْنَا إلَى الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالِاتِّفَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ جَازَ لَهُ صَوْمُ السَّبْعَةِ بِمَكَّةَ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَوْ مَعْنَاهُ إذَا رَجَعْتُمْ إلَى مَكَّةَ أَوْ إذَا رَجَعْتُمْ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى يَعْنِي إذَا فَرَغْتُمْ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ شَرْطٌ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّرْطَ يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى دَرَجَاتِ الْوَصْفِ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً وَلَا أَثَرَ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ فِي انْتِفَاءِ الْحُكْمِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَعْلُولًا بِعِلَلٍ شَتَّى فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ لَا يَنْتَفِيَ الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ) وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُتَمَتِّعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ تَحَلَّلَ، وَعَلَيْهِ دَمَانِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَحَلَّ بِغَيْرِ هَدْيٍ وَلَا صَوْمٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. {بَابُ التَّمَتُّعِ}

جَعَلَ الْإِنْسَ بِالْقَبْرِ مَتَاعًا، وَهَذَا فِي اللُّغَةِ، وَفِي الشَّرْعِ هُوَ أَنْ يَفْعَلَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ أَوْ أَكْثَرَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِلْعُمْرَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِيرُ مَكِّيًّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا فِي حَقِّ أَحْكَامِ النُّسُكِ حَتَّى يَصِيرَ مِيقَاتُهُ مِيقَاتَ أَهْلِ مَكَّةَ وَيَتَحَلَّلُ بَيْنَهُمَا، فَجَعْلُ سَفَرِهِ وَاقِعًا لِلْحَجِّ أَوْلَى لِكَوْنِهِ فَرْضًا مِنْ إيقَاعِهِ لِلْعُمْرَةِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي التَّمَتُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الْقِرَانَ وَفِيهِ زِيَادَةُ نُسُكٍ، وَهُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ وَسَفَرُهُ وَاقِعٌ لِلْحَجِّ وَإِنْ تَخَلَّلَتْ الْعُمْرَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْحَجِّ كَتَخَلُّلِ السُّنَّةِ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالسَّعْيِ إلَيْهَا وَالْمُتَمَتِّعُ عَلَى وَجْهَيْنِ مُتَمَتِّعٌ يَسُوقُ الْهَدْيَ وَمُتَمَتِّعٌ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ فَيَطُوفَ لَهَا وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَقَدْ حَلَّ مِنْهَا) وَهَذِهِ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ وَكَذَا إذَا أَرَادَ الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجِّ فَعَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْعُمْرَةِ، وَلَا لِلتَّمَتُّعِ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا جَازَتْ وَصَارَ مُتَمَتِّعًا وَكَذَا الْحَلْقُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا لَيْسَ بِحَتْمٍ بَلْ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ تَحَلَّلَ، وَإِنْ شَاءَ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إذَا لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَإِنْ سَاقَ لَا يَتَحَلَّلُ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَمْ يَسُقْ مِنْ غَيْرِ حَلْقٍ، وَلَا تَقْصِيرٍ. وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ عِمْرَانَةَ قَالَ «تَمَتَّعَ النَّاسُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَتَحَلَّلْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وقَوْله تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] نَزَلَتْ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّهَا لَمَّا كَانَ لَهَا تَحَرُّمٌ بِالتَّلْبِيَةِ كَانَ لَهَا تَحَلُّلٌ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ كَالْحَجِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ الطَّوَافِ) وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْطَعُ إذَا رَأَى بُيُوتَ مَكَّةَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ فَتَتِمُّ بِهِ، وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ» وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ لَا رُؤْيَةُ الْبَيْتِ وَلَا رُؤْيَةُ مَكَّةَ فَيَكُونُ الْقَطْعُ مَعَ افْتِتَاحِهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَالتَّرَفُّقُ مِنْ الرِّفْقِ وَأَرَادَ بِهِ الِانْتِفَاعَ، وَالْإِلْمَامُ مَصْدَرُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ إذَا نَزَلَ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَا يَتِمُّ بِهِ مَعْنَى التَّرَفُّقِ؛ لِأَنَّ التَّرَفُّقَ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ إذَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا لَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَالْآخَرُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَذَا لَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إذَا وُجِدَ النُّسُكَانِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَالْآخَرُ مِنْ السَّنَةِ الْأُخْرَى وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلْمَامٌ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا؛ وَلِهَذَا قَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِهِ، وَقَالَ: وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إلَى أَهْلِهِ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَ أَكْثَرَ طَوَافِهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِذًا لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِأَنْ يُقَالَ: التَّمَتُّعُ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا بِإِحْرَامِ مَكِّيٍّ لِلْحَجِّ؛ وَلِذَلِكَ أَثْبَتَ حُكْمَ التَّمَتُّعِ فِي الْقَارِنِ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَفِعٌ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ مِنْ الْقَارِنِ مِيقَاتِيٌّ، وَمِنْ الْمُتَمَتِّعِ مَكِّيٌّ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إذَا جَمَعَ بَيْنَ أَكْثَرِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَإِحْرَامِ الْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ صَحِيحٍ وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا أَتَى بِالْأَفْعَالِ قَبْلَ الْأَشْهُرِ، وَبَقِيَ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ حَتَّى دَخَلَتْ الْأَشْهُرُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمُتَمَتِّعُ مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي الْأَشْهُرِ، فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ وَأَتَى بِالْأَفْعَالِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، وَهَذَا - بِنَاءً عَلَى الْإِحْرَامِ عِنْدَنَا - عَقْدٌ عَلَى الْأَدَاءِ، وَلَيْسَ مِنْ الْأَدَاءِ، فَإِذَا وُجِدَ النُّسُكَانِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ مُتَمَتِّعًا وَمَعْنَى قَوْلِنَا: عَقْدُ الْأَدَاءِ أَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَ الْمَشْرُوعِ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَهُوَ شَرْطٌ لِأَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ كَالطَّهَارَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَكَذَا التَّحْرِيمَةُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَقْدٌ عَلَى الْأَدَاءِ وَالشُّرُوعُ يَتَعَقَّبُهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْإِحْرَامُ شُرُوعٌ فِي الْأَدَاءِ وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ الدُّخُولُ فِي الْحُرْمَةِ وَبِالْإِحْرَامِ يَحْرُمُ قَتْلُ الصَّيْدِ، وَلُبْسُ الْمَخِيطِ وَحَلْقُ الرَّأْسِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْحُرْمَةِ أَدَاءُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَفْعَالٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَافْهَمْ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا أَرَادَ الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجِّ فَعَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ) هَكَذَا «فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ». اهـ. هِدَايَةٌ وَهُوَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَدْ «أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَلَقَ رَأْسَهُ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا». اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ حَلْقٍ وَلَا تَقْصِيرٍ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ هِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَقَدْ وُجِدَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ نَزَلَتْ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الْحُدَيْبِيَةِ «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ حَبَسَهُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ عَنْ الْبَيْتِ بِالْحُدَيْبِيَةِ مُهِلًّا بِالْعُمْرَةِ وَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ» وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَا: أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي شَأْنِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْمُتَمَتِّعُ إذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ وَحَلَّ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ يُلَبِّي كَمَا يُلَبِّي الْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ إلَى أَوَّلِ حَصَاةِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْقَارِنُ مِثْلُ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ أَيْضًا فِي قَطْعِ التَّلْبِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ) لَفْظَةُ بِالْحَجِّ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ مِنْ الْحَرَمِ) فَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ فَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ فَانْظُرْهُ اهـ قَالَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ

لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَكِّيِّ وَمِيقَاتُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ جَازَ، وَهُوَ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ» وَلِأَنَّ فِيهِ مُسَابَقَةً إلَى خَيْرٍ، وَزِيَادَةً فِي الْمَشَقَّةِ فَكَانَ أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَحُجُّ) أَيْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إلَّا إذَا حَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَيَفْعَلُ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُفْرِدِ؛ لِأَنَّهُ مُفْرِدٌ بِالْحَجِّ إلَّا أَنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَيَسْعَى بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا أَوَّلُ طَوَافٍ لَهُ فِي الْحَجِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ يَرْمُلُ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَعَى مَرَّةً عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَلَا يَسْعَى أُخْرَى حَتَّى لَوْ لَمْ يَسَعْ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ رَمَلَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَسَعَى بَعْدَهُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ طَافَ وَسَعَى بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إلَى مِنًى لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَذْبَحُ) لِمَا تَلَوْنَا فِي الْقُرْآنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ عَجَزَ فَقَدْ مَرَّ) أَيْ إنْ عَجَزَ عَنْ الْهَدْيِ فَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ، وَهُوَ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْقُرْآنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ وَاعْتَمَرَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الثَّلَاثَةِ) يَعْنِي لَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بَعْدَ مَا صَامَ لَمْ يُجْزِهِ هَذَا الصَّوْمُ عَنْ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ هَذَا الصَّوْمِ التَّمَتُّعُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ لَوْ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ) يَعْنِي صَحَّ صَوْمُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إذَا صَامَهَا بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِهِ لَا يَكُونُ صَوْمُهُ فِي الْحَجِّ، وَلَنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَقْتُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلصَّوْمِ، وَهَذَا قَدْ صَامَ فِي وَقْتِ الْحَجِّ بَعْدَ مَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ، وَهُوَ التَّمَتُّعُ؛ إذْ هُوَ طَرِيقٌ إلَيْهِ فَيَجُوزُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ، وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ بِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَجِّ وَلَكِنَّا شَرَطْنَا إحْرَامَ الْعُمْرَةِ لِيَتَحَقَّقَ السَّبَبُ، وَبَقِيَ فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ هَذَا الصَّوْمِ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ، وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمَانِ قَبْلَهُ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْقُرْآنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَرَادَ سَوْقَ الْهَدْيِ أَحْرَمَ وَسَاقَ)، وَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَحْرَمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَسَاقَ الْهَدْيَ بَعْدَهُ» وَلِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالتَّلْبِيَةِ فَيَأْتِيَ بِهَا قَبْلَ التَّقْلِيدِ وَالسَّوْقِ كَيْ لَا يَكُونَ مُحْرِمًا بِالتَّوَجُّهِ مَعَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ بِمَزَادَةٍ أَوْ نَعْلٍ)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَلَّدَ الْبَدَنَةَ. وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ التَّجْلِيلِ؛ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ} [المائدة: 2] وَلِأَنَّ التَّقْلِيدَ يُرَادُ بِهِ التَّقَرُّبُ وَالتَّجْلِيلُ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ كَالزِّينَةِ وَغَيْرِهَا فَكَانَ التَّقْلِيدُ أَوْلَى، وَسَوْقُهُ أَفْضَلُ مِنْ قَوْدِهِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا إذَا كَانَتْ لَا تَنْسَاقُ فَيَقُودُهَا لِلضَّرُورَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَقَوْلُهُ: مِنْ الْمَسْجِدِ التَّقْيِيدُ بِالْمَسْجِدِ لِلْأَفْضَلِيَّةِ، وَأَمَّا الْجَوَازُ فَجَمِيعُ الْحَرَمِ مِيقَاتٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ جَازَ، وَهُوَ أَفْضَلُ) وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ يَبْدَأُ فِيهِ أَفْعَالَ الْحَجِّ؛ وَلِهَذَا «لَمَّا افْتَتَحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَّ أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحْرِمُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَفْعَلُ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُفْرِدِ) غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي الْقُدُومَ بِخِلَافِ الْقَارِنِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ كَمَا مَرَّ اهـ بِمَعْنَاهُ فِي الْأَكْمَلِ وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ فِي الْجَوْهَرَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ: وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَطُوفُ طَوَافَ التَّحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ صَارَ هُوَ وَالْمَكِّيُّ سَوَاءً، وَلَا تَحِيَّةَ لِلْمَكِّيِّ كَذَا هَذَا اهـ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ طَوَافٍ لَهُ فِي الْحَجِّ يُفِيدُ مَا أَفَادَهُ الْأَكْمَلُ وَالْحَدَّادِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِطَوَافِ الْقُدُومِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُفْرِدُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ وَحَلَّ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَهَا صَارَ كَالْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَتَعَلَّقَ بِهِ أَفْعَالُ الْمُفْرِدِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَكِّيِّ، وَلَا يُسَنُّ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ طَوَافُ الْقُدُومِ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَالْقَارِنِ فَإِنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ يُسَنُّ فِي حَقِّهِمَا. وَالثَّانِي يَجِبُ الْهَدْيُ شُكْرًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي حَقِّهِ الْهَدْيُ بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَالرَّمَلُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ، فَإِنَّهُمَا يَرْمُلَانِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ سُنَّةٌ فِي حَقِّهِمَا فَيَسْعَيَانِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ هَذَا إذَا وُجِدَ السَّعْيُ مِنْهُمَا عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَأَمَّا إذَا أَخَّرَ السَّعْيَ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَحِينَئِذٍ يَرْمُلَانِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ فَفِيهِ الرَّمَلُ، وَكُلُّ طَوَافٍ لَيْسَ بَعْدَهُ سَعْيٌ فَلَا رَمَلَ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا أَوَّلُ طَوَافٍ لَهُ فِي الْحَجِّ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ طَوَافُ الْقُدُومِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ طَافَ) أَيْ تَطَوُّعًا. اهـ. جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فِي الرَّمَلِ وَالسَّعْيِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: إذَا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِيَتَحَقَّقَ السَّبَبُ) أَيْ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ سَبَبٌ إلَى التَّمَتُّعِ؛ وَلِهَذَا جَازَ لَهُ سَوْقُ الْهَدْيِ قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجِّ فَجَازَ الصَّوْمُ لِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ بَعْدَ السَّبَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَفْضَلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي يَسُوقُ الْهَدْيَ أَفْضَلُ مِنْ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ أَوْ مَعْنَاهُ سَوْقُ الْهَدْيِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالتَّلْبِيَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِتَقْلِيدِ الْبَدَنَةِ، وَسَوْقُهَا بَعْدَهُ لَبَّى أَمْ لَمْ يُلَبِّ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِمَزَادَةٍ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمَزَادَةُ الرَّاوِيَةُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ جِلْدَيْنِ تُفْأَمُ بِجِلْدٍ ثَالِثٍ بَيْنَهُمَا لِتَتَّسِعَ، وَكَذَلِكَ السَّطِيحَةُ، وَالشُّعَيْبُ وَالْجَمْعُ الْمَزَادُ وَالْمَزَايِدُ اهـ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْمَزَادَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْحَدِيثِ، وَهِيَ الظَّرْفُ الَّذِي يُحْمَلُ فِيهِ الْمَاءُ كَالرَّاوِيَةِ وَالْقِرْبَةِ وَالسَّطِيحَةِ وَالْجَمْعِ الْمَزَادُ وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ اهـ قَوْلُهُ: وَالْمَزَادَةُ الرَّاوِيَةُ ذَكَرَهَا الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلِ الزَّايِ مَعَ الْيَاءِ مِنْ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُشْعِرُ) أَيْ لَا يُشْعِرُ الْبَدَنَةَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يُشْعِرُ، وَهُوَ أَنْ يَشُقَّ أَحَدَ جَانِبَيْ سَنَامِهَا حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ الدَّمُ ثُمَّ يُلَطِّخَ بِهِ سَنَامَهَا وَالْإِشْعَارُ هُوَ الْإِدْمَاءُ لُغَةً وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَصَابَهُ حَجَرٌ فِي سَفَرِ الْحَجِّ فَأَدْمَاهُ فَقَالُوا أَشْعَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَشُقَّ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ الْأَيْمَنِ كُلُّ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ فَعَلَهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَدْخُلُ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ فَيَطْعَنُهُمَا فَيَقَعُ الطَّعْنُ عَلَى يَسَارِ أَحَدِهِمَا، وَعَلَى يَمِينِ الْآخَرِ» وَالْيَسَارُ كَانَ مَقْصُودًا فَكَانَ أَشْبَهَ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا حَسَنٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ وَفَعَلَهُ أَصْحَابُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْإِعْلَامُ حَتَّى تُرَدَّ إذَا ضَلَّتْ، وَلَا تُهَاجَ إذَا وَرَدَتْ مَاءً أَوْ كَلَأً، وَأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهَا أَحَدٌ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الْإِشْعَارِ أَتَمُّ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ، وَالْقِلَادَةُ قَدْ تَقَعُ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ سُنَّةً إلَّا أَنَّهُ عَارَضَهُ دَلِيلُ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُثْلَةً فَقُلْنَا بِحُسْنِهِ، وَإِنْ تَرَكَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُثْلَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ اللَّحْمِ أَوْ الْجِلْدِ، وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «مَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا خَطِيبًا إلَّا حَثَّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ»، وَهِيَ حَرَامٌ فِيمَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ، وَهُوَ الْمُرْتَدُّ أَوْ الْحَرْبِيُّ فَمَا ظَنُّك بِمَا لَا تَحِلُّ عُقُوبَتُهُ، وَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ صِيَانَةً لِلْبُدْنِ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ لَهَا الْكُفَّارُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتْرُكُونَ الْهَدَايَا، وَيَأْخُذُونَ خِلَافَهَا، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَنْقُولٌ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ زَالَ الْيَوْمَ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَنَظِيرُهُ إعْطَاءُ الصَّدَقَةِ لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَقَتْلُ الْكِلَابِ، وَكَسْرُ الْأَوَانِي فِي الْخَمْرِ قَلْعًا لَهُمْ ثُمَّ لَمَّا اشْتَهَرَ سَقَطَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: مَا كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْلَ الْإِشْعَارِ، وَكَيْفَ يَكْرَهُ ذَلِكَ مَعَ مَا اُشْتُهِرَ فِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ وَإِنَّمَا كَرِهَ إشْعَارَ أَهْلِ زَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ رَآهُمْ يُبَالِغُونَ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ فَرَأَى سَدَّ هَذَا الْبَابِ، وَأَمَّا إذَا وَقَفَ عَلَى قَطْعِ الْجِلْدِ دُونَ اللَّحْمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقِيلَ: إنَّمَا كَرِهَ إيثَارَهُ عَلَى التَّقْلِيدِ كَمَا كَرِهَ إيثَارَ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ عَلَى نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَحَلَّلُ بَعْدَ عُمْرَتِهِ)؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ لِسَوْقِ الْهَدْيِ تَأْثِيرًا فِي إثْبَاتِ الْإِحْرَامِ ابْتِدَاءً، فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي إبْقَائِهِ عَلَيْهِ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ التَّحَلُّلِ قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَبْلَهُ أَحَبُّ) لِمَا ذَكَرْنَا فِي مُتَمَتِّعٍ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ وَهُمَا سَوَاءٌ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ)؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ فِي الْحَجِّ كَالسَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ فَيَتَحَلَّلُ بِهِ عَنْهُمَا، وَقَوْلُهُ: حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ بَاقٍ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْقَارِنَ إذَا قَتَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابِ الدَّالِ وَذَكَرَهَا صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ فِي الزَّايِ مَعَ الْوَاوِ فَقَالَ: وَالْمَزَادَةُ شَطْرُ الرَّاوِيَةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَالْقِيَاسُ كَسْرُهَا؛ لِأَنَّهَا آلَةٌ يُسْتَقَى فِيهَا الْمَاءُ، وَجَمْعُهَا مَزَايِدُ، وَرُبَّمَا قِيلَ مَزَادٌ بِغَيْرِهَا، وَالْمَزَادَةُ مِفْعَلَةٌ مِنْ الزَّادِ؛ لِأَنَّهُ يَتَزَوَّدُ فِيهَا الْمَاءَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ الْإِشْعَارُ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مُبَاحٌ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ وَلَا مَكْرُوهٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمُصَفَّى. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا حَسَنٌ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَهُوَ أَدْنَى مِنْ السُّنَّةِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ مُثْلَةٌ) أَيْ وَتَعْذِيبُ حَيَوَانٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ اللَّحْمِ أَوْ الْجِلْدِ) أَيْ وَمَتَى وَقَعَ التَّعَارُضُ فَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحْرِمِ قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: يَعْنِي لَمَّا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ كَوْنِ الْإِشْعَارِ سُنَّةً وَبَيْنَ كَوْنِهِ مُثْلَةً، وَهِيَ حَرَامٌ فَالرُّجْحَانُ لِلْحَرَامِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرِّمَ مَعَ الْمُبِيحِ إذَا اجْتَمَعَا فَالْمُحَرِّمُ أَوْلَى، وَعِنْدِي إطْلَاقُ اسْمِ الْمُثْلَةِ عَلَى الْإِشْعَارِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ فِي أَوَّلِ مَقْدَمِهِ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَشْعَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهَدَايَا فِي آخِرِ حَيَاتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ» فَلَوْ كَانَ الْإِشْعَارُ مِنْ بَابِ الْمُثْلَةِ لَمَا أَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ نَهَى عَنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْكَلَامُ الصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَرِهَ الْإِشْعَارَ الْمُحْدَثَ الَّذِي يُفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ، وَيُخَافُ مِنْهُ السِّرَايَةُ إلَى الْمَوْتِ لَا مُطْلَقُ الْإِشْعَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ إلَخْ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إذَا فَرَغَ الْمُتَمَتِّعُ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ سَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ، أَوْ لَمْ يَسُقْ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ لَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ «حَفْصَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ فَلْيُحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، وَمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلَا يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ مَعَنَا يَوْمَ النَّحْرِ». اهـ. كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ يُقَالَ: إحْرَامُ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَلْقِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ الْقَارِنَ دَمَانِ إذَا جَنَى قَبْلَ الْحَلْقِ، وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الْحَلْقِ لَزِمَهُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَزِمَهُ دَمَانِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - جَعَلَ الْحَجَّةَ غَايَةَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَلَا وُجُودَ لِلْمَضْرُوبِ لَهُ الْغَايَةُ بَعْدَهَا إلَّا ضَرُورَةٌ، وَهِيَ مَا ذَكَرْنَا، وَإِذَا لَمْ تَبْقَ فِي حَقِّ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ اهـ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: فَإِنَّ الْقَارِنَ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ وَبَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ شَاتَانِ اهـ وَمَا نَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ عَنْهُ بِخُصُوصِهِ فِي النِّهَايَةِ فِي آخِرِ فَصْلِ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَأَكْثَرُ عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ مُطْلَقَةٌ، وَهِيَ الظَّاهِرَةُ؛ إذْ قَضَاءُ الْأَعْمَالِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْإِحْرَامِ، وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ لَا عَلَى الْأَعْمَالِ، وَالْفَرْعُ الْمَنْقُولُ فِي الْجِمَاعِ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا بَلْ سَنَذْكُرُ عَنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ فِيمَا بَعْدَ الْحَلْقِ الْبَدَنَةَ، وَالشَّاةُ أَيْضًا بِالْجِمَاعِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ الْبَدَنَةُ فَقَطْ وَيَتَبَيَّنُ الْأَوْلَى مِنْهُمَا ثُمَّ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَيَّدَ لُزُومَ الدَّمِ الْوَاحِدِ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ، وَقَالَ: إنَّ فِي الْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ شَاتَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ تُوجِبُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ شَيْئًا أَوْ لَا فَإِنْ أَوْجَبَتْ لَزِمَ شُمُولُ الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَشُمُولُ الْعَدَمِ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ. اهـ.

صَيْدًا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتَانِ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ قَدْ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ فِي حَقِّ سَائِرِ الْأَحْكَامِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَإِنَّمَا يَبْقَى فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ لَا غَيْرُ كَإِحْرَامِ الْحَجِّ يَنْتَهِي بِالْحَلْقِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا يَبْقَى إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ خَاصَّةً، وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ، وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ، وَبَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ شَاتَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ وَمَنْ يَلِيهَا) وَهُمْ أَهْلُ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ إلَى الْحَرَمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهُمْ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ} [البقرة: 196] الْآيَةَ فَيَدْخُلُ تَحْتَهَا كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ وقَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] عَائِدٌ عَلَى الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ لِقُرْبِهِ يَعْنِي لَهُمْ أَنْ يَتَمَتَّعُوا وَيَقْرُنُوا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ هَدْيٌ وَلَا صَوْمٌ قُلْنَا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا قَالَهُ لَقَالَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْآيَةَ؛ لِأَنَّ اللَّامَ تُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَنَا لَا فِيمَا عَلَيْنَا، وَلَنَا الْخِيَارُ فِي التَّمَتُّعِ إنْ شِئْنَا فَعَلْنَا وَإِنْ شِئْنَا لَمْ نَفْعَلْ، وَأَمَّا الْهَدْيُ فَوَاجِبٌ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنَّا، وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ: ذَلِكَ عَائِدَةٌ عَلَى التَّمَتُّعِ، وَاللَّامُ فِيهِ تَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لِلْبَعِيدِ، وَهُوَ أَبْعَدُ وَلِأَنَّ التَّمَتُّعَ هُوَ التَّرَفُّهُ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بَيْنَهُمَا بِأَهْلِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يُلِمَّ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُتَصَوَّرُ السَّفَرُ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ أَصْلًا، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ، وَمِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَلِأَنَّ مِيقَاتَ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ، وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ الْقِرَانُ، وَأَهْلُ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ مُلْحَقٌ بِهِمْ فَيَكُونُونَ بِمَنْزِلَتِهِمْ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُلْحَقُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُلْحَقُ بِهِمْ مَنْ حَوْلَهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَا غَيْرُ، وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْمَكِّيَّ قَدِمَ مِنْ الْكُوفَةِ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ صَارَ قَارِنًا؛ لِأَنَّ نُسُكَيْهِ مِيقَاتَانِ، وَذَكَرَ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ قَارِنًا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ)؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا، وَبِهِ يَبْطُلُ التَّمَتُّعُ كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ التَّمَتُّعَ هُوَ التَّرَفُّقُ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ فَإِذَا أَنْشَأَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفَرًا بَطَلَ هَذَا الْمَعْنَى، أَوْ نَقُولُ: إنَّهُ لَمَّا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا صَارَ الْعَوْدُ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فَصَارَ نَظِيرَ أَهْلِ مَكَّةَ، وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِلْمَامَ عِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ التَّمَتُّعَ حَتَّى أَجَازَهُ لِأَهْلِ مَكَّةَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَاقَ لَا) أَيْ وَإِنْ سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ بِإِلْمَامِهِ بِأَهْلِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَأَدَّاهُمَا بِسَفْرَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَمَعَ هَذَا لَوْ تَمَتَّعُوا جَازَ وَأَسَاءُوا وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ دَمُ الْجَبْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُمْ أَهْلُ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ إلَى الْحَرَمِ) وَلَيْسَ لِهَؤُلَاءِ إلَّا الْإِفْرَادُ عِنْدَنَا اهـ ع قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَمَنْ تَمَتَّعَ مِنْهُمْ أَوْ قَرَنَ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ دَمُ جِنَايَةٍ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْقَارِنِ أَوْ الْمُتَمَتِّعِ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ، فَإِنَّ الدَّمَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمَا دَمُ نُسُكٍ يَأْكُلَانِ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَهْلُ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ مُلْحَقٌ بِهِمْ) يَعْنِي مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ إلَى الْحَرَمِ تَبَعٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ حَيْثُ كَانَتْ أَوْطَانُهُمْ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ كَأَهْلِ مَكَّةَ وَكَانُوا بِمَنْزِلَتِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُلْحَقُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ إلَى الْحَرَمِ لَهُمْ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْمَكِّيَّ قَدِمَ إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْكُوفَةِ ثُمَّ قَرَنَ وَدَخَلَ مَكَّةَ صَحَّ قِرَانُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَلَحِقَ بِالْكُوفَةِ صَارَ آفَاقِيًّا فَيَصِحُّ قِرَانُهُ، وَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِالْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ انْعَقَدَ صَحِيحًا، وَحَصَلَ بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ فَالْإِلْمَامُ بَعْدَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي إبْطَالِهِ كَالْكُوفِيِّ إذَا قَرَنَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْكُوفَةِ لَمْ يَبْطُلْ كَذَا هُنَا أَمَّا لَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بَعْدَ مَا خَرَجَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ فَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَسَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَمْ يَسُقْ بِخِلَافِ الْكُوفِيِّ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ ثُمَّ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَمْ يَبْطُلْ تَمَتُّعُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ لِأَجْلِ السَّوْقِ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ فَإِنَّهُ فِي عَيْنِ مَكَّةَ عِنْدَ الْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ فَلَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ الْعَوْدُ فَاسْتَوَى الْحَالُ فِي حَقِّهِ فَتَسْقُطُ الْمُتْعَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا يَصِحُّ قِرَانُ الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ أَوْ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ، وَجَاوَزَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَأَمَّا إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَشْهُرُ الْحَجِّ، وَهُوَ بِمَكَّةَ، أَوْ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ ثُمَّ قَرَنَ لَمْ يَصِحَّ قِرَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي أَهْلِهِ أَوْ بِمَكَّةَ فَقَدْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَصِحُّ مِنْهُ قِرَانٌ، وَلَا تَمَتُّعٌ عَلَى مَا أَصَّلْنَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَبِالْخُرُوجِ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ نُسُكَيْهِ مِيقَاتَانِ) فَصَارَ كَالْكُوفِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا تَمَتَّعَ بَعْدَ مَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ لِلْحَجِّ مَكِّيٌّ وَلَا تَمَتُّعَ لِلْمَكِّيِّ فَعَنْ هَذَا اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَذَا رُوِيَ) أَيْ عَنْ عَمْرٍو. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ) أَيْ وَطَاوُسٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَصَارَ نَظِيرَ أَهْلِ مَكَّةَ) أَيْ حَيْثُ لَا يَصِحُّ تَمَتُّعُهُمْ لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ سَاقَ لَا) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ آفَاقِيٌّ سَاقَ لِلْمُتْعَةِ هَدْيًا وَاعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ اعْتَمَرَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ حَتَّى أَلَمَّ بِأَهْلِهِ ثُمَّ عَادَ فِي عَامِهِ هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِوُجُودِ سَفَرَيْنِ وَعِنْدَهُمَا مُتَمَتِّعٌ حَيْثُ أَدَّاهُمَا فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ إحْرَامِهِ بِالسَّوْقِ أَوْ تَرْكِ الْحَلْقِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِلْمَامِ لِمَا عُرِفَ، وَإِنَّمَا وُضِعَ هَكَذَا فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا، وَهُوَ النُّزُولُ فِي وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ مِنْ غَيْرِ بَقَاءِ صِفَةِ الْإِحْرَامِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْإِلْمَامَ بِأَهْلِهِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إذَا كَانَ صَحِيحًا يَبْطُلُ التَّمَتُّعُ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا إذَا كَانَ فَاسِدًا كَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يُبْطِلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مَا دَامَ عَلَى نِيَّةِ التَّمَتُّعِ فَلَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ كَالْقَارِنِ إذَا عَادَ إلَى أَهْلِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ اهـ

فَصَارَ كَمَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بَعَثَ هَدْيَهُ لِيُنْحَرَ عَنْهُ وَلَمْ يَحُجَّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَالْهَدْيُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِلْمَامِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا قَدِمَ مِنْ الْكُوفَةِ بِعُمْرَةٍ وَسَاقَ هَدْيًا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِإِلْمَامِهِ بِأَهْلِهِ مَعَ سَوْقِ الْهَدْيِ، وَلَهُمَا أَنَّ إلْمَامَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ عَلَى حَالِهِ مَا لَمْ يَنْحَرْ عَنْهُ الْهَدْيَ فَكَانَ الْعَوْدُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ كَالْقَارِنِ إذَا أَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ كَانَ قَارِنًا؛ لِأَنَّ إلْمَامَهُ مُحْرِمًا غَيْرُ صَحِيحٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ أَوْ سَاقَ، وَهُوَ مَكِّيٌّ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَفِي الْإِيضَاحِ أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إذَا لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى أَلَمَّ بِأَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ فِي أَهْلِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْحَلْقِ إمَّا وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا فَجَعَلَ الْحَرْفَ عَدَمَ التَّحَلُّلِ لَا سَوْقَ الْهَدْيِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ طَافَ أَقَلَّ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَتَمَّهَا فِيهَا وَحَجَّ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَبِعَكْسِهِ لَا) أَيْ لَوْ طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَطَافَ الْأَرْبَعَةَ فِيهَا كَانَ مُتَمَتِّعًا وَبِعَكْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَهُوَ مَا إذَا طَافَ الْأَكْثَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَدْ اجْتَمَعَ لَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِيهَا فَيَصِيرُ مُتَمَتِّعًا وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ قَبْلَهَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِيهَا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا إلَّا بَعْضُهَا وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهَا فَرَغَتْ تَقْدِيرًا أَلَا تَرَى أَنَّهَا صَارَتْ بِحَالٍ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسَادَ بِالْجِمَاعِ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَبِرُ الْخَتْمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَبِرُ الْإِحْرَامَ فِيهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْأَرْكَانِ عِنْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ) كَذَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّهَا عَشْرُ لَيَالٍ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ يَفُوتُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَوْ كَانَ وَقْتُهُ بَاقِيًا لَمَا فَاتَ قُلْنَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ» فَكَيْفَ يَكُونُ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَلَا يَكُونُ مِنْ شَهْرِهِ وَلِأَنَّ وَقْتَ الرُّكْنِ، وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَكَيْفَ يَدْخُلُ وَقْتُ رُكْنِ الْحَجِّ بَعْدَ مَا خَرَجَ وَقْتُ الْحَجِّ وَفَوَاتُ الْوُقُوفِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لِكَوْنِهِ مُؤَقَّتًا بِالنَّصِّ، فَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَمَا قَبْلَهُ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْوُقُوفُ لِمَا قُلْنَا، وَقَالَ مَالِكٌ: ذُو الْحِجَّةِ كُلُّهَا مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ قُلْنَا يَجُوزُ إطْلَاقُ لَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] فَالْأَخَوَانِ يَحْجُبَانِهَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَيَجُوزُ أَنْ يُنَزَّلَ الْبَعْضُ مَنْزِلَةَ الْكُلِّ يُقَالُ رَأَيْت زَيْدًا سَنَةَ كَذَا وَإِنَّمَا رَآهُ فِي سَاعَةٍ مِنْهَا، وَفَائِدَةُ التَّوْقِيتِ بِهَذِهِ الْأَشْهُرِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيهَا حَتَّى إذَا صَامَ الْمُتَمَتِّعُ أَوْ الْقَارِنُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ وَكَذَا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ الْإِحْرَامُ بِهِ قَبْلَهَا وَكُرِهَ) أَيْ جَازَ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: لَا يَجُوزُ وَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً كَمَا لَوْ أَحْرَمَ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا تَنْعَقِدُ نَفْلًا وَكَمَا لَوْ صَامَ الْقَضَاءَ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ يَكُونُ نَفْلًا وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ رُكْنٌ عِنْدَهُ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَلَنَا أَنَّهُ شَرْطٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُسْتَدَامُ إلَى أَنْ يَحْلِقَ وَيَنْتَقِلَ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ، وَلَا يَنْتَقِلَ عَنْهُ وَيُجَامِعَ كُلَّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَجَازَ تَقْدِيمُهُ مِثْلَ الطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ بِهِ الْأَدَاءُ؛ وَلِهَذَا يَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَأَفْعَالُ الْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ فِي أَوَّلِ أَشْهُرِ الْحَجِّ يَجُوزُ، وَأَدَاءُ الْأَفْعَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَتَّى لَوْ بَعَثَ هَدْيَهُ) يَعْنِي لَوْ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَتَمَتَّعَ فَبَعَثَ هَدْيَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْحَلْقِ) وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْحَقَائِقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ) أَيْ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ؛ وَلِهَذَا لَا تُقَامُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ مِنْ الظُّهْرِ مُقَامَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مُقَامَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ النَّصَّ نَاطِقٌ بِأَنَّ فَرْضَ الْمُقِيمِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ قَبْلَهَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِيهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ الْغَلَبَةَ وَالْكَثْرَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ فَرَائِضَ الْحَجِّ ثَلَاثَةٌ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَقَدْ أُقِيمَ الْأَكْثَرُ مُقَامَ الْكُلِّ ثَمَّةَ؛ وَلِهَذَا لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَلَوْ جَامَعَ قَبْلَهُ يَفْسُدُ. وَلِهَذَا لَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ بَعْدَ مَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَيْضًا فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ قُلْنَا: إنَّ وُجُودَ أَكْثَرِ الطَّوَافِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ صَارَ كَوُجُودِ كُلِّ الْأَطْوِفَةِ قَبْلَهَا فَلَوْ وُجِدَتْ الْأَطْوِفَةُ كُلُّهَا قَبْلَ الْأَشْهُرِ وَتَحَلَّلَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فَكَذَا هُنَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ لَا يَفْسُدُ نُسُكُهُ بِالْجِمَاعِ اهـ (قَوْلُهُ إنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْأَرْكَانِ عِنْدَهُ) وَعِنْدَنَا شَرْطٌ فَيَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ إلَخْ) وَإِنَّمَا فَصَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُفْهَمُ فِي عُرْفِهِمْ مِنْ إطْلَاقِ الْعَبَادِلَةِ إلَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ هَذَا مَا عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَمَا عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فَأَمَّا الْعَبَادِلَةُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَلَيْسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْعَبَادِلَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ ثُمَّ الْعَبَادِلَةُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا جَمْعَ عَبْدَلٍ لُغَةٌ فِي عَبْدٍ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ فِي عَبْدٍ عَبْدَلٌ، وَفِي زَيْدٍ زَيْدَلٌ، وَأَنْ يَكُونَ جَمْعَ عَبْدٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَالنِّسَاءِ لِلْمَرْأَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ ذُو الْحِجَّةِ كُلُّهَا مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ) أَيْ وَفَائِدَتُهُ تَأْخِيرُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ بِلَا وُجُوبِ دَمٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ فِي بَابٍ مَالِكٌ أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ إلَى تَمَامِ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَظْهَرُ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَشْهُرَ الْحَجِّ، وَالثَّانِي: إذَا اشْتَغَلَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ يَكُونُ مَكْرُوهًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَانِيًا لِلْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ وَعِنْدَنَا لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ قَدْ فَاتَتْ. اهـ.

مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ، وَهَذَا آيَةُ الشَّرْطِيَّةِ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ فِيهَا مُتَّصِلٌ بِالتَّحْرِيمَةِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَقْتِ كَيْ لَا يَقَعَ الْأَدَاءُ قَبْلَهُ، وَأَمَّا فِي الْحَجِّ فَمُنْفَصِلٌ عَنْ الْإِحْرَامِ فَلَا مَانِعَ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رُكْنًا لَكَانَ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ وَمَكَانٌ مَعْلُومٌ كَسَائِرِ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ شَرْطًا لَمَا كُرِهَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، قُلْنَا: كَرَاهِيَتُهُ كَيْ لَا يَقَعَ فِي الْمَحْظُورَاتِ بِطُولِ الزَّمَانِ، أَوْ نَقُولُ: لَهُ شَبَهٌ بِالرُّكْنِ؛ وَلِهَذَا إذَا عَتَقَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِهِ وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا كَانَ لَهُ شَبَهٌ بِالرُّكْنِ وَالشَّرْطُ يُوَفِّرُ حَظَّهُمَا فِيهِ، وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَجِّ أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ الْحَجَّ أَوْ الْتَزَمَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْحَجِّ وَلِأَنَّهُ جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى وَقْتِهِ فِي الْمَكَانِ، فَكَذَا فِي الزَّمَانِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ أَلْزَمُ فِيمَا كَانَ مُتَعَيِّنًا بِهِ مِنْ الزَّمَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ مَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ مِنْ الزَّمَانِ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ تَحْرِيمُ أَشْيَاءَ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ وَالِاصْطِيَادِ وَالْجِمَاعِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ، وَإِيجَابُ أَشْيَاءَ كَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَصِحُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ كَالنَّذْرِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] مِنْ حَيْثُ إنَّ جَمِيعَهَا مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ فَكَذَا لِلْحَجِّ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، وَقَوْلُهُ: يَنْعَقِدُ عُمْرَةً مُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْعُمْرَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ كَالْحَجِّ فَكَيْفَ يَنْعَقِدُ بِتَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ فَرْضٌ آخَرُ، وَهَذَا خُلْفٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اعْتَمَرَ كُوفِيٌّ فِيهَا) أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (وَأَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْبَصْرَةِ وَحَجَّ صَحَّ تَمَتُّعُهُ) أَيْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ صَارَ مُتَمَتِّعًا أَمَّا إذَا أَقَامَ بِمَكَّةَ فَلِأَنَّهُ أَدَّى نُسُكَيْنِ وَتَرَفَّقَ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الْمُتْعَةِ، وَأَمَّا إذَا أَقَامَ بِالْبَصْرَةِ فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ تَكُونُ عُمْرَتُهُ مِيقَاتِيَّةً، وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّةً، وَنُسُكَاهُ هَذَانِ مِيقَاتَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ قَوْمًا سَأَلُوهُ فَقَالُوا: اعْتَمَرْنَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ زُرْنَا قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ حَجَجْنَا فَقَالَ: أَنْتُمْ مُتَمَتِّعُونَ وَلِأَنَّ السَّفَرَ الْأَوَّلَ قَائِمٌ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى وَطَنِهِ، وَقَدْ اجْتَمَعَ لَهُ فِيهِ نُسُكَانِ، وَإِقَامَتُهُ بِبَصْرَةَ كَإِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ وَطَنِهِ لَا مِنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ التَّمَتُّعِ بِالْإِقَامَةِ الْعَارِضَةِ فِيهَا، وَلَا بِالْخُرُوجِ عَنْ الْمِيقَاتِ مَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى وَطَنِهِ، وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فَعِنْدَهُ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ، وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُمَا لَا يُخَالِفَانِهِ فِيهِ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ وَالثَّانِي: أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا يُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ فِيهِمَا وَالثَّالِثُ: أَنْ يَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ فَلَا يَكُونَ مُتَمَتِّعًا وَالرَّابِعُ: أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَا يَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ عَلَى قَوْلِهِمَا بَيْنَ الطَّحَاوِيِّ وَالْجَصَّاصِ وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مَا إذَا أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى مِنْ خَارِجِ الْمِيقَاتِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ تَشْهَدُ لِمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ نَقُولُ لَهُ شُبِّهَ بِالرُّكْنِ) أَيْ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ الِاتِّصَالُ بِهِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَلَوْ أَحْرَمَ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ فِيهِمَا) وَكَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَمْ يَتَّخِذْ مَكَانًا دَارًا بِأَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ إذْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي غَيْرِ وَطَنِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالرَّابِعُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَا يَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ) أَيْ بَلْ يَنْوِي الْإِقَامَةَ فِي مَكَان خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. اهـ. مَبْسُوطٌ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَنَاسِكِهِ: وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ الْمَسْنُونِ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَيَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ وَيَفْعَلَ مَا ذَكَرْنَا فِي الْعُمْرَةِ وَيَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ، وَقَدْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَالْإِلْمَامُ الصَّحِيحُ الَّذِي يُبْطِلُ التَّمَتُّعَ عِنْدَنَا أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ مَا أَدَّى الْعُمْرَةَ ثُمَّ يَعُودَ وَيُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَذُكِرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَزَادَ شَيْئًا آخَرَ فَقَالَ: لَوْ فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَحَلَّ مِنْهَا ثُمَّ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ أَوْ خَرَجَ مِنْ مِيقَاتِ نَفْسِهِ ثُمَّ عَادَ وَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ نَفْسِهِ مُلْحَقٌ بِأَهْلٍ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ كَمَا فِي السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ. اهـ. وَكَالْقَارِنِ إذَا تَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَبْطُلُ حُكْمُهُ وَلَوْ فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَحَلَّ ثُمَّ خَرَجَ إلَى غَيْرِ مِيقَاتِهِ وَلَحِقَ بِمَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ اتَّخَذَ دَارًا أَوْ لَمْ يَتَّخِذْ تَوَطَّنَ أَوْ لَمْ يَتَوَطَّنْ ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ هُنَاكَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِانْعِدَامِ الْإِلْحَاقِ بِالْأَهْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَالَا وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْآفَاقِيِّ فَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ. وَقِيلَ: قَوْلُهُمَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَوَاهُ الرَّازِيّ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَلَوْ دَخَلَ الْكُوفِيُّ بِعُمْرَةٍ فَأَدَّاهَا وَتَحَلَّلَ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ صَارَ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ بِدَلِيلِ أَنَّ مِيقَاتَهُ مِيقَاتُ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ إلَى أَهْلِهِ أَوْ مِيقَاتِ نَفْسِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ ثُمَّ يَرْجِعَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ، وَقَالَا: إذَا خَرَجَ إلَى مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ صَارَ مُتَمَتِّعًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَى مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَدَخَلَ مُحْرِمًا فَتَمَتَّعَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِمَا مَرَّ، وَإِذَا كَانَ الْكُوفِيُّ فِي أَهْلٍ بِالْكُوفَةِ وَأَهْلٍ بِمَكَّةَ يُقِيمُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ سَنَةً وَهَؤُلَاءِ سَنَةً فَاعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ بِالْكُوفَةِ أَهْلٌ وَبِالْبَصْرَةِ أَهْلٌ، وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بِالْبَصْرَةِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ مُلِمٌّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ نُسُكَيْنِ اهـ

مَا يَجِيءُ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَفْسَدَهَا فَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَقَضَى وَحَجَّ لَا إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ) يَعْنِي لَوْ أَفْسَدَ الْكُوفِيُّ عُمْرَتَهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَقَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ انْتَهَى بِالْفَاسِدِ، وَصَارَتْ عُمْرَتُهُ الصَّحِيحَةُ مَكِّيَّةً، وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ يَعْنِي يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ مَا مَضَى فِي الْفَاسِدِ، وَبَعْدَ مَا حَلَّ مِنْهُ ثُمَّ قَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ مِيقَاتِيَّةٌ، وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّةٌ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا ضَرُورَةً، وَلَوْ خَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى أَهْلِهِ فَقَضَاهَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ سَفَرًا، وَقَدْ تَرَفَّقَ فِيهِ بِنُسُكَيْنِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ فَقَدْ أُلْحِقَ بِهِمْ فَصَارَ كَأَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَيْسَ لَهُمْ تَمَتُّعٌ فَكَذَا هُوَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى السَّفَرِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى وَطَنِهِ وَقَدْ انْتَهَى بِالْفَاسِدِ وَلَمْ يُنْشِئْ سَفَرًا آخَرَ غَيْرَهُ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَهُ الْخُرُوجَ مِنْ الْمِيقَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ كَالْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وَعِنْدَهُمَا كَالرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ. وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَيْثُ إنَّ خَارِجَ الْمِيقَاتِ لَهُ حُكْمُ الْوَطَنِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ هَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَأَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ قَضَى الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَيَّهُمَا أَفْسَدَ مَضَى فِيهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) يَعْنِي الْكُوفِيَّ إذَا قَدِمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَأَيَّهُمَا أَفْسَدَهُ مَضَى فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَفَّقْ بِأَدَاءِ نُسُكَيْنِ صَحِيحَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَمَتَّعَ وَضَحَّى لَمْ يُجْزِئْ عَنْ الْمُتْعَةِ)؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ غَيْرُ الْأُضْحِيَّةِ فَلَا يَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، وَلَوْ تَحَلَّلَ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الذَّبْحِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْقِرَانِ، وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَوْرَدَهَا فِي الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ عَلَيْهِنَّ أَغْلَبُ، أَوْ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ امْرَأَةٍ فَنَقَلَهَا أَبُو يُوسُفَ لِمُحَمَّدٍ كَمَا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَقَلَهَا كَمَا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حَاضَتْ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَتَتْ بِغَيْرِ الطَّوَافِ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ حِينَ حَاضَتْ بِسَرِفٍ افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ دُخُولِهِ، وَمَا عَدَاهُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ الْوُقُوفَيْنِ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالسَّعْيِ فِي الْمَفَازَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْحَيْضِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا تَغْتَسِلُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِحْرَامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَوْ عِنْدَ الصَّدْرِ تَرَكْته كَمَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ) أَيْ لَوْ فَعَلْت جَمِيعَ أَفْعَالِ الْحَجِّ غَيْرَ طَوَافِ الصَّدْرِ فَحَاضَتْ عِنْدَهُ تَرَكْت طَوَافَ الصَّدْرِ كَمَا يَتْرُكُهُ مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَكَرَتْ «عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ حَاضَتْ بَعْدَ مَا طَافَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ فَقَالَ فَلْتَنْفِرْ إذًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ طَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ يَلْزَمُهَا طَوَافُ الصَّدْرِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِهِ فِي وَقْتِهِ، وَإِنْ جَاوَزَتْ بُيُوتَ مَكَّةَ ثُمَّ طَهُرَتْ فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ، وَكَذَا لَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا فَلَمْ تَغْتَسِلْ، وَلَمْ يَذْهَبْ وَقْتُ الصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَلْزَمْهَا الْعَوْدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا أَحْكَامُ الطَّهَارَاتِ فِي وَقْتِ الطَّوَافِ؛ وَلِهَذَا لَمْ تَلْزَمْهَا الصَّلَاةُ، وَإِنْ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ تُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ فَعَلَيْهَا الطَّوَافُ وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ يَسْقُطُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا حَلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ لَا يَسْقُطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ وَقْتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِعَزِيمَتِهِ كَمَنْ أَصْبَحَ مُقِيمًا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالسَّفَرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: سَقَطَ عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ لَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالْحَيْضِ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ وَلَوْ كَانَ دَيْنًا لَمَا سَقَطَ كَالصَّلَاةِ بَعْدَ مَا خَرَجَ وَقْتُهَا لَا تَسْقُطُ بِالْحَيْضِ وَقَبْلَ الْخُرُوجِ تَسْقُطُ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ اهـ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَضَاهَا) أَيْ بَعْدَ مَا عَادَ إلَى أَهْلِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ هَذَا إلَخْ) هَذَا الْقَيْدُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَفْسَدَهَا ثُمَّ خَرَجَ إلَى مَكَان غَيْرِ بَلَدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالْأَفْعَالِ) أَيْ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَأَفْسَدَهُ أَوْ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَأَفْسَدَهَا قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَيْ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَسْطُورَةٌ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ، وَفِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّ مَنْ فَسَدَ حَجُّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ، وَيَمْضِي فِي الْحَجِّ كَمَا يَمْضِي مَنْ لَمْ يُفْسِدْهُ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَعُلِمَ أَنَّ فَاسِدَ الْحَجِّ يَمْضِي فِي الْحَجِّ كَمَا يَمْضِي مَنْ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَلَا يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ كَمَا يَتَحَلَّلُ فَائِتُ الْحَجِّ بِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ وَاجِبٌ، وَالْأُضْحِيَّةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى الْحَاجِّ؛ لِأَنَّهُ لَا أُضْحِيَّةَ عَلَى الْمُسَافِرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ غَيْرُ الْأُضْحِيَّةِ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ جَاهِلًا، وَنَوَى عَنْ الْأُضْحِيَّةِ وَلَوْ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَحَلَقَ رَأْسَهُ فَإِنَّ تِلْكَ الشَّاةَ لَا تَجُوزُ عَنْ الْمُتْعَةِ كَمَا قَالَ فِي الْمَرْأَةِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُجِزْهَا عَنْ الْمُتْعَةِ يَجِبُ عَلَيْهَا دَمَانِ سِوَى مَا ذَبَحَتْ دَمُ الْمُتْعَةِ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا، وَدَمٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ قَبْلَ الذَّبْحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ النَّفْرُ) النَّفْرُ بِسُكُونِ الْفَاءِ الرُّجُوعُ وَالنَّفْرُ الْأَوَّلُ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالنَّفْرُ الثَّانِي فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

[باب الجنايات في الحج]

بَابُ الْجِنَايَاتِ. وَهُوَ اسْمُ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا، وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَكُونُ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ، وَأَصْلُهُ مَنْ جَنَى الثَّمَرَ إذَا أَخَذَهُ مِنْ الشَّجَرِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الشَّرِّ فَبَقِيَ كَذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَجِبُ شَاةٌ إنْ طَيَّبَ مُحْرِمٌ عُضْوًا) وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّأْسِ وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَكَامَلُ تَكَامُلِ الِارْتِفَاقِ، وَذَلِكَ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْمُوجِبِ، وَإِنْ أَكَلَ طِيبًا كَثِيرًا يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: تَجِبُ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ، وَلَهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ كَثِيرًا يَلْتَزِقُ بِأَكْثَرِ فَمِهِ، أَوْ كُلِّهِ، وَهُوَ عُضْوٌ كَامِلٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا تَصَدَّقَ) أَيْ وَإِنْ طَيَّبَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ، وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إذَا طَيَّبَ رُبْعَ الْعُضْوِ فَعَلَيْهِ دَمٌ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ حَلْقَ بَعْضِ الرَّأْسِ مُعْتَادٌ فَيَتَكَامَلُ الِارْتِفَاقُ، وَتَطْيِيبُ بَعْضِ الْعُضْوِ غَيْرُ مُعْتَادٍ فَلَا يَتَكَامَلُ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّ الْكَثْرَةَ تُعْتَبَرُ فِي نَفْسِ الطِّيبِ لَا فِي الْعُضْوِ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا مِثْلَ كَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَكَفٍّ مِنْ الْغَالِيَةِ وَبِقَدْرِ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاسُ مِنْ الْمِسْكِ يَكُونُ كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فِي نَفْسِهِ، وَالْقَلِيلُ مَا يَسْتَقِلُّهُ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ كَثِيرًا، وَكَفٌّ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ يَكُونُ قَلِيلًا وَقِيلَ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ فَيُقَالُ: إنْ كَانَ الطِّيبُ قَلِيلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْعُضْوِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلِلطِّيبِ، وَلَهُ تَشْهَدُ الْمَسَائِلُ كَأَكْلِ الطِّيبِ عَلَى مَا مَرَّ وَكَمَا ذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ مَنْ مَسَّ طِيبًا بِأُصْبُعِهِ فَأَصَابَهَا كُلَّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَفِيهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ طَيَّبَ شَارِبَهُ كُلَّهُ أَوْ بِقَدْرِهِ مِنْ لِحْيَتِهِ أَوْ رَأْسِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَقَالُوا إذَا اكْتَحَلَ بِالْكُحْلِ الْمُطَيِّبِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَمِثْلُهُ الْأَنْفُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا كَثِيرَةً فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ لَوْ طَيَّبَ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَلَوْ كَانَ الطِّيبُ فِي أَعْضَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ يُجْمَعُ ذَلِكَ كُلُّهُ فَإِنْ بَلَغَ عُضْوًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ، وَلَوْ شَمَّ طِيبًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا مُجَمَّرًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ أَجْمَرَ ثَوْبَهُ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ الدَّمُ تُجْزِيهِ الشَّاةُ إلَّا مَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ صَدَقَةٌ فَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ إلَّا مَا يَجِبُ بِقَتْلِ جَرَادَةٍ أَوْ قَمْلٍ أَوْ بِإِزَالَةِ شَعَرَاتٍ قَلِيلَةٍ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ عُضْوٍ آخَرَ مِنْ أَعْضَائِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: تَجِبُ شَاةٌ إنْ طَيَّبَ مُحْرِمٌ عُضْوًا لَا عَلَى مَا يَلِيهِ؛ لِأَنَّ الْحِنَّاءَ طِيبٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَإِذَا كَانَ طِيبًا وَقَدْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وَهَذَا إذَا كَانَ مَائِعًا وَإِنْ كَانَ مُتَلَبِّدًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلتَّطْيِيبِ وَدَمٌ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ ثُمَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْحِنَّاءِ، وَأَفْرَدَ الرَّأْسَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَدَلَّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ مَضْمُونٌ بِالدَّمِ، وَالْوَاوُ فِي: وَلِحْيَتُهُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى أَوْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَإِنْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْوَسْمَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطِيبٍ، وَإِنَّمَا تُغَيِّرُ لَوْنَ الشَّعْرِ، فِيهَا زِينَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ] بَابُ الْجِنَايَاتِ} لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُحْرِمِينَ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْعَوَارِضِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ ثُمَّ الْجِنَايَاتُ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ مَا لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ وَقِيلَ هِيَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا مِنْ قَوْلِهِمْ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا أَيْ كَسَبَهُ، وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى الْغَصْبِ إلَّا أَنَّ الْغَصْبَ أَخَصُّ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُحَرَّمَ يُسَمَّى غَصْبًا إذَا وَقَعَ فِي الْمَالِ، وَالْجِنَايَةُ أَعَمُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ وَالْمَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْجِنَايَةُ مَا يَجْنِيهِ مِنْ شَرٍّ أَيْ يُحْدِثُهُ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ مِنْ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا وَهُوَ عَامٌّ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ اهـ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ) أَيْ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ. اهـ. هِدَايَةٌ يَعْنِي يُعْتَبَرُ كَمْ قَدْرُهُ مِنْ قَدْرِ مَا يُوجِبُ الدَّمَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ بِحِسَابِ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ نِصْفَ الْعُضْوِ يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدَّمِ، وَإِنْ كَانَ رُبْعَ الْعُضْوِ يَجِبُ عَلَيْهِ رُبْعُ الدَّمِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي الْحِسِّيَّاتِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِدِينَارٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ بِالضَّرُورَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَكَفٌّ مِنْ الْغَالِيَةِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَكَفٌّ مِنْ مَاءِ الْغَالِيَةِ وَهُوَ خَطَأٌ وَلَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ لَوْ طَيَّبَ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ إلَخْ) فِي الْبَدَائِعِ إنْ طَيَّبَ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ دَمٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ ذَبَحَ لِلْأَوَّلِ، أَوْ لَمْ يَذْبَحْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ ذَبَحَ لِلْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَذْبَحْ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْجِمَاعِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا مُجَمَّرًا) أَيْ فَطَالَ مُكْثُهُ فِي الْبَيْتِ فَعَلِقَ بِثَوْبِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ هَاهُنَا لَيْسَتْ بِمُتَعَلِّقَةٍ بِالْعَيْنِ، وَمُجَرَّدُ الرِّيحِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ) أَيْ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ هُنَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهَا فِي بَدَنِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَطَيَّبَ بِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ عُضْوًا آخَرَ مِنْ أَعْضَائِهِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ فِيهَا بِمَا شَاءَ اهـ وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ: فَهُوَ كَفٌّ مِنْ الطَّعَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا عَلَى مَا يَلِيهِ) يَعْنِي قَوْلَهُ: وَإِلَّا تَصَدَّقَ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْحِنَّاءُ طِيبٌ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ بَابِ الْهَمْزَةِ: الْحِنَّاءُ بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ مَعْرُوفٌ، وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: وَالْحِنَّاءُ فُعَالٌ اهـ (قَوْلُهُ وَدَمٌ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ) يَعْنِي إذَا غَطَّاهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ اهـ أك (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْوَسِمَةِ) الْوَسِمَةُ بِكَسْرِ السِّينِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ، وَهِيَ أَفْصَحُ مِنْ السُّكُونِ، وَأَنْكَرَ الْأَزْهَرِيُّ السُّكُونَ وَقَالَ: كَلَامُ الْعَرَبِ بِالْكَسْرِ نَبْتٌ يُخْتَضَبُ بِوَرَقِهِ، وَيُقَالُ هُوَ الْعِظْلِمُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ وَفِي الصِّحَاحِ وَالْوَسِمَةُ

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ صَدَقَةً رَوَاهَا الْحَسَنُ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ أَوْ يُلَيِّنُ الشَّعْرَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا خَضَّبَ رَأْسَهُ بِهَا لِلْمُعَالَجَةِ مِنْ الصُّدَاعِ فَعَلَيْهِ دَمٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ، وَهَذَا صَحِيحٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّمِ بِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ) يَعْنِي يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي الشَّعْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الشَّعَثَ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ ارْتِفَاقٍ بِمَعْنَى قَتْلِ الْهَوَامِّ وَإِزَالَةِ الشَّعَثِ فَكَانَتْ جِنَايَةً قَاصِرَةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ، فَإِنَّ الرَّوَائِحَ تُلْقَى فِيهِ فَتَصِيرُ تَامَّةً فَيَجِبُ بِاسْتِعْمَالِ أَصْلِ الطِّيبِ مَا يَجِبُ بِالطِّيبِ كَالْبَيْضِ لَمَّا كَانَ أَصْلَ الصَّيْدِ يَجِبُ بِكَسْرِهِ قِيمَتُهُ كَمَا يَجِبُ بِالصَّيْدِ. فَإِذَا كَانَ أَصْلًا لَهُ فَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ طِيبٍ وَلِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ، وَيُزِيلُ الشَّعَثَ وَالتَّفَثَ، وَيُلَيِّنُ الشَّعْرَ فَتَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَكَوْنُهُ مَأْكُولًا لَا يُنَافِي وُجُوبَ الدَّمِ كَالزَّعْفَرَانِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْبَحْتِ وَالْحَلِّ الْبَحْتِ أَيْ الْخَالِصِ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ طِيبٌ أَمَّا الْمُطَيِّبُ بِالْبَنَفْسَجِ وَالزَّنْبَقِ وَالْبَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ وَهَذَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ أَمَّا لَوْ دَاوَى جُرْحَهُ أَوْ شُقُوقَ رِجْلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَصْلُ الطِّيبِ، أَوْ هُوَ طِيبُ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ إذَا أَكَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَدَاوَى بِالْمِسْكِ وَمَا أَشْبَهَهُ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِاسْتِعْمَالِهِ حَتَّى لَوْ أَكَلَ زَعْفَرَانًا مَخْلُوطًا بِطَعَامٍ أَوْ طِيبٍ آخَرَ وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَإِنْ مَسَّتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا، وَعَلَى هَذَا التَّفَاصِيلُ فِي الْمَشْرُوبِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ لَوْ ادَّهَنَ بِالشَّحْمِ أَوْ السَّمْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَزَاهُ إلَى التَّجْرِيدِ وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ فَلَا يَكُونُ طِيبًا، وَتَجِبُ الصَّدَقَةُ لِإِزَالَةِ الشَّعَثِ وَقَتْلِ الْهَوَامِّ، وَلَهُ أَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً، وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ، وَقِيلَ: جَوَابُهُ فِي خِطْمِيِّ الْعِرَاقِ، وَجَوَابُهُمَا فِي خِطْمِيِّ الشَّامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ يَوْمًا) يَعْنِي يَجِبُ الدَّمُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا كَانَ يَوْمًا كَامِلًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الدَّمُ بِنَفْسِ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ إحْرَامُهُ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ كَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ، وَلَنَا أَنَّ الِارْتِفَاقَ الْكَامِلَ بِهِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالدَّوَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْيَوْمُ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِمَا فَقَدَّرْنَاهُ بِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ لَبِسَهُ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّمِ بِحِسَابِهِ، وَلَوْ لَبِسَ اللِّبَاسَ كُلَّهَا مِنْ قَمِيصٍ وَقَبَاءٍ وَسَرَاوِيلَ وَخُفَّيْنِ يَوْمًا كَامِلًا يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا لَوْ دَامَ أَيَّامًا لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لَوْ كَانَ يَنْزِعُهُ بِاللَّيْلِ وَيَلْبَسُهُ بِالنَّهَارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ إلَّا إذَا نَزَعَهُ عَلَى عَزْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِكَسْرِ السِّينِ الْعِظْلِمُ يُخْتَضَبُ بِهِ وَتَسْكِينُهَا لُغَةٌ، وَلَا تَقُلْ وَسْمَةُ بِالضَّمِّ، وَإِذَا أَمَرْت مِنْهُ قُلْت تَوَسَّمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا خَضَّبَ رَأْسَهُ بِهَا لِلْمُعَالَجَةِ مِنْ الصُّدَاعِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ خِضَابٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ تَأْوِيلُ أَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ) أَيْ إذَا بَلَغَ عُضْوًا كَامِلًا سَوَاءٌ كَانَ مَطْبُوخًا أَوْ غَيْرَ مَطْبُوخٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ مَأْكُولًا لَا يُنَافِي وُجُوبَ الدَّمِ كَالزَّعْفَرَانِ) أَيْ وَلِهَذَا إذَا طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا بِالزَّعْفَرَانِ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِارْتِفَاقِهِ بِالطِّيبِ، وَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إذَا ادَّهَنَ بِشَحْمٍ أَوْ أَلْيَةٍ أَوْ سَمْنٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ، وَلَا هُوَ أَصْلُ الطِّيبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْبَحْتِ وَالْحَلِّ الْبَحْتِ) هُوَ بِالْبَاءِ الْمَفْتُوحَةِ الْمَنْقُوطَةِ بِنُقْطَةٍ تَحْتَانِيَّةٍ بَعْدَهَا الْحَاءُ الْمُهْمَلَةُ السَّاكِنَةُ بَعْدَهَا التَّاءُ الْمَنْقُوطَةُ بِنُقْطَتَيْنِ مِنْ فَوْقٍ هُوَ الْخَالِصُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْحَلُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْحَلُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ دُهْنُ السِّمْسِمِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ إلَخْ) وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ غَسَلَهُ بِالْحُرُضِ أَوْ بِالصَّابُونِ أَوْ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّمِ بِحِسَابِهِ) وَكَذَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْحَلْقِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ ذَبَحَ الْهَدْيَ ثُمَّ أَقَامَ عَلَى لُبْسِهِ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ عَلَيْهِ كَلُبْسٍ مُبْتَدَأٍ، وَلَوْ أَحْرَمَ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمَخِيطِ فَدَامَ عَلَى ذَلِكَ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْضًا: وَلَوْ اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ نَحْوُ مَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى قَمِيصٍ وَاحِدٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ أَوْ لَبِسَ عَلَيْهِ جُبَّةً أَوْ اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَ قَلَنْسُوَةً وَعِمَامَةً أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ نَحْوُ مَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَ قَلَنْسُوَةً مَعَ الْقَمِيصِ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَجْلِ لُبْسِهِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَيُخَيَّرُ فِي الْكَفَّارَةِ لِأَجْلِ لُبْسِ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ، وَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ ثُمَّ زَالَتْ الضَّرُورَةُ عَنْهُ فَمَا دَامَ فِي شَكِّ الزَّوَالِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةُ الضَّرُورَةِ، وَلَوْ جَاءَ الْيَقِينُ أَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ زَالَتْ فَلَبِسَ بَعْدَ ذَلِكَ دَامَ عَلَيْهِ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَّارَةُ الضَّرُورَةِ، وَكَفَّارَةُ غَيْرِ الضَّرُورَةِ، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: إذَا كَانَ بِهِ حُمَّى غِبٍّ فَجَعَلَ يَلْبَسُهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا فَمَا دَامَتْ الْحُمَّى قَائِمَةً فَاللُّبْسُ مُتَّحِدٌ وَإِنْ زَالَتْ هَذِهِ الْحُمَّى، وَحَدَثَتْ حُمَّى أُخْرَى اخْتَلَفَ حُكْمُ اللُّبْسِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ اللُّبْسُ لِأَجْلِ الْعَدُوِّ فَجَعَلَ يَلْبَسُ السِّلَاحَ، وَيُقَاتِلُ بِالنَّهَارِ، وَيَنْزِعُ بِاللَّيْلِ فَهَذَا اللُّبْسُ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَذْهَبْ هَذَا الْعَدُوُّ وَيَجِيءُ آخَرُ فَالْمُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ اتِّحَادُ الْجِهَةِ وَاخْتِلَافُهَا لَا صُورَةُ اللُّبْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

التَّرْكِ ثُمَّ لَبِسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ الْأَوَّلَ انْفَصَلَ عَنْ الثَّانِي بِالتَّرْكِ. وَلَوْ لَبِسَ قَمِيصًا لِلضَّرُورَةِ، وَلَبِسَ خُفَّيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَفِدْيَةٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ اخْتَلَفَ فَلَا يُمْكِنُ التَّدَاخُلُ، وَلَوْ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ أَوْ اتَّشَحَ بِهِ أَوْ اتَّزَرَ بِهِ أَوْ بِالسَّرَاوِيلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ لُبْسَ الْمَخِيطِ، وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ مَنْكِبَيْهِ فِي الْقَبَاءِ، وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ لُبْسَ الْقَبَاءِ وَلِهَذَا يَتَكَلَّفُ فِي حِفْظِهِ، وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُلْبَسُ كَذَلِكَ عَادَةً قُلْنَا: الْعَادَةُ فِي لُبْسِ الْقَبَاءِ الضَّمُّ إلَى نَفْسِهِ بِإِدْخَالِ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْيَدَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقُبُورِ، وَهُوَ الضَّمُّ وَكَمَالُهُ فِيمَا قُلْنَاهُ، وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ قَدْ بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ فَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ الرُّبْعُ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ؛ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنَايَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالرَّأْسِ، وَبَعْضُ الرَّأْسِ مَقْصُودٌ فِيهِمَا فِي حَقِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِخِلَافِ الْحَلْقِ عَلَى مَا مَرَّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِيهِ الْأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ الْكَثْرَةُ. وَلَا تَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَقِيَاسُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ يُعْتَبَرَ الْوُجُوبُ فِيهِ بِحِسَابِهِ مِنْ الدَّمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا تَصَدَّقَ) أَيْ وَإِنْ كَانَ اللُّبْسُ وَالتَّغْطِيَةُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ تَصَدَّقَ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ التَّغْطِيَةُ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ تَصَدَّقَ لِمَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتَهُ وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَالْحَالِقِ، أَوْ رَقَبَتَهُ أَوْ إبِطَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ مِحْجَمَهُ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ أَوْ رُبْعَ لِحْيَتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ حَلَقَ مِنْهُمَا أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَقَوْلُهُ: كَالْحَالِقِ أَيْ كَالْحَالِقِ رَأْسَ غَيْرِهِ، وَهُوَ تَشْبِيهٌ لِحَلْقِ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ بِحَلْقِ رَأْسِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ وَقَوْلُهُ: أَوْ رَقَبَتَهُ إلَى آخِرِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى الرُّبْعِ أَيْ يَجِبُ الدَّمُ عَلَيْهِ بِحَلْقِ رَقَبَتِهِ أَوْ إبِطَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِحْجَمِهِ فَإِنَّهُ إنْ حَلَقَ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَجِبُ الدَّمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَقَ بَعْضَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ فَجَعَلَ الْوَاحِدَ مِنْهُمَا كَالرُّبْعِ مِنْ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ أَمَّا وُجُوبُ الدَّمِ بِحَلْقِ رُبْعِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَهُوَ أَنَّ الْبَعْضَ فِيهِ مَقْصُودٌ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْلِقُ بَعْضَ الرَّأْسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْلِقُ بَعْضَ اللِّحْيَةِ فَيَحْصُلُ بِهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْكَمَالِ فَيَجِبُ الدَّمُ، وَأَمَّا وُجُوبُ الصَّدَقَةِ بِحَلْقِ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ دُونَ الدَّمِ فَلِقُصُورِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ بِحَلْقِ شَعْرَةٍ أَوْ شَعَرَاتٍ لَا يَكْمُلُ الِارْتِفَاقُ فَجَعَلْنَا الْفَاصِلَ بَيْنَهُمَا الرُّبْعَ احْتِيَاطًا كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الدَّمِ بِحَلْقِ الرَّقَبَةِ كُلِّهَا فَلِأَنَّهَا عُضْوٌ كَامِلٌ فَيَكْمُلُ الِارْتِفَاقُ بِحَلْقِهِ وَكَذَا الْإِبِطَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا مَوْضِعُ الْحِجَامَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احْتَجَمَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ يُوجِبُ الدَّمَ لَمَا بَاشَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِأَنَّهُ قَلِيلٌ فَلَا يُوجِبُ الدَّمَ كَمَا إذَا حَلَقَهُ لِغَيْرِ الْحِجَامَةِ وَلَهُ أَنَّ حَلْقَهُ لِمَنْ يَحْتَجِمُ مَقْصُودٌ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْحَلْقِ لِغَيْرِهَا وَلَا حُجَّةَ لَهُمَا فِيمَا رَوَيَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِعُذْرٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُبَاشِرُ مَا يُوجِبُ الصَّدَقَةَ أَيْضًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِقْ بَلْ احْتَجَمَ فِي مَوْضِعٍ لَا شَعْرَ فِيهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ثُمَّ الرُّبْعُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يُعْتَبَرُ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ فَلَا يَكُونُ حَلْقُ الْبَعْضِ ارْتِفَاقًا كَامِلًا حَتَّى لَوْ حَلَقَ أَكْثَرَ أَحَدِ إبِطَيْهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا الصَّدَقَةُ بِخِلَافِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَذَكَرَ فِي الْإِبِطَيْنِ الْحَلْقَ هُنَا وَكَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي الْأَصْلِ النَّتْفُ، وَهُوَ السُّنَّةُ وَالْأَوَّلُ دَلِيلُ الْجَوَازِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا حَلَقَ عُضْوًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَطَعَامٌ وَيُرِيدُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَلَوْ نَزَعَهُ، وَعَزَمَ عَلَى تَرْكِهِ ثُمَّ لَبِسَ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَتَكَلَّفُ فِي حِفْظِهِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: وَيَتَوَشَّحُ بِالثَّوْبِ، وَلَا يُخَلِّلُهُ بِخَلَّالٍ وَلَا يَعْقِدُهُ عَلَى عَاتِقِهِ، أَمَّا جَوَازُ التَّوَشُّحِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِارْتِدَاءِ وَالِائْتِزَارِ، وَأَمَّا كَرَاهَةُ عَقْدِهِ فَلِأَنَّهُ إذَا عَقَدَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حِفْظِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِلَا تَكَلُّفٍ فَكَانَ فِي مَعْنَى لَابِسِ الْمَخِيطِ، وَلَوْ فَعَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَخِيطٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَاكْتَفَى بِالْكَرَاهَةِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ الطَّيْلَسَانَ، وَلَا يَزُرُّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ زَرَّهُ يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَرَّهُ يَوْمًا صَارَ مُنْتَفِعًا بِهِ انْتِفَاعَ الْمَخِيطِ اهـ وَقَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَتَكَلَّفُ فِي حِفْظِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَزُرَّهُ، فَإِنْ زَرَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: بِخِلَافِ مَا إذَا زَرَّهُ يَوْمًا كَامِلًا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِوُجُودِ الِارْتِفَاقِ الْكَامِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْحَلْقِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي التَّغْطِيَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ تَقْدِيرٌ بِالزَّمَانِ، وَهُوَ الْيَوْمُ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُهُ وَتَقْدِيرٌ بِالْعُضْوِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا غَطَّى رُبْعَ رَأْسِهِ فَصَاعِدًا يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ غَطَّى مَا دُونَ الرُّبْعِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: لَا يَكُونُ عَلَيْهِ دَمٌ حَتَّى يُغَطِّيَ الْأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَرْخِيِّ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَجْهُ اعْتِبَارِ الرُّبْعِ أَنَّ تَغْطِيَةَ الْجَمِيعِ اسْتِمْتَاعٌ مَقْصُودٌ، وَمَا دُونَ الرُّبْعِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَجَعَلَ الرُّبْعَ فَاصِلًا بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْحَلْقِ اهـ {فَرْعٌ} قَالَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ كَانَ الْمُحْرِمُ نَائِمًا فَغَطَّى رَجُلٌ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ بِثَوْبٍ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ انْقَلَبَ مِنْ نَوْمِهِ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُغَطِّيَ الْمُحْرِمُ وَالْمُحْرِمَةُ الْفَمَ إلَّا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُغَطِّيهِ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ عَلَى الَّذِي فِيهِ الدَّمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنَّ حَلْقَهُ لِمَنْ يَحْتَجِمُ مَقْصُودٌ) فَإِنْ قُلْت: لَا شَكَّ أَنَّ حَلْقَ مَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ وَسِيلَةٌ إلَى الْحِجَامَةِ وَمَا كَانَ وَسِيلَةً إلَى الشَّيْءِ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا قُلْت: لَا يُنَافِي كَوْنَهُ وَسِيلَةً أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِيمَانَ وَسِيلَةٌ لِصِحَّةِ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَقَاصِدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

الصَّدْرَ وَالسَّاقَيْنِ وَالْعَانَةَ دُونَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ؛ لِأَنَّ الرُّبْعَ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ وَفِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَالْفَارِقُ الْعَادَةُ الْجَارِيَةُ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْبَعْضِ وَعَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا وَقَوْلُهُمَا بَيَانٌ لِلْمَذْهَبِ لَا؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُخَالِفُهُمَا فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا خُصَّا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ عَنْهُمَا لَا غَيْرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي أَخْذِ شَارِبِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ أَنَّ هَذَا الْمَأْخُوذَ كَمْ يَكُونُ مِنْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ مِنْ الطَّعَامِ حَتَّى إذَا أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ ثَمَنِ اللِّحْيَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ رُبْعُ الدَّمِ وَذَكَرَ الْأَخْذَ فِي الشَّارِبِ، وَهُوَ الْقَصُّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ، وَهُوَ أَنْ يَقُصَّ مِنْهُ حَتَّى يُوَازِيَ الْإِطَارَ، وَهُوَ الْحَرْفُ الْأَعْلَى مِنْ الشَّفَةِ الْعُلْيَا، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ حَلْقَ الشَّارِبِ هُوَ السُّنَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُحْفُوا الشَّارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَمْرٍو كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إلَى الْجِلْدِ وَالْإِحْفَاءُ الِاسْتِئْصَالُ وَالْإِعْفَاءُ تَرْكُهَا حَتَّى تَكِثَّ وَتَكْثُرَ وَالسُّنَّةُ قَدْرُ الْقَبْضَةِ فَمَا زَادَ قَطَعَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي شَارِبِ حَلَالٍ أَوْ قَلْمِ أَظْفَارِهِ طَعَامٌ) أَيْ مُحْرِمٌ أَخَذَ شَارِبَ حَلَالٍ أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ وَكَذَا بِحَلْقِ رَأْسِهِ وَكَذَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِمُحْرِمٍ آخَرَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَى الْمُحْرِمِ الْحَالِقِ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مُنِعَ عَنْ إزَالَةِ تَفَثِ نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرَّاحَةِ لَهُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِحَلْقِ رَأْسِ غَيْرِهِ، وَلَنَا أَنَّ إزَالَةَ مَا يَنْمُو مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَمَانَ كَنَبَاتِ الْحَرَمِ فَمُنِعَ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ مِنْ بَدَنِ غَيْرِهِ كَمَا مُنِعَ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ مِنْ بَدَنِهِ وَلِأَنَّهُ يَتَأَذَّى بِتَفَثِ غَيْرِهِ فَمُنِعَ مِنْ إزَالَتِهِ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ إزَالَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ كَمَالَ الْجِنَايَةِ فِي إزَالَةِ تَفَثِ نَفْسِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وَتَأَذِّيهِ بِتَفَثِ غَيْرِهِ دُونَ التَّأَذِّي بِتَفَثِ نَفْسِهِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَأَمَّا الْمَحْلُوقُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا سَوَاءٌ حَلَقَهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بِأَنْ كَانَ نَائِمًا أَوْ مُكْرَهًا؛ لِأَنَّ لُزُومَ الدَّمِ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الرَّاحَةِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ بِإِزَاءِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الرَّاحَةِ فَصَارَ كَالْمَغْرُورِ إذَا أُخِذَ مِنْهُ الْعُقْرُ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَارِّ؛ لِأَنَّهُ بِإِزَاءِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ اللَّذَّةِ، وَلَوْ كَانَ الْحَالِقُ حَلَالًا، وَالْمَحْلُوقُ مُحْرِمًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ حَصَلَ لَهُ رَاحَةٌ، وَالْحَلَالُ جَنَى بِإِزَالَةِ مَا اسْتَحَقَّ الْأَمْنَ كَنَبَاتِ الْحَرَمِ عَلَى مَا مَرَّ فَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ بِالْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ يَكُونَا مُحْرِمَيْنِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ الصَّدَقَةُ وَعَلَى الْمَحْلُوقِ الدَّمُ أَوْ الْحَالِقُ حَلَالًا وَالْمَحْلُوقُ مُحْرِمًا فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا، أَوْ كَانَ الْحَالِقُ مُحْرِمًا، وَالْمَحْلُوقُ حَلَالًا فَتَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ الصَّدَقَةُ لَا غَيْرُ أَوْ كَانَا حَلَالَيْنِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ قَصَّ أَظْفَارَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِمَجْلِسٍ أَوْ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَخَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ) وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَوْ قَصَّ أَظْفَارَ يَدَيْ نَفْسِهِ وَرِجْلَيْهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا يَجِبُ فِيهِ الشَّاةُ، وَلَوْ قَصَّ يَدًا وَاحِدَةً، أَوْ رِجْلًا وَاحِدَةً فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِوُجُودِ قَلْمِ الْخَمْسَةِ مُتَوَالِيَةً وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَخَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَيْ وَإِنْ كَانَ خِلَافَهُ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَلْمِ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ مُتَفَرِّقَةٍ فَحَاصِلُهُ أَنَّ قَصَّ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي مَجْلِسٍ يُوجِبُ دَمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ، وَهِيَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فَلَا يُزَادُ عَلَى الدَّمِ كَالْإِيلَاجَاتِ فِي الْجِمَاعِ حَتَّى لَا يَزِيدَ عَلَى مَهْرٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَثُرَ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّدَاخُلِ كَكَفَّارَةِ الْفِطْرِ إلَّا إذَا تَخَلَّلَتْ الْكَفَّارَةُ بَيْنَهُمَا لِارْتِفَاعِ الْأَوَّلِ بِالتَّكْفِيرِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي مَجَالِسَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ رُبْعَهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَجِبُ لِكُلِّ يَدٍ دَمٌ وَلِكُلِّ رِجْلٍ دَمٌ إذَا وُجِدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ دِمَاءٍ إذَا وُجِدَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ قَلْمُ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَارَةِ فَيَتَقَيَّدُ التَّدَاخُلُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي آيَةِ السَّجْدَةِ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ مُتَبَايِنَةٌ حَقِيقَةً. وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهَا جِنَايَةً وَاحِدَةً مَعْنًى لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الِارْتِفَاقُ، فَإِذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى فَيَتَّحِدُ الْمُوجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ مِنْ الطَّعَامِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَثَلًا مِثْلَ رُبْعِ الرُّبْعِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ رُبْعِ الشَّاةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: أَيْ لَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الشَّارِبِ مِثْلَ رُبْعِ رُبْعِ اللِّحْيَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثُلُثَ الرُّبْعِ أَوْ نِصْفَ الرُّبْعِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَفِي الْأَوَّلِ ثُلُثُ الشَّاةِ، وَفِي الثَّانِي نِصْفُ الشَّاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى يُوَازِيَ الْإِطَارَ) الْإِطَارُ عَلَى وَزْنِ كِتَابٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ حَلْقَ الشَّارِبِ هُوَ السُّنَّةُ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: بِأَنَّ الْحَلْقَ بِدْعَةٌ احْتِجَاجًا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَشْرٌ مِنْ فِطْرَتِي وَذَكَرَ مِنْهَا الشَّارِبَ» وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «اُحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى» وَالْإِحْفَاءُ الِاسْتِئْصَالُ، وَالْقَصُّ مُحْتَمَلٌ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا رَوَيْنَا؛ لِأَنَّهُ مُحْكَمٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ الْقَصِّ، وَالْقَصُّ حَسَنٌ جَائِزٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْإِعْفَاءُ تَرْكُهَا) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مَا هُوَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَرْكُهَا حَتَّى تَطُولَ فَذَلِكَ إعْفَاؤُهَا مِنْ غَيْرِ قَصٍّ، وَلَا قَصْرٍ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: الْإِعْفَاءُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَمَا زَادَ قَطَعَهُ)؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ وَرَدَ بِالْإِعْفَاءِ، وَهُوَ التَّكْثِيرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف: 95] أَيْ كَثُرُوا وَلِأَنَّ اللِّحْيَةَ لَمَّا كَانَتْ زِينَةً كَانَ كَثْرَتُهَا وَكَثَافَتُهَا مِنْ كَمَالِ الزِّينَةِ وَتَمَامِهَا، فَأَمَّا الطُّولُ إذَا فَحُشَ فَهُوَ خِلَافُ الزِّينَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا) فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْبَدَائِعِ: وَإِذَا كَانَ الْحَالِقُ حَلَالًا فَلَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ: وَأَمَّا الْحَلَالُ إذَا حَلَقَ رَأْسَ الْمُحْرِمِ فَلَيْسَ عَلَى الْحَالِقِ شَيْءٌ. اهـ.

[فصل نظر المحرم إلى فرج امرأة بشهوة فأمنى]

وَإِذَا اخْتَلَفَ تُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ كَاللُّبْسِ الْمُتَفَرِّقِ وَالتَّطَيُّبِ الْمُتَفَرِّقِ فِي مَجَالِسَ حَيْثُ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ وَبِخِلَافِ حَلْقِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا لِرُبْعِهِ حُكْمَ كُلِّهِ عِنْدَ عَدَمِ حَلْقِ الْبَاقِي فَإِذَا حَلَقَ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا كَفَّارَةٌ أَمْكَنَ التَّدَاخُلُ لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ حَقِيقَةً، وَبِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَشَابَهَتْ الْحُدُودَ، وَهَذِهِ شُرِعَتْ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَخَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَيْ، وَإِنْ قَلَّمَ أَقَلَّ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فِي مَجْلِسٍ تَصَدَّقَ كَمَا يَتَصَدَّقُ فِيمَا إذَا قَلَّمَ خَمْسَةَ أَصَابِعَ مُتَفَرِّقَةً وَكَذَا إذَا قَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِقَلْمِ كُلِّ ظُفْرٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَيَنْقُصَ مَا شَاءَ وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ الدَّمُ بِقَلْمِ ثَلَاثٍ مِنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِي أَظَافِيرِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ دَمًا، وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا قُلْنَا: إنَّ أَظَافِيرَ كَفٍّ وَاحِدٍ أَقَلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ، وَقَدْ أَقَمْنَاهَا مَقَامَ الْكُلِّ لِكَوْنِهِ رُبْعَ الْأَصَابِعِ فَلَا يُقَامُ أَكْثَرُهَا مَقَامَ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّسَلْسُلِ فَصَارَ كَرُبْعِ الرَّأْسِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ قَلَّمَ خَمْسًا مُتَفَرِّقَةً مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ قَصَّهَا مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، وَبِمَا إذَا حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ، قُلْنَا: إنَّ كَمَالَ الْجِنَايَةِ بِنَيْلِ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ، وَالْقَلْمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَتَأَذَّى بِهِ، وَيَشِينُهُ بِخِلَافِ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ عَلَى مَا مَرَّ وَبِخِلَافِ الطِّيبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عُضْوٌ يَخُصُّهُ فَجَعَلَ الْبَدَنَ كُلَّهُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فَيَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ فِيهِ كَمَا فِي النَّجَاسَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا شَيْءَ بِأَخْذِ ظُفْرٍ مُنْكَسِرٍ) لِأَنَّهُ لَا يَنْمُو بَعْدَ الِانْكِسَارِ فَأَشْبَهَ الْيَابِسَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَحَشِيشِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ ذَبَحَ شَاةً أَوْ تَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ عَلَى سِتَّةٍ أَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي فَحُمِلْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْك مَا أَرَى أَتَجِدُ شَاةً قُلْتُ لَا فَنَزَلَتْ الْآيَةُ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] قَالَ: هُوَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفُسِّرَ النُّسُكُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالشَّاةِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ لِلضَّرُورَةِ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ ثُمَّ الصَّوْمُ يُجْزِيهِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فِي كُلِّ مَكَان وَكَذَا الصَّدَقَةُ عِنْدَنَا، وَأَمَّا النُّسُكُ فَمُخْتَصٌّ بِالْحَرَمِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي زَمَانٍ أَوْ فِي مَكَان وَهَذَا الدَّمُ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ فَوَجَبَ اخْتِصَاصُهُ بِالْمَكَانِ ثُمَّ إنْ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ تُجْزِيهِ التَّغْدِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ بِالْإِبَاحَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُجْزِيهِ إلَّا التَّمْلِيكُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي النَّصِّ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ، وَهِيَ تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ»، وَهِيَ الزَّكَاةُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا الْإِطْعَامُ، وَهُوَ جَعْلُ الْغَيْرِ طَاعِمًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمْلِيكُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ كَعْبٍ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ فَلَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ فَصَارَ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَصْلٌ وَلَا شَيْءَ إنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْمُبَاشَرَةُ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ بِالْمَحَلِّ فَأَشْبَهَ التَّفْكِيرَ وَهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَجِبُ شَاةٌ إنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا مَسَّ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ وَكَذَا الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ إذَا فَعَلَ مُخْتَارًا لَزِمَهُ الدَّمُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ أَيَّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ إنْ شَاءَ ذَبَحَ هَدْيًا فِي الْحَرَمِ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَيَجُوزُ فِيهِ التَّمْلِيكُ وَطَعَامُ الْإِبَاحَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُجْزِيهِ إلَّا التَّمْلِيكُ وَإِنْ شَاءَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ بِالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ يَجُوزُ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ وَلَا يَجُوزُ الذَّبْحُ إلَّا إذَا تَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِيمَةُ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَجْزَأَهُ بَدَلًا عَنْ الصِّيَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ [فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى] {فَصْلٌ} قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدَّمَ النَّوْعَ السَّابِقَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُقَدِّمَةِ لَهُ؛ إذْ التَّطَيُّبُ وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ مُهَيِّجَاتٌ لِلشَّهْوَةِ لِمَا تُعْطِيهِ مِنْ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا شَيْءَ) أَيْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: سِوَى الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ إنْزَالَ الْمَنِيِّ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَحْظُورَ هُوَ الْجِمَاعُ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ صُورَةً وَمَعْنًى وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ وَكَذَا الِاحْتِلَامُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ سِوَى الْغُسْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ) الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِفَرْجِ امْرَأَتِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَكَارَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا كَانَتْ امْرَأَتُهُ مُتَّكِئَةً؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى فَرْجِ الْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ، وَلَا يُظَنُّ بِالْمُسْلِمِ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ: وَالْمَسُّ وَالتَّقْبِيلُ مِنْ شَهْوَةٍ، وَالْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يُفْسِدُ الْإِحْرَامَ وَلَكِنَّهُ يُوجِبُ الدَّمَ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ حَصَلَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِاجْتِمَاعِ الْعُضْوِ، وَهُوَ جِمَاعٌ مِنْ وَجْهٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ اسْتَمْتَعَ اسْتِمْتَاعًا مَقْصُودًا، وَهُوَ اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْإِنْزَالُ وَكَذَا التَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ لَكِنْ لَمْ يَفْسُدْ الْحَجُّ لِعَدَمِ الِارْتِفَاقِ الْكَامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مُخَالِفٌ لِمَا صُحِّحَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ لِيَكُونَ جِمَاعًا مِنْ وَجْهٍ مُوَافِقٍ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُنْزِلْ يَعْنِي يَجِبُ الدَّمُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) أَرَادَ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ الِاسْتِعْمَالَ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ لَا الدُّبُرَ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ فِيهِ قَضَاءُ

وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَفْسُدُ إحْرَامُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا أَنْزَلَ كَمَا فِي الصَّوْمِ، وَلَنَا أَنَّ فَسَادَ الْإِحْرَامِ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْجِمَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّ ارْتِكَابَ سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ لَا يُفْسِدُهُ، وَمَا تَعَلَّقَ بِالْجِمَاعِ لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ كَالْحَدِّ إلَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْإِنْزَالِ بِالْمُبَاشَرَةِ فَيَفْسُدُ لِأَجْلِ مَا يُضَادُّهُ وَلَا يَضُرُّهُ إذَا لَمْ يُنْزِلْ لِعَدَمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَلِأَنَّ أَقْصَى مَا يَجِبُ فِي الْحَجِّ الْقَضَاءُ بِالْفَسَادِ، وَفِي الصَّوْمِ الْكَفَّارَةُ فَكَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الصَّوْمِ فَكَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وُجُوبُ الْقَضَاءِ فِي الْحَجِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) هَذَا الْكَلَامُ يَشْتَمِلُ عَلَى شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ الشَّاةِ بِهِ، وَالثَّانِي: فَسَادُ الْحَجِّ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الشَّاةِ فَمَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ بَدَنَةٌ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِيهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَكْمَلُ لِوُجُودِهَا فِي مُطْلَقِ الْإِحْرَامِ فَيَكُونُ جَزَاؤُهُ أَغْلَظَ، وَلَنَا مَا رَوَى يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ الْأَسْلَمِيُّ التَّابِعِيُّ «أَنَّ رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُمَا: اقْضِيَا نُسُكَكُمَا وَأَهْدِيَا هَدْيًا الْحَدِيثَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْهَدْيُ يَتَنَاوَلُ الشَّاةَ وَلِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْقَضَاءُ صَارَ الْفَائِتُ مُسْتَدْرَكًا بِهِ فَخَفَّ مَعْنَى الْجِنَايَةِ فَيُكْتَفَى بِالشَّاةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَكَانَ كُلُّ الْجَابِرِ فَيُغَلَّظُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فِي الدُّبُرِ لِقُصُورِ مَعْنَى الْجِمَاعِ فِيهِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ عِنْدَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَامِدًا، أَوْ نَاسِيًا طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّوْمِ. وَلَوْ كَانَ قَارِنًا فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ إنْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِلْعُمْرَةِ وَعَلَيْهِ دَمَانِ وَقَضَاؤُهُمَا وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَمْضِي وَيَقْضِي) أَيْ يَمْضِي فِي الْحَجِّ، وَيَقْضِي بَعْدَ مَا أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ كَمَا يَمْضِي مَنْ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: يُرِيقَانِ دَمًا وَيَمْضِيَانِ فِي حَجِّهِمَا، وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَفْتَرِقَا فِيهِ) أَيْ وَلَمْ يَفْتَرِقَا فِي الْقَضَاءِ وَقَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَفْتَرِقَانِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْجَبُوا الِافْتِرَاقَ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: يَفْتَرِقَانِ إذَا خَرَجَا مِنْ مَنْزِلِهِمَا وَالشَّافِعِيُّ: إذَا انْتَهَيَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ ذَلِكَ فَيَقَعَانِ فِيهِ، وَعِنْدَ زُفَرَ إذَا أَحْرَمَا؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّهْوَةِ دُونَ الْإِنْزَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: تَجِبُ بِهِ الشَّاةُ وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْإِحْرَامُ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَفْسُدُ إحْرَامُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) إشَارَةٌ إلَى الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَالتَّقْبِيلِ بِشَهْوَةٍ وَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ جَامَعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا إذَا تَعَدَّدَ الْجِمَاعُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِمَرْأَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فِي الدُّبُرِ) أَيْ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْمَهْرِ بِحَالٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَسَادُ الْحَجِّ كَالْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَيَفْسُدُ الْحَجُّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يُوجِبُ الِاغْتِسَالَ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ فَصَارَ كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَفْسُدُ الْحَجُّ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ عِنْدَهُمَا فَصَارَ كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ فَأَمَّا إذَا وَطِئَ بَهِيمَةً فَلَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِمْتَاعٍ مَقْصُودٍ، وَكَفَّارَةُ الْإِحْرَامِ تَجِبُ بِالِاسْتِمْتَاعِ الْمَقْصُودِ، فَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّهُ أَنْزَلَ عَنْ مُبَاشَرَةٍ كَالْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَطِئَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ رَوَى جَمِيعَ ذَلِكَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالِاسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ عَلَى هَذَا أَيْ كَجِمَاعِ الْبَهِيمَةِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فِي الدُّبُرِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَالْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ كَهُوَ فِي الْقُبُلِ عِنْدَهُمَا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي أُخْرَى عَنْهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَسَادٌ، وَالْأُولَى أَصَحُّ فَإِنْ جَامَعَ فِي مَجْلِسٍ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ رَفْضَ الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْفَاسِدَةِ لَا يَلْزَمُهُ بِالثَّانِي شَيْءٌ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَقَاضِي خَانْ، وَقَدَّمْنَا مِنْ الْمَبْسُوطِ لُزُومَ تَعَدُّدِ الْمُوجِبِ لِتَعَدُّدِ الْمَجَالِسِ عِنْدَهُمَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْقَيْدِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَفَّرَ عَنْ الْأُولَى فَيَلْزَمُهُ أُخْرَى. وَالْحَقُّ اعْتِبَارُهُ عَلَى أَنْ تَصِيرَ الْجِنَايَاتُ الْمُتَعَدِّدَةُ بَعْدَهُ مُتَّحِدَةً فَإِنَّهُ نَصَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا جَامَعَ النِّسَاءَ وَرَفَضَ إحْرَامَهُ وَأَقَامَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُ الْحَلَالُ مِنْ الْجِمَاعِ وَالطِّيبِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ حَرَامًا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ بِإِفْسَادِهِ الْإِحْرَامَ لَمْ يَصِرْ خَارِجًا عَنْهُ قَبْلَ الْأَعْمَالِ، وَكَذَا بِنِيَّةِ الرَّفْضِ وَارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ اسْتَنَدَ إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ فَيَكْفِيهِ لِذَلِكَ دَمٌ وَاحِدٌ. اهـ. فَكَذَا لَوْ تَعَدَّدَ جِمَاعٌ بَعْدَ الْأَوَّلِ بِقَصْدِ الرَّفْضِ فِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَامِدًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا يَلْزَمُ بِهِ الْفَسَادُ وَالدَّمُ عَلَى الرَّجُلِ يَلْزَمُ مِثْلُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً أَوْ نَاسِيَةً إنَّمَا يَنْتَفِي بِذَلِكَ الْإِثْمُ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَسَدَ حَجُّهَا دُونَهُ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الصَّبِيَّةَ أَوْ مَجْنُونَةً انْعَكَسَ الْحُكْمُ ثُمَّ إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً حَتَّى فَسَدَ حَجُّهَا وَلَزِمَهَا دَمٌ هَلْ تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ؟ عَنْ أَبِي شُجَاعٍ: لَا، وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ: نَعَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ) أَيْ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ اهـ وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَسَدَ حَجُّهُ دُونَ عُمْرَتِهِ وَإِذَا فَسَدَ الْحَجُّ سَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ لَهُ نُسُكَانِ صَحِيحَانِ، وَعَلَيْهِ دَمَانِ لِفَسَادِ الْحَجِّ وَلِلْجِمَاعِ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ فَيَقْضِي الْحَجَّ، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَأَفْسَدَهَا ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ لَيْسَ بِقَارِنٍ لِهَذَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ دَمَانِ وَقَضَاؤُهُمَا) وَيَمْضِي فِيهِمَا وَيُتِمُّهُمَا عَلَى الْفَسَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنَّهُمْ قَالُوا) أَيْ فِيمَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ، وَهُمَا يُحْرِمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُرِيقَانِ) أَيْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُرِيقُ دَمًا يُجْزِيهِ فِي ذَلِكَ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي بَقَرَةٍ أَوْ جَزُورٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ) أَيْ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ. اهـ.

خَوْفَ الْإِفْسَادِ يَتَحَقَّقُ مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ الْوِقَاعِ يَجِبُ بَعْدَهُ، وَلَنَا أَنَّ الِافْتِرَاقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ فِي الْأَدَاءِ فَكَذَا فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَلِأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ النِّكَاحُ قَائِمٌ فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِإِبَاحَةِ الْوِقَاعِ وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَكَّرَانِ مَا لَحِقَهُمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ الْعَظِيمَةِ بِسَبَبِ لَذَّةٍ يَسِيرَةٍ فَيَزْدَادَانِ نَدَمًا وَتَحَرُّزًا فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ أَنْ يُفَارِقَهَا فِي الْفِرَاشِ حَالَةَ الْحَيْضِ وَلَا حَالَةَ الصَّوْمِ مَعَ تَوَهُّمِ تَذَاكُرِهِمَا مَا كَانَ بَيْنَهُمَا حَالَةَ الطُّهْرِ وَالْفِطْرِ، وَالِافْتِرَاقُ الْمَنْقُولِ عَنْ الصَّحَابَةِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى الْحَتْمِ وَالْإِيجَابِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إذَا خِيفَ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَدَنَةٌ لَوْ بَعْدَهُ وَلَا فَسَادَ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَفْسُدُ حَجُّهُ إذَا جَامَعَ قَبْلَ الرَّمْيِ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ جَامَعَهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَحَقِيقَةُ التَّمَامِ غَيْرُ مُرَادٍ لِبَقَاءِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ رُكْنٌ فَتَعَيَّنَ التَّمَامُ حُكْمًا بِالْأَمْنِ مِنْ الْفَسَادِ وَبِفَرَاغِ الذِّمَّةِ عَنْ الْوَاجِبِ، وَوُجُوبُ الْبَدَنَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا سَمَاعًا وَلِأَنَّهُ أَعْلَى الِارْتِفَاقَاتِ فَيَتَغَلَّظُ مُوجَبُهُ، وَلَوْ كَانَ قَارِنًا فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِحَجِّهِ، وَشَاةٌ لِعُمْرَتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ الشَّاةُ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الشَّاةُ لَا عَلَى مَا يَلِيهِ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الْبَدَنَةُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ خَفَّتْ لِوُجُودِ الْحِلِّ فِي حَقِّ غَيْرِ النِّسَاءِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ والإسبيجابي لَوْ جَامَعَ الْقَارِنُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ، وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ يَتَحَلَّلُ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ مَعًا بِالْحَلْقِ إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَهُوَ مُحْرِمٌ بِهِمَا فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَشُرُوحُهُ؛ لِأَنَّهُمْ يُوجِبُونَ عَلَى الْحَاجِّ الشَّاةَ بَعْدَ الْحَلْقِ وَهَؤُلَاءِ أَوْجَبُوا الْبَدَنَةَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا مَعْزِيًّا إلَى الْوَبَرِيِّ أَنَّ الْقَارِنَ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ إحْرَامِهَا بِالْحَلْقِ، وَبَقِيَ إحْرَامُ الْحَجِّ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ مُحْرِمًا فِي حَقِّ الْحَجِّ فَكَذَا فِي الْعُمْرَةِ، وَلَوْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى طَافَ لِلزِّيَارَةِ، ثُمَّ جَامَعَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ فِي الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِالْحَلْقِ، وَإِنْ كَانَ قَارِنًا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا الْأَكْثَرَ، وَتَفْسُدُ وَيَمْضِي وَيَقْضِي) أَيْ لَوْ جَامَعَ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ يَلْزَمُهُ شَاةٌ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الشَّاةُ وَتَفْسُدُ عُمْرَتُهُ، وَيَمْضِي فِيهَا وَيَقْضِيهَا كَالْحَجِّ إذَا جَامَعَ فِيهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ وَلَا فَسَادَ) أَيْ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ الْأَكْثَرَ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ اعْتِبَارًا بِالْحَجِّ؛ إذْ هِيَ فَرْضٌ عِنْدَهُ كَالْحَجِّ وَلَنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ فَكَانَتْ أَحَطَّ رُتْبَةً مِنْهُ فَتَجِبُ الشَّاةُ فِيهَا، وَالْبَدَنَةُ فِي الْحَجِّ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا وَطَوَافُ الْعُمْرَةِ رُكْنٌ فَصَارَ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَأَكْثَرُهُ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجِمَاعُ النَّاسِي كَالْعَامِدِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاتِّفَاقِ، وَهُوَ الْمُوجِبُ وَكَذَا جِمَاعُ النَّائِمَةِ وَالْمُكْرَهَةِ مُفْسِدٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ هُوَ يَقُولُ: إنْ فَعَلَهُ لَمْ يَقَعْ جِنَايَةً لِعَدَمِ الْحَظْرِ مَعَ الْعُذْرِ فَشَابَهُ الصَّوْمَ قُلْنَا: الِاتِّفَاقُ مَوْجُودٌ، وَهُوَ الْمُوجِبُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ مُذَكَّرٌ فَصَارَ كَالصَّلَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ إذَا طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) يَعْنِي قَبْلَ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ أَنَّ الْجِمَاعَ بَعْدَ الْحَلْقِ فِيهِ شَاةٌ هَذَا وَالْعَبْدُ إذَا جَامَعَ مَضَى فِيهِ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَحَجَّةٌ إذَا عَتَقَ سِوَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْمَالُ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ بِخِلَافِ مَا فِيهِ الصَّوْمُ يُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِ، وَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَوْلَى عَنْهُ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْعَثُ عَنْهُ فَيَحِلُّ هُوَ، فَإِذَا عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَيَتَغَلَّظُ مُوجِبُهُ) أَيْ وَهُوَ الْبَدَنَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ مَرَّةً ثَانِيَةً حَيْثُ تَجِبُ شَاةٌ لَا بَدَنَةٌ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ صَادَفَ إحْرَامًا نَاقِصًا بِالْجِمَاعِ فَلَمْ يَتَغَلَّظْ مُوجِبُهُ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ) وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ كَمَا سَيَأْتِي هُنَا، وَهَذَا يُوهِمُ تَفْضِيلَ نُقْصَانِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ عَلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَذْكُورٌ فِي الْعِنَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْأَكْمَلِ (قَوْلُهُ: مَعْزِيًّا إلَى الْوَبَرِيِّ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إنَّ الْقَارِنَ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا عَنْ الْوَبَرِيِّ وَإِشْكَالَ الشَّارِحِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الصَّوَابَ مَا عَنْ الْوَبَرِيِّ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ لَمْ يُعْهَدْ بِحَيْثُ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ بِالْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ النِّسَاءِ وَيَبْقَى فِي حَقِّهِنَّ بَلْ إذَا حَلَقَ بَعْدَ أَفْعَالِهَا حَلَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُعْهَدُ ذَلِكَ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ، فَإِذَا ضُمَّ إحْرَامُ الْحَجِّ إلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ اسْتَمَرَّ كُلُّ مَا عُهِدَ لَهُ فِي الشَّرْعِ؛ إذْ لَا يَزِيدُ الْقِرَانُ عَلَى ذَلِكَ بِالضَّمِّ فَيَنْطَوِي بِالضَّمِّ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ الْكُلِّيَّةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مُوجِبٌ بِسَبَبِ الْوَطْءِ بَلْ لِلْحَجِّ فَقَطْ ثُمَّ يَجِبُ النَّظَرُ فِي التَّرْجِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَجِمَاعُ النَّاسِي كَالْعَامِدِ) يَعْنِي أَنَّ جِمَاعَ النَّاسِي لِلْإِحْرَامِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ يُفْسِدُ الْحَجَّ كَجِمَاعِ الْعَامِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاتِّفَاقِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: أَمَّا الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ نَائِمَةً أَوْ جَامَعَهَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ لَا تَرْجِعُ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا لَزِمَهَا عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ لَزِمَهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَيْهَا كَرَجُلٍ أُكْرِهَ عَلَى النَّذْرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فَإِذَا أَدَّى مَا نَذَرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ كَذَلِكَ هَاهُنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

فَمَنْ تَكَلَّمَ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فَيَكُونُ مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةُ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالطَّهَارَةِ فَاشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فِيهِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، وَهِيَ نَسْخٌ فَلَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ تَشْبِيهُ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ دُونَ الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ هُوَ فِي الصَّلَاةِ» وَالْمُرَادُ بِهِ الثَّوَابُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَشْيَ وَالِانْحِرَافَ عَنْ الْقِبْلَةِ وَالْكَلَامَ لَا يُفْسِدُهُ، وَيُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَعَلَى هَذَا لَوْ طَافَ مَنْكُوسًا أَوْ عَارِيًّا أَوْ رَاكِبًا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَعِنْدَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ ثُمَّ الطَّهَارَةُ سُنَّةٌ عِنْدَ ابْنِ شُجَاعٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهَا وَلِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ فَلَمْ تَصِرْ الطَّهَارَةُ فِيهِ رُكْنًا؛ لِأَنَّ الرُّكْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِمِثْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَدَنَةٌ لَوْ جُنُبًا) أَيْ تَجِبُ الْبَدَنَةُ إذَا طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعِيدُ) أَيْ يُعِيدُ الطَّوَافَ فِي الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ لِيَأْتِيَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْإِعَادَةَ تُسْتَحَقُّ، أَوْ تُسْتَحَبُّ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَقَالَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْحَدَثِ اسْتِحْبَابًا، وَفِي الْجَنَابَةِ إيجَابًا لِفُحْشِ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ وَقُصُورِهَا فِي الْحَدَثِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ، وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا فَلَا ذَبْحَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِعَادَةِ لَا يَبْقَى إلَّا شُبْهَةُ النُّقْصَانِ وَإِنْ أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَعَادَهُ فِي وَقْتِهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالتَّأْخِيرِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمُعْتَدُّ بِهِ حَيْثُ أَوْجَبَ الدَّمَ بِتَأْخِيرِهِ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا وَجَبَ أَنْ يَعُودَ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ كَثِيرٌ فَيُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ اسْتِدْرَاكًا لِلْمَصْلَحَةِ الْفَائِتَةِ، وَيَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ، وَبَعَثَ بَدَنَةً أَجْزَأَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ إلَّا أَنَّ الْعَوْدَ هُوَ الْأَفْضَلُ وَفِي الْمُحِيطِ بَعْثُ الدَّمِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ وَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ، وَفِيهِ مَنْفَعَةُ الْفُقَرَاءِ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ طَافَ مُحْدِثًا إنْ عَادَ وَطَافَ جَازَ وَإِنْ بَعَثَ بِالشَّاةِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ خَفَّ مَعْنَى الْجِنَايَةِ، وَفِيهِ نَفْعُ الْفُقَرَاءِ وَلَوْ لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَصْلًا حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ لِانْعِدَامِ التَّحَلُّلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَ وَكَذَا إنْ تَرَكَ الْأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْكُلِّ، وَالْأَكْثَرُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي طَوَافِهِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ طَافَ الْأَقَلَّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَدَقَةٌ لَوْ مُحْدِثًا لِلْقُدُومِ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ مُحْدِثًا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَهُ نَقْصٌ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فَيَنْجَبِرُ بِالصَّدَقَةِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ، وَلَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَكَانَ مِثْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ دُونَهُ فَيَجِبُ فِيهِ دُونَ مَا يَجِبُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ إنْ لَمْ يُعِدْ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصَّدْرِ) أَيْ تَجِبُ الصَّدَقَةُ إذَا طَافَ لِلصَّدْرِ مُحْدِثًا، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَكَانَ أَدْنَى مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَتَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ كَبِيرٌ، وَهُوَ دُونَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيَجِبُ فِيهِ دُونَ مَا يَجِبُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا سَوَّيْتُمْ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالنَّفَلِ فَإِنَّكُمْ أَوْجَبْتُمْ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ مَا أَوْجَبْتُمْ فِي طَوَافِ الصَّدْرِ قُلْنَا: طَوَافُ الْقُدُومِ يَجِبُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَاسْتَوَيَا، وَلَا يُقَالُ: إنَّ الدَّمَ هُنَا كَسَجْدَةِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا فَرْقَ فِي سَجْدَةِ السَّهْوِ بَيْنَ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ فَكَيْفَ اخْتَلَفَ هُنَا قُلْنَا: الْجَابِرُ مُتَنَوِّعٌ فِي الْحَجِّ فَأَمْكَنَ الْفَرْقُ، وَفِي الصَّلَاةِ مُتَّحِدٌ فَلَا يُمْكِنُ الْفَرْقُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَرَكَ أَقَلَّ طَوَافِ الرُّكْنِ) أَيْ يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِ أَقَلِّ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ فَمَا دُونَهَا، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا يُوجِبُ الدَّمَ مِنْ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَجَازَ حَجُّهُ وَحَلَّ إذَا حَلَقَ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَسِيرٌ فَيَنْجَبِرُ بِالدَّمِ فَيَلْزَمُهُ كَالنُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ جَازَ أَنْ لَا يَعُودَ وَيَبْعَثَ شَاةً لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَرَكَ أَكْثَرَهُ بَقِيَ مُحْرِمًا) أَيْ لَوْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَكْثَرَهُ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ فَصَاعِدًا بَقِيَ مُحْرِمًا أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَ يَعْنِي فِي حَقِّ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَطُفْ أَصْلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ الصَّدْرِ أَوْ طَافَهُ جُنُبًا وَصَدَقَةٌ بِتَرْكِ أَقَلِّهِ) أَيْ يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِ أَكْثَرِ طَوَافِ الصَّدْرِ أَوْ طَافَهُ جُنُبًا وَتَجِبُ صَدَقَةٌ بِتَرْكِ أَقَلِّهِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ وَمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ وَاجِبٌ فَتَرْكُهُ يُوجِبُ الدَّمَ فَكَذَا تَرْكُ أَكْثَرِهِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَبِتَرْكِ أَقَلِّهِ يَجِبُ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَلَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ بِخِلَافِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَطَوَافِ الْعُمْرَةِ حَيْثُ يَجِبُ فِيهِمَا الدَّمُ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْضٌ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَهُمَا لَا يَنْجَبِرَانِ بِالدَّمِ، وَطَوَافُ الصَّدْرِ يَنْجَبِرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَتَجِبُ الصَّدَقَةُ بِتَرْكِ أَقَلِّهِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا وَفَرْقًا بَيْنَ تَرْكِ الْكُلِّ وَالْأَقَلِّ وَقَدْ ذَكَرْنَا طَوَافَهُ جُنُبًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَدَمَانِ لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ لَوْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا وَطَوَافَ الصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَاهِرًا وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْتَقِلْ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَإِعَادَةُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يَنْتَقِلُ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَيْهِ فَيَجِبُ الدَّمُ بِسَبَبِ الْحَدَثِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَنْتَقِلُ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْإِعَادَةِ فَيَصِيرُ تَارِكًا لِطَوَافِ الصَّدْرِ مُؤَخِّرًا لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ فَيَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَبِتَأْخِيرِ الْآخَرِ عَلَى الْخِلَافِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْبَدَنَةُ لِارْتِفَاضِ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ وَإِقَامَةِ طَوَافِ الصَّدْرِ مَقَامَهُ وَلَغَتْ عَزِيمَتُهُ أَنَّهُ لِلصَّدْرِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَفْعَالُ الْحَجِّ مُرَتَّبًا عَلَى مَا شُرِعَ، فَإِذَا نَوَى خِلَافَ ذَلِكَ تَلْغُو نِيَّتُهُ كَمَنْ عَلَيْهِ السَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ تُصْرَفُ إلَى الصُّلْبِيَّةِ وَكَالْقَارِنِ إذَا طَافَ عِنْدَ قُدُومِهِ مَكَّةَ وَسَعَى، وَهُوَ يَنْوِي طَوَافَ الْقُدُومِ يَكُونُ لِلْعُمْرَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْآخَرَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ يَصِيرُ قَارِنًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَكَذَا الْحَاجُّ لَوْ طَافَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ تَطَوُّعًا ثُمَّ انْصَرَفَ يَكُونُ لِلصَّدْرِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَطَافَ لِلصَّدْرِ يَكُونُ لِلزِّيَارَةِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ بَعْضَهُ يَكْمُلُ مِنْهُ ثُمَّ إنْ بَقِيَ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ بَعْدَ التَّكْمِيلِ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ يَجِبُ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ أَقَلِّهِ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ يَجِبُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْأَكْثَرَ وَلَهُ حُكْمُ الْكُلِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى مُحْدِثًا وَلَمْ يُعِدْ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى لَهَا مُحْدِثًا، وَلَمْ يُعِدْهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ لِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِي طَوَافِ الْفَرْضِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ لِوُقُوعِ التَّحَلُّلِ بِأَدَاءِ الرُّكْنِ، وَالنُّقْصَانُ أَيْضًا يَسِيرٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي السَّعْيِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى عَلَى إثْرِ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَهُوَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ وَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُعِيدُ الطَّوَافَ لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) ظَرْفٌ لِطَوَافِ الصَّدْرِ فَقَطْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ فَتَنَبَّهْ اهـ (قَوْلُهُ: وَقَالَا: عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ مُحْدِثًا يَقَعُ مُجْزِيًا لَكِنْ مَعَ النُّقْصَانِ فَلَمَّا وَقَعَ الطَّوَافُ مَعَ الْحَدَثِ مُعْتَدًّا بِهِ لَمْ يَجِبْ نَقْلُ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَجَبَ دَمٌ وَيُجْزِيهِ شَاةٌ لِنُقْصَانِ الْحَدَثِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمَانِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ مَعَ الْجَنَابَةِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ؛ وَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وُجُوبًا اسْتِحْبَابًا فَلَمَّا كَانَ فِي حُكْمِ الْعَدُوِّ وَجَبَ نَقْلُ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ حَصَلَتْ لِلْأَفْعَالِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي شُرِعَتْ فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ التَّرْتِيبِ فَانْتَقَلَ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدْرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ، وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَنْتَقِلُ) وَفَائِدَةُ نَقْلِ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ سُقُوطُ الْبَدَنَةِ عَنْهُ انْتَهَى أك (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ تَارِكًا لِطَوَافِ الصَّدْرِ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ نَقْلُ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الصَّدْرِ أَصْلًا اهـ (قَوْلُهُ: وَبِتَأْخِيرِ الْآخَرِ عَلَى الْخِلَافِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ طَوَافِ الصَّدْرِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَلَا يُؤْمَرُ بَعْدَ الرُّجُوعِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ إذَا أَعَادَ طَوَافَ الصَّدْرِ يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَإِنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا، وَلَمْ يَطُفْ طَوَافَ الصَّدْرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ وَيُجْزِيهِ شَاةٌ وَدَمٌ آخَرُ وَهُوَ جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ جُنُبًا بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ جُنُبًا وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ حَيْثُ يُجْزِيهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ فَكَانَ النُّقْصَانُ فِيهَا دُونَ النُّقْصَانِ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَخِفُّ لِمَعْنًى فِي الْمَحَلِّ كَمَا تَخِفُّ لِمَعْنًى فِي الْجَانِي اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي طَوَافَ الزِّيَارَةِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى مُحْدِثًا) أَيْ حَلَّ فَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُعِيدُهُمَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَعْنِي طَافَ لِعُمْرَتِهِ مُحْدِثًا وَسَعَى كَذَلِكَ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ بِوُجُوبِ الشَّاةِ فِيمَا إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ مُحْدِثًا وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُكْمَ فِيمَا إذَا طَافَ جُنُبًا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِالشَّاةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ أَغْلَظُ مِنْ حُكْمِ الْحَدَثِ، فَوَجَبَ أَنْ تَظْهَرَ حُكْمُ التَّغْلِيظِ فِي إيجَابِ الزِّيَادَةِ كَمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِالشَّاةِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَوْقَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَإِيجَابُ أَغْلَظِ الدِّمَاءِ، وَهُوَ الْبَدَنَةُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَانَ لِمَعْنَيَيْنِ وِكَادَةُ الطَّوَافِ وَغِلَظُ أَمْرِ الْجَنَابَةِ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ دُونَ الثَّانِي تَعَذَّرَ إيجَابُ أَغْلَظِ الدِّمَاءِ فَاقْتَصَرْنَا عَلَى الشَّاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

وَيُعِيدُ السَّعْيَ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلطَّوَافِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِ النُّقْصَانِ بِالْإِعَادَةِ، وَلَوْ أَعَادَ الطَّوَافَ، وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي السَّعْيِ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يَقَعَ عَقِيبَ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَطَوَافُ الْمُحْدِثِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِهِ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَعَادَ الطَّوَافَ صَارَ الطَّوَافُ الْأَوَّلُ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَا فَرْضَيْنِ أَوْ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ وَلَا يُعْتَدُّ بِالثَّانِي، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَإِذَا ارْتَفَضَ الْأَوَّلُ بَقِيَ السَّعْيُ قَبْلَ الطَّوَافِ. وَهُوَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَا عُرِفَ كَوْنُهُ قُرْبَةً إلَّا بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يَكُونُ عِبَادَةً عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ فَيَكُونُ تَارِكًا لَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعِدْ الطَّوَافَ وَأَرَاقَ دَمًا حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ السَّعْيِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ لَا يَرْتَفِعُ الطَّوَافُ الْأَوَّلُ، وَإِنَّمَا يَنْجَبِرُ بِهِ نُقْصَانُهُ فَيَكُونُ مُتَقَرِّرًا فِي مَوْضِعِهِ فَيَكُونُ السَّعْيُ عَقِيبَهُ فَيُعْتَبَرُ، وَلَوْ طَافَ الْفَرْضَ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ، وَهُوَ الْحَطِيمُ فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ فَيَجِبُ الطَّوَافُ وَرَاءَهُ، وَالطَّوَافُ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ أَنْ يَدُورَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَيَدْخُلَ الْفُرْجَةَ الَّتِي بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَالْحَطِيمِ فَيَدْخُلَهُ بِذَلِكَ نَقْصٌ فَمَا دَامَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ كُلَّهُ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، وَإِنْ أَعَادَهُ عَلَى الْحِجْرِ خَاصَّةً جَازَ؛ لِأَنَّهُ تَلَافَى مَا هُوَ الْمَتْرُوكُ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ يَمِينِهِ خَارِجَ الْحِجْرِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْحِجْرَ مِنْ الْفُرْجَةِ، وَيَخْرُجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ هَكَذَا يَفْعَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقَالَ قَاضِي خَانْ: وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَتَى آخِرَ الْحِجْرِ يَرْجِعُ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْحِجْرِ ثُمَّ يَبْتَدِئُ مِنْ أَوَّلِ الْحِجْرِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ أَوَّلًا لَكِنْ لَا يُعَدُّ رُجُوعُهُ إلَى ذَلِكَ شَوْطًا وَهَكَذَا سَبْعُ مَرَّاتٍ وَلَوْ طَافَ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ مِنْ دَاخِلِ الْحَطِيمِ بِأَنْ تَسَوَّرَ الْحَائِطَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْحَطِيمَ كُلَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَوْ عَادَ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يُعِدْ الطَّوَافَ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ شَوْطٍ مِنْهُ يُوجِبُ الدَّمَ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الرُّبْعِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْوَاجِبِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِيهِ الصَّدَقَةُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَرَكَ السَّعْيَ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ بِتَرْكِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَنَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِمَامِ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِإِفَاضَتِهِ مِنْهَا بِالنَّهَارِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: قَبْلَ الْإِمَامِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الدَّمُ إذَا أَفَاضَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِمَامِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالْإِفَاضَةِ مِنْ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ أَصْلُ الْوُقُوفِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِ الِاسْتِدَامَةِ شَيْءٌ، وَلَنَا أَنَّ نَفْسَ الْوُقُوفِ رُكْنٌ، وَاسْتِدَامَتُهُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَادْفَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ» أَمْرٌ، وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَبِتَرْكِ الْوَاجِبِ يَجِبُ الْجَابِرُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ لَيْلًا؛ لِأَنَّا عَرَفْنَا الِاسْتِدَامَةَ بِالسُّنَّةِ فِيمَنْ وَقَفَ نَهَارًا لَا لَيْلًا فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى أَصْلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ قَوْلُهُ: «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» وَلَوْ عَادَ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِفَاضَةُ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَقَدْ حَصَلَ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ طَافَ جُنُبًا ثُمَّ أَعَادَهُ أَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ عَادَ وَأَحْرَمَ مِنْهُ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الِاسْتِدَامَةَ وَاجِبَةٌ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا بِالْعَوْدِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ وَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَيَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ رَمَى الْجِمَارَ كُلَّهَا أَوْ رَمَى يَوْمَ) أَيْ بِتَرْكِ رَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ أَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ أَعَادَ الطَّوَافَ وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ فِي الصَّحِيحِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالُوا: إذَا أَعَادَ الطَّوَافَ، وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ تَجْعَلُ الْمُؤَدَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَجْهٍ فَيَبْقَى السَّعْيُ قَبْلَ الطَّوَافِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي السَّعْيِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الطَّوَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الرُّبْعِ) أَيْ رُبْعِ الْبَيْتِ اهـ (قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِتَرْكِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أَيْ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي: وَإِنْ تَرَكَ السَّعْيَ فِيمَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَأْسًا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ، وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ أَطْعَمَ لِكُلِّ شَوْطٍ مِسْكِينًا نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَحِينَئِذٍ يُطْعِمُ مِنْهُ مَا شَاءَ يَعْنِي نَقَصَ مِنْهُ مَا شَاءَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ كَالرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ فَيَكُونُ تَرْكُ الْأَكْثَرِ كَتَرْكِ كُلِّهِ فِي وُجُوبِ الدَّمِ، وَتَجِبُ الصَّدَقَةُ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ لِيَكُونَ الْوَاجِبُ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ دُونَ مَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْأَكْثَرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ: «فَادْفَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ») وَالدَّفْعُ مِنْ عَرَفَاتٍ هُوَ الْإِفَاضَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ لَيْلًا) أَيْ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) أَرَادَ بِهِ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ رَجَعَ وَوَقَفَ بِهَا بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّمُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ سُنَّةُ الدَّفْعِ مَعَ الْإِمَامِ، وَلَمْ يُسْتَدْرَكْ ذَاكَ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْقُطُ) قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الْمَتْرُوكَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ) اعْلَمْ أَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا فَمَنْ حَضَرَ الْمُزْدَلِفَةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَقَدْ أَتَى بِالْوُقُوفِ وَمَنْ تَرَكَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِأَنْ جَاوَزَ الْمُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ إلَّا إذَا جَاوَزَهَا لَيْلًا عَنْ عِلَّةٍ وَضَعْفٍ فَخَافَ الزِّحَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَخَّصَ لِلضُّعَفَاءِ أَنْ يَتَعَجَّلُوا بِلَيْلٍ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ

يُوجِبُ دَمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَيَجِبُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ، وَيَكْفِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ كَمَا فِي الْحَلْقِ حَتَّى إذَا حَلَقَ جَمِيعَ بَدَنِهِ يَكْفِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ بِحَلْقِ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى الِانْفِرَادِ وَبِحَلْقِ رُبْعِ الرَّأْسِ، وَالتَّرْكُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ، وَهُوَ آخِرُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِيهَا، وَمَا دَامَتْ الْأَيَّامُ بَاقِيَةً يُمْكِنُ قَضَاؤُهَا فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّأْلِيفِ ثُمَّ بِتَأْخِيرِ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الْقَضَاءِ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ فَرَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ الرُّعَاةِ إلَّا فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِتَأْخِيرِهِ إلَى الْغُرُوبِ وَلَا يَقْضِيهِ بِاللَّيْلِ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ قَدْ خَرَجَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ أَوْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ يَجِبُ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ وَحْدَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنْ تَرَكَ أَحَدَ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فِي يَوْمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ نُسُكٌ وَاحِدٌ فِي يَوْمٍ فَكَانَ الْمَتْرُوكُ أَقَلَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَرْمِيَ عَشْرَ حَصَيَاتٍ، وَيَتْرُكَ إحْدَى عَشْرَةَ حَصَاةً فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَمَعْنَى وُجُوبِ الصَّدَقَةِ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ حَصَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَيَنْقُصَ مَا شَاءَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ أَوْ طَوَافَ الرُّكْنِ) أَيْ إذَا أَخَّرَ الْحَلْقَ أَوْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ، وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ، وَفِي تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَنَحْرِ الْقَارِنِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ لَهُمَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ فَقَالَ: اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ، وَقَالَ آخَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ إلَّا قَالَ: افْعَلْ، وَلَا حَرَجَ» وَلِأَنَّ مَا فَاتَ يُسْتَدْرَكُ بِالْقَضَاءِ، وَلَا يَجِبُ مَعَ الْقَضَاءِ شَيْءٌ آخَرُ، وَلَهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ فَعَلَيْهِ الدَّمُ وَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ الْمَكَانِ يُوجِبُ الدَّمَ فِيمَا هُوَ مُؤَقَّتٌ بِالْمَكَانِ كَالْإِحْرَامِ فَكَذَا التَّأْخِيرُ عَنْ الزَّمَانِ فِيمَا هُوَ مُؤَقَّتٌ بِالزَّمَانِ فَلَا حُجَّةَ لَهُمَا فِيمَا رَوَيَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ فِيهِ الْإِثْمَ الْفِدْيَةُ، وَقَوْلُ السَّائِلِ: لَمْ أَشْعُرْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ عُذِرُوا لِجَهْلِهِمْ أَوْ لِلنِّسْيَانِ وَلَا يَأْثَمُونَ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إجْرَاؤُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَطُوفَ أَوْ يَحْلِقَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَلِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ حَلَقَ لِلضَّرُورَةِ قَبْلَ أَوَانِهِ فَمَا ظَنُّك إذَا حَلَقَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ) أَيْ يَجِبُ الدَّمُ إذَا حَلَقَ فِي الْحِلِّ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ، وَالْمُرَادُ فِيمَا إذَا حَلَقَ لِلْحَجِّ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَأَمَّا إذَا خَرَجَ أَيَّامَ النَّحْرِ فَحَلَقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقَالَ زُفَرُ: إنْ حَلَقَ لِلْحَجِّ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَقَ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْحَلْقَ لِلْحَجِّ يَتَعَيَّنُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَتَعَيَّنُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَعَيَّنُ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَتَعَيَّنُ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ، وَأَمَّا الْحَلْقُ لِلْعُمْرَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالزَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِهِ، وَتَتَعَيَّنُ بِالْمَكَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَتَعَيَّنُ لِأَبِي يُوسُفَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلَقُوا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ» وَلَهُمَا فِي الْمَكَانِ أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ فَيَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ كَسَائِرِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، وَكَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَعْيِينِهِ بِالزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِذَا تَأَخَّرَ عَنْهُ أَوْجَبَ نُقْصَانًا فَيَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَلَا حُجَّةَ لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا رُوِيَ؛ لِأَنَّ الْمُحْصَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ، وَإِنَّمَا حَلَقَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحُدَيْبِيَةِ لِيُعْرَفَ اسْتِحْكَامُ عَزْمِهِ عَلَى الرُّجُوعِ، وَلَئِنْ وَجَبَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ لِعَجْزِهِ وَلِأَنَّ بَعْضَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحَرَمِ فَلَعَلَّهُمْ حَلَقُوا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ عَادَ فَحَلَقَ فِيهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَمَانِ لَوْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ الذَّبْحِ) أَيْ يَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ إذَا حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَعِبَارَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ: قَارِنٌ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ، وَقَالَا: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ النُّسُكِ عَنْ وَقْتِهِ يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُنَا لَمَّا حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ تَرَكَ التَّرْتِيبَ بِتَقْدِيمِ هَذَا وَتَأْخِيرِ ذَاكَ، وَهُوَ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَدَمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ: وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِهِ فَآخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا طَافَ، وَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ قَالَ الزَّاهِدِيُّ: لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمُحِيطِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ وَقْتَ هَذَا الطَّوَافِ أَيَّامُ النَّحْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ «فَقَالَ: اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ») يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّائِلُ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ وَهُوَ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْلِقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْإِحْرَامِ) أَيْ إذَا أَخَّرَهُ عَنْ الْمِيقَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا حَجَّةَ لَهُمَا فِيمَا رَوَيَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَنَقُولُ: كَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ حِينَ لَمْ يَسْتَقِرَّ أَفْعَالُ الْمَنَاسِكِ

[فصل الصيد في الحرم]

آخَرُ لِلْقِرَانِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ لِلْأَوَّلِ، وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: قَارِنٌ ذَبَحَ قَبْلَ الْحَلْقِ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَدَمٌ لِلْقِرَانِ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمُ الْقِرَانِ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ دَمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ دَمُ الْقِرَانِ لِتَحَقُّقِ سَبَبِهِ ثُمَّ عِنْدَهُ يَجِبُ دَمٌ آخَرُ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ دَمَانِ إجْمَاعًا دَمُ الْقِرَانِ وَدَمٌ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ لَا يَحِلُّ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ فَإِذَا حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَقَدْ صَارَ جَانِيًا عَلَى إحْرَامِهِ وَيَجِبُ دَمٌ آخَرُ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَجِبَ خَمْسَةُ دِمَاءٍ عَلَى قَوْلِهِ ثَلَاثَةٌ مَا ذَكَرَهُ هُوَ وَدَمَانِ لِلْجِنَايَةِ فِي إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقَارِنِ مَضْمُونٌ بِدَمَيْنِ وَحَلْقُهُ قَبْلَ أَوَانِهِ جِنَايَةٌ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ دَمَانِ لِلْجِنَايَةِ وَكَذَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ دَمَيْنِ لِأَجْلِ الْجِنَايَةِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْكَافِي وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (فَصْلٌ) اعْلَمْ أَنَّ الصَّيْدَ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَهُوَ نَوْعَانِ بَرِّيٌّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَتَنَاسُلُهُ فِي الْبَرِّ، وَبَحْرِيٌّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلِدَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالتَّعَيُّشُ بَعْدَ ذَلِكَ عَارِضٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ، وَيَحْرُمُ الْأَوَّلُ عَلَى الْمُحْرِمِ دُونَ الثَّانِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وقَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] الْآيَةَ وَالْخَمْسُ الْفَوَاسِقُ خَارِجَةٌ بِالنَّصِّ عَلَى مَا يَجِيءُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) أَمَّا وُجُوبُهُ بِالْقَتْلِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] وَقَدْ نَصَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِهِ، وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ عَطَاءٌ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ بِالدَّلَالَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَتْلِ، وَالدَّلَالَةُ لَيْسَتْ بِقَتْلٍ فَأَشْبَهَ دَلَالَةَ الْحَلَالِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَأَنَّهُ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى الصَّيْدِ؛ إذْ هُوَ آمِنٌ بِتَوَحُّشِهِ وَتَوَارِيهِ فَصَارَ كَالْإِتْلَافِ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِإِحْرَامِهِ الْتَزَمَ الِامْتِنَاعَ عَنْ التَّعَرُّضِ فَيَضْمَنُ بِتَرْكِ مَا الْتَزَمَهُ كَالْمُودَعِ إذْ دَلَّ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الْحَلَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا الْتِزَامَ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالدَّلَالَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الدَّالِّ الْحَلَالِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ، وَالدَّلَالَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْجَزَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي الدَّلَالَةِ وَأَنْ يَبْقَى الدَّالُّ مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَقْتُلَهُ، وَأَنْ يَنْفَلِتَ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْفَلَتَ صَارَ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ انْدَمَلَ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ النَّاسِي وَالْعَامِدُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا كَإِتْلَافِ الْأَمْوَالِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَمْدِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] لِأَجْلِ الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فِي آخِرِ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95] وَالْمُبْتَدِئُ فِي الْحَجِّ، وَالْعَائِدُ فِيهِ سَوَاءٌ وَكَذَا الْمُبْتَدِئُ فِي الْقَتْلِ، وَالْعَائِدُ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ قِيمَةُ الصَّيْدِ بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ فِي مَقْتَلِهِ أَوْ أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْهُ فَيَشْتَرِي بِهَا هَدْيًا وَذَبَحَهُ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدْيًا، أَوْ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَالْفِطْرِ، أَوْ صَامَ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا) أَيْ الْجَزَاءُ قِيمَةُ الصَّيْدِ بِأَنْ يُقَوِّمَهُ عَدْلَانِ فِي مَوْضِعٍ قُتِلَ فِيهِ أَوْ فِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْهُ إنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْقِيمَةِ إنْ شَاءَ ابْتَاعَ بِهَا هَدْيًا وَذَبَحَهُ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدْيًا أَوْ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا، وَتَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ كَمَا قُلْنَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ فَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ، وَفِي الضَّبُعِ شَاةٌ وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ، وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ، وَزَادَ الشَّافِعِيُّ فَأَوْجَبَ فِي الْحَمَامَةِ شَاةً، وَزَعَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُشَابَهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعُبُّ وَيَهْدُرُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَجِبُ فِيهَا الْقِيمَةُ وَكَذَا قَوْلُهُمَا فِيمَا لَا نَظِيرَ لَهُ كَالْعُصْفُورِ يَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ فَإِذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَهُمَا كَانَ جَوَابُ مُحَمَّدٍ كَجَوَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَجَوَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ أَنَّهُ يَصُومُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَارِنٌ ذَبَحَ قَبْلَ الْحَلْقِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ قَارِنٌ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ اهـ (قَوْلُهُ: وَدَمٌ لِلْقِرَانِ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقَارِنِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إنَّمَا تَتَضَاعَفُ عَلَى الْقَارِنِ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ عَلَى الْمُفْرِدِ دَمًا، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا أَنَّ الْمُفْرِدَ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ بِهِ دَمَانِ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ عَلَيْهِ دَمَيْنِ لَيْسَ إلَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا دَمٌ وَاحِدٌ. اهـ. [فَصْلٌ الصَّيْدَ فِي الحرم] {فَصْلٌ} (قَوْلُهُ {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] أَيْ مُحْرِمُونَ جَمْعُ حَرَامٍ كَرُدُحٍ فِي جَمْعِ رَدَاحٍ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ أَيْ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ عَالِمًا أَنَّ مَا يَقْتُلُهُ مِمَّا يَحْرُمُ قَتْلُهُ عَلَيْهِ فَإِنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ، أَوْ رَمَى صَيْدًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ فَهُوَ مُخْطِئٌ. اهـ. مَدَارِكُ (قَوْلُهُ: وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَمْدِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَدَارِكِ: وَإِنَّمَا شُرِطَ التَّعَمُّدُ فِي الْآيَةِ مَعَ أَنَّ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ يَسْتَوِي فِيهَا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ الْآيَةِ فِيمَنْ تَعَمَّدَ فَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ عَنَّ لَهُمْ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ حِمَارُ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو الْيُسْرِ فَقَتَلَهُ فَقِيلَ لَهُ: إنَّك قَتَلْتَ الصَّيْدَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ فَنَزَلَتْ» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِعْلُ التَّعَمُّدِ، وَالْخَطَأُ يُلْحَقُ بِهِ لِلتَّغْلِيظِ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ نَزَلَ الْكِتَابُ بِالْعَمْدِ، وَوَرَدَتْ السُّنَّةُ بِالْخَطَأِ. اهـ. مَدَارِكُ (قَوْلُهُ: يَعُبُّ وَيَهْدُرُ) عَبَّ مِنْ بَابِ طَلَبَ أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ الْجَرْعَ، وَالْحَمَامُ يَشْرَبُ هَكَذَا بِخِلَافِ سَائِرِ الطُّيُورِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَهَدَرَ الْبَعِيرُ وَالْحَمَامُ إذَا صَوَّتَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ انْتَهَى أك (قَوْلُهُ وَكَذَا قَوْلُهُمَا) أَيْ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ اهـ

أَوْ يَتَصَدَّقُ وَلَا يَذْبَحُ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ النَّظِيرِ لِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ مُقَيَّدًا بِكَوْنِهِ نِعْمَةً تَقْدِيرُهُ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ مِنْ النَّعَمِ مِثْلُ الْمَقْتُولِ فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ مِثْلُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مِنْ النَّعَمِ، وَلَا مِنْ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمِثْلِ مَا يُمَاثِلُ الشَّيْءَ صُورَةً وَمَعْنًى، وَإِنَّمَا يُعْدَلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَهُنَا مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ النَّظِيرَ مِثْلٌ صُورَةً وَمَعْنًى، وَالْقِيمَةُ مِثْلٌ مَعْنًى لَا صُورَةً فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظِيرٌ؛ وَلِهَذَا أَوْجَبَتْ الصَّحَابَةُ النَّظِيرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ، وَالْمِثْلُ الْمُطْلَقُ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى وَعِنْدَ تَعَذُّرِهِ يُعْتَبَرُ الْمِثْلُ مَعْنًى، وَأَمَّا الْمِثْلُ صُورَةً بِلَا مَعْنًى فَلَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا مِثَالُهُ إذَا أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا؛ لِأَنَّهُ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ مَعْنًى. وَيَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ مِثْلُهُ صُورَةً فِي الشَّرْعِ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ دَابَّةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَابَّةٌ مِثْلُهَا مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ لِاخْتِلَافِ الْمَعَانِي فِيهَا فَمَا ظَنُّك مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ؛ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْبَقَرَةُ مِثْلًا لِلْبَقَرَةِ فَكَيْفَ تَكُونُ مِثْلًا لِحِمَارِ الْوَحْشِ، وَكَيْفَ تَكُونُ الشَّاةُ مِثْلًا لِلظَّبْيِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ مِثْلًا لِلشَّاةِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَفَسَادُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَهُنَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمِثْلِ مَعْنًى، وَهُوَ الْقِيمَةُ لِكَوْنِهِ مَعْهُودًا فِي الشَّرْعِ أَوْ لِكَوْنِهِ مُرَادًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مَا لَا نَظِيرَ لَهُ تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ فَلَا يَكُونُ النَّظِيرُ مُرَادًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يَتَنَاوَلُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] عَامٌّ لِجَمِيعِ الصَّيْدِ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] عَائِدٌ إلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمِثْلُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] مِثْلًا لِلْكُلِّ، وَلَيْسَ لَنَا مِثْلٌ يَعُمُّ الْكُلَّ إلَّا الْقِيمَةَ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِثْلِ الْقِيمَةُ وَلِأَنَّ الْمِثْلَ لَوْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَالْمَنْظَرُ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْعَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ حَكَمُوا بِالْمِثْلِ. وَهُوَ النَّظِيرُ عَلَى زَعْمِهِمْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَحْكِيمٍ جَدِيدٍ فِي كُلِّ مَقْتُولٍ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِحُكْمِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالنَّعَمِ فِي النَّصِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الْمَقْتُولُ، وَهُوَ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّ اسْمَ النَّعَمِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَحْشِ هَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيُّ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ فَجَزَاءُ قِيمَةِ مَا قُتِلَ مِنْ النَّعَمِ الْوَحْشِ، وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ التَّقْدِيرُ دُونَ إيجَابِ الْعَيْنِ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ يُفَكُّ الْغُلَامُ بِالْغُلَامِ وَالْجَارِيَةُ بِالْجَارِيَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ تَقْدِيرُهُمْ لَازِمًا فِي الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَحْكِيمِ الْحَكَمَيْنِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ بِقَوْلِهِمْ وَرَأْيِهِمْ ثُمَّ إذَا ظَهَرَتْ قِيمَتُهُ بِتَقْوِيمِهِمَا خُيِّرَ الْقَاتِلُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ: الْخِيَارُ إلَى الْحَكَمَيْنِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ حَكَمَا بِالْهَدْيِ يَجِبُ النَّظِيرُ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنْ حَكَمَا بِالطَّعَامِ أَوْ الصَّوْمِ فَعَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَهُمَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْحَكَمَيْنِ لِإِظْهَارِ قِيمَةِ الصَّيْدِ وَبَعْدَ مَا ظَهَرَتْ قِيمَتُهُ يَكُونُ الْخِيَارُ إلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْفِدْيَةِ وَلِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] أَثْبَتَ لَهُمَا الْحُكْمَ فِي الْهَدْيِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ التَّكْفِيرَ بِالْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ بِكَلِمَةِ أَوْ فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِمَا ضَرُورَةً قُلْنَا قَوْله تَعَالَى {أَوْ كَفَّارَةٌ} [المائدة: 95] مَعْطُوفٌ عَلَى فَجَزَاءٌ وَكَذَا قَوْلُهُ {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِهِمَا، وَإِنَّمَا كَانَ يَدْخُلُ أَنْ لَوْ كَانَ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ يَحْكُمُ، وَهَذَا مَرْفُوعٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى اخْتِيَارِ الْحَكَمَيْنِ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَيْهِمَا فِي مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ لَا غَيْرُ وَيُقَوِّمَانِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قَتَلَهُ فِيهِ فِي زَمَانِ الْقَتْلِ لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَالْأَزْمِنَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ لَا يُبَاعُ فِيهَا الصَّيْدُ يُعْتَبَرُ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ مِنْهُ مِمَّا يُبَاعُ فِيهِ، وَالْوَاحِدُ يَكْفِي فِي التَّقْوِيمِ. وَالْمَثْنَى أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْغَلَطِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الْمَثْنَى لِظَاهِرِ النَّصِّ، فَإِنْ اخْتَارَ التَّكْفِيرَ فَعَلَيْهِ الذَّبْحُ فِي الْحَرَمِ وَالتَّصَدُّقُ بِلَحْمِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّقْلِ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ هُوَ يَقِيسُهُ عَلَى الْهَدْيِ، وَالْجَامِعُ التَّوْسِعَةُ عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ، وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا وَيَجُوزُ الصَّوْمُ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ عِبَادَةَ قَهْرِ النَّفْسِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ، وَإِنْ ذَبَحَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ النَّظِيرُ مُرَادًا) أَيْ إذْ لَا عُمُومَ لِلْمُشْتَرِكِ. اهـ. مَدَارِكُ

غَيْرِ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ عَنْ الطَّعَامِ يَعْنِي إذَا تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ، وَفِيهِ وَفَاءٌ، وَأَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ مِنْ اللَّحْمِ مَا يُسَاوِي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَبَحَ فِي الْحَرَمِ حَيْثُ يَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْإِرَاقَةِ حَتَّى إذَا تَلِفَ أَوْ سُرِقَ بَعْدَ الذَّبْحِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَفِيمَا إذَا ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ تُعْتَبَرُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالتَّصَدُّقِ لَا غَيْرُ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْهَدْيِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] كَمَا انْصَرَفَ إلَيْهِ هَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَأَوْجَبَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ صِغَارَ النَّعَمِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْجَبُوا جَفْرَةً وَعَنَاقًا قُلْنَا: يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِطْعَامِ كَالْمَذْبُوحِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، وَهُوَ تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ، وَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى الْإِطْعَامِ اشْتَرَى بِالْقِيمَةِ طَعَامًا وَأَطْعَمَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ الْبُرِّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ، وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ أَكْثَرَ تَبَرُّعًا حَتَّى لَا تُحْسَبَ الزِّيَادَةُ مِنْ الْقِيمَةِ كَيْ لَا يُنْتَقَصَ أَعْدَادُ الْمَسَاكِينِ، وَإِنْ اخْتَارَ الصَّوْمَ يُقَوَّمُ الْمَقْتُولُ طَعَامًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يُقَوَّمُ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ عِنْدَهُمَا ثُمَّ يَصُومُ مَكَانَ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلصَّوْمِ فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ بِالْمَقْتُولِ فَقُدِّرَ بِالطَّعَامِ. وَقَدْ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ إقَامَةُ طَعَامِ مِسْكِينٍ مَقَامَ صَوْمِ يَوْمٍ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ فَضَلَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ صَامَ يَوْمًا) أَيْ لَوْ فَضَلَ مِنْ الطَّعَامِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَامَ عَنْهُ يَوْمًا كَامِلًا، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَكَذَا إنْ كَانَ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ بِأَنْ كَانَ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ لِمَا قُلْنَا، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي كَفَّارَةِ الصَّيْدِ الصَّوْمَ أَصْلٌ كَالْإِطْعَامِ حَتَّى يَجُوزَ الصَّوْمُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِطْعَامِ فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَإِكْمَالُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَأَمَّا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ الصَّوْمُ يَدُلُّ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ لِلتَّنَافِي، وَلَا يُتَصَوَّرُ إتْمَامُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَإِنْ اخْتَارَ الْهَدْيَ وَفَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ لَا يَبْلُغُ هَدْيًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي الْفَضْلِ إنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ يَوْمًا، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ وَأَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِالْبَعْضِ وَصَامَ عَنْ الْبَعْضِ لِمَا قُلْنَا. وَعَلَى هَذَا لَوْ بَلَغَ قِيمَتُهُ هَدْيَيْنِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ذَبَحَهُمَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِمَا أَوْ صَامَ عَنْهُمَا أَوْ ذَبَحَ أَحَدَهُمَا وَأَدَّى بِالْآخَرِ أَيَّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثِ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ: يُنْتَقَضُ هَذَا بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْآخَرِ وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ، قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّقْدِيرَ مُتَّحِدٌ فِي كَفَّارَةِ الصَّيْدِ، وَهُوَ قِيمَتُهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ شَاءَ، وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَنْوَاعِ بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ أَحَدِهِمَا مُخَالِفٌ قَدْرَ الْآخَرِ فَلَا يَكُونَانِ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ إذَا كَسَا خَمْسَةً وَأَطْعَمَ خَمْسَةً يُجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ إنْ كَانَ الطَّعَامُ أَرْخَصَ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَعْطَى قِيمَةَ الطَّعَامِ، وَإِنْ كَانَتْ الْكِسْوَةُ أَرْخَصَ يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَلَا يَجُوزُ دُونَهُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الصَّيْدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَرَحَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوَهُ أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ) اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَهَذَا إذَا بَرَأَ، وَبَقِيَ أَثَرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ لَا يَضْمَنُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ لِلْأَلَمِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّهُ أَوْ ضَرَبَ عَيْنَهُ فَابْيَضَّتْ فَنَبَتَ لَهُ سِنٌّ، أَوْ زَالَ الْبَيَاضُ وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ جُرْحِ الْآدَمِيِّ إذَا انْدَمَلَ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِزَوَالِ الشَّيْنِ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ مَا جَرَحَهُ ضَمِنَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ جُرْحَهُ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْرَأْ، وَلَوْ غَابَ الصَّيْدُ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ مَاتَ أَوْ بَرَأَ ضَمِنَ نُقْصَانَهُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ بِالْجُرْحِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ بِالِاحْتِمَالِ وَالشَّكِّ، وَهَذَا قِيَاسٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ احْتِيَاطًا لِمَعْنَى الْعِبَادَةِ كَمَنْ أَخَذَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَأَرْسَلَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ دُخُولَهُ الْحَرَمَ بِخِلَافِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَجِبُ الْقِيمَةُ بِنَتْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي الْهَدْيِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ) أَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ -: لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ لَكِنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ فَأَطْلَقَ الشَّارِحُ عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُرَاعَاةً لِمَعْنَاهُ لَكِنْ عَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: وَقَوْلُهُ: إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِدُونِ الْوَاوِ؛ إذْ لَا وَجْهَ لِلْإِتْيَانِ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ) مَعْنَاهُ لَوْ خَرَجَ الصَّيْدُ الْمَمْلُوكُ، وَلَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ بِالْخُرُوجِ بِأَنْ انْفَلَتَ مِنْ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ النُّقْصَانُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ.

رِيشِهِ وَقَطْعِ قَوَائِمِهِ وَحَلْبِهِ وَكَسْرِ بَيْضِهِ وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ بِهِ) أَيْ بِالْكَسْرِ أَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِنَتْفِ رِيشِهِ أَوْ قَطْعِ قَوَائِمِهِ فَلِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَلَعَ عَيْنَيْ عَبْدٍ أَوْ قَطَعَ رِجْلَيْهِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِحَلْبِهِ يَعْنِي قِيمَةَ اللَّبَنِ فَلِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِكُلِّهِ، وَأَمَّا وُجُوبُهَا بِكَسْرِ بَيْضِهِ يَعْنِي وُجُوبَ قِيمَةِ الْبَيْضِ فَلِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِيَكُونَ صَيْدًا فَأُعْطِيَ لَهُ حُكْمَ الصَّيْدِ فِي إيجَابِ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ فِي قَوْله تَعَالَى {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ} [المائدة: 94] الْبَيْضُ، وَرِمَاحُكُمْ الصَّيْدُ، وَلِأَنَّهُ صَيْدٌ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ دُونَ الْحَالِ فَاعْتِبَارُ الْحَالِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْجَزَاءِ، وَاعْتِبَارُ الْمَآلِ يُوجِبُ الْجَزَاءَ فَأَوْجَبْنَاهَا احْتِيَاطًا مَا لَمْ يَفْسُدْ، فَإِنْ فَسَدَ بِأَنْ صَارَ مَذِرَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ مِنْهُ صَيْدٌ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ لَا حَالًا وَلَا مَآلًا وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ بِالْكَسْرِ فَلِأَنَّ الْبَيْضَ مُعَدٌّ لِيَخْرُجَ مِنْهُ فَرْخٌ حَيٌّ، وَالتَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ وَاجِبٌ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ، وَكَسْرُ الْبَيْضِ قَبْلَ وَقْتِهِ سَبَبٌ لِمَوْتِ الْفَرْخِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَاتَ بِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ بِهِ سِوَى الْبَيْضَةِ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ الْفَرْخِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ ظَبْيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ سَبَبٌ صَالِحٌ لِمَوْتِهِمَا بِخِلَافِ مَنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ حَيْثُ يَجِبُ ضَمَانُ الْأُمِّ، وَلَا يَجِبُ ضَمَانُ الْوَلَدِ غَيْرُ الْغُرَّةِ فِي الْحُرَّةِ، وَفِي الْأَمَةِ يَجِبُ قِيمَةُ الْأُمِّ، وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْوَلَدِ لَوْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ عُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ أُنْثَى؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ جُزْءٌ مِنْ وَجْهٍ، وَنَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ فَجَزَاءُ الصَّيْدِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَرَجَّحْنَا فِيهِ جَانِبَ النَّفْسِيَّةِ فَأَوْجَبْنَا فِيهِ ضَمَانَهُمَا بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَإِنْ قَتَلَ خِنْزِيرًا أَوْ قِرْدًا أَوْ فِيلًا تَجِبُ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَحِّشٌ لَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ غُرَابٍ وَحِدَأَةٍ وَذِئْبٍ وَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَفَارَةٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ بِعِوَضٍ وَنَمْلٍ وَبُرْغُوثٍ وَقُرَادٍ وَسُلَحْفَاةٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِقَتْلِ خَمْسٍ فَوَاسِقَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَارَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ أَوْ ثَبَتَ جَوَازُ قَتْلِهِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْخَمْسِ فِي الِابْتِدَاءِ بِالْأَذَى وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ الْأَبْقَعُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ أَوْ يَخْلِطُ، وَأَمَّا الْعَقْعَقُ فَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ لِلْمُحْرِمِ وَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غُرَابًا عُرْفًا وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ وَغَيْرَ الْعَقُورِ وَالْمُسْتَأْنِسَ مِنْهُ وَالْمُتَوَحِّشَ سَوَاءٌ، وَالْفَارَةُ الْأَهْلِيَّةُ وَالْبَرِّيَّةُ سَوَاءٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِ السِّنَّوْرِ وَلَوْ كَانَ بَرِّيًّا وَبِالضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ وَالْأَرْنَبِ يَجِبُ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُسْتَثْنَاةِ، وَلَا تَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، وَأَمَّا الْبَعُوضُ وَالنَّمْلُ وَالْبُرْغُوثُ وَالْقُرَادُ وَالسُّلَحْفَاةُ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصُيُودٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الْحَشَرَاتِ كَالْخَنَافِسِ وَمَعَ هَذَا الْقُرَادُ وَالْبُرْغُوثُ يَبْتَدِئَانِ بِالْأَذَى، وَالْمُرَادُ بِالنَّمْلِ السَّوْدَاءُ وَالصَّفْرَاءُ الَّتِي تُؤْذِي بِالْعَضِّ، وَمَا لَا يُؤْذِي لَا يَحِلُّ قَتْلُهَا، وَلَكِنْ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَيْدٍ، وَلَا هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْبَدَنِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ لَيْسَ فِي الْقَنَافِذِ وَالْخَنَافِسِ وَالْوَزَغِ وَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْحَلَمَةِ وَصَيَّاحِ اللَّيْلِ وَالصَّرْصَرِ وَأُمِّ حُبَيْنٍ وَابْنِ عُرْسٍ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ وَحَشَرَاتِهَا وَلَيْسَتْ بِصُيُودٍ وَلَا هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْبَدَنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِقَتْلِ قَمْلَةٍ وَجَرَادَةٍ تَصَدُّقٌ بِمَا شَاءَ)؛ لِأَنَّ الْقَمْلَةَ تَتَوَلَّدُ مِنْ الْبَدَنِ فَيَكُونُ قَتْلُهَا مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ، وَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إزَالَةِ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ قَمْلَةً سَاقِطَةً عَلَى الْأَرْضِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ قَتْلِ الصَّيْدِ وَإِزَالَةِ التَّفَثِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْعَمَ شَيْئًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِبَاحَةِ، وَإِنْ قَتَلَ قَمْلًا كَثِيرًا أَطْعَمَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَلَوْ وَقَعَ فِي ثَوْبِهِ قَمْلٌ كَثِيرٌ فَأَلْقَاهُ عَلَى الشَّمْسِ لِيَمُوتَ الْقَمْلُ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ قَتْلَ الْقَمْلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِي قَتْلِهِ وَالْجَرَادُ صَيْدٌ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ مَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ وَبِقَصْدِهِ بِالْأَخْذِ، وَهُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَرُوِيَ أَنَّ أَهْلَ حِمْصَ أَصَابُوا جَرَادًا كَثِيرًا فِي إحْرَامِهِمْ فَجَعَلُوا يَتَصَدَّقُونَ مَكَانَ كُلِّ جَرَادَةٍ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرَى دَرَاهِمَكُمْ كَثِيرَةً يَا أَهْلَ حِمْصَ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُجَاوِزُ عَنْ شَاةٍ بِقَتْلِ السَّبُعِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِ السَّبُعِ؛ لِأَنَّهَا جُبِلَتْ عَلَى الْإِيذَاءِ فَكَانَتْ مِنْ الْفَوَاسِقِ الْمُسْتَثْنَاةِ، وَلِأَنَّ اسْمَ الْكَلْبِ يَتَنَاوَلُ السِّبَاعَ بِأَسْرِهَا لُغَةً، وَقَدْ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ دَعَا عَلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِك» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَخُرُوجُ فَرْخٍ) لَفْظَةُ فَرْخٍ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بَدَلٌ مِنْ فِي اهـ (قَوْلُهُ مَذِرَةٌ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ (قَوْلُهُ كَالْخَنَافِسِ) أَيْ وَالْقُنْفُذِ. اهـ. كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأُمُّ حُبَيْنٍ) بِحَاءِ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ دُوَيْبَّةٌ عَلَى هَيْئَةِ الْحِرْبَاءِ عَظِيمَةُ الْبَطْنِ. اهـ. تِبْيَانٌ

فَسُلِّطَ عَلَيْهِ أَسَدٌ، وَالْكَلْبُ مِنْ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ بِالْحَدِيثِ، وَالْمُرَادُ بِهِ السِّبَاعُ لَا الْكَلْبُ الْمَعْرُوفُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤْذٍ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْمُتَوَحِّشَ مِنْ السِّبَاعِ وَغَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْمُتَوَحِّشِ، قَالَ الشَّاعِرُ صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبٌ وَثَعَالِبُ ... وَإِذَا رَكِبْتُ فَصَيْدِي الْأَبْطَالُ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخَمْسِ الْفَوَاسِقِ مُمْتَنِعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَدَدِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ وَلِأَنَّ السِّبَاعَ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّهَا تَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، وَتُخَالِطُ النَّاسَ وَتَعِيشُ بَيْنَهُمْ بِالِاخْتِطَافِ وَالْإِفْسَادِ وَالسِّبَاعُ لَا تَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، وَهِيَ بَعِيدَةٌ عَنْهُمْ فَكَانَ إيذَاؤُهَا دُونَ إيذَاءِ الْفَوَاسِقِ فَلَا تُلْحَقُ بِهَا، وَاسْمُ الْكَلْبِ لَا يَتَنَاوَلُ السَّبُعَ عُرْفًا فَإِنَّ مَنْ قَالَ: فُلَانٌ يَقْتَنِي الْكِلَابَ أَوْ فِي بَابِهِ كَلْبٌ لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ أَنَّهُ السِّبَاعُ وَالْعُرْفُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ ثُمَّ لَا يُجَاوِزُ بِقِيمَتِهِ شَاةً، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّ كُلَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَمَأْكُولِ اللَّحْمِ، وَلَنَا أَنَّ قِيمَتَهُ بِاعْتِبَارِ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ لَا تَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ، وَلَا تُعْتَبَرُ زِيَادَةُ قِيمَتِهِ لِأَجْلِ تَفَاخُرِ الْمُلُوكِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الصَّيْدِ الْمُعَلَّمِ عِلْمُهُ فِي حَقِّ الشَّارِعِ، وَإِنْ كَانَ تَزْدَادُ قِيمَتُهُ، وَيَضْمَنُهُ مُعَلَّمًا فِي حَقِّ مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ لِمَالِكِهِ بِاعْتِبَارِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَفِي حَقِّ الشَّارِعِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ صَالَ لَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ) أَيْ وَإِنْ صَالَ عَلَيْهِ السَّبُعُ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ لَا تَزُولُ بِفِعْلِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» وَلِهَذَا لَوْ صَالَ الْجَمَلُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَتَلَ ضَبُعًا وَأَهْدَى كَبْشًا، وَقَالَ: إنَّا ابْتَدَأْنَاهُ نَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلضَّمَانِ بِقَوْلِهِ: إنَّا ابْتَدَأْنَاهُ وَقَالَ عَلِيٌّ: إنْ قَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْدُوَ عَلَيْهِ فَفِيهِ شَاةٌ مُسِنَّةٌ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُ، وَلَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِتَحَمُّلِ أَذَاهُ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِقَتْلِ مَا تُوُهِّمَ مِنْهُ الْأَذَى، وَهُوَ الْخَمْسُ الْفَوَاسِقُ لِمَا رَوَيْنَا فَلَأَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِقَتْلِ مَا تَحَقَّقَ مِنْهُ الْأَذَى أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ فَإِذَا جَازَ قَتْلُ الْمُسْلِمِ وَالْوَالِدِ لِلدَّفْعِ فَمَا ظَنُّك بِالسِّبَاعِ، فَإِذَا ابْتَدَأَ بِالْأَذَى الْتَحَقَ بِالْفَوَاسِقِ فَصَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي قَتْلِهِ، وَمَعَ الْإِذْنِ مِنْ الشَّارِعِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ الْجَمَلِ الصَّائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ مِنْ مَالِكِهِ، وَهُوَ الْعَبْدُ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَا وُجُوبُ قِيمَةِ الصَّيْدِ إذَا قَتَلَهُ وَأَكَلَهُ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ مَعَ الْإِذْنِ مِنْ الشَّارِعِ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْ الْحَيَوَانِ لَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ، وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ شَاةٍ وَبَقَرَةٍ وَبَعِيرٍ وَدَجَاجَةٍ وَبَطٍّ أَهْلِيٍّ) لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّيْدِ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِصُيُودٍ، وَالْمُرَادُ بِالْبَطِّ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَسَاكِنِ وَالْحِيَاضِ، وَلَا تَطِيرُ؛ لِأَنَّهَا أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالدَّجَاجِ، وَأَمَّا الَّتِي تَطِيرُ فَصَيْدٌ فَيَجِبُ بِقَتْلِهَا الْجَزَاءُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْجَوَامِيسُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّهُ فِي بِلَادِ السُّودَانِ وَحْشِيٌّ، وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ مُسْتَأْنِسٌ عِنْدَهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِذَبْحِ حَمَامٍ مُسَرْوَلٍ وَظَبْيٍ مُسْتَأْنَسٍ)؛ لِأَنَّهُمَا صَيْدٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَالِاسْتِئْنَاسُ عَارِضٌ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ كَالْبَعِيرِ إذَا نَدَّ يَأْخُذُ حُكْمَ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ لَا غَيْرُ حَتَّى لَا يَحْرُمُ عَقْرُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَفِي الْحَمَامِ الْمُسَرْوَلِ خِلَافُ مَالِكٍ هُوَ يَقُولُ: إنَّهُ أَلُوفٌ مُسْتَأْنَسٌ وَلَا يَمْتَنِعُ بِجَنَاحَيْهِ فَصَارَ كَالْبَطِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا يَمْتَنِعُ بِهِ الصَّيْدُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ إمَّا بِالْعَدْوِ أَوْ بِالطَّيَرَانِ أَوْ بِالدُّخُولِ فِي الْجُحَرِ وَالشُّقُوقِ فَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهَا فِيهَا فَلَا تَكُونُ صَيْدًا، وَنَحْنُ نَقُولُ: هُوَ صَيْدٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَإِنَّمَا لَا يَطِيرُ لِثِقَلِهِ وَبُطْءِ نُهُوضِهِ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا، وَاشْتِرَاطُ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِلْعَجْزِ، وَقَدْ زَالَ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ذَبَحَ مُحْرِمٌ صَيْدًا حَرُمَ) يَعْنِي عَلَى الذَّابِحِ وَعَلَى غَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحِلُّ لِغَيْرِهِ، وَلَهُ إذَا حَلَّ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً فَتَعْمَلُ عَمَلَهَا غَيْرَ أَنَّهُ حَرُمَ عَلَى الذَّابِحِ لِارْتِكَابِهِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ عُقُوبَةً لَهُ فَيَبْقَى فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْمُحْرِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ بَعْد مَا حَلَّ عَلَى الْأَصْلِ وَلَنَا أَنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ، وَهَذَا الْفِعْلُ حَرَامٌ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً فَصَارَ كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ، وَلَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ فَأَقَامَ الشَّارِعُ بَعْضَ الْأَفْعَالِ مَقَامَ التَّمْيِيزِ تَيْسِيرًا، وَهُوَ الْفِعْلُ الْمَشْرُوعُ، فَلَا يُقَامُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ بِالرَّأْيِ فَيَبْقَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْحُرْمَةُ لِأَجْلِ عَدَمِ التَّمْيِيزِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَرِمَ بِأَكْلِهِ لَا مُحْرِمٌ آخَرُ) يَعْنِي الْقَاتِلُ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ يَغْرَمُ قِيمَةَ اللَّحْمِ، وَلَا يَضْمَنُ مُحْرِمٌ آخَرُ إذَا أَكَلَ مِنْهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ الْقَاتِلُ أَيْضًا بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ. وَتَنَاوُلُ الْمَيْتَةِ لَا يُوجِبُ إلَّا الِاسْتِغْفَارَ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَكَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ وَكَالْحَلَالِ إذَا قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَأَكَلَ مِنْهُ وَلَهُ أَنَّ حُرْمَتَهُ بِسَبَبِ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الصَّيْدَ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ وَالذَّابِحَ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ فَصَارَ حُرْمَةُ التَّنَاوُلِ مَحْظُورُ إحْرَامِهِ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ وَإِذَا تَنَاوَلَ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ كَسَائِرِ مَحْظُورَاتِهِ بِخِلَافِ مُحْرِمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَبِخِلَافِ الْحَلَالِ إذَا قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَأَكَلَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْجَزَاءِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ الْأَمْنِ الثَّابِتِ بِسَبَبِ الْحَرَمِ، وَذَلِكَ لِلصَّيْدِ لَا لِلَّحْمِ فَتَكُونُ حُرْمَتُهُ مُضَافًا إلَى كَوْنِهِ مَيْتَةً وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ ذَبْحِ الصَّيْدِ تَنَاوُلُهُ، فَإِذَا وَجَبَ الْجَزَاءُ بِالْوَسِيلَةِ، وَهُوَ الذَّبْحُ فَلَأَنْ يَجِبَ بِالتَّنَاوُلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ تَحْقِيقُ الْمَقْصُودِ وَلِأَنَّ الْمَقْتُولَ ظُلْمًا كَالْحَيِّ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ لَا يَرِثُ مِنْهُ الْقَاتِلُ فَكَذَا هُنَا يُجْعَلُ حَيًّا حَتَّى يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ثَانِيًا بِأَكْلِهِ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَضْمَنُهُ لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ كَمَنْ نَتَفَ رِيشَ طَائِرٍ ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَضْمَنُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَإِطْعَامُ كِلَابِهِ كَأَكْلِهِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ. وَإِنْ اضْطَرَّ الْمُحْرِمُ إلَى قَتْلِ صَيْدٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِالْكَفَّارَةِ فِي حَقِّ الْمُضْطَرِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وَالْآيَةُ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي الْحَلْقِ تَتَنَاوَلُ كُلَّ مُضْطَرٍّ دَلَالَةً، وَلَوْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ: يَقْتُلُ الصَّيْدَ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ أَخَفُّ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ حُكْمًا وَالْمَيْتَةُ حَرَامٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَيَقُومُ مَقَامَهُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا فَيَكُونُ كَلَا فَائِتٍ قُلْنَا: فِي أَكْلِ الصَّيْدِ ارْتِكَابُ مَحْظُورَيْنِ الْأَكْلَ وَالْقَتْلَ، وَفِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ ارْتِكَابُ مَحْظُورٍ وَاحِدٍ فَكَانَ أَخَفَّ، وَإِنْ وَجَدَ صَيْدًا ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ يَأْكُلُ وَيَدَعُ الْمَيْتَةَ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ وَجَدَ صَيْدًا حَيًّا وَمَالَ مُسْلِمٍ يَأْكُلُ الصَّيْدَ لَا مَالَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ حَرَامٌ حَقًّا لِلَّهِ - تَعَالَى، وَالْمَالُ حَرَامٌ حَقًّا لِلْعَبْدِ فَكَانَ التَّرْجِيحُ لِحَقِّ الْعَبْدِ لِافْتِقَارِهِ، وَإِنْ وَجَدَ لَحْمَ إنْسَانٍ وَصَيْدًا أَكَلَ الصَّيْدَ؛ لِأَنَّ لَحْمَ الْإِنْسَانِ حَرَامٌ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَحَقًّا لِلْعَبْدِ وَالصَّيْدُ حَقًّا لِلشَّرْعِ لَا غَيْرُ فَكَانَ أَخَفَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ لَهُ لَحْمُ مَا صَادَهُ حَلَالٌ وَذَبْحُهُ إنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِصَيْدِهِ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إنْ اصْطَادَهُ الْحَلَالُ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ لَا يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّيْدُ حَلَالٌ لَكُمْ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادَ لَكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَنَا أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ لَمْ يَصِدْ حِمَارَ الْوَحْشِ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً بَلْ صَادَهُ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَأَبَاحَهُ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُحَرِّمْهُ عَلَيْهِمْ بِإِرَادَتِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ هَكَذَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ مِنْهُ، وَلَا بِسَبَبِ مَا كَانَ حَلَالًا لَهُ، وَمَا رَوَاهُ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا صِيدَ لَهُ بِأَمْرِهِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أُهْدِيَ إلَيْهِ الصَّيْدُ الْحَيَّ دُونَ اللَّحْمِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْآثَارِ، وَشَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ دَالًّا عَلَى الصَّيْدِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ بِالدَّلَالَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَذْبَحُ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ قِيمَةً يَتَصَدَّقُ بِهَا لَا صَوْمٌ) أَيْ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ إنْ ذَبَحَ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ وَلَا يُجْزِيهِ صَوْمٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا فَقَالَ الْعَبَّاسُ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا الْإِذْخِرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَإِنَّمَا لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ غَرَامَةٌ وَلَيْسَ بِكَفَّارَةٍ فَأَشْبَهَ غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ، وَشَجَرُ الْحَرَمِ وَالْجَامِعِ أَنَّهُمَا ضَمَانُ الْمَحَلِّ لِأَجْزَاءِ الْفِعْلِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ وُجُوبُ الْجَزَاءِ إنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّيْدِ لَا بَدَلًا عَنْ الْمُتْلَفِ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ لَا قِيمَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَالْمُبَاحُ لَا يُتَقَوَّمُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ، فَإِذَا وَجَبَ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ كَانَ كَفَّارَةً كَالْمُحْرِمِ فَيُجْزِيهِ الصَّوْمُ قُلْنَا: إنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمُحْرِمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِيهِ، وَهُوَ إحْرَامُهُ فَيَكُونُ جَزَاءَ الْفِعْلِ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَالْحُرْمَةُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي الصَّيْدِ فَصَارَ بَدَلَ الْمَحَلِّ وَالصَّوْمِ يَصْلُحُ جَزَاءَ الْأَفْعَالِ لَا ضَمَانَ الْمَحَلِّ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الذَّبْحِ عَنْهُ فَقِيلَ: لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمَحَلِّ كَضَمَانِ الْأَمْوَالِ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مَذْبُوحًا مِثْلَ قِيمَةِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فَيُجْزِيهِ عَنْ الْإِطْعَامِ كَمَا بَيَّنَّا فِيمَنْ ذَبَحَ فِي غَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: الْقَاتِلُ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ) أَيْ بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ: وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَضْمَنُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَضْمَنُهُ) أَيْ لَا يَضْمَنُ قِيمَةَ اللَّحْمِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَلَّ لَهُ) أَيْ لِلْمُحْرِمِ اهـ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُحْرِمِ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَأْمُرْهُ) أَيْ الْمُحْرِمُ الْحَلَالَ اهـ (قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُهُ) قَالَ الْأَقْطَعُ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ مَا لَمْ يَصِدْهُ أَوْ يُصَادَ لَهُ» اهـ قَالَ الْكَاكِيُّ رُوِيَ «أَوْ يُصَادُ» بِالرَّفْعِ حِينَئِذٍ لَا تَمَسُّكَ لِلْمُخَالِفِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْحِلَّ إذَا صَادَهُ غَيْرُهُ لِأَجْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُغَيَّا لَا الْغَايَةِ، وَظَاهِرُ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ يُصَدْ لَهُ، وَهَكَذَا رُوِيَ فِي الْمَصَابِيحِ وَابْنِ تَيْمِيَّةَ وَلَكِنْ فِي الْحَدِيثِ كَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ «أَوْ يُصَادَ» بِالْأَلِفِ وَقَالَ مَوْلَانَا حُمَيْدٍ الدِّينِ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ بِالنَّصْبِ، وَبَيَانُهُ فِي الْخَبَّازِيَّةِ. اهـ. قَوْلُهُ: «أَوْ يُصَدْ لَهُ» ذَكَرَ الْأَكْمَلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ رِوَايَةَ «أَوْ يُصَدْ لَهُ» ضَعِيفَةٌ اهـ

الْحَرَمِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِثْلُ مَا جَنَى؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ كَانَتْ بِإِرَاقَةٍ، وَقَدْ أَتَى بِمِثْلِ مَا فَعَلَ، وَالِاعْتِبَارُ بِمِثْلِ هَذَا الطَّرِيقِ مُعْتَبَرٌ فِي ضَمَانِ الْمَحَالِّ كَالْقِصَاصِ، وَلَوْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدَ الْحَرَمِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَهُ جَزَاءَانِ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِحْرَامِ أَقْوَى مِنْ حُرْمَةِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُحَرِّمُ الْقَتْلَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا، وَالْحَرَمُ لَا، فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْأَقْوَى، وَتُضَافُ الْحُرْمَةُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا شَجَرُ الْحَرَمِ، وَحَشِيشُهُ فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ أَرْسَلَهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُرْسِلُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرْعِ لَا يَظْهَرُ فِي مَمْلُوكِ الْعَبْدِ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ، وَلَنَا أَنَّهُ بِدُخُولِ الْحَرَمِ صَارَ مِنْ صَيْدِهِ فَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُ كَمَا إذَا دَخَلَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ بَازٍ فَأَرْسَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَأَتْلَفَ حَمَامَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَلَا يَغْرَمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَاعَهُ رُدَّ الْبَيْعُ إنْ بَقِيَ وَإِنْ فَاتَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) أَيْ إذَا بَاعَ الصَّيْدَ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهِ الْحَرَمَ يَجِبُ رَدُّ بَيْعِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَ فَائِتًا تَجِبُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ فَيَجِبُ رَدُّهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ صَارَ مِنْ صَيْدِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّعَرُّضُ لَهُ، وَالْبَيْعُ تَعَرُّضٌ فَيُرَدُّ كَبَيْعِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ مِنْهُ فَبَاعَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِدْخَالِ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَلَا يَحِلُّ إخْرَاجُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ تَبَايَعَ الْحَلَالَانِ، وَهُمَا فِي الْحَرَمِ وَالصَّيْدُ فِي الْحِلِّ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُ بِالرَّمْيِ فَكَذَا بِالْبَيْعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَرَمِ وَلَهُ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِتَعَرُّضٍ لَهُ حِسًّا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ شَرْعًا فَلَا يُمْنَعُ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِذَبْحِ هَذَا الصَّيْدِ لَا يَضْمَنُ، وَالْبَيْعُ دُونَ الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ لَا يُرْسِلُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ بِإِمْسَاكِهِ فِي مِلْكِهِ وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِإِحْرَامِهِ فَوَجَبَ تَرْكُهُ بِإِرْسَالِهِ كَمَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ، وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُحْرِمُونَ، وَفِي بُيُوتِهِمْ صُيُودٌ وَدَوَاجِنُ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا إرْسَالَهَا، وَبِذَلِكَ جَرَتْ أَفْعَالُ الْأُمَّةِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، فَصَارَ إجْمَاعًا فِعْلًا، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَرِّضٍ فِي تَرْكِهِ فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي الْقَفَصِ بَلْ هُوَ مَحْفُوظٌ فِي مَوْضِعِهِ لَا بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ فِي مِلْكِهِ، وَهُوَ لَوْ أَرْسَلَهُ فِي الْمَفَازَةِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَائِهِ، وَقِيلَ: إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ بِحَيْثُ لَا يَضِيعُ؛ لِأَنَّ الْقَفَصَ كَالْحِقِّ لِلدِّرَّةِ، وَمُمْسِكُ الْحِقِّ مُمْسِكٌ لِلدِّرَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي رَحْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَخَذَ حَلَالٌ صَيْدًا فَأَحْرَمَ ضَمِنَ مُرْسِلُهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمُرْسِلَ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَاهٍ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَلَهُ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْأَخْذِ مِلْكًا مُحْتَرَمًا فَلَا يَبْطُلُ احْتِرَامُهُ بِإِحْرَامِهِ، وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمُرْسِلُ فَيَضْمَنُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ هَذَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ عَنْهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ، وَأَصْلُ هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَخَذَهُ مُحْرِمٌ لَا يَضْمَنُ) أَيْ لَوْ أَخَذَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَأَرْسَلَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فَهُمَا) أَيْ الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ أَدْخَلَ صَيْدًا مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ وَجَبَ إرْسَالُهُ، وَإِنْ ذَبَحَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ الصَّيْدَ كَانَ مِلْكَهُ فِي الْحِلِّ، وَإِدْخَالُهُ فِي الْحَرَمِ لَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِهِ فَكَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا فَكَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ، وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ رِعَايَةً لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ، وَالصَّيْدُ فِي يَدِهِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيمَا تَرَخَّصَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ الْحَجَلِ وَالْيَعَاقِيبِ وَلَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ حَيًّا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّيْدَ إذَا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ إظْهَارُ حُرْمَةِ الْحَرَمِ بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُ فِي الْإِرْسَالِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَبِيعُونَ الْحَجَلَ وَالْيَعَاقِيبَ، وَهِيَ كُلُّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْقَيْحِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَظَهَرَ النَّكِيرُ عَلَيْهِمْ فَالْجَوَابُ أَنَّ تَرْكَ النَّكِيرِ عَلَيْهِمْ لَيْسَ لِكَوْنِهِ حَلَالًا بَلْ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالْإِنْكَارُ لَا يَلْزَمُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْجَزَاءِ بِذَبْحِهِ فَلِأَنَّهُ ذَبَحَ صَيْدًا يَسْتَحِقُّ الْإِرْسَالَ وَأَمَّا فَسَادُ الْبَيْعِ فَلِأَنَّ إرْسَالَهُ وَاجِبٌ. وَالْبَيْعُ تَرْكُ الْإِرْسَالِ وَلَوْ بَاعَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فَسْخُ الْبَيْعِ، وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ مُسْتَحِقٌّ لِلْفَسْخِ حَقَّا لِلشَّرْعِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى فَسْخِ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَإِذَا بَاعَهُ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ فَسْخُ الْبَيْعِ، وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ فَكَأَنَّهُ أَتْلَفَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ بَاعَهُ رَدَّ الْبَيْعَ إنْ بَقِيَ إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَلَا خَيْرَ فِيمَا يَتَرَخَّصُ فِيهِ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ الْحَجَلِ وَالْيَعَاقِيبِ وَلَا يَدْخُلُ مِنْهُمَا شَيْءٌ فِي الْحَرَمِ حَيًّا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِيرُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا أَدْخَلَهُ حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ وَلَا تَجِبُ تَخْلِيَتُهُ، وَيَحِلُّ ذَبْحُهُ؛ لِأَنَّ بِالدُّخُولِ فِي الْحَرَمِ لَا يَزُولُ مِلْكُ الْمَالِكِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ اهـ قَوْلُهُ: وَالْيَعَاقِيبُ الْيَعْقُوبُ يَفْعُولُ ذَكَرُ الْحَجَلِ، وَالْجَمْعُ يُعَاقِبُ، قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِيهِ الْقَبَجُ الْحَجَلُ الْوَاحِدَةُ قَبْجَةٌ مِثْلُ تَمْرٍ وَتَمْرَةٍ وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَإِنْ قِيلَ يَعْقُوبُ اخْتَصَّ بِالذَّكَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ) أَيْ الْحَلَالَ اهـ (قَوْلُهُ: لَوْ أَمَرَ بِذَبْحِ هَذَا الصَّيْدِ) أَيْ الَّذِي فِي الْحِلِّ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هَذَا الْحَلَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَصْلُ هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ نَاهٍ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الضَّمَانُ لِغَيْرِ لَهْوٍ. اهـ. أَكْمَلُ

الْمُحْرِمَ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبٍ مَا؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] فَصَارَ الصَّيْدُ فِي حَقِّهِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ، وَهُوَ حَلَالٌ، ثُمَّ أَحْرَمَ حَيْثُ يَضْمَنُ مُرْسِلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْأَخْذِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَيَكُونُ الْمُرْسِلُ مُتْلِفًا عَلَيْهِ مِلْكَهُ؛ وَلِهَذَا لَوْ وُجِدَ ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي يَدِ إنْسَانٍ بَعْدَ مَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ ضَمِنَا وَرَجَعَ آخِذُهُ عَلَى قَاتِلِهِ) أَيْ إنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فِي يَدِهِ فِيمَا إذَا أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ يَضْمَنُ الْقَاتِلُ وَالْآخِذُ جَمِيعًا ثُمَّ يَرْجِعُ الْآخِذُ عَلَى الْقَاتِلِ أَمَّا وُجُوبُ الْجَزَاءِ عَلَيْهِمَا فَلِوُجُودِ الْجِنَايَةِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْآخِذَ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ بِالْأَخْذِ، وَالْآخَرِ بِالْقَتْلِ فَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ يَرْجِعُ الْآخِذُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حَلَالًا، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ مُؤَاخَذٌ بِصُنْعِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الصَّيْدَ لَا قَبْلَ الضَّمَانِ، وَلَا بَعْدَهُ، وَلَا كَانَتْ لَهُ فِيهِ يَدٌ مُحْتَرَمَةٌ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ بِتَفْوِيتِ يَدٍ أَوْ مِلْكٍ فَلَمْ يُوجَدْ، وَلَنَا أَنَّ يَدَهُ عَلَى هَذَا الصَّيْدِ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً لِتَمَكُّنِهِ بِهِ مِنْ إرْسَالِهِ وَإِسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْقَاتِلُ فَوَّتَ عَلَيْهِ هَذَا الْيَدَ فَيَضْمَنُ وَلِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ، وَلِلتَّقْرِيرِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا وَلِأَنَّ الْأَخْذَ إنَّمَا يَصِيرُ عِلَّةً لِلضَّمَانِ عِنْدَ اتِّصَالِ الْهَلَاكِ بِهِ، وَهُوَ بِالْقَتْلِ جَعَلَ فِعْلَ الْآخِذِ عِلَّةً فَيَكُونُ مُبَاشِرًا لِعِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الضَّمَانُ إلَيْهِ ثُمَّ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَاتِلِ أَنْ لَوْ كَفَّرَ بِالْمَالِ، وَأَمَّا إذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ، وَلَا مِمَّا يُنْبِتُهُ النَّاسُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إلَّا فِيمَا جَفَّ)؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُمَا تَثْبُتُ بِسَبَبِ الْحَرَمِ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» فَكَانَ الْمُحَرَّمُ هُوَ الْمَنْسُوبَ إلَى الْحَرَمِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ عَلَى الْكَمَالِ عِنْدَ عَدَمِ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ بِالْإِنْبَاتِ، وَمَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً غَيْرُ مُسْتَحَقِّ الْأَمْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا لَا يَنْبُتُ عَادَةً أَنْبَتَهُ النَّاسُ الْتَحَقَ بِمَا يَنْبُتُ عَادَةً، وَلَوْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ فَعَلَى قَاطِعِهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ حَقًّا لِلشَّرْعِ، وَقِيمَةٌ لِمَالِكِهِ كَالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الْإِحْرَامِ، وَلَا يَكُونُ لِلصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ مَدْخَلٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ تَنَاوُلِهِ بِسَبَبِ الْحَرَمِ لَا بِالْإِحْرَامِ فَكَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمَحَالِّ وَإِذَا أَدَّى قِيمَتَهُ مَلَكَهُ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ بَعْدَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُبِيحَ ذَلِكَ لَتَطَرَّقَ النَّاسُ إلَيْهِ وَلَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَفِيهِ إيحَاشُ صَيْدِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَتَّخِذُ الْأَوْكَارَ عَلَى أَغْصَانِهَا وَمَا خَفَّ مِنْهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ وَيَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَطَبٌ وَلَيْسَ بِنَامٍ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِسَبَبِ الْحَرَمِ لِمَا يَكُونُ نَامِيًا فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَرُمَ رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَقَطْعُهُ إلَّا الْإِذْخِرَ) وَجَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ رَعْيَهُ لِمَكَانِ الْحَرَجِ فِي حَقِّ الزَّائِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا، وَالْقَطْعُ بِالْمَشَافِرِ كَالْقَطْعِ بِالْمَنَاجِلِ، وَحَمْلُ الْحَشِيشِ مُتَيَسِّرٌ فَلَا حَرَجَ وَلَئِنْ كَانَ فِيهِ حَرَجٌ فَلَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي مَوْضِعٍ لَا نَصَّ فِيهِ وَأَمَّا مَعَ النَّصِّ بِخِلَافِهِ فَلَا وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ الْكَمْأَةِ مِنْ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُودَعَةٌ فِيهَا وَلِأَنَّهَا لَا تَنْمُو، وَلَا تَبْقَى فَأَشْبَهَتْ الْيَابِسَ مِنْ النَّبَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ فَعَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ) دَمٌ لِحَجَّتِهِ وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ وَقَالُوا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالتَّدَاخُلِ وَعِنْدَنَا بِإِحْرَامَيْنِ، وَقَدْ جَنَى عَلَيْهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ وَهَذَا كَالْقَتْلِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ جِنَايَةٌ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ، وَفِي حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - بِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ حَقًّا لَهُ، وَالْكَفَّارَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ) أَيْ وَلَا يُجْزِي فِيهِ الصَّوْمُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ: وَبِذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ قِيمَةٌ فَانْظُرْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَلْ يُجْزِي فِي ذَلِكَ الذَّبْحُ اهـ قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِي فِيهِ الصَّوْمُ، وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَكُونُ لِلصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ مَدْخَلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ) أَيْ وَكَانَ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ فَعَلَى الْقَارِنِ بِهِ دَمَانِ إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الَّذِي عَقَدَهُ لِبَيَانِ الْقِرَانِ مَا نَصُّهُ التَّتْمِيمُ الْخَامِسُ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ صَدَقَةٌ أَوْ صَدَقَتَانِ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ كَفَّارَتَانِ، فَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُحْرِمِ بِحَجَّةٍ، أَوْ عُمْرَةٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ، وَأَمَّا الْقَارِنُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضِعْفُ ذَلِكَ قَالُوا: إلَّا فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمِنْهَا طَوَافُ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا، قُلْت: أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوهُمَا؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَأَحْكَامِ الْجَنَابَةِ، وَمِنْهَا قَتْلُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَقَطْعُ شَجَرِهِ الْكَائِنِ فِي الصِّفَةِ الْمُحَرَّمَةِ لِقَطْعِهِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ فِي هَذِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ سَوَاءٌ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا، وَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: الْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ فِي أَحْكَامِ هَذَا الْبَابِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ وَالصَّدَقَاتِ سَوَاءٌ، وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّك لَا تَكَادُ تَظْفَرُ بِهِ مَجْمُوعًا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا وَاَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ اهـ فَرَحِمَهُ اللَّهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً وَسَائِرَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، قَوْلُهُ: وَمِنْهَا قَتْلُ صَيْدِ الْحَرَمِ إلَخْ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَنَاسِكِهِ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ قَطَعَ رَجُلَانِ شَجَرَةً مِنْ الْحَرَمِ مِمَّا لَا يُقْطَعُ فَعَلَيْهِمَا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ هَذَا ضَمَانُ الْمَحَلِّ، وَأَنَّهُ مُتَّحِدٌ وَالْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ حَيَوَانًا فَإِنَّ حُرْمَةَ الْحَيَوَانِ أَقْوَى فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ انْتَهَى، فَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ قَتْلِ الصَّيْدِ وَقَطْعِ شَجَرِ الْحَرَمِ وَلِمَا ذَكَرَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَسَائِلَ الَّتِي يَلْزَمُ الْقَارِنَ فِيهَا دَمٌ وَاحِدٌ كَالْمُفْرِدِ، وَذَكَرَ مِنْهَا قَطْعَ شَجَرِ الْحَرَمِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ قَتْلَ الصَّيْدِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ تَبِعَ فِيهِ الْأَتْقَانِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْقَارِنُ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ يَلْزَمُهُ جَزَاءَانِ؛ لِأَنَّهُ جَانٍ عَلَى إحْرَامَيْنِ وَإِذَا لَزِمَتْهُ قِيمَتَانِ فِي السَّبْعِ لَمْ يُجَاوِزْ بِهِمَا دَمَيْنِ وَيَكْفِيهِ دَمَانِ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ فِي حَقِّ الدَّمَيْنِ كَالْمُفْرِدِ فِي حَقِّ دَمٍ وَاحِدٍ. اهـ.

قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَدَاخَلَا كَحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ مَعَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ لِأَجْلِ إحْرَامِهِ وَلِأَجْلِ الْحَرَمِ قُلْنَا: حُرْمَةُ الْإِحْرَامِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُ الصَّيْدِ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا، وَيَحْرُمُ التَّطَيُّبُ، وَلُبْسُ الْمَخِيطِ فَجَعَلْنَا أَضْعَفَ الْحُرْمَتَيْنِ تَابِعًا لِأَقْوَاهُمَا بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ إحْرَامًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا أَدَاءً؛ إذْ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ يُحَرِّمُ جَمِيعَ مَا يُحَرِّمُهُ إحْرَامُ الْحَجِّ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ كَحُرْمَةِ الْجِمَاعِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ وَعَدَمِ الْمِلْكِ إذَا اجْتَمَعَا بِأَنْ زَنَى صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْكَفَّارَةُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ وُجُوبَ الدَّمَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَأَمَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَفِي الْجِمَاعِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ، وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ) وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ الْإِحْرَامَيْنِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَيَلْزَمُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَمٌ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ الْمِيقَاتَ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ لِتَرْكِ الْإِحْرَامِ فِي مِيقَاتِهِ فَكَذَا هَذَا، وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إحْرَامٌ وَاحِدٌ لِتَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِالْعُمْرَةِ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهُوَ قَارِنٌ فَيُتْرَكُ وَاجِبٌ وَاحِدٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الْمِيقَاتُ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ وَقْتِهِ، وَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ صَارَ مِنْهُمْ وَمِيقَاتُهُمْ فِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ، فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ فَقَدْ تَرَكَ الْمِيقَاتَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ لِذَلِكَ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُتْرَكْ الْوَقْتُ إلَّا فِي أَحَدِهِمَا بِتَرْكِ تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَتَلَ مُحْرِمَانِ صَيْدًا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَكَ الْمُحْرِمَانِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِمَا جَزَاءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ بَدَلٌ مَحْضٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَزْدَادُ الْوَاجِبُ بِكِبَرِهِ، وَيَنْقُصُ بِصِغَرِهِ، وَلَوْ كَانَ كَفَّارَةً لَمَا اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ الْمُتْلِفِ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَصَارَ كَالْحَلَالَيْنِ إذَا اشْتَرَكَا فِي صَيْدِ الْحَرَمِ وَلَنَا أَنَّهُ كَفَّارَةُ قَتْلٍ وَبَدَلٌ لِلْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ كَفَّارَةً بِقَوْلِهِ {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95] وَاعْتَبَرَ الْمُمَاثَلَةَ بِقَوْلِهِ {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فَجَمَعْنَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِهِ فَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ كَفَّارَةً وَتَفْوِيتٌ لِلصَّيْدِ فَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ بَدَلًا، وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِصَاصَ جَزَاءُ الْفِعْلِ حَتَّى إذَا تَعَدَّدَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ وَاحِدٌ أَجْرَى عَلَى جَمِيعِهِمْ وَبَدَّلَ أَيْضًا حَتَّى يُورَثَ كَالدِّيَةِ، وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحْرِمَيْنِ كَامِلٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا مُوجِبُهُ بِخِلَافِ الْحَلَالَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ عَلَى مَا يَجِيءُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حَلَالَانِ لَا) أَيْ لَوْ اشْتَرَكَ حَلَالَانِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ لَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ، وَهُوَ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ بَدَلُ الْمَحَلِّ لِأَجْزَاءِ الْفِعْلِ، وَهُوَ الْجِنَايَةُ حَتَّى لَا مَدْخَلَ لِلصَّوْمِ فِيهِ فَلَا يَتَعَدَّدُ إلَّا بِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ الْمُحْرِمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ جَزَاءُ الْجِنَايَةِ؛ وَلِهَذَا يَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْفِعْلِ نَظِيرُهُ رَجُلَانِ قَتَلَا رَجُلًا خَطَأً يَجِبُ عَلَيْهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَحَلِّ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الْفِعْلِ وَلِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي الْمُحْرِمَيْنِ الْإِحْرَامُ، وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ فَيَتَعَدَّدُ الْمُوجِبُ، وَفِي الْحَلَالَيْنِ الْحَرَمُ، وَهُوَ وَاحِدٌ فَيَتَّحِدُ الْوَاجِبُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ بَدَلًا لَكِنَّهُ فِيهِ مَعْنَى الْجَزَاءِ حَتَّى إذَا اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْجِنَايَةِ بِأَنْ أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَتْلَفَهُ بِجِهَةِ أَحَدِهِمَا بِالْأَخْذِ الْمُفَوِّتِ لِلْأَمْنِ، وَذَلِكَ اسْتِهْلَاكٌ مَعْنًى، وَالْآخَرُ بِالْإِتْلَافِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَحَلِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ عِوَضٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَرْجِعُ الْآخِذُ هُنَا عَلَى الْقَاتِلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي قَتْلِ الْمُحْرِمِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْقَاتِلَيْنِ مِمَّنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ كَافِرًا يَجِبُ عَلَى الْآخِذِ بِحِسَابِهِ إنْ كَانَ حَلَالًا وَجَمِيعُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا وَشِرَاؤُهُ) لِأَنَّ بَيْعَهُ حَيًّا تَعَرُّضٌ لِلصَّيْدِ، وَبَيْعُهُ بَعْدَ قَتْلِهِ بَيْعُ مَيْتَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ لَبَنَ الصَّيْدِ أَوْ بَيْضَهُ أَوْ الْجَرَادَ أَوْ شَجَرَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الذَّكَاةُ ثُمَّ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي وَعَطِبَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ وَعَلَى الْبَائِعِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ جَنَيَا عَلَيْهِ، الْبَائِعُ بِالتَّسْلِيمِ، وَالْمُشْتَرِي بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا لِلْبَائِعِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ، وَلَوْ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْجَزَاءُ لِلتَّعَدِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[باب مجاوزة الميقات بغير إحرام]

بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَجَعْلُهُ عُرْضَةً لِلْهَلَاكِ، وَيَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ لِلْبَائِعِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ وَهَبَ مُحْرِمٌ صَيْدًا مِنْ مُحْرِمٍ فَهَلَكَ عِنْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءَانِ ضَمَانٌ لِصَاحِبِهِ لِفَسَادِ الْهِبَةِ، وَجَزَاءٌ حَقًّا لِلَّهِ - تَعَالَى، وَإِنْ أَكَلَهُ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَجْزِيَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَهُ بِالْأَكْلِ الْجَزَاءُ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَ الْحَلَالَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَا أَوْ أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لَكِنْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ، وَلَوْ غَصَبَ مُحْرِمٌ مِنْ مُحْرِمٍ صَيْدًا فَرَدَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْجَزَاءُ لِتَعَدِّيهِمَا بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِمَالِكِهِ وَقِيمَةٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ أَرْسَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِصَاحِبِهِ وَبَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ لِحَقِّ الشَّرْعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَخْرَجَ ظَبْيَةَ الْحَرَمِ فَوَلَدَتْ وَمَاتَا ضَمِنَهُمَا) أَيْ الْوَلَدَ وَالْأُمَّ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ مُسْتَحَقُّ الْأَمْنِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ، وَهُوَ الْحَرَمُ وَهَذِهِ الصِّفَةُ شَرْعِيَّةٌ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَيَضْمَنُ الْوَلَدَ كَالْأُمِّ فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا وَلَدُ الْمَغْصُوبِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ، قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَلَدَ فِي الظَّبْيَةِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ طَالِبٌ لِلرَّدِّ فِي كُلِّ سَاعَةٍ، فَإِذَا لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى هَلَكَ تَحَقَّقَ الْهَلَاكُ بَعْدَ الْمَنْعِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَطْلُبْهُ حَتَّى لَوْ طَلَبَ وَمَنَعَهُ يَضْمَنُ فَعَلَى هَذَا لَوْ هَلَكَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبِ، وَالثَّانِي مِنْ الْفَرْقِ: أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ إزَالَةُ الْأَمْنِ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَحْدُثُ يَحْدُثُ مُسْتَحَقًّا لِلْأَمْنِ وَقَدْ أَثْبَتَ فِيهِ الْخَوْفَ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ، وَفِي الْمَغْصُوبِ سَبَبُ الضَّمَانِ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ، وَلَمْ تُوجَدْ فَافْتَرَقَا، وَعَلَى هَذَا يَضْمَنُ وَلَدَ الظَّبْيَةِ كَيْفَمَا كَانَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهُ فَوَلَدَتْ لَا يَضْمَنُ الْوَلَدَ)؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ حَلَّ، وَقَدْ انْعَدَمَ أَثَرُ فِعْلِهِ بِالتَّكْفِيرِ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ بَدَلُ الصَّيْدِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ فَلَمْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْأَمْنُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُصُولَ بَدَلِهِ كَوُصُولِ نَفْسِهِ وَكَذَا كُلُّ زِيَادَةٍ فِيهَا مِنْ سِمَنٍ أَوْ شَعْرٍ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَا يَضْمَنُهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ يَضْمَنُهَا، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ: لَا يَضْمَنُ بَعْدَ التَّكْفِيرِ الزِّيَادَةَ، وَيَضْمَنُ الْأَصْلَ، وَلَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ أَوْ الْأَوْلَادَ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ الْحِلِّ لِلْحَلَالِ، وَيُكْرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ {بَابٌ: مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ} ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَتَسَرَّى إلَى الْوَلَدِ) أَيْ عِنْدَ حُدُوثِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ) أَيْ فَيَصِيرُ خِطَابُ رَدِّ الْوَلَدِ مُسْتَمِرًّا، وَإِذَا تَعَلَّقَ خِطَابُ الرَّدِّ كَانَ الْإِمْسَاكُ تَعَرُّضًا لَهُ مَمْنُوعًا، فَإِذَا اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِهِ ثَبَتَ الضَّمَانُ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ لَوْ هَلَكَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إلَخْ) عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا قَالَهُ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْغَصْبِ وَزَوَائِدُ الْغَصْبِ مَضْمُونَةٌ فَرَاجِعْهُ اهـ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَا يَضْمَنُهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ يَضْمَنُهَا) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَوَابُهُ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ يَضْمَنُهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَضْمَنُهَا فَتَأَمَّلْ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ التَّكْفِيرَ أَعْنِي أَدَاءَ الْجَزَاءِ إنْ كَانَ حَالَ الْقُدْرَةِ عَلَى إعَادَةِ أَمْنِهَا بِالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ لَا يَقَعُ كَفَّارَةً، وَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ التَّعَرُّضُ لَهَا بَلْ حُرْمَةُ التَّعَرُّضِ لَهَا قَائِمَةٌ، وَإِنْ كَانَ حَالَ الْعَجْزِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَتْ فِي الْحِلِّ عِنْدَمَا أَخْرَجَهَا إلَيْهِ خَرَجَ بِهِ عَنْ عُهْدَتِهَا، فَلَا يَضْمَنُ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ التَّكْفِيرِ مِنْ أَوْلَادِهَا إذَا مُتْنَ، وَلَهُ أَنْ يَصْطَادَهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُتَوَجِّهَ قَبْلَ الْعَجْزِ عَنْ تَأْمِينِهَا إنَّمَا هُوَ خِطَابُ الرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ، وَلَا يَزَالُ مُتَوَجِّهًا مَا كَانَ قَادِرًا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْأَمْنِ إنَّمَا هُوَ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَا لَمْ يَعْجِزْ، وَلَمْ يُوجَدْ فَإِذَا عَجَزَ تَوَجَّهَ خِطَابُ الْجَزَاءِ، وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ بِأَنَّ الْأَخْذَ لَيْسَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ بَلْ الْقَتْلُ بِالنَّصِّ فَالتَّكْفِيرُ قَبْلَهُ وَاقِعٌ قَبْلَ السَّبَبِ فَلَا يَقَعُ إلَّا نَفْلًا، فَإِذَا مَاتَتْ بَعْدَ أَدَاءِ هَذَا الْجَزَاءِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ تَعَيَّنَ خِطَابُ الْجَزَاءِ، هَذَا الَّذِي أَدِينُ بِهِ وَأَقُولُ: يُكْرَهُ اصْطِيَادُهَا إذَا أَدَّى الْجَزَاءَ بَعْدَ الْهَرَبِ ثُمَّ ظَفِرَ بِهَا لِشُبْهَةِ كَوْنِ دَوَامِ الْعَجْزِ شَرْطَ إجْزَاءِ الْكَفَّارَةِ إلَّا إذَا اصْطَادَهَا لِيَرُدَّهَا إلَى الْحَرَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ، أَوْ الْأَوْلَادَ يَحِلُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي الْغَصْبِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَوَلَدُ الْمَغْصُوبِ إلَخْ فَإِنْ قِيلَ: تَفْوِيتُ الْأَمْنِ فِي حَقِّ صَيْدِ الْحَرَمِ سَبَبٌ صَالِحٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لَا فِي حَقِّ كُلِّ الصُّيُودِ، وَالْوَلَدُ لَيْسَ بِصَيْدِ الْحَرَمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحِلُّ بَيْعُهُ، وَيَحِلُّ أَكْلُهُ، فَلَوْ كَانَ صَيْدُ الْحَرَمِ لَمَا حَلَّ أَكْلُهُ وَبَيْعُهُ وَلِأَنَّ تَفْوِيتَ الْأَمْنِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَمْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ ثُبُوتُ الْأَمْنِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَمَا حَدَثَ حَدَثَ خَائِفًا فَلَا يُتَصَوَّرُ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ فِي حَقِّ الْخَائِفِ، قُلْنَا: الْوَلَدُ لَمْ يَكُنْ صَيْدَ الْحَرَمِ مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ إرْسَالُهُ إلَى الْحَرَمِ وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ، قُلْنَا: نَعَمْ يَحِلُّ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ صَيْدَ الْحَرَمِ يَحِلُّ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَيْدُ الْحَرَمِ يُكْرَهُ، وَالثَّابِتُ مِنْ وَجْهٍ يُلْحَقُ بِالثَّابِتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ احْتِيَاطًا فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ حَدَثَ خَائِفًا قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَكِنَّ مُسْتَحِقَّ الْأَمْنِ، وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْأَمْنِ كَالْآمَنِ حُكْمًا، وَهُوَ لَمَّا أَثْبَتَ يَدَهُ عَلَى الْوَلَدِ فَقَدْ فَوَّتَ الْأَمْنَ حُكْمًا، وَتَفْوِيتُ الْأَمْنِ حُكْمًا سَبَبٌ صَالِحٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ. اهـ. [بَابٌ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ] قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَصَلَ هَذَا الْبَابَ بِمَا تَقَدَّمَ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي مَعْنَى الْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ جِنَايَةٌ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَمَا مَضَى جِنَايَةٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَمُطْلَقُ اسْمِ الْجِنَايَةِ فِي بَابِ الْحَجِّ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا كَانَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَكَانَ كَامِلًا فَقَدَّمَ ذَاكَ عَلَى هَذَا لِهَذَا اهـ قَالَ الْكَمَالُ: ثُمَّ تَحْقِيقُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْجِنَايَةُ أَمْرَانِ: الْبَيْتُ وَالْإِحْرَامُ لَا الْمِيقَاتُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ إلَّا لِتَعْظِيمِ غَيْرِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَوْجَبَ تَعْظِيمَ الْبَيْتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ فَإِذَا لَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ كَانَ مُخِلًّا بِتَعْظِيمِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ فَيَكُونُ جِنَايَةً عَلَى الْبَيْتِ وَنَقْصًا فِي الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ أَنْ يُنْشِئَهُ مِنْ الْمَكَانِ الْأَقْصَى فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ أَوْجَدَهُ نَاقِصًا اهـ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا أَوْ جَاوَزَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَ، وَقَضَى بَطَلَ الدَّمُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ بِعَوْدِهِ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَسْقُطُ لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ مَا طَافَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ جِنَايَتَهُ لَمْ تَرْتَفِعْ بِالْعَوْدِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إلَى الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْشِئَ التَّلْبِيَةَ فِيهِ فَإِذَا تَرَكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ ثُمَّ إذَا عَادَ وَلَبَّى لَمْ يَأْتِ بِالْمَتْرُوكِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا وَمَا أَتَى بِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مُحْرِمًا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمَرَّ بِهِ سَاكِتًا وَلَمْ يُلَبِّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِذَا رَجَعَ فَقَدْ تَلَافَى الْمَتْرُوكَ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَلَهُ أَنَّ أَصْلَ الْمِيقَاتِ فِي حَقِّهِ دُوَيْرَةٍ أَهْلِهِ وَلِهَذَا كَانَ الْإِحْرَامُ مِنْهَا أَفْضَلَ وَرُخِّصَ التَّأْخِيرُ إلَى الْمِيقَاتِ فَصَارَ الْمِيقَاتُ آخِرَ الْغَايَاتِ فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّلْبِيَةُ وَالْإِحْرَامُ مِنْهُ فَإِذَا تَرَكَهُ وَأَحْرَمَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ لَبَّى فِيهِ فَقَدْ أَتَى بِعَيْنِ مَا تَرَكَ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ فَإِنَّ الْمَتْرُوكَ هُنَاكَ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ فَلَمْ يَتَدَارَكْهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمَرَّ بِالْمِيقَاتِ، وَهُوَ سَاكِتٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْعَزِيمَةِ فَكَانَ أَوْلَى وَعَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ ثُمَّ لَبَّى يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ الدَّمُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُلَبِّيَ فِي آخِرِ حَدِّ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ فِيهِ وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ التَّرَخُّصُ إلَى آخِرِ الْحَدِّ لَا غَيْرُ، وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ: مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ، وَهُوَ مَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَحْرَمَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ فَأَفْسَدَهَا فَمَضَى فِيهَا وَقَضَاهَا أَيْ أَحْرَمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ بَعْدَ مَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَأَفْسَدَهَا أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ ثُمَّ أَحْرَمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِارْتِكَابِهِ الْمَحْظُورَ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالِاجْتِنَابِ فِي الْقَضَاءِ كَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ صَيْدًا، أَوْ حَلَقَ أَوْ تَطَيَّبَ فِي إحْرَامِهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَقَضَاهُ وَاجْتَنَبَهُ فِي الْقَضَاءِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فَكَذَا هَذَا، وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا قَضَى مِنْ الْمِيقَاتِ انْجَبَرَ ذَلِكَ النُّقْصَانُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَيَصِيرُ قَاضِيًا حَقَّهُ بِالْقَضَاءِ مِنْهُ فَانْعَدَمَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَدِمُ بِالْقَضَاءِ فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ دَخَلَ الْكُوفِيُّ الْبُسْتَانَ لِحَاجَةٍ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ)؛ لِأَنَّ الْبُسْتَانَ غَيْرُ وَاجِبِ التَّعْظِيمِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِقَصْدِهِ فَإِذَا دَخَلَهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ وَلِلْبُسْتَانِيِّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِلْحَاجَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْإِحْرَامِ فَكَذَا لِهَذَا الدَّاخِلِ إلَيْهِمْ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ جَمِيعُ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي الْبُسْتَانِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَكُونُ مِنْهُمْ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْبُسْتَانِ لِلْحَجِّ وَلَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ حَتَّى وَقَفَ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ نُسُكًا وَاجِبًا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَأَهْلِ الْبُسْتَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ) يَعْنِي الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ مَكَّةَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ كَمَنْ نَذَرَ بِالْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ إنْ لَمْ يُرِدْ أَدَاءَ النُّسُكِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ حَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ صَحَّ عَنْ دُخُولِهِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ فَإِنْ تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ لَا) يَعْنِي إذَا دَخَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ أَفْسَدَ) أَيْ تِلْكَ الْعُمْرَةَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ) أَيْ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ دُونَ زُفَرَ نَبَّهَ عَلَيْهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - آمِينَ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ عَادَ بَعْدَ مَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ: وَلَوْ عَادَ بَعْدَ مَا ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ، وَلَوْ شَوْطًا لَا يَسْقُطُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِاعْتِبَارِهِ مُبْتَدَأَ الْإِحْرَامِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ بُطْلَانِ مَا وُجِدَ مِنْهُ مِنْ الطَّوَافِ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ مُعْتَدًّا بِهِ، فَكَانَ اعْتِبَارًا مَلْزُومًا لِلْفَاسِدِ، وَمَلْزُومُ الْفَاسِدِ فَاسِدٌ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُعِدْ حَتَّى شَرَعَ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطُوفَ لِمَا ذَكَرْنَا بِعَيْنِهِ اهـ {فَرْعٌ} وَفِي مُجَاوَزَةِ الْمَرْقُوقِ مَعَ مَوْلَاهُ بِلَا إحْرَامٍ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ دَمٌ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ جَاوَزَهُ صَبِيٌّ أَوْ كَافِرٌ فَأَسْلَمَ وَبَلَغَ وَأَحْرَمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) أَيْ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ التَّلْبِيَةُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّ مَكَانَ إحْرَامِهِ جُعِلَ مِيقَاتًا فِي حَقِّهِ وَقَدْ لَبَّى هُنَا لَك فَلَمْ يُشْتَرَطْ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ سَابِقًا أَمَّا الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ وَأَمَّا الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ: فَأَفْسَدَهَا) أَيْ أَفْسَدَهَا بِالْجِمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ دَخَلَ الْكُوفِيُّ الْبُسْتَانَ) أَيْ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ، وَهِيَ قَرْيَةٌ فِي دَاخِلِ الْمِيقَاتِ وَخَارِجَ الْحَرَمِ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِحَاجَتِهِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحْرَمَ) أَيْ الدَّاخِلُ لِلْبُسْتَانِ لِحَاجَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ مَكَّةَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْإِحْرَامِ) أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ التِّجَارَةَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا اهـ عَيْنِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ حَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ حَجَّةٍ مَنْذُورَةٍ اهـ ع قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: إذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَلَيْهِ نَذْرًا وَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ عُمْرَةٍ مَنْذُورَةٍ سَقَطَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجَّةِ بِسَبَبِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ اهـ

[باب إضافة الإحرام إلى الإحرام]

مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَلَزِمَهُ بِهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ إذَا حَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَجْزَأَهُ عَمَّا لَزِمَهُ بِدُخُولِ مَكَّةَ وَإِنْ تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ لَا يُجْزِيهِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُجْزِيهِ، وَإِنْ لَمْ تَتَحَوَّلْ السَّنَةُ أَيْضًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ بِدُخُولِ مَكَّةَ وَجَبَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ فَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِنِيَّتِهِ كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ، وَكَمَا لَوْ تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ تَعْظِيمًا لِهَذِهِ الْبُقْعَةِ الشَّرِيفَةِ لَا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَلَى التَّعْيِينِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَتَاهُ مُحْرِمًا فِي الِابْتِدَاءِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَجِّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَكَذَا هَذَا. وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ جَازَ صَوْمُهُ عَنْ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا فِي هَذَا الِاعْتِكَافِ، وَقَدْ وُجِدَ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي مُدَّتِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقْضِ حَقَّ الْبُقْعَةِ حَتَّى تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ صَارَ بِالتَّفْوِيتِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ مَقْصُودًا فَلَمْ يَتَأَدَّ إلَّا بِالْإِحْرَامِ لَهُ مَقْصُودًا كَمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ، وَلَمْ يَعْتَكِفْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَمَّا لَزِمَهُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّفْوِيتِ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِصَوْمِهِ التَّابِعِ لَهُ، وَصَارَ مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ فَلَا يَتَأَدَّى بِصَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا إذَا لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ بِالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ، وَلَوْ خَرَجَ مَكِّيٌّ مِنْ الْحَرَمِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ يَلْزَمُهُ دَمٌ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِنْ عَادَ إلَى الْحَرَمِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِنْ لَبَّى سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ وَكَذَا الْمُتَمَتِّعُ إذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ فَأَحْرَمَ لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ عَادَ إلَى الْحَرَمِ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْمَكِّيِّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْهُمْ وَوَقْتُهُ وَقْتَهُمْ، وَلَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ لِلْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ وَقْتَهُ فَإِنْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَعَلَى مَا مَرَّ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَكَذَا أَهْلُ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَالْحَرَمِ إذَا دَخَلُوا الْحَرَمَ فَأَحْرَمُوا بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ دَمٌ لِتَرْكِهِمْ مِيقَاتَهُمْ فَإِنْ عَادُوا بَعْدَ الْإِحْرَامِ إلَى الْحِلِّ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابٌ: إضَافَةُ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ). قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَكِّيٌّ طَافَ شَوْطًا لِعُمْرَتِهِ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ رَفَضَهُ، وَعَلَيْهِ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ وَدَمٌ لِرَفْضِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ وَيَقْضِيهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِهَا وَيَمْضِي فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا فَكَانَتْ الْعُمْرَةُ أَوْلَى بِالرَّفْضِ؛ لِأَنَّهَا أَدْنَى حَالًا وَأَقَلُّ أَعْمَالًا وَأَيْسَرُ قَضَاءً لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ، وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ، وَهِيَ سُنَّةٌ، وَلَيْسَ الْحَجُّ كَذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَوْ رَفَضَ الْعُمْرَةَ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا لَا غَيْرُ. وَإِذَا رَفَضَ الْحَجَّ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ وَقَضَاءُ الْعُمْرَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَطُفْ لِلْعُمْرَةِ شَيْئًا حَتَّى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ حَيْثُ يَرْفُضَ الْعُمْرَةَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَا يَرْفُضُ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَصَارَ كَمَا إذَا فَرَغَ مِنْهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِمَكَانِ النَّقْصِ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ تَأَكَّدَ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الطَّوَافِ، وَإِحْرَامُ الْحَجِّ لَمْ يَتَأَكَّدْ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِ وَغَيْرُ التَّأَكُّدِ أَوْلَى بِالرَّفْضِ، وَإِنَّمَا يُرَجَّحُ بِالْأَيْسَرِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْقُوَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: صَارَ بِالتَّفْوِيتِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ مَقْصُودًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ، وَسَنَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ إذَا دَخَلَهَا بِلَا إحْرَامٍ لَيْسَ إلَّا وُجُوبُ الْإِحْرَامِ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ فَقَطْ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ فَعَلَ ذَلِكَ يَقَعُ أَدَاءً؛ إذْ الدَّلِيلُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِيَصِيرَ بِفَوَاتِهَا دَيْنًا يُقْضَى فَمَهْمَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِنُسُكٍ عَلَيْهِ تَأَدَّى هَذَا الْوَاجِبُ فِي ضِمْنِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا تَكَرَّرَ الدُّخُولُ بِلَا إحْرَامٍ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى التَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَتْ أَسْبَابًا مُتَعَدِّدَةَ الْأَشْخَاصِ دُونَ النَّوْعِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ عَلَيْهِ يَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ يَنْوِي مُجَرَّدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ وَلَا غَيْرَهُ جَازَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ فَكَذَا تَقُولُ إذَا رَجَعَ مِرَارًا أَوْ أَحْرَمَ كُلَّ مَرَّةٍ بِنُسُكٍ حَتَّى أَتَى عَلَى عَدَدِ دَخَلَاتِهِ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَرَجَ مَكِّيٌّ مِنْ الْحَرَمِ) أَيْ يُرِيدُ الْحَجَّ. اهـ. كَافِي وَهِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِتَرْكِهِ وَقْتَهُ) أَيْ فَإِنَّ مِيقَاتَهُ لِلْعُمْرَةِ مِنْ الْحِلِّ. اهـ. [بَابٌ إضَافَةُ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ] {بَابٌ: إضَافَةُ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ} لَمَّا كَانَ إضَافَةُ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَمِمَّنْ مَنْزِلُهُ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ جِنَايَةً وَكَذَا إضَافَةُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَجَّةِ مِنْ الْآفَاقِيِّ إسَاءَةٌ كَمَا سَيَجِيءُ ذِكْرُهُ أَوْرَدَ بَابَ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ عَقِيبَ بَابِ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْجِنَايَاتِ بِخِلَافِ إضَافَةِ إحْرَامِ الْحَجَّةِ إلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ مِنْ الْآفَاقِيِّ فَإِنَّهَا مَشْرُوعَةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَكِّيٌّ طَافَ إلَخْ) قُيِّدَ بِالْمَكِّيِّ؛ لِأَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا فَطَافَ لَهَا شَوْطًا ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مَضَى فِيهَا وَلَا يَرْفُضُ الْحَجَّ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ أَعْمَالِ الْحَجِّ عَلَى أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَوْ طَافَ لَهَا أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ كَانَ قَارِنًا، وَإِنْ طَافَ لَهَا الْأَكْثَرَ كَانَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ بَعْدَ عَمَلِ الْعُمْرَةِ وَلِأَكْثَرِ الطَّوَافِ حُكْمُ الْكُلِّ، وَالْقَارِنُ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا اهـ اك قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقُيِّدَ بِطَوَافِ شَوْطٍ، وَأَرَادَ بِهِ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ حَتَّى إذَا طَافَ شَوْطَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ كَانَ الْخِلَافُ فِيهِ كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ رَفَضَهُ) أَيْ وَيُتِمُّ الْعُمْرَةَ (قَوْلُهُ: وَقَضَاءُ الْعُمْرَةِ عَلَى مَا عُرِفَ) سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ أَنَّهُ كَفَائِتِ الْحَجِّ. اهـ. (قَوْلُهُ يَرْفُضُ الْحَجَّ) كَذَا فِي الْكَافِي وَهُوَ الصَّوَابُ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ اهـ

يَتَأَكَّدُ بِالسُّقُوطِ أَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَأَحْرَمَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ فَطَافَ شَوْطًا ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ بِالِاتِّفَاقِ لِتَأَكُّدِهِ بِالطَّوَافِ وَلِأَنَّ فِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ إبْطَالَ الْعَمَلِ وَفِي رَفْضِ الْحَجِّ امْتِنَاعًا عَنْهُ فَكَانَ أَوْلَى عَلَيْهِ دَمٌ لِلرَّفْضِ أَيَّهُمَا رَفَضَ لِتَحَلُّلِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ كَالْمُحْصَرِ ثُمَّ إنْ رَفَضَ الْعُمْرَةَ قَضَاهَا لَا غَيْرُ، وَإِنْ رَفَضَ الْحَجَّ قَضَاهُ وَقَضَى الْعُمْرَةَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ كَفَائِتِ الْحَجِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْمُضِيِّ فِيهِ، وَفَائِتُ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ يَأْتِي بِالْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ وَلَوْ قَضَى الْحَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَفَائِتِ الْحَجِّ إلَّا إذَا لَمْ يَحُجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَأَمَّا إذَا حَجَّ فَلَا كَالْمُحْصَرِ إذَا تَحَلَّلَ ثُمَّ حَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ مَضَى عَلَيْهِمَا جَازَ وَعَلَيْهِ دَمٌ)؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ الْمَشْرُوعِيَّةَ وَلَا تَحَقُّقَ الْفِعْلِ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَمُ شُكْرٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ بِآخَرَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَإِنْ حَلَقَ فِي الْأَوَّلِ لَزِمَهُ الْآخَرُ، وَلَا دَمَ، وَإِلَّا لَزِمَهُ، وَعَلَيْهِ دَمُ قَصْرٍ أَوَّلًا وَمَنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ إلَّا التَّقْصِيرَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى لَزِمَهُ دَمٌ) وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَفَرَغَ مِنْهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ آخَرَ يَوْمَ النَّحْرِ لَزِمَهُ الثَّانِي ثُمَّ إنْ كَانَ حَلَقَ فِي الْحَجِّ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحْلِقْ بَيْنَهُمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ سَوَاءٌ حَلَقَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ الثَّانِي أَوْ لَمْ يَحْلِقْ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى قَبْلَ الْحَلْقِ لِلْأُولَى فَعَلَيْهِ دَمٌ أَيْ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَجِّ وَقَالَا: إنْ لَمْ يَحْلِقْ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ أَوْ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ، فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ الثَّانِي بَعْدَ مَا حَلَقَ لِلْأَوَّلِ لَزِمَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ حَلَّ مِنْ الْأَوَّلِ وَأَحْرَمَ لِلثَّانِي بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى أَحْرَمَ بِالثَّانِي لَزِمَهُ لِصِحَّةِ شُرُوعِهِ فِيهِ، وَعَلَيْهِ دَمُ حَلْقٍ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالثَّانِي أَوْ لَمْ يَحْلِقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ إنْ حَلَقَ يَكُونُ جَانِيًا عَلَى الْإِحْرَامِ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ يَكُونُ مُؤَخِّرًا لِلْحَلْقِ فِي الْحَجِّ الْأَوَّلِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَهُوَ يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ حَلَقَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالثَّانِي يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَلْقِ عِنْدَهُمَا لَا يُوجِبُ شَيْئًا ثُمَّ فَرَّقَ فِي الْمُخْتَصَرِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَأَوْجَبَ فِي الْعُمْرَةِ دَمًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ، وَلَمْ يُوجِبْهُ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي الْأَصْلِ أَوْجَبَ الدَّمَ فِي الْحَجِّ أَيْضًا لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إحْرَامًا. وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَمْعَيْنِ وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ فِي الْإِحْرَامِ إنَّمَا كَانَ حَرَامًا لِأَجْلِ الْجَمْعِ فِي الْأَفْعَالِ؛ إذْ الْجَمْعُ فِي الْأَفْعَالِ يُوجِبُ النُّقْصَانَ فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ لَا يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الثَّانِيَةِ مُتَأَخِّرَةٌ إلَى الْقَابِلِ بِخِلَافِ الْعُمْرَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَامِ يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَفْعَالِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ تَأْخِيرَ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا عَلَى تَحْقِيقِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَقِيلَ: لَيْسَ فِيهَا إلَّا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ وُجُوبُ الدَّمِ لِأَجْلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ كَالْعُمْرَتَيْنِ، وَسُكُوتُهُ عَنْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ، أَوْ عُمْرَتَيْنِ لَزِمَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ هُوَ يَقُولُ: إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِحْرَامِ الْأَدَاءُ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَّا أَحَدَهُمَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْآخَرُ، وَاعْتَبَرَهُ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ قُلْنَا: يُمْكِنُ فِي بَابِ الْحَجِّ أَنْ يُحْرِمَ بِإِحْرَامَيْنِ كَمَا فِي الْقَارِنِ ثُمَّ لَا يَصِيرُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا عِنْدَهُ حَتَّى يَسِيرَ فِي أَحَدِهِمَا إلَى مَكَّةَ، وَقِيلَ: حَتَّى يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ، وَإِنَّمَا التَّنَافِي بَيْنَ الْأَدَاءَيْنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَصِيرُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا كَمَا فَرَغَ مِنْ إحْرَامَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ الْأَفْعَالِ، وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا جَنَى فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ رَفَضَ عُمْرَتَهُ وَإِنْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا لَا) أَيْ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِالْوُقُوفِ، وَإِنْ تَوَجَّهَ إلَى عَرَفَةَ وَلَمْ يَقِفْ بِهَا بَعْدُ لَا يَصِيرُ رَافِضًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ، وَالْكَلَامُ فِيهِ لَكِنَّهُ مُسِيءٌ بِتَقْدِيمِ إحْرَامِ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لِكَوْنِهِ أَخْطَأَ السُّنَّةَ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْقِرَانِ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا أَوْ يُقَدِّمَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ ثُمَّ إذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ مَا لَمْ يَأْتِ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ صَارَ رَافِضًا لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ دَمٌ) لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ دَمُ جَبْرٍ؛ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ وَهُوَ مَكِّيٌّ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ مَضَى عَلَيْهِمَا جَازَ إلَخْ) قِيلَ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ وَمَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَا أَنَّهُ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ فَكَانَ التَّنَاقُضُ فِي كَلَامِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: غَيْرُ مَشْرُوعٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ كَامِلًا كَمَا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ اهـ اك (قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ) عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ دُونَ النَّفْيِ اهـ اك (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَعَلَيْهِ دَمُ قَصْرٍ) أَرَادَ بِالتَّقْصِيرِ الْحَلْقَ إلَّا أَنَّهُ اتَّبَعَ مُحَمَّدًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ) لَفْظَةُ لِمَا بِاللَّامِ لَا بِالْكَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ وَكَذَلِكَ إذَا أُحْصِرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَحْتَاجُ إلَى هَذَيْنِ لِلتَّحَلُّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اهـ اك (قَوْلُهُ صَارَ رَافِضًا لَهَا) أَيْ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا؛ إذْ هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَجِّ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ. اهـ. هِدَايَةٌ

[باب الإحصار]

بِالْوُقُوفِ لَا بِالتَّوَجُّهِ بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ تَوَجَّهَ إلَى الْجُمُعَةِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِالتَّوَجُّهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى، وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ فِي بَابِ الْقِرَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ طَافَ لِلْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَمَضَى عَلَيْهِمَا يَجِبُ دَمٌ) يَعْنِي لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا، وَالْمُرَادُ بِالطَّوَافِ لِلْحَجِّ طَوَافُ الْقُدُومِ وَبِالْمُضِيِّ عَلَيْهِمَا أَنْ يُقَدِّمَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ قَارِنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ حَيْثُ أَخَّرَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَنْ طَوَافِ الْحَجِّ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ فِيهِ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ فَيَكُونُ قَارِنًا عَلَى حَالِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ دَمُ كَفَّارَةٍ وَجَبْرٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَدَمُ شُكْرٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ رَفْضُهَا) أَيْ رَفْضُ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ التَّرْتِيبُ فِي الْفِعْلِ مِنْ وَجْهٍ بِتَقْدِيمِ طَوَافِ الْقُدُومِ عَلَى الْعُمْرَةِ وَفِيمَا سَبَقَ لَمْ يَفُتْ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ لَمْ يُقَدِّمْ إلَّا الْإِحْرَامَ وَلَا تَرْتِيبَ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الرَّفْضُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى لَيْسَ بِرُكْنِ الْحَجِّ، وَإِذَا رَفَضَهَا قَضَاهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ لَزِمَتْهُ وَلَزِمَهُ الرَّفْضُ وَالدَّمُ وَالْقَضَاءُ) أَيْ إنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ لَزِمَتْهُ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَيَلْزَمُهُ الرَّفْضُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَرْكَانَ الْحَجِّ فَيَكُونُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ خَطَأً مَحْضًا، وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيْضًا تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحَجِّ فَتُرْفَضُ فَإِذَا رَفَضَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِهَا لِلتَّحَلُّلِ مِنْهَا قَبْلَ أَوَانِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا بِخِلَافِ صَوْمِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ إذَا أَفْسَدَهُ بَعْدَ مَا شَرَعَ فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ قَدْ بَاشَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إفْسَادُهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ صِيَانَتُهُ، وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ فَرْعُ وُجُوبِ الصِّيَانَةِ، وَهُنَا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ لَمْ يُبَاشِرْ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ، وَهُوَ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ فَصَارَ كَالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا صَحَّ) أَيْ إذَا مَضَى عَلَى الْعُمْرَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ كَوْنُهُ مَشْغُولًا بِأَدَاءِ بَقِيَّةِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فِي هَذَا الْأَيَّامِ وَلِتَخْلِيصِ الْوَقْتِ لَهُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجِبُ دَمٌ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ بِالْمُضِيِّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَامِ أَوْ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْعَالِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا، وَهُوَ لَمْ يُحْرِمْ بِالْعُمْرَةِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ التَّحَلُّلِ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ بِالْحَلْقِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ قُلْنَا: قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ، وَهُوَ رَمْيُ الْجِمَارِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِعْلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَامِعًا بَيْنَهُمَا إحْرَامًا فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ لِذَلِكَ، وَقِيلَ: إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْحَلْقِ لَا يَرْفُضُهَا كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفُضُهَا احْتِرَازًا عَنْ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ، وَتَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا لَا تُرْفَضُ مِنْ غَيْرِ رَفْضٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ رَفَضَهَا) أَيْ رَفَضَ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ أَوْ الْعُمْرَتَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ إحْرَامًا، وَهُوَ بِدْعَةٌ فَيَرْفُضُهَا، وَإِنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ أَفْعَالًا، وَهُوَ بِدْعَةٌ أَيْضًا فَيَرْفُضُهَا، وَنَظِيرُهُ الْمَسْبُوقُ إذَا قَامَ لِقَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ هُوَ مُقْتَدِي تَحْرِيمَةً؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِذَلِكَ، وَهُوَ مُنْفَرِدٌ أَدَاءً حَتَّى تَلْزَمَهُ الْقِرَاءَةُ وَالسُّجُودُ بِسَهْوِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بَابُ الْإِحْصَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَلَوْ طَافَ) أَيْ الرَّجُلُ الَّذِي أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ اهـ ع (قَوْلُهُ: وَهُوَ دَمُ كَفَّارَةٍ) وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَجُبِرَ عَلَى مَا اخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ) هَذَا مَا وَعَدَ بِهِ فِي بَابِ الْقِرَانِ اهـ وَذَكَرَ أَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ أَهَلَّ) أَيْ أَحْرَمَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَوْمَ النَّحْرِ) أَيْ أَوْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ قَدْ بَاشَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ) أَيْ وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ ضِيَافَةِ اللَّهِ - تَعَالَى، فَيُؤْمَرُ بِالْإِفْطَارِ، فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَهُنَا لَا يَلْزَمُ الْمَعْصِيَةُ بِمُجَرَّدِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ أَدَاءُ أَفْعَالِهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَامِ) يَعْنِي إنْ كَانَ أَحْرَمَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْعَالِ يَعْنِي إذَا كَانَ بَعْدَ الْحَلْقِ اهـ اك (قَوْلُهُ: أَوْ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْعَالِ) قَالُوا: وَهَذَا دَمُ كَفَّارَةٍ أَيْضًا. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ قَالُوا: وَهَذَا دَمُ كَفَّارَةٍ أَيْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ أَوْ لِلْجَمْعِ فِي الْأَفْعَالِ الْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ مَنَاسِكُ الْحَجِّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفُضُهَا) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ وَاجِبَاتٌ مِنْ الْحَجِّ كَالرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ وَسُنَّةِ الْمَبِيتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ احْتِرَازًا عَنْ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ)؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ حَلَقَ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مَنَاسِكُ الْحَجِّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ) أَيْ فَيَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ بِلَا رَيْبٍ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ) أَيْ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ) نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ إلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] أَيْ مِنْ قَوْمِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ضُمِّنَ فِيهِ مَعْنَى صَارَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَيَرْفُضُهَا) أَيْ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ، وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا وَدَمٌ لِرَفْضِهَا لِتَحَلُّلِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ لِتَحَلُّلِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ أَوَانَ التَّحَلُّلِ عَنْ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْحَلْقِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْمُحْصَرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ) أَيْ نَظِيرُ فَائِتِ الْحَجِّ وَبَيَانُهُ أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ حَاجٌّ إحْرَامًا؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ بَاقٍ وَمُعْتَمِرٌ أَدَاءً؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ. اهـ. [بَابُ الْإِحْصَارِ]

وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا يُقَالُ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ وَأَحْصَرَهُ الْمَرَضُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 273] وَفِي الشَّرْعِ هُوَ مَنْعُ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ أَنْ يَبْعَثَ شَاةً تُذْبَحُ عَنْهُ وَيَتَحَلَّلُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا إحْصَارَ إلَّا بِعَدُوٍّ؛ لِأَنَّ آيَةَ الْإِحْصَارِ نَزَلَتْ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَكَانُوا مُحْصَرِينَ بِالْعَدُوِّ وَقَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} [البقرة: 196] وَالْأَمْنُ يَكُونُ مِنْ الْعَدُوِّ لَا مِنْ الْمَرَضِ وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْعَدُوِّ لَا يَكُونُ وَارِدًا فِي الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْيِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ أَمْرِ الْعَدُوِّ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُ حَالٌّ لَا يُفَارِقُهُ بِالْإِحْلَالِ وَلِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ فِي سِيَاقِ آيَةِ الْإِحْصَارِ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ غَيْرُ الْمُحْصَرِ وَلَوْلَا أَنَّهُ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ مَعْنًى بَعْدَ ذِكْرِ الْمُحْصَرِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْإِحْصَارَ يَكُونُ بِالْمَرَضِ وَبِالْعَدُوِّ الْحَصْرُ لَا الْإِحْصَارُ كَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ مِنْهُمْ الْفَرَّاءُ وَابْنُ السِّكِّيتِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ وَالْقُتَيْبِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْمُتْقِنِينَ لِهَذَا الْفَنِّ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ أَهْلِ اللُّغَةِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ، وَلَئِنْ كَانَ الْإِحْصَارُ بِغَيْرِهِ فَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُهُ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَعْذَارِ وَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَالْأَمَانُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَرَضِ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الزُّكَامُ أَمَانٌ مِنْ الْجُذَامِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ وَكَذَا الْفَوَاتُ فَأَخَّرَهُمَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْمُشْكِلَاتِ: الْبَابُ الْمُتَقَدِّمُ بَيَانُ جِنَايَةِ الْمُحْرِمِ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِي هَذَا الْبَابِ بَيَانُ جِنَايَةِ الْغَيْرِ عَلَى الْمُحْرِمِ أَوْ يَقُولُ فِي الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ: إحْرَامٌ مَعَ الْأَدَاءِ، وَفِي هَذَا الْبَابِ إحْرَامٌ بِلَا أَدَاءً. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِمَنْ أُحْصِرَ) أَيْ عَنْ الْمُضِيِّ إلَى الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ اهـ ع وَفِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ والمرغيناني والإسبيجابي وَغَيْرِهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ أَوْ مَاتَ مَحْرَمُهَا أَوْ زَوْجُهَا بَعْدَ إحْرَامِهَا فَهِيَ مُحْصَرَةٌ، وَالْعَدُوُّ يَكُونُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَفِي الْمُغْرِبِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَبِمَعْنَاهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِعَدُوٍّ) أَيْ مِنْ بَنِي آدَمَ أَوْ مِنْ حَيَوَانٍ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بِيعَتْ شَاةٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ: أَيْ بَعَثَ شَاةً؛ لِأَنَّ أَنْ مَصْدَرِيَّةٌ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ: لِمَنْ أُحْصِرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَمَالِكٌ وَإِسْحَاقُ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا إحْصَارَ إلَّا بِعَدُوٍّ) وَالْمُحْصَرُ مِنْ الْعَدُوِّ وَنَحْوِهِ يَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ سِنِينَ حَتَّى يَطُوفَ الْبَيْتَ، وَيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ كَفَائِتِ الْحَجِّ. اهـ. غَايَةٌ (فَائِدَةٌ) وَأَمَّا مَنْ سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ ذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ لَا يَتَحَلَّلُ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَهُوَ مُحْصَرٌ يَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ هَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْمَشْيُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَيَلْزَمُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ كَالْحَجِّ التَّطَوُّعِ لَا يَلْزَمُ ابْتِدَاءً، وَيَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَكَالْفَقِيرِ لَا يَلْزَمُهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ ابْتِدَاءً، وَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. كَاكِيٌّ أَوْ كَاَلَّذِي ضَلَّ الطَّرِيقَ فَهُوَ مُحْصَرٌ إلَّا أَنَّهُ يَزُولُ إحْصَارُهُ بِوُجُودِ مَنْ يَبْعَثُ مَعَهُ هَدْيَ التَّحَلُّلِ فَإِنَّهُ بِهِ يَذْهَبُ الْمَانِعُ؛ إذْ يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ مَعَهُ إلَى مَكَّةَ هُوَ كَالْمُحْصَرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْهَدْيِ فَيَبْقَى مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَحُجَّ إنْ زَالَ الْإِحْصَارُ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ، أَوْ يَتَحَلَّلُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ اسْتَمَرَّ الْإِحْصَارُ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ هَذَا إذَا جَهِلَ فِي الْحِلِّ، أَمَّا إنْ ضَلَّ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ الْإِحْصَارَ فِي الْحَرَمِ إذَا لَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ إنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، وَيَحِلَّ كَذَا ذُكِرَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ تَعْلِيلِ مَنْعِ الْإِحْصَارِ فِي الْحَرَمِ تَخْصِيصُهُ بِالْعَدُوِّ أَمَّا إنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِهِ فَالظَّاهِرُ تَحَقُّقُهُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ الْمَرَضِ) إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْمَرَضِ الشِّفَاءُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْإِحْصَارَ إلَخْ) وَقِيلَ: حُصِرَ وَأُحْصِرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ وَالشَّيْبَانِيُّ، وَحَكَى ابْنُ فَارِسٍ أَنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: حَصَرَهُ الْمَرَضُ، وَأَحْصَرَهُ الْعَدُوُّ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْإِحْصَارُ بِهِمَا، وَالْحَصْرُ بِالْعَدُوِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ إلَخْ) أَيْ وَدُخُولُ الْمَحْصُورِ فِي الْآيَةِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ بِالْعَدُوِّ فِي الْمَنْعِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ رُبَّمَا وَصَلَ إلَى مَقْصِدِهِ بِالدَّابَّةِ وَالْمَحْمَلِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ كَحُرْمَةِ ضَرْبِ الْأَبَوَيْنِ، فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَيُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ، أَوْ نَقُولُ: الْعِلَّةُ الْمُبِيحَةُ لِلتَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْصَارِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ، وَهُوَ الْمَنْعُ عَلَى مَا مَرَّ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْعَدُوِّ وَالْمَرَضِ فَيَعُمُّ بِعُمُومِ الْعِلَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَئِنْ كَانَ) هَذَا جَوَابٌ ثَانٍ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا قَالُوا اهـ (قَوْلُهُ: الزُّكَامُ أَمَانٌ مِنْ الْجُذَامِ) أَيْ وَالدُّمَّلُ أَمَانٌ مِنْ الطَّاعُونِ. اهـ. غَايَةٌ «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ سَبَقَ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ أَمِنَ مِنْ الشَّوْصِ وَاللَّوْصِ وَالْعِلَّوْصِ» وَالشَّوْصُ وَجَعُ السِّنِّ وَاللَّوْصُ وَجَعُ الْأُذُنِ وَالْعِلَّوْصُ وَجَعُ الْبَطْنِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَدْ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ مَنْ يَسْتَبِقْ عَاطِسًا بِالْحَمْدِ يَأْمَنُ مِنْ ... شَوْصٍ وَلَوْصٍ وَعِلَّوْصٍ كَمَا وَرَدَا عَنَيْت بِالشَّوْصِ دَاءَ الضِّرْسِ ثُمَّ بِمَا ... يَلِيهِ لِلْأُذْنِ وَالْقَلْبِ اتَّبِعْ رَشَدَا اهـ الْحَمْدُ لِلَّهِ سُئِلَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ هَلْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا الْمُرَادُ بِالثَّلَاثِ فَأَجَابَ: الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَلَفْظُهُ مَنْ سَبَقَ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدِ أَمِنَ مِنْ الشَّوْصِ وَاللَّوْصِ وَالْعِلَّوْصِ وَالْأَوَّلُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَجَعُ الضِّرْسِ وَقِيلَ وَجَعٌ فِي الْبَطْنِ مِنْ رِيحٍ وَالثَّانِي وَجَعُ الْأُذُنِ وَقِيلَ وَجَعُ الْمُخِّ وَالثَّالِثُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ الثَّقِيلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ هُوَ وَجَعٌ فِي الْبَطْنِ مِنْ التُّخَمَةِ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ اهـ

فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمَحْصُورِ بِالْعَدُوِّ خَاصَّةً، وَلَئِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ، كَمَا زَعَمَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَتَنَاوَلُ الْمَرَضَ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ الْآتِي مِنْ قِبَلِ امْتِدَادِ الْإِحْرَامِ، وَالْحَرَجُ بِالِاصْطِبَارِ عَلَيْهِ مَعَ الْمَرَضِ أَعْظَمُ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّحَلُّلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْمُحْصَرَ بِعَدُوٍّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَحَلُّلٍ وَيَصْبِرَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ إلَى أَنْ يَزُولَ الْخَوْفُ فَإِذَا أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِالْعُمْرَةِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ لِلضَّرُورَةِ حَتَّى لَا يَمْتَدَّ إحْرَامُهُ فَيَشُقَّ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمَرِيضِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرُّويَانِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُمْ نَفَقَةٌ تَكْفِيهِمْ لِذَلِكَ الطَّرِيقِ فَلَهُمْ أَنْ يَتَحَلَّلُوا، وَهَذَا إحْصَارٌ بِغَيْرِ عَدُوٍّ فَكَذَا الْمَرِيضُ وَلَا يَدُلُّ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ لَيْسَ بِمُحْصَرٍ؛ لِأَنَّهَا سَبَقَتْ لِبَيَانِ حُكْمٍ آخَرَ مِنْ التَّخْفِيفِ عَلَيْهِمْ مَعَ بَقَاءِ الْإِحْرَامِ فَلَا تَنَافِيَ فَيَكُونُ لِلْمَرِيضِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ بِهَذَا، وَإِنْ شَاءَ بِذَلِكَ، فَإِذَا جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ يُقَالُ لَهُ: ابْعَثْ شَاةً تُذْبَحُ فِي الْحَرَمِ، وَوَاعِدْ مَنْ تَبْعَثُهُ أَنْ يَذْبَحَهَا فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ تَحَلَّلْ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ مُخْتَصٌّ بِالْحَرَمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُذْبَحُ فِي مَوْضِعِ أُحْصِرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ رُخْصَةً وَتَرْفِيهًا أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَالتَّوْقِيتُ بِالْحَرَمِ يُنَافِي الْيُسْرَ فَيَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]، وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَرَمُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] بَعْدَ ذِكْرِ الْهَدَايَا، وَقَالَ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَلِأَنَّ الدَّمَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِالزَّمَانِ وَلَا بِالْمَكَانِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ التَّحَلُّلُ. وَقَوْلُهُ: التَّوْقِيتُ يُنَافِي الْيُسْرَ قُلْنَا: الْمُرَاعَى أَصْلُ التَّخْفِيفِ لَا نِهَايَتُهُ، وَقَدْ حَصَلَ وَتُجْزِيهِ الشَّاةُ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُهَا وَتُجْزِيهِ الْجَزُورُ وَالْبَقَرَةُ أَوْ سُبْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي الضَّحَايَا وَلَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ: أَنْ يَبْعَثَ شَاةً نَفْسَ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ قَدْرَهَا أَيْ قِيمَتَهَا حَتَّى لَوْ بَعَثَ قِيمَةَ شَاةٍ يَشْتَرِي بِهَا هُنَاكَ شَاةً ثُمَّ تُذْبَحُ عَنْهُ جَازَ، وَقَوْلُهُ: وَيَتَحَلَّلُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا حَلْقَ عَلَيْهِ وَلَا تَقْصِيرَ بَلْ يَتَحَلَّلُ بِالذَّبْحِ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ حَلَقَ فَحَسَنٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ، وَلَوْ لَمْ يَحْلِقْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَحْلِقُوا وَحَلَقَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ بُلُوغِ الْهَدَايَا مَحِلَّهَا» وَلَهُمَا أَنَّ الْحَلْقَ لَمْ يُعْرَفْ كَوْنُهُ نُسُكًا إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ وَقَبْلَهُ جِنَايَةٌ فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلِهَذَا الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ إذَا مَنَعَهُمَا الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ لَا يُؤْمَرَانِ بِالْحَلْقِ إجْمَاعًا وَفِي الْكَافِي إنَّمَا لَا يَحْلِقُ عِنْدَهُمَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ، وَأَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَيَحْلِقُ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ مُؤَقَّتٌ بِالْحَرَمِ عِنْدَهُمَا فَعَلَى هَذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ لِكَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ فَلَعَلَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ: وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْمَرَضَ لَا يَزُولُ بِالتَّحَلُّلِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَدُوِّ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ وَيَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ فَيُفِيدُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْعَدُوِّ وَالْمُحِيطِ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ كَالْمَرَضِ وَبِالْحَبْسِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ خَلَاصٌ وَلَا نَجَاةٌ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ مُحْرِمًا مِنْ غَيْرِ تَحَلُّلٍ فَمَا أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَوَاعِدْ مَنْ تَبْعَثُهُ) الِاحْتِيَاجُ إلَى الْمُوَاعَدَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ الْإِحْصَارِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا حَاجَةَ؛ لِأَنَّهُمَا عَيَّنَا يَوْمَ النَّحْرِ وَقْتًا لَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ قُلْنَا الْمُرَاعَى أَصْلُ التَّخْفِيفِ لَا نِهَايَتُهُ) لَمْ يُذْكَرْ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ اعْتَبَرَ نِهَايَةَ التَّخْفِيفِ لَكِنَّ دَعْوَاهُ الْقَائِلَةَ: التَّوْقِيتُ يُبْطِلُ التَّخْفِيفَ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْت الْمُرَاعَى نِهَايَةُ التَّخْفِيفِ مَنَعْنَاهُ، أَوْ أَصْلُهُ، فَبِالتَّوْقِيتِ لَا يَنْتَفِي أَصْلُ التَّخْفِيفِ بِالْكُلِّيَّةِ لَتَيَسُّرِ مَنْ يُرْسِلُ مَعَهُ الْهَدْيَ عَادَةً مَعَ الْمُسَافِرِينَ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نِهَايَةُ التَّخْفِيفِ مُرَاعًى فِيهِ لِلتَّحَلُّلِ لَتَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ بِلَا دَمٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَفِي الْمُحِيطِ: وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ التَّخْفِيفَ مَتَى لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ بَلْ يَبْقَى مُحْرِمًا حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى كَمَا يَفْعَلُهُ فَائِتُ الْحَجِّ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَأَمَّا الِاسْتِيضَاحُ عَلَى كَوْنِ الْمُرَاعَى أَصْلَ التَّخْفِيفِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا يَبْقَى مُحْرِمًا أَبَدًا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقُولُ بِهِ بَلْ إذَا لَمْ يَجِدْهُ عِنْدَهُ قُوِّمَتْ شَاةٌ وَسَطٌ فَيَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمًا، وَفِي قَوْلٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، كَمَا فِي الْعَجْزِ عَنْ هَدْيِ الْمُتْعَةِ عِنْدَهُ، وَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ التَّرْدِيدُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ اهـ (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَحَلَّلَ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ ظَنَّ الْمُحْصَرُ أَنَّ الْهَدْيَ قَدْ ذُبِحَ فِي يَوْمِ الْمُوَاعَدِ فَفَعَلَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُ الذَّبْحِ إذْ ذَاكَ كَانَ عَلَيْهِ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ ذَبَحَ فِي الْحَرَمِ وَمَا أَكَلَ مِنْهُ الَّذِي مَعَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ الْمُحْصَرِ إنْ كَانَ غَنِيًّا، وَلَوْ سُرِقَ الْهَدْيُ بَعْدَ ذَبْحِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَسْرِقْ تَصَدَّقَ بِهِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا حَلْقَ عَلَيْهِ وَلَا تَقْصِيرَ) وَإِلَّا قَالَ ثُمَّ احْلِقْ وَنَحْوَهُ فَلَمَّا عَدَلَ إلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ اسْتَفَدْنَا عَدَمَ تَعَيُّنِ الْحَلْقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ) وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ وَالْكَافِي الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: عَلَيْهِ الْحَلْقُ: الْحَلْقُ اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا بِدَلِيلٍ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ يُوجِبُ الدَّمَ، وَتَرْكُ السُّنَّةِ يُوجِبُ الْإِسَاءَةَ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَحْلِقْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَفِي الْكَرْمَانِيِّ فِي حَلْقِ الْمُحْصَرِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ وَاجِبٌ، وَفِي رِوَايَةٍ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ عَنْهُ يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ لِكَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَلْقِ النَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ فَعَلَ بِالْحَرَمِ عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ؛ لِأَنَّهُ حَلَقَ حَيْثُ نَحَرَ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ» وَالْمُحْصَرُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْحَلْقِ بِالْحَرَمِ حَلَقَ عِنْدَنَا أَيْضًا؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّمَا لَا يَجِبُ الْحَلْقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى الْمُحْصَرِ فِي الْحِلِّ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ فَأَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْحَلْقُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ بَعْضَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ) وَفِي الْمَبْسُوطِ: نِصْفُ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ، وَنِصْفُهُ مِنْ الْحِلِّ. اهـ. غَايَةٌ

كَانَ فِيهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَلَقَ وَأَمَرَهُمْ بِالْحَلْقِ لِيُعْرَفَ اسْتِحْكَامُ عَزِيمَتِهِ عَلَى الِانْصِرَافِ وَيَأْمَنَ الْمُشْرِكُونَ مِنْهُمْ فَلَا يَشْتَغِلُونَ بِمَكِيدَةٍ أُخْرَى بَعْدَ الصُّلْحِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَذْبَحُ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يَذْبَحَ أَوْ يَطُوفَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحِلُّ بِالصَّوْمِ بِأَنْ يُقَوِّمَ شَاةً وَسَطًا فَيَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا اعْتِبَارًا بِصَوْمِ الْمُتْعَةِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] أَنْهَى الْحُرْمَةَ إلَى غَايَةٍ فَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ قَبْلَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَارِنًا بَعَثَ دَمَيْنِ) أَيْ لَوْ كَانَ الْمُحْصَرُ قَارِنًا بَعَثَ دَمَيْنِ دَمًا لِحَجَّتِهِ وَدَمًا لِعُمْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامِهِمَا فَلَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ عَنْهُمَا، وَلَوْ بَعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ لِيَتَحَلَّلَ عَنْ الْحَجِّ وَيَبْقَى فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ تَحَلَّلَ عَنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ يَكُونُ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلْمَشْرُوعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَوَقَّفُ بِالْحَرَمِ لَا بِيَوْمِ النَّحْرِ) أَيْ دَمُ الْإِحْصَارِ يَتَوَقَّتُ بِالْحَرَمِ حَتَّى لَا يَجُوزَ ذَبْحُهُ فِي غَيْرِهِ وَلَا يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى جَازَ ذَبْحُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ، وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ وَبِالْمَكَانِ، وَهُوَ الْحَرَمُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ، وَأَمَّا دَمُ الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالزَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ لَا تَتَوَقَّتُ فِيهِ فَكَذَا الْهَدْيُ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْهَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ هَذَا دَمٌ يَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ فَيَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالْحَلْقِ فِي الْحَجِّ وَرُبَّمَا يُعْتَبَرُ أَنَّهُ بِدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ذَكَرَهُ مُطْلَقًا وَالتَّقْيِيدُ بِالزَّمَانِ نَسْخٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِالْمَكَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَكَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّهُ دَمُ كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِلْإِحْلَالِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَلِهَذَا لَا يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ وَدَمُ الْكَفَّارَةِ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ بِخِلَافِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ كَالْأُضْحِيَّةِ وَبِخِلَافِ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ فِي أَوَانِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَعْدَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ وَهَذَا الدَّمُ قَبْلَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ فَلَا يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ إنْ تَحَلَّلَ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ) كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ شَارِعٌ فِي الْحَجِّ لَا غَيْرُ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ كَالْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ وَلَنَا أَنَّهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ بِالشُّرُوعِ وَتَلْزَمُهُ الْعُمْرَةُ لِلتَّحَلُّلِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ فَإِنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا قَضَاهَا فَكَذَا هَذَا وَلَا يَقُومُ الدَّمُ مَقَامَ الْعُمْرَةِ إلَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِأَفْعَالِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَيَنْعَقِدُ لَازِمًا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الِالْتِزَامَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الْحَجِّ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ أَدَّى الْفَرْضَ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ وَإِنْ أَفْسَدَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِمَا مُسْقِطًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِمَا مُلْتَزِمًا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَفْسَدَ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالْأَفْعَالِ، وَهَذَا لَمْ يَقْضِ الْحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا أَقْضَاهُ فِيهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَمَرَهُمْ بِالْحَلْقِ لِيُعْرَفَ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِتَخْفِيفِهَا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ قَارِنًا بَعْضُ دَمَيْنِ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا لِلْعُمْرَةِ وَالْآخَرِ لِلْحَجِّ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْيِينٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ. اهـ. كَاكِيٌّ فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ شُرِعَ لِلتَّحَلُّلِ، وَالتَّحَلُّلُ عَنْ الْإِحْرَامَيْنِ يَقَعُ بِتَحَلُّلٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ بَعْدَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا كَالْحَلْقِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ فِي الْأَصْلِ مَحْظُورُ الْإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا صَارَ قُرْبَةً بِسَبَبِ التَّحَلُّلِ فَكَانَ قُرْبَةً لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَا لِعَيْنِهِ فَيَنُوبُ الْوَاحِدُ عَنْ اثْنَيْنِ كَالطَّهَارَةِ الْوَاحِدَةِ تَكْفِي لِلصَّلَوَاتِ الْكَثِيرَةِ كَالتَّسْلِيمِ الْوَاحِدِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَكْفِي لِلتَّحَلُّلِ عَنْ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةٍ، فَأَمَّا الْهَدْيُ شُرِعَ لِلتَّحَلُّلِ إلَّا أَنَّهَا قُرْبَةٌ بِنَفْسِهَا، وَمَا شُرِعَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً بِنَفْسِهَا فَلَا يَنُوبُ الْوَاحِدُ عَنْ اثْنَيْنِ كَأَفْعَالِ الصَّلَاةِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ هَذَا السُّؤَالُ أَوْرَدَهُ الْأَتْقَانِيُّ أَيْضًا فَقَالَ: وَلَا يُقَالُ: دَمُ الْإِحْصَارِ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَلْقِ، وَيَتَحَلَّلُ الْقَارِنُ بِالْحَلْقِ الْوَاحِدِ عَنْ الْإِحْرَامَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْزِيَ الْهَدْيُ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: جِهَةُ الْكَفَّارَةِ فِيهِ رَاجِحَةٌ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُحْصَرِ أَكْلُهُ مِنْ دَمِ الْإِحْصَارِ وَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَارِنِ لِجِنَايَتِهِ عَلَى الطَّرَفَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ) «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» فِي الصَّحِيحِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالزَّمَانِ) وَأَمَّا التَّعْيِينُ بِالْمَكَانِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرُبَّمَا يُعْتَبَرُ أَنَّهُ بِدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) بَيَانُهُ أَنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ لَمَّا كَانَ مُؤَقَّتًا بِالْمَكَانِ صَارَ مُؤَقَّتًا بِالزَّمَانِ، وَدَمُ الْإِحْصَارِ مُؤَقَّتٌ فِي الْحَجِّ مُؤَقَّتٌ بِالْمَكَانِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُؤَقَّتًا بِالزَّمَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَا يُبَاحُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ إنْ تَحَلَّلَ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ) فَإِنْ قِيلَ: الْعُمْرَةُ فِي فَائِتِ الْحَجِّ لِلتَّحَلُّلِ وَهَا هُنَا تَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِ الْعُمْرَةِ قُلْنَا الْهَدْيُ لِأَجْلِ التَّحَلُّلِ لَا يُسْقِطُ الْعُمْرَةَ الْوَاجِبَةَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْإِحْصَارِ لِمَا أَنَّ الْمُحْصَرَ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، كَذَا ذَكَرَهُ مَوْلَانَا حُمَيْدٍ الدِّينِ، وَفِي الْمُسْتَصْفَى الْهَدْيُ شُرِعَ لِتَعْجِيلِ التَّحَلُّلِ عَنْ الْإِحْرَامِ لَا لِلتَّحَلُّلِ عَنْهُ؛ لِأَنَّا لَوْ شَرَطْنَا تَوَقُّفَ تَحَلُّلِهِ بِالْعُمْرَةِ يُؤَدِّي إلَى إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِهِ لِعَجْزِهِ عَنْهَا بِوَاسِطَةِ الْإِحْصَارِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ الْهَدْيُ شُرِعَ إلَخْ قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَوْ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى تَحَقَّقَ بِوَصْفِ الْفَوَاتِ تَحَلَّلَ بِالْأَفْعَالِ بِلَا دَمٍ وَلَا عُمْرَةٍ فِي الْقَضَاءِ اهـ (قَوْلُهُ: كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ) وَذَكَرَهُ الرَّازِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ. اهـ. فَتْحٌ

بِمَنْزِلَةِ فَائِتِ الْحَجِّ حِينَئِذٍ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ إذَا قَضَاهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَلَوْ قَضَاهَا مِنْ قَابِلٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَتَى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ، وَإِنْ شَاءَ قَرَنَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الْمُعْتَمِرِ عُمْرَةٌ) مَعْنَاهُ الْمُعْتَمِرُ إذَا أُحْصِرَ وَتَحَلَّلَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لَا غَيْرُ، وَالْإِحْصَارُ عَنْهَا مُتَحَقِّقٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَتَحَقَّقُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ وَحُكْمُ الْإِحْصَارِ لِمَنْ يَخَافُ الْفَوْتَ، وَلَنَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَكَانُوا مُعْتَمِرِينَ» فَكَانَتْ تُسَمَّى عُمْرَةَ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ التَّحَلُّلَ ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ امْتِدَادَ الْإِحْرَامِ، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَاهُ لَمَا جَازَ لِلْحَاجِّ أَيْضًا التَّحَلُّلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَهِيَ لَا تَفُوتُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الِامْتِدَادِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ) يَعْنِي إذَا تَحَلَّلَ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَيَلْزَمُهُ بِالتَّحَلُّلِ قَضَاؤُهُمَا وَقَضَاءُ عُمْرَةٍ أُخْرَى إذَا لَمْ يَقْضِ الْحَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَاجَّ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَإِنْ قَضَى الْعُمْرَةَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي الْعُمْرَةَ إذَا قَضَى الْحَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهَا بَلْ أَتَى بِجَمِيعِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فِي وَقْتِهِ الَّذِي شُرِعَ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَعَثَ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ، وَقَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ وَالْحَجِّ تَوَجَّهَ وَإِلَّا لَا) أَيْ فَإِنْ بَعَثَ الْمُحْصَرُ بِالْحَجِّ الْهَدْيَ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ أَنْ يُدْرِكَ الْهَدْيَ وَالْحَجَّ وَجَبَ التَّوَجُّهُ عَلَيْهِ لِأَدَاءِ الْحَجِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ إدْرَاكِ الْحَجِّ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْبَدَلِ، وَقَدْ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ كَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْعِتْقِ إذَا قَدَرَ عَلَى الرَّقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ كَذَا هَذَا وَيَصْنَعُ بِالْهَدْيِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَقَدْ كَانَ عَيَّنَهُ لِجِهَةٍ فَاسْتَغْنَى عَنْهُ. وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُدْرِكَهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ، وَإِنْ تَوَجَّهَ لِيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي التَّحَلُّلِ كَمَا فِي فَائِتِ الْحَجِّ وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهُ وَفِي التَّوَجُّهِ فَائِدَةٌ، وَهُوَ سُقُوطُ الْعُمْرَةِ عَنْهُ فِي الْقَضَاءِ فَإِنْ قِيلَ إنْ كَانَ الْمُحْصَرُ قَارِنًا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعُمْرَةِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ فِي الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهَا قُلْنَا لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي الْتَزَمَهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَفْعَالُ الْحَجِّ مُرَتَّبَةً عَلَيْهَا وَبِفَوَاتِ الْحَجِّ يَفُوتُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهَدْيِ وَالْحَجِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ وَذَلِكَ يَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ يُدْرِكَ الْهَدْيَ دُونَ الْحَجِّ فَيَتَحَلَّلَ؛ لِأَنَّهُ عَجْزٌ عَنْ الْأَصْلِ، أَوْ لَا يُدْرِكَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَيَتَحَلَّلَ أَيْضًا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ، أَوْ يُدْرِكَ الْحَجَّ دُونَ الْهَدْيِ فَيَجُوزَ لَهُ التَّحَلُّلُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالِاسْتِحْسَانُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ بِالْحَجِّ عِنْدَهُمَا يَتَوَقَّفُ بِيَوْمِ النَّحْرِ، فَإِذَا أَدْرَكَ الْحَجَّ يُدْرِكُ الْهَدْيَ ضَرُورَةً، وَفِي الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ يُتَصَوَّرُ اتِّفَاقًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ إذَا قَضَاهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ) وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ حَجَّةً وَعُمْرَةً فِي الْوَجْهَيْنِ، وَعَلَيْهِ نِيَّةُ الْقَضَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ مَا إذَا أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ فَمَنَعَهَا زَوْجُهَا وَحَلَّلَهَا ثُمَّ أَذِنَ لَهَا بِالْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَتْ مِنْ عَامِهَا أَوْ تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ وَاعْلَمْ أَنَّ نِيَّةَ الْقَضَاءِ إنَّمَا تَلْزَمُ إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا كَانَ الْإِحْصَارُ بِحَجِّ نَفْلٍ أَمَّا إذَا كَانَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَلَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ حِينَ لَمْ يُؤَدِّهَا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فِي قَابِلٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَنَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا» إلَخْ) وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] أَيْ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ عَنْ إتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَعَلَيْكُمْ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْهَدْيِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَتْ تُسَمَّى عُمْرَةَ الْقَضَاءِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ قَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ: إنَّمَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَاضَى عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ قُرَيْشًا وَصَالَحَهُمْ لِمُدَّةٍ عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَكَّةَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ» وَتُسَمَّى عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ قُلْت هَذَا فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُقَاضَاةَ إنَّمَا وَقَعَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ عُمْرَةٌ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ عِنْدَ إتْيَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَفْعَالِهَا وَالثَّانِي لَوْ كَانَ اشْتِقَاقُهَا مِمَّا ذَكَرُوا لَقِيلَ: عُمْرَةُ الْمُقَاضَاةِ أَوْ الْقِضَاءِ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ: وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ عِنْدَ إتْيَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَفْعَالِهَا اهـ (قَوْلُهُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) وَمِنْ فُرُوعِ الْإِحْصَارِ بِالْعُمْرَةِ رَجُلٌ أَهَلَّ بِنُسُكٍ مُبْهَمٍ فَأُحْصِرَ قَبْلَ التَّعْيِينِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ وَيَقْضِيَ عُمْرَةً اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ إنْ كَانَ لِلْحَجِّ لَزِمَاهُ فَكَانَ فِيهِ الِاحْتِيَاطُ لَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ الْمُتَيَقَّنَ، وَهُوَ الْعُمْرَةُ فَتَصِيرُ هِيَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ هَذَا الْإِحْرَامِ بِأَدَاءِ عُمْرَةٍ فَكَذَا بَعْدَهُ، وَعَنْ هَذَا أَيْضًا قُلْنَا: لَوْ جَامَعَ قَبْلَ التَّعْيِينِ لَزِمَهُ دَمُ الْجِمَاعِ، وَالْمُضِيُّ فِي أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ، وَقَضَاؤُهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَيَّنَ نُسُكًا فَنَسِيَهُ ثُمَّ أُحْصِرَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ تَيَقَّنَّا عَدَمَ نِيَّةِ الْحَجِّ وَهُنَا جَازَ كَوْنُ الْمَنْوِيِّ كَانَ الْحَجَّ فَيَحِلُّ بِهَدْيٍ، وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ) ثُمَّ إنْ شَاءَ أَدَّى عُمْرَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ، وَالْحَجَّةَ مُفْرَدَةً فَيَكْفِيهِ دَمُ الْإِحْصَارِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّ إحْدَى الْعُمْرَتَيْنِ إلَى الْحَجَّةِ فَيَكُونُ قَارِنًا فَيَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ مَعَ دَمِ الْإِحْصَارِ، وَفِي الْمُحِيطِ: وَإِنْ شَاءَ ضَمَّ إحْدَى الْعُمْرَتَيْنِ فَيَكُونُ قَارِنًا فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَ قَارِنًا كَمَا فَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالشُّرُوعِ الْتَزَمَ أَصْلَ الْعِبَادَةِ لَا صِفَتَهَا كَمَنْ افْتَتَحَ تَطَوُّعًا قَائِمًا جَازَ أَنْ يَقْعُدَ عَنْهُ حِينَئِذٍ طَرَابُلُسِيٌّ، قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ يَعْنِي دَمَ شُكْرٍ لِلْقِرَانِ وَدَمَيْنِ جَبْرًا لِإِحْصَارِهِ قَارِنًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَضَى الْعُمْرَةَ) لَعَلَّهُ، وَإِنْ قَضَى الْحَجَّ فَتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَوَجَّهَ لِيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ جَازَ) لِأَنَّهُ فَائِتُ الْحَجِّ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) أَيْ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. فَتْحٌ

[باب الفوات]

فِيهِ كَجَوَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ قَدْ زَالَ فَيَسْقُطُ حُكْمُ الْبَدَلِ، وَهُوَ الْهَدْيُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْحَجُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَحَلَّلْ يَضِيعُ مَالُهُ مَجَّانًا، وَحُرْمَةُ الْمَالِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ فَيَتَحَلَّلُ كَمَا إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَوَجَّهَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيفَاءً بِمَا الْتَزَمَ كَمَا الْتَزَمَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا إحْصَارَ بَعْدَ مَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْفَوَاتُ بَعْدَهُ فَأَمِنَ مِنْهُ، فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ هَذَا عَلَيْكُمْ بِالْمُعْتَبَرِ فَإِنَّهُ أَمِنَ مِنْ الْفَوَاتِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَفُوتُ لِعَدَمِ تَوَقُّتِهَا بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، قُلْنَا: الْمُعْتَمِرُ يَلْزَمُهُ ضَرَرٌ بِامْتِدَادِ الْإِحْرَامِ فَوْقَ مَا الْتَزَمَهُ، فَيَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ ضَرَرٌ بِالْمُضِيِّ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: امْتِدَادُ الْإِحْرَامِ مَوْجُودٌ هُنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَحْلِقَ قُلْنَا: يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالْحَلْقِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ، وَإِنْ لَزِمَهُ دَمٌ لِكَوْنِهِ حَلَقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يَبْعَثَ دَمَ الْإِحْصَارِ لِيَتَحَلَّلَ بِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ثُمَّ إنْ دَامَ الْإِحْصَارُ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ دَمٌ وَلِتَرْكِ رَمْيِ الْجِمَارِ دَمٌ وَلِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَاخْتَلَفُوا فِي تَحَلُّلِهِ فِي مَكَانِهِ قِيلَ لَا يَتَحَلَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَلَّلَ فِي مَكَانِهِ يَقَعُ الْحَلْقُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَمَكَانُهُ الْحَرَمُ وَلَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى يَحْلِقَ فِي الْحَرَمِ يَقَعُ فِي غَيْرِ زَمَانِهِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْ الزَّمَانِ أَهْوَنُ مِنْ تَأْخِيرِهِ عَنْ الْمَكَانِ فَيُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَحْلِقَ فِي الْحَرَمِ وَقِيلَ: يَتَحَلَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْلِقْ فِي الْحَالِ رُبَّمَا يَمْتَدُّ الْإِحْصَارُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْحَلْقِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَيَفُوتُهُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ جَمِيعًا فَتَحَمُّلُ أَحَدِهِمَا أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ مُنِعَ بِمَكَّةَ عَنْ الرُّكْنَيْنِ فَهُوَ مُحْصَرٌ) يَعْنِي إنْ مُنِعَ بِمَكَّةَ عَنْ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ صَارَ مُحْصَرًا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى الْأَفْعَالِ فَكَانَ مُحْصَرًا كَمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْحِلِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يُمْنَعْ عَنْهُمَا بِأَنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ مُحْصَرًا أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الْوُقُوفِ فَلِأَنَّهُ أَمِنَ مِنْ الْفَوَاتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الطَّوَافِ فَلِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِهِ، وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهُ فِي التَّحَلُّلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْهَدْيِ، وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْمُحْصَرِ يُحْصَرُ فِي الْحَرَمِ قَالَ: لَا يَكُونُ مُحْصَرًا قُلْت أَلَيْسَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُحْصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ»، وَهِيَ مِنْ الْحَرَمِ فَقَالَ: إنَّ مَكَّةَ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ دَارَ الْحَرْبِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَهِيَ دَارُ الْإِسْلَامِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِحْصَارُ فِيهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ: إذَا غَلَبَ الْعَدُوُّ عَلَى مَكَّةَ حَتَّى حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ كَانَ مُحْصَرًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ التَّفْصِيلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَحُرْمَةُ الْمَالِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ) أَيْ وَلِهَذَا يُقَاتِلُ مَنْ قَصَدَ أَخْذَ مَالِهِ كَمَا يُقَاتِلُ مَنْ قَصَدَ قَتْلَهُ وَلَا يُمْكِنُ تَضْمِينُ الْمَبْعُوثِ عَلَى يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا إحْصَارَ بَعْدَ مَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ) أَيْ فَلَا يَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ الْفَوَاتُ بَعْدَهُ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَهُوَ مُحْرِمٌ عَنْ النِّسَاءِ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَكَانَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا. اهـ. كَيْ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اهـ (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا) وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الدَّمَانِ الْأَوَّلَانِ لَا الْآخَرَانِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ: أَنَّ الْحَاجَّ إذَا أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا يَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَارَ لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَجِّ وَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» لَا يُقَالُ: إنَّهُ مَصْدُودٌ عَنْ الْبَيْتِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَجَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ كَمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ فِيمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ لَمْ يَتِمَّ حَجُّهُ وَفِيمَا بَعْدَ الْوُقُوفِ تَمَّ فَافْتَرَقَا وَلِأَنَّ فِيمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ إذَا لَمْ يَتَحَلَّلْ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَفِيمَا بَعْدَ الْوُقُوفِ يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالْحَلْقِ فَلَا يَبْقَى مِنْ الْمَحْظُورَاتِ إلَّا النِّسَاءُ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَالصَّبْرُ عَلَى النِّسَاءِ لَيْسَ بِمَشَقَّةٍ لَا تُحْمَلُ، وَقَوْلُهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَهُوَ مُحْرِمٌ عَنْ النِّسَاءِ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْلِقُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ حَيْثُ أُحْصِرَ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ إحْرَامَهُ عَنْ النِّسَاءِ فَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالْحَلْقِ عَنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ إلَّا النِّسَاءَ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: وَهُوَ حَرَامٌ كَمَا هُوَ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَذَاكَ يَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ الْحَلْقِ إلَى أَنْ يَفْعَلَهُ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ حَرَامٌ كَمَا هُوَ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ: رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَظْهَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ إلَى الْهَدْيِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ: كُلُّ مَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ إحْرَامِهِ بِالطَّوَافِ لَا يَكُونُ مُحْصَرًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الَّذِي يَفُوتُهُ الْحَجُّ لَيْسَ بِمُحْصَرٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالطَّوَافِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (تَقْسِيمٌ) الْمُتَحَلِّلُ قَبْلَ أَعْمَالِ مَا أَحْرَمَ بِهِ إمَّا مُحْصَرٌ أَوْ فَائِتُ الْحَجِّ أَوْ غَيْرُهُمَا، وَتَحَلُّلُ الْأَوَّلِ فِي الْحَالِ بِالدَّمِ، وَالثَّانِي بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَالثَّالِثِ بِلَا شَيْءٍ يَتَقَدَّمُهُ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ مُنِعَ مِنْ الْمُضِيِّ شَرْعًا لِحَقِّ الْعَبْدِ كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ الْمَمْنُوعَيْنِ لِحَقِّ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى إذَا أَحْرَمَا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى فَإِنَّ لِلزَّوْجِ وَالْمَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهُمَا فِي الْحَالِ ثُمَّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَبْعَثَ بِهَدْيٍ يُذْبَحُ عَنْهَا فِي الْحَرَمِ، وَعَلَى الْعَبْدِ إذَا أُعْتِقَ هَدْيُ الْإِحْصَارِ، وَعَلَيْهِمَا مَعًا قَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ قَوْلُ الْكُلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّفْصِيلُ) وَهُوَ أَنَّ مَنْ مُنِعَ عَنْهُمَا بِمَكَّةَ كَانَ مُحْصَرًا وَمَنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ مُحْصَرًا. اهـ. [بَابُ الْفَوَاتِ] {بَابُ الْفَوَاتِ} قَدَّمَ الْإِحْصَارَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إحْرَامًا بِلَا أَدَاءً، وَفِي الْفَوَاتِ إحْرَامٌ مَعَ الْأَدَاءِ مَعَ تَغْيِيرٍ، وَكَانَ الْإِحْصَارُ كَامِلًا فِي الْعَارِضِيَّةِ فَقَدَّمَ فِي بَيَانِ الْعَوَارِضِ اهـ كَاكِيٌّ

[العمرة حكمها وأركانها]

بَابُ الْفَوَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلْيُحْلِلْ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِلَا دَمٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيَتَحَلَّلْ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ جَابِرٌ: «لَا يَفُوتُ الْحَجُّ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ فَقُلْت لَهُ أَقَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ نَعَمْ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ مَعَ الْقَضَاءِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ عِنْدَنَا بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ قَالَ: وَعَلَيْك الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ هَدْيًا، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ لَهُ وَلِأَنَّ التَّحَلُّلَ وَقَعَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهَا فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَتَجِبُ الْعُمْرَةُ حَتْمًا؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مَتَى انْعَقَدَ صَحِيحًا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ الْأَفْعَالِ، وَإِنْ فَسَدَ فِيمَا بَعْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ؛ وَلِهَذَا فِي الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: أَصْلُ إحْرَامِهِ بَاقٍ، وَيَتَحَلَّلُ عَنْهُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَصِيرُ إحْرَامُهُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهَا بِإِحْرَامِ غَيْرِهَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فَتَعَيَّنَ قَلْبُ الْإِحْرَامِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ إحْرَامِهِ لِلْعُمْرَةِ إلَّا بِفَسْخِ إحْرَامِ الْحَجِّ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ ثُمَّ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حِينَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ؛ لِأَنَّهُ عُمْرَةٌ فِعْلًا، وَإِنْ كَانَ فَائِتُ الْحَجِّ قَارِنًا طَافَ طَوَافَيْنِ، وَسَعَى سَعْيَيْنِ إنْ فَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْعُمْرَةَ، فَالْأَوْلَى مِنْهُمَا هِيَ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا، وَالثَّانِيَةُ: يَخْرُجُ بِهَا عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ، وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ فِي الطَّوَافِ الثَّانِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا فَوْتَ لِعُمْرَةٍ)؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ طَوَافٌ وَسَعْيٌ) عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَرُكْنُهَا الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَاجِبٌ، وَالْإِحْرَامُ شَرْطٌ كَمَا فِي الْحَجِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ فِي السَّنَةِ) لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ (وَتُكْرَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا تَعْتَمِرْ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَاعْتَمِرْ فِيمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَعَنْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلْيُحْلِلْ بِعُمْرَةٍ) أَيْ وَهُوَ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَتَحَلَّلَ بِالْحَلْقِ. اهـ. قره حصاري شَرْحِ كَنْزٍ (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ الْمَالِكِيَّةِ مَا نَصُّهُ الْعُمْرَةُ لُغَةً الزِّيَارَةُ يُقَالُ اعْتَمَرَ فُلَانٌ فُلَانًا إذَا زَارَهُ، وَفِي الشَّرِيعَةِ زِيَارَةُ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ قِيلَ سُمِّيَتْ عُمْرَةً؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الْعُمْرِ كُلِّهِ وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الْمَوْضِعِ الْعَامِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلْيَتَحَلَّلْ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ إلَخْ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ خُصُوصِ هَذَا الْمَتْنِ الِاسْتِدْلَال عَلَى نَفْيِ لُزُومِ الدَّمِ فَإِنَّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُعْلَمُ فِيهَا خِلَافٌ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْفَوَاتِ فَكَانَ الْمَذْكُورُ جَمِيعَ مَا لَهُ مِنْ الْحُكْمِ، وَإِلَّا نَافَى الْحِكْمَةَ، وَلَيْسَ مِنْ الْمَذْكُورِ لُزُومُ الدَّمِ فَلَوْ كَانَ مِنْ حُكْمِهِ لَذَكَرَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ التَّحَلُّلَ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّ لُزُومَ الدَّمِ عَنْ الْمُحْصَرِ لِكَوْنِهِ تَعَجَّلَ الْإِحْلَالَ قَبْلَ الْأَعْمَالِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لَا مَا يَتَخَايَلُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ لِيُقَالَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الْمُحْصَرِ عُمْرَةٌ فِي قَضَاءِ الْحَجَّةِ حِينَئِذٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مَتَى انْعَقَدَ صَحِيحًا إلَخْ) وَفِي الْمُحِيطِ الْعُمْرَةُ مِنْ الْحَجِّ بِمَنْزِلَةِ التَّطَوُّعِ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَلَوْ خَرَجَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ فِيهَا يَتَحَلَّلُ مِنْ تَحْرِيمِهَا بِالتَّطَوُّعِ فَكَذَا هَذَا. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ الْمُرَادُ مِنْ الصَّحِيحِ اللَّازِمُ لِيَخْرُجَ بِهِ الْعَبْدُ، وَالزَّوْجَةُ بِغَيْرِ إذْنٍ لَا مُقَابِلَ مَا فَسَدَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا فِي الْإِحْرَامِ إلَخْ) هُوَ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي النِّيَّةِ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ يُلَبِّيَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الطَّوَافِ فَإِذَا شَرَعَ قَبْلَ التَّعْيِينِ تَعَيَّنَتْ الْعُمْرَةُ؛ وَلِذَا قُلْنَا: لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ حَتَّى طَافَ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ رَفَضَهَا، وَلَزِمَ حُكْمُ الرَّفْضِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي إضَافَةِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) أَيْ وَالشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) أَيْ وَابْنُ حَنْبَلٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ) أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَكِّيَّ لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَتَحَلَّلُ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَوْ انْقَلَبَ لَلَزِمَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِيقَاتَ إحْرَامِ الْمَكِّيِّ لِلْعُمْرَةِ الْحِلُّ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْهُ حَتَّى دَخَلَ أَشْهُرَ الْحَجِّ فَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَلَوْ انْقَلَبَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً لَصَارَ مُتَمَتِّعًا؛ وَلِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ يَقْتَضِي بَقَاءَ إحْرَامِهِ؛ إذْ لَوْ زَالَ وَانْفَسَخَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَحَلُّلًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ فَكَيْفَ يَخْرُجُ مِنْهُ بَعْدَ انْفِسَاخِهِ وَانْقِلَابِهِ إحْرَامَ عُمْرَةٍ، وَفِي الْمَبْسُوطِ بَقِيَ أَصْلُ إحْرَامِ الْحَجِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى يَطُوفُ لِلَّذِي فَاتَهُ وَيَسْعَى، وَيَرْفُضُ الثَّانِيَةَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إحْرَامُهُ بَاقِيًا لَمْ يَكُنْ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ، وَلَمْ يَجِبْ رَفْضُ الثَّانِيَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ رَفْضُ الثَّانِيَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَمْضِي فِي الْحَجَّةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى انْقَلَبَ إحْرَامُهَا إحْرَامَ عُمْرَةٍ فَكَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَضَافَ إلَيْهَا حَجَّةً. اهـ. كَاكِيٌّ وَغَايَةٌ قَوْلُهُ: يَتَحَلَّلُ بِهَا أَيْ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ. اهـ. [الْعُمْرَة حُكْمهَا وَأَرْكَانهَا] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتُكْرَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَخْ) هَكَذَا فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْأَصْحَابُ، وَفِي الْيَنَابِيعِ يُكْرَهُ فِعْلُهَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَمْ يَذْكُرْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَذَكَرَ مَكَانَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ مِنْ الْكَاتِبِ. اهـ. غَايَةٌ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالنِّهَايَةِ الشَّاهِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: يُكْرَهُ فِعْلُهَا أَيْ إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَمَّا لَوْ كَانَ قَارِنًا أَوْ فَائِتَ الْحَجِّ يَجُوزُ أَدَاءُ أَفْعَالِهَا بِلَا كَرَاهَةٍ فِيهَا كَمَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ. اهـ. كَاكِيٌّ، وَفِي التُّحْفَةِ وَالْقُنْيَةِ: يُكْرَهُ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ إلَّا إذَا قَصَدَ الْقِرَانَ أَوْ التَّمَتُّعَ بَلْ فِعْلُهَا فِيهَا حِينَئِذٍ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ وَفِي الْمَنَافِعِ يُكْرَهُ فِعْلُهَا فِيهَا أَيْ إنْشَاءُ إحْرَامِ فِعْلِهَا وَأَدَائِهَا أَمَّا لَوْ كَانَ قَارِنًا يَجُوزُ فِعْلُهَا قَبْلَ الزَّوَالِ يَوْمَ عَرَفَةَ: وَفَائِتُ الْحَجِّ يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهَا فِي سَائِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ فِيهَا بِالرَّمْيِ اهـ غَايَةٌ

[باب الحج عن الغير]

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: حَلَّتْ الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إلَّا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ رَوَاهُ الْهَرَوِيُّ وَلِأَنَّ هَذِهِ أَيَّامُ الْحَجِّ فَتَعَيَّنَتْ لَهُ، وَفِي قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} [التوبة: 3] إشَارَةٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تُفِيدُ التَّخْصِيصَ فَيَكُونُ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ أَخَصَّ بِهِ مِنْ الْحَجِّ الْأَصْغَرِ، وَهُوَ الْعُمْرَةُ يَعْنِي بِيَوْمِ النَّحْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَهِيَ سُنَّةٌ) أَيْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَقِيلَ: وَاجِبَةٌ، وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: هِيَ تَطَوُّعٌ، وَفِي الْجَدِيدِ: هِيَ فَرِيضَةٌ كَالْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أَمَرَ بِهَا، وَهِيَ لِلْوُجُوبِ وَرُوِيَ «عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَالظَّعْنَ قَالَ اُحْجُجْ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَى عَبْدُ الْحَقِّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ لَا يَضُرُّك بِأَيِّهِمَا بَدَأْت» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ أَحَدٌ إلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّهَا لِقَرِينَتِهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «أَتَى أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» وَالْأَخْبَارُ فِي كَوْنِهَا تَطَوُّعًا كَثِيرَةٌ. وَقَدْ ظَهَرَتْ فِيهَا آثَارُ النَّفْلِ حَيْثُ تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ غَيْرِهَا كَفَائِتِ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِهَا وَكَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ يَكُونُ شَارِعًا فِيهَا عِنْدَهُمْ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَمَا تَأَدَّتْ بِنِيَّةِ غَيْرِهَا كَصَلَاةِ الْفَرْضِ بِخِلَافِ النَّفْلِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَمَرَ بِالْإِتْمَامِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِوُجُوبِهَا بَعْدَهُ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ فَسَّرُوا الْإِتْمَامَ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ وَكَذَا لَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ الْعَامِرِيِّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَبِيهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إجْمَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ أَيْضًا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ أَبَاهُ لَا يَسْتَطِيعُ، وَهُمَا لَا يَجِبَانِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ، وَحَدِيثُ عَبْدِ الْحَقِّ لَمْ يَصِحَّ رَفْعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ يُعَارَضُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُضْطَرِبٌ فِيهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ عُمْرَةٌ، وَإِنَّمَا عُمْرَتُكُمْ طَوَافُكُمْ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَمَا سَقَطَتْ بِالنَّفْلِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إنَّ الطَّوَافَ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ، وَالْفَرْضُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ) الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ صَلَاةً كَانَ أَوْ صَوْمًا أَوْ حَجًّا أَوْ صَدَقَةً أَوْ قِرَاءَةَ قُرْآنٍ أَوْ الْأَذْكَارَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ، وَيَصِلُ ذَلِكَ إلَى الْمَيِّتِ وَيَنْفَعُهُ، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَصِلُ إلَيْهِ وَلَا يَنْفَعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} [النجم: 40] وَلِأَنَّ الثَّوَابَ هُوَ الْجَنَّةُ وَلَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ أَنْ يَجْعَلَهَا لِنَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ وَالْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ، وَفِي الْحَجِّ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ) وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمٌ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُفِيدُهُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَهِيَ سُنَّةٌ) أَيْ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ صِفَتُهَا فِي بَابِ التَّمَتُّعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْجَدِيدِ هِيَ فَرِيضَةٌ) وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ. اهـ. غَايَةٌ وَأَيْضًا الثَّوْرِيُّ وَالْفَضْلِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ اهـ كَيْ (قَوْلُهُ: وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْرِفُ حَدِيثًا أَجْوَدَ مِنْ هَذَا فِي إيجَابِ الْعُمْرَةِ، وَلَا أَصَحَّ مِنْهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَنَحْنُ نَقُولُ بِوُجُوبِهَا بَعْدَهُ) وَبِهَذَا لَا تَثْبُتُ فَرْضِيَّتُهَا كَمَا لَا تَثْبُتُ فَرْضِيَّةُ الْحَجِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَلْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وقَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] قُرِئَتْ وَالْعُمْرَةُ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الرَّفْعِ ابْتِدَاءُ إخْبَارٍ أَنَّ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ وَالنَّوَافِلَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى تَقْدِيرِ النَّصْبِ لَا يَدُلُّ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا، كَمَا ذَكَرْنَا. اهـ. كَاكِيٌّ [بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حَجِّ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ الْأَصْلُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّبَعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُخَالِفَ لِمَا ذَكَرَ خَارِجٌ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ لَا يَقُولَانِ بِوُصُولِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الْمَحْضَةِ كَالصَّلَاةِ وَالتِّلَاوَةِ بَلْ غَيْرُهُمَا كَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ أَصْحَابَنَا لَهُمْ كَمَالُ الِاتِّبَاعِ وَالتَّمَسُّكِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَعَبَّرَ عَنْهُمْ بِاسْمِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا غَيْرَ أَنَّ لَهُمْ وَصْفًا عَبَّرَ عَنْهُمْ بِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُرَادُ بِهِ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَنْجَعِلُ بِالْجَعْلِ أَوْ لَا بَلْ يَلْغُو بِجَعْلِهِ اهـ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَسَعْيُ غَيْرِهِ لَيْسَ سَعْيَهُ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مَسُوقَةً قَصًّا لِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَحَيْثُ لَمْ يُتَعَقَّبْ بِإِنْكَارٍ كَانَ شَرِيعَةً لَنَا عَلَى مَا عُرِفَ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْجَوَابُ: أَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِيمَا قَالُوهُ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا نُسِخَتْ أَوْ مُقَيَّدَةٌ، وَقَدْ ثَبَتَ مَا يُوجِبُ الْمَصِيرَ إلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الثَّوَابَ هُوَ الْجَنَّةُ) أَيْ، وَهِيَ لِلَّهِ وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ تَمْلِيكُ مِلْكِ الْغَيْرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إلَخْ) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَلِلْمَيِّتِ أَجْرُ الْمُسْتَمِعِ عِنْدَهُمَا. اهـ. كَاكِيٌّ

وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كَانَ لِي أَبَوَانِ أَبَرُّهُمَا حَالَ حَيَاتِهِمَا فَكَيْفَ لِي بِبِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ مِنْ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِك وَأَنْ تَصُومَ لَهُمَا مَعَ صِيَامِك» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَقَابِرِ، وَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ وَهَبَ أَجْرَهَا لِلْأَمْوَاتِ أُعْطِيَ مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ الْأَمْوَاتِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ {يس} [يس: 1] خُفِّفَ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ فِيهَا حَسَنَاتٌ» وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَتَصَدَّقُ عَنْ مَوْتَانَا وَنَحُجُّ عَنْهُمْ وَنَدْعُو لَهُمْ فَهَلْ يَصِلُ ذَلِكَ إلَيْهِمْ قَالَ نَعَمْ إنَّهُ لَيَصِلُ وَيَفْرَحُونَ بِهِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالطَّبَقِ إذَا أُهْدِيَ إلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ سُورَةَ {يس} [يس: 1]» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْ جَعَلَ ثَوَابَهُ لِأُمَّتِهِ وَهَذَا تَعْلِيمٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْفَعُهُ عَمَلُ غَيْرِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ هُوَ الِاسْتِمْسَاكُ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: يَمُوتُ الرَّجُلُ، وَيَدَعُ وَلَدًا فَيُرْفَعُ لَهُ دَرَجَةٌ فَيَقُولُ مَا هَذَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - اسْتِغْفَارُ وَلَدِك؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ اسْتِغْفَارِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ لَهُمْ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَمَلُ الْغَيْرِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} [الطور: 21] وَقِيلَ: هِيَ خَاصَّةٌ بِقَوْمِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ حِكَايَةً عَمَّا فِي صُحُفِهِمَا - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى} [النجم: 36] ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَانَ لِي أَبَوَانِ أَبَرُّهُمَا) وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ أَبَرَّهُمَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَمْلَحَيْنِ) وَالْمُلْحَةُ بَيَاضٌ يَشُوبُهُ شُعَيْرَاتٌ سُودٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَحَدِهِمَا) بِالْجَرِّ وَكَذَا قَوْلُهُ: وَالْآخَرِ وَهُمَا بَدَلَانِ مِنْ قَوْلِهِ بِكَبْشَيْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِالنَّصْبِ فِيهِمَا عَلَى تَأْوِيلِ ذَبْحِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ تَدُلُّ عَلَى الذَّبْحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ إلَخْ) وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ يَشْتَرِي كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوأَيْنِ فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ، وَذَبَحَ الْآخَرَ» عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوأَيْنِ فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي الْآيَةَ اللَّهُمَّ لَك وَمِنْك عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ ذَبَحَ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ بِنَقْصٍ فِي الْمَتْنِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ عَظِيمَيْنِ أَقَرْنَيْنِ مَوْجُوأَيْنِ فَأَضْجَعَ أَحَدَهُمَا، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ أَضْجَعَ الْآخَرَ، وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ مِمَّنْ شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ» وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْفَضَائِلِ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا وَالدَّارَقُطْنِيّ فَقَدْ رَوَى هَذَا عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَانْتَشَرَ مُخْرِجُوهُ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ، وَهُوَ أَنَّهُ ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ مَشْهُورًا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْكِتَابِ بِهِ مَا لَمْ يَجْهَلْهُ صَاحِبُهُ اهـ فَتْحُ الْقَدِيرِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهَذِهِ الْآثَارُ وَمَا قَبْلَهَا وَمَا فِي السُّنَّةِ أَيْضًا مِنْ نَحْوِهَا مِنْ كَثِيرٍ تَرَكْنَاهُ لِحَالِ الطُّولِ يَبْلُغُ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْكُلِّ وَهُوَ أَنَّ مَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ الصَّالِحَاتِ لِغَيْرِهِ نَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ، وَكَذَا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ لِلْوَالِدَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] وَمِنْ الْإِخْبَارِ بِاسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الشورى: 5] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أُخْرَى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 7] وَسِيَاقُ عِبَارَتِهِمْ {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} [غافر: 7] إلَى قَوْلِهِ {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر: 9] قَطْعِيٌّ فِي حُصُولِ الِانْتِفَاعِ بِعَمَلِ الْغَيْرِ فَيُخَالِفُ ظَاهِرَ الْآيَةِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا؛ إذْ ظَاهِرُهَا أَنْ لَا يَنْفَعَ اسْتِغْفَارُ أَحَدٍ لِأَحَدٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سَعْيِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَطَعْنَا بِانْتِفَاءِ إرَادَةِ ظَاهِرِهَا عَلَى صِرَافَتِهِ فَتَتَقَيَّدُ بِمَا يَهَبُهُ الْعَامِلُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ؛ إذْ لَمْ يَبْطُلْ بَعْدَ الْإِرَادَةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْإِخْبَارَاتِ وَلَا يَجْرِي النَّسْخُ فِي الْخَبَرِ، وَمَا يُتَوَهَّمُ جَوَابًا مِنْ أَنَّهُ - تَعَالَى - أَخْبَرَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ أَنْ لَا يَجْعَلَ لِغَيْرِ الْعَامِلِ ثُمَّ جَعَلَهُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ شَرِيعَتِنَا حَقِيقَةً مَرْجِعُهُ إلَى تَقْيِيدِ الْإِخْبَارِ لَا إلَى النَّسْخِ؛ إذْ حَقِيقَتُهُ أَنْ يُرَادَ الْمَعْنَى ثُمَّ يُرْفَعَ إرَادَتُهُ، وَهَذَا تَخْصِيصٌ بِالْإِرَادَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَهْلِ تِلْكَ الشَّرَائِعِ، وَلَمْ يَقَعْ نَسْخٌ لَهُمْ، وَلَمْ يَرِدْ الْإِخْبَارُ أَيْضًا فِي حَقِّنَا ثُمَّ نُسِخَ وَأَمَّا جَعْلُ اللَّامِ فِي الْإِنْسَانِ بِمَعْنَى عَلَى فَبَعِيدٌ مِنْ ظَاهِرُهَا، وَمِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ أَيْضًا فَإِنَّهَا وَعْظٌ لِلَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى وَقَدْ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ إبْطَالِنَا لِقَوْلِهِ الْمُعْتَزِلَةُ انْتِفَاءُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ مِمَّا فِي الْآثَارِ اهـ

{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37] وَقِيلَ: أُرِيدَ بِالْإِنْسَانِ الْكَافِرُ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَلَهُ مَا سَعَى أَخُوهُ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَدْلِ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الْفَضْلِ، وَقِيلَ اللَّامُ فِي لِلْإِنْسَانِ بِمَعْنَى عَلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أَيْ فَعَلَيْهَا، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد: 25] أَيْ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ إلَّا سَعْيُهُ لَكِنَّ سَعْيَهُ قَدْ يَكُونُ بِمُبَاشَرَةِ أَسْبَابِهِ بِتَكْثِيرِ الْإِخْوَانِ وَتَحْصِيلِ الْإِيمَانِ حَتَّى صَارَ مِمَّنْ تَنْفَعُهُ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» لَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ عَمَلِ غَيْرِهِ وَالْكَلَامِ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُسْتَبْعَدُ عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا جَعْلُ مَالِهِ مِنْ الْأَجْرِ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - هُوَ الْمُوَصِّلُ إلَيْهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِعَمَلٍ دُونَ عَمَلٍ ثُمَّ الْعِبَادَةُ أَنْوَاعٌ مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالزَّكَاةِ وَالْعُشُورِ وَالْكَفَّارَةِ وَبَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ، وَمُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ مَالِيٌّ مِنْ حَيْثُ اشْتِرَاطُ الِاسْتِطَاعَةِ وَوُجُوبُ الْأَجْزِيَةِ بِارْتِكَابِ مَحْظُورَاتِهِ وَبَدَنِيٌّ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (النِّيَابَةُ تُجْزِي فِي الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ كَمَا يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ، وَيَحْصُلُ بِهِ تَحَمُّلُ الْمَشَقَّةِ بِإِخْرَاجِ الْمَالِ كَمَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْحَالَتَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تَجُزْ فِي الْبَدَنِيَّةِ بِحَالٍ) أَيْ لَا تُجْزِي النِّيَابَةُ فِي الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا إتْعَابِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ طَلَبًا لِمَرْضَاتِهِ - تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا انْتَصَبَتْ لِمُعَادَاتِهِ - تَعَالَى - فَفِي الْوَحْيِ عَادِ نَفْسَك فَإِنَّهَا انْتَصَبَتْ لِمُعَادَاتِي وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ أَصْلًا فَلَا تُجْزِي فِيهَا النِّيَابَةُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا تُجْزِي عِنْدَ الْعَجْزِ فَقَطْ) أَيْ فِي الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمَالِ وَالْبَدَنِ تُجْزِي النِّيَابَةُ عِنْدَ الْعَجْزِ لِحُصُولِ الْمَشَقَّةِ بِدَفْعِ الْمَالِ وَلَا تُجْزِي عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِعَدَمِ إتْعَابِ النَّفْسِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشَّرْطُ الْعَجْزُ الدَّائِمُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ) أَيْ شَرْطُ جَوَازِ النِّيَابَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَجْزُ دَائِمًا إلَى الْمَوْتِ إنْ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا بِأَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ ثُمَّ عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْإِحْجَاجُ عَلَى الْعَاجِزِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ دَوَامَ الْعَجْزَ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ الْعُمْرِ فَيُعْتَبَرُ عَجْزٌ مُسْتَوْعِبٌ لِبَقِيَّةِ الْعُمْرِ لِيَقَعَ بِهِ الْيَأْسُ عَنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ حَتَّى لَوْ أَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ مَرِيضٌ يَكُونُ مُرَاعًى، فَإِنْ مَاتَ بِهِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ تَعَافَى بَطَلَ، وَكَذَا لَوْ أَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ مَحْبُوسٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنَّمَا شَرْطُ عَجْزِ الْمُنَوِّبِ لِلْحَجِّ الْفَرْضُ لَا لِلنَّفْلِ)؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَجِّ النَّفْلِ تَجُوزُ الْإِنَابَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ بَابَ النَّفْلِ أَوْسَعُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا وَرَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَالنُّزُولِ ثُمَّ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّ أَصْلَ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِرَجُلٍ حُجَّ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَدَلَّ أَنَّ نَفْسَ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْهُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَالْمَالُ شَرْطُ لِلْوُجُوبِ لِكَوْنِهِ عَاجِزًا بِدُونِهِ فَلَا تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بَلْ يُقَامُ الْإِنْفَاقُ مَقَامَ فِعْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ» إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ فَرْضُ الْحَجِّ سَقَطَ فَرْضُ الْحَجِّ عَنْهُ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَتُجْبَر الْوَرَثَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: إذَا مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ وَيَجِبُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ أَصْلِ مَالِهِ، وَتُجْبَرُ الْوَرَثَةُ عَلَى ذَلِكَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ثُمَّ عِنْدَنَا إذَا مَاتَ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ، وَلَمْ يُوصِ فَحَجَّ رَجُلٌ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ أَوْ تَبَرُّعِ الْوَرَثَةِ بِذَلِكَ فَحَجَّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا الْمَيِّتُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَلَوْ مَاتَ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ فَتَطَوَّعَ عَنْهُ رَجُلٌ لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَكَذَا لَوْ تَطَوَّعَ وَارِثٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُنَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ وَكَذَا إذَا حَجَّ عَنْ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: يُجْزِئُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَمْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ فَلِذَلِكَ عُلِّقَ بِالْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حَيْثُ مَا اسْتَثْنَى لِأَنَّ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ يَجِبُ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ دُونَ الْعِلْمِ بِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ أَمَّا سُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْ الْمَيِّتِ فَلَيْسَ طَرِيقُهُ الْعَمَلَ بَلْ طَرِيقُهُ الْعِلْمُ فَلَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ فَلِهَذَا عُلِّقَ بِالْمَشِيئَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ، وَقِيلَ: إنَّمَا عُلِّقَ بِالْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْعِبَادَاتِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى، إلَّا مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ حُكْمًا وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ كَرَمًا وَجُودًا، وَلَوْ قَضَى بِأَمْرِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهُ لَا مَحَالَةَ كَذَا هُنَا؛ فَلِذَا قُلْنَا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالْحَجِّ عَنْهُ لِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِيَقِينٍ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ إنْ شَاءَ قَالَ لَبَّيْكَ عَنْ فُلَانٍ، وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِالنِّيَّةِ كَذَا قَالَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. حَجّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَفِي الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا الْجِهَادُ فَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْوَقْعَةَ إذَا حُضِرَتْ يُفْتَرَضُ الْجِهَادُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَبَعْدَ ذَلِكَ كُلُّ مَا يَفْعَلُهُ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ غَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُجْزِئُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ) أَيْ عَلَى فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ وَإِنَّمَا الْمَالُ شَرْطٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ الْمُنَوِّبِ) بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَنُونٍ مَفْتُوحَةٍ وَوَاوٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَبَاءٍ مَكْسُورَةٍ هَكَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ (قَوْلُهُ: يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ)؛ لِأَنَّ الْآثَارَ تَدُلُّ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَيَذْكُرُهُ الْحَاجُّ فِي التَّلْبِيَةِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَمِنْ فُلَانٍ. اهـ. خَانْ

الْحَجَّ بِنَفْسِهِ كَالْفِدْيَةِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي أُقِيمَ مَقَامَ الصَّوْمِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنْ الْمَأْمُورِ وَهُوَ الْحَاجُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَحْرَمَ عَنْ آمِرِيهِ ضَمِنَ النَّفَقَةَ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَهُ رَجُلَانِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَجَّةً فَأَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا فَهِيَ عَنْ الْحَاجِّ، وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَهُمَا، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ عَنْهُمَا جَمِيعًا، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ نَوَاهُمَا جَمِيعًا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَقَدْ خَالَفَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ أَنْ يُخْلِصَ لَهُ الْحَجَّ وَأَنْ يَنْوِيَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَارَ مُخَالِفًا، وَلَا يَكُونُ عَنْ أَحَدِهِمَا؛ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَوَقَعَ عَنْ الْمَأْمُورِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِهِ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى الْحَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالْحَجِّ عَنْهُمَا، وَمَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَكُونُ حَاجًّا عَنْهُ بَلْ يَكُونُ جَاعِلًا ثَوَابَ حَجِّهِ لَهُ، وَنِيَّتُهُ عَنْهُمَا لَغْوٌ؛ لِأَنَّ الْحَجَّةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَكُونُ عَنْ اثْنَيْنِ فَبَقِيَ لَهُ أَصْلُ الْحَجِّ، وَهُوَ سَبَبُ الثَّوَابِ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا، وَلَا كَذَلِكَ إذَا أُمِرَ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ إيقَاعُ حَجَّةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِذَا أَحْرَمَ عَنْهُمَا فَقَدْ خَالَفَ فَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ لَهُمَا إنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِمَا لِلتَّعَدِّي وَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ فَإِنْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ صَارَ مُخَالِفًا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْمُضِيِّ أَيْ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ جَازَ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَعَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ وَضَمِنَ نَفَقَتَهُمَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ بِتَعْيِينِ الْحَجِّ لَهُ فَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَقَدْ خَالَفَ فَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ رَجُلَانِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا فَاشْتَرَى عَبْدًا لِأَحَدِهِمَا لَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا بَلْ يَلْزَمُ الْوَكِيلُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ عَنْهُمَا، وَلَمْ يُعَيِّنْ حَجَّةً، وَلَا عُمْرَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ الْحَقِّ لِمَعْلُومٍ وَهُوَ اللَّهُ - تَعَالَى -، وَإِنَّمَا الْمَجْهُولُ الْمُلْتَزَمُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ مَجْهُولٌ نَظِيرُهُ إذَا أَقَرَّ بِمَعْلُومٍ لِمَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ، وَإِذَا أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ لِمَعْلُومٍ صَحَّ، وَلَا يَلْزَمُ الْحَجُّ عَنْ أَبَوَيْهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ مِنْ جِهَتِهِمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ إنَّمَا يَجْعَلُ ثَوَابَهُ لَهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ هَذَا إبْهَامٌ فِي الْإِحْرَامِ، وَالْإِحْرَامُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الْأَفْعَالِ وَالْمُبْهَمُ يَصْلُحُ وَسِيلَةً بِوَاسِطَةِ التَّعْيِينِ فَاكْتَفَى بِهِ شَرْطًا كَمَا فِي الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ عَلَى مَا مَرَّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى الْأَفْعَالَ عَلَى الْإِبْهَامِ ثُمَّ عَيَّنَهُ لِأَحَدِهِمَا حَيْثُ لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْيِينَ فَصَارَ مُخَالِفًا، وَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ مُعَيَّنًا وَمُبْهَمًا قَالَ فِي الْكَافِي: لَا نَصَّ فِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ التَّعْيِينُ هُنَا إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ، وَدَمُ الْقِرَانِ وَدَمُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَأْمُورِ)؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ مُؤْنَةٌ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ وَدَمُ الْقِرَانِ وَجَبَ شُكْرًا لِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، وَالْمَأْمُورُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ ابْتِدَاءً، وَسَائِرُ الْمَنَاسِكِ عَلَيْهِ، فَكَذَا هَذَا، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا أَمَرَهُ وَاحِدٌ بِالْقِرَانِ أَوْ أَمَرَهُ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا بِالْحَجِّ وَالْآخَرُ بِالْعُمْرَةِ وَأَذِنَا لَهُ بِالْقِرَانِ وَأَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَقَدْ صَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ وَهُوَ الْمَأْمُورُ وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ لَهُ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَالْقَضَاءُ إذَا فَسَدَ لَا عَلَى الْآمِرِ فَعُلِمَ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ أَحْرَمَ عَنْ آمِرِيهِ إلَخْ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ فَرَجَعَ عَنْ الطَّرِيقِ فَقَالَ: مُنِعْت لَمْ يُصَدَّقْ، وَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ ظَهَرَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ، وَإِنْ قَالَ الْمَأْمُورُ: حَجَجْت عَنْ الْمَيِّتِ، وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ وَالْوَصِيُّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ كَانَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ فَقَالَ: حُجَّ عَنِّي بِهَذَا الْمَالِ فَحَجَّ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَدْ حَجَّ بِهَا؛ لِأَنَّ هُنَا يَدَّعِي الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ، وَالْوَرَثَةُ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. اهـ. كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا) وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الثَّوَابُ بَعْدَ الْأَدَاءِ فَتَلْغُو نِيَّتُهُ عَنْهُمَا قَبْلَ الْأَدَاءِ فَبَعْدَ ذَلِكَ إذَا جَعَلَ ثَوَابَ حَجِّهِ لِأَحَدِهِمَا جَازَ وَكَذَا إذَا جَعَلَ لَهُمَا جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَهَلَّ الْمَأْمُورُ بِحَجَّةٍ عَنْ آمِرِيهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ عَنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ بِحُكْمِ الْأَمْرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَى أَحَدُهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَإِنْ أَمَرَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَجَّةٍ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ لِأَحَدِهِمَا لَا يَنْوِيهِ بِعَيْنِهِ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُمَا عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ كَذَا هُنَا لِمَا مَرَّ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَقَعُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِحْرَامٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ لَهُمَا، وَلَمْ يُعَيِّنْ عَنْ أَحَدِهِمَا حَتَّى طَافَ شَوْطًا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُعَيِّنَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِشُرُوعِهِ فِي الْعَمَلِ، وَأَدَاءُ الْفِعْلِ عَنْ الْمَجْهُولِ لَا يَقَعُ عَنْ الْمُعَيَّنِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْفِعْلِ، فَإِنَّ الْإِحْرَامَ لَيْسَ مِنْ الْأَدَاءِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَصْلِنَا إلَّا أَنَّ فِي الْأَبَوَيْنِ يَجُوزُ عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْفِعْلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الثَّوَابُ لَهُمَا، وَأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ فِيهِ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَلَا تُؤَثِّرُ الْجَهَالَةُ فِيهِ، فَجَازَ الصَّرْفُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً بِخِلَافِ الْآمِرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إسْقَاطُ الْفَرْضِ مِنْ الذِّمَّةِ، وَامْتِثَالُ الْأَمْرِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ وَأَوْصَى. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَمَرَهُ اثْنَانِ إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَلَوْ أَمَرَ أَحَدَهُمَا بِحَجَّةٍ وَالْآخَرَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْجَمْعِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا كَانَ مُخَالِفًا أَيْضًا لِمَا مَرَّ، وَيَجُوزُ عِنْدُ أَبِي يُوسُفَ فَحَسْبُ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِالْجَمْعِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ وَافَقَ، وَهَدْيُ الْمُتْعَةِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ وَكَذَا إذَا كَانَ الْآمِرَ بِهِمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ لِمَا ذَكَرْنَا اهـ

مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ، وَدَمُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ الْجَانِي عَلَيْهِ كَفَّارَتُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجِبُ دَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْمَأْمُورِ لِلتَّحَلُّلِ فَصَارَ كَدَمِ الْقِرَانِ، قُلْنَا: هُوَ مُؤْنَةٌ بِمَنْزِلَةِ نَفَقَةِ الرُّجُوعِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ قَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ كَمَا إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ لِنَفْسِهِ ثُمَّ أُحْصِرَ وَتَحَلَّلَ، قَالُوا: هَذَا وَدَمُ الْقِرَانِ يَشْهَدُ لِمُحَمَّدٍ وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ كَالْمُحْصَرِ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ وَلَوْ أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ يَضْمَنُ النَّفَقَةَ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَاتَ فِي طَرِيقِهِ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى شَخْصٌ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَأَحَجُّوا عَنْهُ فَمَاتَ الْحَاجُّ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ وَكَذَلِكَ إذَا سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ فِي الطَّرِيقِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ الْأَوَّلُ، وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثِ، وَفِي مَكَانِ الْحَجِّ أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ يُحَجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُحَجُّ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْمُفْرِزِ لِلْحَجِّ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ، وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِقِسْمَةِ الْوَصِيِّ بِقِسْمَةِ الْمُوصِي، وَالْمُوصِي لَوْ أَفْرَزَ مَالًا، وَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ وَمَاتَ فَهَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ النَّائِبِ لَا يُؤْخَذُ غَيْرُهُ فَكَذَا إذَا أَفْرَزَهُ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَمَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ يَنْفُذُ حَتَّى يُسْتَوْفَى ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْقِسْمَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالسَّلِيمِ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي سُمِّيَ لِعَدَمِ خَصْمٍ تَتِمُّ بِهِ الْقِسْمَةُ فَتَمَامُهَا بِالصَّرْفِ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْإِفْرَازِ أَوْ بَعْدَهُ فِي يَدِ الْمُوصِي فَيَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الثَّانِي يُحَجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ الثَّالِثُ إلَّا أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَجُّ عَنْهُ إلَّا بِالْمُفْرَزِ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَإِلَّا بَطَلَتْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَجُّ عَنْهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ ثُلُثَ الْجَمِيعِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ بَطَلَتْ وَأَمَّا الثَّانِي فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِيَّةٍ أُخْرَى، وَهُوَ مَا إذَا حَجَّ بِنَفْسِهِ، وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَوْضِعٍ مَاتَ فِيهِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمَوْجُودَ مِنْ السَّفَرِ بَطَلَ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ إلَّا ثَلَاثَةً: وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ بِالْخَيْرِ وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ النَّاسَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ» وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهُوَ لَيْسَ مِنْ الثَّلَاثِ فَبَطَلَ وَوَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْخُرُوجُ أَوْ خَرَجَ لِغَيْرِ حَجٍّ كَالتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَأَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَمَاتَ فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ؛ وَجْهُ قَوْلِهِمَا، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ خُرُوجَهُ لَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِهِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: - {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ} [النساء: 100] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كُتِبَتْ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ» فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ عَمَلُهُ وَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ، وَأَمَّا إذَا بَيَّنَ مِنْ أَيِّ مَكَان يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ، أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ مَاتَ فِيهِ، أَوْ مَوْضِعٍ آخَرَ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ عَنْ أَبَوَيْهِ فَعَيَّنَ صَحَّ) أَيْ مَنْ أَحْرَمَ عَنْ أَبَوَيْهِ بِحَجٍّ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِمَا ثُمَّ عَيَّنَهُ لِأَحَدِهِمَا جَازَ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ عَيَّنَهُ جَازَ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ قَضَى عَنْهُمَا مَغْرَمًا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَبْرَارِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ، وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ» وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ تُقْبَلُ مِنْهُ وَمِنْهُمَا، وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا، وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا» رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ الدَّارَقُطْنِيّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَدَمُ الْقِرَانِ يَشْهَدُ لِمُحَمَّدٍ) فِي أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ لَا عَنْ الْآمِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ مَاتَ) أَيْ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: يُحَجُّ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ أَوْصَى بِالْحَجِّ فَأَحَجُّوا عَنْهُ هَذَا. اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إذَا سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يُهْلِك ذَلِكَ الْمَالَ وَلَكِنْ مَاتَ الْمُجَهَّزُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَا أَنْفَقَ الْمُجَهَّزُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ نَفَقَةَ مِثْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْخِلَافِ بَلْ عَلَى الْوِفَاقِ وَمَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمُجَهَّزِ الْقِيَاسُ أَنْ يُضَمَّ إلَى مَالِ الْمُوصِي فَيَعْزِلَ ثُلُثَ مَالِهِ، وَيَحُجَّ عَنْهُ مِنْ وَطَنِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُحَجُّ بِالْبَاقِي مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: يَحُجُّ) أَيْ الْمَأْمُورُ الْأَوَّلُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثِ، وَفِي مَكَانِ الْحَجِّ فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا اخْتِلَافٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ، وَقَالَا: لَا يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ الَّذِي بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ الْإِيصَاءِ بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِالثُّلُثِ أَمَّا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَمَرَ بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَهُمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ يُحَجَّ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ مَعَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمُفْرَزِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُحَجُّ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمُفْرَزِ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ اهـ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْإِفْرَازِ) فَيُعْتَبَرُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِرَجُلٍ وَأَفْرَزَهُ الْوَصِيُّ وَبَعَثَ بِهِ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ فَهَلَكَ فِي الطَّرِيقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُحَجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ) أَيْ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ لِيُوَافِقَ قَوْلَ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَوْضِعِ مَاتَ فِيهِ) وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَصَايَا اهـ (قَوْلُهُ: فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ عَمَلُهُ وَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ) وَأَصْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي الَّذِي يَحُجُّ بِنَفْسِهِ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ) أَيْ أَحْرَمَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْ أَبَوَيْهِ يُجْزِيهِ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّمَا يَجْعَلُ ثَوَابَ حَجِّهِ لَهُ وَذَلِكَ بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجِّ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ أَدَائِهِ، وَصَحَّ جَعْلُهُ ثَوَابًا لِأَحَدِهِمَا بَعْدَ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ عَلَى مَا فَرَّقْنَا مِنْ قَبْلُ. اهـ.

[فصل المأمور بالحج له أن ينفق على نفسه بالمعروف]

(فَصْلٌ) الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعْرُوفِ ذَاهِبًا وَآيِبًا مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ، وَلَا تَقْتِيرٍ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثِيَابِهِ وَرُكُوبِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَمَا فَضَلَ يَرُدُّهُ عَلَى وَرَثَتِهِ أَوْ وَصِيِّهِ إلَّا إذَا تَبَرَّعَ بِهِ الْوَارِثُ، أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ الْمَيِّتُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ أَحَدًا إلَى طَعَامِهِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَلَا يُقْرِضُ أَحَدًا، وَلَا يَصْرِفُ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ، وَلَا يَشْتَرِي بِهَا مَاءً لِوُضُوئِهِ، وَلَا يَدْخُلُ بِهَا الْحَمَّامَ، وَلَا يَشْتَرِي بِهَا دُهْنَ السِّرَاجِ، وَلَا يَدَّهِنُ بِهِ، وَلَا يَتَدَاوَى بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا يَحْتَجِمُ بِهِ، وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْحَلَّاقِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ أَوْ الْوَارِثُ، وَلَا يُنْفِقُ عَلَى مَنْ يَخْدُمُهُ إلَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَخْدُمُ نَفْسَهُ وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ ثُمَّ إذَا عَادَ تَعُودُ نَفَقَتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَعُودُ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ فِي رُجُوعِهِ، وَإِنْ تَوَطَّنَ بِمَكَّةَ سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ثُمَّ إذَا عَادَ لَا تَعُودُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ بِهَا قَدْرَ الْعَادَةِ حَتَّى تَخْرُجُ الْقَافِلَةُ لَا تَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ، وَكَذَا إذَا دَخَلَ فِي الطَّرِيقِ بَلْدَةٌ، فَإِنْ أَقَامَ بِهَا الْقَدْرَ الْمُعْتَادَ فَنَفَقَتُهُ لَا تَسْقُطُ، وَإِلَّا سَقَطَتْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا وَلَوْ تَعَجَّلَ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ تَكُونُ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَى عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْفِقَ فِي الطَّرِيقِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ لَا غَيْرُ فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ مَالَ الْمَيِّتِ جَازَ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا وَيَضْمَنُ مَالَ الْمَيِّتِ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ لِلْمَيِّتِ؛ إذْ لَوْ كَانَ لَهُ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ لَا غَيْرُ لَحَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلَوْ سَلَكَ طَرِيقًا آخَرَ أَبْعَدَ مِنْ الْمُعْتَادِ وَتَكُونُ النَّفَقَةُ فِيهِ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ حِمَارًا يَرْكَبُهُ، وَيَجُوزُ إحْجَاجُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، وَكَذَا يَجُوزُ إحْجَاجُ الصَّرُورَةِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ لِنَفْسِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِمْ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحِجَّ رَجُلًا عَالِمًا بِالْمَنَاسِكِ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْخِلَافِ، وَأَقْدَرُ عَلَى الْمَنَاسِكِ مِنْ السَّعْيِ وَالْهَرْوَلَةِ وَكَشْفِ الرَّأْسِ وَالْحَلْقِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إحْجَاجُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْدِرَانِ أَنْ يُؤَدِّيَا عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَكَذَا عَنْ غَيْرِهِمَا، وَكَذَا قَالَ: لَا يَجُوزُ إحْجَاجُ الصَّرُورَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ مِنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي قَالَ حَجَجْت عَنْ نَفْسِك قَالَ لَا قَالَ حُجَّ عَنْ نَفْسِك ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ لَيْسَ فِي الْبَابِ أَصَحُّ مِنْهُ وَلِأَنَّ حَجَّهُ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لَهُ كَصَوْمِ رَمَضَانَ عِنْدَنَا؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ النَّفَلُ لِلصَّرُورَةِ، وَلَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ فَصْلٌ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعْرُوفِ] فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَلَوْ حَجَّ الْمَأْمُورُ مَاشِيًا فَقَدْ خَالَفَ وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِلنَّفَقَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحَجَّ كَانَ بِحَسَبِ الْإِيجَابِ، وَالْإِيجَابُ كَانَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ رَاكِبًا، وَلَمْ يَأْتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ الْمَأْمُورُ فَيَجِبُ الضَّمَانُ وَكَذَا لَوْ حَجَّ وَقَطَعَ أَكْثَرَ الطَّرِيقِ مَاشِيًا لِمَا عُرِفَ أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ عَلَى الْحِمَارِ كَرِهْتُ لَهُ ذَلِكَ، وَالْجَمَلُ أَفْضَلُ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ اهـ (فَرْعٌ) لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ لَا يُجْزِيهِ الْحَجُّ مَاشِيًا حَتَّى يَضْمَنَ الْمَأْمُورُ النَّفَقَةَ لَوْ حَجَّ مَاشِيًا، وَيَكُونَ الْحَجُّ لَهُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْهَدْيِ اهـ (قَوْلُهُ: فِي رُجُوعِهِ) أَيْ إلَى رُجُوعِهِ اهـ شُمُنِّيٌّ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ عِنْدَنَا الْمُحْرِمُ الَّذِي يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْعَاجِزِينَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَحُجُّ عَنْهُ بِنَفَقَةٍ وَسَطٍ مِنْ غَيْرِ تَقْتِيرٍ، وَلَا إسْرَافٍ ذَاهِبًا وَجَائِيًا رَاكِبًا غَيْرَ مَاشٍ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطٍ الْأُجْرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا ذُكِرَ فِي الطَّحَاوِيِّ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِلْحَجِّ عَنْهُ فَفَعَلَ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ لِلْأَجِيرِ نَفَقَةُ مِثْلِهِ، وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْحَاجِّ دُونَ الْآمِرِ كَذَا نَصَّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ لَا مَدْخَلَ لِلْكَافِرِ أَصْلًا فِيهَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا، وَكُلُّ عِبَادَةٍ لِلْكَافِرِ فِيهَا مَدْخَلٌ كَعِمَارَةِ الرَّبْطِ وَالْمَشَاهِدِ وَالطُّرُقِ وَالْمَقَابِرِ وَشَدِّ الثُّغُورِ وَنَحْوِهَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى الْحَجِّ وَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ اعْتِبَارًا لِسَائِرِ الْعُقُودِ، وَذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ لِأَبِي الْحَسَنِ الْمَعْرُوفِ بِالْعَبْدَرِيِّ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِيَحُجَّ عَنْهُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَقَعَ الْحَجُّ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْحَاجِّ وَلِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ اهـ كَلَامُ الْكَرْمَانِيِّ مَعَ حَذْفٍ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَلَوْ بَدَأَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ ثُمَّ بِالْعُمْرَةِ لِنَفْسِهِ لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِحَجَّةٍ مِيقَاتِيَّةٍ كَمَا أُمِرَ، وَمَا دَامَ مَشْغُولًا بِالْعُمْرَةِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ أُمِرَ بِالْحَجِّ فَبَدَأَ بِالْعُمْرَةِ لِنَفْسِهِ ثُمَّ بِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ قَالُوا: يَضْمَنُ جَمِيعَ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَفَرِ الْحَجِّ، وَقَدْ أَنْفَقَ فِي سَفَرِ الْعُمْرَةِ؛ وَلِأَنَّهُ أُمِرَ بِحَجَّةٍ مِيقَاتِيَّةٍ وَقَدْ أَتَى بِحَجَّةٍ مَكِّيَّةٍ فَيَكُونُ مُخَالِفًا بِاتِّفَاقٍ بَيْنَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصِحُّ عَنْ الْمَيِّتِ اهـ (فَرْعٌ) وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَأَخَّرَ الْحَجَّ عَنْ وَقْتِهِ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ وَحَجَّ مِنْ قَابِلٍ جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ السَّنَةِ هُنَا لِلِاسْتِعْجَالِ دُونَ تَعَيُّنِ الْأَمْرِ فَصَارَ كَرَجُلٍ وَكَّلَ وَكِيلًا بِعِتْقِ عَبْدِهِ غَدًا أَوْ بَيْعِهِ غَدًا فَأَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ بَعْدَ غَدٍ جَازَ كَذَا هُنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَلَوْ مَرِضَ الْمَأْمُورُ فِي الطَّرِيقِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ لِيَحُجَّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُ فَيَصِحُّ بِحُكْمِ الْإِذْنِ، وَلَوْ أَنَّ الْحَاجَّ عَنْ الْمَيِّتِ وَصَلَ إلَى عَرَفَةَ وَمَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ الْمَيِّتِ لِوُجُودِ مُعْظَمِ أَرْكَانِ الْحَجِّ بِنَصِّ: الْحَجُّ عَرَفَةَ وَلَوْ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ رَجَعَ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى النِّسَاءِ فَيَرْجِعُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بِنَفَقَتِهِ وَيَقْضِي مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ جَنَابَتِهِ، وَلَوْ حَجَّ الْمَأْمُورُ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَدَاءُ الْمَنَاسِكِ، وَقَدْ حَصَلَ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مَنْ يَذْهَبُ وَيَرْجِعُ لِيَحْصُلَ لِلْمَيِّتِ ثَوَابٌ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ جَمِيعًا اهـ مَنَاسِكُ الْكَرْمَانِيِّ فِي فَصْلِ مَا يَكُونُ الْحَاجُّ الْمَأْمُورُ مُخَالِفًا، وَمَا لَا يَكُونُ اهـ

[باب الهدي]

حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهَا: حُجِّي عَنْ أَبِيك وَلَمْ يَسْأَلْهَا هَلْ حَجَّتْ عَنْهَا أَوْ لَا وَهَلْ هِيَ أَمَةٌ أَوْ حُرَّةٌ وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَسَأَلَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ لَبَيَّنَهُ لَهَا وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رَوَى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَقَالَ: وَقَعَ حَجُّك هَذَا عَنْ نَفْسِك فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَجٌّ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَجَّهُ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مِنْهُ بِخِلَافِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ صَوْمٌ آخَرُ وَفِي الْحَجِّ شُرِعَ فِيهِ النَّفَلُ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمَرِ وَقْتٌ لَهُ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّاهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ لَا يَنْوِي الْقَضَاءَ بَلْ يَنْوِي الْأَدَاءَ، وَلَا كَذَلِكَ الصَّوْمُ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ بِفَسْخِ حَجِّهِ عَنْ شُبْرُمَةَ ثُمَّ يُحْرِمُ بِحَجٍّ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِرَفْضِ الْحَجِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ شُبْرُمَةَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ أَبَا الْفَرَجِ ذَكَرَ لَهُ طُرُقًا وَبَيَّنَ ضَعْفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا أَحَجُّوا عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ أَحَجُّوا عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، أَوْ حَجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَجُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ فِي الْحَجِّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: نَعَمْ» وَإِنَّمَا قَرَنَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْجَوَازِ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ، وَسُقُوطُ الْحَجِّ بِفِعْلِ الْوَارِثِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ قَطْعًا فَعَلَّقَ السُّقُوطَ بِالْمَشِيئَةِ احْتِرَازًا عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى اللَّهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ قَطْعًا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (بَابُ الْهَدْيِ) الْهَدْيُ مَا يُهْدَى مِنْ النَّعَمِ إلَى الْحَرَمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَدْنَاهُ شَاةٌ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ) أَيْ الْهَدْيُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا جَازَ فِي الضَّحَايَا جَازَ فِي الْهَدَايَا) وَهُوَ الثَّنِيُّ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا الثَّنِيُّ فَمَا فَوْقَهُ رَوَاهُ مَالِكٌ وَيُجْزِي الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أَنْ تَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشَّاةُ تَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي طَوَافِ الرُّكْنِ جُنُبًا وَوَطْءٍ بَعْدَ الْوُقُوفِ) أَرَادَ بِالرُّكْنِ رُكْنَ الْحَجِّ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَبِالْوَطْءِ بَعْدَ الْوُقُوفِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَإِنَّ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَيْهِ بَدَنَةً، وَفِي غَيْرِهِمَا شَاةٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَأْكُلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) أَيْ يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْكُلَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] أَمَرَ بِالْأَكْلِ مِنْهَا، وَأَقَلُّهُ يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ وَلِحَدِيثِ «جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ أَيْ مَا بَقِيَ فَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ وَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَمْسٍ بَقَيْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَلَا نَرَى إلَّا الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ قَالَتْ فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْت: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَزْوَاجِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَارِنًا، وَكَذَا عَائِشَةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عُرِفَ فِي الْأُضْحِيَّةِ، كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِمَا تَلَوْنَا، وَالْمُرَادُ بِهَدْيِ التَّطَوُّعِ مَا بَلَغَ الْحَرَمَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْكُلَهُ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْحَرَمِ، وَفِي غَيْرِهِ بِالتَّصَدُّقِ، وَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ كَفَّارَةٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَأْكُلُ هُوَ، وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِنَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ «لَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَرُفْقَتُك مِنْهَا شَيْئًا» وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ ذَلِكَ فِيمَا عَطِبَ مِنْهَا فِي الطَّرِيقِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ كَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا أَحَجُّوا إلَخْ) اُنْظُرْ إلَى الْحَاشِيَةِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ: ثُمَّ الْعِبَادَاتُ أَنْوَاعٌ إلَخْ. [بَابُ الْهَدْيِ] (بَابُ الْهَدْيِ) لَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْهَدْيِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ نُسُكًا وَجَزَاءً وَمُؤْنَةً شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا الْبَابُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَبْوَابُ السَّابِقَةُ فَإِنَّ الْهَدْي إمَّا لِمُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ إحْصَارٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ كَفَّارَةِ جِنَايَةٍ أُخْرَى فَأَخَّرَهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ أَوْ الْقِرَانِ فَرْعُ مَعْرِفَةِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَكَذَا الْبَاقِي وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ حَوَالَاتٍ تَسْتَدْعِي سَبْقَ تَصَوُّرَاتِ مَفْهُومَاتِهَا وَتَصْدِيقَاتِ بَعْضِ أَحْكَامٍ مِنْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَهُوَ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ) ذُكُورُهَا وَإِنَاثُهَا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: أَنْ يَأْكُلَهُ) أَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ اهـ (فَرْعٌ) وَلَا يَتَصَدَّقُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى وَلَدِهِ وَنَوَافِلِهِ وَلَا عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ عَلَى هَؤُلَاءِ صَرْفٌ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يُوجَدْ الْإِخْرَاجُ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ وَإِنْ أَعْطَى ذِمِّيًّا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّصَدُّقِ عَلَى مُطْلَقِ الْمَسَاكِينِ إلَّا أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ لَهُ وُصْلَةً لِلدِّينِ. اهـ. كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِنَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدَبٍ الْأَسْلَمِيُّ كَانَ نَازِلًا فِي بَنِي سَلِمَةَ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَبَقِيَ إلَى دَهْرِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ سَائِقُ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا قَالَ ابْنُ شَاهِينِ فِي كِتَابِ الْمُعْجَمِ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَدْيِهِ حِينَ تَوَجَّهَ إلَى الْحُدَيْبِيَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَدِّمَهَا إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ وَاسْتَعْمَلَهُ أَيْضًا عَلَى هَدْيِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. اهـ.

وَغَيْرِهِمَا، وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخَصَّ ذَبْحَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَقَطْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ - ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: 28 - 29] وَقَضَاءُ التَّفَثِ وَالطَّوَافِ يَخْتَصُّ بِأَيَّامِ النَّحْرِ فَكَذَا الذَّبْحُ لِيَكُونَ الْكَلَامُ مَسْرُودًا عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ دَمَ التَّطَوُّعِ يَخْتَصُّ بِأَيَّامِ النَّحْرِ كَدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ مِثْلَهُ، وَفِي الْأَصْلِ ذَبْحُهُ يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي التَّطَوُّعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ هَدْيٌ، وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِالْبُلُوغِ إلَى الْحَرَمِ، وَلَكِنَّ ذَبْحَهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ فِيهِ أَظْهَرُ وَيَجُوزُ ذَبْحُ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ دَمُ جَبْرٍ عِنْدَهُ، وَلَنَا أَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ فَكَانَ التَّعْجِيلُ بِهَا أَفْضَلَ بِخِلَافِ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ وَكَذَا الْقِرَانُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكُلُّ بِالْحَرَمِ) أَيْ كُلُّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وقَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَلِأَنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى مَكَان، وَلَا مَكَانَ لَهُ غَيْرُ الْحَرَمِ فَتَعَيَّنَ لَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ إنَّ الدِّمَاءَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مِنْهُ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَدَمُ التَّطَوُّعِ فِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ وَدَمُ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُمَا، وَمِنْهُ مَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ، وَهُوَ دَمُ الْجِنَايَاتِ، وَدَمُ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُ، وَالتَّطَوُّعُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَمِنْهُ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ، وَهُوَ الْأُضْحِيَّةُ، وَمِنْهُ مَا لَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ، وَلَا بِالْمَكَانِ، وَهُوَ دَمُ النُّذُورِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ دَمُ النُّذُورِ يَتَعَيَّنُ بِالْمَكَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِفَقِيرِهِ) أَيْ لَا يَخْتَصُّ جَوَازُ التَّصَدُّقِ بِالدِّمَاءِ بِفَقِيرِ الْحَرَمِ بَلْ يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الدِّمَاءَ وَجَبَتْ تَوْسِعَةً لِأَهْلِ الْحَرَمِ قُلْنَا: هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، وَهُوَ سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِالْهَدْيِ) وَهُوَ أَنْ يَذْهَبَ بِهَا إلَى عَرَفَاتٍ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَهُوَ لَا يُنْبِئُ عَنْ التَّعْرِيفِ، وَإِنَّمَا يُنْبِئُ عَنْ النَّقْلِ إلَى مَكَان لِيَتَقَرَّبَ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ فِيهِ وَهُوَ الْحَرَمُ لَا التَّعْرِيفُ وَلَوْ عَرَّفَ بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ، وَالْقِرَانِ فَحَسَنٌ لِتَوَقُّتِهِ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَرُبَّمَا لَا يَجِدُ مَنْ يَحْفَظُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّعْرِيفِ بِهِ وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى الْإِشْهَارِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الشَّعَائِرِ، وَلَا كَذَلِكَ دَمُ الْكَفَّارَاتِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ فَإِخْفَاؤُهَا أَوْلَى وَيَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْرِيفِ بِهَا، وَالْأَفْضَلُ فِي الْجَزُورِ النَّحْرُ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] أَيْ انْحَرْ الْجَزُورَ وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وَقَالَ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَهُوَ مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ، وَكَانَ كَبْشًا وَتُنْحَرُ الْإِبِلُ قِيَامًا، وَلَهُ أَنْ يُضْجِعَهَا وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابُهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا» وَفِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] أَيْ سَقَطَتْ إشَارَةً إلَى أَنَّهَا تُنْحَرُ قَائِمَةً؛ إذْ السُّقُوطُ يَكُونُ مِنْ الْقِيَامِ وَلَا يُذْبَحُ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ وَيُضْجِعُهَا؛ لِأَنَّ الْمَذْبَحَ بِهِ أَبْيَنُ، وَاسْتَحَبَّ الْجُمْهُورُ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِهَا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا لَمْ يُسْتَقْبَلْ بِهِ الْقِبْلَةَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّى ذَبْحَهَا بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ مِنْ هَدَايَاهُ وَهِيَ كَانَتْ مِائَةَ بَدَنَةٍ، وَوَلَّى الْبَاقِيَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَالتَّوَلِّي فِي الْقُرَبِ أَوْلَى وَلَوْ وَلَّى غَيْرَهُ جَازَ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَهْتَدِي لِذَلِكَ وَلَا يُحْسِنُهُ وَقَدْ يَعْسُرُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الْجَمِيعِ فَجَوَّزَ لَهُ التَّوْلِيَةَ وَيَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْكِتَابِيِّ لَحِلِّ ذَبِيحَتِهِ وَتُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ قُرْبَةٌ فَيُتَشَاءَمُ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا، وَلَمْ يُعْطِ أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَجِلَالِهَا، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا» قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا، وَلِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ إعْطَاءَهُ مِنْهُ بَقِيَ شَرِيكًا لَهُ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ الْكُلُّ لِقَصْدِهِ اللَّحْمَ، وَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا أُجْرَتَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ قَبْلَ الذَّبْحِ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِلَّحْمِ أَوْ مُعَاوَضَةٌ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا عَلَيْهِ سِوَى أُجْرَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّصَدُّقِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ} [الحج: 28] الْبَائِسَ الَّذِي نَالَهُ بُؤْسٌ أَيْ شِدَّةٌ فِي الْفَقْرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] التَّفَثُ الْأَخْذُ مِنْ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَالْحَلْقُ مِنْ الشَّعْرِ كَأَنَّهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْلَالِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِجَاجِ) الْفِجَاجُ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَهُوَ دَمُ الْجِنَايَاتِ وَدَمُ الْإِحْصَارِ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ: وَيَجُوزُ ذَبْحُ مَا وَجَبَ مِنْ الدِّمَاءِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَبَعْدَهُ بِمَكَّةَ مَا خَلَا دَمَ الْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ وَكَذَا هَدْيُ الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ أَيْضًا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَجُوزُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ التَّطَوُّعِ وَغَيْرِهِ يُجْزِيهِ أَنْ يَذْبَحَهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْإِحْرَامِ فَلَا يَخْتَصُّ بِوَقْتِ جُبْرَانٍ بِخِلَافِ دَمِ الْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا دَمُ نُسُكٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا بِفَقِيرِهِ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: فَإِنْ ذَبَحَهَا ثُمَّ سُرِقَتْ مِنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْجَزَاءُ بِنَفْسِ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّ بِالذَّبْحِ إخْرَاجَهَا إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - كَفَّارَةٌ وَلِأَنَّ هَذِهِ صِفَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ فَتَفُوتُ بِفَوَاتِهَا كَالزَّكَاةِ وَتَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَسْقُطُ، وَكَذَا إنْ اصْطَلَمَتْهُ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ أَوْ ضَاعَ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْكُلِّ عَلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَيُجْزِي فِيهِ التَّمْلِيكُ وَإِطْعَامُ الْإِبَاحَةِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ لَا بِانْعِدَامِ الْإِرَاقَةِ عَلَى مَا مَرَّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يُضْجِعَهَا) وَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ فَهُوَ حَسَنٌ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَخِطَامِهَا) الْخِطَامُ هُوَ الزِّمَامُ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرْكَبُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ)؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ خَالِصًا لِلَّهِ - تَعَالَى - فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ أَوْ مَنَافِعِهِ إلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلِأَنَّ فِي رُكُوبِهَا اسْتِهَانَةً بِهَا وَتَعْظِيمُهَا وَاجِبٌ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] وَالتَّقْوَى وَاجِبٌ فَيَكُونُ التَّعْظِيمُ وَاجِبًا فَإِنْ احْتَاجَ إلَى رُكُوبِهِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: ارْكَبْهَا، قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: ارْكَبْهَا، قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ: ارْكَبْهَا قَالَ إنَّهَا بَدَنَةٌ ثَلَاثًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِاضْطِرَارِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، وَقَدْ أَجْهَدَهُ الْمَشْيُ، فَقَالَ: ارْكَبْهَا، قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: ارْكَبْهَا، وَإِنْ كَانَتْ بَدَنَةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ رُكُوبُهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَلِرِوَايَةِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: ارْكَبْهَا» بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِاضْطِرَارِ عِنْدَنَا، وَإِنْ رَكِبَهَا فَنَقَصَتْ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِلْأَغْنِيَاءِ مُعَلَّقٌ بِبُلُوغِهَا الْمَحِلَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَحْلُبُهُ)؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْهَدْيِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ حَلَبَهُ، وَانْتَفَعَ بِهِ أَوْ دَفَعَ إلَى الْغَنِيِّ ضَمِنَهُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِوَبَرِهِ أَوْ صُوفِهِ، وَإِنْ وَلَدَتْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ ذَبَحَهُ مَعَهَا، وَإِنْ بَاعَهُ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْضَحُ ضَرْعَهُ بِالنُّقَّاخِ) أَيْ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ حَتَّى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ قَالُوا: هَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَحْلُبُهَا، وَيَتَصَدَّقُ بِلَبَنِهَا كَيْ لَا يُضِرَّ ذَلِكَ بِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَطِبَ وَاجِبًا أَوْ تَعَيَّبَ أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ)؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ حَتَّى يُذْبَحَ فِي مَحَلِّهِ، وَالْمَعِيبُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعَيُّبِ مَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ كَذَهَابِ الْعَيْنِ أَوْ الْأُذُنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَعِيبُ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ بِتَعْيِينِهِ لِذَلِكَ الْوَجْهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ فَإِذَا امْتَنَعَ صَرْفُهُ فِيهِ صَرَفَهُ فِي غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَطَوَّعَ نَحَرَهُ وَصَبَغَ نَعْلَهُ بِدَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهُ، وَلَمْ يَأْكُلَهُ غَنِيٌّ) لِمَا رُوِيَ عَنْ «قَبِيصَةَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ ثُمَّ يَقُولُ: إنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَمِثْلُهُ عَنْ نَاجِيَةَ الْخُزَاعِيِّ وَكَانَ صَاحِبَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالْمُرَادُ بِالْعَطَبِ هُنَا مَا قَرُبَ مِنْ الْعَطَبِ وَأَرَادَ بِالنَّعْلِ قِلَادَتَهَا وَفَائِدَتُهُ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ وَلِأَنَّ الْإِذْنَ بِتَنَاوُلِهِ مُعَلَّقٌ بِبُلُوغِهِ مَحِلَّهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا إلَّا أَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَتْرُكَهَا جَزَرًا لِلسِّبَاعِ، وَفِيهِ نَوْعُ تَقَرُّبٍ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَهَا الْفُقَرَاءُ مِنْ رُفْقَتِهِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَاهُ بَلْ يَتْرُكُهَا جَزَرًا لِلسِّبَاعِ قُلْنَا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَرُفْقَتَهُ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ صَاحِبَ هَدْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْ الْهَدْيِ قَالَ: كُلُّ بَدَنَةٍ عَطِبَتْ مِنْ الْهَدْيِ فَانْحَرْهَا ثُمَّ أَلْقِ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ خَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا يَأْكُلُوهَا» رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَعَنْ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ مِثْلُهُ ذَكَرَ مُطْلَقَ النَّاسِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ رُفْقَتِهِ وَغَيْرِهِمْ وَالْمُرَادُ بِهِ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ بِدَلِيلِ مَا نَصَّ عَلَى تَخْلِيَتِهِ لِلْمَسَاكِينِ فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَهَدَايَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَتْ تَطَوُّعًا ظَاهِرًا إلَّا الْوَاحِدَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَارِنًا، وَالْقَارِنُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ الْوَاحِدِ، وَلَا يُقَالُ: أَنْتُمْ قَدْ اسْتَدْلَلْتُمْ بِأَكْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى جَوَازِ أَكْلِ دَمِ الْقِرَانِ وَكَيْفَ يُمْكِنُكُمْ الْقَوْلُ كَانَتْ هَدَايَاهُ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْقَارِنُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ فَأَكَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُقْطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بَضْعَةٌ فَكَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ دَمِ الْقِرَانِ وَعَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ لِلْفُقَرَاءِ إذَا عَطِبَتْ فِي الطَّرِيقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُقَلَّدُ بَدَنَةُ التَّطَوُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ فَقَطْ)؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ نُسُكٍ، وَفِي التَّقْلِيدِ إشْهَارُهَا فَحَسُنَتْ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ إظْهَارَ الطَّاعَاتِ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ حَسَنٌ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271]، وَفِي الْمُحِيطِ يُقَلِّدُ دَمَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ وَعِبَادَةٍ وَفِيهِ إظْهَارُ الشَّعَائِرِ وَإِشْهَارُهُ فَيَلِيقُ ذَلِكَ بِالنُّسُكِ مَعَ مُوَافَقَتِهِ السُّنَّةَ وَلَا يُقَلِّدُ دَمَ الْجِنَايَاتِ لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ فَيَلِيقُ بِهَا السِّتْرُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيُنْضِحُ ضَرْعَهُ) يُنْضِحُ بِكَسْرِ الضَّادِ أَيْ يَرُشُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ) دَفْعًا لِلضَّرُورَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

[مسائل منثورة]

بِسِتْرِ اللَّهِ - تَعَالَى -» وَلَا دَمَ الْإِحْصَارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ فَأُلْحِقَ بِهَا، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالتَّقْلِيدُ تَعْلِيقُ الْقِلَادَةِ عَلَى الْهَدْيِ، وَالْمُرَادُ بِالْهَدْيِ الْجَزُورُ، وَالْبَقَرَةُ دُونَ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّهَا هَدْيٌ حَتَّى لَا تُهَاجَ إذَا وَرَدَتْ مَاءً أَوْ كَلَأً، وَفِي الْغَنَمِ لَا يُفِيدُ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ بِالتَّقْلِيدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُقَلَّدُ الْغَنَمُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى إلَى الْبَيْتِ غَنَمًا فَقَلَّدَهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ تَرَكُوهُ وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً مَعْرُوفَةً لَمَا تَرَكُوهُ وَمَا رَوَاهُ شَاذٌّ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ يُوجِبُ التَّوَقُّفَ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تُشْعَرُ، وَلَا تُجَلَّلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ثُمَّ إنْ بَعَثَ الْهَدْيَ يُقَلِّدُهُ مِنْ بَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَمِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ هُوَ السُّنَّةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسَائِل مَنْثُورَة] (مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ قَبْلَ يَوْمِهِ تُقْبَلُ، وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ أَهْلُ عَرَفَةَ لَوْ وَقَفُوا فِي يَوْمٍ وَشَهِدَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ وَقَفُوا قَبْلَ يَوْمِ الْوُقُوفِ بِأَنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ تُقْبَلُ وَعَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ، وَلَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُمْ وَقَفُوا بَعْدَ يَوْمِ الْوُقُوفِ بِأَنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ وَقَفُوا يَوْمَ النَّحْرِ لَا تُقْبَلُ وَيُجْزِيهِمْ حَجُّهُمْ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ عِبَادَةً مُخْتَصًّا بِزَمَانٍ، وَمَكَانٍ فَلَا يَكُونُ عِبَادَةً دُونَهُمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ وَقَفُوا قَبْلَهُ وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَوْ فِي غَيْرِ عَرَفَاتٍ، وَكَالْجُمُعَةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمْ نَفْيُ حَجِّهِمْ فَلَا تُقْبَلُ وَلِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ، وَهِيَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ لِكَوْنِهَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْخَطَأِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَالتَّدَارُكُ مُتَعَذِّرٌ، وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ حَرَجٌ بَيِّنٌ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَزُولَ الِاشْتِبَاهُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَلِأَنَّ الْعِبَادَةَ قَبْلَ وَقْتِهَا لَا تَصِحُّ أَصْلًا وَبَعْدَهَا تَصِحُّ فِي الْجُمْلَةِ فَأَلْحَقْنَاهُ بِهَا تَرْفِيهًا عَلَى النَّاسِ وَبِخِلَافِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الظُّهْرُ مُتَيَسِّرٌ وَإِنْ ظَهَرَ الْغَلَطُ فِي الْعِيدَيْنِ بِأَنْ صَلُّوهُمَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ الْغَدِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْفِطْرِ فَاتَ الْوَقْتُ، وَفِي الْأَضْحَى فَاتَتْ السُّنَّةُ، وَعَنْهُ أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ فِيهِمَا لِلْعُذْرِ، وَعَنْهُ أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ لِلْأَضْحَى لِبَقَاءِ وَقْتِهِ وَلَا يَخْرُجُونَ لِلْفِطْرِ لِفَوَاتِهِ وَإِنْ شَهِدُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ مِنْ عَادَةِ الْمُصَنَّفِينَ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي آخَرِ الْكِتَابِ مَا شَذَّ وَنَدَرَ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الْأَبْوَابِ السَّالِفَةِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ، وَيَقُولُونَ فِي أَوَّلِهِ: مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ، أَوْ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ، أَوْ مَسَائِلُ شَتَّى أَوْ مَسَائِلُ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْأَبْوَابِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ وَقَفُوا بَعْدَ يَوْمِ الْوُقُوفِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صُورَتُهَا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ فِي لَيْلَةِ كَذَا لِيَوْمٍ يَكُونُ الْوُقُوفُ مِنْهُ الْعَاشِرَ، وَذَكَرَ لِلِاسْتِحْسَانِ أَوْجُهًا أَحَدُهَا أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ أَيْ نَفْيِ جَوَازِ الْوُقُوفِ وَمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى الْإِثْبَاتِ حَقِيقَةً، وَهُوَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةٍ قَبْلَ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ ثُمَّ هُوَ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ جَوَازِ وُقُوفِهِمْ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْحُكْمِ بَلْ الْفَتْوَى تُفِيدُ عَدَمَ سُقُوطِ الْفَرْضِ فَيُخَاطَبُ بِهِ، وَعَدَمُ سُقُوطِهِ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَصَارَ كَمَا لَوْ رَآهُ أَهْلُ الْمَوْقِفِ كَذَلِكَ ثُمَّ أَخَّرُوا الْوُقُوفَ، ثَانِيهَا: أَنَّ شَهَادَتَهُمْ مَقْبُولَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنْ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ صِحَّةِ الْوُقُوفِ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي وَقْتِهِ بَلْ قَدْ وَقَعَ فِي وَقْتِهِ شَرْعًا، وَهُوَ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ النَّاسُ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ التَّاسِعُ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» أَيْ وَقْتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - الْيَوْمُ الَّذِي يَقِفُ النَّاسُ فِيهِ عَنْ اجْتِهَادٍ وَرَأْيٍ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ ثَالِثُهَا: أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ لَكِنَّ وُقُوفَهُمْ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الِاشْتِبَاهِ مِمَّا يَغْلِبُ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِالْجَوَازِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ لَزِمَ الْحَرَجُ الشَّدِيدُ وَقَدْ نَفَاهُ بِفَضْلِهِ الْغَنِيُّ عَنْ الْعَالَمِينَ فَهَذَا الْوَجْهُ يَصْلُحُ بَيَانَ حِكْمَةِ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ الْمَذْكُورِ فِيمَا قَبْلَهُ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا عَدَمُ صِحَّةِ الْوُقُوفِ فَلَا فَائِدَةَ فِي سَمَاعِهَا لِلْإِمَامِ فَلَا يَسْمَعُهَا؛ لِأَنَّ سَمَاعَهَا يُشْهِرُهَا بَيْنَ عَامَّةِ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَيَكْثُرُ الْقِيلُ وَالْقَالُ فِيهَا وَتَثُورُ الْفِتْنَةُ وَتَتَكَدَّرُ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّكِّ فِي صِحَّةِ حَجِّهِمْ بَعْدَ طُولِ عَنَائِهِمْ فَإِذَا جَاءُوا لِيَشْهَدُوا يَقُولُ لَهُمْ انْصَرِفُوا لَا تُسْمَعُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ قَدْ تَمَّ حَجُّ النَّاسِ اهـ وَاعْلَمْ أَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ مَا بَيْنَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَهُوَ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَمَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَإِلَّا فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَيَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَيَقْضِي الْحَجَّ مِنْ قَابِلٍ وَقَدْ مَضَى بَيَانُهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ نَقُولُ: إذَا وَقَفُوا فِي يَوْمٍ وَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ النَّحْرِ أَجْزَأَهُمْ اسْتِحْسَانًا اهـ (قَوْلُهُ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ) أَيْ لِأَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّهُمْ لَمْ يَحُجُّوا أَوْ فَاتَ عَنْهُمْ الْوُقُوفُ فَلَا تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ التَّدَارُكَ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا إيقَاعُ الْفِتْنَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ) يَعْنِي إذَا ظَهَرَ لَهُمْ خَطَؤُهُمْ، وَالْكَلَامُ فِي تَصْوِيرِ ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ وُقُوفَهُمْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ عَلَى أَنَّهُ التَّاسِعُ لَا يُعَارِضُهُ شَهَادَةُ مَنْ يَشْهَدُ أَنَّهُ الثَّامِنُ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ الثَّامِنَ إنَّمَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ ثَبَتَ بِإِكْمَالِ عِدَّةِ ذِي الْقَعْدَةِ، وَاعْتِقَادُهُ التَّاسِعَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رُئِيَ قَبْلَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَهَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ، وَالْقَائِلُونَ: إنَّهُ الثَّامِنُ حَاصِلُ مَا عِنْدَهُمْ نَفْيٌ مَحْضٌ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَرَآهُ الَّذِينَ شَهِدُوا فَهَذِهِ شَهَادَةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ) أَيْ بِأَنْ يَقِفُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْعِبَادَةَ قَبْلَ وَقْتِهَا لَا تَصِحُّ أَصْلًا) وَلَا يُقَالُ لَهُ نَظِيرٌ أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ تُقَدَّمُ عَنْ وَقْتِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: ذَاكَ أَمْرٌ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبَعْدَهَا تَصِحُّ) أَيْ كَمَا فِي قَضَاءِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَهِدُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) أَيْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَظَهَرَ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ اهـ

[نذر الحج ماشيا]

عَرَفَةَ يَنْظُرُ فَإِنْ أَمْكَنَ الْإِمَامُ أَنْ يَقِفَ مَعَ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرَهُمْ نَهَارًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْوُقُوفِ وَإِنْ لَمْ يَقِفُوا عَشِيَّتَهُ فَاتَهُمْ الْحَجُّ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقِفَ مَعَهُمْ لَيْلًا لَا نَهَارًا فَكَذَلِكَ اسْتِحْسَانًا حَتَّى إذَا لَمْ يَقِفُوا فَاتَهُمْ الْوُقُوفُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقِفَ لَيْلًا مَعَ أَكْثَرِهِمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقِفُوا مِنْ الْغَدِ اسْتِحْسَانًا لِمَا بَيَّنَّا، وَالشُّهُودُ فِي هَذَا كَوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى لَوْ وَقَفُوا بِمَا رَأَوْا، وَلَمْ يَقِفُوا مَعَ النَّاسِ فَاتَهُمْ الْحَجُّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْجَمْعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَرَكَ الْجَمْرَةَ الْأُولَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي رَمَى الْكُلَّ أَوْ الْأُولَى فَقَطْ) يَعْنِي لَوْ رَمَى فِيهِ الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وَتَرَكَ الْأُولَى، وَهِيَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخِيفِ فَإِنْ رَمَى الْأُولَى ثُمَّ الْبَاقِيَتَيْنِ فَجَائِزٌ، وَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ رَاعَى التَّرْتِيبَ الْمَسْنُونَ، وَإِنْ رَمَى الْأُولَى وَحْدَهَا أَجْزَأَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَلَافَى الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا التَّرْتِيبَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِيهِ مَا لَمْ يُعِدْ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَمَاهُ مُرَتَّبًا فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ مَشْرُوعًا فَصَارَ كَمَا إذَا سَعَى قَبْلَ الطَّوَافِ، أَوْ طَافَ قَبْلَ الْوُقُوفِ، أَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ قَبْلَ الصَّفَا قُلْنَا: إنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِغَيْرِهَا، وَلَيْسَ بَعْضُهَا تَابِعًا لِلْبَعْضِ أَلَا تَرَى أَنَّ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَحْدَهَا يَوْمَ النَّحْرِ قُرْبَةٌ تَامَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا رَمْيٌ بِخِلَافِ السَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلطَّوَافِ، وَهُوَ دُونَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَبْلَ وُجُودِ الْأَصْلِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قُرْبَةٌ وَاحِدَةٌ شُرِعَتْ بِدَايَتُهَا بِالصَّفَا وَخَتْمُهَا بِالْمَرْوَةِ بِالنَّصِّ فَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَوْجَبَ حَجًّا مَاشِيًا لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ لِلرُّكْنِ) أَيْ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ حَتَّى يَطُوفَ طَوَاف الرُّكْنِ، وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْحَجَّ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُتَتَابِعًا وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ بِالنَّذْرِ وَهُوَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَهَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا بَلْ لَهُ نَظِيرٌ؛ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهَا لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِمْ الرَّاحِلَةُ بَلْ يَجِبُ الْمَشْيُ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ مِنْهُمْ عَلَى الْمَشْيِ، وَلَوْ رَكِبَ أَرَاقَ دَمًا؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ النَّقْصَ، وَكَذَا إذَا رَكِبَ فِي أَكْثَرِهِ، وَإِنْ رَكِبَ الْأَقَلَّ يَجِبُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ مِنْ الدَّمِ وَبِطَوَافِ الزِّيَارَةِ يَنْتَهِي الْإِحْرَامُ فَيَمْشِي إلَيْهِ، وَطَوَافُ الصَّدْرِ لِلتَّوْدِيعِ وَلَيْسَ بِأَصْلٍ فِي الْحَجِّ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى مَنْ لَا يُودِعُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ أَيْنَ يَبْتَدِئُ الْمَشْيَ قِيلَ: يَمْشِي مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْشِي مِنْ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ فِي الْعُرْفِ، وَهُوَ أَمْلَكُ، وَفِي الْأَصْلِ خَيَّرَهُ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرِهَ الْمَشْيَ فِيهِ فَيَكُونُ الرُّكُوبُ أَفْضَلَ وَأَتَمَّ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ لَا يُجْزِيهِ الْحَجُّ مَاشِيًا حَتَّى يَضْمَنَ الْمَأْمُورُ النَّفَقَةَ لَوْ حَجَّ مَاشِيًا، وَيَكُونُ الْحَجُّ لَهُ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ إنَّمَا يُطْلَقُ لَهُ الرُّكُوبُ إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى شَيْخًا يُهَادِي بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ: مَا لَهُ قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لِغَنِيٍّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ» قَالُوا وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْتَزَمَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لِكَوْنِهِ أَشَقَّ عَلَى الْبَدَنِ وَإِنَّمَا كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ يَسُوءُ خُلُقُهُ وَيُجَادِلُ رَفِيقَهُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَمَا كُفَّ بَصَرُهُ مَا تَأَسَّفْت عَلَى شَيْءٍ كَتَأَسُّفِي عَلَى أَنْ لَا أَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ الْمُشَاةَ فَقَالَ {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِنْ أَمْكَنَ الْإِمَامُ) يُنْظَرُ إعْرَابُ أَمْكَنَ زَيْدًا السَّفَرُ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ مِنْ الْمُغْنِي (قَوْلُهُ: فَاتَهُمْ الْحَجُّ) أَيْ لِأَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ جَازَ يَوْمَ الْوُقُوفِ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ فَلَا يَعْتَدُّ بِمَا فَعَلَهُ بِانْفِرَادِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا التَّرْتِيبَ) أَيْ وَتَرْكُ التَّرْتِيبِ لَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: قُلْنَا: إنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ) وَلَا يُقَالُ: كُلُّ صَلَاةٍ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا أَيْضًا لَا تَعَلُّقُ بِجَوَازِهَا بِغَيْرِهَا، وَمَعَ هَذَا وَجَبَ التَّرْتِيبُ عِنْدَكُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا». اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ السَّعْيِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ السَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ اهـ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ دُونَهُ أَيْ لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْبَيْتِ وَلَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ فَيُعَادُ تَحْقِيقًا لِلتَّبَعِيَّةِ. اهـ. [نَذْر الْحَجّ ماشيا] (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَوْ حَجّ رَاكِبًا يُجْزِئُهُ لَكِنْ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ اهـ وَوُجُوبُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ (قَوْلُهُ: قِيلَ: يَمْشِي مِنْ الْمِيقَاتِ) وَعَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهَوَاهُ صَحَّ عِنْدِي لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِالْحَجِّ وَالْحَجُّ ابْتِدَاؤُهُ الْإِحْرَامُ وَانْتِهَاؤُهُ طَوَافُ الزِّيَارَةِ فَيَلْزَمُهُ بِقَدْرِ مَا الْتَزَمَ وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: يَبْتَدِئُ الْمَشْيَ مِنْ بَيْتِهِ وَمَالَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ مُعْتَبَرٌ فِي النَّذْرِ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمَشْيَ مِنْ بَيْتِهِ فَأَقُولُ سَلَّمْنَا أَنَّ الْعُرْفَ مُعْتَبَرٌ فِي النَّذْرِ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعُرْفَ كَمَا قَالَ، وَلَفْظُ النَّاذِرِ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ لِمَا قُلْنَا فَلَا يُوجِبُهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْعُرْفَ كَمَا قَالَ فَنَقُولُ: لَفْظُ النَّاذِرِ نُفُوذُ دَلَالَةِ الْعُرْفِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ، فَإِنَّهُ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْفَرْضِ فِي الْأَصْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (تَنْبِيهٌ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ حَجَّ الْآفَاقِيُّ رَاكِبًا أَفْضَلُ أَمْ مَاشِيًا فَعِنْدَنَا رَاكِبًا أَفْضَلُ مِنْ الْمَشْيِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيْهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ رَاكِبًا» فَاتِّبَاعُهُ أَوْلَى وَلِأَنَّ فِي الرُّكُوبِ إنْفَاقًا وَمُؤْنَةً بِالْمَالِ وَعَوْنًا عَلَى قُوَّةِ النَّفْسِ لِقَضَاءِ النُّسُكِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَكَانَ أَفْضَلَ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَهُ: أَنَّ الْمَشْيَ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلِلْمَاشِي فَضْلٌ عَلَى الرَّاكِبِ كَفَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى سَائِرِ اللَّيَالِيِ» وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْحَاجِّ الرَّاكِبِ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا نَاقَتُهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَلِلْحَاجِّ الْمَاشِي بِكُلِّ قَدَمٍ يَرْفَعُهُ وَيَضَعُهُ

[كتاب النكاح]

عَنْهُمَا يَمْشِي فِي حَجِّهِ، وَجَنَائِبُهُ تُقَادُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اشْتَرَى مُحْرِمَةً حَلَّلَهَا وَجَامَعَهَا) أَيْ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ أَحْرَمَتْ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهَا وَيُجَامِعَهَا، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ يُجَامِعَهَا، وَالْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحَلِّلْهَا بِغَيْرِ الْجِمَاعِ كَقَصِّ ظُفْرٍ أَوْ شَعْرٍ ثُمَّ يُجَامِعُهَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُحَلِّلْهَا بِالْمُجَامَعَةِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ وَقَعَ التَّحْلِيلُ بِهِ صُورَةً لَمْ يَقَعْ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْدِيمِ مَحْظُورِهِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ كَالْمَسِّ وَالْقُبْلَةِ، وَبِهِ يَقَعُ التَّحْلِيلُ فَلَمْ يَقَعْ الْجِمَاعُ قَبْلَ التَّحْلِيلِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهَا بِغَيْرِ الْمُجَامَعَةِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحَجِّ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلْهَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الْحُرَّةِ إذَا أَحْرَمَتْ بِحَجِّ نَفْلٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَهَا خِلَافًا لَهُ هُوَ يَقُولُ: إنَّ إحْرَامَهَا صَحَّ وَلَزِمَ فِي حَالٍ لَيْسَ لِلزَّوْجِ، وَلَا لِلْمَوْلَى فِيهِمَا حَقٌّ فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُبْطِلَاهُ كَمَا فِي الْأَمَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ بَاعَهَا فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُبْطِلَهُ، وَلَنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَائِعِ، وَقَدْ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّلَهَا فَكَذَا لِلْمُشْتَرِي وَلِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ لَا لِلِابْتِدَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا وَالْبَقَاءُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالزَّوْجِ فَيُشْتَرَطُ إذْنُهُمَا فِيهِ بِخِلَافِ نِكَاحِ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الْبَقَاءِ، فَإِذَا وُجِدَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَقَعَ لَازِمًا؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ فَسْخَهُ فَكَذَا الْمُشْتَرِي، وَفِي الْإِحْرَامِ يَمْلِكُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ فَكَذَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي، وَلَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ الْخُلْفِ فَإِذَا كَانَ لَهُ التَّحْلِيلُ لَا يَرُدُّهَا بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَلَوْ أَذِنَ لِامْرَأَتِهِ بِالْحَجِّ النَّفْلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ لِمِلْكِهَا مَنَافِعَهَا وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [كِتَابُ النِّكَاحِ] (كِتَابُ النِّكَاحِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْعِبَادَاتِ شَرَعَ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَالِيَةُ الْعِبَادَاتِ لِمَا أَنَّهَا سَبَبٌ لِبَقَاءِ الْعَابِدِينَ وَنَسْلِهِمْ وَقَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَنْزِلَةً مِنْ الْعِبَادَاتِ حَتَّى كَانَ الِاشْتِغَالُ بِالنِّكَاحِ أَوْلَى مِنْ التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ عِنْدَنَا، وَفِيهِ آثَارٌ فِي تَوْعِيدِ مَنْ رَغِبَ عَنْهُ وَتَحْرِيضِ مَنْ رَغِبَ فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْجِهَادُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ شَامِلٌ لِفَضِيلَتَيْنِ، وَهُوَ كَوْنُهُ سَبَبًا لِوُجُودِ الْمُسْلِمِ وَالْإِسْلَامِ، وَالْجِهَادُ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ وَلَهُ فَضَائِلُ أُخَرُ مِنْ انْتِظَامِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ دَوَاعِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَالطَّبْعِ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى تَمَلُّكِ الْمُتْعَةِ قَصْدًا) احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: قَصْدًا عَنْ عَقْدٍ تُمْلَكُ بِهِ الْمُتْعَةُ ضِمْنًا كَالْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبْعُمِائِةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ الْحَسَنَةُ بِمِائَةِ أَلْفٍ» وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْصَى بَنِيهِ عِنْدَ الْمَوْتِ بِأَنْ يَحُجُّوا مُشَاةً وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَّا أَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْحَجُّ مِنْ بِمَكَّةَ وَحَوَالَيْهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا؛ إذْ الْقُدْرَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَلْحَقُهُمْ زِيَادَةُ مَشَقَّةٍ تُخِلُّ بِنُسُكِ الْحَجِّ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِبَنِيهِ عِنْدَ الْمَوْتِ اُخْرُجُوا حَاجِّينَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى مَكَّةَ مُشَاةً فَإِنَّ لِلْحَاجِّ الرَّاكِبِ بِكُلِّ خُطْوَةٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ الْحَجَّ مَاشِيًا مِنْ مَكَّةَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَعَمَلًا بِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَكَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ بِهَذَا تَفْضِيلَ الْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ عَلَى الْحَجِّ مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ شَرَفًا وَتَعْظِيمًا لَهَا وَمَنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ فَالرُّكُوبُ لَهُ أَفْضَلُ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا. اهـ. كَرْمَانِيٌّ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: الْحَاجُّ إذَا خَرَجَ رَاكِبًا كَانَ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ يُجْهَدُ الْإِنْسَانَ، وَيُسِيءُ خُلُقَهُ فَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَأْثَمَ فِي إحْرَامِهِ فِي آخِرِ أَمْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ) أَيْ فَإِذَا قَرُبَتْ، وَالرَّجُلُ مِمَّنْ يَعْتَادُ الْمَشْيَ، وَلَا يُشَقُّ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْكَبَ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْفَقِيهِ جَمَعَ بَيْنَ رِوَايَتَيْ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (كِتَابُ النِّكَاحِ) (قَوْلُهُ: وَالْجِهَادُ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْحَقُّ أَنَّ الْجِهَادَ أَيْضًا سَبَبٌ لَهُمَا؛ إذْ نَقْلُ الْمَوْصُوفِ مِنْ صِفَةٍ إلَى صِفَةٍ أَعَنَى مِنْ الْكُفْرِ إلَى الْإِسْلَامِ يُصَحِّحُ قَوْلَنَا: إنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْمُسْلِمِ وَالْإِسْلَامِ فَالْحَقُّ اشْتِرَاكُهُمَا فِي ذَلِكَ لَكِنْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا يَحْصُلْ بِأَنْكِحَةِ أَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ بِالْقِتَالِ؛ إذْ الْغَالِبُ حُصُولُ الْقَتْلِ بِهِ أَوْ الذِّمَّةِ دُونَ إسْلَامِ أَهْلِ الدَّارِ فَقُدِّمَ لِلْأَكْثَرِيَّةِ فِي ذَلِكَ اهـ وَأَخَّرَ صَاحِبُ الْقُدُورِيِّ النِّكَاحَ عَنْ الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَاتِ الدَّاخِلَةَ تَحْتَ التَّكْلِيفِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ عِبَادَاتٌ مَحْضَةٌ، وَهُوَ الْمَقْصِدُ مِنْ الْفِطْرَةِ كَالْمَعَارِفِ الدِّينِيَّةِ وَالصَّلَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ، وَمَا يُضَاهِيهَا وَمُعَامَلَاتٌ مَحْضَةٌ كَالْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالضَّمَانَاتِ وَمَا يَحْكِيهَا وَمَا هُوَ جَامِعٌ لَهُمَا كَالْأَنْكِحَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا وَتَقْدِيمُ الْبَسِيطِ عَلَى الْمُرَكَّبِ مِنْ فَضَائِلِ الْعُقُولِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ دَوَاعِي الشَّرْعِ إلَخْ) فَأَمَّا دَوَاعِي الشَّرْعِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا دَوَاعِي الْعَقْلِ فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يُحِبُّ أَنْ يَبْقَى اسْمُهُ وَلَا يُمْحَى رَسْمُهُ وَمَا ذَاكَ غَالِبًا إلَّا بِبَقَاءِ النَّسْلِ، وَأَمَّا الطَّبْعُ فَإِنَّ الطَّبْعَ الْبَهِيمِيَّ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى يَدْعُو إلَى تَحْقِيقِ مَا أُعِدَّ مِنْ الْمُبَاضَعَاتِ الشَّهْوَانِيَّةِ وَالْمُضَاجَعَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ وَلَا مَزْجَرَةَ فِيهَا إذَا كَانَتْ بِأَمْرِ الشَّرْعِ، وَإِنْ كَانَتْ بِدَوَاعِي الطَّبْعِ بَلْ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَشْرُوعَاتِ. اهـ. أَكْمَلُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: هُوَ عَقْدٌ إلَخْ) وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا نِكَاحًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ: مَجْمُوعُ إيجَابِ أَحَدِ الْمُتَكَلِّفِينَ مَعَ قَبُولِ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَانَ بِاللَّفْظَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ مِنْ زَوَّجْتُ وَتَزَوَّجْتُ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا سَنَذْكُرُ أَوْ كَلَامِ الْوَاحِدِ الْقَائِمِ مَقَامَهُمَا أَعْنِي مُتَوَلِّيَ الطَّرَفَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ عَقْدٌ وُضِعَ لِتَمَلُّكِ الْمُتْعَةِ بِالْأُنْثَى قَصْدًا، وَالْقَيْدُ الْآخَرُ لِإِخْرَاجِ شِرَاءِ الْأَمَةِ لِلتَّسَرِّي، وَالْمُرَادُ وَضْعُ الشَّارِعِ لَا وَضْعُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَهُ، وَإِلَّا وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشِّرَاءِ قَدْ لَا يَكُونُ إلَّا الْمُتْعَةَ اهـ

[شروط النكاح وأركانه]

وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَيَدْخُلُ مِلْكُ الْمُتْعَةِ فِيهَا ضِمْنًا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُهُ ثُمَّ يَحْتَاجُ هُنَا إلَى مَعْرِفَةِ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ تَفْسِيرُ النِّكَاحِ شَرِيعَةً وَلُغَةً، وَسَبَبُهُ وَشَرْطُهُ وَرُكْنُهُ وَحُكْمُهُ وَصِفَتُهُ أَمَّا تَفْسِيرُهُ شَرْعًا فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ لُغَةً فَهُوَ الْوَطْءُ حَقِيقَةً قَالَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ إذَا سَقَى اللَّهُ قَوْمًا صَوْبَ غَادِيَةٍ ... فَلَا سَقَى اللَّهُ أَرْضَ الْكُوفَةِ الْمَطَرَا التَّارِكِينَ عَلَى طُهْرٍ نِسَاءَهُمْ ... وَالنَّاكِحِينَ بِشَطَّيْ دِجْلَةَ الْبَقَرَا وَهُوَ مَجَازٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ ضَمٌّ، وَالنِّكَاحُ هُوَ الضَّمُّ حَقِيقَةً قَالَ الشَّاعِرُ ضَمَمْت إلَى صَدْرِي مُعَطَّرَ صَدْرِهَا ... كَمَا نَكَحَتْ أُمُّ الْغُلَامِ صَبِيَّهَا أَيْ كَمَا ضَمَّتْ، أَوْ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ لِذَلِكَ، وَسَبَبُهُ تَعَلُّقُ بَقَاءِ الْعَالَمِ بِهِ بِالتَّنَاسُلِ وَالتَّوَالُدِ وَشَرْطُهُ نَوْعَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ فَالْأَوَّلُ الْمَحَلُّ الْقَابِلُ وَالْأَهْلِيَّةُ مِنْ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْخَاصُّ الْإِشْهَادُ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَحُكْمُهُ ثُبُوتُ الْحِلِّ وَالْمِلْكِ لَهُ وَثُبُوتُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَصِفَتُهُ إمَّا فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ سُنَّةٌ وَعِنْدَ التَّوَقَانِ وَاجِبٌ) أَيْ النِّكَاحُ سُنَّةٌ وَعِنْدَ شِدَّةِ الِاشْتِيَاقِ وَاجِبٌ لِيُمْكِنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الزِّنَا وَاجِبٌ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ يَكُونُ وَاجِبًا كَوُجُوبِهِ، وَعِنْدَ عَدَمِ التَّوَقَانِ سُنَّةٌ حَتَّى كَانَ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ النَّفَلُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ إنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ حَتَّى صَحَّ مِنْ الْكَافِرِ وَالْعِبَادَةُ أَوْلَى مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى وَشَرَعَ الْمُعَامَلَاتِ لِلْعِبَادِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ عَلَى دِينِي وَدِينِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ وَإِبْرَاهِيمَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَيْهِ سَبِيلًا فَلْيُجَاهِدْ فِي سَبِيلِ» اللَّهِ فَجَعَلَ النِّكَاحَ مِنْ الدِّينِ، وَقَدَّمَهُ عَلَى الْجِهَادِ وَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ الِاشْتِغَالَ بِهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ أَفْضَلُ وَقَدْ «هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَتَخَلَّوْا لِلْعِبَادَةِ وَيُطَلِّقُوا نِسَاءَهُمْ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ وَقَالَ تَنَاكَحُوا تَوَالَدُوا تَكَاثَرُوا فَإِنِّي أُبَاهَى بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» هَذَا أَمْرٌ وَقَدْ عُرِفَ مُقْتَضَاهُ فِي مَوْضِعِهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النِّكَاحُ سُنَّتِي فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» وَلِأَنَّ فِيهِ انْتِظَامَ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ؛ إذْ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا بِمَصَالِحِ الْبَدَنِ، وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِخَارِجِ الْبَيْتِ وَدَاخِلِهِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقُومُ بِالْوَاحِدِ، وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ اسْتِنَانٌ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ الْمَوْصُوفِ بِالْخُلُقِ الْعَظِيمِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنْ تَحَمُّلَ سُوءِ الْخُلُقِ مِنْ أَخْلَاقِ الْأَبْرَارِ، وَفِيهِ انْضِمَامُ الذَّكَرِ إلَى الْأُنْثَى غَايَةَ الِانْضِمَامِ إذْ لَا بَقَاءَ لِهَذَا الْعَقْدِ إلَّا بِالِالْتِئَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَالَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ) أَيْ وَصَاحِبُ الصِّحَاحِ وَطِلْبَةِ الطَّلَبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ) وَعَزَاهُ فِي الدِّرَايَةِ إلَى النَّجَاشِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ صَوْبَ غَادِيَةٍ) الْغَادِيَةُ سَحَابَةٌ تَنْشَأُ صَبَاحًا. اهـ. ص (قَوْلُهُ: فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ لِذَلِكَ) قُلْت: وَلِهَذَا لَا يُسَمَّى غَيْرُهُ مِنْ الْعُقُودِ نِكَاحًا كَالتَّسَرِّي وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْوَطْءِ لَا مَحَالَةَ. اهـ. سَرُوجِيٌّ [شُرُوط النِّكَاح وَأَرْكَانه] (قَوْلُهُ فَالْأَوَّلُ الْمَحَلُّ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا الْمَحَلِّيَّةُ فَمِنْ الشُّرُوطِ الْعَامَّةِ وَتَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَشْيَاءِ وَالْأَحْكَامِ كَمَحَلِّيَّةِ الْمَبِيعِ لِلْبَيْعِ وَالْأُنْثَى لِلنِّكَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْخَاصُّ الْإِشْهَادُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: شَرْطُهُ الْخَاصُّ بِهِ سَمَاعُ اثْنَيْنِ بِوَصْفٍ خَاصٍّ يَذْكَرُ اهـ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ: وَالْخَاصُّ الْإِشْهَادُ؛ إذْ الْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ اهـ قَالَ الشَّيْخ بَاكِيرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَشَرْطُهُ الْخَاصُّ: حُضُورُ شَاهِدَيْنِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ فِيهَا لِلظُّهُورِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا لِلِانْعِقَادِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ: شَرْطُهُ الَّذِي لَا يَخُصُّهُ الْأَهْلِيَّةُ بِالْعَقْلِ وَبِالْبُلُوغِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ فِي الْوَلِيِّ لَا فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَلَا فِي مُتَوَلِّي الْعَقْدِ فَإِنَّ تَزْوِيجَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ جَائِزٌ، وَتَوْكِيلُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا فِي الْبَيْعِ فَصِحَّتُهُ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ سَفِيرٍ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَشَرْطُ النَّفَاذِ بِلَا إذْنِ أَحَدٍ اهـ (قَوْلُهُ: وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) أَيْ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ بِالتَّعَاطِي اهـ قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ: حَتَّى لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِرَجُلٍ: زَوَّجْتُك نَفْسِي مِنْك بِدِينَارٍ فَدَفَعَ الدِّينَارَ إلَيْهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَقُلْ بِلِسَانِهِ شَيْئًا لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ اهـ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ السِّغْنَاقِيِّ: وَهَذَا الْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي مُبَالَغَةً فِي صِيَانَةِ الْأَبْضَاعِ مِنْ الْهَتْكِ. اهـ. (قَوْلُهُ: النِّكَاحُ سُنَّةٌ) أَيْ حَالَةَ الِاعْتِدَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ عَدَمِ التَّوَقَانِ سُنَّةٌ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا فِي حَالَةِ الِاعْتِدَالِ فَدَاوُد وَأَتْبَاعُهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْوَطْءِ وَالْإِنْفَاقِ، وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا، فَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِ مَنْ أَطْلَقَ الِاسْتِحْبَابَ وَكَثِيرًا مَا يُتَسَامَحُ فِي إطْلَاقِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى السُّنَّةِ اهـ مَعَ اخْتِصَارِ قَوْلِهِ وَقِيلَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ أَيْ وَقِيلَ وَاجِبُ عَيْنٍ كَالْوِتْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: هُوَ يَقُولُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلْيَتَزَوَّجْ) أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلْيُجَاهِدْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ذَكَرَهُ فِي الْفِرْدَوْسِ وَصَحَّحَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَدَّمَهُ عَلَى الْجِهَادِ) أَيْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجِهَادَ أَفْضَلُ مِنْ النَّافِلَةِ فَمَا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الْأَفْضَلِ فَهُوَ أَفْضَلُ قَطْعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَثَبَتَ أَنَّهُ أَفْضَلُ) قَالَ شَمْسُ الدِّينِ سِبْطُ بْنِ الْجَوْزِيِّ فِي إيثَارِ الْإِنْصَافِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قُلْت: ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ قَوْلَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ انْضِمَامُ الذَّكَرِ إلَى الْأُنْثَى) أَيْ وَبِهِ يَحْصُلُ الْإِعْفَافُ اهـ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْكَمَالُ: وَيُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةُ عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ، وَكَذَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ الزِّفَافِ وَالْمُخْتَارُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَفْسَدَةٍ دِينِيَّةٍ وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «زَفَفْنَا

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] وَهَذِهِ الْوُجُوهُ يُتَرَجَّحُ بِهَا عَلَى التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - مَدَحَ يَحْيَى بِكَوْنِهِ سَيِّدًا وَحَصُورًا وَهُوَ مَنْ لَا يَأْتِيَ النِّسَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلَ لَمَا اسْتَحَقَّ الْمَدْحَ بِتَرْكِهِ قُلْنَا: نَحْنُ لَا نُنْكِرُ فَضْلَ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمَدْحِ بِهِ، وَلَكِنْ نَقُولُ: الِاشْتِغَالُ بِالنِّكَاحِ أَفْضَلُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ فِي شَرِيعَتِهِمْ ثُمَّ نُسِخَ فِي شَرِيعَتِنَا فَصَارَتْ الْعِشْرَةُ أَفْضَلَ مِنْ الْعُزْلَةِ كَمَا نُسِخَتْ الرَّهْبَانِيَّةُ وَالْخِصَاءُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وُضِعَا لِلْمَاضِي أَوْ أَحَدِهِمَا) أَيْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِلَفْظَيْنِ وُضِعَا لِلْمَاضِي، أَوْ وُضِعَ أَحَدُهُمَا لِلْمَاضِي، وَالْآخَرُ لِلْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ فَيَنْعَقِدُ بِهِمَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَاخْتَصَّ بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الْمَاضِي؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ، وَهُوَ إثْبَاتُ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا، وَلَيْسَ لَهُ لَفْظٌ يَخْتَصُّ بِهِ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ فَاسْتُعْمِلَ فِيهِ لَفْظٌ يُنْبِئُ عَنْ الثُّبُوتِ، وَهُوَ الْمَاضِي دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ لَا بِاللُّغَةِ فَكَانَ مَا يُنْبِئُ عَنْ الثُّبُوتِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمَا الثُّبُوتُ دُونَ الْوَعْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَاضِيًا، وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: زَوِّجْنِي، فَيَقُولُ: زَوَّجْتُك؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: زَوِّجْنِي تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ وَقَوْلُهُ: زَوَّجْتُك امْتِثَالٌ لِأَمْرِهِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ تَوْكِيلٌ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ قَبُولُهُ بِتَحْصِيلِ الْفِعْلِ بِالْمَجْلِسِ فَإِذَا قَامَ قَبْلَ الْفِعْلِ فَقَدْ قَامَ قَبْلَ الْقَبُولِ فَيَبْطُلُ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: زَوِّجْنِي يُرَادُ بِهِ التَّحْقِيقُ عَادَةً لَا سَوْمًا لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ بِقَوْلِهِ: زَوَّجْتُك بَعْدَ قَوْلِهِ: زَوِّجْنِي كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَلْحَقَ الْوَلِيَّ بِذَلِكَ عَارٌ فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: جِئْت خَاطِبًا بِنْتَك أَوْ لِتُزَوِّجْنِيهَا فَقَالَ زَوَّجْتُكَهَا انْعَقَدَ وَلَزِمَ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ مَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ) أَيْ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إلَّا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَالِ عَنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا فِي الْحَالِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَيْسَ حَقِيقَةً فِيهِ وَلَا مَجَازًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لِلتَّلْفِيقِ وَالنِّكَاحُ لِلضَّمِّ حَتَّى يُرَاعَى فِيهِ مَصَالِحُ الْمُتَنَاكِحِينَ وَلَا ضَمَّ وَلَا ازْدِوَاجَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكَةِ أَصْلًا حَتَّى لَا يُرَاعَى فِيهِ إلَّا مَصَالِحُ الْمَالِكِ وَلِأَنَّ الْإِشْهَادَ فِيهِ شَرْطٌ وَالْكِنَايَةُ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ، وَلَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّاتِ؛ وَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ مُفْسِدٌ لِلنِّكَاحِ، وَكَذَا الْهِبَةُ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ: وَهَبْتُك لِأَهْلِك فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِضِدِّهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQامْرَأَةً إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا عَائِشَةُ أَمَا يَكُونُ مَعَهُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ» وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: الْمُرَادُ بِالدُّفِّ مَا لَا جَلَاجِلَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا نُسِخَتْ الرَّهْبَانِيَّةُ وَالْخِصَاءُ) الْخِصَاءُ هُوَ الِاعْتِزَالُ عَنْ النِّسَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ الرُّهْبَانُ كَأَنَّهُ خِصَاءٌ مَعْنًى اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ إلَخْ) وَفِي الْبَدَائِعِ: وَالْفَوْرُ فِي الْقَبُولِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي التَّجْرِيدِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ فِي الْمَجْلِسِ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْفَوْرِ قَالَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: بِلَفْظَيْنِ) الْمُرَادُ بِاللَّفْظَيْنِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَالْحُكْمِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ أَوْ مَا يَخُصُّ الْحَقِيقَةَ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَإِنَّمَا قَيَّدَ انْعِقَادَهُ بِاللَّفْظِ لِيُخْرِجَ الْكِتَابَةَ فَإِنَّهُ لَوْ كَتَبَ رَجُلٌ عَلَى شَيْءٍ لِامْرَأَةٍ زَوِّجِينِي نَفْسَك فَكَتَبَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ عَقِيبَهُ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الْكَاتِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلًا) وَفِي الْيَنَابِيعِ يُرِيدُ بِالْمُسْتَقْبَلِ لَفْظَ الْأَمْرِ، وَفِيهِ: وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ يَصْلُحُ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ مِثْلِ أَتَزَوَّجُك وَأُنْكِحُك. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ) أَيْ فَلَمْ يَكُنْ انْعِقَادُهُ بِلَفْظَيْنِ، وَإِنَّمَا اللَّفْظُ الْأَوَّلُ تَوْكِيلٌ مِنْهُ لَا غَيْرُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَلَّى فِيهِ الْوَاحِدُ طَرَفَيْ الْعَقْدِ إلَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ اسْتِحْسَانًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَوَّلُهَا أَنَّ الْحُقُوقَ فِي الْبَيْعِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ فَلَوْ تَوَلَّى الْوَاحِدُ طَرَفَيْ الْبَيْعِ أَفْضَى إلَى التَّنَافِي، وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ، فَإِنَّ وَكِيلَ الزَّوْجِ لَا يُطَالِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَهْرِ، وَلَا غَيْرِهِ مِنْ حُقُوقِهِ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ فِيهِ، وَكَذَا وَكِيلُ الزَّوْجَةِ لَا يُطَالِبُ بِتَسْلِيمِهَا بَلْ هُوَ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ عَنْهَا كَذَا فِي الْغَايَةِ، وَبَقِيَّةُ الْأَوْجُهِ مَذْكُورَةٌ فِي الشَّرْحِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ) أَيْ الثَّانِيَ اهـ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ) أَيْ الثَّالِثَ. اهـ. (قَوْلُهُ: زَوِّجْنِي) أَيْ وَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِ الْوَلِيِّ زَوَّجْتُكَ قَبِلْتُ (قَوْلُهُ: فَيَلْحَقُ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ عَارٌ) وَيُقَالُ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْبَيْعِ) أَيْ حَيْثُ لَا عَارَ فِي رَدِّهِ (قَوْلُهُ: فَقَالَ زَوَّجْتُكَهَا إلَخْ) وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ: قَدْ تَزَوَّجْتُك عَلَى ذَلِكَ صَحَّ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْصُرُهُ السَّوْمُ فَكَانَ الظَّاهِرُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ الْإِيجَابَ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي بِأَلْفٍ فَقَالَ: قَبِلْت، وَسَكَتَ عَنْ الْمَهْرِ صَحَّ، وَإِنْ قَالَ: قَبِلْت، وَلَا أَقْبَلُ الْمَهْرَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ رَدٌّ، وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَبَعٌ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: لَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَك فَقَالَ: ارْفَعْهَا وَاذْهَبْ بِهَا حَيْثُ شِئْت بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ لَا يَنْعَقِدُ، وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: يَنْعَقِدُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ صِرْتِ امْرَأَةً لِي فَقَالَتْ: نَعَمْ أَوْ صِرْتُ لَك، اخْتِيَارُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَابْنُ حَنْبَلٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَيْسَ حَقِيقَةً فِيهِ) أَيْ فِي النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا مَجَازًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} [الأحزاب: 50] إلَخْ)

{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا} [الأحزاب: 50] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» وَرَدَا فِي النِّكَاحِ وَلَا يُقَالُ الِانْعِقَادُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ خَاصٌّ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50]؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الِاخْتِصَاصُ وَالْخُلُوصُ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِمَنْ آتَى مَهْرَهَا فِي قَوْلِهِ {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] إلَى قَوْلِهِ {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} [الأحزاب: 50] وَبِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 50] وَالْحَرَجُ بِلُزُومِ الْمَهْرِ دُونَ لَفْظِ التَّزْوِيجِ وَبِنَفْيِ الْمَهْرِ تَحْصُلُ الْمِنَّةُ الَّتِي سِيقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهَا لَا بِإِقَامَةِ لَفْظٍ مَقَامَ لَفْظٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخُلُوصُ فِي أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ وَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ بِوَاسِطَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُهَا وَالسَّبَبِيَّةُ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ وَقَوْلُهُ: التَّمْلِيكُ مُفْسِدٌ لِلنِّكَاحِ، وَالْهِبَةُ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ إلَخْ يُنْتَقَضُ بِقَوْلِهِ: تَزَوَّجِي فَإِنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِهِ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَهُوَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، وَالتَّمْلِيكُ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُحَرِّمٌ عَلَيْهِ أَمَتَهُ، وَإِنَّمَا يُفْسِدُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَبْطَلَ مَالِكِيَّةَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ ثَبَتَ لَهَا بِالنِّكَاحِ ضَرْبُ مِلْكٍ عَلَى الزَّوْجِ فِي مَوَاجِبِ النِّكَاحِ مِنْ طَلَبِ الْقَسْمِ وَتَقْدِيرِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْمَنْعِ عَنْ الْعَزْلِ وَغَيْرِهَا وَبِالتَّمْلِيكِ بَطَلَ ذَلِكَ وَصَارَتْ مَمْلُوكَةً مَحْضَةً، وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: لَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّاتِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ مَعَ ذِكْرِ الْمَهْرِ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ مُطْلَقًا لِعَدَمِ اللَّبْسِ كَقَوْلِهِمْ: لِلشُّجَاعِ أَسَدٌ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا صَرَّحَا بِهِ وَلَمْ يَبْقَ الِاحْتِمَالُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْمَمْلُوكُ بِهِ غَيْرُ مَالٍ قُلْنَا طَرِيقُ الْمَجَازِ مَوْجُودٌ فِيهِ فَصَارَ كَالْهِبَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَقَالَ: إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ قَالَ تَزَوَّجْتُهَا أَوْ اشْتَرَيْتهَا سَقَطَ الْحَدُّ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا وَجَعَلَهُ دَعْوَى النِّكَاحِ وَبِلَفْظِ السَّلَمِ قِيلَ يَنْعَقِدُ، وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ وَكَذَا فِي الصَّرْفِ رِوَايَتَانِ وَفِي الْقَرْضِ قِيلَ يَنْعَقِدُ وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ وَقِيلَ الْأَوَّلُ قِيَاسُ قَوْلِهِمَا وَالثَّانِي قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ بِالْقَبْضِ يَثْبُتُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَثْبُتُ وَبِالْجُعْلِ يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْمِلْكَ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَفِي النَّوَادِرِ إذَا قَالَ أَوْصَيْت لَك بِبِنْتِي لِلْحَالِ يَنْعَقِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ إذَا طَلَبَ الزَّوْجُ مِنْهَا النِّكَاحَ حَتَّى لَوْ طَلَبَ مِنْهَا التَّمْكِينَ مِنْ الْوَطْءِ فَقَالَتْ: وَهَبْت نَفْسِي مِنْك، وَقَبِلَ الزَّوْجُ لَا يَكُونُ نِكَاحًا كَذَا فِي الْمَطْلَعِ وَإِلَيْهِ أُشِيرَ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ اهـ وَأَيْضًا إنَّمَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ حُرَّةً أَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً كَانَ الْعَقْدُ هِبَةً نَصَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَوْضِيحِهِ فِي فَصْلِ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّا نَقُولُ: الِاخْتِصَاصُ وَالْخُلُوصُ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخُلُوصُ أَمْرَيْنِ: الِانْعِقَادُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَشَرْعِيَّتُهُ بِغَيْرِ مَهْرٍ يَلْزَمُ كَثْرَةُ الِاخْتِصَاصِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اخْتِصَاصِهِ عَنْ أَمَتِهِ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَإِمَامُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ رَجُلًا وَهَبَ ابْنَتَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُزْءٍ عِنْدَ شَاهِدَيْنِ فَأَجَازَ ذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ (قَوْلُهُ: فِي سُقُوطٍ) أَيْ الَّذِي لَا يَجُوزُ خُلُوُّ النِّكَاحِ عَنْهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْمَهْرِ) أَيْ لَا فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ الْمَجَازَ لَا يَخْتَصُّ بِحَضْرَةِ الرِّسَالَةِ. اهـ. تَنْقِيحُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ: دُونَ لَفْظِ التَّزْوِيجِ) خُصُوصًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْصَحِ الْعَرَبِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُهَا) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْبَهَائِمِ وَالْغِلْمَانِ وَالْمَحَارِمِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَالسَّبَبِيَّةُ) فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ فَإِطْلَاقُ السَّبَبِ، وَإِرَادَةُ الْمُسَبِّبِ مِنْ أَقْوَى طُرُقِ الْمَجَازِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهَا) أَيْ النِّيَّةَ اهـ (قَوْلُهُ: يَنْصَرِفُ إلَى الْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ)؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا اسْتَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا صَرَّحَا بِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ الْمُوجِبُ بِالْكِنَايَةِ أَرَدْت بِهَا عَقْدَ النِّكَاحِ فَلَا اعْتِبَارَ حِينَئِذٍ إلَّا لِإِقْرَارِهِ بِالْتِزَامِ صِحَّةِ النِّكَاحِ بِالْكِنَايَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ لَا يَنْعَقِدُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ بِأَنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ بِعْتُك نَفْسِي أَوْ قَالَ الْأَبُ بِعْت ابْنَتِي مِنْك بِكَذَا وَكَذَا بِلَفْظِ الشِّرَاءِ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْتُك بِكَذَا فَأَجَابَتْ بِنَعَمْ وَكَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِيّ يَقُولُ بِانْعِقَادِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ حَيْثُ قَالَ إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ قَالَ تَزَوَّجْتهَا أَوْ اشْتَرَيْتهَا سَقَطَ الْحَدُّ اهـ وَكَذَا فِي الْغَايَةِ السُّرُوجِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَالْمَمْلُوكُ بِهِ) أَيْ مَنْفَعَتِهِ، وَهِيَ. اهـ. (قَوْلُهُ: طَرِيقُ الْمَجَازِ مَوْجُودٌ) أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ يُوجِبُ مِلْكًا هُوَ سَبَبُ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: وَبِلَفْظِ السَّلَمِ قِيلَ يَنْعَقِدُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَيَنْعَقِدُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ مَلَكَهُ مِلْكًا فَاسِدًا اهـ سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ) أَيْ لِأَنَّ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي الصَّرْفِ رِوَايَتَانِ) قِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ خَاصٌّ فِي أَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْعَيْنِ فَفِي الْمَنْفَعَةِ أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمَا قَوْلَانِ وَأَنَّ مَنْشَأَهُمَا الرِّوَايَتَانِ اهـ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْعَيْنِ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَفِي الْقَرْضِ قِيلَ يَنْعَقِدُ)؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لِلْمُسْتَقْرِضِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ إعَارَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِالْجَعْلِ يَنْعَقِدُ إلَخْ) وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي بِالْفَارِسِيَّةِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالْجَعْلِ اهـ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: النِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْجَعْلِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِرَجُلٍ: جَعَلْتُ لَك نَفْسِي بِأَلْفٍ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَقَالَ قَبِلْت يَكُونُ نِكَاحًا، وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ فِي دَعْوَى الْجَامِعِ إذَا قَالَ: جَعَلْتُ ابْنَتِي هَذِهِ لَك بِأَلْفٍ كَانَ نِكَاحًا لِلْمَعْنَى، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي، وَفِي الْمُحِيطِ: وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْجَعْلِ وَبِلَفْظِ الرَّجْعَةِ إنْ كَانَتْ مُبَانَةً اهـ وَفِي الرَّهْنِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهَا لِلْفَسْخِ

لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ، وَالِانْعِقَادُ بِاعْتِبَارِهِ، وَفِيهِ خِلَافُ الْكَرْخِيِّ هُوَ يَقُولُ: إنَّ الْمُسْتَوْفَى فِي النِّكَاحِ مَنْفَعَةُ حَقِيقَةٍ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ - تَعَالَى - بَدَلَهُ أُجْرَةً بِقَوْلِهِ {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24] فَتَثْبُتُ الْمُشَاكَلَةُ بَيْنَهُمَا قُلْنَا: الْمَمْلُوكُ بِالنِّكَاحِ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ التَّأْبِيدُ مِنْ شَرْطِهِ كَتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، وَالتَّأْقِيتُ مُفْسِدٌ لَهُ فَتَثْبُتُ الْمُضَادَّةُ بَيْنَهُمَا فَلَا تَصِحُّ الِاسْتِعَارَةُ وَلَوْ جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ أُجْرَةً يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْإِجَازَةِ بِالزَّايِ وَالرِّضَا وَالْإِبْرَاءِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ وَذُكِرَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مَوْضُوعٍ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ إنْ ذُكِرَ الْمَهْرُ وَإِلَّا فَالنِّيَّةُ وَمَا لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لَهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ لَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ نِكَاحٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كِنَايَاتِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ إجْمَاعًا وَمَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ إجْمَاعًا وَمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ فَاحْفَظْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عِنْدَ حُرَّيْنِ أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، وَلَوْ فَاسِقَيْنِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ أَوْ أَعَمِيَيْنِ أَوْ ابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ) يَعْنِي يَنْعَقِدُ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا إذَا وُجِدَتْ عِنْدَ رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ أَوْ رَجُلٍ حُرٍّ وَامْرَأَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ يَعْنِي بِهِ حُضُورَ الشُّهُودِ وَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِحُضُورِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: يَجُوزُ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَزَوَّجَ ابْنُ عُمَرَ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَكَذَا فَعَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ يَجُوزُ بِغَيْرِ شُهُودٍ إذَا أَعْلَنُوا، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَلَوْ بِالدُّفِّ» وَعَلَى هَذَا قَالَ مَالِكٌ لَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ وَشَرَطَ كِتْمَانَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَأُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَقَالَ: هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ فَلَا أُجِيزُهُ وَلَا يَلْزَمُنَا مَا رَوَوْا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِحُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ يَحْصُلُ الْإِعْلَانُ وَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سِرًّا ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّهَا نُفُوذُ قَوْلِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْغَيْرِ رَضِيَ أَوْ لَمْ يَرْضَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْضُوعَةٌ وَكَذَا الصُّلْحُ لِكَوْنِهِ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ لَا لِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ وَالْعَطِيَّةِ. اهـ. غَايَةٌ السُّرُوجِيِّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ) وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِي صِحَّتِهِ حِينَئِذٍ. اهـ. فَتْحٌ وَأَمَّا لَفْظُ الرَّدِّ هَلْ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إمْلَاءَ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا، فَقَالَتْ: رَدَدْت نَفْسِي عَلَيْك، فَقَالَ الزَّوْجُ: قَبِلْت كَانَ نِكَاحًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ: وَالرَّدُّ قَدْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الِابْتِدَاءِ. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةُ (قَوْلُهُ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ) أَيْ بِأَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ: آجَرْت نَفْسِي مِنْك بِكَذَا أَوْ يَقُولَ الْأَبُ: آجَرْت ابْنَتِي مِنْك بِكَذَا وَنَوَى بِهِ النِّكَاحَ وَأَعْلَمَ الشُّهُودَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ خِلَافُ الْكَرْخِيِّ) وَمَا قَالَهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالتَّأْقِيتُ مُفْسِدٌ لَهُ) أَيْ وَالتَّأْقِيتُ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَعَلَتْ الْمَرْأَةُ أُجْرَةً) أَيْ أَوْ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: اسْتَأْجَرْت دَارَك بِابْنَتِي هَذِهِ أَيْ أَوْ أَسْلَمْتهَا إلَيْك فِي كُرِّ حِنْطَةٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ) أَيْ النِّكَاحُ اهـ (قَوْلُهُ وَالرِّضَا وَالْإِبْرَاءِ) أَيْ وَالشَّرِكَةِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْوَلَاءِ وَالْإِيدَاعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَا لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لَهُ إلَخْ) وَكُلُّ لَفْظٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ تَنْعَقِدُ بِهِ الشُّبْهَةُ حَتَّى يَسْقُطَ بِهِ الْحَدُّ وَيَجِبُ لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ إنْ دَخَلَ بِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ لَا يَعْلَمَانِ إلَخْ) وَلَوْ لُقِّنَتْ الْمَرْأَةُ زَوَّجْت نَفْسِي بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا تَعْلَمُ مَعْنَاهُ وَقَبِلَ وَالشُّهُودُ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ صَحَّ كَالطَّلَاقِ وَقِيلَ لَا كَالْبَيْعِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: مَا يَنْعَقِدُ بِهِ إجْمَاعًا) أَيْ مِنْ مَشَايِخِنَا، وَذَلِكَ كَالتَّمْلِيكِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ عِنْدَ حُرَّيْنِ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ يَنْعَقِدُ أَوْ بِقَوْلِهِ: يَصِحُّ اهـ وَقَوْلُهُ: عِنْدَ حُرَّيْنِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ: ثُمَّ قَوْلُ الشَّيْخِ عِنْدَ حُرَّيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حُضُورُهُمَا لِإِسْمَاعِهِمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ لِلْحَضْرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَحْدُودَيْنِ) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَحْدُودَيْنِ قَبْلَ ظُهُورِ التَّوْبَةِ إذْ بَعْدَهُ يَنْعَقِدُ اتِّفَاقًا. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ») رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. فَتْحٌ وَالشُّهُودُ الْحُضُورُ إمَّا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْحَضْرَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ شَاهِدٍ كَالسُّجُودِ جَمْعِ سَاجِدٍ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ إلَخْ) وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْقِنِّ لَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَوْ حَضَرَ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ الْعَقْدَ مَعَ غَيْرِهِمَا مِمَّا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَاحْتِيجَ إلَى الْأَدَاءِ لِجَحْدِ النِّكَاحِ فَشَهِدَا بِهِ دُونَ مَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِمَّنْ الْعَقْدُ بِحُضُورِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صِحَّةُ الْعَقْدِ كَانَتْ بِحُضُورِهِمَا هَذَا، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَوَازُ شَهَادَةِ الْعَبْدِ مُطْلَقًا وَاسْتَبْعَدَ نَفْيَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا كِتَابَ وَلَا سُنَّةَ وَلَا إجْمَاعَ فِي نَفْيِهَا وَحَكَى عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ مَا عَلِمْت أَحَدًا رَدَّ شَهَادَةِ الْعَبْدِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - يَقْبَلُهَا عَلَى الْأُمَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَيْفَ لَا يُقْبَلُ هُنَا، وَيُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رِوَايَةِ الْإِخْبَارِ وَاَلَّذِي ذُكِرَ مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ مِمَّا يُمْنَعُ فَإِنَّهُ لَا تَلَازُمَ عَقْلًا بَيْنَ تَصْدِيقِ مُخْبِرٍ فِي إخْبَارِهِ بِمَا شَاهَدَهُ بَعْدَ كَوْنِهِ عَدْلًا تَقِيًّا وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَمْلُوكَ الْمَنَافِعِ وَلَا شَرْعًا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْتَلَى عَبْدٌ مِنْ اللَّهِ بِالرِّقِّ وَيُقْبَلُ إخْبَارُهُ كَيْفَ وَلَيْسَ الشَّرْطُ هُنَا كَوْنَ الشَّاهِدِ مِمَّنْ يُقْبَلُ أَدَاؤُهُ وَكَذَا جَازَ بِدَعْوَى الزَّوْجَيْنِ وَلَا أَدَاءَ لَهُمَا، وَغَايَةُ مَا يُلْمَحُ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ شَرْطًا، وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ تَصَرُّفُ التَّحَقُّقِ بِالْجَمَادَاتِ فِي حَقِّ الْعُقُودِ فَكَانَ حُضُورُهُ كَلَا حُضُورٍ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ وَلِأَنَّ

وَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الذُّكُورَةِ عِنْدَنَا حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحُضُورِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي غَيْرِ الْمَالِ وَتَوَابِعِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَهُ، وَسَيُعْرَفُ فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهَ - تَعَالَى -، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحَضْرَةِ فَاسِقَيْنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ، وَالْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الْإِهَانَةِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى، وَهُوَ صَوْنُ الْعَقْدِ عَنْ الْجُحُودِ، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَلَنَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَحْرُمْ الْوِلَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ لَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ أَهْلًا لَهَا أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْفِسْقَ لَا يُنْقِصُ مِنْ إيمَانِهِ شَيْئًا، وَعَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِيمَانِ لَا مِنْ نَفْسِهِ وَعِنْدَهُ الشَّرَائِعُ مِنْ نَفْسِ الْإِيمَانِ وَيَزْدَادُ بِالطَّاعَةِ وَيُنْتَقَصُ بِالْمَعْصِيَةِ فَجُعِلَ نُقْصَانُ الدِّينِ كَنُقْصَانِ الْحَالِ بِالرِّقِّ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ إنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ عِنْدَ الْأَدَاءِ لِلتُّهْمَةِ وَلَا تُهْمَةَ هُنَا لِتَيَقُّنِهِ وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ صَوْنِ الْعَقْدِ عَنْ الْجُحُودِ يَبْطُلُ بِابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ وَبِابْنَيْ أَحَدِهِمَا، وَكَذَا بِالْمَسْتُورَيْنِ وَبِعَدُوَّيْهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ ثَمَرَةُ الْأَدَاءِ بِالنَّهْيِ لِجَرِيمَتِهِ فَلَا يُبَالِي بِفَوَاتِهِ كَمَا فِي شَهَادَةِ الْعُمْيَانِ وَابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ ثُمَّ قِيلَ: الشَّرْطُ فِيهِ حُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ لِإِسْمَاعِهِمَا، وَفِي رِوَايَةٍ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمَا، وَلَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ الَأَصَمَّيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَبِحَضْرَةِ السُّكَارَى صَحَّ إذَا فَهِمُوا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا بَعْدَ الصَّحْوِ وَلَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ هِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا كَلَامَهُمَا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ سَمِعَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ فَأُعِيدَ عَلَى الْآخَرِ فَسَمِعَهُ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصَمَّ فَأَعَادَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ حَتَّى سَمِعَ لَا يَجُوزُ وَلَوْ سَمِعَ أَحَدُهُمَا كَلَامَ الزَّوْجِ، وَالْآخَرُ كَلَامَ الْمَرْأَةِ ثُمَّ أُعِيدَ فَسَمِعَ الَّذِي كَانَ سَمِعَ كَلَامَ الزَّوْجِ كَلَامَ الْمَرْأَةِ وَالْآخَرُ كَلَامَ الزَّوْجِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ تَزْوِيجُ مُسْلِمٍ ذِمِّيَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّكَاحَ يُعْقَدُ فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ وَالْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ لَا يُدْعَوْنَ فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ عَادَةً فَكَانَ حُضُورُهُمَا كَلَا حُضُورٍ فَحَاصِلُهُ إنَّ اشْتِرَاطَ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ لِإِظْهَارِ الْخَطَرِ وَلَا خَطَرَ فِي إحْضَارِ مُجَرَّدِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ، وَكَذَا أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ عَنْ الرِّجَالِ فَشَمِلَ هَذَا الْوَجْهُ نَفْيَ شَهَادَةِ الْكُلِّ وَاعْتِبَارِهِ أَوْلَى أَنْ يَنْفِيَ شَهَادَةَ السُّكَارَى حَالَ سُكْرِهِمْ وَعَرْبَدَتِهِمْ وَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ يَذْكُرُونَهَا بَعْدَ الصَّحْوِ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي أَدِينُ بِهِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحُضُورِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إلَخْ) وَأَجَازَ النِّكَاحَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ مَعًا الشَّعْبِيُّ وَدَاوُد وَأَصْحَابُهُ وَكَذَا فِي إشَارَةِ ابْنِ حَنْبَلٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ وَجَوَّزَهُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعٍ مِنْ النِّسَاءِ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَأَجْمَعُوا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ النِّسْوَةِ الْمُنْفَرِدَاتِ لِأَنَّهُنَّ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَبِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لَا يَنْعَقِدُ، وَهَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: إنَّهُ) أَيْ الْفَاسِقَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ) أَيْ حَتَّى لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ نَفَذَ حُكْمُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْغَيْرَ مِنْ جِنْسِ الْفَاسِقِ وَيَجُوزُ قَلْبُهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ أَهْلًا لَهَا أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ) أَيْ لِأَنَّ تَقَلُّدَ الْقَضَاءِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْإِمَامِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: إنَّ الْفِسْقَ لَا يُنْقِصُ مِنْ إيمَانِهِ شَيْئًا) أَيْ عِنْدَنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: بِالرِّقِّ وَغَيْرِهِ) أَيْ كَالصِّغَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ) أَيْ وَلَا يَثْبُتُ بِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ: الشَّرْطُ فِيهِ حُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ لِإِسْمَاعِهِمَا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ وَنَقَلَ عَنْ أَبْوَابِ الْأَمَانِ مِنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا وَعَلَى هَذَا جَوَّزَهُ بِالْأَصَمِّينَ وَالنَّائِمِينَ وَالصَّحِيحُ اشْتِرَاطُ السَّمَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْحُضُورِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ وَرَقَةٍ: وَنَصَّ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى اشْتِرَاطِ السَّمَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْحُضُورِ فَلَا يَجُوزُ بِالْأَصَمَّيْنِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَنْ اشْتِرَاطِ السَّمَاعِ مَا قَدَّمْنَا فِي التَّزَوُّجِ بِالْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشُّهُودِ مَا فِي الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْخِطْبَةِ بِأَنْ تَقْرَأَ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِمْ أَوْ سَمَاعِهِمْ الْعِبَارَةَ عَنْهُ بِأَنْ تَقُولَ: إنَّ فُلَانًا كَتَبَ إلَيَّ لِيَخْطُبَنِي ثُمَّ تُشْهِدُ أَنَّهَا زَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا أَمَّا لَوْ لَمْ تَزِدْ عَلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِي التَّفْرِيعِ، وَلَقَدْ أَبْعَدَ عَنْ الْفِقْهِ وَعَنْ الْحِكْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ زَادَ النَّائِمِينَ وَنَصَّ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَهُمَا ثُمَّ الشَّرْطُ أَنْ يَسْمَعَا مَعًا كَلَامَهُمَا مَعَ الْفَهْمِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَذَكَرَ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ قَالَ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ اهـ إذْ لَوْ سَمِعَ أَحَدُ الشُّهُودِ ثُمَّ أُعِيدَ عَلَى الْآخَرِ فَسَمِعَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَكُنْ الثَّابِتُ عَلَى كُلِّ عَقْدٍ سِوَى شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَإِلَّا فَلَا وَعَنْهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمَا مَعًا وَأَمَّا الثَّانِي فَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِحَضْرَةِ هِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا لَمْ يَجُزْ وَعَنْهُ إنْ أَمْكَنَهُمَا أَنْ يُعَبِّرَا مَا سَمِعَا جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، وَحَكَى عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ خِلَافًا فِيهِ، وَجَعَلَ الظَّاهِرَ عَدَمَ الْجَوَازِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمَا) قَالَ فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشُّهُودِ كَلَامَهُمَا، وَفِي نَظْمِ الزندويستي الْأَصَحُّ أَنَّ سَمَاعَهُمَا مَعًا شَرْطٌ، وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ اهـ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكُفَّارِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُدَبَّرِينَ وَالْمُكَاتَبِينَ وَالنَّائِمِينَ وَالْأَصَمِّينَ الَّذِينَ لَا يَسْمَعُونَ الْعَاقِدَيْنِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ) كَذَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ

عِنْدَ ذِمِّيَّيْنِ) يَعْنِي بِشَهَادَةِ ذِمِّيِّينَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ فِي النِّكَاحِ شَهَادَةٌ وَلَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا يَصِحُّ سَمَاعُهُمَا كَلَامَ الْمُسْلِمِ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ وَشَرْطُ انْعِقَادِهِ سَمَاعُ الشَّاهِدَيْنِ شَطْرَيْ الْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا سَمِعَا كَلَامَ الْمَرْأَةِ دُونَ كَلَامِهِ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا شُرِطَتْ فِي النِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ لَهُ عَلَيْهَا تَعْظِيمًا لِجُزْءِ الْآدَمِيِّ لِشَرَفِهِ لَا لِثُبُوتِ مِلْكِ الْمَهْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الشَّهَادَةُ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَلِلذِّمِّيِّ شَهَادَةٌ عَلَى مِثْلِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ بَاشَرَ عَقْدَهَا نَفَذَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الرَّجُلِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُعْتَبَرَةٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّطْرَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشَّطْرَيْنِ ثُمَّ إذَا وَقَعَ التَّنَاكُرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُنْكِرَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُنْكِرَةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهَا، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ ابْنَيْهِ مِنْ غَيْرِهَا ثُمَّ تَجَاحَدَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُنْكِرَةَ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا وَإِنْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُنْكِرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَهَادَةِ ابْنَيْهَا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ تَجَاحَدَا فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُنْكِرَةَ تُقْبَلُ، وَإِلَّا لَا تُقْبَلُ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَهَادَةِ ابْنَيْهِمَا ثُمَّ تَجَاحَدَا لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِغَيْرِ الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ الْكَافِرَيْنِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا مُطْلَقًا إلَّا إذَا قَالَا: كَانَ مَعَنَا مُسْلِمَانِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهَا دُونَهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ أَيْضًا لِإِثْبَاتِهِمَا فِعْلَ الْمُسْلِمِ وَلَا يَثْبُتُ فِعْلُهُ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ كَمُسْلِمٍ ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ ذِمِّيٍّ فَجَحَدَهُ فَأَقَامَ الْمُسْلِمُ شَاهِدَيْنِ كَافِرَيْنِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدُهُ قَضَى لَهُ بِهِ قَاضِي فُلَانٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ فِعْلِ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَلَوْ أَسْلَمَا ثُمَّ أَدَّيَا الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ إلَّا إذَا قَالَا: كَانَ مَعَنَا مُسْلِمَانِ عِنْدَ الْعَقْدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ صَغِيرَتَهُ فَزَوَّجَهَا عِنْدَ رَجُلٍ وَالْأَبُ حَاضِرٌ صَحَّ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ حَاضِرًا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ حَاضِرًا يُجْعَلُ مُبَاشِرًا لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ فَيَبْقَى الْوَكِيلُ الْمُزَوِّجُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا فَيَكُونُ شَاهِدًا مَعَ الرَّجُلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ غَائِبًا؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُخْتَلِفٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَبُ مُبَاشِرًا فَلَا يَنْتَقِلُ كَلَامُ الْوَكِيلِ إلَيْهِ فَيَبْقَى الرَّجُلُ وَحْدَهُ شَاهِدًا وَبِهِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ وَقَوْلُهُ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ امْرَأَةً فَعَقَدَتْ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى، وَالْأَبُ حَاضِرٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَكَذَا قَوْلُهُ: عِنْدَ رَجُلٍ وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ امْرَأَتَيْنِ وَالْأَبُ حَاضِرٌ كَانَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ بِنْتَهُ الْبَالِغَةَ بِحَضْرَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ مُبَاشَرَتُهُ حَقِيقَةً يُجْعَلُ مُبَاشِرًا حُكْمًا وَإِلَّا فَلَا؛ وَلِهَذَا جُعِلَ الزَّوْجُ وَاطِئًا حُكْمًا بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ مَا لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا حَقِيقَةً أَوْ شَرْعًا، وَكَذَا الْجَاهِلُ بِالْأَحْكَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ جُعِلَ عَالِمًا تَقْدِيرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّحْصِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ ابْنَتَهَا الْبَالِغَةَ بِرِضَاهَا بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ جَازَ بِحَضْرَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ صَغِيرَةً لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ كَانَتْ حَاضِرَةً أَوْ لَا لِعَدَمِ الِانْتِقَالِ كَالْأَبِ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَعَقَدَ الْوَكِيلُ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا جَازَ، وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا لَوْ وَكَّلَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَعَقَدَ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ جَازَ إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ فَزَوَّجَ الْوَكِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ) أَيْ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَأَنَّهُمَا سَمِعَا كَلَامَ الْمَرْأَةِ دُونَ كَلَامِهِ) قُلْت: وَفِي هَذَا خِلَافٌ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَرِيبٍ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الذِّمِّيِّ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مُسْلِمَةٍ لَوْ بَاشَرَ الذِّمِّيَّانِ عَقْدَ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِأَنْ كَانَا وَلِيَّيْنِ لَهَا أَوْ وَكِيلَيْنِ نَفَذَ عَلَى الزَّوْجِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا مَا ظَهَرَ حَالَ الْمُطَالَعَةِ ثُمَّ وَقَفْت عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا فِي الْغَايَةِ وَهَاكَ عِبَارَتَهَا، وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَلَهُمَا طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الذِّمِّيَّ يَصْلُحُ وَلِيًّا لِلذِّمِّيَّةِ فِي تَزْوِيجِهَا وَقَابِلًا لِهَذَا الْعَقْدِ فَيَصْلُحُ شَاهِدًا فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ رُكْنٌ لِلْعَقْدِ، وَالشَّهَادَةُ شَرْطُهُ، فَإِذَا قَامَ الَّذِي بِرُكْنِهِ فَبِشَرْطِهِ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشَّطْرَيْنِ) أَيْ مَعَ أَنَّ فِيهِ مَعْنًى عَلَى مَا مَرَّ. اهـ. غَايَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُمَا مُسْلِمَانِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَأَسْلَمَا وَشَهِدَا بِالْعَقْدِ عِنْدَ إنْكَارِ الْمُسْلِمِ قُبِلَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ أَيْضًا) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِهِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا تَكَلُّفٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِي بَابِ النِّكَاحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْلِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ الْمَأْمُورِ إلَى الْآمِرِ حُكْمًا وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَهِيَ مَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الْبَالِغَةَ بِحَضْرَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً جَازَ بِنَقْلِ مُبَاشَرَةِ الْأَبِ إلَيْهَا لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهَا لِلشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُقَدَّرُ أَنْ لَوْ تُصُوِّرَ تَحْقِيقًا وَأَقُولُ: أَرَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى ذَلِكَ التَّكَلُّفِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ حَاضِرًا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِي نِكَاحٍ أَمَرَ بِهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فَكَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُزَوِّجَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُزَوِّجُ شَاهِدًا، وَإِذَا انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمُبَاشَرَةُ أَيْضًا صَارَ هُوَ الْمُزَوِّجَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ شَاهِدًا. اهـ. أَكْمَلُ (قَوْلُهُ: كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ) وَكَذَا قَوْلُهُ: صَغِيرَتَهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَةَ يَقُومُ وَالِدُهَا مَقَامَ شَاهِدٍ هـ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا جُعِلَ الزَّوْجُ وَاطِئًا حُكْمًا بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ) أَيْ فِي حَقِّ تَكْمِيلِ الْمَهْدِ. اهـ. غَايَةٌ

[فصل في المحرمات]

الْعَبْدَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ، وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَتَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ الْمَوْلَى وَرَجُلٍ آخَرَ فَقَدْ قِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فَتَنْتَقِلُ عِبَارَتُهُ إلَى الْمَوْلَى فَيَكُونُ كَأَنَّهُ زَوَّجَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ قَالُوا: هَذَا لَيْسَ بِصَوَابٍ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَصْلِ أَصْحَابِنَا، فَإِنَّ أَصْلَهُمْ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ، وَالْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ، وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْلَى فَيَصْلُحُ شَاهِدًا، وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْبَالِغَ امْرَأَةً بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُبَاشِرًا فَيَنْتَقِلُ إلَى الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ وَعَلَى هَذَا الْأَمَةُ، وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: لَا يَجُوزُ فَكَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ثُمَّ إذَا وَقَعَ التَّجَاحُدُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَلِلْمُبَاشِرِ أَنْ يَشْهَدَ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عَقَدَهُ بَلْ قَالَ: هَذِهِ امْرَأَتُهُ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ بَيَّنَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ أَنْوَاعٌ النَّوْعُ الْأَوَّلُ الْمُحَرَّمَاتُ بِالنَّسَبِ وَهُنَّ أَنْوَاعٌ فُرُوعُهُ وَأُصُولُهُ وَفُرُوعُ أَبَوَيْهِ وَإِنْ نَزَلُوا وَفُرُوعُ أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ إذَا انْفَصَلُوا بِبَطْنٍ وَاحِدٍ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ، وَهُنَّ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ فُرُوعُ نِسَائِهِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ وَأُصُولُهُنَّ وَحَلَائِلُ فُرُوعِهِ وَحَلَائِلُ أُصُولِهِ وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ وَأَنْوَاعُهُنَّ كَالنَّسَبِ وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ حُرْمَةُ الْجَمْعِ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ حُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَحَارِمِ، وَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّاتِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْخَمْسِ أَوْ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَالْحُرَّةُ مُتَقَدِّمَةٌ، وَالنَّوْعُ الْخَامِسُ: الْمُحَرَّمَةُ لِحَقِّ الْغَيْرِ كَمَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّتِهِ وَالْحَامِلِ بِثَابِتِ النَّسَبِ، وَالنَّوْعُ السَّادِسُ الْمُحَرَّمَةُ لِعَدَمِ دِينٍ سَمَاوِيٍّ كَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُشْرِكَةِ، وَالنَّوْعُ السَّابِعُ الْمُحَرَّمَةُ لِلتَّنَافِي كَنِكَاحِ السَّيِّدَةِ مَمْلُوكَهَا وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ كُلِّ نَوْعٍ بِدَلِيلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَرُمَ تَزَوُّجُ أُمِّهِ وَبِنْتِهِ وَإِنْ بَعُدَتَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] وَالْجَدَّاتُ أُمَّهَاتٌ وَبَنَاتُ الْأَوْلَادِ بَنَاتٌ؛ إذْ الْأُمُّ هِيَ الْأَصْلُ لُغَةً، وَالْبِنْتُ هِيَ الْفَرْعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7] أَيْ أَصْلُهُ وَسُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى؛ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْأَرْضِ فَإِنَّهَا دُحِيَتْ مِنْ تَحْتِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ» وَلِكَوْنِ الْبِنْتِ اسْمًا لِلْفَرْعِ يَتَنَاوَلُ النَّصُّ الْوَارِدُ عَلَى بَنَاتِ الْأَخِ وَبَنَاتِ الْأُخْتِ بَنَاتِ أَوْلَادِهِمَا وَإِنْ سَفَلْنَ فَيَتَنَاوَلُ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ بِوَاسِطَةٍ وَبِغَيْرِ وَاسِطَةٍ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ نَقُولُ: ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْجَدَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَوْلَادِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - حَرَّمَ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ، وَهُنَّ أَوْلَادُ الْجَدَّاتِ فَهُنَّ أَقْرَبُ مِنْ أَوْلَادِهِنَّ، وَكَذَا حَرَّمَ بَنَاتِ الْأَخِ فَبَنَاتُ الْأَوْلَادِ أَقْرَبُ مِنْهُنَّ فَكُنَّ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي تَحْرِيمِ هَؤُلَاءِ تَعْظِيمُ الْقَرِيبِ وَصَوْنُهُ عَنْ الِاسْتِخْفَافِ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِفْرَاشِ اسْتِخْفَافًا بِهِ، وَتَعْظِيمُهُ وَاجِبٌ شَرْعًا وَلِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ: لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ الْعِبَارَةُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ بِوَكِيلٍ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ حَتَّى تَنْتَقِلَ عِبَارَتُهُ إلَيْهِ فَبَقِيَ الْوَكِيلُ مُزَوِّجًا لَا شَاهِدًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ) أَيْ أَوْ أَمَتِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمِمَّا ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ وَكِيلِ السَّيِّدِ يَظْهَرُ أَنَّ ثُبُوتَ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ بِحُضُورِهِمَا مَعَ شَاهِدٍ مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ السَّيِّدِ لَيْسَ فَكًّا لِلْحَجْرِ عَنْهُمَا فِي التَّزَوُّجِ مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَصَحَّ فِي مَسْأَلَةِ وَكِيلِهِ؛ وَلِذَا خَالَفَ فِي صِحَّتِهَا الْمَرْغِينَانِيُّ قَالَ وَقَالَ أُسْتَاذِي: فِيهِمَا رِوَايَتَانِ أَيْ فِي وَكِيلِ السَّيِّدِ وَالسَّيِّدِ اهـ. [فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ] (فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ) الْمُحَرَّمَاتُ الْمُؤَبَّدَةُ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سَبْعٌ بِالنَّسَبِ وَهُنَّ الْمَذْكُورَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] وَأَرْبَعٌ بِالصِّهْرِ وَهُنَّ أُمَّهَاتُ النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبُ وَحَلِيلَةُ الِابْنِ وَمَنْكُوحَةُ الْأَبِ فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ وَمِثْلُهُنَّ بِالرَّضَاعِ، وَالْمُحَرَّمَاتُ الْمُؤَقَّتَةُ سَبْعٌ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَتَزْوِيجُ الْخَامِسَةِ وَعِنْدَهُ أَرْبَعٌ وَتَزْوِيجُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَتَزْوِيجُ الْأَرْبَعِ فِي عِدَّةِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَكَذَا تَزْوِيجُ أُخْتِهَا وَأَمَةِ الرَّجُلِ إذَا كَاتَبَهَا وَالْمُشْرِكَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَذَا فِي الْمَنْثُورِ. اهـ. مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَهُنَّ فُرُوعُهُ) أَيْ وَهُمْ بَنَاتُهُ وَبَنَاتُ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلْنَ اهـ (قَوْلُهُ: وَأُصُولُهُ) أَيْ وَهُمْ أُمَّهَاتُهُ وَأُمَّهَاتُ أُمَّهَاتِهِ وَآبَائِهِ وَإِنْ عَلَوْا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفُرُوعُ أَبَوَيْهِ وَإِنْ نَزَلُوا) أَيْ فَتَحْرُمُ بَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَإِنْ نَزَلْنَ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا انْفَصَلُوا بِبَطْنٍ وَاحِدٍ) فَلِهَذَا تَحْرُمُ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَتَحِلُّ بَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فُرُوعُ نِسَائِهِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ) أَيْ وَإِنْ نَزَلْنَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأُصُولِهِنَّ) أَيْ وَإِنْ عَلَوْنَ اهـ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالزَّوْجَاتِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَتَحْرُمُ مَوْطُوآتُ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَلَوْ بِزِنًا وَالْمَعْقُودُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَمَوْطُوآتُ أَبْنَائِهِ وَأَبْنَاءِ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَوْ بِزِنًا وَالْمَعْقُودُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ تَعَالَى {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7] أَيْ أَصْلُهُ) أَيْ أَصْلٌ يُرَدُّ إلَيْهِ الْمُتَشَابِهُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: مِنْ تَحْتِهَا) لَفْظَةُ مِنْ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَبِغَيْرِ وَاسِطَةٍ حَقِيقَةً) لِأَنَّ الْأُمَّ عَلَى هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكَّكِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: أَوْ نَقُولُ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْجَدَّاتِ إلَخْ) وَفِي الْبَدَائِعِ اسْمُ الْأُمِّ يَتَنَاوَلُ الْجَدَّةَ مَجَازًا وَلِهَذَا كَانَ مَنْ نَفَى ذَلِكَ صَادِقًا وَهُوَ مِمَّا تُعْلَمُ بِهِ الْحَقِيقَةُ مِنْ الْمَجَازِ وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ لِجَدِّهِ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبَنَاتُ الْأَوْلَادِ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ إطْلَاقُ الْأُمِّ عَلَى الْأَصْلِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَا يَتَنَاوَلَ النَّصُّ الْجَدَّاتِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْأُمَّ مُرَادٌ بِهِ الْأَصْلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِإِرَادَتِهِ مَجَازًا فَتَدْخُلُ الْجَدَّاتُ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ وَالْعُرْفِ لِإِرَادَةِ ذَلِكَ فِي النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَتِهِنَّ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إطْلَاقُ لَفْظِ الْبِنْتِ عَلَى الْفَرْعِ حَقِيقَةً؛ فَلِذَا اقْتَصَرَ فِي حُرْمَةِ بَنَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْإِجْمَاعِ فَظَاهِرُ بَعْضِ الشُّرُوحِ ثُبُوتُهُ. اهـ. فَتْحٌ

لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَخْلُو عَنْ مُبَاسَطَاتٍ تَجْرِي بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ جَرَيَانِ الْخُشُونَةِ بَيْنَهُمَا فَيُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ أَصْلًا فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ فَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهَا وَبِنْتِ أَخِيهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ)؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَيَدْخُلُ فِي النَّصِّ الْأَخَوَاتُ الْمُتَفَرِّقَاتُ وَبَنَاتُهُنَّ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ الْمُتَفَرِّقِينَ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ الْمُتَفَرِّقَاتُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ وَكَذَا يَدْخُلُ فِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا حَقِيقَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُمِّ امْرَأَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَسَوَاءٌ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَتَدْخُلُ فِي لَفْظِ الْأُمَّهَاتِ جَدَّاتُهَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْأُمِّ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَمَالِكٌ: إنَّ أُمَّ الزَّوْجَةِ لَا تَحْرُمُ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا، وَهُوَ مَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] ذَكَرَ أُمَّهَاتَ النِّسَاءِ وَعَطَفَ عَلَيْهِنَّ الرَّبَائِبَ ثُمَّ أَعْقَبَهُمَا ذِكْرُ الشَّرْطِ، وَهُوَ الدُّخُولُ فَيَنْصَرِفُ الشَّرْطُ إلَيْهِمَا، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الشُّرُوطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَتُقَيَّدُ حُرْمَتُهُمَا بِالدُّخُولِ أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْمَوْصُولَ وَقَعَ صِفَةً لَهُمَا فَتَقَيَّدَا بِالدُّخُولِ، وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالدُّخُولِ وَهُوَ كَلَامٌ تَامٌّ مُنْفَصِلٌ عَنْ الثَّانِي فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْحَمْلِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رُجُوعُهُ إلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَيْ أَطْلِقُوهُ، وَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ الْآيَةُ مُبْهَمَةٌ لَا تَفْصِيلَ بَيْنَ الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ وَقَوْلُهُمْ: يَنْصَرِفُ الشَّرْطُ إلَيْهِمَا، وَهُوَ الْأَصْلُ قُلْنَا: ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الْمُصَرَّحِ بِهِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا فِي الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ فَتَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهَا فَإِنَّك إذَا قُلْت جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو الْعَالِمُ تَقْتَصِرُ الصِّفَةُ عَلَى الْمَذْكُورِ آخِرًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هُنَا أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهُمَا أَصْلًا لِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي أُمَّهَاتِ نِسَائِكُمْ الْإِضَافَةُ، وَفِي نِسَائِكُمْ حَرْفُ الْجَرِّ وَلَوْ كَانَ صِفَةً لَهُمَا لَمَا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ فِي الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمَوْصُوفِ هُوَ الْعَامِلُ فِيهَا، وَلَا يَجْتَمِعُ الْعَامِلَانِ فِي مَعْمُولٍ وَاحِدٍ فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْأَوَّلِ قَالَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِنْتِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا) أَيْ بِنْتِ امْرَأَتِهِ إنْ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ لِثُبُوتِ قَيْدِ الدُّخُولِ فِيمَا تَلَوْنَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْحِجْرِ فِي النَّصِّ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ» الْمُرَادُ مَا طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الثَّانِيَةِ لَا أَنْ تَكُونَ أُمُّهَا لَبُونًا أَوْ مَخَاضًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْحِجْرِ لِلتَّشْنِيعِ عَلَيْهِمْ بِذِكْرِ قَبِيحِ فِعْلِهِمْ لَا لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا} [النساء: 6] وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ اكْتَفَى فِي الْإِحْلَالِ بِنَفْيِ الدُّخُولِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] وَلَوْ كَانَ الْحِجْرُ شَرْطًا لَمَا اكْتَفَى بِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطَيْنِ وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الثَّانِي فِي النَّفْيِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَعَمْ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا لَكِنْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَهُنَا الْمَنْفِيُّ مُتَعَيِّنٌ وَلَوْ كَانَ مُعَلَّقًا بِهِمَا لَقِيلَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي حُجُورِكُمْ أَوْ كَانَ يَنْفِي الِاثْنَيْنِ بِأَنْ يُقَالَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وَلَمْ يَكُنْ فِي حُجُورِكُمْ وَحَيْثُ اكْتَفَى بِنَفْيِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ عُلِمَ أَنَّهُ هُوَ الْمَنَاطُ وَحْدُهُ وَقَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ: لَا تَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ إلَّا إذَا كَانَتْ فِي حِجْرِهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ إلَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً وَقْتَ التَّزَوُّجِ وَجُعِلَتْ فِي حِجْرِهِ وَتَكَلَّفَهَا وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ هِيَ الَّتِي فِي حِجْرِهِ دُونَ الْكَبِيرَةِ وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى الْقَطِيعَةِ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي حِجْرِهِ أَوْ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَاشْتِرَاطُ الْحِجْرِ مَذْكُورٌ فِي الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرُ فَانْتِفَاؤُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: وَرَبَائِبُكُمْ بَنَاتُ الرَّبِيبَةِ وَالرَّبِيبِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُنَّ بِخِلَافِ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ لَهُنَّ فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُنَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَامْرَأَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِذَا يَدْخُلُ فِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ) أَيْ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُ آبَاءٍ عَلَوْنَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْجَدَّاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ)؛ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُ أُمَّهَاتٍ عَلِيَّاتٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَأُمُّ امْرَأَتِهِ) إذَا كَانَ نِكَاحُ الْبِنْتِ صَحِيحًا أَمَّا بِالْفَاسِدِ فَلَا تَحْرُمُ الْأُمُّ إلَّا إذَا وَطِئَ بِنْتَهَا. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَمَالِكٌ: إنَّ أُمَّ الزَّوْجِ لَا تَحْرُمُ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ مَالِكًا مَعَ الْجُمْهُورِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا) وَلَا تَحْرُمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ مَاتَتْ جَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُمِّهَا اهـ (قَوْلُهُ: فَيَنْصَرِفُ الشَّرْطُ إلَيْهِمَا) كَمَنْ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَشَرْطُ الدُّخُولِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا فَكَذَا هُنَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ يُقَالُ إنَّ الْمَوْصُولَ) وَهُوَ قَوْلُهُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَهُمَا لَمَّا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ لَاخْتَلَفَ وَالصَّوَابُ مَا فِي الْأَصْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجْتَمِعُ الْعَامِلَانِ فِي مَعْمُولٍ وَاحِدٍ) هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْوَصْفُ الْوَاحِدُ لَا يَقَعُ عَلَى مَوْصُوفَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْعَامِلِ اهـ (قَوْلُهُ: وَبِنْتُهَا إنْ دَخَلَ بِهَا) فَإِنْ طَلَّقَ الْأُمَّ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ مَاتَتْ يَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُ الْبِنْتِ وَفِيهِ خِلَافٌ زِيدَ. اهـ. مَبْسُوطٌ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي حَجْرِ غَيْرِهِ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَصْحَابِهِمْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ حِينَئِذٍ إجْمَاعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطَيْنِ) أَيْ الدُّخُولِ وَكَوْنِ الرَّبِيبَةِ فِي الْحِجْرِ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ) أَيْ فَلِذَا جَازَ التَّزَوُّجُ بِأُمِّ زَوْجَةِ الْأَبِ وَبِنْتِهَا وَجَازَ لِلِابْنِ التَّزَوُّجُ بِأُمِّ زَوْجَةِ الْأَبِ وَبِنْتِهَا. اهـ. فَتْحٌ

أَبِيهِ وَابْنِهِ وَإِنْ بُعْدَا) أَيْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَةُ أَبِيهِ وَامْرَأَةُ ابْنِهِ وَإِنْ بَعُدَ الْأَبُ وَالِابْنُ بِأَنْ كَانَ أَبَ الْأَبِ أَوْ أَبَ الْأُمِّ أَوْ أَبَ أُمِّ الْأَبِ، وَإِنْ عَلَا أَوْ كَانَ ابْنُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ أَمَّا امْرَأَةُ الْأَبِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَيَتَنَاوَلُ مَنْكُوحَةَ الْأَبِ وَطْئًا وَعَقْدًا صَحِيحًا، وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْآبَاءِ يَتَنَاوَلُ الْآبَاءَ وَالْأَجْدَادَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ وَفِي النَّفْيِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا يَجُوزُ فِي الْمُشْتَرَكِ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ مَعَانِيهِ فِي النَّفْيِ، وَأَمَّا امْرَأَةُ الِابْنِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] وَذَكَرَ الْأَصْلَابَ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّبَنِّي لَا لِإِحْلَالِ حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] وَلَفْظُ الْأَبْنَاءِ يَتَنَاوَلُ أَبْنَاءَ الْأَوْلَادِ، وَإِنْ سَفَلُوا وَلَا يُشْتَرَطُ دُخُولُ الِابْنِ وَلَا الْأَبِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكُلُّ رَضَاعًا) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَهُنَّ أُمُّهُ وَبِنْتُهُ وَأُخْتُهُ وَبَنَاتُ إخْوَتِهِ وَعَمَّتُهُ وَخَالَتُهُ وَأُمُّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتُهَا وَامْرَأَةُ أَبِيهِ وَامْرَأَةُ ابْنِهِ كُلُّ ذَلِكَ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ كَمَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَفِي حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ وَامْرَأَةِ الْأَبِ مِنْ الرَّضَاعِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا وَوَطْئًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعَنْ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ» وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُفْضِي إلَى الْقَطِيعَةِ فَيَحْرُمُ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَطْئًا فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَمَذْهَبُ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ عُثْمَانُ يَجُوزُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَأَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَا تَلَوْنَا وَمَا تَلَاهُ مَخْصُوصٌ بِأُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَبِغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ بِالْمُصَاهَرَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ شَرِكَةٍ فَكَذَا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ فَالْأَخْذُ بِالْمُحَرَّمِ أَوْلَى احْتِيَاطًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَ أَمَتِهِ الْمَوْطُوءَةِ لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يَبِيعَهَا) أَيْ لَمْ يَطَأْ الْمَنْكُوحَةَ وَلَا الْمَوْطُوءَةَ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ حَتَّى يُحَرِّمَ الْأَمَةَ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا؛ إذْ النِّكَاحُ مُلْحَقٌ بِالْوَطْءِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ فَلَوْ صَحَّ النِّكَاحُ لَصَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ قُلْنَا نَفْسُ الْعَقْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ أَبَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَبُو. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَبَ الْأُمِّ) الَّذِي فِي خَطِّ لِلشَّارِحِ أَبُو. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَبَ أُمِّ الْأَبِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَبُو اهـ وَاسْمُ الْأَبِ يَتَنَاوَلُ الْأَجْدَادَ وَالْأَبَ الْحَقِيقِيَّ بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ فِي الْجَمِيعِ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا كَمَا مَرَّ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي الْمَحَلَّيْنِ ثَبَتَ نَصًّا وَقَدْ مَرَّ وَهَذَا نَهْيٌ بِمَعْنَى النَّفْيِ؛ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ النَّهْيَ لَكَانَ يَنْعَقِدُ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نَفْيٌ) أَيْ مَعْنًى، وَإِنْ كَانَ نَهْيًا صُورَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] إلَخْ) وَسُمِّيَتْ حَلِيلَةً؛ لِأَنَّهَا حَلَّتْ لِلِابْنِ مِنْ الْحِلِّ، أَوْ لِأَنَّهَا تَحِلُّ فِرَاشَهُ، وَهُوَ يَحِلُّ فِرَاشَهَا مِنْ الْحُلُولِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: يَتَنَاوَلُ أَبْنَاءَ الْأَوْلَادِ، وَإِنْ سَفَلُوا) فَتَحْرُمُ امْرَأَةُ ابْنِ ابْنِهِ وَامْرَأَةُ ابْنِ بِنْتِهِ. اهـ. أَقْطَعُ، فَإِنْ قِيلَ: ابْنُ الِابْنِ لَا يَكُونُ مِنْ صُلْبِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَعْدِيَةُ هَذَا التَّحْرِيمِ إلَيْهِ مَعَ هَذَا التَّقْيِيدِ قُلْنَا مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ يُذْكَرُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَصْلَ مِنْ صُلْبِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الروم: 20] وَالْمَخْلُوقُ مِنْ التُّرَابِ هُوَ الْأَصْلُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ كَيْ (قَوْلُهُ: وَبَنَاتُ إخْوَتِهِ) أَيْ وَبَنَاتُ أَخَوَاتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا) أَيْ عَقْدًا. اهـ. فَتْحٌ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعِ بِمِلْكِ نِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ فِي الْوَطْءِ كَذَا فِي التَّكْمِلَةِ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْكَرْخِيِّ لِلْقُدُورِيِّ (قَوْلُهُ: نِكَاحًا وَوَطْئًا) وَهَذَانِ تَمْيِيزَانِ لِنِسْبَةٍ إضَافِيَّةٍ وَالْأَصْلُ بَيْنَ نِكَاحِ أُخْتَيْنِ وَوَطْئِهِمَا مَمْلُوكَتَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ» إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» إلَخْ غَرِيبٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ عُثْمَانُ: يَجُوزُ) أَيْ وَالظَّاهِرِيَّةُ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ) يَعْنِي إذَا مَلَكَ مَحَارِمَهُ بِالرَّضَاعِ أَوْ بِالْمُصَاهَرَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُنَّ وَإِنْ دَخَلْنَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ شَرِكَةٍ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ مُشْتَرِكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَخْصٍ اهـ (قَوْلُهُ: فَكَذَا بِهَذِهِ الْآيَةِ) قَالَ الْكَمَالُ: قِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّ عُثْمَانَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَالْإِجْمَاعُ اللَّاحِقُ يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِخِلَافِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ فَالْمُرَجَّحُ التَّحْرِيمُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ)، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فَإِنَّ كَلِمَةَ مَا عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ)، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] اهـ (قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إلَخْ) ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَأَشْهَبَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إذَا وَطِئَ أَمَةً بِمِلْكِ الْيَمِينِ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا قَبْلَ أَنْ يُحَرِّمَ الْأَمَةَ جَازَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ حَتَّى يُحَرِّمَ الْأَمَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا) أَيْ بِاعْتِرَافِكُمْ فَيَصِيرُ بِالنِّكَاحِ جَامِعًا وَاطِئًا حُكْمًا، وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْ بِاعْتِرَافِكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ عَلَّلْتُمْ عَدَمَ جَوَازِ وَطْءِ الْأَمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ بِلُزُومِ الْجَمْعِ وَطْئًا حُكْمًا، وَقُلْتُمْ: إنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ السَّابِقِ قَامَ حَتَّى اُسْتُحِبَّ لَهُ لَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، وَمَا قِيلَ حَالَةَ صُدُورِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ جَامِعًا وَطْئًا بَلْ بَعْدَ تَمَامِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ حُكْمُهُ فَبِتَعَقُّبِهِ لَيْسَ بِدَافِعٍ فَإِنَّ صُدُورَهُ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ جَمْعًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ حَيْثُ كَانَ هُوَ حُكْمَهُ، وَهُوَ لَازِمٌ بَاطِلٌ شَرْعًا، وَمَلْزُومُ الْبَاطِلِ بَاطِلٌ فَالْعَقْدُ بَاطِلُ، وَقَدْ يُوجَدُ فِي صَفَحَاتِ كَلَامِهِمْ مَوَاضِعُ عَلَّلُوا الْمَنْعَ فِيهَا بِمِثْلِهِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا اللَّازِمَ بِيَدِهِ إزَالَتُهُ فَلَيْسَ لَازِمًا عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ فَلَا يَضُرُّ بِالصِّحَّةِ، وَيُمْنَعُ بِالْوَطْءِ بَعْدَهَا لِقِيَامِهِ إذْ ذَاكَ. اهـ. كَمَالٌ

لَيْسَ بِوَطْءٍ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ وَطْئًا عِنْدَ ثُبُوتِ حُكْمِهِ وَهُوَ حِلُّ الْوَطْءِ وَوُجُودُ الْوَلَدِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ، وَحَالُ صُدُورِهِ خَالٍ عَنْهُ فَيَصِحُّ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ ثُمَّ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْطُوءَةَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِنِكَاحِ أُخْتِهَا، وَالْأُخْرَى مَنْكُوحَةٌ فَيَحِلُّ وَطْؤُهَا وَنَحْنُ نَقُولُ: لَوْ جَامَعَ الْمَنْكُوحَةَ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا، وَلَوْ جَامَعَ الْمَمْلُوكَةَ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَإِذَا حَرَّمَ الْمَمْلُوكَةَ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ كَالْبَيْعِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْهِبَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْكِتَابَةِ حَلَّ وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ لَا تَحِلُّ بِالْكِتَابَةِ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْأَمَةَ مِنْ إنْسَانٍ لَا تَحِلُّ الْمَنْكُوحَةُ حَتَّى تَحِيضَ الْمَمْلُوكَةُ حَيْضَةً لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا مِنْهُ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهَا تَحْرُمُ بِالْكِتَابَةِ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ، وَإِعْتَاقُ الْبَعْضِ كَإِعْتَاقِ الْكُلِّ، وَكَذَا تَمْلِيكُ الْبَعْضِ كَتَمْلِيكِ الْكُلِّ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ، وَأَرَادَ بِالتَّزَوُّجِ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ، وَأَمَّا الْفَاسِدُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ إلَّا إذَا دَخَلَ بِهَا فَحِينَئِذٍ تَحْرُمُ الْمَوْطُوءَةُ لِوُجُودِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ تَجِبُ بِهِ الْعِدَّةُ وَيَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ فَصَارَ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَكَذَا بِالتَّزْوِيجِ الصَّحِيحِ هُوَ الْمُرَادُ بِهِ إلَّا إذَا دَخَلَ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَتَحْرُمُ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يُؤَثِّرُ الْإِحْرَامُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالصَّوْمُ، وَيَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْمَمْلُوكَةَ؛ لِأَنَّ الْمَرْقُوقَةَ لَيْسَتْ بِمَوْطُوءَةٍ حُكْمًا فَلَا يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَعَلَى هَذَا لَوْ وَطِئَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى وَإِنْ وَطِئَهُمَا حُرِّمَتَا جَمِيعًا حَتَّى تَخْرُجَ إحْدَاهُمَا مِنْ مِلْكِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ وَلَمْ يَدْرِ الْأُولَى فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا)؛ لِأَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا بَطَلَ بِيَقِينٍ وَلَا وَجْهَ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ لَا يَجُوزُ، وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ مَعَ الْجَهَالَةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَوْ لِلضَّرَرِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا بِإِلْزَامِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ حَاجَةٍ، وَتَصِيرُ الْمَرْأَةُ كَالْمُعَلَّقَةِ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ قَدْ أَعْرَضَ عَنْهَا، وَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْفُرُوجِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ، وَقَوْلُهُ فِي عَقْدَيْنِ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُمَا بِيَقِينٍ، وَقَوْلُهُ لَا يَدْرِي الْأُولَى احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا دَرَى مَنْ هِيَ الْأُولَى فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ عَقْدُ الْأُولَى، وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا إلَّا إذَا وَطِئَ الثَّانِيَةَ فَحِينَئِذٍ تَحْرُمُ الْأُولَى مَا دَامَتْ الثَّانِيَةُ فِي الْعِدَّةِ، وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ الثَّانِيَةِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ التَّفْرِيقِ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ التَّفْرِيقُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُمَا، وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْمُعْتَدَّةِ دُونَ الْأُخْرَى كَيْ لَا يَكُونَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَإِنْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا دُونَ الْأُخْرَى مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتَهَا؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا تَمْنَعُ التَّزَوُّجَ بِأُخْتِهَا وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِعَدَمِ الْمَانِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ)؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْأُولَى مِنْهُمَا فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ: مَعْنَى مَسْأَلَةِ أَنْ تَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا هِيَ الْأُولَى، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا فَيَقْضِي لَهُمَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ أَمَّا إذَا قَالَتَا: لَا نَدْرِي أَيُّ النِّكَاحَيْنِ أَوَّلُ لَا يَقْضِي لَهُمَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَجْهُولٌ، وَجَهَالَةُ الْمَقْضِيِّ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ كَمَنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ: لِأَحَدِكُمَا عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَكَذَا هَذَا إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا بِأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الْمَهْرِ مِنْهُ فَيَقْضِي لَهُمَا بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُمَا شَيْءٌ لِجَهَالَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَلِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجِبُ الْمَهْرُ كَامِلًا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ يُعَلِّلْهُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي تَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ) هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلَ الْعِلَّةَ غَيْرَ مُقَارِنَةٍ لِلْمَعْلُولِ أَمَّا مَنْ يَجْعَلَ الْعِلَّةَ مُقَارِنَةً لِلْمَعْلُولِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا) فَعَلَى هَذَا لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّمْلِيكِ حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ بِمُجَرَّدِ التَّمْلِيكِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا بِالتَّزْوِيجِ) أَيْ قَوْلُ الشَّارِحِ كَالْبَيْعِ وَالتَّزْوِيجِ أَرَادَ بِهِ التَّزْوِيجَ الصَّحِيحَ لَا الْفَاسِدَ إلَّا إذَا دَخَلَ بِهَا فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَرْقُوقَةَ لَيْسَتْ بِمَوْطُوءَةٍ حُكْمًا) أَيْ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ لَمْ يُوضَعْ لِلْوَطْءِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا بِدَعْوَةٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى) أَيْ حَتَّى يُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ بِسَبَبٍ، وَلَوْ وَطِئَهَا أَثِمَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى يُخْرِجَ إحْدَاهُمَا عَنْ مِلْكِهِ) وَلَوْ بَاعَ إحْدَاهُمَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ رُدَّتْ الْمَبِيعَةُ أَوْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ أَوْ طَلُقَتْ الْمَنْكُوحَةُ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ يَحِلَّ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى بِسَبَبٍ كَمَا كَانَ أَوَّلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا وَجْهَ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ) طُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ بِعَيْنِهَا وَنَسِيَهَا حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ، وَلَا يُفَارِقُ الْكُلَّ، وَأُجِيبَ بِإِمْكَانِهِ هُنَاكَ لَا هُنَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ كَانَ مُتَيَقَّنَ الثُّبُوتِ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ نِكَاحَ مَنْ شَاءَ بِعَيْنِهِ مِنْهُنَّ تَمَسُّكًا بِمَا كَانَ مُتَيَقَّنًا، وَلَمْ يَثْبُتْ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا فَدَعْوَاهُ حِينَئِذٍ تَمَسُّكٌ بِمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ثُبُوتُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ) أَيْ تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ الْجَهَالَةِ) أَيْ مَعَ جَهْلِ الْمُحَلَّلَةِ مِنْهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الظَّاهِرُ أَنَّهُ طَلَاقٌ حَتَّى يَنْقُصُ مِنْ طَلَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا طَلْقَةً لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ تَدْرِ الْأُولَى) وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لَا تَدْرِي الْأُولَى. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا) أَيْ بِأَنْ يَقُولَا: نِصْفُ الْمَهْرِ لَنَا عَلَيْهِ لَا يَعْدُونَا فَنَصْطَلِحُ عَلَى أَخْذِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْمَهْرُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلَيْهِ مَهْرًا كَامِلًا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ بِجَوَازِ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا فَيَجِبُ مَهْرٌ كَامِلٌ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كَمَالِهِ حُكْمُ الْمَوْتِ أَوْ الدُّخُولِ اهـ وَالْحَالُ أَنَّهُ إيجَابُ الْقَضَاءِ بِمَا تَحَقَّقَ عَدَمُ لُزُومِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا اهـ

بِجَوَازِ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا، وَإِذَا جَازَ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا وَجَبَ الْمَهْرُ كَامِلًا فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا وَقَعَ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ بَعْدَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي؛ وَلِهَذَا قَالَ: يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْخِلَافِ قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ إذْ لَا يَتَنَصَّفُ قَبْلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَوْلُهُ: وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ مَهْرَاهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ وَهُوَ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ، وَكَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرُبْعِ مَهْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ يَجِبُ مُتْعَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمَا بَدَلَ نِصْفِ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْمَهْرُ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَهُوَ الْحُكْمُ بَيْنَ كُلِّ مَنْ لَا يَجُوزُ جَمْعُهُ مِنْ الْمَحَارِمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْنَ امْرَأَتَيْنِ أَيَّةٌ فُرِضَتْ ذَكَرًا حَرُمَ النِّكَاحُ) أَيْ حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ إذَا كَانَتَا بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا حَرُمَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا أَيَّتَهُمَا كَانَتْ الْمُقَدَّرَةُ ذَكَرًا وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ غَيْرَ الْأُخْتَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَالْخَوَارِجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا وَلَا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى» «وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ عَمَّتَيْنِ أَوْ بَيْنَ خَالَتَيْنِ» وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُنَّ يُفْضِي إلَى الْقَطِيعَةِ فَيَحْرُمُ، وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِبِنْتِهِ وَعَمَّتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَبِالْمُشْرِكَةِ فَجَازَ تَخْصِيصُهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَذَكَرَ النَّهْيَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ لِإِزَالَةِ وَهْمِ الْجَوَازِ فِي الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا لَتَوَهَّمَ أَنَّ الْعَكْسَ يَجُوزُ لِفَضِيلَةِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ عَلَيْهَا كَمَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ دُونَ الْعَكْسِ فَأَزَالَ هَذَا الْوَهْمَ بِقَوْلِهِ: وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْكُبْرَى الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَبِالصُّغْرَى بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْأُخْتِ وَصُورَةُ الْعَمَّتَيْنِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّجُلَيْنِ أُمَّ الْآخَرِ فَيُولَدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتٌ فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبِنْتَيْنِ عَمَّةَ الْأُخْرَى وَصُورَةُ الْخَالَتَيْنِ فِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ فَيُولَدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَالَةَ الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ: أَيَّةٌ فُرِضَتْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يُتَصَوَّرُ جَوَازُ تَزَوُّجِ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى عَلَى كُلِّ التَّقَادِيرِ حَتَّى لَوْ جَازَ بَيْنَهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ مِثْلِ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ زَوْجِهَا أَوْ امْرَأَةِ ابْنِهَا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ: لَمَّا ثَبَتَ الِامْتِنَاعُ مِنْ وَجْهٍ فَالْأَحْوَطُ الْحُرْمَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَلِلْجُمْهُورِ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَلِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا قَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ بِنْتِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ وَكَذَا جَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) مَحَلُّ النَّظَرِ قَوْلُهُ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَهْرَاهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ) أَيْ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ) يَعْنِي جِنْسًا أَوْ قَدْرًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَبَيْنَ امْرَأَتَيْنِ أَيَّةٌ فُرِضَتْ ذَكَرًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: «فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى قَرَابَتِهَا مَخَافَةَ الْقَطِيعَةِ» فَأَوْجَبَ تَعَدِّيَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ حُرْمَةُ الْجَمْعِ إلَى كُلِّ قَرَابَةٍ بِفَرْضِ وَصْلِهَا، وَهِيَ مَا تَضَمَّنَهُ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا) فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ وَهَذَا نَهْيٌ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَهُوَ أَبْلَغُ مَا يَكُونُ مِنْ النَّهْيِ، وَالْحَدِيثُ مَذْكُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ بَيْنَ خَالَتَيْنِ) ذَكَرَهُ السَّفَاقِسِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. اهـ. غَايَةٌ وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ رُوِيَ فِي خُصُوصِ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ حَدِيثٌ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَبَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ» وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي خَصِيفٍ فَالْوَجْهُ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِفَضِيلَةِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» فِي الصَّحِيحَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَمَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ دُونَ الْعَكْسِ) لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ اهـ أَوْ لِأَنَّهُ إنَّمَا كُرِّرَ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّأْكِيدِ لِمَا أَنَّ الْبَابَ بَابُ الْحُرْمَةِ وَفِي الْحُرُمَاتِ يُؤَكِّدُ وَيُبَالِغُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَبِيعُوا الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءِ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ» فَقَدْ كَرَّرَ شَرْطَ الْمُمَاثَلَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ لِلتَّأْكِيدِ لِمَا أَنَّ الْبَابَ بَابُ الْحُرْمَةِ كَذَا هَاهُنَا. اهـ. كَاكِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَبِالصُّغْرَى بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْأُخْتِ) وَلَمْ يُرِدْ صِغَرَ السِّنِّ وَكِبَرَهُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا) أَيْ وَلَا رَضَاعَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ) أَيْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْجَوَازِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ قُثَمٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بِنْتَ عَلِيٍّ وَامْرَأَةَ عَلِيٍّ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَقَالَ: وَجَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ وَتَعْلِيقَاتُهُ صَحِيحَةٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا جَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَخْ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. غَايَةٌ وَقَوْلُهُ: وَكَذَا جَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَخْ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ هَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَإِنَّمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا. اهـ.

بَيْنَ امْرَأَةِ رَجُلٍ وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالزِّنَا وَاللَّمْسُ وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» وَلِأَنَّهَا نِعْمَةٌ فَلَا تُنَاطُ بِالْمَحْظُورِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُؤَثِّرًا لِحَلَّلَهَا لِلْمُطَلَّقِ ثَلَاثًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِمَنْ نَاظَرَهُ: أَنْتَ جَعَلْت الْفُرْقَةَ إلَى الْمَرْأَةِ بِتَقْبِيلِهَا ابْنَ زَوْجِهَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - لَمْ يَجْعَلْهَا إلَيْهَا وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] وَالنِّكَاحُ هُوَ الْوَطْءُ حَقِيقَةً؛ وَلِهَذَا حُرِّمَ عَلَى الِابْنِ مَا وَطِئَ أَبُوهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا وَلَا ابْنَتُهَا» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَسَّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ» حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَقَالَ الَّذِي نَاظَرَهُ الشَّافِعِيُّ أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِرِدَّتِهَا فَقَدْ جَعَلْت الْفُرْقَةَ إلَيْهَا فَكَيْفَ قُلْت بِمَا أَنْكَرْت عَلَى غَيْرِك فَقَالَ: أَقُولُ إنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: أَنْكَرَ عَلَى خَصْمِهِ وُقُوعَ التَّحْرِيمِ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ قَالَ بِهِ وَجَعَلَ الرَّجْعَةَ إلَيْهَا أَيْضًا وَقَوْلُهُ لَوْ كَانَ مُؤَثِّرًا لَحَلَّلَهَا لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا قُلْنَا: الْمُحَلِّلُ وَطْءُ الزَّوْجِ وَالزَّانِي لَيْسَ بِزَوْجٍ؛ وَلِهَذَا لَا يُحَلِّلَهَا وَطْءُ الْمَوْلَى وَتَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَالْوَطْءُ إنَّمَا صَارَ مُحَرِّمًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ لِلْجُزْئِيَّةِ بِوَاسِطَةِ وَلَدٍ يُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهِ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ أَوْصَافٌ لَهُ فَذَاتُ الْوَطْءِ لَا تَخْتَلِفُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُصَاهَرَةَ تَثْبُتُ بِوَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا وَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَبِوَطْءِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَبِوَطْءِ الْمُحْرِمِ وَالصَّائِمِ فَصَارَ كَالرَّضَاعِ حَيْثُ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَحْرُمَ الْمَوْطُوءَةُ؛ لِأَنَّهَا جُزْؤُهُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ لَكِنْ أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لَأَدَّى إلَى فَنَاءِ الْأَمْوَالِ أَوْ تَرْكِ الزَّوَاجِ وَلِلضَّرُورَةِ أُبِيحَتْ حَوَّاءُ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهِيَ جُزْؤُهُ فَبَقِيَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالزِّنَا وَاللَّمْسُ) أَيْ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ) الشَّهْوَةُ قَيْدٌ فِي اللَّمْسِ وَالنَّظَرِ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْوَطْءَ الْحَلَالَ بِمِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ الزِّنَا عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتَهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا وَكَذَلِكَ الْمَزْنِيُّ بِهَا تَحْرُمُ عَلَى أُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ، وَيَحْرُمُ الزَّانِي عَلَى أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ») وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَتْبَعُ الْمَرْأَةَ حَرَامًا أَيَنْكِحُ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا فَقَالَ لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: «مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا») خَرَّجَهُ الْجُوزَجَانِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: «مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ لَمْ تَحِلَّ» إلَخْ) ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مَنْ مَسَّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ إلَخْ) ذَكَرَهُ السَّمْعَانِيُّ فِي الْكِنَايَةِ وَابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَابْنُ عَبَّاسٍ) أَيْ فِي الْأَصَحِّ. اهـ. غَايَةٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الزِّنَا لَا يُحَرِّمُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: قُلْنَا الْمُحَلِّلُ وَطْءُ الزَّوْجِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا رَوَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ» غَيْرُ مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ أَرَأَيْت لَوْ بَالَ أَوْ صَبَّ خَمْرًا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ مَمْلُوكٍ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فَيَجِبُ كَوْنُ الْمُرَادِ أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَحْرُمُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ حَرَامًا وَحِينَئِذٍ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ إذْ لَمْ نَقُلْ بِإِثْبَاتِ الزِّنَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ زِنًا بَلْ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَطْئًا هَذَا لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَكِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مُضَعَّفٌ بِعُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيِّ عَلَى مَا طَعَنَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ بِالْكَذِبِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ: فِي إسْنَادِهِ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ ضَعُفَ بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ قُضَاةِ الْعِرَاقِ وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَخَالَفَهُ كِبَارُ الصَّحَابَةِ اهـ وَقَوْلُهُ فِي الشَّرْحِ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ مُغَلَّطَةً فَإِنَّ النِّعْمَةَ لَيْسَتْ التَّحْرِيمَ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَحْرِيمٌ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيقُ؛ وَلِذَا اتَّسَعَ الْحِلُّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بَلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُصَاهَرَةِ فَحَقِيقَةُ النِّعْمَةِ هِيَ الْمُصَاهَرَةُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تُصَيِّرُ الْأَجْنَبِيَّ قَرِيبًا عَضُدًا وَسَاعِدًا يُهِمُّهُ مَا أَهَمَّكَ، وَلَا مُصَاهَرَةَ بِالزِّنَا فَالصِّهْرُ زَوْجُ الْبِنْتِ مَثَلًا لَا مَنْ زَنَى بِبِنْتِ الْإِنْسَانِ فَانْتَفَتْ الصِّهْرِيَّةُ، وَفَائِدَتُهَا أَيْضًا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْفِرُ مِنْ الزَّانِي بِبِنْتِهِ فَلَا يَتَعَرَّفُ بِهِ بَلْ يُعَادِيهِ فَأَنَّى يُنْتَفَعُ بِهِ فَالْمَرْجِعُ الْقِيَاسُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَالْوَطْءُ إنَّمَا صَارَ مُحَرَّمًا إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْوَطْءُ مُحَرَّمٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ بَيَانُهُ أَنَّ الْوَطْءَ يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ الْمَخْلُوقِ مِنْ الْمَاءَيْنِ وَالْوَلَدُ مُحْتَرَمٌ مُكَرَّمٌ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] فَلَيْسَ فِيهِ صِفَةُ الْقُبْحِ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ بِخَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى أَيِّ وَجْهٍ اجْتَمَعَ الْمَاءَانِ فِي الرَّحِمِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْوَلَدُ صِفَةَ الْقُبْحِ صَارَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هُوَ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ، وَهُوَ الْوَطْءُ كَالتُّرَابِ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ صَارَ الْمَنْظُورُ صِفَةَ الْمَاءِ فِي إثْبَاتِ الطَّهَارَةِ لَا صِفَةَ التُّرَابِ الَّذِي هُوَ تَلْوِيثٌ فَلَمْ يَرِدْ عَلَيْنَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: إنَّ الزِّنَا مَحْظُورٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ مَا سَبِيلُهُ النِّعْمَةُ وَالْكَرَامَةُ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَيْسَ بِمَنْظُورٍ إلَيْهِ فِي إيجَابِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ فَافْهَمْ اهـ (قَوْلُهُ: بِوَاسِطَةِ وَلَدٍ يُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمُلَا) يُقَالُ ابْنُ فُلَانَةَ وَفُلَانٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ) أَيْ وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا فِي الْعِدَّةِ. اهـ. غَايَةٌ

حَقِّ غَيْرِهِمَا عَلَى مُوجِبِ الْقِيَاسِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ حَتَّى صَارَ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا كَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا الْعَكْسُ فِي حَقِّهَا وَالْمَسُّ بِشَهْوَةٍ كَالْجِمَاعِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْجِمَاعِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَإِنْ وَصَلَ حَرَارَةُ الْبَدَنِ إلَى يَدِهِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إنْ وَجَدَ الْحَجْمَ تَثْبُتُ، وَفِي مَسِّ الشَّعْرِ رِوَايَتَانِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَسُّ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ نِسْيَانًا أَوْ مُكْرَهًا وَالْمُعْتَبَرُ فِي النَّظَرِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ مُتَّكِئَةً حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: النَّظَرُ إلَى مَنَابِتِ الشَّعْرِ يَكْفِي لِثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَثْبُتُ حَتَّى يَنْظُرَ إلَى الشِّقِّ، وَالشَّهْوَةُ تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ حَتَّى لَوْ وُجِدَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ ثُمَّ اشْتَهَى بَعْدَ التَّرْكِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُرْمَةُ، وَحَدُّ الشَّهْوَةِ أَنْ تَنْتَشِرَ آلَتُهُ أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا إنْ كَانَتْ مُنْتَشِرَةً حَتَّى قِيلَ إنَّ مَنْ انْتَشَرَتْ آلَتُهُ وَطَلَبَ امْرَأَتَهُ وَأَوْلَجَهَا بَيْنَ فَخِذَيْ ابْنَتِهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا مَا لَمْ تَزْدَدْ انْتِشَارًا وَوُجُودُ الشَّهْوَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا يَكْفِي وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يُنْزِلَ حَتَّى لَوْ أَنْزَلَ عِنْدَ اللَّمْسِ أَوْ النَّظَرِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفْضٍ إلَى الْوَطْءِ لِانْقِضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ دُبُرَ الْمَرْأَةِ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْحَرْثِ فَلَا يُفْضِي إلَى الْوَلَدِ وَفِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ يُعْتَبَرُ تَحَرُّكُ الْقَلْبِ، وَالنَّظَرُ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِخِلَافِ الْمِرْآةِ وَلِذَا لَوْ وَقَفَتْ عَلَى الشَّطِّ فَنَظَرَ إلَى الْمَاءِ فَرَأَى فَرْجَهَا لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ فِي الْمَاءِ فَرَأَى فَرْجَهَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُشْتَهَاةً قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ مُشْتَهَاةٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَبِنْتُ خَمْسٍ وَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: حَتَّى صَارَ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا كَأُصُولِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا أَيْ وَإِنْ عَلَتْ فَتَدْخُلُ الْجَدَّاتُ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْأَصْلُ لُغَةً، وَابْنَتُهَا وَإِنْ سَفْلَتَ وَكَذَا تَحْرُمُ الْمَزْنِيُّ بِهَا عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَجْدَادِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَأَبْنَائِهِ وَإِنْ سَفَلُوا هَذَا إذَا لَمْ يُفِضْهَا الزَّانِي فَلَوْ أَفْضَاهَا لَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْحُرُمَاتُ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ كَوْنِهِ فِي الْفَرْجِ إلَّا إذَا حَبِلَتْ وَعَلِمَ كَوْنَهُ مِنْهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَكْرَهُ لَهُ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: التَّنَزُّهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَكِنْ لَا أُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهَا وَقَدْ يُقَالُ: إذَا كَانَ الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ تَنْتَشِرُ بِهَا الْآلَةُ مُحَرَّمًا يَجِبُ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ إذَا أَفْضَاهَا إنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَى الْخِلَافِ الْآتِي مَعَهُ، وَإِنْ انْتَشَرَ مَعَهُ أَوْ زَادَ انْتِشَارُهُ كَمَا فِي غَيْرِهِ وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْوَطْءُ السَّبَبُ لِلْوَلَدِ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِالْمَسِّ لَيْسَ إلَّا لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِهَذَا الْوَطْءِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي صُورَةِ الْإِفْضَاءِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ فِي الْقُبُلِ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ الْكَاكِيُّ: ثُمَّ إتْيَانُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ، وَمَا رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَصِحَّ تَحْرِيمُهُ عِنْدَنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ حَلَالٌ، قَالَ الرَّبِيعُ: كَذَبَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ تَحْرِيمُهُ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ مَا رُوِيَ عَنْهُ قَوْلًا قَدِيمًا وَالْعِرَاقِيُّونَ لَمْ يُثْبِتُوا الرِّوَايَةَ عَنْ مَالِكٍ وَمَا جَعَلَهُ الْبَعْضُ غَيْرَ ثَبْتٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ) أَيْ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَنْظُرَ إلَى الشِّقِّ إلَخْ) وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْفَرْجِ، وَالدَّاخِلُ فَرْجٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْخَارِجُ فَرْجٌ مِنْ وَجْهٍ، وَإِنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ الْخَارِجِ مُتَعَذِّرٌ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، وَفِيهِ بَحْثٌ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ وَأَجَابَ عَنْهُ اهـ (قَوْلُهُ: وَحَدُّ الشَّهْوَةِ أَنْ تَنْتَشِرَ آلَتُهُ أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا إلَخْ) فِي الصَّحِيحِ. اهـ. هِدَايَةٌ وَمَا ذُكِرَ فِي حَدِّ الشَّهْوَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنْ تَنْتَشِرَ الْآلَةُ أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا هُوَ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ يَشْتَرِطُوا سِوَى أَنْ يَمِيلَ قَلْبُهُ وَيَشْتَهِيَ جِمَاعَهَا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يُنْزِلَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: ثُمَّ شَرْطُ الْحُرْمَةِ بِالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ أَنْ لَا يُنْزِلَ فَإِنْ أَنْزَلَ قَالَ الْأُوزْجَنْدِيُّ وَغَيْرُهُ: تَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَالْإِنْزَالُ لَا يُوجِبُ رَفْعَهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ، وَالْمُخْتَارُ لَا يَثْبُتُ كَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالْبَزْدَوِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ مَوْقُوفٌ حَالَ الْمَسِّ إلَى ظُهُورِ عَاقِبَتِهِ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ حَرُمَتْ، وَإِلَّا لَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ وَطِئَ دُبُرَ الْمَرْأَةِ إلَخْ) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا لَوْ لَاطَ بِغُلَامٍ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ حُرْمَةً عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ إلَّا عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْأَوْزَاعِيِّ فَإِنَّ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّوَاطَةِ حَتَّى تَحْرُمَ عَلَيْهِ أُمُّ الْغُلَامِ وَبِنْتُهُ اهـ وَفِي الْغَايَةِ: وَالْجِمَاعُ فِي الدُّبُرِ لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَقِيلَ: يُوجِبُهَا، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَسٌّ وَزِيَادَةٌ قَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ: وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَوَّلًا أَصَحُّ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى الْجُزْئِيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ: لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ) خِلَافًا لِمَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالنَّظَرُ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْعِلَّةَ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْمَرْئِيَّ فِي الْمِرْآةِ مِثَالُهُ لَا هُوَ، وَبِهَذَا عَلَّلُوا الْحِنْثَ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَنْظُرُ إلَى وَجْهِ فُلَانٍ فَنَظَرَهُ فِي الْمِرْآةِ وَالْمَاءِ وَعَلَى هَذَا فَالتَّحْرِيمُ بِهِ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ بِنَاءً عَلَى نُفُوذِ الْبَصَرِ مِنْهُ فَيَرَى نَفْسَ الْمَرْئِيِّ بِخِلَافِ الْمِرْآةِ، وَمِنْ الْمَاءِ، وَهَذَا يَنْفِي كَوْنَ الْإِبْصَارِ مِنْ الْمِرْآةِ وَالْمَاءِ بِوَاسِطَةِ انْعِكَاسِ الْأَشِعَّةِ وَإِلَّا لَرَآهُ بِعَيْنِهِ بَلْ بِانْطِبَاعِ مِثْلِ الصُّورَةِ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْمَرْئِيِّ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْبَصَرَ يَنْفُذُ فِيهِ إذَا كَانَ صَافِيًا فَيَرَى نَفْسَ مَا فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى سَمَكَةً رَآهَا فِي مَاءٍ بِحَيْثُ تُؤْخَذُ مِنْهُ بِلَا حِيلَةٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُشْتَهَاةً) أَيْ حَالًا أَوْ مَاضِيًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا وَطِئَ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ قِيَاسًا عَلَى الْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ وَلَهُمَا أَنَّ الْعِلَّةَ وَطْءٌ هُوَ سَبَبٌ لِلْوَلَدِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ لِجَوَازِ وُقُوعِهِ كَإِبْرَاهِيمَ وَزَكَرِيَّا - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَلَهُ أَنْ يَقُولَ: الْإِمْكَانُ الْعَقْلِيُّ ثَابِتٌ فِيهِمَا، وَالْعَادِيُّ مُنْتَفٍ عَنْهُمَا فَتَسَاوَيَا وَالْقِصَّتَانِ عَلَى خِلَافِ الْغَايَةِ لَا يُوجِبَانِ الثُّبُوت الْعَادِيَّ وَلَا يُخْرِجَانِ الْعَادَةَ عَنْ النَّفْيِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ

دُونَهَا غَيْرُ مُشْتَهَاةٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَبِنْتُ ثَمَانٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ سِتٍّ إنْ كَانَتْ عَبْلَةً ضَخْمَةً كَانَتْ مُشْتَهَاةً، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ جَامَعَ صَغِيرَةً فَأَفْضَاهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَلَوْ كَبِرَتْ الْمَرْأَةُ حَتَّى خَرَجَتْ عَنْ حَدِّ الْمُشْتَهَاةِ تُوجِبُ الْحُرْمَةَ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ تَحْتَ الْحُرْمَةِ فَلَمْ تَخْرُجْ بِالْكِبَرِ وَلَا كَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ وَمَسُّ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ وَنَظَرُهَا إلَى ذَكَرِهِ بِشَهْوَةٍ كَمَسِّ الرَّجُلِ وَنَظَرِهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَرُمَ تَزَوُّجُ أُخْتَ مُعْتَدَّتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٌ: يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ تِلْكَ إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ سَائِرُ مَحَارِمِهَا وَأَرْبَعٌ سِوَاهَا لَهُمْ أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ بَيْنَهُمَا إعْمَالًا لِلْقَاطِعِ؛ وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ يَجِبُ الْحَدُّ فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيُّ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى شَيْءٍ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَنْ لَا تُنْكَحَ امْرَأَةٌ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا، وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعَنْ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ» وَإِمَامُنَا فِيهِ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً، وَلِأَنَّ نِكَاحَ الْمُطَلَّقَةِ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ لِبَقَاءِ أَحْكَامِهِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَالْفِرَاشِ حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِهَا، وَالْقَاطِعُ، وَهُوَ الطَّلَاقُ قَدْ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ غَيْرَ حُرْمَةِ الْوَطْءِ وَلِهَذَا بَقِيَ فِي حَقِّ الْعَقْدِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ فَصَارَ كَالرَّجْعِيِّ وَلِأَنَّ فِي تَزَوُّجِ أُخْتِهَا زِيَادَةَ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ فَإِنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ فَكَانَ أَشَدَّ مِنْ التَّزَوُّجِ بِهَا، وَهِيَ فِي النِّكَاحِ وَالْحَدِّ لَا يَجِبُ عَلَى إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَعَلَى عِبَارَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ يَجِبُ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْحِلِّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِمَكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا، وَلَمْ يُوجَدْ؛ وَلِهَذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا أَثَرُ الْمِلْكِ وَحَقِيقَةُ الْمِلْكِ فِيهَا لَا تَمْنَعُ تَزَوُّجَ الْأُخْتِ فَالْأَثَرُ أَوْلَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنَّمَا جَازَ نِكَاحُ أُخْتِ أُمِّ الْوَلَدِ لِضَعْفِ الْفِرَاشِ، فَإِذَا أَعْتَقَهَا قَوِيَ الْفِرَاشُ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا بَعْدَ الْعِتْقِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَقَبْلَهُ يَجُوزُ، فَإِذَا قَوِيَ الْفِرَاشُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا كَيْ لَا يَكُونَ مُسْتَلْحَقًا لِنَسَبِ وَلَدِ أُخْتَيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ أَرْبَعٍ سِوَاهَا لِفَقْدِ هَذَا الْمَعْنَى، وَيَجُوزُ لِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا بَعْدَ لِحَاقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ الْمُسْلِمِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَإِنْ عَادَتْ مُسْلِمَةً لَا يَضُرُّ نِكَاحُ الْأُخْتِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَعُودُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَعُودُ، وَفِي بُطْلَانِ نِكَاحِ أُخْتِهَا لَهُ رِوَايَتَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) وَكَذَا يُشْتَرَطُ فِي الذَّكَرِ حَتَّى لَوْ جَامَعَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ زَوْجَةَ أَبِيهِ لَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَحَرُمَ تَزَوُّجُ أُخْتِ مُعْتَدَّتِهِ) وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَحْمَدُ. اهـ. فَتْحٌ (اعْلَمْ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] وَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِيهَا لِأَنَّ مَنْعَهَا عَنْ التَّزَوُّجِ لِصَوْنِ مَاءِ صَاحِبِ الْعِدَّةِ فَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ) أَيْ مِثْلَ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ اهـ وَقَوْلُهُ: بَائِنٌ أَيْ أَوْ ثَلَاثٌ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَ فِي الْعِدَّةِ) أَيْ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالرَّجْعِيِّ) أَيْ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَى الِاحْتِيَاطِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَكَانَ أَشَدَّ مِنْ التَّزَوُّجِ بِهَا) أَيْ بِالْأُخْتِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ فِي النِّكَاحِ) أَيْ الْمُطَلَّقَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ عَلَى إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: مُعْتَدَّةٌ عَنْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ لِلزَّوْجِ إذَا أَنْكَرَهُ فَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى نَسَبَهُ ثَبَتَ، وَيَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْوَطْءَ فِي عِدَّةِ الثَّلَاثِ لَيْسَ زِنًا مُسْتَعْقِبًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ رِوَايَةً فِي عَدَمِ الْحَدِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ سَلِمَ أَيْ وُجُوبُ الْحَدِّ كَمَا فِي عِبَارَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ فَغَايَةُ مَا يُفِيدُ انْقِطَاعُ الْحِلِّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ قُلْنَا بِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: أَثَرُ النِّكَاحِ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ، وَبِهِ يَقُومُ هُوَ مِنْ وَجْهٍ، وَبِهِ تَحْرُمُ الْأُخْتُ مِنْ وَجْهٍ، وَبِهِ تَحْرُمُ مُطْلَقًا اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَذَا الْفَسْخُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا اهـ وَقَوْلُهُ: فِي الْكَنْزِ: وَحَرُمَ تَزَوُّجُ أُخْتِ مُعْتَدَّتِهِ شَامِلٌ لِكُلِّ مُعْتَدَّةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَعَلَى عِبَارَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ يَجِبُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: فَإِنَّهُ نَصَّ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ لَوْ وَطِئَ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ ثَلَاثٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا لَمْ يَدَّعِ الشُّبْهَةَ فَصَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ مِنْ وَجْهِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَيَكْفِي ذَلِكَ لِدَرْءِ الْحَدِّ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ الْحِلَّ مُنْتَفٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَصِيرُ شُبْهَةً؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ إمْسَاكًا لَا اسْتِمْتَاعًا بِوَجْهٍ مَا فَصَارَ فِي حَقِّ الْحِلِّ كَالْأَجْنَبِيَّةِ وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي حَقِّ الْإِمْسَاكِ فَصَارَ جَامِعًا نَظَرًا إلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ: لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْحِلِّ) فَكَانَ الزِّنَا مُتَحَقِّقًا اهـ كَافِي (قَوْلُهُ: وَقَالَا: يَجُوزُ إلَخْ) عِنْدَهُمَا لَا يَطَأُ الْمَنْكُوحَةُ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّةُ الْمُعْتَقَةِ لِئَلَّا يَصِيرَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا حُكْمًا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: فَالْأَثَرُ أَوْلَى) أَيْ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَثَرِ لَا يَرْبُو عَلَى حُكْمِ الْحَقِيقَةِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: لِفَقْدِ هَذَا الْمَعْنَى) أَيْ إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ فُرُشِ الْخَمْسِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا) أَيْ وَأَرْبَعًا سِوَاهَا. اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) أَيْ كَمَا إذَا مَاتَتْ. اهـ. فَتْحٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَمَتِهِ وَسَيِّدَتِهِ) أَيْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ أَمَتِهِ وَحَرُمَ عَلَى الْعَبْدِ نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِهِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مُثْمِرًا ثَمَرَاتٍ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ يُوجِبُ لَهُ عَلَيْهَا التَّمْكِينَ مِنْ نَفْسِهَا وَقَرَارَهَا فِي بَيْتِهِ وَخِدْمَةً دَاخِلَ الْبَيْتِ وَيُوجِبُ لَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةَ وَالْقَسْمَ، وَالْمَمْلُوكِيَّةُ تُنَافِي الْمَالِكِيَّةَ فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُ الثَّمَرَةِ عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَا يُشْرَعُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ التَّوَادُّ وَالْإِحْسَانُ، وَمَقْصُودُ الرِّقِّ الِامْتِهَانُ وَالْقَهْرُ بِسَبَبِ مَا سَبَقَ مِنْهُ مِنْ الْكُفْرِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ لِلتَّضَادِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ) أَيْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهُمَا وَكَذَا لَا يَجُوزُ وَطْؤُهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: يَجُوزُ تَزَوُّجُ الْمَجُوسِيَّةِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَجُوسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَوَاقَعَ مَلِكُهُمْ أُخْتَهُ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَرُفِعَ كِتَابُهُمْ فَنَسَوْهُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: يَجُوزُ وَطْءُ الْمُشْرِكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِوُرُودِ الْأَثَرِ بِجَوَازِ وَطْءِ سَبَايَا الْعَرَبِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ، وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» وَالنِّكَاحُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ، أَوْ نَقُولُ: هُوَ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَيَتَنَاوَلُ الْوَطْءَ وَالْعَقْدَ، وَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ مِنْ جَوَازِ وَطْئِهِنَّ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَطْءِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِمَا تَلَوْنَا، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا رُوِيَ أَنَّ الْمَجُوسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْحَالَةُ الْحَاضِرَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَثَنِيَّ أَيْضًا مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْحَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يُحِلُّ؛ لِأَنَّهَا مُشْرِكَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَسِيحَ وَعُزَيْرًا وَحُمِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ أَمَتِهِ) أَيْ وَلَوْ مَلَكَ بَعْضَهَا. اهـ. فَتْحٌ (فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ مُكَاتَبِهِ ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ فِي مَصَارِفِ الزَّكَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَحَرُمَ عَلَى الْعَبْدِ نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَمْلِكْ سِوَى سَهْمٍ مِنْهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِلْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِهِ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا نَصُّهُ: وَفِي الذَّخِيرَةِ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ نِكَاحُ أَمَتِهِ وَلَا لِلسَّيِّدَةِ نِكَاحُ عَبْدِهَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى بُطْلَانِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَبْدَهَا اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ حُكِيَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْإِجْمَاعُ عَلَى بُطْلَانِهِ، وَحُكِيَ غَيْرُهُ فِيهِ خِلَافُ الظَّاهِرِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُوجِبُ لَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَالْقَسْمَ) أَيْ وَالْمَنْعَ مِنْ الْعَزْلِ إلَّا بِإِذْنٍ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْمَمْلُوكِيَّةُ تُنَافِي الْمَالِكِيَّةَ) فَإِنْ قِيلَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْمَمْلُوكِيَّةُ يَجْتَمِعَانِ بِجِهَتَيْنِ، وَالْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا مَا بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَهُنَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ الْمَرْأَةُ مَالِكَةً بِجِهَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَمَمْلُوكَةً بِجِهَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ كَالْأَبِ يَكُونُ ابْنًا لِأَبِيهِ قُلْنَا: الْمَرْأَةُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا مَالِكَةٌ وَبِالتَّزَوُّجِ بِعَبْدِهَا يَكُونُ بَعْضُهَا مَمْلُوكًا لَهُ فَتَتَحَقَّقُ الْمُنَافَاةُ وَإِنْ اخْتَلَفَ جِهَةُ الْمِلْكِ؛ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمِلْكَيْنِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ قَاهِرًا، وَالْمَمْلُوكُ مَقْهُورًا وَلِأَنَّ نَفَقَتَهُ تَجِبُ عَلَيْهَا لِلْمِلْكِ، وَنَفَقَتُهَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِلنِّكَاحِ فَيَتَقَاصَّانِ فَيَمُوتَانِ جُوعًا. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ اشْتَرَتْ زَوْجَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فُسِخَ النِّكَاحُ وَتَبِعَتْهُ بِالْمَهْرِ كَمَنْ دَايَنَ عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَعِنْدَنَا سَقَطَ الدَّيْنُ فِيهِمَا وَلَا يَسْتَوْجِبُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا ابْتِدَاءً، وَلَا بَقَاءً لِلتَّنَافِي كَذَا فِي الْغَايَةِ وَالدِّرَايَةِ وَفِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ لَوْ اشْتَرَى الْقِنُّ أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ الْمُكَاتَبُ زَوْجَتَهُ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَا عُرِفَ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ إلَخْ) فَلِذَلِكَ لَا يُحَدُّ الْمَجْنُونُ بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي صِحَّتِهِ، وَلَا السَّكْرَانُ بِسَبَبٍ وُجِدَ مِنْهُ فِي صَحْوِهِ؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَدِّ الزَّجْرُ وَلَا يَحْصُلُ مَعَ الْجُنُونِ وَالسُّكْرِ؛ فَلِهَذَا لَا يَشْرَعُ نِكَاحَ أَمَتِهِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ بِدُونِهِ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمَجُوسِيَّةِ) عَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ. اهـ. فَتْحٌ وَالْمُرَادُ بِالْمَجُوسِ عَبَدَةُ النَّارِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْوَثَنِيَّةِ) أَيْ وَهِيَ الَّتِي تَعْبُدُ الْوَثَنَ، وَهُوَ الصَّنَمُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ: وَمِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْكَافِرَةُ بِكُفْرٍ مَخْصُوصٍ لَا تَحِلُّ الْوَثَنِيَّةُ لِلْمُسْلِمِ وَتَحِلُّ لِكُلِّ كَافِرٍ إلَّا الْمُرْتَدَّ، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُرْتَدَّةِ لِأَحَدٍ وَالْمَجُوسِيَّةُ لَا تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ، وَتَحِلُّ لِكُلِّ كَافِرٍ إلَّا الْمُرْتَدَّ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ) قَالَ أَحْمَدُ: مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ بَاطِلٌ، وَاسْتَعْظَمَهُ جِدًّا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ) أَيْ وَمَالِكٌ لَكِنَّهُ قَالَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: سُنُّوا بِهِمْ) أَيْ اُسْلُكُوا بِهِمْ طَرِيقَتَهُمْ يَعْنِي عَامِلُوهُمْ مُعَامَلَتَهُمْ فِي إعْطَاءِ الْأَمَانِ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ) قَالَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِمَا تَلَوْنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221]. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَحَلَّ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ) أَيْ الْحُرَّةِ أَمَّا الْأَمَةُ فَسَيَأْتِي حُكْمُهَا مَتْنًا وَشَرْحًا اهـ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُفْعَلَ أَيْ التَّزْوِيجُ بِالْكِتَابِيَّةِ وَلَا تُؤْكَلَ ذَبِيحَتُهُمْ إلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَتُكْرَهُ الْكِتَابِيَّةُ الْحَرْبِيَّةُ إجْمَاعًا لِافْتِتَاحِ بَابِ الْفِتْنَةِ مِنْ إمْكَانِ التَّعَلُّقِ الْمُسْتَدْعِي لِلْمُقَامِ مَعَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ تَعْرِيضِ الْوَلَدِ عَلَى التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَعَلَى الرِّقِّ بِأَنْ تُسْبَى، وَهِيَ حُبْلَى فَتُولَدُ رَقِيقًا وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَالْكِتَابِيُّ مِنْ يُقِرُّ بِنَبِيٍّ وَيُؤْمِنُ بِكِتَابٍ، وَالسَّامِرِيَّةُ مِنْ الْيَهُودِ أَمَّا مَنْ آمَنَ بِزَبُورِ دَاوُد وَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ عِنْدَنَا ثُمَّ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: قَالُوا هَذَا يَعْنِي الْحِلُّ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ الْمَسِيحَ إلَهًا أَمَّا إذَا اعْتَقَدَهُ فَلَا، وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيحَ إلَهٌ وَأَنَّ الْعُزَيْرَ إلَهٌ وَلَا يَتَزَوَّجُوا نِسَاءَهُمْ وَقِيلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَكِنْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلَائِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْأَكْلُ وَالتَّزَوُّجُ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي رَضَاعِ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْأَئِمَّةِ فِي الذَّبِيحَةِ قَالَ ذَبِيحَةُ النَّصْرَانِيِّ حَلَالٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَالَ بِثَالِثِ ثَلَاثَةٍ أَوْ لَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ هُنَا. اهـ. فَتْحٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَرَائِرَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَلَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ نِكَاحُهُنَّ وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَطَلْحَةُ وَحُذَيْفَةُ وَسَلْمَانُ وَجَابِرٌ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَمْ يُحَرِّمْ نِكَاحَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَوَائِلِ وَحَرَّمَتْهُ الْإِمَامِيَّةُ. اهـ. غَايَةٌ

الْمُحْصَنَاتُ فِي الْآيَةِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُنَّ وَلِلْجُمْهُورِ مَا تَلَوْنَا وَالْمُشْرِكُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ وَلِهَذَا عُطِفَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 1] وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ الْعَفَائِفُ الْحَرَائِرُ ثُمَّ كُلُّ مَنْ يَعْتَقِدُ دِينًا سَمَاوِيًّا، وَلَهُ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ كَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَتَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ وَأَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا عَدَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصَّابِئَةِ) أَيْ حِلُّ تَزَوُّجِ الصَّابِئَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا، وَهَذَا الْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ أَمْ لَا فَعِنْدَهُمَا هُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، فَإِنَّهُمْ يَعْبُدُونَ النُّجُومَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسُوا بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَإِنَّمَا يُعَظِّمُونَ النُّجُومَ كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِ الْكَعْبَةَ فَإِنْ كَانَ كَمَا فَسَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَإِنْ كَانَ كَمَا فَسَّرَاهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ وَقِيلَ: فِيهِمْ الطَّائِفَتَانِ وَقِيلَ: هُمْ صِنْفٌ مِنْ النَّصَارَى يَقْرَؤُنَّ الزَّبُورَ، وَهُمْ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ، وَهُمْ بِنَفْسِهِمْ يَعْتَقِدُونَ الْكَوَاكِبَ آلِهَةً وَيُضْمِرُونَ ذَلِكَ، وَلَا يَسْتَجِيزُونَ إظْهَارَ مَا يَعْتَقِدُونَ أَلْبَتَّةَ فَبَنَى أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَا يُظْهِرُونَ وَبَنَيَا عَلَى مَا يُضْمِرُونَ، وَقَالَ السُّدِّيَّ: هُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْيَهُودِ كَالسَّامِرَةِ وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ هُمْ قَوْمٌ يُقِرُّونَ بِاَللَّهِ وَيَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَيُصَلُّونَ إلَى الْكَعْبَةِ أَخَذُوا مِنْ كُلِّ دِينٍ شَيْئًا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِمْ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَلَوْ أَوْرَدْنَاهُ لَطَالَ الْكَلَامُ فِيهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مُنَاكَحَتِهِمْ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا نَشَأَ الْخِلَافُ مَبْنِيًّا عَلَى اشْتِبَاهِ مَذَاهِبِهِمْ فَكُلٌّ أَجَابَ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُحْرِمَةِ وَلَوْ مُحْرِمًا) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجَ الْمُحْرِمَةِ وَلَوْ كَانَ الْمُتَزَوِّجُ بِهَا مُحْرِمًا أَوْ الْوَلِيُّ الْمُزَوِّجُ لَهَا مُحْرِمًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لِحَدِيثِ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَلَا يَخْطُبُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلَنَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا، وَهُوَ حَلَالٌ» وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: قَدْ رَوَى أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَ نِسَائِهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ» قَالَ الطَّحَاوِيُّ: نَقَلَةُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ يُحْتَجُّ بِرِوَايَاتِهِمْ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَالْمُحْرِمُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْهُ كَشِرَاءِ الْجَارِيَةِ لِلتَّسَرِّي، وَلَوْ جُعِلَ عَقْدُ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ، وَهُوَ الْوَطْءُ لَكَانَ تَأْثِيرُهُ فِي إيجَابِ الْجَزَاءِ أَوْ فِي إفْسَادِ الْإِحْرَامِ لَا فِي بُطْلَانِ النِّكَاحِ وَلِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ يَبْقَى النِّكَاحُ وَلَوْ كَانَ مُنَافِيًا لِابْتِدَائِهِ لَكَانَ مُنَافِيًا لِبَقَائِهِ كَالرَّضَاعِ وَلَا تَأْثِيرَ لِثُبُوتِ الْحِلِّ كَالرَّجْعَةِ فِي الْإِحْرَامِ، وَهُوَ مُثْبِتٌ لِلْحِلِّ عِنْدَهُ، وَكَذَا لَا تَأْثِيرَ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ فِي مَنْعِ الْعَقْدِ كَتَزَوُّجِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا وَحَدِيثُ عُثْمَانَ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَطْءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ الْعَفَائِفُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَتْ الْعِفَّةُ شَرْطًا بَلْ هُوَ لِلْعَادَةِ أَوْ لِنَدْبِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجُوا غَيْرَهُنَّ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ آنِفًا، وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى حِلِّ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا) وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ الْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُمْ صِنْفٌ مِنْ النَّصَارَى إلَخْ) قَالَ السُّرُوجِيُّ نَقْلًا عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا نَصُّهُ عِنْدَهُ: هُمْ صِنْفٌ مِنْ النَّصَارَى يَقْرَؤُنَّ الزَّبُورَ وَهُوَ الَّذِي يُظْهِرُونَ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ اهـ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَهُمْ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ أَيْ إيَّاهَا يُظْهِرُونَ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَفْعُولِ الرَّاجِعِ إلَى الْقِرَاءَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ يَقْرَءُونَ، وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا الْمَفْعُولَ مُقَدَّمًا لِيُفِيدَ الْمَقْصُودَ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يُظْهِرُونَ مِنْ مُعْتَقَدِهِمْ سِوَى الْقِرَاءَةِ، وَلَمْ نُقَدِّرْهُ مُتَّصِلًا مُؤَخَّرًا لِأَنَّ مُفَادَ التَّرْكِيبِ حِينَئِذٍ أَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ لَا غَيْرُهُمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمَقْصُودِ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ وَقَفْت بَعْدَ هَذَا عَلَى نُسْخَةِ الشَّارِحِ الَّتِي بِخَطِّهِ فَوَجَدَتْ عِبَارَتَهُ وَهُوَ الَّذِي يُظْهِرُونَ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ كَمَا نَقَلْته عَنْ السُّرُوجِيِّ فَلَا مَحَلَّ لِهَذِهِ الْحَاشِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُمْ الَّذِينَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ الَّذِي اهـ وَقَوْلُهُ وَهُمْ أَيْ هَذَا الصِّنْفُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِمْ اخْتِلَافًا) هُوَ مَنْصُوبٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَلَّ تَزَوُّجُ الْمُحْرِمَةِ إلَخْ) أَمَّا الْوَطْءُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: «لَا يَنْكِحْ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحْ») هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَذَلِكَ وَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ لَا يَنْكِحُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يَتَزَوَّجُ، وَالثَّانِي لَا يُنْكِحْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يُزَوِّجُ غَيْرَهُ قَالَ الْعَسْكَرِيُّ: وَمَنْ فَتَحَ الْكَافَ مِنْ الثَّانِي فَقَدْ صَحَّفَ، وَالْحَاءُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَنْكِحْ مَكْسُورَةٌ كَمَا رَوَاهُ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى مَعْنَى النَّهْيِ، وَلَا يَصِحُّ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّهُ إخْبَارٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُحِبُّ فِي أَحْكَامِهِ فِي الْحَجِّ اهـ مِنْ الْمُحَرَّرِ الْمُذَهَّبِ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْمُهَذَّبِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ وَقَوْلُهُ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ كَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ يَقُولُ لَوْ أَحْرَمَ قَاضٍ وَلَهُ نَائِبٌ فِي بَلْدَةٍ عَقَدَ أَنْكِحَةً فَعُقُودُهُ بَاطِلَةٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. اهـ. مُقْنِعْ شَرْحِ مَجْمَعٍ لِابْنِ الْأَضْرَبِ (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ «وَلَا يَخْطُبْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ) أَيْ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ) أَيْ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ حَلَالٌ) وَمَاتَتْ بِسَرِفٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا تَأْثِيرَ لِثُبُوتِ الْحِلِّ كَالرَّجْعَةِ) يَعْنِي لَوْ رَاجَعَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ كَانَتْ رَجْعَتُهُ صَحِيحَةً بِالِاتِّفَاقِ وَعِنْدَ الْخَصْمِ الرَّجْعَةُ سَبَبٌ يَثْبُتُ الْحِلِّ بِهِ فِي الْوَطْءِ، وَلَمْ يَكُنْ الْمُحْرِمُ مَمْنُوعًا عَنْهُ فَكَذَا النِّكَاحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: كَتَزَوُّجِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا) وَصُورَتُهُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَجْلِ الظِّهَارِ فَكَذَا الْمُحْرِمُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ أَيْ لَا يَطَأُ الْمُحْرِمُ، وَلَا تُمَكِّنُ الْمُحْرِمَةُ مِنْ الْوَطْءِ، وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ، وَلَا يُعَارَضُ بِمَا رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَزَوَّجَ بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ»؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ يَزِيدَ لَا تُعَارِضُ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِهَذَا قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ لِلزُّهْرِيِّ: وَمَا يَدْرِي ابْنُ الْأَصَمِّ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى سَاقِهِ أَتَجْعَلُهُ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّزَوُّجِ الْبِنَاءَ بِهَا مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فَجَازَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْبِنَاءِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ - أَيْضًا - ضَعِيفٌ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: رَفَعَهُ مِنْ رِوَايَةِ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، وَهُوَ لَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: هُوَ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، وَوَصْلُهُ غَلَطٌ وَبَيْنَ وَجْهِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ الَّذِينَ رَوَوْا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَزَوَّجَ بِهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَهْلُ فِقْهٍ، وَثَبَتَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فَلَا تُعَادِلُهُمْ رُوَاةُ حَدِيثِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَمَةِ، وَلَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً) أَيْ جَازَ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ كِتَابِيَّةً وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً كِتَابِيَّةً وَيَجُوزُ بِالْمُسْلِمَةِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] أَبَاحَ نِكَاحَ الْإِمَاءِ بِشَرْطَيْنِ: عَدَمُ الطَّوْلِ، وَأَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً فَإِذَا انْتَفَيَا أَوْ انْتَفَى أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْحُكْمُ، وَهُوَ الْحِلُّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْحُكْمَ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ أَوْ أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ أَوْجَبَ ذَلِكَ نَفْيَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ أَوْ الشَّرْطِ؛ وَلِأَنَّ جَوَازَ نِكَاحِهِنَّ ضَرُورِيٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْجُزْءِ الْحُرِّ عَلَى الرِّقِّ، وَهُوَ مَوْتٌ حُكْمًا فَصَارَ كَالْإِهْلَاكِ حِسًّا وَقَدْ ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِالْمُسْلِمَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وَلَفْظُ النِّسَاءِ عَامٌّ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْإِمَاءُ وَالْحَرَائِرُ وَمَا تَلَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلنَّفْيِ وَلَا لِلْإِثْبَاتِ عِنْدَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا وُضِعَ لَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ غَايَةَ دَرَجَاتِ الْوَصْفِ إذَا كَانَ مُؤَثِّرًا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً وَلَا أَثَرَ لِلْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ وَلِأَنَّ الطَّوْلَ هُوَ الْقُدْرَةُ، وَالنِّكَاحُ الْوَطْءُ حَقِيقَةً فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَطَأَ الْحُرَّةَ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ فَلْيَتَزَوَّجْ أَمَةً فَلَا يَبْقَى حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ وَاشْتِرَاطُ عَدَمِ الطَّوْلِ يُفِيدُ الْكَرَاهِيَةَ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَكَذَا اشْتِرَاطُ خَشْيَةِ الْعَنَتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ عِنْدَ عَدَمِ الْخَيْرِ وَلَا يَنْفِي جَوَازَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْمُحْصَنَاتِ أَيْضًا بِالْإِيمَانِ فَقَضِيَّتُهُ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ تَجُوزَ الْأَمَةُ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ وَهُمْ مَنَعُوهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَفِيهِ تَرْكُ أَصْلِهِ وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ جَوَّزُوهُ، وَفِيهِ إرْقَاقُ الْوَلَدِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ فَقَدْ نَاقَضُوا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ لَوْ كَانَتْ إرْقَاقَ الْوَلَدِ لَمَا جَازَ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَمَا لَا يَجُوزُ إرْقَاقُ وَلَدِهِ الْحُرِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُطْلَقًا بِالْأَمَةِ الْآيِسَةِ وَالرَّتْقَاءِ وَلَكَانَ جَائِزًا لِلْمَجْبُوبِ، وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا بِإِدْخَالِ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَنْكِحُ الْأَمَةَ عِنْدَهُمْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَكَذَا الْعَبْدُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْحُرِّ فَجَعَلُوا مِلْكَهُ أَزْيَدَ عَلَى مِلْكِ الْحُرِّ وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ عِنْدَهُمْ لِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يُجِيزُوا لَهُ إلَّا أَمَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ كَالْحُرِّ وَهَذَا تَنَاقُضٌ عَظِيمٌ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لَمْ يَكُنْ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ تَزَوُّجِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ مَعْنًى وَقَوْلُهُ تَعْرِيضُ الْجُزْءِ الْحُرِّ عَلَى الرِّقِّ قُلْنَا لَيْسَ فِيهِ إرْقَاقُ الْجُزْءِ؛ لِأَنَّ الْإِرْقَاقَ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْحُرِّيَّةِ، وَالنُّطْفَةُ لَا تُوصَفُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَلَا بِالرِّقِّ فَبَطَلَ مَا ذُكِرَ، وَلَهُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فَإِنْ قِيلَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَنْكِحْ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحْ وَلَا يَخْطُبْ» قِيلَ لَهُ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَطَأَ الْمُحْرِمُ وَلَا تُمَكِّنُ الْمُحْرِمَةُ مِنْ نَفْسِهَا لِتُوطَأَ بِظَاهِرِ خَبَرِنَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَلَا يَخْطُبْ وَلَا يَلْتَمِسْ الْوَطْءَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَجَازَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْبِنَاءِ) وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْحُكْمِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالْغَلَطِ وَالرَّدِّ إذْ الْمَجَازُ أَوْلَى مِنْ الْغَلَطِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ) أَيْ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ الْأَصَمِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَيْدُ الْحُرِّ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُجِيزُ لِلْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ فَكَانَ الصَّوَابُ إبْدَالَهُ بِالْمُسْلِمِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ كَقَوْلِهِ وَعَنْهُمَا كَقَوْلِنَا اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُ نِكَاحِ الْأَمَةِ مُطْلَقًا وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ مَفْهُومُ الشَّرْطِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَوْ حُجَّةٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالطَّوْلُ صَدَاقُ الْحُرَّةِ وَلَا تُرَاعَى الْقُدْرَةُ عَلَى النَّفَقَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] أَيْ وقَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] اهـ (قَوْلُهُ: وَلَا أَثَرَ لِلْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ) أَيْ لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ لَا يَكُونُ عِلَّةً لِعَدَمِ الْحُكْمِ، وَالْأَمْرُ الْعَدَمِيُّ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِحُكْمٍ عَدَمِيٍّ وَلَا وُجُودِيٍّ. اهـ. غَايَةٌ لَا يُقَالُ الْوَصْفُ بِالْإِيمَانِ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] إذْ لَا يَجُوزُ تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إجْمَاعًا لِتَقْيِيدِهَا بِالْإِيمَانِ فِيهَا فَإِنَّا نَقُولُ: تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مُقَيَّدَةً بِالْإِيمَانِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ شُرِعَ مُقَيَّدًا وَمُطْلَقًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الطَّوْلَ هُوَ الْقُدْرَةُ) كَقَوْلِهِ ذِي الطَّوْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ) أَيْ بِالْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَا يَجُوزُ إرْقَاقُ وَلَدِهِ الْحُرِّ) أَيْ بِالْبَيْعِ عِنْدَ الْمَجَاعَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِإِدْخَالِ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ) أَيْ مَعَ بَقَاءِ نِكَاحِ الْأَمَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْعَبْدُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَيْنِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ الْوَلَدِ عَلَى الرِّقِّ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذَلِكَ وَعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَكَوْنِ الْعَبْدِ أَبًا لَا إثْمَ لَهُ فِي ثُبُوتِ رِقِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ حُرَّةً كَانَ وَلَدُهُ حُرًّا. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (قَوْلُهُ فَبَطَلَ مَا ذَكَرَ) وَلَئِنْ قَالَ: فِيهِ امْتِنَاعٌ عَنْ تَحْصِيلِ الْوَلَدِ الْحُرِّ، قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَحْصُلَ أَصْلُ الْوَلَدِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ

لَا يَحْصُلَ الْوَلَدُ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ عَاقِرًا أَوْ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ التَّزَوُّجِ فَكَذَا لَهُ أَنْ لَا يَحْصُلَ وَصْفُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْوَلَدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ لَا عَكْسِهِ) أَيْ يَجُوزُ تَزَوُّجُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ طَوْلَ الْحُرَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّزَوُّجِ بِالْأَمَةِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي حَقِّ الْحُرِّ فَقَطْ فَلَا يَكُونُ نِكَاحُهَا ضَرُورِيًّا فِي حَقِّهِ عِنْدَهُ وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ ذَلِكَ بِرِضَا الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ لَا يَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ عِنْدَهُ حَتَّى جَازَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا بِإِذْنِ الْمَوْلَى عِنْدَهُ لَكِنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لِاحْتِرَامِ الْحُرَّةِ كَيْ لَا يَلْحَقَهَا زِيَادَةُ غَضَاضَةٍ بِإِدْخَالِ الْأَمَةِ عَلَيْهَا فَكَانَ الْمَنْعُ لِحَقِّهَا فَيَرْتَفِعُ بِرِضَاهَا، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] يَتَنَاوَلُ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَلِأَنَّ الْحِلَّ نِعْمَةٌ وَكَرَامَةٌ فَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ لِنُقْصَانِهِ وَشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ تُنَصَّفُ نَفْسِ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فَأَظْهَرْنَا النُّقْصَانَ فِي حُقُوقِ النِّكَاحِ وَأَحْكَامِهِ كَالْقَسْمِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ، وَفِي الْأَحْوَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا مُنْفَرِدَةً، وَلَا يَجُوزُ حَالَةَ الِانْضِمَامِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهُمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ صَحَّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ، وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْإِمَاءِ وَخَمْسًا مِنْ الْحَرَائِرِ فِي عَقْدٍ صَحَّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ بِالْخَمْسِ بَاطِلٌ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْعَكْسُ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَهُوَ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَالْحُرَّةُ فِي الْعِدَّةِ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَزَوُّجٍ عَلَيْهَا وَهُوَ الْمُحَرَّمُ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ بِدَلِيلِ جَوَازِهِ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِخِلَافِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا، أَوْ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُنَاكَ الْجَمْعُ، وَقَدْ تَحَقَّقَ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِالتَّزَوُّجِ بَعْدَمَا أَبَانَهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ حُكْمَ قِيَامِ النِّكَاحِ فَالِاحْتِيَاطُ الْمَنْعُ فَأَشْبَهَ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا وَنِكَاحَ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي قَسْمِهَا غَيْرُهَا؛ وَلِأَنَّ بَقَاءَ النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ لَا يَكْفِي لِلْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحِنْثِ وُجُودُ الشَّرْطِ صُورَةً وَمَعْنًى حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالشَّكِّ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، وَهَذَا لَيْسَ يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا عُرْفًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَرْبَعٍ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجُ أَرْبَعٍ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَالنَّصُّ عَلَى الْعَدَدِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ مِنْ الْإِمَاءِ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ ضَرُورِيٌّ عِنْدَهُ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِوَاحِدَةٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا؛ إذْ لَفْظُ النِّسَاءِ يَنْتَظِمُ الْحَرَائِرَ وَالْإِمَاءَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِالتِّسْعِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاحَ ثِنْتَيْنِ بِقَوْلِهِ مَثْنَى ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ بِالْوَاوِ، وَهِيَ لِلْجَمْعِ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ تِسْعًا، وَمِثْلُهُ عَنْ النَّخَعِيّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَقَالَ بَعْضُ الشِّيعَةِ وَالْخَوَارِجُ: يَجُوزُ ثَمَانِي عَشْرَةَ امْرَأَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مَثْنَى يُفِيدُ التَّكْرَارَ لِكَوْنِهِ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ مُكَرَّرًا وَكَذَلِكَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ، وَأَقَلُّ التَّكْرَارِ مَرَّتَانِ فَيَكُونُ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَحَكَى الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَا شَاءَ مِنْ الْعَدَدِ غَيْرَ مَحْصُورٍ؛ لِأَنَّ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يُفِيدُ التَّكْرَارُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَهَؤُلَاءِ خَرَقُوا الْإِجْمَاعَ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعْت عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيمَا ذَكَرُوا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ وَإِنْ كَانَتْ تَقْتَضِي التَّكْرَارَ لَكِنْ تُفِيدُ تَكْرَارَ النَّاكِحِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْجَمْعِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ) وَهُوَ إجْمَاعٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ) أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ» الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ «وَتَتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا تَتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وَفِيهِ مُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ بِسَنَدِهِ إلَى الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ قَالَ: وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ» قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلُ الْحَسَنِ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا مُرْسَلًا وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ، وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ نَحْوَهُ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: تَتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا تَتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، وَعَنْ مَكْحُولٍ نَحْوَهُ، فَهَذِهِ آثَارٌ ثَابِتَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تُقَوِّي الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ لَوْ لَمْ نَقُلْ بِحُجِّيَّتِهِ فَوَجَبَ قَبُولُهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ) أَيْ وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ) قُيِّدَ بِالْبَائِنِ؛ لِأَنَّ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ اتِّفَاقًا وَقَوْلُهُمَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا) أَيْ لَا يُقَالُ: تَزَوَّجَ عَلَيْهَا إذَا تَزَوَّجَ، وَهِيَ مُبَانَةٌ مُعْتَدَّةٌ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَأَرْبَعٍ) بِالْجَرِّ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ أَيْ وَحَلَّ أَيْضًا تَزْوِيجُ أَرْبَعٍ. اهـ. عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا الْجَوَارِي فَلَهُ مَا شَاءَ مِنْهُنَّ وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَأَلْفُ جَارِيَةٍ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً أُخْرَى فَلَامَهُ رَجُلٌ يَخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرَ، وَقَالُوا: إذَا تَرَكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ خَوْفَ أَنْ يُدْخِلَ الْغَمَّ عَلَى زَوْجَتِهِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ كَانَ مَأْجُورًا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: مَثْنَى يُفِيدُ التَّكْرَارَ) وَفِي الْبَدَائِعِ أَدْنَى مَا يُرَادُ بِالْمَثْنَى مَرَّتَانِ وَبِالثَّلَاثِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ قُلْت: هَذَا سَهْوٌ مِنْهُ بَلْ أَدْنَى مَا يُرَادُ مِنْ ثَلَاثٌ سِتَّةٌ. اهـ. غَايَةٌ

تُفِيدُ الْجَمْعَ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْله تَعَالَى {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1] لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تِسْعَةَ أَجْنِحَةٍ أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ أَوْ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ لِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَلِطَائِفَةٍ أُخْرَى ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَلِطَائِفَةٍ أُخْرَى أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَلِهَذَا لَوْ قَالَ اقْتَسِمُوا هَذَا الْمَالَ دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُصِيبُهُ دِرْهَمَانِ أَوْ ثَلَاثٌ، وَلَا يُفْهَمُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَأْخُذُ دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ مِرَارًا، وَإِنَّمَا أَتَى بِلَفْظِ يُنْبِئُ عَنْ التَّكْرَارِ لِيَسْتَقِيمَ هَذَا الْمَعْنَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ اقْتَسِمُوا هَذَا الْمَالَ دِرْهَمَيْنِ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى فَكَذَا هَذَا وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى كَمَا زَعَمُوا لَمَّا كَانَ لِذِكْرِ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ مَعْنَى؛ لِأَنَّ مَثْنَى يُفِيدُ التَّكْرَارَ لَا إلَى نِهَايَةٍ وَحَصْرٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاثْنَتَيْنِ لِلْعَبْدِ) أَيْ وَحَلَّ تَزَوُّجُ اثْنَتَيْنِ لِلْعَبْدِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَقَالَ مَالِكٌ: لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا لِلْعُمُومَاتِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ النِّسَاءِ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصَّفٌ لِلنِّعْمَةِ فَيُتَنَصَّفُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ تَزْدَادُ بِالشَّرَفِ؛ وَلِهَذَا جَازَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِكَاحُ التِّسْعِ لَا لِغَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُبْلَى مِنْ زِنًا لَا مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجُ الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا وَلَا يَحِلُّ تَزَوُّجُ الْحُبْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَفْسُدُ النِّكَاحُ فِي الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَمْلُ مُحْتَرَمٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ إسْقَاطُهُ وَالِامْتِنَاعُ فِي الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لِحُرْمَةِ الْحَمْلِ وَصِيَانَتِهِ عَنْ سَقْيِهِ بِمَاءِ الْغَيْرِ لَا لِصَاحِبِ الْمَاءِ؛ وَلِهَذَا لَا تَرْتَفِعُ الْحُرْمَةُ بِإِذْنِهِ وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا وَلِأَنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ لِحِكْمَةٍ فَإِذَا لَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حِكْمَةٌ لَمْ يُشْرَعْ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِالزَّانِي الَّذِي حَبِلَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مَرْتَبَةٌ عَلَيْهِ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَلِأَنَّ امْتِنَاعَ النِّكَاحِ لِحُرْمَةِ صَاحِبِ الْمَاءِ لَا لِلْحَمْلِ بِدَلِيلِ جَوَازِ التَّزَوُّجِ بِهَا لِصَاحِبِ الْمَاءِ فِي ثَابِتِ النَّسَبِ وَغَيْرِهِ وَلَا حُرْمَةَ لِلزَّانِي، وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ الْحَمْلِ لَمَا اخْتَلَفَ، وَامْتِنَاعُ الْوَطْءِ كَيْ لَا يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ»؛ لِأَنَّ بِهِ يَزْدَادُ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ حِدَّةً كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُرْمَةِ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَسَادُ النِّكَاحِ كَحُرْمَتِهِ بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَإِنَّمَا لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْوَطْءِ فَفَاتَ الِاحْتِبَاسُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحِلُّ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ أَيْ لَا الْحُبْلَى مِنْ غَيْرِ الزِّنَا، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ حُبْلَى بِثَابِتِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحُرْمَةِ صَاحِبِ الْمَاءِ وَذَلِكَ عِنْدَ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ حَرْبِيٍّ كَالْمُهَاجِرَةِ وَالْمَسْبِيَّةِ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا رَوَاهَا أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ وَاعْتَمَدَهَا الطَّحَاوِيُّ وَالْمَنْعُ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ وَاعْتَمَدَهَا الْكَرْخِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ ثُلَاثَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَوْ ثَلَاثًا بِالنَّصْبِ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ عِنْدَهُ حَتَّى مَلَكَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا لَمْ يَقُلْهُ مَالِكٌ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَجُوزُ لَهُ زَوَاجٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ لِلسَّيِّدِ إجَازَتُهُ أَوْ رَدُّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ) وَهَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَزَاهُ السُّرُوجِيُّ إلَى الْمَحَلِّيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصَّفٌ) تَوْضِيحُ مُرَادِهِ: أَنَّ الْحِلَّ الثَّابِتَ بِالنِّكَاحِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَتَّى إنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالِاسْتِمْتَاعِ وَقَدْ نَصَّفَ الرِّقُّ لِلْمَرْأَةِ مَالَهَا مِنْ ذَلِكَ الْحِلِّ حَتَّى إذَا كَانَتْ تَحْتَ الرَّجُلِ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ يَكُونُ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ فَلَمَّا نَصَّفَ رِقُّهَا مَالَهَا وَجَبَ أَنْ يُنَصِّفُ رِقُّهُ مَالَهُ، وَلِلْحُرِّ تَزَوُّجُ أَرْبَعِ، وَلِلْعَبْدِ ثِنْتَانِ بَقِيَ أَنْ يُسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] نَظَرًا إلَى عُمُومِ الْمُخَاطَبِينَ فِي الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي إطْلَاقِ الزَّائِدِ عَلَى الْأَمَةِ نَظَرًا إلَى الْعُمُومِ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُخَاطَبِينَ هُمْ الْأَحْرَارُ بِدَلِيلِ آخِرِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فَإِنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَذَا هُمْ الْمُخَاطَبُونَ الْأَوَّلُونَ وَلَا مِلْكَ لِلْعَبْدِ فَلَزِمَ كَوْنُ الْمُرَادِ الْأَحْرَارَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ وَزُفَرَ وَمَالِكٍ وَابْنِ حَنْبَلٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالِامْتِنَاعُ فِي الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْحَمْلُ بِثَابِتِ النَّسَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِالزَّانِي) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَبَلُ مِنْ زِنًا مِنْهُ جَازَ النِّكَاحُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مُحَالًا إلَى النَّوَازِلِ قَالَ رَجُلٌ تَزَوَّجَ حَامِلًا مِنْ زِنًا مِنْهُ فَالنِّكَاحُ صَحِيحُ عِنْدَ الْكُلِّ وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِذَا جَازَ فِي الْخِلَافِيَّةِ عِنْدَهُمَا وَلَا يَطَؤُهَا هَلْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ: لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَقِيلَ: لَهَا النَّفَقَةُ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ، وَإِنْ وَجَبَتْ مِنْ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ عِنْدَنَا لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ إلَى الدُّخُولِ مِنْ جِهَتِهَا بِخِلَافِ الْحَائِضِ فَإِنَّ عُذْرَهَا سَمَاوِيٌّ، وَهَذَا يُضَافُ إلَى فِعْلِ الزِّنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَكَمَا لَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا لَا تُبَاحُ دَوَاعِيهِ، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِوَطْئِهَا، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَكَأَنَّهُ يَقِيسُهُ عَلَى الَّتِي زَنَتْ حَيْثُ جَازَ تَزْوِيجُهَا وَحَلَّ وَطْؤُهَا فِي الْحَالِ مَعَ احْتِمَالِ الْعُلُوقِ فَعُلِمَ أَنَّ الْعُلُوقَ مِنْ الزِّنَا لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ، وَإِلَّا لَمَنَعَ مَعَ تَجْوِيزِهِ فِي مَقَامِ الِاحْتِيَاطِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُحَقَّقِ وَالْمَوْهُومِ فِي الشَّغْلِ الْحَرَامِ ثَابِتٌ شَرْعًا لِوُرُودِ عُمُومِ النَّهْي فِي الْمُحَقَّقِ وَهُوَ مَا رَوَى رُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ امْتِنَاعَ النِّكَاحِ) أَيْ فِي ثَابِتِ النَّسَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا) أَيْ إذْ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الْحَرْبِيِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَاءِ الزَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَهَا الْكَرْخِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْ الزِّنَا لَا نَسَبَ لَهُ، وَهُنَا النَّسَبُ ثَابِتٌ

الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَوْطُوءَةِ بِمِلْكٍ) أَيْ جَازَ تَزَوُّجُ مَنْ وَطِئَهَا الْمَوْلَى بِمِلْكِ يَمِينٍ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ أُمُّ الْوَلَدِ مَا لَمْ تَكُنْ حُبْلَى؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ؛ وَلِهَذَا يَنْتَفِي وَلَدُهَا بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ فَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِاحْتِمَالِ الشَّغْلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَكَانَ النِّكَاحِ شِرَاءٌ، وَلَهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي رَحِمٍ فَارِغٍ لَكِنَّ الْفَرَاغَ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ جَوَازُ النِّكَاحِ مَقَامَ الْفَرَاغِ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّ مُرَادَنَا حَمْلٌ ثَابِتُ النَّسَبِ، أَوْ نَقُولُ: يَكُونُ دَلِيلُ الْفَرَاغِ فِي الْمُحْتَمَلِ لَا فِيمَا تَحَقَّقَ وُجُودُهُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِجَوَازِهِ مَعَ الشَّغْلِ فَيَجِبُ التَّعَرُّفُ بَعْدَهُ وَقِيلَ: لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ بِاسْتِحْبَابِهِ فَلَمْ يَتَقَابَلْ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ، وَكَانَ قَوْلُهُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ زِنًا) أَيْ حَلَّ نِكَاحُ الْمَوْطُوءَةِ بِزِنًا حَتَّى لَوْ رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا جَازَ وَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ نِكَاحَ الزَّانِيَةِ يَجُوزُ، وَكَذَا نِكَاحُ الزَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ مَنْعُهُ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] وَلِلْجُمْهُورِ مَا رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي لَا تَدْفَعُ يَدَ لَامِسٍ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَلِّقْهَا فَقَالَ إنِّي أُحِبُّهَا، وَهِيَ جَمِيلَةٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِي رِوَايَةٍ أَمْسِكْهَا إذًا» وَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فِي الْآيَةِ الْوَطْءُ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الزَّانِيَةُ لَا يَطَؤُهَا إلَّا زَانٍ فِي حَالَةِ الزِّنَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمَةِ الزَّانِيَةُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمُشْرِكٍ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْعَقْدَ لَجَازَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْآيَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إخْبَارًا عَنْ رَغْبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ فِي الْآخَرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الزَّانِيَ الْفَاسِقَ لَا يَرْغَبُ إلَّا فِي نِكَاحِ مِثْلِهِ وَقِيلَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى} [النور: 32] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَضْمُومَةِ إلَى مُحَرَّمَةٍ) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجُ الْمَضْمُومَةِ إلَى مُحَرَّمَةٍ وَصُورَتُهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ إحْدَاهُمَا لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا بِأَنْ كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ وَثَنِيَّةً وَالْأُخْرَى يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا صَحَّ نِكَاحُ مَنْ تَحِلُّ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ فِي إحْدَاهُمَا فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَجُوزُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِيمَا يَجُوزُ، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَافْتَرَقَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُسَمَّى لَهَا) أَيْ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى كُلُّهُ لِلَّتِي جَازَ نِكَاحُهَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَقْسِمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا فَمَا أَصَابَ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا لَزِمَهُ وَمَا أَصَابَ الْأُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مُقَابَلٌ بِهِمَا فَيَكُونُ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا فَيَلْزَمُهُ حِصَّةُ مَا سَلِمَ لَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ مَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَمُدَبَّرًا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ الْعَبْدِ دُونَ الْمُدَبَّرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الَّتِي لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا لَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُزَاحِمَةً لِلَّتِي تَحِلُّ فَيَكُونُ لَهَا كُلُّهُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا وَحِمَارًا أَوْ جِدَارًا أَوْ ذَكَرًا بِخِلَافِ بَيْعِ الْقِنِّ مَعَ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ لِكَوْنِهِ مَحَلًّا لَهُ وَإِنَّمَا يَنْقُضُ الْبَيْعُ بَعْدَهُ لِحَقِّهِ فَيَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْحَرْبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَ كَالْحَامِلِ بِثَابِتِ النَّسَبِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ أُمُّ الْوَلَدِ إلَخْ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا) أَيْ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ قَوْلَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ هَذَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْعِدَّةِ لِلزَّوْجِ بَعْدَ كُلِّ وَطْءٍ وَلَوْ زِنًا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَيْ لِلزَّوْجِ اهـ وَفِي الْمُشْكِلَاتِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَأُقِيمَ جَوَازُ النِّكَاحِ مَقَامَ الْفَرَاغِ) أَيْ فَلَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُرَادَنَا حَمْلٌ ثَابِتُ النَّسَبِ) قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَوَابَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ عِنْدَ هَذَا الْإِيرَادِ وَجَوَابَ شَارِحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِتَخْصِيصِ الدَّعْوَى فَإِنَّ مُرَادَنَا أَنَّهُ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ عَنْ حَمْلٍ ثَابِتِ النَّسَبِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ الْجَوَابِ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَهُوَ الْأَوْلَى أَعْنِي كَوْنَهُ دَلِيلَ الْفَرَاغِ فِي الْمُحْتَمَلِ، وَمَحَلُّ الْفَرَاغِ مُحْتَمَلٌ، وَمَعَ الْحُكْمِ بِالْفَرَاغِ لَا يَثْبُتُ تَوَهُّمُ الشَّغْلِ شَرْعًا فَلَا مُوجِبَ لِاسْتِحْبَابِ الِاسْتِبْرَاءِ لَكِنَّ صِحَّتَهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى دَلِيلِ اعْتِبَارِهِ أَمَارَةَ الْفَرَاغِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ ادِّعَاءُ وَضْعٍ شَرْعِيٍّ، وَالْإِجْمَاعُ إنَّمَا عُرِفَ عَلَى مُجَرَّدِ الصِّحَّةِ أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِهَا دَلِيلَ الْفَرَاغِ فِي الْمُحْتَمَلِ دُونَ الْمُحَقَّقِ فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِجَوَازِهِ مَعَ الشَّغْلِ) أَيْ بِالْحَمْلِ الثَّابِتِ النَّسَبِ كَشِرَاءِ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ الْحَامِلِ مِنْ الزَّوْجِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا خِلَافَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ وَافَقَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا نَفَى الِاسْتِحْبَابَ وَهُمَا أَثْبَتَا جَوَازَ النِّكَاحِ بِدُونِهِ فَلَا مُعَارَضَةَ فَيَجُوزُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بِلَا نِزَاعٍ، فَإِنَّ لَفْظَهُ فِي الْجَامِعِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا قَالَ: لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أُحِبُّ لَهُ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا اهـ وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِبْرَاءُ الْمَوْلَى أَصْلًا، وَفِيهِ تَصْرِيحُ مُحَمَّدٍ بِالِاسْتِحْبَابِ لِلزَّوْجِ، قِيلَ قَوْلُهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ بَلْ هُوَ قَوْلُهُ خَاصَّةً وَهُوَ ظَاهِرُ السَّوْقِ، وَصَرِيحُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا، وَلَا وُجُوبًا يُخَالِفُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ أَيْ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَا: يَقْسِمُ) وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: عَلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا) كَأَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى أَلْفًا، وَمَهْرُ مِثْلِ الْمُحَرَّمَةِ أَلْفَانِ وَالْمُحَلَّلَةِ أَلْفًا فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ. اهـ. فَتْحٌ

[نكاح المتعة]

لَهُ حِصَّةٌ وَالْمُحَرَّمَةُ لَيْسَتْ بِدَاخِلَةٍ فِيهِ، وَلَوْ دَخَلَ بِاَلَّتِي لَا تَحِلُّ يَلْزَمُهُ مَهْرُ مِثْلِهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ وَادَّعَى الْمُنَاقَضَةَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ عِنْدَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ وَمِنْ ضَرُورَةِ دُخُولِهَا فِيهِ انْقِسَامُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى، وَجَوَابُهُ أَنَّ الدُّخُولَ بِاَلَّتِي لَا تَحِلُّ يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ مُطْلَقًا بَالِغًا مَا بَلَغَ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ قَوْلُهُمَا وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ الْمَنْعُ مِنْ الْمُجَاوَزَةِ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ التَّسْمِيَةِ وَرِضَاهَا بِالْقَدْرِ الْمُسَمَّى لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَدُخُولِهَا تَحْتَهُ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الَّتِي لَا تَحِلُّ، وَأَمَّا الِانْقِسَامُ فَلِلِاسْتِحْقَاقِ بِاعْتِبَارِ الدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ، وَهِيَ لَا تَسْتَحِقُّ، وَكَذَا سُقُوطُ الْحَدِّ عِنْدَهُ مِنْ حُكْمِ صُورَةِ الْعَقْدِ لَا مِنْ حُكْمِ الِانْعِقَادِ عَلَيْهَا؛ وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ مَحَارِمَهُ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ ثُمَّ قَرَّبَهَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عِنْدَهُ وَأَمَّا الِانْقِسَامُ فَمِنْ حُكْمِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَهِيَ لَا تَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْعَقْدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ) وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ أَتَمَتَّعُ بِكِ كَذَا مُدَّةً بِكَذَا مِنْ الْمَالِ وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ نَاسِخُهُ وَاشْتَهَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تَحْلِيلُهَا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَمَكَّةَ وَكَانَ يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24] وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت جَابِرًا يَقُولُ تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَنِصْفًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ ثُمَّ نَهَى النَّاسَ عَنْهُ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ الشِّيعَةُ وَخَالَفُوا عَلِيًّا وَأَكْثَرَ الصَّحَابَةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَرَّمَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ» مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَرَّمَهَا يَوْمَ الْفَتْحِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَثَبَتَ نَسْخُهُ بِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَزْوَاجِ بِدَلِيلِ انْتِفَاءِ حُكْمِ النِّكَاحِ عَنْهَا وَانْتِفَاءِ شَرْطِهِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْإِرْثِ وَصِحَّةِ الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَالشُّهُودِ، وَلَا هِيَ مِمَّا مَلَكَتْهُ الْأَيْمَانُ فَيَجِبُ حِفْظُ الْفَرْجِ وَالتَّبَاعُدُ عَنْهَا؛ إذْ هِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْمُسْتَثْنَاةِ وَعَنْهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ النِّسَاءِ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ إلَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْ الْفَتْوَى بِهَا، وَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ إنَّك تَائِهٌ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرُوِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ نُسِخَتْ مَرَّتَيْنِ الْمُتْعَةُ وَلُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَالتَّوَجُّهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْجَوَابُ عَمَّا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِمْتَاعِ مِنْهُنَّ النِّكَاحُ، وَالْمَهْرُ يُسَمَّى أُجْرَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 25] وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ إنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ ثُمَّ بَلَغَهُمْ فَتَرَكُوهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُؤَقَّتُ) أَيْ وَبَطَلَ النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُتْعَةِ وَقَالَ زُفَرُ: هُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ وَشُرِطَ فِيهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ؛ إذْ النِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ قُلْنَا: هُوَ فِي مَعْنَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ جَعَلْتُك وَكِيلًا بَعْدَ مَوْتِي يَكُونُ وَصِيَّةً وَلَوْ قَالَ جَعَلْتُك وَصِيًّا فِي حَيَاتِي يَكُونُ وَكِيلًا، وَكَذَا لَوْ أَعْطَى الْمَالَ مُضَارَبَةً بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ يَكُونُ قَرْضًا وَلَوْ شَرَطَهُ لِرَبِّ الْمَالِ يَكُونُ بِضَاعَةً، وَإِذَا اعْتَبَرَ الْمَعْنَى صَارَ مُتْعَةً بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَاطِعِ يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِهِ مُؤَبَّدًا بِخِلَافِ الْمُؤَقَّتِ فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ كَالْإِجَارَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ مُدَّةً لَا يَعِيشُ مِثْلَهُمَا إلَيْهَا صَحَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُؤَبَّدِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ التَّأْقِيتَ هُوَ الْمُعَيِّنُ لِجِهَةِ الْمُتْعَةِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُدَّةِ الْمَعْلُومَةِ وَالْمَجْهُولَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا مُطْلَقًا، وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهَا مُدَّةً نَوَاهَا فَالنِّكَاحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ دَخَلَ بِاَلَّتِي لَا تَحِلُّ يَلْزَمُهُ مَهْرُ مِثْلِهَا) أَيْ لَا يُجَاوِزُ بِهِ حِصَّتَهَا مِنْ الْأَلْفِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَادَّعَى الْمُنَاقَضَةَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) أَيْ بِهَذَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الِانْقِسَامُ) أَيْ انْقِسَامُ الْبَدَلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلِلِاسْتِحْقَاقِ بِاعْتِبَارِ الدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ) أَيْ وَاَلَّتِي تَحِلُّ هِيَ الْمُخْتَصَّةُ بِالدُّخُولِ تَحْتَ الْعَقْدِ فَكَانَ جَمِيعُ الْبَدَلِ لِلدَّاخِلَةِ تَحْتَ الْعَقْدِ. اهـ. غَايَةٌ [نِكَاح الْمُتْعَة] (قَوْلُهُ: وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ) أَيْ لِامْرَأَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ الْمَوَانِعِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ جَائِزٌ إلَخْ) قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ شَرْحِ الْمَشَارِقِ وَمَا حَكَاهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ جَوَازِهَا فَخَطَأٌ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: نِسْبَتُهُ إلَيْهِ غَلَطٌ اهـ وَقَالَ السُّرُوجِيُّ: وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ، وَنَقْلُ صَاحِبِ الْكَشَّافِ عَنْهُ سَهْوٌ اهـ وَفِي الْمَنَافِعِ صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ خُذِي هَذِهِ الْعَشَرَةَ لِأَتَمَتَّعَ بِك أَوْ لِأَسْتَمْتِعَ بِك أَوْ مَتِّعِينِي بِنَفْسِك أَيَّامًا وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَنَحْوَهَا وَالْفَرْقُ بِذِكْرِ لَفْظِ التَّزَوُّجِ فِي الْمُؤَقَّتِ دُونَ الْمُتْعَةِ وَكَذَا بِالشَّهَادَةِ فِيهِ دُونَ الْمُتْعَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ كُلُّ نِكَاحٍ مُؤَقَّتٍ مُتْعَةٌ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَكُونُ الْمُتْعَةُ إلَّا بِلَفْظِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَرَّمَهَا يَوْمَ الْفَتْحِ)، وَالتَّوْفِيقُ أَنَّهَا حُرِّمَتْ مَرَّتَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالتَّوَجُّهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي الصَّلَاةِ) ذَكَرَهُ فِي الْعَارِضَةِ. اهـ. غَايَةٌ [النِّكَاح الْمُؤَقَّت] (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ وَالْمُصَنِّفُ كَالْمُنَاقِضِ فَإِنَّهُ فِي النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا فَأَبْطَلَ بِهِ النِّكَاحَ وَفِي التَّدْبِيرِ جَعَلَهُ تَأْبِيدًا مُوجِبًا لِلتَّدْبِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مُدَّةً لَا يَعِيشُ مِثْلُهُمَا إلَيْهَا صَحَّ النِّكَاحُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُؤَقَّتَ بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ، وَفِي الْمُتْعَةِ أَتَمَتَّعُ أَوْ أَسْتَمْتِعُ اهـ يَعْنِي مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ مُتْعَةٍ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مَعَ ذَلِكَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الشُّهُودِ فِي الْمُتْعَةِ، وَتَعْيِينُ الْمُدَّةِ، وَفِي الْمُؤَقَّتِ الشُّهُودُ وَتَعَيُّنُهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَزَوَّجَهَا مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا إلَى يَوْمِ مَوْتِهِ أَوْ يَوْمِ مَوْتِهَا صَحَّ. اهـ. خُلَاصَةٌ

[باب الأولياء والأكفاء]

صَحِيحٌ وَلَا بَأْسَ بِتَزَوُّجِ النَّهَارِيَّاتِ، وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَقْعُدَ مَعَهَا نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ وَطْءُ امْرَأَةٍ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَقَضَى بِنِكَاحِهَا بِبَيِّنَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَسْعَهُ أَنْ يَطَأَهَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ الْحُجَّةَ؛ إذْ الشُّهُودُ كَذَبَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَضَى عَلِيٌّ بِذَلِكَ، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِي مِنْهُ بُدٌّ فَزَوِّجْنِي إيَّاهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ لَأَجَابَهَا بِمَا طَلَبَتْ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهَا، وَلِأَنَّهُ قَضَى بِمَا فِي وُسْعِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِنَفَاذِهِ؛ وَلِهَذَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ يَنْفُذُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ يَقِينًا، وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلْجَارِيَةِ إذَا أَنْكَرَ الشِّرَاءَ وَحَلَفَ عِنْدَ الْقَاضِي وَفَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَاذِبٌ، وَكَذَا اللِّعَانُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ شَهَادَةٌ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا بِيَقِينٍ، وَيَسَعُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَعْلَمُ الْكَذِبَ بِيَقِينٍ ثُمَّ يُجْعَلُ قَضَاءُ الْقَاضِي إنْشَاءً؛ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلْإِنْشَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ أَوْ مُطَلَّقَةً مِنْهُ ثَلَاثًا لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِنْشَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْقَضَاءِ فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ، وَمَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ لَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهُ؛ وَلِهَذَا سَقَطَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ وَلَا يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْفُرْقَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: لَا تَحِلُّ لَا لِلْأَوَّلِ، وَلَا لِلثَّانِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي، فَإِذَا دَخَلَ بِهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَأْتِيهَا الْأَوَّلُ سِرًّا وَالثَّانِي عَلَانِيَةً، وَقَدْ جَعَلَ لَهَا زَوْجَيْنِ، وَهُوَ مِنْ أَقْبَحِ الْوُجُوهِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ أَنَّ قَضَاءَهُ لَا يَنْفُذُ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَدَّعِيَ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سَبَبًا بِأَنْ قَالَ: هَذَا مِلْكِي، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، وَقَضَى بِهِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ فِي الْأَسْبَابِ كَثْرَةً فَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ حَتَّى لَوْ ذَكَرَ سَبَبًا مُعَيَّنًا صَارَ عَلَى الْخِلَافِ إنْ كَانَ سَبَبًا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي إنْشَاءً مِثْلَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ سَبَبًا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي كَالْإِرْثِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ اتِّفَاقًا، وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ، وَفِي دَعْوَى الْعِتْقِ وَالنَّسَبِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بَاطِنًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَهُ وَطْءُ امْرَأَةٍ إلَخْ) لَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ الْقَاضِي إنْشَاءُ الْعَقْدِ فِيهِ فَلَوْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ، أَوْ هِيَ ادَّعَتْ النِّكَاحَ أَوْ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ كَذِبًا وَبَرْهَنَتْ زُورًا فَقَضَى بِالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ نَفَذَ ظَاهِرًا فَتُطَالِبُ فِي الْحُكْمِ بِالْقَسْمِ وَالْوَطْءِ وَالنَّفَقَةِ وَبَاطِنًا فَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَإِنْ عَلِمَ حَقِيقَةَ الْحَالِ وَلَهَا تَمْكِينُهُ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ الْكَاكِيُّ وَالْمَعْنَى مِنْ النَّفَاذِ بَاطِنًا ثُبُوتُ الْحِلِّ وَالتَّحْرِيمِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) أَيْ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ الْحُجَّةَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ عَلَى الْمُبْتَدِئِ بِالدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ وَإِتْيَانِهَا بِالطَّرِيقِ الْبَاطِلِ إثْمٌ يَا لَهُ مِنْ إثْمٍ غَيْرَ أَنَّ الْوَاطِئَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حِلٍّ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْجَهُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ) أَيْ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا) أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلْإِنْشَاءِ) أَيْ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ النِّكَاحِ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ إلَخْ) فَلَوْ ادَّعَى النِّكَاحَ عَلَى امْرَأَةٍ بِمَهْرٍ يَسِيرٍ أَوْ عَلَى الرَّجُلِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ ادَّعَى الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ بِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْقَضَاءِ فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ) أَيْ عَلَى قَوْلٍ ذَكَرَهُ الزَّعْفَرَانِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يُشْتَرَطُ) أَيْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ) أَيْ عِنْدَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ) أَيْ وَتَحِلُّ لِلثَّانِي. اهـ. لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ التَّطْلِيقَ عَلَى الْغَيْرِ أَحْيَانًا بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ وَأُخْتِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِي) قَالَ الْكَاكِيُّ: ثُمَّ فِيمَا قَالَا تَعْطِيلُ التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِي وَلَا يُمْكِنُهَا التَّزَوُّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ اهـ. وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ صَدَّرَ الْكَاكِيُّ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ السَّرَخْسِيِّ مِثْلَ مَا ذَكَرَ الشَّارِحُ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَفِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ بِهِمَا بَاطِنًا رِوَايَتَانِ إذَا ادَّعَى كَذِبًا، وَجْهُ الْمَانِعِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَ مَالِ الْغَيْرِ بِلَا عِوَضٍ. اهـ. [بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ] قَالَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ الْمُحَلَّلَاتُ شَرَعَ فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْبَابَيْنِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَرْأَةِ مُحَلَّلَةً شَرْطُ جَوَازِ النِّكَاحِ، وَكَذَا الْوَلِيُّ وَالْكُفْءُ عَلَى حَسَبِ الِاخْتِلَافِ اعْلَمْ أَنَّ الْوَلِيَّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْمِيرَاثِ وَهُوَ عَاقِلٌ بَالِغٌ لَا يَثْبُتُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (نَفَذَ نِكَاحُ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ بِلَا وَلِيٍّ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِوَلِيٍّ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: إنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفْئًا لَهَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: جَازَ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كُفْئًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كُفْئًا لَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَيُرْوَى رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا: وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَنْفُذُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ أَصْلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232]، فَلَوْلَا أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ لَمَا مُنِعَ عَنْ الْعَضْلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ أَبْيَنُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» وَقَدْ رَوَوْا فِي كُتُبِهِمْ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لَيْسَ لَهَا صِحَّةٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ حَتَّى قَالَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَعِينٍ: لَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ يَعْنِي عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 234] وقَوْله تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] وقَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وقَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 230] وَهَذِهِ الْآيَاتُ تُصَرِّحُ بِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمَذْكُورَ فِيهَا مَنْسُوبٌ إلَى الْمَرْأَةِ مِنْ قَوْلِهِ أَنْ يَنْكِحْنَ وَحَتَّى تَنْكِحَ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ النِّكَاحَ صَادِرٌ مِنْهَا، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فِيمَا فَعَلْنَ} [البقرة: 234] وَ {أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230] صَرِيحٌ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَفْعَلُ وَهِيَ الَّتِي تَرْجِعُ، وَمَنْ قَالَ لَا يَنْعَقِدُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ فَقَدْ رَدَّ نَصَّ الْكِتَابِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ؛ وَلِأَنَّهَا حُرَّةٌ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ فَتَكُونُ لَهَا الْوِلَايَةُ عَلَى نَفْسِهَا كَالْغُلَامِ وَكَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَاسْتِدْلَالهمَا بِالنَّهْيِ عَنْ الْعَضْلِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الْمَنْعِ عَنْ مُبَاشَرَتِهَا الْعَقْدَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بَعْدَمَا نُهِيَ عَنْهُ وَهَذَا كَمَنْ يَقُولُ: نُهِيت عَنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِي حَقُّ الْقَتْلِ لَمَا نُهِيت عَنْهُ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْفَسَادِ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَقَرَّتْ بِالنِّكَاحِ صَحَّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا إنْشَاءُ الْعَقْدِ لَمَا صَحَّ كَالرَّقِيقِ وَالصِّغَارِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَشْيَاءِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْفَتْوَى بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، وَقَوْلُهُ: نَفَذَ نِكَاحُ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وِلَايَةٌ، وَكَذَا الْكَافِرُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْهُ وَالْمُسْلِمُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْكَافِرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْهُ، وَكَذَا الْعَبْدُ لَا وِلَايَةَ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ أَحَدٍ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ، وَقَالَ الْكَمَالُ أَوْلَى الشُّرُوطِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا غَالِبًا الشَّرْطُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ وَهُوَ عَقْدُ الْوَلِيِّ وَالْوَلِيُّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الْوَارِثُ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ، الْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ نَوْعَانِ: وِلَايَةُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَوِلَايَةُ إجْبَارٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَكَذَا الْكَبِيرَةُ الْمَعْتُوهَةُ وَالْمَرْقُوقَةُ وَتَثْبُتُ بِأَسْبَابٍ أَرْبَعَةٍ بِالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ وَالْوَلَاءِ وَالْإِمَامَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: الْأَوْلِيَاءُ جَمْعُ وَلِيٍّ كَأَغْنِيَاءَ جَمْعُ غَنِيٍّ (قَوْلُهُ: نَفَذَ نِكَاحُ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ بِلَا وَلِيٍّ) إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَنْفُذُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ أَصْلًا) أَيْ أَصِيلَةً كَانَتْ أَوْ وَكِيلَةً. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَمَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا أَوْ صَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ النِّكَاحَ صَادِرٌ مِنْهَا)؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا» إلَخْ) وَالْأَيِّمُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا فِي كِتَابِ الْأَمْثَالِ لِأَبِي عُبَيْدٍ فِي أَمْثَالِ أَكْثَمَ بْنِ صَيْفِيٍّ كُلُّ ذَاتِ بَعْلٍ سَتَئِيمُ يُضْرَبُ لِتَحَوُّلِ الزَّمَنِ بِأَهْلِهِ وَأَنْشَدَ قَوْلَ الْأَوَّلِ: أَفَاطِمُ إنِّي هَالِكٌ فَتَثَبَّتِي ... وَلَا تَجْزَعِي كُلُّ النِّسَاءِ تَئِيمُ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ أَثْبَتَ لِكُلٍّ مِنْهَا وَمِنْ الْوَلِيِّ حَقًّا فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ أَحَقُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ سِوَى مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ إذَا رَضِيَتْ، وَقَدْ جَعَلَهَا أَحَقَّ مِنْهُ بِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: «أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا») وَيُرْوَى مِنْ أَبِيهَا اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ) لَيْسَ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ اهـ. ق (قَوْلُهُ: وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِالنَّهْيِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْجَوَابُ أَمَّا الْآيَةُ فَمَعْنَاهَا الْحَقِيقِيُّ النَّهْيُ عَنْ مَنْعِهِنَّ عَنْ مُبَاشَرَةِ النِّكَاحِ هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ لَا تَمْنَعُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ إذَا أُرِيدَ بِالنِّكَاحِ الْعَقْدُ هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِ الْخِطَابِ لِلْأَوْلِيَاءِ وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ لِلْأَزْوَاجِ فَإِنَّ الْخِطَابَ مَعَهُمْ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] أَيْ لَا تَمْنَعُوهُنَّ حِسًّا حَبْسًا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَشْيَاءِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ) أَيْ وَلَيْسَ كُلُّ وَلِيٍّ يُحْسِنُ الْمُرَافَعَةَ وَالْخُصُومَةَ وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ وَلَوْ أَحْسَنَ الْوَلِيُّ وَعَدَلَ الْقَاضِي فَقَدْ يَتْرُكُ آنِفَةً لِلتَّرَدُّدِ عَلَى أَبْوَابِ الْحُكَّامِ وَاسْتِثْقَالًا لِنَفْسِ الْخُصُومَاتِ فَيَتَقَرَّرُ الضَّرَرُ فَكَأَنَّهُ مَنَعَهُ دَفْعًا لَهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ عَدَمِ الصِّحَّةِ الْمُفْتَى بِهِ بِمَا إذَا كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءٌ أَحْيَاءٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا كَانَ عَلَى مَا وَجَّهَ بِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ دَفْعًا لِضَرَرِهِمْ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَقَرَّرُ لِمَا ذَكَرْنَا أَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ سَقَطَ بِرِضَاهَا بِغَيْرِ الْكُفْءِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْكَفَاءَةِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى لَوْ زَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ نَفْسَهَا ثَلَاثًا بِغَيْرِ كُفْءٍ وَدَخَلَ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ تَحْفَظَ هَذِهِ فَإِنَّ الْمُحَلِّلَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ غَيْرَ كُفْءٍ وَأَمَّا لَوْ بَاشَرَ الْوَلِيُّ عَقْدَ الْمُحَلِّلِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ، وَإِذَا جَازَ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي فَصْلِ الْكَفَاءَةِ اهـ.

- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُجْبَرُ بِكْرٌ بَالِغَةٌ عَلَى النِّكَاحِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ لِجَهْلِهَا بِأَمْرِ النِّكَاحِ فَأَشْبَهَتْ الصَّغِيرَةَ وَلِهَذَا يَقْبِضُ الْأَبُ صَدَاقَهَا؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ بِخِلَافِهَا فَيُحْمَلُ كُلُّ مَا وَرَدَ مِنْ اسْتِئْذَانِ الْبِكْرِ وَاسْتِئْمَارِهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَلَنَا مَا بَيَّنَّا، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «لَا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا وَكَيْفَ إذْنُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تَسْكُتُ» وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَرَدَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَمْرُ وَهُوَ أَقْوَى وُجُوهِ الْأَمْرِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، فَيَكُونُ الِاسْتِئْذَانُ وَاجِبًا كَالِاسْتِئْمَارِ فِي الثَّيِّبِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْأَبِ وَالْجَدِّ بِذَلِكَ بَلْ فِيهِ «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَوْلِيَاءِ، فَيَكُونُ مَفْهُومُهُ عَلَى زَعْمِهِمْ أَنَّ جَمِيعَ الْأَوْلِيَاءِ أَحَقُّ بِنَفْسِ الْبِكْرِ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ إذَا عَارَضَهُ الْمَنْطُوقُ يُقَدَّمُ الْمَنْطُوقُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَقْوَى وَأَحَادِيثُنَا تَنُصُّ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْذَنُ لَا سِيَّمَا حَدِيثُ مُسْلِمٍ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا»، نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْمَفْهُومُ مَعَهُ، وَأَوْضَحُ مِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» يَتَنَاوَلُ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَقْبِضُ الْأَبُ مَهْرَهَا بِرِضَاهَا دَلَالَةً وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ مَعَ نَهْيِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا الْوَلِيُّ فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ أَوْ زَوَّجَهَا فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَسَكَتَتْ فَهُوَ إذْنٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ»؛ وَلِأَنَّ جَنْبَةَ الرِّضَا رَاجِحَةٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِي عَنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِيهِ لَا عَنْهُ، وَالضَّحِكُ صَارَ رِضًا دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ السُّكُوتِ فَإِنَّهُ عَلَامَةُ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ بِمَا سَمِعَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا بَكَتْ فَإِنَّهُ دَلِيلُ السَّخَطِ وَالْكَرَاهِيَةِ وَقِيلَ إذَا ضَحِكَتْ كَالْمُسْتَهْزِئَةِ بِمَا سَمِعَتْ لَا يَكُونُ رِضًا، وَإِذَا بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ لَمْ يَكُنْ رَدًّا بَلْ حُزْنٌ عَلَى مُفَارَقَةِ أَهْلِهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ دَمْعَهَا إنْ كَانَ بَارِدًا يَكُونُ رِضًا، وَإِنْ كَانَ حَارًّا لَا يَكُونُ رِضًا وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْمَارِ تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ لَهَا بِهِ الْمَعْرِفَةُ لِتَظْهَرَ رَغْبَتُهَا فِيهِ عَنْ رَغْبَتِهَا عَنْهُ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا: أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَك مِنْ رَجُلٍ وَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ رِضًا؛ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أُزَوِّجُك مِنْ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ، وَذَكَرَ جَمَاعَةً فَسَكَتَتْ فَهُوَ رِضًا يُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ مِنْ أَيِّهِمْ شَاءَ، وَإِنْ قَالَ: مِنْ جِيرَانِي أَوْ مِنْ بَنِي عَمِّي إنْ كَانُوا جَمَاعَةً يُحْصَوْنَ فَهُوَ رِضًا وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمَهْرِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ لِلنِّكَاحِ صِحَّةٌ بِدُونِهِ وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ هُوَ الْأَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا تُجْبَرُ بِكْرٌ بَالِغَةٌ عَلَى النِّكَاحِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهَا عِنْدَنَا وَإِنْ رَدَّتْهُ بَطَلَ وَإِنْ سَكَتَتْ عِنْدَ اسْتِئْذَانِ وَلِيِّهَا لَهَا فَهُوَ إذْنٌ مِنْهَا اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَمَبْنَى الْخِلَافِ أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْإِجْبَارِ أَهُوَ الصِّغَرُ أَوْ الْبَكَارَةُ فَعِنْدَنَا الصِّغَرُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْبَكَارَةُ فَانْبَنَى عَلَيْهِ بِهَذِهِ مَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ الصَّغِيرَةَ فَدَخَلَ وَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ تَزْوِيجُهَا حَتَّى تَبْلُغَ فَتُشَاوَرَ لِعَدَمِ الْبَكَارَةِ، وَعِنْدَنَا لَهُ تَزْوِيجُهَا لِوُجُودِ الصِّغَرِ وَحَاصِلُ وَجْهِ قَوْلِهِ أَنْ أَلْحَقَ الْبِكْرَ الْكَبِيرَةَ بِالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ فِي ثُبُوتِ وِلَايَةِ إجْبَارِهَا فِي النِّكَاحِ بِجَامِعِ الْجَهْلِ بِأَمْرِ النِّكَاحِ وَعَاقِبَتِهِ، وَنَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّ الْجَهْلَ بِأَمْرِ النِّكَاحِ هُوَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ بَلْ هُوَ مَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ لِلْقَطْعِ بِجَوَازِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِمَّنْ جَهِلَهُ لِعَدَمِ الْمُمَارَسَةِ مَعَ أَنَّ الْجَهْلَ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا تَجْهَلُ بَالِغَةٌ مَعْنَى عَقْدِ النِّكَاحِ وَحُكْمِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا) أَيْ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: فَسَكَتَتْ فَهُوَ إذْنٌ) أَيْ يَمْضِي بِهِ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَدْرِ أَنَّ السُّكُوتَ رِضًا كَذَا فِي الْفَتْحِ فِي أَوَّلِ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ اهـ. وَقَوْلُهُ: فَسَكَتَتْ الْمُرَادُ بِالسُّكُوتِ الِاخْتِيَارِيُّ فَلَوْ أَخَذَهَا سُعَالٌ أَوْ عُطَاسٌ أَوْ أَخَذَ بِفِيهَا فَخَلَصَتْ فَرَدَّتْ ارْتَدَّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ فِي التَّجْنِيسِ حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ السُّكُوتَ رِضًا جَازَ وَلَوْ تَبَسَّمَتْ يَكُونُ إذْنًا فِي الصَّحِيحِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا بَكَتْ فَإِنَّهُ دَلِيلُ السَّخَطِ) أَيْ وَلَيْسَ بِرَدٍّ حَتَّى لَوْ رَضِيَتْ بَعْدَهُ يَنْفُذُ الْعَقْدُ وَإِنْ قَالَتْ لَا أَرْضَى، ثُمَّ قَالَتْ رَضِيت لَا يَصْلُحُ لِلرَّدِّ اهـ. غَايَةٌ وَكَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْمَارِ) أَيْ يُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ السُّكُوتِ رِضًا بِالِاسْتِئْمَارِ اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا اعْتِبَارُهُ قَلِيلُ الْجَدْوَى أَوْ عَدِيمُهُ إذْ الْإِحْسَاسُ بِكَيْفِيَّتَيْ الدَّمْعِ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا لِخَدِّ الْبَاكِي وَلَوْ ذَهَبَ إنْسَانٌ يَحْبِسُهُ لَا يُدْرِكُ حَقِيقَةَ الْمَقْصُودِ، وَلَيْسَ بِمُعْتَادٍ وَلَا يَطْمَئِنُّ الْقَلْبُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمَهْرِ) أَيْ فِي كَوْنِ السُّكُوتِ رِضًا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ لِاخْتِلَافِ الرَّغْبَةِ بِاخْتِلَافِ الصَّدَاقِ قِلَّةً وَكَثْرَةً، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمَا يُشْتَرَطُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَوْجَهُ الْإِطْلَاقُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي تَزْوِيجِهِ الصَّغِيرَةَ بِحُكْمِ الْجَبْرِ وَالْكَلَامُ فِي الْكَبِيرَةِ الَّتِي وَجَبَ مُشَاوَرَتُهُ لَهَا وَالْأَبُ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَصْدُرُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا إلَّا بِرِضَاهَا غَيْرَ أَنَّ رِضَاهَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُضْعِفُ ظَنَّ كَوْنِهِ رِضًا وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ لَا يَصِحَّ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ لَهَا لِجَوَازِ كَوْنِهَا لَا تَرْضَى إلَّا بِالزَّائِدِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِكَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ فَمَا لَمْ تَعْلَمْ ثُبُوتَهَا لَا تَرْضَى وَصِحَّةُ الْعَقْدِ بِلَا تَسْمِيَةٍ هُوَ فِيمَا إذَا رَضِيت بِالتَّفْوِيضِ وَقَنَعَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى السُّكُوتِ وَكَوْنُ الظَّاهِرِ مِنْ الْأَبِ أَنْ لَا يَتْرُكَهُ إلَّا لِمَا يَرْبُو عَلَيْهِ لَا يَقْتَضِي رِضَاهَا بِتَرْكِهِ لِذَلِكَ فَقَدْ لَا تَخْتَارُ ذَلِكَ وَالْكَلَامُ فِي الْبِكْرِ الْكَبِيرَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّغِيرَةِ، أَمَّا الْكَبِيرَةُ فَنَفَاذُ تَزْوِيجِ الْأَبِ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَاهَا كَالْوَكِيلِ غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَهَا جُعِلَ دَلَالَةً شَرْعًا فَإِذَا عَارَضَهُ تَرْكُ التَّسْمِيَةِ أَوْ تَسْمِيَةُ النَّاقِصِ صَارَ مُحْتَمَلًا عَلَى السَّوَاءِ لِكَوْنِهِ لِلرِّضَا أَوْ لِخَوْفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِهِ فَلَا يَثْبُتُ الرِّضَا بِهِ وَفِي غَيْرِهِ لَيْسَ الِاحْتِمَالُ مُسَاوِيًا بَلْ الرَّاجِحُ جَنْبَةُ الرِّضَا فَمَا اُكْتُفِيَ إلَّا بِالْمَظْنُونِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا اهـ.

أَوْ الْجَدُّ أَبًا لِأَبٍ لَا يُشْتَرَطُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمَا يُشْتَرَطُ وَسُوِّيَ بَيْنَ الِاسْتِئْذَانِ وَبَيْنَ بُلُوغِ الْخَبَرِ بِالتَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ فِي السُّكُوتِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: إذَا بَلَغَهَا بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ فَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ إجَازَةً مِنْهَا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَا يَكُونُ إجَازَةً وَالْحَاجَةُ هُنَا إلَى الْإِجَازَةِ بِخِلَافِ سُكُوتِهَا قَبْلَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ نَصًّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ سُكُوتَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ يَكُونُ رَدًّا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِحَضْرَتِهَا فَسَكَتَتْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ رِضًا، وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ مُسْتَوِيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ فَأَجَازَتْهُمَا مَعًا بَطَلَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَإِنْ سَكَتَتْ بَقِيَا مَوْقُوفَيْنِ حَتَّى تُجِيزَ أَحَدَهُمَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا بَطَلَا؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ إجَازَةٌ لَهُمَا وَلَوْ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَسَكَتَتْ لَمْ يَكُنْ رِضًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَهُمَا فِي الصَّغِيرَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ لِلنِّكَاحِ صِحَّةً بِدُونِهِ، وَإِنْ سَمَّاهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ وَافِرًا وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ حَتَّى لَا يَكُونَ السُّكُوتُ رِضًا بِدُونِهِ، ثُمَّ الْمُخْبِرُ إنْ كَانَ هُوَ الْوَلِيُّ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا وَرَسُولُ الْوَلِيِّ كَالْوَلِيِّ وَلَوْ كَانَ الْمُبَلِّغُ فُضُولِيًّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خِلَافًا لَهُمَا، وَلَهَا نَظَائِرُ وَهِيَ الشَّفِيعُ إذَا أَخْبَرَ بِبَيْعِ الْمَشْفُوعِ وَالْوَكِيلُ إذَا أَخْبَرَ بِالْعَزْلِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ إذَا أَخْبَرَ بِالْحَجْرِ وَالْمَوْلَى إذَا أَخْبَرَ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخَبَرِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا مَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْكَنَ تَلَقِّيهُ مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ كَإِخْبَارِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِمَّا لَيْسَ فِيهِ عُقُوبَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَالْبُلُوغُ لَا الْعَدَدُ وَشَهْرُ رَمَضَانَ مِنْهُ. ثَانِيهَا مَا هُوَ حَقُّهُ وَهُوَ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ قِيلَ هُوَ كَالْأَوَّلِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّوَاتُرُ. ثَالِثُهَا حُقُوقُ الْعِبَادِ وَفِيهِ إلْزَامٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَدَعْوَى الْحُقُوقِ عِنْدَ الْحُكَّامِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ. رَابِعُهَا حُقُوقُ الْعِبَادِ وَفِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَإِخْبَارِ الْبِكْرِ بِتَزْوِيجِ الْوَلِيِّ فَإِنَّهَا يَلْزَمُهَا الْعَقْدُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَسْكُتَ وَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ عَلَى تَقْدِيرِ الرَّدِّ، وَكَذَا الشَّفِيعُ يَلْزَمُهُ سُقُوطُ الشُّفْعَةِ عَلَى تَقْدِيرِ السُّكُوتِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عَلَى تَقْدِيرِ الطَّلَبِ، وَكَذَا الْمَوْلَى إذَا أَخْبَرَ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّصَرُّفِ، وَكَذَا الْوَكِيلُ إنْ تَصَرَّفَ يَلْزَمُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ قَلَّمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ اُشْتُرِطَ فِيهِ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. وَخَامِسُهَا حُقُوقُ الْعِبَادِ، وَلَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ أَصْلًا وَهِيَ الْمُعَامَلَاتُ فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ كُلِّ مُمَيِّزٍ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَدَدٍ وَلَا عَدَالَةٍ وَلَا بُلُوغٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا غَيْرُ الْوَلِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ كَالثَّيِّبِ)؛ لِأَنَّ سُكُوتَهَا لِقِلَّةِ الِالْتِفَاتِ إلَى كَلَامِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ سُكُوتَهَا عِنْدَ اسْتِئْمَارِهَا الْأَجْنَبِيَّ يَكُونُ رِضًا؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِي مِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَكْثَرَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ جَعْلَ السُّكُوتِ رِضًا ضَرُورِيٌّ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ عِنْدَ اسْتِئْمَارِهَا الْأَجْنَبِيَّ، وَقَوْلُهُ كَالثَّيِّبِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا، هَكَذَا ذَكَرُوا وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ»، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اشْتِرَاطِ النُّطْقِ فَإِنَّ الْبِكْرَ أَيْضًا تُشَاوَرُ وَكَذَا الرِّضَا بِالْقَوْلِ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ أَيْضًا بَلْ رِضَاهَا يَتَحَقَّقُ تَارَةً بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهَا رَضِيت وَقَبِلْت وَأَحْسَنْت وَأَصَبْت أَوْ بَارَكَ اللَّهُ لَك أَوْ لَنَا وَنَحْوِهَا، وَتَارَةً بِالدَّلَالَةِ كَطَلَبِ مَهْرِهَا أَوْ نَفَقَتِهَا أَوْ تَمْكِينِهَا مِنْ الْوَطْءِ وَقَبُولِ التَّهْنِئَةِ وَالضَّحِكِ بِالسُّرُورِ مِنْ غَيْرِ اسْتِهْزَاءٍ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي اشْتِرَاطِ الِاسْتِئْذَانِ وَالرِّضَا وَأَنَّ رِضَاهُمَا قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا، وَقَدْ يَكُونُ دَلَالَةً، غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا دَلَالَةً لِحَيَائِهَا دُونَ الثَّيِّبِ؛ لِأَنَّ حَيَاءَهَا قَدْ قَلَّ بِالْمُمَارَسَةِ فَلَا يَدُلُّ سُكُوتُهَا عَلَى الرِّضَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ حَيْضَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ أَوْ زِنًا فَهِيَ بِكْرٌ) حَتَّى تَكُونَ أَحْكَامُهَا كَأَحْكَامِ الْبِكْرِ فِي التَّزْوِيجِ فَأَمَّا إذَا زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ حَيْضَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ فَلِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مُصِيبَهَا أَوَّلُ مُصِيبٍ لَهَا، وَمِنْهُ الْبُكْرَةُ لِأَوَّلِ النَّهَارِ وَالْبَاكُورَةُ لِأَوَّلِ الثِّمَارِ وَكُلُّ مَنْ بَادَرَ إلَى شَيْءٍ فَقَدْ بَكَّرَ وَأَبْكَرَ، وَيُقَالُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ أَيْ صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، هُوَ يَقُولُ إنَّ الْبِكْرَ اسْمٌ لِامْرَأَةٍ عُذْرَتُهَا قَائِمَةٌ وَالثَّيِّبُ مَنْ زَالَتْ عُذْرَتُهَا وَهَذِهِ قَدْ زَالَتْ عُذْرَتُهَا فَتَكُونُ ثَيِّبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ الْجَدَّ أَبَا الْأَبِ لَا يُشْتَرَطُ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُنْقِصُ مِنْ الْمَهْرِ إلَّا لِغَرَضٍ يَفُوقُ الْمَهْرَ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَسَوَّى) أَيْ الْمُصَنِّفِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ رِضًا) قَالَ الْكَمَالُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا أَوْ عَرَفَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى تُجِيزَ أَحَدَهُمَا) أَيْ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا يَبْطُلَانِ) أَيْ كَمَا لَوْ أَجَازَتْهُمَا مَعًا وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ:: لِأَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ إجَازَةٌ لَهُمَا) وَإِنْ زَوَّجَهَا الْوَلِيَّانِ مُتَعَاقِبَيْنِ بِإِذْنِهَا فَالنِّكَاحُ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا إذَا عُلِمَ وَإِنْ وَقَعَا مَعًا أَوْ جُهِلَ الْمُتَقَدِّمُ بَطَلَا اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَوَّجَهَا) أَيْ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ)، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ رِضًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَهُمَا فِي الصَّغِيرَةِ) أَيْ فَإِنَّ الْأَبَ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا وَيَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَكُونَ السُّكُوتُ رِضًا بِدُونِهِ) أَيْ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ؛ لِأَنَّهُمَا وَلِيَّانِ فِي النِّكَاحِ عِنْدَهُ أَجْنَبِيَّانِ عِنْدَهُمَا اهـ. زَاهِدِيٌّ، وَكَذَا عَزَاهُ الْكَاكِيُّ إلَى جَامِعِ قَاضِي خَانْ الْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَرَسُولُ الْوَلِيِّ كَالْوَلِيِّ) أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ وَلَا الْعَدَالَةُ اتِّفَاقًا اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ فِيهِمَا فَإِنَّهُمَا قَالَا الْوَاحِدُ كَافٍ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَلَا الْعَدَالَةُ كَالرَّسُولِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْمَوْلَى إذَا أَخْبَرَ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ) أَيْ لِيَكُونَ بَيْعُهُ وَإِعْتَاقُهُ اخْتِيَارًا لِلْفِدَاءِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا غَيْرُ الْوَالِي إلَخْ) بِأَنْ كَانَ الْأَبُ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ وَلِيًّا غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ كَالْأَخِ مَعَ الْأَبِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فَقَدْ بَكَّرَ وَأَبْكَرَ) أَيَّ وَقْتٍ كَانَ. غَايَةٌ

وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ يَرُدُّهَا إذَا وَجَدَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَنَا أَنَّ الْبِكْرَ إنَّمَا اُكْتُفِيَ بِسُكُوتِهَا لِأَجْلِ حَيَائِهَا، وَهَذَا مَعْنًى قَائِمٌ وَهِيَ بِكْرٌ حَقِيقَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِأَبْكَارِ بَنِي فُلَانٍ تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ شِرَاءِ الْجَارِيَةِ فَقَدْ قِيلَ لَا يَرُدَّهَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُعْتَادَ بَيْنَ النَّاسِ فِي اشْتِرَاطِ الْبَكَارَةِ صِفَةُ الْعُذْرَةِ وَهَذِهِ بِكْرٌ، وَلَيْسَتْ بِعَذْرَاءَ فَيَرُدُّهَا وَالْحُكْمُ فِي مَسْأَلَتِنَا تَعَلَّقَ بِاسْمٍ وَهُوَ بَاقٍ وَأَمَّا إذَا زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِالزِّنَا فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا؛ لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مُصِيبَهَا عَائِدٌ إلَيْهَا، وَمِنْهُ الْمَثُوبَةُ لِلثَّوَابِ الْعَائِدِ جَزَاءَ عَمَلِهِ وَالْمَثَابَةُ لِلْبَيْتِ الَّذِي يَعُودُ إلَيْهِ النَّاسُ فِي كُلِّ عَامٍ وَالتَّثْوِيبُ الْعَوْدُ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ فَيَتَنَاوَلُهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ»، وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِثَيِّبَاتِ بَنِي فُلَانٍ تَدْخُلُ وَلِأَبْكَارِهِمْ لَا تَدْخُلُ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِذَا هِيَ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِالزِّنَا يَرُدُّهَا فَصَارَ كَمَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ أَوْ تَكَرَّرَ زِنَاهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذْنُهَا صُمَاتُهَا» خَرَجَ جَوَابًا لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنَّهَا تَسْتَحِي فَكَانَتْ الْعِلَّةُ هِيَ الْحَيَاءُ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْبَكَارَةِ فِي ذَلِكَ وَالْحَيَاءُ فِيهَا أَقْوَى فَكَانَ السُّكُوتُ دَلِيلَ الرِّضَا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّيِّبَ أَيْضًا إذَا وُجِدَ مِنْهَا فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا نَفَذَ النِّكَاحُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَوْلُ فَقَطْ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِاسْمِ الثَّيِّبَاتِ وَالْأَبْكَارِ لَا بِالْحَيَاءِ وَهِيَ ثَيِّبٌ حَقِيقَةً وَكَذَا الشِّرَاءُ تَعَلَّقَ بِوَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ وَقَدْ فَاتَ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ تَعَلَّقَ بِالسَّلِيمِ مِنْ الْعَيْبِ، وَالزِّنَا عَيْبٌ وَلَا يُقَالُ النَّصُّ وَرَدَ فِي حَيَاءِ الْبِكْرِ فَلَا يَكُونُ وَارِدًا فِي حَيَاءِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ النَّصُّ وَرَدَ لِأَجْلِ الْحَيَاءِ لَا لِجِهَتِهِ فَيَتَنَاوَلُهُ قَطْعًا إذْ هُوَ الْمُؤَثِّرُ دُونَ جِهَتِهِ وَالْحَيَاءُ فِيهَا أَعْظَمُ حَذَارِ النِّسْبَةَ إلَى الْفَسَادِ؛ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ نَدَبَ إلَى السَّتْرِ، وَفِي إلْزَامِهَا النُّطْقَ إشَاعَةُ الْفَسَادِ مَعَ تَفْوِيتِ مَصَالِحِهَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَظْهَرَهُ حَيْثُ عَلَّقَ بِهِ أَحْكَامًا مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا تَكَرَّرَ زِنَاهَا فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِي بَعْدَ التَّكْرَارِ عَادَةً بَلْ تَجْعَلُهُ مَكْسَبَةً، وَكَذَا إذَا أُخْرِجَتْ وَأُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بَيْنَ النَّاسِ وَعُرِفَتْ بِهِ فَلَا تُخْفِيهِ وَلَوْ خَلَا بِهَا زَوْجُهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِعُنَّةٍ أَوْ جَبٍّ تُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الْأَبْكَارُ، وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً وَالْحَيَاءُ فِيهَا مَوْجُودٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إنْ اخْتَلَفَا فِي السُّكُوتِ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا الزَّوْجُ: بَلَغَك النِّكَاحُ فَسَكَتَ فَقَالَتْ هِيَ: بَلْ رَدَدْت، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَقَالَ زُفَرُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ وَالرَّدَّ عَارِضٌ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَكَمَا لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي خِيَارَ الشَّرْطِ أَوْ الْبَائِعُ، فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ لِمَا قُلْنَا وَكَمَا لَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَهِيَ صَغِيرَةٌ، ثُمَّ أَدْرَكَتْ وَادَّعَتْ أَنَّهَا رَدَّتْ النِّكَاحَ حِينَ بَلَغَتْ وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ، وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهَا لُزُومَ الْعَقْدِ وَتَمَلُّكَ الْبُضْعِ وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُهُ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَزِمَ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَمْ يَظْهَرْ اللُّزُومُ هُنَا وَبِخِلَافِ دَعْوَى خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ عَارِضٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَهِيَ صَغِيرَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ نَفَذَ عَلَيْهَا فِي حَالَةِ الصِّغَرِ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ وَهِيَ بِدَعْوَاهَا الْفَسْخَ تُرِيدُ إبْطَالَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِحُجَّةٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا ثَبَتَ فِي وَقْتٍ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا إسْنَادُ الْفَسْخِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ حَتَّى لَوْ قَالَتْ عِنْدَ الْقَاضِي أَدْرَكْت الْآنَ وَفَسَخْت صَحَّ، وَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ كَيْفَ يَصِحُّ وَهُوَ كَذِبٌ وَإِنَّمَا أَدْرَكَتْ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ فَقَالَ: لَا تُصَدَّقُ بِالْإِسْنَادِ فَجَازَ لَهَا أَنْ تَكْذِبَ؛ كَيْ لَا يُبْطِلَ حَقُّهَا وَكَذَلِكَ إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَعَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَادَّعَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّ عُذْرَتَهَا زَالَتْ بِالْوَثْبَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَتْ بِعَذْرَاءَ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي مَادَّةِ بَكَرَ الْبِكْرُ الْعَذْرَاءُ وَالْجَمْعُ أَبْكَارٌ وَالْمَصْدَرُ الْبَكَارَةُ، وَقَالَ فِي مَادَّةِ عَذَرَ وَالْعُذْرَةُ الْبَكَارَةُ وَالْعَذْرَاءُ الْبِكْرُ وَالْجَمْعُ الْعَذَارَى وَالْعَذَارَى وَالْعَذْرَاوَاتُ كَمَا قُلْنَا فِي الصَّحَارَى اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) قَالَ الْأَقْطَعُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ وَطْأَهَا يُزِيلُ الْحَيَاءَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْأَبْكَارِ وَيَجْعَلُهَا فِي حُكْمِ الثَّيِّبِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهَا إذَا زَنَتْ مَرَّةً لَا يَزُولُ حَيَاؤُهَا عِنْدَ الْوَلِيِّ وَإِنَّمَا يَزُولُ عِنْدَ الزَّانِي لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ الزِّنَا مِنْهَا، وَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ حَيَائِهَا عِنْدَ اسْتِئْذَانِ الْوَلِيِّ لَهَا وَذَلِكَ مَوْجُودٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالشَّافِعِيُّ) أَيْ وَابْنُ حَنْبَلٍ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إنْ اخْتَلَفَا فِي السُّكُوتِ) وَصُورَتُهَا ادَّعَى عَلَى بِكْرٍ بَالِغَةٍ أَنَّ وَلِيَّهَا زَوَّجَهَا مِنْهُ قَبْلَ اسْتِئْذَانِهَا فَلَمَّا بَلَغَهَا سَكَتَتْ، وَقَالَتْ بَلْ رَدَدْت اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) أَيْ بِلَا يَمِينٍ عِنْدَهُ وَبِهِ عِنْدَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ) وَنَظِيرُ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ إذَا لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْيَوْمُ، وَقَالَ الْعَبْدُ: لَمْ أَدْخُلْ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ لِلْعَبْدِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَبْسُوطِ إنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ إذْ لَيْسَ كَوْنُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، مَبْنَى الْخِلَافِ بِأَوْلَى مِنْ الْقَلْبِ بَلْ الْخِلَافُ فِيهِمَا مَعًا ابْتِدَاءً اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالرَّدُّ عَارِضٌ) أَيْ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُنْكِرِ الْعَوَارِضِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ) أَيْ وَكَالشَّفِيعِ إذَا قَالَ عَلِمْت بِالْبَيْعِ أَمْسِ وَطَلَبْت الشُّفْعَةَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ سَكَتَ، الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَمَّا لَوْ قَالَ طَلَبْت الشُّفْعَةَ حِينَ عَلِمْت بِالْبَيْعِ فَالْقَوْلُ لَهُ اهـ. فَتْحٌ

أَنَّهَا فَسَخَتْ حِينَ عَلِمَتْ لَمْ تُصَدَّقْ بِالْإِسْنَادِ إلَى وَقْتِ الْعِلْمِ لِمَا بَيَّنَّا ثَمَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَاهَا مَعًا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةَ أَنَّهَا أَجَازَتْ النِّكَاحَ حِينَ أُخْبِرَتْ وَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا رَدَّتْ حِينَ أُخْبِرَتْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ اللُّزُومَ فَتَرَجَّحَتْ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الزَّوْجِ قَامَتْ فِيهِ عَلَى أَمْرٍ عَدَمِيٍّ وَهُوَ السُّكُوتُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا عَلَيْهَا الْيَمِينُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ وَهُوَ بَدَلٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا إقْرَارٌ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْبَدَلُ وَهِيَ الْمَسَائِلُ السِّتُّ وَمَوْضِعُهَا كِتَابُ الدَّعَاوَى وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَتَاوَى لِلنَّاصِحِيِّ أَنَّ رَجُلًا لَوْ ادَّعَى عَلَى الْأَبِ أَنَّهُ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَأَنْكَرَ الْأَبُ يَحْلِفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْكَبِيرَةِ لَا يَحْلِفُ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْإِقْرَارِ فِيهِمَا، وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْيَمِينِ عِنْدَهُ لِامْتِنَاعِ الْبَدَلِ لَا لِامْتِنَاعِ الْإِقْرَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَقَرَّتْ لِرَجُلٍ بِالنِّكَاحِ نَفَذَ إقْرَارُهَا وَمَعَ هَذَا لَا تَحْلِفُ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْوَلِيِّ إنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ، وَالْوَلِيُّ الْعَصَبَةُ بِتَرْتِيبِ الْإِرْثِ)، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى الْغَيْرِ وِلَايَةٌ إذَا كَانَ حُرًّا لَا لِحَاجَةٍ، وَلَا حَاجَةَ عِنْدَ انْعِدَامِ الشَّهْوَةِ إلَّا أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ ثَبَتَتْ نَصًّا وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَ عَائِشَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْجَدُّ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ ثَيِّبًا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُزَوِّجَهَا؛ لِأَنَّ الثَّيِّبَ تُشَاوَرُ لِكَوْنِ الثِّيَابَةِ سَبَبًا لِحُدُوثِ الرَّأْيِ بِوُجُودِ الْمُمَارَسَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ فَوَجَبَ الِانْتِظَارُ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا جَازَ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ، إلَّا أَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ كَمَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ أَدْنَى حَالًا فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَهُ فِي النَّفْسِ وَهُوَ أَعْلَى رُتْبَةً أَوْلَى وَأَحْرَى وَمَذْهَبُنَا مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَالْعَبَادِلَةِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَكَفَى بِهِمْ حُجَّةً، وَحَكَى الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ «وَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَامَةَ بِنْتَ حَمْزَةَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهِيَ بِنْتُ عَمِّهِ، وَقَالَ: لَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ» وَإِنَّمَا زَوَّجَهَا بِالْعُصُوبَةِ لَا بِالنُّبُوَّةِ بِدَلِيلِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهَا إذَا بَلَغَتْ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُزَوِّجْ أَحَدًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: ثَمَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ) قَالَ الْكَمَالُ، ثُمَّ إنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى سُكُوتِهَا عُمِلَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقُمْ عَلَى النَّفْيِ بَلْ عَلَى حَالَةٍ وُجُودِيَّةٍ فِي مَجْلِسٍ خَاصٍّ يُحَاطُ بِطَرَفَيْهِ أَوْ هُوَ نَفْيٌ يُحِيطُ بِهِ الشَّاهِدُ فَيُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا تَكَلَّمَ بِمَا هُوَ رِدَّةٌ فِي مَجْلِسٍ فَأَقَامَهَا عَلَى عَدَمِ التَّكَلُّمِ فِيهِ تُقْبَلُ، وَكَذَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ كُنَّا عِنْدَهَا وَلَمْ نَسْمَعْهَا تَتَكَلَّمُ ثَبَتَ سُكُوتُهَا بِذَلِكَ كَذَا فِي الْجَوَامِعِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَقَامَاهَا مَعًا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ) أَيْ لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ أَعْنِي الرَّدَّ فَإِنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى السُّكُوتِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا أَجَازَتْ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ كَانَ أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهَا رَضِيَتْ أَوْ أَجَازَتْ حِينَ عَلِمَتْ تَرَجَّحَتْ بَيِّنَتُهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِثْبَاتِ وَزِيَادَةِ بَيِّنَتِهِ بِإِثْبَاتِ اللُّزُومِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ، وَكَذَا هُوَ فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ الْفِقْهِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ نَقْلًا مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَوْ أَقَامَ الْأَبُ أَوْ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِجَازَةِ وَالْمَرْأَةُ عَلَى الرَّدِّ فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى، فَتَحَصَّلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ السُّكُوتَ لَمَّا كَانَ مِمَّا تُحَقَّقُ الْإِجَازَةُ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالْإِجَازَةِ كَوْنُهَا بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى السُّكُوتِ مَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ فَلَمْ يَلْزَمْ بِاسْتِوَاءِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الْإِثْبَاتِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَوْ قَالَتْ لَمْ أُجِزْهُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً فَحِينَئِذٍ الْقَوْلُ لَهَا لِظُهُورِ دَلِيلِ السَّخَطِ دُونَ الرِّضَا وَلَا يُقْبَلُ عَلَيْهَا قَوْلُ وَلِيِّهَا بِالرِّضَا اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ بَيِّنَةَ الزَّوْجِ قَامَتْ فِيهِ إلَخْ) أَيْ وَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ الرَّدِّ فَكَانَتْ أَوْلَى اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا) أَيْ فَتَذْهَبُ مِنْ عِصْمَتِهِ عِنْدَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ (قَوْلُهُ: وَقَالَا عَلَيْهَا الْيَمِينُ) فَإِنْ نَكَلَتْ بَقِيَ النِّكَاحُ عِنْدَهُمَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْمَسَائِلُ السِّتُّ) قَالَ الْكَمَالُ وَزِيدَ عَلَيْهَا دَعْوَى الْأَمَةِ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَجَمَعْتهَا فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ نِكَاحٌ وَفَيْئَةٌ إيلَاؤُهُ ... وَرِقٌّ وَرَجَعَ وَلَاءُ نَسَبْ وَدَعْوَى الْإِمَاءِ أُمُومِيَّةً ... فَلَيْسَ بِهَا مِنْ يَمِينٍ وَجَبْ (قَوْلُهُ: وَمَوْضِعُهَا كِتَابُ الدَّعَاوَى) وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِيهَا، وَقِيلَ يَتَأَمَّلُ الْقَاضِي فِي حَالِ الْمُدَّعِي فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ التَّعَنُّتُ قَضَى بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَبِقَوْلِهَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَمَعَ هَذَا لَا تَحْلِفُ) أَيْ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهَا فَأَنْكَرَتْ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُهُمَا: إلَخْ)، وَذَكَرَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ السَّادِسَ عَشَرَ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُهُمَا: وَأَنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحْلِفُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلِلْوَلِيِّ إنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبِ) أَيْ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ اهـ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَنْبَلٍ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَ عَائِشَةَ) وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ اهـ. فَتْحٌ وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَكَانَتْ عِنْدَهَا تِسْعُ سِنِينَ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِ الثِّيَابَةِ إلَخْ) يُقَالُ ثِيبَتْ الْمَرْأَةُ تَثْيِيبًا إذَا صَارَتْ ثَيِّبًا وَالثِّيَابَةُ وَالثُّيُوبَةُ فِي مَصْدَرِهَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِمْ اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ: سَلَمَةَ إلَخْ) إنَّمَا هُوَ عُمَرُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي ذَخَائِرِ الْعَقَبِيِّ فِي مَنَاقِبِ ذَوِي الْقُرْبَى، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهَا إذَا بَلَغَتْ) وَلَوْ كَانَ تَزْوِيجُهُ بِالنُّبُوَّةِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْخِيَارُ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْمَوْلَى؛ إذْ النُّبُوَّةُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا قُصُورَ فِيهَا وَالْعَبَّاسُ وَإِنْ كَانَ عَمَّهَا وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا أَوْ تَأَدَّبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهِ ذَكَرَهُ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ اهـ. غَايَةٌ

بِالنُّبُوَّةِ وَلَوْ كَانَ زَوَّجَ بِهَا لَمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنَعَ الْأَوْلِيَاءَ مِنْ التَّزْوِيجِ وَزَوَّجَ هُوَ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ»، ذَكَرَهُ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي حَقِّ الْكَبِيرَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا أَعْجَزُ وَأَمَسُّ حَاجَةً؛ لِأَنَّ الْخَاطِبَ قَدْ لَا يَنْتَظِرُ إلَى الْبُلُوغِ فَيَفُوتُ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ عَقْدِهِ لِوُجُودِ أَصْلِ الشَّفَقَةِ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَظْهَرْنَاهُ فِي عَدَمِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِتَكَرُّرِهِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] أَيْ فِي نِكَاحِ الْيَتَامَى هَكَذَا فَسَّرَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -؛ وَلِأَنَّ تَأْثِيرَ الْبُلُوغِ فِي زَوَالِ الْوِلَايَةِ عَنْهَا لِقُدْرَتِهَا عَلَى التَّصَرُّفِ وَاعْتِدَالِ عَقْلِهَا بِهِ، وَلِهَذَا تُوَجَّهُ التَّكَالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ إلَيْهَا فَمَنْ أَثْبَتَ الْوِلَايَةَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَمَنَعَهَا قَبْلَهُ فَقَدْ عَكَسَ الْمَعْنَى وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ لِوَلِيِّهَا فِي مَالِهَا حَالَةَ الصِّغَرِ فَإِذَا بَلَغَتْ انْتَفَتْ الْوِلَايَةُ عَنْهَا فَكَذَا الْوِلَايَةُ عَلَى النَّفْسِ وَجَبَ أَنْ تَجْرِيَ عَلَى الْقَوَاعِدِ كَمَا فِي الْغُلَامِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ آدَمِيَّتِهَا وَإِلْحَاقِهَا بِالْبَهَائِمِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لَا بِرِضَاهَا وَلَا بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ قَابِلًا لِلنِّكَاحِ، فَيَكُونُ بَاطِلًا؛ وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَمَّا ثَبَتَتْ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ مَعَ قُدْرَتِهَا عَلَى قَاعِدَتِهِمْ كَانَ ثُبُوتُهَا فِي صِغَرِهَا وَهِيَ أَعْجَزُ وَأَوْلَى وَقَوْلُهُ: لِكَوْنِ الثِّيَابَةِ سَبَبًا لِحُدُوثِ الرَّأْيِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْبَالِغَةِ وَأَمَّا فِي الصَّغِيرَةِ فَلَا تَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ الرَّأْيِ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ وَلِهَذَا لَا تُوجِبُ فِي حَقِّ الْغُلَامِ شَيْئًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا الْبَكَارَةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا عَدَمُ الْعَقْلِ أَوْ نُقْصَانُهُ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَالِهَا إجْمَاعًا، وَكَذَا فِي حَقِّ الْغُلَامِ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْمَجْنُونَةِ إجْمَاعًا وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهَا ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا فَكَذَا الصَّغِيرَةُ، وَقَوْلُهُ بِتَرْتِيبِ الْإِرْثِ يَعْنِي أَوْلَاهُمْ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا إلَّا فِي الْمَعْتُوهِ وَالْمَعْتُوهَةِ لَا فِي الصِّغَارِ، ثُمَّ الْأَبُ وَأَبُ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ الْإِخْوَةُ إلَّا الْأَخَ مِنْ الْأُمِّ، ثُمَّ الْأَعْمَامُ إلَّا الْعَمَّ مِنْ الْأُمِّ، ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ كَذَلِكَ، ثُمَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، ثُمَّ عَصَبَةُ الْمَوْلَى، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْأَخَ وَالْجَدَّ يَشْتَرِكَانِ فِي الْوِلَايَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَالْمِيرَاثِ عِنْدَهُمَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى بِالتَّزْوِيجِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ شَفَقَةَ الْجَدِّ مِثْلُ شَفَقَةِ الْأَبِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُمَا الْخِيَارُ إذَا زَوَّجَهُمَا الْجَدُّ كَمَا فِي الْأَبِ وَالِابْنِ أَوْلَى مِنْ الْأَبِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَقَالَ الرَّازِيّ ادَّعَى مُحَمَّدٌ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَهُ، ثُمَّ السُّلْطَانُ وَلَا وِلَايَةَ لِلْقَاضِي فِي تَزْوِيجِ الصِّغَارِ الَّذِينَ لَا وَلِيَّ لَهُمْ إلَّا إذَا شَرَطَ لَهُ السُّلْطَانُ فِي عَهْدِهِ، وَمَنْشُورِهِ وَلَوْ زَوَّجَ الصِّغَارَ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَأَجَازَ مَا صَنَعَ، قِيلَ يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ اسْتِحْسَانًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُمَا خِيَارُ الْفَسْخِ بِالْبُلُوغِ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ بِشَرْطِ الْقَضَاءِ) أَيْ لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ خِيَارُ الْفَسْخِ إذَا بَلَغَا فِيمَا إذَا زَوَّجَهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا خِيَارَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَقَدْ صَدَرَ مِنْ الْوَلِيِّ فَلَا يُفْسَخُ قِيَاسًا عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَمْ تُشْرَعْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ النَّظَرِ صِيَانَةً عَنْ الْإِفْضَاءِ إلَى الضَّرَرِ، وَإِذَا صَحَّ النَّظَرُ قَامَ عَقْدُ الْوَلِيِّ مَقَامَ عَقْدِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَلَهُمَا مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مِمَّنْ هُوَ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَيَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ إذَا مَلَكَا أَنْفُسَهُمَا كَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ إذَا عَتَقَتْ، وَهَذَا لِأَنَّ أَصْلَ الشَّفَقَةِ مَوْجُودٌ وَلَكِنَّهَا قَاصِرَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ») وَيُرْوَى النِّكَاحُ فِي الْعَصَبَاتِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ) أَيْ السَّرَخْسِيُّ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَثْبُتُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَا فِيهِ) أَيْ فِي الْقَرِيبِ اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْقُصُورِ) أَيْ قُصُورِ الشَّفَقَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَكَرُّرِهِ) أَيْ بِأَنْ بَاعَ وَلِيُّهُ، ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ وَغَابَ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُ الْخَلَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الظَّفْرُ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِغَيْبَتِهِ أَوْ لِمَوْتِهِ أَوْ لِنِسْيَانِهِ أَوْ يَتَطَرَّقُ عَلَى الْعِوَضِ التَّوَى فَلَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَنَا عَدَمُ الْعَقْلِ) أَيْ فِي الْمَجْنُونِ (قَوْلُهُ: أَوْ نُقْصَانُهُ) أَيْ فِي الصَّغِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ) أَيْ الْمُصَنِّفِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا إلَّا فِي الْمَعْتُوهِ) الْمَعْتُوهُ النَّاقِصُ الْعَقْلِ، وَقِيلَ الْمَدْهُوشُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ، وَقَدْ عَتِهَ عَتَهًا وَعَتَاهَةً وَعَتَاهِيَةً قَالَهُ فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الْمِصْبَاحِ عَتِهَ عَتَهًا مِنْ بَابِ تَعِبَ وَعَتَاهًا بِالْفَتْحِ نَقَصَ عَقْلُهُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ لُغَةٌ فِي عُتِهَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عَتَاهَةً بِالْفَتْحِ وَعَتَاهِيَةً بِالتَّخْفِيفِ فَهُوَ مَعْتُوهٌ بَيِّنُ الْعَتَهِ اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ الصَّبِيُّ وَالنَّائِمُ وَالْمَعْتُوهُ» هُوَ الْمَجْنُونُ الْمُصَابُ بِعَقْلِهِ اهـ. وَفِي الصِّحَاحِ الْمَعْتُوهُ النَّاقِصُ الْعَقْلِ وَالتَّعَتُّهُ التَّجَنُّنُ وَالرُّعُونَةُ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ رَجُلٌ عَتَاهِيَةٌ وَهُوَ الْأَحْمَقُ اهـ. وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ التَّعَتُّهُ التَّجَنُّنُ وَالرُّعُونَةُ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ الْمَعْتُوهُ النَّاقِصُ الْعَقْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى إلَخْ) وَلَوْ كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءُ فَأَيُّهُمْ زَوَّجَهَا جَازَ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُزَوِّجْهَا الْكُلُّ اهـ. مُخْتَصَرُ الْمُحِيطِ فَإِنْ عَقَدَ كُلٌّ عَلَيْهَا وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ بَطَلَ الْجَمِيعُ اهـ. كَشْفُ شَرْحٍ بَزْدَوِيٍّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ) أَيْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمِيرَاثِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَذِنَ لَهُ) أَيْ فِي تَزْوِيجِ الصَّغَائِرِ وَالصِّغَارِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: بِشَرْطِ الْقَضَاءِ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ خِيَارُ الْفَسْخِ اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) يَعْنِي آخَرَ، وَقَوْلُهُ: الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَ اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا مَا رَوَيْنَا) أَيْ مِنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِنْتِ حَمْزَةَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ» اهـ.

عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِشَفَقَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَقَدْ أَثَّرَ النُّقْصَانُ حُكْمًا حَتَّى امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ فِي الْمَالِ وَلِوُجُودِ أَصْلِ الشَّفَقَةِ نَفَّذْنَاهُ فِي الْحَالِ وَلِقُصُورِهَا أَثْبَتْنَا لَهُمَا الْخِيَارَ فِي الْمَآلِ لِيُزَالَ الضَّرَرُ لَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ وَيُضَافَ إلَى اخْتِيَارِهِمَا إلَى أَنْفُسِهِمَا فَيَبْرَأُ الْأَوْلِيَاءُ عَنْ عُهْدَةِ الْيَتَامَى بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ؛ لِأَنَّهُمَا وَافِرَا الشَّفَقَةِ تَامَّا الْوِلَايَةِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْتُوهُ وَالْمَعْتُوهَةُ إذَا زَوَّجَهُمَا الْأَبُ وَالْجَدُّ لَا خِيَارَ لَهُمَا إذَا أَفَاقَا، وَإِنْ زَوَّجَهُمَا الِابْنُ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ وَلَا خِيَارَ فِي الْأَبِ فَهَذَا أَوْلَى وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ الصَّغِيرَةَ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا، ثُمَّ بَلَغَتْ لَا يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ لِكَمَالِ وِلَايَتِهِ فَصَارَ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ؛ وَلِأَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يُغْنِي عَنْ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعَبْدُ الصَّغِيرُ كَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْبُلُوغِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ يَتَنَاوَلُ الْأُمَّ وَالْقَاضِيَ حَتَّى إذَا زَوَّجَهُمَا الْقَاضِي وَالْأُمُّ يَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِلْزَامِ تُبْنَى عَلَى الرَّأْيِ الْكَامِلِ وَالشَّفَقَةِ الْوَافِرَةِ، وَالْمَوْجُودُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدُهُمَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْمَالَ وَالنَّفْسَ، وَشَفَقَةُ الْأُمِّ فَوْقَ شَفَقَةِ الْأَبِ فَكَانَا كَالْأَبِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الْأَخِ وَالْعَمِّ فَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الْحَاجِبِ فَفِي الْمَحْجُوبِ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ بِشَرْطِ الْقَضَاءِ أَيْ لَهُمَا الْخِيَارُ بِشَرْطِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ؛ لِأَنَّ فِي أَصْلِهِ ضَعْفًا إذْ هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَكَذَا فِي سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ تَرْكُ الْوَلِيِّ النَّظَرَ وَلَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيُوقَفُ عَلَى الْقَضَاءِ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَوِيٌّ وَهُوَ تَخْيِيرُ الزَّوْجِ وَبِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ مَقْطُوعٌ بِهِ وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَلِهَذَا يَخْتَصُّ بِالْأُنْثَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ مُرَاجَعَتَهَا فِي قُرْأَيْنِ وَيَمْلِكُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِحَيْضَتَيْنِ وَقَدْ ازْدَادَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَدْفَعَ الزِّيَادَةَ؛ وَلِأَنَّ وِلَايَةَ الْمَوْلَى لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَصَارَ الْعَقْدُ فِي حَقِّ هَذِهِ الزِّيَادَةِ كَأَنَّهُ وُجِدَ الْآنَ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِرِضَاهَا فَكَانَ الِاخْتِيَارُ مِنْهَا دَفْعًا لِلْحُكْمِ عَنْ الثُّبُوتِ لَا رَفْعًا لَهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ، وَالدَّفْعُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ أَمْرٌ يَسْتَقِلُّ بِهِ الدَّافِعُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ وِلَايَةَ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِالْخَصْمِ دُونَ الْحَكَمِ؛ وَلِأَنَّهَا تَنْفَرِدُ بِدَفْعِ أَصْلِ الْمِلْكِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ النِّكَاحُ بِدُونِ رِضَاهَا فَكَذَا تَنْفَرِدُ بِدَفْعِ الزِّيَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَدْفَعَ الزِّيَادَةَ إلَّا بِدَفْعِ مَا كَانَ ثَابِتًا فَمَلَكَتْ دَفْعَهُ ضِمْنًا وَلَا يُقَالُ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ دَافِعَةً لِلزِّيَادَةِ فَهِيَ مُبْطِلَةٌ لِمَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ، فَبِمَاذَا تَرَجَّحَ جَانِبُهَا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ الْخِيَارَاتُ ثَلَاثَةٌ خِيَارُ الْمُدْرَكَةِ وَخِيَارُ الْمُعْتَقَةِ وَخِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ، فَخِيَارُ الْمُدْرَكَةِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَبْطُلْ الْخِيَارُ بِالسُّكُوتِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ فَلَا يَبْطُلُ إلَّا بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى إبْطَالِ الْخِيَارِ كَمَا إذَا اشْتَغَلَتْ بِشَيْءٍ آخَرَ أَوْ أَعْرَضَتْ عَنْ الْخِيَارِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَعِلْمُ النِّكَاحِ شَرْطٌ وَعِلْمُ الْخِيَارِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَأَمَّا خِيَارُ الْمُعْتَقَةِ فَلَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ وَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ الِاخْتِيَارِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَيَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ الْخِيَارِ لَهَا أَيْ لِلْمُعْتَقَةِ لَا لِلْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّ جَهْلَ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ جَهْلٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا خِيَارَ لَهُمَا إذَا أَفَاقَا) وَإِنْ زَوَّجَهُمَا الْأَخُ أَوْ الْعَمُّ، ثُمَّ أَفَاقَ كَانَ لَهُمَا الْخِيَارُ اهـ. عِمَادِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُمَا الْخِيَارُ) هَذِهِ عِبَارَةُ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: فَهَذَا أَوْلَى) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ لَهُمَا الْخِيَارَ اهـ. فُصُولٌ فِي (قَوْلِهِ: لَا يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ) وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا قَالَهُ السُّرُوجِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: لَهُ خِيَارُ الْبُلُوغِ عَلَى الْأَصَحِّ) إلَّا أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ خِيَارُ الْعِتْقِ فَيُطَلِّقُ إنْ شَاءَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَهُمَا الْخِيَارُ بِشَرْطِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ فِي الْفُرْقَةِ فِي مَوَاضِعَ هَذِهِ وَالْفُرْقَةُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ وَكُلُّهَا فَسْخٌ، وَالْفُرْقَةُ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ وَكُلُّهَا طَلَاقٌ وَبِإِبَاءِ زَوْجِ الذِّمِّيَّةِ الَّتِي أَسْلَمَتْ وَهِيَ طَلَاقٌ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَرْقَ الطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ وَمَا يَحْتَاجُ مِنْهَا إلَى الْقَضَاءِ فِي قَوْلِهِ: فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْإِعْتَاقِ ... فُرْقَةٌ حُكْمُهَا بِغَيْرِ طَلَاقِ فَقْدُ كُفْءٍ كَذَا وَنُقْصَانُ مَهْرٍ ... وَنِكَاحٌ فَسَادُهُ بِاتِّفَاقِ مِلْكُ إحْدَى الزَّوْجَيْنِ أَوْ بَعْضِ زَوْجٍ ... وَارْتِدَادٌ كَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ ثُمَّ جَبٌّ وَعُنَّةٌ وَلِعَانٌ ... وَإِبَاءُ الزَّوْجِ فُرْقَةً بِطَلَاقِ وَقَضَاءُ الْقُضَاةِ فِي الْكُلِّ شَرْطٌ ... غَيْرَ مِلْكٍ وَرِدَّةٍ وَعَتَاقِ وَقَوْلُهُ: بِاتِّفَاقٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا فَإِنَّ نِكَاحَهَا جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَالْفُرْقَةُ مِنْهُ بِطَلَاقٍ عِنْدَهُمَا وَفَسْخٍ عِنْدَهُ، وَقَوْلُهُ: عَلَى الْإِطْلَاقِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الرِّدَّةِ مِنْ الزَّوْجِ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ فَهِيَ فَسْخٌ وَكُلُّ فُرْقَةٍ بِطَلَاقٍ إذَا وَقَعَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ طَلْقَةٌ وَقَعَتْ إلَّا فِي اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً وَكُلُّ فُرْقَةٍ تُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهَا اهـ. قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الرِّدَّةِ: رَجُلٌ ارْتَدَّ مِرَارًا وَجَدَّدَ الْإِسْلَامَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَجَدَّدَ النِّكَاحَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَحِلُّ لَهُ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الرِّدَّةَ لَا تَكُونُ طَلَاقًا وَإِبَاءَ الزَّوْجِ عَنْ الْإِسْلَامِ يَكُونُ طَلَاقًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رِدَّتُهُ وَإِبَاؤُهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كِلَاهُمَا طَلَاقٌ وَرِدَّةُ الْمَرْأَةِ وَإِبَاؤُهَا لَا يَكُونُ طَلَاقًا اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ) أَيْ فَإِنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلَا قَضَاءٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ) أَيْ حَيْثُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي بَلْ تَثْبُتُ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْمُعْتَقَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: ضِمْنًا) أَيْ لِدَفْعِ الزِّيَادَةِ لَا قَصْدًا اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لَمَّا كَانَ ثَابِتًا مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ) أَيْ وَالزَّوْجُ يَبْقَى مِلْكُهُ الثَّابِتُ، ثُمَّ تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ ضِمْنًا لَهُ اهـ. كَاكِيٌّ

لِأَنَّا نَقُولُ هِيَ تُبْطِلُ حَقًّا مُشْتَرَكًا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ بِدَفْعِ زِيَادَةِ الْحَقِّ عَلَيْهَا لَهُ، وَهُوَ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ زِيَادَةَ حَقٍّ عَلَيْهَا لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَتَرَجَّحَ رِعَايَةُ حَقِّهَا لِذَلِكَ وَفِي الصَّغِيرِ قَدْ ثَبَتَ حُكْمُ الْعَقْدِ عَلَى الْكَمَالِ وَلَمْ يَزْدَدْ الْمِلْكُ بِالْبُلُوغِ وَلَكِنْ احْتَجْنَا إلَى الْفَسْخِ لِتَوَهُّمِ تَرْكِ النَّظَرِ مِنْ الْوَلِيِّ لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ وَهُوَ خَفِيٌّ مَوْهُومٌ إذْ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا لَمَا نَفَذَ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ نَظَرِيَّةٌ وَلِهَذَا تَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَ الْخَلَلِ يَشْمَلُهُمَا فَجُعِلَ إلْزَامًا فِي حَقِّ الْآخَرِ لِكَوْنِهِ رَافِعًا لِحُكْمٍ ثَابِتٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْإِلْزَامِ، ثُمَّ إذَا فُسِخَ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ فَلَا مَهْرَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ بِسُكُوتِهَا إنْ عُلِمَتْ بِكْرًا لَا بِسُكُوتِهِ مَا لَمْ يَرْضَ وَلَوْ دَلَالَةً) أَيْ بَطَلَ خِيَارُهَا بِسُكُوتِهَا عِنْدَ الْبُلُوغِ إنْ كَانَ لَهَا عِلْمٌ بِالنِّكَاحِ، وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْغُلَامِ بِالسُّكُوتِ مَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت أَوْ يُوجَدُ مِنْهُ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِثْلُ الْوَطْءِ وَالتَّقْبِيلِ، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ إذَا دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ بَلَغَتْ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا مَا لَمْ تَقُلْ رَضِيت أَوْ يُوجَدُ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَالْغُلَامِ اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ بِحَالَةِ الِابْتِدَاءِ، وَشُرِطَ عِلْمُهَا بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ، وَالْوَلِيُّ يَنْفَرِدُ بِالنِّكَاحِ فَعُذِرَتْ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْعِلْمُ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهَا تَتَفَرَّغُ لِتَعْلَمَ الْأَحْكَامَ وَالدَّارُ دَارُ الْعِلْمِ فَلَمْ تُعْذَرْ بِالْجَهْلِ بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ حَيْثُ تُعْذَرُ إذَا لَمْ تَعْلَمْ خِيَارَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَفَرَّغُ لِتَعْلَمَ الْأَحْكَامَ لِكَوْنِهَا مَشْغُولَةً بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فَتُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، ثُمَّ خِيَارُ الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الزَّوْجِ بَلْ لِتَوَهُّمِ خَلَلٍ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِالرِّضَا، غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّا نَقُولُ هِيَ تُبْطِلُ حَقًّا إلَخْ) وَلِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ رَضِيَ بِهَذَا الضَّرَرِ حَيْثُ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ بِاخْتِيَارِهِ أَمَّا الْمَرْأَةُ لَمْ تَرْضَ بِهَذَا الضَّرَرِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِهَا فِي النِّكَاحِ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَا مَهْرَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ)، وَهَذَا فَائِدَةُ كَوْنِ الْفُرْقَةِ فَسْخًا اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا) أَيْ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمَفْسُوخَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَبَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ يَجِبُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، وَأَثَرُ الْفَسْخِ لَا يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَوْفَى وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ اخْتِيَارُهُ وَاخْتِيَارُهَا اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ مَا لَمْ يَرْضَ وَلَوْ دَلَالَةً) كَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت وَلَوْ دَلَالَةً اهـ. (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ) أَيْ حَالَةِ ثُبُوتِ الِاخْتِيَارِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِحَالَةِ الِابْتِدَاءِ) أَيْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ اهـ. فَكَمَا لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا لَوْ زَوَّجَتْ ثَيِّبًا بَالِغَةً لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا حَالَةَ ثُبُوتِ الِاخْتِيَارِ وَهِيَ ثَيِّبٌ بَالِغَةٌ، وَلَوْ زُوِّجَتْ بِكْرًا بَالِغَةً أَكْتَفِي بِسُكُوتِهَا فَكَذَا إذَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ لِلْعِلْمِ بِالنِّكَاحِ وَهِيَ بِكْرٌ بَالِغَةٌ، وَلَمَّا كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ خِيَارُ الْبِكْرِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ خِيَارَ الثَّيِّبِ لَا يَبْطُلُ وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الثَّيِّبِ صَرَّحَ بِمَفْهُومِهِ لِيُفِيدَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ إلَخْ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) أَيْ بَلْ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْمَجْلِسِ مَجْلِسُ بُلُوغِهَا بِأَنْ كَانَتْ حَاضَتْ فِي مَجْلِسٍ، وَقَدْ كَانَ بَلَغَهَا النِّكَاحُ، أَوْ مَجْلِسِ بُلُوغِ خَبَرِ النِّكَاحِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا بَالِغَةً وَجَعَلَ الْخَصَّافُ إخْبَارَ الْبِكْرِ مُمْتَدًّا إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَالَ هُوَ إلَيْهِ وَهُوَ خِلَافُ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ ثَيِّبًا فَوَقْتُ خِيَارِهَا الْعُمُرُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ عَدَمُ الرِّضَا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالنِّكَاحِ، وَكَذَا الْغُلَامُ عَلَى هَذَا تَضَافَرَتْ كَلِمَاتُهُمْ وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِمَّا نُقِلَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ: خِيَارُ الْمُدْرَكَةِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا أَوْ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَبْطُلْ بِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى إبْطَالِ الْخِيَارِ كَمَا إذَا اشْتَغَلَتْ بِشَيْءٍ آخَرَ أَوْ أَعْرَضَتْ عَنْ الِاخْتِيَارِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مُشْكِلٍ إذْ يَقْتَضِي أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِعَمَلٍ آخَرَ يُبْطِلُهُ، وَهَذَا يُقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ ضَرُورَةً إذْ تَبَدُّلُهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا يَسْتَلْزِمُهُ ظَاهِرًا وَفِي الْجَوَامِعِ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا حِينَ بَلَغَهَا أَوْ كَانَ غُلَامًا لَمْ يَبْطُلْ بِالسُّكُوتِ وَإِنْ أَقَامَتْ مَعَهُ إيَّاهُ إلَّا أَنْ تَرْضَى بِلِسَانِهَا، أَوْ يُوجَدُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْوَطْءِ أَوْ التَّمْكِينِ مِنْهُ طَوْعًا أَوْ الْمُطَالَبَةِ بِالْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ وَفِيهَا لَوْ قَالَتْ كُنْت مُكْرَهَةً فِي التَّمْكِينِ صُدِّقَتْ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ أَكَلَتْ مِنْ طَعَامِهِ أَوْ خَدَمَتْهُ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ أَيْ فَيَمْتَدُّ خِيَارُ الْعِتْقِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَحَاصِلُ وُجُوهِ الْفَرْقِ بَيْنَ خِيَارَيْ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ، احْتِيَاجُهُ إلَى الْقَضَاءِ فَلَوْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَفْسَخْ الْقَاضِي حَتَّى مَاتَ وَرِثَهُ الْآخَرُ وَلَهُ الْوَطْءُ بَعْدَ الْفَسْخِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِمُجَرَّدِ فَسْخِهَا وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْعِتْقِ بِالسُّكُوتِ إلَخْ وَيَبْطُلُ خِيَارُ الْبُلُوغِ إذَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ وَهِيَ بِكْرٌ بِخِلَافِ الْغُلَامِ وَالثَّيِّبِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَمْ يُجْعَلْ فِي حَقِّهِمَا رِضًا وَيَثْبُتُ خِيَارُ الْبُلُوغِ لِكُلٍّ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ وَلَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ لِدَفْعِ ضَرَرِ زِيَادَةِ الْمِلْكِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الذَّكَرِ وَخِيَارُ الْبُلُوغِ لِمَا عَنْ قُصُورِ الشَّفَقَةِ وَهُوَ يَعُمُّهُمَا لَا يُقَالُ الْغُلَامُ يَتَمَكَّنُ بَعْدَ الْبُلُوغِ مِنْ التَّخَلُّصِ بِالطَّرِيقِ الْمَشْرُوعِ لِلذُّكْرَانِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَمَا ثَبَتَ الْخِيَارُ إلَّا لِلْحَاجَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَتَخَلَّصُ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَلْ يَلْزَمُهُ وَهُنَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيَلْزَمُهُ كُلُّهُ لَكِنْ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ مَلَكَ عَلَيْهَا الثَّلَاثَ وَفِي الْحَوْلِ إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ فَقَالَ فَسَخْت يَنْوِي الطَّلَاقَ فَهِيَ طَلَاقٌ بَائِنٌ وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ، وَهَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْفَسْخِ يَصْلُحُ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ، وَالرَّابِعُ أَنَّ الْجَهْلَ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ شَرْعًا مُعْتَبَرٌ فِي خِيَارِ الْعِتْقِ دُونَ الْبُلُوغِ، وَالْخَامِسُ أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْبُلُوغِ فِي الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ اهـ. فَتْحٌ

؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الْمَوْلَى فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَجْلِسُ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا مَعَ رُؤْيَةِ الدَّمِ، وَإِنْ رَأَتْهُ بِاللَّيْلِ تَخْتَارُ بِلِسَانِهَا فَتَقُولُ فَسَخْت نِكَاحِي وَتُشْهِدُ إذَا أَصْبَحَتْ وَتَقُولُ رَأَيْت الدَّمَ الْآنَ فَإِنْ قَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ اخْتَرْت فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ بَعَثَتْ خَادِمَهَا حِينَ حَاضَتْ فَدَعَا شُهُودًا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ وَهِيَ فِي مَكَان مُنْقَطِعٍ لَزِمَهَا النِّكَاحُ وَلَمْ تُعْذَرْ وَلَوْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ عَنْ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى أَوْ سَلَّمَتْ عَلَى الشُّهُودِ بَطَلَ خِيَارُهَا، وَلَوْ اخْتَارَتْ وَأَشْهَدَتْ وَلَمْ تَتَقَدَّمْ إلَى الْقَاضِي لِشَهْرَيْنِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا كَخِيَارِ الْعَيْبِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ خِيَارُ الْبُلُوغِ وَالشُّفْعَةِ تَقُولُ أَطْلُبُ الْحَقَّيْنِ، ثُمَّ تَبْدَأُ فِي التَّفْسِيرِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ، ثُمَّ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهَا، وَكَذَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ لِمَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي مَلَكَهَا وَهُوَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ وَلَا يُقَالُ النِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ جَعْلُهُ فَسْخًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَعْنَى بِقَوْلِنَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ التَّمَامِ وَهُوَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ وَأَمَّا قَبْلَ التَّمَامِ فَيَقْبَلُ الْفَسْخَ، وَتَزْوِيجُ الْأَخِ وَالْعَمِّ صَحِيحٌ نَافِذٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فَيَقْبَلُ الْفَسْخَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَوَارَثَا قَبْلَ الْفَسْخِ)؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَالْمِلْكَ بِهِ ثَابِتٌ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ انْتَهَى النِّكَاحُ سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا لَا تَقَعُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَيَتَوَارَثَانِ وَيَجِبُ الْمَهْرُ كُلُّهُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا لَوْ وُجِدَ الِاعْتِرَاضُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ وَالْفَاسِدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا وِلَايَةَ لِصَغِيرٍ وَعَبْدٍ وَمَجْنُونٍ)؛ لِأَنَّهُمْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الْغَيْرِ فَرْعُ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَلِهَذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِي التَّفْوِيضِ إلَى رَأْيِهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الْمَوْلَى) أَيْ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْعِتْقِ الثَّابِتِ بِإِثْبَاتِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ سُكُوتِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَعَثَتْ خَادِمَهَا حِينَ حَاضَتْ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ بَعَثَتْ خَادِمَهَا حِينَ حَاضَتْ لِلشُّهُودِ فَلَمْ تَقْدِرْ عَلَيْهِمْ وَهِيَ فِي مَكَان مُنْقَطِعٍ لَزِمَهَا وَلَمْ تُعْذَرْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَفْسَخْ بِلِسَانِهَا حَتَّى فَعَلَتْ وَمَا قِيلَ لَوْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ عَنْ الْمَهْرِ أَوْ سَلَّمَتْ عَلَى الشُّهُودِ بَطَلَ خِيَارُهَا تَعَسُّفٌ، لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَغَايَةُ الْأَمْرِ كَوْنُ هَذِهِ الْحَالَةِ كَحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَلَوْ سَأَلَتْ الْبِكْرَ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا، وَكَذَا عَنْ الْمَهْرِ وَإِنْ كَانَ عَدَمُ ذِكْرِهِ لَهَا لَا يُبْطِلُ كَوْنَ سُكُوتِهَا رِضًا عَلَى الْخِلَافِ فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ تَسْأَلْ عَنْهُ لِظُهُورِ أَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِكُلِّ مَهْرٍ، وَالسُّؤَالُ يُفِيدُ نَفْيَ ظُهُورِهِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهَا يُتَوَقَّفُ رِضَاهَا عَلَى مَعْرِفَةِ كَمِّيَّتِهِ، وَكَذَا السَّلَامُ عَلَى الْقَادِمِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَيْفَ وَإِنَّمَا أَرْسَلَتْ لِغَرَضِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْفَسْخِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا) أَيْ بَلْ فَسْخٌ لَا يُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ فَلَوْ جَدَّدَ بَعْدَهُ مَلَكَ الثَّلَاثَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ لِمَا بَيَّنَّا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهَا وَمِنْ أَنَّهُ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الْمَوْلَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَالُ النِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ إلَخْ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصْحَابُ يَقُولُونَ النِّكَاحُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ قَصْدًا، وَذِكْرُ الصَّحِيحِ لِإِخْرَاجِ الْفَاسِدِ وَالنَّافِذِ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ الْمَوْقُوفِ فَإِنَّهُ غَيْرُ نَافِذٍ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَهُوَ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ، وَذِكْرُ اللَّازِمِ احْتِرَازٌ مِنْ النِّكَاحِ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ الْبُلُوغِ وَخِيَارُ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ فَسْخٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَقَوْلِي قَصْدًا احْتَرَزْت بِهِ عَنْ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَكِنَّهَا فَسْخٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا نَافِذًا لَازِمًا اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ) وَالنِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ عَلَى الْإِجَازَةِ يَبْطُلُ بِمَوْتٍ مَنْ أَحَدِهِمَا وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا تَفْتَقِرُ الْفُرْقَةُ فِيهِ عَلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ نَافِذٍ اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ كَنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْفَاسِدِ) أَيْ فَإِنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ فِيهِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا يَثْبُتُ حِلُّ الْوَطْءِ وَالتَّوَارُثِ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا وِلَايَةَ لِصَغِيرٍ وَعَبْدٍ وَمَجْنُونٍ) أَيْ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُرَادُ بِالْمَجْنُونِ الْمُطْبِقُ وَهُوَ عَلَى مَا قِيلَ سَنَةٌ، وَقِيلَ أَكْثَرُ السَّنَةِ، وَقِيلَ شَهْرٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي التَّنْجِيسِ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُوَقِّتُ فِي الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ شَيْئًا كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي التَّقْدِيرَاتِ فَيُفَوِّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَغَيْرُ الْمُطْبِقِ يَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ حَالَ جُنُونِهِ مُطْبِقًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُطْبِقٍ لَكِنْ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُطْبِقًا سُلِبَ وِلَايَتَهُ فَتُزَوَّجُ وَلَا تَنْتَظِرُ إفَاقَتَهُ وَغَيْرُ الْمُطْبِقِ الْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ فَلَا تُزَوَّجُ وَتَنْتَظِرُ إفَاقَتَهُ كَالنَّائِمِ وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ الْكُفْءَ الْخَاطِبَ إنْ فَاتَ بِانْتِظَارِ إفَاقَتِهِ تُزَوَّجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطْبِقًا وَإِلَّا اُنْتُظِرَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي غَيْبَةِ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ) وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ عَلَى مُسْلِمٍ صَغِيرٍ اهـ. قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا مُسْلِمَةٍ وَلَا لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ قَالُوا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ سُلْطَانًا أَوْ سَيِّدَ أَمَةٍ كَافِرَةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَلَمْ أَرَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِهِمْ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَرَأَيْت فِي مَوْضِعٍ مَعْزُوًّا إلَى الْمَبْسُوطِ الْوِلَايَةُ بِالسَّبَبِ الْعَامِّ تَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ كَوِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ وَالشَّهَادَةِ وَلَا تَثْبُتُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَدْ ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءَ فَأَمَّا الْفِسْقُ فَهَلْ يَسْلُبُ الْأَهْلِيَّةَ كَالْكُفْءِ؟ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا لَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَنْظُومَةِ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ اخْتِلَافٌ فِيهِ وَأَمَّا الْمَسْتُورُ فَلَهُ الْوِلَايَةُ بِلَا خِلَافٍ فَمَا فِي الْجَوَامِعِ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ فَاسِقًا فَلِلْقَاضِي أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ كُفْءٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ نَعَمْ إنْ كَانَ مُتَهَتِّكًا لَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا بِنَقْصٍ وَمِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَسَتَأْتِي هَذِهِ اهـ.

عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَارَثَانِ، وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ سَيِّدَ أَمَةٍ كَافِرَةٍ أَوْ سُلْطَانًا وَلِلْكَافِرِ وِلَايَةٌ عَلَى مِثْلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73]، وَلِهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَيَجْرِي الْإِرْثُ بَيْنَهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ فَالْوِلَايَةُ لِلْأُمِّ، ثُمَّ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ لِأَوْلَادِ الْأُمِّ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، ثُمَّ لِأَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ لِلْعَمَّاتِ، ثُمَّ لِلْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، ثُمَّ لِبَنَاتِ الْأَعْمَامِ)، وَقِيلَ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ تُقَدَّمُ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّ لَهَا حَالَةً تَكُونُ فِيهَا عَصَبَةٌ وَفِي الْغَايَةِ، قِيلَ قَرَابَةُ الْأَبِ كَالْعَمَّةِ وَنَحْوِهَا يُقَدَّمْنَ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ قَرِيبٌ مِمَّنْ يَرِثُ الْفَرْضَ، ثُمَّ قَالَ: وَأَكْثَرُهُمْ أَنَّ تَرْتِيبَهُمْ كَتَرْتِيبِ الْإِرْثِ فَأَوْلَاهُمْ الْفُرُوعُ، ثُمَّ الْأُصُولُ، ثُمَّ فُرُوعُ الْأَبِ، ثُمَّ فُرُوعُ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَمَا ذُكِرَ فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ، ثُمَّ الْقَاضِي، وَمَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي إذَا شَرَطَ لَهُ الْإِمَامُ فِي عَهْدِهِ وَمَنْشُورِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ نِسْبِيَّةٌ أَوْ سَبَبِيَّةٌ فَالْإِنْكَاحُ إلَى الْقَاضِي، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ مِنْ الْأَقَارِبِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ مَعَ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمُحَمَّدٍ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» جَعْلُ جِنْسِ الْإِنْكَاحِ لِجِنْسِ الْعَصَبَاتِ، وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ؛ وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ صَوْنًا لِلْقَرَابَةِ عَنْ نِسْبَةِ مَنْ لَا يُكَافِئُوهُمْ وَذَلِكَ يَحْصُلُ مِنْ الْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُعَيَّرُونَ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بَاعِثًا لَهُمْ عَلَى صِيَانَةِ الْقَرِيبِ عَنْ غَيْرِ الْكُفْءِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا لِانْتِسَابِهِمْ إلَى قَبِيلَةٍ أُخْرَى فَلَا يَلْحَقُهُمْ الْعَارُ بِذَلِكَ وَلَهُمَا أَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ لِنَظَرِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالشَّفَقَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَيْهِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَقَارِبِ فَتَثْبُتُ لَهُمْ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ إلَّا أَنَّ أَقَارِبَ الْأَبِ يُقَدَّمُونَ بِاعْتِبَارِ الْعُصُوبَةِ، وَذَا لَا يَنْفِي ثُبُوتَهَا لَهُمْ عِنْدَ عَدَمِهِمْ كَاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ يَكُونُ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ وَتُقَدَّمُ فِي ذَلِكَ الْعَصَبَاتُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ فَكَذَا هَذَا أَوْ نَقُولُ إنَّ إرْثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ فَيَنْتَظِمُهُمْ مَا رَوَاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ لِلْحَاكِمِ) أَيْ بَعْدَ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ لِلْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ السُّلْطَانِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»، وَقَدْ ذَكَرْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الصِّغَارَ إلَّا إذَا شُرِطَ لَهُ ذَلِكَ فِي التَّقْلِيدِ، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَيْتَامَ إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ) هَذَا عَكْسُ مَا فِي الْمَتْنِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ) قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ فَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ، وَكَذَا أَوْلَادُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، ثُمَّ عَصَبَةُ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ اهـ. بَزَّازِيٌّ (فَرْعٌ) مُعْتَقَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ بِالْوَلَاءِ وَالْوَلَاءُ بِكَمَالِ الْعِتْقِ وَكَمَالُهُ يَثْبُتُ بِهِمَا فَانْعَدَمَ بِانْعِدَامِ أَحَدِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ) قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إنْكَاحُ الْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَبِنْتِ الْعَمَّةِ وَاَلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ يَجُوزُ إجْمَاعًا إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأُمِّ وَالْخَالَةِ وَنَحْوِهَا وَدَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ يَصِحُّ فِي الْأُخْتِ لَا فِي الْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْعَمِّ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ لِذَوِي الْأَرْحَامِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ اهـ. بَزَّازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ)، وَقَالَ فِي الْكَافِي الْجُمْهُورُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا إلَخْ) فَإِنَّا نَرَى شَفَقَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهِ كَشَفَقَتِهِ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهِ، بَلْ قَدْ تُرَجَّحُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ شَفَقَةَ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَيْسَتْ كَشَفَقَةِ السُّلْطَانِ، وَمَنْ وَالَاهُ فَكَانُوا أَوْلَى مِنْهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُمَا: إنَّمَا ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ صَوْنًا لِلْقَرَابَةِ عَنْ نِسْبَةِ غَيْرِ الْكُفْءِ إلَيْهَا فَالْحَصْرُ مَمْنُوعٌ بَلْ ثُبُوتُهَا بِالذَّاتِ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ الصَّغِيرَةِ بِتَحْصِيلِ الْكُفْءِ؛ لِأَنَّهَا بِالذَّاتِ لِحَاجَتِهَا لَا لِحَاجَتِهِمْ وَكُلٌّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِيهِ دَاعِيَةُ تَحْصِيلِ حَاجَتِهَا فَتَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِنْ ثَبَتَتْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْعَصَبَاتِ لِكُلٍّ مِنْ حَاجَتِهَا بِالذَّاتِ إلَى ذَلِكَ وَحَاجَتِهِ وَسَتَزْدَادُ وُضُوحًا فِي مَسْأَلَةِ الْغَيْبَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إجَازَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَزْوِيجَ امْرَأَتِهِ بِنْتَهَا وَكَانَتْ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَمَّا إثْبَاتُ جِنْسِ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ إلَى الْعَصَبَاتِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّمَا هُوَ حَالَ وُجُودِهِمْ وَلَا تَعَرُّضَ لَهُمْ حَالَ عَدَمِهِمْ بِنَفْيِ الْوِلَايَةِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَلَا إثْبَاتِهَا فَأَثْبَتْنَاهَا بِالْمَعْنَى وَقِصَّةُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا لَا شَكَّ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهَا السُّلْطَانَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَصَبَاتِ بِقَوْلِهِ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» أَوْ بِالْإِجْمَاعِ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى، وَهَذَا الْوَجْهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ تَعَرُّضِ الْحَدِيثِ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ بِالنَّفْيِ وَحُجِّيَّتِهِ، وَقَوْلُهُ: فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ قِيَاسٌ وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانٌ مَعَ اسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ لِمُحَمَّدٍ وَبِالْمَعْنَى الصِّرْفِ لِأَبِي حَنِيفَةَ يُنَاقَشُ فِيهِ بِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بِالْأَثَرِ لَا الْقِيَاسُ فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ نَصٌّ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى بَابِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قِيَاسٌ مُقَابِلُهُ الِاسْتِحْسَانُ الَّذِي قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا ظَنَّهُ خِلَافَهُ فِي الِاسْتِحْسَانِ فَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا مُتَمَسِّكَ لَهُ بِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُجِيبَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَحَاصِلُ بَحْثِهِ مُعَارَضَةٌ مُجَرَّدَةٌ وَهِيَ لَا تُفِيدُ ثُبُوتَ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ التَّرْجِيحِ، وَقَالُوا الْعَصَبَاتُ تَتَنَاوَلُ الْأُمَّ؛ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ فِي وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَيَثْبُتُ لِأَهْلِهَا إلَّا أَنَّ أَقَارِبَ الْأَبِ مُقَدَّمُونَ اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ تَرِثُ مِنْهُ الْأُمُّ كُلَّ الْمَالِ، وَكَذَا وَلَدُ الزِّنَا اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَيْتَامَ إلَّا إلَخْ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ إنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ جَازَ لَهُ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ اهـ.

الْمُوصِي ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْأَبْعَدِ التَّزْوِيجُ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ)، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ اعْتِبَارًا بِعَضْلِهِ لِزُفَرَ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَائِمَةٌ وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ جَازَ وَلَا وِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ وَلَا لِلسُّلْطَانِ مَعَ وِلَايَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ حَاضِرًا وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ التَّفْوِيضُ إلَى مَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِرَأْيِهِ فَفَوَّضْنَاهُ إلَى الْأَبْعَدِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ مَجْنُونًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا أَوْ مَيِّتًا أَوْ صَغِيرًا وَلَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ لَا رِوَايَةَ فِيهِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَدَّى إلَى مَفْسَدَةٍ، بَيَانُهُ أَنَّ الْحَاضِرَ لَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ تَزْوِيجِ الْغَائِبِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لَدَخَلَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ وَهِيَ فِي عِصْمَةِ غَيْرِهِ، وَفَسَادُ هَذَا لَا يَخْفَى فَلَمْ يَبْقَ إلَّا وِلَايَةُ الْأَبْعَدِ وَمَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْغَائِبَ إذَا كُتِبَ إلَيْهِ لِيُقَدِّمَ رَجُلًا فِي صَلَاةِ جِنَازَةِ الصَّغِيرِ فَلِلْأَبْعَدِ مَنْعُهُ وَلَوْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ بَاقِيَةً لَمَا كَانَ لَهُ مَنْعُهُ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَقَدَّمَ غَيْرَهُ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ لِلْأَبْعَدِ بُعْدُ الْقَرَابَةِ وَقُرْبُ التَّدْبِيرِ وَلِلْأَقْرَبِ عَكْسُهُ فَنُزِّلَا مَنْزِلَةَ وَلِيَّيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فَأَيُّهُمَا عَقَدَ أَوَّلًا نَفَذَ وَلَا يُرَدُّ ثَمَّ قَدْرُ الْغَيْبَةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَقْصَاهُ غَايَةٌ فَاعْتُبِرَ بِأَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِفَوَاتِ الْكُفْءِ الْحَاضِرِ الْخَاطِبِ إلَى اسْتِطْلَاعِ رَأْيِهِ، وَهَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ وَالْكُفْءُ لَا يَتَّفِقُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَلَا نَظَرَ فِي إبْقَاءِ وِلَايَةِ الْأَقْرَبِ عَلَى وَجْهٍ يَفُوتُ بِهِ الْكُفْءُ وَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ وَابْنُ سَلَمَةَ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقَافِلَةُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَفِي الْوَاقِعَاتِ وَاخْتَارَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ الشَّهْرَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ كُوفَةَ إلَى الرَّيِّ وَهُوَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مَرْحَلَةً وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ الرَّيِّ إلَى بَغْدَادَ وَهُوَ عِشْرُونَ مَرْحَلَةً، وَفِي الرَّوْضَةِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَا تَخْتَلِفُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ فَهُوَ غَيْبَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ تَذْهَبُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَلَيْسَتْ بِمُنْقَطِعَةٍ، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَقَعُ إلَيْهِ الْكِرَاءُ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَيْسَتْ بِمُنْقَطِعَةٍ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: أَنْ لَا يُوقَفَ لَهُ عَلَى أَثَرٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ جَابَلْقَا إلَى جَابَلْسَا وَهُمَا مَدِينَتَانِ إحْدَاهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْأُخْرَى بِالْمَغْرِبِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ: هَذَا رُجُوعٌ إلَى قَوْلِ زُفَرَ هَذِهِ الْمَسَافَةُ لَا يُتَصَوَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَبْطُلُ بِعَوْدِهِ) أَيْ لَا تَبْطُلُ وِلَايَةُ الْأَبْعَدِ بِمَجِيءِ الْأَقْرَبِ؛ لِأَنَّ مَا عَقَدَهُ مِنْ الْعَقْدِ لَا يَبْطُلُ بِمَجِيئِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِوِلَايَةٍ تَامَّةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَلِيُّ الْمَجْنُونَةِ الِابْنُ لَا الْأَبُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَبُوهَا؛ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ مِنْ الِابْنِ وَلِهَذَا تَعُمُّ وِلَايَتُهُ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ الْوِلَايَةُ فِي الْمَالِ فَكَانَ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ بِالْعُصُوبَةِ وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الطَّارِئِ وَالْأَصْلِيِّ لِوُجُودِ الْعَجْزِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ فِي الطَّارِئِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ قَدْ زَالَتْ بِبُلُوغِهَا عَاقِلَةً فَلَا تَحْدُثُ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُودِ الْعَجْزِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا وَلِيَّانِ فَأَيُّهُمَا زَوَّجَ صَحَّ، وَعِنْدَ حُضُورِهِمَا يُقَدَّمُ الْأَبُ احْتِرَامًا لَهُ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ مَعَ الِابْنِ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ كَالْأَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ) أَيْ حَتَّى تَبْلُغَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَلَى وِلَايَتِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ) أَيْ لَا الْأَبْعَدُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِعَضْلِهِ) أَيْ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَنْتَقِلُ فِيهِ إلَى السُّلْطَانِ كَذَا هُنَا اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ صَغِيرًا) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَاضِلِ وَالْغَائِبِ أَنَّ الْعَاضِلَ ظَالِمٌ فَتَنْتَقِلُ إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ رَفْعَهُ إلَيْهِ وَالْغَائِبَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ سَفَرُهُ لِلْحَجِّ وَالْجِهَادِ فَافْتَرَقَا فَأَشْبَهَ النَّفَقَةَ وَالْحَضَانَةَ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى الْأَبْعَدِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ زُفَرَ عَلَى قِيَامِ وِلَايَتِهِ حَالَ غَيْبَتِهِ بِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ صَحَّ اتِّفَاقًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسْلَبْ الْوِلَايَةَ شَرْعًا بِغَيْبَتِهِ أَجَابَ بِمَنْعِ صِحَّةِ تَزْوِيجِهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِانْقِطَاعِ وِلَايَتِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا يَجُوزُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَأَيُّهُمَا عَقَدَ أَوَّلًا نَفَذَ وَلَا يُرَدُّ)، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ أَبَوَانِ بِأَنْ ادَّعَيَا وَلَدَ جَارِيَةٍ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالتَّزْوِيجِ وَلَا خِيَارَ لِلصَّغِيرِ إذَا بَلَغَ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اهـ. أَنْفَعُ الْوَسَائِلِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَحْسَنُ) قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَوْ اُنْتُظِرَ حُضُورُهُ وَاسْتِطْلَاعُ رَأْيِهِ يَفُوتُ الْكُفْءُ، وَعَنْ هَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَوْ كَانَ مُخْتَفِيًا بِحَيْثُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ تَكُونُ غَيْبَتُهُ مُنْقَطِعَةً، وَهَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ النَّظَرُ وَفِي النِّهَايَةِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ اهـ. فَتْحٌ، وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ هُوَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ كَذَا فِي الْغَايَةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً) وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَصِلَ الْخَبَرُ إلَى الْخَاطِبِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إلَخْ) بِأَنْ كَانَ جَوَّالًا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ أَوْ مَفْقُودًا حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ مُخْتَفِيًا كَانَتْ غَيْبَتُهُ مُنْقَطِعَةً هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: جَابَلْسَا) فِي الْقَامُوسِ جَابَلْصَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ بِالْعُصُوبَةِ) أَيْ شَرْعًا لِانْفِرَادِهِ بِالْأَخْذِ بِالْعُصُوبَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِ مَعَهُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الطَّارِئِ) أَيْ بِأَنْ طَرَأَ الْجُنُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلِيُّ) أَيْ بِأَنْ بَلَغَتْ مَجْنُونَةً اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالْعَارِضِ وَالْعَارِضُ هُوَ الطَّارِئُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا وَلِيَّانِ فَأَيُّهُمَا زَوَّجَ صَحَّ) وَلَا يَبْعُدُ إذْ فِي الِابْنِ قُوَّةُ الْعُصُوبَةِ وَفِي الْأَبِ زِيَادَةُ الشَّفَقَةِ فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا جِهَةٌ اهـ. فَتْحٌ

(فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ) الْكُفْءُ النَّظِيرُ لُغَةً يُقَالُ كَافَأَهُ أَيْ سَاوَاهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» اعْلَمْ أَنَّ الْكَفَاءَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ»؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ لِلْعُمُرِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى أَغْرَاضٍ وَمَقَاصِدَ كَالِازْدِوَاجِ وَالصُّحْبَةِ وَالْأُلْفَةِ وَتَأْسِيسِ الْقَرَابَاتِ وَلَا يَنْتَظِمُ ذَلِكَ عَادَةً إلَّا بَيْنَ الْأَكْفَاءِ؛ وَلِأَنَّهُمْ يَتَعَيَّرُونَ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَيَتَضَرَّرُ الْأَوْلِيَاءُ بِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ إلَّا فِي الدِّينِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إنَّمَا الْفَضْلُ بِالتَّقْوَى»، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ وَكَلَامُنَا فِي الدُّنْيَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ كُفْءٍ فَرَّقَ الْوَلِيُّ) لِمَا ذَكَرْنَا وَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَتَبْقَى أَحْكَامُهُ مِنْ إرْثٍ وَطَلَاقٍ إلَى أَنْ يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، وَالْفُرْقَةُ بِهِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا، ثُمَّ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرِضَا الْبَعْضِ كَالْكُلِّ) أَيْ رِضَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ كَرِضَا كُلِّهِمْ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا رَضِيَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْقُطُ حَقُّ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْكُلِّ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِرِضَا الْكُلِّ كَالدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَلَهُمَا أَنَّهُ حَقٌّ وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ كَوِلَايَةِ الْأَمَانِ إذَا أَسْقَطَهُ بَعْضُهُمْ لَا يَبْقَى حَقُّ الْبَاقِينَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبْضُ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ رِضًا)؛ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَكَذَا التَّجْهِيزُ وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا فَفَارَقَتْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ كَانَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْأَوَّلِ لَا يَكُونُ رِضًا بِالثَّانِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا السُّكُوتُ) أَيْ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ مِنْ الْوَلِيِّ رِضًا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْمُطَالَبَةِ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُجْعَلُ رِضًا إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِهَا إلَّا إذَا سَكَتَ إلَى أَنْ تَلِدَ، فَيَكُونُ رِضًا دَلَالَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكَفَاءَةُ تُعْتَبَرُ نَسَبًا فَقُرَيْشٌ أَكْفَاءٌ وَالْعَرَبُ أَكْفَاءٌ وَحُرِّيَّةً وَإِسْلَامًا، وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ وَدِيَانَةً وَمَالًا وَحِرْفَةً)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَقَعُ بِهَا التَّفَاخُرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، وَزَوَالُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَلَا يُوجِبُ الْخِيَارَ كَالْمَبِيعِ إذَا تَعَيَّبَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْعَقْلِ وَالْحَسَبِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَوْلُهُ: فَقُرَيْشٌ أَكْفَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ). . الْأَكْفَاءُ جَمْعُ كُفْءٍ كَأَقْفَالٍ جَمْعُ قُفْلٍ اهـ. فَتْحٌ وَلَمَّا كَانَتْ الْكَفَاءَةُ شَرْطَ اللُّزُومِ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا عَقَدَتْ بِنَفْسِهَا حَتَّى كَانَ لَهُ الْفَسْخُ عِنْدَ عَدَمِهَا كَانَتْ فَرْعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ وَهُوَ بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فَقَدَّمَ بَيَانَ الْأَوْلِيَاءِ وَمَنْ ثَبَتَتْ لَهُ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ فَصْلُ الْكَفَاءَةِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: اعْلَمْ أَنَّ الْكَفَاءَةَ مُعْتَبَرَةٌ) أَيْ فِي اللُّزُومِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى إنَّ عِنْدَهُمَا جَازَ لِلْوَلِيِّ الْفَسْخُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِمَا رَوَى جَابِرٌ إلَخْ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْد الْبَرّ هَذَا ضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْتَظِمُ ذَلِكَ عَادَةً) أَيْ لِأَنَّ الشَّرِيفَةَ تَأْبَى أَنْ تَكُونَ مُسْتَفْرَشَةً لِلْخَسِيسِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا بِخِلَافِ جَانِبِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْتَفْرِشٌ فَلَا يَغِيظُهُ دَنَاءَةُ الْفِرَاشِ اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ إلَّا فِي الدِّينِ)، وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ هُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْكَرْخِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ الْكَرْخِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ) أَيْ وَإِلَّا فَفِي الدُّنْيَا ثَابِتٌ فَضْلُ الْعَرَبِيِّ عَلَى الْعَجَمِيِّ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ كُفْءٍ فَرَّقَ الْوَلِيُّ) قَالَ الْكَمَالُ فَلِلْأَوْلِيَاءِ الْعَصَبَاتِ لَا لِغَيْرِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَحَارِمَ كَابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ مَا لَمْ يَجِئْ مِنْ الْوَلِيِّ دَلَالَةُ الرِّضَا كَقَبْضَةِ الْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ أَوْ الْمُخَاصَمَةِ فِي أَحَدِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ وَكَالتَّجْهِيزِ وَنَحْوِهِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا عَلَى السَّكْتِ فَظَهَرَ عَدَمُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ الْعَاقِدُ الْكَفَاءَةَ أَوْ أَخْبَرَهُ الزَّوْجُ بِهَا حَيْثُ كَانَ لَهُ التَّفْرِيقُ أَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَمْ يُخْبِرْهُ فَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِيمَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِمَّنْ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ لَهُمْ الْفَسْخُ وَلَوْ أَخْبَرَ بِحُرِّيَّتِهِ أَوْ شَرَطُوا ذَلِكَ فَظَهَرَ بِخِلَافِهِ كَانَ لِلْعَاقِدِ الْفَسْخُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَصْلًا إذَا كَانَتْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْ أَنْ يَطَأَهَا مُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ نَعَمْ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ هَذَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْحُجَّةِ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا تَزَوَّجْتُك عَلَى رَجَاءِ أَنْ يُجِيزَ الْوَلِيُّ وَعَسَى لَا يَرْضَى فَيُفَرَّقُ فَيَصِيرُ هَذَا وَطْئًا بِشُبْهَةٍ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا) قَالَ الرَّازِيّ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ التَّفْرِيقُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ اهـ. وَصِفَةُ التَّفْرِيقِ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي: فَسَخْت هَذَا الْعَقْدَ بَيْنَ هَذِهِ الْمُدَّعِيَةِ وَبَيْنَ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْفُرْقَةُ بِهِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا) أَيْ بَلْ فَسْخًا اهـ. قَالَ الرَّازِيّ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفٌ فِي النِّكَاحِ، وَهَذَا فَسْخٌ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ) أَيْ وَكَذَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَعَلَيْهَا الْعُقْرُ اهـ. وَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَرِضَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ) أَيْ الْمُسْتَوِينَ فِي دَرَجَةٍ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) أَيْ وَزُفَرُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَانَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إلَخْ) وَفِي الْحَلْوَانِيِّ لَوْ رَضِيَ الْوَلِيُّ، ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، ثُمَّ رَاجَعَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ اعْتِرَاضٌ بِخِلَافِ الْبَائِنِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ رِضًا بِالثَّانِي) أَيْ كَالشَّفِيعِ إذَا سَلَّمَ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ بِيعَ ثَانِيًا يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ فِي الثَّانِي اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ رِضًا دَلَالَةً)، وَعَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ لَهُ التَّفْرِيقَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَيْضًا اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ) فَلَوْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ كُفْءٌ فِي الدِّيَانَةِ، ثُمَّ صَارَ دَاعِرًا لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْعَقْلِ وَالْحَسَبِ) وَالْحَسَبُ مَا يَعُدُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِهِ وَيُقَالُ

أَيْ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَأَهْلِ بَيْتِ الْخِلَافَةِ كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلْخِلَافَةِ وَتَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ عَلِيًّا زَوَّجَ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومِ بِنْتَ فَاطِمَةَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَعُمَرُ عَدَوِيٌّ وَهِيَ هَاشِمِيَّةٌ وَيَجْمَعُهُمَا قُرَيْشٌ، وَكَذَا الْعَرَبُ غَيْرُ قُرَيْشٍ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَلَا يَكُونُ سَائِرُ الْعَرَبِ أَكْفَاءً لِقُرَيْشٍ لِمَا تَبَيَّنَ، وَالْمَوَالِي لَيْسُوا بِكُفْءٍ لِلْعَرَبِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ بَطْنٌ بِبَطْنٍ وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ رَجُلٌ بِرَجُلٍ» وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمَوَالِي رَجُلٌ بِرَجُلٍ؛ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلَا يَفْتَخِرُونَ بِهَا وَإِنَّمَا يَفْتَخِرُونَ بِالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَسُمِّيَ الْعَجَمُ مَوَالِيَ؛ لِأَنَّ بِلَادَهُمْ فُتِحَتْ عَنْوَةً بِأَيْدِي الْعَرَبِ وَكَانَ لِلْعَرَبِ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَإِذَا تَرَكُوهُمْ أَحْرَارًا فَكَأَنَّهُمْ أَعْتَقُوهُمْ وَالْمَوَالِي هُمْ الْمُعْتَقُونَ وَفِي الْمَبْسُوطِ أَفْضَلُ النَّاسِ نَسَبًا بَنُو هَاشِمٍ، ثُمَّ قُرَيْشٌ، ثُمَّ الْعَرَبُ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ النَّاسِ الْعَرَبَ، وَمِنْ الْعَرَبِ قُرَيْشًا وَاخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ وَاخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَلَا فَخْرَ» وَبَنُو بَاهِلَةَ لَيْسُوا بِكُفْءٍ لِجَمِيعِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْخَسَاسَةِ وَالدَّنَاءَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ إذَا وَلَدَتْ حَلِيلَةُ بَاهِلِيٍّ ... غُلَامًا زَادَ فِي عَدَدِ اللِّئَامِ وَقَالَ آخَرُ: وَلَوْ قِيلَ لِلْكَلْبِ يَا بَاهِلِيُّ ... عَوَى الْكَلْبُ مِنْ لُؤْمِ هَذَا النَّسَبِ وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَتَتَكَافَأُ دِمَاؤُنَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَوْ قَتَلْت بَاهِلِيًّا لَقَتَلْتُك بِهِ»، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى دَنَاءَتِهِمْ عِنْدَهُمْ وَإِنَّمَا عُرِفُوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَيَأْكُلُونَ نِقْيَ عِظَامِ الْمَيْتَةِ، وَقَوْلُهُ: وَحُرِّيَّةً وَإِسْلَامًا يَعْنِي تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْعَجَمِ؛ لِأَنَّهُمْ يَفْتَخِرُونَ بِهِمَا دُونَ النَّسَبِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكُفْرَ عَيْبٌ، وَكَذَا الرِّقُّ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُهُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ زَوَالُ الْعَيْبِ فَيُفْتَخَرُ بِهِمَا، وَقَوْلُهُ وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ يَعْنِي مَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ النَّسَبِ فِي التَّعْرِيفِ إلَى الْأَبِ وَتَمَامُهُ الْجَدُّ فَلَا يُشْتَرَطُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِيهِمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِيهِمَا، وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ أُعْتِقَ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَبَ الْوَاحِدَ كَالْأَبَوَيْنِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِلَافُ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ كَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُعَدُّ كُفْرُ الْجَدِّ عَيْبًا بَعْدَ أَنْ كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا وَهُمَا قَالَاهُ فِي مَوْضِعٍ يُعَدُّ عَيْبًا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا جَمِيعًا لَا يَكُونُ ذَلِكَ عَيْبًا فِي حَقِّ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُعَيَّرُونَ بِذَلِكَ وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُهُمْ فِي التَّعْرِيفِ حَيْثُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَكْفِي النِّسْبَةُ إلَى الْأَبِ، وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ النِّسْبَةِ إلَى الْجَدِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ ذَلِكَ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَا يَقَعُ اللَّبْسُ فِيهَا لِعَدَمِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ وَهُمَا قَالَا ذَلِكَ فِي مِصْرَ، وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْكُفْرَ يُعَدُّ عَيْبًا فِي مَوْضِعٍ امْتَدَّ الْإِسْلَامُ فِيهِ وَطَالَ وَلَا يُعَدُّ عَيْبًا فِي مَوْضِعٍ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ، وَقَوْلُهُ: وَدِيَانَةً وَهُوَ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ مَنْ أَعْلَى الْمَفَاخِرِ وَالْمَرْأَةُ تُعَيَّرُ بِفِسْقِ الزَّوْجِ فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضَعَةِ نَسَبِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا تَنْبَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQحَسَبُهُ دِينُهُ وَيُقَالُ مَالُهُ وَالرَّجُلُ حَسِيبٌ، وَقَدْ حَسُبَ حَسَابَةً بِالضَّمِّ مِثْلُ خَطُبَ خَطَابَةً قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ الْحَسَبُ وَالْكَرَمُ يَكُونَانِ فِي الرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آبَاءٌ لَهُمْ شَرَفٌ قَالَ وَالشَّرَفُ وَالْمَجْدُ لَا يَكُونَانِ إلَّا بِالْآبَاءِ اهـ. جَوْهَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ شَيْئًا اهـ. (قَوْلُهُ: «وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ رَجُلٌ بِرَجُلٍ») قَالَ السُّرُوجِيُّ لَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمَوَالِي رَجُلٌ بِرَجُلٍ) أَيْ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَهُمْ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَسُمِّيَ الْعَجَمُ مَوَالِيَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُمْ رِقٌّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَنُو بَاهِلَةَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَبَاهِلَةُ فِي الْأَصْلِ اسْمُ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ أَعْصَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ غِيلَانَ فَنُسِبَ وَلَدُهُ إلَيْهَا اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَيَأْكُلُونَ نِقْيَ عِظَامِ الْمَيْتَةِ) النِّقْيُ بِكَسْرِ النُّونِ اهـ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالنِّقْيُ مُخُّ الْعَظْمِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَعْلَمَ بِقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَقَدْ أَطْلَقَ، وَلَيْسَ كُلُّ بَاهِلِيٍّ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِمْ الْأَجْوَادُ وَكَوْنُ فَصِيلَةٍ مِنْهُمْ أَوْ بَطْنٍ صَعَالِيكَ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَسْرِي فِي حَقِّ الْكُلِّ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ» اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَبَوَانِ فِيهِمَا إلَخْ) وَفِي التَّجْنِيسِ لَوْ كَانَ أَبُوهَا مُعْتَقًا وَأُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ لَا يُكَافِئُهَا الْمُعْتَقُ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَثَرَ الرِّقِّ وَهُوَ الْوَلَاءُ وَالْمَرْأَةُ لَمَّا كَانَتْ أُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ كَانَتْ أَيْضًا هِيَ حُرَّةَ الْأَصْلِ وَفِي الْمُجْتَبَى مُعْتَقَةُ الشَّرِيفِ لَا يُكَافِئُهَا مُعْتَقُ الْوَضِيعِ اهـ. فَتْحٌ وَفِي الْغَايَةِ وَمَوَالِي الْعَرَبِ أَكْفَاءٌ لِمَوَالِي قُرَيْشٍ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ» ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَكَذَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ وَمَوْلَى الْعَرَبِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَوْلَاةِ الْهَاشِمِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ أُعْتِقَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ كَوْنُ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ كُفْئًا لِمَنْ عَتَقَ بِنَفْسِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ لَا يُعَيَّرُونَ بِذَلِكَ)، وَهَذَا حَسَنٌ بِهِ يَنْتَفِي الْخِلَافُ أَيْضًا اهـ. فَتْحٌ وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ وَلِيُّهَا لَيْسَ هَذَا كُفْئًا لَا يُفَرَّقُ بَلْ هُمْ أَكْفَاءٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَبِنْتِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ خَدَعَهَا حَائِكٌ أَوْ سَائِسٌ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لَا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، بَلْ لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِتَسْكِينِهَا بَيْنَهُمْ كَمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضِعَةِ نَسَبِهِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْوَضِيعُ الدَّنِيءُ مِنْ النَّاسِ وَيُقَالُ فِي حَسَبِهِ ضِعَةٌ، وَضِعَةٌ الْهَاءُ عِوَضٌ مِنْ الْوَاوِ اهـ.

عَلَيْهَا أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا إذَا كَانَ يُصْفَعُ وَيُسْخَرُ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ سَكْرَانَ وَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخَفٌّ بِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ فَغَيْرُ كُفْءٍ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا فَهُوَ كُفْءٌ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَوْلُهُ: وَمَالًا أَيْ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْمَالِ أَيْضًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَسَبُ الْمَالُ»؛ وَلِأَنَّهُ يَقَعُ بِهِ التَّفَاخُرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ الْمَهْرُ الْمُعَجَّلُ وَهُوَ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْبَاقِي وَلَوْ كَانَ حَالًّا وَبِالنَّفَقَةِ أَنْ يَكْتَسِبَ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ النَّفَقَةِ وَقَدْرَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهَا فِي الْغِنَى هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ مَنْ مَلَكَهُمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا لِلْفَائِقَةِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقِيلَ إنْ كَانَ ذَا جَاهٍ كَالسُّلْطَانِ وَالْعَالِمِ يَكُونُ كُفْئًا، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ الْخَلَلَ يَنْجَبِرُ بِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا الْفَقِيهُ الْعَجَمِيُّ يَكُونُ كُفْئًا لِلْعَرَبِيِّ الْجَاهِلِ، وَقِيلَ إنَّ النَّفَقَةَ تُعْتَبَرُ نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ نَفَقَةُ شَهْرٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ يَجِدُ نَفَقَتَهَا وَلَا يَجِدُ نَفَقَةَ نَفْسِهِ يَكُونُ كُفْئًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَفَقَتَهَا لَا يَكُونُ كُفْئًا، وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ فَهُوَ كُفْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ تَجْرِي الْمُسَاهَلَةُ فِيهِ وَيُعَدُّ قَادِرًا بِيَسَارِ أَبِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ لِإِثْبَاتٍ لَهُ وَهُوَ غَادٍ وَرَائِحٍ، قَوْلُهُ: وَحِرْفَةً أَيْ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْحِرَفِ وَهِيَ الصَّنَائِعُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَفْتَخِرُونَ بِشَرَفِ الْحِرَفِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِدَنَاءَتِهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَيُمْكِنُهُ التَّحَوُّلُ إلَى أَنْفَسَ مِنْهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ إلَّا أَنْ يَفْحُشَ كَالْحَائِكِ وَالْحَجَّامِ وَالدَّبَّاغِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ فِي الْحِرَفِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَادَةٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَقَّصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ أَوْ يُتِمَّ مَهْرَهَا) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَنَقَّصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا حَتَّى يُتِمَّ لَهَا مَهْرَهَا أَوْ يُفَارِقَهَا، فَإِذَا فَارَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَإِنْ فَارَقَهَا بَعْدَهُ فَلَهَا الْمُسَمَّى، وَكَذَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّهَا لَا حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ، وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَتَفَاخَرُونَ بِغَلَاءِ الْمَهْرِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِنُقْصَانِهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ يُعْتَبَرُ مَهْرُ قَبِيلَتِهَا بِمَهْرِهَا فَيَرْجِعُ الضَّرَرُ عَلَى الْقَبِيلَةِ كُلِّهَا فَكَانَ لَهُمْ دَفْعُهُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْكَرَمِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَهَذَا الْوَضْعُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَاهِدَةٌ عَلَيْهِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فَقَالَ: الْمَسْأَلَةُ تُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا أُكْرِهَ الْوَلِيُّ عَلَى النِّكَاحِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ وَهِيَ رَاضِيَةٌ وَلَمْ يَرْضَ الْوَلِيُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا الْوَلِيُّ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يُقَدَّرْ لَهَا الْمَهْرُ فَتَزَوَّجَتْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَعَلَى هَذَا لَا تَشْهَدُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَرُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْإِتْمَامِ؛ لِأَنَّهَا تُسْقِطُهُ لِأَنَّا نَقُولُ فَائِدَتُهُ إقَامَةُ حَقِّ الْوَلِيِّ كَمَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ يُتِمُّ لَهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إقَامَةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ زَوَّجَ طِفْلَهُ غَيْرَ كُفْءٍ أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ صَحَّ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ). ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْكَفَاءَةُ فِي الْمَالِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ)، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِالنَّفَقَةِ إلَخْ) وَفِي الْمُجْتَبَى الصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى طَرِيقِ الْكَسْبِ كَانَ كُفْئًا وَمَعْنَاهُ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى إيفَاءِ مَا يُعَجِّلُ لَهَا بِالْيَدِ وَيَكْتَسِبُ مَا يُنْفِقُ لَهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ كَانَ كُفْئًا لَهَا وَفِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ لِلسَّيِّدِ ابْنِ شُجَاعٍ جَعَلَ الْأَصَحَّ مِلْكَ نَفَقَةِ شَهْرٍ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي النَّفَقَةِ تُعْتَبَرُ نَفَقَةُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) وَفِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ سَنَةٌ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَقِبَ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا) أَيْ فَيَكْتَفِي بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَهْرِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ غَادٍ وَرَائِحٌ) الْغَادِي الذَّاهِبُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى الزَّوَالِ وَالرَّائِحُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ النَّهَارِ وَالْمُرَادُ بِهِمَا هُنَا مُطْلَقُ الذَّهَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ نَقَّصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا) أَيْ نَقْصًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا يَكُونُ عَفْوًا اهـ. مُسْتَصْفَى، وَقَوْلُهُ: مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ عَنْ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُتِمَّ لَهَا مَهْرَهَا أَوْ يُفَارِقَهَا) أَيْ فَالثَّابِتُ الْتِزَامُ حَدِّ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ فَرْعُ قِيَامِ مُكْنَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَعَنْ هَذَا مَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ لَوْ لَمْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوهُ بِتَكْمِيلِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ أَوْ يُكْمِلَ فَإِذَا امْتَنَعَ هُنَا عَنْ تَكْمِيلِ الْمَهْرِ لَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ) أَيْ بِغَيْرِ الْوَلِيِّ اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ) أَيْ تَزْوِيجُ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ بِغَيْرِ كُفْءٍ وَبِغَبْنٍ فَاحِشٍ اهـ. عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ اهـ.، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَنْ زَوَّجَ بِنْتَه وَهِيَ صَغِيرَةٌ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَمَةً فَهُوَ جَائِزٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ، ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَكَذَلِكَ إنْ زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ مَهْرَهَا أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَتِهَا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّظَرَ وَعَدَمَهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ لَيْسَا مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ بَاطِنٍ فَالضَّرَرُ كُلُّ الضَّرَرِ لِسُوءِ الْعِشْرَةِ وَإِدْخَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَكْرُوهَ عَلَى الْآخَرِ وَالنَّظَرُ كُلُّ النَّظَرِ فِي ضِدِّهِ فِي هَذَا الْعَقْدِ وَأَمْرُ الْمَالِ سَهْلٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِيهِ بَلْ الْمَقْصُودُ فِيهِ مَا قُلْنَا فَإِذَا كَانَ بَاطِنًا يُعْتَبَرُ دَلِيلُهُ فَيُعَلَّقُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَدَلِيلُ النَّظَرِ قَائِمٌ هُنَا وَهُوَ قُرْبَةُ الْقَرَابَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى وُفُورِ الشَّفَقَةِ

أَيْ لَوْ زَوَّجَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ غَيْرَ كُفْءٍ بِأَنَّ زَوَّجَ ابْنَهُ أَمَةً أَوْ زَوَّجَ بِنْتَهُ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِأَنْ زَوَّجَ الْبِنْتَ وَنَقَّصَ مِنْ مَهْرِهَا أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ وَزَادَ عَلَى مَهْرِ امْرَأَتِهِ جَازَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهُمَا غَيْرَ كُفْءٍ وَلَا يَجُوزُ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ فَسَادَ التَّسْمِيَةِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَوْ سَمَّى مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا إذَا زَوَّجَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ عِنْدَهُمَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِالنَّظَرِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَطَّ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ النَّظَرِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ النَّظَرِ وَهُوَ قُرْبُ الْقَرَابَةِ وَفِي النِّكَاحِ مَقَاصِدُ تَرْبُو عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الْمَالِيَّةُ فَإِذَا فَاتَتْ فَاتَ النَّظَرُ وَبِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ النَّظَرِ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ وَهُوَ قُرْبُ الْقَرَابَةِ وَوُفُورُ الشَّفَقَةِ وَاسْتَدَلَّ فِي الْغَايَةِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «زَوَّجَ فَاطِمَةَ عَلَى أَرْبَعمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهِيَ أَفْضَلُ النِّسَاءِ» وَزَوَّجَ أَبُو بَكْرٍ عَائِشَةَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَهْرَ مِثْلِهِمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَكَانَ يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ وَتَزَوَّجَ عُمَرُ أُمَّ كُلْثُومِ بِنْتَ عَلِيٍّ مِنْ فَاطِمَةَ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ كَبِيرَةً وَلِهَذَا اسْتَأْذَنَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَكَلَامُنَا فِي الصَّغِيرَةِ وَاسْتِدْلَالِهِ بِأُمِّهَا وَعُمَرَ وَابْنِهِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا زَادَا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إذْ لَا يَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ بِرِضَا الزَّوْجِ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَهْرَ مِثْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْفَضِيلَةِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ كَانَ قَلِيلًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ اتَّسَعَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ فَتُوحَ الْبِلَادِ وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِمُهُورِ بَنَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَزْوَاجِهِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَسَاقَ إلَيْهَا مِائَةَ جَارِيَةٍ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَتَزَوَّجَ ابْنُ عَبَّاسٍ شُمَيْلَهْ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَتَزَوَّجَ أَنَسٌ امْرَأَةً عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَادَتَهُمْ لَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ كَمَالِ الرَّأْيِ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْعَصَبَاتِ وَالْأُمِّ لِقُصُورِ الشَّفَقَةِ فِي الْعَصَبَاتِ وَنُقْصَانِ الرَّأْيِ فِي الْأُمِّ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالدَّلِيلُ عَدِمْنَاهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُمْ كَذَلِكَ وَعَلَى هَذَا يُبْنَى الْفَرْعُ الْمَعْرُوفُ لَوْ زَوَّجَ الْعَمُّ الصَّغِيرَةَ حُرَّةَ الْجَدِّ مِنْ مُعْتَقِ الْجَدِّ فَكَبِرَتْ فَأَجَازَتْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَقْدًا مَوْقُوفًا إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ فَإِنَّ الْعَمَّ وَنَحْوَهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ التَّزْوِيجُ بِغَيْرِ الْكُفْءِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَبُ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ أَوْ الْمَجَانَةِ وَالْفِسْقِ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ مَا نَصُّهُ: غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ رَجُلٍ كَانَ جَدُّهُ مُعْتَقَ قَوْمٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا صَارَ مُسْلِمًا وَلِلصَّغِيرَةِ آبَاءً أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ، ثُمَّ أَدْرَكَتْ الصَّغِيرَةُ فَأَجَازَتْ النِّكَاحَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا نِكَاحٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ فَلَا يَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، وَكَذَا لَوْ انْعَدَمَتْ الْكَفَاءَةُ بِسَبَبٍ آخَرَ لَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ اهـ. وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَوْ زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ لَا يَجُوزُ حَتَّى لَوْ بَلَغَتْ وَأَجَازَتْ لَمْ يَنْفُذْ اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ رَجُلٌ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِعَشَرَةٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا عَشَرَةُ آلَافٍ أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ ذَكَرَهَا هُنَا أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ؛ لِأَنَّ فَسَادَ التَّسْمِيَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ عِنْدَهُمَا لَهُمَا أَنَّ وِلَايَةَ الْآبَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَلَا نَظَرُ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَعِنْدَ تَرْكِ النَّظَرِ كَانَ الْأَبُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجَانِبِ فَكَمَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْأَجَانِبِ لَا يَصِحُّ مِنْ الْآبَاءِ وَلِهَذَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَلَهُ أَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ لِكَمَالِ رَأْيِهِ وَوُفُورِ شَفَقَتِهِ لَا يَتَحَمَّلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ الْفَاحِشَ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ مَطْلُوبَةٍ لَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُهَا إلَّا بِهِ فَيُعَدُّ ذَلِكَ نَظَرًا وَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا حَتَّى لَوْ عُرِفَ الْأَبُ بِالْمَجَانَةِ وَسُوءِ الِاخْتِيَارِ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ قَاصِرَةٌ فَيَبْطُلُ عَقْدُهُ لِأَجْلِ الضَّرَرِ الظَّاهِرِ وَبِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّةَ هُوَ الْمَالُ فَإِذَا فَاتَ الْمَقْصُودُ يُعَدُّ ضَرَرًا وَلَا يُعَدُّ نَظَرًا فَيَبْطُلُ عَقْدُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَمَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَوَجْهُ الْمَذْهَبَيْنِ مَا قُلْنَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَزَادَ عَلَى مَهْرِ امْرَأَتِهِ جَازَ) أَيْ وَيَثْبُتُ الْمَالُ كُلُّهُ فِي ذِمَّةِ الصَّغِيرِ فِي الثَّانِيَةِ لَا فِي ذِمَّةِ الْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا فَيَقْبِضُهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَيَبْطُلُ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ) أَيْ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. غَايَةٌ، وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ وَالتَّسْمِيَةَ لَا تَجُوزُ، وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ اهـ. طَرْسُوسِيٌّ وَغَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَاسْتَدَلَّ فِي الْغَايَةِ إلَخْ) وَعَزَاهُ فِيهَا لِشَرْحِ الْإِرْشَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ: زَوَّجَ فَاطِمَةَ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ) أَيْ وَهِيَ ثَمَنُ دِرْعِهِ اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَفْضَلُ النِّسَاءِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَفْضَلُ النَّاسِ

[فصل في الوكالة بالنكاح وغيرها]

(فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَ مُوَكِّلَتَهُ مِنْ نَفْسِهِ)، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَنَا أَنَّ الْمُبَاشِرَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَالتَّمَانُعُ فِي الْحُقُوقِ وَهِيَ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهِ وَلِهَذَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ لِأُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ قَارِظٍ أَتَجْعَلِينَ أَمْرَك إلَيَّ؟ قَالَتْ نَعَمْ، قَالَ تَزَوَّجْتُك. فَعَقَدَهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِرَجُلٍ: أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَك فُلَانَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ أَتَرْضِينَ أَنْ أُزَوِّجَك فُلَانًا؟ قَالَتْ نَعَمْ. فَزَوَّجَ أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْوَكِيلُ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَلِهَذَا لَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ تَعْلِيلٌ صَحِيحٌ لَوْ سَلِمَ مِنْ النَّقْضِ وَلَمْ يَسْلَمْ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَوْ زَوَّجَ مُوَكِّلَهُ عَلَى عَبْدِ نَفْسِهِ يُطَالَبُ بِتَسْلِيمِهِ، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ بِالْتِزَامِهِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَهْرًا وَأَضَافَ الْعَقْدَ إلَيْهِ كَمَا قَالُوا فِي الصُّلْحِ بِغَيْرِ الْأَمْرِ وَالْخُلْعِ بِغَيْرِ الْأَمْرِ إذَا صَالَحَ أَوْ خَالَعَ عَلَى عَبْدِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ مُضَافًا إلَيْهِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِ الْتَزَمَهُ كَمَا لَوْ ضَمِنَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ مَوْقُوفٌ كَنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ، غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا جَعَلَ التَّفْرِقَةَ طَلَاقًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نُفُوذِهِ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ بَاطِلٌ وَلَا يَتَوَقَّفُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ فَيَلْغُو لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَعَلَ أَمْرَ الْمَرْأَةِ الَّتِي زَوَّجَهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا إلَيْهَا، فَقَالَتْ قَدْ أَجَزْت مَا صَنَعَ أَبِي إنَّمَا أَرَدْت لِأَعْلَمَ هَلْ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ؟ وَأَجَازَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ زَوَّجَتْهَا أُمُّهَا»؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ حَتَّى إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الزَّوْجِ الْكُفْءِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَتَقْدِيرُ الْمَهْرِ إجَازَةٌ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ النَّافِعِ شَرْعًا وَلَا عَقْلًا وَقَدْ يَتَرَاخَى حُكْمُ الْعَقْدِ عَنْهُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا] مِنْ أَحْكَامِ الْوَلِيِّ وَالْفُضُولِيِّ وَيَبْقَى الرَّسُولُ نَذْكُرُهُ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ نَوْعًا مِنْ الْوِلَايَةِ إذْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، غَيْرَ أَنَّهَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْوَلِيِّ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَانَتْ ثَانِيَةً لِلْوِلَايَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَأَوْرَدَهَا ثَانِيَةً فِي التَّعْلِيمِ لِبَابِ الْأَوْلِيَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ غَيْرَهَا مِنْ الْفُضُولِيِّ لِتَأَخُّرِهِ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ النَّفَاذَ بِالْإِجَازَةِ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَى الْوَلِيِّ الْمُجِيزِ فَنَزَلَ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ كَالشَّرْطِ لَهُ حَيْثُ لَمْ يَسْتَعْقِبْ بِنَفْسِهِ حُكْمَهُ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِ غَيْرَ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِالْوَلِيِّ إنْ نُظِرَ فِيهِ إلَى أَنَّهُ أَقْوَى نَاسَبَ الِابْتِدَاءَ بِهِ وَإِنْ نُظِرَ إلَى أَنَّ عَقْدَ الْفَصْلِ لِلْوَكِيلِ أَوْ لَا وَبِالذَّاتِ كَانَ الْمُنَاسِبُ الِابْتِدَاءَ بِمَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ) أَيْ الصَّغِيرَةَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ نَفْسِهِ) بِغَيْرِ إذْنِهَا فَيَقُولُ اشْهَدُوا أَنِّي زَوَّجْت بِنْتَ عَمِّي فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ أَوْ زَوَّجْتهَا مِنْ نَفْسِي. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْمُبَاشِرَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ) أَيْ وَالْوَاحِدُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَبِّرًا عَنْ اثْنَيْنِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَمُعَبِّرٌ) أَمَّا كَوْنُهُ مُعَبِّرًا فَمِنْ حَيْثُ إنَّ عِبَارَةَ الْعَقْدِ صَدَرَتْ مِنْهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ سَفِيرًا فَبِاعْتِبَارِ أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَيْسَتْ بِرَاجِعَةٍ إلَيْهِ بَلْ إلَى الْمُوَكِّلِ اهـ. ق (قَوْلُهُ: وَالتَّمَانُعُ فِي الْحُقُوقِ) أَيْ دُونَ التَّعْبِيرِ حَتَّى لَا يُطَالَبَ بِالْمَهْرِ وَتَسْلِيمِ الزَّوْجَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْبَيْعِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ الْأَبُ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ مَالَ ابْنِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ وَلَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ صَحَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عَلَى التَّشْبِيهِ وَإِلَّا فَبَيْعُ الْأَبِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ بَلْ الْوِلَايَةُ وَالْأَصَالَةُ، ثُمَّ إذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَقَوْلُهُ: زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ نَفْسِي يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ بَعْدَهُ، وَكَذَا وَلِيُّ الصَّغِيرَيْنِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَالْوَكِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَقُولُ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ إذَا ذَكَرَ لَفْظًا هُوَ أَصِيلٌ فِيهِ أَمَّا إذَا ذَكَرَ لَفْظًا هُوَ نَائِبٌ فِيهِ فَلَا يَكْفِي فَإِنْ قَالَ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ كَفَى وَإِنْ قَالَ زَوَّجْتهَا مِنْ نَفْسِي لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِيهِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا صَرِيحَةٌ فِي نَفْيِ هَذَا الِاشْتِرَاطِ وَصَرَّحَ بِنَفْيِهِ فِي التَّجْنِيسِ أَيْضًا فِي عَلَامَةِ غَرِيبِ الرِّوَايَةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ رَجُلٌ زَوَّجَ بِنْتًا مِنْ ابْنِ أَخِيهِ فَقَالَ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ يَكْفِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ تَقُولَ قَبِلْت، وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ إذَا أَتَى بِأَحَدِ شَطْرَيْ الْإِيجَابِ يَكْفِيهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّطْرِ الْآخَرِ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ يَقَعُ دَلِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَنِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ مَوْقُوفٌ) أَيْ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَالَامَةُ نَفَذَ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ) وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ) وَهُوَ غَيْرُ الْمُحَرَّمَاتِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ) أَيْ عَلَى التَّوَقُّفِ إنَّمَا الضَّرَرُ فِي إبْرَامِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا رَأَى) أَيْ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَحْصُلُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ لَا يَتَّفِقُ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ لِلْبَائِعِ بِتَرَاخِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي إلَى اخْتِيَارِ الْبَائِعِ الْبَيْعَ فَعَدَمُ تَرَتُّبِهِ فِي الْحَالِ عَلَى عَقْدِ الْفُضُولِيِّ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ عَقْدٌ يُرْجَى نَفْعُهُ وَاسْتِعْقَابُهُ حُكْمَهُ، وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ مَوْقُوفًا فَوَجَبَ انْعِقَادُهُ كَذَلِكَ حَتَّى إذَا رَأَى إلَخْ فَقَوْلُهُ: لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ حُكْمِهِ فَيَلْغُو مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ بَلْ إذَا أَيِسَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مِمَّا يَمْنَعُ وَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ إنْ أُرِيدَ أَهْلُ الْعَقْدِ فِي الْجُمْلَةِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُ وَإِنْ أُرِيدَ هَذَا الْعَقْدُ الَّذِي هُوَ فِيهِ فُضُولِيٌّ فَمُنَوَّعٌ بَلْ أَهْلُهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ إثْبَاتِ حُكْمِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ) أَيْ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا اهـ.

صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا وَمَا لَا مُجِيزَ لَهُ يَبْطُلُ كَمَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَزَوَّجَهُ الْفُضُولِيُّ أَمَةً أَوْ أُخْتَ امْرَأَتِهِ أَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَزَوَّجَهُ الْفُضُولِيُّ خَامِسَةً فَإِنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بَاطِلًا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ أَحَدٍ حَتَّى لَوْ زَالَ الْمَانِعُ بِأَنْ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ وَأَجَازَ الْعَقْدَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهُ خَمْسًا فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ فِي بَعْضِهِنَّ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ الصَّبِيَّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ عَبْدَهُ كَانَ بَاطِلًا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ أَحَدٍ حَتَّى لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمُكَاتِبِ إذَا تَكَفَّلَ بِمَالٍ، ثُمَّ عَتَقَ حَيْثُ تَصِحُّ هَذِهِ الْكَفَالَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهَا حَتَّى يُؤَاخَذَ بِهَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا بِعِتْقِ عَبْدِهِ، ثُمَّ أَجَازَ هَذِهِ الْوَكَالَةَ بَعْدَ الْعِتْقِ نَفَذَتْ الْوَكَالَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهَا، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ عَتَقَ فَأَجَازَ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ؛ لِأَنَّ كَفَالَتَهُ جَائِزَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ نَافِذَةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا الْتِزَامُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ وَذِمَّتُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ قَابِلَةٌ لِلِالْتِزَامِ وَإِنَّمَا لَا يَظْهَرُ فِي الْحَالِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِالْعِتْقِ ظَهَرَ مُوجَبُهُ، وَأَمَّا التَّوْكِيلُ وَالْوَصِيَّةُ فَالْإِجَازَةُ فِيهِمَا إنْشَاءٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ بِلَفْظِ الْإِجَازَةِ، وَالْإِنْشَاءُ لَا يَسْتَدْعِي عَقْدًا سَابِقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: أَجَزْت أَنْ تُطَلِّقَ امْرَأَتِي أَوْ تُعْتِقَ عَبْدِي أَوْ أَجَزْت أَنْ تَكُونَ وَكِيلِي فِي ذَلِكَ كَانَ تَوْكِيلًا صَحِيحًا وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَجَزْت أَنْ يَكُونَ مَالِي وَصِيَّةً لِفُلَانٍ كَانَتْ وَصِيَّةً صَحِيحَةً بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: أَجَزْت عِتْقَ عَبْدِي أَوْ أَجَزْت أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِي لِفُلَانٍ كَذَا أَوْ أَجَزْت أَنْ تَكُونَ فُلَانَةُ امْرَأَتِي لَا يَصِحُّ فَإِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا إنْشَاءً وَلَا يُمْكِنُ انْعِقَادُهَا لِعَدَمِ الْمُجِيزِ حَالَ صُدُورِهَا لَغَتْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُتَوَقَّفُ شَطْرُ الْعَقْدِ عَلَى قَبُولِ نَاكِحٍ غَائِبٍ) وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ اشْهَدُوا أَنِّي تَزَوَّجْت فُلَانًا وَهُوَ غَائِبٌ، أَوْ يَقُولَ الرَّجُلُ اشْهَدُوا أَنِّي تَزَوَّجْت فُلَانَةَ وَهِيَ غَائِبَةٌ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ حَتَّى لَوْ بَلَغَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخَبَرُ فَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ آخَرُ: اشْهَدُوا أَنِّي زَوَّجْتهَا مِنْهُ حِينَ قَالَ الرَّجُلُ ذَلِكَ أَوْ قَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْته مِنْهَا حِينَ قَالَتْ ذَلِكَ جَازَ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ فُضُولِيٌّ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَهُمَا غَائِبَانِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ بَلَغَهُمَا فَأَجَازَا لَا يَنْفُذُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَوَقَّفُ جَمِيعُ ذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَاحِدَ يَصْلُحُ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ وَلِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ وَلِيًّا مِنْ جَانِبٍ أَوْ وَكِيلًا مِنْ جَانِبٍ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ أَوْ وَلِيًّا مِنْ جَانِبٍ وَكِيلًا مِنْ جَانِبٍ بِاتِّفَاقِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَانَ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَتَوَقَّفْ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ يَتَوَقَّفُ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِعِبَارَةِ الْوَاحِدِ أَصْلًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَّا إنْ كَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ مِثْلُ الْجَدِّ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ ابْنَ ابْنِهِ مِنْ بِنْتِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ فِي دَرَجَتِهِ حَتَّى يُزَوِّجَهُمَا بِخِلَافِ ابْنِ الْعَمِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُزَوِّجَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: انْعَقَدَ مَوْقُوفًا) أَيْ عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِذَا أَجَازَ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ ثَبَتَ حُكْمُهُ مُسْتَنِدًا إلَى الْعَقْدِ فُسِّرَ الْمُجِيزُ فِي النِّهَايَةِ بِقَابِلٍ يَقْبَلُ الْإِيجَابَ، سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا أَوْ وَكِيلًا، وَقَالَ فِي فَصْلِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ مِنْ النِّهَايَةِ الْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْعُقُودَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ إذَا كَانَ لَهَا مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَبْطُلُ وَالشِّرَاءُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ وَإِلَّا تَوَقَّفَ بَيَانُهُ كَالصَّبِيِّ إذَا بَاعَ مَالَهُ وَاشْتَرَى أَوْ تَزَوَّجَ أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَنَحْوَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ فَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَهُ الْوَلِيُّ فَأَجَازَ بِنَفْسِهِ نَفَذَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُتَوَقِّفَةً وَلَا يَنْفُذُ بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ وَلَوْ طَلَّقَ الصَّبِيُّ امْرَأَتَهُ أَوْ خَلَعَهَا أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ دُونَهُ أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ أَوْ بَاعَ مَالَهُ بِمُحَابَاةٍ فَاحِشَةٍ أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ مِمَّا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ فَعَلَهُ وَلِيُّهُ لَا يَنْفُذُ كَانَتْ هَذِهِ الصُّوَرُ بَاطِلَةً غَيْرَ مُتَوَقِّفَةٍ وَلَوْ أَجَازَهَا الْوَلِيُّ لِعَدَمِ الْمُجِيزِ وَقْتَ الْعَقْدِ إلَّا إذَا كَانَ لَفْظُ الْإِجَازَةِ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ، كَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ اهـ. وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ الْمُجِيزُ هُنَا بِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إمْضَاءِ الْعَقْدِ لَا بِالْقَابِلِ مُطْلَقًا وَلَا بِالْوَلِيِّ إذْ لَا تَوَقُّفَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ قَبِلَ فُضُولِيٌّ آخَرُ أَوْ وَلِيٌّ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْوَلِيِّ عَلَى إمْضَائِهَا وَلَوْ أَرَادَ بِالْمُجِيزِ هُنَا الْمُخَاطَبَ مُطْلَقًا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَلَهُ مُجِيزٌ، وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إنْفَاذِهِ لِيَصِحَّ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فُضُولِيٌّ وَلَوْ قَبِلَ عَقْدَهُ آخَرُ لَا يَتَوَقَّفُ لِعَدَمِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إنْفَاذِهِ وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْعَقْدُ شَامِلًا لِلْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مُخَاطَبٍ بَلْ عَلَى مَنْ لَهُ قُدْرَةُ إمْضَائِهِ فَقَطْ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ أَجْنَبِيٌّ لِامْرَأَةِ رَجُلٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ مَثَلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ فَإِنْ أَجَازَ تَعَلَّقَ فَتَطْلُقُ بِالدُّخُولِ وَلَوْ دَخَلَتْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا تَطْلُقُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَإِنْ عَادَتْ وَدَخَلَتْ بَعْدَهَا طَلُقَتْ، كَذَا فِي الْجَامِعِ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا دَخَلَتْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت الطَّلَاقَ عَلَيَّ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَوْ قَالَ أَجَزْت هَذَا الْيَمِينَ عَلَيَّ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى تَدْخُلَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَعُرِفَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا تَزَوَّجَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى رَأْيِ الْوَلِيِّ فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُجِيزُ عَلَى مَنْ لَهُ قُدْرَةُ الْإِمْضَاءِ يَنْدَرِجُ الْمُخَاطَبُ فِي ذِكْرِ الْعَقْدِ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ عَقْدٍ يَعْقِدُهُ الْفُضُولِيُّ فَإِنَّ اسْمَ الْعَقْدِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالشَّطْرَيْنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: وَمَا لَا مُجِيزَ لَهُ أَيْ مَا لَيْسَ لَهُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِجَازَةِ يَبْطُلُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ يُعْقَدَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْت فُلَانًا وَهُوَ غَائِبٌ) أَيْ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ سَابِقٍ لَهَا مِنْهُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَوْ يَقُولَ الرَّجُلُ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ سَابِقٍ مِنْهَا لَهُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يَجُوزُ) أَيْ عِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ اهـ.

ابْنُ عَمِّهَا غَيْرَهُ فِي دَرَجَتِهِ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ كَلَامَ الْوَاحِدِ فِي بَابِ النِّكَاحِ يَقُومُ مَقَامَ كَلَامَيْنِ وَالشَّخْصَ الْوَاحِدَ يَقُومُ مَقَامَ شَخْصَيْنِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَأْمُورًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَجُوزُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا يَتَوَقَّفُ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْإِذْنِ فِي النُّفُوذِ لَا فِي جَعْلِ غَيْرِ الْعَقْدِ عَقْدًا كَمَا إذَا جَرَى ذَلِكَ بَيْنَ فُضُولِيَّيْنِ أَوْ بَيْنَ فُضُولِيٍّ وَغَيْرِهِ فَإِذَا أَجَازَهُ نَفَذَ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ: خَالَعْت امْرَأَتِي عَلَى كَذَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فَبَلَغَهَا فَقَبِلَتْ جَازَ، وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَدَرَ عَنْ إذْنٍ لَا يَصِحُّ فَبِدُونِ الْإِذْنِ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الصَّادِرَ مِنْ الْوَاحِدِ شَطْرُ الْعَقْدِ وَلِهَذَا كَانَ شَطْرًا حَالَةَ الْحَضْرَةِ حَتَّى يَبْطُلَ بِقِيَامِ أَحَدِهِمَا وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ، وَشَطْرُ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وَلِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كُلُّ الْعَقْدِ حُكْمًا لِحَقِّ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَبُولِ فَصَارَ كَشَخْصَيْنِ وَكَلَامُهُ كَكَلَامَيْنِ فَيُقَدَّرُ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِ الْكَلَامَيْنِ لَا عَلَى اعْتِبَارِ كَلَامٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا جُعِلَ الْكَلَامُ الْوَاحِدُ كَالْكَلَامَيْنِ عِنْدَ وُجُودِ الْوِلَايَةِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَكَلَامَيْنِ عِنْدَ عَدَمِهَا فَبَقِيَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُتَكَلِّمِ حَقِيقَةً وَأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ بَعْضُ الْعَقْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ الْكَلَامِ حَتَّى يَتَّصِلَ بِهِ الْقَبُولُ فَيَصِيرَ عَقْدًا مُعْتَبَرًا وَلَا بَقَاءَ لِلْكَلَامِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ عَرَضٌ يَتَلَاشَى وَيَضْمَحِلُّ وَإِنَّمَا يُعَدُّ بَاقِيًا بِبَقَاءِ حُكْمِهِ فَمَتَى أَفَادَ حُكْمًا يَبْقَى بِاعْتِبَارِهِ فَتَعْمَلُ فِيهِ الْإِجَازَةُ وَإِلَّا فَلَا وَالْعَقْدُ التَّامُّ لَهُ حُكْمٌ وَبَعْضُ الْعَقْدِ لَا حُكْمَ لَهُ وَبِخِلَافِ الْمَأْمُورِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ تَنْتَقِلُ إلَيْهِمَا فَصَارَتْ قَائِمَةً مَقَامَ عِبَارَتِهِمَا فَكَانَ تَمَامُ الْعَقْدِ بِاثْنَيْنِ مَعْنًى وَهُنَا لَا تَنْتَقِلُ عِبَارَتُهُ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ بِالْأَمْرِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ فَبَقِيَتْ عِبَارَتُهُ مَقْصُورَةً عَلَيْهِ فَكَانَتْ لِلْعَقْدِ وَبِخِلَافِ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْيَمِينُ حُكْمٌ فَيَبْقَى بِاعْتِبَارِ حُكْمِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ النِّكَاحُ تَعْلِيقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا بُطْلَانُهُ بِقِيَامِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ وَلِهَذَا يَصِحُّ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيهِ مِنْ جَانِبِهَا وَمَا جَرَى بَيْنَ الْفُضُولِيَّيْنِ أَوْ بَيْنَ الْفُضُولِيِّ وَغَيْرِهِ عَقْدٌ تَامٌّ لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِهِ جَوَازُ الشَّرْطِ وَفِي الْحَوَاشِي قَالَ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: لِأَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ يَتَكَلَّمُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ حُكْمًا وَلَوْ تَكَلَّمَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ صَرِيحًا يَتَوَقَّفُ بِأَنْ قَالَ: زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَقَبِلْت عَنْ فُلَانٍ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا أَتَى بِلَفْظَيْنِ يَنْعَقِدُ وَلَوْ زَوَّجَ ابْنَةَ عَمِّهِ الْكَبِيرَةَ مِنْ نَفْسِهِ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَتَوَقَّفُ وَبَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ يَصِحُّ وَيَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى فُضُولِيٌّ مِنْ جَانِبِهَا وَفِي الثَّانِيَةِ وَكِيلٌ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً نَفَذَ؛ لِأَنَّهُ وَلِيٌّ مِنْ جِهَتِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَأْمُورُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ فَخَالَفَ بِامْرَأَتَيْنِ) يَعْنِي إذَا أَمَرَ رَجُلٌ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ امْرَأَتَيْنِ يَكُونُ مُخَالِفًا وَلَا يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِيهِمَا لِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَهُ وَلَا وَجْهَ إلَى تَنْفِيذِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ لِلْجَهَالَةِ وَلِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إذْ لَا يُفِيدُ حِلَّ الْوَطْءِ إذْ الْوَطْءُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي مُعَيَّنَةٍ وَالْمُنْكَرَةُ ضِدُّهَا وَلَا إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَتَعَيُّنُ التَّفْرِيقِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ نِكَاحَهُمَا أَوْ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا أَيَّتَهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِلْمُخَالَفَةِ، وَلَوْ قَالَ فَانْتَفَى اللُّزُومُ اسْتَقَامَ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ يَصِحُّ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ قَدْ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مَنْكُوحَةً وَالْأُخْرَى غَيْرَ مَنْكُوحَةٍ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا ثَلَاثًا، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِهِ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالْبَيَانِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ إنْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ إحْدَاهُمَا كَانَ الْمِيرَاثُ وَمَهْرُ إحْدَاهُمَا بَيْنَهُمَا لَهُمَا وَيَلْزَمُهُمَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِأَمَةٍ) أَيْ لَا يَكُونُ الْمَأْمُورُ بِالنِّكَاحِ مُخَالِفًا بِتَزْوِيجِهِ الْأَمَةَ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْمَأْمُورُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ مُخَالِفٌ بِامْرَأَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَمَةُ الْغَيْرِ أَمَّا إذَا زَوَّجَهُ أَمَةَ نَفْسِهِ فَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ أَمِيرًا أَوْ غَيْرَهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ كُفْئًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا أَتَى بِلَفْظَيْنِ يَنْعَقِدُ) أَيْ مَوْقُوفًا اتِّفَاقًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَالَ السُّرُوجِيُّ، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا فُضُولِيًّا مِنْ جَانِبٍ مَأْمُورًا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الْوَاحِدِ لَا يَصْلُحُ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَصِيلًا أَوْ وَكِيلًا مِنْ جَانِبٍ وَفُضُولِيًّا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَوْ زَوَّجَ غَائِبَةً مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مُوَكِّلِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَوَقَّفُ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمَأْمُورُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ) وَفِي النِّهَايَةِ الشَّاهِيَةِ هَذَا إذَا وَكَّلَهُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَأَمَّا إذَا وَكَّلَهُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَزَوَّجَهَا مَعَ أُخْرَى جَازَ نِكَاحُ الْمُعَيَّنَةِ وَتَوَقَّفَ نِكَاحُ الْأُخْرَى عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِيهَا فُضُولِيٌّ فِي الْأُخْرَى اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَزَوَّجَهُ امْرَأَتَيْنِ) أَيْ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ) قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ لَا يَرُدُّ هَذَا عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ إذَا لَمْ يَرُدَّ الْآمِرُ ذَلِكَ وَرَدُّهُ يَتَعَيَّنُ التَّفْرِيقَ وَأَمَّا إذَا أَجَازَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَهُ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَخْ) أَيْ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ اهـ. غَايَةٌ أَمَّا عِنْدَ الثَّلَاثَةِ فَلِطُولِ الْحُرَّةِ اهـ. غَايَةٌ قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَائِلِ فَصْلِ الْكَفَاءَةِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْمُحِيطِ الْكَفَاءَةُ مِنْ جَانِبِ النِّسَاءِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قُلْت وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ

[باب المهر]

إذَا زَوَّجَهُ عَمْيَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ مَفْلُوجَةً أَوْ مَجْنُونَةً وَلَهُمَا أَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ كَمَا فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجَمَدِ حَيْثُ يَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِهِ، وَكَالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ اللَّحْمِ حَيْثُ يَتَقَيَّدُ بِالنِّيءِ إنْ كَانَ مُقِيمًا بِالْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَتَزَوَّجُ الْكُفْءَ وَغَيْرَ الْكُفْءِ طَلَبًا لِتَخْفِيفِ الْمُؤْنَةِ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ وَإِلْغَاءُ إطْلَاقِهِ أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَلَبِسَ ثَوْبَ حَرِيرٍ أَوْ أَكَلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ لَحْمَ إنْسَانٍ أَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا فَرَكِبَ إنْسَانًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَتَنَاوُلِهِ إيَّاهُ لُغَةً وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ إنْسَانًا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الدَّابَّةِ فِي الْعُرْفِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِنْسَانَ فَصَلُحَ مُقَيَّدًا لِكَوْنِهِ عُرْفًا لَفْظِيًّا وَلَفْظُ الْمَرْأَةِ يَتَنَاوَلُ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ عَلَى السَّوَاءِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَ أَمَةً يَحْنَثُ، وَالْعُرْفُ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجَمَدِ وَاللَّحْمِ مُشْتَهِرٌ وَفِي الْمَرْأَةِ مُشْتَرَكٌ وَذُكِرَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ فِي هَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ التَّزَوُّجِ بِمُطْلَقِ الْمَرْأَةِ فَكَانَتْ الِاسْتِعَانَةُ فِي التَّزَوُّجِ بِالْكُفْءِ وَلَوْ زَوَّجَهُ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا جَازَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَرْأَةِ يَتَنَاوَلُهَا وَلِهَذَا دَخَلَتْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء: 12]، وَكَذَا الْعُرْفُ جَارٍ بِتَزَوُّجِ الصَّغِيرَةِ كَتَزَوُّجِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِعَائِشَةَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَلَوْ زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ ابْنَتَهُ الْكَبِيرَةَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُقَيَّدُ بِغَيْرِ مَوَاضِعِ التُّهَمِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ زَوَّجَهُ أُخْتَهُ الْكَبِيرَةَ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ أَوْ بِنْتَ أَخِيهِ الصَّغِيرَةَ وَهُوَ وَلِيُّهَا لَمْ يَجُزْ وَكَذَا إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ امْرَأَةً أَنْ تُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهَا فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا إذَا زَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعَيَّرُ بِعَدَمِ الْكُفْءِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا، وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِلْإِطْلَاقِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ، وَلَوْ كَانَ كُفْئًا إلَّا أَنَّهُ أَعْمَى أَوْ مُقْعَدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ خَصِيٌّ أَوْ عِنِّينٌ أَوْ مَعْتُوهٌ فَهُوَ جَائِزٌ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ إجْمَاعًا، وَكَذَا بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ بِالْعُرْفِ وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مُوَكِّلِهِ فَتَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي تَصَرُّفِهِ بِأَنْ وَجَدَ الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً وَحَوَّلَهَا إلَى مُوَكِّلِهِ وَفِي النِّكَاحِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ فَلَا تُهْمَةَ فِيهِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْمُوَكِّلِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ وَفِي التَّحْرِيرِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ، ثُمَّ كُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا فِيهِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا لِكَوْنِهِ فُضُولِيًّا فِيهِ وَلَا تَنْتَهِي بِهِ الْوَكَالَةُ لِلْعَدَمِ مِنْ وَجْهٍ فَصَارَ كَمَا إذَا زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ امْرَأَةً بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْمَهْرِ). لَمَّا ذَكَرَ رُكْنَ النِّكَاحِ وَشَرْطَهُ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعِنْدَهُمَا مُعْتَبَرَةٌ اسْتِحْسَانًا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا لِأَجْلِ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ وَلَا دَلَالَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ، وَلَيْسَ فِي الْعُرْفِ تَزَوُّجُ الْأُمَرَاءِ بِالْإِمَاءِ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي وَكَالَةِ الْأَصْلِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلًا عَلَى اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا قُرَشِيَّةٌ فَظَهَرَتْ نَبَطِيَّةً فَلَهُ الْخِيَارُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا خِيَارَ لَهُ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ الْكَفَاءَةُ فِي النِّسَاءِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا مُعْتَبَرَةٌ وَيُرْوَى غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِأَوْلِيَائِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْأَمِيرِ إذَا تَزَوَّجَ وَضِيعَةً وَفِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ) أَيْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا قُلْتُمْ وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَا قُلْنَا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْوَاقِعُ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ تَزَوُّجُهُمْ بِالْمُكَافِئَاتِ وَغَيْرِ الْمُكَافِئَاتِ، فَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِتَزْوِيجِ الْمُكَافِئَاتِ لِيَنْصَرِفَ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ) أَيْ لَا لَفْظِيٌّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: جَازَ بِالْإِجْمَاعِ)، وَقِيلَ هُوَ عَلَى قَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ وَلِيُّهَا لَمْ يَجُزْ) أَيْ لَمْ يَنْفُذْ عَلَى الْمُوَكِّلِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ) يُنْظَرُ فِي هَذَا وَفِي قِصَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَبِنْتِ قَارِظٍ عَلَى مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا زَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ) أَيْ لَمْ يَنْفُذْ عَلَيْهَا بَلْ يَتَوَقَّفُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَعْتُوهٌ فَهُوَ جَائِزٌ) كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِي الْمُحِيطِ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) وَفِي الْمُحِيطِ الْوَكِيلُ بِشِرَاءٍ مُعَيَّنٍ إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ الثَّمَنَ يَشْتَرِيهِ لِمُوَكِّلِهِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ اهـ. غَايَةٌ [بَابُ الْمَهْرِ] قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَهْرُ حُكْمُ الْعَقْدِ فَيَتَعَقَّبُهُ فِي الْوُجُودِ فَعَقَّبَهُ إيَّاهُ فِي الْبَيَانِ لِيُحَاذِيَ بِتَحْقِيقِهِ الْوُجُودِيِّ تَحْقِيقَهُ التَّعْلِيمِيَّ اهـ. وَالْمَهْرُ لَهُ تِسْعَةُ أَسْمَاءٍ، الصَّدَاقُ وَالصَّدَقَةُ وَالْمَهْرُ وَالنِّحْلَةُ وَالْأَجْرُ وَالْفَرِيضَةُ وَالْعَلَائِقُ وَالْعُقْرُ وَهُوَ غَالِبٌ فِي الْإِمَاءِ وَالْحِبَاءِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدُّوا الْعَلَائِقَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْعَلَائِقُ قَالَ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ لَهَا عُقْرُ نِسَائِهَا يُقَالُ أَصْدَقَهَا

مُوجَبُهُ النِّكَاحُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا ذِكْرِهِ) أَيْ بِلَا ذِكْرِ الْمَهْرِ، وَكَذَا مَعَ نَفْيِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ مَعَ نَفْيِ الْمَهْرِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ تَزْوِيجَهَا بِلَا مَهْرٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الثَّانِي لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَالْمَوْهُوبَةِ وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ وَازْدِوَاجٍ وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالزَّوْجَيْنِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ التَّوَالُدُ وَالِازْدِوَاجُ دُونَ الْمَالِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذِكْرُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَكَذَا بِتَرْكِ الْمَهْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) أَيْ أَقَلُّ الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ سَوَاءٌ كَانَتْ مَضْرُوبَةً أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ حَتَّى يَجُوزَ وَزْنُ عَشَرَةٍ تِبْرًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ بِخِلَافِ نِصَابِ السَّرِقَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ: مُقَدَّرٌ بِرُبْعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: أَقَلُّهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: أَقَلُّهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَعَنْهُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَقَلُّهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدَّرَهُ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ عِنْدَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا، وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ: مَا جَازَ أَنْ يُمْلَكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْمِيرَاثِ جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ وَاسْتَدَلَّتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِحَدِيثِ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَمَّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَمْ سُقْت إلَيْهَا؟ فَقَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ مِلْءَ كَفَّيْهِ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا فَقَدْ اسْتَحَلَّ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدُّوا الْعَلَائِقَ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْعَلَائِقُ؟ قَالَ: مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُقَالُ أَمْهَرَهَا بَلْ مَهَرَهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَفِي الصِّحَاحِ أَمْهَرَهَا وَمَهَرَهَا وَفِي الْمُغْرِبِ مَهَرَ الْمَرْأَةَ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ وَأَمْهَرَهَا إذَا سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَتَزَوَّجَهَا بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا ذِكْرِهِ) لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ إلَخْ) وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ وَالْمَهْرُ كَالثَّمَنِ، وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنْ لَا ثَمَنَ لَا يَصِحُّ فَكَذَا النِّكَاحُ بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ وَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَفْسُدَ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالنَّصِّ السَّابِقِ، ثُمَّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُفَوِّضَةِ وَسَنَذْكُرُهُ قُلْنَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ اُعْتُبِرَ حُكْمًا شَرْعًا وَإِلَّا لَمَا تَمَّ بِدُونِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ إذْ لَا وُجُودَ لِلشَّيْءِ بِلَا رُكْنِهِ وَشَرْطِهِ، فَحَيْثُ كَانَ وَاجِبًا وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهِ الْوُجُودُ كَانَ حُكْمًا، وَإِذَا ثَبَتَ بِهِ كَوْنُهُ حُكْمًا كَانَ شَرْطُ عَدَمِهِ شَرْطًا فَاسِدًا وَبِهِ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ رُكْنُهُ فَلَا يَتِمُّ دُونَ رُكْنِهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ بِعْت بِكَذَا لَا مُجَرَّدُ بِعْت هَذَا وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُسَمَّى فِي كَوْنِهِ دَيْنًا فَإِنْ هَلَكَ وَبِهِ وَفَاءٌ كَانَتْ مُسْتَوْفِيَةً فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهَا أَنْ تَرُدَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْمُتْعَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ قَائِمًا وَقْتَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَهُ بِالْمُتْعَةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَهَا حَبْسُهُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا خَلَفُهُ وَالرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يُحْبَسُ بِخَلَفِهِ كَالرَّهْنِ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ يَكُونُ مَحْبُوسًا بِالْقِيمَةِ، وَجْهُ الْآخَرِ أَنَّهَا دَيْنٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهَا ثِيَابٌ وَهِيَ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَفِيلَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ كَفِيلًا بِالْمُتْعَةِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ طَلَبِ الزَّوْجِ الرَّهْنَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَمَنَعَتْهُ حَتَّى هَلَكَ هَلْ تَضْمَنُ تَمَامَ قِيمَتِهِ فَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا حَبَسَتْهُ بِحَقٍّ وَفِي الْأَخِيرِ تَضْمَنُ تَمَامَهُ؛ لِأَنَّهَا غَاصِبَةٌ وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ مَنْعِهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا وَلَكِنَّهَا فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ تَصِيرُ مُسْتَوْفِيَةً لِلْمُتْعَةِ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِهَا اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ) يَعْنِي لَيْسَ مَأْخُوذًا فِي مَفْهُومِهِ الْمَالُ جُزْءًا فَيَتِمُّ بِدُونِهِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عَقْدٌ يَسْتَلْزِمُهُ إلَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي مَفْهُومِهِ زِيَادَةُ شُرُوطٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ إذْ قَدْ يَثْبُتُ زِيَادَةُ عَدَمِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَنَحْوَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ شَرْعًا عَلَى الدَّعْوَى وَيُرَدُّ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمَهْرَ أَيْضًا وَاجِبٌ شَرْعًا فِيهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ وَجَبَ شَرْعًا حُكْمًا لَهُ حَيْثُ أَفَادَ بِقَوْلِهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ إنْ لَمْ يُسَمِّ إبَانَةَ شَرَفِ الْمَحَلِّ أَمَّا أَنَّهُ وَجَبَ شَرْعًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24]، قَيَّدَ الْإِحْلَالَ بِهِ وَأَمَّا اعْتِبَارُهُ حُكْمًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]، فَإِنَّ رَفْعَ الْجُنَاحِ عَنْ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْفَرْضِ فَرْعُ صِحَّةِ النِّكَاحِ قَبْلَهُ وَكَانَ وَاجِبًا لَيْسَ مُتَقَدِّمًا وَهُوَ الْحُكْمُ وَأَمَّا أَنَّهُ إبَانَةٌ لِشَرَفِهِ فَلِعَقْلِيَّةِ ذَلِكَ إذْ لَمْ يُشْرَعْ بَدَلًا كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَإِلَّا لَوَجَبَ تَقْدِيمُ تَسْمِيَتِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْبَدَلَ النَّفَقَةُ، وَهَذَا لِإِظْهَارِ خَطَرِهِ فَلَا يُسْتَهَانُ بِهِ، وَإِذَا فُقِدَ تَأَكَّدَ شَرْعًا بِإِظْهَارِ شَرَفِهِ مَرَّةً بِاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ وَمَرَّةً بِإِلْزَامِ الْمَالِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمَهْرَ حُكْمُ الْعَقْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ التَّنْصِيصُ عَلَى حُكْمِهِ كَالْمِلْكِ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ ذِكْرُهُ، ثُمَّ يَثْبُتُ هُوَ كَذَلِكَ يَثْبُتُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ انْتَهَى كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَازْدِوَاجٍ) أَيْ لُغَةً اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالزَّوْجَيْنِ)، ثُمَّ الْمَهْرُ وَاجِبٌ شَرْعًا إبَانَةً لِشَرَفِ الْمَحَلِّ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ انْتَهَى هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَقَلُّ الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) لَوْ تَزَوَّجَهَا بِدِينَارٍ قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ يُكْمِلُ لَهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ذَكَرَهُ الْوَبَرِيُّ اهـ. غَايَةٌ السُّرُوجِيِّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ) أَيْ مِنْ عَشَرَةٍ مَضْرُوبَةٍ (قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ) هُوَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى نَقَلَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ عَنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَدَلَّتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) أَيْ وَمَنْ لَمْ يُقَدِّرْ الْعَشَرَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ) أَيْ فَقَدْ أَجَازَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَقَلَّ مِمَّا حَدَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ إذْ النَّوَاةُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُمَا: تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ) أَيْ وَلَوْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) أَيْ وَالطَّبَرَانِيُّ اهـ. فَتْحٌ

هَلْ مَعَك شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: قَدْ مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ.» وَيُرْوَى «أَنْكَحْتُكهَا وَزَوَّجْتُكهَا» وَبِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ امْرَأَةً تَزَوَّجَتْ بِنَعْلَيْنِ فَأَجَازَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -»؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْعِوَضِ فِيهِ إلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَاعْتِبَارُهُ بِالْإِجَارَةِ أَشْبَهُ لِكَوْنِ الْمَهْرِ بَدَلَ الْمَنْفَعَةِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِيهِ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ لَكِنْ الْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ وَضَعَّفَهَا فِي سُنَنِهِ الْكَبِيرِ وَالضَّعِيفُ إذَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ يَصِيرُ حَسَنًا يُحْتَجُّ بِهِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: أَقَلُّ مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ الْمَرْأَةُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَسَائِرِ حُقُوقِهِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ، وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ سَاقَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَالنَّوَاةُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى دِينَارَيْنِ فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْفَلَسِ، وَقِيلَ النَّوَاةُ هِيَ نَوَاةُ التَّمْرِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَعَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعَجَّلِ وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ تَعْجِيلَ بَعْضِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ نَظِيرُ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ لَمَّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ وَأَرَادَ الْبِنَاءَ بِهَا: أَعْطِهَا شَيْئًا، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَيْنَ دِرْعُك الْحُطَمِيَّةُ وَفِي رِوَايَةٍ أَعْطِهَا دِرْعَك فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَهْرَهَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ عَلِيٍّ وَهِيَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ وَلِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ كَانَ فِي الْمُتْعَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ جَابِرٌ فِي آخِرِهِ وَهُوَ مَنْسُوخٌ وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُ النِّكَاحِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا صَلَحَ بَدَلًا لِوَطْئِهِ لَا يَلْزَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيُرْوَى «أَنْكَحْتُكهَا وَزَوَّجْتُكهَا») مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ) أَيْ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ وَلَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ) أَيْ فِي التَّمْهِيدِ اهـ. وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ حَافِظُ الْمُغْرِبِ تُوُفِّيَ بِشَاطِبَةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَةٍ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي آخِرِ الْمُبْهَمَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى دِينَارَيْنِ) أَيْ وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا عَلَى أَقَلِّ الْمَهْرِ فِي الْغَايَةِ قَالَ عِيَاضٌ لَا يَصِحُّ لَهُمْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ مَنْ ذَهَبٍ وَذَلِكَ يَزِيدُ عَلَى دِينَارَيْنِ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَهُوَ غَفْلَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ النَّوَاةُ هِيَ نَوَاةُ التَّمْرِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا عِنْدِي لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ وَزْنَهَا مَجْهُولٌ وَالصَّدَاقُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت بَلْ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعَجَّلِ وَلَا جَهَالَةَ فِيهِ عِنْدَ تَعْجِيلِهَا وَقَبْضِهَا وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ تَعْجِيلَ بَعْضِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ تَعْجِيلَ بَعْضِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى يُقَدِّمَ لَهَا شَيْئًا رُوِيَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي الْغَايَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَاسْتَدَلُّوا بِمَنْعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلِيًّا مِنْ الدُّخُولِ عَلَى فَاطِمَةَ حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا قَالَ الْكَمَالُ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ الْجَوَازُ قَبْلَهُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُدْخِلَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَيُحْمَلُ الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ عَلَى النَّدْبِ أَيْ نَدْبِ تَقْدِيمِ شَيْءٍ إدْخَالًا لِلْمَسَرَّةِ عَلَيْهَا تَأَلُّفًا لِقَلْبِهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْهُودًا وَجَبَ حَمْلُ مَا خَالَفَ مَا رَوَيْنَاهُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَكَذَا يُحْمَلُ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْتِمَاسِ خَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ عَلَى أَنَّهُ تَقْدِيمُ شَيْءٍ تَأَلُّفًا وَلَمَّا عَجَزَ قَالَ قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُك، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهُوَ مَحْمَلُ رِوَايَةِ الصَّحِيحِ «زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» فَإِنَّهُ لَا يُنَافِيهِ وَبِهِ تَجْتَمِعُ الرِّوَايَاتُ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيْنَ دِرْعُك الْحُطَمِيَّةُ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي دَاوُد «أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بِفَاطِمَةَ مَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يُعْطِيَهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي شَيْءٌ، فَقَالَ: أَعْطِهَا دِرْعَك فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا» اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ كَانَ فِي الْمُتْعَةِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَدِيثُ النَّعْلَيْنِ وَإِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فِيهِ عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فَاحِشُ الْخَطَأِ فَتُرِكَ وَحَدِيثُ الْعَلَائِقِ مَعْلُولٌ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَيْلَمَانِيِّ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ضَعِيفٌ مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِ تَيْنِكَ النَّعْلَيْنِ تُسَاوِيَانِ عَشَرَةً وَكَوْنِ الْعَلَائِقِ يُرَادُ بِهَا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَنَحْوُهَا إلَّا أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَاحْتِمَالُ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا فِي الْمُعَجَّلِ وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ الظَّاهِرُ لَكِنْ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِيهِ بَعْدَهُ زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى تَعْلِيمِهِ إيَّاهَا مَا مَعَهُ أَوْ نَفْيِ الْمَهْرِ بِالْكُلِّيَّةِ عَارَضَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى بَعْدَ عَدِّ الْمُحَرَّمَاتِ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ} [النساء: 24] فَقَيَّدَ الْإِحْلَالَ بِالِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ فَوَجَبَ كَوْنُ الْخَبَرِ غَيْرَ مُخَالِفٍ لَهُ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ مَا لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ التَّوَاتُرِ وَهُوَ قَطْعِيٌّ فِي دَلَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ نَسْخٌ لِلْقَطْعِيِّ فَيَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا تَامًّا كَانَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَا يَكْفِي وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ غَيْرَ تَامِّ الْمَهْرِ ثَابِتٌ بِنَاءً عَلَى مَا عُهِدَ مِنْ أَنَّ لُزُومَ تَقْدِيمِ شَيْءٍ أَوْ نَدْبَهُ كَانَ وَاقِعًا فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ يَنْبَغِي كَوْنُ الْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ إعْمَالًا لِخَبَرٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ يَسْتَلْزِمُ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ الْإِحْلَالِ بِمُطْلَقِ الْمَالِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِمَالٍ مُقَدَّرٍ زِيَادَةً عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ اُقْتُرِنَ النَّصُّ نَفْسُهُ بِمَا يُفِيدُ تَقْدِيرَهُ بِمُعَيَّنٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى عَقِيبَهُ

أَنْ يَصْلُحَ لِلْأَبَدِ؛ وَلِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» فَمَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ جَعَلَهُ مَهْرًا وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يُعَلِّمَهَا وَإِنَّمَا قَالَ: بِمَا مَعَك أَيْ بِسَبَبِ مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ لِحَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ وَفِيهِ فَكَانَ صَدَاقُ مَا بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامُ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ صَدَاقًا بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْغَايَةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّدَاقِ حَدٌّ لَكَانَ الدَّانَقُ وَالْحَبَّةُ وَالْفَلْسُ صَدَاقًا لِلْبُضْعِ، فَيَكُونُ دُونَ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ وَهَذَا الْكَلَامُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ لِقِلَّتِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِحُرْمَتِهِ فَلَا يَسْتَقِيمُ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَيْضًا إذَا كَانَتْ الْحَبَّةُ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَهْرًا فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ طَوْلِ الْحُرَّةِ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ إذْ كُلُّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْحُرَّةِ يَقْدِرُ عَلَى الْأَمَةِ، وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ جَيِّدٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي الْجَوَازِ أَيْ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَدْرُ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ إذَا رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ أَمْ لَا، وَلَيْسَ كَلَامُهُمْ أَنَّ مَهْرَهَا لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ الْمَرْأَةُ قَدْ لَا تَرْضَى أَنْ تَتَزَوَّجَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ غَالِبًا وَهُوَ الْعَادَةُ وَمَهْرُ مِثْلِ الْحُرَّةِ أَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ مِثْلِ الْأَمَةِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ مَا قَالَ وَمَا يَقْطَعُ شَغَبَهُمْ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمَهْرَ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ وَلَمْ يُشْرَعْ بِدُونِهِ إظْهَارًا لِشَرَفِ الْمَحَلِّ وَخَطَرِهِ وَلَوْ صَلُحَ الْفَلْسُ وَأَمْثَالُهُ مِمَّا لَيْسَ بِخَطِيرٍ مَهْرًا لَمْ يَظْهَرْ خَطَرُهُ وَلَجَازَ بِدُونِ الْمَهْرِ إذْ ذَلِكَ الْقَدْرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَقَوْلُ الظَّاهِرِيَّةِ فِي هَذَا أَفْسَدُ؛ لِأَنَّ حَبَّةَ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ لَا يَعُدُّهَا أَحَدٌ مَالًا، وَلِهَذَا لَوْ سَقَطَتْ لَا يَأْخُذُهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى شَرَّعَ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ بِالْمَالِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَلَمْ يُشَرِّعْهُ بِدُونِ الْمَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ سَمَّاهَا أَوْ دُونَهَا) أَيْ فَإِنْ سَمَّى الْعَشَرَةَ أَوْ دُونَ الْعَشَرَةِ (فَلَهَا عَشَرَةٌ بِالْوَطْءِ أَوْ الْمَوْتِ) فَأَمَّا إذَا سَمَّى عَشَرَةً؛ فَلِأَنَّهُ سَمَّى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَتَأَكَّدُ بِالدُّخُولِ لِتَحَقُّقِ تَسْلِيمِ الْبَدَلِ بِهِ، وَكَذَا بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَهِي بِهِ النِّكَاحُ نِهَايَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْقَدُ لِلْأَبَدِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ بِجَمِيعِ مُوَاجِبِهِ وَأَمَّا إذَا سَمَّى مَا دُونَ الْعَشَرَةِ؛ فَلِأَنَّهَا قَدْ رَضِيَتْ بِالْعَشَرَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا فَيَتَأَكَّدُ بِهِمَا عَلَى مَا مَرَّ، وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَصَارَ كَعَدَمِهِ قُلْنَا فَسَادُ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَقَدْ صَارَ مَقْضِيًّا بِالْعَشَرَةِ فَلَا مَعْنَى لِلزِّيَادَةِ؛ وَلِأَنَّ الْعَشَرَةَ لَا تَتَجَزَّأُ حَقًّا لِلشَّرْعِ، وَذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَوْ سَمَّى مَا لَيْسَ بِمَالٍ حَيْثُ يَجِبُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ لِعَدَمِ رِضَاهَا بِالْقَلِيلِ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْوَطْءَ وَالْمَوْتَ حَيْثُ يَجِبُ جَمِيعُ الْمُسَمَّى وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَلْوَةَ وَهِيَ كَالْوَطْءِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِيمَا بَعْدُ مُفْرَدًا بِشُرُوطِهِ فَلِقَصْدِهِ ذَلِكَ تَرَكَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَذَا ذَكَرَ فِيمَا إذَا سَمَّى عَشَرَةً وَمَا دُونَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيمَا إذَا سَمَّى أَكْثَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ ظَاهِرٌ يُعْرَفُ بِمَعْرِفَةِ الْعَشَرَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ) وَالْمُرَادُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ وَإِنَّمَا تَرَكَهَا لِمَا قُلْنَا وَإِنَّمَا يَتَنَصَّفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب: 50]، ثُمَّ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ مُجْمَلٌ فَيَلْتَحِقُ بَيَانًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قُلْنَا إنَّمَا أَفَادَ النَّصُّ مَعْلُومِيَّةَ الْمَفْرُوضِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَالِاتِّفَاقَ أَنَّ فِي الزَّوْجَاتِ وَالْمَمْلُوكِينَ كُلًّا مِنْ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَهُوَ مُرَادٌ مِنْ الْآيَةِ قَطْعًا وَكَوْنُ الْمَهْرِ أَيْضًا مُرَادًا بِالسِّيَاقِ؛ لِأَنَّهُ عَقِيبَ قَوْله تَعَالَى {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] يَعْنِي نَفْيَ الْمَهْرِ خَالِصَةً لَك وَغَيْرِك {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: 50] مِنْ ذَلِكَ فَخَالَفَ حُكْمُهُمْ حُكْمَك لَا يَسْتَلْزِمُهُ تَقْدِيرُهُ بِمُعَيَّنٍ اهـ. مَعَ حَذْفٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ) قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلَهَا عَشَرَةٌ بِالْوَطْءِ أَوْ بِالْمَوْتِ) وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَوْتُهَا وَمَوْتُهُ وَاقْتِصَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ عَلَى مَوْتِهِ اتِّفَاقِيٌّ قَالَهُ الْكَمَالُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَتَأَكَّدُ بِالدُّخُولِ) أَيْ يَتَأَكَّدُ لُزُومُهُ فَإِنَّهُ كَانَ قَبْلُ لَازِمًا لَكِنْ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِارْتِدَادِهَا وَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ بِشَهْوَةٍ اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ فَلَهَا الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَ بِهَا إلَخْ هَذَا إذَا لَمْ تَكْسُدْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَمَّاةُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ نَقْدُ الْبَلَدِ فَكَسَدَتْ وَصَارَ النَّقْدُ غَيْرَهَا فَإِنَّمَا عَلَى الزَّوْجِ قِيمَتُهَا يَوْمَ كَسَدَتْ عَلَى الْمُخْتَارِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِكَسَادِ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى مَا سَيُعْرَفُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ) أَيْ لِأَنَّ انْتِهَاءَهُ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُودِهِ بِتَمَامِهِ فَيَسْتَعْقِبُ مُوَاجِبَهُ الْمُمْكِنَ إلْزَامُهَا مِنْ الْمَهْرِ وَالْإِرْثِ وَالنَّسَبِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ مَوْتَهَا أَيْضًا كَذَلِكَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَعَدَمِهِ) كَمَا لَوْ سَمَّى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَارَ مَقْضِيًّا بِالْعَشَرَةِ) فَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْعَشَرَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَالطَّلَاقِ) أَيْ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِنِصْفِهَا حَيْثُ يَنْفُذُ قَالَهُ الْكَمَالُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ) أَيْ كَمَا لَوْ عَفَا عَنْ نِصْفِ الْقِصَاصِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ) أَيْ كَمَا لَوْ أَسْقَطَ بَعْضَ الشُّفْعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ كَالْوَطْءِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ كَالْوَطْءِ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ)، ثُمَّ إنْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ فَحُكْمُ هَذَا التَّنْصِيفِ يَثْبُتُ عِنْدَ زُفَرَ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ وَيَعُودُ النِّصْفُ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ، وَعِنْدَنَا لَا يَبْطُلُ مِلْكُ الْمَرْأَةِ فِي النِّصْفِ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْجَبَ فَسَادَ سَبَبِ مِلْكِهَا فِي النِّصْفِ وَفَسَادُ السَّبَبِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ مِلْكِهَا بِالْقَبْضِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ بَقَاءَهُ فَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَ الزَّوْجُ الْجَارِيَةَ الْمَهْرَ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ لِلْمَرْأَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي نِصْفِهَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا لَا يَنْفُذُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بَعْدَ عِتْقِهَا بِنِصْفِهَا لَهُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ سَبَقَ مِلْكَهُ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الرَّدِّ وَلَوْ أَعْتَقَتْهَا الْمَرْأَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ نَفَذَ فِي الْكُلِّ، وَكَذَا إذَا بَاعَتْ وَوَهَبَتْ لِبَقَاءِ مِلْكِهَا فِي الْكُلِّ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ التَّرَاضِي عِنْدَنَا، وَإِذَا نَفَذَ

{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وَنِصْفُ الْمُسَمَّى خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الْمُتْعَةُ إذَا سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ كَانْعِدَامِهِ وَفِي الْعَشَرَةِ يَجِبُ النِّصْفُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا تَلَوْنَا وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: الْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ وَمُرَادُهُ قِيَاسَانِ بَيَانُهُ أَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الزَّوْجِ الْمِلْكَ عَلَى نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ جَمِيعِ الْمَهْرِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ بَعْدَ عَرْضِ نَفْسِهَا عَلَيْهِ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَفِيهِ أَيْضًا عَوْدُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبُضْعُ إلَيْهَا سَالِمًا وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجِبَ لَهَا شَيْءٌ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ بِسُؤَالِهَا كَالتَّقَايُلِ فِي الْبَيْعِ فَتَعَارَضَا فَرَجَعْنَا إلَى النَّصِّ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّصِّ حَيْثُ رُجِعَ إلَى النَّصِّ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ قُلْنَا النَّصُّ مَخْصُوصٌ بِالْخَلْوَةِ وَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا حَيْثُ لَا يَتَنَصَّفُ الْمُسَمَّى فِيهِمَا بَلْ يَجِبُ كُلُّ الْمَهْرِ فِي الْأَوَّلِ وَالْمُتْعَةُ فِي الثَّانِي وَالْقِيَاسُ يُعَارِضُ مِثْلَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَرَدَّ فِي الْغَايَةِ هَذَا الْجَوَابَ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ تَرْكُ النَّصِّ الْمَخْصُوصِ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ زِيَادَةُ التَّخْصِيصِ بِهِ، وَهَذَا لَا يَكَادُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الْقِيَاسَ يُعَارِضُ النَّصَّ الْمَخْصُوصَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ فَمَذْهَبُ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا يَبْقَى حُجَّةً أَصْلًا عَارَضَهُ الْقِيَاسُ أَوْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْقَى حُجَّةً لَا عَلَى الْيَقِينِ فَيُعْمَلُ بِهِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ وَالْقِيَاسِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَرْكُ النَّصِّ الْمَخْصُوصِ بِالْقِيَاسِ هُنَا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْحَوَاشِي سُؤَالًا فَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ تَرْكُهُمَا بَلْ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا قُلْنَا إنَّمَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا إذَا لَمْ يُخَالِفْهُمَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّنْصِيفَ عَمَلٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ الْمُقْتَضِيَ لِوُجُوبِ الْكُلِّ يُعْمَلُ بِهِ فِي إيجَابِ النِّصْفِ وَالْقِيَاسُ الْمُقْتَضِي لِسُقُوطِ الْكُلِّ يُعْمَلُ بِهِ فِي إسْقَاطِ النِّصْفِ وَهُوَ مُقْتَضَى النَّصِّ أَيْضًا وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ رَدًّا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَوَاشِي الْأَصْلُ إذَا تَعَارَضَ الْحُجَّتَانِ وَلَمْ يُمْكِنْ تَرْجِيحُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى تَهَاتَرَتَا وَتَسَاقَطَتَا وَلَا يُعْمَلُ بِإِحْدَاهُمَا وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْآيَتَيْنِ أَوْ السُّنَّتَيْنِ، أَمَّا إذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ أَوْ بَيْنَ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ لَا يَسْقُطَانِ بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ مِنْ حُكْمِ جَهْلِنَا بِالنَّاسِخِ فَيَخْتَصُّ بِمَحَلٍّ يَقْبَلُ النَّسْخَ وَهُوَ الْكِتَابُ أَوْ السُّنَّةُ وَأَمَّا الْقِيَاسُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ نَسْخُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَلَا يَتَعَارَضَانِ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ يُشْبِهُ التَّعَارُضَ صُورَةً فَلَا يَبْطُلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ فَيَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ فَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَالْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ إشْكَالًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُعْتَبَرُ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَكَيْفَ اعْتَبَرَهُ هُنَا، وَالثَّانِي أَنَّ الْقِيَاسَيْنِ إذَا تَعَارَضَا لَا يُتْرَكَانِ بَلْ يُعْمَلُ بِأَحَدِهِمَا فَكَيْفَ تَرْكُهُمَا هُنَا، وَالثَّالِثُ أَنَّ الْقِيَاسَيْنِ لَا يَتَعَارَضَانِ فِي الْحَقِيقَةِ فَكَيْفَ قَالَ مُتَعَارِضَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ الثَّلَاثَةِ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنَّ الْحُجَّتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا يُصَارُ إلَى الْأَضْعَفِ لَا إلَى الْأَقْوَى كَالْآيَتَيْنِ مَثَلًا إذَا تَعَارَضَتَا يُصَارُ إلَى السُّنَّةِ، وَإِذَا تَعَارَضَ السُّنَّتَانِ يُصَارُ إلَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ أَوْ الْقِيَاسِ فَكَيْفَ صَارَ هُنَا لِتَعَارُضِ الْقِيَاسَيْنِ إلَى الْكِتَابِ فَجَوَابُ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّ النَّصَّ الْمَخْصُوصَ أَضْعَفُ مِنْ الْقِيَاسِ فَلِهَذَا صَارَ إلَيْهِ بَعْدَ التَّعَارُضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ أَوْ نَفَاهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَهْرَ فِي الْعَقْدِ أَوْ نَفَاهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ وَطِئَ أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَكَذَا إذَا مَاتَتْ هِيَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ فِي مِثْلِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَتَأَكَّدُ وَيَتَقَرَّرُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ بِالدُّخُولِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ شَيْءٌ، وَكَذَا بِالدُّخُولِ وَالْمَوْتِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا فَتَتَمَكَّنُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصَرُّفُهَا فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا رَدُّ النِّصْفِ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَتَضَمَّنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِلزَّوْجِ يَوْمَ قَبَضَتْ وَلَوْ وُطِئَتْ الْجَارِيَةُ بِشُبْهَةٍ فَحُكْمُ الْعَقْدِ كَحُكْمِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ كَالْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْ عَيْنِهَا فَإِنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَسَنَذْكُرُ لِحُكْمِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِزَالَةِ الْبَكَارَةِ بِلَا دُخُولٍ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِبِكْرٍ فَدَفَعَهَا فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا لَيْسَ كَالدُّخُولِ فَلَا يُوجِبُ إلَّا نِصْفَ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ كَمَا لَهُ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقِيلَ هُوَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ هُوَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ زُفَرَ تَجِبُ الْمُتْعَةُ إذَا سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ) وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ يُسَاوِي خَمْسَةً فَلَهَا الثَّوْبُ وَالْخَمْسَةُ خِلَافًا لَهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الثَّوْبِ وَدِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ، وَعِنْدَهُ الْمُتْعَةُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الثَّوْبِ يَوْمَ التَّزَوُّجِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ سَمَّى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمَهْرِ وَاعْتِبَارَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ فِي الثَّوْبِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَفِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَالثَّوْبُ لَا يَثْبُتُ ثُبُوتًا صَحِيحًا بَلْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِيمَةِ فَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْقَبْضِ اهـ. وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْمُرَادَ ثَوْبٌ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَمَّا لَوْ كَانَ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَا سَيُعْلَمُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: قُلْنَا) أَيْ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ الْمَخْصُوصِ جَائِزٌ، وَهَذَا النَّصُّ إلَخْ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ يُعَارِضُ) أَيْ مَا إذَا سَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ الْخَالِي عَنْ التَّسْمِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْمَلُ بِإِحْدَاهُمَا) أَيْ لِلتَّرْجِيحِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ اهـ. (قَوْلُهُ: فَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ) أَيْ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: إشْكَالًا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ إشْكَالٌ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَهْرَ فِي الْعَقْدِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: إنْ وَطِئَ أَوْ مَاتَ) اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ لَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ شَيْءٌ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ اهـ.

نَفْيِهِ ابْتِدَاءً كَمَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ انْتِهَاءً وَلَنَا حَدِيثُ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ وَلَمْ يَمَسَّ حَتَّى مَاتَ فَرَدَّدَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ أَرَى لَهَا مَهْرَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي رُؤَاسٍ حَيٍّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ»، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فَقَامَ نَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ فِيهِمْ الْجَرَّاحُ وَأَبُو سِنَانٍ فَقَالُوا يَا ابْنَ مَسْعُودٍ نَحْنُ نَشْهَدُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَاهَا فِينَا فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ وَأَنَّ زَوْجَهَا هِلَالَ بْنَ مُرَّةَ الْأَشْجَعِيَّ كَمَا قَضَيْت» قَالَ: فَفَرِحَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَرَحًا شَدِيدًا حِينَ وَافَقَ قَضَاؤُهُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: جَمِيعُ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ أَسَانِيدُهَا صِحَاحٌ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا يُقْبَلُ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى عَقِبَيْهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَمْ يَصِحَّ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا إلَخْ مَمْنُوعٌ بَلْ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إلَى الْعَشَرَةِ وَفِيهِ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَفِيهِ حَقُّهَا ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ الْوُجُوبَ لِتَضَمُّنِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ وَلَهَا أَنْ تُبْرِئَهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ) أَيْ وَلَهَا الْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا أَوْ نَفَاهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا كَالدُّخُولِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَهَذِهِ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ، وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: مُسْتَحَبَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236]، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] وَالْوَاجِبُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْمُحْسِنِ وَالْمُتَّقِي وَغَيْرِهِمَا وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] أَمْرٌ بِهِ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ، وَكَذَا كَلِمَةُ حَقًّا وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْوُجُوبِ وَاللُّزُومِ وَذِكْرُ الْمُحْسِنِينَ وَالْمُتَّقِينَ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات: 45] مَعَ أَنَّهُ مُنْذِرٌ لِلْكُلِّ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ إلَّا مَنْ يَخْشَى صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُنْذِرْ غَيْرَهُ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمَّا لَمْ يَأْتَمِرْ إلَّا الْمُتَّقِي وَالْمُحْسِنُ خُصَّا بِالذِّكْرِ وَمَا ذَكَرُوهُ يَلْزَمُهُمْ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْمُحْسِنِ وَالْمُتَّقِي وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ) أَيْ الْمُتْعَةُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَيُعْتَبَرُ فِيهَا حَالُهَا لِقِيَامِهَا مَقَامَ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، وَقِيلَ حَالُهُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: هُوَ الصَّحِيحُ عَمَلًا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236]، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِحَالِهِمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَفِي الْآيَةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178]، وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ كَمَا قُلْنَا فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اُعْتُبِرَتْ بِحَالِهِ وَحْدَهُ لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الشَّرِيفَةِ وَالْوَضِيعَةِ فِي الْمُتْعَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بَيْنَ النَّاسِ بَلْ هُوَ مُنْكَرٌ، ثُمَّ هِيَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ الْمُسَمَّى أَقْوَى وَمَعَ هَذَا لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِهِ فَهَذَا أَوْلَى وَلَا يَنْقُصُ عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَلَا تَجِبُ إلَّا إذَا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ بِالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَرِدَّتِهِ وَإِبَائِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَمَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ انْتِهَاءً) أَيْ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَرَدَّدَهُمْ) أَيْ شَهْرًا وَكَانَ يَجْتَهِدُ وَيَطْلُبُ الْحَقَّ مُدَّةَ الشَّهْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ) الْوَكْسُ النَّقْصُ وَالشَّطَطُ الْعُدْوَانُ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْحَقِّ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ) وَبِرْوَعُ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تِزْوَعُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْمُغْرِبِ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَالْكَسْرُ خَطَأٌ وَفِي الصِّحَاحِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعُوِّلَ إلَّا خروع وَعَتُودٌ اسْمُ وَادٍ اهـ. قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا هَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُنَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الْخَمْسَةُ)، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمُتْعَةُ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهَا الْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا إلَخْ) أَيْ وَلَا يَتَنَصَّفُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ فِي الْمَفْرُوضِ بِالْعَقْدِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ عِنْدَهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ) أَيْ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] أَيْ وَهُمْ الْمُتَطَوِّعُونَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ قَرِينَةَ صَرْفِ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ إلَى النَّدْبِ، وَالْجَوَابُ مَنْعُ قَصْرِ الْمُحْسِنِ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الْقَائِمِ بِالْوَاجِبَاتِ أَيْضًا فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ فَلَا يَكُونُ صَارِفًا لِلْأَمْرِ عَنْ الْوُجُوبِ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ لَفْظِ حَقًّا وَعَلَى اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَهِيَ دِرْعٌ إلَخْ) دِرْعُ الْمَرْأَةِ قَمِيصُهَا اهـ. صِحَاحٌ (قَوْلُهُ: وَخِمَارٌ) وَهُوَ مَا يُخَمَّرُ بِهِ الرَّأْسُ أَيْ يُغَطَّى اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَمِلْحَفَةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهِيَ مَا تَلْتَحِفُ بِهِ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا اهـ. ع (قَوْلُهُ: لِقِيَامِهَا مَقَامَ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ وَمَهْرُ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ فِيهِ فَكَذَا خَلَفُهُ اهـ. وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: عَلَى {الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا خَلَفُهُ فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهَا الْفَرِيضَةُ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَإِنْ كَانَ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُتْعَةِ فَالْوَاجِبُ الْأَقَلُّ إلَّا أَنْ تَنْقُصَ عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَيُكْمِلُ لَهَا الْخَمْسَةَ، وَهَذَا كُلُّهُ نَصُّ الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ حَالِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ هُوَ الْعِوَضُ الْأَصْلِيُّ لَكِنَّهُ تَعَذَّرَ تَنْصِيفُهُ لِجَهَالَتِهِ فَصُيِّرَ إلَى الْمُتْعَةِ خَلَفًا عَنْهُ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا تَنْقُصُ عَنْ الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْمَهْرِ عَشَرَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ هِيَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ الْمُتْعَةُ (قَوْلُهُ: كَالطَّلَاقِ) أَيْ بِالطَّلَاقِ لَفْظًا أَوْ حُكْمًا وَإِنْ وُحِّدَتْ بِمَا هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَلَا حُكْمُهُ فَلَا مُتْعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّدَاقِ اهـ.

الْإِسْلَامَ وَتَقْبِيلِهِ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا بِشَهْوَةٍ، وَإِنْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا فَلَا تَجِبُ كَرِدَّتِهَا وَإِبَائِهَا الْإِسْلَامَ وَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ بِشَهْوَةٍ وَالرَّضَاعِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَكَذَا لَوْ فَسَخَهُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ اشْتَرَاهَا وَكِيلُهُ مِنْهُ وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ مِنْهُ تَجِبُ الْمُتْعَةُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ لَا يَجِبُ نِصْفُ الْمُسَمَّى عِنْدَ وُجُودِهَا وَكُلُّ مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ يَجِبُ وَالْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يُسَمِّ، ثُمَّ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَسْقُطُ نِصْفُهُ، وَقِيلَ كُلُّهُ وَيَجِبُ النِّصْفُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا يَتَنَصَّفُ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا أَوْ نَفَاهُ، ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى التَّسْمِيَةِ وَسَمَّى لَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى، ثُمَّ زَادَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَتَنَصَّفُ الْمُسَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَا الزَّائِدُ عَلَى الْمُسَمَّى بَعْدَهُ بَلْ تَجِبُ الْمُتْعَةُ فِي الْأَوَّلِ وَنِصْفُ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ فِي الثَّانِي وَيَسْقُطُ الزَّائِدُ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ يَتَنَصَّفُ الْمَفْرُوضُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَالزَّائِدُ بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَفْرُوضِ بَعْدَهُ دُونَ الزَّائِدِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الزِّيَادَةِ عِنْدَهُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَفْرُوضٌ فَيَتَنَصَّفُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وَلَنَا أَنَّ هَذَا الْمَفْرُوضَ تَعْيِينٌ لِلْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَذَلِكَ لَا يَتَنَصَّفُ فَكَذَا مَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَعْيِينٌ لِمَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَسْقُطُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا وَالْمَوْتِ عَنْهَا وَيَجِبُ هَذَا الْمُسَمَّى وَهُوَ الْمَفْرُوضُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَوْلَا أَنَّهُ تَعْيِينٌ لَهُ لَوَجَبَ مَعَهُ كَمَا إذَا سَمَّى لَهَا مَهْرًا، ثُمَّ زَادَهَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ مَعَ الْمُسَمَّى فَيَجِبَانِ جَمِيعًا إذَا دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَالْمُرَادُ بِمَا تُلِيَ الْفَرْضُ الْمَوْجُودُ عَنْ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ فِي الْغَايَةِ: وَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ لَا عُمُومَ لَهُ وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْمُتَنَاوِلُ لِلذَّاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلصِّفَاتِ إلَّا بِقَيْدٍ فَلَا يُقَيَّدُ بِوَصْفٍ دُونَ وَصْفٍ فَيَتَنَاوَلُ الذَّاتَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ عُمُومٌ وَلَا خُصُوصٌ فَاسْتَحَالَ كَلَامُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ حَطُّهَا) يَعْنِي مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَقَاءُ حَقِّهَا وَالْحَطُّ يُلَاقِيهِ حَالَةَ الْبَقَاءِ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ جَوَازَ الْحَطِّ وَلَمْ يَذْكُرْ جَوَازَ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا يَتَنَصَّفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِنْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا فَلَا تَجِبُ) أَيْ وَلَا تُسْتَحَبُّ أَيْضًا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ فَسَخَهُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ) أَيْ الصَّغِيرُ إذَا زَوَّجَهُ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ، ثُمَّ بَلَغَ فَفَسَخَ النِّكَاحَ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ، وَلَيْسَ لَنَا فُرْقَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إلَّا هَذِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ امْرَأَتِهِ فَاشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ مِنْ الْمَوْلَى حَتَّى فَسَدَ النِّكَاحُ فَلَا مَهْرَ لِلْمَوْلَى عَلَى الزَّوْجِ وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ لِلْمَوْلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ مِنْ قِبَلِهِ عَلَى فَسَادِ النِّكَاحِ وَلَوْ وَكَّلَ الزَّوْجُ مَنْ يَشْتَرِيهَا لَهُ وَوَكَّلَ الْمَوْلَى مَنْ يَبِيعُهَا فَاشْتَرَاهَا وَكِيلُ الزَّوْجِ مِنْ وَكِيلِ الْمَوْلَى فَقَدْ بَطَلَ الْمَهْرُ وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الْمُتْعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ كُلُّهُ وَيَجِبُ النِّصْفُ إلَخْ)، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي بَابِ الزِّيَادَةِ فِي الْمُهُورِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا يَتَنَصَّفُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا فُرِضَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَتَنَصَّفُ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ أَصْلَ الْمَهْرِ وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهِ اهـ. مُجْتَبَى (قَوْلُهُ: وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ) إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَهُ الْآخَرَ كَقَوْلِهِمَا اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] أَيْ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا فُرِضَ بِالْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِفَرْضِ الْقَاضِي فَإِنَّ لَهَا أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي لِيَفْرِضَ لَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فَرَضَ لَهَا فِي الْعَقْدِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ هَذَا الْمَفْرُوضَ إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ وَقُلْنَا إنَّ الْفَرْضَ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعْتَادِ وَذَا فِي الْعَقْدِ وَالْمُسَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ مُسَمًّى فِيهِ فَلَا يَتَنَصَّفُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ) حَتَّى كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِنَا فُرِضَ لَهَا الصَّدَاقُ أَنَّهُ أَوْجَدَهُ فِي الْعَقْدِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ: وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ تَقْيِيدٌ بِالْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ بَعْدَمَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ حَيْثُ قَالَ أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ وَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدُ اللَّفْظِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْحَقَّ التَّقْيِيدُ بِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْمُسَمَّى) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] وَالْفَرْضُ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ الْمُقَدَّرُ لَدَى الْعَقْدِ وَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ لَا عُمُومَ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْمُسَمَّى) أَيْ غَيْرَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مُرَادٌ اتِّفَاقًا فَلَا يُرَادُ غَيْرُهُ وَإِلَّا يَلْزَمُ تَعْمِيمُ الْمُطْلَقِ وَلَا عُمُومَ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْمُتَنَاوِلُ لِلذَّاتِ إلَخْ) أَمَّا الْعُمُومُ فَقَدْ نَفَاهُ وَلَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ خَاصٌّ لِيَسْتَحِيلَ كَلَامُهُ، وَقَوْلُهُ: فَلَا يَتَقَيَّدُ إلَّا بِمُقَيَّدٍ قُلْنَا يُقَيَّدُ بِالْعُرْفِ فَانْتَفَى الْإِطْلَاقُ اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِفَرْضِ الْقَاضِي عَلَيْهِ لَوْ رَافَعَتْهُ لِيَفْرِضَ لَهَا فَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمَفْرُوضَ بَعْدَ الْعَقْدِ نَفْسُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَأَنَّ الْفَرْضَ لِتَعْيِينِ كَمِّيَّتِهِ لِيُمْكِنَ دَفْعُهُ وَهُوَ لَا يَتَنَصَّفُ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِهِ فِي النَّصِّ الْمُتَعَارَفِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً لِمَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ غَيْرَهُ غَيْرُ مُتَبَادَرٍ لِنُدْرَةِ وُجُودِهِ. 1 - (فَرْعٌ). لَوْ عَقَدَ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ، ثُمَّ فَرَضَ لَهَا دَارًا بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا لِلشَّفِيعِ لِمَا قُلْنَا إنَّ الْمَفْرُوضَ بَعْدَهُ تَقْدِيرُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ بَدَلُ الْبُضْعِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الدَّارَ وَتَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ بِالْمُتْعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ، ثُمَّ بَاعَهَا بِهِ الدَّارَ فَإِنَّ فِيهَا الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ الدَّارَ شِرَاءً بِالْمَهْرِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَالدَّارُ لَهَا فَتَرُدُّ نِصْفَ الْمُسَمَّى عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُسْتَوْفِيَةً لِلصَّدَاقِ بِالشِّرَاءِ، وَالشِّرَاءُ لَا يَبْطُلُ بِالطَّلَاقِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ إلَخْ) وَلَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ النِّكَاحِ حَالَةَ الزِّيَادَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ خِلَافًا لَهُمَا لَكِنْ الْقُدُورِيُّ ذَكَرَ

فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ مَقْصُودًا، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ مَلَكَ الْبُضْعَ بِالْمَهْرِ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ عِوَضَ مِلْكِهِ فَلَا تَصِحُّ فَتَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً فَيُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطُ الْهِبَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24]؛ وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الْعَقْدِ زَمَنٌ لِفَرْضِ الْمَهْرِ وَلِهَذَا جَازَ فَرْضُهُ فِيهِ إذَا لَمْ يُفْرَضْ عِنْدَ الْعَقْدِ فَكَانَ حَالَةَ الزِّيَادَةِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ فَيُسْتَنَدُ إلَى حَالَةِ الْعَقْدِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَبْطُلُ بِمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ فِي الْعَقْدِ شَيْئًا، ثُمَّ فَرَضَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ بُضْعَهَا بِلَا مَهْرٍ عِنْدَهُ فَإِذَا فَرَضَ لَهَا يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْفَرْضِ لَا بِالْعَقْدِ، فَيَكُونُ الْمَفْرُوضُ بِإِزَاءِ مِلْكِهِ الْحَاصِلِ قَبْلَ فَرْضِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَلْوَةُ بِلَا مَرَضِ أَحَدِهِمَا وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَإِحْرَامٍ وَصَوْمِ فَرْضٍ كَالْوَطْءِ) حَتَّى يَجِبَ الْمَهْرُ بِهِ كَامِلًا كَمَا يَجِبُ بِالْوَطْءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَدِيدِ: يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237]، الْآيَةَ. وَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِالْوَطْءِ فَلَا يَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ دُونَهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأَةٍ وَنَظَرَ إلَيْهَا وَجَبَ الصَّدَاقُ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ»، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِهِ وَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَمُعَاذٍ، وَمِثْلُهُ حَكَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَقَالَ أَيْضًا هُوَ اتِّفَاقُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ؛ وَلِأَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ حَيْثُ رَفَعَتْ الْمَوَانِعَ وَذَلِكَ وُسْعُهَا فَيَتَأَكَّدُ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ، وَقَالَ تَعَالَى {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21] أَوْجَبَ جَمِيعَ الْمَهْرِ بَعْدَ الْإِفْضَاءِ وَهُوَ الْخَلْوَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْفَضَاءِ قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] فَقَدْ دَخَلَهَا خُصُوصٌ عَلَى مَا مَرَّ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهَا بِمَا ذَكَرْنَا أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَسِّ الْخَلْوَةَ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرَطَ أَنْ تَكُونَ الْخَلْوَةُ بِلَا مَانِعٍ مِنْ الْمَوَانِعِ الَّتِي ذَكَرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ مَعَ الْمَانِعِ، وَالْخَلْوَةُ إنَّمَا جُعِلَتْ كَالدُّخُولِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْهُ وَمَعَ الْمَانِعِ لَا يَتَمَكَّنُ فَلَا تَكُونُ صَحِيحَةً وَالْمَوَانِعُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ حِسِّيٌّ وَطَبْعِيٌّ وَشَرْعِيٌّ وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ مَرَضُ أَحَدِهِمَا أَيَّهُمَا كَانَ إذَا كَانَ مَرَضًا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ، وَقِيلَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِهَا وَأَمَّا مَرَضُهُ فَمَانِعٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَرِّي عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ عَادَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَالْحَيْضُ مَانِعٌ طَبْعًا وَشَرْعًا، وَكَذَا النِّفَاسُ وَالْإِحْرَامُ بِحَجِّ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ عُمْرَةٍ مَانِعٌ شَرْعًا لِمَا يَلْزَمُهُ بِالْجِمَاعِ مِنْ الدَّمِ وَالْقَضَاءِ لِفَسَادِ الْإِحْرَامِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ مَانِعٌ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا يَلْزَمُهُمَا بِالْجِمَاعِ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ وَأَمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ وَالْمَنْذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْقَضَاءِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِفْسَادِ فَإِنْ قِيلَ فِي النَّفْلِ لُزُومُ الْقَضَاءِ فَصَارَ كَرَمَضَانَ قُلْنَا اللُّزُومُ لِضَرُورَةِ صِيَانَةِ الْمُؤَدَّى فَيَتَقَدَّرُ بِهَا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَالصَّلَاةِ كَالصَّوْمِ فَرْضُهَا كَفَرْضِهِ وَنَفْلُهَا كَنَفْلِهِ، وَمِنْ الْمَوَانِعِ لِصِحَّةِ الْخَلْوَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ عَفْلَاءَ أَوْ شَعْرَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ لَا يَجِبُ بِخَلْوَتِهِ كَمَالُ الْمَهْرِ وَقَالَ شَرَفُ الْأَئِمَّةِ: إنْ كَانَ يَشْتَهِي وَتَتَحَرَّكُ آلَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُكْمِلَ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ لَا تَكُونُ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّالِثُ بَصِيرًا أَمْ أَعْمَى يَقْظَانَ أَوْ نَائِمًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى يَحُسُّ وَالنَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ أَوْ يَتَنَاوَمُ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونًا ـــــــــــــــــــــــــــــQصُورَةَ الْمَوْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ بَلْ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي الْمَوْتِ انْقَطَعَ النِّكَاحُ وَفَاتَ مَحَلُّ التَّمْلِيكِ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ الْمَحَلُّ قَابِلٌ اهـ. طَرْسُوسِيٌّ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَجِبَ الْمَهْرُ بِهِ) أَيْ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ اهـ. قُنْيَةٌ وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ عَلَى بَطْنِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالزِّنَا؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْحَدُّ بِالتَّزَوُّجِ قَبْلَ تَمَامِ الزِّنَا وَالْمَهْرُ الْمُسَمَّى بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَزِيدُ عَلَى الْخَلْوَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ إلَخْ) يَتَضَمَّنُ مَنْعَ تَوَقُّفِ وُجُوبِ الْكَمَالِ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ بَلْ عَلَى التَّسْلِيمِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ) أَيْ وَالْإِجَارَةِ يَعْنِي أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْبَدَلِ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ لَا حَقِيقَةُ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ الْمُوجَبُ فِيهِمَا التَّسْلِيمُ وَهُوَ رَفْعُ الْمَوَانِعِ وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ مَنْفَعَةً أَصْلًا فَكَذَا فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ يَكُونُ تَسْلِيمُ الْبُضْعِ بِذَلِكَ بَلْ أَوْلَى اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَقَدْ دَخَلَهَا خُصُوصٌ) أَيْ بِمَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى غَيْرَ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَحْوِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ اهـ. (قَوْلُهُ: بِطَرِيقِ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَسُّ اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى السَّبَبِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْخَلْوَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: حِسِّيٌّ) أَيْ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَطَبْعِيٌّ) قَالَ الْعَيْنِيُّ كَكَوْنِ الْمَرْأَةِ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ شَعْرَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ اهـ. وَقَالَ الرَّازِيّ أَمَّا الْمَانِعُ الْحِسِّيُّ فَكَمَرَضِ أَحَدِهِمَا اهـ. (فَرْعٌ). وَلَوْ أَزَالَ بَكَارَةَ امْرَأَتِهِ بِحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ اهـ. دِيَاتُ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَائِمًا تَطَوُّعًا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى، وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. فَقَوْلُهُ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَيْ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى فِي حَقِّ كَمَالِ الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا أَمَّا فِي حَقِّ جَوَازِ الْإِفْطَارِ فَالصَّحِيحُ غَيْرُهَا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِعُذْرٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ بَحْثًا أَنَّ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى فِي جَوَازِ الْإِفْطَارِ بِلَا عُذْرٍ، ثُمَّ وُجُوبُ الْقَضَاءِ أَقْعَدُ بِالدَّلِيلِ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ وَيَجْعَلُهُ إثْمًا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: أَوْ شَعْرَاءَ) أَيْ خَشِنَةً اهـ. قَامُوسٌ

أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ، وَقِيلَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَمْنَعَانِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَهُمَا زَوْجَتُهُ الْأُخْرَى تَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ وَرُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ قَالَ هِشَامٌ كَانَ مُحَمَّدٌ يَرَى لَهُ أَنْ يَطَأَهَا بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى، ثُمَّ رَجَعَ قَالَ مُحَمَّدٌ: كُنْت قُلْت بِالرِّقَّةِ هَذَا، ثُمَّ رَجَعْت وَقُلْت يُكْرَهُ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى وَفِي الْجَوَارِي لَا يُكْرَهُ وَتَكُونُ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ جَارِيَتُهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ بِخِلَافِ جَارِيَتِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا كَلْبٌ عَقُورٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقُورًا فَإِنْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ صَحَّتْ الْخَلْوَةُ مَعَهُ، ثُمَّ إنَّمَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ إذَا كَانَا فِي مَكَان يَأْمَنَانِ عَنْ اطِّلَاعِ غَيْرِهِمَا عَلَيْهِمَا أَوْ يَهْجُمُ كَالدَّارِ وَالْبَيْتِ وَلَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَالْحَمَّامِ، وَكَانَ شَدَّادٌ يَقُولُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ يَصِحُّ الْخَلْوَةُ إذَا كَانَتْ فِي الظُّلْمَةِ وَهُمَا كَالسُّتْرَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ ذَهَبَ بِامْرَأَتِهِ إلَى رُسْتَاقٍ فَرْسَخَيْنِ بِاللَّيْلِ فِي طَرِيقِ الْجَادَّةِ لَا تَكُونُ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً، وَإِنْ عَدَلَ بِهَا عَنْ الطَّرِيقِ إلَى مَكَان خَالٍ كَانَتْ صَحِيحَةً وَلَوْ حَجَّ بِهَا فَنَزَلَ فِي مَفَازَةٍ مِنْ غَيْرِ خَيْمَةٍ، فَلَيْسَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً، وَكَذَا فِي الْجَبَلِ وَفِي الْبَيْتِ غَيْرِ الْمُسَقَّفِ تَصِحُّ، وَكَذَا عَلَى سَطْحِ الدَّارِ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى مُطْلَقًا قَالُوا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى جَوَانِبِهِ سَاتِرٌ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَالَهُ شَدَّادٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ تَصِحُّ إذَا كَانَتْ فِي ظُلْمَةٍ وَلَوْ خَلَا بِهَا فِي بُسْتَانٍ لَيْسَ عَلَيْهِ بَابٌ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَفِي مَحْمَلٍ عَلَيْهِ قُبَّةٌ مَضْرُوبَةٌ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا فَهِيَ خَلْوَةٌ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ مِنْ ثَوْبٍ رَقِيقٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ، وَكَذَا السُّتْرَةُ الْقَصِيرَةُ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ رَجُلٌ رَآهُمَا وَلَوْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْرِفْهَا، ثُمَّ خَرَجَتْ أَوْ دَخَلَ هُوَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَعْرِفْهَا لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ هَكَذَا اخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ تَصِحُّ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ نَائِمَةً وَلَوْ عَرَفَهَا هُوَ وَلَمْ تَعْرِفْهُ هِيَ تَصِحُّ الْخَلْوَةُ وَلَوْ رَدَّتْ أُمُّهَا الْبَابَ وَلَمْ تَغْلِقْ وَهُمَا فِي خَانٍ يَسْكُنُهُ النَّاسُ وَالنَّاسُ قُعُودٌ فِي سَاحَةِ الْخَانِ يَنْظُرُونَ مِنْ بَعِيدٍ فَإِنْ كَانُوا مُتَرَصِّدِينَ لَهُمَا فِي النَّظَرِ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ وَإِلَّا فَتَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمَا يَقْدِرَانِ عَلَى الِانْتِقَالِ إلَى زَاوِيَةٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى سُتْرَةٍ لَا تَقَعُ أَبْصَارُهُمْ عَلَيْهِمَا وَقَدْ قِيلَ لَوْ كَانَ الْبَيْتُ فِي دَارٍ بَابُهُ مَفْتُوحٌ لَا يَدْخُلُهُ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنٍ تَصِحُّ الْخَلْوَةُ وَفِي الْبَدَائِعِ الْخَلْوَةُ فِي الْحَجَلَةِ وَالْقُبَّةِ صَحِيحَةٌ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ خَلَوْت بِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَلَا بِهَا طَلُقَتْ فَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ. (فَرْعٌ). وَفِي الْمُحِيطِ قِيلَ يَدْخُلُ بِهَا إذَا بَلَغَتْ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ بِنْتَ تِسْعٍ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ سَمِينَةً جَسِيمَةً تُطِيقُ الْجِمَاعَ يَدْخُلُ بِهَا وَإِلَّا فَلَا هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ الْخِتَانِ قِيلَ لَا يُخْتَنُ حَتَّى يَبْلُغَ؛ لِأَنَّهُ لِلطَّهَارَةِ وَلَا طَهَارَةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ، وَقِيلَ إذَا بَلَغَ عَشْرًا، وَقِيلَ تِسْعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا) يَعْنِي خَلْوَتُهُ بِهَا بِلَا مَانِعٍ مِنْ الْمَوَانِعِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَحِيحَةٌ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا وَفِي الْمَجْبُوبِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِنْ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ جَارِيَتُهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ) وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَلَوْ كَانَ فِي الْبَيْتِ مَعَهَا جَارِيَتُهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ تَصِحُّ الْخَلْوَةُ اهـ. خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ جَارِيَتِهِ) وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَفِي أَمَتِهِ رِوَايَتَانِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ صَحَّتْ الْخَلْوَةُ) قَالَ الْكَمَالُ وَعِنْدِي أَنَّ كَلْبَهُ لَا يَمْنَعُ وَإِنْ كَانَ عَقُورًا؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ قَطُّ لَا يَتَعَدَّى عَلَى سَيِّدِهِ وَلَا عَلَى مَنْ يَمْنَعُهُ سَيِّدُهُ عَنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: تَصِحُّ الْخَلْوَةُ إذَا كَانَتْ فِي الظُّلْمَةِ إلَخْ) وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ الْإِحْسَاسُ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْبَصَرِ أَلَا تَرَى إلَى الْمَنْعِ لِوُجُودِ الْأَعْمَى وَالْإِبْصَارُ لِلْإِحْسَاسِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْرِفْهَا) أَيْ فَمَكَثَتْ اهـ. خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ) هَذَا الْفَرْعُ نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْفَتَاوَى، ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْعِدَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ الْخِتَانِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ بَلَغَ وَلَدِي الْخِتَانَ فَلَمْ أَخْتِنْهُ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا أَخَّرَ الْخِتَانَ عَنْ عَشْرِ سِنِينَ يَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ؛ لِأَنَّ عَشْرَ سِنِينَ نِهَايَةُ وَقْتِ الْخِتَانِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ يُضْرَبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ فَيُؤْمَرُ بِالْخِتَانِ حَتَّى يَكُونَ أَبْلَغَ فِي التَّطْهِيرِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ قَالَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُؤَخِّرْ الْخِتَانَ عَنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ هَذَا أَدْنَى مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ فِيهَا بُلُوغُ الْغُلَامِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ هَذَا الْمَبْلَغَ، وَقَالَ احْتَلَمْت يُقْبَلُ قَوْلُهُ: وَيُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ لَوْ قَالَ احْتَلَمْت لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: وَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَجْبُوبًا) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَهُوَ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ وَالْخَصِيُّ هُوَ الَّذِي قُلِعَتْ خُصْيَتَاهُ اهـ. عَيْنِيٌّ، وَقَدْ فَسَّرَ الْعَيْنِيُّ فِي بَابِ الْعِنِّينِ الْمَجْبُوبَ بِمَا فَسَّرَهُ هُنَا، وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ فِي فَصْلِ الْعِنِّينِ مَا نَصُّهُ وَالْمَجْبُوبُ وَهُوَ الَّذِي قُطِعَ ذَكَرُهُ أَصْلًا فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْجِيلِ وَالْخَصِيُّ كَالْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ لَهُ آلَةً تَنْتَصِبُ وَيُجَامِعُ بِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَحْبَلُ وَهُوَ الَّذِي سُلَّتْ أُنْثَيَاهُ اهـ. فَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَحْبَلُ يُشْكِلُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الْمَجْبُوبِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْمَجْبُوبِ الَّذِي يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ مِنْ قَطْعِ ذَكَرِهِ فَقَطْ وَبَقِيَتْ أُنْثَيَاهُ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَقِيمُ مَا قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارِ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَمْلِ الْمَجْبُوبِ الَّذِي يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ عَلَى مَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ فَقَطْ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الطَّوَاشِي اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ عِنِّينًا) أَيْ وَهُوَ الَّذِي فِي آلَتِهِ فُتُورٌ اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَجْبُوبِ خِلَافٌ) قَالَ الْحَدَّادِيُّ، وَإِذَا خَلَا الْمَجْبُوبُ بِامْرَأَتِهِ فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ احْتِيَاطًا إجْمَاعًا اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِنْ الْمَرِيضِ) أَيْ لِأَنَّ الْمَرِيضَ رُبَّمَا يُجَامِعُ وَالْمَجْبُوبُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَصْلًا لِعَدَمِ الْآلَةِ فَلَمَّا لَمْ تَصِحَّ خَلْوَةُ الْمَرِيضِ فَلَأَنْ لَا تَصِحَّ خَلْوَةُ الْمَجْبُوبِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْهُ مُتَصَوَّرٌ اهـ.

يُدَارُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ كَالْخَصِيِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا التَّسْلِيمُ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ، وَقَدْ أَتَتْ بِهِ وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَاسْتَحَقَّتْ كَمَالَ الْمَهْرِ بِالِاتِّفَاقِ، قِيلَ هَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يُنْزِلُ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنْزِلُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَجِبُ الْعِدَّةُ فِيهَا) أَيْ تَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الْخَلْوَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً اسْتِحْسَانًا لِتَوَهُّمِ الشَّغْلِ؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الشَّرْعِ وَالْوَلَدِ فَلَا يَصْدُقَانِ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا صَحَّتْ الْخَلْوَةُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمَانِعَ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا تَجِبُ الْعِدَّةُ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا كَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَقَامُوا الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ دُونَ الْبَعْضِ فَأَقَامُوهَا فِي حَقِّ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ وَنِكَاحِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُرَاعَاةِ وَقْتِ الطَّلَاقِ فِي حَقِّهَا وَلَمْ يُقِيمُوهَا مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ الْإِحْصَانِ وَحُرْمَةِ الْبَنَاتِ وَحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ وَالرَّجْعَةِ وَالْمِيرَاثِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ وُقُوعِ طَلَاقٍ آخَرَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَقَعَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِلْمُفَوِّضَةِ قَبْلَ الْوَطْءِ) أَيْ الَّتِي لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَإِنَّ الْمُتْعَةَ لَهَا وَاجِبَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَخْرَجَ الْمُتْعَةَ لَهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَبَّةً، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ مُسْتَحَبًّا وَزِيَادَةً؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْوَاجِبِ، وَهَذَا ظَاهِرُهُ يَتَنَاوَلُ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَتَكُونُ الْمُتْعَةُ لَهَا مُسْتَحَبَّةً ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْحَصْرِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ الْمُتْعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: يُدَارُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ) يُعْطِي أَنَّ خَلْوَةَ الْخَصِيِّ صَحِيحَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا التَّسْلِيمُ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْمُطَلَّقَةُ الثَّلَاثُ إذَا تَزَوَّجَتْ بِمَجْبُوبٍ فَطَلَّقَهَا إنْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْ الْمَجْبُوبِ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَإِنْ حَبِلَتْ وَوَلَدَتْ حَلَّتْ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَصَارَتْ مُحْصَنَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الدُّخُولُ حُكْمًا لِثَبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي بَابِ الْعِنِّينِ أَنَّ امْرَأَةَ الْمَجْبُوبِ إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ التَّفْرِيقِ إلَى سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَبْطُلُ تَفْرِيقُ الْقَاضِي اهـ. (قَوْلُهُ: تَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الْخَلْوَةِ) أَيْ احْتِيَاطًا اهـ. ع (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً) أَيْ لِلْمَوَانِعِ الْمَذْكُورَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَوَهُّمِ الشَّغْلِ إلَخْ) نَظَرًا إلَى التَّمَكُّنِ الْحَقِيقِيِّ، وَكَذَا فِي الْمَجْبُوبِ لِقِيَامِ احْتِمَالِ الشَّغْلِ بِالْمُسْتَحَقِّ وَلِذَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُنْزِلُ يَثْبُتُ وَإِنْ عُلِمَ بِخِلَافِهِ فَلَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَعِلْمُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يُنْزِلُ أَوْ لَا رُبَّمَا يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ قَالَ الْعَتَّابِيُّ تَكَلَّمَ مَشَايِخُنَا فِي الْعِدَّةِ الْوَاجِبَةِ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ظَاهِرًا أَوْ حَقِيقَةً فَقِيلَ لَوْ تَزَوَّجَتْ وَهِيَ مُتَيَقِّنَةٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ حَلَّ لَهَا دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَقَوْلُهُ: وَالْعِدَّةُ حَقُّ الشَّرْعِ وَلِذَا لَا تَسْقُطُ لَوْ أَسْقَطَاهَا وَلَا يَحِلُّ لَهَا الْخُرُوجُ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ وَتَتَدَاخَلَ الْعِدَّتَانِ وَلَا يَتَدَاخَلُ حَقُّ الْعَبْدِ وَالْوَلَدِ أَيْ وَحَقُّ الْوَلَدِ وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِهَا بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَلَا يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ غَيْرَ أَنَّ فِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهَا حَقُّ الْوَلَدِ تَأَمُّلًا اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ إلَخْ) مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ أَوْ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ خَلْوَةٍ فَاسِدَةٍ تَجِبُ الْعِدَّةُ فِيهَا بَلْ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْبَعْضِ مِنْهَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ بَعْدَ ذِكْرِ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ وَالْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمَانِعُ شَرْعِيًّا وَسَاقَ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَظَاهِرُهُ ضَعْفُ مَا قَالَ الْقُدُورِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً) فَكَانَ كَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ حَيْثُ قِيَامُ الْيَقِينِ بِعَدَمِ الشَّغْلِ وَمَا قَالَهُ قَالَ بِهِ التُّمُرْتَاشِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ إلَّا أَنَّ الْأَوْجَهَ عَلَى هَذَا أَنْ يُخَصَّ الصَّغِيرُ بِغَيْرِ الْقَادِرِ وَالْمَرِيضُ بِالْمُدْنِفِ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً فِي غَيْرِهِمَا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ بِالْخَلْوَةِ إنَّمَا هُوَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بِالْخَلْوَةِ فِيهِ بَلْ بِحَقِيقَةِ الدُّخُولِ اهـ. كَمَالٌ وَفِي فُصُولِ الْأَسْرُوشَنِيُّ قَالَ وَرَأَيْت فِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ إذَا خَلَا بِهَا فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ هَلْ يَكُونُ إجَازَةً قَالَ يَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَفْسُ الْخَلْوَةِ لَا تَكُونُ إجَازَةً اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنَّمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَحُرْمَةِ الْبَنَاتِ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَى بِامْرَأَتِهِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا تَحْرُمُ بَنَاتُهَا اهـ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ بِالْأُمِّ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالرَّجْعَةِ) يَعْنِي إذَا خَلَا بِالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمِيرَاثِ) أَيْ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ لَا يَرِثُ مِنْهَا لِلِاحْتِيَاطِ الْوَاجِبِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَقَعَ) أَقُولُ الْقَوْلُ بِالْوُقُوعِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ بَائِنٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ بَائِنٌ فَالثَّانِي أَوْلَى فَيَلْزَمُ لُحُوقُ الْبَائِنِ الْبَائِنَ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَفْيُهُ اهـ. مُجْتَبَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ فِي هَذَا الْبَابِ وَجَبَ أَنْ تَقَعَ احْتِيَاطًا اهـ. قَوْلُهُ: مُشْكِلٌ لَا إشْكَالٌ وَانْظُرْ مَا كَتَبْته عَلَى هَامِشِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِلْمُفَوِّضَةِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا مُتْعَةَ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَقَوْلُهُ: إلَّا لِلْمُفَوِّضَةِ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَوَقَعَ بِهِ السَّمَاعُ؛ لِأَنَّهَا مُفَوِّضَةٌ نَفْسَهَا لِوَلِيِّهَا وَلِلزَّوْجِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا أَيْ فَوَّضَهَا وَلِيُّهَا لِلزَّوْجِ وَهِيَ الَّتِي زُوِّجَتْ بِلَا مَهْرٍ مُسَمًّى اهـ. كَمَالٌ

بَعْضِ النُّسَخِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، وَذَكَرَ فِي بَعْضِ مُشْكِلَاتِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَاجِبَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، وَسُنَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا، وَالرَّابِعَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا مُسْتَحَبَّةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ قَامَ فِي حَقِّهِنَّ مَقَامَ الْمُتْعَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: تَجِبُ الْمُتْعَةُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ مَا سُلِّمَ لَهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَهْرِ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ لَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَقْدِ وَالطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالطَّلَاقِ فَتَجِبُ دَفْعًا لِلْوَحْشَةِ غَيْرَ أَنَّ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ فَلَا يَجِبُ لَهَا ثَانِيًا وَلَنَا أَنَّ الْمُتْعَةَ خَلَفٌ عَنْ الْمَهْرِ فَلَا تُجَامِعُهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا سُلِّمَ لَهَا فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ لَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَقْدِ مَمْنُوعٌ بَلْ نَقُولُ وَجَبَ كُلُّ الْمَهْرِ بِالْعَقْدِ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْجَمِيعِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَإِنَّمَا الدُّخُولُ يَتَقَرَّرُ بِهِ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي الْإِيحَاشِ لِمَشْرُوعِيَّةِ الطَّلَاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الشِّغَارِ وَخِدْمَةِ زَوْجٍ حُرٍّ لِلْأَمْهَارِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) أَيْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِبُطْلَانِ التَّسْمِيَةِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي نِكَاحِ الشِّغَارِ وَفِي التَّزْوِيجِ عَلَى خِدْمَةِ الزَّوْجِ الْحُرِّ وَعَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَمَّا نِكَاحُ الشِّغَارِ وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ؛ فَلِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا إذْ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ مَيْتَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَفْسُدُ النِّكَاحُ لِحَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الشِّغَارِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ»، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ مَهْرًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحًا وَلَا اشْتِرَاكَ فِي هَذَا الْبَابِ فَيَبْطُلُ بِهِ الْإِيجَابُ وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَهَذَا شَرْطٌ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِتَسْمِيَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ وَلَا بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَالنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهِ إنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ إخْلَائِهِ عَنْ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَاكْتِفَائِهِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ فِيهِ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ الْمَالِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عَادَتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ مَهْرًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحًا فَلَا وَجْهَ لَهُ إذْ لَمْ يَجْتَمِعْ النِّكَاحُ وَالصَّدَاقُ فِي بُضْعٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْبُضْعِ صَدَاقًا فَلَا يُتَصَوَّرُ الِاشْتِرَاكُ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ حَيْثُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهِ لِصَلَاحِيَّةِ الِاشْتِرَاكِ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ مَنْكُوحَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ؛ فَلِأَنَّ الْمُسَمَّى أَيْضًا لَيْسَ بِمَالٍ وَالشَّارِعُ إنَّمَا شَرَّعَ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ بِالْمَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَخِدْمَةُ الْحُرِّ وَتَعْلِيمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا إلَخْ) وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالتَّسْمِيَةِ فَالْمُتْعَةُ لَهَا وَاجِبَةٌ اتِّفَاقًا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِالنَّصِّ اهـ. (قَوْلُهُ: لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ) أَيْ بِطَرِيقِ إيجَابِ الْمُتْعَةِ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ جَبْرُ صَدْعِ الْإِيحَاشِ لَا الْمَهْرُ لِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ بُضْعِهَا فَلَا تَجِبُ مُتْعَةٌ أُخْرَى وَإِلَّا تَكَرَّرَتْ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: يَتَقَرَّرُ بِهِ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ) وقَوْله تَعَالَى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] أَمَّا إنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ الَّتِي لَمْ يُسَمَّ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]، ثُمَّ قَالَ {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] أَوْ يُرَادُ بِمَتِّعُوهُنَّ إيجَابُ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَكِسْوَتِهَا وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا الْمُسَمَّى لَهَا فَمَحَلُّ الِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا الِاسْتِحْبَابَ فِي الْمَدْخُولَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28] وَهُنَّ مَدْخُولَاتٌ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي الْإِيحَاشِ لِمَشْرُوعِيَّةِ الطَّلَاقِ) وَعُلِمَ أَنْ لَا جِنَايَةَ فِي الطَّلَاقِ بَلْ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فِي الَّتِي لَا تُصَلِّي وَالْفَاجِرَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ) أَيْ صَدَاقًا فِيهِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُلٍّ صَدَاقًا لِلْأُخْرَى أَوْ مَعْنَاهُ بَلْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَقِيلَ جَازَ النِّكَاحُ اتِّفَاقًا وَلَا يَكُونُ شِغَارًا وَلَوْ زَادَ قَوْلَهُ: عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ بِنْتِي صَدَاقًا لِبِنْتِك فَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ بَلْ زَوَّجَهُ بِنْتَه وَلَمْ يَجْعَلْهَا صَدَاقًا كَانَ نِكَاحُ الثَّانِي صَحِيحًا اتِّفَاقًا وَالْأَوَّلُ عَلَى الْخِلَافِ اهـ. كَمَالٌ (فَرْعٌ مِنْ الْغَايَةِ) لَوْ زَوَّجَهُ بِنْتَه بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ بِنْتَه بِأَلْفٍ جَازَ النِّكَاحُ بِالْمُسَمَّى فَإِنْ لَمْ يُزَوِّجْهُ الْآخَرُ فَلِلْمُزَوَّجَةِ تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ لِذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِلْأَجْنَبِيِّ لَا يُكْمِلُ مَهْرَهَا عِنْدَ فَوَاتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: إذْ الْمُسَمَّى) أَيْ وَهُوَ الْبُضْعُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِمَالٍ) أَيْ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا إيجَارُهُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الشِّغَارِ» إلَخْ) وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالْفَاسِدُ فِي هَذَا الْعَقْدِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ اتِّفَاقًا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا شِغَارَ إلَخْ) وَالنَّفْيُ رَفْعُ الْوُجُودِ فِي الشَّرْعِ اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالشِّغَارُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مِنْ أَنْكِحَةِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ صَدَاقٌ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الثَّانِي وَهُوَ مِنْ الشُّغُورِ وَهُوَ الْخُلُوُّ فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى فِيهِ فَأَيْنَ الْخُلُوُّ، وَكَذَا إذَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا يُقَالُ شَغَرَ الْبَلَدُ إذَا خَلَا مِنْ النَّاسِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ مَهْرًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحًا)، فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الزَّوْجِ وَمُسْتَحِقِّ الْمَهْرِ وَهُوَ بَاطِلٌ اهـ. فَتْحٌ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ بِنْتِهِ مَنْكُوحَةً كُلَّهَا صَدَاقًا وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ إذَا دُفِعَ لِشَخْصَيْنِ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ) قَالَ الرَّازِيّ فِي مَسْأَلَةِ الشِّغَارِ وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بَعْدَ وُجُودِهِ وَهُوَ تَسْمِيَةُ مَا لَيْسَ لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْمَهْرِ، وَالنَّهْيُ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ خُلُوُّ الْعَقْدِ عَنْ الْمَهْرِ، وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ فِي الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ

الْقُرْآنِ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ لِمَكَانِ الْمُنَاقَضَةِ فَصَارَ كَالتَّزَوُّجِ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَلَهُمَا أَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ لَيْسَتْ بِمَالٍ حَقِيقَةً إذْ لَا تَسْتَحِقُّ فِيهِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا تَصِيرُ مَالًا لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ عَيْنِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا فَعِنْدَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ عَيْنِهَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهَا فَلَا تُجْعَلُ مَالًا فَصَارَتْ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهَا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَخِدْمَةُ الزَّوْجِ وَجْهُ قَوْلِهِ فِي التَّعْلِيمِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُ: هَلْ مَعَك شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ نَعَمْ: سُورَةُ كَذَا وَكَذَا السُّوَرُ الَّتِي سَمَّاهَا فَقَالَ: قَدْ مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، وَيُرْوَى أَنْكَحْتُكهَا وَزَوَّجْتُكهَا» وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ»؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بِبَرَكَةِ مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ بِسَبَبِ مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ أَجْلِ أَنَّك مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ مَهْرًا كَتَزَوُّجِ أَبِي طَلْحَةَ عَلَى إسْلَامِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ؛ وَلِأَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ عِبَادَةٌ فَلَا يَصْلُحُ صَدَاقًا لِكَوْنِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ كَتَعْلِيمِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَفِي قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَفْرُوضَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَهُ نِصْفٌ حَتَّى يُمْكِنَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَهْرِ وَعَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمُسَمَّى إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ التَّعْلِيمِ، فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ وَوَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْخِدْمَةِ أَنَّ الْمَنَافِعَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَهُ وَلِهَذَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُ؛ وَلِأَنَّهَا مِمَّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ أَوْ عَلَى رَعْيِ الْغَنَمِ وَكَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ وَلَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ إنَّمَا هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْمَنَافِعُ لَيْسَتْ بِمَالٍ عَلَى أَصْلِنَا حَتَّى لَا تُضْمَنَ بِالْغُصُوبِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ مَالًا بِالْعَقْدِ لِلضَّرُورَةِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا وَهُنَا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ فَلَا تَسْتَحِقُّ خِدْمَتَهُ بِحَالٍ فَانْعَدَمَتْ الضَّرُورَةُ بِخِلَافِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيمِ رَقَبَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَخْدُمُ مَوْلَاهُ مَعْنًى حَيْثُ يَخْدُمُهَا بِأَمْرِهِ فَلَا تَنَاقُضَ وَبِخِلَافِ رَعْيِ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الزَّوْجَةِ وَلِقِصَّةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبِخِلَافِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ بِرِضَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَخْدُمُهَا، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَيَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَخْدُمُهَا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخَلْوَةُ مَعَهَا وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ انْكِشَافِ مَا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلَمْ يَجُزْ فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ وَلَمْ يُجِزْ مَوْلَاهُ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَقَعَ بِرِضَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ خِدْمَتِهِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ بِرِضَا مَوْلَاهُ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى تَسْلِيمُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهَا خِدْمَتُهُ لَوْ عَبْدًا) أَيْ وَلَهَا خِدْمَةُ الزَّوْجِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا وَالْتَزَمَهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَبَضَتْ أَلْفَ الْمَهْرِ وَوَهَبَتْ لَهُ فَطَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ مُجَاوَزًا كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ) أَيْ فِي الْجَامِعِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: تَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ إلَخْ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ خِلَافًا وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِلَّا لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى خِلَافِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَقَالَ الثَّلَاثَةُ تَجِبُ الْخِدْمَةُ اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ) أَيْ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ إلَخْ) وَقُلْنَا الْمَنَافِعُ لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ وَتَقَوُّمُهَا فِي الْعُقُودِ لِضَرُورَةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَإِذَا مَنَعْنَا الشَّرْعَ مِنْ تَسْلِيمِهَا لَمْ يَثْبُتْ تَقَوُّمُهَا وَبَقِيَتْ عَلَى أَصْلِهَا وَقِيمَةُ الشَّيْءِ خَلَفٌ عَنْهُ وَشَرْطُ الْخَلَفِ تَصَوُّرُ الْأَصْلِ وَالْمُسَمَّى لَا يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا بِحَالٍ فَلَا يَقُومُ الْخَلَفُ مَقَامَهُ قَوْلُهُ: لِدَعْمِ الْإِحْرَازِ أَيْ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى وَلَا يُتَصَوَّرُ إحْرَازُهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ مَهْرًا) وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يُعَلِّمَهَا اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] كَذَا بِخَطِّهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَيْ لَهُنَّ اهـ. (قَوْلُهُ: إنَّ الْمَنَافِعَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَهُ) أَيْ حَيْثُ يَجُوزُ فِي الصَّحِيحِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى رَعْيِ الْغَنَمِ) أَيْ عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهَا غَنَمَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَتَزَوَّجَهَا) أَيْ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ) أَيْ سَنَةً اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْمَنَافِعُ إلَخْ) وَفِي الْمُحِيطِ وَيَجُوزُ إصْدَاقُ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ النَّاسِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيمِ رَقَبَتِهِ) أَيْ وَهِيَ مَالٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ رَعْيِ الْغَنَمِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ تَتَمَحَّضْ خِدْمَتُهُ لَهَا إذْ الْعَادَةُ اشْتِرَاطُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْقِيَامِ عَلَى مَصَالِحِ مَالِهِمَا أَيْ يَقُومُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَصَالِحِ مَالِ الْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ فِي الدِّرَايَةِ بِخِلَافِ رَعْيِ الْغَنَمِ وَالزِّرَاعَةِ حَوْلًا لَا يَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ يَعْنِي أَنْ يَزْرَعَ لَهَا أَرْضًا وَيَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْخِدْمَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ إذَا اسْتَأْجَرَ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلزِّرَاعَةِ وَالرَّعْيِ يَصِحُّ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الزَّوْجَةِ) أَيْ فَلَا مُنَاقَضَةَ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي رَعْيِ غَنَمِهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا لِلتَّرَدُّدِ فِي تَمَحُّضِهَا خِدْمَةً وَعَدَمِهِ، وَكَوْنُ الْأَوْجَهِ الصِّحَّةَ لَقَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قِصَّةَ شُعَيْبٍ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ غَيْرِ بَيَانِ نَفْيِهِ فِي شَرْعِنَا إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ مِلْكَ الْبِنْتِ دُونَ شُعَيْبٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَخْدُمُهَا) أَيْ وَيَرْجِعُ الْحُرُّ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهَا اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ) أَيْ صَاحِبِ الْمُحِيطِ اهـ.

رَجَعَ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ الْمَهْرِ فَقَبَضَتْهَا كُلَّهَا، ثُمَّ وَهَبَتْ الْمَقْبُوضَ كُلَّهُ لِلزَّوْجِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ الْمَقْبُوضِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ نِصْفَ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ فَكَذَا فِي الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرِدُ عَلَى عَيْنِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا آخَرَ فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ الْأَلْفَ أَوْ قَبَضَتْ النِّصْفَ وَوَهَبَتْ الْأَلْفَ أَوْ وَهَبَتْ الْعَرْضَ الْمَهْرَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَطَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ) هَذِهِ جُمْلَةٌ تَضَمَّنَتْ ثَلَاثَةَ فُصُولٍ، الْأَوَّلُ: فِيمَا إذَا لَمْ تَقْبِضْ مِنْ الْمَهْرِ شَيْئًا فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ جَمِيعِهِ وَهُوَ أَلْفٌ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْأَلْفِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ بِالْهِبَةِ وَلَمْ تَبْرَأْ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ يَسْتَحِقُّ الْبَرَاءَةَ بِهِ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا يَسْتَحِقُّ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْعَيْنِ فَكَأَنَّهَا وَهَبَتْهُ عَيْنًا أُخْرَى غَيْرَ الْمَهْرِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: وَهَبْتَنِي جَارِيَتَك فَقَالَ الْمَوْلَى: لَا بَلْ زَوَّجْتُكهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى حِلِّهِ لِمَا قُلْنَا فَصَارَ كَمَا لَوْ وَهَبَ الْمَرِيضُ عَبْدًا لِأَحَدِ ابْنَيْهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ وَهَبَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِأَخِيهِ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ فَإِنَّ الْأَخَ الْوَاهِبَ يَضْمَنُ لِأَخِيهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ سُلِّمَ لَهُ جَمِيعُ الْعَبْدِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ النِّصْفُ بِجِهَةِ الْإِرْثِ فَكَذَا هَذَا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ فَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ نَظِيرُهُ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، ثُمَّ وَهَبَهُ لِلْبَائِعِ لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي حَيْثُ لَا يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ وَهِيَ جِهَةُ الْمُشْتَرِي وَكَذَا فِي هِبَةِ الْمَرِيضِ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ وَهِيَ الْجِهَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ لَهُ وَإِنَّمَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَخِيهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ وَهِيَ فِي يَدِ ثَالِثٍ يَدَّعِي أَنَّهَا مِلْكُهُ وَنَقَدَ الثَّمَنَ، ثُمَّ وَصَلَتْ إلَيْهِ مِنْ ذِي الْيَدِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ تَصَرُّفِ ذِي الْيَدِ وَيَدَّعِي حُصُولَهَا لَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ الْبَائِعِ وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ مُخْتَلِفَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِإِنْكَارِهِ الْآخَرَ وَعَدَمِ الْحُجَّةِ فَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ، وَالْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا إذَا قَبَضَتْ نِصْفَ الْمَهْرِ، ثُمَّ وَهَبَتْ لِلزَّوْجِ جَمِيعَ الْمَهْرِ الْمَقْبُوضِ وَغَيْرَهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَبَضَتْ الْكُلَّ كَأَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ فَكَذَا إذَا قَبَضَتْ النِّصْفَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَقْبِضْ شَيْئًا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَلَوْ قَبَضَتْ الْكُلَّ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ فَيَتَنَصَّفُ فَيَجِبُ عَلَيْهَا نِصْفُ النِّصْفِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ؛ وَلِأَنَّ هِبَةَ مَا فِي الذِّمَّةِ حُطَّ وَهُوَ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فَكَانَ الْمَقْبُوضُ هُوَ كُلُّ الْمَهْرِ حُكْمًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَهْرِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ عَلَيْهَا وَالْحَطُّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَوْ كَانَ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ) وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ التَّعَيُّنِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَلْزَمُهَا رَدُّ عَيْنِ مَا أَخَذَتْ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَحِينَئِذٍ فَمَا وَهَبَتْهُ لِلزَّوْجِ غَيْرُ مَا قَبَضَتْهُ فَصَارَتْ هِبَةُ الْمَقْبُوضِ كَهِبَةِ مَالٍ آخَرَ فَلَمْ يُسَلَّمْ لِلزَّوْجِ نِصْفُ الصَّدَاقِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ نِصْفَ مَا قَبَضَتْ اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ) أَيْ وَلَا هِيَ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْأَلْفِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا وَهَبَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ إلَخْ) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ بِالْهِبَةِ مِنْ الزَّوْجِ صَارَتْ مُسْتَهْلِكَةً لِلصَّدَاقِ وَكَأَنَّهَا قَبَضَتْ، ثُمَّ اسْتَهْلَكَتْ فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِالنِّصْفِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْصُلْ لَهُ النِّصْفُ بِجِهَةِ الْإِرْثِ) أَيْ بَلْ بِالْهِبَةِ (قَوْلُهُ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إلَخْ) إذْ مَقْصُودُ الزَّوْجِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ السَّبَبِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ لَا تُرَادُ لِأَعْيَانِهَا بَلْ لِمَقَاصِدِهَا فَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ كَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إذَا عَجَّلَهُ لَا يُطَالَبُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِشَيْءٍ آخَرَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ؛ وَلِأَنَّ هِبَةَ الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ إسْقَاطٌ لِلدَّيْنِ وَالدَّيْنُ يَتَعَيَّنُ فِي الْإِسْقَاطِ فَلَمَّا تَعَيَّنَ وَصَلَ إلَى الزَّوْجِ عَيْنُ الْمَهْرِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَمُحَالٌ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ بِعَيْنِ مَا سُلِّمَ لَهُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ) وَلَا يُقَالُ اخْتِلَافُ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْعَيْنِ كَمَا فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ؛ لِأَنَّ ذَا بِالنَّظَرِ إلَى غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَمَا فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ أَمَّا بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا فَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: وَلَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ إلَخْ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ، وَنَظِيرُهُ مَنْ ادَّعَى أَنَّك غَصَبْت مِنِّي أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ اسْتَقْرَضْتهَا لَا يُعْتَبَرُ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا لِمَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَلْفِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً إلَخْ) وَفِي قَاضِي خَانْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَيْتهَا مِنْك فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ جَارِيَتُك وَلِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ بِسَبَبٍ آخَرَ لَزِمَهُ الْمَالُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الدَّيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَ سَبَبُهُ، وَفِي الْجَامِعِ قَالَ لَك هَذَا الْأَلْفُ وَدِيعَةً أَوْ مُضَارَبَةً فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي عِنْدَك وَدِيعَةٌ وَلَا مُضَارَبَةٌ بَلْ أَقْرَضْتُكهَا فَلَهُ أَخْذُهَا وَإِنْ كَذَّبَهُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْعَيْنِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ) أَيْ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَانَ الْمَقْبُوضُ هُوَ كُلُّ الْمَهْرِ حُكْمًا) أَيْ فَيَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَأْخُذُ الزَّوْجُ نِصْفَهُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْحَطُّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ) أَيْ كَالزِّيَادَةِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ

الْعَقْدِ لَمَا جَازَ كَمَا لَا يَجُوزُ الْإِنْشَاءُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ وَلِهَذَا لَا تَتَنَصَّفُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَلَوْ كَانَ يَلْتَحِقُ لَتَنَصَّفَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ عَقْدَ مُبَادَلَةٍ وَمُغَابَنَةٍ فَلَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ، وَالْبَيْعُ عَقْدُ مُعَايَنَةٍ وَمُرَابَحَةٍ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِالِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ وَهَبَتْ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ تَهَبْ مِنْ الْمَقْبُوضِ شَيْئًا وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ وَهَبَتْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا إلَى تَمَامِ النِّصْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا آخَرَ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الذِّمَّةِ فَحُكْمُهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَحُكْمِهَا لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرْضٍ بِعَيْنِهِ فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ وَوَهَبَتْهُ لَهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِجِهَةِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِتَعَيُّنِهِ فِي الْفَسْخِ كَمَا تَعَيَّنَ فِي الْعَقْدِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفْعُ شَيْءٍ آخَرَ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ رَدُّهُ بِأَنْ دَخَلَهُ عَيْبٌ كَبِيرٌ يُمْنَعُ رَدُّهُ فَوَهَبَتْهُ لَهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا نِصْفَ قِيمَةِ الْعَرْضِ يَوْمَ قَبَضَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّبَ عَيْبًا فَاحِشًا امْتَنَعَ الرَّدُّ وَبَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُ الْعَيْنَ فَصَارَ كَأَنَّهَا وَهَبَتْهُ عَيْنًا أُخْرَى غَيْرَ الْمَهْرِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ أَوْ عَرْضٍ فِي الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ أَيْ مِثْلُ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِعَرْضٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مُتَعَيِّنٌ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى ثُبُوتَ الْحَيَوَانِ فِي الذِّمَّةِ وَكَذَا الْعَرْضُ لِلْجَهَالَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ لَكِنَّهَا جُوِّزَتْ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِيهِ فَيَجْرِي فِيهِ التَّسَامُحُ فِي الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِذَا عَيَّنَهُ فِي التَّسْلِيمِ يَصِيرُ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ آخَرَ فِي الذِّمَّةِ حَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهَا رَدُّ مَا قَبَضَتْ لِمَا بَيَّنَّا وَيَأْتِي خِلَافُ زُفَرَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وُصُولُهُ مِنْ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ وَفِي الْغَايَةِ قَالَ زُفَرُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي تَعَيُّنِهَا، وَهَذَا بَعِيدٌ لَا يَكَادُ يَصِحُّ عَنْ زُفَرَ؛ لِأَنَّ وُصُولَهُ بِالْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ شَرْطٌ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَهْرُ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ أَوْ لَا، وَهَذَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ لَهُ رِوَايَتَانِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا فَإِنْ وَفَّى وَأَقَامَ فَلَهَا الْأَلْفُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ) لِلْمَسْأَلَةِ صُورَتَانِ، إحْدَاهُمَا أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا مَهْرًا وَيَشْتَرِطَ لَهَا مَعَهُ شَيْئًا آخَرَ يَنْفَعُهَا بِأَنْ تَزَوَّجَهَا مَثَلًا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا مَهْرًا عَلَى تَقْدِيرٍ وَيُسَمِّي خِلَافَهُ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا، وَقَوْلُهُ: فَإِنْ وَفَّى أَيْ وَفَّى بِالشَّرْطِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ مَهْرًا، وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ بِأَنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: يَرْجِعُ عَلَيْهَا إلَى تَمَامِ النِّصْفِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ عَلَى التَّمَامِ مِثْلَ مَا لَوْ قَبَضَتْ سِتَّمِائَةٍ وَوَهَبَتْ لَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْمِائَةِ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ وَهُوَ ثَلَثُمِائَةٍ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَحُكْمُهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَحُكْمِهَا) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مَا نَصُّهُ وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ إذَا كَانَ عَيْنًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ، وَإِذَا كَانَ دَيْنًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرْضٍ بِعَيْنِهِ) أَيْ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ كَمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ كَمَا سَيَجِيءُ بَعْدَ سِتَّةِ أَسْطُرٍ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ لَا هُوَ يَدْفَعُهَا غَيْرُهُ وَلَا هِيَ تَرُدُّ غَيْرَهُ اهـ، مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى دَيْنٍ لَا يَجْرِي فِيهِ الْقَرْضُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ لَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ مَا وَهَبَتْ الْمَهْرَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الْإِسْقَاطِ يَتَعَيَّنُ، وَكَذَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا قَبَضَتْ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْحَيَوَانُ أَوْ الْعَرْضُ صَارَ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى عَيْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَهَذَا فِيمَا إذَا بَيَّنَ نَوْعَ الْحَيَوَانِ وَنَوْعَ الْعَرْضِ بِأَنْ قَالَ عَلَى فَرَسٍ أَوْ عَلَى حِمَارٍ أَوْ عَلَى ثَوْبٍ مَرْوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ مُطْلَقَ الْحَيَوَانِ وَمُطْلَقَ الْعَرْضِ تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ مَوْزُونٍ آخَرَ) أَيْ مَوْزُونٍ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ يَعْنِي يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ إذَا وَهَبَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا أَعْنِي إذَا كَانَ دَيْنًا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْقَرْضُ كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ فَقَبَضَتْهُ فَوَهَبَتْهُ فَطَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ كَهِبَةِ مَالٍ آخَرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَتْ عَرْضَ الصَّدَاقِ مِنْ الزَّوْجِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ بِعِوَضٍ وَكَانَ حَقُّهُ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ بِلَا عِوَضٍ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ قَبَضَتْ الصَّدَاقَ وَوَهَبَتْهُ لِأَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ وَهَبَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الزَّوْجِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ، الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ سَلَامَةُ نِصْفِ الصَّدَاقِ لَهُ مِنْ جِهَتِهَا عِنْدَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ إنَّمَا سُلِّمَ لَهُ مَالٌ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ بِالْهِبَةِ وَتَبَدُّلُ الْمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) يُرِيدُ إذَا سَمَّى لَهَا أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَا شَيْءَ لَهَا غَيْرُهُ اهـ. غَايَةٌ

لَهَا شَيْئًا لَهَا فِيهِ نَفْعٌ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِعَدَمِ رِضَاهَا بِهِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الْمَضْمُومُ إلَى الْمَهْرِ مَالًا كَالْهَدِيَّةِ وَنَحْوِهَا يُكْمِلُ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ عِنْدَ فَوَاتِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ إنْ لَمْ يَفِ بِهِ يُفْسَخُ النِّكَاحُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَحَقُّ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ»، وَلَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تُحَرِّمُ الْحَلَالَ كَالتَّزَوُّجِ وَالْمُسَافَرَةِ بِهَا وَالتَّسَرِّي وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَانَتْ مَرْدُودَةً وَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مُدَّعَاهُمْ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَهُ أَحَقَّ أَيْ بِالْإِيفَاءِ فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ الْفَسْخُ عِنْدَ فَوَاتِهِ، وَقَوْلُهُ: وَأَقَامَ بِهَا أَيْ أَقَامَ بِهَا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا وَإِنَّمَا وَجَبَ الْأَلْفُ فِيهِ لِوُجُودِ رِضَاهَا بِهِ وَصَلَاحِيَّتِهِ مَهْرًا، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ أَيْ إنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَقُمْ بِهَا فِي الثَّانِيَةِ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ، فَلَيْسَ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ إنْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى الْأَلْفَيْنِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَلْفِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا الشَّرْطَانِ جَمِيعًا جَائِزَانِ حَتَّى كَانَ لَهَا الْأَلْفُ عِنْدَ الْإِقَامَةِ وَالْأَلْفَانِ عِنْدَ إخْرَاجِهَا وَقَالَ زُفَرُ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ، فَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى الْأَلْفَيْنِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَلْفِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ ذَكَرَ لِلْبُضْعِ بَدَلَانِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ، فَيَكُونُ مَجْهُولًا فَيَفْسُدُ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقَامَةَ إنَّمَا تُذْكَرُ لِلتَّرْغِيبِ فَعِنْدَ فَوَاتِهَا لَا تَنْعَدِمُ التَّسْمِيَةُ، وَكَذَا الْإِخْرَاجُ فَيَجْتَمِعُ فِي الْحَالِ تَسْمِيَتَانِ فَتَفْسُدُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقَامَةَ وَالْإِخْرَاجَ مَقْصُودٌ عُرْفًا فَاخْتِلَافُهُمَا كَاخْتِلَافِ النَّوْعِ فَلَا يَجْتَمِعُ فِي كُلِّ حَالَةٍ تَسْمِيَتَانِ بَلْ فِيهِ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ قَبِيحَةً وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً وَكَمَا إذَا اشْتَرَى أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَبَيْنَ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّفَاوُتِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إحْدَى التَّسْمِيَتَيْنِ مُنْجَزَةٌ وَالْأُخْرَى مُعَلَّقَةٌ فَلَا يَجْتَمِعُ فِي الْحَالِ تَسْمِيَتَانِ فَإِذَا أَخْرَجَهَا فَقَدْ اجْتَمَعَا فَتَفْسُدَانِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ لَا يُوجَدُ قَبْلَ شَرْطِهِ، وَالْمُنْجَزُ لَا يَنْعَدِمُ بِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ فَيَتَحَقَّقُ الِاجْتِمَاعُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا قَبْلَهُ وَتَمَامُهُ يَجِيءُ فِي الْإِجَارَةِ فِي قَوْلِهِ إنْ خَطَّتْهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خَطَّتْهُ غَدًا فَبِدِرْهَمَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ قَبِيحَةً وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً أَنَّ الْخَطَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ دَخَلَ عَلَى التَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْرِفُ هَلْ يُخْرِجُهَا أَوْ لَا وَلَا مُخَاطَرَةَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ، لَكِنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ وَجَهَالَتُهُ لَا تُوجِبُ خَطَرًا هَكَذَا ذَكَرَ الْفَرْقَ فِي الْغَايَةِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ عَلَى أَلْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْلَاةً عَلَى أَلْفٍ أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مُخَاطَرَةَ هُنَا وَلَكِنْ جُهِلَ الْحَالُ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الثَّمَنَيْنِ لَمْ يَجْتَمِعَا بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ بَلْ جُعِلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا مَعْلُومًا فَيَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ بِثَمَنِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ حُكِّمَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِعَدَمِ رِضَاهَا بِهِ) أَيْ بِالْمُسَمَّى وَهُوَ الْأَلْفُ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْهَدِيَّةِ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ عَلَى أَلْفٍ وَعَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُنْقِصُ مِنْ الْأَلْفِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا كَطَلَاقِ امْرَأَةٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُسَمَّى، وَعِنْدَنَا مَتَى كَانَ الْمَضْمُومُ إلَيْهِ لَهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ فِيهِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يُكْمِلُ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ لَا يُكْمِلُ، مِثَالُ الْأَوَّلِ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ وَعَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَخَاهَا يُكْمِلُ عِنْدَ إبَائِهِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ وَعَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَجْنَبِيًّا لَا يُكْمِلُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ اهـ. غَايَةٌ قَوْلِهِ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُسَمَّى أَيْ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَاسْتَحْكَمَ الْمُسَمَّى مَهْرًا فَلَا يَجِبُ الرُّجُوعُ بِعِوَضٍ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَالًا وَجَبَ الرُّجُوعُ بِعِوَضِهِ عِنْدَ فَوَاتِهِ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَنَا أَنَّهَا إنْ لَمْ تَرْضَ بِالْمُسَمَّى إلَّا بِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِانْعِدَامِ الرِّضَا بِالْمُسَمَّى كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ يُهْدِي إلَيْهَا هَدِيَّةً أَمَّا إذَا كَانَ شَيْئًا لَا يُبَاحُ لَهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى عَشْرَةً فَصَاعِدًا يَجِبُ ذَلِكَ وَيَبْطُلُ الْحَرَامُ وَلَا يُكْمِلُ مَهْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْتَفِعُ بِالْحَرَامِ فَلَا يَجِبُ عِوَضُهُ بِفَوَاتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ») رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ») أَيْ وَلَوْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) أَيْ بِأَنْ أَخْرَجَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَلْفِ) أَيْ لِرِضَاهَا بِإِسْقَاطِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَلْفَيْنِ وَرِضَاهُ بِالْأَلْفِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: ذُكِرَ لِلْبُضْعِ بَدَلَانِ) أَيْ وَهُمَا الْأَلْفُ وَالْأَلْفَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ) أَيْ الْمَهْرُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَفْسُدُ) أَيْ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّفَاوُتِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ قَدْ صَحَّ لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ فِيهِ فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ، ثُمَّ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ نَشَأَتْ مِنْهُ وَلَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ لَا يُؤَثِّرُ فِي النِّكَاحِ فَلَمَّا خَالَفَ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الشَّرْطِ نَفْعًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا اهـ.

الْعَبْدِ وَأَحَدُهُمَا أَوْكَسُ حُكِّمَ مَهْرُ الْمِثْلِ) يَعْنِي إذَا كَانَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ أَرْفَعَ مِنْ الْآخَرِ وَمَعْنَى التَّحْكِيمِ أَنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مِثْلَ أَرْفَعْهُمَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَهَا الْأَرْفَعُ لِرِضَاهَا بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَ أَوْكَسِهِمَا أَوْ أَقَلَّ فَلَهَا الْأَوْكَسُ لِرِضَاهَا بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَهَا الْأَوْكَسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفَيْنِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ الْبَدَلَ الْأَصْلِيَّ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا يُعْدَلُ عَنْهُ عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، وَعِنْدَهُمَا الْمُسَمَّى هُوَ الْأَصْلُ وَلَا يُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يُمْكِنْ إيجَابُ الْمُسَمَّى، وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا إيجَابُ الْأَوْكَسِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ لِكَوْنِهِ أَقَلَّ فَلَا تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ وَصَارَ كَالْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَالْأَقَارِيرِ وَلِهَذَا يَجِبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوجَبَ الْأَصْلِيَّ مَهْرُ الْمِثْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْبُضْعِ كَالْقِيمَةِ فِي الْمَبِيعِ إذْ الْبُضْعُ مُتَقَوِّمٌ حَالَةَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا إذَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ يُقْسَمُ الْأَلْفُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا كَمَا فِي الْمَبِيعِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجَبَ لَهُمَا فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْبَدَلُ فِيهِمَا بِالتَّسْمِيَةِ وَكَذَا الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمُقَرَّ بِهِ لَيْسَ بِعِوَضٍ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا تُحَكَّمُ مُتْعَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيهِ كَمَهْرٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَكِنْ نِصْفُ الْأَوْكَسِ يَزِيدُ عَلَى الْمُتْعَةِ عَادَةً فَيَجِبُ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّحْكِيمِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ تَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَتْ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ يُعْطِي أَيَّهُمَا شَاءَ لِانْقِطَاعِ الْمُنَازَعَةِ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ سَوَاءً تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ إلَى سَنَةٍ، وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلَهَا الْحَالَّةُ وَإِلَّا فَالْمُؤَجَّلَةُ، وَعِنْدَهُمَا الْمُؤَجَّلَةُ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ، وَمَهْرُ مِثْلِهَا كَالْأَكْثَرِ فَالْخِيَارُ لَهَا، وَإِنْ كَانَ كَالْأَقَلِّ فَالْخِيَارُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعِنْدَهُمَا الْخِيَارُ لَهُ لِوُجُوبِ الْأَقَلِّ عِنْدَهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ يَجِبُ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ) يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ فَقَطْ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ فَرَسًا وَسَطًا وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ لَهَا قِيمَتَهُ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حِمَارٍ فَقَطْ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ ذُكِرَ جِنْسُهُ دُونَ نَوْعِهِ وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ بِمَعْنَى التَّرَدُّدِ بَيْنَهُمَا فَالْجَوَابُ فِيهِمَا كَالْجَوَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ تَحْكِيمِ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ وَوُجُوبِ الْأَقَلِّ عِنْدَهُمَا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ جِنْسَهُ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَابَّةٍ بَطَلَ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ مَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ لَا يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَلَنَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فَجَعَلْنَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْتِزَامِ الْمَالِ ابْتِدَاءً حَتَّى لَا تَفْسُدَ بِمُطْلَقِ الْجَهَالَةِ كَالدِّيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: حُكِّمَ مَهْرُ مِثْلِهَا) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَقَالَا لَهَا الْأَوْكَسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا الْمُسَمَّى هُوَ الْأَصْلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْأَقَلَّ مُتَيَقَّنٌ وَالْفَضْلَ مَشْكُوكٌ فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِالْمُتَيَقَّنِ كَمَا فِي الْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ: وَصَارَ كَالْخُلْعِ) أَيْ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْإِعْتَاقِ) أَيْ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَقَارِيرِ) أَيْ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَجِبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ) أَيْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ هِدَايَةٌ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ كَانَ بِاعْتِبَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَقَدْ سَقَطَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَقِيَ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ فِي حُكْمِ الْمُسَمَّى فَوَجَبَ تَنْصِيفُهُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُهَا اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي بَابِ النِّكَاحِ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى رُبَّمَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْبُضْعِ أَوْ أَكْثَرَ بِخِلَافِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ مُعَادِلٌ كَالْقِيمَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ إلَى الْمُسَمَّى إذَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ فَلَمَّا فَسَدَتْ صُيِّرَ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ وَلَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَيْسَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ مَا قَاسَا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ وَالْإِعْتَاقَ وَالطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ لَيْسَ لَهُ مُوجِبٌ أَصْلِيٌّ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ فَوَجَبَ الْأَقَلُّ لِكَوْنِهِ يَقِينًا وَبِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ لَيْسَ بِعِوَضٍ، وَالصَّدَاقُ عِوَضٌ عَنْ الْبُضْعِ فَلَوْ عَيَّنَ الْأَقَلَّ فِي الصَّدَاقِ يَلْزَمُ الْبَخْسُ بِحَقِّهَا فَعُيِّنَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَفِي الْمُقَرِّ بِهِ لَوْ عَيَّنَ الْأَقَلَّ لَا يَلْزَمُ الْبَخْسُ بِحَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ فَافْتَرَقَا اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا إذَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ كَمَا فِي الْبَيْعِ) أَيْ لَا يُعْدَلُ فِيهِ عَنْ الْقِيمَةِ إلَّا إذَا صَحَّ الثَّمَنُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَقَدْ فَسَدَتْ لِمَكَانِ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ كَلِمَةَ الشَّكِّ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْأَصْلِ) وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِ الْبَدَلِ وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ وَلِهَذَا أَوْجَبْنَا الْأَوَّلَ فِيهِمَا اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ أَصْلٌ كَمَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ عِنْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: بِطَرِيقِ التَّحْكِيمِ) أَيْ تَحْكِيمِ الْمُتْعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ سَوَاءً تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُمَا بِالْمُسَمَّى اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَعَلَى فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ) كَلِمَةُ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ اهـ. (قَوْلُهُ: إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ) أَيْ وَالْعَبْدُ الْمُطْلَقُ لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي النِّكَاحِ اهـ. رَازِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ عِوَضًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَهُوَ الْبُضْعُ وَالْحَيَوَانُ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ كَمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ فِي الدِّيَةِ وَإِيجَابِ غُرَّةٍ فِي الْجَنِينِ عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَصَحَّ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ شَرْطًا أَيْضًا وَفِي الْمَهْرِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ فَجَعَلْنَاهُ الْتِزَامَ الْمَالِ ابْتِدَاءً

وَالْأَقَارِيرِ، وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى مَالًا وَسَطُهُ مَعْلُومٌ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطُ ذُو حَظٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْأَرْفَعِ وَفَوْقَ الْأَدْنَى كَانَ أَعْدَلَ مِنْ إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَفْحَشُ؛ لِأَنَّهُ جَهَالَةٌ فِي الْجِنْسِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ جَهَالَةٌ فِي النَّوْعِ، وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ أَنْ يُنْقَضَ شَيْءٌ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ، ثُمَّ يُصَارُ إلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ جَهَالَةً مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ غَيْرُ الْمَالِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِمَالٍ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْتِزَامِ الْمَالِ ابْتِدَاءً كَالْمَنْذُورِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَلَائِقُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ فَيُعْمَلُ بِهِ مَا أَمْكَنَ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ جَهَالَةٍ دُونَ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ وَكُلَّ جَهَالَةٍ مِثْلُ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ فَوْقَهَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَجَهَالَةُ مَهْرِ الْمِثْلِ جَهَالَةُ جِنْسٍ، هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ كُلُّ جَهَالَةٍ هِيَ نَظِيرُ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ وَجَهَالَةُ الْوَصْفِ نَظِيرُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ دَفْعِ الْمُسَمَّى وَبَيْنَ دَفْعِ قِيمَتِهِ وَأَيُّهُمَا أَدَّى تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا إيفَاءً وَالْعَيْنُ أَصْلًا تَسْمِيَةً فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى ثَوْبٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ عَلَى هَذَا الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَصْلُحُ عِوَضًا لِلْجَهَالَةِ أَوْ لِحُرْمَتِهَا شَرْعًا، وَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، نَوْعٌ يَبْطُلُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى كَالثَّوْبِ، وَنَوْعٌ لِحُرْمَتِهِ شَرْعًا، وَنَوْعٌ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْمُشَارِ إلَيْهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ ذَكَرَ الثَّوْبَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ جَهَالَةُ الْجِنْسِ إذْ الثِّيَابُ أَجْنَاسٌ شَتَّى كَالْحَيَوَانِ وَلَوْ سَمَّى جِنْسًا بِأَنْ قَالَ هَرَوِيٌّ أَوْ مَرْوِيٌّ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ الْوَسَطُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْحَيَوَانِ، وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ يَجِبُ تَسْلِيمُ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ مَوْصُوفَهُ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ لَهُ أَجَلًا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ مُؤَجَّلَهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مُتَحَتِّمًا كَمَا فِي السَّلَمِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ أَجَلًا يُخَيَّرُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنْ ذَكَرَ جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ مَوْصُوفَهُ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا، وَإِنْ ذَكَرَ جِنْسَهُ دُونَ وَصْفِهِ يُخَيَّرُ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ وَتَسْلِيمِ قِيمَتِهِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَكَانَ شَرْطُ قَبُولِهِ شَرْطًا فَاسِدًا غَيْرَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَقَالَ مَالِكٌ يَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَتَسْمِيَتُهُ تَمْنَعُ وُجُوبَ غَيْرِهِ بِالْعَقْدِ فَتَعَيَّنَ الْفَسَادُ كَالْبَيْعِ وَنَحْنُ نَقُولُ تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِلَا تَسْمِيَةِ ثَمَنٍ وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ فَالْمَذْكُورُ هُنَا أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهَا مِثْلُ وَزْنِ الْخَمْرِ مِنْ الْخَلِّ وَقِيمَةُ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَبْدِ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْخَلِّ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَطْمَعَهَا مَالًا وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ وَاسْتُحِقَّ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِشَارَةَ قَدْ اجْتَمَعَتْ مَعَ التَّسْمِيَةِ فَتُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ لِكَوْنِهَا أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّعْرِيفُ فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ حُرٍّ وَلِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَصْلَ مَتَى كَانَ الْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِيهِ ذَاتًا وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْمُشَارِ إلَيْهِ، وَلَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا تَمْنَعُ الْجَهَالَةُ الْمُسْتَدْرَكَةُ صِحَّةَ الِالْتِزَامِ كَالْإِقْرَارِ بِعَبْدٍ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحْكُمُ ثَمَّةَ بِالْوَسَطِ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ لَيْسَ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ حَظُّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ السَّوَاءَ أَوْجَبْنَا الْوَسَطَ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنْهُمَا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ كَمَا اُعْتُبِرَ الْوَسَطُ فِي الزَّكَاةِ نَظَرًا إلَى الْفَقِيرِ وَرَبِّ الْمَالِ اهـ. فَقَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا لَا يَحْكُمُ ثَمَّةَ بِالْوَسَطِ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ الْإِقْرَارَ الْتِزَامٌ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْوَسَطُ بَلْ يَكُونُ بَيَانُ الْمُقَرِّ فِيهِ مَقْبُولًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ) أَيْ وَجْهُ وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ الْوَسَطُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ) أَيْ بَيْنَ دَفْعِ الْوَسَطِ مِنْهُ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا بَالَغَ) مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِيهِ هُوَ أَنْ يُوَصِّلَهُ إلَى حَدٍّ يَجُوزُ فِيهِ عَقْدُ السَّلَمِ اهـ. اك (قَوْلُهُ: فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) قَيْدٌ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّوْجَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَسَطِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ بِالْمُبَالَغَةِ فِيهِ يَلْتَحِقُ بِذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَلِهَذَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ) أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّ مُسْتَهْلِكَهَا لَا يَضْمَنُ الْمِثْلَ اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَإِنْ ذَكَرَ جِنْسَهُ دُونَ وَصْفِهِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْتُك عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَانَ شَرْطَ قَبُولِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ تَزَوَّجْتُك عَلَى خَمْرٍ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ تَزَوَّجْتُك بِشَرْطِ قَبُولِك الْخَمْرَ، وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ لَا يَرْبُو عَلَى تَرْكِ التَّسْمِيَةِ أَصْلًا وَذَلِكَ لَا يَفْسُدُ فَهَذَا أَوْلَى اهـ. اك (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ إلَخْ)، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى شَاةٍ ذَكِيَّةٍ فَظَهَرَتْ مَيْتَةً فَالْخِلَافُ فِيهَا كَالْخِلَافِ فِي الْحُرِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيمَةِ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا) أَيْ وَقِيمَةِ الْمَيْتَةِ لَوْ كَانَتْ مَذْبُوحَةً اهـ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّعْرِيفُ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِهَا قَاطِعَةً لِلشَّرِكَةِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِمُحَمَّدٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَخَّرَ دَلِيلَ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ وَكَأَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَهُ، وَكَذَا أَخَّرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ.

بِتَابِعٍ لَهُ وَالتَّسْمِيَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُعَرِّفُ الْمَاهِيَّةَ وَالْإِشَارَةُ تُعَرِّفُ الذَّاتَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى يَاقُوتًا أَحْمَرَ فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْحُرُّ مَعَ الْعَبْدِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَنَافِعِ، وَالْخَلُّ مَعَ الْخَمْرِ جِنْسَانِ لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَحَاصِلُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ هُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فِي أَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّسْمِيَةِ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ فِي إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ دُونَ التَّسْمِيَةِ، وَهَذَا الْكَلَامُ لَا يَكَادُ يَصِحُّ أَبَدًا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُعَلِّقْ الْحُكْمَ بِكَوْنِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ هَذِهِ الْجِهَةَ أَصْلًا وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ كَوْنَ الْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَقَالَ أَيْضًا، ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْإِشَارَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُشَارُ إلَيْهِ مَالًا كَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ تُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ وَفِي الْجِنْسَيْنِ تُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا، وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِمَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ الْمُسَمَّى، وَعِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ وَالْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَالْأَجْوَدُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمُشَارَ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَالْمُعْتَبَرُ الْمُسَمَّى كَمَا ذُكِرَ لِمُحَمَّدٍ هُنَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّخْرِيجِ وَهُوَ أَنَّ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ جِنْسٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا الْخَلُّ وَالْخَمْرُ فَتُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ فِيهِمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَكَذَا الْخَلُّ وَالْخَمْرُ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى يَصْلُحُ مَهْرًا وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْحُرُّ مَعَ الْعَبْدِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْخَلُّ مَعَ الْخَمْرِ جِنْسَانِ كَمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِ، وَهَذَا أَصْلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا، ثُمَّ إذَا تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مَهْرًا وَيَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَإِلَّا فَيُنْظَرُ أَيْضًا فَإِنَّ بَيَّنَ جِنْسَهُ دُونَ وَصْفِهِ فَلَهَا الْوَسَطُ مِنْهُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلِهَذَا أَوْجَبَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْخَلِّ مِثْلَهُ وَفِي الْعَبْدِ الْقِيمَةَ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ قِيمَةُ عَبْدٍ وَسَطٍ لِاعْتِبَارِ الْإِشَارَةِ مِنْ وَجْهٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا أَمْهَرَ عَبْدَيْنِ وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ فَمَهْرُهَا الْعَبْدُ) يَعْنِي إذَا كَانَ يُسَاوِي الْعَبْدُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ الْعَشَرَةَ يُكْمِلُ لَهَا الْعَشَرَةَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهَا الْعَبْدُ وَقِيمَةُ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا الْعَبْدُ الْبَاقِي وَتَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا لَوْ ظَهَرَا حُرَّيْنِ تَجِبُ قِيمَتُهُمَا عِنْدَهُ فَكَذَا إذَا ظَهَرَ أَحَدُهُمَا حُرًّا اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَهُ فَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا يَجِبُ الْعَبْدُ وَتَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ لِعَدَمِ رِضَاهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا بِسَلَامَةِ الْعَبْدَيْنِ لَهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَاقِيَ صَلُحَ مَهْرًا لِكَوْنِهِ مَالًا فَيَجِبُ وَوُجُوبُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ قَلَّ يُمْنَعُ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ تَرْكَ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا وَتَرْكَ إخْرَاجِهَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ فَلَمْ تَكُنْ رَاضِيَةً بِالْمُسَمَّى بِدُونِهَا، وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِالْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَتْ رَاضِيَةً بِالْعَبْدِ الْبَاقِي وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى الْمَشْرُوطِ هُنَاكَ فِي الْحَالِ وَيُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْحُرِّ قَبْلَ الْعَقْدِ فَيَلْزَمُهَا الضَّرَرُ بِتَقْصِيرٍ مِنْهَا، فَيَكُونُ غَارًّا لَهَا فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ حَيْثُ صَيَّرَ فِيهِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ مَعَ إمْكَانِ وُجُوبِ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْأَقَلُّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الثَّابِتَ هُنَاكَ إحْدَى التَّسْمِيَتَيْنِ، وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَلَمْ تَثْبُتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَمَّا هُنَا فَتَسْمِيَةُ الْعَبْدِ الْبَاقِي ثَابِتَةٌ قَطْعًا فَيُمْنَعُ الْمَصِيرُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنَّمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ)؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا يَجِبُ فِيهِ بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لِفَسَادِهِ وَلَا بِالْخَلْوَةِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ إنَّمَا أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْهُ وَلَا تَمَكُّنَ مَعَ الْحُرْمَةِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِهَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَلَا الْعِدَّةِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ) أَيْ وَلِأَنَّهُ أَطْمَعَهَا سَلَامَةَ الْعَبْدَيْنِ وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الزَّوْجِ وَهُوَ عَبْدُهُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَخْ) وَأَرَادَ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ تَزَوُّجَ الْأُخْتَيْنِ مَعًا، وَالنِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَنِكَاحَ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَنِكَاحَ الْمُعْتَدَّةِ وَنِكَاحَ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ وَنِكَاحَ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فَاسِدٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ التَّفْرِيقُ عَلَى الْقَاضِي كَيْ لَا يَلْزَمَ ارْتِكَابُ الْمَحْظُورِ اغْتِرَارًا بِصُورَةِ الْعِدَّةِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: إنَّمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا، ثُمَّ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ التَّفْرِيقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا يَجِبُ فِيهِ بِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ دُونَ الْعَقْدِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الْوَطْءَ فِي مَحَلٍّ مَعْصُومٍ بِسَبَبٍ لِلضَّمَانِ الْجَابِرِ أَوْ الْحَدِّ الزَّاجِرِ وَتَعَذَّرَ الثَّانِي لِلشُّبْهَةِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا تُمْكِنُ مَعَ الْحُرْمَةِ) أَيْ لَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ نِصْفُ الْمُسَمَّى بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ فِي التَّطْلِيقِ بَعْدَ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَلَمْ يُوجَدْ النِّكَاحُ هَاهُنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ نَقُولُ نِصْفُ الْمُسَمَّى ثَبَتَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِهَا) أَيْ بِالْخَلْوَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَوْ كَانَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً اهـ.

لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ إلَّا بِحَضْرَةٍ مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْقَبْضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْمُسَمَّى) أَيْ إنْ زَادَ مَهْرُ مِثْلِهَا عَلَى الْمُسَمَّى لَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَنَا أَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا فِي الزِّيَادَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا فَلَا يَجِبُ؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَإِنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ أَوْ شُبْهَةِ الْعَقْدِ لِلضَّرُورَةِ وَفِيمَا لَوْ يُوجَدُ فِيهِ الْعَقْدُ أَوْ شُبْهَتُهُ لَا يَتَقَوَّمُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي نَفْسِهِ فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مُسَمًّى أَوْ كَانَ مَجْهُولًا يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ النَّسَبُ) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ إحْيَاءً لِلْوَلَدِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى الثَّابِتِ مِنْ وَجْهٍ وَيُعْتَبَرُ مُدَّةُ النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَعِنْدَهُمَا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَى الْوَطْءِ لِحُرْمَتِهِ، وَلِهَذَا لَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِدُونِ الْوَطْءِ أَوْ اللَّمْسِ أَوْ التَّقْبِيلِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ الْأَصْلِ إذَا تَزَوَّجَتْ الْأَمَةُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ فَهُوَ ابْنُ الزَّوْجِ فَقَدْ اعْتَبَرَهُ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ لَا مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِرَاشَ يَنْعَقِدُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْبَعْضُ إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالدُّخُولِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْفِرَاشَ لَا يَنْعَقِدُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَّا بِالدُّخُولِ وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الدُّخُولَ كَانَ عَقِيبَ النِّكَاحِ بِلَا مُهْلَةٍ فَحِينَئِذٍ تَسْتَوِي الْمُدَّتَانِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْغَايَةِ قَدْ اعْتَبَرُوا الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ فَكَانَ الْأَحْوَطُ فِي النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ أَيْضًا لَا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِلنَّسَبِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ وَهْمٌ لَا تَحَقُّقَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا اعْتَبَرُوا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ لِيَثْبُتَ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إقَامَةً لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ مَقَامَ الْوَطْءِ حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ كَمَا فِي الصَّحِيحِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اعْتِبَارَهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا بَلْ هِيَ مَعَهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَوْ كَانَ الِاعْتِبَارُ لِوَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا غَيْرُ لِمَا ثَبَتَ، وَكَذَا لَوْ فَارَقَهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلَوْ خَلَا بِهَا، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَيَجِبُ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْهُ لَا يَثْبُتُ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ وَلَا الْعِدَّةُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَإِنْ لَمْ يَخْلُ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعِدَّةُ) أَيْ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ يَعْنِي إذَا دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ تَحَرُّزًا عَنْ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَرَفْعِهَا بِالتَّفْرِيقِ أَوْ بِمُتَارَكَةِ الزَّوْجِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ آخِرِ الْوَطْآتِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ حَتَّى لَوْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ آخِرِ الْوَطْآتِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَقَدْ انْقَضَتْ وَلَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَلْ هُوَ مُتَارَكَةٌ فِيهِ، وَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُتَارَكَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ بِأَنْ يَقُولَ تَارَكْتُك أَوْ تَارَكْتهَا أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك أَوْ خَلَّيْتهَا، وَعِلْمُ غَيْرِ الْمُتَارِكِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْمُتَارَكَةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الصَّحِيحِ، وَإِنْكَارُ النِّكَاحِ إنْ كَانَ بِحَضْرَتِهَا فَهُوَ مُتَارَكَةٌ وَإِلَّا فَلَا رُوِيَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى) أَيْ لَا يَجِبُ الْمُسَمَّى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا كَانَ أَنْقَصَ مِنْ الْمُسَمَّى لَا يَجِبُ الْمُسَمَّى بَلْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ مُتَقَوِّمٌ فِي نَفْسِهِ لَا يُزَادُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَهَذَا أَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ تَسْتَوِي الْمُدَّتَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْمَوْلُودِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إذَا جَاءَتْ بِهِ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ قَبْلَ النِّكَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ شَمْسُ الدِّينِ) وَهُوَ أَحْمَدُ السُّرُوجِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ الْمَهْرُ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ) أَيْ وَهِيَ قَوْلُهُ: زَوَّجْت وَتَزَوَّجْت اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ مِنْ آخِرِ الْوَطْآتِ) سَيَأْتِي هَذَا الْخِلَافُ فِي الْعِدَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي إيجَابِ الْعِدَّةِ هُوَ الْوَطْءُ لَا الْعَقْدُ فَيُعْتَبَرُ آخِرُ الْوَطْءِ وَلَنَا أَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَجِبُ لِشُبْهَةِ النِّكَاحِ، وَرَفْعُ مِلْكِ الشُّبْهَةِ يَحْصُلُ بِالتَّفْرِيقِ لَا بِالْوَطْءِ وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ مِرَارًا لَا يَجِبُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ وَبَعْدَ التَّفْرِيقِ لَوْ وَطِئَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً يَجِبُ الْحَدُّ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ هُوَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ فَفِي الصَّحِيحِ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ فَكَذَا فِي الْفَاسِدِ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ بِالْمُتَارَكَةِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ) أَيْ وَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِمَا قُلْنَا اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِالتَّفْرِيقِ أَوْ بِالِافْتِرَاقِ بِالْمُتَارَكَةِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْضًا حَتَّى لَوْ طَلَّقَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَقَالَ الْمَوْلَى طَلِّقْهَا أَوْ فَارِقْهَا، فَلَيْسَ بِإِجَازَةٍ اهـ. وَالطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْمَوْقُوفِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ بَلْ هُوَ مُتَارَكَةٌ لِلنِّكَاحِ وَفَسْخٌ لَهُ حَتَّى لَا يَنْقُصَ شَيْءٌ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَذَاكَ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَخْتَصُّ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ اهـ. وَقَدْ نُقِلَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَيْضًا فِيمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: أَوْ خَلَّيْتهَا) أَيْ أَوْ تَرَكْتهَا أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ سُنُونَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ قَالَ الشَّيْخُ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ هَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا أَمَّا غَيْرُهَا فَبِتَفَرُّقِ الْأَبْدَانِ بِأَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا اهـ. كَمَالٌ

عَنْ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِقَوْمِ أَبِيهَا إذَا اسْتَوَيَا سِنًّا وَجَمَالًا وَمَالًا وَبَلَدًا وَعَصْرًا وَعَقْلًا وَدِينًا وَبَكَارَةً)؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالنَّظَرِ فِي قِيمَةِ جِنْسِهِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهَا مَهْرُ مِثْلِ نِسَائِهَا وَهُنَّ أَقَارِبُ الْأَبِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَوْلَادَ الْخُلَفَاءِ يَصْلُحُونَ لِلْإِمَامَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أُمَّهَاتُهُمْ جِوَارِي وَيُشْتَرَطُ الِاسْتِوَاءُ فِي الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ لِاخْتِلَافِ الرَّغَبَاتِ فِيهَا، وَكَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَكَمَالِ الْخَلْقِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ وَقَالُوا يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ أَيْضًا، وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمَالُ فِي بَيْتِ الْحَسَبِ وَالشَّرَفِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي أَوْسَاطِ النَّاسِ إذْ الرَّغْبَةُ فِيهِنَّ لِلْجَمَالِ بِخِلَافِ بَيْتِ الشَّرَفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَمِنْ الْأَجَانِبِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ قَبِيلَتِهَا مَنْ هِيَ مِثْلُ حَالِهَا يُعْتَبَرُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا مِنْ الْأَجَانِبِ مِنْ قَبِيلَةٍ هِيَ مِثْلُ قَبِيلَةِ أَبِيهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بِالْأَجْنَبِيَّاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ ضَمَانُ الْوَلِيِّ الْمَهْرَ وَتُطَالِبُ زَوْجَهَا أَوْ وَلِيَّهَا)، وَهَذَا اللَّفْظُ يَتَنَاوَلُ وَلِيَّ الصَّغِيرِ بِأَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً، ثُمَّ ضَمِنَ عَنْهُ مَهْرَهَا صَحَّ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فِيهِ، وَلَيْسَ بِمُبَاشِرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى لَهُ شَيْئًا، ثُمَّ ضَمِنَ عَنْهُ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ ضَمِنَ أَوْ لَمْ يَضْمَنْ، ثُمَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَ الْوَلِيَّ بِالْمَهْرِ فَإِذَا أَدَّى الْوَلِيُّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ يُؤَدِّيهِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ اسْتِحْسَانًا فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي مَالِهِ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ الزَّوْجَ مَا لَمْ يَبْلُغْ فَإِذَا بَلَغَ تُطَالِبُ أَيَّهُمَا شَاءَتْ وَيَتَنَاوَلُ وَلِيَّ الصَّغِيرَةِ أَوْ الْكَبِيرَةِ بِأَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ أَوْ الْكَبِيرَةَ وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ رَجُلًا وَضَمِنَ عَنْهُ مَهْرَهَا صَحَّ ضَمَانُهُ لِمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ هِيَ بِالْخِيَارِ إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِقَوْمِ أَبِيهَا) أَيْ كَأَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَبَنَاتِ عَمِّهَا وَالْمُرَادُ بِأَخَوَاتِهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا أَوْ لِأَبِيهَا، وَكَذَا عَمَّاتُهَا هُنَّ أَخَوَاتُ أَبِيهَا لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أَوْ لِأَبِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِأُمِّهَا وَخَالَتِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ قَبِيلَةِ أَبِيهَا بِأَنْ تَكُونَا بَنَاتَ عَمِّهِ اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا اسْتَوَيَا سِنًّا وَجَمَالًا إلَخْ) وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ كُلُّهَا فِي قَوْمِ أَبِيهَا يُعْتَبَرُ الْمَوْجُودُ مِنْهَا اهـ. عَيْنِيٌّ وَفِي النُّتَفِ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً: الْجَمَالُ وَالْحَسَبُ وَالْمَالُ وَالْعَقْلُ وَالدِّينُ وَالْعِلْمُ وَالْأَدَبُ وَالتَّقْوَى وَالْعِفَّةُ وَكَمَالُ الْخَلْقِ وَحَدَاثَةُ السِّنِّ وَالْبَكَارَةُ وَحَالُ الْوَقْتِ وَحَالُ الزَّوْجِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ: وَالتَّقْوَى ذِكْرُ التَّقْوَى بَعْدَ ذِكْرِهِ الدِّينَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَقَدْ فَسَّرَ الْعَيْنِيُّ الدِّينَ بِالتَّقْوَى فَتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَصْرًا) أَيْ زَمَانًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَقْلًا) فَلَا يُعْتَبَرُ بِالْمَجْنُونَةِ اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَدِينًا) فَلَا يُعْتَبَرُ بِالْفَاسِقَةِ اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَهُنَّ أَقَارِبُ الْأَبِ) لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِ بَلْ تَفْسِيرُ نِسَائِهَا مِنْ الْمُصَنِّفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ إضَافَةِ النِّسَاءِ إلَيْهَا بِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ قَرَابَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ كُلُّهَا فِي قَوْمِ أَبِيهَا يُعْتَبَرُ الْمَوْجُودُ مِنْهَا اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ الِاسْتِوَاءُ فِي الْأَوْصَافِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْبَلَدِ وَالْعَصْرِ حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِامْرَأَةٍ أُخْرَى مِنْ عَشِيرَتِهَا فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالْعَصْرِ، وَهَذَا لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ تَقْوِيمُ الْبُضْعِ وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّقْوِيمِ لِلْمَوْضِعِ وَالزَّمَانِ اللَّذَيْنِ يَقَعُ فِيهِمَا التَّقْوِيمُ كَمَا فِي تَقْوِيمِ السِّلْعَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ وَيُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْبَكَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بِحَسَبِ الْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَفِي الْمُنْتَقَى يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَيُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عَلَى ذَلِكَ شُهُودٌ عُدُولٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ اهـ. مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ: فَإِذَا أَدَّى الْوَلِيُّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا إذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَضَمِنَ عَنْهُ لِزَوْجَتِهِ الْمَهْرَ يَصِحُّ إذَا قَبِلَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لِهَذَا أَيْضًا فَإِذَا أَدَّى الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الِابْنِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْأَبِ لَوْ ضَمِنَ بِإِذْنِ الْأَبِ وَأَدَّى يَرْجِعُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَكَذَا الْأَبُ؛ لِأَنَّ قِيَامَ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فِي الصِّغَرِ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْآبَاءَ يَتَحَمَّلُونَ الْمُهُورَ عَنْ أَبْنَائِهِمْ عَادَةً وَلَا يَطْمَعُونَ فِي الرُّجُوعِ وَالثَّابِتُ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ إلَّا إذَا شُرِطَ الرُّجُوعُ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ أَعْنِي دَلَالَةَ الْعُرْفِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ إذَا أَدَّى الْمَهْرَ عَنْ الصَّغِيرِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ مِنْ الْوَصِيِّ لَا يُوجَدُ عَادَةً هَذَا إذَا أَدَّى الْأَبُ بَعْدَ الضَّمَانِ أَمَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَلِلْمَرْأَةِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْمَهْرَ مِنْ الزَّوْجِ وَإِنْ شَاءَتْ اسْتَوْفَتْ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ كَانَتْ صَحِيحَةً فَلَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَتْ مِنْ التَّرِكَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ رَجَعَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ بِذَلِكَ فِي نَصِيبِ الِابْنِ أَوْ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَبَضَ نَصِيبَهُ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَرْجِعُونَ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ أَيْضًا والْوَلْوَالِجِيِّ فِي فَتَاوِيهِ ذَكَرَ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ، وَكَذَا أَثْبَتَ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى مَنْقُولًا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْخَصَّافَ ذَكَرَهُ كَذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً لِلضَّمَانِ فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى الْأَبُ حَالَ حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ لَا يَرْجِعُ فَكَذَا لَا رُجُوعَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَنَا أَنَّ الرُّجُوعَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ إنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ لِمَعْنَى الصِّلَةِ، وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ التَّبَرُّعُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَدَاءِ لَا بِمُجَرَّدِ الْكَفَالَةِ فَإِذَا حَصَلَ الْأَدَاءُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يَقَعُ ذَلِكَ تَبَرُّعًا فِي حَقِّ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَيَرْجِعُونَ فَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا قُلْنَا، وَالْمَجْنُونُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ كَالصَّغِيرِ سَوَاءٌ كَانَ الْجُنُونُ أَصْلِيًّا أَوْ طَارِئًا اهـ.

شَاءَتْ طَالَبَتْ زَوْجَهَا أَوْ وَلِيَّهَا إنْ كَانَتْ أَهْلًا لِذَلِكَ وَيَرْجِعُ الْوَلِيُّ بَعْدَ الْأَدَاءِ عَلَى الزَّوْجِ إنْ ضَمِنَ بِأَمْرِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَضَمِنَ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهِ حَتَّى تَرْجِعَ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَالْحُقُوقُ إلَيْهِ وَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَكِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِلْوَلَدِ لِتَعَدِّيهِ بِالْإِبْرَاءِ وَيَمْلِكُ قَبْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ بُلُوغِهِ، فَلَوْ صَحَّ الضَّمَانُ لَصَارَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَفِي النِّكَاحِ تَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ لِانْعِكَاسِ الْمَعْنَى وَهُوَ كَوْنُهُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ قَبْضَ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا مَلَكَهُ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَاقِدٌ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ بُلُوغِهَا إلَّا بِرِضَاهَا، وَقَوْلُهُ: وَتُطَالِبُ زَوْجَهَا أَوْ وَلِيَّهَا هَذَا إذَا كَانَ الضَّامِنُ وَلِيَّهَا بِأَنْ زَوَّجَهَا، ثُمَّ ضَمِنَ مَهْرَهَا وَأَمَّا إذَا كَانَ الضَّامِنُ وَلِيَّ الزَّوْجِ بِأَنْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً وَضَمِنَ مَهْرَهَا فَالْمُطَالَبَةُ إلَى وَلِيِّ الزَّوْجِ مَكَانَ وَلِيِّهَا، وَقَدْ مَضَى بَيَانُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهَا مَنْعُهُ مِنْ الْوَطْءِ وَالْإِخْرَاجِ لِلْمَهْرِ، وَإِنْ وَطِئَهَا) أَيْ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا أَوْ يَطَأَهَا حَتَّى تَأْخُذَ مَهْرَهَا مِنْهُ وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا وَوَطِئَهَا بِرِضَاهَا لَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي الْمُبْدَلِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ الْإِيفَاءِ، وَالْخَلْوَةُ بِرِضَاهَا فِي هَذَا كَالْوَطْءِ، سَوَّى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَهُمَا أَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا دَخَلَ بِهَا بِرِضَاهَا أَوْ خَلَا بِهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ لَهُمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَدْ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالْوَطْأَةِ أَوْ بِالْخَلْوَةِ وَلِهَذَا يَتَأَكَّدُ جَمِيعُ الْمَهْرِ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا حَقُّ الْحَبْسِ كَالْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً وَلَهُ أَنَّهَا مَنَعَتْ مِنْهُ مَا قَابَلَ الْبَدَلَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ تَصَرُّفٌ فِي الْبُضْعِ الْمُحْتَرَمِ فَلَا تَخْلُو عَنْ الْعِوَضِ إبَانَةً لِخَطَرِهِ وَالتَّأَكُّدُ بِالْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ لِجَهَالَةِ مَا وَرَاءَهَا فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا لِلْمَعْلُومِ مَا لَمْ يُوجَدْ فَإِذَا وُجِدَ صَارَ مَعْلُومًا فَتَحَقَّقَتْ الْمُزَاحَمَةُ وَصَارَ الْمَهْرُ مُقَابَلًا بِالْكُلِّ كَالْمُدَبَّرِ إذَا جَنَى جِنَايَةً يَدْفَعُ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ، ثُمَّ إذَا جَنَى أُخْرَى يَتْبَعُ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَلِيَّ الْأُولَى لِتَحَقُّقِ الْمُزَاحَمَةِ، اعْلَمْ أَنَّ الْمَهْرَ الْمَذْكُورَ هُنَا مَا تُعُورِفَ تَعْجِيلُهُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا فِيمَا تُعُورِفَ تَأْجِيلُهُ إلَى الْمَيْسَرَةِ أَوْ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ حَالًّا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ كَالْمَشْرُوطِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَشْخَاصِ هَذَا إذَا لَمْ يَنُصَّا عَلَى التَّعْجِيلِ أَوْ التَّأْجِيلِ وَأَمَّا إذَا، نَصَّا عَلَى تَعْجِيلِ جَمِيعِ الْمَهْرِ أَوْ تَأْجِيلِهِ فَهُوَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ الْوَلِيُّ بَعْدَ الْأَدَاءِ عَلَى الزَّوْجِ إنْ ضَمِنَ بِأَمْرِهِ)، وَهَذَا إذَا كَانَ الضَّمَانُ فِي صِحَّةِ الْأَبِ فَإِنْ كَانَ ضَمَانُ الْأَبِ فِي مَرَضِهِ وَمَاتَ مِنْهُ فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ نَفْعٌ لِوَارِثِهِ لَا يَصِحُّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَذُكِرَ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَبُ إذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً فَلَهَا أَنْ تُطَالِبَ الْأَبَ بِالْمَهْرِ فَيُؤَدِّي الْأَبُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ بِاللَّفْظِ صَرِيحًا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُطَالِبُهُ بِالْمَهْرِ مَا لَمْ يَضْمَنْ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى تَرْجِعَ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ وَيُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَمْلِكُ) أَيْ الْأَبُ اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَوْنُهُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا) أَيْ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا وَكِيلُ الزَّوْجَةِ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا وَوَكِيلُ الزَّوْجِ لَا يُطَالَبُ بِالْمَهْرِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَالْمُطَالَبَةُ إلَى وَلِيِّ الزَّوْجِ) أَيْ مُتَوَجِّهَةٌ إلَى وَلِيِّ الزَّوْجِ اهـ. (قَوْلُهُ: مَكَانَ زَوْجِهَا) أَيْ فَإِذَا بَلَغَ الزَّوْجُ طَالَبَتْ أَيَّهُمَا شَاءَتْ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَخْ) وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ قَبَضَتْ مَهْرَهَا، ثُمَّ رَدَّتْهُ بِالزِّيَافَةِ أَوْ اُسْتُحِقَّ مَا اشْتَرَتْ مِنْ الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ لَا تَمْنَعُ نَفْسَهَا بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ كَانَ الْمَهْرُ حَالًّا فَأَحَالَتْ عَلَيْهِ غَرِيمًا لَهَا بِمَهْرِهَا فَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْهُ حَتَّى يَأْخُذَهُ غَرِيمُهَا بِمَنْزِلَةِ وَكِيلِهَا وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَ أَحَالَهَا عَلَى غَرِيمٍ لَهُ (قَوْلُهُ: كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي الْمُبْدَلِ) يَعْنِي وَلَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الصَّدَاقِ الدَّيْنِ أَمَّا الْعَيْنُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَلَا؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ وَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِيهِ حَتَّى مَلَكَتْ عِتْقَهُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ) أَيْ وَزِيَارَةِ أَهْلِهَا اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ) أَيْ تَسْتَحِقُّهَا مُدَّةَ الْمَنْعِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِحَقٍّ وَلَا تَسْتَحِقُّ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ اهـ. أَكْمَلُ (قَوْلُهُ: كَالْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ) أَيْ بِاخْتِيَارِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الدُّخُولُ بِرِضَاهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ كَانَتْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَبْسِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ تَصَرُّفٌ فِي الْبُضْعِ الْمُحْتَرَمِ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ عَنْ شَيْءٍ يُقَابِلُهُ فَهِيَ بِالْحَبْسِ تَمْنَعُ مَا يُقَابِلُ الْمَهْرَ وَهُوَ الْوَطْءُ الثَّانِي فَلَهَا ذَلِكَ كَمَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: فِيمَا تُعُورِفَ تَأْجِيلُهُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ تَأْخِيرُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ حَالًّا) أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ وَلَوْ كَانَ حَالًّا بِالشَّرْطِ لِنَاقِضٍ قَوْلُهُ: بَعْدَهُ وَأَمَّا إذَا نَصَّ عَلَى تَعْجِيلِ جَمِيعِ الْمَهْرِ فَهُوَ عَلَى مَا شُرِطَ إذْ شَرْطُ التَّعْجِيلِ مُرَادِفٌ لِشَرْطِ الْحُلُولِ حُكْمًا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَادَةُ فِي مَمْلَكَةِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَمَا وَالَاهُمَا مِنْ الْبِلَادِ هُوَ التَّأْخِيرُ إلَى اخْتِيَارِ الْمُطَالَبَةِ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُ شَيْخِنَا زَيْنُ الدِّينِ قَاسِمٌ الْمِصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

مَا شَرَطَا حَتَّى كَانَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا إلَى أَنْ تَسْتَوْفِيَ كُلَّهُ فِيمَا إذَا شَرَطَ تَعْجِيلَ كُلِّهِ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ فَكَانَ أَوْلَى وَشَدَّدَ أَبُو يُوسُفَ آخِرًا فِيمَا رَوَى عَنْهُ الْمُعَلَّى فَقَالَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ فِي مُقَابَلَةِ تَسْلِيمِ الْمَهْرِ فَإِذَا طَلَبَ تَأْجِيلَ الْمَهْرِ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ الْفَتْوَى بِهَذَا الْقَوْلِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِتَأْخِيرِ الدُّخُولِ عِنْدَ تَأْخِيرِ جَمِيعِ الْمَهْرِ، وَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا أَوْ كَانَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا يَنْقُلُهَا حَيْثُ شَاءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6]، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ بِهَا بِرِضَاهَا عِنْدَهُمَا لِسُقُوطِ حَقِّ الْحَبْسِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِبَقَائِهِ وَكَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَنْعِ مِنْ السَّفَرِ وَبِقَوْلِهِمَا فِي عَدَمِ الْمَنْعِ مِنْ الْوَطْءِ، وَقِيلَ لَا يُخْرِجُهَا إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهَا إلَّا بِرِضَاهَا؛ لِأَنَّ الْغُرْبَةَ تُؤْذِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا فِيهَا عَشِيرَةٌ وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَقَالَ صَاحِبُ مُلْتَقَى الْبِحَارِ: وَأُفْتِي أَنَا بِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْلِهَا إذَا أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ وَالْمُؤَجَّلَ وَكَانَ مَأْمُونًا وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ إذَا أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ دُونَ الْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَرْضَى بِالتَّأْجِيلِ إذَا أَخْرَجَهَا إلَى بِلَادِ الْغُرْبَةِ لِعِلْمِهَا أَنَّ الْغُرْبَةَ تُؤْذِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ حُكِّمَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْمُتْعَةِ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يُجْعَلُ حَكَمًا بَيْنَهُمَا فَمَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ لَهُ بِأَنْ كَانَ مِثْلَ مَا يَدَّعِيهِ أَوْ أَقَلَّ يَحْلِفُ فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى لِإِقْرَارِهِ أَوْ بَذْلِهِ بِالنُّكُولِ، وَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ لَهَا بِأَنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ مَا تَدَّعِيهِ أَوْ أَكْثَرَ تَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلَتْ فَلَهَا مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ تَسْمِيَةً لِإِقْرَارِهَا بِهِ، وَإِنْ حَلَفَتْ فَلَهَا جَمِيعُ مَا ادَّعَتْ بِقَدْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَالزَّائِدُ بِحُكْمِ أَنَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا بِالْيَمِينِ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ فِيهِ الزَّوْجُ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهَا لِدَفْعِ الْحَطِّ الَّذِي يَدَّعِيهِ الزَّوْجُ، ثُمَّ الْوُجُوبُ بِحُكْمِ أَنَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ يُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِهَا وَيَجِبُ مَا يَدَّعِيهِ تَسْمِيَةً لِثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ الظَّاهِرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ أَوْ الزِّيَادَةَ وَيَجِبُ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ كَاسْمِهَا مُبَيِّنَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ مَهْرُ الْمِثْلِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ وَأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا فَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ أَوْ بَذْلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا) أَيْ لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ الْأَكْمَلُ، وَقَوْلُهُ: لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا الْمَنْعُ لَا قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَا بَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَمَّا قَبْلَ الْحُلُولِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا بَعْدَهُ؛ فَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مَا أَوْجَبَ حَقَّ الْحَبْسِ فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُدَّةُ قَصِيرَةً أَوْ طَوِيلَةً اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ) هُوَ الْوَلْوَالِجِيُّ (قَوْلُهُ: يَنْقُلُهَا حَيْثُ شَاءَ) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمِنْ فِي الْآيَةِ لِلتَّبْعِيضِ أَيْ أَسْكِنُوهُنَّ بَعْضَ مَكَانِ سُكْنَاكُمْ كَذَا فِي الْكَشَّافِ {مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] أَيْ بِقَدْرِ سَعَتِكُمْ وَالْوُجْدُ الْمَقْدِرَةُ وَالْغِنَى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] أَيْ لَا تَسْتَعْمِلُوا مَعَهُنَّ الضِّرَارَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ) قَالَ الْأُسْتَاذُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْأَخْذُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِقَوْلِهِ أَيْ أَبِي اللَّيْثِ اهـ. خُلَاصَةٌ وَرُدَّ بِأَنَّ الْفَقِيهَ هُوَ الَّذِي أَخَذَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] مَخْصُوصٌ بِدَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ مُقَارِنٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] وَفِي قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ لَا تَتَحَقَّقُ الْغُرْبَةُ (سُئِلَ) أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ عَمَّنْ يُخْرِجُهَا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى قَرْيَةٍ وَمِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ ذَلِكَ تَبْوِئَةٌ وَلَيْسَ بِسَفَرٍ وَإِخْرَاجُهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ سَفَرٌ، وَلَيْسَ بِتَبْوِئَةٍ اهـ. اك قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَزِيَارَةِ أَهْلِهَا حَتَّى يُوفِيَهَا الْمَهْرَ كُلَّهُ أَيْ الْمُعَجَّلَ قَالَ الْكَمَالُ، وَقَوْلُهُ: أَيْ الْمُعَجَّلَ يَتَنَاوَلُ الْمُعَجَّلَ عُرْفًا وَشَرْطًا فَإِذَا كَانَ قَدْ شَرَطَ تَعْجِيلَ كُلِّهِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فَبَعْضُهُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْجِيلُ شَيْءٍ بَلْ سَكَتُوا عَنْ تَعْجِيلِهِ وَتَأْجِيلِهِ فَإِنْ كَانَ عُرْفٌ فِي تَعْجِيلِ بَعْضِهِ وَتَأْخِيرِ بَاقِيهِ إلَى الْمَوْتِ أَوْ الْمَيْسَرَةِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ إلَّا إلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ الْقَدْرِ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا قَدْرَ الْمُعَجَّلِ يُنْظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ وَإِلَى الْمَهْرِ أَنَّهُ كَمْ يَكُونُ الْمُعَجَّلُ لِمِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْمَهْرِ فَيَتَعَجَّلُ ذَلِكَ وَلَا يَتَقَدَّرُ بِالرُّبْعِ وَلَا بِالْخُمْسِ بَلْ يُعْتَبَرُ الْمُتَعَارَفُ فَإِنَّ الثَّابِتَ عُرْفًا كَالثَّابِتِ شَرْطًا بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَا تَعْجِيلَ الْكُلِّ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ إذَا جَاءَ الصَّرِيحُ بِخِلَافِهِ وَمَثَلُهُ هَذَا فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ فَمَا وَقَعَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ يَعْنِي الْمَهْرَ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ مَسْكُوتًا عَنْهُ يَجِبُ حَالًّا وَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا لَيْسَ بِوَاقِعٍ بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَسْكُوتِ الْعُرْفُ هَذَا وَلِلْأَبِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْبِكْرِ قَبْلَ إيفَائِهِ (فِي الْفَتَاوَى) رَجُلٌ زَوَّجَ بِنْتَه الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ بِعِيَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَهَا مَعَهُ وَإِنْ كَرِهَ الزَّوْجُ فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ حُكِّمَ) أَيْ حُكِّمَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ أَيْ وَالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يُجْعَلُ حَكَمًا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا سَيَأْتِي اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً) أَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ دَفْعُ الدَّرَاهِمِ وَلَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَفْعِ الدَّنَانِيرِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْوُجُوبُ) أَيْ وُجُوبُ الزَّائِدِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا) الزَّوْجُ لِنَفْيِ الزِّيَادَةِ وَالْمَرْأَةُ لِنَفْيِ الْحَطِّ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَبْدَأَ فِي الْحَلِفِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَالْمُسْتَحَبُّ الْقُرْعَةُ اهـ. سَرُوجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَإِنْ حَلَفَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِقَدْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ يَجِبُ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَالزَّائِدُ بِحُكْمِ مَهْرِ الْمِثْلِ حَتَّى يَتَخَيَّرَ فِيهِ الزَّوْجُ بَيْنَ دَفْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَيَّهُمَا كَانَ ثَبَتَ مَا يَدَّعِيهِ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ تَهَاتَرَتَا فِي الصَّحِيحِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى وَالْإِثْبَاتِ، ثُمَّ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كُلُّهُ فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ الزَّوْجُ بَيْنَ دَفْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِخِلَافِ التَّحَالُفِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَنْفِي تَسْمِيَةَ صَاحِبِهِ فَخَلَا الْعَقْدُ عَنْ التَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا كَذَلِكَ التَّحَالُفُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ قَدْرِ مَا يُقِرُّ بِهِ الزَّوْجُ بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ، وَالزَّائِدُ بِحُكْمِ مَهْرِ الْمِثْلِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَجِبُ قَدْرُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى وَالزَّائِدُ عَلَى أَنَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَيَتَخَيَّرُ فِي الزَّائِدِ كَمَا فِي التَّحَالُفِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا تُحَكَّمُ مُتْعَةُ مِثْلِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي تَحْكِيمِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْمُتْعَةُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ أَيْ تُحَكَّمُ الْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا تَحْكِيمَ الْمُتْعَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَذَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ، وَكَذَا فِي الْأَصْلِ وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ، وَمُتْعَةُ مِثْلِهَا لَا تَبْلُغُ نِصْفَ الْأَلْفِ الَّذِي يُقِرُّ بِهِ الزَّوْجُ عَادَةً فَلَا يُفِيدُ التَّحْكِيمُ بَلْ الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهُ وَوَضَعَهَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِي الْعَشَرَةِ وَالْمِائَةِ وَمُتْعَةُ مِثْلِهَا تَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْعَشَرَةِ عَادَةً فَيُفِيدُ التَّحْكِيمَ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سَاكِتٌ عَنْ ذِكْرِ الْمِقْدَارِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ، وَكَذَا الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْكِتَابِ سَاكِتٌ عَنْ ذِكْرِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَهَذَا تَخْرِيجُ الرَّازِيّ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَتَحَالَفَانِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا، ثُمَّ يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفَاصِيلِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ التَّحَالُفِ فَإِنَّ مَا يَدَّعِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْمُسَمَّى يَنْتَفِي بِيَمِينِ صَاحِبِهِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ بِلَا تَسْمِيَةٍ فَحِينَئِذٍ يُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِخُلُوِّ الْعَقْدِ عَنْ التَّسْمِيَةِ وَقَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ مَا يَنْفِي التَّسْمِيَةَ فَلَا يُعْتَبَرُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ مَا قَالَهُ الرَّازِيّ أَوْلَى؛ لِأَنَّا نَحْتَاجُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لَأَنْ نُوجِبَهُ بَلْ لِنُصَحِّحَ بِهِ مَا سَمَّيَاهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَالُفِ مَعَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَخْرِيجُ الرَّازِيّ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ وَهُوَ مَا لَا يُتَعَارَفُ مَهْرًا لَهَا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ عُرْفًا قَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا شَرْعًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا قَالَ الْوَبَرِيُّ هَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ وَهِيَ تَدَّعِي أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ لَمْ يَضْمَنُوا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الشَّهَادَةُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ الْمِائَةَ مُسْتَنْكَرًا فِي حَقِّهَا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرْنَا لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَدَّعِي زِيَادَةً وَالزَّوْجَ يُنْكِرُهَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ إلَّا إذَا أَكْذَبَهُ الظَّاهِرُ؛ وَلِأَنَّ تَقَوُّمَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ ضَرُورِيٌّ فَمَتَى أَمْكَنَ إيجَابُ شَيْءٍ لَا يُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَصَارَ كَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَالٍ وَكَالْإِجَارَةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّعَاوَى قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ إذْ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي بَابِ النِّكَاحِ فَصَارَ كَالصَّبَّاغِ مَعَ صَاحِبِ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأُجْرَةِ تُحَكَّمُ قِيمَةُ الصَّبْغِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَةَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْأَعْيَانِ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَلَا قِيمَةَ لِلْمَنَافِعِ وَلَا لِلْبُضْعِ حَالَةَ الْخُرُوجِ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى بِأَنْ نَفَاهُ أَحَدُهُمَا وَادَّعَاهُ الْآخَرُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَدَّعِي التَّسْمِيَةَ وَالْآخَرَ يُنْكِرُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِالْمُسَمَّى بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْقَضَاءُ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَقَلُّ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكَرًا، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ التَّسْمِيَةَ هِيَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إيجَابِ الْمُسَمَّى وَهُوَ مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَدْرِ مَا يُقِرُّ بِهِ الزَّوْجُ) أَيْ فِي صُورَةِ التَّحَالُفِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ) أَيْ وَفِي الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِهِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يَتَحَالَفَانِ فِي الْفُصُولِ) أَيْ الثَّلَاثَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مَهْرُ الْمِثْلِ شَاهِدًا لَهَا أَوْ شَاهِدًا لَهُ أَوْ بَيْنَهُمَا اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ) أَيْ وَالْمُحِيطِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ مَا يَدَّعِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَخْ) قَالَ السُّرُوجِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يَبْقَى نِكَاحًا بِلَا تَسْمِيَةٍ بِالتَّحَالُفِ، فَيَكُونُ مُوجِبُهُ مَهْرَ الْمِثْلِ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَخُيِّرَ الزَّوْجُ بَيْنَ دَفْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الْأَصَحُّ) أَيْ تَفْسِيرُ الْمُسْتَنْكِرِ بِهَذَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ) أَيْ وَدَخَلَ بِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجْعَلْ الْمِائَةَ مُسْتَنْكَرًا فِي حَقِّهَا) أَيْ مَعَ أَنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا أَلْفٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَالْإِجَارَةِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُحَكَّمُ فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: تُحَكَّمُ قِيمَةُ الصَّبْغِ إلَخْ)، وَإِذَا لَمْ يَشْهَدْ الصَّبْغُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحَالَفَا وَيُبْدَأُ بِيَمِينِ صَاحِبِ الثَّوْبِ فَإِذَا حَلَفَ يَغْرَمُ صَاحِبُ الثَّوْبِ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِي ثَوْبِهِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ الْإِجَارَةُ اهـ.

أَبِي يُوسُفَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحْدَهُ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ، قِيلَ هَذَا فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَأَحَدُهُمَا أَرْفَعُ مِنْ الْآخَرِ إلَخْ، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَيَاتِهِمَا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَا وَلَوْ فِي الْقَدْرِ فَالْقَوْلُ لِوَرَثَتِهِ) أَيْ إنْ مَاتَ الزَّوْجَانِ وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ فِي مِقْدَارِ الْمُسَمَّى فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ وَلَا يُسْتَثْنَى الْمُسْتَنْكِرُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا كَالِاخْتِلَافِ فِي حَيَاتِهِمَا وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ حُكْمٌ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا فِي أَصْلِ التَّسْمِيَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُهُ عِنْدَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْمَرْأَةِ، وَإِنْ مَاتَا، وَقَدْ كَانَ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهَا شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لِوَرَثَتِهَا يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ إذَا كَانَ النِّكَاحُ ظَاهِرًا إلَّا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إيفَاءِ الْمَهْرِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهَا بِهِ أَوْ إقْرَارِ وَرَثَتِهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْمُسَمَّى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَوْتَهُمَا يَدُلُّ عَلَى انْقِرَاضِ أَقْرَانِهِمَا ظَاهِرًا فَبِمَهْرِ مَنْ يُقَدِّرُ الْقَاضِي مَهْرَ الْمِثْلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يُقَدَّرُ بِحَالِهَا وَبِحَالِ نِسَاءِ عَشِيرَتِهَا، وَمَوْتُهُمَا يَدُلُّ عَلَى مَوْتِ نِسَاءِ عَشِيرَتِهَا وَمَوْتُ نِسَاءِ زَمَانِهَا فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ مَهْرِهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ سَمِعَ الدَّعْوَى فِي ذَلِكَ لَسَمِعَ مِنْ وَارِثِ وَارِثِ وَارِثِ مَنْ مَاتَ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ نِكَاحُهُمَا ظَاهِرًا مَشْهُورًا فِي زَمَانِنَا وَبِهَذَا احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَرَأَيْت لَوْ ادَّعَتْ وَرَثَةُ أُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَهْرَ الْمِثْلِ عَلَى وَرَثَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَكُنْت أَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ فِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِهِ يُؤَدِّي إلَى اسْتِيفَاءِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِرَارًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَالشُّهْرَةِ فَيُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ آخَرُونَ فَيَدَّعُونَ ذَلِكَ فَيُقْضَى لَهُمْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، ثُمَّ وَثُمَّ فَيَتَسَلْسَلُ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ؛ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِهِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَكَانَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى سُقُوطِهِ بِمَوْتِهِمَا؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ الِاسْتِيفَاءُ وَالْإِبْرَاءُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ هُوَ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يَثْبُتُ، وَقِيلَ إذَا لَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ بِمَوْتِهِمَا يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ: فَبِمَهْرِ مَنْ يُقَدِّرُ الْقَاضِي مَهْرَ الْمِثْلِ يُشِيرُ إلَيْهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ الْمُسْتَحَقُّ بِالنِّكَاحِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى وَهُوَ أَقْوَاهَا وَالنَّفَقَةُ وَهِيَ أَضْعَفُهَا وَمَهْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ الْمُتَوَسِّطُ فَالْأَقْوَى لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَالْأَضْعَفُ يَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَالْمُتَوَسِّطُ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِمَا لَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَقَالَ مَشَايِخُنَا: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا فَإِنْ سَلَّمَتْ، ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بَلْ يُقَالُ لَهَا لَا بُدَّ أَنْ تُقِرِّي بِمَا تَعَجَّلْت وَإِلَّا حَكَمْنَا عَلَيْك بِالْمُتَعَارَفِ فِي الْمُعَجَّلِ، ثُمَّ يُعْمَلُ فِي الْبَاقِي كَمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ نَفْسَهَا إلَّا بَعْدَ قَبْضِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ عَادَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا فَقَالَتْ: هُوَ هَدِيَّةٌ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي غَيْرِ الْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ)؛ لِأَنَّهُ الْمُمَلِّكُ فَكَانَ أَعْرَفَ بِجِهَةِ التَّمْلِيكِ كَمَا إذَا قَالَ: أَوْدَعْتُك هَذَا الشَّيْءَ، فَقَالَتْ: بَلْ وَهَبْته لِي، وَكَذَا الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي إسْقَاطِ مَا فِي ذِمَّتِهِ إلَّا فِي الطَّعَامِ الْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ كَالشِّوَاءِ وَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْفَوَاكِهِ الَّتِي لَا تَبْقَى فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِيهِ اسْتِحْسَانًا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِإِهْدَائِهَا فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ، وَقِيلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ بِخِلَافِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَالْخُفِّ وَالْمُلَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهَا مِنْ الْخُرُوجِ بَلْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا، ثُمَّ إذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ تَرُدُّ عَلَيْهِ الْمَتَاعَ إنْ كَانَ قَائِمًا وَتَرْجِعُ بِمَهْرِهَا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِالْمَهْرِ فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ الزَّوْجُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا تَرْجِعُ، وَلَوْ قَالَتْ: هِيَ مِنْ الْمَهْرِ وَقَالَ: هُوَ وَدِيعَةٌ فَإِنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِأَنْ نَفَاهُ أَحَدُهُمَا وَادَّعَاهُ الْآخَرُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ تَجِبُ الْمُتْعَةُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ) أَيْ وَلَا يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يُقِرُّوا بِشَيْءٍ لَا يُقْضَى لَهُمْ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَإِذَا أَقَرُّوا بِشَيْءٍ قُضِيَ بِهِ اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ فِيمَا أَقَرُّوا بِهِ إلَّا أَنْ يَأْتُوا بِشَيْءٍ قَلِيلٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقَوْلُ لِوَرَثَةِ الْمَرْأَةِ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَالْقَوْلُ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ فِي الْفَضْلِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَفِي الِاخْتِلَافِ فِي الْأَصْلِ الْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ عِنْدَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمُتَحَقِّقٍ وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا، وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. رَازِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: كَالِاخْتِلَافِ فِي حَيَاتِهِمَا) أَيْ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْضَى بِمَا تَدَّعِيهِ وَرَثَةُ الزَّوْجِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُهُ) أَيْ الْمُسَمَّى وَالْمُنْكِرُ وَرَثَةُ الزَّوْجِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ لِوَرَثَتِهَا) أَيْ مِنْ تَرِكَةِ الزَّوْجِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَا لِوَرَثَتِهَا إلَخْ) وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: فَلَا يَثْبُتُ) أَيْ الْبَقَاءُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ إقْرَارِ وَرَثَتِهِ كَذَا عَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَقَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ مُشْكِلٌ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالْمُتَوَسِّطُ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ فَقَالَتْ هُوَ هَدِيَّةٌ) أَيْ الْمَبْعُوثُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الطَّعَامِ الْمُهَيَّأِ) أَيْ الْمُعَدِّ لِلْأَكْلِ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ) أَيْ وَالدَّجَاجِ الْمَطْبُوخِ اهـ. وَالْحَلْوَى وَالْخَبِيصَةِ وَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَسَائِرِ الْأَطْعِمَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ) أَيْ وَالدَّقِيقِ وَالسُّكَّرِ وَالشَّاةِ الْحَيَّةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا تَرْجِعُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا تَرْجِعُ بِالْمَهْرِ بَلْ بِمَا بَقِيَ إنْ كَانَ يَبْقَى بَعْدَ قِيمَتِهِ شَيْءٌ اهـ

مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَوْ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا وَبَعَثَ إلَيْهِ أَبُوهَا شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: هُوَ مِنْ الْمَهْرِ فَلِأَبِيهَا أَنْ يَرْجِعَ بِمَا بَعَثَ إنْ كَانَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَكَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْبِنْتِ بِإِذْنِهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ مِنْهَا لِزَوْجِهَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبَعَثَ إلَيْهَا بِهَدَايَا وَعَوَّضَتْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ عِوَضًا، ثُمَّ زُفَّتْ إلَيْهِ، ثُمَّ فَارَقَهَا، وَقَالَ: إنَّمَا بَعَثْت إلَيْك عَارِيَّةً وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّ ذَلِكَ وَأَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَسْتَرِدَّ الْعِوَضَ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ التَّمْلِيكَ فَإِذَا اسْتَرَدَّ ذَلِكَ مِنْهَا كَانَ لَهَا أَنْ تَسْتَرِدَّ مَا عَوَّضَتْهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ جَهَّزَ بِنْتَهُ وَزَوَّجَهَا، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهَا مَالُهُ وَكَانَ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ عِنْدَهَا فَقَالَتْ: هُوَ مِلْكِي جَهَّزْتنِي بِهِ، أَوْ قَالَ الزَّوْجُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا دُونَ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ بِمِلْكِ الْبِنْتِ إذْ الْعَادَةُ دَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهَا بِطَرِيقِ الْمِلْكِ وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ السُّغْدِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ السَّرَخْسِيُّ وَأَخَذَ بِهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ: إنْ كَانَ الْعُرْفُ ظَاهِرًا بِمِثْلِهِ فِي الْجِهَازِ كَمَا فِي دِيَارِنَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ وَلَوْ أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ مَهْرِهَا أَوْ وَهَبَتْهُ إيَّاهُ، ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَبْرَأَتْهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي سُقُوطَ مَا كَانَ ثَابِتًا وَهُمْ يُنْكِرُونَ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقٌّ وَإِنَّمَا كَانَ لَهَا وَهُمْ يَدَّعُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً بِمَيْتَةٍ أَوْ بِغَيْرِ مَهْرٍ، وَذَا جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فَوُطِئَتْ أَوْ طَلُقَتْ قَبْلَهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَكَذَا الْحُرُّ بَيَانُ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُهُمَا فِي الْحَرْبِيِّينَ، وَأَمَّا فِي الذِّمِّيَّةِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ زُفَرُ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْحَرْبِيِّينَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ وَالنِّكَاحُ لَمْ يُشْرَعْ بِغَيْرِ الْمَالِ وَلَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ غَيْرُ مُلْتَزِمِينَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ مُنْقَطِعَةٌ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّ أَحْكَامَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ جَارِيَةٌ عَلَيْهِمْ مِنْ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ فِي النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ وَالتَّوَارُثِ بِالنَّسَبِ وَبِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَثُبُوتِ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالزِّنَا وَالرِّبَا وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ مَعَ تَحَقُّقِ الِالْتِزَامِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَلْتَزِمُونَ أَحْكَامَنَا فِي الدِّيَانَاتِ وَفِيمَا يَعْتَقِدُونَ خِلَافَهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، وَلِهَذَا لَا نَمْنَعُهُمْ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَبَيْعِهِمَا وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامُ بِالسَّيْفِ وَالْمُحَاجَّةِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ عَنْهُمْ بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الذِّمَّةِ فَإِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَصَارُوا كَأَهْلِ الْحَرْبِ فَلَا فَائِدَةَ لِلْمُحَاجَّةِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالتَّرْكِ وَرَفْعِ السَّيْفِ عَنْهُمْ بِخِلَافِ بَائِعٍ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ نُبْطِلُهُ بِالْحُجَّةَ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْكَافِرُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهِ بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرَ عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَرِيبٍ، وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ أَوْ بِغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَكَانَ قَائِمًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا يَرْجِعُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ إلَخْ) وَلَوْ خَطَبَ بِنْتَ رَجُلٍ وَبَعَثَ إلَيْهَا شَيْئًا وَلَمْ يُزَوِّجْ الْأَبُ الْبِنْتَ قَالُوا مَا بُعِثَ لِلْمَهْرِ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ هَالِكٌ يُسْتَرَدُّ، وَكَذَا مَا بُعِثَ هَدِيَّةً وَهُوَ قَائِمٌ فَأَمَّا الْهَالِكُ وَالْمُسْتَهْلَكُ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي ذَلِكَ اهـ. أُسْرُوشَنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبَعَثَ إلَيْهَا بِهَدَايَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا وَاَلَّذِي يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي دِيَارِنَا أَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَاللَّوْزِ وَالدَّقِيقِ وَالسُّكَّرِ وَالشَّاةِ الْحَيَّةِ وَبَاقِيهَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إرْسَالُهُ هَدِيَّةً فَالظَّاهِرُ مَعَ الْمَرْأَةِ لَا مَعَهُ وَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ إلَّا فِي نَحْوِ الثِّيَابِ وَالْجَارِيَةِ وَفِيمَا إذَا بَعَثَ الْأَبُ بَعْدَ الزَّوْجِ تَعْوِيضًا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ثَبَتَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، وَكَذَا الْبِنْتُ فِيمَا أَذِنَتْ فِي بَعْثِهِ تَعْوِيضًا هَذَا إذَا كَانَ بَعْثُهُمَا عَقِيبَ بَعْثِ الزَّوْجِ فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هَدِيَّةٌ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ فِيهِ لِلزَّوْجِ إلَّا إنْ كَانَ قَائِمًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: إذْ الْعَادَةُ دَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهَا بِطَرِيقِ الْمِلْكِ)، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي كَانَ يُفْتِي بِهِ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْعَادَةِ الْفَاشِيَةِ فِي دِيَارِنَا بِالْمِلْكِ وَتَجِدُ الزَّوْجَةُ تَتَصَرَّفُ فِي الْجِهَازِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ اسْتِمْتَاعٍ وَبَيْعٍ وَهِبَةٍ عَلَى طُولِ السِّنِينَ وَلَا يُوجَدُ نَهْيٌ مِنْ أَبَوَيْهَا عَنْ ذَلِكَ بَلْ وَلَا يُسْمَعُ مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنْ ذِكْرِ الْعَارِيَّةِ، وَقَدْ اتَّفَقَتْ فَتْوَايَ وَفَتَاوَى قَاضِي الْقُضَاةِ نُورِ الدِّينِ الطَّرَابُلُسِيِّ مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ مِثْلَهُ السَّرَخْسِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ السِّيَرِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ فَقَالَتْ الْعَارِيَّةُ تَبَرُّعٌ وَالْهِبَةُ تَبَرُّعٌ وَالْأُولَى أَدْنَاهُمَا (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ) أَيْ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً إلَخْ) لَمَّا ذَكَرَ مُهُورَ الْمُسْلِمِينَ شَرَعَ فِي ذِكْرِ مُهُورِ الْكُفَّارِ اهـ. كَمَالٌ وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ بَيْنَهُمْ أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلَا مَهْرَ لَهَا)، وَكَذَا إذَا أَسْلَمَا بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ) أَيْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً فُرِّقَ مَا يُؤَيِّدُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَلْتَزِمُونَ أَحْكَامَنَا فِي الدِّيَانَاتِ) أَيْ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ اهـ. وَحُرْمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِيمَا يَعْتَقِدُونَ خِلَافَهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ) أَيْ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمَهْرَ) أَيْ وَلِأَنَّ تَسْمِيَةَ الْمَهْرِ عِنْدَ الْعَقْدِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. (قَوْلُهُ: حَقُّ اللَّهِ) أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَسْقُطُ بِتَرَاضِيهِمَا عَلَى إسْقَاطِهِ اهـ. غَايَةٌ

مَهْرٍ يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْمَهْرِ وَيَحْتَمِلُ السُّكُوتَ عَنْهُ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا يُرْجَعُ إلَى اعْتِقَادِهِمْ وَقِيلَ فِي الْمَيْتَةِ وَالسُّكُوتِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِدُونِ اعْتِقَادِهِمْ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا قِيمَةَ لَهُ فَقَدْ رَضِيَتْ بِغَيْرِ بَدَلِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَالْكَافِرُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهِ وَلَا يَجِبُ حَقًّا لَهَا لِرِضَاهَا بِدُونِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالشَّرَائِعِ وَفِي جَوَازِ خِطَابِهِمْ بِهَا عَقْلًا، وَذَكَرَ صَاحِبُ كِفَايَةِ الْفُحُولِ اخْتِلَافَهُمْ فِي جَوَازِهِ عَقْلًا وَأَمَّا وُقُوعُهُ فَفِي مُخْتَصَرِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الْكَافِرَ أَهْلٌ لِأَحْكَامٍ لَا يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِوُجُوبِ الشَّرَائِعِ وَفِي أُصُولِ أَبِي الْحَسَنِ الْبُسْتِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ: إنَّ الْخِطَابَ بِالْحُرُمَاتِ وَمَا يُوجِبُ الْعُقُوبَاتِ يَتَنَاوَلُ الْكُفَّارَ وَخِطَابُ الْعِبَادَاتِ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ وَلَا خِلَافَ فِي تَنَاوُلِهِمْ الْأَمْرَ بِالْإِيمَانِ وَفِي أُصُولِ السَّرَخْسِيِّ الْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ وَالْمَشْرُوعِ مِنْ الْعُقُوبَاتِ فِيمَا اعْتَقَدُوا حُرْمَتَهُ، وَلِهَذَا تُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ بِطَرِيقِ الْجَزَاءِ وَالزَّجْرِ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى أَسْبَابِهَا وَلَا يُحَدُّونَ حَدَّ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ لِعَدَمِ اعْتِقَادِهِمْ حُرْمَتَهُ، وَكَذَا يَتَنَاوَلُهُمْ الْخِطَابُ بِالْمُعَامَلَاتِ كَالْبَيْعِ لِوُجُودِ الْتِزَامِهِمْ قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْخِطَابَ بِالشَّرَائِعِ يَتَنَاوَلُهُمْ فِي حُكْمِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْأَمْرِ اعْتِقَادُ لُزُومِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُمْ يُنْكِرُونَ اللُّزُومَ وَذَلِكَ كُفْرٌ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ إنْكَارِ التَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ لَا يَكُونُ مَعَ إنْكَارِ شَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ وَفِي الْمِيزَانِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ: لَا يَتَنَاوَلُهُمْ الْخِطَابُ أَصْلًا لَا فِي حَقِّ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَا فِي حَقِّ الْعِبَادَاتِ إلَّا مَا قَامَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَيْهِ نَصًّا، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ مِنْهُمْ إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْحُرُمَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ دُونَ الْعِبَادَاتِ وَفِي الْمَحْصُولِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنَّا، وَمِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْأَمْرُ بِفُرُوعِ الشَّرَائِعِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَمَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْجَصَّاصُ إلَى تَنَاوُلِهِمْ الْخِطَابَ بِالْفُرُوعِ وَلَا يُمْكِنُهُمْ الِاحْتِجَاجُ بِمِثْلِ قَوْله تَعَالَى {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: 6] {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت: 7]؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْجُحُودُ أَيْ يَجْحَدُونَ الزَّكَاةَ، وَقَدْ عُرِفَ الْحَجِيجُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَيْنٍ فَأَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا لَهَا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ وَفِي غَيْرِ الْعَيْنِ لَهَا قِيمَةُ الْخَمْرِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْخِنْزِيرِ) مَعْنَاهُ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخَرُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا قِيمَتُهَا فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، لَهُمَا أَنَّ الْقَبْضَ مُؤَكِّدٌ لِلْمِلْكِ فِي الْمُعَيَّنِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ مِلْكُ الزَّوْجِ فِي النِّصْفِ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ التَّرَاضِي عَلَى الِاسْتِرْدَادِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ يَثْبُتُ لَهُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ عَلَى الزَّوْجِ وَبَعْدَهُ عَلَيْهَا فَكَانَ لِلْقَبْضِ شُبْهَةٌ بِالْعَقْدِ فَيَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ إلْحَاقًا لِلشُّبْهَةِ بِالْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مُوجِبٌ لِلْمِلْكِ إذْ لَا يُمْلَكُ قَبْلَهُ فَكَانَ الْقَبْضُ ابْتِدَاءً تَمَلُّكًا لِلْعَيْنِ فَيَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ كَالْعَقْدِ فَإِذَا امْتَنَعَ تَسْلِيمُ الْمُعَيَّنِ فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ أَنْشَأَ الْعَقْدَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا عِنْدَهُمْ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ التَّسْلِيمُ بِالْإِسْلَامِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ كَمَا إذَا هَلَكَ الْمُسَمَّى قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَبِالْقَبْضِ يَنْتَقِلُ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ إلَى ضَمَانِهَا وَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ كَاسْتِرْدَادِ الْخَمْرِ الْمَغْصُوبِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مِلْكَ التَّصَرُّفِ فِيهِ قَدْ ثَبَتَ بِالْقَبْضِ فَصَارَ كَالْعَقْدِ وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ الْقَبْضُ يُوجِبُ مِلْكَ الْعَيْنِ فَيَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ فَيَتَعَذَّرُ قَبْضُهُ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ لَا تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، فَيَكُونُ أَخْذُ قِيمَتِهِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَتَى بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ تُجْبَرُ عَلَى الْأَخْذِ وَلَا كَذَلِكَ الْخَمْرُ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يُرَدُّ عَلَى هَذَا مَا لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ دَارًا مِنْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَمْ تُجْعَلْ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ كَعَيْنِهِ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ بِشَيْءٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي الْمَيْتَةِ وَالسُّكُوتِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ صَاحِبُ كِفَايَةِ الْفُحُولِ) أَيْ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا قَامَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَيْهِ نَصًّا) أَيْ كَعُقُودِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ حُرْمَةِ الرِّبَا وَوُجُوبِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَزَوَّجَ) كَذَا فِي الْمُتُونِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ قَوْلِهِ وَلَوْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِ الْعَيْنِ) أَيْ وَهُوَ الدَّيْنُ وَهُوَ الْمَوْصُوفُ فِي الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ: كَانَ عَلَى الزَّوْجِ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا تَمْلِكُ) أَيْ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ التَّصَرُّفَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ إيضَاحٌ لِتَمَامِ الْمِلْكِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ إنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ إلَخْ يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ أَوْ اشْتَرَى، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَبْضُ بَلْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يُسْتَفَادُ مِلْكُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ وَالْإِسْلَامُ مَانِعٌ مِنْهُ اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَوْ أَتَى بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ) أَيْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ اهـ. هِدَايَةٌ

[باب نكاح الرقيق]

قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ إنَّمَا تَكُونُ كَعَيْنِهِ أَنْ لَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْخِنْزِيرِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ، أَمَّا إذَا كَانَ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ فَلَا وَفِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ بَدَلٌ عَنْ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ وَإِنَّمَا صُيِّرَ إلَيْهَا لِلتَّقْدِيرِ بِهَا لَا غَيْرُ، فَلَا يَكُونُ لَهَا حُكْمُ عَيْنِهِ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَمَنْ أَوْجَبَ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْجَبَ الْمُتْعَةَ؛ لِأَنَّهَا حُكْمُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَمَنْ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ أَوْجَبَ نِصْفَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ). الرِّقُّ الضَّعْفُ وَضِدُّهُ الْعِتْقُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ) وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَكِنَّهُ لَا يَنْفُذُ كَعَقْدِ الْفُضُولِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَنْكِحُ الْعَبْدُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ عَقَدَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ، ثُمَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقًا، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا الْعَبْدُ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَوْلَى يَكُونُ طَلَاقًا بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ بَاطِلٌ وَلَا يَصِحُّ بِإِجَازَتِهِ، وَعَنْهُ لِلسَّيِّدِ فَسْخُهُ أَوْ تَرْكُهُ كَنِكَاحِ الْعَبْدِ وَهِيَ شَاذَّةٌ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] وَالنِّكَاحُ شَيْءٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ عَبْدٌ فَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ؛ وَلِأَنَّ فِي تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمْ تَعْيِيبَهُمْ إذْ النِّكَاحُ عَيْبٌ فِيهِمْ فَلَا يَمْلِكُونَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ مَقْبُولٌ مَعَ أَنَّهُ تَعْيِيبٌ، بَلْ فِيهِ إهْلَاكٌ فَالنِّكَاحُ أَوْلَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ تَحْتَ مِلْكِ الْمَوْلَى فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ خِطَابُ الشَّرْعِ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ تَجِبُ عُقُوبَةً جَزَاءً عَلَى ارْتِكَابِهِ الْمَحْظُورَ وَزَجْرًا لِلْعِبَادِ عَنْ الْفَسَادِ وَذَلِكَ بِالْآدَمِيَّةِ وَمِلْكُهُ ثَبَتَ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ وَمَا ثَبَتَ مِنْ التَّعْيِيبِ فِي ضِمْنِهِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يُبَالِي بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ نَكَحَ عَبْدٌ بِإِذْنِهِ) أَيْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى (بِيعَ فِي مَهْرِهَا) أَيْ فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّيْنَ ظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَأَشْبَهَ دُيُونَ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ ضَعِيفَةٌ فَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ لَتَضَرَّرَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ وَدَخَلَ بِهَا حَيْثُ لَا يُبَاعُ بِهِ، بَلْ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ لِعَدَمِ صُدُورِ الْإِذْنِ مِنْ الْمَوْلَى كَمَا إذَا لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَزِمَهُ بِالْإِتْلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ طَلَّقَهَا إلَخْ) يَعْنِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَيْنِ لَهَا نِصْفُ الْعَيْنِ وَفِي غَيْرِ الْعَيْنِ فِي الْخَمْرِ لَهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ وَفِي الْخِنْزِيرِ لَهَا الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بَلْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ الْوَاجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا الْمُتْعَةُ عَلَى كُلّ حَالٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ نِصْفُ الْقِيمَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ. اك [بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ] الرَّقِيقُ الْعَبْدُ وَيُقَالُ لِلْعَبِيدِ. اهـ. فَتْحٌ وَإِنَّمَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ فَصْلِ النَّصْرَانِيِّ وَالنَّصْرَانِيَّةِ لِمَا أَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَنْفُذُ نِكَاحُهُ أَصْلًا إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّ لَهُمْ وَلَايَةَ النِّكَاحِ، فَلَمَّا ذَكَرَ مَنْ لَهُمْ وَلَايَةُ النِّكَاحِ بِأَنْفُسِهِمْ وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ أَلْحَقَ بِهِمْ مَنْ لَيْسَ لَهُمْ وَلَايَةُ النِّكَاحِ بِأَنْفُسِهِمْ وَهُمْ الْأَرِقَّاءُ وَقَدَّمَ هَذَا الْبَابَ عَلَى نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَتَحَقَّقُ فِي الْمُسْلِمِ بَقَاءً وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ ابْتِدَاءً وَالرَّقِيقُ الْمُسْلِمُ خَيْرٌ مِنْ الْمُشْرِكِ الْحُرِّ، قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ الْكَمَالُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ نِكَاحِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ شَرَعَ فِي بَيَانِ نِكَاحِ الْأَرِقَّاءِ وَالْإِسْلَامُ فِيهِمْ غَالِبٌ فَلِذَا قَدَّمَ بَابَ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَوْلَاهُ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ فَصْلِ النَّصْرَانِيِّ فَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمَهْرِ مِنْ تَوَابِعِ مُهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَهْرُ مِنْ تَوَابِعِ النِّكَاحِ فَأَرْدَفَهُ تَتِمَّةً لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْعَبْدِ إلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ فَلِذَا ذَكَرَهَا الشَّيْخُ فِيمَا مَضَى فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ بِعِبَارَةٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا حَيْثُ قَالَ: وَنِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ مَوْقُوفٌ وَهَهُنَا قَالَ لَمْ يَجُزْ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ مَوْقُوفٌ مِثْلَ مَا قَالَ هُنَاكَ أَوْ لَا يَنْفُذُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَمَا نَسَبَهُ إلَى مَالِكٍ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ مَذْهَبَهُ وَحَاصِلُ تَقْرِيرِ وَجْهِهِ الْمَذْكُورِ مُلَازَمَةٌ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ شَرْعًا فَقَدْ تَبَيَّنَ بِأَنَّ مَنْ مَلَكَ رَفْعَ شَيْءٍ مَلَكَ وَضْعَهُ وَتُمْنَعُ بِمِلْكِ رَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ النَّفْسِ وَلَا يَمْلِكُ إثْبَاتَهُ شَرْعًا عَلَى نَفْسِهِ وَلِذَا مَلَكَ التَّطَبُّبَ وَلَمْ يَمْلِكْ أَكْلَ السُّمِّ وَإِدْخَالَ الْمُؤْذِي عَلَى الْبَدَنِ وَإِلَّا وَجَّهَ بَيَانَهَا بِأَنَّهُ مَلَكَ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ فَكَذَا النِّكَاحُ وَيُجَابُ بِمَا سَنَذْكُرُ، ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ: وَلِأَنَّهُ فِي تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمَا تَعْيِيبَهُمَا. أَمَّا فِي الْعَبْدِ فَبِشَغْلِ مَالِيَّتِهِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَلِحُرْمَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ، وَهَذَا تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ بِالْإِفْسَادِ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا بِرِضَاهُ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ الْمَنْسُوبِ إلَى مَالِكٍ مِنْ قَوْلِهِ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ فَيَمْلِكُ النِّكَاحَ فَالطَّلَاقُ إزَالَةُ عَيْبٍ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ شَاذَّةٌ) أَيْ الرِّوَايَةُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَصْلِهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ عَاهِرٌ) أَيْ زَانٍ اهـ. (قَوْلُهُ: تَعْيِيبَهُمْ) أَيْ فِي الْبَيْعِ اهـ. (قَوْلُهُ: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ خِطَابُ الشَّرْعِ) أَيْ أَمْرًا وَنَهْيًا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْغُسْلِ وَالزِّنَا وَالشُّرْبِ وَغَيْرِهِ إلَّا فِيمَا عُلِمَ إسْقَاطُ الشَّارِعِ إيَّاهُ عَنْهُ كَالْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي ضِمْنِهِ ضَرُورِيٌّ) أَيْ ضَرُورَةَ صِيَانَةِ الْوَاجِبِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِيعَ فِي مَهْرِهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْدِهِ الْمَوْلَى اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ عَلَى قَوْلِهِ فِي مَهْرِهَا بِخَطِّ الشَّارِحِ بِمَهْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ وَدَخَلَ بِهَا) أَيْ، ثُمَّ فَرَّقَ الْمَوْلَى بَيْنَهُمَا اهـ. أَتْقَانِيٌّ

لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْفِعْلِ فَيَظْهَرُ فِي الْحَالِ، ثُمَّ إذَا بِيعَ مَرَّةً وَلَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِالْمَهْرِ لَا يُبَاعُ ثَانِيًا، بَلْ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ بِيعَ بِجَمِيعِ الْمَهْرِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ حَيْثُ يُبَاعُ بِهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ بِالْجَمِيعِ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ هَذَا إذَا تَزَوَّجَ أَجْنَبِيَّةً. وَأَمَّا إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ أَمَتَهُ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ الْمَهْرُ، ثُمَّ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ حَقُّ الشَّرْعِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِهِ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ، وَلَوْ تُصُوِّرَ وُجُوبُهُ سَاعَةً لَتُصُوِّرَ دَهْرًا وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ فِي مَالِيَّتِهِ وَهِيَ لِلْمَوْلَى فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَعَى الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَلَمْ يَبِعْ فِيهِ)، وَكَذَا وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ لِعَدَمِ قَبُولِ النَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَيَسْعَوْنَ وَيُوَفَّى مِنْ كَسْبِهِمْ الْمَهْرُ كَمَا فِي دَيْنِ التِّجَارَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَلَّقَهَا رَجْعِيَّةً إجَازَةً لِلنِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ لَا طَلِّقْهَا أَوْ فَارِقْهَا) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ، وَقَالَ لَهُ الْمَوْلَى طَلِّقْهَا رَجْعِيَّةً يَكُونُ إجَازَةً لِلنِّكَاحِ، وَلَوْ قَالَ طَلِّقْهَا أَوْ فَارِقْهَا لَا يَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَتَعَيَّنَ الْإِجَازَةُ. وَقَوْلُهُ طَلِّقْهَا أَوْ فَارِقْهَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ؛ لِأَنَّ رَدَّ هَذَا الْعَقْدِ وَمُتَارَكَتَهُ يُسَمَّى طَلَاقًا وَمُفَارَقَةً وَهُوَ أَلْيَقُ بِحَالِ الْعَبْدِ الْمُتَمَرِّدِ وَهُوَ أَدْنَى فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى قَوْلُهُ طَلِّقْهَا يَكُونُ إجَازَةً أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُطْلَقٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْجَائِزِ وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ فَلَا تَثْبُتُ الْإِجَازَةُ بِالشَّكِّ حَتَّى لَوْ قَالَ أَوْقِعْ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ أَوْ طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً تَقَعُ عَلَيْهَا يَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مُخْتَصٌّ بِالنِّكَاحِ النَّافِذِ، فَيَكُونُ إجَازَةً، وَلَوْ زَوَّجَ فُضُولِيٌّ رَجُلًا امْرَأَةً فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ طَلِّقْهَا يَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّطْلِيقَ بِالْإِجَازَةِ فَيَمْلِكُ الْأَمْرَ بِهِ بِخِلَافِ الْمَوْلَى؛ وَلِأَنَّ فِعْلَ الْفُضُولِيِّ إعَانَةٌ كَالْوَكِيلِ وَلِهَذَا يَكُونُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ أَلْيَقُ بِخِلَافِ فِعْلِ الْمُتَمَرِّدِ؛ وَلِأَنَّ الضَّرَرَ فِي حَقِّ الزَّوْجِ يَنْجَبِرُ بِمِلْكِ بُضْعٍ يُقَابِلُهُ بِخِلَافِ ضَرَرِ الْمَوْلَى فَإِنْ قِيلَ لَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى رَجُلٍ نِكَاحًا وَأَنْكَرَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ بِالنِّكَاحِ. وَكَذَا لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِرَجُلٍ طَلِّقْنِي يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهَا بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ النَّافِذِ، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ أَرْبَعًا فِي عُقْدَةٍ، ثُمَّ زَوَّجَهُ ثَلَاثًا فِي عُقْدَةٍ أُخْرَى فَبَلَغَهُ فَطَلَّقَ إحْدَى الْأَرْبَعِ أَوْ إحْدَى الثَّلَاثِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا يَكُونُ إجَازَةً لِنِكَاحِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ قُلْنَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِمَا يَدُلُّ عَلَى مُبَاشَرَةِ الصَّحِيحِ النَّافِذِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ نِكَاحِ الْمُتَمَرِّدِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ كَلَامَ الزَّوْجِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا حُمِلَ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَيَكُونُ إجَازَةً تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ إذْنَ السَّيِّدِ يَثْبُتُ بِالتَّصْرِيحِ كَقَوْلِهِ أَجَزْت أَوْ رَضِيت بِهِ أَوْ أَذِنْت فِيهِ وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِالدَّلَالَةِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ سَمَاعِهِ هَذَا حَسَنٌ أَوْ صَوَابٌ أَوْ نِعْمَ مَا صَنَعْت أَوْ بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا أَوْ لَا بَأْسَ بِهَا أَوْ يَسُوقُ إلَيْهَا مَهْرَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهُ بِخِلَافِ الْهِدَايَةِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ إجَازَةً وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ أَبِي اللَّيْثِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ، وَالْإِذْنُ فِي النِّكَاحِ لَا يَكُونُ إجَازَةً فَإِنْ أَجَازَ الْعَبْدُ مَا صَنَعَ جَازَ اسْتِحْسَانًا كَالْفُضُولِيِّ إذَا وَكَّلَ فَأَجَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ أَمَتَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ مِنْهُمَا وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ، ثُمَّ يَسْقُطُ، وَلَوْ أَعْتَقَهُمَا جَمِيعًا فَالْعَبْدُ لَا خِيَارَ لَهُ وَالْأَمَةُ لَهَا الْخِيَارُ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ: وَإِذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ لَهَا وَلَا لِلسَّيِّدِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ، ثُمَّ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَالْأَوَّلُونَ يَقُولُونَ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ فِي مَالِيَّتِهِ وَهِيَ لِلْمَوْلَى اهـ. قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ الْأَوَّلِينَ هُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَطَلَّقَهَا رَجْعِيَّةً إجَازَةً إلَخْ) هَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَبْدٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ: طَلِّقْهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إجَازَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ فَارِقْهَا، وَلَوْ قَالَ لَهُ طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ كَانَ إجَازَةً وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ إجَازَةً فِي الصُّورَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمَوْلَى طَلِّقْهَا يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ وَيَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَالطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْمَوْقُوفِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، بَلْ هُوَ مُتَارَكَةٌ لِلنِّكَاحِ وَفَسْخٌ لَهُ حَتَّى لَا يُنْتَقَصُ شَيْءٌ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَخْتَصُّ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّ النِّكَاحَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا يَكُونُ شُبْهَةً يُسْقِطُ الْحَدَّ إذَا وَطِئَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ إلَّا إذَا وَطِئَ بَعْدَ الْمُتَارَكَةِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ لِارْتِفَاعِ الشُّبْهَةِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ طَلِّقْهَا أَوْ فَارِقْهَا لَا يَكُونُ إجَازَةً) أَيْ وَكَذَا لَوْ قَالَ طَلِّقْهَا طَلَاقًا بَائِنًا، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الرَّدُّ أَلْيَقُ بِحَالِهِ أَيْ مِنْ الْإِجَازَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَدْنَى) أَيْ الرَّدُّ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُتَارَكَةَ رَدٌّ وَالطَّلَاقَ رَفْعٌ وَالرَّدُّ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى) أَيْ لِئَلَّا تَثْبُتَ الْإِجَازَةُ بِالشَّكِّ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِعْلَ الْفُضُولِيِّ إعَانَةٌ) أَيْ وَلَيْسَ بِتَمَرُّدٍ، أَمَّا الْعَبْدُ فَمُتَمَرِّدٌ بِالنِّكَاحِ بِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى فَالرَّدُّ أَلْيَقُ بِالْعَبْدِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ لَا بَأْسَ) أَيْ أَوْ أَحْسَنْت أَوْ أَصَبْت اهـ. فَتْحٌ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ قَالَ: أَنَا كَارِهٌ أَوْ لَا أَرْضَى لَا يَكُونُ إجَازَةً وَيَكُونُ رَدًّا، أَمَّا لَوْ وَصَلَ فَقَالَ: أَنَا كَارِهٌ، وَلَكِنْ أَجَزْته أَوْ قَالَ لَا أَرْضَى، وَلَكِنْ رَضِيت جَازَ اسْتِحْسَانًا اهـ. ع (قَوْلُهُ: أَوْ شَيْئًا مِنْهُ) أَيْ وَسُكُوتُهُ لَا يَكُونُ إجَازَةً اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْهِدَايَةِ) أَيْ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إجَازَةً اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ) يَعْنِي قَوْلَهُ هَذَا حَسَنٌ وَمَا ذَكَرَ مَعَهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ إجَازَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْإِذْنُ فِي النِّكَاحِ لَا يَكُونُ إجَازَةً) أَيْ لِلنِّكَاحِ الصَّادِرِ قَبْلَ الْإِذْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَجَازَ الْعَبْدُ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدَ الْوَرَقَةِ الْآتِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ نَكَحَتْ بِلَا إذْنٍ بِقَوْلِهِ وَكَذَا لَا يَلْزَمُ مَا إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَخْ فَفِيهِ إيضَاحٌ لِهَذَا اهـ. قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ لَا يَكُونُ إجَازَةً فَإِنْ أَجَازَ الْعَبْدُ مَا صَنَعَ جَازَ اسْتِحْسَانًا كَالْفُضُولِيِّ إذَا وَكَّلَ فَأَجَازَ مَا صَنَعَهُ قَبْلَ الْوَكَالَةِ اهـ.

مَا صَنَعَهُ قَبْلَ التَّوْكِيلِ وَكَالْعَبْدِ إذَا زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَأَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي التَّزَوُّجِ فَأَجَازَ مَا صَنَعَهُ الْفُضُولِيُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِذْنُ بِالنِّكَاحِ يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ أَيْضًا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الصَّحِيحَ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ لُزُومِ الْمَهْرِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا حَيْثُ يَظْهَرُ لُزُومُ الْمَهْرِ عِنْدَهُ فِي الْحَالِ فَيُبَاعُ فِيهِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ وَفِي حَقِّ انْتِهَاءِ الْإِذْنِ بِالْعَقْدِ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْتَهِي حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ غَيْرَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا أَوْ أَعَادَ عَلَيْهَا الْعَقْدَ صَحَّ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا يَصِحُّ لَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْإِعْفَافُ وَالتَّحْصِينُ وَذَلِكَ بِالْجَائِزِ لَا الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ فَصَارَ كَالتَّوْكِيلِ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْجَائِزَ دُونَ الْفَاسِدِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجَائِزِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْجَائِزَ وَالْفَاسِدَ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ فِيهِ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَصْفِ الصِّحَّةِ أَوْ الْفَسَادِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فَكَانَ كَالْبَيْعِ، وَبَعْضُ الْمَقَاصِدِ حَاصِلٌ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَثُبُوتِ النَّسَبِ بِالْوَطْءِ وَسُقُوطِ الْحَدِّ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ أَهْلٌ لِمُبَاشَرَةِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رِضَا الْمَوْلَى لِيَتَعَلَّقَ الْمَهْرُ بِمَالِيَّتِهِ وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ فَيَتَنَاوَلُهُمَا الْإِذْنُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ مَطْلُوبَ الْأَمْرِ فِيهِ ثُبُوتُ الْحِلِّ لَهُ وَذُكِرَ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ أَنَّ الْوَكَالَةَ بِالنِّكَاحِ تَنْتَهِي بِالْفَاسِدِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ، وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ وَالْوَكَالَةَ لَا يَنْتَهِيَانِ بِالْمَوْقُوفِ حَتَّى جَازَ لَهُمَا أَنْ يُجَدِّدَا الْعَقْدَ ثَانِيًا عَلَيْهَا أَوْ عَلَى غَيْرِهَا وَمَسْأَلَةُ الْيَمِينِ مَمْنُوعَةٌ عَلَى طَرِيقَةِ إجْرَاءِ اللَّفْظِ عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ بِالصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ مَا تَزَوَّجَ فِي الْمَاضِي يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْإِعْفَافُ وَفِي الْمَاضِي الْعَقْدُ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ زَوَّجَ عَبْدَا مَأْذُونًا لَهُ امْرَأَةً صَحَّ وَهِيَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي مَهْرِهَا) وَهَذَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ أَمَّا صِحَّةُ النِّكَاحِ؛ فَلِأَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَيَجُوزُ تَحْصِينًا لَهُ. وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ لَزِمَهُ حُكْمًا بِسَبَبٍ لَا مَرَدَّ لَهُ وَهُوَ صِحَّةُ النِّكَاحِ إذْ هُوَ بِلَا مَهْرٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَصَارَ كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ وَكَالْمَرِيضِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَبِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا تَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ، وَلَوْ زَوَّجَهُ الْمَوْلَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَالزَّائِدُ تُطَالِبُهُ بِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْغُرَمَاءِ كَدَيْنِ الصِّحَّةِ مَعَ دَيْنِ الْمَرَضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْوِئَتُهَا فَتَخْدُمُهُ وَيَطَؤُهَا الزَّوْجُ إنْ ظَفِرَ بِهَا)؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى أَقْوَى مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ ذَاتَهَا وَمَنَافِعَهَا وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجُ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ تَبَعًا، وَلَوْ وَجَبَتْ التَّبْوِئَةُ لَبَطَلَ حَقُّهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ وَحَقُّ الزَّوْجِ فِي الْوَطْءِ لَا يُبْطِلُ الِاسْتِخْدَامَ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ أَحْيَانًا فَإِنْ قِيلَ التَّبْوِئَةُ تَسْلِيمٌ فَتَجِبُ عَلَيْهِ قُلْنَا لَا، بَلْ هُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ التَّبْوِئَةِ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ مَتَى ظَفِرْت بِهَا وَطِئْتهَا، وَكَذَا إذَا شَرَطَ التَّبْوِئَةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَلَوْ صَحَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ إجَارَةً أَوْ عَارِيَّةً فَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ التَّوْقِيتِ وَالثَّانِي لَيْسَ بِلَازِمٍ فَإِنْ بَوَّأَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَكَالْعَبْدِ إذَا زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ إلَخْ)، وَلَوْ بَاعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ بَعْدَ أَنْ بَاشَرَ بِلَا إذْنٍ فَلِلْمُشْتَرِي الْإِجَازَةُ، وَقَالَ زُفَرُ يَبْطُلُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ فَوَرِثَ الْعَبْدُ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ، أَمَّا إنْ كَانَتْ أَمَةً فَتَزَوَّجَتْ بِلَا إذْنٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَوَرِثَهَا مَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَطَلَ لِطَرَيَانِ الْحِلِّ النَّافِذِ عَلَى الْمَوْقُوفِ وَإِنْ وَرِثَهَا مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ كَأَنْ وَرِثَهَا جَمَاعَةٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ ابْنُ الْمَوْلَى، وَقَدْ كَانَ الْأَبُ وَطِئَهَا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِي أَمَةٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ فَبَاعَهَا الْمَوْلَى، لِلْمُشْتَرِي الْإِجَازَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ وَطْءَ الرَّجُلِ يُحَرِّمُهَا فَإِذَا حَاضَتْ بَطَلَ الْعَقْدُ لِحِلِّهَا لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ لَمْ يَطَأْهَا بَطَلَ الْعَقْدُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ لِطَرَيَانِ الْحِلِّ الْبَاتِّ عَلَى الْمَوْقُوفِ. وَقَالَ زُفَرُ: يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَبِالْبَيْعِ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى إجَازَةِ إنْسَانٍ يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ مِنْ غَيْرِهِ، وَعِنْدَهُ لَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا يُفِيدُ مِنْ الثَّانِي قُلْنَا إنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ لَا لِأَنَّهُ هُوَ وَالثَّانِي مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ دَائِرٌ مَعَ الْمِلْكِ فَيَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهِ. اهـ. فَتْحٌ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْإِذْنِ بِالنِّكَاحِ) أَيْ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ تَزَوَّجْ امْرَأَةً اهـ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ عِنْدَهُ إلَخْ)، وَلَوْ جَدَّدَ الْعَبْدُ نِكَاحَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لَا يَنْفُذُ عِنْدَهُ اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْجَائِزَ دُونَ الْفَاسِدِ) أَيْ اتِّفَاقًا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ) أَيْ الْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ لِلْعَبْدِ أَوْ الْوَكِيلِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: يَتَنَاوَلُ الْجَائِزَ وَالْفَاسِدَ) أَيْ اتِّفَاقًا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ) أَيْ وَلِذَا صَحَّ إعْتَاقُهُ وَهِبَتُهُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ زَوَّجَ عَبْدًا مَأْذُونًا) أَيْ مَدْيُونًا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ تَحْصِينًا) أَيْ وَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ لَيْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُلَاقِي حَقَّ الْغُرَمَاءِ بِالْإِبْطَالِ مَقْصُودًا، بَلْ وُضِعَ لِقَصْدِ حِلِّ الْبُضْعِ بِالْمِلْكِ، ثُمَّ يَثْبُتُ الْمَهْرُ حُكْمًا لَهُ بِسَبَبٍ لَا مَرَدَّ لَهُ وَهُوَ صِحَّةُ النِّكَاحِ لِصُدُورِهِ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ، ثُمَّ يَلْزَمُهُ بُطْلَانُ حَقِّهِمْ فِي مِقْدَارِهِ إذَا كَانَ قَدْرَ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ لِخُصُوصِ أَمْرٍ وَاقِعٍ فَهُوَ لَازِمُ اللَّازِمِ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَكَانَ ضِمْنِيًّا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي إثْبَاتِهِ وَنَفْيِهِ إلَّا حَالَ الْمُتَضَمِّنِ لَهُ لَا وَصَارَ كَالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً صَحَّ وَكَانَتْ أُسْوَةَ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْوِئَتُهَا) وَمَعْنَى التَّبْوِئَةِ أَنْ يَدْفَعَهَا لِلزَّوْجِ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا فَلَوْ كَانَتْ تَذْهَبُ وَتَجِيءُ وَتَخْدُمُ الْمَوْلَى لَا يَكُونُ تَبْوِئَةً اهـ. فَتْحٌ، وَكَذَا إذَا زَوَّجَ مُدَبَّرَتَهُ وَأُمَّ وَلَدِهِ اهـ. كَمَالٌ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَوْلَى مَا لَمْ يُبَوِّئْهَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ) أَيْ عَلَى الْأَمَةِ غَيْرَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ إجَارَةً) أَيْ لِمَنَافِعِ أَعْضَائِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَوَّأَهَا) أَيْ وَهِيَ صَالِحَةٌ لِلْجِمَاعِ اهـ. غَايَةٌ

مَعَهُ مَنْزِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تُقَابِلُ الِاحْتِبَاسَ، وَلَوْ بَدَا لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهَا كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالنِّكَاحِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ لَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ لَمْ يُبَوِّئْهَا بَيْتَ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ حَبْسَهَا بِحَقٍّ كَحَبْسِهَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ قُلْنَا فَوَاتُ التَّسْلِيمِ إلَى أَنْ يُوَفِّيَهَا الْمَهْرَ جَاءَ مِنْ قِبَلَهُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَقَبْلَهَا أَوْ بَعْدَ الِاسْتِرْدَادِ لَا تَجِبُ وَالْمُكَاتَبَةُ فِي هَذَا كَالْحُرَّةِ لِزَوَالِ يَدِ الْمَوْلَى عَنْهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ إجْبَارُهُمَا عَلَى النِّكَاحِ) أَيْ لِلْمَوْلَى إجْبَارُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ عَلَى النِّكَاحِ وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ هُنَا أَنْ يَنْفُذَ عَلَيْهِمَا النِّكَاحُ بِغَيْرِ رِضَاهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا إجْبَارَ فِي الْعَبْدِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ مُبْقَى عَلَى أَصْلِ الْآدَمِيَّةِ فِيمَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ، وَالنِّكَاحُ مِنْهَا وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ إلَّا مَالِيَّتُهُ وَهِيَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالنِّكَاحِ فَكَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ فِي إنْكَاحِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ وَلَأَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ بُضْعَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَهُ؛ وَلِأَنَّ إجْبَارَهُ عَلَيْهِ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ فَيُطَلِّقُهَا مِنْ سَاعَتِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ رَقَبَةً وَيَدًا فَيَمْلِكُ عَلَيْهِ كُلَّ تَصَرُّفٍ فِيهِ صِيَانَةُ مِلْكِهِ كَالْأَمَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ لِكَوْنِهَا مَمْلُوكَةً لَهُ رَقَبَةً وَيَدًا لَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بُضْعَهَا وَلَا تَأْثِيرَ لِمِلْكِ الْبُضْعِ فِيهِ وَلَا لِعَدَمِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ امْرَأَتَهُ وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ بُضْعَهَا وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ بُضْعَهَا فَلَا تَأْثِيرَ لِمَا ذَكَرَهُ طَرْدًا وَعَكْسًا وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَعْنَى مِنْ أَنَّهُ مُبْقَى عَلَى أَصْلِ الْآدَمِيَّةِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَلَكَهُ الْعَبْدُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ كَالْإِقْرَارِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَمَا لَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى كَالْإِقْرَارِ عَلَيْهِ بِالْمَالِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ قِيَاسَهُ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ بِالْقِصَاصِ بَاطِلٌ، وَقَوْلُهُ يُطَلِّقُهَا مِنْ سَاعَتِهِ. قُلْنَا كَلَامُنَا فِي جَوَازِ تَزْوِيجِهِ وَبَقَاءِ مِلْكِهِ إلَى وُجُودِ الطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّ حِشْمَةَ الْمَوْلَى تَمْنَعُهُ عَنْ الطَّلَاقِ ظَاهِرًا وَلَا يُعَانِدُهُ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهُمَا الْتَحَقَا بِالْأَجَانِبِ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقَّانِ الْأَرْشَ عَلَى الْمَوْلَى بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا وَتَسْتَحِقُّ الْمُكَاتَبَةُ الْمَهْرَ إذَا وَطِئَهَا الْمَوْلَى فَصَارَا كَالْحُرِّ فَلَا يُجْبَرَانِ عَلَى النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ وَهَذِهِ مِنْ أَغْرَبِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِيهَا رَأْيُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ فِي تَزْوِيجِهِمَا حَتَّى قَالُوا لَوْ زَوَّجَهُمَا الْمَوْلَى بِغَيْرِ إذْنِهِمَا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِمَا فَإِنْ أَدَّيَا الْمَالَ وَعَتَقَا لَا يُعْتَبَرُ رَأْيُهُمَا مَا دَامَا صَغِيرَيْنِ، بَلْ يَنْفَرِدُ بِهِ الْمَوْلَى أَوْ الْوَلِيُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ بِقَتْلِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ قَبْلَ الْوَطْءِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارًا بِمَوْتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ وَكُلَّمَا بَوَّأَهَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَكُلَّمَا أَعَادَهَا سَقَطَتْ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ) أَيْ حَيْثُ امْتَنَعَ مِنْ إيفَاءِ مَا الْتَزَمَهُ وَهُنَا التَّفْوِيتُ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ الْمَوْلَى لِشَغْلِهِ إيَّاهَا بِخِدْمَةِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ كَالْمَحْبُوسَةِ بِدَيْنٍ اهـ. (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ يَدِ الْمَوْلَى عَنْهَا) أَيْ فَهِيَ فِي يَدِ نَفْسِهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ إذَا لَمْ تَحْبِسْ نَفْسَهَا ظُلْمًا، وَلَوْ جَاءَتْ الْأَمَةُ بِوَلَدٍ فَنَفَقَتُهُ عَلَى مَوْلَى أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ لَا عَلَى الْأَبِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَهُ إجْبَارُهُمَا إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لِلْمَوْلَى أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْهَا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا فِي الْعَبْدِ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الْعَبْدِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُجْبِرَ عَبْدَهُ عَلَى النِّكَاحِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُجْبِرُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْمُرَادُ بِالْإِجْبَارِ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ رِضَاهُمَا يَنْفُذُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَكَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ فِي إنْكَاحِهِ) كَتَزْوِيجِهِ مُكَاتَبَهُ وَمُكَاتَبَتَهُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: صِيَانَةُ مِلْكِهِ) أَيْ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا اهـ. غَايَةُ قَوْلِهِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا أَيْ إذْ الزِّنَا سَبَبُ الْهَلَاكِ وَالنُّقْصَانِ إذْ بِالْجَلْدِ رُبَّمَا يَهْلَكُ فَيَمْلِكُهُ بِلَا رِضَاهُمَا اهـ. رَازِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: بَيَانُهُ أَنَّ الزِّنَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَرُبَّمَا يَقَعُ الْحَدُّ مُهْلِكًا أَوْ جَارِحًا فَفِي الْأَوَّلِ هَلَاكُ الْمَالِ وَفِي الثَّانِي نُقْصَانُهُ وَلِلْمَوْلَى إصْلَاحُ مِلْكِهِ عَنْ الْهَلَاكِ أَوْ النُّقْصَانِ وَفِي التَّزْوِيجِ إصْلَاحُ ذَلِكَ فَيَمْلِكُهُ بِلَا رِضَا الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ اهـ. وَلَيْسَ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالشَّرِيكِ وَالْمَأْذُونِ وَالْمُضَارِبِ أَنْ يُزَوِّجُوا الْعَبْدَ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهُ يُنْقِصُ الْمَالِيَّةَ وَيَشْغَلُهَا بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فَلَا يَكُونُ اكْتِسَابًا لِلْمَالِ. وَأَمَّا الْأَمَةُ فَيَصِحُّ تَزْوِيجُهَا مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْجَدِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُفَاوَضِ وَالْقَاضِي؛ لِأَنَّ اكْتِسَابَ الْمَالِ بِإِزَاءِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ النَّفْعِ، أَمَّا شَرِيكُ الْعَنَانِ وَالْمُضَارَبِ وَالْمَأْذُونِ لَا يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَمْلِكُونَ كَالْمُفَاوَضِ لَهُمَا أَنَّ هَذَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا يُعَانِدُهُ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ)؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ النِّكَاحِ مِمَّا تَرْغَبُ فِيهِ النَّفْسُ غَالِبًا وَتَدْعُو إلَيْهِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ طَلَبِ قَطْعِهِ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُمَا الْتَحَقَا بِالْأَجَانِبِ) أَيْ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى اسْتِخْدَامَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ: تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِمَا) مَا دَامَا مُكَاتَبَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ بِقَتْلِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ) فِي تَزْوِيجِهِ مُكَاتَبَتَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ بَلْ الْمُكَاتَبَةَ وَفِي تَزْوِيجِ أَمَتِهِ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لَهَا فَلَوْ قَتَلَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ سَقَطَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الزَّوْجِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْوَطْءِ) حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَوْلَى قَبَضَهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا قَتَلَ أَمَتَهُ قَبْلَ دُخُولِ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ قَبَضَ الصَّدَاقَ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْبِضْهُ يَسْقُطُ عَنْ ذِمَّةِ الزَّوْجِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْهُ، أَمَّا إذَا قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ فَلَا يَسْقُطُ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا لَا يَسْقُطُ إذَا قَتَلَهَا الْمَوْلَى بَعْدَ دُخُولِ الزَّوْجِ، وَإِذَا غَيَّبَهَا الْمَوْلَى بِمَكَانٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الزَّوْجُ لَا يُطَالِبُهُ بِالْمَهْرِ بِالِاتِّفَاقِ. وَإِذَا ارْتَدَّتْ الْأَمَةُ أَوْ الْحُرَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ يَسْقُطُ الْمَهْرُ بِالِاتِّفَاقِ وَالْحُرَّةُ إذَا قَتَلَتْ نَفْسَهَا لَا يَسْقُطُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَا لَا يَسْقُطُ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لِمَوْلَاهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ وَقَعَتْ بِالْمَوْتِ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ بِهَا اهـ. رَازِيٌّ

حَتْفَ أَنْفِهَا وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ وَالْقَتْلُ مَوْتٌ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَقُتِلَ عَتَقَ فَصَارَ كَمَا إذَا قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِفِعْلِ مَنْ لَهُ الْمَهْرُ وَهُوَ الْمَوْلَى فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ بَاعَهَا وَذَهَبَ بِهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْمِصْرِ أَوْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَاخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ أَوْ غَيَّبَهَا بِمَوْضِعٍ لَا يَصِلُ إلَيْهَا الزَّوْجُ وَالْقَتْلُ جُعِلَ إتْلَافًا فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى وَجَبَ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ وَالْحِرْمَانُ مِنْ الْإِرْثِ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَالْقِيمَةُ لِلتَّعَذُّرِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ رَهْنًا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا، وَلَوْ قَتَلَ الْمَوْلَى زَوْجَهَا لَا يَسْقُطُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَفْوِيتٍ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ تَصَرُّفٌ فِي الْعَاقِدِ فَلَا يَكُونُ تَفْوِيتًا، وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ صَغِيرًا قِيلَ يَسْقُطُ، وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَلَوْ قَتَلَتْ الْأَمَةُ نَفْسَهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَسْقُطُ كَقَتْلِهَا الْمَوْلَى وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مُضَافٌ إلَى مَوْلَاهُ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَسْقُطُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا كَالْحُرَّةِ إذَا قَتَلَتْ نَفْسَهَا وَكَمَا لَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ، وَكَذَا فِي رِدَّتِهَا رِوَايَتَانِ، وَكَذَا فِي تَقْبِيلِهَا ابْنَ زَوْجِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِقَتْلِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا قَبْلَهُ) أَيْ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ بِقَتْلِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ إنَّهَا فَوَّتَتْ الْمُبْدَلَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيَفُوتُ الْبَدَلُ كَقَتْلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ وَتَقْبِيلِهَا ابْنَ زَوْجِهَا وَلَنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ أَصْلًا وَلِهَذَا إذَا قَتَلَ نَفْسَهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَتْلَ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا لَوْ اُعْتُبِرَ تَفْوِيتًا لِلْمَهْرِ إنَّمَا يَكُونُ تَفْوِيتًا بَعْدَ مَوْتِهَا وَبِالْمَوْتِ يَنْتَقِلُ الْمَهْرُ إلَى وَرَثَتِهَا فَلَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ لِلْوَرَثَةِ لَا لَهَا بِخِلَافِ قَتْلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَهُ فَكَانَ مُفَوِّتًا حَقَّ نَفْسِهِ وَهُوَ كَمَنْ قَالَ اُقْتُلْ عَبْدِي فَقَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَلَا يَصِحُّ إذْنُهُ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْوَرَثَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ قَتْلِ الْوَارِثِ الْحُرَّةَ قَبْلَ الدُّخُولِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَحْرُومًا بِالْقَتْلِ فَلَمْ يَصِرْ مُبْطِلًا حَقَّ نَفْسِهِ فِي الْمَهْرِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتِمُّ إلَّا بَعْدَ زَهُوقِ الرُّوحِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَيْسَتْ بِأَهْلٍ لِلْقَتْلِ فَلَا يُمْكِنُ إضَافَتُهُ إلَيْهَا مِثَالُهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ جُنِنْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا جُنَّ؛ لِأَنَّ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ انْتَفَتْ الْأَهْلِيَّةُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْهَا وَهُوَ مَجْنُونٌ حَيْثُ تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ صَحِيحٌ لِكَوْنِ الشَّرْطِ لَا يُنَافِي الطَّلَاقَ وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا رَضَاعُ الصَّغِيرَةِ الْكَبِيرَةَ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ مِنْ مَهْرِهَا شَيْءٌ وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بِفِعْلِهَا، وَكَذَا الْمَجْنُونَةُ إذَا قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لَا يَصْلُحُ لِإِسْقَاطِ حَقِّهِمَا كَمَا لَوْ قَتَلَا مُوَرِّثَهُمَا فَإِنْ قِيلَ يُنْتَقَضُ هَذَا بِرِدَّةِ الصَّغِيرَةِ إذَا كَانَتْ مُمَيِّزَةً حَيْثُ يَسْقُطُ بِهَا مَهْرُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ قُلْنَا رِدَّتُهَا مَحْظُورَةٌ فِي حَقِّهَا بِدَلِيلِ حِرْمَانِهَا بِهَا الْمِيرَاثَ وَاسْتِحْقَاقِ حَبْسِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: حَتْفَ أَنْفِهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْحَتْفُ الْمَوْتُ وَجَمْعُهُ حُتُوفٌ لَيْسَ لَهُ فِعْلٌ مُتَصَرِّفٌ وَإِنَّمَا يُضَافُ الْحَتْفُ إلَى الْأَنْفِ إذَا مَاتَ الشَّخْصُ بِلَا سَبَبٍ وَيُقَالُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ؛ لِأَنَّ الرُّوحَ تَخْرُجُ مِنْ الْأَنْفِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ) أَيْ لَا أَجَلَ لَهُ سِوَى هَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) أَيْ أَنَّ مَنْ لَهُ الْبَدَلُ مَنَعَ الْمُبْدَلَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيُجَازَى بِمَنْعِ الْبَدَلِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ كَمَا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَسْقُطُ جَمِيعُ الثَّمَنِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِفِعْلِ مَنْ لَهُ الْمَهْرُ وَهُوَ الْمَوْلَى) أَيْ فَيُجَازَى بِمَنْعِ الْبَدَلِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْقَتْلُ) وَإِنْ كَانَ مَوْتًا لَكِنَّهُ (جُعِلَ إتْلَافًا) وَقَوْلُهُ: وَالْقَتْلُ هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِنَا الْمَيِّتُ مَقْتُولٌ بِأَجَلِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى وَجَبَ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ وَالْحِرْمَانُ مِنْ الْإِرْثِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَالْقِيمَةُ) أَيْ وَالضَّمَانُ فِيمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَحَلَّهَا لَهُ، وَقَدْ تَثْبُتُ أَحْكَامُهُ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى حِينَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ رَهْنًا) أَيْ عِنْدَ إنْسَانٍ فَقَتَلَهَا سَيِّدُهَا الرَّاهِنُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا لَهُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ صَبِيًّا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ السَّيِّدُ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا زَوَّجَ أَمَتَهُ وَصِيَّهُ مَثَلًا قَالُوا يَجِبُ أَنْ لَا يَسْقُطَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي رِوَايَةٍ يَسْقُطُ كَقَتْلِهَا) أَيْ كَمَا إذَا قَتَلَهَا الْمَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا لِأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مُضَافٌ إلَى مَوْلَاهُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْأَوْجَهُ مَا ذُكِرَ فِي وَجْهِ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي رِدَّتِهَا بِالسُّقُوطِ وَهُوَ أَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ أَوَّلًا لَهَا، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْلَى وَفَائِدَةُ الْأَوَّلِيَّةِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ قُضِيَ وَلَمْ يُعْطَ الْمَوْلَى إلَّا مَا فَضَلَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُهُمَا: كَالْحُرَّةِ) أَيْ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لِمَوْلَاهَا لَا لَهَا وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ مَنْعَ الْمُبْدَلِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي رِدَّتِهَا رِوَايَتَانِ) قَالَ الْكَمَالُ: أَمَّا الْأَمَةُ فَلَا رِوَايَةَ فِي رِدَّتِهَا وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قِيلَ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ وَهُوَ الْمُسْقِطُ لَمْ يَجِئْ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ الْمَوْلَى، وَقِيلَ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ أَوَّلًا لَهَا، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْلَى بَعْدَ الْفَرَاغِ عَنْ حَاجَتِهَا حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ يُصْرَفُ إلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ بِقَتْلِ الْحُرَّةِ نَفْسِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا) فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا تَسْتَحِقُّهُ وَرَثَتُهَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَقَتْلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ) أَيْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا إنَّمَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إذَا قَتَلَ نَفْسَهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ أَيْ وَلَمْ يَعْتَبِرَاهُ بَاغِيًا عَلَى نَفْسِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ إلَخْ) ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فَلْتَنْظُرْ فِيهِ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِ الشَّرْطِ لَا يُنَافِي الطَّلَاقَ) قَالَ فِي الطَّرِيقَةِ الرَّضَوِيَّةِ أَجْمَعْنَا أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْيَمِينِ لَا وَقْتَ الشَّرْطِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُفِيقًا وَقْتَ الْيَمِينِ مَجْنُونًا وَقْتَ الشَّرْطِ يَصِحُّ وَيَقَعُ عَلَى عَكْسِهِ لَا تَصِحُّ الْيَمِينُ اهـ. قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ: قُلْنَا رِدَّتُهَا مَحْظُورَةٌ) أَيْ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُحْظَرْ عَلَيْهَا اهـ. فَتْحٌ قَوْلُ الْمُحَشِّي وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إلَخْ كَذَا فِي أَصْلِ الْحَاشِيَةَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعِبَارَةِ الشَّرْحِ كَمَا تَرَى فَحَرِّرْ اهـ. مُصَحِّحُهُ

حَتَّى تَتُوبَ أَوْ تَمُوتَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ)، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ صِيَانَةً لَهَا عَنْ السِّفَاحِ، وَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاضِيًا لِشَهْوَتِهِ وَالْعَزْلُ يُخِلُّ بِهِ فَشُرِطَ فِيهِ رِضَاهَا كَمَا فِي الْحُرَّةِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا مُطَالَبَةَ لَهَا فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا وَلِلْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ وَلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهَا وَلَهُ أَنَّ الْأَمَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ حَقًّا لَهَا ابْتِدَاءً وَبَقَاءً فَإِنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَةِ سَيِّدِهَا بِالتَّزْوِيجِ وَهُوَ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ الْوَلَدُ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى لَا حَقُّ الْأَمَةِ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ زَوْجُ الْأَمَةِ عِنِّينًا لَا يَكُونُ لَهَا حَقُّ الْخُصُومَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِمَوْلَاهَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثُمَّ الْعَزْلُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ بِرِضَا امْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ أَوْ بِرِضَا مَوْلَى امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ وَفِي الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِغَيْرِ رِضَاهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقُرْآنُ يُنَزَّلُ»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمُسْلِمٍ «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْهَنَا» قَالَ جَابِرٌ لَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا الْقُرْآنُ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِرَجُلٍ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ: اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا»، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ لِي جَارِيَةً وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا وَأَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ وَإِنَّ الْيَهُودَ تُحَدِّثُ أَنَّ الْعَزْلَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى قَالَ كَذَبَتْ يَهُودُ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْت أَنْ تَصْرِفَهُ» قَالُوا، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَسَعُهَا أَنْ تُعَالِجَ لِإِسْقَاطِ الْحَبَلِ مَا لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ وَذَلِكَ مَا لَمْ يَتِمَّ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، ثُمَّ إذَا عَزَلَ وَظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ هَلْ يَجُوزُ نَفْيُهُ قَالُوا إنْ لَمْ يَعُدْ إلَى وَطْئِهَا أَوْ عَادَ بَعْدَ الْبَوْلِ جَازَ لَهُ نَفْيُهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أُعْتِقَتْ أَمَةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ خُيِّرَتْ، وَلَوْ زَوْجُهَا حُرًّا) وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ بِرِضَاهَا أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُنَا فِيمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَهَا وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهَا فَثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ بِخِلَافِ الْحُرِّ. وَلَنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ لِازْدِيَادِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا؛ وَلِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهَا مَلَكْت بُضْعَك فَاخْتَارِي» فَجَعَلَ عِلَّةَ الْخِيَارِ مِلْكَهَا بُضْعَهَا فَلَا نَشْتَغِلُ بِالتَّعْلِيلِ بَعْدَ تَعْلِيلِ صَاحِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ) أَيْ عَزْلِ الْمَاءِ عَنْ الْأَمَةِ فِي الْجِمَاعِ اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ إلَيْهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ حَقُّهَا لَا حَقُّ مَوْلَاهَا وَلِهَذَا كَانَ لَهَا مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ بِالْوَطْءِ فَصَارَتْ كَالْحُرَّةِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقُّهَا حَتَّى يَثْبُتَ لَهَا وَلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ وَفِي الْعَزْلِ تَنْقِيصُ حَقِّهَا فَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا اهـ. قَوْلُهُ: وَفِي الْعَزْلِ تَنْقِيصُ حَقِّهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ: تَنْقِيصُ حَقِّهَا أَيْ فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ قَالُوا مُطَالَبَةُ الْوَطْءِ لَهَا مِنْ الزَّوْجِ قَضَاءً مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فَأَمَّا دِيَانَةً فَفِي كُلِّ مَرَّةٍ اهـ. وَفِي قَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُمَا كَقَوْلِ الْإِمَامِ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَا يُعْتَبَرُ) أَيْ فِي الْعَزْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى) قَالَ الْكَمَالُ: وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عِنِّينًا قَالُوا الْخُصُومَةُ لِلْمَوْلَى أَوْ لَهَا عَلَى الْخِلَافِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا حَقُّ الْأَمَةِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لَا حَقُّهَا اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحُرَّةِ) أَيْ فَإِنَّ لَهَا حَقًّا فِي الْوَلَدِ فَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ مَا لَمْ يَتِمَّ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا) قَالَ الْكَمَالُ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالتَّخْلِيقِ نَفْخَ الرُّوحِ وَإِلَّا فَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيقَ يَتَحَقَّقُ بِالْمُشَاهَدَةِ قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَادَ) أَيْ عَزَلَ فِي الْعَوْدِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْبَوْلِ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ بَعْدَ غَسْلِ الذَّكَرِ اهـ. مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ عَادَ وَلَمْ يَبُلْ لَا يَجُوزُ نَفْيُهُ اهـ. كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْمَنِيِّ فِي ذَكَرِهِ يَسْقُطُ فِيهَا وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ قَبْلَ الْبَوْلِ، ثُمَّ بَالَ فَخَرَجَ الْمَنِيُّ وَجَبَ إعَادَةُ الْغُسْلِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ رَجُلٌ لَهُ جَارِيَةٌ غَيْرُ مُحْصَنَةٍ تَخْرُجُ وَتَدْخُلُ وَيَعْزِلُ عَنْهَا الْمَوْلَى فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ وَأَكْبَرُ ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ نَفْيِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً لَا يَسَعُهُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْزِلُ فَيَقَعُ الْمَاءُ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْعَزْلِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ أَعْتَقَتْ أَمَةً إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْنِي لَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ مِنْ رَجُلٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَلَهَا الْخِيَارُ فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَا مَهْرَ لِأَحَدٍ إنْ كَانَ الْعِتْقُ وَالِاخْتِيَارُ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا وَإِنْ اخْتَارَتْ الزَّوْجَ فَالْمَهْرُ لِسَيِّدِهَا اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: خُيِّرَتْ) وَخِيَارُهَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ عِنْدَنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا إلَخْ) أَيْ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا أَوْ تَزَوَّجَهَا هُوَ بِرِضَاهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا) أَيْ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِازْدِيَادِ الْمِلْكِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ حِلَّ الْحُرَّةِ أَوْسَعُ مِنْ حِلِّ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ قَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ يَمْلِكُ الزَّوْجَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَيْنِ وَيَمْلِكُ مُرَاجَعَتَهَا فِي مَرَّتَيْنِ وَكَانَتْ عِدَّتُهَا حَيْضَتَيْنِ فَازْدَادَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَأَثْبَتَ الشَّرْعُ لَهَا الْخِيَارَ بِرَفْعِ أَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ رَفْعِ الضَّرَرِ إلَّا بِرَفْعِ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّهَا بَعْدَ الْعَقْدِ يَمْنَعُهَا زَوْجُهَا عَنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ وَذَلِكَ ازْدِيَادُ الْمِلْكِ أَيْضًا اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصْحَابُنَا تَارَةً يُعَلِّلُونَهُ بِزِيَادَةِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِحَيْثُ تَخْلُصُ بِثِنْتَيْنِ فَازْدَادَ الْمِلْكُ عَلَيْهَا، وَهَذَا مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالرِّجَالِ لَا بِالنِّسَاءِ كَأَنَّهُ اعْتِمَادٌ عَلَى إثْبَاتِ الْأَصْلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَتَارَةً بِعِلَّةٍ مَنْصُوصَةٍ وَهُوَ مِلْكُهَا بُضْعَهَا اهـ. مِنَحٌ (قَوْلُهُ: فَجَعَلَ عِلَّةَ الْخِيَارِ مِلْكَهَا بُضْعَهَا) وَإِذًا فَالْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَيَكُونُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِزِيَادَةِ الْمِلْكِ إظْهَارَ حِكْمَةِ هَذِهِ الْعِلَّةِ

الشَّرْعِ، وَحَدِيثُنَا أَوْلَى لِكَوْنِهِ مُثْبِتًا لِلْحُرِّيَّةِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلُ عَبْدًا أَوْ نَقُولُ لَيْسَ فِيمَا رُوِيَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ حُرًّا لَا يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إلَّا عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا فِيمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَبِمُوجِبِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَبِتَعْلِيلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ أَوْ نَقُولُ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَنَقُولُ كَانَ عَبْدًا قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ بَرِيرَةُ، ثُمَّ أُعْتِقَ وَكَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْقِنَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُنَا فِي الْمُكَاتَبَةِ هُوَ يَقُولُ لَا نَفَاذَ لِلنِّكَاحِ عَلَيْهَا إلَّا بِرِضَاهَا فَصَارَتْ كَالْحُرَّةِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ رِضَاهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً وَلَا يُقَالُ إنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُكَاتَبَةً عِنْدَ النِّكَاحِ فَلَمْ يَكُنْ حُجَّةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً؛ لِأَنَّ الْحَالَ يَدُلُّ عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَزْدَادُ عَلَيْهَا كَالْأَمَةِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْخِيَارِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْكُفْءَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الْبَقَاءِ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُقَدَّمُ حَقُّهَا عَلَى حَقِّ الزَّوْجِ حَتَّى كَانَ لَهَا إبْطَالُ حَقِّهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا بِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ قُلْنَا لَمَّا كَانَ لَهَا دَفْعُ الزِّيَادَةِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِإِبْطَالِ أَصْلِ النِّكَاحِ كَانَ لَهَا إبْطَالُ أَصْلِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا؛ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ رَضِيَ بِهِ حَيْثُ تَزَوَّجَهَا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا قَدْ تُعْتَقُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَكَحَتْ بِلَا إذْنٍ فَعَتَقَتْ نَفَذَ بِلَا خِيَارٍ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَنْصُوصَةِ اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْمُكَاتَبَةُ) أَيْ إذَا أَعْتَقَتْ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا اهـ. (قَوْلُهُ: لَا نَفَاذَ لِلنِّكَاحِ عَلَيْهَا إلَّا بِرِضَاهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ أَنَّهَا إذَا أُعْتِقَتْ وَلَهَا زَوْجٌ زَوَّجَهَا مِنْهُ الْمَوْلَى أَوْ تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ سَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا حَالَ الْإِعْتَاقِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا إنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مَعَهُ وَإِنْ شَاءَتْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَفَارَقَتْهُ وَلَا مَهْرَ لَهَا إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ وَاجِبٌ لِسَيِّدِهَا؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ بِحُكْمِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَيُقَرَّرُ بِهِ الْمُسَمَّى وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَالْمَهْرُ لِسَيِّدِهَا دَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَاجِبٌ بِمُقَابَلَةِ مَا مَلَكَ الزَّوْجُ مِنْ الْبُضْعِ، وَقَدْ مَلَكَهُ عَلَى الْوَلِيِّ فَيَكُونُ بَدَلُهُ لِلْمَوْلَى اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَخَالَفَ زُفَرُ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْعَقْدَ نَفَذَ بِرِضَاهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَلَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنَّ سَيِّدَ الْأَمَةِ لَوْ زَوَّجَهَا بِرِضَاهَا وَمُشَاوَرَتِهَا فِي ذَلِكَ أَنْ لَا خِيَارَ لَهَا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالْأَوْجَهُ فِي اسْتِدْلَالِهِ أَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: مَلَكْت بُضْعَك فَاخْتَارِي؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ كَانَتْ مَالِكَةً لِبُضْعِهَا قَبْلَ الْعِتْقِ وَأُجِيبُ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَابِعٌ لِمِلْكِ نَفْسِهَا وَلَمْ تَكُنْ مَالِكَةً نَفْسَهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ مَالِكَةً لِإِكْسَابِهَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَلَكْت بُضْعَك» لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا مَنَافِعَ بُضْعِك إذْ لَا يُمْكِنُ مِلْكُهَا لِعَيْنِهِ وَمِلْكُهَا لِإِكْسَابِهَا تَبَعٌ لِمِلْكِهَا لِمَنَافِعِ نَفْسِهَا وَأَعْضَائِهَا فَيَلْزَمُ كَوْنُهَا كَانَتْ مَالِكَةً لِبُضْعِهَا بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا النَّصُّ وَيَتَرَجَّحُ قَوْلُ زُفَرَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَصَارَتْ كَالْحُرَّةِ) أَيْ وَلِهَذَا يُسَلَّمُ لَهَا بَدَلُ بُضْعِهَا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَبَرِيرَةُ بِرَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ عَلَى وَزْنِ كَرِيمَةٍ وَكَانَ اسْمُ زَوْجِهَا مُغِيثًا وَكَانَ عَبْدًا لِآلِ أَبِي أَحْمَدَ كَذَا قَالَ صَاحِبُ السُّنَنِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ كَانَ مُغِيثُ عَبْدًا لِآلِ الْمُغِيرَةِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ: قِيلَ هَذَا فِي سِيَاقِ دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ وَرَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ إلَى عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ «زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ وَيُسَمَّى مُغِيثًا فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ» اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَقُولُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ كَانَتْ بَرِيرَةُ مُكَاتَبَةً قَبْلَ الْإِعْتَاقِ أَوْ أَمَةً قِنَّةً فَإِنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَإِثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهَا حُجَّةٌ لَنَا عَلَى زُفَرَ؛ لِأَنَّ الرَّأْيَ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً قِنَّةً فَنَقُولُ: النَّصُّ الْوَارِدُ فِي بَرِيرَةَ مَعْلُولٌ بِزِيَادَةِ الْمِلْكِ، وَازْدِيَادُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْعِتْقِ حَاصِلٌ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَيَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهَا، وَمِلْكُ الْمُكَاتَبَةِ بَدَلُ بُضْعِهَا لَا بِاعْتِبَارِ عَقْدِ النِّكَاحِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَحَقَّ بِأَكْسَابِهَا وَبَدَلُ الْبُضْعِ مِنْ جُمْلَةِ الْكَسْبِ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى سُقُوطِ الْخِيَارِ كَمَا إذَا وَهَبَ الْمَوْلَى مَهْرَ الْأَمَةِ لَهَا، ثُمَّ عَتَقَتْ يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ بَدَلِ الْبُضْعِ لَمْ يَكُنْ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي سُقُوطِ النِّكَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَزْدَادُ) قَالَ الْكَمَالُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصْحَابُنَا تَارَةً يُعَلِّلُونَهُ بِزِيَادَةِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِحَيْثُ تَخْلُصُ بِثِنْتَيْنِ فَازْدَادَ الْمِلْكُ عَلَيْهَا، وَهَذَا رَدُّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالرِّجَالِ لَا بِالنِّسَاءِ وَكَأَنَّهُ اعْتِمَادٌ عَلَى إثْبَاتِ الْأَصْلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَتَارَةً بِعِلَّةٍ مَنْصُوصَةٍ وَهِيَ مِلْكُهَا بُضْعَهَا، ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَنْ فَالْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَيَكُونُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِزِيَادَةِ الْمِلْكِ إظْهَارُ حِكْمَةِ هَذِهِ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ وَمُقْتَضَاهَا ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَفِيمَا إذَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً عَتَقَتْ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ بَعْدَمَا زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا بِرِضَاهَا أَوْ غَيْرِهِ اهـ. مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ نَكَحَتْ بِلَا إذْنِ فَعَتَقَتْ نَفَذَ بِلَا خِيَارٍ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَعَنْ زُفَرَ يَبْطُلُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَهُ كَانَ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى فَلَا يَنْفُذُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ وَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ بُطْلَانِ وِلَايَتِهِ، وَإِذَا بَطَلَ تَنْفِيذُهُ وَتَوَقُّفُهُ لَزِمَ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ إذْ لَا وَاسِطَةَ وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَيْت، ثُمَّ عَتَقَتْ يَبْطُلُ وَلَا يَتَوَقَّفُ لِمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ إمْكَانِ الْقِسْمَيْنِ اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ وَالرَّقِيقُ فِيهِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فَانْعَقَدَ النِّكَاحُ لِصُدُورِ رُكْنِهِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى الْمَحَلِّ إلَّا أَنَّ النَّفَاذَ تَوَقَّفَ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى لِقِيَامِ حَقِّهِ فَبَعْدَ الْعِتْقِ سَقَطَ حَقُّهُ فَتَمَّ نَفَاذُ النِّكَاحِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ مِنْ جِهَتِهَا وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا الْخِيَارُ

الْأَمَةُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا، ثُمَّ عَتَقَتْ نَفَذَ النِّكَاحُ وَلَا خِيَارَ لَهَا أَمَّا نُفُوذُ النِّكَاحِ فَلِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ وَامْتِنَاعُهُ لِحَقِّ الْمَوْلَى، وَقَدْ زَالَ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ اشْتَرَتْ شَيْئًا فَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى حَيْثُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الشِّرَاءُ، بَلْ يَبْطُلُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ كَانَ الشِّرَاءُ مُوجِبًا لِمِلْكِ الْمَوْلَى فَلَوْ نَفَذَ عَلَيْهَا لَتَغَيَّرَ الْمَالِكُ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْحِلَّ بِالْعَقْدِ قَدْ ثَبَتَ لَهَا فِي الْحَالَتَيْنِ، وَكَذَا لَا يَلْزَمُ مَا إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ الْعَقْدُ بِغَيْرِ إجَازَتِهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحَجْرِ عَنْ التَّصَرُّفِ، وَلَوْ جَازَ النِّكَاحُ الْمُبَاشِرُ قَبْلَ الْإِذْنِ لَا يَقَعُ الْإِذْنُ فَكًّا فَيَمْتَنِعُ الْجَوَازُ، وَقَضِيَّةُ هَذَا لَا يَجُوزُ بِإِجَازَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَقُلْنَا بِالْجَوَازِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لِقِيَامِ الْإِجَازَةِ مَقَامَ النِّكَاحِ كَمَا فِي نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ، وَهَكَذَا نَقُولُ فِي التَّوْكِيلِ، وَكَذَا لَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ إلَّا بَعْدَ إذَا زَوَّجَ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ، ثُمَّ انْتَقَلَتْ الْوَلَايَةُ إلَيْهِ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ وَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ؛ لِأَنَّ الْأَبْعَدَ حِينَ بَاشَرَ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا فِي شَيْءٍ لَا يُبَالِي بِعَوَاقِبِهِ اتِّكَالًا عَلَى رَأْيِ الْأَقْرَبِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَصْلَحِ، وَكَذَا أَيْضًا لَا يَلْزَمُ تَزْوِيجُ الْمَوْلَى مُكَاتَبَتَهُ الصَّغِيرَةَ حَتَّى يُوقَفَ عَلَى إجَازَتِهَا، ثُمَّ إذَا أَدَّتْ الْمَالَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَعَتَقَتْ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعَقْدُ وَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا حَالَ الْعَقْدِ فَلَا يُبَالِي بِعَوَاقِبِهِ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَأَمَّا عَدَمُ الْخِيَارِ؛ فَلِأَنَّ النُّفُوذَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا يُتَصَوَّرُ ازْدِيَادُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ بِاعْتِبَارِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ وَطِئَ قَبْلَهُ فَالْمَهْرُ لَهُ) أَيْ لَوْ وَطِئَ زَوْجُ الْأَمَةِ الْأَمَةَ قَبْلَ الْعِتْقِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَالْمَهْرُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ مَهْرَانِ، أَحَدُهُمَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ بِشُبْهَةٍ وَالثَّانِي مَهْرُ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمُسَمَّى كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ وَنِصْفُ الْمُسَمَّى بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ قُلْنَا الْقِيَاسُ كَذَلِكَ لَكُنَّا اسْتَحْسَنَّا فَأَوْجَبْنَا الْمُسَمَّى لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ فَكَانَ عَامِلًا مِنْ الِابْتِدَاءِ فَلَوْ وَجَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ إنَّمَا يَكُونُ بِازْدِيَادِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا بِالْعِتْقِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ازْدِيَادُ الْمِلْكِ هُنَا؛ لِأَنَّ نَفَاذَ الْعَقْدِ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْعِتْقِ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا الْمَهْرُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا قَبْلَ الْعِتْقِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَ لَهَا الْمَوْلَى فِي النِّكَاحِ فَتَزَوَّجَتْ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ لَا يَنْفُذُ مَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ بِالْإِذْنِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْمَوْلَى وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ التَّزَوُّجِ بَعْدَ مَا أَذِنَ فَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْمَوْلَى أَوْ إجَازَةِ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْتِقْهَا الْمَوْلَى لَكِنَّهُ مَاتَ فَوَرِثَهَا مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ أَوْ وَهَبَهَا مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِأَنْ كَانَتْ ثَبَتَتْ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَبَيْنَ الْوَارِثِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَحْرَمِيَّةٌ بِالرَّضَاعِ أَوْ الْمُصَاهَرَةِ أَوْ كَانَتْ وَرِثَتْهَا امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَتْهَا امْرَأَةٌ فَعِنْدَنَا يَنْفُذُ النِّكَاحُ إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ الثَّانِي، وَعِنْدَ زُفَرَ يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ مُتَوَقِّفًا عَلَى إجَازَةِ الْأَوَّلِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِرَقَبَتِهَا وَالْمَالِكُ الثَّانِي مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي هَذَا الْبَابِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ مُتَوَقِّفًا عَلَى إجَازَةِ الثَّانِي لِعَدَمِ الْمُنَافِي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ الثَّانِي مَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَيْثُ يَنْفَسِخُ الثَّانِي لِوُجُوبِ النِّكَاحِ وَهُوَ طَرَيَان الْحِلِّ الْبَاتِّ عَلَى الْحِلِّ الْمَوْقُوفِ. أَمَّا الْعَبْدُ إذَا تَزَوَّجَ بِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى فَلِلْمَالِكِ الثَّانِي أَنْ يُجِيزَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بُضْعَهُ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تَنْفُذُ إجَازَةُ الثَّانِي اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: خِيَارُ الْعِتْقِ إنَّمَا شُرِعَ فِي نِكَاحٍ نَافِذٍ قَبْلَ الْعَقْدِ لِدَفْعِ زِيَادَةِ الْمِلْكِ فَلَا يَتَحَقَّقُ زِيَادَةُ الْمِلْكِ لِذَلِكَ وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِنَادِ يَظْهَرُ أَنَّ النَّفَاذَ قَبْلَ الْعِتْقِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّيْءَ يَثْبُتُ، ثُمَّ يَسْتَنِدُ وَحَالُ ثُبُوتِهِ كَانَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَانْتَفَى الْخِيَارُ مَعَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ عَتَقَتْ نَفَذَ النِّكَاحُ) أَيْ بِمُجَرَّدِ الْعِتْقِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَإِنَّمَا فَرْضُهَا فِي الْأَمَةِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا الْمَسْأَلَةَ الَّتِي تَلِيهَا تَفْرِيعًا اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ: تَفْرِيعًا أَيْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصُهُ بِالْأَمَةِ لِيُفَرِّعَ مَسْأَلَةَ الْخِيَارِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْإِمَاءِ دُونَ الْعَبِيدِ اهـ. اك (قَوْلُهُ: فَلِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ) أَيْ وَلِذَا صَحَّ إقْرَارُهَا بِالدُّيُونِ وَتُطَالَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَأَهْلِيَّةُ الْعِبَارَةِ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ وَهِيَ مُبْقَاةٌ فِيهَا عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَكَذَا نَقُولُ فِي التَّوْكِيلِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا زَوَّجَ فُضُولِيٌّ شَخْصًا، ثُمَّ وَكَّلَهُ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ الْوَكَالَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ) أَيْ إمَّا بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ أَوْ بِمَوْتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعَقْدُ) أَيْ إلَّا بِالْإِجَازَةِ مُسْتَقْبَلَةٍ مَعَ السَّيِّدِ مَعَ أَنَّهُ الْمُزَوِّجُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَثُبُوتُ الْخِيَارِ بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ كَمَا لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قَالَ أَصْحَابُنَا كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ لَهَا مَهْرَانِ إذَا وَطِئَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ مَهْرٌ بِالدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَمَهْرٌ آخَرُ وَهُوَ الْمُسَمَّى لِجَوَازِ الْعَقْدِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فَأَوْجَبْنَا مَهْرًا وَاحِدًا وَهُوَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ نَفَاذَ الْعَقْدِ اسْتَنَدَ إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ فَصَارَ كَأَنَّ نَفَاذَ الْعَقْدِ كَانَ ثَابِتًا وَقْتَ الْعَقْدِ فَقُلْنَا بِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، وَصِحَّتُهَا تَمْنَعُ مَهْرَ الْمِثْلِ فَوَجَبَ الْمُسَمَّى وَهُوَ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الِاسْتِنَادَ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْقَائِمِ لَا فِي الْفَائِتِ، وَقَدْ فَاتَتْ مَنَافِعُ الْبُضْعِ وَكَانَتْ حِينَ فَاتَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى فَكَانَ بَدَلُهَا لِلْمَوْلَى أَيْضًا. قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ كَبِيرَةً فَإِذَا كَانَتْ صَغِيرَةً فَأَعْتَقَهَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ عِنْدَ زُفَرَ، وَعِنْدَنَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عُصْبَةٌ سِوَاهُ فَإِذَا أَجَازَ الْمَوْلَى جَازَ فَإِذَا أَدْرَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهَا خِيَارُ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ نَفَذَ عَلَيْهَا فِي حَالَةِ الصِّغَرِ وَهِيَ حُرَّةٌ إلَّا إذَا كَانَ الْمُجِيزُ لِلْعَقْدِ أَبَاهَا أَوْ جَدُّهَا فَحِينَئِذٍ لَا خِيَارَ لَهَا، اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ نَفَاذَ الْعَقْدِ اسْتَنَدَ إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ إذْ لَا إجَازَةَ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (قَوْلُهُ: فَأَوْجَبْنَا الْمُسَمَّى) أَيْ بِسَبَبِ اسْتِنَادِ النَّفَاذِ؛ لِأَنَّ النَّافِذَ لَيْسَ إلَّا ذَلِكَ

مَهْرٌ آخَرُ لَوَجَبَ مَهْرَانِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ هُوَ الْعَامِلُ أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِهِ فَهَذَا يَكْشِفُ لَك أَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ هُوَ الْعَامِلُ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الزَّوْجَ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ لَوْ كَانَ عَبْدًا وَدَخَلَ بِهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ يُطَالَبُ بِالْمَهْرِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَلَوْ كَانَ الْوُجُوبُ فِيهِ بِالدُّخُولِ لَطُولِبَ فِي الْحَالِ لِكَوْنِ الدُّخُولِ مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ كَضَمَانِ الْإِتْلَافِ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي الْأَفْعَالِ فَيَظْهَرُ وُجُوبُهُ فِي الْحَالِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي الْأَقْوَالِ فَلَا يَظْهَرُ فِي الْحَالِ لِعَدَمِ رِضَا الْمَوْلَى وَيَظْهَرُ بَعْدَ الْعِتْقِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ بِمَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْمَهْرِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَبْسِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِرِضَاهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا أَنَّ الْمَهْرَ مُقَابَلٌ بِالْكُلِّ أَيْ بِجَمِيعِ وَطَآتٍ تُوجَدُ فِي النِّكَاحِ حَتَّى لَا يَخْلُوَ الْوَطْءُ مِنْ الْمَهْرِ. فَقَضِيَّةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ بِمُقَابَلَةِ مَا اسْتَوْفَى بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا يَكُونُ الْكُلُّ لِلْمَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَلَهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْعِتْقِ فَالْمَهْرُ لِلْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ مَمْلُوكَةً لَهَا وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ نَفَاذَ الْعَقْدِ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْعَقْدِ فَتَصِحُّ التَّسْمِيَةُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِنَادِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا زَوَّجَهَا الْمَوْلَى، ثُمَّ أَعْتَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ حَيْثُ يَكُونُ الْمَهْرُ كُلُّهُ لِلْمَوْلَى فَكَذَا هَذَا قُلْنَا حُكْمُ الِاسْتِنَادِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا لَمْ يَخْتَلِفْ مُسْتَحِقُّهُ وَهُنَا قَدْ اخْتَلَفَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَوَانَ الْعَقْدِ هُوَ الْمَوْلَى وَالْمُسْتَحِقَّ أَوَانَ الثُّبُوتِ هِيَ الْأَمَةُ فَاسْتِحْقَاقُ الْأَمَةِ لَا يُمْكِنُ اسْتِنَادُهُ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ لِعَدَمِ مِلْكِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَحَقُّ الْمَوْلَى مَعْدُومٌ أَوَانَ الثُّبُوتِ، وَالشَّيْءُ إنَّمَا يَسْتَنِدُ إذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَهْرِ هُنَاكَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا الدُّخُولُ يَتَأَكَّدُ بِهِ الْوَاجِبُ فَحَالَةُ الثُّبُوتِ وَهِيَ حَالَةُ الْعَقْدِ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ فَافْتَرَقَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ ابْنِهِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لَا عُقْرُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا) وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ حُرًّا مُسْلِمًا حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ كَافِرًا لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَجْنُونًا، وَلَوْ أَفَاقَ، ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا تَصِحُّ قِيَاسًا وَتَصِحُّ اسْتِحْسَانًا وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ فِي مِلْكِ الِابْنِ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ إلَى حِينِ الدَّعْوَةِ حَتَّى لَوْ حَبِلَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ فِي مِلْكِهِ وَأَخْرَجَهَا الِابْنُ عَنْ مِلْكِهِ، ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ لِعَدَمِ الْوَلَايَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَسْتَدْعِي قِيَامَ وَلَايَةِ التَّمَلُّكِ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ إلَى حِينِ التَّمَلُّكِ وَلَا يُشْتَرَطُ دَعْوَى الشُّبْهَةِ وَلَا تَصْدِيقُ الِابْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ وَلَايَةَ تَمَلُّكِ مَالِ ابْنِهِ ابْتِدَاءً عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى إبْقَاءِ نَفْسِهِ فَكَذَا لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى إبْقَاءِ نَسْلِهِ لَكِنَّ الْحَاجَةَ إلَى إبْقَاءِ النَّفْسِ أَشَدُّ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى إبْقَاءِ النَّسْلِ وَلِهَذَا يَتَمَلَّكُ الطَّعَامَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَالْجَارِيَةَ بِالْقِيمَةِ وَيَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُ الطَّعَامِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ وَيُجْبَرُ عَلَى إنْفَاقِهِ عَلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْجَارِيَةِ إلَيْهِ لِيَتَسَرَّى بِهَا الْأَبُ فَلِأَجْلِ الْحَاجَةِ جَازَ لَهُ التَّمَلُّكُ وَلِقُصُورِهَا وَعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقِيمَةَ صِيَانَةً لِمَالِ الْوَلَدِ مَعَ حُصُولِ مَقْصُودِ الْأَبِ إذْ مِلْكُهُ مُحْتَرَمٌ وَزَوَالُهُ بِبَدَلٍ كَلَا زَوَالٍ فَرَاعَيْنَا فِيهَا الْحَقَّيْنِ، ثُمَّ هَذَا الْمِلْكُ يَثْبُتُ قُبَيْلَ الِاسْتِيلَادِ شَرْطًا لَهُ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ وَطِئَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ وُجِدَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ إذْ الْمِلْكُ إنَّمَا يُثْبِتُ ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الِاسْتِيلَادِ صِيَانَةً لِمَائِهِ عَنْ الضَّيَاعِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ قُبَيْلَ الْعُلُوقِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي نَقْلِهِ إلَى حَالِ الْوَطْءِ فَكَانَ الْإِيلَاجُ وَاقِعًا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ مَعَ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْبَعْضَ فَهَذَا أَوْلَى لِعَدَمِ مِلْكِهِ أَلْبَتَّةَ. وَكَذَا لَوْ وَطِئَهَا الْأَبُ غَيْرَ مُعَلِّقٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ لِمَا قُلْنَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ يَسْقُطُ إحْصَانُهُ وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْ الْوَطْءِ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَلَنَا أَنَّ الْمُصَحِّحَ لِلِاسْتِيلَادِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ أَوْ حَقُّهُ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ ثَابِتٍ لِلْأَبِ فِيهَا لِمَا نَذْكُرُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهِ لِيَصِحَّ الِاسْتِيلَادُ بِوُقُوعِ الْوَطْءِ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ وَهَذَا لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنْ لَا يَصِيرَ زَانِيًا وَلَا يَضِيعُ مَاؤُهُ فَلَوْ صَارَ زَانِيًا فِي ابْتِدَاءِ الْإِيلَاجِ لَضَاعَ مَاؤُهُ؛ لِأَنَّ مَاءَ الزَّانِي هَدَرٌ، وَالِاسْتِيلَادُ عِبَارَةٌ عَنْ الْفِعْلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْوَلَدُ فَيَتَقَدَّمُ الْمِلْكُ عَلَى الْوَطْءِ ضَرُورَةً بِخِلَافِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ مَا لَهُ مِنْ الْمِلْكِ يَكْفِي لِصِحَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدَ وَحِينَ صَحَّ الْعَقْدُ لَزِمَ صِحَّةُ التَّسْمِيَةِ وَيَلْزَمُهُ بُطْلَانُ لُزُومِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ مَعَهُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ مَمْلُوكَةً لَهَا) وَكَانَ يَتَبَادَرُ أَنَّ فِي الْوَطْءِ قَبْلَ الْعِتْقِ مَهْرَ الْمِثْلِ لِلسَّيِّدِ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ فَكَانَ دُخُولًا فِي نِكَاحٍ مَوْقُوفٍ وَهُوَ كَالْفَاسِدِ حَيْثُ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ فِيهِ فَوَجَبَتْ قِيمَةُ الْبُضْعِ الْمُسْتَوْفَى مَنَافِعُهُ الْمَمْلُوكَةُ لِلسَّيِّدِ فَلَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ لَهَا عَلَى هَذَا خِلَافًا لِمَا قِيلَ وَالزِّيَادَةُ لَهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، وَهَذَا التَّوْجِيهُ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِهَا وَالثَّابِتُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَيْسَ إلَّا مَهْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ كُلُّهُ لِلسَّيِّدِ، ثُمَّ إذَا عَتَقَتْ وَوَطِئَهَا يَجِبُ الْمُسَمَّى لَهَا؛ لِأَنَّهُ صَحَّ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ ابْنِهِ إلَخْ) ذَكَرَهَا فِي الْمَجْمَعِ فِي فَصْلِ الِاسْتِيلَادِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لَا عُقْرُهَا) أَيْ وَهُوَ مَهْرُ مِثْلِهَا فِي الْجَمَالِ أَيْ مَا يَرْغَبُ بِهِ فِي مِثْلِهَا جَمَالًا فَقَطْ، وَأَمَّا مَا قِيلَ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ مِثْلَهَا لِلزِّنَا لَوْ جَازَ، فَلَيْسَ مَعْنَاهُ، بَلْ الْعَادَةُ أَنَّ مَا يُعْطَى لِذَلِكَ أَقَلَّ مِمَّا يُعْطَى مَهْرًا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لِلْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالْعَادَةُ زِيَادَتُهُ عَلَيْهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا كَانَ مَجْنُونًا) يَعْنِي لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ: فَإِنْ كَانَ الْأَبُ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ لِعَدَمِ الْوَلَايَةِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَلَوْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّ مِلَّتَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ جَازَتْ الدَّعْوَى مِنْ الْأَبِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ) أَيْ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ إلَّا مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنِ أَبِي لَيْلَى اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ هَذَا الْمِلْكُ يَثْبُتُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبَ يَتَوَقَّفُ

الِاسْتِيلَادِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ، فَيَكُونُ وَاطِئًا مِلْكَ الْغَيْرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَطْءُ غَيْرَ مُعَلَّقٍ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَهَا إلَى مِلْكِهِ لَمْ يُوجَدْ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ مِلْكِهِ لِصِيَانَةِ فِعْلِهِ عَنْ الزِّنَا وَصِيَانَةِ مَائِهِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا انْتَفَى الشَّرْطُ فَلَمْ تَنْتَقِلْ وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْمِلْكِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَيَكُونُ الْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ عِنْدَ الْبَعْضِ، فَيَكُونُ فِيهِ شُبْهَةٌ وَبِالشُّبْهَةِ تُدْرَأُ الْحُدُودُ وَلَا يَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ انْعَلَقَ حُرًّا لِتَقَدُّمِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ وَالْمِلْكُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ عِنْدَهُ فِي قَوْلٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَعْوَةُ الْجَدِّ كَدَعْوَةِ الْأَبِ حَالَ عَدَمِهِ) وَالْمُرَادُ بِالْجَدِّ أَبُ الْأَبِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَالْمُرَادُ بِالْعَدَمِ عَدَمُ وِلَايَتِهِ بِالْمَوْتِ أَوْ الْكُفْرِ أَوْ الرِّقِّ أَوْ الْجُنُونِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَثْبُتَ وِلَايَتُهُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ حَتَّى لَوْ أَتَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ انْتِقَالِ الْوَلَايَةِ إلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ زَوَّجَهَا أَبَاهُ وَوَلَدَتْ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ)؛ لِأَنَّ مَاءَهُ صَارَ مَصُونًا بِهِ وَانْتِقَالُهَا إلَى مِلْكِ الْأَبِ لِصِيَانَةِ مَائِهِ، وَقَدْ صَارَ مَصُونًا بِدُونِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِجَارِيَةِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ مَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» أَضَافَهُ إلَيْهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ فَكُلُوهُ هَنِيئًا». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَالْأَوَّلُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ جُزْءًا مِنْهَا لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَمَا هِيَ مُضَافَةٌ بِجُمْلَتِهَا أَوْلَى بِتَحْرِيمِهَا فَصَارَتْ كَجَارِيَةٍ مُكَاتَبَةٍ أَوْ كَمُكَاتَبَتِهِ وَلَنَا أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ النِّكَاحِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ أَوْ حَقُّهُ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ عَنْ الْأَبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ مِنْ الْوَطْءِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْإِخْرَاجِ عَنْ الْمِلْكِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ لِلْأَبِ فَلَوْ كَانَ فِيهِ حَقٌّ لِلْأَبِ لَمَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاهِبَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِالْمَوْهُوبَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ بِالِاسْتِرْدَادِ وَحَقُّ الْمِلْكِ يَمْنَعُ كَمَا فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَفِي الْمُكَاتَبَةِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ ثَابِتَةٌ فَلَا يَلْزَمُنَا وَإِنَّمَا لَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ بِصُورَةِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ. وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ غَيْرُ ثَابِتٍ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ لِلتَّخْصِيصِ لَا لِلْمِلْكِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إضَافَةُ الِابْنِ إلَيْهِ مَعَ الْمَالِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ابْنَهُ فَكَذَا مَالُهُ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمَالَ مُضَافٌ إلَى ابْنِهِ بِقَوْلِهِ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَهُوَ إضَافَةُ مِلْكٍ فَكَيْفَ يَكُونُ مِلْكًا لِلْأَبِ مَعَ ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي الْمُرَادُ بِهِ حِلُّ الْأَكْلِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ النِّكَاحُ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِالْفُجُورِ فَلَأَنْ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِالنِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ أَوْلَى وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى مِنْ أَنَّ مَاءَهُ صَارَ مَصُونًا بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيمِ الْمِلْكِ وَاحْتِيجَ إلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ لِيَصِيرَ مَاؤُهُ مَصُونًا بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجِبُ الْمَهْرُ) لِالْتِزَامِهِ بِالنِّكَاحِ (لَا الْقِيمَةُ) لِعَدَمِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَلَدُهُ حُرٌّ)؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ أَخُوهُ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حُرَّةٌ قَالَتْ لِسَيِّدِ زَوْجِهَا: أَعْتِقْهُ عَنِّي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ فَسَدَ النِّكَاحُ)، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ لِمَوْلَاهَا: أَعْتِقْهَا عَنِّي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَفَسَدَ النِّكَاحُ وَيَسْقُطُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْمَهْرُ لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِهِ عَلَى عَبْدِهَا وَلَا يَسْقُطُ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ عِنْدَنَا حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لِلْآمِرِ وَيَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَّارَةِ إنْ نَوَاهَا بِهِ، وَعِنْدَهُ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ خَرَجَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ عَنْ غَيْرِ الْمَالِكِ لَغْوٌ إذْ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ فَيَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ مَالِكِهِ وَهُوَ الْمَأْمُورُ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْأَلْفَ وَلَنَا أَنَّهَا أَمَرَتْهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ عَنْهَا وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بِتَقْدِيمِ مِلْكِهَا فِيهِ فَيُقَدَّرُ تَقْدِيمُهُ اقْتِضَاءً كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْمَدْخُولِ بِهَا اعْتَدِّي وَنَوَى الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلِاعْتِدَادِ إلَّا بِتَقْدِيمِ الطَّلَاقِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ. وَكَذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِأَلْفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمِلْكِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْجَدِّ أَبُ الْأَبِ) أَيْ وَلَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْجَدِّ لِأُمٍّ اتِّفَاقًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ) أَيْ أَوْ بِوَطْءٍ بِشُبْهَةٍ خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِمَا اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: حَقِيقَةُ الْمِلْكِ) أَيْ كَمَا فِي الْمَمْلُوكِ (قَوْلُهُ: أَوْ حَقُّهُ) أَيْ كَمَا فِي جَارِيَةِ مُكَاتَبِهِ وَفِي الْمُكَاتَبَةِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ ثَابِتَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ: يَجُوزُ النِّكَاحُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمَا عَنْ زُفَرَ أَنَّهَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِالْفُجُورِ فَأَوْلَى بِالْحِلِّ بُعَيْدَ صُدُورِهِ عَنْهُ فَإِنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ فَرْعٌ لِمِلْكِ الْأَمَةِ وَمِلْكُهَا يُنَافِي النِّكَاحَ وَإِنَّمَا يَصِحُّ تَفْرِيعًا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَلَكَهُ أَخُوهُ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ) وَفِي فَوَائِدِ الْكَاكِيِّ فِيهِ اخْتِلَافٌ عِنْدَ الْبَعْضِ يُعْتَقُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ مِنْ الْأُمِّ حَتَّى إذَا مَاتَ الْمَوْلَى وَهُوَ الِابْنُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ يَرِثُ الْوَلَدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَتِيقٌ. وَعِنْدَ الْبَعْضِ يُعْتَقُ بِلَا انْفِصَالٍ حَتَّى لَا يَرِثَ قَبْلَ الِانْفِصَالِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ اهـ. مِعْرَاجَ الدِّرَايَةِ قَالَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقُولُ الْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْأَخِ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ فَكَمَا مَلَكَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ لِلْحَدِيثِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَصْلُهُ) أَيْ أَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ اقْتِضَاءً) فَيَصِيرُ قَوْلُهُ: أَعْتِقْ طَلَبَ التَّمْلِيكِ مِنْهُ بِالْأَلْفِ وَأَمْرًا لَهُ بِإِعْتَاقِهِ عَنْهُ وَقَوْلُهُ: أَعْتَقْت تَمْلِيكٌ مِنْهُ ضِمْنًا لِلْإِعْتَاقِ الصَّرِيحِ الْوَاقِعِ جَوَابًا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْبَيْعِ فَقَالَ بِعْتُك وَأَعْتَقْته لَا يَصِحُّ عَنْ الْآمِرِ، بَلْ عَنْ الْمَأْمُورِ فَيَثْبُتُ الْبَيْعُ ضِمْنًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَثْبُتُ صَرِيحًا كَبَيْعِ الْأَجِنَّةِ فِي الْأَرْحَامِ. وَهَذَا لِأَنَّ الثَّابِتَ مُقْتَضًى يُعْتَبَرُ فِيهِ شُرُوطُ الْمُتَضَمَّنِ لَا شُرُوطُ نَفْسِهِ وَشَرْطُ الْعِتْقِ الْأَهْلِيَّةُ بِالْمِلْكِ وَالْعَقْلُ وَعَدَمُ الْحَجْرِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَأْمُورِ فَإِذَا صَرَّحَ بِهِ ثَبَتَ

[باب نكاح الكافر]

ثُمَّ جَدَّدَ الْبَيْعَ بِخَمْسِمِائَةٍ يَنْعَقِدُ الثَّانِي وَيَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَعَمْ إذَا كَانَ مَقْصُودًا، وَأَمَّا إذَا دَخَلَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ آخَرَ فَلَا وَلَا يُقَالُ إنَّ الْمِلْكَ لِلْآمِرِ مُخْتَطَفٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَمِثْلُهُ لَا يُوجِبُ فَسْخَ النِّكَاحِ كَالْوَكِيلِ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمِلْكُ لَمَّا ثَبَتَ ثَبَتَ بِمُوجِبِهِ وَانْفِسَاخُ النِّكَاحِ لَازِمٌ لِلْمِلْكِ فَلَا يُفَارِقُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْأَمَةُ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاشْتَرَاهَا عَتَقَتْ وَفَسَدَ النِّكَاحُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِصَغِيرٍ هَذَا ابْنِي فَجَاءَتْ أُمُّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَطَلَبَتْ إرْثَهُ تَرِثُ وَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِالنِّكَاحِ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَكِيلِ، بَلْ يَقَعُ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً لِلْمُوَكِّلِ فِي الصَّحِيحِ كَالْعَبْدِ يُتَّهَبُ يَقَعُ الْمِلْكُ لِمَوْلَاهُ ابْتِدَاءً وَلَئِنْ وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ كَمَا قَالَهُ الْبَعْضُ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ حَقُّ الْمُوَكِّلِ حَالَةَ ثُبُوتِهِ وَمِثْلُهُ لَا يُوجِبُ فَسْخَ النِّكَاحِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الشَّيْءَ إذَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَظْهَرَ فِي حَقِّ فَسْخِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ يَثْبُتُ بِلَازِمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ كَفِّرْ يَمِينَك بِالْمَالِ لَا يُعْتَقُ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ. فَكَذَا هُنَا وَجَبَ أَنْ لَا يَنْفَسِخَ النِّكَاحُ قُلْنَا الْحُرِّيَّةُ أَصْلٌ لِلتَّكْفِيرِ بِالْمَالِ وَأَصْلُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِفَرْعِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ اقْتِضَاءٌ لَصَارَ تَبَعًا لَهُ فَامْتَنَعَ لِذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ لَمْ تَقُلْ بِأَلْفٍ) أَيْ لَمْ تَذْكُرْ الْمَالَ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (لَا يَفْسُدُ) النِّكَاحُ (وَالْوَلَاءُ لَهُ) أَيْ لِلْمَأْمُورِ وَهَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ فَيَصِحُّ الْأَمْرُ وَتَمْلِكُهُ الْمَرْأَةُ فَيُعْتَقُ عَنْهَا وَوَلَاؤُهُ لَهَا وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ الْمِلْكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَيَسْقُطُ الْقَبْضُ كَمَا يَسْقُطُ الْقَبُولُ فِي الْبَيْعِ الْمُقَدَّرِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ فِي الْبَيْعِ رُكْنٌ وَالْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ شَرْطٌ فَلَمَّا سَقَطَ الرُّكْنُ فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ الشَّرْطُ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرَطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، أَوْ أُكْرِهَ الْمَأْمُورُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَ الْعَبْدَ عَنْهُ بِأَلْفٍ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْآمِرِ وَبَيْعُ الْمُكْرَهِ فَاسِدٌ وَالْقَبْضُ فِيهِ شَرْطٌ كَالْهِبَةِ وَمَعَ هَذَا سَقَطَ اعْتِبَارُهُ فَكَذَا هَذَا وَصَارَ كَالْأَمْرِ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ بِالْإِطْعَامِ وَلَهُمَا أَنَّ الْقَبْضَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ فَلَا يَدْخُلُ فِي ضِمْنِ الْقَوْلِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الضِّمْنِ الْحُكْمِيِّ لَا الْحِسِّيِّ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْقَبُولِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ تَبَعًا مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ، وَالْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ دَلِيلُ السُّقُوطِ وَهُوَ التَّبَعِيَّةُ وَالرُّكْنُ فِي الْبَيْعِ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ كَمَا فِي التَّعَاطِي. وَسُقُوطُ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَمْنُوعٌ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالْفَاسِدُ مِنْهُ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ فَيَسْقُطُ الْقَبْضُ فِيهِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ إسْقَاطُهُ أَصْلًا وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهِ رُكْنًا وَشَرْطًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّهَارَةَ وَنِيَّةَ الصَّلَاةِ لَا يَسْقُطَانِ وَهُمَا شَرْطَانِ فِيهَا وَالْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ يَسْقُطَانِ بِعُذْرٍ وَهُمَا رُكْنَانِ وَالْفَقِيرُ فِي مَسْأَلَةِ التَّكْفِيرِ يَنُوبُ عَنْ الْآمِرِ فِي الْقَبْضِ لِكَوْنِ الطَّعَامِ قَابِلًا لِلْقَبْضِ فَتَتِمُّ بِهِ الْهِبَةُ، ثُمَّ يَصِيرُ مُؤَدِّيًا إلَى نَفْسِهِ بِحَقِّ الْكَفَّارَةِ. وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ قَابِضًا نِيَابَةً عَنْ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ تَتْلَفُ بِالْإِعْتَاقِ فَلَا يَقَعُ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لِيَنُوبَ عَنْ الْآمِرِ؛ وَلِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِ الْمَالِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَدَّرَ هِبَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَدَّرَ بَيْعًا فَاسِدًا لِعَدَمِ ذِكْرِ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ الْبَعْضُ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَوَقَعَتْ الْجَهَالَةُ فِي التَّقْدِيرِ (بَابُ نِكَاحِ الْكَافِرِ). قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَزَوَّجَ كَافِرٌ بِلَا شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ وَذَا فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَقَرَّا عَلَيْهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ زُفَرُ النِّكَاحُ فَاسِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا أَنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْحُكَّامِ وَهُمَا فِي الْأُولَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ مَعَ زُفَرَ. لَهُ أَنَّ الْخِطَابَاتِ عَامَّةٌ إلَّا أَنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ لِذِمَّتِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشَرْطِ نَفْسِهِ، وَالْبَيْعُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ وَلَمْ يُوجَدْ فَيُعْتَقُ عَنْ نَفْسِهِ اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَهُوَ جَعْلُ غَيْرِ الْمَنْطُوقِ مَنْطُوقًا لِتَصْحِيحِ الْمَنْطُوقِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمُقْتَضَى، أَمَّا إذَا صَرَّحَ بِهِ الْمَأْمُورُ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَأْمُورِ اتِّفَاقًا وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّقْوِيمِ لَوْ قَالَ الْمَأْمُورُ بِعْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَعْتَقْت لَمْ يَصِرْ مُجِيبًا لِكَلَامِهِ، بَلْ كَانَ مُبْتَدِئًا وَوَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ نَفْسِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ تَذْكُرْ الْمَالَ) أَيْ بِأَنْ قَالَتْ أَعْتِقْهُ عَنِّي مُقْتَصِرَةً عَلَى ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ) أَيْ عَدَمُ ذِكْرِ الْبَدَلِ مَعَ ذِكْرِ الْمُبْدَلِ سَوَاءٌ يَعْنِي يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْآمِرِ فِي الصُّورَتَيْنِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا سَقَطَ الْقَبُولُ فِي الْبَيْعِ الْمُقَدَّرِ) أَيْ كَقَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَدْخُلُ فِي ضِمْنِ الْقَوْلِ) أَيْ فَفِعْلُ الْيَدِ الَّذِي هُوَ الْأَخْذُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَضَمَّنَهُ فِعْلُ اللِّسَانِ وَيَكُونُ مَوْجُودًا بِوُجُودِهِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ فَإِنَّهُ يُتَضَمَّنُ ضِمْنَ قَوْلٍ آخَرَ وَيُعْتَبَرُ مُرَادُهُ مَعَهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَقَوْلُ أَبِي الْيُسْرِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَظْهَرُ لَا يَظْهَرُ اهـ. كَمَالٌ [بَابُ نِكَاحِ الْكَافِرِ] قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: إنَّمَا أَخَّرَ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكِ عَنْ نِكَاحِ الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُمْ أَدْنَى مَنْزِلَةً مِنْ الرَّقِيقِ قَالَ تَعَالَى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221] اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا نَصُّهُ يَتَنَاوَلُ الذِّمِّيَّ وَالْمُشْرِكَ وَالْمَجُوسِيَّ وَنَحْوَهُمْ اهـ. ع (قَوْلُهُ: أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ) أَيْ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي أَهْلِ الشِّرْكِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْرِكِ نِكَاحُ الْمُشْرِكَةِ حَتَّى تَكُونَ فِي عِدَّتِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُتَصَوَّرَ بِأَنْ أَشْرَكَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَهِيَ فِي عِدَّةِ الْمُسْلِمِ اهـ. أَكْمَلُ (قَوْلُهُ: وَذَا فِي دِينِهِمْ) أَيْ التَّزَوُّجُ بِلَا شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ النِّكَاحُ فَاسِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَفِي عِدَّةِ كَافِرٍ اهـ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَهُمَا فِي الْأُولَى) أَيْ وَهُوَ النِّكَاحُ بِلَا شُهُودٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِيَةِ مَعَ زُفَرَ) أَيْ النِّكَاحُ فِي عِدَّةِ الْكَافِرِ اهـ.

إعْرَاضًا لَا تَقْرِيرًا كَمَا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ بِخِلَافِ الرِّبَا وَالزِّنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِذَا تَرَافَعُوا أَوْ أَسْلَمُوا وَالْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ وَجَبَ التَّفْرِيقُ. وَلَهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا، وَقَدْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فَتَلْزَمُهُمْ وَالنِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَلَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَنَا بِجَمِيعِ الِاخْتِلَافَاتِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعِدَّةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لِلشَّرْعِ لِكَوْنِهِمْ غَيْرَ مُخَاطَبِينَ بِهِ وَلَا حَقًّا لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ وَالْخِلَافُ فِي صِحَّةِ نِكَاحِهِمْ فِي الْعِدَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا تَجِبُ حَتَّى لَا تَثْبُتَ لَهُ الرَّجْعَةُ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ تَجِبُ عِنْدَهُ لَكِنَّهَا لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ لِضَعْفِهَا كَالِاسْتِبْرَاءِ فَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ فَحَالَةُ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ حَالَةُ الْبَقَاءِ، وَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا، وَكَذَا وُجُوبُ الْعِدَّةِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ وَدَخَلَ بِهَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَتَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَاخْتَارَ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَجِبُ وَلَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ الثَّانِي عَالِمًا فَكَمَا اخْتَارَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَكَالْأَوَّلِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمُرَافَعَةُ أَوْ الْإِسْلَامُ وَالْعِدَّةُ غَيْرَ مُنْقَضِيَةٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُرَافَعَةُ وَالْإِسْلَامُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ لَوْ كَانَتْ مَنْكُوحَةُ الْكَافِرِ مَحْرَمًا لَهُ أَيْ لِلزَّوْجِ بِأَنْ كَانَتْ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ هَلْ لِهَذِهِ الْأَنْكِحَةِ حُكْمُ الصِّحَّةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ صَحِيحَةٌ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا وُجُوبُ النَّفَقَةِ وَلَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِالدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ. وَقِيلَ عِنْدَهُ هِيَ فَاسِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُهُمَا إلَّا أَنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ الْمُرَافَعَةِ إعْرَاضًا لَا تَقْرِيرًا؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مُحَرِّمٌ لِهَذِهِ الْأَنْكِحَةِ فِي دِيَارِنَا وَهُمْ مِنْ أَهْلِهَا، وَقَدْ شَاعَ الْخِطَابُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُبَلِّغِ التَّبْلِيغُ إلَى الْكُلِّ وَإِنَّمَا فِي وُسْعِهِ جَعْلُ الْخِطَابِ شَائِعًا فَجُعِلَ كَالْوُصُولِ وَلِهَذَا لَا يَتَوَارَثُونَ بِهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَصَارَ الْخِطَابُ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِلْزَامَ بِالسَّيْفِ وَالْمُحَاجَّةِ، وَقَدْ ارْتَفَعَا وَالشُّيُوعُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ مَنْ يُصَدِّقُ رِسَالَةَ الْمُبَلِّغِ وَإِنَّمَا لَا يَتَوَارَثُونَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُطَلَّقَةً بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ أَوْ الْخَمْسِ وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ فَارَقَ إحْدَاهُمَا، ثُمَّ أَسْلَمَ أَقَرَّا عَلَيْهِ، ثُمَّ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا يُفَرَّقُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُفَرَّقُ لِالْتِزَامِهِ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فَصَارَ كَمَا إذَا الْتَزَمَهُ بِالْإِسْلَامِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} [المائدة: 42] وَلَهُ أَنَّهُ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ وَلَايَةُ إلْزَامِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَلَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إعْرَاضًا لَا تَقْرِيرًا) أَيْ لَا تَقْرِيرًا لَهُمْ عَلَى صُنْعِهِمْ الْفَاحِشِ الْقَبِيحِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الرِّبَا وَالزِّنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي آخِرِ بَابِ الْمَهْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً بِمَيْتَةٍ أَوْ بِغَيْرِ مَهْرٍ إلَخْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَجَبَ التَّفْرِيقُ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] اهـ. (قَوْلُهُ: وَالنِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ) أَيْ فَإِنَّ مَالِكًا وَابْنَ أَبِي لَيْلَى يُجَوِّزَانِهِ اهـ. ك (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَنَا بِجَمِيعِ الِاخْتِلَافَاتِ)، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ، وَهَذَا تَقْيِيدٌ لَهُ حَيْثُ أَفَادَ أَنَّهُمْ الْتَزَمُوا الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ فِي مِلَّتِنَا لَا مُطْلَقًا اهـ كَمَالٌ بِالْمَعْنَى فِي بَعْضِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ) وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَجِبَ لِلْوَلَدِ؛ لِأَنَّ فِي الزِّنَا لَا تَجِبُ مَعَ وُجُودِهِ فَإِذَا لَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ صَحَّ النِّكَاحُ اهـ. رَازِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَعْتَقِدُهُ مَا نَصُّهُ أَيْ الْكَافِرُ لَا يَعْتَقِدُ الْعِدَّةَ وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ عَلَى تَأْوِيلِ الِاعْتِدَادِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ) أَيْ الْكِتَابِيَّةُ اهـ. (قَوْلُهُ: تَحْتَ مُسْلِمٍ) طَلَّقَهَا فَإِنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ حَقًّا لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ هَذِهِ الْكِتَابِيَّةِ فِيهَا اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا تَثْبُتَ لَهُ الرَّجْعَةُ) أَيْ لِلزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ طَلَاقِهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهَا فِي الْعِدَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ) أَيْ بَعْدَ الطَّلَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالِاسْتِبْرَاءِ) أَيْ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ اهـ. اك وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ كَالِاسْتِبْرَاءِ مَا نَصُّهُ: يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ فِي حَالِ قِيَامِ وُجُوبِهِ عَلَى السَّيِّدِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: حَالَةَ الْبَقَاءِ) أَيْ حَالَةَ بَقَاءِ النِّكَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ) أَيْ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: لَوْ كَانَتْ مَنْكُوحَةُ الْكَافِرِ) أَيْ الْمَجُوسِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ إجْمَاعًا اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بَيْنَهُمَا مَا نَصُّهُ أَيْ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ عِنْدَهُمَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمَ حُكْمُهُ الْبُطْلَانُ فِيمَا بَيْنَهُمْ لِكَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ. وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ فِي الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تُنَافِي بَقَاءَ النِّكَاحِ فَيُفَرَّقُ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُنَافِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا وُجُوبُ النَّفَقَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَكَذَا إذَا تَرَافَعَا إلَيْنَا وَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ النَّفَقَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالنَّفَقَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ وَقَعَ صَحِيحًا، وَلَكِنْ لَمَّا أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْمَحْرَمِيَّةِ وَالنِّكَاحِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ تَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ كَالرَّضَاعِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِالدُّخُولِ إلَخْ) حَتَّى لَوْ قَذَفَهُ إنْسَانٌ يُحَدُّ اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ: يُحَدُّ أَيْ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ، وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا لَأَوْجَبَ الدُّخُولَ فِيهِ سُقُوطُ الْإِحْصَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ أَوْ الْخَمْسِ) يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا أَوْ جَمَعَ بَيْنَ خَمْسٍ أَوْ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إجْمَاعًا اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا إلَخْ)، وَلَوْ تَرَافَعَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مُرَافَعَتَهُمَا كَتَحْكِيمِهِمَا اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا يُفَرَّقُ) أَيْ كَإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ إلَخْ) وَبِخِلَافِ مَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهُمَا

فِي الْآيَةِ دَلَالَةُ الْإِلْزَامِ وَإِنَّمَا هِيَ تُوجِبُ التَّخْيِيرَ، وَفِيهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَجِيئَهُمَا شَرْطٌ بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ جَاءُوكَ} [المائدة: 42]، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَوْ طَلَبَتْ التَّفْرِيقَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الزَّوْجِ. وَكَذَا فِي الْخُلْعِ وَعِدَّةِ الْمُسْلِمِ لَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَنْكِحُ مُرْتَدٌّ أَوْ مُرْتَدَّةٌ أَحَدًا)؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لَهُ وَمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ لِلْبَقَاءِ، وَالْمُرْتَدُّ يُقْتَلُ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ مَا شُرِعَ لِأَجْلِهِ فَلَا يُشْرَعُ وَالتَّأْخِيرُ ضَرُورَةُ التَّأَمُّلِ وَفِيمَا وَرَاءَهَا كَأَنَّهُ لَا حَيَاةَ فِيهِ وَاشْتِغَالُهُ بِالنِّكَاحِ يَشْغَلُهُ عَنْ شَيْءٍ حَيَاتُهُ لِأَجْلِهِ، وَكَذَا الْمُرْتَدَّةُ؛ لِأَنَّهَا تُحْبَسُ لِلتَّأَمُّلِ، وَخِدْمَةُ الزَّوْجِ تَشْغَلُهَا عَنْهُ فَلَا يُشْرَعُ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ لِمَصَالِحِهِ وَهِيَ السَّكَنُ وَالِازْدِوَاجُ وَالتَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ لَا لِعَيْنِهِ فَإِذَا فَاتَ مَا شُرِعَ لَهُ لَمْ يُشْرَعْ أَصْلًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كَانَتْ شَرْعِيَّتُهُ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ لَمْ يُشْرَعْ فِي مَحَلٍّ لَا يُقْبَلُ حُكْمُهُ. وَكَذَا النِّكَاحُ وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ لِلْقِصَاصِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ مَعَ أَنَّهُ يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِيهِ فَيُسَلَّمُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ غَالِبًا لَا سِيَّمَا إذَا أَعْرَضَ عَمَّا نَشَأَ عَلَيْهِ وَرَأَى مَحَاسِنَهُ، وَكَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْنَا الْوَثَنِيُّ حَيْثُ تَصِحُّ مُنَاكَحَتُهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ لَا دِينَ لَهُمْ؛ لِأَنَّا نَعْنِي بِالْمِلَّةِ دِينًا يُعْتَقَدُ صِحَّتُهُ وَلَمْ يُقَرَّ بِبُطْلَانِهِ، وَقَدْ وُجِدَ فِيهِمْ ذَلِكَ وَالْمُرْتَدُّ قَدْ أَقَرَّ بِبُطْلَانِ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ قَبْلَ الِارْتِدَادِ فَافْتَرَقَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا)؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لَهُ وَهَذَا إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ الدَّارُ بِأَنْ كَانَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمَ الْوَالِدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْوَالِدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ لَا يَتْبَعُهُ وَلَدُهُ وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْوَالِدُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَجُوسِيُّ شَرٌّ مِنْ الْكِتَابِيِّ)؛ لِأَنَّهُ لَهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ دَعْوَى وَلِهَذَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُمْ وَيَحِلُّ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَانَ الْمَجُوسُ شَرًّا حَتَّى إذَا وُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ يَكُونُ كِتَابِيًّا تَبَعًا لَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَكُونُ مَجُوسِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ فِيهِ فَأَحَدُهُمَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَالْآخَرُ يُوجِبُ الْحِلَّ فَيُرَجَّحُ مَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فِي شَيْءٍ إلَّا غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يُعَارِضُ الْإِسْلَامَ وَلَنَا أَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَيُرَجَّحُ بِهِمَا كَمَا يُرَجَّحُ بِالْإِسْلَامِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَهُمَا؛ وَلِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبْطَلَا اعْتِقَادَهُمَا لِجَوَازِ النِّكَاحِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ بِخِلَافِ مُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا وَرِضَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ اعْتِقَادُ الْآخَرِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ الشَّرْعِيِّ بِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُ بِلَا مُعَارِضٍ، وَالْأَوْجُهُ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ فِي مُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ حِينَ صَدَرَ كَانَ بَاطِلًا عِنْدَهُمَا لَكِنْ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لِلْوَفَاءِ بِالذِّمَّةِ فَإِذَا انْقَادَ أَحَدُهُمَا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ كَانَ كَإِسْلَامِهِ، وَعِنْدَهُ كَانَ صَحِيحًا وَرَفْعُ أَحَدِهِمَا لَا يُرَجِّحُهُ عَلَى الْآخَرِ فِي إبْطَالِ اسْتِحْقَاقِهِ، بَلْ يُعَارِضُهُ الْآخَرُ فَيَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى الصِّحَّةِ هَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَوْ الْمُرَافَعَةِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا فَلَا يُفَرَّقُ إلَّا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي الذِّمِّيِّينَ أَنَّهُ يُفَرَّقُ إذَا عُدَّ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ فَرِّقُوا بَيْنَ الْمَجُوسِ وَمَحَارِمِهِمْ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ، بَلْ الْمَعْرُوفُ مَا كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مَا بَالُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ تَرَكُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَاقْتِنَاءِ الْخُمُورِ وَالْخَنَازِيرِ فَكَتَبَ إلَيْهِ إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِيُتْرَكُوا وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَإِنَّمَا أَنْتَ مُتَّبِعٌ وَلَسْت بِمُبْتَدِعٍ، وَالسَّلَامُ؛ وَلِأَنَّ الْوُلَاةَ وَالْقُضَاةَ مِنْ وَقْتِ الْفُتُوحَاتِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا لَمْ يَشْتَغِلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِمُبَاشَرَتِهِمْ ذَلِكَ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي الْخُلْعِ) يَعْنِي اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا الذِّمِّيِّ، ثُمَّ أَمْسَكَهَا فَرَفَعَتْهُ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ إمْسَاكَهَا ظُلْمٌ وَمَا أَعْطَيْنَاهُمْ الْعَهْدَ عَلَى تَقْرِيرِهِمْ عَلَى الظُّلْمِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ إلَخْ)؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الطَّلَاقَ مُزِيلٌ لِلْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدُوا خُصُوصَ عَدَدٍ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يَنْكِحُ مُرْتَدٌّ أَوْ مُرْتَدَّةٌ أَحَدًا) سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً أَوْ مُرْتَدَّةً اهـ. قَالَ الْكَمَالُ: أَمَّا الْمُسْلِمَةُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ تَحْتَ كَافِرٍ، وَأَمَّا الْكَافِرَةُ فَلِأَنَّهُ مَقْتُولٌ مَعْنًى اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ رَافِعَةٌ لِلنِّكَاحِ فَلَأَنْ تَكُونَ مَانِعَةً أَوْلَى؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ؛ وَلِأَنَّهَا شُرِعَتْ مُزِيلَةً لِلْمِلْكِ فَلَا يُسْتَفَادُ الْمِلْكُ مَعَهَا كَالْمَوْتِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالتَّنَاسُلُ) أَيْ وَحُسْنُ الْعَشَرَةِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُرْتَدَّةِ إذْ لَيْسَ مَعَ الِاخْتِلَافِ ائْتِلَافٌ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَخْ) مُقْتَضَى قَوْلِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَخْ أَنَّ الْأَبَ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَصِيرُ وَلَدُهُ الَّذِي هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ لِعَدَمِ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حُكْمًا وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ فِي هَذَا وَخَالَفَهُ الْكَمَالُ فَقَالَ هَذَا إذَا كَانَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ. أَمَّا لَوْ تَبَايَنَتْ دَارَاهُمَا بِأَنْ كَانَ الْأَبُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْوَلَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْأَبِ وَسَنَذْكُرُهَا فِي السِّيَرِ فِي فَصْلٍ مِنْ بَابِ الْمُسْتَأْمِنِ إنْ شَاءَ تَعَالَى اهـ. قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ الدَّارُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الدَّارُ فَالْوَلَدُ تَابِعٌ لِلدَّارِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَبُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَالْوَلَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَتْبَعُ الْوَلَدُ وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمَجُوسِيُّ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ الْمَجُوسُ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعَارُضَ هُنَا تَجُوزُ فَإِنَّ ثُبُوتَهُ ثُبُوتُ الْمُتَعَارِضَيْنِ مُسْتَلْزِمَيْنِ لِحُكْمَيْهِمَا، وَلَيْسَ هُنَا إلَّا ثُبُوتُ حُكْمٍ عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارٍ وَضِدُّهُ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ، فَلَمَّا اشْتَرَكَ مَعَ الْمُعَارَضَةِ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِالْقَوْلِ بِهِ سُمِّيَ تَعَارُضًا وَإِلَّا فَالتَّعَارُضُ تَقَابُلُ الْحُجَّتَيْنِ، وَلَيْسَ هُنَا حُجَّةٌ فَضْلًا عَنْ ثِنْتَيْنِ.

التَّوْحِيدَ فَكَانَ فِي جَعْلِ الْوُلْدِ تَبَعًا لَهُ نَوْعُ نَظَرٍ وَهُوَ وَاجِبٌ، وَقَوْلُهُ يُرَجَّحُ مَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ يُنْتَقَضُ بِمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) وَهَذَا الْكَلَامُ عَلَى إطْلَاقِهِ يَسْتَقِيمُ فِي الْمَجُوسِيِّينَ؛ لِأَنَّهُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْآبَاءِ، وَأَمَّا إذَا كَانَا كِتَابِيَّيْنِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ هِيَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ أَسْلَمَ هُوَ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا لِجَوَازِ تَزَوُّجِهَا لِلْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعَرْضِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ هِيَ كِتَابِيَّةً وَالزَّوْجُ مَجُوسِيٌّ فَأَسْلَمَ لِمَا قُلْنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْرَضُ عَلَى الْمُصِرِّ الْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لَهُمْ، وَقَدْ ضَمِنَا بِعَقْدِ الذِّمَّةِ أَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لَهُمْ إلَّا أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ فَيَنْقَطِعُ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ مُتَأَكِّدٌ فَيُؤَجَّلُ إلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثِ حِيَضٍ كَمَا فِي الطَّلَاقِ حَيْثُ يَنْقَطِعُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِنَفْسِهِ وَبَعْدَهُ لَا يَنْقَطِعُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَلَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَّقَ بَيْنَ نَصْرَانِيٍّ وَنَصْرَانِيَّةٍ بِإِبَائِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَظَهَرَ حُكْمُهُ بَيْنَهُمْ وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا خِلَافٌ فَكَانَ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ بِالْإِسْلَامِ لَا تَبْقَى مَقَاصِدُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمِلْكُ وَالِازْدِوَاجُ وَقَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَالتَّوَالُدُ وَنَحْوُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ يُبْنَى عَلَيْهِ فَوَاتُ الْمِلْكِ، وَالْإِسْلَامُ طَاعَةُ سَبَبٍ لِثُبُوتِ الْعِصْمَةِ لَا لِانْقِطَاعِهَا. وَكَذَا كُفْرُ الْمُصِرِّ لَا يُنَافِيهِ كَمَا فِي حَالَةِ الِابْتِدَاءِ وَفِي حَالَةِ الْبَقَاءِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا اخْتِلَافُ الدِّينِ لَا يُنَافِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ فَيُعْرَضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ لِمَصْلَحَةٍ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ لِتَحْصُلَ تِلْكَ الْمَقَاصِدُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ الْفُرْقَةِ بِالْإِبَاءِ فَإِنَّهُ مَعْصِيَةٌ تُنَاسِبُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ، ثُمَّ إنَّ مَذْهَبَهُ عَلَى خِلَافِ الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّهُ يَقُولُ إنْ أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا فَلَمْ يَحْصُلْ بِالْإِسْلَامِ فُرْقَةُ بُطْلَانٍ أَوْ فَسْخٌ، وَإِذَا حَاضَتْ بَعْدَ إسْلَامِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمَا ثَلَاثَ حِيَضٍ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَيَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِمَنْ شَاءَتْ فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ انْقِضَاءُ عِدَّةٍ مِنْ غَيْرِ فُرْقَةٍ وَالْعِدَّةُ تَجِبُ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ لَا مَعَ بَقَائِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ارْتِكَابِهِ دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ يَقُومُ بِهِ التَّمَسُّكُ فَلَا يَلْزَمُنَا ارْتِكَابُ الْمَحْظُورِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَلَى حَالِهِ حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِالْإِبَاءِ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا انْتَهَى النِّكَاحُ بِهِ وَتَأَكَّدَ الْمَهْرُ بِهِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُصِرُّ صَبِيًّا مُمَيِّزًا أَوْ بَالِغًا حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِإِبَائِهِ؛ لِأَنَّ رِدَّتَهُ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فَكَذَا إبَاؤُهُ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِبَاءَ أَدْنَى؛ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ وَالرِّدَّةُ إنْكَارٌ فَكَانَ أَقْوَى وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا يَصِحُّ إبَاؤُهُ عِنْدَهُ قِيَاسًا عَلَى رِدَّتِهِ عِنْدَهُ وَمِنْهُمْ مِنْ صَحَّحَ إبَاءَهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّدَّةِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا غَيْرَ مُمَيِّزٍ يُنْتَظَرُ عَقْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَجْنُونًا حَيْثُ لَا يُنْتَظَرُ، بَلْ يُعْرَضُ عَلَى أَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا وَجَدَتْهُ عِنِّينًا فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ؛ لِأَنَّهُ يُرْجَى زَوَالُهُ بِهِ، وَلَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الِانْتِظَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِبَاؤُهُ طَلَاقٌ لَا إبَاؤُهَا)، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إبَاؤُهُ أَيْضًا لَا يَكُونُ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَبِمِثْلِهِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ كَالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ، وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ إلَيْهَا فَكُلُّ سَبَبٍ تُشَارِكُهُ الْمَرْأَةُ فِيهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ مِنْهَا لَا يَكُونُ طَلَاقًا إذَا وُجِدَ مِنْهُ كَمَا لَا يَكُونُ طَلَاقًا فِيمَا إذَا وُجِدَ مِنْهَا وَلَهُمَا أَنَّهُ فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ جَانِبِهِ فَتَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ فَإِنْ طَلَّقَ وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ وَلِهَذَا الْمَعْنَى صَارَتْ الْفُرْقَةُ بِسَبَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَكَانَ فِي جَعْلِ الْوَلَدِ تَبَعًا لَهُ) أَيْ لِلْكِتَابِيِّ دُونَ الْمَجُوسِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالزَّوْجُ مَجُوسِيٌّ فَأَسْلَمَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اعْلَمْ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَ إنْ كَانَ بِحَالٍ يَجُوزُ اسْتِئْنَافُ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ كَالذِّمِّيِّ يَتَزَوَّجُ الذِّمِّيَّةَ ابْتِدَاءً، ثُمَّ يُسْلِمُ الرَّجُلُ وَذَلِكَ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّةَ ابْتِدَاءً يَجُوزُ عِنْدَنَا فَبَقَاءً أَوْلَى وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَجُوزُ اسْتِئْنَافُ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ، وَلَكِنْ يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْكَافِرِ فَإِنْ أَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا كَالنَّصْرَانِيَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ وَكَالْمَجُوسِيِّ إذَا أَسْلَمَ وَزَوْجَتُهُ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ وَثَنِيَّةٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ الْكَافِرِ مُطْلَقًا اهـ. (قَوْلُهُ: إلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثِ حِيَضٍ) صَوَابُهُ ثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ إذْ الْعِدَّةُ عِنْدَهُ بِالْأَطْهَارِ وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ وَكَتَبَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْعَارِضَةِ) هِيَ عَارِضَةُ الْأَحْوَذِيِّ عَلَى شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَالتَّوَالُدُ وَنَحْوُهَا) قَالَ الرَّازِيّ وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ طَاعَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِزَوَالِ النِّعْمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْإِسْلَامُ طَاعَةُ سَبَبٍ لِثُبُوتِ الْعِصْمَةِ) «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» هَا (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ قَبْلَ إسْلَامِ الْآخَرِ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُصِرُّ صَبِيًّا مُمَيِّزًا) أَيْ يَعْقِلُ الْأَدْيَانَ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِبَاؤُهُ طَلَاقٌ) أَيْ بَائِنٌ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إبَاؤُهُ أَيْضًا لَا يَكُونُ طَلَاقًا) أَيْ بَلْ فَسْخًا لَا يُنْقِصُ شَيْئًا مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَحْرَمِيَّةُ) أَيْ بِالرَّضَاعِ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْمَحْرَمِيَّةَ مَا نَصُّهُ: وَلَكِنْ لَا يَبْطُلُ هَذَا بِالْخُلْعِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) يَقَعُ طَلَاقُ زَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ وَزَوْجِ الْمُسْلِمَةِ الْآبِي بَعْدَ التَّفْرِيقِ عَلَيْهِمَا مَا دَامَتَا فِي الْعِدَّةِ، أَمَّا فِي الْإِبَاءِ فَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِالطَّلَاقِ، وَأَمَّا فِي الرِّدَّةِ فَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ غَيْرُ مُتَأَبِّدَةٍ فَإِنَّهَا تُرْفَعُ بِإِسْلَامٍ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ مُسْتَتْبِعًا فَائِدَتَهُ مِنْ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ حُرْمَةٌ مُغَيَّاةٌ بِوَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ فَإِنَّهَا مُتَأَبِّدَةٌ لَا غَايَةَ لَهَا فَلَا يُفِيدُ لُحُوقُ الطَّلَاقِ فَائِدَةً قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّهُ فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ فِي الْمُسَاعَدَةِ عَلَى الْإِيمَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ) أَيْ وَهُوَ الطَّلَاقُ اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ طَلَّقَ) أَيْ فَبِهَا وَنِعْمَتْ اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ) فَإِنْ قُلْت هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِبَاءَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ إنَّمَا الطَّلَاقُ تَفْرِيقُ الْقَاضِي بَعْدَ الْإِبَاءِ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ طَلَاقٌ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِبَاؤُهُ طَلَاقٌ قُلْت لَمَّا كَانَ

الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ طَلَاقًا بِخِلَافِ إبَائِهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ مِنْهَا حَتَّى يَنُوبَ الْقَاضِي مَنَابَهَا وَبِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ فِيهِ لَا لِهَذَا الْمَعْنَى وَبِخِلَافِ رِدَّتِهِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِيهَا لِلتَّنَافِي، وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً فَكَذَا تُنَافِيهِ بَقَاءً وَلِهَذَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ وَفِي الْإِبَاءِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا يَكُونُ طَلَاقًا عِنْدَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى وَهِيَ مِنْ أَغْرَبِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْهُمَا وَنَظِيرُهُ إذَا كَانَا مَجْنُونَيْنِ أَوْ كَانَ الْمَجْنُونُ عِنِّينًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ طَلَاقًا اتِّفَاقًا، ثُمَّ إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالْإِبَاءِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَ بِإِبَائِهِ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ بِإِبَائِهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا فَوَّتَتْ الْمُبْدَلَ قَبْلَ تَأَكُّدِ الْبَدَلِ فَأَشْبَهَ الرِّدَّةَ وَالْمُطَاوَعَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (لَمْ تَبِنْ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا) فَإِذَا حَاضَتْ ثَلَاثًا بَانَتْ وَهَذَا الْكَلَامُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إذَا لَمْ يَكُونَا كِتَابِيَّيْنِ، وَكَذَا إذَا كَانَا كِتَابِيَّيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ وَثَنِيًّا وَالْمَرْأَةُ هِيَ الْمُسْلِمَةُ، وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا كَانَ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالْإِسْلَامِ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ مَذْهَبِهِ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا تَأْثِيرَ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا نَفْسُ الْإِسْلَامِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْفُرْقَةِ وَلَا كُفْرُ الْمُصِرِّ وَلَا اخْتِلَافُ الدِّينِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ وَلَكِنْ يُمْكِنُ تَقْرِيرُ السَّبَبِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِالْعَرْضِ حَتَّى إذَا أَبَى يَكُونُ مُفَوِّتًا لِلْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ وَفِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ لِانْقِطَاعِ الْوَلَايَةِ فَأُقِيمَ شَرْطُ الْفُرْقَةِ وَهُوَ مُضِيُّ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ مَقَامَ السَّبَبِ كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ إذَا وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ وَلَمْ يُمْكِنْ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى الْعِلَّةِ فَأُضِيفَ إلَى الشَّرْطِ وَهُوَ الْحَفْرُ فَكَذَا هُنَا مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى الْفُرْقَةِ تَخْلِيصًا لِلْمُسْلِمَةِ مِنْ ذُلِّ الْكُفْرِ فَأَقَمْنَا شَرْطَ الْبَيْنُونَةِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَقَامَ عُرْضَاتِ الْقَاضِي وَتَفْرِيقِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْعِلَّةِ وَهَذِهِ الْحِيَضُ لَا تَكُونُ عِدَّةً وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا، ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَالْمَرْأَةُ حَرْبِيَّةٌ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْعِدَّةَ عَلَى الْمُسْلِمَةِ مِنْ الْحَرْبِيِّ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الْمُهَاجِرَةِ إذَا خَرَجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً وَسَيَأْتِي الْبَيَانُ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ إذَا أُوقِعَتْ الْفُرْقَةُ بِمُضِيِّ ثَلَاثِ حِيَضٍ هَلْ يَكُونُ طَلَاقًا أَمْ لَا؟ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ انْصِرَامَ هَذِهِ الْمُدَّةِ جُعِلَ بَدَلًا عَنْ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالْبَدَلُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَصْلِ وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ وَقَعَتْ حُكْمًا لَا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ رِدَّةِ الزَّوْجِ وَمِلْكِهِ امْرَأَتَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ أَحَدُهُمَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَمْضِيَ ثَلَاثُ حِيَضٍ لِعَدَمِ وَلَايَةِ الْقَاضِي عَلَى مَنْ بَقِيَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِيمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يُعْرَضُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِبَاءُ سَبَبًا لِتَفْرِيقِ الْقَاضِي أُطْلِقَ عَلَيْهِ طَلَاقًا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَهُوَ سَائِغٌ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي أَوَانَ إلْقَاءِ الدَّرْسِ مِنْ الْجَوَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ مَا نَصُّهُ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ طَلَاقًا إذْ كَانَ نَائِبًا عَمَّنْ إلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنُوبُ عَنْهُ فِيمَا إلَيْهِ التَّفْرِيقُ بِهِ وَاَلَّذِي إلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَاَلَّذِي إلَيْهَا عِنْدَ قُدْرَتِهَا عَلَى الْفُرْقَةِ شَرْعًا الْفَسْخُ فَإِذَا أَبَتْ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهَا فِيمَا إلَيْهَا التَّفْرِيقُ بِهِ فَلَا تَكُونُ الْفُرْقَةُ إلَّا فَسْخًا فَالْقَاضِي نَابَ مَنَابَهُمَا فِيهِمَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْفُرْقَةَ فِيهِمَا إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ فِي الْمِلْكِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ لِلتَّنَافِي، وَأَمَّا خِيَارُ الْبُلُوغِ فَإِنَّ مِلْكَ الْفُرْقَةِ فِيهِ لِتَطَرُّقِ الْخَلَلِ إلَى الْمَقَاصِدِ بِسَبَبِ قُصُورِ شَفَقَةِ الْعَاقِدِ لِقُصُورِ قَرَابَتِهِ وَعَلَى اعْتِبَارِ تَحَقُّقِ هَذَا التَّطَرُّقِ لَا يَكُونُ لِلنِّكَاحِ انْعِقَادٌ مِنْ الْأَصْلِ فَالْوَجْهُ فِي الْفُرْقَةِ الْكَائِنَةِ عَنْهُ كَوْنُهَا فَسْخًا اهـ. فَتْحٌ بَعْضُهُ بِمَعْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَنَظِيرُهُ إذَا كَانَا مَجْنُونَيْنِ إلَخْ) ذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ التَّعْلِيقِ أَنَّ الْمَجْنُونَ لَوْ كَانَ عِنِّينًا أَوْ مَجْبُوبًا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُجْعَلُ طَلَاقًا، وَكَذَا إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ وَعُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَبَيَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِإِبَائِهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا) أَيْ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ بِسَبَبٍ مِنْ قِبَلِهَا فَلَا يَكُونُ لَهَا مَهْرٌ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ الرِّدَّةَ) أَيْ رِدَّتَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُطَاوَعَةُ) أَيْ مُطَاوَعَةُ ابْنِ زَوْجِهَا مِنْ نَفْسِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا) أَيْ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَإِنْ أَسْلَمَ الْآخَرُ قَبْلَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: مَقَامَ السَّبَبِ) أَيْ سَبَبِ الْفُرْقَةِ اهـ. وَقَوْلُهُ: سَبَبَ الْفُرْقَةِ كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ سَبَبٌ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ هُوَ الْإِبَاءُ اهـ. أَكْمَلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ) يَعْنِي فِي قِيَامِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ إضَافَةُ التَّلَفِ إلَى ثِقَلِ الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ الَّتِي حُفِرَتْ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعِلَّةُ لَكِنَّهُ تَعَذَّرَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ طَبْعِيًّا وَلَا تَعَدِّيَ فِيهِ، ثُمَّ إضَافَتُهُ إلَى السَّبَبِ وَهُوَ الْمَشْيُ، وَقَدْ تَعَذَّرَ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِي الطَّرِيقِ مُبَاحٌ لَا مَحَالَةَ فَأُضِيفَ إلَى الشَّرْطِ وَهُوَ حَفْرُ الْبِئْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعَارِضْهُ الْعِلَّةُ وَالسَّبَبُ وَلَهُ شَبَهٌ بِالْعِلَّةِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِهِ وُجُودًا وَفِيهِ تَعَدٍّ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْحَافِرِ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ اهـ. اك (قَوْلُهُ: فَأَقَمْنَا شَرْطَ الْبَيْنُونَةِ) أَيْ وَهُوَ مُضِيُّ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْحِيَضُ لَا تَكُونُ عِدَّةً) أَيْ بَلْ لِأَجْلِ الْفُرْقَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَسْتَوِي إلَخْ)، وَهَذَا لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي صُورَةِ الطَّلَاقِ بَاشَرَ سَبَبَ الْفُرْقَةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ السَّبَبُ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُضِيِّ الْحَيْضِ، وَأَمَّا هَهُنَا فَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْهُ فَاحْتَاجَ إلَى مُضِيِّهَا لِلْفُرْقَةِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهَا اهـ. أَكْمَلُ

عَلَى الْمُصِرِّ سَوَاءً خَرَجَ الْمُسْلِمُ أَوْ الْآخَرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ بَقِيَ نِكَاحُهَا)؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا ابْتِدَاءً فَالْبَقَاءُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الشَّهَادَةُ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الْبَقَاءِ، وَكَذَا حَقُّ الْمِلْكِ يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ دُونَ الْبَقَاءِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ زَوْجَةَ مَوْلَاهُ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ، وَلَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا ابْتِدَاءً لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ بِنْتَ سَيِّدِهِ فَمَاتَ سَيِّدُهُ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهُ، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِيهِ يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ دُونَ الْبَقَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ سَبَبُ الْفَرْقِ لَا السَّبْيِ) حَتَّى لَوْ خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ عَقَدَ عَقْدَ الذِّمَّةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا. وَكَذَا إذَا سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَدُخِلَ بِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَبَبُ الْفُرْقَةِ السَّبْيُ دُونَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَتَّى تَقَعَ الْفُرْقَةُ عِنْدَهُ بِالسَّبْيِ، وَلَوْ سُبِيَا مَعًا وَلَا تَقَعُ بِالتَّبَايُنِ؛ لِأَنَّ السَّبْيَ يَقْتَضِي صَفَاءَ الْمَسْبِيِّ لِلسَّابِي وَلِهَذَا لَا يَبْقَى الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَسْبِيِّ، وَلَوْ بَقِيَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا لَامْتَنَعَ الصَّفَاءُ أَمَّا تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ فَتَأْثِيرُهُ فِي انْقِطَاعِ الْوَلَايَةِ، وَانْقِطَاعُ الْوَلَايَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إبْطَالِ النِّكَاحِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمِنَ أَوْ الْمُسْلِمَ الْمُسْتَأْمِنَ لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ دَارُهُمْ حَقِيقَةً، وَكَذَا الْخُرُوجُ مِنْ مَنَعَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ إلَى مَنَعَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ أَوْ بِالْعَكْسِ لَا تَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ وَلِهَذَا «رَدَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِنْتَه زَيْنَبَ إلَى زَوْجِهَا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ» وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَحَرَّجُوا فِي وَطْئِهِنَّ لِأَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]، أَيْ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ حُرِّمْنَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ تِلْكَ السَّبَايَا وَأَبَاحَ وَطْءَ سَبَايَا أَوْطَاسٍ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَقَدْ سُبِينَ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ. وَهَذَا لِأَنَّ السَّبْيَ سَبَبٌ لِمِلْكِ مَا يَحْتَمِلُ التَّمَلُّكَ وَمَحَلُّ النِّكَاحِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّمَلُّكِ، فَيَكُونُ مَمْلُوكًا كَالسَّابِي، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ لِحَقِّ الزَّوْجِ وَهُوَ لَيْسَ بِذِي حَقٍّ مُحْتَرَمٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُسْقِطُ مَالِكِيَّتَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْمَسْبِيَّةُ مَنْكُوحَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَا يَبْطُلُ بِهِ النِّكَاحُ لِكَوْنِ الْمَالِكِ لِلنِّكَاحِ مُحْتَرَمًا وَلَنَا أَنَّهُ مَعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا تَنْتَظِمُ الْمَصَالِحُ، وَالنِّكَاحُ شُرِعَ لِمَصَالِحِهِ لَا لِعَيْنِهِ فَلَا يَبْقَى عِنْدَ عَدَمِهَا كَالْمَحْرَمِيَّةِ إذَا اُعْتُرِضَتْ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ كَالْمَوْتَى وَلِهَذَا لَوْ الْتَحَقَ بِهِمْ الْمُرْتَدُّ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمَوْتَى فَلَا يُشْرَعُ النِّكَاحُ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمِنِ؛ لِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارِ فِيهِ لَمْ يُوجَدْ حُكْمًا لِقَصْدِهِ الرُّجُوعَ إلَى دَارِهِ إذْ هُوَ لَمْ يَدْخُلْهَا لِلْقَرَارِ وَلِهَذَا يُمَكَّنُ الذِّمِّيُّ مِنْ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ بِهَذَا الطَّرِيقِ. وَأَمَّا مَنَعَةُ أَهْلِ الْبَغْيِ فَهِيَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ تَخْتَلِفْ الدَّارُ وَالسَّبْيُ سَبَبٌ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ مَآلًا، وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ ثَبَتَ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا فَلَا يَكُونُ مُبْطِلًا لِلنِّكَاحِ كَالشِّرَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ مَقْصُودًا يَخْتَصُّ بِشَرْطِهِ كَالشُّهُودِ وَفِي السَّبْيِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ تَبَعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ إذَا كَانَ فَارِغًا وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَالِكُ النِّكَاحِ مُحْتَرَمًا بِأَنْ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ، وَلَوْ كَانَ السَّبْيُ يُوجِبُهُ لَمَا اخْتَلَفَ بَيْنَ الْمُحْتَرَمِ وَغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ السَّبْيَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ فَلَا يُنَافِي الْبَقَاءَ كَسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ. وَأَمَّا الدَّيْنُ فَإِنْ كَانَ عَلَى عَبْدٍ لَمْ يَسْقُطْ وَإِنْ كَانَ عَلَى حُرٍّ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ كَانَ دَيْنُهُ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ السَّبْيِ لَوَجَبَ فِي رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ دَيْنَ الْعَبْدِ حَتَّى يُبَاعَ فِيهِ فَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَجَبَتْ بِخِلَافِ دَيْنِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ صِفَتَهُ لَا تَخْتَلِفُ، وَأَمَّا «رَدُّ زَيْنَبَ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَدَّهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ» فَكَانَ الْمُثْبِتُ أَوْلَى مِنْ النَّافِي عَلَى أَنَّ مَا رَوَاهُ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ فَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَا لِصِحَّتِهِ وَمَا رُوِيَ أَنَّ فِيمَا رَوَيْنَا حِجَاجًا وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ جَرْحٌ مُبْهَمٌ، وَقَدْ وَثَّقَهُ أَهْلُ النَّقْلِ حَتَّى خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَاهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ إسْلَامَهَا كَانَ قَبْلَ إسْلَامِهِ بِسِتِّ سِنِينَ. وَقِيلَ بِسَنَتَيْنِ وَهُوَ لَا يَرَى بَقَاءَ النِّكَاحِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ إسْلَامِ الْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا، وَأَمَّا سَبَايَا أَوْطَاسٍ فَلَا يَلْزَمُنَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُنَّ سُبِينَ وَحْدَهُنَّ؛ لِأَنَّ رِجَالَهُنَّ قُتِلُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ عِلَّةَ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَنَا هُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ سَوَاءٌ وُجِدَ السَّبْيُ أَوْ لَمْ يُوجَدُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْعِلَّةُ السَّبْيُ سَوَاءٌ وُجِدَ التَّبَايُنُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَمْ لَا اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: ثُمَّ فَائِدَةُ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ حِلُّ وَطْءِ الْأَمَةِ لِمَنْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الرَّجُلُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا أَوْ أُخْتَهَا إنْ كَانَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَى الَّتِي بَقِيَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي صَفَاءَ الْمَسْبِيِّ) قَالَ الْكَمَالُ وَالصَّفَاءُ هُنَا بِالْمَدِّ أَيْ الْخُلُوصُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا) أَيْ لِثُبُوتِ الصَّفَاءِ بِالْمَسْبِيِّ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلِهَذَا يَعْنِي لَوْ سُبِيَ الْحَرْبِيُّ وَفِي ذِمَّتِهِ دَيْنٌ لِحَرْبِيٍّ آخَرَ بَطَلَ الدَّيْنُ فِي السَّبْيِ، ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا يَبْقَى الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَسْبِيِّ) أَيْ إنْ كَانَ لِكَافِرٍ بِعَدَمِ احْتِرَامِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَتَأْثِيرُهُ فِي انْقِطَاعِ الْوَلَايَةِ) أَيْ وَلَايَةِ مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ خَارِجًا إلَيْنَا وَوَلَايَةُ مَنْ فِي دَارِنَا إنْ كَانَ لَاحِقًا بِدَارِ الْحَرْبِ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْإِلْزَامُ عَلَيْهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّهُ مَعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا) الْمُرَادُ بِالتَّبَايُنِ حَقِيقَةُ تَبَاعُدُهُمَا شَخْصًا وَبِالْحُكْمِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي دَخَلَهَا عَلَى سَبِيلِ الرُّجُوعِ، بَلْ يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْقَرَارِ وَالسُّكْنَى اهـ. اك (قَوْلُهُ: لِأَنَّ رِجَالَهُنَّ قُتِلُوا إلَخْ) فِي الْكَاكِيِّ الْمَرْوِيُّ أَنَّ الرِّجَالَ هَرَبُوا مِنْ حُصُونِهِمْ وَإِنَّمَا سُبِيَ النِّسَاءُ وَحْدَهُنَّ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا سَبَايَا أَوْطَاسٍ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النِّسَاءَ سُبِينَ وَحْدَهُنَّ وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ تُفِيدُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «أَصَبْنَا سَبَايَا أَوْطَاسٍ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي قَوْمِهِنَّ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]» لَكِنْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ حِلُّ الْمَمْلُوكَةِ مُطْلَقًا سَوَاءً سُبِيَتْ

وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَزْوَاجَهُنَّ كَانُوا مَعَهُنَّ فَلَا يَلْزَمُنَا حُجَّةٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُنْكَحُ الْمُهَاجِرَةُ الْحَائِلُ بِلَا عِدَّةٍ) أَيْ يَجُوزُ تَزَوُّجُ مَنْ خَرَجَتْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَكَذَا إذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً وَقَيَّدَهُ بِكَوْنِهَا حَائِلًا؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُهَا حَتَّى تَضَعَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَارَقَتْ زَوْجَهَا بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَفُرْقَتُهَا وَقَعَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَتَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ كَالْمُطَلَّقَةِ فِي دَارِنَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الشَّرْعِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ مَاءُ رَجُلَيْنِ فِي رَحِمِهَا وَذَلِكَ مُحْتَرَمٌ حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُهُ إلَى سَنَتَيْنِ بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهِيَ حَرْبِيَّةٌ، ثُمَّ خَرَجَتْ إلَيْنَا حَيْثُ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْعِدَّةِ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُخَاطَبَةٍ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا بِخِلَافِ الْمَسْبِيَّةِ؛ لِأَنَّ حِلَّهَا لِلسَّابِي دَلِيلٌ عَلَى فَرَاغِ رَحِمِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] فَأَبَاحَ نِكَاحَ الْمُهَاجِرَةِ مُطْلَقًا فَتَقْيِيدُهُ بِمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ زِيَادَةٌ وَالزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] فَمَنْ مَنَعَ فَقَدْ أَمْسَكَ؛ وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ وَقَعَتْ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَلَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ كَمَا فِي الْمَسْبِيَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ، فَيَكُونُ مُنَافِيًا لِأَثَرِهِ وَالْعِدَّةُ مِنْ أَثَرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ حَقًّا لِلزَّوْجِ وَلَا حُرْمَةَ لِلْحَرْبِيِّ حَتَّى أُلْحِقَ بِالْجَمَادِ وَصَارَ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ فَكَيْفَ يَكُونُ لِمِلْكِهِ حُرْمَةٌ وَهُوَ كَمَنْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ الثَّابِتَ بِالْمِلْكِ حَقُّهُ لَا حَقُّ الشَّرْعِ لِوُجُودِ الْمُنَافِي، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَلَا نَقُولُ بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا؛ لِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ النِّكَاحَ كَأُمِّ الْوَلَدِ إذَا حَبِلَتْ مِنْ مَوْلَاهَا لَا يُزَوِّجُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَكِنْ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الْحَرْبِيِّ فَكَانَ كَالزَّانِي. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ فَكَانَ الرَّحِمُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا فَإِنْ قِيلَ أَبْلَغُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ سُقُوطُ الْحُرْمَةِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فِي حُكْمِ السُّقُوطِ بِالْمَوْتِ وَبِالْمَوْتِ لَا تَسْقُطُ الْعِدَّةُ فَكَذَا بِالتَّبَايُنِ قُلْنَا إنَّ الْمَوْتَ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْحُرُمَاتِ أَصْلًا فَإِنَّ التَّرِكَةَ مُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ وَإِنَّمَا أَسْقَطَ بِالْمَوْتِ الْحُرْمَةَ فِي حَقِيقَةِ صِفَةِ مَالِكِيَّتِهِ وَذَلِكَ مُنْقَطِعٌ بِالْمَوْتِ حَتَّى لَا تَصِحَّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحْدَهَا أَمْ مَعَ زَوْجٍ، وَأَمَّا الْمُشْتَرَاةُ مُتَزَوِّجَةً فَخَارِجَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى مَا سِوَاهَا دَاخِلًا تَحْتَ الْعُمُومِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَسْبِيَّةَ مَعَ زَوْجِهَا تَخُصُّ أَيْضًا بِدَلِيلِنَا وَبِمَا نَذْكُرُ وَتَبْقَى الْمَسْبِيَّةُ وَحْدَهَا ذَاتَ بَعْلٍ وَبِلَا بَعْلٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَتَنْكِحُ الْمُهَاجِرَةُ إلَخْ مَا نَصُّهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حُكْمٌ آخَرُ زَائِدٌ عَلَى حُكْمِ بَعْضِ مَا تَضَمَّنَهُ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ إذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُهَاجِرًا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَهَذِهِ إذَا كَانَ الْخَارِجُ مِنْهُمَا الْمَرْأَةَ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ اتِّفَاقًا هَلْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ فِيهَا خِلَافٌ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَتَنْكِحُ الْمُهَاجِرَةُ) أَيْ تَارِكَةُ الدَّارِ إلَى أُخْرَى عَلَى عَزْمِ عَدَمِ الْعَوْدِ بِأَنْ تَخْرُجَ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إلَخْ)، ثُمَّ اخْتَلَفَا لَوْ خَرَجَ بَعْدَهَا وَهِيَ بَعْدُ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ فَطَلَّقَهَا هَلْ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقَعُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْفُرْقَةَ إذَا وَقَعَتْ بِالتَّنَافِي لَا تَصِيرُ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِيرُ وَهُوَ أَوْجَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَحْرَمِيَّةً لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا يَحْتَاجُ زَوْجُهَا فِي تَزَوُّجِهَا إذَا أَسْلَمَ إلَى زَوْجٍ آخَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي أَنَّ الْحَرْبِيَّةَ إذَا دَخَلَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْزَمْ الْحَرْبِيَّ وَلَدُهَا عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ إلَى سَنَتَيْنِ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ. قَيَّدَ بِالْمُهَاجِرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَاجَرَ زَوْجُهَا لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ اتِّفَاقًا حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا فِي الْحَالِ اتِّفَاقًا مِنْ الْحَقَائِقِ اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ: وَفُرْقَتُهَا وَقَعَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَخْ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ: فَتَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ) أَيْ حَقُّهَا لِلشَّرْعِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَالْمُطَلَّقَةِ فِي دَارِنَا) أَيْ مِنْ الْمُسْلِمَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُهُ إلَى سَنَتَيْنِ) أَيْ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حِلَّهَا لِلسَّابِي دَلِيلٌ عَلَى فَرَاغِ رَحِمِهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ الْمَسْبِيَّةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِحُرَّةٍ وَتَأْثِيرُ ذَلِكَ أَنَّهَا تَحِلُّ لِلسَّابِي وَحِلُّ الْوَطْءِ دَلِيلُ فَرَاغِ الرَّحِمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعِدَّةِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَجِبُ عَلَيْهَا بِحَيْضَةٍ، وَفَرَاغُ الرَّحِمِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْعِدَّةِ يَحْصُلُ بِالِاسْتِبْرَاءِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِ الْعِدَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] جَمْعُ كَافِرَةٍ فَلَوْ شُرِطَتْ الْعِدَّةُ لَزِمَ التَّمَسُّكُ بِعُقْدَةِ نِكَاحِهِنَّ الْمَوْجُودَةِ فِي حَالِ كُفْرِهِنَّ وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُهُمَا: وَجَبَتْ لِحَقِّ الشَّرْعِ كَيْ لَا تَخْتَلِطَ الْمِيَاهُ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا) وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ الْغَيْرِ يَمْنَعُ الْوَطْءَ مُطْلَقًا وَثَابِتُ النَّسَبِ مُحْتَرَمٌ فَيَمْنَعُ النِّكَاحَ أَيْضًا دُونَ غَيْرِهِ اهـ. اك قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] إلَى قَوْلِهِ {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، ثُمَّ قَالَ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] فَأَوْجَبَ قَطْعَ الْعِصْمَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بِخُرُوجِهَا إلَيْنَا، وَالْعِصْمَةُ الْمَنْعُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [هود: 43] أَيْ لَا مَانِعَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ الْأَزْوَاجِ لِأَجْلِ الزَّوْجِ الَّذِي كَانَ لَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَأَمَّا نَفْيُ الْعِدَّةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10]؛ لِأَنَّهُ أَبَاحَ نِكَاحَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْعِدَّةِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] فَوَجَبَ عَلَيْنَا بِظَاهِرِ الْآيَةِ أَنْ لَا نَمْنَعَ نِكَاحَهَا لِأَجْلِ زَوْجِهَا الَّذِي فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَوْ اُشْتُرِطَتْ الْعِدَّةَ يَلْزَمُ التَّمَسُّكُ بِعَقْدِ نِكَاحِهِنَّ حَالَ كُفْرِهِنَّ فَلَا يَجُوزُ اهـ.

وَلَكِنْ لَمَّا بَقِيَتْ الْمَحَالُّ الْمَمْلُوكَةُ مَمْلُوكَةً عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ لِبَقَاءِ الْحُرْمَةِ حُكْمًا لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا بِحَقِيقَتِهِ وَبِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ أُسْقِطَتْ الْحُرْمَةُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا حَتَّى إنَّ الْمُرْتَدَّ الَّذِي يَلْتَحِقُ بِدَارِ الْحَرْبِ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ حُكْمًا فَتُورَثُ أَمْلَاكُهُ وَيُعْتَقُ مُدَبَّرُوهُ فَأَوْجَبَ الزَّوَالَ لَا إلَى أَثَرِ مِلْكِهِ. قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ عَلَّلُوا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَمَا كَانُوا يَحْتَاجُونَ إلَى هَذَا التَّعْلِيلِ فَإِنَّ عِنْدَهُ الذِّمِّيَّ إذَا طَلَّقَ الذِّمِّيَّةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ إلَّا إذَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ فِي الصَّحِيحِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ تَجِبُ لَكِنْ لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ لِضَعْفِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَصَارَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ كَوْنُهَا تَحْتَ كَافِرٍ لَا غَيْرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا فَسْخٌ فِي الْحَالِ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْ الْمَرْأَةِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ هُوَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْإِبَاءِ، وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ وَعِلَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَوَافَقَ أَبُو يُوسُفَ فِي الرِّدَّةِ وَوَافَقَ مُحَمَّدًا فِي الْإِبَاءِ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ لِكَوْنِهَا مُنَافِيَةً لِلْعِصْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ عِصْمَةُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فَلَمْ يَبْقَ لِمِلْكِهِ حُرْمَةٌ وَالطَّلَاقُ مِنْهُ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ فَتَعَذَّرَ جَعْلُهُ طَلَاقًا لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْإِبَاءِ فَإِنَّهُ تَفْوِيتُ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ وَلِهَذَا تَتَوَقَّفُ الْفُرْقَةُ بِالْإِبَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ وَفُرِّقَ أَيْضًا بَيْنَ الْفُرْقَةِ بِالْإِبَاءِ وَبَيْنَ الْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَنَّ الْفُرْقَةَ بِالْخِيَارِ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَالْعَقْدُ إذَا انْفَسَخَ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَالْأَحْكَامُ بِهِ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ الْمَهْرِ إذَا كَانَ فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِخِلَافِ الْإِبَاءِ. وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ الْفُرْقَةِ بِإِبَاءٍ وَرِدَّةٍ وَبَيْنَ الْفُرْقَةِ بِمِلْكِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ وبالْمَحْرَمِيَّةِ فَقَالَ: إنَّ الْفُرْقَةَ بِالْإِبَاءِ وَالرِّدَّةِ قَوْلِيَّةٌ كَالطَّلَاقِ وَبِالْمِلْكِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ حُكْمِيَّةٌ كَالْمَوْتِ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْآخَرِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بَاقِيًا إلَى أَنْ يُحْكَمَ بِالْفُرْقَةِ فَتُنَافِيهِ الرِّدَّةُ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فَسْخٌ فِي الْحَالِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا تَبِينُ مِنْهُ حَتَّى تَمْضِيَ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ تَبِينُ فِي الْحَالِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِرِدَّةِ أَحَدِهِمَا وَلَكِنْ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَجَعَلَهُ كَالْإِبَاءِ وَنَحْنُ نَقُولُ الِارْتِدَادُ مُنَافِيهِ وَاعْتِرَاضُ الْمُنَافِي يُوجِبُ الْفُرْقَةَ كَالْمَحْرَمِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَبَعْضُ مَشَايِخِ، بَلْخٍ وَسَمَرْقَنْدَ كَانُوا يُفْتُونَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالرِّدَّةِ حَسْمًا لِبَابِ الْمَعْصِيَةِ وَعَامَّتُهُمْ يَقُولُونَ يَقَعُ الْفَسْخُ وَلَكِنْ تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ لِزَوْجِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَمَشَايِخُ بُخَارَى كَانُوا عَلَى هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلِلْمَوْطُوءَةِ الْمَهْرُ) أَيْ لِلْمُرْتَدَّةِ الْمَدْخُولِ بِهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ فَلَا يُتَصَوَّرُ سُقُوطُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِغَيْرِهَا النِّصْفُ إنْ ارْتَدَّ) أَيْ وَلِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ تُوجِبُ نِصْفَ الْمَهْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ارْتَدَّتْ لَا وَالْإِبَاءُ نَظِيرُهُ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْتَدَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ هِيَ الْمَرْأَةُ لَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِمَعْصِيَةٍ تُوجِبُ سُقُوطَهُ لِحُصُولِ التَّفْوِيتِ مِنْهَا. قَوْلُهُ وَالْإِبَاءُ نَظِيرُهُ أَيْ نَظِيرُ الِارْتِدَادِ حَتَّى إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ مِنْ أَيُّهُمَا كَانَ يَجِبُ الْمَهْرُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَ مِنْهُ يَجِبُ النِّصْفُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْهَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا فِي ارْتِدَادِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ارْتَدَّ أَوْ أَسْلَمَا مَعًا لَمْ تَبِنْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا مُنَافِيَةً لِلْعِصْمَةِ) أَيْ وَالْمُنَافِي لَا يَحْتَمِلُ التَّرَاخِيَ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْعِصْمَةِ كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ) وَاعْتَرَضَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُنَافِي مِلْكَ الْعَيْنِ، بَلْ يَصِيرُ مَوْقُوفًا فَمَا بَالُ مِلْكِ النِّكَاحِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنَّ الرِّدَّةَ لَوْ كَانَتْ مُنَافِيَةً لَمَا وَقَعَ طَلَاقُ الْمُرْتَدِّ عَلَى امْرَأَتِهِ بَعْدَ الرِّدَّةِ كَمَا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ لَكِنَّهُ يَقَعُ بِالِاتِّفَاقِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ، فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ وَالرِّدَّةُ تُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً وَتَوَقَّفَ تَحْصِيلُ مِلْكِ الْعَيْنِ بِالشِّرَاءِ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ تَابِعٌ لِإِمْكَانِ ظُهُورِ أَثَرِهِ وَحَيْثُ كَانَتْ الْمَحَلِّيَّةُ مُتَصَوَّرَةَ الْعَوْدِ بِالتَّوْبَةِ أَمْكَنَ ظُهُورُ أَثَرِهِ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمَرْأَةِ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ فَكَانَ مُنَافِيًا لِلطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ فَإِنْ عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِيَ وَهُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ قَدْ ارْتَفَعَ وَمَحَلِّيَّةُ الطَّلَاقِ بِالْعِدَّةِ وَهِيَ قَائِمَةٌ فَيَقَعُ، وَإِذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ سَقَطَتْ عَنْهَا عِنْدَهُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ كَالْمَيِّتِ فِي حَقِّهَا وَبَقَاءُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ مُسْتَحِيلٌ وَالْعِدَّةُ مَتَى سَقَطَتْ لَا تَعُودُ إلَّا بِعَوْدِ سَبَبِهَا بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ هُنَاكَ بَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ مَحَلِّهَا؛ لِأَنَّهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ كَانَ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَإِذَا ارْتَفَعَ الْمَانِعُ وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ وَقَعَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ عِنْدَهُ اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا تَتَوَقَّفُ الْفُرْقَةُ) تَوْضِيحٌ لِكَوْنِ الرِّدَّةِ مُنَافِيَةً لِلطَّلَاقِ دُونَ الْإِبَاءِ اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ لِزَوْجِهَا إلَخْ) وَلِكُلِّ قَاضٍ أَنْ يُجَدِّدَ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا بِمَهْرٍ يَسِيرٍ، وَلَوْ بِدِينَارٍ رَضِيَتْ أَمْ لَا وَتَعَزُّرٍ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَلِلْمَوْطُوءَةِ الْمَهْرُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ إنْ دَخَلَ بِهَا وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ أَيْضًا وَنِصْفُهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةُ فَلَهَا الْكُلُّ إنْ دَخَلَ بِهَا وَلَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا مَهْرَ وَلَا نَفَقَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ارْتَدَّا أَوْ أَسْلَمَا مَعًا لَمْ تَبِنْ) هَذَا إذَا لَمْ يَلْحَقْ أَحَدٌ مِنْهُمَا بِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ ارْتِدَادِهِمَا فَإِنْ لَحِقَ فَسَدَ لِلتَّبَايُنِ اهـ. فَتْحٌ

[باب القسم]

قَالَ زُفَرُ تَبِينُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ رِدَّةَ أَحَدِهِمَا مُنَافِيَةٌ وَفِي رِدَّتِهِمَا رِدَّةُ أَحَدِهِمَا وَزِيَادَةً فَكَانَ أَوْلَى بِالْبَيْنُونَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مُنَافٍ ابْتِدَاءً، فَيَكُونُ مُنَافِيًا بَقَاءً كَرِدَّةِ أَحَدِهِمَا وكالمحرمية، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ ارْتَدُّوا، ثُمَّ أَسْلَمُوا وَلَمْ تَأْمُرْهُمْ الصَّحَابَةُ بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ وَارْتِدَادُهُمْ وَإِسْلَامُهُمْ وَاقِعٌ مَعًا لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِإِجْمَاعِهِمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ ارْتِدَادَهُمْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَأَنَّى يَسْتَقِيمُ الِاسْتِدْلَال بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ عِنْدَ جَهَالَةِ التَّارِيخِ يُجْعَلُ كَأَنَّ الْكُلَّ وُجِدَ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَمَوْتِ الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى وَالْهَدْمَى حَتَّى لَا يَرِثَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ بِهِمَا دَيْنٌ وَلَا دَارٌ فَيَبْقَى مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ كَمَا إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ مَعًا وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ ارْتِدَادَهُمَا مَعًا وَإِسْلَامَهُمَا دَلِيلُ الْمُوَافَقَةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى النِّكَاحِ بِخِلَافِ ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِرِدَّةِ أَحَدِهِمَا لِظُهُورِ الْخُبْثِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالطَّيِّبِ وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ هُنَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ الِابْتِدَاءِ مَنْعُ الْبَقَاءِ كَعِدَّةِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ دُونَ الْبَقَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَانَتْ لَوْ أَسْلَمَا مُتَعَاقِبًا)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا بَقِيَ الْآخَرُ عَلَى رِدَّتِهِ فَتَحَقَّقَ الِاخْتِلَافُ، وَهَذَا لِأَنَّ إصْرَارَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَإِنْشَائِهِ فِيهَا فَتُضَافُ الْفُرْقَةُ إلَيْهِ حَتَّى إذَا كَانَتْ الْمُتَأَخِّرَةُ هِيَ الْمَرْأَةُ قُبَيْلَ الدُّخُولِ وَسَقَطَ الْمَهْرُ وَإِنْ تَأَخَّرَ الزَّوْجُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ فَتَمَجَّسَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَقَعُ؛ لِأَنَّهُمَا ارْتَدَّا مَعًا؛ لِأَنَّ تَمَجُّسَ النَّصْرَانِيَّةِ كَإِحْدَاثِ أَصْلِ الْكُفْرِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّةَ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا فَإِحْدَاثُهَا كَإِحْدَاثِ الرِّدَّةِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ الدِّينِ، بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَرْأَةُ تُقَرُّ عَلَيْهِ فَصَارَ كَرِدَّةِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَالِانْتِقَالُ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ لَا يُجْعَلُ كَالْإِنْشَاءِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَهَوَّدَا فَإِنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا هَذَا وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفَرِّقُ فَيَقُولُ إنَّ الْمَجُوسِيَّةَ لَا يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِهَا، فَيَكُونُ إحْدَاثُهَا كَالِارْتِدَادِ بِخِلَافِ الْيَهُودِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ تَمَجَّسَتْ وَحْدَهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ تَهَوَّدَتْ لَا تَقَعُ فَافْتَرَقَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْقَسْمِ.). وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ السِّينِ مَصْدَرُ قَسَمْت الشَّيْءَ فَانْقَسَمَ وَبِالْكَسْرِ وَاحِدُ الْأَقْسَامِ، وَالنَّصِيبُ مِنْ الْخُبْزِ كَالطَّحْنِ لِلدَّقِيقِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ وَالْجَوْهَرِيُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْبِكْرُ كَالثَّيِّبِ وَالْجَدِيدَةُ كَالْقَدِيمَةِ وَالْمُسْلِمَةُ كَالْكِتَابِيَّةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْقَسْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} [النساء: 3] مَعْنَاهُ أَنْ لَا تَجُورُوا وقَوْله تَعَالَى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129]. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» أَيْ مَفْلُوجٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حَنْبَلٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» يَعْنِي زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ فِيهِ الْإِرْسَالُ أَصَحُّ وَهَذِهِ النُّصُوصُ عَامَّةٌ فِي النِّسَاءِ فَيُسَوِّي بَيْنَ الْجَدِيدَةِ وَالْقَدِيمَةِ وَالْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَالصَّحِيحَةِ وَالْمَرِيضَةِ وَالرَّتْقَاءِ وَالْمَجْنُونَةِ الَّتِي لَا يُخَافُ مِنْهَا وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْحَامِلِ وَالْحَائِلِ وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي يُمْكِنُ وَطْؤُهَا وَالْمُحَرَّمَةِ وَالْمُولَى مِنْهَا وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقِيمُ عِنْدَ الْبِكْرِ الْجَدِيدَةِ سَبْعًا، وَعِنْدَ الثَّيِّبِ الْجَدِيدَةِ ثَلَاثًا وَلَا يَحْتَسِبُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ إلَّا إذَا طَلَبَتْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ بَطَلَ حَقُّهَا وَيَحْتَسِبُ عَلَيْهَا بِتِلْكَ الْمُدَّةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ.» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَرَوَى أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ «مِنْ السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ بِكْرًا أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَإِذَا تَزَوَّجَ ثَيِّبًا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَسَمَ وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ حِينَ تَزَوَّجَهَا ثَلَاثًا، وَقَالَ إنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَالَ زُفَرُ تَبَيَّنَ) أَيْ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَالُ إنَّ ارْتِدَادَهُمْ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْمَذْكُورُ فِي الْحُكْمِ بِارْتِدَادِ بَنِي حَنِيفَةَ فِي الْمَبْسُوطِ مَنْعُهُمْ الزَّكَاةَ وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلِ أَنَّ مَنْعَهُمْ كَانَ لِجَحْدِ افْتِرَاضِهَا وَلَمْ يُنْقَلْ وَلَا هُوَ لَازِمٌ وَقِتَالُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إيَّاهُمْ لَا يَسْتَلْزِمُهُ لِجَوَازِ قِتَالِهِمْ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِهِمْ حَقًّا شَرْعِيًّا وَعَطَّلُوهُ اهـ. [بَابُ الْقَسْمِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ النِّكَاحِ وَأَقْسَامِهِ بِاعْتِبَارِ مَنْ قَامَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ وَالْأَرِقَّاءِ وَالْكُفَّارِ وَحُكْمُهُ اللَّازِمُ لَهُ مِنْ الْمَهْرِ شَرَعَ فِي حُكْمِهِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ وُجُودُهُ وَهُوَ الْقَسْمُ وَذَلِكَ إنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَدُّدِ الْمَنْكُوحَاتِ وَنَفْسُ النِّكَاحِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ وَلَا هُوَ غَالِبٌ فِيهِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَبِالْكَسْرِ وَاحِدُ الْأَقْسَامِ وَالنَّصِيبُ) وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعٍ خَاصٍّ بِخِلَافِ الثَّانِي اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) أَيْ وَالتِّرْمِذِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حَنْبَلٍ) أَيْ وَالْحَاكِمُ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَلَمْ يُبَيِّنْ فَبِمَاذَا، وَأَمَّا مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ زِيَادَةِ قَوْلِهِ فِي الْقَسْمِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا، لَكِنْ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْعَدْلَ الْوَاجِبَ فِي الْبَيْتُوتَةِ وَالتَّأْنِيسِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَضْبِطَ زَمَانَ النَّهَارِ فَبِقَدْرِ مَا عَاشَرَ فِيهِ إحْدَاهُمَا يُعَاشِرُ الْأُخْرَى بِقَدْرِهِ، بَلْ ذَلِكَ فِي الْبَيْتُوتَةِ، وَأَمَّا النَّهَارُ فَفِي الْجُمْلَةِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: «فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ») يَعْنِي الْقَلْبَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ) فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا عَدَاهُ مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ مِلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ يَجِبُ التَّسْوِيَةُ فِيهِ وَمِنْهُ عَدَدُ الْوَطَآتِ وَالْقُبْلَاتِ، وَالتَّسْوِيَةُ فِيهِمَا غَيْرُ لَازِمَةٍ إجْمَاعًا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقِيمُ عِنْدَ الْبِكْرِ إلَخْ) وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ اهـ.

لَيْسَ لَك عَلَى أَهْلِك هَوَانٌ إنْ شِئْت سَبَّعْت لَك وَسَبَّعْت لِنِسَائِي»؛ وَلِأَنَّهَا لَمْ تَأْلَفْ صُحْبَةَ زَوْجِهَا بَعْدُ وَلَعَلَّهُ يَحْصُلُ لَهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ نَفْرَةٌ فَكَانَ فِي الزِّيَادَةِ إزَالَتُهَا وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ؛ وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَ الزَّوْجَاتِ عِنْدَهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُنَّ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَفْضِيلِ بَعْضَهُنَّ عَلَى بَعْضٍ، وَلَوْ جَازَ تَفْضِيلُ الْبَعْضِ لَكَانَتْ الْقَدِيمَةُ أَوْلَى لِمَا وَقَعَ لَهَا مِنْ الْكَسْرِ وَالْوَحْشَةِ وَإِدْخَالِ الْغَيْظِ وَالْغَيْرَةِ بِسَبَبِ إدْخَالِ الضَّرَّةِ عَلَيْهَا، وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ التَّفْضِيلُ بِالْبُدَاءَةِ بِالْجَدِيدَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إذَا طَلَبَتْ الزِّيَادَةَ يَسْقُطُ حَقُّهَا، بَلْ هُوَ نَصٌّ عَلَى التَّسْوِيَةِ ابْتِدَاءً أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرْوِي فِي بَعْضِ طُرُقِهِ «إنْ شِئْت ثَلَّثْت لَك وَثَلَّثْت لَهُنَّ» فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي السَّبْعِ لَا لِطَلَبِهَا الزِّيَادَةَ؛ وَلِأَنَّ الْقَسْمَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ فَهُنَّ فِيهِ سَوَاءٌ وَالِاخْتِيَارُ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّسْوِيَةُ دُونَ طَرِيقِهِ، وَالتَّسْوِيَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ فِي الْبَيْتُوتَةِ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ؛ لِأَنَّهَا تُبْتَنَى عَلَى النَّشَاطِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْقَسْمِ الْإِقَامَةُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَالْمُعَاشَرَةُ مَعَهَا وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهَا الْمَجْبُوبُ وَالْعِنِّينُ وَالْمَرِيضُ وَالصَّحِيحُ وَالْمَرْأَةُ الرَّتْقَاءُ وَغَيْرُهَا وَالصَّبِيُّ الَّذِي دَخَلَ عَلَى الْمَرْأَةِ كَالْبَالِغِ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ حَقُّ الْعِبَادِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْحُرَّةِ ضِعْفُ الْأَمَةِ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ كَالْأَمَةِ فِي الْقَسْمِ، وَهَذَا لِأَنَّ حِلَّ الْأَمَةِ أَنْقَصُ مِنْ حِلِّ الْحُرَّةِ وَلَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ فَأَظْهَرُ فِي حُقُوقِهِ مِنْ الْقَسْمِ وَالطَّلَاقِ وَفِي حَقِّ الْإِدْخَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ إدْخَالُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَعَلَى الْعَكْسِ يَجُوزُ وَفِي الْغَايَةِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَقَالَ فِيهِ اتَّفَقُوا عَلَى التَّسْوِيَةِ فِيهَا وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ فِي النَّفَقَةِ يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا عَلَى الْمُخْتَارِ فَكَيْفَ يُدَّعَى الِاتِّفَاقُ فِيهَا عَلَى التَّسْوِيَةِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَعْتَبِرُ حَالَ الرَّجُلِ وَحْدَهُ، وَلَوْ أَقَامَ عِنْدَ الْأَمَةِ يَوْمًا فَأَعْتَقَتْ يُقِيمُ عِنْدَ الْحُرَّةِ يَوْمًا، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ عِنْدَ الْحُرَّةِ، ثُمَّ عَتَقَتْ الْأَمَةُ يَنْتَقِلُ إلَى الْعَتِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُنْقِصَ قَدْ زَالَ وَفِي الْأُولَى خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسَافِرُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَالْقُرْعَةُ أَحَبُّ). وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ وَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا» وَرُوِيَ «أَيَّتُهَا خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَنَا أَنَّهُنَّ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي حَالَةِ السَّفَرِ حَتَّى كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ لَا يَسْتَصْحِبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَوْ أَكْثَرَ بِلَا إذْنٍ مِنْ صَاحِبَتِهَا وَلَا قُرْعَةَ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِبَعْضِهِنَّ لِمَرَضٍ بِهَا أَوْ سِمَنٍ أَوْ كَثْرَةِ أَوْلَادٍ، وَقَدْ يَأْتَمِنُ بَعْضَهُنَّ فِي حِفْظِ الْأَمْتِعَةِ فِي السَّفَرِ أَوْ فِي تَرْكِهَا فِي الْبَيْتِ وَفِيهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى، وَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ تَكُنْ التَّسْوِيَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُهُ تَفَضُّلًا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ» قَالَ عَطَاءٌ هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] فَكَانَ مِمَّنْ يُؤْوِي عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَزَيْنَبُ وَحَفْصَةُ وَمِمَّنْ أَرْجَأَ سَوْدَةُ وَجُوَيْرِيَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَصَفِيَّةُ وَمَيْمُونَةُ، ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِفِعْلِهِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْفِعْلَ أَيْضًا لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْمُدَّةِ حَتَّى لَا يَقْضِيَ لِبَقِيَّةِ نِسَائِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْضِي إذَا سَافَرَ بِهَا مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ وَلَنَا مَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي السَّفَرِ، وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ يَتَرَتَّبُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ لَمَا سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ بِالْقُرْعَةِ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِهِ فِي الْحَضَرِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَقَامَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ شَهْرًا فِي الْحَضَرِ وَرَافَقَتْهُ الْأُخْرَى لَمْ يُؤْمَرْ بِقَضَاءِ مَا مَضَى وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: «إنْ شِئْت سَبَّعْت لَك» إلَخْ)، وَهَذَا دَلِيلُ اسْتِثْنَاءِ الشَّافِعِيِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهَا وَيُحْسَبُ عَلَيْهَا بِالْمُدَّةِ إنْ طَلَبَتْ زِيَادَةً عَلَى الثَّلَاثِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ التَّفْضِيلُ إلَخْ) وَنَحْنُ نَقُولُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْجَدِيدَةِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَالِاخْتِيَارُ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَى الزَّوْجِ) يَعْنِي إنْ شَاءَ ثَلَّثَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَإِنْ شَاءَ سَبَّعَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّسْوِيَةُ دُونَ طَرِيقِهَا) أَيْ إنْ شَاءَ يَوْمًا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ عَلَى صِرَافَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَدُورَ سَنَةً مَا يُظَنُّ إطْلَاقُ ذَلِكَ، بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُطْلَقَ لَهُ مِقْدَارُ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَإِذَا كَانَ وُجُوبُهُ لِلتَّأْنِيسِ وَدَفْعِ الْوَحْشَةِ وَجَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ الْمُدَّةُ الْقَرِيبَةُ وَأَظُنُّ أَكْثَرَ مِنْ جُمُعَةٍ مُضَارَّةً إلَّا أَنْ يَرْضَيَا بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّسْوِيَةُ دُونَ طَرِيقِهَا مَا نَصُّهُ يَعْنِي لَيْسَ لَهَا أَنْ تَقُولَ لَهُ بِتْ عِنْدِي لَيْلَةً، وَعِنْدَ صَاحِبَتِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ هُوَ التَّسْوِيَةُ لَا طَرِيقُهَا وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ طَرِيقُهَا مَا نَصُّهُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ طَرِيقُهُ اهـ. وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ دُونَ طَرِيقِهَا مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهَا مُفَوَّضٌ إلَى الزَّوْجِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَسْمَ حَقُّ الْعِبَادِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ) وَصَحَّ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَرِضَ اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَذِنَّ لَهُ» اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حِلَّ الْأَمَةِ أَنْقَصُ) يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا مَعَ الْحُرَّةِ وَلَا بَعْدَهَا وَإِنَّمَا يَحِلُّ قَبْلَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْغَايَةِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ إلَخْ) مُرَادُ صَاحِبِ الْغَايَةِ التَّسْوِيَةُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَا فِي كَمِّيَّتِهَا فَسَقَطَ النَّظَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْضِي إذَا سَافَرَ بِهَا إلَخْ) يَعْنِي إذَا سَافَرَ بِإِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ شَهْرًا مَثَلًا لَا يُؤْمَرُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْأُخْرَى شَهْرًا آخَرَ، بَلْ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْحَضَرِ ابْتِدَاءً اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُؤْمَرْ بِقَضَاءِ مَا مَضَى) وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقَضَاءِ إذَا طَلَبَتْ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ وَلَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إيفَائِهِ اهـ. كَمَالٌ

[كتاب الرضاع]

يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الطَّلَبِ وَلَكِنَّهُ يَأْثَمُ فِيهِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ أَمْرِ الْقَاضِي يُوجَعُ ضَرْبًا؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا وَهُوَ الْجَوْرَ وَيَقْضِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ إنْ وَهَبَتْ قَسْمَهَا لِلْأُخْرَى)؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ فَلَا يَسْقُطُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْقَائِمِ، فَيَكُونُ الرُّجُوعُ امْتِنَاعًا بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ حَيْثُ يَرْجِعُ الْمُعِيرُ فِيهِ مَتَى شَاءَ لِمَا قُلْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَابُ الرَّضَاعِ). الرَّضَاعُ وَالرَّضَاعَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا فِيهِمَا وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ مَعَ الْهَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ مَصُّ الرَّضِيعِ مِنْ ثَدْيِ الْآدَمِيَّةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ مُدَّةُ الرَّضَاعِ هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ لَا يَتَقَيَّدُ بِهَذِهِ الْقُيُودِ وَيَقُولُ لَئِيمٌ رَاضِعٌ لِلَّذِي يَرْضَعُ إبِلَهُ أَوْ غَنَمَهُ وَلَا يَحْلِبُهَا كَيْ لَا يُسْمَعَ صَوْتُ حَلْبِهِ فَيُطْلَبَ مِنْهُ اللَّبَنُ وَفِعْلُهُ مِنْ بَابِ عَلِمَ وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ، ثُمَّ قِيلَ لَيْسَ كِتَابُ الرَّضَاعِ مِنْ تَصْنِيفِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا عَمِلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَنَسَبَهُ إلَيْهِ لِيُرَوَّجَ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَقَالَ عَامَّتُهُمْ هُوَ أَوَائِلُ تَصْنِيفَاتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ اكْتِفَاءً بِمَا أَوْرَدَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ شَيْئًا مِنْ مَسَائِلِهِ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ، ثُمَّ أَفْرَدَ لَهُ كِتَابًا لِمَا فِيهِ مِنْ أَحْكَامٍ جَمَّةٍ تَخْتَصُّ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَرُمَ بِهِ وَإِنْ قَلَّ فِي ثَلَاثِينَ شَهْرًا مَا حَرُمَ بِالنَّسَبِ) أَيْ حَرُمَ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ مَا حَرُمَ مِنْ النَّاسِ بِسَبَبِ النَّسَبِ إذَا وُجِدَ فِي ثَلَاثِينَ شَهْرًا، وَلَوْ كَانَ الرَّضَاعُ قَلِيلًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحْرُمُ إلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ يَعْنِي مُشْبِعَاتٍ لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالُوا هَذَا يَدُلُّ عَلَى قُرْبِ النَّسْخِ حَتَّى إنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ كَانَ يَقْرَؤُهَا، وَعَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ» وَفِي لَفْظٍ «لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي لَفْظٍ «لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ وَالْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ» وَهَذَا النَّفْيُ مَذْهَبُنَا وَالْأَوَّلُ لِإِثْبَاتِ مَذْهَبِهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] عَلَّقَهُ بِفِعْلِ الْإِرْضَاعِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْعَدَدِ وَالتَّقْيِيدُ بِهِ زِيَادَةٌ وَهُوَ نَسْخٌ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ عِلَّةِ حُكْمٍ فِي الشَّرْعِ كَثُبُوتِ الْمُصَاهَرَةِ بِالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ وَغَيْرِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ وَلَا التَّكْرَارُ وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ كُلُّهَا مُطْلَقَةٌ مِنْهَا مَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّحِمِ» وَفِي لَفْظٍ «مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ»، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنْ الرَّضَاعِ مَا حَرَّمَ مِنْ الْوِلَادَةِ»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ لِشُبْهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا وَهُوَ الْجَوْرُ وَيَقْضِي) وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْوَلْوَالِجِيِّ: لِأَنَّ الْقَسْمَ لَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ الشَّارِحِ وَيَقْضِي، وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَةَ الْوَلْوَالِجِيِّ عَلَى الْمَتْنِ فَانْظُرْهَا اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ) أَيْ الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ اهـ. ع [كِتَابُ الرَّضَاعِ] لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدَ وَهُوَ لَا يَعِيشُ غَالِبًا فِي ابْتِدَاءِ إنْشَائِهِ إلَّا بِالرَّضَاعِ وَكَانَ لَهُ أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ بِمُدَّةٍ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ أَحْكَامِهِ قِيلَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ لَكِنَّهُ أَفْرَدَهُ بِكِتَابٍ عَلَى حِدَةٍ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَسَائِلَ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَخَلْطِ اللَّبَنِ وَنَحْوِهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ مَا تَتَعَلَّقُ الْمَحْرَمِيَّةُ بِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هُنَا التَّفَاصِيلَ الْكَثِيرَةَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ) أَيْ وَعَلَيْهِ قَوْلُ السَّلُولِيِّ يَذُمُّ عُلَمَاءَ زَمَانِهِ وَذَمُّوا لَنَا الدُّنْيَا وَهُمْ يَرْضَعُونَهَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ فِي مُخْتَصَرِهِ) أَيْ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي مَعَ الْتِزَامِهِ إيرَادَ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ مَحْذُوفَةَ التَّعَالِيلِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الرَّضَاعُ قَلِيلًا) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، أَمَّا لَوْ شَكَّ فِيهِ بِأَنْ أَدْخَلَتْ الْحَلَمَةَ فِي فَمِ الصَّغِيرَةِ وَشَكَّتْ فِي الرَّضَاعِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالشَّكِّ وَهُوَ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ صَبِيَّةً أَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَرْيَةٍ وَلَا يَدْرِي مَنْ هِيَ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَانِعُ مِنْ خُصُوصِيَّةِ امْرَأَةٍ وَالْوَاجِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ كُلَّ صَبِيٍّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَإِذَا أَرْضَعْنَ فَلْيَحْفَظْنَ ذَلِكَ وَيُشْهِرْنَهُ وَيَكْتُبْنَهُ احْتِيَاطًا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: يَعْنِي مُشْبِعَاتٍ) أَيْ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ مُتَفَاصِلَةٍ عُرْفًا، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَقَوْلِنَا وَكَقَوْلِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ») الْمَصَّةُ فِعْلُ الرَّضِيعِ وَالْإِمْلَاجَةُ فِعْلُ الْمُرْضِعِ وَهُوَ الْإِرْضَاعُ اهـ. (قَوْلُهُ: «لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ») الْإِمْلَاجَةُ الْإِرْضَاعَةُ وَالتَّاءُ لِلْوَحْدَةِ وَالْإِمْلَاجُ الْإِرْضَاعُ وَأَمْلَجْتُهُ أَرْضَعْته وَمَلَجَ هُوَ أُمَّهُ رَضَعَهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أُصُولِ فِقْهِهِ فِي بَابِ إثْبَاتِ الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ: قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ فَقَالَ قَضَاءُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى مِنْ قَضَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَسَيَأْتِي كَلَامُ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ كُلَّ عِلَّةٍ حُكْمٌ فِي الشَّرْعِ) يَعْنِي أَنَّ الرَّضَاعَ لَمَّا كَانَ يُوجِبُ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا وَجَبَ أَنْ يُثْبِتَ حُكْمَ الْحُرْمَةِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ إلَخْ) هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمُ الرَّضَاعِ إلَّا بِالْكَثِيرِ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَحْصُلُ بِهِ نُشُوزُ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتُ اللَّحْمِ فَقَالَ إنْشَازُ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتُ اللَّحْمِ

الْبَعْضِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِنُشُوزِ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتِ اللَّحْمِ لَكِنَّهُ أَمْرٌ مُبْطَنٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِفِعْلِ الْإِرْضَاعِ كَمَا فِي السَّفَرِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَوْلُهُ «لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ» كَانَ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَالرَّضْعَةُ الْوَاحِدَةُ تُحَرِّمُ فَجَعَلَهُ مَنْسُوخًا، حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَمِثْلُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَنَسْخُهُ بِالْكِتَابِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ أَحَادِيثُ عَائِشَةَ مُضْطَرِبَةٌ فَوَجَبَ تَرْكُهَا وَالرُّجُوعُ إلَى كِتَابِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ يَرْوِيهِ ابْنُ زَيْدٍ مَرَّةً عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَرَّةً عَنْ عَائِشَةَ وَمَرَّةً عَنْ أَبِيهِ وَمِثْلُهُ يَسْقُطُ أَوْ نَقُولُ إنَّمَا لَمْ تُحَرِّمْ الْمَصَّةُ وَالْإِمْلَاجَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا يَنْفَصِلُ اللَّبَنُ بِهَا لِضَعْفِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الْمَصُّ وَالرَّضْعَةُ رِوَايَةً بِالْمَعْنَى عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ الرَّاوِي؛ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الرَّضْعَةَ هِيَ الْمَصَّةُ فَعَبَّرَ عَنْهَا بِهَا وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي خَمْسِ رَضَعَاتٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَحَالَتْهَا عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ، وَقَالَتْ وَلَقَدْ كَانَ فِي صَحِيفَةٍ تَحْتَ سَرِيرِي فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ دَخَلَ دَوَاجِنُ فَأَكَلَتْهَا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ لِعَدَمِ التَّوَاتُرِ وَلَا تَحِلُّ الْقِرَاءَةُ بِهِ وَلَا إثْبَاتُهُ فِي الْمُصْحَفِ وَلَا يَجُوزُ التَّقْيِيدُ بِهِ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَنَا أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عِنْدَنَا فَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّقْيِيدُ بِالْمَشْهُورِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يُشْتَهَرْ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قُرْآنًا لَكَانَ مَتْلُوًّا الْيَوْمَ إذْ لَا نَسْخَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقِيلَ الْعَشْرُ وَالْخَمْسُ كَانَ فِي رَضَاعِ الْكَبِيرِ، ثُمَّ نُسِخَ وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قِيلَ لَهُ إنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ لَا بَأْسَ بِالرَّضْعَةِ وَالرَّضْعَتَيْنِ فَقَالَ قَضَاءُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ قَضَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَذْهَبُنَا مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ فِي الْمَهْدِ كَمَا يُفْطِرُ الصَّائِمَ، وَقَوْلُهُ فِي ثَلَاثِينَ شَهْرًا بَيَانٌ لِمُدَّةِ الرَّضَاعِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا مُدَّتُهُ سَنَتَانِ، وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثُ سِنِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا حَدَّ لَهُ لِلنُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ وَلَنَا أَنَّ إرْضَاعَ الْكَبِيرِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ وَلَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا أَنْشَزَ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ» وَرُدَّ لِرَدِّ إرْضَاعِ الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ لِلْكَبِيرِ بِالرَّضَاعِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ بِالْخُبْزِ وَنَحْوِهِ وَلِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الرَّضِيعَ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَوُّلُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَى الطَّعَامِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ، وَالْحَوْلُ حَسَنٌ لِلتَّحَوُّلِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ وَلِهَذَا أُجِّلَ الْعِنِّينُ بِهِ وَعُلِّقَ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] وَهَذَا صِيغَتُهُ خَبَرٌ وَالْمُرَادُ بِهِ أَمْرٌ وَهُوَ أَبْلَغُ وُجُوهِ الْأَمْرِ وَلَا اعْتِبَارَ لِلزِّيَادَةِ بَعْدَ الْإِتْمَامِ وقَوْله تَعَالَى {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] وَلَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ لِمَا رَوَيْنَا وقَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَبَقِيَ لِلْفِصَالِ حَوْلَانِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ هَذِهِ الْآيَةُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةً فَصَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا كَالْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لِلدِّينَيْنِ بِأَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصَيْنِ أَوْ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَالْحَمْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ عَلَى هَذَا هُوَ الْحَمْلُ بِالْيَدِ وَالْحِجْرِ؛ لِأَنَّ الْمُنْقِصَ قَدْ قَامَ فِي حَقِّ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعِدَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْفِطَامَ لَا يَحْصُلُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ يَحْصُلُ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَنْسَى اللَّبَنَ وَيَتَعَوَّدَ غَيْرُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى الْحَوْلَيْنِ لِمُدَّةِ الْفِطَامِ فَقَدَّرْنَاهَا بِأَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ تَغَيُّرِ الْغِذَاءِ فَإِنَّ الْجَنِينَ يَبْقَى فِي الْبَطْنِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَيَتَغَذَّى بِغِذَاءِ الْأُمِّ، ثُمَّ يَنْفَصِلُ وَيَصِيرُ أَصْلًا فِي الْغِذَاءِ وَالنَّصُّ الْمُقَيِّدُ بِحَوْلَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّضَاعِ الْمُسْتَحَقِّ حَتَّى لَا يُسْتَحَقَّ عَلَى الْوَالِدِ نَفَقَةُ الْإِرْضَاعِ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ أُجْرَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ لَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْفِصَالَ الْمَذْكُورَ فِي النَّصِّ فِصَالُ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَبِ لَا فِصَالُ مُدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْرٌ مُبْطَنٌ فِيهِ خَفَاءٌ وَالرَّضَاعُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فَأُقِيمَ مَقَامَ الْأَمْرِ الْخَفِيِّ فَتَعَلَّقَ حُكْمُ الْحُرْمَةِ بِمُجَرَّدِ الْإِرْضَاعِ قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ نَشَزَ الشَّيْءُ أَيْ ارْتَفَعَ وَأَنْشَزَهُ فَنَشَزَ أَيْ حَرَّكَهُ، وَقَالَ ثَعْلَبُ فِي أَمَالِيهِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} [البقرة: 259] نَرْفَعُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْإِنْشَارُ الْإِحْيَاءُ وَفِي التَّنْزِيلِ {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس: 22] وَمِنْهُ الْإِرْضَاعُ إلَّا مَا أَنْشَرَ الْعَظْمُ أَيْ قَوَّاهُ كَأَنَّهُ أَحْيَاهُ وَيُرْوَى بِالزَّايِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ أَمْرٌ مُبْطَنٌ) بِفَتْحِ الطَّاءِ يُقَالُ رَجُلٌ مُبْطَنٌ أَيْ خَمِيصُ الْبَطْنِ وَأَرَادَ هُنَا الْخَفِيَّ مَجَازًا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي ثَلَاثِينَ شَهْرًا) فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ رَضَاعًا سَوَاءً فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بَيَانٌ لِمُدَّةِ الرَّضَاعِ) أَيْ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا التَّحْرِيمُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَا مُدَّتُهُ سَنَتَانِ) أَيْ سَوَاءٌ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ اهـ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ، وَقَالَا إلَخْ مَا نَصُّهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثُ سِنِينَ) أَيْ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ رَضَاعًا سَوَاءٌ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُثْبِتُ الرَّضَاعَ إلَى خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَى جَمِيعِ الْعُمُرِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْحَوْلُ حَسَنٌ لِلتَّحَوُّلِ) أَيْ صَالِحٌ لِتَغَيُّرِ الطَّبْعِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ إلَخْ) وَالرَّبِيعُ أَوْفَقُ الْفُصُولِ؛ لِأَنَّهُ حَارٌّ رَطْبٌ طَبْعُ الْحَيَاةِ وَالصَّيْفُ حَارٌّ يَابِسٌ وَالْخَرِيفُ بَارِدٌ يَابِسٌ طَبْعُ الْمَوْتِ وَالشِّتَاءُ بَارِدٌ رَطْبٌ اهـ. مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ) أَيْ وَهُمَا الْحَمْلُ وَالْفِصَالُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةً) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ: ثَلَاثُونَ شَهْرًا اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصَيْنِ) بِأَنْ قَالَ أَجَّلْت الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ وَالدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ سَنَةً يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ السَّنَةَ بِكَمَالِهَا لِكُلٍّ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ) أَيْ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ إلَى سَنَةٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ يُتِمُّ أَجَلَهُمَا جَمِيعًا اهـ. أَتْقَانِيٌّ

الرَّضَاعِ وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ فِصَالٌ مُدَّةَ الرَّضَاعِ يَكُونُ بَيَانًا لِأَقَلِّ مُدَّتِهِ لَا أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْفِصَالِ وَالْحَمْلِ وَأَرَادَ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ. وَكَذَا أَقَلَّ مُدَّةِ الْفِصَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى بَقَاءِ مُدَّتِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ} [البقرة: 233] ذَكَرَهُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِحَرْفِ الْفَاءِ فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَلِهَذَا عَلَّقَ الْفِصَالَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِتَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ وَالْفِطَامُ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا أَنَّ الرَّضَاعَ بَعْدَ مُدَّتِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ إنْ فُطِمَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَاسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ لَمْ يَكُنْ رَضَاعًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ ثَبَتَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ لَا يَجْتَزِئُ بِالطَّعَامِ لَكِنْ أَكْثَرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ هُوَ اللَّبَنُ دُونَ الطَّعَامِ يَكُونُ رَضَاعًا فَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ هُوَ الطَّعَامُ لَا يَكُونُ رَضَاعًا، ثُمَّ قِيلَ لَا يُبَاحُ الْإِرْضَاعُ بَعْدَ مُدَّةِ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّ إبَاحَتَهُ لِلضَّرُورَةِ لِكَوْنِهِ جُزْءَ الْآدَمِيَّةِ وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ مُدَّتِهِ. وَقَوْلُهُ مَا حَرُمَ مِنْهُ بِالنَّسَبِ أَيْ الَّذِينَ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُمْ بِالنَّسَبِ لِمَا رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أُمَّ أَخِيهِ وَأُخْتَ ابْنِهِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهِمَا مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهِمَا مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ أُمَّ أَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ تَكُونُ أُمَّهُ أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ، وَأُخْتُ ابْنِهِ مِنْ النَّسَبِ رَبِيبَتُهُ أَوْ بِنْتُهُ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ هَذَا تَخْصِيصٌ لِلْحَدِيثِ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ يُوجِبُ عُمُومَ الْحُرْمَةِ لِأَجْلِ الرَّضَاعِ حَيْثُ وُجِدَتْ الْحُرْمَةُ لِأَجْلِ النَّسَبِ وَحُرْمَةُ أُمِّ أَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ لَا لِأَجْلِ أَنَّهَا أُمُّ أَخِيهِ، بَلْ لِكَوْنِهَا أُمَّهُ أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخٌ، وَكَذَا أُخْتُ ابْنِهِ مِنْ النَّسَبِ إنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِأَجْلِ أَنَّهَا بِنْتُهُ أَوْ بِنْتُ امْرَأَتِهِ بِدَلِيلِ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ الْحُرْمَةَ فِي الرَّضَاعِ أَيْضًا حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّهِ وَلَا بِمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ وَلَا بِبِنْتِ امْرَأَتِهِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ فَبَطَلَ دَعْوَى التَّخْصِيصِ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّ حَفِيدَتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهَا حَلِيلَةُ ابْنِهِ أَوْ بِنْتُهُ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ فَإِنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُ. وَكَذَا يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِجَدَّةِ وَلَدِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ لَا أَنَّهَا أُمُّهُ أَوْ أُمُّ امْرَأَتِهِ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِعَمَّةِ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِأَبِي أَخِيهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِأَخِي وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِأَبِي حَفِيدَتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِجَدِّ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِخَالِ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ النَّسَبِ لِمَا قُلْنَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَهَذَا لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ وَإِنَّمَا الْحِلُّ لِعَدَمِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْحُرْمَةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللَّفْظُ، وَالتَّخْصِيصُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَمَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ خَلَا عَنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي النَّسَبِ أَيْضًا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا كَمَا إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتٌ جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبِنْتِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَتْ أُخْتَ وَلَدِهِ مِنْ النَّسَبِ، وَمِنْ الْعَجَبِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ أَنَّ أُمَّ الْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ لَا تَحْرُمُ. وَكَذَا أُمُّ الْخَالِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالنَّسَبِ وَالْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ الْحُرْمَةَ فِي النَّسَبِ مَوْجُودٌ فِي الرَّضَاعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا؟ بَيَانُهُ أَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ وَكِلَاهُمَا مُوجِبٌ الْحُرْمَةَ فَلَا يَسْتَقِيمُ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أَبِيهِ وَبِالْخَالِ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أُمِّهِ فَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (زَوْجُ مُرْضِعَةٍ لَبَنُهَا مِنْهُ أَبٌ لِلرَّضِيعِ وَابْنُهُ أَخٌ وَبِنْتُهُ أُخْتٌ وَأَخُوهُ عَمٌّ وَأُخْتُهُ عَمَّةٌ) وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَبَنُهُ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ وَاللَّبَنُ بَعْضُهَا لَا بَعْضُهُ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَالْحُرْمَةُ بِالنَّسَبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَكَذَا أَقَلُّ مُدَّةِ الْفِصَالِ) يَعْنِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] اهـ. مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ جُزْءَ الْآدَمِيَّةِ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْآدَمِيُّ أَوْ جُزْؤُهُ مُبْتَذَلًا مُهَانًا اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ حَرَامٌ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ لِلدَّوَاءِ قِيلَ لَمْ يَجُزْ، وَقِيلَ يَجُوزُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يَزُولُ بِهِ الرَّمَدُ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: تَكُونُ أَمَةً أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ) وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ كِتَابِ النَّافِعِ حَيْثُ يَقُولُ: لِأَنَّهَا أَمَةُ أَوْ امْرَأَةُ أَبِيهِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَتْ الْأُخْتُ مِنْ أُمِّهِ لِأَبِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّ حَفِيدَتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ) أَيْ بِأَنْ أَرْضَعَتْ نَافِلَتُك أَجْنَبِيَّةً يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِهَا اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: أَوْ بِنْتُهُ) اعْلَمْ أَنَّ النَّافِلَةَ هِيَ أَوْلَادُ الِابْنِ وَأَوْلَادُ الْبِنْتِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا حَلِيلَةُ ابْنِهِ رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ: أَوْ بِنْتُهُ رَاجِعٌ لِلثَّانِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِجَدَّةِ وَلَدِهِ مِنْ الرَّضَاعِ) أَيْ بِأَنْ أَرْضَعَتْ وَلَدَك أَجْنَبِيَّةٌ لَهَا أُمٌّ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِعَمَّةِ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ) أَيْ وَهِيَ أُخْتُ صَاحِبِ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ أَبُوهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَأُخْتُهُ تَكُونُ عَمَّتَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: مَنْ رَضَعَ مَعَ أَبِيهِ وَبِالْخَالِ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أُمِّهِ) أَيْ وَلَهُ أُمٌّ أُخْرَى مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ الْحَصْرَ لِجَوَازِ كَوْنِهَا لَمْ تُرْضِعْ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ فَلَا تَكُونُ جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ، بَلْ أَجْنَبِيَّةٌ أَرْضَعَتْ عَمَّهُ مِنْ النَّسَبِ وَخَالَهُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: زَوْجُ مُرْضِعَةٍ إلَخْ) يَجُوزُ لِزَوْجِ الْمُرْضِعَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ الرَّضِيعِ؛ لِأَنَّ الرَّضِيعَ ابْنُهُ وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ ابْنِهِ مِنْ النَّسَبِ، وَكَذَا أَبُو الرَّضِيعِ مِنْ النَّسَبِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُرْضِعَةَ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَهِيَ كَأُمِّ ابْنِهِ مِنْ النَّسَبِ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَحَارِمِ أَبِي الصَّبِيِّ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ النَّسَبِ اهـ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَلَنَا مَا رَوَيْنَا) أَيْ وَهُوَ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ اهـ.

فَكَذَا بِالرَّضَاعِ؛ وَلِأَنَّ الْفَحْلَ سَبَبٌ لِنُزُولِ لَبَنِهَا بِوَاسِطَةِ إحْبَالِهَا فَيُنْسَبُ اللَّبَنُ إلَيْهِ بِحُكْمِ السَّبَبِيَّةِ. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «دَخَلَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ فَاسْتَتَرَتْ مِنْهُ فَقَالَ: تَسْتَتِرِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّك؟ قَالَتْ، قُلْت: مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: أَرْضَعَتْك امْرَأَةُ أَخِي. قَالَتْ، قُلْت: إنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَدَّثْته فَقَالَ: إنَّهُ عَمُّك فَلْيَلِجْ عَلَيْك». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا، وَقَوْلُهُ لَبَنُهَا مِنْهُ احْتِرَازٌ عَنْ زَوْجٍ لَيْسَ لَبَنُهَا بِسَبَبِهِ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ ذَاتُ لَبَنٍ وَلَبَنُهَا بِسَبَبِ زَوْجٍ آخَرَ كَانَ لَهَا مِنْ قَبْلُ رَجُلًا فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ وَلَدًا لَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَإِنَّمَا يَكُونُ رَبِيبَهُ مِنْ الرَّضَاعِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَوْلَادِ الزَّوْجِ الثَّانِي مِنْ غَيْرِهَا وَأَخَوَاتِهِ كَمَا فِي النَّسَبِ وَيَكُونُ وَلَدًا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ تَلِدْ مِنْ الثَّانِي فَإِذَا وَلَدَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَهُوَ وَلَدُ الثَّانِي بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْ الثَّانِي فَهُوَ وَلَدُ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْهُ وَإِنْ حَبِلَتْ مِنْ الثَّانِي وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُ بَعْدُ فَهُوَ وَلَدُ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مِنْهُمَا اسْتِحْسَانًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّبَنَ مِنْ الثَّانِي بِأَمَارَةٍ مِنْ زِيَادَةٍ فَهُوَ وَلَدُ الثَّانِي وَإِلَّا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَعَنْهُ إنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ الْأَوَّلِ غَالِبًا فَهُوَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّانِي غَالِبًا فَهُوَ لِلثَّانِي وَإِنْ اسْتَوَيَا فَهُوَ لَهُمَا، وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَهُوَ كَالْأَوَّلِ حَتَّى تَثْبُتَ الْحُرْمَةُ مِنْ جَانِبِ الرَّجُلِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهَذَا الْوَلَدِ وَلَا لِأَبِيهِ وَلَا لِابْنِهِ وَلَا لِأَبْنَاءِ أَوْلَادِهِ لِوُجُودِ الْبَعْضِيَّةِ، وَلِعَمِّ الزَّانِي وَخَالِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهِ كَالْمَوْلُودِ مِنْ الزِّنَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. وَذَكَرَ الْوَبَرِيُّ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ خَاصَّةً إلَّا إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ فَحِينَئِذٍ تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَيْضًا وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَحِلُّ أُخْتُ أَخِيهِ رَضَاعًا وَنَسَبًا) مِثَالُهُ فِي النَّسَبِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ مِنْ أَبٍ لَهُ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا وَمِثَالُهُ فِي الرَّضَاعِ ظَاهِرٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا حِلَّ بَيْنَ رَضِيعَيْ ثَدْيٍ)؛ لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْنَ مُرْضِعَةٍ وَوَلَدِ مُرْضِعَتِهَا)؛ لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ أَيْضًا وَلَا يُشْتَرَطُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى ثَدْيِهَا هُنَا وَلِهَذَا سَاغَ ذِكْرُهَا وَإِلَّا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةً. وَهَذَا لِأَنَّهَا لَمَّا أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةً حُرِّمَتْ عَلَى وَلَدِهَا سَوَاءٌ أَرْضَعَتْ وَلَدَهَا أَوْ لَمْ تُرْضِعْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَلَدُ وَلَدِهَا) أَيْ وَلَدُ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أُخْتِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاللَّبَنُ الْمَخْلُوطُ بِالطَّعَامِ لَا يَحْرُمُ) وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْغَلَبَةَ فِيهِ، وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَشَرَطَ الْقُدُورِيُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ مُسْتَبِينًا كَالثَّرِيدِ. قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَتَقَاطَرْ اللَّبَنُ عِنْدَ حَمْلِ اللُّقْمَةِ فَإِنْ تَقَاطَرَ ثَبَتَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ، وَقِيلَ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ بِكُلِّ حَالٍ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ، وَذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ إذَا أَكَلَهُ لُقْمَةً لُقْمَةً أَمَّا إذَا أَحْسَاهُ حَسْوًا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ، وَقِيلَ إذَا وَصَلَ اللَّبَنُ إلَى حَلْقِهِ مُنْفَرِدًا فَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِذَا تَنَاوَلَ الثَّرِيدَ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَفِي كِتَابِ الرَّضَاعِ لِلْخَصَّافِ إذَا ثَرَدَتْ لَهُ خُبْزًا حَتَّى تَشَرَّبَ الْخُبْزُ ذَلِكَ اللَّبَنَ أَوْ لَتَّتْ بِهِ سَوِيقًا فَأَطْعَمَتْهُ إيَّاهُ فَإِنْ كَانَ طَعْمُ اللَّبَنِ يُوجَدُ فِيهِ فَهُوَ رَضَاعٌ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ أَنَّهُ قَوْلُهُمَا. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ كَمَا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ شَيْئًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ وَاللَّبَنَ تَابِعٌ لَهُ فِي حَقِّ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَأْكُولُ وَإِنَّمَا اللَّبَنُ إدَامٌ لَهُ وَهُوَ تَابِعٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ مَشْرُوبًا فَبَقِيَ مَأْكُولًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْفَحْلَ سَبَبٌ إلَخْ) وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا} [المؤمنون: 21]، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ لِلْفَحْلِ فَشُرْبُ اللَّبَنِ مِنْ الْإِنَاثِ، وَاللَّبَنُ مِنْ الْفَحْلِ وَلِهَذَا أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهِ مُذَكَّرًا حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ. أَعْرَابٌ مَكِّيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ أَفْلَحُ) وَأَفْلَحُ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَيْنَهُمَا وَبِالْمُهْمَلَةِ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ بِالْقَافِ وَالْمُهْمَلَتَيْنِ اهـ. كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَخَوَاتُهُ) أَيْ أَخَوَاتُ الزَّوْجِ الثَّانِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا فَأَرْضَعَتْ إلَخْ) وَهَكَذَا ذَكَرَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ: وَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مِنْ اللَّبَنِ النَّازِلِ مِنْ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فِي حَقِّ الْفَحْلِ عِنْدَنَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ) أَيْ وَالْيَنَابِيعِ وَالْبَدَائِعِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ: وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ الزِّنَا لِلْبَعْضِيَّةِ وَذَلِكَ فِي الْوَلَدِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ دُونَ اللَّبَنِ إذْ لَيْسَ اللَّبَنُ كَائِنًا عَنْ مَنِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَالتَّغَذِّي لَا يَنْفَعُ إلَّا مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ لَا مِنْ أَسْفَلِ الْبَدَنِ كَالْحُقْنَةِ فَلَا إنْبَاتَ فَلَا حُرْمَةَ بِخِلَافِ ثَابِتِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» أَثْبَتَ الْحُرْمَةَ مِنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى ثَدْيِهَا هُنَا)، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ إلَخْ) حَتَّى لَوْ طَبَخَ بِهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَقَاطَرَ ثَبَتَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ) أَيْ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْقَطْرَةَ إذَا دَخَلَتْ الْجَوْفَ أَثْبَتَتْ التَّحْرِيمَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ لِأَنَّ التَّغَذِّيَ حِينَئِذٍ بِالطَّعَامِ وَالتَّغَذِّي مَنَاطُ التَّحْرِيمِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إذَا ثَرَدَتْ) هُوَ مِنْ بَابِ قَتَلَ اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: وَاللَّبَنُ تَابِعٌ لَهُ فِي حَقِّ الْمَقْصُودِ) أَيْ وَهُوَ التَّغَذِّي، وَهَذَا لِأَنَّ خَلْطَ اللَّبَنِ بِالطَّعَامِ لَا يَكُونُ لِلرَّضِيعِ إلَّا بَعْدَ تَقَوُّتِهِ بِالطَّعَامِ وَتَغَذِّيهِ بِهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَقِلُّ تَغَذِّيهِ بِاللَّبَنِ وَنَشْؤُهُ مِنْهُ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي جَوْفِهِ مَا يُثْبِتُ، وَأَحَدُهُمَا أَكْثَرُ وَهُوَ الطَّعَامُ فَيَصِيرُ الْآخَرُ الرَّقِيقُ مُسْتَهْلَكًا فَلَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ فَإِنْ قِيلَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اللَّبَنَ غَالِبٌ فِي الْقَصْعَةِ، أَمَّا عِنْدَ رَفْعِ اللُّقْمَةِ إلَى فِيهِ فَأَكْثَرُ الْوَاصِلِ إلَى جَوْفِهِ الطَّعَامُ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ الطَّعَامُ رَقِيقًا يُشْرَبُ اعْتَبَرْنَا غَلَبَةَ اللَّبَنِ إنْ غَلَبَ وَأَثْبَتْنَا الْحُرْمَةَ اهـ. فَتْحٌ

بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِالدَّوَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ هُوَ اللَّبَنُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَرِيبٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ لَوْ بِمَاءٍ وَدَوَاءٍ وَلَبَنِ شَاةٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى) أَيْ لَوْ اخْتَلَطَ بِمَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ أَوْ بِلَبَنِ شَاةٍ أَوْ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ لَا يَظْهَرُ فَصَارَ مُسْتَهْلَكًا أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ؛ فَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا صَارَ مُسْتَهْلَكًا لِلَّبَنِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ التَّغَذِّي وَلَا إنْبَاتُ اللَّحْمِ وَلَا إنْشَازُ الْعَظْمِ. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ» وَلَا يُسَمَّى رَضَاعًا وَلَا وَجُورًا فَلَا يُعْتَبَرُ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي فِيهِ أَجْزَاءُ اللَّبَنِ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِالدَّوَاءِ؛ فَلِأَنَّ اللَّبَنَ مَقْصُودٌ فِيهِ إذْ الدَّوَاءُ لِتَقْوِيَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ فَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ وَفِي الْمُنْتَفِي فَسَّرَ الْغَلَبَةَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ إذَا جُعِلَ فِي لَبَنِ الْمَرْأَةِ دَوَاءٌ فَغَيَّرَ لَوْنَهُ وَلَمْ يُغَيِّرْ طَعْمَهُ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَأَوْجَرَ بِهِ صَبِيٌّ حُرِّمَ وَإِنْ غَيَّرَ اللَّوْنَ وَالطَّعْمَ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ طَعْمُ اللَّبَنِ وَذَهَبَ لَوْنُهُ لَمْ يُحَرِّمْ وَفَسَّرَ الْغَلَبَةَ فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدٍ فَقَالَ إذَا لَمْ يُغَيِّرْهُ الدَّوَاءُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَبَنًا ثَبَتَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ، وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ خَلْطِهِ بِالطَّعَامِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِلَبَنِ شَاةٍ فَهُوَ كَمَا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ بَيْنَ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ وَبَيْنَ لَبَنِ الْبَهِيمَةِ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْحُكْمَ فِيمَا إذَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ بِهِ الْحُرْمَةُ احْتِيَاطًا؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَغْلُوبٍ فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَهْلَكًا، وَأَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ تَعَلَّقَ بِهِمَا التَّحْرِيمُ كَيْفَمَا كَانَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِالزِّيَادَةِ، بَلْ يَقْوَى بِهَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مُحَرِّمٌ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِنْبَاتِ اللَّحْمِ وَإِنْشَازِ الْعَظْمِ وَيَسْتَوِي فِيهِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَالْجِنْسُ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِهِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَلَهُمَا أَنَّ الْأَقَلَّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ فِي بِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ بِلَبَنِ الْأَنْعَامِ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَقْصُودُ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ هَذِهِ الْبَقَرَةِ فَخَلَطَ لَبَنَهَا بِلَبَنِ بَقَرَةٍ أُخْرَى وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مَغْلُوبٌ فَإِنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَظْهَرُ وَأَحْوَطُ كَذَا فِي الْغَايَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَبَنُ الْبِكْرِ وَالْمَيِّتَةِ مُحَرِّمٌ) أَيْ مُثْبِتٌ لِلْحُرْمَةِ أَمَّا لَبَنُ الْبِكْرِ فَلِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَبُ النُّشُوءِ وَالنُّمُوِّ فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الْبَعْضِيَّةِ كَلَبَنِ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ إذْ هُوَ لَبَنٌ حَقِيقَةً، وَأَمَّا الْمَيِّتَةُ فَمَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَثْبُتُ بِلَبَنِ الْمَيِّتَةِ حُرْمَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْمَرْأَةُ حَتَّى تَصِيرَ أُمًّا لَهُ وَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ وَبِالْمَوْتِ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لَهُ وَلِهَذَا لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ؛ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ مَحَلُّهُ الْحَيَاةُ فَيَمُوتُ بِمَوْتِهَا، فَيَكُونُ نَجِسًا فَلَا يُفِيدُ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ حَرَامٌ وَحُرْمَةُ الرَّضَاعِ كَرَامَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْحَرَامِ كَالزِّنَا فِي ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَهُ وَلَنَا أَنَّهُ لَبَنٌ حَقِيقَةً وَهُوَ سَبَبُ النُّشُوءِ وَالنُّمُوِّ فَيَتَنَاوَلُهُ إطْلَاقُ النُّصُوصِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّبَنَ يَمُوتُ بِمَوْتِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ إذَا بَانَ مِنْ الْحَيِّ، وَلَوْ كَانَ يَمُوتُ لَمَا حَلَّ؛ لِأَنَّ مَا أُبِينَ مِنْهُ مَيِّتٌ. وَقَوْلُهُ نَجِسٌ أَوْ فِعْلُ حَرَامٍ يَبْطُلُ بِمَا إذَا خَالَطَهُ خَمْرٌ فَأَوْجَرَ بِهِ صَبِيٌّ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا إجْمَاعًا لِمَا فِيهِ مِنْ إنْبَاتِ اللَّحْمِ وَإِنْشَازِ الْعَظْمِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا، بَلْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا دَفْنًا وَتَيْمِيمًا أَلَا تَرَى أَنَّ لَبَنَهَا لَوْ حُلِبَ فِي حَيَاتِهَا فَأَوْجَرَ بِهِ صَبِيٌّ بَعْدَ مَوْتِهَا يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ مَانِعًا لَمَا ثَبَتَ وَالْحُرْمَةُ بِالْوَطْءِ لِكَوْنِهِ مُلَاقِيًا مَحَلَّ الْحَرْثِ، وَقَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الِاحْتِقَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا يُسَمَّى رَضَاعًا وَلَا وَجُورًا) الْوَجُورُ الدَّوَاءُ يُصَبُّ فِي الْحَلْقِ قَسْرًا بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالسَّعُوطُ صَبُّهُ مِنْ الْأَنْفِ وَيُقَالُ أَوْجَرْته وَوَجَرْته اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِالدَّوَاءِ إلَخْ) وَعَلَى هَذَا إذَا اخْتَلَطَ بِالدُّهْنِ أَوْ النَّبِيذِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ سَوَاءٌ أُوجِرَ بِذَلِكَ أَوْ اُسْتُعِطَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَبَنُ الْبِكْرِ إلَخْ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ إلَّا فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَأَشْبَهَ لَبَنَ الرَّجُلِ قُلْنَا نُدْرَةُ الْوُجُودِ لَا تَعْمَلُ عَمَلَ الدَّلِيلِ إذَا وُجِدَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَمَذْهَبُنَا) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْمَرْأَةُ إلَخْ)، ثُمَّ يَتَعَدَّ إلَى غَيْرِهَا بِوَاسِطَتِهَا وَبِالْمَوْتِ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لَهُ اهـ. هِدَايَةٌ قُلْنَا إنْ أَرَدْت أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا إلَّا بَعْدَ ثُبُوتٍ فِيهَا مَنَعْنَاهُ، بَلْ ذَلِكَ عِنْدَ اتِّفَاقِ مَحَلِّيَّتِهَا حِينَئِذٍ مَعَ أَنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْكُلِّ مَعًا شَرْعًا وَالتَّقَدُّمُ فِي الْأُمِّ ذَاتِيٌّ لَا زَمَانِيٌّ فَإِذَا ثَبَتَ الْمَانِعُ فِي حَقِّهَا ثَبَتَ فِيمَنْ سِوَاهَا، وَلَوْ عَلَّلَ ابْتِدَاءً بِنَجَاسَةِ اللَّبَنِ أَوْ الْحُرْمَةِ كَرَامَةً إذْ فِيهِ تَكْثُرُ الْأَعْوَانُ عَلَى الْمَقَاصِدِ وَالسَّكَنِ وَبِالْمَوْتِ تَنَجَّسَ فَإِنْ أَرَادَ عَيْنًا مَنَعْنَاهُ، بَلْ لَبَنُ الْمَيْتَةِ الطَّاهِرَةِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ أَسْلَفْنَا تَوْجِيهَهُ بِأَنَّ التَّنَجُّسَ بِالْمَوْتِ لِمَا حَلَّتْهُ الْحَيَاةُ قَبْلَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي اللَّبَنِ، وَقَدْ كَانَ طَاهِرًا فَيَبْقَى كَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمُنَجِّسِ إذْ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ سِوَى الْخُرُوجِ مِنْ بَاطِنٍ إلَى ظَاهِرٍ وَالْمُتَيَقَّنُ مِنْ الشَّرْعِ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ وَصْفِهِ بِخِلَافِ الْبَوْلِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنَّمَا قَالَا بِتَنَجُّسِهِ بِالْمُجَاوَرَةِ لِلْوِعَاءِ النَّجِسِ وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الْحُرْمَةِ كَمَا لَوْ حَلَبَ فِي إنَاءٍ نَجِسٍ أُوجِرَ بِهِ الصَّبِيُّ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ وَإِنْ أَرَادَ التَّنَجُّسَ مَنَعْنَاهُ لِمَا ذَكَرْنَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ) أَيْ وَهُوَ إيجَارُ اللَّبَنِ النَّجِسِ اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا دَفْنًا وَتَيْمِيمًا) أَيْ بِأَنْ كَانَ لِهَذِهِ الْمُرْضِعَةِ الَّتِي أُوجِرَ لَبَنُ هَذِهِ الْمَيْتَةِ فِي فَمِهَا زَوْجٌ فَإِنَّ لِهَذَا الزَّوْجِ أَنْ يَدْفِنَ وَيُيَمِّمَ الْمَرْأَةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَحْرَمًا لَهَا حَيْثُ صَارَتْ أُمَّ امْرَأَتِهِ اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَالْحُرْمَةُ بِالْوَطْءِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى عَدَمِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِوَطْئِهَا بِالْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ سَبَبَ الْحُرْمَةِ فِي الرَّضَاعِ الْإِنْبَاتُ وَالنُّشُوزُ بِوَاسِطَةِ التَّغَذِّي وَفِي حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ الْجُزْئِيَّةُ الْحَاصِلَةُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْوَلَدُ بَعْدَ

وَلَبَنُ الرَّجُلِ وَالشَّاةِ) أَيْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا تُوجِبُ الْحُرْمَةَ أَمَّا الِاحْتِقَانُ بِاللَّبَنِ؛ فَلِأَنَّ النُّشُوءَ لَا يُوجَدُ فِيهِ وَالتَّحْرِيمُ بِاعْتِبَارِهِ وَإِنَّمَا يُوجَدُ بِالْغِذَاءِ وَهُوَ مِنْ الْأَعْلَى لَا مِنْ الدُّبُرِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ كَمَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ قُلْنَا الْفِطْرُ يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ، وَالْمُحَرِّمُ فِي الرَّضَاعِ مَعْنَى النُّشُوءِ وَلَا يُوجَدُ فِيهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنِهِ أَوْ وَصَلَ إلَى جَائِفَةٍ أَوْ آمَّةٍ، وَلَوْ أَقْطَرَ فِي إحْلِيلِهِ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ، وَالسَّعُوطُ وَالْوَجُورُ يَثْبُتُ بِهِمَا التَّحْرِيمُ بِالِاتِّفَاقِ لِحُصُولِ النُّشُوءِ بِهِمَا، وَأَمَّا لَبَنُ الرَّجُلِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ عَلَى التَّحْقِيقِ فَإِنَّ اللَّبَنَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ فَصَارَ كَمَا إذَا نَزَلَ مِنْ ثَدْيِ الْبِكْرِ مَاءٌ أَصْفَرُ. وَأَمَّا لَبَنُ الشَّاةِ؛ فَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ بِوَاسِطَةِ شُبْهَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْمُرْضِعَةُ، ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَالْبَهَائِمِ وِلَادًا فَكَذَا رَضَاعًا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا وَحَكَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ صَاحِبَ الْأَخْبَارِ دَخَلَ بُخَارَى وَجَعَلَ يُفْتِي فَقَالَ لَهُ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ لَا تَفْعَلْ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ نُصْحَهُ حَتَّى اُسْتُفْتِيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَى بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ صَبِيَّيْنِ ارْتَضَعَا مِنْ لَبَنِ شَاةٍ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ بُخَارَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا حُرِّمَتَا) وَمَعْنَاهُ كَانَتْ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ حُرِّمَتَا عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ رَضَاعًا فَلَا يَجُوزُ كَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نَسَبًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا مَهْرَ لِلْكَبِيرَةِ إنْ لَمْ يَطَأْهَا)؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَصَارَ كَرِدَّتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا حَتَّى لَوْ لَمْ تَجِئْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا بِأَنْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً فَارْتَضَعَتْهَا الصَّغِيرَةُ أَوْ أَخَذَ رَجُلٌ لَبَنَ الْكَبِيرَةِ فَأَوْجَرَ بِهِ الصَّغِيرَةَ أَوْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مَجْنُونَةً لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِعَدَمِ إضَافَةِ الْفُرْقَةِ إلَيْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُهُ) أَيْ لِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا مِنْ قِبَلِهَا وَلَا يُقَالُ الِارْتِضَاعُ فِعْلُهَا وَالْفُرْقَةُ بِاعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ فِعْلُهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا يَسْقُطُ جَزَاءً عَلَى الْفِعْلِ، وَالصَّغِيرَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ عَلَى الْفِعْلِ فَلَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا وَلَا تُحْرَمُ عَنْ الْإِرْثِ بِالْقَتْلِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ فِي الْكَبِيرَةِ أَيْضًا مَا يَمْنَعُ اعْتِبَارَ فِعْلِهَا كَالْجُنُونِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكَبِيرَةِ إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْكَبِيرَةِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ الَّذِي لَزِمَهُ لِلصَّغِيرَةِ إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يَرْجِعُ عَلَيْهَا فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهَا أَكَّدَتْ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَالتَّأْكِيدُ جَارٍ مَجْرَى الْإِتْلَافِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا. وَلَنَا أَنَّهَا مُسَبِّبَةٌ لَا مُبَاشِرَةٌ فَإِنَّهَا بَاشَرَتْ الْإِرْضَاعَ وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لِإِفْسَادِ النِّكَاحِ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْجُزْئِيَّةِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْفَسَادُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ، وَالْمُسَبِّبُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي دَارِهِ لَا يَضْمَنُ مَا وَقَعَ فِيهَا وَإِنْ حَفَرَ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُ، وَلَوْ رَمَى سَهْمًا فِي دَارِهِ يَضْمَنُ مَا أَصَابَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ عِلَّةٌ وَضْعًا فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ بِالْعُذْرِ، وَالتَّسْبِيبُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَإِنَّمَا جُعِلَ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدَرِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا صَلَحَ عِلَّةً لِضَمَانِ الْعُدْوَانِ، وَالْحَفْرُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلتَّلَفِ، بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا حَفْرُهُ لَمَا وَقَعَ فِيهِ إذْ الْوُقُوعُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي مَكَان خَالٍ عَنْ الْأَجْسَامِ الْكَثِيفَةِ فَهُوَ مُحَصِّلُ مَحَلِّ الْوُقُوعِ، وَالثِّقَلُ عِلَّةُ السُّقُوطِ وَهُوَ عِلَّةُ التَّلَفِ، ثُمَّ أُضِيفَ الْحُكْمُ مَعَ هَذَا إلَى مُحَصِّلِ الشَّرْطِ وَهُنَا الْمُرْضِعَةُ لَيْسَتْ بِصَاحِبَةِ عِلَّةِ فَسَادِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ بِالْجُزْئِيَّةِ، وَسَبَبُهَا الِارْتِضَاعُ إلَّا أَنَّهُ لَوْلَا الْإِرْضَاعُ لَمْ يُوجَدْ مَحَلُّ الِارْتِضَاعِ فَصَارَتْ مُحَصِّلَةَ مَحَلِّ عِلَّةِ الْفَسَادِ فَيُضَافُ الْفَسَادُ إلَيْهَا بِوَصْفِ التَّعَدِّي، وَالْإِرْضَاعُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِتَعَدٍّ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ إنْ خَافَتْ هَلَاكَ الصَّغِيرَةِ، وَمَنْدُوبٌ إنْ كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْتِ فَلَمْ تُتَصَوَّرْ الْجُزْئِيَّةُ بِخِلَافِ الْجُزْئِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ فِي ارْتِضَاعِ لَبَنِ الْمَيْتَةِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقْطَرَ فِي إحْلِيلِهِ إلَخْ) وَالْإِقْطَارُ فِي الْإِحْلِيلِ غَايَةُ مَا يَصِلُ إلَى الْمَثَانَةِ فَلَا يَتَغَذَّى بِهِ الصَّبِيُّ، وَكَذَا فِي الْأُذُنِ لِضِيقِ الثَّقْبِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْفِطْرِ بِإِقْطَارِ الدُّهْنِ فِي الْأُذُنِ لِسَرَيَانِهِ فَيَصِلُ إلَى بَاطِنِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ ضِيقٌ وَالْأَوْجَهُ كَوْنُهُ لَيْسَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهِ وَيُنْبِتُ وَإِنْ حَصَلَ بِهِ رِفْقٌ مِنْ تَرْطِيبٍ وَنَحْوِهِ وَالْمُفْسِدُ فِي الصَّوْمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَصَى وَالْحَدِيدِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَحَكَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ) أَيْ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَأَخْرَجُوهُ مِنْ بُخَارَى) وَذَكَرَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ وَالثَّلَاثِينَ أَنْ سَبَبَ إخْرَاجِهِ قَوْلُهُ: الْإِيمَانُ مَخْلُوقٌ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نَسَبًا)، ثُمَّ حُرْمَةُ الْكَبِيرَةِ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِهِ وَالْعَقْدُ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ الَّذِي أَرْضَعَتْهَا بِهِ الْكَبِيرَةُ نَزَلَ لَهَا مِنْ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ لِلرَّجُلِ كَانَ حُرْمَتُهَا أَيْضًا مُؤَبَّدَةً كَالْكَبِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَبًا لَهَا وَإِنْ كَانَ نَزَلَ لَهَا مِنْ رَجُلٍ قَبْلَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ هَذَا الرَّجُلَ وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ مِنْ الْأَوَّلِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لِانْتِفَاءِ أُبُوَّتِهِ لَهَا إلَّا إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فَيَتَأَبَّدُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ بِالْأُمِّ يُحَرِّمُ الْبِنْتَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَرِدَّتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا) وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ لَكِنْ لَا نَفَقَةَ عِدَّةٍ لَهَا لِجِنَايَتِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مَجْنُونَةً وَنَحْوَهَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا تُحْرَمُ مِنْ الْإِرْثِ بِالْقَتْلِ) أَيْ بِقَتْلِهَا مُوَرِّثَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَخْ) وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا: اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا) أَيْ يَضْمَنُونَ نِصْفَ الْمَهْرِ لِذَلِكَ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّهَا مُسَبِّبَةٌ لَا مُبَاشِرَةٌ) أَيْ لِأَنَّ إلْقَاءَ الثَّدْيِ شَرْطُ الْفَسَادِ لَا عِلَّةٌ لَهُ، بَلْ الْعِلَّةُ فِعْلُ الصَّغِيرَةِ الِارْتِضَاعَ فَكَانَتْ الْكَبِيرَةُ مُبَاشِرَةً لِلشَّرْطِ الْعَقْلِيِّ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِاتِّفَاقِ الْحَالِ) أَيْ وَهِيَ صَيْرُورَتُهَا بِنْتًا، وَأَمَّا تَحْتَ رَجُلٍ اهـ.

جَائِعَةً وَمُبَاحٌ إنْ لَمْ تَقْصِدْ الْفَسَادَ وَتَعَمُّدُ الْفَسَادِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا أَرْضَعَتْهَا بِلَا حَاجَةٍ عَالِمَةً بِقِيَامِ النِّكَاحِ وَبِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُفْسِدٌ فَإِنْ فَاتَ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ تَكُنْ مُتَعَمِّدَةً وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ فِي بَاطِنِهَا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهَا فِيهِ وَلَا يُقَالُ الْجَهْلُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لَا يُعْتَبَرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ نَعْتَبِرْ الْجَهْلَ لِدَفْعِ الْحُكْمِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَاهُ لِدَفْعِ قَصْدِ الْفَسَادِ الَّذِي يَصِيرُ الْفِعْلُ بِهِ تَعَدِّيًا، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الضَّمَانُ إلَّا إذَا قَصَدَتْ الْفَسَادَ، وَقَصْدُهَا الْفَسَادَ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ الْجَهْلِ بِالْفَسَادِ أَوْ بِالنِّكَاحِ، وَلَوْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مَجْنُونَةً لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَهْرِ الصَّغِيرَةِ وَلَا يُسْقِطُ مَهْرَهَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّغِيرَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ نَائِمَةً فَأَخَذَتْ الصَّغِيرَةُ ثَدْيَهَا لَا يُرْجَعُ عَلَى أَحَدٍ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَلَوْ أَخَذَ رَجُلٌ لَبَنَهَا فَأَوْجَرَهَا بِهِ فَعَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ مَهْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَيُرْجَعُ بِهِ عَلَى الرَّجُلِ إنْ تَعَمَّدَ الْفَسَادَ، وَإِنْ أَرْضَعَتْ امْرَأَةُ الْأَبِ زَوْجَةَ الِابْنِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ لِأَبٍ. وَكَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا حُرِّمَتَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَيَرْجِعُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ إنَّ أُخْتَ الْمُطَلَّقَةِ أَرْضَعَتْ امْرَأَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَالْمُطَلَّقَةَ فِي الْعِدَّةِ بَانَتْ الصَّغِيرَةُ لِلْجَمْعِ مَعَ خَالَتِهَا، وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ رَضِيعَتَانِ فَجَاءَتْ امْرَأَتَانِ لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَرْضَعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَاحِدَةً مَعًا وَتَعَمَّدَتَا الْفَسَادَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مُفْسِدَةٍ بِصُنْعِهَا وَإِنَّمَا الْفَسَادُ لِلْأُخْتِيَّةِ اتِّفَاقًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ) أَيْ يَثْبُتُ الرَّضَاعُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ وَهُوَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَقَالَ مَالِكٌ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا فَأَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِهِ وَلَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ يَثْبُتُ زَوَالُ مِلْكِ النِّكَاحِ ضِمْنًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ قَصْدًا وَلَنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ فِي النِّكَاحِ وَإِبْطَالُ الْمِلْكِ يَتَوَقَّفُ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلَاقِ، وَهَذَا لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مَعَ الرَّضَاعِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ بِالرَّضَاعِ شَهَادَةً بِالْفُرْقَةِ اقْتِضَاءً بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ التَّنَاوُلِ تَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ كَالْعَصِيرِ إذَا تَخَمَّرَ وَالدُّهْنِ إذَا تَنَجَّسَ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مَعَ حُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا فَأَمْكَنَ قَبُولُهَا لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْأَمْرُ الدِّينِيُّ. وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَالنِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْهَدَ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الرَّضَاعِ الطَّارِئِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَتَشْهَدَ وَاحِدَةٌ بِأَنَّهَا أَرْضَعَتْ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ إقْدَامَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ فَمَنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْعَقْدِ صَارَ مُنَازِعًا لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا مَنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْعَقْدِ فَقَدْ سَلَّمَ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَلَا يُنَازِعُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَدَّعِي حُدُوثَ الْمُفْسِدِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِقْدَامُهُمَا عَلَى النِّكَاحِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ مَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُفْسِدِ فَصَارَ كَمَنْ أَخْبَرَ بِارْتِدَادِ مُقَارِنٍ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَوْ أَخْبَرَ بِارْتِدَادِ طَارِئٍ يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَمَا قُلْنَا، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْوَاحِدَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَلِعَدَمِ إزَالَةِ الْمِلْكِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَةَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ مَقْبُولَةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ الرِّجَالُ عَلَيْهِ فَيَقُومُ كُلُّ اثْنَيْنِ مَقَامَ رَجُلٍ، وَالرَّضَاعُ مِنْهُ وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرَّضَاعَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ؛ لِأَنَّ ذَا الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ثَدْيِهَا وَيَثْبُتُ بِالْإِيجَارِ كَمَا يَثْبُتُ بِالْمَصِّ مِنْ الثَّدْيِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ وَحْدَهَا اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ نَعْتَبِرْ الْجَهْلَ لِدَفْعِ الْحُكْمِ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الضَّمَانِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَا يُتَصَوَّرُ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت دَفْعُ قَصْدِ الْفَسَادِ يَسْتَلْزِمُ دَفْعَ الْحُكْمِ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْجَهْلِ لِدَفْعِ الْحُكْمِ قُلْت لَزِمَ ذَلِكَ ضِمْنًا فَلَا يُعْتَبَرُ اهـ. اك (قَوْلُهُ: أَوْ بِالنِّكَاحِ، وَلَوْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مَجْنُونَةً إلَخْ) فَعَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ لَا لِلْجَهْلِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَلِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ مَنْ قَالَ تَضْمَنُ إذَا عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الْإِرْضَاعَ مُفْسِدٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْذَرُ بِجَهْلِ الْحُكْمِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَجَاءَتْ امْرَأَتَانِ لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ رَجُلٍ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ حُرِّفَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَوَقَعَ فِيهَا الْخَطَأُ وَذَلِكَ بِأَنْ قِيلَ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَتَانِ لَهُمَا مِنْهُ لَبَنٌ مَكَانَ قَوْلِنَا لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ رَجُلٍ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الصَّوَابُ الضَّمَانُ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَفْسَدَتْ لِصَيْرُورَةِ كُلٍّ بِنْتًا لِلزَّوْجِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْفَسَادُ لِلْأُخْتِيَّةِ) وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ فِعْلَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْإِفْسَادِ فَلَا تُضَافُ الْفُرْقَةُ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا ارْتَضَعَتَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ لِأَبٍ، وَالْأُخْتِيَّةُ قَائِمَةٌ بِهِمَا فَلَا تَتَعَدَّى إلَى الْمَرْأَتَيْنِ وَفِي مَسْأَلَةِ إرْضَاعِ الْكَبِيرَةِ الصَّغِيرَةَ الْفَسَادُ بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ، وَالْأُمِّيَّةُ قَائِمَةٌ بِالْمُرْضِعَةِ فَيُعْتَبَرُ تَعَدِّيهَا؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ إلَخْ) وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالشَّافِعِيِّ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَاَلَّذِي فِي كُتُبِهِمْ إنَّمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ، وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى ثَدْيِ الْأَجْنَبِيَّةِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ بِالْإِيجَارِ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ الْإِرْضَاعَ يَكُونُ بِالثَّدْيِ وَلَا يَجُوزُ لِلْأَجَانِبِ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب الطلاق]

بِحَدِيثِ «عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ قَالَ تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي، ثُمَّ ذَكَرْتُ لَهُ ثَانِيًا فَأَعْرَضَ عَنِّي، ثُمَّ ثَالِثًا، فَقَالَ: فَارِقْهَا إذَنْ، فَقُلْتُ: إنَّهَا سَوْدَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ». وَمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَجْمَعِينَ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةٌ، وَحَدِيثُ عُقْبَةَ حُجَّةٌ لَنَا أَيْضًا فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْرَضَ عَنْهُ مَرَّتَيْنِ فَلَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمَّا رَأَى مِنْهُ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ إلَى قَوْلِهِمَا حَيْثُ كَرَّرَ السُّؤَالَ أَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا احْتِيَاطًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ كَانَتْ عَنْ ضِغْنٍ فَإِنَّهُ قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ تَسْتَطْعِمُنَا فَأَبَيْنَا أَنْ نُطْعِمَهَا فَجَاءَتْ تَشْهَدُ عَلَى الرَّضَاعِ وَبِالْإِجْمَاعِ بِمِثْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَنَزُّهًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ»، وَنَحْنُ نَقُولُ بِالتَّنَزُّهِ إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهَا صَادِقَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (كِتَابُ الطَّلَاقِ). قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ رَفْعُ الْقَيْدِ الثَّابِتِ شَرْعًا بِالنِّكَاحِ) وَهَذَا فِي الشَّرِيعَةِ، وَقَوْلُهُ شَرْعًا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ الثَّابِتِ حِسًّا وَهُوَ حَلُّ الْوَثَاقِ، وَقَوْلُهُ بِالنِّكَاحِ يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ قَيْدٍ ثَابِتٍ شَرْعًا لَكِنَّهُ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْقَيْدُ بِالنِّكَاحِ وَفِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ مُطْلَقًا يُقَالُ أَطْلَقَ الْفَرَسَ وَالْأَسِيرَ وَلَكِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ بِالتَّفْعِيلِ وَفِي غَيْرِهِ بِالْأَفْعَالِ وَلِهَذَا فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ وَبِتَخْفِيفِهَا يَحْتَاجُ ، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ النِّكَاحَ لِمَصْلَحَةِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَظِمُ بِهِ مَصَالِحَهُمْ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ. ثُمَّ شُرِعَ الطَّلَاقُ إكْمَالًا لِلْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُوَافِقُهُ النِّكَاحُ فَيَطْلُبُ الْخَلَاصَ فَمَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ عَدَدًا وَحُكْمَهُ مُتَأَخِّرًا لِيُجَرِّبَ نَفْسَهُ فِي الْفِرَاقِ كَمَا جَرَّبَهَا فِي النِّكَاحِ، ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ لِيَتَأَدَّبَ بِمَا فِيهِ غَيْظُهُ وَهُوَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى مَا عَلَيْهِ جِبِلَّةُ الْفُحُولَةِ بِحِكْمَتِهِ وَلُطْفِهِ بِعِبَادِهِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يَحْتَاجُ هُنَا إلَى مَعْرِفَةِ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ مَعْنَى الطَّلَاقِ لُغَةً وَشَرِيعَةً، وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا وَرُكْنُهُ وَهُوَ اللَّفْظُ وَسَبَبُهُ وَهُوَ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَشَرْطُهُ وَهُوَ الْأَهْلِيَّةُ وَالْمَحَلُّ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا وَالْمَرْأَةُ فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ وَحُكْمُهُ وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ الْمَحَلِّ مَعَ انْتِقَاصِ الْعَدَدِ وَالسَّابِعُ أَنْوَاعُهُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَطْلِيقُهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ وَتَرْكُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا أَحْسَنُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ كِتَاب الطَّلَاق] لَمَّا فَرَغَ مِنْ النِّكَاحِ وَبَيَانِ أَحْكَامِهِ اللَّازِمَةِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ وَهِيَ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ شَرَعَ فِيمَا بِهِ يَرْتَفِعُ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ تَقَدَّمَ وُجُودُهُ وَاسْتِعْقَابُ أَحْكَامَهُ وَأَيْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّضَاعِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ إلَّا أَنَّ مَا بِالرَّضَاعِ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ وَمَا بِالطَّلَاقِ حُرْمَةٌ مُغَيَّاةٌ بِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدَّمَ بَيَانَ الْحُكْمِ الْأَشَدِّ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْآخَرِ وَأَيْضًا التَّرْتِيبُ الْوُجُودِيُّ يُنَاسِبُ التَّرْتِيبَ الْوَضْعِيَّ، وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ فِي الْوُجُودِ بِأَحْكَامِهِ وَيَتْلُوهُ الطَّلَاقُ فَأَوْجَدَهُ فِي التَّعْلِيمِ كَذَلِكَ وَالطَّلَاقُ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّطْلِيقُ كَالسَّلَامِ وَالسَّرَاحِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسْرِيحِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] أَيْ التَّطْلِيقُ أَوْ هُوَ مَصْدَرُ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ اللَّامِ أَوْ فَتْحِهَا كَالْفَسَادِ، وَعَنْ الْأَخْفَشِ نَفْيُ الضَّمِّ وَفِي دِيوَانِ الْأَدَبِ أَنَّهُ لُغَةٌ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: هُوَ رَفْعُ الْقَيْدِ الثَّابِتِ شَرْعًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي الشَّرْعِ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ ط ل ق صَرِيحًا كَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كِنَايَةً كَمُطْلَقَةٍ بِالتَّخْفِيفِ وَهِجَاءِ طَالِقٍ بِلَا تَرْكِيبٍ كَأَنْتِ ط ال ق عَلَى مَا سَيَأْتِي وَغَيْرِهِمَا كَقَوْلِ الْقَاضِي فَرَّقْت بَيْنَهُمَا عِنْدَ إبَاءِ الزَّوْجِ الْإِسْلَامَ، وَالْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ وَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ الْمُفِيدَةِ لِلرَّجْعَةِ وَالْبَيْنُونَةِ وَلَفْظِ الْخُلْعِ فَخَرَجَ تَفْرِيقُ الْقَاضِي فِي إبَائِهَا وَرِدَّةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَخِيَارُ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقُ وَعَدَمُ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانُ الْمَهْرِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ طَلَاقًا فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْفُسُوخِ وَمُشْتَمِلٌ عَلَى مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ مِنْ شَرْطِ وُجُودِهِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي حَقِيقَتِهِ وَالتَّعْرِيفُ لِمُجَرَّدِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَاسْتُعْمِلَ فِعْلُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْأَفْعَالِ أَطْلَقْت بَعِيرِي وَأَسِيرِي وَفِيهِ مِنْ التَّفْعِيلِ طَلَّقْت امْرَأَتِي يُقَالُ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ أَوَّلِ طَلْقَةٍ أَوْقَعَهَا، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّأْكِيدُ، أَمَّا إذَا قَالَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَلِلتَّكْثِيرِ كَغَلَّقَتْ الْأَبْوَابَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ الْمَحَلِّ) أَيْ مُؤَجَّلًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ وَبِدُونِهِ فِي الْبَائِنِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: تَطْلِيقُهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ) أَيْ وَلَا فِي الْحَيْضِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِمَا، وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَتَرْكُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا أَحْسَنُ) أَيْ بِلَا طَلَاقٍ آخَرَ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قِلَّةِ ضَرَرِ هَذَا وَاسْتِحْبَابِهِ عِنْدَ الصَّحَابَةِ كَانَ أَحْسَنَ اهـ. وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قِيلَ الْأَصْلُ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْحَظْرَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، وَأَمَّا كَوْنُهُ حَسَنًا وَأَحْسَنُ فَمِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأَصْلِ عَلَى نَوْعَيْنِ طَلَاقُ

أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا وَأَنَّ هَذَا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ النَّدَمِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّدَارُكِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] وَأَقَلُّ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ حَيْثُ لَمْ تَطُلْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَمْ تَبْطُلْ مَحَلِّيَّتُهَا؛ لِأَنَّ اتِّسَاعَ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهِنَّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ مَكْرُوهٌ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَفِي النِّهَايَةِ لِلسِّغْنَاقِيِّ أَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا يُبَاحُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ ذَوَّاقٍ مِطْلَاقٍ». وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ»، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَزَوَّجُوا وَلَا تُطَلِّقُوا»، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُطَلِّقُوا النِّسَاءَ إلَّا مِنْ رِيبَةٍ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الذَّوَّاقِينَ وَلَا الذَّوَّاقَاتِ» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، وَقَالَ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236] وَهَذَا يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ «وَطَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفْصَةَ» وَالصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كَانُوا يُطَلِّقُونَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ مُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَأَقَامَهُنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ صَفًّا فَقَالَ أَنْتُنَّ حَسَنَاتُ الْأَخْلَاقِ نَاعِمَاتُ الْأَرْزَاقِ طَوِيلَاتُ الْأَعْنَاقِ اذْهَبْنَ فَأَنْتُنَّ الطَّلَاقُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَثَلَاثًا فِي أَطْهَارٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ) أَيْ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ، وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْظُورٌ فَلَا يُبَاحُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا لِدَفْعِ حَاجَةِ التَّخَلُّصِ عَنْهَا بِتَنَافُرِ الْأَخْلَاقِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الزِّيَادَةِ وَلَنَا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ مُرْ ابْنَك ـــــــــــــــــــــــــــــQسُنَّةٍ وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ وَالْأَوَّلُ عَلَى قِسْمَيْنِ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْبِدْعِيُّ عَلَى قِسْمَيْنِ أَيْضًا بِحَسَبِ الْعَدَدِ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَجُمْلَةٍ أَوْ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَبِحَسَبِ الْوَقْتِ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ اهـ. وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ السُّنِّيَّ الْمَسْنُونَ وَهُوَ كَالْمَنْدُوبِ فِي اسْتِعْقَابِ الثَّوَابِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُبَاحُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ عِبَادَةً فِي نَفْسِهِ لِيَثْبُتَ لَهُ ثَوَابٌ فَمَعْنَى الْمَسْنُونِ مِنْهُ مَا ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَوْجِبُ عِتَابًا نَعَمْ لَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَةٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَقِيبَ جِمَاعِهَا أَوْ حَائِضًا أَوْ ثَلَاثًا فَمَنَعَ نَفْسَهُ إلَى الطُّهْرِ الْآخَرِ وَالْوَاحِدَةُ تَقُولُ إنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهَا لَا عَلَى الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الْخَالِي، بَلْ عَلَى كَفِّ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْإِيقَاعِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ امْتِنَاعًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ الْكَفُّ غَيْرُ فِعْلِ الْإِيقَاعِ، وَلَيْسَ الْمَسْنُونُ يَلْزَمُ تِلْكَ الْحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً فِي الطُّهْرِ الْخَالِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْطِرَ لَهُ دَاعِيَةُ ذَلِكَ الْإِيقَاعِ سَمَّيْنَاهُ طَلَاقًا مَسْنُونًا مَعَ انْتِفَاءِ سَبَبِ الثَّوَابِ وَهُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بَعْدَ تَهَيُّؤِ أَسْبَابِهَا وَقِيَامِ دَاعِيَتِهَا، وَهَذَا كَمَنْ اسْتَمَرَّ عَلَى عَدَمِ الزِّنَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَخْطِرَ لَهُ دَاعِيَتُهُ وَتَهَيُّؤُهُ لَهُ مَعَ الْكَفِّ عَنْهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَتُهُ وَطَلَبُ النَّفْسِ لَهُ وَتَهَيُّؤُهُ لَهُ وَكَفَّ تَجَافِيًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ أُثِيبَ اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّدَارُكِ) أَيْ حَيْثُ يُمْكِنُهُ التَّزَوُّجُ بِهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا بِلَا تَخَلُّلِ زَوْجٍ آخَرَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] أَيْ تَبْدُو لَهُ مُرَاجَعَتُهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَبْطُلْ مَحَلِّيَّتُهَا) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ إلَخْ) رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ مِنْهَا يَسَعُهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا سَرَّحَهَا بِالْإِحْسَانِ وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ لَهَا مَهْرَهَا وَنَفَقَةَ عِدَّتِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ النِّكَاحِ كَثِيرَ الطَّلَاقِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لِأَنِّي أُحِبُّ الْغِنَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى جَمَعَ الْغِنَى فِي هَذَيْنِ يَعْنِي النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ، أَمَّا النِّكَاحُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32]. وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] اهـ. كُبْرَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ النَّفَقَةِ فِي فَصْلِ حُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ إنْ أَوْفَاهَا الْمَهْرَ وَنَفَقَةَ الْعِدَّةِ وُسِّعَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ اهـ. (قَوْلُهُ: «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْغَضُ الْحَلَالِ» إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَأَمَّا وَصْفُهُ فَهُوَ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ أَبْغَضَ الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» فَنَصَّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَكَوْنِهِ مَبْغُوضًا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَرَتُّبَ لَازِمِ الْمَكْرُوهِ الشَّرْعِيِّ إلَّا لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ بِالْبُغْضِ إلَّا لَوْ لَمْ يَصِفْهُ بِالْإِبَاحَةِ لَكِنَّهُ وَصَفَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ مَبْغُوضٌ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ مَا رَتَّبَ عَلَى الْمَكْرُوهِ اهـ. قَوْلُهُ: وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ إلَخْ يَعْنِي مِنْ اللَّوْمِ عَلَى التَّرْكِ فِي التَّنْزِيهِ وَالْعِقَابِ فِي كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحَابَةُ كَانُوا يُطَلِّقُونَ إلَخْ) فَإِنَّ عُمَرَ طَلَّقَ أُمَّ عَاصِمٍ وَابْنُ عَوْفٍ طَلَّقَ تَمَاضُرَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً أَوْ غَيْرَ مُسْلِمَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِإِيقَاعِهِ كَذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَى الْغَائِبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ أَنْ يَكْتُبَ إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا وَأَنْتِ طَاهِرَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كُنْت حَائِضًا فَإِذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، ثُمَّ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ فَقَدْ مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَةً انْقَضَتْ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَبِالطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ بَانَتْ وَوَقَعَ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ بِدْعَةٌ) أَيْ الطَّلَاقُ الْمُفَرَّقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا بِدْعَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ مُرْ ابْنَك إلَخْ)، ثُمَّ الْوُجُوبُ لَيْسَ بِمُرَادٍ مِنْ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَعَيَّنُ مَا دُونَهُ وَهُوَ السُّنَّةُ فَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ الْمُفَرَّقُ عَلَى الْأَطْهَارِ سُنَّةً فَيَكُونُ الطَّلَاقُ الْمُوقَعُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ جُمْلَةً أَوْ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّهَا نَقِيضُ السُّنَّةِ، وَقَدْ «شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّطْلِيقَ قَبْلَ الْمَسِيسِ» كَمَا تَرَى وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْحُسْنُ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُسْنَ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ قَضِيَّةِ حُكْمِ الْأَمْرِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي التَّبْيِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يَدَعْهَا حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، ثُمَّ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا إنْ أَحَبَّ». «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِهِ إنَّك أَخْطَأَتْ السُّنَّةَ مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ تَعَالَى إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا وَتُطَلِّقَ لِكُلِّ قُرْءٍ وَاحِدَةً فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تُطَلِّقَ لَهَا النِّسَاءَ» يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَبَيَانُهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَابَلَ الطَّلَاقَ بِالْعِدَّةِ وَهُمَا ذُو عَدَدٍ فَيُقْسَمُ آحَادُ أَحَدِهِمَا عَلَى آحَادِ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ أَعْطِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَكَانَ هَذَا أَمْرًا بِالتَّفْرِيقِ وَأَقَلُّهُ الْإِبَاحَةُ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْظُورٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ، بَلْ مُبَاحٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ إنَّهُ يُسْتَبَاحُ لِلْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ إلَى إيقَاعِ الثَّلَاثِ ثَابِتَةٌ لِيَتَخَلَّصَ مِنْهَا وَلَا يَقَعُ فِي عِدَّتِهَا بِالْمُرَاجَعَةِ وَلَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ لِخَفَاءِ تَنَافُرِ الطِّبَاعِ وَتَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ فَأُقِيمَ دَلِيلُ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ مَقَامَهَا كَمَا فِي الطَّلْقَةِ الْأُولَى وَالْحَاجَةُ مُتَكَرِّرَةٌ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا فَيُدَارُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قِيلَ يُؤَخِّرُ الطَّلْقَةَ الْأُولَى إلَى آخِرِ الطُّهْرِ كَيْ لَا تَتَضَرَّرَ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَقِيلَ يُطَلِّقُهَا عَقِيبَ الطُّهْرِ كَيْ لَا يُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوَقَاعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَثَلَاثًا فِي طُهْرٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ بِدْعِيٌّ) أَيْ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ طَلَاقٌ بِدْعِيٌّ، وَكَذَلِكَ الثِّنْتَانِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ رَجْعَةٌ وَإِنْ تَخَلَّلَتْ فَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ تَخَلَّلَ التَّزَوُّجُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ الثَّلَاثُ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ بِدْعَةً؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ وَهُوَ لَا يُجَامِعُ الْحَظْرَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ فِيهِ لِغَيْرِهِ. وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّفْرِيقِ وَالْإِيقَاعُ جُمْلَةً يُضَادُّهُ، فَيَكُونُ مُفَوِّتًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ، فَيَكُونُ بِدْعَةً ضَرُورَةً وَفِي مُصَنَّفِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي حَدِيثِ «ابْنِ عُمَرَ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْت لَوْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا، قَالَ: إذًا قَدْ عَصَيْت رَبَّك وَبَانَتْ مِنْك امْرَأَتُك»؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا جُعِلَ مُتَعَدِّدًا لِيُمْكِنَهُ التَّدَارُكُ عِنْدَ النَّدَمِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ تَفْوِيتُهُ كَمَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا زَمَانُ النَّفْرَةِ فَلَعَلَّهُ يَنْدَمُ فِي زَمَانِ الطُّهْرِ عِنْدَ تَوَقَانِ النَّفْسِ إلَى الْجِمَاعِ فَلَا يَمْلِكُ تَفْوِيتَ مَا جَعَلَ الشَّرْعُ نَظَرًا لَهُ وَلَا يُقَالُ إنَّمَا كُرِهَ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِأَجْلِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ كَانَ مَكْرُوهًا، وَلَيْسَ فِيهِ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانَ، ثُمَّ قَالَ أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ»، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا يُطَلِّقُ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ يَرْكَبُ الْحَمُوقَةَ، ثُمَّ يَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ اللَّهُ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]، وَإِنَّك لَمْ تَتَّقِ اللَّهَ فَلَمْ أَجِدْ لَك مَخْرَجًا عَصَيْت رَبَّك وَبَانَتْ مِنْك امْرَأَتُك، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ) أَيْ وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الطُّهْرَ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ زَمَانُ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ زَمَانُ النَّفْرَةِ، وَكَذَا الطُّهْرُ إذَا وُجِدَ فِيهِ الْجِمَاعُ تَفْتُرُ رَغْبَةُ الرَّجُلِ فِيهَا فَلَا يَكُونُ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ الْجِمَاعِ دَلِيلُ الْحَاجَةِ فَلَا يَكُونُ مُبَاحًا اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ يُؤَخِّرُ الطَّلْقَةَ الْأُولَى إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: ثُمَّ قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِيقَاعَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا كَمَا طَهُرَتْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا، وَمَنْ قَصْدُهُ التَّطْلِيقُ فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوِقَاعِ اهـ. فَقَوْلُهُ: يُطَلِّقُهَا كُلَّمَا طَهُرَتْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ عَقِيبَ الطُّهْرِ إذْ رُبَّمَا أَوْهَمَ قَوْلُهُ: عَقِيبَ الطُّهْرِ الْحَيْضَ إذْ لَا يَعْقُبُ الطُّهْرَ إلَّا الْحَيْضُ لَكِنْ هَذَا لَيْسَ بِمُرَادٍ، بَلْ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ عَقِيبَ الطُّهْرِ عَقِيبَ أَوَّلِ الطُّهْرِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. اك (قَوْلُهُ: كَيْ لَا يُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُجَامِعَ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ زَمَانُ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ فَإِذَا جَامَعَ، وَمَنْ قَصْدُهُ تَطْلِيقُهَا يُبْتَلَى الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ ضَرُورَةً اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ) أَيْ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً إذَا طَهُرَتْ وَرَجَّحَهُ بِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا فِيهِ، وَمَنْ قَصْدُهُ تَطْلِيقُهَا فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوِقَاعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَقَلُّ ضَرَرًا فَكَانَ أَوْلَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَاخْتَارَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا تَأْخِيرَ الطَّلَاقِ إلَخْ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. (قَوْلِهِ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أَعْرِفُ فِي الْجَمْعِ بِدْعَةً وَلَا فِي التَّفْرِيقِ سُنَّةً، بَلْ الْكُلُّ مُبَاحٌ وَرُبَّمَا يَقُولُ إيقَاعُ الثَّلَاثِ جُمْلَةً سُنَّةٌ حَتَّى إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعَ الْكُلُّ فِي الْحَالِ عِنْدَهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَنَا يُعْتَبَرُ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ التَّفْرِيقُ كَالْوَقْتِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ تُعْتَبَرُ الْوَاحِدَةُ وَالْوَقْتُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الْعَدَدِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَظْرَ فِيهِ لِغَيْرِهِ) أَيْ وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ وَتَلْبِيسُ وَجْهِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا أَهُوَ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْوَضْعِ لِاحْتِمَالِ الْحَبَلِ فِي الثَّانِي قَوْلُهُ: وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ أَيْ لِأَنَّ الْحَيْضَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ لَيْسَ بِمَحْسُوبٍ مِنْ الْعِدَّةِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا زَمَانُ النَّفْرَةِ) أَيْ نَفْرَةِ الطَّبِيعَةِ لِتَلَوُّثِهَا بِالدَّمِ (قَوْلُهُ: كَانَ مَكْرُوهًا) أَيْ بِاتِّفَاقٍ، وَلَيْسَ ثَمَّ تَطْوِيلٌ وَلَا تَلْبِيسٌ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: «أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى») وَاللَّعِبُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ حَرَامٌ فَيَكُونُ إيقَاعُ الثَّلَاثِ جُمْلَةً حَرَامًا اهـ أَتْقَانِيٌّ

وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشِّيعَةُ أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَاحِدَةً فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «طَلَّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدٍ يَزِيدَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا فَسَأَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَيْفَ طَلَّقْتهَا قَالَ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَالَ إنَّمَا تِلْكَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَارْتَجِعْهَا». وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْعَجْلَانِيُّ وَفِيهِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُهُ، وَكَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ «امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي وَبَتَّ طَلَاقِي»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَكَذَا حَدِيثُ «بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ زَوْجَهَا أَرْسَلَ لَهَا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ»، وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي ثَمَانِي تَطْلِيقَاتٍ فَقَالَ مَاذَا قِيلَ لَك فَقَالَ قِيلَ لِي بَانَتْ مِنْك قَالَ صَدَقُوا هُوَ مِثْلُ مَا يَقُولُونَ، ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَقَوْلُ الرَّجُلِ قِيلَ لِي بَانَتْ مِنْك وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ صَدَقُوا دَلِيلٌ عَلَى إجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَجْمَعِينَ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ:. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إنْكَارٌ عَلَى مَنْ يَخْرُجُ عَنْ سُنَّةِ الطَّلَاقِ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ وَإِخْبَارٍ عَنْ تَسَاهُلِ النَّاسِ فِي مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ فِي الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْعَصْرَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ الطَّلَاقُ الْمُوقَعُ الْآنَ ثَلَاثًا كَانَ فِي ذَيْنِك الْعَصْرَيْنِ وَاحِدَةً كَمَا يُقَالُ كَانَ الشُّجَاعُ الْآنَ جَبَانًا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ كَانَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً فِي الْعَصْرَيْنِ لِقَصْدِهِمْ التَّأْكِيدَ وَالْإِخْبَارَ وَصَارَ النَّاسُ بَعْدَهُمْ يَقْصِدُونَ بِهِ التَّجْدِيدَ وَالْإِنْشَاءَ فَأَلْزَمَهُمْ عُمَرُ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِقَصْدِهِمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ عُمَرَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ. وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مُنْكَرٌ قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ فَإِنَّهُ رَوَى جَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَدْ عَصَى رَبَّهُ وَبَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَنَافِعٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ أَنَّ «رُكَانَةَ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَحَلَّفَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ». وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَهَذَا أَصَحُّ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ إنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ زِيَادَةِ صِفَةٍ فِي الْخَلَاصِ وَفِي زِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْخُلْعَ مَشْرُوعٌ سُنِّيٌّ وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَيْرُ الْمَوْطُوءَةِ تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ، وَلَوْ حَائِضًا) أَيْ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا جَازَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ وَهِيَ الطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَنَا أَنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا صَادِقَةٌ مَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ مِنْهَا بِالْوَطْءِ عَادَةً فَصَارَ إقْدَامُهُ عَلَى الطَّلَاقِ دَلِيلَ الْحَاجَةِ فَيُبَاحُ لَهُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا تَتَجَدَّدُ بِالطُّهْرِ فَلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إلَخْ)، وَعَنْ الْإِمَامِيَّةِ لَا يَقَعُ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ وَلَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ قَالَ الطَّلَاقُ الْمُوقَعُ الْآنَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ إنَّ الثَّلَاثَ الَّتِي يُوقِعُونَهَا الْآنَ إنَّمَا كَانَتْ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَاحِدَةً، تَنْبِيهٌ عَلَى تَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ فَيُشْكِلُ إذْ لَا يُتَّجَهُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: فَأَمْضَاهُ عُمَرُ اهـ. (قَوْلُهُ: كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ إلَخْ) أَنَاةٌ عَلَى وَزْنِ حَصَاةٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ وَالْأَنَاةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ مُهْمَلَةٌ. اهـ. شَرْحُ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ) أَيْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَصْحَابِنَا فِيمَا إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً بَائِنَةٌ فَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْأَصْلِ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَخْطَأَ السُّنَّةَ اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْعِمَادِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ، وَلَوْ قَالَ خوشتين خُوَيْدِم فَقَالَ مَنْ يَكُ طَلَاقٌ بِسَبَبٍ وَآدَم وَأَنَّهَا مَدْخُولٌ بِهَا تَقَعْ رَجْعِيَّةً عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ عَلَى رِوَايَتِهِ الْبَائِنُ لَيْسَ بِسُنِّيٍّ وَيَقَعُ بَائِنًا عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ فَإِنَّ الْبَائِنَ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ سُنِّيٌّ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي أَصْلَ الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَخْطَأَ السُّنَّةَ) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّ «رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَالْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ وَلَمْ يُنْكِرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ» ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخُلْعِ، وَالْجَوَابُ تَجْوِيزُ أَنْ يَكُونَ رُكَانَةُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ أَنَّهُ أَخَّرَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ لِحَالٍ اقْتَضَتْ تَأْخِيرَهُ إذْ ذَاكَ وَالْخُلْعُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَبُلُوغِهَا النِّهَايَةَ وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يُكْرَهُ حَالَةَ الْحَيْضِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ حَائِضًا) فَإِنْ قُلْت الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَدْ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا» فَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْحَائِضِ وَغَيْرِ الْحَائِضِ بِالدُّخُولِ وَعَدَمِهِ فِي الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا قُلْت الْمُرَادُ مِنْهُ الْمَدْخُولُ بِهَا بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» وَلَا عِدَّةَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَيُكْرَهُ فَلَا تَكُونُ مُرَادَةً إلَّا أَنَّ زُفَرَ يَقِيسُهَا عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا فَيَكْرَهُ طَلَاقَهَا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ فَاسِدٌ اهـ. أَتْقَانِيٌّ

يُوجَدْ دَلِيلُ الْحَاجَةِ فَلَا يُبَاحُ لَهُ وَعَلَى هَذَا لَا يُكْرَهُ لَهُ تَخْيِيرُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَأَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا وَأَنْ يُفَرِّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَغَيْرِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَرَّقَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ) أَيْ فَرَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ عَلَى أَشْهُرِ الْعِدَّةِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حَمْلٍ؛ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ فُصُولُ عِدَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لِإِقَامَتِهَا مَقَامَ فُصُولِ الْعِدَّةِ وَهِيَ الْحَيْضُ فِي حَقِّ مَنْ تَحِيضُ فَيُفَرِّقُ عَلَيْهَا، وَكَذَا فِي حَقِّ الْحَامِلِ يُفَرِّقُ عَلَى الْأَشْهُرِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأَشْهُرُ مِنْ فُصُولِ عِدَّتِهَا لِتَتَجَدَّدَ الرَّغْبَةُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ، ثُمَّ قِيلَ: الْأَشْهُرُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ الْحَيْضُ دُونَ الطُّهْرِ إلَّا أَنَّ تَكَرُّرَ الْحَيْضِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ تَخَلُّلِ الطُّهْرِ فَاحْتِيجَ إلَيْهِ ضَرُورَةً وَانْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالشَّهْرِ وَهُوَ بِحَيْضَةٍ. وَكَذَا الْفَصْلُ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ يَكُونُ بِحَيْضَةٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْإِيقَاعِ قُبَيْلَ الْحَيْضَةِ وَبَعْدَهَا فَيُقَامُ مَقَامَ مَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَلَا يُقَالُ عَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فِي أَيِّ شَهْرٍ وَقَعَ مِنْ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْخُلْفُ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ بِحَالِهِ لَا بِذَاتِهِ فَإِنَّ ذَاتَه طُهْرٌ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَإِلَّا لَزِمَ الطَّلَاقُ فِي حَيْضٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ إلَّا فِي حَقِّ لُزُومِ الْحُجَّةِ حَتَّى يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَحْجُوجًا، وَلَوْ طَلَّقَ الصَّغِيرَةَ، ثُمَّ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِلسُّنَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَكَذَا لَوْ طَلَّقَ الْحَائِضَ، ثُمَّ أَيِسَتْ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِتَبَدُّلِ الْحَالِ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي حَقِّ التَّفْرِيقِ وَالْعِدَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَالْمُتَوَسِّطَاتُ بِالْأَهِلَّةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ طَلَاقُهُنَّ بَعْدَ الْوَطْءِ) أَيْ جَازَ طَلَاقُ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ وَالْحَامِلِ عَقِيبَ الْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِشَهْرٍ كَمَا يُفْصَلُ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِالْجِمَاعِ تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لِتَجَدُّدِهَا كَذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ بِخِلَافِ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا وَإِنْ فَتَرَتْ مِنْ وَجْهٍ بَقِيَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ يَدْعُو إلَى إمْسَاكِهَا لِمَكَانِ الْوَلَدِ مِنْهَا. وَلَنَا أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ بِاعْتِبَارِ تَوَهُّمِ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يُشْتَبَهُ وَجْهُ الْعِدَّةِ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا وَصَارَتْ كَالْحَامِلِ، وَالرَّغْبَةُ وَإِنْ فَتَرَتْ مِنْ وَجْهٍ كَثُرَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِي وَطْءٍ غَيْرِ مُعَلَّقٍ؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ تَمِيلُ إلَيْهِ فَصَارَتْ كَالْحَامِلِ عَلَى مَا مَرَّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ قِيلَ إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ يُرْجَى مِنْهَا الْحَيْضُ أَوْ الْحَبَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ) أَيْ بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْحَيْضِ وَهُوَ تِسْعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ ثَمَانٌ وَسَبْعٌ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَوْ كِبَرٍ) بِأَنْ كَانَتْ آيِسَةً بِنْتَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَظْهَرِ أَوْ لَا لَهُمَا بِأَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ الْأَشْهُرُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْمَنَافِعِ وَغَيْرُهُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ لَا غَيْرُ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَبَعًا لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَهَذَا الْخِلَافُ قَلِيلُ الْجَدْوَى لَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي الْفُرُوعِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ وَحْدَهُ وَلَئِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إقَامَةِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَقَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ، بَلْ يَكْفِي إقَامَةُ شَهْرٍ وَاحِدٍ مَقَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ أَكْثَرُهُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ وَمُدَّةُ ثَلَاثِ حِيَضٍ تَحْصُلُ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالشَّهْرِ) أَيْ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَحْجُوجًا) أَيْ أَحَدُ الْمُخْتَلِفَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ) أَيْ وَهُوَ أَنْ يَقَعَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ رُئِيَ فِيهَا الْهِلَالُ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا فِي التَّفْرِيقِ وَالْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي التَّفْرِيقِ أَيْ تَفْرِيقِ الطَّلْقَاتِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يُطَلِّقُ الثَّانِيَةَ فِي الْيَوْمِ الْمُوفِي ثَلَاثِينَ مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، بَلْ فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ مُعْتَبَرٌ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الْيَوْمِ الْمُوفِي ثَلَاثِينَ كَانَ جَامِعًا بَيْنَ طَلَاقَيْنِ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ وَفِي حَقِّ الْعِدَّةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِمُضِيِّ تِسْعِينَ يَوْمًا، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَالشَّهْرَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَقَوْلُهُ: فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى تُعْتَبَرُ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَهِلَّةِ بِالْإِجْمَاعِ يُخَالِفُ نَقْلَ الْخِلَافَ اهـ. فَتْحٌ (تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ نَاقِصًا كَانَ الشَّهْرُ أَوْ كَامِلًا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَةِ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَ بِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا نَاقِصَةً كَانَتْ أَوْ كَامِلَةً وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ تُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ بِالْأَيَّامِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِالْأَهِلَّةِ، وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْهُرِ الْأَهِلَّةُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَهِيَ مُنْدَفِعَةٌ بِتَكْمِيلِ الْأَوَّلِ بِالْأَخِيرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي الْأَشْهُرِ الْعَرَبِيَّةِ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْأَسْمَاءِ وَهُوَ لَمْ يَسْتَأْجِرْ مُدَّةَ جُمَادَيَيْنِ وَرَجَبٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْأَهِلَّةُ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تِسْعِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ مُسَمَّى اللَّفْظِ الْأَهِلَّةُ صَارَ مَعْنَاهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ فَلَا يَنْقَضِي هَذَا الشَّهْرُ حَتَّى يَدْخُلَ مِنْ الْآخَرِ أَيَّامٌ ثُمَّ يَبْتَدِئُ الْآخَرُ مِنْ حِينِ انْتِهَاءِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُ كَذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِي وَطْءٍ غَيْرِ مُعَلَّقٍ) أَيْ فِرَارًا عَنْ مُؤَنِ الْوَلَدِ اهـ. فَتْحٌ

فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِشَهْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ طَلَاقَ الْحَامِلِ مُفْرَدًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَهَا بِقَوْلِهِ وَفَرَّقَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ أَيْ فَرَّقَ طَلَاقَ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ عَلَى الْأَشْهُرِ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ وَحُكْمُهَا أَيْضًا عِنْدَهُمَا كَحُكْمِ مَنْ لَا تَحِيضُ فِي حَقِّ إيقَاعِ الطَّلَاقِ ابْتِدَاءً وَفِي حَقِّ التَّفْرِيقِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْعَدَدِ عِنْدَ التَّفْرِيقِ عَلَى فُصُولِ الْعِدَّةِ وَالشَّهْرِ فِي حَقِّهَا لَيْسَ مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ فَلَا يُبَاحُ فَصَارَتْ كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا وَلَنَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إيقَاعِ الثَّلَاثِ مَاسَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهَا فَأُقِيمَ دَلِيلُهَا وَهُوَ مُضِيُّ الشَّهْرِ مَقَامَهَا كَمَا فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ وَلِهَذَا لَا يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِزَمَانٍ كَمَا لَا يَفْصِلُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ مَا دَامَ حَيْضُهَا مَرْجُوًّا فَأَمْكَنَ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَطْهَارِ، ثُمَّ قِيلَ لَا يُطَلِّقُهَا حَتَّى يَسْتَبِينَ حَمْلُهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَلَاقُ الْمَوْطُوءَةِ) حَائِضًا (بِدْعِيٌّ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا وَلَنَا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» وَكَانَ طَلَاقُهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، وَالْمُرَاجَعَةُ بِدُونِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُحَالٌ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ فَلَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ كَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيُرَاجِعُهَا وَيُطَلِّقُهَا فِي طُهْرٍ ثَانٍ) يَعْنِي إذَا طَهُرَتْ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ، ثُمَّ حَاضَتْ، ثُمَّ طَهُرَتْ وَهُوَ الطُّهْرُ الثَّانِي وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:. أَحَدُهُمَا فِي صِفَةِ الْمُرَاجَعَةِ، وَالثَّانِي فِي وَقْتِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَالْأَمْرُ قَدْ يَكُونُ لِلنَّدْبِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى، أَوْ لِأَنَّهُ شُرِعَ نَظَرًا لَهُ فَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْوُجُوبِ لَعَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَدَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ بِرَفْعِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ وَقْتُ الْمُرَاجَعَةِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْكَرْخِيُّ مَعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ مَا رَوَاهُ نَافِعٌ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ» وَفِي رِوَايَةٍ «تَطْلِيقَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ؛ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِحَيْضَةٍ وَالْفَاصِلُ هُنَا بَعْضُ الْحَيْضَةِ فَيَكْمُلُ بِالثَّانِيَةِ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَتَكَامَلُ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَ الْحَيْضَةِ بِمَنْزِلَةِ الطُّهْرِ الَّذِي بَعْدَهَا وَلِهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْعِدَّةِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْفَصْلِ بَيْنَ الطَّلْقَتَيْنِ فَإِذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوقِعَ بِهِ طَلْقَتَيْنِ وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مَا رَوَى سَالِمٌ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا إذَا طَهُرَتْ أَوْ وَهِيَ حَامِلٌ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ» ؛ وَلِأَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ قَدْ انْعَدَمَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ، ثُمَّ رَاجَعَهَا فِيهِ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ أُخْرَى عِنْدَهُ لِارْتِفَاعِ الْأَوَّلِ بِالْمُرَاجَعَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَهُوَ يَمَسُّهَا بِشَهْوَةٍ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ لِلسُّنَّةِ مُتَعَاقِبًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَبَعْدَ تَخَلُّلِ النِّكَاحِ لَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا، وَقِيلَ عِنْدَهُ خَاصَّةً، وَقِيلَ فِي تَخَلُّلِ الرَّجْعَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ اتِّفَاقًا، ثُمَّ جُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ النِّسَاءَ صِنْفَانِ، مَدْخُولٌ بِهَا وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَالْمَدْخُولُ بِهَا نَوْعَانِ حَبَالَى وَحَيَالَى، وَالْحَيَالَى نَوْعَانِ ذَوَاتُ الْأَقْرَاءِ وَذَوَاتُ الْأَشْهُرِ وَالطَّلَاقُ نَوْعَانِ سُنِّيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ) وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَصَارَتْ كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا) أَيْ وَفِيهَا لَا يُفَرَّقُ الطَّلَاقُ عَلَى الْأَشْهُرِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَا يَفْصِلُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ وَالشَّهْرُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ، وَلَكِنْ هَهُنَا فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَجَدْنَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ الشَّهْرِ وَهُوَ وَضْعُ الْحَمْلِ وَفِي حَقِّ تَفْرِيقِ الطَّلَاقِ لَمْ نَجِدْ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ الشَّهْرِ فَبَقِيَ الشَّهْرُ فَصْلًا مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ فَلَا يُفَرَّقُ الطَّلَاقُ عَلَى الْأَشْهُرِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْقُدُورِيُّ بِالصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ؛ لِأَنَّ الَّتِي يَمْتَدُّ طُهْرُهَا لَا تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ لَيْسَ مِنْ فُصُولِ عِدَّتِهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ إلَخْ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْكَافِي، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا؛ لِأَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَفَى بِالرَّجْعَةِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا، وَإِذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ كَذَا هُنَا وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا: لَا يُطَلِّقُهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَمْ يَضْمَحِلَّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ. (قَوْلُهُ: حِينَ تَطْهُرُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ حَتَّى تَطْهُرَ اهـ.

وَبِدْعِيٌّ فَالسُّنِّيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ:. أَحَدُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ وَالْآخَرُ مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ فَالسُّنَّةُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ شَامِلٌ لِلْكُلِّ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ رَجْعَةٍ، أَوْ نِكَاحُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَالسُّنَّةُ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ يَخْتَصُّ بِالْمَدْخُولِ بِهَا الْحَائِلِ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ وَالْبِدْعِيُّ أَنْوَاعٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلٍ مَا ذَكَرْنَا أَوْ يُطَلِّقُ الْمَدْخُولَ بِهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْمَتْنِ فَتَأَمَّلْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ)؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى أَنْ يَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ وَكَانَتْ هِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يَقَعُ لِلْحَالِ طَلْقَةٌ وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى، وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَعَتْ لِلْحَالِ طَلْقَةٌ، ثُمَّ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ هَذَا الْكَلَامِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِوَقْتِ السُّنَّةِ فَيَنْصَرِفُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ أَوْ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ صَحَّتْ). وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ نَوَى ضِدَّ السُّنَّةِ وَالشَّيْءُ لَا يَحْتَمِلُ ضِدَّهُ وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ سُنِّيٌّ وُقُوعًا مِنْ حَيْثُ إنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً عُرِفَ بِالسُّنَّةِ لَا إيقَاعًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ إذْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ السُّنِّيُّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا وَيَنْتَظِمُهُ عِنْدَ نِيَّتِهِ كَمَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَا يَتَنَاوَلُ الْمُكَاتَبَ وَلَا لَحْمَ السَّمَكِ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقُصُورٍ فِيهِ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِلْحَالِ فَأَوْلَى أَنْ تَصِحَّ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا مُطْلَقًا بِأَنْ يُصَادِفَ طُهْرَ الْإِجْمَاعِ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا كَانَ اللَّامُ لِلْوَقْتِ كَانَ تَقْدِيرُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْقَاتَ السُّنَّةِ فَلَوْ قَالَ ذَلِكَ وَنَوَى الْوُقُوعَ جُمْلَةً لَا تَصِحُّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ قُلْنَا اللَّامُ هُنَا لَيْسَتْ بِصَرِيحٍ لِلْوَقْتِ، بَلْ هِيَ مُحْتَمِلَةٌ تَحْتَمِلُ الْعِلَّةَ وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهَا عَلَى الْوَقْتِ بِذِكْرِ السُّنَّةِ. وَالسُّنَّةُ الْمُطْلَقَةُ هِيَ الْكَامِلَةُ فَإِذَا نَوَى مُحْتَمَلَهُ صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَأَمَّا ذِكْرُ أَوْقَاتِ السُّنَّةِ صَرِيحًا فَلَا يَحْتَمِلُ خِلَافَهُ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْوُقُوعِ جُمْلَةً، بَلْ يَقَعُ مُتَفَرِّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ سُنِّيًّا مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ وَلَا يَكُونُ بِدْعَةً؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِدُونِ الْإِيقَاعِ مُمْتَنِعٌ، قُلْنَا الْوُقُوعُ لَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ لِلْحَالِفِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا بِخِلَافِ الْإِيقَاعِ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ بَعْدَ هَذَا التَّحْرِيرِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا جُمْلَةً لِأَجْلِ أَنَّا عَرَفْنَا وُقُوعَهُ جُمْلَةً بِالسُّنَّةِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَنَوَى ثَلَاثًا جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ صَحَّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلسُّنَّةِ عِبَارَةٌ عَنْ زَمَانِ وَقْتِ الْوُقُوعِ، وَوَقْتُ الْوُقُوعِ أَنْوَاعُ مُسْتَحَبٌّ وَبِدْعَةٌ وَكِلَاهُمَا عُرِفَ بِالسُّنَّةِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّ هَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْأَسْرَارِ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْجُمْلَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْوَقْتِ فَيُفِيدُ تَعْمِيمَ الْوَقْتِ وَمِنْ ضَرُورَةِ تَعْمِيمِ الْوَقْتِ أَنْ يَتَعَمَّمَ الْوَاقِعُ فِيهِ، فَيَكُونُ نَاوِيًا مُحْتَمِلَ لَفْظِهِ فَيَجُوزُ أَمَّا لَوْ نَوَى وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً فَقَدْ لَغَا قَضِيَّةَ اللَّامِ وَهُوَ عُمُومُ الْوَقْتِ الْمُسْتَفَادِ مِنْهَا، فَيَكُونُ هَذَا إيقَاعًا لِلْحَالِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ ثَمَّ ثَبَتَ نَصًّا وَأَلْفَاظُ السُّنَّةِ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ فِي السُّنَّةِ أَوْ مَعَ السُّنَّةِ أَوْ عَلَى السُّنَّةِ أَوْ طَلَاقَ السُّنَّةِ أَوْ طَلَاقَ الْعِدَّةِ أَوْ لِلْعِدَّةِ أَوْ الدِّينِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَقِّ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ الْكِتَابِ أَوْ أَحْسَنِ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْمَلِهِ أَوْ أَعْدَلِهِ، وَلَوْ قَالَ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ نَوَى السُّنَّةَ فَهُوَ سُنَّةٌ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ، وَلَوْ مُكْرَهًا وَسَكْرَانَ وَأَخْرَسَ بِإِشَارَتِهِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا) لَا طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالسَّيِّدِ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ»؛ وَلِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ عَنْ وَلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِوُقُوعِهِ، وَقَوْلُهُ يَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ لَا يُنْتَقَضُ بِالْمُبَانَةِ حَيْثُ لَا يَلْحَقُهَا الْبَائِنُ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ لِعَارِضٍ لِاسْتِحَالَةِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ حَتَّى لَوْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً عُرِفَ بِالسُّنَّةِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفًا بَانَتْ بِثَلَاثٍ» اهـ. كَافِي وَلِهَذَا مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً يُنْسَبُ إلَى مَذْهَبِ الرَّفْضِ وَالْبِدْعَةِ وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِلْحَالِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَكَذَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ إذَا نَوَى أَنْ يَقَعَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى السُّنِّيَّ فِي الْوُقُوعِ دُونَ الْإِيقَاعِ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَهُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا فِي الْوُقُوعِ وَالْإِيقَاعِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ فِيهِ طَاهِرَةً فَيَكُونُ الطَّلَاقُ سُنِّيًّا وُقُوعًا وَإِيقَاعًا وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ حَائِضًا فَيَكُونُ سُنِّيًّا وُقُوعًا لَا إيقَاعًا وَنِيَّةُ السُّنِّيِّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْإِيقَاعَ بِحَسَبِ السُّنَّةِ تَصِحُّ كَمَا إذَا نَوَى الثَّلَاثَ جُمْلَةً فَمَا يَحْتَمِلُهُ أَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَنَوَى ثَلَاثًا) فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَقَعُ وَاحِدَةً إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ مُكْرَهًا وَسَكْرَانَ) وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ كَذَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ قَالَ الْكَمَالُ: وَكَذَا إعْتَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَهُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْعَقْلِ مَا يَقُومُ بِهِ التَّكْلِيفُ فَهُوَ كَالصَّاحِي اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يُنْتَقَضُ إلَخْ) هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ بَدْرِ الدِّينِ حَيْثُ قَالَ لَا يُنْتَقَضُ بِإِلْحَاقِ الْبَائِنِ الْبَائِنَ حَيْثُ لَا يُعْمَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرٍ خَارِجٍ

صَرِيحًا لِحَقِّهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْمُرَادُ هُوَ الزَّوْجُ مُطْلَقًا وَالْمَعْتُوهُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ أَوْ الْعَقْلِ، وَالْمَعْتُوهُ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ، وَقِيلَ فِي الْفَاصِلِ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْعَاقِلَ مَنْ يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ وَأَفْعَالُهُ وَغَيْرُهُ نَادِرٌ وَالْمَجْنُونُ ضِدُّهُ وَالْمَعْتُوهُ مَنْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى السَّوَاءِ، وَقِيلَ الْمَجْنُونُ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ لَا عَنْ قَصْدٍ وَالْعَاقِلُ قَدْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْمَجَانِينُ أَحْيَانًا لَا عَنْ قَصْدٍ عَلَى ظَنِّ الصَّلَاحِ، وَالْمَعْتُوهُ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْمَجَانِينُ عَنْ قَصْدٍ مَعَ ظُهُورِ الْفَسَادِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: طَلَاقُ الْمُكْرَهِ لَا يَقَعُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»، وَالْمُرَادُ حُكْمُهُ فَيَشْمَلُ حُكْمَ الدَّارَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْلُبُ الِاخْتِيَارَ وَالتَّصَرُّفَ الشَّرْعِيَّ لَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ الِاخْتِيَارِ فَصَارَ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْهَازِلِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي التَّكَلُّمِ بِهِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الِاخْتِيَارِ، بَلْ لَهُ اخْتِيَارٌ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّرَّيْنِ فَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ فَاتَ رِضَاهُ وَذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ كَالْهَازِلِ؛ وَلِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ أَمَّا فِي غَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا فِيمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الْفِعْلُ تَارَةً وَفُرِضَ عَلَيْهِ أُخْرَى وَحُرِّمَ عَلَيْهِ تَارَةً وَالْخِطَابُ بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الْكَذِبِ وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَاهُ أَحْكَامُ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً. وَحُكْمُهُ نَوْعَانِ دُنْيَوِيٌّ وَأُخْرَوِيٌّ فَلَا يَتَنَاوَلُهُمَا اللَّفْظُ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّهُمَا كَالْمُشْتَرَكِ وَحُكْمُ الْآخِرَةِ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَانْتَفَى الْأُخَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ عَلَى أَنَّ طَلَاقَهُ وَاقِعٌ بِحَدِيثِ «حُذَيْفَةَ وَابْنِهِ حِينَ حَلَّفَهُمَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ» فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ وَالْإِكْرَاهِ سَوَاءٌ، فَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَرْقِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ هَذَا صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَقَالَ فِي الْغَايَةِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرِّضَا، ثُمَّ جُمْلَةُ مَا يَصِحُّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَعَ الْإِكْرَاهِ عَشْرَةٌ الْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعَفْوُ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ إثْبَاتُ الثَّابِتِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ صَرِيحًا يُعْمَلُ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ يَقَعُ كُلُّ طَلَاقِ كُلِّ زَوْجٍ، بَلْ نَقُولُ يَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ وَطَلَاقُ هَذَا الزَّوْجِ مِمَّا يَقَعُ فِي الْجُمْلَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي الْفَاصِلِ إلَخْ) نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ اهـ. وَذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ نَادِرٌ) أَيْ غَيْرُ الْمُسْتَقِيمِ مِنْ كَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ نَادِرٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمَجْنُونُ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِيهِ أَيْضًا أَيْ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ إذَا طَلَّقَ إنْسَانٌ امْرَأَةَ الصَّبِيِّ فَبَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَقَالَ أَجَزْت لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت عَلَيْهَا الطَّلَاقَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فُلَانٌ يَقَعُ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى: النَّائِمُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي الْمَنَامِ لَا يَقَعُ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلَّقْتُك فِي الْمَنَامِ لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ يَقَعُ، وَكَذَا الصَّبِيُّ لَوْ قَالَ أَوْقَعْت مَا تَلَفَّظْت بِهِ فِي حَالِ النَّوْمِ لَا يَقَعُ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمُبَرْسَمُ وَالْمَدْهُوشُ وَالنَّائِمُ وَالْمُعْتَقَلُ وَاَلَّذِي شَرِبَ الدَّوَاءَ مِثْلَ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ فَتَغَيَّرَ عَقْلُهُ إذَا طَلَّقَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ زَوْجَتَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ طَلَاقَ الصَّغِيرِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَسْتَثْنِهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ الصَّلَاةَ جَازَ طَلَاقُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَ لَزِمَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الْكَذِبِ) أَيْ فِيمَا كَانَ كَذِبًا فَلَا يَكُونُ صِدْقًا بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا لَمْ يَقَعْ، وَإِذَا أَنْشَأَ بِهِ هَازِلًا يَقَعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ جُمْلَةُ مَا يَصِحُّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَعَ الْإِكْرَاهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ جَمَعْتهَا لِتَسْهِيلِ حِفْظِهَا فِي قَوْلِي يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِتْقٌ وَرَجْعَةُ ... نِكَاحٌ وَإِيلَاءٌ طَلَاقُ مُفَارِقٍ وَفَيْءٌ ظِهَارٌ وَالْيَمِينُ وَنَذْرُهُ ... وَعَفْوٌ لِقَتْلِ شَابٍّ عَنْهُ مُفَارِقِيٌّ ، وَهَذَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَبِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ تَتِمُّ أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَصِحُّ مَعَهُ اهـ. قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ قَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا يَكُونُ كُفْرًا مِنْ الْمُسْلِمِ وَمَا لَا يَكُونُ مَا نَصُّهُ، وَكَذَا إسْلَامُ الْمُكْرَهِ إسْلَامٌ عِنْدَنَا إنْ كَانَ حَرْبِيًّا وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ إسْلَامًا اهـ. فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ لِمَا أَطْلَقُوهُ مِنْ قَوْلِهِمْ إسْلَامُ الْمُكْرَهِ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَالْعَجَبُ أَنَّ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ أَطْلَقَ كَمَا أَطْلَقُوا فَقَالَ: وَإِذَا أُجْبِرَ الْكَافِرُ عَلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ إسْلَامُهُ فَشَمِلَ كَمَا تَرَى الْحَرْبِيَّ وَالذِّمِّيَّ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْخَبَّازِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ مَا نَصُّهُ: أُكْرِهَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قِيَاسًا، وَلَوْ أُكْرِهَ الْحَرْبِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ صَحَّ إسْلَامُهُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ أُكْرِهَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ أَصْلًا مَا هُوَ جَوَابُ الْقِيَاسِ، وَالِاسْتِحْسَانُ يَكُونُ إسْلَامًا وَعَلَى هَذَا فَالْمَذْهَبُ الْإِطْلَاقُ وَلِهَذَا لَمْ تُقَيِّدْهُ الْمَشَايِخُ بِالْحَرْبِيِّ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ: وَلَوْ أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى إرْضَاعِ صَغِيرٍ أَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَرْضَعَ مِنْ لَبَنِ امْرَأَتِهِ صَغِيرًا فَفَعَلَ يَثْبُتُ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ اهـ. (فَرْعٌ) السُّلْطَانُ إذَا أَكْرَهَ رَجُلًا لِيُوَكِّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ أَنْتِ

الْقِصَاصِ وَالرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارُ وَالْيَمِينُ وَالنَّذْرُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَصَرُّفَاتٌ لَا يَفْتَقِرُ وُقُوعُهَا إلَى الرِّضَا بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ وَالْخَطَأِ وَاخْتَارَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ كَالنَّائِمِ، وَهَذَا لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ الْعَقْلُ، وَقَدْ زَالَ فَصَارَ كَزَوَالِهِ بِالْبَنْجِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَلَنَا أَنَّهُ مُخَاطَبٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] فَوَجَبَ نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ؛ وَلِأَنَّهُ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَيُجْعَلُ بَاقِيًا زَجْرًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا زَالَ بِالْمُبَاحِ حَتَّى لَوْ صُدِعَ رَأْسُهُ وَزَالَ بِالصُّدَاعِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَبِخِلَافِ رِدَّتِهِ حَيْثُ لَا تَعْتَبِرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُهُ أَنَّ عَقْلَهُ بَاقٍ فِي حَقِّ حُكْمٍ لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ فَأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ بَاقِيًا فِي حَقِّ حُكْمٍ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ مُكْرَهًا فَسَكِرَ وَطَلَّقَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ زَالَ بِالْمُبَاحِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقَعُ لِوُجُودِ التَّلَذُّذِ بِهِ وَلَا إكْرَاهَ عِنْدَهُ، وَمِثْلُهُ إذَا شَرِبَهَا لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ سَكِرَ مِنْ الْأَنْبِذَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الْعَسَلِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ أَمْ لَا، وَلَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ لَا يَقَعُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ حِينَ يَشْرَبُ أَنَّهُ بَنْجٌ يَقَعُ وَإِلَّا فَلَا وَطَلَاقُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ إنْ كَانَتْ تُعْرَفُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاطِقُ، وَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ إشَارَتُهُ كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ بِالْإِشَارَةِ إنْ كَانَتْ تُعْرَفُ كَإِعْتَاقِهِ وَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَغَيْرِهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي الْيَنَابِيعِ هَذَا إذَا وُلِدَ أَخْرَسَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ وَدَامَ وَإِنْ لَمْ يَدُمْ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ طَلَاقُ الْعَبْدِ عَلَى امْرَأَتِهِ دُونَ طَلَاقِ مَوْلَاهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «جَاءَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَيِّدِي زَوَّجَنِي أَمَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا فَصَعِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِنْبَرَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا عَنْ غَيْرِهِ وَفِي الْمَنَافِعِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَلَا الْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ»؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ وَالْعَبْدُ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْآدَمِيَّةِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِالدَّمِ وَالْحُدُودِ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَوَقَعَ طَلَاقُهُ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِإِطْلَاقِ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ بِدُونِ الْمِلْكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاعْتِبَارُهُ بِالنِّسَاءِ) أَيْ اعْتِبَارُ عَدَدِ الطَّلَاقِ بِالنِّسَاءِ حَتَّى كَانَ طَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثًا وَطَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَيْنِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَدَدُ الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الرَّجُلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ»؛ وَلِأَنَّ صِفَةَ الْمَالِكِيَّةِ كَرَامَةٌ وَالْآدَمِيَّةُ مُسْتَدْعِيَةٌ لَهَا وَمَعْنَى الْآدَمِيَّةِ فِي الْحُرِّ أَكْمَلُ فَكَانَتْ مَالِكِيَّتُهُ أَبْلَغَ وَأَكْثَرَ وَلَنَا مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَيُرْوَى قُرْآنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَهَذَا إجْمَاعٌ، وَقَالَ مَالِكٌ شُهْرَةُ الْحَدِيثِ بِالْمَدِينَةِ تُغْنِي عَنْ صِحَّةِ سَنَدِهِ وَلَا يُقَالُ أَرَادَ بِهِ الْأَمَةَ الَّتِي تَحْتَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ عِدَّةُ الْإِمَاءِ لَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَتَقْيِيدُهُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ يُوجِبُ تَقْيِيدَهُ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَكَانَ بَاطِلًا؛ وَلِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهَا وَلِلرِّقِّ أَثَرٌ فِي تَنْصِيفِ النِّعْمَةِ فَالْحُرَّةُ تَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِرَجُلٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَوَجَبَ أَنْ تَمْلِكَ الْأَمَة مَرَّةً وَنِصْفًا، إلَّا أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَتَكَامَلُ، وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ مَرْفُوعٍ ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ وَتَأْوِيلُهُ عَلَى تَقْدِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكِيلِي فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِقَوْلِي أَنْتَ وَكِيلِي الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ وَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الرَّجُلِ خَرَجَ جَوَابًا لِقَوْلِ السُّلْطَانِ وَكِّلْنِي بِطَلَاقِ امْرَأَتِك اهـ. قَاضِي خَانْ فِي الْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ: فَأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ بَاقِيًا فِي حَقِّ حُكْمِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَلَى هَذَا لَوْ شَرِبَهَا مُكْرَهًا أَوْ لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ لَا يَقَعُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ زَالَ عِنْدَ كَمَالِ التَّلَذُّذِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ مُكْرَهًا وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ الْوُقُوعَ عِنْدَ زَوَالِ الْعَقْلِ لَيْسَ إلَّا التَّسَبُّبُ فِي زَوَالِهِ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّكْرَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْأَشْرِبَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ اُضْطُرَّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ، وَمَنْ سَكِرَ مِنْهَا مُخْتَارًا اُعْتُبِرَتْ عِبَارَتُهُ. وَأَمَّا مَنْ شَرِبَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ فَسَكِرَ وَطَلَّقَ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَيُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ مُحَرَّمٌ اهـ. وَقَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوِيهِ: أَمَّا إذَا شَرِبَهُ مُكْرَهًا وَسَكِرَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ كَمَا لَا يُحَدُّ اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي التُّحْفَةِ الْمُكْرَهُ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْمُضْطَرُّ إذَا شَرِبَ فَسَكِرَ فَإِنَّ طَلَاقَهُ لَا يَقَعُ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، ثُمَّ قَالَ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ قَالُوا يَقَعُ وَفِي الْإِيضَاحِ يَقَعُ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ حَصَلَ بِفِعْلٍ هُوَ مَحْظُورٌ فِي الْأَصْلِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحِ اهـ. قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي طَلَاقِ مَنْ لَا يَعْقِلُ: وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ لِضَرُورَةٍ وَسَكِرَ فَطَلَّقَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَالَ بِالْبَنْجِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ: وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ لَا يَنْفُذُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ اهـ. قَالَ فِي بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ مِنْ النِّهَايَةِ: الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا عَلَى أَنَّ مَنْ سَكِرَ مِنْ الْبَنْجِ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَيُحَدُّ شَارِبُهُ لِفُشُوِّ هَذَا الْفِعْلِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ اهـ

[باب الطلاق ضربان]

الثُّبُوتِ أَنَّ إيقَاعَهُ بِالرِّجَالِ دُونَ عَدَدِهِ وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ زَوْجُ الْحُرَّةِ الْمُطَلَّقَةِ ثِنْتَيْنِ مُتَمَكِّنًا مِنْ رَجْعَتِهَا حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا وَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا الْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ لِاخْتِصَاصِ الْمُطَلَّقَاتِ بِالْحَرَائِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] إذْ الْأَمَةُ تَعْتَدُّ بِقُرْأَيْنِ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] يَقْتَضِي أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّجْعَةِ بَعْدَ الطَّلْقَتَيْنِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا؛ وَلِأَنَّ الْحُرَّ لَوْ مَلَكَ ثَلَاثًا عَلَى الْأَمَةِ لَمَلَكَ إيقَاعَهُ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهِهِ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ إيقَاعُهُ فِي أَوْقَاتِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ الطَّلْقَاتِ يَمْلِكُ إيقَاعَهُ فِي أَوْقَاتِ السَّنَةِ وَبِهِ أَفْحَمَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ بْنِ صَدَقَةَ الشَّافِعِيَّ فَقَالَ أَيُّهَا الْفَقِيهُ إذَا مَلَكَ الْحُرُّ عَلَى الْأَمَةِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ كَيْفَ يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ فَقَالَ يُوقِعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ يُوقِعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَالَ أَمْسِكْ حَسْبُك فَإِنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ بِالْحَيْضَتَيْنِ فَلَمَّا تَحَيَّرَ رَجَعَ فَقَالَ لَيْسَ فِي الْجَمْعِ بِدْعَةٌ وَلَا فِي التَّفْرِيقِ سُنَّةٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ وَالْأَمَةُ ثِنْتَانِ) لِمَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الطَّلَاقِ ضَرْبَانِ] (بَابُ الطَّلَاقِ) الطَّلَاقُ ضَرْبَانِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ ظُهُورًا بَيِّنًا حَتَّى صَارَ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ بِحَيْثُ يَسْبِقُ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا وَمِنْهُ الصَّرْحُ لِلْقَصْرِ لِظُهُورِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الصَّرِيحُ هُوَ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَّقْتُك) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يُرَادُ بِهَا الطَّلَاقُ وَتُسْتَعْمَلُ فِيهِ لَا فِي غَيْرِهِ فَكَانَتْ صَرِيحًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فَأَثْبَتَ الرَّجْعَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ، وَقَالَ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وَإِنَّمَا يَكُونُ هُوَ أَوْلَى إذَا كَانَ النِّكَاحُ بَاقِيًا فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ، وَتَسْمِيَتُهُ بَعْلًا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ الرَّدُّ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّدِّ الْخُرُوجُ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا يُقَالُ رَدَّ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إذَا فَسَخَ الْبَيْعَ بَعْدَمَا بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَوَى الْأَكْثَرَ أَوْ الْإِبَانَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) يَعْنِي، وَلَوْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً بَائِنَةً لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمُرَادِ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِعَيْنِ الْكَلَامِ وَقَامَ مَقَامَ مَعْنَاهُ فَاسْتَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ وَبِنِيَّتِهِ الْإِبَانَةَ قَصْدُ تَنْجِيزِ مَا عَلَّقَهُ الشَّارِعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَلْغُو قَصْدُهُ كَمَا إذَا سَلَّمَ يُرِيدُ قَطْعَ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ، وَكَذَا نِيَّةُ الثَّلَاثِ تَغْيِيرٌ لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فَيَلْغُو، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ يَقَعُ مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ لَفْظُهُ فَإِنَّ ذِكْرَ الطَّالِقِ ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ لُغَةً كَذِكْرِ الْعَالِمِ ذِكْرٌ لِلْعِلْمِ لُغَةً فَصَارَ كَالتَّصْرِيحِ بِهِ، وَلِهَذَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِ فَصَارَ كَالْبَائِنِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ وَالْبَائِنُ كِنَايَةٌ عَنْهُ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ طَلِّقْهَا وَنَوَى الثَّلَاثَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ وَنَوَى الثَّلَاثَ وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَتَلْغُو نِيَّتُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ خَبَرٌ وَاقْتِضَاؤُهُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا إنْ كَانَ مُطَابِقًا أَوْ كَاذِبًا إنْ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ قَائِمَةٌ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا الْوُقُوعُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَلَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ لُغَةً وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ اقْتِضَاءً كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِوَاحِدَةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَزْيَدَ مِنْهَا بِخِلَافِ الْبَائِنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَكَانَ اللَّفْظُ صَالِحًا لَهُمَا فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَسْأَلْ ابْنَ عُمَرَ هَلْ أَرَادَ ثَلَاثًا أَمْ لَا حِينَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي الْحَيْضِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ لَسَأَلَهُ كَمَا سَأَلَ رُكَانَةَ حِينَ أَبَانَ امْرَأَتَهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا وَاحِدَةً وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَائِنَ كِنَايَةٌ عَنْ الطَّلَاقِ عَلَى مَا نَذْكُرُ وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلِّقْهَا أَوْ طَلِّقِي نَفْسَكِ حَيْثُ يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ فِيهِ ثَابِتٌ لُغَةً فَكَانَ مَحْذُوفًا وَهُوَ كَالْمَنْطُوقِ فَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ عَلَى اعْتِبَارِ الْجِنْسِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجِنْسِ كَسَائِرِ الْأَجْنَاسِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ بَعْدَهُ تَفْسِيرٌ بَلْ هُوَ تَغْيِيرٌ؛ لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا كَمَا يُقَالُ أَعْطَيْتُهُ جَزِيلًا أَيْ عَطَاءً جَزِيلًا وَذِكْرُ طَالِقٍ يَكُونُ ذِكْرًا لِطَلَاقٍ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( بَابُ الطَّلَاقِ) لَمَّا ذَكَرَ أَصْلَ الطَّلَاقِ وَوَصْفَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ تَنْوِيعِهِ مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالصَّرِيحِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْكِنَايَةِ، وَالصَّرِيحُ مَا كَانَ ظَاهِرَ الْمُرَادِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْكِنَايَةُ مَا كَانَ مُسْتَتِرَ الْمُرَادِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ ثُمَّ الطَّلَاقُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا أَوْ مُضَافًا إلَى وَقْتٍ أَوْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ فَالْمُرْسَلُ يَقَعُ مِنْ سَاعَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ سُنِّيًّا أَوْ بِدْعِيًّا وَالْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ رَأْسَ الشَّهْرِ أَوْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ مَا شَاكَلَهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِ الْوَقْتِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ أَوْ إنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا لَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَكَذَلِكَ فِي أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ وَسَيَجِيءُ أَلْفَاظُهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ وَمِنْهُ الصَّرْحُ لِلْقَصْرِ لِظُهُورِهِ) أَيْ وَارْتِفَاعِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَبْنِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِنِيَّتِهِ الْإِبَانَةَ قَصْدُ تَنْجِيزِ مَا عَلَّقَهُ الشَّارِعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ مُعَلَّقَةٌ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ أَرَادَ تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّارِعُ بِانْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَقْدِيمَ مَا أَخَّرَ الشَّرْعُ إلَى وَقْتٍ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ قَصْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلِهَذَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ فَرْدٌ فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ فَتَلْغُو نِيَّتُهُ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ) أَيْ لَا لِلطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لِلرَّجُلِ وَهُوَ فِعْلُ التَّطْلِيقِ. اهـ. رَازِيٌّ

لَا لِطَلَاقٍ يُوقِعُهُ الزَّوْجُ، لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ يَدُلُّ عَلَى مَصْدَرٍ قَائِمٍ بِالْفَاعِلِ لُغَةً لَا عَلَى مَصْدَرٍ يُوقِعُهُ الْوَاصِفُ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرْت مِنْ الْمَعْنَى أَنْ لَوْ كَانَ خَبَرًا وَقَدْ جَعَلَهُ الشَّارِعُ إنْشَاءً فَلَا يَسْتَقِيمُ قُلْنَا فَإِذَا كَانَ إنْشَاءً صَارَ ابْتِدَاءَ فِعْلٍ وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعَدُّدَ بِالنِّيَّةِ كَالضَّرْبَةِ وَالْخُطْوَةِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْإِيقَاعُ الْوَاحِدُ إيقَاعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يَلْزَمُنَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ حَيْثُ تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ صِفَةٌ لِتَطْلِيقٍ مَحْذُوفٍ إذْ الْفِعْلُ هُوَ الَّذِي يُوصَفُ بِالسَّنَةِ وَذِكْرُ الصِّفَةِ ذِكْرٌ لِلْمَوْصُوفِ تَقْدِيرُهُ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقًا لِلسَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إنَّهُ نَعْتُ فَرْدٍ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الطَّلَاقِ لَا فِي الْمَرْأَةِ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْمَرْأَةُ كَالْقَاضِي لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ إذَا سَمِعَتْ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدُ عَدْلٍ عِنْدَهَا، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يَقَعْ فِي الْقَضَاءِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ مِنْ الْعَمَلِ لَمْ يُصَدَّقْ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً لِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا، وَهَذَا لِأَنَّهُ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهِيَ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْعَمَلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُدَيَّنُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّخْلِيصِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ عَمَلِ كَذَا أَوْ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ دُيِّنَ دِيَانَةً لِوُجُودِ الْبَيَانِ الْمَوْصُولِ صُورَةً وَلَا يُدَيَّنُ قَضَاءً لِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مِنْ هَذَا الْعَمَلِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِتَسْكِينِ الطَّاءِ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ عُرْفًا فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ بِلَا نِيَّةٍ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ)، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ فَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِاللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ النَّعْتِ وَحْدَهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَمَعَ الْمَصْدَرِ الْمُؤَكِّدِ لَهُ أَوْلَى. وَأَمَّا وُقُوعُهُ بِاللَّفْظَةِ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ فَلِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الِاسْمُ يُقَالُ رَجُلٌ عَدْلٌ أَيْ عَادِلٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَمٌ أَيْ عَالِمٌ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ أَيْ مُقْبِلَةٌ وَمُدْبِرَةٌ، وَقَالَ آخَرُ فَأَنْتِ الطَّلَاقُ وَأَنْتِ الطَّلَاقُ ... وَأَنْتِ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا تَمَامًا أَنَوَّهْت بِاسْمِي فِي الْعَالَمِينَ ... وَأَفْنَيْت عُمْرِي عَامًا فَعَامَا فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا تَلَوْنَا وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ جِنْسٌ فَيَحْتَمِلُ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ فَإِذَا نَوَاهُ فَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ إنَّهَا بَعْضُ الثَّلَاثِ فَتَصِحُّ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الثَّلَاثِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ وَلَفْظُ الْجِنْسِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَتَلْغُو نِيَّتُهُ وَنِيَّةُ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ لِكَوْنِهَا جَمِيعَ الْجِنْسِ، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّفْظَ مُفْرَدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْدَ نَوْعَانِ فَرْدٌ حَقِيقِيٌّ وَهُوَ أَدْنَى الْجِنْسِ وَفَرْدٌ حُكْمِيٌّ وَهُوَ جَمِيعُ الْجِنْسِ فَأَيَّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَلَا كَذَلِكَ التَّثْنِيَةُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جَمِيعُ الْجِنْسِ فِي حَقِّهَا كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ فَإِنْ قِيلَ ذِكْرُ الْمَصْدَرِ ظَاهِرٌ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا أَوْ طَالِقٌ الطَّلَاقَ. وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ أَنْتِ طَلَاقٌ فَقَدْ أَقَمْته مَقَامَ أَنْتِ طَالِقٌ وَفِيهِ لَا يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا كَذَلِكَ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ قُلْنَا هُوَ مَصْدَرٌ فِي أَصْلِهِ فَيُلَاحَظُ فِيهِ جَانِبُ الْمَصْدَرِيَّةِ كَمَا يُلَاحَظُ فِيهِ جَانِبُ الْمَصْدَرِيَّةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى اسْتَوَى فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَكَذَا الْمُفْرَدُ وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ فَكَذَا فِي احْتِمَالِ الْجِنْسِ كُلِّهِ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ أَنْتِ ذَاتُ الطَّلَاقِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ فَيَنْتَفِي الْإِيرَادُ رَأْسًا أَوْ يَجْعَلُ ذَاتَهَا طَلَاقًا لِلْمُبَالَغَةِ فَلَا يَرِدُ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّ الْكِسَائِيَّ كَتَبَ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَتْوَى فَدَفَعَهَا إلَيَّ فَقَرَأْتهَا عَلَيْهِ مَا قَوْلُ الْقَاضِي الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ) أَيْ عَنْ قَيْدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَالْوَثَاقُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّخْلِيصِ) أَيْ الطَّلَاقُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْبَيَانِ الْمَوْصُولِ) يُحْتَرَزُ مِنْ الْمَفْصُولِ بِأَنْ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ عُرْفًا) أَيْ بَلْ فِي الِانْطِلَاقِ عَنْ الْقَيْدِ الْحِسِّيِّ اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ) ضَبَطَهُ الشَّارِحُ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْقَلَمِ بِالنَّصْبِ كَمَا شَاهَدْتُهُ فِي خَطِّهِ، وَكَذَا الْعَيْنِيُّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّارِحِ الرَّفْعُ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ بِإِضْمَارِ أَنْتِ إلَخْ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يَقْتَضِي الرَّفْعَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبًا فَهُوَ بِالْجُمْلَةِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا، وَلِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا تَلَوْنَا) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]. اهـ. (قَوْلُهُ وَفَرْدٌ حُكْمِيٌّ وَهُوَ جَمِيعُ الْجِنْسِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مَحْضٌ فَلَا يَجُوزُ نِيَّتُهُ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ إطْلَاقِ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ لِسَعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى وَيَكُونُ فَرْدًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَا كَذَلِكَ التَّثْنِيَةُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُحْتَمَلَاتِ اهـ

فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقُ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ كَمْ يَقَعُ عَلَيْهَا فَكَتَبَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَابَهُ إنْ رُفِعَ ثَلَاثٌ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ نُصِبَ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَفَعَ ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ الْكَلَامُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَلَاقٌ ثُمَّ ابْتَدَأَ أَوْ الطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ثَلَاثٌ وَالطَّلَاقُ مُبْتَدَأٌ وَثَلَاثٌ خَبَرُهُ وَعَزِيمَةٌ إنْ رَفَعَهَا خَبَرٌ وَإِنْ نَصَبَهَا حَالٌ وَإِذَا نَصَبَ ثَلَاثًا فَكَأَنَّهُ قَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ ابْتِدَاءً وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ فَقَالَ أَرَدْتُ بِقَوْلِي طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِي الطَّلَاقُ أُخْرَى يَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ بِإِضْمَارِ أَنْتِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ رَجْعِيَّتَانِ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ فَأَنْتِ طَلَاقٌ) فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مَوْضُوعًا مَوْضِعَ اسْمِ الْفَاعِلِ كَرَجُلٍ عَدْلٍ وَصَوْمٍ وَنَذْرٍ وَفِطْرٍ أَيْ مُفْطِرٍ قَالَ تَعَالَى {مَاؤُكُمْ غَوْرًا} [الملك: 30] وَقَدْ يَقَعُ مَوْقِعَ الْمَفْعُولِ كَرَجُلٍ رِضًا، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ كَمَا قِيلَ صَلَّى الْمَسْجِدُ أَيْ أَهْلُهُ وَكَمَا قَالَتْ الْخَنْسَاءُ فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ أَعَقُّ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي فَوَائِدِهِ يُرِيدُ فَهُوَ أَعَقُّ فَحَذَفَ فَهُوَ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الضَّرُورَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَزِيمَةٌ إنْ رَفَعَهَا خَبَرٌ) أَيْ خَبَرٌ أَوَّلٌ وَثَلَاثٌ خَبَرٌ ثَانٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَصَبَهَا حَالٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الدُّرَّةِ أَيْ إذَا كَانَ عَزِيمَةً. اهـ. وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ هِشَامٍ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ التَّوَارِيخِ أَنَّ الرَّشِيدَ كَتَبَ إلَى أَبِي يُوسُفَ مَا قَوْلُ الْقَاضِي الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقُ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ فَقَالَ مَاذَا يَلْزَمُهُ إذَا رَفَعَ الثَّلَاثَ وَإِذَا نَصَبَهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ وَلَا آمَنُ مِنْ الْغَلَطِ فِيهَا فَأَتَى إلَى الْكِسَائِيّ فَسَأَلَهُ فَأَجَابَ عَنْهَا بِمَا سَنَذْكُرُهُ وَهُوَ بَعْدَ كَوْنِهِ غَلَطًا فِيهِ بَعُدَ عَنْ مَعْرِفَةِ مَقَامِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ مَعْرِفَةَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَسَالِيبِهَا؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَقَعُ فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ أَهْلُ الثَّبَتِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَّنْ قَرَأَ الْفَتْوَى حِينَ وَصَلَتْ خِلَافُ هَذَا وَأَنَّ الْمُرْسِلَ بِهَا الْكِسَائِيُّ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَلَا دَخْلَ لِأَبِي يُوسُفَ أَصْلًا وَلَا لِلرَّشِيدِ وَلَمَقَامُ أَبِي يُوسُفَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ مَعَ إمَامَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَبَرَاعَتِهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْأَلْفَاظِ فَفِي الْمَبْسُوطِ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّ الْكِسَائِيَّ بَعَثَ إلَى مُحَمَّدٍ بِفَتْوَى فَدَفَعَهَا إلَيَّ فَقَرَأْتهَا عَلَيْهِ فَقَالَ مَا قَوْلُ قَاضِي الْقُضَاةِ الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقُ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ فَمَا يَقَعُ عَلَيْهِ فَكَتَبَ فِي جَوَابِهِ إنْ قَالَ ثَلَاثٌ مَرْفُوعًا كَانَ ابْتِدَاءً فَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَلَاقٌ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِذَا قَالَ ثَلَاثًا مَنْصُوبًا عَلَى مَعْنَى الْبَدَلِ أَوْ التَّفْسِيرِ فَيَقَعُ بِهِ ثَلَاثٌ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ ثَلَاثًا وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ فِي تَفْسِيرِ الْوَاقِعِ فَاسْتَحْسَنَ الْكِسَائِيُّ جَوَابَهُ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ هِشَامٍ بَعْدَ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَالصَّوَابُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ يَحْتَمِلُ وُقُوعَ الثَّلَاثِ وَالْوَاحِدَةِ أَمَّا الرَّفْعُ فَلِأَنَّ " أَلْ " فِي الطَّلَاقِ إمَّا لِمَجَازِ الْجِنْسِ نَحْوُ زَيْدٌ الرَّجُلُ أَيْ الْمُعْتَدُّ بِهِ وَإِمَّا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ أَيْ، وَهَذَا الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ عَزِيمَةً ثَلَاثٌ وَلَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْبَارُ بِالْخَاصِّ عَنْ الْعَامِّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ إذْ لَيْسَ كُلُّ طَلَاقٍ عَزِيمَةً ثَلَاثًا فَعَلَى الْعَهْدِيَّةِ تَقَعُ الثَّلَاثُ وَعَلَى الْجِنْسِيَّةِ وَاحِدَةٌ. وَأَمَّا النَّصْبُ فَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ إذْ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ اعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا بِالْجُمْلَةِ وَكَوْنُهُ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ فِي عَزِيمَةٍ فَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ إذَا كَانَ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقَعُ مَا نَوَاهُ هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ. وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَهُ الشَّاعِرُ فَالثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ فَبِينِي بِهَا إنْ كُنْتِ غَيْرَ رَفِيقَةٍ ... وَمَا لِامْرِئٍ بَعْدَ الثَّلَاثِ مُقَدَّمٌ اهـ وَتَخْرُقِي بِضَمِّ الرَّاءِ مُضَارِعُ خَرُقَ بِضَمِّهَا أَوْ بِفَتْحِ الرَّاءِ مُضَارِعُ خَرِقَ بِكَسْرِهَا وَالْخُرْقُ بِالضَّمِّ الِاسْمُ وَهُوَ ضِدُّ الرِّفْقِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ فِي النَّصْبِ كَوْنُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ نِيَابَةً عَنْ الْمَصْدَرِ لِقِلَّةِ الْفَائِدَةِ فِي إرَادَةِ الطَّلَاقِ عَزِيمَةً إذَا كَانَ ثَلَاثًا. وَأَمَّا الرَّفْعُ فَلِامْتِنَاعِ الْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا ذَكَرَ بَقِيَ أَنْ يُرَادَ مَجَازُ الْجِنْسِ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ أَوْ الْعَهْدُ الذِّكْرِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ، وَلِهَذَا ظَهَرَ مِنْ الشَّاعِرِ أَنَّهُ أَرَادَهُ كَمَا أَفَادَهُ الْبَيْتُ الْأَخِيرُ فَجَوَابُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يَجِبُ فِي مِثْلِهِ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى الظَّاهِرِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَى الِاحْتِمَالِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ فَقَالَ أَرَدْتُ بِقَوْلِي طَالِقٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا وَنَوَى بِهِ ثِنْتَيْنِ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا صِحَّةَ نِيَّةِ الثِّنْتَيْنِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِعَيْنِهَا إذَا أَرَادَ الثِّنْتَيْنِ عَلَى التَّقْسِيمِ فَقَالَ إذَا نَوَى طَلْقَةً وَاحِدَةً بِقَوْلِهِ طَالِقٌ وَطَلْقَةً أُخْرَى بِقَوْلِهِ طَلَاقًا أَوْ الطَّلَاقَ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ صَالِحٌ لِلْإِيقَاعِ فَيَصِيرُ طَالِقٌ مُقْتَضِيًا وَطَلَاقًا دَلِيلًا عَلَى نَعْتٍ مَحْذُوفٍ فَيَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ رَجْعِيَّتَانِ إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ هَكَذَا نَقَلُوهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمَنَعَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ؛ لِأَنَّ طَالِقٌ نَعْتٌ وَطَلَاقًا مَصْدَرُهُ فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ فَأَقُولُ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الثِّنْتَيْنِ عَلَى الْجَمْعِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ فَكَذَا إذَا نَوَاهُمَا عَلَى التَّقْسِيمِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ. اهـ. .

وَإِلَّا لَغَا الْكَلَامُ الثَّانِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُمْلَتِهَا أَوْ إلَى مَا يُعَبِّرُ بِعَنْهَا كَالرَّقَبَةِ وَالْعُنُقِ وَالرُّوحِ وَالْبَدَنِ وَالْجَسَدِ وَالْفَرْجِ وَالْوَجْهِ أَوْ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهَا كَنِصْفِهَا أَوْ ثُلُثِهَا تَطْلُقُ)؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى مَحَلِّهِ أَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى جُمْلَتِهَا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَنْتِ ضَمِيرُ الْمُخَاطَبَةِ، وَكَذَلِكَ الرُّوحُ وَالْبَدَنُ وَالْجَسَدُ. وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهَا تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا جُمْلَتُهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] وَالْمُرَادُ ذَاتُهُمْ، وَلِهَذَا جُمِعَ هَذَا الْجَمْعَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92]، وَقَالَ تَعَالَى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27]، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ» وَيُقَالُ أَمْرِي حَسَنٌ مَا دَامَ رَأْسُك أَيْ مَا دُمْت بَاقِيًا وَهَؤُلَاءِ رُءُوسُ الْقَوْمِ وَالْجُزْءُ الشَّائِعُ مَحَلٌّ لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَثْبُتُ فِي الْكُلِّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَتَجَزَّأُ فِي حَقِّهِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْجُزْءِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّعَدِّي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالدُّبُرِ لَا) أَيْ إنْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهَا لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْجُمْلَةِ وَبِاعْتِبَارِهِ كَانَ الْوُقُوعَ فِيمَا تَقَدَّمَ حَتَّى لَوْ قَالَ الرَّأْسُ مِنْك طَالِقٌ أَوْ الْوَجْهُ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الرَّأْسِ أَوْ الْعُنُقِ، وَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصَحِّ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَقَعُ إذَا أَضَافَهُ إلَى الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مُسْتَمْتَعٌ بِهِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ فَتَثْبُتُ فِيهِ قَضِيَّةُ الْإِضَافَةِ ثُمَّ يَسْرِي إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ بِخِلَافِ إضَافَةِ النِّكَاحِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي غَيْرِهِ تَغْلِبُ الْحِلَّ فِيهِ لِمَا عُرِفَ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ طَلَّقْتُك شَهْرًا تَطْلُقُ دَهْرًا، وَلَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُك شَهْرًا لَا يَصِحُّ وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ فَيَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْقَيْدِ وَمَحَلُّهُ مَا يَجُوزُ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ لَا مَا يَدْخُلُ تَبَعًا كَمِلْكِ الرَّقَبَةِ تَدْخُلُ فِيهِ الْأَطْرَافُ تَبَعًا وَلَا يَجُوزُ إضَافَةُ الشِّرَاءِ إلَيْهَا بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِ تَبَعٌ لِوُرُودِ الْحِلِّ فِي جَمِيعِهَا فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا كَمَا فِي إضَافَةِ النِّكَاحِ إلَيْهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْبُضْعِ وَذُكِرَ فِي الدَّمِ رِوَايَتَانِ هُنَا، وَقَالَ فِي الْعَتَاقِ إذَا قَالَ دَمُك حُرٌّ لَا يَعْتِقُ وَصَحَّ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ صِحَّةُ التَّكْفِيلِ بِهِ فَعُلِمَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْيَدُ وَالْقَلْبُ؛ لِأَنَّهُمَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْجَمِيعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ» وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال: 63] أَيْ بَيْنَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ {وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: 63] لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يُعْرَفْ اسْتِمْرَارُ اسْتِعْمَالِهِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَإِنَّمَا جَاءَ بِهَا عَلَى وَجْهِ النُّدْرَةِ حَتَّى إذَا كَانَ عِنْدَ قَوْمٍ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ الْعُضْوُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ ثُلُثُهَا طَلْقَةٌ) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا نِصْفَ التَّطْلِيقَةِ أَوْ ثُلُثَهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا فِي كُلِّ جُزْءٍ شَائِعٍ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ صِيَانَةً لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَتَغْلِيبًا لِلْمُحَرَّمِ عَنْ الْمُبِيحِ وَإِعْمَالًا لِلدَّلِيلِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَكَامَلْ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الدَّلِيلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ ثَلَاثٌ) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَالرَّقَبَةِ وَالْعُنُقِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْعُنُقُ الرَّقَبَةُ وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَالْحِجَازُ تُؤَنِّثُ فَيُقَالُ هِيَ الْعُنُقُ وَالنُّونُ بِالضَّمِّ لِلِاتِّبَاعِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ وَسَاكِنَةٌ فِي لُغَةِ تَمِيمٍ وَالْجَمْعُ أَعْنَاقٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أَيْ مَمْلُوكَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ) أَيْ النِّسَاءَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قُلْت سَلَّمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ فِي الْبَدَنِ ابْتِدَاءً وَلَا بِنَاءَ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الْيَدِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَلَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْيَدِ الْبَدَنُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [آل عمران: 182]. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ» قُلْت ثُبُوتُ الْمَجَازِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا وُجِدَتْ النِّيَّةُ وَالْإِرَادَةُ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِ الْمُتَكَلِّمِ ذَلِكَ حَتَّى إذَا ذَكَرَ الْيَدَ وَأَرَادَ بِهَا كُلَّ الْبَدَنِ يَصِحُّ كَذَا ذَكَرَهُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ اهـ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ يَدُك وَرِجْلُك طَالِقٌ عِبَارَةً عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَانَ لَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّهَا تَطْلُقُ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصَحِّ) وَوَجْهُهُ أَنْ لَا يُرَادَ بِهِ الذَّاتُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقِيلَ يَقَعُ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْإِضَافَةُ إلَى الْجُمْلَةِ أَوْ إلَى مَا يَبْقَى الْإِنْسَانُ حَيًّا بَعْدَ قَطْعِهِ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ عِنْدَنَا حَتَّى تَصِحَّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ إلَخْ) وَفِي الظَّهْرِ وَالدَّمِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَالْمُخْتَارُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي الدَّمِ رِوَايَتَانِ هُنَا) أَيْ فِي الطَّلَاقِ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ إلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ أَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ. وَأَمَّا النَّصْبُ فَعَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقًا نِصْفَ التَّطْلِيقَةِ هَذَا مِنْ حَيْثُ التَّرْكِيبُ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَهَا أَيْ أَوْ ثُلُثَ التَّطْلِيقَةِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ وَيَجُوزُ فِيهَا الْوَجْهَانِ أَيْضًا الرَّفْعُ عَلَى الْعَطْفِ وَالنَّصْبُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُهُ طَلْقَةٌ بِالرَّفْعِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ إمَّا خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ خَبَرٌ عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفُ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثُ تَطْلِيقَةٍ هُوَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُهُ ثَلَاثٌ أَيْ: ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ بِالرَّفْعِ لَيْسَ إلَّا أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا. اهـ. (فَائِدَةٌ) الطَّلَاقُ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ لَا يَتَجَزَّأُ وَعِنْدَ الْمُخَالَفَةِ يَتَجَزَّأُ

نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ضَرُورَةً، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ قِيلَ يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ؛ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَتَكَامَلُ وَقِيلَ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِصْفٍ يَتَكَامَلُ فِي نَفْسِهِ فَيَصِيرُ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ وَسُدُسَ تَطْلِيقَةٍ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ مِنْ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ جُزْءًا فَيَتَكَامَلُ كُلُّ جُزْءٍ، وَهَذَا لِأَنَّهُ ذَكَرَ كُلَّ طَلْقَةٍ مُنَكَّرًا وَالْمُنَكَّرُ إذَا أُعِيدَ مُنَكَّرًا كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا حَيْثُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ مُعَرَّفٌ فَيَكُونُ عَيْنَ الْأَوَّلِ فَتَكُونُ الْأَجْزَاءُ مِنْ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ حَتَّى تَكْمُلَ ثُمَّ إذَا تَمَّتْ وَاحِدَةٌ وَفَضَلَ شَيْءٌ وَقَعَتْ ثَانِيَةٌ ثُمَّ لَا تَقَعُ ثَالِثَةٌ حَتَّى تَزِيدَ الْأَجْزَاءُ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعِ حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ فِي الْمُعَرَّفِ وَثَلَاثَةٌ فِي الْمُنَكَّرِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ قَالَ خَمْسَةُ أَرْبَاعٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الْمُعَرَّفِ وَثَلَاثٌ فِي الْمُنَكَّرِ وَعَلَى هَذَا فِي كُلِّ جُزْءٍ سَمَّاهُ كَالْأَخْمَاسِ وَالْأَعْشَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَإِلَى ثَلَاثٍ ثِنْتَانِ) مَعْنَاهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَدْخُلُ الْغَايَةُ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَقَالَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ حَتَّى يَقَعَ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي الْأُولَى شَيْءٌ وَفِي الثَّانِيَةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمَضْرُوبِ لَهُ الْغَايَةُ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ إنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ مَتَى ذُكِرَ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ الْكُلُّ يُقَالُ خُذْ مِنْ مَالِي مِنْ دِرْهَمٍ إلَى مِائَةٍ وَيُقَالُ كُلْ مِنْ مَالِي مِنْ الْمِلْحِ إلَى الْحُلْوِ وَيُرَادُ بِهِ الْإِذْنُ فِي الْكُلِّ وَيُقَالُ اشْتَرِ لِي عَبْدًا بِدَرَاهِمَ مِنْ مِائَةٍ إلَى أَلْفٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَلْفٍ وَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُرْفِ، وَلِأَنَّ الْغَايَةَ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا وَهُوَ بِالْوُقُوعِ هُنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُرَادُ بِهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ وَالْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي طَلْقَةً فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا طَلَّقْت نَفْسِي نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَثَلَاثُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ ثَلَاثٌ) هَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهَا مُحَمَّدٌ إشْكَالًا يَتَرَاءَى وَهُوَ أَنَّ ثَلَاثَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَلْقَةٍ إذَا نَصَّفْتهَا تَكُونُ نِصْفَيْنِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلْقَتَانِ لَا الثَّلَاثُ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفًا وَجَوَابُهُ أَنَّ النِّصْفَ الْوَاحِدَ مِنْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَاحِدَةٌ فَإِذَا كَانَ نِصْفُ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً وَاحِدَةً يَكُونُ ثَلَاثَةُ أَنْصَافٍ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ ضَرُورَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ يَكُونُ ثَلَاثُ أَنْصَافٍ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ ضَرُورَةً قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَقَعَ الثَّالِثَةُ؛ لِأَنَّ فِي إيقَاعِهَا شَكًّا؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ يَحْتَمِلُ مَا ذَكَرْنَا وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ طَلْقَةً وَنِصْفًا؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَتَيْنِ إذَا نُصِّفَتَا صَارَتَا أَرْبَعَةَ أَنْصَافٍ فَثَلَاثَةٌ مِنْهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَكْمُلُ طَلْقَتَيْنِ، وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ اشْتِبَاهِ قَوْلِنَا نَصَّفْنَا تَطْلِيقَتَيْنِ وَنَصَّفْنَا كُلًّا مِنْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَالثَّانِي هُوَ الْمُوجِبُ لِلْأَرْبَعَةِ الْأَنْصَافِ وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي ثَلَاثَةِ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ فَيَثْبُتُ بِالنِّيَّةِ لَا فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ أَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ لَا نِصْفَا تَطْلِيقَتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ قِيلَ يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ)، وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ النَّافِعُ فِي الْأَجْنَاسِ وَالْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَتَّابِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَبِتَبَيُّنِ ذَلِكَ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ رُبْعَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبْعَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبْعَ تَطْلِيقَةٍ يَقَعُ ثَلَاثٌ هَذَا فِي الْمُنَكَّرِ وَفِي الْمُعَرَّفِ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ رُبْعَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبْعَهَا وَرُبْعَهَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ خَمْسَةُ أَرْبَاعٍ) أَيْ لَوْ ذَكَرَ خَمْسَةَ أَرْبَاعٍ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ رُبْعَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبْعَهَا وَرُبْعَهَا وَرُبْعَهَا وَرُبْعَهَا يَقَعُ ثِنْتَانِ هَذَا فِي الْمُعَرَّفِ وَفِي الْمُنَكَّرِ ثَلَاثٌ وَصُورَتُهُ ظَاهِرَةٌ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ إلَخْ)، وَكَذَا الْخِلَافُ أَيْضًا لَوْ قَالَ مِنْ ثَلَاثٍ إلَى وَاحِدَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ ثَلَاثٍ إلَى وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى أَقَلُّهُمَا مِقْدَارًا لَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا أَوَّلًا. اهـ. قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ، وَقَالَ زُفَرُ إلَخْ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لَك مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ فَعِنْدَهُ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ وَعِنْدَهُمَا عَشَرَةٌ وَعِنْدَ زُفَرَ ثَمَانِيَةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمَضْرُوبِ لَهُ الْغَايَةُ) أَيْ وَإِلَّا فَلَا تَكُونُ الْغَايَةُ غَايَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ إلَخْ) مُقْتَضَى قَوْلِهِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتَى بِهِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ الشَّيْءَ مَتَى جُعِلَ غَايَةً وَحَدًّا لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ لِيَصِحَّ كَوْنُهُ غَايَةً وَوُجُودُ الطَّلَاقِ بِوُقُوعِهِ وَالطَّلَاقُ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ فَيَقَعُ الْكُلُّ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الْأَقَلِّ لَا يُرَادُ فِي قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ. اهـ. وَقَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ خَطِّهِ نُقِلَتْ فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدَةِ وَالْأَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثِ وَذَلِكَ ثِنْتَانِ وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدَةِ وَالْأَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثِ وَذَلِكَ ثِنْتَانِ وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ الْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ مَوْجُودًا وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فَيَقَعُ الْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ لِإِمْكَانِهِ وَلَا يَقَعُ الْأَكْثَرُ

عُرْفًا يُقَالُ سِنُّ فُلَانٍ مِنْ سَنَتَيْنِ إلَى سَبْعِينَ أَوْ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ وَيُرَادُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ سِتِّينَ وَأَقَلُّ مِنْ سَبْعِينَ وَقَدْ حَاجَّ الْأَصْمَعِيُّ زُفَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ بَابِ هَارُونَ الرَّشِيدِ فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ قَالَ تَطْلُقُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا بَيْنَ لَا تَتَنَاوَلُ الْحَدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فَقَالَ لَهُ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قِيلَ لَهُ كَمْ سِنُّك فَقَالَ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى سَبْعِينَ أَيَكُونُ ابْنَ تِسْعِ سِنِينَ فَتَحَيَّرَ فَقَالَ أَسْتَحْسِنُ فِي مِثْلِ هَذَا وَإِرَادَةُ الْكُلِّ فِيمَا طَرِيقُهُ الْإِبَاحَةُ كَمَا ذَكَرَ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ زُفَرُ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ الْأُولَى مَوْجُودَةً لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ لِتَعَذُّرِ الثَّانِيَةِ بِدُونِ الْأُولَى وَوُجُودِهَا بِوُقُوعِهَا فَتَثْبُتُ ضَرُورَةً بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ فِيهِ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِهَا وَلَا يُقَالُ إنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً ثَانِيَةً لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ تَعَذُّرِ الثَّانِيَةِ بِدُونِ الْأُولَى أَنْ تَقَعَ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ قَوْلَهُ ثَانِيَةً وَقَعَ لَغْوًا فَلَا يُعْتَبَرُ. وَقَوْلُهُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ كَلَامٌ صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ بِإِيقَاعِ الثَّانِيَةِ فَأَوْقَعْنَا الْأُولَى ضَرُورَةً، وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً فِي قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ يُدَيَّنُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى عَشْرٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُعْتَبَرٌ فِي الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي سِتًّا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَقَعُ الثَّلَاثُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَلَوْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ حَدًّا أَوْ مَحْدُودًا فَيَلْغُو وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَلَوْ قَالَ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَثَلَاثٍ يَقَعُ وَاحِدَةٌ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَايَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَاحِدَةٌ فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى الضَّرْبَ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثٌ أَمَّا إذَا نَوَى الضَّرْبَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلِأَنَّ عَمَلَ الضَّرْبِ أَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ بِعَدَدِ الْمَضْرُوبِ فِيهِ لَا فِي زِيَادَةِ الْمَضْرُوبِ إذْ لَوْ أَفَادَهَا مَا وُجِدَ فِي الدُّنْيَا فَقِيرٌ، وَتَكْثِيرُ أَجْزَاءِ الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يُوجِبُ تَعَدُّدَهَا مَا لَمْ تَزِدْ الْأَجْزَاءُ عَلَى الْوَاحِدَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ فِي ثِنْتَيْنِ ظَرْفٌ حَقِيقَةً وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لَهُ فَيَقَعُ الْمَظْرُوفُ لَا مَا جَعَلَهُ ظَرْفًا وَعِنْدَ زُفَرَ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِعُرْفِ الْحِسَابِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى. وَأَمَّا إذَا نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَلِأَنَّ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ مُنَاسَبَةً لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إفَادَةِ مَعْنَى الْجَمْعِ فَإِنَّ الظَّرْفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْأَقَلِّ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُرَادُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ سِتِّينَ) أَيْ الَّتِي هِيَ الْأَقَلُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَقَلُّ مِنْ سَبْعِينَ) أَيْ الَّتِي هِيَ الْأَكْثَرُ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ حَاجَّ الْأَصْمَعِيُّ زُفَرَ) الَّذِي فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلشُّمُنِّيِّ رُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ لِزُفَرَ كَمْ سِنُّك قَالَ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ إلَخْ اهـ فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ قَالَ تَطْلُقُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا بَيْنَ لَا تَتَنَاوَلُ الْحَدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فَقَالَ لَهُ الْأَصْمَعِيُّ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ زُفَرُ) إنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمَحْدُودِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى مَا قَالَ زُفَرُ إلَّا أَنَّ فِي إدْخَالِ الْغَايَةِ الْأُولَى ضَرُورَةً وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّانِيَةَ وَلَا بُدَّ لِلثَّانِيَةِ مِنْ الْأُولَى لِتَرَتُّبِ الثَّانِيَةِ عَلَيْهَا فَتَقَعُ الْأُولَى لِأَجْلِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ فَبَقِيَتْ عَلَى الْقِيَاسِ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْمُغَيَّا، وَلِأَنَّ الْغَايَةَ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا الْكَلَامُ قَدْ تَدْخُلُ كَالْمَرَافِقِ وَالْكِعَابِ فِي الْوُضُوءِ وَقَدْ لَا تَدْخُلُ كَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ فَلَا يَدْخُلُ الْمُنْتَهَى إلَيْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَكَذَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ مَقْرُوءًا عَلَى مُؤَلَّفِهِ خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِبُرْهَانِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى عَشْرٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا إذَا قَالَ إلَى ثَلَاثٍ ثُمَّ رَقَّمَ إلَى قَاضِي بَدِيعٍ، وَقَالَ يَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ فِي الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ حَتَّى لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي سِتًّا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَقَعُ الثَّلَاثُ بِخَمْسِمِائَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ) أَيْ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ زُفَرَ وَيَقَعُ عِنْدَهُمَا ثِنْتَانِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحِدَةٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى أُخْرَى اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ. وَقَوْلُهُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافُ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ غَايَةَ نَفْسِهِ فَيَلْغُو قَوْلُهُ إلَى وَاحِدَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ حَدًّا) وَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ النَّكِرَتَيْنِ لَيْسَا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ وَأَخَذَهُ مِنْ غَايَةِ السُّرُوجِيِّ. . اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ) أَيْ فَالْوَاقِعُ ثَلَاثٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثٌ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ. (قَوْلُهُ بِعَدَدِ الْمَضْرُوبِ) فَمَعْنَى قَوْلِنَا وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ ذُو جُزْأَيْنِ، وَكَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا وَاحِدَةً فِي ثَلَاثٍ وَاحِدَةٌ ذُو أَجْزَاءٍ ثَلَاثَةٍ وَالطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ وَإِنْ كَثُرَتْ أَجْزَاؤُهَا لَا تَصِيرُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةً. اهـ. (قَوْلُهُ إذْ لَوْ أَفَادَهَا مَا وُجِدَ فِي الدُّنْيَا فَقِيرٌ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَضْرِبُ مَا مَلَكَهُ مِنْ دِرْهَمٍ فِي مِائَةٍ فَيَصِيرُ مِائَةً وَيَضْرِبُ الْمِائَةَ فِي أَلْفٍ فَيَصِيرُ مِائَةَ أَلْفٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ) أَيْ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ

يُقَارِنُ الْمَظْرُوفَ وَيَتَّصِلُ بِهِ وَالْعَطْفُ يَتَّصِلُ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ، وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ يَقَعُ الثَّلَاثُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي تَأْتِي بِمَعْنَى مَعَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 30] وَلَوْ نَوَى الظَّرْفَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ فَيُلْغَى الثَّانِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ وَإِنْ نَوَى الضَّرْبَ) أَيْ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثِنْتَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الضَّرْبَ لِمَا ذَكَرْنَا وَالِاعْتِبَارُ لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا، وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ مَعَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا فَهِيَ ثَلَاثٌ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ نَوَى الضَّرْبَ أَوْ الظَّرْفَ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِمَا قَدَّمْنَا وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنْ هَاهُنَا إلَى الشَّأْمِ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَاهُنَا إلَى الشَّأْمِ تَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هِيَ بَائِنَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالطُّولِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالطُّولِ لَا تَكُونُ بَائِنًا عِنْدَهُ فَكَيْفَ يُمْكِنُ إيقَاعُ الْبَائِنِ عِنْدَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكِنَايَةُ أَقْوَى مِنْ الصَّرِيحِ فَجَازَ أَنْ يَخْتَلِفَ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُمْ فَلِأَنَّ كَثِيرَ الرَّمَادِ أَبْلَغُ فِي الْوَصْفِ بِالْكَرَمِ مِنْ قَوْلِهِمْ جَوَادٌ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ إلَى الشَّأْمِ يُفِيدُ الطُّولَ وَالْعَرْضَ فَجَازَ أَنْ يَقَعَ بِهِ الْبَيْنُونَةُ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَصَفَهُ بِالطُّولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْظَمُ عَادَةً ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ لَهُ رِوَايَتَانِ وَفِي الْغَايَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ هَاهُنَا إلَى الشَّأْمِ الْمُبَالَغَةُ فِي الطُّولِ أَيْ بِالطُّولِ الْكَثِيرِ فَحَذَفَ الصِّفَةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] أَيْ كُلَّ سَفِينَةٍ صَحِيحَةٍ أَوْ صَالِحَةٍ أَوْ سَلِيمَةٍ وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَهُ بِالْقَصْرِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَتَى وَقَعَ وَقَعَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا وَنَفْسُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْقَصْرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَقَصْرُ حُكْمِهِ بِكَوْنِهِ رَجْعِيًّا، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ إلَى الشَّأْمِ لِلْمَرْأَةِ دُونَ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَ تَطْلِيقَةً إلَى الشَّأْمِ يَكُونُ بَائِنًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ أَوْ فِي الدَّارِ تَنْجِيزٌ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّهْ أَوْ فِي الدَّارِ يَقَعُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ فَيُعْتَبَرُ بِالْحَقِيقِيِّ، وَلَوْ عَنَى بِهِ إذَا دَخَلْت مَكَّةَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَوْبِ كَذَا يَقَعُ فِي الْحَالِ وَلَوْ نَوَى إذَا لَبِسْت يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِمَا ذَكَرْنَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الشَّمْسِ أَوْ فِي الظِّلِّ يَقَعُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ حَيْثُ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ التَّجَدُّدُ وَالْحُدُوثُ وَفِيمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى الشِّتَاءِ أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ يُوقِعُ فِيهَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْجِيلَ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي وَقْتٍ يَقَعُ فِي الدَّهْرِ كُلِّهِ وَلَنَا أَنَّ الْوَاقِعَ يَحْتَمِلُ التَّأْجِيلَ فَإِذَا جَعَلْنَا إذَا دَاخِلَةً عَلَى الْإِيقَاعِ كَانَ عَمَلُهَا فِي تَأْخِيرِ الْوُقُوعِ وَلَمْ يَكُنْ لَغْوًا فَكَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ شَهْرٍ وَاسْتِعْمَالُ كَلِمَةٍ مَكَانَ كَلِمَةٍ شَائِعٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا دَخَلْت مَكَّةَ تَعْلِيقٌ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا إذَا دَخَلْت مَكَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَكُونُ تَعْلِيقًا بِدُخُولِ مَكَّةَ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ التَّعْلِيقِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ أَوْ فِي لُبْسِك ثَوْبَ كَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَفْعَلَ؛ لِأَنَّ حَرْفَ فِي لِلظَّرْفِ وَالْفِعْلُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ شَاغِلٌ لَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالظَّرْفِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْجَمْعِ فَإِنَّ الْمَظْرُوفَ يُجَامِعُ الظَّرْفَ وَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ، وَكَذَا الْمَشْرُوطُ يُجَامِعُ الشَّرْطَ وَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ وَالشَّرْطُ يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمَشْرُوطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَوْلٍ اهـ ع. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي تَأَتَّى بِمَعْنَى مَعَ إلَخْ) يُقَالُ دَخَلَ الْأَمِيرُ الْبَلَدَ فِي جُنْدِهِ أَيْ مَعَ جُنْدِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى الظَّرْفَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَوْ نَوَى الظَّرْفَ يَقَعُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَاحِدَةٌ وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ثِنْتَانِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ عَرْضٌ فَصَارَ ذِكْرُ الثَّانِي لَغْوًا اهـ وَأَرَادَ بِالصُّورَةِ الْأُولَى وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَبِالصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا) قَيْدٌ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ لَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ، وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ مَعَ ثِنْتَيْنِ إذْ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْمَقَالَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي قَوْلِهِ، وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ إلَخْ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ) أَيْ يَقَعُ ثَلَاثٌ عِنْدَهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ هَاهُنَا إلَى الشَّأْمِ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ) أَيْ، وَلَوْ نَوَى الْإِبَانَةَ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَمْ يُوصَفْ بِالزِّيَادَةِ أَوْ الشِّدَّةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَبِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فِي دُخُولِ الدَّارِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ بِالْحَقِيقِيِّ) أَيْ الْحَقِيقِيُّ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ فَكَذَا الْحُكْمِيُّ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى الشِّتَاءِ أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ خِلَافُ زُفَرَ) قَالَ السُّرُوجِيُّ، وَقَالَ زُفَرُ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ اهـ قَالَ الشُّمُنِّيُّ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى الشِّتَاءِ أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ يَقَعُ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي انْتِهَاءِ الشِّتَاءِ أَوْ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ نَوَى التَّنْجِيزَ يَقَعُ فِي الْحَالِ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ فَإِذَا جَعَلْنَا إذَا) هَكَذَا هُوَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ إلَى بَدَلِ إذَا إذْ لَا ذِكْرَ لِإِذَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي أَوْقَعَ الشَّارِحُ فِي التَّعْبِيرِ بِإِذَا مَا قَالَهُ السُّرُوجِيُّ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ إلَى الشِّتَاءِ أَوْ إلَى الصَّيْفِ قَوْلَهُ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ رَأْسُ السَّنَةِ وَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ أَوْ إذَا طَهُرْت مِنْ حَيْضَتِك يَقَعُ فِي الْحَالِ عِنْدَ زُفَرَ ثُمَّ قَالَ وَلَنَا أَنَّ الْوَاقِعَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي دُخُولِك الدَّارَ إلَخْ) وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَرَضِك أَوْ وَجَعِك أَوْ صَلَاتِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْرَضَ أَوْ تُصَلِّيَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ) أَوْ تُحْمَلُ فِي عَلَى مَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْلِهِ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

[فصل في إضافة الطلاق إلى الزمان]

وَكَذَا الظَّرْفُ يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمَظْرُوفِ فَتَقَارَبَا فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ. (فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ تَطْلُقُ عِنْدَ الصُّبْحِ)، وَقَالَ مَالِكٌ يَقَعُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَى وَقْتٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالتَّدْبِيرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِيَّةُ الْعَصْرِ تَصِحُّ فِي الثَّانِي) يَعْنِي نِيَّةُ آخِرِ النَّهَارِ تَصِحُّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَلَا تَصِحُّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَمُرَادُهُ فِي الْقَضَاءِ. وَأَمَّا دِيَانَةً فَيُصَدَّقُ فِيهِمَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا يُصَدَّقُ فِيهِمَا قَضَاءً وَيُصَدَّقُ فِيهِمَا دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فَيَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ ضَرُورَةً فَإِذَا نَوَى الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَكَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَنَوَى طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ، وَهَذَا لِأَنَّ حَذْفَ حَرْفِ فِي وَعَدَمَ حَذْفِهِ بِمَنْزِلَةٍ، وَلِهَذَا يَقَعُ فِيهِمَا فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ صُمْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ فِي الْحَالَيْنِ وَلَهُ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ وَالظَّرْفُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ بَلْ إذَا شَغَلَ جُزْءًا مِنْهُ يَكْفِي كَمَا يُقَالُ قَعَدْتُ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا نَوَى الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ قَضَاءً وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَإِنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ فَإِذَا نَوَى الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعَامِّ وَهُوَ مَجَازٌ فَلَا يُصَدَّقُ إذَا كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ لَأَصُومَنَّ عُمْرِي أَوْ فِي عُمْرِي أَوْ الدَّهْرَ أَوْ فِي الدَّهْرِ وَسِرْتُ فَرْسَخًا أَوْ فِي فَرْسَخٍ وَانْتَظَرْته يَوْمًا أَوْ فِي يَوْمٍ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الصَّوْمِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْحَذْفُ وَعَدَمُهُ وَقَدْ يَخْتَلِفُ الشَّيْءُ بَيْنَ تَقْدِيرِهِ وَالتَّصْرِيحِ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْإِذْنِ فِي كُلِّ خَرْجَةٍ وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك يُكْتَفَى بِإِذْنٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَتْ الْبَاءُ فِيهِ مُقَدَّرَةً وَلَا يُقَالُ هُوَ ظَرْفٌ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ظَرْفِيَّتَهُ مَعَ ظُهُورِ فِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْيَوْمِ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا حَتَّى يَقَعَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ وَفِي الثَّانِي غَدًا؛ لِأَنَّهُ حِينَ ذَكَرَهُ ثَبَتَ حُكْمُهُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا فَلَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ بِذِكْرِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ] (فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا يَعْتِقُ مُقَارَنًا لِلْغَدِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ. وَأَمَّا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بَعْدَ تَحَقُّقِ مَجِيءِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْغَدِ لِكَوْنِ مَجِيءِ الْغَدِ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ حَتَّى تَجِبَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْغَدَ جَاءَ وَهُوَ عَبْدُهُ، وَقَالَ الْأَكْمَلُ إضَافَةُ الطَّلَاقِ تَأْخِيرُ حُكْمِهِ عَنْ وَقْتِ التَّكَلُّمِ إلَى زَمَانٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ بِغَيْرِ كَلِمَةِ شَرْطٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالتَّدْبِيرِ) أَيْ فَإِنَّ مَوْتَ الْمَوْلَى كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ مَعَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَنَجَّزُ اهـ (قَوْلُهُ فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ) تَنْزِيلٌ لِلْأَجْزَاءِ مَنْزِلَةَ الْأَفْرَادِ وَإِلَّا فَلَفْظُ غَدًا نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَلَيْسَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فَلَا يُصَدَّقُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي رَمَضَانَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُوجَدُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ رَمَضَانَ وَإِنْ نَوَى آخِرَ رَمَضَانَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْأَصْلِ ذَكَرْنَاهَا تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي) أَيْ الْمُضَافُ إلَى الْوَقْتِ يَقَعُ بِأَوَّلِهِ وَالْمُضَافُ إلَى الْفِعْلِ يَقَعُ بِآخِرِهِ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَغَدًا وَمِثَالُ الثَّانِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَلَاثِ دَخَلَاتٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْيَوْمَ ظَرْفًا وَقَعَ الطَّلَاقُ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ الْيَوْمَ كُلَّهُ وَلَمَّا عَلَّقَ بِالْفِعْلِ لَا يَقَعُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ كَمَالِ الشَّرْطِ اهـ شَرْحُ التَّلْخِيصِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي بِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُ أَوَّلًا نَظَرًا لِتَقْرِيرِهِ فَإِنَّهُ بَدَأَ أَوَّلًا بِشَرْحِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَثَنَّى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالظَّرْفُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ) أَيْ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَقَعُ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ وَإِذَا عَيَّنَ جُزْءًا فَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَصْدِيًّا وَالْجُزْءُ الْأَوَّلُ ضَرُورِيٌّ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ لَأَصُومَنَّ عُمُرِي) أَيْ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْعُمُرِ حَتَّى لَا يَبَرَّ إلَّا بِصَوْمِ جَمِيعِ الْعُمُرِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ فِي عُمُرِي) يَتَنَاوَلُ سَاعَةً مِنْ عُمُرِهِ حَتَّى لَوْ صَامَ سَاعَةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51] ذَكَرَ نُصْرَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا مَقْرُونَةً بِحَرْفِ فِي، وَذَكَرَ نُصْرَتَهُمْ فِي الْآخِرَةِ غَيْرَ مَقْرُونَةٍ بِفِي؛ لِأَنَّ نُصْرَةَ اللَّهِ إيَّاهُمْ فِي الْآخِرَةِ مُسْتَوْعِبَةٌ لِجَمِيعِ الْأَوْقَاتِ دَائِمَةٌ؛ لِأَنَّهَا دَارُ جَزَاءٍ فَأَمَّا نُصْرَتُهُ إيَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا فَقَدْ تَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ دُونَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهَا دَارُ ابْتِلَاءٍ اهـ آخِرُ التَّحْقِيقِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ظَرْفِيَّتَهُ مَعَ ظُهُورِ فِي) أَيْ؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت خَرَجْتَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَهَذَا لَا يُسَمَّى ظَرْفًا عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَجَلَسْت فِي الدَّارِ فِي تَسْمِيَتِهِ ظَرْفًا اصْطِلَاحًا خِلَافُ ابْنِ عَقِيلٍ. اهـ. . . (قَوْلُهُ حَتَّى يَقَعَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ) أَيْ وَصَارَ قَوْلُهُ غَدًا لَغْوًا؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الْوَاقِعَ فِي الْحَالِ وَاقِعًا غَدًا وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ فَيَلْغُو ذِكْرُ الْغَدِ. اهـ. رَازِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْيَوْمِ فِي لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالْمَعْنَى عَلَيْهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي فِي غَدٍ) لَفْظَةُ فِي لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالْمَعْنَى عَلَيْهَا. اهـ. وَقَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي فِي غَدٍ أَيْ وَصَارَ قَوْلُهُ الْيَوْمَ لَغْوًا؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْغَدِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ إيقَاعًا فِي الْيَوْمِ فَلَغَا قَوْلُهُ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ قَوْلُهُ الْيَوْمَ صِفَةً لِغَدٍ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهُ فَيَلْغُو ذِكْرُ الْيَوْمِ اهـ رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا) فِيهِ

لَا يَقْبَلُ التَّنْجِيزَ وَلَا الْمُنَجَّزُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ حَيْثُ لَا يَقَعُ قَبْلَ غَدٍ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمَجِيءِ غَدٍ فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ، وَذَكَرَ الْيَوْمَ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّعْلِيقِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي غَدٍ طَلْقَةٌ أُخْرَى فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِهِ فِيهِمَا قُلْنَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِالْخَبَرِ ضَرُورِيٌّ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْيَوْمِ يَتَّصِفُ بِهِ غَدًا فَلَا حَاجَةَ إلَى أُخْرَى وَلَا يَلْزَمُنَا الْعَكْسُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ حَيْثُ يَقَعُ فِيهِ وَاحِدَةٌ أَيْضًا مَعَ انْعِدَامِ ذَلِكَ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ جَعَلَ الْيَوْمَ فِيهِ صِفَةً لِغَدٍ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهُ فَيَلْغُوَ ذِكْرُ الْيَوْمِ، وَلَوْ ذَكَرَهُمَا بِالْوَاوِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَالْيَوْمَ تَقَعُ وَاحِدَةٌ فِي الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّا لَا حَاجَةَ لَنَا إلَى إيقَاعِ الْأُخْرَى فِي الْأُولَى لِإِمْكَانِ وَصْفِهَا غَدًا بِطَلَاقٍ وَقَعَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ فَيَقَعَانِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ آخِرَ النَّهَارِ وَأَوَّلَهُ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ أَمْسِ وَنَكَحَهَا الْيَوْمَ لَغْوٌ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَدْ نَكَحَهَا الْيَوْمَ لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتٍ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ فِيهِ فَلَغَا كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي أَوْ طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ أَوْ مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ كَانَ مَعْهُودًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ أَنْ أَشْتَرِيَك أَوْ أَنْتَ حُرٌّ أَمْسِ وَقَدْ اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ حَيْثُ يَعْتِقُ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مِلْكِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ أَعْتَقَك مَوْلَاك ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا، وَلِأَنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَى أَمْسِ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِ النِّكَاحِ أَوْ عَنْ كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً بِتَطْلِيقِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَجَعْلُهُ إنْشَاءً ضَرُورِيٌّ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ إمْكَانِ الْحَقِيقَةِ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ مِرَارًا يَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِإِمْكَانِ حَقِيقَةِ الْخَبَرِ فِيمَا عَدَا الْأُولَى، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا يَا طَالِقُ يَا مُطَلَّقَةُ وَنَوَى بِهِ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا غَيْرُهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ، وَلَوْ كَرَّرَ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْمُعَيَّنَةِ يَتَكَرَّرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُنَكَّرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ غَالِبٌ فِي الْإِنْشَاءِ فِي الْمُعَيَّنَةِ وَلَعَلَّ الْحَاجَةَ لَمْ تَنْدَفِعْ بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْغَالِبِ بِخِلَافِ الْمُنَكَّرَةِ إذْ الدَّوَاعِي إلَى الطَّلَاقِ مِنْ اللَّجَاجِ وَالْبَغْضَاءِ وَالنَّشْرِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمُعَيَّنَةِ دُونَ الْمُنَكَّرَةِ وَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ التَّكْرَارِ فِيهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ وَقَعَ الْآنَ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَمْسِ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ السَّاعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ طَلَاقِ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ طَلَاقِ غَيْرِهِ لِانْعِدَامِهِمَا فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْإِسْنَادِ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ فِي الْحَالِ. قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَفٌّ وَنَشْرٌ فَقَوْلُهُ تَنْجِيزًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ الْيَوْمَ غَدًا. وَقَوْلُهُ تَعْلِيقًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ غَدًا الْيَوْمَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ أَوَّلُ الْوَقْتَيْنِ حَتَّى وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا فِي الْيَوْمِ وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ وَقْتَيْنِ وَلَمْ يَعْطِفْ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَصَارَ ذِكْرُ الثَّانِي لَغْوًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأُولَى مُنَجَّزٌ وَالْوَاقِعُ مُنَجَّزًا لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ الطَّلَاقُ مُضَافٌ إلَى الْغَدِ فَلَا يَتَنَجَّزُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّزَ لَا يَبْقَى الْمُضَافُ مُضَافًا. وَقَوْلُهُ الْيَوْمَ ثَانِيًا لَيْسَ بِنَاسِخٍ لِحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا فَكَانَ ذِكْرُ الْيَوْمِ لَغْوًا اهـ وَتَعْبِيرُهُ بِالْإِضَافَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الشَّارِحِ بِالتَّعْلِيقِ فَتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ انْعِدَامُ ذَلِكَ الْمَعْنَى) أَيْ وَهُوَ اتِّصَافُهَا فِي الْيَوْمِ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ ذَكَرَهُمَا بِالْوَاوِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَالْيَوْمَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ زُفَرَ وَعِنْدَنَا يَقَعُ الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى لِزُفَرَ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ بِكَلِمَةِ التَّكْرَارِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُقُوعُ اهـ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ غَدًا بِدُونِ الْعَطْفِ طَلُقَتْ السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَذِكْرُ الْغَدِ لَغْوٌ لِمَا بَيَّنَّا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي) قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَتَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ فَيَقَعُ فِي أَوَّلِهِمَا وَيَبْطُلُ الثَّانِي كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي يَقَعُ بِالتَّزَوُّجِ وَيَبْطُلُ قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي. اهـ. كَيْ. (قَوْلُهُ حَيْثُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حُرًّا أَمْسِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ اسْتِرْقَاقِهِ الْيَوْمَ وَبَعْدَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ حُرُّ الْأَصْلِ أَوْ مُعْتَقُ الْغَيْرِ كَذَا فِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجَعْلُهُ إنْشَاءً ضَرُورِيٌّ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إخْبَارٌ بِوَضْعِهِ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ إنْشَاءً فِي مَوْضِعٍ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ إخْبَارًا فَإِذَا أَمْكَنَ جَعْلُهُ إخْبَارًا لَا يُجْعَلُ إنْشَاءً؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِحَقِيقَةِ كُلِّ كَلَامٍ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ. اهـ. . (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ فِي الْحَالِ) أَيْ فَيَقَعُ السَّاعَةَ وَعَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ حُكْمُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا فِي مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ وَهِيَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَحَكَمَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِتَنْجِيزِ طَلَاقِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّزَ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَوُقُوعُ الثَّلَاثِ سَابِقًا عَلَى التَّنْجِيزِ يَمْنَعُ الْمُنَجَّزَ بِوُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ وَنَقُولُ إنَّ هَذَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ الْأَجْزِيَةَ تَنْزِلُ بَعْدَ الشَّرْطِ أَوْ مَعَهُ لَا قَبْلَهُ وَلِحُكْمِ الْعَقْلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَدْخُولَ أَدَاةِ الشَّرْطِ سَبَبٌ وَالْجَزَاءُ مُسَبِّبٌ عَنْهُ وَلَا يَعْقِلُ تَقَدُّمُ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ فَكَانَ قَوْلُهُ قَبْلَهُ لَغْوًا أَلْبَتَّةَ فَيَبْقَى الطَّلَاقُ جَزَاءً لِلشَّرْطِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْقَبْلِيَّةِ وَلِحُكْمِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ نَاطِقَةٌ بِشَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى رَفْعِهَا فَيَتَفَرَّعُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وُقُوعُ ثَلَاثِ الْوَاحِدَةِ الْمُنَجَّزَةِ وَثِنْتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقَةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَقَعَتَا وَوَاحِدَةً مِنْ الْمُعَلَّقَةِ أَوْ ثَلَاثًا وَقَعْنَ فَيَصِيرُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ لَا يُصَادِفُ أَهْلِيَّةً فَيَلْغُو، وَلَوْ كَانَ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ ثِنْتَانِ الْمُنَجَّزَةُ وَالْمُعَلَّقَةُ

- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ)؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ وَقَدْ وُجِدَ حِينَ سَكَتَ، وَهَذَا لِأَنَّ مَتَى صَرِيحٌ لِلْوَقْتِ لِكَوْنِهَا مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ. وَأَمَّا مَا فَلِأَنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] أَيْ مُدَّةَ حَيَّاتِي وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2] قَالَ حَافِظُ الدِّينِ هَذَا مَوْضِعُ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ يَسْتَدْعِي الْوَقْتَ لَا مَحَالَةَ فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الْوَقْتِ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ أَيْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَوْلَى كَيْ لَا يَقَعَ بِالشَّكِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ يَقَعُ الثَّلَاثُ مُتَتَابِعًا وَلَا يَقَعُ جُمْلَةً؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ لَا غَيْرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي إنْ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا أُطَلِّقُك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَا حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ فَأَمَّا حَرْفُ إنْ فَلِأَنَّهَا لِلشَّرْطِ حَقِيقَةً وَقَدْ عَلَّقَهُ بِعَدَمِ الْفِعْلِ وَتَحَقُّقُهُ بِالْيَأْسِ عَنْ الْوُقُوعِ وَذَلِكَ بِالْمَوْتِ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ ثُمَّ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ لِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَتَرِثُهُ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْفَارِّ وَجَعَلَ مَوْتَهَا كَمَوْتِهِ وَفِي النَّوَادِرِ لَا يَقَعُ بِمَوْتِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى الْإِيقَاعِ مَا لَمْ تَمُتْ فَإِذَا مَاتَتْ بَطَلَتْ الْمَحَلِّيَّةُ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ أَوْ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ تَطْلُقُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ وَالدُّخُولِ لِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ وَلَا تَطْلُقُ بِمَوْتِهَا؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِتْيَانِ وَالدُّخُولِ إلَى أَنْ يَمُوتَ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ وَنَحْوِهِ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ قَدْ تَحَقَّقَ قُبَيْلَ مَوْتِهَا فَوُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا لَا يَثْبُتُ الْعَجْزُ مَا لَمْ تَمُتْ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ ثُمَّ الزَّوْجُ لَا يَرِثُهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ كَانَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ وُجِدَ. وَأَمَّا إذَا وَإِذَا مَا فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمَا مِثْلُ إنْ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مِثْلُ مَتَى وَنَحْوِهَا فَتَطْلُقُ حِينَ يَسْكُتُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَإِنْ نَوَى الشَّرْطَ يَكُونُ كَانَ وَإِنْ نَوَى الْوَقْتَ يَكُونُ كَمَتَى إجْمَاعًا لَهُمَا أَنَّ كَلِمَةَ إذَا لِلْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] وَلَيْسَ الْقَسَمُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَفْسُدُ بِهِ، وَلِهَذَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ كَقَوْلِهِمْ إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ آتِيك وَنَحْوِهِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] وَالشَّرْطُ يَكُونُ فِي الْمُتَرَدِّدِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا كَقَوْلِهِ مَتَى شِئْتِ، وَلِهَذَا تَطْلُقُ حِينَ يَسْكُتُ فِي قَوْلِهِ إذَا سَكَتَ عَنْ طَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ قَالَ الشَّاعِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِسْ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ) إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَسَكَتَ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ مَوْصُولًا أَنْتِ طَالِقٌ عَقِيبَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَعَتْ تَطْلِيقَةً وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ حِينَ سَكَتَ فِيمَا بَيْنَ فَرَاغِهِ مِنْ يَمِينِهِ إلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ سَكَتَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ زَمَانَ لَمْ أُطَلِّقْك وَحَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك وَيَوْمَ لَمْ أُطَلِّقْك وَإِنْ قَالَ زَمَانَ لَا أُطَلِّقُك أَوْ حِينَ لَا أُطَلِّقُك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمْضِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَمْ مَوْضُوعٌ لِقَلْبِ الْمُضَارِعِ مَاضِيًا وَنَفْيِهِ وَقَدْ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَحَيْثُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ فَكَمْ مِنْ مَكَان لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوُجِدَ شَرْطُ الطَّلَاقِ وَكَلِمَةُ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا يَقَعُ لِلْحَالِ وَإِنَّمَا يُرَادُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ أَوْسَطُ اسْتِعْمَالِ الْحِينِ إذْ يُرَادُ بِهِ السَّاعَةُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] وَيُرَادُ بِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] وَيُرَادُ بِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً كَقَوْلِهِ {حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] وَالزَّمَانُ كَالْحِينِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الِاسْتِعْمَالِ سَوَاءٌ تَقُولُ مَا لَقِيتُك مُنْذُ زَمَانٍ كَمَا يُقَالُ مَا لَقِيتُك مُنْذُ حِينٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُكْمُ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ حَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ حِينَ لَا أُطَلِّقُك وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَسَكَتَ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِيهِ خِلَافَ زُفَرَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ لَكِنِّي بَادَرْت بِكِتَابَتِهِ ظَنًّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ. (قَوْلُهُ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ) أَيْ وَحَمْلُهُ عَلَى الْوَقْتِ أَوْلَى لِعَدَمِ انْفِكَاكِ الطَّلَاقِ عَنْ الْوَقْتِ فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الْوَقْتِ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا إذَا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ فَقَدْ بَقِيَ مِنْ حَيَاتِهَا مَا لَا يَسَعُ التَّكَلُّمَ بِالطَّلَاقِ وَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الزَّمَانِ صَالِحٌ لِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ بَاقٍ فَيَقَعُ وَالْمُعَلَّقُ كَالْمُرْسَلِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِيقَةِ الْإِرْسَالِ فَلِهَذَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِرْسَالِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ اللَّطِيفَةِ وَلَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ. اهـ. مَبْسُوطٌ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الزَّوْجُ لَا يَرِثُهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ كَانَ ثَلَاثًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ قَبْلَ مَوْتِهَا لَا يَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ حَالَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالْبَيْنُونَةِ وَأَنَّ الْمُعَلَّقَ صَرِيحًا لِانْتِفَاءِ الْعِدَّةِ كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي آخِرِ جُزْءٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَمْ يَلِهِ إلَّا الْمَوْتُ وَبِهِ تَبِينُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الشَّرْطَ يَكُونُ كَإِنْ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الْوَقْتَ يَكُونُ كَمَتَى) أَيْ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَ سَكَتَ اهـ

إذَا قَصُرَتْ أَسْيَافُنَا كَانَ وَصْلُهَا ... خُطَانَا إلَى أَعْدَائِنَا فَنُضَارِبُ وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْوَقْتِ قَالَ الشَّاعِرُ وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةً أَدْعَى لَهَا ... وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبُ وَإِذَا تَرَدَّدَتْ لَمْ تَطْلُقْ فِي الْحَالِ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ وَلَا يَلْزَمُهُ مَسْأَلَةُ الْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ أَيْضًا وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الشَّرْطِ مُطْلَقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِيهِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ وَلَا يُقَالُ إذَا تَرَدَّدَتْ كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْوُقُوعِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يُرَجَّحُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّهَا فِي عِصْمَتِهِ بِيَقِينٍ فَلَا تَطْلُقُ بِالِاحْتِمَالِ كَمَا إذَا شَكَّ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْحَدَثِ تَرَجَّحَ بِالْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ الْأَحْوَطُ إيجَابَ التَّوَضُّؤِ وَلَا يَلْزَمُنَا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك حَيْثُ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ فِي الزَّمَانِ الطَّوِيلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا وَقَعَ لِلْحَالِ إذَا أُضِيفَ إلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنْ قَالَ حِينَ لَا أُطَلِّقُك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْضِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِمَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ إذَا شَرْطِيَّةٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَعِنْدَ الْمُبَرِّدِ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ فَإِنْ وَلِيَهَا اسْمٌ كَانَ بِتَأْوِيلِ الْفِعْلِ كَانَ وَبَعْضُهُمْ قَالَ إذَا دَخَلَهَا مَا يُجَازِي بِهَا؛ لِأَنَّ " مَا " تَكُفُّهَا عَنْ الْإِضَافَةِ فَيَحْصُلُ الْإِبْهَامُ وَالشَّرْطُ بَابُهُ الْإِبْهَامُ، وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ إذْ مَعَ كَوْنِهَا لِلْمَاضِي إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهَا مَا جُوزِيَ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا فَهَذِهِ أَوْلَى، وَلَا حُجَّةَ لَهُمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْتِ؛ لِأَنَّ إذَا لَمَّا تَرَدَّدَتْ وَكَانَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي الْحَالِ بِيَقِينٍ لَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا قَوْلُهُ إذَا سَكَتُّ عَنْ طَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا حُجَّةَ لَهُمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ سَكَتّ عَنْ طَلَاقِك كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَمَا غَرَضُنَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مِثْلَ إنْ وَلَوْ قَالَ إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يُطَلِّقْ حَتَّى مَاتَ وَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ، وَلَوْ قَالَ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ صَارَ حَانِثًا فَيَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ ثُمَّ يَقَعُ طَلْقَةٌ أُخْرَى فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِوُجُودِ الطَّلَاقِ بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى فَيَحْنَثُ بِهِ وَلَا تَطْلُقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا بِكَلَامٍ وُجِدَ قَبْلَ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فَلَا تَقَعُ الْمُعَلَّقَةُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ هَذِهِ الطَّلْقَةَ) مَعْنَاهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ ثِنْتَانِ إذَا كَانَ مَدْخُولًا بِهَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ زَمَانُ اشْتِغَالِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ زَمَانَ الْبِرِّ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ إلَّا بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ الْقَدْرِ عَنْ الْيَمِينِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ وَأَخَوَاتُهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ كَذَا يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَنَكَحَهَا لَيْلًا حَنِثَ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَيْلًا حَنِثَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ حَيْثُ لَا يَكُونُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا إلَّا إذَا قَدِمَ بِالنَّهَارِ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم: 5] أَيْ بِأَوْقَاتِ نَعْمَائِهِ وَبَلَائِهِ وَيُقَالُ يَوْمٌ لَنَا وَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] وَالْمُرَادُ النَّهَارُ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ فَإِذَا شَاعَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ يَمْتَازُ بِهِ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَنَقُولُ إذَا قُرِنَ بِهِ فِعْلٌ يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَإِذَا قُرِنَ بِهِ فِعْلٌ لَا يَمْتَدُّ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ وَنَعْنِي بِالْمُمْتَدِّ مَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ كَالْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالصَّوْمِ وَبِمَا لَا يَمْتَدُّ مَا لَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ كَالطَّلَاقِ وَالتَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ طَلَّقْت شَهْرًا وَيُرَادُ الْإِيقَاعُ فِي جَمِيعِهِ أَوْ الِامْتِدَادُ إلَيْهِ وَلَا تَزَوَّجْت يَوْمًا بِهَذَا الْمَعْنَى فَكَانَ الْأَلْيَقُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُمْتَدُّ عَلَى الْمُمْتَدِّ وَغَيْرُ الْمُمْتَدِّ عَلَى غَيْرِ الْمُمْتَدِّ رِعَايَةً لِلْمُنَاسَبَةِ وَاسْتِعْمَالَ أَهْلِ الْعُرْفِ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهُمْ فِي مَاذَا يُعْتَبَرُ الِامْتِدَادُ وَعَدَمُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُهُ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ الْيَوْمَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُهُ فِي الْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَامِلُ فِيهِ فَكَانَ بِحَسَبِهِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِ مَسَائِلُهُمْ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِكِ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ نَهَارًا وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْقُدُومِ حَتَّى اللَّيْلِ بَطَلَ خِيَارُهَا لِانْصِرَافِهِ إلَى النَّهَارِ وَمُضِيِّهِ، وَلَوْ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ فَنُضَارِبْ) جَزَمَهُ عَطْفًا عَلَى الْمَحَلِّ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ طَلُقَتْ هَذِهِ الطَّلْقَةَ) أَيْ هَذِهِ الطَّلْقَةَ الْأَخِيرَةَ لَا الْمُعَلَّقَةَ بِعَدَمِ التَّطْبِيقِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا) أَيْ أَمَّا لَوْ قَالَهُ مَفْصُولًا يَقَعَانِ بِالْإِجْمَاعِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الزَّمَانِ الْخَالِي عَنْ التَّطْلِيقِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ ثِنْتَانِ) أَيْ الْمُعَلَّقَةُ وَالْمُضَافَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ إنَّمَا حَلَفَ لِيَبَرَّ فِي يَمِينِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ) أَيْ فَنَزَعَهُ فِي الْحَالِ. (قَوْلُهُ وَأَخَوَاتُهَا) أَيْ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ رَاكِبُهَا فَنَزَلَ مِنْ سَاعَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ حَرَامٌ لَيْلًا وَنَهَارًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَكَانَ الْأَلْيَقُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُمْتَدُّ) أَيْ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْيَدِ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمُمْتَدِّ) أَيْ وَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ اهـ (قَوْلُهُ وَغَيْرُ الْمُمْتَدِّ) أَيْ كَالتَّزَوُّجِ وَنَحْوِهِ اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُمْتَدِّ) أَيْ وَهُوَ مُطْلَقُ الْوَقْتِ اهـ. (قَوْلُهُ لِانْصِرَافِهِ إلَى النَّهَارِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْيَوْمَ مِعْيَارًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ. اهـ. .

فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ عَنَيْتُ بِهِ النَّهَارَ صُدِّقَ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ النَّهَارُ لِلْبَيَاضِ خَاصَّةً وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا وَاللَّيْلُ لِلسَّوَادِ خَاصَّةً وَهُوَ ضِدُّ النَّهَارِ وَالْيَوْمُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِهَا قَالَهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَقِيلَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَفِي الْمُجْمَلِ لِابْنِ فَارِسٍ النَّهَارُ ضِيَاءٌ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَقِيلَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ لَيْسَ مِنْ الْيَوْمِ وَلَا مِنْ النَّهَارِ وَلَا مِنْ اللَّيْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ لَغْوٌ وَإِنْ نَوَى وَتَبِينُ فِي الْبَائِنِ وَالْحَرَامِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَتَبِينُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ أَوْ عَلَيْكِ حَرَامٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إذَا نَوَى وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فَطَلَّقَتْهُ هُوَ يَقُولُ إنَّ الْمِلْكَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا حَتَّى مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمُطَالَبَةَ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ، وَكَذَا حُكْمُ النِّكَاحِ وَهُوَ الْحِلُّ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا حَتَّى يَسْتَمْتِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ وَيُسَمَّيَا مُتَنَاكِحَيْنِ وَيَنْتَهِي بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَيَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ وَالزَّوْجُ مُقَيَّدٌ مِنْ جِهَتِهَا حَتَّى لَا يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا وَالطَّلَاقُ وُضِعَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ فَيَصِحُّ مُضَافًا إلَيْهِ كَمَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَيْهَا كَمَا فِي الْإِبَانَةِ وَالتَّحْرِيمِ غَيْرَ أَنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَيْهِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ مُضَافًا إلَى الْمَرْأَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: 1] وَبِقَوْلِهِ {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ وَهُوَ إذَا طَلَّقَ نَفْسَهُ فَقَدْ غَيَّرَ الْمَشْرُوعَ فَيَلْغُو كَالْعِتْقِ الْمُضَافِ إلَى الْمَوْلَى، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي امْرَأَةٍ جَعَلَ زَوْجُهَا أَمْرَهَا بِيَدِهَا فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَقَالَتْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا خَطَّأَ اللَّهُ نَوْأَهَا لَوْ قَالَتْ أَنَا طَالِقٌ ثَلَاثًا لَكَانَ كَمَا قَالَتْ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْقَيْدِ وَهُوَ فِيهَا دُونَهُ أَوْ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَهُوَ عَلَيْهَا دُونَهُ كَالْعِتْقِ لِإِزَالَةِ الرِّقِّ ثُمَّ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ نَفْسَهُ أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ فَكَذَا الزَّوْجُ إذَا طَلَّقَ نَفْسَهُ أَوْ طَلَّقَتْهُ هِيَ لَا تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ لِعَدَمِ إضَافَتِهِ إلَى الْمَحَلِّ وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُطَلِّقَ الْإِنْسَانُ وَيَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى غَيْرِ الْمُطَلَّقِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمِلْكَ مُشْتَرَكٌ بَلْ الْمِلْكُ لِلزَّوْجِ خَاصَّةً حَتَّى ظَهَرَ عَلَيْهَا أَثَرُهُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ وَجَازَ لَهُ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ دُونَهَا وَصَارَ الْمَهْرُ لَهَا بَدَلَ مَا مَلَكَ عَلَيْهَا وَمَا ثَبَتَ لَهَا مِنْ الْحِلِّ تَبَعٌ لِثُبُوتِ الْحِلِّ لِلزَّوْجِ فَيَزُولُ بِزَوَالِهِ وَمَا يَكُونُ تَبَعًا فِي النِّكَاحِ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَمَا ثَبَتَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَالطَّلَاقُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِإِزَالَتِهِ وَرَفْعِهِ وَتَسْمِيَتُهُمَا مُتَنَاكِحَيْنِ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ لَا سِيَّمَا عِنْدَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ مِنْهَا. وَأَمَّا حُرْمَةُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا فَثَابِتٌ بِالنَّصِّ لَا لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ بَيْنَ الْخَمْسِ ثَابِتٌ قَبْلَ التَّزَوُّجِ بِهَا بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ وَالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُمَا لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَالْحِلِّ وَهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَتَصِحُّ إضَافَتُهُمَا إلَيْهِمَا وَالطَّلَاقُ لِرَفْعِ الْقَيْدِ فَلَا يُضَافُ إلَّا إلَى الْمُقَيَّدِ. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ قُلْنَا إنَّهُ صَرِيحٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى النِّيَّةِ إجْمَاعًا وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ إيقَاعُهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ عُشْرُكِ طَالِقٌ أَوْ فَرْجُكِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُكِ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْك أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَمْ تَطْلُقْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ حَيْثُ تَطْلُقُ إذَا نَوَى وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ أَوْ الْحَرَامَ إذَا كَانَ مُضَافًا إلَيْهَا تَعَيَّنَ لِإِزَالَةِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَصْلَةِ وَالْحِلِّ وَإِذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ لَا يَتَعَيَّنُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ أَنَا بَائِنٌ مِنْهَا أَوْ حَرَامٌ عَلَيْهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك لَغْوٌ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ قَالَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَلَوْ قَالَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ فَنَوَى الطَّلَاقَ كَانَتْ طَالِقًا قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ كَانَتْ طَالِقًا، وَهَذَا مَذْهَبُنَا اهـ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ أَنَا مِنْك بَائِنٌ وَعَلَيْك حَرَامٌ وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَتَبِينُ فِي الْبَائِنِ وَالْحَرَامِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِهِمَا بَائِنٌ لَا رَجْعِيٌّ وَلَزِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إلَخْ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ ع. (قَوْلُهُ خَطَّأَ اللَّهُ نَوْأَهَا) يُقَالُ لِمَنْ طَلَبَ حَاجَةً فَلَمْ يَنْجَحْ أَخْطَأَ نَوْأَك أَرَادَ جَعَلَ اللَّهُ نَوْأَهَا مُخْطِئًا لِمَا لَا يُصِيبُهَا مَطَرُهُ وَيُرْوَى خَطَّى اللَّهُ نَوْأَهَا بِلَا هَمْزٍ مِنْ خَطَّى اللَّهُ عَنْك النَّوْءَ أَيْ جَعَلَهُ يَتَخَطَّاك يُرِيدُ يَتَعَدَّاهَا فَلَا يُمْطِرُهَا وَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُعْتَلِّ اللَّامِ كَذَا فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ وَصَاحِبُ الطِّلْبَةِ صَحَّحَ الثَّانِيَ وَخَطَّأَ الْأَوَّلَ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَمْ تَطْلُقْ) أَيْ وَإِنْ نَوَى اهـ قَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْكِ أَوْ عَلَيْكِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى ذِكْرَهُ فِي الْكِنَايَاتِ وَفِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْك وَلَا عَلَيْك لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَاهُ بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ وَمِثْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ وَفِي النِّهَايَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا بَائِنٌ يَعْنِي مِنْك وَلَمْ يَقُلْ مِنْك لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ عَنَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك اهـ وَقَوْلُ الْعَيْنِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ تَطْلُقُ إذَا نَوَى غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النُّقُولِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً) أَيْ أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. (قَوْلُهُ أَوْ لَا) أَيْ، وَكَذَا طَالِقٌ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ أَوْ وَطَالِقٌ أَوْ لَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ قَالَ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. اهـ. فَتْحٌ

أَنْتَ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِكَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْمَبْسُوطِ لَهُ أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْوَاحِدَةِ لِدُخُولِ حَرْفِهِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفْيِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْوَاحِدَةِ لِلشَّكِّ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ سَالِمًا عَنْ الشَّكِّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا أَوْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِالْمَصْدَرِ أَوْ وَصْفِهِ كَانَ الْوُقُوعُ بِهِ لَا بِالْوَصْفِ فَكَانَ الشَّكُّ دَاخِلًا فِي الْإِيقَاعِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا شَيْءَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوُقُوعَ بِالْمَصْدَرِ أَوْ وَصْفِهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ لَمَا وَقَعَ لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً عِنْدَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ لَوَقَعَ وَاسْتَحَقَّتْ نِصْفَ الْمَهْرِ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَلَمَا وَرِثَهَا لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُقُوعَ بِهِ لَا بِالْوَصْفِ إذْ لَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِهِ لَمَا صَحَّ لِدُخُولِ الْفَاصِلِ وَهُوَ قَوْلُهُ ثَلَاثًا. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِكَ فَلِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ وَمَوْتَهَا يُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا، وَهَذَا لِأَنَّ مَعَ لِلْقِرَانِ حَقِيقَةً وَحَالُ مَوْتِ أَحَدِهِمَا حَالُ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي حَالِ الِاسْتِقْرَارِ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ مَعَ تَكُونُ لِلشَّرْطِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ دُخُولِكِ الدَّارَ تَعَلَّقَ بِهِ فَلَوْ وَقَعَ لَوَقَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ مُحَالٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَلَكَهَا أَوْ شِقْصَهَا أَوْ مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ) يَعْنِي لَوْ مَلَكَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ بِأَنْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ مَلَكَ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَالِكَةُ لِزَوْجِهَا أَوْ لِجُزْئِهِ بَطَلَ النِّكَاحُ. وَأَمَّا مِلْكُهَا إيَّاهُ فَلِلِاجْتِمَاعِ بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةِ فَلَا يَنْتَظِمُ الْمَصَالِحُ وَهُوَ مَا شُرِعَ إلَّا لِمَصَالِحِهِ. وَأَمَّا مِلْكُهُ إيَّاهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْأَقْوَى لِثُبُوتِ الْحِلِّ بِهِ وَلَا يُقَالُ الْحِلُّ لَا يَثْبُتُ بِالشِّقْصِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مِلْكُ الْيَمِينِ دَلِيلُ الْحِلِّ فَقَامَ مَقَامَ الْحِلِّ تَيْسِيرًا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمُكَاتَبِ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَإِنْ وُجِدَ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لَهُ مِلْكًا بَلْ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ اشْتَرَاهَا وَطَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ يُوجَدْ، وَكَذَا إذَا مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهُ لَا يَقَعُ لِمَا قُلْنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَقَعُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ هُنَا اتِّفَاقًا وَقِيَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا) أَيْ بِلَا ذِكْرِ الْوَاحِدَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ) أَيْ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا شَيْءَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ إلَخْ) كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ لَا يَعْتِقُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لِدُخُولِ الْفَاصِلِ وَهُوَ قَوْلُهُ ثَلَاثًا) أَيْ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ إلَخْ) أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَإِذَا قَالَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ لِلْحِمَارِ أَوْ لِلْجِدَارِ أَنْتَ طَالِقٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الطَّلَاقِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ وَالْمَحَلِّيَّةَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ مَلَكَهَا أَوْ شِقْصَهَا) أَيْ سَهْمًا بِأَنْ كَانَ تَزَوَّجَ أَمَةً لِغَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا جَمِيعَهَا مِنْهُ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا أَوْ وَهَبَهَا لَهُ أَوْ وَرِثَهَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ يُقَالُ فِي هَذَا الْمَالِ شِقْصٌ أَيْ سَهْمٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ. وَأَمَّا مِلْكُهَا إيَّاهُ) كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ اعْلَمْ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ إذَا مَلَكَ صَاحِبَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ مِلْكِ الْيَمِينِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ أَمَّا إذَا مَلَكَتْهُ فَلِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِحُكْمِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَلَوْ بَقِيَ النِّكَاحُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِضْعُهَا مَمْلُوكًا لِلرَّجُلِ وَالْمَالِكِيَّةُ أَثَرُ الْقَاهِرِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةُ أَثَرُ الْمَقْهُورِيَّةِ فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مَالِكًا وَمَمْلُوكًا قَاهِرًا وَمَقْهُورًا فَيَلْزَمُ التَّنَافِي لَا مَحَالَةَ وَالْمُنَافِي لِلشَّيْءِ إذَا وُجِدَ وَطَرَأَ عَلَيْهِ يُبْطِلُهُ كَالرِّدَّةِ. وَأَمَّا إذَا مَلَكَهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ وَمِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ وَبَيْنَ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ مُنَافَاةٌ فَيَلْزَمُ التَّنَافِي لَا مَحَالَةَ فَمِنْ ثُبُوتِ الضِّدِّ يَلْزَمُ ارْتِفَاعُ الضِّدِّ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ. وَأَمَّا مِلْكُهُ إيَّاهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ)؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ عَلَى الْحُرَّةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ضَرُورَةَ الْحِلِّ لِبَقَاءِ النَّسْلِ فَلَمَّا طَرَأَ الْحِلُّ الْقَوِيُّ بَطَلَ الْحِلُّ الضَّعِيفُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْأَقْوَى) أَيْ وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَامَ مَقَامَ الْحِلِّ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ احْتِيَاطًا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ اشْتَرَاهَا) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعِدَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ مِنْ وَجْهٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ الْمُنَافِي لَا مِنْ وَجْهٍ كَمَا فِي مِلْكِ الْبَعْضِ وَلَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا فِي مِلْكِ الْكُلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُوجَدْ) أَيْ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا قُلْنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْمَنْقُولُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي الْمَنْظُومَةِ مِنْ الْوُقُوعِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَتْهُ أَمَّا إذَا لَمْ تَعْتِقْهُ حَتَّى طَلَّقَهَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ وَتَفْصِيلُ مُحَمَّدٍ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا عِدَّةَ هُنَاكَ عَلَيْهَا يَعْنِي مِنْهُ حَتَّى حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحِلُّ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا كَمَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ وَقَدْ قِيلَ بِهِ نَقَلَهُ فِي الْكَافِي قَالَ، وَلَوْ زَوَّجَهَا سَيِّدَهَا الَّذِي كَانَ زَوْجَهَا جَازَ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا مِنْ آخَرَ قَالَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فِي حَقِّ مَنْ اشْتَرَاهَا وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَجِبُ لِاسْتِبْرَاءِ

الْقَيْدِ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَهَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا هُنَاكَ حَتَّى حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا قُلْنَا الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ فِي الْأُولَى أَيْضًا حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَلَوْ أَعْتَقَهَا ظَهَرَتْ الْعِدَّةُ وَإِنَّمَا لَا تَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِحِلِّ وَطْئِهَا لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَوْ اشْتَرَتْ زَوْجَهَا ثُمَّ أَعْتَقَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا لِزَوَالِ الْمُنَافِي لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَفِي الْكَافِي جَعَلَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَهُ بِهَذَا الْفَرْقِ، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ عِنْدَهُ الطَّلَاقُ وَاقِعٌ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعِتْقِ وَقَدْ ذَكَرَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ قُبَيْلَهُ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْفَرْقِ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ طَلَاقُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ أَوْ إلَى مِنْهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ أَوْ جَاءَ وَقْتُ السَّنَةِ أَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَالْعِتْقِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ قَبْلَ الْعِتْقِ لَمْ يَقَعْ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْبَيْعُ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَالْعِتْقِ فِيمَا ذَكَرْنَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَطَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ، وَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَعَ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَيْنَا مُسْلِمًا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَلَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا لِانْعِدَامِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْعِدَّةِ عِنْدَهُ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ هِيَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ أَوْ كُلُّ فُرْقَةٍ هِيَ تَحْرِيمٌ عَلَى التَّأْبِيدِ فَطَلَّقَهَا فِيهِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ وَفِي الْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ يَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِيهِمَا طَلَاقٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاكِ إيَّاكِ فَأَعْتَقَ لَهُ الرَّجْعَةُ) أَيْ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ إعْتَاقِ مَوْلَاك إيَّاكَ فَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ فَالْعِتْقُ حُكْمُ الْإِعْتَاقِ فَاسْتُعِيرَ لِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلْقَتَيْنِ بِالْإِعْتَاقِ وَالْمُعَلَّقُ يُوجَدُ بَعْدَ الشَّرْطِ فَتَطْلُقُ وَهِيَ حُرَّةٌ وَالْحُرَّةُ لَا تَحْرُمُ بِالطَّلْقَتَيْنِ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِهِ لِوُجُودِ مَعْنَاهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَكُونُ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَيُضَافُ إلَيْهِ وُجُودًا لَا وُجُوبًا، وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ وُجِدَ فِيهِ فَإِذَا صَارَ مُعَلَّقًا بِهِ يَصِيرُ تَطْلِيقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِدُخُولِهِ عَلَى السَّبَبِ عِنْدَنَا فَيُوجَدُ التَّطْلِيقُ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ كَأَنَّهُ أَرْسَلَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْإِعْتَاقِ فَتَصِيرُ حُرَّةً بِهِ ثُمَّ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ الَّذِي هُوَ حُكْمُ التَّطْلِيقِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَلَا تَحْرُمُ بِهِ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَلَا يُقَالُ إنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مَا ذَكَرْتُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ تُذْكَرُ لِلتَّأَخُّرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ} [النمل: 44] أَيْ بَعْدَهُ فَإِنْ قِيلَ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك عَلَى مَعْنَى إنْ تَزَوَّجْتُك وَالْحُكْمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا تَزَوَّجَهَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ قُلْنَا إنَّمَا تَرَكْنَا الْحَقِيقَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الزَّوْجَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا وَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ فَلَزِمَ مِنْ صِحَّتِهِ تَعَلُّقُهُ بِهِ. وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَلَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا وَلَكِنْ يَمْلِكُ الْيَمِينَ فَإِنْ صَحَّ التَّرْكِيبُ بِذِكْرِ حُرُوفِهِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْيَمِينِ مَعَ الْمُنَافِي فِيمَا لَمْ يَلْزَمْ الْعُدُولُ فِيهِ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَفِيمَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى التَّنَافِي وَالطَّلَاقُ مَعَ النِّكَاحِ يَتَنَافَيَانِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ رَفْعُ الْقَيْدِ وَالنِّكَاحُ إثْبَاتُهُ فَلَا يَقْتَرِنَانِ فَيَلْغُو ضَرُورَةً بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ لَا يَتَنَافَيَانِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك يَلْغُو لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَعَلَّقَ عِتْقُهَا وَطَلْقَتَاهَا بِمَجِيءِ الْغَدِ فَجَاءَ لَا وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ) وَمَعْنَاهُ إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَقَالَ زَوْجُهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَجَاءَ الْغَدُ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ زَوْجُهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعِلَّةَ وَالْمَعْلُولَ يَقْتَرِنَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَتَعَاقَبَانِ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ لَهَا بَقَاءٌ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ وَالْأَصْلُ تَقَدُّمُ الْمُؤَثِّرِ عَلَى الْأَثَرِ فَأَمْكَنَ ذَلِكَ فِيهَا فَيُصَارُ إلَيْهِ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّحِمِ عَنْ الْمَاءِ وَيَسْتَحِيلُ اسْتِبْرَاءُ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ نَفْسِهِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْحِلِّ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمُنَافِي) أَيْ وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ إذْ لَا قَيْدَ حِينَئِذٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ فَإِذَا أَعْتَقَتْهُ ظَهَرَ أَحْكَامُ النِّكَاحِ فَتَحَقَّقَ الْقَيْدُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي جَعَلَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ)، وَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى خِلَافِ مُحَمَّدٍ وَلَا قَوْلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ مُصَنِّفُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ عِنْدَهُ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعِتْقِ) أَيْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَإِنَّمَا ذَاكَ فِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ اشْتَرَتْ هِيَ زَوْجَهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَالْعِدَّةُ عِنْدَهُ) أَيْ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً. اهـ. . (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلْقَتَيْنِ بِالْإِعْتَاقِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الثِّنْتَيْنِ إلَى الْإِعْتَاقِ بِكَلِمَةِ مَعَ وَلَا تَعْلِيقَ هُنَاكَ لِعَدَمِ أَدَاةِ التَّعْلِيقِ وَالْمُضَافُ إلَى الْعِتْقِ يُقَارِنُهُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ فِي الْحَالِ فَيُقَارِنُ الْمُضَافَ إلَيْهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَتَأَخَّرُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ. اهـ. سَرُوجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

بِخِلَافِ الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهَا عَرْضٌ فَلَوْ تَقَدَّمَتْ كَانَ الْفِعْلُ بِلَا اسْتِطَاعَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ ثُمَّ لِتَخْرِيجِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوْجُهٌ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ بِالْقِرَانِ فِي الْعِتْقِ وَبِالتَّعَاقُبِ فِي الطَّلَاقِ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَكُونُ كَأَنَّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجَ أَرْسَلَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَقَعُ أَوْجَزُ الْقَوْلَيْنِ أَوَّلًا وَهُوَ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْجَزُ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا تَحْرُمُ بِهِمَا حُرْمَةً غَلِيظَةً وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ وَإِنْ كَانَا يَقْتَرِنَانِ مَعَ عِلَّتِهِمَا أَوْ يَتَعَاقَبَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبَيْنِ لَكِنَّ حُكْمَ التَّطْلِيقِ يَتَأَخَّرُ عَنْ حُكْمِ الْإِعْتَاقِ فِي الْوُجُودِ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ مَحْظُورًا وَالْإِعْتَاقِ مَنْدُوبًا إلَيْهِ شَرْعًا كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ صَحِيحًا يُفِيدُ الْحُكْمَ وَهُوَ الْمِلْكُ لِلْحَالِّ وَإِذَا كَانَ فَاسِدًا يَتَأَخَّرُ إلَى وُجُودِ الْقَبْضِ لِكَوْنِهِ مَحْظُورًا: وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: وَهُوَ مُعْتَمَدُهُ أَنَّهُمَا لَمَّا تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ زَمَنَ نُزُولِ الْحُرِّيَّةِ فَيُصَادِفُهَا وَهِيَ حُرَّةٌ لِاقْتِرَانِهِمَا وُجُودًا فَلَا تَحْرُمُ بِهِمَا حُرْمَةً غَلِيظَةً: وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الِاحْتِيَاطَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَوْ الْحِلَّ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ احْتِيَاطًا، وَلِهَذَا كَانَ عِدَّتُهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ ثُمَّ الْعِتْقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَكَذَا الطَّلْقَتَانِ فَتَحْرُمُ بِهِمَا حُرْمَةً غَلِيظَةً، وَهَذَا لِأَنَّ زَمَانَ ثُبُوتِ الْعِتْقِ هُوَ زَمَانُ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ ضَرُورَةَ تَعَلُّقِهِمَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَالْعِتْقُ فِي زَمَانِ ثُبُوتِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ لِإِطْبَاقِ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ فِي زَمَانِ ثُبُوتِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا يُصَادِفُهَا تَطْلِيقَتَانِ وَهِيَ حُرَّةٌ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَمَّ شَرْطٌ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ وَبِخِلَافِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا حُكْمُ الطَّلَاقِ فَتَعْقُبُهُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهَا، وَكَذَا الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ يُحْتَاطُ فِيهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَهِيَ ثَلَاثٌ)؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ عُرْفًا وَشَرْعًا إذَا اقْتَرَنَتْ بِالِاسْمِ الْمُبْهَمِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْعَشَرَةِ» يَعْنِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا قَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ يَعْنِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَلَوْ أَشَارَ بِالْوَاحِدَةِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ أَشَارَ بِالثِّنْتَيْنِ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ مِنْهَا دُونَ الْمَضْمُومَةِ لِلْعُرْفِ وَالسُّنَّةِ، وَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَقِيلَ إذَا أَشَارَ بِظُهُورِهَا فَبِالْمَضْمُومَةِ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَيْهَا وَبُطُونَ الْأَصَابِعِ إلَى نَفْسِهِ وَقِيلَ إنْ كَانَ بَطْنُ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ فَالْعِبْرَةُ لِلضَّمِّ وَقِيلَ إنْ كَانَ نَشْرًا عَنْ ضَمٍّ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ وَإِنْ كَانَ ضَمًّا عَنْ نَشْرٍ فَالْعِبْرَةُ لِلضَّمِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إصْبَعٍ وَإِصْبَعٍ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَفْسِيرٌ لِلْعَدَدِ الْمُبْهَمِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَغَتْ فَيَكُونُ الْعَامِلُ فِيهِ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ الْبِدْعَةَ أَوْ كَالْجَبَلِ أَوْ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ أَوْ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ إنْ دَخَلَ بِهَا وَكَانَ بِغَيْرِ بَدَلٍ؛ لِأَنَّهَا حُكْمُ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا يَمْلِكُ تَبْدِيلَهُ كَسَائِرِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْنُونَةَ تَثْبُتُ بِهِ لِلْحَالِّ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِرَفْعِ النِّكَاحِ وَقَطْعِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فِيهَا لَكِنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِالْبَيْنُونَةِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَهُوَ اتِّصَالُ الْحُكْمِ بِعِلَّتِهِ فِي الْحَالِ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ لِمَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِ زُفَرَ مِنْ أَنَّهُ جِنْسٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وَمَسْأَلَةُ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ، وَلَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ بَائِنٌ وَنَحْوِهِ أُخْرَى يَقَعُ ثِنْتَانِ وَيَكُونُ بَائِنًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ وَقِيَاسُهُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا رَجْعِيَّةً لَكِنْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَوْ الْحِلَّ كَانَ ثَابِتًا) أَيْ مِلْكَ النِّكَاحِ وَالْحِلَّ بِهِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ الْمَضْمُومَةُ لِلْعُرْفِ وَالسُّنَّةِ)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا خَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ فُهِمَ مِنْهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الْمَضْمُومَةُ لَكَانَ الْمَفْهُومُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا اهـ (قَوْلُهُ، وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ) وَصُورَةُ الْإِشَارَةِ بِالْكَفِّ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ الْأَصَابِعِ مَنْشُورَةً قَالَهُ فِي الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْمَرْأَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إصْبَعٍ وَإِصْبَعٍ) يَعْنِي بَيْنَ الْأَصَابِعِ الَّتِي اعْتَادَ النَّاسُ الْإِشَارَةَ بِهَا وَبَيْنَ الْأَصَابِعِ الْأُخَرِ. اهـ. . (قَوْلُهُ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ) سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ أَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ يَعْنِي أَنَّ الطَّلَاقَ فِيهَا بَائِنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ)، وَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ الثَّلَاثَ فِي طَالِقٍ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّطْلِيقَةِ وَأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ وَنَسَبَهُ إلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَرَجَّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمُحْتَمَلِ وَتَطْلِيقَةً بِتَاءِ الْوَحْدَةِ لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَاحِدٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَدَدٌ. اهـ. رَازِيٌّ

لِثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ فِي الْأُخْرَى فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ أَشَدَّهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لِلتَّفْضِيلِ وَبِقَوْلِهِ شَدِيدَةً أَوْ فَاحِشَةً تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ قُلْنَا هَذِهِ الصِّيغَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ التَّفْضِيلِ وَبَيْنَ مُطْلَقِ الزِّيَادَةِ أَوْ مُطْلَقِ الْإِثْبَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228]، وَقَالَ الشَّاعِرُ إنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا ... بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ أَيْ عَزِيزَةٌ طَوِيلَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا قَالَ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ لَا يَكُونُ بَائِنًا إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ يَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا ذَكَرْنَا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا قَالَ كَالْجَبَلِ أَوْ مِثْلَ الْجَبَلِ يَكُونُ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ الْجَبَلَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَكَانَ تَشْبِيهًا لَهُ فِي تَوَحُّدِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ كَأَلْفٍ أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثٌ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ فَيُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ ظَاهِرًا فَصَارَ كَقَوْلِهِ كَعَدَدِ أَلْفٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَالنُّجُومِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَكَعَدَدِ النُّجُومِ ثَلَاثٌ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ كَأَلْفٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَلْفَ مَوْضُوعٌ لِلْعَدَدِ فَيَكُونُ التَّشْبِيهُ بِهِ لِلْكَثْرَةِ بِخِلَافِ النُّجُومِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي الضِّيَاءِ وَالنُّورِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ التُّرَابِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ قَالَ عَدَدَ التُّرَابِ يَقَعُ ثَلَاثًا عِنْدَهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ لَا عَدَدَ لِلتُّرَابِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَثَلَاثٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَثَلَاثٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا لَوْ قَالَ كَعَدَدِ ثَلَاثٍ ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى وَصَفَ الطَّلَاقَ إنْ كَانَ وَصْفًا لَا يُوصَفُ بِهِ الطَّلَاقُ يَلْغُو الْوَصْفُ وَيَقَعُ رَجْعِيًّا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا لَمْ يَقَعْ عَلَيْك أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ وَمَتَى وَصَفَهُ بِصِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا الطَّلَاقُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا يُنْبِئَ عَنْ زِيَادَةٍ كَقَوْلِهِ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْضَلَهُ أَوْ أَسَنَّهُ أَوْ أَجْمَلَهُ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ خَيْرَهُ أَوْ يُنْبِئَ عَنْ زِيَادَةٍ كَقَوْلِهِ أَشَدَّ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ فَالْأَوَّلُ رَجْعِيٌّ وَالثَّانِي بَائِنٌ عَلَى أُصُولِهِمْ فَأَصْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَتَى شَبَّهَ الطَّلَاقَ بِشَيْءٍ يَقَعُ بَائِنًا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ لِلزِّيَادَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ الْعِظَمَ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَرَجْعِيٌّ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ قَدْ يَكُونُ فِي التَّوْحِيدِ عَلَى التَّجْرِيدِ وَذِكْرُ الْعِظَمِ لِلزِّيَادَةِ لَا مَحَالَةَ وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ مِمَّا يُوصَفُ بِالْعِظَمِ عِنْدَ النَّاسِ يَقَعُ بَائِنًا وَإِلَّا فَرَجْعِيٌّ ذَكَرَ الْعِظَمَ أَوْ لَا. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ سِمْسِمَةٍ أَوْ عِظَمَ سِمْسِمَةٍ أَوْ كَالْجَبَلِ أَوْ عِظَمَ الْجَبَلِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشَهُ أَوْ أَخْشَنَهُ أَوْ أَسْوَأَهُ أَوْ أَغْلَظَهُ أَوْ أَشَرَّهُ أَوْ أَطْوَلَهُ أَوْ أَكْبَرَهُ أَوْ أَعْرَضَهُ أَوْ أَعْظَمَهُ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي غَيْرِ الْأَمَةِ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يُوصَفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى خَفِيفَةٍ وَغَلِيظَةٍ فَأَيَّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَثْبُتُ الْأَدْنَى لِلتَّيَقُّنِ بِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَفْضَلَ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْمَلَهُ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ أَحْسَنَهُ أَوْ أَجْمَلَهُ حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ لِذِكْرِ الْمَصْدَرِ، وَلَوْ قَالَ كَالثَّلْجِ كَانَ بَائِنًا لِلزِّيَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ أَرَادَ بِهِ بَيَاضَهُ فَرَجْعِيٌّ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ بَرْدَهُ فَبَائِنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا لِأَبِي يُوسُفَ) وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْفُحْشَ وَالْبِدْعَةَ وَطَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْصَافٌ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَأْثِيرٍ وَتَأْثِيرُهُ بِأَنْ يَكُونَ قَاطِعًا لِلنِّكَاحِ فِي الْحَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَ تَشْبِيهًا لَهُ فِي تَوَحُّدِهِ) وَلَنَا أَنَّ التَّشْبِيهَ بِهِ يُوجِبُ زِيَادَةً لَا مَحَالَةَ وَذَا بِوَصْفِ الْبَيْنُونَةِ. وَأَمَّا شِدَّةُ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِوَصْفِ الْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّهُ بِهَا يَكُونُ مَأْمُونًا عَنْ الِانْتِقَاضِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ كَأَلْفٍ فَلِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْعَدَدِ وَقَدْ يُشَبَّهُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْقُوَّةُ وَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَعِنْدَ عَدَمِهَا يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهُوَ الْوَاحِدَةُ الْبَائِنَةُ. اهـ. رَازِيٌّ ثُمَّ قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَمْلَأُ الْبَيْتَ لِعِظَمِهِ أَوْ لِكَثْرَتِهِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهِيَ الْوَاحِدَةُ الْبَائِنَةُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ فِي قَوْلِهِ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً الْوَاقِعُ بِهِمَا رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُوصَفُ بِهِمَا فَيَلْغُو وَقُلْنَا الطُّولُ وَالْعَرْضُ عِبَارَتَانِ عَنْ الْكَمَالِ وَالْقُوَّةِ وَهُمَا فِي الْبَيْنُونَةِ، وَلَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا بَائِنٌ وَالْبَيْنُونَةُ تَتَنَوَّعُ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ أَيَّهمَا كَانَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَفْضَلُ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْمَلُهُ أَوْ أَعْدَلُهُ أَوْ أَحْسَنُهُ حَيْثُ يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ لِذِكْرِ الْمَصْدَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ لِلزِّيَادَةِ) أَيْ لِاقْتِضَاءِ التَّشْبِيهِ الزِّيَادَةَ. (قَوْلُهُ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ سِمْسِمَةٍ) تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ رَجْعِيَّةٌ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عِظَمَ سِمْسِمَةٍ) تَقَعُ بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ زُفَرَ رَجْعِيَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ كَالْجَبَلِ) بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عِظَمَ الْجَبَلِ) بَائِنَةٌ اتِّفَاقًا اهـ هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَمَّا لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا بَائِنٌ وَالْبَيْنُونَةُ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ كَالثَّلْجِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَقْصُرُ الْبَيْنُونَةَ فِي التَّشْبِيهِ عَلَى ذِكْرِ الْعِظَمِ بَلْ يَقَعُ بِدُونِهِ عِنْدَ قَصْدِ الزِّيَادَةِ، وَكَذَا يَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يَقَعَ بَائِنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَأَعْدَلِ الطَّلَاقِ وَكَأَسَنِّهِ وَكَأَحْسَنِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

[فصل في الطلاق قبل الدخول]

(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (طَلَّقَ غَيْرَ الْمَوْطُوءَةِ ثَلَاثًا وَقَعْنَ)، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ إذَا قَالَ أَوْقَعْتُ عَلَيْكِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَقَعْنَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَبِينُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَا إلَى عِدَّةٍ. وَقَوْلُهُ ثَلَاثًا يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَطَفَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَوْقَعْت عَلَيْك ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَلَنَا أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ الْعَدَدَ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْعَدَدِ عَلَى مَا مَرَّ بِفُرُوعِهِ بِخِلَافِ الْعَطْفِ، وَلِأَنَّ الْكُلَّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يُفْصَلُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِخِلَافِ الْعَطْفِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ فَرَّقَ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) أَيْ إنْ فَرَّقَ الطَّلَاقَ بَانَتْ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً، أَوْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ أَوْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا إذَا كَانَ بِعَطْفٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَرَبِيعَةَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ بِغَيْرِ تَرْتِيبٍ وَالْمَلْفُوظُ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْمَلْفُوظِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ فَقَالَ أَجَزْت نِكَاحَ هَذِهِ وَهَذِهِ بَطَلَا، وَكَذَا لَوْ مَاتَ شَخْصٌ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ قِيمَتُهُمْ عَلَى السَّوَاءِ فَقَالَ ابْنُهُ أَعْتَقَ أَبِي هَذَا، وَهَذَا، وَهَذَا حَيْثُ يَكُونُ الثَّلَاثُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ جُمْلَةً لَاخْتَصَّ بِهِ الْأَوَّلُ كَمَا إذَا سَكَتَ بَيْنَ الْكَلِمَاتِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفًا أَوْ وَاحِدَةً وَأُخْرَى يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا لِمَا قُلْنَا وَلَنَا أَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَا يَقَعُ مَا بَعْدَهَا بِخِلَافِ الْمَجْمُوعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَإِنَّهَا تَقَعُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ صَدْرُ الْكَلَامِ لِيَتَحَقَّقَ الْجَمْعُ قُلْنَا لَوْ تَوَقَّفَ لَصَارَ لِلْقِرَانِ وَالْوَاوُ لَا تُوجِبُهُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ لَمْ يَتَوَقَّفْ لَصَارَ لِلتَّرْتِيبِ قُلْنَا الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ أَيَّ جَمْعٍ كَانَ وَلَا تَنَافِي إلَّا أَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُ هَذَا الْجَمْعَ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ. وَقَوْلُهُ وَاحِدَةً وَنِصْفَهَا أَوْ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ لَيْسَ لَهُمَا عِبَارَةٌ أَخْصَرُ مِنْهُمَا فَكَانَ فِيهِمَا ضَرُورَةٌ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَثْنِيَتُهُ أَوْ جَمْعُهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ ثِنْتَانِ فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً وَأُخْرَى لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ أُخْرَى ابْتِدَاءً وَاسْتِقْلَالًا. وَأَمَّا نِكَاحُ الْأُخْتَيْنِ وَمَسْأَلَةُ الْوَارِثِ فَلِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ مُغَيِّرٌ لِصَدْرِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى آخِرِهِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ مَتَى صَحَّ أَبْطَلَ نِكَاحَ أُخْتِهَا فَكَانَ مُغَيِّرًا، وَكَذَا إقْرَارُ الْوَارِثِ بِالْعِتْقِ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ مُغَيِّرٌ لِصَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْ إقْرَارِهِ لِلْأَوَّلِ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ كُلُّهُ فَإِذَا أَقَرَّ لِغَيْرِهِ مَعَهُ شَارَكَهُ فِيهِ فَنَقَصَ حَقُّهُ فَكَانَ مُغَيِّرًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَاتَتْ بَعْدَ الْإِيقَاعِ قَبْلَ الْعَدَدِ لَغَا) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَهُ مِنْ الْعَدَدِ فَمَاتَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ طَالِقٌ قَبْلَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا وَنَحْوَهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْعَدَدُ عَلَى مَا مَرَّ فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِهِ بَطَلَ الْمَحَلُّ قَبْلَ الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ بِدُونِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُجَانِسُ مَا قَبْلَهَا مِنْ حَيْثُ فَوَاتُ الْمَحَلِّ عِنْدَ الْإِيقَاعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَبْطُلَ الْمَحَلِّيَّةُ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْمَوْتِ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْعَدَدُ لَمَا وَقَعَ عَلَيْهَا عِنْدَ اقْتِصَارِهِ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَدَدَ مَاتَتْ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ تَمُتْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ تُقَدَّرُ الطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِهَا اقْتِضَاءً وَعِنْدَ وُجُودِ ذِكْرِ الْعَدَدِ يَقَعُ الْمَذْكُورُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً أَوْ قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةً)، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْعَطْفِ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لِعَدَمِ الْعِدَّةِ فَلَا يَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ صَدْرِ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُغَيِّرِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ إيقَاعًا عَلَى حِدَةٍ وَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْت وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً حَيْثُ يَقَعُ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ مَعَ التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ ثَمَّةَ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّرْطِ بِآخِرِ كَلَامِهَا فَمَا لَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ لَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا إنْ لَمْ يُقْرَنْ بِالْكِنَايَةِ وَإِنْ قُرِنَ بِهَا يَكُونُ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ آخِرًا كَقَوْلِك جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو يَقْتَضِي سَبْقَ زَيْدٍ، وَلَوْ قُلْت جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَهُ عَمْرٌو اقْتَضَى سَبْقَ عَمْرٍو فَالْقَبْلِيَّةُ فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ صِفَةُ الْأُولَى فَوَقَعَتْ قَبْلَ الثَّانِيَةِ فَلَا تَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ لِمَا قُلْنَا وَالْبَعْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ] ِ) (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ طَلَّقَ غَيْرَ الْمَوْطُوءَةِ ثَلَاثًا وَقَعْنَ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ بِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طَلَاقًا بَائِنًا فَيَقَعْنَ جُمْلَةً. اهـ. عَيْنِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ مَا مَرَّ بِفُرُوعِهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا. اهـ. . (قَوْلُهُ بَانَتْ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُعَلِّقْ الْكَلَامَ بِشَرْطٍ أَوْ يَذْكُرْ فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ صَدْرَهُ كَانَ كُلُّ لَفْظٍ إيقَاعًا عَلَى حِدَةٍ فَيَقَعُ بِالْأَوَّلِ وَتَبِينُ لَا إلَى عِدَّةٍ فَيُصَادِفُهَا الثَّانِي وَهِيَ بَائِنٌ فَلَا يَقَعُ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَثْنِيَتُهُ أَوْ جَمْعُهُ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ فِي بَابِ الْمَرِيضِ وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالرَّجُلِ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ الَّتِي بِخَطِّ يَدِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةً) أَيْ بَائِنَةً فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ كَقَوْلِك جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو) أَيْ أَوْ جَاءَنِي زَيْدٌ بَعْدَهُ عَمْرٌو. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قُلْت جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَهُ عَمْرٌو) أَيْ أَوْ بَعْدَهُ عَمْرٌو. اهـ. .

[باب الكنايات]

بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ صِفَةُ الْأَخِيرَةِ فَوَقَعَتْ الْأُولَى قَبْلَهَا ضَرُورَةً فَلَا تَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا ثِنْتَانِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَالَ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ قَالَ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ يَقَعُ ثِنْتَانِ أَمَّا فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا لَمْ يَقْرُنْ الظَّرْفَ بِالْكِنَايَةِ وَإِنْ قَرَنَهُ بِهَا يَكُونُ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ آخِرًا فَالْبَعْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ صِفَةٌ لِلْأُولَى لِعَدَمِ الْقِرَانِ بِالْكِنَايَةِ فَيَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الثَّانِيَةِ وُقُوعًا وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ فَيَقْتَرِنَانِ وَالْقَبْلِيَّةُ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ صِفَةٌ لِلْأَخِيرَةِ لِقَرْنِ الظَّرْفِ بِالْكِنَايَةِ فَيَقْتَضِي تَقَدُّمَهَا عَلَى الْأُولَى وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيَقْتَرِنَانِ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ لِاسْتِحَالَةِ حَقِيقَتِهِ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ يَقَعُ فِي الْحَالِ. وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ فَلِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الثَّانِيَةِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَاهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ مَعَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ تَقْتَضِي سَبْقَ الْمَكْنِيِّ عَنْهُ وُجُودًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ فَثِنْتَانِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ تَطْلُقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَلَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَتْ يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُمَا عِنْدَ الشَّرْطِ وَحَالُ وُجُودِ الشَّرْطِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَوَقَعَا جُمْلَةً ضَرُورَةً كَمَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ دُونَ التَّرْتِيبِ فَيَقْتَضِي الِاجْتِمَاعَ فِي الْوُقُوعِ، وَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ نَاقِصَةٌ فَشَارَكَتْ الْأُولَى فِي التَّعَلُّقِ بِالشَّرْطِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَوْ نَجَّزَهُ حَقِيقَةً لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ فَكَذَا إذَا صَارَ كَالْمُنَجَّزِ حُكْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ تَوَقَّفَ عَلَى آخِرِهِ لِوُجُودِ الْمُغَيِّرِ فِي آخِرِهِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْبَيَانِ وَلَا كَذَلِكَ إذَا تَقَدَّمَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ مِنْ شَرْطٍ وَغَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَلَوْ نَجَّزَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وُقُوعَهُ مُرَتَّبًا فِي الْمُنَجَّزِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ كَذَلِكَ فِي الْمُعَلَّقِ قُلْنَا قَوْلُهُ لَا بَلْ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِإِقَامَةِ الثَّانِي مُقَامَ الْأَوَّلِ فَصَحَّ ذَلِكَ فِي التَّعْلِيقِ لِبَقَاءِ الْمَحَلِّ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ بِالشَّرْطِ فَتَتَعَلَّقُ الثَّانِيَةُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ كَأَنَّهُ أَعَادَ ذِكْرَ الشَّرْطِ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ نَزَلَا جُمْلَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْوَاحِدَ يُنْحَلُ بِهِ أَيْمَانٌ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا نَجَزَهُ بِقَوْلِهِ لَا بَلْ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَمْ يَصِحَّ التَّكَلُّمُ مِنْهُ بِالثِّنْتَيْنِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِقِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْأُولَى وَلَوْ عَطَفَ بِالْفَاءِ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهَا لِلْعَطْفِ كَالْوَاوِ، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ تَقَعُ وَاحِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ إنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ فَصَارَتْ كَكَلِمَةِ ثُمَّ وَبَعْدَ بِخِلَافِ الْوَاوِ، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ الشَّرْطَ فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا يَقَعُ فِي الْحَالِ ثِنْتَانِ وَتَتَعَلَّقُ الثَّالِثَةُ بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا يَقَعُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةٌ وَيَلْغُو الْبَاقِي وَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ بِالشَّرْطِ وَوَقَعَتْ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَوَقَعَ الثَّانِي وَلَغَا الثَّالِثُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَثَرَ التَّرَاخِي يَظْهَرُ فِي التَّعْلِيقِ عِنْدَهُ فَكَأَنَّهُ سَكَتَ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ وَعِنْدَهُمَا يَظْهَرُ فِي الْوُقُوعِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا فِي التَّعْلِيقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (بَابُ الْكِنَايَاتِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا تَطْلُقُ بِهَا إلَّا بِنِيَّتِهِ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ) أَيْ لَا تَطْلُقُ بِالْكِنَايَاتِ إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْكِنَايَاتِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِالطَّلَاقِ بَلْ تَحْتَمِلُهُ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُرَجِّحِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا اعْتِبَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ أَوْ مَعَهَا ثِنْتَانِ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ) أَيْ اقْتَرَنَتْ بِالضَّمِيرِ أَوَّلًا. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُمَا أَرْجَحُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ) أَيْ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً لَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ اَ هـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ عَطَفَ بِالْفَاءِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) فَعِنْدَهُ تَبِينُ بِوَاحِدَةٍ وَيَسْقُطُ مَا بَعْدَهَا وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ الشَّرْطَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ) أَيْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً. اهـ. [بَابُ الْكِنَايَاتِ] (بَابُ الْكِنَايَاتِ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الصَّرِيحِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكِنَايَاتِ وَقَدَّمَ الصَّرِيحَ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِلْإِفْهَامِ فَمَا كَانَ أَدْخَلَ وَأَظْهَرَ إفْهَامًا كَانَ أَصْلًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا وُضِعَ لَهُ وَحِينَ كَانَ الصَّرِيحُ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ لِاشْتِهَارِهِ فِي الْمَعْنَى كَانَ الْكِنَايَةُ مَا خَفِيَ الْمُرَادُ بِهِ لِتَوَارُدِ الِاحْتِمَالَاتِ عَلَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ

بِالدَّلَالَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُضْمِرَ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَلَنَا أَنَّ الْحَالَ أَقْوَى دَلَالَةً مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ وَالنِّيَّةُ بَاطِنَةٌ وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا عَفِيفُ أَوْ يَا عَتِيقُ أَوْ يَا بَرِيًّا مِنْ الْعُيُوبِ وَنَحْوِهِ يَكُونُ مَدْحًا لَهُ فِي حَالِ تَعْظِيمِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ حَسَّانُ يَمْدَحُ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنْ مُحَمَّدٍ وَفِي حَالِ الشَّتْمِ وَالْغَضَبِ يَكُونُ ذَمًّا كَمَا قَالَ النَّجَاشِيُّ يَهْجُو قَوْمًا قَبِيلَتُهُ لَا يَغْدِرُونَ بِذِمَّةٍ ... وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلٍ ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَلَّ سَيْفَهُ وَقَصَدَ إنْسَانًا وَالْحَالُ يَدُلُّ عَلَى الْمَزْحِ وَاللَّعِبِ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ الْجِدِّ وَإِظْهَارُ الْمَزْحِ لِلتَّمَكُّنِ، وَلَوْ دَلَّ الْحَالُ عَلَى الْجِدِّ جَازَ قَتْلُهُ دَفْعًا فَكَانَتْ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ مُغْنِيَةً عَنْ النِّيَّةِ وَمُعِينَةً لِلْجِهَةِ ظَاهِرًا فَإِذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ فَقَدْ أَرَادَ بُطْلَانَ حُكْمِ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ نَوَيْت بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ وَعَلَى هَذَا أَحْكَامٌ جَمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِظَاهِرِ الْحَالِ فَلَا يُنْكِرُهَا إلَّا مُكَابِرٌ كَتَعْيِينِ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ عِنْدَ إطْلَاقِ الثَّمَنِ مَعَ اخْتِلَافِ النُّقُودِ وَصَرْفِ مُطْلَقِ النِّيَّةِ فِي الْحَجِّ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِلضَّرُورَةِ بِدَلَالَةِ حَالِهِمَا، وَأَوْضَحُ مِنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ نَعَمْ لَزِمَهُ، وَلَوْ قَالَ أَعْتَقْت عَبْدَك فَقَالَ نَعَمْ عَتَقَ لِإِقْرَارِهِ بِهِ دَلَالَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ) يَعْنِي لَا يَقَعُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ نَوَى ثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ كَمَا فِي الصَّرِيحِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمَصْدَرَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِسَوْدَةِ اعْتَدِّي ثُمَّ رَاجَعَهَا»، وَلِأَنَّ حَقِيقَتَهَا أَمْرٌ بِالْحِسَابِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا اعْتِدَادُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهَا أَوْ مَا أَنْعَمَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ أَوْ الِاعْتِدَادُ مِنْ النِّكَاحِ فَإِذَا نَوَاهُ زَالَ الْإِبْهَامُ وَوَجَبَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ اقْتِضَاءً فَيَكُونُ الْمُقْتَضَى صَرِيحَ الطَّلَاقِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك فَاعْتَدِّي وَهُوَ رَجْعِيٌّ وَلَا يَقْبَلُ الْعَدَدَ وَقَبْلَ الدُّخُولِ جُعِلَ مُسْتَعَارًا عَنْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَاسْتُعِيرَ الْحُكْمُ لِسَبَبِهِ فَجَازَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السَّبَبُ عِلَّةً لِكَوْنِهِ مُخْتَصًّا بِهِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] أَيْ عِنَبًا فَصَارَ مَجَازًا عَنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الِاعْتِدَادِ وَهُوَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الِاسْتِبْرَاءَ لِيُطَلِّقَهَا أَوْ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِ الْقَرِينَةِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِلْمَرْأَةِ أَيْ أَنْتِ وَاحِدَةٌ عِنْدَ قَوْمِك أَوْ عِنْدِي أَوْ لِعَدَمِ نَظِيرِهَا فِي الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ أَوْ فِي الْقُبْحِ فَإِذَا زَالَ الْإِبْهَامُ بِالنِّيَّةِ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ صَرِيحَ الطَّلَاقِ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَالنَّصُّ عَلَى الْوَاحِدَةِ يُنَافِي الْعَدَدَ وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِعْرَابِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ نَصَبَ الْوَاحِدَةِ وَقَعَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً) أَيْ. وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيُصَدِّقُهُ سُبْحَانَهُ إذَا نَوَى خِلَافَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْحَالِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ يُحْمَلُ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي بِالْوُقُوعِ أَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ مُطْلَقًا، أَلَا تَرَى أَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ إذْ قَالَ أَرَدْت عَنْ وَثَاقٍ لَا يُصَدِّقُهُ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ هِيَ زَوْجَتُهُ إذَا كَانَ نَوَاهُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْمُقْتَضَى صَرِيحَ الطَّلَاقِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالِاقْتِضَاءِ وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ فِيمَا إذَا قَالَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ أَمَّا قَبْلَهُ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا بِاسْمِ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ لَا الْمُسَبِّبِ عَنْ السَّبَبِ لِيَرِدَ أَنَّ شَرْطَهُ اخْتِصَاصُ الْمُسَبِّبِ بِالسَّبَبِ وَالْعِدَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالطَّلَاقِ لِثُبُوتِهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذْ أَعْتَقَتْ وَيُجَابُ بِأَنَّ ثُبُوتَهَا فِيمَا ذَكَرَ لِوُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِهَا فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ لَا بِالْأَصَالَةِ وَهُوَ غَيْرُ دَافِعِ سُؤَالِ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ كَوْنُهَا مَجَازًا عَنْ كُونِي طَالِقًا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا يَجِبُ كَوْنُ اسْتَبْرِئِي كَذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً وَمَا فِي النَّوَادِرِ مِنْ أَنَّ وُقُوعَ الرَّجْعِيِّ بِهَا اسْتِحْسَانٌ لِحَدِيثِ سَوْدَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا «اعْتَدِّي ثُمَّ رَاجَعَهَا» وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْبَائِنُ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ بَعِيدٌ بَلْ ثُبُوتُ الرَّجْعِيِّ بِهَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْبَيْنُونَةِ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ مُنْتَفِيَةٌ فِيهَا فَلَا يَتَّجِهُ الْقِيَاسُ أَصْلًا نَعَمْ الِاعْتِدَادُ يَقْتَضِي فُرْقَةً بَعْدَ الدُّخُولِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ لَكِنْ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَعَيُّنَ الْبَائِنِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْأَخَفُّ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّائِدِ عَلَيْهِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ لِيُطَلِّقَهَا) أَيْ فِي حَالِ فَرَاغِ رَحِمِهَا اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِ الْقَرِينَةِ) وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّهَا قَبْلَ الدُّخُولِ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا كَاعْتَدِّي، وَكَذَا فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً) أَيْ فَإِذَا نَوَاهُ فَكَأَنَّهُ قَالَهُ يَعْنِي إذَا نَوَاهُ مَعَ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فَكَأَنَّهُ قَالَهُ لِظُهُورِ أَنَّ مُجَرَّدَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا) أَيْ بِالرَّفْعِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ مُقْتَضًى كَمَا هُوَ فِي اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ شَرْعًا بِهَا فَهُوَ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً وَمُضْمَرٌ فِي وَاحِدَةٍ، وَلَوْ كَانَ مُظْهَرًا لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً فَإِذَا كَانَ مُضْمَرًا وَأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا وَاحِدَةً وَفِي وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمَصْدَرُ مَذْكُورًا بِذِكْرِ صِفَتِهِ لَكِنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَاحِدَةِ يَمْنَعُ إرَادَةَ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ الْمَحْدُودِ بِالْهَاءِ فَلَا يَتَجَاوَزُ الْوَاحِدَةَ اهـ

رَفَعَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ سَكَّنَهَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِاحْتِمَالِ الْأَمْرَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ، وَلِأَنَّ الرَّفْعَ لَا يُنَافِي الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ نَفْسَ الْمَرْأَةِ جَعَلَهَا طَلَاقًا لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ أَنْتِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ عَدْلٌ، وَلِهَذَا قُلْنَا يَقَعُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ أَنْتِ طَلَاقٌ وَالنَّصْبُ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرِ الطَّلَاقِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرُ فِعْلٍ آخَرَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ ضَارِبَةٌ ضَرْبَةً وَاحِدَةً وَنَحْوِهِ فَصَارَ الِاحْتِمَالُ مَوْجُودًا فِي الْكُلِّ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْبَعْضُ مُرَادًا مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَّا بِدَلِيلٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي غَيْرِهَا بَائِنَةٌ وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ) أَيْ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّ نِيَّةَ الْعَدَدِ فِي الْجِنْسِ لَا تَصِحُّ وَنِيَّةَ الثِّنْتَيْنِ نِيَّةُ الْعَدَدِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ أَمَةً فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِي حَقِّهَا لِكَوْنِهِمَا جَمِيعَ جِنْسِ طَلَاقِهَا كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي لِمَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَبَطَلَ إطْلَاقُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ) أَيْ غَيْرُ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْكِنَايَاتِ (بَائِنٌ بَتَّةً بَتْلَةٌ حَرَامٌ خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك الْحَقِي بِأَهْلِك وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ سَرَّحْتُكِ فَارَقْتُكِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ اخْتَارِي أَنْتِ حُرَّةٌ تَقَنَّعِي تَخَمَّرِي اسْتَتِرِي اُغْرُبِي اُخْرُجِي اذْهَبِي قُومِي ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لِيَتَبَيَّنَ الْحَالُ أَمَّا الْبَائِنُ فَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُوهَ الْبَيْنُونَةِ عَنْ وَصْلَةِ النِّكَاحِ وَعَنْ الْمَعَاصِي وَعَنْ الْخَيْرَاتِ أَوْ بَائِنٌ مِنِّي نَسَبًا؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ ضِدُّ الِاتِّصَالِ وَالِاتِّصَالُ مُتَنَوِّعٌ وَالْبَتُّ الْقَطْعُ فَيَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ عَنْ النِّكَاحِ أَوْ عَنْ الْخَيْرَاتِ أَوْ عَنْ الْأَقَارِبِ، وَكَذَلِكَ الْبَتْلُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْقَطْعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا} [المزمل: 8] أَيْ انْقَطِعْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ سُمِّيَتْ مَرْيَمَ بَتُولًا لِانْقِطَاعِهَا إلَى اللَّهِ «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّبَتُّلِ» وَهُوَ الِانْقِطَاعُ عَنْ النِّكَاحِ فَيَحْتَمِلُ مَا يَحْتَمِلُهُ الْبَتُّ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَّا بِمُعَيَّنٍ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ وَالْحَرَامُ هُوَ الْمَمْنُوعُ فَيَحْتَمِلُ مَا يَحْتَمِلُهُ أَلْبَتَّةَ وَالْخَلِيَّةُ مِنْ الْخُلُوِّ فَيَحْتَمِلُ الْخُلُوَّ عَنْ الْخَيْرَاتِ أَوْ عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ وَالْبَرِيَّةُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَرَاءَةِ فَيَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ عَنْ حُسْنِ الثَّنَاءِ أَوْ عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك يُنْبِئُ عَنْ التَّخْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا أَرْسَلُوا النُّوقَ يُخْلُونَ حَبْلَهَا أَيْ مِقْوَدَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَيُخَلُّونَ سَبِيلَهَا وَهُوَ كَالْخَلِيَّةِ وَالْغَارِبُ مَا بَيْنَ الْعُنُقِ وَالسَّنَامِ أَيْ اذْهَبِي حَيْثُ شِئْت وَالْحَقِي بِأَهْلِك؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ سِيرِي بِسِيرَةِ أَهْلِك أَوْ؛ لِأَنِّي أَذِنْت لَك أَنْ تَلْحَقِي بِهِمْ وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك أَيْ عَفَوْتُ عَنْكِ لِأَجْلِ أَهْلِك أَوْ وَهَبْتُك لَهُمْ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَسَرَّحْتُك وَفَارَقْتُك؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّسْرِيحَ وَالْمُفَارَقَةَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُمَا صَرِيحَانِ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى النِّيَّةِ قُلْنَا الصَّرِيحُ مَا تَعَيَّنَ اسْتِعْمَالُهُ فِي شَيْءٍ وَمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَا يَكُونُ صَرِيحًا وَهُمَا لَمْ يَتَعَيَّنَا فِي النِّسَاءِ يُقَالُ سَرَّحْت إبِلِي وَفَارَقْت مَالِي وَأَصْحَابِي وَصَارَ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ وَأَمْرُك بِيَدِك أَيْ عَمَلُك بِيَدِك إذْ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْعَمَلُ هُنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] أَيْ فِعْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا عَمَلُك بِيَدِك ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْأَمْرَ بِالْيَدِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ تَفْوِيضًا لَهُ إلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْأَمْرَ بِالْيَدِ فِي حَقِّ تَصَرُّفٍ آخَرَ وَاخْتَارِي مُحْتَمَلٌ أَيْضًا أَيْ اخْتَارِي نَفْسَك بِالْفَرْقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك فِي أَمْرٍ آخَرَ وَفِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تُطَلِّقَ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهُمَا تَفْوِيضَانِ وَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الرِّقِّ أَوْ رِقِّ النِّكَاحِ وَتَقَنَّعِي وَتَخَمَّرِي وَاسْتَتِرِي؛ لِأَنَّك بِنْتِ مِنِّي بِالطَّلَاقِ وَحَرُمَ عَلَيَّ نَظَرُك أَوْ لِئَلَّا يَنْظُرَ إلَيْك أَجْنَبِيٌّ وَاغْرُبِي أَيْ اُبْعُدِي عَنِّي؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِزِيَارَةِ أَهْلِك وَيُرْوَى اُعْزُبِي مِنْ الْعُزُوبَةِ وَاخْرُجِي وَاذْهَبِي وَقُومِي مِثْلُ اُغْرُبِي وَابْتَغِي الْأَزْوَاجَ؛ لِأَنِّي قَدْ طَلَّقْتُك أَوْ الْأَزْوَاجَ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ لَا تَطْلُقُ بِهَا أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرُ فِعْلٍ آخَرَ)، وَهَذَا الْوَجْهُ يَعُمُّ الْعَوَامَّ وَالْخَوَاصَّ، وَلِأَنَّ الْخَاصَّةَ لَا تَلْتَزِمُ التَّكَلُّمَ الْعُرْفِيَّ عَلَى صِحَّةِ الْإِعْرَابِ بَلْ تِلْكَ صِنَاعَتُهُمْ وَالْعُرْفُ لُغَتُهُمْ فَلِذَا تَرَى أَهْلَ الْعِلْمِ فِي مَجَارِي كَلَامِهِمْ لَا يُقِيمُونَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِمَا جَمِيعَ جِنْسِ طَلَاقِهَا) أَيْ فَيَكُونُ فَرْدًا حُكْمًا فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ لِمَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ) أَيْ فِي بَابِ التَّفْوِيضِ اهـ. (قَوْلُهُ فَبَطَلَ إطْلَاقُهُ) أَيْ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ وَفِي غَيْرِهَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ. اهـ. . (قَوْلُهُ مِقْوَدُهَا عَلَى غَارِبِهَا) كَيْ لَا تَتَعَقَّلَ بِهِ إذَا كَانَ مَطْرُوحًا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَيُخَلُّونَ سَبِيلَهَا إلَخْ) شَبَّهَ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْإِطْلَاقِيَّةِ إطْلَاقَ الْمَرْأَةِ عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ أَوْ الْعَمَلِ أَوْ التَّصَرُّفِ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَصَارَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ لِتَعَدُّدِ صُوَرِ الْإِطْلَاقِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَالْحَقِي بِأَهْلِك) بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَهُوَ مِنْ حَدِّ عَلِمَ وَفَتْحُ الْأَلِفِ وَكَسْرُ الْحَاءِ خَطَأٌ. اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْحَقِي مِنْ اللُّحُوقِ لَا مِنْ الْإِلْحَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك) وَفِي وَهَبْتُك لِأَهْلِك إذَا نَوَى يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ وَهَبْتُك لِأَهْلِك مَجَازًا عَنْ رَدَدْتُك عَلَيْهِمْ فَيَصِيرُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِهِمْ إيَّاهَا فِي ثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تُطَلِّقَ نَفْسَهَا) وَإِنَّمَا هُمَا كِنَايَتَانِ عَنْ التَّفْوِيضِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ الْأَمْرُ فِي يَدِهَا بِالنِّيَّةِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ وَاغْرُبِي) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْغُرْبَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَيُرْوَى اُعْزُبِي) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ اهـ. (قَوْلُهُ وَاذْهَبِي) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَ اذْهَبِي وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا مُوجِبًا لِلْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الذَّهَابُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

[أقسام الكنايات]

بِالْكِنَايَاتِ إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ بِدَلَالَةِ حَالٍ أَرَادَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ أَوْ حَالَةَ الْغَضَبِ وَأَشَارَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّ الْكِنَايَاتِ كُلَّهَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِبَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ حَالَةٌ مُطْلَقَةٌ وَهِيَ حَالَةُ الرِّضَا وَحَالَةُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَحَالَةُ الْغَضَبِ. وَالْكِنَايَاتُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ مِنْهَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا وَلَا شَتْمًا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي وَاعْتَدِّي وَمُرَادِفُهَا وَقِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَشَتْمًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا وَهِيَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ بَتَّةٌ بَائِنٌ حَرَامٌ وَمُرَادِفُهَا، وَقِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا وَلَا يَصْلُحُ سَبًّا وَشَتِيمَةً وَهِيَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ اُخْرُجِي وَاذْهَبِي اُغْرُبِي قُومِي تَقَنَّعِي وَمُرَادِفُهَا فَفِي حَالَةِ الرِّضَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِلِاحْتِمَالِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ وَفِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَهِيَ أَنْ تَسْأَلَهُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَهَا أَوْ يَسْأَلَهُ أَجْنَبِيٌّ يَقَعُ فِي الْقَضَاءِ بِكُلِّ لَفْظٍ لَا يَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَهِيَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَلَا يُصَدَّقُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَيْنِ لَا يَصْلُحَانِ لِلرَّدِّ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلشَّتْمِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّ السَّبَّ غَيْرُ مُنَاسِبٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَتَعَيَّنَ الْجَوَابُ وَلَا يُقَالُ وَجَبَ أَنْ يُصَدَّقَ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَقِيقَةٍ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمَّا أَنَّهُ يَخْطِرُ بِالْبَالِ وَهُنَا لِمَا ذَكَرَ فَقَدْ خَطَرَ بِالْبَالِ فَكُلَّمَا كَانَ أَشَدَّ خَطْرًا بِالْبَالِ كَانَ أَوْلَى وَلِهَذَا قُلْنَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَقَعُ بِمَا يَقْصِدُ بِهِ الرَّدَّ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ لِاحْتِمَالِ الرَّدِّ لِخَطَرَانِهِ بِالْبَالِ وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ لَا يَقَعُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَصْلُحُ لِلسَّبِّ وَالرَّدِّ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَالشَّتْمَ وَلَا يُنَافِيهِ حَالَةُ الْغَضَبِ وَيَقَعُ بِكُلِّ لَفْظٍ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا بَلْ يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ فَقَطْ وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ لِظَاهِرِ حَالِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَخَلَّيْتُ سَبِيلَكِ وَفَارَقْتُك أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى السَّبِّ أَيْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك؛ لِأَنَّك أَدْوَنُ مِنْ أَنْ تَمْلِكِي وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِشَرِّكِ وَسُوءِ خُلُقِك وَخَلَّيْت سَبِيلَك لِهَوَانِك عَلَيَّ وَفَارَقْتُك اتِّقَاءَ شَرِّك ثُمَّ وُقُوعُ الْبَائِنِ بِمَا سِوَى الثَّلَاثِ الْأَوَّلُ مَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكِنَايَاتُ كُلُّهَا رَوَاجِعُ لِكَوْنِهَا كِنَايَاتٍ عَنْ الطَّلَاقِ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةُ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ الْوَاقِعُ بِهَا طَلَاقًا حَتَّى يَنْتَقِضَ بِهِ الْعَدَدُ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِالْإِبَانَةِ بِلَفْظٍ صَالِحٍ لَهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهَا وَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهَا فَوَجَبَ أَنْ يَعْمَلَ وَيَتَعَجَّلَ أَثَرَهَا كَمَا لَوْ كَانَ بِعِوَضٍ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِبَانَةَ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ إذْ هِيَ رَفْعُ وَصْلَةِ النِّكَاحِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ {سَرِّحُوهُنَّ} [البقرة: 231] وَبِقَوْلِهِ أَوْ فَارِقُوهُنَّ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى إثْبَاتِ الْبَيْنُونَةِ فِي الْحَالِ كَيْ يَنْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ التَّدَارُكِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي مُرَاجَعَتِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الصَّرِيحِ أَنْ يَكُونَ بَائِنًا إلَّا أَنَّ الرَّجْعَةَ فِيهِ ثَبَتَتْ نَصًّا بِخِلَافِهِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهِيَ حَالَةُ الرِّضَا) أَيْ حَالَةُ ابْتِدَاءِ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ لَيْسَتْ بِحَالَةِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَلَيْسَتْ بِحَالِ الْغَضَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. [أَقْسَام الْكِنَايَات] (قَوْلُهُ وَالْكِنَايَاتُ) أَيْ مُطْلَقُ الْكِنَايَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ قِسْمٌ مِنْهَا يَصْلُحُ جَوَابًا) أَيْ لِطَلَبِهَا الطَّلَاقَ أَيْ التَّطْلِيقَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَا يَصْلُحُ جَوَابًا لَا رَدًّا وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ وَاحِدَةٌ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي وَأَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِجَوَابِ سُؤَالِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَالتَّبْعِيدِ وَلَا لِلشَّتْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَشَتْمًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تَصْلُحُ جَوَابًا لِسُؤَالِ الطَّلَاقِ عَلَى مَعْنَى أَنْتِ خَلِيَّةٌ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك، وَكَذَا الْبَاقِي وَيَحْتَمِلُ الشَّتِيمَةَ عَلَى مَعْنَى أَنْتِ خَلِيَّةٌ عَنْ الْخَيْرِ خَلِيعَةُ الْعِذَارِ لَا حَيَاءَ لَكِ بَرِيَّةٌ عَنْ الطَّاعَاتِ وَالْمَحَامِدِ أَوْ عَنْ الْإِسْلَامِ بَائِنٌ بَتَّةً عَنْ كُلِّ رُشَدٍ أَوْ بَائِنٌ عَنْ الدِّينِ بَتَّةً عَنْ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ حَرَامُ الصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ وَيُقَالُ حَرَامٌ مَكْرُوهٌ مُسْتَخْبَثٌ قَبِيحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا) أَيْ رَدًّا لِكَلَامِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ اهـ وَمَعْنَى الرَّدِّ فِي هَذِهِ أَيْ اشْتَغِلِي بِالتَّقَنُّعِ الَّذِي هُوَ أَهَمُّ لَك مِنْ الْقِنَاعِ، وَكَذَا أَخَوَاهُ وَيَجُوزُ فِيهِ بِخُصُوصِهِ كَوْنُهُ مِنْ الْقَنَاعَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهُوَ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ ذَكَرَهَا الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اُخْرُجِي اذْهَبِي قُومِي اُغْرُبِي تَقَنَّعِي اسْتَبْرِئِي تَخَمَّرِي، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ أَبِي نَصْرٍ تَزَوَّجِي أَيْضًا وَهُوَ فِي مَعْنَى ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ وَأَلْحَقَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِهَذَا الْقِسْمِ الْحَقِي بِأَهْلِك حَبْلُك عَلَى غَارِبِك لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كَمَا تَصْلُحُ جَوَابًا لِلطَّلَاقِ أَيْ اُخْرُجِي وَاذْهَبِي؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك تَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَتَبْعِيدِ الْمَرْأَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَكَذَا الْأَلْفَاظُ الْبَاقِيَةُ. وَقَوْلُهُ تَزَوَّجِي كَوْنُهُ جَوَابًا ظَاهِرٌ وَكَوْنُهُ رَدًّا لِكَلَامِهَا بِحَسَبِ التَّهْدِيدِ، وَكَذَا لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك. اهـ. (قَوْلُهُ وَمُرَادِفُهَا) أَيْ نَحْوُ تَخَمَّرِي اسْتَبْرِئِي. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ لِلِاحْتِمَالِ) أَيْ وَعَدَمِ دَلَالَةِ الْحَالِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ) أَيْ إذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهُ لَا ظَاهِرَ يُكَذِّبُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ) فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَقَعُ بِمَا يَقْصِدُ بِهِ الرَّدَّ إلَخْ) وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَيْ وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْوَجْهَيْنِ ثَبَتَ الرَّدُّ وَهُوَ الْأَدْنَى لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْجَوَابُ بِالشَّكِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَيَقَعُ بِكُلِّ لَفْظٍ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي إذَا قَالَ لَهَا اعْتَدِّي سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ، وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْت إذَا قَالَ لَمْ أَنْوِ فِيهِ الطَّلَاقَ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَإِنْ نَوَى بِاعْتَدِّي الطَّلَاقَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

الْبَيْنُونَةُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا كِنَايَاتٌ عَنْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ نَفْسِهَا لَا عَمَلَ الْمَكْنِيِّ عَنْهُ وَتَسْمِيَتُهَا كِنَايَاتٍ مَجَازٌ وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ فَإِذَا تَعَيَّنَتْ الْمَعْنَوِيَّةُ فَهِيَ أَيْضًا مُتَنَوِّعَةٌ بَيْنَ الْخَفِيفَةِ وَالْغَلِيظَةِ فَاشْتُرِطَتْ النِّيَّةُ لِتَعْيِينِ إحْدَى الْبَيْنُونَتَيْنِ لَا لِتَعْيِينِ الْمَكْنِيِّ عَنْهُ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَيَعْمَلُ بِمُوجِبَاتِهَا وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لَا يَقَعُ لِلِاحْتِمَالِ وَعِنْدَ وُجُودِهَا يَقَعُ الْأَقَلُّ مَا لَمْ يَنْوِ الْأَكْثَرَ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَانْتِقَاصُ الْعَدَدِ ضَرُورَةُ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ اعْتَدِّي ثَلَاثًا وَنَوَى بِالْأَوَّلِ طَلَاقًا وَبِمَا بَقِيَ حَيْضًا صُدِّقَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِمَا بَقِيَ شَيْئًا فَهِيَ ثَلَاثٌ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ نَوَيْتُ بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالْبَاقِي حَيْضًا صُدِّقَ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَأْمُرُ امْرَأَتَهُ بِالِاعْتِدَادِ عَادَةً بَعْدَ الطَّلَاقِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِالْبَاقِي شَيْئًا فَهِيَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْأُولَى الطَّلَاقَ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِيَتَانِ لِلطَّلَاقِ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَمْ أَنْوِ بِالْكُلِّ شَيْئًا حَيْثُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا ظَاهِرَ يُكَذِّبُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ نَوَيْت بِالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ دُونَ الْأُولَيَيْنِ حَيْثُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَالَ عِنْدَ الْأُولَيَيْنِ لَمْ يَكُنْ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَعَلَى هَذَا إذَا نَوَى بِالثَّانِيَةِ الطَّلَاقَ دُونَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ يَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى عِنْدَ الثَّانِيَةِ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَتْ الثَّالِثَةُ لَهُ وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا أَحَدُهَا: أَنْ يَقُولَ لَمْ أَنْوِ بِالْكُلِّ شَيْئًا فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَثَانِيهَا: أَنْ يَقُولَ نَوَيْتُ الطَّلَاقَ بِالْأُولَى لَا غَيْرُ أَوْ قَالَ نَوَيْته بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّالِثَةِ شَيْئًا أَوْ قَالَ نَوَيْت بِالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّانِيَةِ شَيْئًا أَوْ قَالَ نَوَيْت بِكُلِّهَا الطَّلَاقَ فَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَسَادِسُهَا: أَنْ يَقُولَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ الْحَيْضَ يُدَيَّنُ قَضَاءً فَتَقَعُ وَاحِدَةً وَسَابِعُهَا: أَنْ يَقُولَ نَوَيْت بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ الطَّلَاقَ وَبِالثَّالِثَةِ الْحَيْضَ فَهُوَ كَمَا قَالَ يَقَعُ ثِنْتَانِ: وَثَامِنُهَا وَتَاسِعُهَا: أَنْ يَقُولَ نَوَيْتُ بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّانِيَةِ شَيْئًا وَنَوَيْتُ بِالثَّالِثَةِ الْحَيْضَ أَوْ يَقُولَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَبِالثَّانِيَةِ الْحَيْضَ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّالِثَةِ شَيْئًا يَقَعُ فِيهِمَا ثِنْتَانِ وَعَاشِرُهَا: أَنْ يَقُولَ لَمْ أَنْوِ بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ شَيْئًا وَنَوَيْت بِالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَالْحَادِيَ عَشَرَ: أَنْ يَقُولَ لَمْ أَنْوِ بِالْأُولَى شَيْئًا وَنَوَيْتُ بِالثَّانِيَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَالثَّانِي عَشَرَ: أَنْ يَقُولَ لَمْ أَنْوِ بِالْأُولَى شَيْئًا وَنَوَيْتُ بِالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّانِيَةِ شَيْئًا فَهِيَ ثِنْتَانِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا الطَّلَاقَ يُنْظَرُ فَإِنْ نَوَى بِمَا بَعْدَهَا الْحَيْضَ صُدِّقَ قَضَاءً وَإِلَّا وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا الطَّلَاقَ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَ لِلطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْتُ بِهِنَّ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَهُوَ كَمَا قَالَ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ، وَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت بِهِ التَّكْرَارَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً فَإِنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَالْمَرْأَةُ كَالْقَاضِي لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ إذَا سَمِعَتْ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ عَلِمَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ إلَّا الظَّاهِرَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ إنَّمَا يُصَدَّقُ مَعَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَطْلُقُ بِلَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ لَسْتُ لَكِ بِزَوْجٍ إنْ نَوَى طَلَاقًا) يَعْنِي تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ بِقَوْلِهِ لَهَا لَسْتِ أَنْتِ امْرَأَتِي أَوْ قَالَ لَسْت أَنَا زَوْجَك إذَا نَوَى بِهِ طَلَاقًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا بَلْ يَكُونُ كَذِبًا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْك أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ قِيلَ لَهُ هَلْ لَك امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَصْلُحُ إنْكَارًا لِلنِّكَاحِ وَتَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ إنْشَاءً لِلطَّلَاقِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُكِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ؛ لِأَنِّي مَا تَزَوَّجْتُك فَإِذَا نَوَى الطَّلَاقَ فَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَمَسْأَلَةُ الْحَلِفِ مَمْنُوعَةٌ وَلَئِنْ سَلَّمَ فَنَقُولُ بِدَلَالَةِ الْيَمِينِ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ النَّفْيَ فِي الْمَاضِي لَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي شَيْءٍ يَدْخُلُ فِيهِ الشَّكُّ وَذَلِكَ يَسْتَقِيمُ فِي الْإِخْبَارِ لَا فِي الْإِنْشَاءِ. وَقَوْلُهُ لَمْ أَتَزَوَّجْك جُحُودٌ لِلنِّكَاحِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ. وَقَوْلُهُ لَا عِنْدَ السُّؤَالِ أَلَك امْرَأَةٌ عُلِمَ بِدَلَالَةِ السُّؤَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ نَفْسِهَا إلَخْ) إلَّا فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهَا كِنَايَاتٌ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ زَوَالِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ. اهـ. . (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ) أَيْ بِاللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَنَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ بِالْأُولَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ) أَيْ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ بِالْبَاقِيَتَيْنِ طَلَاقًا وَلَا حَيْضًا لَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْت إلَخْ) وَهَذِهِ صُورَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الصُّوَرِ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا أَفْرَدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي هَذِهِ قَضَاءً بِخِلَافِ تِلْكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ لَسْتُ لَكِ بِزَوْجٍ) وَفِي فَتَاوَى صَاحِبِ النَّافِعِ إذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا لَسْتَ لِي بِزَوْجٍ فَقَالَ صَدَقْتِ يَنْوِي طَلَاقَهَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لَسْت أَوْ مَا أَنْتِ امْرَأَتِي أَوْ لَسْت أَوْ مَا أَنَا زَوْجُك عِنْدَهُ يَقَعُ بِالنِّيَّةِ وَأَلْغَيَاهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ أَوْ قِيلَ لَهُ هَلْ لَك امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا) هَذَا الْفَرْعُ نَقَلَهُ قَاضِي خَانْ وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهُ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَلَوْ قَالَ لَسْت امْرَأَتِي فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ) أَيْ لَا يَقَعُ كَذَا هُنَا. اهـ. فَتْحٌ.

[باب تفويض الطلاق]

أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ النَّفْيَ فِي الْمَاضِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ قَالَ مَا أَنْتِ بِامْرَأَةٍ لِي أَوْ قَالَ مَا أَنَا زَوْجٌ لَكِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ وَالْبَائِنَ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّرِيحُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ لِإِزَالَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَقَدْ زَالَ بِالْخُلْعِ أَوْ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ فَلَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ وَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] يَعْنِي الْخُلْعَ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ الْوَصْلِ فَيَكُونُ هَذَا نَصًّا عَلَى وُقُوعِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْخُلْعِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ»، وَلِأَنَّ الْقَيْدَ الْحُكْمِيَّ بَاقٍ لِبَقَاءِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا فَاتَ الِاسْتِمْتَاعُ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَحَلِّ كَفَوَاتِهِ بِالْحَيْضِ وَغَيْرِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ لَا الْبَائِنَ إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ) ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَتَطْلُقُ أَمَّا كَوْنُ الْبَائِنِ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْقَيْدَ الْحُكْمِيَّ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ. وَأَمَّا عَدَمُ لُحُوقِ الْبَائِنِ الْبَائِنَ فَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ إنْشَاءً؛ لِأَنَّهُ اقْتِضَاءٌ ضَرُورِيٌّ حَتَّى لَوْ قَالَ عَنَيْتُ بِهِ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَتَثْبُتَ بِهِ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ فِي الْمَحَلِّ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ ثَابِتٍ فَيُجْعَلُ إنْشَاءً ضَرُورَةً، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مُعَلِّقًا بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ الْمُعَلَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ خَبَرًا لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ قَبْلَهُ وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ هِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ فَيَقَعُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَاخْتَارَتْ فِي مَجْلِسِهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ)؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْخُلْعِ) أَيْ، وَلَوْ قَالَ بَائِنٌ لَمْ يَقَعْ اتِّفَاقًا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ مَا كَانَ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ حَتَّى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ الْبَائِنَةَ لَا يَلْحَقُهَا شَيْءٌ مِنْ الْكِنَايَاتِ عِنْدَنَا إلَّا مَا يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَنْتِ بَائِنٌ لَا يَصْلُحُ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِبَانَةِ مَنْ قَامَ بِهِ الِاتِّصَالُ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لِقَطْعِ الْوَصْلَةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالْإِبَانَةِ السَّابِقَةِ، وَلَوْ قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ يَلْغُو قَوْلُهُ بَائِنٌ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ، وَلَوْ قَالَ أَبَنْتُك بِتَطْلِيقَةٍ يَلْغُو أَبَنْتُك لِمَا تَقَدَّمَ وَيَبْقَى قَوْلُهُ بِتَطْلِيقَةٍ فَلَا يَقَعُ اهـ ق قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ أَيْ فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ أَنْتِ بَائِنٌ لَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا إلَّا إذَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ ثَانِيًا أَنْتِ بَائِنٌ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ فَحِينَئِذٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. اهـ. (فَرْعٌ) ذَكَرَ صَاحِبُ الْفَوَائِدِ أَنَّ الثَّلَاثَ هَلْ تَلْحَقُ الْبَائِنَ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ أَنَّهُ رَجَّحَ الْوُقُوعَ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ قَالَ وَتَتَبَّعْتُ الْمَسْأَلَةَ فَلَمْ أَجِدْهَا مَنْقُولَةً ثُمَّ نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْجَوَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ اهـ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْخُلْعِ مَا نَصُّهُ فِي خُلَاصَةِ الْعُزَّى خَالَعَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَالَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَالْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ بِمَالٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ يَصِحُّ وَيَجِبُ الْمَالُ فَإِنْ اخْتَلَعَتْ بِمَالٍ ثُمَّ أَقَامَتْ بَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ بَائِنًا اسْتَرَدَّتْ الْمَالَ. اهـ. . [بَاب تفويض الطَّلَاق] (بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مُبَاشَرَةِ الْإِنْسَانِ الطَّلَاقَ بِنَفْسِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ وَقَدَّمَ فَصْلَ الِاخْتِيَارِ عَلَى فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُؤَيَّدٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَقَالَ الْكَمَالُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الطَّلَاقِ بِوِلَايَةِ الْمُطَلِّقِ نَفْسَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِهِ بِوِلَايَةٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ غَيْرِهِ وَتَحْتَ هَذَا الصِّنْفِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ التَّفْوِيضُ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ وَبِلَفْظِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَبِلَفْظِ الْمَشِيئَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ) يَعْنِي يَنْوِي تَخْيِيرَهَا فِيهِ أَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ إذَا قَالَ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الطَّلَاقِ أَمَّا إذَا قَالَ اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْت يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَذَلِكَ خِلَافُ الرِّوَايَةِ وَالتَّحْقِيقِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ اشْتَرَطَ النِّيَّةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَكَذَا صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِمَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ اخْتَارِي لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ وَمَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ فَكَيْفَ لَا يَشْتَرِطُ النِّيَّةَ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَاخْتَارَتْ فِي مَجْلِسِهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِهَذَا اللَّفْظِ بِنَفْسِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ اخْتَرْتُك مِنْ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي مِنْك لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ فِي الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ فَإِذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا وَقَدْ صَحَّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَالسُّنَنِ وَغَيْرِهِمَا مُسْنَدًا إلَى مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» فَلَوْ كَانَ التَّخْيِيرُ لَا يَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا

مَجْلِسُ الْعِلْمِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْفِعْلِ مِنْهَا وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَضِي الْخِيَارَ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُعْتَبَرُ تَمْلِيكًا مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ، وَالشَّيْءُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَمْلِكَهُ شَخْصَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّهُ قُلْنَا هَذَا تَمْلِيكُ الْإِيقَاعِ لَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ فَلَا يَسْتَحِيلُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَيَّرَهَا فِي النَّفَقَةِ أَوْ الْكُسْوَةِ أَوْ الدَّارِ لِلسُّكْنَى وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَيَّرَهَا فِي نَفْسِهَا فَلَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْوَاقِعُ بِهِ بَائِنٌ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا بِهِ يَتَحَقَّقُ لِثُبُوتِ اخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا فِي الْبَائِنِ دُونَ الرَّجْعِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ)؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يُنْبِئُ عَنْ الْخُلُوصِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَوِّعٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّ وَبِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ وَضْعًا بِصِيغَةِ الْعُمُومِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19]، وَقَالَ تَعَالَى {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: 154] وَهُوَ مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ جِنْسٌ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَقَدْ نَوَى تَمْلِيكَ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُ وَهُوَ مُحْتَمَلُ لَفْظِهِ فَيَجُوزُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ اخْتَارِي فَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ وَضْعًا وَإِنَّمَا جُعِلَ تَمْلِيكًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهِ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْإِيقَاعِ وَلَا عَنْ التَّفْوِيضِ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَامَتْ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ بَطَلَ خِيَارُهَا)؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ مِنْ قِيَامٍ أَوْ أَخْذٍ فِي عَمَلٍ آخَرَ غَيْرِهِ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ هُنَاكَ الِافْتِرَاقُ لَا عَنْ قَبْضٍ دُونَ الْإِعْرَاضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا شَرْطٌ)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُرِفَ كَوْنُهُ طَلَاقًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ فِي الْمُفَسِّرَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهَا اخْتَرْتُ مُبْهَمٌ فَلَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ النَّفْسِ مُتَّصِلًا وَإِنْ انْفَصَلَ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَذِكْرُ الِاخْتِيَارَةِ كَذِكْرِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الِاتِّحَادِ وَاخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا هُوَ الَّذِي يَتَّحِدُ تَارَةً وَيَتَعَدَّدُ أُخْرَى بِأَنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك بِمَا شِئْت أَوْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّعَدُّدَ مِنْ لَوَازِمِ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا مِرَارًا دُونَ اخْتِيَارِهَا زَوْجَهَا، وَكَذَا ذِكْرُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ تَكْرَارُ قَوْلِهِ اخْتَارِي يَقُومُ مَقَامَ ذِكْرِ النَّفْسِ، وَكَذَا قَوْلُهَا أَخْتَارُ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَهْلِي أَوْ الْأَزْوَاجَ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا اخْتَرْت أُخْتِي أَوْ عَمَّتِي وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي وَزَوْجِي فَالْعِبْرَةُ لِلسَّابِقِ، وَلَوْ قَالَتْ أَوْ زَوْجِي يَبْطُلُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَ اخْتَرْتِ لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ التَّفْسِيرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ شَرْطٌ مِنْ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي أَوْ قَالَ هُوَ اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ هِيَ اخْتَرْتُ حَيْثُ يَقَعُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهَا مُفَسِّرٌ وَمَا نَوَاهُ الزَّوْجُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ أَوْ كَلَامُهُ مُفَسِّرٌ وَكَلَامُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَجْلِسُ الْعِلْمِ) قَالَ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ مَكَثَتْ بَعْدَ التَّفْوِيضِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْمَعُ فَمَجْلِسُ عِلْمِهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ مَجْلِسِ الزَّوْجِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَإِنْ تَطَاوَلَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَإِنْ تَطَاوَلَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ طَالَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَتَبَدَّلْ بِالْأَعْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِيهِ) أَمَّا إذَا خَيَّرَهَا بَعْدَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ، وَكَذَا إذَا كَانَا فِي غَضَبٍ وَإِذَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ لَا يُسَوَّغُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ اهـ كَمَالٌ قَالَ فِي الشَّامِلِ فَإِنْ خَيَّرَهَا ثُمَّ قَالَ مَا أَرَدْت الطَّلَاقَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ أَيْضًا خَيَّرَهَا فَأَكَلَتْ طَعَامًا أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ أَقَامَهَا الزَّوْجُ بِيَدِهِ يَبْطُلُ خِيَارُهَا، وَلَوْ لَبِسَتْ ثَوْبًا أَوْ شَرِبَتْ الْمَاءَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْوَاقِعُ بِهِ بَائِنٌ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الِاسْتِخْلَاصِ وَالصَّفَاءِ عَنْ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَهُوَ بِالْبَيْنُونَةِ وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ فَائِدَةُ التَّخْيِيرِ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا شَاءَتْ أَوْ أَبَتْ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ) أَيْ حَيْثُ تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ) أَيْ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَقَعُ ثَلَاثٌ بِلَا نِيَّةٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ ثَلَاثٌ إذَا كَانَ بِالنِّيَّةِ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ غَيْرِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ قَدْ يَكُونُ مَجْلِسَ الْمُنَاظَرَةِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ فَيَكُونُ مَجْلِسَ الْأَكْلِ إذَا اشْتَغَلُوا بِهِ فَيَكُونُ مَجْلِسَ الْقِتَالِ إذَا اقْتَتَلُوا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالِاخْتِيَارَةِ وَالتَّطْلِيقَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَتْ اخْتَرْت أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ الْأَزْوَاجَ أَوْ أَهْلِي بَعْدَ قَوْلِهِ اخْتَارِي يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ مُفَسَّرٌ فِي الْأَزْوَاجِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا أَهْلِي؛ لِأَنَّ الْكَوْنَ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ اخْتَرْت أَهْلِي إنَّمَا يَكُونُ لِلْبَيْنُونَةِ وَعَدَمِ الْوَصْلَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَلِذَا تَطْلُقُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ الْحَقِي بِأَهْلِك بِخِلَافِ قَوْلِهَا اخْتَرْت قَوْمِي أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا يَقَعُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا أَبٌ أَوْ أُمٌّ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَهَا أَخٌ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَادَةً عِنْدَ الْبَيْنُونَةِ إذَا عَدِمَتْ الْوَالِدَيْنِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُرِفَ كَوْنُهُ طَلَاقًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قِيلَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمُفَسَّرِ بِذِكْرِ النَّفْسِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت اخْتِيَارَةً أَوْ أَهْلِي أَوْ نَحْوَهُ فَإِنَّ هَذِهِ لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهَا قُلْنَا عُرِفَ مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ اعْتِبَارُ مُفَسَّرٍ لَفْظًا مِنْ جَانِبٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فَيَنْتَفِي غَيْرُ الْمُفَسَّرِ. وَأَمَّا خُصُوصُ لَفْظِ الْمُفَسَّرِ فَمَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ وَاعْتِبَارُ الْمُفَسَّرِ أَعَمُّ مِنْهُ حَتَّى بِقَرِينَةٍ غَيْرِ لَفْظِيَّةٍ تُوجِبُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُقُوعِ بِلَا لَفْظٍ صَالِحٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا مِرَارًا) يَعْنِي بِأَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا كُلَّمَا فَوَّضَ إلَيْهَا (قَوْلُهُ أَوْ تَكْرَارُ قَوْلِهِ اخْتَارِي إلَخْ) وَفِي الشَّامِلِ قَالَ لَهَا اخْتَارِي ثُمَّ أَبَانَهَا فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَةَ لَا تُبَانُ. اهـ. عَيْنِيٌّ

خَرَجَ جَوَابًا لَهُ فَيَكُونُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِهِ كَالْمُعَادِ فِي كَلَامِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي تَطْلُقُ) أَمَّا قَوْلُهَا اخْتَرْت نَفْسِي فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُهَا أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهَا مُجَرَّدُ وَعْدٍ أَوْ يَحْتَمِلُهُ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ إنِّي مُخَيِّرُك بِشَيْءٍ فَلَا تُجِيبِينِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك ثُمَّ أَخْبَرَهَا بِالْآيَةِ فَقَالَتْ أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ» فَجَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَوَابًا مِنْهَا، وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْحَالِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَدَاءِ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ يُقَالُ فُلَانٌ يَخْتَارُ كَذَا يُرِيدُونَ بِهِ تَحْقِيقَهُ فَيَكُونُ حِكَايَةً عَنْ اخْتِيَارِهَا فِي الْقَلْبِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حِكَايَةً عَنْ تَطْلِيقِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِعْلُ اللِّسَانِ فَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَنْطِقَ بِهِ نُطْقَهَا بِهَذَا الْخَبَرِ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْقَلْبِ فَلَا يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ لَمَّا كَانَتْ حِكَايَةً عَنْ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ لَمْ يَسْتَحِلْ اجْتِمَاعُهُمَا فَجُعِلَتْ إخْبَارًا عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ أَمْلِكُ كَذَا، وَكَذَا مِنْ الْمَالِ لَمَّا لَمْ يَسْتَحِلْ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْتُ الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ أَوْ اخْتِيَارَةً وَقَعَ الثَّلَاثُ بِلَا نِيَّةٍ) وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ فَتَعَيَّنَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي حَيْثُ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ بِلَا نِيَّةٍ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ اعْتِدَادَ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ لَا تُحْصَى فَلَا يَتَعَيَّنُ لِلطَّلَاقِ وَاخْتِيَارُهَا الزَّوْجَ لَا يَتَعَدَّدُ، وَكَذَا الِاخْتِيَارُ فِي عَمَلٍ آخَرَ فَتَعَيَّنَ لِلْمُتَعَدِّدِ وَهُوَ الطَّلَاقُ هَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ وَإِنْ كَرَّرَ قَوْلَهُ اخْتَارِي وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي بِأَلْفٍ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَقَدْ اشْتَرَطَ النِّيَّةَ مَعَ ذِكْرِ الْمَالِ وَالتَّكْرَارِ مَعَ أَنَّ ذِكْرَ الْمَالِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الطَّلَاقِ أَيْضًا وَفِي الْكَافِي قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ وَإِنَّمَا حُذِفَ لِشُهْرَتِهِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّفْرِيعُ دُونَ بَيَانِ صِحَّةِ الْجَوَابِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ حُذِفَتْ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ التَّأْكِيدَ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْأُولَى الطَّلَاقَ كَانَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَكَانَ طَلَاقًا ظَاهِرًا وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ بَلْ يُصَرَّحُ بِهِ ثُمَّ وُقُوعُ الثَّلَاثِ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُفِيدُ الْإِفْرَادَ وَالتَّرْتِيبَ؛ لِأَنَّ الْأُولَى اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وَالْوُسْطَى اسْمٌ لِفَرْدٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَالْأَخِيرَةُ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَالتَّرْتِيبُ بَاطِلٌ لِاسْتِحَالَتِهِ فِي الْمُجْتَمِعِ فِي مِلْكٍ وَإِنَّمَا التَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ الْأَعْيَانِ كَمَا يُقَالُ جَاءَ هَذَا أَوَّلًا وَنَحْوُهُ لَا فِي ذَاتِهَا فَيُعْتَبَرُ فِيمَا يُفِيدُ وَهُوَ الْإِفْرَادُ فَصَارَ كَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت الطَّلْقَةَ الَّتِي صَارَتْ إلَيَّ بِالْكَلِمَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْوَاحِدَةُ وَلَهُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لِلتَّرْتِيبِ وَالْإِفْرَادُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَإِذَا بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ بَطَلَ فِي حَقِّ التَّبَعِ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهَا الْأُولَى وَنَحْوَهَا نَعْتٌ وَالنَّعْتُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَذْكُورِ وَالِاخْتِيَارُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي دُونَ غَيْرِهِ لَوْ قَالَتْ اخْتَرْت ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَكُونُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِهِ كَالْمُعَادِ فِي كَلَامِهَا) أَيْ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي) الْمَقْصُودُ أَنَّهَا ذَكَرَتْ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ كَأَخْتَارُ نَفْسِي سَوَاءٌ ذَكَرَتْ أَنَا أَوْ لَا. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي) أَيْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتِقْ رَقَبَتَك فَقَالَ أَنَا أَعْتِقُ لَا يَعْتِقُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ) أَيْ صِيغَةَ الْمُضَارِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهَا أَنَا طَالِقٌ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِخِلَافِ قَوْلِهَا أُطَلِّقُ نَفْسِي لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ اخْتِيَارًا عَنْ طَلَاقٍ قَائِمٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقُومُ بِاللِّسَانِ فَلَوْ جَازَ قَامَ بِهِ الْأَمْرَانِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُحَالٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِيقَاعَ لَا يَكُونُ بِنَفْسِ أُطَلِّقُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُفَ فِيهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ جَازَ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَقَعَ بِهِ هُنَا إنْ تُعُورِفَ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ لَا إخْبَارٌ اهـ (قَوْلُهُ فَجُعِلَتْ إخْبَارًا عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ) أَيْ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِي أَنَا أُطَلِّقُ بِإِرَادَةِ الْحَالِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ حُذِفَتْ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا)، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ اللَّفْظِ يُخَالِفُهُ اهـ ق. (قَوْلُهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ نَظَرَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ وَالتَّكْرَارُ لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلتَّأْكِيدِ، وَلِهَذَا شَرَطَ النِّيَّةَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مُصَرِّحًا وَأَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ وَغَيْرُهُ صَرَّحُوا بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مَعَ وُجُودِ تَكْرَارِ الِاخْتِيَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْإِفْرَادُ) أَيْ فِيمَا لَا يُفِيدُ وَهُوَ التَّرْتِيبُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ) أَيْ وَإِنَّمَا جُعِلَ التَّرْتِيبُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْكَلَامِ لَا بَيَانُ الْإِفْرَادِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ بَطَلَ فِي حَقِّ التَّبَعِ) أَيْ فَيَبْقَى قَوْلُهَا اخْتَرْت فَيَقَعُ الثَّلَاثُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَغَا ذِكْرُ التَّرْتِيبِ بَقِيَ قَوْلُهَا اخْتَرْت وَبِهَذَا اللَّفْظِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَقُلْ اخْتَرْت نَفْسِي قُلْنَا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِ الزَّوْجِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الطَّلَاقِ وَهُنَا فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ اخْتَارِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت) أَيْ لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِ قَوْلِهِ اخْتَارِي

[فصل في الأمر باليد]

أَوْ اخْتَرْت اخْتِيَارَةً أَوْ مَرَّةً أَوْ بِمَرَّةٍ أَوْ دَفْعَةً أَوْ بِدَفْعَةٍ أَوْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ اخْتِيَارَةً وَاحِدَةً يَقَعُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الْأَخِيرَتَيْنِ بِالْعَطْفِ مِنْ وَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ وَلَوْ كَانَ التَّخْيِيرُ بِمَالٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَعَ الثَّلَاثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَزِمَهَا الْمَالُ كُلُّهُ سَوَاءٌ كَانَ التَّخْيِيرُ بِعَطْفٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَغَا الْوَصْفُ عِنْدَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ الْجَوَابُ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ بِعَطْفٍ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ إلَّا إذَا أَوْقَعَتْ الثَّلَاثَ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ فَلَوْ وَقَعَ كَمَا أَوْقَعَتْهُ لَوَقَعَ بِثُلُثِ الْمَالِ الْمُشْتَرَطِ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِالْكُلِّ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَطْفٍ تَعَلَّقَتْ الْأَخِيرَةُ بِالْمَالِ كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ ثُمَّ إنْ اخْتَارَتْ الْأَخِيرَةَ وَقَعَ بِالْمَالِ وَإِنْ اخْتَارَتْ غَيْرَهَا وَقَعَ بِغَيْرِ مَالٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت أَوْ اخْتَرْت اخْتِيَارَةً وَنَحْوَهَا وَقَعَ الثَّلَاثُ إجْمَاعًا وَلَزِمَ الْمَالُ كُلُّهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ)؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِيهِ تَخْيِيرُ الزَّوْجِ دُونَ إيقَاعِهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ وَالْأَوْضَحِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ رَجْعِيًّا غَلَطٌ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَوْقَعَتْ بِالصَّرِيحِ لَكِنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِإِيقَاعِهَا بَلْ لِتَفْوِيضِ الزَّوْجِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ فَأَوْقَعَتْ رَجْعِيًّا أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً فِي جَوَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ الزَّوْجُ دُونَ مَا أَوْقَعَتْهُ هِيَ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي هَذَا الْفَصْلَ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي فِي جَوَابِ اخْتَارِي؛ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا الِاخْتِيَارُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ التَّطْلِيقَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي قُلْنَا التَّطْلِيقُ دَخَلَ فِي ضِمْنِ التَّخْيِيرِ فَقَدْ أَتَتْ بِبَعْضِ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا فَصَلَحَ جَوَابًا كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهَا لَا قَصْدًا وَلَا ضِمْنًا، وَكَذَا هُوَ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ إلَّا فِي جَوَابِ التَّخْيِيرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ أَوْ اخْتَارِي تَطْلِيقَةً فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ رَجْعِيَّةً)؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ إلَيْهَا الِاخْتِيَارَ لَكِنَّهُ بِتَطْلِيقَةٍ وَهِيَ مُعَقِّبَةٌ لِلرَّجْعَةِ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ أَمْرُك بِيَدِك أَوْ اخْتَارِي يُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا قُلْنَا لَمَّا قَرَنَهُ بِالصَّرِيحِ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الرَّجْعِيَّ كَمَا لَوْ قَرَنَ الصَّرِيحَ بِالْبَائِنِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ [فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ] (فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي ثَلَاثًا فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ وَقَعْنَ)؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ لِكَوْنِهِ جَوَابًا لِلتَّمْلِيكِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا تَمْلِيكٌ وَقَوْلُهَا بِوَاحِدَةٍ أَيْ بِاخْتِيَارَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ إقَامَةِ الصِّفَةِ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ وَإِنَّمَا صَحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ثَبَتَ الْأَقَلُّ، وَكَذَا إذَا نَوَى ثِنْتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ وَالْجِنْسُ لَا يَحْتَمِلُهُ وَذِكْرُ النَّفْسِ خَرَجَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا كَمَا لَا يَقَعُ فِي جَوَابِ التَّخْيِيرِ إلَّا بِهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ جَعْلَ الْأَمْرِ بِيَدِهَا كَالتَّخْيِيرِ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إلَّا فِي احْتِمَالِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِي التَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَكَانَ ضَرُورِيًّا بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَ مَا يَمْلِكُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي طَلَّقْتُ نَفْسِي وَاحِدَةً أَوْ اخْتَرْتُ نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) يَعْنِي فِي قَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فِي جَوَابِ قَوْلِ الزَّوْجِ أَمْرُك بِيَدِك بَانَتْ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ طَلَّقْتُ نَفْسِي طَلْقَةً وَاحِدَةً فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ الْمَحْذُوفُ مَصْدَرَ قَوْلِهَا طَلَّقْت لِدَلَالَةِ هَذَا الْفِعْلِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا كَانَ الْمَحْذُوفُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَصْدَرَ قَوْلِهَا اخْتَرْت لِمَا قُلْنَا وَلِتَبَادُرِ الْفَهْمِ إلَيْهِ وَذِكْرُ النَّفْسِ فِي قَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي فِي جَوَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ طَلَّقْتُ وَلَمْ تَقُلْ نَفْسِي لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَإِنَّمَا كَانَ بَائِنًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَفْوِيضُ الزَّوْجِ لَا إيقَاعُهَا فَتَكُونُ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَرْت أَوْ اخْتَرْت اخْتِيَارَةً إلَخْ وَقَعَ الثَّلَاثُ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ يَقَعُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) أَيْ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت التَّطْلِيقَةَ الْأُولَى يَقَعُ وَاحِدَةٌ إجْمَاعًا اهـ ع. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي) أَيْ فِي جَوَابِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْجَامِعِ) إذَا أُطْلِقَ الْجَامِعُ يُرَادُ بِهِ الْجَامِعُ الْكَبِيرُ اهـ. (قَوْلُهُ وَشُرُوحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ) وَعَامَّةِ الْجَوَامِعِ سِوَى جَامِعِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ رَجْعِيًّا غَلَطٌ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ سَهْوٌ وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِالتَّخْيِيرِ بَائِنٌ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ تَمْلِيكُ النَّفْسِ مِنْهَا وَلَيْسَ فِي الرَّجْعِيِّ مِلْكُهَا نَفْسَهَا وَإِيقَاعُهَا وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ لَكِنْ إنَّمَا يَثْبُتُ بِهِ الْوُقُوعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّضَ بِهِ إلَيْهَا وَالصَّرِيحُ لَا يُنَافِي الْبَيْنُونَةَ كَمَا فِي تَسْمِيَةِ الْمَالِ فَيَقَعُ بِهِ مَا مَلَكَتْهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إلَّا مَا مَلَكَتْ. اهـ. وَقَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ الْكَاتِبِ وَالْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ لَا تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ. اهـ. كَيْ (فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ لَفْظَ الِاخْتِيَارِ أَضْعَفُ مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ دُونَ الِاخْتِيَارِ فَالْأَضْعَفُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَقْوَى وَالْأَقْوَى لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَضْعَفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي جَوَابِ التَّخْيِيرِ) وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الِاخْتِيَارِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ. اهـ. . (فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ).

فِي التَّفْوِيضِ مَذْكُورَةً فِي الْجَوَابِ ضَرُورَةَ الْمُوَافَقَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي أَمْرِك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ اللَّيْلُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهَا الْخِيَارُ بِاللَّيْلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْيَوْمَيْنِ ذُكِرَ مُفْرَدًا وَالْيَوْمُ الْمُفْرَدُ لَا يَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ فَكَانَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي وَقْتَيْنِ مُنْفَصِلَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَمْرًا وَاحِدًا لِتَخَلُّلِ مَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَتَانِ فَكَانَا أَمْرَيْنِ ضَرُورَةً حَتَّى لَا يَبْطُلَ خِيَارُهَا بَعْدَ غَدٍ بِرَدِّ أَمْرِهَا الْيَوْمَ، وَقَالَ زُفَرُ هُمَا أَمْرٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ عَطْفُ أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارِ لَفْظِ الْأَمْرِ فَيَكُونُ أَمْرًا وَاحِدًا كَقَوْلِهِ الْيَوْمَ وَغَدًا وَكَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ قُلْنَا الْأَمْرُ بِالْيَدِ يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي اللَّفْظِ مَقْصُودًا وَلَا تَبَعًا فَكَانَا أَمْرَيْنِ ضَرُورَةَ الِانْفِصَالِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ فَجَازَ أَنْ يُوصَفَ فِي الْيَوْمِ وَبَعْدَ غَدٍ بِطَلَاقٍ وَاحِدٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيقَاعِ طَلَاقٍ آخَرَ لِبَقَاءِ الْأَوَّلِ إلَى الْوَقْتِ الثَّانِي وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ الْيَوْمَ وَغَدًا عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ الْفَرْقِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْكِتَابِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا بَطَلَ أَمْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَكَانَ بِيَدِهَا بَعْدَ غَدٍ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُمَا أَمْرَانِ لِانْفِصَالِ وَقْتَيْهِمَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَقْتَيْنِ عَلَى حِدَةٍ فَبِرَدِّ أَحَدِهِمَا لَا يَرْتَدُّ الْآخَرُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ عِنْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا يَدْخُلُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا يَدْخُلُ اللَّيْلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقْتٌ مِنْ جِنْسِهِمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْأَمْرُ فَكَانَ أَمْرًا وَاحِدًا، وَهَذَا لِأَنَّ تَخَلُّلَ اللَّيْلَةِ لَا يَفْصِلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ قَدْ يَجْلِسُونَ لِلْمَشُورَةِ فَيَهْجُمُ اللَّيْلُ وَلَا تَنْقَطِعُ مَشُورَتُهُمْ وَمَجْلِسُهُمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْيَوْمَ هُنَا ذُكِرَ مُفْرَدًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ اللَّيْلَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِتَخَلُّلِ وَقْتٍ مِنْ جِنْسِهِمَا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اللَّفْظِ وَهُنَا أَمْكَنَ لِعَدَمِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ هُنَاكَ أَيْضًا أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ كَانَ أَمْرًا وَاحِدًا لِمَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَدَّتْ فِي يَوْمِهَا لَمْ يَبْقَ فِي الْغَدِ) أَيْ إنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا بِاخْتِيَارِهَا الزَّوْجَ لَمْ يَبْقَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْغَدِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ فَلَا يَبْقَى لَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ الرَّدِّ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ فَرَدَّتْهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَا يَبْقَى لَهَا الْخِيَارُ فِي آخِرِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْأَمْرِ كَمَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْإِيقَاعِ وَالْجَامِعُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ فِيهِمَا فِي الْمَجْلِسِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ وَاشْتِغَالِهَا بِعَمَلٍ آخَرَ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُدَّةَ كُلَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَجْلِسِ فِيمَا لَمْ يُذْكَرْ الْوَقْتُ فِيهِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا وَاحِدًا وَهُنَاكَ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ الرَّدِّ فَكَذَا هُنَا، وَلِأَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا لَا يَكُونُ لَهُ خِيَارُ الْآخَرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا الْيَوْمَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ زَوْجَهَا غَدًا فَكَذَا هَذَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا أَنَّهُمَا أَمْرَانِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَهَذَا صَحِيحٌ لِاسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَلَامَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِارْتِبَاطِ بِمَا قَبْلَهُ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ هَذَا الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك فِي الْيَوْمِ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ فَإِذَا قَامَتْ بَطَلَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَفِي غَدٍ، وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ نَهَارًا وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْقُدُومِ حَتَّى جَنَّ اللَّيْلُ بَطَلَ خِيَارُهَا بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَكَثَتْ بَعْدَ التَّفْوِيضِ يَوْمًا وَلَمْ تَقُمْ أَوْ جَلَسَتْ عَنْهُ أَوْ اتَّكَأَتْ عَنْ الْقُعُودِ أَوْ عَكَسَتْ أَوْ دَعَتْ أَبَاهَا لِلْمَشُورَةِ أَوْ شُهُودًا لِلْإِشْهَادِ أَوْ كَانَتْ عَلَى دَابَّةٍ فَوَقَفَتْ بَقِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ) تَكُونُ طَالِقًا وَاحِدَةً لِاثْنَتَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ قُلْنَا الْأَمْرُ بِالْيَدِ يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ) أَيْ فَتَوَقَّتَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ بِالْوَقْتِ الْأَوَّلِ وَجَعَلَ الثَّانِي أَمْرًا آخَرَ؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا مَا لَيْسَ بِوَقْتِ الْأَمْرِ فَبِرَدِّ الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُ رَدُّ الْأَمْرِ الثَّانِي. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ يَدْخُلُ اللَّيْلُ) حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ وَالْيَوْمَ وَغَدًا يَفْتَرِقَانِ فِي حُكْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا الْيَوْمَ وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِيهِ تَمْلِكُهُ بَعْدَ الْغَدِ وَالثَّانِي عَدَمُ مِلْكِهَا فِي اللَّيْلِ وَفِي الْيَوْمِ وَغَدًا لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا الْيَوْمَ لَا تَمْلِكُ طَلَاقَ نَفْسِهَا غَدًا أَيْ نَهَارًا وَتَمْلِكُهُ لَيْلًا وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَاحِدٌ فِي الْيَوْمِ وَغَدًا وَتَمْلِيكَانِ فِي الْيَوْمِ وَبَعْدَ غَدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا أَنَّهُمَا أَمْرَانِ حَتَّى لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا الْيَوْمَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا غَدًا؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا فِي الْغَدِ تَخْيِيرٌ جَدِيدٌ بَعْدَ ذَلِكَ التَّخْيِيرِ الْمُنْقَضِي بِاخْتِيَارِهَا الزَّوْجَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا) أَيْ فَلَمْ يَبْقَ تَخْصِيصُ أَبِي يُوسُفَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ مَخْرَجُ الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا عَدَمُ جَوَازِ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا لَيْلًا فَلَا تَغْفُلْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتُ لَهَا فِي يَوْمٍ مُفْرَدٍ فَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ وَالثَّابِتُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ بِأَمْرٍ آخَرَ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ حَيْثُ يَمْتَدُّ إلَى الْغُرُوبِ فَقَطْ اهـ وَفِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ غَدًا بَعْدَ غَدٍ فَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ مُتَرَادِفَةٌ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك أَبَدًا فَيَرْتَدُّ بِرَدِّهَا مَرَّةً وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ؛ لِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ حَقِيقَةً اهـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ مَكَثَتْ بَعْدَ التَّفْوِيضِ يَوْمًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَوْلُهُ مَكَثَتْ يَوْمًا لَيْسَ لِلتَّقْدِيرِ بِهِ اهـ

خِيَارُهَا وَإِنْ سَارَتْ لَا) هَذَا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ مُطْلَقًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا فَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ. وَقَوْلُهُ أَوْ جَلَسَتْ عَنْهُ أَيْ جَلَسَتْ عَنْ الْقِيَامِ. وَقَوْلُهُ أَوْ عَكَسَتْ أَيْ قَعَدَتْ عَنْ الِاتِّكَاءِ وَهُوَ عَكْسُهُ وَإِنَّمَا تَقَيَّدَ الْخِيَارُ بِالْمَجْلِسِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ التَّطْلِيقِ مِنْهَا لِتَصَرُّفِهَا بِرَأْيِهَا وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَضِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ كَالْإِيجَابِ فِي بَابِ الْبَيْعِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْمَعُ فَمَجْلِسُ عِلْمِهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ مَجْلِسِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ هُنَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى التَّعْلِيقِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْلِيقِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا، وَلِهَذَا لَزِمَ مِنْ جَانِبِهِ وَالْبَيْعُ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ، وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا قَبْلَ الْقَبُولِ فَإِذَا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُهَا فَالْمَجْلِسُ يَتَبَدَّلُ تَارَةً حَقِيقَةً بِالتَّحَوُّلِ إلَى مَكَان آخَرَ وَتَارَةً حُكْمًا بِالْأَخْذِ فِي عَمَلٍ آخَرَ وَالْمُرَادُ بِالْعَمَلِ مَا يَعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ قَطْعٌ لِمَا كَانَتْ فِيهِ لَا مُطْلَقُ الْعَمَلِ حَتَّى لَوْ شَرِبَتْ مَاءً لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَشْرَبُ لِتَتَمَكَّنَ مِنْ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ رُطُوبَةَ الْفَمِ تَذْهَبُ بِالْمُشَاجَرَةِ فَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ مَا لَمْ تَشْرَبْ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَكَلَتْ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْعُوَ بِطَعَامٍ أَوْ لَيْسَتْ ثِيَابُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقُومَ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ سَبَّحَتْ أَوْ قَرَأَتْ آيَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ قَلِيلٌ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَقَعَدَتْ؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الْإِقْبَالِ إذْ الْقُعُودُ أَجْمَعُ لِلرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الِاسْتِرَاحَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ أَوْ كَانَتْ مُتَّكِئَةً فَاسْتَوَتْ قَاعِدَةً؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الْجِدِّ فِي التَّأَمُّلِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُحْتَبِيَةً فَتَرَبَّعَتْ وَفِي رِوَايَةٍ يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِالِاتِّكَاءِ؛ لِأَنَّهُ إظْهَارُ التَّهَاوُنِ بِمَا حَزَّ بِهَا وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ، وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ أَبَاهَا لِلْمَشُورَةِ أَوْ شُهُودًا لِلْإِشْهَادِ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِشَارَةَ لِتَحَرِّي الصَّوَابِ، وَلِهَذَا «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ بِمُشَاوَرَةِ وَالِدَيْهَا قَبْلَ أَنْ تُجِيبَهُ» وَالْإِشْهَادُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْجُحُودِ فَصَارَ دَلِيلَ الْإِقْبَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَتْ بِطَعَامٍ فَأَكَلَتْ أَوْ قَامَتْ أَوْ اغْتَسَلَتْ أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ اخْتَضَبَتْ أَوْ جَامَعَهَا زَوْجُهَا حَيْثُ يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِاشْتِغَالِهَا بِعَمَلٍ آخَرَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَيَكُونُ إعْرَاضًا عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاضْطَجَعَتْ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ التَّهَاوُنِ فَيَكُونُ إعْرَاضًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إعْرَاضًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَضْطَجِعُ لِلتَّأَمُّلِ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ، وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّهَا إنْ لَمْ تَجِدْ أَحَدًا يَدْعُو لَهَا شُهُودًا فَقَامَتْ لِتَدْعُوَ وَلَمْ تَنْتَقِلْ قِيلَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَقِيلَ يَبْطُلُ لِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ وَلَا تُعْذَرُ فِيهِ كَمَا لَا تُعْذَرُ فِيمَا إذَا أُقِيمَتْ كَرْهًا وَقِيلَ إذَا لَمْ تَنْتَقِلْ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَإِذَا انْتَقَلَتْ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا، وَلَوْ كَانَتْ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ الْوَتْرَ فَأَتَمَّتْهَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ فِي النَّفْلِ فَأَتَمَّتْهَا رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ قَامَتْ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ مُبْتَدَأَةٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ مَحْمَلٍ فَوَقَفَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ سَارَتْ بَطَلَ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ تَسِيرُ بِاخْتِيَارِ رَاكِبِهَا وَلَوْ اخْتَارَتْ مَعَ سُكُوتِهِ وَالدَّابَّةُ تَسِيرُ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا الْجَوَابُ بِأَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ تَبَدُّلُ الْمَجْلِسِ حُكْمًا، وَهَذَا لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِيَصِيرَ الْجَوَابُ مُتَّصِلًا بِالْخِطَابِ وَقَدْ وُجِدَ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَعَهَا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ الْمَحْمَلِ أَوْ لَا يَكُونَ وَلَوْ كَانَتْ رَاكِبَةً فَنَزَلَتْ أَوْ تَحَوَّلَتْ إلَى دَابَّةٍ أُخْرَى أَوْ كَانَتْ نَازِلَةً فَرَكِبَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً وَقَدْ جَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَإِنْ بَلَغَهَا الْأَمْرُ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَقَيَّدَ الْخِيَارُ بِالْمَجْلِسِ) قَالَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهَا الْخِيَارُ أَبَدًا وَلَكِنَّا تَرَكْنَاهُ وَأَخَذْنَا بِالْأَثَرِ وَجْهُ الْقِيَاسِ إطْلَاقُ الْأَمْرِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ بِقَوْلِهِمْ لِلْمُخَيَّرَةِ الْمَجْلِسُ اهـ. (قَوْلُهُ، وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ) أَيْ قَوْلُهُ أَمْرُك بِيَدِك. وَقَوْلُهُ اخْتَارِي نَفْسَك تَمْلِيكٌ لَا إبَانَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَعْمَلُ لَا لِغَيْرِهَا وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ الِاعْتِبَارُ لِمَجْلِسِهَا لَا لِمَجْلِسِهِ حَتَّى إذَا قَامَ الرَّجُلُ بَعْدَ أَنْ جَعَلَ إلَيْهَا الْأَمْرَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِقِيَامِهِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ فِي حَقِّهِ لَازِمٌ، وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَفْسَخَ الْخِيَارَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَجْلِسُهُمَا جَمِيعًا حَتَّى أَيُّهُمَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ أَصْلًا، وَلِهَذَا إذَا رَجَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ كَلَامِهِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ فَلَهُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ) أَيْ تَسْمَعُ لَفْظَهُ بِالتَّخْيِيرِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا) أَيْ مَجْلِسُ سَمَاعِهَا اهـ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْعُوَ بِطَعَامٍ) أَمَّا إذَا ادَّعَتْ بِطَعَامٍ وَأَكَلَتْ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا قَلَّ الْأَكْلُ أَوْ كَثُرَ. اهـ. عِمَادِيٌّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إظْهَارُ التَّهَاوُنِ بِمَا حَزَبَهَا) يُقَالُ حَزَبَهُ أَمْرٌ أَيْ أَصَابَهُ مِنْ بَابِ طَلَبَ. اهـ. مُغْرِبٌ وَيُقَالُ أَيْضًا حَزَنَهُ أَمْرٌ بِالنُّونِ. اهـ. نِهَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَأَكَلَتْ أَوْ قَامَتْ) أَيْ مِنْ مَجْلِسِهَا وَإِنْ لَمْ تَذْهَبْ اهـ ابْنُ فِرِشْتَا قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ لِمَ لَا تُطَلِّقُنِي بِلِسَانِك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا لِمَ لَا تُطَلِّقُنِي لَيْسَ رَدًّا فَتَمْلِكُ بَعْدَهُ الطَّلَاقَ قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا لِمَ إلَخْ كَلَامٌ زَائِدٌ فَيَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُبَدِّلَ لِلْمَجْلِسِ مَا يَكُونُ قَطْعًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَإِفَاضَةً فِي غَيْرِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ بَلْ الْكُلُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الطَّلَاقُ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ اخْتَارَتْ مَعَ سُكُوتِهِ) أَيْ اخْتَارَتْ مُتَّصِلًا بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ بَيْنَ كَلَامِهِ وَكَلَامِهَا اهـ

[فصل في المشيئة]

وَفِي الْمَحْمَلِ يَقُودُهُ الْجَمَّالُ وَهُمَا فِيهِ لَا يَبْطُلُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفُلْكُ كَالْبَيْتِ)؛ لِأَنَّ جَرَيَانَ السَّفِينَةِ لَا يُضَافُ إلَى رَاكِبِهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيقَافِ وَالتَّسْيِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22] فَأَضَافَ الْجَرْيَ إلَيْهَا فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا وَإِنْ تَحَوَّلَتْ بَطَلَ كَمَا فِي الْبَيْتِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ السَّفِينَةَ إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً فَسَارَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا (فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً وَإِنْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعْنَ)؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّطْلِيقِ لُغَةً فَيَقْتَضِي مَصْدَرًا وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْخَبَرِ لُغَةً فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا إنْ كَانَ مُطَابِقًا أَوْ كَاذِبًا إنْ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا وَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهُ إيقَاعًا فَصَارَ مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ وَاللَّفْظُ لَا يَقْتَضِيهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَنْكُوحَةُ أَمَةً؛ لِأَنَّهُ جَمِيعُ الْجِنْسِ فِي حَقِّهَا فَيَصِحُّ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةً عَلَى مَا يَأْتِي وَجْهُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَبَنْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ لَا بِاخْتَرْتُ) أَيْ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي فِي جَوَابِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك تَطْلُقُ وَلَا تَطْلُقُ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت فِي الْجَوَابِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَضْعًا؛ لِأَنَّهَا لِلْقَطْعِ وَحُكْمًا حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَبَنْتُك أَوْ قَالَتْ هِيَ أَبَنْتُ نَفْسِي وَأَجَازَ الزَّوْجُ بَانَتْ فَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلتَّفْوِيضِ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقًا تَبِينُ بِهِ فِي الثَّانِي مِنْ الزَّمَانِ وَزَادَتْ وَصْفًا وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِبَانَةِ فَلَمْ تَمْنَعْ الْمُوَافَقَةَ فِي الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً. وَأَمَّا الِاخْتِيَارُ فَلَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِهِ حَتَّى إذَا قَالَ لَهَا اخْتَرْتُك أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ هِيَ اخْتَرْت نَفْسِي وَأَجَازَ الزَّوْجُ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عُرِفَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ إذَا كَانَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ. وَقَوْلُهُ طَلِّقِي لَيْسَ بِتَخْيِيرٍ فَيَلْغُو وَلَا يُقَالُ بِقَوْلِهَا أَبَنْت فَقَدْ خَالَفَتْ أَمْرَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ كَمَا لَوْ أَمَرَهَا بِنِصْفِ تَطْلِيقَةٍ فَطَلُقَتْ وَاحِدَةً أَوْ أَمَرَ بِثَلَاثٍ فَطَلُقَتْ أَلْفًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ هِيَ وَافَقَتْهُ فِي الْأَصْلِ وَالْمُخَالَفَةُ فِي الْوَصْفِ لَا تَعْدَمُ الْأَصْلَ فَلَا يُعَدُّ خِلَافًا لِكَوْنِهِ تَبَعًا بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْهُ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ أَتَتْ بِغَيْرِهِ فَيُعْتَبَرُ خِلَافًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا إذْ الْمُفَوَّضُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَحْمَلِ يَقُودُهُ الْجَمَّالُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَالسَّفِينَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْفُلْكُ كَالْبَيْتِ) أَيْ فِي كُلِّ مَا يُبْطِلُ الْخِيَارَ إذَا كَانَتْ فِي الْبَيْتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ [فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ] (فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ) (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك إلَخْ) فَإِنْ قُلْت كَيْفَ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ مَسَائِلَ الْفَصْلِ بِقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك وَالْفَصْلُ فِي الْمَشِيئَةِ وَلَيْسَ فِي طَلِّقِي نَفْسَك ذِكْرُ الْمَشِيئَةِ قُلْت الْمَشِيئَةُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَذْكُورَةٍ لَفْظًا مَذْكُورَةٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا بِمَشِيئَتِهَا وَاخْتِيَارِهَا، وَلِهَذَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً إلَخْ) أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلِأَنَّهُ مَلَكَهَا إيَّاهُ. وَأَمَّا كَوْنُهُ وَاحِدَةً فَلِأَنَّهُ أَمْرٌ مَعْنَاهُ فَعَلَى فِعْلِ الطَّلَاقِ وَهُوَ جِنْسٌ يَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى الْمُتَيَقَّنِ وَيَحْتَمِلُ الْكُلَّ عِنْدَ الْإِرَادَةِ وَالنِّيَّةِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ رَجْعِيًّا فَلِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ وَأَنَّهُ مُعَقِّبٌ لِلرَّجْعَةِ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعْنَ) أَيْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي مُخْتَصَرٌ مِنْ قَوْلِهِ افْعَلِي فِعْلَ الطَّلَاقِ وَالْمُخْتَصَرُ مِنْ الْكَلَامِ كَالْمُطَوَّلِ وَقَدْ صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي الْمُطَوَّلِ فَكَذَا فِي الْمُخْتَصَرِ. اهـ. كَافِي وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَقَعْنَ مَا نَصُّهُ سَوَاءٌ أَوْقَعَتْهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ مُفْتَرِقًا. اهـ. فَتْحٌ وَإِنَّمَا صَحَّ إرَادَةُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي نَفْسَك مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ التَّطْلِيقِ فَهُوَ مَذْكُورٌ لُغَةً؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ مَعْنَى اللَّفْظِ فَصَحَّ نِيَّةُ الْعُمُومِ غَيْرَ أَنَّ الْعُمُومَ فِي حَقِّ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَفِي حَقِّ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ) أَيْ أَنَّ الْمُفَوَّضَ الطَّلَاقُ وَالْإِبَانَةُ مِنْ أَلْفَاظِهِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي إيقَاعِهِ كِنَايَةً فَقَدْ أَجَابَتْ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهَا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَأَجَازَ الزَّوْجُ بَانَتْ) أَيْ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا تَلْحَقُهُ إجَازَةٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقًا تَبِينُ بِهِ فِي الثَّانِي مِنْ الزَّمَانِ) أَيْ فَإِذَا قَالَتْ أَبَنْت فَقَدْ أَتَتْ بِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَزَادَتْ وَصْفًا وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِبَانَةِ) أَيْ فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي) هَكَذَا عَبَّرَ فِي الْكَافِي تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَالَ بِلَفْظِ يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَنُصَّ فِيهِ عَلَى الرَّجْعِيِّ بَلْ قَالَ هِيَ طَالِقٌ، وَكَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَعْنِي أَنَّهُ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَصْرِيحِ مُحَمَّدٍ بِالرَّجْعِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ رَجْعِيَّةً) أَيْ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي فِي جَوَابِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك. اهـ. (قَوْلُهُ. وَأَمَّا الِاخْتِيَارُ فَلَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ) أَيْ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْهُ فِي الْأَصْلِ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْخِلَافُ فِيهِمَا فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ صُورَةِ اللَّفْظِ لَيْسَ غَيْرُ إذْ لَوْ أَوْقَعَتْ عَلَى الْمُوَافَقَةِ أَعْنِي الثَّلَاثَ وَالنِّصْفَ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْوَاقِعُ بِالتَّطْلِيقَةِ وَالْأَلْفِ وَالْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْوَاقِعَ بِمُجَرَّدِ الصَّرِيحِ لَيْسَ هُوَ الْوَاقِعُ بِالْبَائِنِ وَقَدْ اُعْتُبِرَ الْخِلَافُ لِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ بِلَا مُخَالَفَةٍ فِي الْمَعْنَى خِلَافًا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْإِيقَاعِ وَالْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى غَيْرُ خِلَافٍ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ فِي الْأَصْلِ)

إلَيْهَا الطَّلَاقُ وَالْإِبَانَةُ تُخَالِفُهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَكَانَ إعْرَاضًا مِنْهَا حَتَّى يَبْطُلَ خِيَارُهَا بِهِ كَمَا يَبْطُلُ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت نَفْسِي لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ) أَيْ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرُّجُوعَ بَعْدَ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك حَتَّى لَا يَصِحَّ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا وَالْيَمِينُ تَصَرُّفٌ لَازِمٌ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ طَلِّقِي ضَرَّتَك؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ وَالْأَمْرُ لَا يَقْتَضِي الِائْتِمَارَ عَلَى الْفَوْرِ كَأَوَامِرِ الشَّرْعِ وَكَسَائِرِ الْوَكَالَاتِ وَيَقْبَلُ الرُّجُوعَ كَيْ لَا يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْصِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ فِي حَاجَتِهِ لِيَكُونَ التَّصَرُّفُ لَهُ لَا عَلَيْهِ وَرُبَّمَا تَزُولُ الْحَاجَةُ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ أَوْ يَلْحَقُهُ مِنَّةٌ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ ضَرَرٌ أَيْضًا فَإِنْ قِيلَ لِمَ كَانَ تَمْلِيكًا وَيَمِينًا إذَا أَمَرَهَا بِتَطْلِيقِ نَفْسِهَا وَتَوْكِيلًا إذَا أَمَرَهَا بِتَطْلِيقِ غَيْرِهَا أَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا بِذَلِكَ حَتَّى صَحَّ الرُّجُوعُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ قُلْنَا الْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ وَالْوَكِيلُ لِغَيْرِهِ فَإِذَا فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَ نَفْسِهَا تَكُونُ مَالِكَةً لِكَوْنِهَا تَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهَا وَفِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا فَكَانَ يَمِينًا وَهِيَ لَا تَقْبَلُ الرُّجُوعَ وَلَا خِيَارَ فِي التَّمْلِيكِ بَعْدَ الْقِيَامِ فَعَمِلْنَا بِهِمَا وَإِذَا فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَ غَيْرِهَا تَكُونُ وَكِيلَةً لِكَوْنِهَا تَعْمَلُ لِغَيْرِهَا وَالتَّوْكِيلُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْإِعَانَةُ وَقَدْ لَا تَحْصُلُ فِي الْمَجْلِسِ وَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ كَيْ لَا يَلْحَقَهُ الضَّرَرُ فَإِنْ قِيلَ يَنْتَقِضُ هَذَا بِمَا إذَا أَمَرَ الدَّائِنُ الْمَدْيُونَ بِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا فِيهِ حَتَّى لَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ لِلدَّائِنِ الرُّجُوعُ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ وَبِمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثُمَّ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ ثُمَّ طَلَّقَتْ هِيَ نَفْسَهَا حَيْثُ يَحْنَثُ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ هِيَ وَكِيلَةً عَنْهُ لَمَا حَنِثَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ قُلْنَا الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ وَكِيلٌ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ فَلَا يُبَالِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الرُّجُوعِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ بَلْ يَجُوزُ فِي التَّمْلِيكِ الرُّجُوعُ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبُولِ وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ هُنَا لِمَعْنَى التَّعْلِيقِ لَا؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مَمْنُوعٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَقَيَّدَ بِمَجْلِسِهَا إلَّا إذَا زَادَ مَتَى شِئْتِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك يُقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَإِذَا قَامَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ مَتَى شِئْت أَيْ زَادَهَا عَلَى قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَيَكُونُ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا بَعْدَ الْقِيَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهَا الطَّلَاقَ إلَّا فِي وَقْتٍ شَاءَتْ فِيهِ الطَّلَاقَ فَلَا تَمْلِكُ بِدُونِ الْمَشِيئَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ مَتَى مَا شِئْت أَوْ إذَا شِئْت أَوْ إذَا مَا شِئْت لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْمَجْلِسِ إلَّا إذَا زَادَ إنْ شِئْت)؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ مَحْضٌ لَا يَشُوبُهُ تَمْلِيكٌ وَلَا تَعْلِيقٌ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فَكَذَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك حَيْثُ يَلْزَمُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَتَعْلِيقٌ لِكَوْنِهَا عَامِلَةً لِنَفْسِهَا فِي رَفْعِ قَيْدِ النِّكَاحِ كَمَنْ يَرْفَعُ الْقَيْدَ الْحَقِيقِيَّ عَنْ رِجْلِهِ فَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَالتَّعْلِيقُ يَلْزَمُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ تَوْكِيلًا مَحْضًا فَلَا يَقْتَصِرُ وَلَا يَلْزَمُ. وَأَمَّا إذَا زَادَ كَلِمَةَ إنْ شِئْت بِأَنْ قَالَ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ شِئْتَ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَلْزَمُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَقَالَ زُفَرُ هُوَ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ كَالْأَوَّلِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ وَبِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَلَا مَالِكًا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَةٍ ذَكَرَهَا الْمُوَكِّلُ أَمْ لَا فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قِيلَ لَهُ بِعْهُ إنْ شِئْت وَلَنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ يَصْلُحُ وَكِيلًا وَمَالِكًا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأُولَى ظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِالْعَدَدِ عِنْدَ ذِكْرِهِ لَا بِالْوَصْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ خِلَافًا مُعْتَبَرًا. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَالْإِبَانَةُ تُخَالِفُهُ) أَيْ لِحُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لِاشْتِغَالِهَا) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَأَجَابَتْهُ بِاخْتَرْتُ نَفْسِي خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَصِحُّ رُجُوعُهُ حَتَّى إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ أَنْ نَهَاهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا) أَيْ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ طَلَّقْت نَفْسَك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالطَّلَاقُ مِمَّا يَحْلِفُ بِهِ فَكَانَ يَمِينًا وَلَا رُجُوعَ فِي الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ وَهِيَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ لَا تَحْصُلُ إذَا صَحَّ الرُّجُوعُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ ثَمَّةَ فَكَذَا هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ بِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَهُ أَبْرَأْت ذِمَّتَك. اهـ. . . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَقَيَّدَ بِمَجْلِسِهَا)، وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ مُؤَبَّدٌ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا أَيْضًا كَمَا بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي نَفْسَك وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْمُخَيَّرَةِ الْمَجْلِسَ. (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ الْعُمُومِ وَيَرِدُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إذَا أَنَّهَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ إنْ فَلَا تَقْتَضِي بَقَاءَ الْأَمْرِ فِي يَدِهَا وَفِيهِ جَوَابُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْمَلَ شَرْطًا وَأَنْ تَعْمَلَ ظَرْفًا وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَمْلِكُ مَا مَلَكَتْ وَإِنَّمَا مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ وَقْتَ الْمَشِيئَةِ فَلَا تَمْلِكُهُ دُونَهَا وَبِهَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ هَذَا إضَافَةٌ لِلتَّمْلِيكِ لَا تَنْجِيزٌ وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِلَا قَصْدٍ غَلَطًا لَا يَقَعُ إذَا ذَكَرَ الْمَشِيئَةَ وَيَقَعُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مَا يُوجِبُ حَمْلَ مَا أُطْلِقَ مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ الْوُقُوعِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ غَلَطًا عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ، وَقَالَ زُفَرُ هُوَ وَالْأَوَّلُ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ طَلِّقْ امْرَأَتِي بِلَا ذِكْرِ مَشِيئَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قِيلَ لَهُ بِعْهُ إنْ شِئْت) أَيْ لَا يَقْتَصِرُ وَلَهُ الرُّجُوعُ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَشِيئَةِ الَّتِي بِمَعْنَى عَدَمِ الْجَبْرِ بَلْ فِي أَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ لَهُ الْمَشِيئَةَ

مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَالْمَالِكُ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ سَوَاءٌ تَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِذَا قَالَ لَهُ طَلِّقْهَا إنْ شِئْت كَانَ تَمْلِيكًا؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ. وَأَمَّا الْوَكِيلُ فَمَطْلُوبٌ مِنْهُ الْفِعْلُ شَاءَ أَوْ لَمْ يَشَأْ. وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ إلَخْ قُلْنَا الْمُرَادُ بِالْمَشِيئَةِ مَشِيئَةٌ تَثْبُتُ بِالصِّيغَةِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَشِيئَةِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا نَشَأَتْ مِنْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِلْزَامِ وَكَلَامُنَا فِي مُوجِبِ الصِّيغَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا صَدَرَ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ لَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ إذَا قَالَ إنْ شِئْت وَإِلَّا أَفَادَ، وَلِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ بِالْأَمْرِ بِهِ صَارَ رَسُولًا لِكَوْنِهِ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا فَإِذَا قَالَ لَهُ إنْ شِئْت فَقَدْ جَعَلَهُ مُتَصَرِّفًا مَالِكًا لَا رَسُولًا مُبَلِّغًا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ رَسُولًا إلَى نَفْسِهَا فَكَانَتْ مَالِكَةً كَيْفَمَا كَانَ وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ)؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَتَمْلِكُ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا فِي عَكْسِهِ) أَيْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي عَكْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا تَمْلِكُهُ وَزِيَادَةً فَيَقَعُ مَا تَمْلِكُهُ وَتَلْغُو الزِّيَادَةُ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُوَافَقَةَ فِي الْقَدْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَوْجُودَةٌ فَتُعْتَبَرُ كَمَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَكَمَا إذَا قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي فِي قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِوُجُودِ أَصْلِ الْمُوَافَقَةِ وَيَلْغُو الزَّائِدُ مِنْ الْعَدَدِ وَوَصْفِ الْبَيْنُونَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَضَرَّتَهَا أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتِقْ نَفْسَك فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ عَلَيْهِمَا دُونَ الْآخَرَيْنِ لِمَا قُلْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَكَانَتْ مُخَالِفَةً مُبْتَدَأَةً، وَهَذَا لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا الْمُفْرَدَ وَهِيَ أَتَتْ بِالْمُرَكَّبِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُغَايَرَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُضَادَّةِ فَكَانَ غَيْرُهُ ضَرُورَةً بِخِلَافِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَمْلِكُ مَا شَاءَ مِنْ الْعَدَدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِقَدْرِ الْمَحَلِّ فَإِنَّ الْمَحَلَّ شَرْطُ النَّفَاذِ لَا شَرْطُ الْإِيجَابِ فَيَصِحُّ إيجَابُهُ وَيَنْفُذُ مِمَّا أَوْجَبَهُ بِقَدْرِ الْمَحَلِّ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ مُمْتَثِلَةً لِمَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَيَقَعُ وَتَكُونُ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ مُبْتَدَأَةً فَيَلْغُو، وَكَذَلِكَ طَلَاقُ ضَرَّتِهَا وَعِتْقُ الْعَبْدِ صَاحِبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يُقَالُ بِقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي تَكُونُ مُمْتَثِلَةً فَيَقَعُ وَتَبْقَى بِالزَّائِدِ مُبْتَدِئَةً فَيَلْغُو الزَّائِدُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي إذَا ذَكَرَ الْعَدَدَ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِالْعَدَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَارَتْ مُخَالِفَةً فَإِنْ قِيلَ فِي الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الثَّلَاثِ مُرَكَّبًا لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْوَاحِدَةِ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً قُلْنَا إنَّ الْوَاحِدَةَ قَائِمَةٌ بِالْجُمْلَةِ ضِمْنًا فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الْجُمْلَةُ فَكَيْفَ يَثْبُتُ مَا فِي ضِمْنِهَا وَنَظِيرُهُ رَجُلَانِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ خَلِيَّةٌ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا بَرِيَّةٌ لَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْمُتَضَمَّنِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَوَّضَ إلَيْهَا ثَلَاثًا فَطَلُقَتْ وَاحِدَةً حَيْثُ تَقَعُ الْوَاحِدَةُ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ صَارَ مَمْلُوكًا لَهَا، وَهَذَا التَّمْلِيكُ صَحَّ مِنْ الزَّوْجِ فَقَدْ أَتَتْ بِمَا فِي ضِمْنِ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ أَنْ تَأْتِيَ بِهَا كُلِّهَا مُجْتَمِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْهَا فَإِنْ شَاءَتْ أَوْقَعَتْهَا جُمْلَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً أَوْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً إلَى أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ تَأْتِ بِمَا فِي ضِمْنِ كَلَامِهِ وَإِنَّمَا أَتَتْ بِمَا فِي ضِمْنِ كَلَامِهَا فَصَارَتْ مُبْتَدِئَةً لَا مُجِيبَةً لَهُ فَتَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا حَيْثُ تَقَعُ الْوَاحِدَةُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِشَيْءٍ مِنْ الْعَدَدِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظًا صَالِحًا لِلْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَبِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ لَمْ تَصِرْ مُخَالِفَةً لِوُجُودِ الْمُوَافَقَةِ فِي أَصْلِ التَّفْوِيضِ فَتَقَعُ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا أَمَرَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا فَعَكَسَتْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا إنْ شِئْتِ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَعَكْسُهُ لَا) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ قَالَ لَهَا عَكْسُهُ فَأَجَابَتْ بِعَكْسِهِ بِأَنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي الْوَجْهَيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ فَصَارَتْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَفْظًا صَارَ مُوجِبُ اللَّفْظِ التَّمْلِيكَ لَا التَّوْكِيلَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ لِغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ عَنْ مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَإِنْ كَانَ امْتِثَالُهُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ ابْتِدَاءً غَيْرَ مُعْتَبِرٍ ذَلِكَ امْتِثَالًا فَإِذَا صَرَّحَ لَهُ الْمَالِكُ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهِ كَانَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا فَيَسْتَلْزِمُ حُكْمَ التَّمْلِيكِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ تَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ) أَيْ كَوَلِيِّ الصَّغِيرِ وَوَصِيِّهِ إذَا بَاعَ لَهُ أَوْ اشْتَرَى مَثَلًا اهـ ك. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيلَ فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بِالْمَشِيئَةِ بَلْ الْمُعَلَّقُ فِيهِ الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ وَهِيَ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَكَأَنَّهُ اُعْتُبِرَ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ بِنَفْسِ الْبَيْعِ، وَهَذَا غَلَطٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ هُوَ قَوْلُهُ بِعْ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ كَوْنُ نَفْسِ قَوْلِهِ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ بَلْ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَفَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَلَمْ يَبْقَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ سِوَى فِعْلِ مُتَعَلَّقِ التَّوْكِيلِ أَوْ عَدَمِ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ) أَيْ فَيَلْغُو وَصْفُ التَّمْلِيكِ وَيَبْقَى الْإِذْنُ وَالتَّصَرُّفُ بِمُقْتَضَى مُجَرَّدِ الْإِذْنِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَتَلْغُو الزِّيَادَةُ إلَخْ) فِي نُسْخَةٍ الزَّائِدُ اهـ. (قَوْلُهُ وَوَصْفُ الْبَيْنُونَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى أَبَنْت نَفْسِي: طَلُقَتْ بَائِنًا. اهـ. فَتْحٌ بِمَعْنَاهُ. (قَوْلُهُ فَكَانَتْ مُخَالِفَةً) أَيْ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ. اهـ. فَتْحٌ.

شَرْطًا لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا سَبَقَ فَإِذَا بَنَى عَلَيْهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّرْطَ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا مَشِيئَةُ الْوَاحِدَةِ وَأَجْزَاءُ الشَّرْطِ لَا تَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْمُرْسَلَةِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الثَّلَاثَ هُنَاكَ وَلَمْ يُعَلِّقْ وُقُوعَهَا بِمَشِيئَةِ الثَّلَاثِ فَلَهَا أَنْ تُوقِعَ بَعْضَ مَا مَلَكَتْ، وَلَوْ قَالَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شِئْتُ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُتَّصِلًا بِبَعْضٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ قَدْ وُجِدَتْ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا بِمَشِيئَةِ الثَّلَاثِ وَمَشِيئَةُ الثَّلَاثِ لَا تُوجَدُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكُلِّ فَوُجِدَتْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ فَبَانَتْ بِثَلَاثٍ جُمْلَةً وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُنْفَصِلًا عَنْ بَعْضٍ بِأَنْ سَكَتَتْ عِنْدَ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ ثُمَّ شَاءَتْ الْبَاقِيَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فَاصِلٌ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْعَكْسُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ إيقَاعٌ لِلْوَاحِدَةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ لِلْوَاحِدَةِ فَكَانَتْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ مَشِيئَةَ الْوَاحِدَةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِمَشِيئَةٍ لَهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ أَوْ الرَّجْعِيِّ فَعَكَسَتْ وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ) أَيْ عَكَسَتْ فِي الْجَوَابِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ لَهَا الزَّوْجُ طَلِّقِي نَفْسَك طَلْقَةً بَائِنَةً فَتَقُولُ طَلَّقْتُ نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً أَوْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فَتَقُولُ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً بَائِنَةً فَيَقَعُ مَا أَمَرَ بِهِ الزَّوْجُ وَيَلْغُو مَا وَصَفَتْ بِهِ لِكَوْنِهَا مُخَالِفَةً فِيهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَيَّنَ صِفَةَ الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا فَحَاجَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى إيقَاعِ الْأَصْلِ دُونَ تَعْيِينِ الْوَصْفِ فَصَارَ كَأَنَّهَا اقْتَصَرَتْ عَلَى الْأَصْلِ فَيَقَعُ بِالصِّفَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الزَّوْجُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مُخَالِفَةً بِمِثْلِ هَذَا حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ لِمُوَافَقَتِهَا فِي الْأَصْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ شِئْتُ إنْ شِئْتَ فَقَالَ شِئْتُ يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا الْمَعْدُومُ بَطَلَ)؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْمَشِيئَةِ الْمُرْسَلَةِ وَهِيَ أَتَتْ بِالْمُعَلَّقَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَبَطَلَ أَمْرُهَا؛ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِقَوْلِهِ شِئْت يَنْوِي الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ ذِكْرُ الطَّلَاقِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ شِئْت طَلَاقَك بِنَاءً عَلَى الْمُتَقَدِّمِ فَيَقَعُ ابْتِدَاءً غَيْرُ الَّذِي عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا قُلْنَا لَيْسَ فِي كَلَامِهِ وَلَا فِي كَلَامِ الْمَرْأَةِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ شِئْت مُبْهَمًا وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ وَلَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُبْنَى عَلَى السَّابِقِ إذَا اُعْتُبِرَ السَّابِقُ وَهُنَا قَدْ بَطَلَ السَّابِقُ لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَخَلَا قَوْلُهُ شِئْت عَنْ ذِكْرِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ حَتَّى لَوْ قَالَ شِئْتُ طَلَاقَك يَنْوِي الْإِيقَاعَ يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ مُبْتَدَأٌ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَوْجَدْت أَوْ حَصَّلْت طَلَاقَك وَتَحْصِيلُ الطَّلَاقِ وَإِيجَادَهُ بِإِيقَاعِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ وُقُوعًا وَقَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ مِلْكًا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَرَدْتُ طَلَاقَك؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ لُغَةً عِبَارَةٌ عَنْ الطَّلَبِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ» أَيْ طَالِبُهُ وَفِي الْمَثَلِ السَّائِرِ لَا يَكْذِبُ الرَّائِدُ أَهْلَهُ أَيْ طَالِبُ الْكَلَأِ أَوْ الْغَيْثِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الطَّلَبِ الْوُجُودُ وَلَا يَلْزَمُنَا أَنَّ الْإِرَادَةَ وَالْمَشِيئَةَ سِيَّانِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي صِفَاتِ الْبَارِي جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَكَلَامُنَا فِي إرَادَةِ الْعِبَادِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَفْرِقَةٌ بِالنَّظَرِ إلَيْنَا وَتَسْوِيَةٌ بِالنَّظَرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَكُونُ لَا مَحَالَةَ، وَكَذَا سَائِرُ صِفَاتِهِ تَعَالَى مُخَالِفٌ لِصِفَاتِنَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ شَائِي طَلَاقَك يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَقَالَتْ شِئْت يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَرِيدِي طَلَاقَك يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَقَالَتْ أَرَدْت لَا يَقَعُ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَحِبِّي طَلَاقَك أَوْ اهْوِي طَلَاقَك فَفَعَلَتْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ وَالْهَوَى نَوْعُ تَمَنٍّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَدْتِ أَوْ أَجَبَبْت أَوْ رَضِيَتْ أَوْ هَوِيَتْ فَفَعَلَتْ حَيْثُ تَطْلُقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينَنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّك وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ لَهَا رَضِيت طَلَاقَك يَقَعُ يَعْنِي إذَا نَوَى فَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشِيئَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ مَضَى طَلُقَتْ) أَيْ قَالَتْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا الْأَمْرُ قَدْ مَضَى وَالْمَسْأَلَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَجْزَاءُ الشَّرْطِ إلَخْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَجْزَاءُ الْمَشْرُوطِ لَا تَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ) وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً حَيْثُ تَقَعُ الْوَاحِدَةُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فَتَقُولُ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً) أَيْ تَقَعُ رَجْعِيَّةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا رَجْعِيَّةً لَغْوٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَيَّنَ صِفَةَ الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا فِي الصُّورَتَيْنِ فَحَاجَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَصْلِ الْإِيقَاعِ لَا إلَى ذِكْرِ وَصْفِهِ فَذِكْرُهَا إيَّاهُ مُوَافِقًا أَوْ مُخَالِفًا لَا عِبْرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِإِيقَاعِهَا لَيْسَ إلَّا بِنَاءً عَلَى التَّفْوِيضِ فَذِكْرُهَا كَسُكُوتِهَا عَنْهُ وَعِنْدَ سُكُوتِهَا يَقَعُ عَلَى الْوَصْفِ الْمُفَوَّضِ وَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ إنْ كَانَتْ فِي الْوَصْفِ لَا يَبْطُلُ الْجَوَابُ بَلْ يَبْطُلُ الْوَصْفُ الَّذِي بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَيَقَعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّضَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ يَبْطُلُ كَمَا إذَا فَوَّضَ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ فَوَّضَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ قُلْنَا لَيْسَ فِي كَلَامِهِ وَلَا فِي كَلَامِ الْمَرْأَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ شِئْت طَلَاقِي إنْ شِئْت لِيَكُونَ الزَّوْجُ بِقَوْلِهِ شِئْتِ شَائِيًا طَلَاقَهَا لَفْظًا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ) أَيْ الصَّالِحِ لِلْإِيقَاعِ وَلَا فِي الْمَذْكُورِ الَّذِي لَيْسَ بِصَالِحٍ لِلْإِيقَاعِ بِهِ نَحْوُ اسْقِينِي. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ) أَيْ لَا تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ بَلْ هِيَ طَلَبٌ لِنَفْسِ الْوُجُودِ عَنْ مَيْلٍ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لِأَمْرٍ قَدْ مَضَى) أَيْ كَشِئْت إنْ كَانَ فُلَانٌ قَدْ جَاءَ وَقَدْ جَاءَ أَوْ لِأَمْرٍ كَائِنٍ كَشِئْت إنْ كَانَ أَبِي فِي الدَّارِ وَهُوَ فِيهَا. اهـ. فَتْحٌ

بِحَالِهَا طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّيْءِ الْكَائِنِ تَنْجِيزٌ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ تَنْجِيزُ الْكُفْرِ بِقَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ قَدْ مَضَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ أَوْ نَقُولَ إنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ إذَا كَانَ مُسْتَقْبَلًا فَكَذَا إذَا كَانَ مَاضِيًا اعْتِبَارًا بِالْمُسْتَقْبَلِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا أَوْ إرَادَتِهَا أَوْ رِضَاهَا أَوْ هَوَاهَا أَوْ حُبِّهَا يَكُونُ تَمْلِيكًا فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّنْجِيزِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِالْيَدِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ أَفْعَالِهَا كَأَكْلِهَا وَشُرْبِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ لِعَدَمِ مَعْنَى التَّنْجِيزِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْتِ أَوْ مَتَى مَا شِئْتِ أَوْ إذَا شِئْتِ أَوْ إذَا مَا شِئْتِ فَرَدَّتْ الْأَمْرَ لَا يَرْتَدُّ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً)؛ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا فَلَهَا أَنْ تُوقِعَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَتْ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهَا الطَّلَاقَ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَ الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَلَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ دُونَ الْأَفْعَالِ، وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ فِي مَتَى وَمَتَى مَا، وَكَذَا فِي إذَا وَإِذَا مَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إذَا وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ وَالْوَقْتِ لَكِنْ جَعَلَهَا هُنَا لِلْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا بِالْقِيَامِ وَالرَّدِّ بِالشَّكِّ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهَا مِنْ قَبْلُ فَإِنْ قِيلَ وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الشَّرْطِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَصْحِيحًا لِلرَّدِّ قُلْنَا إنَّمَا يَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى الشَّرْطِ أَنْ لَوْ كَانَ الرَّدُّ صَادِرًا مِمَّنْ صَدَرَ مِنْهُ التَّعْلِيقُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَنَفْيًا لِلتَّنَاقُضِ فِي كَلَامِهِ. وَأَمَّا إذَا صَدَرَ الرَّدُّ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي كُلَّمَا شِئْتِ لَهَا أَنْ تُفَرِّقَ الثَّلَاثَ وَلَا تَجْمَعَ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْتِ لَهَا أَنْ تُوقِعَ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُوقِعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ وَالْأَزْمَانَ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَيَقْتَضِي إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى إلَّا أَنَّ الْيَمِينَ تَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا بِاعْتِبَارِهِ فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ مَعَ صَلَاحِيَةِ اللَّفْظِ لَهُ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ إيقَاعٌ لِلْوَاحِدَةِ أَمْ لَا وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ وَلَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهَا الطَّلَاقَ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَشَاءُ فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ رَدُّهَا قَبْلَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ طَلُقَتْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَا يَقَعُ) يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْتِ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَعَادَتْ إلَيْهِ وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَا يَقَعُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَحْدَثَ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ زُفَرَ يَقَعُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ يَمْلِكُ عَلَيْهَا الثَّلَاثَ عِنْدَهُمَا وَلَهَا أَنْ تَطْلُقَ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَى أَنْ تُوقِعَ الثَّلَاثَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلِ التَّنْجِيزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي حَيْثُ شِئْتِ وَأَيْنَ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءُ فِي مَجْلِسِهَا) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْت أَوْ أَيْنَ شِئْت لَا تَطْلُقُ إلَّا إذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَكَانِ فَيَكُونُ هَذَا إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي مَكَان تَتَحَقَّقُ فِيهِ مَشِيئَتُهَا وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ فَيَلْغُو وَيَبْقَى ذِكْرُ مُطْلَقِ الْمَشِيئَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِقَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ) أَيْ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ إلَخْ) مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ بِكُفْرِهِ فَاللَّازِمُ حَقٌّ وَعَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ عَدَمُ كُفْرِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ جُعِلَتْ كِنَايَةً عَنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا جَعَلَ تَعْلِيقَ كُفْرِهِ بِأَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَكَذَا إذَا جَعَلَهُ بِمَاضٍ تَحَامِيًا عَنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْكُفْرَ بِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَتَبَدُّلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ مَعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ يَجِبُ أَنْ يُكَفَّرَ فَلْيُكَفَّرْ هُنَا بِلَفْظِ هُوَ كَافِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ قُلْنَا النَّازِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا عَيْنُهُ فَلَيْسَ هُوَ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ مُتَكَلِّمًا بِقَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ حَقِيقَةً. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فَرَدَّتْ الْأَمْرَ) أَيْ بِأَنْ قَالَتْ لَا أَشَاءُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ) وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ هَذَا تَمْلِيكًا فِي حَالٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِطَلَاقِهَا مُعَلِّقًا بِشَرْطِ مَشِيئَتِهَا فَإِذَا وُجِدَتْ مَشِيئَتُهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَ فِي لَفْظِ طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْت؛ لِأَنَّهَا تَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَكِنَّ الْوَاقِعَ طَلَاقُهُ الْمُعَلَّقُ وَقَوْلُهَا طَلَّقْت إيجَادٌ لِلشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مَشِيئَةُ الطَّلَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ تُقَارِنُ الْإِيجَادَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ) وَعَلَى هَذَا لَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا ثِنْتَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ) أَوْ ثِنْتَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا) أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لِعُلَمَائِنَا كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَيَبْطُلُ تَنْجِيزُ الثَّلَاثِ تَعْلِيقَهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ)، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْكَعْبَةِ يَقَعُ فِي الْحَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْوَاقِعَ فِي مَكَان يُعْتَبَرُ وَاقِعًا فِي جَمِيعِ الْأَمْكِنَةِ فَلَمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ الطَّلَاقُ بِالْمَكَانِ صَارَ ذَلِكَ الْمَكَانُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً فَبَقِيَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّ لِلطَّلَاقِ تَعَلُّقًا بِهِ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ جُزْءٌ دَاخِلٌ فِي مَاهِيَّةِ الْفِعْلِ فَيَدُلُّ فِعْلُ

فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِهِ حَتَّى يَقَعَ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ خُصُوصًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَنَحْوَهُ وَعُمُومًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا لَغَا ذِكْرُ الْمَكَانِ بَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ شِئْت فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْت الدَّارَ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ قُلْنَا يُحْمَلُ الظَّرْفُ عَلَى الشَّرْطِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الظَّرْفَ يُجَامِعُ الْمَظْرُوفَ كَمَا أَنَّ الشَّرْطَ يُجَامِعُ الْمَشْرُوطَ أَوْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُفِيدُ ضَرْبًا مِنْ التَّأْخِيرِ فَعِنْدَ تَعَذُّرِ الظَّرْفِ حَقِيقَةً يَصِيرُ كِنَايَةً عَنْ الشَّرْطِ مَجَازًا فَإِنْ قِيلَ إذَا جُعِلَ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِالْقِيَامِ وَفِي أَدَوَاتِهِ مَا لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ كَمَتَى وَإِذَا قُلْنَا حَمْلُهَا عَلَى إنْ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى مَتَى؛ لِأَنَّهَا صَرْفُ الشَّرْطِ بِخِلَافِ مَتَى وَنَحْوِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي كَيْفَ شِئْتِ تَقَعُ رَجْعِيَّةً فَإِنْ شَاءَتْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعَ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت تَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً قَبْلَ مَشِيئَتِهَا فَإِنْ قَالَتْ شِئْت وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا، وَقَالَ الزَّوْجُ نَوَيْت ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَثْبُتُ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ مَشِيئَتِهَا وَإِرَادَتِهِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ بَيْنَ نِيَّتِهِ وَمَشِيئَتِهَا بِأَنْ شَاءَتْ خِلَافَ مَا نَوَى وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّ مَشِيئَتَهَا لَغَتْ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ، وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَصْلِ وَيَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ مَشِيئَتُهَا جَرْيًا عَلَى مُوجِبِ التَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَهُ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا بَعْدَمَا وَقَعَ رَجْعِيًّا فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَشَأْ فَإِنْ شَاءَتْ وَقَعَتْ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا بِشَرْطِ مُطَابَقَةِ إرَادَتِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْتَ يَعْتِقُ عِنْدَهُ فِي الْحَالِ وَعِنْدَهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَشِيئَتِهِ لَهُمَا أَنَّ هَذَا تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ وَصْفٍ شَاءَتْ وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا تَعَلَّقَ أَصْلُ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ كَمَا شَاءَتْ وَهَذَا لِأَنَّ كَيْفَ لِلِاسْتِيصَافِ عَنْ الشَّيْءِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِجَمِيعِ أَوْصَافِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِتَعْلِيقِ أَصْلِهِ لِاسْتِحَالَتِهِ بِدُونِ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ أَصْلُهُ لَلَغَا تَخْيِيرُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَلَهُ أَنَّ كَيْفَ لِلِاسْتِيصَافِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ أَصْلِهِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الْقَائِلِ خَلِيلِي قُلْ لِي كَيْفَ صَبْرُك بَعْدَنَا ... فَقُلْتُ وَهَلْ صَبْرٌ فَتَسْأَلُ عَنْ كَيْفَ وَإِذَا كَانَ لِلِاسْتِيصَافِ اسْتَدْعَى وُجُودَ الْمَوْصُوفِ فَيَقَعُ أَصْلُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ وَيَثْبُتُ أَدْنَى وَصْفِهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ وَصْفِهِ وُجُودًا وَيَتَعَلَّقُ مَا وَرَاءَهُ بِالْمَشِيئَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ كَلَامَهُ إيقَاعٌ فَلَوْ ثَبَتَ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَتِهَا إنَّمَا يَثْبُتُ ضَرُورَةَ التَّخْيِيرِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الصِّفَةِ لَا فِي الذَّاتِ وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ تَنْفَكُّ عَنْ الذَّاتِ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ تَعَلُّقِهَا بِالْمَشِيئَةِ تَعَلُّقُ الذَّاتِ بِهَا وَمَا قَالَهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمَوْصُوفِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْأَوْصَافِ عَنْ التَّعْلِيقِ لِيَصِحَّ الِاسْتِيصَافُ أَوْلَى مِنْ تَعْلِيقِ أَصْلِ الطَّلَاقِ بِالْمَشِيئَةِ وَتَعْمِيمِ الْأَوْصَافِ وَفِيهِ إبْطَالُ الِاسْتِيصَافِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ دُونَ التَّعْطِيلِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَيْثُ شِئْت وَأَيْنَ شِئْتِ؛ لِأَنَّهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ وَالطَّلَاقُ إذَا وَقَعَ فِي مَكَان وَقَعَ فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا لِأَصْلِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ كَمْ شِئْت؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْبَارٌ عَنْ الْعَدَدِ فَيَكُونُ تَفْوِيضًا لِلْعَدَدِ وَالْوَاحِدُ أَصْلُ الْعَدَدِ فِي الْمَعْدُودَاتِ فَتَكُونُ الذَّاتُ مُفَوَّضًا إلَيْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِيرُ عَدَدًا بِانْضِمَامِهِ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ الْوَاحِدَةُ عَدَدًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَدَخَلَ تَحْتَ الْأَمْرِ بِخِلَافِ الذَّاتِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا أَبَدًا فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِيمَا إذَا قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ وَفِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَالرَّدُّ كَالْقِيَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي كَمْ شِئْتِ أَوْ مَا شِئْتِ تَطْلُقُ مَا شَاءَتْ فِيهِ وَإِنْ رَدَّتْ ارْتَدَّ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كَمْ شِئْت أَوْ مَا شِئْت تُطَلِّقُ نَفْسَهَا مَا شَاءَتْ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ وَمَا عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ كَانَ رَدًّا، وَكَذَا إنْ قَامَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوَقْتِ فَاقْتَضَى جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ وَلَا يُقَالُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَكَيْفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّلَاقِ عَلَى الزَّمَانِ وَاعْتُبِرَ خُصُوصُ الزَّمَانِ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا، وَكَذَا اُعْتُبِرَ عُمُومُهُ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْت أَوْ زَمَانَ شِئْت أَوْ حِينَ شِئْت. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ عَنْ الشَّرْطِ مَجَازًا) أَيْ وَهُوَ خَبَرٌ مِنْ إلْغَائِهِ بِالْكُلِّيَّةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ بِأَنْ شَاءَتْ خِلَافَ مَا نَوَى) أَيْ بِأَنْ شَاءَتْ بَائِنَةً وَالزَّوْجُ ثَلَاثًا أَوْ عَلَى الْقَلْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ) أَيْ بِالصَّرِيحِ وَنِيَّتُهُ لَا تَعْمَلُ فِي جَعْلِهِ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ بِدُونِ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِهِ) أَيْ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الصِّفَةِ بِدُونِ الْمَوْصُوفِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ وَهَلْ صَبْرٌ فَتَسْأَلُ عَنْ كَيْفَ) أَنْكَرَ وُجُودَ الْكَيْفِيَّةِ لِعَدَمِ الصَّبْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ) صَوَابُهُ إبْدَالُ قَبْلَ بِبَعْدَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً) فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَذْهَبُ أَنَّهَا بَائِنَةٌ لِكَوْنِهِ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ بَائِنٌ إجْمَاعًا. اهـ. . (قَوْلُهُ أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) بِشَرْطِ مُطَابَقَةِ إرَادَةِ الزَّوْجِ ذَكَرَهُ شَارِحُ الْمَنَارِ ابْنُ فِرِشْتَا وَالْمَوْلَى عَبْدُ اللَّهِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الْوَاحِدُ عَدَدٌ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَلَمَّا تَكَرَّرَ لَهُمْ مِنْ إطْلَاقِ الْعَدَدِ وَإِرَادَتِهِ وَمَا شِئْت تَعْمِيمُ الْعَدَدِ فَتَقْرِيرُهُ تَقْرِيرُهُ. (قَوْلُهُ، وَكَذَا إنْ قَامَتْ) أَيْ لِوَاحِدٍ فِي عَمَلٍ آخَرَ أَوْ فِي كَلَامٍ آخَرَ. اهـ. .

[باب التعليق]

يَكُونُ لَهَا ذَلِكَ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِالْمَشِيئَةِ مَشِيئَةُ الْقُدْرَةِ لَا مَشِيئَةُ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يُوقِعَ الثَّلَاثَ إنْ شَاءَ فَكَذَا هِيَ لِقِيَامِهَا مَقَامَهُ أَوْ نَقُولُ فِي حَقِّهَا لَا يُكْرَهُ لِلزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ فَرَّقَتْ يَبْطُلُ خِيَارُهَا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيقَاعِ الثَّلَاثِ إلَّا جُمْلَةً فَيُبَاحُ لَهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّفْرِيقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي طَلِّقِي مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْتِ تَطْلُقُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ ثَلَاثَةٍ مَا شِئْت لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ الثَّلَاثَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَهَا أَنْ تَطْلُقَ ثَلَاثًا إنْ شَاءَتْ؛ لِأَنَّ مَا مُحْكَمَةٌ فِي التَّعْمِيمِ وَمِنْ قَدْ تَكُونُ لِلتَّبْيِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شِئْت وَلَهُ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ حَقِيقَةً وَمَا لِلتَّعْمِيمِ فَيَعْمَلُ بِهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَنْبَنِي عَلَى الْمُسَامَحَةِ أَوْ عَلَى إظْهَارِ السَّمَاحَةِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ التَّبْعِيضِ وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ أُرِيدَ بِهِ الْبَعْضُ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ وَصْفٌ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ التَّبْعِيضِ لِهَذَا الْمَعْنَى كَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا امْرَأَةً كُوفِيَّةً حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ شِئْت كَانَ عَلَى الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ التَّعْلِيقِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ كَقَوْلِهِ لِمَنْكُوحَتِهِ إنْ زُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمِلْكِ (كَإِنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ بَعْدَهُ) أَيْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الزِّيَارَةُ فِي الْأَوَّلِ وَالنِّكَاحُ فِي الثَّانِي وَمَثَّلَ بِقَوْلِهِ إنْ نَكَحْتُك بَعْدَ أَنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ بِمِلْكٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِلْعَقْدِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ مَلَكْتُك بِالنِّكَاحِ وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا أَيْ إنْ مَلَكْته بِالشِّرَاءِ وَإِلَّا لَمَا انْعَقَدَ تَعْلِيقًا ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مَالِكًا وَتَعَلُّقُهُ بِأَيِّ شَرْطٍ كَانَ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ مَالِكًا وَلَكِنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمَذْكُورُ هُنَا مَذْهَبُنَا وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَمْرٍو وَرِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ مَالِكٌ إنْ عَمَّمَ بِأَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ وَنَحْوَهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ خَصَّصَ بَلَدًا أَوْ قَبِيلَةً بِأَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ مِصْرَ أَوْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ كُلُّ بِكْرٍ أَوْ ثَيِّبٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ صَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الَّتِي فَوَّضَ إلَيْهَا الْوَاحِدَةَ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ فَكَذَا الَّتِي فَوَّضَ إلَيْهَا الثِّنْتَيْنِ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت) أَيْ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ وَعَدَلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ فَكَانَ الْأَمْرُ فِيهَا مَبْنِيًّا عَلَى التَّوَسُّعِ؛ لِأَنَّ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ إظْهَارُ السَّخَاءِ وَالْكَرَمِ وَذَلِكَ بِالْعُمُومِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ اللُّزُومُ فَلَمْ يَعْدِلْ فِيهِ عَنْ حَقِيقَةِ كُلِّ لَفْظٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَمَا لِلتَّعْمِيمِ) أَيْ حَقِيقَةً اهـ. (قَوْلُهُ فَيَعْمَلُ بِهِمَا) أَيْ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلُ الْمَجَازِ وَالثِّنْتَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَاحِدَةِ عَامٌّ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّلَاثِ بَعْضٌ وَلَا يُقَالُ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْعُمُومِ أَصْلًا وَهِيَ بَعْضٌ صِرْفٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا مَلَكَتْ الثِّنْتَيْنِ بِحُكْمِ الْأَمْرِ مَلَكَتْ الْوَاحِدَةَ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ شِئْت) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اسْتَشْهَدَا بِهَا طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شِئْتَ اهـ [بَابُ التَّعْلِيقِ] (بَابُ التَّعْلِيقِ) بَوَّبَ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِبَابِ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الطَّلَاقِ بِالتَّنْجِيزِ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ شَرَعَ فِي ذِكْرِهِ بِسَبِيلِ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيزَ هُوَ الْأَصْلُ لِكَوْنِهِ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَالتَّعْلِيقُ لَا يَكُونُ سَبَبًا مَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ جُمْلَتَيْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ بِمَنْزِلَةِ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الشَّرْطِ لَا تُفِيدُ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا جُمْلَةُ الْجَزَاءِ، وَالْأَصْلُ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ تَكُونَ مُفِيدَةً بِنَفْسِهَا بِحَيْثُ يَصِحُّ السُّكُوتُ عَلَيْهَا وَالتَّنْجِيزُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا التَّعْلِيقُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْحَلِفَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ يَمِينٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ جَمِيعًا أَمَّا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ فَيَمِينٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا تُسَمِّيهِ أَهْلُ اللُّغَةِ يَمِينًا اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ) قَالَ الرَّازِيّ التَّعْلِيقُ إذَا كَانَ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْأَوَّلِ وَالنِّكَاحُ أَوْ مِلْكُهُ فِي الثَّانِي اهـ فَقَدْ جَعَلَهُ كَمَا تَرَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى سَبَبِهِ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَ التَّعْلِيقَ عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا لَهُ وَمَثَّلَ لِلْمُضَافِ لِلْمِلْكِ بِإِنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَفَادَ الشَّارِحُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مُضَافًا لِلْمِلْكِ بَلْ لِسَبَبِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ فَحِينَئِذٍ لَمْ يُمَثِّلْ بِمَا هُوَ مُضَافٌ لِلْمِلْكِ وَيَصِحُّ أَنْ يُمَثِّلَ لَهُ بِمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت فِي عِصْمَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ. (قَوْلُهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ) هَذَا إذَا ذَكَرَ الرَّابِطَ وَهِيَ الْفَاءُ أَمَّا لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ بِأَنْ قَالَ إنْ زُرْت أَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ فِي الْحَالِ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ وَسَيَجِيءُ هَذَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ أَوْ بِسَبَبِ الْمِلْكِ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَالتَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ كَقَوْلِهِ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالتَّعْلِيقُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ كَقَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ اهـ مَعَ حَذْفٍ. (قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الْجَهَالَةُ فَإِذَا خُصَّ ارْتَفَعَتْ فَيَصِحُّ. اهـ. كَافِي

؛ لِأَنَّ فِي التَّعْمِيمِ سَدَّ بَابَ النِّكَاحِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ أَمَّا إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَيْثُ يَصِحُّ وَيَصِيرُ مُظَاهِرًا إذَا تَزَوَّجَ مَعَ الْعُمُومِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَرْتَفِعُ بِكَفَّارَةٍ فَلَا سَدَّ فِيهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيقُ أَصْلًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا طَلَاقَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا بَيْعَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] شَرَعَ اللَّهُ الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا طَلَاقَ قَبْلَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ فَلَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ بِالْمِلْكِ كَمَا لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ بِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ شَرْطٌ لِلطَّلَاقِ كَالْأَهْلِيَّةِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ التَّعْلِيقُ مِنْ غَيْرِ الْأَهْلِ بِالْأَهْلِيَّةِ كَالصَّبِيِّ يَقُولُ إذَا بَلَغْت فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَكَذَا فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ فَصَارَ كَبَيْعِ مَا لَا يَمْلِكُ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ مَلَكَهُ، وَلِأَنَّهُ يُضَادُّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ وَهُوَ التَّوَالُدُ فَلَا يُشْرَعُ أَصْلًا وَلَنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ فَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى وُجُودِ مِلْكِ الْمَحَلِّ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا لِأَنَّ الْيَمِينَ تَصَرُّفٌ مِنْ الْحَالِفِ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْبِرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمَحْلُوفُ بِهِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بَعْدَ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ وَمَا لَمْ يَصِلْ فَهُوَ يَمِينٌ وَاشْتِرَاطُ قِيَامِ الْمِلْكِ لِأَجْلِ الطَّلَاقِ لَا لِأَجْلِ الْحَلِفِ لَكِنَّ الْمَحْلُوفَ بِهِ سَيَصِيرُ طَلَاقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِوُصُولِهِ إلَى الْمَحَلِّ وَعِنْدَ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَاجِبٌ، وَلِهَذَا لَا يُكْرَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ التَّعْلِيقُ وَلَوْ كَانَ إيقَاعًا يُكْرَهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا لِلْحَالِ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمَحَلُّ كَمَنْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَهُ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ فَعَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْطِ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ يَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ طَلَاقًا لَحَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ إذَا احْتَمَلَ وُجُودَ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطِ لِيَكُونَ مُحَقَّقًا عِنْدَ وُقُوعِ الْجَزَاءِ وَهُنَا الْمِلْكُ لَازِمٌ عِنْدَهُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ وَنَظِيرُهُ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ الرَّمْيُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلٍ لَا يَكُونُ مَانِعًا مَا هُوَ قَتْلٌ وَلَا مُؤَخِّرًا لَهُ بَلْ يَكُونُ مَانِعًا مَا سَيَصِيرُ قَتْلًا إذَا وَصَلَ إلَى الْمَحَلِّ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَصِحَّ قَالَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُجْتَنَبَةٍ بِمَرَّةٍ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَخْبَارُهُمْ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الصِّحَّةِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِهَا وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْجِيزِ وَالتَّأْوِيلُ مَنْقُولٌ عَنْ السَّلَفِ كَمَكْحُولٍ وَسَالِمٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ إذْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَالْبَيْعُ كَالطَّلَاقِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَيَكُونُ لَغْوًا قَبْلَ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمِلْكُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ هُنَا وَالْأَهْلِيَّةُ شَرْطٌ لِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ وَالْيَمِينُ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ مِنْ صَبِيٍّ. وَقَوْلُهُ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَلَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ يَبْطُلُ بِمَا إذَا قَالَ لِجَارِيَتِهِ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ حَيْثُ تَعْتِقُ إذَا وَلَدَتْ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ فِي الْوَلَدِ الْمَعْدُومِ وَقْتَ الْيَمِينِ. وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ وَأَثَّرَ التَّعْلِيقُ فِي إعْدَامِهِ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ عِنْدَنَا فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا قَبْلَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ الْمِلْكُ لَهُ وَعِنْدَهُ يَنْعَقِدُ سَبَبًا وَأَثَّرَ التَّعْلِيقُ فِي تَأْخِيرِ الْحُكْمِ فَكَانَ إيقَاعًا فِي الْحَالِ فَيُشْتَرَطُ لَهُ الْمِلْكُ وَقَدْ عُرِفَ الدَّلِيلُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يُقَالُ لَوْ جُنَّ بَعْدَ التَّعْلِيقِ وَوُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ مَجْنُونٌ تَطْلُقُ، وَلَوْ كَانَ إيقَاعًا عِنْدَهُ لَمَا طَلُقَتْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ إيقَاعٌ حُكْمًا وَالْمَجْنُونُ أَهْلٌ لِذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنِّينًا أَوْ مَجْبُوبًا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُجْعَلُ طَلَاقًا وَكَذَا إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ وَعَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَبَيَا، وَكَذَا إذَا مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَهْلًا لَهُ حُكْمًا وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ فِي التَّعْمِيمِ سَدَّ بَابِ النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْسَدُّ عَلَيْهِ بَابُهُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ دُونَ التَّكْرَارِ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ فَيَقَعُ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الشَّرْطِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعِنْدَ ذَلِكَ الْمِلْكُ وَاجِبٌ) أَيْ ثَابِتٌ اهـ. (قَوْلُهُ، وَلِهَذَا لَا يُكْرَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ التَّعْلِيقُ) أَيْ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحَائِضِ إذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ كَانَ هَذَا إطْلَاقًا لِلسُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ تَنْجِيزَهُ فِي الْحَالِ. اهـ. كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَعَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْطِ لَا يَحْنَثُ) ذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ بَعْدَ مَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَحْنَثُ فَرَاجِعْهُ اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ يَحْنَثُ) هَذَا إذَا عَلَّقَهُ بِغَيْرِ الْمَشِيئَةِ، أَمَّا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا سَيَجِيءُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (قَوْلُهُ وَالشَّعْبِيُّ) اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ. (قَوْلُهُ وَالزُّهْرِيُّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ اهـ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ اهـ فَإِنَّهُمْ قَالُوا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُونَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ تَنْجِيزًا وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ طَلَاقًا فَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ إنَّمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَقِيبَ الشَّرْطِ فِي تَعْلِيقِ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَةِ الرَّجُلِ إذَا عَلَّقَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي حَالِ جُنُونِهِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّنْجِيزِ قُلْت إنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ حُكْمًا لِكَلَامٍ صَدَرَ مِنْ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا وَضِمْنِيَّاتُ الشَّيْءِ لَا تُعَلَّلُ، وَلِهَذَا إذَا مَلَكَ أَقَارِبَهُ يَعْتِقُونَ عَلَيْهِ حُكْمًا لِصِحَّةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْمَجْنُونِ ابْتِدَاءً، وَكَذَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْفُرْقَةُ طَلَاقٌ حُكْمًا لِصِحَّةِ تَفْرِيقِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ ابْتِدَاءً اهـ. .

الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ لِلنِّكَاحِ لَا يَقَعُ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك أَوْ فِي نِكَاحِك لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُنَافِي النِّكَاحَ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ الشَّيْءُ مَنْفِيًّا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنَّك طَالِقٌ صَحَّ النِّكَاحُ وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ بَدَلًا أَوْ شَرْطًا؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُقَارِنُ وَالشَّرْطَ يَتَقَدَّمُ فَلَغَا هَذَا الشَّرْطُ وَصَحَّ النِّكَاحُ بِخِلَافِ الْمُضَافِ حَيْثُ يَقَعُ مُقَارِنًا لِلْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ لِلْحَالِ وَالْمُعَلَّقُ يَكُونُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَتَأَخَّرُ الْحُكْمُ عَنْهُ ضَرُورَةً وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُضِيفَ يُرِيدُ الْحُكْمَ وَالْمُعَلِّقَ يُرِيدُ انْتِفَاءَهُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْمَنْعُ مِنْ إيجَادِ الْحُكْمِ. وَقَوْلُهُ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ الْمُرَادُ التَّعْلِيقُ بِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ تَزَوَّجْتُك وَنَحْوَهُ كَانَ مُعَلَّقًا كَيْفَمَا كَانَ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعَيَّنَةٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَلَا يَصِحُّ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِالْإِشَارَةِ وَلَا يُرَاعَى فِيهَا الصِّفَةُ وَهِيَ التَّزَوُّجُ فَبَقِيَ قَوْلُهُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ طَالِقٌ. وَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مَالِكًا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْحَالِ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ اسْتِمْرَارُهُ خُصُوصًا فِي النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ عَقْدُ عُمُرٍ فَصَحَّ يَمِينًا عِنْدَنَا وَإِيقَاعًا عِنْدَهُ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ زُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَكَحَهَا فَزَارَتْ لَمْ تَطْلُقْ)، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَقْتُ وُجُودِ الشَّرْطِ لِكَوْنِهِ يَصِلُ إلَى الْمَحَلِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْمِلْكُ مَوْجُودٌ عِنْدَهُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ قَبْلَهُ، وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ أَرْسَلَهُ فِيهِ وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا أَوْ لَازِمًا لِيَكُونَ مُخِيفًا فَتُوجَدُ ثَمَرَةُ الْيَمِينِ فِيهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ مَالِكًا أَوْ أَضَافَهُ إلَى الْمِلْكِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِدُونِهِمَا وَلَا يُقَالُ يُضْمَرُ لَهُ الْمِلْكُ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنْ تَزَوَّجْتُك وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الْيَمِينَ مَذْمُومٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ} [القلم: 10] فَلَا يَحْتَاجُ لِتَصْحِيحِهِ فَيَتَحَقَّقُ عَدَمُ الْمَحْلُوفِ بِهِ فَبَطَلَ وَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بَعْدَ ذَلِكَ بِوُجُودِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا وَالْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ كَالْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ، وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ عَقِيبَ سَبَبِهِ وَالْجَزَاءَ يَقَعُ عَقِيبَ شَرْطِهِ فَلَوْ صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِهِ لَكَانَ الطَّلَاقُ مُقَارِنًا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَالطَّلَاقُ الْمُقَارِنُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ أَوْ لِزَوَالِهِ لَا يَقَعُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك أَوْ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ شَرْطًا فَيَتَقَدَّمُ وَالطَّلَاقُ يَتَأَخَّرُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمَحْظُورِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الصِّحَّةِ أَوْلَى مِنْ إلْغَائِهِ فَيَكُونُ قَدْ ذَكَرَ السَّبَبَ وَأَرَادَ بِهِ الْمُسَبَّبَ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك إنْ مَلَكْتُك. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إنْ وَإِذَا وَإِذَا مَا وَكُلُّ وَكُلَّمَا وَمَتَى وَمَتَى مَا) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُشْتَقٌّ مِنْ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَيْ عَلَامَاتُهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ بِهِ لِاقْتِرَانِهَا بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ عَلَامَةُ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا هُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَهُوَ الْأَفْعَالُ دُونَ الْأَسْمَاءِ لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ، وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَوَابِهِ قُلْت الْمُعَلَّقُ إنَّمَا يَكُونُ كَالْمُنَجَّزِ إذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ وَلَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ التَّعْلِيقِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اهـ. (قَوْلُهُ ظَاهِرًا أَوْ لَازِمًا) أَيْ غَالِبُ الْوُجُودِ أَوْ مُتَيَقَّنُ الْوُجُودِ اهـ. (قَوْلُهُ لِيَكُونَ مُخِيفًا) أَيْ بِوُقُوعِ الْجَزَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ يُضْمَرُ لَهُ الْمِلْكُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ لِمَ لَمْ يُدْرِجْ فِي كَلَامِهِ التَّزَوُّجَ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ بِأَنْ يُقَدِّرَ إنْ تَزَوَّجْتُك وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ؟ قُلْتُ كَلَامُهُ صَحِيحٌ بِدُونِ تَقْدِيرِ التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَا أَفَادَ الْمُسْتَمِعَ وَقَدْ أَفَادَ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الشَّارِعَ مَا أَثْبَتَ حُكْمَهُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْكَلَامِ وَأَيْضًا يَلْزَمُ مِنْ إدْرَاجِهِ التَّكَلُّفُ فِي إثْبَاتِ الطَّلَاقِ وَهُوَ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ التَّكَلُّفُ فِي إثْبَاتِ مَا كَانَ بَغِيضًا فَافْهَمْ اهـ مَعَ حَذْفٍ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ) أَيْ بِدُونِ الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجَزَاءُ يَقَعُ عَقِيبَ شَرْطِهِ) أَيْ وَالشَّرْطُ هُنَا التَّزَوُّجُ اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إلَخْ) وَإِنَّمَا قَالَ أَلْفَاظُ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقُلْ حُرُوفَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ إنْ هُوَ الْحَرْفُ وَحْدَهُ وَالْأَلْفَاظُ الْبَاقِيَةُ أَسْمَاءٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرٍ مُنْتَظَرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ يُقْصَدُ نَفْيُهُ وَإِثْبَاتُهُ كَقَوْلِك إنْ زُرْتَنِي أَكْرَمْتُك وَإِنْ لَمْ تَشْتُمْنِي أَحْبَبْتُك فَعَلِمْت مِنْ هَذَا أَنَّ كَلِمَةَ إنْ هِيَ الشَّرْطُ فِي بَابِ الشَّرْطِ لِدُخُولِهِ عَلَى الْفِعْلِ وَفِيهِ خَطَرٌ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِ وَلَيْسَ فِيهِ خَطَرٌ وَإِنَّمَا الْمُجَازَاةُ بِهَا بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِهَا مَعْنَى إنْ وَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ كُلٌّ فِي الْمُجَازَاةِ لِدُخُولِهِ عَلَى الِاسْمِ خَاصَّةً إلَّا أَنَّ الِاسْمَ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ يُوصَفُ بِفِعْلٍ لَا مَحَالَةَ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْفِعْلُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ كَقَوْلِك كُلُّ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَلْحَقَ كُلَّ بِحَرْفِ الشَّرْطِ وَلِلْمُجَازَاةِ أَسْمَاءٌ تَقَعُ مَوْقِعَ إنْ وَهِيَ ظُرُوفٌ وَغَيْرُ ظُرُوفٍ فَالظُّرُوفُ مَتَى وَأَيْنَ وَأَنَّى وَأَيُّ وَحَيْثُ وَحَيْثُمَا وَإِذْ مَا وَلَا يُجَازَى بِحَيْثُ وَلَا بِإِذَا حَتَّى يَلْزَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا وَغَيْرُ الظُّرُوفِ مَا وَمِنْ وَأَيُّ فَإِنْ قُلْت قَدْ اسْتَدْلَلْت عَلَى كَوْنِ إنْ أَصْلًا فِي بَابِ الشَّرْطِ بِدُخُولِهَا عَلَى الْفِعْلِ وَفِيهِ خَطَرٌ وَقَدْ جَاءَ دُخُولُهَا عَلَى الِاسْمِ أَيْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] وَقَوْلِهِ {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء: 176] فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ أَصْلًا قُلْت الْفِعْلُ فِيهِ مُضْمَرٌ يُفَسِّرُهُ الظَّاهِرُ فَافْهَمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

الْخَطَرِ فِيهَا وَالْأَصْلُ فِيهَا إنْ وَهِيَ صَرْفُ الشَّرْطِ وَمَا وَرَاءَهَا مُلْحَقٌ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ عَلَمٌ عَلَيْهِ وَكَلِمَةُ كُلٍّ وَإِنْ كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ لَكِنَّهَا جُعِلَتْ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الِاسْمَ الَّذِي تَدْخُلُ عَلَيْهِ يُلَازِمُهُ الْفِعْلُ فَكَانَتْ مِنْهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَمِنْ جُمْلَةِ أَلْفَاظِ الشَّرْطِ لَوْ وَمِنْ وَأَيْ وَأَيَّانَ وَأَيْنَ وَأَنَّى ثُمَّ الْجَوَابُ إذَا تَأَخَّرَ عَنْ الشَّرْطِ يَكُونُ بِالْفَاءِ إنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الشَّرْطُ لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى وَذَلِكَ فِي سَبْعِ مَوَاضِعَ نَظَمُوهَا مَوْزُونًا فِي قَوْلِهِ طَلَبِيَّةٌ وَاسْمِيَّةٌ وَبِجَامِدٍ ... وَبِمَا وَلَنْ وَبِقَدْ وَبِالتَّنْفِيسِ وَإِنْ تَقَدَّمَ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْفَاءُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ هُوَ الْجَزَاءُ أَوْ يُقَدَّرُ بَعْدَ الشَّرْطِ مِنْ جِنْسِهِ فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ لِلْحَالِ لِعَدَمِ الرَّابِطِ وَهُوَ الْفَاءُ فَإِنْ نَوَى تَعْلِيقَهُ يُدَيَّنُ، وَكَذَا إنْ نَوَى تَقْدِيمَهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَنَجَّزُ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الْفَائِدَةِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إلْغَائِهِ فَيُضْمِرُ الْفَاءَ كَقَوْلِهِ مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا ... الشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلَانِ ، وَهَذَا يَبْطُلُ بِمَا إذَا أَجَابَ بِالْوَاوِ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّزُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَعْلِيقُهُ حَتَّى لَوْ نَوَاهُ يُدَيَّنُ وَفِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ وَأَدْخَلَ الْفَاءَ فِي الشَّرْطِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَتَنَجَّزُ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ فَاصِلَةٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَتَعَلَّقُ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ حَرْفُ تَعْلِيقٍ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَنَجَّزُ لِعَدَمِ ذِكْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ بَيَانُ إرَادَتِهِ التَّعْلِيقَ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْت الدَّارَ يَتَنَجَّزُ لِعَدَمِ التَّعْلِيقِ وَالصِّفَةُ الْمُعْتَبَرَةُ كَالشَّرْطِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ أَوْ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَدْخُلُ الدَّارَ طَالِقٌ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَفِيهَا إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ انْتَهَتْ الْيَمِينُ) يَعْنِي فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ انْتَهَتْ الْيَمِينُ وَانْحَلَّتْ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ لُغَةً فَبِوُجُودِ الْفِعْلِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ وَلَا بَقَاءَ لِلْيَمِينِ بِدُونِ الشَّرْطِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ رَجُلٌ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ مَنْ دَخَلَ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ مِرَارًا طَلُقَتْ بِكُلِّ مَرَّةٍ تَطْلِيقَةً؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَهُوَ الدُّخُولُ أُضِيفَ إلَى جَمَاعَةٍ فَيُرَادُ بِهِ تَعْمِيمُ الْفِعْلِ عُرْفًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] أَفَادَ الْعُمُومَ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ وَاحِدٌ قَتِيلَيْنِ فَلَهُ سَلَبُهُمَا وَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ عُمُومَ الصَّيْدِ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ فِيهِ مُقَدَّرًا بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ وَفِي السَّلَبِ بِدَلَالَةِ حَالِهِ وَهُوَ أَنَّ مُرَادَهُ التَّشْجِيعُ وَكَثْرَةُ الْقَتْلِ وَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ مَتَى تَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ ، وَقَالَ آخَرُ مَتَى تَأْتِنَا تَلْمُمْ بِنَا فِي دِيَارِنَا ... تَجِدْ حَطَبًا جَزْلًا وَنَارًا تَأَجَّجَا وَفِي الْمُحِيطِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ قَالَ أَيَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا حَيْثُ يَعُمُّ الصِّفَةَ وَهُوَ أَيْضًا مُشْكِلٌ حَيْثُ لَمْ يَعُمَّ قَوْلُهُ أَيَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِعُمُومِ الصِّفَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا فِي كُلَّمَا لِاقْتِضَائِهِ عُمُومَ الْأَفْعَالِ كَاقْتِضَاءِ كُلٍّ عُمُومَ الْأَسْمَاءِ)؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا وَكُلَّ تُفِيدُ عُمُومَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ كُلَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْأَفْعَالِ وَكُلَّ تَدْخُلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ فَيُفِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُمُومَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: 64]، وَقَالَ تَعَالَى {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا} [الإسراء: 12] فَإِذَا وُجِدَ فِعْلٌ وَاحِدٌ أَوْ اسْمٌ وَاحِدٌ فَقَدْ وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَسْمَاءُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا فَيَحْنَثُ كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيهِمَا لَا إلَى نِهَايَةٍ وَلَا يُقَالُ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِكُلَّمَا فَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ حَتَّى بَانَتْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا إنْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ اهـ رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الشَّرْطُ) أَرَادَ بِالشَّرْطِ أَدَاةَ الشَّرْطِ وَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ الْجَوَابُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لَمْ تُؤَثِّرْ أَدَاةُ الشَّرْطِ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَذَلِكَ فِي سَبْعِ مَوَاضِعَ) أَيْ كَوْنُهُ بِالْفَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ طَلَبِيَّةٌ وَاسْمِيَّةٌ إلَخْ) مِثَالُ الطَّلَبِيَّةِ {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: 31] {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام: 150] وَمِثَالُ الِاسْمِيَّةِ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] وَمِثَالُ الْفِعْلِيَّةِ الْجَامِدَةِ {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران: 28] وَمِثَالُ الْمَقْرُونَةِ بِمَا {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} [يونس: 72] وَمِثَالُ الْمَقْرُونَةِ بِلَنْ {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آل عمران: 115] وَمِثَالُ الْمَقْرُونَةِ بِقَدْ {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ} [يوسف: 77] وَمِثَالُ الْمَقْرُونَةِ بِتَنْفِيسٍ {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ} [التوبة: 28] اهـ. (قَوْلُهُ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ) أَمَّا الْمُعَيَّنَةُ فَلَا تَصِحُّ اهـ. (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيهِمَا لَا إلَى نِهَايَةٍ) بِخِلَافِ سَائِرِ أَلْفَاظِ الشَّرْطِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى جِنْسِ الْفِعْلِ لَا التَّكْرَارِ وَجِنْسُ الْفِعْلِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا وُجِدَ الْفِعْلُ مَرَّةً انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَا يَقَعُ الْجَزَاءُ إذَا وُجِدَ الْفِعْلُ ثَانِيًا لِارْتِفَاعِ الْيَمِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِكُلَّمَا) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ اهـ

وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِكُلٍّ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً حَتَّى طَلُقَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَكَيْفَ تَصِحُّ دَعْوَاهُمْ لَا إلَى نِهَايَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ كَلِمَةُ كُلَّمَا تَقْتَضِي عُمُومَ الْأَفْعَالِ وَعُمُومُ الْأَسْمَاءِ ضَرُورِيٌّ فَإِذَا وُجِدَ الْفِعْلُ مَرَّةً حَنِثَ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُ ذَلِكَ الْفِعْلِ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَحْنَثُ كُلَّمَا وُجِدَ فِعْلٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ غَيْرَ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ وَهِيَ مُتَنَاهِيَةٌ فَيَتَنَاهَى لِأَجْلِ ذَلِكَ لَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِيهِ حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ تَكَرَّرَ دَائِمًا لِأَنَّ انْعِقَادَهَا بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمِلْكِ وَذَلِكَ لَا نِهَايَةَ لَهُ وَكَلِمَةُ كُلٍّ تَقْتَضِي عُمُومَ الْأَسْمَاءِ وَعُمُومُ الْأَفْعَالِ ضَرُورِيٌّ فَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً حَنِثَ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهَا وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الِاسْمِ وَإِذَا تَزَوَّجَ غَيْرَهَا حَنِثَ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ فِي حَقِّهَا، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ أُخْرَى وَأُخْرَى بَعْدَ أُخْرَى يَقَعُ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً يَحْنَثُ بِكُلِّ امْرَأَةٍ، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ)؛ لِأَنَّ صِحَّةَ هَذَا الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمِلْكِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَاهٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلُقَتْ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَمْ تَطْلُقْ وَلَا يَحْنَثُ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّتَيْنِ فَجَعَلَهَا كَكَلِمَةِ كُلٍّ وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك أَوْ كُلَّمَا تَزَوَّجْت فُلَانَةَ تَكَرَّرَ دَائِمًا وَاسْتَوْضَحَ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَالَ كُلَّمَا اشْتَرَيْت هَذَا الثَّوْبَ فَهُوَ صَدَقَةٌ أَوْ كُلَّمَا رَكِبْت هَذِهِ الدَّابَّةَ فَعَلَيَّ صَدَقَةُ كَذَا يَلْزَمُهُ بِكُلِّ مَرَّةٍ مَا الْتَزَمَ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا اشْتَرَيْت ثَوْبًا أَوْ كُلَّمَا رَكِبْت دَابَّةً فَعَلَيَّ كَذَا لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَفِي الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَهَا كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ خِلَافَ زُفَرَ حَيْثُ يَتَكَرَّرُ عِنْدَهُ دَائِمًا، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ وَقَدْ صَحَّ التَّعْلِيقُ فَلَا يُشْتَرَطُ لِبَقَائِهِ الْمِلْكُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ ابْتِدَاءً لِيَكُونَ الْجَزَاءُ مُخِيفًا بِوُجُودِهِ ظَاهِرًا عِنْدَ الْحِنْثِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا وَلَا سَبَبًا لَهُ قَبْلَ وُجُودِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ صَحَّ التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ لِتَحَقُّقِهِ عِنْدَ الشَّرْطِ وَلِحُصُولِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ مِنْ الْإِخَافَةِ مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ مَعْدُومٌ بَلْ الْحِلُّ الْأَصْلِيُّ مَعْدُومٌ فَلَأَنْ يَبْقَى بَعْدَ الِانْعِقَادِ أَوْلَى وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ الْمَوْجُودِ وَلَمْ يَبْقَ فَيَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَهُ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمَالِكِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ أَعْتَقَهَا بَطَلَ التَّعْلِيقُ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّتْ لَا تَعْتِقُ بِدُخُولِهَا الدَّارَ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهَا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ حَتَّى لَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَدَخَلَتْ الدَّارَ تَعْتِقُ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ فَتَبْقَى الْيَمِينُ وَالْمُرَادُ زَوَالُهُ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَمَّا إذَا زَالَ بِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ فَإِنَّهُ يُزِيلُهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُضَافَةً إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ فَحِينَئِذٍ لَا تَبْطُلُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا بِاعْتِبَارِ مِلْكٍ سَيَحْدُثُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ طَلَقَتْ وَانْحَلَّتْ)؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلْجَزَاءِ فَيَنْزِلُ وَلَمْ تَبْقَ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهَا بِبَقَاءِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَلَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا وَانْحَلَّتْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ وَمُرَادُهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ أَمَّا بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الشَّرْطِ فِي الْمِلْكِ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ وَإِنَّمَا تَنْحَلُّ بِوُجُودِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ تَكَرَّرَ دَائِمًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ إلَّا إذَا كَانَ الرَّجُلُ مَالِكًا لِلطَّلَاقِ أَوْ مُضِيفًا لَهُ إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ فَيَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجِّزِ لِلطَّلَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَكَلِمَةُ كُلٍّ تَقْتَضِي عُمُومَ الْأَسْمَاءِ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي. وَأَمَّا كُلٌّ فَتَسْتَدْعِي عُمُومَ الْأَسْمَاءِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ لِأَنَّ كَلِمَةَ التَّعْمِيمِ لَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ نِسْوَةً طَلُقْنَ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِرَارًا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا مَرَّةً اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) قَالَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ هَذَا الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمِلْكِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَاهٍ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ وَفِي حَقِّهَا مُتَنَاهٍ إلَى اسْتِيفَاءِ طَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ عِنْدَنَا، فَقَوْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ صَوَابُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَنْكُوحَةِ وَفِي حَقِّهَا أَيْ حَقِّ الْمَنْكُوحَةِ مُتَنَاهٍ إلَى اسْتِيفَاءِ طَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ فَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ حَتَّى بَانَتْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَوُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ تَكَرَّرَ دَائِمًا، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ فَظَهَرَ لَك أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّازِيّ فِيهِ نَظَرٌ وَصَوَابُهُ مَا قُلْنَاهُ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَبَانَهَا تَبْقَى الْيَمِينُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ وَتَصِحُّ مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً كَمَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَأَنْ تَصِحَّ مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ بَقَاءً أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ) أَيْ، مِثْلُ أَنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) أَيْ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ فَبِوُجُودِ الشَّرْطِ مَرَّةً انْتَهَتْ الْيَمِينُ بِخِلَافِ كَلِمَةِ كُلَّمَا وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا لَا وَانْحَلَّتْ) مِثْلُ مَا إذَا وُجِدَ دُخُولُ الدَّارِ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ ثَانِيًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ، وَلِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَهِيَ تَدَّعِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَدْخُلِي هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ لَمْ أَدْخُلْهَا، وَقَالَ الزَّوْجُ بَلْ دَخَلْتهَا فَالْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَزَوَالِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهَا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدُّخُولِ، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يُنْكِرُ السَّبَبَ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضِك فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهَا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَأَنَّ الْحُرْمَةَ أَيْضًا تَمْنَعُهُ مِنْ الْوِقَاعِ وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضِك فَأَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ جَامَعْتُك فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَالْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فَلَا يُتَّهَمُ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إبْطَالَ حُكْمٍ وَاقِعٍ فِي الظَّاهِرِ لِوُجُودِ وَقْتِ السُّنَّةِ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِالسَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ لِلْحَالِ لِكَوْنِهِ يُرِيدُ كَوْنَهُ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ حَيْثُ يَتَأَخَّرُ سَبَبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ فَيَكُونُ مُنْكِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا إذَا بَرْهَنَتْ) أَيْ إذَا أَقَامَتْ بَيِّنَةً؛ لِأَنَّهَا نَوَّرَتْ دَعْوَاهَا بِالْحُجَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا فَالْقَوْلُ لَهَا فِي حَقِّهَا كَإِنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ أَوْ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَتْ حِضْت أَوْ أُحِبُّك طَلُقَتْ هِيَ فَقَطْ) أَيْ إذَا عَلَّقَهُ بِمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا كَقَوْلِهِ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ أَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَ حِضْت أَوْ أُحِبُّك طَلُقَتْ هِيَ وَحْدَهَا وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهَا لِأَنَّهَا تَدَّعِي شَرْطَ الْحِنْثِ عَلَى الزَّوْجِ وَوُقُوعَ الطَّلَاقِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ وَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ قِبَلِهَا وَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُخْبِرَ كَيْ لَا يَقَعَا فِي الْحَرَامِ إذْ الِاجْتِنَابُ عَنْهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا شَرْعًا فَيَجِبُ طَرِيقُهُ وَهُوَ الْإِخْبَارُ فَتَعَيَّنَتْ لَهُ فَيَجِبُ قَبُولُ قَوْلِهَا لِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ، وَلِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالْإِظْهَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228]، وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِخْبَارِ فَائِدَةٌ، وَلِهَذَا قُبِلَ قَوْلُهَا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَالْغَشَيَانِ حَتَّى انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ بِقَوْلِهَا انْقَضَتْ عِدَّتِي وَيَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِالثَّانِي وَيَحْرُمُ غَشَيَانُهَا وَهُوَ الْوَطْءُ بِقَوْلِهَا أَنَا حَائِضٌ وَيَحِلُّ بِقَوْلِهَا قَدْ طَهُرْت لَكِنَّهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا بَلْ هِيَ مُتَّهَمَةٌ فَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهَا حَاضَتْ حَقِيقَةً وَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ شَخْصٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ لِرَجُلٍ وَكَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِالْمَبِيعِ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَكَذَا لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِكَلَامٍ وَاحِدٍ جِهَتَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ تُقْبَلُ فِي السَّرِقَةِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لَا الْحَدِّ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إذَا أَخْبَرَتْ وَالْحَيْضُ قَائِمٌ فَإِذَا انْقَطَعَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ قِيَامُ الشَّرْطِ وَلَوْ قَالَ إنْ حِضْت حَيْضَةً تُقْبَلُ فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ؛ لِأَنَّهُ الشَّرْطُ فَلَا يُقْبَلُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ هَذَا إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ. وَأَمَّا إذَا صَدَّقَهَا فَتَطْلُقُ ضَرَّتُهَا أَيْضًا لِثُبُوتِ الْحَيْضِ فِي حَقِّهَا بِتَصْدِيقِهِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَقَالَتَا حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُمَا وَإِنْ صَدَّقَ إحْدَاهُمَا وَكَذَّبَ الْأُخْرَى طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَقَالَ إنْ حِضْتُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ فَقُلْنَ حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ وَكَذَا إنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَإِنْ صَدَّقَ ثِنْتَيْنِ وَكَذَّبَ وَاحِدَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهَا كَدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا أَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا فَحُكْمُهُ يُعْرَفُ مِمَّا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضِك) ثُمَّ قَالَ جَامَعْتُك وَأَنْكَرَتْ اهـ. (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهَا) أَيْ مِنْ وَجْهَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ لِرَجُلٍ) أَيْ فَيَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْبَاقُونَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَكَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِالْمَبِيعِ لِلْمُسْتَحِقِّ) أَيْ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ. اهـ. فَتْحٌ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا انْقَطَعَ لَا يُقْبَلُ) أَيْ بِأَنْ قَالَتْ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ حِضْت وَطَهُرْت فَلَا تُصَدَّقُ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَمَّا هُوَ الشَّرْطُ حَالَ فَوَاتِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا بَعْدَهُ) أَيْ حَتَّى لَوْ قَالَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ حِضْت وَطَهُرْت وَأَنَا الْآنَ حَائِضٌ بِحَيْضَةٍ أُخْرَى لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَلَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ الشَّرْطِ حَالَ عَدَمِهِ وَلَا يَقَعُ إلَّا إذَا أَخْبَرَتْ عَنْ الطُّهْرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ أَمِينَةً شَرْعًا فِيمَا تُخْبِرُ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمَا فَلَا تَكُونُ مُؤْتَمَنَةً حَالَ عَدَمِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلَوْ قَالَ لَهُمَا إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَحَاضَتْ أَوْ وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا طَلُقَتَا؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ إحْدَاهُمَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ وَوَلَدٍ وَاحِدٍ، ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الصَّرْفِ فِي مَسْأَلَةِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُمَا)، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ وَلَدْتُمَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْوِلَادَةِ مِنْهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا وَهُوَ حَيْضُهَا الثَّابِتُ بِإِقْرَارِهَا وَحَيْضُ ضَرَّتِهَا الثَّابِتُ بِإِقْرَارِهَا وَحَيْضُ ضَرَّتِهَا الثَّابِتُ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ وَلَا تَطْلُقُ الْمُصَدَّقَةُ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ حَيْثُ لَمْ يُقِرَّ الزَّوْجُ بِحَيْضِ ضَرَّتِهَا، وَإِقْرَارُ ضَرَّتِهَا بِالْحَيْضِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ الْمُخْبِرَةِ لَا غَيْرُ اهـ

طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَإِنْ كُنَّ أَرْبَعًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَطْلُقْنَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا وَكَذَّبَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَحْدَهَا دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ حَيْضَ جَمِيعِهِنَّ شَرْطٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِنَّ وَلَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى يَرَى جَمِيعُهُنَّ الْحَيْضَ وَإِنْ حَاضَتْ بَعْضُهُنَّ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَهِيَ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْحُكْمُ فَإِنْ قُلْنَ جَمِيعًا قَدْ حِضْنَ لَا يَثْبُتُ حَيْضُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إلَّا فِي حَقِّهَا وَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ وَإِنْ صَدَّقَ الْبَعْضَ وَكَذَّبَ الْبَعْضَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَاحِدَةً طَلُقَتْ هِيَ وَحْدَهَا لِتَمَامِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا وَقَدْ صَدَّقَ غَيْرَهَا فَتَمَّ الشَّرْطُ فِيهَا وَلَا يُطَلِّقُ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الْمُكَذَّبَةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمُّ الشَّرْطُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا وَإِنْ كَذَّبَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَذَّبَاتِ لَمْ يَثْبُتْ حَيْضُهَا إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا فَكَانَ الْمَوْجُودُ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَلَا يُطَلِّقُ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حَتَّى يُصَدِّقَ غَيْرَهَا جَمِيعًا، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِنَارِ جَهَنَّمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ وَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ أُحِبُّ طَلُقَتْ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةَ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ لَا تُنَاطُ بِمَعَانٍ خَفِيَّةٍ بَلْ بِمَعَانٍ جَلِيَّةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرُّخْصَ وَالْحَدَثَ وَالْجَنَابَةَ وَالِاسْتِبْرَاءَ وَتَوَجُّهَ الْخِطَابِ يُنَاطُ بِالسَّفَرِ وَالنَّوْمِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَحُدُوثِ الْمِلْكِ مَعَ الْيَدِ وَالْبُلُوغِ دُونَ الْمَشَقَّةِ وَخُرُوجِ النَّجَسِ وَالْإِنْزَالِ وَشَغْلِ الرَّحِمِ وَاعْتِدَالِ الْعَقْلِ حَقِيقَةً تَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ الْمَرْضِيِّ وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ إلَّا أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهَا وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ مَرْدُودَةٌ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ فِيهِ تُهْمَةٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ فِي حَقِّهَا بِإِخْبَارِهَا وَفِي غَيْرِهَا بِحَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ فَإِنْ قِيلَ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِهَا؛ لِأَنَّ مَحَبَّةَ الْعَذَابِ أَمْرٌ تَأْبَاهُ الْعُقُولُ قُلْنَا احْتِمَالُ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهَا ثَابِتٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبْلُغُ بِهِ ضِيقُ الصَّدْرِ وَقِلَّةُ الصَّبْرِ وَسُوءُ الْحَالِ دَرَجَةً يُحِبُّ الْمَوْتَ فِيهَا فَجَازَ أَنْ يَحْمِلَهَا شِدَّةُ بُغْضِهَا إيَّاهُ عَلَى إيثَارِ الْعَذَابِ عَلَى صُحْبَتِهِ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينِي بِقَلْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّك وَهِيَ كَاذِبَةٌ طَلُقَتْ قَضَاءً وَدِيَانَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَلْبِ فَلَا يُفِيدُ تَقْيِيدُهَا بِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا إذَا كَانَتْ صَادِقَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَحَبَّةِ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ خَلَفٌ عَنْهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَصْلِ يُبْطِلُ الْخَلْفِيَّةَ وَنَحْنُ نَقُولُ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى مَا فِي قَلْبِهَا فَنُقِلَ إلَى الْخَلَفِ مُطْلَقًا وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحَبَّةَ بِالْقَلْبِ لَا تُعْتَبَرُ وَإِنْ أَمْكَنَ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كُنْت أَنَا أُحِبُّ كَذَا ثُمَّ قَالَ لَسْت أُحِبُّهُ وَهُوَ كَاذِبٌ فِيهِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَيَسَعُهُ أَنْ يَطَأَهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْرِفْ مَا فِي قَلْبِهَا حَقِيقَةً يَعْرِفُ مَا فِي قَلْبِهِ وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْإِخْبَارِ كَيْفَمَا كَانَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا فِي شَيْئَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ تَخْيِيرًا حَتَّى لَوْ قَامَتْ، وَقَالَتْ أُحِبُّك لَا تَطْلُقُ وَالتَّعْلِيقُ بِالْحَيْضِ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْإِخْبَارِ تَطْلُقُ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَحَبَّةِ لِمَا قُلْنَا وَفِي التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِرُؤْيَةِ الدَّمِ لَا يَقَعُ) يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَاضَةً فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ اسْتَمَرَّ ثَلَاثًا وَقَعَ مِنْ حِينِ رَأَتْ) أَيْ إنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ لِكَوْنِهِ بِالِامْتِدَادِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَكَانَ حَيْضًا مِنْ الِابْتِدَاءِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْإِسْنَادِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ أَوْ ثِنْتَيْنِ) أَيْ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ. اهـ. (فَرْعٌ) فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ السَّبِّ نَحْوَ قَرْطَبَانِ وَسَفَلَةٍ فَقَالَ إنْ كُنْت كَمَا قُلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَمَا قَالَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي الْغَالِبِ لَا يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُؤْذِيَهَا بِالطَّلَاقِ كَمَا آذَتْهُ، وَقَالَ الْإِسْكَافُ فِيمَنْ قَالَتْ يَا قَرْطَبَانُ فَقَالَ زَوْجُهَا إنْ كُنْت أَنَا قَرْطَبَانَ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الشَّرْطَ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَنَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ فَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَى الْمُجَازَاةِ دُونَ الشَّرْطِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي) يَجُوزُ بِنُونِ الْعِمَادِ وَيَجُوزُ بِتَرْكِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي الْمُضَارِعِ الَّذِي فِي آخِرِهِ نُونُ الْإِعْرَابِ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا) أَيْ أَنَّ الْقَلْبَ مُتَقَلِّبٌ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ فَالْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ مُتَعَذِّرٌ وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تُنَاطُ بِالْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ لَا الْخَفِيَّةِ كَالرُّخْصَةِ بِالسَّفَرِ وَالْحَدَثِ بِالنَّوْمِ وَالْجِنَايَةِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَلْبِهِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَفِي التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ هَذَا لَا يَلْحَقُهُ إثْمٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَحَبَّةِ. (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَى آخِرِهِ) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَيْضِك وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ دَوْرِ الدَّمِ وَتَرْكِهِ وَنُزُولِهِ لِوَقْتِهِ فَكَانَ فِعْلًا فَصَارَ شَرْطًا كَمَا فِي الدُّخُولِ وَالشَّرْطُ يُعْتَبَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي اهـ مُحِيطٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِطَاهِرَةٍ أَنْتِ

فَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ أَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ بِالْحَيْضِ عِتْقَ عَبْدٍ فَجَنَى الْعَبْدُ أَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَمِرَّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ نِكَاحُهَا وَيُعْتَبَرُ فِي الْعَبْدِ جِنَايَةُ الْأَحْرَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي إنْ حِضْت حَيْضَةً يَقَعُ حِينَ تَطْهُرُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لَهَا إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا وَذَلِكَ بِالِانْقِطَاعِ عَلَى الْعَشْرِ أَوْ بِمُضِيِّ الْعَشَرَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ أَوْ بِالِانْقِطَاعِ وَالِاغْتِسَالِ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الِاغْتِسَالِ إذَا انْقَطَعَ دُونَ الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ اسْمٌ لِلْكَامِلِ مِنْ الْحَيْضِ، وَلِهَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَلَا الْحَبَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ»، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِلْكَامِلِ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إذَا حِضْت لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ وَهُوَ الْحَيْضُ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ إنْ صُمْت أَوْ إنْ صُمْت صَوْمًا أَوْ إنْ صَلَّيْت أَوْ إنْ صَلَّيْت صَلَاةً وَعَنْ هَذَا قَالُوا فِيمَنْ قَالَ إنْ حِضْت حَيْضَةً لَا يَكُونُ الطَّلَاقُ بِدْعِيًّا لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بَعْدَ مَا طَهُرَتْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ حِضْت. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي إنْ وَلَدْت وَلَدًا ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِنْ وَلَدْت أُنْثَى فَثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا وَلَمْ يُدْرَ الْأَوَّلُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً قَضَاءً وَثِنْتَيْنِ تَنَزُّهًا وَمَضَتْ الْعِدَّةُ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِنْ وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَمْ يُدْرَ الْأَوَّلُ تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ قَضَاءً وَفِي الِاحْتِيَاطِ ثِنْتَانِ تَنَزُّهًا وَقَدْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُ يَمِينَانِ فَأَيَّهُمَا وَلَدَتْ أَوَّلًا يَحْنَثُ بِهِ وَيَقَعُ جَزَاؤُهُ فَتَكُونُ مُعْتَدَّةً وَانْقِضَاؤُهَا بِوَضْعِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا حَامِلٌ بِهِ فَإِذَا وَضَعَتْ الثَّانِيَ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ الْأُخْرَى بِهِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْغُلَامُ أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ آخِرًا فَثِنْتَانِ فَالْوَاحِدَةُ مُتَيَقَّنٌ بِهَا فَتَلْزَمُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ بِالشَّكِّ وَالتَّنَزُّهُ أَنْ يَقَعَ ثِنْتَانِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِمَا بِتَقَدُّمِ الْجَارِيَةِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهُمَا وَاحِدَةً غَيْرَهَا أَوْ كَانَتْ أَمَةً لَا يَرُدُّهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ الْجَارِيَةِ وِلَادَةً وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ بِيَقِينٍ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمَا أَيَّهُمَا الْأَوَّلَ وَإِنْ عَلِمَا الْأَوَّلَ مِنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQطَالِقٌ إذَا طَهُرْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ بِالْحَيْضِ عِتْقُ عَبْدٍ إلَى آخِرِهِ) بِأَنْ قَالَ إنْ حِضْت فَعَبْدِي حُرٌّ اهـ. (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْعَبْدِ جِنَايَةُ الْأَحْرَارِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا تُحْتَسَبُ هَذِهِ الْحَيْضَةُ مِنْ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا بَعْضُ حَيْضَةٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَ كَانَ الشَّرْطُ رُؤْيَةَ الدَّمِ لَزِمَ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ بَعْضِهَا اهـ. . (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ اسْمٌ لِلْكَامِلِ مِنْ الْحَيْضِ) وَكَمَالُهَا بِانْتِهَائِهَا وَذَلِكَ بِالطُّهْرِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَنْتَهِي بِضِدِّهِ. اهـ. كَافِي وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ إلَى آخِرِهِ مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّ الْفَعْلَةَ لِلْمَرَّةِ وَالْمَرَّةُ مِنْ الْحَيْضِ لَا تَكُونُ إلَّا بِكَمَالِهِ وَكَمَالُهُ بِانْتِهَائِهِ وَانْتِهَاؤُهُ بِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ حِضْت إذْ لَيْسَ ثَمَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَمَالِ فَيَحْكُمُ بِالْوُقُوعِ مِنْ أَوَّلِ الْحَيْضِ لَكِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ الدَّمُ حَيْضًا بِاسْتِمْرَارِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَالُوا لَا يَكُونُ الْحَيْضُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِهِ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ مَحْسُوبًا مِنْ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ، وَلِهَذَا حَمَلَ عَلَيْهِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَجْلِ أَنَّ الْحَيْضَةَ هِيَ الشَّيْءُ الْكَامِلُ أَوْ الدَّمُ الْكَامِلُ مِنْ الْحَيْضَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ إنْ صُمْت)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِمِعْيَارٍ إذْ لَمْ يَقُلْ إذَا صُمْت يَوْمًا أَوْ شَهْرًا فَيَتَعَلَّقُ بِمَا يُسَمَّى صَوْمًا فِي الشَّرْعِ وَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ بِرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ بِإِمْسَاكِ سَاعَةٍ بِهِ وَإِنْ قَطَعَتْهُ، وَكَذَا إذَا صُمْت فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ كَمَالَهُ. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى وَنَظِيرُهُ إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ صُمْت يَوْمًا فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا صَامَتْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ طَلُقَتْ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَالصَّوْمُ مُمْتَدٌّ وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي آخِرِ فَصْلٍ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ صُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَشَرَعَتْ فِي الصَّوْمِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِيهِ لِوُجُودِ رُكْنِ الصَّوْمِ وَشَرْطِهِ أَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثِ نَهَارًا. وَأَمَّا شَرْطُهُ فَهُوَ النِّيَّةُ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ انْتِهَاؤُهُ. وَقَوْلُهُ إذَا صُمْت يَوْمًا نَظِيرُ قَوْلِهِ إنْ حِضْت حَيْضَةً. وَقَوْلُهُ إذَا صُمْت نَظِيرَ قَوْلِهِ إنْ حِضْت اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَظِيرُ إذَا صُمْت يَوْمًا إذَا صُمْت صَوْمًا لَا يَقَعُ إلَّا بِتَمَامِ يَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمِعْيَارٍ وَفِي إذَا صَلَّيْت صَلَاةً يَقَعُ بِرَكْعَتَيْنِ وَفِي إذَا صَلَّيْت يَقَعُ بِرَكْعَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ إنْ صُمْت يَوْمًا) الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي إذَا صُمْت يَوْمًا اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ حِضْت) فَإِنَّهُ يَكُونُ بِدْعِيًّا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ اهـ. . (قَوْلُهُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً قَضَاءً وَثِنْتَيْنِ تَنَزُّهًا) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِاحْتِمَالِ الْخُرُوجِ مَعًا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَوَّلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ وِلَادَتَهُمَا مَعًا وَقَعَ الثَّلَاثُ وَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ الْوِلَادَةُ لَيْلًا اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الِاحْتِيَاطِ ثِنْتَانِ تَنَزُّهًا) قَالَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقَالُ تَنَزَّهَ الْقَوْمُ إذَا بَعُدُوا مِنْ الرِّيفِ إلَى الْبَدْوِ فَأَمَّا النُّزْهَةُ فِي كَلَامِ الْعَامَّةِ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّ النُّزْهَةَ حُضُورُ الْأَرْيَافِ وَالْمِيَاهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا التَّبَاعُدُ عَنْ السُّوءِ وَعَنْ مَظَانِّ الْحُرْمَةِ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ)؛ لِأَنَّهُ حَالَ الزَّوَالِ وَالْمُزِيلُ لَا يَعْمَلُ حِينَ الزَّوَالِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ بِالشَّكِّ) قَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَا رَجْعَةَ وَلَا تَوَارُثَ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الثَّانِي مِنْهَا فَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ وَالْإِرْثُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ الْجَارِيَةِ وِلَادَةً وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ بِيَقِينٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا

فَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَتَيْنِ وَلَا يَدْرِي الْأَوَّلَ مِنْهُمْ يَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الْقَضَاءِ وَفِي التَّنَزُّهِ ثَلَاثٌ لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كَانَ أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَاحِدَةٌ بِالْغُلَامِ وَثِنْتَانِ بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي مَا بَقِيَ فِي الْبَطْنِ وَلَدٌ وَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ آخِرًا يَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِيَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِهَا قَدْ انْحَلَّتْ بِالْأُولَى وَلَا يَقَعُ بِوِلَادَةِ الْغُلَامِ أَيْضًا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَتَرَدَّدَ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَثِنْتَيْنِ فَيُحْكَمُ بِالْأَقَلِّ قَضَاءً وَبِالْأَكْثَرِ تَنَزُّهًا وَلَوْ وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ وَجَارِيَةً لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ فِي الْقَضَاءِ وَثَلَاثٌ فِي التَّنَزُّهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْغُلَامَانِ أَوَّلًا وَقَعَتْ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَاحِدَةٌ وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِي شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِهِ قَدْ انْحَلَّتْ وَلَا يَقَعُ بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ أَيْضًا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا يَقَعُ ثَلَاثٌ وَاحِدَةٌ بِوِلَادَةِ أَوَّلِ الْغُلَامَيْنِ وَثِنْتَانِ بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ فَتَرَدَّدَ بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَثَلَاثٍ فَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ قَضَاءً وَالْأَكْثَرُ تَنَزُّهًا، وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَمَا لَمْ يَكُنْ الْكُلُّ جَارِيَةً أَوْ غُلَامًا لَمْ تَطْلُقْ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك غُلَامًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا عَامَّةٌ، وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَعَ ثَلَاثٌ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمِلْكُ يُشْتَرَطُ لِآخِرِ الشَّرْطَيْنِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الشَّرْطُ ذَا وَصْفَيْنِ بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت دَارَ زَيْدٍ وَدَارَ عَمْرٍو أَوْ قَالَ لَهَا إنْ كَلَّمْت أَبَا عَمْرٍو وَأَبَا يُوسُفَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يُشْتَرَطُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ أَنْ يَكُونَ آخِرُهُمَا فِي الْمِلْكِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ مَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ وُجِدَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ وَهِيَ مُبَانَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَوَجَدَ الشَّرْطَ الْآخَرَ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَطْلُقُ حَتَّى يُوجَدَ الْأَوَّلُ أَيْضًا فِي الْمِلْكِ اعْتِبَارًا لَهُ بِالشَّرْطِ الثَّانِي، وَهَذَا لِأَنَّهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا بِهِمَا ثُمَّ الْمِلْكُ يُشْتَرَطُ عِنْدَ وُجُودِ الثَّانِي فَكَذَا عِنْدَ الْأَوَّلِ وَلَنَا أَنَّ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ حَالُ الْبَقَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمِلْكُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَقْتَ التَّعْلِيقِ لِيَكُونَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُوبِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَيُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِيَنْزِلَ الْجَزَاءُ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ حَالُ الْبَقَاءِ وَبَقَاءُ الْيَمِينِ بِذِمَّةِ الْحَالِفِ بِإِيجَابِ الْبِرِّ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمِلْكُ، وَهَذَا كَالنِّصَابِ يُشْتَرَطُ عِنْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَعِنْدَ الْوُجُودِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَتَنْقَسِمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَقْلًا إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ يُوجَدَ الشَّرْطَانِ فِي الْمِلْكِ فَيَقَعُ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ يُوجَدَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ يُوجَدَ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ إلَّا عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَوْ يُوجَدَ الْأَوَّلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي الْمِلْكِ وَهِيَ الْخِلَافِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا تَقَدَّمَ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُبْطِلُ تَنْجِيزُ الثَّلَاثِ تَعْلِيقَهُ) أَيْ يُبْطِلُ تَنْجِيزُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ تَعْلِيقًا كَانَ عَلَّقَهُ مِنْ قَبْلُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِوَضْعِ الْجَارِيَةِ وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ عِدَّتُهَا وَضْعُ الْحَمْلِ بِالنَّصِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَثِنْتَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْجَامِعِ لَوْ قَالَ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ كَانَ الَّذِي تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَوْجُودٌ فِي الْمُقَيَّدِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك غُلَامًا إلَخْ)، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَ مَا فِي هَذَا الْعِدْلِ حِنْطَةً فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ دَقِيقًا فَطَالِقٌ فَإِذَا فِيهِ حِنْطَةٌ وَدَقِيقٌ لَا تَطْلُقُ. اهـ. فَتْحٌ. . (قَوْلُهُ حَتَّى يُوجَدَ الْأَوَّلُ أَيْضًا فِي الْمِلْكِ اعْتِبَارًا لَهُ بِالشَّرْطِ الثَّانِي إلَخْ) فَإِنَّ الْمِلْكَ شَرْطٌ فِيهِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ فَكَذَا إذَا وُجِدَ الْأَوَّلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْزِلَ الْجَزَاءُ اهـ. (قَوْلُهُ وَبَقَاءُ الْيَمِينِ بِذِمَّةِ الْحَالِفِ إلَخْ) وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمِلْكُ وَزَمَانُ نُزُولِ الْجَزَاءِ فِي مَسْأَلَتِنَا زَمَانُ وُجُودِ الشَّرْطِ الثَّانِي فَيُشْتَرَطُ الْمِلْكُ عِنْدَهُ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يُوجَدَ الشَّرْطَانِ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الشَّرْطُ كَلَامُهُمَا جَمِيعًا فَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَلَامَيْنِ شَرْطًا تَامًّا لَوَقَعَ الطَّلَاقُ إذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَلَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا مَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ فَعُلِمَ أَنَّ تَمَامَ الشَّرْطِ كَلَامُهُمَا جَمِيعًا فَافْهَمْ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَجَعْلُهُ فِي الْكَنْزِ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ لَيْسَ بِذَاكَ لِأَنَّ تَعَدُّدَهُ بِتَعَدُّدِ فِعْلِ الشَّرْطِ وَلَا تَعَدُّدَ فِي الْفِعْلِ هُنَا بَلْ فِي مُتَعَلِّقِهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ تَعَدُّدُهُ تَعَدُّدَهُ فَإِنَّهَا لَوْ كَلَّمَتْهُمَا مَعًا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَغَايَتُهُ تَعَدُّدٌ بِالْقُوَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يُوجَدَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَالْجَزَاءُ لَا يَنْزِلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ فَلَا يَقَعُ بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَالْجَزَاءُ لَا يَنْزِلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ) قَالَ فِي الْكَافِي أَوْ وُجِدَ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ إجْمَاعًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ وَهُوَ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَقَعُ إلَّا عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى) قَالَ فِي الْكَافِي أَوْ وُجِدَ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ إجْمَاعًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ وَهُوَ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ اهـ. . (قَوْلُهُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إلَخْ) الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَعْلِيقُهُ رَاجِعٌ لِلزَّوْجِ وَلِذَا شَمِلَ تَعْلِيقَ الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ وَرَجَّعَهُ الْعَيْنِيُّ لِلثَّلَاثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ شَرْحِ الرَّازِيّ وَحِينَئِذٍ لَا يَشْمَلُ الْوَاحِدَةَ وَالثِّنْتَيْنِ وَصَنِيعُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحْسَنُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ اهـ.

فَأَنْتَ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ يُنَجِّزُ الثَّلَاثَ بَطَلَ الْمُعَلَّقُ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ إنَّ الْمُعَلَّقَ مُطْلَقُ الطَّلَاقِ لَا طَلَاقُ اللَّفْظِ وَقَدْ بَقِيَ احْتِمَالُ الْوُقُوعِ بَعْدَ تَنْجِيزِ الثَّلَاثِ فَبَقِيَ الْيَمِينُ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ عِنْدَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ فِي الْمِلْكِ بَعْدَ صِحَّةِ الْيَمِينِ وَتَخَلُّلُ زَوَالِ الْمَحَلِّ لَا يُخِلُّ كَمَا لَا يُخِلُّ تَخَلُّلُ زَوَالِ الْمِلْكِ وَكَيْفَ يُقَالُ يُبْطِلُ التَّنْجِيزُ التَّعْلِيقَ وَمَا صَادَفَهُ التَّنْجِيزُ غَيْرُ مَا صَادَفَهُ التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّ مَا صَادَفَهُ التَّنْجِيزُ طَلَاقٌ وَمَا صَادَفَهُ التَّعْلِيقُ مَا سَيَصِيرُ طَلَاقًا وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَا سَبَبٍ لَهُ فِي الْحَالِ وَلِهَذَا جَازَ تَعْلِيقُهُ بِالْمِلْكِ فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ وَإِنْ عَدِمَ الْحِلَّ فَلَأَنْ يَبْقَى أَوْلَى وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يُعْقَدُ لِطَلَاقٍ يَصْلُحُ جَزَاءً وَاَلَّذِي يَصْلُحُ جَزَاءً طَلَاقٌ يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الْحَالِفِ بِالْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ أَوْ الْحَمْلُ عَلَى إعْدَامِ الشَّرْطِ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِمَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ عِنْدَ الشَّرْطِ وَطَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ اتَّصَفَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِكَوْنِهَا مَوْجُودَةً وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهَا عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَحْصُلُ مَعْنَى التَّخْوِيفِ فَيَقَعُ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ أَمَّا طَلْقَاتُ مِلْكٍ سَيُوجَدُ يَنْدُرُ وُجُودُهُ عِنْدَ الشَّرْطِ فَلَا يَصْلُحُ جَزَاءً فِي يَمِينِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا مُطْلَقُ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ التَّعْلِيقِ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا يَصْلُحُ جَزَاءً لَا فِيمَا لَا يَصْلُحُ فَإِذَا ثَبَتَ تَقْيِيدُ الْجَزَاءِ بِطَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ وَقَدْ فَاتَتْ بِالتَّنْجِيزِ فَيَبْطُلُ الْيَمِينُ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْيَمِينِ بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَلِأَنَّهَا بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَفَوْتُ مَحَلِّ الْجَزَاءِ يُبْطِلُ الْيَمِينَ كَفَوْتِ مَحَلِّ الشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ جُعِلَتْ الدَّارُ بُسْتَانًا أَوْ حَمَّامًا لَا تَبْقَى الْيَمِينُ فَهَذَا مِثْلُهُ وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ قُلْنَا لَهُ شُبْهَةُ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَمِينٌ مُوجِبُهُ الْبِرُّ وَعِنْدَ فَوَاتِهِ مَضْمُونٌ بِالطَّلَاقِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الشُّبْهَةُ إلَّا فِي مَحَلِّهِ كَالْحَقِيقَةِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَنْعَقِدُ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافَةً إلَى الْمِلْكِ وَلَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ هُنَا فَكَذَا انْعِقَادُهَا بِاعْتِبَارِ التَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَاتِ لَهُ وَهِيَ مَحْصُورَةٌ بِالثَّلَاثِ وَقَدْ أُوقِعَ كُلُّهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَهُ مَا يَكُونُ مُخِيفًا لَهُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فَإِنْ قِيلَ يَشْكُلُ هَذَا بِمَا إذَا طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ فَدَخَلَتْ حَيْثُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَبِمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ لَا يَبْطُلُ الْيَمِينُ مَعَ أَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِيَمِينِهِ وَبِمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَ مَا ظَاهَرَ مِنْهَا حَيْثُ يَبْقَى الظِّهَارُ وَإِنْ فَاتَ مَحَلُّهُ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ نَجَّزَ الثَّلَاثَ تَبْقَى الْيَمِينُ بِالظِّهَارِ وَإِنْ فَاتَ الْمَحَلُّ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَتْ الدَّارَ صَارَ مُظَاهِرًا لَهَا قُلْنَا أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمَحَلَّ بَاقٍ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ إذْ الْمَحَلِّيَّةُ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْحِلِّ وَهِيَ قَائِمَةٌ بَعْدَ الطَّلْقَتَيْنِ فَيَبْقَى الْيَمِينُ وَقَدْ اسْتَفَادَ مِنْ جِنْسِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَسْرِي إلَيْهِ حُكْمُ الْيَمِينِ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْيَمِينُ عَلَيْهَا قَصْدًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْعَبْدَ بِصِفَةِ الرِّقِّ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ وَبِالْبَيْعِ لَمْ تَفُتْ تِلْكَ الصِّفَةُ حَتَّى لَوْ فَاتَتْ بِالْعِتْقِ لَمْ يَبْقَ الْيَمِينُ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ لَا تَحْرِيمُ الْحِلِّ الْأَصْلِيِّ إلَّا أَنَّ قِيَامَ النِّكَاحِ مِنْ شَرْطِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْمَشْرُوطِ كَالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْحِلِّ الْأَصْلِيِّ وَقَدْ فَاتَ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ فَيَفُوتُ بِفَوَاتِ مَحَلِّهِ فَافْتَرَقَا وَلَوْ أَبَانَهَا بِطَلْقَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الدَّارَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَطْلُقُ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ هَلْ يَهْدِمُ الطَّلْقَةَ وَالطَّلْقَتَيْنِ أَمْ لَا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الرَّجْعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ تَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الرَّدِّ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَعِنْدَهُمَا لَا تَحْرُمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ تَحْرُمُ، وَكَذَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ مَا رَدَّهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ تَطْلُقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَلَا تَثْبُتُ الْغَلِيظَةُ عِنْدَهُمَا وَتَثْبُتُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَتَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ مَرَّتَيْنِ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ رَدَّهَا الْأَوَّلُ تَطْلُقُ كُلَّمَا دَخَلَتْ الدَّارَ إلَى أَنْ تَبِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَعْلِيقُهُ رَاجِعٌ لِلزَّوْجِ وَلِذَا شَمِلَ تَعْلِيقَ الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ وَرَجَّعَهُ الْعَيْنِيُّ لِلثَّلَاثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ شَرْحِ الرَّازِيّ وَحِينَئِذٍ لَا يَشْمَلُ تَعْلِيقَ الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ فَصَنِيعُ الشَّارِحِ أَحْسَنُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ) لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِكَوْنِ الْجَزَاءِ غَالِبَ الْوُقُوعِ لِتَحَقُّقِ الْإِخَافَةِ وَالظَّاهِرُ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ عَدَمُ الْعَوْدِ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى التَّزَوُّجِ بِغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ عِنْدَ التَّزَوُّجِ بِهِ عَدَمُ فِرَاقِهَا وَعَوْدُهَا إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُعْقَدُ لِلْعُمُرِ فَلَا يَكُونُ غَيْرُ الْمِلْكِ الْقَائِمِ مُرَادًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ تَقْيِيدِ الْإِطْلَاقِ بِهِ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ أَعْنِي إرَادَةَ الْيَمِينِ وَأَيْضًا بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ خَرَجَتْ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ لَهُ وَإِنَّمَا تَحْدُثُ مَحَلِّيَّتُهَا بَعْدَ الثَّانِي فَصَارَ كَالْمُرْتَدَّةِ تَحْدُثُ مَحَلِّيَّتُهَا بِالْإِسْلَامِ وَبُطْلَانُ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْجَزَاءِ يُبْطِلُ الْيَمِينَ كَفَوَاتِ مَحَلِّ الشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَجُعِلَتْ بُسْتَانًا أَوْ حَمَّامًا لَا يَبْقَى الْيَمِينُ فَهَذَا كَذَلِكَ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ) حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ هَذَا فَدَخَلَ الدَّارَ عَتَقَ. اهـ. ابْنُ فُرْشَتَا. (قَوْلُهُ وَبِالْبَيْعِ لَمْ تَفُتْ تِلْكَ الصِّفَةُ) أَيْ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِعَرَضِيَّةِ الزَّوَالِ يَشْتَرِيهِ ثَانِيًا مِنْ مَالِكِهِ فَيُجْعَلُ كَالْبَاقِي فِي مِلْكِهِ اهـ .

بِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَطْلُقُ وَاحِدَةً وَتَبِينُ بِهِ وَكَذَا إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فَبَانَتْ مِنْهُ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ تَطْلُقُ كُلَّمَا رَدَّهَا وَمُضِيُّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ حَتَّى تَبِينَ بِثَلَاثٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ وَقَعَتْ ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ رَدَّهَا بَعْدَ زَوْجٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ خِلَافًا لِزُفَرَ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ التَّنْجِيزِ عَلَى مَا مَرَّ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَلَّقَ الثَّلَاثَ أَوْ الْعِتْقَ بِالْوَطْءِ لَمْ يَجِبْ الْعُقْرُ بِاللُّبْثِ) أَيْ، وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ بِالْجِمَاعِ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَجَامَعَهَا وَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ ثُمَّ لَبِثَ بَعْدَ الْإِدْخَالِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ بَعْدَ وُق وَعِ الثَّلَاثِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ بِهِ الْعِتْقَ بِأَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ جَامَعْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَجَامَعَهَا عَتَقَتْ إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ ثُمَّ إذَا لَبِثَ سَاعَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْعُقْرُ، وَلَوْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ أَوْلَجَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَجِبُ الْعُقْرُ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ بِاللُّبْثِ فِيهِمَا لِوُجُودِ الْجِمَاعِ مَعْنًى بَعْدَ ثُبُوتِ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ وَالْحُرْمَةِ إذْ مَعْنَى الْجِمَاعِ حُصُولُ الِالْتِذَاذِ بِمُمَاسَّةِ الْفَرْجَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَاحِدٌ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فَكَانَ الْجِمَاعُ وَاحِدًا مِنْ وَجْهٍ وَأَوَّلُهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ فَامْتَنَعَ وُجُوبُهُ فَوَجَبَ الْعُقْرُ إذْ الْبُضْعُ الْمُحْتَرَمُ لَا يُصَانُ إلَّا بِضَمَانٍ جَابِرٍ أَوْ بِحَدٍّ زَاجِرٍ فَإِذَا امْتَنَعَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ تَعَيَّنَ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْجِمَاعَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بَعْدَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ وَالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْإِدْخَالَ لَا دَوَامَ لَهُ حَتَّى يَكُونَ لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُدْخِلُ دَابَّتَهُ الْإِصْطَبْلَ وَهِيَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ بِإِمْسَاكِهَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَ ثُمَّ أَوْلَجَ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْجِمَاعُ فِيهِ حَقِيقَةً بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَالْمَقْصُودِ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فَإِذَا امْتَنَعَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَصِرْ بِهِ مُرَاجِعًا فِي الرَّجْعِيِّ إلَّا إذَا أَوْلَجَ ثَانِيًا) أَيْ لَمْ يَصِرْ مُرَاجِعًا بِاللُّبْثِ إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا إلَّا إذَا أَخْرَجَ ثُمَّ أَوْلَجَ ثَانِيًا، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ مُرَاجِعًا لِوُجُودِ الْمِسَاسِ بِشَهْوَةٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ يَتَعَرَّضُ لِلْبُضْعِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَ ثُمَّ أَوْلَجَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنْ لَبِثَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَنْزِعْ وَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ وَمَهْرٌ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْنِفْ الْفِعْلَ؛ لِأَنَّ دَوَامَهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ فَوْقَ الْخَلْوَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَطْلُقُ فِي إنْ نَكَحْتُهَا عَلَيْكِ فَهِيَ طَالِقٌ فَنَكَحَ عَلَيْهَا فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ) أَيْ لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ الْجَدِيدَةُ فِيمَا إذَا قَالَ لِلَّتِي تَحْتَهُ إنْ تَزَوَّجْتُ عَلَيْكِ امْرَأَةً فَالَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَطَلَّقَ الَّتِي مَعَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ عَلَيْهَا أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهَا مَنْ يُنَازِعُهَا فِي الْفِرَاشِ وَيُزَاحِمُهَا فِي الْقَسْمِ وَلَمْ يُوجَدْ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَيْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا، وَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى» رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَلَفْظُهُ «لَمْ يَحْنَثْ»، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مُتَّصِلًا وَلِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهَا فَكَانَ إعْدَامًا لِلْجَزَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] وَمِثْلُهُ إذَا شَابَ الْغُرَابُ أَتَيْت أَهْلِي ... وَعَادَ الْقَارُ كَاللَّبَنِ الْحَلِيبِ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف: 69] وَلَمْ يَصْبِرْ وَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ مُخْلِفَ الْوَعْدِ لِتَعْلِيقِهِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ مَالِكٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ لَمَا أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِهِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا وَمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ تَعْلِيقٌ لَا تَطْلِيقٌ وَمَوْتُهَا لَا يُنَافِي التَّعْلِيقَ؛ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ وَالْمَوْتُ أَيْضًا مُبْطِلٌ فَلَا يَتَنَافَيَانِ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً حَيْثُ يَبْطُلُ الْإِيجَابُ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يُبْطِلُ الْمُوجِبَ لَا الْمُبْطِلَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَقْعَ بِالْعَدَدِ إذْ ذَكَرَ الْعَدَدَ وَالْمَوْتَ أَيْضًا قَبْلَهُ يُنَافِيهِ فَلَا يَقَعُ الْمُوجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَوْلُهُ مُتَّصِلًا إشَارَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ، وَلَوْ عَلَّقَ الثَّلَاثَ أَوْ الْعِتْقَ بِالْوَطْءِ لَمْ يَجِبْ الْعُقْرُ) قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ الْعُقْرُ مَهْرُ الْمَرْأَةِ إذَا وُطِئَتْ عَنْ شُبْهَةٍ وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَبِهِ فَسَّرَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ الْعُقْرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظَ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَلِفِ الْعُقْرَ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعُقْرِ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَهْرُ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. .

إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُنْفَصِلًا لَا يَصِحُّ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَوَّزَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازُهُ إلَى سَنَةٍ وَعَنْهُ جَوَازُهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثَلَاثًا ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الْآيَةَ وَلَوْ جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْفَصِلًا لَمَا كَانَ لِإِيجَابِهَا مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَثْنِي فِي يَمِينِهِ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَلَوْ جَازَ مُنْفَصِلًا لَمَا كَانَ لِهَذَا مَعْنًى وَلَكَانُوا يَسْتَثْنُونَ إذَا طَلَّقُوا نِسَاءَهُمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَلْ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَتْ وَوَلَدَتْ وَلَا كَانَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ» الْحَدِيثَ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَثْنِي إذَا نَدِمَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى رِضَا الْآخَرِ وَكَذَا قَالَ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ»، وَلَوْ جَازَ مُنْفَصِلًا لَأَمَرَهُ بِهِ وَلَمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ أَبَدًا وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً أَنْكَرَتْ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، وَقَالَتْ لَوْ كَانَ مَا قَالَهُ جَائِزًا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] مَعْنًى وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْمَنْصُورَ دَعَا أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ لَهُ لِمَ خَالَفْت جَدِّي فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَقَالَ لَهُ لِحِفْظِ الْخِلَافَةِ عَلَيْك فَإِنَّك تَأْخُذُ عَقْدَ الْبَيْعَةِ بِالْأَيْمَانِ وَالْعُهُودِ الْمُوَثَّقَةِ عَلَى وُجُوهِ الْعَرَبِ وَسَائِرِ النَّاسِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِك وَيَسْتَثْنُونَ فَيَخْرُجُونَ عَلَيْك فَقَالَ أَحْسَنْت فَاسْتُرْ عَلَيَّ وَخَلَّى سَبِيلَهُ ثُمَّ إذَا سَكَتَ قَدْرَ مَا يَتَنَفَّسُ أَوْ تَجَشَّأَ أَوْ كَانَ بِلِسَانِهِ ثِقَلٌ وَطَالَ فِي تَرَدُّدِهِ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ فَسَدَّ إنْسَانٌ فَمَهُ فَمَنَعَهُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ عَنْهُ وَاسْتَثْنَى مُتَّصِلًا بِرَفْعِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وُجِدَ حَقِيقَةً وَهُوَ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إعْدَامٌ وَإِبْطَالٌ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ إلَّا أَنَّ الشَّرْطَ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ غَائِبٍ إذَا بَلَغَهُ وَشَاءَ فِي مَجْلِسِهِ يَقَعُ، وَلِهَذَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا كَسَائِرِ الشُّرُوطِ لَهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ رَفْعُ الْحُكْمِ وَإِعْدَامُهُ مِنْ الْأَصْلِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ إعْدَامًا لِلْحَالِ لَكِنْ لَهُ عَرْضِيَّةُ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهَذَا إعْدَامٌ لِحُكْمِ الْكَلَامِ أَصْلًا إذْ لَا طَرِيقَ لِلْوُصُولِ إلَى مَعْرِفَةِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ إبْطَالًا فَأَبُو يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَوَّزَهُ فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ وَقَاسُوا عَلَى التَّخْصِيصِ الْمُتَرَاخِيَ فَقَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ بِطَرِيقِ الْبَيَانِ فَكَذَا قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحَةٌ فَكَيْفَ يُقَالُ هَذَا وَهُوَ مِنْ أَفْصَحِ أَهْلِ اللِّسَانِ وَهُمْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا مِثْلَ هَذَا قَطُّ حَتَّى لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ قَدْرًا مَعْلُومًا بَعْدَ يَوْمٍ يَسْخَرُ مِنْهُ وَيَضْحَكُ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ الْمُتَرَاخِي فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَذْكُرَ اللَّفْظَ عَامًّا ثُمَّ يَقُولَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ بَعْدَ زَمَانٍ إنَّ مُرَادِيَ كَانَ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْخَاصُّ فَبَطَلَ الْقِيَاسُ لِلْفَرْقِ وَأَيْضًا التَّخْصِيصُ إنَّمَا يَكُونُ بِالنَّصِّ الْمُنْفَصِلِ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ لَا صِحَّةَ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَا يُقَالُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ سَنَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى»؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَلَئِنْ صَحَّ فَنَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ كَانَ مِنْ قَوْلِهِ «لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا» الَّذِي سَبَقَ قَبْلَ سَنَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ كَانَ مِنْ كَلَامٍ آخَرَ مُتَّصِلٍ بِهِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ كَانَ مِنْهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَصْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ إلَى اسْتِدْرَاكِ الْمَأْمُورِ بِهِ الْفَائِتِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 23 - 24]. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ حَتَّى لَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَا يَقَعُ وَحُكِيَ فِيهِ عِنْدَنَا خِلَافٌ، قَالَ خَلَفٌ يَقَعُ، وَقَالَ شَدَّادٌ لَا يَقَعُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ لَيْسَ طَلَاقًا، وَقَالَ رَأَيْت أَبَا يُوسُفَ فِي النَّوْمِ فَسَأَلْته فَقَالَ لَا يَقَعُ فَقُلْت لِمَ قَالَ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ أَكَانَ يَقَعُ قُلْت لَا قَالَ كَذَا هُنَا، وَكَذَا لَمْ يَرِدْ مَا هُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَصَارَ كَسُكُوتِ الْبِكْرِ إذَا زَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ وَلَا تَدْرِي أَنَّ السُّكُوتَ رِضًا يَمْضِي بِهِ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَفِي خَارِجِ الْمَذْهَبِ خِلَافٌ فِي النِّيَّةِ قِيلَ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ وَقِيلَ قَبْلَ فَرَاغِهِ وَقِيلَ، وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَقِيلَ وَلَوْ بِالْقُرْبِ مِنْ الْكَلَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهَا بِهِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ لَا يَقَعُ) وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ الْحُسَامُ الشَّهِيدُ فِي الْوَقَعَاتِ وَصَاحِبُ الْغَايَةِ وَصَاحِبُ الِاخْتِيَارِ وَغَيْرُهُ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إعْدَامٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ فَيَكُونُ إعْدَامًا مِنْ الْأَصْلِ أَيْ يَكُونُ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إعْدَامًا مِنْ الِابْتِدَاءِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَشِيئَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنْتِ طَالِقٌ أَصْلًا اهـ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَهُ إعْدَامًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ عِنْدَهُ وَكَوْنَهُ شَرْطًا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَهُوَ يَمِينٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى يَحْنَثُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ يَمِينًا حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِهِ عِنْدَهُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنْ لَا قَوْلَ لِلْإِمَامِ فِي كَوْنِهِ إبْطَالًا أَوْ تَعْلِيقًا وَالْأَكْمَلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَنْصِبْ الْخِلَافَ إلَّا بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ فَقَطْ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ حَكَى الْكَمَالُ الْخِلَافَ كَمَا هُنَا اهـ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ تَعْلِيقٌ إلَخْ) مُلَاحَظَةٌ لِلصِّيغَةِ وَهُمَا لَاحَظَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَوْلَى وَقَدْ نُقِلَ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى عَكْسِهِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ غَائِبٍ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَقِبَ قَوْلِهِ بِمَشِيئَةِ غَائِبٍ إذَا بَلَغَهُ وَشَاءَ فِي مَجْلِسِهِ يَقَعُ اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَ إبْطَالًا) قَالَ الْكَمَالُ.

اعْتَبَرَ الصِّيغَةَ وَهُمَا اعْتَبَرَا الْمَعْنَى وَقِيلَ الْخِلَافُ بِالْعَكْسِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ فِي الْجَوَابِ بِأَنْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ فَلَا يَخْتَلِفُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالرَّابِطَةِ وَهِيَ الْفَاءُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ كُنْت طَلَّقْتُك أَمْسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَقَعُ عِنْدَهُمَا لِلْإِبْطَالِ وَيَقَعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ وَمِنْهَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ يَمِينَيْنِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَالشَّرْطِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرْطِ إذَا دَخَلَ عَلَى جُمْلَتَيْنِ مُعَلَّقَتَيْنِ بِشَرْطَيْنِ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَخِيرَةِ مِنْهُمَا وَعِنْدَهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْإِبْطَالِ وَلَوْ أَدْخَلَهُ فِي الْإِيقَاعَيْنِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ كَالشَّرْطِ عِنْدَهُ وَهُوَ إذَا دَخَلَ عَلَى إيقَاعَيْنِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْيَمِينَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى أَيْمَانِ الْجَامِعِ وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْيَمِينِ يَحْنَثُ بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلشَّرْطِ وَلَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا. . ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَحِقَهُ الِاسْتِثْنَاءُ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ وَالثَّانِيَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِ لَشَاءَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَانَ فِي تَصْحِيحِهِ إبْطَالُهُ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً الْيَوْمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ فَثِنْتَيْنِ فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا وَقَعَ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ اللَّهُ الْوَاحِدَةَ فِي الْيَوْمِ لَطَلَّقَهَا فِيهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ الْوَاحِدَةَ فَتَحَقَّقَ شَرْطُ وُقُوعِ الثِّنْتَيْنِ وَهُوَ عَدَمُ مَشِيئَةِ الْوَاحِدَةِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الثِّنْتَيْنِ فِيهَا عَدَمُ مَشِيئَتِهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُمَا مَعَ عَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ لَهُمَا لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ كُلَّهَا بِمَشِيئَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْيَوْمِ وَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ الثِّنْتَيْنِ وَقَدْ تَحَقَّقَ عَدَمُ الْمَشِيئَةِ إذْ لَوْ شَاءَهُمَا لَوَقَعَتَا وَكَمَا يَبْطُلُ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَبْطُلُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَكَذَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا تَظْهَرُ مَشِيئَتُهُ لَنَا كَالْجِنِّ وَكَالْحَائِطِ وَالْمَلَائِكَةِ يَكُونُ تَعْلِيقًا أَوْ إبْطَالًا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَضَى. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ الْعِتْقُ وَالثَّلَاثُ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَمْ يَقَعَانِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ صَحِيحٌ لُغَةً فَصَحَّ فَعَمِلَ فِي الْكُلِّ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ سِتًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَهُ أَنَّ ذِكْرَ الثَّلَاثِ الثَّانِي لَغْوٌ شَرْعًا فَصَارَ فَاصِلًا بِكَلَامٍ آخَرَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ حَيْثُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ لَيْسَ بِلَغْوٍ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَهُوَ تَكْمِيلُ الثَّلَاثِ مِنْهَا، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَوَائِنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَقَعُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لَا يُفِيدُ فَصَارَ لَغْوًا لِعَدَمِ احْتِمَالِ خِلَافِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَيْثُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ فَصَارَ الْوَصْفُ مُفِيدًا فَلَا يَلْغُو، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ بِإِرَادَتِهِ أَوْ بِمَحَبَّتِهِ أَوْ بِرِضَاهُ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ بِمَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ لِلْإِلْصَاقِ وَفِي التَّعْلِيقِ إلْصَاقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الْعَبْدِ كَانَ تَمْلِيكًا مِنْهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَإِنْ قَالَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِحُكْمِهِ أَوْ بِقَضَائِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ أَوْ بِعَمَلِهِ أَوْ بِقُدْرَتِهِ يَقَعُ فِي الْحَالِ سَوَاءٌ أَضَافَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ فِي مِثْلِهِ التَّنْجِيزُ عُرْفًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِحُكْمِ الْقَاضِي وَإِنْ قَالَ بِحَرْفِ اللَّامِ يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا سَوَاءٌ أَضَافَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّعْلِيلِ كَأَنَّهُ أَوْقَعَ وَعَلَّلَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِدُخُولِك الدَّارَ وَإِنْ ذَكَرَ بِحَرْفِ فِي إنْ أَضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا فِي الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ فِي بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِمَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ إلَّا فِي الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ لِلْمَعْلُومِ وَهُوَ وَاقِعٌ، وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّهُ عَزَى إلَيْهِ الْإِبْطَالَ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إبْطَالٌ اهـ. (قَوْلُهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ) أَيْ فَلَوْ كَلَّمَتْ زَيْدًا لَا يَقَعُ، وَلَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْإِبْطَالِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ فَلَوْ كَلَّمَتْ زَيْدًا أَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ لَا يَقَعُ اهـ. (قَوْلُهُ فَلِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ عَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْإِبْطَالِ اهـ. (قَوْلُهُ يَحْنَثُ بِذَلِكَ) أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. . (قَوْلُهُ وَكَالْحَائِطِ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ الْمَلَكُ أَوْ الْجِنُّ أَوْ الْحَائِطُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ وَحُرٌّ إلَخْ) وَلَوْ قَالَ حُرٌّ حُرٌّ بِلَا وَاوٍ وَاسْتَثْنَى لَا يُعْتَبَرُ فَاصِلًا بِلَا خِلَافٍ لِظُهُورِ التَّأْكِيدِ وَقِيَاسُهُ إذَا كَرَّرَ ثَلَاثًا بِلَا وَاوٍ يَكُونُ مِثْلَهُ، وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ وَعَتِيقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ فَلَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ حُرٌّ وَحُرٌّ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ التَّفْسِيرِيَّ إنَّمَا يَكُونُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ، وَحُرٌّ لِقَوْلِهِ " حُرٌّ " تَفْسِيرٌ فَكَانَ فَاصِلًا بِخِلَافِ " حُرٌّ عَتِيقٌ ". اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لَا يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا فِي الْعِلْمِ) أَيْ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ اهـ.

نَفْيُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا لَمْ يَكُنْ فَكَانَ تَعْلِيقًا بِأَمْرٍ مَوْجُودٍ فَيَكُونُ إيقَاعًا وَلَا يَلْزَمُ الْقُدْرَةُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُدْرَةِ هُنَا التَّقْدِيرُ وَيُقَدِّرُ شَيْئًا وَقَدْ لَا يُقَدِّرُهُ حَتَّى لَوْ أَرَادَ بِهِ حَقِيقَةَ قُدْرَتِهِ تَعَالَى يَقَعُ فِي الْحَالِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الْعَبْدِ كَانَ تَمْلِيكًا فِي الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ تَعْلِيقًا فِي غَيْرِهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عَشَرَةٌ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا لِلتَّمْلِيكِ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ وَأَخَوَاتُهَا وَسِتَّةٌ لَيْسَتْ لِلتَّمْلِيكِ وَهِيَ الْأَمْرُ وَأَخَوَاتُهُ وَالْكُلُّ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْعَبْدِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْبَاءِ أَوْ بِاللَّامِ أَوْ بَقِيَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَتَأَمَّلْهُ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ وَفِي الِاثْنَتَيْنِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَفِي إلَّا ثَلَاثًا ثَلَاثٌ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ وَفِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَفِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا يَقَعُ ثَلَاثٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ عِنْدَهُ الِاسْتِثْنَاءَ يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ كَدَلِيلِ الْخُصُوصِ فَإِذَا قَالَ عَلَى عَشْرَةٍ إلَّا خَمْسَةً فَهَذَا اللَّفْظُ عِبَارَةٌ عَنْ الْخَمْسَةِ عِنْدَنَا وَصَارَ اسْمًا لَهَا كَمَا صَارَ قَوْلُهُ مُسْلِمُونَ اسْمًا لِلْجَمْعِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْمُفْرَدِ بَعْدَ أَنْ كَانَ جُزْأَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ مُسْلِمٌ اسْمًا لِلْمُفْرَدِ قَبْلَ التَّرْكِيبِ فَزَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالزِّيَادَةِ فَكَذَا هَذَا وَعِنْدَهُ دَخَلَتْ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا ثُمَّ خَرَجَتْ الْخَمْسَةُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ، وَلِهَذَا جَازَ إظْهَارُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] {إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: 31]، وَكَذَا قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ إخْرَاجٌ لِلْبَعْضِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ هَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يُخْرِجَ بَعْضَ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ لَاسْتَوَى فِيهِ الْكُلُّ وَالْبَعْضُ كَالنَّسْخِ وَلَكَانَ مُسْتَقِلًّا أَيْضًا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ فِي الْأَخْبَارِ؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ فِيهَا يُؤَدِّي إلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا كَذِبٌ أَوْ يُشْبِهُ الْكَذِبَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ} [العنكبوت: 14] عِبَارَةٌ عَنْ تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ لَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف: 26] {إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} [الزخرف: 27] يَكُونُ تَبَرَّأَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ لَا أَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعَارُضَ تَنَاقُضٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الصَّادِقِ وَقَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ لَدَخَلَ فَمَنَعَهُ مِنْ الدُّخُولِ فَصَارَ كَالْمُخْرَجِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَالَ عَلَى أَلْفٍ إلَّا مِائَةً أَوْ خَمْسِينَ يَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ لِلشَّكِّ فِي الدُّخُولِ وَعِنْدَهُ يَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ عِنْدَهُ بِيَقِينٍ وَالشَّكُّ فِي الْمُخْرَجِ فَيَخْرُجُ الْأَقَلُّ بِيَقِينٍ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا بِخِلَافِ الْعَطْفِ حَيْثُ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُغَيِّرٍ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ مِنْ الْجَمِيعِ سَوَاءٌ اسْتَثْنَى الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ إلَّا الْفَرَّاءَ مِنْهُمْ، وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ هُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ قَالَ وَمِمَّنْ وَافَقَهُمْ ابْنُ خَرُوفٍ وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ شَيْءٌ يَصِيرُ مُتَكَلِّمًا بِهِ وَصَارَ فَاللَّفْظُ إلَيْهِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ وَمِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مَنْ اشْتَرَطَ الْأَقَلَّ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ جَائِزٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ لَا يَجُوزُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] فَالْغَاوُونَ أَكْثَرُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ سَفِهَ الْمُخَالِفُونَ لِمِلَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ اتَّبَعَهَا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99] إذْ هُمْ أَكْثَرُ مِنْ الرَّابِحِينَ، وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَمَّا صَارَ عِبَارَةً عَنْ الْبَاقِي يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ أَنْ يَبْقَى شَيْءٌ يَصِيرُ مُتَكَلِّمًا بِهِ بَعْدَ الثَّنِيَّا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ قَوْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً). (فَرْعٌ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ وَهُوَ شَرْحُ الْكَافِي وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَيْ فِي الْكَافِي إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ لَمْ يَقَعْ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ كَمَا لَا تَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ لَا تَتَجَزَّأُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ فِي الْإِيقَاعِ إنَّمَا لَا يَتَجَزَّأُ لِمَعْنَى الْمُوقِعِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَتَجَزَّأُ فِيهِ وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ صَارَ كَلَامُهُ عِبَارَةً عَنْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَنِصْفٍ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ الْكَمَالُ فَرْعٌ، إخْرَاجُ بَعْضِ التَّطْلِيقَةِ لَغْوٌ بِخِلَافِ إيقَاعِهِ فَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَ الثَّلَاثُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثِنْتَانِ (قَوْلُهُ بَعْدَ الثَّنِيَّا) أَيْ وَالثَّنِيَّا اسْمٌ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ وَمَعْنَاهُ إنْ صَدَرَ الْكَلَامُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ يَصِيرُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] مَعْنَاهُ لَبِثَ فِيهِمْ تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ عَامًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ، وَقَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا تِسْعًا يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَكَأَنَّهُ بِمَا حَصَلَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ الدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا تَقَعُ الطَّلْقَتَانِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الطَّلْقَتَيْنِ هُمَا الْحَاصِلَتَانِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِمَا ابْتِدَاءً، وَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَتَقَعُ الطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ؛ لِأَنَّ الطَّلْقَةَ الْوَاحِدَةَ هِيَ الْحَاصِلَةُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْوَاحِدَةِ ابْتِدَاءً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

[باب المريض]

أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً اسْتِثْنَاءٌ لِلْأَقَلِّ فَيَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَوْلُهُ إلَّا ثِنْتَيْنِ اسْتِثْنَاءٌ لِلْأَكْثَرِ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ عَلَى الْخِلَافِ. وَقَوْلُهُ إلَّا ثَلَاثًا اسْتِثْنَاءٌ لِلْكُلِّ فَلَا يَصِحُّ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ بَقَاءِ مَا يَصِيرُ بِهِ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ الثَّنِيَّا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيمَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ أَيْضًا كَالْوَصِيَّةِ وَقَدْ قَالُوا إنَّمَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِأَنْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي. وَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَصَحِيحٌ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَهِنْدَ وَعَمْرَةَ وَبَكْرَةَ، وَلَوْ أَتَى عَلَى الْكُلِّ حَتَّى لَا تَطْلُقَ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِزَيْدٍ إلَّا ثُلُثَ مَالِي لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِزَيْدٍ إلَّا أَلْفًا وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ صَحَّ وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ لَا مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ الَّذِي يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَشْرًا إلَّا تِسْعًا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ لَا صِحَّةَ لِهَذَا الْكَلَامِ حُكْمًا، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَ ثَلَاثٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلِاشْتِرَاكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى الِاثْنَيْنِ لَكَانَ صَحِيحًا وَلَوَقَعَتْ الثِّنْتَانِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ زِيَادَةُ الثَّالِثَةِ فَتَبْطُلُ هِيَ وَحْدَهَا فَيَقَعُ مَا قَبْلَهَا وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلَّمَ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثَّنِيَّا فَيَكُونُ عِبَارَةً عَنْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَنِصْفٍ فَيَصِيرُ ثَلَاثًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّ الطَّلْقَةَ كَمَا لَا تَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ لَا تَتَجَزَّأُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً. (بَابُ الْمَرِيضِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا فِي مَرَضِهِ وَمَاتَ فِي عِدَّتِهَا وَرِثَتْ وَبَعْدَهَا لَا) أَيْ إذَا مَاتَ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ الْكَمَالُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ وَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ تَجْوِيزِهِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى كَوْنِ الْكُلِّ مُخْرَجًا بِغَيْرِ لَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيهِ كَعَبِيدِي إلَّا مَمَالِيكِي فَيَعْتِقُونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَاضِي خَانْ وَزِيَادَاتِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْبَقَّالِي لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إلَّا هَذِهِ وَلَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا لَا تَطْلُقُ. اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ يَعْنِي الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ يَكُونُ الْكَلَامُ عِبَارَةً عَنْهُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْكَلَامِ لَا فِي الْحُكْمِ بَيَانُهُ إذَا قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا هَؤُلَاءِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا هَؤُلَاءِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ شَيْءٍ يَكُونُ الْكَلَامُ عِبَارَةً عَنْهُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ عَبِيدٌ مُعْتَقُونَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ وَنِسَاءٌ طَوَالِقُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ وَلَا يُتَوَهَّمُ هَذَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. اهـ. وَقَالَ الْأَكْمَلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَعَمْرَةَ وَبَكْرَةَ وَسَلْمَى لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَإِنْ كَانَ هُوَ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيَصِحُّ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ اللَّفْظُ فَلَمَّا اسْتَثْنَى الْجَزَاءَ مِنْ الْكُلِّ صَحَّ لَفْظًا فَكَذَا فِيمَا بَقِيَ إذْ لَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ يَتْبَعُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لَمَا صَحَّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَشَرَةً إلَّا تِسْعَةً لِمَا أَنَّهُ لَا مَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ شَرْعًا وَهُوَ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ اهـ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ بَقَاءِ مَا يَصِيرُ بِهِ مُتَكَلِّمًا إلَخْ) وَتَرْكِيبُ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يُوضَعْ إلَّا لِلْمُتَكَلِّمِ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا لَا لِنَفْيِ الْكُلِّ كَمَا يُفِيدُهُ الْبَقَاءُ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لِنَفْيِ الْكُلِّ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ أَيْضًا) كَالْوَصِيَّةِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِي إلَّا ثُلُثَ مَالِي كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ لَا صِحَّةَ لِهَذَا الْكَلَامِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ، وَلَوْ قَالَ لِثَلَاثَةٍ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ إلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا عَتَقُوا جَمِيعًا وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، وَذَكَرَ فِي الطَّلَاقِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَتَقَعُ الثَّلَاثَةُ وَيَبْطُلُ اسْتِثْنَاؤُهَا فَعَلَى قِيَاسِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَجَبَ أَنْ لَا يَعْتِقَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي، وَيَعْتِقُ الثَّالِثُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَوَقَعَ الثَّلَاثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ فَكَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى تَوَقُّفَ صِحَّةِ الْأُولَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ أَنَّهُ مُسْتَغْرِقٌ أَوَّلًا وَهُمَا يَرَيَانِ اقْتِصَارَ صِحَّتِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَبُو يُوسُفَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ وَزُفَرُ يَرَيَانِ اقْتِصَارَ صِحَّتِهِ عَلَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الصَّدْرَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِخْرَاجِ وَلَوْ قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا ثَلَاثًا بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ تَعَدُّدٍ يَصِحُّ مَعَهُ إخْرَاجُ شَيْءٍ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى الِاثْنَتَيْنِ لَكَانَ صَحِيحًا) أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً كَانَ مُسْتَثْنِيًا لِلثِّنْتَيْنِ فَكَانَ صَحِيحًا وَإِنَّمَا بَطَلَ اسْتِثْنَاءُ الثَّالِثَةِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ) فِي نُسْخَةٍ الثِّنْتَانِ أَيْ مُسْتَثْنَاةً فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ. (قَوْلُهُ فَتَقَعُ الثِّنْتَانِ) أَيْ مُسْتَثْنَاةً فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ. وَقَوْلُهُ فَتَقَعُ الثِّنْتَانِ كَذَا هُوَ فِي نُسَخٍ عَدِيدَةٍ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. . [بَابُ الْمَرِيضِ] (بَابُ الْمَرِيضِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَلَاقِ الصَّحِيحِ بِأَقْسَامِهِ مِنْ التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ وَالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ كُلًّا وَجُزْءًا شَرَعَ فِي بَيَانِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ إذْ الْمَرَضُ مِنْ الْعَوَارِضِ وَتَصَوُّرُ مَفْهُومِهِ ضَرُورِيٌّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ فَهْمَ الْمُرَادِ مِنْ لَفْظِ الْمَرَضِ أَجْلَى مِنْ فَهْمِهِ مِنْ قَوْلِنَا مَعْنًى يَزُولُ بِحُلُولِهِ فِي بَدَنِ الْحَيِّ اعْتِدَالُ الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ بَلْ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى التَّعْرِيفِ بِالْأَخْفَى فَتْحٌ.

انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَا تَرِثُ. وَقَوْلُهُ فِي مَرَضِهِ تَقْيِيدٌ لِلْبَائِنِ. وَأَمَّا فِي الرَّجْعِيِّ فَتَرِثُ مِنْهُ مُطْلَقًا إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا، وَلِهَذَا يَرِثُهَا هُوَ إذَا مَاتَتْ بِخِلَافِ الْبَائِنِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ النِّكَاحُ قَدْ زَالَ فَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَرِثَهُ كَمَا لَا يَرِثُهَا هُوَ لَكِنْ إذَا صَارَ فَارًّا بِأَنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ وَكَانَتْ وَقْتَ الطَّلَاقِ مِمَّنْ تَرِثُهُ بِأَنْ كَانَا حُرَّيْنِ مُتَّحِدِي الدِّينَ رُدَّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً وَهُوَ مُسْلِمٌ أَوْ كَانَا مَمْلُوكَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَقْتَ الطَّلَاقِ ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ حَيْثُ لَا تَرِثُ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ وَقْتَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ فَارًّا وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا الْبَائِنَ بِإِسْلَامِهَا بِأَنْ قَالَ إنْ أَسْلَمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ زَمَانُ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَرِثُ الْمُبَانَةُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ ارْتَفَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ شَيْئَانِ إمَّا السَّبَبُ أَوْ النَّسَبُ وَقَدْ انْعَدَمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا زَوْجَةَ لَهُ لَا يَحْنَثُ بِهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَرَّثَ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ قَدْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَصَارَ إجْمَاعًا وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي خِلَافَتِهِ لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أَقُلْ بِتَوْرِيثِهَا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَاهُ لَمْ أَقُلْ بِتَوْرِيثِهَا لِجَهْلِي بِالْحُكْمِ، وَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ سَبَبُ إرْثِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَالزَّوْجُ قَصَدَ إبْطَالَهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ بِتَأْخِيرِ عَمَلِهِ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَمَا رُدَّ تَبَرُّعَاتُهُ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ وَالْوَارِثِ وَكَمَا رُدَّ قَصْدُ الْقَاتِلِ حَتَّى بَطَلَ إرْثُهُ مِنْ الْمَقْتُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ هِيَ حَيْثُ لَا يَرِثُهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِإِرْثِهِ مِنْهَا لَا سِيَّمَا إذَا رَضِيَ بِهِ هُوَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا وَلَا يُمْكِنُ إبْقَاءُ السَّبَبِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَوْرِيثِهَا مِنْ زَوْجَيْنِ وَإِلَى تَوْرِيثِ ثَمَانِي نِسْوَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَبِهَذَا يُعْلَمُ فَسَادُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا تَرِثُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَلَوْ تَزَوَّجَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَأَمَّا فِي الرَّجْعِيِّ فَتَرِثُ مِنْهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بِرِضَاهَا أَمْ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً مُسْلِمَةً وَقْتَ الطَّلَاقِ أَمْ مَمْلُوكَةً أَمْ كِتَابِيَّةً ثُمَّ أُعْتِقَتْ أَمْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ. اهـ. بَدَائِعُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي الصِّحَّةِ فِي كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَرِثُهُ الْآخَرُ. (قَوْلُهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَرِثَهُ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ مَاتَتْ لَا يَرِثُهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ بَطَلَتْ بِهَذَا الْعَارِضِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ كَوْنِهِمَا مِمَّا يَتَوَارَثَانِ حَالَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّهَا بِمَالِهِ إذَا مَرِضَ هُوَ إذْ ذَاكَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا وَقْتَ الطَّلَاقِ لَا يَرِثُ وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ عَتَقَ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ) أَيْ وَهُوَ النِّكَاحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ قَدْ ارْتَفَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ) أَيْ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ أَوْ الثَّلَاثِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِلَا سَبَبٍ كَمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ تُمَاضِرَ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ) أَيْ وَالْخِلَافُ الْمُتَأَخِّرُ لَا يَرْفَعُ الْإِجْمَاعَ السَّابِقَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْفُقَهَاءِ) أَيْ إذْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَتْوَى وَلَا شُهْرَةٌ بِفِقْهٍ، وَالْحُكْمُ بِذَلِكَ يَتْبَعُ ظُهُورَ ذَلِكَ فَخِلَافُهُ كَخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَسْأَلَةِ الْعَوْلِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالزَّوْجُ قَصَدَ إبْطَالَهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ) أَيْ وَيُجْعَلُ كَأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ فِي حَقِّ الْإِرْثِ حُكْمًا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا يُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ زَمَانَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَارِثِ بِمَالِ الْمُوَرِّثِ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَبَقِيَ النِّكَاحُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ كَمَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ أَصْلًا، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا وَطِئَهَا وَلَا تَرِثُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بِرِضَاهَا، وَكَذَلِكَ لَا تَرِثُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَذَا لَا تَرِثُ إذَا مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَكَذَا لَا تَرِثُ إذَا بَرَأَ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ حَيْثُ لَا إرْثَ لَهُ مِنْهَا قُلْت أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ وُجُوبِ الْحَدِّ فَنَقُولُ ذَاكَ بِاعْتِبَارِ ارْتِفَاعِ الْحِلِّ وَلَمْ يَقُلْ يَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ أَصْلًا وَهُوَ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ فَلَمَّا كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا مِنْ وَجْهٍ فِي حَقِّ بَعْضِ الْآثَارِ جُعِلَ قَائِمًا أَيْضًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا وَالْجَوَابُ عَنْ الطَّلَاقِ بِرِضَاهَا فَنَقُولُ رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا فَلَا تَرِثُ بِعَدَمِ الْفِرَارِ مِنْ الزَّوْجِ وَالْجَوَابُ عَنْ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَنَقُولُ لَمَّا لَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ لَمْ يَكُنْ إبْقَاءُ النِّكَاحِ حُكْمًا وَلِأَنَّ الزَّوْجَ وَإِنْ قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهَا قَصَدَ إلَى خَلَفٍ؛ لِأَنَّهُ مَكَّنَهَا مِنْ التَّزَوُّجِ بِآخَرَ وَتَحْصِيلِ الْمَهْرِ مِنْهُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إبْطَالًا وَالْجَوَابُ عَنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنَّهَا لَمَّا تَمَكَّنَتْ مِنْ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ وَحَلَّ لَهَا ذَلِكَ وُجِدَ الْمُنَافِي لِلنِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يُجْعَلْ قَائِمًا وَالْجَوَابُ عَمَّا إذَا بَرَأَ ثُمَّ مَاتَ. (قَوْلُهُ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ) أَيْ، وَلِهَذَا يَجِبُ لَهَا السُّكْنَى وَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَوْرِيثِهَا مِنْ زَوْجَيْنِ) وَصُورَةُ إرْثِهَا مِنْ زَوْجَيْنِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَصُورَةُ إرْثِ الثَّمَانِيَةِ أَنْ يُطَلِّقَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ ثُمَّ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعٍ أُخَرَ ثُمَّ يَمُوتَ اهـ. (قَوْلُهُ وَبِهَذَا يُعْلَمُ فَسَادُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا تَرِثُ) قَالَ الرَّازِيّ، وَقَالَ مَالِكٌ امْرَأَةُ الْفَارِّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ تَرِثَ كَقَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا تَرِثُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ اهـ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ مَالِكٍ كَقَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى اهـ

بِعَشَرَةِ أَزْوَاجٍ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ فِي الشَّرْعِ وَلَمْ يُجْعَلْ الْإِرْثُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا دَامَ بِهِ الْمَرَضُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا تَرِثُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَرِثُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُبَانَةَ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ فِي الْعِدَّةِ مِنْ زِنَا، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لَكِنْ تَيَقَّنَّا بَرَاءَةَ الرَّحِمِ بَعْدَ وَضْعِهِ فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَعِنْدَهُمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ زَوْجٍ تَزَوَّجَتْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَى الزِّنَا إضْرَارًا بِالْوَلَدِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا فَتَبَيَّنَ أَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا تَرِثُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ أَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِتَفْوِيضِهِ لَمْ تَرِثْ)؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا لِرِضَاهَا بِالْمُبْطِلِ فَيَكُونُ رِضًا بِبُطْلَانِهِ وَهُوَ قَابِلٌ لَهُ فَيَنْعَدِمُ التَّعَدِّي وَالتَّأْخِيرُ لِحَقِّهَا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَأَجَازَ حَيْثُ تَرِثُ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلْإِرْثِ إجَازَتُهُ وَبِخِلَافِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ، وَقَالَ مَالِكٌ لَهَا الْمِيرَاثُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ لِتُمَاضِرَ إذَا طَهُرْت فَآذِنِينِي فَطَهُرَتْ فَأَعْلَمَتْهُ فَطَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ وَلَمْ يَعْتَبِرْ رِضَاهَا بِهِ مُبْطِلًا قُلْنَا لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى رِضَاهَا بِالطَّلَاقِ الْمُبْطِلِ لِلْإِرْثِ وَإِنَّمَا فِيهِ إعْلَامٌ بِطَهَارَتِهَا عَنْ الْحَيْضِ وَبِمِثْلِهِ لَا يَبْطُلُ إرْثُهَا، وَلَوْ فَارَقَتْهُ بِسَبَبِ الْجُبِّ وَالْعُنَّةِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا فَكَانَتْ رَاضِيَةً بِالْبُطْلَانِ، وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ ابْنِ زَوْجِهَا لِمَا قُلْنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَقَرُبَهَا الِابْنُ مُكْرَهَةً؛ لِأَنَّهُ بِالْأَمْرِ انْتَقَلَ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْأَبُ كَالْمُبَاشِرِ لَهُ، وَلَوْ وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْهَا وَهِيَ مَرِيضَةٌ وَرِثَهَا الزَّوْجُ لِكَوْنِهَا فَارَّةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي طَلِّقْنِي رَجْعِيَّةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي طَلْقَةً رَجْعِيَّةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا تَرِثُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ، وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا يَحْرُمُ بِهِ الْمِيرَاثُ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا إيَّاهُ رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً لِمَا قُلْنَا، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ اسْتِحْسَانًا وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّجْعَةَ فِي سُؤَالِهَا، وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ قَوْلَهَا طَلِّقْنِي يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ الرَّجْعِيِّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلِهَذَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ فِي الْوَكَالَةِ وَالتَّفْوِيضِ وَالْإِنْشَاءِ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ تَصَادَقَا عَلَيْهَا فِي الصِّحَّةِ وَمُضِيِّ الْعِدَّةِ فَأَقَرَّ أَوْ أَوْصَى لَهَا فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْهُ وَمِنْ إرْثِهَا) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا فِي مَرَضِهِ بِسُؤَالِهَا أَوْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِهِ كُنْت طَلَّقْتُك وَأَنَا صَحِيحٌ فَانْقَضَتْ عِدَّتُك فَصَدَّقَتْهُ ثُمَّ أَوْصَى لَهَا بِمَالٍ أَوْ أَقَرَّ لَهَا بِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ وَمِنْ الَّذِي أَقَرَّ لَهَا بِهِ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهَا جَمِيعُ مَا أَقَرَّ لَهَا بِهِ وَمَا أَوْصَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَعَ زُفَرَ فِي الْأُولَى وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الثَّانِيَةِ لِزُفَرَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْإِرْثَ بَطَلَ بِسُؤَالِهَا أَوْ إقْرَارِهَا فَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَهُمَا أَنَّ دَلِيلَ التُّهْمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ) وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ أَيْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِتَفْوِيضِهِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا) إمَّا بِالرِّضَا بِالْعِلَّةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْخُلْعِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الْعِلَّةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْإِرْثُ إنَّمَا يَجِبُ بِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا وَلَا تَعَدِّيَ مَعَ الرِّضَا فَثَبَتَ حُكْمُ الْقَاطِعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ سَابِقًا؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا وَهُوَ قَابِلٌ لَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِرْثَ حَقُّهَا وَهُوَ قَابِلٌ لِلْإِبْطَالِ بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ أَصْلًا اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَتْ رَاضِيَةً بِالْبُطْلَانِ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مُضْطَرَّةً؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاضْطِرَارِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَلَمْ يَكُنْ جَانِيًا فِي الْفُرْقَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ) سَتَأْتِي مَعَ زِيَادَةٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. (قَوْلُهُ، وَلِهَذَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الرَّجْعِيِّ وَإِنْ طَلَّقَهَا بِلَا سُؤَالِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهَا لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ إذْ هُوَ فَارٌّ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ تَصَادَقَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضَ الْمَوْتِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَدْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فِي صِحَّتِي وَانْقَضَتْ عِدَّتُك فَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالتَّصَادُقِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَعَ زُفَرَ إلَخْ) هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَصَوَابُهُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَوَّلِ وَمَعَ زُفَرَ فِي الثَّانِيَةِ لِمَا عُرِفَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَعَلَّ السَّهْوَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الشَّارِحِ حَيْثُ اسْتَمَدَّ مِنْ الْهِدَايَةِ وَفِيهَا مَسْأَلَةُ التَّصَادُقِ قَبْلَ مَسْأَلَةِ الْإِبَانَةِ فِي الْمَرَضِ بِعَكْسِ مَا فِي الْكَنْزِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَأَرَادَ بِهَا مَسْأَلَةَ التَّصَادُقِ وَهِيَ الثَّانِيَةُ فِي الْكَنْزِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَأَرَادَ بِهَا مَسْأَلَةَ الْإِبَانَةِ فِي مَرَضِهِ وَهَذِهِ هِيَ الْأُولَى فِي الْكَنْزِ فَجَاءَهُ الِاشْتِبَاهُ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إلَخْ هَكَذَا فِي شَرْحِ الرَّازِيّ بِخَطِّهِ وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ تَحْتَ خَطِّهِ هَكَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ بِخَطِّهِ وَكَتَبَ عَلَى الْهَامِشِ صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَعَ زُفَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأُولَى اهـ أَقُولُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَهُمَا أَنَّ دَلِيلَ التُّهْمَةِ وَهِيَ الْعِدَّةُ قَائِمَةٌ فِي الْأُولَى يُؤَيِّدُ وَجْهَ الصَّوَابِ اهـ فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ دَلِيلَ التُّهْمَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْفَرْقُ لَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ التُّهْمَةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ الدَّاعِي إلَيْهَا وَذَلِكَ قِيَامُ الْعِدَّةِ

وَهِيَ الْعِدَّةُ قَائِمَةٌ فِي الْأُولَى فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَلَا عِدَّةَ فِي الثَّانِيَةِ فَانْعَدَمَتْ التُّهْمَةُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَدَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا وَالشَّهَادَةُ لَهَا، وَهَذَا لِأَنَّ التُّهْمَةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِهَا وَهِيَ الْعِدَّةُ كَمَا أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى النِّكَاحِ وَالْقَرَابَةِ حَتَّى امْتَنَعَتْ بِهِمَا هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمَّا مَرِضَ وَالنِّكَاحُ قَائِمٌ حَقِيقَةً أَوْ ظَاهِرًا صَارَ مُتَّهَمًا بِالْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ لَهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ قَدْ يَتَّفِقَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَعَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ لِيَحْصُلَ لَهَا بِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْإِرْثِ فَتَرُدُّ الزِّيَادَةُ لِهَذِهِ التُّهْمَةِ وَلَا تُهْمَةَ فِي قَدْرِ الْمِيرَاثِ فَيَصِحُّ وَكَذَا لَا تُهْمَةَ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ وَالتَّزَوُّجِ وَالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَوَاضَعَانِ عَادَةً لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ أَوْ نَقُولُ إنَّ التُّهْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ فَلَا تَتَعَدَّاهُمْ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ حَقُّ الشَّرْعِ وَلَا تُهْمَةَ فِي حَقِّهِ ثُمَّ مَا تَأْخُذُهُ لَهُ حُكْمُ الْمِيرَاثِ حَتَّى إذَا تَوَى بَعْضُ التَّرِكَةِ يَتْوِي عَلَى الْكُلِّ وَلَهُ حُكْمُ الدَّيْنِ حَتَّى كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهَا مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ اعْتِبَارًا لِزَعْمِهَا. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ بَارَزَ رَجُلًا أَوْ قَدِمَ لِيَقْتُلَ بِقَوَدٍ أَوْ رَجْمٍ فَأَبَانَهَا وَرِثَتْ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ، وَلَوْ مَحْصُورًا أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ لَا) وَأَصْلُهُ مَا مَرَّ أَنَّ امْرَأَةَ الْفَارِّ تَرِثُ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ اسْتِحْسَانًا بِأَنْ تَجْعَلَ الْبَيْنُونَةَ مَعْدُومَةً حُكْمًا كَمَا جُعِلَتْ الْقَرَابَةُ الثَّابِتَةُ مَعْدُومَةً حُكْمًا بِالْقَتْلِ جَزَاءً لِظُلْمِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ إذَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِهِ بِمَرَضٍ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ غَالِبًا بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يَقُومُ بِحَوَائِجِهِ فِي الْبَيْتِ كَمَا يَعْتَادُهُ الْأَصِحَّاءُ وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِتَكْلِيفٍ وَاَلَّذِي يَقْضِي حَوَائِجَهُ فِي الْبَيْتِ وَهُوَ يَشْتَكِي لَا يَكُونُ فَارًّا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّ مَا يَخْلُو عَنْهُ وَقِيلَ إذَا كَانَ يَخْطُو ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ حُكْمًا وَإِلَّا فَهُوَ مَرِيضٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ قَضَاءِ حَوَائِجِهِ خَارِجَ الْبَيْتِ فَهُوَ مَرِيضٌ وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ بِهَا فِي الْبَيْتِ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَرِيضٍ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا فِي الْبَيْتِ كَالْقِيَامِ لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَقِيلَ الْمَرِيضُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ جَالِسًا وَقِيلَ مَنْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَقْدِرَ أَنْ يَقُومَ إلَّا أَنْ يُقِيمَهُ غَيْرُهُ وَقِيلَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَّا أَنْ يُهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَسْلُولِ وَالْمَفْلُوجِ وَأَمْثَالِهِمَا قِيلَ مَا دَامَ يَزْدَادُ مَا بِهِ فَهُوَ مَرِيضٌ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ كَانَ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ بِالتَّدَاوِي فَهُوَ مَرِيضٌ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ، وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ إنْ كَانَ يَزْدَادُ أَبَدًا فَهُوَ مَرِيضٌ وَإِنْ كَانَ يَزْدَادُ مَرَّةً وَيَقِلُّ أُخْرَى فَهُوَ صَحِيحٌ وَقَدْ يَثْبُتُ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ تَوَجُّهُ حَرْفِ الْهَلَاكِ فِي غَيْرِ الْمَرِيضِ فَيَكُونُ فَارًّا إذَا أَبَانَهَا فِيهِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُبَارَزَةِ وَالتَّقْدِيمِ لِلْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْهَلَاكُ وَالْمَحْصُورُ وَاَلَّذِي فِي صَفِّ الْقِتَالِ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ لِدَفْعِ بَأْسِ الْعَدُوِّ وَكَذَا الْمَنَعَةُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْفِرَارِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ طَلَاقَ الْمُبَارِزِ كَطَلَاقِ الصَّحِيحِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إذَا قَدِمَ لِلْقِصَاصِ لَا يَكُونُ فَارًّا؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدِمَ لِلرَّجْمِ وَعَلَى الْأَوَّلِ الِاعْتِمَادُ. وَقَوْلُهُ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا مَاتَ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ كَالْمَرِيضِ إذَا قُتِلَ وَفِيهِ خِلَافٌ عِيسَى بْنِ أَبَانَ هُوَ يَقُولُ إنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ وَلَمَّا مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ عَلِمْنَا أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ قُلْنَا الْمَوْتُ اتِّصَالٌ بِمَرَضِهِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ وَقَدْ يَكُونُ لِلْمَوْتِ سَبَبَانِ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتَ وَأَنَّ حَقَّهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ، وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ أَخَوَاتٌ تَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْحَرْفِ فَمَنْ لَا يَكُونُ فَارًّا رَاكِبُ السَّفِينَةِ وَالنَّازِلُ فِي الْمَسْبَعَةِ أَوْ فِي الْمُخِيفِ مِنْ عَدُوِّهِ وَالْمَحْبُوسُ لِيُقْتَلَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ وَمِمَّنْ يَكُونُ فَارًّا رَاكِبُ السَّفِينَةِ إذَا انْكَسَرَتْ وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ افْتَرَسَهُ السَّبُعُ وَبَقِيَ فِي فَمِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالرَّجُلِ حَتَّى لَوْ بَاشَرَتْ سَبَبَ الْفِرَاقِ مِنْ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَالتَّمْكِينِ مِنْ ابْنِ الزَّوْجِ وَالِارْتِدَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَعْدَمَا حَصَلَ لَهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَرَضِ وَغَيْرِهِ يَرِثُهَا الزَّوْجُ لِكَوْنِهَا فَارَّةً وَالْحَامِلُ لَا تَكُونُ فَارَّةً إلَّا إذَا جَاءَهَا الطَّلْقُ خِلَافًا لِمَالِكٍ بَعْدَ مَا تَمَّ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ هُوَ يَقُولُ تَتَوَقَّعُ الْوِلَادَةَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ قُلْنَا لَا يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ قَبْلَ الطَّلْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ دَلِيلَ التُّهْمَةِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالتُّهْمَةُ مَعْرُوفَةٌ وَيَجُوزُ فِي عَيْنِهَا السُّكُونُ وَالْفَتْحُ وَالْأَكْثَرُ الْفَتْحُ وَالسُّكُونُ حَسَنٌ كَذَا قَالَ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي الْمُقْتَصَدِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا لَا يَتَوَاضَعَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُوَاضَعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ وَضْعِ الشَّخْصَيْنِ رَأْيَهُمَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ. . (قَوْلُهُ وَمَنْ بَارَزَ رَجُلًا إلَخْ) هَذَا لِبَيَانِ أَنَّ حُكْمَ الْفِرَارِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْمَرَضِ بَلْ كُلُّ شَيْءٍ يُقَرِّبُهُ إلَى الْهَلَاكِ غَالِبًا فَهُوَ فِي مَعْنَى مَرَضِ الْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ مَحْصُورًا) وَالْمَحْصُورُ الْمَحْبُوسُ يُقَالُ حَصَرْته أَحْصُرُهُ حَصْرًا إذَا حَبَسْته. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ زَمَانَ تَعَلُّقِ حُكْمِ حَقِّ الْوَارِثِ بِمَالِ الْمُوَرِّثِ فَتَرِثُهُ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ دَفْعًا لِلظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ ثُمَّ كُلُّ سَبَبٍ يَكُونُ الْهَلَاكُ فِيهِ غَالِبًا يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ فَيَكُونُ ذَلِكَ السَّبَبُ فِي حُكْمِ مَرَضِ الْمَوْتِ وَمَا كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ وَإِنْ كَانَ يُخَافُ الْهَلَاكُ مِنْهُ فَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْمَرَضِ. (قَوْلُهُ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ كَالْمَرِيضِ إذَا قُتِلَ)، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ قُلْنَا الْمَوْتُ اتَّصَلَ بِمَرَضِهِ) إنَّمَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ مَرَضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ مَرَضٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْمَتْنِ نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهِ كُلَّ سَبَبٍ يَكُونُ الْهَلَاكُ فِيهِ غَالِبًا اهـ. .

فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ قَبْلَهُ احْتِمَالُ الْإِسْقَاطِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ وَالتَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي مَرَضِهِ أَوْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَهُمَا فِي مَرَضِهِ أَوْ الشَّرْطُ فَقَطْ أَوْ بِفِعْلِهَا وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ وَهُمَا فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطُ وَرِثَتْ وَفِي غَيْرِهَا لَا) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَجِيءِ الزَّمَانِ أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَا فِي الْمَرَضِ أَمَّا الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَجِيءِ الزَّمَانِ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ لِلْفِرَارِ وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ لَمْ تَرِثْ وَقَالَ زُفَرُ تَرِثُ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَكَانَ تَطْلِيقًا بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ وَلَنَا أَنَّهُ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ حُكْمًا لَا قَصْدًا، وَلِهَذَا لَوْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ مَجْنُونٌ يَقَعُ، وَلَوْ كَانَ قَصْدًا لَمَا وَقَعَ لِعَدَمِ الْقَصْدِ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ بَعْدَ مَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ كَانَ قَصْدًا لَحَنِثَ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ وَلَا هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَنْعِ فِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ وَمَجِيءِ الزَّمَانِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا وَالْفِرَارُ بِالتَّعَدِّي، وَلِهَذَا شَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ يَكُونَا فِي الْمَرَضِ بِقَوْلِهِ وَالتَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي مَرَضِهِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَتَرِثُ كَيْفَمَا كَانَ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ وَكَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاصِدًا إبْطَالَ حَقِّهَا بِالتَّعْلِيقِ وَالشَّرْطِ أَوْ بِالشَّرْطِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ لِلشَّرْطِ شَبَهًا بِالْعِلَلِ لِمَا أَنَّ الْوُجُودَ عِنْدَهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا مِنْ وَجْهٍ صِيَانَةً لِحَقِّهَا وَاضْطِرَارُهُ لَا يُبْطِلُ حَقَّ غَيْرِهِ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ أَوْ النَّوْمِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا فَإِنْ كَانَ فِعْلًا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ لَمْ تَرِثْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالشَّرْطِ وَالرِّضَا بِهِ يَكُونُ رِضًا بِالْمَشْرُوطِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ إنْ ضَرَبْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ كَانَ لِلضَّارِبِ أَنْ يُضَمِّنَ الْحَالِفَ مَعَ رِضَاهُ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ الْإِرْثُ يُثْبِتُ بِمَالِهِ شُبْهَةَ الْعُدْوَانِ فَيُبْطِلُ بِمَالِهِ شُبْهَةً بِالرِّضَا كَذَلِكَ الضَّمَانُ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ الرِّضَا بِالشَّرْطِ إنَّمَا يَكُونُ رِضًا بِالْمَشْرُوطِ إذَا كَانَ الْإِقْدَامُ عَلَى الشَّرْطِ بِاخْتِيَارِهِ وَمَسْأَلَةُ الضَّرْبِ مَوْضُوعَةٌ فِيمَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَضْرِبْهُ الْيَوْمَ فَهُوَ حُرٌّ، وَقَالَ شَرِيكُهُ إنْ ضَرَبْته فَهُوَ حُرٌّ فَكَانَ مُضْطَرًّا فِي الضَّرْبِ فَلَا يَكُونُ الرِّضَا بِهِ رِضًا بِالْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَكَلَامِ الْأَبَوَيْنِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَاسْتِيفَائِهِ تَرِثُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَا فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ هُوَ يَقُولُ إنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُبَاشِرْ الْعِلَّةَ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ وَلَا الشَّرْطَ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا وَبِهِ يَثْبُتُ الْفِرَارُ وَأَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّ رِضَاهَا قَدْ انْعَدَمَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَا تَجِدُ مِنْهُ بُدًّا وَذَلِكَ لَا يَجْعَلُهُ فَارًّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ كَمَا قُلْنَا فِي التَّعْلِيقِ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ وَمَجِيءِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُمَا يَقُولَانِ أَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي تَحْصِيلِ الشَّرْطِ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تُقْدِمْ يَخَافُ عَلَى دِينِهَا أَوْ نَفْسِهَا وَإِنْ أَقْدَمَتْ يَسْقُطُ حَقُّهَا وَهَذَا الِاضْطِرَارُ مِنْ جِهَتِهِ فَيُنْقَلُ إلَيْهِ كَمَا يُنْقَلُ إلَى الْمُكْرَهِ وَإِلَى الشَّاهِدِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْقَاضِي شَيْءٌ عِنْدَ رُجُوعِهِمْ وَلَا عَلَى الْمُكْرَهِ فَإِنْ قِيلَ الضَّرُورَةُ الَّتِي تُوجِبُ نَقْلَ الْفِعْلِ هِيَ الضَّرُورَةُ الْحَامِلَةُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ مَانِعَةٌ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْمَنْعُ مِنْ تَحْصِيلِ الطَّلَاقِ فَكَيْفَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ قُلْنَا لَمَّا ثَبَتَتْ الضَّرُورَةُ ثَبَتَتْ شُبْهَةُ النَّقْلِ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ لِهَذَا الْحُكْمِ لِثُبُوتِهِ بِشُبْهَةِ الْعُدْوَانِ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى عَلَّقَهُ بِمَجِيءِ الزَّمَانِ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ يُشْتَرَطُ فِيهِ لِإِرْثِهَا أَنْ يُوجَدَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ كَمَا شَرَطَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ عَلَّقَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يُوجَدَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ أَوْ الشَّرْطُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ بِأَنْ قَالَ إذَا دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إذَا صَلَّى فُلَانٌ الظُّهْرَ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ كَالْمُنَجَّزِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ السَّابِقَ يَصِيرُ تَعْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ حُكْمًا لَا قَصْدًا وَلَا ظُلْمَ إلَّا عَنْ قَصْدٍ فَلَا يُرَدُّ تَصَرُّفُهُ، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِرَارُ فَلَا تَرِثُ بَيَانُهُ أَنَّهُ حِينَ عَلَّقَ كَانَ صَحِيحًا وَلَمْ يَكُنْ حَقُّ الْمَرْأَةِ مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ فَلَمْ يُوجَدْ الْفِرَارُ وَحِينَ وُجِدَ الشَّرْطُ لَمْ يُوجَدْ فِعْلٌ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَمْرٌ سَمَاوِيٌّ، أَوْ فِعْلُ الْأَجْنَبِيِّ وَالزَّوْجُ لَيْسَ بِقَادِرٍ عَلَى إبْطَالِ التَّعْلِيقِ وَلَا عَلَى مَنْعِ الْفِعْلِ السَّمَاوِيِّ وَلَا عَلَى مَنْعِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ إيجَادِ الشَّرْطِ فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا فَلَا تَرِثُ لِعَدَمِ قَصْدِ الْعُدْوَانِ مِنْ الزَّوْجِ اهـ. (قَوْلُهُ حُكْمًا) أَيْ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ الْمَشْرُوطِ لَا أَنَّهُ قَصَدَ الْإِيقَاعَ عِنْدَ الشَّرْطِ حَتَّى يَكُونَ فَارًّا اهـ. (قَوْلُهُ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا إلَخْ) لَفْظَةُ مَا لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ فِعْلًا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ) أَيْ كَكَلَامِ زَيْدٍ وَنَحْوِهِ اهـ. (قَوْلُهُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ) أَيْ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَبِهِ يَثْبُتُ) أَيْ بِالتَّعَدِّي اهـ. (قَوْلُهُ فَيُنْقَلُ إلَيْهِ) أَيْ فَصَارَ كَأَنَّ الْفِعْلَ وُجِدَ مِنْ الزَّوْجِ فَتَرِثُ اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا يُنْقَلُ إلَى الْمُكْرَهِ) أَيْ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ اهـ. .

وَحْدَهُ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُمَا فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطِ فَقَطْ وَإِنْ عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ أَوْ الشَّرْطُ وَحْدَهُ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَهُمَا فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطِ. وَقَوْلُهُ وَفِي غَيْرِهَا لَا أَيْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرْنَا لَا تَرِثُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الصِّحَّةِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ أَوْ كَيْفَمَا كَانَ إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا الَّذِي لَهَا مِنْهُ بُدٌّ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ فَصَحَّ فَمَاتَ أَوْ أَبَانَهَا فَارْتَدَّتْ فَأَسْلَمَتْ فَمَاتَ لَمْ تَرِثْ) أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُ بِالْبُرْءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ وَأَنَّ حَقَّهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ إذْ مَرَضُ الْمَوْتِ هُوَ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْمَوْتُ وَمَا بَرِئَ مِنْهُ لَيْسَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ، وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ تَبَرُّعَاتُهُ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ، وَقَالَ زُفَرُ تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْفِرَارِ حِينَ طَلَّقَهَا ظَانًّا أَنَّهُ مَرَضُ الْمَوْتِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْبُرْءِ الْمُتَخَلِّلِ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهَا بِالِارْتِدَادِ أَبْطَلَتْ أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ إذْ الْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَرِثُ بِتَقْدِيرِ بَقَاءِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ فَلَمْ يَبْقَ النِّكَاحُ سَبَبًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ فِي حَقِّهَا فَبَطَلَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ عَوْدُ السَّبَبِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ حَيْثُ تَعُودُ إذَا أَسْلَمَتْ لِأَنَّ سُقُوطَهَا لِفَوَاتِ الِاحْتِبَاسِ بِحَبْسِ الزَّوْجِ لِأَنَّهَا تَكُونُ مَحْبُوسَةً بِحَبْسِ الْقَاضِي فَإِذَا أَسْلَمَتْ عَادَتْ إلَى حَبْسِهِ فَتَعُودُ النَّفَقَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ طَاوَعَتْ ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ لَاعَنَ أَوْ آلَى مَرِيضًا وَرِثَتْ) أَمَّا الْمُطَاوَعَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا الْمُطَاوَعَةُ بَعْدَ مَا أَبَانَهَا أَمَّا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالْمُطَاوَعَةِ لَا تَرِثُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا، وَكَذَا إذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ طَاوَعَتْ لَا تَرِثُ لِمَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ فَتَكُونُ الْحُرْمَةُ مُضَافَةً إلَى الْمُطَاوَعَةِ وَهُوَ فِعْلُهَا بِاخْتِيَارِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا طَاوَعَتْ بَعْدَ مَا أَبَانَهَا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَبَتَتْ بِفِعْلِهِ فَصَارَ بِهِ فَارًّا لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ وَلَا يَبْطُلُ بِثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُنَافِي الْإِرْثَ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ بَعْدَ الْإِبَانَةِ؛ لِأَنَّهَا تُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ إذْ الْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا. وَأَمَّا اللِّعَانُ فَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ بِسَبَبِ قَذْفٍ وُجِدَ مِنْهُ فَكَانَ فَارًّا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا قَذَفَهَا فِي الصِّحَّةِ وَلَاعَنَهَا فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ، وَهَذَا مُلْحَقٌ بِفِعْلِهَا الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ إذْ هِيَ مُلْجَأَةٌ إلَى اللِّعَانِ لِدَفْعِ عَارِ الزِّنَا عَنْ نَفْسِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَيَانَ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِلِعَانِهَا وَهُوَ آخِرُ اللِّعَانَيْنِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَكَيْفَ يُضَافُ إلَى فِعْلِهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ اللِّعَانُ شَهَادَةٌ عِنْدَنَا وَالْحُكْمُ بِهَا لَا بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَلْجَأٌ فَكَانَ مَنْسُوبًا إلَيْهَا وَهِيَ مُضْطَرَّةٌ فِيهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهَا بِهِ. وَأَمَّا الْإِيلَاءُ فَالْمُرَادُ بِهِ إذَا آلَى فِي الْمَرَضِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ مَرِيضٌ. وَأَمَّا إذَا آلَى وَهُوَ صَحِيحٌ وَبَانَتْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ لَاعَنَ أَوْ آلَى مَرِيضًا وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهَا إذَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ بَائِنٌ وَقَدْ بَيَّنَّا الْحُكْمَ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ فِي الْإِيلَاءِ فِي الصِّحَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَارًّا لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إبْطَالِهِ بِالْفَيْءِ فَإِذَا لَمْ يَفِئْ حَتَّى بَانَتْ كَانَ قَاصِدًا لِإِبْطَالِ حَقِّهَا فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ فَتَرِثُ كَمَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي الصِّحَّةِ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي مَرَضِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ مُبَاشِرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْعَزْلِ قُلْنَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَيْءِ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مُطْلَقًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَمْ يَبْقَ النِّكَاحُ سَبَبًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ) أَيْ إذْ بِارْتِدَادِهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ مَا بَطَلَ النِّكَاحُ اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ) أَيْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالْمُطَاوَعَةِ لَا تَرِثُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْرَهَهَا ابْنُ زَوْجِهَا فَغَلَبَ عَلَى نَفْسِهَا حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهَا الْمِيرَاثُ إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمَّا إذَا طَاوَعَتْ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ الْفُرْقَةِ، وَكَذَا إذَا أَكْرَهَهَا ابْنُ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا بَطَلَ بِالْمَحْرَمِيَّةِ الْحَاصِلَةِ بِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ لَمْ يُصَادِفْ طَلَاقُ الزَّوْجِ مَحَلًّا فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا إلَّا إذَا أَمَرَ ابْنَهُ بِذَلِكَ فَأَكْرَهَهَا حَيْثُ يَكُونُ لَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ صَارَ قَاصِدًا إلَى إسْقَاطِ حَقِّهَا فَصَارَ فَارًّا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُرِيدُ بَعْدَ مَا أَبَانَهَا فَلَا يَبْطُلُ مِيرَاثُهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لِلْإِرْثِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهَا وَإِنَّمَا تَكَرَّرَ سَبَبُ الْفِرَارِ مِنْ الزَّوْجِ أَعْنِي الرِّدَّةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَبِهِ يَتَقَرَّرُ حَقُّهَا وَلَا يَبْطُلُ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنَافِي الْإِرْثَ) أَيْ، وَلِهَذَا يَرِثُ الْمَحْرَمُ مِنْ الْمَحْرَمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ) أَيْ وَلَاعَنَ فِي الْمَرَضِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ) أَيْ وَزُفَرُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَاعَنَهَا فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ) أَيْ لِعَدَمِ الْفِرَارِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ قَذْفُ الرَّجُلِ وَلَمْ يَكُنْ قَذْفُهُ فِي زَمَانِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا آلَى وَهُوَ صَحِيحٌ) أَيْ بِأَنْ قَالَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَرِضَ ثُمَّ مَضَتْ الْمُدَّةُ فِي الْمَرَضِ وَحَصَلَتْ الْبَيْنُونَةُ لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تُضَافُ إلَى الْإِيلَاءِ وَقَدْ وُجِدَ الْإِيلَاءُ فِي الصِّحَّةِ وَلَمْ يَصْنَعْ الزَّوْجُ فِي الْمَرَضِ شَيْئًا مِنْ مُبَاشَرَةِ عِلَّةٍ أَوْ شَرْطٍ اهـ رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ وَبَانَتْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا) أَيْ اتِّفَاقًا وَيَحْتَاجُ الشَّيْخَانِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا قَذَفَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَاعَنَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ حَيْثُ قَالَا لَهَا الْمِيرَاثُ وَفَرَّقَ لَهُمَا بِأَنَّ الْقَذْفَ مَحْظُورٌ فَجُوزِيَ بِرَدِّ قَصْدِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَرْتَكِبْ بِهِ مَحْظُورًا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ اهـ. .

[باب الرجعة]

عَزْلِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى عَزْلِهِ حَتَّى أَبَانَهَا لَمْ تَرِثْ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ آلَى فِي صِحَّتِهِ وَبَانَتْ بِهِ فِي مَرَضِهِ لَا) أَيْ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ فِي مَرَضِهِ لَا تَرِثُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ (بَابُ الرَّجْعَةِ) وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الطَّلَاقِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَجَعَلَهُ غَيْرَ قَاطِعٍ لِلْحَالِ تَكْمِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ بِحِكْمَتِهِ وَلُطْفِهِ بِعِبَادِهِ وَجَعَلَهُمْ مُتَمَكِّنِينَ مِنْ إبْطَالِ عَمَلِ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا فَالْآنَ نَشْرَعُ فِي بَيَانِ الرَّجْعَةِ وَوَقْتِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ اسْتِدَامَةُ الْقَائِمِ فِي الْعِدَّةِ) أَيْ الرَّجْعَةِ إبْقَاءَ النِّكَاحِ عَلَى مَا كَانَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] أَيْ لَهُمْ حَقُّ الرَّجْعَةِ لَا أَنْ يَكُونَ لَهَا أَوْ لِلْأَجْنَبِيِّ حَقٌّ فَيَكُونُ الْبَعْلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ أَلْبَتَّةَ وَلَا لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَا دَامَ حَقُّهُ بَاقِيًا وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى شَرْعِيَّةِ الرَّجْعَةِ وَعَدَمِ رِضَاهَا بِهَا وَاشْتِرَاطِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ بَعْدَ انْقِضَائِهَا لَا يُسَمَّى بَعْدُ وَلَا لَهُ حَقٌّ بَلْ هُوَ وَالْأَجْنَبِيُّ فِيهَا سَوَاءٌ وَلَا دَلَالَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ لِأَنَّ الرَّدَّ يُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِدَامَةِ يُقَالُ رَدَّ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ فَسَخَ وَهُوَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَخْرُجَ لَوْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ سُمِّيَ رَدًّا فَكَذَا هُنَا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَالْإِمْسَاكُ هُوَ الْإِبْقَاءُ فَيَكُونُ أَقْوَى دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِدَامَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ إنْ لَمْ يُطَلِّقْ ثَلَاثًا، وَلَوْ لَمْ تَرْضَ بِرَاجَعْتُكِ أَوْ رَاجَعْت امْرَأَتِي وَبِمَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) أَيْ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إنْ لَمْ يُطَلِّقْ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ ثَلَاثًا بِغَيْرِ رِضَاهَا بِقَوْلِهِ رَاجَعْتُك أَوْ رَاجَعْت امْرَأَتِي أَوْ بِفِعْلٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ كَالْوَطْءِ وَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ إلَى دَاخِلِ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ أَمَّا صِحَّتُهَا فَثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. وَأَمَّا كَوْنُ الطَّلَاقِ غَيْرَ ثَلَاثٍ فَمِنْ شَرَائِطِهَا لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا تَحْرُمُ عَلَيْهِ حُرْمَةً غَلِيظَةً فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا الْمُرَاجَعَةُ، وَالطَّلْقَتَانِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ وَمِنْ شَرَائِطِهَا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ صَرِيحًا لَفْظًا أَوْ اقْتِضَاءً وَأَنْ لَا يَكُونَ اسْتَرَقَّهَا بِمَالٍ وَأَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ فِي الْعِدَّةِ، وَلِهَذَا لَمْ تُشْرَعْ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَأَمَّا صِحَّتُهَا بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فَلِأَنَّ اللَّفْظَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ صَرِيحَانِ فِيهَا، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى صِحَّتِهَا بِهِمَا وَمِنْ الصَّرِيحِ قَوْلُهُ ارْتَجَعْتُك أَوْ رَجَعْتُك أَوْ رَدَدْتُك أَوْ أَمْسَكْتُك وَمِنْ الْكِنَايَاتِ أَنْتِ عِنْدِي كَمَا كُنْت أَوْ قَالَ أَنْتِ امْرَأَتِي وَمَا عَدَاهَا مِنْ الْأَفْعَالِ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبْقَاءِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ تَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ فَيَكُونُ مُسْتَدِيمًا لِلْمِلْكِ كَمَا إذَا بَاعَ جَارِيَتَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ وَطِئَهَا يَكُونُ رَدًّا لِلْبَيْعِ وَمُسْتَبْقِيًا لَهَا عَلَى مِلْكِهِ، وَكَذَا وَطْءُ الْمَوْلَى جُعِلَ اسْتِبْقَاءً؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَطَأْهَا كَانَتْ تَبِينُ مِنْهُ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ أَخْرَسَ أَوْ مُعْتَقَلَ اللِّسَانِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ يُحَرِّمُ الْوَطْءَ عِنْدَهُ فَيَكُونُ مُثْبِتًا لِلْحِلِّ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ وَعِنْدَنَا لَا يُحَرِّمُ فَيَكُونُ اسْتِدَامَةً عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَكُلُّ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِدَامَةِ تَكُونُ بِهِ رَجْعِيَّةً وَهُوَ فِعْلٌ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ بِخِلَافِ النَّظَرِ وَالْمَسِّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحِلُّ لِلطَّبِيبِ وَالْقَابِلَةِ وَالْخَافِضَةِ وَتَحَمُّلِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا وَلَا يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا سِوَى الْفَرْجِ رَجْعَةً حَتَّى الدُّبُرَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْحَرَجِ فَلَوْ كَانَتْ رَجْعَةً لَطَلَّقَهَا وَطَالَ عِدَّتُهَا عَلَيْهَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ قِيلَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَجْعَةٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْقُدُورِيُّ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ رَجْعَةٌ، وَلَوْ قَبَّلَتْهُ أَوْ لَمَسَتْهُ أَوْ نَظَرَتْ إلَى فَرْجِهِ بِشَهْوَةٍ وَعَلِمَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَتَرَكَهَا حَتَّى فَعَلَتْ ذَلِكَ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ اخْتِلَاسًا مِنْهَا لَا بِتَمْكِينِهِ فَكَذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ رَجْعَةً وَجْهُ الْأَوَّلِ الِاعْتِبَارُ بِالْمُصَاهَرَةِ، وَلِهَذَا لَوْ أَدْخَلَتْ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا وَهُوَ نَائِمٌ كَانَتْ رَجْعَةً فَصَارَ كَالْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بِالْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ حَتَّى صَارَ فَسْخًا لِلْبَيْعِ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا تَكُونُ رَجْعَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ النِّكَاحِ فِي الْمَنْكُوحَةِ بَاطِلٌ لَغْوٌ فَلَا يَثْبُتُ مَا فِي ضِمْنِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ رَجْعَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الرَّجْعَةِ] ِ) هِيَ مَصْدَرٌ مِنْ رَجَعَ يَرْجِعُ اهـ ع لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الطَّلَاقِ، وَذَكَرَ صِفَةَ مَوْقِعَهُ صِحَّةً وَمَرَضًا شَرَعَ فِي بَيَانِ الرَّجْعَةِ لِلْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَقْتَضِي سَابِقَةَ الطَّلَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُطَلِّقْ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ ثَلَاثًا بِغَيْرِ رِضَاهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ النَّصَّ مُطْلَقٌ. اهـ. رَازِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا، وَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ رِضَا الْوَلِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الرِّضَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] فَلَوْ كَانَ رِضَاهَا مُعْتَبَرًا لَمْ يَكُنْ الْبَعْلُ أَحَقَّ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا لَا تَرْضَى بِالرَّجْعَةِ، وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ وُضِعَتْ لِاسْتِدْرَاكِ الزَّوْجِ حَقَّهُ مِنْ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] فَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَرْأَةِ وَالْوَلِيِّ كَالْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا عَدَاهَا مِنْ الْأَفْعَالِ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبْقَاءِ) سَيَأْتِي فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ بِالْفِعْلِ خِلَافُ السُّنَّةِ. اهـ. (فَرْعٌ) التَّقْبِيلُ بِالشَّهْوَةِ وَنَحْوِهِ يَكُونُ رَجْعَةً وَإِنْ نَادَى الزَّوْجُ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَمِ الرَّجْعَةِ اهـ كَمَالٌ قُبَيْلَ مَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ اهـ

وَرَجْعَةُ الْمَجْنُونِ بِالْفِعْلِ وَلَا تَصِحُّ بِالْقَوْلِ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ بِهِمَا. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِشْهَادُ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا) أَيْ الْإِشْهَادُ عَلَى الرَّجْعَةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا احْتِرَازًا عَنْ التَّجَاحُدِ وَعَنْ الْوُقُوفِ فِي مَوَاضِعِ التُّهَمِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ عَرَفُوهُ مُطْلَقًا فَيُتَّهَمُ بِالْقُعُودِ مَعَهَا وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى رَجْعَتِهَا صَحَّتْ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَصِحُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَلَنَا النُّصُوصُ الْمُطْلَقَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ} [البقرة: 231]، {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْإِشْهَادِ وَاشْتِرَاطُهَا زِيَادَةٌ وَهِيَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِهِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ فِيهَا وَالرَّجْعَةُ اسْتِدَامَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلِهَذَا كَانَ بَاقِيًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَاللِّعَانِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ وَتَنَاوَلَهَا قَوْلُهُ زَوْجَاتِي طَوَالِقُ وَجَوَازُ الِاعْتِيَاضِ بِالْخُلْعِ وَمُرَاجَعَةُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ رِضَاهَا وَلَفْظَةُ الْإِنْكَاحِ وَالْوَلِيِّ وَالشَّهَادَةِ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ كَمَا فِي الْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ وَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْمُفَارَقَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ فَكَذَا فِي الرَّجْعَةِ لِاسْتِحَالَةِ إرَادَةِ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يَحْتَمِلُ النَّدْبَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6]، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ عِنْدَنَا وَالْعَجَبُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ الْإِشْهَادَ فِي الرَّجْعَةِ اعْتِبَارًا بِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَلَا يَشْتَرِطُونَ رِضَاهَا وَلَا تَجْدِيدَ الْمَهْرِ وَلَا الْوَلِيَّ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّ مَالِكًا يَشْتَرِطُ فِيهَا الْإِشْهَادَ وَلَا يَشْتَرِطُهُ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعْلِمَهَا بِالْمُرَاجَعَةِ كَيْ لَا تَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ يَعْنِي بِالتَّزَوُّجِ بِغَيْرِهِ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَكُونُ بِدُونِ الْعِلْمِ وَفِي الْغَايَةِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمَعْصِيَةُ بِغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ حَتَّى تَسْأَلَ عَنْ ارْتِجَاعِهِ لِانْفِرَادِهِ بِهِ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ سُؤَالٍ وَقَعَتْ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهَا السُّؤَالَ، وَالْمَعْصِيَةُ بِالْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ عِنْدَهَا. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْعِدَّةِ رَاجَعْتُك فِيهَا فَصَدَّقَتْهُ تَصِحُّ وَإِلَّا لَا كَرَاجَعْتُكِ فَقَالَتْ مُجِيبَةً مَضَتْ عِدَّتِي) أَيْ لَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كُنْت رَاجَعْتُك فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ صَدَّقَتْهُ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ لَا تَصِحُّ كَمَا لَا تَصِحُّ فِي قَوْلِهِ لَهَا رَاجَعْتُك يُرِيدُ بِهِ الْإِنْشَاءَ فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُ مُدَّعِي مَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ وَهِيَ مُنْكِرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهُ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ يَثْبُتُ النِّكَاحُ فَالرَّجْعَةُ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ فَلَا يَكُونُ مُتَّهَمًا فِيهِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قَالَ بِعْته مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ قَبْلَ الْعَزْلِ لَا بَعْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ ظَاهِرًا مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَائِهَا وَسَقَطَتْ بِالرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَبْقَى مَعَهَا وَإِخْبَارُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُحَالِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَجَابَتْهُ بَعْدَ سَكْتَةٍ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الرَّجْعَةَ صَادَقَتْ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَرَجْعَةُ الْمَجْنُونِ بِالْفِعْلِ) وَيُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا وَهُوَ مُفِيقٌ ثُمَّ جُنَّ اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْإِشْهَادُ مَنْدُوبٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ اهـ ع وَصُورَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ لِاثْنَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ رَاجَعْت امْرَأَتِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَصِحُّ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2]. (قَوْلُهُ وَلَنَا النُّصُوصُ الْمُطْلَقَةُ إلَخْ)، وَهَذَا لَوْ دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ لَلَزِمَ التَّعَارُضُ وَالتَّدَافُعُ، وَالتَّعَارُضُ خِلَافُ الْأَصْلِ فَيُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِئَلَّا يَلْزَمَ بُطْلَانُ صِفَةِ الْإِطْلَاقِ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجْرِي عَلَى سَنَنِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَهِيَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالثَّانِي أَنَّ الْإِشْهَادَ مَقْرُونٌ بِالْمُفَارَقَةِ وَالرَّجْعَةِ جَمِيعًا ثُمَّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ مُسْتَحَبٌّ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْوُجُوبُ عِنْدَ الرَّجْعَةِ لِلُزُومِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ وَذَاكَ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ الْأَمْرِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالْوُجُوبِ وَبَعْضُهُمْ بِالنَّدْبِ وَبَعْضُهُمْ بِالْإِبَاحَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ مُوجِبَهُ الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ جَمِيعًا وَكَانَ مِنْهُمْ إجْمَاعًا عَلَى أَنَّ إرَادَةَ الْآخَرَيْنِ جَمِيعًا عَلَى الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبُ لَا يَجُوزُ اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعْلِمَهَا بِالْمُرَاجَعَةِ كَيْ لَا تَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ) أَيْ وَذَاكَ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَعْلَمْ الرَّجْعَةَ رُبَّمَا تَتَزَوَّجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ رَجُلًا بِنَاءً عَلَى الطَّلَاقِ السَّابِقِ فَتَقَعُ فِي الْحَرَامِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قُبَيْلَ بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ الرَّجْعَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ فَالسُّنِّيُّ هُوَ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ وَيُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَيُعْلِمَهَا وَلَوْ رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ وَلَمْ يُشْهِدْ أَوْ أَشْهَدَ وَلَمْ يُعْلِمْهَا كَانَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَإِذَا كَتَمَهَا الطَّلَاقَ ثُمَّ رَاجَعَهَا وَكَتَمَهَا الرَّجْعَةَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ أَسَاءَ فِيمَا صَنَعَ وَإِنَّمَا قَالَ أَسَاءَ لِتَرْكِ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ الْإِشْهَادُ وَالْإِعْلَامُ اهـ. . (قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ) أَيْ فَكَانَ مُتَّهَمًا إلَّا أَنَّ بِالتَّصْدِيقِ تَرْتَفِعُ التُّهْمَةُ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً) أَيْ، وَقَالَ كُنْت رَاجَعْتُك أَمْسِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجْعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ بِلَا يَمِينٍ وَعِنْدَهُمَا مَعَ الْيَمِينِ اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ الْعِدَّةَ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ ظَاهِرًا) أَيْ عَمَلًا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

فَلَا تَصِحُّ، وَهَذَا لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهَا فَإِذَا أَخْبَرَتْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى سَبْقِ الِانْقِضَاءِ وَأَقْرَبُ أَحْوَالِهِ حَالَ قَوْلِ الزَّوْجِ رَاجَعْتُك فَتَكُونُ مُقَارِنَةً لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا تَصِحُّ بِخِلَافِ مَا إذَا سَكَتَتْ ثُمَّ أَخْبَرَتْ بِالِانْقِضَاءِ؛ لِأَنَّ أَقْرَبَ الْأَحْوَالِ فِيهَا حَالُ السَّكْتَةِ فَيُضَافُ إلَيْهِ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا أَنْ تُخْبِرَ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ لَوْ كَانَ الِانْقِضَاءُ ثَابِتًا وَالتَّأْخِيرُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ فَتَكُونُ مُتَّهَمَةً بِالْإِخْبَارِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ عَزَلْتُك فَقَالَ الْوَكِيلُ بِعْته مِنْ فُلَانٍ حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ مُقَارِنًا لِعَزْلِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَا يُصَدَّقُ وَمَسْأَلَةُ الطَّلَاقِ عَلَى الْخِلَافِ فَلَا يَقَعُ عِنْدَهُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ انْقِضَاءِ عِدَّتِك وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ لِإِقْرَارِهِ بِالْوُقُوعِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كُنْت طَلَّقْتُك فِي الْعِدَّةِ وَلَا يُقَالُ كَانَ قَوْلُهَا يَقْتَضِي سَبْقَ الِانْقِضَاءِ. وَقَوْلُهُ أَيْضًا يَقْتَضِي سَبْقَ الرَّجْعَةِ فَلَا يَكُونُ مُقَارِنًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَوْلُهُ رَاجَعْتُك إنْشَاءٌ وَهُوَ إثْبَاتُ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَسْتَدْعِي سَبْقَ الرَّجْعَةِ وَقَوْلُهَا انْقَضَتْ عِدَّتِي إخْبَارٌ وَهُوَ إظْهَارُ أَمْرٍ قَدْ كَانَ فَيَقْتَضِي سَبْقَ الِانْقِضَاءِ ضَرُورَةً وَتَسْتَحْلِفُ الْمَرْأَةُ هُنَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ أَنَّ الْيَمِينَ فَائِدَتُهَا النُّكُولُ وَهُوَ بَذْلٌ عِنْدَهُ وَبَذْلُ الِامْتِنَاعِ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالِاحْتِبَاسِ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ جَائِزٌ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ فَإِنَّ بَذْلَهَا لَا يَجُوزُ فِيهَا ثُمَّ إذَا نَكَلَتْ ثَبَتَتْ الرَّجْعَةُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعِدَّةِ لِنُكُولِهَا ضَرُورَةً بِمَنْزِلَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ بِنَاءً عَلَى شَهَادَتِهَا بِالْوِلَادَةِ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ الْعِدَّةِ رَاجَعْت فِيهَا فَصَدَّقَهُ سَيِّدُهَا وَكَذَّبَتْهُ أَوْ قَالَتْ مَضَتْ عِدَّتِي وَأَنْكَرَا فَالْقَوْلُ لَهَا) أَيْ لَوْ قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كُنْت رَاجَعْتهَا فِي الْعِدَّةِ فَصَدَّقَهُ مَوْلَاهَا وَكَذَّبَتْهُ الْأَمَةُ أَوْ اخْتَلَفُوا فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَقَالَتْ انْقَضَتْ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى انْقِضَاءَهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ مِلْكُهُ وَهُوَ خَالِصُ حَقِّهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ فَيُصَدَّقُ كَإِقْرَارِهِ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ وَهِيَ تُنْكِرُ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَصَرُّفٌ فِي الْبُضْعِ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمَوْلَى كَإِنْشَاءِ النِّكَاحِ وَلَهُ أَنَّ الرَّجْعَةَ تُبْتَنَى عَلَى قِيَامِ الْعِدَّةِ وَالْقَوْلُ فِي الْعِدَّةِ قَوْلُهَا فَكَذَا فِيمَا يَبْتَنِي عَلَيْهَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْبُضْعَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ بَلْ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِيهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالنِّكَاحِ وَالْإِنْشَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ ثَابِتٌ عِنْدَ التَّصَرُّفِ فَيَنْفُذُ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ بِأَنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى وَصَدَّقَتْهُ الْأَمَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى وَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ إجْمَاعًا فِي الصَّحِيحِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّهَا مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ فِي الْحَالِ فَظَهَرَ مِلْكُ الْمَوْلَى فِي الْبُضْعِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي إبْطَالِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالتَّصْدِيقِ فِي الرَّجْعَةِ مُقِرٌّ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ عِنْدَهَا وَلَا يَظْهَرُ مِلْكُهُ مَعَ الْعِدَّةِ، وَقِيلَ هِيَ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ مَا حَتَّى يَتَّفِقَ الْمَوْلَى وَالْأَمَةُ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِحَالِهَا وَهِيَ أَمِينَةٌ فِيهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ دُونَ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ، وَلِهَذَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَنِّي حَائِضٌ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الْوَطْءِ عَلَيْهِمَا وَفِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَنْقَطِعُ إنْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ الْآخَرِ لِعَشَرَةٍ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَلِأَقَلَّ لَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ وَقْتُ صَلَاةٍ) أَيْ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا تَنْقَطِعُ حَتَّى تَغْتَسِلَ إنْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَبِتَمَامِهَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ طَهُرَتْ أَوْ لَمْ تَطْهُرْ وَإِنَّمَا شُرِطَتْ الطَّهَارَةُ فِيهِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ إنْ طَهُرَتْ لِتَمَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى سَبْقِ الِانْقِضَاءِ) أَيْ عَلَى الرَّجْعَةِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَتُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ هُنَا بِالْإِجْمَاعِ) هَكَذَا مَشَى عَلَيْهِ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الرَّجْعَةَ صَحَّتْ عَلَى قَوْلِهِمَا فَعَلَامَ تَحْلِفُ وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْيَمِينِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَقْطَعُ فِي شَرْحِهِ وَالْأَتْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلُ قَوْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الْيَمِينِ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ أَبِي نَصْرٍ وَخُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ؛ لِأَنَّهَا بِنُكُولِهَا تَبْذُلُ الِامْتِنَاعَ مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْ مَنْزِلِ الزَّوْجِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَصِحُّ بَذْلُهُ وَأَوْرَدَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ إذَا نَكَلَتْ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ وَالرَّجْعَةُ لَا يَصِحُّ بَذْلُهَا قِيلَ الرَّجْعَةُ لَا تَثْبُتُ بِنُكُولِهَا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِنُكُولِهَا الْعِدَّةُ وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ لَا بِبَذْلِهَا كَمَا نَقُولُ إنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ عِنْدَ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْوِلَادَةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ بِشَهَادَتِهَا ثُمَّ إنَّمَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ صَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَتُسْتَحْلَفُ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَتُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ هُنَا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ عِدَّتَهَا كَانَتْ مُنْقَضِيَةً حَالَ إخْبَارِهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ تُسْتَحْلَفْ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَمْ يُرَاجِعْهَا فِي الْعِدَّةِ. اهـ. كَمَالٌ. . (قَوْلُهُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ وَقَوْلُ زُفَرَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ بُضْعِهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى، وَالزَّوْجُ مُتَّهَمٌ فِي الرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّهَا مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ فَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ بِلَا تَصْدِيقِ الْمَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ) يَعْنِي أَنَّ الْغَالِبَ فِيمَنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا الِاغْتِسَالُ عَادَةً اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ إلَخْ) أَقُولُ هَذَا تَقْدِيرٌ ثَانٍ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُغَايِرٌ لِمَا قَدَّمَهُ وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي يَكُونُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِعَشَرَةٍ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لِتَمَامِ عَشَرَةٍ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ عَلَى هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِطَهُرَتْ وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ لَيْسَ فِيهِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ بِعَشَرَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ بِالِانْقِطَاعِ وَذَلِكَ الْمَحْذُوفُ مُتَعَلِّقٌ بِطَهُرَتْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي

الْعَشَرَةِ أَيْ لِأَجْلِ أَنَّهَا تَمَّتْ لَا لِانْقِطَاعِ الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِانْقِطَاعُ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا اسْتِحَاضَةٌ فَوُجُودُ الِانْقِطَاعِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَشَرَةِ كَعَدَمِهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ لِعَشَرَةٍ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ فِي الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ وَكَانَ لَهَا عَادَةٌ تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الرَّجْعَةَ انْقَطَعَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ يُحْتَمَلُ عَوْدُ الدَّمِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعَضَّدَ الِانْقِطَاعُ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الطِّهَارَاتِ وَذَلِكَ بِالِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهَا بِهِ الْقِرَاءَةُ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ وَالصَّلَاةُ وَغَيْرُهَا أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ وَهُوَ قَدْرُ مَا تَقْدِرُ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ وَمَا دُونَ ذَلِكَ مُلْحَقٌ بِمُدَّةِ الْحَيْضِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ؛ لِأَنَّ دَمَهَا يُتَوَهَّمُ عَوْدُهُ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ الزَّوْجُ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ قُلْنَا الْمَوْهُومُ لَا يُعَارِضُ الْمُحَقَّقَ كَمَا إذَا اغْتَسَلَتْ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ إنَّمَا انْقَطَعَتْ بِهِ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ عَلَيْهَا وَهِيَ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ فَيَتَعَدَّى إلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً حَيْثُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ وَيَحِلُّ قُرْبَانُهَا وَإِنْ تَوَهَّمَ عَوْدَ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الْمَوْهُومُ أَصْلًا وَلَا يُعَارِضُ الْمُحَقَّقَ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ فِي الْمُسْلِمَةِ بِالْأَثَرِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ الْكَافِرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَلِأَنَّ الْأَمَارَةَ الزَّائِدَةَ مُتَعَذِّرَةٌ فِي حَقِّهَا فَلَا تُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمَةِ، وَلَوْ اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ لَكِنَّهَا لَا تُصَلِّي حَتَّى تَغْتَسِلَ بِمَاءٍ آخَرَ أَوْ تَتَيَمَّمَ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَةِ ذَلِكَ الْمَاءِ احْتِيَاطًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَتَيَمَّمَ وَتُصَلِّيَ) أَيْ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ حَتَّى تَتَيَمَّمَ وَتُصَلِّيَ بِهِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلِأَقَلَّ لَا حَتَّى تَغْتَسِلَ إلَخْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ بِمُجَرَّدِ التَّيَمُّمِ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الِاغْتِسَالِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَجَوَازِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ بِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُكْمِ بِجَوَازِ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى أَدَائِهَا إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ فَإِذَا كَانَ كَالِاغْتِسَالِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ فَكَذَا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الرَّجْعَةِ يُؤْخَذُ فِيهِ بِالِاحْتِيَاطِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ اغْتَسَلَتْ وَبَقِيَتْ لُمْعَةٌ فِي جَسَدِهَا لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ أَوْ اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَدَاءُ الصَّلَاةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِكَوْنِهِ تَلْوِيثًا حَقِيقَةً وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِيَقِينٍ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الْمَاءُ كَانَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ وَإِنَّمَا جُعِلَ طَهَارَةً ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ كَيْ لَا تَتَضَاعَفَ الْوَاجِبَاتُ عَلَيْهَا، وَالثَّابِتُ ضَرُورَةً يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَهِيَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ وَتَوَابِعِهَا مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَكَانَ فِي حَقِّ الرَّجْعَةِ عَدَمًا إلَّا إذَا حَكَمْنَا بِجَوَازِ الصَّلَاةِ بِالْأَدَاءِ فَيَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهَا ضَرُورَةً صِحَّةَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ الطَّاهِرَاتِ فَيَلْزَمُهُ انْقِطَاعُ الرَّجْعَةِ ضَرُورَةً حَكَمْنَا بِهَا وَقَبْلَ الْأَدَاءِ لَا يُحْكَمُ لَهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ حِلَّ الْإِقْدَامِ عَلَى الْأَدَاءِ مَشْرُوطٌ بِاسْتِمْرَارِ الْعَجْزِ، وَلِهَذَا تُعِيدُ الصَّلَاةَ إذَا وَجَدَتْ الْمَاءَ فِي خِلَالِ الْأَدَاءِ وَقَوْلُهُمْ حَلَّ لَهَا الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ كَقَوْلِهِمْ حَلَّ لَهَا الصَّلَاةُ إذَا طَهُرَتْ فَلَا يُنَافِي شَرْطًا آخَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا اغْتَسَلَتْ وَبَقِيَ فِي جَسَدِهَا لُمْعَةٌ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الرَّجْعَةِ هُنَا لِتَوَهُّمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَسُرْعَةِ الْجَفَافِ فَكَانَتْ طَهَارَةً مُطْلَقَةً قَوِيَّةً حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَتْ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ بِأَنْ تَرَكَتْهُ عَمْدًا لَا تَنْقَطِعُ أَيْضًا بِخِلَافِ الِاغْتِسَالِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ حَقِيقَةً فَيَكُونُ مُطَهِّرًا مُطْلَقًا لَكِنَّهَا تُؤْمَرُ بِضَمِّ التَّيَمُّمِ إلَيْهِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ احْتِيَاطًا لِاشْتِبَاهِ الْحَالِ فِيهِ ثُمَّ قِيلَ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ بَعْدَ شُرُوعِهَا فِي الصَّلَاةِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، وَلَوْ قَرَأَتْ بَعْدَ التَّيَمُّمِ أَوْ مَسَّتْ الْمُصْحَفَ أَوْ دَخَلَتْ الْمَسْجِدَ قَالَ الْكَرْخِيُّ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقِرَاءَةِ وَجَوَازَ مَسِّ الْمُصْحَفِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ كَجَوَازِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا أَتْبَاعٌ لِلصَّلَاةِ فَلَا يُعْطَى لَهَا حُكْمُهَا. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اغْتَسَلَتْ وَنَسِيَتْ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ تَنْقَطِعُ، وَلَوْ عُضْوًا لَا)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ أَنْ تَنْقَطِعَ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا غَسَلَتْ الْأَكْثَرَ وَلَهُ حُكْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَالَ الْمُطَالَعَةِ اهـ. . (قَوْلُهُ فَيَتَعَدَّى إلَيْهَا) أَيْ يَتَعَدَّى الرَّجْعَةَ حِينَ يَنْقَطِعُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ حَيْثُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ الدَّمِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ عَلَيْهَا غُسْلٌ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمَةِ إذَا اغْتَسَلَتْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لَكِنَّهَا لَا تُصَلِّي بِهِ) أَيْ وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَةِ ذَلِكَ إلَخْ) أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْقَوْلُ بِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ مُشْكِلٌ وَغَايَةُ مَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ، أَمَّا النَّجَاسَةُ فَلَا فَتَأَمَّلْ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَقَالَةِ الْآتِيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الِاغْتِسَالِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ حَقِيقَةً فَيَكُونُ مُطَهِّرًا مُطْلَقًا فَإِنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ يُنَافِي احْتِمَالَ النَّجَاسَةِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ) أَيْ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ اغْتَسَلَتْ وَبَقِيَتْ لُمْعَةٌ إلَخْ) وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ مَا لَمْ تُصَلِّ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ أَوْ يَمْضِ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةِ أَدْنَى الصَّلَوَاتِ إلَيْهَا. اهـ. شَرْحُ الطَّحَاوِيِّ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ اغْتَسَلَتْ وَنَسِيَتْ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ) وَالْعُضْوُ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَأَقَلُّ مِنْهُ كَالْأُصْبُعِ. اهـ. مُسْتَصْفَى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ بِمَا دُونَ الْعُضْوِ أَنْ يَبْقَى لُمْعَةٌ يَسِيرَةٌ نَحْوُ أُصْبُعٍ وَأُصْبُعَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.

الْكُلِّ وَفِيهِ قِيَاسٌ آخَرُ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَبْقَى فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَدَثِ لَا يَتَجَزَّأُ زَوَالًا كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا فَبَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ لَهَا مِنْ الْأَحْكَامِ مَا لَا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ وَفِي الْمَبْسُوطِ الْعُضْوُ وَمَا دُونَهُ سَوَاءٌ غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَحْسَنَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَوْضِعَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُضْوِ وَمَا دُونَهُ أَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ فَلَا يُتَيَقَّنُ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ فَقُلْنَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ احْتِيَاطًا وَلَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ حَتَّى تَغْسِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ احْتِيَاطًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْعُضْوِ الْكَامِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُغْفَلُ عَنْهُ عَادَةً وَلَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ غَالِبًا فَبَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ لِمَا قُلْنَا إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ التَّيَقُّنِ حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَتْ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا دُونَ الْعُضْوِ بِأَنْ تَرَكَتْهُ عَمْدًا لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ اغْتَسَلَتْ وَتَرَكَتْ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِبَقَاءِ عُضْوٍ كَامِلٍ وَعَنْهُ أَنَّهَا تَنْقَطِعُ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ احْتِيَاطًا لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ فِي الِاغْتِسَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِانْقِطَاعِ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ طَلَّقَ ذَاتَ حَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ، وَقَالَ لَمْ أَطَأْهَا رَاجَعَ) أَيْ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ بَعْدَ مَا وَلَدَتْ فِي عِصْمَتِهِ، وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا فَلَهُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ مَتَى ظَهَرَ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ يَوْمِ التَّزَوُّجِ جُعِلَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ الْوَطْءِ مِنْهُ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ فِي عِصْمَتِهِ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ يَوْمِ التَّزَوُّجِ جَعَلَ مِنْهُ حَتَّى ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَتَأَكَّدَ الْمِلْكُ وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ الْمُتَأَكِّدِ بِعَقِبِ الرَّجْعَةِ وَبَطَلَ زَعْمُهُ بِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ مَعَ ثُبُوتِ تَغَلُّظِ الْعُقُوبَةِ عِنْدَهُ فَهَذَا أَوْلَى وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْوِلَادَةُ قَبْلَ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ ذَاتَ حَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فَتَسْتَحِيلُ الرَّجْعَةُ فَإِنْ قِيلَ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ الرَّجْعَةِ لِإِنْكَارِهِ ذَلِكَ وَكَوْنِهِ مُكَذَّبًا شَرْعًا ضَرُورَةَ ثُبُوتِ النَّسَبِ فَلَا يُوجَدُ بَقَاءُ حَقِّهِ كَرَجُلٍ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ وَصَلَتْ إلَيْهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْحُكْمِ لِلْمُسْتَحِقِّ ثُمَّ بِصِحَّةِ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ قُلْنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِإِقْرَارِهِ هُنَا حَقُّ الْغَيْرِ وَالْمُوجِبُ لِلرَّجْعَةِ ثَابِتٌ وَهُوَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ الرَّجْعَةِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِرَدِّ زَعْمِهِ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ ظَالِمٌ وَلَهَا أَخَوَاتٌ كُلُّهَا تَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ مِنْهَا إذَا أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ قَالَ هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ وَكَذَّبَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْمُقِرُّ الْعَبْدَ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ وَإِنْ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْحُكْمِ بِصِحَّةِ شِرَائِهِ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ لَمْ أُجَامِعْهَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْجِمَاعِ وَثُبُوتُ النَّسَبِ دَلَالَةُ الْجِمَاعِ وَالصَّرِيحُ يَفُوقُهَا فَكَانَ أَوْلَى قُلْنَا الدَّلَالَةُ مِنْ الشَّارِعِ أَقْوَى مِنْ الصَّرِيحِ الصَّادِرِ مِنْ الْعَبْدِ لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ مِنْهُ دُونَ الشَّارِعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ خَلَا بِهَا، وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا) أَيْ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَثْبُتُ فِي الْمِلْكِ الْمُتَأَكِّدِ بِالْوَطْءِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إذْ لَمْ يَكُنْ مُكَذَّبًا شَرْعًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ أَنْ يَكُونَ مُكَذَّبًا شَرْعًا؛ لِأَنَّ تَأَكُّدَ الْمَهْرِ يَنْبَنِي عَلَى تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ وَهُوَ التَّخْلِيَةُ وَرَفْعُ الْمَوَانِعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وُسْعَهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْقَبْضِ لِعَجْزٍ عَنْهُ وَلَوْ شُرِطَ لَتَضَرَّرَتْ وَالْعِدَّةُ تَجِبُ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ الْوَطْءِ فَلَمْ يَكُنْ الْقَضَاءُ بِهِمَا قَضَاءً بِالدُّخُولِ فَلَمْ يَتَأَكَّدْ الْمِلْكُ وَالرَّجْعَةُ لَا تُمْلَكُ إلَّا فِي الْمِلْكِ الْمُتَأَكِّدِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ قَضَاءٌ بِالدُّخُولِ فَيَكُونُ الْمِلْكُ مُتَأَكِّدًا فَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ضَرُورَةَ تَأَكُّدِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ لِكَوْنِهِ مُكَذَّبًا شَرْعًا عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَاجَعَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَهَا لِأَقَلَّ مِنْ عَامَيْنِ صَحَّتْ تِلْكَ الرَّجْعَةُ) أَيْ رَاجَعَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَهِيَ مَا إذَا خَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ مَا قَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ وَلَدًا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ صَحَّتْ تِلْكَ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَتَرَكَتْ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ) الْوَاوُ هُنَا بِمَعْنَى أَوْ إذَا حَكَمَ فِي تَرْكِ أَحَدِهِمَا كَذَلِكَ قَالَهُ الْأَكْمَلُ وَالْأَتْقَانِيُّ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ) أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ وَلَدٍ) أَيْ مَعَهَا وَلَدٌ مَوْلُودٌ اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَ ذَلِكَ) أَيْ جَعْلُ الْحَمْلِ مِنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا قَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا) أَيْ ثُمَّ رَاجَعَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهَا اهـ. .

لَمَّا وَجَبَتْ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَظَهَرَ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ سَابِقًا عَلَى الطَّلَاقِ فَنَزَلَ وَاطِئًا فَيَكُونُ بِهِ مُكَذَّبًا شَرْعًا فَصَارَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ فَهِيَ رَجْعَةٌ) أَيْ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوِلَادَةِ الْأُولَى وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ صَارَتْ مُرَاجَعَةً؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِالْوِلَادَةِ الْأُولَى لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ الْوَلَدُ الثَّانِي مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ لِوُجُودِ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ انْتِفَاءُ الزِّنَا فَتَكُونُ مُرَاجَعَةً بِالْوَطْءِ الْحَادِثِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَيْثُ لَا تَكُونُ مُرَاجَعَةً؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَيْسَ بِحَادِثٍ بَعْدَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ عَلَيْهَا بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَهِيَ حَامِلٌ بِالثَّانِي فَتَنْقَضِي بِوَضْعِهِ الْعِدَّةُ نَظِيرُهُ مَا إذَا طَلَّقَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُلَّمَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةً فِي بُطُونٍ فَالْوَلَدُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ رَجْعَةٌ) لِأَنَّهَا بِوِلَادَةِ الْأَوَّلِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فَصَارَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ ثُمَّ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ آخَرَ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَلَوْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ عُلُوقٍ حَدَثَ فَتَثْبُتُ بِهِ الرَّجْعَةُ وَتَقَعُ طَلْقَةٌ أُخْرَى بِوِلَادَتِهِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَتَكُونُ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ ثُمَّ إذَا جَاءَتْ بِالثَّالِثِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا بِوُقُوعِ الثَّانِيَةِ لِمَا قُلْنَا وَتَقَعُ طَلْقَةٌ ثَالِثَةٌ بِوِلَادَتِهِ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَتَكُونُ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ، وَلَوْ جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَلَدٍ فِي بَطْنٍ آخَرَ لَا تَثْبُتُ الْمُرَاجَعَةُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ إلَّا إذَا ادَّعَاهُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ الْقَوْلُ بِالرَّجْعَةِ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثِ يُؤَدِّي إلَى حَمْلِ فِعْلِهِمَا عَلَى الْحَرَامِ عَلَى بَعْضِ وُجُوهِهِ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ النِّفَاسِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوِلَادَةِ لِأَكْثَرَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ وَطِئَهَا فِي النِّفَاسِ وَهُوَ حَرَامٌ وَالْمُسْلِمُ لَا يَفْعَلُ الْحَرَامَ قُلْنَا لَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَمَ النِّفَاسِ قَدْ لَا يَمْتَدُّ وَقَدْ لَا يُوجَدُ أَصْلًا فَيُمْكِنُ وَطْؤُهَا وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِمَا قُلْنَا وَرِعَايَةُ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَاجِبَةٌ فَلَا يَعْرِضُ عَنْهَا بِالِاحْتِمَالِ، وَلِأَنَّ فِي قَطْعِهِ عَنْهُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا وَهُوَ أَشَدُّ حُرْمَةً مِنْ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ فِي بُطُونٍ يَحْتَرِزُ مَا إذَا كَانُوا فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهَا بِوَضْعِ الْأَوَّلِ تَقَعُ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهِيَ حَامِلٌ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ فَتَكُونُ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَإِذَا وَضَعَتْ الثَّانِيَ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ أُخْرَى لِمَا قُلْنَا وَعِدَّتُهَا بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّهَا حَامِلٌ بِالثَّالِثِ ثُمَّ إذَا وَضَعَتْ الثَّالِثَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَتِهِ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ مُقَارِنًا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ تَلِدْ الثَّالِثَ لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ أَيْضًا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالثَّانِي فَلَا يَقَعُ مُقَارِنًا لِانْقِضَائِهَا وَإِنَّمَا يَقَعُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا بِالثَّالِثِ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ إلَى وَضْعِ الثَّالِثِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ هُنَا أَيْضًا حَامِلًا بِالرَّابِعِ تَقَعُ الثَّالِثَةُ لِمَا ذَكَرْنَا. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَزَيَّنُ)؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا قَائِمٌ وَالتَّزَيُّنُ لِلْأَزْوَاجِ مُسْتَحَبٌّ، وَلِأَنَّهُ حَامِلٌ عَلَى الرَّجْعَةِ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ أَيْضًا، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ تَتَزَيَّنُ وَتَتَشَوَّفُ التَّزَيُّنُ عَامٌّ فِي الْبَدَنِ وَالتَّشَوُّفُ فِي الْوَجْهِ خَاصَّةً وَهُوَ مِنْ شُفْت الشَّيْءَ أَيْ جَلَوْته وَدِينَارٌ مُشَوَّفٌ أَيْ مَجْلُوٌّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَتَّى يُؤْذِنَهَا) أَيْ يُعْلِمَهَا بِخَفْقِ النَّعْلِ أَوْ التَّنَحْنُحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَيَخَافُ أَنْ يَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى مَوْضِعٍ يَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا فَيَحْتَاجُ إلَى طَلَاقِهَا فَتَطُولُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَيَلْزَمُهَا الضَّرَرُ بِذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُسَافِرُ بِهَا)، وَقَالَ زُفَرُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا قَائِمٌ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا، وَلِأَنَّ الْمُسَافَرَةَ تَكُونُ رَجْعَةً دَلَالَةً لِكَوْنِهَا حَرَامًا بِدُونِهَا لِلنَّهْيِ عَنْ الْإِخْرَاجِ وَالْخُرُوجِ فَظَاهِرُ حَالِهِ اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ فَصَارَ الْإِخْرَاجُ كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1] الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ بِدَلِيلِ سِيَاقِهِ وَسِبَاقِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: 1] وقَوْله تَعَالَى {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] فَلَوْ كَانَتْ الْمُسَافَرَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَنَزَلَ وَاطِئًا) أَيْ قَبْلَ الطَّلَاقِ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ فَهِيَ) أَيْ الْوِلَادَةُ الثَّانِيَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ عُلُوقٍ حَدَثَ) أَيْ وَلَا يَلْزَمُ الْحُكْمُ بِالْوَطْءِ فِي النِّفَاسِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ لَا يَلْزَمُ لَهُ كَمِّيَّةٌ خَاصَّةٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَجَّةً وَجَازَ أَنْ لَا تَرَى شَيْئًا أَصْلًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ اهـ. (قَوْلُهُ تَقَعُ بِالثَّالِثِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ بِالثَّانِي اهـ. . (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: 1] ذَكَرَهُ بَعْدَ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَهُوَ مُعَقِّبٌ لِلرَّجْعَةِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] أَيْ يُحْدِثُ الْمُرَاجَعَةَ بِأَنْ تَبْدُوَ لَهُ الْمُرَاجَعَةُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

[فصل فيما تحل به المطلقة]

رَجْعَةً لِمَا نَهَى عَنْهَا لِكَوْنِهَا مَنْدُوبًا إلَيْهَا، وَلِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالْآخَرَ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَتَعْلِيلُهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ فَيَكُونُ مَرْدُودًا. وَقَوْلُهُ تَكُونُ رَجْعَةً دَلَالَةً لِكَوْنِهَا حَرَامًا بِدُونِهَا إلَخْ يَبْطُلُ بِإِخْرَاجِهَا إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لِلنَّهْيِ أَيْضًا وَمَعَ هَذَا لَا تَكُونُ رَجْعَةً وَالدَّلَالَةُ فِعْلٌ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ وَالْمُسَافَرَةِ لَا تَخْتَصُّ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجُوزُ لَهَا مَعَ الْمَحْرَمِ فَصَارَتْ كَالْخَلْوَةِ وَالْخُرُوجِ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ، وَلِأَنَّ تَرَاخِيَ عَمَلِ الْمُبْطِلِ وَهُوَ الطَّلَاقُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْمُرَاجَعَةِ فَإِذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا وَظَهَرَ أَنَّ الْمُبْطِلَ عَمِلَ عَمَلَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ، وَلِهَذَا تُحْتَسَبُ الْأَقْرَاءُ مِنْ الْعِدَّةِ، وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ بَاقِيًا لَمَا اُحْتُسِبَتْ إذْ الْعِدَّةُ لِصِيَانَةِ الْمَاءِ وَصَوْنِ الْمَاءِ بِالنِّكَاحِ أَبْلَغُ مِنْهُ بِالْعِدَّةِ فَصَارَ كَالْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ حَيْثُ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ لِحَاجَتِهِ إلَى الْفَسْخِ فَإِذَا لَمْ يُفْسَخْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ عَمِلَ الْبَيْعُ عَمَلَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ حَتَّى اسْتَحَقَّهُ الْمُشْتَرِي بِزَوَائِدِهِ الْحَاصِلَةِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَا يَلْزَمُنَا إسْنَادُ عَمَلِهِ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الْخَلْوَةِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى فَلَا يُمْكِنُ إبَاحَتُهَا بِدُونِ حِلِّهَا مُطْلَقًا، وَهَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِهَا لَا تُكْرَهُ إلَّا إذَا خَافَ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِغَيْرِ إشْهَادٍ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَغَيْرُهُ أَطْلَقَ الْكَرَاهِيَةَ فِيهَا فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحَرِّمُهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ زَائِلَةٌ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ وَبَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْقَيْدِ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ فَانْعَدَمَتْ الزَّوْجِيَّةُ ضَرُورَةً، وَلِهَذَا تُحْتَسَبُ الْأَقْرَاءُ مِنْ الْعِدَّةِ وَمَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ لَا تُحْتَسَبُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] سَمَّاهُ بَعْلًا وَهُوَ الزَّوْجُ وَجَعَلَهُ أَحَقَّ بِرَدِّهَا فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَلُّكِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَالرَّدُّ لَا يَدُلُّ عَلَى الزَّوَالِ وَإِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّهَا إلَى حَالَتِهَا الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَبِينُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ فَبِالطَّلَاقِ حَصَلَ لَهَا ذَلِكَ ثُمَّ بِالرَّجْعَةِ رَدَّهَا إلَى حَالَتِهَا الْأُولَى كَرَدِّ الْمَبِيعِ بِخِيَارِ الْبَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ} [البقرة: 231] يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِ إذْ الْإِمْسَاكُ هُوَ الِاسْتِدَامَةُ، وَلِهَذَا تَنَاوَلَهَا لَفْظُ الْأَزْوَاجِ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ وَاللِّعَانِ وَفِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ حَتَّى جَرَى التَّوَارُثُ وَاللِّعَانُ بَيْنَهُمَا وَوُجُوبُ عِدَّةِ الْوَفَاةِ عَلَيْهَا، وَكَذَا لَفْظَةُ نِسَائِهِمْ تَنَاوَلَهَا فِي آيَةِ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى صَحَّ وَاعْتُبِرَ طَلَاقُهَا لِعِدَّتِهَا فَكَذَا تَنَاوَلَهَا قَوْله تَعَالَى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ إلَخْ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْقَاطِعِ مُؤَخَّرٌ بِالْإِجْمَاعِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرَهُ لَمَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَكَانَ يُشْتَرَطُ رِضَاهَا وَالْوَلِيُّ وَالْمَهْرُ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا لَا يُنَافِي الْحِلَّ كَمَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَرْتَفِعُ بِهَا وَإِنَّمَا أَثَرُهَا فِي إبْطَالِ الْعِدَّةِ وَالْحِلُّ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ. . (فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْكِحُ مُبَانَتَهُ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا) أَيْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الَّتِي أَبَانَهَا بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ إذَا كَانَتْ حُرَّةً وَبِالْوَاحِدَةِ إنْ كَانَتْ أَمَةً فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَ انْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّ الْحِلَّ الْأَصْلِيَّ بَاقٍ مَا لَمْ يَتَكَامَلْ الْعَدَدُ وَالْمَنْعُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِئَلَّا يُشْتَبَهَ النَّسَبُ وَلَا اشْتِبَاهَ فِي إبَاحَتِهِ لَهُ فَيُبَاحُ لَهُ مُطْلَقًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْمُبَانَةُ بِالثَّلَاثِ لَوْ حُرَّةً وَبِالثِّنْتَيْنِ لَوْ أَمَةً حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ، وَلَوْ مُرَاهِقًا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَتَمْضِي عِدَّتُهُ لَا بِمِلْكِ يَمِينٍ) أَيْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الَّتِي أَبَانَهَا بِالثَّلَاثِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً وَبِالثِّنْتَيْنِ إنْ كَانَتْ أَمَةً حَتَّى يَطَأَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَتَمْضِي عِدَّتُهَا مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الزَّوْجُ صَبِيًّا مُرَاهِقًا وَلَا تَحِلُّ لَهُ إذَا وَطِئَهَا غَيْرُهُ بِمِلْكِ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَالْمُرَادُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ إذْ الرِّقُّ مُنَصِّفٌ لِحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ نِكَاحُ الزَّوْجِ مُطْلَقًا وَالزَّوْجِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ بِالصَّحِيحِ خُصُوصًا فِيمَا إذَا أُضِيفَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِعْفَافُ وَالتَّحْصِينُ وَذَلِكَ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ فِيمَا مَضَى حَيْثُ يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَتْ كَالْخَلْوَةِ وَالْخُرُوجِ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ) أَيْ فَإِنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ رَجْعَةً اهـ. (قَوْلُهُ وَاعْتُبِرَ طَلَاقُهَا لِعِدَّتِهَا) أَيْ لَوْلَا تَنَاوُلُهَا قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] لَمَا رُوعِيَ لَهَا وَقْتُ السُّنَّةِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. [فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ] (فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ) لَمَّا ذَكَرَ التَّدَارُكَ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَهُوَ بِالرَّجْعَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ التَّدَارُكِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الطَّلْقَاتِ فَفِي الْحُرَّةِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ التَّدَارُكُ نِكَاحٌ جَدِيدٌ وَفِي الثَّلَاثِ بِإِصَابَةِ زَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ نِكَاحِهِ، وَكَذَا التَّدَارُكُ فِي الْأَمَةِ فِي الثِّنْتَيْنِ بِإِصَابَةِ زَوْجٍ آخَرَ. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ الْأَصْلِيَّ بَاقٍ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ النِّكَاحِ أُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ مَعَ انْعِدَامِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَالشِّرْكِ وَالْعِدَّةِ عَنْ الْغَيْرِ وَهُوَ حَاصِلٌ؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَإِنَّمَا يَزُولُ حِلُّ الْمَحَلِّيَّةِ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ تُوجَدْ فَجَازَ التَّزَوُّجُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَتَمْضِي عِدَّتُهُ) وَإِنَّمَا أَضَافَ الْعِدَّةَ إلَى الزَّوْجِ لِلتَّسَبُّبِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

مُجَرَّدُ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ فَيَتَنَاوَلهُمَا وَشَرَطَ أَنْ يَطَأَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِشَارَةِ الْكِتَابِ وَبِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْكِتَابُ فَإِنَّ النِّكَاحَ الْمَذْكُورَ فِيهِ يُحْمَلُ عَلَى الْوَطْءِ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِعَادَةِ إذْ الْعَقْدُ اُسْتُفِيدَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّوْجِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ النِّكَاحَ الْمَنْسُوبَ إلَى الْمَرْأَةِ يُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ لِتَصَوُّرِهِ مِنْهَا دُونَ الْوَطْءِ لِاسْتِحَالَتِهِ مِنْهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَيْهَا مَجَازًا كَمَا تُسَمَّى زَانِيَةً مَجَازًا بِالتَّمْكِينِ مِنْهُ، وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ لِلْوَطْءِ وَمَجَازٌ لِلْعَقْدِ وَفِيهِ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَالثَّانِيَ أَنَّ فِيهِ تَسْمِيَةَ الْأَجْنَبِيِّ زَوْجًا بِاعْتِبَارِ مَا سَيَئُولُ إلَيْهِ وَفِيهِ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْإِعَادَةِ أَيْضًا وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْوَطْءِ مَجَازٌ وَاحِدٌ وَهُوَ نِسْبَةُ الْوَطْءِ إلَيْهَا فَكَانَ أَوْلَى. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلٍ الْقُرَظِيّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فَبَتَّ طَلَاقَهَا فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَنَّهُ وَاَللَّهِ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ وَأَخَذَتْ بِهُدْبَةٍ مِنْ جِلْبَابِهَا قَالَتْ «فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَاحِكًا، وَقَالَ لَعَلَّك تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَك وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سُئِلَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَيَتَزَوَّجُهَا آخَرُ فَيُغْلِقُ الْبَابَ وَيُرْخِي السِّتْرَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ قَالَ «لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يُجَامِعَهَا» وَيُرْوَى «لَا حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْعُسَيْلَةُ هِيَ الْجِمَاعُ» وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ بِهَا عَلَى الْكِتَابِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ بِالنِّكَاحِ فِي الْآيَةِ الْعَقْدُ وَعَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ الْوَطْءِ تَكُونُ مُوَافِقَةً لَهُ فَلَا إشْكَالَ. وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الدُّخُولَ بِهَا شَرْطُ الْحِلِّ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إلَّا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْخَوَارِجُ وَالشِّيعَةُ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَذَلِكَ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ لِعَدَمِ اسْتِنَادِهِ إلَى دَلِيلٍ، وَلِهَذَا لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ وَالشَّرْطُ الْإِيلَاجُ دُونَ الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّهُ كَمَالٌ فِيهِ وَنِهَايَةٌ فَكَانَ قَيْدًا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْغُسْلِ وَهُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَشَذَّ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ قَالَ الْعُسَيْلَةُ الْإِنْزَالُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلَيْسَ فِي الْعُسَيْلَةِ دَلَالَةٌ عَلَى الْإِنْزَالِ وَإِنَّمَا هِيَ كِنَايَةٌ عَنْ لَذَّةِ الْجِمَاعِ وَالصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ وَهُوَ الدَّانِي مِنْ الْبُلُوغِ فِيهِ كَالْبَالِغِ وَقِيلَ الَّذِي تَتَحَرَّكُ آلَتُهُ وَيَشْتَهِي الْجِمَاعَ وَإِنَّمَا شَرَطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرَطَ اللَّذَّةَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَفَسَّرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ وَمِثْلُهُ يُجَامِعُ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَأَحَلَّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَهُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ مَائِهَا وَلَا غُسْلَ عَلَى الصَّبِيِّ لِعَدَمِ الْخِطَابِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ تَخَلُّقًا لِيَتَعَوَّدَ بِهِ وَيَصِيرَ لَهُ سَجِيَّةٌ قَبْلَ بُلُوغِهِ حَتَّى لَا يَشُقَّ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُوبِهِ وَالْمَجْنُونُ فِيهِ كَالْعَاقِلِ وَالْخَصِيُّ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ إنْ تَزَوَّجَتْ بِمَجْبُوبٍ وَحَمَلَتْ مِنْهُ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ وَثَبَتَ بِهِ الْإِحْصَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْوَطْءِ مَجَازٌ وَاحِدٌ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالزَّوْجُ حِينَئِذٍ حَقِيقَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ رِفَاعَةَ بْنِ سَمَوْأَلٍ) قَالَ فِي الْإِصَابَةِ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا نَصُّهُ رِفَاعَةُ بْنُ سَمَوْأَلٍ الْقُرَظِيّ لَهُ ذِكْرٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي، وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهُوَ مُرْسَلٌ عِنْدَ جُمْهُورِ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ وَوَصَلَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَيْفِيُّ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ فَقَالُوا فِيهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالزَّبِيرُ الْأَعْلَى بِفَتْحِ الزَّاي وَالْأَدْنَى بِالتَّصْغِيرِ، وَرَوَى ابْنُ شَاهِينِ مِنْ طَرِيقِ تَفْسِيرِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] نَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيكٍ الْبَدْرِيِّ كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَتِيكٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ مُطَوَّلَةً قَالَ أَبُو مُوسَى الظَّاهِرُ أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ قُلْت وَظَاهِرُ السِّيَاقَيْنِ أَنَّهُمَا اثْنَانِ لَكِنَّ الْمُشْكِلَ اتِّحَادُ اسْمِ الزَّوْجِ الثَّانِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَفِي اسْمِهَا اخْتِلَافٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي النِّسَاءِ اهـ ثُمَّ قَالَ فِي الْإِصَابَةِ رِفَاعَةُ بْنُ وَهْبٍ الْقُرَظِيّ تَقَدَّمَ فِي رِفَاعَةَ بْنِ سَمَوْأَلٍ اهـ قُلْت وَعَلَى هَذَا فَسَمَوْأَلٌ هُوَ لَقَبُ وَهْبِ بْنِ عَتِيكٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْإِصَابَةِ فِي كِتَابِ النِّسَاءِ فِي حَرْفِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ تَمِيمَةُ بِنْتُ وَهْبٍ لَا أَعْلَمُ لَهَا غَيْرَ قِصَّتِهَا مَعَ رِفَاعَةَ بْنِ سَمَوْأَلٍ حَدِيثَ الْعُسَيْلَةِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ اسْمُهَا سُهَيْمَةُ كَمَا سَيَأْتِي وَقِيلَ عَائِشَةُ اهـ ثُمَّ قَالَ فِي حَرْفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ سُهَيْمَةُ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي تَمِيمَةَ ثُمَّ قَالَ فِي حَرْفِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ عَائِشَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيكٍ النَّضْرِيَّةُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي تَرْجَمَةِ زَوْجِهَا رِفَاعَةَ قَالَهُ أَبُو مُوسَى اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ابْنُ سَمَوْأَلٍ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْمِيمِ هَكَذَا شَاهَدْته فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَضَبَطَهُ بِالْقَلَمِ بِخَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ تَمِيمَةُ بِنْتُ وَهْبٍ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ رَوَى فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيكٍ الْقُرَظِيِّ كَانَتْ تَحْتَ ابْنِ عَمِّهَا رِفَاعَةَ بْنِ وَهْبٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت تَحْتَ رِفَاعَةَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ إلَخْ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ غُلَامٌ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ لَهُ امْرَأَةٌ يُجَامِعُهَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ بَالِغًا كَانَ الْجَوَابُ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ جِمَاعَ الْغُلَامِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِنُزُولِ

خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْمَبْسُوطِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ إنْ كَانَ الْمَجْبُوبُ لَا يُنْزِلُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَفَّ مَاؤُهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ أَوْ دُونَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُفْضَاةً وَحَبِلَتْ مِنْ الثَّانِي حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ لِوُجُودِ الْوِقَاعِ فِي قُبُلِهَا وَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الْإِحْرَامِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَلَوْ لَفَّ قَضِيبَهُ بِخِرْقَةٍ فَجَامَعَهَا وَهِيَ لَا تَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ حَرَارَةِ فَرْجِهَا إلَى ذَكَرِهِ يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ وَفِي فَتَاوَى الْوَبَرِيِّ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ لَوْ أَوْلَجَ بِمُسَاعَدَةِ يَدِهِ لَا يُحِلُّهَا وَمِنْ لَطَائِفِ الْحِيَلِ فِيهِ أَنْ تُزَوَّجَ الْمُطَلَّقَةُ مِنْ عَبْدٍ صَغِيرٍ تَتَحَرَّكُ آلَتُهُ ثُمَّ تَمْلِكُهُ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ بَعْدَ مَا وَطِئَهَا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَطْءُ الْمَوْلَى لَا يُحِلُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ وَهُوَ الشَّرْطُ بِالنَّصِّ، وَكَذَا لَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِزَوْجٍ آخَرَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اسْتَرَقَّهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ وَيَدْخُلُ بِهَا لِمَا تَلَوْنَا نَظِيرُهُ إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ لَاعَنَهَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّتْ وَمَلَكَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ لِلْأَوَّلِ) أَيْ يُكْرَهُ التَّزَوُّجُ بِشَرْطِ أَنْ يُحِلَّهَا لَهُ يُرِيدُ بِهِ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ بِالْقَوْلِ بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ أُحِلَّك لَهُ أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ. وَأَمَّا لَوْ نَوَيَا ذَلِكَ فِي قَلْبِهِمَا وَلَمْ يَشْتَرِطَاهُ بِالْقَوْلِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَيَكُونُ الرَّجُلُ مَأْجُورًا بِذَلِكَ لِقَصْدِهِ الْإِصْلَاحَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ لِلْأَوَّلِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى شَرْطِ التَّوْقِيتِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ فَيَبْطُلُ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلَةً إلَّا رَجَمْتُهُمَا، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَزَالَانِ زَانِيَيْنِ، وَلَوْ مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ذَلِكَ السِّفَاحُ، وَلِهَذَا لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَوْقِيتٍ لِلنِّكَاحِ وَلَكِنَّهُ اسْتَعْجَلَ بِالْمَحْظُورِ مَا هُوَ مُؤَخَّرٌ شَرْعًا فَيُعَاقَبُ بِالْحِرْمَانِ كَقَتْلِ الْمُوَرِّثِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ»، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي صِحَّةَ النِّكَاحِ وَالْحِلَّ لِلْأَوَّلِ وَالْكَرَاهِيَةَ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَيَصِحُّ وَتُحَلَّلُ لِلْأَوَّلِ ضَرُورَةَ صِحَّتَهُ وَلَا مَعْنَى لِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا لُعِنَ مَعَ حُصُولِ الْحِلِّ؛ لِأَنَّ الْتِمَاسَ ذَلِكَ وَاشْتِرَاطَهُ فِي الْعَقْدِ هَتْكٌ لِلْمُرُوءَةِ وَإِعَارَةُ النَّفْسِ فِي الْوَطْءِ لِغَرَضِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَطَؤُهَا لِيَعْرِضَهَا لِوَطْءِ الْغَيْرِ وَهُوَ قِلَّةُ حَمِيَّةٍ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هُوَ التَّيْسُ الْمُسْتَعَارُ» وَإِنَّمَا كَانَ مُسْتَعَارًا إذَا سَبَقَ الْتِمَاسٌ مِنْ الْمُطَلِّقِ وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ طَالِبَ الْحِلِّ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالْمُؤَقَّتِ وَسَمَّاهُ مُحَلِّلًا وَإِنْ لَمْ يُحَلِّلْ؛ لِأَنَّهُ يَعْقِدُهُ وَيَطْلُبُ الْحِلَّ مِنْهُ. وَأَمَّا طَالِبُ الْحِلِّ مِنْ طَرِيقِهِ لَا يَسْتَوْجِبُ اللَّعْنَ وَلَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ دُخُولَ الْمُحَلِّلِ صُدِّقَتْ وَإِنْ أَنْكَرَ هُوَ، وَكَذَلِكَ عَلَى الْعَكْسِ، وَلَوْ خَافَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا الْمُحَلِّلُ فَقَالَتْ زَوَّجْتُك نَفْسِي عَلَى أَنَّ أَمْرِي بِيَدِي أُطَلِّقُ نَفْسِي كُلَّمَا أَرَدْت فَقَبِلَ جَازَ النِّكَاحُ وَصَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَهْدِمُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ الْحَاصِلَةِ بِالثَّلَاثِ بِالنَّصِّ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ حَتَّى لِلْغَايَةِ حَقِيقَةً وَلَمْ يُوجَدْ الْمُغَيَّا وَهُوَ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِالثَّلَاثِ وَبِبَعْضِ أَرْكَانِ الْعِلَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ فَلَا يَصِيرُ الزَّوْجُ الثَّانِي غَايَةً قَبْلَ وُجُودِهَا لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الْغَايَةِ وَلَا مُغَيَّا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَوَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا حَتَّى أَسْتَشِيرُ أَبِي فَاسْتَشَارَهُ قَبْلَ مَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِشَارَةَ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالْيَمِينِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَبْلَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لِلْإِنْهَاءِ وَلَا إنْهَاءَ قَبْلَ وُجُودِهِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ» وَهُوَ الْمُثْبِتُ لِلْحِلِّ فَصَارَ رَافِعًا لِلْحُرْمَةِ لَا غَايَةً مُنْهِيَةً؛ لِأَنَّ الْمُنْتَهَى يَكُونُ مُتَقَرِّرًا فِي نَفْسِهِ وَهُنَا لَا حُرْمَةَ بَعْدَ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَافِعٌ لِلْحُرْمَةِ بَيَانُهُ أَنَّهَا تَصِيرُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ وَتَصِيرُ مُطَلَّقَةً وَبِإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي يَرْتَفِعُ الْوَصْفَانِ جَمِيعًا وَتَلْحَقُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُطَلِّقْهَا قَطُّ وَبِالتَّطْلِيقَةِ الْوَاحِدَة ـــــــــــــــــــــــــــــQمَائِهِ لَكِنْ يُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ اعْتِيَادًا كَمَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ اهـ. . (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كَانَ مُسْتَعَارًا إذَا سَبَقَ الْتِمَاسٌ مِنْ الْمُطَلِّقِ) أَيْ؛ لِأَنَّ عُمُومَ الْمُحَلِّلِ مُطْلَقًا غَيْرُ مُرَادٍ إجْمَاعًا وَإِلَّا شَمِلَ الْمُتَزَوِّجَ تَزْوِيجَ رَغْبَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا يُحِلُّهَا لِمُطَلِّقِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّحْلِيلَ. .

أَيْضًا تَصِيرُ مَوْصُوفَةً بِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فَيَرْتَفِعُ ذَلِكَ بِإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي كَمَا تَرْتَفِعُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ كَلِمَةَ حَتَّى هُنَا لَيْسَتْ لِلْغَايَةِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هِيَ مَجَازٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] فَالِاغْتِسَالُ مُوجِبٌ لِلطَّهَارَةِ رَافِعٌ لِحَدَثِ الْجَنَابَةِ لَا أَنْ يَكُونَ غَايَةً لِلْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ ثَبَتَتْ مُؤَبَّدَةً لَا إلَى غَايَةٍ كَحُكْمِ زَوَالِ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ مُؤَقَّتًا وَلَكِنْ يَرْتَفِعُ بِوُجُودِ مَا يَرْفَعُهُ وَهُوَ النِّكَاحُ وَكَذَا مِلْكُ الْيَمِينِ وَمِلْكُ النِّكَاحِ يَثْبُتُ مُتَأَبِّدًا وَيَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْحِلِّ فَإِنَّمَا يُوجِبُ حِلًّا لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ بَعْدَ الطَّلْقَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ فَيُثْبِتُهُ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ الْوَصْفِ أَسْهَلُ مِنْ إثْبَاتِ الْأَصْلِ، وَكَذَا رَفْعُ مَا تَعَرَّضَ لِلثُّبُوتِ أَوْلَى مِنْ رَفْعِ الثَّابِتِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا لِكَوْنِهِ شَرْطُ الْحِلِّ لَا؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لَهُ قُلْنَا ذَلِكَ مَجَازٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ هُوَ الْمُرَادُ إذْ الْحِلُّ ثَابِتٌ فِيمَا قُلْتُمْ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ قُلْنَا إنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَحَلُّ إثْبَاتَ أَصْلِ الْحِلِّ يَقْبَلُ إثْبَاتَ وَصْفِهِ وَهُوَ التَّكْمِيلُ فِي الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ بِالطَّلْقَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ وَمَا صَلُحَ مُثْبِتًا لِأَصْلِ الشَّيْءِ صَلُحَ مُثْبِتًا لِوَصْفِهِ بَلْ أَوْلَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوْ نَقُولُ إنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ مُثْبِتٌ لِلْحِلِّ الْجَدِيدِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْحِلِّ ثَابِتًا فِي الْمَحَلِّ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ رَافِعًا لِلْحُرْمَةِ وَمُثْبِتًا لِلْحِلِّ لَعَادَتْ مَنْكُوحَةً وَحَلَّتْ لَهُ بَعْدَ إصَابَةِ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ غَايَةً أَيْضًا يَلْزَمُ ذَلِكَ ثُمَّ نَقُولُ الْمُرَادُ بِإِثْبَاتِ الْحِلِّ إنَّمَا هُوَ الْحِلُّ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ جَوَازُ إيرَادِ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا، وَكَذَا الْمُرَادُ بِرَفْعِ الْحُرْمَةِ إنَّمَا هِيَ الْحُرْمَةُ الَّتِي تَثْبُتُ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ لَا الْحُرْمَةُ الَّتِي تَثْبُتُ لِأَجْلِ عَدَمِ التَّزَوُّجِ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَخْبَرَتْ مُطَلَّقَةُ الثَّلَاثِ بِمُضِيِّ عِدَّتِهِ وَعِدَّةِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا)؛ لِأَنَّهُ مُعَامَلَةٌ أَوْ أَمْرٌ دِينِيٌّ لِتَعَلُّقِ الْحِلِّ بِهِ وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِمَا مَقْبُولٌ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَدْنَى هَذِهِ الْمُدَّةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَهْرَانِ فِي الْعِدَّةِ الْأُولَى يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ الْوِقَاعِ فَيَجْعَلُ طُهْرَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهِ فَيُؤْخَذُ لَهَا بِالْأَقَلِّ وَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ أَقَلِّهِمَا فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ نَادِرٌ فَيُؤْخَذُ لَهَا بِالْوَسَطِ فَثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ تَكُونُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ تَكُونُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَارَتْ سِتِّينَ، وَهَذَا عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ فَيُجْعَلُ حَيْضُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّا لَمَّا قَدَّرْنَا طُهْرَهَا بِالْأَقَلِّ قَدَّرْنَا حَيْضَهَا بِالْأَكْثَرِ لِيَعْتَدِلَا فَفِيهَا طُهْرَانِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا فَصَارَتْ سِتِّينَ يَوْمًا فَهَذَا مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَيُحْتَاجُ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الزَّوْجِ الثَّانِي وَزِيَادَةِ طُهْرٍ عَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَدْنَى مُدَّةٍ تُصَدَّقُ فِيهَا تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَيُجْعَلُ حَيْضُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَخْذًا بِالْأَقَلِّ فِيهِمَا لِلتَّيَقُّنِ بِهِ فَفِيهَا طُهْرَانِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ وَيُحْتَاجُ إلَى مِثْلِهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ الثَّانِي وَزِيَادَةِ طُهْرٍ بَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهَذَا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ. وَأَمَّا فِي حَقِّ الْأَمَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ أَدْنَاهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى مِثْلِهَا فِي حَقِّ الثَّانِي وَزِيَادَةٍ طُهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَعِنْدَهُمَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا لِلْأَوَّلِ وَمِثْلُهُ لِلثَّانِي وَزِيَادَةُ طُهْرٍ وَاحِدٍ تَأَمَّلْهُ تَدْرِهِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ مُضِيُّ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمُدَّةِ لِيُقْبَلَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ كَذَّبَهَا الْعَادَةُ وَالْمُكَذَّبُ عَادَةً كَالْمُكَذَّبِ حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا قَالَ أَنْفَقْت عَلَى الْيَتِيمِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي يَوْمٍ لَا يُصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ صِدْقُهُ مُحْتَمَلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَفَقَةً فَتَهْلِكَ ثُمَّ يَشْتَرِيَ لَهُ فَتَهْلِكَ ثُمَّ يَشْتَرِيَ فَتَهْلِكَ ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى بِغَرَقٍ فِي الْمَاءِ أَوْ احْتِرَاقٍ بِالنَّارِ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْوِلَادَةِ بِأَنْ قَالَ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَوَلَدَتْ لَمْ تُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ لَمْ تُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ يَوْمٍ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُمْكِنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ أَدْنَاهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ فَالطُّهْرَانِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَالْحَيْضَتَانِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ اهـ

[باب الإيلاء]

أَنْ يُجْعَلَ نِفَاسُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ طُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَطُهْرَانِ عَلَى التَّخْرِيجَيْنِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا تَرَى مِنْ الدَّمِ فِي الْأَرْبَعِينَ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَإِنَّمَا هُوَ نِفَاسٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مُدَّتِهِ وَمَا تَرَاهُ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ يَكُونُ حَيْضًا إنْ تَقَدَّمَهُ طُهْرٌ صَحِيحٌ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا هَذَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَفِي حَقِّ الثَّانِي يَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا إلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ وَثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ عَلَى التَّخْرِيجَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُصَدَّقُ فِي خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ نِفَاسَهَا يُقَدَّرُ بِأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ مُدَّةَ النِّفَاسِ أَكْثَرُ مِنْ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَيُقَدَّرُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ بِيَوْمٍ ثُمَّ بَعْدَ هَذَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ هَذَا فِي حَقِّ الْأَوَّلِ وَفِي حَقِّ الثَّانِي يَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا إلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَثَلَاثِ حِيَضٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُصَدَّقُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ فَإِذَا قَالَتْ كَانَ سَاعَةً وَجَبَ تَصْدِيقُهَا لِلِاحْتِمَالِ ثُمَّ الطُّهْرُ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَطُهْرَانِ هَذَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا ثَلَاثِ حِيَضٍ وَثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ هَذَا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ وَفِي حَقِّ الْأَمَةِ التَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ عَلَى الْمَذَاهِبِ كُلِّهَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ الْإِيلَاءِ) الْإِيلَاءُ الْيَمِينُ لُغَةً قَالَ قَائِلُهُمْ قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ... وَإِنْ بَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتْ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ وَلِذَلِكَ قَالُوا الْمُولِي مَنْ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ الْمَكْرُوهَيْنِ إمَّا الطَّلَاقُ أَوْ الْكَفَّارَةُ، وَقِيلَ الْمُولِي مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهُوَ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ الْكَفَّارَةَ وَالنَّذْرَ وَغَيْرَهُ تَحْتَهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْتِزَامُ مَا لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ وَالْغَزْوِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ قَرِبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَغْزُوَ وَلَا يَكُونُ مُولِيًا وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْإِيلَاءُ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ النَّفْسِ عَنْ قُرْبَانِ الْمَنْكُوحَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مَنْعًا مُؤَكَّدًا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهُوَ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَرُكْنُهُ قَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَنَحْوَهُ وَشَرْطُهُ الْمَحَلُّ وَالْأَهْلُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَنْكُوحَةً وَالْحَالِفُ أَهْلًا لِلطَّلَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَهُمَا وَأَنْ لَا تَكُونَ الْمُدَّةُ مَنْقُوصَةً عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْبِرِّ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ أَوْ نَحْوُهُ عِنْدَ الْحِنْثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ) أَيْ الْإِيلَاءُ هُوَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَقَدْ أَشَرْنَا أَنَّ مُجَرَّدَ الْحَلِفِ عَلَى تَرْكِهِ لَا يَكُونُ إيلَاءً حَتَّى يَكُونَ الْمَنْعُ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهُوَ يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَذَكَرْنَا الْأَوْجُهَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] الْآيَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى تَزِيدَ مُدَّةُ الْمُطَالَبَةِ وَاشْتَرَطَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - زِيَادَةَ يَوْمٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا تَلَوْنَا؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّرَبُّصِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا كَمَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى التَّرَبُّصِ الْمَذْكُورِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَفِي قَوْله تَعَالَى {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَفِي حَقِّ الْأَمَةِ التَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ إلَخْ) فَعَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ الْإِمَامِ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ يَوْمًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَسَاعَةٍ. اهـ. بَدَائِعُ. [بَابُ الْإِيلَاءِ] (بَابُ الْإِيلَاءِ) وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الْإِيلَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّحَارِيمَ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ الطَّلَاقُ وَالْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ وَاللِّعَانُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الطَّلَاقِ شَرَعَ فِي الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِي الْإِيلَاءِ لَا يَثْبُتُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ مُؤَجَّلًا إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَذْكُرَ الْخُلْعَ قَبْلَ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ نَوْعٌ مِنْ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِعِوَضٍ تَبَاعَدَ عَنْ الطَّلَاقِ فَأُخِّرَ عَنْ الْإِيلَاءِ وَقُدِّمَ الْخُلْعُ عَلَى الظِّهَارِ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ وَلَيْسَ الْخُلْعُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قُدِّمَ الظِّهَارُ عَلَى اللِّعَانِ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ أَقْرَبُ إلَى الْإِبَاحَةِ مِنْ اللِّعَانِ بِدَلِيلِ أَنَّ سَبَبَ اللِّعَانِ وَهُوَ الْقَذْفُ بِالزِّنَا لَوْ أُضِيفَ إلَى غَيْرِ الزَّوْجَةِ يُوجِبُ الْحَدَّ وَالْمُوجِبُ لِلْحَدِّ مَعْصِيَةٌ مَحْضَةٌ بِلَا شَائِبَةِ الْإِبَاحَةِ فَافْهَمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. وَالْإِيلَاءُ فِعْلُهُ آلَى يُولِي إيلَاءً كَتَصَرُّفِ أَعْطَى. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ قَالَ قَائِلُهُمْ قَلِيلُ الْأَلَايَا إلَخْ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْأَلِيَّةُ الْحَلِفُ وَالْجَمْعُ أَلَايَا، مِثْلُ عَطِيَّةٍ وَعَطَايَا اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ بَدَرَتْ) هُوَ بِالْبَاءِ مِنْ قَوْلِهِ بَدَرَ مِنْهُ كَلَامٌ سَبَقَ وَالْبَيَانُ الْبَدِيهَةُ. اهـ. مُغْرِبٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ نَدَرَتْ مَا نَصُّهُ هُوَ بِالنُّونِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ (قَوْلُهُ لَوْ قَالَ إنْ قَرِبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ إلَخْ) عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْتِزَامِ الصَّلَاةِ يَصِيرُ مُولِيًا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالْجَمْعِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ الْحَلِفُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الشَّرْعِ هُوَ الْيَمِينُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِ الزَّوْجَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بِاَللَّهِ أَوْ بِتَعْلِيقِ مَا يَسْتَشِقُّهُ عَلَى الْقُرْبَانِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْحَلِفِ يَتَحَقَّقُ فِي إنْ وَطِئْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَغْزُوَ وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَشُقُّ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ تَعَلَّقَ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ) أَيْ نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ الْآيَةِ إلَّا أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا قَرُبَ يَحْنَثُ إلَّا أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ. اهـ. رَازِيٌّ

أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ إلَّا بِحِنْثٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَحْلِفَ بِهِ فِي الدَّعَاوَى فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا بِلَا كَفَّارَةٍ تَلْزَمُهُ فَصَارَ كَالْحَلِفِ بِالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّهُ أَهْلٌ لِلْيَمِينِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ حَيْثُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِنَّا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ} [المجادلة: 2] وَهُوَ لَيْسَ مِنَّا، وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الظِّهَارِ تَنْتَهِي بِالْكَفَّارَةِ وَفِي الْيَمِينِ بِالْحِنْثِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً فَلَوْ شُرِعَ الظِّهَارُ فِي حَقِّهِ لَكَانَتْ الْحُرْمَةُ مُطْلَقَةً لَا مُغَيَّاةً بِهَا وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ فَيَكُونُ تَغْيِيرًا لِلْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْحِنْثِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الظُّلْمُ عَنْهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ ظِهَارُهُ أَيْضًا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا. وَقَوْلُهُ لَا أَقْرَبُك، الْقُرْبَانُ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ وَمِنْ الْكِنَايَةِ الْوَطْءُ وَالْمُبَاضَعَةُ وَالِافْتِضَاضُ فِي الْبِكْرِ وَالِاغْتِسَالُ مِنْهَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ وَالْإِتْيَانُ وَالْإِصَابَةُ وَالْغَشَيَانُ وَالْمُضَاجَعَةُ وَالدُّنُوُّ وَالْمَسُّ كِنَايَاتٌ وَكَذَا قَوْلُهُ لَا تَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَك وِسَادَةٌ أَوْ لَا يَجْتَمِعَانِ أَوْ لَا أَبِيتُ مَعَك فِي فِرَاشٍ أَوْ لَا أَقْرَبُ فِرَاشَك لَا يَكُونُ بِهَا مُولِيًا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَفِي الْبَدَائِعِ الصَّرِيحُ الْمُجَامَعَةُ وَالنَّيْكُ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ كَفَّرَ) أَيْ إنْ وَطِئَهَا الْمُولِي فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَكَفَّرَ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ الْحِنْثِ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ إسْقَاطُ عُقُوبَةِ الْآخِرَةِ بِسَبَبِ قَصْدِهِ الْإِضْرَارَ بِهَا لَا إسْقَاطَ الْكَفَّارَةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْأَيْمَانِ الْمُنْعَقِدَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَتْلَ الْخَطَأِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَإِنْ وُعِدَ الْمَغْفِرَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ) لِأَنَّ الْأَيْمَانَ تَنْحَلُّ بِالْحِنْثِ فَلَا تَبْقَى بَعْدَ انْحِلَالِهَا وَلَا إيلَاءَ بِدُونِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا بَانَتْ) أَيْ إنْ لَمْ يَطَأْهَا فِي الْمُدَّةِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبِينُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَكِنْ يُوقَفُ عَلَى أَنْ يَفِيءَ إلَيْهَا أَوْ يُفَارِقَهَا فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَصَارَ الْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الْفَيْءَ عِنْدَهُ يَكُونُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَعِنْدَنَا فِي الْمُدَّةِ وَالثَّانِي أَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَقَعُ إلَّا بِتَطْلِيقِ الزَّوْجِ أَوْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا تَقَعُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ) أَيْ بِشَيْءٍ لَا يَلْزَمُ قُرْبَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ) أَيْ كَحَلِفِ الذِّمِّيِّ بِالْحَجِّ اهـ وَكَقَوْلِهِ إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُولِيًا اتِّفَاقًا اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْحَلِفِ بِالْحَجِّ وَالصَّوْمِ) كَإِنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ حَجٌّ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُولِيًا اتِّفَاقًا اهـ. (قَوْلُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّهُ أَهْلٌ لِلْيَمِينِ) حَتَّى يَحْلِفَ بِهِ فِي الدَّعَاوَى وَإِذَا صَحَّ يَمِينُهُ يَحْنَثُ فِيهِ بِالْقُرْبَانِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَمِنْ الْكِنَايَةِ الْوَطْءُ وَالْمُبَاضَعَةُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَلْفَاظُهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ نَحْوُ لَا أَقْرَبُك لَا أُجَامِعُك لَا أَطَؤُك لَا أُبَاضِعُكِ لَا أَغْتَسِلُ مِنْك مِنْ جَنَابَةٍ فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ الْجِمَاعَ لَمْ يُدَيَّنَ فِي الْقَضَاءِ وَالْكِنَايَةُ نَحْوُ لَا أَمَسُّك لَا آتِيك لَا أَغْشَاك لَا أَلْمِسُك لَأَغِيظَنَّكِ لَا أَشُوفَكِ لَا أَدْخُلُ عَلَيْك لَا أَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَك لَا أُضَاجِعُك لَا أَقْرَبُ فِرَاشَك فَلَا تَكُونُ إيلَاءً بِلَا نِيَّةٍ وَيُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَقِيلَ الصَّرِيحُ لَفْظَانِ لَا أُجَامِعُك لَا أَنِيكُك وَهَذِهِ كِنَايَاتٌ تَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ وَالْأَوْلَى الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الصَّرَاحَةَ مَنُوطَةٌ بِتَبَادُرِ الْمَعْنَى لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا لَا بِالْحَقِيقَةِ وَإِلَّا لَأَوْجَبَ كَوْنَ الصَّرِيحِ لَفْظًا وَاحِدًا وَهُوَ ثَانِي مَا ذَكَرَ اهـ. (قَوْلُهُ وَالِاغْتِسَالُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمُولَى مِنْهَا اهـ. (قَوْلُهُ يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ اهـ. (قَوْلُهُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ) أَيْ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ. اهـ. كَافِي. . (قَوْلُهُ وَكَفَّرَ) أَيْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى مُوجَبَ الْحَلِفِ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْحِنْثِ وَالْإِيلَاءُ حَلِفٌ، وَقَدْ حَنِثَ فِيهِ فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَا تَجِبُ) قَالَ قَتَادَةُ الْحَسَنُ خَالَفَ النَّاسَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ وُعِدَ الْمَغْفِرَةَ) الْمَغْفِرَةُ تَقْتَضِي نَفْيَ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ لَا غَيْرُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ) أَيْ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ آخَرُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا بَانَتْ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت سَلَّمْنَا أَنَّ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بَائِنٌ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى الْبَائِنِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَجْعِيًّا كَمَا رُوِيَ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّمَا وَقَعَ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ ظَلَمَهَا حَيْثُ مَنَعَهَا حَقَّهَا الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَطْءُ فِي الْمُدَّةِ فَجَازَاهُ الشَّرْعُ بِالطَّلَاقِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ تَخْلِيصًا عَنْ ضَرَرِ التَّعْلِيقِ وَلَا يَحْصُلُ التَّخَلُّصُ بِالرَّجْعِيِّ فَوَقَعَ بَائِنًا، وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ كَانَ طَلَاقًا بَائِنًا عَلَى الْفَوْرِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا يَقْرَبُهَا الشَّخْصُ بَعْدَ الْإِيلَاءِ أَبَدًا فَجَعَلَهُ الشَّرْعُ مُؤَجَّلًا بِقَوْلِهِ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَحَصَلَتْ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْوَاقِعَ بِالْإِيلَاءِ بَائِنٌ لَكِنَّهُ مُؤَجَّلٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبِينُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَبِينُ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ قَالَ الْكَمَالُ لَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ تَبِينُ بَلْ قَالَ يَقَعُ رَجْعِيًّا سَوَاءٌ طَلَّقَ الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ أَوْ الْحَاكِمُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ. (قَوْلُهُ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ} [البقرة: 226] الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ فَاقْتَضَى جَوَازَ الْفَيْءِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: 227] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ بِتَطْلِيقِ الزَّوْجِ أَوْ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي اهـ

رَحِيمٌ} [البقرة: 226] فَإِنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ فَاقْتَضَى جَوَازَ الْفَيْءِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَجَوَازَ التَّفْرِيقِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: 227] فَلَوْ وَقَعَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ الْعَزْمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ النَّصَّ يُشِيرُ إلَى أَنَّ عَزْمَهُ الطَّلَاقَ مِمَّا هُوَ مَسْمُوعٌ وَذَلِكَ بِتَطْلِيقَةٍ أَوْ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي، وَلِأَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا لِرَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا فَيَكُونُ بِتَطْلِيقَةٍ أَوْ تَفْرِيقُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا كَالتَّفْرِيقِ بِالْجَبِّ أَوْ الْعُنَّةِ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ مِنْ غَيْرِ تَطْلِيقِ أَحَدٍ فَأَشْبَهَ الْعُنَّةَ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِمُضِيِّ أَجَلِهِ وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ} [البقرة: 226] فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْفَيْءُ فِي الْمُدَّةِ فَيَكُونَ حُجَّةً عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُمَا لَا تَنْزِلُ عَنْ رِوَايَتِهِمَا، وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ كَانَ طَلَاقًا لِلْحَالِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَجَعَلَهُ الشَّرْعُ مُؤَجَّلًا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلِأَنَّ هَذِهِ مُدَّةُ تَرَبُّصٍ بَعْدَمَا أَظْهَرَ الزَّوْجُ الرَّغْبَةَ عَنْهَا فَتَبِينُ بِمُضِيِّهَا كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَلَا تَمَسُّكَ لَهُ بِمَا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ فَإِنَّ الْفَاءَ فِيهَا لِتَعْقِيبِ الْفَيْءِ عَلَى الْإِيلَاءِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقِرَاءَةِ وَبِدَلِيلِ جَوَازِ الْفَيْءِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَشْهُرِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمَا جَازَ وَعَزْمُهُ الطَّلَاقَ تَرْكُهُ لَهَا إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَيْ وَإِنْ عَزَمُوا أَنْ يُصَيِّرُوا الْإِيلَاءَ طَلَاقًا فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بِالْإِيلَاءِ عَلِيمٌ بِالْعَزِيمَةِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ إيقَاعٍ بَلْ بِإِيقَاعِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَرَّرَ الشَّرْعُ أَصْلَهُ وَجَعَلَهُ مُتَأَخِّرًا إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْعِنِّينِ شَيْءٌ يُجْعَلُ طَلَاقًا فَافْتَرَقَا، وَلِأَنَّ الْعِنِّينَ لَيْسَ بِظَالِمٍ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفَ، وَلِهَذَا كَانَ أَجَلُهُ أَكْثَرَ وَالْمُولِي ظَالِمٌ بِمَنْعِ حَقِّهَا فَيُجَازَى بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَإِنْ قِيلَ إذَا وَطِئَهَا مَرَّةً لَمْ يَبْقَ لَهَا حَقٌّ فِي الْوَطْءِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ وَالْإِحْصَانِ وَغَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا بِالْعُنَّةِ بَعْدَمَا وَطِئَهَا مَرَّةً فَكَيْفَ يَكُونُ ظَالِمًا بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ قُلْنَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ حُكْمًا فَهُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ دِيَانَةً فَيَكُونُ ظَالِمًا بِالِامْتِنَاعِ أَوْ نَقُولُ ظَلَمَهَا بِجَعْلِ الْوَطْءِ حَرَامًا عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْيَمِينُ فَيَفُوتُ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ جَزَاءً لِظُلْمِهِ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهِ صُنْعٌ يَصِيرُ بِهِ مَانِعًا حَقَّهَا فَلَمْ يَكُنْ ظَالِمًا. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَقَطَ الْيَمِينُ لَوْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ فَلَا تَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَقِيَتْ لَوْ عَلَى الْأَبَدِ) أَيْ بَقِيَتْ الْيَمِينُ لَوْ كَانَ حَلَفَ عَلَى الْأَبَدِ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَبَدًا أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَلَمْ يَقُلْ أَبَدًا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَبَدِ كَمَا فِي الْيَمِينِ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَلَا تَبْطُلُ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِعَدَمِ مَا يُبْطِلُهَا مِنْ حِنْثٍ أَوْ مُضِيِّ وَقْتِهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا لِعَدَمِ مَنْعِ حَقِّهَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَشَرْحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَالْجَامِعِ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ أَنَّهَا لَوْ بَانَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِالْإِيلَاءِ ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ أُخْرَى فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ أُخْرَى وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِيهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَلَيْسَ لِلْمُبَانَةِ حَقٌّ فَلَا يَكُونُ ظَالِمًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبَانَهَا بِتَنْجِيزِ الطَّلَاقِ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ حَيْثُ تَقَعُ أُخْرَى بِالْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَالْمُعَلَّقُ لَا يَبْطُلُ بِتَنْجِيزِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ وَبِهِ يَبْطُلُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَمَضَتْ الْمُدَّتَانِ بِلَا فَيْءٍ بَانَتْ بِأُخْرَيَيْنِ) يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَا بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ التَّزَوُّجِ الثَّانِي بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ أُخْرَى، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَالِثًا وَمَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ ثَالِثَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا ثَبَتَ حَقُّهَا فِي الْجِمَاعِ وَبِامْتِنَاعِهِ عَنْهُ يَصِيرُ ظَالِمًا فَيُجَازَى بِإِزَالَةِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ أَنَّ مُدَّةَ هَذَا الْإِيلَاءِ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ إنْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الثَّانِيَةِ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا، وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ قَبْلَ التَّزَوُّجِ وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَانَهَا بِتَنْجِيزِ طَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حَيْثُ يَكُونُ مُولِيًا وَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ كَانَ مُنْعَقِدًا قَبْلُ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ، وَلِهَذَا لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: 227] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ انْقِضَاءُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا فَيْءَ فِيهَا فَإِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَهُوَ حُجَّةٌ فِيهَا وَإِنْ كَانَ بَيَّنَ هَذَا الِاسْمَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَأَسْمَاءُ الشَّرْعِ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَكَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ الْأَقْطَعُ وَإِذَا ثَبَتَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَأَنَّهُ يَكُونُ بَائِنًا لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَالْفُرْقَةُ الْوَاقِعَةُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ تَكُونُ بَائِنَةً اهـ. (قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ مُتَأَخِّرًا إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ) أَيْ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. اهـ. كَافِي. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَقِيَتْ لَوْ عَلَى الْأَبَدِ) قَالَ الْكَمَالُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَائِضًا فَلَيْسَ بِمُولٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِالْحَيْضِ فَلَا يُضَافُ الْمَنْعُ إلَى الْيَمِينِ اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَبَقِيَتْ لَوْ عَلَى الْأَبَدِ فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ تَقَعُ أُخْرَى عِنْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى إذَا كَانَتْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بَعْدُ. اهـ. فَتْحٌ. . (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَهُ) فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الْإِطْلَاقِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. اهـ. فَتْحٌ

أَشْهُرٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ تَطْلُقُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ تَطْلُقْ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَا بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَبَعْدَ مَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ لَا تَطْلُقُ بِالْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَأَنَّهُ قَالَ كُلَّمَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ اسْتِيفَاءِ هَذَا الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمِلْكِ فِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ نَجَّزَ الثَّلَاثَ فِي الْحَالِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ التَّنْجِيزِ الْخِلَافِيَّةِ وَقَدْ مَرَّتْ مِنْ قَبْلُ، وَلَوْ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَعَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ عَادَتْ إلَيْهِ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَتَطْلُقُ كُلَّمَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حَتَّى تَبِينَ مِنْهُ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَكَذَا فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ وَطِئَهَا كَفَّرَ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ) أَيْ لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ مَا عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ التَّكْفِيرِ وَإِنْ لَمْ تَبْقَ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَتَزَوَّجَهَا لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُولِيًا وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ إذَا قَرُبَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا إيلَاءَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) يَعْنِي فِي الْحُرَّةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَوْ حَلَفَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا يَكُونُ مُولِيًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ حِينَ بَلَغَهُ فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ فَيَكُونُ امْتِنَاعُهُ فِيهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ الْمَانِعِ وَهُنَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَبَهَا فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ شَيْءٍ فَكَانَ الِامْتِنَاعُ فِي بَعْضِهَا مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ فَصَارَ كَمَا إذَا امْتَنَعَ فِي الْمُدَّةِ كُلِّهَا بِلَا مَانِعٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ إيلَاءٌ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ إيلَاءٌ فَيَكُونُ بِهِ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِهِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ وَشَهْرٍ كَانَ الْأَجَلُ شَهْرَيْنِ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ كَانَ كَقَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى عَطَفَ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ حَرْفِ النَّفْيِ وَلَا تَكْرَارَ اسْمِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا وَاحِدًا وَلَوْ أَعَادَ حَرْفَ النَّفْيِ أَوْ كَرَّرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينَيْنِ وَتَتَدَاخَلُ مُدَّتُهُمَا بَيَانُهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا يَوْمَيْنِ وَلَا يَوْمَيْنِ يَكُونُ يَمِينَيْنِ وَمُدَّتُهُمَا وَاحِدَةٌ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي يَحْنَثُ فِيهِمَا وَتَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَإِنْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يَحْنَثُ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِمَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا يَوْمَيْنِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا يَوْمَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ قَالَ اللَّهُ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ كَانَ يَمِينًا وَاحِدًا وَمُدَّتُهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِيهَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ كَانَتْ يَمِينًا وَاحِدَةً إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِيهَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمَيْنِ يَكُونُ يَمِينَيْنِ فَمُدَّةُ الْأُولَى يَوْمٌ وَمُدَّةُ الثَّانِيَةِ يَوْمَانِ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يَحْنَثُ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَلَا شَهْرَيْنِ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ فَتَتَدَاخَلُ مُدَّتُهُمَا حَتَّى لَوْ قَرُبَهَا قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، وَلَوْ قَرُبَهَا بَعْدَ مُضِيِّهِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِمَا. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَكَثَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا أَوْ قَالَ بِالْبَصْرَةِ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ مَكَّةَ وَهِيَ بِهَا لَا) أَيْ لَا يَكُونُ مُولِيًا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا أَمَّا الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَمَكَثَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَلِأَنَّ الثَّانِيَ إيجَابٌ مُبْتَدَأٌ وَقَدْ صَارَ مَمْنُوعًا بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى شَهْرَيْنِ وَبَعْدَ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا مَكَثَ فِيهِ فَلَمْ تَتَكَامَلْ الْمُدَّةُ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ هُنَا يُفِيدُ تَعْيِينَ مُدَّةِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ كَانَتْ مُدَّتُهُمَا وَاحِدَةً لِمَا ذَكَرْنَا وَكَانَتْ الثَّانِيَةُ تَتَأَخَّرُ عَنْ الْأُولَى انْقِضَاءً بِيَوْمٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ قَالَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ بَعْدَ سَاعَةٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك كَانَ إيلَاءَيْنِ، وَلَوْ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَتْ ثَلَاثَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ) يَعْنِي طَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ) كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا عَلَى حِدَةٍ صِيَانَةً لِحَرْفِ النَّفْيِ عَنْ الْإِلْغَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمَيْنِ تَدَاخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ فَانْتَهَتْ الْيَمِينُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ بِالْيَوْمَيْنِ وَلَمْ يَحْنَثْ بِالْكَلَامِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَصَارَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ تَمَامَ مُدَّةِ الْيَمِينِ الْأُولَى وَنِصْفَ مُدَّةِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَلَا عَمْرًا فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا يَحْنَثُ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْهُمَا جَمِيعًا فَافْهَمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ مَكَثَ يَوْمًا) لَفْظُ يَوْمًا لَيْسَ بِقَيْدٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُكْثِهِ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً. اهـ. كَمَالٌ. . (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا أَيْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا إذَا قَرُبَهَا يَوْمًا وَمَضَى ذَلِكَ الْيَوْمُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَبَقِيَ بَعْدَهُ إلَى تَمَامِ السَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَبْقَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا، وَكَذَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا مَرَّةً لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا إذَا قَرُبَهَا مَرَّةً فَبَقِيَ بَعْدَ الْقُرْبَانِ مِنْ السَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّ فِي الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ

إيلَاءَاتٍ فَبِتَمَامِ الْمُدَّةِ الْأُولَى يَقَعُ وَاحِدَةٌ ثُمَّ يَقَعُ بِالثَّانِيَةِ أُخْرَى إذَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مُولِيًا مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَإِذَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ وَإِنْ انْعَقَدَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ أَيْمَانٍ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَنْعَقِدُ بِعَقْدِ التَّزَوُّجِ فَاتَّحَدَتْ مُدَّةُ انْعِقَادِ الثَّلَاثِ فَلَا يَنْعَقِدُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ طَلَاقًا بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الظُّلْمُ فَإِذَا اتَّحَدَتْ الْمُدَّةُ لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا مَعْنًى وَاحِدٌ فَلَا يَتَعَدَّدُ الطَّلَاقُ لَكِنْ لَوْ قَرُبَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا فَلِأَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهُنَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَوْمٌ مُنَكَّرٌ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ فَلَا يَمُرُّ عَلَيْهِ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ إلَّا وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ هُوَ الْمُسْتَثْنَى وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ هُوَ يَصْرِفُ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ اعْتِبَارًا بِالْإِجَارَةِ وَبِمَا إذَا قَالَ سَنَةً إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ وَبِمَا إذَا أَدْخَلَ الدَّيْنَ إلَى سَنَةٍ إلَّا يَوْمًا قُلْنَا الْإِجَارَةُ تَبْطُلُ بِالْجَهَالَةِ فَوَجَبَ صَرْفُهُ إلَى الْأَخِيرِ احْتِرَازًا عَنْهُ بِخِلَافِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالْجَهَالَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ وَالنُّقْصَانُ يَكُونُ مِنْ الْآخَرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَأْجِيلِ الدَّيْنِ التَّأْخِيرُ فَلَوْ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْآخَرِ لَمَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى هَذَا فَقَالَ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا سَنَةً إلَّا يَوْمًا يَنْصَرِفُ إلَى آخِرِ السَّنَةِ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَثْنًى مُنَكَّرًا فِي الْيَمِينِ ثُمَّ أَجَابَ بِجَوَابٍ غَيْرِ شَافٍ فَقَالَ إنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ الْمُغَايَظَةُ وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي الْحَالِ فَيَنْصَرِفُ الْمُسْتَثْنَى إلَى آخِرِ السَّنَةِ، وَهَذَا غَيْرُ مُخَلِّصٍ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ فِي الْإِيلَاءِ أَيْضًا غَيْظٌ قَائِمٌ فِي الْحَالِ فَبَطَلَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ فَإِنْ قَرُبَهَا يُنْظَرُ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ صَارَ مُولِيًا وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إلَّا يَوْمًا لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى يَقْرَبَهَا فَإِنْ قَرُبَهَا صَارَ مُولِيًا وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا أَقْرَبُك فِيهِ لَا يَكُونُ مُولِيًا أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى كُلَّ يَوْمٍ يَقْرَبُهَا فِيهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا أَبَدًا فَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ فِي الْبَصْرَةِ وَامْرَأَتُهُ فِي مَكَّةَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ مَكَّةَ فَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَبَهَا فِي الْمُدَّةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ يُلْزِمُهُ بِأَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مَكَّةَ وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا فِي النِّهَايَةِ مَا لَوْ قَالَ لِنِسْوَتِهِ الْأَرْبَعِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ فِي الْحَالِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ قُرْبَانُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِقُرْبَانِ جَمِيعِهِنَّ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَلَّمَهُمْ كُلَّهُمْ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْحَالِفَ مُتَعَنِّتٌ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِمَنْعِ حَقِّهَا فَكَأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَيْهَا وَحْدَهَا إلَّا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ بِقُرْبَانِ بَعْضِهِنَّ؛ لِأَنَّهَا مُوجِبُ الْحِنْثِ وَلَمْ يَحْنَثْ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِالْبِرِّ فِي الْمُدَّةِ وَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَتَطْلُقُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى يَطَأَ الثَّلَاثَ مِنْهُنَّ فَيَكُونُ مُولِيًا مِنْ الرَّابِعَةِ وَحْدَهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ. وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَلَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا إلَّا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فَوُجِدَ شَرْطُ الْإِيلَاءِ فِيهَا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّاهُ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَلَفَ بِحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهُوَ مُولٍ) وَصُورَةُ الْيَمِينِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَقُولَ إنْ قَرَبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ عِتْقُ عَبْدٍ أَوْ عَبْدُهُ الْمُعَيَّنُ حُرٌّ أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا وَإِنَّمَا صَارَ مُولِيًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ بِالْيَمِينِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَهَذِهِ الْأَجْزِيَةُ مَانِعَةٌ مِنْ الْوَطْءِ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِالصَّلَاةِ وَالْغَزْوِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يَسْهُلُ إيجَادُهُمَا فَلَا يَصْلُحَانِ مَانِعَيْنِ وَفِي عِتْقِ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهُ ثُمَّ يَقْرَبَهَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْبَيْعَ مَوْهُومٌ فَلَا يَمْنَعُ الْمَانِعِيَّةُ فِي الْإِيلَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ فَرُبَّمَا لَا يَجِدُ فِي الْمُدَّةِ مَنْ يَشْتَرِيهِ، وَلَوْ بَاعَهُ سَقَطَ الْإِيلَاءُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ يَقْدِرُ عَلَى قُرْبَانِهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُولِيًا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ جَامَعَهَا بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى قُرْبَانِهَا إلَّا بِعِتْقٍ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْبَيْعِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى قُرْبَانِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ مَوْتُ الْمَرْأَةِ الْمُعَلَّقِ طَلَاقُهَا بِالْقُرْبَانِ أَوْ إبَانَتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِأَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مَكَّةَ) أَيْ بِوَكِيلِهِ أَوْ نَائِبِهِ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَيَقْرَبُهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْإِيلَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ حَلَفَ بِحَجٍّ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ فَبَدَأَ بِذِكْرِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِالصَّلَاةِ وَالْغَزْوِ إلَخْ) صُورَةُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ أَنْ يُعَلِّقَهُمَا بِقُرْبَانِهَا اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إلَخْ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ مَا لَا يَخْلُوَانِ عَنْ نَوْعِ مَشَقَّةٍ فَيَكُونَانِ مَانِعَيْنِ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَهُمَا يَقُولَانِ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْهُومٌ) يَعْنِي: الْأَصْلُ عَدَمُ مَا يَحْدُثُ اهـ

وَقَوْلُهُ أَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ بَاقِيَةٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ فَيَتَنَاوَلُهَا قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] الْآيَةَ فَإِنْ قِيلَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِالْإِيلَاءِ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ لِكَوْنِهِ ظَلَمَهَا بِمَنْعِهَا حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ لَيْسَ لَهَا حَقٌّ فِيهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قُرْبَانُهَا لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً، وَلِهَذَا لَا تَمْلِكُ مُطَالَبَتَهُ بِهِ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ جَزَاءُ الظُّلْمِ فِي حَقِّهَا قُلْنَا إنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَنْصُوصِ مُضَافٌ إلَى النَّصِّ لَا إلَى الْمَعْنَى وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ مِنْ نِسَائِنَا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وَالْبَعْلُ هُوَ الزَّوْجُ فَكَانَ الْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَى نِسَاءِ الْأَزْوَاجِ شَامِلًا لَهَا فَلَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ بَطَلَ الْإِيلَاءُ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنْ الْمُبَانَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا) أَيْ لَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنَةِ أَوْ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِيلَاءِ مَنْ يَكُونُ مِنْ نِسَائِنَا بِالنَّصِّ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْهَا فَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لِلطَّلَاقِ أَصْلًا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَخْرَجِهِ وَقَعَ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ وَطِئَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَعْتَمِدُ التَّصَوُّرَ دُونَ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ عَنْ الْحَرَامِ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ شَهْرَانِ) لِأَنَّهَا ضَرَبَتْ أَجَلًا لِلْبَيْنُونَةِ فَتَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُدَّتُهَا كَمُدَّةِ إيلَاءِ الْحُرَّةِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ ضُرِبَتْ لِإِظْهَارِ الظُّلْمِ بِمَنْعِ الْحَقِّ فِي الْجِمَاعِ عِنْدَهُ وَالْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَعِنْدَنَا ضَرَبَتْ أَجَلًا لِلْبَيْنُونَةِ فَشَابَهَتْ مُدَّةَ الْعِدَّةِ فَتَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ لِكَوْنِهَا مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَجَزَ الْمُولِي عَنْ وَطْئِهَا بِمَرَضِهِ أَوْ مَرَضِهَا أَوْ بِالرَّتَقِ أَوْ بِالصِّغَرِ أَوْ بِبُعْدِ مَسَافَةٍ فَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ فِئْت إلَيْهَا) هَذَا إذَا كَانَ عَاجِزًا مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حَتَّى لَوْ آلَى مِنْهَا وَهُوَ قَادِرٌ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الْوَطْءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَرَضٍ أَوْ بُعْدِ مَسَافَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ جَبٍّ أَوْ أَسْرِ عَدُوٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ كَانَ عَاجِزًا حِينَ آلَى وَزَالَ الْعَجْزُ فِي الْمُدَّةِ لَمْ يَصِحَّ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْجِمَاعِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَجْزُ الْمُسْتَوْعِبُ لِلْمُدَّةِ، وَلَوْ آلَى مِنْهَا وَهُوَ مَرِيضٌ وَبَانَتْ بِمُضِيِّ مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ صَحَّ وَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ فَفَاءَ بِلِسَانِهِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَصَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ مَرِيضٌ وَعَادَ حُكْمُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ وَفِي زَمَانِ الصِّحَّةِ هِيَ مُبَانَةٌ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ فَلَا يَعُودُ فِيهِ حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَهُمَا يَقُولَانِ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ الْفَيْءُ بِاللِّسَانِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَا تَبِينُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ الْفَيْءُ بِاللِّسَانِ أَصْلًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّهُ ظَلَمَهَا بِمَنْعِ حَقِّهَا وَهُوَ الْوَطْءُ فَيَكُونُ إيفَاؤُهُ بِهِ، وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالْفَيْءِ حُكْمَانِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَامْتِنَاعُ حُكْمِ الْفُرْقَةِ وَالْفَيْءُ بِاللِّسَانِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ الْآخَرِ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَكَفَى بِهِمَا قُدْوَةً، وَلِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِاعْتِبَارِ التَّعَنُّتِ وَالْإِضْرَارِ بِهَا وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِالْفَيْءِ بِاللِّسَانِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْفَيْءِ بِالْجِمَاعِ فَكَانَ الْفَيْءُ بِالْجِمَاعِ أَصْلًا وَبِاللِّسَانِ خَلَفًا؛ لِأَنَّ الْفَيْءَ عِبَارَةٌ عَنْ الرُّجُوعِ وَذَلِكَ يُوجَدُ بِهِمَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْعَجْزِ بَلْ نَقُولُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْجِمَاعِ فَحَقُّهَا فِيهِ فَكَانَ قَصْدُهُ الْإِضْرَارَ بِهَا بِمَنْعِهِ نَفْسَهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا فَلَيْسَ لَهَا حَقٌّ فِي الْجِمَاعِ وَإِنَّمَا قَصَدَ إيحَاشَهَا وَإِضْرَارَهَا بِهِ فَيَكُونُ فَيْؤُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِإِزَالَةِ مَا قَصَدَ لِأَنَّ التَّوْبَةَ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ، وَلَوْ كَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِاعْتِبَارِ مَنْعِ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ فَقَطْ لَمَا كَانَ مُولِيًا فِي حَالَةِ الْعَجْزِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلِهَذَا لَمْ تَمْلِكْ مُطَالَبَتَهُ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ بِامْتِنَاعِهِ عَنْهُ ظَالِمًا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الْإِيلَاءَ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَكَذَا مِنْ امْرَأَتِهِ الْقَرْنَاءِ وَالرَّتْقَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ فَلَا يَكُونُ ظَالِمًا بِامْتِنَاعِهِ وَالطَّلَاقُ جَزَاءُ الظُّلْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهُوَ مُولٍ) أَيْ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالْبَعْلُ هُوَ الزَّوْجُ) أَيْ حَقِيقَةً فَكَانَتْ مِنْ نِسَائِهِ فَيَشْمَلُهَا نَصُّ الْإِيلَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الْإِيلَاءُ وَإِنْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ لِحَقِّ الْغَيْلِ عَلَى وَلَدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالظُّلْمِ بِاعْتِبَارِ بِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْغَالِبِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمِنْ الْمُبَانَةِ إلَخْ) وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا مِنْ الْمُبَانَةِ الْمُعْتَدَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ طَلَاقٌ بَائِنٌ مُعَلَّقٌ وَبَعْدَ الْإِبَانَةِ لَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ؛ لِأَنَّهُ لَهَا وَلَا تَنْجِيزًا؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ لِانْتِقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إلَخْ) إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ إلَّا عَقِيبَ التَّزَوُّجِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا إذْ ذَاكَ تَصِيرُ مَحَلًّا لَا قَبْلَهُ. اهـ. كَمَالٌ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ إلَخْ) وَعَنَى بِالْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةَ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ مِنْ أَمَتِهِ لَا يَصِحُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَنَا ضُرِبَتْ أَجَلًا إلَخْ) لَنَا أَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا بِلَفْظِ التَّرَبُّصِ كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ قَالَ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226]، وَقَالَ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَوْ آلَى مِنْهَا وَهُوَ مَرِيضٌ) أَيْ إيلَاءً مُؤَبَّدًا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالْفَيْءُ بِاللِّسَانِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ) أَيْ: وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَكَذَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ الْآخَرِ) أَيْ: وَهُوَ امْتِنَاعُ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ اهـ (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ الْمَانِعُ شَرْعِيًّا بَانَ الْحُكْمُ مُحَرَّمًا وَآلَى وَقْتَ أَفْعَالِ الْحَجِّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَالْفَيْءُ بِالْجِمَاعِ وَعِنْدَ زُفَرَ بِاللِّسَانِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ مِنْ الْجِمَاعِ شَرْعًا فَثَبَتَ الْعَجْزُ فَكَانَ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ وَهُمْ اعْتَبَرُوا الْعَجْزَ الْحَقِيقِيَّ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ بِاخْتِيَارِهِ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ فِيمَا لَزِمَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ تَخْفِيفًا. اهـ. فَتْحٌ. .

[باب الخلع]

وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ النَّصَّ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْإِيلَاءِ مِنْ النِّسَاءِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَصْفِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ إمَّا لِأَنَّ فِيهِ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ وَهُوَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِهِ أَوْ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ فِيهِ إبْطَالُ حُكْمِ النَّصِّ وَالتَّعْلِيلُ عَلَى وَجْهٍ يُبْطِلُ حُكْمَ النَّصِّ بَاطِلٌ بَلْ لَا يَجُوزُ تَعْلِيلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبْطِلًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَنْصُوصِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ لَا بِالتَّعْلِيلِ وَإِنَّمَا التَّعْلِيلُ لِإِلْحَاقِ غَيْرِهِ بِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، وَلَوْ قَرُبَهَا بَعْدَ مَا فَاءَ بِلِسَانِهِ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ لِتَحَقُّقِ الْحِنْثِ بِهِ لِأَنَّ يَمِينَهُ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ الْحِنْثِ وَإِنْ بَطَلَتْ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَدَرَ فِي الْمُدَّةِ فَفَيْؤُهُ الْوَطْءُ) أَيْ إنْ قَدَرَ عَلَى الْجِمَاعِ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ بَعْدَمَا فَاءَ إلَيْهَا بِاللِّسَانِ بَطَلَ ذَلِكَ الْفَيْءُ وَكَانَ فَيْؤُهُ بِالْجِمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْفَيْءَ بِاللِّسَانِ خَلَفٌ عَنْ الْفَيْءِ بِالْجِمَاعِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ بَطَلَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إيلَاءٌ إنْ نَوَى التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَظِهَارٌ إنْ نَوَاهُ وَكَذِبٌ إنْ نَوَى الْكَذِبَ وَبَائِنَةٌ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَثَلَاثٌ إنْ نَوَاهُ)، وَهَذَا مُجْمَلٌ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّفْصِيلِ فَنَقُولُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ فَكَانَ بَيَانُهُ إلَى الْمُجْمَلِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ أُرِدْ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ يَمِينٌ يَصِيرُ بِهِ مُولِيًا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ثُمَّ قَالَ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ فِيهِ حُرْمَةٌ فَإِذَا نَوَاهُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ ظِهَارًا لِعَدَمِ رُكْنِهِ وَهُوَ تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ فَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْمُحَلَّلَةَ بِالْحُرْمَةِ فَكَانَ كَذِبًا حَقِيقَةً فَإِذَا نَوَاهُ صُدِّقَ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ ظَاهِرًا فَلَا يُصَدَّقُ فِي الصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الطَّلَاقَ فَهُوَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الثَّلَاثَ وَقَدْ مَرَّ فِي الْكِنَايَاتِ وَقِيلَ يُصْرَفُ التَّحْرِيمُ إلَى الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا، وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَالْحَرَامُ عِنْدَهُ طَلَاقٌ وَلَكِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْعُرْفِ وَعُرْفُ النَّاسِ الْيَوْمَ إطْلَاقُهُ عَلَى الطَّلَاقِ، وَلِهَذَا لَا يَحْلِفُ بِهِ إلَّا الرِّجَالُ وَعَنْ هَذَا قَالُوا لَوْ نَوَى غَيْرَهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَقِيلَ تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ. (بَابُ الْخُلْعِ) الْخُلْعُ النَّزْعُ وَالْفَصْلُ لُغَةً يُقَالُ خَلَعَ نَعْلَهُ خُلْعًا وَخَلَعَ ثَوْبَهُ أَيْ نَزَعَهُ وَخَالَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا إذَا افْتَدَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ وَخَالَعَهَا وَتَخَالَعَا تَشْبِيهًا لِفِرَاقِهِمَا بِنَزْعِ الثِّيَابِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِبَاسُ الْآخَرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ أَخْذِ الْمَالِ بِإِزَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَشَرْطُهُ شَرْطُ الطَّلَاقِ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَصِفَتُهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جِهَتِهَا وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ» وَقَدْ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ حَقُّهُ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ، وَقَالَ الْمُزَنِيّ الْخُلْعُ غَيْرُ جَائِزٍ وَزَعَمَ أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: 20] الْآيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَطْلَقَ الْحُرْمَةَ وَهِيَ أَنْوَاعٌ وَالظِّهَارُ مِنْهَا فَإِذَا نَوَاهُ بِهَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مِنْ مُحْتَمِلِهِ اهـ. (قَوْلُهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَالْحَرَامُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْقَائِلِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ) قَالَ فِي الْكَافِي فِي أَثْنَاءِ مَا يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَلَوْ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ فِي الْأَظْهَرِ كَقَوْلِهِ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ غُمُوضٌ فِي تَصْوِيرِهَا اهـ. [بَابُ الْخُلْعِ] (بَابُ الْخُلْعِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: التَّجْرِيدُ وَمُطْلَقُ لَفْظِ الْخُلْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ حَتَّى لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اخْلَعْ امْرَأَتِي فَخَلَعَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ لَمْ يَصِحَّ اهـ وَفِيهَا نَقْلًا عَنْ السِّرَاجِيَّةِ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ عَلَى مَالٍ طَلُقَتْ وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ اهـ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَهُوَ فِي إزَالَةِ الزَّوْجِيَّةِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَإِزَالَةِ غَيْرِهَا بِفَتْحِهَا كَمَا اخْتَصَّ إزَالَةَ قَيْدِ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ وَفِي غَيْرِهِ بِالْإِطْلَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَخَالَعَهَا وَتَخَالَعَا تَشْبِيهًا) قَالَ الْكَمَالُ صِيغَ مِنْهَا الْمُفَاعَلَةُ مُلَاحَظَةً لِمُلَابَسَةِ كُلٍّ لِلْآخَرِ كَالثَّوْبِ اهـ. (قَوْلُهُ وَشَرْطُهُ شَرْطُ الطَّلَاقِ) أَيْ وَهُوَ الْأَهْلُ وَالْمَحَلُّ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ) أَيْ: عِنْدَنَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَصِفَتُهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جِهَتِهَا إلَخْ) فَتُرَاعَى أَحْكَامُ الْيَمِينِ مِنْ جَانِبِهِ وَأَحْكَامُ الْمُعَاوَضَةِ مِنْ جَانِبِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ يَمِينٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَسَيَأْتِي ثَمَرَةُ الْخِلَافِ اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ) أَيْ: وَالْمَعْقُولُ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ} [البقرة: 158] إلَخْ) وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي ثَابِتٍ وَامْرَأَتِهِ وَهُوَ أَوَّلُ خُلْعٍ وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ كَذَا فِي الْكَشَّافِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ إلَخْ) وَسَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْمُبَارَأَةِ أَوْ الْبَيْعِ بِأَنْ يَقُولَ خَلَعْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ طَلَّقْتُك عَلَى أَلْفٍ أَوْ بَارَأْتُك أَوْ بِعْت نَفْسَك أَوْ طَلَاقُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا بِقَبُولِهَا فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ وَالْمُعَاوَضَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ وَتَمَلُّكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَزِمَهَا الْمَالُ لِالْتِزَامِهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ لِوِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ الْفَصْلُ مِنْ النِّكَاحِ) لَيْسَ هَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الرَّازِيّ هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ اهـ. .

قُلْنَا شَرْطُ النَّسْخِ الْعِلْمُ بِتَأَخُّرِ النَّاسِخِ وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُوجَدَا، وَلِأَنَّ النَّهْيَ مُقَيَّدٌ بِإِرَادَةِ الزَّوْجِ اسْتِبْدَالَ غَيْرِهَا مَكَانَهَا وَالْآيَةُ الْأُولَى مُطْلَقَةٌ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى نَسْخِهَا بِهَا مُطْلَقًا، وَلِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَعْدِمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ فِي الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا نُسَلِّمُ نَسْخَهَا، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ إلَّا إذَا كَرِهَتْهُ الْمَرْأَةُ وَخَافَتْ أَنْ لَا تُوَفِّيَهُ حَقَّهُ أَوْ لَا يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا وَمَنَعُوا إذَا كَرِهَهَا الزَّوْجُ لِمَا تَلَوْنَا وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ إذَا تَشَاقَّ الزَّوْجَانِ وَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ يَخْلَعُهَا بِهِ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْعَادَةِ أَوْ الْأَوْلَوِيَّةِ لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ وَأَرَادَ بِالْخَوْفِ الْعِلْمَ وَالتَّيَقُّنَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ قَالَ الشَّاعِرُ إذَا مِتَّ فَادْفِنِي إلَى جَنْبِي كَرْمَةً ... تُرْوِي عِظَامِي بَعْدَ مَوْتِي عُرُوقُهَا وَلَا تَدْفِنَنِّي فِي الْفَلَاةِ فَإِنَّنِي ... أَخَافُ إذَا مَا مِتَّ أَنْ لَا أَذُوقَهَا أَيْ أَعْلَمُ وَأَتَيَقَّنُ، وَلِهَذَا رَفَعَهُ وَالتَّشَاقُّ الِاخْتِلَافُ وَالتَّخَاصُمُ مُشْتَقٌّ مِنْ الشَّقِّ وَهُوَ الْجَانِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَأْخُذُ شَقًّا خِلَافَ شَقِّ صَاحِبِهِ وَحُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَلْزَمُهُمَا مِنْ مُوَاجَبِ الزَّوْجِيَّةِ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْوَاقِعُ بِهِ وَبِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ طَلَاقٌ بَائِنٌ) يَعْنِي الْوَاقِعُ بِالْخُلْعِ وَبِالطَّلَاقِ الصَّرِيحِ إذَا كَانَ بِعِوَضٍ يَكُونُ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَلَكَ الْعِوَضَ فَوَجَبَ أَنْ تَمْلِكَ هِيَ الْمُعَوَّضَ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ وَذَلِكَ بِالْبَائِنِ، وَكَذَا إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ الْمُبَارَأَةِ كَانَ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا فِي الْمَجْلِسِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ قَالَ لَمْ أَعْنِ الطَّلَاقَ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ أَمَارَةٌ صَادِقَةٌ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الطَّلَاقُ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ يُصَدَّقُ فِي لَفْظِ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ؛ لِأَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي لَفْظِ الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمِ الْخُلْعُ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] بَعْدَ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] إلَى أَنْ قَالَ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَصَارَتْ التَّطْلِيقَاتُ أَرْبَعًا، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ حَتَّى يُفْسَخَ بِخِيَارِ الْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَالْبُلُوغِ فَكَذَا بِالتَّرَاضِي وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ التَّمَامِ، وَلِهَذَا لَا يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَبِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ قَبْلَ التَّمَامِ وَالْكَلَامُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ثَابِتٌ ضَرُورَةً فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِهِ فِي حَقِّ الْفَسْخِ، وَلِأَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ كِنَايَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ مَالًا وَقَدْ رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْآيَةُ تَشْهَدُ لَنَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّلْقَتَيْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] الْآيَةَ ثُمَّ ذَكَرَ الِافْتِدَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِعْلَ الزَّوْجِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ فِعْلَهُ هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ لَكِنَّهُ بِعِوَضٍ ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ بِطَلْقَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ شَرَعَ طَلْقَتَيْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ نَفَى الْجُنَاحَ عَنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهُمَا، وَلِهَذَا اكْتَفَى بِذِكْرِ فِعْلِهَا فِي الِافْتِدَاءِ وَإِلَّا لَذَكَرَ فِعْلَهُ؛ لِأَنَّ الِافْتِدَاءَ لَا يَتِمُّ بِفِعْلِهَا وَحْدَهَا أَوْ نَقُولُ ذَكَرَ الطَّلْقَتَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ طَلْقَةً بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ فَتَكُونُ الْآيَةُ حُجَّةً عَلَيْهِ فِي هَذَا وَفِي قَوْلِهِ الْمُخْتَلِعَةُ لَا يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَزِمَهَا الْمَالُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ الْبُضْعِ عَنْ مِلْكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا فِي الْمَجْلِسِ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ قَدْ خَلَعْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بَارَأْتُك أَوْ طَلَّقْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْقَبُولُ إلَيْهَا فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ قَامَتْ قَبْلَ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا بَطَلَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ بَدَأَتْ هِيَ فَقَالَتْ اخْلَعْنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بَارِئْنِي أَوْ طَلِّقْنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ قَبِلَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ فَطَلَّقَهَا كَمَا اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ فَالْمَالُ لَهَا لَازِمٌ وَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا فَهِيَ امْرَأَتُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَقَالَ الرَّازِيّ وَلَكِنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ إذَا كَانَ بِقَبُولِهَا الْمَالَ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَإِذَا قَبِلَتْ لَزِمَهَا الْمَالُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ. اهـ. وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي: وَإِذَا اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا فَالْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الزَّوْجُ ثَلَاثًا فَيَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَكَذَا كُلٌّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ. (قَوْلُهُ وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمِ الْخُلْعُ فَسْخٌ) قَالَ فِي الْكَافِي وَأَصَحُّ قَوْلَيْهِ أَنَّهُ طَلَاقٌ. اهـ (فَرْعٌ) فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ أَنَّ مَنْ خَلَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ زَادَتْ فِي بَدَلِ الْخُلْعِ زِيَادَةً أَنَّ الزِّيَادَةَ بَاطِلَةٌ. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةُ. (قَوْلُهُ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ التَّمَامِ إلَخْ) وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ فِي الْحَالِ فَجَعَلَ لَفْظَ الْخُلْعِ عِبَارَةً عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ فِي الْحَالِ وَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِالطَّلَاقِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَسْخٌ قَبْلَ التَّمَامِ إلَخْ) فَكَانَ فِي مَعْنَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِتْمَامِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَالْآيَةُ تَشْهَدُ لَنَا) قَالَ فِي الْكَافِي. وَأَمَّا الْآيَةُ فَاَللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ التَّطْلِيقَةَ الثَّالِثَةَ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ، وَلِهَذَا لَا يَصِيرُ أَرْبَعًا اهـ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] أَيْ التَّطْلِيقُ الشَّرْعِيُّ تَطْلِيقَةٌ بَعْدَ أُخْرَى عَلَى التَّفْرِيقِ دُونَ الْجَمْعِ وَالْإِرْسَالِ دُفْعَةً فَإِنَّهُ بِدْعِيٌّ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ التَّثْنِيَةِ بَلْ التَّكْرِيرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] وَنَحْوَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. وَقَوْلُهُ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] تَخْيِيرٌ لِلْأَزْوَاجِ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَهُمْ كَيْفَ يُطَلِّقُونَ بَيْنَ إمْسَاكِهِنَّ بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَالْقِيَامِ بِوَاجِبِهِنَّ وَبَيْنَ التَّسْرِيحِ بِالْجَمِيلِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ حَقَّهَا وَيُخَلِّيَ سَبِيلَهَا اهـ ش بِالْمَعْنَى لِلْهِنْدِيِّ

إلَّا بِهِ وَهُوَ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا كَحَقِّ الْقِصَاصِ فَوَجَبَ بِالْتِزَامِهَا لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ إنْ نَشَزَ) يَعْنِي يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا إنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20]، وَلِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالْفِرَاقِ فَلَا يَزِيدُ عَلَى إيحَاشِهَا بِأَخْذِ الْمَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَشَزَتْ لَا) أَيْ وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا لَا يُكْرَهُ لَهُ الْأَخْذُ، وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ إنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِامْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ حِينَ أَرَادَتْ الْفُرْقَةَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ وَزِيَادَةً فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» وَقَدْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا، وَلَوْ أَخَذَ الزِّيَادَةَ جَازَ قَضَاءً وَكَذَا إذَا أَخَذَ شَيْئًا وَالنُّشُوزُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] الْجَوَازُ حُكْمًا وَالْإِبَاحَةُ وَقَدْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فِي حَقِّ الْإِبَاحَةِ لِمُعَارِضٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20]. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» فَبَقِيَ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْبَاقِي وَهُوَ الصِّحَّةُ فَإِنْ قِيلَ النَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَخْذٌ بَعْدَ النَّهْيِ قُلْنَا النَّهْيُ وَرَدَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ زِيَادَةُ الْإِيحَاشِ فَلَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ كَالْبَيْعِ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا بِاخْتِيَارِهَا فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْعَاقِلِ وَتَوْفِيقًا بَيْنَ النُّصُوصِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا صَلُحَ مَهْرًا صَلُحَ بَدَلَ الْخُلْعِ)؛ لِأَنَّ مَا صَلُحَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لِلْمُتَقَوِّمِ أَوْلَى أَنْ يَصْلُحَ عِوَضًا لِغَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبُضْعَ حَالَةَ الدُّخُولِ مُتَقَوِّمٌ وَعِنْدَ الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، وَلِهَذَا جَازَ تَزْوِيجُ الْأَبِ ابْنَهُ الصَّغِيرَ عَلَى مَالِ الصَّغِيرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلَعَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِمَالِهَا، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الْمَرِيضُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ الْمَرِيضَةُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْهَا وَمِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ وَمِنْ الثُّلُثِ إذَا مَاتَتْ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَلَهُ بَدَلُ الْخُلْعِ إنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا قِيمَةَ لَهُ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّبَرُّعِ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ لَوْ أَخْرَجَتْهُ عَنْ مِلْكِهِ بِرِدَّتِهَا أَوْ تَقْبِيلِهَا ابْنَهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا أَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ لَمْ يَجِبْ لِلزَّوْجِ شَيْءٌ عَلَى الْمُتْلِفِ، وَلَوْ كَانَ مُتَقَوِّمًا لَوَجَبَ وَقَوْلُهُ وَمَا صَلُحَ مَهْرًا صَلُحَ بَدَلَ الْخُلْعِ لَا يُنَافِي الْعَكْسَ حَتَّى جَازَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا أَيْضًا كَالْأَقَلِّ مِنْ الْعَشَرَةِ وَكَمَا فِي يَدِهَا وَبَطْنِ غَنَمِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ وَقَعَ بَائِنٌ فِي الْخُلْعِ رَجْعِيٌّ فِي غَيْرِهِ مَجَّانًا كَخَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا)؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ مُعَلَّقٌ بِالْقَبُولِ وَقَدْ وُجِدَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُسَمِّ شَيْئًا مُتَقَوِّمًا لِتَصِيرَ غَارَّةً لَهُ وَلَا هُوَ مُتَقَوِّمٌ لِتَجِبَ عَلَيْهَا قِيمَتُهُ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ وَقَدْ فَسَدَتْ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ بِالْخَمْرِ حَيْثُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ أَهَانَهَا وَأَهْدَرَ تَقَوُّمَهَا فَلَمْ تَصْلُحْ لِإِبْطَالِ قِيمَةِ الْمُتَقَوِّمِ وَلَا لِتَقْوِيمِ غَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى هَذَا الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ مِثْلُهُ مِنْ خَلٍّ وَسَطٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهَا بِتَسْمِيَةِ الْمَالِ ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ فَقَدْ وَقَعَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ الْعَامِلُ فِيهِ لَفْظَ الطَّلَاقِ أَوْ الْخُلْعِ وَالْأَوَّلُ صَرِيحٌ فَيَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَالثَّانِي كِنَايَةٌ فَيَكُونُ بَائِنًا. وَقَوْلُهُ كَخَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا يَعْنِي كَقَوْلِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا وَمُرَادُهُ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ مَجَّانًا أَيْ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَمَا يَقَعُ مَجَّانًا فِي قَوْلِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَيْسَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُسَمِّ مَالًا مُتَقَوِّمًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ مُتَقَوِّمٌ أَوْ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فَلَمْ تَصِرْ غَارَّةً وَلَهُ الرُّجُوعُ بِالْغُرُورِ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ زَادَتْ مِنْ مَالٍ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ رَدَّتْ مَهْرَهَا أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ) أَيْ زَادَتْ عَلَى قَوْلِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِأَنْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ مَالٍ أَوْ قَالَتْ مِنْ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ رَدَّتْ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى الْمَهْرَ الَّذِي أَخَذَتْهُ مِنْهُ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِامْرَأَةِ ثَابِتٍ إلَخْ) رُوِيَ «أَنَّ جَمِيلَةَ كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَجَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ لَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ وَلَكِنْ أَخْشَى الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ لِشِدَّةِ بُغْضِي إيَّاهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ فَقَالَتْ نَعَمْ وَزِيَادَةً فَقَالَ أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْخُلْعِ رَجْعِيٌّ فِي غَيْرِهِ مَجَّانًا إلَخْ) يَعْنِي بِغَيْرِ شَيْءٍ عَلَيْهَا وَانْتِصَابُهُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وُقُوعًا مَجَّانًا وَوَزْنُهُ فَعَّالٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ. اهـ. عَيْنِيٌّ، وَقَالَ الرَّازِيّ قَوْلُهُ مَجَّانًا قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ) أَيْ: عَلَيْهَا مِثْلُ كَيْلِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَلَكِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْعَبْدُ حُرًّا مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ) أَيْ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى مَا سَيَأْتِي اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ اهـ

دَرَاهِمَ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهَا لَمَّا سَمَّتْ مَالًا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ رَاضِيًا بِزَوَالِ مِلْكِهِ إلَّا بِعِوَضٍ وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى وَقِيمَتِهِ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى إيجَابِ قِيمَةِ الْبُضْعِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَتَعَيَّنَ إيجَابُ مَا قَامَ الْبُضْعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَتْ عَلَى مَا فِي بَيْتِي مِنْ مَالٍ أَوْ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي أَوْ غَنَمِي مِنْ حَمْلٍ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ يَجِبُ رَدُّ الْمَهْرِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَقُلْ مِنْ مَالٍ أَوْ حَمْلٍ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَالِ وَعَدَمِهِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهَا سَمَّتْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهَا لِلتَّيَقُّنِ بِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِدَرَاهِمَ حَيْثُ تَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ لِلْجَهَالَةِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ حَالَةَ الدُّخُولِ مُتَقَوِّمٌ فَأَمْكَنَ إيجَابُ قِيمَتِهِ إذَا جُهِلَ الْمُسَمَّى فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذَكَرْت بِكَلِمَةِ مِنْ وَهِيَ لِلتَّبْعِيضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بَعْضُ الدَّرَاهِمِ وَذَلِكَ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ كَانَ مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَّا ثَلَاثَةً فَعَبْدُهُ حُرٌّ وَفِي يَدِهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ قُلْنَا قَدْ تَكُونُ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَمَّ الْكَلَامُ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى ضَرْبِ إبْهَامٍ فَهِيَ لِلْبَيَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] وَإِلَّا فَهِيَ لِلتَّبْعِيضِ وَقَوْلُهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي كَلَامٌ تَامٌّ بِنَفْسِهِ حَتَّى جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ إبْهَامٍ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهَا لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ هُوَ فَتَعَيَّنَتْ لِلْبَيَانِ وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ غَيْرُ تَامٍّ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فَكَانَتْ لِلتَّبْعِيضِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَفَعَلَ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَعَلَيْهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَسَوَّى بَيْنَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمُنَكَّرِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهَا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فِي الْمُعَرَّفِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بِاللَّامِ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ الْمُعَرَّفِ بِهَا حَتَّى يُصْرَفَ إلَى أَدْنَى الْجِنْسِ عِنْدَ تَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى الْكُلِّ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ قُلْنَا إنَّمَا يُصْرَفُ إلَى الْجِنْسِ إذَا عُرِّيَ عَنْ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الْعَهْدِ وَقَدْ وُجِدَ هُنَا الْقَرِينَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْعَهْدِ وَهُوَ قَوْلُهَا عَلَى مَا فِي يَدِي فَلَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْجَمْعِيَّةِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْعَهْدِ وَقَالَ حُمَيْدٍ الدِّينِ إنَّمَا تَكُونُ اللَّامُ لِلْجِنْسِ إذَا أَمْكَنَ إرَادَةُ كُلِّ الْجِنْسِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ. وَأَمَّا إذَا اسْتَحَالَ فَلَا وَفِي مَسْأَلَتِنَا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ دَرَاهِمِ الْعَالَمِ فِي يَدِهَا فَلَا تَكُونُ لِلْجِنْسِ فَلَا يَبْطُلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَهُ فِي ضِمْنِ كَوْنِهَا لِلْجِنْسِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ لَا لِلتَّعْرِيفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5] فَوُجُودُهُمَا كَعَدَمِهِمَا فَلَا يُفِيدَانِ التَّعْرِيفَ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ بَاعَدَ أُمَّ الْعَمْرِ مِنْ أَسِيرِهَا ... حُرَّاسُ أَبْوَابٍ عَلَى قُصُورِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ خَالَعَ عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ لَهَا عَلَى أَنَّهَا بَرِيئَةٌ مِنْ ضَمَانِهِ لَمْ تَبْرَأْ)؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ وَاشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ عَنْهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمُوجِبِ الْعَقْدِ وَلَا يَبْطُلُ الْخُلْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالنِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِي الْآبِقِ وَيَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِيهِ لَا فِي الْخُلْعِ فَإِذَا بَطَلَ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ عَنْهُ وَجَبَ عَلَيْهَا تَسْلِيمُ عَيْنِهِ إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَتَسْلِيمُ قِيمَتِهِ كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً لَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَبَانَتْ)؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ وَهُوَ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمُعَوَّضِ وَيَكُونُ بَائِنًا لِوُجُوبِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِ أَنْ يَقْبَلَ فِي الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَهَذَا لَا يَبْطُلُ لِقَبُولِهِ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَبِالِاخْتِبَارِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي عَلَى أَلْفٍ وَقَعَ رَجْعِيٌّ مَجَّانًا) أَيْ وَفِي قَوْلِهَا طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً بَائِنَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى بِمَنْزِلَةِ الْبَاءِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ حَتَّى إنَّ قَوْلَهُ أَحْمِلُ هَذَا بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ، وَكَذَا بِعْتُكَهُ بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَفُلَانَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى) أَيْ: وَهُوَ الْمَالُ اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيمَتُهُ لِلْجَهَالَةِ) أَيْ لِجَهَالَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ خَالَعَ عَلَى عَبْدٍ أَبَقَ لَهَا عَلَى أَنَّهَا بَرِيئَةٌ) أَيْ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تُطَالَبُ بِتَحْصِيلِهِ وَتَسْلِيمِهِ بَلْ إنْ حَصَلَ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا اهـ. (قَوْلُهُ لَا فِي الْخُلْعِ) وَإِنَّمَا تَجُوزُ تَسْمِيَةُ الْعَبْدِ الْآبِقِ فِي الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ دُونَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ لَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَبَانَتْ إلَخْ) وَإِنْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ يَجِبُ ثُلُثُ الْأَلْفِ. اهـ. كَاكِيٌّ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ لَزِمَهَا كُلُّ الْأَلْفِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ يَقَعُ بِغَيْرِ شَيْءٍ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) أَيْ لَوْ قَالَ لَهُ بِعْتُك هَذِهِ الْعَبِيدَ الثَّلَاثَةَ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ فِي وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بِثُلُثِ الْأَلْفِ لَمْ يَجُزْ اهـ. . (قَوْلُهُ، وَقَالَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً بَائِنَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَلْزَمُهَا كُلُّ الْأَلْفِ اهـ عَيْنِيٌّ

عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَحْدَهَا كَانَ عَلَيْهَا حِصَّتُهَا مِنْ الْأَلْفِ وَلَهُ أَنَّ عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ وَضْعًا فَإِذَا تَعَذَّرَ فَلِلْوُجُوبِ فَإِذَا تَعَذَّرَ فَلِلشَّرْطِ مَجَازًا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ اللُّزُومُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ كَانَ الدُّخُولُ شَرْطًا وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِهِ فَجُعِلَتْ مَجَازًا عَنْ الْبَاءِ فَإِذَا كَانَتْ عَلَى لِلشَّرْطِ فَلَا يَتَوَزَّعُ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يُوجَدُ إلَّا عِنْدَ اسْتِكْمَالِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ الْجَزَاءِ كَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَكَانَ الْكُلُّ عَلَامَةً وَاحِدَةً فَلَا يُوجَدُ الْجَزَاءُ بِدُونِهِ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ خَلَا عَنْ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا غَرَضَ لَهَا فِي طَلَاقِ فُلَانَةَ لِيَجْعَلَ ذَلِكَ كَالشَّرْطِ مِنْهَا وَلَهَا فِي اشْتِرَاطِ إيقَاعِ الثَّلَاثِ عَلَى نَفْسِهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ فَافْتَرَقَا. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِسَلَامَةِ الْأَلْفِ كُلِّهَا لَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهَا لَهُ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْبَيْنُونَةِ بِأَلْفٍ كَانَتْ بِبَعْضِهَا أَوْلَى أَنْ تَرْضَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ لَزِمَ وَبَانَتْ) أَيْ لَزِمَ الْمَالُ وَبَانَتْ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ أَوْ تَعْلِيقٌ فَيَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلَيْنِ أَوْ وُجُودَ الشَّرْطِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَوْ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ فَلَا تَنْعَقِدُ الْمُعَاوَضَةُ بِدُونِ الْقَبُولِ، وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ يَنْزِلُ بِدُونِ الشَّرْطِ إذْ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدِهِمَا فِي إلْزَامِ صَاحِبِهِ بِدُونِ رِضَاهُ وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ؛ لِأَنَّهَا مَا الْتَزَمَتْ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ طَلُقَتْ وَعَتَقَ مَجَّانًا) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ وَعَتَقَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ شَيْءٍ قَبِلَا أَوْ لَمْ يَقْبَلَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا إنْ قَبِلَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَلَزِمَهُمَا الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَتْ هِيَ طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفٌ أَوْ قَالَ الْعَبْدُ أَعْتِقْنِي وَلَك أَلْفٌ فَفَعَلَ لَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُعَاوَضَاتِ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا وَلَك دِرْهَمٌ كَقَوْلِهِمْ أَحْمِلُهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ وُجُوبُهُ بِسَبَبِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ فِي الْإِجَارَةِ قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى وُجُوبِهِ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْخُلْعُ أَيْضًا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاسْتَوَيَا، وَلِأَنَّ الْوَاوَ تَكُونُ لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَالِ وُجُوبِ الْأَلْفِ لِي عَلَيْك أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ وَلَهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ وَلَك أَلْفٌ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً وَلَا يَتَّصِلُ بِمَا قَبْلَهُ إلَّا بِدَلَالَةِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجُمَلِ الِاسْتِقْلَالُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَضَرَّتُك طَالِقٌ تَطْلُقُ ضَرَّتُهَا فِي الْحَالِ لِمَا قُلْنَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ قَاصِرَةً بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَضَرَّتُك تَعَلَّقَ طَلَاقُ ضَرَّتِهَا بِالشَّرْطِ لِكَوْنِهِ مُفْرَدًا فَلَا يَكُونُ مُسْتَقِلًّا وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ تَعَلَّقَ عِتْقُ عَبْدِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَإِنْ كَانَ جُمْلَةً تَامَّةً؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ التَّعْلِيقِ قَاصِرٌ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِلثَّانِي فَكَانَ الْخَبَرُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ بِخِلَافِ طَلَاقِ الضَّرَّةِ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْأَوَّلِ يَصْلُحُ خَبَرًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ غَرَضُهُ التَّعْلِيقَ لَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَضَرَّتُك فَإِذَا كَانَ مُسْتَقِلًّا يَكُونُ كَلَامًا مُبْتَدَأً لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأَوَّلِ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ قَوْلُهَا وَلَك أَلْفٌ مُجَرَّدُ دَعْوَى أَوْ وَعْدٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجَدَانِ بِدُونِ الْمَالِ فَلَا يَنْفَكَّانِ عَنْهُ، وَلِهَذَا إذَا قَالَ لَهُ خِطْ هَذَا الثَّوْبَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ الْأَجْرَ يَكُونُ اسْتِئْجَارًا بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَفِي الْبَيْعِ تَجِبُ الْقِيمَةُ وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ غَيْرُ مُفِيدٍ دُونَ آخِرِهِ فَيَصِيرُ تَعْلِيقًا لِلْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ حَقِيقَةً وَالْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْآخَرِ، وَكَذَا الشَّرْطُ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْجَزَاءِ وَالْمَالُ غَيْرُ لَازِمٍ بِيَقِينٍ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا حَالُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ الْكِرَامَ يَمْتَنِعُونَ عَنْ أَخْذِ الْعِوَضِ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهَا فِي الْخُلْعِ لَا لَهُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِذَا تَعَذَّرَ فَلِلشَّرْطِ إلَخْ) وَجَعَلَهَا بِمَعْنَى الْبَاءِ عِنْدَ تَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَى الشَّرْطِ وَهَا هُنَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ فَلَا يُجْعَلُ بِمَعْنَى الْبَاءِ. اهـ. رَازِيٌّ. . (قَوْلُهُ إلَّا بِسَلَامَةِ الْأَلْفِ كُلِّهَا) فَلَوْ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ لَتَضَرَّرَ الزَّوْجُ اهـ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ تَعْلِيقٌ) هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ بِأَلْفٍ بِعِوَضِ أَلْفٍ تَجِبُ لِي عَلَيْكِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى أَلْفٍ عَلَى شَرْطِ أَلْفٍ يَكُونُ لِي عَلَيْكِ اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَزِمَهُمَا الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ اهـ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ اهـ عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ) مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ اهـ. (قَوْلُهُ جَوَابًا لَهُ) هَذَا حَاشِيَةٌ. وَأَمَّا الثَّابِتُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ خَبَرًا لَهُ اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهَا فِي الْخُلْعِ) أَيْ كَقَوْلِهِ خَالَعْتُكِ بِكَذَا عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ اهـ. (قَوْلُهُ لَا لَهُ) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَتْ قَبِلْت إنْ رَدَّتْ الطَّلَاقَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَطَلَ الطَّلَاقُ وَإِنْ اخْتَارَتْ الطَّلَاقَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَيَجِبُ الْأَلْفُ لِلزَّوْجِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ بَطَلَ الْخِيَارُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ. اهـ. رَازِيٌّ

لَا يَصِحُّ لَهَا أَيْضًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَيَلْزَمُهَا الْمَالُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الزَّوْجِ يَمِينٌ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ وَصَحَّتْ إضَافَتُهُ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لِكَوْنِ الْمَوْجُودِ مِنْ جَانِبِهِ طَلَاقًا وَقَبُولِهَا شَرْطَ الْيَمِينِ فَلَا يَصِحُّ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ لَا لِلْمَنْعِ مِنْ الِانْعِقَادِ وَالْيَمِينُ وَشَرْطُهَا لَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ وَلَهُ أَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ لِكَوْنِ الْمَوْجُودِ مِنْ جِهَتِهَا مَالًا، وَلِهَذَا يَصِحُّ رُجُوعُهَا قَبْلَ الْقَبُولِ وَلَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لِلْفَسْخِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ بَلْ هُوَ مَانِعٌ مِنْ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا وَكَوْنُهُ شَرْطًا لِيَمِينِ الزَّوْجِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُعَاوَضَةً فِي نَفْسِهِ كَمَنْ قَالَ لِآخَرَ إنْ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ فَعَبْدِي الْآخَرُ حُرٌّ فَإِنَّ الْبَيْعَ شَرْطٌ لِعِتْقِ الْعَبْدِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُعَاوَضَةٌ وَجَانِبُ الْعَبْدِ فِي الْعَتَاقِ مِثْلُ جَانِبِ الْمَرْأَةِ فِي الطَّلَاقِ حَتَّى يَصِحَّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لَهُ دُونَ الْمُولِي فَيَبْطُلُ بِرَدِّ الْعَبْدِ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثِ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَضَتْ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ كَمَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَحْصُلُ لَهَا بِالْخُلْعِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ مَالٍ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَكَذَا مَالِيَّةُ الْعَبْدِ تَتْلَفُ عَلَى مِلْكِ الْمُولِي بِالْإِعْتَاقِ وَمَعَ هَذَا جَازَ قَبُولُ الْمَالِ فِيهِمَا. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (طَلَّقْتُك أَمْسِ بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلِي فَقَالَتْ قَبِلْت صُدِّقَ) بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِمَالٍ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ وَقَبُولَهَا شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَتِمُّ الْيَمِينُ بِلَا قَبُولٍ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهَا إقْرَارًا بِالْحِنْثِ لِصِحَّتِهَا بِدُونِهِ بَلْ هِيَ ضِدُّهُ، وَلِهَذَا يُنْتَقَضُ بِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْحِنْثِ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ فَلَمْ تَقْبَلْ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إنْكَارِ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ يَكُونُ إقْرَارًا بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ فَإِنْكَارُهُ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْهُ فَلَا يُسْمَعُ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ كُلَّ حَقٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ) حَتَّى لَوْ خَالَعَهَا أَوْ بَارَأَهَا بِمَالٍ مَعْلُومٍ كَانَ لِلزَّوْجِ مَا سَمَّتْ لَهُ وَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدِهِمَا قِبَلَ صَاحِبِهِ دَعْوَى فِي الْمَهْرِ مَقْبُوضًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُسْقِطَانِ إلَّا مَا سَمَّيَاهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي الْخُلْعِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُبَارَأَةِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمُسَمَّى كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ وَكَالْإِبَانَةِ وَالطَّلَاقِ بِعِوَضٍ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ إلَّا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَشْرُوطِ، وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِهِمَا دَيْنٌ آخَرُ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ النِّكَاحِ وَلَا نَفَقَةِ الْعِدَّةِ مَعَ كَوْنِهِ يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ وَأَضْعَفُ مِنْ الْمَهْرِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُبَارَأَةَ تَقْتَضِي الْبَرَاءَةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْبَرَاءَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهُوَ أَنَّ غَرَضَهُمَا أَنْ يَبْرَآ مِمَّا لَزِمَهُمَا بِالْمُعَاشَرَةِ لَا بِالْمُعَامَلَةِ فَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا كَانَ لَهُ قَبْلَ الْمُعَاشَرَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخُلْعَ أَيْضًا يَقْتَضِي الْبَرَاءَةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْخُلْعِ وَهُوَ الْفَصْلُ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا إذَا لَمْ يَبْقَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِبَلَ صَاحِبِهِ حَقٌّ وَإِلَّا تَحَقَّقَتْ الْمُنَازَعَةُ بَعْدَهُ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الطَّلَاقِ وَالْإِبَانَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْحُقُوقِ مَعَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَا عَلَى مَالٍ وَسَائِرُ الدُّيُونِ لَيْسَ وُجُوبُهَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ فَلَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَى سُقُوطِهَا عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ لَمْ تَجِبْ بَعْدُ وَالْخُلْعُ مُسْقِطٌ لِلْوَاجِبِ لَا مَانِعٌ مِنْ الْوُجُوبِ حَتَّى لَوْ شَرَطَا الْبَرَاءَةَ مِنْهَا سَقَطَتْ، وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَهِيَ مُؤْنَةُ الرَّضَاعِ يُنْظَرُ فَإِنْ وَقَّتَا لَهُ وَقْتًا كَالسَّنَةِ وَنَحْوِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهَا عَنْ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ خُرُوجَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ) أَيْ وَالْمُعَاوَضَاتُ تَقْبَلُ الْخِيَارَ كَالْبَيْعِ اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْبَيْعِ) لَكِنَّ جَوَازَهُ فِي الْخُلْعِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالثَّلَاثِ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ جَازَ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْخِيَارِ بِالثَّلَاثِ وَرَدَ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطَاتِ وَالْبَيْعُ مِنْ الْإِثْبَاتَاتِ. اهـ. شَرْحُ الْمَنَارِ لِابْنِ فِرِشْتَا فِي الْمَنْزِلِ اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ طَلَّقْتُك أَمْسِ بِأَلْفٍ إلَخْ) أَوْ خَالَعْتكِ أَمْسِ بِأَلْفٍ. اهـ. قُنْيَةٌ. (قَوْلُهُ فَقَالَتْ قَبِلْت صَدَقَ) أَيْ الزَّوْجُ اهـ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْحِنْثِ قَوْلَهُ إلَخْ) قَالَتْ اشْتَرَيْت نَفْسِي مِنْك أَمْسِ بِالْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ إلَّا أَنَّك لَمْ تَبِعْ فَقَالَ لَا بَلْ بِعْت وَقَعَ الطَّلَاقُ وَسَقَطَ الْمَهْرُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَالْقَوْلُ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ طَلَّقْتُك أَمْسِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلِي أَوْ قَالَ خَالَعْتُكِ أَمْسِ بِهَا، وَقَالَتْ لَا بَلْ قَبِلْت فَالْقَوْلُ لَهُ. اهـ. قُنْيَةٌ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُبَارَأَةُ) الْمُبَارَأَةُ بِالْهَمْزَةِ وَتَرْكُهَا خَطَأٌ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ بَرِئْت مِنْ نِكَاحِك بِكَذَا وَتَقْبَلُهُ هِيَ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا. (قَوْلُهُ لِمُحَمَّدٍ إنَّ هَذَا) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ) ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ وَرَضَاعِ وَلَدِهِ الَّذِي هِيَ حَامِلٌ بِهِ إذَا وَلَدَتْهُ فِي سَنَتَيْنِ فَذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنْ وَلَدَتْهُ فَمَاتَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ فَإِنَّهَا تَرُدُّ قِيمَةَ الرَّضَاعِ قَالَ بَعْدَ هَذَا، وَلَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ فَمَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ فَعَلَيْهَا قِيمَةُ رَضَاعِ وَلَدٍ سَنَةً، وَلَوْ شَرَطَتْ أَنَّهَا إنْ وَلَدَتْهُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَهِيَ بَرِيئَةٌ مِنْ قِيمَةِ الرَّضَاعِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَهَذَا مِمَّا يَجُوزُ فِي الْخُلْعِ نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا شَرَطَتْ أَنَّهَا إذَا مَاتَتْ أَوْ مَاتَ الْوَلَدُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا فَهَذَا الشَّرْطُ جَائِزٌ. اهـ. تَتَارْخَانْ. (قَوْلُهُ وَالْخُلْعُ مُسْقِطٌ لِلْوَاجِبِ إلَخْ)، وَلَوْ خَالَعَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ عِنْدَ الْأَبِ صَحَّ الْخُلْعُ دُونَ الشَّرْطِ، وَلَوْ خَلَعَتْ عَلَى أَنْ تُمْسِكَ الْوَلَدَ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَلْزَمُهَا الْوَفَاءُ بِذَلِكَ. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهَا مِنْ السُّكْنَى) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ صَالَحَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ عَلَى شَيْءٍ إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ صَحَّ الصُّلْحُ وَإِنْ كَانَتْ بِالْحَيْضِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ صَالَحَتْهُ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ سُكْنَاهَا عَلَى دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ لَا يَصِحُّ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى

مَعْصِيَةٌ وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى بِأَنْ الْتَزَمَتْهَا أَوْ سَكَنَتْ مِلْكَهَا صَحَّ مَشْرُوطًا فِي الْخُلْعِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهَا ثُمَّ جُمْلَةُ الْخُلْعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ فَإِمَّا أَنْ لَا يُسَمِّيَا شَيْئًا أَوْ سَمَّيَا الْمَهْرَ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ مَالًا آخَرَ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فَصَارَتْ سِتَّةَ عَشَرَ وَجْهًا فَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا شَيْئًا بَرِئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ حَقِّ الْآخَرِ مِمَّا لَزِمَهُ بِالنِّكَاحِ فِي الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ وَكَانَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهَا رَدُّ مَا قَبَضَتْ لَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ دَيْنٍ آخَرَ أَيْضًا وَإِنْ سَمَّيَا الْمَهْرَ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا سَقَطَ عَنْهُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا رَجَعَ عَلَيْهَا بِجَمِيعِهِ بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ أَلْفٍ بِالشَّرْطِ وَخَمْسِمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْأَلْفِ الْمَقْبُوضِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ اسْمٌ لِمَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّهُ بِالشَّرْطِ وَخَمْسُمِائَةٍ أُخْرَى بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهَا قَبَضَتْ مَا لَا تَسْتَحِقُّ فَيَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهَا إلَّا خَمْسُمِائَةٍ بِالشَّرْطِ وَيَسْقُطُ عَنْهَا الْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ كَمَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ آخَرَ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا إذَا سَمَّيَا بَعْضَ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ وَيَسْقُطُ عَنْهَا الْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ اسْتِحْسَانًا عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ مِنْ قَرِيبٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فَفِي الْقِيَاسِ يَسْقُطُ عَنْهُ جَمِيعُ الْمَهْرِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا أَلْفًا بِالشَّرْطِ وَهِيَ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا بِقَدْرِهِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالزَّائِدِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَهْرَ اسْمٌ لِمَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ فَيَجِبُ لَهَا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَجِبُ لَهُ مِثْلُهُ عَلَيْهَا بِالشَّرْطِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَإِنْ سَمَّيَا بَعْضَ الْمَهْرِ بِأَنْ خَالَعَهَا عَلَى عُشْرِ مَهْرِهَا مَثَلًا وَالْمَهْرُ أَلْفٌ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَالْمَهْرُ مَقْبُوضٌ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ بِالشَّرْطِ وَسَلَّمَ الْبَاقِيَ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا سَقَطَ عَنْهُ كُلُّ الْمَهْرِ مِائَةً بِالشَّرْطِ وَالْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ فَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِسِتِّمِائَةٍ مِائَةٌ مِنْهَا بَدَلُ الْخُلْعِ وَخَمْسُمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُشْرُ مَهْرِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لِمَا ذَكَرْنَا وَبَرِئَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الْبَاقِي بِحُكْمِ لَفْظِ الْخُلْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا سَقَطَ كُلُّهُ عَنْهُ اسْتِحْسَانًا الْعُشْرُ بِالشَّرْطِ وَالنِّصْفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ وَإِنْ سَمَّيَا مَالًا آخَرَ غَيْرَ الْمَهْرِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَكَانَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فَلَهُ الْمُسَمَّى لَا غَيْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَهُ الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْمَهْرُ بِحُكْمِ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فَلَهُ الْمُسَمَّى وَيَسْلَمُ لَهَا مَا قَبَضَتْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَهُ الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْمَهْرُ بِحُكْمِ الْخُلْعِ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ خَلَعَ صَغِيرَتَهُ بِمَالِهَا لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا) أَيْ لَوْ خَلَعَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِمَالِهَا لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا أَمَّا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمَالِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَلَى مَالِهَا كَالتَّبَرُّعِ بِهِ لِكَوْنِهِ مُقَابَلًا بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا مُتَقَوِّمٍ وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ؛ لِأَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا حَالَةَ الْخُرُوجِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ خُلْعُ الْمَرِيضَةِ مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ نِكَاحِ الْمَرِيضِ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَهَا إنْسَانٌ لَا يَضْمَنُ لِزَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ مَنَافِعِ بُضْعِهَا وَالْأَبُ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ بِمَالِهَا. وَأَمَّا فِي حَقِّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ بِقَبُولِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا لَمْ يَضْمَنْ بَدَلَ الْخُلْعِ كَانَ هَذَا خُلْعًا مَعَ الْبِنْتِ كَأَنَّهُ خَاطَبَهَا بِذَلِكَ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهَا كَالْكَبِيرَةِ إذَا خَالَعَ عَنْهَا الْأَجْنَبِيُّ وَالثَّانِيَ أَنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ عَلَيْهَا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمَالِ فَقَطْ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَبُولِ الْأَبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِقَبُولِ الْأَبِ فَيَكُونُ كَتَعْلِيقِهِ بِسَائِرِ أَفْعَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْمَالِ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخُلْعَ بِالْخَمْرِ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَلَا يُوجِبُ شَيْئًا. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ طَلُقَتْ وَالْأَلْفُ عَلَيْهِ) أَيْ لَوْ خَالَعَهَا الْأَبُ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ لِبَدَلِ الْخُلْعِ جَازَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُ الْمَرْأَةِ. اهـ. وَقَالَ أَيْضًا وَإِنْ اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَالسُّكْنَى تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَكَانَ لَهَا السُّكْنَى وَإِنْ اخْتَلَعَتْ بِمَالٍ وَلَمْ تَذْكُرْ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ وَإِنْ اخْتَلَعَتْ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى بِأَنْ قَالَتْ أَنَا أَكْتَرِي بَيْتًا وَأَعْتَدُّ فِيهِ كَانَ لَهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتًا وَتَعْتَدَّ فِيهِ وَإِنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ وَهِيَ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ كَانَ الْكِرَاءُ عَلَى زَوْجِهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْخُلْعِ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ اهـ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ فَلَهَا السُّكْنَى وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنَّ مُؤْنَةَ السُّكْنَى عَلَى الْمَرْأَةِ تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْإِحْدَادِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا فَإِنَّ مُؤْنَةَ السُّكْنَى تَسْقُطُ عَنْهُ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتَ الزَّوْجِ وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا وَطَلُقَتْ) طَلُقَتْ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نَسْخِ الْمَتْنِ اهـ وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَتْنِ وَتَأَمَّلْ قَوْلَ الشَّارِحِ. وَقَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا إلَخْ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ إلَخْ فَإِنَّهُ يُفْصِحُ بِذَلِكَ اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ طَلُقَتْ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ الْخُلْعِ رَجُلٌ خَلَعَ ابْنَتَهُ مِنْ زَوْجِهَا إنْ كَانَتْ الْبِنْتُ

صَحِيحٌ فَعَلَى الْأَبِ أَوْلَى وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا الضَّمَانِ الْكَفَالَةَ عَنْ الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَلْزَمُهَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْتِزَامُ الْمَالِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ بَدَلِ الْعِتْقِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ وَالطَّلَاقَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ وَلَا يَحْصُلُ لَهَا بِهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ قَبْلُ وَاشْتِرَاطُ الْبَدَلِ فِيهِ الْتِزَامٌ لِلْمَالِ ابْتِدَاءً كَالْكَفَالَةِ فَيَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَصِحُّ عَلَيْهَا وَفِي الْعِتْقِ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ قُوَّةٌ شَرْعِيَّةٌ فَصَارَ مُعَاوَضَةً كَالْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَالثَّمَنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى خَمْرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ، وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَيْهَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ فَافْتَرَقَا وَلَوْ شَرَطَ الزَّوْجُ الْبَدَلَ عَلَيْهَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا إنْ كَانَتْ أَهْلًا لَهُ بِأَنْ تَكُونَ مُمَيِّزَةً وَهِيَ الَّتِي تَعْرِفُ أَنَّ الْخُلْعَ سَالِبٌ وَالنِّكَاحَ جَالِبٌ فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ يَعْتَمِدُهُ دُونَ لُزُومِ الْمَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ قَبِلَ الْأَبُ عَنْهَا صَحَّ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهَا تَتَخَلَّصُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِلَا مَالٍ وَلِذَلِكَ صَحَّ مِنْهَا فَصَارَ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَلَا يَصِحُّ فِي أُخْرَى؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا بِمَعْنَى شَرْطِ الْيَمِينِ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى مَهْرِهَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ الْمَهْرِ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ قَبِلَهُ الْأَبُ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ مَا لَمْ يَضْمَنْهُ وَإِنْ ضَمِنَهُ صَحَّ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ ثُمَّ قِيلَ تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى مَالٍ آخَرَ مِثْلَ مَهْرِهَا أَمَّا الْخُلْعُ عَلَى مَهْرِهَا فَغَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِ مِلْكِهَا بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ وَلَا يُعْتَبَرُ ضَمَانُهُ فِي ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخُلْعَ عَلَى مَهْرِهَا كَالْخُلْعِ عَلَى مَالٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ مِثْلَهُ لَا عَيْنَهُ وَضَمَانُ الْأَبِ إيَّاهُ صَحِيحٌ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ مَهْرُهَا أَلْفًا مَثَلًا وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهُ الْأَلْفُ قِيَاسًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُهُمَا وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ إذَا خَالَعَتْ عَلَى مَهْرِهَا وَهُوَ أَلْفٌ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَبْلَ قَبْضِ الْمَهْرِ فِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهَا خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهَا أَلْفٌ بِالشَّرْطِ وَوَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْتَقَيَا بِقَدْرِهِ قِصَاصًا فَبَقِيَ عَلَيْهَا خَمْسُمِائَةٍ زَائِدَةٌ وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَجِبُ عَلَيْهَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ أَلْفٌ بِالشَّرْطِ وَخَمْسُمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يُرَادُ بِهِ مَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ عُرْفًا وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ خَمْسِمِائَةٍ بِالشَّرْطِ لِمَا قُلْنَا وَتَبْرَأُ عَنْ الْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِيمَا تَقَدَّمَ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ الْأَلْفِ كُلِّهِ ثُمَّ جُمْلَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَبُولِهَا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا وَفِي وُقُوعِهِ بِقَبُولِ الْأَبِ رِوَايَتَانِ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ ضَمِنَ كَمَا فِي الْكَبِيرَةِ إذَا خَالَعَ عَنْهَا الْأَجْنَبِيُّ وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ خُلْعِ الْأَبِ فَنَذْكُرُ طَرَفًا مِنْ حُكْمِ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ لِيَزْدَادَ وُضُوحًا لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ فَنَقُولُ بَدَلُ الْخُلْعِ إذَا أُضِيفَ إلَى الْأَجْنَبِيِّ يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ وَإِنْ أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ وَإِلَى الْعَيْنِ وَالْمَرْأَةُ مُخَاطَبَةٌ أَوْ لَمْ يُضَفْ إلَى أَحَدٍ يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّهَا أَوْلَى بِهَذَا الْعَقْدِ إذْ الْمِلْكُ يَسْقُطُ عَنْهَا بَيَانُهُ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ اخْلَعْ امْرَأَتَك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ فَالْقَبُولُ إلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَمْ يُضَفْ إلَى أَحَدٍ وَلَزِمَهَا تَسْلِيمُ ذَلِكَ أَوْ قِيمَتِهِ إنْ عَجَزَتْ، وَلَوْ قَالَ اخْلَعْهَا عَلَى عَبْدِي هَذَا أَوْ عَلَى أَلْفَيْ هَذِهِ فَخَلَعَهَا صَحَّ الْخُلْعُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ الْأَجْنَبِيُّ وَلَا إلَى قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِيهِ كَالنِّكَاحِ وَكَانَ الْبَدَلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَيْهِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اخْلَعْنِي عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ أَوْ دَارِهِ فَأَجَابَهَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ خَالَعْتُكِ عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ جَرَى مَعَهَا فَكَانَتْ هِيَ الدَّاخِلَةَ فِي الْعَقْدِ وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ لِرَبِّ الْعَبْدِ خَالَعْتُ امْرَأَتِي عَلَى عَبْدِك يُعْتَبَرُ قَبُولُ صَاحِبِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أُضِيفَ إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِلزَّوْجِ اخْلَعْ امْرَأَتَك عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ يُعْتَبَرُ قَبُولُ فُلَانٍ لِأَنَّ الْبَدَلَ أُضِيفَ إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَتْ اخْلَعْنِي عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّ فُلَانًا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَبِيرَةً وَضَمِنَ الْأَبُ بَدَلَ الْخُلْعِ تَمَّ الْخُلْعُ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ يَتِمُّ الْخُلْعُ فَالْأَبُ أَوْلَى وَإِنْ خَالَعَ الْأَبُ عَلَى صَدَاقِهَا تَمَّ الْخُلْعُ أَيْضًا ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ أَجَازَتْ الْمَرْأَةُ تَصِحُّ إجَازَتُهَا وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ وَإِنْ لَمْ تُجِزْ كَانَ صَدَاقُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْأَبِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ كَأَنَّ الْأَبَ قَالَ لَهُ خَالِعْ عَلَى صَدَاقِهَا إنْ أَجَازَتْ وَإِنْ لَمْ تُجِزْ فَعَلَى مِقْدَارِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ صَغِيرَةً فَإِنْ ضَمِنَ الْأَبُ تَمَّ الْخُلْعُ بِقَبُولِهِ وَيَكُونُ صَدَاقُهَا عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ لَا يَجِبُ الْمَالُ لَا عَلَى الْأَبِ وَلَا عَلَى الصَّغِيرَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ إنْ قَبِلَتْ الصَّغِيرَةُ يَقَعُ كَمَا لَوْ كَانَ الْخُلْعُ مَعَ الصَّغِيرَةِ وَإِنْ قَبِلَ الْأَبُ عِنْدَ الْخُلْعِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّ لِسَانَ الْأَبِ كَلِسَانِهَا اهـ وَهُنَاكَ فُرُوعٌ أُخَرُ فَانْظُرْهَا. (قَوْلُهُ فَالْقَبُولُ إلَى الْمَرْأَةِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ هِيَ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَفِعَ بِهِ هِيَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إضَافَةُ الْبَدَلِ إلَى نَفْسِهِ إضَافَةَ ضَمَانٍ أَوْ إضَافَةَ مِلْكٍ فَإِنْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَتْهُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فَيَجِبُ تَسْلِيمُ مَا لَا تَعْجِزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْبَدَلَ إلَى نَفْسِهِ إضَافَةَ مِلْكٍ فَقَدْ جَعَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ بَدَلَ الْخُلْعِ وَالْخُلْعُ يُوجِبُ تَسْلِيمَ الْبَدَلِ فَصَارَ مُسْتَوْجِبًا لِلْبَدَلِ فَإِيجَابُ الْأَجْنَبِيِّ بَدَلَ الْخُلْعِ جَائِزٌ فَصَارَ تَقْدِيرُ هَذَا الْخُلْعِ كَأَنَّهُ قَالَ خَالِعْ امْرَأَتَك بِأَلْفٍ يَجِبُ عَلَيَّ ابْتِدَاءً بِحُكْمِ الْخُلْعِ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا يَكُونُ الْعَاقِدُ هُوَ وَالْقَبُولُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِطُ قَبُولَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

ضَامِنٌ فَأَجَابَهَا تَمَّ الْخُلْعُ مَعَهَا؛ لِأَنَّهَا الْعَاقِدَةُ وَتَوَقَّفَ الضَّمَانُ عَلَى قَبُولِ فُلَانٍ، وَلَوْ وَكَّلَتْ رَجُلًا بِأَنْ يَخْلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا بِأَلْفٍ فَفَعَلَ لَزِمَهَا الْمَالُ دُونَ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي الْخُلْعِ تَرْجِعُ إلَى مَنْ عُقِدَ لَهُ لَا إلَى الْوَكِيلِ وَلَوْ ضَمِنَ الْوَكِيلُ صَحَّ وَطُولِبَ بِهِ وَإِذَا أَدَّى رَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْخُلْعَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَكَانَ فَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالْخُلْعِ وُجُوبَ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ إذَا ضَمِنَ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا إذَا ضَمِنَ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَكَانَ فَائِدَةُ الْأَمْرِ جَوَازَ النِّكَاحِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ كَالْخُلْعِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ، وَلَوْ وَكَّلَتْ رَجُلًا بِأَنْ يَخْلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا بِأَلْفٍ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - امْرَأَةٌ وَكَّلَتْ رَجُلًا بِأَنْ يَخْلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا بِأَلْفٍ فَإِنْ أَرْسَلَ الْوَكِيلُ الْبَدَلَ بِأَنْ قَالَ خَالِعْ امْرَأَتَكَ عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ أَوْ أَضَافَ الْبَدَلَ إلَى نَفْسِهِ إضَافَةَ مِلْكٍ أَوْ إضَافَةَ ضَمَانٍ بِأَنْ قَالَ خَالِعْهَا عَلَى أَلْفٍ مِنْ مَالِي أَوْ بِالْفَيْءِ أَوْ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ يَتِمُّ الْخُلْعُ بِقَوْلِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ قَبُولَ النَّائِبِ كَقَبُولِهَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَدَلُ مُرْسَلًا فَالْبَدَلُ عَلَيْهَا وَهِيَ تُطَالِبُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي بَابِ الْخُلْعِ سَفِيرٌ وَرَسُولٌ وَكَانَ الْمُوَكِّلُ هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ الْحُقُوقُ وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إلَى أَلْفِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَالْبَدَلُ عَلَى الْوَكِيلِ وَهُوَ مُطَالَبٌ بِهِ لَا الْمَرْأَةُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَأْمُرْهُ بِالضَّمَانِ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ إذَا زَوَّجَ امْرَأَةً لِلْمُوَكِّلِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ فَإِنَّ ثَمَّةَ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ الزَّوْجَ بِالْمَهْرِ وَإِنْ شَاءَتْ طَالَبَتْهُ وَهَا هُنَا لَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَالِبَ الْمَرْأَةَ بِبَدَلِ الْخُلْعِ وَثَمَّةَ إذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ وَهُنَا يَرْجِعُ وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْخُلْعِ إذَا كَانَ الْبَدَلُ مُضَافًا إلَيْهِ يَجِبُ ابْتِدَاءً بِحُكْمِ الْخُلْعِ لَا بِحُكْمِ الضَّمَانِ وَكَانَ الْوَكِيلُ مَالِكًا لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْخُلْعِ قَبْلَ الْوَكَالَةِ وَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ مُطْلَقِ الْوَكَالَةِ وَكَانَ فَائِدَةُ الدُّخُولِ تَحْتَ الْوَكَالَةِ الرُّجُوعَ بِمَا ضَمِنَ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ لَا بِحُكْمِ الضَّمَانِ فَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ إذَا ضَمِنَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ بِحُكْمِ الضَّمَانِ عَلَى الزَّوْجِ لَا بِحُكْمِ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ الْأَصْلَ وَإِنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ الضَّمِينَ، وَإِذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ اهـ.

[باب الظهار]

(بَابُ الظِّهَارِ). قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ تَشْبِيهُ الْمَنْكُوحَةِ بِمُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ) وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ لَفْظَةَ اتِّفَاقًا لِيُخْرِجَ أُمَّ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَبِنْتَهَا لِأَنَّهُ لَوْ شَبَّهَهَا بِهِمَا لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ يَكُونُ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَاضِي إذَا قَضَى بِجَوَازِ نِكَاحِهِمَا يَنْفُذُ عِنْدَهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً وَلَمَسَهَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِابْنَتِهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْوَطْءَ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَحُرْمَةَ الدَّوَاعِي غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مُقَابَلَةُ الظَّهْرِ بِالظَّهْرِ لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا شَحْنَاءُ يَجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْآخَرِ. . وَشَرْطُهُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَنْكُوحَةً، وَالرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ حَتَّى لَا يَصِحَّ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ وَرُكْنُهُ قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ، وَالدَّوَاعِي إلَى وُجُودِ الْكَفَّارَةِ، وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَرَّرَ الشَّرْعُ أَصْلَهُ، وَنَقَلَ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُؤَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حُرِّمَ عَلَيْهِ الْوَطْءُ، وَدَوَاعِيهِ بِأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَتَّى يُكَفِّرَ) أَيْ حُرِّمَ عَلَى الْمُظَاهِرِ الْوَطْءُ، وَدَوَاعِيهِ كَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ بِشَهْوَةٍ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَتَّى يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] إلَى أَنْ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الظِّهَارِ] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ تَشْبِيهُ الْمَنْكُوحَةِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَمَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِمُحَرَّمَةٍ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ حَرَامًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُظَاهِرٍ كَمَا إذَا شَبَّهَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ بِالْأُخْرَى عَلَى التَّأْبِيدِ وَاحْتِرَازٌ عَمَّا إذَا شَبَّهَ بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ أَوْ بِمَجُوسِيَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَلَى التَّأْبِيدِ) أَيْ كَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ وَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ نَسَبٍ أَوْ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا شَحْنَاءُ) ضَبَطَهَا الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ بِكَسْرِ الشِّينِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ وَإِلَخْ) وَأَهْلُهُ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إلَخْ) فَيَقَعُ الظِّهَارُ بِهِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ النِّيَّةُ أَوْ لَمْ تُوجَدْ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ وَكَذَا إذَا شَبَّهَ بِعُضْوٍ شَائِعٍ أَوْ مُعَبَّرٍ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَمِنْ شَرَائِطِهِ أَنْ يَكُونَ لِمَرْأَةٍ مُحَلَّلَةٍ بِالنِّكَاحِ لَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ مُدَبَّرَتِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّ حُكْمَ الظِّهَارِ ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فَاقْتَصَرَ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ قَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3]. اهـ. (قَوْلُهُ إلَى وُجُودِ الْكَفَّارَةِ) أَيْ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُظَاهِرِ الْمُوَاقِعِ اسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنُقِلَ حُكْمُهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُوَقَّتٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الظِّهَارُ مُزِيلًا لِلنِّكَاحِ كَالْحَيْضِ يَحْرُمُ بِهِ الْوَطْءُ إلَى وُجُودِ الطُّهْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزُولَ النِّكَاحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ لِكَوْنِهِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فَيُنَاسِبُ الْمُجَازَاةَ عَلَيْهَا بِالْحُرْمَةِ وَارْتِفَاعَهَا بِالْكَفَّارَةِ اهـ وَقَوْلُهُ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى نَقْلِ حُكْمِ الظِّهَارِ إلَى تَحْرِيمٍ مُوَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ بَيَانُهُ أَنَّ الظِّهَارَ جِنَايَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ فِي آيَةِ الظِّهَارِ مُنْكَرًا وَزُورًا قَالَ تَعَالَى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] أَرَادَ بِالْمُنْكَرِ مَا تُنْكِرُهُ الْحَقِيقَةُ وَالشَّرْعُ وَبِالزُّورِ الْكَذِبَ وَالْبَاطِلَ فَنَاسَبَ أَنْ يُجَازِيَ بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ وَارْتِفَاعِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ بِالْكَفَّارَةِ زَجْرًا لَهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ

{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] نَزَلَتْ فِي «خَوْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ رَآهَا وَهِيَ تُصَلِّي، وَكَانَتْ حَسْنَاءَ فَلَمَّا سَلَّمَتْ رَاوَدَهَا فَأَبَتْ فَغَضِبَ فَظَاهَرَ مِنْهَا فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنَّ أَوْسًا تَزَوَّجَنِي وَأَنَا شَابَّةٌ مَرْغُوبٌ فِي وَلَمَّا خَلَا سِنِّي وَنَثَرَ بَطْنِي جَعَلَنِي كَأُمِّهِ»، وَرُوِيَ «أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ لِي مِنْهُ صِبْيَةً إنْ ضَمَمْتهمْ إلَيْهِ ضَاعُوا، وَإِنْ ضَمَمْتهمْ إلَيَّ جَاعُوا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا عِنْدِي فِي أَمْرِك مِنْ شَيْءٍ، وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهَا حُرِّمْت عَلَيْهِ فَهَتَفَتْ وَشَكَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُعْتِقُ رَقَبَةً فَقَالَتْ قُلْت لَا يَجِدُ قَالَ فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قُلْت مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ فَقُلْت فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحْسَنْت اذْهَبِي فَأَطْعِمِي عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ حَيْثُ شَبَّهَ مَنْ هِيَ فِي أَقْصَى غَايَاتِ الْحِلِّ بِمَنْ هِيَ فِي أَقْصَى غَايَاتِ الْحُرْمَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يُجَازِيَ بِهِ بِالْحُرْمَةِ الْمُغَيَّاةَ بِالْكَفَّارَةِ، وَالْوَطْءُ إذَا حُرِّمَ حُرِّمَ بِدَوَاعِيهِ كَيْ لَا يَقَعَ فِيهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَالِاسْتِبْرَاءِ بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمِ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ وُجُودُهُمَا فَلَوْ حُرِّمَ الدَّوَاعِي لَأَفْضَى إلَى الْحَرَجِ، وَلَا يُقَالُ كَثْرَةُ الْوُجُودِ تَدْعُو إلَى شَرْعِ الزَّوَاجِرِ لِيَقِلَّ فَلَا يَدُلُّ عَلَى السُّقُوطِ لِأَنَّا نَقُولُ أَيَّامُ الطُّهْرِ وَالْفِطْرِ أَكْثَرُ فَبِوُجُودِ الْوَطْءِ فِيهِمَا تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ عَنْهَا فَلَا تَدْعُو إلَى شَرْعِ الزَّوَاجِرِ، وَلِأَنَّ الدَّوَاعِيَ لَا تُفْضِي إلَى الْوَطْءِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِأَنَّ الطِّبَاعَ تَنْفِرُ عَنْهَا فَلَا تَكُونُ دَاعِيَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالْحُرْمَةُ بِاعْتِبَارِهِ فَلَا تَحْرُمُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي لِأَنَّ التَّمَاسَّ أُرِيدَ بِهِ الْوَطْءُ، وَهُوَ مَجَازٌ فِيهِ فَلَا يُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةُ، وَنَحْنُ نَقُولُ التَّمَاسُّ حَقِيقَةً اللَّمْسُ بِالْيَدِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ لَفْظًا، وَيَلْحَقُ غَيْرُهُ بِهِ بِالْقِيَاسِ احْتِيَاطًا فِي مَوْضِعِ الْحُرْمَةِ، وَبِمِثْلِهِ لَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ وَطِئَ قَبْلَهُ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ فَقَطْ) أَيْ لَوْ وَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رُوِيَ «أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ حِينَ، وَاقَعَ امْرَأَتَهُ، وَقَدْ كَانَ ظَاهَرَ مِنْهَا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ظَاهَرْت مِنْ امْرَأَتِي فَوَقَعْت عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ فَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُك اللَّهُ فَقَالَ رَأَيْت خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ قَالَ فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَك اللَّهُ تَعَالَى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ، وَفِي رِوَايَةٍ «قَالَ لَهُ اسْتَغْفِرْ رَبَّك، وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ»، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَوْدُهُ عَزْمُهُ عَلَى وَطْئِهَا) أَيْ عَوْدُ الْمُظَاهِرِ، وَهُوَ الْعَوْدُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] عَزْمُهُ عَلَى وَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُكُوتُهُ عَنْ طَلَاقِهَا، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الظِّهَارَ لَمْ يُوجِبْ تَحْرِيمَ الْعَقْدِ حَتَّى يَكُونَ الْعَوْدُ إمْسَاكَهَا، وَالثَّانِي أَنَّ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي، وَفِيمَا قَالَهُ تَرْكُهُ لِأَنَّهُ يَتَّصِلُ بِهِ سُكُوتُهُ عَنْ طَلَاقِهَا، وَهَذَا بَعِيدٌ لَا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ النَّصِّ أَصْلًا، وَقَالَ مَالِكٌ الْعَوْدُ الْوَطْءُ نَفْسُهُ، وَهَذَا يَرُدُّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَطْءِ، وَهَذَا الْقَوْلُ يَنْفِي جَوَازَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ، وَكَذَا الْآيَةُ تَرُدُّهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ التَّحْرِيرَ بَعْدَ الْعَوْدِ قَبْلَ التَّمَاسِّ فَلَوْ كَانَ الْعَوْدُ هُوَ الْوَطْءُ لَمَا اسْتَقَامَ، وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ: الْعَوْدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالظِّهَارِ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا بِدُونِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا لَا يَخْفَى فَسَادُهُ، وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ لَقِيلَ يُعِيدُونَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ الْإِعَادَةِ لَا مِنْ الْعَوْدِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ يَنْفِيهِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ الظِّهَارِ هَلْ كَرَّرَ أَوْ لَا، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ التَّكْرَارَ لَسَأَلَهُ، وَاللَّامُ فِي قَوْله تَعَالَى لِمَا قَالُوا بِمَعْنَى إلَى، وَقِيلَ بِمَعْنَى فِي، وَقَالَ الْفَرَّاءُ بِمَعْنَى عَنْ أَيْ يَرْجِعُونَ عَمَّا قَالُوا فَيُرِيدُونَ الْوَطْءَ، وَالْعَوْدُ الرُّجُوعُ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ابْنُ الصَّامِتِ) هُوَ أَخُو عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمَّا خَلَا سِنِّي وَنَثَرَ بَطْنِي) أَرَادَتْ أَنَّهَا كَانَتْ شَابَّةً تَلِدُ أَوْلَادًا عِنْدَهُ. اهـ. هَرَوِيٌّ (قَوْلُهُ فَقَالَ سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ) الْعَرَقُ بِالْعَيْنِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ سِتُّونَ صَاعًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقِيلَ هُوَ مِكْتَلٌ يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَاعًا قَالَ أَبُو دَاوُد وَهَذَا أَصَحُّ (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَقَعَ فِيهِ) فَمَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ أَيْ فِي الْحَرَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي) وَهَذَا فِي الْجَدِيدِ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ اهـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى) وَأَرَادَ بِالْكَفَّارَةِ الْأُولَى الْكَفَّارَةَ الْوَاجِبَةَ بِالظِّهَارِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَنْصُوصِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَك) كَذَا فِي حَظِّ الشَّارِحِ وَفِي النُّسَخِ مَا أَمَرَ اللَّهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هَذَا اللَّفْظُ أَيْ قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا أَيَّ شَيْءٍ نَوَى أَمَّا إذَا نَوَى الظِّهَارَ فَظَاهِرٌ وَكَذَا إذَا نَوَى الطَّلَاقَ لِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُسِخَ إلَى تَحْرِيمٍ مُؤَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ فَتَكُونُ نِيَّةُ الطَّلَاقِ نِيَّةَ الْمَنْسُوخِ فَلَا يَصِحُّ وَلِأَنَّ النِّيَّةَ تَعْيِينُ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ وَاللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَلَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الطَّلَاقِ وَكَذَا إذَا نَوَى تَحْرِيمَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ وَكَذَا إذَا قَالَ أَرَدْت بِهِ الْخَبَرَ عَنْ الْمَاضِي كَانَ كَذَّابًا فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَطْءِ) بَيَانُهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] رَتَّبَ التَّحْرِيرَ عَلَى الْعَوْدِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْفَرَّاءُ بِمَعْنَى عَنْ إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ وَقِيلَ إلَى بِمَعْنَى عَنْ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ ثُمَّ يَعُودُونَ إلَى مَقُولِهِمْ وَيُرَادُ بِالْمَقُولِ النِّسَاءُ تَسْمِيَةً لِلْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِ اهـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَا فِي لِمَا قَالُوا بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَيُرَادُ بِالْمَصْدَرِ الْمَفْعُولُ كَضَرْبِ

الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ»، وَهَذَا تَأْوِيلٌ حَسَنٌ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُوجِبُهُ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ فَإِذَا قَصَدَ وَطْأَهَا، وَعَزَمَ عَلَيْهِ رَجَعَ عَمَّا قَالَ فَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا أَوْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى وَطْئِهَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِعَدَمِ الرُّجُوعِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا. وَلَوْ عَزَمَ ثُمَّ رَجَعَ وَتَرَكَ الْعَزْمَ سَقَطَتْ عَنْهُ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِأَجْلِ الْوَطْءِ حَتَّى يَحِلَّ عَلَى مِثَالِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ النَّفَلَ يُؤْمَرُ بِالطَّهَارَةِ ثُمَّ إذَا رَجَعَ، وَتَرَكَ التَّنَفُّلَ لَا يُؤْمَرُ بِهَا ثُمَّ سَبَبُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ هُوَ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ فَيَكُونُ سَبَبُهَا دَائِرًا أَيْضًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ حَتَّى تَتَعَلَّقَ الْعُقُوبَةُ بِالْمَحْظُورِ، وَالْعِبَادَةُ بِالْمُبَاحِ، وَإِنَّمَا جَازَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْعَوْدِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ فِي الذَّاتِ فَيَجُوزُ بَعْدَ ثُبُوتِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ لِتَرْفَعَ بِهَا كَمَا قُلْنَا فِي الطَّهَارَةِ إنَّهَا تَجُوزُ قَبْلَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا سَبَبُهَا لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِرَفْعِ الْحَدَثِ فَتَجُوزُ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَلِهَذَا جَازَتْ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ مَا أَبَانَهَا أَوْ بَعْدَ مَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِالِارْتِدَادِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لَا تَزُولُ بِغَيْرِ التَّكْفِيرِ مِنْ أَسْبَابِ الْحِلِّ كَمِلْكِ الْيَمِينِ، وَإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْوَطْءِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى التَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطْنُهَا وَفَخِذُهَا وَفَرْجُهَا كَظَهْرِهَا) أَيْ بَطْنُ أُمِّهِ وَفَرْجُهَا وَفَخِذُهَا كَظَهْرِهَا حَتَّى لَوْ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِعُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ يَكُونُ مُظَاهِرًا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَيْهَا، وَلَمْسُهَا، وَالظِّهَارُ لَيْسَ إلَّا تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِخِلَافِ الْيَدِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَلَمْسُهُ بِلَا شَهْوَةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُخْتُهُ وَعَمَّتُهُ وَأُمُّهُ رَضَاعًا كَأُمِّهِ) أَيْ كَأُمِّهِ نَسَبًا حَتَّى يَصِيرَ مُظَاهِرًا بِتَشْبِيهِهِ مَنْكُوحَتَهُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِيهِنَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَبَّهَهَا بِأُخْتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ لَيْسَتْ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَإِنَّمَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا دَامَتْ هِيَ فِي عِصْمَتِهِ لِأَجْلِ الْجَمْعِ فَإِذَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ حَلَّتْ لَهُ لِعَدَمِ الْجَمْعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَأْسُك وَفَرْجُك وَظَهْرُك وَوَجْهُكِ وَرَقَبَتُكِ وَنِصْفُكِ وَثُلُثُكِ كَأَنْتِ) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ رَأْسُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ فَرْجُكِ أَوْ وَجْهُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إلَخْ كَانَ مُظَاهِرًا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْجَمِيعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ، وَهُوَ الشَّرْطُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَمِنْ جَانِبِ الْمُحَرَّمِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عُضْوًا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَقَدْ وُجِدَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَوَى بِأَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي بِرًّا أَوْ ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَكَمَا نَوَى، وَإِلَّا لَغَا) أَيْ وَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَهُوَ كَمَا نَوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا ذَلِكَ يَسْتَفْسِر لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا مِنْ التَّشْبِيهِ فَإِنْ قَالَ نَوَيْت الْبِرَّ أَيْ الْكَرَامَةَ فَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ التَّكْرِيمَ بِالتَّشْبِيهِ فَاشٍ فِي الْكَلَامِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عِنْدِي فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ وَالْبِرِّ مِثْلُ أُمِّي، وَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِجَمِيعِهَا، وَفِيهِ تَشْبِيهٌ بِالْعُضْوِ لَكِنَّهُ غَيْرُ صَرِيحٍ فِيهِ فَيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ، وَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْأُمِّ فِي الْحُرْمَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَنَوَى الطَّلَاقَ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِهِ شَيْئًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ عَلَى الْكَرَامَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ لَا عُمُومَ لَهَا فَتَعَيَّنَ الْأَدْنَى، وَلِأَنَّ كَلَامَ الْمُسْلِمِ يُحْمَلُ عَلَى الصَّحِيحِ مَا أَمْكَنَ، وَفِي جَعْلِهِ ظِهَارًا حَمْلٌ لَهُ عَلَى الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِجَمِيعِهَا فَيَدْخُلُ الْعُضْوُ فِي الْجُمْلَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَكُونُ إيلَاءً لِأَنَّ أُمَّهُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمِيرِ وَنَسْجِ الْيَمَنِ تَسْمِيَةً لِلْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31] وَحَاصِلُ الْمَعْنَى ثُمَّ يَعْزِمُونَ إلَى نِسَائِهِمْ أَيْ إلَى مُبَاشَرَتِهِنَّ لَكِنْ إذَا بَدَا لَهُ فِي الْوَطْءِ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا تَجِبُ عِنْدَنَا غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهَا أَوْ مَوْتِهِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعَوْدَ بِالْعَزْمِ وَلَا اسْتِقْرَارَ فِي الْعَزْمِ فَكَذَا الْكَفَّارَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَبَّهَهَا بِأُخْتِهَا) أَيْ أُخْتِ امْرَأَتِهِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَأْسُك وَفَرْجُك وَوَجْهُك إلَخْ) وَلَوْ قَالَ يَدُك أَوْ رِجْلُك أَوْ ظُفْرُك أَوْ شَعْرُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ بَاطِلًا وَبِهِ صَرَّحَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَوْ قَالَ جَنْبُك أَوْ ظَهْرُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَدُك أَوْ رِجْلُك لِأَنَّ هَذَا الْعُضْوَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ عَادَةً وَأَمَّا الْجُزْءُ الشَّائِعُ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَغَيْرِهِمَا إذَا شَبَّهَهُ بِظَهْرِ الْأُمِّ يَكُونُ مُظَاهِرًا لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْرِي إلَى سَائِرِ الْبَدَنِ يُشَاعُ الْجُزْءُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي الْيَوْمَ فَهُوَ مُظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِذَا مَضَى بَطَلَ الظِّهَارُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ مُظَاهِرٌ أَبَدًا وَكَذَلِكَ شَهْرًا أَوْ قَالَ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَيَسْقُطُ إذَا مَضَى شَهْرٌ أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّ حُرْمَةَ الظِّهَارِ شَهْرٌ فَيَتَأَقَّتُ الظِّهَارُ بِتَأْقِيتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ) لِأَنَّهُ إذَا شَبَّهَهَا بِظَهْرِهَا وَهُوَ عُضْوٌ مِنْهَا كَانَ ظِهَارًا فَلَأَنْ يَكُونَ ظِهَارًا وَقَدْ شَبَّهَهَا بِجَمِيعِهَا وَجَمِيعُهَا مُشْتَمِلٌ عَلَى الظَّهْرِ أَوْلَى وَأَحْرَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ظِهَارٌ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَقَالَ مَشَايِخُنَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثَةُ رِوَايَاتٍ فِي رِوَايَةٍ لَا يَقَعُ شَيْءٌ كَقَوْلِهِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةٍ يَكُونُ ظِهَارًا وَفِي رِوَايَةٍ يَكُونُ إيلَاءً وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْبِرَّ وَالْكَرَامَةَ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَشْكُوكٌ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ لَا عُمُومَ إلَخْ) فَاقْتَضَى مُشَابَهَتَهُ فِي وَصْفٍ خَاصٍّ وَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ

فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَرَامَ يَمِينٌ بِالنَّصِّ، وَإِنْ نَوَى بِهِ التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ إيلَاءً لِيَكُونَ الثَّابِتُ بِهِ أَدْنَى الْحُرُمَاتِ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِيلَاءِ، وَحُكْمَهُ أَخَفُّ، وَيُمْكِنُ رَفْعُهُ بِالْوَطْءِ، وَلَا يَبْقَى حُكْمُهُ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ، وَلَا يَثْبُتُ لِلْحَالِ، وَلَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي إذَا امْتَنَعَ بِخِلَافِ الظِّهَارِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ ظِهَارًا لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ تَخْتَصُّ بِهِ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّهُ إنْ نَوَى التَّحْرِيمَ ذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّهُ إيلَاءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكُونُ ظِهَارًا عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُؤَكَّدَ بِالتَّشْبِيهِ ظِهَارٌ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلَ أُمِّي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَكَمَا نَوَى) أَيْ إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَهُوَ كَمَا نَوَى لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَيَكُونُ طَلَاقًا بِالنِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ كَأُمِّي لِتَأْكِيدِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا، وَإِنْ نَوَى بِهِ الظِّهَارَ فَظِهَارٌ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا فِي الْحُرْمَةِ بِأُمِّهِ وَلَوْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِهَا كَانَ ظِهَارًا فَبِكُلِّهَا أَوْلَى، وَانْتَفَى احْتِمَالُ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ هُنَا لِتَصْرِيحِهِ بِالْحُرْمَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُحْتَمَلٌ فَيَثْبُتُ بِهِ الْأَدْنَى، وَالْحُرْمَةُ بِالظِّهَارِ دُونَ الْحُرْمَةِ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالظِّهَارِ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ وَالْحُرْمَةَ بِالطَّلَاقِ تُزِيلُهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ إيلَاءٌ لِمَا مَرَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي طَلَاقًا أَوْ إيلَاءً فَظِهَارٌ) أَيْ لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي طَلَاقًا أَوْ إيلَاءً لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَلَا تَعْمَلُ فِيهِ النِّيَّةُ، وَقَوْلُهُ حَرَامٌ تَوْكِيدٌ لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ فَلَا يُغَيِّرُهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ نَوَى ظِهَارًا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا فَطَلَاقٌ، وَإِنْ نَوَى إيلَاءً فَإِيلَاءٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُحْتَمَلٌ كَلَامُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَالْإِيلَاءَ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَقَوْلَهُ كَظَهْرِ أُمِّي تَوْكِيدٌ لِتِلْكَ الْحُرْمَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ ثُمَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ ظِهَارًا لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ بِأَنْتِ، وَلَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَظَهْرِ أُمِّي لِأَنَّ الظِّهَارَ مِنْ الْمُبَانَةِ لَا يَصِحُّ، وَلَا يُقَالُ الظِّهَارُ وَالطَّلَاقُ يُوجَدَانِ مَعًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ لِأَنَّا نَقُولُ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَوِّنَانِ مَعًا الظِّهَارَ بِلَفْظِهِ، وَالطَّلَاقَ بِنِيَّتِهِ كَمَا لَوْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ، وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ فَقَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى بِهَذَا الِاسْمِ، وَعَنَيْت بِهِ تِلْكَ يَقَعُ عَلَيْهَا بِالنِّيَّةِ، وَعَلَى الْمَعْرُوفَةِ بِالظَّاهِرِ، وَإِنْ نَوَى إيلَاءً يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إيلَاءً وَظِهَارًا بِاتِّفَاقِهِمَا لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا ظِهَارَ إلَّا مِنْ زَوْجَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] الْآيَةَ، وَلَفْظُ النِّسَاءِ يَتَنَاوَلُ الْمَنْكُوحَاتِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلُونَا إذْ لَفْظُ النِّسَاءِ مُضَافًا إلَى الْأَزْوَاجِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِمَاءَ، وَلِهَذَا لَمْ يَدْخُلْنَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَفِي قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] حَتَّى لَا يُحَرَّمَ عَلَيْهِ أُمُّ أَمَتِهِ بِغَيْرِ وَطْءٍ، وَلَا يَصِيرُ مُولِيًا مِنْ أَمَتِهِ، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنَقَلَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُؤَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ، وَالْأَمَةُ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلطَّلَاقِ فَلَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلظِّهَارِ كَالْإِيلَاءِ كَانَ طَلَاقًا لِلْحَالِّ فَأَخَّرَهُ الشَّرْعُ إلَى مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا فِيمَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْأَصْلُ، وَلِأَنَّ الْحِلَّ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الْأَمَةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الِاسْتِخْدَامُ حَتَّى يَثْبُتَ مِلْكُ الْيَمِينِ فِيمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا كَأُمِّ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهَا وَأُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَلَا تَكُونُ مَقْصُودَةً بِالتَّحْرِيمِ إذْ الْحِلُّ فِيهَا تَبَعٌ لِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا مَقْصُودٌ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَجَدَهَا مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ، وَفِي الْمَنْكُوحَةِ أَصْلٌ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَمَةَ مَحَلٌّ لِلظِّهَارِ بَقَاءً بِأَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ لِغَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا يَبْقَى حُكْمُ الظِّهَارِ الْأَوَّلِ عَلَى حَالِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ وَطْؤُهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، وَلِهَذَا لَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ حَتَّى يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ، وَكُلًّا مِنَّا فِي الِابْتِدَاءِ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ بَقَاءً، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُهُ ابْتِدَاءً كَبَقَاءِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ، وَكَالْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِي الْأَمَةِ ابْتِدَاءً، وَتَبْقَى بَعْدَمَا تَثْبُتُ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا التَّزَوُّجِ بِهَا بَعْدَمَا أَعْتَقَهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِزَوْجٍ آخَرَ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا لِأَنَّ وَقْتَ ثُبُوتِهِ كَانَتْ مَحَلًّا لَهُ فَيَثْبُتُ لِمُصَادَفَتِهِ الْمَحَلَّ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ إلَّا بِشُرُوطِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQظِهَارًا وَغَيْرَهُ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا بِالشَّكِّ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى بِهِ التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا نَوَى التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي فَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْكِتَابِ أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خِلَافًا وَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إيلَاءٌ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظِهَارٌ ثُمَّ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ يَكُونُ ظِهَارًا بِالْإِجْمَاعِ وَاسْتَدَلَّ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى التَّحْرِيمَ يَكُونُ ظِهَارًا قَالَ فَإِذَا ظَهَرَتْ لَك الرِّوَايَةُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى التَّحْرِيمَ أَنَّهُ ظِهَارٌ عِنْدَهُمْ فَكَذَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى التَّحْرِيمَ صَارَ مُلْتَحِقًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي. اهـ. (قَوْلُهُ أَدْنَى الْحُرُمَاتِ) لِأَنَّ سَبَبَ الظِّهَارِ وَحُرْمَتَهُ لِعَيْنِهِ وَلَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِالْوَطْءِ وَيَبْقَى مَا لَمْ يُكَفِّرْ وَيَثْبُتُ لِلْحَالِ وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ التَّكْفِيرِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي) أَيْ لِأَنَّ الْمِثْلَ أَوْ الْكَافَ تَقْتَضِي التَّشْبِيهَ. اهـ. (قَوْلُهُ يَقَعُ عَلَيْهَا بِالنِّيَّةِ) صَوَابُهُ بِاعْتِرَافِهِ. اهـ.

[فصل في كفارة الظهار]

فَأَجَازَتْهُ بَطَلَ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ إذْنِهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ ثُمَّ أَجَازَتْ النِّكَاحَ بَطَلَ الظِّهَارُ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءُ الزُّورِ بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفُضُولِيِّ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ، وَيَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا جَازَ لَهُ إعْتَاقُهُ بَلْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَالشَّيْءُ إذَا تَوَقَّفَ يَتَوَقَّفُ بِحُقُوقِهِ، وَالظِّهَارُ مَحْظُورٌ فَلَا يُسْتَحَقُّ بِمِلْكِ النِّكَاحِ بَلْ لَا يَجُوزُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارًا مِنْهُنَّ) أَيْ لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ لِوُجُودِ رُكْنِهِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَهُوَ التَّشْبِيهُ فَصَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِيلَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفَّرَ لِكُلٍّ) أَيْ كَفَّرَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَقَالَ مَالِكٌ يَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُنَّ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ ثُمَّ قَرِبَهُنَّ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الظِّهَارَ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ كَالْإِيلَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الظِّهَارُ يَمِينٌ لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ، وَذَلِكَ يَمِينٌ فَلَا تَجِبُ فِيهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِانْتِهَاءِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ تَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِهَا بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِيهِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَتَعَدَّدُ إلَّا بِتَعَدُّدِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ، وَزُورٌ مَحْضٌ، وَالْيَمِينَ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ مُبَاحٌ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ كَفَّارَتُهُمَا فَكَيْفَ يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْيَمِينَ إمَّا بِاَللَّهِ، أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَوْ بِالتَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ وَلَمْ يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي الظِّهَارِ. (فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ). قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أَيْ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، وَالتَّذْكِيرُ بِتَأْوِيلِ التَّكْفِيرِ وَهِيَ قَبْلَ الْوَطْءِ لِمَا تَلَوْنَا، وَمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مَنْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ، وَلِأَنَّ التَّكْفِيرَ لِانْتِهَاءِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالظِّهَارِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَطْءِ لِيَحِلَّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَبَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْكَافِرَةِ وَالْمُسْلِمَةِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَجُوزُ الْكَافِرَةُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى عَدُوَّةٍ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْمُرْتَدُّ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ عَيْبٌ، وَلِهَذَا يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَهُ كَافِرًا وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّهُ هَلْ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَوْ لَا فَعِنْدَنَا لَا يُحْمَلُ، وَعِنْدَهُ يُحْمَلُ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ، وَهُنَا قَيَّدَهُ بِالنَّصِّ بِالْمُؤْمِنَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ مِنْ الْكَفَّارَاتِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِذَاتٍ مَرْقُوقَةٍ مَمْلُوكَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ وُجِدَ وَالتَّقْيِيدُ بِالْإِيمَانِ زِيَادَةٌ وَهِيَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ بِالْقِيَاسِ، وَلِأَنَّ فِيهِ قِيَاسَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ يَتَعَدَّى الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ بِعَيْنِهِ إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ، وَلَا نَصَّ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ أَوْ شُبْهَتِهِ حَتَّى صَارَ مُؤَخَّرًا عَنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ، وَهُنَا نَصٌّ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ، وَهُوَ إطْلَاقُ الْكِتَابِ، وَلِأَنَّ الْفَرْعَ لَيْسَ نَظِيرَ الْأَصْلِ لِأَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ أَعْظَمُ، وَلِهَذَا لَمْ يُشَرَّعْ فِيهِ الْإِطْعَامُ، وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِغَيْرِهِ فِي حَقِّ جَوَازِ الْإِطْعَامِ تَغْلِيظًا لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَتَعْظِيمًا لِلْجَرِيمَةِ حَتَّى تَتِمَّ صِيَانَةُ النَّفْسِ، فَكَذَا لَا يَجُوزُ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ فِي التَّغْلِيظِ لِأَنَّ قَيْدَ الرَّقَبَةِ بِالْإِيمَانِ أَغْلَظُ فَيُنَاسِبُهُ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ جَرِيمَةَ الْقَتْلِ أَعْظَمُ، وَالْمَقْصُودَ مِنْ التَّحْرِيرِ تَمْكِينُهُ مِنْ الطَّاعَةِ، وَارْتِكَابَهُ الْمَعْصِيَةَ مَنْسُوبٌ إلَى سُوءِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الْعِتْقِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَصْرُوفَ إلَى الْكَفَّارَةِ مَالِيَّتُهُ دُونَ اعْتِقَادِهِ، وَكَوْنَهُ عَدُوَّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَمْنَعُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [الممتحنة: 8] ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارًا) بِالنِّصْفِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ) هُوَ ابْنُ قُدَامَةَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَعَدَّدُ إلَّا بِتَعَدُّدِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى) وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ هَذِهِ تُخَالِفُ مَذْهَبَنَا لِأَنَّ تَكَرُّرَهُ يَدُلُّ أَنَّهُ سَبَبٌ وَهُمْ مَنَعُوا تَقْدِيمَهُ وَلَوْ كَانَ سَبَبًا لَجَازَ وَهَذَا سَهْوٌ لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ سَبَبًا بِالْحِنْثِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ [فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار] (فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ). لَمَّا كَانَتْ الْحُرْمَةُ بِالظِّهَارِ حُرْمَةً مُؤَقَّتَةً إلَى وُجُودِ الْمَنْهِيِّ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ شَرَعَ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِبَيَانِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مَشْرُوعَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ دُونَ التَّخْيِيرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهَا بِحَرْفِ الْفَاءِ وَهِيَ لِلتَّرْتِيبِ الْإِعْتَاقُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْإِعْتَاقِ ثُمَّ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الصَّوْمِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 3] {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] وَالْمُرَادُ مِنْ عِتْقِ الرَّقَبَةِ إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ لِأَنَّهُ إذَا وَرِثَ أَبًا فَنَوَى بَدْءَ الْكَفَّارَةِ لَمْ يُجْزِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ وَالشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ أَيْضًا وَالْكَفَّارَةُ شَرْطٌ فِيهَا التَّحْرِيرُ وَهُوَ صُنْعٌ مِنْهُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ عِتْقِ الرَّقَبَةِ إلَخْ أَيْ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ عِتْقُ رَقَبَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ لَا فِي الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فَإِنَّهَا تُجْزِي عِنْدَنَا عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْيَمِينِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِي عِنْدَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً فَأَعْتَقَ رَقَبَةً كَافِرَةً كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدَّيْنِ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَقَوْلُ أَحْمَدَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ اهـ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ قِيَاسَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إلَخْ) وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِلُزُومِ اعْتِقَادِ النَّقْصِ فِيمَا تَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَهُ

الْآيَةَ، وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ بِالْعِتْقِ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِعِتْقِ الْكَافِرَةِ، وَلَا يُقَالُ هُوَ مَأْمُورٌ بِتَحْرِيرِ رَقَبَةٍ وَهِيَ نَكِرَةٌ فَتَخْتَصُّ بِالْإِثْبَاتِ، وَقَدْ أُرِيدَ بِهَا الْمُؤْمِنَةُ فَلَا تَدْخُلُ الْكَافِرَةُ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذِهِ مُطْلَقَةٌ فَتَتَنَاوَلُ رَقَبَةً عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزَ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ، وَإِنْ كَانَا مُتَضَادَّيْنِ، وَكَذَا الْبَيْضَاءُ وَالسَّوْدَاءُ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمُتَضَادَّةِ، وَيَجُوزُ الْمُرْتَدُّ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ قُلْنَا إنَّا نَمْنَعُ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْقَتْلَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً جَازَتْ بِلَا خِلَافٍ، وَالْعَيْبُ إذَا كَانَ لَا يُفَوِّتُ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ، وَلِهَذَا جَازَ الْأَصَمُّ وَالْأَعْوَرُ، وَمَقْطُوعُ إحْدَى الْيَدَيْنِ، وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافٍ، وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَمَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَصَمِّ الَّذِي يَسْمَعُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْأَخْرَسُ فَلَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَجُزْ الْأَعْمَى، وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَإِبْهَامَيْهِمَا أَوْ الرِّجْلَيْنِ، وَالْمَجْنُونُ) وَالْأَصْلُ أَنَّ فَوَاتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَالِاخْتِلَالَ لَا يَمْنَعُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْإِنْسَانِ مَعْنًى يَكُونُ بِبَقَاءِ مَنَافِعِهِ، وَبِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ يَكُونُ هَالِكًا مَعْنًى، وَفِيمَا ذَكَرَ فَوَاتُ الْبَصَرِ وَالْبَطْشِ وَقُوَّتِهِ وَالْمَشْيِ فَكَانَ هَالِكًا، وَالِانْتِفَاعُ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعَقْلِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ، وَاَلَّذِي يُجَنُّ، وَيُفِيقُ يَجُوزُ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَقْلِ غَيْرُ فَائِتَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مُخْتَلَّةٌ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ) لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَكَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا، وقَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] يَقْتَضِي الْكَمَالَ، وَيَقْتَضِي إنْشَاءَ الْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِعْتَاقُهُمَا تَعْجِيلٌ لِمَا صَارَ مُسْتَحِقًّا لَهُمَا فَلَا يَكُونُ إنْشَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَكَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا مَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَ عَبِيدُهُ وَمُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، وَلَا يُعْتَقُ مُكَاتَبُوهُ فَدَلَّ عَلَى كَمَالِ الرِّقِّ فِيهِمَا، وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَوْ كَانَ الرِّقُّ نَاقِصًا فِيهِمَا لِمَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهُمَا كَالْمُكَاتَبَةِ، وَهَذَا غَلَطٌ وَخَطَأٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ جَعَلَ الرِّقَّ فِي الْمُكَاتَبِ نَاقِصًا، وَالثَّانِي أَنَّهُ جَعَلَ نُقْصَانَ الرِّقِّ مُحَرِّمًا لِلْوَطْءِ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَنَاطَ فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ الرِّقَّ، وَإِنَّمَا هُوَ الْمِلْكُ، وَالرَّابِعُ أَنَّهُ جَعَلَ رِقَّ الْمُدَبَّرِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ كَامِلًا، وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَرْقَ، وَنُبَيِّنُ الْمَعْنَى، وَالْمَنَاطَ مُخْتَصَرًا فَنَقُولُ الْمُكَاتَبُ رِقُّهُ كَامِلٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ»، وَالْمِلْكُ فِيهِ نَاقِصٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا، وَالْمُدَبَّرُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ عَكْسُهُ فَإِنَّ رِقَّهُمَا نَاقِصٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ، وَالْمِلْكُ فِيهِمَا كَامِلٌ لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِمَا، وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُمَا، وقَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] يَقْتَضِي رِقًّا كَامِلًا فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُكَاتَبُ دُونَهُمَا، وَقَوْلُ الرَّجُلِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ يَقْتَضِي مِلْكًا كَامِلًا فَيَدْخُلَانِ فِيهِ دُونَ الْمُكَاتَبِ فَكَانَ الْمَنَاطُ فِي تَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ عَنْ الْكَفَّارَةِ الرِّقَّ، وَفِي قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ الْمِلْكَ، وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي عِتْقِ الْمُكَاتَبِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَالَ فِيهِ فِي الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ غَيْرُ ثَابِتٍ يَدًا، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ يَعْنِي الْمَوْلَى، وَقَالَ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْقِنِّ إذْ الْمِلْكُ ثَابِتٌ فِيهِمْ رَقَبَةً وَيَدًا، وَكَذَا ذَكَرَ الْأُصُولِيُّونَ أَيْضًا فَيُعْلَمُ بِهَذَا أَنَّ الْعِتْقَ ضِدُّ الرِّقِّ دُونَ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي أَشْيَاءَ لَا تَقْبَلُ الْعِتْقَ وَلَوْ كَانَ ضِدًّا لَهُ لَمَا ثَبَتَ لِأَنَّ شَرْطَ التَّضَادِّ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ، وَإِذَا كَانَ الرِّقُّ نَاقِصًا لَا يُجْزِيهِ لِعَدَمِ الْإِعْتَاقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ رِقَّهُ كَانَ زَائِلًا مِنْ وَجْهٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى شَيْئًا) لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ بِعِوَضٍ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ رِقَّهُ لَمْ يَنْتَقِصْ بِمَا أَدَّى فَكَانَ بَاقِيًا مِنْ وَجْهٍ، وَلِهَذَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فِيهِمَا قَبْلَهُ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ نَاوِيًا بِالشِّرَاءِ الْكَفَّارَةَ أَوْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيهِ عَنْهَا صَحَّ) أَمَّا الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الرِّقَّ فِيهِ كَامِلٌ فَكَانَ تَحْرِيرًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ فَأَشْبَهَ الْمُدَبَّرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ إلَخْ) وَهَذَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُنْبِئُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ بَلْ الرَّقَبَةُ اسْمٌ لِلْمَمْلُوكِ كَذَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالْإِيمَانِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ نَسْخٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً جَازَتْ) وَقَالَ فِي الْغَايَةِ الرَّقَبَةُ أَعَمُّ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِنَّمَا هُوَ مُطْلَقٌ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ ذَاتًا وَاحِدَةً عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافٍ) لِبَقَاءِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ قَائِمَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لِتَعَذُّرِ الْمَشْيِ. قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَلَا يُجْزِئُ الْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ. (فَرْعٌ) يَجُوزُ عِتْقُ الْآبِقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا عُلِمَ بِحَيَاتِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ مَذْكُورٌ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ اهـ قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ يَجُوزُ مَقْطُوعُ الْأَنْفِ وَمَقْطُوعُ الشَّفَتَيْنِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَكْلِ وَلَا يَجُوزُ سَاقِطُ الْأَسْنَانِ وَيَجُوزُ ذَاهِبُ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرِ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ شُجَاعٍ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَجُوزُ الْأَعْشَى وَالْعِنِّينُ وَالْخُنْثَى وَالْأَمَةُ الرَّتْقَاءُ وَاَلَّتِي بِهَا قَرْنٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا غَلَطٌ) أَيْ قَوْلُ صَاحِبِ الْغَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْمُدَبَّرِ) يَعْنِي فِي الْهِدَايَةِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ بِعِوَضٍ) وَالْعِوَضُ يُبْطِلُ مَعْنَى الْقُرْبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُقْبَلُ الْفَسْخُ) أَيْ يُقْبَلُ الْفَسْخُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْبَدَلِ كَمَا احْتَمَلَ قَبْلَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَخْ) وَهُوَ الْقِيَاسُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

وَأُمَّ الْوَلَدِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الْعِتْقَ بِالْكِتَابَةِ فَوْقَ اسْتِحْقَاقِهِ بِالتَّدْبِيرِ، وَالِاسْتِيلَادِ، وَلِهَذَا صَارَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ، وَيَمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَفِيمَا فِي يَدِهِ، وَيَضْمَنُ لَهُ الْأَرْشَ وَالْعُقْرَ بِالْجِنَايَةِ وَالْوَطْءِ وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ، وَهُوَ تَصْيِيرُ شَخْصٍ مَرْقُوقٍ حُرًّا، وَقَدْ وُجِدَ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ نُقْصَانٌ فِي رِقِّهِ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ، وَالْمُعَلَّقُ بِهِ عُدِمَ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَلَا يَثْبُتُ بِهَذَا التَّعْلِيقِ اسْتِحْقَاقُ الْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي سَائِرِ الشُّرُوطِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ يَمْنَعُ الْفَسْخَ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ، وَهَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الرِّقِّ، وَلَا يُوجِبُ لَهُ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ كَحَقِيقَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّدْبِيرَ، وَالِاسْتِيلَادَ لَا يَقْبَلُهُ فَيَثْبُتُ بِهَذَا أَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ فِي الْمُكَاتَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْكِتَابَةَ لَا تُنَافِي الرِّقَّ لِأَنَّهَا فَكُّ الْحَجْرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ إلَّا أَنَّهَا بِعِوَضٍ فَتَلْزَمُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى، وَلَئِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ مَانِعَةً مِنْ الْعِتْقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ تَنْفَسِخُ بِمُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ إذْ هِيَ تَقْبَلُهُ بِرِضَا الْمُكَاتَبِ، وَقَدْ وُجِدَ رِضَاهُ دَلَالَةً لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِالْعِتْقِ بِعِوَضٍ كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْلَى وَلَا يُقَالُ لَوْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ لَمَا سُلِّمَتْ لَهَا الْأَوْلَادُ، وَالْأَكْسَابُ، وَسَلَامَتُهُمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّا نَقُولُ الْفَسْخُ ضَرُورِيٌّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ جَوَازِ التَّكْفِيرِ، وَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ اسْتِرْدَادِ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ وَلَوْلَا أَنَّهُ فَسْخٌ لَمَا سَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ أَوْ نَقُولُ سَلَامَةُ الْأَكْسَابِ وَالْأَوْلَادِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عِتْقٌ، وَهُوَ مُكَاتَبٌ لَا لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَتْ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَادِ، وَسَلَّمَ لَهَا الْأَكْسَابَ، وَالْأَوْلَادَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ ثُمَّ اشْتَرَتْهُمْ بَعْدَ الْكِتَابَةِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ عِتْقٌ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ كُلًّامِنَّا فِي الْإِعْتَاقِ الصَّادِرِ مِنْ الْمَوْلَى لَا فِي الْعِتْقِ الْحَاصِلِ فِي الْمَحَلِّ وَالْكَفَّارَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِعْتَاقِ دُونَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَاحِدٌ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ فَلَا يَتَنَوَّعُ وَالْإِعْتَاقُ تَخْتَلِفُ جِهَاتُهُ فَجُعِلَ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْكِتَابَةِ، وَفِي حَقِّ الْمَوْلَى إعْتَاقًا بِجِهَةِ الْكَفَّارَةِ لِقَصْدِ ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ إذَا وَهَبَتْ صَدَاقَهَا مِنْ زَوْجِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، وَيَجْعَلُ هِبَتَهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ عِنْدَ الطَّلَاقِ، وَفِي حَقِّهَا تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً، وَلَا يُقَالُ الْمِلْكُ فِيهِ قَدْ انْتَقَضَ بِالْكِتَابَةِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ الْمُطَلِّقُ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا ذَكَرَ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا شَرَطَ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْفُذُ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمِلْكِ، وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ كَافٍ لِنُفُوذِ الْعِتْقِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مِلْكِ الْيَدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لِإِزَالَةِ الرِّقِّ، وَكَمَالَهُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ دُونَ الْيَدِ فَخُرُوجُهُ عَنْ يَدِهِ لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِي الرِّقِّ عَلَى مَا مَرَّ، وَكَذَا وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْمَوْلَى بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِتَحَقُّقِ مَقْصُودِهِ لَا لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَرِيبُهُ يَنْوِي بِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَلِأَنَّ الشِّرَاءَ عِلَّةُ الْعِتْقِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَهُوَ بِصُنْعِهِ فَيَكُونُ عَمَّا نَوَى وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُجْزِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَوَّلُ لِأَنَّ عِلَّةَ الْعِتْقِ الْقَرَابَةُ لِأَنَّهَا عِلَّةُ وُجُوبِ الصِّلَاتِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ، وَالشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَالْإِعْتَاقَ سَبَبٌ لِزَوَالِهِ، وَبَيْنَهَا تَنَافٍ فَاسْتَحَالَ إضَافَةُ الْعِتْقِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَلِاسْتِحْقَاقِهِ الْحُرِّيَّةَ بِالْقَرَابَةِ فَصَارَ كَمَا قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ، وَإِنَّمَا اقْتَرَنَتْ بِالشَّرْطِ، وَهُوَ الشِّرَاءُ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَ الْيَمِينِ دُونَ الشَّرْطِ، وَكَذَا الضَّمَانُ يَجِبُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ عِلَّةٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَى شُهُودِ الشَّرْطِ، وَلِأَنَّ فِيهِ صَرْفَ مَنْفَعَةِ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ فَلَا يَجُوزُ كَالزَّكَاةِ، وَلِمَا أَنَّ النِّيَّةَ قَارَنَتْ عِلَّةَ الْعِتْقِ فَيَصِحُّ، وَهَذَا لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ عِلَّةٌ لِلْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ تَصْيِيرُ الرَّقَبَةِ حُرًّا، وَفِي الشِّرَاءِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَنْ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» أَيْ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ إعْتَاقًا وَهَذَا كَمَا يُقَالُ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ، وَضَرَبَهُ فَأَوْجَعَهُ أَيْ بِالسَّقْيِ وَالضَّرْبِ، وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يُوجِبُ الْمِلْكَ، وَمِلْكَ الْقَرِيبِ يُوجِبُ الْعِتْقَ فَيُضَافُ الْمِلْكُ مَعَ حُكْمِهِ إلَى الشِّرَاءِ لِأَنَّهُمَا حَدَّثَا بِهِ، وَهَذَا كَمَنْ رَمَى إنْسَانًا عَمْدًا فَأَصَابَهُ فَمَاتَ قُتِلَ بِهِ كَأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ الْفَسْخُ ضَرُورِيٌّ) أَيْ فَسْخُ الْكِتَابَةِ ثَبَتَ ضَرُورَةٌ تَقْتَضِي صِحَّةَ التَّكْفِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَادُ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ قَبْلَ إلَخْ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْوِلَادَةَ بِمَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ لِأَنَّ مَا وَلَدَتْهُ بَعْدَهُ يَعْتِقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى كَهِيَ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُ) لَيْسَتْ الْفَاءُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَكَمَالِهِ) أَيْ كَمَالِ الرِّقِّ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَرِيبَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَة وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ وَابْنَهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ لِلْكَفَّارَةِ جَازَ عَنْهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْقُدُورِيِّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَرْحِ الْكَافِي أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُجْزِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَكَذَا إنْ وَهَبَ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ لَوْ رَحِمَ مَحْرَمٍ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ مَا إذَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِصُنْعِهِ إنْ نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ وُجُودِ الصُّنْعِ يُجْزِيهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُجْزِيهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ يَعْتِقُ وَلَا يَجُوزُ إذَا نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ دُخُولِ الدَّارِ إلَّا إذَا نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبٍ سَابِقٍ وَهُوَ الْقَرَابَةُ فَلَا يُجْزِي عَنْ الْكَفَّارَةِ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْمَحْلُوفُ بِعِتْقِهِ نَاوِيًا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْآيَةِ هُوَ التَّحْرِيرُ وَقَدْ حَصَلَ فَيُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» أَيْ بِالشِّرَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ أَطْعِمْهُ فَأَشْبِعْهُ. اهـ.

حَزَّ رَقَبَتَهُ بِالسَّيْفِ لِأَنَّ فِعْلَهُ، وَهُوَ الرَّمْيُ أَدَّى إلَى النُّفُوذِ وَالْمُضِيِّ فِي الْهَوَاءِ، وَأَوْجَبَ الْمُضِيُّ الْوُقُوعَ عَلَيْهِ، وَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى الْحَرَجِ، وَهُوَ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيُضَافُ الْكُلُّ إلَيْهِ بِالتَّسَيُّبِ فَيَكُونُ الرَّامِي قَاتِلًا لَهُ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ فَكَذَا الشِّرَاءُ أَوْجَبَ الْمِلْكَ، وَالْمِلْكُ أَوْجَبَ الْعِتْقَ فَكَانَ الْمُشْتَرِي مُعْتِقًا بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْعِتْقِ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْإِيجَابِ، وَالْعِتْقَ فِيهِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْمِلْكِ وَالْقَرَابَةِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثَرٌ فِيهِ فَجُعِلَا عِلَّةً ذَاتَ وَجْهَيْنِ ثُمَّ إنْ وُجِدَا مَعًا أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَيْهِمَا، وَإِنْ تَعَاقَبَا كَانَ الْأَخِيرُ هُوَ الْعِلَّةُ أَيُّهُمَا كَانَ، وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ ضَمِنَ لِلْآخَرِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَالضَّمَانُ الَّذِي يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ، وَالْإِعْسَارِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِعْتَاقِ وَلَوْ تَأَخَّرَ السَّبَبُ بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَسَبَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا يَضْمَنُ الْمُدَّعِي نَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَهَذَا آيَةُ الْعِلِّيَّةِ بِخِلَافِ آخِرِ الشَّاهِدَيْنِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ الْقَضَاءِ، وَالْقَضَاءَ بِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يُحَالُ التَّلَفُ إلَى الثَّانِي مِنْهُمَا يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعِتْقَ صِلَةٌ، وَلِلْمِلْكِ تَأْثِيرٌ فِي إيجَابِ الصِّلَاتِ كَإِيجَابِ الزَّكَاةِ، وَلِلْقَرَابَةِ أَيْضًا تَأْثِيرٌ فِي إيجَابِ الصِّلَاتِ فَصَارَا عِلَّةً وَاحِدَةً فَيُضَافُ إلَيْهِمَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا وُجُودًا، وَلَا يُضَافُ إلَى الْأَخِيرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ هُنَا شَرْطٌ مَحْضٌ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إيجَابِ الْحُرِّيَّةِ فَقِرَانُ النِّيَّةِ بِهِ لَا يُفِيدُ حَتَّى لَوْ اقْتَرَنَتْ بِالْيَمِينِ بِأَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارِي أَجْزَأَهُ لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِأَمَةٍ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا حَيْثُ لَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهُ بِالْعِلَّةِ لِأَنَّ عِتْقَهَا مُسْتَحَقٌّ بِالِاسْتِيلَادِ السَّابِقِ فَأُضِيفَ الْعِتْقُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ أُمَّ الْوَلَدِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَرَابَةِ فَاسِدٌ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ تَمَامِ الْعِلَّةِ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ فِيهِ صَرَفَ مَنْفَعَةَ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ صَرْفُهَا إلَى عَبْدِهِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ إلَى قَرِيبِهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ، وَهُوَ يَنْوِي عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَحْصُلُ بِصُنْعِهِ، وَهُوَ الْقَبُولُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَرِثَهُ، وَهُوَ يَنْوِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ صُنْعِهِ فِي الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ التَّحْرِيرُ، وَهُوَ جَعْلُ الرَّقَبَةِ حُرًّا، وَأَمَّا إذَا حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيهِ عَنْهَا فَلِأَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً كَامِلَةً بِكَلَامَيْنِ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِهِ وَهَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَفِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ بِعِتْقِ النِّصْفِ تَمَكَّنَ النُّقْصَانُ فِي الْبَاقِي فَصَارَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ ثُمَّ ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا النُّقْصَانَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ بِسَبَبِ الْكَفَّارَةِ فِي مِلْكِهِ، وَمِثْلُهُ غَيْرُ مَانِعٍ كَمَنْ أَضْجَعَ شَاةً لِلتَّضْحِيَةِ فَأَصَابَ السِّكِّينُ عَيْنَهَا فَذَهَبَتْ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْقِيَاسُ، وَالِاسْتِحْسَانُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ، وَلَمْ يَعْتِقْ الْبَاقِي جَازَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يُعْتَقُ كُلَّهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ، وَضَمِنَ بَاقِيهِ أَوْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ وَطِئَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيهِ لَا) أَيْ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَأَمَّا فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَبِعِتْقِ جُزْءٍ مِنْهُ عَتَقَ كُلُّهُ فَصَارَ مُعْتَقًا لِكُلِّ الْعَبْدِ، وَهُوَ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّ الْمُعْتَقَ إذَا كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ فَيَكُونُ عِتْقًا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيُجْزِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فَيَكُونُ عِتْقًا بِعِوَضٍ فَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَلَهُ أَنَّ النُّقْصَانَ تَمَكَّنَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لِتَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الرِّقِّ فِيهِ، وَهَذَا النُّقْصَانُ حَصَلَ فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالضَّمَانِ نَاقِصًا فَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاقِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ ذَلِكَ النُّقْصَانَ كَذَهَابِ الْبَعْضِ بِسَبَبِ الْعِتْقِ فَجُعِلَ مِنْ الْأَدَاءِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّهُ لَا أَدَاءَ قَبْلَ الْمِلْكِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فَحَصَلَ النُّقْصَانُ فِي مِلْكِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِنَادُ فِي الْمَضْمُونَاتِ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْإِجْزَاءِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ النِّصْفَ ثُمَّ جَامَعَهَا ثُمَّ أَعْتَقَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فَلِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْعِتْقُ قَبْلَ الْمَسِيسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ النِّصْفَ وَقَعَ بَعْدَ الْمَسِيسِ، وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا لَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً أُخْرَى بَعْدَهُ لِأَنَّا نَقُولُ النَّصُّ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْعِتْقِ عَلَى الْمَسِيسِ، وَمَنْعَ التَّفْرِقَةِ بِالْجِمَاعِ بَيْنَ النِّصْفَيْنِ فَمَا تَعَذَّرَ مِنْهُمَا سَقَطَ، وَهُوَ التَّقْدِيمُ، وَمَا أَمْكَنَ تَدَارُكُهُ وَجَبَ عَمَلًا بِالنَّصِّ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَإِعْتَاقُ النِّصْفِ إعْتَاقٌ لِلْكُلِّ فَكَانَ إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَعْتِقُ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ، وَأَيَّامٌ مَنْهِيَّةٌ) وَهِيَ يَوْمُ الْفِطْرِ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ التَّتَابُعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَشَهْرَ رَمَضَانَ لَمْ يُشَرَّعْ فِيهِ صَوْمٌ آخَرُ غَيْرُهُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ، وَالصَّوْمُ فِي الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ، وَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِدُخُولِ هَذِهِ الْأَيَّامِ لِأَنَّهُ يَجِدُ شَهْرَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ أَوْ الْقَتْلِ حَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ التَّرْتِيبُ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ بُدًّا مِنْهُ فِي شَهْرَيْنِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالنِّفَاسِ وَالْمَرَضِ حَيْثُ يُسْتَقْبَلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ وُجُودُ شَهْرَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ النِّفَاسِ وَالْمَرَضِ، وَمُدَّةُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَلِيلَةٌ فَيُمْكِنُهَا أَنْ تَصُومَ مُرَتَّبًا مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ الصَّوْمُ الْمَنْذُورُ بِشَرْطِ التَّتَابُعِ ثُمَّ إنْ صَامَ شَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا يُجْزِيهِ إلَّا الْكَامِلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَطِئَ فِيهِمَا لَيْلًا أَوْ يَوْمًا نَاسِيًا أَوْ أَفْطَرَ اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ) لِأَنَّهُ بِالْإِفْطَارِ فَاتَ التَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ، وَبِالْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ يَفُوتُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَسْتَأْنِفُ إلَّا بِالْإِفْطَارِ لِأَنَّ الْوَطْءَ الْمَذْكُورَ لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ كَمَا لَوْ جَامَعَ غَيْرَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَكَانَ التَّرْتِيبُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ، وَلِأَنَّ فِي الِاسْتِئْنَافِ تَأْخِيرَ الْكُلِّ عَنْ الْمَسِيسِ، وَفِي الْمُضِيِّ تَأْخِيرَ الْبَعْضِ فَكَانَ أَوْلَى، وَلِهَذَا لَوْ جَامَعَهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَا يَسْتَأْنِفُ، وَلَهُمَا أَنَّ النَّصَّ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الصَّوْمِ عَلَى الْوَطْءِ، وَأَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ خَالِيًا عَنْ الْوَطْءِ فَإِذَا فَاتَ التَّقْدِيمُ، وَسَقَطَ لِتَعَذُّرِهِ وَجَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْآخَرِ، وَهُوَ الْإِخْلَاءُ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُمَا بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالتَّقْدِيمِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، وَقَوْلُهُ يَوْمًا، وَلَمْ يَقُلْ نَهَارًا لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُجْزِ لِلْعَبْدِ إلَّا الصَّوْمُ، وَإِنْ أَطْعَمَ أَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ سَيِّدُهُ) لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، وَالتَّكْفِيرَ بِالْمَالِ لَا يَكُونُ بِدُونِهِ، وَلَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَصِيرُ مَالِكًا بِتَمْلِيكِهِ، وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْعِتْقُ لَهُ فِي ضِمْنِ تَمْلِيكِهِ اقْتِضَاءً لِأَنَّا نَقُولُ الْحُرِّيَّةُ أَصْلُ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يَثْبُتُ اقْتِضَاءً لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ يَكُونُ تَبَعًا، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ، وَصَوْمُهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ كَالْحُرِّ، وَعَنْ النَّخَعِيّ شَهْرٌ وَاحِدٌ اعْتِبَارًا بِالْعُقُوبَةِ لِأَنَّهُ شُرِّعَ زَاجِرًا كَالْحُدُودِ، وَنَحْنُ نَقُولُ جَانِبُ الْعَادَةِ أَرْجَحُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَمْ تُشَرَّعْ فِي حَقِّ الْكَافِرِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ، وَتَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَلَا تَنْصِيفَ فِي الْعِبَادَةِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ بِخِلَافِ النَّذْرِ، وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ النَّذْرَ بِالْتِزَامِهِ فَكَانَ نَفْلًا فِي حَقِّهِ، وَكَفَّارَةَ الْيَمِينِ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَيْهَا فَلَا يَضُرُّهُ التَّأْخِيرُ. وَلَوْ صَامَ الْحُرُّ شَهْرَيْنِ فَقَدَرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ، وَكَانَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ، وَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِزُفَرَ. وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِمَنْ لَهُ خَادِمٌ وَاحِدٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمَاءِ الْمُعَدِّ لِعَطَشِهِ حَيْثُ يَجُوزُ التَّمِيمُ، وَلَنَا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَاءَ مَأْمُورٌ بِإِمْسَاكِهِ، وَاسْتِعْمَالَهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِخِلَافِ الْخَادِمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ (لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّوْمَ أَطْعَمَ سِتِّينَ فَقِيرًا كَالْفِطْرَةِ أَوْ قِيمَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] وَقَوْلُهُ كَالْفِطْرَةِ يَعْنِي فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ لِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِسَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وُسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ «، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَوْسٍ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وُسْقًا مِنْ تَمْرٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ وُسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا عَدَمُ إجْزَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّ الصَّوْمَ الْوَاقِعَ فِيهِ وَقَعَ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ فَلَا يَقَعُ عَنْ فَرْضٍ آخَرَ إلَّا إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَصَامَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِمَا عُرِفَ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ جَازَ صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْهُ وَعَنْ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ إذَا أَنْذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ فَصَامَهُ مُعْتَكِفًا قُلْتُ الصَّوْمُ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ شَرْطُ الِاعْتِكَافِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الشَّرْطِ كَيْفَ كَانَ لَا قَصْدًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ مَقْصُودٌ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ قَصْدًا وَأَمَّا الْأَيَّامُ الْمَذْكُورَةُ فَصَوْمُهَا نَاقِصٌ بِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِهَا وَالْوَاجِبُ بِالْكَفَّارَةِ صَوْمٌ كَامِلٌ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِالنَّاقِصِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الصِّيَامَ وَكَذَا لَوْ جَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمُ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الصَّوْمَ وَلَوْ صَامَ هَذِهِ الْأَيَّامَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَكَذَلِكَ أَيْضًا يَسْتَقْبِلُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَجُزْ لِلْعَبْدِ إلَّا الصَّوْمُ إلَخْ) وَكَذَا السَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالصَّوْمِ ذَكَرَهُ ابْنُ فِرِشْتَا فِي كِتَابِ الْحِجْرِ مِنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ) أَيْ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى مَنْعَهُ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِمَنْ لَهُ خَادِمٌ وَاحِدٌ) بِخِلَافِ الْمِسْكِينِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْخَادِمِ) كَذَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْمَسْكَنَ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ لِبَاسِ أَهْلِهِ بِخِلَافِ الْخَادِمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَوْسٍ) وَأَوْسٌ هَذَا هُوَ ابْنُ الصَّامِتِ أَخُو عُبَادَةَ اهـ

بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ قَالَ أَطْعِمْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ذَكَرَهُ فِي الْمُعَلَّى وَقِيمَتُهُ تَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي الزَّكَاةِ، وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ دَفْعُ حَاجَةِ الْيَوْمِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ فَيَكُونُ نَظِيرَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنْ أَعْطَى مَنًّا مِنْ بُرٍّ وَمَنْوَيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْمَنَّ رِطْلَانِ فَوُجِدَ نِصْفُ الْوَاجِبِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ فَتَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَةُ الْمِسْكِينِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْإِطْعَامِ وَإِنَّمَا جَازَ تَكْمِيلُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الْإِطْعَامُ فَصَارَا جِنْسًا وَاحِدًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَجَازَ التَّكْمِيلُ بِالْآخَرِ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالْقِيمَةِ حَتَّى لَوْ أَدَّى أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ مِنْ التَّمْرِ يُسَاوِي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ جَيِّدٍ يُسَاوِي صَاعًا مِنْ الْوَسَطِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا مَا لَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً، وَكَسَا خَمْسَةً فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ حَيْثُ تَجُوزُ الْكِسْوَةُ عَنْ الْإِطْعَامِ بِالْقِيمَةِ، وَالْكِسْوَةُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَحَيْثُ لَا يَجُوزُ تَكْمِيلُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إجْزَاءً، وَلَا مَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ، وَصَامَ شَهْرًا حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَكْمِيلُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِأَنَّ شَرْطَ مَنْعِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَشَرْطَ جَوَازِ التَّكْمِيلِ اتِّحَادُ الْجِنْسِ فَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ غَيْرُ الْإِطْعَامِ، وَالْإِعْتَاقَ غَيْرُ الصِّيَامِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ مَنْعِ جَوَازِ الْقِيمَةِ فِي الْأُولَى، وَلَا عِلَّةُ جَوَازِ التَّكْمِيلِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَلِأَنَّ الصَّوْمَ يَدُلُّ عَنْ الْعِتْقِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ أَحَدَهُمَا كُلَّهُ فَإِذَا أَتَى بِبَعْضِ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَأَرَادَ تَكْمِيلَهُ بِبَعْضِ الْآخَرِ لَا يُجْزِيهِ لِعَدَمِ الِامْتِثَالِ لِأَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ أَشْيَاءَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهَا، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي التَّكْمِيلِ أَنْ يَجُوزَ عِتْقُ نِصْفِ رَقَبَتَيْنِ مُشْتَرَكَتَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الرَّقَبَةُ، وَنِصْفُ الرَّقَبَتَيْنِ لَيْسَ بِرَقَبَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي أُضْحِيَّةِ شَاتَيْنِ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا جَزَاءُ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ وَالْهَدْيِ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِتَكْمِيلٍ لِأَنَّ التَّكْمِيلَ يَكُونُ فِي الْمَحْظُورِ بَلْ هُوَ عَمَلٌ بِمُوجِبِ النَّصِّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهَا وَفِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا إنْ شَاءَ جَعَلَهُ صَوْمًا أَوْ غَيْرَهُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَحَدُهَا غَيْرَ عَيْنٍ فَلَا يُجْمَعُ وَلَوْ فَرَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الصَّاعِ مِنْ الْبُرِّ أَوْ أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ مِنْ الشَّعِيرِ بِأَنْ أَعْطَى الْقَدْرَ الْوَاجِبَ لِمِسْكِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا يُجْزِيهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ عَلَى مِسْكِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ كَمَا نَصَّ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْوَاجِبِ، وَأَمَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَالْعَدَدُ فِيهَا مَسْكُوتٌ عَنْهُ فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ الْقَدْرَ عَلَى أَيِّ عَدَدٍ شَاءَ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُعْطِيَ مِسْكِينًا وَاحِدًا لِيَتَحَقَّقَ الْإِغْنَاءُ لِأَنَّ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِغْنَاءُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ التَّمْلِيكَ مَعْنًى، وَالْفَقِيرُ قَابِضٌ لَهُ أَوَّلًا ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَيَتَحَقَّقُ تَمَلُّكُهُ ثُمَّ تَمْلِيكُهُ كَمَا لَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ مَنْ غَيْرُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا لِلْآمِرِ ثُمَّ يَجْعَلُهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَيْسَ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ وَالْقَرْضَ فَلَا يَرْجِعُ بِالشَّكِّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ، وَيُجْعَلُ قَرْضًا لِأَنَّهُ أَدْنَاهُمَا ضَرَرًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ الْإِبَاحَةُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْفِدْيَةِ دُونَ الصَّدَقَاتِ، وَالْعُشْرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْفِدْيَةِ أَيْضًا إلَّا التَّمْلِيكُ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ وَالْإِطْعَامِ يُذْكَرُ لِلتَّمَلُّكِ عُرْفًا يُقَالُ أَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ أَيْ مَلَّكْتُكَهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَانْتَفَى الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ أَوْ الْعُمُومَ فِي الْمُشْتَرَكِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ فَيَكُونُ مِنْ شَرْطِهَا التَّمْلِيكُ كَالزَّكَاةِ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْكِسْوَةُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْفِدْيَةِ الْإِطْعَامُ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّمْكِينِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ جَعْلِ الْغَيْرِ طَاعِمًا، وَذَلِكَ بِالْإِبَاحَةِ، وَإِنَّمَا جَازَ التَّمْلِيكُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَالْعَمَلُ بِهَا لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ ضَرْبَ الْوَالِدَيْنِ، وَشَتْمَهُمَا يَحْرُمُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَأَمَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ إلَخْ) ذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُ صَدَقَةِ فِطْرِ كُلِّ شَخْصٍ إلَى مِسْكِينٍ حَتَّى لَوْ فَرَّقَهُ عَلَى مِسْكِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِغْنَاءُ وَلَا يُسْتَغْنَى بِمَا دُونَ ذَلِكَ وَجَوَّزَ الْكَرْخِيُّ تَفْرِيقَ صَدَقَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى مَسَاكِينَ لِأَنَّ الْإِغْنَاءَ يَحْصُلُ بِالْمَجْمُوعِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ) وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا الْمِقْدَارُ دُونَ الْعَدَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ أَمَرَ) أَيْ الْمُظَاهِرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا جَازَ التَّمْلِيكُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ إلَخْ) وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّمْلِيكَ يَصْلُحُ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالْأَكْلَ جُزْءٌ مِنْهَا فَإِذَا جَازَ بِجُزْءٍ فَالْكُلُّ أَوْلَى اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

بَقَاءِ الْأَصْلِ مُرَادًا، وَهُوَ التَّأْفِيفُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِيهَا الْإِيتَاءُ، وَالْأَدَاءُ وَالْكِسْوَةُ وَهِيَ تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشَّرْطُ غَدَاءَانِ أَوْ عَشَاءَانِ مُشْبِعَانِ أَوْ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ دَفْعُ حَاجَةِ الْيَوْمِ، وَذَلِكَ بِالْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ عَادَةً، وَيَقُومُ قَدْرُهُمَا مَقَامَهُمَا فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ أَكْلَتَيْنِ، وَالسُّحُورُ كَالْغَدَاءِ وَلَوْ غَدَّى سِتِّينَ، وَعَشَّى سِتِّينَ غَيْرَهُمْ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُعِيدَ عَلَى أَحَدِ السِّتِّينَيْنِ مِنْهُمْ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً، وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِدَامِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ لِيُمَكِّنَهُ الِاسْتِيفَاءَ إلَى الشِّبَعِ بِخِلَافِ خُبْزِ الْبُرِّ فَإِذَا شَبِعُوا أَجْزَأَهُ قَلِيلًا أَكَلُوا أَوْ كَثِيرًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَوْ كَانَ فِيمَنْ أَطْعَمَهُمْ صَبِيٌّ فَطِيمٌ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي كَامِلًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ شَبْعَانَ قَبْلَ الْأَكْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَعْطَى فَقِيرًا شَهْرَيْنِ صَحَّ) أَيْ لَوْ أَطْعَمَ فَقِيرًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ عَلَى السِّتِّينَ وَاجِبٌ بِالنَّضِّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ سَدّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ، وَالْحَاجَةَ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْأَيَّامِ فَكَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَمِسْكِينٍ آخَرَ لِتَجَدُّدِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ فِي يَوْمٍ لَا إلَّا عَنْ يَوْمِهِ) أَيْ لَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا وَاحِدًا كُلَّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَهَذَا فِي الْإِعْطَاءِ بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ إبَاحَةٍ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ بِالنَّصِّ، وَلَمْ يُوجَدْ كَالْحَاجِّ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا إذَا مَلَكَهُ بِدَفَعَاتٍ فَقَدْ قِيلَ يُجْزِيهِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ أُقِيمَ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْإِطْعَامِ، وَالْحَاجَةَ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ لَيْسَ لَهَا نِهَايَةٌ فَكَانَ الْمَدْفُوعُ هَالِكًا، وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ مُضِيِّ زَمَانٍ تَتَجَدَّدُ فِيهِ حَاجَةُ الْأَكْلِ مَعَ تَحَقُّقِ الْحَاجَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَسَا رَجُلًا عَشَرَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ ثَوْبًا جَازَ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مُضِيُّ زَمَانٍ تَتَجَدَّدُ فِيهِ الْحَاجَةُ إلَى الْكِسْوَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بَعْدَمَا أَخَذَ صَارَ كَفَقِيرٍ آخَرَ، وَلِهَذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ عَنْ كَفَّارَةٍ أُخْرَى غَيْرَ جِنْسِ الْأُولَى كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ، وَجَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَهُ بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ دُونَهُ، وَبِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ بِهِ إلَّا حَاجَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ حَاجَةُ الْأَكْلِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ سَدُّ خُلَّتِهِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ حَاجَتُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَالصَّرْفُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ إطْعَامَ الطَّاعِمِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الْغَنِيِّ بِخِلَافِ كَفَّارَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى كَالْمَعْدُومِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا، وَبِخِلَافِ الثَّوْبِ لِأَنَّ تَجَدُّدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ يَخْتَلِفُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ فَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِعَيْنِهَا لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا فَأُقِيمَ مُضِيُّ الزَّمَانِ مَقَامَهَا لِأَنَّهَا بِهِ تَتَجَدَّدُ، وَأَدْنَى ذَلِكَ يَوْمٌ لِجِنْسِ الْحَاجَةِ، وَمَا دُونَهُ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَسْتَأْنِفُ بِوَطْئِهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ) لِأَنَّ النَّصَّ فِي الْإِطْعَامِ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيِّدٍ بِمَا قَبْلَ الْمَسِيسِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى النَّصِّ الْمُقَيِّدِ فِي الْإِعْتَاقِ، وَالصَّوْمُ بِالْقِيَاسِ، وَلَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي وَاقَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ اسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ» لِأَنَّ التَّقْيِيدَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَهُ لِجَوَازِ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهُوَ التَّأْفِيفُ) كَذَا هَذَا فَلَا نَصَّ عَلَى دَفْعِ حَاجَةِ الْأَكْلِ فَالتَّمْلِيكُ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْحَاجَاتِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْأَكْلُ أَجْوَزُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ دَافِعٌ لِحَاجَةِ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ أَكْلَتَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُعْتَبَرُ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ بِخُبْزٍ غَيْرِ مَأْدُومٍ إنْ كَانَ خُبْزَ بُرٍّ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْيَمِينِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْفِدْيَةِ سَوَاءٌ كَانَتَا غَدَاءً وَعَشَاءً أَوْ غَدَاءَيْنِ أَوْ عَشَاءَيْنِ بَعْدَ اتِّحَادِ السِّتِّينَ فَلَوْ غَدَّى سِتِّينَ وَعَشَّى آخَرِينَ لَمْ يَجُزْ، وَالْمُعْتَبَرُ الْإِشْبَاعُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَوْ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ عَشَرَةٍ أَرْبَعَةَ أَرْغِفَةٍ أَوْ ثَلَاثَةً فَشَبِعُوا أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ إلَّا صَاعًا أَوْ نِصْفَ صَاعٍ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ شَبْعَانَ اخْتَلَفُوا قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لِأَنَّهُ وَجَدَ إطْعَامَ عَشَرَةٍ وَقَدْ شَبِعُوا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إشْبَاعُهُمْ وَهُوَ لَمْ يُشْبِعْهُمْ بَلْ أَشْبَعَ التِّسْعَةَ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَكْلَتَانِ مَا نَصَّهُ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُجْزِيهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ لَا يُجْزِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا وَبِتَكْرِيرِ الْحَاجَةِ فِي مِسْكِينٍ وَاحِدٍ لَا يَصِيرُ هُوَ سِتِّينَ فَكَانَ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ مُبْطِلًا لِمُقْتَضَى النَّصِّ فَلَا يَجُوزُ وَأَصْحَابُنَا أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِهَذَا الْأَصْلِ وَلِهَذَا قَالُوا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ عَنْ قَرِيبٍ وَهِيَ مَا إذَا مَلَكَ مِسْكِينًا وَاحِدًا وَظِيفَةُ سِتِّينَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ فَيَكُونُ الْمَدْفُوعُ كُلُّهُ عَنْ وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا إذَا رَمَى الْجَمَرَاتِ السَّبْعَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ يُحْتَسَبُ عَنْ رَمْيَةٍ مَعَ أَنَّ تَفْرِيقَ الدَّفْعِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَدْلُولٌ الْتِزَامِيٌّ بِعَدَدِ الْمَسَاكِينِ سِتِّينَ فَالنَّصُّ عَلَى الْمُعَدَّدِ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمُسْتَلْزِمُ وَغَايَةُ مَا يُعْطِيهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ بِتَكَرُّرِ الْحَاجَةِ يَتَكَرَّرُ الْمِسْكِينُ حُكْمًا فَكَانَ تَعَدُّدًا حُكْمًا وَتَمَامُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُرَادٌ بِهِ الْأَعَمُّ مِنْ السِّتِّينَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَجَازٌ فَلَا مَصِيرَ إلَيْهِ إلَّا بِمُوجِبِهِ فَإِنْ قُلْت الْمَعْنَى الَّذِي بِاعْتِبَارِهِ يَصِيرُ اللَّفْظُ مَجَازًا وَيَنْدَرِجُ فِيهِ التَّعَدُّدُ الْحُكْمِيُّ مَا هُوَ قُلْت هُوَ الْحَاجَةُ لِكَوْنِ سِتِّينَ مِسْكِينًا مَجَازًا عَنْ سِتِّينَ حَاجَةً وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْ كَوْنِهَا حَاجَاتٍ سِتِّينَ أَوْ حَاجَاتٍ وَاحِدًا إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ إنَّمَا هُوَ عَدَدٌ مَعْدُودُهُ ذَوَاتُ الْمَسَاكِينِ مَعَ عَقْلِيَّةِ الْمُعَدِّدِ مِمَّا يَقْصِدُ لِمَا فِي تَعْمِيمِ الْجَمِيعِ مِنْ بَرَكَةِ الْجَمَاعَةِ وَشُمُولِ الْمَنْفَعَةِ وَاجْتِمَاعِ الْقُلُوبِ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالدُّعَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) الَّذِي بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ فَكَانَ يَوْمُ الثَّانِي كَمِسْكِينٍ آخَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ) وَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إطْعَامُ عَشْرٍ وَلِكُلٍّ تَمِّمَا ... صَاعًا لِحِنْثَيْنِ يَجُوزُ عَنْهُمَا (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَهُ) لَا لِذَاتِ الْمَسِيسِ بَلْ إلَخْ. اهـ.

[باب اللعان]

يَقْدِرَ عَلَى التَّحْرِيرِ أَوْ الصِّيَامِ فَيَقَعَانِ بَعْدَهُ، وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ، وَلَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَطْعَمَ عَنْ ظِهَارَيْنِ سِتِّينَ فَقِيرًا كُلُّ فَقِيرٍ صَاعٌ صَحَّ عَنْ وَاحِدٍ، وَعَنْ إفْطَارٍ وَظِهَارٍ صَحَّ عَنْهُمَا) وَقَالَ مُحَمَّدٌ صَحَّ فِي الظِّهَارَيْنِ أَيْضًا عَنْهُمَا لِأَنَّ فِي الْمُؤَدَّى وَفَاءً بِهِمَا، وَالْفَقِيرَ مَصْرِفٌ لَهُمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِدُفْعَتَيْنِ أَوْ اخْتَلَفَ جِنْسُ الْكَفَّارَةِ لَهُمَا أَنَّهُ زَادَ فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ، وَنَقَصَ عَنْ الْمَحَلِّ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِقَدْرِ الْمَحَلِّ كَمَا لَوْ أَعْطَى ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا عَنْ ظِهَارٍ وَاحِدٍ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاعًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْوَاحِدَةِ إطْعَامُ سِتِّينَ، وَفِي كَفَّارَتَيْنِ إطْعَامُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَقِيرًا فَإِذَا نَقَصَ عَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَالتَّصَرُّفُ إذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ يَلْغُو فَإِذَا لَغَتْ نِيَّةُ الْعَدَدِ بَقِيَتْ نِيَّةُ مُطْلَقِ الظِّهَارِ، وَالْمُؤَدَّى يَصْلُحُ كَفَّارَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِنِصْفِ الصَّاعِ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ فَلَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ فَصَارَ كَمَا إذَا نَوَى أَصْلَ الْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّقَ الدُّفَعَ أَوْ كَانَتَا جِنْسَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حَرَّرَ عَبْدَيْنِ عَنْ ظِهَارَيْنِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ صَحَّ عَنْهُمَا، وَمِثْلُهُ الصِّيَامُ وَالْإِطْعَامُ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ عَنْ كَفَّارَتَيْ ظِهَارٍ أَوْ صَامَ عَنْهُمَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا لَا يَنْوِي إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا جَازَ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحَدٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرَ عَنْهُمَا رَقَبَةً أَوْ صَامَ شَهْرَيْنِ صَحَّ عَنْ وَاحِدٍ، وَعَنْ ظِهَارٍ، وَقَتْلٍ لَا) أَيْ لَوْ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَاحِدَةً عَنْ ظِهَارَيْنِ أَوْ صَامَ عَنْهُمَا شَهْرَيْنِ جَازَ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَإِنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً عَنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً جَازَ عَنْ الظِّهَارِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الْكَافِرَةَ لَا تَصْلُحُ لِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَتَعَيَّنَتْ لِلظِّهَارِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كَفَّارَتَيْ ظِهَارٍ أَيْضًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ أَنْ يَجْعَلَ عَنْ إحْدَاهُمَا فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ كُلَّهَا عِنْدَهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ السِّتْرُ، وَلِهَذَا حُمِلَ الْمُطْلَقُ فِي إحْدَاهُمَا عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْأُخْرَى وَلِزُفَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْعَبْدِ فَلَغَا، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ إحْدَاهُمَا لِخُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهِ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ لَغْوٌ وَفِي الْمُخْتَلِفِ مُفِيدٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِذَا لَغَا بَقِيَ مُطْلَقَ النِّيَّةِ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ كَمَا لَوْ أَطْلَقَهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى قَضَاءَ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ يُجْزِيهِ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَوْ نَوَى عَنْ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ أَوْ عَنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ لَا يُجْزِيهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُعْرَفُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ فِي الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ، وَالصَّلَوَاتُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُخْتَلِفِ حَتَّى الظُّهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ أَوْ الْعَصْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ غَيْرُ وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَكَذَا حُكْمًا لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِوَقْتٍ يَجْمَعُهُمَا بَلْ بِدُلُوكِ الشَّمْسِ، وَالدُّلُوكُ فِي يَوْمٍ غَيْرُ الدُّلُوكِ فِي يَوْمٍ آخَرَ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشُهُودِ الشَّهْرِ، وَهُوَ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَعْيِينِ صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ مَثَلًا أَوْ يَوْمِ الْأَحَدِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ عَنْ أَحَدِهِمَا وَلَوْ نَوَى ظُهْرًا وَعَصْرًا أَوْ نَوَى ظُهْرًا وَصَلَاةَ جِنَازَةٍ لَمْ يَكُنْ شَارِعًا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّنَافِي، وَعَدَمِ الرُّجْحَانِ وَلَوْ نَوَى ظُهْرًا أَوْ نَفْلًا لَمْ يَكُنْ شَارِعًا أَصْلًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُمَا يَتَنَافَيَانِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الظُّهْرِ لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ نَوَى صَوْمَ الْقَضَاءِ وَالنَّفَلِ أَوْ الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ أَوْ الْحَجَّ الْمَنْذُورَ وَالتَّطَوُّعَ يَكُونُ تَطَوُّعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُمَا بَطَلَتَا بِالتَّعَارُضِ فَبَقِيَ مُطْلَقَ النِّيَّةِ فَصَارَ نَفْلًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الْأَقْوَى تَرْجِيحًا لَهُ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَهُوَ الْفَرْضُ أَوْ الْوَاجِبُ وَلَوْ نَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَالتَّطَوُّعِ فَهُوَ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ اتِّفَاقًا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الْجِهَتَيْنِ بَطَلَتَا بِالتَّعَارُضِ فَبَقِيَ مُطْلَقَ النِّيَّةِ، وَبِهِ تَتَأَدَّى حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ اللِّعَانِ). ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَطْعَمَ عَنْ ظِهَارَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ مِنْ ظِهَارَيْنِ عَنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَيُجْزِيهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَنْهُمَا وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا لَوْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ مِنْ إفْطَارَيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي الْمُؤَدَّى وَفَاءً بِهِمَا) أَيْ بِالْكَفَّارَتَيْنِ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ الْوَاجِبَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْكَفَّارَتَيْنِ وَالصَّاعُ يَعْدِلُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَالْفَقِيرُ مَصْرِفٌ لَهُمَا) أَيْ الْمِسْكِينُ لَا يَخْرُجُ بِأَخْذِ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ عَنْ كَوْنِهِ مَصْرِفًا لِاحْتِيَاجِهِ مَعَ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ أَعْطَاهُ نِصْفَ الصَّاعِ عَنْ إحْدَى الْكَفَّارَتَيْنِ ثُمَّ أَعْطَى النِّصْفَ الْآخَرَ إيَّاهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ الْأُخْرَى جَازَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَقَصَ عَنْ الْمَحَلِّ) أَيْ لِأَنَّ مَحَلَّ الظِّهَارَيْنِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِسْكِينًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفِقْهُ فِيهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدِي قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَقْوَى لِأَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَا تُفِيدُ لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ يَقَعُ الْمُؤَدَّى عَنْ الْكَفَّارَتَيْنِ وَإِذَا لَمْ تُعْتَبَرْ لَمْ يَقَعْ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَتَا جِنْسَيْنِ) كَالْقَتْلِ وَالظِّهَارِ فَإِنَّ نِيَّةَ التَّمْيِيزِ فِيهِ مُفِيدَةٌ (قَوْلُهُ يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ عَنْ أَحَدِهِمَا) هَذَا خِلَافُ الْمُخْتَارِ قَالَ الْكَمَالُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ الْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ مِنْ هَذَا الرَّمَضَانِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ جَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ جَازَ. اهـ. [بَابُ اللِّعَانِ]

وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، وَسُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ لَعْنِ نَفْسِهِ فِي الْخَامِسَةِ، وَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ كَالتَّشَهُّدِ وَكَالصَّلَاةِ تُسَمَّى رُكُوعًا وَسُجُودًا وَسُبْحَةً لِوُجُودِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِيهَا وَشَرْطُهُ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ، وَسَبَبُهُ قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ قَذْفًا يُوجِبُ الْحَدَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَرُكْنُهُ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْيَمِينِ وَاللَّعْنِ وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ بَعْدَ التَّلَاعُنِ، وَأَهْلُهُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ مُفَصَّلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ، وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هِيَ أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] فَقَوْلُهُ تَعَالَى بِاَللَّهِ مُحْكَمٌ فِي الْيَمِينِ، وَالشَّهَادَةُ تَحْتَمِلُ الْيَمِينَ فَحَمَلْنَا الْمُحْتَمَلَ عَلَى الْمُحْكَمِ لَا سِيَّمَا إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ بِخِلَافِ الْيَمِينِ، وَتَكَرُّرَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ أَيْضًا لِأَنَّهَا شُرِّعَتْ مُكَرَّرَةً كَمَا فِي الْقَسَامَةِ دُونَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] اسْتَثْنَى أَنْفُسَهُمْ عَنْ الشُّهَدَاءِ فَثَبَتَ أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ثُمَّ نَصَّ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فَقَالَ {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] فَنَصَّ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ فَقُلْنَا الرُّكْنُ هُوَ الشَّهَادَةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالْيَمِينِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ هُنَا إلَى إيجَابِ الْحُكْمِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَاَلَّذِي يَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ هُوَ الشَّهَادَةُ إلَّا أَنَّهَا أُكِّدَتْ بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ، وَالتَّأْكِيدُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَهَادَةً، وَقَوْلُهُ الشَّهَادَةُ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ قُلْنَا إنَّمَا لَا تُقْبَلُ فِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ، وَأَمَّا إذَا انْتَفَتْ التُّهْمَةُ فَمَقْبُولَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} [آل عمران: 18] فَهَذِهِ مِنْ أَصْدَقِ الشَّهَادَاتِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، وَالتُّهْمَةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُنْتَفِيَةٌ بِالْيَمِينِ، وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حَمْلِ الشَّهَادَةِ فِي الْآيَةِ عَلَى الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ عَنْ غَيْرِهِ فَيَكُونَ التَّقْدِيرُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَالِفُونَ إلَّا أَنْفُسَهُمْ، وَأَنْ يَكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللِّعَانُ هُوَ مَصْدَرُ لَاعَنَ سَمَاعِيٌّ لَا قِيَاسِيٌّ وَالْقِيَاسُ الْمُلَاعَنَةُ وَكَثِيرٌ مِنْ النُّحَاةِ يَجْعَلُونَ الْفِعَالَ وَالْمُفَاعَلَةَ قِيَاسَيْنِ لِفَاعِلٍ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الطَّرْدُ إلَخْ) وَفِي الْفِقْهِ هُوَ اسْمٌ لِمَا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الشَّهَادَاتِ بِالْأَلْفَاظِ الْمَعْرُوفَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُجُودِ اللَّعْنِ فِي الْخَامِسَةِ تَسْمِيَةً لِلْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ وَلَمْ يُسَمَّ بِاسْمٍ مِنْ الْغَصْبِ وَهُوَ أَيْضًا مَوْجُودٌ فِيهَا وَهُوَ أَيْضًا فِي كَلَامِهَا وَذَلِكَ فِي كَلَامِهِ وَهُوَ أَسْبَقُ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَسُبْحَةً) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالسُّبْحَةُ مِنْ التَّسْبِيحِ كَالسُّخْرَةِ مِنْ التَّسْخِيرِ وَإِنَّمَا خُصَّتْ النَّافِلَةُ بِالسُّبْحَةِ وَإِنْ شَارَكَتْهَا الْفَرِيضَةُ فِي مَعْنَى التَّسْبِيحِ لِأَنَّ التَّسْبِيحَاتِ فِي الْفَرَائِضِ نَوَافِلُ فَقِيلَ لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ سُبْحَةٌ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ كَالتَّسْبِيحَاتِ وَالْأَذْكَارِ فِي أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ اهـ وَفِي الْمِصْبَاحِ التَّسْبِيحُ التَّقْدِيسُ وَالتَّنْزِيهُ يُقَالُ سَبَّحْت اللَّهَ أَيْ نَزَّهْته عَمَّا يَقُولُ الْجَاحِدُونَ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ يُقَالُ فُلَانٌ يُسَبِّحُ اللَّهَ أَيْ يَذْكُرُهُ بِأَسْمَائِهِ نَحْوَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَهُوَ يُسَبِّحُ أَيْ يُصَلِّي السُّبْحَةَ فَرِيضَةً كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً وَيُسَبِّحُ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيْ يُصَلِّي النَّافِلَةَ وَسُبْحَةَ الضُّحَى وَمِنْهُ {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143] أَيْ مِنْ الْمُصَلِّينَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَشَرْطُهُ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَا زَوْجَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ غَيْرَ مَحْدُودَيْنِ فِي الْقَذْفِ وَأَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا صَحِيحًا سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَتْ الزَّوْجِيَّةُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُ بِالْأَزْوَاجِ حَتَّى لَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ بَائِنًا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَكَذَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا لَا يَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ مُطْلَقًا وَاشْتُرِطَتْ الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَافٍ لِلشَّهَادَةِ وَاللِّعَانَ شَهَادَةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالْيَمِينِ وَالْحُرِّيَّةَ مِنْ جَانِبِهَا مِنْ شَرَائِطِ إحْصَانِ الْقَذْفِ وَاشْتُرِطَ الْإِسْلَامُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مِنْ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِ الْكَافِرَةِ فَكَذَا لَا يَجِبُ اللِّعَانُ أَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ كَافِرًا، وَالْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً بِأَنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَقَذَفَهَا بِالزِّنَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ وَاشْتُرِطَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ لِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلْقَذْفِ بِدُونِهِمَا وَاشْتُرِطَ نَفْيُ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ لَا شَهَادَةَ لَهُ بِالنَّصِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَبَبُهُ قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ قَذْفًا يُوجِبُ الْحَدَّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ قَذْفًا صَحِيحًا وَنَعْنِي بِالصَّحِيحِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ بِأَنْ كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا وَالْمَرْأَةُ عَاقِلَةً بَالِغَةً لِأَنَّ الْقَذْفَ مِنْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلْحَدِّ لِعَدَمِ الْعَقْلِ وَلِأَنَّ قَذْفَ الْمَجْنُونَةِ وَالصَّغِيرَةِ بِالزِّنَا كَذِبٌ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الزِّنَا مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ قَذْفًا صَحِيحًا اهـ (قَوْلُهُ وَأَهْلُهُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ إلَخْ) فَلَا يَجْرِي إلَّا بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ الْحُرَّيْنِ الْعَاقِلَيْنِ الْبَالِغَيْنِ غَيْرِ الْمَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور: 6] اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ شَهَادَاتٌ) التَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْمُلَاعَنَةِ أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ شَهَادَاتٌ اهـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ) وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ اللِّعَانِ أَبَدًا اهـ ع (قَوْلُهُ وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا) وَلِهَذَا لَوْ قَذَفَهَا مِرَارًا يَكْفِي لِعَانٌ وَاحِدٌ كَالْحَدِّ اهـ ع (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَاتٌ إلَخْ) فَيُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْيَمِينِ عِنْدَهُ فَيَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَامْرَأَتِهِ الْكَافِرَةِ وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَامْرَأَتِهِ الْكَافِرَةِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَامْرَأَتِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةُ تَحْتَمِلُ الْيَمِينَ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَشْهَدُ يَنْوِي الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا شُرِّعَتْ مُكَرَّرَةً كَمَا فِي الْقَسَامَةِ) وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَحَلُّهَا الْإِثْبَاتُ وَالْيَمِينَ لِلنَّفْيِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَعْلِيقُ حَقِيقَتِهِمَا بِأَمْرٍ وَاحِدٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ أَحَدِهِمَا وَمَجَازِ الْآخَرِ فَلْيَكُنْ الْمَجَازُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْمُوجِبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهَذَا التَّقْرِيرُ فِي حَلِّ مَذْهَبِهِ يُوجِبُ أَنْ يُقَالَ أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَةٌ بِأَيْمَانٍ لَا أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالشَّهَادَةِ. اهـ. كَمَالٌ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا شُرِّعَتْ مُكَرَّرَةً إلَخْ يَعْنِي لَمْ يُعْهَدْ شَرْعًا تَكَرُّرُ الشَّهَادَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَثَبَتَ أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ) أَيْ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ. اهـ.

مُوجِبًا لِلْحُكْمِ عَلَى غَيْرِهِ بِيَمِينِهِ، وَفَسَادُهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَحْلِفُ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِيَمِينِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَتَكْرَارُهَا لِقِيَامِهَا مَقَامَ الشُّهُودِ، وَهُمْ أَرْبَعَةٌ فِي الزِّنَا فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهُمْ فَقَرَنَ الشَّرْعُ الرُّكْنَ فِي جَانِبِهِ بِاللَّعْنِ لَوْ كَانَ كَاذِبًا وَبِالْغَضَبِ فِي جَانِبِهَا لَوْ كَانَ صَادِقًا لِأَنَّ الصَّادِقَ أَحَدُهُمَا، وَالْقَاضِي لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَكَانَ اللَّعْنُ فِي جَانِبِهِ قَائِمًا مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ، وَفِي جَانِبِهَا صَارَ الْغَصْبُ قَائِمًا مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا لِأَنَّ الِاسْتِشْهَادَ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَاذِبًا مُهْلِكٌ كَالْحَدِّ فَقَامَ مَقَامَهُ، وَلِهَذَا لَوْ قَذَفَهَا مِرَارًا يَكْفِي لِعَانٌ وَاحِدٌ كَالْحَدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَ جَمَاعَةً مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ حَيْثُ يُلَاعِنُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ الْحَدِّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ، وَهُوَ دَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِينَ، وَلَا يَحْصُلُ فِي اللِّعَانِ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ فِي كَلِمَاتِ اللِّعَانِ، وَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ اللِّعَانِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ بِهِ، وَهُوَ التَّفْرِيقُ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا، وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ تَظْهَرُ فِي هَذَا أَعْنِي فِي تَكْرِيرِ اللِّعَانِ، وَفِي اشْتِرَاطِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فَعِنْدَنَا يُشْتَرَطُ، وَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْيَمِينِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ اللِّعَانَ لَا يَقُومُ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْإِحْصَانَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْمَقْذُوفِ بَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْيَمِينِ لَا غَيْرُ، وَاللِّعَانُ لَمْ يُشَرَّعْ إلَّا قَائِمًا مَقَامَ الْحَدِّ فَكَانَ بَاطِلًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا، وَصَلُحَا شَاهِدَيْنِ وَهِيَ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا أَوْ نَفَى نَسَبَ الْوَلَدِ، وَطَالَبَتْهُ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ وَجَبَ اللِّعَانُ) قُيِّدَ الْقَذْفُ بِالزِّنَا لِأَنَّهُ لَوْ قَذَفَهَا بِغَيْرِهِ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَدِّ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِمَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ، وَكَانَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ الْحَدَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] الْآيَةَ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ أَنْصَارِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَجِدُ مَعَ زَوْجَتِهِ رَجُلًا فَإِنْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ افْتَحْ فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ» «، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِهِلَالٍ حِينَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ: ائْتِ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك، وَإِلَّا فَحَدٌّ عَلَى ظَهْرِك» فَقَالَتْ الصَّحَابَةُ الْآنَ يُحَدُّ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ مُوجَبَهُ كَانَ الْحَدَّ ثُمَّ انْتَسَخَ فِي حَقِّ الزَّوْجَاتِ بِاللِّعَانِ، وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُوجَبُهُ الْحَدُّ، وَلَكِنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ بِاللِّعَانِ، وَقَوْلُهُ، وَصَلُحَا شَاهِدَيْنِ أَيْ الزَّوْجَانِ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الشَّهَادَةُ لِمَا مَرَّ وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْأَدَاءِ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يَبْطُلُ هَذَا بِلِعَانِ الْأَعْمَى فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ، وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْأَعْمَى مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، وَتُشْتَرَطُ صَلَاحِيَّتُهُمَا لِلشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا يَجْرِيَ اللِّعَانُ بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ، وَلَا بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ، وَإِنْ صَلُحَ شَاهِدًا عَلَى مِثْلِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مِنْ قَرِيبٍ، وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِأَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْصَانِهَا، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ فَائِدَةَ تَخْصِيصِ الْمَرْأَةِ بِكَوْنِهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا أَيْضًا فِي حَقِّ الرَّجُلِ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ لَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْهَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَصْلُ، وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ فَلَا يَخْلُو عَنْ مُوجَبِ مَا إذَا كَانَ مِنْهُ إمَّا الْأَصْلُ أَوْ الْخَلْفُ فَكَانَ فَائِدَةُ تَخْصِيصِ الْمَرْأَةِ عَدَمَ وُجُوبِ شَيْءٍ مَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ اللِّعَانِ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَوْنُهُ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لَا يَخْلُ بِهَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّ مَنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ، وَهُوَ الزَّانِي أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا زِنَاهُ فِسْقٌ مِنْهُ، وَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لَهَا، وَلِهَذَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَ فَاسِقَيْنِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي حَقِّهَا لِتَثْبُتَ عِفَّتُهَا لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ عَفِيفًا عَنْ فِعْلِ الزِّنَا فَكَذَا اللِّعَانُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ اللِّعَانِ أَنْ تُطَالَبَ الْمَرْأَةُ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ، وَهُوَ الْحَدُّ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ عَفِيفَةً لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ بِهِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ اللِّعَانُ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ هَذَا الْمَعْنَى فَلِأَيِّ مَعْنًى يَمْتَنِعُ، وَقَوْلُهُ أَوْ نَفَى نَسَبَ الْوَلَدِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ، وَفِي الْغَايَةِ أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا الْمَوْلُودِ عَلَى فِرَاشِهِ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ لَا يُفِيدُ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يَبْطُلُ هَذَا إلَخْ) مُدَّعَى صَاحِبِ الْغَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَمُدَّعَى الشَّارِحِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَالْأَنْسَبُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ الْأَعْمَى مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ جَازَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا اهـ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يُلَاعِنُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

غَيْرِهِ عَنْ أَبِيهِ الْمَعْرُوفِ يَكُونُ قَذْفًا لَهَا أَيْضًا كَمَا لَوْ نَفَاهُ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ فَيَكُونُ مُوجَبُهُ اللِّعَانَ لِمَا تَلَوْنَا، وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ شُبْهَةً كَمَا لَوْ نَفَاهُ أَجْنَبِيٌّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّسَبِ الصَّحِيحِ، وَالنِّكَاحَ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِهِ فَنَفْيُهُ عَنْ الْفِرَاشِ الصَّحِيحِ يَكُونُ قَذْفًا حَتَّى يَظْهَرَ الْمُلْحَقُ بِهِ، وَفِي الْمُحِيطِ إذَا نَفَى الْوَلَدَ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ بِابْنِي، وَلَمْ يَقْذِفْهَا بِالزِّنَا لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّفْيَ لَيْسَ بِقَذْفٍ لَهَا بِالزِّنَا يَقِينًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِ بِوَطْءٍ عَنْ شُبْهَةٍ لَا عَنْ زِنًا بِأَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَفِي النِّهَايَةِ جَعَلَ هَذَا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ لَيْسَ هَذَا الَّذِي وَلَدْتِيهِ مِنْ زَوْجِك لَا يَصِيرُ قَاذِفًا مَا لَمْ يَقُلْ إنَّهُ مِنْ الزِّنَا، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِضَرُورَةٍ فِي اللِّعَانِ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ يَعْلَمُ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرَبْهَا أَوْ عُزِلَ عَنْهَا عَزْلًا بَيِّنًا، وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ مُنْعَدِمَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَفِي كِتَابِ الْحُدُودِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يُصَرِّحَ بِالزِّنَا مَعَ نَفْيِ الْوَلَدِ حَتَّى يَكُونَ قَذْفًا فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا قَالَهُ، وَمِنْ أَيْنَ هَذَا الْإِجْمَاعُ، وَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ إنَّ اللِّعَانَ لَا يَجِبُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ، وَقَوْلُهُ، وَطَالَبَتْهُ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ يَعْنِي الْحَدَّ لِأَنَّهُ حَقُّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا كَسَائِرِ حُقُوقِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَفْيِ نَسَبِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَبِي حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيُحَدُّ) لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ إيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] أَيْ فَالْوَاجِبُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ، وَهُوَ أَقْوَى وُجُوهِ الْأَمْرِ أَوْ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمَقْرُونَ بِالْفَاءِ فِي مَوْضِعِ الْجَزَاءِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] أَوْ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْحَدِّ فَيَجِبُ كَوُجُوبِهِ فَإِذَا كَانَ وَاجِبًا يُحْبَسُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيَرْتَفِعَ سَبَبُ اللِّعَانِ، وَهُوَ التَّكَاذُبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَاعَنَ وَجَبَ عَلَيْهَا اللِّعَانُ) لِمَا بَيَّنَّا فِي حَقِّ الزَّوْجِ إلَّا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالزَّوْجِ لِأَنَّهُ الْمُدَّعِي فَيَطْلُبُ مِنْهُ الْحُجَّةَ أَوَّلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَبَتْ حُبِسَتْ حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ فَتُحْبَسُ حَتَّى تُوُفِّيَ أَوْ تُصَدِّقَهُ فَيَرْتَفِعَ السَّبَبُ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ أَوْ تُصَدِّقَهُ فَتُحَدَّ، وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً فَكَيْفَ يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ مَرَّةً، وَهُوَ لَا يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ قَصْدًا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَيُعْتَبَرُ فِي دَرْئِهِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ اللِّعَانُ، وَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ وَلَوْ صَدَّقَتْهُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ فَلَا حَدَّ، وَلَا لِعَانَ، وَهُوَ وَلَدُهُمَا لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَنْقَطِعُ حُكْمًا لِلِّعَانِ فَلَمْ يُوجَدْ، وَهُوَ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ اللِّعَانِ يُحَدُّ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالْقَذْفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] إلَّا أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِاللِّعَانِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ يُحَدُّ وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا أَبَتْ تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا لِأَنَّ الزَّوْجَ أَوْجَبَ عَلَيْهَا الْحَدَّ بِلِعَانِهِ، وَلَكِنْ تَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِاللِّعَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ} [النور: 8] أَيْ يَدْفَعُ عَنْهَا الْحَدَّ شَهَادَتُهَا قُلْنَا قَذْفُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عِنْدَ اجْتِمَاعِ شَرَائِطِ اللِّعَانِ، وَمَا تَلَا مَنْسُوخٌ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ بِآيَةِ اللِّعَانِ وَلَوْ كَانَ مُوجِبًا لَمَا سَقَطَ بِشَهَادَتِهِ أَوْ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَسْقُطُ بِهِ، وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحَدُّ بِشَهَادَتِهِ أَوْ بِيَمِينِهِ فَكَيْفَ يَجِبُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ الْحَدُّ الَّذِي لَا يَجِبُ إلَّا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ عُدُولٍ يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ يَزْنِي بِهَا كَالْمَيْلِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَهَذَا يَنْفِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَذَابِ فِيمَا تَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْحَبْسُ أَوْ يَحْتَمِلُهُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ، وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ الزَّوْجِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا مَعَ ثَلَاثَةٍ عُدُولٍ ثُمَّ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ وَحَدُّهُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ كَافِرًا، وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ يَمِينٌ عِنْدَهُ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِإِيجَابِ الْمَالِ، وَلَا لِإِسْقَاطِهِ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَأَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ بِهِ الْحَدَّ هُنَا عَنْ نَفْسِهَا، وَكَذَا الزَّوْجُ أَسْقَطَ بِهِ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَوْجَبَ الرَّجْمَ الَّذِي هُوَ أَغْلَظُ الْحُدُودِ بِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَجَعَلَهُ شَهَادَةً فِي حَقِّهِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ قَالَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدُّ بِامْتِنَاعِهَا عَنْ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ نُكُولٌ قُلْنَا النُّكُولُ عِنْدَهُ لَا يُوجِبُ الْمَالَ مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَكَيْفَ يُوجِبُ الرَّجْمَ الَّذِي هُوَ أَغْلَظُ الْحُدُودِ، وَأَصْعَبُهُ إثْبَاتًا، وَأَكْثَرُهُ شُرُوطًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ شَاهِدًا حُدَّ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ هِيَ مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ بِأَنْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ بِأَنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَطَالَبَتْهُ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّهُ أَيْ اللِّعَانَ حَقُّهَا لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهَا فَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ إذَا شَهِدَ الزَّوْجُ وَثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالزِّنَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ فَتُحَدُّ هِيَ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَذَفَ وَجَاءَ بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَشَهِدُوا حُدَّ الثَّلَاثَةُ وَلَاعَنَ الزَّوْجُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ شَهَادَةً فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهَا اهـ. (فُرُوعٌ) قَذَفَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا سَقَطَ اللِّعَانُ وَيَجِبُ الْحَدُّ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا ثَانِيًا وَجَبَ الْحَدُّ بِالْأَوَّلِ وَاللِّعَانُ بِالثَّانِي وَيُحَدُّ لِلْأَوَّلِ لِيَسْقُطَ اللِّعَانُ وَلَوْ طَلَبَتْ اللَّعَّانَ أَوَّلًا يُلَاعَنُ ثُمَّ يُحَدُّ بِخِلَافِ حُدُودِ الْقَذْفِ إذَا اجْتَمَعَتْ فَإِنَّهُ يَكْفِي حَدٌّ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلَوْ قَالَ قَذَفْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَهُوَ قَذْفٌ فِي الْحَالِ فَيُلَاعَنُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُحَدُّ وَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مِنْ أَنَّهُ يُلَاعَنُ فِي قَوْلِهِ زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك وَيُحَدُّ فِي قَوْلِهِ قَذَفْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْجَهُ وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ زَنَتْ أَوْ وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَيَسْقُطُ اللِّعَانُ بِرِدَّتِهَا وَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ لَا يَعُودُ وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ أَبَانَهَا يَسْقُطُ اللِّعَانُ، وَلَوْ كَذَّبَ نَفْسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُحَدُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَذَّبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ. اهـ. فَتْحٌ

عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ اللِّعَانَ تَعَذَّرَ بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَيُصَارُ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كَافِرًا وَهِيَ مُسْلِمَةً إلَّا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ صَلُحَ وَهِيَ بِمَنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا فَلَا حَدَّ، وَلَا لِعَانَ) يَعْنِي إذَا كَانَ الزَّوْجُ صَالِحًا لِلشَّهَادَةِ وَهِيَ زَانِيَةٌ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي الْقَذْفِ فَلَا يُوجِبُ قَذْفُهَا الْحَدَّ كَمَا إذَا قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ، وَلَا يُوجِبُ اللِّعَانَ أَيْضًا لِأَنَّهُ خُلْفٌ عَنْهُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً لِأَنَّ قَذْفَهَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مَحْدُودَةً فِي قَذْفٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَكَانَ الِامْتِنَاعُ لِمَعْنًى فِيهَا فَلَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَوْ كَانَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ حُدَّ لِأَنَّ امْتِنَاعَ اللِّعَانِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ إذْ هُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ هُوَ عَبْدًا وَهِيَ مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ يُحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّ قَذْفَ الْأَمَةِ أَوْ الْكَافِرَةِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَقَذْفَ الْمَحْدُودَةِ يُوجِبُ الْحَدَّ إذَا كَانَتْ عَفِيفَةً عَنْ فِعْلِ الزِّنَا حَتَّى لَوْ قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ يُحَدُّ فَكَذَا الزَّوْجُ وَلَوْ قَذَفَ الْأَمَةَ أَوْ الْكَافِرَةَ لَا يُحَدُّ فَكَذَا الزَّوْجُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ أَوْ مَجْنُونَيْنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُلَاعِنُ فِي الْكُلِّ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ كِلَاهُمَا لِأَنَّ اللِّعَانَ أَيْمَانٌ عِنْدَهُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْيَمِينِ يَكُونُ أَهْلًا لَهُ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا، وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَرْبَعٌ مِنْ النِّسَاءِ لَيْسَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ لِعَانٌ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ، وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ، وَالْمَمْلُوكَةُ تَحْتَ الْحُرِّ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَفِيهِ «لَيْسَ بَيْنَ الْمَمْلُوكَيْنِ وَالْكَافِرَيْنِ لِعَانٌ» ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَضَعَّفَهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طُرُقٍ ثَلَاثٍ، وَضَعَّفَهُ، وَالضَّعِيفُ إذَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ يُحْتَجُّ بِهِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ الْإِحْصَانُ يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْقَذْفِ حَتَّى لَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ عَتَقَتْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَلَا اللِّعَانُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصِفَتُهُ مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ) أَيْ صِفَةُ اللِّعَانِ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْقَاضِي بِالزَّوْجِ فَيَشْهَدَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ يَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا يُشِيرُ إلَيْهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثُمَّ تَشْهَدُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ تَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ غَضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا لِمَا تَلَوْنَا، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَأْتِي بِلَفْظِ الْمُوَاجَهَةِ فَيَقُولُ فِيمَا رَمَيْتُك بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَتَقُولُ هِيَ إنَّك لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتنِي بِهِ مِنْ الزِّنَا لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ لَفْظَ الْمُغَايَبَةِ إذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ انْقَطَعَ الِاحْتِمَالُ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْمَرْأَةُ بِالْغَضَبِ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَسْتَعْمِلْنَ اللَّعْنَ كَثِيرًا فَلَا تَقَعُ الْمُبَالَاةُ بِهِ، وَتَخَافُ مِنْ الْغَضَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ الْتَعَنَا بَانَتْ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ) وَلَا تَبِينُ قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَرِثَهُ الْآخَرُ وَلَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّةُ اللِّعَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِأَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ أَوْ قَذَفَ أَحَدُهُمَا إنْسَانًا فَحُدَّ لِلْقَذْفِ أَوْ وَطِئَتْ هِيَ وَطْئًا حَرَامًا أَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا جُنَّ قَبْلَ التَّفْرِيقِ حَيْثُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ زَالَ الْإِحْصَانُ لِأَنَّهُ يُرْجَى عَوْدُهُ فَيَعُودُ الْإِحْصَانُ وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ طَلَّقَهَا أَوْ آلَى مِنْهَا صَحَّ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ، وَقَالَ زُفَرُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِهِمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ صِفَةُ اللِّعَانِ إلَخْ) ظَاهِرٌ فِي تَعَيُّنِهِ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ أَخْطَأَ الْقَاضِي فَبَدَأَ بِهَا قَبْلَهُ لَا يُفِيدُ لِعَانَهَا فَيُعِيدُهُ بَعْدَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَشْهَبُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يُعِيدُ اللِّعَانَ عَلَيْهَا لِأَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ وَالْمَرْأَةَ بِشَهَادَتِهَا تَقْدَحُ فِي شَهَادَةِ الزَّوْجِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ شَهَادَتِهِ، وَلِهَذَا يَبْدَأُ بِشَهَادَةِ الْمُدَّعِي فِي بَابِ الدَّعْوَى ثُمَّ بِشَهَادَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الدَّفْعِ لَهُ كَذَا هُنَا فَإِنْ لَمْ تُعِدْهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا نَفَذَتْ الْفُرْقَةُ لِأَنَّ تَفْرِيقَهُ صَادَفَ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ لَا شَهَادَةٌ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ إحْدَى الْيَمِينَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى كَتَحَالُفِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ، وَمُقْتَضَاهُ لُزُومُ الْإِعَادَةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ فِي الْغَايَةِ لَوْ بَدَأَ بِلِعَانِهَا فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، وَلَا تَجِبُ إعَادَتُهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ النَّصَّ أَعْقَبَ الرَّمْيَ بِشَهَادَةِ أَحَدِهِمْ، وَشَهَادَتَهَا الدَّارِئَةُ لِلْحَدِّ عَنْهَا بِقَوْلِهِ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ، وَلِأَنَّ الْفَاءَ دَخَلَتْ عَلَى شَهَادَتِهِ عَلَى وِزَانِ مَا قُلْنَا فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ أَنَّهُ أَعْقَبَ جُمْلَةَ الْأَفْعَالِ لِلْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ دُخُولُ الْفَاءِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ فَانْظُرْهُ ثَمَّةَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ يُشِيرُ إلَيْهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ) أَيْ يُشِيرُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي قَوْلِهِ رَمَيْتهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ) أَيْ احْتِمَالَ أَنْ يُضْمِرَ مَرْجِعًا لِلضَّمِيرِ الْغَائِبِ هُوَ غَيْرُهَا بِخِلَافِ الْخِطَابِ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ انْقَطَعَ الِاحْتِمَالُ) يَعْنِي انْقَطَعَ احْتِمَالُ ضَمِيرِ الْغَائِبِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ انْقِطَاعَ الِاحْتِمَالِ مَشْرُوطٌ بِاجْتِمَاعِهِمَا لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِانْفِرَادِهَا لَا احْتِمَالَ مَعَهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ الْتَعَنَا بَانَتْ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا افْتَرَقَ الْمُتَلَاعِنَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا فَيَثْبُتُ بَيْنَهُمَا حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ كَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَإِذَا كَانَتْ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً لَا تَكُونُ طَلَاقًا بَلْ فَسْخًا، وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ عَلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ قَبْلَهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الزَّوْجِيَّةِ قَائِمَةً مَعَهَا كَمَا تَكُونُ بِالظِّهَارِ أَوْ زَالَتْ فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ مِنْ حِينِ ثَبَتَتْ ثَبَتَتْ مُؤَبَّدَةً لَمْ يُتَصَوَّرْ تَوَقُّفُهَا عَلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّةُ اللِّعَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) أَيْ بِمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ طَلَّقَهَا إلَخْ) غَيْرَ أَنَّ وَطْأَهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ لِمَا سَيُعْلَمُ، وَلَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْتِعَانِهِمَا ثَلَاثًا خَطَأً نَفَذَ تَفْرِيقُهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ، وَبَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ لَا يَنْفُذُ اهـ فَتْحٌ

«الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا»، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ، وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ عِنْدَهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ قَطْعُ النَّسَبِ، وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ، وَوُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهَا، وَثُبُوتُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَهُ فِي الْفُرْقَةِ أَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا شَهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِاللِّعَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَا يَأْتَلِفَانِ فَلَمْ يَكُنْ فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ فَائِدَةٌ فَيَنْفَسِخُ كَمَا يَنْفَسِخُ بِالِارْتِدَادِ، وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَاعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ، وَامْرَأَتِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَحَدِيثُ «عُوَيْمِرِ بْنِ الْحَارِثِ الْعَجْلَانِيُّ أَنَّهُ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ لِعَانِهِمَا قَالَ كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ تَقَعُ بِلِعَانِهِمَا أَوْ بِلِعَانِهِ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صِحَاحٌ كُلُّهَا تُثْبِتُ التَّفْرِيقَ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ بَيْنَهُمَا لِمَا رَوَاهُ زُفَرُ فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ، وَبِمِثْلِهِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَرِّحَ فَإِنْ فَعَلَ، وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَمَا فِي الْإِبَاءِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُتَلَاعِنَانِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ خَارِجٌ لَيْسَ لَهُ فِيهِ سَلَفٌ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِهِ أَنْ لَا تُلَاعِنَ الْمَرْأَةُ أَصْلًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ عِنْدَ لِعَانَهَا، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ تَحَالُفٌ عِنْدَهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْفَسِخَ النِّكَاحُ إلَّا بِالْقَضَاءِ كَمَا فِي التَّحَالُفِ فِي الْبَيْعِ، وَزَعَمَتْ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ التَّفْرِيقَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ إعْلَامُهُمَا بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ غَلَطٌ، وَتَحْرِيفٌ مَحْضٌ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ إيقَاعُ الْفُرْقَةِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَقَالَ أَعْلِمْهُمَا بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ، وَيَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِحَدِيثِ الْعَجْلَانِيُّ الْمُتَقَدِّمِ لِإِبَاحَةِ إرْسَالِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُنْكِرُونَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا هُنَا، وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا وَلَوْلَا أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ اذْهَبْ فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى طَلَبِ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ حِينَ طَلَبَ رَدَّ الْمَهْرِ إنْ كُنْت صَادِقًا فَهُوَ لَهَا بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْت كَاذِبًا فَأَبْعِدْ اذْهَبْ فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ لَا سَبِيلَ لَك عَلَى إمْسَاكِهَا ثُمَّ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يَقُولُ الثَّابِتُ بِاللِّعَانِ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ كَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِاللِّعَانِ عِنْدَهُمَا تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّهَا لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهَا فَانْتَسَبَ فِعْلُ الْقَاضِي إلَيْهِ فَكَانَ طَلَاقًا كَالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْجَبِّ أَوْ الْعُنَّةِ، وَنَحْوِهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَرْتَفِعُ بِحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ بَلْ يَفْسُدُ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَوْ لَمْ يَشْتَبِهْ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي نِكَاحِ الْأَصْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَذَفَ بِوَلَدٍ نَفَى نَسَبَهُ، وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ) وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي حَالٍ يَجْرِي بَيْنَهُمَا اللِّعَانُ حَتَّى لَوْ عَلِقَتْ وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ ثُمَّ أَعْتَقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ لَا يَنْفِي، وَلَا يُلَاعِنُ لِأَنَّ نَسَبَهُ كَانَ ثَابِتًا عَلَى وَجْهٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ) أَيْ قَبْلَ لِعَانِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِيَدِ الزَّوْجِ فَيَكُونُ لِعَانُهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْفُرْقَةِ، وَإِنَّمَا لِعَانُ الْمَرْأَةِ لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الثَّابِتُ بِاللِّعَانِ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ)، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْحَسَنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ قَذَفَ بِوَلَدٍ نَفَى نَسَبَهُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ بَعْدَمَا قُطِعَ نَسَبُهُ فَجَمِيعُ أَحْكَامِ نَسَبِهِ بَاقٍ مِنْ الْأَبِ سِوَى الْمِيرَاثِ حَتَّى أَنَّ شَهَادَةَ الْأَبِ لَهُ لَا تُقْبَلُ، وَشَهَادَتَهُ لِأَبِيهِ لَا تُقْبَلُ، وَدَفْعَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى فَتَزَوَّجَهُ أَبُوهُ أَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَه مِنْهُ إنْ كَانَ ابْنًا لَا يَجُوزُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَقَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ إذَا قُطِعَ نَسَبُهُ مِنْ الْأَبِ وَأُلْحِقَ بِالْأُمِّ لَا يَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بَلْ فِي بَعْضِهَا فَيَبْقَى النَّسَبُ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْقِصَاصِ وَالنِّكَاحِ وَعَدَمِ اللُّحُوقِ بِالْغَيْرِ حَتَّى لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَلَا صَرْفُ زَكَاةِ مَالِهِ إلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْأَبِ بِقَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ الْمُلَاعَنَةِ ابْنٌ، وَلِلزَّوْجِ بِنْتٌ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِتِلْكَ الْبِنْتِ، وَلَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ هَذَا الْوَلَدَ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَبْقَى فِي حَقِّ النَّفَقَةِ وَالْإِرْثِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي مِمَّنْ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ، وَادَّعَاهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُلَاعِنِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ، وَهُوَ مَقْطُوعُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ وَوَقَعَ الْإِيَاسُ مِنْ ثُبُوتِهِ مِنْ الْمُلَاعِنِ، وَثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ أُمِّهِ لَا يُنَافِيهِ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يُشْرَعُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ، وَلِمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَجْبُوبَ يَنْزِلُ بِالسُّحْقِ، وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَلَا لِعَانَ فِي الْقَذْفِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَجِبُ اللِّعَانُ بِهِ، وَكَذَا فِي نَفِيه مَنْ وَطْءَ بِشُبْهَةٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِمَا الْحَدُّ وَاللِّعَانُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمَا بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ قَذَفَهَا بِنَفْيِ وَلَدِهَا فَلَمْ يَلْتَعِنَا حَتَّى قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ بِهِ فَحَدّ الْأَجْنَبِيّ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الزَّوْجِ، وَلَا يَنْتَفِي بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا حُدَّ قَاذِفُهَا حُكِمَ بِكَذِبِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ أُعْتِقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ) أَيْ فَنَفَى وَلَدَهَا اهـ (قَوْلُهُ لَا يَنْفِي، وَلَا يُلَاعِنُ) لِأَنَّ انْتِفَاءَهُ إنَّمَا يَثْبُتُ شَرْعًا حُكْمًا لِلِّعَانِ، وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا. اهـ. فَتْحٌ

لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهُ، وَصُورَةُ هَذَا اللِّعَانِ أَنْ يَأْمُرَ الْحَاكِمُ الرَّجُلَ فَيَقُولَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ، وَكَذَا فِي جَانِبِهَا فَتَقُولُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ وَلَوْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا وَنَفْيِ الْوَلَدِ ذَكَرَهُ فِي اللِّعَانِ الْأَمْرَيْنِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَنَفْيِ وَلَدِهَا، وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَنَفْيِ الْوَلَدِ ثُمَّ يَنْفِي الْقَاضِي نَسَبَهُ، وَيُلْحِقُهُ بِأُمِّهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا اللِّعَانِ نَفْيُ الْوَلَدِ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ مَقْصُودَهُ، وَيُثْبِتُ نَفْيَ الْوَلَدِ ضِمْنًا لِلْقَضَاءِ بِالتَّفْرِيقِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقُولُ قَدْ فَرَّقْت بَيْنَكُمَا، وَقَطَعْت نَسَبَ هَذَا الْوَلَدِ عَنْهُ، وَأَلْزَمْته أَمَتَهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَكُّ عَنْ الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ إذَا مَاتَ قَبْلَ اللِّعَانِ بَعْدَ الْقَذْفِ بِالنَّفْيِ أَوْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا فَقَطْ لَا يَنْتَفِي نَسَبُهُ بِاللِّعَانِ، وَلَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ انْتَفَى بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ يُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَنْفِي الْوَلَدَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحِجْرُ»، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ بِنَفْسِ اللِّعَانِ يَنْقَطِعُ عَنْ الْأَبِ، وَيَلْتَحِقُ بِالْأُمِّ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَفِيهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْفَرِيقَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ) لِإِقْرَارِهِ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، هَذَا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ، وَإِنْ أَكْذَبَ قَبْلَهُ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْلَ الْإِكْذَابِ فَكَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ أَبَانَهَا ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللِّعَانِ التَّفْرِيقُ بِهِ بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَأَتَّى بِهِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ قَذْفَهُ كَانَ مُوجِبًا لِلِّعَانِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ لِأَنَّ الْقَذْفَ الْوَاحِدَ لَا يُوجِبُ حَدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ لِأَنَّ وُجُوبَ اللِّعَانِ تَمَّ بِالْقَذْفِ الْأَوَّلِ، وَالْحَدُّ بِكَلِمَاتِ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ نَسَبَهَا فِيهِ إلَى الزِّنَا، وَاللِّعَانُ شَهَادَةٌ، وَالشُّهُودُ إذَا رَجَعُوا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ نَسَبُوهُ إلَى الزِّنَا بِشَهَادَتِهِمْ فَكَذَا هَذَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا اللِّعَانُ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ ثُمَّ أَبَانَهَا وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ يَجِبُ الْحَدُّ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بَعْدَمَا بَانَتْ، وَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً فَيُحَدُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا) أَيْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا بَعْدَمَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ، وَحُدَّ وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ، وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَهُمَا أَنَّ الْإِكْذَابَ رُجُوعٌ، وَالشَّهَادَةَ بَعْدِ الرُّجُوعِ لَا حُكْمَ لَهَا فِي حَقِّ الرَّاجِعِ فَيَرْتَفِعُ اللِّعَانُ، وَلِهَذَا يُحَدُّ، وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ فَلَزِمَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ انْتِفَاءُ اللِّعَانِ، وَكَذَا لَا يَنْفِي اللِّعَانَ مَعَ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» أَيْ مَا دَامَا مُتَلَاعِنَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] أَيْ مَا دَامَ مُنَافِقًا يُقَالُ الْمُصَلِّي لَا يَتَكَلَّمُ أَيْ مَا دَامَ مُصَلِّيًا فَلَمْ يَبْقَ مُتَلَاعِنًا لَا حَقِيقَةً لِعَدَمِ الِاشْتِغَالِ بِهِ، وَلَا مَجَازًا لِأَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ مُتَلَاعِنًا لِبَقَاءِ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا، وَلَمْ يَبْقَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا إنْ قَذَفَ غَيْرَهَا فَحُدَّ أَوْ زَنَتْ فَحُدَّتْ) يَعْنِي حَلَّتْ لَهُ لِأَنَّهُ بَعْدَ حَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ، وَكَذَا هِيَ لَوْ قَذَفَتْ إنْسَانًا فَحُدَّتْ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ أَهْلًا لَهُ بَعْدَهُ، وَالْمَنْعُ لِأَجْلِ الْأَهْلِيَّةِ حَتَّى لَا يَقْذِفَهَا مَرَّةً أُخْرَى فَيَلْتَعِنَانِ فَإِذَا بَطَلَتْ الْأَهْلِيَّةُ أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ فَيَجْتَمِعَانِ، وَهَذَا لِأَنَّ اللِّعَانَ لَمْ يُشْرَعْ فِي الْعُمْرِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إلَّا مَرَّةً فَلَوْ أُبِيحَ لَهُ التَّزْوِيجُ بِهَا، وَالْأَهْلِيَّةُ بَاقِيَةٌ لَأَدَّى إلَى وُقُوعِهِ مِرَارًا، وَإِذَا بَطَلَتْ لَمْ يُؤَدِّ فَجَازَ، وَكَذَا زِنَاهَا يُسْقِطُ إحْصَانَهَا فَيُبْطِلُ بِهِ أَهْلِيَّتَهَا، وَقَوْلُهُ فَحُدَّتْ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِأَنَّ زِنَاهَا مِنْ غَيْرِ حَدٍّ يَسْقُطُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ مَقْصُودَهُ) يَعْنِي أَنَّ غَرَضَ الزَّوْجِ مِنْ لِعَانِهِ بِسَبَبِ نَفْيِ الْوَلَدِ هُوَ نَفْيُ الْوَلَدِ فَيَكْمُلُ عَلَيْهِ غَرَضُهُ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ فَلَا جَرَمَ بِنَفْيِ الْقَاضِي نَسَبَ وَلَدِهِ مِنْهُ لَكِنْ يَتَضَمَّنُهُ الْقَضَاءُ بِالتَّفْرِيقِ أَيْ يَحْصُلُ نَفْيُ الْوَلَدِ فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ بِالتَّفْرِيقِ يَعْنِي إذَا قَالَ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا كَفَى اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْقَضَاءِ بِالتَّفْرِيقِ بِاللِّعَانِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ اهـ (قَوْلُهُ يَنْفَكُّ عَنْ الْآخَرِ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ. اهـ. هِدَايَةً حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُلْهُ لَا يَنْتَفِي النَّسَبُ عَنْهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا صَحِيحٌ، وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ عَنْ مَالٍ فَادَّعَى الْمُلَاعِنُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَيُحَدُّ فَلَوْ كَانَ قَدْ تَرَكَ وَلَدًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْأَبِ وَذُرِّيَّةِ الْأَبِ لِاحْتِيَاجِ الْحَيِّ إلَى النَّسَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) قَالَ فِي التَّهْذِيبِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهَذِهِ فُرْقَةٌ مُؤَبَّدَةٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الِاشْتِغَالِ بِهِ) أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا حَالَ تَشَاغُلِهِمَا بِاللِّعَانِ، وَلَمْ يَبْقَ التَّشَاغُلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ مُتَلَاعِنًا لِبَقَاءِ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا، وَلَمْ يَبْقَ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْتِزَامِ الْحَدِّ، وَمِنْ ضَرُورَةِ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بُطْلَانُ اللِّعَانِ، وَإِلَّا صَارَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْخُلْفِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ زَنَتْ فَحُدَّتْ) قَالَ الْكَمَالُ قِيلَ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّهَا إذَا حُدَّتْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ فَلَا يُتَصَوَّرُ حِلُّهَا لِلزَّوْجِ بَلْ بِمُجَرَّدِ أَنْ تَزْنِيَ تَخْرُجُ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ، وَلِذَا أَطْلَقْنَا فِيمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِتَشْدِيدِ النُّونِ بِمَعْنَى نَسَبَتْ غَيْرَهَا لِلزِّنَا، وَهُوَ مَعْنَى الْقَذْفِ فَيَسْتَقِيمُ حِينَئِذٍ تَوَقُّفُ حِلِّهَا لِلْأَوَّلِ عَلَى حَدِّهَا لِأَنَّهُ حَدُّ الْقَذْفِ، وَيُوَجَّهُ تَخْفِيفُهَا بِأَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ، وَاللِّعَانُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ زَنَتْ فَحُدَّتْ فَإِنَّ حَدَّهَا حِينَئِذٍ الْجَلْدُ لَا الرَّجْمُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُحْصَنَةٍ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ زَوَالَ أَهْلِيَّةِ الشَّاهِدِ بِطُرُوِّ الْفِسْقِ مَثَلًا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ مَا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي عَنْهَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَدَالَةِ فَلَا يَجِبُ بُطْلَانُ ذَلِكَ اللِّعَانِ السَّابِقِ الْوَاقِعِ فِي حَالِ الْأَهْلِيَّةِ لِيَبْطُلَ أَثَرُهُ مِنْ الْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ وَالْمَنْعُ) أَيْ مِنْ التَّزَوُّجِ بِهَا بَعْدَ اللِّعَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَبْطُلُ بِهِ أَهْلِيَّتُهَا) قُلْت وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْمُلَاعَنَةِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ إلَّا إذَا لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ بِأَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَحُدَّ أَوْ قَذَفَ غَيْرَهَا فَحُدَّ لِأَنَّهُ بَعْدَ حَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ أَوْ هِيَ لَمْ تَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ بِأَنْ زَنَتْ مَثَلًا قَالَ فِي التَّهْذِيبِ ثُمَّ بَعْدَ اللِّعَانِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا إلَّا إنْ أَكْذَبَ

بِهِ إحْصَانُهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ بِخِلَافِ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ حَتَّى يُحَدَّ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْحَدِّ فِيهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَيْضًا بَعْدَمَا زَنَتْ، وَحُدَّتْ لِأَنَّ حَدَّهَا الرَّجْمُ لِكَوْنِهَا مُحْصَنَةً لِأَنَّ اللِّعَانَ لَا يَجْرِي إلَّا بَيْنَ مُحْصَنَيْنِ إلَّا إذَا لَاعَنَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ كَانَتْ كَافِرَةً أَوْ أَمَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً فَزَالَ ذَلِكَ، وَصَارَتْ مُحْصَنَةً، وَلَمْ يَقْرَبْهَا بَعْدَمَا صَارَتْ مُحْصَنَةً حَتَّى قَذَفَهَا فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا، وَلَا تُرْجَمُ إذَا زَنَتْ لِعَدَمِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الدُّخُولُ عَلَيْهَا، وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ، وَكَانَ الْفَقِيهُ الْمَكِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ أَوْ زَنَّتْ بِتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ نَسَبَتْ غَيْرَهَا إلَى الزِّنَا، وَهُوَ الْقَذْفُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذِكْرُ الْحَدِّ فِيهِ شَرْطًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَزَالَ الْإِشْكَالُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ الْأَخْرَسِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ اللِّعَانُ بِهِ لِأَنَّ إشَارَتَهُ كَالصَّرِيحِ، وَلَنَا أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ، وَقَذْفَهُ لَا يَعْرَى عَنْ شُبْهَةٍ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي اللِّعَانِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَحْلِفُ مَكَانَ أَشْهَدُ لَا يَجُوزُ، وَإِشَارَتُهُ لَا تَكُونُ شَهَادَةً، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ هِيَ خَرْسَاءَ لِأَنَّ قَذْفَهَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا تُصَدِّقُهُ أَوْ لِتَعَذُّرِ الْإِتْيَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَنْفِي الْحَمْلَ) لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِقِيَامِهِ عِنْدَ الْقَذْفِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ انْتِفَاخٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الْوَضْعِ إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِقِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَ الْقَذْفِ فَيَتَحَقَّقُ الْقَذْفُ، وَصَارَ كَنَفَيْهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَكَوْنُهُ حَمْلًا لَا يُنَافِيهِ كَمَا لَا يُنَافِي ثُبُوتَ حَقِّهِ مِنْ عِتْقٍ وَنَسَبٍ وَوَصِيَّةٍ وَإِرْثٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ لِحَدِيثِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَاعَنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَكَانَ قَدْ قَذَفَهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُصَيْهِبَ أُرَيْصِحَ أُثَيْبِجَ حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمَّالِيًّا أَكْحَلَ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ»، وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَتَعَلَّقُ بِهِ شَرْعًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيُعْرَفُ وُجُودُهُ بِالظُّهُورِ، وَلِهَذَا تُرَدُّ الْمَبِيعَةُ بِعَيْبِ الْحَبَلِ قُلْنَا لَا يَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ الْحَمْلِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا بِيَقِينٍ فَصَارَ كَالْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ بِك حَبَلٌ فَهُوَ مِنْ الزِّنَا فَلَا يَكُونُ بِهِ قَاذِفًا كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ زَانِيَةٌ وَهَذَا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ زَانِيَةً قَبْلَ الشَّرْطِ لَا تَكُونُ زَانِيَةً بِهِ، وَلَا يُقَاسُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ حَتَّى إذَا وَلَدَتْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ قَذْفًا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّيْءِ الْكَائِنِ تَنْجِيزٌ لِأَنَّا نَقُولُ كُلُّ مَوْقُوفٍ فِيهِ شُبْهَةُ التَّعْلِيقِ إذَا لَا يُعْرَفُ حُكْمُهُ إلَّا بِعَاقِبَتِهِ، وَهُوَ كَالشَّرْطِ فِي حَقِّنَا، وَشُبْهَةُ التَّعْلِيقِ كَحَقِيقَتِهِ فِي الْحُدُودِ، وَلِعَانُ هِلَالٍ كَانَ بِقَذْفِهَا بِالزِّنَا لَا بِنَفْيِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا عِنْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَكَذَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِنَفْيِ الْحَمْلِ لَنَفَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ أَبِيهِ أَشْبَهَهُ أَوْ لَمْ يُشْبِهْهُ كَمَا لَوْ تَلَاعَنَا بِنَفْيِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَنْفِي كَيْفَمَا كَانَ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الشَّبَهِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَحْكَامِ يَأْتِي مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَلَاعَنَا بِزَنَيْتِ، وَهَذَا الْحَمْلُ مِنْهُ) أَيْ بِقَوْلِهِ زَنَيْت، وَهَذَا الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا لِوُجُودِ الْقَذْفِ مِنْهُ صَرِيحًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَنْفِ الْحَمْلَ) أَيْ لَا يَنْفِي الْقَاضِي الْحَمْلَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْفِيهِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَفَى وَلَدَ هِلَالٍ عَنْهُ، وَقَدْ قَذَفَهَا حَامِلًا، وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَتَعَلَّقُ بِهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ قُلْنَا الْأَحْكَامُ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَمْلِ لِلِاحْتِمَالِ، وَالْإِرْثُ، وَالْوَصِيَّةُ يَتَوَقَّفَانِ عَلَى الْوِلَادَةِ فَيَثْبُتَانِ لِلْوَلَدِ لَا لِلْحَمْلِ، وَكَذَا الْعِتْقُ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الْحَمْلَ ظَاهِرٌ، وَاحْتِمَالَ الرِّيحِ شُبْهَةٌ، وَالرَّدَّ بِالْعَيْبِ لَا يَمْتَنِعُ بِالشُّبْهَةِ بَلْ يَثْبُتُ مَعَهَا، وَكَذَا النَّسَبُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ بِخِلَافِ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ مِنْ الْحُدُودِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَفَى الْوَلَدَ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ وَابْتِيَاعِ آلَةِ الْوِلَادَةِ صَحَّ، وَبَعْدَهُ لَا وَلَاعَنَ فِيهِمَا) أَيْ لَوْ نَفَى وَلَدَ امْرَأَتِهِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي تَقْبَلُ التَّهْنِئَةَ فِيهَا، وَتَبْتَاعُ آلَةَ الْوِلَادَةِ صَحَّ، وَبَعْدَهَا لَا يَصِحُّ، وَيُلَاعِنُ فِيهِمَا أَيْ فِيمَا إذَا صَحَّ نَفْيُهُ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يَصِحَّ لِوُجُودِ الْقَذْفِ فِيهِمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ لِأَنَّهُ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ، وَإِذَا قَصُرَتْ يَصِحُّ لِأَنَّ وُجُودَ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ مِنْهُ، وَدَلَالَتَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ النَّفْيِ إجْمَاعًا، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ يَصِحُّ نَفْيُهُ اتِّفَاقًا فَطُولُ الْمُدَّةِ دَلِيلُ الْقَبُولِ اتِّفَاقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّوْجُ نَفْسَهُ أَوْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ صَارَتْ بِحَالٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا بِأَنْ زَنَتْ أَوْ صَارَتْ رَقِيقَةً بِأَنْ ارْتَدَّتْ، وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَتْ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ الْأَخْرَسِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ هِيَ خَرْسَاءُ) يَعْنِي الْخَرْسَاءَ إذَا قَذَفَهَا زَوْجُهَا لَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا لِمَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَمَالِكٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أُصَيْهِبَ) الْأُصَيْهِبُ تَصْغِيرُ الْأَصْهَبِ، وَهُوَ الَّذِي يَضْرِبُ شَعْرُهُ إلَى الْحُمْرَةِ، وَالْأُرَيْصِحُ تَصْغِيرُ الْأَرْصَحِ، وَهُوَ قَلِيلُ لَحْمِ الْفَخِذَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ جُمَّالِيًّا) الْجُمَّالِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ الْعَظِيمُ الْخَلْقِ كَالْجَمَلِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ بِك حَبَلٌ فَهُوَ مِنْ الزِّنَا إلَخْ) وَالْقَذْفُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى إبْقَائِهِ حُكْمًا إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى إيجَابِ الْحَدِّ لِأَنَّ الْحُدُودَ يُحْتَالُ لِدَرْئِهَا لَا لِإِثْبَاتِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَلَاعَنَا بِزَنَيْتِ إلَخْ) وَإِنَّمَا يَثْبُتُ اللِّعَانُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِصَرِيحِ الزِّنَا، وَهُمَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَمْ يَنْفِ الْحَمْلَ)، وَإِنَّمَا يَنْفِي الْقَاضِي نَسَبَ الْحَمْلِ عَنْ أَبِيهِ لِأَنَّ قَطْعَ النَّسَبِ حُكْمٌ عَلَيْهِ، وَلَا تَتَرَتَّبُ الْأَحْكَامُ عَلَى الْحَمْلِ، وَلَا لَهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَلِهَذَا لَا يُحْكَمُ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ بَعْدَ وُجُودِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَدَلَالَتُهُ تَمْنَعُ) أَيْ سُكُوتَهُ عَنْ نَفْيِهِ اهـ

[باب العنين وغيره]

فَجَعَلْنَا الْفَاصِلَ بَيْنَ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ مُدَّةَ النِّفَاسِ لِأَنَّهَا كَحَالِ الْوِلَادَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَصُومُ فِيهَا، وَلَا تُصَلِّي، وَلَهُ أَنَّ قَبُولَهُ التَّهْنِئَةَ أَوْ سُكُوتَهُ عَنْ النَّفْيِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ مُدَّتُهَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ لَا يَحِلُّ لَهُ السُّكُوتُ عَنْ نَفْيِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ تُوجَدُ فِي زَمَانٍ قَصِيرٍ، وَقَدْ لَا تُوجَدُ فِيهِ، وَقَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ، وَالْبُلْدَانِ فَفَوَّضْنَاهُ إلَى رَأْيِ مَنْ لَاحَ لَهُ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ إلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مُدَّةُ الْعَقِيقَةِ، وَضَعَّفَهُ السَّرَخْسِيُّ، وَقَالَ نَصْبُ الْمُقَدَّرِ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ نَفْيُهُ إلَّا عَلَى فَوْرِ الْوِلَادَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَهُ أَصْحَابُنَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ، وَالنَّظَرِ كَيْ لَا يَكُونَ نَفْيُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ كَانَ غَائِبًا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوِلَادَةِ حَتَّى قَدِمَ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَلَى الْأَصْلَيْنِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ قَدِمَ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الْفِصَالِ فَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ إلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ الْفِصَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بَعْدَمَا شَاخَ، وَهُوَ قَبِيحٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَفَى أَوَّلَ التَّوْأَمَيْنِ، وَأَقَرَّ بِالثَّانِي حُدَّ) لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِدَعْوَى الثَّانِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَكَسَ لَاعَنَ) أَيْ أَتَى بِعَكْسِ الْأَوَّلِ بِأَنْ أَقَرَّ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ، وَنَفَى الثَّانِي فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَاذِفٌ بِنَفْيِ الثَّانِي، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ سَابِقٌ عَلَى الْقَذْفِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعِفَّتِهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِالزِّنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ نَسَبُهُمَا فِيهِمَا) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَبِثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ فَلَا يَنْفَصِلَانِ فِيهِ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ، وَهُمَا اللَّذَانِ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَوْ نَفَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اللِّعَانِ لَزِمَاهُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ لِانْتِهَائِهِ بِالْمَوْتِ، وَالْحَيِّ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ، وَيُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الْقَذْفِ وَاللِّعَانُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ نَفْيِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِقَطْعِ الْفِرَاشِ، وَيَثْبُتُ النَّفْيُ تَبَعًا لَهُ إنْ أَمْكَنَ، وَلَا يُلَاعِنُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقَذْفَ أَوْجَبَ لِعَانًا يَقْطَعُ النَّسَبَ فَإِذَا فَاتَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ اللِّعَانِ حَالَ انْعِقَادِ السَّبَبِ لَا يَثْبُتُ مِنْ بَعْدُ وَلَوْ وَلَدَتْ فَنَفَاهُ وَلَاعَنَ ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ بِيَوْمٍ لَزِمَهُ الْوَلَدَانِ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الثَّانِي فَثَبَتَ نَسَبُهُ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ ثُبُوتُ نَسَبِ الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَاللِّعَانُ مَاضٍ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ انْتِفَائِهِ وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هُمَا ابْنَايَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ، وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا لِعَدَمِ إكْذَابِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كَذَبْت عَلَيْهَا لِأَنَّهُ وُجِدَ الرُّجُوعُ مِنْهُ صَرِيحًا وَلَوْ قَالَ لَيْسَا بِابْنَيَّ كَانَا ابْنَيْهِ، وَلَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْقَاضِي نَفَى أَحَدَهُمَا، وَذَلِكَ نَفْيٌ لَهُمَا فَلَمْ يَكُونَا وَلَدَيْهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ قَاذِفًا لَهَا مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ). قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ مَنْ لَا يَصِلُ إلَى النِّسَاءِ أَوْ يَصِلُ إلَى الثَّيِّبِ دُونَ الْأَبْكَارِ) أَوْ لَا يَصِلُ إلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا فَحَسْبُ، وَهُوَ مِنْ عَنَّ إذَا حُبِسَ فِي الْعُنَّةِ وَهِيَ حَظِيرَةُ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ عَنَّ إذَا عَرَضَ لِأَنَّهُ يَعْرِضُ يَمِينًا وَشِمَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ قَبُولَهُ التَّهْنِئَةَ) وَهُوَ ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ مِثْلُ أَحْسَنَ اللَّهُ بَارَكَ اللَّهُ جَزَاك رَزَقَك اللَّهُ مِثْلَهُ أَوْ عَلَى دُعَاءِ الْمُهَنِّي اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَلَى الْأَصْلَيْنِ) أَيْ بَعْدَ قُدُومِهِ عِنْدَهُمَا قَدْرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ، وَعِنْدَهُ قَدْرَ مُدَّةِ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَاذِفٌ إلَخْ) وَلَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إكْذَابُ النَّفْسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ سَابِقٌ عَلَى الْقَذْفِ) هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ صَرَّحَ بِهِمَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِالِاعْتِرَافِ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِالِاعْتِرَافِ الثَّانِي قِيلَ لَهُ التَّكْذِيبُ قَبْلَ الْقَذْفِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَتَى قَذَفْت هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَأَنَا كَاذِبٌ فِي قَذْفِهَا ثُمَّ قَذَفَهَا أَنَّهُ يُلَاعَنُ وَلَا يُحَدُّ، كَذَلِكَ هَذَا أَوْ نَقُولُ كَأَنَّهُ أَقَرَّ بِعِفَّتِهَا، وَقَالَ هِيَ عَفِيفَةٌ عَنْ الزِّنَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِالزِّنَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْذَابَ النَّفْسِ، فَكَذَا هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَوْ نَفَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَوْ قُتِلَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الثَّانِي إلَخْ) وَلَا يَجُوزُ نَفْيُهُ الْآنَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَنْكُوحَةٍ. اهـ. فَتْحٌ [بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ] وَهُوَ الْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا كَانَ لِلْعِنِّينِ نِسْبَةٌ بِالنِّكَاحِ وَالْفُرْقَةِ جَمِيعًا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْعِنِّينِ وَمَا شَابَهَهُ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ جَمِيعًا لَكِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَبْوَابِ الطَّلَاقِ لِكَوْنِ الْعُنَّةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْعَوَارِضِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْأَصِحَّاءِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ أَعْقَبَهَا بِذِكْرِ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِمَّنْ بِهِ مَرَضٌ لَهُ نِسْبَةٌ إلَى النِّكَاحِ، وَالْعِنِّينُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِ النِّسَاءِ مَعَ قِيَامِ الْآلَةِ مِنْ عُنَّ إذَا حُبِسَ فِي الْعُنَّةِ، وَهِيَ حَظِيرَةُ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ عُنَّ إذَا مَرِضَ لِأَنَّ ذَكَرَهُ يَعِنُّ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا يَقْصِدُ لِاسْتِرْخَائِهِ، وَجَمْعُ الْعِنِّينِ عُنُنٌ، وَيُقَالُ عِنِّينٌ بَيِّنُ التَّعَنُّنِ، وَلَا يُقَالُ بَيِّنُ الْعُنَّةِ، وَلَوْ كَانَ يَصِلُ إلَى الثَّيِّبِ دُونَ الْبِكْرِ لِضَعْفِ الْآلَةِ أَوْ إلَى بَعْضِ النِّسَاءِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ لِسِحْرٍ أَوْ كِبَرٍ فَهُوَ عِنِّينٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي حَقِّهَا، وَمَا عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ يُؤْتَى بِطَسْتٍ فِيهِ مَاءٌ بَارِدٌ فَيَجْلِسُ فِيهِ الْعِنِّينُ فَإِنْ نَقَصَ ذَكَرُهُ، وَانْزَوَى عُلِمَ أَنَّهُ لَا عُنَّةَ بِهِ، وَإِلَّا عُلِمَ أَنَّهُ عِنِّينٌ لَوْ اُعْتُبِرَ عِلْمُهُ فَلَا يُؤَجَّلُ سَنَةً لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ إلَّا لِيُعْرَفَ أَنَّهُ عِنِّينٌ عَلَى مَا قَالُوا إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إنْ أُجِّلَ مَعَ ذَلِكَ لَكِنَّ التَّأْجِيلَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ وَفِي الْمُحِيطِ آلَتُهُ قَصِيرَةٌ لَا يُمْكِنُ إدْخَالُهَا دَاخِلَ الْفَرْجِ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْمُطَالَبَةِ بِالتَّفْرِيقِ، وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا كَالزِّرِّ فَحُكْمُهُ كَالْمَجْبُوبِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْعِنِّينُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ) بِكْرًا كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ ثَيِّبًا اهـ

وَلَا يَقْصِدُ، وَعُنِّنَ الرَّجُلُ عَنْ امْرَأَتِهِ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ مُنِعَ مِنْ النِّسَاءِ بِسِحْرٍ، وَامْرَأَةٌ عِنِّينَةٌ لَا تَشْتَهِي الرِّجَالَ، وَهُوَ فِعِّيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا فُرِّقَ فِي الْحَالِ) يَعْنِي إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقُّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا، وَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْجِيلِ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ وَقَوْلُهُ وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ جُبَّ بَعْدَمَا وَصَلَ إلَيْهَا لَا خِيَارَ لَهَا كَمَا إذَا صَارَ عِنِّينًا بَعْدَهُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَرِيضًا أَوْ صَغِيرًا لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْعِنِّينِ حَيْثُ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ أَوْ بُرْؤُهُ لِاحْتِمَالِ الزَّوَالِ كَمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً، وَهُوَ مَجْبُوبٌ أَوْ عِنِّينٌ حَيْثُ يَنْتَظِرُ بُلُوغَهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَرْضَى بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ أَوْ الْقِصَاصِ أَوْ وَرِثَ مَالًا، وَاطَّلَعَ الْوَلِيُّ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ حَيْثُ يَثْبُتُ لَهُ فِي الصِّغَرِ هَذِهِ الْحُقُوقُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّفْرِيقَ هُنَا لِفَوَاتِ حَقِّهَا فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَذَلِكَ بِمَعْزِلٍ مِنْهُ فِي الصِّغَرِ بِخِلَافِ الْفُصُولِ الْأُخَرِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهَا ثَابِتٌ فِي الْحَالِ، وَيَتَضَرَّرُ الصَّغِيرُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ وَلَوْ كَانَ هُوَ أَوْ هِيَ مَجْنُونًا لَا يُؤَخَّرُ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِخُصُومَةِ الْوَلِيِّ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ، وَإِلَّا نَصَّبَ الْقَاضِي مَنْ يُخَاصِمُ عَنْهُ وَيُؤَهَّلُ لِلطَّلَاقِ هُنَا كَمَا يُؤَهَّلُ لَهُ فِي الْإِبَاءِ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى أَبَوَيْهِ، وَكَمَا فِي اللِّعَانِ إنْ جُنَّ قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَلَوْ جَاءَتْ امْرَأَةُ الْمَجْبُوبِ بِوَلَدٍ بَعْدَ التَّفْرِيقِ إلَى سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَلَا يَبْطُلُ تَفْرِيقُ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْعِنِّينِ حَيْثُ يَبْطُلُ تَفْرِيقُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ لَمْ يَبْقَ عِنِّينًا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِتَفْرِيقِهِ، وَهُوَ بَائِنٌ فَكَيْفَ يَبْطُلُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا لَا يَبْطُلُ التَّفْرِيقُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُجِّلَ سَنَةً لَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا فَإِنْ وَطِئَ، وَإِلَّا بَانَتْ بِالتَّفْرِيقِ إنْ طَلَبَتْ) وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يُؤَجَّلُ، وَلَا يُفَرَّقُ لِحَدِيثِ امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُؤَجِّلْهُ حِينَ شَكَتْ إلَيْهِ عَدَمَ تَحَرُّكِ آلَتِهِ وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَأْجِيلِهِ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ، وَذَلِكَ بِحُسْنِ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ فَيَكُونُ إمْسَاكُهَا بَعْدَ ذَلِكَ ظُلْمًا فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ دَفْعًا لِلظُّلْمِ عَنْهَا لَكِنَّ ظُلْمَهَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي الْوَطْءِ مَرَّةً فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَعَجْزَهُ فِي الْحَالِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَجْزِهِ فِي الْمَآلِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِمَرَضٍ بِهِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ، وَقَدْ يَكُونُ خِلْقَةً، وَهُوَ يُوجِبُ الْخِيَارَ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِالتَّأْجِيلِ سَنَةً لِأَنَّ الْمَرَضَ غَالِبًا يَزُولُ فِيهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِغَلَبَةِ الْبُرُودَةِ أَوْ الْحَرَارَةِ أَوْ الْيُبُوسَةِ أَوْ الرُّطُوبَةِ، وَفُصُولُ السَّنَةِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهَا فَالرَّبِيعُ حَارٌّ رَطْبٌ، وَالصَّيْفُ حَارٌّ يَابِسٌ، وَالْخَرِيفُ بَارِدٌ يَابِسٌ طَبْعَ الْمَوْتِ، وَهُوَ أَرْدَأُ الْفُصُولِ، وَالشِّتَاءُ بَارِدٌ رَطْبٌ فَإِنْ كَانَ مَرَضُهُ مِنْ بَرْدٍ فَفَصْلُ الْحُرِّ يُقَابِلُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حَرٍّ فَفَصْلُ الْبَرْدِ يُقَابِلُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ يُبُوسَةٍ فَالرُّطُوبَةُ تُقَابِلُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رُطُوبَةٍ فَالْيُبُوسَةُ تُقَابِلُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ كُلِّ نَوْعَيْنِ فَيُقَابِلُهُ مَا يُخَالِفُهُ مِنْ النَّوْعَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَهُوَ كَالْمُدَاوَاةِ لَهُ وَالْعِلَاجِ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا)، وَهُوَ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ اهـ ع (قَوْلُهُ إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقُّهَا) أَيْ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْوَطْءِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا) كَسَائِرِ حُقُوقِ الْعِبَادِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا) أَيْ فِي التَّفْرِيقِ فِي الْحَالِ بِسَبَبِ الْجَبِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِخُصُومَةِ الْوَلِيِّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ وَجَدَتْ زَوْجَهَا الْمَجْنُونَ عِنِّينًا يُخَاصِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَيُؤَجَّلُ سَنَةً لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَعْدَمُ الشَّهْوَةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا، وَطَلَبَتْ الْفُرْقَةَ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي انْتِظَارِ بُلُوغِهِ فَيُجْعَلُ وَلِيُّهُ خَصْمًا، وَإِلَّا نُصِّبَ الْقَاضِي عَنْهُ، وَفَرَّقَ لِلْحَالِ وَلَوْ جَاءَ الْوَلِيُّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِبَيِّنَةٍ عَلَى رِضَاهَا بِعُنَّتِهِ وَجَبِّهِ أَوْ عَلَى عِلْمِهَا بِحَالِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَزِمَ النِّكَاحُ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ طَلَبَ يَمِينَهَا عَلَى ذَلِكَ تَحْلِفْ فَإِنْ نَكَلَتْ لَمْ يُفَرَّقْ وَإِلَّا فَرَّقَ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ حَيْثُ يَبْطُلُ تَفْرِيقُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ كَمَالُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ لَكِنَّ وَجْهَ التَّفْرِقَةِ يُبْعِدُ هَذَا الْبَحْثَ، وَهُوَ أَنَّ التَّفْرِيقَ بِنَاءٌ عَلَى ثُبُوتِ الْعُنَّةِ وَالْجَبِّ، وَثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ الْمَجْبُوبِ، وَهُوَ مَجْبُوبٌ بِخِلَافِ ثُبُوتِهِ مِنْ الْعِنِّينِ فَإِنَّ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ يَثْبُتُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِنِّينٍ فَيَظْهَرُ بُطْلَانُ مَعْنَى الْفُرْقَةِ بِخِلَافِ إقْرَارِهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ بِالْوَطْءِ لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ بَلْ هِيَ بِهِ مُتَنَاقِضَةٌ فَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِالْفُرْقَةِ اهـ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا ذُكِرَ عَنْ الْغَايَةِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِ الْقَاضِي إذَا قَالَ الزَّوْجُ كُنْت، وَصَلْت إلَيْهَا، وَمَا اسْتَظْهَرَ بِهِ شَارِحُ الْكَنْزِ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُوَازِنُ شَهَادَةَ ثُبُوتِ النَّسَبِ عَلَى الدُّخُولِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنَّمَا يُوَازِنُهُ مَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ فُرِّقَ بِالْعُنَّةِ فَأَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا بَطَلَتْ الْفُرْقَةُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِهَا بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهَا عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَوْ كَانَتْ أَقَرَّتْ قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْفُرْقَةِ فَكَذَا إذَا شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ أَنَّهُ كَانَ وَصَلَ إلَيْهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ لَمْ تَبْطُلْ الْفُرْقَةُ لِأَنَّ إقْرَارَهَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ قَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْقَاضِي فِي إبْطَالِ قَضَائِهِ فَلَا يُقْبَلُ اهـ كَلَامُ الشَّيْخِ قَاسِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأُجِّلَ سَنَةً) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْخُصُومَةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَأْجِيلُ غَيْرِ الْحَاكِمِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَلَوْ عُزِلَ بَعْدَمَا أَجَّلَهُ بَنَى الْمُتَوَلِّي عَلَى التَّأْجِيلِ الْأَوَّلِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا بَانَتْ بِالتَّفْرِيقِ إنْ طَلَبَتْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا قَالَ الْكَمَالُ هَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً غَيْرَ رَتْقَاءَ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْفُرْقَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَالطَّلَبُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِسَيِّدِهَا، وَهُوَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْإِذْنِ فِي الْعَزْلِ، وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ اهـ

فَيُوَافِقُ طَبْعَهُ فَيَزُولُ مَا بِهِ مِنْ الْمَرَضِ بِاعْتِدَالِ الطَّبْعِ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ، وَلَمْ يَزُلْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلْقَةٌ، وَأَنَّ حَقَّهَا قَدْ فَاتَ بِهِ فَيُفَرَّقُ بِطَلَبِهَا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأَنَّ الْأَجَلَ إنَّمَا يُضْرَبُ إذَا اعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا، وَقَدْ أَخْبَرَ هُوَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَنْفُضُهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ أَوْ يَعْرُكُهَا عَرْكَ الْأَدِيمِ، وَلِأَنَّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ طَلَاقِهَا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الزَّوْجَةِ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَالْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ زُفَرُ لَهَا الْخِيَارُ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِفَوَاتِ حَقِّهَا فِي اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَذَلِكَ حَقُّهَا عَلَى الْخُلُوصِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَطْءِ فِي الْأَصْلِ حُصُولُ الْوَلَدِ لَا اقْتِضَاءُ الشَّهْوَةِ، وَمَا رُكِّبَ فِيهَا مِنْ الشَّهْوَةِ حَامِلٌ لَهَا عَلَى تَحْصِيلِ الْوَلَدِ، وَالْوَلَدُ حَقُّ الْمَوْلَى، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ إلَى الْمَوْلَى ثُمَّ إنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى لَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا، وَلَمْ تُخَاصِمْ زَمَانًا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ رَفَعَتْ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي، وَأَجَّلَهُ سَنَةً، وَمَضَتْ السَّنَةُ، وَلَمْ تُخَاصِمْ زَمَانًا لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ وَالِامْتِحَانِ لَا لِلرِّضَا بِهِ وَلَوْ وَصَلَ إلَيْهَا مَرَّةً ثُمَّ عَجِزَ لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّ حَقَّهَا فِي وَطْأَةٍ وَاحِدَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا مِنْ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ وَالْإِحْصَانِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُكْمًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ دِيَانَةً، وَالْفُرْقَةُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ فَسْخٌ لِأَنَّهُ فُرْقَةٌ مِنْ جِهَتِهَا، وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا فَاتَ وَجَبَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ فَإِنْ فَعَلَ، وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فَكَانَ الْفِعْلُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَكَانَ طَلَاقًا بَائِنًا لِيَتَحَقَّقَ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهَا، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَلِهَذَا لَا يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِهِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ فِي غَيْرِ الِاسْتِيفَاءِ، وَالْفَسْخُ يُغَايِرُهُ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ، وَالْفَسْخُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَخِيَارُ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغُ فَسْخٌ قَبْلَ التَّمَامِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِتْمَامِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ فُرْقَةٌ بَعْدَ التَّمَامِ فَكَانَ رَفْعًا، وَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِوُجُودِ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلِ هَذَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَأَمَّا إذَا أَنْكَرَ فَنَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَالَ وَطِئْت، وَأَنْكَرَتْ، وَقُلْنَ بِكْرٌ خُيِّرَتْ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا صَدَقَ بِحَلِفِهِ) يَعْنِي إذَا تَمَّتْ الْمُدَّةُ، وَقَالَ وَطِئْتهَا، وَأَنْكَرَتْ هِيَ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا بِكْرٌ خُيِّرَتْ، وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الثِّيَابَةُ أَصْلِيَّةً أَوْ طَارِئَةً فِي الْمُدَّةِ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ ثُبُوتِ الْعُنَّةِ فِي الِابْتِدَاءِ لِيُؤَجَّلَ، وَذَكَرَهُ فِي الِانْتِهَاءِ لِيُفَرَّقَ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فِيهِمَا، وَتَمَامِ تَفْرِيعَاتِهِ فَنَقُولُ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فَإِنْ صَدَّقَهَا يُؤَجَّلُ سَنَةً مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، وَإِنْ أَنْكَرَ فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا بِكْرٌ يُؤَجَّلُ سَنَةً ثُمَّ إنْ تَمَّتْ السَّنَةُ فَإِنْ ادَّعَتْ عَدَمَ الْوُصُولِ فَإِنْ صَدَّقَهَا خُيِّرَتْ لِثُبُوتِ حَقِّهَا لِلتَّصَادُقِ، وَإِنْ أَنْكَرَ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا بِكْرٌ خُيِّرَتْ، وَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الثِّيَابَةَ تَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الثِّيَابَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ، وَلَمْ يَزُلْ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا عُرِفَ أَنَّ ذَلِكَ آفَةٌ أَصْلِيَّةٌ قَالَ الْكَمَالُ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ مُوجَبَ التَّفْرِيقِ كَوْنُهُ مِنْ عِلَّةٍ أَصْلِيَّةٍ، وَالسَّنَةُ ضُرِبَتْ لِتَعْرِيفِهِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهَا سَنَةً كَوْنُ ذَلِكَ آفَةً أَصْلِيَّةً فِي الْخِلْقَةِ إذْ الْمَرَضُ يَمْتَدُّ السَّنَةَ، وَأَيْضًا مِمَّا لَهُ حُكْمُ الْعِنِّينِ الْمَسْحُورِ، وَمُقْتَضَى السِّحْرِ مِمَّا قَدْ يَمْتَدُّ السَّنَتَيْنِ، وَبِمُضِيِّ السَّنَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَتْ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْآفَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِفَرْضِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ فَالْحَقُّ أَنَّ التَّفْرِيقَ مَنُوطٌ إمَّا بِغَلَبَةِ ظَنِّ عَدَمِ زَوَالِهِ لِزَمَانَتِهِ أَوْ الْأَصْلِيَّةِ، وَمُضِيُّ السَّنَةِ مَعَ عَدَمِ الْوُصُولِ مُوجِبٌ لِذَلِكَ، وَهُوَ عَدَمُ إيفَاءِ حَقِّهَا فَقَطْ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، وَالسَّنَةُ جُعِلَتْ غَايَةً فِي الصَّبْرِ، وَإِبْلَاءُ الْعُذْرِ شَرْعًا حَتَّى لَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَعْدَ انْقِضَائِهَا قُرْبُ زَوَالِهِ، وَقَالَ بَعْدَ السَّنَةِ أَجِّلْنِي يَوْمًا لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهَا فَلَوْ رَضِيَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ كَانَ لَهَا ذَلِكَ، وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ لِأَنَّ السَّنَةَ عِنْدَ النَّاسِ غَايَةٌ فِي إبْلَاءِ الْعُذْرِ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَالْخُنْثَى إذَا كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ فَهُوَ رَجُلٌ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أُجِّلَ كَمَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ لِأَنَّ رَجَاءَ الْوُصُولِ يَتَحَقَّقُ، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ فَهِيَ امْرَأَةٌ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ رَجُلًا لَمْ يُعْلَمْ بِحَالِهَا ثُمَّ عُلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي يَدِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ الرَّتْقَاءِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ زُوِّجَ خُنْثَى مِنْ خُنْثَى، وَهُمَا مُشْكِلَانِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا رَجُلٌ، وَالْآخَرَ امْرَأَةٌ وَجَبَ الْوَقْفُ فِي النِّكَاحِ حَتَّى يُتَبَيَّنَ فَإِنْ مَاتَا قَبْلَ التَّبَيُّنِ لَمْ يَتَوَارَثَا، وَفِيهِ أَيْضًا: مَاتَ وَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَتْ امْرَأَتَهُ وَكَانَتْ تَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ، وَامْرَأَةٌ أَنَّهُ كَانَ زَوْجَهَا، وَكَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ لَمْ يُقْضَ لِأَحَدِهِمَا إلَّا إنْ ذُكِرَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا أَقْدَمَ فَيُقْضَى لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْفُرْقَةُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ) لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُطْلَقَ يُخْرِجُ الْفَاسِدَ، وَالْمَوْقُوفَ، وَالْفَسْخَ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَخِيَارَ الْعِتْقِ، وَالْبُلُوغِ فَسْخٌ قَبْلَ التَّمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِهِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ) أَيْ فِي حَقِّ النَّقْلِ إلَى الْغَيْرِ، وَلَا فِي حَقِّ الِانْتِقَالِ إلَى الْوَرَثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِوُجُودِ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ) أَيْ لِأَنَّ خَلْوَةَ الْعِنِّينِ صَحِيحَةٌ إذْ لَا وُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعُنَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْوَطْءِ اخْتِيَارًا تَعَنُّتًا فَيَدُورُ الْحُكْمُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ هَذَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا) أَيْ فِي هَذَا النِّكَاحِ، وَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا فِي نِكَاحٍ قَبْلَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا لِأَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا فِي نِكَاحٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْفُرْقَةِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ) وَتُجْزِئُ الْوَاحِدَةُ الْعَدْلَةُ وَالثِّنْتَانِ وَالثَّلَاثُ أَفْضَلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

الْوُصُولُ إلَيْهَا لِاحْتِمَالِ ثُبُوتِهَا بِشَيْءٍ آخَرَ فَيَحْلِفُ بِخِلَافِ الْبَكَارَةِ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا يَنْفِي الْوُصُولِ إلَيْهَا ضَرُورَةٌ فَتُخَيَّرُ بِقَوْلِهِنَّ ثُمَّ إنْ حَلَفَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ نَكَلَ خُيِّرَتْ لِأَنَّ دَعْوَاهَا تَأَيَّدَتْ بِالنُّكُولِ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فِي الْأَصْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الْفُرْقَةَ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ هُوَ السَّلَامَةُ فِي الْجِبِلَّةِ ثُمَّ إنْ حَلَفَ فَلَا حَقَّ لَهَا، وَإِنْ نَكَلَ يُؤَجَّلُ سَنَةً فَإِذَا تَمَّتْ السَّنَةُ فَإِنْ ادَّعَتْ عَدَمَ الْوُصُولِ إلَيْهَا فَإِنْ صَدَّقَهَا خُيِّرَتْ لِثُبُوتِ حَقِّهَا بِالتَّصَادُقِ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إنْ حَلَفَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ نَكَلَ خُيِّرَتْ لِمَا ذَكَرْنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ فِي الِابْتِدَاءِ يُؤَجَّلُ سَنَةً، وَإِنْ نَكَلَ فِي الِانْتِهَاءِ تُخَيَّرُ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا ثَبَتَتْ الْعُنَّةُ فِيهِمَا بِقَوْلِهِنَّ فَيُؤَجَّلُ أَوْ يُفَرَّقُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَارَتْهُ بَطَلَ حَقُّهَا) لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَا يَكُونُ لَهُ إلَّا أَحَدُهُمَا، وَكَذَا إذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا أَوْ أَقَامَهَا أَعْوَانُ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَخْيِيرِ الزَّوْجِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بَلْ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ ثُمَّ إنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ أَمَرَ الْقَاضِي الزَّوْجَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً فَإِنْ أَبَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا هَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَقِيلَ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ لِرِضَاهَا بِحَالِهِ، وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى وَهِيَ عَالِمَةٌ بِحَالِهِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا لَا خِيَارَ لَهَا لِعِلْمِهَا بِالْعَيْبِ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ وَطْءِ امْرَأَةٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ وَطْءِ غَيْرِهَا، وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ، وَفِي التَّأْجِيلِ تُعْتَبَرُ السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ السَّنَةَ الشَّمْسِيَّةَ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ طَبْعَهُ يُوَافِقُ الزِّيَادَةَ الَّتِي فِيهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ، وَالسَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَخُمُسُ يَوْمٍ وَسُدُسُهُ، وَالشَّمْسِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبْعُ يَوْمٍ إلَّا جُزْءًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ جُزْءٍ مِنْ يَوْمٍ، وَفَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَثُلُثٌ وَرُبْعُ عُشْرِ يَوْمٍ بِالتَّقْرِيبِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْقَمَرِيَّةَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَالشَّمْسِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبْعُ يَوْمٍ وَجُزْءٌ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ، وَفِي الْمُحِيطِ يُرِيدُ بِالشَّمْسِيَّةِ أَنْ تُعْتَبَرَ بِالْأَيَّامِ لَا بِالْأَهِلَّةِ فَتَزِيدُ عَلَى الْقَمَرِيَّةِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّ حِسَابَ الْعَجَمِ بِالْأَيَّامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الْفُرْقَةِ عَلَيْهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلدُّخُولِ صُورَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ أَقَامَهَا أَعْوَانُ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا) أَيْ أَوْ قَامَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا بَطَلَ خِيَارُهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ كَخِيَارِ الْعِتْقِ) قَالَ صَاحِبُ الْمُخْتَلِفِ فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بَانَتْ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ قَالَ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ كَمَا فِي خِيَارِ الْمُدْرِكَةِ كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ تَأْجِيلِ السَّنَةِ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ لَمْ يُصَدَّقْ الزَّوْجُ، وَخَيَّرَ السُّلْطَانُ الْمَرْأَةَ إنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مَعَهُ، وَإِنْ شَاءَتْ اخْتَارَتْ فُرْقَتَهُ فَإِنْ فَارَقَتْهُ كَانَتْ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً، وَكَذَا قَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّقْ الْحَاكِمُ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شَرْطِ تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ، وَكَذَلِكَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا ذَكَرُوا فِي كُتُبِهِمْ كَمَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ، وَمَبْسُوطِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ، وَالشَّامِلِ، وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْإِمَامِ الْعَتَّابِيِّ وَالتُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا، وَشَرَطُوا تَفْرِيقَ الْحَاكِمِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ إنَّهَا كَمَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارًا بِالْمُخَيَّرَةِ بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ أَوْ بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ كَالْمُعْتَقَةِ، وَقَالَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي لَمَّا خَيَّرَهَا، وَهِيَ بِكْرٌ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ فُرْقَةً حَتَّى يُفَرِّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا إلَى هُنَا لَفْظُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي التَّأْجِيلِ تُعْتَبَرُ السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ الْعِنِّينُ يُؤَجَّلُ سَنَةً قَمَرِيَّةً لَا شَمْسِيَّةً هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمَنْطُوقَ هُوَ السَّنَةُ وَالسَّنَةُ تَنْصَرِفُ إلَى الْقَمَرِيَّةِ مُطْلَقًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُهُ أَنَّ الثَّابِتَ عَنْ الصَّحَابَةِ كَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُ اسْمُ السَّنَةِ قَوْلًا، وَأَهْلَ الشَّرْعِ إنَّمَا يَتَعَارَفُونَ الْأَشْهُرَ وَالسِّنِينَ بِالْأَهِلَّةِ فَإِذَا أَطْلَقُوا السَّنَةَ انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ مَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِخِلَافِهِ ثُمَّ زِيَادَةُ الشَّمْسِيَّةِ قِيلَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ الشَّمْسِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا، وَجُزْءٌ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ وَالْقَمَرِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا كَذَا رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ، وَرَأَيْت فِي أُخْرَى فِيهِ فِي الشَّمْسِيَّةِ زِيَادَةُ رُبْعِ يَوْمٍ مَعَ مَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ الْقَمَرِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَخُمُسُ يَوْمٍ وَسُدُسُهُ، وَالشَّمْسِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ وَرُبْعُ يَوْمٍ إلَّا جُزْءًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ جُزْءٍ مِنْ يَوْمٍ، وَفَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَثُلُثٍ وَرُبْعِ عُشْرٍ بِالتَّقْرِيبِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مُحْدَثٌ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ أَنْ يُؤَجِّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ يُرْفَعُ إلَيْهِ، وَكَذَا قَوْلُ الرَّاوِي عَنْ عُمَرَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي أَتَتْ إلَيْهِ فَأَجَّلَهُ حَوْلًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فِي السَّنَةِ، وَالْحَوْلُ لِمَا تَرَى بِالْأَهِلَّةِ هَذَا الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعَرَبُ وَأَهْلُ الشَّرْعِ عَلَى أَنَّ الْحَوْلَ لَمْ يُعْرَفْ بِعُرْفٍ آخَرَ بَلْ اسْمُ السَّنَةِ هُوَ الَّذِي تَوَارَدَ عَلَيْهِ الْعِرْفَانُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ اهـ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ طَبْعَهُ يُوَافِقُ الزِّيَادَةَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي إلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ، وَكَذَا صَاحِبُ التُّحْفَةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ مُوَافَقَةُ الْعِلَاجِ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي يَقَعُ التَّفَاوُتُ فِيهَا بَيْنَ الشَّمْسِيَّةِ وَالْقَمَرِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ) أَيْ وَقَاضِي خَانْ وَظَهِيرُ الدِّينِ اهـ فَتْحٌ

لَا بِالْأَهِلَّةِ، وَيُحْتَسَبُ بِأَيَّامِ الْحَيْضِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّ السَّنَةَ لَا تَخْلُو عَنْهَا، وَلَا يُحْتَسَبُ بِمَرَضِهِ وَمَرَضِهَا لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ، وَعُوِّضَ قَدْرَهُ لِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَادِرٌ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، وَهُوَ قَدْرُ نِصْفِهِ فَكَذَا النِّصْفُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَإِنْ حَجَّ أَوْ غَابَ هُوَ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ بِفِعْلِهِ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مَعَهُ أَوْ يُؤَخِّرَ الْحَجَّ وَالْغَيْبَةَ فَلَا يَكُونُ عُذْرًا بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّتْ هِيَ أَوْ غَابَتْ حَيْثُ لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّةِ لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا كَانَ عُذْرًا فَإِنْ حُبِسَ الزَّوْجُ وَامْتَنَعَتْ مِنْ الْمَجِيءِ إلَى السِّجْنِ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَمْتَنِعْ، وَكَانَ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إذَا حُبِسَ عَلَى مَهْرِهَا وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ خَاصَمَتْهُ فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْعِتْقِ أَجَّلَهُ سَنَةً، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَجَّلَهُ سَنَةً وَشَهْرَيْنِ، وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْهَا بَعْدَ التَّأْجِيلِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ غَشَيَانِهَا، وَالِامْتِنَاعُ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْذَرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُخَيَّرْ أَحَدُهُمَا بِعَيْبٍ) أَيْ لَمْ يُخَيَّرْ وَاحِدٌ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِعَيْبٍ فِي الْآخَرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُرَدُّ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ: الْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ، وَالْجُنُونُ، وَالرَّتْقُ، وَالْقَرْنُ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ حِسًّا أَوْ طَبْعًا، وَالطَّبْعُ مُؤَيَّدٌ بِالشَّرْعِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» «، وَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَرَصِ، وَقَالَ الْحَقِي بِأَهْلِك حِينَ وَجَدَ بِكَشْحِهَا وَضَحًا أَوْ بَيَاضًا»، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُشْبِهُ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُبَادَلَةٍ، وَالْبَيْعُ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ فَكَذَا النِّكَاحُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُرَدُّ الْمَرْأَةُ إذَا كَانَ بِالرَّجُلِ عَيْبٌ فَاحِشٌ بِحَيْثُ لَا تُطِيقُ الْمَقَامَ مَعَهُ لِأَنَّهَا تَعَذَّرَ عَلَيْهَا الْوُصُولُ إلَى حَقِّهَا لِمَعْنًى فِيهِ فَكَانَ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِهَا عَيْبٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِالطَّلَاقِ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِغَيْرِهَا، وَلَنَا أَنْ، الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ هُوَ الْوَطْءُ وَهَذِهِ الْعُيُوبُ لَا تَفُوتُهُ بَلْ تُوجِبُ فِيهِ خَلَلًا فَفَوَاتُهُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَاخْتِلَالُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يُوجِبَ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ تَأْثِيرُهَا فِي تَفْوِيتِ تَمَامِ الرِّضَا، وَلُزُومُ النِّكَاحِ لَا يَعْتَمِدُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْهَزْلِ، وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَرْطِ أَنَّهَا بِكْرٌ شَابَّةٌ جَمِيلَةٌ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا عَجُوزًا شَوْهَاءَ بِهَا شِقٌّ مَائِلٌ وَلُعَابٌ سَائِلٌ وَهِيَ عَمْيَاءُ مَقْطُوعَةُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَوْ شَلَّاءُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ فَقَدَ رِضَاهُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ تَمَامَ الرِّضَا شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ وَلَوْ كَانَ مِثْلَهُ لَرُدَّ بِجَمِيعِ الْعُيُوبِ كَالْبَيْعِ، وَلَا فَائِدَةَ لِتَخْصِيصِ الْبَعْضِ، وَفِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا يَعْدَمَانِ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ، وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ، وَالتَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعُيُوبِ لَا يُعْدِمُهُ بَلْ يُخِلُّ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَرْنَاءَ وَالرَّتْقَاءَ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِمَا بِالْفَتْقِ وَالشَّقِّ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَمِيلِ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، لَا يُعْلَمُ لِكَعْبٍ وَلَدٌ اسْمُهُ زَيْدٌ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْفِرَارَ لَا الْخِيَارَ، وَظَاهِرُهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ جِمَاعًا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ، وَيُثَابُ عَلَى خِدْمَتِهِ وَتَمْرِيضِهِ، وَعَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ، وَالْمَجْذُومُ هُوَ الَّذِي بِهِ الْجُذَامُ، وَهُوَ دَاءٌ يَشُقُّ الْجِلْدَ، وَيَقْطَعُ اللَّحْمَ، وَيَتَسَاقَطُ مِنْهُ، وَالْفِعْلُ جُذِمَ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ بِمَعْنَى أَصَابَهُ الْجُذَامُ، وَهُوَ مَجْذُومٌ، وَلَا يُقَالُ أَجْذَمَ. وَالْبَرَصُ دَاءٌ، وَهُوَ بَيَاضٌ، وَقَدْ بَرِصَ الرَّجُلُ فَهُوَ أَبْرَصُ، وَأَبْرَصَهُ اللَّهُ، وَجُنَّ الرَّجُلُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فَهُوَ مَجْنُونٌ، وَأَجَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَجْنُونٌ، وَلَا يُقَالُ مُجَنٌّ، وَلَا جَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَجَاءَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَفْعَلَ عَلَى مَفْعُولٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ دُونَ مُفْعِلِ؛ هَذَا، وَالثَّانِي أَحْزَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَحْزُونٌ وَالثَّالِثُ أَحَبَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَحْبُوبٌ، وَجَاءَ مُحِبٌّ عَلَى الْأَصْلِ فِي شَعْرِ عَنْتَرَةَ وَلَقَدْ نَزَلَتْ فَلَا تَظُنِّي غَيْرَهُ ... مِنِّي بِمَنْزِلَةِ الْمُحِبِّ الْمُكْرَمِ وَالْقَرْنُ فِي الْفَرْجِ مَا يَمْنَعُ سُلُوكَ الذَّكَرِ فِيهِ، وَهُوَ إمَّا غُدَّةٌ غَلِيظَةٌ أَوْ لُحْمَةٌ، مُرْتَفِعَةٌ أَوْ عَظْمٌ، وَامْرَأَةُ قَرْنَاءُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِهَا، وَهُوَ الْعَفَلَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقَرْنَ عَظْمٌ نَاتِئٌ مُحَدَّدُ الرَّأْسِ كَقَرْنِ الْغَزَالَةِ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ.، وَالرَّتْقُ التَّلَاحُمُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيُحْتَسَبُ بِأَيَّامِ الْحَيْضِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ) يَعْنِي لَا يُعَوَّضُ عَنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ الْوَاقِعَةِ فِي مُدَّةِ التَّأْجِيلِ أَيَّامٌ أُخَرُ بَلْ هِيَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ مُدَّةِ التَّأْجِيلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ قَدَّرُوا مُدَّةَ التَّأْجِيلِ بِسَنَةٍ، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْهَا أَيَّامَ الْحَيْضِ وَشَهْرَ رَمَضَانَ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ السَّنَةَ لَا تَخْلُو عَنْهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْهُ) يَعْنِي لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْمَرَضُ مَحْسُوبًا مِنْ مُدَّةِ التَّأْجِيلِ قَلِيلًا كَانَ الْمَرَضُ أَوْ كَثِيرًا بَلْ يُعَوَّضُ لِذَلِكَ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكُتِبَ عَلَى قَوْلِهِ عَنْهُ مَا نَصَّهُ أَيْ عَنْ الْمَرَضِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّتْ هِيَ أَوْ غَابَتْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَحْتَسِبُ، عَلَى الزَّوْجِ مُدَّةَ الْخُرُوجِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحَلِّلَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ الزَّوْجُ حَيْثُ يَحْتَسِبُ، عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَمْتَنِعْ وَكَانَ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ احْتَسَبَ عَلَيْهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً فِي حَقٍّ وَكَانَ يُمْكِنُهُ الْخَلْوَةُ مَعَهَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَيَّام وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يُخَيَّرْ أَحَدُهُمَا بِعَيْبٍ) اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يُفْسَخُ بِعَيْبٍ مَا فِي الْمَرْأَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالرَّتْقُ) امْرَأَةٌ رَتْقَاءُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خُرْقٌ، إلَّا الْمَبَالَ اهـ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَالْقَرْنُ) مِثْلُ فَلْسٍ الْعَفْلَةِ،، وَهُوَ لَحْمٌ يَنْبُتُ فِي الْفَرْجِ فِي مَدْخَلِ الذَّكَرِ كَالْغُدَّةِ الْغَلِيظَةِ، وَقَدْ يَكُونُ عَظْمًا. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ حِسًّا) أَيْ فِي الرَّتْقِ وَالْقَرْنِ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ طَبْعًا) أَيْ فِي الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَالْجُنُونِ (قَوْلُهُ بَرِصَ الرَّجُلُ) مِنْ بَابِ تَعِبَ. اهـ. مِصْبَاحٌ

[باب العدة]

(بَابُ الْعِدَّةِ). قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ تَرَبُّصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ) أَيْ الْعِدَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّرَبُّصِ الَّذِي يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ، وَفِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِحْصَاءِ يُقَالُ عَدَدْت الشَّيْءَ أَيْ أَحْصَيْته وَسَبَبُ وُجُوبِهَا عِنْدَنَا النِّكَاحُ الْمُتَأَكِّدُ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِنْ الْخَلْوَةِ أَوْ الْمَوْتِ، وَشَرْطُهَا الْفُرْقَةُ وَرُكْنُهَا حُرُمَاتٌ ثَابِتَةٌ بِهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْكَفُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عِدَّةُ الْحُرَّةِ لِلطَّلَاقِ أَوْ الْفَسْخِ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ أَيْ حِيَضٍ) أَيْ إذَا طَلُقَتْ الْحُرَّةُ أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَالْمُرَادُ بِهِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ مِثْلُ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ وَالرِّدَّةُ، وَعَدَمُ الْكَفَاءَةِ فِي مَعْنَى الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَوُجُوبِ تَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَالْقُرْءُ الْحَيْضُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ الطُّهْرُ، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثُمَّ رَجَعَ لَهُمَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا لِيَتْرُكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ لِيُطَلِّقَهَا إنْ شَاءَ ثُمَّ قَالَ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ هِيَ الطُّهْرُ بَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا أَنْ نُطَلِّقَهَا لِعِدَّتِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَاللَّامُ بِمَعْنَى فِي، وَالطَّلَاقُ يُوقَعُ فِي الطُّهْرِ فَكَانَ هُوَ الْعِدَّةُ دُونَ الْحَيْضِ، وَلِأَنَّ الْقُرْءَ بِمَعْنَى الْحَيْضِ يُجْمَعُ عَلَى أَقْرَاءٍ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَعِي الصَّلَاةَ فِي أَيَّامِ أَقْرَائِك»، وَبِمَعْنَى الطُّهْرِ يُجْمَعُ عَلَى قُرُوءٍ قَالَ الْأَعْشَى أَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمٌ غَزْوَةً ... تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا مُوَرِّثَةً مَالًا وَفِي الْحَيِّ رُقْعَةٌ ... لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا أَرَادَ بِهِ الطُّهْرَ لِأَنَّ الْحَيْضَ ضَائِعٌ دَائِمًا، وَلَا يَخْتَصُّ بِزَمَانِ الْغَيْبَةِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْقُرْءَ فِي الْآيَةِ الطُّهْرُ، وَلِأَنَّ تَذْكِيرَ الثَّلَاثَةِ بِإِثْبَاتِ التَّاءِ دَلِيلُ إرَادَةِ الطُّهْرِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْحَيْضَ لَقِيلَ ثَلَاثُ قُرُوءٍ بِلَا تَاءٍ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ مُؤَنَّثٌ، وَهُوَ الْحَيْضَةُ، وَلِأَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْجَمْعُ وَمِنْهُ الْمَقْرَأَةُ لِلْحَوْضِ وَالْغَدِيرِ وَالْقَلْتِ يُقَالُ مَا قَرَأْت النَّاقَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الْعِدَّةِ] لَمَّا كَانَتْ الْعِدَّةُ إثْرَ الْفُرْقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ذَكَرَهَا بَعْدَ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْفُرْقَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالْخَلْعِ وَاللِّعَانِ وَفُرْقَةِ الْعِنِّينِ وَالْمَجْبُوبِ لِأَنَّ الْأَثَرَ يَقْفُو الْمُؤَثِّرَ لَا مَحَالَةَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ الْكَمَالُ لَمَّا تَرَتَّبَتْ الْعِدَّةُ فِي الْوُجُودِ عَلَى فُرْقَةِ النِّكَاحِ شَرْعًا أَوْرَدَهَا عَقِيبَ وُجُودِ الْفُرْقَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالْخَلْعِ وَاللِّعَانِ وَأَحْكَامِ الْعِنِّينِ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْإِحْصَاءُ عَدَدْت الشَّيْءَ عِدَّةً أَحْصَيْته إحْصَاءً، وَيُقَالُ أَيْضًا عَلَى الْمَعْدُودِ. اهـ. وَالْعِدَّةُ مَصْدَرٌ مِنْ عَدَّ يَعُدُّ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ هِيَ تَرَبُّصٌ) أَيْ انْتِظَارُ مُدَّةٍ اهـ ع (قَوْلُهُ عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ) أَيْ الْمُتَأَكِّدِ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْخَلْوَةِ وَالْمَوْتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ لِلطَّلَاقِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا. اهـ. (قَوْلُهُ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ) وَالْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيرِ الْعِدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ أَنَّ الْأَوَّلَ لِتَعْرِيفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَالثَّانِي لِحُرْمَةِ النِّكَاحِ، وَالثَّالِثَ لِفَضِيلَةِ الْحُرَّةِ. اهـ. مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ سَبَبَ الْعِدَّةِ مَأْخُوذٌ فِيهِ تَأَكُّدُهُ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِشُهْرَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا تَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ قَالَ تَعَالَى {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفُرْقَةُ إلَخْ) لَمَّا جُمِعَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ بِلَا طَلَاقٍ فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ، وَالدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الطَّلَاقَ أَلْحَقَهُ بِالْجَامِعِ، وَهُوَ أَنَّ وُجُوبَهَا فِي مَحَلِّ النَّصِّ، وَهُوَ الطَّلَاقُ لِتَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَجَعَلَهُ ثَابِتًا بِدَلَالَةِ النَّصِّ حَيْثُ قَالَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ يَعْنِي يَتَبَادَرُ لِكُلِّ مَنْ عَلِمَ بِوُجُوبِ تَرْكِهَا النِّكَاحَ إلَى أَنْ تَحِيضَ عِنْدَنَا الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ أَنَّهُ لِذَلِكَ ثُمَّ كَوْنُهَا تَجِبُ لِلتَّعَرُّفِ لَا يَنْفِي أَنْ تَجِبَ لِغَيْرِهِ أَيْضًا، وَقَدْ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي أَنَّهَا تَجِبُ أَيْضًا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ بِإِظْهَارِ الْأَسَفِ عَلَيْهِ فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ كَمَا فِي مَوَاضِعِ وُجُوبِ الْأَقْرَاءِ، وَقَدْ يَنْفَرِدُ الثَّانِي كَمَا فِي صُورَةِ الْأَشْهُرِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَأَكِّدِ، وَهُوَ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يُؤْسَفُ عَلَيْهِ إذْ لَا أُلْفَ وَلَا مَوَدَّةَ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فِي مَعْنَى) فِي مَعْنَى خَبَرٍ عَنْ قَوْلِهِ وَالْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ اهـ (قَوْلُهُ وَوُجُوبِ تَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيُتَصَوَّرُ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ فَعِنْدَهُ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ كَمَا تَرَى قَطْرَةً مِنْ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَعِنْدَنَا لَا تَنْقَضِي مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ مُؤَنَّثٌ)، وَهُوَ الْآنَ تَأْنِيثُ الْعَدَدِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْقَلْتُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْقَلْتُ نَقْرَةٌ فِي الْجَبَلِ يَسْتَنْقِعُ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ، وَالْجَمْعُ قِلَاتٌ مِثْلُ سَهْمٍ وَسِهَامٍ اهـ. (فَرْعٌ) تَنْقَضِي عِدَّةُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالثَّلَاثِ بِالْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ بِأَنْ وَطِئَهَا، وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَالِمًا بِحُرْمَتِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الشُّبْهَةَ أَوْ كَانَ مُنْكِرًا طَلَاقَهَا فَإِنَّهَا تَسْتَقْبِلُ الْعِدَّةَ، وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا حَتَّى لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِنَفَقَةِ هَذِهِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ، وَيَحِلُّ نِكَاحُ أُخْتِهَا كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا نَصُّهُ، وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، وَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَبِوَطْئِهَا لَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ قَوْلُهُ بِالْوَطْءِ أَيْ مَعَ الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ يَعْنِي أَنَّ الْوَطْءَ الْمُحَرَّمَ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ تَقَضِّيهَا فَيُعْتَدُّ بِهَا مَعَهُ هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ، وَلَا يُعْمَلَ بِظَاهِرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَوْلُهُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَيْ بِتَمَامِ الْأُولَى بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ وَلَا

جَنِينًا فِي رَحِمِهَا أَيْ مَا جَمَعَتْهُ، وَفِي الطُّهْرِ يَجْتَمِعُ الدَّمُ فَكَانَ أَلْيَقَ بِهِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْأَمَةُ لَا تُخَالِفُ الْحُرَّةَ فِي جِنْسِ مَا تَقَعُ بِهِ الْعِدَّةُ، وَإِنَّمَا تُخَالِفُهَا فِي الْعَدَدِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى الْجَمْعِ بِقَوْلِهِ ثَلَاثَةُ، وَبِقَوْلِهِ قُرُوءٍ، وَالثَّلَاثَةُ اسْمٌ لِعَدَدٍ مَعْلُومٍ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَلَا أَقَلُّ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْإِطْهَارِ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَى أَقَلَّ، وَهُوَ طُهْرَانِ، وَبَعْضُ الثَّالِثِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمْ، وَهُوَ خُلْفٌ، وَكَذَا الْجَمْعُ الْكَامِلُ هُوَ الثَّلَاثَةُ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَكَانَ أَوْلَى، وَلَا يُقَالُ يَجُوزُ إطْلَاقُ اسْمِ الْجَمْعِ عَلَى اثْنَيْنِ، وَبَعْضِ الثَّالِثِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي الْجَمْعِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْعَدَدِ وَأَمَّا الْعَدَدُ وَالْجَمْعُ الْمَقْرُونُ بِهِ فَلَا؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ شُرِّعَتْ تَعَرُّفًا لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَهُوَ بِالْحَيْضِ كَالِاسْتِبْرَاءِ، وَلِهَذَا لَوْ اعْتَدَّتْ الْآيِسَةُ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ يَجِبُ عَلَيْهَا اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ، وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] وَفِي قَوْلِهِ {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْحَيْضُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ شَرَطَ لِلِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ عَدَمَ الْحَيْضِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، وَلِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَيْهِ أَحْوَطُ فَكَانَ أَوْلَى، وَعَلَيْهِ كَانَتْ الصَّحَابَةُ حَتَّى رُوِيَ ذَلِكَ نَصًّا عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَغَيْرِهِمْ حَتَّى رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لَوْ قَدَرْت أَنْ أَجْعَلَ عِدَّةَ الْأَمَةِ حَيْضَةً وَنِصْفًا لَفَعَلْت، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْهَا لِأَنَّ مَعْنَاهُ فَطَلِّقُوهُنَّ لِاسْتِقْبَالِ عِدَّتِهِنَّ كَمَا يُقَالُ فِي التَّارِيخِ دَخَلْت الْمَدِينَةَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ الشَّهْرِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الطَّلَاقِ حَتَّى يَقَعَ فِيهَا، وَهُوَ خُلْفٌ، وَحَمْلُهُمْ اللَّازِمِ عَلَى الظَّرْفِ غَلَطٌ ظَاهِرٌ مُخَالِفٌ لِاسْتِعْمَالِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقُرْءَ يَخْتَصُّ بِمَعْنَى الطُّهْرِ بَلْ يُجْمَعُ بِهِ الْقُرُوءُ بِمَعْنَى الْحَيْضِ أَيْضًا «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فَانْظُرِي إذَا أَتَاك قُرْؤُك فَلَا تُصَلِّي فَإِذَا مَرَّ قُرْؤُك فَتَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي» وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ لَيْسَ إذَا اسْتَنْهَضَهُ بِنَاهِضٍ ... لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُمْ بِتَذْكِيرِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ لَفْظَ الْقُرْءِ مُذَكَّرٌ فَبِاعْتِبَارِهِ يُذَكَّرُ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَانَ لَهُ اسْمَانِ مُذَكَّرٌ وَمُؤَنَّثٌ كَالْبُرِّ وَالْحِنْطَةِ جَازَ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَذَا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ الْقُرْءَ بِمَعْنَى الِاجْتِمَاعِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُجْتَمِعَ هُوَ الدَّمُ دُونَ الطُّهْرِ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ فَيَصِيرُ شَاهِدًا لَنَا لَا لَهُمْ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَحَمْلُهُ عَلَى الْحَيْضِ أَوْلَى بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّرْجِيحِ وَالْقَرَائِنِ، وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرَّجُلَ أَحَقُّ بِامْرَأَتِهِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَلَوْ كَانَ الْقُرْءُ هُوَ الطُّهْرُ لَانْقَضَتْ بِالطَّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَالْقُرْءُ أَيْضًا هُوَ الِانْتِقَالُ لُغَةً يُقَالُ قَرَأَ النَّجْمُ أَيْ انْتَقَلَ، وَالْحَيْضُ هُوَ الْمُنْتَقِلُ دُونَ الطُّهْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إنْ لَمْ تَحِضْ) أَيْ عِدَّةُ الْحُرَّةِ إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَمَّا الَّتِي لَا تَحِيضُ لِكِبَرٍ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] أَيْ إنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ حُكْمُهُنَّ وَجَهِلْتُمُوهُ أَوْ انْقِطَاعُ حَيْضِهِنَّ، وَقِيلَ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ارْتَابُوا فِيمَنْ لَا تَحِيضُ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] الْآيَةَ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] أَيْ فَعِدَّتُهُنَّ كَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَحَذْفُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا، وَيَدْخُلُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ مَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ، وَلَمْ تَحِضْ وَكَذَا لَوْ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ امْرَأَةٌ أَتَى عَلَيْهَا ثَلَاثُونَ سَنَةً، وَلَمْ تَحِضْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ فَكَأَنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمَوْتِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ) أَيْ الْعِدَّةُ لِمَوْتِ الزَّوْجِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبَعْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ، وَيُنْظَرُ فِي الْوَلْوَالِجِيِّ وَغَيْرِهِ هَكَذَا كَتَبَ شَيْخُنَا الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ الْخُلَاصَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ مُذَكَّرٌ وَمُؤَنَّثٌ) وَلَا تَأْنِيثٌ حَقِيقِيٌّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِصِغَرٍ) بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْحَيْضِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ، وَأَقَلُّهُ تِسْعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ كِبَرٍ) بِأَنْ بَلَغَتْ سُنَّ الْإِيَاسِ، وَانْقَطَعَ حَيْضُهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ) بِأَنْ بَلَغَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى قَوْلِهِمَا، وَسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَحِضْ) أَيْ إذَا طَلُقَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ أَيْضًا ثُمَّ إنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ هِلَالِيَّةً اتِّفَاقًا، وَإِنْ وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ اعْتَبَرَتْ كُلَّهَا بِالْأَيَّامِ فَلَا تَنْقَضِي إلَّا بِتِسْعِينَ يَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ ثَلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ الْأَخِيرِ، وَالشَّهْرَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ اهـ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الصُّغْرَى، وَاعْتِبَارُ الشُّهُورِ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَيَّامِ دُونَ الْأَهِلَّةِ إجْمَاعًا إنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ امْرَأَةٌ أَتَى عَلَيْهَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ بَلْ يُوقَفُ حَالُهَا يَظْهَرُ هَلْ حَبِلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ أَمْ لَا فَإِنْ ظَهَرَ حَبَلُهَا اعْتَدَّتْ بِالْوَضْعِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَبِالْأَشْهُرِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا نَصَّهُ الْيَنَابِيعُ امْرَأَةٌ مَا رَأَتْ الدَّمَ وَهِيَ بِنْتُ ثَلَاثِينَ سَنَةً مَثَلًا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا لَا غَيْرُ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَالَ لَيْسَتْ هِيَ بِآيِسَةٍ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ لِأَنَّهَا مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ تَعُدُّ بِالْأَشْهُرِ. اهـ.

وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْآيَةُ بِإِطْلَاقِهَا حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي الْكِتَابِيَّةِ حَيْثُ أَوْجَبَ الِاسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا فَقَطْ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَمِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» لِأَنَّ الْعَشْرَ مُؤَنَّثٌ بِحَذْفِ التَّاءِ مِنْهُ فَيَتَنَاوَلُ اللَّيَالِيَ، وَيَدْخُلُ مَا فِي خِلَالِهَا مِنْ الْأَيَّامِ ضَرُورَةً قُلْنَا إذَا تَنَاوَلَ اللَّيَالِيَ يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ كَذَا اللُّغَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ، وَالتَّارِيخُ بِاللَّيَالِيِ فَلِهَذَا حُذِفَتْ التَّاءُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْأَمَةِ قُرْءَانِ وَنِصْفُ الْمِقْدَارِ) أَيْ عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ كَانَتْ مُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَنِصْفُ مَا قَدَرَ قُدِّرَ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ، وَهُوَ شَهْرٌ، وَنِصْفٌ فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَشَهْرَانِ، وَخُمُسٌ فِي الْوَفَاةِ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ»، وَقَدْ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَجَازَ تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ بِهِ، وَلِأَنَّ لِلرِّقِّ أَثَرًا فِي تَنْصِيفِ النِّعْمَةِ، وَالْعِدَّةَ نِعْمَةٌ لِاسْتِحْقَاقِهَا بِوَصْفِ الْآدَمِيَّةِ، وَلِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِ أَمْرِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِتَنْصِيفِهَا إلَّا أَنَّ الْحَيْضَةَ لَا تَتَنَصَّفُ لِاخْتِلَافِهَا مِنْ حَيْثُ الْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ، وَالْوَقْتُ فَلَا يَدْرِي نِصْفَهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ لَوْ اسْتَطَعْت لَجَعَلْتهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقِنَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَمُعْتَقَةِ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِوُجُودِ الرِّقِّ فِي الْكُلِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْحَامِلِ وَضْعُهُ) أَيْ عِدَّةُ الْحَامِلِ وَضْعُ الْحَمْلِ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ أَوْ غَيْرِهِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَالَ عَلِيٌّ عِدَّتُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ لِأَنَّ النُّصُوصَ مُتَعَارِضَةٌ فَبَعْضُهَا يُوجِبُ تَرَبُّصَ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَبَعْضُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَبَعْضُهَا وَضْعَ الْحَمْلِ فَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْأَبْعَدِ احْتِيَاطًا قُلْنَا آيَةُ الْحَمْلِ مُتَأَخِّرَةٌ فَيَكُونُ غَيْرُهَا مَنْسُوخًا بِهَا أَوْ مَخْصُوصًا، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَنْ شَاءَ بَاهَلْته أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَعَشْرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى، وَعَنْ «أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَقَالَ هِيَ لِلْمُطَلَّقَةِ، وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ «أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ فَقَالَتْ لَهُ وَهِيَ حَامِلٌ طَيِّبْ نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ فَرَجَعَ، وَقَدْ وَضَعَتْ فَقَالَ مَا لَهَا خَدَعَتْنِي خَدَعَهَا اللَّهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ سَبَقَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ اُخْطُبْهَا إلَى نَفْسِهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ عَنْ «سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْتَاهَا بِأَنْ قَدْ حَلَّتْ حِينَ وَضَعَتْ وَأَمَرَهَا بِالتَّزَوُّجِ إنْ بَدَا لَهَا، وَكَانَ قَدْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا»، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ نِفَاسِهَا لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَ زَوْجٍ، وَلَا مُعْتَدَّةً، وَلَا حُبْلَى بِثَابِتِ النَّسَبِ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ خَلَتْ عَنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ فَتَحِلُّ ضَرُورَةً، وَلَكِنْ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَطْهُرَ، وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَالْحَائِضِ وَالصَّائِمَةِ، وَاَلَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزَوْجَةُ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) أَيْ عِدَّةُ زَوْجَةِ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَمِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَهِيَ الَّتِي أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ إلَخْ) فَلَوْ تَزَوَّجَتْ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ جَازَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَامِلُ إلَخْ) وَأَطْلَقَ فَيَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ الثَّابِتَ النَّسَبِ وَغَيْرَهُ فَلَوْ طَلَّقَ كَبِيرٌ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعِدَّةِ فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالْحَيْضِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَسَيُبَيَّنُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِيرِ، وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا خَرَجَ مِنْ الْوَلَدِ نِصْفُ الْبَدَنِ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ سِوَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ سِوَى الرَّأْسِ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَالْبَدَنُ مِنْ الْمَنْكِبَيْنِ إلَى الْأَلْيَتَيْنِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ كُلُّ مَنْ حَبِلَتْ فِي عِدَّتِهَا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا إذَا حَبِلَتْ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَعِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً) وَالْمُتَارَكَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ إذَا كَانَتْ حَامِلًا كَذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَنْسُوخًا بِهَا أَوْ مَخْصُوصًا) إنَّمَا تَرَدَّدَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْفَصِلًا يَكُونُ نَسْخًا وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا يَكُونُ تَخْصِيصًا اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ بَاهَلَتْهُ) الْمُبَاهَلَةُ الْمُلَاعَنَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ الْقُصْرَى) أَيْ سُورَةُ الطَّلَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ) أَيْ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَا «هَاجَرَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَجَاءَ أَخَوَاهَا عُمَارَةُ، وَفُلَانٌ ابْنَا عُقْبَةَ يَطْلُبَانِهَا فَأَبَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِمَا، وَكَانَتْ قَبْلَ أَنْ تُهَاجِرَ بِلَا زَوْجٍ فَلَمَّا قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بَعْدَ قَتْلِ زَيْدٍ فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْنَبَ ثُمَّ فَارَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَوَلَدَتْ لَهُ إبْرَاهِيمَ وَحُمَيْدًا ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا فَتَزَوَّجَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ شَهْرًا، وَمَاتَتْ» رَوَى عَنْهَا وَلَدَاهَا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِبْرَاهِيمُ، وَحَدِيثُهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالسُّنَنِ الثَّلَاثَةِ اهـ الْإِصَابَةُ لِابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَزَوْجَةُ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) أَيْ الْأَبْعَدُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَثَلَاثِ حِيَضٍ فَلَوْ تَرَبَّصَتْ حَتَّى مَضَتْ ثَلَاثُ حِيَضٍ بِأَنْ امْتَدَّ طُهْرُهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا اهـ

تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ، وَهُوَ الْقِيَاس لِأَنَّ النِّكَاحَ زَالَ بِهِ، وَبَقَاءَ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْإِرْثِ حُكْمًا احْتِيَاطًا لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَلَا يَلْزَمُ بَقَاؤُهُ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا لِأَنَّ النِّكَاحَ فِيهِ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ إذْ هُوَ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ، وَلِهَذَا بَقِيَتْ أَحْكَامُ الزَّوْجَاتِ كُلُّهَا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا لَمَّا وَرِثَتْ جُعِلَ النِّكَاحُ قَائِمًا حُكْمًا إلَى الْوَفَاةِ إذْ لَا إرْثَ لَهَا إلَّا بِهِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ الشَّكِّ دُونَ الْإِرْثِ فَصَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا وَلَوْ ارْتَدَّ الرَّجُلُ، وَقُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ حَتَّى وَرِثَتْهُ امْرَأَتُهُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُعْتَبَرْ بَاقِيًا إلَى الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ لَمَّا وَرِثَتْ إذْ الْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ بَلْ الْإِرْثُ يَسْتَنِدُ إلَى مَا قَبْلَ الرِّدَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَا الْبَائِنِ وَالْمَوْتِ كَالْحُرَّةِ) أَيْ الْأَمَةُ إذَا عَتَقَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَعِدَّتُهَا كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ إلَّا إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ مَوْتِ زَوْجٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الرَّجْعِيِّ فَوَجَبَ انْتِقَالُ عِدَّتِهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ لِكَمَالِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ يُوجِبُ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ، وَفِي الْبَائِنِ وَالْمَوْتِ، وَزَالَ النِّكَاحُ، وَلَمْ يَتَكَامَلْ الْمِلْكُ بَعْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ النَّاقِصِ لَا يُوجِبُ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ فَلَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا حَيْثُ تَصِيرُ مُدَّةُ إيلَائِهَا مُدَّةَ إيلَاءِ الْحَرَائِرِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ فَالْبَائِنُ وَالرَّجْعِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ سَبَبَهَا الطَّلَاقُ وَهِيَ تَعْقُبُهُ فَتُعْتَبَرُ فِيهَا صِفَتُهُ، وَلِأَنَّ فِي زِيَادَةِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ إضْرَارًا بِهَا، وَلَيْسَ فِي زِيَادَةِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ ذَلِكَ فَافْتَرَقَا كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ عَادَ دَمُهَا بَعْدَ الْأَشْهُرِ الْحَيْضُ) أَيْ وَعِدَّةُ مَنْ عَادَ دَمُهَا بَعْدَمَا اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ الْحَيْضُ، وَمُرَادُهُ أَنَّ الْآيِسَةَ إذَا اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا، وَوَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ مَعْنَاهُ إذَا رَأَتْهُ عَلَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ عَوْدَهُ يُبْطِلُ الْإِيَاسَ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلِيفَةِ تَحَقُّقُ الْإِيَاسِ عَنْ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ بِالْعَجْزِ الدَّائِمِ إلَى الْمَوْتِ كَالْفِدْيَةِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي، وَكَذَا إذَا حَبِلَتْ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَفَسَدَ نِكَاحُهَا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ إذْ الْآيِسَةُ لَا تَحِيضُ، وَالصَّغِيرَةُ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ لَا تَسْتَأْنِفُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ حَيْثُ تَسْتَأْنِفُ تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ ثُمَّ ذَكَرَ الِاسْتِئْنَافَ هُنَا مُطْلَقًا، وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ هَذَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي لَمْ تُقَدِّرْ لِلْإِيَاسِ مِقْدَارًا أَمَّا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قُدِّرَ لِلْإِيَاسِ قَدْرٌ إذَا بَلَغَتْهُ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِسْبِيجَابِيِّ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّقْدِيرِ لَوْ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ لَا تَبْطُلُ الْأَشْهُرُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا، وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى رِوَايَةِ التَّقْدِيرِ لِلْإِيَاسِ إنْ رَأَتْ دَمًا بَعْدَ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ أَيْضًا فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ مَا تَرَاهُ مِنْ الدَّمِ بَعْدَ سِنِّ الْإِيَاسِ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ قِيلَ يَكُونُ حَيْضًا، وَتَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ، وَيَبْطُلُ النِّكَاحُ إنْ تَزَوَّجَتْ وَقِيلَ لَا يَكُونُ حَيْضًا، وَلَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ، وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ اخْتَارَ الْبُطْلَانَ والإسبيجابي عَدَمَهُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ كَانَ أَخْضَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ ثُمَّ تَفْسِيرُ قَوْلِ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْ الْإِيَاسَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنْ تَبْلُغَ حَدًّا لَا يَحِيضُ فِيهِ مِثْلُهَا، وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَدَّرَهُ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ سِتُّونَ سَنَةً، وَقَالَ الصَّفَّارُ سَبْعُونَ سَنَةً، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْمُخْتَارُ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَفِي الْمَنَافِعِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ فِي الرُّومِيَّاتِ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَفِي غَيْرِهِنَّ بِسِتِّينَ سَنَةً وَلَوْ أَيِسَتْ الْمُعْتَدَّةُ بَعْدَمَا حَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ بِالشُّهُورِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا مَضَى مِنْ الْحَيْضِ تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ جَوَّزْتُمْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ قُلْتُمْ الْمُتَوَضِّئُ إذَا أَحْدَثَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَتَيَمَّمُ وَيَبْنِي، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاتِهِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ثُمَّ عَجَزَ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ بِالْإِيمَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا قُلْنَا الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ لَيْسَتْ بِخُلْفٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا الْخَلْفِيَّةُ بَيْنَ التُّرَابِ وَالْمَاءِ أَوْ بَيْنَ الطَّهَارَتَيْنِ بِهِمَا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْجَمْعُ، وَكَذَا الْإِيمَاءُ لَيْسَ بِخُلْفٍ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا وَزِيَادَةً، وَلَكِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ زَالَ بِهِ) أَيْ وَلَزِمَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ إذَا زَالَ النِّكَاحُ بِالْوَفَاةِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَحْدُثْ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ بَلْ طَرَأَ كَمَالُ الْمِلْكِ بَعْدَهُ بِالْعِتْقِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي وَالْعِدَّةُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثِ حِيَضٍ هُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ النَّاقِصِ إلَخْ) وَقَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ صَوَّرَ الِانْتِقَالَ إلَى جَمِيعِ كَمِّيَّاتِ الْعِدَّةِ الْبَسِيطَةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ صُورَتُهَا أَمَةٌ صَغِيرَةٌ مَنْكُوحَةٌ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ فَلَوْ حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى حَيْضَتَيْنِ فَلَوْ أَعْتَقَتْ قَبْلَ مُضِيِّهَا صَارَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا) أَيْ وَظَهَرَ فَسَادُ نِكَاحِهَا الْكَائِنِ بَعْدَ تِلْكَ الْعِدَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الِاسْتِئْنَافَ هُنَا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْإِيَاسُ مُقَدَّرًا لِوَقْتٍ أَمْ لَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ تَبْلُغَ حَدًّا لَا يَحِيضُ فِيهِ مِثْلُهَا) وَيُمْكِنُ كَوْنُ الْمُرَادِ بِمِثْلِهَا فِيمَا ذَكَرَ فِي تَرْكِيبِ الْبَدَنِ وَالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ. اهـ. فَتْحٌ

سَقَطَ عَنْهُ بَعْضُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِلْعُذْرِ، وَبَقِيَ الْبَعْضُ عَلَى حَالِهِ، وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ خُلْفًا عَنْ الْبَاقِي لِوُجُودِهِ مَعَهُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْخُلْفِيَّةُ بِشَيْءٍ آخَرَ غَيْرَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا، وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ، وَأُمُّ الْوَلَدِ الْحَيْضُ لِلْمَوْتِ وَغَيْرِهِ) أَيْ عِدَّةُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ الْحَيْضُ إذَا فَارَقَتْهُ بِالْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ عَزَمَ الْوَاطِئُ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا أَوْ عِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، وَلَا آيِسَةً لِأَنَّ عِدَّتَهُنَّ لِلتَّعَرُّفِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ، وَالْحَيْضُ هُوَ الْمُعَرِّفُ فِي غَيْرِ الْحَامِلِ وَالْآيِسَةِ، وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِحَيْضَةٍ كَالِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا التَّعَرُّفُ قُلْنَا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَيْعِ حَتَّى يُفِيدَ الْمِلْكَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ فَيُؤْخَذُ لَهُ الْحُكْمُ مِنْ الصَّحِيحِ، وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ هُوَ كَالْفَاسِدِ حَتَّى يَجِبَ بِهِ الْمَهْرُ، وَغَيْرُهُ، وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ وَجَبَتْ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ فَأَشْبَهَتْ عِدَّةَ النِّكَاحِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ يَجِبُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عِدَّتُهَا فِي مَوْتِ مَوْلَاهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَضَعَّفَهُ، وَإِمَامُنَا فِيهِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً، وَلِأَنَّ هَذِهِ عِدَّةٌ وَجَبَتْ عَلَى حُرَّةٍ فَلَا يَكْتَفِي فِيهَا بِحَيْضَةٍ كَعِدَّةِ النِّكَاحِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ تِلْكَ تَجِبُ عَلَى الْأَمَةِ وَهَذِهِ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْحُرَّةِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالتَّكْمِيلِ بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى، هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، وَلَا بِالْعِتْقِ لِعَدَمِ ظُهُورِ فِرَاشِ الْمَوْلَى مَعَهُ، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ، وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا أَوَّلُ وَبَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَوْلَى مَاتَ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ حُرَّةٌ، وَلَا يَجِبُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ عَلَى مَوْتِ الزَّوْجِ فَهِيَ مَنْكُوحَةٌ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَهِيَ مُعْتَدَّةٌ فَتَيَقَّنَّا بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِ الزَّوْجِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ هُوَ الْمَوْلَى، وَأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ كَمْ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِاحْتِمَالِ مَا ذَكَرْنَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَيْضُ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِلْمَوْلَى، وَهُوَ ظُهُورُ فِرَاشِهِ لَمْ يُوجَدْ، وَالِاحْتِيَاطُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ظُهُورِ سَبَبِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزَوْجَةُ الصَّغِيرِ الْحَامِلُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَضْعُهُ، وَالْحَامِلُ بَعْدَهُ الشُّهُورُ) أَيْ عِدَّةُ زَوْجَةِ الصَّغِيرِ وَهِيَ حَامِلٌ عِنْدَ مَوْتِهِ وَضْعُ الْحَمْلِ، وَإِنْ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعِدَّتُهَا الشُّهُورُ، وَتَفْسِيرُ قِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ، وَقِيلَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَلِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ حَادِثٌ إجْمَاعًا، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عِدَّتُهَا الشُّهُورُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لِأَنَّهُ مُنْتَفٍ عَنْهُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ كَالْحَمْلِ الْحَادِثِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ شُرِعَتْ لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ لَا لِلتَّعَرُّفِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِشَرْعِهَا بِالْأَشْهُرِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَاءِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، وَلَئِنْ كَانَ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَوَضْعُهُ يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى بَرَاءَتِهِ فَيَتَعَلَّقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا) أَرَادَ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ النِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَنِكَاحَ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَنِكَاحَ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ، وَأَرَادَ بِالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ مَا إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ) لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ) أَيْ فِي الْأَصَحِّ فَإِذَا وَضَعَتْهُ كَذَلِكَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ وَضَعَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ مَوْتِهِ فَأَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ مَحْكُومًا بِقِيَامِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ بَلْ بِحُدُوثِهِ بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ تَقْدِيرُ الْعِدَّةِ بِالْوَضْعِ عِنْدَهُمَا بَلْ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ اتِّفَاقًا، وَقِيلَ الْمَحْكُومُ بِحُدُوثِهِ أَنْ تَلِدَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ مَوْتِهِ، وَفِيمَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ الِانْقِضَاءُ بِالْوَضْعِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لِلْحُدُوثِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ بِسَنَتَيْنِ كَوَامِلَ لَيْسَ إلَّا لِلِاحْتِيَاطِ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَلَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ فِي الصَّبِيِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَأْخِيرِ الْحُكْمِ بِالْحُدُوثِ إلَى السَّنَتَيْنِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ) وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذْ لَمْ يُحْكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ، وَلَا جَامَعَ كَلَامَهُ الْحَاكِمُ، وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا يَعْنِي الِاعْتِدَادَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ اسْتِحْسَانٌ مِنْ عُلَمَائِنَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا هِيَ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عِدَّتَهَا بِالشُّهُورِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرُ اهـ وَإِذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُطَلَّقَةِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ مَعَ أَنَّهُ مَنْفِيُّ النَّسَبِ، وَمَحْكُومٌ بِحُدُوثِهِ فَكَيْفَ يَقُولُ فِي الْمَحْكُومِ بِقِيَامِهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ لَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ فَإِنَّمَا هِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ يَجِبُ كَوْنُ الصَّغِيرِ غَيْرَ مُرَاهِقٍ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا طَلَّقَ الْكَبِيرُ امْرَأَتَهُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ غَيْرَ سَقْطٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا حَامِلًا مِنْ الزِّنَا، وَلَا يَعْلَمُ الْحَالَ ثُمَّ وَضَعَتْ كَذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ تَعْتَدُّ بِالْوَضْعِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُمْ لَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا وَلَا يُعْلَمُ لِيَصِحَّ كَوْنُهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِأَنَّ كَوْنَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ الْعَقْدُ عَلَى الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمَا فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُصَحِّحْهُ لَكِنْ يَجِبُ مِنْ الْوَطْءِ فِيهِ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُ بِشُبْهَةٍ فَيَقَعُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهَا بِالْوَضْعِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ هَذِهِ إلَخْ) أَيْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا اهـ

بِهِ الِانْقِضَاءُ كَاَلَّذِي يُنْسَبُ إلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وُجُودُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا حَقِيقَةً، وَلَا حُكْمًا فَتَعَيَّنَتْ الْأَشْهُرُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِحُدُوثِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ امْرَأَةِ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ بِهَا الْحَبَلُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ إلَى حَوْلَيْنِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَادِثٍ حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَ بِحُدُوثِهِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الْكَبِيرُ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتِ النَّسَبِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ زَوَالِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنَّسَبُ مُنْتَفٍ فِيهِمَا) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ لَا يَثْبُتُ مِنْ الصَّغِيرِ فِي الْحَمْلِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَفِي غَيْرِ الْحَادِثِ لِاسْتِحَالَتِهِ مِنْهُ لِأَنَّ النَّسَبَ يَعْتَمِدُ الْمَاءَ، وَلَا مَاءَ لَهُ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ حُكْمًا مَعَ تَعَذُّرِهِ حَقِيقَةً، وَإِقَامَةُ النِّكَاحِ مَقَامَ الْمَاءِ عِنْدَ التَّصَوُّرِ فَإِذَا تَعَذَّرَ فَاتَ الشَّرْطُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُعْتَدَّ بِحَيْضٍ طَلُقَتْ فِيهِ) أَيْ لَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ لَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ أَوْ اثْنَتَانِ بِالنَّصِّ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَلِأَنَّ الْحَيْضَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَمَا وُجِدَ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَا يُحْتَسَبُ بِهِ مِنْ الْعِدَّةِ لِعَدَمِ السَّبَبِ فَكَذَا مَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ التَّجَزِّي وَلَوْ احْتَسَبَ بِهِ لَوَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الرَّابِعَةِ فَإِذَا وَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الرَّابِعَةِ لَوَجَبَ كُلُّهَا ضَرُورَةَ أَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَجِبُ عِدَّةٌ أُخْرَى بِوَطْءِ الْمُعْتَدَّةِ بِشُبْهَةٍ، وَتَدَاخَلَتَا، وَالْمَرْئِيُّ مِنْهُمَا، وَتَتِمُّ الثَّانِيَةُ إنْ تَمَّتْ الْأُولَى) أَيْ إذَا وَطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى، وَتَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ، وَالدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ مُحْتَسَبٌ بِهِ مِنْ الْعِدَّتَيْنِ، وَتَتِمُّ الْعِدَّةُ الثَّانِيَةُ إنْ تَمَّتْ الْأُولَى، وَلَمْ تَكْمُلْ الثَّانِيَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَتَدَاخَلَانِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ لِشَخْصَيْنِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَالْمَهْرَيْنِ، وَلِأَنَّهُمَا عِبَادَتَا كَفٍّ فِي مُدَّةٍ فَلَا يَجْتَمِعُ الْكَفَّانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالصَّوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالتَّرَبُّصِ، وَهُوَ فِعْلٌ مِنْهَا، وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يُعَدُّ بِفِعْلَيْنِ، وَلَنَا أَنَّ الْعِدَّةَ مُجَرَّدٌ أَجَلٍ، وَالْآجَالُ إذَا اجْتَمَعَتْ تَنْقَضِي بِمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ كَرَجُلٍ عَلَيْهِ دُيُونٌ إلَى أَجَلٍ فَبِمُضِيِّ الْأَجَلِ حَلَّتْ كُلُّهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَجَلٌ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق: 2] {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235]، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَهِيَ تَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّتَانِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ أَشْخَاصَ وَهِيَ حَامِلٌ حَيْثُ يَنْقَضِي الْكُلُّ بِالْوَضْعِ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ رُكْنَ الْعِدَّةِ حُرْمَةُ الْأَفْعَالِ مِنْ الْخُرُوجِ، وَالتَّزَوُّجُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ بِالنَّهْيِ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ فِيهِ حَتَّى يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَتَجِبُ عَلَى الْكَافِرَةِ وَعَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، وَيَصِحُّ مِنْهُمْ، وَالْحُرُمَاتُ تَجْتَمِعُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِجِهَتَيْنِ، وَكَذَا الْخَمْرُ عَلَى الصَّائِمِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الْفِعْلُ فَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ فِعْلَيْنِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي مِنْ غَيْرِ عَمَلِهَا بِلَا كَفٍّ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُؤَخِّرَهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَلَا اخْتِيَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ) شَرَعَ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ بَيْنَ مَحَلِّ الْخِلَافِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا شَرَّعَ الْعِدَّةَ بِوَضْعٍ إذَا كَانَ الْحَمْلُ ثَابِتًا حَالَ الْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْآيَةِ مُطْلَقًا يُخَصُّ بِالْعَقْلِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ حَالَ الْمَوْتِ حَالُ زَوَالِ النِّكَاحِ، وَعِنْدَهُ يَتِمُّ السَّبَبُ الْمَوْجُودُ لِلْعِدَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَثْبُتَ الْعِدَّةُ إذْ ذَاكَ، وَالْفَرْضُ أَنْ لَا حَمْلَ حِينَئِذٍ لِيَثْبُتَ بِالْوَضْعِ فَكَانَ اعْتِبَارُ قِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْوَضْعِ أَوْ الْأَشْهُرِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْعَقْلِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَعِنْدَ عَدَمِهِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَثْبُتُ لَا تَتَوَقَّفُ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِالْأَشْهُرِ، وَبِهَذَا لَزِمَ أَنْ يُرَادَ مِنْ الْآيَةِ بِأُولَاتِ الْأَحْمَالِ أُولَاتُ الْأَحْمَالِ حَالَ الْفُرْقَةِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ امْرَأَةِ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ بِهَا الْحَبَلُ بَعْدَ الْمَوْتِ) بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مَعَ حُدُوثِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَيْثُ تَعْتَدُّ لَا بِالْأَشْهُرِ مَعَ فَرْضِ حُدُوثِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَأَجَابَ بِمَنْعِ الْحُكْمِ بِحُدُوثِهِ فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ شَرْعًا، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِقِيَامِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَالْأَصْلُ التَّوَافُقُ بَيْنَ الْحُكْمِيِّ، وَالْوَاقِعُ الْآنَ يَتَحَقَّقُ خِلَافُهُ فَوَجَبَ كَوْنُهُ قَائِمًا عِنْدَ الْمَوْتِ حَقِيقَةً، وَحُكْمًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يُعْتَدَّ) أَيْ لَمْ يُحْتَسَبْ، وَهُوَ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ مُسْنَدٌ إلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مَنْقُوطٌ بِنُقْطَتَيْنِ تَحْتَانِيَّتَيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ بِنُقْطَتَيْنِ فوقا نِيَّتَيْنِ عَلَى إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى الْمَرْأَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَجَبَ) الَّذِي مَوْجُودٌ بِخَطِّ الشَّارِحِ فَإِذَا وَجَبَ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا وَطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ) بِأَنْ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ أَوْ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ، وَقَالَ النِّسَاءُ إنَّهَا زَوْجَتُك. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ) مَعْنَى التَّدَاخُلِ جَعَلَ الْمَرْئِيَّ عَنْهُمَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ وَطِئَتْ بَعْدَ حَيْضَةٍ مِنْ الْعِدَّةِ الْأُولَى فَعَلَيْهَا حَيْضَتَانِ تَمَامُهَا، وَيُحْتَسَبُ بِهِمَا عِدَّةُ الثَّانِي، وَلِلْآخَرِ أَنْ يَخْطُبَهَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا فِي عِدَّتِهِ، وَلَا يَخْطُبُهَا غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا إذَا شَاءَ ثُمَّ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا بَعْدَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْ الثَّانِي حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّتَانِ بِالشُّهُورِ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ الْعِدَّتَانِ تَنْقَضِيَانِ بِمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ صُورَةُ الْأُولَى الْمُطَلَّقَةُ إذَا حَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ، وَوَطِئَهَا الثَّانِي، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَحَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ كَانَ لِهَذَا الزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِانْقِضَاءِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لِقِيَامِ عِدَّةِ الثَّانِي فِي حَقِّ الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ طَلَاقُ الْأَوَّلِ رَجْعِيًّا كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ حَيْضَتَيْنِ بَعْدَ تَفْرِيقِ الثَّانِي لِأَنَّهَا فِي عِدَّةِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الثَّانِي، وَإِنْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ وَقْتِ تَفْرِيقِ الثَّانِي تَنْقَضِي الْعِدَّتَانِ جَمِيعًا، وَصُورَةُ الثَّانِيَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ الْأُولَى بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ الثَّانِيَةُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ تَرَاهَا فِي الْأَشْهُرِ اهـ

لَهَا فِي الِابْتِدَاءِ فَكَيْفَ يُمْكِنُهَا أَنْ تُؤَخِّرَ إحْدَى الْعِدَّتَيْنِ، وَتَشْتَغِلَ بِالْأُخْرَى وَلَوْ كَانَ هَذَا مَشْرُوعًا لَأَمْكَنَهَا فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ تُؤَخِّرَهَا إلَى وَقْتِ وَاحِدٍ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأَمْرِ بِالتَّرَبُّصِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الِانْتِظَارُ، وَانْتِظَارَ أَشْيَاءَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مُمْكِنٌ، وَكَذَا الِامْتِنَاعُ عَنْ أَشْيَاءَ مُمْكِنٌ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ أَثَرُ النِّكَاحِ، وَحَقِيقَةَ النِّكَاحِ لَا تُنَافِي الْعِدَّةَ فَأَثَرُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يُنَافِيَهَا، وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ إذَا وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ، وَتَحْتَسِبُ بِمَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فِي خِلَالِهَا مِنْ الْعِدَّةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَبْدَأُ الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَهَا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهُمَا يَتَّصِفَانِ بِهِمَا عَقِيبَهُمَا فَيَكُونُ وَقْتَ ابْتِدَائِهَا ضَرُورَةً، وَلِأَنَّ السَّبَبَ نِكَاحٌ مُتَأَكِّدٌ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَالْفُرْقَةَ شَرْطٌ لِوُجُوبِهَا، وَقَدْ تَحَقَّقَ فَتَجِبُ حِينَئِذٍ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الطَّلَاقُ أَوْ الْمَوْتُ، وَهُوَ تَجَوُّزٌ لِكَوْنِهِ مُعْمِلًا لِلْعِلَّةِ وَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ فَقَدْ انْقَضَتْ لِأَنَّهَا أَجَلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ لِانْقِضَائِهِ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مُنْذُ زَمَانٍ قَالُوا فَإِنْ كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا، وَلَا أَرْبَعٍ سِوَاهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَاخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ أَنْ تَجِبَ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ عُقُوبَةً عَلَيْهِ زَجْرًا عَلَى كِتْمَانِهِ الطَّلَاقَ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى لِاعْتِرَافِهَا بِسُقُوطِهِ، وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَقَالَ السُّغْدِيُّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ فَلَا يُصَدَّقَانِ لِأَنَّ الْكَذِبَ فِي كَلَامِهِمَا ظَاهِرٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا) أَيْ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَقِيبَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ عَقِيبَ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ تَرَكْتُك أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَا مُجَرَّدَ الْعَزْمِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ لِأَنَّهُ الْمُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِهَا، وَلَنَا أَنَّ التَّمَكُّنَ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ أُقِيمَ مَقَامَ الْوَطْءِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ الدَّاعِي إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَةٌ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا كَنِكَاحِ أُخْتِهَا، وَلَا يُمْكِنُ بِنَاءُ الْأَحْكَامِ إلَّا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ) فَلَوْ لَمْ تَرَ فِيهَا دَمًا يَجِبُ أَنْ تَعْتَدَّ بَعْدَ الْأَشْهُرِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ) قَالَ الْوَلْوَالِجَيُّ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَالْمُخْتَارُ لِلْمَشَايِخِ أَنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ، وَكَتَمَ الطَّلَاقَ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ زَجْرًا لَهُ، وَلَا تَجِبُ لَهَا نَفَقَةٌ الْعِدَّةِ وَمُؤْنَةُ السُّكْنَى لِأَنَّ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ وَمُؤْنَةَ السُّكْنَى حَقُّهَا، وَهِيَ أَقَرَّتْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا، وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ مَهْرًا ثَانِيًا بِالدُّخُولِ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ لَهَا بِذَلِكَ، وَهِيَ صَدَّقَتْهُ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ إنْ كَذَّبَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي كَانَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَفِي الْفَتْوَى عَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ تَصْدِيقِهَا إلَّا فِي إبْطَالِ النَّفَقَةِ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَشَايِخُنَا أَيْ مَشَايِخُ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ، وَاقْتِصَارُ النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ غَيْرُ جَيِّدٍ ثُمَّ فِيهِ تَرْكٌ لِشَرْحِ الْكِتَابِ. اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مُنْذُ كَذَا صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي الْإِسْنَادِ أَوْ كَذَّبَتْهُ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي فَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْإِسْنَادِ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَجَوَابُ مُحَمَّدٍ فِي الْكِتَابِ أَنَّ فِي التَّصْدِيقِ الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الْمُخْتَارَيْنِ اخْتَارُوا وُجُوبَ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا زَجْرًا لَهُ حَيْثُ كَتَمَ طَلَاقَهَا، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَعَلَى الزَّوْجِ الْمَهْرُ ثَانِيًا بِالدُّخُولِ لِإِقْرَارِهِ، وَتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ بِذَلِكَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ أَنَّ الزَّوْجَ يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ مِنْ زَمَانٍ مَاضٍ، وَتُصَدِّقَهُ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَجُوزَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا، وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا أَوْ يَجُوزَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُطَلَّقَةً الثَّلَاثَ فَيُصَدَّقُ زَوْجُهَا فِي إسْنَادِ الطَّلَاقِ إلَى زَمَانٍ مَاضٍ كَيْ يَجُوزَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا زَوْجُهَا فِي الْحَالِ فَلِنَفْيِ الْمُوَاضَعَةِ اعْتَبَرُوا وُقُوعَ طَلَاقِهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَا مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي أَسْنَدَ إلَيْهِ الطَّلَاقَ اهـ قَالَ الْكَمَالُ يُفِيدُ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُتَقَدِّمَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتٍ قَامَتْ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ فِي بَابِ الْمَهْرِ وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنَّمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ فَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ هُنَا مَعَ زُفَرَ مَذْكُورٌ هُنَاكَ أَيْضًا فَرَاجِعْ كَلَامَ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عَقِيبَ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ) وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالنِّصَابُ الْمُتَارَكَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ تَرَكْتُك أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَتَرَكْتُهَا، وَخَلَّيْت سَبِيلَهَا أَمَّا عَدَمُ الْمَجِيءِ فَلَا إذَا لِغَيْبَةٍ لَا تَكُونُ مُتَارَكَةً لِأَنَّهُ عَادَ بِعَوْدٍ، وَلَوْ أَنْكَرَ نِكَاحَهَا لَا تَكُونُ مُتَارَكَةً اهـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إلَخْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْوَطْءِ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَطَأْهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ التَّمَكُّنَ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ هُوَ شُبْهَةُ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الزِّنَا وَرَفْعُ تِلْكَ الشُّبْهَةِ بِالْفُرْقَةِ إمَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا أَوْ بِالْمُتَارَكَةِ، وَتُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ أَنَّ الْوَطْءَ، وَإِنْ وُجِدَ مِرَارًا لَا يَجِبُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ لِاسْتِنَادِ الْكُلِّ إلَى شُبْهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِالْفُرْقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ مِرَارًا لَا يَلْزَمُهُ

شَيْءٍ ظَاهِرٍ، وَهُوَ الْمُتَارَكَةُ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ شُبْهَةُ النِّكَاحِ، وَرَفْعَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِالتَّفْرِيقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ الْمُتَارَكَةِ لَا يُحَدُّ، وَبَعْدَهُ يُحَدُّ، وَكَذَا الْوَطَآتُ فِيهِ لَا تُوجِبُ إلَّا مَهْرًا وَاحِدًا فَلَا تَكُونُ شَارِعَةً فِي الْعِدَّةِ حَتَّى تَرْتَفِعَ هَذِهِ الشُّبْهَةُ بِالتَّفْرِيقِ كَمَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَلِهَذَا لَا تَعْتَدُّ عَقِيبَ كُلِّ وَطْأَةٍ بَعْدَهَا وَطْءٌ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَاعْتَدَّتْ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَخَلَا الْوَطَآتُ بَعْدَهَا عَنْ شُبْهَةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَتْ مَضَتْ عِدَّتِي، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْحَلِفِ) لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِيمَا تُخْبِرُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ أَوْ هَلَاكَهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَدْنَى الْمُدَّةِ الَّتِي تَصْدُقُ فِيهَا بِيَمِينِهَا، وَالِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِيهَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي آخِرِ بَابِ الرَّجْعَةِ فَلَا نُعِيدُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ، وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ وَجَبَ مَهْرٌ تَامٌّ وَعِدَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ) أَيْ لَوْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ، وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةِ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةِ، وَعَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى بَطَلَتْ بِالتَّزَوُّجِ، وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّانِي، وَلَا كَمَالُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ إكْمَالَ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَجَبَ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُهُ حَالَ التَّزَوُّجِ الثَّانِي فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي ظَهَرَ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْأَمَةَ، وَلَيْسَ لَهَا وَلَدٌ مِنْهُ طَلْقَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ يَبْطُلُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ بِالشِّرَاءِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ وَطْؤُهَا ثُمَّ يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا بِالطَّلَاقِ السَّابِقِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ، وَلَمْ تَظْهَرْ الْعِدَّةُ ثُمَّ بِالْعِتْقِ تَظْهَرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ أُعْتِقَتْ، وَتَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ إلَى أَنْ تَمْضِيَ عِدَّةُ النِّكَاحِ وَهِيَ حَيْضَتَانِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ أَوْ الشِّرَاءِ لِأَنَّهَا عِدَّةُ النِّكَاحِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِيمَا بَقِيَ لِأَنَّهَا عِدَّةُ أُمِّ وَلَدٍ، وَلَهُمَا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ وَإِذَا وَطِئَهَا مَرَّةً بَعْدَ الْفُرْقَةِ يَجِبُ الْحَدُّ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ، وَالْوَطْءُ الْأَخِيرُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ فَلَا يَكُونُ الَّذِي قَبْلَهُ أَخِيرًا، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا عَلَى وُقُوفِ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَعْتَدُّ فَنَقُولُ قَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى وُقُوفِ غَيْرِهَا نَحْوَ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا، وَلَا وُقُوفَ لِلْغَيْرِ فَلَمَّا كَانَ الْوَطْءُ الْأَخِيرُ خَفِيًّا أُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ حَقِيقَةً بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ ثُمَّ لَمَّا ارْتَفَعَ ذَلِكَ التَّمَكُّنُ بِالْفُرْقَةِ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَخَلَتْ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ، وَخَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْحَلِفِ إلَخْ) فَإِنْ حَلَفَتْ صُدِّقَتْ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُرِيدُ بِهِ فِي حَقِّ الْمُرَاجَعَةِ يَعْنِي إنْ حَلَفَتْ بَطَلَتْ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ نَكَلَتْ لَمْ تَبْطُلْ بَلْ بَقِيَتْ كَمَا كَانَتْ. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ، وَهَذَا لَيْسَ بِاسْتِحْلَافٍ عَلَى الرَّجْعَةِ بَلْ عَلَى بَقَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا يَرِدُ نَقْضًا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ هَذَا مَا إذَا كَذَّبَهَا مَعَ كَوْنِ الْمُدَّةِ تَحْتَمِلُ انْقِضَاءَهَا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ شَهْرَانِ عِنْدَهُ، وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَحْتَمِلْهُ الْمُدَّةُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَصْلًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ إلَى آخِرِ الْمَقَالَةِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ طَلَّقَ الْمَدْخُولَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ زُفَرَ كَمَا فِي الْبَائِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ وَأَشْعَثَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ سَرُوجِيٍّ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةِ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ زُفَرَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ إسْقَاطَهَا بِالْكُلِّيَّةِ يُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا فَيَتَزَوَّجُهَا ثَانٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فَلَا يُعْلَمُ فَرَاغُ الرَّحِمِ. اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمَا قَالَهُ زُفَرُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إبْطَالَ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِهَا، وَهُوَ عَدَمُ اشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا مِنْ يَوْمِهِ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ مِنْ غَيْرِ عِدَّةٍ عَنْ الطَّلَاقِ، وَفِي ذَلِكَ اشْتِبَاهُ النَّسَبِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ الْمُتْعَةِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ سُمِّيَ فِيهِ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ) وَكَذَا الشَّافِعِيُّ وَرِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ) أَيْ وَالْخَلْوَةُ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَذَلِكَ) أَيْ أَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى بَطَلَتْ بِالتَّزْوِيجِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ مِنْهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَجُلٌ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ، وَهِيَ أَمَةٌ، وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَسَدَ النِّكَاحُ، وَكَانَتْ حَلَالًا لَهُ بِالْمِلْكِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَتَزَيَّنَ، وَلَا تَتَّقِيَ الطِّيبَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَدَّةٍ فِي حَقِّهِ فَإِنَّ الْعِدَّةَ أَثَرُ النِّكَاحِ فَكَمَا أَنَّ الْمِلْكَ يُنَافِي النِّكَاحَ يُنَافِي أَثَرَهُ لَكِنَّهَا مُعْتَدَّةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَتَيْنِ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَكَانَتْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ ثُمَّ إذَا أَعْتَقَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ حِينَ اشْتَرَاهَا بَعْدَمَا وَلَدَتْ بِالنِّكَاحِ، وَعَلَى أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ لَكِنَّهَا تَتَّقِيَ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ فِي الْحَيْضَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ عَلَيْهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَدَّ إذَا لَمْ يَلْزَمْهَا عِنْدَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ فَلَا يَلْزَمُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ عَلَيْهَا بِالْفُرْقَةِ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِكَوْنِهَا حَلَالًا لَهُ بِالْمِلْكِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَظَهَرَتْ تِلْكَ الْعِدَّةُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَالْعِدَّةُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ يَجِبُ فِيهَا الْحِدَادُ فَأَمَّا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَلَا حِدَادَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِسَبِيلِ النِّكَاحِ بَلْ بِالْعِتْقِ، وَلَا حِدَادَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا اهـ

[فصل في الإحداد]

الْوَطْءَ قَبْضٌ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ، وَهُوَ الْعِدَّةُ فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ نَابَ الْقَبْضُ الْأَوَّلُ عَنْ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالثَّانِي كَالْغَاصِبِ إذَا اشْتَرَى الْمَغْصُوبَ، وَهُوَ فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَكَانَ طَلَاقًا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَلَا يُقَالُ وَجَبَ عَلَى هَذَا أَنْ يَمْلِكَ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إقَامَتِهِ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ فِي حَقِّ مِلْكِ الرَّجْعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَلْوَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّهِمَا، وَلَمْ تَقُمْ فِي حَقِّ مِلْكِ الرَّجْعَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ فَاسِدًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ، وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَهُمَا وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ بِأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَحِيحًا، وَالثَّانِي فَاسِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا اسْتِقْبَالُ الْعِدَّةِ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى بِالْإِجْمَاعِ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ فِي الْفَاسِدِ فَلَا يُجْعَلُ وَاطِئًا حُكْمًا لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا لَا يُجْعَلُ وَاطِئًا بِالْخَلْوَةِ فِي الْفَاسِدِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَلَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ طَلَّقَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً لَمْ تَعْتَدَّ) وَكَذَا إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا الذِّمِّيُّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ لَا تَجِبُ فِي مُعْتَقَدِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَقَالَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا حَقُّ الشَّرْعِ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرَةِ، وَالْكَافِرَةُ مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعِدَّةَ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَجِبَ حَقًّا لِلشَّرْعِ أَوْ لِلزَّوْجِ، وَلَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ، وَلَا لِلثَّانِي لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْتَقِدُهُ، وَقَدْ أَمَرَنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ، وَمَا يَدِينُونَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَا تَتَزَوَّجُ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَرْبِيَّةُ إذَا خَرَجَتْ إلَيْنَا مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ مُسْتَأْمِنَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ وَقَعَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ التَّبَايُنِ فَتَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ كَمَا لَوْ وَقَعَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ نَحْوَ الْمَوْتِ وَمُطَاوَعَةِ ابْنِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَاجَرَ هُوَ، وَتَرَكَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ إجْمَاعًا لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا، وَأَرْبَعًا سِوَاهَا عَقِيبَ دُخُولِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ، وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ تَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ، وَالْحَرْبِيُّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ وَالْبَهَائِمِ حَتَّى صَارَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ فَلَا حُرْمَةَ لِفِرَاشِهِ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ، وَهُوَ الدُّخُولُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا حَتَّى تَضَعَ الْحَمْلَ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ الْحَرْبِيِّ فَيَمْتَنِعُ التَّزَوُّجُ كَحَمْلِ أُمِّ الْوَلَدِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا. (فَصْلٌ). فِي الْإِحْدَادِ، وَهُوَ تَرْكُ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ، وَفِيهِ لُغَتَانِ أَحَدَّتْ إحْدَادًا فَهِيَ مُحِدٌّ، وَحَدَّتْ تَحِدُّ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنَصَرَ حَدًّا فَهِيَ حَادٌّ، وَأَصْلُ الْحَدِّ الْمَنْعُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تُحِدُّ مُعْتَدَّةٌ الْبَتِّ وَالْمَوْتِ بِتَرْكِ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ وَالْكُحْلِ وَالدُّهْنِ إلَّا بِعُذْرٍ، وَالْحِنَّاءُ، وَلُبْسِ الْمُعَصْفَرِ، وَالْمُزَعْفَرِ إنْ كَانَتْ بَالِغَةً مُسْلِمَةً) لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ، وَهُوَ الْعِدَّةُ) أَيْ لِاشْتِغَالِ رَحِمِهَا بِمَائِهِ بِالْوَطْءِ السَّابِقِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَصِيرُ قَابِضًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ غَائِبًا. اهـ. (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَلْوَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّهِمَا) أَيْ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمَهْرِ، وَفِي حَقِّ وُجُوبِ الْعِدَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا الذِّمِّيُّ) فَلَوْ تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فِي فَوْرِ طَلَاقِهَا جَازَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ) فَإِنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ بِالِاتِّفَاقِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَرْبِيَّةُ إذَا خَرَجَتْ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا إذَا خَرَجَتْ الْحَرْبِيَّةُ إلَيْنَا مُسْلِمَةً قَالَ الْكَمَالُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَصِيرَ بِحَيْثُ لَا تُمَكَّنُ مِنْ الْعُودِ إمَّا لِخُرُوجِهَا مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ مُسْتَأْمِنَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا) أَيْ الْحَرْبِيَّةُ الْمُهَاجِرَةُ اهـ. [فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ] لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْعِدَّةِ، وَعَنْ بَيَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهَا، وَمَنْ لَا تَجِبُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُعْتَدَّاتِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ أَحَدَّتْ الْمَرْأَةُ إحْدَادًا) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ حَدَّتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا تُحِدُّ، وَتُحِدُّ حِدَادًا بِالْكَسْرِ فَهِيَ حَادٌّ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَأَحَدَّتْ إحْدَادًا فَهِيَ مُحِدٌّ، وَمُحِدَّةٌ إذَا تَرَكَتْ الزِّينَةَ لِمَوْتٍ، وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الثُّلَاثِيَّ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الرُّبَاعِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ تُحِدُّ مُعْتَدَّةُ الْبَتِّ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً مُسْلِمَةً الْحِدَادُ قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ يَعْنِي، وَيَجِبُ بِسَبَبِ الزَّوْجِ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ، وَأَصْلُهُ الْمَبْتُوتُ طَلَاقُهَا تَرَكَ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَهِيَ الْمُخْتَلِعَةُ، وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً ابْتِدَاءً، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجَةِ بِسَبَبٍ غَيْرَ الزَّوْجِ مِنْ الْأَقَارِبِ، وَهَلْ يُبَاحُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ لَا يَحِلُّ الْإِحْدَادُ لِمَنْ مَاتَ أَبُوهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ أُمُّهَا أَوْ أَخُوهَا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الزَّوْجِ خَاصَّةً قِيلَ أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ إبَاحَتِهِ لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَبْتُوتَةِ يُفِيدُ نَفْيَ وُجُوبِهِ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تُحِدَّ عَلَى قُرَابَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَهَا زَوْجٌ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا لِأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِهَا إذَا امْتَنَعَتْ، وَهُوَ يُرِيدُهَا، وَهَذَا الْإِحْدَادُ مُبَاحٌ لَهَا لَا وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَبِهِ يَفُوتُ حَقُّهُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي، وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ فُرْقَةٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا كَانَ لَهَا أَنْ تُطَيَّبَ أَوْ تَلْبَسَ الْحُلِيَّ أَوْ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِعُصْفُرٍ أَوْ وَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانَ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْحِدَادُ وَالْإِحْدَادُ، وَهُمَا لُغَتَانِ أَنْ تَتْرُكَ الطِّيبَ قَالَ الْكَمَالُ وَلَا تَحْضُرُ عَمَلَهُ، وَلَا تَتَّجِرُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ إلَّا فِيهِ اهـ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلَا تَمَسُّ طِيبًا إلَّا إذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ، وَلَا الْمُمَشَّقَ وَلَا الْحُلِيَّ، وَلَا تَخْتَضِبُ، وَلَا تَكْتَحِلُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا إحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّهُ وَجَبَ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ زَوْجٍ وَفَّى بِعَهْدِهَا إلَى الْمَمَاتِ، وَهَذَا قَدْ أَوْحَشَهَا بِالْفِرَاقِ فَلَا تَتَأَسَّفُ عَلَيْهِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ الْمُطَلَّقَةَ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِصَوْنِهَا، وَكِفَايَةُ مُؤَنِهَا، وَالْإِبَانَةُ أَفْظَعُ لَهَا مِنْ الْمَوْتِ حَتَّى كَانَ لَهَا غُسْلُهُ مَيِّتًا قَبْلَ الْإِبَانَةِ لَا بَعْدَهَا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَجِبُ التَّأَسُّفُ عَلَيْهَا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 23] قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ الْفَرَحُ، وَالتَّأَسُّفُ بِصِيَاحٍ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَمَّا بِدُونِ الصِّيَاحِ فَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَإِنْ قِيلَ الْمُخْتَلِعَةُ وَقَعَ الْفِرَاقُ بِاخْتِيَارِهَا فَكَيْفَ تَتَأَسَّفُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَا الْمُبَانَةُ بِغَيْرِ الْخَلْعِ قَدْ جَفَاهَا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَتَأَسَّفَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قُلْتُمْ مِنْ فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهَا إذْ هِيَ تَخْتَارُ ضِدَّهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَى الرَّجُلِ أَيْضًا لِأَنَّهُ فَاتَهُ نِعْمَةُ النِّكَاحِ قُلْنَا يُعْتَبَرُ الْأَعَمُّ الْأَغْلَبُ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْأَفْرَادِ، وَكَمْ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ تَتَمَنَّى مَوْتَ الزَّوْجِ، وَتَفْرَحُ بِمَوْتِهِ، وَمَعَ هَذَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَيْهَا لِمَا قُلْنَا، وَهُوَ تَبَعٌ لِلْعِدَّةِ فَلَوْ وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ لَوَجَبَ مَقْصُودًا، وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهَا ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ كَالْوَلَدِ وَالْأَبَوَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْهَا مِنْ الزَّوْجِ لِفَقْدِ الْعِدَّةِ، وَتَتْرُكُ أَنْوَاعَ الْحُلِيِّ وَالزِّينَةِ وَلُبْسَ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوَاهِرِ كُلِّهَا، وَلَا تَكْتَحِلُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَلَا تَدْهُنُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَدْهَانِ كَالزَّيْتِ الْبَحْتِ وَالشَّيْرَجِ الْبَحْتِ وَالسَّمْنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ لَأَنْ يَلِينَ الشَّعْرُ فَيَكُونُ زِينَةً إلَّا إذَا كَانَ بِهَا ضَرَرٌ ظَاهِرٌ، وَلَا تَمْتَشِطُ بِالْأَسْنَانِ الضَّيِّقَةِ، وَتَمْشُطُ بِالْأَسْنَانِ الْوَاسِعَةِ الْمُتَبَايِنَةِ لِأَنَّ الضَّيِّقَةَ لِتَحْسِينِ الشَّعْرِ وَالزِّينَةِ وَالْمُتَبَاعِدَةَ لِدَفْعِ الْأَذَى، وَلَا تَلْبَسُ الْحَرِيرَ لِأَنَّ فِيهِ زِينَةً إلَّا لِضَرُورَةٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَكَّةٌ أَوْ قَمْلٌ، وَلَا يَحِلُّ لَهَا لُبْسُ الْمُمَشَّقِ، وَهُوَ الْمَصْبُوغُ بِالْمَشْقِ، وَهُوَ الْمَغْرَةُ، وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْمَصْبُوغِ أَسْوَدَ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ الزِّينَةَ، وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ لُبْسَ الْعَصَبِ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ ثَوْبٌ مُوَشًّى يُعْمَلُ فِي الْيَمَنِ، وَقِيلَ ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ يُنْسَجُ أَبْيَضَ ثُمَّ يُصْبَغُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَوْبٌ سِوَى الْمَصْبُوغِ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ لِلضَّرُورَةِ إذْ سِتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثِّيَابِ الْمَذْكُورَةِ الْجُدُدُ مِنْهَا أَمَّا لَوْ كَانَ خَلَقًا بِحَيْثُ لَا تَقَعُ بِهِ الزِّينَةُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا مُعْتَدَّةُ الْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ) أَيْ لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا، وَلَا عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ، وَلَمْ تَفُتْهُمَا نِعْمَةُ النِّكَاحِ، وَكَذَا لَا إحْدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ، وَلَا عَلَى صَغِيرَةٍ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَتَيْنِ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ إذْ هِيَ عِبَادَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرَطَ أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً بِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ وَلَوْلَا أَنَّهُ عِبَادَةٌ لَمَا شُرِطَ فِيهِ الْإِيمَانُ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا حَقُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ إلَّا ظَهَرَتْ نُبْذَةٌ مِنْ قُسْطٍ) الْقُسْطُ بِضَمِّ الْقَافِ عِرْقُ شَجَرٍ يُنْحَرُ بِهِ، وَالْأَظْفَارُ نَوْعُ طِيبٍ لَا وَاحِدَ لَهُ، وَالنُّبْذَةُ الْقَلِيلُ مِنْهُ بِضَمِّ النُّونِ رُخِّصَ لِلْمُعْتَدَّةِ اسْتِعْمَالُهُ حِينَ تَطْهُرُ مِنْ حَيْضِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا الْمُمَشَّقَ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمِشْقُ وِزَانُ حِمْلٍ الْمَغْرَةُ، وَأَمْشَقْتُ الثَّوْبَ إمْشَاقًا صَبَغْتُهُ بِالْمِشْقِ، وَقِيَاسُ الْمَفْعُولِ عَلَى بَابِهِ، وَقَالُوا ثَوْبٌ مُمَشَّقٌ بِالتَّثْقِيلِ، وَالْفَتْحِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِعْلَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ) أَيْ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ) أَيْ قَصْدًا، وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ لِفَوَاتِ الْأَبِ مَعَ أَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُودِهَا وَحَيَاتِهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ الْبَحْتِ) أَيْ الْخَالِصِ اهـ (قَوْلُهُ وَتَمْتَشِطُ بِالْأَسْنَانِ الْوَاسِعَةِ) وَأَطْلَقَهُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مُطْلَقًا، وَكَوْنُهُ بِالضَّيِّقَةِ يَحْصُلُ مَعْنَى الزِّينَةِ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهَا، وَبِالْوَاسِعَةِ يَحْصُلُ دَفْعُ الضَّرَرِ مَمْنُوعٌ بَلْ قَدْ يَحْتَاجُ لِإِخْرَاجِ الْهَوَامِّ إلَى الضَّيِّقَةِ نَعَمْ كُلُّ مَا أَرَادَتْ بِهِ مَعْنَى الزِّينَةِ لَمْ يَحِلَّ، وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ الْأَدْهَانِ الْمُطَيِّبَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْمُطَيِّبَةِ كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ الْبَحْتَيْنِ وَالسَّمْنِ فَمَنَعْنَاهُ نَحْنُ وَالشَّافِعِيُّ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِحُصُولِ الزِّينَةِ، وَأَجَازَهُ الْإِمَامَانِ، وَالظَّاهِرِيَّةُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَكَّةٌ أَوْ قَمْلٌ) أَيْ أَوْ مَرَضٌ، وَقَالَ مَالِكٌ يُبَاحُ لَهَا الْحَرِيرُ الْأَسْوَدُ وَالْحُلِيُّ وَالْمَعْنَى الْمَعْقُولُ مِنْ النَّصِّ فِي مَنْعِ الْمَصْبُوغِ يَنْفِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِمَنْعِ الْحُلِيِّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا سَيُذْكَرُ، وَلَمْ يُسْتَثْنَ مِنْ الْمَصْبُوغِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ إلَّا الْعَصَبَ فَشَمَلَ مَنْعَ الْأَسْوَدِ انْتَهَى كَمَالٌ (قَوْلُهُ الْعَصَبِ مَكْرُوهٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ وَالْعَصَبُ مِثْلُ فَلْسِ بُرْدٍ يُصْبَغُ غَزْلُهُ ثُمَّ يُنْسَجُ وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ، وَإِنَّمَا يُثَنَّى وَيُجْمَعُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ فَيُقَالُ بُرْدُ عَصْبٍ وَبُرُودُ عَصْبٍ، وَالْإِضَافَةُ لِلتَّخْصِيصِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ وَصْفًا فَيُقَالُ شَرَيْت ثَوْبًا عَصْبًا، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ الْعَصْبُ صَبْغٌ لَا يَنْبُتُ إلَّا بِالْيَمَنِ انْتَهَى، وَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْغَايَةِ مَنْقُولٌ مِنْ الصِّحَاحِ انْتَهَى (قَوْلُهُ إذْ سِتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ) وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَوْبٌ آخَرُ تَعَيَّنَ هَذَا الثَّوْبُ لِسِتْرِ الْعَوْرَةِ، وَلَكِنْ لَا بِقَصْدِ الزِّينَةِ انْتَهَى كَافِي قَالَ الْكَمَالُ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِقَدْرِ مَا تَسْتَحْدِثُ ثَوْبًا غَيْرَهُ إمَّا بِبَيْعِهِ وَالِاسْتِخْلَافِ بِثَمَنِهِ أَوْ مِنْ مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَمْ تَفُتْهُمَا نِعْمَةُ النِّكَاحِ) لِأَنَّ زَوَالَ الرِّقِّ لَا يَلِيقُ بِهِ التَّأَسُّفُ بَلْ يَلِيقُ بِهِ الشُّكْرُ لِزَوَالِ أَثَرِ الْكُفْرِ عَنْهَا، وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ مَعْصِيَةٌ فَلَزِمَهَا الشُّكْرُ عَلَى فَوَاتِهِ لَا التَّأَسُّفُ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا إحْدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ) وَإِنْ أَبَانَهَا مُسْلِمٌ أَوْ مَاتَ عَنْهَا انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ وَلَا عَلَى صَغِيرَةٍ) أَيْ وَلَا مَجْنُونَةِ انْتَهَى فَتْحٌ

الزَّوْجِ فَتَجِبُ عَلَى الْكُلِّ وَلَا إحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّ نِعْمَةَ النِّكَاحِ لَمْ تَفُتْهَا إذْ النِّكَاحُ بَاقٍ فِيهَا حَتَّى يَحِلَّ وَطْؤُهَا، وَتَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الزَّوْجَاتِ وَعَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْخُرُوجِ لِأَنَّهَا لَوْ مُنِعَتْ عَنْهُ لَبَطَلَ حَقُّ الْمَوْلَى فِي الِاسْتِخْدَامِ، وَحَقُّ الْمَوْلَى مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ لِحَاجَتِهِ، وَعَلَى حَقِّ الزَّوْجِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَوِّئَهَا بَيْتَ الزَّوْجِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ، وَبَعْدَ زَوَالِهِ أَوْلَى حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُبَوَّأَةً فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا الْمَوْلَى، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لَهَا الْخُرُوجَ لِعَدَمِ وُجُوبِ حَقِّ الشَّرْعِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَجَبَ عَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ لِأَجَلِ فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ لَوَجَبَ عَلَيْهَا بَعْدَ شِرَاءِ مَنْكُوحَتِهِ لِزَوَالِ النِّكَاحِ بِالشِّرَاءِ قُلْنَا يَجِبُ هُنَاكَ أَيْضًا غَيْرَ أَنَّ عِدَّتَهَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِثُبُوتِ حِلِّ وَطْئِهَا لَهُ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ أَيْضًا بِدُونِ الْعِدَّةِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ظَهَرَتْ الْعِدَّةُ، وَالْإِحْدَادُ فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ، وَمُعْتَقَةُ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَالْقِنَّةِ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهِنَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُخْطَبُ مُعْتَدَّةٌ، وَصَحَّ التَّعْرِيضُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235]، وَالتَّعْرِيضُ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ، وَهُوَ هُنَا أَنْ يَقُولَ لَهَا إنَّك لَجَمِيلَةٌ، وَإِنَّك لَصَالِحَةٌ، وَمِنْ غَرَضِي أَنْ أَتَزَوَّجَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ الدَّالِّ عَلَى إرَادَةِ التَّزَوُّجِ بِهَا نَحْوَ قَوْلِهِ إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ نَجْتَمِعَ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ، وَلَا يُصَرِّحُ بِالنِّكَاحِ، وَلَا يَقُولُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَك، وقَوْله تَعَالَى {أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 235] أَيْ سَتَرْتُمْ فِي قُلُوبِكُمْ، وَأَضْمَرْتُمُوهُ، وَالْمُسْتَدْرَكُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ} [البقرة: 235] مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ فَاذْكُرُوهُنَّ، وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا أَيْ وَطْئًا لِأَنَّهُ مِمَّا يُسَرُّ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - السِّرُّ النِّكَاحُ. هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ»، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَالزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا فَلَا يُمْكِنُ التَّعَرُّضُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ النَّاسُ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَالْإِظْهَارُ بِذَلِكَ قَبِيحٌ، وَفِيهِ تَحْصِيلُ مَا يُوجِبُ الْبَعْضَ، وَالْعَدَاوَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجِ، وَكَذَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَخْرُجُ مُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ مِنْ بَيْتِهَا) بَلْ تَعْتَدُّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي كَانَ يُضَافُ إلَيْهَا بِالسُّكْنَى حَالَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} [الطلاق: 1] قِيلَ الْفَاحِشَةُ نَفْسُ الْخُرُوجِ، وَقِيلَ الزِّنَا فَيَخْرُجْنَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِنَّ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْأَوَّلُ عَنْ النَّخَعِيّ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ تَكُونَ بَذِيئَةَ اللِّسَانِ فَتُؤْذِيَ أَحْمَاءَهَا فَتَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ زَائِرَةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ مِنْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ مَالِهَا وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَأَخَذَتْ بِالْكِرَاءِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ إنْ كَانَتْ قَادِرَةً بَلْ تَدْفَعُ، وَتَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، وَلَا تَخْرُجُ إلَى صَحْنِ دَارٍ فِيهَا مَنَازِلُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السِّكَّةِ، وَلِهَذَا لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ إلَيْهِ الْمَتَاعَ قُطِعَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنَازِلُ لَهُ حَيْثُ كَانَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ، وَتَبِيتَ فِي أَيِّ مَنْزِلٍ شَاءَتْ لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهَا بِالسُّكْنَى، وَالصَّغِيرَةُ تَخْرُجُ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْمُورَةٍ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، وَلَا تُحِدُّ لِلزَّوْجِ فَانْقَطَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا إحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَزَيَّنُ وَتَلْبَسُ مَا شَاءَتْ مِنْ الثِّيَابِ فَلَعَلَّ زَوْجَهَا يُرَاجِعُهَا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ مَنْكُوحَةً فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ الْبَائِنِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ التَّعْرِيضُ) أَيْ فِي الْخُطْبَةِ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ {إِلا أَنْ تَقُولُوا} [البقرة: 235] قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ {إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] أَيْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ إلَّا بِأَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا، وَهُوَ التَّعْرِيضُ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَسَبْكُ الْآيَةِ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ} [البقرة: 235] أَيْ فِيمَا ذَكَرْتُمْ لَهُنَّ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُوهِمَةِ لِإِرَادَةِ نِكَاحِهِنَّ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فَلَمْ تَنْطِقُوا بِهِ تَعْرِيضًا، وَلَا تَصْرِيحًا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ فَاذْكُرُوهُنَّ، وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا أَيْ نِكَاحًا فَلَا تَقُولُوا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَك، وَسَمَّى النِّكَاحَ سِرًّا لِأَنَّهُ سَبَبُ السِّرِّ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ فَإِنَّهُ مِمَّا يُسَرُّ، وَحَدِيثُ السِّرِّ النِّكَاحُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ غَرِيبٌ إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا فَالِاسْتِثْنَاءُ يَتَعَلَّقُ بِلَا تُوَاعِدُوهُنَّ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَعْرُوفَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي السِّرِّ، وَالِاسْتِدْرَاكُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَحْذُوفِ الَّذِي أَبْرَزْنَا صُورَتَهُ، وَهُوَ فَاذْكُرُوهُنَّ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالتَّعْرِيضُ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ) كَمَا يَقُولُ الْمُحْتَاجُ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ جِئْتُك لِأُسَلِّمَ عَلَيْك، وَلِأَنْظُرَ إلَى وَجْهِك الْكَرِيمِ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ وَأَضْمَرْتُمُوهُ) أَيْ وَلَمْ تَذْكُرُوهُ بِالْأَلْسِنَةِ أَصْلًا انْتَهَى (قَوْلُهُ سَتَذْكُرُونَهُنَّ) أَيْ لَا تَنْفَكُّونَ عَنْ النُّطْقِ لِرَغْبَتِكُمْ فِيهِنَّ، وَعَدَمِ صَبْرِكُمْ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيضِ فِي الْخِطْبَةِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّعْرِيضُ، وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ} [البقرة: 235] مُطْلَقٌ، وَلَمْ يُفَصَّلْ انْتَهَى، وَقَالَ الْكَمَالُ أَرَادَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذْ التَّعْرِيضُ لَا يَجُوزُ فِي الْمُطَلَّقَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ مَنْزِلِهَا أَصْلًا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّعْرِيضِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ، وَلِإِفْضَائِهِ إلَى عَدَاوَةِ الْمُطَلِّقِ انْتَهَى فَقَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ يَنْدَفِعُ بِهِ نَظَرُ الْأَتْقَانِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ) وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ انْتَهَى فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ، وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِأَنَّ إلَّا أَنْ غَايَةٌ، وَالشَّيْءَ لَا يَكُونُ غَايَةً لِنَفْسِهِ، وَمَا قَالَهُ النَّخَعِيّ أَبْدَعُ وَأَعْذَبُ كَمَا يُقَالُ فِي الْخَطَابِيَّاتِ لَا تَزْنِي إلَّا أَنْ تَكُونَ فَاسِقًا، وَلَا تَشْتُمْ أُمَّك إلَّا أَنْ تَكُونَ قَاطِعَ رَحِمٍ، وَنَحْوِهِ، وَهُوَ بَدِيعٌ بَلِيغٌ جِدًّا يَخْرُجُ إظْهَارُ عُذُوبَتِهِ عَنْ غَرَضِنَا انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ عَنْ النَّخَعِيّ) وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَأَخَذَتْ بِالْكِرَاءِ) الْكِرَاءُ بِالْمَدِّ الْأُجْرَةُ انْتَهَى مِصْبَاحٌ

حَقُّهُ عَنْهَا، وَلَا يَضُرُّ بِهِ الْخُرُوجُ بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ حَيْثُ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِقِيَامِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّهُ عَنْهَا، وَالْكِتَابِيَّةُ تَخْرُجُ لِأَنَّهَا غَيْرَ مُخَاطَبَةٍ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا لِصِيَانَةِ مَائِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ مِنْهَا الْحَبَلُ وَالْمَعْتُوهَةُ كَالْكِتَابِيَّةِ فِي هَذَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُطَالَبَةٍ بِحُكْمِ الشَّرْعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُعْتَدَّةُ الْمَوْتِ تَخْرُجُ الْيَوْمَ وَبَعْضَ اللَّيْلِ) لِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَيْهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لِلتَّكَسُّبِ، وَأَمْرُ الْمَعَاشِ بِالنَّهَارِ، وَبَعْضِ اللَّيْلِ فَيُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ فِيهِمَا غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَبِيتَ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَلَهَا أَنْ تَبِيتَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْمَبِيتَ عِبَارَةٌ عَنْ الْكَوْنِ فِي مَكَان أَكْثَرَ اللَّيْلِ بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا دَارَةٌ عَلَيْهَا فَلَا حَاجَةَ لَهَا إلَى الْخُرُوجِ حَتَّى لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَتِهَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي رِوَايَةٍ لِلضَّرُورَةِ لِمَعَاشِهَا، وَقِيلَ لَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي اخْتَارَتْ إبْطَالَ النَّفَقَةِ فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ فِي إبْطَالِ حَقٍّ عَلَيْهَا، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فَكَانَ كَمَا لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا فَإِنَّ مُؤْنَةَ السُّكْنَى تَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ، وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتَ الزَّوْجِ، وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعْتَدَّانِ فِي بَيْتٍ وَجَبَتْ فِيهِ إلَّا أَنْ تُخْرِجَ أَوْ يَنْهَدِمَ) أَيْ تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إنْ أَمْكَنَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي الْبَيْتِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الْعِدَّةُ بِأَنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ يَكْفِيهَا أَوْ أَذِنُوا لَهَا فِي السُّكْنَى فِيهِ، وَهُمْ كِبَارٌ أَوْ تَرَكُوهَا أَنْ تَسْكُنَ فِيهِ بِأَجْرٍ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِفُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ حِينَ قُتِلَ زَوْجُهَا، وَلَمْ يَدَعْ مَالًا تَرِثُهُ، وَطَلَبَتْ أَنْ تَتَحَوَّلَ إلَى أَهْلِهَا لِأَجْلِ الرِّفْقِ عِنْدَهُمْ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك الَّذِي أَتَاك فِيهِ نَعْيُ زَوْجِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ تُخْرِجَ أَوْ يَنْهَدِمَ أَيْ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا الْوَرَثَةُ يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ لَا يَكْفِيهَا أَوْ يَنْهَدِمَ الْبَيْتُ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى غَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَكَذَا إذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ مَالِهَا أَوْ كَانَتْ فِيهِ بِأَجْرٍ، وَلَمْ تَجِدْ مَا تُؤَدِّيهِ جَازَ لَهَا الِانْتِقَالُ ثُمَّ لَا تَخْرُجُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي انْتَقَلَتْ إلَيْهِ إلَّا بِعُذْرٍ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ حُكْمَ الْأَوَّلِ، وَتَعْيِينُ الْبَيْتِ الَّذِي تَنْتَقِلُ إلَيْهِ إلَيْهَا لِأَنَّهَا مُسْتَبِدَّةٌ فِي أَمْرِ السُّكْنَى بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ حَيْثُ يَكُونُ تَعْيِينُهُ إلَى الزَّوْجِ لِعَدَمِ الِاسْتِبْدَادِ بِالسُّكْنَى، وَإِذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا، وَسَكَنَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ يُجْعَلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ سُتْرَةٌ حَتَّى لَا تَقَعَ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَاكْتُفِيَ بِالْحَائِلِ لِاعْتِرَافِ الزَّوْجِ بِالْحُرْمَةِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ ضَيِّقًا لَا يَسَعُهُمَا فَلْتَخْرُجْ هِيَ، وَالْأَوْلَى خُرُوجُهُ لِوُجُوبِ السُّكْنَى عَلَيْهَا فِيهِ، وَإِنْ جَعَلَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا امْرَأَةً ثِقَةً تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْمَرْأَةَ عَلَى أَصْلِكُمْ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ حَائِلَةً حَتَّى قُلْتُمْ لَا يَجُوزُ قُلْتُمْ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ مَعَ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ، وَقُلْتُمْ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا تَزْدَادُ الْفِتْنَةُ فَكَيْفَ تَصْلُحُ هُنَا لِأَنَّا نَقُولُ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ حَيْلُولَةً فِي الْبَلَدِ لِبَقَاءِ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْعَشِيرَةِ، وَلَا مَكَانَ لِلِاسْتِعَانَةِ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ بِخِلَافِ الْمَفَاوِزِ فِي السَّفَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بَانَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فِي سَفَرٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ رَجَعَتْ إلَيْهِ وَلَوْ ثَلَاثَةً رَجَعَتْ أَوْ مَضَتْ مَعَهَا، وَلِيٌّ أَوْ لَا وَلَوْ فِي مِصْرٍ تَعْتَدُّ ثَمَّ فَتَخْرُجُ بِمَحْرَمٍ) أَرَادَ بِقَوْلِهِ رَجَعَتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَى مِصْرِهَا، وَمُرَادُهُ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ دُونَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ، وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ، وَالرُّجُوعُ أَوْلَى لِمَا نَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ ثَلَاثَةً رَجَعَتْ أَوْ مَضَتْ يَعْنِي إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ دُونَهُ فَلَا خِيَارَ لَهَا بَلْ تَمْضِي فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ، وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مِصْرٍ أَوْ فِي مَفَازَةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْشَاءُ سَفَرٍ، وَلَكِنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِتَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِهَا، وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهَا لِأَنَّهَا تَصِيرُ مُقِيمَةً بِالرُّجُوعِ، وَبِالْمُضِيِّ تَصِيرُ مُسَافِرَةً وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَسِيرَةَ سَفَرٍ، وَالْآخَرُ دُونَهُ تَعَيَّنَ الْأَقَلُّ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مِصْرٍ أَوْ لَا، وَكَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إنْشَاءُ سَفَرٍ، وَالْمُعْتَدَّةُ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى أَقَلَّ مِنْ السَّفَرِ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهَا مِنْ الضَّرَرِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَعْظَمُ مِنْ الضَّرَرِ فِي الْخُرُوجِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسِيرَةَ سَفَرٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مِصْرٍ خُيِّرَتْ بَيْنَ الرُّجُوعِ، وَالْمُضِيِّ لِلضَّرُورَةِ، وَالرُّجُوعُ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَهَا أَنْ تَبِيتَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ الَّتِي لَهَا غَايَةٌ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِك اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ ذَهَبَ بِهَا قَبْلَ مُضِيِّ أَكْثَرِ اللَّيْلَةِ لَا يَحْنَثُ، وَإِلَّا يَحْنَثْ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ) وَصَحَّحَهُ فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ انْتَهَى كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا) أَيْ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِتَعْتَدَّ) أَيْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ رَجَعَتْ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا سَفَرٌ أَوْ دُونَهُ أَمَّا إذَا كَانَ مُدَّةَ سَفَرٍ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُضِيَّ إلَى مَقْصِدِهَا سَفَرٌ، وَالرُّجُوعَ لَيْسَ بِسَفَرٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَا دُونَهَا فَتَرْجِعُ أَيْضًا لِأَنَّهَا كَمَا رَجَعَتْ تَصِيرُ مُقِيمَةً، وَإِذَا مَضَتْ تَكُونُ مُسَافِرَةً مَا لَمْ تَصِلْ إلَى الْمَقْصِدِ فَإِذَا قَدَرَتْ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ اسْتِدَامَةِ السَّفَرِ فِي الْعِدَّةِ تَعَيَّنَ عَلَيْهَا ذَلِكَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَهُوَ أَوْجَهُ انْتَهَى كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمَا فِي النِّهَايَةِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَدَّةُ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ) يَعْنِي عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ انْتَهَى

[باب ثبوت النسب]

- رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَقَالَا إنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ تَخْرُجُ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ يُرَخَّصُ لَهَا لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذِي وَتَلْحَقُهُ الْوَحْشَةُ، وَلِهَذَا كَانَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى أَقَلِّ مِنْ السَّفَرِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ مَعَ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا حُرْمَةُ السَّفَرِ، وَتِلْكَ تَرْتَفِعُ بِالْمَحْرَمِ، وَلَهُ أَنَّ تَأْثِيرَ الْعِدَّةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ عَدَمِ الْمَحْرَمِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَمْنَعُ مُطْلَقَ الْخُرُوجِ، وَإِنْ قَلَّ بِخِلَافِ عَدَمِ الْمَحْرَمِ حَيْثُ لَا يُمْنَعُ إلَّا السَّفَرُ فَإِذَا كَانَ عَدَمُ الْمَحْرَمِ يَمْنَعُ السَّفَرَ فَالْعِدَّةُ أَوْلَى أَنْ تَمْنَعَ لِأَنَّهَا أَقْوَى فِي الْمَنْعِ، وَمَا دُونَ السَّفَرِ إنَّمَا يُرَخَّصُ لَهَا مَعَ قِيَامِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِإِنْشَاءِ خُرُوجٍ بَلْ هُوَ بِنَاءٌ عَلَى الْخُرُوجِ الْأَوَّلِ، وَإِنْشَاءُ الْخُرُوجِ فِي الْعِدَّةِ حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَهُنَا هِيَ مُنْشِئَةٌ لِلْخُرُوجِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ سَفَرٌ فَيَتَنَاوَلُهُ التَّحْرِيمُ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالْمَحْرَمِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخُرُوجِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ لَا تَرْتَفِعُ بِهِ، وَفِي الْمَفَازَةِ جَازَ لِلضَّرُورَةِ، وَهُوَ خَوْفُ الْهَلَاكِ، وَقَدْ انْعَدَمَ هُنَا فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسِيرَةَ سَفَرٍ، وَاخْتَارَتْ أَحَدَهُمَا فَمَرَّتْ بِمِصْرٍ لَا تَخْرُجُ مِنْهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا تَخْرُجُ بِمَحْرَمٍ، وَأَهْلُ الْكَلَأِ إذَا انْتَقَلُوا انْتَقَلَتْ الْمُعْتَدَّةُ مَعَهُمْ إنْ كَانَتْ تَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ فِي هَذَا كَالْبَائِنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ غَيْرَ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُفَارِقَ زَوْجَهَا فِي مَسِيرَةٍ هِيَ سَفَرٌ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَائِمَةٌ بَيْنَهُمَا، وَالْمُبَانَةَ تَرْجِعُ أَوْ تَمْضِي مَعَ مَنْ شَاءَتْ لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَصَارَ أَجْنَبِيًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ). قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ إنْ نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ نَكَحَهَا لَزِمَهُ نَسَبُهُ وَمَهْرُهَا) أَمَّا النَّسَبُ فَلِأَنَّهَا فِرَاشُهُ، وَهُوَ مُتَصَوِّرٌ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَقَدْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَكَانَ الْعُلُوقُ قَبْلَهُ فِي حَالِ النِّكَاحِ، فَإِنْ قِيلَ إنْ كَانَ مُتَصَوَّرًا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ، وَهُوَ مُضِيُّ الزَّمَانِ لَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي هَذَا الْعَقْدِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَقِيبَهُ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ مِنْهُ كَمَا لَا يَثْبُتُ مِنْ الصَّبِيِّ لِعَدَمِ الْمَاءِ حَقِيقَةً قُلْنَا هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَثْبُتُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْأَخِيرُ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَالُ لِإِثْبَاتِهِ، وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَا إنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا، وَقَوْلُهُ الْآخَرُ أَظْهَرُ انْتَهَى فَتْحٌ وَكَافِي [بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وُجُوهِ الْعِدَّةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْحَيْضِ وَالْأَشْهُرِ وَوَضْعِ الْحَمْلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ آثَارِ الْحَمْلِ فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا الْبَابَ عَقِيبَ بَابِ الْعِدَّةِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ نَسَبُهُ وَمَهْرُهَا) أَيْ كَامِلًا انْتَهَى (قَوْلُهُ فَلِأَنَّهَا فِرَاشُهُ) أَيْ وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ انْتَهَى (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَخْ) مَعْنَاهُ إذَا وَلَدَتْهُ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَلَا نُقْصَانٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لِأَقَلَّ فَالْعُلُوقُ سَابِقٌ عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ عُلُوقٍ حَدَثَ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ لِأَنَّا حَكَمْنَا حِينَ الطَّلَاقِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ. اهـ. شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ، وَيَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ اهـ (قَوْلُهُ وَقُلْنَا هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ) أَيْ عَدَمُ ثُبُوتِ النَّسَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَثْبُتُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَصَوُّرُ الْعُلُوقِ مُقَارِنًا لِلنِّكَاحِ ثَابِتٌ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَهُوَ يُخَالِطُهَا وَطِئَهَا، وَسَمِعَ النَّاسُ كَلَامَهُمَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ، وَالْأَحْسَنُ تَجْوِيزُ أَنَّهُمَا وَكَّلَاهُ فَبَاشَرَ الْوَكِيلُ، وَهُمَا كَذَلِكَ فَوَافَقَ عَقْدُهُ الْإِنْزَالَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الثُّبُوتَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْفِرَاشِ، وَهُوَ يَثْبُتُ مُقَارِنًا لِلنِّكَاحِ الْمُقَارِنِ لِلْعُلُوقِ فَتَعْلَقُ، وَهِيَ فِرَاشٌ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَقَدْ يُقَالُ الْفِرَاشِيَّةُ أَثَرُ النِّكَاحِ أَعْنِي الْعَقْدَ فَيَتَعَقَّبُهُ فَيَلْزَمُ سَبْقُ الْعُلُوقِ عَلَى الْفِرَاشِ نَعَمْ إذَا فُسِّرَ الْفِرَاشُ بِالْعَقْدِ كَمَا عَنْ الْكَرْخِيِّ، وَهُوَ يُخَالِفُ تَفْسِيرَهُمْ السَّابِقَ لَهُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ بِكَوْنِ الْمَرْأَةِ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ فَإِنَّ هَذَا الْكَوْنَ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْعَقْدِ إلَّا قُلْنَا إنَّ الْعِلَّةَ مَعَ الْمَعْلُولِ فِي الْخَارِجِ، وَكَلَامُهُمْ لَيْسَ عَلَيْهِ وَتَقْرِيرُ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ تَمَامِ النِّكَاحِ مُقَارِنًا لِلطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَكُونُ حَاصِلًا قَبْلَ زَوَالِ النِّكَاحِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ يَعْنِي أَنَّ زَوَالَ الْفِرَاشِ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا مَعَهُ لِأَنَّ زَوَالَ أَثَرِهِ لَا يُقَالُ مُقْتَضَاهُ أَنْ تَكُونَ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَقَدْ عَيَّنُوا لِثُبُوتِ نَسَبِهِ أَنْ لَا يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ النِّكَاحِ، وَلَا أَقَلَّ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَمْ يُثْبِتُوهُ فِي الْأَقَلِّ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حِينَئِذٍ مُزَوَّجٌ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَأَمَّا فِي الزِّيَادَةِ فَلِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى مَا بَعْدَ الطَّلَاقِ بِمَا يَسَعُ وَطْئًا بِالْفَرْضِ فَيَحِلُّ مُسْتَثْنَى هَذَا الْقَدْرِ، وَيَجِبُ تَقْدِيرُهُ كَذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَفْيَهُمْ النَّسَبَ فِيمَا إذَا جَاءَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةٍ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، وَهُوَ سَنَتَانِ، وَلَا مُوجِبَ لِلصَّرْفِ عَنْهُ يُنَافِي فِي الِاحْتِيَاطِ فِي إثْبَاتِهِ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ حَدَثَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَيَوْمٍ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَإِنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ كَوْنُ الْحَمْلِ مِنْهَا وَرُبَّمَا تَمْضِي دُهُورٌ لَمْ يُسْمَعْ فِيهَا وِلَادَةٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَانَ الظَّاهِرُ عَدَمَ حُدُوثِهِ، وَحُدُوثُهُ احْتِمَالٌ فَأَيُّ احْتِيَاطٍ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ إذَا نَفَيْنَاهُ لِاحْتِمَالٍ ضَعِيفٍ يَقْتَضِي نَفْيَهُ، وَتَرَكْنَا ظَاهِرًا يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ، وَلَيْتَ شِعْرِي أَيَّ الِاحْتِمَالَيْنِ أَبْعَدُ الِاحْتِمَالُ الَّذِي فَرَضُوهُ لِتَصَوُّرِ الْعُلُوقِ مِنْهُ لِيُثْبِتُوا النَّسَبَ، وَهُوَ كَوْنُهُ تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ يَطَؤُهَا، وَسَمِعَ النَّاسُ كَلَامَهُمَا

بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ ثُمَّ وُجِدَ الطَّلَاقُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ، وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ أَوْ يُقَارِنُهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ فَيَكُونُ الْعُلُوقُ مُقَارِنًا لِلْإِنْزَالِ فَيَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُحْتَالُ لِإِثْبَاتِهِ فَصَارَ كَتَزَوُّجِ الْمَغْرِبِيِّ الْمَشْرِقِيَّةَ وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَنَةٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا لِلْإِمْكَانِ الْعَقْلِيِّ، وَهُوَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا بِخُطْوَةٍ كَرَامَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُخْلَقَ مِنْ مَائِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَاءٌ فَافْتَرَقَا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ وَلَا زِيَادَةٍ لِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ سَابِقًا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا عَلِقَتْ بَعْدَهُ لِأَنَّا حَكَمْنَا حِينَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ تَحَقَّقَ الْوَطْءُ مِنْهُ حُكْمًا، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْخَلْوَةِ فَتَأَكَّدَ بِهِ الْمَهْرُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ وَمَهْرٌ بِالنِّكَاحِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي حَالِ مَا يَطَؤُهَا كَانَ عَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْحَدُّ لِوُجُودِ التَّزَوُّجِ قَبْلَ تَمَامِهِ وَمَهْرٌ بِالنِّكَاحِ، وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرٌ، وَنِصْفُ النِّصْفِ لِلطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْمَهْرُ بِالدُّخُولِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِهِ مُحْصَنًا، وَعَزَاهُ إلَى الْمُنْتَقَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيِّ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مَا لَمْ تُقِرَّ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ فَكَانَ رَجْعَةً فِي الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا لَا فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ السَّنَتَيْنِ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ يَعْتَمِدُ التَّصَوُّرَ، وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا عَلَى مَا نُبَيِّنُ ثُمَّ إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا إشْكَالَ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الطَّلَاقِ فَكَانَ مِنْ عُلُوقٍ قَبْلَهُ، وَبَانَتْ بِالْوَضْعِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْبَيْنُونَةِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَمْلٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ بِوَطْءٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْحَوَادِثَ تُحْمَلُ عَلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، وَفِيهِ إثْبَاتُ الرَّجْعَةِ أَيْضًا احْتِيَاطًا فَكَانَ أَوْلَى قُلْنَا الْحَوَادِثُ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهَا إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمُقْتَضِي بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا وُجِدَ فَلَا، وَهُنَا وُجِدَ الْمُقْتَضِي لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَالْقَوْلُ بِثُبُوتِ الرَّجْعَةِ إبْطَالٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ أَمْرِهِ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ، وَهُوَ الْمُرَاجَعَةُ بِالْفِعْلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الرَّجْعَةِ بِالشَّكِّ، وَهُوَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُمَا عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ ثُمَّ وَافَقَ الْإِنْزَالُ الْعَقْدَ أَوْ احْتِمَالَ كَوْنِ الْحَمْلِ إذَا زَادَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِاسْتِبْعَادِ هَذَا الْفَرْضِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّكْلِيفِ بَلْ قِيَامُ الْفِرَاشِ كَافٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ إمْكَانُ الدُّخُولِ بَلْ النِّكَاحُ قَائِمٌ مَقَامَهُ كَمَا فِي تَزَوُّجِ الْمَشْرِقِيِّ بِمَغْرِبِيَّةٍ وَالْحَقُّ أَنَّ التَّصَوُّرَ شَرْطٌ، وَلِذَا لَوْ جَاءَتْ امْرَأَةُ الصَّبِيِّ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَالتَّصَوُّرُ ثَابِتٌ فِي الْمَغْرِبِيَّةِ لِثُبُوتِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، وَالِاسْتِخْدَامَات فَيَكُونُ صَاحِبَ خُطْوَةٍ أَوْ جِنِّيٍّ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهَا) يَعْنِي بِأَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمَا رَجُلَانِ، وَهُمَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَسْمَعَانِ كَلَامَهُمَا فَيُوَافِقُ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ، وَهَذَا يُمْكِنُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَلِدَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِتَمَامِ سِتَّةٍ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ لِأَنَّ قِيَامَ النِّكَاحِ مِمَّنْ يَحْتَمِلُ الْعُلُوقُ مِنْهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّ النَّسَبَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجْرُ» أَيْ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ كَذَا قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ وَالْفِرَاشُ الْعَقْدُ كَذَا فَسَّرَ الْكَرْخِيُّ فِي إمْلَائِهِ لِشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا نَحْنُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ أَنَّ الْفِرَاشَ كَوْنُ الْمَرْأَةِ بِحَالٍ لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَيَكُونُ الْوَطْءُ زَمَانَ التَّزَوُّجِ ثَابِتًا حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ حَقِيقَةً، وَالْعِبْرَةُ بِالْفِرَاشِ لَا بِالْمَاءِ لِلْحَدِيثِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مِنْ مَائِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِرَاشٌ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا لُزُومُ الْمَهْرِ كَامِلًا فَلِأَنَّهُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ جُعِلَ وَاطِئًا حُكْمًا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَمَا قِيلَ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَطْؤُهُ لِأَنَّ الْحَبَلَ قَدْ يَكُونُ بِإِدْخَالِ الْمَاءِ الْفَرْجَ دُونَ جِمَاعٍ فَنَادِرٌ، وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ هُوَ الْمُعْتَادُ اهـ (قَوْلُهُ تَحَقَّقَ الْوَطْءُ مِنْهُ حُكْمًا) فَصَارَتْ فِي مَعْنَى الْمَدْخُولِ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَتَأَكَّدَ بِهِ) أَيْ بِثُبُوتِ النَّسَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَمَالٌ (قَوْلُهُ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ يَجِبُ مَهْرٌ وَنِصْفٌ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي النِّهَايَةِ، وَفِي الْقِيَاسِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَهْرٌ وَنِصْفٌ أَمَّا النِّصْفُ فَلِلطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِلدُّخُولِ اهـ وَعِبَارَةُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي عَلَى مَا نَقَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا فَوَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَمَهْرٌ آخَرُ بِالدُّخُولِ قَالَ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اسْتَحْسَنَ، وَقَالَ لَا يَجِبُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَتَأَكَّدَ ذَلِكَ الصَّدَاقُ، وَاشْتَبَهَ وُجُوبُ الزِّيَادَةِ اهـ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ لِلْمُتَأَمِّلِ لَا تُوجِبُ قَوْلَهُ بِلُزُومِ مَهْرٍ وَنِصْفٍ بَلْ ظَاهِرَةٌ فِي نَفْيِهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ فَلَا تَسُوغُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ وُجُوبُ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لِأَنَّ الْوَطْءَ حِينَئِذٍ فِي غَيْرِ عِصْمَةٍ وَلَا عِدَّةٍ بَلْ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مُقَارِنٌ لَهُ أَوْ لِلنِّكَاحِ فَأَقَلُّ الْأَمْرِ كَوْنُهُ قَبْلَهُ، وَلَا يُشْتَبَهُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَا لَمْ تُقِرَّ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ) لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي حَالِ الْعِدَّةِ لِجَوَازِ أَنَّهَا تَكُونُ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ بِوَطْءٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ) أَيْ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ أَمْرِهِ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ)، وَكَمَا لَا يُظَنُّ بِالْعَاقِلِ الْمُسْلِمِ الْإِقْدَامُ عَلَى الْحَرَامِ لَا يُظَنُّ بِهِ

إمْكَانِ غَيْرِهِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَكَانَتْ رَجْعَةً لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ فَحُمِلَ عَلَيْهِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الزِّنَا لِإِمْكَانِ الْحِلِّ، وَلِانْتِفَاءِ الزِّنَا عَنْ الْمُسْلِمِ ظَاهِرًا، وَلَا يُقَالُ انْتِفَاءُ الزِّنَا مُمْكِنٌ بِغَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَهُوَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَيَكُونُ الْوَلَدُ مِنْهُ لِأَنَّا نَقُولُ الْإِبْقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَكَانَ أَوْلَى، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّتْ بِهِ فِي مُدَّةٍ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا قَالَتْ مَا لَمْ يُكَذِّبْهَا الظَّاهِرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبَتِّ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ الْبَتِّ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الطَّلَاقِ أَوْ يَحْتَمِلُهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ احْتِيَالًا لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَوَهُّمُ غَيْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ تَأْتِ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا بَلْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا فِي الْعِدَّةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَهُمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ، وَجَاءَتْ بِهِ مِنْهُ فَتَرُدُّ مَا أَخَذَتْ مِنْ النَّفَقَةِ مِنْهُ تِلْكَ الْمُدَّةِ حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ وَإِحْيَاءً لِلْوَلَدِ فَلَا يُسْمَعُ إقْرَارُهَا أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا فِي حَقِّ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ فِي حَقِّهِ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَسَبَبُ النَّفَقَةِ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يُرَدُّ بِالشَّكِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ لَمْ يَثْبُتْ بِيَقِينٍ فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ فَحَبِلَتْ مِنْهُ وَالْمَنْكُوحَةُ إذَا وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَحَبِلَتْ مِنْهُ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا لِكَوْنِهَا مَشْغُولَةً بِغَيْرِهِ فَكَيْفَ تَجِبُ فِي الْمُعْتَدَّةِ وَهِيَ أَدْنَى حَالًا وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ تَوْأَمَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَالْجَارِيَةِ إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ بَعْدَ بَيْعِهَا ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ الْأَوَّلَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا لِأَنَّ الثَّانِي مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ فَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ لِعَدَمِ الِاسْتِحَالَةِ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَالْآخَرَ لِأَكْثَرَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَوْ نَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْبَائِعَ الْتَزَمَهُ قَصْدًا بِالدَّعْوَى، وَالزَّوْجَ لَمْ يَدَّعِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْأَوَّلُ كَانَ مِثْلَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِقْدَامُ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ) أَيْ يَثْبُتُ، وَلَوْ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا ثُبُوتُ نَسَبِ وَلَدِ الرَّجْعِيَّةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا ثُبُوتُهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا فَلِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ بِزِنَاهَا أَوْ بِوَطْئِهَا بِشُبْهَةٍ لِجَوَازِ كَوْنِهَا مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ بِأَنْ امْتَدَّ إلَى مَا قَبْلَ سَنَتَيْنِ مِنْ مَجِيئِهَا بِهِ أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ وَطِئَهَا فَحَبِلَتْ، وَعَنْ هَذَا حَكَمْنَا بِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَكُونُ زَوْجَةً بِالرَّجْعَةِ الْكَائِنَةِ بِالْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا تَثْبُتُ رَجْعَتُهَا فَإِنَّ الْعُلُوقَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْعِصْمَةِ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْعِدَّةِ، وَإِحَالَةُ الْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ ظَاهِرٌ آخَرُ وَالظَّاهِرُ الْوَطْءُ فِي الْعِصْمَةِ لَا الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَادُ، وَمَا قَضَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَرْجَحُ مِنْ إضَافَةِ الْحَادِثِ إلَى الزَّمَنِ الْقَرِيبِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ فِي الرَّجْعَةِ، وَمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ أَيْضًا فِيهَا إذْ مُعْتَادُ النَّاسِ فِي الرَّجْعَةِ أَنْ يَرْجِعُوا بِاللَّفْظِ اهـ قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ كَانَتْ الْوِلَادَةُ رَجْعَةً لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ حَمْلًا لِحَالِهَا عَلَى الصَّلَاحِ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ، وَإِنْ جَاءَتْ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ، وَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِلطَّلَاقِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ. اهـ. وَفِي الِاخْتِيَارِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَانَ رَجْعَةً لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ حَمْلًا لِحَالِهَا عَلَى الْأَحْسَنِ وَالْأَصْلَحِ اهـ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِمَا قَالَهُ الرَّازِيّ اهـ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَإِذَا أَتَتْ بِهِ الرَّجْعِيَّةُ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ثَبَتَ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَائِهَا، وَكَانَ مُرَاجِعًا اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكُونُ مُرَاجِعًا فِي السَّنَتَيْنِ كَمَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ سَكَتَ الشَّارِحُ عَمَّا إذَا أَتَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ هَلْ يَكُونُ مُرَاجِعًا، وَحَيْثُ سَكَتَ فِي الْمَتْنِ عَنْهُ كَانَ يَنْبَغِي بَيَانُهُ عَلَى الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ) أَيْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ) أَيْ نَقُولُ الْفَرْضُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَمَا لَمْ تُقِرَّ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَظْهَرْ تَزَوُّجُهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا فِي الْعِدَّةِ، وَلِأَنَّ فِيهِ إنْشَاءَ نِكَاحٍ، وَإِبْقَاءُ الْأَوَّلِ أَسْهَلُ وَأَخَفُّ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّتْ بِهِ فِي مُدَّةٍ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ سِتِّينَ يَوْمًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتِسْعَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا عَلَى قَوْلِهِمَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيَظْهَرُ كَذِبُهَا، وَكَذَا هُوَ فِي الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنَةِ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا إذَا ادَّعَتْ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ انْقِضَاءَهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمَيِّتِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ انْتَهَى كَمَالٌ. (قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ الْبَتِّ) أَيْ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ تَوَهُّمُ غَيْرِهِ إلَخْ) حَمْلًا لِحَالِهَا عَلَى الصَّلَاحِ انْتَهَى رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ انْتَهَى مِسْكِينٌ (قَوْلُهُ بَلْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ) أَيْ مِنْ الْأَقَلِّ انْتَهَى فَيُصَدَّقُ بِمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ وَلِأَكْثَرَ مِنْهُمَا، وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَجَاءَتْ بِهِ مِنْهُ) وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ أَقَلُّ مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ فِيهَا الْوَلَدُ انْتَهَى رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فَتَرُدُّ مَا أَخَذَتْ مِنْ النَّفَقَةِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الزَّوْجِ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَوْ وَلَدَتْ) أَيْ الْمَبْتُوتَةُ انْتَهَى

يَدَّعِيَهُ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ، وَلَهُ وُجِدَ بِأَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ هَكَذَا ذَكَرُوهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَبْتُوتَةَ بِالثَّلَاثِ إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ بِشُبْهَةٍ كَانَتْ شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ، وَفِيهَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَإِنْ ادَّعَاهُ نُصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فَكَيْفَ أُثْبِتَ بِهِ النَّسَبُ هُنَا، وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ادَّعَاهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ تَصْدِيقُ الْمَرْأَةِ قَالَ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْأَكْثَرِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَهُوَ خُرُوجُ الصَّدْرِ إنْ خَرَجَ مُسْتَقِيمًا، وَإِنْ كَانَ مَنْكُوسًا فَسُرَّتُهُ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَفِي حَقِّ الْإِرْثِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ كُلُّهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُرَاهِقَةُ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِلَّا لَا) يَعْنِي يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الْمُرَاهِقَةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَالرَّجْعِيُّ وَالْبَائِنُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إلَى سَنَتَيْنِ إنْ كَانَ بَائِنًا، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يَثْبُتُ مِنْهُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا، وَبَعْدَهُ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ الْحَبَلَ مِنْ الْمُرَاهِقَةِ مَوْهُومٌ شَرْطُ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِمُضِيِّ الْأَشْهُرِ أَنْ لَا تَكُونَ حَامِلًا، وَهُوَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَمَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا بِعُلُوقٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَفِي الرَّجْعِيِّ بِعُلُوقٍ فِي الْعِدَّةِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّصَوُّرِ كَافٍ لِثُبُوتِ النَّسَبِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِصِغَرِهَا فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَهُوَ مُنَافٍ لِلْحَمْلِ، وَلِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةٌ مُعَيَّنَةٌ، وَهُوَ مُضِيُّ الْأَشْهُرِ فَبِمُضِيِّهَا يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِالِانْقِضَاءِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ بَلْ فَوْقَهُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ، وَالْإِقْرَارَ يَحْتَمِلُهُ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةٌ أُخْرَى وَهِيَ مُضِيُّ الْأَشْهُرِ لِأَنَّا نَقُولُ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَتَانِ الْأَشْهُرُ، وَوَضْعُ الْحَمْلِ، وَالْجِهَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِيهَا فَلَا تَتَعَيَّنُ إحْدَاهُمَا عِنْدَ الْمَوْتِ دُونَ الْأُخْرَى بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ مُتَعَيِّنَةٌ فِيهَا إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْحَبَلِ مِنْهَا، وَلَا يُقَالُ الْأَصْلُ فِي الْكَبِيرِ أَيْضًا عَدَمُ الْحَبَلِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَنْكُوحَةِ، وَأَمَّا فِي الْمَنْكُوحَةِ فَلَا لِأَنَّهُ لَا يُعْقَدُ إلَّا لِلْإِحْبَالِ هَذَا إذَا لَمْ تُقِرَّ بِالْحَبَلِ، وَلَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالْحَبَلِ فَهُوَ إقْرَارٌ مِنْهَا بِالْبُلُوغِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فَصَارَتْ كَالْكَبِيرَةِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ نَسَبِهِ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَبْتُوتَةَ بِالثَّلَاثِ إلَخْ) قَالَ الْبَدْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت أَقُولُ وَتَقْيِيدُهُ بِالثَّلَاثِ فِيهِ شَيْءٌ فَإِنَّ الْمَبْتُوتَةَ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ عَلَى مَالٍ كَذَلِكَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُبَانَةُ بِالْكِنَايَةِ فَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنْ إطْلَاقٌ قَوْلُهُ وَالْبَتُّ يَرُدُّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَعَلَّ الْوَجْهَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى وَطْءٍ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ بِشُرُوطِهِ انْتَهَى (قَوْلُهُ قَالَ فِيهِ رِوَايَتَانِ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْجُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ مُمَكَّنٌ مِنْهُ، وَقَدْ ادَّعَاهُ وَلَا مُعَارِضَ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الِاشْتِرَاطَ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الشَّامِلِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي ضَعْفِهَا وَغَرَابَتِهَا انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَهُوَ خُرُوجُ الصَّدْرِ إنْ خَرَجَ مُسْتَقِيمًا) الْمُسْتَقِيمُ أَنْ يَخْرُجَ رَأْسُهُ أَوَّلًا، وَالْمَنْكُوسُ أَنْ يَخْرُجَ رِجْلَاهُ أَوَّلًا انْتَهَى صَدْرٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُرَاهِقَةُ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ) أَيْ مُنْذُ طَلَّقَهَا انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الْمُرَاهِقَةِ) أَيْ الْمَدْخُولِ بِهَا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ عِدَّةَ الصَّغِيرَةِ ذَاتُ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ الَّتِي عَيَّنَهَا النَّصُّ، وَمَا كَانَ مُتَعَيِّنًا شَرْعًا كَانَ السُّكُوتُ، وَالْبَيَانُ فِيهِ سَوَاءً فَإِذَا انْقَضَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ حُكِمَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَصَارَ كَإِقْرَارِهَا بِالِانْقِضَاءِ فَلَوْ أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَمَّا مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَضَى بَعْدَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَذَلِكَ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ سَوَاءً كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا بَلْ الْحُكْمُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالشَّرْعِ أَقْوَى مِنْ انْقِضَائِهَا بِإِقْرَارِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ لَا يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ، وَإِقْرَارَهَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَفِي الرَّجْعِيِّ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يَثْبُتُ مِنْهُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَطِئَهَا فِي آخِرِ عِدَّتِهَا، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَعَلِقَتْ ثُمَّ مُدَّةُ الْحَمْلِ سَنَتَانِ فَالْمَجْمُوعُ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرٍ انْتَهَى غَايَةً (قَوْلُهُ، وَهُوَ مُضِيُّ الْأَشْهُرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] انْتَهَى (قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي الْمَنْكُوحَةِ فَلَا لِأَنَّهُ لَا يُعْقَدُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ ادَّعَتْ الْحَبَلَ فِي الْعِدَّةِ فَالْجَوَابُ فِيهَا، وَفِي الْكَبِيرَةِ سَوَاءٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِأَمْرِ عِدَّتِهَا مِنْ غَيْرِهَا حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا فِي الرَّجْعِيِّ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إلَّا أَنَّ فِي الْكَبِيرَةِ يَثْبُتُ النَّسَبُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ فَوَطِئَهَا فِي آخِرِ طُهْرِهَا وَهَا هُنَا فِي الصَّغِيرَةِ إذَا مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ يَكُونُ الْعُلُوقُ فِي الْعِدَّةِ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَوْلُهُ يُعْقَدُ هُوَ بِمَعْنَى مَا قَالَهُ فِي الْمُصَفَّى (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالْحَبَلِ فَهُوَ إقْرَارٌ) قَالَ فِي الْمُصَفَّى، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالْحَبَلِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يَثْبُتُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا أَمَّا فِي الْبَائِنِ فَلِأَنَّهَا لَمَّا أَقَرَّتْ بِالْحَمْلِ صَارَتْ بَالِغَةً، وَحُكْمُ الْكَبِيرَةِ هَكَذَا، وَأَمَّا فِي الرَّجْعِيِّ فَلِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ فِي الْعِدَّةِ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تُقِرَّ بِشَيْءٍ فَعِنْدَهُ سُكُوتُهَا كَدَعْوَى الْحَمْلِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَى سَنَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَإِلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرٍ أَوْ عِنْدَهُمَا كَالْإِقْرَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَلِأَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ انْتَهَى مُصَفَّى (قَوْلُهُ صَارَتْ كَالْكَبِيرَةِ إلَخْ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا عَلَى الْأَقَلِّ مِنْ تِسْعَةِ

سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَلِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ لِظُهُورِ كَذِبِهَا بِيَقِينٍ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّ الْجِهَةَ، وَهُوَ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ قَدْ تَعَيَّنَتْ بِدُونِ الْإِقْرَارِ فَمَعَ الْإِقْرَارِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْآيِسَةِ إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مُفَسَّرًا بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْآيِسَةَ بِالْوِلَادَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً بَلْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ، وَلَا كَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ، وَلِهَذَا لَمْ تَسْتَأْنِفْ الْعِدَّةَ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، وَالْآيِسَةُ تَسْتَأْنِفُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَوْتِ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا) أَيْ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا وَلَدَتْهُ لِتَمَامِ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ حِينِ مَاتَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّغِيرَةِ مِنْ تَعَيُّنِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ، وَنَحْنُ قَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ هُنَاكَ بَيْنَهُمَا، وَالصَّغِيرُ إذَا تَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَإِنْ أَقَرَّتْ بِالْحَبَلِ فَهِيَ كَالْكَبِيرَةِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَى سَنَتَيْنِ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ حَبَلًا، وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَثْبُتُ إلَى سَنَتَيْنِ، وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّا فِي الْمُعْتَدَّةِ الصَّغِيرَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْآيِسَةِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا حَتَّى وَلَدَتْ كَانَ الْجَوَابُ فِيهَا، وَفِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ سَوَاءٌ لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ بَطَلَ إيَاسُهَا، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُهُ إلَى سَنَتَيْنِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَإِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الرَّجْعِيِّ لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ بَطَلَ اعْتِدَادُهَا بِالْأَشْهُرِ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً فَصَارَ كَأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مُطْلَقًا غَيْرَ مُفَسَّرٍ بِالْأَشْهُرِ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، وَيُحْمَلُ إقْرَارُهَا عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ فَحَبِلَتْ مِنْهُ فَلَا يَبْطُلُ إقْرَارُهَا إلَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَيَبْطُلُ لِظُهُورِ كَذِبِهَا بِيَقِينٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ فَالْآيِسَةُ فِيهَا، وَاَلَّتِي مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ سَوَاءٌ لِأَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ تَكُونُ بِالْأَشْهُرِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُقَرَّةِ بِمُضِيِّهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُقِرَّةِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لِظُهُورِ كَذِبِهَا بِيَقِينٍ هَذَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا لَا يَثْبُتُ، وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ كَمَا إذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا سَنَتَانِ إلَّا شَهْرَيْنِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّ شَرْطَ ثُبُوتِهِ أَنْ يَكُونَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ بِالْمَوْتِ أَوْ بِالطَّلَاقِ، وَبَعْدَهُ لَا يَثْبُتُ، وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ بِالِانْقِضَاءِ فَمَعَ الْإِقْرَارِ أَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ، وَيَكُونُ مُرَاجِعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ بَقِيَ فِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ مَا إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ بِأَنْ أَقَرَّتْ بَعْدَ مَا مَضَى سَنَةً مَثَلًا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ فِي شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ ثُمَّ أَقَرَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إقْرَارِهَا انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ أَنْ تَنْقَضِيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ إلَّا إذَا قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي السَّاعَةَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَشْهُرٍ لَا مُطْلَقًا فَإِنَّ الْكَبِيرَةَ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَإِنْ طَالَ إلَى سِنِّ الْإِيَاسِ لِجَوَازِ امْتِدَادِ طُهْرِهَا وَوَطْئِهِ فِي آخِرِ الطُّهْرِ انْتَهَى مُصَفَّى (قَوْلُهُ وَلِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ) لِأَنَّهَا أَخْطَأَتْ فِي الْإِقْرَارِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَوْتِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْمُرَاهِقَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ إلَخْ) هَكَذَا، وَهُوَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ زُفَرُ إذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ، وَوَجْهُهُ كَوَجْهِهِمَا فِي الصَّغِيرَةِ، وَهُوَ أَنَّ لِعِدَّتِهَا جِهَةً وَاحِدَةً هِيَ انْقِضَاءُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَإِذَا لَمْ تُقِرَّ قَبْلَهَا بِالْحَبَلِ فَقَدْ حَكَمَ الشَّرْعُ بِانْقِضَائِهَا بِهَا فَإِذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَهَا التَّمَامُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ عَلَى مَا عُرِفَ، وَنَمْنَعُ تَعَيُّنَ الْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ فِي حَقِّهَا بَلْ لَهَا كُلٌّ مِنْ الْجِهَتَيْنِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْحَمْلِ فَتَسْتَمِرُّ مَا لَمْ تَعْتَرِفْ بِالْحَمْلِ اهـ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ وَفَاةِ الزَّوْجِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ سُكُوتَهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالْحَبَلِ عِنْدَهُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَسُكُوتُهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ عِدَّتَهَا ذَاتُ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْحَبَلَ لِصِغَرِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَعِدَّةُ الصَّغِيرَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا كَعِدَّةِ الْمَبْتُوتَةِ عِنْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) مُفَسَّرًا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُقِرَّةِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ بِالْأَشْهُرِ أَوْ بِالْحَيْضِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مُعْتَدَّةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ أَوْ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْمُعْتَدَّةَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ بِقَوْلِهِمْ إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ أَوْ الرَّجْعِيِّ فِي مُدَّةٍ تَصْلُحُ لِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ ثُمَّ وَلَدَتْ فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّتْ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ بَانَتْ، وَفِي الرَّجْعِيِّ كَيْفَمَا كَانَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ يَثْبُتُ النَّسَبُ لِعِلْمِنَا بِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّتْ يَثْبُتُ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ بِفَسَادِ الْإِقْرَارِ كَذَلِكَ فِي الْوَفَاةِ فَإِذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ صَحَّ إقْرَارُهَا، وَإِذَا لَمْ تُقِرَّ وَجَبَ الِانْقِضَاءُ بِالْحَمْلِ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِلَّا لَا) قَالَ فِي

أَيْ إنْ لَمْ تَجِئْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ بَلْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَثْبُتُ لِأَنَّ حَمْلَ أَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ مُمْكِنٌ فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَفِي ضِدِّهِ حَمْلُهُ عَلَى الزِّنَا، وَهُوَ مُنْتَفٍ عَنْ الْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْوَلَدِ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ فِي النَّسَبِ فَيُرَدُّ إقْرَارُهَا، وَلَنَا أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي رَحِمِهَا، وَقَدْ أَخْبَرَتْ بِمُضِيِّ عِدَّتِهَا، وَهُوَ مُمْكِنٌ فَوَجَبَ قَبُولُ خَبَرِهَا حَمْلًا لِكَلَامِهَا عَلَى الصِّحَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَطْعِهِ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزِّنَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَحَبِلَتْ مِنْهُ فَحُمِلَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ مَعَ أَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ بِقَوْلِ الْأَمِينِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُكَذَّبًا شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُصَدَّقُ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَقْرَاءِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ إبْطَالَ حَقِّ الزَّوْجِ فِي الرَّجْعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُعْتَدَّةُ إنْ جُحِدَتْ وِلَادَتُهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ، وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ حَبَلٍ ظَاهِرٍ أَوْ إقْرَارٍ بِهِ أَوْ تَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُعْتَدَّةِ إنْ جَحَدَتْ وِلَادَتُهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ إلَى آخِرِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ أَوْ وَفَاةٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ قَابِلَةٍ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ إذْ مَعْنَى الْفِرَاشِ أَنْ تَتَعَيَّنَ الْمَرْأَةُ لِلْوِلَادَةِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَالْمُعْتَدَّةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَالْفِرَاشُ يُلْزِمُ النَّسَبَ، وَالْحَاجَةُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى إثْبَاتِ الْوِلَادَةِ وَتَعْيِينِ الْوَلَدِ، وَذَلِكَ يَثْبُتُ بِالْقَابِلَةِ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ الْحَبَلِ الظَّاهِرِ أَوْ إقْرَارِ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِإِقْرَارِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَزَالَ الْفِرَاشُ، وَالْمُنْقَضِي لَا يَكُونُ حُجَّةً فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ ابْتِدَاءً فَيُشْتَرَطُ فِيهِ كَمَالُ الْحُجَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِالْفِرَاشِ، وَالْحَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَقَوْلُهُ وَالْمُعْتَدَّةُ إنْ جَحَدَتْ وِلَادَتُهَا يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْمُعْتَدَّاتِ، وَفِي الرَّجْعِيِّ إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَيْسَ بِمُنْقَضٍ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهَا تَكُونُ مُرَاجَعَةً لِكَوْنِ الْعُلُوقِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِهَا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ آخَرَ كَمَا فِي الْمَنْكُوحَةِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ قَيَّدَهُ بِقَيْدَيْنِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ بِدُونِ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُنْكِرًا لِلْوِلَادَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ لِأَنَّ ظُهُورَ الْحَبَلِ كَإِقْرَارِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَائِنِ، وَالرَّجْعِيِّ أَيْضًا عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِوَضْعِهِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ إلَى شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عِنْدَ اعْتِرَافِهِ بِالْحَبَلِ، وَعِنْدَ ظُهُورِ الْحَبَلِ، وَعِنْدَ قِيَامِ الْفِرَاشِ، وَأَنْكَرَ عَلَى صَاحِبِ مُلْتَقَى الْبِحَارِ فِي اشْتِرَاطِهِ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ لِتَعْيِينِ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ سَهْوٌ فَإِنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ لَا بُدَّ مِنْهَا لِتَعْيِينِ الْوَلَدِ إجْمَاعًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كُلِّهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ثُبُوتِ نَفْسِ الْوِلَادَةِ بِقَوْلِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ بِهِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَأَمَّا نَسَبُ الْوَلَدِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُوَ غَيْرُ هَذَا الْمُعَيَّنِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ حُكْمٍ آخَرَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِأَنْ عَلَّقَهُمَا بِوِلَادَتِهَا حَتَّى يَقَعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهَا وَلَدَتْ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ لِاعْتِرَافِهِ بِالْحَبَلِ أَوْ لِظُهُورِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى تَشْهَدَ قَابِلَةٌ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِيضَاحِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الْغَايَةِ أَخَذَهُ مِنْ الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَمَا ذَكَرَهُ هُوَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ يَثْبُتُ بِغَيْرِ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعِيدُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْوِلَادَةِ، وَالتَّعْيِينُ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا أَيْ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَلَوْلَا هَذَا التَّأْوِيلُ لَكَانَ مُتَنَاقِضًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تَكُونُ حُجَّةً فِي تَعْيِينِ الْوَلَدِ إلَّا إذَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ مِنْ ظُهُورِ حَبَلٍ أَوْ اعْتِرَافٍ مِنْهُ أَوْ فِرَاشٍ قَائِمٍ نُصَّ عَلَيْهِ فِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ، وَغَيْرِهِ ثُمَّ قِيلَ تُقْبَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْهِدَايَةِ وَإِنْ اعْتَرَفَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ فَيَبْطُلُ الْإِقْرَارُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ بِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ لِاحْتِمَالِ الْحُدُوثِ بَعْدَهُ اهـ (قَوْلُهُ أَيْ إنْ لَمْ تَجِئْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَخْ) كَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ أَيْ إنْ لَمْ تَجِئْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَلْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ يَظْهَرْ لَك صِحَّةُ مَا قَرَّرَنَا. اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ) أَيْ، وَهُوَ الْوَلَدُ هـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُعْتَدَّةِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَالْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ حَبَلٍ ظَاهِرٍ) قَالَ فِي الْمُخْتَلِفِ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِمُؤَيِّدٍ، وَهُوَ ظُهُورُ الْحَبَلِ أَوْ إقْرَارُ الزَّوْجِ أَوْ قِيَامُ الْفِرَاشِ حَتَّى إنَّ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ وَفَاةٍ إذَا كَذَّبَهَا الْوَرَثَةُ فِي الْوِلَادَةِ، وَفِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ، وَفِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْوِلَادَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ إلَّا عِنْدَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَرَائِنِ، وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُخْتَلِفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَثْبُتُ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ إنْ جَحَدَتْ وِلَادَتَهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) يَعْنِي إذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَدًا، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الْوِلَادَةَ لَمْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ، وَامْرَأَتَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ فِي الْجَمِيعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مُسْلِمَةٍ عَدْلَةٌ حُرَّةٍ. اهـ. رَازِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ أَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا، وَالِاعْتِرَافُ ثَابِتًا أَوْ لَمْ يَكُنْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفَسَّرَ فِي شَرْحِ الْكَافِي الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ بِالْقَابِلَةِ اهـ (قَوْلُهُ إذْ مَعْنَى الْفِرَاشِ أَنْ تَتَعَيَّنَ الْمَرْأَةُ لِلْوِلَادَةِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ) حَتَّى إنَّ كُلَّ وَلَدٍ يَحْدُثُ مِنْهَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنَّمَا إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ بِهِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ) أَيْ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ اهـ

شَهَادَةُ الرَّجُلَيْنِ، وَلَا يَفْسُقَانِ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ إمَّا لِكَوْنِهِ قَدْ يَتَّفِقُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ نَظَرٍ، وَلَا تَعَمُّدٍ أَوْ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي شُهُودِ الزِّنَا وَقَوْلُهُ أَوْ تَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ بِتَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يُصَدِّقُوهَا فِيمَا قَالَتْ، وَلَمْ يَشْهَدُوا بِهِ، وَهَذَا الثُّبُوتُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ، وَيَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ أَيْضًا اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَهُوَ الْمَيِّتُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ، وَهَذَا لِأَنَّ ثُبُوتَ نَسَبِهِ بِاعْتِبَارِ فِرَاشِهِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ، وَيَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ أَيْضًا إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ كَانَ فِيهِمْ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ، وَامْرَأَتَانِ عُدُولٌ فَيُشَارِكُ الْمُصَدِّقِينَ وَالْمُكَذِّبِينَ جَمِيعًا، وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْكُلِّ إلَّا بِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَلِهَذَا شُرِطَ التَّصْدِيقُ فِي الْمُخْتَصَرِ دُونَ لَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الثُّبُوتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ تَبَعٌ لِلثُّبُوتِ فِي حَقِّهِمْ، وَالتَّبَعُ يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْمَتْبُوعُ لَا شَرَائِطُ نَفْسِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَنْكُوحَةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا، وَإِنْ سَكَتَ وَإِنْ جَحَدَ فَبِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ، وَإِنْ جَحَدَ الْوِلَادَةَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ، وَالْمُدَّةَ تَامَّةٌ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِهِ اعْتَرَفَ بِهِ أَوْ سَكَتَ أَوْ أَنْكَرَ حَتَّى لَوْ نَفَاهُ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَنْكُوحَةِ، وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَجِبُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ نَسَبٍ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ حَدٌّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّا نَقُولُ النَّسَبُ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِهَا تَعْيِينُ الْوَلَدِ ثُمَّ يَثْبُتُ النَّسَبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْفِرَاشِ ضَرُورَةً كَوْنُهُ مَوْلُودًا فِي فِرَاشِهِ ثُمَّ نَفْيُهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْوَاحِدِ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا كَالْحُدُودِ تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ، وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ، وَكَذَا لَوْ أُسْقِطَتْ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِينُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وَلَدَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَتْ نَكَحْتنِي مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَادَّعَى الْأَقَلَّ فَالْقَوْلُ لَهَا وَهُوَ ابْنُهُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهَا فَإِنَّهَا تَلِدُ ظَاهِرًا مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ. فَإِنْ قِيلَ الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَوَادِثَ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَالنِّكَاحُ حَادِثٌ قُلْنَا النَّسَبُ مِمَّا يُحْتَالُ لِإِثْبَاتِهِ احْتِيَاطًا إحْيَاءً لِلْوَلَدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْإِيمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ، وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَثْبُتُ بِهِ، وَيَجِبُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هُنَا فِي النَّسَبِ وَالنِّكَاحِ، وَهُوَ مِنْ السِّتَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَمَوْضِعُهَا الدَّعَاوَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا، وَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَمْ تَطْلُقْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا تَطْلُقُ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ حُجَّةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ» أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقْبَلُ عَلَى الْوِلَادَةِ فَكَذَا مَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا، وَهُوَ الطَّلَاقُ، وَلَهُ أَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ لِأَنَّ قَبُولَ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَةِ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ لِلضَّرُورَةِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ شَهِدَ عَلَى الْوِلَادَةِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِأَنْ دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ بَيْتًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا، وَلَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ، وَالرَّجُلَانِ عَلَى الْبَابِ حَتَّى وَلَدَتْ، وَعَلِمَا الْوِلَادَةَ بِرُؤْيَةِ الْوَلَدِ أَوْ سَمَاعِ صَوْتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ وَيَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ) يَعْنِي الْمُنْكَرِينَ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَغَرِيمَ الْمَيِّتِ فَإِذَا كَانَ الْمُصَدِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ حَتَّى يُشَارِكَ الْوَلَدُ الْمُنْكَرِينَ أَيْضًا فِي الْإِرْثِ، وَيُطَالِبَ غَرِيمُ الْمَيِّتِ بِدَيْنِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ فِيهِمْ) أَيْ فِي الْوَرَثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ) أَيْ مِنْ الْوَرَثَةِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ النَّسَبَ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا شَرَائِطُ نَفْسِهِ) كَثُبُوتِ الْإِقَامَةِ مِنْ الْجُنْدِ إذَا كَانُوا فِي الْمَفَازَةِ أَوْ الْبَحْرِ مُقِيمِينَ تَبَعًا لِسُلْطَانِهِمْ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي الْمِصْرِ، وَلَمْ يُرَاعِ الْإِقَامَةَ فِي حَقِّهِمْ، وَهُوَ بُيُوتُ الْمَدَرِ تَبَعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَنْكُوحَةِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ جَحَدَ فَبِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ فِي الْوِلَادَةِ، وَتَعْيِينِ الْوَلَدِ صَحِيحَةٌ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِدَعْوَةِ الرَّجُلِ بِقَوْلِهِ فَهُوَ مِنِّي ثُمَّ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَابِعَةٌ لِثَبَاتِ النَّسَبِ فَتَثْبُتُ الْأُمُومِيَّةُ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ فَقَالَ الزَّوْجُ لَمْ تَلِدِيهِ فَشَهِدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ فَنَفَاهُ الزَّوْجُ لَاعَنَ، وَأَرَادَ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ أَمَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْهُ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ عَلَيْهَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ فَيَثْبُتُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَهُوَ ابْنُهُ) وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِهَذَا الْكَلَامِ، وَإِنْ دَامَ الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَلْزَمَهُ النَّسَبَ صَارَ مُكَذَّبًا، وَصَارَ كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ هَذِهِ بِنْتِي، وَدَامَ عَلَيْهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ فَكَذَلِكَ هُنَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ وَلَدْت، وَشَهِدَتْ الْقَابِلَةُ بِالْوِلَادَةِ، وَلَمْ يُقِرَّ الزَّوْجُ بِالْحَبَلِ وَلَمْ يَكُنْ الْحَبَلُ ظَاهِرًا لَمْ تُقْبَلْ لِلطَّلَاقِ لِأَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَيَحْتَاجُ إلَى حُجَّةٍ تَامَّةٍ، وَلَمْ تُوجَدْ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ لِلطَّلَاقِ. اهـ. رَازِيٌّ

الْوِلَادَةِ إذْ الطَّلَاقُ يَنْفَكُّ عَنْ الْوِلَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ صَارَ مِنْ لَوَازِمِهِ هُنَا بِاتِّفَاقِ الْحَالِ كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا فَأَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي حَقِّ حُرْمَةِ اللَّحْمِ لَا فِي حَقِّ الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ طَلُقَتْ بِلَا شَهَادَةٍ) يَعْنِي فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْوِلَادَةِ، وَكَانَ قَدْ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهَا وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةِ أَحَدٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الْحِنْثَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِدُونِ الْحُجَّةِ، وَشَهَادَةُ الْقَابِلَةِ حُجَّةٌ فِي مِثْلِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ، وَهُوَ الْوِلَادَةُ، وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِكَوْنِهَا مُؤْتَمَنَةً فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي رَدِّ الْأَمَانَةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِأَمْرٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَرْبَعُ سِنِينَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَابْنِ حَنْبَلٍ، وَقَالَ رَبِيعَةُ سَبْعُ سِنِينَ، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ثَلَاثُ سِنِينَ، وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّام خَمْسُ سِنِينَ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ سِتُّ سِنِينَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَيْسَ لِأَقْصَاهُ وَقْتٌ يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَتَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِحِكَايَاتِ النَّاسِ وَهِيَ مَا رُوِيَ أَنَّ الضَّحَّاكَ بَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَ سِنِينَ فَوَلَدَتْهُ أُمُّهُ وَقَدْ نَبَتَتْ ثَنَايَاهُ، وَهُوَ يَضْحَكُ فَسُمِّيَ بِهِ لِذَلِكَ، وَقَالَ مَالِكٌ حِينَ بَلَغَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ مُنْكِرًا عَلَيْهَا هَذِهِ جَارَتُنَا امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ تَحْمِلُ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَابْنُ عَجْلَانَ بِنَفْسِهِ بَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَ سِنِينَ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ، وَعَنْ ابْنِ عَجْلَانَ أَنَّ امْرَأَةً وَضَعَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَمَرَّةً لِسَبْعِ سِنِينَ، وَلَنَا قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَا يَبْقَى الْوَلَدُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ، وَلِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ تَبْتَنِي عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَحْكَامُ، وَالْحِكَايَاتُ الَّتِي ذَكَرُوهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ وَهِيَ بِنَفْسِهَا مُتَعَارِضَةٌ، وَلَيْسَتْ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ فِي نَفْسِهَا فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ أَوْ نَفْيِهِ، وَظِلُّ الْمِغْزَلِ مَثَلٌ لِقِلَّتِهِ لِأَنَّ ظِلَّهُ حَالَ الدَّوْرَانِ أَسْرَعُ زَوَالًا مِنْ سَائِرِ الظِّلَالِ، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ وَلَوْ بِقَدْرِ ظِلِّ مِغْزَلٍ، وَيُرْوَى وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ أَيْ وَلَوْ بِقَدْرِ دَوْرَانِ فَلْكَةِ مِغْزَلٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَقَلُّهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَمَّ بِرَجْمِ امْرَأَةٍ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15]، وَقَالَ {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَبَقِيَ لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَمِثْلُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ عُثْمَانَ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ نَكَحَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا فَاشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ (لَزِمَهُ، وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ثُمَّ بِالشِّرَاءِ لَمْ تَبْطُلْ الْعِدَّةُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَإِنْ بَطَلَتْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِحِلِّهَا لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ لِتَقَدُّمِ الْعُلُوقِ عَلَى الشِّرَاءِ فَيَلْزَمُهُ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِهِ أَوْ نَفَاهُ، وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ لِتَأَخُّرِ الْعُلُوقِ عَنْ الشِّرَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُهُ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْهُ لَزِمَهُ إذَا وَلَدَتْهُ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ وَلِأَقَلَّ مِنْهُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حَدَثَ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى التَّزَوُّجِ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَفْسُدُ بِالشِّرَاءِ، وَتَكُونُ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِغَيْرِهِ مَا لَمْ تَحِضْ حَيْضَتَيْنِ فَيَكُونَ مَا جَاءَتْ بِهِ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَدَ الْمَنْكُوحَةِ، وَبَعْدَهُ وَلَدَ الْمَمْلُوكَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْحَوَادِثَ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَلَا يَنْتَقِضُ هَذَا بِمَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ) وَالْمِغْزَلُ قَالَ الصَّاغَانِيُّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمِغْزَلُ مَا يُغْزَلُ بِهِ قَالَ الْفَرَّاءُ، وَالْأَصْلُ الضَّمُّ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أُغْزِلَ أَيْ أُدِيرَ وَفُتِلَ اهـ. وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ وَالْمِغْزَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا يُغْزَلُ بِهِ، وَتَمِيمُ تَضُمُّ الْمِيمَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ) وِزَانُ تَمْرَةٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ نَكَحَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا) أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَهَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ يُفِيدُ كَوْنَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ إذْ لَا عِدَّةَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ هَذَا، وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ رَدَّهَا الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِهِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ ثُمَّ قَالَ يُرِيدُ بِهِ إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ إلَّا أَنْ تَجِيءَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَقَلَّدَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ، وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَائِنٌ، وَالْحُكْمَ فِي الْمُبَانَةِ أَنَّ نَسَبَ وَلَدِهَا يَثْبُتُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ إنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) فِيهِ مَا مَرَّ لَك عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْمُقِرَّةِ، وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ أَيْ إنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ ثُمَّ بِالشِّرَاءِ تَبْطُلُ الْعِدَّةُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) يَعْنِي حَتَّى لَوْ أَرَادَ سَيِّدُهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنْ يُزَوِّجَهَا لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ) يُصَدَّقُ بِمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ اهـ (قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا) يُشِيرُ بِهِ لِقَوْلِهِ آنِفًا لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ إلَخْ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يَصِحُّ فِيمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ إلَخْ صَادِقٌ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْته لَك فَتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ لِأَقَلَّ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. اهـ

[باب الحضانة]

لِامْرَأَتَيْهِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهِمَا إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِيجَابِ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْهُ فَالْإِيجَابُ عَلَى إبْهَامِهِ، وَلَا تَتَعَيَّنُ ضَرَّتُهَا لِلطَّلَاقِ وَلَوْ أُحِيلَ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لَتَعَيَّنَتْ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ حَبِلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَمْ تَطْلُقْ، وَكَذَا إذَا جَاءَتْ الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُرَاجِعًا لِأَنَّ الْحَوَادِثَ إنَّمَا تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ إذَا لَمْ تَتَضَمَّنْ إبْطَالَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِالدَّلِيلِ أَوْ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالْمُقْتَضَى، وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ ذَلِكَ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ لِأَنَّ فِي الْأُولَى إزَالَةَ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ، وَفِي الثَّالِثَةِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِمَا أَوْجَبَهُ الطَّلَاقُ، وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ وَاحِدًا وَأَمَّا إذَا كَانَ ثِنْتَيْنِ فَيَثْبُتُ نَسَبُ مَا وَلَدَتْهُ إلَى سَنَتَيْنِ لِأَنَّ الْأَمَةَ تَحْرُمُ بِالطَّلْقَتَيْنِ حُرْمَةً غَلِيظَةً فَلَا يُمْكِنُ إضَافَةُ الْعُلُوقِ إلَى مَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَلَا يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ بَلْ إلَى أَبْعَدِهَا حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ، وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ تَزُولَ هَذِهِ الْحُرْمَةُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] لِأَنَّا نَقُولُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] يُوجِبُ الْحُرْمَةَ فَتَعَارَضَا فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ أَوْلَى، وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا مَلَكَ أُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعِ لَا تَحِلُّ لَهُ تَرْجِيحًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] عَلَى الْمُبِيحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ بِالْوِلَادَةِ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِدَعْوَتِهِ، وَالْوِلَادَةُ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ هَذَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ قَالَ ذَلِكَ لِتَيَقُّنِنَا بِوُجُودِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَلْزَمُهُ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ بَعْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ لِغُلَامٍ هُوَ ابْنِي، وَمَاتَ فَقَالَتْ أُمُّهُ أَنَا امْرَأَتُهُ، وَهُوَ ابْنُهُ) يَعْنِي بَعْدَ مَوْتِهِ (يَرِثَانِهِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا الْإِرْثُ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَبِالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ، وَبِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهِ إقْرَارًا بِالزَّوْجِيَّةِ لَهَا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَبِكَوْنِهَا أُمَّ الْغُلَامِ، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ الْمَوْضُوعُ لِلنَّسَبِ فَعِنْدَ إقْرَارِهِ بِالْبُنُوَّةِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُ ذَلِكَ كَمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ نَفْيِهِ عَنْ ابْنِهِ الْمَعْرُوفِ حَتَّى وَجَبَ عَلَى النَّافِي الْحَدُّ وَاللِّعَانُ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ احْتِمَالُ إلْحَاقِهِ بِغَيْرِهِ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَوْ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ، وَلَا يُقَالُ إنَّ النِّكَاحَ ثَبَتَ بِمُقْتَضَى ثُبُوتِ النَّسَبِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ لِأَنَّا نَقُولُ النِّكَاحُ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ إلَى نِكَاحٍ مُوجِبٍ لِلْإِرْثِ وَالنَّسَبِ، وَإِلَى غَيْرِ مُوجِبٍ لَهُمَا فَإِذَا تَعَيَّنَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ لَزِمَ بِلَوَازِمِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ جَهِلَتْ حُرِّيَّتَهَا فَقَالَ وَارِثُهُ أَنْتِ أُمُّ وَلَدِ أَبِي فَلَا مِيرَاثَ لَهَا) لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ الثَّابِتَةَ بِظَاهِرِ الْحَالِ تَصْلُحُ لِدَفْعِ الرِّقِّ، وَلَا تَصْلُحُ لِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ كَاسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْوَارِثُ إنَّهَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً وَقْتَ مَوْتِ أَبِي، وَلَمْ يُعْلَمْ إسْلَامُهَا فِيهِ أَوْ قَالَ كَانَتْ زَوْجَةً لَهُ وَهِيَ أَمَةٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَرِثَ لِمَا قُلْنَا، وَقَالُوا لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الْوَارِثَ أَقَرَّ بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ الْحَضَانَةِ] (بَابُ الْحَضَانَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَحَقُّ بِالْوَلَدِ أُمُّهُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَبَعْدَهَا)، وَفِي الْكَافِي إلَّا أَنْ تَكُونَ مُرْتَدَّةً أَوْ فَاجِرَةً، وَإِنَّمَا كَانَتْ أَحَقَّ لِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ يَعْنِي بِزَوْجٍ آخَرَ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ أَنَّ «امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْتَزِعُهُ مِنِّي فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي»، وَلِأَنَّ الصِّغَارَ لَمَّا عَجَزُوا عَنْ مَصَالِحِهِمْ جَعَلَ الشَّرْعُ وِلَايَتَهَا إلَى غَيْرِهِمْ فَجَعَلَ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ إلَى الْآبَاءِ لِأَنَّهُمْ أَقْوَى رَأْيًا مَعَ الشَّفَقَةِ الْكَامِلَةِ، وَأَوْجَبَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ أَقْدَرَ عَلَيْهَا، وَجَعَلَ الْحَضَانَةَ إلَى الْأُمَّهَاتِ لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَرْفَقُ وَأَقْدَرُ وَأَصْبَرُ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ بِسَبَبِ الْوَلَدِ عَلَى طُولِ الْأَعْصَارِ، وَأَفْرَغُ لِلْقِيَامِ بِخِدْمَتِهِ فَكَانَ فِي تَفْوِيضِ الْحَضَانَةِ إلَيْهِنَّ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَصَالِحِ إلَى الْآبَاءِ زِيَادَةَ مَنْفَعَةٍ عَلَى الصَّغِيرِ فَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( بَابُ الْحَضَانَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ النَّسَبِ مِنْ الْمَنْكُوحَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تَحْضُنُ الْوَلَدَ الَّذِي يَثْبُتُ نَسَبُهُ إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ ثُمَّ شَرَعَ فِي فَصْلٍ بَيَّنَ فِيهِ الْغَيْبُوبَةَ بِالْوَلَدِ عَنْ الْمِصْرِ ثُمَّ شَرَعَ فِي فَصْلٍ آخَرَ ذَكَرَ فِيهِ نَفَقَةَ وَالِدَةِ هَذَا الْوَلَدِ، وَذَكَرَ فِي فَصْلٍ آخَرَ وُجُوبَ سُكْنَاهَا فِي دَارٍ مُفْرَدَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِي فَصْلٍ آخَرَ أَنْوَاعَ مَنْ تَجِبُ لِأَجْلِهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى بِأَنْ تَكُونَ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِي فَصْلٍ آخَرَ نَفَقَةَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ وَلَدُهَا وَفَرْعُهَا فَأَخَّرَ ذِكْرَ نَفَقَتِهِ عَنْ نَفَقَتِهَا ثُمَّ لَمَّا وَقَعَ الْكَلَامُ فِي النَّفَقَةِ انْجَرَّ إلَى ذِكْرِ نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ ثُمَّ انْجَرَّ إلَى ذِكْرِ نَفَقَةِ الْمَمَالِيكِ، وَذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ خَتَمَ بِهِ النَّفَقَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ أُمُّهُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَبَعْدَهَا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي غَيْرِ مَا إذَا وَقَعَتْ بِرِدَّتِهَا لَحِقَتْ أَوَّلًا لِأَنَّهَا تُحْبَسُ، وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ تَابَتْ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِلْحَضَانَةِ بِأَنْ كَانَتْ فَاسِقَةً أَوْ تَخْرُجُ كُلَّ وَقْتٍ وَتَتْرُكُ الْبِنْتَ ضَائِعَةً أَوْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً وَلَدَتْ ذَلِكَ الْوَلَدَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ أَوْ مُتَزَوِّجَةً بِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِلصَّغِيرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا، وَأَبَتْ الْأُمُّ أَنْ تُرَبِّيَ إلَّا بِأَجْرٍ، وَقَالَتْ الْعَمَّةُ أَنَا أُرَبِّي بِغَيْرِ أَجْرٍ فَإِنَّ الْعَمَّةَ أَوْلَى هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ فَاجِرَةً) أَيْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ تُكَافِئُ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً) وَحِجْرُ الْإِنْسَانِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَالْحِوَاءُ بِالْكَسْرِ بَيْتٌ مِنْ الْوَبَرِ، وَالْجَمْعُ الْأَحْوِيَةُ. اهـ. فَتْحٌ

حَسَنًا، وَأَنْظَرَ لِلصَّغِيرِ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ حِينَ فَارَقَ امْرَأَتَهُ: رِيحُهَا وَمَسُّهَا وَمَسْحُهَا وَرِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ الشَّهْدِ عِنْدَك، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا ثُمَّ لَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْحَضَانَةِ فِي الصَّحِيحِ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ شَفَقَتَهَا حَامِلَةٌ عَلَى الْحَضَانَةِ، وَلَا تَصْبِرُ عَنْهُ غَالِبًا إلَّا عَنْ عَجْزٍ فَلَا مَعْنًى لِلْإِيجَابِ لِوُجُودِ الْحَمْلِ بِدُونِهِ فَلَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْوَلَدِ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ غَيْرُ الْأُمِّ فَحِينَئِذٍ تُجْبَرُ عَلَى حَضَانَتِهِ كَيْ لَا يَضِيعَ بِخِلَافِ الْأَبِ حَيْثُ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ إذَا امْتَنَعَ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْأُمِّ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ أُمُّ الْأُمِّ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمٌّ بِأَنْ مَاتَتْ أَوْ تَزَوَّجَتْ فَأُمُّ الْأُمِّ أَحَقُّ لِمَا رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ طَلَّقَ جَمِيلَةَ بِنْتَ عَاصِمٍ فَتَزَوَّجَتْ فَأَخَذَ عُمَرُ ابْنَهُ عَاصِمًا فَأَدْرَكَتْهُ أُمُّ جَمِيلَةَ فَأَخَذَتْهُ فَتَرَافَعَا إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُمَا مُتَشَبِّثَانِ فَقَالَ لِعُمَرَ خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِهَا فَأَخَذَتْهُ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ تُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَكَانَتْ الَّتِي هِيَ مِنْ قِبَلِهَا أَوْلَى، وَإِنْ بَعُدَتْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ أُمُّ الْأَبِ) وَإِنْ عَلَتْ وَقَالَ زُفَرُ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأُمٍّ أَوْ الْخَالَةُ أَحَقُّ مِنْ أُمِّ الْأَبِ لِأَنَّهَا تُدْلِي إلَيْهِ بِقَرَابَةِ الْأَبِ، وَهُنَّ يُدْلِينَ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ فَكُنَّ أَحَقَّ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ تُسْتَحَقُّ بِاعْتِبَارِ قَرَابَةِ الْأُمِّ، وَنَحْنُ نَقُولُ هَذِهِ أُمٌّ لِأَنَّ لَهَا قَرَابَةُ الْوِلَادَةِ، وَهِيَ أَشْفَقُ فَكَانَتْ أَوْلَى كَاَلَّتِي مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، وَلِهَذَا تُحْرِزُ مِيرَاثَ الْأُمِّ كَمَا تُحْرِزُ تِلْكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ) لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ الْأَبَوَيْنِ فَكُنَّ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَجْدَادِ فَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأُمٍّ، وَعِنْدَ زُفَرَ هُمَا يَشْتَرِكَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيمَا يُعْتَبَرُ، وَهُوَ الْإِدْلَاءُ بِالْأُمِّ، وَجِهَةُ الْأَبِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ، وَإِنْ كَانَ قَرَابَةُ الْأَبِ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِيهِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ، وَفِي رِوَايَةٍ تُقَدَّمُ الْخَالَةُ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَالَةُ وَالِدَةٌ»، وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] إنَّهَا كَانَتْ خَالَتَهُ، وَلِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ، وَتِلْكَ بِالْأَبِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ الْمُدْلَى بِهِ، وَبَنَاتُ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأُمٍّ أَوْلَى مِنْ الْخَالَاتِ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي بَنَاتِ الْأُخْتِ لِأَبٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخَالَةَ أَوْلَى مِنْهُنَّ، وَبَنَاتُ الْأُخْتِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ لِأَنَّ الْأُخْتَ لَهَا حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ دُونَ الْأَخِ فَكَانَ الْمُدْلَى بِهَا أَوْلَى، وَإِذَا اجْتَمَعَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ فِي دَرَجَةِ فَأَوْرَعُهُمْ أَوْلَى ثُمَّ أَكْبَرُهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْخَالَاتُ كَذَلِكَ) لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ أَرْجَحُ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَوْلُهُ كَذَلِكَ أَيْ يَنْزِلْنَ مِثْلُ مَا نَزَلَتْ الْأَخَوَاتُ، وَمَعْنَاهُ مَنْ كَانَتْ لِأُمٍّ وَأَبٍ أَوْلَى ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ لِأَنَّ مَنْ كَانَ اتِّصَالُهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَشْفَقُ ثُمَّ مَنْ كَانَ لِأُمٍّ أَشْفَقُ، وَالْخَالَةُ أَوْلَى مِنْ بِنْتِ الْأَخِ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ، وَتِلْكَ بِالْأَخِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْعَمَّاتُ كَذَلِكَ) يَعْنِي كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْوَالِ الْأَخَوَاتِ وَتَرْتِيبِهِنَّ، وَبَنَاتُ الْأَخِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَلَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فِي الْحَضَانَةِ لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ مَحْرَمِهِ سَقَطَ حَقُّهَا) أَيْ مَنْ تَزَوَّجَ مِمَّنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِلصَّغِيرِ سَقَطَ حَقُّهَا لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ زَوْجَ الْأُمِّ يُعْطِيهِ نَزْرًا، وَيَنْظُرُ إلَيْهِ شَزْرًا فَلَا نَظَرَ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِلصَّغِيرِ كَالْجَدَّةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا الْجَدَّ، أَوْ الْأُمِّ إذَا كَانَ زَوْجُهَا عَمَّ الصَّغِيرِ، أَوْ الْخَالَةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا عَمَّهُ أَوْ أَخَاهُ، أَوْ عَمَّتِهِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا خَالَهُ أَوْ أَخَاهُ مِنْ أُمِّهِ لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنْ الصَّغِيرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ تَعُودُ بِالْفُرْقَةِ) أَيْ يَعُودُ حَقُّ الْحَضَانَةِ بِالْفُرْقَةِ بَعْدَمَا سَقَطَ بِالتَّزَوُّجِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ حِينَ فَارَقَ امْرَأَتَهُ) وَهِيَ أُمُّ عَاصِمٍ، وَاسْمُهَا جَمِيلَةُ فَخَاصَمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ لِيَنْتَزِعَ عَاصِمًا مِنْهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَرِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ الشَّهْدِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الشَّهْدُ الْعَسَلُ فِي شَمْعِهَا، وَفِيهِ لُغَتَانِ فَتْحُ الشَّيْنِ لِتَمِيمٍ، وَجَمْعُهُ شِهَادٌ مِثْلُ سَهْمٍ وَسِهَامٍ، وَضَمُّهَا لِأَهْلِ الْعَالِيَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَالصَّحَابَةُ كَانُوا حَاضِرِينَ يَعْنِي حِينَ قَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا تُجْبَرُ) قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي إذَا طَلَبَتْ الْأُمُّ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ أَبَتْ لَا تُجْبَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالثَّوْرِيِّ، وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ تُجْبَرُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْهِنْدُوَانِي مِنْ مَشَايِخِنَا لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ الْوَلَدِ قَالَ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ، وَهُوَ لِلْوُجُوبِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ لَا تُجْبَرُ الشَّرِيفَةُ الَّتِي لَا عَادَةَ لَهَا بِالْإِرْضَاعِ، وَتُجْبَرُ الَّتِي هِيَ مِمَّنْ تُرْضِعُ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ غَيْرُهَا أَوْ لَمْ يَأْخُذْ الْوَلَدُ ثَدْيَ غَيْرِهَا أُجْبِرَتْ بِلَا خِلَافٍ، وَيُجْبَرُ الْوَالِدُ عَلَى أَخْذِهِ بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْأُمِّ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَصِيَانَتَهُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] وَإِذَا اخْتَلَفَا فَقَدْ تَعَاسَرَا فَكَانَتْ الْآيَةُ لِلنَّدْبِ أَوْ مَحْمُولَةً عَلَى حَالَةِ الِاتِّفَاقِ وَعَدَمِ التَّعَاسُرِ، وَلِأَنَّهَا عَسَى أَنْ تَعْجِزَ عَنْهُ لَكِنْ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ تَتْرُكَ وَلَدَهَا عِنْدَ الزَّوْجِ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لِأَنَّ حَقَّ الْوَلَدِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أُمِّهِ مَا كَانَ إلَيْهَا مُحْتَاجًا هَذَا لَفْظُهُ فَأَفَادَ أَنَّ قَوْلَ الْفَقِيهَيْنِ هُوَ جَوَابُ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْإِرْضَاعِ بَلْ فِي الْحَضَانَةِ قَالَ فِي التُّحْفَةِ ثُمَّ الْأُمُّ وَإِنْ كَانَتْ أَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ، وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يُرْضِعُهُ فَتُجْبَرُ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمٌّ) بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْحَضَّانَةِ أَوْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ تَزَوَّجَتْ) يَعْنِي بِأَنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا اجْتَمَعَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ فَأَوْرَعُهُمْ أَوْلَى إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ إخْوَةٌ فَأَفْضَلُهُمْ أَوْلَى، وَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا لِأَنَّ الْأَكْبَرَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَهُوَ أَكْثَرُ شَفَقَةً اهـ (قَوْلُهُ وَلَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَأَمَّا بَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ فَبِمَعْزِلٍ عَنْ حَقِّ الْحَضَانَةِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُنَّ لَمْ تَتَأَكَّدْ بِالْمَحْرَمِيَّةِ اهـ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ، وَمِنْ خَطِّهِ نُقِلَتْ، وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ بِمَعْزِلٍ عَنْ حَقِّ الْحَضَانَةِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُنَّ لَمْ تَتَأَكَّدْ بِالْمَحْرَمِيَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ

كَالنَّاشِزَةِ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا ثُمَّ إذَا عَادَتْ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ تَجِبُ وَكَذَا الْوِلَايَةُ تَسْقُطُ بِالْجُنُونِ وَالِارْتِدَادِ ثُمَّ إذَا زَالَ ذَلِكَ عَادَتْ الْوِلَايَةُ ثُمَّ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَا يَعُودُ حَقُّهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْعَصَبَاتُ بِتَرْتِيبِهِمْ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ امْرَأَةٌ تَكُونُ الْحَضَانَةُ لِلْعَصَبَاتِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْإِرْثِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ غَيْرَ أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تُدْفَعُ إلَى غَيْرِ مَحْرَمٍ مِنْ الْأَقَارِبِ كَابْنِ الْعَمِّ، وَلَا لِلْأُمِّ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَأْمُونَةٍ، وَلَا لِلْعَصَبَةِ الْفَاسِقِ، وَلَا إلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ بِخِلَافِ الْغُلَامِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ عَصَبَةٌ يُدْفَعُ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَأَخٍ مِنْ أُمٍّ وَعَمٍّ مِنْ أُمٍّ وَخَالٍ وَنَحْوِهِمْ لِأَنَّ لَهُمْ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ عِنْدَهُ فَكَذَا الْحَضَانَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِهِ) أَيْ بِالْغُلَامِ (حَتَّى يَسْتَغْنِيَ، وَقُدِّرَ بِسَبْعِ سِنِينَ) وَقَالَ الْقُدُورِيُّ حَتَّى يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَقَدَّرَهُ الْخَصَّافُ بِسَبْعِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ بَلْ عَيْنُهُ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ يَسْتَنْجِي وَحْدَهُ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغُوا سَبْعَ سِنِينَ» وَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَقَدَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ بِتِسْعِ سِنِينَ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي قَبْلَ ذَلِكَ عَادَةً، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ، وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِنْجَاءِ وَحْدَهُ هُوَ تَمَامُ الطَّهَارَةِ، وَهُوَ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعِينَهُ أَحَدٌ، وَقِيلَ هُوَ مُجَرَّدُ الِاسْتِنْجَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَطْهُرَ وَحْدَهُ عَنْ النَّجَاسَاتِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَامِ الطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا بَلَغَ هَذَا الْحَدَّ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّأَدُّبِ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ الرِّجَالِ وَآدَابِهِمْ وَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّثْقِيفِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي سِنِّهِ فَقَالَ الْأَبُ ابْنُ سَبْعٍ، وَهِيَ قَالَتْ ابْنُ سِتٍّ فَإِنْ اسْتَغْنَى بِأَنْ كَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَيَلْبَسُ، وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ دُفِعَ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي تَزْوِيجِهَا فَالْقَوْلُ لَهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِلَّا فَلَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِهَا حَتَّى تَحِيضَ) أَيْ الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَحِيضَ لِأَنَّ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ تَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ آدَابِ النِّسَاءِ مِنْ الْغَزْلِ وَالطَّبْخِ وَالْغَسْلِ، وَالْأُمُّ أَقْدَرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا بَلَغَتْ تَحْتَاجُ إلَى التَّزْوِيجِ وَالصِّيَانَةِ، وَإِلَى الْأَبِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ، وَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى الصِّيَانَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهَا صَارَتْ عُرْضَةً لِلْفِتْنَةِ، وَمَطْمَعًا لِلرِّجَالِ، وَبِالرِّجَالِ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا لَيْسَ بِالنِّسَاءِ فَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى دَفْعِ خِدَاعِ الْفَسَقَةِ وَاحْتِيَالِهِمْ فَكَانَ أَوْلَى، وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَا، وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ امْرَأَةٌ إلَخْ) وَإِذَا وَجَبَ الِانْتِزَاعُ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ امْرَأَةٌ مِنْ أَصْلِهِ يُدْفَعُ إلَى الْعَصَبَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ، وَكَذَا مَنْ سَفَلَ مِنْهُمْ ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ فِي الْفَرَائِضِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا إلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ) فَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ أُنْثَى تُدْفَعُ إلَيْهَا الْأُنْثَى أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْغُلَامِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ يُدْفَعُ لِمَنْ ذُكِرَ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَيُدْفَعُ الذَّكَرُ إلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ، وَلَا تُدْفَعُ الْأُنْثَى، فَالصَّغِيرُ يُدْفَعُ إلَى كُلٍّ مَحْرَمٍ وَغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَالصَّغِيرَةُ لَا تُدْفَعُ إلَّا إلَى مَحْرَمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ) قَالَ فِي الْكَافِي، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ عَصَبَةٌ يُدْفَعُ إلَى الْأَخِ لِأُمٍّ ثُمَّ إلَى وَلَدِهِ ثُمَّ إلَى الْعَمِّ لِأُمٍّ ثُمَّ إلَى الْخَالِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ لِأُمٍّ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النِّكَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ يُدْفَعُ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَأَخٍ مِنْ أُمٍّ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ هُنَا غَيْرُ ذَوِي الْأَرْحَامِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْفَرَائِضِ فَإِنَّ ذَا الرَّحِمِ فِي الْفَرَائِضِ كُلُّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَلَا عَصَبَةٍ فَالْأَخُ مِنْ الْأُمِّ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ سَهْمٍ، وَأَمَّا ذُو الرَّحِمِ هُنَا فَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ قَرِيبٍ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَحْضُونَ، وَهُوَ غَيْرُ عَصَبَةٍ فَإِنَّ كُلًّا مِمَّنْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْعَمِّ مِنْ الْأُمِّ وَالْخَالِ قَرِيبٌ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَحْضُونَ، وَهُوَ غَيْرُ عَصَبَةٍ لَهُ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا ذَا الرَّحِمِ هُنَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ بِدَلَالَةِ التَّمْثِيلِ، وَلِأَنَّا لَوْ أَجْرَيْنَا قَوْلَهُ يُدْفَعُ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى إطْلَاقِهِ لِيَشْمَلَ مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مِنْ النِّسَاءِ وَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا لَتَنَاقَضَ مَعَ قَوْلِهِ سَابِقًا، وَلَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فِي الْحَضَانَةِ لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ، وَلَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ فَلَا يَكُونُ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فِي الْحَضَانَةِ حَقٌّ فِي حَالَةٍ مَا مِنْ الْحَالَاتِ وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ يُفِيدُ أَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ لَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَنْ اتَّصَفَتْ بِالْمَحْرَمِيَّةِ بِخِلَافِ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ بِالْمَحْرَمِيَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ بِنْتَ الْعَمَّةِ لَهَا وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ مَنُوطَةٌ بِالرَّحِمِيَّةِ فَقَطْ، وَحَقُّ الْحَضَانَةِ مَنُوطٌ بِالرَّحِمِيَّةِ مَعَ الْمَحْرَمِيَّةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ حَالَ الْمُطَالَعَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُمْ) أَيْ كَابْنِ أَخٍ مِنْ أُمٍّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ) لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ ذَلِكَ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ بِمَصَالِحِ بَدَنِهِ حَتَّى لَوْ اهْتَدَى لِإِقَامَةِ مَصَالِحِ بَدَنِهِ قَبْلَ هَذِهِ يُعْتَبَرُ حَالُهُ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ. اهـ. وَجِيزٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ إلَخْ) بِأَنْ يُطَهِّرَ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَامِ الطَّهَارَةِ) وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ ظَاهِرِ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ اهـ أَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ وَهِيَ قَالَتْ ابْنُ سِتٍّ) لَا يَحْلِفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلَكِنْ يُنْظَرُ فِي حَالِهِ. اهـ. خان (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا) يَعْنِي إنْ اخْتَلَفَا فِي تَزْوِيجِهَا فَقَالَ الزَّوْجُ لِلْأُمِّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَأَنْكَرَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِلَّا فَلَا) لِأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ لِأَحَدٍ بِحَقٍّ عَلَى نَفْسِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهَا النِّكَاحَ بِحُكْمِ هَذَا الْإِقْرَارِ لَا يَلْزَمُهَا، وَإِنْ عَيَّنَتْ الزَّوْجَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا حَتَّى يُقِرَّ بِذَلِكَ الرَّجُلُ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ لَمْ تُعَيِّنْ الزَّوْجَ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَإِنْ عَيَّنَتْهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي دَعْوَى الطَّلَاقِ حَتَّى يُقِرَّ بِهِ الزَّوْجُ اهـ

صَحِيحٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الصِّيَانَةِ، وَبِهِ يُفْتَى فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْفُسَّاقِ، وَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ فِي قَوْلِهِمْ وَقَدَّرَهُ أَبُو اللَّيْثِ بِتِسْعِ سِنِينَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَيْرُهُمَا أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَشْتَهِيَ) أَيْ غَيْرُ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تُشْتَهَى، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَتَّى تَسْتَغْنِيَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّرْكِ عِنْدَ مَنْ يَحْضُنُهَا نَوْعَ اسْتِخْدَامٍ، وَغَيْرُهُمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّعْلِيمُ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِالِاسْتِخْدَامِ، وَغَيْرُهُمَا لَا يَمْلِكُ الِاسْتِخْدَامَ، وَلِهَذَا لَا يُؤَجِّرُهَا لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِخِلَافِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ لِقُدْرَتِهِمَا عَلَى ذَلِكَ شَرْعًا فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ، وَفِي الْكَافِي إذَا خَلَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، وَلَهُ مِنْهَا بِنْتٌ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فَضَمَّتْهَا إلَيْهَا، وَتَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا فِي كُلِّ سَاعَةٍ، وَتَتْرُكُ الْبِنْتَ ضَائِعَةً فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مَا لَمْ يَعْتِقَا) لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْحَضَانَةِ بِالِاشْتِغَالِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى، وَلِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ نَوْعُ وِلَايَةٍ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا يَكُونُ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِمَا فَتَكُونُ الْحَضَانَةُ لِمَوْلَاهُ إنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي الرِّقِّ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ إذَا كَانَا فِي مِلْكِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَالْحَضَانَةُ لِأَقْرِبَائِهِ الْأَحْرَارِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَإِذَا عَتَقَا كَانَ لَهُمَا حَقُّ الْحَضَانَةِ فِي أَوْلَادِهِمَا الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُمَا، وَأَوْلَادُهُمَا أَحْرَارٌ أَوَانَ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَالْمُدَبَّرَةُ كَالْقِنَّةِ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهَا، وَالْمُكَاتَبَةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاخِلًا فِي كِتَابَتِهَا تَبَعًا لَهَا بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالذِّمِّيَّةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ دِينًا) لِأَنَّ الْحَضَانَةَ تَبْتَنِي عَلَى الشَّفَقَةِ، وَهِيَ أَشْفَقُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الدَّفْعُ إلَيْهَا أَنْظَرَ لَهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ فَإِذَا عَقَلَ يُنْزَعُ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ الضَّرَرِ، وَلَا حَقَّ لِلْمُرْتَدَّةِ فِي الْحَضَانَةِ لِأَنَّهَا تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ فَلَا تَتَفَرَّغُ لَهُ، وَلَا فِي دَفْعِهِ إلَيْهَا نَظَرٌ لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا خِيَارَ لِلْوَلَدِ) عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُخَيَّرُ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ يُخَيَّرُ الْغُلَامُ، وَتُسَلَّمُ الْجَارِيَةُ إلَى الْأَبِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِهِ، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عُتْبَةَ، وَقَدْ نَفَعَنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَهِمَا عَلَيْهِ فَقَالَ زَوْجُهَا أَتُحَاقِّنِي فِي وَلَدِي فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا أَبُوك، وَهَذِهِ أُمُّك فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْت فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى التَّخْيِيرِ غَيْرَ أَنَّ أَحْمَدَ يَقُولُ هُوَ نَصٌّ فِي الْغُلَامِ، وَلَا تُقَاسُ الْجَارِيَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ وَالتَّزْوِيجِ دُونَ الْغُلَامِ، وَلَنَا أَنَّهُ صَغِيرٌ غَيْرُ رَشِيدٍ وَلَا عَارِفٍ بِمَصْلَحَتِهِ فَلَا يُعْتَمَدُ اخْتِيَارُهُ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، وَلِأَنَّهُ لِقُصُورِ عَقْلِهِ يَخْتَارُ مَنْ عِنْدَهُ الرَّاحَةُ وَالتَّخْلِيَةُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ النَّظَرُ فِيهِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُخَيِّرُوا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْفِرَاقَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي صُحْبَتِهِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهَا إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ، وَلَوْلَا أَنَّهَا فِي صُحْبَتِهِ لَمَا قَالَتْ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهَا قَالَتْ، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عُتْبَةُ، وَاَلَّذِي يَسْقِي مِنْ الْبِئْرِ هُوَ الْبَالِغُ ظَاهِرًا أَوْ هُوَ حِكَايَةُ حَالٍ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي السَّبْعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ عُمُرِهِ أَوْ لِأَنَّهُ وُفِّقَ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِاخْتِيَارِ الْأَنْظَرِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُمَا أَوَّلًا بِالِاسْتِهَامِ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ إجْمَاعًا فَكَذَا التَّخْيِيرُ، وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ إيمَانَهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُهُ لِرَبِّهِ، وَهُوَ نَفْعٌ لَهُ ثُمَّ يَعْتَبِرُونَ اخْتِيَارَهُ لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ، وَهُوَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا خُلْفٌ، ثُمَّ الْغُلَامُ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا فَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالسُّكْنَى، وَلَيْسَ لِأَبِيهِ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا مَخُوفًا عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ اعْتِبَارًا لِنَفْسِهِ بِمَالِهِ فَإِذَا بَلَغَ رَشِيدًا لَا يَبْقَى لِلْأَبِ يَدٌ فِي مَالِهِ فَكَذَا فِي نَفْسِهِ، وَإِذَا بَلَغَ مُبَذِّرًا كَانَ لَهُ وِلَايَةُ حِفْظِ مَالِهِ فَكَذَا لَهُ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ إمَّا لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ أَوْ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُعَيَّرُ بِفَسَادِ ابْنِهِ، وَأَمَّا الْجَارِيَةُ إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَلِأَبِيهَا أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْتَبِرْ الرِّجَالَ، وَلَمْ تَعْرِفْ حِيَلَهُمْ فَيُخَافُ عَلَيْهَا الْخِدَاعُ مِنْهُمْ، وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً لَا يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتَنَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهَا اخْتَبَرَتْ الرِّجَالَ، وَعَرَفَتْ كَيْدَهُمْ فَأُمِنَ عَلَيْهَا مِنْ الْخِدَاعِ، وَقَدْ زَالَتْ وِلَايَتُهُ بِالْبُلُوغِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ضَمِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ مَخُوفًا عَلَيْهَا فَلَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي حَقِّ الْغُلَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ، وَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ) قَالَ قَاضِي خَانْ لِلْأَبِ وِلَايَةُ أَخْذِ الْجَارِيَةِ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدَّرَهُ أَبُو اللَّيْثِ بِتِسْعِ سِنِينَ) قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَا، وَهِيَ لَا تُشْتَهَى حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِئْرُ أَبِي عُتْبَةُ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ مَا بَعْدَهَا كَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ اهـ، وَفِي شَرْحِ الْكَافِي بِئْرُ أَبِي عُتْبَةَ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَفِي الْأَحْكَامِ وَالسُّنَنِ بِئْرُ أَبِي عُتْبَةُ بِلَفْظِ الْحَبَّةِ مِنْ الْعِنَبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهِيَ بِئْرٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ لَا يُمْكِنُ الصَّغِيرَ الِاسْتِقَاءُ مِنْهَا. اهـ. مُغْرِبٌ، وَقَوْلُهُ وَهِيَ بِئْرٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ إلَخْ هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي عَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ عِنْدَهَا لَمَّا سَارَ إلَى بَدْرٍ. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ أَتُحَاقِّنِي فِي وَلَدِي) الْمُحَاقَقَةُ الْمُنَازَعَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْغُلَامُ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا فَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ زَالَ وِلَايَةُ الْأَبِ عَنْهُ، وَلَا حَقَّ لِلْأَبِ فِيهِ إنْ كَانَ مَأْمُونًا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَلِكَ الثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْأَبُ وَالثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ يُسْأَلُ عَنْ حَالِهَا فَإِنْ كَانَ كَمَا يَقُولُ ضَمَّهَا إلَى نَفْسِهِ أَمَّا الْبِكْرُ فَلِأَبِيهَا أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهَا سَرِيعَةُ الِانْخِدَاعِ اهـ

[باب النفقة]

وَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ، وَكَانَ لَهَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ فَلَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا أَمَّا إذَا كَانَ مُفْسِدًا فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَصَبَةٍ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ إذَا طَعَنَتْ فِي السِّنِّ فَإِنْ كَانَ لَهَا عَقْلٌ وَرَأْيٌ، وَيُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْ الْفَسَادِ فَلَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ، وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهَا ذَلِكَ فَلِلْأَخِ وَالْعَمِّ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ، وَلَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْعَصَبَةِ أَوْ كَانَ لَهَا عَصَبَةٌ مُفْسِدٌ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِهَا فَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً خَلَّاهَا تَنْفَرِدُ بِالسُّكْنَى سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، وَإِلَّا وَضَعَهَا عِنْدَ امْرَأَةٍ أَمِينَةٍ ثِقَةٍ تَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ لِأَنَّهُ جُعِلَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُسَافِرُ مُطَلَّقَةٌ بِوَلَدِهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا إلَى وَطَنِهَا، وَقَدْ نَكَحَهَا ثَمَّ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُقَامَ فِيهِ شَرْعًا، وَعُرْفًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»، وَلِهَذَا تَصِيرُ الْحَرْبِيَّةُ بِهِ ذِمِّيَّةً، وَالْمُسَافِرُ مُقِيمًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُقِيمًا، وَشَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِجَوَازِ النَّقْلِ شَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ وَطَنًا لَهَا، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ التَّزَوُّجُ وَاقِعًا فِيهِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ التَّزَوُّجُ فِي بَلَدٍ وَلَيْسَ بِوَطَنٍ لَهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَيْهِ، وَلَا إلَى وَطَنِهَا لِعَدَمِ الْأَمْرَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْأَصْلِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ لَهَا النَّقْلَ إلَى مَكَانِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَتَى وَقَعَ فِي مَكَان يُوجِبُ أَحْكَامَهُ فِيهِ كَمَا يُوجِبُ الْبَيْعُ التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِهِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ حَقُّ إمْسَاكِ الْأَوْلَادِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ فِي دَارِ الْغُرْبَةِ لَيْسَ الْتِزَامًا لِلْمُقَامِ فِيهَا عُرْفًا فَلَا يَكُونُ لَهَا النَّقْلُ إلَيْهِ كَمَا لَا يَكُونُ لَهَا النَّقْلُ إلَى وَطَنِهَا إذَا لَمْ يَقَعْ التَّزَوُّجُ فِيهِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ الْأَمْرَانِ فِي مَكَان وَاحِدٍ جَازَ لَهَا النَّقْلُ إلَيْهِ كَيْفَمَا كَانَ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَارَ الْحَرْبِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَيْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ مَوْضِعَ الْوِلَادَةِ لَا غَيْرُ حَتَّى كَانَ لَهَا النَّقْلُ إلَى مَوْضِعٍ وَلَدَتْهُ فِيهِ لَا إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ وَطَنًا لَهَا وَوُجِدَ التَّزَوُّجُ فِيهِ رَوَاهَا عَنْهُ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ تَفَاوُتٌ، وَإِنْ تَقَارَبَا بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَعَةِ وَلَدِهِ فِي يَوْمٍ، وَيَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ فِيهِ قَبْلَ اللَّيْلِ جَازَ لَهَا النَّقْلُ إلَيْهِ مُطْلَقًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وُقُوعُ التَّزَوُّجِ وَلَا الْوَطَنُ إلَّا إلَى قَرْيَةٍ مِنْ مِصْرٍ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى قَرِيبٍ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرَ أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ مِصْرٍ إلَى قَرْيَةٍ يَضُرُّ بِالْوَلَدِ لِكَوْنِهِ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْقُرَى فَلَا تَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَطَنَهَا وَوَقَعَ الْعَقْدُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ لِمَا بَيَّنَّا، وَهَذَا الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْأُمِّ خَاصَّةً، وَلَيْسَ لِغَيْرِهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبِ حَتَّى الْجَدَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ النَّفَقَةِ) وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ النُّفُوقِ الَّذِي هُوَ الْهَلَاكُ يُقَالُ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ تَنْفُقُ نُفُوقًا أَيْ مَاتَتْ، وَنَفَقَتْ الدَّرَاهِمُ وَالزَّادُ تَنْفُقُ نُفُوقًا أَيْ نَفِدَتْ، وَأَنْفَقَ الرَّجُلُ أَيْ افْتَقَرَ وَذَهَبَ مَالُهُ، وَأَنْفَقَتْ الدَّرَاهِمُ مِنْ النَّفَقَةِ، وَنَفَقَتْ السِّلْعَةُ نَفَاقًا بِالْفَتْحِ رَاجَتْ، وَأَنْفَقَ الْقَوْمُ نَفَقَتْ سُوقُهُمْ فَكَانَ لِلْهَلَاكِ وَالرَّوَاجِ، وَفِيهَا هَلَاكُ وَرَوَاجُ الْحَالِ فِي الْمَصَالِحِ، وَنَفَقَةُ الْغَيْرِ تَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ بِأَسْبَابٍ ثَلَاثَةٍ بِالْقَرَابَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالْمِلْكِ فَنَبْدَأُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا أَنْسَبُ بِمَا تَقَدَّمَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا، وَالْكِسْوَةُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا) وَلَوْ مَانِعَةً نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَضَرْبٍ مِنْ الْمَعْقُولِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وقَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ الِابْنُ إذَا بَلَغَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا يُخْشَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فَالْأَبُ أَوْلَى مِنْ الْأُمِّ، وَلَهُ أَنْ يَضُمَّهُ مَعَهُ إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى صِيَانَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ بِنْتًا فَأَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَضُمَّهَا مَعَ نَفْسِهِ إنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِزَوَالِ وِلَايَتِهَا عَنْهُ، وَالْأَخُ وَالْعَمُّ لَا يَكُونُ لَهُمَا وِلَايَةُ الضَّمِّ إلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَتْ بِنْتًا غَيْرَ مَأْمُونَةٍ، وَلِلْأَبِ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ كَانَ لَهُمَا حَقُّ الْحَجْرِ فِي ابْتِدَاءِ حَالِهَا فَجَازَ لَهُمَا أَنْ يُعِيدَاهَا إلَى حَجْرِهِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً اهـ أَمَّا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا حَقُّ الْحَجْرِ فِي ابْتِدَاءِ حَالِهَا فَجَازَ لَهُمَا أَنْ يُعِيدَاهَا إلَى حَجْرِهِمَا أَيْضًا لَكِنْ يَتَرَافَعُونَ إلَى الْقَاضِي لِيُسْكِنَهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَى النَّاسِ، وَلَوْ لَمْ يَتَرَافَعُوا رُبَّمَا تَرْتَكِبُ مَا يَلْحَقُهُمْ الضَّرَرُ بِذَلِكَ مِنْ الْعَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. وَقَوْلُهُ وَالْأَخُ وَالْعَمُّ لَا يَكُونُ لَهُمَا وِلَايَةُ الضَّمِّ إلَى نَفْسِهِ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ، وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبِ إلَخْ) وَلَيْسَ لِأُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا أَنْ تُخْرِجَ الْوَلَدَ مِنْ الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ أَبُوهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِخْرَاجِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ [بَابُ النَّفَقَةِ] (بَابُ النَّفَقَةِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - النَّفَقَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ النُّفُوقِ، وَهُوَ الْهَلَاكُ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ نُفُوقًا هَلَكَتْ أَوْ مِنْ النَّفَاقِ الرَّوَاجُ نَفَقَتْ السِّلْعَةُ نَفَاقًا رَاجَتْ، وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيّ أَنَّ كُلَّ مَا فَاؤُهُ نُونٌ وَعَيْنُهُ فَاءٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ مِثْلُ نَفَقَ وَنَفَرَ وَنَفَخَ وَنَفِسَ وَنَفَى وَنَفَذَ، وَفِي الشَّرْعِ الْإِدْرَارُ عَلَى الشَّيْءِ بِمَا بِهِ بَقَاؤُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَبَدَأَ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَنَبْدَأُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ فَبَدَأَ بِالزَّوْجَاتِ إذْ هِيَ الْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ النَّفَقَةِ لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ فَرْعُهَا ثُمَّ بِالنَّسَبِ الْأَبْعَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ وقَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَيَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى الْوَالِدَاتِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُنَّ قِيلَ هُنَّ الزَّوْجَاتُ، وَقِيلَ هُنَّ الْمُطَلَّقَاتُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. فَتْحٌ

«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فِرَاشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد، وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك» الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَاجِبَتَانِ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ، وَمَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقِّ شَخْصٍ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَفَرُّغِهِ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْوَالِي وَالْعَامِلُ فِي الصَّدَقَاتِ وَالْمُفْتِي وَالْمُقَاتِلَةُ وَالْمُضَارِبُ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَالْوَصِيُّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ، وَقَوْلُهُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا يَعْنِي يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا فِي النَّفَقَةِ حَتَّى إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرَاتِ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُعْسِرَاتِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ دُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ، وَفَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ لَا غَيْرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وَقَالَ تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] وَمَنْ اعْتَبَرَ حَالَهُمَا فَقَدْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِالْكِتَابِ بَيَانُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ مُعَسِّرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ فَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ لَكَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَمْ يُؤْتَ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِالنَّصِّ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ «خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» فَقَدْ اعْتَبَرَ حَالَهَا، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مَذْكُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَمَا تَلَاهُ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ حَالِ الرَّجُلِ فَاعْتَبَرْنَا حَالَهُمَا عَمَلًا بِهِمَا، وَنَحْنُ نَقُولُ فِيمَا إذَا كَانَ هُوَ فَقِيرًا وَهِيَ مُوسِرَةً يُسَلِّمُ لَهَا قَدْرَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ فِي الْحَالِ، وَالزَّائِدُ يَبْقَى دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَكُونُ تَكْلِيفًا بِمَا لَمْ يُؤْتَ، وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي فَصْلِ النَّفَقَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ أَوْ حَالِهَا فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْكِسْوَةِ إذْ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ وَقَدْ تَعَارَضَ فِيهِ نَصَّانِ أَيْضًا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] الْمُرَادُ بِهِ الْكِسْوَةُ، وَحَدِيثُ هِنْدَ عَامٌّ فِيهِمَا فَقَدْ تَعَارَضَا فِيهَا فَعَمِلْنَا بِهِمَا بِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ الْوَسَطُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالْمُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ الْمُوسِرِ وَهِيَ فَقِيرَةٌ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهَا لِإِظْهَارِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ «وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجُهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ») قِيلَ هِيَ كَلِمَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَقِيلَ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي يَنْعَقِدُ بِهَا النِّكَاحُ. اهـ. شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ فِي بَابِ الْحَجِّ اهـ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ مَقْصُودٍ لِغَيْرِهِ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ لِمَنْفَعَةٍ تَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَخَرَجَ الرَّهْنُ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ حَبْسِهِ لَيْسَتْ مُتَمَحِّضَةً لِلْمُرْتَهِنِ بَلْ مُشْتَرَكَةٌ، وَخَرَجَ الْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا حَتَّى لَوْ تَعَجَّلَتْ نَفَقَةَ شَهْرٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ فَاسِدٌ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْ أَمَّا لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِلَا فَرْضِ الْقَاضِي فَلَا يَرْجِعُ، وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ اُتُّهِمَ بِامْرَأَةٍ فَظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ فَزُوِّجَتْ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْهُ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَهُمَا صَحِيحٌ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ وَطْئِهَا وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ مِنْهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ بِالِاتِّفَاقِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْكُلِّ، وَحَلَّ وَطْؤُهَا، وَتَقَدَّمَ أَصْلُهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُقَاتِلَةُ) أَيْ إذَا قَامُوا بِدَفْعِ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَسُكْنَاهَا. قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ لَيْسَ شَرْطًا لَازِمًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ إذَا لَمْ يَطْلُبْ الزَّوْجُ انْتِقَالَهَا فَإِنْ طَلَبَهُ فَامْتَنَعَتْ لِحَقٍّ لَهَا كَمَهْرِهَا لَا تَسْقُطُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَقٍّ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِنُشُوزِهَا، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تُزَفَّ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَاخْتَارَهَا الْقُدُورِيُّ، وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ الْأَقْطَعِ أَبِي نَصْرٍ فِي شَرْحِهِ إنَّ تَسْلِيمَهَا نَفْسَهَا شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ مَنْظُورٌ فِيهِ ثُمَّ قَدَّرَهُ عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا إلَى بَيْتِهِ وَلَمْ تَمْتَنِعْ هِيَ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ حَيْثُ تَرَكَ النُّقْلَةَ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا. اهـ. (قَوْلُهُ عَمَلًا بِهِمَا) أَيْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي فَصْلِ النَّفَقَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ أَوْ حَالِهَا فَهُوَ الْجَوَابُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الْعُسْرَةِ كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَأَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا أَنَّهُ قَادِرٌ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ، وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ يُنْظَرُ إلَى زِيِّهِ إلَّا فِي الْعَلَوِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَسَأَلَتْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ يَسَارِهِ فِي السِّرِّ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْقَاضِي، وَإِنْ فَعَلَهُ فَأَتَاهُ عَنْهُ أَنَّهُ مُوسِرٌ لَمْ تُفْرَضْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِ إلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ عَدْلَانِ أَنَّهُمَا عَلِمَا ذَلِكَ، وَيَكُونَانِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنْ أَخْبَرَاهُ مِنْ وَرَاءِ وَرَاءٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِقَوْلِهِمَا، فَإِنْ أَقَامَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ مُوسِرٌ فَأَقَامَ الزَّوْجُ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ أَخَذَ بِبَيِّنَتِهَا وَفَرَضَ عَلَيْهِ نَفَقَةَ الْمُوسِرِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ اهـ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ الْوَسَطُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الْوَاجِبُ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ الْوَسَطُ هُوَ الْوَاجِبُ بَعْدَ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا، وَقَدْ يُقَالُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى جَمِيعِ أَقْسَامِ تَفْسِيرِ قَوْلِ الْخَصَّافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ فِي أَوَاسِطِ الْحَالِ، وَفِي اخْتِلَافِهِمَا بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فَوْقَ الْإِعْسَارِ، وَدُونَ نَفَقَةِ الْيَسَارِ، وَهُوَ وَسَطٌ فِي الْيَسَارِ، وَأَمَّا فِي يَسَارِهِمَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ تَجِبُ نَفَقَةٌ هِيَ وَسَطٌ فِي الْيَسَارِ، وَأَمَّا فِي إعْسَارِهِمَا فَتَجِبُ نَفَقَةٌ وَسَطٌ فِي الْإِعْسَارِ، وَهُوَ بَعِيدٌ

وَقَوْلُهُ (وَلَوْ مَانِعَةً نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ) أَيْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لَهَا، وَإِنْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا مِنْ التَّسْلِيمِ حَتَّى يُسَلِّمَ لَهَا الْمَهْرَ الْمُقَدَّمَ، وَهُوَ الَّذِي تُعُورِفَ تَقْدِيمُهُ فِي كُلِّ بِلَادٍ وَزَمَانٍ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِحَقٍّ لِتَقْصِيرٍ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا إلَّا إذَا كَانَتْ دُونَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَسْلِيمِ الْأَبِ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ، وَإِنْ كَانَتْ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ عِنْدَنَا لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا حَقِيقَةُ الِاحْتِبَاسِ بِأَنْ يَنْقُلَهَا إلَى بَيْتِهِ بَلْ الِاحْتِبَاسُ الْمُقَدَّرُ كَافٍ لِوُجُوبِهَا، وَذَلِكَ يُوجَدُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَالتَّمْكِينِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا الِامْتِنَاعُ ظُلْمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا نَاشِزَةً) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلنَّاشِزَةِ، وَهِيَ الْخَارِجَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ الْمَانِعَةُ نَفْسَهَا مِنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ مَانِعَتَهُ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الْوَطْءِ حَيْثُ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِهِ لِقِيَامِ الِاحْتِبَاسِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا وَكَذَا الْعَادَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبِكْرَ لَا تُوطَأُ إلَّا كَرْهًا، وَلَوْ كَانَا يَسْكُنَانِ فِي مِلْكِ الْمَرْأَةِ فَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا لَا نَفَقَةَ لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ سَأَلَتْهُ النَّقْلَةَ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ فَاتَ لِمَعْنًى مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُ فِي الْمَغْصُوبِ فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَاشِزَةٍ، وَلَوْ عَادَتْ النَّاشِزَةُ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَغِيرَةٌ لَا تُوطَأُ) يَعْنِي لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَنْزِلِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهَا نَفَقَةٌ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْمَمْلُوكَةِ مِلْكَ الْيَمِينِ، وَكَوْنُهَا مُسْتَمْتَعًا بِهَا لَا تَأْثِيرَ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ وَالرَّتْقَاءِ وَالْعَجُوزِ الَّتِي لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا، وَلَنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ احْتِبَاسُ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ الزَّوْجُ انْتِفَاعًا مَقْصُودًا بِالنِّكَاحِ، وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الدَّوَاعِي لَهُ وَالصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ لَا تَصْلُحُ لِلدَّوَاعِي أَيْضًا فَكَانَ فَوَاتُ مَنْفَعَةِ الِاحْتِبَاسِ لِمَعْنًى فِيهَا فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْت لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِنَّ حَاصِلٌ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ الدَّوَاعِي بِأَنْ يُجَامِعَهُنَّ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ مِنْ حَيْثُ حِفْظُ الْبَيْتِ وَالْمُؤَانَسَةُ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ، وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِيهِ لِأَجْلِ الْمِلْكِ لَا لِأَجْلِ الِاحْتِبَاسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالْإِبَاقِ، وَهَذِهِ تَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ تَصْلُحُ لِلْخِدْمَةِ وَالِاسْتِئْنَاسِ فَنَقَلَهَا إلَى بَيْتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَتَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فَاعْتُبِرَ مَنْفَعَةُ الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِئْنَاسِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ فِي تَعْلِيلِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَقِيلَ إنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا كَانَتْ مُشْتَهَاةً وَيُمْكِنُ جِمَاعُهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَلَوْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ بِالْإِجْمَاعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّهِ فَقِيلَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالسِّنِّ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلِاحْتِمَالِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْجِمَاعِ فَإِنَّ السَّمِينَةَ الضَّخْمَةَ تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةَ السِّنِّ، وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ، وَهِيَ كَبِيرَةٌ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَجْزَ مِنْ قِبَلِهِ فَصَارَ كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ، وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِلْعَجْزِ مِنْ قِبَلِهَا فَصَارَ كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ إذَا كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّ إعْسَارَهُمَا غَايَةٌ فِي الْإِعْسَارِ فَإِنَّمَا تَجِبُ الْغَايَةُ فِيهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ حَالِهِ أَوْ حَالِهِمَا لَا يُوجِبُ غَيْرَ ذَلِكَ وَالْوَجْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْرُوفِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يُقَابِلُ الْمُنْكَرَ فَيَسْتَقِيمُ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ فِي مُتَوَسِّطَةِ الْحَالِ أَنَّ كِفَايَتَهَا دُونَ كِفَايَةِ الْفَائِقَةِ فَيَجِبُ ذَلِكَ بِيَسَارِهِ، وَعِنْدَ غَايَةِ إعْسَارِهَا وَإِعْسَارِهِ الْمَعْرُوفُ دُونَ التَّوَسُّطِ فِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى الْقَاضِي اعْتِبَارَ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِيمَا فَرَضَ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَبِاعْتِبَارِ الْحَالِ مِنْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَكَمَا يَفْرِضُ لَهَا قَدْرَ الْكِفَايَةِ مِنْ الطَّعَامِ كَذَلِكَ مِنْ الْإِدَامِ لِأَنَّ الْخُبْزَ لَا يُؤْكَلُ إلَّا مَأْدُومًا اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا نَاشِزَةً) قِيلَ لِشُرَيْحٍ هَلْ لِلنَّاشِزَةِ نَفَقَةٌ فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ كَمْ فَقَالَ جِرَابٌ مِنْ تُرَابٍ مَعْنَاهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُ فِي الْمَغْصُوبِ فَامْتَنَعَتْ) قَالَ قَاضِي خَانْ إلَّا إذَا امْتَنَعَتْ لِيُحَوِّلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ يَكْتَرِيَ لَهَا مَنْزِلًا فَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى لِلنَّسَفِيِّ لَوْ كَانَ بِسَمَرْقَنْدَ، وَهِيَ بِنَسَفَ فَبَعَثَ إلَيْهَا أَجْنَبِيًّا لِيَحْمِلَهَا إلَيْهِ فَأَبَتْ لِعَدَمِ الْمَحْرَمِ لَهَا النَّفَقَةُ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا وَجَبَتْ عِوَضًا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ عِوَضًا عَنْ مِلْكِ الْبُضْعِ أَوْ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَلَا ثَالِثَ فَمَنْ ادَّعَى فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ فَلَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ وَقَعَ الْمَهْرُ عِوَضًا عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ عِوَضًا عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الشَّرْعِ عِوَضَانِ عَنْ مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ الثَّانِي أَيْضًا لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ وَقَعَ تَصَرُّفًا فِيمَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ شِرَاءُ جُزْءٍ غَيْرِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ كَمَا فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ فَإِنْ قُلْت لَوْ لَمْ تَكُنْ عِوَضًا عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ لَمْ تَسْقُطْ إذَا تَعَذَّرَ الِاسْتِمْتَاعُ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فَيَنْتَفِي الْمَلْزُومُ قُلْت لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِلْمَرِيضَةِ مَعَ تَعَذُّرِ الِاسْتِمْتَاعِ فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ كَمَا قُلْتُمْ لَمْ يُحْبَسْ الزَّوْجُ لِأَجْلِهَا قُلْت الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ لِانْتِقَاضِهَا بِنَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهَا عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ، وَمَعَ هَذَا يُحْبَسُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ اهـ (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا مَرِضَتْ مَرَضًا لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ أَوْ كَبِرَتْ، وَلَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ أَوْ بِهَا رَتْقٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ قَرْنٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ أَصَابَهَا بَلَاءٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالسِّنِّ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ حَتَّى تَبْلُغَ مَبْلَغَ الْجِمَاعِ، وَتَكَلَّمُوا فِي تَفْسِيرِ الْبُلُوغِ مَبْلَغَ الْجِمَاعِ قَالَ بَعْضُهُمْ إذَا كَانَتْ بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ بَلَغَتْ، وَإِنْ كَانَتْ بِنْتَ الْخَمْسِ لَا، وَفِي السَّبْعِ وَالسِّتِّ وَالثَّمَانِ إذَا كَانَتْ عَبْلَةً فَقَدْ بَلَغَتْ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا مَا لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغَ الْجِمَاعِ هَكَذَا قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى انْتَهَى صُغْرَى فِي بَابِ النَّفَقَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) قَالَ الْكَمَالُ، وَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَحْبُوسَةٌ بِدَيْنٍ وَمَغْصُوبَةٌ وَحَاجَّةٌ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ وَمَرِيضَةٌ لَمْ تُزَفَّ) أَيْ لَا تَجِبُ لَهُنَّ النَّفَقَةُ أَمَّا الْمَحْبُوسَةُ فَلِأَنَّ الِامْتِنَاعَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ عَاجِزَةً فَلَيْسَ مِنْهُ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهَا إذَا حُبِسَتْ قَبْلَ النُّقْلَةِ فَإِنْ كَانَتْ تَقْدِرُ أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فِي الْحَبْسِ فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْدِرُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَوْ حُبِسَتْ بَعْدَ النُّقْلَةِ لَمْ تَبْطُلْ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ يُعَارِضُ الزَّوَالَ، وَهُوَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهَا فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ لَا تَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ تَقْدِرُ فَلَمْ تَقْضِ حَتَّى حُبِسَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي حَبَسَتْ نَفْسَهَا يُرْوَى هَذَا التَّفْصِيلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَاسْتَشْهَدَ مُحَمَّدٌ عَلَى ذَلِكَ بِغَصْبِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُجْرَةُ لِفَوَاتِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ جِهَتِهِ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَإِذَا هَرَبَ الزَّوْجُ أَوْ حُبِسَ بِحَقٍّ أَوْ ظُلْمٍ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ جِهَتِهَا، وَأَمَّا إذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ فَلِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَحْبُوسَةِ، وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ مَعَ غَيْرِهِ فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ لَا مِنْ قِبَلِهِ يُوجِبُ سُقُوطَ النَّفَقَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا النَّفَقَةُ إذَا حَجَّتْ بَعْدَ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِيهِ فَلَمْ تُفِتْ مِنْ جِهَتِهَا بِاخْتِيَارِهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الِاحْتِبَاسَ إذَا فَاتَ لَا مِنْ جِهَتِهَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ النَّفَقَةِ عِنْدَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَهُ فَتَكُونُ مُضْطَرَّةً، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا تَكُونُ مُضْطَرَّةً لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ عِنْدَهُ دُونَ السَّفَرِ لِأَنَّهَا هِيَ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا مَعَهَا فِي السَّفَرِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْإِقَامَةِ إجْمَاعًا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى نَفَقَةِ الْإِقَامَةِ لَحِقَتْهَا بِإِزَاءِ مَنْفَعَةٍ تَحْصُلُ لَهَا فَلَا تَكُونُ عَلَيْهِ كَالْمُدَاوَاةِ فِي مَرَضِهَا، وَأَمَّا الْمَرِيضَةُ قَبْلَ النُّقْلَةِ إلَى مَنْزِلَةِ الزَّوْجِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَمَرِيضَةٌ لَمْ تُزَفَّ فَلِعَدَمِ الِاحْتِبَاسِ لِأَجْلِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا، وَهِيَ مَرِيضَةٌ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَلَوْ مَرِضَتْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ تَجِبُ لَهَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْقِيَاسُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا انْتِفَاعًا مَقْصُودًا بِالنِّكَاحِ، وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ دَوَاعِيهِ، وَالِاسْتِئْنَاسُ بِهَا، وَحِفْظُ الْبَيْتِ وَالْمَانِعُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَصَارَ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ لِلصُّحْبَةِ وَالْأُلْفَةِ، وَلَيْسَ مِنْ الْأُلْفَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَيَرُدَّهَا إلَى أَهْلِهَا إذَا مَرِضَتْ، وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِوَجْهٍ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَإِلَّا فَلَا كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لِإِنْسَانٍ، وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا تَطَاوَلَ بِهَا الْمَرَضُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِخَادِمِهَا لَوْ مُوسِرًا) يَعْنِي يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا إذَا كَانَ مُوسِرًا يَعْنِي إذَا كَانَ لَهَا خَادِمٌ مُتَفَرِّغٌ لِخِدْمَتِهَا لَيْسَ لَهُ شُغْلٌ غَيْرُ خِدْمَتِهَا، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهَا لِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ خَادِمٍ، وَيُهَيِّئُ أَمْرَ بَيْتِهَا حَتَّى تَتَفَرَّغَ لِحَوَائِجِهِ فَكَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا، وَالْجَامِعُ أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ تَجِبُ نَفَقَةُ خَادِمِهِ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْخَادِمِ قِيلَ هِيَ جَارِيَةٌ مَمْلُوكَةٌ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لَهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لِلْخَادِمِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْقَاضِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ لَا يَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُجْعَلَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهِ كَالْمَعْدُومِ فَالْمَنْعُ مِنْ جِهَتِهِ قَائِمٌ، وَمَعَهُ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا إذَا تَزَوَّجَ الْمَجْبُوبُ صَغِيرَةً لَا تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ لَا يُفْرَضُ لَهَا نَفَقَةٌ، وَلَا يَخْفَى إمْكَانُ عَكْسِ هَذَا الْكَلَامِ فَيُقَالُ يُجْعَلُ الْمَنْعُ مِنْ جِهَتِهَا كَالْمَعْدُومِ فَتَحْتَاجُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ إلَّا لِتَسْلِيمِهَا لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا الْمَقْصُودَةِ بِذَلِكَ التَّسْلِيمِ فَيَدُورُ وُجُوبُهَا مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا فَلَا تَجِبُ فِي الصَّغِيرَيْنِ، وَتَجِبُ فِي الْكَبِيرَةِ تَحْتَ الصَّغِيرِ انْتَهَى (قَوْلُهُ لِفَوَاتِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ جِهَتِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَةِ الْأَجْرِ انْتَهَى فَتْحٌ. (قَوْلُهُ أَوْ حُبِسَ بِحَقٍّ) أَيْ بِحَقٍّ يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ أَوْ لَا يَقْدِرُ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ ظُلْمٍ) أَيْ وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّ أَوْ أَسْلَمَتْ وَأَبَى هُوَ الْإِسْلَامَ أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَكَذَا كُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا بِحَقٍّ لَا تُسْقِطُ النَّفَقَةَ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ وَعَدَمِ الْكَفَّارَةِ أَوْ بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ) بِأَنْ يَعْتَبِرَ مَا كَانَ قِيمَةَ الطَّعَامِ فِي الْحَضَرِ فَتَجِبُ دُونَ نَفَقَةِ السَّفَرِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْإِقَامَةِ) أَيْ لَا نَفَقَةُ السَّفَرِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا، وَهِيَ مَرِيضَةٌ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَيْهِ ثُمَّ مَرِضَتْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ، وَلَوْ مَرِضَتْ ثُمَّ سَلَّمَتْ قَالُوا لَا تَجِبُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يَصِحَّ هَذَا حَسَنٌ، وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ انْتَهَى قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ هَذَا حَسَنٌ، وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا صَحِيحَةً ثُمَّ طَرَأَ الْمَرَضُ لَا يَخْفَى أَنَّ إشَارَةَ الْكِتَابِ هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مُخْتَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ بَلْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ تَعَلُّقُهَا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ مَا لَمْ يَقَعْ نُشُوزٌ فَالْمُسْتَحْسَنُ لِهَذَا التَّفْصِيلِ هُمْ الْمُخْتَارُونَ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهَذِهِ فُرَيْعَتُهَا، وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِتَحَقُّقِ الِاحْتِبَاسِ بِاسْتِيفَاءِ مَا هُوَ مِنْ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ مِنْ الِاسْتِئْنَاسِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِالدَّوَاعِي، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِخَادِمٍ) الْخَادِمُ وَاحِدُ الْخُدَّامِ غُلَامًا كَانَ أَوْ جَارِيَةً كَذَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا) وَالْيَسَارُ يُقَدَّرُ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ لَا بِنِصَابِ

مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا نَفَقَةَ الْخَادِمِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْخَادِمِ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ فَلَا يَسْتَحِقُّ كَالْغَازِي إذَا كَانَ رَاجِلًا لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَارِسِ، وَلَوْ جَاءَ بِخَادِمٍ يَخْدُمُهَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا بِرِضَاهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَنْ يَخْدُمُهَا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَلَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ نَفَقَةَ الْخَادِمِ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ مِنْ الْأَرْذَالِ لَا تَسْتَحِقُّ الْخَادِمَ وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُفْرَضُ لِخَادِمَيْنِ أَحَدُهُمَا لِمَصَالِحِ دَاخِلِ الْبَيْتِ، وَالْآخَرُ لِمَصَالِحِ خَارِجَهُ، وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي الْغَازِي إذَا كَانَ مَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَتْ فَائِقَةً فِي الْغِنَى، وَزُفَّتْ إلَيْهِ بِخَدَمٍ كَثِيرَةٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْجَمِيعِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِالْأَمْرَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْآخَرِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْكِفَايَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلزِّينَةِ، وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ بِاعْتِبَارِ الْكِفَايَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الزِّينَةِ وَالتَّجَمُّلِ، وَهُوَ لَوْ قَامَ بِخِدْمَتِهَا بِنَفْسِهِ كَانَ يَكْفِي، وَلَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ فَكَذَا إذَا قَامَ الْوَاحِدُ مَقَامَ نَفْسِهِ، وَيَلْزَمُهُ مِنْ نَفَقَةِ الْخَادِمِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ هُوَ يَقُولُ أَنَّهَا إذَا كَانَ لَهَا خَادِمٌ لَمْ تَكْتَفِ بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُوسِرًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْمُعْسِرَةَ تَكْتَفِي بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا، وَاسْتِعْمَالُ الْخَادِمِ لِزِيَادَةِ التَّنَعُّمِ فَتُعْتَبَرُ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ دُونَ الْإِعْسَارِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُفَرَّقُ بِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ، وَتُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ فَقَالَ مَنْ أَعُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ امْرَأَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي أَوْ فَارِقْنِي، جَارِيَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَوَلَدُك يَقُولُ إلَى مَنْ تَتْرُكُنِي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَكَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بَقِيَّةَ نَفَقَتِهِنَّ الْمَاضِيَةِ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ فَتَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ فَصَارَ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا بَقَاءَ لَهُ بِدُونِ النَّفَقَةِ، وَيَبْقَى بِدُونِ الْجِمَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَمْلُوكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَبِبَيْعِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ أَوْ الْإِبَاءِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْجِمَاعِ، وَكَذَا مَنْفَعَةُ الْجِمَاعِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَمَنْفَعَةُ النَّفَقَةِ تَخْتَصُّ بِهَا فَكَانَ فَوْقَهُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] يَدْخُلُ تَحْتَهُ كُلُّ مُعْسِرٍ وقَوْله تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ لَا يُكَلَّفُ بِالْإِنْفَاقِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلِأَنَّ فِي التَّفْرِيقِ إبْطَالَ الْمِلْكِ عَلَى الزَّوْجِ، وَفِي الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ تَأْخِيرَ حَقِّهَا، وَهُوَ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ فَكَانَ أَوْلَى، وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُوبِ الزَّكَاةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَغَيْرِهَا انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمَوْسُومُ بِالْكَافِي، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِلَا خِلَافٍ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ أَوْ خَدَمٌ فَرَضَ الْحَاكِمُ لِخَادِمٍ وَاحِدٍ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ النَّافِعِ بِلَفْظِ عَنْ فَقَالَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفْرَضُ نَفَقَةُ خَادِمَيْنِ، وَلَكِنْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُفْرَضُ نَفَقَةُ خَادِمَيْنِ كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَالْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، وَفِي التُّحْفَةِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ الْمَشْهُورِ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ قَوْلِهِ كَقَوْلِهِمَا، وَبِهِ صَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِيهِ، وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْمَرْأَةَ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يَجِلُّ مِقْدَارُهَا عَنْ خِدْمَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ أَنْفَقَ عَلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ مِنْ الْخَدَمِ مِمَّنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْخَادِمِ الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ، وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ أَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ وَزُفَّتْ إلَيْهِ بِخَدَمٍ كَثِيرَةٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْجَمِيعِ) لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ لِمِثْلِهَا، وَهُوَ الْوَاجِبُ فِي النَّفَقَةِ بِالنَّصِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِمَا رُوِيَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّفْرِيقَ بِالْعَجْزِ عَنْ الْإِنْفَاقِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْإِنْفَاقِ لَا يُوجِبُ التَّفْرِيقَ عِنْدَنَا، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا إذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا هَلْ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ أَمْ لَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ مِنْ كِتَابِ الْفُصُولِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْعَجْزُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالتَّفْرِيقِ، وَإِنْ كَانَ حَنَفِيًّا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ إلَّا إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا وَوَقَعَ اجْتِهَادُهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ قَضَى مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَوَازِ قَضَائِهِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِ وَلَكِنْ أَجَّرَ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَقَضَى بِالتَّفْرِيقِ نَفَذَ إذَا لَمْ يَرْتَشِ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَرُفِعَتْ الْمَرْأَةُ الْأَمْرُ لِلْقَاضِي، وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ عَاجِزٌ عَنْ النَّفَقَةِ وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا فَقَدْ ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ جَازَ تَفْرِيقُهُ لِأَنَّهُ قَضَى فِي فَصْلَيْنِ مُجْتَهَدٍ فِيهِمَا التَّفْرِيقُ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَقَالَ الْقَاضِي ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّفْرِيقُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَيَنْفُذُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ثَبَتَ الْمَشْهُودُ بِهِ، وَهُنَا لَمْ يَثْبُتْ الْمَشْهُودُ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَهُوَ الْعَجْزُ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الْغَائِبَ صَارَ غَنِيًّا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الشَّاهِدُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَسَافَةِ، وَكَانَ الشَّاهِدُ مُجَازِفًا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ. اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَا يُعْرَفُ حَالَ الْغَيْبَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَيَكُونُ هَذَا تَرَكَ الْإِنْفَاقَ

سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا هَذَا مِنْ كَيْسِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ كَذَلِكَ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا حِكَايَةُ قَوْلِ الْمَرْأَةِ أَطْعِمْنِي أَوْ فَارِقْنِي، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْفِرَاقَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ، وَكَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي لَا يُلْزِمُ الْحُجَّةَ لِأَنَّ فِي طَرِيقِهِ عَبْدَ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ، وَقَالَ الْبَرْقَانِيُّ فِي حَدِيثِهِ نَكِرَةٌ، وَقَالَ أَيْضًا هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَنَا، وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ، وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِكِتَابِ عُمَرَ أَيْضًا لِأَنَّ مَذْهَبَهُ إسْقَاطُ طَلَبِهَا مِنْ الْمُعْسِرِ ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَقَالَ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ، وَكِتَابُهُ أَيْضًا كَانَ إلَى الْقَادِرِينَ عَلَى النَّفَقَةِ، وَلِهَذَا أَمَرَهُمْ أَنْ يُوَفُّوا بِالْبَقِيَّةِ مِنْ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ، وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهَا عَلَى الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لِأَنَّهُمَا يَفُوتُ بِهِمَا الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ، وَهُوَ التَّوَالُدُ وَالْمَالُ تَابِعٌ فَلَا يَلْحَقُ بِمَا هُوَ أَصْلٌ، وَلِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بَلْ تَتَأَخَّرُ، وَتَبْقَى دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيُمْكِنُ تَدَارُكُهَا فِي الْآخِرَةِ فَلَا تَكُونُ مُعَارِضَةً لِإِبْطَالِ حَقِّهِ مِنْ الْمِلْكِ وَفِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فَتَعَارَضَ الْحَقَّانِ فَتَرَجَّحَ حَقُّهَا لِأَنَّهُ أَصْدَقُ مِنْ حَقِّهِ إذْ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْصُودِ بِالنِّكَاحِ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ نَفَقَةِ الْأَمَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَكُونُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى سَيِّدِهِ فَتَعَيَّنَ الْبَيْعُ، وَلِأَنَّ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الرَّقَبَةِ إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الثَّمَنُ، وَسُقُوطَ حَقِّ الْعَبْدِ فِي النَّفَقَةِ لَا إلَى بَدَلٍ فَكَانَ الْبَيْعُ أَهْوَنَ لِأَنَّهُ كَلَا فَائِتٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا يُعْتِقَهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ بِلَا عِوَضٍ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ لَمْ يَفُتْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُخَاطَبٌ بِمَا عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] وَلَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ إلَّا عَلَى الِالْتِزَامِ فِي الذِّمَّةِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ إلَى الْمَيْسَرَةِ بِالنَّصِّ، وَلِهَذَا وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمُجْتَمَعَةُ عَنْ الْمَاضِي، وَفَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ مَعَ فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ أَنْ يُمْكِنَهَا إحَالَةُ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّوْجِ فَيُطَالِبَهُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَيْثُ تُطَالِبُ هِيَ ثُمَّ تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَا تُحِيلُ عَلَيْهِ الْغَرِيمَ لِعَدَمِ وِلَايَتِهَا عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ تَفْسِيرَ الِاسْتِدَانَةِ هُوَ الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ لِتَقْضِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ الْمَرْأَةُ الْمُعْسِرَةُ إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُعْسِرًا، وَلَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ مُوسِرٌ أَوْ أَخٌ مُوسِرٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا وَيُؤْمَرُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ، وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إذَا امْتَنَعَ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الِاسْتِدَانَةَ لِنَفَقَتِهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا، وَهِيَ مُعْسِرَةً تَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْلَا الزَّوْجُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْسِرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إنْفَاقِهِمْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لَوْلَا الْأَبُ كَالْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَسَارِ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَمَّمَ نَفَقَةَ الْيَسَارِ بِطُرُوِّهِ، وَإِنْ قَضَى بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ) يَعْنِي إذَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا نَفَقَةَ الْمُعْسِرِ لِإِعْسَارِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ بِطُرُوِّ الْيَسَارِ أَيْ بِحُدُوثِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِهِ لِعُذْرِ الْإِعْسَارِ فَإِنْ زَالَ الْعُذْرُ بَطَلَ ذَلِكَ كَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا وَجَدَ رَقَبَةً بَطَلَ صَوْمُهُ، وَتَقَدُّمُ الْفَرْضِ لَا يَمْنَعُ الْإِتْمَامَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ اعْتَبَرَ حَالَ الرَّجُلِ فَقَطْ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ حَالَ الْمَرْأَةِ أَصْلًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ مِنْ الشَّيْخِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ هُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ ثُمَّ بَنَى الْحُكْمَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا) أَيْ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ، وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا الزَّوْجُ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ صَالَحَتْ الزَّوْجَ عَلَى مِقْدَارٍ مِنْهَا فَيَقْضِي لَهَا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ فَلَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَرِزْقِ الْقَاضِي، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ دَيْنًا بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ كَالْمَهْرِ قُلْنَا لَوْ كَانَ عِوَضًا عَنْ الْمِلْكِ لَوَجَبَ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَالْمَهْرِ، وَثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْمَهْرِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَيْ لَا يَقَعَ الْعِوَضَانِ عَلَى مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِوَضًا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْ الْمِلْكِ أَوْ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَمْلُوكِ فَلَا يَسْتَحِقُّ عِوَضًا، وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَ الِاحْتِبَاسُ لِأَجْلِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَصِيَانَةِ مَائِهِ أُوجِبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا لِعَجْزٍ عَنْ الْإِنْفَاقِ فَإِنْ رُفِعَ هَذَا الْقَضَاءُ إلَى قَاضٍ آخَرَ جَازَ قَضَاؤُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ وَيُحْبَسُ) وَفِي الْبَدَائِعِ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَتَقَدَّرُ حُكْمُ الْقَاضِي فِيهَا بِخُصُوصِ مِقْدَارٍ، وَلِأَنَّهُ كَانَ بِشَرْطِ الْإِعْسَارِ، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ قَدْ زَالَ فَتَزُولُ بِزَوَالِهِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ) رَدَّ هَذَا التَّنَاقُضَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ، وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهُ عَلَى هَامِشِ الْمَتْنِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْفَتَاوَى النَّسَفِيَّةِ وَلَوْ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فَلَمْ تَأْخُذْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ هَلْ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ كَمَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْقُطُ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إذَا فَرَضَ الْقَاضِي لِلْمَرْأَةِ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فَلَمْ تَسْتَوْفِ حَتَّى مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ تَسْقُطُ، وَكَذَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ، وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا الزَّوْجُ فَلَا شَيْءَ لَهَا) يَعْنِي بِأَنْ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَامْتَنَعَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ فَلَا تُمْلَكُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفَقَتَهَا لَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِفَرْضٍ أَوْ بِاصْطِلَاحِهِمَا عَلَى مِقْدَارٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ إذَا لَمْ يُعْطِهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَتْ أَكَلَتْ مَعَهُ بَعْدَ الْفَرْضِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصِيرُ دَيْنًا بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ ع

كَرِزْقِ الْقَاضِي لَمَّا كَانَ مَشْغُولًا بِحُقُوقِهِمْ وَجَبَ لَهُ النَّفَقَةُ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَكَذَا الِاحْتِبَاسُ فَيَجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ جَزَاؤُهُ صِلَةً، وَالصِّلَاتُ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَلِأَنَّ فِيهِ حَقَّيْنِ حَقَّ الزَّوْجِ وَحَقَّ الشَّرْعِ فَمِنْ حَيْثُ الِاسْتِمْتَاعُ وَقَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَإِصْلَاحُ الْمَعِيشَةِ حَقُّ الزَّوْجِ، وَمِنْ حَيْثُ تَحْصِيلُ الْوَلَدِ وَصِيَانَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الزِّنَا حَقُّ الشَّرْعِ فَبِاعْتِبَارِ حَقِّهِ عِوَضٌ، وَبِاعْتِبَارِ حَقِّ الشَّرْعِ صِلَةٌ فَإِذَا تَرَدَّدَ بَيْنَهُمَا فَلَا يَسْتَحْكِمُ إلَّا بِحُكْمِ الْقَاضِي أَوْ بِاصْطِلَاحِهِمَا لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَوْقَ وِلَايَةِ الْقَاضِي عَلَيْهِمَا، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ، وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْقَلِيلَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ لَوْ سَقَطَتْ بِمُضِيِّ يَسِيرٍ مِنْ الْمُدَّةِ لَمَا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْأَخْذِ أَصْلًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا تَسْقُطُ الْمَقْضِيَّةُ) أَيْ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ الْمَقْضِيُّ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا صِلَةٌ، وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ وَالدِّيَةِ وَالْجِزْيَةِ وَضَمَانِ الْعِتْقِ، هَذَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهَا بِالِاسْتِدَانَةِ، وَإِنْ أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ لَمْ تَسْقُطْ بِالْمَوْتِ هُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ لَهَا شَبَهَانِ شَبَهٌ بِالصِّلَةِ وَشَبَهٌ بِالدُّيُونِ فَإِنْ أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ لَا تَسْقُطُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهَا بِهَا سَقَطَتْ كَسَائِرِ الصِّلَاتِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ، وَلِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَامَّةً فَاسْتِدَانَتُهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي كَاسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ، وَمَا لَزِمَ بِاسْتِدَانَتِهِ لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَكَذَا بِاسْتِدَانَتِهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي، فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ قُلْتُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ اسْتَحْكَمَ هَذَا الدَّيْنُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَسْقُطَ بِالْمَوْتِ أَيْضًا لِاسْتِحْكَامِهِ بِالْقَضَاءِ قُلْنَا إنَّ الْمَوْتَ يُبْطِلُ الْأَهْلِيَّةَ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِتْمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ أَقْوَى فِي إبْطَالِ الصِّلَةِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ لِلِاسْتِحْكَامِ إلَى زِيَادَةِ تَأْكِيدٍ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِدَانَةِ، وَفِي حَالِ الْحَيَاةِ لَمْ تَبْطُلُ الْأَهْلِيَّةُ فَيَسْتَحْكِمُ بِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ، وَهُوَ الْقَضَاءُ بِهَا، وَكَذَا لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ) أَيْ لَا تُرَدُّ النَّفَقَةُ الْمُعَجَّلَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا بِأَنْ أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يُسْتَرَدُّ ذَلِكَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحْتَسَبُ لَهَا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى، وَمَا بَقِيَ يُسْتَرَدُّ مِنْهَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْكِسْوَةُ هُمَا يَقُولَانِ إنَّهَا أَخَذَتْ عِوَضًا عَمَّا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ بِالِاحْتِبَاسِ فَتَبَيَّنَ أَنْ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَبِاعْتِبَارِ حَقِّ الشَّرْعِ صِلَةٌ) قَالَ الرَّازِيّ، وَإِذَا كَانَ مِنْ الصِّلَاتِ لَا يَسْتَحْكِمُ الْوُجُوبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَمَّا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْأَخْذِ أَصْلًا) وَهَذَا حَقٌّ، وَقَدْ تَمَّ الْوَجْهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا تَسْقُطُ الْمَقْضِيَّةُ) قَالَ فِي النُّقَايَةِ وَتَسْقُطُ فِي مُدَّةٍ مَضَتْ إلَّا إذَا سَبَقَ فَرْضُ قَاضٍ أَوْ رَضِيَا بِشَيْءٍ فَتَجِبُ لِمَا مَضَى مَا دَامَا حَيَّيْنِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ قَبْضٍ سَقَطَتْ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي أَصْلِ الْوِقَايَةِ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ، وَكَمَا تَسْقُطُ الْمَفْرُوضَةُ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ هَلْ تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْقُطُ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ وُجِدَتْ رِوَايَةٌ فِي السُّقُوطِ، وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَسْقُطُ، وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ زَادَ الْخَصَّافُ لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ شَيْئًا آخَرَ فَقَالَ تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِهَا، وَتَسْقُطُ إذَا طَلَّقَهَا أَوْ أَبَانَهَا اهـ كَلَامُ قَاضِي خَانْ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ أَيْ إذَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ اهـ قَوْلُهُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى، وَتَسْقُطُ أَيْ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ. اهـ. شُمُنِّيٌّ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ قَبْضٍ سَقَطَتْ أَيْ وَبَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي عَلَى شَيْءٍ. اهـ. شُمُنِّيٌّ وَقَوْلُهُ سَقَطَ الْمَفْرُوضُ إلَّا إذَا اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ قَاضٍ أَيْ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا أَمَرَهَا يَعْنِي الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الزَّوْجِ فَاسْتَدَانَتْ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَبْطُلُ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّ اسْتِدَانَتَهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي، وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَلَيْهِمَا فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِدَانَتِهِ بِنَفْسِهِ، وَهِيَ لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ لَا تَسْقُطُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلشَّيْخِ قَاسِمٍ اهـ (قَوْلُهُ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ) قَالَ الرَّازِيّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ لَهَا زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ بِأَمْرِ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهَا بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَأَكَّدُ تَأْكِيدَهَا فَتَسْقُطُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عِنْدَهُ، وَالْأَعْوَاضُ لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا صِلَةٌ) الصِّلَةُ بَذْلُ مَالٍ شَرَعَهُ الشَّارِعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لِشَيْءٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ إلَخْ) فَاسْتَدَانَتْ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ لَا يَبْطُلُ الرُّجُوعُ فِي هَذَا الدَّيْنِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ النَّفَقَاتِ، وَعَلَّلَ وَقَالَ لِأَنَّهَا لَمَّا اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي جُعِلَ كَأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي اسْتَدَانَ، وَلَوْ كَانَ هُوَ اسْتَدَانَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ مَاتَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ كَذَا هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ قُلْتُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ اسْتَحْكَمَ هَذَا إلَخْ) وَجَعَلْتُمُوهُ مُؤَكِّدًا لِلِاسْتِحْقَاقِ كَالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِاسْتِحْكَامِهِ بِالْقَضَاءِ) أَيْ كَالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَيْ لَا تُرَدُّ النَّفَقَةُ الْمُعَجَّلَةُ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا بَقِيَ يُسْتَرَدُّ مِنْهَا)، وَكَذَا يُسْتَرَدُّ قِيمَةُ الْمُسْتَهْلَكِ وَلَا يُرَدُّ قِيمَةُ الْهَالِكِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُسْتَرَدُّ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً قِيَاسًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ أَيْضًا فِي فَتَاوِيهِ، وَفِي عَامَّةِ نُسَخِ أَصْحَابِنَا مِثْلُ شَرْحِ الْكَافِي لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ، وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَالْمُخْتَلِفِ وَالتُّحْفَةِ، وَخُلَاصَةِ الْفَتَاوَى ذُكِرَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اهـ

عَلَيْهِ فَتَرُدُّهُ كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ دَيْنًا فَقَضَاهُ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْمَقْبُوضَ، وَكَمَا إذَا أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَكَرِزْقِ الْقَاضِي وَالْمُقَاتِلَةِ إذَا أُسْلِفَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْمُدَّةِ، وَلَنَا أَنَّهَا صِلَةٌ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ، وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّصَادُقِ فَإِنَّ الْمَقْبُوضَ هُنَاكَ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ هَلَكَ، وَهُنَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ بِالْهَلَاكِ إجْمَاعًا، وَبِخِلَافِ التَّعْجِيلِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ سَبَبِهِ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُ، وَهُنَا وَقَعَ صَحِيحًا لَازِمًا، وَرِزْقُ الْقَاضِي مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِمَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ، وَالنَّظَرُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ وَيُعْطَى لِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُبَاعُ الْقِنُّ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) وَمَعْنَاهُ إذَا تَزَوَّجَهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَصِحَّ فَلَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ فِيهِ، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا لَا يُبَاعُ أَيْضًا فِي الْمَهْرِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَهْرِ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِكَوْنِهِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَهُ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ فَلَوْ مَاتَ سَقَطَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصِّلَاتِ تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، وَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ تَسْقُطُ فِي الصَّحِيحِ، وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهُ أَخْلَفَ الْقِيمَةَ فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ إنْ لَوْ فَاتَ الْمَحَلِّ لَا إلَى خُلْفٍ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا قُتِلَ بِالْجِنَايَةِ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ إذَا كَانَ دِينًا لَا يَسْقُط بِالْمَوْتِ، وَهَذَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَيْفَ يَنْتَقِلُ إلَيْهَا، وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ أُخْرَى بَعْدَمَا بِيعَ مَرَّةً بِيعَ ثَانِيًا، وَكَذَا ثَالِثًا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، وَلَيْسَ مِنْ الدُّيُونِ مَا يُبَاعُ فِيهِ مِرَارًا إلَّا دَيْنَ النَّفَقَةِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الدُّيُونِ يُبَاعُ فِيهِ مَرَّةً فَإِنْ أَوْفَى الْغُرَمَاءَ، وَإِلَّا طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ يَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَيَكُونُ دِينًا آخَرَ حَادِثًا بَعْد الْبَيْعِ، وَلَا كَذَلِكَ سَائِرُ الدُّيُونِ، وَلَوْ كَانَ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ وَلَدَ أُمِّ وَلَدٍ لَا يُبَاعُ بِالنَّفَقَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ يُبَاعُ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ النَّقْلَ بَعْدَ الْعَجْزِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ) لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهَا، وَتَبْوِئَتُهَا أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ تَفْرِيغُهَا لِمَصَالِحِ الزَّوْجِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّبْوِئَةِ، وَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا لِزَوَالِ الْمُوجِبِ فَإِنْ خَدَمَتْهُ أَحْيَانَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَا تَسْقُطُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ) لِانْتِهَاءِ حُكْمِهَا كَمَا إذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ قَبْضِ الْهِبَةِ، وَكَمَا إذَا كَانَتْ هَالِكَةً مِنْ غَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الرَّازِيّ قُلْنَا إنَّهَا صِلَةٌ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَحَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فِي الصِّلَاتِ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُنَا يَسْقُطُ بِالْهَلَاكِ إجْمَاعًا) أَيْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ . اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُبَاعُ الْقِنُّ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ حُرَّةً فَنَفَقَتُهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ يُبَاعُ فِيهَا مَعْنَاهُ إذَا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى هَذَا التَّفْسِيرِ لِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ بِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ وَلَا مَهْرَ، وَبِهِ صَرَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَبِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْحُرَّةِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ أَمَةً لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ قَبْلَ التَّبْوِئَةِ وَيَجِيءُ بَيَانُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ النَّفَقَةُ دَيْنًا عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فَيَسْتَوِي فِيهَا الْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ كَالْمَهْرِ، وَإِنَّمَا يُبَاحُ فِي النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ظَهَرَ وُجُوبُ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فِي حَقِّهِ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَأَكْسَابِهِ كَمَا فِي دُيُونِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى لِأَنَّ حَقَّ الْمَرْأَةِ فِي النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ فَإِذَا أَوْفَاهَا الْمَوْلَى نَفَقَتَهَا لَا يَبْقَى حَقُّهَا فِي النَّفَقَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُبَاعُ الْعَبْدُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ إذَا تَزَوَّجَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى حُرَّةً أَوْ أَمَةً بَعْدَ التَّبْوِئَةِ حَيْثُ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْمَهْرُ عَلَيْهِمَا، وَلَكِنَّهُمَا لَا يُبَاعَانِ فِي الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ بَلْ يُؤْمَرَانِ بِالسِّعَايَةِ اهـ. قَالَ الرَّازِيّ فَإِنْ كَانَ مُدَبَّرًا تَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِكَسْبِهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ مُكَاتَبًا مَا لَمْ يَعْجِزْ فَإِنْ عَجَزَ بِيعَ فِيهَا اهـ قَوْلُهُ تَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِكَسْبِهِ يَعْنِي لَا بِرَقَبَتِهِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ) أَيْ الْعَبْدُ الَّذِي تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الدُّيُونِ يُبَاعُ فِيهِ مَرَّةً) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ إذَا بِيعَ فِي الْمَهْرِ مَرَّةً وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ بِأَنْ لَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِكُلِّ الْمَهْرِ لَا يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى بَلْ يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ أَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا بِيعَ فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ فَلَا يُبَاعُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ مَرَّةً أُخْرَى بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي النَّفَقَةِ الْمُجْتَمِعَةِ لَا فِي النَّفَقَاتِ الَّتِي لَمْ تَصِرْ وَاجِبَةً بَعْدُ وَالنَّفَقَةُ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا اجْتَمَعَتْ مَرَّةً أُخْرَى يُبَاعُ فِيهَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ الَّتِي بِيعَ فِيهَا أَوَّلًا غَيْرُ هَذِهِ النَّفَقَةِ الَّتِي وَجَبَتْ ثَانِيَةً قَالَ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَشَرْحِ الْكَافِي لِلسَّرَخْسِيِّ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالشَّامِلِ إذَا كَانَ لِلْعَبْدِ أَوْ الْمُدَبَّرِ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْوَلَدِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً فَالْوَلَدُ مِلْكٌ لِمَوْلَاهَا وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَوَلَدُهَا يَكُونُ حُرًّا، وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ حُرٍّ عَلَى مَمْلُوكٍ، وَلَا عَلَى مَوْلَاهُ لِأَنَّ وَلَدَهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَتُهُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً لِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِذَا كَانَتْ امْرَأَةُ الْمُكَاتَبِ مُكَاتَبَةً، وَهُمَا لِمَوْلًى وَاحِدٍ فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأُمِّ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي كِتَابَتِهَا، وَلِهَذَا كَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ لَهَا، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَهَا وَمِيرَاثُهُ لَهَا، وَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ تَكُونُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ حَيْثُ تَكُونُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ، وَلِهَذَا يَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ، وَكَذَا أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَهُ، وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَإِذَا تَبِعَهُ فِي الْعَقْدِ كَانَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَبْوِئَتُهَا) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَبَوَّأْته دَارًا أَسْكَنْته إيَّاهَا وَبَوَّأْت لَهُ كَذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا) بِالنَّصْبِ عَطْفًا

النَّفَقَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَخْدِمْهَا فَلَا يَكُونُ اسْتِرْدَادًا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ هُوَ التَّبْوِئَةُ فَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْوَاجِ، وَلَا يُقَالُ إنْ خِدْمَةَ الْمَوْلَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الزَّوْجِ شَرْعًا حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّبْوِئَةُ فَيَكُونَ حَبْسُهَا نَفْسَهَا بِحَقٍّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا النَّفَقَةُ كَالْحُرَّةِ إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا لِأَنَّا نَقُولُ الْحُرَّةُ إذَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا كَانَ التَّفْوِيتُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ التَّفْوِيتَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَكَوْنُهُ مُقَدَّمًا شَرْعًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي عَدَمِ سُقُوطِ النَّفَقَةِ كَمَا إذَا حَجَّتْ مَعَ مَحْرَمٍ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ كَالْقِنَّةِ حَتَّى لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُنَّ إلَّا بِالتَّبْوِئَةِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهَا قَبْلَ التَّبْوِئَةِ كَالْحُرَّةِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ لَهُ اسْتِخْدَامُهَا لِصَيْرُورَتِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَمَنَافِعِهَا فَتَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهَا شَرْعًا كَالْحُرَّةِ فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالْحُرَّةِ، وَلَوْ بَوَّأَ الْأَمَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَلَمْ يَكُنْ بَوَّأَهَا قَبْلَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهَا صَارَتْ مَحْبُوسَةً بِحَقِّهِ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ قُلْنَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَقَّةَ عِنْدَ الطَّلَاقِ فَلَا تُسْتَحَقُّ بَعْدَهُ، وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمَوْلَى بَوَّأَهَا مَنْزِلًا أَوْ لَمْ يُبَوِّئْهَا لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسُّكْنَى فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا) أَيْ تَجِبُ لَهَا السُّكْنَى فِي بَيْتٍ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا مِنْ أَهْلِهَا إلَّا أَنْ يَخْتَارَا ذَلِكَ لِأَنَّ السُّكْنَى حَقُّهَا إذْ هِيَ مِنْ كِفَايَتِهَا فَتَجِبُ لَهَا كَالنَّفَقَةِ، وَقَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَقْرُونًا بِالنَّفَقَةِ بِقَوْلِهِ {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] أَيْ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ، وَهَكَذَا قَرَأَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ، وَإِذَا كَانَ حَقًّا لَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهَا فِيهَا كَالنَّفَقَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ السُّكْنَى مَعَ النَّاسِ يَتَضَرَّرَانِ بِهَا فَإِنَّهُمَا لَا يَأْمَنَانِ عَلَى مَتَاعِهِمَا، وَيَمْنَعُهُمَا مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْمُعَاشَرَةِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَلَهُمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ، وَلَوْ أَسْكَنَ أَمَتَهُ مَعَهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِخْدَامِ فَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا، وَلَوْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا مِنْ دَارٍ، وَجَعَلَ لَهُ مَرَافِقَ، وَغَلْقًا عَلَى حِدَةٍ كَفَاهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ فَإِنْ اشْتَكَتْ مِنْ الزَّوْجِ الْإِيذَاءَ بِسُوءِ الْعِشْرَةِ فَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَمَنَعَهُ، وَفِي الْغَايَةِ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا عِنْدَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُمْ النَّظَرُ، وَالْكَلَامُ مَعَهَا) أَيْ لِأَهْلِهَا أَنْ يَنْظُرُوا إلَيْهَا، وَيَتَكَلَّمُوا مَعَهَا أَيَّ وَقْتٍ شَاءُوا، وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدُّخُولِ وَالْكَلَامِ مَعَهَا، وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْقَرَارِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ فِي اللَّبَاثِ وَتَطْوِيلِ الْكَلَامِ، وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ، وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى قَوْلِهِ أَنْ يُخَلَّى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالسُّكْنَى فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهُ مَعَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَخْتَارَا) بِأَلِفِ التَّثْنِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] {مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] أَيْ مِنْ غِنَاكُمْ اهـ (قَوْلُهُ فَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا) غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا بِحَضْرَتِهَا كَمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ بِحَضْرَتِهَا وَلَا بِحَضْرَةِ الضَّرَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا مِنْ دَارٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ أَسْكَنَهَا فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ مُفْرَدَةً، وَلَهُ غَلْقٌ كَفَاهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ قَالَ الْكَمَالُ اقْتَصَرَ عَلَى الْغَلْقِ فَأَفَادَ أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْخَلَاءُ مُشْتَرَكًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَلْقٌ يَخُصُّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِمَسْكَنٍ آخَرَ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِالْخَوْفِ عَلَى الْمَتَاعِ وَعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ قَدْ زَالَ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ كَوْنَ الْخَلَاءِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِ الْأَجَانِبِ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الدَّارِ بُيُوتٌ وَأَبَتْ تَسْكُنُ مَعَ ضَرَّتِهَا أَوْ مَعَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ إنْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا، وَجَعَلَ لَهَا مَرَافِقَ، وَغَلْقًا عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ بَيْتًا، وَلَوْ شَكَّتْ أَنَّهُ يَضْرِبُهَا أَوْ يُؤْذِيَهَا إنْ عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ زَجَرَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ سَأَلَ مِنْ جِيرَانِهِ فَإِنْ لَمْ يُوثَقْ بِهِمْ أَوْ كَانُوا يَمِيلُونَ إلَيْهِ أَسْكَنَهَا بَيْنَ قَوْمٍ أَخْيَارٍ يَعْتَمِدُ الْقَاضِي عَلَى خَبَرِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي اللَّبَاثِ) بِفَتْحِ اللَّامِ اهـ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ، وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا زَمِنًا مَثَلًا، وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهَا، وَالزَّوْجُ يَمْنَعُهَا مِنْ تَعَاهُدِهِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْصِيَهُ مُسْلِمًا كَانَ الْأَبُ أَوْ كَافِرًا، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ فَإِنْ كَانَتْ قَابِلَةً أَوْ غَسَّالَةً أَوْ كَانَ لَهَا حَقٌّ عَلَى آخَرَ أَوْ لِآخَرَ عَلَيْهَا حَقٌّ تَخْرُجُ بِالْإِذْنِ وَبِغَيْرِ الْإِذْنِ، وَالْحَجُّ عَلَى هَذَا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَتْ لَهَا نَازِلَةٌ إنْ سَأَلَ الزَّوْجُ مِنْ الْعَالِمِ، وَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ لَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ السُّؤَالِ يَسَعُهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَإِنْ لَمْ تَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ لَكِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ لِتَتَعَلَّمَ مَسَائِلَ مِنْ مَسَائِلِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ يَحْفَظُ الْمَسَائِلَ، وَيَذْكُرُ مَعَهَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ الْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا أَحْيَانَا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ مَا لَمْ تَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ، وَفِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ الْغُزَاةِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ مَهْرَهَا لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي حَوَائِجِهَا وَتَزُورَ الْأَقَارِبَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَلَا تُسَافِرُ مَعَ عَبْدِهَا خَصِيًّا كَانَ أَوْ فَحْلًا، وَكَذَا أَبُوهَا الْمَجُوسِيُّ، وَالْمَحْرَمُ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ بِخِلَافِ الْمُرَاهِقِ وَحَدُّهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَوْ اثْنَا عَشَرَ، وَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ مَحْرَمًا لِامْرَأَةٍ، وَحَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجُ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا لَا يَكُونُ دَاعِيَةً لِنَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33] وَقَوْلُ الْفَقِيهِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ خَالَفَهُ فِيهِ قَاضِي خَانْ فَقَالَ فِي فَصْلِ الْحَمَّامِ مِنْ فَتَاوَاهُ دُخُولُ الْحَمَّامِ مَشْرُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْحَمَّامَ وَتَنَوَّرَ» وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ دَخَلَ حَمَّامَ حِمْصَ لَكِنْ إنَّمَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إنْسَانٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ اهـ وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِنَّ مِنْ دُخُولِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ اهـ.

غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ فِي كُلِّ عَامٍ هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ بِشَهْرٍ فِي الْمَحَارِمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفُرِضَ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ وَطِفْلِهِ وَأَبَوَيْهِ فِي مَالٍ لَهُ عِنْدَ مَنْ يُقِرُّ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ، وَيُؤْخَذُ كَفِيلٌ مِنْهَا) أَيْ تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِي مَالِ الْغَائِبِ بِشَرْطِ أَنْ يُقِرَّ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ بِالْمَالِ وَالزَّوْجِيَّةِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ إقْرَارُ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ بِالنَّسَبِ، وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَدْفَعُ إلَيْهَا مِنْ الْوَدِيعَةِ، وَتُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُودَعَ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ دُونَ الدَّفْعِ، وَلَنَا أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ إذَا كَانَ مُقِرًّا بِالْمَالِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ فَقَدْ أَقَرَّ لَهُمْ بِحَقِّ الْأَخْذِ لِأَنَّهُمْ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا سِيَّمَا هُنَا، فَإِنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لَا يَقْبَلُ بَيِّنَتَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ الْمُودَعَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ فِي إثْبَاتِ الزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ، وَلَا هُمْ خَصْمٌ عَنْهُ فِي إثْبَاتِ الْمَالِ فَإِذَا قُبِلَ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يُؤْخَذُ مِنْهُ تَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الْغَائِبُ ضَرُورَةً، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ مُضَارِبِهِ أَوْ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ وَأَقَرَّ بِالْمَالِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَإِنْ عَلِمَ أَحَدَهُمَا إمَّا النَّسَبَ وَالزَّوْجِيَّةَ أَوْ الْمَالَ يَحْتَاجُ إلَى الْإِقْرَارِ بِمَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ عِنْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ أَيْ مِنْ النُّقُودِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ الْكِسْوَةِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِهِ فَلَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ أَوْ إلَى الْبَيْعِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ، وَالتِّبْرُ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ فِي هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قِيمَةً لِلْمَضْرُوبِ، وَإِنْ أُخِذَ مِنْ الْمَرْأَةِ كَفِيلٌ فَحَسَنٌ احْتِيَاطًا لِجَوَازِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ عَجَّلَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً أَوْ مُطَلَّقَةً قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَكَانَ النَّظَرُ لَهُ التَّكْفِيلَ بِخِلَافِ مَا إذَا قُسِّمَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِالْبَيِّنَةِ حَيْثُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ كَفِيلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ فِي النَّفَقَةِ مَعْلُومٌ، وَهُوَ الزَّوْجُ، وَفِي الْمِيرَاثِ مَجْهُولٌ، وَتَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَعَ التَّكْفِيلِ احْتِيَاطًا لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْطِي الْكَفِيلَ وَلَا يَحْلِفُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْلِفُ وَلَا يُعْطِي الْكَفِيلَ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا نَظَرًا لِلْغَائِبِ، وَلَا يُقْضَى بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ الْغَائِبِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ فَنَفَقَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفُرِضَ) أَيْ الْإِنْفَاقُ اهـ ع قَالَ الرَّازِيّ يَعْنِي إذَا غَابَ شَخْصٌ وَلَهُ مَالٌ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً أَوْ مُضَارَبَةً وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ وَلِلْغَائِبِ زَوْجَةٌ يُقِرُّ الْمُودَعُ بِزَوْجِيَّتِهَا فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا مِنْ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَبَوَيْهِ) أَيْ وَكَذَا يُفْرَضُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ الزَّمْنَى وَالْإِنَاثِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ كَفِيلٌ مِنْهَا) أَيْ بِالنَّفَقَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا يُشْتَرَطُ إقْرَارُ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ بِالنَّسَبِ) وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَهُ فَيَقُولَ عِنْدَ مَنْ يَعْتَرِفُ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَبِالنَّسَبِ. اهـ. فَتْحٌ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ) أَيْ بِالزَّوْجِيَّةِ وَبِأَنَّ الْمَالَ لِلْغَائِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهَا زَوْجَتَهُ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ صَاحِبُ الْيَدِ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْغَائِبُ ضَرُورَةً) أَيْ لِكَوْنِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِلْكَهُ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ مُضَارِبِهِ) أَيْ مُضَارِبِ الْغَائِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِهِ) كَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَالْعُرُوضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِيهِ) وَيُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَعَ التَّكْفِيلِ إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَلِّفَهَا أَنَّهَا مَا أَخَذَتْ النَّفَقَةَ نَظَرًا لِلْغَائِبِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْضَى بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ الْغَائِبِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ) أَيْ لِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الصِّغَارِ وَالْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ الْكِبَارِ الزَّمْنَى وَالْإِنَاثِ يَعْنِي يُقْضَى لِهَؤُلَاءِ بِالنَّفَقَةِ فِي مَالِ الْغَائِبِ، وَلَا يُقْضَى لِغَيْرِهِمْ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَسَائِرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ تَجِبُ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ الْإِيفَاءُ وَالْإِعَانَةُ بِخِلَافِ نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ لِكَوْنِهَا مُجْتَهِدًا فِيهَا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ فِي غَيْرِ الْأَوْلَادِ فَلَمَّا كَانَ وُجُوبُهَا بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا فَلَا يُقْضَى لَهُمْ بِالنَّفَقَةِ فِي مَالِ الْغَائِبِ، تَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الدُّيُونِ، وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ، وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَلَمْ يَتَوَقَّفْ وُجُوبُهَا إلَى الْقَضَاءِ، وَأَمَّا الْأَبَوَانِ فَقَدْ جُعِلَ مَالُ الْوَلَدِ الْغَائِبِ فِي حُكْمِ مَالِهِمَا أَمَّا فِي الْوَلَدِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ إعَانَةً، وَأَمَّا فِي الْوَالِدَةِ فَلِأَنَّهَا مِثْلُ الْوَالِدِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَقَدْ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي» فَإِذَا كَانَتْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْوَالِدِ، وَلِلْوَالِدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ مِنْ النَّفَقَةِ مِقْدَارَ كِفَايَتِهِ أَوْ يَفْرِضَ لَهُ الْقَاضِي كَانَتْ الْأُمُّ أَوْلَى، وَأَمَّا الْأَوْلَادُ الْكِبَارُ الزَّمْنَى وَالْإِنَاثُ فَلِعَجْزِهِمْ صَارُوا فِي مَعْنَى الصِّغَارِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ مَنْ سِوَاهُمْ فَإِنَّهَا لَا تَجْرِي مَجْرَى الدُّيُونِ بَلْ هِيَ صِلَةٌ يَتَأَكَّدُ حُكْمُهَا بِالْقَضَاءِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمَحَارِمِ فَنَفَقَتُهُمْ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ اهـ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ بِدَلِيلِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَتَّى كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ دِيَانَةً وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ فَقَدْ يَمْتَنِعُ تَمَسُّكًا بِقَوْلِ مَنْ يَرَى أَنْ لَا تَجِبَ النَّفَقَةُ فَلَا يُعَيَّنُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْوُجُوبِ إلَّا الْقَضَاءُ بِهِ فَيَنْتَفِي تَأْوِيلُهُ، وَيَتَقَرَّرُ فِي ذِمَّتِهِ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ، وَفِي الْكَافِي لَوْ أَنْفَقَ الْمَدْيُونُ أَوْ الْمُودَعُ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ الْمُودَعُ، وَلَا يَبْرَأُ الْمَدْيُونُ، وَلَكِنْ لَا يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ الدَّيْنُ الْوَدِيعَةُ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لِلْغَائِبِ فَإِنَّ الدَّيْنَ مَحْفُوظٌ لَا يَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ اهـ، وَكُتِبَ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ مَا نَصُّهُ، وَهُمْ الزَّوْجَةُ وَالْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ، وَيُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ الْأَوْلَادُ الْكِبَارُ الْإِنَاثُ وَالذُّكُورُ الْكِبَارُ الزَّمْنَى وَنَحْوُهُمْ لِأَنَّهُمْ كَالصِّغَارِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ) وَإِيفَاءُ حَقٍّ وَجَبَ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ مَالِهِ جَائِزٌ وَالْقَضَاءُ بِنَفَقَةِ هَؤُلَاءِ إيفَاءٌ لِمَا وَجَبَ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إيجَابٌ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَقَدْ

هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِدُونِ رِضَاهُ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ إعَانَةً وَفَتْوَى مِنْ الْقَاضِي بِخِلَافِ غَيْرِ الْوِلَادِ مِنْ الْأَقَارِبِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ مَالِهِ شَيْئًا قَبْلَ الْقَضَاءِ إذَا ظَفِرُوا بِهِ فَكَانَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ ابْتِدَاءَ إيجَابٍ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي فَأَرَادَتْ الْمَرْأَةُ إثْبَاتَ الْمَالِ أَوْ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ مَجْمُوعِهِمَا بِالْبَيِّنَةِ لِيُقْضَى لَهَا فِي مَالِ الْغَائِبِ أَوْ لِتُؤْمَرَ بِالِاسْتِدَانَةِ لَا يُقْضَى لَهَا بِذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُسْمَعُ بَيِّنَتُهَا، وَلَا يُقْضَى بِالنِّكَاحِ، وَتُعْطَى النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ تُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ لِأَنَّ قَبُولَ الْبَيِّنَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ نَظَرًا لَهَا، وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ، وَصَدَّقَهَا أَوْ أَثْبَتَتْ ذَلِكَ بِطَرِيقَةٍ كَانَتْ آخِذَةً لِحَقِّهَا، وَإِلَّا فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الْكَفِيلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا يُقْضَى بِبَيِّنَتِهَا، وَيَثْبُتُ بِهِ النِّكَاحُ أَيْضًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذُكِرَ هُنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا نَفَقَةَ لِلْمُبَانَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا، وَلَمْ يَجْعَلْ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا قَالَ لَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَفِيمَا رَوَاهُ عَنْهَا مُسْلِمٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا» الْحَدِيثَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَلِأَنَّهَا بِإِزَاءِ التَّمْكِينِ، وَلَا تَمْكِينَ هُنَا لِعَدَمِ الْحِلِّ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ لِكَوْنِهِ وَلَدَهُ، وَلَنَا قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا نَدْعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِيمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ زِيَادَةُ قَوْلِهِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى»، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ كِتَابُ رَبِّنَا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْآيَاتِ وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ تَعَالَى نَهَى عَنْ إخْرَاجِهِنَّ وَخُرُوجِهِنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1] وَأَوْجَبَ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى عَلَى الْأَزْوَاجِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] وَفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ بِحَقِّهِ صِيَانَةً لِمَائِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيهِمَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى عَنْ مُضَارَّتِهِنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] فَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهَا النَّفَقَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَتَضَرَّرَتْ فَأَيُّ ضَرَرٍ وَأَيُّ تَضْيِيقٍ أَشَدُّ مِنْ مَنْعِ النَّفَقَةِ مَعَ الْحَبْسِ بِحَقِّهِ، وَأَيُّ جَرِيمَةٍ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ عُمُومَ الْآيَةِ بَلْ الْمُرَادُ بِهَا الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا بِدَلِيلٍ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] إذْ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْبَائِنِ قُلْنَا صَدْرُ الْآيَةِ عَامٌّ فَلَا يَبْطُلُ بِذِكْرِ حُكْمٍ يَخُصُّ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ الصَّدْرُ فِي آخِرِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] يَتَنَاوَلُ الْبَائِنَ وَالرَّجْعِيَّ ثُمَّ لَا يُبْطِلُ عُمُومَهُ بِقَوْلِهِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ وَتَخْصِيصُ الْحَامِلِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّنْ عَدَاهَا إذْ لَوْ نُفِيَ لَنُفِيَ عَنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّ أَيْضًا إذَا كَانَتْ حَائِلًا، وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْحَامِلُ بِالذِّكْرِ لِشِدَّةِ الْعِنَايَةِ بِهَا لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْمَشَاقِّ بِالْحَمْلِ وَطُولِ مُدَّتِهِ أَوْ لِإِزَالَةِ الْوَهْمِ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ سُقُوطُهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ، وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتَشْكَلَهُ السُّرُوجِيُّ، وَقَالَ: الْقَاضِي لَيْسَ بِمُشَرِّعٍ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَقَلَهُ الطَّرَسُوسِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الْكَفِيلِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَمَلُ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يُقْضَى بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ لِحَاجَةِ النَّاسِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالتَّتِمَّةِ وَالْقُضَاةُ إنَّمَا يَقْبَلُونَ الْبَيِّنَةَ الْيَوْمَ عَلَى النِّكَاحِ لِلْفَرْضِ، وَيَفْرِضُونَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ إمَّا لِأَنَّ فِيهِ خِلَافَ زُفَرَ أَوْ لِأَنَّ فِيهِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ مُطْلَقًا أَوْ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَفْرِضُ لَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُخَلِّفْ لَهَا النَّفَقَةَ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا نَفَقَةَ لِلْمُبَانَةِ إلَخْ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو اللَّيْثِ اهـ أَتْقَانِيٌّ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ أَيْضًا لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ إذَا لَمْ يَمْلِكْ زَوْجُهَا الرَّجْعَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالشَّعْبِيِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا نَفَقَةَ لِلْمُبَانَةِ) وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُخْتَلِعَةُ إذْ لَا بَيْنُونَةَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ، وَلَهَا السُّكْنَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ طَلِّقْنِي إلَخْ) أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْيَمَنِ فَأَرْسَلَ إلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا، وَعَلَى هَذَا فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الثَّلَاثِ عَلَى أَنَّهُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً هِيَ تَمَامُ الثَّلَاثِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) لَمْ يَرْوِ مُسْلِمٌ هَذَا، وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ نَسَبَهُ إلَى مُسْلِمٍ قَالَ لَكِنَّ الْحَقَّ مَا عَلِمْت اهـ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْجَوَابُ أَنَّ شَرْطَ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَدَمُ طَعْنِ السَّلَفِ فِيهِ، وَعَدَمُ الِاضْطِرَابِ، وَعَدَمُ مُعَارِضٍ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ، وَالْمُتَحَقِّقُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ضِدُّ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُور اهـ (قَوْلُهُ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ كِتَابُ رَبِّنَا إلَخْ) قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ كِتَابُ رَبِّنَا وَسُنَّةُ نَبِيِّنَا الْقِيَاسَ الصَّحِيحُ لِثُبُوتِ كَوْنِهِ حُجَّةً بِهِمَا إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ عَيْنَهُمَا لَذَكَرَهُمَا. اهـ. شَرْحُ الْبَدَائِعِ لِلْهَدْيِ (قَوْلُهُ صِيَانَةً لِمَائِهِ) وَلِهَذَا كَانَ لَهَا السُّكْنَى بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. هِدَايَةٌ

لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ أَنْكَرُوا عَلَيْهَا كَعُمَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَعَائِشَةَ حَتَّى قَالَتْ لِفَاطِمَةَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ، وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهَا لَا خَيْرَ لَك فِيهِ وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ لَا يُقَالُ إلَّا لِمَنْ ارْتَكَبَ بِدْعَةً مُحَرَّمَةً، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَمَّا حَدَّثَ الشَّعْبِيُّ عَنْهَا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَخَذَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ كَفًّا مِنْ حَصَى وَحَصَبَ بِهِ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ لَهُ وَيْلَك أَتُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهَا فَصَارَ مُنْكَرًا فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَالثَّانِي لِاضْطِرَابِهِ فَإِنَّهُ جَاءَ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، وَجَاءَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَجَاءَ أَرْسَلَ إلَيْهَا بِتَطْلِيقَةِ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا، وَجَاءَ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ، وَجَاءَ مَاتَ عَنْهَا، وَجَاءَ حِينَ قُتِلَ زَوْجُهَا، وَجَاءَ طَلَّقَهَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصٍ، وَجَاءَ طَلَّقَهَا أَبُو حَفْصِ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَلَمَّا اضْطَرَبَ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَالثَّالِثُ أَنَّ نَفَقَتَهَا سَقَطَتْ بِتَطْوِيلِ لِسَانِهَا عَلَى أَحْمَائِهَا فَلَعَلَّهَا أُخْرِجَتْ لِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] وَهُوَ أَنْ تُفْحِشَ عَلَى أَهْلِ الرَّجُلِ فَتُؤْذِيَهُمْ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ السَّفَاقِسِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ إلَّا أَنْ يُفْحِشَ عَلَيْكُمْ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لِفَاطِمَةَ تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتْ النَّاسَ كَانَتْ لَسِنَةً فَوَضَعَتْ عَلَى يَدِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ بِمَعْنَاهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَجْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِهِ نَاشِزَةً، وَشَرْطُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ أَنْ تَكُونَ مَحْبُوسَةً فِي بَيْتِهِ وَالشَّافِعِيُّ احْتَجَّ بِهِ ثُمَّ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فِي حَقِّ السُّكْنَى، وَلِأَنَّ هَذَا حِكَايَةُ حَالٍ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ كَانَتْ رُخْصَةً لِعِلَّةٍ، وَقَوْلُهُ النَّفَقَةُ بِإِزَاءِ التَّمْكِينِ، وَلَا تَمْكِينَ هُنَا لِعَدَمِ الْحِلِّ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بِإِزَائِهِ بَلْ لِأَجْلِ الِاحْتِبَاسِ بِحَقِّ الزَّوْجِ، وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا لِأَجْلِ غَيْرِهِ تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْمُضَارِبُ، وَلَا تَأْثِيرَ لِعَدَمِ الْحِلِّ فِي سُقُوطِ النَّفَقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَكَذَا إذَا فَاتَ التَّمْكِينُ حِسًّا بِنَحْوِ الْمَرَضِ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ لَا يَصِحُّ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ النَّفَقَةَ لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَوَجَبَتْ فِي مَالِ الْحَمْلِ كَنَفَقَةِ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، وَثَانِيهَا أَنَّ امْرَأَتَهُ لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَبَتَّ طَلَاقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ لَوَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى مَوْلَاهَا لَا عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِلْكُهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لِشَخْصٍ، وَحَمَّلَهَا الْآخَرُ لَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْحَمْلِ، وَثَالِثُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَسَقَطَتْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ، وَهِيَ لَا تَسْقُطُ عِنْدَهُمْ بِمُضِيِّهِ، وَرَابِعُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَتَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا لِلْمَوْتِ وَالْمَعْصِيَةِ) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْوَفَاةِ، وَلَا لِمُعْتَدَّةِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا كَالرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ أَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ لَيْسَ بِحَقِّ الزَّوْجِ بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِبَادَةً، وَلِهَذَا لَا يُرَاعَى فِيهَا مَعْنَى التَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِالْحَيْضِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَلَا مِلْكَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ لِانْعِدَامِ الِاحْتِبَاسِ لِأَجْلِهِمْ، وَأَمَّا إذَا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا فَلِأَنَّهَا صَارَتْ حَابِسَةً نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ بَلْ أَبْعَدَ لِأَنَّهَا أَزَالَتْ الْحِلَّ وَالنِّكَاحَ بَيْنَهُمَا فَلَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ بِخِلَافِ الْمَهْرِ إذَا كَانَتْ الرِّدَّةُ وَنَحْوُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ حَيْثُ تَجِبُ لَهَا لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالتَّسْلِيمِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِاللِّعَانِ أَوْ الْإِيلَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ) يَعْنِي فِي قَوْلِهَا لَا نَفَقَةَ، وَلَا سُكْنَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْوَفَاةِ) أَيْ فِي تَرِكَةِ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ حِصَّتِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا سُكْنَى لِلْمُتَوَفَّى زَوْجُهَا وَلَا نَفَقَةُ فِي مَالِ الزَّوْجِ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ قَدْ كَانَتْ نَفَقَتُهَا وَاجِبَةً فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِقَوْلِهِ {وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] فَنُسِخَتْ هَذِهِ النَّفَقَةُ بِالْمِيرَاثِ، وَبِقَوْلِهِ {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] فَأَوْجَبَ نَفَقَتَهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَقَطَعَهَا مِنْ مَالِ الزَّوْجِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ هِلَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوْقَافِهِ فِي بَابِ الرَّجُلِ يَقِفُ الْأَرْضَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ وَفُقَرَاءِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ قُلْت أَرَأَيْت إذَا قَالَ أَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِي فَجَاءَتْ الْغَلَّةُ يَوْمَ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ مِنْ قَرَابَتِهِ وَلَدًا فَقِيرًا كَانَ مَخْلُوقًا فِي الْبَطْنِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ فَجَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَالَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْغَلَّةِ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَا يُوصَفُ بِالْفَقْرِ، وَإِنَّمَا الْفَقِيرُ مَنْ كَانَ مُحْتَاجًا وَمَا فِي الْبَطْنِ لَا يُحْتَاجُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَامِلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ مَا فِي بَطْنِهَا، وَإِنَّمَا يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ حِصَّتِهَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا الْوَلَدَ فِي بَطْنِهَا مُحْتَاجًا إلَى شَيْءٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ) وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِلْوَفَاةِ قَبْلَ الدُّخُولِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا أَزَالَتْ الْحِلَّ، وَالنِّكَاحَ بَيْنَهُمَا فَلَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالنَّفَقَةِ احْتِرَازًا عَنْ السُّكْنَى لِأَنَّ السُّكْنَى وَاجِبٌ لَهَا لِأَنَّ الْقَرَارَ فِي الْبَيْتِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِمَعْصِيَتِهَا فَأَمَّا النَّفَقَةُ فَوَاجِبَةٌ لَهَا فَيَسْقُطُ ذَلِكَ بِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا بِمَعْصِيَةٍ اهـ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ إنْ وَقَعَتْ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ كَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَإِنْ وَقَعَتْ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ كَالرِّدَّةِ وَمُطَاوَعَةِ ابْنِ الزَّوْجِ لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى اهـ فَقَوْلُهُ لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ظَاهِرُهُ نَفْيُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ مِنْ وُجُوبِ السُّكْنَى، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى أَيْ لَا تَسْتَحِقُّهُمَا بَلْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَهُوَ النَّفَقَةُ، وَوَجْهُ هَذَا الِاحْتِمَالِ ظَاهِرٌ، وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ فَلَا مُخَالَفَةَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ لَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ الزَّوْجِ حَتَّى وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَهَا السُّكْنَى اهـ

أَوْ الْعُنَّةِ أَوْ الْجَبِّ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُضَافَةٌ إلَى الزَّوْجِ، وَكَذَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَأَبَى الزَّوْجُ أَنْ يُسْلِمَ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِالْإِبَاءِ وَهُوَ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَأَبَتْ هِيَ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِهِ مَهْرُهَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرِدَّتُهَا بَعْدَ الْبَتِّ تُسْقِطُ نَفَقَتُهَا لَا تَمْكِينُ ابْنِهِ) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَلَوْ مَكَّنَتْ ابْنَ الزَّوْجِ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً لَا تَسْقُطُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلرِّدَّةِ فِيهَا وَلَا لِلتَّمْكِينِ غَيْرَ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ، وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْمُمَكِّنَةُ لَا تُحْبَسُ فَافْتَرَقَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَتْ الْمُرْتَدَّةُ، وَعَادَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ إذَا رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ بِأَنْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ حَيْثُ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ وَعَادَتْ إلَى مَنْزِلِهِ لِأَنَّهَا بِالرِّدَّةِ فَوَّتَتْ عَلَيْهِ مِلْكَ النِّكَاحِ، وَهُوَ لَا يَعُودُ بِعَوْدِهَا إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدَّةً ثُمَّ عَادَتْ مُسْلِمَةً فَلَا نَفَقَةَ لَهَا كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَسْقُطُ بِاللِّحَاقِ حُكْمًا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ) يَعْنِي تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ عَلَيْهِ لِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ الْفُقَرَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، وَالْمَوْلُودُ لَهُ هُوَ الْأَبُ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ رِزْقَ النِّسَاءِ لِأَجْلِ الْأَوْلَادِ فَلَأَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ مِنْ مَعْنًى يَدُلُّ عَلَى عَلِيَّةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] أَوْ نَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ أُجْرَةَ الْإِرْضَاعِ بِمَا تَلَوْنَا، وَهُوَ نَفَقَةٌ لِلْوَلَدِ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ لِمَا تَلَوْنَا وَتَقْيِيدُهُ بِالطِّفْلِ وَالْفَقِيرِ يُفِيدُ عَدَمَ وُجُوبِهَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ غَنِيًّا أَوْ كَبِيرًا، وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْغَنِيَّ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَالْبَالِغَ إذَا كَانَ ذَكَرًا، وَهُوَ صَحِيحٌ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُجْبَرُ أُمُّهُ لِتُرْضِعَ) أَيْ لَا تُجْبَرُ أُمُّ الصَّغِيرِ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ، وَالْإِرْضَاعَ نَفَقَةٌ لَهُ فَكَانَ عَلَى الْأَبِ، وَرُبَّمَا تَعْجِزُ عَنْ إرْضَاعِهِ، وَامْتِنَاعُهَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تَمْتَنِعُ عَنْ إرْضَاعِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ غَالِبًا، وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ فَإِلْزَامُهَا إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ إضْرَارًا بِهَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233]، وَتُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ كَكَنْسِ الْبَيْتِ وَالطَّبْخِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَالْخَبْزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً، وَلَا يُجْبِرُهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا بَعْدَ النِّكَاحِ تَسْلِيمُ النَّفْسِ لِلِاسْتِمْتَاعِ لَا غَيْرُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْأَبَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَلَا لِلْوَلَدِ مَالٌ تُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَتُجْعَلُ الْأُجْرَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ كَمَا فِي نَفَقَتِهِ، وَيُحْمَلُ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى مَا إذَا طَلَّقَهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْتَأْجِرُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) أَيْ يَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ تَرْضِعُهُ عِنْدَ الْأُمِّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ وَالْحَضَانَةَ لَهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ أَنْ تَمْكُثَ عِنْدَ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَشْرُطْ ذَلِكَ عَلَيْهَا بَلْ تُرْضِعُهُ، وَتَرْجِعُ إلَى مَنْزِلِهَا أَوْ تَحْمِلُ الصَّبِيَّ مَعَهَا إلَيْهِ أَوْ تُرْضِعُهُ فِي فِنَاءِ الدَّارِ ثُمَّ تَدْخُلُ بِهِ الدَّارَ إلَى أُمِّهِ هَذَا إذَا كَانَ يَجِدُ مَنْ تُرْضِعُهُ، وَكَانَ الْوَلَدُ يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ مَنْ تُرْضِعُهُ أَوْ كَانَ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ صِيَانَةً عَنْ ضَيَاعِهِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تُجْبَرُ لِأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِالدُّهْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِهِ، وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَقَالَ مَالِكٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ مُطْلَقًا إلَّا إذَا كَانَتْ شَرِيفَةً، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا أُمَّهُ لَوْ مَنْكُوحَةً أَوْ مُعْتَدَّةً) أَيْ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ أُمِّ الصَّبِيِّ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ أَوْ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَذَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ) قَالَ الرَّازِيّ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا بِلَا مَعْصِيَةٍ كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ وَالتَّفْرِيقِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا بِحَقٍّ، وَذَا لَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ اهـ (قَوْلُهُ أَيْ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا) لَا لِعَيْنِ الرِّدَّةِ، وَلَكِنْ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِحَقٍّ عَلَيْهَا، وَالْحَبْسُ لِحَقٍّ عَلَيْهَا مُسْقِطٌ لِلنَّفَقَةِ كَالْمَحْبُوسَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهَا. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا بَعْدَمَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا إلَخْ) وَلَوْ مَكَّنَتْهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ. اهـ. مُسْتَصْفَى قَالَ الرَّازِيّ فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا إذَا مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا أَوْ ارْتَدَّتْ فَحُبِسَتْ أَوْ لَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ فَجَاءَتْ الْفُرْقَةُ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا فَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ) حَتَّى قَالُوا إذَا ارْتَدَّتْ وَلَمْ تُحْبَسْ بَعْدُ فَلَهَا النَّفَقَةُ. اهـ. مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ) أَيْ وَهُوَ الْحَبْسُ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ وَعَادَتْ إلَخْ) لِأَنَّ أَصْلَ الْفُرْقَةِ كَانَ مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلرِّدَّةِ هُنَا فِي التَّفْرِيقِ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَقَعَ قَبْلَ الرِّدَّةِ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إنَّمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ قَالَ الْكَمَالُ وَأَطْلَقَهُ فَعَمَّ جَمِيعَ أَصْنَافِ الْمَالِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ حَتَّى إذَا كَانَ ذَلِكَ فَقَطْ فَلِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُنْفِقَهُ عَلَيْهِ، وَكَذَا يُعْطِي مِنْهُ أَجْرَ رَضَاعِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ إيجَابَ نَفَقَةِ أَحَدِ الْمُوسِرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ الِاحْتِبَاسُ ذَلِكَ لَهُ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ إيجَابِ نَفَقَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا مُحْتَبِسَةٌ لِغَرَضٍ آخَرَ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً، أَمَّا الْوَلَدُ فَنَفَقَتُهُ لِلْحَاجَةِ وَبِغِنَاهُ انْدَفَعَتْ حَاجَتُهُ فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ كَنَفَقَةِ الْمَحَارِمِ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً) وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَسْتَأْجِرُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) أَيْ إنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ) وَهُوَ الْأَصْوَبُ لِأَنَّ قَصْرَ الرَّضِيعِ الَّذِي لَمْ يَأْنَسْ الطَّعَامَ عَلَى الدُّهْنِ وَالشَّرَابِ يُسَبِّبُ تَمْرِيضَهُ وَمَوْتَهُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا أُمَّهُ) أَيْ لَا تُسْتَأْجَرُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مُعْتَدَّةٌ)

عِدَّتِهِ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] الْآيَةَ، وَهُوَ أَمَرَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ، وَهُوَ آكَدُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ الْأُجْرَةَ عَلَى خِدْمَةِ الْبَيْتِ مِنْ الْكَنْسِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا لَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا فَعُذِرَتْ فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا فَلَا تُعْذَرُ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ جَازَ اسْتِئْجَارُهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ فَالْتَحَقَتْ بِالْأَجَانِبِ، وَالْأَوَّلُ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا، وَالشَّهَادَةُ لَهَا فَلَمْ يَنْقَطِعْ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَكَذَا فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْكُوحَتَهُ لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ أَحَقُّ بَعْدَهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ زِيَادَةً) أَيْ الْأُمُّ أَوْلَى بِإِرْضَاعِ الْوَلَدِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَنْظَرُ لِلصَّبِيِّ، وَفِي الْأَخْذِ مِنْهَا إضْرَارٌ بِهَا فَكَانَتْ أَوْلَى فَإِنْ الْتَمَسَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ الْأَبُ عَلَيْهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] أَيْ لَا تُضَارَّ هِيَ بِأَخْذِ الْوَلَدِ مِنْهَا، وَلَا هُوَ بِإِلْزَامِهِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] وَإِنْ رَضِيَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ أَنْ تَرْضِعَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَالْأُمُّ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَالْأَجْنَبِيَّةُ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ لَوْ فُقَرَاءَ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِهَؤُلَاءِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ أَمَّا الْأَبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]، وَفَسَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ بِأَنْ يُطْعِمَهُمَا إذَا جَاعَا وَيَكْسُوَهُمَا إذَا عَرِيَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8] وَلَيْسَ مِنْ الْإِحْسَانِ وَلَا مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَعِيشَ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتْرُكَهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا، وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَكَالْأَبَوَيْنِ، وَلِهَذَا يَقُومَانِ مَقَامَ الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي الْإِرْثِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا لِإِحْيَائِهِ فَاسْتَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْإِحْيَاءَ كَالْأَبَوَيْنِ، وَشُرِطَ الْفَقْرُ لِتَتَحَقَّقَ الْحَاجَةُ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ حَيْثُ تَجِبُ مَعَ الْغِنَى لِأَنَّهَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْحَبْسِ الدَّائِمِ كَرِزْقِ الْقَاضِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادِ) أَيْ لَا تَجِبُ لِأَحَدٍ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ وَبِسَبَبِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ أَمَّا الزَّوْجِيَّةُ فَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْحَبْسِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَذَلِكَ يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الْعَقْدِ دُونَ اتِّحَادِ الْمِلَّةِ حَتَّى لَا تَجِبُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ، وَأَمَّا بِسَبَبِ الْوِلَادِ فَلِمَا تَلَوْنَا، وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ وَنَفَقَةُ الْجُزْءِ لَا تَمْتَنِعُ بِالْكُفْرِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ الْحَرْبِيَّيْنِ، وَلَا يُجْبَرُ الْحَرْبِيُّ عَلَى إنْفَاقِ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ، وَلَا تُسْتَحَقُّ الصِّلَةُ لِلْحَرْبِيِّ لِلنَّهْيِ عَنْ بِرِّهِمْ، وَلِهَذَا لَا يَجْرِي الْإِرْثُ بَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِنَا وَبَيْنَهُمْ وَإِنْ اتَّحَدَتْ مِلَّتُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وِلَادٌ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَنَحْوِهِمَا لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي غَيْرِ الْوِلَادِ تَتَعَلَّقُ بِالْقَرَابَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ مُقَيَّدًا بِالْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] بِخِلَافِ الْعِتْقِ حَيْثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا فِي الْمَبْتُوتَةِ فِي رِوَايَةٍ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا) أَيْ فَظَهَرَ أَنَّ الْفِعْلَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا فَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا عَلَى فِعْلٍ وَاجِبٍ عَلَيْهَا لَمْ تَجُزْ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ جَازَ) صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ فَتْحٌ، وَقَوْلُهُ بَعْضُهُمْ كَقَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَالْخُلَاصَةِ فِي الْإِجَارَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ رَوَاهُ الْحَسَنُ) وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقُدُورِيِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْكُوحَتَهُ إلَخْ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِوَلَدِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ الرَّحِمِ اللَّاتِي لَهُنَّ حَضَانَتُهُ جَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ خِدْمَتُهُ، وَلَا نَفَقَةَ لَهُنَّ عَلَى أَبِي الْوَلَدِ، وَاسْتِئْجَارُ خَادِمِ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ فَمَا جَازَ فِي الْأُمِّ جَازَ فِي خَادِمِهَا، وَمَا لَمْ يَجُزْ فِيهَا لَمْ يَجُزْ فِي خَادِمِهَا، وَكَذَا مُدَبَّرَتُهَا فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مُكَاتَبَتَهَا جَازَ لِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ إلَخْ) يَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ لِأَبٍ، وَالْجَدُّ لِأُمٍّ، وَإِنْ عَلَوَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وُجِدَ أَنَّهُ) يَدْخُلُ فِيهِ جَدَّاتُهُ لِأَبِيهِ، وَجَدَّاتُهُ لِأُمِّهِ وَإِنْ عَلَوْنَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَوْ فُقَرَاءَ) أَيْ لَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ نَفَقَةٌ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ. اهـ. مُحِيطِ (قَوْلُهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِهَؤُلَاءِ) أَيْ وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي دِينِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ) يُوَافِقُ بِإِطْلَاقِهِ قَوْلَ السَّرَخْسِيِّ حَيْثُ قَالَ إذَا كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَتِهِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الِابْنُ إذَا كَانَ الْأَبُ كَسُوبًا لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ، وَإِذَا كَانَ الِابْنُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ فَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَسُوبًا يَجِبُ أَنْ يَكْسِبَ الِابْنُ وَيُنْفِقَ عَلَى الْأَبِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ مُجَرَّدُ الْفَقْرِ قِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَذَى فِي اتِّكَالِهِ إلَى الْكَدِّ وَالتَّعَبِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي التَّأْفِيفِ الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ تَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ وَإِنْ كَانَا قَادِرَيْنِ عَلَى الْكَسْبِ ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي الْأَبِ إذَا كَانَ كَسُوبًا. اهـ. (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان: 15] اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادَةِ) مِثْلُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ اهـ ع (قَوْلُهُ وَأَمَّا بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ فَلِمَا تَلَوْنَا) وَأَمَّا الْوَلَدُ فَصُورَتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَالْوَلَدُ يَتْبَعُهَا فِي الْإِسْلَامِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ. اهـ. رَازِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَنَفَقَةُ الصَّغِيرِ وَاجِبَةٌ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي دِينِهِ، قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا إذَا أَسْلَمَ الصَّغِيرُ الْعَاقِلُ وَأَبُوهُ كَافِرٌ أَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَأَبُوهُ مُسْلِمٌ لِأَنَّ إسْلَامَهُ وَارْتِدَادَهُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا أَوْ اُعْتُبِرَ الصَّغِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أُمِّهِ اهـ

يَتَعَلَّقُ بِالْمَحْرَمِيَّةِ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِكَوْنِهِ وَارِثًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» مُطْلَقًا، وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ مُوجِبَةٌ لِلصِّلَةِ، وَمَعَ اتِّحَادِ الدِّينِ آكَدُ، وَدَوَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ أَشَدُّ فِي الْقَطِيعَةِ مِنْ حِرْمَانِ النَّفَقَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَصْلُ الْعِلَّةِ، وَفِي النَّفَقَةِ الْعِلَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثِّنْتَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ أَحَدٌ) أَمَّا الْأَبَوَانِ فَإِنَّ لَهُمَا تَأْوِيلًا فِي مَالِ الْوَلَدِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك»، وَلَا تَأْوِيلَ لَهُمَا فِي مَالِ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِمَا فَصَارَ أَوْلَى بِإِيجَابِ النَّفَقَةِ، وَهِيَ تَجِبُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمَعْنَى، وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ أَوْ اعْتِبَارُ التَّأْوِيلِ فِي مَالِ الْوَلَدِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأَبِ فَلِمَا تَلَوْنَا، وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى، وَرَوَى الْخَصَّافُ وَالْحَسَنُ أَنَّ الْوَلَدَ الْبَالِغَ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ أَثْلَاثًا بِاعْتِبَارِ الْإِرْثِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْأَبَ يَخْتَصُّ بِالْوِلَايَةِ فِي الصَّغِيرِ فَكَذَا فِي النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِقَرِيبٍ مَحْرَمٍ فَقِيرٍ عَاجِزٍ عَنْ الْكَسْبِ بِقَدْرِ الْإِرْثِ لَوْ مُوسِرًا) يَعْنِي تَجِبُ النَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ إذَا كَانَ فَقِيرًا عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ لِصِغَرِهِ أَوْ لِأُنُوثَتِهِ أَوْ لِعَمًى أَوْ لِزَمَانَةٍ، وَكَانَ هُوَ مُوسِرًا لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ بِهَذِهِ الْأَعْذَارِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِالْيَسَارِ، وَيَجِبُ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَجَعَلَ الْعِلَّةَ هِيَ الْإِرْثُ فَيَتَقَدَّرُ الْوُجُوبُ بِقَدْرِ الْعِلَّةِ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهَا، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَيْهِ غَنِيٌّ بِهِ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَتَضَرَّرَانِ بِهِ وَالْوَلَدُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ عَنْهُمَا، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَهُوَ عَاجِزٌ، وَلَا تَجِبُ هَذِهِ النَّفَقَةُ عَلَى الْعَاجِزِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْفَقْرِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ فَقِيرًا زَمِنًا أَوْ أَعْمَى أَوْ نَحْوَهُ تَجِبُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إلَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا وَالِابْنُ فَقِيرٌ زَمِنٌ وَنَحْوُهُ أَوْ يَكُونَ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِالتَّكَسُّبِ أَوْ طَالِبَ عِلْمٍ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ عَاجِزًا، وَالِابْنُ فَقِيرٌ كَسُوبٌ يُنْفِقُ عَلَى الْأَبِ فَضْلَ كَسْبِهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَبُ كَسُوبًا لَا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ، وَيُجْبَرُ فِي أُخْرَى لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِالْكَسْبِ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَسُوبَ لَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ كَسُوبٍ آخَرَ، وَيُجْبَرُ الِابْنُ إذَا كَانَ مُوسِرًا عَلَى نَفَقَةِ أَوْلَادِ أَبِيهِ الصِّغَارِ لِأَنَّ الْفَقِيرَ كَالْمَيِّتِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ إخْوَتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَفِيهِ أَنَّ الِابْنَ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ امْرَأَةِ أَبِيهِ ذَكَرَهُ هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ نَفَقَةَ خَادِمِ الْأَبِ لَا تَجِبُ عَلَى الِابْنِ إلَّا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَالْيَسَارُ هُنَا مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لِوُجُوبِ الْمُوَاسَاةِ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ، وَعِيَالِهِ شَهْرًا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغَلَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِرَفِ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ كُلَّ يَوْمٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ، وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَيَصْرِفُهُ إلَى أَقَارِبِهِ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَقَالُوا الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ لَا عَقَارِهِ لِنَفَقَتِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الِابْنُ غَائِبًا وَالْأَبُ فَقِيرٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعُرُوضَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ لِلنَّفَقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَصْلُ الْعِلَّةِ) أَيْ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْمَحْرَمِيَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَفِي النَّفَقَةِ الْعِلَّةُ) أَيْ هِيَ الْقَرَابَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثِّنْتَيْنِ) أَيْ هُمَا الْمَحْرَمِيَّةُ وَالْإِرْثُ (قَوْلُهُ وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ) أَيْ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ الزَّمِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ تَجِبُ) أَيْ نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ كَانَ الْأَوْلَادُ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا مُوسِرِينَ فَنَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاقِعَاتٌ النَّاطِفِيِّ، وَلَا كَذَلِكَ الْأَخُ وَالْأُخْتُ فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا عَلَى قِيَاسِ الْمِيرَاثِ، وَاعْتُبِرَتْ نَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ فَرْعٌ قَالَ فِي النُّقَايَةِ وَنَفَقَةُ الْبِنْتِ بَالِغَةً وَالِابْنِ زَمِنًا عَلَى الْأَبِ خَاصَّةً بِهِ يُفْتَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ) أَيْ وَهُوَ مَا فِي الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ لِزَمَانَةٍ) زَمِنَ الشَّخْصُ زَمَنًا وَزَمَانَةً فَهُوَ زَمِنٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَهُوَ مَرَضٌ يَدُومُ زَمَانًا طَوِيلًا، وَالْقَوْمُ زَمْنَى مِثْلُ مَرْضَى، وَأَزْمَنَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُزْمِنٌ اهـ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَتَضَرَّرَانِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ يُفْرَضُ عَلَى الِابْنِ نَفَقَةُ الْأَبِ إذَا كَانَ الْأَبُ مُحْتَاجًا وَالِابْنُ مُوسِرًا سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ كَسُوبًا، وَالِابْنُ أَيْضًا كَسُوبًا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى الْكَسْبِ وَنَفَقَةِ الْأَبِ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَةِ الْأَبِ إذَا كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ، وَاعْتَبَرَهُ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي كَسْبِ قَرِيبِهِ، وَلَا عَلَى قَرِيبِهِ الْمُوسِرِ إذَا كَانَ هُوَ كَسُوبًا، وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ، وَفِي الْأَصْلِ يَلْحَقُهُ الْعَارُ، وَإِذَا كَانَ الِابْنُ وَالْأَبُ مُعْسِرَيْنِ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمَا نَفَقَةُ الْآخَرِ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ يَكُونَ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِلْمُحِيطِ وَلِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الرَّجُلُ الصَّحِيحُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ لِشَرَفِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ، وَهَكَذَا قَالُوا فِي طَالِبِ الْعِلْمِ إذَا كَانَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْكَسْبِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ عَنْ أَبِيهِ بِمَنْزِلَةِ الزَّمِنِ وَالْأُنْثَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْيَسَارُ هُنَا مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ) وَهُوَ نِصَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَهُوَ مِلْكُ مَا يَبْلُغُ مِائَتِي دِرْهَمٍ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ) أَيْ الْبَالِغِ الْغَائِبِ اهـ

وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعَقَارَ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ زَالَتْ بِبُلُوغِ الْوَلَدِ رَشِيدًا إلَّا فِيمَا يَبِيعُهُ تَحْصِينًا كَالْوَصِيِّ، وَلَيْسَ فِي بَيْعِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَحْصِينٌ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ حَالَ حَضْرَتِهِ، وَلَا فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ سِوَى النَّفَقَةِ فَصَارَ كَالْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِنْ مُسْتَحَقِّي النَّفَقَةِ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِهِ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَلَهُ أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ حِفْظِ مَالِ وَلَدِهِ الْغَائِبِ كَالْوَصِيِّ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الْوِلَايَةُ، وَغَيْرُهُ يَسْتَفِيدُهَا مِنْهُ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ بِخِلَافِ الْعَقَارِ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ بَيْعُهُ مِنْ الْحِفْظِ إذَا بَاعَ الْعُرُوضَ صَارَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي مَالِهِ، وَبِخِلَافِ حَالَةِ حَضْرَتِهِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْحِفْظِ لَهُ لَا لِلْأَبِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ نَوْعُ إشْكَالٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ لِلْأَبِ حَالَةَ غَيْبَةِ ابْنِهِ وِلَايَةُ الْحِفْظِ إجْمَاعًا فَمَا الْمَانِعُ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَهُمَا أَوْ بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَنْفَقَ مُودَعُهُ عَلَى أَبَوَيْهِ بِلَا أَمْرٍ ضَمِنَ) أَيْ لَوْ أَنْفَقَ مُودَعُ الْغَائِبِ عَلَى أَبَوَيْ الْغَائِبِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ الْمُودَعُ لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ لِأَنَّ لِلْأَبَوَيْنِ فِيهِ حَقًّا، وَلَهُمَا أَنْ يَأْخُذَا مِنْهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّا نَقُولُ جَوَازُ الْأَخْذِ لَهُمَا مِنْهُ عِنْدَ الظَّفَرِ بِهِ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْهُ عِنْدَ دَفْعِهِ كَالْمُودَعِ يَقْضِي الْوَدِيعَةِ دَيْنَ الْمُودِعِ ثُمَّ إذَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِهِ لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ مِلْكُهُ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ التَّعَدِّي فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَضَى الْوَدِيعَةِ دَيْنَ الْمُودِعِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَادِرِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَكَان يُمْكِنُ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ بَعْضُ الرُّفْقَةِ فِي السَّفَرِ فَبَاعُوا قُمَاشَهُ وَعُدَّتَهُ وَجَهَّزُوهُ بِثَمَنِهِ وَرَدُّوا الْبَقِيَّةَ إلَى الْوَرَثَةِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَنْفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَضْمَنُوا اسْتِحْسَانًا، وَرُوِيَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ حَجُّوا فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعَهُ فَبَاعُوهُ فَلَمَّا وَصَلُوا إلَى مُحَمَّدٍ سَأَلَهُمْ فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ لَمْ تَكُونُوا فُقَهَاءَ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَنْفَقَا مَا عِنْدَهُمَا لَا) أَيْ لَوْ كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ عِنْدَ أَبَوَيْهِ فَأَنْفَقَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ لَمْ يَضْمَنَا لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَاسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَضَى بِنَفَقَةِ الْوِلَادِ وَالْقَرِيبِ، وَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ) لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَقَدْ وَقَعَتْ الْغُنْيَةُ عَنْ الْمَاضِي بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا لِلِاحْتِبَاسِ، وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِالِاسْتِغْنَاءِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَلِهَذَا لَوْ سَرَقَتْ النَّفَقَةَ الْمُعَجَّلَةَ أَوْ الْكِسْوَةَ تُفْرَضُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ، وَلَا يُفْرَضُ لِلزَّوْجَةِ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فِي حَقِّهَا، وَبِعَكْسِهِ لَوْ بَقِيَتْ النَّفَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ فِي مُدَّةٍ بَعْدَ الْمُدَّةِ يُفْرَضُ لِلزَّوْجَاتِ، وَلَا يُفْرَضُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ، وَعَنْ هَذَا إذَا أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ مُدَّةٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْمُدَّةِ يَسْتَرِدُّ فِي الزَّوْجَاتِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ دُونَ الْأَقَارِبِ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهُ لَوْ سَقَطَتْ بِالْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ لَمَا أَمْكَنَهُمْ اسْتِيفَاؤُهَا فَقَدَّرُوا الْفَاضِلَ بِالشَّهْرِ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي نَفَقَةُ الصَّغِيرِ تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ) لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَامَّةً فَصَارَ إذْنُهُ كَأَمْرِ الْغَائِبِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَفِي زَكَاةِ الْجَامِعِ نَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ بَعْدَ الْقَضَاءِ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَسَوَّى بَعْدَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ وَالزَّوْجَاتِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا قَصُرَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِمَمْلُوكِهِ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لِمَمْلُوكِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُمْ إخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «كَانَ آخِرُ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعَقَارَ إلَخْ) وَهَذَا إذَا كَانَ الِابْنُ بَالِغًا عَاقِلًا أَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا جَازَ أَنْ يَبِيعَ عَقَارَهُ، وَيَأْخُذَ النَّفَقَةَ مِنْهُ، وَهَذَا يَجُوزُ لِلْأَبِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْأُمِّ وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ لِانْتِفَاءِ وِلَايَتِهِمْ فِي مَالِ الصَّغِيرِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَنْفَقَ مُودَعُهُ عَلَى أَبَوَيْهِ بِلَا أَمْرٍ ضَمِنَ) أَيْ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَاتَ الْغَائِبُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِوَرَثَتِهِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ غَيْرَ الْإِصْلَاحِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ) وَلِهَذَا لَا يَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَا يُفْرَضُ لِلزَّوْجَةِ بِشَيْءٍ) يَعْنِي حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ تِلْكَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ) وَيَسْتَدِينُ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ الْمُسْتَدِينُ عَلَى الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ مُسْقِطًا لِمَا اسْتَدَانَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَقَدْ غَلَطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ هُنَا فِي مَفْهُومِ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَقَالَ إذَا أَذِنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ وَلَمْ يَسْتَدِنْ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ، وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ مَعْنَى الْكَلَامِ أَذِنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَ أَمَّا مُجَرَّدُ الْإِذْنِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدَانَةٍ لَا يَكُونُ مُحْصِنًا لَهَا مِنْ السُّقُوطِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا السِّغْنَاقِيُّ. اهـ. طَرْسُوسِيٌّ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي إلَخْ) وَاسْتَدَانُوا حَتَّى احْتَاجُوا إلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَدِينُوا بَلْ أَكَلُوا مِنْ الصَّدَقَةِ لَا تَصِيرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا، وَإِلَى هَذَا مَالَ السَّرَخْسِيُّ وَحَكَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْقُضَاةِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَنَصَرُوهُ وَقَيَّدُوا إطْلَاقَ الْهِدَايَةِ بِهِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ)

[كتاب الإعتاق]

الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ أَنَسٌ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَامَّةُ وَصِيَّتِهِ ذَلِكَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، وَهُوَ يُغَرْغِرُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ»، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَبَى فَفِي كَسْبِهِ وَإِلَّا أُمِرَ بِبَيْعِهِ) أَيْ إنْ امْتَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ إنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمَا بِبَقَاءِ الْمَمْلُوكِ حَيًّا، وَبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى أَوْ جَارِيَةً لَا يُؤَجَّرُ مِثْلُهَا أُمِرَ بِبَيْعِهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَفِي الْبَيْعِ إيفَاءُ حَقِّهِ، وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى لِأَنَّ الثَّمَنَ يَقُومُ مَقَامَهُ وَالْإِبْطَالُ إلَى خُلْفٍ كَلَا إبْطَالٍ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ حَيْثُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لَا إلَى خُلْفٍ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ بَلْ يُقَالُ لَهَا اسْتَدِينِي عَلَيْهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهَا بِخِلَافِ الْمَمْلُوكِ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَوْلَاهُ فَيَكُونُ إبْطَالًا فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَلَا عَلَى بَيْعِهَا، وَلَكِنْ يُعْنَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا أَوْ يَبِيعَ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، وَعَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَفِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْنَى ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ فِي الْحَيَوَانِ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ مُتَطَوِّعًا بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَالْقَاضِي يَقُولُ لِلْآبِي إمَّا أَنْ تَبِيعَ نَصِيبَك مِنْهَا أَوْ تُنْفِقَ عَلَيْهَا هَكَذَا رُوِيَ عَنْ الْخَصَّافِ وَفِي الْمُحِيطِ يُجْبَرُ صَاحِبُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْبَرْ لَتَضَرَّرَ شَرِيكُهُ بِهَلَاكِ الدَّابَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ، وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ إنْ أَبَى مَوْلَاهُمَا مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا اكْتَسَبَا، وَأَكَلَا مِنْ كَسْبِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا كَسْبٌ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النَّقْلَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ فِي حَقِّهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ إذْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا، وَهَلْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْكَسْبِ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (كِتَابُ الْإِعْتَاقِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُرَادُ مِنْ جِنْسِ مَا تَأْكُلُونَ وَتَلْبَسُونَ فَإِذَا أَلْبَسَهُ مِنْ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ، وَهُوَ يَلْبَسُ مِنْهُمَا الْفَائِقَ كَفَى بِخِلَافِ إلْبَاسِهِ نَحْوَ الْجُوَالِقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمْ يَتَوَارَثْ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُلْبِسُونَهُمْ مِثْلَهُمْ إلَّا عَنْ الْإِفْرَادِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا) يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ عَارِفٍ بِصِنَاعَةِ لَا يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ كَحَمْلِ شَيْءٍ وَتَحْوِيلِ شَيْءٍ كَمَعْنَى الْبِنَاءِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ جَارِيَةٌ لَا يُؤَجَّرُ مِثْلُهَا) قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ جَارِيَةً لَا يُؤَاجَرُ مِثْلُهَا بِأَنْ كَانَتْ حَسَنَةً يُخْشَى مِنْ ذَلِكَ الْفِتْنَةُ أُجْبِرَ عَلَى الْإِنْفَاقِ أَوْ الْبَيْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ) قَالَ الْكَمَالُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْإِجْبَارَ نَوْعُ قَضَاءٍ، وَالْقَضَاءُ يَعْتَمِدُ الْمَقْضِيَّ لَهُ، وَيَعْتَمِدُ أَهْلِيَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ، وَلَيْسَ فَلَيْسَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ يُكْرَهُ) كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ اهـ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ فِي الْحَيَوَانِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ دَعْوَى حِسْبَةً فَيُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَلَا بِدْعَ فِيهِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَغَابَ أَحَدُهُمَا فَأَنْفَقَ الْآخَرُ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي، وَبِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَكَذَا النَّخْلُ وَالزَّرْعُ، وَالْمُودَعُ وَالْمُلْتَقِطُ إذَا أَنْفَقَا عَلَى الْوَدِيعَةِ وَاللُّقَطَةِ، وَالدَّارُ الْمُشْتَرَكَةُ إذَا كَانَ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَمَّتِهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ فَرْعٌ وَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ مَالِكًا كَانَ أَوْ لَا مِثَالُهُ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ، وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ، وَلَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ، وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْجَارِيَةُ، وَمِثْلُهُ عَلَى مَنْ لَهُ الْجَارِيَةُ، وَمِثْلُهُ أَوْصَى بِدَارٍ لِرَجُلٍ، وَبِسُكْنَاهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى السُّكْنَى لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ فَإِنْ انْهَدَمَتْ فَقَالَ صَاحِبُ السُّكْنَى أَنَا أَبْنِيهَا وَأَسْكُنُهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى حَقِّهِ إلَّا بِهِ فَصَارَ كَصَاحِبِ الْعُلْوِ مَعَ صَاحِبِ السُّفْلِ إذَا انْهَدَمَ السُّفْلُ وَامْتَنَعَ صَاحِبُهُ مِنْ بِنَائِهِ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَهُ وَيَمْنَعَ صَاحِبَهُ مِنْهُ حَتَّى يُعْطَى مَا غَرِمَ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِنَخْلٍ لِوَاحِدٍ وَبِثَمَرِهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَرَةِ وَفِي التِّبْنِ وَالْحِنْطَةِ إنْ بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ شَيْءٌ فَالنَّفَقَةُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا، وَأَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ مَا يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِلَّا يَلْزَمُ ضَرَرُ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ فِي السِّمْسِمِ إذَا أَوْصَى بِدُهْنِهِ لِوَاحِدٍ وَبِثَجِيرِهِ لِآخَرَ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى مَنْ لَهُ الدُّهْنُ لِعَدِّهِ عَدَمًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُبَاعُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ فِي دِيَارِنَا لِأَنَّ الْكَسْبَ يُبَاعُ لِعَلْفِ الْبَقَرِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا أَقُولُ فِيمَا عَنْ مُحَمَّدٍ ذَبَحَ شَاةً فَأَوْصَى بِلَحْمِهَا لِوَاحِدٍ وَبِجِلْدِهَا لِآخَرَ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْحَاصِلِ لَهُمَا، وَقَبْلَ الذَّبْحِ أُجْرَةُ الذَّبْحِ عَلَى صَاحِبِ اللَّحْمِ لَا الْجِلْدُ وَنَفَقَةُ الْمَبِيعِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ قِيلَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَتَكُونُ تَابِعَةً لِلْمِلْكِ كَالْمَرْهُونِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْبَائِعِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ. اهـ. فَتْحٌ [كِتَابُ الْإِعْتَاقِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمَمْلُوكِ) هَذَا فِي الشَّرْعِ لِأَنَّهُ بِهِ يَصِيرُ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ حَتَّى صَارَ بِهِ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفَاتِ وَالشَّهَادَاتِ وَالْوِلَايَاتِ، وَعَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْأَغْيَارِ، وَعَلَى دَفْعِ تَصَرُّفِ الْأَغْيَارِ عَنْ نَفْسِهِ بِإِثْبَاتِ قُوَّةٍ حُكْمِيَّةٍ وَإِزَالَةِ ضَعْفٍ حُكْمِيٍّ، وَالْعِتْقُ وَالْعَتَاقُ فِي اللُّغَةِ الْقُوَّةُ مُطْلَقًا، وَعَتَاقُ الطَّيْرِ جَوَارِحُهَا سُمِّيَتْ بِهِ لِاخْتِصَاصِهَا بِمَزِيدِ الْقُوَّةِ، وَعَتَقَ الْفَرْخُ إذَا قَوِيَ، وَطَارَ مِنْ وَكْرِهِ، وَالْحُرِّيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْخُلُوصِ لُغَةً يُقَالُ أَرْضٌ حُرَّةٌ لَا خَرَاجَ فِيهَا، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ خُلُوصٍ حُكْمِيٍّ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ بِانْقِطَاعِ حَقِّ الْأَغْيَارِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِثْبَاتُ هَذَا الْوَصْفِ الْحُكْمِيِّ يُسَمَّى إعْتَاقًا وَتَحْرِيرًا، وَهُوَ تَصَرُّفٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إرْبٍ مِنْهَا إرْبًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ حَتَّى أَنَّهُ لَيُعْتِقُ الْيَدَ بِالْيَدِ، وَالرِّجْلَ بِالرِّجْلِ، وَالْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ، وَالْمَرْأَةُ الْأَمَةَ لِيَتَحَقَّقَ مُقَابَلَةُ الْأَعْضَاءِ بِالْأَعْضَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَصِحُّ مِنْ حُرٍّ مُكَلَّفٍ لِمَمْلُوكِهِ بِأَنْتَ حُرٌّ أَوْ بِمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ، وَعَتِيقٌ وَمُعْتَقٌ وَمُحَرَّرٌ وَحَرَّرْتُك وَأَعْتَقْتُك نَوَاهُ أَوْ لَا) أَيْ يَصِحُّ الْعِتْقُ مِنْ حُرٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ بِقَوْلِهِ لِمَمْلُوكِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ بِقَوْلِهِ أَنْتَ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ حَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقْتُك أَوْ أَتَى بَدَلُ قَوْلِهِ أَنْتَ مَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَقَوْلِهِ وَجْهُك حُرٌّ أَوْ رَأْسُك أَوْ رَقَبَتُك أَوْ عُنُقُك أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك نَوَى الْعِتْقَ بِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُكَلَّفًا، وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، وَالْعَبْدُ لَا مِلْكَ لَهُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَا مِنْ الْأَهْلِ لِكَوْنِهِ ضَرَرًا أَوْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ عَلَيْهِمَا فَصَارَ حَالُهُمَا مُنَافِيًا، وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَاهُ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ بِأَنْ قَالَا أَعْتَقْته، وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ، وَجُنُونُهُ مَعْهُودٌ لَمْ يَعْتِقْ وَكَذَا إذَا قَالَ فِي حَالِ صَبَاهُ أَوْ جُنُونِهِ إذَا بَلَغْت أَوْ أَفَقْت فَهُوَ حُرٌّ لَمْ يَنْعَقِدْ لِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَمْلُوكًا لَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ»، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى الْجُمْلَةِ أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ كَقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ رَأْسُك حُرٌّ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّحْرِيرَ يَقَعُ فِي جُمْلَةِ الْأَعْضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا، وَقَالَ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحٌ فِي الْعِتْقِ لِاخْتِصَاصِ اسْتِعْمَالِهَا فِيهِ أَوْ لِغَلَبَتِهِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْإِخْبَارَ الْبَاطِلَ أَوْ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِاعْتِبَارِ الِاسْتِعْمَالِ، وَالْقَاضِي يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مِنْ السَّبْيِ يُدَيَّنُ، وَإِنْ كَانَ مُوَلَّدًا لَا يُدَيَّنُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الطَّلَاقَ تَخْلِيصُ الشَّخْصِ مِنْ ذُلِّ رِقِّ الْمُتْعَةِ، وَالْإِعْتَاقُ تَخْلِيصُ الشَّخْصِ مِنْ ذُلِّ مِلْكِ الرَّقَبَةِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الطَّلَاقِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْعِتْقِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إسْقَاطُ الْحَقِّ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ قُدِّمَ لِمُنَاسِبَةِ النِّكَاحِ، ثُمَّ الْإِسْقَاطَاتُ أَنْوَاعٌ تَخْتَلِفُ أَسْمَاؤُهَا بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا فَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الرِّقِّ عِتْقٌ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْبُضْعِ طَلَاقٌ وَإِسْقَاطُ مَا فِي الذِّمَّةِ بَرَاءَةٌ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْجِرَاحَاتِ عَفْوٌ اهـ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ عَتَقَ الْعَبْدُ عَتْقًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَعَتَاقًا وَعَتَاقَةً بِفَتْحِ الْأَوَائِلِ، وَالْعِتْقُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْهُ فَهُوَ عَاتِقٌ، وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَعْتَقْته فَهُوَ مُعْتَقٌ عَلَى قِيَاسِ الْبَابِ، وَلَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ فَلَا يُقَالُ عَتَقْته، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَارِعِ لَا يُقَالُ عَتَقَ الْعَبْدُ، وَهُوَ ثُلَاثِيٌّ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، وَلَا أَعْتَقَ هُوَ بِالْأَلِفِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ بَلْ الثُّلَاثِيُّ لَازِمٌ، وَالرُّبَاعِيُّ مُتَعَدٍّ وَلَا يَجُوزُ عَبْدٌ مَعْتُوقٌ لِأَنَّ مَجِيءَ مَفْعُولٍ مِنْ أَفَعَلْته شَاذٌّ مَسْمُوعٌ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَهُوَ عَتِيقٌ فَعِيلَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَجَمْعُهُ عُتَقَاءُ مِثْلُ كُرَمَاءُ، وَرُبَّمَا قِيلَ عَتَاقٌ مِثْلُ كِرَامٍ، وَأَمَةٌ عَتِيقٌ أَيْضًا بِغَيْرِ هَاءٍ، وَبِمَا ثَبَتَتْ فَقِيلَ عَتِيقَةٌ، وَجَمْعُهَا عَتَائِقُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعِتْقَ بِالْكَسْرِ لَيْسَ مَصْدَرًا، وَفِي الصِّحَاحِ عَتَقَ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بِالْكَسْرِ عَتْقًا، وَعَتَاقًا، وَعَتَاقَةً، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَتَقَ الْعَبْدُ يَعْتِقُ عَتْقًا، وَعِتْقًا، وَعَتَاقًا، وَعَتَاقَةً (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ الْإِعْتَاقُ عِبَارَةٌ عَنْ إزَالَةِ الْمِلْكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِثْبَاتُ الْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ بِهَا يَصِيرُ أَهْلًا لِلشَّهَادَاتِ، وَالْوِلَايَاتِ عِنْدَهُمَا، وَلِهَذَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا اهـ (قَوْلُهُ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً إلَخْ) يُقَالُ أَعْتَقَ رَقَبَةً إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، وَخُصَّتْ الرَّقَبَةُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ مِلْكَ الصَّاحِبِ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَبْلِ فِي رَقَبَتِهِ فَإِذَا أَعْتَقَهُ فَقَدْ حَلَّ ذَلِكَ الْحَبْلَ مِنْ رَقَبَتِهِ ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْعُنُقُ فَجُعِلَتْ كِنَايَةً عَنْ جَمِيعِ ذَاتِ الْإِنْسَانِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِبَعْضِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ ذَنْبُهُ فِي رَقَبَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ خَصَّ الْأَمَةَ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِعَبْدِهِ فَرْجُك حُرٌّ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَعْتِقُ كَالْأَمَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فَرْجُك عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الْعِتْقَ لَا تَعْتِقُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْفَرْجِ مَعَ الرِّقِّ يَجْتَمِعَانِ، وَفِي لِسَانُك حُرٌّ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ يُقَالُ هُوَ لِسَانُ الْقَوْمِ، وَفِي الدَّمِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فَرْجُك حُرٌّ عَنْ الْجِمَاعِ عَتَقَتْ، وَفِي الدُّبُرِ وَالْإِسْتُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ، وَفِي الْعُنُقِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَوْلَى ثُبُوتُ الْعِتْقِ فِي ذَكَرُك حُرٌّ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ هُوَ ذَكَرٌ مِنْ الذُّكُورِ، وَفُلَانٌ فَحْلٌ ذَكَرٌ، وَهُوَ ذَكَرُهُمْ اهـ (قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ لَا مِلْكَ لَهُ) عَنْ هَذَا قُلْنَا إنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ لِلْعَبْدِ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَا أَعْتَقْته، وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ) أَوْ نَائِمٌ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ أَوْ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ) أَيْ لَا أَسْتَعْمِلُهُ فِي عَمَلٍ مَا اهـ. وَقَالَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ، وَسَمَّى عَمَلًا مُعَيَّنًا أَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ فَإِذَا جَعَلَهُ حُرًّا فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ أَوْ جَعَلَهُ حُرًّا عَنْ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا فِي

(وَبِلَا مِلْكٍ وَلَا رِقٍّ وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك إنْ نَوَى) أَيْ بِقَوْلِهِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك، وَلَا رِقَّ لِي عَلَيْك، وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك عَتَقَ إنْ نَوَى لِأَنَّ نَفْيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُحْتَمَلُ بِالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْعِتْقِ، وَانْتِفَاءُ السَّبِيلِ يَحْتَمِلُ بِالْعِتْقِ وَبِالْإِرْضَاءِ حَتَّى لَا يَكُونُ لَهُ سَبِيلٌ فِي اللَّوْمِ وَالْعُقُوبَةِ فَصَارَ مُجْمَلًا، وَالْمُجْمَلُ لَا يَتَعَيَّنُ بَعْضُ وُجُوهِهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَدِ وَالْحُجَّةِ، وَنَفْيُهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ، وَلَئِنْ احْتَمَلَ زَوَالُ الْيَدِ بِالْعِتْقِ فَهُوَ مُحْتَمَلُ الْمُحْتَمَلِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ نَفْيِ السَّبِيلِ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَسْتَدْعِي الْعِتْقَ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى سَبِيلًا عَلَى مَمْلُوكِهِ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فَنِيَ عُمْرِي، وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّاهُ، وَكَذَلِكَ كِنَايَاتُ الْعِتْقِ مِثْلُ قَوْلِهِ خَرَجْت مِنْ مِلْكِي، وَخَلَّيْت سَبِيلَك، وَلَوْ قَالَ أَطْلَقْتُك، وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ خَلَّيْت سَبِيلَك بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتَ بَائِنٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ سَائِرُ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ هُوَ يَقُولُ إنَّ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ اتِّصَالًا مِنْ حَيْثُ إنَّ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِإِسْقَاطِ الْمِلْكِ، وَلَنَا أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالطَّلَاقُ رَفْعُ الْقَيْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَالْجَمَادِ، وَبِالْعِتْقِ يَحْيَا فَيَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْمَرْأَةُ قَادِرَةٌ بَعْدَ التَّزَوُّجِ عَلَى حَالِهَا غَيْرَ أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْبُرُوزِ لِتَنْتَظِمَ مَصَالِحُ النِّكَاحِ فَإِذَا طَلَّقَهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا بِهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مِنْ قَبْلُ بَلْ يَرْتَفِعُ عَنْهَا الْمَانِعُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُثْبِتَ لِلْقُوَّةِ أَقْوَى مِنْ إزَالَةِ الْمَانِعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَارَ الْأَضْعَفُ لِلْأَقْوَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَكَذَا مِلْكُ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ تَبَعًا فَأَلْفَاظُ الْعِتْقِ تُزِيلُهُمَا، وَأَلْفَاظُ الطَّلَاقِ لَا تُزِيلُ إلَّا مِلْكَ الْمُتْعَةِ فَالْمَوْضُوعُ لِلْأَضْعَفِ لَا يَجُوزُ اسْتِعَارَتُهُ لِلْأَقْوَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَهَذَا أَصْلٌ مُسْتَمِرٌّ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَجَازِ أَنْ لَا يَكُونَ عَمَلُ اللَّفْظِ فِي مَحَلِّ الْمَجَازِ أَقْوَى مِنْ عَمَلِهِ فِي مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ، وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ أَطْلَقْتُك لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّسْيِيبِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ خَلَّيْت سَبِيلَك، وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي، وَهَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ أَوْ يَا حُرُّ أَوْ يَا عَتِيقُ) أَيْ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ يَقَعُ الْعِتْقُ أَمَّا قَوْلُهُ يَا حُرُّ أَوْ يَا عَتِيقُ فَلِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لَهُ، وَقَدْ غَلَبَ الِاسْتِعْمَالُ فِيهِ، وَالنِّدَاءُ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى مَوْصُوفًا بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فَيَقْتَضِي تَحْقِيقَ الْوَصْفِ فِيهِ إذَا أَمْكَنَ ثُبُوتُهُ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَدْ أَمْكَنَ ثُبُوتُهُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَثْبُتُ تَصْدِيقًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ عَلَى مَا سَيَجِيءُ مِنْ الْفَرْقِ إلَّا إذَا كَانَ اسْمُهُ حُرًّا فَنَادَاهُ يَا حُرُّ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْلَامُ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ لَا إثْبَاتُ هَذَا الْوَصْفِ لِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَا يُرَاعَى فِيهَا الْمَعَانِي حَتَّى لَوْ نَادَاهُ بِلَفْظٍ آخَرَ بِمَعْنَاهُ كَعَتِيقٍ، وازاد عَتَقَ لِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَا تُغَيَّرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ فُلَانَ اسْمَ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَشْيَاءَ النَّاصِرَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] وَابْنَ الْعَمِّ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ زَكَرِيَّا {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ} [مريم: 5] وَالْمُوَالَاةَ فِي الدِّينِ، وَالْمَوْلَى الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ لَكِنَّ الْأَسْفَلَ مُتَعَيِّنٌ لَهُ لِاسْتِحَالَةِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ عَادَةً، وَلَهُ نَسَبَ مَعْرُوفٌ، وَالْمُوَالَاةُ نَوْعُ مَجَازٍ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَقِيقَةَ، وَإِضَافَتُهُ إلَى الْعَبْدِ تُنَافِي كَوْنَهُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى فَتَعَيَّنَ الْمَوْلَى الْأَدْنَى ضَرُورَةً تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ، وَاسْتَوَى فِيهِ الْخَبَرُ وَالنِّدَاءُ وَالْإِنْشَاءُ كَالصَّرِيحِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ هَذِهِ مَوْلَاتِي أَوْ يَا مَوْلَاتِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْمُوَالَاةَ فِي الدِّينِ أَوْ الْكَذِبَ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً لِكَوْنِهِ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ يَا مَوْلَايَ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْإِكْرَامُ عَادَةً لَا التَّحْقِيقُ كَقَوْلِهِ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي قُلْنَا الْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ مَا أَمْكَنَ، وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، وَقَدْ تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ لِذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا مَالِكِي لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ مَا يَقْتَضِي إعْتَاقَهُ إيَّاهُ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ هَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي يَعْتِقُ إذَا قَالَ يَا سَيِّدِي، وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضِ الْأَزْمَانِ يَثْبُتُ فِي الْكُلِّ فَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْبَعْضَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِلَا مِلْكٍ إلَخْ) هَذَا شُرُوعٌ فِي الْكِنَايَاتِ لِأَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ شَرَعَ فِي الْكِنَايَاتِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ نَفْيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَحْتَمِلُ بِالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْعِتْقِ) يَعْنِي لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لِأَنِّي بِعْتُك أَوْ لِأَنِّي كَاتَبْتُك أَوْ لِأَنِّي أَعْتَقْتُك فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِيَتَعَيَّنَ الْعِتْقُ اهـ (قَوْلُهُ فَصَارَ مُجْمَلًا) أَيْ مُحْتَمَلًا، وَالْمُحْتَمَلُ إلَخْ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ قَالَ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك، وَنَوَى الْعِتْقَ لَمْ يَعْتِقْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ، وَقَالَ فِي الْهَارُونِيِّ يَعْتِقُ إذَا نَوَى اهـ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت أَوْ تَوَجَّهْ حَيْثُ شِئْت مِنْ بِلَادِ اللَّهِ لَا يَعْتِقُ، وَإِنْ نَوَى كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفِيدُ زَوَالَ الْيَدِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْعِتْقِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى سَبِيلًا عَلَى مَمْلُوكِهِ) وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ سَبِيلًا مِنْ حَيْثُ الْمُطَالَبَةُ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَيْ بِهَذِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وازاد) مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيِّ يَا حُرُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَسْفَلُ) أَيْ فِي الْعَتَاقَةِ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ) هَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ عَتَقَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِكَوْنِهِ صَرِيحًا كَذَا فِي التُّحْفَةِ، وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ الْعُيُونِ قَالَ لَا يَعْتِقُ بِالنِّدَاءِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ يَا مَوْلَايَ، وَيَا حُرُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ يَا مَوْلَايَ إلَّا بِالنِّيَّةِ) وَبِقَوْلِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي) أَفَادَ أَنَّهُمَا مِنْ الْكِنَايَاتِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ ذَلِكَ نَاوِيًا لِلْعِتْقِ عَتَقَ، وَهَكَذَا فِي يَا سَيِّدَتِي، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يَعْتِقُ فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَقِيلَ إذَا لَمْ يَنْوِ عَتَقَ فِي يَا سَيِّدِي لَا فِي سَيِّدَتِي، وَالْمُخْتَارُ

ابْنِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي فُلَانَ وِلَايَةَ الدَّعْوَةِ لَهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فَيَثْبُتُ بِهِ نَسَبُهُ إذَا كَانَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ أَوْ لِمِثْلِهِمَا يُولَدُ ذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَ عَتَقَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ النَّسَبُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فِي الْوَلَدِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ عَلِقَ حُرًّا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ، وَإِلَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَتِيقٌ مِنْ وَقْتِ مِلْكِهِ، وَكَذَا فِي غَيْرِ الِابْنِ وَإِنْ كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ أَوْ مِثْلُهُ لِمِثْلِهَا أَوْ كَانَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ لِلتَّعَذُّرِ، وَيَعْتِقُ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ التَّحْرِيرِ لِكَوْنِهِ مِنْ لَوَازِمِهِ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ فِيهِ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ وَالْأُبُوَّةَ سَبَبٌ لِحُرِّيَّةِ الْمَمْلُوكِ، وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ أَوْ مِثْلُ الْمُدَّعِي لِمِثْلِهِمَا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ مُحَالٌ فَيُرَدُّ كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، وَقَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ صَحِيحٌ بِمَجَازِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِيلًا بِحَقِيقَتِهِ لِكَوْنِهِ إخْبَارًا عَنْ حُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ فَيُصَارُ إلَيْهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِاسْتِحَالَةِ أَكْلِهَا، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَهُمَا، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَنْعَقِدَ السَّبَبُ فِي الْأَصْلِ عَلَى الِاحْتِمَالِ ثُمَّ يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ لِعَارِضٍ فَيَخْلُفُهُ غَيْرُهُ مَجَازًا كَمَا لَوْ كَانَ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ، مُسْتَحِيلٍ بِأَنْ كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ، وَهُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لَوْلَا ثُبُوتُهُ مِنْ غَيْرِهِ لَثَبَتَ مِنْهُ فَيَخْلُفُهُ لَوَازِمُهُ، وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ، وَعِنْدَهُ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي التَّكَلُّمِ بِمَعْنَى أَنَّ التَّكَلُّمَ بِكَلَامٍ وَإِرَادَةَ، مَا وُضِعَ لَهُ أَصْلٌ، وَالتَّكَلُّمَ، بِذَلِكَ الْكَلَامِ، وَإِرَادَةَ، غَيْرِهِ مَجَازٌ خَلَفٌ عَنْ الْأَصْلِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ - وَهُوَ الْمُتَكَلَّمُ بِهِ - صَالِحًا، بِأَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا حَتَّى يَكُونَ عَامِلًا فِي إيجَابِ الْحُكْمِ الَّذِي يَقْبَلُهُ الْمَحَلُّ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، وَلَا مَعْنًى، لِمَا قَالَا لِأَنَّ الْمَجَازَ مَأْخُوذٌ مِنْ جَاز زَيْدٌ يَجُوزُ إذَا انْتَقَلَ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ أَوْصَافِ الْأَلْفَاظِ فَإِنَّ اللَّفْظَ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِلُ مِنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ إلَى غَيْرِهِ فَأَمَّا الْمَعَانِي فَلَا يُمْكِنُ نَقْلُهَا حَتَّى يُجْعَلَ مَجَازًا خَلَفًا عَنْ الْحَقِيقَةِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ: هَذَا حُرٌّ أَوْ حِمَارٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ هَذَا الْجِدَارُ فَعَبْدُهُ يَعْتِقُ، وَتَلْزَمُهُ الْأَلْفُ لِصِحَّةِ التَّكَلُّمِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ وَالدَّيْنِ فِي مُطْلَقِ أَحَدِهِمَا خِلَافًا لَهُمَا لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْحَقِيقَةِ ثُمَّ قِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْعَبْدِ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَالِكِ عَلَى مَمْلُوكِهِ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ فِيمَا سِوَى دَعْوَةِ الْبُنُوَّةِ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَيَكُونُ فِيهِ إلْزَامُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَيُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ، وَلَوْ قَالَ لِصَغِيرٍ هَذَا جَدِّي أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا ابْنِي قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ، وَهُوَ الْأَبُ، وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ بِكَلَامِهِ فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْمُوجِبِ بِخِلَافِ الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ لِأَنَّ لَهُمَا مُوجِبًا فِي الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى، وَهُوَ مَعْدُومٌ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي النِّكَاحِ، وَلَوْ قَالَ هَذَا أَخِي لَا يَعْتِقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا أَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَعْتِقُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ صِحَّةَ الْمَجَازِ تَعْتَمِدُ صِحَّةَ التَّكَلُّمِ بِهِ عِنْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِيَا ابْنِي وَيَا أَخِي وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك، وَأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَأَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ) أَيْ لَا يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ يَا ابْنِي وَيَا أَخِي، وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك إلَى آخِرِهِ أَمَّا عَدَمُ الْوُقُوعِ بِقَوْلِهِ يَا ابْنِي فَلِأَنَّ، النِّدَاءَ لِإِعْلَامِ الْمُنَادَى، وَاسْتِحْضَارُهُ، مَوْصُوفًا بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ ثَبَتَ تَصْدِيقًا لَهُ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ يَا حُرُّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ لَا يَثْبُتُ لِتَعَذُّرِ الْبُنُوَّةِ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِقَوْلِهِ هَذَا ابْنِي إذْ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ مَائِهِ بِخِلَافِ الْحُرِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ يَا حُرُّ، وَكَذَا قَوْلُهُ يَا أَخِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِوَاسِطَةٍ، وَتِلْكَ لَمْ تَثْبُتْ، وَكَذَا لَوْ قَالَ يَا ابْنُ أَوْ يَا بُنَيَّ أَوْ يَا بُنَيَّةُ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ ابْنٌ لَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ الِابْنِ مُكَبَّرًا أَوْ مُصَغَّرًا، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْعِتْقَ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ هُوَ ابْنُ أَبِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُنَادًى بِأَنْ قَالَ هَذَا ابْنٌ لَمْ يَعْتِقْ لِمَا ذَكَرْنَا فَمَعَ النِّدَاءِ أَوْلَى، وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك فَلِأَنَّ السُّلْطَانَ هُوَ الْحُجَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 21] أَيْ بِحُجَّةٍ، وَيُذْكَرُ، وَيُرَادُ بِهِ الْيَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ فِيهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ بِهِ نَسَبُهُ إذَا كَانَ مِثْلُهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ مِثْلُهُ فِي السِّنِّ يَجُوزُ شَرْعًا أَنْ يَكُونَ ابْنًا لِمِثْلِ الْمُدَّعِي فِي السِّنِّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَا الْمُشَاكَلَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَبْيَضَ نَاصِعًا، وَالْمَقُولُ لَهُ أَسْوَدُ حَالِكٌ أَوْ بِالْقَلْبِ وَسِنُّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ ابْنَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ لِمِثْلِهِمَا) أَيْ الْأَبِ وَالْأُمِّ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا بِيَا ابْنِي) قَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّ النِّدَاءَ لِإِعْلَامِ الْمُنَادَى بِمَطْلُوبِيَّةِ حُضُورِهِ فَإِنْ كَانَ بِوَصْفٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ تَضَمَّنَ تَحْقِيقَ ذَلِكَ الْوَصْفِ تَحْقِيقًا لَهُ كَمَا سَلَفَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَانَ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ، وَالْبُنُوَّةُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا مِنْ جِهَةِ الْمُعْتِقِ إلَّا تَبَعًا لِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ تَصْدِيقًا لَهُ فَيَعْتِقُ اهـ قَالَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ إذَا قَالَ يَا ابْنِي يَا بِنْتِي يَا أَبِي فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا نَوَى لِأَنَّ النِّدَاءَ لَا يُرَادُ بِهِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ اسْتِحْضَارُ الْمُنَادَى إلَّا إذَا ذَكَرَ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِلْحُرِّيَّةِ كَقَوْلِهِ يَا حُرُّ يَا مَوْلَايَ يَعْتِقُ لِأَنَّ فِي الْمَوْضُوعِ يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى، وَنُقِلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ يَا خَالِي يَا عَمِّي أَوْ قَالَ يَا أَبِي يَا جَدِّي أَوْ قَالَ يَا ابْنِي أَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ يَا عَمَّتِي أَوْ يَا خَالَتِي أَوْ يَا أُخْتِي أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ يَا أَخِي لَا يَعْتِقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّدَاءِ هُوَ اسْتِحْضَارُ الْمُنَادَى لَكِنَّ الِاسْتِحْضَارَ إذَا كَانَ بِلَفْظٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى وَصْفٍ يُتَصَوَّرُ إثْبَاتُ ذَلِكَ الْوَصْفِ مِنْ جِهَةِ الْمُنَادَى كَانَ اسْتِحْضَارًا لَهُ بِتَحَقُّقِ ذَلِكَ الْوَصْفِ كَقَوْلِهِ يَا حُرُّ فَيَعْتِقُ إلَّا إذَا سَمَّاهُ حُرًّا وَنَادَاهُ بِقَوْلِهِ يَا حُرُّ فَلَا يَعْتِقُ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ بِلَفْظٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى وَصْفٍ لَا يُتَصَوَّرُ إثْبَاتُ ذَلِكَ الْوَصْفِ مِنْ جِهَةِ الْمُنَادِي كَانَ النِّدَاءُ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ لَا لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ الْوَصْفِ كَقَوْلِهِ يَا ابْنِي لِأَنَّ الْمُخْتَلَقَ مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ ابْنًا لِلْمُنَادِي بِالنِّدَاءِ بِلَفْظِ الِابْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

وَالِاسْتِيلَاءُ سُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَاسْتِيلَائِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا حُجَّةَ لِي عَلَيْك وَلَوْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَعْتِقْ وَلَوْ نَوَى فَكَذَا هَذَا، وَلِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ عِبَارَةً عَنْ الْيَدِ وَالْحُجَّةِ صَارَ نَفْيُهُ تَعَرُّضًا لِنَفْيِ الْيَدِ وَالْحُجَّةِ لَا الْمِلْكِ، وَالْيَدُ تَنْتَفِي بِالْكِتَابَةِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ الْمِلْكِ، وَلَوْ عَتَقَ بِهِ لَزَالَ الْمِلْكُ وَالْيَدُ بِهِ أَكْثَرَ مِمَّا وُضِعَ لَهُ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لِأَنَّهُ يُفِيدُ انْتِفَاءَ الْمِلْكِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالتَّمْلِيكِ لِغَيْرِهِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى فَلَا يَعْتِقُ، وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ لِلْمَوْلَى سَبِيلًا عَلَى مَمْلُوكِهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ بِالْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهِ فَنَفْيُهُ مُطْلَقًا يُفِيدُ نَفْيَ الْمِلْكِ، وَذَلِكَ بِالْعِتْقِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا نَوَاهُ صَحَّ وَعَتَقَ، وَإِلَّا فَلَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ، وَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَأَمَّا أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَذَكَرْنَا فِيهِ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ فَلِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ قَدْ تَكُونُ عَامَّةً، وَقَدْ تَكُونُ خَاصَّةً فَلَا يَعْتِقُ بِلَا نِيَّةٍ لِلشَّكِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَتَقَ بِمَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ) أَيْ عَتَقَ بِقَوْلِهِ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ فَكَانَ فِيهِ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ، وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ، وَبَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ كَافِ التَّشْبِيهِ، وَتَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي الْمُمَاثَلَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَوْ وَصَفَهُ وَلَمْ يُضِفْ فَقَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ، وَبَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ عَتَقَ لِأَنَّهُ وَصْفٌ وَلَيْسَ بِتَشْبِيهٍ، وَالرَّأْسُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجُمْلَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ ذَاتُك ذَاتُ حُرٍّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمِلْكِ قَرِيبٍ مُحَرَّمٍ، وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) يَعْنِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِتَمَلُّكِ قَرِيبِهِ إذَا كَانَ مَحْرَمًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَعْتِقُ إلَّا الْوِلَادُ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى الصِّلَاتِ فَيُنَاطُ بِأَقْرَبِ الْقَرَابَاتِ، وَهُوَ الْوِلَادُ لِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ، وَغَيْرُ الْوِلَادِ مُلْحَقٌ بِالْأَجَانِبِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَوَضْعِ الزَّكَاةِ وَالشَّهَادَاتِ وَحِلِّ الْحَلِيلَةِ وَامْتِنَاعِ التَّكَاتُبِ عَلَيْهِ فَكَذَا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ، وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهَا بِالْوِلَادِ قِيَاسًا أَوْ اسْتِدْلَالًا لِنُزُولِهَا عَنْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ، وَعَنْ كَثِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي حُرْمَةِ النِّكَاحِ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي حُرْمَةِ الْقَطْعِ، وَهَذَا لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا حَرُمَ بِهَذِهِ الْقَرَابَةِ صِيَانَةً لِلْقَرِيبِ عَنْ ذُلِّ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالِاسْتِفْرَاشِ قَهْرًا فَيُؤَدَّى إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ فِي ذَلِكَ أَبْلَغُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ صِيَانَةً، وَلِلصِّيَانَةِ عَنْ الْقَطْعِ حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ» أَشَارَ إلَى الْمُنَافَرَةِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الضَّرَائِرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1] أَيْ اتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تَعْصَوْهُ وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْأَرْحَامَ هِيَ الَّتِي تَجِبُ صِيَانَتُهَا وَوَصْلُهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا فَكُلُّ مَا كَانَ الذُّلُّ فِيهِ أَقْوَى فَالْقَطِيعَةُ فِيهِ أَشَدُّ فَكَانَتْ الصِّيَانَةُ عَنْهُ أَوْجَبَ وَالتَّعْلِيلُ بِالْوِلَادِ وَالْحُرِّيَّةِ لَا يُنَافِي التَّعْلِيلَ بِغَيْرِهِ لِجَوَازِ تَرَادُفِ الْعِلَلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا لَا يَتَكَاتَبُ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ، وَتَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَإِنَّمَا لَهُ التَّكَسُّبُ خَاصَّةً، وَقَرَابَةُ الْوِلَادِ يَجِبُ مُوَاسَاتُهَا بِالتَّكَسُّبِ فَلِهَذَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْوِلَادِ عَلَى الْكَسُوبِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ فَكَذَا التَّكَاتُبُ عَلَى أَنَّهُ يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَا تُوجِبُ تَفَاوُتًا فِي الْكُلِّ أَلَا تَرَى أَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ أَيْضًا تَتَفَاوَتُ أَحْكَامُهُمْ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ كَجَرَيَانِ الْقِصَاصِ حَتَّى لَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ، وَيَقْتُلُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ وَكَذَا تَجِبُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا، وَعَلَى الْكَسُوبِ تَجِبُ نَفَقَةُ الْآبَاءِ دُونَ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ ثُمَّ لَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ فِي عَدَمِ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ فَكَذَا فِيمَا ذُكِرَ، وَلَوْ مَلَكَ الْحَرْبِيُّ قَرِيبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا الْمُسْلِمُ لَوْ مَلَكَ قَرِيبَهُ فِيهَا لَمْ يَعْتِقْ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ أَوْ الْمُسْلِمُ عَبْدًا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَهُمَا، وَيَعْتِقُ عِنْدَهُ، هُوَ يَقُولُ إنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهُ فَيَمْلِكُ إزَالَتَهُ بِالْعِتْقِ، وَهُمَا يَقُولَانِ أَنَّهُ مُعْتَقٌ بِلِسَانِهِ مُسْتَرَقٌّ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ تَحْتَ يَدِهِ وَقَهْرِهِ، وَلَوْ طَرَأَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْحَرْبِيِّ أَبْطَلَ حُرِّيَّتَهُ فَالْمُقَارِنُ أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ الْحُرِّيَّةَ حَتَّى لَوْ خَلَّى سَبِيلَهُ وَأَزَالَ يَدَهُ عَنْهُ عَتَقَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَرِقَّ بِيَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَالْيَدُ بِهِ أَكْثَرُ) لَعَلَّهُ وَأُرِيدَ بِهِ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) وَالصَّبِيُّ جُعِلَ أَهْلًا لِهَذَا الْعِتْقِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ حَتَّى عَتَقَ الْقَرِيبُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَشَابَهَ النَّفَقَةَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ» إلَخْ) فَالرَّحِمُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَرَابَةِ، وَالْمَحْرَمُ عِبَارَةٌ عَنْ حُرْمَةِ النِّكَاحِ. اهـ. رَازِيٌّ.

مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا عَتَقَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ بِمَحَلِّ الِاسْتِرْقَاقِ بِالِاسْتِيلَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِتَحْرِيرٍ لِوَجْهِ اللَّهِ وَلِلشَّيْطَانِ وَلِلصَّنَمِ وَبِكُرْهٍ وَسُكْرٍ) أَيْ يَعْتِقُ الْعَبْدُ بِإِعْتَاقِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ أَوْ بِإِكْرَاهٍ أَوْ بِسُكْرٍ بِأَنْ أَعْتَقَهُ، وَهُوَ سَكْرَانُ أَوْ مُكْرَهًا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ هُوَ الرُّكْنُ الْمُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ، وَصِفَةُ الْقُرْبَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِتْقَ بِالْمَالِ وَالْكِتَابَةِ مَشْرُوعَانِ، وَإِنْ عَرِيَا عَنْ صِفَةِ الْقُرْبَةِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِعَدَمِهَا أَصْلُ الْعِتْقِ، وَلَا يَخْتَلُّ بِهِ إزَالَةُ الرِّقِّ، وَكَذَا عِتْقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِسْقَاطَاتِ الرِّضَا، وَبِالْإِكْرَاهِ يَنْعَدِمُ الرِّضَا، وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إعْدَامِ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ» وَالْهَازِلُ لَا يَرْضَى بِالْحُكْمِ، وَلَا يُرِيدُهُ وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ مَنْ تَكَلَّمَ بِنِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ فَهُوَ جَارٍ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مِلْكٍ أَوْ شَرْطٍ صَحَّ) أَيْ إنْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مِلْكٍ بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ بِأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ، وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَإِذَا خَرَجَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ إلَيْنَا مُسْلِمًا عَتَقَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ حِينَ خَرَجُوا إلَيْهِ مُسْلِمِينَ عُتَقَاءُ اللَّهِ تَعَالَى»، وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَلَا اسْتِرْقَاقَ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً، وَذَكَرُوا لِلْعِتْقِ أَسْبَابًا كَثِيرَةً مِنْهَا الْإِعْتَاقُ، وَمِنْهَا دَعْوَى النَّسَبِ، وَمِنْهَا الِاسْتِيلَادُ، وَمِنْهَا مِلْكُ الْقَرِيبِ، وَمِنْهَا زَوَالُ يَدِ الْكَافِرِ عَنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ وَمِنْهَا إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ إنْسَانٍ ثُمَّ مَلَكَهُ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ عَتِيقُ فُلَانٍ عَتَقَ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ، وَأَلْفَاظُ الْعِتْقِ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ، وَالْإِعْتَاقُ عَلَى وُجُوهٍ مُرْسَلٌ، وَمُعَلَّقٌ، وَمُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَتَنَوَّعُ إلَى نَوْعَيْنِ بِبَدَلٍ وَغَيْرِ بَدَلٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قُرْبَةٌ وَمَعْصِيَةٌ وَمُبَاحٌ كَالْعِتْقِ لِأَجْلِ إنْسَانٍ أَوْ بِلَا نِيَّةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حَرَّرَ حَامِلًا عَتَقَا) أَيْ لَوْ أَعْتَقَ أَمَةً حَامِلًا عَتَقَتْ هِيَ وَحَمْلُهَا لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا إذْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ فَأَعْتَقَ الْأُمَّ لَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَلَوْ مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَرِثُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِ الْأَكْثَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرَهُ عَتَقَ فَقَطْ) أَيْ إنْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ عَتَقَ وَحْدَهُ دُونَ الْأُمِّ لِأَنَّ الْأُمَّ لَمْ يُضَفْ إلَيْهَا الْإِعْتَاقُ، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا تَبَعًا لِلْحَمْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ فَلَا يَعْتِقُ، وَالْحَمْلُ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ، وَلِهَذَا يَعْتِقُ تَبَعًا لِلْأُمِّ فَلَأَنْ يَعْتِقَ إذَا أَفْرَدَهُ أَوْلَى، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْهِبَةِ وَالْقُدْرَةَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ شَرْطُ الْجَوَازِ، وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْعِتْقِ، وَلِهَذَا جَازَ عِتْقُ الْآبِقِ دُونَ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ، وَلِأَنَّ إعْتَاقَهُ عَلَى تَقْدِيرِ انْفِصَالِهِ حَيًّا لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقْبَلُ الْإِضَافَةَ وَالتَّعْلِيقَ فَكَأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِكَوْنِهِ حَيًّا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَافْتَرَقَا وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ عَلَى مَالٍ بِأَنْ شَرَطَهُ عَلَى الْأُمِّ صَحَّ الْعِتْقُ، وَلَا يَجِبُ الْمَالُ عَلَى الْجَنِينِ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى الْأُمِّ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَقِ لَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى عَلَى أَمَتِهِ دَيْنٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، وَاشْتِرَاطُ الْعِوَض عَلَى مَنْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْعِوَضُ لَا يَجُوزُ كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْخُلْعِ وَالْقِصَاصِ حَيْثُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ الْقَاتِلَ وَالْمَرْأَةَ لَا يَسْتَفِيدَانِ بِالْعَقْدِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُمَا حَقُّ الْغَيْرِ، وَمَعَ هَذَا جَازَ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِمَا فَكَذَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِكَوْنِهِ مِثْلَهُمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى أَعْنِي فِي عَدَمِ حُصُولِ الْفَائِدَةِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ بِالْإِعْتَاقِ، وَيَثْبُتُ لَهُ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُ قَبْلُ فَإِنَّ نَفْسَهُ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمَوْلَاهُ فَكَانَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَسُلِّمَ الْمُعَوَّضُ لِلْعَبْدِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْعِوَضِ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ قِيَامُ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِتَيَقُّنِنَا بِوُجُودِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ فِي بَطْنِهَا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ فَتَلِدُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ، وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ أَعْتَقَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ وُجُودُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِأَنْ أَعْتَقَهُ، وَهُوَ سَكْرَانُ أَوْ مُكْرَهًا) قَوْلُهُ مُكْرَهًا بِالنَّصْبِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ (قَوْلُهُ، وَمِنْهَا زَوَالُ يَدِ الْكَافِرِ عَنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا سَبَبُهُ الْمُثْبِتُ لَهُ فَقَدْ يَكُونُ دَعْوَى النَّسَبِ ثُمَّ قَالَ، وَقَدْ يَكُونُ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَدَخَلَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا زَوَالُ يَدِهِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَ مِنْ مَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ حَرَّرَ حَامِلًا عَتَقَا). فَرْعٌ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْإِجَارَةِ فِي بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ لَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً وَلَهَا وَلَدٌ فَقَالَتْ أَعْتَقْتنِي قَبْلَ وِلَادَتِهِ فَيَكُونُ حُرًّا تَبَعًا لِي، وَقَالَ الْمَوْلَى أَعْتَقْتُك بَعْدَهَا فَلَا يَعْتِقُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ اهـ

[باب العبد يعتق بعضه]

عِنْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ) لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَاءَهُ يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا بِمَائِهَا فَيُرَجَّحُ جَانِبُهَا، وَلِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ مِنْ جِهَتِهَا، وَلِهَذَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدُ الزِّنَا وَوَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ مِنْهَا حَتَّى تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا، وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ هُوَ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا حِسًّا وَحُكْمًا حَتَّى يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهَا وَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ تَبَعًا لَهَا فَكَانَ جَانِبُهَا أَرْجَحَ، وَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ جَانِبُ الْأُمِّ فِي الْبَهَائِمِ أَيْضًا حَتَّى إذَا تَوَالَدَ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ أَوْ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ يُؤْكَلُ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مَأْكُولَةً، وَتَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ بِهِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مِمَّا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا، فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِيمَا ذَكَرْنَا وَالْأَبَ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهُ لِلتَّعْرِيفِ، وَالْأُمُّ لَا تُشْهَرُ، وَخَيْرَهُمَا فِي الدِّينِ وَقَوْلُهُ يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْمِلْكِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرِّقَّ هُوَ الذُّلُّ الَّذِي رَكَّبَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ جَزَاءَ اسْتِنْكَافِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ، وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالْمِلْكُ هُوَ الَّذِي يَتَمَكَّنُ الشَّخْصُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَهُوَ حَقُّهُ، وَأَوَّلُ مَا يُؤْخَذُ الْمَأْسُورُ يُوصَفُ بِالرِّقِّ، وَلَا يُوصَفُ بِالْمِلْكِ إلَّا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْمِلْكُ يُوجَدُ فِي الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ دُونَ الرِّقِّ، وَبِالْبَيْعِ يَزُولُ مِلْكُهُ دُونَ الرِّقِّ، وَبِالْعِتْقِ يَزُولُ مِلْكُهُ قَصْدًا لِأَنَّهُ حَقُّهُ، وَيَزُولُ الرِّقُّ ضِمْنًا ضَرُورَةَ فَرَاغِهِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَيَتَبَيَّنُ لَك الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَلَدِ الْقِنِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الرِّقَّ وَالْمِلْكَ كَامِلَانِ فِي الْقِنِّ، وَرِقُّ أُمِّ الْوَلَدِ نَاقِصٌ حَتَّى لَا يَجُوزُ عِتْقُهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَالْمِلْكُ فِيهَا كَامِلٌ، وَالْمُكَاتَبُ رِقُّهُ كَامِلٌ حَتَّى جَازَ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ حَتَّى خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا حُرٌّ) لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَاءُ الْأَمَةِ لِأَنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ بِخِلَافِ أَمَةِ الْغَيْرِ لِأَنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا فَتَحَقَّقَتْ الْمُعَارَضَةُ فَرَجَّحْنَا جَانِبَهَا بِمَا ذَكَرْنَا، وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِهِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ الْوَالِدُ بِهِ فَلِهَذَا قُلْنَا عَلِقَ حُرًّا فِي حَقِّهِ فَلَا يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ، وَسَعَى لَهُ فِيمَا بَقِيَ، وَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ، وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ، وَعَلَى ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَعَامَّةُ النُّسَخِ هُنَا بِالتَّأْنِيثِ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالتَّذْكِيرِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ وَلَدَ الْعَبْدِ الْمُدَبَّرِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ أَوْ حُرَّةٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ يَكُونُ رَقِيقًا لِمَوْلَاهُ وَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا كَأَبِيهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ حُرَّةٍ يَكُونُ حُرًّا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ مِنْ أَمَةٍ مُدَبَّرَةٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُدَبَّرًا تَبَعًا لِأُمِّهِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ الْقَارَّةَ فِي الْأُمَّهَاتِ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ، وَلِهَذَا صَرَّحَ بِالتَّأْنِيثِ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ، وَقَالَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَتِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ، وَكَذَلِكَ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ حَيْثُ قَالَ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَتِهَا كَوَلَدِ الْحُرَّةِ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَدْخُلُ فِي تَدْبِيرِهَا لَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا، وَيَرِقُّ بِرِقِّهَا اهـ قَوْلُهُ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ ثَمَّ الْمُرَادُ الْوَلَدُ الَّذِي كَانَتْ حَامِلًا بِهِ وَقْتَ التَّدْبِيرِ أَوْ الْوَلَدُ الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ أَمَّا وَلَدُهَا الْمَوْلُودُ قَبْلَهُ فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بِتَدْبِيرِهَا أَمَّا الَّذِي كَانَ حَمْلًا فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا، وَهِيَ حَامِلٌ، وَأَمَّا الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَهُ فَفِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى، وَالْمُدَبَّرَةُ فِي وِلَادَتِهَا فَقَالَ وَلَدْتِيهِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ، وَغَيْرِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمِلْكُ) هُوَ تَمَكُّنُ الشَّخْصِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَهُوَ حَقُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الرِّقَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا اسْتَنْكَفُوا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَرِقَّاءَ لِعَبِيدِهِ فَكَانَ سَبَبُ رِقِّهِمْ كُفْرَهُمْ أَوْ كُفْرَ أُصُولِهِمْ أَوْ الرِّقُّ حَقُّ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ كَوْنُهُ وَسِيلَةٌ إلَى نَفْعِهِمْ، وَإِقَامَةِ مَصَالِحِهِمْ، وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْهُمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ عِتْقُهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَالْمُلْكُ فِيهَا كَامِلٌ) وَلِهَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ تَدْخُلُ أُمُّ الْوَلَدِ فِيهِ، وَلَا تَدْخُلُ الْمُكَاتَبَةُ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا فِي الْأَيْمَانِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ حَتَّى جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا، وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ، وَقَدْ مَرَّ مَبْسُوطًا فِي بَابِ الظِّهَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ حُرٌّ لِي) وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ فَلَا يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ لِنُقْصَانِ الْمِلْكِ فِيهَا اهـ. [بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ] (بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ) لَمَّا ذَكَرَ إعْتَاقَ الْكُلِّ شَرَعَ فِي إعْتَاقِ الْبَعْضِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ كَمَالُهُ، وَنُقْصَانُهُ بِعَارِضٍ، وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي الثَّانِي اخْتِلَافٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاخْتِلَافِ، وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ كَثِيرُ الْوُقُوعِ فَاسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ، وَالثَّانِي قَلِيلٌ فَأَخَّرَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا إذَا عَيَّنَ مِقْدَارًا كَرُبْعُك حُرٌّ، وَنَحْوَهُ فَلَوْ قَالَ بَعْضُك حُرٌّ أَوْ جُزْءٌ مِنْك أَوْ شِقْصٌ أُمِرَ بِالْبَيَانِ، وَلَوْ قَالَ سَهْمٌ مِنْك حُرٌّ فَقِيَاسُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَيَّنُ سُدُسُهُ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالسَّهْمِ مِنْ عَبْدِهِ فَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ اهـ. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ) قَالَ الرَّازِيّ فِيمَا كَتَبَهُ بِخَطِّهِ عَلَى حَوَاشِي شَرْحِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ، وَلَا بَعْضُهُ بَلْ يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْ الشِّقْصِ، وَيَتَأَخَّرُ الْعِتْقُ إلَى زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْكُلِّ بِالسِّعَايَةِ، وَلِهَذَا كَانَ رَقِيقًا فِي شَهَادَاتِهِ، وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَعَى فِيمَا بَقِيَ، وَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ)

- رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَعْتِقُ كُلُّهُ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ عِنْدَهُ، وَهُوَ مُتَجَزِّئٌ، وَعِنْدَهُمَا يُوجِبُ زَوَالَ الرِّقِّ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ، وَأَمَّا نَفْسُ الْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ فَلَا يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ ذَاتَ الْقَوْلِ، وَهُوَ الْعِلَّةُ، وَحُكْمَهُ، وَهُوَ زَوَالُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّجْزِيءُ، وَكَذَا الرِّقُّ لَا يَتَجَزَّى بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ، وَالْحُرِّيَّةُ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ جَانِبَ الرِّقِّ فَجَعَلَهُ رَقِيقًا عَلَى مَا كَانَ، وَقَالَ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ الْبَعْضِ الَّذِي أَعْتَقَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْبَعْضُ حُرًّا، وَهُمَا اعْتَبَرَا جَانِبَ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كُلُّهُ حُرًّا، لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ عَتَقَ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ شَرِيكٌ»، وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي الْكَافِي وَمَا دَامَ يَسْعَى فَهُوَ مُكَاتَبٌ، وَيَجِبُ إزَالَةُ الْمِلْكِ عَنْ الْبَاقِي بِالِاسْتِسْعَاءِ أَوْ الْإِعْتَاقِ فَإِذَا زَالَ كُلُّ مِلْكِهِ يَعْتِقُ حِينَئِذٍ كُلُّهُ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْكَافِي غَيْرَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَقْصُودَةِ لِأَنَّ السَّبَبَ ثَمَّ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَهُنَا السَّبَبُ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إلَى أَجَلٍ فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ صَدَرَ مِنْ شَخْصَيْنِ فَانْتَقَلَ الْحَقُّ مِنْ السَّيِّدِ إلَى الْمُكَاتَبِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْمُكَاتَبِ، وَالشَّيْءُ مَهْمَا بَقِيَ قُبِلَ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَإِذَا اضْمَحَلَّ فَلَا اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَعْتِقُ كُلُّهُ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ اهـ كَافِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا نَفْسُ الْإِعْتَاقِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَالْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ، وَقَالَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ الْأَرْبَعِينَ، وَالْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ، وَقَدْ يُشْتَبَهُ عَلَى بَعْضِ الْفُقَهَاءِ تَصْوِيرُ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَنَا فَإِذَا أَعْتَقَ مِنْ الْعَبْدِ شِقْصَهُ ثَبَتَ الْعِتْقُ فِيهِ، وَفِي عَامَّةِ الْأَشْقَاصِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَقُ الْبَعْضِ حُرًّا عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مُعْتَقُ الْبَعْضِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ، وَهَذَا الِاشْتِبَاهُ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ الْجَهْلِ بِحَقِيقَةِ الْإِعْتَاقِ فَنَقُولُ يَحْتَاجُ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَى الرِّقِّ فَالرِّقُّ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الضَّعْفِ يُقَالُ رَقَّ الشَّيْءُ إذَا ضَعُفَ وَخَفِيَ أَثَرُهُ وَرَقَّ الثَّوْبُ إذَا ضَعُفَ مِنْ طُولِ اللِّبْسِ، وَثَوْبٌ رَقِيقٌ إذَا كَانَ ضَعِيفَ النَّسْجِ وَالتَّرْكِيبِ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ ضَعْفٍ حُكْمِيٍّ فِي الْآدَمِيِّ، وَالْمُرَادُ مِنْ الضَّعْفِ الْحُكْمِيِّ حَالٌ حُكْمِيَّةٌ فِي الْمَحَلِّ لِأَجْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ يَصِحُّ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِيهِ، وَإِيرَادُ الْمِلْكِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَيَاةِ مَعَ الْعِلْمِ فَإِنَّ الْحَيَاةَ شَرْطٌ مُصَحِّحٌ لِحُصُولِ الْعِلْمِ فِي الْمَحَلِّ، وَأَنَّهُ مَعْنًى وَرَاءَ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَعْنًى يَثْبُتُ فِي الْمَحَلِّ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ يُوجَدُ فِي الْمَحَلِّ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ، وَقَبُولُ الْمَحَلِّ ثَابِتٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَانَ الرِّقُّ مَعْنًى وَرَاءَ الْمِلْكِ ضَرُورَةً، وَالْعِتْقُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُوَّةِ يُقَالُ عَتَقَ الْفَرْخُ إذَا قَوِيَ، وَطَارَ عَنْ وَكْرِهِ، وَمِنْهُ عَتَاقُ الطَّيْرِ، وَهِيَ جَوَارِحُهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِمَزِيدِ الْقُوَّةِ، وَالْخَمْرَةُ إذَا تَقَادَمَ عَهْدُهَا تُسَمَّى عَتِيقًا لِاخْتِصَاصِهَا بِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ، وَالْكَعْبَةُ تُسَمَّى عَتِيقًا لِاخْتِصَاصِهَا بِالْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ لِلتَّمَلُّكِ عَنْ نَفْسِهَا فَهَذَا مَعْنَاهُ لُغَةً وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي الْمَالِكِيَّةِ، وَالْغَرَضُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ تَمَلُّكُ الْأَشْيَاءِ بِأَسْبَابِهَا، وَسَيَأْتِيك التَّقْرِيبُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ الْإِعْتَاقُ إذَا وُجِدَ يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ وَالرِّقُّ فَبِنَا أَنْ نَنْظُرَ أَنَّ تَأْثِيرَهُ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً أَمْ يَثْبُتُ زَوَالُهُ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِزَوَالِ الرِّقِّ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَأْثِيرُ الْإِعْتَاقِ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً، وَفِي إزَالَةِ الرِّقِّ ضِمْنًا وَتَبَعًا، وَعِنْدَهُمَا تَأْثِيرُ الْإِعْتَاقِ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ قَصْدًا وَابْتِدَاءً، وَفِي إزَالَةِ الْمِلْكِ ضِمْنًا، وَتَبَعًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا هُوَ أَنَّ الرِّقَّ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ الضَّعْفِ، وَالْإِعْتَاقُ عِبَارَةٌ عَنْ إثْبَاتِ الْقُوَّةِ بِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ، وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَإِثْبَاتُ الْقُوَّةِ يَكُونُ بِإِزَالَةِ الضَّعْفِ الَّذِي هُوَ الرِّقُّ فَلَوْ كَانَ الْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ يَلْزَمُ نَوْعُ مُحَالٍ لِأَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ الْبَعْضَ يَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ عَمَلًا بِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ لَازِمُهُ الْعِتْقُ، وَلَا وُجُودَ لِلْمُتَعَدِّي إلَّا أَنْ يَثْبُتَ لَازِمُهُ كَالْكَسْرِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الِانْكِسَارِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْعِتْقُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْعِتْقُ فِي سَائِرِ الْأَبْعَاضِ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي الشِّقْصِ يَكُونُ الْعِتْقُ مُتَجَزِّئًا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ، وَلِأَبِي حَنِيفَة أَنَّ الْإِعْتَاقَ تَأْثِيرُهُ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً، وَيَثْبُتُ زَوَالُ الرِّقِّ ضِمْنًا وَتَبَعًا وَبَيَانُهُ أَنَّ الرِّقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ حَقًّا لِلشَّرْعِ أَوْ حَقًّا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ جَزَاءً عَلَى كُفْرِهِ أَوْ كُفْرِ أُصُولِهِ حَيْثُ اسْتَنْكَفُوا عَنْ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا لِلَّهِ فَاَللَّهُ تَعَالَى ضَرَبَ عَلَيْهِمْ الرِّقَّ لِيَكُونُوا عَبِيدَ عَبِيدِهِ مُجَازَاةً لَهُمْ عَلَى الِاسْتِنْكَافِ أَوْ يَكُونُ حَقًّا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِيَكُونَ مَعُونَةً لَهُمْ عَلَى إقَامَةِ التَّكَالِيفِ فَثَبَتَ أَنَّ الرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ أَوْ حَقُّ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ تَأْثِيرُهُ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ قَصْدًا وَابْتِدَاءً لِأَنَّهُ خِلَافُ قَاعِدَةِ الشَّرْعِ لِأَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرْعِ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِنْسَانُ بِسَبِيلٍ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِسَبِيلٍ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ نَفْسِهِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً ثُمَّ يَبْطُلُ حَقُّ غَيْرِهِ ضِمْنًا وَقَصْدًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ قَصْدًا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَ نَفْسِهِ يَعْتِقُ نَصِيبُ الْآخَرِ أَوْ يَفْسُدُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ فَلَوْ جَعَلْنَا تَأْثِيرَ الْإِعْتَاقِ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ قَصْدًا وَابْتِدَاءً كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً، وَأَنَّهُ خِلَافُ قَاعِدَةِ الشَّرْعِ، وَلَوْ جَعَلْنَا تَأْثِيرَهُ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ نَفْسِهِ قَصْدًا لِأَنَّ الْمِلْكَ يَتَمَحَّضُ حَقًّا لَهُ فَيَثْبُتُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ تَأْثِيرُهُ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ قَصْدًا، وَالْمِلْكُ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجْزِيءِ، وَإِلَّا ثُبُوتًا فَكَانَ الْإِعْتَاقُ مُتَجَزِّئًا. اهـ. كَلَامُ الْعِمَادِيِّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ

إثْبَاتُ الْعِتْقِ فِي الْمَحَلِّ كَالْإِعْلَامِ إثْبَاتُ الْعِلْمِ فَلَا يَتَجَزَّأُ كَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ كُلِّفَ عِتْقَ بَقِيَّتِهِ» وَتَكْلِيفُ الْعِتْقِ فِي الْبَاقِي لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الْمِلْكِ فِيهِ فَإِذَا بَقِيَ فِيهِ بَقِيَ فِي الْكُلِّ ضَرُورَةُ عَدَمِ التَّجْزِيءِ، وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إزَالَةُ الرِّقِّ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَقُّهُ، وَالرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَامَّةِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ إلَّا مَا هُوَ حَقُّهُ، وَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَا وَرَاءَهُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا لِأَنَّ حَقَّهُ، وَهُوَ الْمِلْكُ يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجْزِيءِ كَمَا إذَا أَزَالَهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ فَيَبْقَى الرِّقُّ عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ لَا قَصْدًا وَلَا ضِمْنًا بِخِلَافِ مَا إذَا عَتَقَ كُلُّهُ حَيْثُ يَزُولُ الرِّقُّ تَبَعًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الرِّقَّ كَانَ لِأَجْلِهِمْ فَإِذَا فَرَغَ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ زَالَ الرِّقُّ ضَرُورَةً، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا، فَإِذَا بَقِيَ الْمِلْكُ فِي بَعْضِهِ فَلَا يَزُولُ الرِّقُّ لِبَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ فِيهِ فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ، وَتَجِبُ السِّعَايَةُ عَلَيْهِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّةِ الْبَعْضِ عِنْدَهُ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْبَعْضِ تُوجِبُ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ فِي كُلِّهِ، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ يَمْنَعُهُ فَعَمِلْنَا بِالدَّلِيلَيْنِ بِجَعْلِهِ مُكَاتَبًا إذْ هُوَ مَالِكٌ يَدًا لَا رَقَبَةً، وَالسِّعَايَةُ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لَهُ كَالْمُكَاتَبِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ بِالْعَجْزِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ إلَّا التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ بِالْإِزَالَةِ، وَكَذَا فِي الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ فَجَازَ إزَالَتُهُ قَصْدًا، وَلَا لَهُمَا حَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ فَأَثْبَتْنَاهُ فِي الْكُلِّ تَرْجِيحًا لِلْمُحَرَّمِ، وَالِاسْتِيلَادُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَمَّا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِفْسَادِ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ، وَلَوْ قَالَ بَعْضُك حُرٌّ أَوْ جُزْءٌ مِنْك حُرٌّ يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ، وَلَوْ قَالَ سَهْمٌ مِنْك حُرٌّ عَتَقَ سُدُسُهُ، وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ فِي الْكُلِّ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُحَرِّرَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا أَوْ يَضْمَنَ لَوْ مُوسِرًا، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ) أَيْ لِلْمُعْتِقِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ، وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْكُلِّ بِعِتْقِ الْبَعْضِ، وَعَدَمُ ثُبُوتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَالثَّانِي أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَمْنَعُهُ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا سَعَى فِي حِصَّةِ الْآخَرِ» وَهَذَا قَسْمٌ، وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشِّرْكَةَ، وَلَهُ أَنَّهُ احْتَبَسَتْ مَالِيَّةُ نَصِيبِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ بِثَوْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإثْبَاتُ الْعِتْقِ فِي الْمَحَلِّ كَالْإِعْلَامِ إلَخْ) وَالْعِتْقُ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ يَظْهَرُ بِهَا سُلْطَانُ الْمَالِكِيَّةِ، وَنَفَاذُ الْوِلَايَةِ، وَإِثْبَاتُهُ بِإِزَالَةِ ضِدِّهِ، وَهُوَ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ أَيْ حَالَةٌ حُكْمِيَّةٌ فِي الْمَحَلِّ يَصِحُّ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِيهِ بِاعْتِبَارِهَا، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَقَاءِ الرِّقِّ، وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ كَالْعِتْقِ فِي الصَّحِيحِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الشِّقْصِ قَوِيًّا مُتَّصِفًا بِالْمَالِكِيَّةِ وَأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ، وَالْبَعْضُ ضَعِيفًا زَائِلَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ عُقُوبَةُ الْكُفْرِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُهَا عَلَى النِّصْفِ شَائِعًا لِأَنَّ الذَّنْبَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ، وَإِذَا لَمْ يَكُونَا مُتَجَزِّئَيْنِ لَمْ يَكُنْ الْإِعْتَاقُ مُتَجَزِّئًا ضَرُورَةً، وَإِلَّا يَلْزَمُ الْأَثَرُ بِلَا مُؤَثِّرٍ أَوْ عَكْسُهُ، وَصَارَ كَالتَّطْلِيقِ وَالطَّلَاقِ، وَمَا لَا يَتَجَزَّأُ إذَا ثَبَتَ بَعْضُهُ ثَبَتَ كُلُّهُ كَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَلَا يَتَجَزَّأُ كَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ) حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ تَصِيرُ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ) فَإِنْ عَفَا أَحَدُ الْوَرَثَةِ عَنْ نَصِيبِهِ يَسْقُطُ الْقَوَدُ اهـ (قَوْلُهُ وَتَكْلِيفُ الْعِتْقِ فِي الْبَاقِي لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الْمِلْكِ فِيهِ) وَالرِّقِّ فِي الْبَاقِي، وَإِلَّا يَكُونُ تَكْلِيفًا بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ) أَيْ إضَافَةُ الْعِتْقِ اهـ (قَوْلُهُ تُوجِبُ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ) أَيْ لِلْعَبْدِ اهـ (قَوْلُهُ فِي كُلِّهِ) إذْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ فِي بَعْضِهِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ يَمْنَعُهُ) أَيْ الْعَبْدُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْكُلِّ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ زَالَ مِلْكُهُ فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مُتَجَزِّئًا، وَإِنْ شَاءَ مُضَافًا، وَيَنْبَغِي إذَا أَضَافَهُ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُ إضَافَتُهُ إلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ لِأَنَّهُ كَالتَّدْبِيرِ مَعْنًى، وَلَوْ دَبَّرَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي الْحَالِ فَيَعْتِقُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى مُدَّةٍ تُشَاكِلُ مُدَّةَ الِاسْتِسْعَاءِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ قِيمَتَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِيهَا فَإِنْ ضَمِنَ رَجَعَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ، وَإِنْ أَعْتَقَ أَوْ اسْتَسْعَى فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ فِي الْإِعْتَاقِ وَالسِّعَايَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ فِي التُّحْفَةِ خَمْسَ خِيَارَاتٍ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ، وَأَنْ يُدَبِّرَهُ، وَعَلِمْت حُكْمَهُ، وَأَنْ يَسْتَسْعِيَ، وَأَنْ يُكَاتِبَهُ، وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ، وَلَوْ عَجَزَ اسْتَسْعَى، وَلَوْ امْتَنَعَ الْعَبْدُ عَنْ السِّعَايَةِ يُؤَجِّرُهُ جَبْرًا، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ فِي مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مِنْ النَّقْدَيْنِ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ قَدْرًا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ عَلَى قِيمَتِهِ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْثَرُ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى عَرْضٍ أَكْثَرَ اهـ (قَوْلُهُ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُحَرِّرَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ) قَالَ الْكَمَالُ وَالِاسْتِسْعَاءُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ فَيَأْخُذَ نِصْفَ قِيمَتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ، وَسَيَجِيءُ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ السِّعَايَةِ فَعَلَ ذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ غَيْرُ هَذَا، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ تَنْفُذُ عَلَيْهِ جَبْرًا اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ إلَخْ) وَلَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عِنْدَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي اهـ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهُ احْتَبَسَتْ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا لَا إذَا كَانَ مُوسِرًا لِأَنَّا نَقُولُ الشَّرْطُ يُوجِبُ الْوُجُودَ، وَلَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ فَافْهَمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

إنْسَانٍ، وَأَلْقَتْهُ فِي صَبْغِ غَيْرِهِ حَتَّى انْصَبَغَ بِهِ فَعَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ صَبْغِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا فَكَذَا هُنَا غَيْرَ أَنَّ الْعَبْدَ فَقِيرٌ فَيَسْتَسْعِيهِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ يَسَارُ التَّيْسِيرِ لَا يَسَارُ الْغِنَى، وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ مِنْ الْمَالِ قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ الْآخَرِ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَلْبُوسِهِ، وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَسُكْنَاهُ لِأَنَّ بِذَلِكَ اعْتِدَالَ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِتَحْقِيقِ مَا قَصَدَهُ الْمُعْتِقُ مِنْ الْقُرْبَةِ، وَإِيصَالُ بَدَلِ حَقِّ السَّاكِتِ إلَيْهِ وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ أَوْ أَعْسَرَ لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ بِنَفْسِ الْعِتْقِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ بِحُكْمِ الْحَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخُصُومَةِ وَالْعِتْقِ مُدَّةٌ تَخْتَلِفُ فِيهَا الْأَحْوَالُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا يُقَوَّمُ لِلْحَالِ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ سَابِقٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ قَائِمًا كَانَ الْعَبْدُ أَوْ هَالِكًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ وَالْقِيمَةِ فَادَّعَى السَّاكِتُ، أَنَّهُ أَعْتَقَهُ لِلْحَالِ يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ لِلْحَالِ، وَيُقَوَّمُ لِأَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ اخْتَلَفَ الْعَبْدُ وَالسَّاكِتُ ثُمَّ التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ فَعَدَمُ رُجُوعِ الْمُعْتِقِ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَمَا ضَمِنَ لِعَدَمِ وُجُوبِ السِّعَايَةِ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ حَصَلَ مِنْ جِهَتِهِ لِعَدَمِ التَّجْزِيءِ، وَأَمَّا التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِهِ فَخِيَارُ الْعِتْقِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْبَاقِي إذْ لَمْ يَزُلْ الرِّقُّ عِنْدَهُ وَخِيَارُ التَّضْمِينِ لِجِنَايَةِ الْمُعْتَقِ عَلَى نَصِيبِهِ بِالْإِفْسَادِ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفَاتُ سِوَى الْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ، وَالِاسْتِسْعَاءُ لِاحْتِبَاسِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ الْعَبْدِ، وَرُجُوعُ الْمُعْتِقِ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ لِقِيَامِهِ مَقَامَ السَّاكِتِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَقَدْ كَانَ لِلسَّاكِتِ الِاسْتِسْعَاءُ فَكَذَا لِلْمُعْتِقِ، وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ضِمْنًا فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْكُلَّ لَهُ، وَقَدْ أَعْتَقَ بَعْضَهُ فَلَهُ أَنْ يُعْتِقَ الْبَاقِيَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ إنْ شَاءَ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ فِي هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَفِي حَالِ إعْسَارِ الْمُعْتِقِ السَّاكِتُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى لِاحْتِبَاسِ مِلْكِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ فِي النِّصْفِ لِوُجُودِ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ فَيَكُونُ الْبَاقِي لِلْآخَرِ فَيَكُونُ وَلَاءُ الْعَبْدِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ، وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ الْمُسْتَسْعَى عَلَى الْمُعْتِقِ بِمَا أَدَّى بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ أَدَّى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ الْمُعْسِرُ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي دَيْنٍ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ قَدْ فُكَّتْ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ فِيهِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُلْزَمُ لَهُ كَالْمَرْهُونِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ إنْ شَاءَ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ نَوْعُ عِتْقٍ، وَالْكِتَابَةَ اسْتِسْعَاءٌ، وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فَعَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ صِبْغِهِ) أَيْ إنْ اخْتَارَ صَاحِبُ الثَّوْبِ إمْسَاكَهُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْعَبْدَ فَقِيرٌ فَيَسْتَسْعِيهِ) وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ عَلَى الْمُعْتِقِ عِنْدَ يَسَارِهِ، وَذَا لَا يَنْفِي وُجُوبَ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ بِوَصْفِ التَّخْيِيرِ، وَفَائِدَةُ الْقِسْمَةِ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ لَوْ كَانَ فَقِيرًا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ يَسَارُ التَّيْسِيرِ لَا يَسَارُ الْغِنَى) وَيَسَارُ الْغِنَى أَنْ يَمْلِكَ نِصَابًا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ اعْتِدَالَ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ جَانِبِ الْمُعْتِقِ، وَجَانِبِ السَّاكِتِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ) أَيْ حَالُ الْمُعْتِقِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ) وَكَذَا الْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ فِي الضَّمَانِ وَالسِّعَايَةِ حَالَةُ الْإِعْتَاقِ. اهـ. مُسْتَصْفَى قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ فِي الضَّمَانِ وَالسِّعَايَةِ حَالَةُ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ كَمَا فِي الْغَصْبِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ) أَيْ فِي الْيَسَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ) أَيْ فِي حَالَتَيْ الضَّمَانِ وَالسِّعَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفَاتُ) يَعْنِي مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالْإِمْهَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ سِوَى الْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ) وَأَرَادَ بِالتَّوَابِعِ التَّدْبِيرَ وَالْكِتَابَةَ وَالِاسْتِيلَادَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ضِمْنًا) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ، وَذَلِكَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَالْمُسْتَسْعَى كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ الْمُعْتِقُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَأَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ ضِمْنًا أَيْ كَمْ مِنْ شَيْءٍ ثَبَتَ ضِمْنًا، وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ الْمُسْتَسْعَى عَلَى الْمُعْتِقِ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي، وَفِي حَالِ إعْسَارِ الْمُعْتَقِ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْهُ، وَيَرْجِعُ الْمُسْتَسْعَى عَلَى الْمُعْتِقِ بِمَا أَدَّى إذَا أَيْسَرَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْزَمَهُ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ، وَعِنْدَنَا لَا يَرْجِعُ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّ مُعْتَقُ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ فَهَذَا ضَمَانٌ وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ، وَيَسْتَفِيدُ بِهِ عِتْقًا فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى كَالْمُكَاتَبِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَفَدْ بِهَذَا الضَّمَانِ عِتْقٌ لِأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ قَبْلَ الضَّمَانِ فَمَا قَضَى بِهِ دِينًا وَجَبَ عَلَى الْمَوْلَى لِيَمْلِكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُعْسِرٌ، وَضَمَانُ الْعِتْقِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْإِيجَابُ عَلَى الْمَوْلَى الْمُعْسِرِ لِعُسْرَتِهِ، وَتَعَذَّرَ إزَالَةُ مِلْكِ الشَّرِيكِ مَجَّانًا لِضَرُورَةٍ أَوْجَبْنَا عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ حَصَلَتْ لَهُ فَكَانَ هَذَا إيجَابُ ضَمَانٍ عَلَى الْعَبْدِ بِعِوَضٍ حَصَلَ لَهُ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ) وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ لَهُ خِيَارَاتٌ خَمْسٌ، وَفِي الْمَتْنِ جَعَلَ لَهُ ثَلَاثَ خِيَارَاتٍ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ مَاتَ السَّاكِتُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْخِيَارِ مَا كَانَ لَهُ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ هَذَا تَوْرِيثُ الْخِيَارِ بَلْ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ الْخِيَارَ لِلْمُوَرِّثِ ثَابِتٌ فِي الْوَرَثَةِ فَإِنْ شَاءُوا أَعْتَقُوا، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَسْعَوْا الْعَبْدَ، وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُعْتِقَ فَإِنْ ضَمَّنُوهُ فَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ إلَيْهِمْ يَمْلِكُ نَصِيبَهُمْ كَمَا كَانَ يَتَمَلَّكُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْمُوَرِّثِ، وَإِنْ اخْتَارُوا الْإِعْتَاقَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ فَالْوَلَاءُ فِي هَذَا النَّصِيبِ لِلذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادِ الْمَيِّتِ دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ لَا تُورَثُ عَيْنُهُ، وَإِنَّمَا يُورَثُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فَيَعْتِقُ نَصِيبُ السَّاكِتِ عَلَى مِلْكِهِ، وَالْوَلَاءُ يَكُونُ لَهُ فَيَخْلُفُهُ فِي ذَلِكَ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلَادِهِ دُونَ الْإِنَاثِ إذْ الْوَلَاءُ لَا يُورَثُ، وَإِنْ اخْتَارَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ السِّعَايَةَ وَبَعْضُهُمْ الضَّمَانَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا اخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا وَرِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ اهـ

كَانَ الشَّرِيكُ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارَاتُ الْخَمْسُ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِلَّا فَالْأَرْبَعُ، وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ صَبِيًّا فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ فَالْخِيَارُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ، وَصِيًّا أَوْ يَنْتَظِرُ بُلُوغَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا عَتَقَ، وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ شَرِيكُهُ كَيْفَ شَاءَ مِنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ سِوَى السِّعَايَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعْتِقُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى تَضْمِينِ الشَّرِيكِ لِإِعْسَارِهِ، وَلَا إلَى السِّعَايَةِ لِعَدَمِ جِنَايَتِهِ وَرِضَائِهِ، وَلَا إلَى إعْتَاقِ الْكُلِّ لِلْإِضْرَارِ بِالسَّاكِتِ فَتَعَيَّنَ مَا عَيَّنَاهُ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ فَخَلَاصُهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ، وَاسْتَسْعَى بِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ أَيْ لَا يُشَدِّدُ عَلَيْهِ الْأَمْرَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهُ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا اسْتَسْعَى الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُمَا، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كَانَ غُلَامٌ لَنَا قَدْ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ فَأَبْلَى فِيهَا، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَخِي الْأَسْوَدِ وَأُمِّي فَأَرَادُوا عِتْقَهُ، وَكُنْت يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا فَذَكَرَ ذَلِكَ الْأَسْوَدُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَعْتِقُوا أَنْتُمْ فَإِذَا بَلَغَ فَإِنْ رَغِبَ فِيمَا رَغِبْتُمْ أَعْتَقَ، وَإِلَّا ضَمَّنَكُمْ فَبَيَّنَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مَعَ إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا إذَا بَقِيَ رَقِيقًا، وَالسِّعَايَةُ تَثْبُتُ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى ثُبُوتِ الِاسْتِسْعَاءِ ثَلَاثُونَ صَحَابِيًّا، وَلِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْجِنَايَةِ بَلْ يُبْنَى عَلَى احْتِبَاسِ الْمَالِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يُصَارُ إلَى الْمُحَالِ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّيْنِ، وَلَيْسَ فِيمَا رَوَاهُ مَا يُنَافِي مَذْهَبَنَا بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا نَقُولُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ «فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعْتِقُ»، وَكَلِمَةُ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا بِعِتْقِهِ أَوْ بِالسِّعَايَةِ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي «فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ» بِالْوَاوِ، وَهِيَ لَا تُنَافِي التَّرْتِيبَ وَلَا التَّرَاخِيَ فَحَمَلْنَا عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عَنْ الثِّقَةِ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَتَّى قَالَ أَيُّوبُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَا نَدْرِي أَهُوَ شَيْءٌ فِي الْحَدِيثِ أَوْ قَالَهُ نَافِعٌ مِنْ قِبَلِهِ، وَهُمَا الرَّاوِيَانِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى هِيَ مَكْذُوبَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدَ كُلٌّ بِعِتْقِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ سَعَى لَهُمَا) أَيْ لَوْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِعِتْقِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِأَنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشَرِيكِهِ أَعْتَقْت نَصِيبَك مِنْهُ سَعَى لَهُمَا الْعَبْدُ مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ، وَعَلَى نَفْسِهِ بِالتَّكَاتُبِ فَلَا يُقْبَلُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيَمْتَنِعُ بِهِ اسْتِرْقَاقُهُ، وَيَسْتَسْعِيهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَهُوَ مُكَاتَبُهُ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ عَبْدُهُ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ عِنْدَهُ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ لَا يَبْطُلُ بِالْيَسَارِ بَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَهُنَا تَعَذَّرَ التَّضْمِينُ لِإِنْكَارِ الْآخَرِ فَبَقِيَ الْخِيَارُ بَيْنَ الِاسْتِسْعَاءِ وَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْ جِهَتِهِ بِالسِّعَايَةِ وَرَدُّ قَوْلِهِ أَعْتَقَهُ شَرِيكِي أَوْ قَبُولُهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ ذَلِكَ لِمَا عُرِفَ أَنَّ نَصِيبَ السَّاكِتِ رَقِيقٌ عَلَى حَالِهِ، وَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ مِنْ الْعَبْدِ شَيْءٌ حَتَّى يُوَفِّيَهُمَا السِّعَايَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَبَرَّأُ عَنْهُ بِدَعْوَى الضَّمَانِ عَلَى الْمُعْتِقِ فِي زَعْمِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُوسِرٌ، وَيَسَارُ الْمُعْتِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى) لِأَنَّ كَسْبَهُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارَاتُ الْخَمْسُ) الْإِعْتَاقُ وَالتَّضْمِينُ وَالِاسْتِسْعَاءُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ صَبِيًّا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ كَانَ السَّاكِتُ صَبِيًّا وَالْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَالْخِيَارُ بَيْنَ التَّضْمِينِ وَالسِّعَايَةِ لِوَلِيِّهِ، وَالتَّضْمِينُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَنْظَرُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ لِيَخْتَارَ قِيلَ هَذَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ قَاضٍ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ قَاضٍ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ قَيِّمًا لِيَخْتَارَ التَّضْمِينَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ اخْتِيَارُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالِ الصَّغِيرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الصَّبِيِّ مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَيْسَ لَهُمَا إلَّا التَّضْمِينُ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ، وَالِاسْتِسْعَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ فَقَطْ لِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَنْ يُكَاتِبَ، وَلَكِنْ قَالَ سَبَبُ الِاسْتِسْعَاءِ قَدْ تَقَرَّرَ، وَهُوَ عِتْقُ الشَّرِيكِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ، وَرُبَّمَا يَكُونُ الِاسْتِسْعَاءُ أَنْفَعَ مِنْ التَّضْمِينِ فَلِهَذَا مَلَكَ الْمَأْذُونُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ الْكِتَابَةَ ابْتِدَاءً، وَإِذَا اخْتَارَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمَأْذُونُ التَّضْمِينَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ فَوَلَاءُ نَصِيبِهِمَا لِمَوْلَاهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِمَا، وَهُوَ الْمَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ فَالْخِيَارُ إلَيْهِ) يَعْنِي فِي التَّضْمِينِ أَوْ السِّعَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُهُ) فَالْعِتْقُ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَتَجَزَّأُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ بَاقٍ إلَخْ) لَهُ أَنَّ عُسْرَةَ الْعَبْدِ أَظْهَرُ مِنْ عُسْرَةِ الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِمِلْكِ الْمَالِ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِعُسْرَتِهِ فَأُولَى الْكُلُّ دَفْعًا لِلْإِضْرَارِ بِالشَّرِيكِ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ مِنْ قَبْلُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَ كُلٌّ بِعِتْقِ إلَخْ) أَرَادَ بِالْعِتْقِ الْإِعْتَاقَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَلْ يَثْبُتُ لَهُ) أَيْ لِلسَّاكِتِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ قَبُولُهُ) أَيْ قَبُولُ الْمَالِ مِنْ الْعَبْدِ وَقْتَ السِّعَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ) أَيْ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى حُرِّيَّتِهِ اهـ

يَمْنَعُ السِّعَايَةَ، وَلَا يَجِبُ لَهُ الضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِإِعْتَاقِهِ، وَإِقْرَارُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ السِّعَايَةَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِإِعْسَارِهِ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا يَسْعَى لِلْمُعْسِرِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَسَارِهِ فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلْعَبْدِ عَنْ السِّعَايَةِ، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لِلْمُعْتِقِ مِنْهُمَا، وَكُلٌّ يُحِيلُهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَيَتَبَرَّأُ مِنْهُ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يُتَّفَقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَلَّقَ أَحَدُهُمَا عِتْقَهُ بِفِعْلِ فُلَانٍ غَدًا، وَعَكَسَ الْآخَرُ وَمَضَى، وَلَمْ يَدْرِ عَتَقَ نِصْفُهُ، وَسَعَى فِي نِصْفِهِ لَهُمَا) أَيْ لَوْ عَلَّقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عِتْقَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا بِفِعْلِ شَخْصٍ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَعَكَسَ الْآخَرُ بِأَنْ قَالَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ ذَلِكَ تِلْكَ الدَّارَ بِعَيْنِهَا غَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَمَضَى الْغَدُ وَلَمْ يُدْرَ أَدْخَلَ أَمْ لَا عَتَقَ نِصْفُهُ لِلتَّيَقُّنِ بِحِنْثِ أَحَدِهِمَا، وَسَعَى لَهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِيك بَيَانُهُ عَلَى التَّمَامِ، لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِسُقُوطِ السِّعَايَةِ مَجْهُولٌ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِهِ مَعَ الْجَهَالَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لَك عَلَى أَحَدِنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِلْجَهَالَةِ فَكَذَا هَذَا، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي حِنْثَ صَاحِبِهِ وَيَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ شَاهِدًا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ ضَرُورَةً فَيَسْعَى الْعَبْدُ لَهُمَا كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِحِنْثِ أَحَدِهِمَا، وَبِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ عَنْ الْعَبْدِ فَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ مَعَ التَّيَقُّنِ بِخِلَافِهِ كَمَنْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ مُعَيَّنَةً فَنَسِيَهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ التَّذَكُّرِ سَقَطَ نِصْفُ الْمَهْرِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهَا مِنْهُنَّ مَجْهُولَةً بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِصِدْقِ أَحَدِهِمَا فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَا كَاذِبَيْنِ فَلَا يَسْقُطُ مَا كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ بِاحْتِمَالِ صِدْقِهِمَا أَوْ صِدْقِ أَحَدِهِمَا، وَالْجَهَالَةُ تَرْتَفِعُ بِالتَّوْزِيعِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ وَنَسِيَهُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ التَّذَكُّرِ، وَكَمَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَا يُقَالُ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ أَحَدِهِمَا بِيَقِينٍ، وَهُوَ غَيْرُ الْمُعْتِقِ مِنْهُمَا بِالتَّنْقِيصِ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ أَهْوَنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْعَبْدِ بِالْإِسْقَاطِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ السِّعَايَةُ لَهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبُعُ سَوَاءٌ كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا لِمَا بَيَّنَّا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ لَا يَسْعَى لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى لِلْمُوسِرِ، وَلَمْ يَسْعَ لِلْمُعْسِرِ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمِقْدَارِ، وَمَعَ مُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يُمْنَعُ السِّعَايَةَ) أَيْ عِنْدَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا) أَيْ فِي قِيمَتِهِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ السِّعَايَةَ) أَيْ هُنَا لِأَنَّهُ يَقُولُ شَرِيكِي أَعْتَقَ، وَهُوَ مُعْسِرٌ اهـ (قَوْلُهُ سَعَى لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا) أَيْ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ عَلَّقَ أَحَدُهُمَا عِتْقَهُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَخْفَى مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِكُلٍّ إلَى آخِرِ النَّهَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ) أَيْ، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ لَمْ يَسْعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شَيْءٍ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا يَسْعَى فِي رُبْعِ قِيمَتِهِ لِلْمُوسِرِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي السِّعَايَةَ، وَالْمُعْسِرُ يَتَبَرَّأُ عَنْ السِّعَايَةِ بِدَعْوَى الضَّمَانِ عَلَى الْمُوسِرِ، وَدَعْوَاهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ الضَّمَانُ، وَيَثْبُتُ الْإِبْرَاءُ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ فِي بَابِ تَطْلِيقِ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ لَا بِعَيْنِهَا، وَلَوْ قَالَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ طَالِقٌ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمُجْهِلُ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا كَانَ ثَانِيًا أَوْ ثَالِثًا لِأَنَّ إحْدَاهُمَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِدَامَةُ نِكَاحِهَا، وَتَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ الْمَجْهُولَةِ لَا تُتَصَوَّرُ، وَلِلْبَيَانِ حُكْمُ الْإِنْشَاءِ فِي الْمُعَيَّنَةِ، وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ عَيَّنْت الْمَيِّتَةَ صُدِّقَ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَلَا يَرِثُ مِنْهَا، وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ عَلَى الْبَاقِيَةِ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلطَّلَاقِ ظَاهِرًا فَلَا يُصَدَّقُ فِي صَرْفِ الطَّلَاقِ عَنْهَا لِأَنَّهُ حَقُّهَا، وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَتَا جَمِيعًا إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى ثُمَّ قَالَ عَيَّنَتْ الَّتِي مَاتَتْ أَوَّلًا لَمْ يَرِثْ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ سَقَطَ مِيرَاثُهُ عَنْ الْأُولَى بِالِاعْتِرَافِ، وَعَنْ الثَّانِيَةِ لِتَعَيُّنِهَا لِلطَّلَاقِ، وَلَوْ مَاتَتَا مَعًا أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى وَلَمْ تُعْرَفْ وَرِثَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفَ مِيرَاثِهَا لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ مِنْ إحْدَاهُمَا وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبَيَانِ وَرِثَتَا مِيرَاثَ امْرَأَةٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تَسْتَحِقُّهُ، وَإِحْدَاهُمَا لَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ لَكِنْ جَامَعَ إحْدَاهُمَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى أَوْ طَلَّقَهَا تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ اهـ بِاخْتِصَارٍ، وَفِي الْبَابِ فُرُوعٌ أُخَرُ اهـ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَصْلِ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ مَا نَصُّهُ رَجُلٌ قَالَ: أَمَةٌ وَعَبْدٌ مِنْ رَقِيقِي أَحْرَارٌ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ وَأَمَةٌ عَتَقَتْ الْأَمَةُ، وَمِنْ الْعَبْدَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَمَةٌ وَثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ عَتَقَتْ الْأَمَةُ، وَمِنْ الْعَبِيدِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ وَثَلَاثَةُ إمَاءٍ عَتَقَ مِنْ الْإِمَاءِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ ثُلُثُهَا، وَمِنْ الْعَبِيدِ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ وَأَمَتَانِ عَتَقَ نِصْفُ كُلِّ أَمَةٍ، وَنِصْفُ كُلِّ عَبْدٍ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ لِجَارِيَتَيْنِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ يَعْتِقُ النِّصْفُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَكُونُ الْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَةِ، وَلَوْ قَالَ إحْدَاكُمَا أُمُّ وَلَدِي، وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ كَانَ الْبَيَانُ إلَى الْوَارِثِ اهـ ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ فَصْلِ مَنْ تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ، وَمَنْ لَا تَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْآخَرُ مُعْسِرٌ سَعَى) أَيْ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ. اهـ.

فِي اعْتِبَارِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَذْهَبَهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَا عَلَى عَبْدَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَحَدِهِمَا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَتَفَاحَشَتْ فَامْتَنَعَ الْقَضَاءُ، وَفِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَبِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ عَنْهُ، وَهُوَ الْعَبْدُ، وَالْمَقْضِيُّ بِهِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ وَسُقُوطُ نِصْفِ السِّعَايَةِ مَعْلُومٌ، وَالْمَجْهُولُ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْحَانِثُ مِنْهُمَا فَغَلَبَ الْمَعْلُومُ الْمَجْهُولَ، وَفِي هَذِهِ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ هُوَ الْغَالِبُ فِيهَا فَامْتَنَعَ الْقَضَاءُ لِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ هَذَا بِمَا إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَبْدٌ وَأَمَةٌ فَقَالَ أَحَدُهُمَا إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ الْيَوْمَ فَالْعَبْدُ حُرٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَالْأَمَةُ حُرَّةٌ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَدْخَلَ أَمْ لَا لَا يَعْتِقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ أَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ بِالْعِتْقِ، وَالْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ قُلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَرَّ بِفَسَادِ نَصِيبِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ شَرِيكَهُ هُوَ الْحَانِثُ لِأَنَّ الْحَالِفَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ يَقُولُ أَنَا مَا حَنِثْت، وَإِنَّمَا حَنِثَ صَاحِبِي فِي الْأَمَةِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ مِنْهَا وَفَسَدَ نَصِيبِي بِعِتْقِ نَصِيبِهِ، وَالْآخَرُ يَقُولُ كَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ فَيَفْسُدُ نَصِيبُهُ بِزَعْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ الْآخَرَ هُوَ الْحَانِثُ فِي عَبْدِهِ، وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ حَتَّى يَكُونَ مُقِرًّا بِفَسَادِ نَصِيبِهِ حَتَّى لَوْ تَقَابَضَا عَتَقَ عَلَيْهِمَا لِإِقْرَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ الْآخَرِ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةُ مَا اشْتَرَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ اشْتَرَى حُرًّا بِعَبْدٍ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ بِإِقْرَارِهِمَا، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بَلْ يَبْقَى عَبْدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِلْكِهِ لِإِقْرَارِهِمَا بِذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقَانِ فِي حَقِّ الْعَبْدَيْنِ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ يُوَصِّلُهُمَا إلَى الْعِتْقِ لِإِقْرَارِهِمَا بِحُرِّيَّتِهِمَا ثُمَّ إذَا لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إقْرَارُهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ يَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ سَعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْحَالِفِ بِعِتْقِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْعِتْقَ فِيهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ بِدَعْوَى حِنْثِهِ، وَلَمْ يَسْعَ لِلْآخَرِ وَهُوَ غَيْرُ الْحَالِفِ فِيهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلْعَبْدِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْإِيضَاحِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْعَى فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ النِّصْفَ حُرٌّ بِيَقِينٍ، وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ رَجُلٌ وَاحِدٌ جَازَ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِحِنْثِ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدًا، وَزَعْمُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ، وَمَوْلَاهُ يُنْكِرُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، وَإِذَا صَحَّ الشِّرَاءُ، وَاجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ زَعْمَهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِإِعْتَاقِ الْبَائِعِ ثُمَّ مَلَكَهُ وَلَوْ قَالَ: عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ دَخَلَ الْيَوْمَ عَتَقَ وَطَلُقَتْ لِأَنَّ بِالْيَمِينِ الْأُولَى صَارَ مُقِرًّا بِوُجُودِ شَرْطِ الطَّلَاقِ، وَبِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ، وَقِيلَ لَمْ يَعْتِقْ وَلَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَلَّقٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ، وَالْآخَرَ بِوُجُودِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ دَائِرٌ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ فَلَا يُتْرَكُ الْجَزَاءُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ الْكَائِنِ وَبِغَيْرِ الْكَائِنِ، فَيَقَعُ فِي الْمُعَلَّقِ بِالْكَائِنِ لَا بِغَيْرِ الْكَائِنِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُتَصَوَّرُ فِي الْكَائِنِ دُونَ غَيْرِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ، وَلَا تَطْلُقُ لِأَنَّ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِنُزُولِ الْعِتْقِ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الثَّانِيَةِ مَا يُوجِبُ إقْرَارُهُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ مَلَكَ ابْنَهُ مَعَ آخَرَ عَتَقَ حَظُّهُ، وَلَمْ يَضْمَنْ وَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَعْتِقَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ) وَإِنَّمَا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ لِمَا رَوَيْنَا، وَبَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعِتْقِ عَبْدِهِ) يَعْنِي بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا إنْ دَخَلَ فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ فَمَضَى الْغَدُ، وَلَمْ يَدْرِ أَدَخَلَ أَمْ لَا لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إجْمَاعًا اهـ رَازِيٌّ قَوْلُهُ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا إنْسَانٌ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِحِنْثِ أَحَدِ الْمَالِكَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَبِيعُ عَبْدَهُ، وَزَعْمُ الْمُشْتَرِي فِي الْعَبْدِ قَبْلَ مِلْكِهِ لَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ، وَمَوْلَاهُ يُنْكِرُ صَحَّ، وَإِذَا صَحَّ شِرَاؤُهُ لَهُمَا، وَاجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ زَعْمَهُ مُعْتَبَرٌ الْآنَ، وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ، وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ دَخَلَ الْيَوْمَ عَتَقَ، وَطَلُقَتْ لِأَنَّ بِالْيَمِينِ الْأُولَى هُوَ مُقِرٌّ بِوُجُودِ شَرْطِ الثَّانِيَةِ، وَبِالثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِوُجُودِ شَرْطِ الْأُولَى، وَقِيلَ لَمْ يَعْتِقْ، وَلَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَلَّقٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ، وَالْآخَرُ بِوُجُودِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُحْتَمَلُ تَحَقُّقُهُ وَعَدَمُ تَحَقُّقِهِ قُلْنَا ذَاكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَعَبْدِي حُرٌّ بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ الْمُمَارِي فِي الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ فِي الْمَاضِي، وَكَذَا إنْ كَانَ دَخَلَ بِخِلَافِ إنْ دَخَلَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ، وَلَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِنُزُولِ الْعِتْقِ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الثَّانِيَةِ مَا يُوجِبُ إقْرَارَهُ بِنُزُولِ الطَّلَاقِ. اهـ. وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ لَكِنْ بَادَرْت بِكِتَابَتِهِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مُطَالَعَةِ الْمَقَالَةِ ظَنًّا أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَمَنْ مَلَكَ ابْنَهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا مَلَكَا عَبْدًا هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ قَبِلَاهُ جَمِيعًا مِنْ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لَا يَضْمَنُ الَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْآخَرِ مُوسِرًا كَانَ الَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ أَوْ مُعْسِرًا اهـ فَالِابْنُ فِي قَوْلِهِ، وَمَنْ مَلَكَ ابْنَهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ عَتَقَ حَظُّهُ) أَيْ زَالَ مِلْكُهُ فِي نَصِيبِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَزُلْ جَمِيعُ الْمِلْكِ اتِّفَاقًا فَإِذَا سَعَى الِابْنُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْعِتْقُ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَضْمَنْ، وَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُعْتِقَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ ابْنَ أَحَدِهِمَا قَالَ الْكَمَالُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ

يَضْمَنْ الْأَبُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ لِانْعِدَامِ التَّعَدِّي فِيهِ مِنْهُ، وَتَثْبُتُ الْخِيَارَاتُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا لِمَا بَيَّنَّا هُنَاكَ، وَقَوْلُهُ، وَمَنْ مَلَكَ ابْنَهُ مَعَ آخَرَ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْإِمْهَارِ أَوْ الْإِرْثِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ الْآخَرُ أَنَّهُ ابْنُ شَرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَضْمَنُ الْأَبُ فِي غَيْرِ الْإِرْثِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الِابْنَ فِي نَصِيبِهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ عَبْدٍ إنْ مَلَكَ نِصْفَهُ فَمَلَكَاهُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، لَهُمَا أَنَّهُ أَفْسَدَ نَصِيبَهُ بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ إعْتَاقٌ لَهُ، وَلِهَذَا يُجْتَزَأُ بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَعْتَقْت نَصِيبِي بِخِلَافِ مَا إذَا وِرْثَاهُ لِأَنَّهُ جَبْرِيٌّ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ وَلَهُ أَنَّ الشَّرِيكَ رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ حَيْثُ شَارَكَهُ فِي عِلَّةِ الْعِتْقِ، وَهُوَ مُبَاشَرَةُ أَسْبَابِهِ لِأَنَّ مُبَاشَرَتَهَا إعْتَاقٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا ضَمَانُ إفْسَادٍ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمَا حَتَّى يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ خِلَافًا لِمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ كَالِاسْتِيلَادِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَضَمَانُ الْفَسَادِ يَسْقُطُ بِالرِّضَا كَضَمَانِ الْإِتْلَافِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ ضَمَانَ الْإِتْلَافِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَكَانَ أَقْوَى فَإِذَا سَقَطَ الْأَقْوَى بِهِ فَالْأَضْعَفُ أَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ، وَدَلَالَةُ الرِّضَا مُسَاعِدَةٌ عَلَى الْقَبُولِ، وَهَذَا فِي الشِّرَاءِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِقَبُولِهِمَا فَقَدْ شَارَكَهُ فِي الْعِلَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ، وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ وَأَمْثَالِهِ فَلِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبُولُ أَحَدِهِمَا شَرْطًا لِصِحَّةِ قَبُولِ الْآخَرِ لَكِنَّهُ إذَا وُجِدَ الْقَبُولُ مِنْهُمَا صَارَ قَبُولُهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَصَارَ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً وَاحِدَةً كَمَا قُلْنَا فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْفَرْضَ فِيهَا قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَهُوَ آيَةٌ ثُمَّ إذَا قَرَأَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ صَارَ الْكُلُّ فَرْضًا فَإِذَا صَارَ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً وَقَدْ بَاشَرَهَا فَلَا يَضْمَنُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْآخَرِ إنْ ضَرَبْته فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ يَعْتِقُ نَصِيبُ الْحَالِفِ حَيْثُ يَرْجِعُ الضَّارِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ عِلَّةَ الْعِتْقِ هُنَاكَ قَوْلُهُ فَهُوَ حُرٌّ، وَلَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ الضَّارِبُ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهُ الشَّرْطُ، وَهُوَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ التَّضْمِينُ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ قَالَ الْمَرِيضُ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ فَجُعِلَتْ رَاضِيَةً بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ قُلْنَا حُكْمُ الْقَرَارِ يَثْبُتُ بِشُبْهَةِ الْعُدْوَانِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِتَعْلِيقِهِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهَا الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فِي صِحَّتِهِ فَكَذَا يَسْقُطُ بِشُبْهَةِ الرِّضَا وَوُجِدَ ذَلِكَ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ، وَأَمَّا هَذَا الضَّمَانُ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْعُدْوَانِ، وَهُوَ الْإِتْلَافُ أَوْ الْإِفْسَادُ فَكَذَا لَا يَبْطُلُ إلَّا بِالرِّضَا صَرِيحًا أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الْعِلَّةِ دُونَ الشَّرْطِ، وَلَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكُ عَالِمًا بِأَنَّهُ ابْنُ شَرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ سَبَبَ الرِّضَا يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى سَبَبِهِ لَا عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّهُ مُبْطَنٌ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ شَخْصٍ يَقُولُ لِغَيْرِهِ كُلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ خَاطَبَ الْبَائِعُ الْأَبَ وَالْآخَرَ مَعًا فَقَالَ بِعْتُكُمَا هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَقَبِلَا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِالْهِبَةِ) وَلَا يَضُرُّ الشُّيُوعُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ الْإِرْثِ) قَالَ فِي الْكَافِي بِأَنْ تَزَوَّجَ أَمَةَ ابْنِ عَمِّهِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهَا فَوَرِثَهُ زَوْجُهَا وَابْنُ عَمٍّ لَهُ آخَرُ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَعْتِقُ عَلَى أَبِيهِ، وَلَا يَضْمَنُهُ أَبُوهُ لِشَرِيكِهِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا. اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ صُورَتُهُ امْرَأَةٌ اشْتَرَتْ ابْنَ زَوْجِهَا ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمِّ زَوْجٍ يَكُونُ نِصْفُ الْعَبْدِ لِلزَّوْجِ الَّذِي هُوَ أَبٌ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَالْبَاقِي لِلْأَخِ، وَكَذَا إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ زَوْجٌ وَأَبٌ، وَلَهَا عَبْدٌ هُوَ أَبُو زَوْجِهَا فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ كَانَ الْعَبْدُ مِيرَاثًا نِصْفُهُ لِزَوْجِهَا الَّذِي هُوَ الِابْنُ وَالْبَاقِي لِأَبِي الْمَرْأَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَضْمَنُ الْأَبُ فِي غَيْرِ الْإِرْثِ) أَيْ نِصْفَ قِيمَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ عَبْدٍ إنْ مَلَكَ نِصْفَهُ) قُيِّدَ بِالنِّصْفِ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَاهُ لَا يَعْتِقُ بِشِرَاءِ النِّصْفِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّهُ أَفْسَدَ نَصِيبَهُ بِالْإِعْتَاقِ) أَيْ الِاخْتِيَارِيِّ لِتَرَتُّبِهِ عَلَى الشِّرَاءِ، وَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ، وَشِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ، وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِاتِّحَادِ الْجَامِعِ، وَهُوَ وُقُوعُ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ مُخْتَارًا، وَلَهُ أَنَّ شَرْطَ التَّضْمِينِ مَعَ الْعِتْقِ الِاخْتِيَارِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ بِرِضَا مَنْ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ، وَلَمَّا بَاشَرَ الْعَقْدَ مَعَهُ مُخْتَارًا، وَهُوَ عِلَّةُ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَمَا يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ كَانَ رَاضِيًا بِإِفْسَادِ نَصِيبِ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا أَذِنَ لَهُ بِإِعْتَاقِهِ صَرِيحًا، وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعِلَّةِ فِي قَوْلِهِ شَارَكَهُ فِيمَا هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ عِلَّةُ الْعِلَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ إعْتَاقَهُ يَثْبُتُ اخْتِيَارًا بِالشِّرَاءِ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَّارَةِ إذَا نَوَى بِالشِّرَاءِ عِتْقَهُ عَنْهَا. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وِرْثَاهُ) حَيْثُ لَا يَضْمَنُ الَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ لِلشَّرِيكِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَهَذَا ضَمَانُ إفْسَادٍ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَوْنُهُ رَاضِيًا بِإِعْتَاقِ شَرِيكِهِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ يَصِحُّ وَيَجِبُ الضَّمَانُ فَقَالَ ذَلِكَ فِي ضَمَانِ التَّمَلُّكِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ ضَمَانُ إفْسَادٍ وَبَسْطُهُ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْعِتْقِ ضَمَانَانِ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ، وَلَا يُسْقِطُهُ الرِّضَا بِسَبَبِهِ، وَذَلِكَ ضَمَانُ الِاسْتِيلَادِ فَلَوْ اسْتَوْلَدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لَا يَسْقُطُ ضَمَانُهَا لَهُ، وَمِنْ حُكْمِ ضَمَانِ التَّمَلُّكِ أَيْضًا أَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا ضَمَانَ الِاسْتِيلَادِ ضَمَانَ تَمَلُّكٍ لِأَنَّهُ وُضِعَ الِاسْتِيلَادُ لِطَلَبِ الْوَلَدِ، وَهُوَ يَسْتَدْعِي التَّمَلُّكَ فَأَثْبَتْنَاهُ، وَضَمَانُ إتْلَافٍ، وَهُوَ ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ، وَيُقَالُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ، وَلَيْسَ بِصَوَابٍ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ فِي عِتْقِ الْإِنْسَانِ مَا لَمْ يُمَلِّكْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَتَّى يُثَابُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَفْسُدَ بِهِ نَصِيبُ الشَّرِيكِ فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ ضَمَانُ إتْلَافٍ وَضَمَانُ إفْسَادٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إثْمٌ فِي هَذَا الْإِفْسَادِ نَعَمْ لَوْ قَصَدَ بِعِتْقِهِ قَصْدًا فَاسِدًا أَثِمَ بِهِ أَمَّا وَضْعُ الْعِتْقِ فَلَيْسَ مُقْتَضِيًا لُزُومَهُ ثُمَّ كَوْنُ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ ضَمَانَ إتْلَافٍ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ عُلَمَائِنَا، وَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ اهـ

هَذَا الطَّعَامَ، وَهُوَ طَعَامُ الْآمِرِ، وَالْآمِرُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ طَعَامُهُ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَضْمَنُ لِلْآمِرِ شَيْئًا لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ذَلِكَ لِلْغَاصِبِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرِيكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ ابْنُهُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَبَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُ كُلَّهُ لَا يَضْمَنُ لِبَائِعِهِ) لِأَنَّ الْبَائِعَ شَارَكَهُ فِي الْعِلَّةِ، وَهُوَ الْبَيْعُ، وَهَذَا لِأَنَّ عِلَّةَ دُخُولِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ، وَقَدْ شَارَكَهُ فِيهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا إنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ أَبُوهُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، وَهُوَ مُوسِرٌ لَزِمَهُ الضَّمَانُ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي الْعِلَّةِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الِابْنِ جَارِيَةٌ مُسْتَوْلَدَةٌ بِالنِّكَاحِ فَمَلَكَهَا الزَّوْجُ مَعَ غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ النِّصْفِ لِشَرِيكِهِ كَيْفَمَا كَانَ وَإِنْ كَانَا مَلَكَاهَا بِإِرْثٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَمَانَ أُمِّ الْوَلَدِ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِصُنْعِهِ أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ، وَلِهَذَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ لِمُوسِرَيْنِ دَبَّرَهُ وَاحِدٌ، وَحَرَّرَهُ آخَرُ ضَمَّنَ السَّاكِتُ الْمُدَبِّرَ، وَالْمُدَبِّرُ الْمُعْتَقَ ثُلُثَهُ مُدَبَّرًا لَا مَا ضَمِنَ) أَيْ لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ مُوسِرِينَ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ ثُمَّ أَعْتَقَهُ آخَرُ فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ، وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ الَّذِي ضَمِنَهُ لِلسَّاكِتِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا الْعَبْدُ كُلُّهُ صَارَ مُدَبَّرًا لِلَّذِي دَبَّرَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَإِعْتَاقُ الْمُعْتِقِ بَاطِلٌ، وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ كَالْعِتْقِ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ لِأَنَّ مُوجَبَهُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ، وَلَمَّا كَانَ التَّدْبِيرُ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُ اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِ الْمُدَبِّرِ وَفَسَدَ بِهِ نَصِيبُ الْآخَرَيْنِ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَ دَبَّرَ نَصِيبَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ، وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُدَبِّرَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ قِنًّا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي نَصِيبِهِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَاسِدٌ بِإِفْسَادِ شَرِيكِهِ حَيْثُ سَدَّ عَلَيْهِ طَرِيقَ الِانْتِفَاعِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْعِتْقَ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ، وَبَطَلَ اخْتِيَارُهُ غَيْرَهُ فَتَوَجَّهَ لِلسَّاكِتِ سَبَبَا ضَمَانِ تَدْبِيرِ الْمُدَبِّرِ، وَإِعْتَاقِ هَذَا الْمُعْتِقِ غَيْرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ لِيَكُونَ الضَّمَانُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمَضْمُونَاتِ عِنْدَنَا حَتَّى جَعَلْنَا الْغَصْبَ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَضْمَنُ لِلْآمِرِ شَيْئًا لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ هُوَ بِهَذِهِ الْمُشَارَكَةِ مُبَاشِرٌ سَبَبَ إسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الضَّمَانِ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِعِلْمِهِ وَجَهْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ إذَا أَطْعَمَ الْمَغْصُوبَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَتَنَاوَلَهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الطَّعَامَ طَعَامُهُ لَا يَكُونُ أَنْ يَضْمَنَ الْغَاصِبُ شَيْئًا اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَغْصُوبُ إلَخْ) سَقَطَ مِنْ هُنَا مَسْأَلَةٌ وَهِيَ، وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَهُ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ الْأَبُ مَا بَقِيَ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَبَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ فَلَعَلَّ الشَّارِحَ تَرَكَهَا سَهْوًا، وَقَدْ ذَكَرَهَا القوجحصاري فِي شَرْحِهِ لِلْكَنْزِ، وَشَرَحَ فِيهِ الْخُطْبَةَ، وَالْأَلْفَاظَ الْأَعْجَمِيَّةَ الَّتِي فِي آخِرِ الْكِتَابِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ بَدَأَ الْأَجْنَبِيُّ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ النِّصْفَ الْآخَرَ، وَهُوَ مُوسِرٌ فَالْأَجْنَبِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَبَ قَالَ الْكَمَالُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِفَسَادِ نَصِيبِهِ لِأَنَّ دَلَالَةَ ذَلِكَ مَا كَانَ إلَّا بِقَبُولِهِ الْبَيْعَ مَعَهُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَيَضْمَنُ الْأَبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الشَّرِيكِ لِعَدَمِ مُشَارَكَتِهِ مَعَ الْأَبِ فِيمَا هُوَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ، وَقَدْ اتَّفَقُوا فِي الضَّمَانِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْخِيَارِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَبَ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ لِاحْتِبَاسِ الْمَالِكِيَّةِ عِنْدَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمَّنَهُ الشَّرِيكُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدَ كَالْخِلَافِ فِي عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ) أَيْ، وَهُوَ مُوسِرٌ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَاهُ أَبُوهُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُ كُلَّهُ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى نَصِيبَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يَضْمَنُ لِلسَّاكِتِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَبْدٌ لِمُوسِرَيْنِ) أَيْ لِجَمَاعَةٍ مُوسِرِينَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ، وَحَرَّرَهُ آخَرُ) الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ، وَحَرَّرَهُ بِمَعْنَى ثُمَّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ حَلِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ ضَمَّنَ السَّاكِتُ الْمُدَبِّرَ، وَالْمُدَبِّرُ الْمُعْتِقَ إلَخْ) وَأَرَادَ السَّاكِتُ وَالْمُدَبِّرُ الضَّمَانَ. اهـ. وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَأَرَادُوا بِضَمِيرِ الْجَمْعِ بِسَبِيلِ التَّغْلِيبِ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ لَا يُرِيدُ الضَّمَانَ اهـ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ قِيمَةَ الْعَبْدِ قِنًّا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ شَيْئًا، وَإِذَا ضَمِنَ الثُّلُثَ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ إنْ شَاءَ عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُوسِرٌ حِصَّتَهُ فَضَمَّنَهُ السَّاكِتُ حَيْثُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا، وَلَا يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ الَّذِي ضَمِنَ أَعْنِي ثُلُثَهُ قِنًّا، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ كَالْعِتْقِ إلَخْ) لِأَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِهِ فَكَانَ مُعْتَبَرًا بِهِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِهِ إذْ هُوَ عِتْقٌ مُضَافٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَتَوَجَّهَ لِلسَّاكِتِ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ الثَّالِثُ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ وَلَمْ يُدَبِّرْ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَإِعْتَاقُ هَذَا الْمُعْتِقِ) فَإِنَّهُ تَغَيَّرَ نَصِيبُ الْمُدَبِّرِ وَالسَّاكِتِ حَيْثُ كَانَ لَهُمَا وِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ، وَبَطَلَ ذَلِكَ بِعِتْقِ الْمُعْتِقِ حَيْثُ اسْتَحَقَّ بِهِ الْعَبْدُ خُرُوجَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ أَوْ التَّضْمِينِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ إذْ هُوَ الْأَصْلُ) قَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّ بِهِ يَعْتَدِلُ جَانِبُ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ لَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْمَضْمُونُ لَهُ بَدَلَ مِلْكِهِ وَجَبَ فِي تَحَقُّقِ الْمُعَادَلَةِ أَنْ يَمْلِكَ مُعْطِيهِ، وَهُوَ الضَّامِنُ مَا دَفَعَ لَهُ بَدَلَهُ فَحَيْثُ أَمْكَنَ هَذَا لَا يُعْدَلُ عَنْهُ، وَلِهَذَا كَانَ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ عَلَى أَصْلِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ جَعَلَهُ ضَمَانَ إتْلَافٍ فَإِذَا جُعِلَ

حَتَّى صَحَّحْنَا إقْرَارَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ كَإِقْرَارِهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ، وَكَذَا الْغَاصِبُ إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ عِنْدَهُ وَضَمِنَهُ ثُمَّ عَادَ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبْطُلَ الْقَضَاءُ بِالْقِيمَةِ فِيمَا إذَا غَصَبَ إبْرِيقَ ذَهَبٍ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ بَعْدَمَا انْكَسَرَ الْإِبْرِيقُ ثُمَّ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ الْقِيمَةِ لِأَنَّا نَقُولُ الْغَصْبُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ ضَرُورَةَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ مُعَاوَضَةً فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ، وَأَمْكَنَ ذَلِكَ فِي التَّدْبِيرِ لِكَوْنِهِ قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَقْتَ التَّدْبِيرِ لِكَوْنِهِ قِنًّا عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْإِعْتَاقِ لِأَجْلِ التَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمُدَبِّرُ، ثُمَّ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ مُدَبَّرًا، وَالضَّمَانُ يَتَقَدَّرُ بِقِيمَةِ الْمُتْلَفِ، وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا عَلَى مَا قَالُوا، وَلَا يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ مَا مَلَكَهُ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا، وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ، وَإِنْ ظَهَرَ فِي حَقِّ الِاسْتِسْعَاءِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ السَّاكِتِ فِي حَقِّهِ، وَلِأَنَّ السَّاكِتَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ تَضْمِينَ الْمُعْتِقِ لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُ، وَلَوْ ضَمَّنَ السَّاكِتُ الْمُدَبِّرَ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهُ الْآخَرُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ كَانَ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وُجِدَ بَعْدَ تَمَلُّكِ الْمُدَبِّرِ نَصِيبَ السَّاكِتِ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْمُدَبِّرِ وَالْمُعْتِقِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبِّرِ، وَثُلُثُهُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ عَلَيْهِمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ لِأَنَّ الْمُدَبِّرَ كَانَ لَهُ ثُلُثُ الْعَبْدِ نَصِيبَهُ وَحَصَلَ لَهُ الثُّلُثُ بِالضَّمَانِ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ فَتَمَّ لَهُ الثُّلُثَانِ، وَلِلْمُعْتِقِ الثُّلُثُ الَّذِي كَانَ مِلْكَهُ لَا غَيْرُ، وَلَا يُقَالُ إذَا كَانَ الْمُدَبِّرُ يَمْلِكُ نَصِيبَ السَّاكِتِ بِالضَّمَانِ وَجَبَ أَنْ يَمْلِكَ الْمُعْتِقُ نَصِيبَ الْمُدَبِّرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ الثُّلُثَانِ مِنْ الْوَلَاءِ، وَلِلْمُدَبِّرِ الثُّلُثُ، لِأَنَّا نَقُولُ ضَمَانُ الْمُعْتِقِ نَصِيبَ الْمُدَبِّرِ ضَمَانُ حَيْلُولَةٍ لَا ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ بِسَائِرِ الْأَسْبَابِ فَكَذَا بِالضَّمَانِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ بِخِلَافِ نَصِيبِ السَّاكِتِ حَيْثُ يَمْلِكُهُ الْمُدَبِّرُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ التَّعَدِّي، وَهُوَ وَقْتُ التَّدْبِيرِ، وَنَصِيبُ السَّاكِتِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَافْتَرَقَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّدْبِيرُ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُمَا صَارَ كُلُّهُ مُدَبَّرًا لِلَّذِي دَبَّرَهُ، وَصَارَ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالْقِيمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّمَانُ فِيمَا هُوَ عُدْوَانٌ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ فَفِي الْعِتْقِ وَشُعَبِهِ مِنْ التَّدْبِيرِ وَنَحْوِهِ أَوْلَى. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ) وَالْمُرَابَحَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِذْ كَانَ الْأَصْلُ) أَيْ فِي الضَّمَانِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْإِعْتَاقِ لِأَجْلِ التَّدْبِيرِ) لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ مُكَاتَبٌ أَوْ حُرٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ، وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمُكَاتَبِ بِفَسْخِهِ حَتَّى يَقْبَلَ الِانْتِقَالَ فَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمُدَبِّرُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ مُدَبَّرًا) فَإِنَّ الْمُدَبِّرَ كَانَ مُتَمَكِّنًا قَبْلَ عِتْقِهِ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ وَإِجَارَتِهِ وَإِعَارَتِهِ إلَى مَوْتِهِ فَامْتَنَعَ بِعِتْقِهِ كُلُّ ذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنَى الْإِفْسَادِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَفْسَدَهُ مُدَبَّرًا، وَالْمُدَبَّرُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ حَتَّى لَوْ كَانَ مُدَبَّرُ الشَّرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ مُوسِرٌ ضَمِنَ نَصِيبَ الْآخَرِ مُدَبَّرًا، وَإِنْ لَمْ يَتَمَلَّكْهُ بِالضَّمَانِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا) فَلَوْ كَانَ قِيمَتُهُ قِنًّا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا ضَمِنَ لَهُ سِتَّةَ دَنَانِيرَ لِأَنَّ ثُلُثَيْهَا، وَهِيَ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثَهَا وَهُوَ الْمَضْمُونُ سِتَّةٌ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْكَافِي، وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا لِأَنَّ مَنَافِعَ الْمَمْلُوكِ ثَلَاثٌ الِاسْتِخْدَامُ، وَالِاسْتِرْبَاحُ بِوَاسِطَةِ الْبَيْعِ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَبِالتَّدْبِيرِ بِفَوْتِ الِاسْتِرْبَاحِ، وَيَبْقَى الْآخَرَانِ وَقِيلَ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِعَيْنِ الْمَمْلُوكِ، وَبِبَدَلِهِ أَيْ ثَمَنِهِ، وَبَقِيَ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي، وَإِلَيْهِ مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ فَقَوْلُهُ وَإِلَيْهِ مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَيْ إلَى الْقَوْلِ بِكَوْنِ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا نَقَلَتْهُ عَنْ الْكَمَالِ مِنْ كَوْنِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ مَالَ إلَى أَنَّ قِيمَتَهُ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا فَلْيُتَأَمَّلْ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَقِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ قَدْرُ ثُلُثِ قِيمَتِهَا أَمَةً لِأَنَّ لِلْمَالِكِ فِي مَمْلُوكِهِ ثَلَاثُ مَنَافِعَ الِاسْتِخْدَامُ وَالِاسْتِرْبَاحُ بِالْبَيْعِ وَقَضَاءُ دُيُونِهِ مِنْ مَالِيَّتِهِ بَعْدَهُ فَبِالتَّدْبِيرِ يَنْعَدِمُ أَحَدُ هَذِهِ الْمَعَانِي، وَهُوَ الِاسْتِرْبَاحِ، وَتَبْقَى مَنْفَعَتَانِ، وَبِالِاسْتِيلَادِ تَبْقَى وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الِاسْتِخْدَامُ، وَتَنْعَدِمُ اثْنَتَانِ فَتُوَزَّعُ الْقِيمَةُ عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. اهـ. مُسْتَصْفَى لَمْ يَتَحَرَّرْ لَنَا قِيمَةُ الْمُكَاتَبِ اهـ اق (قَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا) وَقَالَ بَعْضُهُمْ قِيمَتُهُ لَوْ كَانَ قِنًّا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُنْظَرُ بِكَمْ يُسْتَخْدَمُ مُدَّةَ عُمُرِهِ مِنْ حَيْثُ الْحَزْرُ وَالظَّنُّ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قِيمَتُهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا. اهـ. قَاضِي خَانْ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ طَرِيقَتُهُ فِي مِثْلِهِ الْإِشْعَارِ بِالْخِلَافِ فَقِيلَ قِيمَتُهُ قِنًّا، وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ الْقِيَمَ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْمَنَافِعِ الْمُمْكِنَةِ، وَقِيلَ نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْمَمْلُوكِ بِعَيْنِهِ وَبَدَلِهِ، وَفَاتَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ تُقَوَّمُ خِدْمَتُهُ مُدَّةَ عُمُرِهِ حَزْرًا فِيهِ فَمَا بَلَغَتْ فَهِيَ قِيمَتُهُ، وَقِيلَ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْوَطْءِ وَالسِّعَايَةِ وَالْبَدَلِ، وَإِنَّمَا زَالَ الْأَخِيرُ فَقَطْ، وَإِلَيْهِ مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى إلَّا أَنَّ الْوَجْهَ يَخُصُّ الْمُدَبَّرَةَ دُونَ الْمُدَبَّرِ، وَقِيلَ يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ جَوَّزُوا بَيْعَ هَذَا فَاتَتْ الْمَنْفَعَةُ الْمَذْكُورَةُ كَمْ يَبْلُغُ فَمَا ذُكِرَ فَهُوَ قِيمَتُهُ، وَهَذَا حَسَنٌ عِنْدِي، وَأَمَّا قِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ فَثُلُثُ قِيمَةِ الْقِنِّ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالِاسْتِسْعَاءَ قَدْ انْتَفَيَا، وَبَقِيَ مِلْكُ الِاسْتِمْتَاعِ، وَقِيلَ خِدْمَتُهَا مُدَّةَ عُمُرِهَا عَلَى الْحَزْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ مُدَّةَ عُمُرِ أَحَدِهِمَا وَمِنْ مَوْلَاهَا، وَقِيلَ يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ جَوَّزُوا هَذَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ نِصْفُ قِيمَةِ الْقِنِّ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا، وَبَقِيَتْ الرَّقَبَةُ اهـ قَوْلُهُ وَقِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ إلَخْ سَيَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُضَمِّنُهُ) أَيْ الْمُدَبِّرُ الْمُعْتِقَ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ) أَيْ فِي ثُلُثِهِ قِنًّا. اهـ. (قَوْلُهُ ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبِّرِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ) أَيْ، وَهُوَ ثُلُثُهُ قِنًّا. اهـ. فَتْحٌ

فَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْآخَرِ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَا يَخْتَلِفُ هَذَا الضَّمَانُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ حَيْثُ يَخْتَلِفُ بِهِمَا لِأَنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ وَكَذَا ضَمَانُ التَّدْبِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَخْتَلِفُ بِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ الْمُضَارِبُ بِالنِّصْفِ إذَا اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ أَلْفٌ عَبْدَيْنِ، وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ أَعْتَقَهُمَا رَبُّ الْمَالِ عَتَقَا، وَضَمِنَ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَهُوَ ضَمَانُ إعْتَاقٍ، وَمَعَ هَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا قُلْنَا هَذَا ضَمَانُ إعْتَاقٍ هُوَ إفْسَادٌ لَا ضَمَانُ سِرَايَةِ الْفَسَادِ لِأَنَّهُمَا حِينَ أَعْتَقَهُمَا أَفْسَدَ كُلًّا مِنْهُمَا بِالْإِعْتَاقِ لِكَوْنِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ، وَلَا يَظْهَرُ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَا ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يَعْتِقَا، وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فِي التَّضْمِينِ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي سِرَايَةِ الْفَسَادِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْإِفْسَادُ، وَلَا التَّمَلُّكُ، وَلَا الْإِتْلَافُ بِغَيْرِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ هِيَ أُمُّ وَلَدِك، وَأَنْكَرَ تَخْدُمُهُ يَوْمًا، وَتَتَوَقَّفُ يَوْمًا) أَيْ لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ فَزَعَمَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ صَاحِبِهِ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ذَلِكَ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ يَوْمًا، وَتَخْدُمُ الْمُنْكِرَ يَوْمًا، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُنْكِرِ، وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهَا لِلْمُقِرِّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَيْسَ لِلْمُنْكِرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا، وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ثُمَّ تَكُونَ حُرَّةً، وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهَا، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا الْمُنْكِرُ أَوْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيلَادِ عَلَى نَفْسِهِ كَالْمُشْتَرِي إذَا ادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى يُحَالَ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ بِدَعْوَى التَّمَلُّكِ عَلَيْهِ دُونَ السِّعَايَةِ وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لِأَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ بِدَعْوَى انْتِقَالِهَا إلَى شَرِيكِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُنْكِرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ نَفَذَ عَلَى الْمُقِرِّ فَصَارَ كَأَنَّ الْمُقِرَّ اسْتَوْلَدَهَا أَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَسْتَخْدِمُهَا فَكَذَا هَذَا، وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى شَرِيكِهِ بِعِتْقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ فَإِذَا بَطَلَ الِاسْتِخْدَامُ، وَصَارَتْ مَالِيَّتُهَا مَحْبُوسَةً عِنْدَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُ الْغَيْرِ وَجَبَ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِذَلِكَ ثُمَّ تَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُ الْغَيْرِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يُنْكِرُ الِاسْتِيلَادَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَتْ كَأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ فَإِنَّهَا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا، وَتَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ لِتَعَذُّرِ؛ الِاسْتِخْدَامِ وَالِاسْتِدَامَةِ عَلَى مِلْكِهِ ثُمَّ إذَا أَدَّتْ نِصْفَ قِيمَتِهَا إلَى الْمُنْكِرِ عَتَقَ كُلُّهَا لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صُدِّقَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِلْمُنْكِرِ، وَلَوْ كُذِّبَ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْخِدْمَةِ فَثَبَتَ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ، وَهُوَ النِّصْفُ، وَلَا خِدْمَةَ لِلْمُقِرِّ وَلَا اسْتِسْعَاءَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يَتَبَرَّأُ عَنْ ذَلِكَ بِدَعْوَى الِاسْتِيلَادِ مِنْ شَرِيكِهِ وَبِدَعْوَى الضَّمَانِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ) فَأَشْبَهَ الِاسْتِيلَادَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَخْتَلِفُ بِهِمَا) وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُدَبِّرِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهَا مَوْقُوفَةً يَوْمًا أَنْ تُرْفَعَ عَنْهَا الْخِدْمَةُ يَوْمًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُقِرِّ عَلَيْهَا سَبِيلٌ اهـ (قَوْلُهُ وَتَخْدُمُ الْمُنْكِرَ يَوْمًا) يَعْنِي لَيْسَ لَهُمَا غَيْرُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا سَبِيلَ) يَعْنِي لِلْمُقِرِّ بِالِاسْتِيلَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ لَهُمَا أَنَّ الْمُقِرَّ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْ عَلَى شَرِيكِهِ انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا، وَلَا سِعَايَةَ لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ضَمَانَ التَّمَلُّكِ عَلَى شَرِيكِهِ دُونَ السِّعَايَةِ، وَامْتَنَعَتْ الْخِدْمَةُ عَلَى الْمُنْكِرِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ نَفَذَ الِاسْتِيلَادُ عَلَى الْمُقِرِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا، وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا لَا يَكُونُ لِلْمُنْكِرِ الِاسْتِخْدَامُ فَكَذَا هَذَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ، وَمَالِيَّتُهَا مَحْبُوسَةٌ عِنْدَهُمَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُ الْمُقِرِّ لِإِنْكَارِهِ الِاسْتِيلَادَ مِنْ نَفْسِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صُدِّقَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِلْمُنْكِرِ، وَلَوْ كُذِّبَ فَلَهُ نِصْفُهَا، وَكَانَ النِّصْفُ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَأَثْبَتْنَاهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا يَوْمًا، وَتَكُونُ مَوْقُوفَةً يَوْمًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي اسْتِخْدَامِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَمَّا الْمُقِرُّ فَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ الْغَيْرِ، وَأَمَّا الْمُنْكِرُ فَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّ السِّعَايَةَ لِلِاسْتِخْرَاجِ عَنْ الرِّقِّ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الرِّقِّ فِيهَا، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا لِأَنَّ الْمُقِرَّ يَزْعُمُ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ صَاحِبِهِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ الْمِلْكَ فِيهَا إلَى ثُبُوتِهِ، وَالْمُنْكِرُ يَزْعُمُ أَنَّهَا قِنَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا اهـ (قَوْلُهُ إنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صُدِّقَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِلْمُنْكِرِ) لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كُذِّبَ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْخِدْمَةِ) لِأَنَّهَا قِنَّةٌ بَيْنَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا خِدْمَةَ لِلْمُقِرِّ، وَلَا اسْتِسْعَاءَ لَهُ عَلَيْهَا) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا هُوَ أَيْضًا قَوْلُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ قَوْلِهِمَا حَيْثُ قَالَ الشَّارِحُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ بِدَعْوَى التَّمَلُّكِ عَلَيْهِ دُونَ السِّعَايَةِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا إلَخْ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ لَا يَسْتَسْعِيهَا، وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُنْكِرِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ الْخِدْمَةُ دُونَ الِاسْتِسْعَاءِ، وَقَالَا لَهُ الِاسْتِسْعَاءُ دُونَ الْخِدْمَةِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ ك قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْمُخْتَلَفِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمُنْكِرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِي النَّفَقَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ نِصْفُ كَسْبِهَا لِلْمُنْكِرِ، وَنِصْفُهُ مَوْقُوفٌ، وَنَفَقَتُهَا مِنْ كَسْبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسْبٌ فَنِصْفُ نَفَقَتِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ لِأَنَّ نِصْفَ الْجَارِيَةِ لِلْمُنْكِرِ، وَهَذَا اللَّائِقُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا خِدْمَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا احْتِبَاسَ وَأَمَّا جِنَايَتُهَا فَتَسْعَى فِيهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَالْمُكَاتَبِ وَتَأْخُذُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهَا لِتَسْتَعِينَ بِهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ جِنَايَتُهَا مَوْقُوفَةٌ إلَى تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَتَبَرَّأُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِسْعَاءِ اهـ

وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُقِرُّ كَالْمُسْتَوْلِدِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ، وَذَلِكَ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَكَذَا هَذَا فَيَكُونُ إقْرَارُهُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُنْكِرِ أَيْضًا لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ مِلْكِهِ مُمْكِنٌ بِأَنْ تَخْدُمَهُ يَوْمًا، وَيَوْمًا لَا، وَلَا يُصَارُ إلَى السِّعَايَةِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِدَامَةِ بِخِلَافِ أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِيهَا فَتَعَيَّنَتْ السِّعَايَةُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِعِتْقِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ لِلْمُنْكِرِ بِشَيْءٍ مِنْ الْخِدْمَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ اسْتِدَامَتُهُ عَلَى مِلْكِهِ فَوَجَبَتْ السِّعَايَةُ عَلَيْهِ لِلتَّعَذُّرِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُنْكِرُ عَتَقَتْ لِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ أَنَّهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ثُمَّ تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِوَرَثَةِ الْمُنْكِرِ، وَلَوْ جَنَتْ أَوْ جُنِيَ عَلَيْهَا كَانَ النِّصْفُ مَوْقُوفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالنِّصْفُ عَلَى الْجَاحِدِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا، وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ كَالْمُكَاتَبَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ النِّصْفُ عَلَى الْمُنْكِرِ، وَأَدَّتْ النِّصْفَ لِأَنَّهُ فِي مَالِ سَيِّدِهَا، وَكَسْبُهَا مَالُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا لِأُمِّ وَلَدٍ تَقَوُّمٌ) أَيْ لَيْسَ لَهَا قِيمَةٌ، وَقَالَا لَهَا قِيمَةٌ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مُحْرَزَةٌ مُنْتَفَعٌ بِهَا وَطْءً وَإِجَارَةً وَاسْتِخْدَامًا فَتَكُونُ مُتَقَوِّمَةً كَالْمُدَبَّرِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ تَدْخُلُ أُمُّ الْوَلَدِ فِيهِ، وَاسْتِبَاحَةُ الْوَطْءِ دَلِيلُ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالنِّكَاحِ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ آيَةُ بَقَاءِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ إذْ الْمَمْلُوكِيَّةُ فِي الْآدَمِيِّ لَيْسَتْ غَيْرَ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يُنَافِي التَّقَوُّمَ كَالْمُدَبَّرِ، وَلِهَذَا إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تَسْعَى، وَهِيَ آيَةُ التَّقَوُّمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَضِيَّتُهُ الْحُرِّيَّةُ وَزَوَالُ التَّقَوُّمِ لَكِنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ الْحُرِّيَّةِ لِمُعَارِضٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» أَوْ قَالَ مِنْ بَعْدِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِي زَوَالِ التَّقَوُّمِ فَيَثْبُتُ، وَلِأَنَّ التَّقَوُّمَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يُتَقَوَّمُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْآدَمِيَّ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ خُلِقَ لِيَمْلِكَ لَا لِيَصِيرَ مَالًا مَمْلُوكًا، وَلَكِنْ مَتَى أُحْرِزَ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ صَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا، وَيَثْبُتُ بِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ تَبَعًا فَإِذَا حَصَّنَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ظَهَرَ أَنَّ إحْرَازَهَا كَانَ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ وَالنَّسَبِ لَا لِلتَّمَوُّلِ فَكَانَتْ مُحْرَزَةً إحْرَازَ الْمَنْكُوحَاتِ فَلَا تَتَقَوَّمُ وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ يَنْفَصِلُ عَنْ التَّقَوُّمِ كَالْمَنْكُوحَةِ، وَلِهَذَا لَمْ تُبَعْ فِي دَيْنِ الْمَوْلَى، وَلِأَنَّ سَبَبَ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا قَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَالِ لِأَنَّ إضَافَةَ الْوَلَدِ عَلَى الْكَمَالِ آيَةُ اتِّحَادِ النَّفْسَيْنِ فَصَارَتْ كَنَفْسِهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ عُمَرُ بِقَوْلِهِ وَكَيْفَ تَبِيعُوهُنَّ وَقَدْ اخْتَلَطَتْ لُحُومُهُنَّ بِلُحُومِكُمْ، وَدِمَاؤُهُنَّ بِدِمَائِكُمْ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَذَلِكَ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ) فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُقِرُّ كَالْمُسْتَوْلِدِ بِنَفْسِهِ حُكْمًا نَعَمْ يُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ يُؤَاخَذَ بِإِقْرَارِهِ فَيَمْتَنِعُ اسْتِخْدَامُهُ وَاسْتِسْعَاؤُهُ، وَقَدْ قُلْنَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْرِي قَوْلُهُ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ فَيُبْقِي حَقُّهُ عَلَى مَا كَانَ، وَعِتْقُ الْعَبْدِ لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ هَذَا لَا إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا مِنْ الِانْقِلَابِ، وَحَاصِلُهُ مَنْعُ الِانْقِلَابِ، وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُنْكِرِ) لِأَنَّ الْمُقِرَّ إنْ كَانَ صَادِقًا كَانَ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهِيَ قِنَّةٌ بَيْنَهُمَا فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا بِحَالٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ لِلْمُنْكِرِ بِشَيْءٍ مِنْ الْخِدْمَةِ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا خِدْمَةَ لَهُ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَلَهُ نِصْفُ الْخِدْمَةِ فَنِصْفُ الْخِدْمَةِ ثَابِتٌ لَهُ عَلَى تَقْدِيرٍ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مُحَرَّرَةٌ مُنْتَفَعٌ بِهَا وَطْءً وَإِجَارَةً وَاسْتِخْدَامًا) أَيْ، وَكَذَا يَمْلِكُ كَسْبَهَا انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يُنَافِي التَّقَوُّمَ) إذَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِحْقَاقٍ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْإِبْطَالُ بِالْبَيْعِ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّقَوُّمِ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ وَلِهَذَا إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تَسْعَى، وَهِيَ آيَةُ التَّقَوُّمِ) قَالَ الْكَمَالُ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَتْ، وَهَذَا هُوَ دَلَالَةُ التَّقَوُّمِ، وَالْفَائِتُ لَيْسَ إلَّا مُكْنَةَ الْبَيْعِ، وَهُوَ لَا يَنْفِي التَّقَوُّمَ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ، وَالْآبِقِ، وَامْتِنَاعُ سِعَايَتِهَا لِغُرَمَاءِ الْمَوْلَى أَوْ لِوَرَثَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهَا مَثَلًا لِأَنَّهَا مَصْرُوفَةٌ إلَى حَاجَتِهِ كَيْ يَضِيعَ نَسَبُهُ وَمَاؤُهُ، وَهَذَا مَانِعٌ يَخُصُّهَا لَا يُوجَدُ فِي الْمُدَبَّرِ فَلِذَا افْتَرَقَا فِي السِّعَايَةِ وَعَدَمِهَا، وَهَذَا أَيْ الِانْتِفَاعُ الْمُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ دَلَالَةُ التَّقَوُّمِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَا تَكُونُ إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِيهَا لِعَدَمِ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَالْإِجَارَةِ، وَلَا زِيَادَةَ بَعْدَ هَذَا إلَّا بِثُبُوتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ سَعَتْ لَهُ، وَهَذَا آيَةُ التَّقَوُّمِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ بَيْنَ أُمِّ وَلَدِ الْمُسْلِمِ وَبَيْنَ أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَإِذَا ثَبَتَ التَّقَوُّمُ فِي إحْدَاهُمَا ثَبَتَ فِي الْأُخْرَى، وَكَذَا وَلَدُ الْمَغْرُورِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنَّ الْمَغْرُورَ يَضْمَنُ قِيمَةَ وَلَدِهِ مِنْهَا عِنْدَهُ انْتَهَى، وَقَوْلُهُ وَهِيَ آيَةُ التَّقَوُّمِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ غَيْرَ أَنَّ قِيمَتَهَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً عَلَى مَا قَالُوا قَالَ الْكَمَالُ لِفَوَاتِ مَنْفَعَتَيْنِ مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ وَالسِّعَايَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْبَاقِي مَنْفَعَةٌ مِنْ ثَلَاثِ فَحِصَّتُهَا ثُلُثُ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّ الْفَائِتَ مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَيُسْتَخْدَمُ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ قِنًّا، وَقَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا يُفِيدُ الْخِلَافَ، وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ الْكَمَالُ الْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ اللَّوَازِمِ إنَّمَا هِيَ لَوَازِمُ الْمِلْكِ بَعْضُهَا أَعَمُّ مِنْهُ تَثْبُتُ مَعَ غَيْرِهِ كَالْوَطْءِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْوَطْءَ يَثْبُتُ، وَلَا مِلْكَ لَهُ فِي الْمَنْكُوحَةِ وَالِاسْتِخْدَامَ وَالْإِجَارَةَ بِالْإِجَارَةِ، وَاللَّازِمُ الْخَاصُّ هُوَ مِلْكُ الْكَسْبِ، وَلَا كَلَامَ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ إنَّمَا الْكَلَامُ فِي التَّقَوُّمِ وَالْمَالِيَّةِ، وَالتَّقَوُّمُ يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ حَتَّى لَا يَكُونُ الْعَبْدُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا بِالْمِلْكِ، وَإِنْ ثَبَتَ مَعَهُ وَالْآدَمِيُّ وَإِنْ صَارَ مَالًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ مَالًا لِأَنَّهُ خُلِقَ لَأَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَالِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ إذَا أُحْرِزَ لِلتَّمَوُّلِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَحْرَزَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا كَانَ إحْرَازُهُ لَهَا لِلنَّسَبِ لَا لِلتَّمَوُّلِ، وَإِنْ كَانَ أَوَّلُ تَمَلُّكِهَا كَانَ لِلتَّمَوُّلِ لَكِنْ عِنْدَمَا اسْتَوْلَدَهَا تُحَوَّلُ صِفَتُهَا عَنْ الْمَالِيَّةِ إلَى مِلْكٍ مُجَرَّدٍ عَنْهَا فَصَارَتْ مُحْرَزَةً لِمَا ذَكَرْنَا انْتَهَى (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ الْحُرِّيَّةِ إجْمَاعًا) وَلَا إجْمَاعَ فِي زَوَالِ التَّقَوُّمِ فَيَثْبُتُ انْتَهَى كَافِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَتْ مُحَرَّزَةً إحْرَازَ الْمَنْكُوحَاتِ) أَيْ لَا إحْرَازَ الْمَمْلُوكَاتِ فَصَارَ كَأَنَّ الْإِحْرَازَ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا فِي الْمَالِيَّةِ انْتَهَى كَافِي

عَمَلُ هَذَا السَّبَبِ فِي الْحَالِ فِي إفَادَةِ حَقِيقَةِ الْعِتْقِ ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا إذْ قَصْدُهُ اسْتِفْرَاشُهَا إلَى الْمَمَاتِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ سُقُوطِ التَّقَوُّمِ فَإِذَا مَاتَ اسْتَغْنَى عَنْهَا فَظَهَرَتْ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ، وَقَبْلَهُ الْحَاجَةُ بَاقِيَةٌ فَلَمْ يَظْهَرْ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ يَنْعَقِدَ السَّبَبُ بَعْدَ الْمَوْتِ إذْ التَّعْلِيقَاتُ لَيْسَتْ بِأَسْبَابٍ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ أَسْبَابًا عِنْدَ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا قَضَيْنَا بِانْعِقَادِ السَّبَبِ فِي الْحَالِ ضَرُورَةً عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَظَهَرَ أَثَرُ الِانْعِقَادِ فِي حُرْمَةِ الْبَيْعِ خَاصَّةً، وَالنَّصْرَانِيُّ يَعْتَقِدُ تَقَوُّمَهَا، وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِ وَمَا يَدِينُ كَبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَلِأَنَّا حَكَمْنَا بِتَكَاتُبِهَا عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا، وَوُجُوبُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّقَوُّمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَا يَضْمَنُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِإِعْتَاقِهَا) يَعْنِي إذَا كَانَتْ أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ، وَلَا يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ لِلسَّاكِتِ شَيْئًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ أَمْ لَا، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَذْهَبَيْنِ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ عِدَّةُ مَسَائِلَ مِنْهَا إذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ، وَمِنْهَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا يَعْتِقُ، وَلَا يَسْعَى لِلْحَيِّ فِي شَيْءٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لَهُ، وَمِنْهَا إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَصَارَتْ كُلُّهَا لَهُ، وَلَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا، وَمِنْهَا إذَا بَاعَ جَارِيَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَاتَتْ الْجَارِيَةُ، وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْوَلَدَ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَيَأْخُذُ الْوَلَدَ، وَيَرُدُّ الثَّمَنَ كُلَّهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ، وَلَا يَرُدَّ حِصَّةَ الْأُمِّ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَالنِّهَايَةِ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَعَتَقَ، وَلَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ الْوَلَدِ عِنْدَهُ لِأَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ كَأُمِّهِ فَلَا يَكُونُ مُتَقَوِّمًا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَيَسْعَى لَهُ الْوَلَدُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ السَّبَبَ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ فِي الْقِنَّةِ فَضْلًا أَنْ تَكُونَ أُمُّ وَلَدٍ قَبْلَهُ حَتَّى قَالَ لَا تَغْرَمُ قِيمَةَ وَلَدِهَا، وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ سُقُوطُ الضَّمَانِ لِأَجْلِ أَنَّهُ كَأُمِّهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ، وَهُوَ حُرُّ الْأَصْلِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الدَّعْوَى إعْتَاقٌ كَانَ مُسْتَقِيمًا، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الرُّقَيَّاتِ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى نَحْوِ مَا يُضْمَنُ بِهِ الصَّبِيُّ الْحُرُّ حَتَّى لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَوْ قَرَّبَهَا إلَى مَسْبَعَةٍ فَافْتَرَسَهَا السَّبْعُ يَضْمَنُ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ، وَلِهَذَا يُضْمَنُ الصَّبِيُّ الْحُرُّ بِمِثْلِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَهُ أَعْبُدٌ قَالَ لِاثْنَيْنِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَخَرَجَ وَاحِدٌ، وَدَخَلَ آخَرُ، وَكَرَّرَ، وَمَاتَ بِلَا بَيَانٍ عَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ، وَنِصْفُ كُلٍّ مِنْ الْآخَرَيْنِ) أَيْ رَجُلٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرُّ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا، وَدَخَلَ آخَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَمَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ عَتَقَ مَنْ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى ثَابِتًا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَنِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ، وَهُوَ الْخَارِجُ وَالدَّاخِلُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ كَذَلِكَ إلَّا فِي الدَّاخِلِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ رُبُعُهُ أَمَّا الْخَارِجُ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ أَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الثَّابِتِ وَالْخَارِجِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا، وَالْإِيجَابُ الثَّانِي كَذَلِكَ، وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الثَّابِتِ وَالدَّاخِلِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَفَادَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ نِصْفًا فَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالنَّصْرَانِيُّ يَعْتَقِدُ تَقَوُّمَهَا) أَيْ وَجَوَازَ بَيْعِهَا انْتَهَى (قَوْلُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا) لِأَنَّ فِي إبْقَائِهَا فِي مِلْكِ الْكَافِرِ إضْرَارًا بِهَا، وَإِبْطَالُ حَقِّ النَّصْرَانِيِّ مَجَّانًا إضْرَارٌ بِهِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا كَانَتْ أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا) أَيْ، وَهُوَ مُوسِرٌ انْتَهَى هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَضْمَنُ) أَيْ نِصْفَ قِيمَتِهَا انْتَهَى هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا) وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَتْ لِلسَّاكِتِ فِيهِ انْتَهَى كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ) أَيْ يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَيَسْعَى لَهُ) أَيْ لِلشَّرِيكِ انْتَهَى (قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ) وَكَمَا لَوْ قَتَلَهَا حَيْثُ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَهُ أَعْبُدٌ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا أَيْضًا مِنْ عِتْقِ الْبَعْضِ غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ بَعْضُ الْوَاحِدِ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي بَعْضِ الْمُتَعَدِّدِ فَنَزَلَ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْكُلِّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي عِتْقِ بَعْضِ مَا هُوَ بَعْضٌ لِهَذَا، وَهُوَ الْوَاحِدُ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ) وَذَلِكَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ إلَخْ فَمَا دَامَ حَيًّا يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ انْتَهَى فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يُبَيِّنَ الْعِتْقَ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَالثَّانِي أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى قَبْلَ بَيَانِهِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْبَيَانِ، وَحُكْمُ هَذَا الْقَوْلِ إذَا وَقَعَ مِنْهُ أَنْ يُؤْمَرَ الْمَوْلَى بِالْبَيَانِ، وَلِلْعَبْدِ مُخَاصَمَتُهُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا بَيَّنَ الْعِتْقَ فِي الثَّابِتِ، وَهُوَ الْعَبْدُ لَمْ يَخْرُجْ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عِتْقٌ، وَبَطَلَ الْكَلَامُ الثَّانِي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ إنْشَاءً فِي الْمُبْهَمِ الدَّائِرِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَحَلًّا لِحُكْمِهِ، وَالْحُرُّ لَيْسَ كَذَلِكَ فَبَطَلَ إنْشَائِيَّتُهُ، وَصَارَ أَحَدُهُمَا حُرٌّ، وَهُوَ الثَّابِتُ فَلَا يُفِيدُ فِي الْخَارِجِ عِتْقًا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى ثَابِتًا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاسْتَشْكَلَ قَوْلُهُمَا يَعْتِقُ النِّصْفُ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ مَعَ قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ تَجْزِئِ الْإِعْتَاقِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُمَا بِعَدَمِ تَجْزِيهِ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلٍّ مَعْلُومٍ أَمَّا إذَا كَانَ إنَّمَا هُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ بِالضَّرُورَةِ، وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِانْقِسَامِهِ انْقَسَمَ ضَرُورَةً، وَالْحَاصِلُ عَدَمُ التَّجْزِيءِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَالِانْقِسَامُ هُنَا ضَرُورِيٌّ، وَرَدَّهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ بِمَنْعِ ضَرُورَةِ الِانْقِسَامِ لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَتَقَ مِنْهُ الْبَعْضُ الَّذِي ذُكِرَ لَا يُقَرُّ فِي الرِّقِّ بَلْ يَسْعَى فِي بَاقِيهِ حَتَّى يُخَلَّصَ كُلُّهُ حُرًّا فَيُمْكِنَ أَنْ نَقُولَ يَعْتِقُ جَمِيعُ كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَسْعَى فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ انْتَهَى

مَا أَصَابَهُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي، وَهُوَ النِّصْفُ شَائِعًا فِي نِصْفَيْهِ فَمَا أَصَابَ الْمُسْتَحَقَّ بِالْأَوَّلِ لَغَا، وَمَا أَصَابَ الْفَارِغَ ثَبَتَ فَحَصَلَ لَهُ الرُّبُعُ فَتَمَّ لَهُ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالثَّانِي هُوَ يَعْتِقُ نِصْفُهُ، وَإِنْ أُرِيدَ الدَّاخِلُ فَلَا يَعْتِقُ فَيَتَنَصَّفُ فَحَصَلَ لَهُ الرُّبُعُ بِالثَّانِي، وَبِالْأَوَّلِ النِّصْفُ، وَأَمَّا الدَّاخِلُ فَمُحَمَّدٌ يَقُولُ إنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِي دَائِرٌ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلُ الْخَارِجُ صَحَّ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِكَوْنِهِ دَائِرًا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ فَأَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الثَّابِتُ بَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِكَوْنِهِ دَائِرًا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَدَارَ بَيْنَ أَنْ يُوجِبَ وَأَنْ لَا يُوجِبَ فَيَتَنَصَّفَ فَيَعْتِقَ نِصْفُ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَيُصِيبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبُعَ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ فَقَالَ لِثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَخَرَجَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، وَدَخَلَتْ الْأُخْرَى فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ سَقَطَ مِنْ مَهْرِ الْخَارِجَةِ رُبُعُهُ، وَمِنْ مَهْرِ الثَّابِتَةِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهِ، وَمِنْ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ ثُمُنَهُ، وَالثُّمُنُ فِي الطَّلَاقِ كَالرُّبُعِ فِي الْعَتَاقِ لِأَنَّ كُلَّ السَّاقِطِ فِيهِ النِّصْفُ كَمَا أَنَّ كُلَّ الْوَاجِبِ هُنَاكَ الرَّقَبَةُ، وَلَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِي صَحِيحٌ فِي حَقِّ الدَّاخِلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ تَنَاوَلَ الْمُبْهَمَ مِنْهُمَا فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَلَّقِ بِالْبَيَانِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَلِهَذَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِمَا بِأَنْ قَطَعَ وَاحِدٌ أَيْدِيَهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَرْشُ الْعَبِيدِ وَإِذَا صَحَّ الْكَلَامُ الثَّانِي فِي حَقِّ الدَّاخِلِ كَانَ الْكَلَامُ الثَّانِي فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ الْخَارِجِ فَيَعْتِقُ نِصْفُهُ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ رُبُعُهُ بِالْكَلَامِ الثَّانِي لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ تَنْجِيزٌ فِي حَقِّهِ حَتَّى تَثْبُتُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْبَيَانِ، وَيَتَعَيَّنُ لِلْعِتْقِ إذَا زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ بِالْمَوْتِ أَوْ بِالْإِخْرَاجِ عَنْ الْمِلْكِ، وَيَشِيعُ الْعِتْقُ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلُ بِالْبَيَانِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُكُمَا حُرٌّ نَكِرَةٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَاعْتُبِرَ الْعِتْقُ وَاقِعًا فِي حَقِّهِمَا وَلَمْ يُعْتَبَرْ تَعْلِيقًا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْأَوَّلِ الْخَارِجُ صَحَّ الْكَلَامُ الثَّانِي، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الثَّابِتُ لَمْ يَصِحَّ فَتَرَدَّدَ الْكَلَامُ الثَّانِي بَيْنَ الصِّحَّةِ وَعَدَمِهِ فِي حَقِّهِ فَيَتَنَصَّفُ فَيَعْتِقُ رُبُعُهُ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الطَّلَاقِ فَقِيلَ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَهْرِهَا، وَيَسْقُطُ الرُّبُعُ، وَلَئِنْ كَانَ قَوْلَ الْكُلِّ فَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ تَعْلِيقًا فِي حَقِّ الدَّاخِلِ فِي حَقِّ حُكْمٍ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَأَمَّا فِي حَقِّ حُكْمٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ يَكُونُ تَنْجِيزًا فِي حَقِّهِ أَيْضًا فَالْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَهْرِ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَيَثْبُتُ التَّرَدُّدُ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي بَيْنَ الصِّحَّةِ وَعَدَمِهِ فِي حَقِّهِ فَيَتَنَصَّفُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَلَا يَكُونُ الْكَلَامُ الثَّانِي مُتَرَدِّدًا فِي حَقِّهِ فَيَثْبُتُ كُلُّهُ أَوْ يَقُولُ هُوَ مُعْتَقُ الْبَعْضِ، وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُكَاتَبٌ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَلَامِ الثَّانِي، وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُفَ فِيهِ هُنَا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَلِهَذَا يَسْعَى عِنْدَهُمَا أَيْضًا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِجُزْءٍ مِنْهُ فَيَتَرَدَّدُ الْكَلَامُ الثَّانِي بَيْنَ الصِّحَّةِ وَعَدَمِهِ فَيَصِحُّ إذَا أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الْخَارِجَةَ، وَإِلَّا فَلَا فَيُبَرَّآنِ عَنْ نِصْفِ النِّصْفِ فَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ فِي الْمَرَضِ قُسِّمَ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا) يَعْنِي لَوْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ قُسِّمَ الثُّلُثُ عَلَى قَدْرِ مَا يُصِيبُهُمْ مِنْ سِهَامِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ، وَلَا مَزِيدَ لَهَا عَلَى الثُّلُثِ فَتُرَدُّ إلَى الثُّلُثِ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنَّك تَنْظُرُ إلَى مَخْرَجِ أَقَلِّ جُزْءٍ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَمَا أَصَابَ الْمُسْتَحَقَّ) أَيْ النِّصْفَ الْمُعْتِقَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَمَا أَصَابَ الْفَارِغَ) أَيْ مِنْ الْعِتْقِ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَحَصَلَ لَهُ الرُّبُعُ) فَإِنْ قِيلَ يَجِبُ أَنْ يَتَعَيَّنَ النِّصْفُ الْفَارِغُ تَصْحِيحًا لِلتَّصَرُّفِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الصَّرْفِ وَغَيْرِهِ قُلْنَا إنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ ثَبَتَ قَصْدًا أَمَّا إذَا ثَبَتَ ضِمْنًا فَلَا انْتَهَى كَافِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالثَّانِي) أَيْ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي انْتَهَى (قَوْلُهُ وَإِنْ أُرِيدَ الدَّاخِلُ فَلَا يَعْتِقُ) فَإِذَنْ يَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ نِصْفُهُ الْبَاقِي فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَمُحَمَّدٌ يَقُولُ إنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِي دَائِرٌ) أَيْ بَيْنَ الثَّابِتِ وَالدَّاخِلِ، وَقَدْ أَصَابَ مِنْهُ الرُّبُعَ الثَّابِتَ بِالْإِنْفَاقِ فَيَنْبَغِي أَنَّ نَصِيبَ الدَّاخِلِ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِي دَائِرٌ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ بَعْضُهُ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ) أَيْ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ انْتَهَى (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ دَائِرًا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ، وَلِحُرٍّ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَيَلْغُوَا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِي صَحِيحٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِي لَوْ أُرِيدَ بِهِ الدَّاخِلُ عَتَقَ، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الثَّابِتُ يَعْتِقُ الْبَاقِي مِنْهُ، وَلَا يَعْتِقُ الدَّاخِلُ فَإِذَنْ عَتَقَ الدَّاخِلُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيُنَصَّفُ الْعِتْقُ بَيْنَهُمَا فَعَتَقَ نِصْفُ الدَّاخِلِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ النِّصْفُ الْبَاقِي مِنْ الثَّابِتِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ النِّصْفَ الَّذِي أَصَابَهُ شَاعَ فِي نِصْفَيْهِ فَمَا أَصَابَ النِّصْفَ الْمُعْتَقَ لَغَا، وَمَا أَصَابَ النِّصْفَ الْبَاقِي صَحَّ فَتُنَصَّفُ النِّصْفُ، وَنِصْفُ النِّصْفِ الرُّبُعِ (قَوْلُهُ إذَا زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ بِالْمَوْتِ) أَيْ بِمَوْتِ الْخَارِجِ انْتَهَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ فِي الْمَرَضِ قُسِّمَ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا) أَيْ سِهَامِ الْعِتْقِ، وَهِيَ سَبْعَةٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ يَعْنِي لَوْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ إلَخْ) فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُخْرَجُ قَدْرُ الْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ كَذَلِكَ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ انْتَهَى رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ) أَيْ فَنَقُولُ حَقُّ الْخَارِجِ فِي النِّصْفِ، وَحَقُّ الثَّابِتِ فِي ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ، وَحَقُّ الدَّاخِلِ عِنْدَهُمَا فِي النِّصْفِ أَيْضًا فَنَحْتَاجُ إلَى مَخْرَجٍ لَهُ نِصْفٌ وَرُبُعٌ، وَأَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ فَحَقُّ الْخَارِجِ فِي سَهْمَيْنِ، وَحَقُّ الثَّابِتِ فِي ثَلَاثَةٍ، وَحَقُّ الدَّاخِلِ فِي سَهْمَيْنِ فَبَلَغَتْ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً فَنَجْعَلُ ثُلُثَ الْمَالِ سَبْعَةً فَإِذَا صَارَ ثُلُثُ الْمَالِ سَبْعَةً صَارَ ثُلُثَا الْمَالِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَهِيَ سِهَامُ السِّعَايَةِ، وَسِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةٌ، وَيَصِيرُ كُلُّ عَبْدٍ سَبْعَةً فَيَعْتِقُ مِنْ الْخَارِجِ سَهْمَانِ، وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ، وَيَعْتِقُ مِنْ الدَّاخِلِ سَهْمَانِ، وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ، وَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ، وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ فَبَلَغَتْ سِهَامُ الْوَصَايَا سَبْعَةً، وَسِهَامُ السِّعَايَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ حَقُّ الدَّاخِلِ فِي سَهْمٍ فَكَانَ سِهَامُ الْوَصَايَا سِتَّةً، وَكُلُّ رَقَبَةٍ سِتَّةً، وَسِهَامُ السِّعَايَةِ اثْنَيْ عَشَرَ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ، وَيَسْعَى فِي ثَلَاثَةٍ، وَمِنْ الْخَارِجِ سَهْمَانِ، وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ، وَمِنْ الدَّاخِلِ سَهْمٌ، وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ انْتَهَى رَازِيٌّ.

سِهَامِهِمْ، وَهُوَ الرُّبُعُ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَلِلثَّابِتِ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ مِنْهَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرِينَ جُزْءَانِ فَبَلَغَ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ عَلَيْهَا فَيَسْقُطُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ السِّعَايَةِ قَدْرُ مَا أَصَابَ سَهْمَهُ مِثَالَهُ لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِيمَتُهُ سَبْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ كَانَ جَمِيعُ مَالِهِ أَلْفَيْنِ وَمِائَةً، وَثُلُثُهُ سَبْعَمِائَةٍ فَإِذَا قَسَّمْت الثُّلُثَ عَلَى سَبْعَةٍ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِائَةٌ فَمَنْ كَانَ لَهُ سَهْمَانِ سَقَطَ عَنْهُ مَا أَصَابَهُمَا، وَهُوَ مِائَتَانِ، وَهُوَ الدَّاخِلُ وَالْخَارِجُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ سَقَطَ عَنْهُ ثَلَاثُمِائَةٍ قَدْرُ مَا أَصَابَ سِهَامَهُ، وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ فَيَسْعَى الْخَارِجُ فِي خَمْسِمِائَةٍ، وَكَذَا الدَّاخِلُ، وَالثَّابِتُ يَسْعَى فِي أَرْبَعِمِائَةٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُجْعَلُ الثُّلُثُ أَسْدَاسًا لِأَجْلِ أَنَّ الدَّاخِلَ لَا يَسْتَحِقُّ سِوَى الرُّبُعَ عِنْدَهُ فَنَقَصَ سَهْمُهُ لِذَلِكَ، وَبَاقِي الْعَمَلِ مَا ذَكَرْنَاهُ هَذَا إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى بِالْحَيَاةِ أُجْبِرَ عَلَى الْبَيَانِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى، وَالثَّانِي أَنْ تَمُوتَ الْعَبِيدُ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونُوا بِالْحَيَاةِ فَالْأَوَّلُ قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ، وَالثَّانِي نَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ، وَالثَّالِثُ حُكْمُهُ أَنْ يُجْبَرَ الْمَوْلَى عَلَى الْبَيَانِ مَا دَامَ حَيًّا لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبْهِمُ فَإِنْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَقَالَ عَنَيْت بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ، وَصَحَّ الْكَلَامُ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَبْقَى دَائِرًا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ فَيُؤْمَرُ بِبَيَانِهِ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الثَّابِتَ عَتَقَ، وَبَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فَيَكُونُ مُخْبِرًا صَادِقًا فِي قَوْلِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَإِنْ قِيلَ الْعِتْقُ الْمُبْهَمُ يَتَعَلَّقُ بِشَرْطِ الْبَيَانِ، وَلِهَذَا كَانَ لِلْبَيَانِ حُكْمُ الْإِنْشَاءِ حَتَّى كَانَ لَهُ اسْتِخْدَامُهُمَا قَبْلَهُ، وَحَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْعِدَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَوْ كَانَ الْإِبْهَامُ فِي الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ دَائِرًا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ قُلْنَا الْعِتْقُ الْمُبْهَمُ، وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِشَرْطِ الْبَيَانِ إنْشَاءً مِنْ وَجْهٍ إظْهَارً مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُكُمَا لَا يَتَنَاوَلُ الْمُعَيَّنَ، وَبَعْدَ الْبَيَانِ يَصِيرُ وَاقِعًا فِي الْمُعَيَّنِ فَكَانَ الْبَيَانُ إنْشَاءً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا خَاصَمَهُ الْعَبِيدُ كَانَ إظْهَارًا لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْشَاءِ فَبِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ إنْشَاءً صَحَّ الْكَلَامُ الثَّانِي، وَعَتَقَ بِهِ الدَّاخِلُ وَبِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ إظْهَارًا لَا يَصِحُّ الْإِيجَابُ الثَّانِي فَلَا يَعْتِقُ، وَالْعِتْقُ فِي الدَّاخِلِ غَيْرُ ثَابِتٍ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي فَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الدَّاخِلَ عَتَقَ، وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَيَعْتِقُ مَنْ يُبَيِّنُهُ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتِقَ الدَّاخِلُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُبَيِّنَ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ فِي الثَّابِتِ فَيَكُونُ الْكَلَامُ الثَّانِي دَائِرًا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَيَكُونُ بَاطِلًا قُلْنَا الْكَلَامُ الْأَوَّلُ مُبْهَمٌ إذَا لَمْ يُصَادِفْ الْمُعَيَّنَ مِنْهُمَا فَهُوَ كَالْمُعَلَّقِ بِالْبَيَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَمْ يَتَّصِلْ بِالْمَحَلِّ فَكَانَ الْكَلَامُ الثَّانِي صَحِيحًا لِكَوْنِهِ دَائِرًا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا صَحَّ الْكَلَامُ الثَّانِي صَحَّ بَيَانُهُ فِي أَحَدِهِمَا أَيْضًا لِكَوْنِهِ رَقِيقًا وَقْتَ الْبَيَانِ، وَإِنْ بَيَّنَ الْأَوَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الثَّابِتِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ مَا إذَا بَدَأَ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَبَيَّنَهُ فِي الثَّابِتِ حَيْثُ يَبْطُلُ الْكَلَامُ الثَّانِي لِأَنَّهُ دَائِرٌ السَّاعَةَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْكَلَامُ الْأَوَّلُ تَنْجِيزٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيُرَجَّحُ جَانِبُهُ لِقِيَامِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ، وَفِي الْأُولَى يُرَجَّحُ جَانِبُ التَّعْلِيقِ لِكَوْنِهِ رَقِيقًا وَقْتَ الْبَيَانِ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِي الثَّابِتَ عَتَقَ بِهِ، وَعَتَقَ الْخَارِجُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبَيْعُ وَالْمَوْتُ وَالتَّحْرِيرُ وَالتَّدْبِيرُ بَيَانٌ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ) أَيْ إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ تَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ، وَصَارَ بَيَانًا لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ أَوْجَبَ عِتْقًا مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا عِنْدَ قِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ فَكَانَا فِيهِ سَوَاءً فَإِذَا فَاتَتْ الْمَحَلِّيَّةُ تَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ لِزَوَالِ الْمُزَاحِمِ أَمَّا فِي الْمَوْتِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ قَابِلًا لِلْإِعْتَاقِ مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَا فِي الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ الْمُعْتَقَ لَا يَعْتِقُ، وَكَذَا فِي التَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ قَابِلًا لِلْإِعْتَاقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ الْوَاجِبُ بِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لَهُ وَلَا يُقَالُ يَرِدُ عَلَى هَذَا مَا إذَا قَالَ لِغُلَامَيْنِ أَحَدُهُمَا ابْنِي أَوْ قَالَ لِجَارِيَتَيْنِ لَهُ إحْدَاهُمَا أُمُّ وَلَدِي فَمَاتَتْ إحْدَاهُمَا لَا يَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلْعِتْقِ وَلَا لِلِاسْتِيلَادِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ كَائِنٍ، وَالْإِخْبَارُ يَصِحُّ فِي الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْبَيَانِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْإِنْشَاءِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ الْحَيُّ، فَإِنْ قِيلَ لَوْ اشْتَرَى أَحَدٌ الْعَبْدَيْنِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا، وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْبَيْعُ فِي الْهَالِكِ، وَهُنَا تَعَيَّنَ الْعِتْقُ فِي الْحَيِّ قُلْنَا قَالَ عَلِيٌّ الْقُمِّيُّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْهَالِكَ يَهْلِكُ عَلَى مِلْكِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْهَالِكَ فِي الْبَيْعِ دَاخِلٌ فِي مِلْكِهِ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ كَمَا قُبِضَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ دَبَّرَهُ) بِأَنْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَتَقَ الْآخَرُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي التَّدْبِيرِ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي لَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ قُتِلَ أَوْ بَاعَهُ أَوْ دَبَّرَهُ عَتَقَ الْبَاقِي اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ أَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا أَوْ سَمَّاهُمَا فَقَالَ: سَالِمٌ حُرٌّ أَوْ مُبَارَكٌ يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِأَنَّهُ الْمُجْمِلُ فَيُصْرَفُ الْعِتْقُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، ثُمَّ الْبَيَانُ يَثْبُتُ صَرِيحًا وَدَلَالَةً فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ اخْتَرْت أَنْ يَكُونَ هَذَا حُرًّا بِاللَّفْظِ الَّذِي قُلْت أَوْ يَقُولُ أَنْتَ حُرٌّ بِذَلِكَ الْعِتْقِ أَوْ يَقُولُ أَعْتَقْتُك بِالْعِتْقِ السَّابِقِ، وَالثَّانِي كَمَا إذَا بَاعَ أَحَدَهُمَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا، وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَتُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى والْوَلْوَالِجِيِّ أَوْ كَاتَبَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ رَهَنَ أَوْ آجَرَ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيَانًا فِي هَذَا كُلِّهِ، وَلَوْ اسْتَخْدَمَ أَحَدَهُمَا أَوْ قَطَعَ يَدَ أَحَدِهِمَا أَوْ جَنَى عَلَى أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ بَيَانًا فِي قَوْلِهِمْ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنْ عَتَقَ أَحَدَهُمَا عِتْقًا مُسْتَأْنَفًا يَعْتِقَانِ جَمِيعًا، هَذَا بِإِعْتَاقِهِ، وَذَاكَ بِاللَّفْظِ السَّابِقِ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْعِتْقَ بِاللَّفْظِ السَّابِقِ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ إخْبَارٌ) أَيْ بِصِيغَتِهِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ

وَالْكِتَابَةُ وَتَعْلِيقُ عِتْقِ أَحَدِهِمَا بِالشَّرْطِ كَالتَّدْبِيرِ، وَالرَّهْنُ، وَالْإِيصَاءُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالتَّزْوِيجُ، وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ كَالْبَيْعِ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَصَارَ إقْدَامُهُ عَلَيْهَا بَيَانًا مِنْهُ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَعَيُّنُ الْآخَرِ لِلْعِتْقِ، وَلَا يُقَالُ الْإِجَارَةُ لَا تَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ لِجَوَازِ إجَارَةِ الْحُرِّ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِبْدَالُ بِإِجَارَةِ الْأَعْيَانِ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمِلْكِ فَيَكُونُ تَعْيِينًا دَلَالَةً، وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْإِنْكَاحِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي ذِكْرُ التَّسْلِيمِ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فِي الْهِدَايَةِ وَقَعَ اتِّفَاقًا يَعْنِي لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى إبْقَائِهِ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَلَا تَتَوَقَّفُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْقَبْضِ، وَلِهَذَا سَوَّى فِي الْبَيْعِ بَيْنَ الْمُطْلَقِ، وَبَيْنَ مَا فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا، وَبَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْقَبْضَ فِي الْفَاسِدِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ إلَّا بِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْعَرْضَ عَلَى الْبَيْعِ كَالْبَيْعِ، وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ الْمُبْهَمُ مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا حَتَّى تَكُونَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ بَيَانًا فِيهِمَا حَتَّى إذَا قَالَ لِعَبْدَيْهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَحَدُكُمَا حُرٌّ فَتَصَرَّفَ فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ عَتَقَ الْآخَرُ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا إذَا اسْتَوْلَدَ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلْحُرِّيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي التَّدْبِيرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْوَطْءِ) أَيْ لَا يَكُونُ وَطْءُ إحْدَى الْأَمَتَيْنِ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ بَيَانًا حَتَّى لَا تَعْتِقُ الْأُخْرَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا تَعْتِقُ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَصَارَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ دَلِيلَ الِاسْتِبْقَاءِ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلِقَتْ مِنْهُ، وَكَمَا إذَا وَطِئَ إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ فِيهِمَا، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُمَا، وَكَانَ لَهُ الْأَرْشُ إذَا جُنِيَ عَلَيْهِمَا، وَالْمَهْرُ إذَا وُطِئَتَا بِشُبْهَةٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ مُعَلَّقٌ بِالْبَيَانِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ قَبْلَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ فَوَطِئَهُمَا أَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ، وَهَذَا لِأَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ لَا لِطَلَبِ الْوَلَدِ فَلَا يُرَادُ بِهِ الِاسْتِبْقَاءُ فَصَارَ كَالِاسْتِخْدَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ إحْدَى أَمَتَيْهِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا أَوْ اشْتَرَى كَذَلِكَ ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْبَيْعُ فِي الْأُولَى غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْمَوْطُوءَةِ حَتَّى لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَنْ يُعَيِّنَ الْبَيْعَ فِي الْمَوْطُوءَةِ، وَلَا لِلْمُشْتَرِي فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ وَطِئَ مِلْكَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَطِئَ مِلْكَ غَيْرِهِ، وَبِخِلَافِ وَطْءِ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الِاسْتِبْقَاءِ ثُمَّ يُقَالُ الْإِعْتَاقُ غَيْرُ نَازِلٍ فِي الْمَحَلِّ قَبْلَ الْبَيَانِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ، وَلِهَذَا حَلَّ وَطْؤُهُمَا عِنْدَهُ، وَلَكِنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ أَوْ يُقَالُ هُوَ نَازِلٌ فِي الْمُنَكَّرَةِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ حُكْمٍ يَقْبَلُهُ كَالْبَيْعِ فَإِنَّ الْمُنَكَّرَ يَقْبَلُهُ بِأَنْ اشْتَرَى أَحَدَ الْمُعَيَّنَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَالْمُنَكَّرَةُ لَا تَقْبَلُ الْوَطْءَ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ فَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَعْمَلُ الْعِتْقُ الْمُبْهَمُ فِي الْمُعَيَّنَةِ أَوْ نَقُولُ إنَّ حِلَّ الْوَطْءِ يَنْبَنِي عَلَى مِلْكِ الْمُتْعَةِ، وَالْعِتْقُ مَحَلُّهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَلَمْ يَتَّحِدْ مَحَلُّهُمَا فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُنَافَاةُ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُنَافَاةِ اتِّحَادَ الْمَحَلِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ وَالْمَوْتُ بَيَانٌ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ) أَيْ الْوَطْءُ وَالْمَوْتُ يَكُونَانِ بَيَانًا فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ، وَالْفَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فِي الْوَطْءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ ذَكَرًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى، وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ رَقَّ الذَّكَرُ وَعَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَالْأُنْثَى) أَيْ رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ ذَكَرًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ إلَى آخِرِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنْ يُوجَدَ التَّصَادُقُ بِعَدَمِ الْعِلْمِ وَجَوَابُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا اسْتَوَى) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ انْتَهَى، وَعِبَارَةُ الْكَافِي سَوَّى (قَوْلُهُ وَبَيَّنَ مَا فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا، وَبَيَّنَ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ مَعَ الْقَبْضِ وَبِدُونِهِ وَالْمُطْلَقِ، وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِإِطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَرَادَ بِالْكِتَابِ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ فَإِنَّ إطْلَاقَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ بَاعَ أَحَدَهُمَا، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ انْتَهَى قَالَ الْكَمَالُ، وَالْبَيَانُ يَقَعُ صَرِيحًا ثُمَّ قَالَ وَدَلَالَةً كَمَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا مَعَ الْقَبْضِ، وَدُونَهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْبَيَانَ يَقَعُ بِتَصَرُّفٍ مُخْتَصٍّ بِالْمِلْكِ سَوَاءٌ كَانَ مُخْرِجًا لَهُ عَنْ الْمِلْكِ كَمَا لَوْ نَجَزَ عِتْقَ أَحَدِهِمَا أَوْ بَاعَهُ أَوَّلًا، وَلِذَا عَتَقَ الْآخَرُ بِالْمُسَاوَمَةِ فِي صَاحِبِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ اسْتِبْقَاءَ مِلْكِهِ فِي الَّذِي تَصَرَّفَ فِيهِ فَيَقَعُ بَيَانًا لِعِتْقِ الْآخَرِ، وَحُكْمًا كَمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يُعْتِقُ الْآخَرَ، وَلَيْسَ بَيَانًا مِنْ الْمُتَكَلِّمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ اخْتِيَارًا، وَلِأَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ، وَلَا إنْشَاءَ فِي الْآخَرِ بِمَوْتِ قَرِينِهِ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ صِفَةٌ لِلَّفْظِ بَلْ لَزِمَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ذَلِكَ بِسَبَبِ فَوَاتِ مَحَلِّيَّةِ الَّذِي مَاتَ لِنُزُولِ الْعِتْقِ فِيهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ عِتْقِ أَحَدِهِمَا فَلَزِمَ لِذَلِكَ عِتْقُ الْحَيِّ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا سَاوَمَ أَحَدَهُمَا يَكُونُ بَيَانًا يَعْنِي أَنَّ الْآخَرَ يَتَعَيَّنُ لِلْعِتْقِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا) وَهُوَ أَنَّهُ قَصَدَ الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ، وَالْوُصُولُ إلَى الثَّمَنِ يُنَافِي الْعِتْقَ فَيَتَعَيَّنُ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ قَبْلَهُ) فَقَبْلَ الْبَيَانِ الْمِلْكُ ثَابِتٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا انْتَهَى رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا حَلَّ وَطْؤُهُمَا) أَيْ جَمِيعًا بَعْدَ قَوْلِهِ لَهُمَا إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ) لِأَنَّ الْمُبْهَمَ لَا يَعْدُوهُمَا انْتَهَى رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهُوَ وَالْمَوْتُ بَيَانٌ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ) هَذَا التَّقْدِيرُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْعِتْقِ الْمُبْهَمِ وَبَيْنَ الْوَطْءِ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى (قَوْلُهُ يَكُونَانِ بَيَانًا إلَخْ) فَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَمَاتَتْ إحْدَاهُمَا أَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا يَكُونُ بَيَانًا إجْمَاعًا لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَصْلِيَّ مِنْ وَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ الْوَلَدُ، وَقَصْدُ الْوَلَدِ بِالْوَطْءِ دَلِيلُ اسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْمَوْطُوءَةِ صِيَانَةً لِلْوَلَدِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ الْغَرَضَ الْأَصْلِيَّ مِنْ وَطْئِهَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ لَا الْوَلَدُ، وَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ فَلَا تَتَعَيَّنُ الْأُخْرَى لِلْعِتْقِ انْتَهَى رَازِيٌّ

مَا ذُكِرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ رَقِيقًا، وَيَعْتِقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْجَارِيَةِ، وَالْغُلَامُ عَبْدٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْتِقُ فِي حَالٍ، وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا فَالْأُمُّ بِالشَّرْطِ، وَالْجَارِيَةُ بِالتَّبَعِيَّةِ إذْ الْأُمُّ عَتَقَتْ بِوِلَادَتِهَا، وَتَرِقُّ فِي حَالٍ، وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَتَسْعَى فِي النِّصْفِ، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَيَرِقُّ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّ وِلَادَتَهُ شَرْطٌ لِحُرِّيَّةِ الْأُمِّ فَتَعْتِقُ بَعْدَ وِلَادَتِهِ فَلَا يَتْبَعُهَا، وَاعْتِبَارُ الْأَحْوَالِ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا إذَا اشْتَبَهَ الْأَحْوَالُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَعَثَ أُنَاسًا إلَى بَنِي حَنِيفَةَ لِلْقِتَالِ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ فَقَتَلَهُمْ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا بَلَغَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ قَضَى بِنِصْفِ الْعَقْلِ» لِتَرَدُّدِ حَالِهِمْ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ سَجَدُوا لِلَّهِ اهـ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ سَجَدُوا لِغَيْرِهِ فَصَارَ أَصْلًا فِي اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ، وَالثَّانِي أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ أَنَّ الْغُلَامَ وَلَدَتْهُ أَوَّلًا، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى ذَلِكَ، وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ يُنْكِرُ شَرْطَ الْعِتْقِ، وَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ الصَّغِيرَةِ مُعْتَبَرَةٌ لِأَنَّهَا نَفْعٌ مَحْضٌ، وَلَهَا عَلَيْهَا وِلَايَةٌ لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا أَبٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً، وَالثَّالِثُ أَنْ يُوجَدَ التَّصَادُقُ بِأَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْأَوَّلُ فَتَعْتِقُ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ دُونَ الْغُلَامِ، وَالرَّابِعُ أَنْ يُوجَدَ التَّصَادُقُ بِأَنَّ الْبِنْتَ هِيَ الْأُولَى فَلَا يَعْتِقُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَالْخَامِسُ أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ بِأَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَلَمْ تَدَّعِ الْبِنْتُ، وَهِيَ كَبِيرَةٌ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الْمَوْلَى فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ دُونَ الْبِنْتِ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا يَتَعَدَّى، وَلَا ضَرُورَةَ فِي غَيْرِ الْمُدَّعِيَةِ هَكَذَا ذَكَرُوا، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا لَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ يَتَعَدَّى، وَالسَّادِسُ أَنْ تَدَّعِيَ الْبِنْتُ، وَهِيَ كَبِيرَةٌ أَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَلَمْ تَدَّعِ الْأُمُّ فَتَعْتِقُ الْبِنْتُ إذَا نَكَلَ دُونَ الْأُمِّ لِمَا ذَكَرْنَا هَكَذَا فَصَّلَهَا فِي الْكَافِي، وَلَا يُقَالُ وَجَبَ أَنْ يَعْتِقَا إذَا نَكَلَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عِنْدَهُمَا فَإِذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ إحْدَاهُمَا صَارَ إقْرَارًا بِحُرِّيَّةِ الْأُخْرَى لِأَنَّا نَقُولُ إقْرَارٌ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ حَتَّى يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ أَنَا كَفِيلٌ بِكُلِّ مَا يُقِرُّ لَك بِهِ فُلَانٌ مِنْ الْمَالِ فَادَّعَى الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ مَالًا فَأَنْكَرَ فَحَلَفَ فَنَكَلَ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالْمَالِ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا بِهِ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَصَارَ كَفِيلًا بِهِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ هَذَا الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ بِجَوَابِ هَذَا الْفَصْلِ بَلْ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْمَوْلَى بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَنُكُولُهُ كَإِقْرَارِهِ فَإِنْ حَلَفَ فَهُمْ أَرِقَّاءُ، وَأَمَّا جَوَابُ الْكِتَابِ فَفِي فَصْلٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ إذَا كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْهُمَا جَمِيعًا، وَلَمْ يَدْرِ أَيَّهُمَا أَوَّلُ فَالْغُلَامُ رَقِيقٌ وَالْجَارِيَةُ حُرَّةٌ فَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأَمَةِ لِأَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا فَهِيَ حُرَّةٌ، وَالْغُلَامُ رَقِيقٌ، وَإِنْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا فَالْجَارِيَةُ حُرَّةٌ، وَالْأَمَةُ وَالْغُلَامُ رَقِيقٌ فَالْأُمُّ تَعْتِقُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُهَا، وَالْغُلَامُ عَبْدٌ بِيَقِينٍ، وَالْجَارِيَةُ حُرَّةٌ بِيَقِينٍ إمَّا بِعِتْقِ نَفْسِهَا أَوْ بِعِتْقِ أُمِّهَا تَبَعًا ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ وُجُودَهُ كَدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مَذْكُورًا فِي جَانِبِ الْوُجُودِ، وَالْعَدَمِ كَانَ أَحَدُهُمَا مَوْجُودًا لَا مَحَالَةَ فَيُحْتَاجُ فِيهِ إلَى اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ حَرَّرَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ أَوْ أَمَتَيْهِ لَغَتْ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ أَوْ طَلَاقٍ مُبْهَمٍ) أَيْ لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْجَارِيَةِ) وَتَسْعَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي النِّصْفِ كَمَا سَيَأْتِي انْتَهَى (قَوْلُهُ لِأَنَّ وِلَادَتَهُ شَرْطٌ لِحُرِّيَّةِ الْأُمِّ) وَالْحُكْمُ يَعْقُبُ الشَّرْطَ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ) وَكُلُّ مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ أَصْلُهُ حَدِيثُ الْقَسَامَةِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ) لِأَنَّ الْجَارِيَةَ صَغِيرَةٌ فَصَارَتْ الْأُمُّ خَصْمًا عَنْهَا لِكَوْنِ حُرِّيَّتِهَا نَفْعًا مَحْضًا فَعَتَقَا جَمِيعًا انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ خُصُومَةُ الْأُمِّ عَنْ الْبِنْتِ مَا دَامَتْ صَغِيرَةً، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَمْ تَصِحَّ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَتُعْتِقُ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ دُونَ الْغُلَامِ) لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ مِنْ الْعِتْقِ. اهـ. رَازِيٌّ لِأَنَّ الْغُلَامَ قَدْ زَالَ عَنْ الْأُمِّ فِي حَالِ الرِّقِّ فَلَمْ يَعْتِقْ تَبَعًا أَيْضًا انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَعْتِقُ مِنْهُمْ أَحَدٌ) أَيْ لِانْعِدَامِ وُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الْمَوْلَى) أَيْ عَلَى الْعِلْمِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ دُونَ الْبِنْتِ) لِأَنَّ النُّكُولَ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً بِاعْتِبَارِ الدَّعْوَى، وَدَعْوَى الْإِنَابَةِ عَنْ الْجَارِيَةِ لَا تَصِحُّ لِعَدَمِ الْإِنَابَةِ، وَلَمْ تُوجَدْ الْوِلَايَةُ عَلَى الْجَارِيَةِ أَيْضًا فَلَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهَا عَنْهَا فَلَمْ يُعْتَبَرْ النُّكُولُ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَدَّعِ الْأُمُّ) فَإِنْ حَلَفَ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ عِتْقُ أَحَدٍ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ) هَذَا الْفَرْعُ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْلِ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدَّعْوَى انْتَهَى. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ حَرَّرَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ إلَخْ). فُرُوعٌ شَهِدَ أَنَّهُ حَرَّرَ أَمَةً بِعَيْنِهَا، وَسَمَّاهَا فَنَسِيَا اسْمَهَا لَا تُقْبَلْ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِمَا تَحَمَّلَاهُ، وَهُوَ عِتْقُ مَعْلُومَةٍ بَلْ مَجْهُولَةٍ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى طَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ، وَسَمَّاهَا فَنَسِيَاهَا، وَعِنْدَ زُفَرَ تُقْبَلُ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا كَقَوْلِ زُفَرَ فِي هَذِهِ لِأَنَّهَا كَشَهَادَتِهِمَا عَلَى عِتْقِ إحْدَى أَمَتَيْهِ وَطَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَالِمًا، وَلَا يَعْرِفُونَ سَالِمًا، وَلَهُ عَبْدٌ وَاحِدٌ اسْمُهُ سَالِمٌ عَتَقَ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَعَيِّنًا لِمَا أَوْجَبَهُ، وَكَوْنُ الشُّهُودِ لَا يَعْرِفُونَ عَيْنَ الْمُسَمَّى لَا يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمْ كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْعِتْقِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ الْعَبْدَ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدُوا بِبَيْعِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ كُلُّ وَاحِدٍ اسْمُهُ سَالِمٌ، وَالْمَوْلَى يَجْحَدُ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى لِقَبُولِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ، وَلَا تَتَحَقَّقُ هُنَا مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا فَصَارَتْ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْخِلَافِيَّةِ انْتَهَى

عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ مَمْلُوكَيْهِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي، وَصِيَّةٍ اسْتِحْسَانًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَاهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ، وَفِي الطَّلَاقِ تُقْبَلُ إجْمَاعًا لَهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ الشَّرْعِ وَعَدَمُ الدَّعْوَى فِيهِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَبُولِ الْعَبْدِ، وَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ بِهِ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ بِمَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ، وَيَجُوزُ إيجَابُهُ فِي الْمَجْهُولِ، وَلَا يَصِحُّ إيجَابُ الْحَقِّ لِلْمَجْهُولِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةُ اسْتِرْقَاقِهِ، وَالْحُرْمَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ، وَعَدَّ مِنْهَا مَنْ اسْتَرَقَ حُرًّا»، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْمِيلُ الْحُدُودِ، وَوُجُوبُ الْجُمُعَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، وَتَثْبُتُ بِهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ، وَلَا يُمْنَعُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ بِالتَّنَاقُضِ فِي دَعْوَى الْعِتْقِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ ادَّعَى حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى شَرْطًا لَكَانَ مَانِعًا لِأَنَّ التَّنَاقُضَ بِعَدَمِ الدَّعْوَى، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى فِي عِتْقِ الْأَمَةِ بِمَنْزِلَةِ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا كَانَ قُرْبَةً يَتَأَدَّى بِهِ بَعْضُ الْوَاجِبَاتِ فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ فِيهِ شَهَادَةُ الْفَرْدِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا دِينِيًّا قُلْنَا فِيهِ إلْزَامٌ، وَإِنْ كَانَ دِينِيًّا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْقُوَّةُ الْحُكْمِيَّةُ لِنَفْسِهِ وَالْقُوَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ حَقُّهُ لِأَنَّهُ نَفْسُهُ بِجَمِيعِ مَعَانِيهِ وَأَوْصَافِهِ، وَالْقُوَّةُ الْحُكْمِيَّةُ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهَا مَالِكًا لِنَفْسِهِ وَأَكْسَابِهِ، وَمَالِكِيَّةُ الْأَكْسَابِ حَقُّ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ اخْتِصَاصٍ يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ إقَامَةِ الْمَصَالِحِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ ثَمَرَاتُ الْعِتْقِ، وَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلْمَشْهُودِ بِهِ فَإِذَا كَانَ حَقُّ الْعَبْدِ يَتَوَقَّفُ قَبُولُ الْبَيِّنَةِ فِيهِ عَلَى دَعْوَاهُ، وَحَقُّ الْعَبْدِ قَدْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ، وَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالتَّنَاقُضُ فِيهِ عَفْوٌ لِخَفَائِهِ كَدَعْوَى النَّسَبِ بِخِلَافِ عِتْقِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ تَضَمَّنَ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ، وَحُرْمَةُ الْفَرْجِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَطَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ، وَإِذَا كَانَ الدَّعْوَى شَرْطًا عِنْدَهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي عَيْنِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهِ، وَفِي عِتْقِ الْأَمَةِ إنَّمَا قُبِلَتْ لِتَضَمُّنِهَا تَحْرِيمَ الْفَرْجِ، وَلَيْسَ فِي عِتْقِ إحْدَى الْأَمَتَيْنِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَتَكُونُ الدَّعْوَى شَرْطًا فِيهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ فَيَكُونُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى إجْمَاعًا فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ سُقُوطُ الدَّعْوَى فِي عِتْقِ الْأَمَةِ لِثُبُوتِ حُرْمَةِ فَرْجِهَا عَلَى الْمُعْتِقِ لَمَّا قُبِلَتْ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَأَمْثَالِهِمَا، وَعَلَى الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِعَدَمِ تَضَمُّنِ الْحُرْمَةِ قُلْنَا لَا يَخْلُو عَنْ إثْبَاتِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبًا لِلْحُرْمَةِ لِأَنَّهَا تَحْرُمُ بِهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَيُنْتَقَصُ بِهِ الْعِدَدُ أَيْضًا، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْأَمَةُ الْمَجُوسِيَّةُ لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا الْحَدَّ، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِهِ، وَبَعْدَ الْعِتْقِ يُوجِبُ الْحَدَّ، وَيَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ، وَكَذَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا الْحَدَّ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِهِ، وَبُضْعُهَا مَمْلُوكٌ لَهُ حَتَّى يَمْلِكُ تَمْلِيكَهُ، وَيَمْلِكَ الْعُقْرَ إذَا وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، وَلِأَنَّ الْأَمَةَ مُتَّهَمَةٌ فِي تَرْكِهَا الدَّعْوَى أَوْ فِي إنْكَارِهَا لِمَا لَهَا مِنْ الْحَظِّ عِنْدَ الْمَوْلَى فَلَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُتَّهَمًا بِأَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ فِي طَرَفِهِ فَأَنْكَرَ الْعِتْقَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ، وَفِي حُزِّيَّةِ الْأَصْلِ قِيلَ لَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى إجْمَاعًا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ فَرْجِ الْأُمِّ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا عَلَى تَدْبِيرِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ فِي صِحَّتِهِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَصِيَّةٌ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَالتَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ، وَالْخَصْمُ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ هُوَ الْمُوصِي لِأَنَّ وُجُوبَ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ لِحَقِّهِ، وَنَفْعُهُ يَعُودُ إلَيْهِ، وَإِنْكَارُهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ سَفَهٌ، وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَلَهُ خُلْفٌ، وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ فَتَتَحَقَّقُ الدَّعْوَى مِنْ الْخُلْفِ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ يَشِيعُ فِيهِمَا بِالْمَوْتِ حَتَّى يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ فَتَتَحَقَّقُ الدَّعْوَى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَارَ كُلٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا إلَخْ) هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ طَلَاقٌ مُبْهَمٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَاهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ) وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُتَضَمِّنٌ لِتَحْرِيمِ الْفَرْجِ، وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى انْتَهَى (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ) يَعْنِي حَقَّ اللَّهِ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا تُسْتَرَقَّ الْأَحْرَارُ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلَاقِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ) أَيْ عِنْدَهُ انْتَهَى رَازِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا) فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ أَحَدِ عَبْدَيْهِ انْتَهَى رَازِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) إنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّعْوَى، وَالدَّعْوَى مِنْ الْمُبْهَمِ لَا تُتَصَوَّرُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ إلَخْ) هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا فِي وَصِيَّةٍ انْتَهَى (قَوْلُهُ أَوْ فِي صِحَّتِهِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا) ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ فِي عَتَاقِ الْأَصْلِ، وَقَالَ لَوْ قَالَا أَيْ الشَّاهِدُ إنْ كَانَ هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ اسْتَحْسَنْت أَنْ أُعْتِقَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفَهُ، وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُعَادَةِ، وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ أَحَدُ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ حُرٌّ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِذَلِكَ قَالَ شَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ، وَيَمُوتُ الْقَائِلُ وَيَتْرُكُ وَرَثَةً فَيُنْكِرُونَ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ فِي الصِّحَّةِ، وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُوقِعَ الْعِتْقَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ اعْلَمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا الشَّهَادَة عَلَى طَلَاقِ الْمَرْأَةِ، وَعَلَى طَلَاقِ إحْدَى النِّسَاءِ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ بِلَا دَعْوَاهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَة خِلَافًا لَهُمَا، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ إحْدَى الْأَمَتَيْنِ أَنْتَهَى

[باب الحلف بالدخول]

مِنْهُمَا خَصْمًا مَعْنًى وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَلَا نَصَّ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقْبَلُ اعْتِبَارًا لِلشُّيُوعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَوْمَئِذٍ حُرٌّ عَتَقَ مَا يَمْلِكُ بَعْدَهُ بِهِ) أَيْ إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَوْمئِذٍ حُرٌّ عَتَقَ مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْيَمِينِ بِدُخُولِ الدَّارِ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ يَوْمئِذٍ إذْ دَخَلْت الدَّارَ فَحَذَفَ الْجُمْلَةَ وَعَوَّضَهُ التَّنْوِينَ فَاعْتُبِرَ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عَبْدٌ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى دَخَلَ عَتَقَ لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَقَ بِهَذَا الْيَمِينِ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ لِأَنَّهُ مَا أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الْمِلْكِ وَلَا إلَى سَبَبِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا سَيَمْلِكُهُ قُلْنَا إنْ لَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ صَرِيحًا فَقَدْ وُجِدَتْ دَلَالَةً لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَكُونُ بِدُونِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ مَلَكْت مَمْلُوكًا فَهُوَ حُرٌّ وَقْتَ دُخُولِ الدَّارِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ حَيْثُ لَمْ يُعْتَقْ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ لَمْ يَقُلْ يَوْمئِذٍ لَا) أَيْ لَوْ لَمْ يَقُلْ فِي يَمِينِهِ يَوْمئِذٍ بَلْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لَا يُعْتَقُ مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ وَالْجَزَاءُ حُرِّيَّةُ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الشَّرْطُ عَلَيْهِ تَأَخَّرَ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ فَيُعْتَقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ] (بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْعِتْقِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ الرَّازِيّ وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ الْحَلِفُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ لَحَلَفَ سَمَاعِيٌّ وَلَهُ مَصْدَرٌ آخَرُ أَعْنِي حِلْفًا بِالْإِسْكَانِ يُقَالُ حَلَفَ حَلِفًا وَحِلْفًا وَتَدْخُلُهُ التَّاءُ لِلْمَرَّةِ كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ عَلَى حِلْفَةٍ لَا أَشْتُمُ الدَّهْرَ مُسْلِمَا ... وَلَا خَارِجًا مِنْ فِي زُورُ كَلَامِ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ حَلَفْت لَهَا بِاَللَّهِ حِلْفَةَ فَاجِرٍ ... لَنَامُوا فَمَا إنْ مِنْ حَدِيثٍ وَلَا صَالِي وَالْمُرَادُ بِالْحَلِفِ بِالْعِتْقِ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ. اهـ. . قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ التَّعْلِيقِ بَعْدَ ذِكْرِ مَسَائِلِ التَّنْجِيزِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ قَاصِرٌ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِأَنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا فِي الْحَالِ عِنْدَنَا اهـ (قَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ إلَى لَفْظِ وَقْتٍ عَنْ لَفْظِ يَوْمٍ فِي قَوْلِهِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ قِيَامَ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ يُفِيدُ أَنَّ لَفْظَ يَوْمٍ يُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ لَوْ دَخَلَ لَيْلًا عَتَقَ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى فِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ الدُّخُولُ وَإِنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ إنَّمَا أُضِيفَ إلَى لَفْظِ إذْ الْمُضَافَةِ لِلدُّخُولِ لَكِنَّ مَعْنَى إذْ غَيْرُ مُلَاحَظٍ وَإِلَّا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ يَوْمَ وَقْتِ الدُّخُولِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ عَلَى مَعْنَى يَوْمِ الْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ الدُّخُولُ تَقْيِيدًا لِلْيَوْمِ بِهِ لَكِنْ إذَا أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ يَصِيرُ الْمَعْنَى وَقْتَ وَقْتِ الدُّخُولِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ مِثْلَهُ كَثِيرًا فِي الِاسْتِعْمَالِ إذْ الْفَصِيحُ كَنَحْوِ {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم: 4] فَإِنَّهُ لَا يُلَاحَظُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَقْتُ وَقْتٍ يُغْلَبُونَ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ وَلَا يَوْمَ وَقْتِ يَغْلِبُونَ يَفْرَحُونَ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ فَعُرِفَ أَنَّ لَفْظَةَ إذْ لَمْ تُذْكَرْ إلَّا تَكْثِيرًا لِلْعِوَضِ عَنْ الْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ أَوْ عِمَادًا لَهُ أَعْنِي التَّنْوِينَ لِكَوْنِهِ حَرْفًا وَاحِدًا سَاكِنًا تَحْسِينًا وَلَمْ يُلَاحَظْ مَعْنَاهَا وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي أَقْوَالِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ نَظَرٌ فِيهَا اهـ (قَوْلُهُ فَبَقِيَ إلَخْ) وَلَوْ لَمْ يَبْقَ بَلْ بَاعَهُ وَتَجَدَّدَ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ يَعْتِقُ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَعْتِقُ مِنْ مِلْكِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ) لِأَنَّهُ أَرْسَلَ الْمِلْكَ إرْسَالًا وَالْمِلْكُ الْمُرْسَلُ يُرَادُ بِهِ الْحَالُ لِأَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ مَوْهُومٌ فَلَا يُعْتَبَرُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فِي الْحَالِ اهـ ع (قَوْلُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ) قَالَ الرَّازِيّ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَتَنَاوَلُ مَنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ وَقْتَ صُدُورِ الْكَلَامِ مِنْهُ لَا مَا يَمْلِكُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ اهـ ع (قَوْلُهُ وَالْجَزَاءُ حُرِّيَّةُ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ) وَوَجْهُ كَوْنِ كُلِّ مَمْلُوكٍ لِي حَالًا أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْوَصْفِ مِنْ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ أَنَّ مَعْنَاهُ قَائِمٌ حَالَ التَّكَلُّمِ بِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ قِيَامِهِ بِهِ أَوْ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ لِاخْتِصَاصِ مَنْ تَجُرُّ مَعْنَى مُتَعَلِّقِهَا إلَيْهِ بِهِ أَيْ بِمَعْنَى الْمُعْتَقِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فَلَزِمَ مِنْ التَّرْكِيبِ اخْتِصَاصُ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ بِالْمُتَّصِفِ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ لِلْحَالِ وَهِيَ أَثَرُ مِلْكِهِ فَلَزِمَ قِيَامُ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ ضَرُورَةَ اتِّصَافِهِ بِأَثَرِهَا فِي الْحَالِ وَإِلَّا ثَبَتَ الْأَثَرُ بِلَا مُؤَثِّرٍ هَذَا وَيَعْتِقُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ الْعَبِيدُ وَلَوْ مَرْهُونِينَ أَوْ مَأْذُونِينَ أَوْ مُؤَاجَرِينَ وَالْإِمَاءُ وَإِنْ كُنَّ حَوَامِلَ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَالْمُدَبَّرُونَ وَأَوْلَادُهُمْ وَلَا يَدْخُلُ الْمُكَاتَبُ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مِنْ وَجْهٍ إذْ هُوَ حُرٌّ يَدًا وَلَوْ نَوَى الذُّكُورَ فَقَطْ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً مَعَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الذُّكُورِ يَعُمُّ النِّسَاءَ حَقِيقَةً وَضْعًا وَلَا يَدْخُلُ الْمَمْلُوكُ الْمُشْتَرَكُ وَلَا الْجَنِينُ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُمْ وَلَا عَبِيدُ عَبْدِهِ التَّاجِرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَتَقُوا إذَا نَوَاهُمْ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقُوا وَلَوْ نَوَاهُمْ وَلَوْ قَالَ عَنَيْت مَا يُسْتَقْبَلُ عَتَقَ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ وَمَا سَيَمْلِكُهُ إذَا مَلَكَهُ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَغْيِيرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ فَلَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ فِي إبْطَالِ حُكْمِ الظَّاهِرِ وَاعْتَبَرْنَا اعْتِرَافَهُ لِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ يُرْشِدُ إلَى أَنَّ عِتْقَ مَا هُوَ فِي مِلْكِهِ مَعَ هَذِهِ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ مَمَالِيكِي كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ وَنَوَى

إذَا بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الدُّخُولُ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَهُ لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ وَنَظِيرِهِ مَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ حُرٌّ غَدًا لَا يُعْتَقُ مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ لِمَا قُلْنَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَمْلُوكِ لِلْحَالِ لِأَنَّ أَمْلِكُهُ لِلْحَالِ وَإِنْ قَالَ يَوْمَئِذٍ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَمْلِكُهُ يَوْمَ دُخُولِ الدَّارِ مَعَ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَمْلُوكُ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ) أَيْ لَفْظُ الْمَمْلُوكِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْحَمْلُ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَ الْمُطْلَقَ وَالْحَمْلُ مَمْلُوكٌ تَبَعًا لِلْأُمِّ لَا مَقْصُودًا فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُطْلَقِ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ وَاسْمُ الْمَمْلُوكِ يَتَنَاوَلُ الْأَنْفُسَ دُونَ الْأَعْضَاءِ حَتَّى لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ وَكَانَ لَهُ حَمْلٌ مَمْلُوكٌ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ بِأَنْ أَوْصَى لَهُ بِالْحَمْلِ فَقَطْ أَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٌ فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ جَارِيَةٌ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يُعْتَقْ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لَا يَدْخُلُ الْمُكَاتَبُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا وَخَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْأَرْشَ عَلَى الْمَوْلَى إنْ جَنَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ رِقُّهُ كَامِلًا بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ لِأَنَّ مِلْكَهُمَا كَامِلٌ وَإِنْ كَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا عَلَى مَا يَجِيءُ فِي الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ أَوْ بَعْدَ مَوْتِي يَتَنَاوَلُ مَنْ مَلَكَهُ مُنْذُ حَلَفَ فَقَطْ) يَعْنِي إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ أَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ أَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِي فِيهِمَا يَتَنَاوَلُ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ حَتَّى يُعْتَقَ بَعْدَ غَدٍ أَوْ يَكُونَ مُدَبَّرًا فِي الْحَالِ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا يُعْتَقُ وَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَكَذَا كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ وَلِهَذَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ وَلِلِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةٍ مِنْ سِينٍ أَوْ سَوْفَ فَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُهُ إلَى الْحَالِ فَكَانَ الْجَزَاءُ حُرِّيَّةَ الْمَمْلُوكِ أَوْ تَدْبِيرَ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَشْتَرِيه بَعْدَ الْيَمِينِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَوْتِهِ عَتَقَ مَنْ مَلَكَ بَعْدَهُ مِنْ ثُلُثِهِ أَيْضًا) أَيْ يُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ أَيْضًا وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعْتَقُ مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا سَيَمْلِكُهُ وَلِهَذَا صَارَ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ مُدَبَّرًا وَلَا يَصِيرُ الْآخَرُ مُدَبَّرًا وَلِهَذَا لَا يُعْتَقُ فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ إلَّا مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَبِهِ اسْتَدَلَّ عِيسَى حِينَ طَعَنَ عَلَيْهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ لَمْ يَذْكُرْهُ وَقَالُوا لَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي وَنَوَى التَّخْصِيصَ يُصَدَّقُ دِيَانَةً اهـ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ وَفِي الْوَجْهَيْنِ هُوَ تَخْصِيصُ الْعَامِّ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّهُمْ تَأْكِيدٌ لِلْعَامِّ قَبْلَهُ وَهُوَ مَمَالِيكِي لِأَنَّهُ جَمْعٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ وَهُوَ يَرْفَعُ احْتِمَالَ الْمَجَازِ غَالِبًا وَالتَّخْصِيصُ يُوجِبُ الْمَجَازَ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَإِنَّ الثَّابِتَ بِهِ أَصْلُ الْعُمُومِ فَقَطْ فَقُبِلَ التَّخْصِيصُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَمْلُوكُ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ) قَالَ الرَّازِيّ حَتَّى لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ غَيْرُك حُرٌّ لَمْ ي يَعْتِقْ حَمْلُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَ) أَيْ بِالْأَصَالَةِ وَالِاسْتِقْلَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْحَمْلُ مَمْلُوكٌ تَبَعًا لِلْأُمِّ) كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا حَتَّى يَنْتَقِلَ بِانْتِقَالِهَا وَيَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا كَمَا يَتَغَذَّى الْعُضْوُ بِهِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مُنْفَرِدًا بَلْ تَبَعًا لِلْحَامِلِ وَالدَّلِيلُ أَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الشَّرْعِ نَفْسًا مَمْلُوكَةً أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَا تَجِبُ صَدَقَةُ فِطْرِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٍ) قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالذُّكُورَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ وَلَمْ يَقُلْ ذَكَرٍ تَدْخُلُ الْأُنْثَى فَتَدْخُلُ الْحَامِلُ فَيَعْتِقُ حَمْلُهَا تَبَعًا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ مَمْلُوكٍ إمَّا لِذَاتٍ مُتَّصِفَةً بِالْمَمْلُوكِيَّةِ وَقَيْدُ التَّذْكِيرِ لَيْسَ جُزْءَ الْمَفْهُومِ وَإِنْ كَانَ التَّأْنِيثُ جُزْءَ مَفْهُومِ مَمْلُوكَةٍ فَيَكُونُ مَمْلُوكٌ أَعَمَّ مِنْ مَمْلُوكَةٍ فَالثَّابِتُ فِيهِ عَدَمُ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّأْنِيثِ لَا الدَّلَالَةُ عَلَى عَدَمِ التَّأْنِيثِ وَأَمَّا أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ اسْتَمَرَّ فِيهِ عَلَى الْأَعَمِّيَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يَدْخُلُ الْمُكَاتَبُ) يَعْنِي إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُونَ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِينَ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَنْوِهِ كَذَا نَصَّ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بَعْدَ غَدٍ) ظَرْفٌ لِحُرٍّ لَا لِأَمْلِكهُ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِي فِيهِمَا) أَيْ فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي وَفِي قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا سَيَمْلِكُهُ) قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى آخَرَ ثُمَّ مَاتَ فَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَهُ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ وَاَلَّذِي اشْتَرَاهُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ بَلْ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ وَلَوْ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى مَاتَ عَتَقَا جَمِيعًا مِنْ الثُّلُثِ إنْ خَرَجَا مِنْهُ عَتَقَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَإِنْ ضَاقَ عَنْهُمَا يُضْرَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِقِيمَتِهِ فِيهِ وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَنْ الْكُلِّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ مَا اسْتَفَادَ بَعْدَ يَمِينِهِ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِهِ اسْتَدَلَّ عِيسَى حِينَ طَعَنَ عَلَيْهِمَا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهَذَا الْوَجْهِ طَعَنَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ وَأَوْجَبَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى آخَرَ فَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَهُ مُدَبَّرٌ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُعَادَةِ ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ قُبَيْلَ بَابِ الْأَشْرِبَةِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا آخَرَ فَإِنَّ الْمَمْلُوكَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ مُدَبَّرٌ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ وَيَعْتِقَانِ مِنْ الثُّلُثِ وَيَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الثُّلُثِ وَكَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَذَكَرَ أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ مَا اسْتَفَادَ بَعْدَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْإِيجَابِ وَلِهَذَا يَصِيرُ الْأَوَّلُ مُدَبَّرًا وَلَا يَصِيرُ الثَّانِي مُدَبَّرًا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ طَعَنَ فِيهَا عِيسَى بْنُ أَبَانَ فَقَالَ قَوْلُهُ أَمْلِكُهُ يَتَنَاوَلُ الْحَالَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ وَاجِبًا بِهَذَا الْأَصْلِ وَجَبَ أَنْ لَا يَعْتِقَ الَّذِي اشْتَرَاهُ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا يُبَاعُ كَمَا لَوْ قَالَ

وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إيجَابُ عِتْقٍ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا تَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَكُونُ حَالُ الْمَوْتِ فِيهِمَا مَقْصُودًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَا يَمْلِكُهُ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَاسْتَحْدَثَ غَيْرَهُ يَتَنَاوَلُهُمَا إذَا بَقِيَا فِي مِلْكِهِ إلَى الْمَوْتِ وَكَذَا إذَا أَوْصَى لِأَوْلَادِ فُلَانٍ وَلَهُ أَوْلَادٌ وَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْلَادٌ دَخَلَ الْكُلُّ فِي الْوَصِيَّةِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ قَوْلُهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ يَتَنَاوَلُ الْحَالَ لِمَا مَرَّ فَصَارَ إيجَابًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَيْضًا إيصَاءٌ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَتَنَاوَلُ مَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ لِمَا مَرَّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ حَالَةُ الْمَوْتِ فَعَمَلنَا بِمُوجِبِهِمَا فَأَعْمَلْنَا الْإِيجَابَ فِي الْمَمْلُوكِ لِلْحَالِ وَأَعْمَلْنَا الْوَصِيَّةَ فِيهِ وَفِي الْمُسْتَحْدَثِ فَإِذَا تَنَاوَلَهُمَا الْإِيجَابُ صَارَ الَّذِي يَمْلِكُهُ وَقْتَ التَّكَلُّمِ دَاخِلًا فِيهِ بِلَا احْتِمَالٍ فَصَارَ مُدَبَّرًا وَاَلَّذِي يَمْلِكُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ يَتَنَاوَلُ الِاسْتِقْبَالَ لِقَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتِي وَجَبَ أَنْ يَصِيرَ مَا اشْتَرَاهُ مُدَبَّرًا ثُمَّ قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فَالْجَوَابُ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَعْتِقُ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ قَبْلَ الْمَوْتِ وَمَنْ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ جَازَ بَيْعُهُ وَلَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ الْمَوْتِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ غَدًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا) أَيْ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَوْ قَوْلُهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي اهـ (قَوْلُهُ أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ يَتَنَاوَلُ الْحَالَ) أَيْ وَالْحَالُ نَوْعَانِ رَاهِنَةٌ وَمُتَرَبَّصَةٌ وَهِيَ حَالَةُ الْمَوْتِ وَالْكُلُّ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَصَارَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَمْلِكُهُ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ وَمَا يَمْلِكُهُ حَالَ الْمَوْتِ فَإِذَا تَنَاوَلَهُمَا الْإِيجَابُ صَارَ الَّذِي يَمْلِكُهُ وَقْتَ التَّكَلُّمِ مُرَادًا بِهِ بِلَا احْتِمَالٍ فَصَارَ مُدَبَّرًا فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فَأَمَّا الَّذِي مَلَكَهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُرَادًا بِهِ لِأَنَّ مَا بَيْنَ حَالِ التَّكَلُّمِ وَحَالِ الْمَوْتِ مُسْتَقْبَلٌ مَحْضٌ لَيْسَ مِنْ الْحَالِ فِي شَيْءٍ فَإِذَا بَاعَهُ فَقَدْ بَاعَهُ قَبْلَ وُجُوبِ حَقِّ الْعِتْقِ فَصَحَّ وَإِذَا لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ يَتَنَاوَلُهُ الْإِيجَابُ حِينَئِذٍ لِكَوْنِهِ وَاقِعًا عَلَى حَالِ الْمَوْتِ فَوَجَبَ لَهُ الْعِتْقُ وَصَارَ مُوصَى لَهُ فَزَاحَمَ الْأَوَّلَ فِي الثُّلُثِ فَوَجَبَ أَنْ يُقْسَمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا يُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ بِقِيمَتِهِ كَذَا فِي الْكَافِي قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمَذْهَبُ عِنْدِي مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا أَرَادَا بِقَوْلِهِ أَمْلِكُهُ الْحَالَةَ الرَّاهِنَةَ وَالْمَحْكِيَّةَ جَمِيعًا وَالْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ حَقِيقَةٌ وَالْمَحْكِيَّةُ مَجَازٌ لِأَنَّ فِي الْمَحْكِيَّةِ لَا يَكْذِبُ وَأَيْضًا لَا تُرَادُ بِلَا قَرِينَةٍ وَذَلِكَ أَمَارَةُ الْمَجَازِ اهـ {فُرُوعٌ مِنْ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ} قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ نُزُولَ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بَعْدَ الشَّرْطِ وَبَعْدَ الْبَيْعِ هُوَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ فَلَا يَعْتِقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ فَاسِدًا فَيَعْتِقُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ بَعْدَ الْبَيْعِ بَاقٍ لَا يَزُولُ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِيَ تَسَلَّمَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَحِينَئِذٍ يَزُولُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فَلَا يَعْتِقُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَحَقِيقَةُ الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ وَقْتُ نُزُولِ الْعِتْقِ هُوَ وَقْتُ زَوَالِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُمَا مَعًا يَتَعَقَّبَانِ الْبَيْعَ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي حَالِ زَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي حَالِ تَقَرُّرِ زَوَالِهِ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَدَخَلَ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْحَلَّتْ بِالدُّخُولِ الْأَوَّلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ إذْ لَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ انْحِلَالِ الْيَمِينِ نُزُولُ الْجَزَاءِ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بَعْدَ الْبَيْعُ حَتَّى اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ عَتَقَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ بُطْلَانِ الْيَمِينِ عِنْدَنَا بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَمِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَدَخَلَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ الْأُخْرَى عَتَقَ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مَجْمُوعَ أَمْرَيْنِ كَانَ الشَّرْطُ وُجُودَ الْمِلْكِ عِنْدَ آخِرِهِمَا وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّرْطِ مَجْمُوعَ أَمْرَيْنِ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا فَبَاعَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَكَلَّمَ فُلَانًا لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ شَرْطُ الْعِتْقِ لَيْسَ إلَّا الْكَلَامَ غَيْرَ أَنَّهُ عَلَّقَ الْيَمِينَ الْمُنْعَقِدَةَ مِنْ شَرْطِ الْكَلَامِ وَجَزَائِهِ الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ بِالدُّخُولِ فَالدُّخُولُ شَرْطُ الْيَمِينِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عِنْدَ الدُّخُولِ الْكَائِنِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَنْتَ حُرٌّ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْيَمِينِ لَا تَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَكَلَامُهُ غَيْرُ مَوْقِعٍ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتَى فَبَاعَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَمَاتَ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِدُخُولِ الدَّارِ فَيَصِيرُ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ قَائِمًا وَالتَّدْبِيرُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّدْبِيرُ لَمْ يَعْتِقْ بِمَوْتِهِ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهُ فَفَعَلَ مَا عُلِّقَ عِتْقُهُ عَلَيْهِ لَمْ يَعْتِقْ إلًّا نِصْفُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْزِلُ الْمُعَلِّقُ وَالْمُعَلَّقُ كَأَنْ عَتَقَ النِّصْفُ وَالْعِتْقُ يَتَجَزَّأُ عِنْدً أَبِي حَنِيفَةَ فَيَسْعَى فِي قِيمَةِ نِصْفِهِ لِسَيِّدِهِ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ فَلَا يَسْعَى وَلَوْ كَانَ بَاعَ النِّصْفَ الْأَوَّلَ ثُمَّ اشْتَرَى نِصْفَ شَرِيكِهِ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ النِّصْفُ الْمُبْتَاعُ لَا الْمُسْتَحْدَثُ وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَمَا لَا يَقَعُ فِيهِ الْعِتْقُ مِنْ مَيِّتٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ حِمَارٍ وَقَالَ أَحَدُكُمَا أَوْ قَالَ هَذَا أَوْ هَذَا عَتَقَ عَبْدُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ وَقَالَا لَا يَعْتِقُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ وَمِثْلُهُ وَأَصْلُهُ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَأُسْطُوَانَةٍ وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ عَتَقَ عَبْدُهُ لِأَنَّ كَلَامَهُ إيجَابُ الْحُرِّيَّةِ لِلْجَزْمِ وَلَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ بِإِيجَابٍ لَهَا كَقَوْلِهِ هَذَا حُرٌّ أَوْ لَا وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّرْطِ قَالَ إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ فُلَانٌ وَآخَرُ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ عَتَقَ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَصَاحِبُ الدَّارِ فِي شَهَادَتِهِ بِهِ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فَصَحَّتْ شَهَادَتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْته فَشَهِدَ هُوَ وَآخَرُ أَنَّهُ كَلَّمَهُ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ فُلَانًا فِي هَذِهِ شَاهِدٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَلَى الشَّرْطِ فَلَوْ شَهِدَ ابْنَا فُلَانٍ أَنَّهُ كَلَّمَ أَبَاهُمَا فَإِنْ جَحَدَ الْأَبُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهَا عَلَى أَبِيهِمَا بِالْكَلَامِ وَعَلَى أَنْفُسِهِمَا بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ ادَّعَاهُ أَبُوهُمَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ بَاطِلَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمَشْهُودِ بِهِ لِأَبِيهِمَا فَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الْمَنْفَعَةَ لِثُبُوتِ التُّهْمَةِ وَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى وَالْإِمْكَانِ لِأَنَّ بِشَهَادَتِهِمَا يُظْهِرَانِ صِدْقَهُ فِيمَا يَدَّعِيه وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذِهِ فِي النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

[باب العتق على جعل]

احْتِمَالٌ لِأَنَّهُ إنْ بَقِيَ إلَى مَوْتِهِ فِي مِلْكِهِ صَارَ دَاخِلًا فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْوَصِيَّةِ وَإِلَّا فَلَا فَصَارَ كَالْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ فَجَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِالْإِخْرَاجِ عَنْ مِلْكِهِ وَمَا بَيْنَهُمَا لَيْسَ حَالَ إيجَابِ الْعِتْقِ وَلَا حَالَ اعْتِبَارِ الْوَصِيَّةِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَعْدَ غَدٍ لِأَنَّا إنَّمَا أَلْحَقْنَا الْمُسْتَقْبَلَ بِالْحَالِ إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِيصَاءُ وَلَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ غَدٍ فَإِنْ قِيلَ قَدْ جَمَعْتُمْ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ تَعْمِيمُ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِي الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قُلْنَا هَذَا الْكَلَامُ يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ حَالَةَ الْإِعْتَاقِ لَكِنَّ حَالَ الْإِعْتَاقِ هُوَ حَالُ التَّكَلُّمِ مِنْ وَجْهٍ وَمِنْ وَجْهٍ حَالُ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ عِنْدَهُ لَكِنْ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ فَصَارَ حَالَةُ الْمَوْتِ وَحَالَةُ التَّكَلُّمِ كَحَالَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ حَالُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فَيَتَنَاوَلُهَا بِاعْتِبَارِهَا أَوْ نَقُولُ هَذَا الْكَلَامُ إيجَابُ عِتْقٍ وَإِيصَاءُ الْإِيجَابِ وَالْإِيجَابُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى سَبَبِهِ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ سَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهَذَا كَاخْتِلَافِهِمْ فِي قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ رَجَبًا وَنَوَى النَّذْرَ وَالْيَمِينَ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ يَمْنَعُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ لِأَنَّهُ نَوَى التَّشْدِيدَ عَلَى نَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ} قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَرَّرَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ عَتَقَ) أَيْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ عَتَقَ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ أَوْ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك أَلْفًا أَوْ عَلَى أَلْفٍ تُؤَدِّيهَا إلَيَّ أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا أَوْ عَلَى أَنْ تَجِيئَنِي بِأَلْفٍ وَإِنَّمَا يُعْتَقُ بِقَبُولِهِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِقَبُولِ الْمَالِ وَلِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَمِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَبُولِ الْعِوَضِ فِي الْحَالِ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِذَا قَبِلَهُ الْعَبْدُ صَارَ حُرًّا فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِقَبُولِهِ وَكَانَتْ ذِمَّتُهُ صَالِحَةً وَقَدْ تَأَكَّدَتْ بِالْعِتْقِ وَجَازَ أَنْ يَجِبَ الْمَالُ بِمِثْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ بِمُقَابَلَةِ مَا سَقَطَ مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى شَيْئًا كَمَا يَجِبُ بِالْخُلْعِ وَإِنْ لَمْ تَمْلِكْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا بِإِزَاءِ مَا سَقَطَ مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ وَكَمَا يَجِبُ بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَهُوَ دَيْنٌ وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ حَتَّى صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّنَافِي بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ وَجَبَ مَعَ الْمُنَافِي لِأَنَّهُ يَسْعَى وَهُوَ عَبْدٌ وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ فَلَمْ يَكُنْ بَدَلُ الْكِتَابَةِ دَيْنًا مُطْلَقًا إذْ الدَّيْنُ مَا لَا يُمْكِنُ الْمَدِينَ الْخُرُوجُ عَنْهُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ وَدَيْنُ الْكِتَابَةِ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ بِالْعَجْزِ وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَالِ يَتَنَاوَلُ أَنْوَاعَهُ حَتَّى الْحَيَوَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَلَا يُبَالَى بِجَهَالَةِ الْوَصْفِ كَالْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ وَلَا بِجَهَالَةِ النَّوْعِ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَشَابَهَ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ وَالصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَإِنَّمَا لَمْ تَمْنَعْ الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ مِنْ صِحَّةِ هَذِهِ الْعُقُودِ لِأَنَّهُ يَجْرِي التَّسَامُحُ فِيهَا فَلَا تَكُونُ مَانِعَةً مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَالْفَسَادِ بِاعْتِبَارِهِ وَلِهَذَا لَوْ عَقَدَ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ وَلَمْ يُجِزْ صَاحِبُهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ وَلَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ مَعَ أَنَّ الْقِيمَةَ مَجْهُولَةٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَائِهِ صَارَ مَأْذُونًا) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَعْدَ غَدٍ) حَيْثُ لَا يَدْخُلُ الْمُشْتَرِي تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الرَّاهِنَةَ اهـ (قَوْلُهُ فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ سَبَبَيْنِ) وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ لِلْعِرَاقِيِّينَ غَيْرُ مَرَضِيٍّ فِي الْأُصُولِ وَإِلَّا لَمْ يَمْتَنِعْ الْجَمْعُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَتَحَقَّقْ خِلَافٌ فِيهِ لِأَنَّ الْجَمْعَ قَطُّ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارَيْنِ وَبِالنَّظَرِ إلَى شَيْئَيْنِ. اهـ [بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ] {بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ} قَالَ الْكَمَالُ أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ أَبْوَابِ الْعِتْقِ مُنْجَزِهَا وَمُعَلَّقِهَا كَمَا أَخَّرَ الْخُلْعَ فِي الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ مِنْ الْإِسْقَاطِ غَيْرُ أَصْلٍ بَلْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ فَأَخَّرَ مَا لَيْسَ بِأَصْلٍ عَمَّا هُوَ أَصْلٌ وَالْجُعَلُ مَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَفْعَلُهُ وَكَذَا الْجَعِيلَةُ وَيُقَالُ الْجَعَالَةُ ضَبْطُهَا بِالْكَسْرِ فِي الصِّحَاحِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِلْقِتْبَيَّ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ لِلْفَارَابِيِّ بِالْفَتْحِ فَيَكُونُ فِيهِ وَجْهَانِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُقْبَلْ وَيَقَعُ عَلَى مَجْلِسِهِ ذَلِكَ فَإِنْ قُبِلَ وَقَعَ الْعِتْقُ بِنَفْسِ الْقَبُولِ وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا يَقَعُ بِمَجْلِسِ عِلْمِهِ فَإِنْ وُجِدَ الْقَبُولُ صَحَّ وَإِنْ رُدَّ أَوْ أَعْرَضَ عَنْ الْمَجْلِسِ بَطَلَ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْمَجْلِسِ إمَّا بِالْقِيَامِ أَوْ بِاشْتِغَالِهِ بِعَمَلٍ آخَرَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَطْعٌ لِمَا قَبْلَهُ اهـ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ) وَلَا يُشْتَرَطُ الْأَدَاءُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَبُولِ الْعِوَضِ) لِأَنَّ الْمَوْلَى يَثْبُتُ مِلْكُهُ فِي الْعِوَضِ الْكَائِنِ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ بِقَبُولِهِ فَيَلْزَمُ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ الْمُعَوَّضِ وَإِلَّا اجْتَمَعَ الْعِوَضَانِ فِي مِلْكِهِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ مَا نَصُّهُ أَرَادَ بِهِ الْعِتْقَ هُنَا اهـ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ) يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْمَبِيعِ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ اهـ وَكَمَا إذَا طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ قَبْلَ أَدَاءِ الْعِوَضِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَالِ يَتَنَاوَلُ أَنْوَاعَهُ) أَيْ مِنْ النَّقْدِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَرْضِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا بِجَهَالَةِ النَّوْعِ) لَا بُدَّ مِنْ مَعْلُومِيَّةِ النَّوْعِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مِنْهُ الصِّنْفَ فَيَصِحُّ كَلَامُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

لَوْ عَلَّقَ الْمَوْلَى عِتْقَ الْعَبْدِ بِأَدَاءِ الْعَبْدِ أَوْ بِأَدَاءِ الْمَالِ صَارَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِدَلَالَةِ حَالِهِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَثَّهُ عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالِاكْتِسَابِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الِاكْتِسَابَ بِالتَّكَدِّي لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الْخَسَاسَةِ فَتُعَيَّنُ التِّجَارَةُ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُعْتَادَةُ وَلَا يَصِيرُ مُكَاتَبًا لِأَنَّ صِيغَتَهُ التَّعْلِيقُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ نَحْوَهُ فَتَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِأَدَاءِ الْمَالِ كَتَعْلِيقِهِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ وَهَذَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَبُولِ الْعَبْدِ وَلَا يَبْطُلُ بِالرَّدِّ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَهُ وَالْكِتَابَةُ تُوجِبُ الْمَالَ عَلَى الْعَبْدِ بِالْقَبُولِ فَيَثْبُتُ الْمَالُ لَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا حَصَلَ لِلْمُكَاتَبِ مِنْ مِلْكِ الْيَدِ وَالْكَسْبِ وَهُنَا لَمْ يَجِبْ مِنْ الْمَالِ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ لِعَدَمِ مِلْكِ الْيَدِ وَالْكَسْبِ ثُمَّ إنْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ حَتَّى لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَأَدَّى يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَيُعْتَقُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَمَا فِي التَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ وَكَمَا إذَا قَالَ مَتَى أَدَّيْت أَوْ إذَا أَدَّيْت، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ لِتَخَيُّرِهِ بَيْن الْأَدَاءِ وَالِامْتِنَاعِ وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ يَتَوَقَّفُ بِهِ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَتَى وَإِذَا لِأَنَّهُمَا لِلْوَقْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الطَّلَاقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَتَقَ بِالتَّخْلِيَةِ) وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَحْضَرَ الْمَالَ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ قَبْضِهِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَالِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ وَنَزَّلَهُ قَابِضًا بِذَلِكَ وَحَكَمَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ قَبَضَ أَوْ لَا وَهُوَ تَفْسِيرُ الْإِجْبَارِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الْقَبُولُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ وَلَا يُحْتَمَلُ الْفَسْخُ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَلَا يَصِيرُ الْعَبْدُ أَحَقَّ بِأَكْسَابِهِ وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى لَا يُعْتَقُ وَلَا يُعْتَبَرُ إبْرَاؤُهُ وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ غَيْرُهُ وَأَدَّى عَنْهُ لَمْ يُعْتَقْ وَلَوْ حَطَّ عَنْهُ الْبَعْضَ بِطَلَبِهِ وَأَدَّى الْبَاقِيَ لَمْ يُعْتَقْ وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَهُوَ لِلْمَوْلَى وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى لَا يُعْتَبَرُ أَدَاؤُهُ إلَى الْوَرَثَةِ وَلَا يَتْبَعُهُ أَوْلَادُهُ فَإِذَا كَانَ تَعْلِيقًا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْحِنْثِ كَمَا إذَا عَلَّقَهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الْمَوْلَى لَمْ يُعْتَقْ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَدَاءٌ مُتَّصِلٌ بِقَبُولِهِ لِمَكَانِ قَوْلِهِ إلَيَّ فَلَا يَتِمُّ بِفِعْلِ الْعَبْدِ وَحْدَهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُعَاوَضَةٌ وَالْبَدَلَ فِيهَا وَاجِبٌ فَاحْتَجْنَا إلَى جَعْلِ الْمَوْلَى قَابِضًا لِيَتَخَلَّصَ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ وَلَنَا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ تَعْلِيقٌ وَبِاعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ مُعَاوَضَةٌ لِأَنَّهُ حَثَّهُ عَلَى اكْتِسَابِ الْمَالِ وَرَغَّبَهُ فِي الْأَدَاءِ بِمَا جَعَلَ لَهُ فِيهِ مِنْ الْعِتْقِ وَهَذَا مَعْنَى الْكِتَابَةِ وَهَذَا الْمَالُ عِوَضٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَ لَازِمًا وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ يُوَفِّرُ حَظَّهُ عَلَيْهِمَا فَوَفَّرْنَا عَلَيْهِ حُكْمَ التَّعْلِيقِ ابْتِدَاءً فِي حَقِّ تِلْكَ الْأَحْكَامِ رِعَايَةً لِلَّفْظِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى وَوَفَّرْنَا عَلَيْهِ حُكْمَ الْكِتَابَةِ فِي الْآخِرَةِ فَأَجْبَرْنَا الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغُرُورِ عَنْ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَمَّلْ الْمَشَقَّةَ فِي اكْتِسَابِ الْمَالِ إلَّا لِيَنَالَ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ نَظِيرَ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِنَّهُ جُعِلَ هِبَةَ ابْتِدَاءٍ حَتَّى اُعْتُبِرَ التَّقَابُضُ فِي الْعِوَضَيْنِ وَبَطَلَ بِالشُّيُوعِ وَجُعِلَ تَبَعًا انْتِهَاءً حَتَّى يُرَدَّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ بِأَدَاءِ الْمَالِ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِأَدَائِهِ يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ لِلْعَبْدِ وَيَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ لِلْمَالِ اهـ (قَوْلُهُ صَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ) وَإِنَّمَا صَحَّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ لِأَنَّ الْعِتْقَ إسْقَاطُ حَقِّ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ لَزِمَهُ السِّعَايَةُ وَمَا كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِ جَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الِاكْتِسَابَ بِالتَّكَدِّي لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الْخَسَاسَةِ) أَيْ فَيَلْحَقُ الْمَوْلَى عَارُهَا لَكِنَّهُ لَوْ اكْتَسَبَ مِنْهُ فَأَدَّى عَتَقَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَمَا إذَا قَالَ مَتَى أَدَّيْت أَوْ إذَا أَدَّيْت) فَرْعٌ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الشُّفْعَةِ فِي بَابِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ إذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى مَعَ عَبْدِهِ فَقَالَ الْمَوْلَى قُلْت لَك إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ وَقَالَ الْعَبْدُ قُلْت إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ هُنَاكَ اهـ (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الطَّلَاقِ) فَيَعُمَّانِ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا اهـ (قَوْلُهُ وَنَزَلَهُ قَابِضًا بِذَلِكَ) أَيْ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ أَخَذَهُ وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى نِسْبَةِ الْإِجْبَارِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَ هَذَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ صَحِيحًا أَمَّا إذَا كَانَ خَمْرًا أَوْ مَجْهُولًا لَا جَهَالَةً فَاحِشَةً كَمَا إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا خَمْرًا أَوْ ثَوْبًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّى ذَلِكَ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِمَا أَيْ لَا يَنْزِلُ قَابِضًا إلَّا إنْ أَخَذَهُ مُخْتَارًا وَأَمَّا عَدَمُ الْعِتْقِ فِي قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَحَجَجْت بِهَا فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَيْئَيْنِ الْمَالِ وَالْحَجِّ فَلَا يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الْمَالِ لِبُطْلَانِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَكَذَا إنْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا أَحُجُّ بِهَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ تَمَامُ الشَّرْطِ وَالْحَجُّ وَقَعَ مَشُورَةً. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْإِجْبَارِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ) أَيْ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا اِ هـ فَتْحٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ فِيهِ وَفِي سَائِرِ الْحُقُوقِ أَنَّهُ يَنْزِلُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يَنْزِلُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ بَلْ إنْ أَخَذَهُ كَانَ قَابِضًا وَعَتَقَ الْعَبْدُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ) وَإِذَا كَانَ يَمِينًا فَلَا إجْبَارَ عَلَى مُبَاشَرَةِ شُرُوطِ الْأَيْمَانِ لِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاقَ قَبْلَ الشَّرْطِ بَلْ بِالشَّرْطِ وَلَا يُجْبَرُ الْإِنْسَانُ عَلَى أَنْ يُبَاشِرَ سَبَبًا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ) كَمَا إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ حَتَّى وَقَعَ بَائِنًا. اهـ. (قَوْلُهُ رِعَايَةً لِلَّفْظِ) أَيْ لِلَفْظِ الْمَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ فَأَجْبَرْنَا الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ) أَيْ إذَا أَدَّى الْعَبْدُ الْمَالَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ إلَخْ) قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ لَوْ قَالَ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَجَاءَ بِبَعْضِ الْأَلْفِ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِهِ لِأَنَّ هَذَا جُزْءٌ مِنْ جُمْلَةٍ هِيَ عِوَضٌ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَصَارَ لِلْبَعْضِ حُكْمُ الْأَعْوَاضِ أَيْضًا كَقَبْضِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَبَعْضِ الثَّمَنِ فَإِنَّ أَدَاءَ بَعْضِ الثَّمَنِ لَا يُوجِبُ قَبْضَ شَيْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ وَكَذَلِكَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَمَعَ ذَلِكَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجْبِرْهُ لَكَلَّفْنَا الْمُؤَدِّيَ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَهُوَ أَدَاءُ جَمِيعِ الْبَدَلِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَتَى الْعَبْدُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَالْقِيَاسُ عَلَى أَنْ لَا يُجْبَرَ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ

اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ لَكِنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْكُلَّ لِعَدَمِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْإِبْرَاءُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ كَالْمُكَاتَبِ إذَا كَانَ يُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يُجْعَلُ مُعَاوَضَةً وَكِلَاهُمَا مَالُ الْمَوْلَى لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا ثَبَتَ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّهُ كَالْكِتَابَةِ ثَبَتَ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ الْأَدَاءِ اقْتِضَاءً وَكَانَ أَحَقَّ بِإِكْسَابِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِذَلِكَ الْمَالِ وَلَوْ أَدَّاهُ عَتَقَ ثُمَّ إذَا أَدَّى أَلْفًا اكْتَسَبَهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ عَتَقَ وَلَمْ يَرْجِعْ الْمَوْلَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ وَإِنْ أَدَّى أَلْفًا اكْتَسَبَهَا قَبْلَهُ رَجَعَ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الْعِتْقَ كَمَا لَوْ أَدَّى مَغْصُوبًا فَاسْتَحَقَّ، هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مَعْلُومًا وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ دَرَاهِمَ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْمَالِ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَكُونُ فِي الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ يَمِينًا مَحْضًا وَلَا جَبْرَ فِيهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِأَلْفٍ فَالْقَبُولُ بَعْدَ مَوْتِهِ) لِأَنَّ إيجَابَ الْعِتْقِ أُضِيفَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْقَبُولِ قَبْلَ وُجُودِ الْإِيجَابِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَشِيئَتُهَا قَبْلَ غَدٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ حَيْثُ يَكُونُ الْقَبُولُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ إيجَابَ التَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكَاتَبًا فَسَقَطَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الرِّقَّ قَدْ زَالَ فَإِنْ قِيلَ إذَا لَمْ يَجِبْ الْمَالُ فَمَا فَائِدَةُ الْقَبُولِ قُلْنَا فَائِدَتُهُ أَنْ يَكُونَ مُدَبَّرًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ مُعَلَّقٌ بِقَبُولِ الْمَالِ فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا مَا لَمْ يَقْبَلْ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بَعْدَ مَوْتِي فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ فِيهِ فِي الْحَالِ فَإِذَا قَبِلَ صَارَ مُدَبَّرًا وَلَا يَجِبُ الْمَالُ لِمَا ذَكَرْنَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ شِئْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَالْمَشِيئَةُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت حَيْثُ تَكُونُ الْمَشِيئَةُ فِيهِ فِي غَدٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُعْتَبَرُ الْمَشِيئَةُ فِي الْغَدِ فِيهِمَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَوَقَّفَ عَلَى مَجِيءِ الْغَدِ فِيهِمَا فَكَذَا الْمَشِيئَةُ وَقَالَ زُفَرُ الْمَشِيئَةُ فِي الْحَالِ فِيهِمَا إذْ لَا فَرْقَ فِي الْأَيْمَانِ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْمَشِيئَةِ وَتَأْخِيرِهَا وَلَوْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ تُعْتَبَرُ الْمَشِيئَةَ فِي الْحَالِ إجْمَاعًا فَكَذَا إذَا أَخَّرَ ثُمَّ قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَا يُعْتَقُ وَإِنْ قَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَا لَمْ يَعْتِقْهُ الْوَارِثُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْعِتْقِ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بِالْمَوْتِ وَفِي مِثْلِهِ لَا يُعْتَقُ إلَّا بِإِعْتَاقِ الْوَارِثِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِنَفْسِ الْمَوْتِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إعْتَاقُ أَحَدٍ فَإِنْ قِيلَ أَهْلِيَّةُ الْمُعَلَّقِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ بِشَرْطٍ ثُمَّ جُنَّ وَوُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ مَجْنُونٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُنَا مِثْلَهُ قُلْنَا نَعَمْ إذَا كَانَ مِلْكُ الْمُعَلَّقِ قَائِمًا وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُنَا خَرَجَ مِلْكُهُ وَبَقِيَ لِلْوَارِثِ وَمَتَى خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَقَعُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ مَعَ وُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ فَمَا ظَنُّك عِنْدَ عَدَمِهَا وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَأَخَّرَ الْعِتْقُ عَنْ الْمَوْتِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ وَذَلِكَ لَا يُعْتَقُ إلَّا بِإِعْتَاقِ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ أَوْ الْقَاضِي فَكَذَا هَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حَرَّرَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً فَقَبِلَ عَتَقَ) يَعْنِي مِنْ سَاعَتِهِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ عَلَى الشَّيْءِ يُشْتَرَطُ فِيهِ وُجُودُ الْقَبُولِ لَا وُجُودُ الْمَقْبُولِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولُ لَهُ أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي وَأَمَّا إذَا قَالَ إنْ خَدَمْتنِي كَذَا مُدَّةً فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يَخْدُمَهُ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ وَالْأَوَّلُ مُعَاوَضَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخَدَمَهُ) لِأَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ الْمُبْدَلَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْبَدَلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ مَاتَ تَجِبُ قِيمَتُهُ) أَيْ لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ الْعَبْدُ تَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَيْهِ وَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الْعَبْدَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ فِي الْمُدَّةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِيَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ الْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ بِجَارِيَةٍ أَوْ أَعْتَقَهُ عَلَيْهَا ثُمَّ هَلَكَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ اسْتَحَقَّتْ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا وَبِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْتَقَ ذِمِّيٌّ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ فِي الذِّمَّةِ فَأَسْلَمَ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ قِيمَةُ الْخَمْرِ لَهُ أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَبْدِ لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حَقِّهِ إذْ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ فَاسْتُحِقَّ فَإِنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَبُولِ هَذَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَدَّى أَلْفًا اكْتَسَبَهَا قَبْلَهُ رَجَعَ) أَيْ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَعَتَقَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إيجَابٌ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لِأَنَّ إيجَابَ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ الْعَبْدُ) أَيْ قَبْلَ الْخِدْمَةِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ لَهُ أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ) أَيْ وَهُوَ الْخِدْمَةُ اهـ (قَوْلُهُ إذْ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ) أَيْ وَقَدْ حَصَلَ الْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِ الْخِدْمَةِ بِمَوْتِهِ فَوَجَبَ تَسْلِيمُ قِيمَتِهَا اهـ

تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لَا بِقِيمَةِ الْبِضْعِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَهُمَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَكَذَا الْمَنَافِعُ صَارَتْ مَالًا بِإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ بِأَمَةٍ فَهَلَكَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْأَبِ لَا بِقِيمَةِ الْأَمَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا إلَى سَنَةٍ بِعَبْدٍ فَقَبَضَهُ فَهَلَكَ عِنْدَهُ ثُمَّ انْهَدَمَتْ الدَّارُ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ فَكَذَا هَذَا لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَصِيرُ مَالًا بِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّزْوِيجُ عَلَى مَنَافِعِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا وَسَوَّى هُنَا بَيْنَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَالْعَبْدِ وَطَعَنَ عِيسَى وَقَالَ هَذَا غَلَطٌ يَعْنِي فِيمَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى بَلْ تَأْخُذُهُ وَرَثَتُهُ بِمَا بَقِيَ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الْخِدْمَةِ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ دَيْنٌ عَلَيْهِ فَيَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَاسْتَوْفَى بَعْضَهَا وَمَاتَ وَلَكِنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَقُولُ النَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْخِدْمَةِ وَكَانَ الشَّرْطُ فِي الْعَقْدِ خِدْمَةَ الْمَوْلَى فَيَفُوتُ ذَلِكَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى كَمَا يَفُوتُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إنَّ هَذَا الْعُذْرَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَإِنَّ الْخِدْمَةَ عِبَارَةٌ عَنْ خِدْمَةِ الْبَيْتِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بَيْنَ النَّاسِ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِيهَا فَلَا تَفُوتُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنْ نَقُولَ الْخِدْمَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ لَا تُورَثُ فَلَا يُمْكِنُ إبْقَاءُ عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَلِهَذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ قِيمَةَ نَفْسِهِ أَوْ قِيمَةَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ وَفِي قَوْلِهِ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِيهَا نَظَرٌ فَإِنَّ خِدْمَةَ الْفُقَرَاءِ أَسْهَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَخِدْمَةَ الشَّيْخِ أَصْعَبُ مِنْ خِدْمَةِ الشَّابِّ وَقَدْ يَكُونُونَ كَثِيرِينَ فَخِدْمَةُ الْوَاحِدِ أَسْهَلُ مِنْ خِدْمَةِ الْجَمَاعَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ أَعْتِقْهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا فَفَعَلَ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ عَتَقَتْ مَجَّانًا) لِأَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَوَقَعَ الْعِتْقُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي عِتْقِ الْحَمْلِ وَقَوْلُهُ أَعْتِقْهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ لَفْظَةِ عَلَيَّ قَبْلَ قَوْلِهِ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الْحَقُّ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَدَلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فِي الطَّلَاقِ جَائِزٌ وَفِي الْعَتَاقِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَكُونُ اشْتِرَاطًا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ إلَّا إذَا قَالَ عَلَيَّ فَيَكُونُ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ أَعْتِقْ أَمَتَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ زَادَ عَنِّي قَسَّمَ الْأَلْفَ عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا وَيَجِبُ مَا أَصَابَ الْقِيمَةَ فَقَطْ) أَيْ وَلَوْ زَادَ لَفْظَةَ عَنِّي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِأَنْ قَالَ أَعْتِقْ أَمَتَك عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ قُسِّمَتْ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا وَعَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا فَمَا أَصَابَ الْقِيمَةَ أَدَّاهُ الْآمِرُ وَمَا أَصَابَ الْمَهْرَ سَقَطَ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ عَنِّي تَضَمَّنَ الشِّرَاءَ اقْتِضَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَابَلَ الْأَلْفَ بِالرَّقَبَةِ شِرَاءً وَبِالْبِضْعِ نِكَاحًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِهَذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ قِيمَةَ نَفْسِهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ) أَيْ الَّتِي هِيَ الْخِدْمَةُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَأَبَتْ الزَّوْجَةُ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ عَتَقَتْ مَجَّانًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَا تُجْبَرُ الْأَمَةُ عَلَى التَّزْوِيجِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّهَا صَارَتْ حُرَّةً مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا اهـ قَالَ الْكَمَالُ فَإِذَا أُعْتِقَ فَإِمَّا أَنْ تَتَزَوَّجَهُ أَوْ لَا وَلَا يَلْزَمُهَا تَزَوُّجُهُ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ نَفْسَهَا بِالْعِتْقِ فَإِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْآمِرِ شَيْءٌ أَصْلًا لِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِهِ أَمْرُهُ الْمُخَاطَبِ بِإِعْتَاقِهِ أَمَتَهُ وَتَزْوِيجِهَا مِنْهُ عَلَى عِوَضِ أَلْفٍ مَشْرُوطَةٍ عَلَيْهِ عَنْهَا وَعَنْ مَهْرِهَا فَلَمَّا لَمْ تَتَزَوَّجْهُ بَطَلَتْ عَنْهُ حِصَّةُ الْمَهْرِ مِنْهَا وَأَمَّا حِصَّتُهُ الْعِتْقُ فَبَاطِلَةٌ إذْ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الْخُلْعِ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ فِيهِ كَالْمَرْأَةِ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا مِلْكٌ مَا لَمْ تَكُنْ تَمْلِكُهُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لِلْعَبْدِ فِيهِ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ هِيَ مِلْكُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَالْقَضَاءِ وَلَا يَجِبُ الْعِوَضُ إلَّا عَلَى مَنْ حَصَلَ لَهُ الْمُعَوِّضُ فَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ قَسَّمَتْ الْأَلْفَ عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا فَمَا أَصَابَ قِيمَتَهَا سَقَطَ عَنْهُ وَمَا أَصَابَ مَهْرَهَا وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً وَمَهْرُهَا مِائَةً أَوْ كَانَ قِيمَتُهَا أَلْفًا وَمَهْرُهَا أَلْفًا سَقَطَ عَنْهُ خَمْسُمِائَةٍ وَوَجَبَ لَهَا خَمْسُمِائَةٍ عَلَيْهِ وَإِنْ تَفَاوَتَا بِأَنْ كَانَ قِيمَتُهَا مِائَتَيْنِ أَوْ أَلْفَيْنِ وَمَهْرُهَا مِائَةً أَوْ أَلْفًا سَقَطَ عَنْهُ سِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ وَوَجَبَ لَهَا ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ اهـ (فَرْعٌ) رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ أَعْتِقْ أَمَتَك هَذِهِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا فَأَعْتَقَهَا فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ فَالْعِتْقُ وَاقِعٌ مِنْ الْمَالِكِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ لِآخَرَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ فَفَعَلَ لَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ وَيَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَأْمُورِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ طَلِّقْ امْرَأَتَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ فَفَعَلَ لَزِمَ الْأَلْفُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَدَلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ يَجُوزُ فِي الطَّلَاقِ دُونَ الْعَتَاقِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ فِي بَابِ الطَّلَاقِ كَالْمَرْأَةِ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ شَيْءٍ لَهُمَا بِالطَّلَاقِ إذْ الثَّابِتُ بِهِ سُقُوطُ مِلْكِ الزَّوْجِ لَا غَيْرُ فَكَمَا جَازَ الْتِزَامُ الْمَرْأَةِ بِالْمَالِ فَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ بِخِلَافِ الْعَتَاقِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ بِالْإِعْتَاقِ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَانَ الْبَدَلُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْأَجْنَبِيُّ كَالْعَبْدِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ لَهُ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا فَكَانَ اشْتِرَاطُ الْبَدَلِ عَلَيْهِ كَاشْتِرَاطِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَجُوزُ اهـ (قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ) أَيْ نُسَخِ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ عَنِّي تَضَمَّنَ الشِّرَاءُ اقْتِضَاءً) لَكِنَّهُ ضَمَّ إلَى رَقَبَتِهَا تَزْوِيجَهَا وَقَابَلَ الْمَجْمُوعَ بِعِوَضِ أَلْفٍ فَانْقَسَمَتْ عَلَيْهَا بِالْحِصَّةِ وَكَانَ هَذَا كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ فِي الْبَيْعِ بِأَلْفٍ حَيْثُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَنْقَسِمُ عَلَى قِيمَتِهِمَا فَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَجَبَ ثَمَنًا بِنَاءً عَلَى دُخُولِ الْمُدَبَّرِ فِي الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مَالًا ثُمَّ خُرُوجِهِ بِاسْتِحْقَاقِهِ نَفْسَهُ وَمَانِعُ الْبِضْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا لَكِنْ أَخَذَتْ حُكْمَ الْمَالِ لِأَنَّهَا مُقَوَّمَةٌ حَالَةَ الدُّخُولِ وَإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا. اهـ. كَمَالٌ

[باب التدبير]

فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا وَوَجَبَ عَلَيْهِ حِصَّةُ مَا سُلِّمَ لَهُ وَهُوَ الرَّقَبَةُ وَبَطَلَ عَنْهُ حِصَّةُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ وَهُوَ الْبِضْعُ وَلَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ مُقْتَضٍ لِصِحَّةِ الْعِتْقِ عَنْهُ فَيَكُونُ مُدْرَجًا فِيهِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهُ بَلْ شَرَائِطُ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْعِتْقُ فَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ حِصَّتُهُ مِنْ الْأَلْفِ الْمُسَمَّى وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَوَابُهُ أَنَّ مَا أَصَابَ قِيمَتَهَا سَقَطَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ لِلْمَوْلَى فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَمَا أَصَابَ مَهْرَ مِثْلِهَا كَانَ مَهْرًا لَهَا فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ بِالرَّقَبَةِ وَالْبِضْعِ فَيَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ عِوَضُ مَا سَلَّمَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ جَعْلُ الْعِتْقِ صَدَاقًا لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَنَكَحَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا» قُلْنَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَخْصُوصًا بِالنِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَإِنْ فَعَلَ فَلَهَا مَهْرُهَا وَإِنْ أَبَى فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. {بَابُ التَّدْبِيرِ} قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ الْمَوْلَى هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ التَّدْبِيرُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِتْقِ الْمُوَقَّعِ فِي الْمَمْلُوكِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُدَبَّرُ الْمُقَيَّدُ بِأَنْ قَالَ إنْ مِتُّ فِي سَفَرِي أَوْ مَرَضِي هَذَا أَوْ مِنْ مَرَضِ كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمُطْلَقٍ وَاحْتَرَزَ الشَّيْخُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى وَالتَّدْبِيرُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُمِّ الْوَلَدِ «فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» وَفِي اللُّغَةِ التَّدْبِيرُ هُوَ النَّظَرُ فِيمَا يَئُولُ إلَيْهِ عَاقِبَتُهُ وَدَبِرَ الرَّجُلُ إذَا وَلَّى فَكَأَنَّهُ مِنْ دُبُرِ الْحَيَاةِ أَوْ مِنْ التَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ دَبَّرَ نَفْسَهُ فِيهِ حَيْثُ اسْتَخْدَمَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَتَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ وَفَاتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَإِذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ أَوْ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ مُدَبَّرٌ أَوْ دَبَرْتُك) أَيْ كَقَوْلِهِ إذَا مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ إلَخْ وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِلتَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ فَيَصِيرُ بِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ وَيَوْمٌ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ فَيَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا وَلَوْ نَوَى النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ بِاللَّيْلِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْتُك بَعْدَ مَوْتِي أَوْ أَنْتَ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ بَعْدَ مَوْتِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعِتْقِ وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّ الْحَدَثَ يُرَادُ بِهِ الْمَوْتُ عَادَةً وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ مَعَ مَوْتِي لِأَنَّ اقْتِرَانَ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي وُجُودَهُ مَعَهُ فَكَانَ إثْبَاتًا لِلْعِتْقِ فِي حَالِ وُجُودِ الْمَوْتِ وَكَذَا لَوْ قَالَ فِي مَوْتِي لِأَنَّ حَرْفَ الظَّرْفِ إذَا دَخَلَ عَلَى الْفِعْلِ يَصِيرُ شَرْطًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ مَكَانَ الْمَوْتِ الْوَفَاةَ أَوْ الْهَلَاكَ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ وَلَا يَحْتَاجُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قِيلَ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فَسَادُ الْبَيْعِ مِنْ جِهَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ إلَى مَا هُوَ مَالٌ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ لِأَنَّهُ إدْخَالُ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ وَإِذَا فَسَدَ وَجَبَ إمَّا عَدَمُ وُقُوعِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ وَلَمْ يَقْبِضْهَا وَالْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَلَا عِتْقَ فِيمَا لَمْ يُمْلَكْ وَإِمَّا وُجُوبُ كُلِّ الْقِيمَةِ لِلْمَأْمُورِ إنْ اُعْتُبِرَ قَبْضُهَا نَفْسَهَا بِالْعِتْقِ قَبْضًا لِلْمَوْلَى وَإِنْ ضَعُفَ فَيُكْتَفَى بِهِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ حَيْثُ وَجَبَتْ بِالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَجَبَتْ كُلُّهَا أُجِيبَ بِأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ وَالنِّكَاحُ وَقَعَ مُدْرَجًا فِي الْبَيْعِ ضِمْنَا لَهُ فَلَا يُرَاعَى مِنْ حَيْثُ هُوَ مُسْتَقِلًّا وَلَا يَفْسُدُ بِهِ وَلَا يَخْفَى إنَّهُ يُمْكِنُ ادِّعَاؤُهُ فِي كُلِّ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ شَرَائِطُ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْعِتْقُ) فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ سَقَطَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) أَيْ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ عَنِّي اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ لِلْمَوْلَى فِي الْوَجْهِ الثَّانِي) أَيْ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ عَنِّي. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ مَهْرًا لَهَا فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ عَنِّي أَوْ لَمْ يَقُلْ. اهـ [بَابُ التَّدْبِيرِ] لَمَّا فَرَغَ عَنْ الْعِتْقِ الْوَاقِعِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ شَرَعَ فِي الْعِتْقِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَتْلُو الْحَيَاةَ وَالتَّدْبِيرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ النَّظَرُ فِي عَاقِبَةِ الْأَمْرِ وَكَأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا نَظَرَ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ وَأَمْرِ عَاقِبَتِهِ أَخْرَجَ عَبْدَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بَعْدَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ) أَيْ وَهُوَ تَعْرِيفُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَاحْتَرَزَ الشَّيْخُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى) وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ تَعْرِيفًا لِلتَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ فَقَطْ لَا لِلشَّامِلِ لَهُ وَلِلْمُقَيَّدِ كَمَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ الْمَبْسُوطِ لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُدَبَّرُ الْمُقَيَّدُ لَعَلَّهُ يُرِيدُ بِهِ بَعْضَ أَفْرَادِ الْمُقَيَّدِ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي فِي أَلْفَاظِ الْمُقَيَّدِ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ لَا بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهُ بِحُرُوفِهَا فِيمَا سَيَأْتِي وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُصَنِّفِ خَاصٌّ بِالتَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ وَتَعْرِيفُ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ شَامِلٌ لِلْمُطْلَقِ وَلِبَعْضِ أَفْرَادِ الْمُقَيَّدِ لَا لِكُلِّ أَفْرَادِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ أَوْ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الدُّبُرُ بِضَمَّتَيْنِ وَسُكُونِ الْبَاءِ تَخْفِيفٌ خِلَافُ الْقُبُلِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَمِنْهُ يُقَالُ لِآخِرِ الْأَمْرِ دُبُرٌ وَأَصْلُهُ مَا أَدْبَرَ عَنْهُ الْإِنْسَانُ وَمِنْهُ دَبَّرَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ تَدْبِيرًا إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ دُبُرٍ أَيْ بَعْدَ دُبُرٍ وَالدُّبُرُ الْفَرْجُ وَالْجَمْعُ أَدْبَارٌ وَوَلَّاهُ دُبُرَهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْهَزِيمَةِ وَأَدْبَرَ إذَا وَلَّى أَيْ صَارَ ذَا دُبُرٍ اهـ

إلَى النِّيَّةِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِأَنَّهَا صَرَائِحُ فِيهِ وَتَكُونُ مُطْلَقَةً لِعَدَمِ تَقْيِيدِهِ عَلَى صِفَةٍ فَحَاصِلُهُ أَنَّ أَلْفَاظَهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا أَنْ يُصَرِّحَ بِالتَّدْبِيرِ بِأَنْ يَقُولَ دَبَّرْتُك أَوْ يُضِيفُ الْحُرِّيَّةَ إلَى مَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ مُدَبَّرٌ بَعْدَ مَوْتِي يَصِيرُ مُدَبَّرًا لِلْحَالِ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ اسْمٌ لِمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ التَّعْلِيقِ كَقَوْلِهِ إنْ مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ وَنَحْوِهِ مِنْ الْقُرْآنِ بِالْمَوْتِ أَوْ التَّعْلِيقِ بِهِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت لَك بِرَقَبَتِك أَوْ بِعِتْقِك لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ وَصِيَّةً بِالْعِتْقِ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ فَكَانَ مُوصٍ لَهُ بِثُلُثِ رَقَبَتِهِ وَهُوَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَمْلِيكُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ بَيْعُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ «رَجُلًا أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ فَاحْتَاجَ فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِكَذَا وَكَذَا فَدَفَعَهُ إلَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ «كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَاعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَعْطَاهُ فَقَالَ لَهُ اقْضِ دَيْنَك وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ» وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَحَلِّ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا يُمْنَعُ جَوَازُ التَّمْلِيكِ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ وَكَالْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ حَتَّى يَصِحَّ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ وَيُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَمْنَعُ الْمُوصِيَ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَنَا رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ» احْتَجَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَرَوَى أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَدَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ فِي مَلَأِ خَيْرِ الْقُرُونِ وَهُمْ حُضُورٌ مُتَوَافِرُونَ وَهُوَ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ أَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّهُ وُجِدَ فِيهِ سَبَبُ الْعِتْقِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَهَذَا لِأَنَّهُ يُعْتَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِهَذَا الْكَلَامِ لَا بِكَلَامٍ آخَرَ فَجَعْلُهُ سَبَبًا لِلْحَالِ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ سَبَبًا بَعْدَ الْمَوْتِ لِقِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْحَالِ وَزَوَالِهَا بِهَذَا الْمَوْتِ وَلَا يُقَالُ إنَّهَا مَوْجُودَةٌ حُكْمًا بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا قُلْنَا فِي رَجُلٍ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِالشَّرْطِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ مَجْنُونٌ لِأَنَّا نَقُولُ الشَّيْءُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَوْجُودًا حُكْمًا إذَا أَمْكَنَ وُجُودُهُ حَقِيقَةً وَلَا إمْكَانَ هُنَا لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الْفِعْلِ مِنْ الْمَيِّتِ وَلِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا حَكَمَ الشَّرْعُ بِمَوْتِهِ وَمَتَى حَكَمَ بِمَوْتِهِ اسْتَحَالَ أَنْ يُحْكَمَ بِحَيَاتِهِ لِإِفْضَائِهِ إلَى التَّنَاقُضِ بِخِلَافِ مَا إذَا جُنَّ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ قَرِيبُهُ بِالْمِلْكِ وَيُمْكِنُ وُجُودُ الشَّرْطِ وَهُوَ أَهْلٌ أَيْضًا فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ حُكْمًا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ سَبَبًا بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ حَالَ زَوَالِ الْأَهْلِيَّةِ فَكَانَ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَأَخَّرْنَا الْحُكْمَ مَعَ انْعِقَادِ السَّبَبِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ إلَّا أَنَّهُ وُجِدَ الْمَانِعُ مِنْ السَّبَبِيَّةِ وَهُوَ انْعِقَادُهُ يَمِينًا وَالْيَمِينُ تَصَرُّفٌ آخَرُ يَمْنَعُ الْحُكْمَ لِأَنَّهُ يُعْقَدُ لِلْمَنْعِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ وَالْمَانِعُ مِنْ الشَّرْطِ مَانِعٌ مِنْ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ فَيُضَادُّ وُقُوعَ الْجَزَاءِ وَضِدُّ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لَهُ لِأَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْمُسَبَّبِ فَمَا ظَنُّك إذَا كَانَ مُنَافِيًا لَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا إذَا انْتَقَضَ الْيَمِينُ بِالْحِنْثِ وَأَمْكَنَ جَعْلُهُ سَبَبًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِبَقَاءِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَهَا هُنَا لَمْ يَنْعَقِدْ تَصَرُّفًا آخَرَ فِي الْحَالِ فَبَقِيَ سَبَبًا فِي الْحَالِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحُرِّيَّةِ لَا تَقْبَلُ الْإِبْطَالَ فَكَذَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَسَبَبُهَا كَالِاسْتِيلَادِ وَلِأَنَّهُ وَصِيَّةُ إثْبَاتِ الْخِلَافَةِ فِي مِلْكِهِ لِلْمُوصَى لَهُ مُقَدَّمًا عَلَى الْوَارِثِ فَاعْتُبِرَ سَبَبًا فِي الْحَالِ لِإِثْبَاتِ الْخِلَافَةِ كَالْقَرَابَةِ وَمَا رَوَاهُ حِكَايَةُ حَالٍ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَاعَ مَنْفَعَتَهُ بِأَنْ آجَرَهُ وَالْإِجَارَةُ تُسَمَّى بَيْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت لَك بِرَقَبَتِك) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٌ الْأَقْطَعُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَقَدْ قَالُوا لَوْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ إنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَعْتِقْ رَوَاهُ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ السَّهْمَ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ فَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِسُدُسِ مَالِهِ دَخَلَ سُدُسُ رَقَبَتِهِ فِي الْوَصِيَّةِ فَاسْتَحَقَّ عِتْقَ جُزْءٍ مِنْهَا وَهُوَ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ فَكَانَ مُدَبَّرًا وَإِذَا أَوْصَى بِجُزْءٍ فَالْخِيَارُ إلَى الْوَرَثَةِ وَلَهُمْ أَنْ يُعَيِّنُوا ذَلِكَ فِيمَا شَاءُوا فَلَمْ تَتَضَمَّنْ الْوَصِيَّةُ الرَّقَبَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا إلَى الْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي الْكِتَابَةِ. اهـ. (اعْلَمْ) أَنَّ الْمُدَبَّرَ الْمُقَيَّدَ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا الْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَنَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ وَمَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ كَذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ بَيْعُهُ) وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ غُلَامًا) وَاسْمُهُ يَعْقُوبُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) ابْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةٍ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِسَبْعِمِائَةٍ أَوْ تِسْعِمِائَةٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ) كَدُخُولِ الدَّارِ وَمَجِيءُ رَأْسِ الشَّهْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى يَصِحَّ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ إلَخْ) وَسَائِرُ الْوَصَايَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ حَتَّى يَجُوزَ الرُّجُوعُ عَنْهَا صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فَكَذَا هَذِهِ الْوَصِيَّةُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَ سَبَبًا فِي الْحَالِ) قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قُبَيْلَ بَابِ عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ بِقَوْلِهِ وَفِي الْمُدَبَّرِ يَنْعَقِدُ السَّبَبُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَذَاكَ تَنَاقُضٌ مِنْهُ لَا مَحَالَةَ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ فَإِنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ سَبَبًا فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ فَإِذَا مَاتَ فَحِينَئِذٍ يُجْعَلُ سَبَبًا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَاعَ مَنْفَعَتَهُ) يَعْنِي لَا رَقَبَتَهُ تَوْفِيقًا بَيْنَ حَدِيثِنَا وَحَدِيثِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ فِيهَا بَيْعَ الْمَنْفَعَةِ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَاعَ خِدْمَةَ الْمُدَبَّرِ» ذَكَرَهُ أَبُو الْوَلِيدِ الْمَالِكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَاعَهُ فِي وَقْتٍ كَانَ يُبَاعُ الْحُرُّ بِالدَّيْنِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَاعَ حُرًّا بِدَيْنِهِ» ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ذَكَرَهُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ مَحْضَةٌ بَلْ انْعَقَدَ السَّبَبُ فِيهِ لِلْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ التَّدْبِيرُ بِقَتْلِ الْمُدَبَّرِ سَيِّدَهُ وَلَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى الرُّجُوعَ عَنْهُ بِالْقَوْلِ وَلَوْ كَانَ التَّدْبِيرُ وَصِيَّةً مَحْضَةً لَبَطَلَ وَلَمَلَكَ الرُّجُوعَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسْتَخْدَمُ وَيُؤَجَّرُ وَتُوطَأُ وَتُنْكَحُ) أَيْ يُسْتَخْدَمُ الْمُدَبَّرُ وَيُؤَجَّرُ لِلنَّاسِ وَيَطَأُ الْمَوْلَى الْأَمَةَ الْمُدَبَّرَةَ وَيُزَوِّجُهَا مِنْ إنْسَانٍ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ فِيهِ وَلِهَذَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ وَبِالْمِلْكِ تُسْتَفَادُ وِلَايَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَهِيَ لَا تُبْطِلُ حَقَّ الْمُدَبَّرِ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا تُبْطِلُ حَقَّهُ فِيهِ فَلَا يَمْلِكُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْمَالِيَّةِ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ وَهُوَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَأُمِّ الْوَلَدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَوْتِهِ يُعْتَقُ مِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى يُعْتَقُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ لِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُنَفَّذُ مِنْ الثُّلُثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَعَى فِي ثُلُثَيْهِ لَوْ فَقِيرًا وَكَّلَهُ لَوْ مَدْيُونًا) يَعْنِي سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ الْمَوْلَى فَقِيرًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ وَسَعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَمَحَلُّ نَفَاذِهِ الثُّلُثُ وَلَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُوصَى لَهُ شَيْءٌ إلَّا إذَا أَسْلَمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفَهُ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ نَقْضُهُ مَعْنًى بِرَدِّ قِيمَتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُبَاعُ لَوْ قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ سَفَرِي أَوْ مَرَضِي أَوْ إلَى عَشْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَاعَهُ) أَيْ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى الرُّجُوعَ عَنْهُ بِالْقَوْلِ) وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ بِخِلَافِ سَائِرِ الْوَصَايَا فَإِنَّهَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَلَمْ يَصِحَّ الْقِيَاسُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُبَاعُ لَوْ قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ سَفَرِي إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَمِنْ الْمُقَيَّدِ أَيْ وَمِنْ التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُولَ إنْ مِتّ إلَى سَنَةٍ أَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ السَّنَةِ أَوْ الْعَشْرِ عَتَقَ مُدَبَّرًا وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ السَّنَةِ أَوْ الْعَشْرِ لَا يَعْتِقُ وَمُقْتَضَى الْوَجْهِ كَوْنُهُ لَوْ مَاتَ فِي رَأْسِ السَّنَةِ يَعْتِقُ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَوْلَاهَا تَنَاوَلَ الْكَلَامُ مَا بَعْدَهَا لِأَنَّهُ تَنْجِيزُ عِتْقِهِ فَيَصِير حُرًّا بَعْدَ السَّنَةِ وَالْعَشْرِ فَيَكُونُ لِلْإِسْقَاطِ اهـ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ قَالَ إنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فِي مَرَضِي أَوْ سَفَرِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِأَنَّهُ عُلِّقَ بِمَا لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ فَرُبَّمَا يَرْجِعُ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ وَيَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَفِقْهُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّا إنَّمَا نُوجِبُ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ بِالتَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى قَصْدِهِ الْقُرْبَةَ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ وَهَذَا الْقَصْدُ مِنْهُ يَنْعَدِمُ إذَا عَلَّقَ بِمَوْتِهِ بِصِفَةٍ لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى الْقُرْبَةِ لَا يَخْتَلِفُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَمِنْ غَيْرِهِ فَلِانْعِدَامِ هَذَا الْقَصْدِ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ فَإِنَّ الْقَصْدَ إلَى إيجَابِ الْقُرْبَةِ مُتَحَقِّقٌ هُنَاكَ حِينَ عَلَّقَهُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَلَكِنْ إنْ مَاتَ كَمَا لَوْ قَالَ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ صَحِيحٌ مَعَ انْعِدَامِ الْقَصْدِ إلَى إيجَابِ الْقُرْبَةِ وَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ وَإِنْ بَرَأَ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْعِتْقَ قَدْ انْعَدَمَ فَإِذَا قَالَ أَنْتِ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا لِأَنَّ مَوْتَ فُلَانٍ لَيْسَ بِسَبَبِ الْخِلَافَةِ فِي حَقِّ هَذَا الْمَوْلَى وَوُجُوبُ حَقِّ الْعِتْقِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْخِلَافَةِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ فُلَانًا لَوْ مَاتَ وَالْمَوْلَى حَيٌّ عَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا خِلَافَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَذَلِكَ الرَّجُلُ حَيٌّ صَارَ الْعَبْدُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُدَبَّرًا وَتَجْرِي فِيهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ اهـ فَقَوْلُهُ فَإِذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا اهـ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي خِزَانَتِهِ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ يَصِيرُ بِهَا الْعَبْدُ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا وَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَوْلُهُ إنْ مِتُّ مِنْ سَفَرِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ اهـ وَهُوَ كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ إنْ مَاتَ فُلَانٌ مِنْ التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ وَمَعْنَاهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ وَاحِدٌ فَلَا رَيْبَ يَكُونُ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ مِنْ التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّدْبِيرَ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يُعَلِّقُهُ الْمَوْلَى بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ وَالتَّدْبِيرُ الْمُقَيَّدُ هُوَ الَّذِي يُعَلِّقُهُ الْمَوْلَى بِمَوْتِ نَفْسِهِ عَلَى صِفَةٍ كَإِنْ مِتُّ فِي سَفَرِي هَذَا أَوْ مَرَضِي هَذَا أَوْ بِمَوْتِ غَيْرِهِ كَأَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ أَوْ إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ وَبِاَللَّهِ الْمُسْتَعَانُ اهـ قَالَ الْحَدَّادِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَوْهَرَةِ وَإِنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ قَبْلَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ مُدَبَّرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الْحُرِّيَّةَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ لَا يَعْتِقُ إجْمَاعًا اهـ وَقَوْلُهُ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ أَيْ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ بَلْ هُوَ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ وَقَوْلُهُ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ قَبْلَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ مُدَبَّرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُرِيدُ فَهُوَ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ عِنْدَهُ وَمُقَيَّدٌ عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى قَوْلِهِمَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا قَوْلُهُ فِي دَلِيلِهِمَا لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الْحُرِّيَّةَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَهَذَا كَمَا تَرَى يَنْفِي أَنْ يَكُونَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا وَلَا يَنْفِي أَصْلَ التَّدْبِيرِ وَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا عِنْدَ الْإِمَامِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُبَيْلَ بَابِ الْوَصِيِّ مَا نَصُّهُ وَقِيلَ الرُّجُوعُ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مِنْهَا مَا يَكُونُ رُجُوعًا بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ جَمِيعًا نَحْوُ أَنْ يُوصِيَ لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ قَالَ رَجَعْت كَانَ رُجُوعًا وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ حَتَّى لَوْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ لَا تَكُونُ وَصِيَّةً وَمِنْهَا مَا يَكُونُ رُجُوعًا بِالْقَوْلِ وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا بِالْفِعْلِ نَحْوُ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ قَالَ رَجَعْت صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا بِغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهَا مَا يَكُونُ رُجُوعًا بِالْفِعْلِ وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا بِالْقَوْلِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَهُوَ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ لَوْ قَالَ رَجَعْت عَنْ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ جَازَ بَيْعُهُ وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا

[باب الاستيلاد]

سِنِينَ أَوْ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ وَيُعْتَقُ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ) يَعْنِي إنْ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ بِأَنْ قَالَ إنْ مِتُّ فِي سَفَرِي أَوْ مَرَضِي إلَخْ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ وَيُعْتَقُ إنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْتَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لَيْسَ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ فَلَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَإِذَا انْتَفَى مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْعَدَمِ بَقِيَ تَعْلِيقًا كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ فَلَمْ يَمْنَعْ الْبَيْعَ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُعَلَّقٌ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ فَإِذَا عَتَقَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ عَتَقَ كَمَا يُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ أَعْنِي مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمَّا صَارَتْ مُتَيَقَّنَةً فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ أَخَذَ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ لِزَوَالِ التَّرَدُّدِ وَلَوْ وَقَّتَهُ بِمُدَّةٍ لَا يَعِيشُ مِثْلُهُ إلَيْهَا بِأَنْ قَالَ إنْ مِتُّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ فَهُوَ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلتَّوْقِيتِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى طُولِ الْمُدَّةِ أَوْ قِصَرِهَا كَمَا فِي التَّوْقِيتِ فِي النِّكَاحِ وَالْمُخْتَارُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْغَالِبِ لَا يَعِيشُ إلَيْهِ صَارَ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ وَمِنْ الْمُفِيدِ أَنْ يَقُولَ إذَا مِتُّ وَغُسِّلْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ وَشَيْءٌ آخَرُ بَعْدَهُ وَإِنْ مَاتَ فَفِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يُعْتَقَ مَا لَمْ يُعْتَقْ وَإِنْ غُسِّلَ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْتَقُ بِنَفْسِ الْمَوْتِ انْتَقَلَ إلَى الْوَارِثِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ مِتُّ وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُعْتَقُ لِأَنَّهُ يُغَسَّلُ عَقِيبَ مَوْتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَرَّرَ مِلْكُ الْوَارِثِ فِيهِ فَصَارَ نَظِيرُ تَعْلِيقِهِ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ بِخِلَافِ زِيَادَةِ دُخُولِ الدَّارِ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ بِالْمَوْتِ فَيَتَقَرَّرُ مِلْكُ الْوَارِثِ فِيهِ قَبْلَهُ وَمِنْ الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُول أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ أَوْ بِيَوْمٍ وَمَضَى الشَّهْرُ أَوْ الْيَوْمُ فَهُوَ مُقَيَّدٌ حَتَّى يَمْلِكَ بَيْعَهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ قُلْنَا احْتِمَالُ مَوْتِهِ قَبْلَ الشَّهْرِ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْيَمِينِ فَصَارَ مُقَيَّدًا فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُضِيِّ الشَّهْرِ أَوْ الْيَوْمِ وَلِأَنَّ الْمُدَبَّرِ هُوَ الَّذِي يُعْتَقُ بِمَوْتِ مَوْلَاهُ وَهَذَا يُعْتَقُ قَبْلَهُ فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا وَذُكِرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا مِتُّ أَوْ قُتِلْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَعِنْدَ زُفَرَ يَكُونُ مُدَبَّرًا لِأَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ حَتَّى يُعْتَقَ إذَا مَاتَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا لِأَنَّ عِتْقَهُ عَلَّقَهُ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ فَلَمْ يَكُنْ عَزِيمَةً فِي أَحَدِهِمَا فَلَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. بَابُ الِاسْتِيلَادِ وَهُوَ طَلَبُ الْوَلَدِ لُغَةً وَفِي الشَّرْعِ طَلَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِلْأَمَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ وَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي خُرِجَ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْفِعْلِ نَحْوُ أَنْ يُدَبِّرَ عَبْدَهُ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ لَا قَوْلًا وَلَا فِعْلًا اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الصِّفَةَ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ ظَاهِرٌ فِي قَوْلِهِ إنْ مِتّ مِنْ سَفَرِي أَوْ مَرَضِي أَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ لَا فِي قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ فَتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ هُوَ الْأَوَّلُ) أَخَذَهُ مِنْ الِاخْتِيَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْغَالِبِ لَا يَعِيشُ إلَيْهِ صَارَ كَالْكَائِنِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمِنْ الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُولَ إنْ مِتّ إلَى سَنَةٍ أَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا فِي الْغَالِبِ لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُنْتَقَى وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي نَوَازِلِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذَا مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَقَالَ الْحَسَنُ هُوَ مُدَبَّرٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ قَالَ الْفَقِيهُ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ الَّذِي قَالُوا فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ قَالَ الْحَسَنُ جَازَ النِّكَاحُ لِأَنَّهُمَا لَا يَعِيشَانِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إلَى هُنَا لَفْظُ النَّوَازِلِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ رِوَايَةَ الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قُبَيْلَ بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ قَالَ إذَا ذَكَرَا مُدَّةً لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهَا جَازَ النِّكَاحُ وَيَلْغُو ذِكْرُ الْمُدَّةِ وَاخْتَارَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ مِتّ إلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ لِأَنَّهُ يَتَصَوَّرُ أَنْ لَا يَمُوتَ إلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ مُوَقَّتٌ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَعِيشَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا فِي الْغَالِبِ لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ فَيَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ قَاضِي خَانْ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ التَّعْيِينِ وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ ذِكْرُ مَا لَا يَعِيشُ إلَيْهِ غَالِبًا تَأْبِيدٌ مَعْنًى وَهُوَ كَالْخِلَافِ فِي النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ إذَا سَمَّيَا مُدَّةً لَا يَعِيشَانِ إلَيْهَا غَالِبًا صَحَّ النِّكَاحُ عِنْدَ الْحَسَنِ لِأَنَّهُ تَأْبِيدٌ مَعْنًى وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ تَوْقِيتٌ فَلَا يَصِحُّ وَالْمُصَنِّفُ كَالْمُنَاقِضِ فَإِنَّهُ فِي النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا وَأَبْطَلَ بِهِ النِّكَاحَ وَهُنَا جَعَلَهُ تَأْبِيدًا مُوجِبًا لِلتَّدْبِيرِ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَعْتِقْ) أَيْ تَعْتِقُهُ الْوَرَثَةُ اهـ (قَوْلُهُ قُلْنَا) أَيْ قُلْنَا لَمْ يُوجَدْ تَعْلِيقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ قَبْلَ شَهْرٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِشَرْطٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ قِيلَ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ وَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ وَهُوَ كَانَ صَحِيحًا فَيَعْتِقُ مَنْ وَكَّلَهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ قَبْلَ مَوْتِهِ. اهـ. فَتْحٌ [بَابُ الِاسْتِيلَادِ] (اعْلَمْ) أَنَّ مُنَاسَبَةَ بَابِ الِاسْتِيلَادِ بِبَابِ التَّدْبِيرِ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ فِي الْحَالِ وَحَقِيقَتُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَمَّا كَانَ التَّدْبِيرُ

مِنْ الْعُمُومِ إلَى الْخُصُوصِ كَالتَّيَمُّمِ وَالْحَجِّ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الْقَصْدِ لُغَةً وَقَدْ صَارَ فِي الْعُرْفِ لِقَصْدٍ مَخْصُوصٍ وَنَظِيرُهُ الْبَيْتُ وَالْكَعْبَةُ وَالنَّجْمُ وَالرِّبَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَدَتْ أَمَةٌ مِنْ السَّيِّدِ لَمْ تُمْلَكْ) أَيْ إذَا وَلَدَتْ أَمَةٌ مِنْ مَوْلَاهَا لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ وَطِئَ أَمَةً فَوَلَدَتْ لَهُ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَعَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «ذُكِرَتْ أُمُّ إبْرَاهِيمَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَقَالَ لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ يَسْتَمْتِعُ مِنْهَا السَّيِّدُ مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْمَاءَيْنِ قَدْ اخْتَلَطَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ إلَّا أَنَّ بَعْدَ الِانْفِصَالِ تَبْقَى الْجُزْئِيَّةُ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فَضَعُفَ السَّبَبُ فَأَوْجَبَ حُكْمًا مُؤَجَّلًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَبَقَاءُ الْجُزْئِيَّةِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ وَهُوَ مِنْ جَانِبِ الرِّجَالِ فَكَذَا الْحُرِّيَّةُ تَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ لَا فِي حَقِّهِنَّ حَتَّى لَوْ مَلَكَتْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا بَعْد مَا وَلَدَتْ مِنْهُ جَازَ لَهَا بَيْعُهُ وَلَا يُعْتَقُ بِمَوْتِهَا وَبِثُبُوتِ عِتْقٍ مُؤَجَّلٍ يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَيُوجِبُ عِتْقُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهَا مَمْلُوكًا لَهُ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ إذَا أَمْكَنَ تَكْمِيلُهُ إذْ هُوَ فَرْعُ النَّسَبِ فَيُعْتَبَرُ بِأَصْلِهِ وَقَالَ بِشْرٌ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا تُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ بَيْعَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرْذَعِيِّ شَيْخِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ خَرَجَ حَاجًّا مِنْ بَرْذَعَةَ فَوَصَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَغْدَادَ فَرَأَى بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَوْمًا جَلَسُوا لِلنَّظَرِ وَفِيهِمْ دَاوُد فَسَأَلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْسَبُ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعِتْقَ بِإِيجَابِ اللَّفْظِ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ وَالِاسْتِيلَادُ مَصْدَرُ اسْتَوْلَدَ أَيْ طَلَبَ الْوَلَدَ وَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ خُصُوصٌ وَهُوَ طَلَبُ وَلَدِ أَمَتِهِ أَيْ اسْتِلْحَاقُهُ أَيْ بَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ هَذَا الِاسْتِلْحَاقِ الثَّابِتَةِ فِي الْأُمِّ اهـ مِنْ شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ وَالْكَمَالِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَوْلُهُ الِاسْتِيلَادُ قَالَ الْكَمَالُ أَصْلُهُ اسْتَوْلَدَ وَمِثْلُهُ يَجِبُ قَلْبُ وَاوِهِ يَاءً كَمِيعَادٍ وَمِيزَانٍ وَمِيقَاتٍ فَصَارَا اسْتِيلَادًا وَأُمُّ الْوَلَدِ تَصْدُقُ لُغَةً عَلَى الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ لَهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ وَغَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ الْأَمَةُ الَّتِي يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ مَالِكِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ طَلَبُ الْوَلَدِ لُغَةً وَأُمُّ الْوَلَدِ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْغَالِبَةِ عَلَى بَعْضِ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَالنَّجْمِ لَلثُّرَيَّا وَالصَّعِقِ لِخَالِدِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كِلَابٍ وَهَذَا فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِمَنْ أَصَابَتْهُ الصَّاعِقَةُ ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ وَفِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الشَّرْعِ أُمُّ الْوَلَدِ كُلُّ مَمْلُوكَةٍ ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ مَالِكٍ لَهَا أَوْ مَالِكٍ لِبَعْضِهَا وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ تَابِعٌ لِثَبَاتِ النَّسَبِ فَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ اهـ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ قَارِبٍ قَالَ اشْتَرَى ابْنَيْ أَمَةٍ مِنْ رَجُلٍ قَدْ أُسْقِطَتْ مِنْهُ فَأَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِرَدِّهَا وَقَالَ أَبَعْدَ مَا اخْتَلَطَتْ لُحُومُكُمْ بِلُحُومِهِنَّ وَدِمَاؤُكُمْ بِدِمَائِهِنَّ. اهـ. (قَوْلُهُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ) أَيْ بِحَيْثُ يُضَافُ الْوَلَدُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا وَلِهَذَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ فَصَارَتْ أُصُولُهُ وَفُرُوعُهُ كَأُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا وَبِالْعَكْسِ فَلَمَّا كَانَ الْوَلَدُ مُضَافًا إلَى الْوَاطِئِ صَارَتْ الْجَارِيَةُ أَيْضًا مُضَافَةً إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ وَلَدٍ مُضَافٍ إلَيْهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» أَيْ صَارَ الْوَلَدُ مُعْتِقًا لَهَا بِنَسَبِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَأَمَّا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا إخْرَاجُهَا مِنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَيَجُوزُ إعْتَاقُهَا وَتَدْبِيرُهَا وَكِتَابَتُهَا وَوَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا ثَبَتَ قَوْلُهُ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ إلَى الْمَوْتِ إجْمَاعًا وَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى مَجَازِ الْأَوَّلِ فَثَبَتَ فِي الْحَالِ بَعْضُ مُوَاجَبِ الْعِتْقِ مِنْ امْتِنَاعِ تَمْلِيكِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ فِي بَابِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ اهـ (قَوْلُهُ فَضَعُفَ السَّبَبُ) أَعْنِي سَبَبَ الْعِتْقِ وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ بَيْنَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَأَوْجَبَ حُكْمًا مُؤَجَّلًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ) أَيْ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا فِي الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْعِتْقُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ الْحُرِّيَّةَ فَلَوْ جَازَ بَيْعُهَا لَبَطَلَ اسْتِحْقَاقُهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَبَقَاءُ الْجُزْئِيَّةِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَتْ الْجُزْئِيَّةُ حُكْمًا بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَذَا الْحُرِّيَّةُ) بِالْحَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْجُزْئِيَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ بِالْحَاءِ أَصَحُّ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ كَمَا تَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ كَذَلِكَ تَثْبُتُ فِي حَقِّهِنَّ بَلْ فِي حَقِّهِنَّ أَوْلَى لِأَنَّ الْوَلَدَ يُقْرِضُ مِنْهُنَّ بِالْمِقْرَاضِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ تَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ لَا فِي حَقِّهِنَّ وَالْمَعْنَى عَلَى تَقْدِيرِ الْحَاءِ تَثْبُتُ حُرِّيَّةُ النِّسَاءِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَلَا تَثْبُتُ حُرِّيَّةُ الرِّجَالِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْجِيمِ مَعْنَاهُ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ بِالنَّسَبِ فِي حَقِّهِمْ لَا فِي حَقِّهِنَّ إذْ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ اهـ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَبِثُبُوتِ عِتْقٍ مُؤَجَّلٍ) يَعْنِي قَدْ ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا عِتْقٌ مُؤَجَّلٌ وَيَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ عِتْقِهَا مُؤَجَّلًا أَنْ يَثْبُتَ لَهَا فِي الْحَالِ حَقُّ الْعِتْقِ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهَا وَإِخْرَاجُهَا إلَّا إلَى الْحُرِّيَّةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ ثُبُوتُ الْعِتْقِ الْمُؤَجَّلِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ثَابِتٍ فِي قَوْلِهِ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتَ حُرٌّ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ الْبَيْعُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَهُ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ثُبُوتِ الْعِتْقِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومِ الْوُقُوعِ ثُبُوتُ اسْتِحْقَاقِهَا فِي الْحَالِ بَلْ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَالْحَقُّ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا فِي الْحَالِ لِلْعِتْقِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ إلَّا حُكْمُ النَّصِّ حَيْثُ صَرَّحَ النَّصُّ بِأَنَّهُنَّ لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ لِمَعْنَى الْجُزْئِيَّةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا يَتَجَزَّأُ إذَا أَمْكَنَ تَكْمِيلُهُ) كَمَا فِي الْقِنَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ بِشْرٌ) الَّذِي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَاَلَّذِي فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ وَهُمَا شَخْصٌ وَاحِدٌ لَا شَخْصَانِ كَمَا يُظَنُّ وَبِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ الْمَرِيسِيِّ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي يُوسُفَ خَاصَّةً وَلَهُ تَصَانِيفُ وَرِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَكَانَ مُعْتَزِلِيًّا وَرَغَّبَ النَّاسَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَذُمُّهُ اهـ (قَوْلُهُ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرْذَعِيِّ) تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الدَّقَّاقِ وَعَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ

حَنَفِيٌّ عَنْ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَقَالَ يَجُوزُ بَيْعُهَا لِأَنَّ بَيْعَهَا كَانَ جَائِزًا قَبْلَ الْعُلُوقِ بِالْإِجْمَاعِ فَنَحْنُ عَلَى هَذَا الْإِجْمَاعِ حَتَّى يَنْعَقِدَ إجْمَاعٌ آخَرُ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالْيَقِينِ لَا يَزُولُ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ فَتَحَيَّرَ الْحَنَفِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْقِيَاسَ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ الْيَقِينَ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَجْمَعْنَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهَا بَعْدَ الْعُلُوقِ فَإِنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا حُرًّا فَنَحْنُ عَلَى هَذَا الْإِجْمَاعِ حَتَّى يَنْعَقِدَ إجْمَاعٌ آخَرُ فَتَحَيَّرَ دَاوُد وَانْقَطَعَ فَلَمَّا رَأَى وَهَنَهُ وَوَهَنَ أَصْحَابِهِ فِي الْفِقْهِ تَرَكَ الْخُرُوجَ إلَى الْحَجِّ وَجَلَسَ لِلتَّدْرِيسِ فَاجْتَمَعَ أَصْحَابُ دَاوُد عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى سَمِعَ لَيْلَةً مُنَادِيًا يَقُولُ {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد: 17] فَمَا لَبِثَ سَاعَةً أَنْ قَرَعَ إنْسَانٌ بَابَهُ وَأَخْبَرَهُ بِمَوْتِ دَاوُد فَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُوطَأُ وَتُسْتَخْدَمُ وَتُؤَجَّرُ وَتُزَوَّجُ) لِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَوِلَايَةُ هَذَا التَّصَرُّفِ تُسْتَفَادُ بِهِ فَصَارَتْ كَالْمُدَبَّرِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إذَا اعْتَرَفَ بِالْوَطْءِ وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا بَعْدَ وَطْئِهَا بِحَيْضَةٍ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ بِالْعَقْدِ فَلَأَنْ يَثْبُتَ بِالْوَطْءِ وَأَنَّهُ أَقْوَى إفْضَاءً أَوْلَى وَلَنَا أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ يُقْصَدُ بِهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ لِوُجُودِ مَا يَمْنَعُ مِنْ الْوَلَدِ وَهُوَ سُقُوطُ تَقَوُّمِهَا أَوْ نُقْصَانُ قِيمَتِهَا أَوْ الِاسْتِنْقَاصُ بِأَوْلَادِ الْأَمَةِ عَادَةً أَوْ خَسَاسَةُ الْمَحَلِّ فَإِنَّ النُّفُوسَ الْأَبِيَّةَ تَسْتَنْكِفُ عَنْ وَطْئِهِنَّ فَضْلًا عَنْ طَلَبِ الْوَلَدِ مِنْهُنَّ وَإِنَّمَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ لِبَعْضِ النَّاسِ لِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ وَالْقِيَاسُ عَلَى النِّكَاحِ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ التَّوَالُدُ وَلِهَذَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا لِوُجُودِ الْفِرَاشِ الْقَوِيِّ وَلِهَذَا لَا يَنْفَرِدُ بِالْعَزْلِ وَالِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ لَا يُفِيدُ لِأَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ عِنْدَهُ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي اشْتِرَاطِهِ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ لَهُ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا فَحَمَلَتْ فَقَالَ لَيْسَ مِنِّي إنِّي أَتَيْتهَا إتْيَانًا لَا أُرِيدُ بِهِ الْوَلَدَ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ عَنْ جَارِيَتِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ أَسْوَدَ فَشَقَّ عَلَيْهِ فَقَالَ مِمَّنْ هُوَ فَقَالَتْ مِنْ رَاعِي الْإِبِلِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَوْ اعْتَرَفَ بِالْحَمْلِ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِهِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا بَعْد مَا اسْتَبَانَ خَلْقُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ لَمْ يَثْبُتْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ ثَبَتَ بِلَا دَعْوَةٍ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا بَعْدَ الْأَوَّلِ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى الْوَلَدَ الْأَوَّلَ تَعَيَّنَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا مِنْهَا فَصَارَتْ فِرَاشًا لَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَصَارَتْ كَالْمَنْكُوحَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى أَوْ مَاتَ عَنْهَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ هَذَا إذَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِوَطْءِ أُمِّهَا وَنَحْوِهِ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِالدَّعْوَةِ لِانْقِطَاعِ الْفِرَاشِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَانْتَفَى بِنَفْيِهِ) أَيْ انْتَفَى نَسَبُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ بَعْدَ مَا اعْتَرَفَ بِالْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ حَتَّى يَمْلِكَ نَقْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ حَيْثُ لَا يَنْتَفِي نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا بِاللِّعَانِ لِتَأَكُّدِ الْفِرَاشِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِالتَّزْوِيجِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ فَقَالَ إنَّمَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهِ أَوْ لَمْ يَتَطَاوَلْ ذَلِكَ فَأَمَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِهِ فَقَدْ لَزِمَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ وَكَذَا بَعْدَ التَّطَاوُلِ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ دَلِيلُ الْإِقْرَارِ مِنْ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ كَالتَّصْرِيحِ بِالْإِقْرَارِ وَمُدَّةُ التَّطَاوُلِ مَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ اللِّعَانِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ وَلَوْ أَعْتَقَهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ إلَى سَنَتَيْنِ لَزِمَهُ وَلَا يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ لِأَنَّ فِرَاشَهَا قَدْ تَأَكَّدَ بِالْحُرِّيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ نَقْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ وَلَزِمَ لِمَا قُلْنَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقِرَّ بِنَسَبِ وَلَدِ الْجَارِيَةِ فِي الْحُكْمِ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا وَحَصَّنَهَا وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ وَيَدَّعِيَ أَنَّهُ مِنْهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا لَا سِيَّمَا عِنْدَ التَّحْصِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي طَبَقَاتِهِ فِي كِتَابِ الْأَنْسَابِ الْبَرْذَعِيُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي آخِرِهَا الْعَيْنُ نِسْبَةٌ إلَى بَرْذَعَةَ قَرْيَةٌ بِأَقْصَى أَذْرَبِيجَانَ كَذَا قَيَّدَهُ السَّمْعَانِيُّ وَالذَّهَبِيُّ وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُعْجِمُ الذَّالَ نِسْبَةٌ إلَى أَبِي سَعِيدٍ الْبَرْذَعِيِّ اسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ تَقَدَّمَ قُلْت وَالْبَرْذَعِيُّ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ نِسْبَةٌ إلَى بَرْذعَةِ الدَّابَّةِ وَهِيَ نِسْبَةُ الْحَسَنِ بْنِ صَفْوَانَ صَاحِبِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَنَحْنُ عَلَى هَذَا حَتَّى يَنْعَقِدَ إجْمَاعٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ دَاوُد) وَكَانَ لَهُ أَنْ يُجِيبَ وَيَقُولُ الزَّوَالُ كَانَ بِمَانِعٍ عَرَضَ وَهُوَ قِيَامُ الْوَلَدِ الْحُرِّ فِي بَطْنِهَا وَزَالَ بِانْفِصَالِهِ فَعَادَ مَا كَانَ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَثْبُتَ الْمُزِيلُ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَتَزَوَّجَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ إلَخْ) وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَوِّجَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ وَهَذَا الِاسْتِبْرَاءُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ مُسْتَحَبٌّ كَاسْتِبْرَاءِ الْبَائِعِ وَلَوْ زَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مِنْ الْمَوْلَى وَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ الْوَلَدُ وَقَدْ يُقْصَدُ بِهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ عَنْ طَلَبِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَوْلَدَهَا يَسْقُطُ عَنْهَا التَّقَوُّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَنْتَقِصُ قِيمَتُهَا عِنْدَهُمَا فَلِمَا كَانَ وَطْءُ الْأَمَةِ مُحْتَمَلًا لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ الْوَطْءِ دَلِيلًا عَلَى الْفِرَاشِ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ بِلَا دَعْوَةٍ لِمُجَرَّدِ مِلْكِ الْيَمِينِ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ سُقُوطُ تَقَوُّمِهَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ نُقْصَانُ قِيمَتِهَا) أَيْ عِنْدَ صَاحِبَيْهِ لِأَنَّ قِيمَتَهَا ثُلُثُ قِيمَةِ الْقِنِّ لِزَوَالِ مَنْفَعَةِ السِّعَايَةِ وَالْبَيْعِ وَبَقَاءِ مَنْفَعَةِ الْوَطْءِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ ثَبَتَ بِلَا دَعْوَةٍ) أَيْ اعْتِرَافٍ مِنْهُ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْمَوْلَى الْوِلَادَةَ فَشَهِدَتْ عَلَيْهَا امْرَأَةٌ جَازَ ذَلِكَ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ تَعَيَّنَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا) أَيْ وَلَمْ يَبْقَ احْتِمَالُ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ لَا يَكُونَ وَلَدُهَا مِنْ الزِّنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا سِيَّمَا عِنْدَ التَّحْصِينِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْ التَّحْصِينِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ وَعَنْ مَظَانِّ الرِّيبَةِ وَالْعَزْلُ أَنْ يَطَأَهَا وَلَا يَنْزِلُ فِي مَوْضِعِ

وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ حِفْظِهَا عَمَّا يُوجِبُ رِيبَةَ الزِّنَا وَعِنْدَ عَدَمِ الْعَزْلِ وَقَدْ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ فِيمَا لَا يُعْلَمُ حَقِيقَتُهُ وَاجِبٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُحَصِّنْهَا أَوْ عَزَلَ عَنْهَا فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نَفْيُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الزِّنَا يُعَارِضُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ وَهُوَ الْعَزْلُ أَوْ عَدَمُ التَّحْصِينِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدَّعِيَهُ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يَعْزِلْ حَصَّنَهَا أَوْ لَمْ يُحَصِّنْهَا حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَظْهَرُ عَقِيبَ سَبَبٍ يُحَالُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ وَفِي الْإِيضَاحِ ذُكِرَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ وَفِي الْمَبْسُوطِ بِلَفْظِ الْوُجُوبِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ نَسَبَهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْهُ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتِقَ الْوَلَدَ وَيَسْتَمْتِعَ بِالْأُمِّ ثُمَّ يَعْتِقَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّ اسْتِلْحَاقَ نَسَبِ وَلَدٍ لَيْسَ مِنْهُ لَا يَحِلُّ شَرْعًا فَيُحْتَاطُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَتَقَتْ بِمَوْتِهِ مِنْ كُلِّ مَالِهِ وَلَمْ تَسَعْ لِغَرِيمٍ) أَيْ عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلَا يَلْزَمُهَا السِّعَايَةُ لِغَرِيمٍ وَلَا لِوَارِثٍ لِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ لِمَا أَنَّ قِوَامَهُ بِالنَّسْلِ مَعْنًى كَمَا أَنَّ قِوَامَهُ بِالْأَكْلِ حَقِيقَةً وَحَاجَتُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ كَحَاجَتِهِ إلَى التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ وَلِأَنَّهَا لَا تَتَقَوَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا لَا يَتَقَوَّمُ كَالْقِصَاصِ حَتَّى إذَا قُتِلَ الْمَدِينُ وَوَجَبَ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ أَوْ قُتِلَ لَهُ وَلِيٌّ وَوَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ مَاتَ الْمَدِينُ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلهُ أَوْ قَتَلَ هُوَ رَجُلًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَلِأَوْلِيَائِهِ أَنْ يَقْتُلُوا الْقَاتِلَ أَوْ يَعْفُوا عَنْهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَكَذَا لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ أَنْ يَقْتُلُوا الْغَرِيمَ وَإِنْ أَدَّى إلَى بُطْلَانِ حَقِّهِمْ فِي هَذَا كُلِّهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ سَعَتْ فِي قِيمَتِهَا) وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا تَكُونُ مُكَاتَبَةً فَلَا تُؤَدِّي السِّعَايَةُ إلَى الْأَضْرَارِ بِالْمَوْلَى وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُعْتَقُ لِلْحَالِ وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا وَهَذَا خِلَافٌ فِيمَا إذَا عَرَضَ عَلَى الْمَوْلَى الْإِسْلَامَ فَأَبَى لَهُ أَنْ فِي اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا ذُلًّا وَإِزَالَةُ ذُلِّ الْكَافِرِ عَنْ الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ وَذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْ الْعِتْقِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْأَوَّلُ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي وَلَنَا أَنَّهُ تَعَذَّرَ إبْقَاؤُهَا فِي مِلْكِ الْمَوْلَى وَيَدِهِ وَتُعَدُّ إزَالَةُ مِلْكِ الذِّمِّيِّ مَجَّانًا لِأَنَّ مِلْكَهُ مُحْتَرَمٌ فَيَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ كَمَا فِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ وَهَذَا لِأَنَّ الذُّلَّ فِي الِاسْتِخْدَامِ قَهْرًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَذَا يَزُولُ بِالِاسْتِسْعَاءِ لِأَنَّهَا تَخْرُجُ عَنْ يَدِهِ وَتَكُونُ حُرَّةً يَدًا أَوْ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهَا وَنَفْسِهَا، وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الذِّمِّيِّ وَاجِبٌ أَيْضًا فَلَوْ قُلْنَا بِزَوَالِ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ بِبَدَلٍ فِي ذِمَّةِ مُفْلِسِهِ وَالْمَالُ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ كَالتَّاوِي بَلْ هُوَ تَاوٍ لِأَنَّهَا تَتَوَانَى وَلَا تَنْشَطُ عَلَى الِاكْتِسَابِ بَعْدَ حُصُولِ الْحُرِّيَّةِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تُعْتَقْ لِأَنَّهَا تَنْشَطُ وَتَجْهَدُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَالِ لِتَنَالَ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ فَكَانَ ضَرَرًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إزَالَتِهَا عَنْ مِلْكِهِ بِلَا بَدَلٍ وَلَا يُقَالُ هِيَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ لِأَنَّا نَقُولُ وُجُوبُ السِّعَايَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَوُّمُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يُتَقَوَّمُ وَمَعَ هَذَا لَوْ عَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ انْقَلَبَ نَصِيبُ الْبَاقِينَ مَالًا لِلتَّعَذُّرِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ وَلِأَنَّهَا تَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ وَكِتَابَةُ أُمِّ الْوَلَدِ جَائِزَةٌ لِتَعْجِيلِ عِتْقِهَا قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهَا وَلِأَنَّ الذِّمِّيَّ يَعْتَقِدُ مَالِيَّتَهَا فَيُتْرَكُ عَلَى مَا يَعْتَقِدُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَوْ مَاتَ مَوْلَاهَا عَتَقَتْ بِلَا سِعَايَةٍ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَلَوْ عَجَزَتْ لَا تُرَدُّ إلَى مَا كَانَتْ لِأَنَّهَا لَوْ رُدَّتْ لَأُعِيدَتْ مُكَاتَبَةً لِقِيَامِ الْمُوجِبِ مَا لَمْ يُسْلِمْ مَوْلَاهَا وَالْمُدَبَّرُ فِي هَذَا كَأُمِّ الْوَلَدِ حَتَّى إذَا أَسْلَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُجَامَعَةِ أَمَّا إذَا وَطِئَهَا وَعَزَلَ أَوْ وَطِئَهَا وَلَمْ يَعْزِلْ لَكِنْ لَمْ يُحَصِّنْهَا جَازَ لِلْمَوْلَى نَفْيُ الْوَلَدِ لِتَعَارُضِ الظَّاهِرَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ الزِّنَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَالْعَزْلُ أَوْ عَدَمُ التَّحْصِينِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَا فَوَقَعَ الشَّكُّ وَالِاحْتِمَالُ فِي كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْ الْمَوْلَى فَلَمْ تَلْزَمْهُ الدَّعْوَةُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتِقَ الْوَلَدَ) يَعْنِي لِئَلَّا يَسْتَرِقَهُ بِالشَّكِّ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهَا السِّعَايَةُ لِغَرِيمٍ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ مَدْيُونًا مُسْتَغْرِقًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا لِوَارِثٍ لِمَا رَوَيْنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا». اهـ. (قَوْلُهُ كَالْقِصَاصِ) يَعْنِي إذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ وَهُوَ مَدْيُونٌ فَلَيْسَ لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ أَخْذُ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِدَيْنِهِمْ لِاسْتِيفَاءِ دُيُونِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ سَعَتْ فِي قِيمَتِهَا) قَالَ الرَّازِيّ وَهَذِهِ السِّعَايَةُ إنَّمَا تَجِبُ نَظَرًا إلَى اعْتِقَادِ الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ مَالٌ عِنْدَهُ كَالْخَمْرِ اهـ وَهِيَ أَيْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لَا تَعْتِقُ حَتَّى تُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ. اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ زُفَرُ تَعْتِقُ لِلْحَالِ أَيْ لِحَالِ إبَاءِ مَوْلَاهَا الْإِسْلَامَ وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا تُطَالَبُ بِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ إنْ أَسْلَمَ عِنْدَ الْعَرْضِ فَهِيَ عَلَى حَالِهَا بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهَا اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ سَعَتْ فِي قِيمَتِهَا مَا نَصُّهُ وَهِيَ ثُلُثَا قِيمَتِهَا قِنَّةً اهـ (قَوْلُهُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا عَرَضَ عَلَى الْمَوْلَى الْإِسْلَامَ) فَإِنْ أَسْلَمَ تَبْقَى عَلَى حَالِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْ الْعِتْقِ) الَّذِي فِي الْكَافِي وَتَبِعَهُ فِيهِ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ وَذَا بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِعْتَاقِ وَعَدَلَ الشَّارِحُ عَنْ لَفْظِ الْإِعْتَاقِ إلَى الْعِتْقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ تَعَذَّرَ إبْقَاؤُهَا فِي مِلْكِ الْمَوْلَى وَيَدِهِ) يَعْنِي بَعْدَ إسْلَامِهَا وَإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ كَانَ) جَوَابُ قَوْلِهِ فَلَوْ قُلْنَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إزَالَتِهَا عَنْ مِلْكِهِ بِلَا بَدَلٍ) فَلِهَذَا لَا تَعْتِقُ مَا لَمْ تُؤَدِّ السِّعَايَةَ وَهَذَا إشْكَالٌ لَهُمَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَقَوُّمِ أُمِّ الْوَلَدِ حَيْثُ وَجَبَتْ السِّعَايَةُ وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُزَالُ بِلَا بَدَلٍ كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ وَالْعُذْرُ لَهُ أَنَّ الذِّمِّيَّ يَعْتَقِدُ فِيهَا الْمَالِيَّةَ وَالتَّقَوُّمَ وَيُحْرِزُهَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ جَوَازَ يَبِعْهَا وَإِنَّمَا يُبْنَى الْحُكْمُ فِي حَقِّهِمْ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ كَمَا فِي مَالِيَّةِ الْخَمْرِ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا مُحْتَرَمٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَقَدْ احْتَبَسَ عِنْدَهُمَا لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهَا عِنْدَ الِاحْتِبَاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا مُتَقَوِّمًا كَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ ثُمَّ إذَا احْتَبَسَ نَصِيبُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عِنْدَ الْقَاتِلِ بِعَفْوِ الْآخَرِ يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الذِّمِّيَّ يَعْتَقِدُ مَالِيَّتَهَا) أَيْ حَتَّى يَعْتَقِدَ جَوَازَ بَيْعِهَا. اهـ.

مُدَبَّرُ النَّصْرَانِيِّ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَلَدَتْ بِنِكَاحٍ فَمَلَكَهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) أَيْ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ عِنْدَنَا وَلَهُ فِيهَا قَوْلَانِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» شَرَطَ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ لَهَا أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ مِنْ سَيِّدِهَا وَهَذِهِ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجِهَا لَا مِنْ سَيِّدِهَا وَلِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِرَقِيقٍ فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ كَمَا لَوْ عَلِقَتْ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ مَلَكَهَا الزَّانِي وَهَذَا لِأَنَّ ثُبُوتَ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ عُلُوقِ الْوَلَدِ حُرًّا لِأَنَّهُ جُزْءُ الْأُمِّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْجُزْءُ لَا يُخَالِفُ الْكُلَّ وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْئِيَّةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَالْجُزْئِيَّةُ تَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ الْوَلَدِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا وَقَدْ ثَبَتَ النَّسَبُ فَتَثْبُتُ الْجُزْئِيَّةُ بَيْنَهُمَا بِوَاسِطَةِ انْتِسَابِ الْوَلَدِ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ وَلَدِ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا نِسْبَةَ لَهُ إلَى الزَّانِي نَظِيرُهُ مَنْ اشْتَرَى أَخَاهُ مِنْ أَبِيهِ أَوْ عَمِّهِ مِنْ الزِّنَا حَيْثُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ نِسْبَتِهِ إلَى الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ وَإِنَّمَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَدُهُ مِنْ الزِّنَا بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ حَقِيقَةً بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ بِخِلَافِ الْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ قَبْلَ الْمِلْكِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَغْوٌ شَرْعًا إذْ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ بَعْدَ الْمِلْكِ وَهَذَا النَّسَبُ مُتَقَرِّرٌ شَرْعًا وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا ذُكِرَ مِنْ جُزْئِيَّةِ الْجَنِينِ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حَقُّ الْعِتْقِ وَلَا حَقِيقَتُهُ وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ الِاتِّصَالِ بِهَا لَثَبَتَتْ وَلَا حُجَّةَ لَهُ بِمَا رُوِيَ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْعُلُوقَ وُجِدَ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مِلْكِ الْقَرِيبِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِعِتْقِهِ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا فِي مِلْكِهِ وَفِيمَا إذَا وَلَدَتْ بِالزِّنَا خِلَافَ زُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا وَلَوْ طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَأَوْلَادَهَا كُلَّهُمْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيُعْتَقُ وَلَدُهَا مِنْهُ وَوَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْحَادِثِ فِي مِلْكِهِ حَيْثُ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ أُمِّهِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الْأَبُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ عُقْرُهَا وَلَا قِيمَةُ وَلَدِهَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي النِّكَاحِ وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ دَعْوَةِ الْأَبِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةُ التَّمَلُّكِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ حَتَّى لَوْ حَبِلَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِ الِابْنِ أَوْ حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مِلْكِهِ أَوْ جُنَّ الْأَبُ أَوْ كَانَ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا فَأَفَاقَ أَوْ عَتَقَ أَوْ أَسْلَمَ فَجَاءَتْ بِوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْأَبِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الِابْنُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الِابْنُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَا يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ وَيُعْتَقُ الْوَلَدُ عَلَى الِابْنِ لِزَعْمِهِ أَنَّهُ مَلَكَ أَخَاهُ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدِ الِابْنِ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْأَبِ لِعَدَمِ قَبُولِ النَّقْلِ إلَى مِلْكِ الْأَبِ وَلَوْ وَطِئَ أَبُ الْأَبِ مَعَ قِيَامِ وِلَايَةِ الْأَبِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ حَالَ قِيَامِ وِلَايَةِ الْأَبِ وَإِنْ زَالَتْ وِلَايَةُ الْأَبِ بِالْمَوْتِ أَوْ الرِّقِّ أَوْ الْكُفْرِ أَوْ الْجُنُونِ تَصِحُّ دَعْوَةُ الْجَدِّ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ لِلْجَدِّ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَبِ وَقَدْ وُجِدَ حَتَّى لَوْ لَمْ يُوجَدْ مِلْكُ الْحَافِدِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمُدَّةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْجَدُّ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ فِي بَعْضِهَا لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ادَّعَى وَلَدَ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ) لِاحْتِيَاجِ الْوَلَدِ إلَى النَّسَبِ لِأَنَّهُ صَادَفَ مِلْكَهُ فِي النِّصْفِ فَتَصِحُّ دَعْوَتُهُ فِيهِ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ فِيهِ فَإِذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ فِيهِ ثَبَتَ فِي الْبَاقِي ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ لِمَا أَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْعُلُوقُ إذْ الْوَاحِدُ لَا يُخْلَقُ مِنْ مَاءِ رَجُلَيْنِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّعْوَى فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَصِيرُ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ إذْ هُوَ قَابِلٌ لِلتَّمَلُّكِ إذْ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ قَبْلُ كَالتَّدْبِيرِ وَغَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَزِمَهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ تَمْلِكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ لَمَّا اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْعُلُوقِ لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ ثَبَتَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْعِتْقِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِصْفُ عَقْرِهَا) أَيْ لَزِمَهُ نِصْفُ عُقْرِهَا لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً إذْ مِلْكُهُ ثَبَتَ بَعْدَ الْوَطْءِ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَتَعَقَّبُهُ الْمِلْكُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِخِلَافٍ الْأَبِ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ يَثْبُتُ شَرْطًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَتَقَدَّمُهُ فَصَارَ وَاطِئًا مِلْكَ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَالَهُ مِنْ الْحَقِّ لَا يَكْفِي لِلِاسْتِيلَادِ لِأَنَّهُ حَقُّ تَمَلُّكٍ لَا حَقِيقَةُ مِلْكٍ وَلَا حَقُّهُ فَلِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَهُ فِيهَا قَوْلَانِ) وَهُوَ وَلَدُ الْمَغْرُورِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَلَنَا) يَعْنِي وَلَنَا أَنَّهَا عُلِّقَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ وَذَا دَلِيلُ اتِّحَادِهِمَا وَالْجُزْئِيَّةُ مُوجِبَةٌ لِلْعِتْقِ اهـ (قَوْلُهُ نَظِيرُهُ مَنْ اشْتَرَى أَخَاهُ مِنْ أَبِيهِ) وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَبِيهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ أُمِّهِ لَا تَنْقَطِعُ النِّسْبَةُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فِيمَا رُوِيَ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِمَا رُوِيَ اهـ (قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي النِّكَاحِ) يَعْنِي تَقَدَّمَ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ حُكْمُ وَطْءِ الرَّجُلِ جَارِيَةَ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَدَعْوَةِ نَسَبِ الْوَلَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ) وَأَنْ يَكُونَ الْأَبُ صَاحِبَ وِلَايَةٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَا عَبْدًا ثُمَّ أُعْتِقَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ إلَخْ) فَإِذَا ثَبَتَ فِي نَصِيبِ الْمُسْتَوْلَدِ ثَبَتَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ إذْ الِاسْتِيلَادُ فَرْعُ النَّسَبِ وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً) أَيْ فَلَاقَى الْوَطْءُ مِلْكَهُ وَمِلْكَ شَرِيكِهِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَخْلُو مِنْ الْحَدِّ أَوْ الْعُقْرِ فَسَقَطَ الْأَوَّلُ لِلشُّبْهَةِ فِي الْمَحَلِّ فَوَجَبَ الثَّانِي. اهـ.

يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِخِلَافِ الشَّرِيكِ فَإِنَّ لَهُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فِي النِّصْفِ فَيَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ فَلَا حَاجَةَ إلَى النَّقْلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا قِيمَتُهُ) أَيْ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ عَلِقَ حُرَّ الْأَصْلِ إذْ النَّسَبُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَالضَّمَانِ يَجِبُ فِي ذَلِكَ الْوَقْت فَيَحْدُثُ الْوَلَدُ عَلَى مِلْكِهِ وَلَمْ يَعْلَقْ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى مِلْكِ شَرِيكِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ادَّعَيَاهُ مَعًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا) وَمَعْنَاهُ إذَا حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِمَا وَكَذَا إذَا اشْتَرَيَاهَا حُبْلَى لَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعُقْرِ وَالْوَلَاءِ وَضَمَانِ قِيمَةِ الْوَلَدِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعُقْرُ لِصَاحِبِهِ لِعَدَمِ الْوَطْءِ فِي مِلْكِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي وَاحِدًا وَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ الْوَلَاءُ لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الْقَافَةِ لِأَنَّ إثْبَاتَ النَّسَبِ مِنْ شَخْصَيْنِ مَعَ عِلْمِنَا أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُخْلَقُ مِنْ مَاءَيْنِ مُتَعَذِّرٌ وَقَدْ «سُرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِ الْقَائِفِ فِي أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ» وَلِأَنَّ النَّسَبَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الشَّرِكَةُ كَالنِّكَاحِ وَلَنَا كِتَابُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَبَّسَا فَلُبِّسَ عَلَيْهِمَا وَلَوْ بَيَّنَّا لَبُيِّنَ لَهُمَا هُوَ ابْنُهُمَا يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلِأَنَّهُ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِعِلْمِ الْغَيْبِ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَلِأَنَّ فِيهِ قَذْفًا لِلْمُحْصَنَاتِ وَلِهَذَا صَارَ قَذْفًا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِفِ لَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا شَرْعًا لَرَجَعَ إلَيْهِ فِي اللِّعَانِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ وَلَمْ يَنْفِ الْوَلَدَ بِالْجَهْلِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة: 50] قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ أَنْكِحَتُهُمْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ مِنْهَا أَنَّ رَهْطًا كَانُوا يَجْتَمِعُونَ عَلَى امْرَأَةٍ فَإِذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ دَعُوا بِقَائِفٍ فَأَلْحَقهُ بِأَشْبَهِهِمْ وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِمَا تَلَوْنَا وَلِأَنَّ الْقَائِفَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي يَقُولُ الْبَاطِلَ قَالَ الشَّاعِرُ وَطَالَ حَذَارِي خِيفَةَ الْبَيْنِ وَالنَّوَى ... وَمِنْ قَائِفٍ فِي قَوْلِهِ يَتَقَوَّلُ أَيْ يَقُولُ الْبَاطِلَ وَسُرُورُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لِقَطْعِ طَعْنِ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِاخْتِلَافِ لَوْنِهِمَا وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْقَائِفَ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَمَّا مَرَّ مُجَزِّزٌ الْمُدْلِجِيُّ عَلَيْهِمَا فَقَالَ هَذِهِ الْأَقْدَامُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ انْقَطَعَ طَعْنُهُمْ وَلَزِمَ الْحُجَّةَ عَلَى زَعْمِهِمْ فَسُرَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِذَلِكَ لَا لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِفِ حُجَّةٌ شَرْعًا وَلِأَنَّهُ حِكَايَةُ حَالٍ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ بِهِ وَلَمْ يُجْعَلْ قَوْلُهُ حُجَّةً فِيهِ لِأَنَّ نَسَبَهُ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ وَهُوَ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ شَيْءٌ وَلِأَنَّ الشَّبَهَ لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ النَّسَبِ وَلَا عَدَمَ الشَّبَهِ يُوجِبُ انْتِفَاءَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ لَك إبِلٌ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ فَقَالَ إنَّ فِيهَا لَوُرْقًا فَقَالَ مِمَّ تَرَى ذَلِكَ جَاءَهَا قَالَ مِنْ عِرْقٍ نَزَعَهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَعَلَّ هَذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي نَفْيِهِ لِعَدَمِ الشَّبَهِ وَلَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ حُكْمًا مَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالنَّسَبِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ مُتَجَزِّئَةٌ كَالْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ وَالْحَضَانَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَأَحْكَامٌ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ كَالنَّسَبِ وَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فَمَا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّجْزِئَةِ وَمَا لَا يَقْبَلُهَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ إلَّا إذَا وُجِدَ الْمُرَجِّحُ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا فَلَا يُعَارِضُهُ الْمَرْجُوحُ كَمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَبَا الْآخَرِ لِأَنَّ لِلْأَبِ حَقًّا فِي مَالِ ابْنِهِ أَوْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُسْلِمًا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى وَالْحُرُّ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ وَالْمُرْتَدُّ أَوْلَى مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْكِتَابِيُّ أَوْلَى مِنْ الْمَجُوسِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِمَا) لِأَنَّ دَعْوَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ فِي الْوَلَدِ مُعْتَبَرَةٌ رَاجِحَةٌ عَلَى دَعْوَةِ صَاحِبِهِ لِقِيَامِ الْمُرَجِّحِ فَتَصِحُّ دَعْوَتُهُ فِيهِ فَتَتْبَعُهُ أُمُّهُ فَيَصِيرُ نَصِيبُهُ فِيهَا أُمَّ الْوَلَدِ لَهُ تَبِعَا لِوَلَدِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ الْعُقْرِ) لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الْمَحَلِّ الْمَعْصُومِ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يَطْعَنُونَ) مِنْ بَابِ قَتَلَ. اهـ. (قَوْلُهُ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَجَمَلٌ وَغَيْرُهُ أَوْرَقُ لَوْنُهُ كَلَوْنِ الرَّمَادِ وَحَمَامَةٌ وَرْقَاءُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِيلَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ الْعُقْرِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْعُقْرِ قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ قِيلَ لَا فَائِدَةَ فِي وُجُوبِ الْعُقْرِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قِصَاصًا قُلْنَا فِيهِ فَائِدَةٌ فَرُبَّمَا يُبْرِئُ أَحَدَهُمَا حَقُّهُ فَيَبْقَى حَقُّ الْآخَرِ فَتَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَفَائِدَةُ إيجَابِ الْعُقْرِ مَعَ التَّقَاصِّ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ أَبْرَأَ الْآخَرَ مِنْ حَقِّهِ بَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ وَأَيْضًا لَوْ قُوِّمَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا بِالدَّرَاهِمِ وَالْآخَرِ بِالذَّهَبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الدَّرَاهِمَ وَيَأْخُذَ الذَّهَبَ اهـ

[كتاب الأيمان]

الْجَابِرِ أَوْ الْحَدِّ الزَّاجِرِ فَتَعَذَّرَ إيجَابُ الْحَدِّ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَقَاصَّا) لِعَدَمِ فَائِدَةِ الِاشْتِغَالِ بِالِاسْتِيفَاءِ إلَّا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ الزِّيَادَةَ إذْ الْمَهْرُ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهَا بِخِلَافِ الْبُنُوَّةِ وَالْإِرْثِ مِنْهُ حَيْثُ يَكُونُ لَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَحَدِهِمَا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَرِثَ مِنْ كُلِّ إرْثٍ ابْنٌ) أَيْ يَرِثُ الِابْنُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَرَّ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِبُنُوَّتِهِ عَلَى الْكَمَالِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَرِثَا مِنْهُ إرْثَ أَبٍ) أَيْ يَرِثَانِ مِنْهُ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا فَيَقْتَسِمَانِ نَصِيبَهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا إذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا ابْنُهُ أَوْ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ادَّعَى وَلَدَ أَمَةِ مُكَاتَبِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ لَزِمَ النَّسَبُ) لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا لَوْ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ جَارِيَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعُقْرُ) أَيْ وَلَزِمَهُ الْعُقْرُ لِأَنَّهُ وَطِئَ بِغَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَصَارَ كَوَطْءِ الْمُكَاتَبَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ فِي الْمُكَاتَبَةِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ ثَابِتٌ لِلْمَوْلَى وَمَعَ هَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ بِوَطْئِهَا كَوُجُوبِ الْأَرْشِ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ بِالْعَقْدِ كَالْأَجْنَبِيَّةِ عَنْهُ وَالْعُقْرُ مُلْحَقٌ بِالْأَرْشِ وَلَيْسَ لَهُ فِي جَارِيَةِ الْمُكَاتَبِ مِلْكٌ فَكَانَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقِيمَةُ الْوَلَدِ) أَيْ لَزِمَهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَغْرُورِ حَيْثُ اُعْتُمِدَ دَلِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ كَسْبٌ كَسَبَهُ فَلَمْ يَرْضَ بِرِقِّهِ فَيَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ كَمَا أَنَّ الْمَغْرُورَ اُعْتُمِدَ دَلِيلًا وَهُوَ الْمِلْكُ ظَاهِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ حَقِيقَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً وَمَالَهُ مِنْ الْحَقِّ كَافٍ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ فَلَا حَاجَةَ إلَى النَّقْلِ وَتَقْدِيمُ الْمِلْكِ بِخِلَافِ جَارِيَةِ الِابْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ فِيهَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَلَا حَقُّهُ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ وَذَلِكَ غَيْرُ كَافٍ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ فَاحْتَجْنَا إلَى نَقْلِهَا إلَى مِلْكِ الْأَبِ لِيَصِحَّ الِاسْتِيلَادُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ) أَيْ إنْ كَذَّبَهُ الْمُكَاتَبُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَثْبُتُ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ كَسْبٌ كَسَبَهُ فَصَارَ كَجَارِيَةِ الِابْنِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ لِلْمَوْلَى فِي الْمُكَاتَبِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَيُمْنَعُ الْمُكَاتَبُ مِنْ التَّصَرُّفِ غَيْرُ الِاكْتِسَابِ بِخِلَافِ الِابْنِ وَحَقُّهُ أَيْضًا فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ أَقْوَى وَلِهَذَا مُنِعَ الْمُكَاتَبُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّنْفِيذِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْأَبَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالَ ابْنِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُقْرُهَا وَلَا قِيمَةُ الْوَلَدِ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالَ مُكَاتَبِهِ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَلْحَقَ نَفْسَهُ بِالْأَجْنَبِيِّ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُقْرُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَيُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ الْمُكَاتَبُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهَا لِأَنَّ رَقَبَتَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ بِخِلَافِ كَسْبِهَا وَلَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا بَعْدَ مَا كَذَّبَهُ الْمُكَاتَبُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إنْ مَلَكَهَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ بَاقٍ وَهُوَ الْمُوجِبُ وَزَالَ حَقُّ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ الْمَانِعُ وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَةُ غَيْرِهِ وَقَالَ أَحِلْهَا إلَى مَوْلَاهَا وَالْوَلَدُ وَلَدِي فَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى فِي الْإِحْلَالِ وَكَذَّبَهُ فِي الْوَلَدِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَإِنْ مَلَكَهُمَا يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَوْ صَدَّقَهُ فِي الْوَلَدِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ امْرَأَتِهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ مَلَكَهُ يَوْمًا عَتَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {كِتَابُ الْأَيْمَانِ} الْيَمِينُ الْقُوَّةُ لُغَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَأَخَذْنَا بِالْيَمِينِ وَقَالَ الشَّمَّاخُ رَأَيْت عَرَابَةَ الْأَوْسِيَّ يَسْمُو ... إلَى الْخَيْرَاتِ مُنْقَطِعَ الْقَرِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَوَرِثَا مِنْهُ إرْثَ أَبٍ) فَإِنْ وُهِبَ لِهَذَا الِابْنِ مَالٌ أَوْ وَرِثَهُ مِنْ أَخٍ لَهُ لِأُمِّهِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ بِالتَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا اهـ وَصَايَا فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً) فَإِنْ مَلَكَهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ. اهـ. كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَلَكَهُ) أَيْ الْوَلَدَ عَلَى تَقْدِيرِ تَكْذِيبِ الْمُكَاتَبِ. اهـ [كِتَابُ الْأَيْمَانِ] {كِتَابُ الْأَيْمَانِ} اشْتَرَكَ كُلٌّ مِنْ الْيَمِينِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ فِي أَنَّ الْهَزْلَ وَالْإِكْرَاهَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ عَلَى الْكُلِّ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعِبَادَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالطَّلَاقُ رَفْعُهُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ فَإِيلَاؤُهُ إيَّاهُ أَوْجَهُ وَاخْتَصَّ الْإِعْتَاقُ عَنْ الْيَمِينِ بِزِيَادَةٍ مُنَاسِبَةٍ بِالطَّلَاقِ مِنْ جِهَةِ مُشَارَكَتِهِ إيَّاهُ فِي تَمَامِ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ الْإِسْقَاطُ وَفِي لَازِمِهِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ فِي السِّرَايَةِ فَقَدَّمَهُ عَلَى الْيَمِينِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَيَمِينُ الْحَلِفِ أُنْثَى وَتُجْمَعُ عَلَى أَيْمُنٍ وَأَيْمَانٍ قِيلَ سُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا ضُرِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينِهِ عَلَى يَمِينِ صَاحِبِهِ فَسُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا مَجَازًا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْحَلِفُ وَالْيَمِينُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ الْيَمِينُ) أَيْ الْيَمِينُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَارِحَةِ وَالْقَسَمِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّمَّاخُ) كَذَا عَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ وَعَزَاهُ فِي الصِّحَاحِ لِلْحَطِيئَةِ وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ رَأَيْت عَرَابَةَ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لِلصَّاغَانِيِّ وَقَوْلُهُ عَرَابَةَ اسْمُ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارُ مِنْ الْأَوْسِ قَالَ الْحَطَبَةُ لَيْسَ الْبَيْتُ لِلْحُطَيْئَةِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلشَّمَّاخِ وَذَكَرَ الْمُبَرَّدُ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ الشَّمَّاخَ خَرَجَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَهُ عَرَابَةُ بْنُ أَوْسٍ فَسَأَلَهُ عَمَّا أَقْدَمهُ الْمَدِينَةِ فَقَالَ أَرَدْت أَنْ أَمْتَارَ لِأَهْلِي وَكَانَ مَعَهُ بَعِيرَانِ فَأَوْقَرَهُمَا عَرَابَةُ تَمْرًا وَبُرًّا وَكَسَاهُ وَأَكْرَمَهُ فَخَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَامْتَدَحَهُ بِالْقَصِيدَةِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا رَأَيْت عَرَابَةَ اهـ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَعَرَابَةُ بِالْفَتْحِ اسْمُ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارُ مِنْ الْأَوْسِ قَالَ الْحُطَيْئَةُ إذَا مَا رَايَةٌ الْبَيْتُ اهـ

إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ ... تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ قَوِيٍّ بِهَا عَزْمُ الْحَالِفِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ تَتَقَوَّى بِهَا وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقْسَمَ وَأَمَرَ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَسَمِ فَقَالَ تَعَالَى {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53] وَلِأَنَّ فِيهَا تَعْظِيمَ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ لِأَنَّ مَنْ أَقْسَمَ بِشَيْءٍ فَقَدْ عَظَّمَهُ «وَأَقْسَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا» وَالصَّحَابَةُ كَانُوا يُقْسِمُونَ فَكَانَتْ ثَابِتَةً بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا مَشْرُوعٌ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَضْعًا وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَمِينًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يُكْرَهُ وَتَقْلِيلُهُ أَوْلَى مِنْ تَكْثِيرِهِ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهِ وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا الْوَثِيقَةُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ كَقَوْلِهِمْ بِأَبِيك وَلَعَمْرُك وَنَحْوِهِ، وَرُكْنُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُ اسْمِهِ أَوْ صِفَتِهِ وَبِغَيْرِهِ ذِكْرُ شَرْطٍ صَالِحٍ وَجَزَاءٍ صَالِحٍ وَصَلَاحِيَّةُ الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَصَلَاحِيَّةُ الْجَزَاءِ أَنْ يَكُونَ غَالِبَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِيَتَحَقَّقَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ وَقَدْ يَكُونُ مُتَحَقِّقَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْمِلْكِ وَسَبَبُهُ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْبِرِّ أَصْلًا وَالْكَفَّارَةِ خَلَفًا وَشَرْطُ انْعِقَادِهَا تَصَوُّرُ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ غَمُوسٌ وَلَغْوٌ وَمُنْعَقِدَةٌ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ وَدَلِيلُ الْحَصْرِ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ فِيهَا مُؤَاخَذَةٌ أَوْ لَا فَالثَّانِي لَغْوٌ وَالْأَوَّلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمُؤَاخَذَةُ دُنْيَوِيَّةً أَوْ عُقُوبَةً فَالْأَوَّلُ الْمُنْعَقِدَةُ وَالثَّانِي الْغَمُوسُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَلِفُهُ عَلَى مَاضٍ كَذِبًا عَمَدًا غَمُوسٌ وَظَنًّا لَغْوٌ) أَيْ إذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ قَدْ مَضَى وَهُوَ كَاذِبٌ فِيهِ فَإِنْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ فَهُوَ غَمُوسٌ وَإِنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ فَهُوَ لَغْوٌ وَيَتَأَتَّيَانِ فِي الْحَالِ أَيْضًا سُمِّيَتْ الْأُولَى غَمُوسًا لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الذَّنْبِ ثُمَّ فِي النَّارِ وَسُمِّيَتْ الثَّانِيَةُ لَغْوًا لِأَنَّهَا لَا اعْتِبَارَ بِهَا وَاللَّغْوُ اسْمٌ لِمَا لَا يُفِيدُ يُقَالُ لَغَا إذَا أَتَى بِشَيْءٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَكِلَاهُمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنُّذُورِ بِأَمْرٍ كَائِنٍ فِي الْمَاضِي لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ اللَّغْوُ وَلَا الْغَمُوسُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِهِ وَكَذَا الْعَتَاقُ وَالنُّذُورُ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا وَقْتَ الْيَمِينِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَثِمَ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ) يَعْنِي يَأْثَمُ فِي الْغَمُوسِ وَلَا يَأْثَمُ فِي اللَّغْوِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ) أَيْ الْقُوَّةِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى) نَحْوُ قَوْلِك إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ) أَيْ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ مَكْرُوهٌ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ» الْحَدِيثُ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لِمَنْعِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَمَحَلُّ الْحَدِيثِ غَيْرُ التَّعْلِيقِ مِمَّا هُوَ بِحَرْفِ الْقَسَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا) أَيْ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِقِلَّةِ مُبَالَاةٍ ظَهَرَتْ فِي النَّاسِ فَتَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْوَثِيقَةِ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ كَالتَّعْلِيقِ بِالْمِلْكِ وَسَبَبِهِ) وَأَمَّا شُرُوطُهَا فَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ حَلِفُهُ عَلَى مَاضٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَيْسَ هَذَا بِقَيْدِ الْحَلِفِ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا كَوَاللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيَّ دَيْنٌ وَهُوَ يَعْلَمُ خِلَافَهُ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ يَمِينَ الْغَمُوسِ مَا يُتَعَمَّدُ فِيهِ الْكَذِبُ عَلَى إثْبَاتِ شَيْءٍ أَوْ نَفْيِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَاضِيًا أَوْ حَالًا نَظِيرُ الْمَاضِي قَوْلُ الرَّجُلِ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت ذَلِكَ الْأَمْرَ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ وَنَظِيرُ الْحَالِ قَوْلُهُ وَاَللَّهُ إنَّهُ زَيْدٌ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ عَمْرٌو وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ وَمَا وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ الْغَمُوسِ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ بِأَنَّهُ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ يُتَعَمَّدُ فِيهِ الْكَذِبُ فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى الْغَالِبِ لَا أَنَّ الْمَاضِيَ شَرْطُهُ وَلِهَذَا صَرَّحَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْغَمُوسَ يَتَحَقَّقُ فِي الْحَالِ أَيْضًا وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي الْيَمِينُ لَيْسَتْ مِنْهُنَّ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ وَهَذِهِ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ وَالْكَبِيرَةُ ضِدُّ الْمَشْرُوعِ وَلَكِنْ سَمَّاهُ يَمِينًا مَجَازًا لِأَنَّ ارْتِكَابَ هَذِهِ الْكَبِيرَةُ بِاسْتِعْمَالِ صُورَةِ الْيَمِينِ كَمَا سَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْعَ الْحُرِّ بَيْعًا مَجَازًا لِأَنَّ ارْتِكَابَ تِلْكَ الْكَبِيرَةِ بِاسْتِعْمَالِ صُورَةِ الْبَيْعِ ثُمَّ إيمَانًا فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ لِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ غَمُوسٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ اسْمُ فَاعِلٍ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ لِأَنَّهُ حَلَفَ كَاذِبًا عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَغْوٌ) قَالَ الرَّازِيّ وَلَغْوٌ وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُضِيِّ أَوْ الْحَالِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ فَعَلْت كَذَلِكَ وَمَا فَعَلَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ فَعَلَ أَوْ رَأَى شَخْصًا مِنْ بَعِيدٍ فَقَالَ وَاَللَّهِ إنَّهُ لَزَيْدٌ يَظُنُّهُ زَيْدًا وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَمِينُ اللَّغْوِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ فَهَذَا الْيَمِينُ يَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهَا صَاحِبَهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِثْلُ مَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ فِيهِ صَادِقٌ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَقَدْ دَخَلْت الدَّارَ وَاَللَّهِ مَا كَلَّمْت زَيْدًا وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ أَوْ رَأَى طَائِرًا مِنْ بَعِيدٍ فَظَنَّهُ غُرَابًا فَقَالَ وَاَللَّهِ إنَّهُ غُرَابٌ فَإِذَا هُوَ حَمَامٌ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَأْثَمُ فِي اللَّغْوِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ يَمِينُ اللَّغْوِ لَا حُكْمَ لَهَا أَصْلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] أَيْ لَا يُؤَاخِذُكُمْ بِلَغْوِ الْيَمِينِ الَّذِي يَحْلِفُهُ أَحَدُكُمْ بِالظَّنِّ هَذَا عَلَى مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُكُمْ الْكَفَّارَةُ بِلَغْوِ الْيَمِينِ الَّذِي لَا قَصْدَ مَعَهُ اهـ

بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا قَالَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ» أَيْ خَالِيَةً وَلَا تَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] وَالْمُرَادُ الْقَصْدُ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْقَلْبِ وَالْمُرَادُ بِالْمُؤَاخَذَةِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ تَعَالَى فَسَّرَهَا بِهَا فِي آيَةٍ أُخْرَى بِقَوْلِهِ {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ الْقَصْدُ أَيْضًا وَفِيهِ تَوْفِيقٌ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ شُرِعَتْ لِرَفْعِ ذَنْبِ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَحَقَّقَ بِالِاسْتِشْهَادِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَاذِبًا فَأَشْبَهَ الْمَعْقُودَ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ وَعَدَّ مِنْهَا الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كُنَّا نَعُدُّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ مِنْ الْكَبَائِرِ الَّتِي لَا كَفَّارَةَ فِيهَا وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الصَّحَابَةِ وَحِكَايَةٌ لِإِجْمَاعِهِمْ وَلِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ فَلَا تُنَاطُ بِهَا كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَشْرُوعَاتِ اللَّازِمَةَ لِلْعِبَادِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَسَبَبُهَا مُبَاحٌ وَعُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ وَسَبَبُهَا مَحْظُورٌ مَحْضٌ وَمُتَرَدَّدٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ وَهِيَ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ وَعُقُوبَةٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ أَجْزِيَةً زَاجِرَةً كَالْحُدُودِ فَيَكُونُ سَبَبُهَا أَيْضًا مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِتَكُونَ الْعِبَادَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْمُبَاحِ وَالْعُقُوبَةُ بِالْمَحْظُورِ كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُنْكَرِ مِنْ الْقَوْلِ الزُّورِ، وَالْعَوْدُ وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ تَجِبُ بِالْخَطَأِ وَهُوَ بِالتَّقْصِيرِ فِي التَّثَبُّتِ وَهُوَ مَحْظُورٌ وَبِالْحَرَكَةِ الْمُبَاحَةِ مِثْلِ الْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ تَجِبُ بِالْحَلِفِ وَالْحِنْثِ وَالْأَوَّلُ مُبَاحٌ وَالثَّانِي مَحْظُورٌ وَأَمَّا الْغَمُوسُ فَمَحْظُورٌ مَحْضٌ لِأَنَّ الْكَذِبَ بِدُونِ الِاسْتِشْهَادِ بِاَللَّهِ تَعَالَى حَرَامٌ فَمَعَهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى لِتَرْوِيجِ الْكَذِبِ وَهُوَ فِي نِهَايَةِ الْحَظْرِ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللِّعَانَ اسْتِشْهَادٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَحَدُهُمَا كَاذِبٌ بِيَقِينٍ وَلَمْ يُوجِبْ الشَّارِعُ عَلَى الْكَاذِبِ مِنْهُمَا كَفَّارَةً وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ أَوْجَبَهُ فِي الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ صَارَ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَهَذَا لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخْبَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ فَقَالَ هَلْ فِيكُمَا مِنْ تَائِبٍ فَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكَاذِبِ مِنْهُمَا فِي يَمِينِهِ التَّوْبَةُ لَا غَيْرُ وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِهَا لَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَرْبَعَ كَفَّارَاتٍ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا تَلَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَعْقُودَةُ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِحِفْظِ الْأَيْمَانِ بَعْدَ مَا شَرَعَ الْكَفَّارَةَ فِيهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] وَالْحِفْظُ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الْمُسْتَقْبِلِ الَّذِي يَقْبَلُ التَّضْيِيعَ وَالْغَمُوسُ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيهَا فَلَا تَتَنَاوَلُهَا الْآيَةُ وَكَذَلِكَ الْعَقْدُ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا يَقْبَلُ الْحِلَّ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ قَالَ قَائِلُهُمْ خَطَرَاتُ الْهَوَى تَرُوحُ وَتَغْدُو ... وَلِقَلْبِ الْمُحِبِّ حِلٌّ وَعَقْدُ وَالْمُؤَاخَذَةُ الْمُطْلَقَةُ يُرَادُ بِهَا الْمُؤَاخَذَةُ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهَا دَارُ الْجَزَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمَعْقُودِ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْمَعْقُودَةَ مُبَاحَةٌ فَلَا يَأْثَمُ بِمُبَاشَرَتِهَا وَلَوْ كَانَ فِيهَا ذَنْبٌ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارِهِ الْحِنْثَ ابْتِدَاءً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْإِثْمُ فِي الْغَمُوسِ مُلَازِمٌ وَهُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اللَّغْوِ فَهَذِهِ يَمِينٌ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهَا صَاحِبَهَا مَعَ أَنَّ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ مَقْطُوعٌ بِهِ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي صُورَتِهَا اخْتِلَافًا فَمَذْهَبُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اللَّغْوُ مَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَاضِي أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُهُ وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ مَذْهَبِنَا وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ وَهَذَا يَكُونُ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَلِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ صُورَتُهَا خِلَافَ ذَلِكَ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ يَعْنِي نَرْجُو أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ الَّتِي لَا يُؤَاخَذُ بِهَا أَوْ قَالَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلْأَمْرِ وَإِظْهَارًا لِلتَّوَاضُعِ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ لِذَلِكَ كَمَا يُذْكَرُ لِلطَّمَعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى آتٍ مُنْعَقِدَةٌ وَفِيهِ كَفَّارَةٌ فَقَطْ) أَيْ الْيَمِينُ عَلَى شَيْءٍ سَيَأْتِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُنْعَقِدَةٌ وَحُكْمُ هَذِهِ الْيَمِينِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَمِينُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْيَمِينُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِلَا أَلِفٍ وَلَامٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَلَى آتٍ مُنْعَقِدَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُنْعَقِدَةُ مَا يَحْلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَهُ قَالَ الْكَمَالُ وَمَا فِي قَوْلِهِ مَا يَحْلِفُ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْحَلِفَ عَلَى مَاضٍ صَادِقًا فِيهِ كَوَاللَّهِ لَقَدْ قَدِمَ زَيْدٌ لَا تُسَمَّى مُنْعَقِدَةً وَيَقْتَضِي أَنَّهَا إمَّا لَيْسَتْ بِيَمِينٍ وَهُوَ بَعِيدٌ أَوْ زِيَادَةُ أَقْسَامِ الْيَمِينِ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَهُوَ مُبْطِلٌ لِحَصْرِهِمْ السَّابِقِ وَفِي كَلَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ مَا يُفِيدُ إنَّهَا مِنْ قَبِيلِ اللَّغْوِ فَإِنْ أَرَادَ لُغَةً فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ مَا لَا فَائِدَةَ لَهُ وَفِي هَذِهِ الْيَمِينِ فَائِدَةُ تَأْكِيدِ صِدْقِهِ فِي خَبَرِهِ عِنْدَ السَّامِعِ وَإِنْ أَرَادَ دُخُولَهَا فِي اللَّغْوِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ بِحَسَبِ الْإِرَادَةِ فَقَدْ فَسَّرَهُ السَّلَفُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِذَلِكَ فَكَانَ خَارِجًا عَنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ لَا فِي مُطْلَقِ الْيَمِينِ اهـ

قَوْله تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِفْظُ عَنْ الْحِنْثِ وَالْهَتْكُ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ بِمَا عَقَدْتُمْ الْأَيْمَانَ وَالْعَقْدُ يَقْتَضِي ارْتِبَاطَ الْكَلَامِ بِالْكَلَامِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمٌ فَيَصِيرُ عَقْدًا شَرْعِيًّا كَسَائِرِ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] وَالنَّقْضُ يَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَقَوْلُهُ وَفِيهِ كَفَّارَةٌ فَقَطْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ فَقَطْ لِأَنَّ فِي الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ إثْمًا أَيْضًا وَلَفْظُ الْكَفَّارَةِ يُنْبِئُ عَنْهُ لِأَنَّ مَعْنَاهَا السَّتَّارَةُ وَهِيَ لَا تَجِبُ إلَّا لِرَفْعِ الْمَأْثَمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا) يَعْنِي تَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ وَلَوْ كَانَ حَلَفَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ وَعَدَّ مِنْهَا الْيَمِينَ» وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِي الْمُخْطِئُ كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِنِي الْمَاءَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ الْمَذْهُولُ عَنْ التَّلَفُّظِ بِهِ كَأَنْ قِيلَ لَهُ أَلَا تَأْتِينَا فَقَالَ بَلَى وَاَللَّهِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْيَمِينِ وَإِنَّمَا أَلْجَأَنَا إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النِّسْيَانِ فِي الْيَمِينِ لَا تُتَصَوَّرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ حَنِثَ كَذَلِكَ) أَيْ أَوْ حَنِثَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا تَقْدِيرُهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ كَانَ حَلَفَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ حَنِثَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا بِأَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا لِأَنَّ الْفِعْلَ حَقِيقَةً لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ وَتَحَقُّقُ الْفِعْلِ مِنْهُ هُوَ الشَّرْطُ وَالْحِنْثُ نَاسِيًا مُتَصَوَّرٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّأْوِيلِ وَكَذَا لَوْ فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ رَفْعَ الذَّنْبِ فَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الذَّنْبِ كَمَا أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى السَّفَرِ لَا حَقِيقَةِ الْمَشَقَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَعِزَّتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَأُقْسِمُ وَأَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ وَلَعَمْرُ اللَّه وَأَيْمِ اللَّهِ وَعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَعَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرُ اللَّهِ وَإِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ) أَيْ الْيَمِينُ تَكُونُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَا مُتَعَارَفٌ وَمَعْنَى الْيَمِينِ هُوَ الْقُوَّةُ حَاصِلٌ بِهَا أَمَّا الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ الرَّحْمَنِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَصَلَحَ ذِكْرُهُ حَامِلًا أَوْ مَانِعًا سَوَاءٌ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ أَوْ لَمْ يَتَعَارَفُوا فِي الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثَبَتَ نَصًّا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْحَلِفُ بِسَائِرِ أَسْمَائِهِ حَلِفٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَوْ بِدَلَالَتِهِ لَا يُرَاعَى فِيهِ الْعُرْفُ وَكَذَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحَقَّ أَوْ غَيْرَهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كُلُّ اسْمٍ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ مُطْلَقًا وَمَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحَكِيمِ وَالْحَلِيمِ وَالْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ اللَّهَ كَانَ يَمِينًا وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُبَاشِرُ الْمُحَرَّمَ وَأَنَّ مَنْ قَصَدَهُ يَمِينًا صَحِيحَةً فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْوِ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنْ نَوَى خِلَافَهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ، هَذَا إذَا حَلَفَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا إذَا حَلَفَ بِصِفَاتِهِ كَعِزَّةِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَلَالِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَعَارَفًا بِأَنْ كَانَ يَحْلِفُ بِهِ عَادَةً يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ حَلَفَ بِصِفَاتِ الذَّاتِ يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ حَلَفَ بِصِفَاتِ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُمْ أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ جَازَ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَبِضِدِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ كَالرِّضَا وَالْغَضَبِ وَالسَّخَطِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَنْعِ وَالْإِعْطَاءِ وَكُلِّ مَا جَازَ أَنْ يُوصَفَ بِهِ لَا بِضِدِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ كَعِزَّةِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَلَالِهِ وَقُدْرَتِهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ». اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) {فَرْعٌ} رَجُلٌ قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَيَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ بِتَعَدُّدِ الِاسْمِ إذَا لَمْ يَجْعَلْ الثَّانِيَ نَعْتًا لِلْأَوَّلِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ لِأَنَّ الْوَاوَ بَيْنَ الِاسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَبَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَاوُ الْقَسَمِ لَا وَاوُ الْعَطْفِ فَلَمْ يَتَّصِلْ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ وَلَا الثَّانِي بِالثَّالِثِ وَإِذَا ذَكَرَ الْخَبَرَ عَقِيبَ الثَّالِثِ اقْتَصَرَ الْخَبَرُ عَلَى الثَّالِثِ وَكَانَتْ يَمِينًا وَاحِدَةً وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ فِي قَوْلِهِمْ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا تَعَدَّدَ الْيَمِينُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِي الِاسْمِ الْوَاحِدِ لَا تَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ وَيُحْمَلُ الثَّانِي عَلَى التَّأْكِيدِ وَالتَّكْرَارُ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا مَرَّةً يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَقَرِبَهَا مَرَّةً يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ قَالَ إذَا قَالَ الرَّجُلُ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ مَرَّةً إنْ نَوَى بِالثَّانِي التَّكْرَارَ وَالتَّأْكِيدَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ الِاسْمَ الثَّانِيَ نَعْتًا لِلْأَوَّلِ فَكَانَتْ يَمِينًا وَاحِدَةً كَمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ الْعَزِيزِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَلَوْ قَالَ بِاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ نَصَبَهَا أَوْ رَفَعَهَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَالْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْيَمِينِ وَلَوْ قَالَ اللَّهَ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ نَصَبَهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِانْعِدَامِ حَرْفِ الْقَسَمِ إلَّا أَنْ يُعَرِّبَهَا بِالْكَسْرِ فَيَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْكَسْرَ يَقْتَضِي سَبْقَ حَرْفِ الْخَافِضِ وَهُوَ حَرْفُ الْقَسَمِ. اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ بِصِفَاتِ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ يَمِينًا) وَالْمُرَادُ بِالِاسْمِ هَاهُنَا لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى الذَّاتِ الْمَوْصُوفَةِ بِصِفَةٍ كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ وَبِالصِّفَةِ الْمَصَادِرُ الَّتِي تَحْصُلُ عَنْ وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَسْمَاءِ فَاعِلِهَا كَالرَّحْمَةِ وَالْعِلْمِ وَالْعِزَّةِ اهـ

صِفَاتٌ لِلذَّاتِ وَكُلُّهَا قَدِيمَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْفَرْقُ وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا، وَلَوْ قَالَ وَعِلْمِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ الْحَلِفُ بِهِ وَلَوْ نَوَى الْعِلْمَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِعَدَمِ الْعُرْفِ، وَقُدْرَةُ اللَّهِ تَكُونُ يَمِينًا لِلْعُرْفِ وَقَوْلُهُ أُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَشْهَدُ إنَّمَا كَانَ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ عُرْفًا وَهَذِهِ الصِّيَغُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَتُسْتَعْمَلُ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةِ السِّينِ أَوْ سَوْفَ أَوْ إذَا أَوْ لَنْ أَوْ عَلَى أَوْ أَنْ فَجُعِلَ حَالِفًا بِهَا لِلْحَالِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] ثُمَّ قَالَ {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة: 16] فَسَمَّاهُ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الِاسْمَ فَدَلَّ أَنَّ الشَّهَادَةَ يَمِينٌ وَأَنَّ ذِكْرَ الِاسْمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا قَالَ بِاَللَّهِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ وَبِغَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ الْوَعْدَ وَلَنَا مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْمَعْهُودُ الْمَشْرُوعُ وَبِغَيْرِهِ مَحْظُورٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ بِلَا نِيَّةٍ فِي الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ كَانَ وَعْدًا لَكَانَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ أَيْضًا وَعْدًا وَلَوْ قَالَ سوكندمي خورم بخدي يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ لِلْحَالِ وَلَوْ قَالَ سوكند خورم قِيلَ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ وَعْدٌ وَلَوْ قَالَ سوكند خورم بِطَلَاقِ زنم لَا يَكُونُ يَمِينًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَإِنَّمَا كَانَ حَالِفًا بِقَوْلِهِ لَعَمْرُ اللَّهِ وَأَيْمُ اللَّهِ وَعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَعَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرُ اللَّهِ لِأَنَّ عَمْرَ اللَّهِ بَقَاؤُهُ فَكَانَ صِفَةً لَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحَلِفَ بِالصِّفَاتِ وَأَيْمٌ أَصْلُهُ أَيْمُنٌ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَحَذْفُ الْهَمْزَةِ فِي الْوَصْلِ تَخْفِيفٌ وَكَذَا حَذَفُوا النُّونَ تَخْفِيفًا فَقَالُوا أَيْمُ اللَّهِ وَإِيمُ اللَّهِ بِالْكَسْرِ أَيْضًا وَرُبَّمَا حَذَفُوا الْيَاءَ أَيْضًا فَقَالُوا أَمُّ اللَّهِ وَرُبَّمَا أَبْقَوْا الْمِيمَ وَحْدَهَا مَضْمُومَةً وَمَكْسُورَةً فَقَالُوا مُ اللَّهِ وَرُبَّمَا قَالُوا مُنُ اللَّهِ وَمَنُ اللَّهِ وَمُنْ اللَّهِ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لَيْسَتْ جَمْعًا وَالْهَمْزَةُ لِلْوَصْلِ وَالْجَمْعُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَفَّفَ حَتَّى يَبْقَى عَلَى حَرْفٍ وَاخْتَارَ الزَّجَّاجُ وَابْنُ كَيْسَانَ قَوْلَ الْكُوفِيِّينَ وَقَالَا إنَّمَا خُفِّفَتْ هَمْزَتُهَا وَطُرِحَتْ فِي الْوَصْلِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ وَالْمُفْرَدُ لَا يَأْتِي عَلَى أَفْعُلٍ وَقَلَّ آنُكُ وَأَسْنِمَةٌ وَأَنْمُلَةٌ لُغَيَّةٌ وَالْعَهْدُ يَمِينٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] ثُمَّ قَالَ {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] وَالْمِيثَاقُ بِمَعْنَى الْعَهْدِ وَكَذَا الذِّمَّةُ وَلِهَذَا سُمِّيَ الْمُعَاهَدُ ذِمِّيًّا وَالنَّذْرُ إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إذَا لَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُسَمِّيَ شَيْئًا أَوْ لَا فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُعَلَّقِ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لَكِنْ فِي الْمُطْلَقِ تَجِبُ لِلْحَالِ وَفِي الْمُعَلَّقِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَإِنْ سَمَّى شَيْئًا فَفِي الْمُطْلَقِ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَكَذَا فِي الْمُعَلَّقِ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِشَرْطٍ يُرَادُ كَوْنُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُرَادُ كَوْنُهُ قِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ وَقِيلَ يُجْزِيهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَوْفَى بِالْمَنْذُورِ وَهُوَ الصَّحِيحُ رَجَعَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقِيلَ بِسَبْعَةٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَلَيَّ مُوجِبُ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ قَوْلُهُ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ يَمِينًا لِأَنَّ حُرْمَةَ الْكُفْرِ كَحُرْمَةِ هَتْكِ الِاسْمِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ نَسْخُهُ عَقْلًا فَإِذَا جَعَلَهُ عَلَمًا عَلَى الْكُفْرِ فَقَدْ اعْتَقَدَهُ وَاجِبَ الِامْتِنَاعِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ بِغَيْرِهِ بِجَعْلِهِ يَمِينًا كَمَا يَقُولُ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَإِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لِشَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ فِي الْمَاضِي فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ صَادِقٌ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ يُكَفِّرُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْكُفْرَ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ وَالتَّعْلِيقُ بِالْمَوْجُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ سُوكِنْدِمِي) الْيَمِينُ (قَوْلُهُ خورم) أَحْلِفُ (قَوْلُهُ بخدي) بِاَللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَأَنْمُلَةٌ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْأُنْمُلَةُ بِالْفَتْحِ وَاحِدَةُ الْأَنَامِلِ وَهِيَ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ اهـ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْأُنْمُلَةُ الْعُقْدَةُ مِنْ الْأَصَابِعِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الْأَنَامِلُ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ قَالَ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْأَزْهَرِيُّ الْأُنْمُلَةُ الْمَفْصِلُ الَّذِي فِيهِ الظُّفْرُ وَهِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُ الْمِيمِ أَكْثَرُ مِنْ ضَمِّهَا وَابْنُ قُتَيْبَةَ يَجْعَلُ الضَّمَّ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ اهـ وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ السَّنَامُ وَاحِدُ أَسْنِمَةِ الْإِبِلِ وَأَسْنِمَةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ النُّونِ أَكِمَّةٌ مَعْرُوفَةٌ بِقُرْبِ طِخْفَةَ اهـ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ الْآنُكُ الْأُسْرُبُّ وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ اسْتَمَعَ إلَى قَيْنَةٍ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ» وَأَفْعُلٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْجَمْعِ وَلَمْ يَجِئْ عَلَيْهِ الْوَاحِدُ إلَّا الْآنُكُ وَأَشُدَّ اهـ وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا فِي بَابِ الدَّالِ وقَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] أَيْ قُوَّتَهُ وَهُوَ مَا بَيْنَ ثَمَانِي عَشْرَةَ إلَى ثَلَاثِينَ وَهُوَ وَاحِدٌ جَاءَ عَلَى بِنَاءِ الْجَمْعِ مِثْلُ آنُكِ وَهُوَ الْأُسْرُبُّ وَلَا نَظِيرَ لَهُمَا وَيُقَالُ هُوَ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ مِثْلُ آسَالٍ وَأَبَابِيلَ وَعَبَادِيدَ وَمَذَاكِيرَ وَكَانَ سِيبَوَيْهِ يَقُولُ وَاحِدُهُ شِدَّةٌ وَهُوَ حَسَنٌ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يُقَالُ بَلَغَ الْغُلَامُ شِدَّتَهُ وَلَا تُجْمَعُ فَعِلَةٌ عَلَى أَفْعُلٍ وَأَمَّا أَنْعُمٍ فَهُوَ جَمْعُ نَعَمٍ مِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمٌ بُؤْسٌ وَيَوْمٌ نَعَمٌ اهـ قَوْلُهُ وَأَشَدُّ أَصْلُهُ أَشْدُدٌ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الدَّالِ الْأُولَى إلَى مَا قَبْلَهَا ثُمَّ أُدْغِمَ. اهـ. (قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ مُطْلَقًا) كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرُ اللَّهِ عَلَيَّ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَهَذَا كُلُّهُ مُطْلَقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَرْطٍ لَمْ يَقُلْ إذَا جَاءَ فُلَانٌ وَنَحْوُهُ اهـ (قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يُسَمِّي شَيْئًا) كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ حَجٌّ اهـ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقٌ فَهُوَ عَلَى رَقَبَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ صَوْمٌ فَعَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِهِ شَرْعًا وَأَدْنَى مَا يَجِبُ بِالْأَمْرِ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي لَوْ قَالَ عَلَيَّ صِيَامٌ يَلْزَمُهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196]. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي الْمُعَلَّقِ) إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِشَرْطٍ يُرَادُ كَوْنُهُ كَالشِّفَاءِ مِنْ الْمَرَضِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُرَادُ كَوْنُهُ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ كَلَامِ زَيْدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ يُكَفِّرُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي فَصْلِ النُّذُورِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مَا نَصُّهُ أَلَا تَرَى مَا ذُكِرَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ النَّذْرَ إلَى سَائِرِ الْمَعَاصِي وَعَنَى بِهِ الْيَمِينَ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ فُلَانًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَمِينًا وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ اهـ

تَنْجِيزٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ هُوَ كَافِرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ اعْتِبَارًا لِلْمَاضِي بِالْمُسْتَقْبَلِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ يَمِينٌ لَا يُكَفِّرُ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ عِنْدَهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ بِالْحَلِفِ فِي الْغَمُوسِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يُكَفِّرُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ فَقَدْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْمَعْصِيَةِ بِالشَّرْطِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ زَانٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ وَنَحْوُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ حَلَفَ بِالتَّهَوُّدِ فَهُوَ يَمِينٌ وَلِأَنَّ حُرْمَتَهُ كَحُرْمَةِ هَتْكِ الِاسْمِ إذْ لَا يَحْتَمِلُ التَّبْدِيلَ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّبْدِيلَ عَقْلًا فَلَا يَكُونُ كَالْكُفْرِ فِي الْحُرْمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِعِلْمِهِ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ وَرَحْمَتِهِ وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ وَحَقِّ اللَّهِ وَإِنْ فَعَلْته فَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَسَخَطُهُ أَوْ أَنَا زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا) أَيْ الْحَلِفُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا قَوْلَهُ وَسَخَطِهِ وَغَضَبِهِ وَرَحْمَتِهِ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ وَالنَّبِيِّ وَحَقِّ اللَّهِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا أَنَّ الْيَمِينَ لَا يَكُونُ بِغَيْرِ اللَّهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ وَالْغَضَبُ وَالسَّخَطُ يُرَادُ بِهِ أَثَرُهُ وَهُوَ النَّارُ وَكَذَا الرَّحْمَةُ يُرَاد بِهَا أَثَرُهَا وَهِيَ الْجَنَّةُ وَالْقُرْآنُ يُرَادُ بِهِ الْحُرُوفُ الَّتِي فِي اللَّهَوَاتِ وَالنُّقُوشُ الَّتِي فِي الْمَصَاحِفِ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَنَحْوَهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ وَكَذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالتَّحَالُفِ بِهِ وَكَذَا إذَا قَالَ وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَأَمَّا إذَا قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُ كُفْرٌ وَالْحَقُّ الْمُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى طَاعَتُهُ فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ فَقَالَ أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَعْبُدُوهُ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ» وَالْحَلِفُ بِالطَّاعَةِ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَالْحَقُّ لِأَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ قَالَ حَقًّا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْمُنَكَّرَ مِنْهُ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَفْعَلُ كَذَا حَقِيقَةً لَا مَحَالَةَ وَلَوْ قَالَ وَوَجْهِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْوَجْهَ يُذْكَرُ بِمَعْنَى الذَّاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الذَّاتُ وَيُرَادُ بِهِ الثَّوَابُ يُقَالُ افْعَلْ هَذَا لِابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ ثَوَابِهِ وَلَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَلَمَّا سُئِلَ عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ لَا أَدْرِي كَأَنَّهُ وَجَدَ النَّاسَ يَحْلِفُونَ بِهِ فَجَعَلَهُ يَمِينًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْفَرَائِضَ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ فَعَلْته فَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَسَخَطُهُ أَوْ أَنَا زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا فَلِعَدَمِ التَّعَارُفِ بِالْحَلِفِ بِهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِالْحَلِفِ وَبِهِ قَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُرُوفُهُ الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ) أَيْ حُرُوفُ الْقَسَمِ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَوَاللَّهِ وَتَاللَّهِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ فِي الْكَلَامِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْبَاءُ هِيَ الْأَصْلُ وَهِيَ أُمُّ الْبَابِ تَدْخُلُ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْمُضْمَرِ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَبِهِ وَيَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا تَقُولُ حَلَفْت بِاَللَّهِ وَالْوَاوُ بَدَلٌ عَنْ الْبَاءِ تَدْخُلُ عَلَى الْمُظَهَّرِ كَقَوْلِك وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَلَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُضْمَرِ لَا يُقَالُ وَكَ وَلَا وَهْ مِثْلُ مَا يُقَالُ بِك وَبِهِ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا لَا تَقُولُ أَحْلِفُ وَاَللَّهِ كَمَا تَقُولُ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ وَهِيَ تَدْخُلُ عَلَى لَفْظَةِ اللَّهِ خَاصَّةً تَقُولُ تَاللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] وَلَا تَقُولُ تَالرَّحْمَنِ وَلَا تَالرَّحِيمِ وَأَلْحَقَ الْأَخْفَشُ بِتَاللَّهِ تَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَهُوَ شَاذٌّ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا لَا تَقُولُ أَحْلِفُ تَاللَّهِ وَلَا أُقْسِمُ تَاللَّهِ وَلَهُ حُرُوفٌ أُخَرُ وَهِيَ لَامُ الْقَسَمِ وَحُرُوفُ التَّنْبِيهِ وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَقَطْعُ أَلْفِ الْوَصْلِ وَالْمِيمُ الْمَكْسُورَةُ وَالْمَضْمُومَةُ فِي الْقِسْمِ وَمَنْ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ وَهَا اللَّهِ وَآللَّهِ وَمُ اللَّهِ وَمُنُ اللَّهِ، وَاللَّامُ بِمَعْنَى التَّاءِ وَيَدْخُلُهُمَا مَعْنَى التَّعَجُّبِ وَرُبَّمَا جَاءَتْ التَّاءُ لِغَيْرِ التَّعَجُّبِ دُونَ اللَّامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَدْ تُضْمَرُ) أَيْ وَقَدْ تُضْمَرُ حُرُوفُ الْقَسَمِ فَيَكُونُ حَالِفًا كَقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ) اعْتِبَارًا لِلْمَاضِي بِالْمُسْتَقْبِلِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ إنْ فَعَلَ كَذَا عِنْدَنَا يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ هَلْ يَصِيرُ كَافِرًا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ حَلَفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَعَلَّقَ الْكُفْرَ بِأَمْرٍ مَاضٍ وَقَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ لَوْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَقَدْ كَانَ فَعَلَ وَهُوَ عَالِمٌ وَقْتَ الْيَمِينِ أَنَّهُ كَاذِبٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَصِيرُ كَافِرًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَاضِي يُتَنَجَّزُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكَفِّرُ وَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا غَمُوسٌ وَإِنْ حَلَفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكَفِّرُ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ إنْ كَانَ فِي اعْتِقَادِ الْحَالِفِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمَاضِي يَصِيرُ كَافِرًا فِي الْحَالِ فَيَصِيرُ كَافِرًا وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَفِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ يَصِيرُ كَافِرًا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ يَصِيرُ كَافِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِقَادِهِ ذَلِكَ لَا يَكْفُرُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ فِي الْمَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُ كُفْرٌ) وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ. اهـ. كَافِي وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمُصْحَفِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ مَا فِي الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ أَيْ ثَوَابُهُ) أَيْ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا بِالشَّكِّ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا) فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ وَاَللَّهِ الْأَمِينِ. اهـ. كَافِي وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الطَّاعَاتِ اِ هـ كَافِي (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى) أَيْ قَبْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ اِ هـ (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ) قَالَ فِي الْكَافِي فَالْبَاءُ تَدْخُلُ عَلَى الْمَظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ وَالْوَاوُ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى الْمَظْهَرِ وَالتَّاءُ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى مَظْهَرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ اسْمُ اللَّهِ لِأَنَّ الْبَاءَ أَصْلٌ وَالْوَاوُ مُلْحَقٌ بِهِ لِأَنَّ فِي الْإِلْصَاقِ مَعْنَى الْجَمْعِ وَلِهَذَا لَا يُسْتَعْمَلُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَ الْوَاوِ وَالتَّاءُ مُلْحَقٌ بِالْوَاوِ

اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا لِأَنَّ حَذْفَ الْحَرْفِ مُتَعَارَفٌ بَيْنَهُمْ اخْتِصَارًا ثُمَّ إذَا حُذِفَ الْحَرْفُ وَلَمْ تُعَوَّضْ مِنْهُ هَا التَّنْبِيهُ وَلَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَلَا قَطْعُ أَلْفِ الْوَصْلِ لَمْ يَجُزْ الْخَفْضُ إلَّا فِي اسْمِ اللَّهِ بَلْ يُنْصَبُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ أَوْ يُرْفَعْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٌ إلَّا فِي اسْمَيْنِ فَإِنَّهُ الْتَزَمَ فِيهِمَا الرَّفْعَ وَهُمَا أَيْمُنُ اللَّهِ وَلَعَمْرُ اللَّهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفَّارَتُهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كَهُمَا فِي الظِّهَارِ أَوْ كِسْوَتُهُمْ بِمَا يَسْتُرُ عَامَّةَ الْبَدَنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] الْآيَةَ. وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَقَوْلُهُ كَهُمَا فِي الظِّهَارِ أَيْ كَالْإِطْعَامِ وَالتَّحْرِيرِ فِي الظِّهَارِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا هُنَاكَ وَقَوْلُهُ {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] بِمَا يَسْتُرُ عَامَّةَ الْبَدَنِ أَيْ كِسْوَةُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ بِثَوْبٍ يَسْتُرُ عَامَّةَ الْجَسَدِ وَهُوَ بَيَانُ أَدْنَى الْكِسْوَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أَدْنَاهُ مَا يَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ حَتَّى يَجُوزَ السَّرَاوِيلُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَابِسٌ شَرْعًا إذْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَقَدْ أَقَامَهُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إنْ أَعْطَى الْمَرْأَةَ ذَلِكَ الْقَدْرَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ لَابِسَهُ يُسَمَّى عُرْيَانًا فِي الْعُرْفِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمُطْلَقَاتِ وَذَلِكَ قَمِيصٌ أَوْ إزَارٌ أَوْ رِدَاءٌ وَلَكِنَّ مَا لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزَّوَائِدِ وَتُبْدَلُ بِهَا فِي نَحْوِ تُجَاهٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَفَّارَتُهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ إلَخْ) شَرَعَ فِي الْكَفَّارَةِ بَعْدَ بَيَانِ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ وَمَا لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهَا تَكُونُ بَعْدَ الْيَمِينِ لِوُجُوبِهَا بِالْحِنْثِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ الْكَفَّارَةُ فَعَّالَةٌ مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ وَبِهِ سُمِّيَ اللَّيْلُ كَافِرًا قَالَ فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا وَتَكَفَّرَ بِثَوْبِهِ اشْتَمَلَ بِهِ وَإِضَافَتُهَا إلَى الْيَمِينِ فِي قَوْلِنَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ إضَافَةٌ إلَى الشَّرْطِ مَجَازًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إضَافَةٌ إلَى السَّبَبِ فَالْيَمِينُ هِيَ السَّبَبُ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ عِتْقُ رَقَبَةٍ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ إعْتَاقُهَا لَا نَفْسَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَوْ وَرِثَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَنَوَى عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ وَيُجْزِئُ فِيهَا مَا يُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ وَتَقَدَّمَ الْمُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ مِنْ أَنَّهَا الْمُسْلِمَةُ وَالْكَافِرَةُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ وَلَا يُجْزِئُ فَائِتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَتُجْزِئُ الْعَوْرَاءُ لَا الْعَمْيَاءُ وَمَقْطُوعُ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافِ وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعُهُمَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَفِي الْأَصَمِّ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ يَسْمَعُ جَازَ وَلَا يَجُوزُ الْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يُفِيقُ وَمَنْ يُفِيقُ وَيُجَنُّ يَجُوزُ وَلَا الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِأَنَّهُمَا لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ نَقَصَ الرِّقُّ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا يَجُوزُ بِخِلَافِ الَّذِي أَدَّى بَعْضَ شَيْءٍ لِأَنَّهُ كَالْمَعْتُوقِ بِعِوَضٍ وَإِنْ شَاءَ كَسَا عَشْرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ وَاحِدٍ ثَوْبًا فَمَا زَادَ يَعْنِي إنْ كَسَاهُ ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَهُوَ أَفْضَلُ وَأَدْنَاهُ مَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ كَالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفُهُ مِنْ بُرٍّ وَبِإِسْنَادِهِ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَبِسَنَدِهِ إلَى الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ وَبِإِسْنَادِهِ إلَى مُجَاهِدٍ قَالَ كُلُّ كَفَّارَةٍ فِي الْقُرْآنِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَلَوْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ وَفِيهِمْ فَطِيمٌ أَوْ فَوْقَهُ قَرِيبًا لَمْ يَجُزْ عَنْ إطْعَامِ مِسْكِينٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ وَيُعَشِّيَهُمْ بِخُبْزٍ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ بُرًّا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدَامُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَبِإِدَامٍ وَيُجْزِئُ فِي الْإِطْعَامِ كُلٌّ مِنْ التَّمْلِيكِ وَالْإِبَاحَةِ وَتَقَدَّمَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَيَتَعَيَّنُ الْوَاجِبُ عَيْنًا بِفِعْلِ الْعَبْدِ وَالْمَسْأَلَةُ طَوِيلَةٌ فِي الْأُصُولِ اهـ قَوْلُهُ وَالصَّغِيرَةُ إلَخْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يُقَيِّدْ فَجَازَ هُنَا مَا جَازَ ثَمَّةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعُهُمَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمَشْيِ مُتَعَذِّرَةٌ اهـ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ قَمِيصٌ أَوْ إزَارٌ) أَوْ قَبَاءٌ أَوْ كِسَاءٌ أَوْ جُبَّةٌ أَوْ مِلْحَفَةٌ لِأَنَّ لَابِسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُسَمَّى مُكْتَسِيًا فَيُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَفِي السَّرَاوِيلِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ لَا يَجُوزُ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَجُوزُ كَذَا فِي الْأَجْنَاسِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ الْعِمَامَةُ وَلَا الْقَلَنْسُوَةُ وَلَا السَّرَاوِيلُ وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ سِمَاعَةَ وَبِشْرٌ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ إمْلَاءِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ كَذَلِكَ أَنَّ لَابِسَهُ يُسَمَّى عُرْيَانَا وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ أَعْطَى الْمَرْأَةَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَعْطَى الرَّجُلَ يَجُوزُ لِجَوَازِ صَلَاتِهِ فِيهِ كَالْقَمِيصِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ مِنْ تَصْنِيفِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْعِمَامَةُ قَدْرُهَا قَدْرُ الْإِزَارِ السَّابِغِ أَوْ مَا يُقْطَعُ قَمِيصًا يُجْزَى وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَسَا رَجُلًا فَأَمَّا إذَا كَسَا امْرَأَةً قَالَ الطَّحَاوِيُّ يَزِيدُ فِيهِ الْخِمَارَ لِأَنَّ رَأْسَهَا عَوْرَةٌ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ إذَا كَانَتْ مَكْشُوفَةً اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا يُشَابِهُ الرِّوَايَةَ الَّتِي عَنْ مُحَمَّدٍ فِي دَفْعِ السَّرَاوِيلِ أَنَّهُ لِلْمَرْأَةِ لَا يَكْفِي وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرُ الْجَوَابِ وَإِنَّمَا ظَاهِرُ الْجَوَابِ مَا ثَبَتَ بِهِ اسْمُ الْمُكْتَسِي وَيَنْتَفِي عَنْهُ اسْمُ الْعُرْيَانِ وَعَلَيْهِ بُنِيَ عَدَمُ إجْزَاءِ السَّرَاوِيلِ لَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَعَدَمُهَا فَإِنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْأَمْرِ بِالْكِسْوَةِ إذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا جَعْلَ الْفَقِيرِ مُكْتَسِيًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ لَابِسَةً قَمِيصًا سَابِلًا وَإِزَارًا وَخِمَارًا غَطَّى رَأْسَهَا وَأُذُنَيْهَا دُونَ عُنُقِهَا لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ اسْمِ أَنَّهَا مُكْتَسِيَةٌ لَا عُرْيَانَةٌ وَمَعَ هَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا فَالْعِبْرَةُ لِثُبُوتِ ذَلِكَ الِاسْمِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ أَوْ لَا اهـ (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ مَا لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْإِجْزَاءِ عَنْ الْإِطْعَامِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ عَنْ الْإِطْعَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ الْإِطْعَامِ اهـ

يُجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ جَزَاءِ الصَّيْدِ حَيْثُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ وَالْهَدْيِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فِي الْمَنَاسِكِ وَأَجَازُوا هُنَا اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ فِي الْمَنْصُوصِ لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ وَلَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ فِي الْإِطْعَامِ حَتَّى لَا يَجُوزَ إقَامَةُ الْبُرِّ مُقَامَ التَّمْرِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ جَعْلُهُ عَنْ الْإِطْعَامِ فِي الظَّاهِرِ خِلَافًا لِمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَخَيَّرُ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَلَا يَلْزَمُ حَمْلُ هَذَا الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِالتَّتَابُعِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَارِضٍ بَيْنَ التَّقْيِيدَيْنِ وَأَمَّا إذَا تَعَارَضَا فَلَا لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْآخَرِ وَهُنَا تَعَارَضَا لِأَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مُقَيَّدَةٌ بِالتَّتَابُعِ وَكَذَا كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ مُقَيَّدٌ بِالتَّفْرِيقِ فَتَعَارَضَا فَبَقِيَ الْمُطْلَقُ عَلَى إطْلَاقِهِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَنَا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهَا لِأَنَّهَا مَشْهُورَةٌ فَصَارَتْ كَخَبَرِهِ الْمَشْهُورِ وَلَا يَلْزَمُنَا أَنَّا لَا نَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَا فِي السَّبَبِ أَوْ فِي حُكْمَيْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فَنَحْمِلُهُ وَقَوْلُهُ صَوْمُ الْمُتْعَةِ مُقَيَّدٌ بِالتَّفْرِيقِ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ صَوْمُ السَّبْعَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّ وَقْتَهُ لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَامَهُ فِيهَا مُتَفَرِّقًا لَا يَجُوزُ أَيْضًا ثُمَّ الْفَقْرُ وَالْيَسَارُ يُعْتَبَرُ وَقْتَ التَّكْفِيرِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْحِنْثِ حَتَّى لَوْ حَنِثَ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْسَرَ جَازَ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ عِنْدَنَا وَبِعَكْسِهِ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُ عَلَى الْعَكْسِ هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْحَدِّ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّنْصِيفُ بِالرِّقِّ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَلَنَا أَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ وَقْتُ الْأَدَاءِ كَالتَّيَمُّمِ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ فَيُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَقْتَ الِاسْتِعْمَالِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَدَمُ الْأَصْلِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّ حَدَّ الْعَبِيدِ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَلَى حَدِّ الْأَحْرَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُكَفَّرُ قَبْلَ الْحِنْثِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ قَبْلَ الْحِنْثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ وَلِأَنَّهُ أَدَّاهَا بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ بِدَلِيلِ إضَافَتِهَا إلَيْهَا فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ كَفَّرَ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ زَهُوقِ الرُّوحِ وَكَمَا إذَا كَفَّرَ بَعْدَ الظِّهَارِ وَقَبْلَ الْعَوْدِ وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ حَاصِلٌ بِالسَّبَبِ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ مُتَرَاخٍ عَنْهُ بِالشَّرْطِ وَالْمَالِيُّ يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ بَيْنَ وُجُوبِهِ وَوُجُوبِ أَدَائِهِ أَمَّا الْبَدَنِيُّ فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ فَلَمَّا تَأَخَّرَ الْأَدَاءُ لَمْ يَبْقَ الْوُجُوبُ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا وَجَبَ وَجَبَ أَدَاؤُهُ إذْ الصَّوْمُ هُوَ الْأَدَاءُ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ الْمَالِيِّ لِأَنَّ الْمَالَ مَعَ الْفِعْلِ مُتَغَايِرَانِ فَجَازَ أَنْ يَتَّصِفَ الْمَالُ بِالْوُجُوبِ وَلَا يَثْبُتَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ مَا لَمْ يُطَالِبُ وَكَذَا فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ يَجِبُ الْمَالُ وَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسِتْرِ الْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْحُكْمِ طَرِيقًا لَهُ وَالْيَمِينُ مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ مُحَرِّمَةٌ لَهُ فَكَيْفَ تَكُونُ سَبَبًا لَهُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ انْتِقَاضِ تَرْكِيبِ الْيَمِينِ بِالْحِنْثِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْءٍ إنَّهُ سَبَبٌ لِحُكْمٍ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ إلَّا بَعْدَ انْتِقَاضِهِ بِخِلَافِ الْجُرْحِ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَى الْمَوْتِ وَلِهَذَا يُجَامِعُهُ الْمَوْتُ وَهُنَا يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا وَبِخِلَافِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ قَبْلَ الْعُودِ وَفِي الْيَمِينِ لِسِتْرِ الْجِنَايَةِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ قَبْلَ الْحِنْثِ وَلَئِنْ قُلْنَا إنَّهُ سَبَبٌ فَإِنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا لَهُ وَقْتَ الْحِنْثِ وَقَبْلَهُ سَبَبٌ لِلْبِرِّ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ سَبَبًا لِشَيْءٍ ثُمَّ يَجْعَلُهُ النَّاسُ سَبَبًا لِغَيْرِهِ كَإِنْزَالِ الْقُرْآنِ لِلْهُدَى وَالْكُفَّارُ جَعَلُوهُ سَبَبًا لِلضَّلَالِ وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ إنْ صَحَّ أَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ فِيهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يُجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ أَعْطَى عَشْرَةَ مَسَاكِينَ ثَوْبًا بَيْنَهُمْ وَهُوَ ثَوْبٌ كَثِيرُ الْقِيمَةِ يُصِيبُ كُلَّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ ثَوْبٍ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَأَجْزَأَهُ مِنْ الْإِطْعَامِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا) يَعْنِي إذَا حَنِثَ الرَّجُلُ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ لَا يَجِدُ مَا يَعْتِقُ أَوْ يَكْسُو أَوْ يُطْعِمُ فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّنْصِيفُ بِالرِّقِّ وَقْتَ الْوُجُوبِ) فَلَوْ زَنَى الْعَبْدُ ثُمَّ أُعْتِقَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْعَبِيدِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَدَمُ الْأَصْلِ بِالنَّصِّ) قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] وَقَالَ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ قَبْلَ الْحِنْثِ) أَيْ دُونَ الصَّوْمِ اهـ وَعَنْهُ فِي التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ رِوَايَتَانِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ إضَافَتِهَا إلَيْهَا) قَالَ تَعَالَى {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] اهـ فَيُقَالُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْوَاجِبَاتُ تُضَافُ إلَى أَسْبَابِهَا. اهـ. كَافِي قَالَ الْكَمَالُ وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ يَقُولُونَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَلَا يَقُولُونَ كَفَّارَةُ الْحِنْثِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ سَبَبِيَّةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِلْمُضَافِ الْوَاقِعِ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَوْ مُتَعَلِّقِهِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُتَعَلَّقُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ وَإِذَا ثَبَتَ سَبَبِيَّتُهُ جَازَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ شَرْطٌ وَالتَّقْدِيمُ عَلَى الشَّرْطِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ ثَابِتٌ شَرْعًا كَمَا جَازَ فِي الزَّكَاةِ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ بَعْدَ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ وَكَمَا فِي تَقْدِيمِ التَّكْفِيرِ بَعْدَ الْجُرْحِ عَلَى الْمَيِّتِ بِالسِّرَايَةِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَفْتَرِقَ الْمَالُ وَالصَّوْمُ وَهُوَ قَوْلُهُ الْقَدِيمُ وَفِي الْجَدِيدِ لَا يُقَدِّمُ الصَّوْمَ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةَ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْوَقْتِ يَعْنِي أَنَّ تَقَدُّمَ الْوَاجِبِ بَعْدَ السَّبَبِ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يُعْرَفْ شَرْعًا إلَّا فِي الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ مُطْلَقًا صَوْمًا كَانَ أَوْ مَالًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى التَّقْدِيمِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ مُحَرِّمَةٌ لَهُ) أَيْ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ لِلْبِرِّ لَا لِلْحِنْثِ اهـ

{فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14] {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: 15] {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] تَقْدِيرُهُ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَاتِ قَبْلَ الْإِيمَانِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَوَجَبَ التَّكْفِيرُ أَوَّلًا ثُمَّ الْحِنْثُ بَعْدَهُ مَفْصُولًا لِلْآمِرِ بِهِ بِكَلِمَةٍ ثُمَّ عَلَى زَعْمِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لَهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى غَيْرِ السَّبَبِ كَالشَّرْطِ وَغَيْرِهِ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ كَفَّارَةُ الصَّوْمِ وَكَفَّارَةُ الْإِحْرَامِ، وَالصَّوْمُ لَيْسَ سَبَبًا لِوُجُوبِهَا وَكَذَا الْإِحْرَامُ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ خَلَفٌ عَنْ الْبِرِّ فَلَا يُصَارُ إلَيْهَا مَا دَامَ الْبِرُّ بَاقِيًا وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ إنْ فَعَلَهُ كَمَا لَا يُصَارُ إلَى التَّيَمُّمِ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ إذَا فَعَلَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَوْبَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ {تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 92] وَالتَّوْبَةُ قَبْلَ الْجَرِيمَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا كَالطَّهَارَةِ قَبْل الْحَدَثِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ سَبَبًا كَمَا قَالَ لَجَازَ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالصَّوْمِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَفَرَّقَهُ بَيْنَ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ سَاقِطٌ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَالِيِّ فِعْلُ الْأَدَاءِ وَالْمَالُ آلَتُهُ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ عَيْنَ الْمَالِ فِي حُقُوقُ الْعِبَادِ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] وَالْفَاءُ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ فَيَقْتَضِي أَنْ تَجُوزَ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْيَمِينَ مُتَّصِلًا بِهَا وَقَالَ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ جَعَلَهَا كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَرَتَّبَهَا عَلَى الْحَلِفِ لَا عَلَى الْحِنْثِ لِأَنَّا نَقُولُ الْحِنْثُ مُضْمَرٌ فِيهِ تَقْدِيرُهُ فَكَفَّارَتُهُ إذَا حَنِثْتُمْ، وَتَقْدِيرُ الْأُخْرَى إذَا حَلَفْتُمْ وَحَنِثْتُمْ كَمَا أُضْمِرَ الْفِطْرُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] أَيْ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَكَقَوْلِهِ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] أَيْ إذَا قُمْتُمْ إلَيْهَا وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَمَا اخْتَصَّ بِالْمَالِيِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَوْ قَدَّمَ التَّكْفِيرَ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْ الْفَقِيرِ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَدَقَةً تَطَوُّعًا كَمَا إذَا قَدَّمَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ ذَهَبَ الْمَالُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْنَثَ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نَذْرَ وَلَا يَمِينَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْوَفَاءِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْبِرَّ مَعْصِيَةٌ أَيْضًا كَالْحِنْثِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى أَخَفِّهِمَا إثْمًا وَهُوَ الْحِنْثُ لِأَنَّهُ مُرَخَّصٌ لَهُ شَرْعًا بِمَا رَوَيْنَا وَمَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ فِي الْبِرِّ لَيْسَ بِمُرَخَّصٍ لَهُ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِالْمُرَخَّصِ وَلِأَنَّ فِي الْحِنْثِ فَوَاتَ الْبِرِّ إلَى جَابِرٍ وَفِي الْبِرِّ لُزُومَ الْمَعْصِيَةِ بِلَا جَابِرٍ فَيَجِبُ الْحِنْثُ لِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى كَافِرٍ وَإِنْ حَنِثَ مُسْلِمًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ حَنِثَ كَافِرًا لِأَنَّ الْيَمِينَ يُعْقَدُ لِلْبِرِّ وَهُوَ أَهْلٌ لَهُ لِأَنَّ الْبِرَّ يَتَحَقَّقُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَحْمِلُهُ اعْتِقَادُهُ عَلَى الْبِرِّ وَلِهَذَا يُسْتَحْلَفُ فِي الدَّعَاوَى وَالْخُصُومَاتِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْيَمِينِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْبِرُّ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِأَنَّهُ هَاتِكٌ حُرْمَةَ الِاسْمِ بِالْكُفْرِ وَالتَّعْظِيمُ مَعَ الْهَتْكِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَالْبِرُّ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ الْمُعَظِّمِ بِخِلَافِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْخُصُومَاتِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِمَقْصُودِهِ وَهُوَ النُّكُولُ أَوْ الْإِقْرَارُ وَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ سَتَّارَةٌ كَاسْمِهَا وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا تَابِعٌ وَيَسْتَحِيلُ مِنْهُ الْعِبَادَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهَا وَلَا لِحُكْمِهَا وَهُوَ الثَّوَابُ فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ أَصْلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ لَمْ يُحَرِّمْ) أَيْ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا يَمْلِكُهُ بِأَنْ يَقُولَ مَالِي عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ ثَوْبِي أَوْ جَارِيَتِي فُلَانَةَ أَوْ رُكُوبُ هَذِهِ الدَّابَّةِ لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ لِذَاتِهِ لِأَنَّهُ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَتَغْيِيرُهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي ذَلِكَ بِالتَّبْدِيلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَبَاحَهُ كَفَرَ) أَيْ إنْ أَقْدَمَ عَلَى مَا حَرَّمَهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ يَمِينًا فَصَارَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَلَبَ الْمَوْضُوعَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ إلَّا فِي النِّسَاءِ وَالْجَوَارِي وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] قَالَ فِي التَّيْسِيرِ إنَّ ثُمَّ هُنَا لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْوُجُودِ أَيْ ثُمَّ أُخْبِرُكُمْ أَنَّ هَذَا لِمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا. اهـ. كَشْفٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدَّمَ التَّكْفِيرَ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْ الْفَقِيرِ) وَإِنْ كَانَ لَا يَقَعُ عَنْ الْكَفَّارَاتِ قَبْلَ الْحِنْثِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَدَقَةً تَطَوُّعًا) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلَّهِ قُصِدَ بِهِ الْقُرْبَةُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ وَقَدْ حَصَلَ التَّقَرُّبُ وَتَرَتَّبَ الثَّوَابُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ وَيُبْطِلَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ) مِثْلَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَوْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَنْوَاعٌ فِعْلُ مَعْصِيَةٍ أَوْ تَرْكُ فَرْضٍ فَالْحِنْثُ وَاجِبٌ أَوْ شَيْءٌ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ شَهْرًا وَنَحْوَهُ فَإِنَّ الْحِنْثَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الرِّفْقَ أَيْمَنُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ وَهُوَ يَسْتَأْهِلُ ذَلِكَ أَوْ لَيَشْكُوَنَّ مَدْيُونَهُ إنْ لَمْ يُوَافِ غَدًا لِأَنَّ الْعَفْوَ أَفْضَلُ وَكَذَا تُيَسَّرُ الْمُطَالَبَةُ أَوْ عَلَى شَيْءٍ وَضِدِّهِ مِثْلُهُ كَالْحَلِفِ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَالْبِرُّ فِي هَذَا وَحِفْظُ الْيَمِينِ أَوْلَى وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي تَأْوِيلِهَا أَنَّهُ الْبِرُّ فِيهَا أَمْكَنَ اهـ (قَوْلُهُ وَيُكَفِّرُ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ ابْنُ آدَمَ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى كَافِرٍ وَإِنْ حَنِثَ مُسْلِمًا) وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَنِثَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ فَإِنْ حَنِثَ حَالَ كُفْرِهِ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ دُونَ الصَّوْمِ وَإِنْ حَنِثَ بَعْدَ إسْلَامِهِ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ لَمْ يُحَرَّمْ) ضَبَطَهُ الرَّازِيّ بِالْقَلَمِ بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارِعَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ اهـ (قَوْلُهُ أَيْ إنْ أَقْدَمَ عَلَى مَا حَرَّمَهُ) يَعْنِي عَامَلَهُ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ) أَيْ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ فَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظٍ هُوَ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ اهـ

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ثُمَّ قَالَ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] وَقَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا فَلَمْ تَزَلْ بِهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ حَتَّى حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]» إلَى آخِرِ الْآيَةِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُ بِهَا وَقَالَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي لَفْظٍ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إنِّي جَعَلْت امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامًا فَقَالَ كَذَبْت لَيْسَتْ عَلَيْك بِحَرَامٍ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] عَلَيْكَ أَغْلَظُ الْكَفَّارَاتِ عِتْقُ رَقَبَةٍ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَقِيلَ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «حَرَّمَ الْعَسَلَ عَلَى نَفْسِهِ» وَالتَّمَسُّكُ بِالنَّصِّ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمَّا صَارَ يَمِينًا فِي الْجَوَارِي صَارَ فِي جَمِيعِ الْمُبَاحَاتِ أَيْضًا يَمِينًا دَلَالَةً إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُبَاحٍ وَمُبَاحٍ وَلِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً لِعَيْنِهَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا فَثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مُوجَبُ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَرَامٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَنِثَ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَلَالِ مُسَبَّبُ الْيَمِينِ فَالتَّنْصِيصُ عَلَيْهِ يُجْعَلُ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى السَّبَبِ مَجَازًا وَلَوْ وَهَبَ مَا جَعَلَهُ حَرَامًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحْرِيمِ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ عُرْفًا لَا حُرْمَةُ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَقَوْلُهُ وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْيَمِينِ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ مِلْكُ فُلَانٍ أَوْ مَالُهُ عَلَيَّ حَرَامٌ يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْحُرْمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) لِلْعُرْفِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فَرَغَ مِنْ يَمِينِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لِلْعُمُومِ وَقَدْ بَاشَرَ فِعْلًا مُبَاحًا كَمَا فَرَغَ مِنْ يَمِينِهِ وَهُوَ التَّنَفُّسُ وَنَحْوُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْبِرُّ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ فَإِذَا سَقَطَ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِلتَّعَارُفِ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَتَنَاوَلُ عَادَةً وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً وَلَا يَصْرِفُ الْيَمِينَ عَنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ وَهَذَا كُلُّهُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ) لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَكَذَا يَنْبَغِي فِي قَوْلِهِ: حَلَال بروى حرام وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ هرجه يرست رَاسَتْ كيرم بروى حرام فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُجْعَلُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَوُجِدَ وَفَّى بِهِ) أَيْ وَفَّى الْمَنْذُورَ هَذَا إذَا سَمَّى شَيْئًا وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِيهِمَا أَعْنِي فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُعَلَّقِ لَكِنْ يَجِبُ فِي الْحَالِ فِي الْمُطْلَقِ وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْمُعَلَّقِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ وَتَفْصِيلَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَرَّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَعَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى وَمَنْ اسْتَثْنَى فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا لِأَنَّهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ) فَإِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ وَلَا يَحْنَثُ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ إلَخْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُتَنَاوَلُ عَادَةً) وَهُوَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَظَهَرَ أَنَّ مَا قِيلَ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ لَا يَصِحُّ إذْ لَيْسَ مَجْمُوعُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَخَصَّ الْخُصُوصِ بَلْ حُمِلَ عَلَى مَا تُعُورِفَ فِيهِ اللَّفْظُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ) أَيْ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ فَإِذَا نَوَاهَا اتَّصَلَتْ النِّيَّةُ بِلَفْظٍ صَالِحٍ فَصَحَّ فِيهِ دُخُولُهَا فِي الْإِرَادَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ اسْقِينِي إذَا أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الصَّلَاحِيَّةِ فَلَوْ وَقَعَ كَانَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الزَّوْجَاتِ إيلَاءٌ فَإِنْ جَامَعَهَا فِي الْمُدَّةِ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ عَنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ) حَتَّى إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ كَمَا إذَا قَرَّبَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَشَايِخُنَا قَالُوا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ فِي الْغَايَةِ أَرَادَ بِهِمْ مَشَايِخَ بَلْخٍ كَأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَالْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ حَيْثُ قَالُوا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا هَذَا أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ الطَّلَاقَ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِهِ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّلَاقِ بِلَا نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ اهـ مَا قَالَهُ فِي الْغَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ هَكَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي عُرْفُ النَّاسِ فِي هَذَا لِأَنَّ مَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ ذُو الْحَلِيلَةِ وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَفِيضًا فِي ذَلِكَ لِمَا اسْتَعْمَلَهُ إلَّا ذُو الْحَلِيلَةِ فَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَيَّدَ الْجَوَابُ فِي هَذَا وَنَقُولُ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ يَكُونُ طَلَاقًا فَأَمَّا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ فِيهِ وَلَا يُخَالِفُ الْمُتَقَدِّمِينَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُتَعَارَفْ فِي دِيَارِنَا بَلْ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ حَرَامٌ عَلَيَّ كَلَامُك وَنَحْوُهُ كَأَكْلِ كَذَا وَلُبْسِهِ دُونَ الصِّيغَةِ الْعَامَّةِ وَتَعَارَفُوا أَيْضًا الْحَرَامَ يَلْزَمُنِي وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ بَعْدَهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَهُوَ مِثْلُ تَعَارُفِهِمْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ وَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ انْتَهَى وَلَوْ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ يَقَعُ الطَّلَاق عَلَى وَاحِدَةٍ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ فِي الْأَظْهَرِ كَقَوْلِهِ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ. اهـ. كَافِي

[باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والإتيان وغير ذلك]

رُجُوعٌ وَلَا رُجُوعَ فِي الْأَيْمَانِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْفَصِلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] أَيْ إذَا نَسِيت الِاسْتِثْنَاءَ مَوْصُولًا فَاسْتَثْنِ مَفْصُولًا وَلَا يُؤَدِّي هَذَا الْقَوْلُ إلَى أَنْ تَكُونَ الْعُقُودُ الشَّرْعِيَّةُ كُلُّهَا غَيْرَ مُلْزِمَةٍ وَإِخْرَاجُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُقَيِّدَةً لِأَحْكَامِهَا لِأَنَّهُ يَبِيعُ أَوْ يَتَزَوَّجُ أَوْ يُطَلِّقُ ثُمَّ يَسْتَثْنِي أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ فَلَوْ كَانَ هَذَا يَصِحُّ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الزَّوْجِ الثَّانِي حَتَّى تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَلْ كَانَ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِثْنَاءِ حَتَّى تَبْطُلَ الطَّلْقَاتُ الثَّلَاثُ بِهِ وَكَذَا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ أَحْكَامَ الْحِنْثِ فِي الْأَيْمَانِ وَلَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَفْصُولُ جَائِزًا لَأَمَرَ اللَّهُ بِهِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ الْحِنْثُ وَلَا الْإِثْمُ وَمَعْنَى الْآيَةِ إذَا نَسِيت فِي أَوَّلِ كَلَامِكِ فَاذْكُرْهُ فِي آخِرِهِ مَوْصُولًا وَرُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ صَاحِبَ الْمَغَازِي كَانَ عِنْدَ الْمَنْصُورِ فَكَانَ يَقْرَأُ عِنْدَهُ الْمَغَازِي وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ فَأَرَادَ أَنْ يُغْرِي الْخَلِيفَةَ عَلَيْهِ فَقَالَ إنَّ هَذَا الشَّيْخَ يُخَالِفُ جَدَّكَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ فَقَالَ لَهُ أَبَلَغَ مِنْ قَدْرِكَ أَنْ تُخَالِفَ جَدِّي فَقَالَ إنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْك مِلْكَك لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْفَصِلُ فَبَارَكَ اللَّهُ لَك فِي عُهُودِك إذًا فَإِنَّ النَّاسَ يُبَايِعُونَك وَيَحْلِفُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَيَسْتَثْنُونَ ثُمَّ يُخَالِفُونَ وَلَا يَحْنَثُونَ فَقَالَ نِعْمَ مَا قُلْت وَغَضِبَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ عِنْدِهِ وَقَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اُسْتُرْ هَذَا عَلَيَّ ثُمَّ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُبْطِلٌ لِلْكَلَامِ وَمُخْرِجٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَعِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا عَمَلَ لِلِاسْتِثْنَاءِ بَلْ يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَتَغَيَّرُ بِذِكْرِهِ حُكْمُ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ تَبَرُّكًا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَفِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٍ عَنْ قَوْلِ مُوسَى لِلْخَضِرِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف: 69] مَا يَرُدُّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْبِرْ وَلَمْ يُعَاتِبْ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَعُوتِبَ لِأَنَّ الْوَعْدَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالْعَهْدِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ بِرُّ عَدَمِ الِانْعِقَادِ لِأَنَّ فِيهِ عَدَمُ الْحِنْثِ كَالْبِرِّ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَيْمَانَ عِنْدَنَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَحَقُّ بِالْإِرَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْفَصِلُ) أَيْ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ) أَيْ الْمُصَنِّفِ. اهـ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] لَمَّا كَانَ انْعِقَادُ الْيَمِينِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِ شَيْءٍ ذَكَرَ الْأَفْعَالَ الَّتِي تَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْيَمِينُ بَابًا بَابًا إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ هَذَا الْبَابَ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَهَمُّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُحْتَاجٌ إلَى مَسْكَنٍ يَدْخُلُ فِيهِ وَيَسْتَقِرُّ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ سَائِرُ الْأَفْعَالِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة: 22] وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ ذَكَرَ الرِّزْقَ بَعْدَ جَعْلِ الْأَرْضِ فِرَاشًا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ انْتَهَى قَالَ الْكَمَالُ وَكُلٌّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ لَكِنَّ حَاجَةَ الْحُلُولِ فِي مَكَان أَلْزَمُ لِلْجِسْمِ مِنْ أَكْلِهِ وَلُبْسِهِ انْتَهَى (قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ الْأَيْمَانَ عِنْدَنَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ) لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ الْعُرْفِيِّ أَعْنِي الْأَلْفَاظَ الَّتِي يُرَادُ بِهَا مَعَانِيهَا الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا فِي الْعُرْفِ كَمَا أَنَّ الْعَرَبِيَّ حَالَ كَوْنِهِ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْحَقَائِقِ بِلُغَتِهِ فَوَجَبَ صَرْفُ أَلْفَاظِ الْمُتَكَلِّمِ إلَى مَا عُهِدَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِهَا ثُمَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ جَرَى عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ فَحَكَمَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ والمرغيناني وَهُوَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَنَّهُ خَطَأٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ حَمَلَ الْكَلَامَ عَلَى الْعُرْفِ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَصِيرُ الْمُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ إلَّا فِيمَا مِنْ الْأَلْفَاظِ لَيْسَ لَهُ وَضْعٌ لُغَوِيٌّ بَلْ أَخَذَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ وَأَنَّ مَالَهُ وَضْعٌ لُغَوِيٌّ وَوَضْعٌ عُرْفِيٌّ يُعْتَبَرُ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِهِ مُتَكَلِّمٌ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ وَهَذَا يَهْدِمُ قَاعِدَةَ حَمْلِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِرْ الْمُعْتَبَرُ إلَّا اللُّغَةَ إلَّا مَا تَعَذَّرَ وَهَذَا بَعِيدٌ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِالْعُرْفِ الَّذِي بِهِ التَّخَاطُبُ سَوَاءٌ كَانَ عُرْفُ اللُّغَةِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَوْ غَيْرَهَا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا نَعَمْ مَا وَقَعَ اسْتِعْمَالُهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلِ الْعُرْفِ تُعْتَبَرُ اللُّغَةُ عَلَى أَنَّهَا الْعُرْفُ فَأَمَّا الْفَرْعُ الْمَذْكُورَةُ فَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ نَوَاهُ فِي عُمُومِ بَيْتٍ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ لَهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ لِانْصِرَافِ الْكَلَامِ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَنَا بِانْصِرَافِ الْكَلَامِ إلَى الْعُرْفِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَانَ مُوجِبُ الْكَلَامِ مَا يَكُونُ مُوجِبًا عُرْفِيًّا لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ نِيَّةُ شَيْءٍ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ انْعَقَدَ الْيَمِينُ بِاعْتِبَارِهِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَالْكَعْبَةُ وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهَا بَيْتٌ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [آل عمران: 96] وَكَذَا الْمَسْجِدُ فِي قَوْله تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] وَكَذَا بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ وَكَذَا الْحَمَّامُ وَلَكِنْ إذَا أُطْلِقَ الْبَيْتُ فِي الْعُرْفِ فَإِنَّمَا يُرَادُ مَا يَبَاتُ فِيهِ عَادَةً فَدَخَلَ الدِّهْلِيزُ إذَا كَانَ كَبِيرًا بِحَيْثُ يُبَاتُ فِيهِ لِأَنَّ مِثْلَهُ يُعْتَادُ بَيْتُوتَةً لِلضُّيُوفِ فِي بَعْضِ الْقُرَى وَفِي الْمُدُنِ يَبِيتُ فِيهِ بَعْضُ الْأَتْبَاعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَحْنَثُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ إذَا أُغْلِقَ الْبَابُ صَارَ دَاخِلًا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ وَلَهُ سَعَةٌ تَصْلُحُ لِلْمَبِيتِ مِنْ سَقْفٍ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ وَعَلَى هَذَا يَحْنَثُ بِالصِّفَةِ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا أَرْبَعُ حَوَائِطَ كَمَا هِيَ صِفَافُ الْكُوفَةُ أَوْ ثَلَاثَةٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُسَقَّفًا كَمَا هِيَ صِفَافُ دِيَارِنَا لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مِفْتَحَهُ وَاسِعٌ وَكَذَا الظُّلَّةُ إذَا كَانَ مَعْنَاهَا مَا هُوَ دَاخِلَ الدَّارِ مُسَقَّفًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَابَاطًا وَهُوَ مَا عَلَى ظَاهِرِ الْبَابِ فِي الشَّارِعِ مِنْ سَقْفٍ لَهُ جُذُوعٌ

وَعِنْدَ مَالِكٍ عَلَى مَعَانِي كَلِمِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ نَزَلَ عَلَى أَصَحِّ اللُّغَاتِ وَأَفْصَحِهَا قُلْنَا إنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ مَا هُوَ الْمَعْهُودُ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُ فَتَقَيَّدَ بِغَرَضِهِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ عَلَى الْبِسَاطِ أَوْ لَا يَسْتَضِيءُ بِالسِّرَاجِ لَا يَحْنَثُ بِجُلُوسِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا بِالِاسْتِضَاءَةِ بِالشَّمْسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ الْكَعْبَةِ وَالْمَسْجِدِ وَالْبَيْعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَالدِّهْلِيزِ وَالظُّلَّةِ وَالصُّفَّةِ) لِأَنَّ الْبَيْتَ مَا أُعِدَّ لِلْبَيْتُوتَةِ وَهَذِهِ الْبِقَاعُ مَا بُنِيَتْ لَهَا وَقِيلَ إذَا كَانَ الدِّهْلِيزُ بِحَيْثُ لَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ يَكُونُ دَاخِلًا وَهُوَ مُسَقَّفٌ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً وَالظُّلَّةُ هِيَ السَّابَاطُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى بَابِ الدَّارِ وَلَا يَكُونُ فَوْقَهُ بِنَاءٌ وَهِيَ لَيْسَتْ بِبَيْتٍ لِأَنَّهُ لَا يُبَاتُ فِيهَا وَكَذَا إذَا كَانَ فَوْقَهَا بِنَاءٌ إلَّا أَنَّ مِفْتَحَهُ إلَى الطَّرِيقِ لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى بَيْتِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ بَيْتِهِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَصْرِ أَنَّ الظُّلَّةَ هِيَ الَّتِي أَحَدُ طَرَفَيْ جُذُوعِهَا عَلَى هَذِهِ الدَّارِ وَطَرَفُهَا الْآخَرُ عَلَى حَائِطِ الدَّارِ الْمُقَابِلِ وَفِي الْمُغْرِبِ الظُّلَّةُ كُلُّ مَا أَظَلَّك مِنْ بِنَاءٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ سَحَابٍ أَيْ سَتَرَكَ وَأَلْقَى ظِلَّهُ عَلَيْك، وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ ظُلَّةُ الدَّارِ يُرِيدُونَ بِهَا السُّدَّةَ الَّتِي فَوْقَ الْبَابِ وَفِي طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ وَهِيَ الَّتِي تَظَلُّ عِنْدَ بَابِ الدَّارِ وَفِي الصِّحَاحِ كَهَيْئَةِ الصِّفَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَحْنَثُ بِدُخُولِ الصِّفَةِ لِأَنَّهَا تُبْنَى لِلْبَيْتُوتَةِ فِيهَا فِي الصَّيْفِ قِيلَ هَذَا عَلَى عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِأَنَّ صِفَافَهُمْ كَانَتْ ذَاتَ حَوَائِطَ أَرْبَعَةٍ وَالظَّاهِرُ مِنْ عُرْفِ دِيَارِ صَاحِبِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ لَا تُبْنَى عَلَى هَيْئَةِ الْبُيُوتِ بَلْ تُبْنَى ذَاتَ حَوَائِطَ ثَلَاثَةٍ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَادُ فَلَا تَكُونُ بَيْتًا فَلِهَذَا قَالَ لَا يَحْنَثُ وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَحْنَثَ مُطْلَقًا عِنْدَهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْبَيْتِ بَلْ يُنْفَى عَنْهَا فَيُقَالُ هَذِهِ صِفَةٌ وَلَيْسَتْ بِبَيْتٍ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِشَيْءٍ مُسَقَّفٍ مَدْخَلُهُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْبَيْتُوتَةِ فِيهِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الصِّفَةِ إلَّا أَنَّ مَدْخَلَهَا أَوْسَعُ مِنْ مَدْخَلِ الْبُيُوتِ الْمَعْرُوفَةِ فَكَانَ اسْمُ الْبَيْتِ مُتَنَاوَلًا لَهَا فَيَحْنَثُ بِسُكْنَاهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الْبُيُوتَ دُونَ الصِّفَافِ فَحِينَئِذٍ يَصْدُقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ خَصَّ الْعَامَّ بِنِيَّتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي دَارٍ بِدُخُولِهَا خَرِبَةً وَفِي هَذِهِ الدَّارِ يَحْنَثُ وَإِنْ بُنِيَتْ دَارًا أُخْرَى بَعْدَ الِانْهِدَامِ) أَيْ فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ دَارًا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ الدَّارِ الْخَرِبَةِ وَفِيمَا إذَا قَالَ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ يَحْنَثُ إذَا دَخَلَهَا بَعْدَمَا انْهَدَمَتْ وَلَوْ بُنِيَتْ دَارًا أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُقَالُ دَارٌ عَامِرَةٌ وَدَارٌ غَامِرَةٌ قَالَ لَبِيدٌ: عَفَتْ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا ... بِمِنًى تَأَبَّدَ غَوْلُهَا فَرِجَامُهَا وَقَالَ النَّابِغَةُ: يَا دَارَ مَيَّةَ بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ ... أَقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الْأَمَدِ وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ إنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ وَحَامِلًا عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلَةً عَلَى الْيَمِينِ تُعْتَبَرُ الصِّفَةُ فَتَتَقَيَّدُ بِهَا الْيَمِينُ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْبُسْرَ أَوْ هَذَا الرُّطَبَ فَصَارَ تَمْرًا أَوْ رُطَبًا فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مَهْجُورَةً شَرْعًا فَحِينَئِذٍ لَا تُعْتَبَرُ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلَةً كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَطْرَافُهَا عَلَى جِدَارِ الدَّارِ الْمُقَابِلِ لَهُ وَسَيَأْتِي أَنَّ السَّقْفَ لَيْسَ شَرْطًا فِي مُسَمَّى الْبَيْتِ فَيَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدِّهْلِيزُ مُسَقَّفًا انْتَهَى كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مَالِكٍ عَلَى مَعَانِي كَلِمِ الْقُرْآنِ) أَيْ وَعِنْدَ أَحْمَدُ عَلَى النِّيَّةِ مُطْلَقًا انْتَهَى كَمَالٌ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَيْعَةِ وَالْكَنِيسَةِ) ثُمَّ الْبَيْعَةُ مُتَعَبَّدُ النَّصَارَى وَالْكَنِيسَةُ لِلْيَهُودِ قَالَ الْقُتَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ لِلصَّابِئَيْنِ وَبِيَعٌ لِلنَّصَارَى وَصَلَوَاتٌ يُرِيدُ وَبُيُوتُ صَلَوَاتٍ يَعْنِي كَنَائِسَ الْيَهُودِ وَمَسَاجِدُ لِلْمُسْلِمِينَ وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ الْأَصْلِ لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ بَيْتًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَسَكَنَ بَيْتًا مِنْ شَعْرٍ أَوْ فُسْطَاطًا أَوْ خَيْمَةً لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَحْنَثُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْبِقَاعُ مَا بُنِيَتْ لَهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانَ الْعَادَةُ دُونَ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ فَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِالدُّخُولِ فِيهَا وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُ الْبَيْتِ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ فِي الْكَعْبَةِ {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 96] وَكَقَوْلِهِ {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] وَمَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ مَنْقُولًا عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ يَحْنَثُ فَذَلِكَ سَهْوٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَلِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلرِّوَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا نَصْرٍ قَالَ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُخَرِّبُ بَيْتًا فَخَرَّبَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ بَيْتًا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ السَّمَكَ لَمْ يَحْنَثْ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالرَّأْسُ مَا يُبَاعُ فِي مِصْرِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهَدْمِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ انْتَهَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي دَارًا بِدُخُولِهَا خَرِبَةً) قَالَ الرَّازِيّ قَوْلُهُ فِي دَارًا عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بَيْتًا وَقَوْلِهِ بِدُخُولِهَا الْبَاءُ تَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ وَهُوَ لَا يَحْنَثُ. اهـ. (قَوْلُهُ يَحْنَثُ إذَا دَخَلَهَا بَعْدَ مَا انْهَدَمَتْ) يَعْنِي وَصَارَتْ صَحْرَاءَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ) أَيْ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَيُقَالُ دَارٌ عَامِرَةٌ وَدَارٌ غَيْرُ عَامِرَةٍ فِي الْعَجَمِ وَالْعَرَبِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا) وَالصِّفَةُ فِي الْمُنَكَّرِ مُعْتَبَرَةٌ لِأَنَّ الْغَائِبَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِدَارٍ مَوْصُوفَةٍ بِصِفَةٍ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ تِلْكَ الصِّفَةِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ) لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ فَأَغْنَتْ عَنْ الْوَصْفِ الَّذِي وُضِعَ لِلتَّوْضِيحِ فَاسْتَوَى وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا وَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِذَاتِهَا وَذَاتُهَا بَاقِيَةٌ بَعْدَ انْتِقَاضِ الْحِيطَانِ بِالدُّخُولِ فِيهَا وَكَذَا إذَا خَرِبَتْ وَبُنِيَتْ دَارًا أُخْرَى لِأَنَّ ذَاتَهَا لَمْ تَتَبَدَّلْ اهـ قَالَهُ الرَّازِيّ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مَهْجُورَةً شَرْعًا) قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ أَنْ سَاقَ جُمْلَةً مِنْ أَبْيَاتِ الْعَرَبِ فَهَذِهِ الْأَشْعَارُ وَمَا لَا يُحْصَى كَثْرَةٌ تَشْهَدُ بِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لِلْعَرْصَةِ لَيْسَ غَيْرُ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِهَذِهِ الْأَشْعَارِ لَا يُرِيدُونَ بِالِاسْمِ إلَّا الْعَرْصَةَ فَقَطْ فَإِنَّ هَذِهِ الدِّيَارَ الَّتِي ذَكَرُوهَا

لَا يَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِزَمَانِ صِبَاهُ لِأَنَّ صِبَاهُ وَإِنْ كَانَ حَامِلًا عَلَى الْيَمِينِ لَكِنَّ هَجْرَ الصَّغِيرِ لِأَجْلِ صِغَرِهِ مَهْجُورٌ شَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَفِي تَرْكِ الْكَلَامِ لَهُ تَرْكُ التَّرَحُّمِ عَلَيْهِ فَكَانَ مَهْجُورًا فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالذَّاتِ دُونَ الصِّفَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ دَارٍ فَاشْتَرَى دَارًا خَرِبَةً نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قُلْتُمْ وَجَبَ أَنْ لَا يَنْفُذَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الصِّفَةَ فِي الْمُنْكَرِ مُعْتَبَرَةٌ قُلْنَا فِي الْوَكَالَةِ تُعُرِّفَتْ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِشِرَاءِ دَارٍ لَا تَصِحُّ إلَّا إذَا بُيِّنَ الثَّمَنُ وَالْمَحَلَّةُ وَهِيَ فِي الْيَمِينِ مُنَكَّرَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَافْتَرَقَا فَإِنْ قِيلَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ دَاخِلَةً فِي الْيَمِينِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً وَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ بَيْنَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَرَّفِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً فَكَذَلِكَ أَيْضًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا فَإِنَّ يَمِينَهُ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِشَيْءٍ مِنْ أَوْصَافِ الرِّجَالِ قُلْنَا صِفَةُ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ مُتَعَيِّنَةٌ لِعَدَمِ مَا يُزَاحِمُهَا مِنْ الْأَوْصَافِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّ الْأَوْصَافَ فِيهِ مُتَزَاحِمَةٌ فَتَقْيِيدُهُ بِالْكُلِّ مُحَالٌ وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَيَسْقُطُ الْكُلُّ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِدُخُولِ الْمَبْنِيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جُعِلَتْ بُسْتَانًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بَيْتًا لَا كَهَذَا الْبَيْتِ فَهُدِمَ أَوْ بُنِيَ آخَرُ) يَعْنِي فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرِبَتْ فَجُعِلَتْ بُسْتَانًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بَيْتًا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فِيهِ كَمَا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَهُدِمَ ثُمَّ دَخَلَهُ أَوْ بَنَى بَيْتًا آخَرَ فَدَخَلَهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ دَارًا بَعْدَ مَا اعْتَرَضَ اسْمٌ آخَرُ عَلَيْهَا لِأَنَّ بَقَاءَ الِاسْمِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْمُسَمَّى وَزَوَالَهُ عَلَى زَوَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بُنِيَتْ دَارًا لِأَنَّ الِاسْمَ كَانَ بَاقِيًا وَهِيَ صَحْرَاءُ حَتَّى يَحْنَثَ بِالدُّخُولِ فِيهَا فَإِذَا بُنِيَتْ لَمْ يَتَبَذَّلْ اسْمُهَا وَلَوْ انْهَدَمَ الْحَمَّامُ وَنَحْوُهُ فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ بُنِيَتْ دَارًا بَعْدَ انْهِدَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ بِالِانْهِدَامِ لَمْ يَعُدْ اسْمُ الدَّارِ لِبَقَاءِ اسْمِ الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ فِيهِ وَإِنْ عَادَ الِاسْمُ بِالْبِنَاءِ لَكِنَّهُ بِصِفَةٍ جَدِيدَةٍ فَكَانَ غَيْرَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْبَيْتُ اسْمٌ لِمَا يُبَاتُ فِيهِ وَبَعْدَ الِانْهِدَامِ زَالَ الِاسْمُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْبَيْتُوتَةِ فِيهِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ السَّقْفُ وَبَقِيَتْ الْحِيطَانُ فَدَخَلَهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ السَّقْفَ وَصْفٌ فِيهِ كَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ وَلَوْ بُنِيَ بَيْتًا آخَرَ بَعْدَ مَا انْهَدَمَ فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الدَّارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَاقِفُ عَلَى السَّطْحِ دَاخِلٌ) أَيْ الْوَاقِفُ عَلَى سَطْحِ الدَّارِ هُوَ دَاخِلَ الدَّارِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَوَقَفَ عَلَى السَّطْحِ يَحْنَثُ لِأَنَّ السَّطْحَ مِنْ الدَّارِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِسَطْحِ الْمَسْجِدِ حُكْمَ الْمَسْجِدِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ الِاعْتِكَافُ بِالصُّعُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ التَّخَلِّي فِيهِ وَالْمُخْتَارُ أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْعَجَمِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى السَّطْحِ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا عِنْدَهُمْ وَعَلَى هَذَا الْوَاقِفُ عَلَى شَجَرَةٍ فِي الدَّارِ أَوْ عَلَى حَائِطِ الدَّارِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمْ وَدِهْلِيزُ الدَّارِ كَدِهْلِيزِ الْبَيْتِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ مُسَقَّفًا هُنَا لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَتَنَاوَلُهُ بِدُونِهِ وَبِدُونِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ الْبَيْتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي طَاقِ الْبَابِ لَا) أَيْ الْوَاقِفُ فِي طَاقِ الْبَابِ لَيْسَ بِدَاخِلٍ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذَا الْبَيْتَ فَوَقَفَ عَلَى طَاقِ الْبَابِ لَا يَحْنَثُ هَذَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ كَانَ خَارِجًا لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَتَرْكِيبَ الْغَلْقِ لِإِحْرَازِ مَا فِي الدَّارِ وَالْبَيْتِ فَمَا كَانَ دَاخِلًا فَهُوَ مِنْهُمَا لِوُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ دُونَ الْأُخْرَى إنْ اسْتَوَى الْجَانِبَانِ أَوْ كَانَ الْجَانِبُ الْخَارِجُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنَاءٌ أَصْلًا بَلْ هِيَ عَرَصَاتٌ مَنْزُولَاتٌ يَضَعُونَ فِيهَا الْأَخْبِيَةَ لَا الْأَبْنِيَةَ الْحَجَرَ وَالْمَدَرَ فَصَحَّ أَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرُ لَازِمٍ وَإِنَّمَا اللَّازِمُ فِيهَا كَوْنُهَا قَدْ نَزَلَتْ غَيْرَ أَنَّهَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْمُدُنِ لَا يُقَالُ إلَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ فِيهَا لَوْ انْهَدَمَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْضُهَا قِيلَ دَارٌ خَرَابٌ فَيَكُونُ هَذَا الْوَصْفُ جُزْءَ الْمَفْهُومِ لَهَا فَأَمَّا إذَا انْمَحَتْ الْأَبْنِيَةُ بِالْكُلِّيَّةِ وَصَارَتْ سَاحَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الدَّارِ فِي الْعُرْفِ عَلَيْهَا كَهَذِهِ دَارُ فُلَانٍ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَالْحَقِيقَةُ أَنْ يُقَالَ كَانَتْ دَارًا وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ دَارًا خَرِبَةً بِأَنْ صَارَتْ لَا بِنَاءَ بِهَا لَا يَحْنَثُ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُقَابِلِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَ مَا صَارَتْ صَحْرَاءَ حَنِثَ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَالْمُنَكَّرِ فِي الْحُكْمِ إذَا تَوَارَدَ حُكْمُهُمَا عَلَى مَحَلٍّ فَأَمَّا إذَا دَخَلَ بَعْدَ مَا زَالَتْ بَعْضُ حِيطَانِهَا فَهَذِهِ دَارٌ خَرِبَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي الْمُنَكَّرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْمُفَارَقَةُ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَإِنْ كَانَ وَصْفًا فِيهَا يَعْنِي مُعْتَبَرًا فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ لِأَنَّ ذَاتَه تَتَعَرَّفُ بِالْإِشَارَةِ فَوْقَ مَا تَتَعَرَّفُ بِالْوَصْفِ وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّهُ الْمُعَرِّفُ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فِيهِ) وَكَذَا إذَا غَلَبَتْ عَلَيْهَا دِجْلَةُ أَوْ الْفُرَاتُ فَصَارَتْ بَحْرًا أَوْ نَهْرًا فَدَخَلَهَا لَا يَحْنَثُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ بَنَيْت) أَيْ الدَّارَ بَنَيْت دَارًا مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ انْهِدَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّقْفَ وَصْفٌ فِيهِ) وَهَذَا يُفِيدُك أَنَّ ذِكْرَ السَّقْفِ فِي الدِّهْلِيزِ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مُسَقَّفٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ لِلْبَيْتُوتَةِ كَمَا قَدَّمْنَا وَالْبَيْتُ لَا يَلْزَمُ فِي مَفْهُومِهِ السَّقْفُ فَقَدْ يَكُونُ مُسَقَّفًا وَهُوَ الْبَيْتُ الشَّتْوِيُّ وَغَيْرُ مُسَقَّفٍ وَهُوَ الصَّيْفِيُّ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الدَّارِ) حَلَفَ لَا يَجْلِسُ إلَى هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ وَهِيَ مِنْ آجُرٍّ أَوْ جَصٍّ أَوْ حِجَارَةٍ فَنُقِضَتْ ثُمَّ بُنِيَتْ ثَانِيًا بِحِجَارَتِهَا فَجَلَسَ إلَيْهَا لَا يَحْنَثُ وَكَذَا الْحَائِطُ. اهـ. قَاضِي خَانْ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَمَرَّ عَلَى الْبَابِ وَزَلَقَتْ رِجْلُهُ وَوَقَعَ فِي الدَّارِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الدَّارِ بِاخْتِيَارِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ دَخَلَ مُكْرَهًا أَوْ هَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ وَأَلْقَتْهُ فِي الدَّارِ وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى دَابَّةٍ فَانْفَلَتَتْ وَلَمْ يَسْتَطِعْ إمْسَاكَهَا فَأَدْخَلَتْهُ فِي الدَّارِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَقَامَ عَلَى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِهَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الْحَائِطَ مِنْ جُمْلَةِ الدَّارِ وَتَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ هَذَا إذَا كَانَ لِصَاحِبِ الدَّارِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَائِطُ مُشْتَرَكًا لَا يَحْنَثُ كَمَا لَا يَحْنَثُ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَكَذَا

أَسْفَلَ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ أَسْفَلَ حَنِثَ لِأَنَّ اعْتِمَادَ جَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى رِجْلِهِ الَّتِي فِي الْجَانِبِ الْأَسْفَلِ فَتُعْتَبَرُ تِلْكَ دُونَ الْأُخْرَى وَلَوْ دَخَلَ كَنِيفَهَا وَهُوَ شَارِعٌ إلَى الطَّرِيقِ وَمِفْتَحُهُ مِنْ دَاخِلٍ حَنِثَ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّارِ وَفِي الْكَافِي لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَ فُلَانٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَدَخَلَ فِي صَحْنِ دَارِهِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَدْخُلَ الْبَيْتَ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ الدُّخُولُ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ يُوجَدْ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَالدَّارُ وَالْبَيْتُ وَاحِدٌ فَيَحْنَثُ إنْ دَخَلَ صَحْنَ الدَّارِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ بِالْقُعُودِ فِيهَا حَتَّى يَخْرُجَ ثُمَّ دَخَلَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ لِلدَّوَامِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الدُّخُولَ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْفِصَالِ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ قَالَ لَأَدْخُلَنَّ هَذِهِ الدَّارَ غَدًا فَمَكَثَ فِيهَا حَتَّى مَضَى الْغَدُ حَنِثَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْفِصَالِ مِنْ الْخَارِجِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ نَوَى بِالدُّخُولِ الْإِقَامَةَ فِيهَا دِينَ لِأَنَّهُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَوَامُ اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى كَالْإِنْشَاءِ لَا دَوَامُ الدُّخُولِ) يَعْنِي لِدَوَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ رَاكِبُهَا أَوْ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنُهَا وَاسْتَمَرَّ عَلَى مَا كَانَ حَنِثَ لِأَنَّ لِهَذِهِ الْأَفْعَالِ دَوَامًا بِحُدُوثِ أَمْثَالِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْرِبُ لَهَا مُدَّةً يُقَالُ رَكِبْت يَوْمًا وَلَبِسْت يَوْمًا بِخِلَافِ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ دَخَلْت يَوْمًا بِمَعْنَى التَّوْقِيتِ وَكَذَا لَا يُقَالُ لِمَنْ هُوَ دَاخِلُ الدَّارِ اُدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ وَلَا تَدْخُلْ وَيُقَالُ لِلْقَاعِدِ اُقْعُدْ وَكَذَا يُقَالُ لَهُ لَا تَقْعُدْ وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] أَيْ لَا تَمْكُثْ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ الْأُولَى لَك وَالثَّانِيَةَ عَلَيْك» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِدَوَامِهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا رَكِبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فِي حَالِ رُكُوبِهِ فَمَكَثَ سَاعَةً وَلَمْ يَنْزِلْ طَلُقَتْ وَإِنْ مَكَثَ سَاعَةً أُخْرَى طَلُقَتْ أُخْرَى وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا يَصْلُحُ امْتِدَادُهُ لَهُ دَوَامٌ كَالْقُعُودِ وَالْقِيَامُ وَالنَّظَرُ وَنَحْوُهُ وَمَا لَا يَمْتَدُّ لَا دَوَامَ لَهُ كَالْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ وَلَوْ نَزَلَ مِنْ الدَّابَّةِ لِلْحَالِ أَوْ نَزَعَ الثَّوْبَ أَوْ انْتَقَلَ لِلْحَالِ لَا يَحْنَثُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ لِوُجُودِ اللُّبْثِ وَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى بَعْدَ الْيَمِينِ وَإِنْ قَلَّ وَذَلِكَ كَافٍ لِلْحِنْثِ وَلَنَا أَنَّ الْيَمِينَ يُعْقَدُ لِلْبِرِّ وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الْبِرِّ إلَّا بِاسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَ بِالْبِرِّ وَنَهَى عَنْ الْحِنْثِ بِقَوْلِهِ {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] وَبِقَوْلِهِ {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] فَلَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ زَمَنَ الْبِرِّ لَكَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ فَكَانَ مَرْدُودًا بِالنَّصِّ فَإِنْ قِيلَ الْيَمِينُ كَمَا يُعْقَدُ لِلْبِرِّ يُعْقَدُ لِلْحِنْثِ أَيْضًا كَمَا فِي قَوْلِهِ لَأَمَسَّنَّ السَّمَاءَ قُلْنَا هُنَاكَ أَيْضًا عُقِدَتْ لِلْبِرِّ لِتَصَوُّرِ الْبِرِّ حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ عَادَةً وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بَعْدَ انْعِقَادِهِ لِلْعَجْزِ عَادَةً لَا لِأَنَّهَا عُقِدَتْ لِلْحِنْثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ الْبَيْتَ أَوْ الْمُحِلَّةَ فَخَرَجَ وَبَقِيَ مَتَاعُهُ وَأَهْلُهُ حَنِثَ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُرِدْ الرُّجُوعَ وَبَقِيَ مَتَاعُهُ فِيهَا حَنِثَ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى السُّكْنَى وَهِيَ تَكُونُ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَمَتَاعِهِ فَمَا لَمْ يَخْرُجْ الْكُلُّ فَهُوَ سَاكِنٌ فِيهَا عُرْفًا لِأَنَّ السُّكْنَى عِبَارَةٌ عَنْ الْكَوْنِ فِي مَكَان عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْرَارِ وَالدَّوَامِ فَإِنَّ مَنْ يَقْعُدُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي السُّوقِ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِيهِ لِعَدَمِ مَا ذَكَرْنَا وَهِيَ تَكُونُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَضِدِّهَا وَهُوَ عَدَمُ السُّكْنَى يَكُونُ بِإِخْرَاجِهَا وَإِنْ أَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْتَقِلَ وَغَلَبَتْهُ وَخَرَجَ هُوَ وَلَمْ يُرِدْ الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ مُنِعَ هُوَ مِنْ الْخُرُوجِ بِأَنْ أُوثِقَ أَوْ مُنِعَ مَتَاعَهُ فَتَرَكَهُ أَوْ وَجَدَ بَابَ الدَّارِ مُغْلَقًا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى فَتْحِهِ وَلَا عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَقُيِّدَ وَمُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَجِيئِي اللَّيْلَةَ إلَى الْبَيْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَنَعَهَا وَالِدُهَا حَيْثُ تَطْلُقُ فِيهِمَا فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْفِعْلُ وَهُوَ السُّكْنَى وَهُوَ مُكْرَهٌ فِيهِ وَلِلْإِكْرَاهِ أَثَرٌ فِي إعْدَامِ الْفِعْلِ وَالشَّرْطُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ الْفِعْلِ وَلَا أَثَرَ لِلْإِكْرَاهِ فِي إبْطَالِ الْعَدَمِ وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ حَتَّى أَصْبَحَ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِطَلَبِ دَارٍ أُخْرَى لِيَنْقُلَ إلَيْهَا الْمَتَاعَ فَلَمْ يَجِدْ أَيَّامًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنَهَا وَكَذَا لَوْ خَرَجَ لِطَلَبِ دَابَّةٍ لِيَنْقُلَ عَلَيْهَا الْمَتَاعَ فَلَمْ يَجِدْ أَيَّامًا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَمْتِعَتُهُ كَثِيرَةً فَاشْتَغَلَ بِنَقْلِهَا بِنَفْسِهِ وَهُوَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَكْرِيَ دَابَّةً فَلَمْ يَسْتَكْرِ لَمْ يَحْنَثْ هَذَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ ذَا عِيَالٍ مُنْفَرِدًا بِالسُّكْنَى وَأَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ قَامَ عَلَى سَطْحِ الدَّارِ حَنِثَ قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ الصُّعُودُ عَلَى السَّطْحِ وَالْحَائِطِ لَا يُسَمَّى دُخُولًا فَلَا يَحْنَثُ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ. اهـ. شَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُوجَدْ) أَيْ الدُّخُولُ الَّذِي حَلَفَ عَلَى إيجَادِهِ فِي الْغَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ) قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ رَجُلٌ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِكُمْ اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَذَهَبَ بِهِمْ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُمْ اللُّصُوصُ وَحَبَسُوهُمْ قَالُوا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَهَذَا الْجَوَابُ يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَأَهْرَاقَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا اهـ قُلْت وَتَخْرِيجُ هَذَا الْفَرْعِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى مَا اخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَصَحَّحَهُ مِنْ أَنَّ الذَّهَابَ بِمَعْنَى الْإِتْيَانِ فَلَا يَحْنَثُ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْتِي مَكَّةَ بِمُجَرَّدِ الذَّهَابِ بَلْ إنَّمَا يَحْنَثُ بِالْوُصُولِ إلَيْهَا أَمَّا مَنْ جَعَلَ الذَّهَابَ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّخْرِيجِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِمُجَرَّدِ الذَّهَابِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مَنْزِلِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ (قَوْلُهُ حَيْثُ تَطْلُقُ فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَجِيئِينِي اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

إذَا كَانَ سَاكِنًا فِي عِيَالِ غَيْرِهِ كَالِابْنِ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ الزَّوْجَةِ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ الْمَتَاعِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ سُكْنَى نَفْسِهِ لَا غَيْرُ. هَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ فَخَرَجَ هُوَ عَلَى عَزْمِ أَنْ لَا يَعُودَ وَمَتَاعُهُ فِيهَا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ مِنْ عَزْمِهِ أَنْ يَعُودَ يَحْنَثُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ الْمِصْرِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الْمِصْرِ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ وَأَهْلَهُ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِي الْمِصْرِ الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ السُّوقِيَّ طُولَ نَهَارِهِ فِي السُّوقِ وَيَقُولُ اُسْكُنْ سِكَّةَ كَذَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْقَرْيَةُ كَالْمِصْرِ فِي الصَّحِيحِ ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ الْبَيْتَ أَوْ الْمَحَلَّةَ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ الْمَتَاعِ كُلِّهِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ وَتَدٌ يَحْنَثُ لِأَنَّ السُّكْنَى تَثْبُتُ بِالْكُلِّ فَتَبْقَى بِبَقَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ وَقَدْ صَارَ هَذَا أَصْلًا لَهُ حَتَّى قَالَ بَقَاءُ صِفَةِ السُّكُونِ فِي الْعَصِيرِ يَمْنَعُ مِنْ صَيْرُورَتِهِ خَمْرًا وَبَقَاءُ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ فِي دَارٍ ارْتَدَّ أَهْلُهَا يَمْنَعُ مِنْ صَيْرُورَتِهَا دَارَ حَرْبٍ فَإِنْ قِيلَ الشَّيْءُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ كَالْعَشَرَةِ وَالدِّينَارِ مَثَلًا يَنْتَفِي هَذَا الِاسْمُ بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَنْتَفِيَ السُّكْنَى هُنَا بِانْتِفَاءِ الْبَعْضِ حَتَّى لَا يَحْنَثَ إلَّا بِتَرْكِ الْجَمِيعِ قُلْنَا إنَّمَا يَنْتَفِي الشَّيْءُ بِانْتِفَاءِ بَعْضِهِ إذَا كَانَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الْأَجْزَاء كَالْعَشَرَةِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ الْأَفْرَادِ فَلَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ بَعْضِهِ كَالرِّجَالِ لَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ بَعْضِ الرِّجَالِ فَإِنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ رِجَالٌ أَيْضًا وَالسُّكْنَى مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّهُ يَبْقَى سَاكِنًا بِاعْتِبَارِ الْبَعْضِ وَقَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - هَذَا إذَا كَانَ الْبَاقِي يَتَأَتَّى بِهِ السُّكْنَى وَأَمَّا إذَا بَقِيَ مِكْنَسَةٌ أَوْ وَتَدٌ أَوْ قِطْعَةُ حَصِيرٍ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِيهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَبَرُ نَقْلُ مَا يَقُومُ بِهِ السُّكْنَى لِأَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ السُّكْنَى قَالُوا هَذَا أَحْسَنُ وَأَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّ نَقْلَ الْكُلِّ قَدْ يَتَعَذَّرُ فَلَا يَحْنَثُ إذَا نُقِلَ الْأَكْثَرُ وَإِلَّا فَيَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْأَمْتِعَةِ وَأَمَّا الْأَهْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ الْكُلِّ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى السِّكَّةِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ قَالُوا لَا يَبَرُّ اسْتِدْلَالًا بِمَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ فِي كُوفِيٍّ انْتَقَلَ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ إلَى مَكَّةَ لِيَسْتَوْطِنَهَا فَاسْتَوْطَنَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى خُرَاسَانَ فَمَرَّ بِالْكُوفَةِ يُصَلِّي فِيهَا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ اسْتِيطَانَهُ لِلْكُوفَةِ بَطَلَ بِمَكَّةَ وَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى خُرَاسَانَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِالْكُوفَةِ لِأَنَّ اسْتِيطَانَهُ لَهَا بَاقٍ مَا لَمْ يَسْتَحْدِثْ وَطَنًا آخَرَ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْ الدَّارَ الْمُسْتَأْجَرَةَ إلَى أَهْلِهَا وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ فَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ هُوَ وَالْمَتَاعُ فِي السِّكَّةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَخْرُجُ فَأُخْرِجَ مَحْمُولًا بِأَمْرِهِ حَنِثَ وَبِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ أَوْ مُكْرَهًا لَا كُلًّا يَخْرُجُ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ فَخَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى حَاجَةً) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ مَثَلًا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَأَخْرَجَهُ مَحْمُولًا حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ فَأَخْرَجَهُ بِرِضَاهُ أَوْ أَخْرَجَهُ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ فَخَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى حَاجَةً أُخْرَى لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ فَيَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ لَا يَضْمَنُ فَصَارَ كَمَا إذَا رَكِبَ دَابَّةً فَخَرَجَتْ بِهِ وَفِي الْإِكْرَاهِ يُضَافُ الْفِعْلُ إلَى الْمُكْرَهِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ النَّقْلَ وَهُوَ الْأَمْرُ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِهِ وَلَا تَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ فِي الصَّحِيحِ لِعَدَمِ فِعْلِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَخْرَجَتْهُ الرِّيحُ بِخِلَافِ مَا إذَا هَدَّدَهُ فَخَرَجَ هُوَ بِنَفْسِهِ حَيْثُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الْفِعْلِ مِنْهُ وَهُوَ الْخُرُوجُ إلَّا أَنَّهُ مُكْرَهٌ وَفِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا أَوْ طَائِعًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَأُكْرِهَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَحْسَنُ وَأَرْفَقُ بِالنَّاسِ) أَيْ فِي نَفْيِ الْحِنْثِ عَنْهُمْ وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَكَثِيرٌ كَصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْكَافِي عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا لَيْسَ عَلَى نَقْلِ الْكُلِّ لِيَقُومَ الْأَكْثَرُ مَقَامَهُ بَلْ عَلَى الْعُرْفِ فِي أَنَّهُ سَاكِنٌ أَوْ لَا وَالْحَقُّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَلَى نِيَّةِ تَرْكِ الْمَكَانِ وَعَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَنَقَلَ مِنْ أَمْتِعَتِهِ فِيهِ مَا يَقُومُ بِهِ أَمْرُ سُكْنَاهُ وَهُوَ عَلَى نِيَّةِ نَقْلِ الْبَاقِي يُقَالُ لَيْسَ سَاكِنًا فِي هَذَا الْمَكَانِ بَلْ انْتَقَلَ عَنْهُ وَسَكَنَ فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَالشَّيْخُ بَاكِيرٌ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ فَلَا يَحْنَثُ) وَكَذَا إذَا سَلَّمَ دَارِهِ بِإِجَارَةٍ انْتَهَى شُمُنِّيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا رَكِبَ دَابَّةً فَخَرَجَتْ بِهِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فَإِنَّ فِعْلَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ كَذَا هَذَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِهِ) لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ وَلَمْ يَخْرُجْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا تَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ فِي الصَّحِيحِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ فِي صُورَةِ الْحَمْلِ مُكْرَهًا لَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنْ هَلْ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ أَمْ لَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ تَنْحَلُّ وَعَلَيْهِ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ فَقَالَ سُئِلَ شَيْخُنَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ هَذَا فَقَالَ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَنْحَلُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ قَالَ الْكَمَالُ قَالَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ تَنْحَلُّ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ اهـ وَقَوْلُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَحْنَثُ لِانْقِطَاعِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَيْفَ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَبَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا فِي الذِّمَّةِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ هَذَا الْإِخْرَاجِ هَلْ يَحْنَثُ فَمَنْ قَالَ انْحَلَّتْ قَالَ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا بَيَانُ كَوْنِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ وَمَنْ قَالَ لَمْ تَنْحَلَّ قَالَ حَنِثَ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا هَدَّدَهُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ أَنْ يَخْرُجَ مَحْمُولًا لَا أَنْ يَخْرُجَ هُوَ بِنَفْسِهِ خَوْفًا مِنْ التَّهْدِيدِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ مُكْرَهٌ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِخْرَاجِ مُكْرَهًا هُنَا أَنْ يَحْمِلَهُ وَيُخْرِجُهُ كَارِهًا لِذَلِكَ لَا الْإِكْرَاهُ الْمَعْرُوفُ وَهُوَ أَنْ يَتَوَعَّدَهُ حَتَّى يَفْعَلَ فَإِنَّهُ إذَا تَوَعَّدَهُ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ حَنِثَ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ عِنْدَنَا اهـ {فَرْعٌ} قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَصَعِدَتْ السَّطْحَ فَنَزَلَتْ فِي دَارِ الْجَارِ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَقِيلَ بِأَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ النَّاسَ يُرِيدُونَ بِهِ الْخُرُوجَ مِنْ الدَّارِ لَا التَّقْيِيدَ بِالْبَابِ وَلِأَنَّ

فَأَكَلَ بِنَفْسِهِ يَحْنَثُ وَلَوْ حُطَّ الْمَأْكُولُ فِي حَلْقِهِ مُكْرَهًا لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَحَمْلُهُ بِرِضَاهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ كَحَمْلِهِ مُكْرَهًا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِعْلُ حَقِيقَةً وَلَا مَا يُوجِبُ النَّقْلَ إلَيْهِ وَهُوَ الْأَمْرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِ كَذَا فَهُوَ عَلَى الْخُرُوجِ بِبَدَنِهِ وَلَوْ قَالَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَهُوَ عَلَى الْخُرُوجِ بِبَدَنِهِ وَأَهْلِهِ هُوَ الْمُتَعَارَفُ وَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ فَخَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى حَاجَةً أُخْرَى لِأَنَّ الْمَوْجُودَ هُوَ الْخُرُوجُ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُضِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ بِخُرُوجٍ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْفِصَالِ مِنْ دَاخِلٍ وَالْإِتْيَانُ إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى عِبَارَةٌ عَنْ الْوُصُولِ فَتَغَايَرَا فَلَا يَحْنَثُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَخْرُجُ أَوْ لَا يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ يُرِيدُهَا ثُمَّ رَجَعَ حَنِثَ) لِأَنَّ الْخُرُوجَ انْفِصَالٌ عَنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْ وَطَنِهِ قَاصِدًا إلَى مَكَّةَ فَقَدْ خَرَجَ إلَيْهَا عُرْفًا وَإِنْ لَمْ يَصِلْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 100] الْآيَةَ. وَالْمُرَادُ بِهَا مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ لِلْحِنْثِ أَنْ يُجَاوِزَ عُمْرَانَ مِصْرِهِ عَلَى قَصْدِ الْخُرُوجِ إلَى مَكَّةَ حَتَّى لَوْ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَ الْعُمْرَانَ لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ إلَى الْجِنَازَةِ حَيْثُ يَحْنَثُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَى مَكَّةَ سَفَرٌ وَلَا سَفَرَ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْعُمْرَانِ وَلَا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ إلَى جِنَازَةٍ، وَالذَّهَابُ كَالْخُرُوجِ فِي الصَّحِيحِ وَقَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ كَالْإِتْيَانِ حَتَّى لَا يَحْنَثَ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ} [طه: 43] وَالْمُرَادُ الْإِتْيَانُ، وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخُرُوجِ يُقَالُ ذَهَبَ إلَى مَكَّةَ بِمَعْنَى خَرَجَ إذَا زَالَ عَنْ مَكَانِهِ فَلَا يَقْتَضِي الْوُصُولَ وَأَذْهَبَهُ غَيْرُهُ إذَا أَزَالَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33] أَيْ لِيُزِيلَهُ عَنْكُمْ وَلِهَذَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ ذَهَبَ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا كَمَا يُقَالُ اُخْرُجْ إلَى مَكَّةَ بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي لَا يَأْتِيهَا لَا) أَيْ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْتِيهَا لَا يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِالْوُصُولِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ} [الشعراء: 16] وَالْمُرَادُ بِهِ الْوُصُولُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ الْحَائِضَ أَوْ أَتَاهَا فِي غَيْرِ مَأْتَاهَا أَوْ أَتَى كَاهِنًا وَصَدَّقَهُ فِيمَا قَالَ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» ثُمَّ فِي الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ الِانْفِصَالِ لِلْحِنْثِ وَفِي الْإِتْيَانِ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ إذَا وَصَلَ إلَيْهَا يَحْنَثُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مُتَنَوِّعٌ يَحْتَمِلُ الْخُرُوجَ إلَيْهَا وَإِلَى غَيْرِهَا وَكَذَا الذَّهَابُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ عِنْدَ ذَلِكَ كَالْخُرُوجِ إلَى الْجِنَازَةِ بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ لِأَنَّ الْوُصُولَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَيَأْتِيَنَّهُ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابَ السَّطْحِ بَابُ الدَّارِ فَإِنْ عَيَّنَ الْبَابَ وَقَالَ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذَا الْبَابِ فَيُقَيَّدُ بِذَلِكَ الْبَابِ وَقَالَ فِي الصُّغْرَى قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ لَا مِنْ بَابِ الدَّارِ طَلُقَتْ لِأَنَّ بَابَ الدَّارِ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الدَّارِ لَكِنْ إنَّمَا خَصَّ الْبَابَ لِأَنَّهُ الْمُعَدُّ لِلْخُرُوجِ فِي مُضَارَبَةِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَنَصَّ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي بِخِلَافِ هَذَا فَيُفْتَى بِمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْصَاءِ فِي الْوَاقِعَاتِ اهـ وَذَكَرَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى بَعْدَ قَوْلِهِ فَيُفْتَى بِمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ مَا نَصُّهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِ هَذَا أَيْضًا وَالْمَذْكُورُ فِي الْقُدُورِيِّ إذَا حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَخَرَجَ مِنْ غَيْرِ الْبَابِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ نَقَبَ بَابًا آخَرَ فَخَرَجَ مِنْهُ يَحْنَثُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحَمَلَهُ بِرِضَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ حَمَلَهُ بِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ فِي الصَّحِيحِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا حَمَلَهُ فَرَضِيَ بِهِ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ فَجَوَابُهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ كَمَا إذَا خَرَجَ طَائِعًا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِامْتِنَاعِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ صَارَ كَالْآمِرِ بِالْإِخْرَاجِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِعْلٌ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَبِهَذَا كَانَ يَقُولُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَأْمُرَهُ بِهِ لِأَنَّ حَاجَتَنَا إلَى إثْبَاتِ الْفِعْلِ وَبِالرِّضَا لَا يَثْبُتُ الْفِعْلُ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْأَمْرِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ انْفِصَالٌ عَنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ) أَيْ لَا عَنْ الْوُصُولِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ لِلْحِنْثِ أَنْ يُجَاوِزَ عُمْرَانَ مِصْرِهِ عَلَى قَصْدِ الْخُرُوجِ إلَى مَكَّةَ) كَأَنَّهُ ضَمَّنَ لَفْظَ أَخْرُجُ مَعْنَى أُسَافِرُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُضِيَّ إلَيْهَا سَفَرٌ لَكِنْ عَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مُدَّةُ سَفَرٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ مِنْ الدَّاخِلِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَالذَّهَابُ كَالْخُرُوجِ فِي الصَّحِيحِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت إلَى بَيْتِ أَبِيك فَأَنْتِ كَذَا فَخَرَجَتْ نَاسِيَةً ثُمَّ تَذَكَّرَتْ فَرَجَعَتْ فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْخُرُوجُ وَالْإِتْيَانُ وَالذَّهَابُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ فِي الْإِتْيَانِ لَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ تَصِلْ إلَى دَارِ أَبِيهَا وَفِي الْخُرُوجِ يَحْنَثُ وَاخْتَلَفُوا فِي الذَّهَابِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الذَّهَابَ كَالْإِتْيَانِ قَالَ مَوْلَانَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ فِي ذَلِكَ إنْ نَوَى بِالذَّهَابِ الْوُصُولَ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى وَإِنْ نَوَى بِهِ الْخُرُوجَ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يُحْمَلُ عَلَى الْإِتْيَانِ لِأَنَّ النَّاسَ يُرِيدُونَ بِهَذَا الْإِتْيَانَ وَالْوُصُولَ اهـ وَقَالَ فِي الْوُقَايَةِ وَذَهَابُهُ كَخُرُوجِهِ فِي الْأَصَحِّ. اهـ. (قَوْلُهُ فَالْمُرَادُ الْإِتْيَانُ) أَيْ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ وَتَبْلِيغُهُ الرِّسَالَةَ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَيْ لِيُزِيلَهُ عَنْكُمْ) أَيْ فَبِمُجَرَّدِ تَحَقُّقِ الزَّوَالِ تَحَقَّقَ الْحِنْثُ وَكَوْنُهُ اُسْتُعْمِلَ مُرَادًا بِهِ الْوُصُولُ فِي {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ} [طه: 43] لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَازِمٌ فِي اسْتِعْمَالَاتِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا مَعَ الْوُصُولِ وَعَدَمِهِ فَيَكُونُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْخُرُوجِ بِلَا وُصُولٍ وَالْخُرُوجِ الْمُتَّصِلِ بِهِ وُصُولٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا لِتَحَقُّقِ الْمُسَمَّى بِمُجَرَّدِ الِانْفِصَالِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ كَوْنُ الذَّهَابِ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ إذَا لَمْ يَنْوِ بِالذَّهَابِ شَيْئًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا نَوَى أَحَدَهُمَا) أَيْ الْخُرُوجَ أَوْ الْإِتْيَانَ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِالذَّهَابِ اهـ (قَوْلُهُ ثُمَّ فِي الْخُرُوجِ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ خَرَجْت إلَى مَنْزِلِ أَبِيك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ إنْ ذَهَبْت فَهُوَ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ قَصْدٍ وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ أَتَيْت فَهُوَ عَلَى الْوُصُولِ قَصَدَتْ الْخُرُوجَ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ لَمْ تَقْصِدْ. اهـ.

أَيْ لَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّ زَيْدًا أَوْ الْبَصْرَةَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فَوْتُ الْإِتْيَانِ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ الْبِرَّ مَرْجُوٌّ مَا دَامَ حَيًّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَيَأْتِيَنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ فَهُوَ عَلَى اسْتِطَاعَةِ الصِّحَّةِ) لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ فِي الْعُرْفِ سَلَامَةُ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ وَارْتِفَاعُ الْمَوَانِعِ الْحِسِّيَّةِ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْهُودُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَالْمُرَادُ بِهَا الِاسْتِطَاعَةُ الْحِسِّيَّةُ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] وَيُقَالُ فُلَانٌ يَسْتَطِيعُ كَذَا وَالْمُرَادُ بِهَا سَلَامَةُ الْأَسْبَابِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَوَى الْقُدْرَةَ دِينَ) أَيْ إنْ نَوَى حَقِيقَةَ الْقُدْرَةِ الَّتِي تُقَارِنُ الْفِعْلَ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129] وَقَالَ تَعَالَى {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97] إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَفِي رِوَايَةٍ يُصَدَّقُ قَضَاءً أَيْضًا لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ كَيْفَمَا كَانَ وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الْحَقِيقَةَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ خِلَافَ الظَّاهِرِ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خِلَافَ الظَّاهِرِ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً قَوْلًا وَاحِدًا وَهَلْ يُصَدَّقُ قَضَاءً أَوْ لَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَعَلَى إحْدَاهُمَا يَخْرُجُ قَوْلُهُ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْمَجَازَ حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً مُطْلَقًا إلَّا فِيمَا فِيهِ تَشْدِيد عَلَى نَفْسِهِ عَلَى مَا عُرِفَ وَإِذَا نَوَى اسْتِطَاعَةَ الْفِعْلِ لَا يُتَصَوَّرُ حِنْثُهُ أَبَدًا لِأَنَّهَا لَمْ تَسْبِقْ الْفِعْلَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (لَا تَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِي شُرِطَ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ بِخِلَافِ إلَّا أَنْ وَحَتَّى) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجْ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ فِي كُلِّ خُرُوجٍ حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَرَّةً أُخْرَى يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك أَوْ حَتَّى آذَنَ لَك فَإِنَّهُ بِالْإِذْنِ مَرَّةً تَنْتَهِي الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ مَرَّةً أُخْرَى بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَحْنَثُ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إلَّا بِإِذْنِي فَلِأَنَّهُ اسْتَثْنَى خُرُوجًا بِصِفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ مُلْصَقًا بِالْإِذْنِ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَكُلُّ خُرُوجٍ لَا يَكُونُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَانَ دَاخِلًا فِي الْيَمِينِ وَصَارَ شَرْطًا لِلْحِنْثِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم: 64] أَيْ لَا يُوجَدُ نُزُولٌ إلَّا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت إلَّا بِمِلْحَفَةٍ أَوْ بِقِنَاعٍ وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهَا كُلَّمَا أَرَدْت الْخُرُوجَ فَقَدْ أَذِنْت لَك فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ نَهَاهَا لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي خَرْجَةٍ ثُمَّ نَهَاهَا عَنْ تِلْكَ الْخَرْجَةِ يَعْمَلُ نَهْيُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الْعَامَّ بِالْخَاصِّ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ يَبْطُلُ الْيَمِينُ بِالْعَامِّ لِاسْتِحَالَةِ بَقَائِهَا مَعَ إطْلَاقِ جَمِيعِ الْخُرُوجِ بِخِلَافِ الْخَاصِّ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَكَذَا يَصِحُّ النَّهْيُ وَلَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ حَتَّى لَا يَحْنَثَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ إذَا خَرَجَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَنِثَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْحَالِفَ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ لَا يَحْنَثُ مَا دَامَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ لِتَصَوُّرِ الْبِرِّ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ لِفَوَاتِ الْبِرِّ وَهُنَا فِي مَسْأَلَتِنَا الْيَمِينُ مُطْلَقَةٌ عَنْ الْوَقْتِ فَمَا دَامَ الْحَالِفُ حَيًّا يُرْجَى وُجُودُ الْبِرِّ وَهُوَ الْإِتْيَانُ فَلَا يَحْنَثُ فَإِذَا مَاتَ فَقَدْ تَعَذَّرَ شَرْط الْبِرُّ وَتَحَقَّقَ شَرْطُ الْحِنْثِ وَهُوَ تَرْكُ الْإِتْيَانِ فَيَحْنَثُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَتَعَلَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ حَتَّى إذَا مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ لَا يَحْنَثُ أَمَّا إذَا فَاتَ الْوَقْتُ قَبْلَ دُخُولِهِ وَهُوَ حَيٌّ يَحْنَثُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَيَأْتِيَنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّ زَيْدًا غَدًا إنْ اسْتَطَاعَ فَلَمْ يَمْنَعْ عَنْهُ مَانِعٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سُلْطَانٍ أَوْ عَارِضٍ آخَرَ فَلَمْ يَأْتِهِ حَنِثَ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ فِي الْعُرْفِ سَلَامَةُ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ قَالَهُ الرَّازِيّ وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ حَلَفَ أَيْ بِاَللَّهِ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا إنْ اسْتَطَاعَ وَصُورَتُهُ فِي التَّعْلِيقِ أَنْ يَقُولَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ لَمْ آتِك غَدًا إنْ اسْتَطَعْت وَلَا نِيَّةَ لَهُ تُصْرَفُ الِاسْتِطَاعَةُ إلَى سَلَامَةِ آلَاتِ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَصِحَّةِ أَسْبَابِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَهَذَا مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ اسْتِطَاعَةُ الصِّحَّةِ دُونَ الْقُدْرَةِ أَيْ دُونَ الِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي هِيَ الْقُدْرَةُ الَّتِي لَا تَسْبِقُ الْفِعْلَ بَلْ تُخْلَقُ مَعَهُ بِلَا تَأْثِيرٍ لَهَا فِيهِ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعَبْدِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَوْ أَرَادَ هَذِهِ بِقَوْلِهِ إنْ اسْتَطَعْت صَحَّتْ إرَادَتُهَا فَإِذَا لَمْ يَأْتِهِ لِعُذْرٍ مِنْهُ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَحْنَثُ كَأَنَّهُ قَالَ لَآتِيَنَّكَ إنْ خَلَقَ اللَّهُ إتْيَانِي أَوْ إلَّا أَنْ يَخْلُقَ إتْيَانِي وَهُوَ إذَا لَمْ يَأْتِ لَمْ يُخْلَقْ إتْيَانُهُ وَلَا اسْتِطَاعَةُ الْإِتْيَانِ الْمُقَارِنَةُ وَإِلَّا لَأَتَى وَإِذَا صَحَّتْ إرَادَتُهَا فَهَلْ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً أَوْ دِيَانَةً فَقَطْ قِيلَ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فَقَطْ لِأَنَّهُ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ وَهُوَ قَوْلُ الرَّازِيّ وَقِيلَ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ إذْ كَانَ اسْمُ الِاسْتِطَاعَةِ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَكِنْ تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْقَرِينَةِ لِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ سَلَامَةُ آلَاتِ الْفِعْلِ وَصِحَّةُ أَسْبَابِهِ فَصَارَ ظَاهِرًا فِيهِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِ الظَّاهِرِ اهـ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا اسْتِطَاعَةُ الْحَالِ وَالْمُرَادُ بِهَا سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَصِحَّةُ الْأَسْبَابِ وَحَدُّهَا التَّهَيُّؤُ لِتَنْفِيذِ الْفِعْلِ عَنْ إرَادَةِ الْمُخْتَارِ وَالثَّانِي اسْتِطَاعَةُ الْفِعْلِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْقُدْرَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْفِعْلُ وَلَا تَسْبِقُ الْفِعْلَ وَهِيَ عَرَضٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ الْفِعْلِ مَعًا وَهِيَ عِلَّةٌ لِلْفِعْلِ عِنْدَنَا وَزَعَمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهَا سَابِقَةٌ عَلَى الْفِعْلِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْكَرَّامِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ إنْ نَوَى حَقِيقَةَ الْقُدْرَةِ الَّتِي تُقَارِنُ الْفِعْلَ) أَيْ وَهِيَ الَّتِي يُحْدِثُهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْعَبْدِ حَالَةَ الْفَعْلِ مُقَارِنَةً لَهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ اهـ (قَوْلُهُ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ قَالَ الطَّحَاوِيُّ يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَجِبُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي الْقَضَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ

بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنَّمَا صَارَ مُحْتَمَلًا لَهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَايَةً بِمَعْنَى حَتَّى بَعْدَ مَا كَانَ اسْتِثْنَاءً وَبَيْنَ الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَا بَعْدَهُمَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُمَا فَصَحَّتْ الِاسْتِعَارَةُ وَقَالُوا إنَّ هَذَا الْإِذْنَ يَتَقَيَّدُ بِحَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ لَهُ الْمَنْعُ وَهُوَ الزَّوْجُ كَالْوَالِي إذَا اسْتَحْلَفَ رَجُلًا لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلَدَ يَتَقَيَّدُ بِحَالِ وِلَايَتِهِ وَهَذَا صَحِيحٌ إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ قَائِمَةً وَقْتَ الْيَمِينِ وَأَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِأَجْنَبِيَّةٍ بِأَنْ قَالَ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ امْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَيْءٍ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك أَوْ حَتَّى آذَنَ لَك فَلِأَنَّ كَلِمَةَ حَتَّى لِلْغَايَةِ فَيَنْتَهِي الْيَمِينُ بِهَا وَكَلِمَةُ أَنْ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهَا لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْخُرُوجِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَخْرُجُ هِيَ إلَّا بِإِذْنِي أَوْ خُرُوجًا أَنْ آذَنَ لَك وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى كَلِمَةِ حَتَّى فَتَكُونُ لِلْغَايَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي حَيْثُ لَا يُحْمَلُ عَلَى كَلِمَةِ حَتَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ غَيْرُ مُتَعَذِّرَةٍ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا تَخْرُجُ إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِإِذْنِي فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ فَإِنْ قِيلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53] فَتَكْرَارُ الْإِذْنِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الدُّخُولِ فَبَطَلَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَنَّهَا لِلْغَايَةِ كَحَتَّى قُلْنَا تَكْرَارُ الْإِذْنِ فِيهِ عَرَفْنَاهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ أَنَّ دُخُولَ دَارِ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرَامٌ فَصَارَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] أَوْ عَرَفْنَاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: 53] الْآيَةَ. فَصَارَتْ الْعِلَّةُ هِيَ الْإِيذَاءَ وَلَوْ نَوَى التَّعَدُّدَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك صُدِّقَ قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَنْ وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ فَتَكُونُ الْبَاءَ فِيهِ مُقَدَّرَةً فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا بِأَنْ آذَنَ لَك وَلِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيظًا عَلَى نَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً بِقَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْفِيفَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُصَدَّقُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ بَاعَ فُلَانٌ مَالِي إلَّا بِإِذْنِي وَإِلَّا أَنْ آذَنَ لَهُ لِمَا بَيَّنَّا وَالرِّضَا وَالْأَمْرُ كَالْإِذْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ فَقَالَ إنْ خَرَجْت أَوْ ضُرِبَ الْعَبْدُ فَقَالَ إنْ ضُرِبْت تَقَيَّدَ بِهِ كَاجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَقَالَ إنِّي تَغَدَّيْت) يَعْنِي لَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَخْرُجَ فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ إنْ خَرَجْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَرَادَ رَجُلٌ ضَرْبَ عَبْدِهِ فَقَالَ لَهُ أَخِّرْ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ تَقَيَّدَتْ يَمِينُهُ بِتِلْكَ الْخَرْجَةِ وَالضَّرْبَةِ حَتَّى لَوْ قَعَدَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ خَرَجَتْ أَوْ تَرَكَ ضَرْبَ عَبْدِهِ ثُمَّ ضَرَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا يَتَقَيَّدُ فِي قَوْلِهِ اجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ وَفِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ أَنْ مَعَ الْفِعْلِ مَصْدَرٌ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْإِذْنَ مِنْ الْخُرُوجِ وَهَذَا بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْخُرُوجِ إذْ لَوْ قُلْت إلَّا خُرُوجًا أَنْ آذَنَ لَك لَاخْتَلَّتْ فَتَعَيَّنَ مَجَازُهُ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ غَايَةَ الِاتِّصَالِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ حُكْمَ الْمَصْدَرِ وَالْمُغَيَّا يَنْتَهِي بِالْمُسْتَثْنَى وَالْغَايَةِ وَمَا بَعْدَهُمَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَرْأَةِ تَذْهَبُ لِتَخْرُجَ فَيَقُولُ لَهَا زَوْجُهَا إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَعُودُ فَتَجْلِسُ ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ سَاعَةٍ قَالَ لَا تَطْلُقُ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَيَذْهَبُ لِيَضْرِبهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَرَكَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ لَمْ يَعْتِقْ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِآخَرَ اجْلِسْ فَتَغَدَّ فَيَقُولُ إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ يَأْتِي أَهْلَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَتَغَدَّى عِنْدَهُمْ لَمْ يَحْنَثْ إنَّمَا الْيَمِينُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَخْرُجَ فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقُ فَجَلَسَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذِهِ خَمْسُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَفَّ عَنْ ضَرْبِهِ ثُمَّ ضَرَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَمِنْهَا إذَا قَالَ لَهُ رَجُلٌ اجْلِسْ فَتَغَدَّ مَعِي فَقَالَ إنْ تَغَدَّيْت مَعَك فَعَبْدِي حُرٌّ وَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ ثُمَّ عَادَ وَتَغَدَّى عِنْدَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُسَمَّى يَمِينَ الْفَوْرِ وَجْهُ الْقِيَاسِ إطْلَاقُ الْكَلَامِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْغَدَاءِ إخْرَاجُ الْكَلَامِ مُخْرَجَ الْجَوَابِ وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ وَفِي الْفَصْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ مَقْصُودُ الْحَالِفِ مُنِعَ عَمَّا قُصِدَ مِنْ الْخُرُوجِ وَالضَّرْبِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ دَلَالَةً اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَهَذِهِ تُسَمَّى يَمِينَ الْفَوْرِ انْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإِظْهَارِهِ وَكَانَتْ الْيَمِينُ فِي عُرْفِهِمْ قِسْمَيْنِ مُؤَبَّدَةً وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ مُطْلَقًا وَمُؤَقَّتَةً وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ فَأَخْرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَمِينَ الْفَوْرِ وَهِيَ مُؤَبَّدَةٌ لَفْظًا مُؤَقَّتَةٌ مَعْنَى تَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ وَهِيَ مَا يَكُونُ جَوَابًا بِالْكَلَامِ يَتَعَلَّقُ بِالْحَالِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ تَعَالَ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَيَقُولُ إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَيَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ فَإِذَا تَغَدَّى فِي يَوْمِهِ فِي مَنْزِلِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حِينَ وَقَعَ جَوَابًا تَضَمَّنَ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ وَالْمَسْئُولُ الْغَدَاءُ فِي الْحَالِ فَيَنْصَرِفُ الْغَدَاءُ إلَى الْغَدَاءِ الْحَالِيِّ لِتَقَعَ الْمُطَابَقَةُ فَلَزِمَ الْحَالِيُّ بِدَلَالَةِ الْحَالِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا تَغَدَّى فِي مَنْزِلِهِ مِنْ يَوْمِهِ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى الْجَوَابِ فَيُعْتَبَرُ مُبْتَدِئًا لَا مُجِيبًا فَيُعْمَلُ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ وَيُلْغَى ظَاهِرُ الْحَالِ وَإِلْغَاؤُهُ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ لَفْظٍ صَرِيحٍ فِي مَعْنَاهُ أَوْ مَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ حَالِيٍّ كَامْرَأَةٍ تَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ فَحَلَفَ لَا تَخْرُجُ فَإِذَا جَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْت السَّاعَةَ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ تَرَكَ ضَرْبَ عَبْدِهِ) أَيْ سَاعَةً بِحَيْثُ يَذْهَبُ فَوْرُ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ) وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى كُلِّ غَدَاءٍ وَخُرُوجٍ وَضَرَبَ فَاعْتُبِرَ الْإِطْلَاقُ اللَّفْظِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ

[باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام]

إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ يَحْنَثُ بِالْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ الزَّجْرُ عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ أَوْ مَعَك فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَغَدَّى فِي بَيْتِهِ أَوْ مَعَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ فَيَكُونُ مُبْتَدِئًا وَلَا يُقَالُ إنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَادَ فِي الْجَوَابِ حِينَ سُئِلَ عَنْ الْعَصَا وَلَمْ يَكُنْ مُبْتَدِئًا لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا سُئِلَ بِمَا وَهِيَ تَقَعُ عَنْ ذَاتِ مَا لَا يَعْقِلُ وَالصِّفَاتِ فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَأَجَابَ بِهِمَا حَتَّى يَكُونَ مُجِيبًا عَنْ أَيِّهِمَا كَانَ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ تُسَمَّى يَمِينَ فَوْرٍ مَأْخُوذٌ مِنْ فَوْرِ الْقِدْرِ إذَا غَلَتْ يُقَالُ فَارَتْ الْقِدْرُ تَفُورُ فَوْرًا وَاسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ الْحَالُ الَّتِي لَا رَيْث فِيهَا وَلَا لَبْثَ فَقِيلَ جَاءَ فُلَانٌ وَخَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ وَقِيلَ سُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَيْمَانُ بِهِ بِاعْتِبَارِ فَوَرَانِ الْغَضَبِ وَتَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِإِظْهَارِهِ وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ فِيهِ وَكَانُوا يَقُولُونَ مِنْ قَبْلُ الْيَمِينُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ كَلَا يَفْعَلُ كَذَا وَمُؤَقَّتَةٌ كَلَا يَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ فَصَارَتْ قِسْمًا ثَالِثًا هِيَ مُؤَقَّتَةٌ مَعْنًى مُطْلَقَةً لَفْظًا وَإِنَّمَا أَخْذُهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِهِ حِين دُعِيَا إلَى نُصْرَةِ رَجُلٍ فَحَلَفَا أَنْ لَا يَنْصُرَاهُ ثُمَّ نَصَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْنَثَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَرْكَبُ عَبْدِهِ مَرْكَبُهُ إنْ يَنْوِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ) أَيْ مَرْكَبُ الْعَبْدِ مَرْكَبٌ لِلْمَوْلَى وَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وَيَدْخُلُ فِيهِ إنْ نَوَاهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ حَتَّى إذَا قَالَ إنْ رَكِبْت دَابَّةَ فُلَانٍ فَعَبْدُهُ حُرٌّ وَلَمْ يَنْوِ دَابَّةَ الْعَبْدِ فَرَكِبَهَا لَمْ يُعْتَقْ وَإِنْ نَوَاهَا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا فَإِنْ نَوَى حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِ عَبْدِهِ حَتَّى لَا يُعْتَقَ بِعِتْقِهِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَمِينِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَفِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ لَكِنَّهُ يُضَافُ إلَى الْعَبْدِ عُرْفًا وَشَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ» الْحَدِيثَ فَتَخْتَلُّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إذَا نَوَى لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْلَى لَكِنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ قَدْ اخْتَلَّتْ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا تَدْخُلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ} الْأَكْلُ إيصَالُ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ وَالْهَشْمُ إلَى الْجَوْفِ مَمْضُوغًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَمْضُوغٍ وَالشُّرْبُ إيصَالُ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْهَشْمُ إلَى الْجَوْفِ وَالذَّوْقُ إيصَالُ الشَّيْءِ إلَى فِيهِ لِاسْتِبَانَةِ طَعْمِهِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ أَوْ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا ذَكَرْنَا وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ) أَوْ تَغَدَّى مَعَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ اهـ (قَوْلُهُ الَّتِي لَا رَيْثَ فِيهَا) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ رَاثَ عَلَيَّ خَبَرُك يَرِيثُ رَيْثًا أَيْ أَبْطَأَ وَفِي الْمَثَلِ رُبَّ عَجَلَةٍ تَهَبُ رَيْثًا وَيُرْوَى وَهَبْت رَيْثًا وَالْمَعْنَى وَاحِدُ مِنْ الْهِبَةِ وَمَا أَرَاثَكَ عَلَيْنَا أَيْ مَا أَبْطَأَ بِك عَنَّا وَرَجُلٌ رَيِّثٌ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ بَطِيءٌ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا لَبْثَ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَاللُّبْثِ وَاللَّبَاثُ الْمُكْثُ اهـ (قَوْلُهُ فَقِيلَ جَاءَ فُلَانٌ وَخَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَمِينُ الْفَوْرِ أَيْ الْحَالِ وَهِيَ كُلُّ يَمِينٍ خَرَجَتْ جَوَابًا بِالْكَلَامِ أَوْ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ فَتَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْحَالِ وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزَفَرِ وَخِلَافُ زُفَرَ مَذْكُورٌ فِي التُّحْفَةِ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْغَدَاءِ فَإِنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ جَوَابًا وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْغَدَاءَ الَّذِي دَعَوْتنِي إلَيْهِ فَانْصَرَفَ يَمِينُهُ إلَى ذَلِكَ الْغَدَاءِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ وَالضَّرْبِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ قَصْدَ الزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ هِيَ لَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْت هَذِهِ الْخَرْجَةَ فَتَقَيَّدَتْ الْيَمِينُ بِتِلْكَ الْخَرْجَةِ وَكَذَا قَصَدَ الرَّجُلُ أَنْ يَمْنَعَ مَوْلَى الْعَبْدِ عَنْ الضَّرْبِ الَّذِي تَهَيَّأَ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ ضَرَبْت هَذِهِ الضَّرْبَةَ الَّتِي تَهَيَّأْت لَهَا فَتَقَيَّدَتْ الْيَمِينُ بِتِلْكَ الضَّرْبَةِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ عُرْفًا وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَرْكَبُ عَبْدِهِ مَرْكَبُهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ فِي مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُعَادَةِ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةً لِعَبْدِهِ قَالَ لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ فِي الْوَجْهَيْنِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَلَمْ يُشْبِعْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يَشْرَحْهَا ثُمَّ قَالَ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرَقٌ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ نَوَاهُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِفُلَانٍ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَنْوِيَهُ فَإِنْ نَوَاهُ حَنِثَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَنْوِيَ فَإِذَا نَوَاهُ حَنِثَ بِكُلِّ حَالٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ هَذَا لَفْظُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ) أَيْ فَهُوَ لِلْبَائِعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً عِنْدَهُ) أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ] قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ أَوَّلًا إلَى مَوْضِعٍ يَسْكُنُ وَيَسْتَقِرُّ ثُمَّ تَتَوَارَدُ سَائِرُ الْحَوَائِجِ وَأَوَّلُ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فَشَرَعَ فِي بَيَانِهِمَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ أَعْقَبَهُ الْخُرُوجُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَنْزِلِ يُرَادُ لِتَحْصِيلِ مَا بِهِ بَقَاءُ الْبِنْيَةِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15] عَلَى مَا يُقَالُ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُ مَمْضُوغٍ) حَتَّى لَوْ بَلَعَ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ يُسَمَّى آكِلًا. اهـ. أَكْمَلُ (قَوْلُهُ وَالشُّرْبُ إيصَالُ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْهَشْمُ إلَى الْجَوْفِ) كَالْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالنَّبِيذِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ أَوْ هَذَا

السَّوِيقَ فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ وَكَذَا بِالْعَكْسِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ هَذَا اللَّبَنَ فَثَرَدَ فِيهِ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشُرْبٍ وَلَا الْأَوَّلُ بِأَكْلٍ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا فَمَصَّهُ فَابْتَلَعَ مَاءَهُ وَرَمَى ثَفْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَصَّ نَوْعٌ ثَالِثٌ لَيْسَ بِأَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الشِّفَاهِ وَالْحَلْقِ وَالذَّوْقُ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الشِّفَاهِ دُونَ الْحَلْقِ وَالِابْتِلَاعُ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الْحَلْقِ دُونَ الشِّفَاهِ وَالْمَصُّ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ اللَّهَاةِ خَاصَّةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ حَنِثَ بِثَمَرِهَا) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ حَنِثَ بِأَكْلِ ثَمَرِهَا لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ فَيَحْنَثُ بِجَمِيعِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ جِمَارٍ أَوْ بُسْرٍ أَوْ رُطَبٍ أَوْ ثَمَرٍ أَوْ طَلْعٍ أَوْ دِبْسٍ يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرِهَا وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَا يُؤْكَلُ وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ بِصَنْعَةٍ حَادِثَةٍ حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالنَّبِيذِ وَالنَّاطِفِ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ وَالْخَلِّ لِأَنَّ هَذَا مُضَافٌ إلَى فِعْلٍ حَادِثٍ فَلَمْ يَبْقَ مُضَافًا إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّوِيقَ فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ) وَلَوْ ثَرَدَ فِيهِ فَأَوْصَلَهُ إلَى جَوْفِهِ حَنِثَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا بِالْعَكْسِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ فَخَلَطَهُ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُؤْكَلُ فَأَكَلَهُ مَعَهُ حَنِثَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَثَرَدَ) مِنْ بَابِ قَتَلَ وَهُوَ أَنْ تَفُتَّهُ ثُمَّ تَبُلَّهُ بِمَرَقٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَالْمَصُّ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ اللَّهَاةِ خَاصَّةً) اللَّهَاةُ بِالْفَتْحِ وَاحِدَةُ اللَّهَوَاتِ وَهِيَ اللَّحْمَاتُ فِي سَقْفِ أَقْصَى الْفَمِ وَأَمَّا اللُّهَا بِالضَّمِّ فَهِيَ الْعَطَايَا وَاحِدُهَا لُهْيَةٌ وَلُهْوَةٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ اللُّهَا تَفْتَحُ اللَّهَا أَيْ الْعَطَايَا تَفْتَحُ الْأَفْوَاهَ بِالشُّكْرِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ حَنِثَ بِثَمَرِهَا) قَالَ الْكَمَالُ بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ وَمِثْلُهُ لَا يُحْلَفُ عَلَى عَدَمِ أَكْلِهِ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعُ الْأَكْلِ قَبْلَ الْيَمِينِ فَيَلْغُو الْحَلِفُ فَوَجَبَ لِتَصْحِيحِ كَلَامِ الْعَاقِلِ صَرْفُهَا إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا تَجَوُّزًا بِاسْمِ السَّبَبِ وَهُوَ النَّخْلَةُ فِي الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْخَارِجُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِيهِ لَكِنْ بِلَا تَغَيُّرٍ بِصُنْعٍ جَدِيدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ طَلْعٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الطَّلْعُ بِالْفَتْحِ مَا يَطْلُعُ مِنْ النَّخْلَةِ ثُمَّ يَصِيرُ ثَمَرًا إنْ كَانَ أُنْثَى وَإِنْ كَانَتْ النَّخْلَةُ ذَكَرًا لَمْ يَصِرْ ثَمَرًا بَلْ يُؤْكَلُ طَرِيًّا وَيُتْرَكُ عَلَى النَّخْلَةِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ شَيْءٌ أَبْيَضُ مِثْلُ الدَّقِيقِ وَلَهُ رَائِحَةٌ ذَكِيَّةٌ فَيُلَقِّحُ بِهِ الْأُنْثَى اهـ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ أَيْضًا الطَّلْحُ الْمَوْزُ الْوَاحِدَةُ طَلْحَةٌ مِثْلُ تَمْرٍ وَتَمْرَةٍ وَالطَّلْحُ مِنْ شَجَرِ الْعِضَاهِ الْوَاحِدَةُ طَلْحَةٌ أَيْضًا وَبِهِ سُمِّيَ الرَّجُلُ. اهـ. وَالْعِضَاهُ وِزَانُ كِتَابٍ كُلُّ شَجَرِ الشَّوْكِ كَالطَّلْحِ وَالْعَوْسَجِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ دِبْسٍ يَخْرُجُ مِنْ تَمْرِهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَكَلَ عَيْنَ النَّخْلَةِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ نَوَاهَا كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الْيَمِينُ عَلَى ثَمَرِ النَّخْلَةِ دُونَ عَيْنِهَا لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ فَأُرِيدَ الْمَجَازُ اهـ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ خَشَبِ النَّخْلَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى أَكْلِ الدَّقِيقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ مِنْ هَذَا الْكَرَمُ) قَالَ الْكَمَالُ فَهُوَ عَلَى عِنَبِهِ وَحِصْرِمِهِ وَزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دِبْسُهُ وَالْمُرَادُ عَصِيرُهُ فَإِنَّهُ مَاءُ الْعِنَبِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ بِلَا صُنْعٍ عِنْدَ انْتِهَاءِ نُضْجِ الْعِنَبِ وَلِأَنَّهُ كَانَ مُكَمَّنًا بَيْنَ الْقِشْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ لَا يَحْنَثُ بِزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ لَيْسَتْ مَهْجُورَةً فَيَتَعَلَّقُ الْحَلِفُ بِمُسَمَّى الْعِنَبِ اهـ يَعْنِي فَيَكُونُ شَرْطُ حِنْثِهِ أَكْلَ مَا يُسَمَّى عِنَبًا وَالْعِنَبُ اسْمٌ لِلْقِشْرِ وَاللَّحْمِ وَالْمَاءِ جَمِيعًا وَهُوَ مَأْكُولٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَالزَّبِيبُ وَالْعَصِيرُ بَعْضُ أَجْزَائِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالنَّبِيذِ وَالنَّاطِفِ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ فَهُوَ عَلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَهُوَ حِصْرِمُهُ وَعِنَبُهُ وَزَبِيبُهُ وَدِبْسُهُ أَيْ عَصِيرُهُ وَلَوْ أَكَلَ مِنْ خَلٍّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلِ وَالْكَرَمِ كَذَلِكَ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ يَحْنَثُ قَالَ فِي الْمُجْمَلِ الدِّبْسُ عُصَارَةُ الرُّطَبِ اهـ قَالَ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ أَوْ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ فَأَكَلَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَزَبِيبِهِ أَوْ مِنْ تَمْرِ الرُّطَبِ وَدِبْسهِ أَوْ مِنْ لَبَنِ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ أَوْ سَمْنِهَا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فَأَكَلَ مِنْ شِيرَازِ أَوْ زُبْدِهِ لِأَنَّ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَيْنُهُ تُؤْكَلُ فَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْعِنَبَ أَوْ الرُّطَبَ اسْمٌ لِلْعَيْنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا فِي الْعَيْنِ مِنْ الْمَاءِ وَاللَّحْمِ وَالْقِشْرِ فَبِالْجَفَافِ زَالَ الْمَاءُ فَيَكُونُ آكِلًا بَعْضَ الشَّيْءِ فَلَا يَحْنَثُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ وَكَلِمَةُ مِنْ وَإِنْ كَانَتْ تَقْتَضِي التَّبْعِيضَ إلَّا أَنَّهَا تَقْتَضِي أَكْلَ بَعْضِ الْعِنَبِ الْمُشَارِ إلَيْهِ الَّذِي يُسَمَّى عِنَبًا لَا أَكْلَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا تُسَمَّى عِنَبًا وَكَذَا فِي الرُّطَبِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بَعْدَ مَا صَارَ تَمْرًا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَهُ بَعْدَ أَنْ شَاخَ لِأَنَّ الْفَائِتَ هُوَ الْوَصْفُ لَا الشَّخْصُ فَبَقِيَ كُلُّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَفَرْقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمْتَنِعُ عَنْ أَكْلِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ لِرُطُوبَةٍ فِيهِمَا تَضُرُّ بِآكِلِهِمَا فَيُقْصَدَانِ بِالْمَنْعِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِهِمَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالشَّابِّ فَإِنَّهُمَا لَا يُقْصَدَانِ بِالْمَنْعِ لِأَنَّ هِجْرَانَهُمَا مَهْجُورٌ شَرْعًا فَكَانَ الذَّاتُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْحَلِفِ دُونَ الصِّفَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ فِي الزِّيَادَاتِ فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى بِهَذَا الرُّطَبِ فَصَارَ تَمْرًا ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُوصَى بِهِ فَاتَ وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمُوصَى بِهِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ فِي الْبَقِيَّةِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ تَنَاوَلَ بَعْضَ الْمَحْلُوفِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَا يُشْكَلُ عَلَى هَذَا مَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ أَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى بِعِنَبٍ ثُمَّ صَارَ زَبِيبًا ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ صِنْفٌ وَاحِدٌ لِقِلَّةِ التَّفَوُّتِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ وَهَلَاكٌ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ عِنَبًا فَجَعَلَهُ زَبِيبًا انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ لِوُجُودِ التَّبَدُّلِ مُضَافًا إلَى صُنْعِ الْغَاصِبِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ أَوْ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ فَأَكَلَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَفِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَحْنَثُ لِأَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ فَلَا عِبْرَةَ لِتَغَيُّرِهِ وَوَجْهُ قَوْلِنَا مَرَّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

الشَّجَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ كَيْفَ عَطَفَ الْمَصْنُوعَ عَلَى الثَّمَرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} [يس: 35] وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايِرَةِ وَيَحْنَثُ بِالْعَصِيرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِصَنْعَةٍ جَدِيدَةٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ حَيْثُ يَحْنَثُ بِاللَّحْمِ خَاصَّةً وَلَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ لِأَنَّهَا مَأْكُولَةٌ فَيَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّجَرَةِ تَمْرٌ يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى ثَمَنِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَيَّنَ الْبُسْرَ وَالرُّطَبَ وَاللَّبَنَ لَا يَحْنَثُ بِرُطَبِهِ وَتَمْرِهِ وَشِيرَازِهِ بِخِلَافِ هَذَا الصَّبِيِّ وَهَذَا الشَّابِّ وَهَذَا الْحَمْلِ) أَيْ وَلَوْ عَيَّنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْبُسْرَ أَوْ هَذَا الرُّطَبَ أَوْ هَذَا اللَّبَنَ فَصَارَ الْبُسْرُ رُطَبًا وَالرُّطَبُ تَمْرًا وَاللَّبَنُ شِيرَازًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ صِفَةَ الْبُسُورَةِ وَالرُّطُوبَةِ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ وَكَذَا كَوْنُهُ لَبَنًا فَيَتَقَيَّدُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمْلِ أَوْ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ أَوْ هَذَا الصَّبِيَّ فَأَكَلَهُ بَعْدَ مَا صَارَ كَبْشًا أَوْ كَلَّمَهُمَا بَعْدَ مَا شَاخَا حَيْثُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَمْلِ صِفَةٌ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الصِّفَةَ لَغْوٌ فِي الْحَاضِرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلَةً عَلَى الْيَمِينِ فَتُعْتَبَرُ وَصِفَةُ الصَّبِيِّ وَالشَّابِّ وَإِنْ كَانَتْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ لَكِنَّ هِجْرَانَهُ لِأَجْلِ صِبَاهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا لِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَحَمُّلِ أَخْلَاقِ الْفِتْيَانِ وَمَرْحَمَةِ الصِّبْيَانِ فَكَانَ مَهْجُورًا شَرْعًا وَالْمَهْجُورُ شَرْعًا كَالْمَهْجُورِ عَادَةً فَلَمْ يُعْتَبَرْ الدَّاعِي وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا الْكَلَامُ وَالْيَمِينُ يَجُوزُ عَقْدُهَا عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ قُلْنَا نَعَمْ يَجُوزُ قَصْدًا لَكِنْ إذَا كَانَ الْكَلَامُ مُحْتَمَلًا فَالنَّهْيُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى إرَادَةِ غَيْرِ الْمَحْظُورِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ) أَيْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَأَكَلَ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي لَا يَأْكُلُ بُسْرًا أَوْ رُطَبًا أَوْ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا وَلَا بُسْرًا حَنِثَ بِالْمُذَنِّبِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُمَا حَنِثَ بِأَكْلِ الْمُذَنِّبِ سَوَاءٌ أَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا أَوْ بُسْرًا مُذَنِّبًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالرُّطَبُ الْمُذَنِّبُ بِكَسْرِ النُّونِ الَّذِي أَكْثَرُهُ رُطَبٌ وَشَيْءٌ قَلِيلٌ مِنْهُ بُسْرٌ وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ عَكْسُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا وَجَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْأَسْرَارِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالْمَنْظُومَةِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّطَبَ الْمُذَنِّبَ يُسَمَّى رُطَبًا وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ يُسَمَّى بُسْرًا عُرْفًا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ فَصَارَ الِاعْتِبَارُ لِلْغَالِبِ إذْ الْمَغْلُوبُ فِي مُقَابَلَتِهِ كَالْمَعْدُومِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى بُسْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالدِّبْسُ الْمَطْبُوخُ مَا نَصُّهُ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَهُوَ مَا يَسِيلُ بِنَفْسِهِ مِنْ الرُّطَبِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا صَقْرَ الرُّطَبِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ كَمَا يَحْنَثُ بِالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَالْبُسْرِ وَالرَّامِخِ وَالْجُمَّارِ وَالطَّلْعِ وَهَذَا لِأَنَّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى الصَّنْعَةِ لَيْسَ مِمَّا خَرَجَ مُطْلَقًا وَقِيلَ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِالصَّنْعَةِ لَيْسَ مِمَّا خَرَجَ ابْتِدَاءً مِنْ النَّخْلَةِ وَمِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَكُلُّ مَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الِابْتِدَاءِ انْعَقَدَ عَلَيْهِ يَمِينُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ الْمَذْكُورَةَ فِي كَلَامِهِ دَاخِلَةٌ عَلَى النَّخْلَةِ تَبْعِيضِيَّةٌ لَا ابْتِدَائِيَّةٌ نَعَمْ مِنْ الْمَذْكُورَةُ فِي التَّأْوِيلِ بَلْ أَعْنِي قَوْلَهُ لَا آكُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلَةِ ابْتِدَائِيَّةٌ وَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ وَكَأَنَّهُ اُعْتُبِرَ كَالْمَذْكُورِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّجَرَةِ ثَمَرٌ يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى ثَمَنِهَا) فَيَحْنَثُ إذَا اشْتَرَى بِهِ مَأْكُولًا {فَرْعٌ} حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَقَطَعَ غُصْنًا مِنْهَا وَوَصَلَهُ بِشَجَرَةٍ أُخْرَى فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ مِنْ هَذَا الْغُصْنِ لَا يَحْنَثُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ هَذَا الصَّبِيِّ وَهَذَا الشَّابِّ) قَالَ الْكَمَالُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ أَوْ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ مَا شَاخَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِ بِمَنْعِ الْكَلَامِ مَعَهُ مَنْهِيٌّ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَنْ جَهْلِهِ وَسُوءِ أَدَبِهِ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ إذَا كَانَ الشَّارِعُ مَنَعَنَا مِنْ هِجْرَانِ الْمُسْلِمِ مُطْلَقًا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الدَّاعِيَ قَدْ يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَوَجَبَ الِاتِّبَاعُ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الْهِجْرَانَ قَدْ يَجُوزُ وَيَجِبُ إذَا كَانَ لِلَّهِ بِأَنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ أَوْ يَخْشَى فِتْنَةً أَوْ فَسَادَ عِرْضِهِ بِكَلَامِهِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّارِعَ مَنَعَ الْهِجْرَانَ مُطْلَقًا فَحَيْثُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ لَا يَحْكُمُ إلَّا أَنَّهُ وَجَدَ الْمُسَوِّغَ وَإِذَا وَجَدَ اُعْتُبِرَ الدَّاعِي فَتَقَيَّدَ بِصِبَاهُ وَشَبِيبَتِهِ وَنَذْكُرُ مَا فِيهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيهَا اهـ (قَوْلُهُ وَهَذَا الْحَمَلُ) الْحَمَلُ بِفَتْحَتَيْنِ وَلَدُ الضَّائِنَةِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى اهـ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَاللَّبَنُ شِيرَازُ) أَيْ رَائِبًا وَهُوَ الْخَاثِرُ إذَا اسْتَخْرَجَ مَاؤُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ صِفَةَ الْبُسُورَةِ وَالرُّطُوبَةِ دَاعِيَةٌ) بِحَسَبِ الْأَمْزِجَةِ وَكَذَا صِفَةُ اللَّبَنِيَّةِ فَإِذَا زَالَتْ زَالَ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَأَكْلُهُ أَكْلُ مَا لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا إلَخْ) هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي اثْنَتَيْنِ مِنْهَا اتِّفَاقٌ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ اخْتِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيَانُهُ إذَا حَلَفَ وَقَالَ لَا آكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ رُطَبًا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبُسْرِ يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا أَيْضًا أَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا أَوْ قَالَ لَا آكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبُسْرِ فَإِنَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَحْنَثُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ هَكَذَا نَصَّ عَلَى الْخِلَافِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَجَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ الصَّدْرَ الشَّهِيدَ وَالْعَتَّابِيَّ ذَكَرَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَبِعَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ) أَيْ وَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ يُسَمَّى بُسْرًا) أَيْ وَلَا يُسَمَّى رُطَبًا لِأَنَّ الرُّطَبَ فِيهِ مَغْلُوبٌ. اهـ. كَمَالٌ

مُذَنِّبًا لَا يَحْنَثُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا أَوْ هَذَا اللَّبَنَ فَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى صَارَ مَغْلُوبًا لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ وَكَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَغْلُوبِ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ آكِلَهُ آكِلُ بُسْرٍ وَرُطَبٍ فَيَحْنَثُ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ كَافٍ لِلْحِنْثِ وَلِهَذَا لَوْ مَيَّزَهُ فَأَكَلَهُ يَحْنَثُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ يُصَادِفُهُ جُمْلَةٌ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ فَيَكُونُ الْمَغْلُوبُ تَبَعًا لَهُ وَالْأَكْلُ يَنْقَضِي شَيْئًا فَشَيْئًا فَيُصَادِفُهُ وَحْدَهُ نَظِيرُهُ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَعِيرًا فَاشْتَرَى حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِخِلَافِ اللَّبَنِ الْمَصْبُوبِ فِيهِ الْمَاءُ لِأَنَّهُ يَشِيعُ فِيهِ وَيَخْتَلِطُ حَتَّى لَا يُرَى مَكَانُهُ فَيَكُونُ مُسْتَهْلَكًا وَهُنَا يُرَى مَكَانُهُ فَيَكُونُ قَائِمًا وَقْتَ التَّنَاوُلِ وَلَا يُقَالُ الْحِنْثُ يَكُونُ بِالْمَضْغِ وَالِابْتِلَاعِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا وَلَا يُرَى مَكَانُهُ فَكَانَ كَالْمَاءِ الْمَخْلُوطِ بِهِ وَالْمَاءُ غَالِبٌ لِأَنَّا نَقُولُ مَعْنَى الِاسْتِهْلَاكِ هُنَا أَكْمَلُ لِأَنَّ طَعْمَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ الْيَسِيرِ مَوْجُودٌ فِي الْحَلْقِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ وَلِأَنَّ الرُّطَبَ وَالْبُسْرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَحْنَثُ بِشِرَاءِ كِبَاسَةِ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ فِي لَا يَشْتَرِي رُطَبًا) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا لَا يَحْنَثُ بِشِرَاءِ كِبَاسَةِ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْبَيْعَ يُصَادِفُهُ جُمْلَةً فَيَكُونُ الْقَلِيلُ تَابِعًا لِلْكَثِيرِ وَلِهَذَا بَائِعُهُ لَا يُسَمَّى بَائِعَ الرُّطَبِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَبَنًا أَوْ صُوفًا فَاشْتَرَى شَاةً لَهَا لَبَنٌ أَوْ صُوفٌ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بَائِعَهُ لَا يُسَمَّى بَائِعًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَكَذَا مُشْتَرِيهِ لَا يُسَمَّى مُشْتَرِيًا لَهُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُبْتَنَى عَلَى الْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْمَسِّ حَيْثُ يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْمَسَّ فِيهَا مُتَصَوَّرٌ حَقِيقَةً وَاسْمُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بَاقٍ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَمَسُّ قُطْنًا أَوْ كَتَّانًا فَمَسَّ ثَوْبًا اُتُّخِذَ مِنْهُ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ لِزَوَالِ اسْمِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ عَنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا أَوْ زُبْدًا أَوْ مَا لَا يَمَسُّهُ فَأَكَلَ لَبَنًا أَوْ مَسَّهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِسَمَكٍ فِي لَا يَأْكُلُ لَحْمًا) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ السَّمَكِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَحْنَثُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ سُمِّيَ لَحْمًا فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: 12] وَالْمُرَادُ لَحْمُ السَّمَكِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَنَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ مُنْشَؤُهُ الدَّمُ وَلَا دَمَ فِيهِ إذْ هُوَ مِنْ سَوَاكِنِ الْمَاءِ وَلِهَذَا حَلَّ أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ فَصَارَ كَالْجَرَادِ فَكَانَ قَاصِرًا فِي اللَّحْمِيَّةِ وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ دُونَ الْقَاصِرِ فَخَرَجَ عَنْ الْمُطْلَقِ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ وَلِهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ اللَّحْمِ لَحْمُ السَّمَكِ إلَّا بِقَرِينَةٍ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ لَحْمٍ فَاشْتَرَى لَحْمَ السَّمَكِ لَا يَلْزَمُهُ وَكَذَا بَائِعُ السَّمَكِ لَا يُسَمَّى لَحَّامًا عَادَةً وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ سُمِّيَ فِي الْقُرْآنِ دَابَّةً وَكَذَا فِي اللُّغَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ لِأَنَّهُ لَحْمٌ مِنْ وَجْهٍ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالْإِنْسَانِ وَالْكَبِدُ وَالْكَرِشُ لَحْمٌ) لِأَنَّ مَنْشَأَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الدَّمُ فَصَارَتْ لَحْمًا حَقِيقَةً حَتَّى يَحْنَثَ بِأَكْلِهَا فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا إلَّا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ آكِلَهُ آكِلُ بُسْرٍ وَرُطَبٍ فَيَحْنَثُ بِهِ) لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِمُسْتَهْلَكٍ بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ حَانِثًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ مَيَّزَهُ فَأَكَلَهُ يَحْنَثُ) أَيْ يَحْنَثُ إجْمَاعًا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا) قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ يُقَالُ لَوْلَا التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا فَصَّلَهُ فَأَكَلَهُ وَحْدَهُ أَمَّا لَوْ أَكَلَ ذَلِكَ الْمَحَلَّ مَخْلُوطًا بِبَعْضِ الْبُسْرِ تَحَقَّقَتْ التَّبَعِيَّةُ فِي الْأَكْلِ وَثَانِيًا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى انْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا الْعُرْفِ وَإِلَّا فَالرُّطَبُ الَّذِي فِيهِ بُقْعَةُ بُسْرٍ لَا يُقَالُ لِآكِلِهِ آكِلُ بُسْرٍ فِي الْعُرْفِ فَكَانَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اُقْعُدْ فِي الْمَبْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كِبَاسَةٍ) الْكِبَاسَةُ بِكَسْرِ الْكَافِ الْعِذْقُ وَهُوَ الْقِنْوُ وَالْقَنَا أَيْضًا وَيُقَالُ لِعُودِ الْعِذْقِ وَهُوَ عُودُ الْكِبَاسَةِ الْعُرْجُونُ وَالْأَهَانُ كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْمُصَنَّفِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْبَيْعَ يُصَادِفُهُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ يُصَادِفُ بِلَا ضَمِيرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِسَمَكٍ فِي لَا يَأْكُلُ لَحْمًا) أَيْ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا قَالَ الْكَمَالُ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ عَلَى لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ وَالْغَنَمِ وَالطُّيُورِ مَطْبُوخًا وَمَشْوِيًّا وَفِي حِنْثِهِ بِالنِّيءِ خِلَافُ الْأَظْهَرِ أَنْ لَا يَحْنَثَ وَعِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ يَحْنَثُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَحْنَثُ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ يَحْنَثُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ اهـ {فَرْعٌ} حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَ نَوَاهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ اللَّحْمَ يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ فِي اللُّغَةِ) وَقُوَّتُهُ بِأَنْ يَكُونَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذْ هُوَ مِنْ سَوَاكِنِ الْمَاءِ) أَيْ وَالدَّمَوِيُّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ سُمِّيَ فِي الْقُرْآنِ دَابَّةً) قَالَ تَعَالَى {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: 55] وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى وَتِدٍ فَجَلَسَ عَلَى الْجَبَلِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ قَالَ تَعَالَى {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: 7]. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَكَلَ سَمَكًا طَرِيًّا أَوْ مَالِحًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْخِنْزِيرُ فِنْعِيلٌ حَيَوَانٌ خَبِيثٌ وَيُقَالُ إنَّهُ حُرِّمَ عَلَى لِسَانِ كُلِّ نَبِيٍّ وَالْجَمْعُ خَنَازِيرُ اهـ (قَوْلُهُ وَالْكَبِدُ وَالْكَرِشُ) أَيْ وَالْقَلْبُ وَالرِّئَةُ وَالطِّحَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَنْشَأَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الدَّمُ) وَتُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ حَتَّى يَحْنَثَ بِأَكْلِهَا فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا) فَإِنْ قُلْت قَدْ قُلْت قَبْلَ هَذَا إنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَلَا يَسْبِقُ أَوْهَامَ النَّاسِ مِنْ لَفْظِ اللَّحْمِ إلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْإِنْسَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ قُلْنَا النَّاظِرُ لَوْ نَظَرَ إلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ الْإِنْسَانِ سَمَّاهُ لَحْمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ لَحْمِ السَّمَكِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَظْهَرُ الْفَرْقَ عَلَى أَنَّا نَقُولُ قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ قِيلَ الْحَالِفُ

لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ حَرَامٌ وَالْيَمِينُ قَدْ تُعْقَدُ لِمَنْعِ النَّفْسِ عَنْ الْحَرَامِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَزْنِي أَوْ لَا يَكْذِبُ يَصِحُّ يَمِينُهُ وَكَذَا يَدْخُلُ أَيْضًا فِي الْعُمُومِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَمْرُ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ بِشُرْبِهَا لِكَوْنِهَا شَرَابًا حَقِيقَةً وَلَا يُقَالُ الْكَفَّارَةُ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَكَيْفَ تُنَاطُ بِالْمَحْظُورِ الْمَحْضِ لِأَنَّا نَقُولُ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ إنَّمَا يُرَاعَيَانِ فِي السَّبَبِ لَا فِي الشَّرْطِ وَالسَّبَبُ لِلْكَفَّارَةِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ سَبَبًا عِنْدَ الْحِنْثِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَالْحِنْثُ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الشَّرْطِ مَعَ شُهُودِ الْيَمِينِ إذَا رَجَعُوا وَهَذَا بِخِلَافِ النَّذْرِ بِالْمَعْصِيَةِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ النَّذْرُ مُوجِبًا كَالْيَمِينِ لِأَنَّ النَّذْرَ إيجَابٌ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ وَلَمْ يَشْرَعْ اللَّهُ تَعَالَى الْمَعَاصِيَ فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا وَلَا بِمَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ لِعَيْنِهَا حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ بِالنَّذْرِ إلَّا مَا لَهُ نَظِيرٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَأَمَّا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ لَيْسَ لِعَيْنِهَا بَلْ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا وَهُوَ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ يَمِينُهُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَكَأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْعُرْفُ وَلَكِنَّ هَذَا عُرْفٌ عَمَلِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا بِخِلَافِ الْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً لَا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى الْإِنْسَانِ لِلْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ فَإِنَّ اللَّفْظَ عُرْفًا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْكُرَاعَ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى الْإِنْسَانِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْحَيَوَانِ وَالْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُرْكَبُ عَادَةً لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي الْكَبِدِ وَالْكَرِشِ هَذَا فِي عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لَحْمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِشَحْمِ الظَّهْرِ فِي شَحْمًا) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَحْمِ الظَّهْرِ وَشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا أَوْ لَا يَشْتَرِيهِ أَوْ لَا يَبِيعُهُ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِشَحْمِ الْبَطْنِ خَاصَّةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَحْنَثُ بِشَحْمِ الظَّهْرِ أَيْضًا لِأَنَّ شَحْمَ الظَّهْرِ شَحْمٌ حَقِيقَةً وَفِيهِ خَاصِّيَّةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُذَابُ كَشَحْمِ الْبَطْنِ وَيَصْلُحُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ الشَّحْمُ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَهُ وَيَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الشَّحْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: 146] فَاسْتَثْنَاهُ مِنْ الشُّحُومِ وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَصَارَتْ الشُّحُومُ أَرْبَعَةً شَحْمُ الْبَطْنِ وَشَحْمُ الظَّهْرِ وَشَحْمٌ مُخْتَلِطٌ بِالْعَظْمِ وَشَحْمٌ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْعَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ بِشَحْمِ الْبَطْنِ وَالثَّلَاثَةُ عَلَى الْخِلَافِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ بِشِرَائِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَشْتَرِي شَحْمًا فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتِمُّ بِالْحَالِفِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلشَّحْمِ إذَا اشْتَرَاهُ مِمَّنْ يُسَمَّى بَائِعُهُ شَحَّامًا وَأَمَّا الْأَكْلُ فَفِعْلٌ يَتِمُّ بِالْآكِلِ وَحْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي طَعَامًا فَاشْتَرَى لَحْمًا لَا يَحْنَثُ وَفِي الْأَكْلِ يَحْنَثُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللُّحُومِ لَا الشُّحُومِ فِي اتِّخَاذِ الْقَلَايَا وَالْبَاجَاتِ وَلَهُ قُوَّةُ اللَّحْمِ وَلَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ اسْمَ الشَّحْمِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَحْمًا لَمَا حَنِثَ فَكَيْفَ يَكُونُ شَحْمًا مَعَ كَوْنِهِ لَحْمًا وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ مُنْقَطِعٌ بِدَلِيلِ اسْتِثْنَاءِ الْحَوَايَا فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ مَا حَمَلَتْهُ الْحَوَايَا مِنْ الشَّحْمِ قُلْنَا ذَا إضْمَارٌ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ وَلَكِنَّهُ يَثْبُتُ إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَهُنَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ وَهُوَ الْمُخُّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ شَحْمٌ وَلَئِنْ سُمِّيَ شَحْمًا لَا يَلْزَمُنَا لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ هَذَا إذَا حَلَفَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَأَمَّا اسْمُ بيه بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَقَعُ عَلَى شَحْمِ الظَّهْرِ بِحَالٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَلْيَةٍ فِي لَحْمًا أَوْ شَحْمًا) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ أَلْيَةٍ أَوْ شِرَائِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا أَوْ شَحْمًا لِأَنَّهَا نَوْعٌ ثَالِثٌ حَتَّى لَا يُسْتَعْمَلَ اسْتِعْمَالَ اللُّحُومِ وَلَا الشُّحُومِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا اللَّفْظُ مَعْنًى ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ مُسْلِمًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّ أَكْلَهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ هَذَا عُرْفٌ عَمَلِيٌّ) وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ كُلٌّ عَادَةً اهـ (قَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّفْظَ عُرْفًا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْكُرَاعَ) أَيْ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي الْكَبِدِ وَالْكَرِشِ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْكَبِدِ وَالْكَرِشِ لِأَنَّهُمَا لَا يُعَدَّانِ مِنْ اللَّحْمِ وَلَا يُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ وَيَحْنَثُ بِأَكْلِ الرُّءُوسِ لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً يُقَالُ رَأْسٌ كَثِيرُ اللَّحْمِ وَرَأْسٌ قَلِيلُ اللَّحْمِ اهـ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ شَاةٍ فَأَكَلَ لَحْمَ الْعَنْزِ قَالُوا وَإِنْ كَانَ مِصْرِيًّا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ قَرَوِيًّا يَحْنَثُ لِأَنَّ أَهْلَ الْقُرَى لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الشَّاةِ وَالْعَنْزِ مِنْهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا يَحْنَثُ) قُلْت وَكَذَا فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلَوْ أَكَلَ الرَّأْسَ وَالْأَكَارِعَ يَحْنَثُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ إلَّا إذَا نَوَاهُ فِي اللَّحْمِ بِخِلَافِ شَحْمِ الظَّهْرِ حَنِثَ بِهِ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّهُ تَابِعُ اللَّحْمِ فِي الْوُجُودِ وَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ لَحْمٌ سَمِينٌ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِشَحْمٍ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بِشِرَاءِ كِبَاسَةٍ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ إلَخْ) قَالَ الْمَاوَرْدِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا شَحْمُ الْجَنْبِ الثَّانِي شَحْمُ الْجَنْبِ وَالْأَلْيَةِ لِأَنَّهُ عَلَى الْعُصْعُصِ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَسْتَعْمِلَ اللُّحُومَ وَلَا الشُّحُومَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي حَلِفِهِ عَلَى اللَّحْمِ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَلَا فِي يَمِينِ الشَّحْمِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الشَّحْمِ فِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ جَمِيعُ اسْتِعْمَالَاتِهِ. اهـ.

وَلَا عُرْفًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالْخُبْزِ فِي هَذَا الْبُرِّ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُرِّ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ لَا يَحْنَثُ وَكَذَا إذَا أَكَلَ مِنْ سَوِيقِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ مِنْهُ وَلَا يَحْنَثُ بِالسَّوِيقِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ بِهِمَا وَإِنْ قَضَمَهُ حَنِثَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُعِينِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُنَكَّرًا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ كَجَوَابِهِمَا وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى فَهُوَ كَمَا نَوَى بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ أَوْ مُحْتَمَلَهُ وَهُوَ الْمَجَازُ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ أَكْلَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْبُرِّ أَكْلٌ لَهُ عَادَةً يُقَالُ أَهْلُ مِصْرَ يَأْكُلُونَ الْبُرَّ يُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَجَازِ أَفْرَادٌ كَثِيرَةٌ وَمِنْ جُمْلَةِ أَفْرَادِهِ مَحَلُّ الْحَقِيقَةِ فَتَدْخُلُ الْحَقِيقَةُ فِي الْمَجَازِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَإِنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الْمَسْكَنِ وَحَقِيقَتُهُ لِلْمِلْكِ فَيَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ مَا يَسْكُنُهُ كَيْفَمَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَأْجَرًا أَوْ عَارِيَّةً أَوْ مِلْكًا لِعُمُومِ الْمَجَازِ إجْمَاعًا فَكَذَا هَذَا وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي السَّوِيقِ لِأَنَّهُ أَكَلَ الْمُتَّخَذَ مِنْهُ وَحَلِفُهُ وَاقِعٌ عَلَيْهِ وَأَبُو يُوسُفَ خَالَفَ أَصْلَهُ لِأَنَّ حَلِفَهُ يَقَعُ عَلَى الْمُتَّخَذِ مِنْهُ عُرْفًا وَلَا عُرْفَ فِي السَّوِيقِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ لَهُ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ قَضْمًا وَمَطْبُوخَةً وَكُشْكًا وَهَرِيسَةً وَمَقْلِيَّةً وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ فَالْحَقِيقَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ أَوْلَى عِنْدَهُ مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ فَأَكَلَ مِنْ فَرْخِهَا وَعِنْدَهُمَا الْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ أَوْلَى وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ فِي التَّكَلُّمِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْعَتَاقِ وَلَوْ زَرَعَ الْحِنْطَةَ فَأَكَلَ مَا خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي هَذَا الدَّقِيقِ حَنِثَ بِخَبْزِهِ لَا بِسَفِّهِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الدَّقِيقَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ خُبْزِهِ وَلَا يَحْنَثُ بِسَفِّهِ لِأَنَّ عَيْنَ الدَّقِيقِ لَا تُؤْكَلُ فَانْصَرَفَ الْيَمِينُ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَلَا يَحْنَثُ بِالسَّفِّ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا كَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَنَى بِهَا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ أَكَلَ خَشَبَ النَّخْلَةِ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْصَرَفَ إلَى الْمَجَازِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ بَعْدَهُ الْحَقِيقَةَ إلَّا بِطَرِيقِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَلَمْ يُوجَدْ وَقِيلَ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ أَكَلَ الدَّقِيقَ حَقِيقَةً وَالْعُرْفُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَقِيقَةُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَإِنْ عَنَى أَكْلَ الدَّقِيقِ بِعَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْخُبْزِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخُبْزُ مَا اعْتَادَهُ بَلَدُهُ) أَيْ الَّذِي اعْتَادَ أَهْلُ بَلَدِ الْحَالِفِ أَكْلَهُ حَتَّى لَوْ حَلَفَ فِي الْقَاهِرَةِ أَنْ لَا يَأْكُلَ الْخُبْزَ يَنْصَرِفُ إلَى خُبْزِ الْبُرِّ وَبِطَبْرِسْتَانَ يَنْصَرِفُ إلَى خُبْزِ الرُّزِّ وَفِي زُبَيْدٍ يَنْصَرِفُ إلَى خُبْزِ الذُّرَةِ وَالدَّخَنِ وَلَوْ أَكَلَ الْحَالِفُ خِلَافَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْخُبْزِ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا إذَا أَكَلَ خُبْزَ الْقَطَائِفِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا مُطْلَقًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ فَجَفَّفَهُ ثُمَّ دَقَّهُ فَشَرِبَهُ بِالْمَاءِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا شُرْبٌ وَلَيْسَ بِأَكْلٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ أَكَلْت هَذَا الْخُبْزَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَبَتْ حِيلَةً حَتَّى تَأْكُلَ وَلَا تَطْلُقُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ تَدُقَّ ذَلِكَ الْخُبْزَ وَتُلْقِيهِ فِي عَصِيدَةٍ وَيُطْبَخُ حَتَّى يَصِيرَ الْخُبْزُ هَالِكًا فَتَأْكُلُ الْعَصِيدَةَ وَلَا تَحْنَثُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشِّوَاءُ وَالطَّبِيخُ عَلَى اللَّحْمِ) أَيْ وَمُطْلَقُ اسْمِ الشِّوَاءِ يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ لِأَنَّ الشِّوَاءَ يُرَادُ بِهِ اللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دُونَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ الْمَشْوِيَّيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشِّوَاءَ اسْمٌ لِمَنْ يَبِيعُ اللَّحْمَ الْمَشْوِيَّ دُونَ غَيْرِهِ فَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كُلَّ مَا يُشْوَى مِنْ بِيضٍ وَغَيْرِهِ فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَا الطَّبِيخُ يَقَعُ عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ عُرْفًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ بِكُلِّ مَا يُطْبَخُ لِكَوْنِهِ طَبِيخًا حَقِيقَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّبِيخَ اسْمٌ لِلْمَطْبُوخِ مِنْ اللَّحْمِ عُرْفًا وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْأَيْمَانِ وَمُتَّخِذُهُ يُسَمَّى طَبَّاخًا وَلَا يُسَمَّى مَنْ يَطْبُخُ الْأَدْوِيَةَ طَبَّاخًا وَكُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْأَدْوِيَةَ الْمَطْبُوخَةَ فَتَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ فَحَلَمْنَاهُ عَلَى خَاصٍّ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِالْخُبْزِ فِي هَذَا الْبِرِّ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ إنْ نَوَى لَا يَأْكُلُهَا حَبًّا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ وَإِنْ نَوَى أَكْلَ الْخُبْزِ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى الْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَإِنْ أَكَلَهَا قَضْمًا حَنِثَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا لَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ لَا يَحْنَثُ) أَيْ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْضِمَهَا غَيْرَ نِيئَةٍ وَلَوْ قَضَمَهَا نِيئَةً لَمْ يَحْنَثْ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ مِنْهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْحَبَّ بِعَيْنِهِ فَإِذَا نَوَاهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا وَعَلَيْهِ نَصَّ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَلَا يُرَادُ الْمَجَازُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكِشْكًا) وِزَانُ فَلْسٍ مَا يُعْمَلُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَرُبَّمَا عُمِلَ مِنْ الشَّعِيرِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ فَأَكَلَ مِنْ فَرْخِهَا) لَا يَحْنَثُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى عَيْنِهَا إذَا كَانَ مَأْكُولًا. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَا يَحْنَثُ بِالسَّفِّ) هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ كَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَنَى بِهَا لَمْ يَحْنَثْ) لِانْصِرَافِ يَمِينِهِ إلَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْيَمِينُ الْوَطْءَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمُطْلَقُ اسْمِ الشِّوَاءِ يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ) أَيْ لِأَنَّ الشِّوَاءَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُنْضَجُ فِي النَّارِ بِلَا مَاءٍ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّ فِي الْعُرْفِ لَمَّا أُرِيدَ بِهِ اللَّحْمُ وَقَعَتْ يَمِينُهُ عَلَيْهِ خَاصَّةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كُلَّ مَا يُشْوَى مِنْ بَيْضٍ وَغَيْرِهِ) أَيْ كَالْفُولِ الْأَخْضَرِ الَّذِي يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا شَوِيَّ الْعَرَبِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّبِيخَ اسْمٌ لِلْمَطْبُوخِ مِنْ اللَّحْمِ عُرْفًا) أَيْ وَلَا يُقَالُ لِمَنْ أَكَلَ الْبَاقِلَاءَ الْمَطْبُوخَ أَكَلَ الطَّبِيخَ وَإِنْ كَانَ طَبِيخًا فِي الْحَقِيقَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى خَاصٍّ) أَيْ عَلَى

مُتَعَارَفٌ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا أَكَلَ الْمَطْبُوخَ بِالْمَاءِ وَأَمَّا الْقَلِيَّةُ الْيَابِسَةُ فَلَا تُسَمَّى طَبِيخًا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا وَإِنْ أَكَلَ الْخُبْزَ بِالْمَرَقَةِ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا وَفِيهَا أَجْزَاءُ اللَّحْمِ أَيْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرَّأْسُ مَا يُبَاعُ فِي مِصْرِهِ) أَيْ اسْمُ الرَّأْسِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يُبَاعُ فِي بَلَدِهِ مِنْ الرُّءُوسِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا فَيَمِينُهُ عَلَى رُءُوسٍ تُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ وَتُبَاعُ فِي مِصْرِهِ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ رَأْسَ كُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّ رَأْسَ الْجَرَادِ وَالْعُصْفُورِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ وَهُوَ رَأْسٌ حَقِيقَةً فَإِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَقِيقَةَ وَجَبَ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا يَقُولُ يَدْخُلُ فِيهِ رَأْسُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَحْنَثُ فِي رَأْسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ خَاصَّةً وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي رَأْسِ الْغَنَمِ خَاصَّةً وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَتَبَدُّلِ عَادَةٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ إذْ مَسَائِلُ الْأَيْمَانِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَتَدُورُ مَعَهُ فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ حَنَّثْتُمُوهُ بِلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ وَهُوَ لَمْ يَجْرِ فِيهِ تَبَايُعٌ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا عُرْفٌ بَيْنَ النَّاسِ قُلْنَا الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَتَى عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ مُضَافٍ إلَى شَيْءٍ إنْ أَمْكَنَ بِحَقِيقَتِهِ يَعْمَلُ بِحَقِيقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَارَفًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِالْمُتَعَارَفِ وَبَيَانُهُ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ أَوْ الْكَعْبَةَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الدُّخُولُ فِي بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ وَبِمِثْلِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَعَارَفُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ فِي حَقِّ الْهَدْمِ بِخِلَافِ الدُّخُولِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ فِيهِ إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى أَكْلِ الرَّأْسِ فَالْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ فِيهِ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّ الرَّأْسَ اسْمٌ لِلْعَظْمِ وَاللَّحْمِ وَأَكْلُ الْكُلِّ مُمْتَنِعٌ وَلَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى اللَّحْمِ فَالْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ مُمْكِنٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ يُؤْكَلُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَيَنْعَقِدُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُكُوبُ جَمِيعِ الدَّوَابِّ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَسْتَقِيمُ فِي الْأَكْلِ وَلَا يَسْتَقِيمُ فِي الشِّرَاءِ فَإِنَّ شِرَاءَ الرَّأْسِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُمْكِنٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ فَإِنَّ مِنْ الرُّءُوسِ مَا لَا يُمْكِنُ شِرَاؤُهَا كَرُءُوسِ النَّمْلِ وَنَحْوِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفَاكِهَةُ التُّفَّاحُ وَالْبِطِّيخُ وَالْمِشْمِشُ لَا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ) حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً يَحْنَثُ بِأَكْلِ التُّفَّاحِ وَالْبِطِّيخِ وَالْمِشْمِشِ وَلَا يَحْنَثُ بِالْعِنَبِ وَالرُّمَّانِ إلَخْ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخَصَّ الْخُصُوصِ وَهُوَ اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِالْمَرَقِ وَهُوَ مُتَعَارَفُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ مِنْ الْبَاذِنْجَانِ فَمَا طُبِخَ فَيَحْنَثُ بِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْأُرْزِ الْمَطْبُوخِ بِلَا لَحْمٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ يَحْنَثُ بِالْأُرْزِ إذَا طُبِخَ بِوَدَكٍ فَإِنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا بِخِلَافِ مَا لَوْ طُبِخَ بِزَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ الطَّبِيخُ يَقَعُ عَلَى الشَّحْمِ أَيْضًا وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّحْمَ بِالْمَاءِ طَبِيخٌ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الطَّبِيخَ فَهُوَ عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي بِالْمَاءِ حَتَّى إنَّ مَا يُتَّخَذُ مِنْ اللَّحْمِ قَلِيَّةً لَا يُسَمَّى طَبِيخًا فَلَا يَحْنَثُ بِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَكَلَ الْخُبْزَ بِالْمَرَقَةِ يَحْنَثُ) أَيْ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ يُقَالُ أَكَلَ الطَّبِيخَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ اللَّحْمَ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِيهَا أَجْزَاءُ اللَّحْمِ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ الْمَرَقَ الَّذِي طُبِخَ فِيهِ اللَّحْمُ حَنِثَ وَقَدَّمْنَا مِنْ الْمَنْقُولِ خِلَافَهُ وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ ثَانِيًا مِنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا يَعْنِي فِي الْعُرْفِ بِخِلَافِ مَرَقِ اللَّحْمِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا فِي الْعُرْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ) قَالَ الْكَمَالُ فَكَانَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِهِ فِيهَا ثُمَّ صَارَ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَرَجَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ انْعِقَادِهِ فِي حَقِّ رُءُوسِ الْإِبِلِ وَفِي زَمَانِهِمَا فِي الْغَنَمِ خَاصَّةً فَوَجَبَ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ مِصْرٍ وَقَعَ فِيهِ الْحَلِفُ كَمَا هُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ اهـ (قَوْلُهُ إنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ إلَخْ) نَظَرَ فِيهِ الْكَمَالُ وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهُ أَوَّلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ اهـ (قَوْلُهُ فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ يَحْنَثُ) فِي الْحِنْثِ بِهَدْمِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ نَظَرٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إنَّهُ سَهْوٌ وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ أَوَّلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَنَقَلْت مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ فِيهِ فَإِنَّهُ مُفِيدٌ اهـ (قَوْلُهُ وَأَكْلُ الْكُلِّ مُمْتَنِعٌ) أَيْ فَصِيرَ إلَى الْمُتَعَارَفِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ إلَخْ) يَعْنِي اللَّحْمَ يُمْكِنُ فِيهِ أَكْلُ كُلِّ مَا يُسَمَّى لَحْمًا فَانْعَقَدَ بِاعْتِبَارِهِ بِخِلَافِ الرُّءُوسِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ اللَّحْمَ يُؤْكَلُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ) أَيْ فَلِذَا حَنِثَ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ الْجَوَابُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً) أَيْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا رَكِبَ كَافِرًا وَهُوَ دَابَّةٌ حَقِيقَةً فَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَجْرِ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ إمْكَانَ الْعَمَلِ بِحَقِيقَةِ عُمُومِهِ مُنْتَفٍ إذْ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلُ وَمَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهَا وَلَا يُمْكِنُ رُكُوبُهُ فَصِيرَ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَهَذَا يَهْدِمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْعُرْفِ الَّذِي بِهِ التَّخَاطُبُ فَوَجَبَ عِنْدَ عَدَمِ نِيَّتِهِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا عَلَيْهِ الْعُرْفُ وَتَقَدَّمَ تَصْحِيحُ الْعَتَّابِيِّ وَغَيْرِهِ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ عَدَمُ الْحِنْثِ وَلَيْسَ إلَّا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ مَنْظُورًا إلَيْهِ لَمَا تَجَاسَرَ أَحَدٌ عَلَى خِلَافِهِ فِي الْفُرُوعِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَرُءُوسِ النَّمْلِ وَنَحْوِهَا) أَيْ كَرُءُوسِ الْآدَمِيِّ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبِطِّيخُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْبِطِّيخُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فَاكِهَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَفِي لُغَةٍ لِأَهْلِ الْحِجَازِ جَعْلُ الطَّاءِ مَكَانَ الْبَاءِ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي بَابِ مَا هُوَ مَكْسُورُ الْأَوَّلِ وَتَقُولُ هُوَ الْبِطِّيخُ وَالطِّبِّيخُ وَالْعَامَّةُ تَفْتَحُ الْأَوَّلَ وَهُوَ غَلَطٌ لِفَقْدِ فَعِّيلٍ بِالْفَتْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقِثَّاءُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْقِثَّاءُ فُعَالٌ وَهَمْزَتُهُ أَصْلٌ وَكَسْرُ الْقَافِ أَكْثَرُ مِنْ ضَمِّهَا وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِمَا يَقُولُ لَهُ النَّاسُ الْخِيَارُ وَالْعَجُّورُ وَالْفَقُّوصُ الْوَاحِدَةُ قِثَّاءٌ وَأَرْضٌ تَغَدَّ وِزَانُ مَسْبَعَةٍ ذَاتُ قِثَّاءٍ وَبَعْضُ النَّاسِ يُطْلِقُونَ الْقِثَّاءَ عَلَى نَوْعٍ يُشْبِهُ الْخِيَارَ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ حَنِثَ بِالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ اهـ

اسْمٌ لِمَا يُتَفَكَّهُ بِهِ بَعْدَ الطَّعَامِ وَقَبْلَهُ أَيْ يُتَنَعَّمُ بِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ فِي التُّفَّاحِ وَالْبِطِّيخِ وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالتِّينِ وَالْإِجَّاصِ وَنَحْوِهَا فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا وَغَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْبُقُولِ بَيْعًا فَإِنَّهُمَا يُبَاعَانِ مَعَهَا وَأَكَلَا لِأَنَّهُمَا يُوضَعَانِ عَلَى الْمَوَائِدِ مَعَ الْبُقُولِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِمَا وَأَمَّا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا هِيَ فَاكِهَةٌ حَتَّى يَحْنَثَ بِأَكْلِهَا فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَإِنَّ مَعْنَى التَّفَكُّهِ فِيهَا مَوْجُودٌ فَإِنَّهَا أَعَزُّ الْفَوَاكِهِ وَأَكْمَلُهَا وَلِهَذَا أُفْرِدَتْ بِالذِّكْرِ بَعْدَ دُخُولِهَا فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ فِي الْقُرْآنِ كَمَا أُفْرِدَ جَبْرَائِيلُ وَمِيكَائِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - بِالذِّكْرِ بَعْدَ دُخُولِهِمَا فِي لَفْظِ الْمَلَائِكَةِ وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ فَيَكُونُ التَّنَعُّمُ بِهَا فَوْقَ التَّنَعُّمِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْفَوَاكِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْفَاكِهَةَ مِنْ التَّفَكُّهِ وَهُوَ التَّنَعُّمُ بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَقَاءُ زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ وَذَلِكَ بِمَا لَا يَصْلُحُ غِذَاءً وَلَا دَوَاءً أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ النَّارُ فَاكِهَةُ الشِّتَاءِ وَالْمِزَاحُ فَاكِهَةٌ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَصْلُحُ لَهُمَا لِأَنَّ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ يُؤْكَلَانِ غِذَاءً وَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْبَقَاءُ وَبَعْضُ النَّاسِ يَكْتَفُونَ بِهَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَالرُّمَّانُ يُؤْكَلُ لِلتَّدَاوِي فَيَتَحَقَّقُ الْقُصُورُ فِي مَعْنَى التَّفَكُّهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا اسْمُ الْفَاكِهَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّ يَابِسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَتْ مِنْ الْفَوَاكِهِ فَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ مِنْ الْأَقْوَاتِ وَحَبُّ الرُّمَّانِ مِنْ التَّوَابِلِ وَالْفَوَاكِهُ لَا يُخْتَلَفُ بَيْنَ رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا فِي أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْغَدَاءِ وَمَا بَيَّنَّاهُ شَاهِدٌ لَهُ لَا لَهُمَا وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا} [عبس: 27] {وَعِنَبًا وَقَضْبًا} [عبس: 28] {وَزَيْتُونًا وَنَخْلا} [عبس: 29] {وَحَدَائِقَ غُلْبًا} [عبس: 30] {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31] لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ إذْ الشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَأَفْتَى كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى فَعَلَى مَا نَوَى بِالْإِجْمَاعِ وَجُعِلَ الْبِطِّيخُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ الْيَابِسُ مِنْ أَثْمَارِ الشَّجَرِ فَاكِهَةٌ إلَّا الْبِطِّيخَ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَادُ يَابِسُهُ فَاكِهَةً فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْبِطِّيخَ لَيْسَ مِنْ الْفَاكِهَةِ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ يَابِسُهُ فَاكِهَةً فَرَطْبُهُ لَا يَكُونُ فَاكِهَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِدَامُ مَا يُصْطَبَغُ بِهِ كَالْخَلِّ وَالْمِلْحِ وَالزَّيْتِ لَا اللَّحْمِ وَالْبِيضِ وَالْجُبْنِ) أَيْ الْإِدَامُ شَيْءٌ يَخْتَلِطُ بِهِ الْخُبْزُ وَهُوَ مِنْ الصِّبْغِ وَذَلِكَ بِالْمَائِعِ دُونَ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَتَأَدَّمُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمَائِعِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا إدَامٌ كَاللَّحْمِ وَالْجُبْنِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ أَيْ يَتَنَعَّمُ بِهِ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ الْغِذَاءِ الْأَصْلِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى) أَيْ مَعْنَى التَّفَكُّهِ بِأَنْ يُؤْكَلَ زِيَادَةً عَلَى الْغِذَاءِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْإِجَّاصِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْإِجَّاصُ مُشَدَّدٌ مَعْرُوفٌ الْوَاحِدَةُ إجَّاصَةٌ وَهُوَ مُعَرَّبٌ لِأَنَّ الْجِيمَ وَالصَّادَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلِمَةٍ عَرَبِيَّةٍ اهـ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا أَفْرَدْت بِالذِّكْرِ بَعْدَ دُخُولِهَا فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ) فَإِنْ قِيلَ أَيْنَ جَاءَ الْعُمُومُ وَفَاكِهَةٌ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي مَقَامِ الِامْتِنَانِ تَعُمّ وَالْمَقَامُ مَقَامُ الِامْتِنَانِ اهـ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَأَكَلَ تِينًا أَوْ مِشْمِشًا أَوْ خَوْخًا أَوْ سَفَرْجَلًا أَوْ إجَّاصًا أَوْ كُمِّثْرَى أَوْ تُفَّاحًا أَوْ جَوْزًا أَوْ لَوْزًا أَوْ فُسْتُقًا أَوْ عُنَّابًا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا وَلَوْ أَكَلَ خِيَارًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ جَزَرًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا مِنْ الْبُقُولِ وَلِهَذَا يُؤْدَمُ مَعَهَا اهـ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْفَاكِهَةَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ هِيَ مَا يُتَغَذَّى بِهَا مُنْفَرِدَةً حَتَّى يُسْتَغْنَى بِهَا فِي الْجُمْلَةِ فِي قِيَامِ الْبَدَنِ وَمَقْرُونَةً مَعَ الْخُبْزِ وَيُتَدَاوَى بِبَعْضِهَا كَالرُّمَّانِ فِي بَعْضِ عَوَارِضِ الْبَدَنِ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا يُتَفَكَّهُ بِهَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ أَصَالَةً لِحَاجَةِ الْبَقَاءِ قَصُرَ مَعْنَى التَّفَكُّهِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَحَدِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ فَيَحْنَثُ بِالثَّلَاثَةِ اتِّفَاقًا وَلِهَذَا كَانَ الْيَابِسُ مِنْهَا مِنْ التَّوَابِلِ كَحَبِّ الرُّمَّانِ وَمِنْ الْأَقْوَاتِ وَهُوَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْمَشَايِخُ قَالُوا هَذَا اخْتِلَافُ زَمَانٍ فَفِي زَمَانِهِ لَمْ يَعُدُّوهَا مِنْ الْفَوَاكِهِ فَأَفْتَى عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ وَفِي زَمَانِهِمَا عَدَّتْ مِنْهَا فَأَفْتَيَا بِهِ فَإِنْ قِيلَ الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُورُ لِأَبِي حَنِيفَةَ يُخَالِفُ هَذَا الْجَمْعَ فَإِنَّ مَبْنَى هَذَا عَلَى الْعُرْفِ وَالِاسْتِدْلَالُ الْمَذْكُورُ صَرِيحٌ فِي أَنْ مَبْنَاهُ اللُّغَةُ حَيْثُ قَالَ الْفَاكِهَةُ مَا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ لُغَةٌ وَالتَّفَكُّهُ مَا يُتَنَعَّمُ بِهِ زِيَادَةً عَلَى الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ أَصَالَةً وَهَذَا مَعْنَى اللُّغَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْعِنَبِ وَأَخَوَيْهِ لَيْسَ كَذَلِكَ دَائِمًا فَقَصْرُ إلَخْ أَمْكَنَ الْحَوَابُّ بِجَوَازِ كَوْنِ الْعُرْفِ وَافَقَ اللُّغَةَ فِي زَمَنِهِ ثُمَّ تُغَدِّ فِي زَمَنِهِمَا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّ الرَّجُلَ مِنْ خُرَاسَانَ لَوْ حَلَفَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْعُرْفِ فَكُلُّ مَا يُؤْكَلُ عَلَى سَبِيلِ التَّفَكُّهِ وَيُعَدُّ فَاكِهَةً فِي الْعُرْفِ يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ وَمَا لَا فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَعْضُ النَّاسِ يَكْتَفُونَ بِهَا) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَكْتَفُونَ بِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَحَبُّ الرُّمَّانِ مِنْ التَّوَابِلِ) أَيْ حَوَائِجِ الطَّبِيخِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْإِدَامُ مَا يُصْطَبَغُ بِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا لَمْ يَصْبُغُ الْخُبْزَ مِمَّا لَهُ جُرْمٌ كَجُرْمِ الْخُبْزِ وَهُوَ بِحَيْثُ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ لَيْسَ بِإِدَامٍ كَاللَّحْمِ وَالْبَيْضِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمِلْحُ) أَيْ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الذَّوْبِ فِي الْفَمِ وَيَحْصُلُ بِهِ صَبْغُ الْخُبْزِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُصْبَغُ بِهِ كَالْخَلِّ وَمَا ذَكَرْنَا إدَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا كَالْبِطِّيخِ وَالْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَأَمْثَالِهَا لَيْسَ إدَامًا بِالْإِجْمَاعِ أَيْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْبِطِّيخِ وَالْعِنَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِمَا قِيلَ إنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ وَمِمَّنْ صَحَّحَ الِاتِّفَاقَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ التَّمْرُ وَالْجَوْزُ لَيْسَ بِإِدَامٍ وَكَذَا الْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ وَالنَّفَلُ وَكَذَا سَائِرُ الْفَوَاكِهِ وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ يُؤْكَلَانِ تَبَعًا لِلْخُبْزِ يَكُونَانِ إدَامًا أَمَّا الْبُقُولُ فَلَيْسَتْ بِإِدَامٍ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ آكِلَهَا لَا يُسَمَّى مُؤْتَدِمًا

لِأَنَّ الْإِدَامَ مِنْ الْمُؤَدَامَةِ وَهُوَ الْمُوَافَقَةُ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ حِينَ خَطَبَ امْرَأَةً لَوْ نَظَرْت إلَيْهَا لَكَانَ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» أَيْ يُوَافَقُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا مُوَافِقٌ لَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَيِّدُ إدَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اللَّحْمُ» وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ مَا يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ وَحَقِيقَةُ التَّبَعِيَّةِ بِالِاخْتِلَاطِ وَعَدَمُ الْأَكْلِ وَحْدَهُ فَكَذَا كَمَالُ الْمُوَافَقَةِ تَكُونُ بِالِامْتِزَاجِ وَالْمَرَقُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ بَلْ يُشْرَبُ وَالْمِلْحُ لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ عَادَةً وَلِأَنَّهُ يَذُوبُ فِي الْفَمِ فَيَحْصُلُ الِاخْتِلَاطُ فَيَكُونُ تَبَعًا بِخِلَافِ اللَّحْمِ وَأُخْتَيْهِ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ وَحْدَهَا فَلَمْ تَكُنْ إدَامًا وَلَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ فِيمَا رُوِيَ لِأَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ وَكَلَامُنَا فِي الدُّنْيَا وَهِيَ خِلَافُهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إدَامًا فِيهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ سَيِّدَ الْإِدَامِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْإِدَامِ كَمَا يُقَالُ الْخَلِيفَةُ سَيِّدُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مِنْ الْعَجَمِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى فَعَلَى مَا نَوَى إجْمَاعًا وَهَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى عَكْسِ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إلَّا رَغِيفًا فَأَكَلَ مَعَهُ الْبِيضَ وَنَحْوَهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ هُوَ يَقُولُ أَنَّهُ قَدْ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ مَقْصُودًا فَلَا يَصِيرُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكَلَهُ مَعَ الْمَائِعَاتِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعَدُّ زِيَادَةً عَلَيْهِ وَهُمَا يَقُولَانِ هُوَ إدَامٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْكَلُ تَبَعًا فَلَا يَحْنَثُ فِيهِمَا بِالشَّكِّ وَالْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ هُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِدَامٍ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُمَا يُؤْكَلَانِ وَحْدَهُمَا غَالِبًا وَلِأَنَّ آكِلَهُمَا لَا يُسَمَّى مُؤْتَدِمًا عَادَةً وَالْبَقْلُ لَيْسَ بِإِدَامٍ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْغَدَاءُ الْأَكْلُ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ) وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِطَعَامٍ يُؤْكَلُ فِي هَذَا الْوَقْتِ حَنِثَ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى الْأَكْلِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَهُوَ التَّغَدِّي تَوَسُّعًا فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ فِي هَذَا الْوَقْتِ حَنِثَ فَإِنْ أَكَلَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الطَّعَامَ الْمَأْكُولَ فِيهِ يُسَمَّى غَدَاءً فَيَتَنَاوَلُ الْأَكْلَ الْوَاقِعَ فِيهِ فَيَحْنَثُ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَأْكُلُهُ بَعْدَهُ فَلَا يَحْنَثُ وَمِقْدَارُ مَا يَحْنَثُ بِهِ مِنْ الْأَكْلِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ لِأَنَّ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ لَا يُسَمَّى غَدَاءً عَادَةً وَجِنْسُ الْمَأْكُولِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يَأْكُلُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ عَادَةً حَتَّى لَوْ شَرِبَ اللَّبَنَ وَشَبِعَ لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ حَضَرِيًّا وَإِنْ كَانَ بَدْوِيًّا يَحْنَثُ وَمِثْلُهُ لَوْ أَكَلَ تَمْرًا وَأَرُزًّا حَتَّى شَبِعَ لَمْ يَحْنَثْ وَالتَّصَبُّحُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى لِأَنَّهُ مِنْ الصَّبَاحِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَذَا الْوَقْتِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَشَاءُ مِنْهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَالسَّحُورُ مِنْهُ إلَى الْفَجْرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا مَا قَدْ يُقَالُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَكْلِ تُغَدَّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْبَصَلُ وَسَائِرُ الثِّمَارِ إدَامٌ وَفِي التَّمْرِ عِنْدَهُ وَجْهَانِ فِي وَجْهٍ إدَامٌ لِمَا رَوَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَضَعَ تَمْرَةً عَلَى كِسْرَةٍ وَقَالَ هَذِهِ إدَامٌ» هَذِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي آخَرَ لَيْسَ إدَامًا وَأَنَّهُ فَاكِهَةٌ كَالزَّبِيبِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْجُبْنِ وَالْبَيْضِ فَجَعَلَهَا مُحَمَّدٌ إدَامًا. اهـ. كَمَالٌ قَوْلُهُ فَجَعَلَهَا مُحَمَّدٌ إدَامًا أَيْ لِأَنَّهَا تُوكَلُ وَحْدَهَا غَالِبًا فَكَانَتْ تَبَعًا لِلْخُبْزِ وَمُوَافَقَةً لَهُ وَالْمُؤَادَمَةُ الْمُوَافَقَةُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُوَافَقَةُ) أَيْ وَاللَّحْمُ وَالْبَيْضُ وَالْجُبْنُ تُوَافِقُ الْخُبْزَ فَتَكُونُ إدَامًا وَلِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَالنَّاسُ يَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ اسْتِعْمَالَ الْإِدَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ مَا يُؤْكَلُ تَبِعَا فَمَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ وَلَوْ أَحْيَانًا لَيْسَ إدَامًا وَهَذَا لِأَنَّهُ مِنْ الْمُؤَدَامَةِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَصِيرَ مَعَ الْخُبْزِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ بِأَنْ يَقُومَ بِهِ قِيَامَ الصَّبْغِ بِالثَّوْبِ وَهُوَ أَنْ يَنْغَمِسَ فِيهِ جِسْمُهُ إذْ حَقِيقَةُ الْقِيَامِ غَيْرُ مُرَادَةٍ لِأَنَّ الْخَلَّ وَنَحْوَهُ لَيْسَ عَرَضًا يَقُومُ بِالْجَوْهَرِ وَالْأَجْرَامُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْبَيْضِ وَمَا مَعَهُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِإِدَامٍ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ فِي مُسَمَّى الْإِدَامِ مَا بِحَيْثُ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ مُوَافِقًا سَلَّمْنَاهُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ كَوْنُهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا تَبَعًا مَنَعْنَاهُ نَعَمْ مَا لَا يُؤْكَلُ إلَّا تَبَعًا أَكْمَلُ فِي مُسَمَّى الْإِدَامِ لَكِنَّ الْإِدَامَ لَا يَخُصُّ اسْمُهُ الْأَكْمَلَ مِنْهُ وَاسْتَدَلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا بِأَنَّهُ يُرْفَعُ إلَى الْفَمِ وَحْدَهُ بَعْدَ الْخُبْزِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ التَّبَعِيَّةُ بِخِلَافِ الْمُصْطَبِغِ بِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْفَاكِهَةُ لَيْسَتْ بِإِدَامٍ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمِقْدَارُ مَا يَحْنَثُ بِهِ مِنْ الْأَكْلِ) أَيْ غَدَاءً أَوْ عِشَاءً أَوْ سُحُورًا. اهـ. (قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ) أَيْ فَلَوْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ مَا لَمْ يَبْلُغْ نِصْفَ الشِّبَعِ لَا يَحْنَثُ بِحَلِفِهِ مَا تَغَدَّيْت وَلَا تَعَشَّيْت وَلَا تَسَحَّرْت. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَجِنْسُ الْمَأْكُولِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يَأْكُلُ أَهْلُ بَلَدِهِ عَادَةً) حَتَّى يُعْتَبَرَ الْأَرُزُّ غِذَاءً بِطَبَرِسْتَانَ وَاللَّبَنُ لِأَهْلِ الْبَوَادِي وَالتَّمْرُ بِبَغْدَادَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَهُوَ عَلَى الْمُدَرِ لِلْبَلَدِيِّ وَعَلَى بَيْتِ الشَّعْرِ لِلْبَدْوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَتَغَدَّى فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْغِذَاءِ الْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ كُوفِيًّا فَيَقَعُ عَلَى خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَلَا يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ وَالسَّوِيقِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ بَدْوِيًّا يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ وَالسَّوِيقِ وَإِنْ كَانَ حِجَازِيًّا يَقَعُ عَلَى السَّوِيقِ وَأَمَّا فِي بِلَادِنَا فَيَقَعُ عَلَى خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَوَقْتُ الْغَدَاءِ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْعَشَاءُ مِنْهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) أَيْ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ يُسَمَّى عِشَاءً بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَلِهَذَا سُمِّيَ الظُّهْرُ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ فِي الْحَدِيثِ إذْ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ» وَفُسِّرَتْ بِأَنَّهَا الظُّهْرُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ هَذَا وَتَفْسِيرُ التَّغَدِّي بِالْأَكْلِ مِنْ الْفَجْرِ إلَخْ مَذْكُورٌ فِي التَّجْرِيدِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَوَقْتُ التَّغَدِّي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ وَيُشْبِهُ كَوْنَهُ نَقْلًا عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَفِيهَا التَّسَحُّرُ بَعْدَ ذَهَابِ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَيُوَافِقُهُ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى السَّحَرِ قَالَ إذَا دَخَلَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرُ فَكَلَّمَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقْتُ الْغَدَاءِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ

أَيْ الْعَشَاءُ هُوَ الْأَكْلُ مِنْ الظُّهْرِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَالسُّحُورُ الْأَكْلُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنَّهَا اسْمٌ لِمَأْكُولٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَسُمِّيَ بِهَا الْفِعْلُ مَجَازًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَحْنَثُ بِالْفِعْلِ الْوَاقِعِ فِيهَا لَا غَيْرُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى السَّحَرِ أَنَّهُ قَالَ إذَا دَخَلَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ فَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ وَقْتَ السَّحَرِ مَا قَرُبَ مِنْ الْفَجْرِ فَانْتَهَتْ بِهِ يَمِينُهُ وَالْمَسَاءُ مَسَاءَانِ أَحَدُهُمَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَالْآخَرُ إذَا غَرَبَتْ فَإِذَا حَلَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَفْعَلُ كَذَا حَتَّى يُمْسِيَ فَهُوَ عَلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَسَاءِ الْأَوَّلِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ لَبِسْت أَوْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت وَنَوَى مُعَيَّنًا لَمْ يُصَدَّقْ أَصْلًا) أَيْ لَوْ حَلَفَ وَقَالَ إنْ أَكَلْت وَنَحْوَهُ فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى شَيْئًا مُعَيَّنًا بِأَنْ قَالَ نَوَيْت الْخُبْزَ أَوْ اللَّحْمَ أَوْ نَحْوَهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً لِأَنَّ النِّيَّةَ تَعْمَلُ فِي الْمَلْفُوظِ لِأَنَّهَا لِتَعْيِينِ الْمُحْتَمَلِ وَالطَّعَامُ وَنَحْوُهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ وَإِنَّمَا ثَبَتَ مُقْتَضًى وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ فَلَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَبِهِ أَخَذَ الْجَصَّاصُ وَنَحْنُ نَقُولُ نِيَّةُ غَيْرِ الْمَلْفُوظِ لَا تَصِحُّ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا إذَا قَالَ إنْ خَرَجْت أَوْ قَالَ إنْ سَاكَنْت فُلَانًا وَنَوَى الْخُرُوجَ إلَى سَفَرٍ أَوْ الْمُسَاكَنَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَى غَيْرِ السَّفَرِ أَوْ سَاكَنَهُ فِي دَارٍ لَا يَحْنَثُ مَعَ أَنَّ السَّفَرَ وَالسُّكْنَى غَيْرُ مَذْكُورَيْنِ فِي اللَّفْظِ قُلْنَا الْخُرُوجُ مُتَنَوِّعٌ إلَى مَدِيدٍ وَقَصِيرٍ وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ اسْمًا وَحُكْمًا وَالْفِعْلُ يَحْتَمِلُ التَّنْوِيعَ دُونَ التَّخْصِيصِ فَيَصِحُّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَنَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ رُوسِيَّةً صَحَّ وَيُصَدَّقُ وَلَوْ نَوَى امْرَأَةً بِعَيْنِهَا لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَنْوِيعٌ دُونَ الثَّانِي وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ ذِكْرٌ لِلْمَصْدَرِ لُغَةً لِأَنَّهُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ كَالْمَنْطُوقِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ نِيَّةِ الْمَكَانِ وَسَبَبُ الْخُرُوجِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ ثَبَتَ اقْتِضَاءً مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا مَنَعُوا صِحَّةَ النِّيَّةِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْنَا وَكَذَا الْمُسَاكَنَةُ عَامَّةٌ مُتَنَوِّعَةٌ فَإِنَّ أَعَمَّهَا أَنْ يَكُونَ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْمُطْلَقُ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَأَتَمُّهَا أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ نِيَّةَ النَّوْعِ فِي الْفِعْلِ صَحِيحٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ زَادَ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا دِينَ) أَيْ زَادَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ عَلَى كَلَامِهِ الْأَوَّلِ بِأَنْ قَالَ إنْ لَبِسْت ثَوْبًا أَوْ أَكَلْت طَعَامًا أَوْ شَرِبْت شَرَابًا وَنَوَى شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ دِينَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الشَّرْطِ فَتَعُمُّ كَمَا تَعُمُّ فِي النَّفْيِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ اغْتَسَلَ وَنَوَى تَخْصِيصَ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ السَّبَبِ بِدُونِ ذِكْرِهِ لَا يُصَدَّقُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ نِصْفُ اللَّيْلِ وَوَقْتُ السَّحُورِ مِنْ مُضِيِّ أَكْثَرِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ قَالَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَوَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ اهـ فَعُرْفُهُمْ كَانَ مُوَافِقًا لِلُّغَةِ لِأَنَّ الْغَدْوَةَ اسْمٌ لِأَوَّلِ النَّهَارِ وَمَا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوَّلُهُ فَالْأَكْلُ فِيهِ تَغَدٍّ وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَى السَّحُورِ غَدَاءً فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ «هَلُمَّ إلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ» وَلَيْسَ إلَّا مَجَازًا لِقُرْبِهِ مِنْ الْغَدَاةِ وَكَذَا السَّحُورُ لَمَّا كَانَ لِمَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ وَالسَّحَرُ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ سَمَّى مَا يُؤْكَلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي لِقُرْبِهِ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ سَحُورًا بِفَتْحِ السِّينِ وَالْأَكْلُ فِيهِ التَّسَحُّرُ وَالتَّضَحِّي الْأَكْلُ فِي وَقْتِ الضُّحَى وَيُسَمَّى الضَّحَاءَ أَيْضًا بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَوَقْتُ الضُّحَى مِنْ حِينِ تَحِلُّ الصَّلَاةُ إلَى أَنْ تَزُولَ وَأَصْلُ هَذِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْقَضَاءُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ ضَحْوَةً فَوَقْتُ الضَّحْوَةِ مِنْ حِينِ تَبْيَضُّ الشَّمْسُ إلَى أَنْ تَزُولَ وَإِنْ قَالَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ حَتَّى تَطْلُعَ فَلَهُ مِنْ حِينِ تَطْلُعُ إلَى أَنْ تَبْيَضَّ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالنَّهْيُ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ تَبْيَضَّ وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدْوَةً فَهَذَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْآخَرُ إذَا غَرَبَتْ) أَيْ فَأَيَّهمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي) أَيْ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَنَوَى شَيْئًا مُعَيَّنًا) أَيْ مِنْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَلْبُوسِ أَوْ الْمَشْرُوبِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً) أَيْ فَأَيَّ شَيْءٍ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ لَبِسَ حَنِثَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَصِحُّ نِيَّتُهُ دِيَانَةً وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهَا الْخَصَّافُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لِتَعْيِينِ الْمُحْتَمَلِ) أَيْ وَالثَّوْبُ فِي إنْ لَبِسْت وَالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ فِي إنْ أَكَلْت وَإِنْ شَرِبْت غَيْرُ مَذْكُورٍ تَنْصِيصًا فَلَمْ تُصَادِفْ النِّيَّةُ مَحَلَّهَا فَلَغَتْ فَإِنْ قِيلَ إنْ لَمْ يَذْكُرْ تَنْصِيصًا فَهُوَ مَذْكُورٌ تَقْدِيرًا وَهُوَ كَالْمَذْكُورِ تَنْصِيصًا أَجَابَ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لِضَرُورَةِ اقْتِضَاءِ الْأَكْلِ مَأْكُولًا وَكَذَا الشُّرْبُ وَاللُّبْسُ وَالْمُقْتَضِي لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا وَلِأَنَّ ثُبُوتَهُ ضَرُورِيٌّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَالضَّرُورَةُ فِي تَصْحِيحِ الْكَلَامِ وَتَصْحِيحِهِ لَا يَتَوَقَّفُ إلَّا عَلَى مَأْكُولٍ لَا عَلَى مَأْكُولٍ هُوَ كَذَا فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَبِهِ أَخَذَ الْجَصَّاصُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَخَذَ الْخَصَّافُ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ وَبَنَى كِتَابَ الْحِيَلِ عَلَيْهَا وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ فَقَوْلُ الشَّارِحِ الْجَصَّاصِ هَكَذَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي النُّسَخِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَصَوَابُهُ الْخَصَّافُ اهـ فَإِنْ قُلْت مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْجَصَّاصُ اخْتَارَ مَا اخْتَارَهُ الْخَصَّافُ فَيَصِحُّ قَوْلُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاخْتَارَهُ الْجَصَّاصُ قُلْت نَعَمْ يَجُوزُ مَا قُلْت لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ الْمُعْتَمَدِ عَنْهُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ (قَوْلُهُ فَتَعُمُّ كَمَا تَعُمُّ فِي النَّفْيِ) أَيْ لِمَآلِهَا إلَى كَوْنِهَا فِي سِيَاق النَّفْيِ بِسَبَبِ أَنَّ الشَّرْطَ الْمُثْبَتَ فِي الْيَمِينِ يَكُونُ الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى نَفْيُ لُبْسِ ثَوْبِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَقْبَلُهُ الْقَاضِي مِنْهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ اغْتَسَلَ) أَيْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ.

(لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ عَلَى الْكَرْعِ بِخِلَافِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَيَمِينُهُ عَلَى الْكَرْعِ حَتَّى لَوْ شَرِبَ بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ حَيْثُ يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ بِالْإِنَاءِ وَبِغَيْرِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَحَقِيقَتُهُ فِي الْكَرْعِ وَهُوَ الشَّرْطُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَقَالَا إذَا شَرِبَ بِالْإِنَاءِ أَيْضًا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ يُقَالُ يَشْرَبُ أَهْلُ بَغْدَادَ مِنْ دِجْلَةَ وَالْمُرَادُ الشُّرْبُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَلَهُ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ حَقِيقَةً وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ عُرْفًا وَشَرْعًا «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْمٍ نَزَلَ عِنْدَهُمْ هَلْ عِنْدَكُمْ مَاءٌ بَاتَ فِي الشَّنِّ وَإِلَّا كَرَعْنَا» وَالْحَقِيقَةُ مُرَادَةٌ وَلِهَذَا لَوْ شَرِبَ كَرْعًا يَحْنَثُ وَلَوْ حَنِثَ بِالشُّرْبِ بِإِنَاءٍ يَلْزَمُ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَهُمَا يَقُولَانِ لَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ هُوَ عَمَلٌ بِعُمُومِ الْمَجَازِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْحَقِيقَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ الرَّاجِحَ أَوْلَى عِنْدَهُمَا مِنْ الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ لِذَلِكَ وَعِنْدَهُ الْحَقِيقَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ أَوْلَى فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ وَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْجُبِّ بِشُرْبِهِ بِالْإِنَاءِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَرْعُ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ الْكَرْعُ فَعَلَى الْخِلَافِ وَلَوْ تَكَلَّفَ وَشَرِبَ بِالْكَرْعِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْكَرْعُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي دِجْلَةَ وِفَاقًا وَخِلَافًا وَلَوْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْ الْفُرَاتِ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ لِعَدَمِ الْكَرْعِ فِي الْفُرَاتِ إجْمَاعًا لِحُدُوثِ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ فَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ إلَى الْفُرَاتِ وَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ مَنْسُوبٍ إلَى الْفُرَاتِ وَمِثْلُ هَذَا النِّسْبَةِ لَمْ تَنْقَطِعْ بِمِثْلِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فُرَاتًا فَهُوَ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ عَذْبٍ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَذْبِ وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَصْفًا لِلْمَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} [المرسلات: 27] وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فُرَاتٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ فَصُبَّ مَاؤُهُ فِي كُوزٍ آخَرَ فَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِتَبَدُّلِ النِّسْبَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ لَمْ أَشْرَبْ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَكَذَا وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ كَانَ فَصُبَّ أَوْ أَطْلَقَ وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ فَصُبَّ حَنِثَ) أَيْ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَيْسَ فِيهِ مَاءٌ أَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ أَطْلَقَ الْيَمِينَ أَيْ لَمْ يَقُلْ الْيَوْمَ وَلَيْسَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ لَمْ يَحْنَثْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَصُبَّ حَنِثَ أَيْ فِي الْمُطْلَقِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ الْيَوْمَ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُؤَقَّتَةً بِالْيَوْمِ أَوْ لَمْ تَكُنْ مُؤَقَّتَةً بِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ أَوْ لَا يَكُونُ فِيهِ مَاءٌ أَمَّا فِي الْمُؤَقَّتِ لَا يَحْنَثُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ يَسْتَحِيلُ الشُّرْبُ مِنْهُ وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُحَالِ لَا تَنْعَقِدُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ قَبْلَ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْبَرَّ فِي الْمُؤَقَّتِ يَجِبُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَعِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِخِلَافِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ) كَذَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُتُونِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ بِغَيْرِ لَفْظِ مِنْ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا) أَيْ يَتَنَاوَلُ بِفَمِهِ مِنْ نَفْسِ النَّهْرِ كَذَا قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ كَرَعَ فِي الْمَاءِ إذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَفِي الصِّحَاحِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ يَكْرَعُ كُرُوعًا إذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَبَ بِكَفَّيْهِ أَوْ بِإِنَاءٍ وَفِي الْمُغْرِبِ وَالْكَرْعُ تَنَاوُلُ الْمَاءِ بِالْفَمِ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ كَرَعَ الرَّجُلُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْإِنَاءِ إذَا مَدَّ عُنُقَهُ نَحْوَهُ لِشُرْبِهِ وَمِنْهُ كَرِهَ عِكْرِمَةُ الْكَرْعَ فِي النَّهْرِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْبَهِيمَةِ تَدْخُلُ فِيهِ أَكَارِعهَا وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ كَرْعًا وَكُرُوعًا مِنْ بَابِ نَفَعَ شَرِبَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنْ شَرِبَ بِكَفَّيْهِ أَوْ بِشَيْءٍ آخَرَ فَلَيْسَ بِكَرْعٍ وَكَرَعَ كَرْعًا مِنْ بَابِ تَعِبَ لُغَةٌ وَكَرَعَ فِي الْإِنَاءِ أَمَالَ عُنُقَهُ إلَيْهِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَتَفْسِيرُ الْكَرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَخُوضَ الْإِنْسَانُ فِي الْمَاءِ وَلَا يَكُونُ الْكَرْعُ إلَّا بَعْدَ الْخَوْضِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ الْكُرَاعِ وَهُوَ مِنْ الْإِنْسَانِ مَا دُونَ الرُّكْبَةِ وَمِنْ الدَّوَابِّ مَا دُونَ الْكَعْبِ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ اهـ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ فِي حَدِيثٍ «أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارُ فِي حَائِطِهِ فَقَالَ إنْ كَانَ عِنْدَك مَاءٌ بَاتَ فِي شَنَّةٍ وَإِلَّا كَرَعْنَا» اهـ كَرَعَ فِي الْمَاءِ يَكْرَعُ كَرْعًا إذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَبَ بِكَفِّهِ وَلَا بِإِنَاءٍ كَمَا تَشْرَبُ الْبَهَائِمُ لِأَنَّهَا تُدْخِلُ فِيهِ أَكَارِعُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا نَوَى بِإِنَاءٍ حَنِثَ بِهِ إجْمَاعًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا إذَا شَرِبَ) أَيْ مِنْهَا كَيْفَمَا شَرِبَ بِإِنَاءٍ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ كَرْعًا حَنِثَ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْمَاءِ إلَيْهَا ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرُ وَقَوْلُهُمَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْجُبِّ يَحْنَثُ) هَكَذَا شَاهَدْته فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَقَدْ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَا نَصُّهُ وَلَوْ قَالَ مِنْ هَذَا الْجُبِّ أَوْ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ قَالَ أَبُو سَهْلٍ الشَّرَغِيُّ لَوْ كَانَ الْجُبُّ أَوْ الْبِئْرُ مَلْآنَ يُمْكِنُ الْكَرْعُ مِنْهُ فَيَمِينُهُ عَلَى الْكَرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الِاغْتِرَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَلَآنِ فَيَمِينُهُ عَلَى الِاغْتِرَافِ وَلَوْ تَكَلَّفَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَكَرَعَ مِنْ أَسْفَلِ الْبِئْرِ أَوْ الْجُبِّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِالْكَرْعِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ اهـ قَوْلُهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْ وَمِثْلُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَقَوْلُهُ قَالَ أَبُو سَهْلٍ الشَّرَغِيُّ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفِي آخِرِهَا غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ نِسْبَةً إلَى شَرْغٍ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى بُخَارَى قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي طَبَقَاتِهِ اهـ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْجُبِّ يَحْنَثُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عِبَارَتُهُ هَكَذَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ أَوْ مِنْ هَذَا الْجُبِّ يَحْنَثُ فَتَأَمَّلْ. اهـ.

ذَلِكَ يَسْتَحِيلُ الْبِرُّ فِيهِ فَبَطَلَتْ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ لَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ لِاسْتِحَالَةِ الْبِرِّ لِلْحَالِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ انْعَقَدَتْ لِلتَّصَوُّرِ ثُمَّ يَحْنَثُ بِالصَّبِّ لِأَنَّ الْبِرَّ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فَرَغَ فَإِذَا صَبَّ فَقَدْ فَاتَ الْبِرُّ فَيَحْنَثُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ مَاتَ الْحَالِفُ وَالْمَاءُ بَاقٍ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا غَيْرَ أَنَّهُ فِي الْمُؤَقَّتِ يَحْنَثُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ لِلتَّوْسِعَةِ فَلَا يَجِبُ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَلَا يَحْنَثُ قَبْلَهُ وَفِي الْمُطْلَقِ يَحْنَثُ لِلْحَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ يَحْنَثُ عِنْدَ الصَّبِّ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبِرُّ كَمَا فَرَغَ وَقَدْ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ لِلْحَالِ فِي الْفَارِغِ فَيَحْنَثُ فِي الْحَالِ وَعِنْدَ الصَّبِّ فِي الْمَشْغُولِ فَيَحْنَثُ فِي ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَصْلُهُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَبَقَائِهَا التَّصَوُّرَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّصَوُّرُ بَلْ مَحَلُّهَا عِنْدَهُ خَبَرٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَلَا تَرَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ وَتَحْوِيلِ الْحَجَرِ ذَهَبًا تَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ عَقَدَهَا عَلَى خَبَرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا مَحَلُّهَا خَبَرٌ فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ لِأَنَّ مَحَلَّ الشَّيْءِ مَا يَكُونُ قَابِلًا لِحُكْمِهِ وَحُكْمُ الْيَمِينِ الْبِرُّ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ فَلَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا كَيَمِينِ الْغَمُوسِ وَلَا يُقَالُ يُمْكِنُ أَنْ تَنْعَقِدَ الْيَمِينُ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي الْخَلْفِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّا نَقُولُ شَرْطُ انْعِقَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّ الْخَلَفِ احْتِمَالُ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ وَلَا احْتِمَالَ هُنَا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ فَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا يُقَالُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُوجِدَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَاءَ فِي الْكُوزِ فَيَنْعَقِدُ كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى تَحْوِيلِ الْحَجَرِ ذَهَبًا لِأَنَّا نَقُولُ الْمَاءُ الَّذِي يُوجِدُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ غَيْرُ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْكَائِنُ فِيهِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَصَوَّرِ الْوُجُودِ لِتَحَقُّقِ عَدَمِهِ فِيهِ بِخِلَافِ تَحْوِيلِ الْحَجَرِ ذَهَبًا ثُمَّ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرَّقَ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فِي حَقِّ الْحِنْثِ فَحِنْثُهُ فِي الْمُقَيَّدِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَفِي الْمُطْلَقِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَعِنْدَ الصَّبِّ وَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ فَحَنَّثَاهُ عِنْدَ الصَّبِّ فِي الْمُطْلَقِ فِيهِ دُونَ الْمُقَيَّدِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَثْنَاءِ الْبَحْثِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْفُرُوقُ مِنْ الْمَعَانِي يَعْرِفُهُ مَنْ تَأَمَّلَ فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا حَنِثَ لِلْحَالِ) وَقَالَ زَفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحِيلَ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَتْ مُنْعَقِدَةً لَمَا حَنِثَ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ فِي الْمُتَصَوَّرِ لَا يَحْنَثُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْيَأْسِ مِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ فِي آخَرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لِيَدْخُلَنَّ بَصْرَةَ وَنَحْوَهُ وَلَنَا أَنَّ الْبِرَّ مُتَصَوَّرٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ الصُّعُودَ إلَى السَّمَاءِ مُمْكِنٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَصْعَدُونَهَا وَكَذَلِكَ الْجِنُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمْ {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ} [الجن: 8] الْآيَةَ. وَكَذَلِكَ انْقِلَابُ الْحَجَرِ ذَهَبًا مُمْكِنٌ بِتَحْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ عَلَى وَجْهٍ تَخْلُفُهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ فَوَاتِهِ كَسَائِرِ الْمُتَصَوَّرَاتِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَشْرَبَ الْمَاءَ مِنْ الْكُوزِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَبَطَلَتْ عِنْدَهُمَا) أَيْ لِانْعِقَادِهَا ثُمَّ طَرَأَ الْعَجْزُ عَنْ الْفِعْلِ قَبْلَ آخِرِ الْمُدَّةِ لِفَوَاتِ شَرْطِ بَقَائِهَا وَهُوَ تَصَوُّرُ الْبِرِّ حَالَ الْبَقَاءِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ. اهـ. فَتْحٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ سَوَاءٌ عَلِمَ وَقْتَ الْحَلِفِ أَنَّ فِيهِ مَاءً أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَحْنَثُ بِالصَّبِّ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ فِي الْمُؤَقَّتِ) يَعْنِي بِوَجْهَيْهِ وَهُمَا إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصَبَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ لِلتَّوْسِعَةِ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَخْتَارَ الْفِعْلَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ فَمَا لَمْ يَمْضِ ذَلِكَ الْوَقْتُ لَا يَتَحَقَّقُ تَرْكُ الْفِعْلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ فَإِذَا فَاتَ الْجُزْءُ الْآخَرُ فَلَمْ يَفْعَلْ يَحْنَثُ حِينَئِذٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ فِيهَا إذَا مَضَى الْيَوْمُ اهـ (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ) أَيْ أَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَقَائِهَا التَّصَوُّرُ) أَيْ تَصَوُّرُ الْبِرِّ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا كَيَمِينِ الْغَمُوسِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ الْبِرُّ فَإِذَا فَاتَ الْبِرُّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ خَلَفًا عَنْهُ ثُمَّ إذَا لَمْ يَتَصَوَّرْ الْبِرَّ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَلَا حِنْثَ بِدُونِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِلَا حِنْثٍ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِذَاتِهَا وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي اللَّغْوِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ مَعَ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ فَكُلُّ يَمِينٍ اسْتَحَالَ فِيهَا الْبِرُّ اسْتَحَالَ فِيهَا الْحِنْثُ فَلَمَّا اسْتَحَالَ شُرْبُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ اسْتَحَالَ الْبِرُّ فَلَمَّا اسْتَحَالَ الْبِرُّ اسْتَحَالَ الْحِنْثُ لِأَنَّ التَّرْكَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَصِحُّ وُجُودُهُ وَهُنَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا وَهُوَ مَيِّتٌ إنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَا تَنْعَقِدُ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْحَيَاةِ الْقَائِمَةِ وَلَمْ تَنْعَقِدْ الْيَمِينُ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَإِذَا كَانَ عَالِمًا بِمَوْتِهِ فَقَدْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى تَفْوِيتِ حَيَاةٍ يُعِيدُهَا اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ مُتَصَوَّرٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [البقرة: 259] وَتَفْوِيتُ الْحَيَاةِ الْمُحْدَثَةِ يَكُونُ قَابِلًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ ثُمَّ يَحْنَثُ مِنْ سَاعَتِهِ لِوُقُوعِ الْعَجْزِ عَادَةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ انْقِلَابُ الْحَجَرِ ذَهَبًا مُمْكِنٌ بِتَحْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ بِخَلْعِهِ صِفَةَ الْحَجَرِيَّةِ وَإِلْبَاسِهِ صِفَةَ الذَّهَبِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَوَاهِرَ كُلَّهَا مُتَجَانِسَةٌ مُسْتَوِيَةٌ فِي قَبُولِ الصِّفَاتِ أَوْ بِإِعْدَامِ الْأَجْزَاءِ الْحَجَرِيَّةِ وَإِبْدَالِهَا بِأَجْزَاءٍ ذَهَبِيَّةٍ وَالتَّحْوِيلُ فِي الْأَوَّلِ أَظْهَرُ وَهُوَ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ فَكَانَ الْبِرُّ مُتَصَوَّرًا فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ مُوجِبَةً لِحَلِفِهِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لِلْجُزْءِ الثَّابِتِ عَادَةً فَلَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا مَاتَ الْحَالِفُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي آخَرِ جُزْءٍ كَمَا قُلْنَا مَعَ احْتِمَالِ إعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَيَثْبُتُ مَعَهُ احْتِمَالُ أَنْ يَفْعَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ بِخِلَافِ الْعَادَةِ فَحَكَمَ بِالْحِنْثِ إجْمَاعًا. اهـ. فَتْحٌ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ لَيَأْتِيَنَّ الْبَصْرَةَ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَنْتَظِرُ آخِرَ الْحَيَاةِ فِيمَا يُرْجَى وُجُودُهُ غَالِبًا لِتَحَقُّقِ مُزَاحَمَتِهِ لِزَمَانِ الْحَالِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْبَصْرَةِ أَمَّا فِيمَا لَا يُرْجَى وُجُودُهُ غَالِبًا كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فِي الْحَالِ وَعَدَمِ مُزَاحَمَةِ الْمَآلِ اهـ (قَوْلُهُ فَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ) أَيْ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدَ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي

الْفَارِغِ فَلَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ فِي الْحَالِ اعْتِبَارًا لِلْعَجْزِ الثَّابِتِ عَادَةً وَهُوَ يَصْلُحُ لِمَنْعِ تَأَخُّرِ الْحِنْثِ دُونَ مَنْعِ الِانْعِقَادِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَالِفَ إذَا مَاتَ يَحْنَثُ وَإِنْ تَصَوَّرَ أَنْ يَفْعَلَ بَعْدَهُ بِإِحْيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْيَمِينَ يُعْقَدُ لِلْفَائِدَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ وَهِيَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بَدَلًا عَنْ الْبِرِّ وَالْحُكْمُ بِبَقَاءِ الْيَمِينِ كَانَ لِاحْتِمَالِ الْبِرِّ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَمْضِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ لِلْحَالِ لِثُبُوتِ الْعَجْزِ كَمَا فِي الْمُطْلَقِ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَسْتَقِيمُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَكَيْفَ يَحْنَثُ إلَّا إذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّ لَهُ رِوَايَةً أُخْرَى وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْبِرَّ لِلْحَالِ فَلَا يَحْنَثُ بِتَرْكِهِ لِلْحَالِ وَلَوْ قَالَ إنْ تَرَكْتَ مَسَّ السَّمَاءِ فَعَبْدِي حُرٌّ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ عَادَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يُكَلِّمُهُ فَنَادَاهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَأَيْقَظَهُ أَوْ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ فَكَلَّمَهُ حَنِثَ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَنَادَاهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَنَبَّهَهُ أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفَ بِالْإِذْنِ حَنِثَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ كَلَّمَهُ وَأَسْمَعَهُ فَيَحْنَثُ وَلَوْ لَمْ يُوقِظْهُ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعْ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَائِمًا يَحْنَثُ يَعْنِي بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَوْ أَصْغَى أُذُنَهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُ وَوَصَلَ إلَى سَمْعِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُفْهَمْ لِنَوْمِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَادَاهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِغَفْلَتِهِ وَلِأَنَّ اسْتِمَاعَ الْغَيْرِ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ مُقَامَهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَوْ أَصْغَى أُذُنَهُ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ السَّمَاعِ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُنَبَّهْ كَانَ كَمَا إذَا نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ وَهُوَ بَحِيثُ لَا يُسْمَعُ صَوْتُهُ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ خِلَافًا لَهُمَا وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ فَإِنَّ النَّائِمَ عِنْدَهُ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَانِ الَّذِي هُوَ الْإِعْلَامُ أَوْ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْإِذْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أَيْ إعْلَامٌ وَقِيلَ سُمِّيَ الْكَلَامُ إذْنًا لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي الْإِذْنِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْعِلْمِ بِالْمَسْمُوعَاتِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْإِذْنَ هُوَ الْإِطْلَاقُ وَأَنَّهُ يَتِمُّ بِالْإِذْنِ كَالرِّضَا قُلْنَا الرِّضَا مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ فَيَتِمُّ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِذْنُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَلَّمَهُ بِكَلَامٍ يَسْمَعُهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُسْتَأْنَفٌ بَعْدَ الْيَمِينِ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا بِهَا لَمْ يَحْنَثْ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ إنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي أَوْ قُومِي لِأَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا بِالْيَمِينِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ حَنِثَ لِأَنَّهُ لِلْجَمِيعِ وَإِنْ نَوَاهُمْ دُونَهُ دِينَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَلَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَّا وَاحِدًا لَا يَحْنَثُ وَلَوْ دَخَلَ دَارًا لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ وَضَعَ هَذَا أَوْ مِنْ أَيْنَ هَذَا حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَامٌ لَهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ وَلَوْ قَالَ لَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ هَذَا أَوْ مَنْ وَضَعَ هَذَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُخَاطِبٌ لِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ فِي الدَّارِ أَحَدٌ لَا يَحْنَثُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَوْ كَلَّمَ غَيْرَهُ وَقَصَدَ أَنْ يُسْمِعَهُ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ أَشَارَ إلَيْهِ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْكَلَامَ حُرُوفٌ مَنْظُومَةٌ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ إمَامًا لَا يَحْنَثُ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِكَلَامٍ عُرْفًا وَلَوْ كَانَ الْمُؤْتَمُّ هُوَ الْحَالِفَ فَكَذَلِكَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ عِنْدَهُ وَلَوْ سَبَّحَ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ وَخَارِجَهَا يَحْنَثُ وَلَوْ قُرِعَ عَلَيْهِ الْبَابُ فَقَالَ مَنْ هَذَا يَحْنَثُ وَلَوْ نَادَاهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَبَّيْكَ أَوْ لَبَّى يَحْنَثُ وَلَوْ كَلَّمَهُ بِكَلَامٍ لَا يَفْهَمُهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَوْ قَالَ الْحَالِفُ افْعَلْ يَا حَائِطُ كَذَا وَكَذَا وَقَصَدَ إسْمَاعَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى يُعْتَمَدُ التَّصَوُّرُ دُونَ الْقُدْرَةِ فِيمَا لَهُ خَلَفٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ عَلَى الشَّيْخِ الْفَانِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ لِمَكَانِ التَّصَوُّرِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ هُنَا عَقِيبَ وُجُوبِ الْبِرِّ بِحِنْثِهِ بِوَاسِطَةِ عَجْزِهِ الثَّابِتِ عَادَةً كَمَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ هُنَاكَ عَقِيبَ وُجُوبِ الصَّوْمِ ذَكَرَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْحِنْثُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْبِرَّ لَيْسَ لَهُ زَمَانٌ يُنْتَظَرُ اهـ فَمَحَطُّ الْخِلَافِ أَنَّهُ أَلْحَقَ الْمُسْتَحِيلَ عَادَةً بِالْمُسْتَحِيلِ حَقِيقَةً وَنَحْنُ نَمْنَعُهُ وَكُلُّ مَا وَقَعَ هُنَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ لَفْظِ مُتَصَوَّرٌ فَمَعْنَاهُ مُمْكِنٌ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مُتَعَقِّلًا مُفْهِمًا اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَمْضِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ) حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذْ لَا حِنْثَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَكَلَّمَهُ) ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ سَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَإِنَّ النَّائِمَ عِنْدَهُ كَالْمُسْتَيْقِظِ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْمُرَادُ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا مَرَّ عَلَى مَاءٍ وَهُوَ نَائِمٌ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِهِ يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ مَا فِيهَا مِنْ الِاسْتِبْعَادِ لِلْمَشَايِخِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا حَقِيقَةً وَإِلَى جَانِبِهِ حَفِيرَةِ مَاءٍ لَمْ يَعْلَمُ بِهَا لَا يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ فَكَيْفَ بِالنَّائِمِ حَتَّى حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى النَّاسِي وَأُضِيفَ إلَى هَذِهِ مَسَائِلُ تَزِيدُ عَلَى عِشْرِينَ جُعِلَ فِيهَا النَّائِمُ كَالْمُسْتَيْقِظِ اهـ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ حَتَّى كَلَّمَهُ حَنِثَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَتِمُّ بِالْحَالِفِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى عِلْمِ غَيْرِهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِرِضَاهُ فَرَضِيَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الرِّضَا يَتِمُّ بِالتَّرَاضِي وَلَا حَاجَةَ إلَى عِلْمِ الْغَيْرِ فَكَذَا هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ فَاذْهَبِي أَوْ وَاذْهَبِي لَا تَطْلُقُ وَلَوْ اذْهَبِي طَلُقَتْ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْيَمِينِ وَأَمَّا مَا فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ أَوْ غَدًا حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ غَدًا فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يُقَالُ إلَّا كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ قَوْمِي) أَيْ أَوْ شَتَمَهَا أَوْ زَجَرَهَا مُتَّصِلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَاهُمْ دُونَهُ دِينَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً) وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ قَضَاءً أَيْضًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ لَبَّيْ) أَيْ قَالَ لَبَّيْ بِلَا كَافٍ. اهـ.

لَا يَحْنَثُ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ إنْ ابْتَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَالْتَقَيَا فَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ كَلَامٌ بِصِفَةِ الْبُدَاءَةِ وَهُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَسَقَطَ الْيَمِينُ عَنْ الْحَالِفِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حِنْثُهُ فِي تِلْكَ الْيَمِينِ أَبَدًا لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ يُوجَدُ مِنْ الْحَالِفِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُون بَعْدَ وُجُودِ الْكَلَامِ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ كَلَامٌ وَعَنْ هَذَا لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالِفًا أَنْ لَا يُكَلِّمَ صَاحِبَهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبَدًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ ابْتَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ هِيَ إنْ ابْتَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ كَلَّمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا سَبَقَتْهُ بِالْكَلَامِ حِينَ حَلَفَتْ وَلَا يُتَصَوَّرُ حِنْثُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَ كَلَّمَهَا بَعْدَ يَمِينِهَا فَقَدْ سَبَقَهَا بِالْكَلَامِ فَكُلُّ كَلَامٍ يُوجَدُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ كَلَامِهِ لَهَا فَفَاتَ شَرْطُ الْحِنْثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ حِينِ حَلَفَ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا فَابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْيَمِينِ مِنْ حِينَ حَلَفَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ فَصَارَ ذِكْرُ الشَّهْرِ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ لَا لِإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَمَدِّهِ إلَيْهِ وَلِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ غَيْظٌ لِحَقِّهِ مِنْهُ فِي الْحَالِ فَيَمْنَعُ نَفْسَهُ عَنْ التَّكَلُّمِ فِي الْحَالِ فَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ عَمَلًا بِدَلَالَةِ حَالِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ تَرَكْت كَلَامَهُ شَهْرًا أَوْ إنْ تَرَكْت الصَّوْمَ شَهْرًا أَوْ إنْ لَمْ أَسَاكِنه شَهْرًا يَتَنَاوَلُ شَهْرًا مِنْ حِينَ حَلَفَ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّوْمِ مُطْلَقًا أَوْ تَرْكَ الْكَلَامِ أَوْ تَرْكَ الْمُسَاكَنَةِ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ فَصَارَ ذِكْرُ الْوَقْتِ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالْآجَالُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأَصُومَنَّ أَوْ لَأَعْتَكِفَنَّ شَهْرًا لِأَنَّ مُطْلَقَ الصَّوْمِ أَوْ الِاعْتِكَافِ الْمُطْلَقِ لَا يَتَأَبَّدُ بَلْ يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْوَقْتِ لِلْمَدِّ إلَيْهِ لَا لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ سَبَّحَ لَمْ يَحْنَثْ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ سَبَّحَ لَمْ يَحْنَثْ وَعَلَى هَذَا التَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ وَإِطْلَاقُهُ يَتَنَاوَلُ الْقِرَاءَةَ وَالتَّسْبِيحَ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا عَادَةً وَشَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ عَنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ» وَلَمْ يَفْهَمْ مِنْهُ أَحَدٌ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَإِنَّمَا هِيَ التَّهْلِيلُ وَالتَّسْبِيحُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» وَلِأَنَّ الْكَلَامَ مُفْسِدٌ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ لَأَفْسَدَتْ وَقَالَ تَعَالَى {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامِ النَّاسِ وَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ وَخَارِجَهَا يَحْنَثَ لِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا عَادَةً وَكَذَا شَرْعًا لِمَا رَوَيْنَا وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَكَمَا قَالَهُ الْقُدُورِيُّ وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ فَكَمَا اخْتَارَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا لِوُجُودِ التَّكَلُّمِ حَقِيقَةً وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَعَلَى الْجَدِيدَيْنِ) أَيْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَعْنَاهُ لَوْ قَالَ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَنَّ اسْمَ الْيَوْمِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ وَكَذَا الطَّلَاقُ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ نَوَى النَّهَارَ خَاصَّةً صُدِّقَ) أَيْ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ أَيْضًا فَيُصَدَّقُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ نِيَّةِ الْحَقِيقَةِ إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ خِلَافَ الْمُتَعَارَفِ فِي قَوْلِهِ لَيَأْتِيَنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَيْلَةَ أُكَلِّمُهُ عَلَى اللَّيْلِ) أَيْ لَوْ قَالَ لَيْلَةَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ خَاصَّةً لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ خَاصَّةً كَالنَّهَارِ لِلْبَيَاضِ خَاصَّةً وَلَمْ يَجِئْ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْيَوْمِ وَهُمَا ضِدَّانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} [الفرقان: 62] فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَمْ يَجِئْ اسْتِعْمَالُ اللَّيْلِ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ وَقَدْ أَطْلَقَتْهُ الْعَرَبُ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ حَتَّى قَالَ الشَّاعِرُ وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ سَوْدَاءَ تَمْرَةً ... لَيَالِيَ لَاقَيْنَا الْحَزِيمَ وَحِمْيَرَا قُلْنَا هَذَا الْقَائِلُ ذَكَرَ اللَّيَالِيَ بِعِبَارَةِ الْجَمْعِ وَذِكْرُ عَدَدِ أَحَدِهِمَا بِعِبَارَةِ الْجَمْعِ يُدْخِلُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الِاعْتِكَافِ وَكَلَامُنَا هُنَا فِي الْمُفْرَدِ فَلَا يَلْزَمُنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ كَلَّمْتُهُ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ يَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ) أَيْ لِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ عَمَّتْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأَصُومَنَّ أَوْ لَأَعْتَكِفَنَّ) اُنْظُرْ مَا كَتَبْته مِنْ كَلَامِ الْكَمَالِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي الزَّمَانُ وَالْحِينُ وَمُنَكَّرُهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ التَّكَلُّمِ حَقِيقَةً) أَيْ لِأَنَّ الْكَلَامَ اسْمٌ لِحُرُوفٍ مَنْظُومَةٍ تَحْتَهَا مَعَانٍ مَفْهُومَةٌ فَيَكُونُ قَارِئُ الْقُرْآنِ مُتَكَلِّمًا لَا مَحَالَةَ فَيَحْنَثُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الْحَزِيمُ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَذِكْرُ عَدَدِ أَحَدِهِمَا) كَذَا هُوَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ وَذِكْرُ الْعَدَدَيْنِ اهـ وَهَكَذَا عَبَّرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. اهـ.

أَوْ حَتَّى أَوْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ أَوْ حَتَّى فَكَذَا فَكَلَّمَ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوَإِذْنِهِ حَنِثَ وَبَعْدَهُمَا لَا) أَيْ لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لِي فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ لِي فُلَانٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَكَلَّمَهُ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوْ إذْنِهِ طَلُقَتْ وَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ وَالْإِذْنِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْقُدُومَ وَالْإِذْنَ صَارَ غَايَةً لِلْيَمِينِ فَيَبْقَى الْيَمِينُ قَبْلَ وُجُودِ الْغَايَةِ فَيَحْنَثُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ وَلَا يَحْنَثُ بَعْدَهَا لِانْتِهَاءِ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُمَا غَايَتَانِ لِدُخُولِ حَرْفِ الْغَايَةِ فِيهِمَا وَهِيَ كَلِمَةُ حَتَّى وَإِلَّا أَنْ، أَمَّا حَتَّى فَظَاهِرٌ فَإِنَّهَا لِلْغَايَةِ وَأَمَّا إلَّا أَنْ فَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّهَا لِلِاسْتِثْنَاءِ وَتُسْتَعَارُ لِلشَّرْطِ وَالْغَايَةِ إذَا تَعَذَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ مَا قَبْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ يُخَالِفُ مَا بَعْدَهُ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهَا إذَا تَعَذَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ أَنَّهَا مَتَى دَخَلَتْ عَلَى مَا لَا يَتَوَقَّفُ تَكُونُ لِلشَّرْطِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ إنْ قَدِمَ لَا تَطْلُقُ وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ حَتَّى مَاتَ طَلُقَتْ فَحُمِلَتْ عَلَى الشَّرْطِ أَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ يَقْدَمْ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْقُدُومِ وَكَانَ حَمْلُهَا عَلَى الشَّرْطِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْغَايَةِ فِيهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ فِي وَقْتٍ وَقَعَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِ فَيَكُونُ مُعَلَّقًا بِعَدَمِ الْقُدُومِ لَا بِوُجُودِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقُدُومَ رَافِعًا لِلطَّلَاقِ فَيَكُونُ عَلَمًا عَلَى عَدَمِ الطَّلَاقِ وَعَدَمُ الْقُدُومِ عَلَى وُجُودِ الطَّلَاقِ وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ تَكُونُ لِلْغَايَةِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الْإِذْنِ وَالْكَلَامِ فَحُمِلَتْ عَلَى الْغَايَةِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى الْيَمِينِ وَهِيَ تَقْبَلُ الْغَايَةَ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى رَجَبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْغَايَةِ فِيهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ مُنَاسَبَةَ الِاسْتِثْنَاءِ لِلْغَايَةِ أَقْوَى مِنْ مُنَاسَبَتِهِ لِلشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُكْمَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا كَلَّمَهُ قَبْلَ الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ حَنِثَ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ قَبْلَ وُجُودِ الْغَايَةِ وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْتَهَتْ بِوُجُودِ الْغَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ زَيْدٌ سَقَطَ الْحَلِفُ) أَيْ لَوْ مَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ أَوْ يَقْدَمَ سَقَطَتْ الْيَمِين لِأَنَّ حُكْمَ هَذَا الْيَمِينِ حُرْمَةُ الْكَلَامِ فِي مُدَّةٍ تَنْتَهِي بِالْقُدُومِ وَالْإِذْنِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فَبَطَلَتْ وَلَا يُعْتَبَرُ تَصَوُّرُهُ بِإِعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ الْإِذْنُ أَوْ الْقُدُومُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا فَمَاتَ فُلَانٌ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ لِلْيَأْسِ مِنْ الْقَتْلِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَصَوُّرُ الْقَتْلِ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ بِإِعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ ابْتِدَاءٌ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَكَذَا بَقَاءٌ فَيَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ لِسُقُوطِ الْغَايَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَأْكُلُ طَعَامَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ إنْ أَشَارَ وَزَالَ مِلْكُهُ وَفَعَلَ لَا يَحْنَثُ كَالْمُتَجَدِّدِ وَإِنْ لَمْ يُشِرْ لَا يَحْنَثُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَحَنِثَ بِالْمُتَجَدِّدِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامَ فُلَانٍ إلَخْ إنْ أَشَارَ إلَى الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ بِأَنْ قَالَ طَعَامُ زَيْدٍ هَذَا أَيْ هَذَا الطَّعَامُ وَزَالَ مِلْكُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ثُمَّ أَكَلَهُ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ كَمَا لَا يَحْنَثُ فِي أَكْلِ طَعَامِهِ الْمُتَجَدِّدِ بِأَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ بَلْ أَطْلَقَهُ بِأَنْ قَالَ لَا آكُلُ طَعَامَ زَيْدٍ فَزَالَ مَا كَانَ يَمْلِكُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَنْ مِلْكِهِ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا وَلَوْ تَجَدَّدَ لَهُ مِلْكٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَأَكَلَهُ يَحْنَثُ هُنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ أَشَارَ إلَيْهِ مَعَ الْإِضَافَةِ فَخَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْفِعْلِ وَإِنْ تَجَدَّدَ لَهُ مِلْكٌ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ يَحْنَثُ فِي مِلْكِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا فِي مِلْكِهِ عِنْدَ الْيَمِينِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ فَلِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ وَاقِعٍ فِي مَحَلٍّ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ فَيَحْنَثُ مَا دَامَتْ الْإِضَافَةُ بَاقِيَةً وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَدِّدَةً بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِهَا لِعَدَمِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْمِلْكِ الْمُتَجَدِّدِ لَهُ فِي الدَّارِ وَحْدَهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَتَجَدَّدُ فِيهَا عَادَةً فَهِيَ أَوَّلُ مَا يُشْتَرَى وَآخِرُ مَا يُبَاعُ فَتَقَيَّدَتْ الْيَمِينُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَمَّا حَتَّى فَظَاهِرٌ فَإِنَّهَا لِلْغَايَةِ) أَيْ لِأَنَّهَا حَرْفٌ خَافِضَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ كَإِلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إلَّا أَنْ) أَيْ فَلَأَنْ يَنْتَهِيَ مَنْعُ الْكَلَامِ فَشَابَهَتْ الْغَايَةَ إذَا كَانَتْ غَايَةً لِمَنْعِهِ فَأُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُهَا وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 110] أَيْ إلَى مَوْتِهِمْ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فَبَطَلَتْ) أَيْ لِأَنَّ شَرْطَ بَقَاءِ الْيَمِينِ تَصَوُّرُ الْبِرِّ عِنْدَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ الْقُدُومُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ) أَيْ الْقَائِمَةِ لَا فِي حَيَاتِهِ الْمُعَادَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ تَصَوُّرِ الْبِرِّ بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إعَادَةِ فُلَانٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يَقْدَمَ وَيَأْذَنَ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُعَادَةَ غَيْرُ الْحَيَاةِ الْمَحْلُوفِ عَلَى إذْنِهِ فِيهَا وَقُدُومُهُ وَهِيَ الْحَيَاةُ الْقَائِمَةُ حَالَةَ الْحَلِفِ لِأَنَّ تِلْكَ عَرَضٌ تَلَاشَى فَلَا تُمْكِنُ إعَادَتُهَا بِعَيْنِهَا وَإِنْ أُعِيدَتْ الرُّوحُ فَإِنَّ الْحَيَاةَ غَيْرُ الرُّوحِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَازِمٌ لِلرُّوحِ فِيمَا لَهُ رُوحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ) قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً يَحْنَثُ فِي الْحَالِ حِينَ هَلَكَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ) أَيْ فَتَبْقَى الْيَمِينُ مُؤَبَّدَةً بَعْدَ سُقُوطِ الْغَايَةِ حَتَّى إذَا كَلَّمَ فُلَانًا الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ يَحْنَثُ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ يَحْنَثُ أَيْ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَلَّمَهُ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ أَكَلَهُ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ) أَيْ وَفِي الْمُشَارِ إلَيْهِ لَوْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ يَتَّضِحُ بِهَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا دَامَ مِلْكًا لِفُلَانٍ فَإِنَّ الدَّيْمُومَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ حَالَ الْمُطَالَعَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَدِّدَةً بَعْدَ الْيَمِينِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ لَا يَحْنَثُ فِي الْمُشَارِ وَلَا فِي غَيْرِ الْمُشَارِ وَفِي الْمُتَجَدِّدِ لَا يَحْنَثُ فِي الْمُشَارِ أَيْضًا وَيَحْنَثُ فِي غَيْرِهِ اهـ

الْمُضَافَةُ إلَى الدَّارِ بِالْقَائِمَةِ مِنْهَا فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ تَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ فِي الْجَمِيعِ بِالْقَائِمِ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا وَأَمَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ فَلِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى عَيْنٍ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ إضَافَةَ مِلْكٍ فَلَا يَبْقَى الْيَمِينُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَا يُقْصَدُ هِجْرَانُهَا لِذَوَاتِهَا بَلْ لِمَعْنًى فِي مَلَاكِهَا وَالْيَمِينُ يَتَقَيَّدُ بِمَقْصُودِ الْحَالِفِ وَلِهَذَا يَتَقَيَّدُ بِالصِّفَةِ الْحَامِلَةِ عَلَى الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَاضِرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَهَذِهِ صِفَةٌ حَامِلَةٌ عَلَى الْيَمِينِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا دَامَ مِلْكًا لِفُلَانٍ نَظَرًا إلَى مَقْصُودِهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ إذَا فَعَلَ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالْإِضَافَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّعْرِيفِ إلَّا أَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ شَرِكَةَ الْأَغْيَارِ وَالْإِضَافَةُ لَا تَقْطَعُ فَاعْتُبِرَتْ الْإِشَارَةُ وَلَغَتْ الْإِضَافَةُ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ قَائِمٌ فَيَحْنَثُ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ الْإِضَافَةُ تَلْغُو مَعَ الْإِشَارَةِ قُلْنَا الْإِضَافَةُ إنَّمَا تَلْغُو إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَائِدَةٌ أُخْرَى غَيْرُ التَّعْرِيفِ وَهُنَا فِي إضَافَةِ الْمِلْكِ فَائِدَةٌ أُخْرَى غَيْرُ التَّعْرِيفِ وَهُوَ هِجْرَانُ صَاحِبِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَامِلَهُ عَلَى الْيَمِينِ غِيظَ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فَيُعْتَبَرَانِ حَتَّى إذَا فُقِدَ أَحَدُهُمَا لَا يَحْنَثُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الصَّدِيقِ وَالزَّوْجَةِ حَنِثَ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صِدِّيقَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ زَوْجَةَ فُلَانٍ هَذِهِ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ زَوَالِ الصَّدَاقَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ حَنِثَ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْحُرَّ مَقْصُودٌ بِالْهِجْرَانِ لِذَاتِهِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ الْمَحْضِ وَالدَّاعِي لِمَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَيْ لَمْ يَقُلْ لَا أُكَلِّمُ صِدِّيقَ فُلَانٍ لِأَنَّ فُلَانًا عَدُوٌّ لِي فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَعْيَانَ لَا تُهْجَرُ لِذَوَاتِهَا أَمَّا غَيْرُ الْعَبْدِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الْعَبْدُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ لِخِسَّتِهِ وَسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِ أُلْحِقَ بِالْجَمَادِ حَتَّى يُبَاعَ كَالْبَهَائِمِ فَلَا يُقْصَدُ بِالْهِجْرَانِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ مُعْتَبَرَةً فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي غَيْرِ الْمُشَارِ لَا) أَيْ لَوْ حَلَفَ فِي غَيْرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ مِنْ الصَّدِيقِ وَالزَّوْجَةِ بِأَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ صِدِّيقَ فُلَانٍ أَوْ زَوْجَتَهُ فَزَالَتْ النِّسْبَةُ إلَيْهِ بِأَنْ عَادَى صَدِيقَهُ أَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هِجْرَانُهُ وَالْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ فَصَارَ كَالْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَهُمَا أَنَّ هِجْرَانَ الْحُرِّ لِغَيْرِهِ مُحْتَمَلٌ وَتَرْكُ الْإِشَارَةِ وَالتَّسْمِيَةِ بِاسْمِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ مَعَ الِاحْتِمَالِ بِالشَّكِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَنِثَ بِالْمُتَجَدِّدِ) أَيْ حَنِثَ بِالْمُسْتَحْدَثِ مِنْ الصَّدِيقِ وَالزَّوْجَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَدِيقَ فُلَانٍ أَوْ زَوْجَتَهُ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُعَيَّنَ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فَتَكُونُ مُعَادَاتُهُ لِذَاتِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِأَجْلِ الْإِضَافَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى فَعَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ) أَيْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ (فَبَاعَهُ فَكَلَّمَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطَّيْلَسَانِ لِأَجْلِ الطَّيْلَسَانِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالْمُعَرَّفِ وَلِهَذَا لَوْ كَلَّمَ الْمُشْتَرِيَ لَا يَحْنَثُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الزَّمَانُ وَالْحِينُ وَمُنَكَّرُهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) وَالْمُرَادُ بِالْمُنَكَّرِ مَا لَمْ تَدْخُلْهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ مِنْهُمَا حَتَّى لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا حِينًا أَوْ زَمَانًا أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الْحِينَ يُذْكَرُ بِمَعْنَى السَّاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] أَيْ سَاعَةَ تُمْسُونَ وَيُطْلَقُ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] وَالْمُرَادُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَيُطْلَقُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَسَطُ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوَاسِطُهَا وَلِأَنَّ اللَّحْظَةَ لَا بِقَصْدِ الِامْتِنَاعِ عَنْهَا بِالْيَمِينِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الِامْتِنَاعِ بِدُونِهَا وَأَرْبَعُونَ سَنَةً بِمَنْزِلَةِ الْأَبَدِ وَمَنْ يُؤَمِّلُ أَنْ يَعِيشَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَوْ قَصَدَ ذَلِكَ لَأَطْلَقَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحِينَ لِأَنَّهُ يَتَأَبَّدُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَتَعَيَّنَ مَا عَيَّنَّاهُ وَالزَّمَانُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ شَرِكَةَ الْأَغْيَارِ) أَيْ بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْمُشَارِ إلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْإِضَافَةُ لَا تُقْطَعُ) أَيْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِفُلَانٍ دَارٌ أُخْرَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى الْيَمِينِ غَيْظًا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَامِلُهُ غِيظَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي غَيْرِ الْمُشَارِ لَا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ لَا أَتَزَوَّجُ بِنْتَ فُلَانٍ لَا يَحْنَثُ بِالْبِنْتِ الَّتِي بَعْدَ الْيَمِينِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهَا إضَافَةُ نِسْبَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَنْعَقِدَ عَلَى الْمَوْجُودِ حَالَ التَّزَوُّجِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي التَّفَارِيقِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ تَزَوَّجَتْ بِنْتَ فُلَانٍ أَوْ أَمَتَهُ أَنَّهُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ اهـ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ وَالصِّدِّيقِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَكَلَّمَهُ حَنِثَ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالْمُعَرَّفِ) أَيْ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا بِالْإِشَارَةِ إلَى الصَّاحِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُنَكَّرُهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) قَالَ الْكَمَالُ فِي النَّفْيِ كَلَا أُكَلِّمُهُ الْحِينَ أَوْ حِينًا وَالْإِثْبَاتُ نَحْوُ لَأَصُومَنَّ حِينًا أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ أَوْ زَمَانًا. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) فَمِنْ وَقْتِ الطَّلْعِ إلَى وَقْتِ الرُّطَبِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَمِنْ وَقْتِ الرُّطَبِ إلَى وَقْتِ الطَّلْعِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالزَّمَانُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلِأَرْبَعِينَ سَنَةً وَلِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ بَلْ إنَّهُ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَدِيدِ وَالْقَصِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ وَهُوَ أَخُو الْحِينِ فِي الْوَضْعِ وَالِاسْتِعْمَالِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي خُصُوصِ الْمُدَّةِ فَيُصْرَفُ إلَى مَا سُمِعَ مُتَوَسِّطًا ثُمَّ قِيلَ هَذَا إنْ تَمَّ فِي زَمَانِ الْمُنَكَّرِ لَمْ يُتِمَّ فِي الْمُعَرَّفِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ الْأَبَدُ كَالدَّهْرِ وَالْعُمْرِ وَلِهَذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ فَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الزَّمَانَ إلَّا سَنَةً صَحَّ وَعُهِدَ بِهِ السِّتَّةَ أَشْهُرٍ

مُنْذُ حِينٍ وَمُنْذُ زَمَانٍ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُعَرَّفُ وَالْمُنَكَّرُ لِأَنَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لِمَا كَانَتْ مَعْهُودَةً انْصَرَفَ الْمُعَرَّفُ إلَيْهَا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَعَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالدَّهْرُ وَالْأَبَدُ الْعُمْرُ) لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ مِنْهُمَا يُرَادُ بِهِ الْأَبَدُ عَادَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] أَيْ الْأَبَدِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَامَ الْأَبَدَ فَلَا صِيَامَ لَهُ» أَيْ عُمْرَهُ كُلَّهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَهْرٌ مُجْمَلٌ) أَيْ الْمُنَكَّرُ مِنْهُ مُجْمَلٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا هُوَ كَالْحِينِ وَالْخِلَافُ فِي الْمُنَكَّرِ خَاصَّةً هُوَ الصَّحِيحُ وَأَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْأَبَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُهُ مُنْذُ دَهْرٍ وَمُنْذُ حِينٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَوَقَّفَ فِيهِ وَقَالَ لَا أَدْرِي مَا الدَّهْرُ وَالتَّوَقُّفُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُرَجِّحِ مِنْ الْكَمَالِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُئِلَ عَنْ خَيْرِ الْبِقَاعِ فَقَالَ لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَسَأَلَ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَصَعِدَ إلَى السَّمَاءِ وَنَزَلَ فَقَالَ سَأَلْت رَبِّي عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ خَيْرُ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ وَخَيْرُ أَهْلِهَا مَنْ يَكُونُ أَوَّلَ النَّاسِ دُخُولًا وَآخِرَهُمْ خُرُوجًا» وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ لَا أَدْرِي ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ طُوبَى لِابْنِ عُمَرَ سُئِلَ عَمَّا لَا يَدْرِي فَقَالَ لَا أَدْرِي فَعَلِمَ أَنَّهُ مِنْ الْكَمَالِ وَالتَّوَرُّعِ وَقِيلَ إنَّمَا قَالَ لَا أَدْرِي تَأَدُّبًا وَحِفْظًا لِلِسَانِهِ عَنْ التَّحَدُّثِ فِي الدَّهْرِ فَإِنَّهُ جَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» أَيْ خَالِقُ الدَّهْرِ وَقِيلَ وَجَدَ اسْتِعْمَالَ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفًا فَإِنَّ الْمُعَرَّفَ مِنْهُ لِلْأَبَدِ وَالْمُنَكَّرُ يُخَالِفُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا أَدْرِي مَا الدَّهْرُ لِأَنَّ اللُّغَاتِ لَا تُدْرَكُ بِالرَّأْيِ فَتُرِكَ الْخَوْضُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَيَّامُ وَأَيَّامٌ كَثِيرَةٌ وَالشُّهُورُ وَالسُّنُونَ عَشْرَةٌ وَمُنَكَّرُهَا ثَلَاثَةٌ) وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ وَالْأَزْمِنَةُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا فِي الْأَيَّامِ وَأَيَّامٍ كَثِيرَةٍ سَبْعَةٌ وَالشُّهُورُ اثْنَا عَشْرَ وَمَا عَدَاهَا لِلْأَبَدِ وَالْمُنَكَّرُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ جَمْعٌ ذُكِرَ مُنَكَّرًا فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ بِخِلَافِ مُنَكَّرِ الْمُعَاوَضَاتِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِلْجَهَالَةِ وَأَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ إنْ كَانَ ثَمَّ مَعْهُودٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِلْجِنْسِ فَإِذَا كَانَ لِلْجِنْسِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى أَدْنَى الْجِنْسِ أَوْ إلَى الْكُلِّ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا بَيْنَهُمَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُمَا يَقُولَانِ وُجِدَ الْعَهْدُ هُنَا فِي الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ لِأَنَّ الْأَيَّامَ تَدُورُ عَلَى سَبْعَةٍ وَالشُّهُورُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَفِي غَيْرِهِمَا لَمْ يُوجَدْ فَيَسْتَغْرِقُ الْعُمْرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّ أَكْثَرَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ عَشْرَةٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ آلَةُ التَّعْرِيفِ اسْتَغْرَقَ الْجَمِيعَ وَهُوَ الْعَشَرَةُ لِأَنَّ الْكُلَّ مِنْ الْأَقَلِّ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّ مِنْ الْخَاصِّ وَالْأَصْلُ فِي الْعَامِّ هُوَ الْعُمُومُ مَا لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى الْخُصُوصِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا ذَكَرَاهُ مَعْهُودٌ لِأَنَّ انْتِهَاءَهَا لِانْتِهَاءِ أَسَامِيهَا لَا لِأَنْفُسِهَا وَآلَةُ التَّعْرِيفِ إنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ وَنَحْوِهَا فَانْصَرَفَتْ إلَى تَعْرِيفِهَا فِي أَنْفُسِهَا فَصَارَتْ لِأَقْصَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ اللَّفْظُ فَإِنْ قِيلَ آلَةُ التَّعْرِيفِ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْأَعْيَانِ تُفِيدُ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ لَا تَعْرِيفَ الْعَدَدِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ النِّسَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِنْسِ لَا إلَى الْعَدَدِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ قُلْنَا الْعَدَدُ فِي الزَّمَانِ مَعْهُودٌ لِأَنَّهُ مَعْدُودٌ عَادَةً فَصَارَ صَرْفُهُ إلَى هَذَا الْمَعْهُودِ أَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إلَى الْجِنْسِ لِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ وَلِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْعَدَدِ لَحُمِلَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَحِينَئِذٍ يَتَنَكَّرُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَعْدَ دُخُولِ آلَةِ التَّعْرِيفِ فَيَكُونُ بَاطِلًا بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ فَلَا يَتَنَكَّرُ فَإِنْ قِيلَ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِآلَةِ التَّعْرِيفِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَقَوْلِهِ لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ وَنَحْوِهِ فَلِمَ حُمِلَ هَاهُنَا عَلَى الْكُلِّ قُلْنَا الْأَصْلُ فِي الْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ فَأَمْكَنَ ذَلِكَ فِي الْأَزْمَانِ دُونَ الْأَعْيَانِ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْمَنْعُ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَوْ الْحَمْلُ وَهُوَ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأَفْرَادَ كُلَّهَا فِي الْأَعْيَانِ فَكَيْفَ يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَنْهُ وَلَوْ امْتَنَعَ عَنْهُ يُضَافُ الِامْتِنَاعُ إلَى عَدَمِ الْقُدْرَةِ لَا إلَى الْيَمِينِ بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْتَنِعَ فِي الْكُلِّ وَكَذَا بِالْفِعْلِ مَرَّةً فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَحْنَثُ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فِي زَمَانٍ فَفَعَلَهُ مَرَّةً حَنِثَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا فَكَلَّمَهُ مَرَّةً وَفِي الْأَعْيَانِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَفْعَلَ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ فَلَوْ حَمْلَ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ لَمَّا تَصَوَّرَ حِنْثُهُ فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنْهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْفِعْلِ فِي الْكُلِّ وَفِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ أَيَّامًا كَثِيرَةً إنَّمَا انْصَرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا ثَبَتَتْ فِي لَفْظِ الْحِينِ وَكَوْنُ الزَّمَانِ مِثْلَهُ إنْ أُرِيدَ فِي الْوَضْعِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَيَّنِ لِخُصُوصِ مُدَّةٍ عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي اُسْتُعْمِلَ فِيهَا وَسَطًا وَإِنْ أُرِيدَ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَيَحْتَاجُ إلَى ثَبْتٍ مِنْ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ بِخِلَافِ لَأَصُومَنَّ حِينًا أَوْ زَمَانًا كَانَ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ شَاءَ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ) أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحِينِ وَالزَّمَانِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالدَّهْرُ وَالْأَبَدُ الْعُمْرُ) {فَرْعٌ} إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الْعُمْرَ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ وَاخْتَلَفَ جَوَابُ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي الْمُنَكَّرِ نَحْوُ عُمْرًا فَمَرَّةً قَالَ فِي: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ عُمْرٍ يَقَعُ عَلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ وَمَرَّةً قَالَ هُوَ مِثْلُ الْحِينِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. اهـ. كَمَال - رَحِمَهُ اللَّهُ -

[باب اليمين في الطلاق والعتاق]

عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا السَّبْعَةُ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَفَهُ بِالْكَثْرَةِ يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْأَقَلَّ وَهُوَ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِفْهُ كَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُ وَمُنْصَرِفًا إلَيْهِ وَلَيْسَ بَعْضُ الْأَعْدَادِ مِمَّا فَوْقَ الثَّلَاثِ بِأُولَى مِنْ الْبَعْضِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ بِلَفْظِ الْأَيَّامِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ أَجْمَعَ مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا يَقَعُ عَلَى أَيَّامِ الْجُمُعَةِ فِي الْمُدَّةِ وَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَاتِ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ اسْمٍ لِيَوْمٍ مَخْصُوصٍ إلَّا إذَا نَوَى الْأُسْبُوعَ فَيُصَدَّقُ لِلِاحْتِمَالِ وَلِلتَّغْلِيظِ عَلَى نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَيِّتَ وَلَدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وَالْأَخِيرَ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَالْوَسَطَ لِفَرْدٍ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ وَأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ مَتَى اتَّصَفَ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَتَّصِفُ بِالْآخَرِ مِنْهَا لِلتَّنَافِي بَيْنَهَا وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ كَذَا حَنِثَ بِالْمَيِّتِ بِخِلَافِ فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَحْدَهُ) أَيْ لَا يَعْتِقُ الَّذِي يُولَدُ بَعْدَهُ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ وَلَدٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا حَتَّى تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَالدَّمُ الَّذِي بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَتُرْجَى شَفَاعَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ السَّقْطَ لَيَقُومُ مُحْبَنْطِئًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ لَا أَدْخُلُ حَتَّى يَدْخُلَ أَبَوَايَ» فَإِذَا كَانَ وَلَدًا تَحَقَّقَ الشَّرْطُ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ عَلَى أُمِّهِ ضَرُورَةً بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ حَيْثُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ عِنْدَهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ فَهُوَ حُرٌّ أَيْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَذَلِكَ الْوَلَدُ حُرٌّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِلْحُرِّيَّةِ وَهِيَ الْجَزَاءُ وَانْحِلَالُ الْيَمِينِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نُزُولِ الْجَزَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمْ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّقَ بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ عِتْقَ غَيْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَاَلَّذِي يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ثَانِي وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الثَّانِي فَلَوْلَا أَنَّ الْأَوَّلَ وِلَادَةٌ لَمَا عَتَقَ لِأَنَّهُ صَارَ أَوَّلًا وَلَهُ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْحُرِّيَّةَ وَصْفًا لِلْمَوْلُودِ تَقَيَّدَ بِوِلَادَةِ الْحَيِّ نَظَرًا إلَى هَذَا الْوَصْفِ إذْ الْمَيِّتُ لَا يَقْبَلُهُ وَبِهِ فَارَقَ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ لِأَنَّ الْجَزَاءَ هُنَاكَ لَيْسَ وَصْفًا لِلشَّرْطِ أَوْ نَقُولُ ثَبَتَتْ الْحَيَاةُ فِيهِ مُقْتَضًى صَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ اللَّغْوِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ وَلَدْت وَلَدًا مَيِّتًا فَهُوَ حُرٌّ لَغَا وَنَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ إنْ ضَرَبْت فُلَانًا فَعَبْدِي حُرٌّ يَتَقَيَّدُ بِحَيَاةِ الْمَضْرُوبِ لِأَنَّ مَعْنَى الضَّرْبِ وَهُوَ الْإِيلَامُ لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا لِغَيْرِهِ حَيْثُ يَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ وَلَمْ يَتَقَيَّدْ الْيَمِينُ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ مَحَلُّ الْإِعْتَاقِ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْفُذُ فِيهِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْمَالِكِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حَيًّا أَوْ قَالَ إنْ وَلَدْت وَلَدًا حَيًّا فَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِالْحَيَاةِ نَصًّا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ فَهُوَ حُرٌّ فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ عَبْدٌ مَيِّتٌ ثُمَّ آخَرُ حَيٌّ حَيْثُ يَعْتِقُ الْآخَرُ بِالْإِجْمَاعِ فِي الصَّحِيحِ وَالْعُذْرُ لَهُمَا أَنَّ الْعُبُودِيَّةَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تَبْقَى لِأَنَّ الرِّقَّ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَالْوِلَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ] ِ) قَدَّمَ هَذَا الْبَابَ عَلَى غَيْرِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ فِي حَلِفِ النَّاسِ فَكَأَنَّ بَيَانَهُ أَهَمُّ بِاعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ) فَلَا يُسَمَّى وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ وَالْوَصِيَّةَ وَلَا يَعْتِقُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ كَذَا إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي إذَا قَالَ لَهَا إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَسْقَطَتْ سِقْطًا قَدْ اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ طَلُقَتْ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِمِثْلِهِ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ بِمِثْلِهِ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ خَلْقُهُ لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ وَلَمْ تَنْقَضِ بِهِ عِدَّةٌ وَلَمْ تَصِرْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْيَا فِي الْآخِرَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُحْبَنْطِئًا) الْمُحْبَنْطِئُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ الْمُتَغَضِّبُ الْمُسْتَبْطِئُ لِلشَّيْءِ كَذَا فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ وَقَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ يُرْوَى بِغَيْرِ هَمْزٍ وَبِهَمْزٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ الْمُتَغَضِّبُ الْمُسْتَبْطِئُ لِلشَّيْءِ وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ الْعَظِيمُ الْبَطْنِ الْمُنْتَفِخُ يَعْنِي يَغْضَبُ وَيَنْتَفِخُ بَطْنُهُ مِنْ الْغَضَبِ حَتَّى يَدْخُلَ أَبَوَاهُ الْجَنَّةَ مِنْ حَبَطَ إذَا انْتَفَخَ بَطْنُهُ اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْفِعْلُ مِنْهُمَا احْبَنْطَأَ مَهْمُوزًا وَاحْبَنْطَى مَقْصُورًا (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْحُرِّيَّةَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ إلَّا الْوَلَدَ الْحَيَّ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ جَعَلَ الْجَزَاءَ وَصْفًا لِلْمَوْصُوفِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ الْوَلَدُ وَهَذَا الْوَصْفُ الْخَاصُّ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْحَيِّ فَيُقَيَّدُ الْمَوْصُوفُ بِالشَّرْطِ بِالْحَيَاةِ وَإِلَّا لَغَا الْكَلَامُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا حَيًّا اهـ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ) حَتَّى لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَعْتِقُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ مَحَلُّ الْإِعْتَاقِ) أَيْ لِصِحَّةِ ثُبُوتِهِ فِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ مَالِكِهِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إضْمَارِ الْمِلْكِ فِيهِ أَمَّا الْمَيِّتُ لَا يَصِحُّ إيجَابُ الْعِتْقِ فِيهِ لَا مَوْقُوفًا وَلَا غَيْرَهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الرِّقَّ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ) وَإِيضَاحُهُ أَنَّ اسْمَ الْعَبْدِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُهُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةِ فِيهِ فَكَانَ الْعَبْدُ اسْمًا لِشَخْصٍ قَامَ بِهِ الْمِلْكُ وَالْمَالِيَّةُ وَبِالْمَوْتِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا فَلَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْعَبْدِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ حَيٌّ وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَبْدًا مَجَازًا بِالصِّفَةِ الْمَوْجُودَةِ حَالَ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ اسْمٌ لِلْمَوْلُودِ وَالْمَيِّتُ مَوْلُودٌ حَقِيقَةً كَالْحَيِّ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَيَاةِ اهـ

فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَيِّتِ أَيْضًا إجْمَاعًا وَلِهَذَا لَوْ عَلَّقَ بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ حُرِّيَّةَ غَيْرِهِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَيَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا عَتَقَ وَلَوْ مَلَكَ عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ آخَرَ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي اسْمِهِ وَمَعْنَاهُ فَالْمُشْتَرِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وُجِدَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى فَيَعْتِقُ وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى الْعَبْدَيْنِ مَعًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا الشَّرْطُ وَهُوَ الْفَرْدِيَّةُ وَلَا فِيمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَهُمَا لِعَدَمِ السَّبْقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ زَادَ وَحْدَهُ عَتَقَ الثَّالِثُ) أَيْ زَادَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَلَى الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِأَنْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ وَحْدَهُ أَوْ أَمْلِكُهُ وَحْدَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ وَاحِدًا بَعْدَهُمَا عَتَقَ الثَّالِثُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الِانْفِرَادُ فِي حَالَةِ الشِّرَاءِ لِأَنَّ وَحْدَهُ لِلْحَالِ لُغَةً يُقَالُ جَاءَ زَيْدٌ وَحْدَهُ أَيْ مُنْفَرِدًا فَيُشْتَرَطُ انْفِرَادُهُ فِي حَالَةِ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَكَانَ أَوَّلًا فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ بِالدَّنَانِيرِ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِالْعُرُوضِ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا بِالدَّنَانِيرِ عَتَقَ لِمَا قُلْنَا وَكَذَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ أَسْوَدَ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبِيدًا بِيضًا ثُمَّ اشْتَرَى أَسْوَدَ عَتَقَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحَالِهِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ وَاحِدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا لَا يَعْتِقُ الثَّالِثُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قُلْنَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَحْدَهُ يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ وَنَفْيَ مُشَارَكَةِ الْغَيْرِ إيَّاهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَا يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الذَّاتِ وَوَاحِدًا يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الذَّاتِ وَتَأْكِيدَ الْمُوجَبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَةٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي ذَاتِهِ وَهُوَ الرُّجُولِيَّةُ لَا فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ وَهُوَ الْكَيْنُونَةُ فِي الدَّارِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي وَصْفَ التَّفَرُّدِ لِلرَّجُلِ فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ وَهُوَ الْكَيْنُونَةُ فِي الدَّارِ لَا انْفِرَادُهُ فِي ذَاتِهِ وَهُوَ الرُّجُولِيَّةُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ مَا فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَفِيهَا رَجُلَانِ كَانَ كَاذِبًا وَلَوْ قَالَ مَا فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَحْدَهُ كَانَ صَادِقًا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ قَوْلُهُ أَمْلِكُهُ وَحْدَهُ يَقْتَضِي التَّفَرُّدَ فِي التَّمَلُّكِ وَالْعَبْدُ الثَّالِثُ مُتَّصِفٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَعْتِقُ وَقَوْلُهُ أَمْلِكُهُ وَاحِدًا صِفَةٌ لِلْعَبْدِ فَيَقْتَضِي التَّفَرُّدَ فِي ذَاتِهِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْحُكْمُ بِهِ وَجَرَى وُجُودُهُ مَجْرَى عَدَمِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إفَادَةِ مَعْنَى التَّفَرُّدِ حَالَةَ الشِّرَاءِ فَلَمْ يَعْتِقْ إلَّا إذَا نَوَى مَعْنَى التَّوَحُّدِ فِي حَالَةِ الشِّرَاءِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ الْمَوْلَى فَلَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا وَنِصْفَ عَبْدٍ عَتَقَ الْعَبْدُ الْكَامِلُ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لَيْسَ بِعَبْدٍ فَلَمْ يُشَارِكْهُ فِي اسْمِهِ فَلَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ وَصْفُ الْأَوَّلِيَّةِ وَالْفَرْدِيَّةِ كَمَا لَوْ مَلَكَ مَعَهُ ثَوْبًا أَوْ نَحْوَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَوَّلُ كُرٍّ أَمْلِكُهُ فَهُوَ هَدْيٌ فَمَلَكَ كُرًّا وَنِصْفَ كُرٍّ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ النِّصْفَ يُزَاحِمُ الْكُلَّ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ لِأَنَّهُ بِالضَّمِّ يَصِيرُ شَيْئًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا فَمَاتَ) أَيْ السَّيِّدُ (لَمْ يَعْتِقْ) لِأَنَّ الْآخِرَ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ مِنْ جِنْسِهِ وَلَا سَابِقَ لَهُ فَلَا يَكُونُ لَاحِقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَدْخُلَ فِي ضِدِّهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا فَمَاتَ عَتَقَ الْآخَرُ) لِأَنَّهُ فَرْدٌ لَاحِقٌ وَيَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى وَقْتِ الشِّرَاءِ حَتَّى يَعْتِقَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ مُقْتَصِرًا عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ ثَبَتَتْ بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ فَصَارَ الْعِتْقُ مُعَلَّقًا بِعَدَمِ الشِّرَاءِ بَعْدَهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْعَدَمُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَقْتَصِرُ الْعِتْقُ عَلَى زَمَنِ الْمَوْتِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَشْتَرِ عَلَيْك عَبْدًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ وَحْدَهُ لِلْحَالِ لُغَةً) أَيْ فَيُقَيَّدُ عَامِلُهُ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِمَعْنَاهُ فَيُفِيدُ أَنَّ الشِّرَاءَ فِي حَالِ تَفَرُّدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ صَادِقٌ فِي الثَّالِثِ فَيَعْتِقُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ وَاحِدًا لَا يَعْتِقُ الثَّالِثُ لِأَنَّ وَاحِدًا يَحْتَمِلُ التَّفَرُّدَ فِي الذَّاتِ فَتَكُونُ حَالًا مُؤَكِّدَةً لِأَنَّ الْوَاقِعَ كَوْنُهُ كَذَلِكَ فِي ذَاتِهِ فَلَا يَعْتِقُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَوَّلَيْنِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ أَوَّلٌ بِهَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّهُ فِي ذَاتِهِ فَرْدٌ وَاحِدٌ وَسَابِقٌ عَلَى مَنْ يَكُونُ بَعْدَهُ فَلَمْ يَكُنْ الثَّالِثُ أَوَّلًا بِهَذَا الْمَعْنَى وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ هَذَا الْمَعْنَى يَعْتِقُ كُلٌّ مِنْ الِاثْنَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَيَحْتَمِلُ كَوْنُهُ بِمَعْنَى الِانْفِرَادِ فِي تَعَلُّقِ الْفِعْلِ فَتَكُونُ مُؤَسِّسَةً فَيَعْتِقُ لِأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ فِي تَعْلِيقِ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الْأَوَّلَيْنِ فَلَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَاسْتُشْكِلَ يَعْنِي الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَعْنِي أَوَّلَ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ وَحْدَهُ فَهُوَ حُرٌّ بِمَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ وَاحِدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ اشْتَرَى آخَرَ لَا يَعْتِقُ الثَّالِثُ مَعَ أَنَّ طَرِيقَ التَّفَرُّدِ فِيهِمَا عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ وَاحِدًا يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُشَارَكَةِ فِي الذَّاتِ وَوَحْدَهُ يَقْتَضِيهِ فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ دُونَ الذَّاتِ وَلِهَذَا صُدِّقَ الرَّجُلُ فِي قَوْلِهِ فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِيهَا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ وَكُذِّبَ إنْ قَالَ وَحْدَهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ قُلْنَا إذَا قَالَ وَاحِدًا إنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى أَوَّلِ عَبْدٍ مُطْلَقٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدًا لَمْ يُفِدْ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مَا أَفَادَهُ لَفْظُ أَوَّلِ فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ وَإِذَا قَالَ وَحْدَهُ فَقَدْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى أَوَّلِ عَبْدٍ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ فِي التَّمْلِيكِ وَالثَّالِثُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيَعْتِقُ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا لَا يَعْتِقُ) أَيْ أَحَدٌ مِنْهُمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ الْمَوْلَى) أَيْ حَالَ كَوْنِي مُنْفَرِدًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ لَاحِقًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ تُحَقِّقُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَحَقُّقِ الْآخِرِيَّةِ وُجُودٌ سَابِقٌ بِالْفِعْلِ وَفِي الْأَوَّلِيَّةِ عَدَمُ تَقَدُّمِ غَيْرِهِ لَا وُجُودُ آخَرَ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَعْتِقْ الْمُشْتَرَى فِي قَوْلِهِ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ إذَا لَمْ يَشْتَرِ بَعْدَهُ غَيْرَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَدْخُلَ فِي ضِدِّهِ) أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ أَوَّلًا وَآخِرًا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى كُلِّ حَالٍّ) أَيْ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ اهـ

فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَمْ يَشْتَرِ حَتَّى مَاتَ يَعْتِقُ الْمُخَاطَبُ مُقْتَصِرًا عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ فَكَذَا هَذَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَالْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَلَهُ أَنَّ الْآخِرِيَّةَ تَثْبُتُ لِلثَّانِي كَمَا اشْتَرَاهُ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ بِعَرْضِ الزَّوَالِ لِاحْتِمَالِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُ صِفَةَ الْآخِرِيَّةِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ آخِرًا مُنْذُ اشْتَرَاهُ فَيَعْتِقُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ بِالْحَيْضِ فَرَأَتْ الدَّمَ لَمْ يَحْنَثْ لِلْحَالِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ دُونَ الثَّلَاثِ فَإِذَا اسْتَمَرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعِتْقَ أَوْ الطَّلَاقَ كَانَ وَاقِعًا مِنْ وَقْتِ رَأَتْ الدَّمَ وَقَوْلُهُمْ إنَّ صِفَةَ الْآخِرِيَّةِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فَلَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ وَتَمَّتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ قَالَ كُنْت فِئْت إلَيْهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِعَدَمِ الْقُرْبَانِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَلْفُوظًا صَرِيحًا لَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَقْرَبْك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ فَلَمَّا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَالَ كُنْت قَرُبْتُهَا فِي الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَذَا هُنَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَقَعُ عِنْدَ الْمَوْتِ عِنْدَهُمَا وَتَرِثُ بِحُكْمِ أَنَّهُ فَارٌّ وَلَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَتَحُدُّ وَعِنْدَهُ يَقَعُ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالدُّخُولِ بِشُبْهَةٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ بِلَا حِدَادٍ وَلَا تَرِثُ مِنْهُ وَلَوْ قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ طَلَّقَ الْأُولَى ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ طَلُقَتْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا مَرَّةً لِأَنَّ الَّتِي أَعَادَ عَلَيْهَا التَّزَوُّجَ اتَّصَفَتْ بِكَوْنِهَا أَوْلَى فَلَا تَتَّصِفُ بِالْآخِرِيَّةِ لِلتَّضَادِّ كَمَنْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَضْرِبُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَ عَبْدًا ثُمَّ ضَرَبَ آخَرَ ثُمَّ أَعَادَ الضَّرْبَ فِي الْأَوَّلِ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ الْمَضْرُوبُ مَرَّةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُلُّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَبَشَّرَهُ ثَلَاثَةٌ مُتَفَرِّقُونَ عَتَقَ الْأَوَّلُ) لِأَنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِخَبَرٍ سَارٍّ صِدْقٍ لَيْسَ لِلْمُبَشَّرِ بِهِ عِلْمُهُ عُرْفًا وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الْبَاقِيَيْنِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّ بِابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ فَكَانَ يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ بَشَّرَنِي أَبُو بَكْرٍ وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ» فَقَدْ سَمَّى أَبَا بَكْرٍ مُبَشِّرًا لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِخَبَرٍ سَارٍّ صِدْقٍ وَلَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ وَهَذَا بِخِلَافِ الْخَبَرِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ أَخْبَرَنِي بِقُدُومِ فُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ فَأَخْبَرَهُ ثَلَاثَةٌ مُتَفَرِّقُونَ عَتَقُوا لِمَا بَيَّنَّا وَرَوَيْنَا لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا كَالْبِشَارَةِ وَلَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ الْعَبْدُ عَتَقَ فِي الْبِشَارَةِ وَالْخَبَرِ لِأَنَّ الْكِتَابَ وَالْمُرَاسَلَةَ تُسَمَّى بِشَارَةً وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَدِيثِ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُشَافَهَةِ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا لَهُ أَرْسَلَ عَبْدًا آخَرَ بِالْبِشَارَةِ فَجَاءَ الرَّسُولُ وَقَالَ لِلْمَوْلَى إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك قَدِمَ فُلَانٌ عَتَقَ الْمُرْسِلُ دُونَ الرَّسُولِ وَهَذِهِ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابِ وَلَوْ قَالَ الرَّسُولُ إنَّ فُلَانًا قَدْ قَدِمَ وَلَمْ يَقُلْ أَرْسَلَنِي عَتَقَ الرَّسُولُ خَاصَّةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَشَّرُوهُ مَعًا عَتَقُوا) لِأَنَّ الْبِشَارَةَ تَحَقَّقَتْ مِنْ الْجَمِيعِ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ خَبَرٍ يُغَيِّرُ بَشَرَةَ الْوَجْهِ لُغَةً وَفِي الْعُرْفِ عِبَارَةٌ عَمَّا بَيَّنَّاهُ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ مِنْ الْجَمَاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ إلَخْ) فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَتَرِثُ بِحُكْمِ أَنَّهُ فَارٌّ) أَيْ حَيْثُ حَكَمَا بِطَلَاقِهَا فِي آخِرِ نَفَسٍ مِنْ حَيَاتِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ) أَيْ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا لِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ الْكَمَالُ وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عِدَّةَ الطَّلَاقِ لَا غَيْرُ اهـ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ فِي فَصْلِ الْفَارِّ وَيَجْعَلُهَا بِالْأَقْرَاءِ وَهُمَا بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ اهـ وَقَالَ فِي الْكَنْزِ وَزَوْجَةُ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ قَالَ الشَّارِحُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ بِالْحَيْضِ وَهُوَ الْقِيَاسُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا تَرِثُ مِنْهُ) أَيْ لِأَنَّهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَقْتَ تَزْوِيجِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِخَبَرٍ سَارٍّ صِدْقٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ أُورِدَ عَلَى اشْتِرَاطِ الصِّدْقِ فِي الْبِشَارَةِ أَنَّ تَغَيُّرَ الْوَجْهِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْإِخْبَارِ السَّارِّ صِدْقًا كَذَلِكَ يَحْصُلُ كَذِبًا وَأُجِيبَ بِمَا لَيْسَ بِمُفِيدٍ وَالْوَجْهُ فِيهِ نَقْلُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ بَشَّرُوهُ مَعًا عَتَقُوا) قَالَ الْحَاكِمُ وَإِنْ قَالَ عَنَيْت وَاحِدًا لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسَعُهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُمْ وَاحِدًا فَيُمْضِيَ عِتْقَهُ وَيُمْسِكَ الْبَقِيَّةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ خَبَرٍ يُغَيِّرُ بَشَرَةَ الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ فَرَحٍ أَوْ تَرَحٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} [هود: 71]. اهـ. كَافِي قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ سَارًّا فِي الْعُرْفِ وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَهُوَ مَا يُغَيِّرُ الْبَشَرَةَ سَارًّا أَوْ ضَارًّا قَالَ تَعَالَى {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] وَلَكِنْ إذَا وَقَعَ بِمَا يُكْرَهُ قُرِنَ بِذِكْرِ مَا بِهِ الْوَعِيدُ كَمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا خَاصٌّ بِالْمَحْبُوبِ وَمَا وَرَدَ بِهِ فِي الْمَكْرُوهِ فَمَجَازٌ دُفِعَ بِمَادَّةِ اشْتِقَاقِهِ وَهِيَ الْبَشَرَةُ فَإِنَّهَا تُفِيدُ أَنَّ لِذَلِكَ الْخَبَرِ أَثَرًا فِي الْبَشَرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِخْبَارَ بِمَا يَخَافُهُ الْإِنْسَانُ يُوجِبُ تَغَيُّرَ بَشَرَتِهِ فِي الْمُشَاهَدِ الْمَعْرُوفِ كَمَا يَتَغَيَّرُ بِالْمَحْبُوبِ إلَّا أَنَّ عَلَى الْعُرْفِ بِنَاءَ الْأَيْمَانِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بَشَرَةُ الْوَجْهِ مَا نَصُّهُ وَالْبَشَرَةُ ظَاهِرُ الْجِلْدِ وَمِنْ قَوْلِهِمْ بَاشَرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إذَا أَلْصَقَ بَشَرَتَهُ بِبَشَرَتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28] بِالْفَاءِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَكَذَا هُوَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَمَا شَاهَدْته بِخَطِّ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَالتِّلَاوَةُ {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28] بِالْوَاوِ لَا بِالْفَاءِ وَفِي شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ كَمَا شَاهَدْته بِخَطِّ الْعَيْنِيِّ فَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ وَالتِّلَاوَةُ {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101] وَهِيَ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ وَالْأُولَى فِي الذَّارِيَاتِ اهـ

شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ لَا شِرَاءُ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ أَبِيهِ أَيْضًا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ أَنْ يَقُولَ لِأَمَةِ غَيْرِهِ وَقَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي فَاشْتَرَاهَا فَإِنَّهَا تَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النِّيَّةَ إذَا قَارَنَتْ عِلَّةَ الْعِتْقِ وَرِقُّ الْمُعْتَقِ كَامِلٌ صَحَّ التَّكْفِيرُ وَإِلَّا فَلَا وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِنَاءً عَلَيْهِ فَعِنْدَهُمَا عِلَّةُ الْعِتْقِ الْقَرَابَةُ لِأَنَّهَا عِلَّةُ الصِّلَاتِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْقَرَابَةِ كَمَا فِي النَّفَقَةِ وَالتَّزَاوُرِ وَالشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ وَالْإِعْتَاقُ سَبَبٌ لِزَوَالِهِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَاسْتَحَالَ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى الشِّرَاءِ فَلَمْ تَتَّصِلْ النِّيَّةُ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ فَلَا يَصِحُّ كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ نَاوِيًا عَنْ التَّكْفِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا شِرَاءَ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ نِيَّةَ التَّكْفِيرِ قَارَنَتْ الشَّرْطَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ الشِّرَاءُ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ التَّعْلِيقُ الْأَوَّلُ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ صَحَّ وَجَازَ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ صَرْفَ مَنْفَعَةِ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ فَلَا تَجُوزُ كَغَيْرِهَا مِنْ الْقُرَبِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ وَلَنَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيهِ فَيُعْتِقُهُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ أَيْ يُعْتِقُهُ بِذَلِكَ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِلْعِتْقِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ أَيْ بِذَلِكَ السَّقْيِ وَضَرَبَهُ فَأَوْجَعَهُ أَيْ بِذَلِكَ الضَّرْبِ وَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ إعْتَاقٌ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ اشْتَرَى نِصْفَهُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَهَذَا الضَّمَانُ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْمُعْتِقِ وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يُوجِبُ الْمِلْكَ وَالْمُلْكُ يُوجِبُ الْعِتْقَ فِي الْقَرِيبِ فَيُضَافُ الْمِلْكُ مَعَ حُكْمِهِ إلَى شِرَائِهِ لِأَنَّهُمَا حَدَثَا بِهِ وَهَذَا كَمَنْ رَمَى إنْسَانًا فَأَصَابَهُ فَمَاتَ قُتِلَ بِهِ كَأَنَّهُ جَزَّ رَقَبَتَهُ بِالسَّيْفِ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقِيَاسُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا صُوِّرَتْ هَكَذَا لِأَنَّهُ يُرِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ شِرَاءِ الْقَرِيبِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَشِرَاءَ أُمِّ الْوَلَدِ وَإِلَّا فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يُجْزِي مُعَلَّقًا وَلَا مُنَجَّزًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشِّرَاءَيْنِ مَعَ أَنَّ الشِّرَاءَ فِي الْفَصْلَيْنِ مَسْبُوقٌ بِمَا يُوجِبُ الْعِتْقَ مِنْ وَجْهٍ وَهُمَا الْقَرَابَةُ وَالِاسْتِيلَادُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ اسْتَحَقَّتْ الْعِتْقَ بِالِاسْتِيلَادِ حَتَّى جُعِلَ إعْتَاقًا مِنْ وَجْهٍ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» فَهِيَ قَبْلَ الشِّرَاءِ قَدْ عَتَقَتْ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ عِتْقُهَا بِالشِّرَاءِ أَوْ تَنْجِيزًا إعْتَاقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَالْوَاجِبُ بِالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ إعْتَاقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْقَرِيبِ فَإِنَّهُ إعْتَاقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الشِّرَاءِ عِتْقٌ مِنْ وَجْهٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْعِتْقُ فَلِوُجُودِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي الْيَمِينِ السَّابِقَةِ وَهُوَ الشِّرَاءُ وَأَمَّا عَدَمُ الْإِجْزَاءِ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَلِأَنَّهَا لَمَّا اسْتَحَقَّتْ الْعِتْقَ بِالِاسْتِيلَادِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» لَمْ يَكُنْ كُلُّ الْعِتْقِ مُضَافًا إلَى الشِّرَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ عِلَّةُ الْعِتْقِ مِنْ وَجْهٍ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ تَحْرِيرٌ كَامِلٌ لَا تَحْرِيرٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَعِنْدَهُمَا عِلَّةُ الْعِتْقِ الْقَرَابَةُ) أَيْ الْمُتَقَدِّمَةُ لَا الشِّرَاءُ فَإِنَّ الشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ وَإِنَّمَا اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِالشِّرَاءِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ لَا بِالْعِلَّةِ فَصَارَ كَعِتْقِهِ بِيَمِينٍ مُتَقَدِّمَةٍ، بَيَانُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّحْرِيرُ وَالشِّرَاءُ لَيْسَ بِتَحْرِيرٍ لِمُنَافَاةٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ اسْتِجْلَابُ الْمِلْكِ وَالتَّحْرِيرَ إزَالَةُ الْمِلْكِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ بِالْقَرَابَةِ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا ادَّعَى نَسَبَهُ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ فِيهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْقَرَابَةِ كَمَا فِي النَّفَقَةِ) وَالْحَاصِلُ مِنْ دَلِيلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعِلَّةَ لِلْعِتْقِ هِيَ الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لَا الشِّرَاءُ لِلْقَرِيبِ لِأَنَّهَا الَّتِي ظَهَرَ أَثَرُهَا فِي وُجُوبِ الصِّلَاتِ كَالنَّفَقَةِ فَهِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْعِتْقِ وَإِنَّمَا الْمِلْكُ شَرْطُ عَمَلِهَا سَوَاءٌ حَصَلَ بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ نَفْسَ الْعِلَّةِ فَلَا لِأَنَّهُ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْعِتْقُ لِإِزَالَتِهِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَلَا يَكُونُ الْعِتْقُ مُقْتَضَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَاشْتَرَاهُ نَاوِيًا عَنْ التَّكْفِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ عِتْقَ الْعَبْدِ وَجَبَ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ كَانَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ حَتَّى إذَا قَالَ هُوَ حُرٌّ يَوْمَ أَشْتَرِيهِ وَعَنَى بِهِ أَنْ يَقَعَ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْعِتْقِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَجْزَأَهُ لِاقْتِرَانِ نِيَّةِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِعْتَاقِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَمْ تَقْتَرِنْ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ بَلْ اقْتَرَنَتْ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَلَيْسَ لِلشَّرْطِ أَثَرٌ فِي إيجَابِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِقَوْلٍ سَابِقٍ وَهُوَ قَوْلُهُ حُرٌّ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ نَوَى عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا هَذَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ أَيْ يُعْتِقُهُ بِذَلِكَ الشِّرَاءِ) بَيَانُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْوَلَدَ مُعْتِقًا لِوَالِدِهِ بِالشِّرَاءِ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْتَدَأَ لَمْ يُوجَدْ بِالِاتِّفَاقِ فَكَمَا اشْتَرَاهُ عَتَقَ وَكَلَامُ الرَّسُولِ تَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ الْإِلْغَاءِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا لَزِمَ الْإِلْغَاءُ وَمِثْلُهُ وَارِدٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ أَيْ بِالسَّقْيِ يُؤَيِّدُهُ، مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ» بَيَانُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ الْحُرِّيَّةَ جَزَاءً لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءُ عِلَّةٌ لِلْمِلْكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ مَنْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ تَحْرِيرًا وَإِعْتَاقًا وَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ فَجَازَ عَمَّا عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَرِثَ أَبَاهُ يَنْوِي بِهِ الْكَفَّارَةَ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ وَاخْتِيَارِهِ وَالتَّكْفِيرُ يَتَأَدَّى بِالتَّحْرِيرِ الَّذِي هُوَ صُنْعُهُ وَفِي الْأَسْبَابِ السَّابِقَةِ أَعْنِي الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْوَصِيَّةَ يَحْصُلُ صُنْعُهُ وَهُوَ الْقَبُولُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ بِذَلِكَ الضَّرْبِ) وَالتَّرْتِيبُ بِالْفَاءِ يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ عَلَى مَا عُرِفَ مِثْلُ سَهَا فَسَجَدَ وَزَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ اهـ

الرَّمْيَ يُوجِبُ نُفُوذَ السَّهْمِ وَمُضِيَّهُ فِي الْهَوَاءِ وَالنُّفُوذُ سَبَبُ الْوُقُوعِ فِي الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ وَالْوُقُوعُ سَبَبُ الْجُرْحِ وَهُوَ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيُضَافُ كُلُّهُ إلَى الرَّمْيِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ صِلَةٌ وَلِلْمِلْكِ تَأْثِيرٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الصِّلَةِ شَرْعًا حَتَّى تَجِبُ الزَّكَاةُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ صِلَةً لِلْفُقَرَاءِ كَمَا لِلْقَرَابَةِ تَأْثِيرٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الصِّلَةِ فَكَانَا عِلَّةً ذَاتَ وَصْفَيْنِ وَمَتَى تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى آخِرِهِمَا لِأَنَّ تَمَامَ الْعِلَّةِ بِهِ وَآخِرُ الْوَصْفَيْنِ هُنَا الْمِلْكُ فَيَكُونُ بِهِ مُعْتَقًا وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَسَبَ نَصِيبِهِ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ صَارَتْ آخِرَ الْوَصْفَيْنِ فَصَارَ بِهَا مُعْتَقًا وَلَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا شَهَادَةُ الشَّاهِدِ الثَّانِي حَيْثُ لَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا وَحْدَهَا وَإِنْ تَمَّتْ الْحُجَّةُ بِهَا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا ضَمَانُ مَا أَتْلَفَا بِشَهَادَتِهِمَا عِنْدَ الرُّجُوعِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ الْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ يَكُونُ بِهِمَا جَمِيعًا وَلَا يُقَالُ إنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَرَابَةِ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِحْقَاقُ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ كَمَالِ الْعِلَّةِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ فِيهِ صَرْفُ مَنْفَعَةِ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ صَرْفُهَا إلَى عَبْدِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ إلَى أَبِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْوَاجِبَاتِ كَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى عَبْدِهِ فَكَذَا إلَى أَبِيهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ وَهَبَ لَهُ قَرِيبُهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فَقَبِلَ نَاوِيًا عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَرِثَهُ فَإِنَّهُ جَبْرِيٌّ وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ صُنْعٌ وَلَا اخْتِيَارٌ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِشَرِيكِهِ بِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُعْتَقًا بِدُونِ اخْتِيَارِهِ وَمُبَاشَرَتِهِ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ شِرَاءُ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا نَوَى بِالشِّرَاءِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ وَلَا يُقَالُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ عِلَّةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ فِيهِ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ كَالْمُنَجَّزِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ شَرْطُ النِّيَّةِ وَهِيَ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ وَأَمَّا الشِّرَاءُ فَشَرْطٌ مَحْضٌ لِأَنَّهُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَهُوَ الْعِتْقُ وَإِنَّمَا يُضَافُ إلَى الْيَمِينِ السَّابِقِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ حَتَّى لَوْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ بِأَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي فَاشْتَرَاهُ جَازَ عَنْ كَفَّارَتِهِ لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالْعِلَّةِ إلَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ فَإِنَّ عِتْقَهَا لَا يُجْزِي عَنْ الْكَفَّارَةِ لِاسْتِحْقَاقِهَا الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةٍ أُخْرَى وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَهِيَ حُرَّةٌ صَحَّ لَوْ فِي مِلْكِهِ) أَيْ لَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَتَسَرَّى أَمَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عَتَقَتْ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى الْعُمُومِ لِكَوْنِ الْأَمَةِ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ وَهُوَ كَالنَّفْيِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْجَارِيَةُ الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا فِي مِلْكِهِ حِينَ حَلَفَ لَا يَصِحُّ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مَنْ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَتَسَرَّى بِهَا لَا تَعْتِقُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَعْتِقُ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ كَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك وَطَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَصَارَ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ فَكَذَا هُنَا وَلَا يُقَالُ هَذَا إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِالِاقْتِضَاءِ وَهُوَ لَا يَرَى الِاقْتِضَاءَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ أَثْبَتَهُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ أَوْ الْحَذْفِ إذْ إثْبَاتُ مَا لَمْ يُذْكَرْ لَا يَنْحَصِرُ بِالِاقْتِضَاءِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ التَّسَرِّي يَسْبِقُ الْمِلْكُ إلَى الْفَهْمِ وَفِي الِاقْتِضَاءِ لَا يَلْزَمُ الْفَهْمُ مِنْ اللَّفْظِ وَقَدْ يَتَّفِقُ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت يُفْهَمُ مِنْهُ الطَّعَامُ وَهُوَ مُقْتَضَى وَلَنَا أَنَّ الْيَمِينَ بِالْعِتْقِ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي حَقِّهَا وَهَذَا لِأَنَّ التَّسَرِّيَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّحْصِينِ وَالْمَنْعُ عَنْ الْخُرُوجِ مَأْخُوذٌ مِنْ السُّرِّيَّةِ وَاحِدَةُ السَّرَارِيِّ وَهِيَ مَنْسُوبَةٌ إلَى السِّرِّ وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الْإِخْفَاءُ أَوْ إلَى السُّرُورِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُسَرُّ بِهَا أَوْ إلَى السَّرِيِّ وَهُوَ السَّيِّدُ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَا غُيِّرَ فِي النَّسَبِ إلَى فُعْلِيَّةٍ كَمَا قَالُوا فِي النَّسَبِ إلَى الدَّهْرِ دُهْرِيٌّ وَإِلَى الْأَرْضِ السَّهْلَةِ سُهْلِيٌّ وَقُلِبَتْ إحْدَى الرَّاءَاتِ يَاءً فِي تَسَرَّيْت وَأَصْلُهُ تَسَرَّرْتُ كَمَا قُلِبَتْ إحْدَى النُّونَاتِ يَاءً فِي تَظَنَّيْتُ وَأَصْلُهُ تَظَنَّنْت وَطَلَبُ الْوَلَدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي التَّحْصِينِ لِلتَّسَرِّي خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ) أَيْ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ مَلَكْت جَارِيَةً فَتَسَرَّيْتهَا فَهِيَ حُرَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا) أَمَّا الْمِلْكُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إنْ مَلَكْت أَمَةً وَأَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ فَلِأَنَّهُ أَضَافَهَا إلَى التَّسَرِّي وَهُوَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الْأَمَةِ فَلَمْ يَصِحَّ إضَافَةُ الْإِعْتَاقِ إلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّسَرِّيَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّحْصِينِ وَالْإِسْكَانِ وَهُوَ أَنْ يُبَوِّئَهَا وَيَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اهـ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ طَلَبُ الْوَلَدِ مَعَ ذَلِكَ شَرْطُهُ لِأَنَّ السَّرِيَّةَ فِي الْعَادَةِ هِيَ الَّتِي يُطْلَبُ وَلَدُهَا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَهُوَ السَّيِّدُ) أَيْ لِأَنَّهَا إذَا اتَّخَذَهَا سُرِّيَّةً فَقَدْ جَعَلَهَا سَيِّدَةَ الْإِمَاءِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا إلَّا بِطَلَبِ الْوَلَدِ مَعَ هَذَا وَالْمُرَادُ مِنْ طَلَبِ الْوَلَدِ أَنْ لَا يَعْزِلَ مَاءَهُ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ بِهَا شَيْئًا مِنْ هَذَا وَلَكِنْ وَطِئَ خَادِمَهُ فَعَلِقَتْ مِنْهُ لَمْ تَعْتِقْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَرَّهَا قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَعْنَى التَّسَرِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنْ يُحْصِنَ أَمَتَهُ وَيَعُدَّهَا لِلْجِمَاعِ أَفْضَى إلَيْهَا بِمَائِهِ أَوْ عَزَلَ عَنْهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَعْزِلُ مَاءَهُ مَعَ ذَلِكَ فَعُرِفَ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحْصِينِ وَالْإِعْدَادِ لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا وَإِنْ لَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ لَنَا أَنَّ مَادَّةَ اشْتِقَاقِهِ سَوَاءٌ اُعْتُبِرَتْ مِنْ السُّرُورِ أَوْ مَا يَرْجِعُ إلَى الْجِمَاعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَا تَقْتَضِي الْإِنْزَالَ فِيهَا لِأَنَّ الْجِمَاعَ وَالسُّرُورَ وَالسِّيَادَةَ كُلٌّ مِنْهَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ فَأَخْذُهُ فِي الْمَفْهُومِ وَاعْتِبَارُهُ بِلَا دَلِيلٍ وَكَوْنُ الْعُرْفِ فِي التَّسَرِّي تَحْصِينَهَا لِطَلَبِ الْوَلَدِ دَائِمًا مَمْنُوعٌ بَلْ الْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فِي الْمُشَاهَدِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقْصِدُ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْصِدُ مُجَرَّدَ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَلِدَ

لَوْ عَزَلَ عَنْهَا لَا تَكُونُ سُرِّيَّةً عِنْدَهُ فَإِذَا كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ التَّحْصِينِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ كَمَا يَكُونُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ لَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَلَا يَصِيرُ ذِكْرُهُ ذِكْرَ مِلْكِ الْيَمِينِ كَمَا إذَا قَالَ لِجَارِيَةِ الْغَيْرِ إذَا جَامَعْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاشْتَرَاهَا وَجَامَعَهَا لَمْ تَعْتِقْ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّطْلِيقَ إلَّا بِمِلْكِ النِّكَاحِ فَيَصِيرُ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلنِّكَاحِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ ذِكْرَ التَّسَرِّي ذِكْرٌ لِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عِتْقُهَا لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْمِلْكِ ثَبَتَ اقْتِضَاءً ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّسَرِّي وَهُوَ شَرْطٌ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلَا يَظْهَرُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ اقْتِضَاءً لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلَا يَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَهَا وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ التَّسَرِّي شَرْطًا لِلْعِتْقِ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الشَّرْطِ وَهُوَ التَّسَرِّي وَلَا يَكُونُ التَّسَرِّي إلَّا فِي الْمِلْكِ فَلَزِمَ الْمِلْكُ ضَرُورَةَ صِحَّةِ هَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ التَّسَرِّي وَأَمَّا نُزُولُ الْجَزَاءِ فَالشَّرْطُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ثُبُوتُ الشَّرْطِ بِدُونِ نُزُولِ الْجَزَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّسَرِّي يُوجَدُ وَإِنْ لَمْ تَعْتِقْ الْأَمَةُ وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ ظَهَرَ النِّكَاحُ فِي حَقِّ الشَّرْطِ وَهُوَ الطَّلَاقُ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْعِتْقُ وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْجَزَاءِ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ الَّذِي فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ صَادَفَ التَّعْلِيقَ لِكَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ لِلْحَالِ وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِشَرْطٍ سَيُوجَدُ وَوِزَانُ مَسْأَلَتِنَا مَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك وَاحِدَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَمْ تَطْلُقْ ثَلَاثًا لِأَنَّ ذِكْرَ الطَّلَاقِ ذِكْرٌ لِلنِّكَاحِ لِصِحَّةِ الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ وَلَمْ يَكُنْ ذِكْرًا لِلنِّكَاحِ فِي صِحَّةِ الْجَزَاءِ وَهُوَ وُقُوعُ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقِ بِالطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ وَمَا قَالَهُ زُفَرُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَمَا تَنَاوَلَ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ لِأَنَّهُ لِمَكَانِ تَقْدِيرِ الْكَلَامِ إنْ مَلَكْت جَارِيَةً وَتَسَرَّيْت بِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا تَعْتِقُ مَنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمئِذٍ إذَا تَسَرَّى بِهَا وَوِزَانُ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ زُفَرُ أَنْ يَقُولَ لِأَمَةٍ إنْ تَسَرَّيْت بِك فَعَبْدِي حُرٌّ فَاشْتَرَاهَا فَتَسَرَّى بِهَا عَتَقَ عَبْدُهُ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَلَا يَعْتِقُ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَ عَبِيدُهُ الْقِنُّ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُوهُ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَصَرَّفُ إلَى الْكَامِلِ وَمِلْكُهُ لِهَؤُلَاءِ كَامِلٌ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُمْ رَقَبَةً وَيَدًا وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ دُيِّنَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ نَوَيْت السُّودَ دُونَ الْبِيضِ أَوْ بِالْعَكْسِ حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ بِوَصْفٍ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ وَلَا عُمُومَ لَهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اللَّفْظِ فَلَا تَعْمَلُ فِيهِ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ وَلَوْ قَالَ نَوَيْت النِّسَاءَ دُونَ الرِّجَالِ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ حَقِيقَةً لِلذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ فَإِنَّ الْأُنْثَى يُقَالُ لَهَا مَمْلُوكَةٌ لَكِنْ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهِمْ لَفْظُ التَّذْكِيرِ عَادَةً بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِنَّ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ فَتَكُونُ نِيَّتُهُ لَغْوًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ نَوَيْت الرِّجَالَ خَاصَّةً حَيْثُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَكَذَا لَوْ قَالَ نَوَيْت غَيْرَ الْمُدَبَّرِ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا مُكَاتَبُهُ) أَيْ لَا يَعْتِقُ مُكَاتَبُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى أَكْسَابَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ مُكَاتَبَتَهُ وَيَضْمَنُ جِنَايَتَهُ عَلَيْهِ كَجِنَايَتِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ قَاصِرًا فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَالْمُخْتَلِعَةِ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا كَامِلٌ فَيَدْخُلَانِ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ وَالرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يُجْزِيَانِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْمُكَاتَبُ عَكْسُهُ فَإِنَّ رِقَّهُ كَامِلٌ وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ فَانْعَكَسَ الْحُكْمُ لِذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ وَخُيِّرَ فِي الْأُولَيَيْنِ) لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِإِثْبَاتِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَدْ أَدْخَلَهَا بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ وَعَطَفَ الثَّالِثَةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَيَخْتَصُّ بِمَحِلِّ الْحُكْمِ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَهَذِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا الْعِتْقُ وَالْإِقْرَارُ) حَتَّى إذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا عَتَقَ الْأَخِيرُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ قَالَ فِي الْإِقْرَارِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ كَانَ خَمْسُمِائَةٍ لِلْأَخِيرِ وَخَمْسُمِائَةٍ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ يَجْعَلُهُ لِأَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ لِأَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ وَلِلثَّالِثِ بِأَلْفٍ فَيَكُونُ لِلثَّالِثِ نِصْفُهُ وَلِأَحَدِهِمَا نِصْفُهُ وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ النِّصْفَ لِلْأَوَّلِ وَالنِّصْفَ لِلْآخَرَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ إذَا عُرِفَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَتَسَرَّى فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَحَصَّنَهَا وَوَطِئَهَا حَنِثَ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَعَبْدِي حُرٌّ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا عَتَقَ الْعَبْدُ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عَبْدٌ فَمَلَكَ عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا لَا يَعْتِقُ هَذَا الْعَبْدُ الْمُسْتَحْدَثُ وَلَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَتَسَرَّى جَارِيَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عَتَقَتْ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَهِيَ إجْمَاعِيَّةٌ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَعْدَ الْحَلِفِ فَتَسَرَّاهَا لَا تَعْتِقُ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَ زُفَرُ تَعْتِقُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لِمَكَانِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كُلُّ مَمْلُوكٍ حُرٍّ عَتَقَ عَبِيدُهُ الْقِنُّ) الْقِنُّ الرَّقِيقُ يَنْطَلِقُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ عَلَى الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ فَيُقَالُ عَبْدٌ قِنٌّ وَعَبِيدٌ قِنٌّ وَأَمَةٌ قِنٌّ بِالْإِضَافَةِ وَبِالْوَصْفِ أَيْضًا وَرُبَّمَا جُمِعَ عَلَى أَقْنَانٍ وَأَقِنَّةٍ وَهُوَ الَّذِي مَلَكَ هُوَ وَأَبَوَاهُ مَنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً وَأَبُوهُ عَرَبِيًّا فَهُوَ هَجِينٌ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ لَا يَعْتِقُ مُكَاتَبُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ) أَيْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ اهـ

[باب اليمين في البيع والشراء والتزوج والصوم والصلاة وغيرها]

وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْمَعْنَى لِأَنَّ الثَّالِثَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْ لَهُ الْحَقُّ مِنْهُمَا فَيَكُونُ شَرِيكًا لَهُ وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا يَلِيهِ كَمَا ذَكَرَ لَكَانَ الْمُقَرُّ بِهِ لِلْأَوَّلِ وَحْدَهُ أَوْ لِلْآخَرَيْنِ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا لَهُمَا فَتَنْتَفِي الشَّرِكَةُ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَإِنْ كَلَّمَ الْأَوَّلَ وَحْدَهُ حَنِثَ وَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِ الْآخَرَيْنِ حَتَّى يُكَلِّمُهُمَا فَجُعِلَ الثَّالِثُ فِي الْكَلَامِ مَضْمُومًا إلَى الثَّانِي عَلَى التَّعْيِينِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ جَعَلَهُ مَضْمُومًا إلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ الْحُكْمُ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَوْ إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ تَنَاوَلَتْ أَحَدَهُمَا مُنَكَّرًا إلَّا أَنَّ فِي الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الْإِثْبَاتِ فَتَخُصُّ فَتَطْلُقُ إحْدَاهُمَا وَفِي الْكَلَامِ الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ النَّفْيِ فَتَعُمُّ عُمُومَ الْأَفْرَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا فَيَنْضَمُّ الثَّالِثُ إلَى مَا يَلِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ أَوْ لِعُمُومِ الْإِفْرَادِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلَامًا عَلَى حِدَةٍ كَأَنَّ الْأَوَّلَ انْقَطَعَ وَشَرَعَ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي وَالْعَطْفُ فِيهِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَأَمْثَالِهِ فَإِنَّ الْإِيصَالَ فِيهِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ ثَابِتٌ فَيَكُونُ الثَّالِثُ مَعْطُوفًا عَلَى مَنْ وَجَبَ لَهُ الْحُكْمُ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ طَالِقٌ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِلْمُثَنَّى وَفِي ضَمِّ الثَّالِثِ إلَى الثَّانِي جَعَلَهُ لِلْمُثَنَّى لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَاتَانِ طَالِقٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا قَالَ طَالِقَانِ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لِلْمَثْنَى بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا أُكَلِّمُ يَصْلُحُ لِلْمَثْنَى وَلِأَقَلَّ وَأَكْثَرَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ خَبَرًا فَإِنْ ذَكَرَ لَهُ خَبَرًا بِأَنْ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَالِقَانِ أَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا وَهَذَا حُرَّانِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ أَحَدٌ وَلَا تَطْلُقُ بَلْ يُخَيَّرُ إنْ اخْتَارَ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ عَتَقَ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ وَطَلُقَتْ الْأُولَى وَحْدَهَا وَإِنْ اخْتَارَتْ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ عَتَقَ الْأَخِيرَانِ وَطَلُقَتْ الْأَخِيرَتَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا) الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْمُبَاشِرِ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ أَنْ لَا يَفْعَلَ بِمُبَاشَرَةِ وَكِيلِهِ لِوُجُودِ الْفِعْلِ مِنْ الْوَكِيلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَإِنْ كَانَتْ حُقُوقُهُ تَرْجِعُ إلَى الْآمِرِ يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْوَكِيلِ كَمَا يَحْنَثُ بِالْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَلِهَذَا لَا يُضِيفُهُ إلَى نَفْسِهِ بَلْ إلَى الْآمِرِ وَيَتَوَقَّفُ لَوْ بَاشَرَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ وَفِي الْأَوَّلِ الْوَكِيلُ مُبَاشِرٌ وَلِهَذَا لَا يُضِيفُهُ إلَى الْآمِرِ بَلْ إلَى نَفْسِهِ وَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَلَوْ بَاشَرَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَا يَحْنَثُ بِالْمُبَاشَرَةِ لَا بِالْأَمْرِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالْإِجَارَةُ وَالِاسْتِئْجَارُ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ وَالْقِسْمَةُ وَالْخُصُومَةُ وَضَرْبُ الْوَلَدِ) أَيْ الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِمُبَاشَرَتِهَا وَلَا يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ بِفِعْلِهَا هِيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي عَدَّهَا مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ إلَخْ وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِي هَذَا الْأَشْيَاءِ بِمُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وُجِدَ مِنْ الْوَكِيلِ حَقِيقَةً وَكَذَا حُكْمًا وَلِهَذَا رَجَعَتْ الْحُقُوقُ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ حَالِفًا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهَا فَلَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ مِنْ الْمُوَكِّلِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَّا أَنَّ فِي الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ) أَيْ الْعِتْقِ وَالْإِقْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] أَيْ آثِمًا وَلَا كَفُورًا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا) هَكَذَا هُوَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الْكَافِي وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا وَفُلَانًا وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا] (بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا) قَالَ الْكَمَالُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ بَابٍ عَقَدَهُ فَوُقُوعُهُ أَقَلُّ مِمَّا قَبْلَهُ وَأَكْثَرُ مِمَّا بَعْدَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْمُبَاشِرِ يَسْتَغْنِي الْوَكِيلُ فِيهِ عَنْ نِسْبَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهِ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ لِوُجُودِهِ مِنْ الْمَأْمُورِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَذَلِكَ وَذَلِكَ كَالْحَلِفِ لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي وَلَا يُؤَجِّرُ وَلَا يَسْتَأْجِرُ وَلَا يُصَالِحُ عَنْ مَالٍ وَلَا يُقَاسِمُ وَكَذَا الْفِعْلُ الَّذِي يُسْتَنَابُ فِيهِ وَيَحْتَاجُ الْوَكِيلُ إلَى النِّسْبَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُخَاصِمُ فُلَانًا فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَقُولُ ادَّعَى لِمُوَكِّلِي وَكَذَا الْفِعْلُ الَّذِي يُقْتَصَرُ أَصْلُ الْفَائِدَةِ فِيهِ عَلَى مَحِلِّهِ كَضَرْبِ الْوَلَدِ فَلَا يَحْنَثُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ مِنْ فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَكُلُّ عَقْدٍ لَا تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْمُبَاشِرِ بَلْ هُوَ فِيهِ سَافِرٌ نَاقِلٌ عِبَارَةً يَحْنَثُ فِيهِ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ كَمَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَوَكَّلَ بِهِ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يَعْتِقُ بِمَالٍ أَوْ بِلَا مَالٍ أَوْ لَا يُكَاتِبُ أَوْ لَا يَهَبُ أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ أَوْ لَا يُوصِي أَوْ لَا يَسْتَقْرِضُ أَوْ لَا يُصَالِحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ أَوْ لَا يُودِعُ أَوْ لَا يَقْبَلُ الْوَدِيعَةَ أَوْ لَا يُعِيرُ أَوْ لَا يَسْتَعِيرُ وَكَذَا كُلُّ فِعْلٍ تَرْجِعُ مَصْلَحَتُهُ إلَى الْآمِرِ كَحَلِفِهِ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ وَلَا يَذْبَحُ شَاتَه فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَمِنْهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ وَالْكِسْوَةُ وَالْحَمْلُ عَلَى دَابَّتِهِ وَخِيَاطَةُ الثَّوْبِ وَبِنَاءُ الدَّارِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالتَّزَوُّجُ مَا نَصُّهُ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَضَرْبُ الْوَلَدِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ لَا يَحْنَثُ وَقِيلَ الزَّوْجَةُ نَظِيرُ الْوَلَدِ وَقِيلَ نَظِيرُ الْعَبْدِ ثُمَّ رَسَمَ لِلْقَاضِي الْبَدِيعِ وَقَالَ إنْ جَنَتْ الْمَرْأَةُ فَنَظِيرُ الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ تَجْنِ فَنَظِيرُ الْحُرِّ وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ فَصَلَ أَحَدٌ فِي الْوَلَدِ بِتَفْصِيلِهِ فِي الزَّوْجَةِ فَحَسَنٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا رَجَعَتْ الْحُقُوقُ إلَيْهِ) أَيْ وَكَانَ هُوَ الطَّالِبَ بِالتَّسْلِيمِ بِالثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ وَالْمُخَاصِمَ بِالْعَيْبِ وَبِالْغَبْنِ الْمَوْجُودِ وَالْأُجْرَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ حَالِفًا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهَا) أَيْ لِصِدْقِ أَنَّهُ بَاعَ وَاشْتَرَى وَاسْتَأْجَرَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَظْهَرِ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ يَحْنَثُ

يَحْنَثُ إلَّا إذَا نَوَى أَنْ لَا يَأْمُرَ بِهِ غَيْرَهُ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ وَيَحْنَثُ بِفِعْلِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ حَقِيقَةً فَلَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّتِهِ أَوْ يَكُونُ مِثْلُهُ لَا يُبَاشِرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَالْقَاضِي وَالْأَمِيرِ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِالْأَمْرِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَمْنَعُ نَفْسَهُ بِالْيَمِينِ عَمَّا يَعْتَادُهُ وَعَادَتُهُ الْأَمْرُ بِهِ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ وَبِمَقْصُودِ الْحَالِفِ وَلِهَذَا تَتَقَيَّدُ بِمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ لَوْ كَانَ مِثْلُهُ مِمَّا يُبَاشِرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالتَّوْكِيلِ لِأَنَّ غَرَضَهُ بِالْحَلِفِ التَّوَقِّي مِنْ الْحُقُوقِ وَإِنْ كَانَ يُبَاشِرُ تَارَةً وَيَأْمُرُ أُخْرَى يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا يَحْنَثُ بِهِمَا النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْخَلْعُ وَالْعِتْقُ وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْقَرْضُ وَالِاسْتِقْرَاضُ وَضَرْبُ الْعَبْدِ وَالذَّبْحُ وَالْبِنَاءُ وَالْخِيَاطَةُ وَالْإِيدَاعُ وَالِاسْتِيدَاعُ وَالْإِعَارَةُ وَالِاسْتِعَارَةُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ وَالْكِسْوَةُ وَالْحَمْلُ) أَيْ الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَحْنَثُ فِيهَا بِالْمُبَاشَرَةِ وَالتَّوْكِيلِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَبِمُبَاشَرَةِ وَكِيلِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي مُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وُجِدَ مِنْ الْمَأْمُورِ حَقِيقَةً وَمِنْ الْآمِرِ حُكْمًا فَوُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ مِنْ الْآمِرِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَلَنَا أَنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ التَّوَقِّي عَنْ حُكْمِ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ وَهَذِهِ الْعُقُودُ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِحُقُوقِهَا فَصَارَ مُبَاشَرَةُ الْوَكِيلِ كَمُبَاشَرَتِهِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ وَالْحُقُوقِ وَصَارَ الْوَكِيلُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا وَلِهَذَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهَا إلَيْهِ وَلَوْ بَاشَرَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَهَا بِأَمْرِهِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَحْنَثُ وَمَا كَانَ مِنْهَا حِسِّيًّا كَضَرْبِ الْغُلَامِ وَالذَّبْحِ وَنَحْوِهِمَا مَنْقُولٌ أَيْضًا إلَى الْآمِرِ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى الْفَاعِلِ فَكَانَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَيَحْنَثُ وَمَنْفَعَةُ ضَرْبِ الْعَبْدِ عَائِدَةٌ إلَى الْمَوْلَى إذْ الْعَبْدُ يَجْرِي عَلَى مُوجِبِ أَمْرِ الْمَوْلَى وَيَسْعَى فِي مَصَالِحِهِ إذَا ضَرَبَهُ فَصَارَ ضَرْبُهُ كَضَرْبِ الْمَوْلَى بِخِلَافِ ضَرْبِ الْوَلَدِ فَإِنَّ مُعْظَمَ مَنْفَعَتِهِ تَحْصُلُ لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّبُ بِهِ وَيَرْتَاضُ وَيَنْزَجِرُ عَنْ الْقَبَائِحِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ رَجُلًا حُرًّا فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِضَرْبِ الْمَأْمُورِ إيَّاهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ضَرْبَهُ فَلَا يَصِحُّ أَمْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ ذَا سُلْطَانٍ أَوْ قَاضِيًا فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ ضَرْبَ الْأَحْرَارِ حَدًّا وَتَعْزِيرًا فَيَمْلِكَانِ الْأَمْرَ بِهِ فَيُضَافُ فِعْلُ الْمَأْمُورِ إلَيْهِمَا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الضَّارِبِ بِأَمْرِهِمَا الضَّمَانُ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ وَلَوْ قَالَ الْحَالِفُ فِي الطَّلَاقِ وَالتَّزَوُّجِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْحُكْمِيَّاتِ نَوَيْت أَنْ لَا أَتَكَلَّمَ بِهِ وَلَا أَلِيَ بِنَفْسِي صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ فِي ذَبْحِ الشَّاةِ وَضَرْبِ الْعَبْدِ نَوَيْت أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ بِالْأَمْرِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ فَأَمَرَ مَنْ حَلَقَ لَهُ حَنِثَ قُلْنَا لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ مِنْهُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَهَذَا الشَّرْطُ لِلْحِنْثِ بَلْ مِنْ الْعَاقِدِ حَقِيقَةً حُكْمًا وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ لَا كُلُّ حُكْمٍ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ الْأَعْلَى بِخِلَافِ الْحَلْقِ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِيهِ عَلَى حَلْقِهِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ عَلَى الْحَلْقِ مُطْلَقًا فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَيَفْعَلُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِالْأَمْرِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْفِعْلِ لَيْسَ إلَّا الْأَمْرَ بِهِ فَيُوجَدُ سَبَبُ الْحِنْثِ بِوُجُودِ الْأَمْرِ بِهِ لِلْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ رُبَّمَا يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ عَقْدَ بَعْضِ الْبَيْعَاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا يَحْنَثُ بِهِمَا إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْيَمِينِ عَلَى عَقْدِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُ صَاحِبِهِ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ أَنْ رَقَمَ لِسَيْفِ الْأَئِمَّةِ السَّائِلِي حَلَفَ لَا يُوَكِّلُ فَوَكَّلَ رَجُلًا فَلَمْ يُقْبَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ اهـ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُوَكِّلُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَنْهُ فَوَكَّلَ هَلْ يَحْنَثُ (قَوْلُهُ وَالْعِتْقُ وَالْكِتَابَةُ) أَيْ وَالصُّلْحُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَسَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا مَعْزِيًّا لِلْمُحِيطِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ) أَيْ وَالْوَقْفُ كَذَلِكَ اهـ ك (قَوْلُهُ وَضَرْبُ الْعَبْدِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ أَوْ لَا يَذْبَحُ شَاتَه فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَهُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ) أَيْ وَالْخُصُومَةُ وَالشَّرِكَةُ بِأَنْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ فُلَانًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ يَعْقِدُ مَعَ فُلَانٍ عَقْدَ الشَّرِكَةِ نِيَابَةً عَنْهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَنْقُولٌ أَيْضًا إلَى الْآمِرِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ أَوْ لَيَخِيطَنَّ ثَوْبَهُ أَوْ لَيَبْنِيَنَّ دَارِهِ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ أَنْ يَبْنِيَهَا بِيَدِهِ وَلَوْ حَلَفَ عَلَى حُرٍّ لَيَضْرِبَنَّهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يَضْرِبَهُ بِيَمِينِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَبْدِ وَأَمَّا السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي إذَا قَالَ لَأَضْرِبَنَّهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ بَرَّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِيَدِهِ فَيُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَنْزَجِرُ عَنْ الْقَبَائِحِ) أَيْ فَلَمْ يُنْسَبُ فِعْلُ الْمَأْمُورِ إلَى الْآمِرِ وَإِنْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى الْأَبِ أَيْضًا لَكِنْ أَصْلُ الْمَنَافِعِ وَحَقِيقَتُهَا إنَّمَا تَرْجِعُ إلَى الْمُتَّصِفِ بِهَا فَلَا مُوجِبَ لِلْفِعْلِ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا وَعُرْفِ عَامَّتِنَا فَإِنَّهُ يُقَالُ ضَرَبَ فُلَانٌ الْيَوْمَ وَلَدَهُ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَيَقُولُ الْعَامِّيُّ لِوَلَدِهِ غَدًا أَسْقِيك عَلْقَةً ثُمَّ يَذْكُرُ لِمُؤَدِّبِ الْوَلَدِ أَنْ يَضْرِبَهُ فَيَعُدُّ الْأَبُ نَفْسَهُ قَدْ حَقَّقَ إيعَادَ ذَلِكَ وَلَمْ يُكَذِّبْ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى مَعْنًى لَا يَقَعُ بِك ضَرْبٌ مِنْ جِهَتِي وَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ اهـ كَمَالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَا أَلِيَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ أَتَوَلَّاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ صُدِّقَ دِيَانَةً) أَيْ لِأَنَّهُ نَوَى شَيْئًا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ يَعْلَمُ مِنْ ضَمِيرِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يَعْتِقُ فَوَكَّلَ بِذَلِكَ حَنِثَ قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي إذَا فَعَلَهُ الْوَكِيلُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَوَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ وَإِنَّمَا نَسَبَهُ إلَى الْآمِرِ مَجَازًا ثُمَّ إنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَكُمْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ كَمَا يَفْعَلُ الْمَأْمُورَ وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَأَنْتُمْ تَأْبَوْنَهُ قُلْنَا لَمَّا لَمْ يَمْلِكْ إضَافَتَهُ إلَى نَفْسِهِ بَلْ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ كَانَ نَاقِلَ عِبَارَةٍ لِلْمُوَكِّلِ فَانْضَافَ الْعَقْدُ كُلُّهُ لَفْظًا وَحُكْمًا إلَيْهِ فَيَحْنَثُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ لِلْمُتَكَلِّمِ بِكَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ شِعْرٍ أَوْ حِكْمَةٍ هَذَا لَيْسَ كَلَامَ هَذَا الرَّجُلِ بَلْ كَلَامُ فُلَانٍ وَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَدَمُ لُزُومِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْعُقُودِ نَظَرًا

لَا أَلِيَ بِنَفْسِي حَيْثُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ إلَّا تَكَلُّمًا بِكَلَامٍ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ مِثْلُ التَّكَلُّمِ بِهِ وَاللَّفْظُ يَنْتَظِمُهُمَا فَإِذَا نَوَى أَنْ لَا يَلِيَ فَقَدْ نَوَى الْخُصُوصَ فِي الْعَامِّ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ إذْ الظَّاهِرُ فِي الْعَامِّ الْعُمُومُ دُونَ الْخُصُوصِ وَالضَّرْبُ وَنَحْوُهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ الْمَحْسُوسِ فِي الْمَحِلِّ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ فَكَانَ فِيهِ حَقِيقَةً وَالنِّسْبَةُ إلَى الْآمِرِ بِالتَّسَبُّبِ مَجَازًا فَإِذَا نَوَى الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً فَصَارَ الضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْآمِرِ أَوْ يَحْتَمِلُ نَقْلَ حُكْمِ فِعْلِهِ إلَى غَيْرِهِ يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ إنَّمَا يَحْنَثُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا وَقَعَا بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَأَمَّا إذَا وَقَعَا بِكَلَامٍ وُجِدَ قَبْلَ الْيَمِينِ فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ فَدَخَلَتْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِكَلَامٍ كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ ثُمَّ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْطِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ حَنِثَ وَلَوْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ وَإِلَّا حَنِثَ وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِالْعُنَّةِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ زُفَرَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَانِ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُعْتِقَ يُشْتَرَطُ لِلْحِنْثِ وُقُوعُ الْعِتْقِ بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَ فَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ يَحْنَثُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدُخُولُ اللَّامِ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالصِّيَاغَةِ وَالْخِيَاطَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْغَرَضِ وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا يَلْزَمُ بِمُبَاشَرَتِهِ أَوْ مُبَاشَرَةِ مَأْمُورِهِ وَلَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ مِثْلُ التَّكَلُّمِ بِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ كَالرَّسُولِ بِهِ وَلِسَانُ الرَّسُولِ كَلِسَانِ الْمُرْسِلِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِذَا نَوَى التَّكَلُّمَ بِهِ خَاصَّةً فَقَدْ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ دَاخِلٍ تَحْتَ وِلَايَةِ الْمُرْسِلِ مَعَ فَرْضِ أَنَّ مُقْتَضَيَاتِهِ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ وَهِيَ الْحُقُوقُ وَحَقِيقَةُ الْمُرَادِ أَنَّ الطَّلَاقَ وَمَا مَعَهُ لَمَّا كَانَ لَفْظًا يَثْبُتُ عِنْدَهُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ فَالْحَلِفُ عَلَى تَرْكِهِ حَلِفٌ عَلَى أَنْ لَا نُوجِدَ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِمُبَاشَرَتِهِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ فَنِيَّةُ أَحَدِهِمَا خِلَافُ الظَّاهِرِ أَمَّا الذَّبْحُ وَالضَّرْبُ فَفِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُ أَثَرِهِ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ الضَّرْبَ يَثْبُتُ مَعَ أَثَرِهِ مِنْ الْفَاعِلِ بِلَا إذْنٍ قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَأَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَحْنَثُ وَفِي الْإِجَازَةِ بِالْفِعْلِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمُجِيزِ بِالْفِعْلِ عَاقِدًا لَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ التَّوْكِيلِ بَعْدَ الْيَمِينِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَوْ وَكَّلَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ثُمَّ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ وَلَا يُعْتِقُ ثُمَّ طَلَّقَ الْوَكِيلُ أَوْ أَعْتَقَ يَحْنَثُ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْوَكِيلِ هُنَا مَنْقُولَةٌ إلَيْهِ اهـ قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّوْكِيلِ بَعْدَ الْيَمِينِ أَوْ قَبْلَهُ أَيْ فِي الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ قَبْلَ الْيَمِينِ وَأَجَازَ الْحَالِفُ بَعْدَهَا بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ فَعَدَمُ الْحِنْثِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِذَا كَانَ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ بَعْدَ الْيَمِينِ فَأَجَازَ الْحَالِفُ بَعْدَهَا بِالْقَوْلِ فَالْحِنْثُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَإِنْ أَجَازَ بِالْفِعْلِ فَعَدَمُ الْحِنْثِ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ قَالَ قَاضِي خَانْ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ الْمَحْسُوسِ فِي الْمَحِلِّ) أَيْ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْآمِرِ حَتَّى يَكُونَ ضَرْبًا أَوْ ذَبْحًا فَإِنَّهُ إذَا ضَرَبَ عَبْدًا لِغَيْرٍ أَوْ ذَبَحَ شَاةَ الْغَيْرِ يُسَمَّى ذَلِكَ ضَرْبًا أَوْ ذَبْحًا وَإِنْ وَقَعَ بِغَيْرِ أَمْرٍ وَإِنَّمَا نِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَى الْآمِرِ بِسَبِيلِ التَّسَبُّبِ مَجَازًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدُخُولُ اللَّامِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصْلُ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ اللَّامَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّمْلِيكِ كَقَوْلِهِمْ الْمَالُ لِزَيْدٍ وَقَدْ تَكُونُ لِلتَّعْلِيلِ وَهُوَ الْمُنْبِئُ عَنْ الْبَاعِثِ عَلَى الْفِعْلِ كَقَوْلِهِمْ فَعَلَتْ هَذَا الْأَمْرَ لِابْتِغَاءِ مَرْضَاتِك أَيْ لِأَجْلِ ابْتِغَاءِ مَرْضَاتِك فَلَمَّا كَانَ مُشْتَرَكًا يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ أَوْ لِتَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى الْآخَرِ وَالْأَصْلُ الْآخَرُ أَنَّ تَصْحِيحَ الْكَلَامِ مَعَ مُرَاعَاةِ نَظْمِ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ تَصْحِيحِهِ مَعَ تَغَيُّرِ نِظَامِهِ وَالْأَصْلُ الْآخَرُ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ تَجْرِي فِيهِ الْوَكَالَةُ قَدْ يَفْعَلُهُ الْفَاعِلُ تَارَةً لِنَفْسِهِ وَتَارَةً لِغَيْرِهِ وَمَا لَا تَجْرِي فِيهِ الْوَكَالَةُ لَا يَعْلَمُهُ لِغَيْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْكَلَامُ فِيهِ لِلْمِلْكِ فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ إنْ بِعْت لَك هَذَا الثَّوْبَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَدَسَّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ فِي ثِيَابِ الْحَالِفِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ بِعْت لِأَجْلِك هَذَا الثَّوْبَ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ لِلتَّمْلِيكِ يَتَغَيَّرُ نَظْمُ الْكَلَامِ لِأَنَّ اللَّامَ حِينَئِذٍ تَصِيرُ صِلَةً لِلثَّوْبِ وَالصِّلَةُ لَا تَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَوْصُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْدِيرِ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَصْحِيحَ الْكَلَامِ مَعَ مُرَاعَاةِ نَظْمِ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ تَصْحِيحِهِ مَعَ تَغْيِيرِهِ فَقُلْنَا مَعْنَاهُ إنْ بِعْت لِأَجْلِك ثَوْبًا لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ النَّظْمُ وَلَمْ يُوجَدْ الْبَيْعُ لِأَجْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ أَمْرِهِ فَلَمْ يَحْنَثْ أَمَّا إذَا قَالَ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك يَحْنَثُ سَوَاءٌ بَاعَهُ بِأَمْرِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ لِأَنَّ اللَّامَ ذُكِرَتْ عَقِيبَ الثَّوْبِ فَكَانَتْ لِلتَّمْلِيكِ فَكَانَ شَرْطُ الْحِنْثِ بَيْعَ ثَوْبٍ مَمْلُوكٍ لِفُلَانٍ لَا الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ وَقَدْ وُجِدَ بَيْعُ الثَّوْبِ الْمَمْلُوكِ لِفُلَانٍ وَسَوَاءٌ وُجِدَ الْآمِرُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ فِعْلٍ تَجْرِي فِيهِ الْوَكَالَةُ إذَا قَدَّمَ اللَّامَ عَلَى الْعَيْنِ تَكُونُ لِلتَّعْلِيلِ وَإِنْ أَخَّرَ تَكُونُ لِلتَّمْلِيكِ مِثْلُ قَوْلِهِ إنْ خِطْت لَك قَمِيصًا أَوْ قَمِيصًا لَك أَوْ إنْ صُغْت لَك حُلِيًّا أَوْ حُلِيًّا لَك وَإِنْ اشْتَرَيْت لَك جَارِيَةً أَوْ جَارِيَةً لَك أَوْ إنْ اسْتَأْجَرْت لَك دَارًا أَوْ دَارًا لَك أَوْ إنْ بَنَيْت لَك دَارًا أَوْ دَارًا لَك وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَالَ فِي مَا لَا تَجْرِي فِيهِ الْوَكَالَةُ إنْ ضَرَبْت لَك عَبْدًا أَوْ إنْ ضَرَبْت عَبْدًا لَك أَوْ إنْ مَسِسْت لَك ثَوْبًا أَوْ إنْ مَسِسْت ثَوْبًا لَك أَوْ دَخَلْت لَك دَارًا أَوْ دَخَلْت دَارًا لَك أَوْ إنْ أَكَلْت لَك طَعَامًا أَوْ أَكَلْت طَعَامًا لَك أَوْ شَرِبْت لَك شَرَابًا أَوْ شَرِبْت شَرَابًا لَك يَحْنَثُ سَوَاءٌ قَدَّمَ اللَّامَ أَوْ أَخَّرَ وَسَوَاءٌ فَعَلَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَجْرِي فِيهَا الْوَكَالَةُ إذْ لَيْسَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عُهْدَةٌ يَرْجِعُ بِهَا الْمَأْمُورُ عَلَى الْأَمْرِ فَتَكُونُ اللَّامُ لِلتَّمْلِيكِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَوْ نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ تَصِحُّ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَكِلَا الْفَصْلَيْنِ فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ

وَالْبِنَاءِ كَأَنْ بِعْت لَك ثَوْبًا لِاخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ بِأَمْرِهِ كَأَنْ مَلَّكَهُ أَوَّلًا وَعَلَى الدُّخُولِ وَالضَّرْبِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْعَيْنِ كَأَنْ بِعْت ثَوْبًا لَك لِاخْتِصَاصِهَا بِهِ بِأَنْ كَانَ مَلَّكَهُ أَمْرَهُ أَوَّلًا) أَيْ دُخُولُ اللَّامِ عَلَى الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا أَوْ اشْتَرَيْت إلَخْ كَانَ لِاخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِالشَّخْصِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ يَعْنِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ وَهُوَ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ لِأَجْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ بِأَمْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ مِلْكًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ الْحَالِفُ بِأَمْرِهِ حَتَّى لَوْ دَسَّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ وَبَاعَهُ الْحَالِفُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ حَرْفَ اللَّامِ لَمَّا دَخَلَتْ عَلَى الْبَيْعِ وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا أَيْ إنْ بِعْت لِأَجْلِك ثَوْبًا اقْتَضَتْ اخْتِصَاصَ الْبَيْعِ بِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَفْعَلَهُ بِأَمْرِهِ إذْ الْبَيْعُ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ وَلَمْ تُوجَدْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا بَاعَ ثَوْبًا مَمْلُوكًا لَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّ حَرْفَ اللَّامِ دَخَلَتْ عَلَى الْعَيْنِ وَهُوَ الثَّوْبُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهَا فَاقْتَضَتْ اخْتِصَاصَ الْعَيْنِ بِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِهِ وَالْعَيْنُ كَإِنْ بِعْت ثَوْبًا لَك لِاخْتِصَاصِهَا بِهِ بِأَنْ كَانَ مَلَّكَهُ أَمْرَهُ أَوَّلًا أَيْ دُخُولُ اللَّامِ عَلَى الْعَيْنِ كَقَوْلِهِ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك يَكُونُ الْيَمِينُ لِاخْتِصَاصِ الْعَيْنِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مَلَّكَهُ سَوَاءٌ أَمَرَهُ أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ بَيْنَ دُخُولِ اللَّامِ عَلَى الْفِعْلِ وَبَيْنَ دُخُولِهَا عَلَى الْعَيْنِ إذَا كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ وَتَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ كَدُخُولِ الدَّارِ وَضَرْبِ الْغُلَامِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ عَلَى الْعَيْنِ بَلْ يَكُونُ الْيَمِينُ فِيهِمَا لِأَجْلِ اخْتِصَاصِ الْعَيْنِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت لَك دَارًا أَوْ إنْ دَخَلْت دَارًا لَك أَوْ إنْ ضَرَبْت لَك غُلَامًا أَوْ غُلَامًا لَك وَنَحْوَ ذَلِكَ يَحْنَثُ كَيْفَمَا كَانَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَعَلَى الدُّخُولِ وَالضَّرْبِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَيْ لَوْ دَخَلَتْ اللَّامُ عَلَى الدُّخُولِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إلَخْ كَانَتْ الْيَمِينُ لِاخْتِصَاصِ الْعَيْنِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَدُخُولِهَا عَلَى الْعَيْنِ وَلِهَذَا عَطَفَ الْعَيْنَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ وَأَقْوَى وُجُوهِهِ الْمِلْكُ فَإِذَا جَاوَزَتْ الْفِعْلَ أَوْجَبَتْ مِلْكَهُ دُونَ الْعَيْنِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِمَّا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَبِنَاءِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْفِعْلِ لِاسْتِحَالَتِهِ وَيُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ بِأَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ تَأْخِيرُهَا بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ فَرَجَّحْنَا الْفِعْلَ بِالْقُرْبِ وَإِنْ جَاوَزَتْ الْعَيْنُ تُوجِبُ مِلْكَ الْعَيْنِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْأَعْيَانَ كُلَّهَا تُمْلَكُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ وَذَكَرَ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغُلَامِ الْوَلَدُ دُونَ الْعَبْدِ لِأَنَّ ضَرْبَ الْعَبْدِ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ وَالْوَكَالَةَ فَصَارَ نَظِيرَ الْإِجَارَةِ لَا نَظِيرَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْغُلَامُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَلَدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ} [الذاريات: 28] وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَبْدُ لِلْعُرْفِ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ وَلَا يَلْزَمُ بِهِ فَانْصَرَفَ إلَى الْمَحِلِّ الْمَمْلُوكِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ صُدِّقَ فِيمَا عَلَيْهِ) أَيْ إنْ نَوَى خِلَافَ مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ صُدِّقَ فِيمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَفِيمَا فِيهِ تَخْفِيفٌ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك أَوْ بِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فَيُصَدَّقُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ بِعْته أَوْ ابْتَعْته فَهُوَ حُرٌّ فَعَقَدَ بِالْخِيَارِ حَنِثَ) أَيْ لَوْ قَالَ الْمَالِكُ إنْ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَعَقَدَ بِالْخِيَارِ حَنِثَ أَوْ قَالَ غَيْرُهُ إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَتَقَ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ وَهُوَ الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ وَلِقِيَامِ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ فَكَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَحْنَثُ وَكَذَا الْمُشْتَرِي مِلْكُهُ قَائِمٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنْتَ حُرٌّ فَيَصِيرُ مُخْتَارًا بِذَلِكَ الْإِمْضَاءَ وَلَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ حَيْثُ لَا يَعْتِقُ بِهِ عِنْدَهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ الْمِلْكُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ عَلَى قَوْلِهِ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ قَوْلَهُ لَك فِي فِعْلٍ يَجْرِي فِيهِ التَّوْكِيلُ يُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ لِأَجْلِهِ وَهِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ وَإِذَا أَخَّرَ يُرَادُ بِهِ لَامُ التَّمْلِيكِ وَفِي فِعْلٍ لَا يَجْرِي فِيهِ التَّوْكِيلُ الْأَغْلَبُ أَنَّ الْمُرَادَ لَامُ التَّمْلِيكِ سَوَاءٌ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ فَأُجْرِيَ الْبَابُ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَغْلَبُ كَلَامِ النَّاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ دَسَّ) يُقَالُ دَسَّ الشَّيْءَ فِي الشَّيْءِ أَيْ أَخْفَاهُ فِيهِ يَدُسُّهُ بِالضَّمِّ دَسًّا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ دَسَّهُ فِي التُّرَابِ دَسًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ دَفَنَهُ فِيهِ وَكُلُّ شَيْءٍ أَخْفَيْته فَقَدْ دَسَسْته وَمِنْهُ يُقَالُ لِلْجَاسُوسِ دَسِيسُ الْقَوْمِ اهـ (قَوْلُهُ وَبَاعَهُ الْحَالِفُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَا يَحْنَثُ) أَيْ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ إنْ بِعْت ثَوْبًا بِوَكَالَتِك وَأَمْرِك وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ دُونَ مِلْكِ الْعَيْنِ) يَعْنِي وَذَا أَنْ يَفْعَلَهُ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ نَفْعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ يَقَعُ لَهُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْفِعْلِ وَالْعَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ تُوجِبُ مِلْكَ الْعَيْنِ) أَيْ لَا مِلْكَ الْفِعْلِ فَصَارَ تَقْدِيرُ يَمِينُهُ إنْ بِعْت ثَوْبًا هُوَ مَمْلُوكٌ لَك. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ} [الذاريات: 28] بِالْفَاءِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنْتَ حُرٌّ إلَخْ) وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَأَعْتَقَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مُقْتَضِيًا لِلْإِعْتَاقِ سَابِقًا عَلَيْهِ كَذَا هُنَا كَافِي

لَا يَمْنَعُ الدُّخُولَ فِي مِلْكِهِ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ شِرَاءِ الْقَرِيبِ وَبَيْنَ شِرَاءِ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَعْتِقُ الْقَرِيبُ بِالشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَيَعْتِقُ الْآخَرُ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ فِي الْقَرِيبِ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ إذَا مَلَكَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ مَعَ خِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيَنْزِلُ مُعْتَقًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِتَقَدُّمِ التَّعْلِيقِ مِنْهُ وَفِي الْقَرِيبِ لَا يَنْزِلُ لِعَدَمِهِ وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَمَا حَلَفَ بَيْعًا بَاتًّا لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ كَمَا بَاعَهُ تَمَّ الْبَيْعُ فِيهِ وَزَالَ عَنْ مِلْكِهِ وَالْجَزَاءُ لَا يَنْزِلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْحَلَّ الْيَمِينُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْبَيْعُ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لَا يَحْنَثُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَتَمَكَّنْ بِهَذَا الشِّرَاءِ مِنْ شَيْءٍ فَكَانَ كَأَنَّ الشِّرَاءَ لَمْ يُوجَدْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا بِالْفَاسِدِ وَالْمَوْقُوفِ) أَيْ وَكَذَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَبِالْمَوْقُوفِ مِنْهُمَا فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يَبِيعَ أَوْ لَا يَشْتَرِيَ أَوْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَشْتَرِيَ فَأَمَّا الْفَاسِدُ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الْبَائِعَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِمِثْلِ غَصْبٍ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ كَمَا يَتِمُّ الْبَيْعُ يَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ كَالْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْبَاتِّ وَيَنْبَغِي أَنْ تَنْحَلَّ الْيَمِينُ لِمَا قُلْنَا فِي الصَّحِيحِ الْبَاتِّ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ عَتَقَ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي حَلَفَ بِعِتْقِهِ فَاشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَضْمُونًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَعْتِقُ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ كَمَا تَمَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا ثُمَّ تَتَارَكَا الْبَيْعَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ شِرَاءً صَحِيحًا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ حَقِيقَةً فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِهِ وَارْتَفَعَتْ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ لِعَدَمِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ بِالْقَبْضِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ وَلَا بِمَا فِيهِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا أَصْلًا لِأَنَّ الْفَاسِدَ نَاقِصٌ ذَاتًا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى الْكَمَالِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ فَكَانَ الشَّرْطُ مَعَهُ وَمَا مِنْ وَجْهٍ وَشَرْطُ الْخِيَارِ يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْعَقْدِ فَصَارَ كَالْإِيجَابِ بِلَا قَبُولٍ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ كَامِلٌ ذَاتًا لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ وَالرُّكْنِ وَالْمَحَلِّ وَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ مِنْ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ لَا يَضُرُّ كَالْهِبَةِ وَشِرَاءِ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يُقَالُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ إعْدَامٌ قَبْلَهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ كَمَا لَا يَحْنَثُ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ فِي الْإِسْقَاطَاتِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ ذَاتَ الْعَقْدِ مَوْجُودٌ وَأَثَرَ الشَّرْطِ فِي تَأْخِيرِ الْحُكْمِ لَا فِي الْعَقْدِ وَلِهَذَا يَنْبَرِمُ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَلَوْ كَانَ مُعَلَّقًا لَبَطَلَ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ فَلِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِيهِ الْبَيْعُ حَقِيقَةً لِوُجُودِ رُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَمَحِلِّهِ وَكَذَا حُكْمًا عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ فَيَحْنَثُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا مِنْ فُضُولِيٍّ حَنِثَ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ شَرْطُ الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ وَالرُّكْنُ قَدْ وُجِدَ قَبْلَهَا وَلِهَذَا يَسْتَنِدُ الْحُكْمُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ إلَيْهِ وَيَثْبُتُ عِنْدَهَا بِهِ لَا بِهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَالنِّكَاحِ وَنَحْنُ نَقُولُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْحِلُّ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْمَوْقُوفُ لِإِفَادَتِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمِلْكُ دُونَ الْحِلِّ وَلِهَذَا تُجَامِعُهُ الْحُرْمَةُ فَيَحْنَثُ فِيهِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَفِي النِّكَاحِ مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ فَبَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الْبَيْعِ مِنْهُ حَقِيقَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الشِّرَاءِ وَلِهَذَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِالْبَاطِلِ) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِالْبَيْعِ الْبَاطِلِ وَلَا بِالشِّرَاءِ الْبَاطِلِ فِي يَمِينِهِ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا حَتَّى لَا يُفِيدَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعَ وَلَوْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت الْيَوْمَ شَيْئًا فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ إنْ بِعْت عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بِمَيْتَةٍ أَوْ حُرٍّ لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِخَمْرٍ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ عَلَى مَا عُرِفَ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ وَلَوْ اشْتَرَى مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ لَهُمَا سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ وَهِيَ تُنَافِي الِانْعِقَادَ وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِهِ الْقَاضِي يَحْنَثُ لِلْحَالِ لِأَنَّ قَضَاءَهُ يُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الْمَانِعِ مِنْ الْجَوَازِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ فَيَحْنَثُ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ إجَازَةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ وُجُودِهِ فَيَمْتَدُّ السَّبَبُ فِيهِ إلَى وَقْتِ الْإِجَازَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْإِجَازَةِ يَنْفُذُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْمَانِعَ كَانَ مُمْتَدًّا إلَيْهِ فَأَبْطَلَ الْإِيجَابَ فَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَمَا حَلَفَ بَيْعًا بَاتًّا لَمْ يَعْتِقْ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ اهـ

الْقَضَاءُ إبْطَالًا لِذَلِكَ الْمُبْطَلِ وَالْمُكَاتَبُ كَالْمُدَبَّرِ فِي زَوَالِهِ لَكِنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وَيُتَصَوَّرُ فِيهِ رِضَاهُ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ يَبِيعَ هَذَا الْحُرَّ فَبَاعَهُ بَرَّ لِأَنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ فَانْعَقَدَ عَلَى الْبَاطِلِ وَكَذَا لَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْحُرَّةِ أَوْ أُمِّ الْوَلَدِ لِمَا ذَكَرْنَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْحُرَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ فِيهِمَا بِأَنْ تَرْتَدَّ وَتَلْتَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ تُسْبَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ لَمْ أَبِعْ فَكَذَا فَأَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ حَنِثَ) أَيْ رَجُلٌ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ثُمَّ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ حَنِثَ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الْبَيْعِ لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ وَلَا يُقَالُ لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ لِجَوَازِ أَنْ تَرْتَدَّ وَتَلْتَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ تُسْبَى وَتُسْتَرَقُّ إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أُنْثَى لِأَنَّا نَقُولُ الْحَالِفُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمِلْكِ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ بَعْدَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَقَضَاءُ الْقَاضِي بِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ مَوْهُومٌ وَالْأَحْكَامُ لَا تُبْنَى عَلَى الْمَوْهُومَاتِ فَيَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ عَنْ الْبَيْعِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَتْ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ طَلُقَتْ الْمُحَلِّفَةُ) يَعْنِي إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ طَلُقَتْ الَّتِي حَلَّفَتْهُ وَهِيَ الْمُخَاطَبَةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ جَوَابًا لِكَلَامِهَا فَيَكُونُ مُطَابِقًا لَهُ وَلِأَنَّهُ قَصَدَ إرْضَاءَهَا وَذَلِكَ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا فَيُقَيَّدُ بِهِ وَهُوَ وَإِنْ زَادَ فِي الْجَوَابِ لَكِنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِلَغْوٍ وَإِنَّمَا تُخْرِجُ الزِّيَادَةُ الْكَلَامَ مِنْ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا إذَا كَانَتْ لَغْوًا وَهُنَا فِيهَا فَائِدَةٌ وَهُوَ تَطْيِيبُ قَلْبِهَا وَتَسْكِينُ نَفْسِهَا بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ حَتَّى لَا تُؤَوِّلَهُ عَلَى غَيْرِ الَّتِي ظَنَّتْ وَلَنَا أَنَّ الْعَمَلَ بِالْعُمُومِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا فَيُعْمَلُ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ جَوَابَهُ كَانَ أَنْ يَقُولَ إنْ تَزَوَّجْت فَهِيَ طَالِقٌ فَكَانَ بِالزِّيَادَةِ مُبْتَدِئًا وَجَازَ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ إيحَاشَهَا وَإِلْحَاقَ الْغَيْظِ بِهَا حِينَ اعْتَرَضَتْ عَلَيْهِ فِيمَا أَحَلَّهُ الشَّرْعُ وَمَعَ التَّرَدُّدِ لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا وَلَوْ نَوَى غَيْرَهَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلَوْ قَالَتْ لَهُ تُرِيدُ أَنْ تَتَزَوَّجَ عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ دَخَلَتْ الْمُخَاطَبَةُ حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ مَاشِيًا فَإِنْ رَكِبَ أَرَاقَ دَمًا) أَيْ رَجُلٌ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ مَاشِيًا وَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَأَرَاقَ دَمًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَشْيَ وَهُوَ لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ دَبَّرَ) أَيْ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ رَجُلٌ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ) أَيْ أَوْ هَذِهِ الْأَمَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ لِجَوَازِ أَنْ تَرْتَدَّ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إذَا عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى بَيْعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَوْ دَبَّرَهَا لَا يَحْنَثُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تُسْبَى بَعْدَ الرِّدَّةِ فَتُبَاعُ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ فِي هَذَا الْمِلْكِ وَبِالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الْبَيْعِ فِي هَذَا الْمِلْكِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَذَكَرُوا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا تَطْلُقُ وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَطْلُقُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إلَى هَذَا الْقَوْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ مُطَابِقًا لَهُ) أَيْ فَكَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرِك أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَالِاسْتِثْنَاءُ قَدْ يَكُونُ دَلَالَةً كَمَا يَكُونُ إفْصَاحًا فَتَكُونُ الْمُحَلِّفَةُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ دَلَالَةً فَيَنْصَرِفُ الطَّلَاقُ إلَى غَيْرِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْعَمَلَ بِالْعُمُومِ وَاجِبٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ. اهـ. 1 - (فُرُوعٌ) قَالَ لِي إلَيْك حَاجَةٌ أَتَقْضِيهَا فَقَالَ نَعَمْ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَقَالَ حَاجَتِي أَنْ تُطَلِّقَ زَوْجَتَك ثَلَاثًا لَهُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وَلَوْ حَلَفَ لَيُطِيعَنَّهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ وَيَنْهَاهُ عَنْهُ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ جِمَاعِ امْرَأَتِهِ فَجَامَعَهَا الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إنْ كَانَ مَا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ إلَى ذَلِكَ عِنْدَ تَحْلِيفِهِ عَلَى الطَّاعَةِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُرِيدُونَ بِهِ النَّهْيَ عَنْ جِمَاعِ الْمَرْأَةِ عَادَةً كَمَا لَا يُرِيدُونَ النَّهْيَ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَكُلُّ طَلَاقٍ يُضَافُ إلَيْهِ يَحْنَثُ بِهِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ طَلَاقٌ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ يَحْنَثُ لَا بِمَا لَا يُضَافُ إلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي لِلْعُنَّةِ وَاللَّعَّانِ وَلَا بِإِجَازَةِ خُلْعِ الْفُضُولِيِّ بِالْفِعْلِ وَيَحْنَثُ لَوْ أَجَازَهُ بِالْفِعْلِ 1 - قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ الْيَوْمَ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ دَخَلَهَا الْيَوْمَ فَقَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ كَانَ رَأَيَانِي دَخَلْت الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ بِقَوْلِهِمَا رَأَيَاهُ دَخَلَ حَتَّى يَشْهَدَ آخَرَانِ غَيْرُهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ رَأَيَاهُ دَخَلَ ادَّعَتْ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَحَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَةٍ أُخْرَى لَهُ مَا هِيَ امْرَأَتُهُ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَقَالَ كَانَتْ امْرَأَتِي وَطَلَّقْتهَا لَا يَحْنَثُ 1 - حَلَفَ مَا لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَشَهِدَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا وَقَضَى بِهَا الْقَاضِي يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِطَلَاقٍ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمَا 1 - حَلَفَ بِطَلَاقٍ وَلَا يَدْرِي حَلَفَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ يَتَحَرَّى وَيَعْمَلُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ التَّحَرِّي فَإِنْ اسْتَوَى ظَنُّهُ يَأْخُذُ بِالْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا قَالَ عَمْرَةُ طَالِقٌ السَّاعَةَ أَوْ زَيْنَبُ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَى إحْدَاهُمَا حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَتْ إحْدَاهُمَا خُيِّرَ فِي إبْقَائِهِ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ 1 - وَلَوْ اُتُّهِمَتْ امْرَأَةٌ بِالسَّرِقَةِ فَأَمَرَتْ زَوْجَهَا أَنْ يَحْلِفَ بِطَلَاقِهَا أَنَّهَا لَمْ تَسْرِقْ فَحَلَفَ فَقَالَتْ قَدْ كُنْت سَرَقْت فَلِلزَّوْجِ أَنْ لَا يُصَدِّقَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مُتَنَاقِضَةً 1 - حَلَفَ إنْ لَمْ يُجَامِعْ امْرَأَتَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا هَذَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ وَالسَّبْعُونَ كَثِيرٌ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ ابْنَ فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ ابْنٌ فَوُلِدَ لَهُ ابْنٌ فَكَلَّمَهُ يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ وُجُودَ الْوَلَدِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَهُمَا وَقْتَ التَّكَلُّمِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ إلَيْهَا كَالْوُضُوءِ وَالسَّعْيِ وَالنَّذْرِ بِمَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ لَا يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ وَلَهَا نَظِيرٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ يُوجِبْهُ الشَّرْعُ لَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ صَارَتْ كِنَايَةً عَنْ إيجَابِ الْإِحْرَامِ عُرْفًا وَشَرْعًا إذْ النَّاسُ تَعَارَفُوا الْتِزَامَ الْإِحْرَامِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ «وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُخْتَ عُقْبَةَ حِينَ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَنْ تُحْرِمَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ» وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّاذِرُ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ خَارِجًا مِنْهَا لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَارَ كِنَايَةً عَنْ الْتِزَامِ الْإِحْرَامِ وَالِالْتِزَامُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِأَحَدِهِمَا لِلْعُرْفِ فَإِذَا لَزِمَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ مَشَى وَهُوَ أَكْمَلُ وَفِيهِ إيفَاءٌ بِمَا الْتَزَمَهُ كَمَا الْتَزَمَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا فَلَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ وَاحِدَةٌ بِسَبْعِمِائَةٍ» وَلِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وَإِنْ كَانَ عِبَارَةً عَنْ الِالْتِزَامِ لَكِنْ فِيهِ نَصٌّ عَلَى الْمَشْيِ وَفِي الْمَشْيِ فَضِيلَةٌ فَتُرَاعَى تِلْكَ الصِّفَةُ لِفَضِيلَتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَضْرِبَ بِثَوْبِهِ حَطِيمَ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْتِزَامِ التَّصَدُّقِ بِهِ بِمَكَّةَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَضْرِبَ بِهِ الْحَطِيمَ لِعَدَمِ التَّقَرُّبِ بِالضَّرْبِ وَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَذَبَحَ شَاةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ وَلْتُرِقْ دَمًا» وَكَانَتْ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَنْوِي مَسْجِدًا مِنْ الْمَسَاجِدِ سِوَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ إذْ الْمَسَاجِدُ كُلُّهَا بُيُوتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَحَرَّرَتْ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَكَانَتْ مُعَدَّةً لِإِقَامَةِ طَاعَتِهِ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ الْخُرُوجِ أَوْ الذَّهَابِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْمَشْيِ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْخُرُوجُ أَوْ الذَّهَابُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَاللُّزُومُ لِلْعُرْفِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ فَامْتَنَعَ أَصْلًا وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ لِأَنَّ الْحَرَمَ وَالْمَسْجِدَ الْحَرَامَ شَامِلٌ لِلْبَيْتِ فَصَارَ ذِكْرُهُ كَذِكْرِهِ بِخِلَافِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْهُ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْعُرْفُ وَلَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ بِلَفْظَةِ الذَّهَابُ وَالْخُرُوجُ وَإِنْ قَالَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ لَمْ يَعْتِقْ) أَيْ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ أَحُجَّ هَذِهِ السَّنَةَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ حَجَجْت وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ ضَحَّى الْعَامَ بِالْكُوفَةِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ وَلَا يَعْتِقُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْتِقُ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ التَّضْحِيَةُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ الْحَجِّ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ وَهُوَ عَدَمُ الْحَجِّ وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّضْحِيَةِ بَاطِلَةٌ إذْ لَا مُطَالَبَ لَهَا وَهِيَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ أَيْضًا فَبَقِيَ النَّفْيُ مَقْصُودًا وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ مَقْصُودًا بَاطِلَةٌ فَإِنْ قِيلَ الشَّهَادَةُ بِالنَّفْيِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ إذَا لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمُ الشَّاهِدِ وَأَمَّا إذَا أَحَاطَ بِهَا فَتُقْبَلُ وَهُنَا أَحَاطَ بِهَا عِلْمُ الشَّاهِدِ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ التَّضْحِيَةِ انْتِفَاءُ الْحَجِّ فَصَارَ نَظِيرُ شَهَادَتِهِمَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ النَّصَارَى وَهُوَ يَقُولُ وَصَلْت بِهِ قَوْلَ النَّصَارَى قُبِلَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِإِحَاطَةِ عِلْمِ الشَّاهِدِ بِهِ فَكَذَا هُنَا بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْبَيْتِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْفَصْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَلْزَمُهُ إمَّا حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَفِي وَجْهٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَلْزَمُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ فَهُوَ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْكَعْبَةِ أَوْ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ إلَى بَكَّةَ وَكُلُّ ذَلِكَ مُتَعَارَفٌ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ فَهُوَ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْخُرُوجُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ لَفْظَ السَّعْيِ أَوْ السَّفَرِ أَوْ الذَّهَابِ أَوْ الرُّكُوبِ أَوْ الْإِتْيَانِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهُوَ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَقَالَ صَاحِبَاهُ يَلْزَمُهُ إمَّا حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ الْحَرَمَ أَوْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ يَشْمَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيْتُ فَإِذَا ذَكَرَ الْبَيْتَ وَحْدَهُ يَلْزَمُهُ فَكَذَا إذَا ذَكَرَ مَا يَشْمَلُهُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي لَفْظِ الْمَشْيِ لَيْسَ مَا يُنَبِّئُ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ إلَّا أَنَّ فِي النَّذْرِ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ أَوْ إلَى مَكَّةَ ثَبَتَ الْحُكْمُ بِالْإِجْمَاعِ خَارِجًا عَنْ الْقِيَاسِ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الصَّفَا أَوْ إلَى الْمَرْوَةِ أَوْ إلَى بَابِ بَنِي شَيْبَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّضْحِيَةِ بَاطِلَةٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَئِنْ قَالَ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّضْحِيَةِ وَهِيَ إثْبَاتٌ فَمِنْ ضَرُورَتِهَا يَلْزَمُ عَدَمُ الْحَجِّ ضِمْنًا وَالضِّمْنِيَّاتُ لَا تُعَلَّلُ قُلْنَا الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِثْبَاتِ إنَّمَا تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَالتَّضْحِيَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا مُطَالِبَ لَهَا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَالْقَاضِي لَا يُجْبِرُ عَلَيْهَا فَثَبَتَ عَدَمُ الْمُطَالِبِ فَلَمَّا انْتَفَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّضْحِيَةِ ثَبَتَ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى نَفْيِ الْحَجِّ وَالشَّهَادَةُ عَلَى نَفْيِ الْحَجِّ لَا تُقْبَلُ لِمَا قُلْنَا. اهـ. (قَوْلُهُ إذْ لَا مُطَالِبَ لَهَا) أَيْ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ وَهُوَ الْعَبْدُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا يَطْلُبُهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يُعَلَّقْ بِهَا وَمَا لَا مُطَالِبَ لَهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَإِذَا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّضْحِيَةِ بَقِيَتْ فِي الْحَاصِلِ عَلَى نَفْيِ الْحَجِّ مَقْصُودًا وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ بَاطِلَةٌ. اهـ. كَمَالٌ

شَهَادَتِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ شَهِدَا عَنْ عِلْمٍ أَوْ بَنَيَا عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَمِ قُلْنَا الْبَيِّنَاتُ شُرِعَتْ لِلْإِثْبَاتِ دُونَ النَّفْيِ فَتَرِدُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ تَيْسِيرًا لِلْأَمْرِ وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ عَلَى أَمْرٍ مَحْسُوسٍ وَهُوَ السُّكُوتُ فَإِنْ قِيلَ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ فِي الشُّرُوطِ مَقْبُولَةٌ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تُقْبَلُ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ قُلْنَا هُوَ الْآخَرُ مُعَايِنٌ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي خَارِجِ الدَّارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَنِثَ فِي لَا يَصُومُ بِصَوْمِ سَاعَةٍ بِنِيَّةٍ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَنَوَى الصَّوْمَ وَأَمْسَكَ سَاعَةً ثُمَّ أَفْطَرَ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ إذْ الصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ وَقَدْ وُجِدَ لِأَنَّ الشَّارِعَ فِي الْفِعْلِ يُسَمَّى فَاعِلًا ثُمَّ بِالْإِفْطَارِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ الْحِنْثُ الْمُتَقَرِّرُ وَلِأَنَّ الْإِمْسَاكَ الْمُسْتَمِرَّ تَكْرَارٌ وَتَكْرَارُ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْحِنْثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي صَوْمًا أَوْ يَوْمًا بِيَوْمٍ) أَيْ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَصُومُ صَوْمًا أَوْ يَوْمًا بِصَوْمِ يَوْمٍ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الصَّوْمَ مُطْلَقًا بِذَكَرِ الْمَصْدَرِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ وَالْمُفِيدُ لِحُكْمِهِ شَرْعًا وَفِي قَوْلِهِ يَوْمًا تَصْرِيحٌ فِي تَقْدِيرِهِ بِالْيَوْمِ فَلَا يَحْنَثُ فِيهِمَا إلَّا بِصَوْمِ يَوْمٍ كَامِلٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي لَا يُصَلِّي بِرَكْعَةٍ) أَيْ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي يَحْنَثُ بِرَكْعَةٍ وَهُوَ مَا إذَا قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ وَلَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُقَيِّدْهَا بِهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ بِالشُّرُوعِ اعْتِبَارًا بِالصَّوْمِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ أَرْكَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَمَا لَمْ يَأْتِ بِجَمِيعِهَا لَا تُسَمَّى صَلَاةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ صَلَّى رُكُوعًا وَلَا صَلَّى سُجُودًا وَإِنَّمَا يُقَالُ صَلَّى رَكْعَةً وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى الْأَرْكَانِ كُلِّهَا وَبَعْدَهَا تَكْرَارٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَيَتَكَرَّرُ ذَلِكَ بَعْدَهُ ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مَتَى يَحْنَثُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ بِنَفْسِ السَّجْدَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ بِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي صَلَاةٍ بِشَفْعٍ) أَيْ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِشَفْعٍ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي صَلَاةً لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْمُطْلَقَةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبُتَيْرَاءِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ لَبِسْت مِنْ غَزْلِك فَهُوَ هَدْيٌ فَمَلَكَ قُطْنًا فَغَزَلَتْهُ وَنُسِجَ فَلَبِسَ فَهُوَ هَدْيٌ) أَيْ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِامْرَأَتِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ إلَّا إذَا غَزَلَتْهُ مِنْ قُطْنٍ كَانَ فِي مِلْكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ بَنَيَا عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَمِ) حَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ هَذَا نَفْيٌ يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ لَكِنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ فِي عَدَمِ الْقَبُولِ بِأَنْ يُقَالَ النَّفْيُ إذَا كَانَ كَذَا صَحَّتْ الشَّهَادَةُ بِهِ وَإِنْ كَانَ كَذَا لَا تَصِحُّ تَيْسِيرًا وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ اللَّازِمِ فِي تَمَيُّزِ نَفْيٍ مِنْ نَفْيٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ تَيْسِيرًا لِلْأَمْرِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا مَسْأَلَةُ السَّيْرِ فَالْقَوْلُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى السُّكُوتِ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ فَصَارَ كَشُهُودِ الْإِرْثِ إذَا قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ حَيْثُ يُعْطَى لَهُ كُلُّ التَّرِكَةِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الْإِرْثِ وَالنَّفْيُ فِي ضِمْنِهِ وَالْإِرْثُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ فَأَمَّا النَّحْرُ وَإِنْ كَانَ وُجُودِيًّا وَنَفْيُ الْحَجِّ فِي ضِمْنِهِ لَكِنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ كَمَا ذَكَرَ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ كَعَدَمِهَا فِي حَقِّهِ فَكَانَ النَّفْيُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِهَا وَأَمَّا مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ تُقْبَلُ فِي الشُّرُوطِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا قُبِلَتْ وَيُقْضَى بِعِتْقِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الشُّرُوطِ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهَا قَامَتْ بِأَمْرٍ ثَابِتٍ مُعَايِنٍ وَهُوَ كَوْنُهُ خَارِجًا فَيَثْبُتُ النَّفْيُ ضِمْنًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَبْدَ كَمَا لَا حَقَّ لَهُ فِي التَّضْحِيَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ هِيَ شَرْطَ الْعِتْقِ فَلَمْ تَصِحَّ الشَّهَادَةُ بِهَا كَذَلِكَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْخُرُوجِ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَل الشَّرْطَ بَلْ عَدَمُ الدُّخُولِ كَعَدَمِ الْحَجِّ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَمَّا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مِمَّا هُوَ مَوْجُودٌ مُتَضَمِّنٌ لِلْمُدَّعَى بِهِ مِنْ النَّفْيِ الْمَجْعُولِ شَرْطًا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَّعًى بِهِ لِتَضَمُّنِهِ الْمُدَّعَى بِهِ كَذَلِكَ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَةِ التَّضْحِيَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلنَّفْيِ الْمُدَّعَى بِهِ فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْجَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تُقْبَلُ) أَيْ وَيُقْضَى بِعِتْقِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ وُجِدَ) أَيْ تَمَامُ حَقِيقَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَهَا تَكْرَارٌ) قَالَ الْكَمَالُ وَلِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ إذَا تَمَّتْ حَقِيقَتُهُ يُسَمَّى فَاعِلًا وَلِذَا نَزَلَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَابِحًا حَيْثُ أَمَرَّ السِّكِّينَ فِي مَحَلِّ الذَّبْحِ فَقِيلَ لَهُ {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105] بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ حَقِيقَتُهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَفْعَالٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالصَّلَاةِ فَلِذَا قَالَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي أَنَّهُ إذَا قَامَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ حَنِثَ إذَا قَطَعَ وَلَوْ قَطَعَ بَعْدَ الرُّكُوعِ لَا يَحْنَثُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوُجُودِ تَمَامُ حَقِيقَتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبُتَيْرَاءِ») أَيْ نَهْيًا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ لَوْ فُعِلَتْ وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ صَلَّيْت رَكْعَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ تَكَلَّمَ لَا يَعْتِقُ وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَتَقَ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مَا صَلَّى رَكْعَةً لِأَنَّهَا بُتَيْرَاءُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَبَيَّنَ بِهَذِهِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ يَعْنِي وَحْدَهُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ حَلَفَ لَا يُصَلِّي رَكْعَةً فَصَلَاةُ الرَّكْعَةِ حَقِيقَةً دُونَ مُجَرَّدِ الصُّورَةِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِضَمِّ أُخْرَى إلَيْهَا وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَلَمْ يَقُلْ رَكْعَةً وَالْبُتَيْرَاءُ تَصْغِيرُ الْبَتْرَاءِ تَأْنِيثُ الْأَبْتَرِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَقْطُوعُ الذَّنَبِ ثُمَّ صَارَ يُقَالُ لِلنَّاقِصِ وَفِي الْبَيْعِ يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالْفَرْقُ غَيْرُ خَافٍ ثُمَّ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً فَهَلْ يَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ عَلَى قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْفِعْلِ وَهُوَ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً يَحْنَثُ قَبْلَ الْقَعْدَةِ لِمَا ذَكَرْته وَإِنْ عَقَدَهَا عَلَى الْفَرْضِ كَصَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ حَتَّى يَقْعُدَ. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْبُتَيْرَاءُ مَا نَصُّهُ أَيْ الرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ. اهـ. كَافِي كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ إلَّا إذَا غَزَلَتْهُ مِنْ قُطْنٍ كَانَ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقُطْنَ أَوْ الْغَزْلَ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا أَنَّهُ هَدْيٌ وَمَعْنَى الْهَدْيِ التَّصَدُّقُ بِهِ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهَا اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَمَعْنَى الْهَدْيِ هُنَا مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهَا فَإِنْ

يَوْمَ حَلَفَ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا إذْ غَزْلُ الْمَرْأَةِ وَاللُّبْسُ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَهِيَ حُرَّةٌ عَلَى مَا مَرَّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْغَزْلَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ بِهِ الْغَاصِبُ وَغَزْلُ الْمَرْأَةِ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الزَّوْجِ عَادَةً وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى قُطْنًا وَغَزَلَتْهُ وَنَسَجَتْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ مِلْكًا لَهُ بِحُكْمِ الْعُرْفِ لِأَنَّهَا لَا تَغْزِلُهُ عَادَةً إلَّا لَهُ وَالْمُعْتَادُ كَالْمَشْرُوطِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ مِلْكًا لَهَا كَمَا لَوْ غَزَلَهُ الْأَجْنَبِيُّ فَإِذَا كَانَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ يَكُونُ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ كَسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَوْ غَزَلَتْهُ مِنْ قُطْنٍ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَنَسَجَتْهُ وَلَبِسَهُ يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّسَرِّي فَإِنَّ التَّسَرِّي لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْمِلْكِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَبِسَ خَاتَمَ ذَهَبٍ أَوْ عَقْدُ لُؤْلُؤٍ لُبْسُ حُلِيٍّ) أَمَّا الذَّهَبُ فَلِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِلتَّزَيُّنِ فَكَانَ لُبْسُهُ لُبْسَ الْحُلِيِّ وَلِهَذَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الرِّجَالِ فَكَانَ كَامِلًا فِي مَعْنَى التَّحَلِّي فَدَخَلَ تَحْتَ مُطْلَقِ اسْمِ الْحُلِيِّ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ خَاتَمَ ذَهَبٍ يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا عَقْدُ اللُّؤْلُؤِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُهُمَا وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَيْسَ بِحُلِيٍّ إلَّا إذَا كَانَ مُرَصَّعًا حَتَّى لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا بِلُبْسِ غَيْرِ الْمُرَصَّعِ مِنْهُ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ لِأَنَّ اللُّؤْلُؤَ الْخَالِصَ يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الْحُلِيِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12] وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ اللُّؤْلُؤُ الْخَالِصُ وَقَالَ تَعَالَى {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [الحج: 23] وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِالتَّحَلِّي بِهِ إلَّا مُرَصَّعًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالْعَادَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْأَيْمَانِ ثُمَّ قِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ لِلرِّجَالِ بِلُبْسِ اللُّؤْلُؤِ الْخَالِصِ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَكُلٌّ أَفْتَى بِمَا عَايَنَ فِي زَمَانِهِ وَقَالَ فِي الْكَافِي قَوْلُهُمَا أَقْرَبُ إلَى عُرْفِ دِيَارِنَا فَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّحَلِّي بِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ مُعْتَادٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَبِسَ عَقْدَ زَبَرْجَدٍ أَوْ زُمُرُّدٍ غَيْرِ مُرَصَّعٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا خَاتَمَ فِضَّةٍ) أَيْ لَا يَكُونُ لُبْسُ خَاتَمِ فِضَّةٍ لُبْسَ حُلِيٍّ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا لَا يَحْنَثُ بِلُبْسِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ كَامِلٍ لِأَنَّ الْحُلِيَّ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّزَيُّنِ فَقَطْ وَهَذَا يُسْتَعْمَلُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَلِهَذَا حَلَّ لِلرَّجُلِ وَلَوْ كَانَ حُلِيًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَا حَلَّ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حُلِيًّا كَامِلًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الِاسْمِ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ خَاتَمَ الْفِضَّةِ إذَا صِيغَ عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ بِأَنْ كَانَ ذَا فَصٍّ يَحْنَثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ) أَيْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ (فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ فَجَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ الْجَالِسَ عَلَى الْبِسَاطِ أَوْ الْحَصِيرِ لَا يُعَدُّ جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ عَادَةً فَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ إلَى الْأَرْضِ فَلَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَالَ بَيْنَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ نَذَرَ هَدْيَ شَاةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَإِنَّمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعُهْدَةِ ذَبْحُهُ فِي الْحَرَمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ هُنَاكَ فَلَا يُجْزِيهِ إهْدَاءُ قِيمَتِهِ وَقِيلَ فِي إهْدَاءِ قِيمَةِ الشَّاةِ رِوَايَتَانِ فَلَوْ سُرِقَ بَعْدَ الذَّبْحِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِنْ نَذَرَ ثَوْبًا جَازَ التَّصَدُّقُ فِي مَكَّةَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْهَدْيُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى مَكَّةَ أَيْ يَنْتَقِلُ إلَيْهَا لِلتَّصَدُّقِ ثُمَّ إذَا نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ ثَوْبًا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ نَعَمًا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُهْدِيَ بِمَكَّةَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ حَيًّا لَا يَجُوزُ وَلَا يَكُونُ هَدْيًا حَتَّى يُذْبَحُ ثُمَّ إذَا سُرِقَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَإِذَا نَذَرَ بِمَا لَا يُنْقَلُ كَالْعَقَارِ يَكُونُ نَذْرًا بِالْقِيمَةِ لِتَعَذُّرِ نَقْلِ الْعَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ) أَيْ فِيمَا هُوَ فِي الْمِلْكِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ إلَى سَبَبِهِ) أَيْ مِثْلَ إنْ اشْتَرَيْت كَذَا فَهُوَ هَدْيٌ أَوْ فَعَلَ إنْ تَصَدَّقَ بِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْغَزْلَ سَبَبُ الْمِلْكِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَهُ أَنَّ غَزْلَ الْمَرْأَةِ عَادَةً يَكُونُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقُطْنَ فِي الْبَيْتِ وَهِيَ تَغْزِلُهُ فَيَكُونُ الْمَغْزُولُ مِلْكًا لَهُ وَالْمُعْتَادُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْأَلْفَاظِ فَالتَّعْلِيقُ تَعْلِيقٌ بِسَبَبِ مِلْكِهِ لِلزَّوْجِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ لَبِسْت ثَوْبًا أَمْلِكُهُ بِسَبَبِ غَزْلِك قُطْنَهُ هُوَ هَدْيٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ مِلْكِ الْقُطْنِ وَلَا إلَى الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ غَزَلَتْهُ مِنْ قُطْنٍ كَانَ فِي مِلْكِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْوَاجِبُ فِي دِيَارِنَا أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَغْزِلُ إلَّا مِنْ كَتَّانِ نَفْسِهَا أَوْ قُطْنِهَا فَلَيْسَ الْغَزْلُ سَبَبًا لِمِلْكِهِ لِلْمَغْزُولِ عَادَةً فَلَا يَسْتَقِيمُ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. قُلْت جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مُسْتَقِيمٌ فِي حَقِّ بَعْضِ أَهْلِ الرِّيفِ اهـ (قَوْلُهُ يَحْنَثُ) وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ غَزْلُ الْمَرْأَةِ لَا إلَى مِلْكِيَّتِهِ لِأَنَّ الْقُطْنَ لَمْ يَصِرْ مَذْكُورًا حَتَّى يُضَافَ إلَيْهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ حَلْيٌ) الْحَلْيُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ مُفْرَدٌ وَجَمْعُهُ حُلِيٌّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى فُعُولٍ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ مُرَصَّعًا) التَّرْصِيعُ التَّرْكِيبُ يُقَالُ تَاجٌ مُرَصَّعٌ بِالْجَوَاهِرِ اهـ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ) وَبِقَوْلِهِمَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَلْبَسَ الْغِلْمَانُ اللُّؤْلُؤَ وَكَذَلِكَ الرِّجَالُ وَقَاسَ أَبُو حَنِيفَةَ اللُّؤْلُؤَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حُلِيًّا إلَّا بِصِيغَةٍ تُصَاغُ فَكَذَا اللُّؤْلُؤُ لَا يَكُونُ حُلِيًّا إلَّا بِالتَّرْصِيعِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فَعَلَى هَذَا إذَا عَلَّقَتْ الْمَرْأَةُ فِي عُنُقِهَا شَيْئًا مِنْ الذَّهَبِ غَيْرَ مَصُوغٍ لَا يَحْنَثُ اهـ (قَوْلُهُ وَالْعَادَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْأَيْمَانِ) أَيْ لَا اسْتِعْمَالُ الْقُرْآنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ حُلِيًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَا حَلَّ) أَيْ لِأَنَّ التَّزَيُّنَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَلَوْ لَبِسَ خَلْخَالًا أَوْ دُمْلُوجًا أَوْ سِوَارًا يَحْنَثُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ يَحْنَثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ الْكَمَالُ وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ بِخَاتَمِ الْفِضَّةِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ يَلْبَسُهُ النِّسَاءُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ نَفْيُ كَوْنِهِ حُلِيًّا وَإِنْ كَانَ زِينَةً وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ اهـ

[باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك]

وَبَيْنَ الْأَرْضِ ثَوْبُهُ وَهُوَ لَابِسُهُ حَيْثُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ حَائِلًا إلَّا إذَا نَزَعَهُ وَفَرَشَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَالْفِرَاشِ وَكَذَا النَّوْمُ عَلَى فِرَاشٍ فَوْقَ فِرَاشٍ أَوْ الْجُلُوسُ عَلَى سَرِيرٍ فَوْقَ سَرِيرٍ لَا يُعَدُّ جَالِسًا وَلَا نَائِمًا عَلَى الْفِرَاشِ الْأَسْفَلِ أَوْ عَلَى السَّرِيرِ الْأَسْفَلِ وَذُكِرَ فِي الْكَافِي مَعْزِيًّا إلَى الْمُخْتَلِفِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ فِي الْفِرَاشِ فَوْقَ الْفِرَاشِ لِأَنَّهُ نَائِمٌ عَلَيْهِمَا عُرْفًا يُقَالُ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشَيْنِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَسَلَّمَ عَلَى جَمْعٍ هُوَ فِيهِمْ وَقَوْلُهُ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ السَّرِيرُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ نَكِرَةً كَمَا ذَكَرَهُ يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى السَّرِيرِ الْأَعْلَى لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُنَكَّرَ يَتَنَاوَلُهُ وَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ السَّرِيرُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا بِأَنْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ فَجَلَسَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ جُعِلَ عَلَى الْفِرَاشِ قِرَامٌ أَوْ عَلَى السَّرِيرِ بِسَاطٌ أَوْ حَصِيرٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا وَنَائِمًا عَلَى الْفِرَاشِ وَالسَّرِيرِ عَادَةً وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا السَّطْحِ أَوْ الدُّكَّانِ أَوْ لَا يَجْلِسُ فَبَسَطَ عَلَيْهِ فِرَاشًا أَوْ حَصِيرًا فَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ جَلَسَ حَنِثَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَائِمًا وَجَالِسًا عَلَيْهِمَا وَالنَّوْمُ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِمَا هَكَذَا يَكُونُ عَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذَا الْفَرَسَ فَوَضَعَ عَلَيْهِ سَرْجًا فَرَكِبَهُ حَنِثَ بِخِلَافِ الْفِرَاشِ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ السَّرِيرِ عَلَى السَّرِيرِ لِأَنَّ الْأَعْلَى مِثْلُ الْأَسْفَلِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْفِرَاشِ وَالْفَارِقُ الْعُرْفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا شَرِكَ الْمَيِّتُ فِيهِ الْحَيَّ يَقَعُ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى حَالَةِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَمَا اُخْتُصَّ بِحَالَةِ الْحَيَاةِ تَقَيَّدَ بِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ ضَرَبْتُك وَكَسَوْتُك وَكَلَّمْتُك وَدَخَلْت عَلَيْك فَعَبْدِي حُرٌّ تَقَيَّدَ بِالْحَيَاةِ) أَيْ لَوْ قَالَ إنْ ضَرَبْتُك أَوْ كَسَوْتُك أَوْ دَخَلْت عَلَيْك فَعَبْدِي حُرٌّ تَقَيَّدَ بِحَيَاةِ الْمُخَاطَبِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُخَاطَبِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ وَهَذَا لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَذَّبُ فِي الْقَبْرِ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تِلْكَ الْحَيَاةِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا أَنَّ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُمِرَ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ بِالضِّغْثِ وَهُوَ غَيْرُ مُؤْلِمٍ لِأَنَّهُ حُزْمَةٌ صَغِيرَةٌ مِنْ حَشِيشٍ أَوْ رَيْحَانٍ لِأَنَّهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِهِ إكْرَامًا لَهُ وَتَخْفِيفًا عَلَيْهَا وَقِيلَ الضِّغْثُ قَبْضَةٌ مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرِ فَعَلَى هَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ وَالْكِسْوَةُ يُرَادُ بِهَا التَّمْلِيكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَمِنْهُ الْكِسْوَةُ فِي الْكَفَّارَةِ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ بِكَفَنِهِ أَحَدٌ ثُمَّ أَخْرَجَهُ السَّيْلُ أَوْ السِّبَاعُ يَكُونُ لِلْمُتَبَرِّعِ لَا لِوَرَثَتِهِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ اللُّبْسِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ السَّتْرِ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُهُ فَأُلْبِسَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْكِسْوَةِ السَّتْرَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْنَثُ وَالْكَلَامُ يُرَادُ بِهِ الْإِفْهَامُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يُقَالُ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشَيْنِ) أَيْ وَلَا يُقَالُ جَلَسَ عَلَى سَرِيرَيْنِ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَسَلَّمَ عَلَى جَمْعٍ هُوَ فِيهِمْ) أَيْ بِقَوْلِهِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ فِرَاشٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنْ جَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ مُنَكَّرًا لَحَنِثَ لِأَنَّهُ نَامَ عَلَى فِرَاشٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا السَّطْحِ أَوْ الدُّكَّانِ إلَخْ) وَلَوْ بَنَى دُكَّانًا فَوْقَ الدُّكَّانِ أَوْ سَطْحًا فَوْقَ السَّطْحِ انْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ عَنْ الْأَسْفَلِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَعْلَى وَلِذَا كُرِهَتْ الصَّلَاةُ عَلَى سَطْحِ الْكَنِيفِ وَالْإِصْطَبْلِ وَلَوْ بَنَى عَلَى ذَلِكَ سَطْحًا آخَرَ فَصَلَّى عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ حَلَفَ لَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ فَمَشَى عَلَيْهَا بِنَعْلٍ أَوْ خُفٍّ حَنِثَ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى بِسَاطٍ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ مَشَى عَلَى أَحْجَارٍ حَنِثَ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَرْضِ. اهـ. كَمَالٌ [بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] (بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ) أَيْ أَوْ اسْتِعْمَالُ آلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلتَّأْدِيبِ وَالْإِيلَامِ وَالْأَدَبُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَا يُحِسُّ وَلِذَا كَانَ الْحَقُّ أَنَّ الْمَيِّتَ الْمُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ بِقَدْرِ مَا يُحِسُّ بِالْأَلَمِ وَالْبِنْيَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَفَرِّقَ الْأَجْزَاءِ بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ الْأَجْزَاءُ بَلْ هِيَ مُخْتَلِطَةٌ بِالتُّرَابِ فَعُذِّبَ جُعِلَتْ الْحَيَاةُ فِي تِلْكَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا يَأْخُذُهَا الْبَصَرُ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ لَقَدِيرٌ وَالْخِلَافُ فِيهِ إنْ كَانَ بِنَاءً عَلَى إنْكَارِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَإِلَّا فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ عَاقِلٍ الْقَوْلُ بِالْعَذَابِ مَعَ عَدَمِ الْإِحْسَاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرَّامِيَّةِ وَالصَّالِحِيَّةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تِلْكَ الْحَيَاةِ) فَقِيلَ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ بِقَدْرِ مَا يَتَأَلَّمُ لَا الْحَيَاةُ الْمُطْلَقَةُ وَقِيلَ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالضِّغْثِ) وَالضِّغْثُ فِي اللُّغَةِ مَا جَمَعْته بِكَفِّك مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَانْتَزَعْته قَالَ الشَّاعِرُ وَجَمَعْت ضِغْثًا مِنْ خَلَا مُتَطَيِّبٍ كَذَا قَالَ صَاحِبُ الْجَمْهَرَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْكِسْوَةُ يُرَادُ بِهَا التَّمْلِيكُ) أَيْ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) أَيْ يُقَالُ كَسَا الْأَمِيرُ فُلَانًا أَيْ مَلَّكَهُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْكِسْوَةُ فِي الْكَفَّارَةِ) أَيْ فَلَوْ أَنَّهُ كَسَا عَشْرَةَ أَمْوَاتٍ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ لَمْ تُجْزِهِ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ يَصِيرُ هِبَةً قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ بِالْفَارِسِيَّةِ يُرَادُ بِهِ اللُّبْسُ وَلَا يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُلْبِسُهُ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُلْبِسُ فُلَانًا ثَوْبًا فَأَلْبَسَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَحْنَثُ اهـ (قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا) يَعْنِي بِخِلَافِ الْكِسْوَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ) أَيْ فَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ اهـ

يُقَالُ «إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِقَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا» فَلَوْلَا أَنَّهُ فِيهِ مُتَحَقِّقٌ لَمَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ رَدَّتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَتْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] فَلَمْ يَثْبُتْ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِوَعْظِ الْأَحْيَاءِ وَنَظِيرُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ إذَا أَتَى الْمَقَابِرَ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ دِيَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أَمَّا نِسَاؤُكُمْ فَقَدْ نُكِحَتْ وَأَمْوَالُكُمْ فَقَدْ قُسِمَتْ وَدِيَارُكُمْ فَقَدْ سُكِنَتْ فَهَذَا خَبَرُكُمْ عِنْدَنَا فَمَا خَبَرُنَا عِنْدَكُمْ وَكَانَ يَقُولُ سَلْ الْأَرْضَ مَنْ شَقَّ أَنْهَارَك وَغَرَسَ أَشْجَارَك وَجَنَى ثِمَارَك فَإِنْ لَمْ تُجِبْك جَوَابًا أَجَابَتْك اعْتِبَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوَعْظِ لِلْأَحْيَاءِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْخِطَابِ لِلْمَوْتَى وَالْجَمَادَاتِ وَالْغَرَضُ مِنْ الدُّخُولِ إكْرَامُهُ بِتَعْظِيمِهِ أَوْ إهَانَتُهُ بِتَحْقِيرِهِ أَوْ زِيَارَتُهُ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ بِالدُّخُولِ بِأَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ لِحَاجَةٍ أُخْرَى أَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِ لِلزِّيَارَةِ كَالْمَسْجِدِ وَالظُّلَّةِ وَالدِّهْلِيزِ لَا يَكُونُ دُخُولًا عَلَيْهِ إلَّا إذَا اعْتَادَ الْجُلُوسَ فِيهِ لِلزِّيَارَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْكُلُّ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَا يُزَارُ هُوَ وَإِنَّمَا يُزَارُ قَبْرُهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزَرُوهَا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ الْغُسْلِ وَالْحَمْلِ وَالْمَسِّ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُغَسِّلُ فُلَانًا أَوْ لَا يَحْمِلُهُ أَوْ لَا يَمَسُّهُ حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ كَمَا تَتَحَقَّقُ فِي الْحَيِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْغُسْلَ هُوَ الْإِسَالَةُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّطْهِيرُ وَالْمَيِّتُ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا حَمَلَهُ رَجُلٌ وَصَلَّى لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ الْغُسْلِ لَا يَجُوزُ فَلَا يُنَافِيهِ الْمَوْتُ وَكَيْفَ يُنَافِيهِ وَغُسْلُهُ وَاجِبٌ عَلَى الْأَحْيَاءِ وَالْحَمْلُ يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَمَلَ مَيِّتًا فَلْيَتَوَضَّأْ» وَالْمَسُّ لِلتَّعْظِيمِ أَوْ الشَّفَقَةِ فَيَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُهَا فَفَعَلَ بِهَا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَحْنَثُ لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمُلَاعَبَةِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُمَازَحَةً لَا ضَرْبًا عَادَةً وَقِيلَ إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا فَكَذَا وَهُوَ مَيِّتٌ إنْ عَلِمَ بِهِ حَنِثَ) أَيْ إذَا قَالَ شَخْصٌ إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَفُلَانٌ مَيِّتٌ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ عَالِمًا بِمَوْتِهِ حِينَ حَلَفَ حَنِثَ لِلْحَالِ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْعَقِدُ لِتَصَوُّرِ الْبِرِّ فِيهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ إذْ الرُّوحُ لَا تَمُوتُ فَيُمْكِنُ قَتْلُهُ ثُمَّ يَحْنَثُ لِلْحَالِ لِلْعَجْزِ عَادَةً كَمَسْأَلَةِ صُعُودِ السَّمَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ) أَيْ هُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَ هَذَا الْحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ كَذَبْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22]. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِوَعْظِ الْأَحْيَاءِ) أَيْ لَا لِإِفْهَامِ الْمَوْتَى. اهـ. (قَوْلُهُ فَمَا خَبَرُنَا عِنْدَكُمْ) أَيْ وَبِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِأُولَئِكَ تَضْعِيفًا لِلْحَسْرَةِ عَلَيْهِمْ لَكِنْ بَقِيَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ الْمَيِّتَ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إذَا انْصَرَفُوا» وَلْيُنْظَرْ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ زِيَارَتُهُ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ دَخَلَ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ دَخَلَ عَلَى حَائِطٍ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الدُّخُولُ عَلَى شَيْءٍ دُخُولًا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا لِأَنَّ زِيَارَةَ عَيْنِ الْمَيِّتِ لَا تَكُونُ لِأَنَّ الْمَزُورَ قَبْرُهُ لَا عَيْنُهُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا» قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَلَذُّ وَيُؤْلِمُ وَيَغُمُّ وَيَسُرُّ يَقَعُ عَلَى الْحَيَاةِ دُونَ الْمَمَاتِ كَالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَالْجِمَاعِ وَالْكِسْوَةِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَمِثْلُهُ التَّقْبِيلُ إذَا حَلَفَ لَا يُقَبِّلُهَا فَقَبَّلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَحْنَثُ «وَتَقْبِيلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَ مَا أُدْرِجَ فِي الْكَفَنِ» مَحْمُولٌ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الشَّفَقَةِ وَالتَّعْظِيمِ وَقِيلَ إنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى تَقْبِيلِ مُلْتَحٍ يَحْنَثُ أَوْ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ عَلَى الْوَجْهِ اهـ قَوْلُهُ «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» أَيْ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ زِيَارَةِ الْمَوْتَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّطْهِيرُ) قَالَ الْكَمَالُ أَوْ إزَالَةُ الْوَسَخِ وَالْكُلُّ يَتَحَقَّقُ فِي حَالَةِ الْمَوْتِ كَالْحَيَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ) قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا لَوْ وَجَأَهَا أَوْ قَرَصَهَا وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَارَفُ ضَرْبًا وَأُجِيبَ بِمَا عُلِّلَ بِهِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِهِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ كَذَلِكَ وَفِي الْمُنْتَقَى حَلَفَ لَا يَضْرِبُ فُلَانًا فَنَفَضَ ثَوْبَهُ فَأَصَابَ وَجْهَهُ أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَأَدْمَاهُ أَوْ نُشَّابَةٍ فَأَصَابَتْهُ لَا يَحْنَثُ وَاسْتَشْكَلَ يَمِينُ الضَّرْبِ بِأَنَّهَا إمَّا إنْ تَعَلَّقَتْ بِصُورَةِ الضَّرْبِ عُرْفًا فَهُوَ إيقَاعُ آلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لَهُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْخَنْقِ وَمَدِّ الشَّعْرِ وَالْعَضِّ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَارَفُ ضَرْبًا أَوْ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِيلَامُ فَيَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ بِالرَّمْيِ بِالْحَجَرِ أَوْ بِهِمَا فَيَحْنَثُ بِالضَّرْبِ مَعَ الْإِيلَامِ مُمَازَحَةً لَكِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ إشْكَالٌ وَارِدٌ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ حُصُولُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ الضَّرْبُ لَفْظًا وَعُرْفًا مِثَالُهُ حَلَفَ لَا يَبِيعُ كَذَا بِعَشْرَةٍ فَبَاعَهُ بِتِسْعَةٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ إنْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ عُرْفًا لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ لَفْظًا لِأَنَّ مَقْصُودَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ بِعَشْرَةٍ أَوْ بِأَقَلَّ بَلْ بِأَكْثَرَ وَلَوْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ لَفْظًا لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ فَقَدْ بَاعَهُ بِعَشْرَةٍ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عُرْفًا فَلَا يَحْنَثُ غَيْرُ دَافِعٍ بِقَلِيلٍ تَأَمَّلْ ثُمَّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ هَذَا يَعْنِي الْحِنْثَ إذَا كَانَ فِي الْغَضَبِ أَمَّا إذَا فَعَلَ فِي الْمُمَازَحَةِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ أَدْمَاهَا لَكِنْ لَا عَلَى قَصْدِ الْإِدْمَاءِ بَلْ وَقَعَ خَطَأً فِي الْمُمَازَحَةِ بِالْيَدِ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ قَالَ هَذَا إذَا كَانَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ بِمَدِّ الشَّعْرِ وَالْخَنْقِ وَالْعَضِّ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظْمُ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْعَقِدُ) أَيْ عَلَى حَيَاةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِالنَّظَرِ إلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِعَجْزِهِ عَادَةً عَنْ قَتْلِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذْ الرُّوحُ لَا تَمُوتُ)

وَقْتَ الْحَلِفِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى حَيَاةٍ كَانَتْ فِيهِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَصِيرُ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ وَهَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ كَمَا بَيَّنَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إلَّا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ مَفْقُودٍ فِي الْكُوزِ وَاَللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ أَحْدَثَ فِيهِ مَاءً فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الْمَاءَ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقْتَ الْحَلِفِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ بِمَوْتِ فُلَانٍ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلِ الْقَتْلِ فِي فُلَانٍ فَإِذَا أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ فُلَانٌ فَكَانَ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ مُتَوَهَّمًا وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ هَذَا الْمَيِّتَ فَإِنَّ يَمِينَهُ لَا يَنْعَقِدُ لِمَا أَنَّهُ عَقَدَهَا عَلَى تَفْوِيتِ حَيَاةٍ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ زَمَانَ الْحَلِفِ فَلَوْ أَحْدَثَ اللَّهُ فِيهِ حَيَاةً لَا تَكُونُ هِيَ حَيَاةً حَلَفَ عَلَى تَفْوِيتِهَا لِأَنَّ هَذِهِ مَوْجُودَةٌ وَتِلْكَ مَعْدُومَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا دُونَ الشَّهْرِ قَرِيبٌ وَهُوَ وَمَا فَوْقَهُ بَعِيدٌ) لِأَنَّ مَا دُونَ الشَّهْرِ يُعَدُّ قَرِيبًا عَادَةً وَالشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ يُعَدُّ بَعِيدًا عَادَةً حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ فَهُوَ مَا دُونَ الشَّهْرِ وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ فَهُوَ الشَّهْرُ فَمَا فَوْقَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً بَرَّ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَ فُلَانٍ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الزُّيُوفَ دَرَاهِمُ حَقِيقَةً غَيْرَ أَنَّ فِيهَا عَيْبًا وَالْعَيْبُ لَا يُعْدِمُ الْجِنْسِيَّةَ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهَا صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَكَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَبَدَلِ الصَّرْفِ يَجُوزُ وَلَوْلَا أَنَّهُ حَقُّهُ لَمَا جَازَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ اسْتِبْدَالًا بِهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا فَإِذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ حَقِّهِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبِرُّ الْمُتَحَقِّقُ بِانْتِقَاضِ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ وَقَبْضُ الْمُسْتَحِقِّ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ أَجَازَهُ الْمُسْتَحِقُّ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ جَازَ فَقَدْ وُجِدَ فِيهِ شَرْطُ الْبِرِّ فَيَبَرُّ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْبِرِّ حَيْثُ قُلْتُمْ يُنْتَقَضُ قَضَاءُ الدَّيْنِ بِالرَّدِّ أَوْ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبِرُّ قُلْنَا لَوْ لَمْ يُنْتَقَضُ الْقَبْضُ لَتَضَرَّرَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْجَوْدَةِ وَحْدَهَا وَلَا اسْتِيفَاءُ الْجَيِّدِ مَعَ بَقَاءِ الِاسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ فَتَعَيَّنَ النَّقْضُ ضَرُورَةً لِيَتَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِهِ فِي حَقِّ الْبِرِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً لَا) أَيْ لَوْ وَجَدَهُ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً لَا يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ بِطَرِيقِ الِاسْتِبْدَالِ وَلَوْ تَجَوَّزَ بِهِمَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لَا يَجُوزُ لِحُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ وَهَذَا لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ هِيَ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا النُّحَاسُ فَصَارَ حُكْمُهَا حُكْمَ النُّحَاسِ وَالزُّيُوفُ هُوَ الرَّدِيءُ مِنْ الدَّرَاهِمِ يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجَةُ أَرْدَأُ مِنْهُ يَرُدُّهُ التُّجَّارُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ فِضَّةً وَالْأَقَلُّ سَتُّوقَةً لَا يَحْنَثُ وَبِالْعَكْسِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْغَالِبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبَيْعُ بِهِ قَضَاءٌ) أَيْ الْبَيْعُ بِالدَّيْنِ قَضَاءٌ لِلدَّيْنِ حَتَّى يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ طَرِيقُهُ الْمُقَاصَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنَّهُ زَالَ عَنْ قَلْبِ فُلَانٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ) أَيْ فَعِنْدَهُ تَنْعَقِدُ وَيَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ لَا حِنْثَ إذْ لَا انْعِقَادَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ أَوْ عَاجِلًا فَهُوَ مَا دُونَ الشَّهْرِ فَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الشَّهْرِ حَنِثَ وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ أَوْ آجِلًا فَهُوَ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ شَهْرٍ وَعَلَى الشَّهْرِ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ قَصَدَ الطِّبَاقَ بَيْنَ قَوْلِهِ مَا دُونَ الشَّهْرِ وَمَا فَوْقَهُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا مَاتَ لِشَهْرٍ فَصَاعِدًا مِنْ حِينِ حَلَفَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ بِلَا غَايَةٍ مَحْدُودَةٍ إلَّا الْمَوْتَ فَإِنْ مَاتَ لِأَقَلَّ مِنْهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ عَلَى مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَيْسَ فِي يَمِينِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ تَقْدِيرٌ لِأَنَّهُ إضَافِيٌّ فَكُلُّ مُدَّةٍ قَرِيبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَهَا وَبَعِيدَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا دُونَهَا وَمُدَّةُ الدُّنْيَا كُلُّهَا قَرِيبَةٌ بِاعْتِبَارٍ وَبَعِيدَةٌ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِحِنْثِهِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ وَقُلْنَا هُنَا وَجْهَانِ مِنْ الِاعْتِبَارِ اعْتِبَارُ الْإِضَافَةِ وَلَا ضَبْطَ فِيهَا كَمَا ذَكَرْت وَاعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْأَيْمَانِ وَالْعُرْفُ يَعُدُّ الشَّهْرَ بَعِيدًا فَإِنَّهُ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ شَهْرٍ عِنْدَ اسْتِبْعَادِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ فِيهِ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ النِّيَّةِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فَأَمَّا إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ إلَى قَرِيبٍ وَإِلَى بَعِيدٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى حَتَّى لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ إلَى قَرِيبٍ أَوْ عَاجِلًا سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ إلَى آخِرِ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ سَوَاءٌ حَلَفَ عَلَى الْقَبْضِ أَوْ عَلَى الدَّفْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ أَنَّ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهَا) أَيْ تَسَامَحَ اهـ (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ النَّقْضُ ضَرُورَةً إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَلِكَ قَبْضُ الدَّرَاهِمِ الْمُسْتَحَقَّةِ صَحِيحٌ وَلِهَذَا لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ جَازَ وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ الدَّفْعَ جَازَ فَبَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ الزَّيْفَ أَوْ النَّبَهْرَجَةَ أَوْ اسْتَرَدَّ الْمُسْتَحِقُّ انْتَقَضَ الْقَبْضُ فِي حَقِّ كُلِّ حُكْمٍ يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ وَالْبِرُّ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ إذَا رَدَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِسَبَبِ أَنَّهُ زَيْفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ أَوْ اسْتَرَدَّ الْبَدَلَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يُنْقَضُ الْعِتْقُ فَكَذَا هُنَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الْمَقْضِيَّةُ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا خَرَجَ الْيَوْمُ وَلَمْ يَسْتَبْدِلْ الْجِيَادَ فِي الْيَوْمِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَقَعْ بِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ وَلِهَذَا لَوْ وَجَدَ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ بَدَلَ الْكِتَابَةِ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً لَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ سَتُّوقَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالسَّتُّوقَةُ فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ وَمَعْنَاهَا ثَلَاثُ طَاقَاتٍ لِأَنَّهَا صُفْرٌ مُمَوَّهٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِالْفِضَّةِ قَالَ الْكَمَالُ وَالسَّتُّوقَةُ الْمَغْشُوشَةُ غِشًّا زَائِدًا وَهِيَ تَعْرِيبُ سي توقة أَيْ ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ طَبَقَتَا الْوَجْهَيْنِ فِضَّةٌ وَمَا بَيْنَهُمَا نُحَاسٌ وَنَحْوُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالنَّبَهْرَجَةُ) قَالَ الْكَمَالُ وَغِشُّهَا أَكْثَرُ مِنْ الزُّيُوفِ يَرُدُّهُ مِنْ التُّجَّارِ الْمُسْتَقْصِي وَيَقْبَلُهُ السَّهْلُ مِنْهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَيْعُ بِهِ قَضَاءٌ) أَيْ بَاعَ الْحَالِفُ الْمَدْيُونُ رَبَّ الدَّيْنِ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْحَالِفِ عَبْدًا وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ

وَقَدْ تَحَقَّقَتْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَهَذَا لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا إذْ نَفْسُ الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ لِأَنَّهُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْمَقْبُوضُ عَيْنٌ فَكَانَ غَيْرُهُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ بِقَبْضِهِمَا فَكَانَ آخِرُهُمَا قَضَاءً لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَحْنَثُ الْآخَرُ فِي يَمِينِهِ لَا يَقْضِي دَيْنَهُ دُونَ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَحَقَّقَ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ هُنَا فَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِهِ فَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ وَاشْتِرَاطُ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْبِرِّ وَلَا يُقَالُ شَرْطُ الْقَبْضِ لِيَتَقَرَّرَ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ بِعَرْضِيَّةِ السُّقُوطِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّا نَقُولُ الْبِرُّ الْمُتَحَقِّقُ لَا يَرْتَفِعُ بِبُطْلَانِ الثَّمَنِ وَانْتِقَاضِ الْمُقَاصَّةِ وَعَوْدِ الدَّيْنِ عَلَى مَا كَانَ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْمَبِيعِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَإِذَا قَبَضَهُ وَكَانَ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الطَّالِبُ أَمَةَ الْمَطْلُوبِ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِلْمَطْلُوبِ دَيْنٌ بِالْجِنَايَةِ أَوْ بِالِاسْتِهْلَاكِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الطَّالِبُ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْهِبَةُ) أَيْ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا تَكُونُ قَضَاءً لِلدَّيْنِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِعْلُ الْمَطْلُوبِ وَالْهِبَةَ إسْقَاطُ الدَّيْنِ مِنْ الطَّالِبِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُقَاصَّةُ فَنُبْطِلُ الْيَمِينَ إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَأَبْرَأَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَفِيهِ مَاءٌ فَأُرِيقَ قَبْلَ اللَّيْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ بِشُعَبِهَا وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَصَوُّرَ الْبِرِّ وَقْتَ وُجُوبِهِ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ مِنْهَا مَا إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ أَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا غَدًا فَمَاتَ الْيَوْمَ أَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا فَأَكَلَهُ الْيَوْمَ وَمِنْهَا مَا إذَا قَالَ إنْ رَأَيْت فُلَانًا وَلَمْ أُعْلِمْك بِهِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَرَآهُ مَعَهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَحْنَثْ فِي الْكُلِّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ وَيَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ وَمِنْ جُمْلَةِ فُرُوعِهَا مَا إذَا قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَهَبِينِي الْيَوْمَ صَدَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَبُوهَا إنْ وَهَبْت لَهُ صَدَاقَك فَأُمُّك طَالِقٌ فَالْحِيلَةُ فِي هَذَا حَتَّى لَا يَحْنَثَا أَنْ تُصَالِحَ أَبَاهَا بِثَوْبٍ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ لَمْ يَحْنَثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَمَّا الْأَبُ فَلِأَنَّهَا مَا وَهَبَتْ الصَّدَاقَ لِلزَّوْجِ وَأَمَّا الزَّوْجُ فَلِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ الْهِبَةِ فِي آخِرِ النَّهَارِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ بِالصُّلْحِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْبِضَ كُلَّهُ مُتَفَرِّقًا) لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ قَبْضُ الْكُلِّ بِوَصْفِ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مُعَرَّفٍ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّهُ فَمَا دَامَ عِنْدَ الْمَدِينِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ بَاقِيًا لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ قَبْضِ الْكُلِّ وَهُوَ الشَّرْطُ وَلَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْيَوْمِ بِأَنْ قَالَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ الْيَوْمَ فَقَبَضَ الْبَعْضَ فِي الْيَوْمِ مُتَفَرِّقًا أَوْ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَخْذُ الْكُلِّ فِي الْيَوْمِ مُتَفَرِّقًا وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ قَالَ إنْ قَبَضْت مِنْ دَيْنِي دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ حَنِثَ وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ أَخَذْت مِنْهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ هُنَا قَبْضُ الْبَعْضِ مِنْ الدَّيْنِ مُتَفَرِّقًا وَفِي الْأَوَّلِ قَبْضُ الْكُلِّ بِصِفَةِ التَّفَرُّقِ وَلَوْ قَبَضَ الْكُلَّ جُمْلَةً ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الرَّجُلِ يَقُولُ إنْ لَمْ أَقْضِ دَرَاهِمَك الَّتِي لَك عَلَيَّ فَعَبْدِي حُرٌّ فَيَبِيعُهُ بِهَا عَبْدًا ثُمَّ يَقْضِيهِ قَالَ قَدْ قَضَاهُ وَقَدْ بَرَّ وَإِنْ وَهَبَهَا لَهُ لَمْ يَبَرَّ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ بِالْمُقَاصَّةِ وَقَدْ حَصَلَتْ الْمُقَاصَّةُ فَيَحْصُلُ الْقَضَاءُ فَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ بَيَانُهُ أَنَّ حَقَّ رَبِّ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ وَالْقَضَاءُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي نَفْسِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ وَلَكِنْ مَا يَقْبِضُهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْعَيْنِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ لِنَفْسِهِ فَكَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِلْمَدْيُونِ وَلِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدْيُونِ مِثْلُهُ فَالْتَقَى الدَّيْنَانِ قِصَاصًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَ آخِرُهُمَا قَضَاءً لِلْأَوَّلِ) وَكَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ شَيْئًا وَانْظُرْ مَا سَيَأْتِي آخِرَ هَذَا الْبَابِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْحُدُودِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَحَقَّقَ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ) أَيْ قَبَضَ الدَّائِنُ الْعَبْدَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَاشْتِرَاطُ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) أَيْ لِيَتَأَكَّدَ الْبَيْعُ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لَكِنْ لَا يَرْتَفِعُ الْبِرُّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ) أَيْ وَإِلَّا حَنِثَ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَنْ تُصَالِحَ) بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ تُصَالِحَ زَوْجَهَا فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِي تُصَالِحَ عَائِدٌ لِلزَّوْجَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَبَاهَا) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهَكَذَا هُوَ فِي النِّهَايَةِ وَقَدْ عَزَا الْمَسْأَلَةَ فِيهَا لِلْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ وَفِي مَوْضِعٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَهَبِي لِي صَدَاقَك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَبُوهَا إنْ وَهَبْت لَهُ فَأُمُّك طَالِقٌ الْحِيلَةُ فِي أَنْ لَا يَحْنَثَا تُصَالِحُ أَبَاهَا عَنْ مَهْرِهَا بِثَوْبٍ مَلْفُوفٍ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ لَا يَحْنَثُ الْأَبُ لِأَنَّهَا لَمْ تَهَبْ وَلَمْ يَحْنَثْ الزَّوْجُ لِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ الْهِبَةِ عِنْدَ الْغُرُوبِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ بِالصُّلْحِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مُعَرَّفٍ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْبِضُ دَيْنِي دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ وَالدَّيْنُ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْبِضُ كُلَّ دَيْنِي بِصِفَةِ التَّفَرُّقِ فَلَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ قَبْضِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بَلْ يَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ عَلَى قَبْضِ الْبَعْضِ الْآخَرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِتَمَامِ الْقَبْضِ مُتَفَرِّقًا غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّفَرُّقُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِتَعَذُّرِ الْوَزْنِ لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ لَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَ الْوَزْنَتَيْنِ إلَّا بِعَمَلِ الْوَزْنِ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعُ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَكَانَ الْوَزَنَاتُ كَوَزْنَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَشَاغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ مَجْلِسُ الْقَبْضِ عَلَى مَا عُرِفَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَقَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ أَخَذْتهَا مِنْك الْيَوْمَ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ مِنْهَا خَمْسَةً وَلَمْ يَأْخُذْ مَا بَقِيَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَخْذُ كُلِّ الْمِائَةِ عَلَى التَّفْرِيقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ أَخَذْت

وَجَدَ بَعْضَهَا سَتُّوقَةً فَرَدَّ لَمْ يَحْنَثْ بِالرَّدِّ مَا لَمْ يَسْتَبْدِلْ لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا فَلَمْ يُوجَدْ قَبْضُ الْكُلِّ حَتَّى يَقْبِضَ الْبَدَلَ فَإِذَا قَبَضَهُ وُجِدَ قَبْضُ الْكُلِّ مُتَفَرِّقًا بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ بَعْضَهَا زُيُوفًا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ بَرَّ حِينَ وُجِدَ قَبْضُ الْكُلِّ وَبِالرَّدِّ لَمْ يُنْتَقَضْ الْقَبْضُ فِي حَقِّهِ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِتَفْرِيقٍ ضَرُورِيٍّ) أَيْ لَا يَحْنَثُ إذَا قَبَضَهُ مُتَفَرِّقًا بِتَفْرِيقٍ ضَرُورِيٍّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ فِي وَزْنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَ الْوَزَنَاتِ بِعَمَلٍ غَيْرِ الْوَزْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ قَبْضُ الْكُلِّ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَيَصِيرُ هَذَا الْقَدْرُ مُسْتَثْنًى مِنْهَا وَلِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ التَّفْرِيقِ لَا يُسَمَّى تَفْرِيقًا عَادَةً وَالْعَادَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ فَنَزَعَهُ لِلْحَالِ أَوْ نَزَلَ عَنْهَا لِلْحَالِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةً أَوْ غَيْرَ أَوْ سِوَى فَكَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِمُلْكِهَا أَوْ بَعْضِهَا) أَيْ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرَ مِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ سِوَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ إذَا كَانَ مَا لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ دُونَهَا لِأَنَّ غَرَضَهُ نَفْيُ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ فَكَانَ شَرْطُ حِنْثِهِ مِلْكُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى الْمِائَةَ صَارَ الْمُسْتَثْنَى بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ خَارِجًا عَنْ الْيَمِينِ وَقَالَ فِي الْجَامِعِ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ كُنْت أَمْلِكُ إلَّا خَمْسِينَ دِرْهَمًا فَلَمْ يَمْلِكْ إلَّا عَشْرَةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا بَعْضُ الْمُسْتَثْنَى وَلَوْ مَلَكَ زِيَادَةً عَلَى خَمْسِينَ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَالِ الزَّكَاةِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ لَا يَحْنَثُ بِمِلْكِ مَا لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ وَلَوْ قَالَ مَالِي صَدَقَةٌ يَنْصَرِفُ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا) لِأَنَّهُ نَفَى الْفِعْلَ مُطْلَقًا فَيَتَنَاوَلُ فَرْدًا شَائِعًا فِي جِنْسِهِ فَيَعُمُّ الْجِنْسَ كُلَّهُ ضَرُورَةَ شُيُوعِهِ وَإِلَّا لَمَا كَانَ شَائِعًا فِي الْجِنْسِ بَلْ فِي الْبَعْضِ الْمُنْتَفِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَيَفْعَلَنَّهُ بَرَّ بِمَرَّةٍ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا بَرَّ فِي يَمِينِهِ بِفِعْلِهِ مَرَّةً لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ فِعْلًا وَاحِدًا وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ فَيُخَصُّ وَيَحْنَثُ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ فِي عُمُرِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ أَوْ بِفَوْتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ هَذَا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ وَلَمْ يَفْعَلْ فِيهِ يَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ إنْ كَانَ الْإِمْكَانُ بَاقِيًا فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَا يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَبْقَ بِأَنْ وَقَعَ الْإِيَاسُ بِمَوْتِهِ أَوْ بِفَوْتِ الْمَحِلِّ لِأَنَّهُ فِي الْمُؤَقَّتَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَإِذَا مَاتَ الْفَاعِلُ أَوْ فَاتَ الْمَحِلُّ اسْتَحَالَ الْبِرُّ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَتَبْطُلُ الْيَمِينُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي فَوْتِ الْمَحِلِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حَلَّفَهُ وَالٍ لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلَدَ تَقَيَّدَ بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلَّ الْمِائَةِ مُتَفَرِّقَةً فَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُوجَدْ قَبْضُ الْكُلِّ بِصِفَةِ التَّفْرِيقِ فَأَمَّا إذَا أَخَذَ الْكُلَّ مُجْتَمِعًا أَوْ قَبَضَ الْبَعْضَ مُتَفَرِّقًا لَمْ يَحْنَثْ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْحِنْثِ اهـ (قَوْلُهُ مُتَفَرِّقًا) أَيْ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَحْنَثُ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبَضَ الْكُلَّ جُمْلَةً) أَيْ وَقَدْ كَانَ حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ إذَا قَبَضَهُ مُتَفَرِّقًا بِتَفْرِيقٍ ضَرُورِيٍّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ قَبْضُ الْكُلِّ مُتَفَرِّقًا وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا وَزَنَ خَمْسِينَ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ ثُمَّ وَزَنَ خَمْسِينَ أُخْرَى فَدَفَعَهَا إلَيْهِ حَصَلَ قَبْضُ الْكُلِّ بِصِفَةِ التَّفْرِيقِ لَا مَحَالَةَ وَلَكِنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ النَّاسَ يَعُدُّونَ هَذَا قَبْضُ الْجُمْلَةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَيَقُولُونَ قَبَضَ فُلَانٌ حَقَّهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ الْمُوجِبُ لِلِاتِّحَادِ وَهُوَ الْمَجْلِسُ مَوْجُودٌ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ نَزَلَ عَنْهَا لِلْحَالِ) وَأَوْضَحَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَسْأَلَةَ بِالْعَدَدِيَّاتِ فَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ شَيْئًا عَدَدِيًّا فَجَعَلَ يَعُدُّ عَشْرَةً عَشْرَةً أَوْ مِائَةً مِائَةً وَيَدْفَعُهَا إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ وَيُعْتَبَرُ قَابِضًا جُمْلَةً وَالْمَعْنَى كَوْنُ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ غَيْرَ مُمْكِنٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ غَرَضَهُ) أَيْ مِنْهُ عُرْفًا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ بِمَالٍ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَهُ عُرُوضٌ وَضِيَاعٌ وَدُورٌ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ لَمْ يَحْنَثْ وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِزَمَانٍ كَالْيَوْمِ وَالشَّهْرِ تَتَوَقَّتُ يَمِينُهُ بِذَلِكَ الزَّمَانِ فَبَعْدَ ذَلِكَ تَنْحَلُّ وَلَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ الْفِعْلِ بَعْدَ ذَلِكَ الزَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ فِي الْبَعْضِ الْمُنْتَفِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ تَعُمُّ ضَرُورَةً وَهُنَا قَدْ وَقَعَتْ فَتَعُمُّ لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى مَصْدَرٍ نَكِرَةٍ أَمَّا دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَصْدَرِ فَظَاهِرَةٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْحَدَثِ وَأَمَّا دَلَالَتُهُ عَلَى النَّكِرَةِ فَلِكَوْنِهَا هِيَ الْأَصْلَ وَإِنَّمَا الْمَعْرِفَةُ بِعَارِضٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَأْتِي فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي فَوْتِ الْمَحِلِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا التَّوْقِيتُ فِي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ مَا دَامَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ وَالْيَوْمُ بَاقٍ أَمَّا إذَا مَضَى الْيَوْمُ يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَا قَائِمَيْنِ لِفَوَاتِ الْبِرِّ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَأَمَّا إذَا هَلَكَ الْحَالِفُ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ هَلَكَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ الرَّغِيفُ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْحَالِ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ اخْتَلَفُوا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ تَصَوُّرَ الْبِرِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً مِثْلَ لَآكُلَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ سَقَطَتْ بِفَوَاتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا سَلَفَ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَلَوْ مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ مُضِيِّهِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَلَوْ جُنَّ الْحَالِفُ فِي يَوْمِهِ حَنِثَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ دَاعِرٌ) بِالدَّالِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْخَبِيثُ الْمُفْسِدُ مِنْ النَّاسِ وَجَمْعُهُ دُعَّارٌ مِنْ الدَّعْرِ وَهُوَ الْفَسَادُ يُقَالُ دَعِرَ الْعُودُ يَدْعَرُ دَعْرًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ إذَا فَسَدَ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ تَقَيَّدَ بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُطْلَقَ لَا يَتَقَيَّدُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَهُنَا تَقَيَّدَ بِحَالِ الْوِلَايَةِ بِدَلِيلِ غَرَضِ الْوَالِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ شَرِّهِ وَشَرِّ غَيْرِهِ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ أَوْ الْقَتْلِ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ بَعْدَ زَوَالِ سَلْطَنَتِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَالزَّوَالُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّفْعُ إلَيْهِ بَعْدَ الْعَزْلِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُوَلَّى بَعْدَهُ فَيُؤْذِيَهُ أَوْ يَسْعَى فِي أَذِيَّتِهِ عِنْدَ أُولِي الْأَمْرِ وَقَوْلُهُ لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعْلِمَهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا مُرَادُهُ كُلُّ دَاعِرٍ يَعْرِفُهُ أَوْ فِي بَلَدِهِ أَوْ دَخَلَ الْبَلَدَ ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ لَوْ عَلِمَ الدَّاعِرَ وَلَمْ يُعْلِمْهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إذَا مَاتَ هُوَ أَوْ الْمُسْتَحْلِفُ أَوْ عُزِلَ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ بَلْ بِالْيَأْسِ عَنْ الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَإِلَّا فَلَا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَّفَ رَبُّ الدَّيْنِ غَرِيمَهُ أَوْ الْكَفِيلَ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ يَتَقَيَّدُ بِالْخُرُوجِ حَالَ قِيَامِ الدَّيْنِ وَالْكَفَالَةِ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْمَنْعِ وَوِلَايَةُ الْمَنْعِ حَالَ قِيَامِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ تَقَيَّدَ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْإِذْنِ أَوْ حَلَفَ لَا يُقَبِّلُهَا فَخَرَجَتْ بَعْدَمَا أَبَانَهَا أَوْ قَبَّلَهَا بَعْدَمَا أَبَانَهَا حَيْثُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ دَلَالَةُ التَّقْيِيدِ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَبَرُّ بِالْهِبَةِ بِلَا قَبُولٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ أَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ مَثَلًا يَبَرُّ بِقَوْلِهِ لِرَجُلٍ وَهَبْتُهُ لَك وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ يَبِيعَ فَبَاعَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ فَيَتِمُّ بِالْوَاهِبِ وَالْقَبُولُ شَرْطُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَشَرْطُ الْحِنْثِ الْهِبَةُ لَا حُكْمُهَا وَلِهَذَا يُقَالُ وَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ وَلِأَنَّ غَرَضَهُ حَمْلُ نَفْسِهِ عَلَى إظْهَارِ السَّمَاحَةِ وَالْجُودِ وَهِيَ تَمْلِيكٌ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَكُلُّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْهِبَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا وَقَالَ زُفَرُ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَقْبَلْ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْبَلْ وَتُقْبَضْ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَتِمُّ بِلَا تَمَلُّكٍ وَهُوَ الْقَبُولُ وَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَكَمَالُهَا بِالْقَبُولِ أَوْ بِالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَثْبُتُ قَبْلَ الْقَبُولِ إلَّا أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمِنَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَمَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِأَنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ عَبْدًا ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا مَلَكَهُ وَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي مِلْكِهِ وَنَظِيرُ الْهِبَةِ الصَّدَقَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْإِقْرَارُ وَفِي الْقَرْضِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَظِيرُ الْبَيْعِ الْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَالرَّهْنُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَيَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا لَا يَحْنَثُ بِشَمِّ وَرْدٍ وَيَاسَمِينٍ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا فَشَمَّ وَرْدًا أَوْ يَاسَمِينًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ شَرِّهِ) أَيْ دَفْعُ شَرِّ الدَّاعِرِ الَّذِي رَفَعَ خَبَرَهُ إلَى الْوَالِي اهـ (قَوْلُهُ وَشَرِّ غَيْرِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا زُجِرَ وَأُدِّبَ يَنْزَجِرُ غَيْرُهُ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) أَيْ وَإِذَا سَقَطَتْ الْيَمِينُ لَا تَعُودُ وَلَوْ عَادَ إلَى الْوِلَايَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُوَلَّى بَعْدَهُ فَيُؤْذِيَهُ) أَيْ لِتَقَدُّمِ مَعْرِفَتِهِ بِحَالِهِ وَهَذَا بَعِيدٌ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ حُكِمَ بِانْعِقَادِ هَذِهِ لِلْفَوْرِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمُبَادَرَةُ لِزَجْرِهِ وَدَفْعِ شَرِّهِ فَالدَّاعِي يُوجِبُ التَّقْيِيدَ بِالْفَوْرِ فَوْرَ عِلْمِهِ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ تَقَيَّدَ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ) أَيْ وَإِذَا زَالَ الدَّيْنُ وَالزَّوْجِيَّةُ سَقَطَا ثُمَّ لَا تَعُودُ الْيَمِينُ بِعَوْدِهِمَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْإِذْنِ) أَيْ فَلَا مُوجِبَ لِتَقْيِيدِهِ بِزَمَانِ الْوِلَايَةِ فِي الْإِذْنِ وَكَذَا الْحَالُ فِي حَلِفِهِ عَلَى الْعَبْدِ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِغَيْرِ إذْنِك طَالِقٌ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهَا طَلُقَتْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّدْ يَمِينُهُ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَقَيَّدُ بِهِ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ الْإِذْنِ وَالْمَنْعُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَشَمُّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالشَّيْنِ مُضَارِعُ شَمِمْت الطَّيِّبَ بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْمَاضِي هَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ الْفَصِيحَةُ وَأَمَّا شَمَمْته أَشُمُّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْمُضَارِعِ فَقَدْ أَنْكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَالَ هُوَ خَطَأٌ وَصُحِّحَ عَدَمُهُ فَقَدْ نَقَلَهَا الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ فَصَيْحَةً ثُمَّ يَمِينُ الشَّمِّ تَنْعَقِدُ عَلَى الشَّمِّ الْمَقْصُودِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ طِيبًا فَوَجَدَ رِيحَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ وَصَلَتْ الرَّائِحَةُ إلَى دِمَاغِهِ اهـ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ بِشَمِّ وَرْدٍ وَيَاسَمِينٍ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا فَشَمَّ آسًا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ الرَّيَاحِينِ حَنِثَ وَإِنْ شَمَّ الْيَاسَمِينَ أَوْ الْوَرْدَ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذَا لِأَنَّ الرَّيْحَانَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا لِسَاقِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَمَا لِوَرَقِهِ كَالْآسِ وَالْوَرْدَ مَا لِوَرَقِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَحَسْبُ كَالْيَاسَمِينِ كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَا كَانَ أَخْضَرَ فَهُوَ رَيْحَانٌ مِثْلُ الْآسِ وَالشَّاه سفرم وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَيْسَ بِرَيْحَانٍ وَعَلَّلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ اسْمٌ لِمَا لَا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ مِنْ الْبُقُولِ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَهُوَ مَوْضُوعُ ذَلِكَ لُغَةً وَقَلَّدَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَا وَالْيَاسَمِينُ وَالْوَرْدُ لَهُمَا سَاقٌ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي قَوَانِينِ اللُّغَةِ الرَّيْحَانُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَصْلًا وَلَئِنْ صَحَّ مَا قَالُوا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْآسِ لِأَنَّ لَهُ سَاقًا وَلَيْسَ مِنْ الْبُقُولِ أَيْضًا وَقَدْ نَصَّ الْحَاكِمُ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الرَّيْحَانُ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] فَالْعَصْفُ سَاقُ الزَّرْعِ وَالرَّيْحَانُ وَرَقُهُ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ كُلُّ مَا طَابَ رِيحُهُ مِنْ النَّبَاتِ فَهُوَ رَيْحَانٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَيَاسَمِينٌ مَا نَصُّهُ سِينُهُ مَكْسُورَةٌ اهـ تَحْرِيرٌ

لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ اسْمٌ لِنَبَاتٍ لَا سَاقَ لَهُ وَلَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ عُرْفًا وَلَهُمَا سَاقٌ وَلَيْسَ لَهُمَا رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ وَإِنَّمَا الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ لِزَهْرِهِمَا لَا لَهُمَا فَأَشْبَهَا التُّفَّاحَ وَالسَّفَرْجَلَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] بَعْدَمَا ذَكَرَ الشَّجَرَ بِقَوْلِهِ {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] وَالشَّجَرُ اسْمٌ لِمَا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ مِنْ النَّبَاتِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ وَقَالَ فِي الْكَافِي الرَّيْحَانُ اسْمٌ لِمَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَلَا سَاقَ لَهُ لُغَةً وَعُرْفًا وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِشَمِّ الْآسِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الرَّيَاحِينِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْبَنَفْسَجُ وَالْوَرْدُ عَلَى الْوَرَقِ) أَيْ اسْمُ الْبَنَفْسَجِ وَالْوَرْدِ يَقَعُ عَلَى الْوَرَقِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا أَوْ وَرْدًا فَاشْتَرَى وَرَقَهُمَا يَحْنَثُ وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنَهُمَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ عَلَى الْوَرَقِ دُونَ الدُّهْنِ فِي عُرْفِنَا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ اشْتَرَى وَرَقَ الْبَنَفْسَجِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنَهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ اسْمَ الْبَنَفْسَجِ إذَا أُطْلِقَ يُرَادُ بِهِ الدُّهْنُ وَيُسَمَّى بَائِعُهُ بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ فَيَصِيرُ هُوَ بِشِرَائِهِ مُشْتَرِيًا لِلْبَنَفْسَجِ أَيْضًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى الْوَرَقَ يَحْنَثُ أَيْضًا وَهَذَا شَيْءٌ يَنْبَنِي عَلَى الْعُرْفِ وَفِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ بَائِعُ الْوَرَقِ لَا يُسَمَّى بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِهِ بَائِعُ الدُّهْنِ فَبَنَى الْجَوَابَ فِي الْكِتَابِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ شَاهَدَ الْكَرْخِيُّ عُرْفَ أَهْلِ بَغْدَادَ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ بَائِعَ الْوَرَقِ بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ أَيْضًا فَقَالَ يَحْنَثُ بِهِ وَقَالَ وَهَكَذَا فِي دِيَارِنَا أَعْنِي فِي الْمَبْسُوطِ وَلَا يُقَالُ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً وَفِي الْآخَرِ مَجَازًا بَلْ فِيهِمَا حَقِيقَةً أَوْ يَحْنَثُ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَالْيَاسَمِينُ قِيَاسُ الْوَرْدِ لَا يَتَنَاوَلُ الدُّهْنَ لِأَنَّ دُهْنُهُ يُسَمَّى زَنْبَقًا لَا يَاسَمِينًا وَكَذَا الْحِنَّاءُ يَتَنَاوَلُ الْوَرَقَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَقَالَ فِي الْكَافِي الْحِنَّاءُ فِي عُرْفِنَا تَقَعُ عَلَى الْمَدْقُوقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ وَأَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ) لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ لَهُ السَّابِقَةِ كَأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِلْفُضُولِيِّ حُكْمُ الْوَكِيلِ وَلِلْمُجِيزِ حُكْمُ الْمُوَكِّلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالْفِعْلِ لَا) أَيْ لَوْ أَجَازَ بِالْفِعْلِ لَا يَحْنَثُ وَقِيلَ يَحْنَثُ لِمَا أَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِمَا لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ بِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَنْفُذُ بِالرِّضَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هُوَ التَّزَوُّجُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ وَلَا يَكُونُ بِالْفِعْلِ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ بِبَعْضِ الْأَفْعَالِ كَالْوَطْءِ وَإِيفَاءِ الْمَهْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا بِالْعَقْدِ لَا لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ يُجَانِسُ الْعَقْدَ فَأَمْكَنَ إلْحَاقُهُ بِهِ بِخِلَافِ الْفِعْلِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهُ ثُمَّ حَلَفَ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجَازَةِ لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ وَفِيهِ لَا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهِ فَبِالْإِجَازَةِ أَوْلَى وَلَوْ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ وَالْإِجَازَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُضَافٌ إلَيْهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى إذْنِهِ لِمِلْكِهِ وَوِلَايَتِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ابْنِهِ وَبِنْتِهِ الصَّغِيرَيْنِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ كَانَا كَبِيرَيْنِ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا بَلْ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُمَا فَيَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ الْفِعْلِ وَهُوَ مُبَاشَرَتُهُ الْعَقْدَ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الْعَبْدَ أَوْ الِابْنَ فَزَوَّجَهُ مَوْلَاهُ وَهُوَ كَارِهٌ أَوْ أَبُوهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ حَيْثُ لَا يَحْنَثَانِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ لِوُجُودِ الْفِعْلِ مِنْهُ حَقِيقَةً دُونَهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَارُهُ بِالْمِلْكِ وَالْإِجَارَةِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ يَحْنَثُ بِدُخُولِ مَا يَسْكُنُهُ بِالْمِلْكِ وَالْإِجَارَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمِلْكِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَهِيَ الْمِلْكُ مُرَادَةٌ فَلَا يَبْقَى الْمَجَازُ مُرَادًا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا مُرَادَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَلَنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَسْكَنُ عُرْفًا فَدَخَلَ مَا يَسْكُنُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ مِلْكٍ بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْحَقِيقَةِ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْمَجَازِ لَا بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَلَفَ بِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ مَلِيءٍ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْضُهُ حَقِيقَةً وَلِهَذَا قِيلَ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ وَلِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدِينِ مِثْلُهُ فَالْتَقَى الدَّيْنَانِ قِصَاصًا فَصَارَ غَيْرُهُ حَقِيقَةً وَشَرْعًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الشَّرْعُ فَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إسْقَاطِ اعْتِبَارِهِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنَّمَا الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ لِزَهْرِهِمَا) قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي دِيَارِنَا إهْدَارُ ذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ مُتَعَارَفٌ لِنَوْعٍ وَهُوَ رَيْحَانُ الْحَمَاحِمِ وَأَمَّا كَوْنُ الرَّيْحَانِ الترنجي مِنْهُ فَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَنَّهُمْ يُلْزِمُونَهُ التَّقْيِيدَ فَيَقُولُونَ رَيْحَانٌ ترنجي وَعِنْدَ مَا يُطْلِقُونَ اسْمَ رَيْحَانٍ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْحَمَاحِمُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِعَيْنِ ذَلِكَ النَّوْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْبَنَفْسَجُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ اهـ مِعْرَاجٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى دُهْنِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الْمُعَادَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ وَفِي عُرْفِهِمْ إذَا ذَكَرُوا الْبَنَفْسَجَ يُرَادُ بِهِ دُهْنُهُ لَا وَرَقُهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَأَمَّا فِي بِلَادِنَا فَلَا يَقَعُ عَلَى الدُّهْنِ إلَّا أَنْ يُنْوَى. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَيَجِبُ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ إلَّا عَلَى نَفْسِ النَّبَاتِ فَلَا يَحْنَثُ بِالدُّهْنِ أَصْلًا كَمَا فِي الْوَرْدِ وَالْحِنَّاءِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى شِرَائِهِمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْوَرَقِ لِأَنَّهُمَا اسْمٌ لِلْوَرَقِ وَالْعُرْفُ مُقَرِّرٌ لَهُ بِخِلَافِهِ فِي الْبَنَفْسَجِ . اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ابْنِهِ وَبِنْتِهِ الصَّغِيرَيْنِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا) لَكِنْ إذَا عَقَدَ النِّكَاحَ فُضُولِيٌّ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ وَقَبِلَ الزَّوْجُ وَأَجَازَ الْأَبُ النِّكَاحَ الْمَذْكُورَ بِالْفِعْلِ بِأَنْ قَبَضَ مَهْرَ ابْنَتِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ نَفَذَ النِّكَاحُ وَلَا حِنْثَ عَلَى الْأَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ) أَيْ وَكَانَ وَقْتَ حَلِفِهِ عَاقِلًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا قِيلَ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا) اُنْظُرْ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْبَيْعُ بِهِ قَضَاءٌ فَإِنَّهُ نَافِعٌ هُنَا اهـ ذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بِنِصْفِهِ شَيْئًا أَنَّ آخِرَ الدَّيْنَيْنِ قَضَاءٌ لِأَوَّلِهِمَا اهـ

[كتاب الحدود]

(كِتَابُ الْحُدُودِ) الْحَدُّ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَوَّابُ حَدَّادًا لِمَنْعِهِ النَّاسَ عَنْ الدُّخُولِ وَسُمِّيَ اللَّفْظُ الْجَامِعُ الْمَانِعُ حَدًّا لِأَنَّهُ يَجْمَعُ مَعْنَى الشَّيْءِ وَيَمْنَعُ دُخُولَ غَيْرِهِ فِيهِ وَسُمِّيَتْ الْعُقُوبَاتُ الْخَالِصَةُ حُدُودًا لِأَنَّهَا مَوَانِعُ مِنْ ارْتِكَابِ أَسْبَابِهَا مُعَاوَدَةً وَحُدُودُ اللَّهِ مَحَارِمُهُ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] وَحُدُودُ اللَّهِ أَيْضًا أَحْكَامُهُ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ عَنْ التَّخَطِّي إلَى مَا وَرَاءَهَا وَمِنْهُ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] وَفِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِعُقُوبَةٍ مُقَدَّرَةٍ تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُسَمَّى التَّعْزِيرُ حَدًّا لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ وَلَا الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَحُكْمُهُ الْأَصْلِيُّ الِانْزِجَارُ عَمَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْعِبَادُ وَصِيَانَةُ دَارِ الْإِسْلَامِ عَنْ الْفَسَادِ وَلِهَذَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ شُرِعَ لِمَصْلَحَةٍ تَعُودُ إلَى كَافَّةِ النَّاسِ وَالطُّهْرَةُ مِنْ الذَّنْبِ لَيْسَتْ بِحُكْمٍ أَصْلِيٍّ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِالتَّوْبَةِ لَا بِإِقَامَةِ الْحَدِّ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى فِي حَقِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] الْآيَةَ. وَعَدَ الْمَغْفِرَةَ لِلتَّائِبِ وَلِهَذَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْكَافِرِ وَلَا طُهْرَةَ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْحَدُّ عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى) وَهَذَا فِي الشَّرْعِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالزِّنَا وَطْءٌ فِي قُبُلٍ خَالٍ عَنْ مِلْكٍ وَشُبْهَتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ كِتَابُ الْحُدُودِ] ِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا اشْتَمَلَتْ الْأَيْمَانُ عَلَى بَيَانِ الْكَفَّارَةِ وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ أَوْلَاهَا الْحُدُودُ الَّتِي هِيَ عُقُوبَاتٌ مَحْضَةٌ انْدِفَاعًا إلَى بَيَانِ الْأَحْكَامِ بِتَدْرِيجٍ وَلَوْلَا مَا يُعَارِضُ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةَ مِنْ لُزُومِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ لَكَانَ إيلَاءُ الْحُدُودِ الصَّوْمَ أَوْجَهَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى بَيَانِ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ الْمُغَلَّبِ فِيهَا جِهَةُ الْعُقُوبَةِ حَتَّى تَدَاخَلَتْ عَلَى مَا عُرِفَ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ الْمُغَلَّبِ فِيهَا جِهَةُ الْعِبَادَةِ لَكِنْ كَانَ يَكُونُ التَّرْتِيبُ حِينَئِذٍ الصَّلَاةُ ثُمَّ الْأَيْمَانُ ثُمَّ الصَّوْمُ ثُمَّ الْحُدُودُ ثُمَّ الْحَجُّ فَيَقَعُ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي هِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ بِالْأَجْنَبِيِّ مَا يُبْعِدُ بَيْنَ الْأَخَوَاتِ الْمُتَّحِدَةِ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ وَمُوجِبُ اسْتِعْمَالِ الشَّارِعِ لَهَا كَذَلِكَ لَكِنَّهُ قَالَ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» الْحَدِيثَ اهـ (قَوْلُهُ فَلَا يُسَمَّى التَّعْزِيرُ حَدًّا لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ وَالْقِصَاصُ يُسَمَّى أَيْضًا حَدًّا فَحُدُودُ الشَّرْعِ مَوَانِعُ قَبْلَ الْوُقُوعِ وَزَوَاجِرُ بَعْدَهُ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ الْعِلْمُ بِشَرْعِيَّتِهَا يَمْنَعُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْفِعْلِ وَإِيقَاعُهَا بَعْدَهُ يَمْنَعُ مِنْ الْعَوْدِ إلَيْهِ اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ فَلَا يُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلَا التَّعْزِيرُ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ نَوْعٌ مِنْهُ وَهُوَ التَّعْزِيرُ بِالضَّرْبِ لَكِنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي الضَّرْبِ بَلْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ مِنْ حَبْسٍ وَعَرْكِ أُذُنٍ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَفِي اصْطِلَاحٍ آخَرَ لَا يُؤْخَذُ الْقَيْدُ الْأَخِيرُ فَيُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا فَالْحَدُّ هُوَ الْعُقُوبَةُ الْمُقَدَّرَةُ شَرْعًا غَيْرَ أَنَّ الْحَدَّ عَلَى هَذَا قِسْمَانِ مَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْحَدُّ مُطْلَقًا لَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَعَلَيْهِ انْبَنَى عَدَمُ الشَّفَاعَةِ فِيهِ فَإِنَّهَا طَلَبُ تَرْكِ الْوَاجِبِ وَلِذَا «أَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حِينَ شَفَعَ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» وَأَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْإِمَامِ وَالثُّبُوتِ عِنْدَهُ تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُطْلِقَهُ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَقَالَ إذَا بَلَغَ إلَى الْإِمَامِ فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إنْ عَفَا وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ فَالْوُجُوبُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ بَلْ عَلَى الْإِمَامِ عِنْدَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ) أَيْ بِدَلَالَةِ جَوَازِ الْفِعْلِ وَالِاعْتِيَاضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالطُّهْرَةُ مِنْ الذَّنْبِ إلَخْ) قَالَ السَّمَرْقَنْدِيُّ شَارِحُ الْكَنْزِ عِنْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ اعْلَمْ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا حُدَّ أَوْ اُقْتُصَّ فِي الدُّنْيَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُقْتَصُّ فِي الْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُعَاقَبْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ» اهـ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الطُّهْرَةُ عَنْ الذَّنْبِ لَا تَحْصُلُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ بَلْ بِالتَّوْبَةِ وَلِهَذَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا بِإِقَامَةِ الْحَدِّ) قَالَ عُلَمَاؤُنَا إذَا ارْتَكَبَ الْعَبْدُ ذَنْبًا يُوجِبُ الْحَدَّ فَأُجْرِيَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَا يَحْصُلُ لَهُ التَّطْهِيرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَنَدَمٍ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهِ وَفِيهِ رَدٌّ لِمَذْهَبِ الْمُرْجِئَةِ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ لَا يَضُرُّ ذَنْبٌ مَعَ الْإِيمَانِ كَمَا لَا تَنْفَعُ طَاعَةٌ مَعَ الْكُفْرِ اهـ أَوَّلَ الْكَشْفِ شَرْحُ الْبَزْدَوِيِّ اهـ (قَوْلُهُ {لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا} [المائدة: 33] قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ} [المائدة: 33] يَعْنِي الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ لَهُمْ عَذَابٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ كَفَّارَةً لِذُنُوبِهِمْ إنْ لَمْ يَتُوبُوا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالزِّنَا وَطْءٌ فِي قُبُلٍ خَالٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ الزِّنَا وَأَنَّهُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ وَاللِّسَانِ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ قَالَ الْكَمَالُ وَذَكَرَ أَنَّ الزِّنَا فِي عُرْفِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ يَعْنِي لَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ قَيْدٌ وَعَرَّفَهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بِأَنَّهُ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَهَذَا لِأَنَّ فِي اللُّغَةِ مَعْنَى الْمِلْكِ أَمْرٌ ثَابِتٌ قَبْلَ مَجِيءِ هَذَا الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ أَمْرًا شَرْعِيًّا لَكِنَّ ثُبُوتَهُ بِالشَّرْعِ الْأَوَّلِ بِالضَّرُورَةِ وَالنَّاسُ لَمْ يُتْرَكُوا سُدًى فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْمِلْكِ أَمْرًا مَشْرُوعًا مِنْ بَعْثِ آدَمَ أَوْ قَبْلَ بَعْثِهِ بِوَحْيٍ يَخُصُّهُ أَيْ يَخُصُّ الْمِلْكَ فَكَانَ ثُبُوتُهُ شَرْعًا مَعَ اللُّغَةِ مُطْلَقًا فِي الْوُجُودِ الدُّنْيَوِيِّ سَوَاءٌ كَانَتْ اللُّغَةُ عَرَبِيَّةً أَمْ غَيْرَهَا مَخْصُوصَةً بِالدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ قَبْلَهَا فَثُبُوتُ الْمُسَمَّى فِي الدُّنْيَا وَالْوَضْعُ لِمَعْنًى مَعْقُولٍ قَبْلَ تَحَقُّقِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَعْرِيفٌ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَخُصَّ اسْمَ الزِّنَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ بَلْ هُوَ أَعَمُّ وَالْمُوجِبُ لِلْحَدِّ مِنْهُ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ» وَلَوْ وَطِئَ رَجُلٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ لَا يُحَدُّ لِلزِّنَا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ زِنًا وَإِنْ كَانَ لَا يُحَدُّ فَلَوْلَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْمُوجِبُ

يَعْنِي بِهِ الزِّنَا الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَوْطُوءَةُ مُشْتَهَاةً وَالْوَاطِئُ مُكَلَّفًا طَائِعًا وَلَوْ قَالَ الزِّنَا وَطْءُ مُكَلَّفٍ فِي قُبُلِ الْمُشْتَهَاةِ عَارٍ عَنْ مِلْكٍ وَشُبْهَتِهِ عَنْ طَوْعٍ كَانَ أَتَمَّ لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ وَطْءُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَوَطْءُ غَيْرِ الْمُشْتَهَاةِ كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدًّا تُشْتَهَى وَالْمَيِّتَةِ وَالْبَهَائِمِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الزِّنَا اسْمٌ لِفِعْلٍ مَحْظُورٍ وَالْحُرْمَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ التَّعَرِّي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا وَجَبَ دَرْؤُهُ بِهَا شَرْعًا وَالْحَدُّ شُرِعَ لِتَقْلِيلِ الْفَسَادِ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ وَوَطْءُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نَادِرٌ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ وَالْعُقُولُ الْمُسْتَقِيمَةُ يَنْفِرُ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بَعْضُ السُّفَهَاءِ لِغَلَبَةِ الشَّبَقِ وَذَلِكَ نَادِرٌ فَلَا يَسْتَدْعِي زَاجِرًا وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجَزَاءِ أَنْ يَكُونَ فِي الْآخِرَةِ لَا فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهَا دَارُ الِابْتِلَاءِ وَالْآخِرَةَ دَارُ الْجَزَاءِ لَكِنَّ السُّفَهَاءَ لَمَّا لَمْ يَنْتَهُوا بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ وَالْوَعِيدِ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الشَّارِعِ شُرِعَ فِي الدُّنْيَا بَعْضُ الْعُقُوبَةِ دَفْعًا لِفَسَادِهِمْ عَنْ الْعَالَمِ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ بِالزِّنَا لَا بِالْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ) أَيْ يَثْبُتُ الزِّنَا عِنْدَ الْحَاكِمِ ظَاهِرًا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا أَيْ بِلَفْظِ الزِّنَا لَا بِلَفْظِ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ مُتَعَسِّرٌ فَاكْتُفِيَ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ لِرُجْحَانِ جَنَبَةِ الصِّدْقِ لَا سِيَّمَا الْإِقْرَارُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُقِرِّ وَاشْتِرَاطُ الْأَرْبَعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ ائْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك» وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ السَّتْرَ عَلَى عِبَادِهِ وَذَمَّ مَنْ يُحِبُّ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ وَفِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْحَدِّ هُوَ الزِّنَا وَهُوَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إلَخْ لَصَحَّ تَعْرِيفُهُ وَلَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ كَانَ ظَاهِرًا فِي قَصْدِهِ إلَى تَعْرِيفِ الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَحِينَئِذٍ يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ وَطْءُ الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى وَوَطْءُ الْمَجْنُونِ وَالْمُكْرَهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنَّ الْجِنْسَ وَطْءُ الرَّجُلِ فَالْأَوْلَى فِي تَعْرِيفِهِ أَنَّهُ وَطْءُ مُكَلَّفٍ طَائِعٍ مُشْتَهَاةً حَالًا أَوْ مَاضِيًا فِي الْقُبُلِ بِلَا شُبْهَةٍ لِمِلْكٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَخَرَجَ زِنَا الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُكْرَهِ وَبِالصَّبِيَّةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى الْمَيِّتَةُ وَالْبَهِيمَةُ وَدَخَلَ وَطْءُ الْعَجُوزِ اهـ قَوْلُهُ وَأَنَّهُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ وَاللِّسَانِ إلَخْ هَكَذَا عَرَّفَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَوْطُوءَةُ مُشْتَهَاةً وَالْوَاطِئُ مُكَلَّفًا طَائِعًا) فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَ الطَّوْعُ دَاخِلًا فِي مَاهِيَّةِ الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ لَمَا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُكْرَهًا لِأَنَّهَا مَكَّنَتْ مِنْ فِعْلٍ غَيْرِ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ فَيَكُونُ كَالْيَمِينِ مِنْ فِعْلِ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ قُلْت الطَّوْعُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ عَلَى فَاعِلِهِ لَا فِي الزِّنَا مُطْلَقًا فَفِعْلُ الْمُكْرَهِ زِنًا وَإِنْ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِ وَفِعْلُهَا لَيْسَ بِزِنًا فَظَهَرَ الْفَرْقُ. اهـ. مُجْتَبَى قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابْتَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا لِكَثْرَةِ وُقُوعِ سَبَبِهِ مَعَ قَطْعِيَّتِهِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكْثُرُ كَثْرَتَهُ وَالشُّرْبُ وَإِنْ كَثُرَ فَلَيْسَ حَدُّهُ بِتِلْكَ الْقَطْعِيَّةِ وَالزِّنَا مَقْصُورٌ فِي اللُّغَةِ الْفُصْحَى لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ الَّتِي بِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] وَيُمَدُّ فِي لُغَةِ نَجْدٍ قَالَ الْفَرَزْدَقُ أَبَا طَاهِرٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرَفْ زِنَاؤُهُ ... وَمَنْ يَشْرَبْ الْخُرْطُومَ يُصْبِحْ مُسَكَّرَا بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِهَا مِنْ التَّسْكِيرِ وَالْخُرْطُومُ مِنْ أَسْمَاءِ الْخَمْرِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ) أَيْ لَيْسَ فِيهِمْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ اهـ فَتْحٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ قَالَ الْكَمَالُ وَالْمُرَادُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْحُكَّامِ أَمَّا ثُبُوتُهُ فِي نَفْسِهِ فَبِإِيجَادِ الْإِنْسَانِ لِلْفِعْلِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ تَعْرِيفَ الزِّنَا فِي بَابِ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَخَصَّ الْبَيِّنَةَ وَالْإِقْرَارَ لِنَفْيِ ثُبُوتِهِ بِعِلْمِ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَكَذَا سَائِرُ الْحُدُودِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَنَقَلَ قَوْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ دُونَ الْحَاصِلِ بِمُشَاهَدَةِ الْإِمَامِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ الشَّرْعَ أَهْدَرَ اعْتِبَارَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] وَنَقَلَ فِيهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ) هُوَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ (قَوْلُهُ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك) أَيْ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ السَّتْرَ عَلَى عِبَادِهِ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا كَانَ السَّتْرُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى الَّتِي مَرْجِعُهَا إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ لِأَنَّهَا فِي رُتْبَةِ النَّدْبِ فِي جَانِبِ الْفِعْلِ وَكَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ فِي جَانِبِ التَّرْكِ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدْ الزِّنَا وَلَمْ يَتَهَتَّكْ بِهِ أَمَّا إذَا وَصَلَ الْحَالُ إلَى إشَاعَتِهِ وَالتَّهَتُّكِ بِهِ بَلْ بَعْضُهُمْ رُبَّمَا امْتَحَنَ بِهِ فَيَجِبُ كَوْنُ الشَّهَادَةِ بِهِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا لِأَنَّ مَطْلُوبَ الشَّارِعِ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِشِ بِالْخِطَابَاتِ الْمُفِيدَةِ لِذَلِكَ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْفَاعِلِينَ وَبِالزَّجْرِ لَهُمْ فَإِذَا ظَهَرَ حَالُ الشِّرَّةِ فِي الزِّنَا مَثَلًا وَالشُّرْبِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهِ وَإِشَاعَتُهُ فَإِخْلَاءُ الْأَرْضِ الْمَطْلُوبِ حِينَئِذٍ بِالتَّوْبَةِ احْتِمَالٌ يُقَابِلُهُ ظُهُورُ عَدَمِهَا فَمَنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ فَيَجِبُ تَحْقِيقُ السَّبَبِ الْآخَرِ لِلْإِخْلَاءِ وَهُوَ الْحُدُودُ بِخِلَافِ مَنْ زَنَى مَرَّةً أَوْ مِرَارًا مُتَسَتِّرًا مُتَخَوِّفًا مُتَنَدِّمًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ سَتْرِ الشَّاهِدِ وَعَلَى هَذَا ذِكْرُهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْغَيْبَةِ فِيهِ يَحْرُمُ مِنْهُ مَا يَحْرُمُ مِنْهَا وَيَحِلُّ مِنْهُ مَا يَحِلُّ مِنْهَا اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ مَعَ حَذْفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَفِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ إلَخْ) لَا يُقَالُ اشْتِرَاطُ الْأَرْبَعِ لَا لِمَعْنَى السَّتْرِ لِأَنَّ الزِّنَا يَحْصُلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ اثْنَانِ لِأَنَّا نَقُولُ شَهَادَةُ الِاثْنَيْنِ كَمَا جَازَتْ عَلَى الرَّجُلِ جَازَتْ عَلَى الْمَرْأَةِ لِوُجُودِ الْعَدَالَةِ فَلَا حَاجَةَ عَلَى هَذَا إلَى اشْتِرَاطِ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ السَّتْرُ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَرْبَعَةُ أَحْرَارٍ عُدُولٍ مُسْلِمِينَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرِّجَالِ مَعَ النِّسَاءِ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي

تَحْقِيقُ مَعْنَى السَّتْرِ إذْ وُقُوفُ الْأَرْبَعَةِ عَلَى هَذِهِ الْفَاحِشَةِ نَادِرٌ وَاشْتِرَاطُ لَفْظِ الزِّنَا لِأَنَّهُ هُوَ الدَّالُّ عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ لَا لَفْظُ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32] الْآيَةَ وَاتِّحَادُ الْمَجْلِسِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَنَا وَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْبَلُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ إذْ لَا تَفْصِيلَ فِي النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ فَيُعْمَلُ بِإِطْلَاقِهَا وَلَنَا قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ جَاءُوا مِثْلَ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ فُرَادَى لَجَلَدْتُهُمْ وَلِأَنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ قَبْلَ قَوْلِ غَيْرِهِ وَقَعَ قَذْفًا وَكَذَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَلَا يَنْقَلِبُ شَهَادَةً إلَّا لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ مَا إذَا جَاءُوا جُمْلَةً فَشَهِدَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِتَعَذُّرِ أَدَائِهَا جُمْلَةً وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ الزَّوْجَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً وَلَنَا أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِزِنَا امْرَأَتِهِ فَكَانَ أَبْعَدَ مِنْ التُّهْمَةِ كَشَهَادَةِ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيَسْأَلُهُمْ الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَمَكَانِهِ وَزَمَانِهِ وَالْمُزْنِيَةِ) أَيْ يَسْأَلُهُمْ عَنْ نَفْسِ الزِّنَا وَحَالِهِ وَمَوْضِعِهِ وَوَقْتِهِ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي زُنِيَ بِهَا لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَفْسَرَ مَاعِزًا إلَى أَنْ ذَكَرَ الْكَافَ وَالنُّونَ وَلِأَنَّ كَلَامَهُمْ مُحْتَمِلٌ وَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ وَاجِبٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِفْسَارُ لِيَزُولَ الِاحْتِمَالُ فَيَسْأَلُهُمْ عَنْ مَاهِيَّتِهِ أَيْ ذَاتِهِ وَهُوَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ عَنَوْا بِهِ غَيْرَ الْفِعْلِ فِي الْفَرْجِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ» وَلِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْتَقِدُ كُلَّ وَطْءٍ حَرَامٍ زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَعَنْ كَيْفِيَّتِهِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ أَوْ تَمَاسِّ الْفَرْجَيْنِ مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ إلَى الْحَشَفَةِ وَعَنْ زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ أَوْ فِي قِدَمِ الزَّمَانِ أَوْ فِي حَالِ صِبَاهُ أَوْ جُنُونِهِ وَعَنْ الْمَزْنِيِّ بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ تَكُونَ لَهُ شُبْهَةٌ لَا يَعْرِفُهَا هُوَ وَلَا الشُّهُودُ كَوَطْءِ جَارِيَةِ الِابْنِ فَيَسْتَقْصِي فِي ذَلِكَ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَيَّنُوهُ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَعَدَلُوا سِرًّا وَجَهْرًا حُكِمَ بِهِ) لِظُهُورِ الْحَقِّ وَوُجُوبِ الْحُكْمِ بِهِ عَلَى الْقَاضِي وَلَوْ قَالُوا لَا نَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِمْ زَنَى لَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ وَكَذَا الشُّهُودُ أَيْضًا لَا يُحَدُّونَ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزِّنَا وَلَمْ يَقْذِفُوا وَإِنَّمَا يُسْأَلُونَ احْتِيَاطًا حَتَّى لَوْ وَصَفُوهُ بِغَيْرِ وَصْفِهِ يُحَدُّونَ وَلَمْ يُكْتَفَ هُنَا بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَيَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ كَيْ لَا يَهْرُبَ وَلَا وَجْهَ إلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْهُ لِأَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ نَوْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْقَاضِي وَلَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ تَحْقِيقٌ) أَمَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى السَّتْرِ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ كُلَّمَا كَثُرَتْ شُرُوطُهُ قَلَّ وُجُودُهُ فَإِنَّ وُجُودَهُ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَيْسَ كَوُجُودِهِ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا فَيَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ الِانْدِرَاءُ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً) أَيْ وَنَحْنُ نَقُولُ التُّهْمَةُ مَا تُوجِبُ جَرَّ نَفْعٍ وَالزَّوْجُ مُدْخِلٌ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ لُحُوقَ الْعَارِ وَخُلُوَّ الْفِرَاشِ خُصُوصًا إذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ «وَالرِّجْلَانِ يَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ») أَيْ «وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» فَلَعَلَّ الشُّهُودَ تُسَمِّي مُقَدِّمَاتِ الزِّنَا زِنًا وَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ بِالسُّؤَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْتَقِدُ كُلَّ وَطْءٍ حَرَامٍ زِنًا إلَخْ) كَوَطْءِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْأَمَةِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَلَيْسَ بِزِنًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ) مِثَالٌ لِلسُّؤَالِ عَنْ الْمَكَانِ اهـ أَيْ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ يَدٌ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ فِي قِدَمِ الزَّمَانِ أَوْ فِي حَالِ صِبَاهُ أَوْ جُنُونِهِ) مِثَالٌ لِلسُّؤَالِ عَنْ الزِّنَا اهـ يَعْنِي إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِزِنًا مُتَقَادِمٍ لَا يُقْبَلُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْحَاءِ. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ مَا نَصُّهُ جَوَابُ كَيْفَ هُوَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَدَلُوا سِرًّا وَجَهْرًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِذَا عَدَلُوا حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمْ رَجْمًا كَانَ مُوجِبُ الزِّنَا أَوْ جَلْدًا هَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي عَدَالَةَ الشُّهُودِ أَمَّا إذَا عَرَفَهَا يُحَدُّ بِلَا تَعْدِيلٍ وَقَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ عَدَالَةَ الشُّهُودِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ لِأَنَّ عِلْمَهُ يُغْنِيهِ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْحَاصِلِ مِنْ تَعْدِيلِ الْمُزَكِّي وَلَوْلَا مَا ثَبَتَ مِنْ إهْدَارِ الشَّرْعِ عِلْمَهُ بِالزِّنَا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ بِالسَّمْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَكَانَ يَحُدُّ بِعِلْمِهِ لَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ هُنَاكَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَعْدِيلِ الشُّهُودِ إهْدَارُ عِلْمِهِ بِعَدَالَتِهِمْ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَةُ تَعْدِيلِ السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي أَسْمَاءَ الشُّهُودِ إلَى الْمُعَدِّلِ بِكِتَابٍ فِيهِ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَنْسَابُهُمْ وَحِلَاهُمْ وَمَحَالُّهُمْ وَسُوقُهُمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْمُعَدِّلُ ذَلِكَ فَيَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِ مَنْ كَانَ عَدْلًا عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فَلَا يُكْتَبُ تَحْتَهُ شَيْءٌ أَوْ يَكْتُبُ اللَّهُ أَعْلَمُ وَصُورَةُ تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ فَيَقُولُ الْمُعَدِّلُ هَذَا هُوَ الَّذِي عَدَّلْته وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبَقِيَ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَنَقَلَ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِحُرْمَةِ الزِّنَا إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ اهـ وَلَفْظُ الْمُحِيطِ وَأَمَّا شَرْطُهُ فَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُرْمَةِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ وَأَصْلُهُ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِالْيَمَنِ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الزِّنَا فَاجْلِدُوهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ فَعَلِّمُوهُ وَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الشَّرْعِيَّاتِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ وَإِنْ كَانَ الشُّيُوعُ وَالِاسْتِفَاضَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أُقِيمَ مَقَامَ الْعِلْمِ وَلَكِنْ لَا أَقَلَّ مِنْ إيرَاثِ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ وَالْإِسْمَاعِ لِلْحُرْمَةِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ» إلَّا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ فَحِينَئِذٍ يُسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ الشُّهُودِ عِنْدَهُ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

احْتِيَاطٍ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا فِيمَا يُبْنَى عَلَى الدَّرْءِ فَإِنْ قِيلَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْحَبْسِ أَكْثَرُ فَكَيْفَ يَكُونُ مَشْرُوعًا قُلْنَا حَبْسُهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ بَلْ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِارْتِكَابِ الْفَاحِشَةِ فَيَحْبِسُهُ تَعْزِيرًا لَهُ «وَحَبَسَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» بِخِلَافِ الدُّيُونِ حَيْثُ لَا يُحْبَسُ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ لِأَنَّ الْحَبْسَ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ إلَّا بِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ قَبْلَ الثُّبُوتِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ فَإِنَّ فِيهَا عُقُوبَةً أُخْرَى أَغْلَظَ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِإِقْرَارِهِ أَرْبَعًا فِي مَجَالِسِهِ الْأَرْبَعَةِ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ) أَيْ يَثْبُتُ الزِّنَا بِإِقْرَارِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ الْقَاضِي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْتَفَى بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُظْهِرٌ وَتَكْرَارُهُ لَا يَزِيدُ شَيْئًا كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ بِخِلَافِ كَثْرَةِ الْعَدَدِ فِي الشُّهُودِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ زِيَادَةَ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ وَلَنَا حَدِيثُ «مَاعِزٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَّرَ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ إلَى أَنْ تَمَّ إقْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ» فَلَوْ ظَهَرَ دُونَهَا لَمَا أَخَّرَهَا لِثُبُوتِ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ اُخْتُصَّتْ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ فَكَذَا الْإِقْرَارُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الزِّنَا وَتَحْقِيقًا لِلسَّتْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَجَالِسِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ أَثَرًا فِي جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَعِنْدَهُ يَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ فِيهِ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْمُقِرِّ فَيُعْتَبَرُ مَجْلِسُهُ دُونَ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَيَرُدُّهُ الْقَاضِي كُلَّمَا أَقَرَّ فَيَذْهَبُ بِهِ حَتَّى يَغِيبَ عَنْ نَظَرِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَرَدَ مَاعِزًا حَتَّى تَوَارَى بِحِيطَانِ الْمَدِينَةِ» فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا رَدَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ عَقْلُهُ لِأَنَّهُ جَاءَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ وَلَمَّا اسْتَبَانَ لَهُ عَقْلُهُ رَجَمَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ «أَبِكَ خَبَلٌ أَبِكَ جُنُونٌ فَقَالَ لَا فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا مَا نَعْلَمُ فِيهِ إلَّا خَيْرًا وَبَعَثَ إلَى أَهْلِهِ هَلْ تُنْكِرُونَ مِنْ عَقْلِهِ شَيْئًا فَقَالُوا لَا فَسَأَلَهُ عَنْ إحْصَانِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ مُحْصَنٌ فَرَجَمَهُ» قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عَقْلِهِ إذْ هِيَ حَالَةُ التَّوْبَةِ وَالْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ لَا عَلَى جُنُونِهِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبِكَ خَبَلٌ أَبِكَ جُنُونٌ» تَلْقِينٌ مِنْهُ لِمَا يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُ «لَعَلَّك قَبَّلْتهَا لَعَلَّك بَاشَرْتهَا» وَالسُّؤَالُ عَنْهُ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ بَعْدَمَا أَقَرَّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إنَّك إنْ اعْتَرَفْت الرَّابِعَةَ رَجَمَك فَاعْتَرَفَ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ كَانَ مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ ظَاهِرًا عِنْدَهُمْ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ أَبِي بُرَيْدَةَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَاعِزًا لَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ يُقِرَّ لَمْ يَرْجُمْهُ وَصَحَّ «أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ رَجَمَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ مَا أَقَرَّتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ» وَلَا يُقَالُ إذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَجَبَ أَنْ يَجِبَ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوَطْءٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَإِذَا وَجَبَ الْمَهْرُ وَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ تَمَّتْ الْحُجَّةُ لَمْ يَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَ كَمَا قُلْنَا فِي الشَّهَادَةِ إنَّ الْبَعْضَ إذَا شَهِدُوا يَتَوَقَّفُ الْأَمْرُ فَإِنْ تَمَّ النِّصَابُ لَا يَكُونُ قَذْفًا وَإِلَّا فَهُوَ قَذْفٌ فَكُنَّا مُتَوَقِّفِينَ فِي إيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى الزَّانِيَيْنِ وَلَا فَرْقَ فِي الْإِقْرَارِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَفِي الْعَبْدِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْمَجَالِسِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ فَقَطْ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَزْجُرَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ وَيُظْهِرَ الْكَرَاهِيَةَ مِنْ ذَلِكَ وَيَأْمُرَ بِإِبْعَادِهِ عَنْ مَجْلِسِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اُطْرُدُوا الْمُعْتَرِفِينَ يَعْنِي بِالزِّنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَأَلَهُ كَمَا مَرَّ فَإِنْ بَيَّنَهُ حُدَّ) أَيْ إذَا تَمَّ إقْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سَأَلَهُ كَمَا مَرَّ فِي الشَّهَادَةِ وَهُوَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ وَأَيْنَ هُوَ وَأَيْنَ زَنَى وَبِمَنْ زَنَى وَمَتَى زَنَى لِيَزُولَ الِاحْتِمَالُ عَلَى مَا مَرَّ وَقِيلَ لَا يَسْأَلُهُ عَنْ الزَّمَانِ لِأَنَّ تَقَادُمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِارْتِكَابِ الْفَاحِشَةِ) أَيْ بِشَهَادَةِ هَؤُلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ بَعْدُ وَحَبْسُ الْمُتَّهَمِينَ تَعْزِيرًا لَهُمْ جَائِزٌ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِإِقْرَارِهِ) أَيْ بِإِقْرَارِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَاعْتِبَارُ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّ كَلَامَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ اهـ قَالَ الْكَمَالُ قَدَّمَ الثُّبُوتَ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَا أَقْوَى حَتَّى لَا يَنْدَفِعَ الْحَدُّ بِالْفِرَارِ وَلَا بِالتَّقَادُمِ وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ وَالْإِقْرَارُ قَاصِرٌ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ صَرِيحًا وَلَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَلِذَا قُلْنَا لَوْ أَقَرَّ الْأَخْرَسُ بِالزِّنَا بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةٍ لَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ بِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ لَا تُقْبَلُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَدَّعِيَ شُبْهَةً كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى مَجْنُونٍ أَنَّهُ زَنَى فِي حَالِ إفَاقَتِهِ بِخِلَافِ الْأَعْمَى صَحَّ إقْرَارُهُ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَكَذَا الْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ وَظَهَرَ مَجْبُوبًا أَوْ أَقَرَّتْ فَظَهَرَتْ رَتْقَاءُ، قَبْلَ الْحَدِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ إخْبَارَهَا بِالرَّتْقِ يُوجِبُ شُبْهَةً فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ وَبِالشُّبْهَةِ يَنْدَرِئُ الْحَدُّ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِخَرْسَاءَ أَوْ هِيَ أَقَرَّتْ بِأَخْرَسَ لَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ (قَوْلُهُ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ) أَيْ لَا مَجَالِسِ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ فِي بَابِ الْحَجْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْمَجَالِسِ) أَيْ فَيُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَهُ بِالْإِقْرَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِمَنْ زَنَى) الْعِلْمُ بِالْمَزْنِيِّ بِهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَوْ قَالَ زَنَيْت بِامْرَأَةٍ لَا أَعْرِفُهَا صَحَّ إقْرَارُهُ وَيُحَدُّ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَمَتَى زَنَى) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ السُّؤَالَ عَنْ الزَّمَانِ فِي الْإِقْرَارِ بِأَنْ يَقُولَ مَتَى زَنَيْت لِأَنَّ التَّقَادُمَ مَانِعٌ لِلشَّهَادَةِ لِتُهْمَةِ الْحِقْدِ وَالْمَرْءُ لَا يُتَّهَمُ عَلَى نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَإِنْ تَقَادَمَ الْعَهْدُ وَبَيَانُ التَّقَادُمِ يُعْلَمُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَمْ يَذْكُرْ السُّؤَالَ فِيهِ عَنْ الزَّمَانِ فَلَا يَقُولُ مَتَى زَنَيْت وَذَكَرَهُ فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّ تَقَادُمَ الْعَهْدِ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ دُونَ الْإِقْرَارِ وَهَذَا السُّؤَالُ لِتِلْكَ الْفَائِدَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّقَادُمُ مُسْقِطًا، لَمْ يَكُنْ فِي السُّؤَالِ عَنْهُ فَائِدَةٌ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ فِي ذَلِكَ سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَهَذَا بِخِلَافِ سُؤَالِ بِمَنْ زَنَيْت لِأَنَّهُ قَدْ

الْعَهْدِ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ دُونَ الْإِقْرَارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَنَى فِي صِبَاهُ وَهَذَا السُّؤَالُ يَكُونُ بَعْدَمَا نَظَرَ فِي حَالِهِ وَعَرَفَ أَنَّهُ صَحِيحُ الْعَقْلِ كَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ فِي ذَلِكَ وَلَا يُكْتَفَى بِالْكِنَايَةِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِمَاعِزٍ فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا قَالَ نَعَمْ وَقَالَ لَهُ أَنِكْتَهَا وَلَا تُكَنِّي قَالَ نَعَمْ» فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ وَظَهَرَ زِنَاهُ سَأَلَهُ عَنْ الْإِحْصَانِ فَإِنْ قَالَ لَهُ إنَّهُ مُحْصَنٌ سَأَلَهُ عَنْ الْإِحْصَانِ مَا هُوَ فَإِنْ وَصَفَهُ بِشَرَائِطِهِ حَكَمَ بِرَجْمِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ وَلَوْ كَانَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ حَتَّى لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْكِرًا فَقَدْ رَجَعَ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا لَا تُعْتَبَرُ الشَّهَادَةُ مَعَ الْإِقْرَارِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا مَرَّتَيْنِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ لَا يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحَدُّ لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ فَيَكُونُ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْبَاقِي دَلِيلَ الرُّجُوعِ أَوْ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِيهِ فَيُلْتَحَقُ بِالْعَدَمِ شَرْعًا فَبَقِيَتْ الشَّهَادَةُ وَحْدَهَا هِيَ الْحُجَّةُ فَيُقْبَلُ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِقْرَارَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا فَأَوْرَثَتْ الْحَقِيقَةُ شُبْهَةً وَهُوَ يُدْرَأُ بِهَا فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً شَرْعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ فِي وَسْطِهِ خُلِّي سَبِيلُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُحَدُّ لِوُجُوبِهِ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَبْطُلُ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِنْكَارِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ إحْدَى الْحُجَّتَيْنِ فَصَارَ ثُبُوتُهُ بِهِ كَثُبُوتِهِ بِالشَّهَادَةِ كَالْقِصَاصِ وَحَدُّ الْقَذْفِ وَلَنَا أَنَّ الرُّجُوعَ خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ كَالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَهُوَ يُدْرَأُ بِهَا وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ كَلَامَيْهِ يَحْتَمِلُهَا فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَيُتْرَكُ عَلَى مَا كَانَ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَهُوَ يُكَذِّبُهُ وَالْحَدُّ حَقُّ اللَّهِ فَلَا يُكَذَّبُ لَهُ وَإِلَى صِحَّةِ الرُّجُوعِ أَشَارَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ حِينَ أُخْبِرَ بِفِرَارِ مَاعِزٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ بِلَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ لَمَسْت أَوْ وَطِئْت بِشُبْهَةٍ) أَيْ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَهُ الرُّجُوعَ بِقَوْلِهِ لَعَلَّك قَبَّلْتهَا أَوْ لَمَسْتهَا أَوْ وَطِئْتهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِمَاعِزٍ «لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت أَوْ نَظَرْت قَالَ لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنِكْتَهَا وَلَا تُكَنِّي قَالَ نَعَمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي رِوَايَةٍ «أَنِكْتَهَا كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا قَالَ نَعَمْ أَتَيْت مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ حَلَالًا» الْحَدِيثَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا رَجَمَهُ فِي فَضَاءٍ حَتَّى يَمُوتَ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ بِرَجْمِ الْغَامِدِيَّةِ وَمَاعِزٍ وَكَانَا مُحْصَنَيْنِ وَأُخْرِجَ مَاعِزٌ إلَى الْحَرَّةِ وَقِيلَ إلَى الْبَقِيعِ فَفَرَّ إلَى الْحَرَّةِ فَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتَ» وَفِيمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجَمَ الْمَرْأَةَ الَّتِي زَنَى بِهَا الْعَسِيفُ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثٍ كُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ وَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ» وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَإِنَّ مِمَّا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ وَسَيَأْتِي قَوْمٌ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَلَوْلَا أَنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إنَّ عُمَرَ زَادَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَتَبْتهَا عَلَى حَاشِيَةِ الْمُصْحَفِ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَوَصَلَ إلَيْنَا إجْمَاعُهُمْ بِالتَّوَاتُرِ وَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِ الْخَوَارِجِ الرَّجْمَ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ الْقَطْعِيَّ فَيَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُبَيِّنُ مَنْ لَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا كَمَا ذَكَرْنَا فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فِي جَوَابِهِ لَا أَعْرِفُ الَّتِي زَنَيْت بِهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالزِّنَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُسْقِطُ كَوْنَ فِعْلِهِ زِنًا بَلْ تَضَمَّنَ إقْرَارُهُ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْمَزْنِيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَعَرَفَهَا إذْ الْإِنْسَانُ لَا يَجْهَلُ زَوْجَتَهُ وَأَمَتَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُهَا حُدَّ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَهِيَ غَائِبَةٌ يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا لِحَدِيثِ الْعَسِيفِ حَدَّهُ ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى الْمَرْأَةِ فَقَالَ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا وَلِأَنَّ انْتِظَارَ حُضُورِهِمَا إنَّمَا هُوَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَذْكُرَ مُسْقِطًا عَنْهُ وَعَنْهَا وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ كَمَا لَا يُؤَخَّرُ إذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَرْجِعَ الشُّهُودُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَبِهِ لَا يَنْدَرِئُ الْحَدُّ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَكَذَّبَتْهُ وَقَالَتْ لَا أَعْرِفُهُ لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يُحَدُّ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا أَقَرَّتْ أَنَّهَا زَنَتْ بِفُلَانٍ فَأَنْكَرَ فُلَانٌ تُحَدُّ هِيَ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ فِي وَسَطِهِ) أَيْ قَبْلَ رُجُوعِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْمَسْطُورُ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ بَعْدَ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُهُ سَقَطَ وَعَنْ أَحْمَدَ كَقَوْلِنَا وَعَنْ مَالِكٍ فِي قَبُولِ رُجُوعِهِ رِوَايَتَانِ اهـ (قَوْلُهُ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ) وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ فِرَارَهُ دَلِيلًا عَلَى الرُّجُوعِ وَأَسْقَطَ بِهِ الْحَدَّ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ بِدَلِيلِ الرُّجُوعِ سَقَطَ بِصَرِيحِ الرُّجُوعِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا إلَخْ) هَذَا مِنْ الْأَحْرُفِ الَّتِي جَاءَ الْفَاعِلُ مِنْهَا عَلَى مُفْعَلٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ يُقَالُ أَحْصَنَ يُحْصِنُ فَهُوَ مُحْصَنٌ فِي أَلْفَاظٍ مَعْلُومَةٍ هِيَ أَسْهَبَ فَهُوَ مُسْهَبٌ إذَا أَطَالَ وَأَمْعَنَ فِي الْمَشْيِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ مُعْرِضًا عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْإِسْهَابِ وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ اُدْعُ اللَّهَ لَنَا فَقَالَ أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْهَبِينَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَأَلْفَجَ بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ افْتَقَرَ فَهُوَ مُلْفَجٌ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ فِيهِ سِيَّانِ وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا أَيْضًا إذَا أَفْلَسَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هَذَا أَحَدُ مَا جَاءَ عَلَى أَفْعَلَ مُفْعَلٍ وَامْرَأَةٌ مُحْصَنَةٌ أَيْ مُتَزَوِّجَةٌ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ أَفْعَلَ فَهُوَ مُفْعِلٌ إلَّا ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ هَذَا أَحَدُهَا وَيُقَالُ أَسْهَبَ مِنْ لَدْغِ الْحَيَّةِ أَيْ ذَهَبَ عَقْلُهُ فَهُوَ مُسْهَبٌ قَالَ الرَّاجِزُ فَمَاتَ عَطْشَانَ وَمَاتَ مُسْهَبًا وَيُقَالُ أَلْفَجَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُلْفَجٌ إذَا رَقَّتْ حَالُهُ وَسَأَلَ رَجُلٌ الْحَسَنَ أَيُدَالِكُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ قَالَ نَعَمْ إذَا كَانَ مُلْفَجًا الْمُدَالَكَةُ وَالْمُمَاطَلَةُ بِمَعْنًى وَهِيَ الْمُدَافَعَةُ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَارْجُمُوهُمَا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ فَارْجُمْهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَكَتَبْتهَا عَلَى حَاشِيَةِ الْمُصْحَفِ) قِيلَ فِي هَذَا إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ جَائِزَ الْكِتَابَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ فَهُوَ قُرْآنٌ مَتْلُوٌّ وَلَكِنْ لَوْ كَانَ مَتْلُوًّا لَوَجَبَ عَلَى عُمَرَ الْمُبَادَرَةُ لِكِتَابَتِهَا لِأَنَّ مَقَالَ النَّاسِ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبِ

مُكَابَرَةً وَعِنَادًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَبْدَأُ الشُّهُودُ بِهِ) أَيْ يَبْدَأُ الشُّهُودُ بِالرَّجْمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُشْتَرَطُ بُدَاءَتُهُمْ اعْتِبَارًا بِالْجَلْدِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ حِينَ رَجَمَ شُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةَ إنَّ الرَّجْمَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَوْ كَانَ شَهِدَ عَلَى هَذِهِ أَحَدٌ لَكَانَ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي الشَّاهِدُ يَشْهَدُ ثُمَّ يُتْبِعُ شَهَادَتَهُ حَجَرَهُ وَلَكِنَّهَا أَقَرَّتْ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ رَمَاهَا بِحَجَرٍ قَالَ الرَّاوِي ثُمَّ رَمَى النَّاسُ وَأَنَا فِيهِمْ وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ رُبَّمَا يَتَجَاسَرُ عَلَى الشَّهَادَةِ ثُمَّ يَسْتَعْظِمُ الْمُبَاشَرَةَ فَيَأْبَى أَوْ يَرْجِعُ فَكَانَ فِي بُدَاءَتِهِ احْتِيَالٌ لِلدَّرْءِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُهُ فَيُخَافُ أَنْ يَقَعَ مُهْلِكًا أَوْ مُتْلِفًا لِعُضْوٍ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ وَلَا كَذَلِكَ الرَّجْمُ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ فِيهِ مُتَعَيِّنٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَبُو أُسْقِطَ) أَيْ إنْ أَبَى الشُّهُودُ مِنْ الْبُدَاءَةِ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الرُّجُوعِ وَكَذَلِكَ إذَا امْتَنَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْ جَنُّوا أَوْ فَسَقُوا أَوْ قَذَفُوا فَحُدُّوا أَوْ أَحَدُهُمْ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الطَّارِئَ عَلَى الْحَدِّ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمَوْجُودِ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَذَا إذَا غَابُوا أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ مَاتُوا أَوْ بَعْضُهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُمْ إذَا امْتَنَعُوا أَوْ مَاتُوا أَوْ غَابُوا رَجَمَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ مَرْضَى لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرْمُوا أَوْ مَقْطُوعِي الْأَيْدِي رُجِمَ بِحَضْرَتِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الشَّهَادَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَثَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَقْصِدُونَ بِذَلِكَ مَقْتَلَهُ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ مَقْتَلَهُ لِأَنَّ بِغَيْرِهِ كِفَايَةٌ وَرُوِيَ «أَنَّ حَنْظَلَةَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلِ أَبِيهِ وَكَانَ كَافِرًا فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ دَعْهُ يَكْفِيكَ غَيْرُكَ» وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصِلَةِ الرَّحِمِ فَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ لَوْ مُقِرًّا ثُمَّ النَّاسُ) أَيْ يَبْدَأُ الْإِمَامُ بِالرَّجْمِ إنْ كَانَ الزَّانِي مُقِرًّا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَثَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَامِدِيَّةَ بِحَصَاةٍ مِثْلِ الْحِمَّصَةِ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ ارْمُوا وَكَانَتْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا» وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ «سُئِلَ عَنْ غُسْلِ مَاعِزٍ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ اصْنَعُوا بِهِ كَمَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ فَلَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ عَلَى أَهْلِ الْحِجَازِ لَوَسِعَتْهُمْ وَلَقَدْ رَأَيْته يَنْغَمِسُ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْغُسْلُ كَالْقَتْلِ بِقِصَاصٍ بِخِلَافِ الشَّهِيدِ «وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْغَامِدِيَّةِ بَعْدَمَا رُجِمَتْ وَكَانَتْ أَقَرَّتْ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ السُّبْكِيُّ لَعَلَّ اللَّهَ يُيَسِّرُ عَلَيْنَا حَلَّ هَذَا الْإِشْكَالِ فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا نَطَقَ بِالصَّوَابِ وَلَكِنَّا نَتَّهِمُ فَهْمَنَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ مُرَادَهُ لَكَتَبْتهَا مُنَبِّهًا عَلَى نَسْخِ تِلَاوَتِهَا لِيَكُونَ فِي كِتَابَتِهَا فِي مَحِلِّهَا أَمْنٌ مِنْ نِسْيَانِهَا بِالْكُلِّيَّةِ لَكِنْ قَدْ تُكْتَبُ مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ فَيَقُولُ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فَتَرَكْت كِتَابَتَهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَذَلِكَ مِنْ دَفْعِ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِأَخَفِّهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لَا يُحْسِنُهُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِلَا ضَمِيرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ أَبَى الشُّهُودُ مِنْ الْبُدَاءَةِ يَسْقُطُ الْحَدُّ) أَيْ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَحُدُّونَهُمْ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُمْ لَيْسَ صَرِيحًا فِي رُجُوعِهِمْ وَلَوْ كَانَ ظَاهِرًا فِيهِ فَفِيهِ احْتِمَالُ كَوْنِهِمْ تَضْعُفُ نُفُوسُهُمْ عَنْ الْقَتِيلِ وَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ كَمَا تَرَاهُ فِي الشَّاهِدِ مِنْ امْتِنَاعِ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْحَلَالِ الْأَكْلِ وَالْأُضْحِيَّةِ بَلْ وَمِنْ حُضُورِهَا فَكَانَ امْتِنَاعُهُمْ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ شُبْهَةٌ فِي انْدِفَاعِ الْحَدِّ عَنْهُمْ وَقِيلَ يُحَدُّونَ وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَذَفُوا فَحُدُّوا) أَيْ سَوَاءٌ اعْتَرَضَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْإِمْضَاءُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْقَضَاءُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ) قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِاعْتِرَاضِ مَا يُخْرِجُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمْ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ فَسَقَ أَوْ قَذَفَ فَحُدَّ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ وَهَذَا إذَا كَانَ مُحْصَنًا وَفِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ فَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ وَيَبْطُلُ فِيمَا سِوَاهُمَا وَكَذَلِكَ مَا سِوَى الْحُدُودِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا غَابُوا أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ مَاتُوا) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. هِدَايَةٌ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ لَوْ مُقِرًّا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ الْإِمَامُ لَا يَحِلُّ لِلْقَوْمِ رَجْمُهُ وَلَوْ أَمَرَهُمْ لِعِلْمِهِمْ بِفَوَاتِ شَرْطِ الرَّجْمِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِرَجْمِ مَاعِزٍ فَإِنَّ الْقَطْعَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَحْضُرْهُ بَلْ رَجَمَهُ النَّاسُ عَنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ حَقِيقَةَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ عَلِيٍّ إنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِابْتِدَاءِ احْتِيَالًا لِثُبُوتِ دَلَالَةِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ وَأَنْ يَبْتَدِئَ هُوَ فِي الْإِقْرَارِ لِيَنْكَشِفَ لِلنَّاسِ أَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي أَمْرِ الْقَضَاءِ بِأَنْ يَتَسَاهَلَ فِي بَعْضِ شُرُوطِ الْقَضَاءِ بِالْحَدِّ فَإِذَا امْتَنَعَ حِينَئِذٍ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الرُّجُوعِ فَامْتَنَعَ الْحَدُّ لِظُهُورِ شُبْهَةِ تَقْصِيرِهِ فِي الْقَضَاءِ وَهِيَ دَارِئَةٌ فَكَأَنَّ الْبُدَاءَةَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ إذْ لَمْ يَكُنْ عَنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لَا أَنَّهُ جُعِلَ شَرْطًا بِذَاتِهِ وَهَذَا فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُنْتَفٍ فَلَمْ يَكُنْ عَدَمُ رَجْمِهِ دَلِيلًا عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ إذَا لَمْ يَبْدَأْ وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ بَدَأَ الشُّهُودُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ يَجِبُ أَنْ يُثَنِّيَ الْإِمَامُ فَلَوْ لَمْ يُثَنِّ الْإِمَامُ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِاتِّحَادِ الْمَأْخَذِ فِيهَا (قَوْلُهُ الْغَامِدِيَّةُ) مَنْسُوبَةٌ إلَى بَنِي غَامِدٍ قَبِيلَةٍ مِنْ الْعَرَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشَّهِيدِ) أَيْ فَإِنَّهُ قُتِلَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يُغَسَّلُ لِيَكُونَ الْأَثَرُ شَاهِدًا لَهُ وَلِإِظْهَارِ زِيَادَةِ تَشْرِيفِهِ بِقِيَامِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. اهـ. كَمَالٌ

(وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ جَلَدَهُ مِائَةً) أَيْ لَوْ كَانَ الزَّانِي غَيْرَ مُحْصَنٍ جَلَدَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَالْخِطَابُ لِلْأَئِمَّةِ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْأُمَّةِ مُتَعَذِّرٌ فَتَعَيَّنَ الْإِمَامُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُمْ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهَا نُسِخَتْ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ بِمَا ذَكَرْنَا فَبَقِيَتْ مَعْمُولًا بِهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَقُدِّمَتْ الزَّانِيَةُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَادَّةُ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ إذْ لَوْ لَمْ تُطْمِعْهُ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ لَمْ يَطْمَعْ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ أَوْ لِأَنَّ الْفَاحِشَةَ مِنْهُنَّ أَكْثَرُ لِغَلَبَةِ شَهْوَتِهِنَّ وَقِلَّةِ دِينِهِنَّ وَعَدَمِ حِفْظِهِنَّ لِلْمُرُوءَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِصْفٌ لِلْعَبْدِ) أَيْ نِصْفُ الْمِائَةِ لِلْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَلْدُ لِأَنَّ الرَّجْمَ لَا يَتَنَصَّفُ فَتَعَيَّنَ الْجَلْدُ لِذَلِكَ أَوْ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ فَإِذَا ثَبَتَ التَّنْصِيفُ فِي الْإِمَاءِ لِمَكَانِ الرِّقِّ الْمُنْقِصِ لِلْكَرَامَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ ثَبَتَ فِي الْعَبِيدِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ إذْ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ يَكُونُ وَارِدًا فِي الْمِثْلِ الْآخَرِ أَوْ نَقُولُ دَخَلَ الْعَبِيدُ فِي اللَّفْظِ وَأَنَّثَ لِلتَّغْلِيبِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي «خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ» وَلَفْظُ خَمْسٍ بِلَا تَاءٍ يَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ وَدَخَلَ الذُّكُورُ فِيهِ إمَّا بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ دَخَلَ فِي اللَّفْظِ وَأَنَّثَ لِلتَّغْلِيبِ وَفِي مِثْلِهِ يُغَلَّبُ الذُّكُورُ عَادَةً كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6] وَغَيْرُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ مُتَوَسِّطًا) أَيْ يُضْرَبُ بِسَوْطٍ لَا عُقْدَةَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ) أَيْ وَهُوَ حُرٌّ اهـ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرَفْعُ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُمَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ وَفِيمَا فُرِضَ عَلَيْكُمْ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي أَيْ حُكْمُهُمَا وَهُوَ الْجَلْدُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ فَاجْلِدُوا وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُبَرِّدِ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَدُخُولُ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ بِمَعْنَى الَّذِي أَيْ الَّتِي زَنَتْ وَاَلَّذِي زَنَى فَاجْلِدُوهُمَا كَقَوْلِك مَنْ زَنَى فَاجْلِدُوهُ اهـ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا نُسِخَتْ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ) أَيْ قَطْعًا وَيَكْفِينَا فِي تَعْيِينِ النَّاسِخِ الْقَطْعُ بِرَجْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ الْقَطْعِيَّةِ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ ادِّعَاءِ أَنَّ النَّاسِخَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِثُبُوتِهَا قُرْآنًا ثُمَّ انْتِسَاخُ تِلَاوَتِهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَكَتَ النَّاسُ فَإِنَّ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ حُجَّةً مُخْتَلَفٌ وَبِتَقْدِيرِ حُجِّيَّتِهِ لَا يُقْطَعُ بِأَنَّ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا إذْ ذَاكَ حُضُورًا ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ ظَنِّيٌّ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا ذَكَرْنَاهُ إنَّ الرَّجْمَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَنْسُبْهُ لِلْقُرْآنِ الْمَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ وَعُرِفَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِعَدَمِ نَسْخِ عُمُومِ الْآيَةِ فَيَكُونُ رَأْيُهُ أَنَّ الرَّجْمَ حُكْمٌ زَائِدٌ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ قِيلَ بِهِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَرَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِآيَةٍ أُخْرَى نُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا رَوَاهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خُطْبَتِهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَقَالَ إنَّ مِمَّا يُتْلَى فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَلَا تُهْمَةَ فِي رِوَايَتِهِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا صَرَفَهَا عَنْ قُلُوبِ الْعِبَادِ لِحِكْمَةٍ لَمْ يَكْتُبْهَا عُمَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَقَالَ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقُدِّمَتْ الزَّانِيَةُ بِالذِّكْرِ) أَيْ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ عَكْسُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ إذْ لَوْ لَمْ تُطْمِعْهُ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ لَمْ يَطْمَعْ) بِخِلَافِ آيَةِ السَّرِقَةِ حَيْثُ قُدِّمَ الرَّجُلُ فِيهَا عَلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْعُدْوَانِ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ مِنْ الْمَرْأَةِ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى) أَيْ {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] اهـ (قَوْلُهُ {فَعَلَيْهِنَّ} [النساء: 25] أَيْ الْإِمَاءِ إذَا أُحْصِنَّ أَيْ تَزَوَّجْنَ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ أَيْ زَنَيْنَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ {مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ {مِنَ الْعَذَابِ} [البقرة: 96] أَيْ مِنْ الْحَدِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّجْمَ لَا يَتَنَصَّفُ) أَيْ فَلَا رَجْمَ عَلَى الرَّقِيقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ الْجَلْدُ لِذَلِكَ أَوْ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ إلَخْ) وَحَضْرَةُ الْمَوْلَى لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ وَشَرْطِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. ابْنِ فِرِشْتَا فِي الْحَجْرِ (قَوْلُهُ وَالْعُقُوبَاتُ ثَبَتَ فِي الْعَبِيدِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّلَالَةِ أَوْلَوِيَّةُ الْمَسْكُوتِ بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَذْكُورِ بَلْ الْمُسَاوَاةُ تَكْفِي فِيهِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَأَنَّثَ لِلتَّغْلِيبِ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ بَعْضُهُمْ يَدْخُلُونَ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ عَكْسُ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ تَغْلِيبُ الذُّكُورِ وَالنَّصُّ عَلَيْهِنَّ فَقَطْ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ فِي تَزْوِيجِ الْإِمَاءِ أَعْنِي قَوْلَهُ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] إلَى قَوْلِهِ {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] ثُمَّ تَمَّمَ حُكْمَهُنَّ إذَا زَنَيْنَ وَلِأَنَّ الدَّاعِيَةَ فِيهِنَّ أَقْوَى وَهُوَ حِكْمَةُ تَقْدِيمِ الزَّانِيَةِ عَلَى الزَّانِي فِي الْآيَةِ وَهَذَا الشَّرْطُ أَعْنِي الْإِحْصَانَ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَإِنَّ عَلَى الْأَرِقَّاءِ نِصْفَ الْمِائَةِ أُحْصِنُوا أَوْ لَمْ يُحْصَنُوا وَأَسْنَدَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» وَهُوَ الْحَبْلُ وَالْقَائِلُونَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ يُجَوِّزُونَ أَنَّ الْإِيرَادَ بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مَنْ أُحْصِنَ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ» وَنُقِلَ عَنْ الْعَبَّاسِ وَطَاوُسٍ أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا حَتَّى يُحْصَنَا بِزَوْجٍ وَعَلَى هَذَا مُعْتَبَرُ الْمَفْهُومِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَقُرِئَ {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَتُؤُوِّلَ عَلَى مَعْنَى أَسْلَمْنَ . اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ) قَالَ الْكَمَالُ قِيلَ الْمُرَادُ بِثَمَرَةِ السَّوْطِ عَذَبَتُهُ وَذَنَبُهُ مُسْتَعَارٌ مِنْ وَاحِدَةِ ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ وَفِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ عُقَدُ أَطْرَافِهِ وَرَجَّحَ الْمُطَرِّزِيُّ إرَادَةَ الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلِيًّا حَدَّ الْوَلِيدَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً فَكَانَتْ الضَّرْبَةُ ضَرْبَتَيْنِ وَفِي

ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا وَفِي النِّهَايَةِ هِيَ عَذَبَتُهُ وَذَنَبُهُ وَطَرَفُهُ لِأَنَّ كُلَّ ضَرْبَةٍ بِهَا تَصِيرُ ضَرْبَتَيْنِ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَسَرَ ثَمَرَتَهُ وَلَوْ لَمْ يَكْسِرْ الثَّمَرَةَ يَعُدُّ كُلَّ ضَرْبَةٍ بِضَرْبَتَيْنِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَرَبَ الْوَلِيدَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ وَفِي رِوَايَةٍ ذَنَبَانِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً فَكَانَتْ الضَّرْبَةُ بِضَرْبَتَيْنِ وَالضَّرْبُ الْمُتَوَسِّطُ هُوَ الْمُؤْلِمُ غَيْرُ الْجَارِحِ لِأَنَّ الْجَارِحَ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ أَوْ يَبْقَى فِي جَسَدِهِ أَثَرٌ يَشِينُهُ وَلِهَذَا يُكْسَرُ عُقْدَتُهُ وَغَيْرُ الْمُؤْلِمِ لَا يُفِيدُ وَالْوَاجِبُ التَّأْدِيبُ دُونَ الْإِهْلَاكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَزْعُ ثِيَابِهِ) يَعْنِي غَيْرَ الْإِزَارِ لِأَنَّ فِي نَزْعِهِ كَشْفَ الْعَوْرَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ ضَرْبِهِ إيصَالُ الْأَلَمِ إلَيْهِ لَا سِيَّمَا هَذَا الْحَدُّ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشِّدَّةِ وَالتَّجْرِيدُ فِيهِ أَبْلَغُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فِي الْحُدُودِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفُرِّقَ عَلَى بَدَنِهِ) أَيْ فُرِّقَ الضَّرْبُ عَلَى بَدَنِهِ وَأَعْضَائِهِ لِأَنَّ الْجَمْعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَالْجَلْدُ زَاجِرٌ وَلَيْسَ بِمُتْلِفٍ وَلِأَنَّهُ نَالَ اللَّذَّةَ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ فَيُعْطَى حَظَّهُ مِنْ الضَّرْبِ وَلِهَذَا يُرْجَمُ إذَا كَانَ مُحْصَنًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَفَرْجَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْجَلَّادِ «اتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ» وَلِأَنَّ الضَّرْبَ عَلَى الْفَرْجِ مُتْلِفٌ وَعَلَى الرَّأْسِ سَبَبٌ لِزَوَالِ الْحَوَاسِّ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالْفَهْمِ وَكَذَا عَلَى الْوَجْهِ وَهُوَ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ أَيْضًا فَلَا يُؤْمَنُ ذَهَابُهَا فَيَكُونُ إهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ فَلَا يُشْرَعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ آخِرًا يُضْرَبُ الرَّأْسُ سَوْطًا لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْجَلَّادِ اضْرِبْ الرَّأْسَ فَإِنَّ فِيهِ شَيْطَانًا قُلْنَا قَالَ ذَلِكَ فِي مُسْتَحِقِّ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ دُعَاةِ أَهْلِ الْحَرْبِ مَحْلُوقًا وَسَطَ رَأْسِهِ فَأَمَرَ بِضَرْبِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَأَخْبَرَ أَنَّ فِيهِ شَيْطَانًا وَقَالَ عُمَرُ لِلْجَلَّادِ إيَّاكَ أَنْ تَضْرِبَ الرَّأْسَ وَالْفَرْجَ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يُضْرَبُ الصَّدْرُ وَالْبَطْنُ لِأَنَّهُ مَقْتَلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِيضَاحِ مَا يُوَافِقُهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُضْرَبَ بِسَوْطٍ لَهُ ثَمَرَةٌ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا ضُرِبَ بِهَا تَصِيرُ كُلُّ ضَرْبَةٍ ضَرْبَتَيْنِ وَفِي الدِّرَايَةِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْكُتُبِ لَا ثَمَرَةَ لَهُ لَا عُقْدَةَ لَهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ كَسَرَ ثَمَرَتَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ أَصْلًا بَلْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الْعُقْدَةُ وَإِمَّا تَلْيِينُ طَرَفِهِ بِالدَّقِّ إذَا كَانَ يَابِسًا وَهُوَ الظَّاهِرُ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ حَنْظَلَةَ السَّدُوسِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ يُؤْمَرُ بِالسَّوْطِ فَتُقْطَعُ ثَمَرَتُهُ ثُمَّ يُدَقُّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى يَلِينَ ثُمَّ يُضْرَبُ بِهِ قُلْنَا لَهُ فِي زَمَنِ مَنْ كَانَ هَذَا قَالَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُضْرَبُ وَفِي طَرَفِهِ يُبْسٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجْرَحُ أَوْ يُبَرِّحُ فَكَيْفَ إذَا كَانَ فِي طَرَفِهِ عُقْدَةٌ وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ «رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَدَعَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ شَدِيدٍ لَهُ ثَمَرَةٌ فَقَالَ سَوْطٌ دُونَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ لَيِّنٍ فَقَالَ سَوْطٌ فَوْقَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ بَيْنَ سَوْطَيْنِ فَقَالَ هَذَا وَأَمَرَ بِهِ فَجَلَدُوهُ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِرَجُلٍ فَذَكَرَهُ وَذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْحَاصِلُ أَنْ يَجْتَنِبَ كُلًّا مِنْ الثَّمَرَةِ بِمَعْنَى الْعُقْدَةِ وَبِمَعْنَى الْفَرْعِ الَّذِي يَصِيرُ ذَنْبَيْنِ تَعْمِيمًا لِلْمُشْتَرَكِ فِي النَّفْيِ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْعَدَدَ مِائَةٌ وَلَوْ تَجَوَّزَ بِالثَّمَرَةِ فِيمَا يُشَاكِلُ الْعُقْدَةَ لِيَعُمَّ الْمَجَازُ مَا هُوَ يَابِسُ الطَّرَفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا كَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يُضْرَبُ بِمِثْلِهِ حَتَّى يُدَقَّ رَأْسُهُ فَيَصِيرَ مُتَوَسِّطًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالضَّرْبُ الْمُتَوَسِّطُ هُوَ الْمُؤْلِمُ غَيْرُ الْجَارِحِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ فَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ يُجْلَدُ جَلْدًا خَفِيفًا يَحْتَمِلُهُ. اهـ. وَسَيَأْتِي هَذَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْمَرِيضُ يُرْجَمُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ الْجَلَّادَ أَنْ لَا يُبَيِّنَ إبِطَهُ». اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فِي الْحُدُودِ زَادَ عَلَيْهِ شَارِحُ الْكَنْزِ فَقَالَ صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فَأَبْعَدَ عَمَّا قَالَ الْمُخَرِّجُ إنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ عَنْ عَلِيٍّ بَلْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَرَّقَ الضَّرْبَ عَلَى أَعْضَائِهِ) أَيْ عَلَى الْكَتِفَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَعْضَائِهِ مَا نَصُّهُ أَيْ أَعْضَاءِ الْمَحْدُودِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ) قَالَ الْكَمَالُ وَذُكِرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ لِلَّذِي أَمَرَهُ بِضَرْبِ الْحَدِّ اتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ» وَلَمْ يَحْفَظْهُ الْمُخَرِّجُونَ مَرْفُوعًا بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ سَكْرَانَ أَوْ فِي حَدٍّ فَقَالَ اضْرِبْ وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ أُتِيَ بِرَجُلٍ وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ قَالَ وَرَوَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالنَّخَعِيِّ اهـ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ» وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُرَادًا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ فِي حَالِ قِيَامِ الْحَرْبِ مَعَ الْكُفَّارِ لَوْ تَوَجَّهَ لِأَحَدٍ ضَرْبُ وَجْهِ مَنْ يُبَارِزُهُ أَوْ هُوَ فِي مُقَابَلَتِهِ حَالَةَ الْحَمْلَةِ لَا يَكُفُّ عَنْهُ إذْ قَدْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَقْتُلُهُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا مَنْ يَقْتُلُهُ صَبْرًا فِي حَدٍّ قَتْلًا أَوْ غَيْرَ قَتْلٍ اهـ قَالَ الْكَمَالُ أَيْضًا وَالْمَذَاكِيرُ جَمْعُ ذَكَرٍ بِمَعْنَى الْعُضْوِ فَرَّقُوا فِي جَمْعِهِ بَيْنَ الذَّكَرِ بِمَعْنَى الرَّجُلِ حَيْثُ قَالُوا ذُكْرَانٌ وَذُكُورَةٌ وَذِكَارَةٌ وَبِمَعْنَى الْعُضْوِ ثُمَّ جَمْعُهُ عَلَى اعْتِبَارِ تَسْمِيَةِ مَا حَوْلَهُ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ ذَكَرًا كَمَا لَوْ قَالُوا شَابَتْ مَفَارِقُهُ وَإِنَّمَا لَهُ مَفْرِقٌ وَاحِدٌ اهـ وَفِي الصِّحَاحِ الذَّكَرُ خِلَافُ الْأُنْثَى وَالْجَمْعُ ذُكُورٌ وَذُكْرَانٌ وَذِكَارَةٌ أَيْضًا مِثْلُ حَجَرٍ وَحِجَارَةٍ وَالذَّكَرُ الْعَوْفُ وَالْجَمْعُ مَذَاكِيرُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَأَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الذَّكَرِ الَّذِي هُوَ الْفَحْلُ وَبَيْنَ الذَّكَرِ الَّذِي هُوَ الْعُضْوُ فِي الْجَمْعِ وَقَالَ الْأَخْفَشُ هُوَ مِنْ الْجَمْعِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ مِثْلُ الْعَبَادِيدِ وَالْأَبَابِيلِ اهـ وَفِي الصِّحَاحِ فِي بَابِ الْفَاءِ وَكَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَتَأَوَّلُ الْعَوْفَ الْفَرْجَ فَذَكَرْتُهُ لِأَبِي عَمْرٍو فَأَنْكَرَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ دُعَاةٍ) الدُّعَاةُ جَمْعُ دَاعٍ كَالْقُضَاةِ جَمْعُ قَاضٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَسَطَ رَأْسِهِ) أَيْ وَضَرْبُ رَأْسِهِ وَاجِبٌ وَإِهْلَاكُهُ مُسْتَحَقٌّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يُضْرَبُ الصَّدْرُ وَالْبَطْنُ) قَالَ الْكَمَالُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الصَّدْرُ مِنْ الْمَحَامِلِ وَالضَّرْبُ بِالسَّوْطِ الْمُتَوَسِّطِ عَدَدًا يَسِيرًا

كَالرَّأْسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَصُّ الظَّهْرُ بِالضَّرْبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شُهُودَك أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِك» قُلْنَا لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ ضَرْبِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا فِي الْحُدُودِ غَيْرَ مَمْدُودٍ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُضْرَبُ الرِّجَالُ فِي الْحُدُودِ قِيَامًا وَالنِّسَاءُ قُعُودًا وَلِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّشْهِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَالْقِيَامُ أَبْلَغُ فِيهِ وَالْمَمْدُودُ هُوَ الْمُلْقَى فِي الْأَرْضِ كَمَا يُفْعَلُ الْيَوْمَ وَقِيلَ أَنْ يُمَدَّ فَيَرْفَعُ يَدَهُ فَوْقَ رَأْسِهِ وَقِيلَ أَنْ يُمَدَّ السَّوْطُ عَلَى جَسَدِهِ عِنْدَ الضَّرْبِ فَيَجُرُّ عَلَيْهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُفْعَلُ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُنْزَعُ ثِيَابُهَا إلَّا الْفَرْوَ وَالْحَشْوَ) أَيْ الْمَرْأَةِ لَا يُنْزَعُ عَنْهَا ثِيَابُهَا إلَّا الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ لِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهَا كَشْفَ الْعَوْرَةِ وَالْفَرْوُ وَالْحَشْوُ يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ إلَى الْجَسَدِ وَالسَّتْرُ حَاصِلٌ بِدُونِهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِمَا فَيُنْزَعَانِ لِيَصِلَ الْأَلَمُ إلَى الْبَدَنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُضْرَبُ جَالِسَةً) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّهَا عَوْرَةٌ فَلَوْ ضُرِبَتْ قَائِمَةً فَلَا يُؤْمَنُ كَشْفُ عَوْرَتِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُحْفَرُ لَهَا فِي الرَّجْمِ لَا لَهُ) أَيْ يُحْفَرُ لِلْمَرْأَةِ لَا لِلرَّجُلِ لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ فَوَاَللَّهِ مَا حَفَرْنَا لِمَاعِزٍ وَلَا أَوْثَقْنَاهُ الْحَدِيثَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ حُفِرَ لِلْغَامِدِيَّةِ إلَى صَدْرِهَا رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا تَضْطَرِبُ إذَا أَصَابَتْهَا الْحِجَارَةُ فَتَبْدُوَ أَعْضَاؤُهَا وَهِيَ كُلُّهَا عَوْرَةٌ فَكَانَ الْحَفْرُ أَسْتَرَ لَهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ الْحَفْرِ لَهَا لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ وَالرَّبْطُ وَالْإِمْسَاكُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الْمَرْجُومِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَحُدُّ عَبْدَهُ إلَّا بِإِذْنِ إمَامِهِ) أَيْ الْمَوْلَى لَا يَحُدُّهُ إلَّا إذَا فَوَّضَ الْإِمَامُ إلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ الَّذِي هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إذَا عَايَنَ السَّبَبَ أَوْ أَقَرَّ عِنْدَهُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى مِمَّنْ يَمْلِكُ الْحَدَّ بِتَوْلِيَةِ الْإِمَامِ بِأَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَهُ فِيهِ قَوْلَانِ وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ لَهُ وَجْهَانِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى مُكَاتَبًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ امْرَأَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى مَمْلُوكِهِ لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً مُطْلَقَةً فَيَمْلِكُ إقَامَةَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ كَالْإِمَامِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهِ فَوْقَ وِلَايَةِ الْإِمَامِ حَتَّى مَلَكَ فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْإِمَامُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يُزَوِّجُ دُونَ الْوَلِيِّ بِالْقَرَابَةِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمِلْكِ فَوْقَهَا وَوِلَايَةَ الْقَرَابَةِ فَوْقَ وِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يُزَوِّجُ إلَّا بَعْدَ فَقْدِ الْقَرِيبِ فَلَمَّا جُعِلَتْ وِلَايَةُ الْمِلْكِ فَوْقَ وِلَايَةِ الْقَرَابَةِ دَلَّ أَنَّهَا فَوْقَ وِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ ضَرُورَةً وَلِهَذَا يَمْلِكُ تَعْزِيرَهُ كَمَا يَمْلِكُهُ الْإِمَامُ وَالْحَدُّ كَالتَّعْزِيرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عُقُوبَةٌ شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «أَرْبَعَةٌ إلَى الْوُلَاةِ الْحُدُودُ وَالصَّدَقَاتُ وَالْجُمُعَاتُ وَالْفَيْءُ» وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ وَلِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِهِ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعِبَادِ فَتَكُونُ الْوِلَايَةُ مُسْتَفَادَةً بِالنِّيَابَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِمَامُ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لَهَا فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا الْمَوْلَى فَوِلَايَتُهُ بِالْمِلْكِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا لِلَّهِ تَعَالَى أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ مَالِكَةً وَكَذَا الذِّمِّيُّ وَالْمُكَاتَبُ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْمَالِكُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَقْتُلُ فِي الْبَطْنِ فَكَيْفَ بِالصَّدْرِ نَعَمْ إذَا فَعَلَ بِالْعَصَا كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا فِي بُيُوتِ الظَّلَمَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْرِبَ الْبَطْنَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا قِيلَ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالْكَافِي إنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَخُصُّ الظَّهْرَ وَاسْتِدْلَالُ الشَّارِحِينَ عَلَيْهِ «بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِك» غَيْرُ ثَابِتٍ فِي كُتُبِهِمْ بَلْ الَّذِي فِيهَا كَقَوْلِنَا وَإِنَّمَا رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ خَصَّ الظَّهْرَ وَمَا يَلِيهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّهْرِ نَفْسُهُ أَيْ حَدٌّ عَلَيْك بِدَلِيلِ مَا ثَبَتَ عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ مِثْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمَا اسْتَنْبَطْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ» وَأَنَّهُ فِي نَحْوِ الْحَدِّ فَمَا سِوَاهُ دَاخِلٌ فِي الضَّرْبِ ثُمَّ خُصَّ مِنْهُ الْفَرْجُ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى التَّشْهِيرِ) أَيْ زَجْرًا لِلْعَامَّةِ عَنْ مِثْلِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَرْفَعُ) أَيْ الضَّارِبُ اهـ (قَوْلُهُ عِنْدَ الضَّرْبِ) أَيْ بَعْدَ وُقُوعِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالرَّبْطُ وَالْإِمْسَاكُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ امْتَنَعَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَقِفْ وَلَمْ يَصْبِرْ لَا بَأْسَ بِرَبْطِهِ عَلَى أُسْطُوَانَةٍ أَوْ يُمْسَكُ. اهـ. 1 - (فَرْعٌ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُقَامُ حَدٌّ فِي مَسْجِدٍ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَلَا تَعْزِيرٌ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّأْدِيبِ فِي الْمَسْجِدِ خَمْسَةَ أَسْوَاطٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَقَامَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْحَدَّ فِي الْمَسْجِدِ فَخَطَّأَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَجَمِّرُوهَا فِي جُمَعِكُمْ وَضَعُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ» وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ الْمَحْدُودِ فَيَجِبُ نَفْيُهُ عَنْ الْمَسْجِدِ. اهـ. قَوْلُهُ وَجَمِّرُوهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِنْهُ نُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ الَّذِي كَانَ يَلِي إجْمَارَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ وَقَالَ قَاضِي خَانْ قُبَيْلَ فَصْلِ حَدِّ الْقَذْفِ وَلَا قَوَدَ وَلَا تَعْزِيرَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إذَا أَرَادَ إقَامَةَ الْحَدِّ بَيْنَ يَدَيْهِ اهـ وَذَكَرَ الشَّارِحُ قُبَيْلَ فَصْلِ التَّعْزِيرِ أَنَّ الْحَدَّ لَا يُقَامُ فِي الْمَسْجِدِ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ) أَيْ بِلَا إذْنٍ وَعَنْ مَالِكٍ إلَّا فِي الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ الْعَبَادِلَةُ الثَّلَاثَةُ) أَيْ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فِي حَقِّهِ فَلَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا الذِّمِّيُّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ مِنْ الْمَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ امْرَأَةً وَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَتْلًا بِسَبَبِ الرِّدَّةِ أَوْ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ قَطْعًا لِلسَّرِقَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ نَعَمْ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ. اهـ.

التَّأْدِيبُ وَالتَّثْقِيفُ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا غَيْرَ مُخَاطَبٍ شَرْعًا وَهُوَ كَتَأْدِيبِ الدَّوَابِّ وَتُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَيَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ وَالتَّقَدُّمُ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِهِ فِي وِلَايَةِ الْحُدُودِ كَالْقَرِيبِ فَإِنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَلِأَنَّ الْحُدُودَ إنَّمَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْآدَمِيَّةِ وَالْمَوْلَى يَمْلِكُ مَالِيَّتَهُ لَا غَيْرُ فَكَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ فَصَارَ كَالْحُرِّ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ دُونَ الْأَمْوَالِ وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَى التَّسْبِيبُ بِالْمُرَافَعَةِ إلَى الْحُكَّامِ لَا الْمُبَاشَرَةُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ قَتَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا وَنَادَى الْأَمِيرُ فِي النَّاسِ وَالْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ وَالنِّدَاءِ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَيْهِ بِالتَّسْبِيبِ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَاطَبَ الْمَوَالِيَ كُلَّهُمْ بِذَلِكَ وَكُلُّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْمُبَاشَرَةَ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمَوَالِي بِأَنْ يُقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَيْهِمْ وَعِنْدَنَا تَجُوزُ إقَامَتُهُ لِلْمَوْلَى بِإِذْنِ الْإِمَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْإِسْلَامُ وَالْوَطْءُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ) الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ سَبْعَةٌ الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالتَّزَوُّجُ نِكَاحًا صَحِيحًا وَالدُّخُولُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَكَوْنُهُمَا مُحْصَنَيْنِ حَالَةَ الدُّخُولِ أَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَهُمَا شَرْطٌ لِأَهْلِيَّةِ الْعُقُوبَاتِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ لَيْسَا بِمُكَلَّفَيْنِ وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرِ وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرَ وَلِأَنَّهَا مُمَكَّنَةٌ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ الْمُغْنِي عَنْ الزِّنَا، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَلِأَنَّهُ يُتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ إذْ الْكَافِرَةُ لَا تُحْصِنُهُ وَيُمْكِنُهُ مِنْ اعْتِقَادِ الْحُرْمَةِ أَوْ يُؤَكِّدُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ» قُلْنَا كَانَ ذَلِكَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْجَلْدِ فِي أَوَّلِ مَا دَخَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَدِينَةَ وَصَارَ مَنْسُوخًا بِهَا ثُمَّ نُسِخَ الْجَلْدُ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ لِمَا رَوَيْنَا وَأَمَّا التَّزَوُّجُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَلِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] أَيْ الْمَنْكُوحَاتِ وَقَالَ تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] أَيْ تَزَوَّجْنَ وَلِأَنَّهُ يُمَكِّنُهُ مِنْ الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَأَمَّا الدُّخُولُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ» الْحَدِيثَ وَالثِّيَابَةُ لَا تَكُونُ بِغَيْرِ دُخُولٍ وَلِأَنَّهُ بِإِصَابَةِ الْحَلَالِ تَنْكَسِرُ شَهْوَتُهُ وَيَشْبَعُ فَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الزِّنَا وَالْمُعْتَبَرُ إيلَاجُ الْحَشَفَةِ بِحَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِنْزَالُ وَأَمَّا إحْصَانُهُمَا حَالَةَ الدُّخُولِ فَلِأَنَّ هَذِهِ النِّعْمَةَ بِهِ تَتَكَامَلُ إذْ الطَّبْعُ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَةِ الْمَجْنُونَةِ وَقَلَّمَا يُرْغَبُ فِي الصَّغِيرَةِ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهَا فِيهِ وَفِي الْمَمْلُوكَةِ حَذَرًا عَنْ رِقِّ الْوَلَدِ وَلَا ائْتِلَافَ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ وَفِي الْكَافِرَةِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ إلَخْ) قَيَّدَ بِإِحْصَانِ الرَّجْمِ لِأَنَّ إحْصَانَ الْقَذْفِ غَيْرُ هَذَا كَمَا سَيَأْتِي قَالَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُنَا يَدْخُلُ بِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ يَعْنِي تَكُونُ الصِّحَّةُ قَائِمَةً حَالَةَ الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ مَنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِتَزَوُّجِهَا يَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا فَلَوْ دَخَلَ بِهَا عَقِبَهُ لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِنَا شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بَيَانِيَّةً أَيْ الشَّرَائِطُ الَّتِي هِيَ الْإِحْصَانُ وَكَذَا شَرْطُ الْإِحْصَانِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِحْصَانَ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الرَّجْمِ هِيَ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ فَهِيَ أَجْزَاؤُهُ أَوْ هُوَ هَيْئَةٌ يَكُونُ بِاجْتِمَاعِهَا فَهِيَ أَجْزَاءُ عِلَّتِهِ وَكُلُّ جُزْءٍ عِلَّةٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ حِينَئِذٍ شَرْطُ وُجُوبِ الرَّجْمِ وَالْمَجْمُوعُ عِلَّةٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ الْمُسَمَّى بِالْإِحْصَانِ وَالشَّرْطُ يَثْبُتُ سَمْعًا أَوْ قِيَاسًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ) إلَى هُنَا كَلَامُ الشَّارِحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَ قَوْلِهِ الْإِحْصَانُ وَالتَّكْلِيفُ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ ثَابِتًا فِي خَطِّهِ وَالصَّوَابُ إثْبَاتُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ) أَيْ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ الْحُرِّيَّةُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ أَشَارَ إلَيْهِمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالتَّكْلِيفُ الرَّابِعُ الْإِسْلَامُ الْخَامِسُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ السَّادِسُ الدُّخُولُ فِيهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالْوَطْءُ السَّابِعُ إحْصَانُهُمَا حَالَةَ الدُّخُولِ اهـ وَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الزِّنَا سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ جَمِيعًا لَكِنْ لِلرَّجْمِ شَرَائِطُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ آنِفًا فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ يَجِبُ الرَّجْمُ وَإِلَّا فَيَجِبُ الْجَلْدُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الدُّخُولَ آخِرُ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الدُّخُولُ أَوَّلًا ثُمَّ وُجِدَ سَائِرُ الشَّرَائِطِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا مَا لَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ بَعْدَهَا بَيَانُهُ فِيمَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْمُسْلِمَ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نَصْرَانِيَّةً فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَقَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ زَنَى الرَّجُلُ لَا رَجْمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدَ إسْلَامِهَا وَلَمْ تَكْمُلْ شَرَائِطُ إحْصَانِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ مُحْصَنًا وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فَمَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَكْمُلُ الْإِحْصَانُ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا لَوْ دَخَلَ بِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ ثُمَّ أَدْرَكَتْ وَكَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ وَهُمَا مُحْصَنَانِ فَارْتَدَّا مَعًا بَطَلَ إحْصَانُهُمَا ثُمَّ إذَا أَسْلَمَا لَا يَعُودُ إحْصَانُهُمَا إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّارِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَيُمْكِنُهُ) أَيْ الْإِسْلَامُ يُمْكِنُ اهـ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَإِنَّهُ شَرْطُ الْإِحْصَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا لِمَا قُلْنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّ الذِّمِّيَّ الثَّيِّبَ الْحُرَّ إذَا زَنَى عِنْدَنَا يُجْلَدُ وَلَا يُرْجَمُ وَعِنْدَهُمَا يُرْجَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا التَّزَوُّجُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) أَيْ ثُمَّ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا بِالدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ لَا يُبِيحُ الْوَطْءَ وَكَذَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا أَيْضًا بِالْجِمَاعِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ) أَيْ التَّزَوُّجُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إحْصَانُهُمَا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

لَا يُشْتَرَطُ الْإِحْصَانُ عِنْدَ الدُّخُولِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُحْصِنُ الْمُسْلِمَ الْيَهُودِيَّةُ وَلَا النَّصْرَانِيَّةُ وَلَا الْحُرَّ الْأَمَةُ وَلَا الْحُرَّةَ الْعَبْدُ» وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ وَكُلُّهَا زَوَاجِرُ عَنْ الزِّنَا وَالْجِنَايَةُ عِنْدَ تُوَفِّرْ النِّعْمَةِ وَوُجُودِ الْمَانِعِ أَغْلَظُ وَأَقْبَحُ فَيُنَاطُ بِهَا نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ وَلِهَذَا هَدَّدَ اللَّهُ تَعَالَى نِسَاءَ النَّبِيِّ بِضِعْفِ مَا هَدَّدَ بِهِ غَيْرَهُنَّ وَعَاتَبَ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - بِزَلَّاتٍ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا غَيْرُهُمْ لِزِيَادَةِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْعِلْمِ وَالشَّرَفِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِاعْتِبَارِهِمَا وَنَصْبُ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ وَلَوْ زَالَ الْإِحْصَانُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالْجُنُونِ وَالْعُنَّةِ يَعُودُ مُحْصَنًا إذَا أَفَاقَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَعُودُ حَتَّى يَدْخُلَ بِالْمَرْأَةِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) يَعْنِي فِي الْمُحْصَنِ (وَ) لَا بَيْنَ (جَلْدٍ وَنَفْيٍ) يَعْنِي فِي الْبِكْرِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُحْصَنِ وَعِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ يُجْلَدُ ثُمَّ يُرْجَمُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خُذُوا عَنِّي فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي رَجُلٍ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ جَلَدَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي مَاعِزٍ وَلَا فِي الْغَامِدِيَّةِ وَلَا فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي زَنَى بِهَا الْعَسِيفُ بَلْ رَجَمَهُمْ مِنْ غَيْرِ جَلْدٍ وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ حَدًّا لَمَا تَرَكَهُ وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْجَلْدِ مَعَ الرَّجْمِ لِأَنَّ الْحَدَّ شُرِعَ زَاجِرًا وَزَجْرُهُ بِالْجَلْدِ لَا يَتَأَتَّى مَعَ هَلَاكِهِ وَزَجْرُ غَيْرِهِ يَحْصُلُ بِالرَّجْمِ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ الْعُقُوبَاتِ فَإِذَا عَرِيَ عَنْ الْفَائِدَةِ فَلَا يُشْرَعُ وَلِهَذَا لَوْ تَكَرَّرَ مِنْ شَخْصٍ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ زَجْرُهُ وَزَجْرُ غَيْرِهِ يَحْصُلُ بِالْأَوَّلِ وَمَا رَوَوْهُ مَعْنَاهُ الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ أَوْ الرَّجْمُ لِأَنَّ الْوَاوَ تَجِيءُ بِمَعْنَى أَوْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1] أَيْ أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى أَوْ ثَلَاثَ أَوْ رُبَاعَ فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الرَّجْمُ إنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَوْ جَلْدُ مِائَةٍ إنْ لَمْ يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ وَهَذَا مَعْنًى مُسْتَقِيمٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ فَإِنَّ كُلَّ ثَيِّبٍ لَا يُرْجَمُ فَيَكُونُ تَنْبِيهًا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْحُكْمَيْنِ فِي الثَّيِّبِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَجْهَ نَسْخِهِ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الَّذِي جَمَعَ فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا جَلَدَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ ثُمَّ لَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ رَجَمَهُ فَإِنَّ جَابِرًا قَالَ إنَّ «رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَلَدَهُ الْحَدَّ ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِعْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ وَتَأْخِيرُهُ الرَّجْمَ إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَدِّ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَا يَجُوزُ وَعَرَّفَ أَحَدَ الْحَدَّيْنِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْآخَرَ بِالسُّنَّةِ فَلِهَذَا قَالَ جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا لِأَنَّ الْجَمْعَ مَشْرُوعٌ فِي وَاحِدٍ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالنَّفْيِ فِي الْبِكْرِ فَمَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَدًّا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ» «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْعَسِيفِ عَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مُسَاوِيًا لِلْآخَرِ فِي شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ وَقْتَ الْإِصَابَةِ فَهُوَ شَرْطٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ أَمَةً أَوْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ كِتَابِيَّةً وَدَخَلَ بِهَا لَا يَصِيرُ الزَّوْجُ مُحْصَنًا بِهَذَا الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ زَنَى بَعْدَهُ لَا يُرْجَمُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ الْمُسْلِمَةُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ صَبِيٍّ وَدَخَلَ بِهَا لَا تَصِيرُ مُحْصَنَةً فَلَا تُرْجَمُ لَوْ زَنَتْ وَلَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً فَأَسْلَمَتْ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَيْ يَطَأَهَا زَنَى لَا يُرْجَمُ وَكَذَا لَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ الَّتِي هِيَ زَوْجَةُ الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْمُسْلِمِ بَعْدَ مَا دَخَلَ لَا يُرْجَمُ لَوْ زَنَى مَا لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَكَذَا لَوْ بَلَغَتْ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةً مُسْلِمَةً وَهُمَا مُحْصَنَانِ فَارْتَدَّا مَعًا بَطَلَ إحْصَانُهُمَا فَإِذَا أَسْلَمَا لَا يَعُودُ إحْصَانُهُمَا حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ اهـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَكَوْنُهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ عِنْدَ الدُّخُولِ فَعَنْ هَذَا عَرَفْت أَنَّ إحْصَانَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ شَرْطٌ لِإِحْصَانِ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ إحْصَانِ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ حَيْثُ لَا يَكُونُ شَرْطًا لِإِحْصَانِ الْآخَرِ حَتَّى يُحَدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّ نَفْسِهِ جَلْدًا كَانَ أَوْ رَجْمًا اهـ (فَرْعٌ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَ الْإِحْصَانَ وَهُوَ الدُّخُولُ بِحُكْمِ النِّكَاحِ وَلَهُ امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْ فِي نِكَاحِهِ يُرْجَمُ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ بِثَبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُ حُكْمٌ بِالدُّخُولِ وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ اهـ وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ فَإِنْ أَقَرَّا بِالدُّخُولِ ثَبَتَ إحْصَانُهُمَا وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ لِأَنَّ حُكْمَ إقْرَارِهِ يَلْزَمُهُ وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَهُمَا يُنْكِرَانِ الدُّخُولَ فَهُمَا مُحْصَنَانِ لِأَنَّ الْوَلَدَ شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ يُثْبَتُ الْإِحْصَانُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَثْبُتُ كَمَا لَا يَثْبُتُ الزِّنَا وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ شَرْطٌ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ وَهُوَ الزِّنَا لَا إلَى الشَّرْطِ وَلَوْ رَجَعُوا لَا يَضْمَنُونَ وَقَالَا يَضْمَنُونَ نِصْفَ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْحُجَّةَ قَامَتْ بِهِمْ وَبِشُهُودِ الزِّنَا وَيَسْتَفْسِرُ الْقَاضِي شُهُودَ الْإِحْصَانِ مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ فَإِنْ ذَكَرَا الشَّرَائِطَ وَقَالَا دَخَلَ بِهَا كَفَى ذَلِكَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ قَالَ الدُّخُولُ قَدْ يَكُونُ لِلزِّنَا وَقَدْ يَكُونُ لِلْوَطْءِ فَلَا يُقْبَلُ لِلِاحْتِمَالِ وَلَهُمَا أَنَّ الدُّخُولَ بِهَا لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْوَطْءِ أَمَّا فِي غَيْرِهِ فَيُقَالُ دَخَلَ عَلَيْهَا وَفِي جَامِعِ الرَّازِيّ لَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ النِّكَاحِ لِبَقَاءِ الْإِحْصَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعِلْمِ وَالشَّرَفِ) هَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَذَهَبَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّهُ يُجْمَعُ. اهـ. فَتْحٌ

عَامٍ» وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ كَانُوا يَضْرِبُونَ وَيُغَرِّبُونَ وَلِأَنَّ الزِّنَا يَنْشَأُ مِنْ الْمُصَاحَبَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ فَيُفَرَّقُ وَيُغَرَّبُ حَسْمًا لِمَادَّتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّارِقَ لَمَّا كَانَ تَمَكُّنُهُ مِنْ السَّرِقَةِ بِالْمَشْيِ وَالْبَطْشِ صَارَ حَدُّهُ قَطْعَ آلَةِ الْمَشْيِ وَالْبَطْشِ حَسْمًا لِمَادَّتِهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] جَعَلَ الْجَلْدَ كُلَّ الْمُوجِبِ نَظَرًا إلَى الْجَوَابِ بِالْفَاءِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْجَزَاءِ وَالْجَزَاءُ مَا يَكُونُ كِفَايَةً لِأَنَّهُ مِنْ جَزَأَ بِالْهَمْزِ أَيْ كَفَى وَإِلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ كُلَّ الْمُوجِبِ إذْ الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ فَلَوْ وَجَبَ التَّغْرِيبُ لَكَانَ الْجَلْدُ بَعْضَ الْمُوجِبِ فَيَكُونُ نَسْخًا وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَلِأَنَّ فِي التَّغْرِيبِ تَعْرِيضًا لَهَا عَلَى الزِّنَا لِأَنَّهَا إذَا تَبَاعَدَتْ عَنْ الْعَشَائِرِ وَالْأَقَارِبِ ارْتَفَعَ الْحَيَاءُ وَإِذَا نَزَلَتْ فِي الرِّبَاطَاتِ أَوْ الْخَانَاتِ أَحْوَجَهَا انْقِطَاعُ مَوَادِّ الْمَعَاشِ إلَى اتِّخَاذِ الزِّنَا مَكْسَبَهُ لِارْتِفَاعِ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْمَعَارِفِ وَهُوَ أَقْبَحُ وُجُوهِ الزِّنَا لِأَنَّهُ يَقَعُ جَهْرًا لِكَوْنِهِ نَاشِئًا عَنْ وَقَاحَةٍ وَمَعَ الْعَشَائِرِ إنْ وَقَعَ يَقَعُ خُفْيَةً وَمَكْتُومًا لِكَوْنِهِ نَاشِئًا عَنْ اسْتِحْيَاءٍ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَفَى شَخْصًا فَارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَنْفِيَ بَعْدَهُ أَبَدًا وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّ نَفْيَهُمْ كَانَ بِطَرِيقِ السِّيَاسَةِ وَالتَّعْزِيرِ لَا بِطَرِيقِ الْحَدِّ لِأَنَّ مِثْلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَحْلِفُ أَنْ لَا يُقِيمَ الْحَدَّ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ إنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالزِّنَا أَلَا تَرَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَفَى الْمُخَنَّثَ» وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَفَى نَصْرَ بْنَ الْحَجَّاجِ وَكَانَ غُلَامًا صَبِيحًا يُفْتَتَنُ بِهِ النِّسَاءُ وَالْجَمَالُ لَا يُوجِبُ النَّفْيَ وَلَكِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا فَإِنَّ الْغُلَامَ قَالَ لَهُ مَا ذَنْبِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَا ذَنْبَ لَك وَإِنَّمَا الذَّنْبُ لِي حَيْثُ لَا أُطَهِّرُ دَارَ الْهِجْرَةِ مِنْك فَنَفَاهُ وَالْتَحَقَ بِالرُّومِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَنْفِيَ أَحَدًا بَعْدَ هَذَا وَلِأَنَّ نَفْيَ الْمَرْأَةِ لَا يُمْكِنُ شَرْعًا لِأَنَّ سَفَرَهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ حَرَامٌ وَلَا ذَنْبَ لِلْمَحْرَمِ حَتَّى يُنْفَى مَعَهَا وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَى الْمُهَاجِرَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا لَا تَقْصِدُ سَفَرًا وَإِنَّمَا تَطْلُبُ الْخَلَاصَ حَتَّى لَوْ وَصَلَتْ إلَى جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ مَنَعَةٌ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَتُسَافِرَ وَكَذَا فِي الْأَمَةِ حَقُّ الْمَوْلَى فِي الْخِدْمَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَوْلَاهَا وَكَذَا الْعَبْدُ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ كَشَطْرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» فَإِنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ عَلَى الْمُحْصَنِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَيَانُ نَسْخِهِ أَنَّ حَدَّ الزِّنَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ الْإِيذَاءَ بِاللِّسَانِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَآذُوهُمَا} [النساء: 16] ثُمَّ نُسِخَ بِالْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15] ثُمَّ نُسِخَ الْحَبْسُ فِي الْبُيُوتِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خُذُوا عَنِّي فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» فَكَانَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ النُّورِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خُذُوا عَنِّي وَلَوْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِهَا لَقَالَ خُذُوا عَنْ اللَّهِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] فَكَانَ الْجَلْدُ حَدَّ كُلِّ زَانٍ ثُمَّ نُسِخَ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ بِالرَّجْمِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُحْصَنِ مَعْمُولًا بِهِ فَاسْتَقَرَّ الْحُكْمُ عَلَى الْجَلْدِ فَقَطْ فِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ وَعَلَى الرَّجْمِ فَقَطْ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ غَرَّبَ بِمَا يَرَى صَحَّ) أَيْ لَوْ غَرَّبَ الْإِمَامُ الْجَانِيَ بِمَا يَرَى مِنْ التَّغْرِيبِ جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِالتَّغْرِيبِ الْحَبْسُ قَالَ الشَّاعِرُ وَمَنْ يَكُ أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْلُهُ ... فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبٌ أَيْ لَمَحْبُوسٌ وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَسْكَنُ لِلْفِتْنَةِ مِنْ نَفْيِهِ إلَى إقْلِيمٍ آخَرَ لِأَنَّهُ بِالنَّفْيِ يَعُودُ مُفْسِدًا كَمَا كَانَ وَلِهَذَا كَانَ الْحَبْسُ حَدًّا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ دُونَ النَّفْيِ وَحُمِلَ النَّفْيُ الْمَذْكُورُ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَرِيضُ يُرْجَمُ وَلَا يُجْلَدُ حَتَّى يَبْرَأَ) أَيْ إذَا زَنَى الْمَرِيضُ وَكَانَ مُحْصَنًا يُرْجَمُ لِأَنَّ الرَّجْمَ مُتْلِفٌ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ لَا يُجْلَدُ حَتَّى يَبْرَأَ كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى التَّلَفِ وَالْجَلْدُ شُرِعَ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا وَلِهَذَا لَا يُقَامُ الْحَدُّ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَلَا فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ وَإِنْ كَانَ الزَّانِي ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ بِحَيْثُ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ إذَا ضُرِبَ يُجْلَدُ جَلْدًا خَفِيفًا مِقْدَارَ مَا يَتَحَمَّلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا ضَعِيفًا زَنَى فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُسْلِمًا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اضْرِبُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَكُونُ كُلُّ الْمُوجِبِ) أَيْ لِأَنَّ الْحَكِيمَ مَهْمَا شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ حَادِثَةٍ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى بَيَانِ بَعْضِ الْحُكْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعُمَرُ نَفَى شَخْصًا) أَيْ وَهُوَ نَصْرُ بْنُ حَجَّاجٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَيَانُ نَسْخِهِ أَنَّ حَدَّ) لَفْظَةُ حَدٍّ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ اهـ

[باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه]

حَدَّهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ ضَعِيفٌ مِمَّا نَحْسَبُ وَلَوْ ضَرَبْنَاهُ مِائَةً قَتَلْنَاهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خُذُوا عُثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ ثُمَّ اضْرِبُوهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً قَالَ فَفَعَلُوا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «لَوْ حَمَلْنَاهُ إلَيْك لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ وَمَا هُوَ إلَّا جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحَامِلُ لَا تُحَدُّ حَتَّى تَلِدَ وَتَخْرُجَ مِنْ نِفَاسِهَا لَوْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ) أَيْ لَوْ كَانَتْ الزَّانِيَةُ حَامِلًا لَا تُحَدُّ حَتَّى تَلِدَ لِأَنَّهُ يُخَافُ الْهَلَاكُ عَلَى الْوَلَدِ وَلَهُ حُرْمَةُ الْآدَمِيِّ وَإِنْ كَانَ مِنْ الزِّنَا لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ مِنْهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ «امْرَأَةً مِنْ غَامِدٍ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ طَهِّرْنِي فَقَالَ وَيْحَك ارْجِعِي وَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ تَعَالَى وَتُوبِي إلَيْهِ فَقَالَتْ أَرَاك تُرِيدُ أَنْ تَرْدُدَنِي كَمَا رَدَدْت مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَتْ إنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَا قَالَ أَنْتِ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ لَهَا حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِك قَالَ فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ قَالَ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَ إذًا لَا تَرْجُمْهَا وَتَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مِنْ يَرْضِعُهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ إلَيَّ رَضَاعُهُ قَالَ فَرَجَمَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَتُحْبَسُ حَتَّى تَلِدَ إنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِالشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُقِرَّةً لَا تُحْبَسُ وَلَوْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ لَمْ تُجْلَدْ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ نِفَاسِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ إنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَنَتْ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا فَأَتَيْتُهَا فَإِذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ فَخَشِيتُ أَنْ أَجْلِدَهَا أَنْ أَقْتُلَهَا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحْسَنْت اُتْرُكْهَا حَتَّى تَمَاثَلَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّ النِّفَاسَ نَوْعُ مَرَضٍ فَيُنْتَظَرُ الْبُرْءُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ بِخِلَافِ الرَّجْمِ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَقَدْ انْفَصَلَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الرَّجْمَ يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ وَلَدُهَا عَنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ «جَاءَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ زَنَيْت فَطَهِّرْنِي وَأَنَّهُ رَدَّهَا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرْدُدُنِي لَعَلَّك تَرْدُدُنِي كَمَا رَدَدْت مَاعِزًا فَوَاَللَّهِ إنِّي لَحُبْلَى قَالَ: إمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْته قَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ وَفِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْته وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحَفَرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا فَتَنَفَّلَ خَالِدٌ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَنَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَّهُ إيَّاهَا فَقَالَ مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتَانِ مِنْ غَامِدٍ فَأَخَّرَ رَجْمَ إحْدَاهُمَا إلَى أَنْ يُفْطَمَ وَلَدُهَا دُونَ الْأُخْرَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مِنْ غَامِدٍ وَالْأُخْرَى مِنْ قَبِيلَةٍ أُخْرَى فَغَلِطَ الرَّاوِي فِي الرِّوَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ) الْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ الزِّنَا وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمُكَلَّفِ فِي قُبُلِ الْمُشْتَهَاةِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ عَنْ طَوْعٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا شُرِطَ ذَلِكَ لِوُجُوبِ الْحَدِّ لِأَنَّ الزِّنَا فِعْلُ حَرَامٍ وَالْحُرْمَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ تَثْبُتُ عِنْدَ التَّعَرِّي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا وَأَنَّ الْوَقْفَ أَصَحُّ وَعِنْدَنَا لَا يَضُرُّ ذَلِكَ إذَا صَحَّ الرَّفْعُ لَا سِيَّمَا فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْفَعُونَهُ تَارَةً وَيُفْتُونَ بِهِ أُخْرَى وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ لَهَا مَدْفَعًا» ثُمَّ الشُّبْهَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَشُبْهَةٌ فِي الْمَحِلِّ وَشُبْهَةٌ فِي الْعَقْدِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ فَالْأَوَّلُ يُسَمَّى شُبْهَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ عُثْكَالًا) الْعِثْكَالُ وَالْعُثْكُولُ عُنْقُودُ النَّخْلِ وَالشِّمْرَاخُ شُعْبَةٌ مِنْهُ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَامِلُ لَا تُحَدُّ حَتَّى تَلِدَ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا حُبْلَى أَرَاهَا الْقَاضِي النِّسَاءَ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ حُبْلَى حَبَسَهَا إلَى سَنَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجُمُهَا وَإِذَا شَهِدُوا عَلَيْهَا بِالزِّنَا فَادَّعَتْ أَنَّهَا عَذْرَاءُ أَوْ رَتْقَاءُ فَنَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَقُلْنَ هِيَ كَذَلِكَ دُرِئَ عَنْهَا الْحَدُّ وَلَا حَدَّ عَلَى الشُّهُودِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَيُقْبَلُ فِي الرَّتْقَاءِ وَالْعَذْرَاءِ وَالْأَشْيَاءِ الَّتِي يُعْمَلُ فِيهَا بِقَوْلِ النِّسَاءِ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ فِي الْفَتْوَى الْوَلْوَالِجِيُّ وَالْمُثْنَى أَحْوَطُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَقَالَ) لَفْظُ فَقَالَ مَشْطُوبٌ عَلَيْهِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ يُرَاجَعُ الْحَدِيثُ (قَوْلُهُ تَمَاثَلَ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. [بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ] (بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ) (قَوْلُهُ ثُمَّ الشُّبْهَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالشُّبْهَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ وَهُوَ أَنْ يُشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحَالُ بِأَنْ يَظُنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ تُسَمَّى شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ وَالنَّوْعُ الثَّانِي شُبْهَةٌ فِي الْمَحِلِّ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الشُّبْهَةُ نَاشِئَةً فِي الْمَحِلِّ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْمَحِلِّ شُبْهَةُ الْمِلْكِ أَعْنِي شُبْهَةَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ أَوْ مِلْكِ الْبِضْعِ وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ تُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَحِلَّ أُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ الْمِلْكِ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ ثَابِتًا حَقِيقَةً ثُمَّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الشُّبْهَتَيْنِ يَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَثْبُتُ فِيهِ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ إذَا قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَجَبَ الْحَدُّ لِارْتِفَاعِ الشُّبْهَةِ بِارْتِفَاعِ الِاشْتِبَاهِ وَفِي شُبْهَةِ الْمَحِلِّ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ بِقِيَامِ الْمَحِلِّ اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَأَصْحَابُنَا قَسَّمُوا الشُّبْهَةَ قِسْمَيْنِ شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ وَشُبْهَةَ مُشَابَهَةٍ أَيْ شُبْهَةً

اشْتِبَاهٍ وَهُوَ أَنْ يَظُنَّ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا فَيَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ مَنْ اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ فَقَطْ لِأَنَّ الْمَحِلَّ خَالٍ عَنْ الْمِلْكِ وَالْحَقِّ فَكَانَ زِنًا حَقِيقَةً غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ الْحَدُّ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَيْهِ وَهُوَ الظَّنُّ وَلِهَذَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ وَالنَّوْعَانِ الْآخَرَانِ الشُّبْهَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمِيَّةٌ فَيَثْبُتُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِ لِدَلِيلٍ قَائِمٍ بِهِ يَقْتَضِي الْحِلَّ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ إفَادَتِهِ لِمَانِعٍ عَلَى مَا يَجِيءُ تَفَاصِيلُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا حَدَّ بِشُبْهَةِ الْمَحِلِّ وَإِنْ ظُنَّ حُرْمَتُهُ كَوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَمُعْتَدَّةِ الْكِنَايَاتِ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ لِأَجْلِ شُبْهَةٍ وُجِدَتْ فِي الْمَحِلِّ وَإِنْ عَلِمَ حُرْمَتَهُ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا كَانَتْ فِي الْمَوْطُوءَةِ يَثْبُتُ فِيهَا الْمِلْكُ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ اسْمُ الزِّنَا فَامْتَنَعَ الْحَدُّ عَلَى التَّقَادِيرِ كُلِّهَا وَهَذَا لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُثْبِتَ لِلْحِلِّ قَائِمٌ وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ إثْبَاتِهِ حَقِيقَةً لِمَانِعٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَلِهَذَا سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ شُبْهَةً فِي الْمَحِلِّ لِأَنَّهَا نَشَأَتْ عَنْ دَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلْحِلِّ فِي الْمَحِلِّ بَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» يَقْتَضِي الْمِلْكَ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْمِلْكِ وَكَذَا أَمَةُ وَلَدِ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَدَّةُ الَّتِي طَلَّقَهَا بِالْكِنَايَاتِ فِيهَا اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فَمَذْهَبُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ قَوْلَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ أَخَوَاتٌ مِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِهِ وَيَدِهِ وَتَعُودُ إلَى مِلْكِهِ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَكَانَ مُسَلَّطًا عَلَى الْوَطْءِ بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ وَقَدْ بَقِيَتْ الْيَدُ فَتَبْقَى الشُّبْهَةُ وَكَذَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فِيهَا وَكَذَا إذَا كَانَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَمِنْهَا جَارِيَةُ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي كَسْبِ عَبْدِهِ فَكَانَ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَمْهُورَةُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فِي الْمَبِيعَةِ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْبَعْضِ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَتَكُونُ الشُّبْهَةُ فِيهَا أَظْهَرَ وَمِنْهَا الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ يَقَعُ بِهَا عِنْدَ الْهَلَاكِ وَقَدْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَقِّ مَنْ اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ دُونَ مَنْ لَمْ يُشْتَبَهْ عَلَيْهِ وَشُبْهَةً فِي الْمَحِلِّ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً وَشُبْهَةَ مِلْكٍ أَيْ الثَّابِتُ شُبْهَةٌ حَكَمَ الشَّرْعُ بِحِلِّ الْمَحِلِّ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ الشُّبْهَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ وَعِنْدَ الْبَاقِينَ لَا تَثْبُتُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ إذَا عَلِمَ بِتَحْرِيمِهِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ فَصَارَتْ الشُّبْهَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةً شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ وَشُبْهَةً فِي الْمَحِلِّ وَشُبْهَةً فِي الْعَقْدِ وَكَذَا قَسَّمَهَا فِي الْمُحِيطِ اهـ (قَوْلُهُ فَيَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ مَنْ اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ) أَيْ مَنْ اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ وَلَا دَلِيلَ فِي السَّمْعِ يُفِيدُ الْحِلَّ بَلْ ظَنَّ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا كَمَا يَظُنُّ أَنَّ جَارِيَةَ زَوْجَتِهِ تَحِلُّ لَهُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ وَاسْتِخْدَامُهَا حَلَالٌ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الظَّنِّ وَإِلَّا فَلَا شُبْهَةَ أَصْلًا لِفَرْضِ أَنْ لَا دَلِيلَ أَصْلًا لِتَثْبُتَ الشُّبْهَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ظَنُّهُ ثَابِتًا لَمْ تَكُنْ شُبْهَةٌ أَصْلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ ظَنَّ الْحِلَّ أَوْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ) أَيْ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ كَمَا يَأْتِي فِي حَدِّ الْقَذْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَوَلَدِ وَلَدِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ حَيًّا اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا أَمَةُ وَلَدِ الْوَلَدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا ادَّعَى الْأَبُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْقِيمَةِ وَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا مَلَكَهَا بِجَمِيعِ الْعُقْرِ سَقَطَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْجُزْءِ وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الرَّقِيقِ أَمَّا الْجَدُّ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِ وَلَدِهِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ إذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا كَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَدَّ يَكُونُ مَحْجُوبًا بِالْأَبِ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لِعَدَمِ تَأْوِيلِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي يَتَأَوَّلُ بِهَا الْمِلْكُ فِي ثَانِي الْحَالِ ثَابِتَةٌ فِي الْحَالِ أَعْنِي قَرَابَةَ الْوِلَادِ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فَدُرِئَ الْحَدُّ بِهَا وَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ سُقُوطُ الْحَدِّ فِيهِ لِشُبْهَةٍ فِي الْمَحِلِّ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ الْحُرْمَةَ أَوْ لَا يَعْلَمَ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ فِي الْحَالَيْنِ كَالْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْتَقِرَّ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِهَذَا إذَا هَلَكَتْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا وَقَعَ فِي نُسَخِ النِّهَايَةِ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْ خِزَانَةِ الْفِقْهِ لِأَبِي اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ نَافِلَتِهِ وَالْأَبُ فِي الْأَحْيَاءِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لَا يُحَدُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ يَجِبُ الْحُكْمُ بِغَلَطِهِ وَأَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ لَفْظَةُ لَا لِأَنَّ جَمِيعَ الشَّارِحِينَ لِهَذَا الْمَكَانِ مُصَرِّحُونَ بِعَدَمِ ثُبُوتِهِ وَنَفْسُ أَبِي اللَّيْثِ صَرَّحَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ بِالْأَبِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِ وَلَدِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا لَمْ تَثْبُتْ دَعْوَةُ الْجَدِّ إذَا كَذَّبَهُ وَكَذَّبَ الْوَلَدَ لِأَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِيلَادِ تَنْبَنِي عَلَى وِلَايَةِ نَقْلِ الْجَارِيَةِ وَلَيْسَ لِلْجَدِّ وِلَايَةُ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ الْأَبِ وَلَكِنْ إنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَدُ الْوَلَدِ عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْجَدِّ وَأَنَّهُ عَمُّهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ وَسَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَهِيَ الْبُنُوَّةُ فَيَجِبُ الْعُقْرُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ فِي حَيَاةِ الْأَبِ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْجَدِّ عِنْدَ ذَلِكَ وِلَايَةُ نَقْلِهَا إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الدَّعْوَةِ صَدَّقَهُ ابْنُ الِابْنِ أَوْ كَذَّبَهُ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ وَالْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ كَالْأَبِ فِي الْوِلَايَةِ فَلَهُ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى نَفْسِهِ بِدَعْوَةِ الِاسْتِيلَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِيهَا اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ) يَعْنِي هَلْ الْكِنَايَاتُ بَوَائِنُ أَوْ رَوَاجِعُ اهـ (قَوْلُهُ مِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ) أَيْ إذَا وَطِئَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إلَى الْمُشْتَرِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَمْهُورَةُ) أَيْ الْمَجْعُولَةُ مَهْرًا إذَا وَطِئَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إلَى الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لَمْ يَسْتَقِرَّ لِلزَّوْجَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ الْوَاطِئِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ غَيْرُ مُخْتَارَةٍ كَمَا سَيَجِيءُ قَرِيبًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ) أَيْ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا وَمَالِكًا بِالْهَلَاكِ مِنْ وَقْتِ

فَصَارَتْ كَالْمُشْتَرَاةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِشُبْهَةِ الْفِعْلِ إنْ ظَنَّ حِلَّهُ كَمُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ وَأَمَةِ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَسَيِّدِهِ) أَيْ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ فِي الْفِعْلِ إنْ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهَا حَلَالٌ لَهُ وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ مِنْ الشُّبْهَةِ شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالْحَقَّ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي هَؤُلَاءِ اللَّاتِي ذَكَرَهُنَّ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا مَقْطُوعٌ بِهَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا حَقٌّ غَيْرَ أَنَّهُ بَقِيَ فِيهَا بَعْضُ الْأَحْكَامِ كَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَحُرْمَةِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ لِذَلِكَ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً إنْ ظَنَّ حِلَّهُ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ فَيُعْذَرُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُوقِعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقًا وَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الْجُمْلَةِ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْقَطْعِيِّ وَكَذَا الْأَمْلَاكُ مُتَبَايِنَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبَوَيْهِ وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ فَلَا مِلْكَ لَهُ وَلَا حَقَّ فِي مَالِهِمْ وَكَذَا الْعَبْدُ فِي مَالِ مَوْلَاهُ غَيْرَ أَنَّ الْبُسُوطَةَ تَجْرِي بَيْنَهُمْ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْأَمْوَالِ وَالرِّضَا بِذَلِكَ عَادَةً وَهِيَ تُجَوِّزُ الِانْتِفَاعَ بِمَالِهِ شَرْعًا فَإِذَا ظَنَّ الْوَطْءَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حَلَالًا يُعْذَرُ لِأَنَّ وَطْءَ الْجَوَارِي مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِخْدَامِ فَيُشْتَبَهُ عَلَيْهِ الْحَالُ وَالِاشْتِبَاهُ فِي مَحِلِّهِ مَعْذُورٌ فِيهِ وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ أَيْضًا أَخَوَاتٌ مِنْهَا الْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَمِنْهَا أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا لِثُبُوتِ حُرْمَتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَتَثْبُتُ الشُّبْهَةُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لِبَقَاءِ أَثَرِ الْفِرَاشِ وَهِيَ الْعِدَّةُ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ عَيْنِهَا لَا يُتَصَوَّرُ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِنْ مَعْنَاهَا فَلَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ حَاصِلًا فِي مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ يَكُونُ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْوَطْءُ يُصَادِفُ الْعَيْنَ وَلَئِنْ أَفَادَ مِلْكَ الْعَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُفِيدَ مِلْكَ الْمُتْعَةِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لَهَا بَعْدَ الْهَلَاكِ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يُتَصَوَّرُ مِلْكُ الْمُتْعَةِ فِيهَا فَصَارَتْ كَالْجَارِيَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْخِدْمَةِ وَكَجَارِيَةِ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا يَثْبُتُ حَقِيقَةً فِي حَالِ قِيَامِهَا عِنْدَ نُفُوذِ الْبَيْعِ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مُطْلَقًا اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُشْتَبَهْ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْخِدْمَةِ وَكَجَارِيَةِ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ قُلْنَا الِاسْتِيفَاءُ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمَالِ فِي الْجُمْلَةِ وَمِلْكُ الْمَالِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَجَارِيَةِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تُفِيدُ الْمُتْعَةَ بِحَالٍ وَالْغَرِيمُ لَا يَمْلِكُ عَيْنَ التَّرِكَةِ وَإِنَّمَا يَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ مَلَكَ الْعَيْنَ أَوْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهَا لَمَا جَازَ بَيْعُهَا إلَّا بِإِذْنِهِ كَالرَّهْنِ ثُمَّ كَمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُمَا بِدَعْوَى الْفَحْلِ يَسْقُطُ عَنْهُمَا بِدَعْوَى الْجَارِيَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّهْنِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ دَخَلَ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ صُوَرٌ مِثْلُ وَطْءِ جَارِيَةِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ وَمُكَاتَبِهِ وَوَطْءِ الْبَائِعِ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَاَلَّتِي فِيهَا الْخِيَارُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ جَارِيَتُهُ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَجَارِيَتُهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالِاسْتِقْرَاءُ يُفِيدُك غَيْرَ ذَلِكَ أَيْضًا كَالزَّوْجَةِ الَّتِي حُرِّمَتْ بِرِدَّتِهَا أَوْ مُطَاوَعَتِهَا لِابْنِهِ أَوْ جِمَاعِهِ أُمَّهَا ثُمَّ جَامَعَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ لَمْ يُحَرِّمْ بِهِ فَاسْتُحْسِنَ أَنْ يُدْرَأَ بِذَلِكَ الْحَدُّ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى السِّتَّةِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ اهـ وَقَدْ عَدَّهَا الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سِتَّةً أَيْضًا تَبَعًا لِلشَّارِحِينَ فَقَالَ قَبْلَ مَا نَقَلْته عَنْهُ آنِفًا وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحِلِّ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ جَارِيَةُ ابْنِهِ وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا بِالْكِنَايَاتِ وَالْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ وَالْمَجْعُولَةُ مَهْرًا وَالْمُشْتَرَكَةُ وَالْمَرْهُونَةُ إذَا وَطِئَهَا الْمُرْتَهِنُ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ وَعَلِمْت أَنَّهَا لَيْسَتْ بِالْمُخْتَارَةِ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الشُّبْهَةُ وَهِيَ هُنَا قَائِمَةٌ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ أَيْ الْحُرْمَةُ الْقَائِمَةُ بِهَا فِيهَا شُبْهَةٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ نَظَرًا إلَى دَلِيلِ الْحِلِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَنَحْوِهِ فَلَا اعْتِبَارَ بِمَعْرِفَتِهِ بِالْحُرْمَةِ وَعَدَمِهَا اهـ مَعَ حَذْفِ (قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلِشُبْهَةِ الْفِعْلِ إنْ ظَنَّ حِلَّهُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَشُبْهَةُ الْفِعْلِ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ وَكَذَا جَارِيَةُ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَإِنْ عَلَيَا أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَائِنًا عَلَى مَالٍ وَكَذَا الْمُخْتَلِعَةُ بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ بِلَا مَالٍ فَإِنَّهَا مِنْ الْحُكْمِيَّةِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ الَّتِي أَعْتَقَهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهِ وَالْعَبْدُ يَطَأُ جَارِيَةَ مَوْلَاهُ وَالْمُرْتَهِنُ يَطَأُ الْمَرْهُونَةَ اهـ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْكَنْزِ مِنْ هَذِهِ الثَّمَانِيَةِ خَمْسَةً وَذَكَرَ الشَّارِحُ الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ فَيُعْذَرُ) بِخِلَافِ مَا لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي أَوْ جَارِيَةً أَجْنَبِيَّةً عَلَى مَا يَأْتِي لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الْجُمْلَةِ) أَيْ فَإِنَّ الزَّيْدِيَّةَ يَقُولُونَ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً وَالْإِمَامِيَّةُ يَقُولُونَ إنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَصْلًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ) قَالَ فِي أَمَالِي الْحَسَنِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ امْرَأَتِهِ وَقَالَ إنَّهَا لِي حَلَالٌ عَلَيْهِ الْعُقْرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ إنْ جَاءَتْ بِهِ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ لَمْ تُصَدِّقْهُ وَلَوْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لَا عُقْرَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ) قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا حَدَّ إذَا قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَلَوْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ وَجَبَ الْحَدُّ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الظَّنَّ وَالْآخَرُ لَمْ يَدَّعِ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا حَتَّى يُقِرَّا جَمِيعًا لِعِلْمِهِمَا الْحُرْمَةَ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا ثَبَتَتْ فِي الْفِعْلِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ تَعَدَّتْ إلَى الْآخَرِ ضَرُورَةً. اهـ. (قَوْلُهُ يَسْقُطُ عَنْهُمَا بِدَعْوَى الْجَارِيَةِ الْحِلَّ) أَيْ لَا يُحَدُّ الْوَاطِئُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الِاشْتِبَاهَ إذَا قَالَتْ الْجَارِيَةُ ظَنَنْت أَنَّ عَبْدَ مَوْلَايَ أَوْ مَوْلَاتِي أَوْ ابْنَ مَوْلَايَ أَوْ مَوْلَاتِي أَوْ زَوْجَ سَيِّدَتِي يَحِلُّ لِي لِأَنَّ دَعْوَى الِاشْتِبَاهِ يَسْقُطُ عَنْهَا الْحَدُّ فَإِذَا سَقَطَ عَنْهَا سَقَطَ عَنْهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

فَسُقُوطُهُ عَنْ التَّبَعِ لَا يُوجِبُ السُّقُوطَ عَنْ الْأَصْلِ كَالْبَالِغِ إذَا زَنَى بِصَبِيَّةٍ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الْجَارِيَةِ بِاعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ فَيَتَعَدَّى إلَيْهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الصَّبِيَّةِ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ تَعْدِيَتُهُ إلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي الْأُولَى فَقَطْ) أَيْ يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ ادَّعَاهُ فِي الشُّبْهَةِ الْأُولَى وَهِيَ الشُّبْهَةُ فِي الْمَحِلِّ وَلَا يَثْبُتُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَهُوَ الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ وَإِنْ ادَّعَاهُ لِأَنَّ النَّسَبَ يَعْتَمِدُ قِيَامَ الْمِلْكِ أَوْ الْحَقِّ فِي الْمَحِلِّ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْفِرَاشِ وَالْفِرَاشُ أَوْ شُبْهَتُهُ تُوجَدُ بِأَحَدِهِمَا وَفِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَلَمْ يَتَمَحَّضْ زِنًا وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الثَّانِي فَتَمَحَّضَ زِنًا وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَيْهِ وَهُوَ اشْتِبَاهُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَالْمَحَلُّ خَالٍ عَنْ الْمِلْكِ وَعَنْ الْحَقِّ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا لَمْ يَدَّعِ الِاشْتِبَاهَ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُدَّ بِوَطْءِ أَمَةِ أَخِيهِ وَعَمِّهِ وَإِنْ ظَنَّ حِلَّهُ وَامْرَأَةٍ وُجِدَتْ فِي فِرَاشِهِ) يَعْنِي وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ لِأَنَّهُ لَا بُسُوطَةَ فِي مَالِ هَؤُلَاءِ عَادَةً فَلَمْ يَسْتَنِدْ ظَنُّهُ إلَى دَلِيلٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَكَذَا فِي سَائِرِ الْمَحَارِمِ سِوَى الْوِلَادِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ مِنْهُمْ حَيْثُ لَا تُقْطَعُ بِهَا يَدُهُ لِأَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ يَجِبُ بِهَتْكِ الْحِرْزِ وَلَمْ يُوجَدْ الْحِرْزُ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ الْمَحَارِمَ بَعْضُهُمْ يَدْخُلُ عَلَى بَعْضٍ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا حِشْمَةَ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً فَيُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ وَأَمَّا هُنَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا وَقَدْ وُجِدَ وَيُدْرَأُ بِالْحِلِّ أَوْ بِشُبْهَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَيَتَبَيَّنْ لَك هَذَا الْمَعْنَى فِي الضَّيْفِ فَإِنَّهُ إذَا سَرَقَ مِنْ الْمُضِيفِ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَإِنْ زَنَى بِجَارِيَتِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ بَلْ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ يُحَدُّ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَامْرَأَةٍ وُجِدَتْ فِي فِرَاشِهِ أَيْ يُحَدُّ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وُجِدَتْ فِي فِرَاشِهِ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي لِأَنَّهُ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ لَا تُشْتَبَهُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَقَدْ يَنَامُ فِي فِرَاشِهَا غَيْرُهَا مِنْ الْمَحَارِمِ وَالْمَعَارِفِ وَالْجِيرَانِ فَلَمْ يَسْتَنِدْ الظَّنُّ إلَى دَلِيلٍ فَلَا يُعْتَبَرُ وَكَذَا إذَا كَانَ أَعْمَى لِأَنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ يَعْرِفُهَا بِالْجَسِّ وَالنَّفَسِ وَالرَّائِحَةِ وَالصَّوْتِ فَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ التَّفَحُّصِ عَنْهَا إلَّا إذَا دَعَاهَا فَأَجَابَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ فَقَالَتْ أَنَا امْرَأَتُك فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ ظَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ الْإِخْبَارُ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ أَنَا فُلَانَةُ بِاسْمِ امْرَأَتِهِ فَوَاقَعَهَا لَا يُحَدُّ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِمَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ فِي الْمَزْفُوفَةِ وَإِنْ أَجَابَتْهُ وَلَمْ تَقُلْ أَنَا امْرَأَتُك وَلَا أَنَا فُلَانَةُ يُحَدُّ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ السُّقُوطَ وَلَوْ أَكْرَهَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي ضَمَانِ الْمَسْرُوقِ مَعَ الْقَطْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q- رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ كَانَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ لِزَوْجَتِهِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا لَوْ جَاءَتْ بِهِ جَارِيَةُ الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ وَلَدُهُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ الْحِلُّ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْبَالِغِ إذَا زَنَى بِصَبِيَّةٍ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا لَا لِلشُّبْهَةِ بَلْ لِلْحَدِّ. اهـ. (قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ) أَيْ لِلْعُقُوبَاتِ لِكَوْنِهَا مَرْفُوعَةَ الْقَلَمِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي الْأُولَى فَقَطْ) سَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ فِيمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ وَقِيلَ هِيَ امْرَأَتُهُ وَقِيلَ هِيَ زَوْجَتُك فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَهَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مَعَ أَنَّهَا شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ ادَّعَاهُ فِي الشُّبْهَةِ الْأُولَى) أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ زِنًا لِشُبْهَةٍ فِي الْمَحِلِّ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ بِالدَّعْوَةِ لِأَنَّ النَّسَبَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ وُجِدَ أَحَدُهُمَا) أَيْ وَهُوَ الْحَقُّ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ) أَيْ لَمْ يَخْلُصْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَاطِئِ لَا إلَى الْمَحِلِّ فَكَانَ الْمَحِلُّ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ حِلٍّ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبٌ بِهَذَا الْوَطْءِ وَلِذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ عِدَّةٌ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ مِنْ الزِّنَا. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ هُنَا لَا فِي الْمِلْكِ وَلَا فِي الْفِعْلِ لِعَدَمِ الِانْبِسَاطِ فَلَا يُعْتَبَرُ الظَّنُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ لَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهُ هَذَا لَيْسَ زِنًا مُحَرَّمًا فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ شَرْطُ وُجُوبِ الْحَدِّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ وَإِنَّمَا يَنْفِيهِ مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ فَزَنَى وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ حَلَالٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيُحَدُّ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ دَخَلَ الدَّارَ لِأَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَالْمِلْكُ لَا يَخْتَلِفُ فِي هَذِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ أَصْلِيٌّ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حُرْمَةَ الزِّنَا لَا يُحَدُّ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْحَدِّ وَلَوْ أَرَادَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ شَرْطَ الْحَدِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِلْمُهُ بِالْحُرْمَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ كَانَ قَلِيلَ الْجَدْوَى أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُحَدَّ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي ثَبَتَ زِنَاهُ عِنْدَهُ عُرِفَ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا وُجُوبُهُ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّانِي أَنْ يَحُدَّ نَفْسَهُ وَلَا أَنْ يُقِرَّ بِالزِّنَا بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ التَّوْبَةُ وَالْإِنَابَةُ ثُمَّ إذَا اتَّصَلَ بِالْإِمَامِ ثُبُوتُهُ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْإِمَامِ اهـ (قَوْلُهُ سِوَى الْوِلَادِ) أَيْ كَالْخَالِ وَالْخَالَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِلِاشْتِبَاهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ قَالَ الْكَمَالُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَاسُوهَا عَلَى الْمَزْفُوفَةِ بِجَامِعِ ظَنِّ الْحِلِّ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْقِطَ شُبْهَةُ الْحِلِّ وَلَا شُبْهَةَ هُنَا أَصْلًا سِوَى أَنْ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ وَمُجَرَّدُ وُجُودِ امْرَأَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الْحِلِّ لِيَسْتَنِدَ الظَّنُّ إلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ قَدْ يَنَامُ عَلَى الْفِرَاشِ غَيْرُ الزَّوْجَةِ مِنْ حَبَائِبِهَا الزَّائِرَاتِ وَقَرَابَاتِهَا فَلَمْ يَسْتَنِدْ الظَّنُّ إلَى مَا يَصْلُحُ دَلِيلَ حِلٍّ فَكَانَ كَمَا لَوْ ظَنَّ الْمُسْتَأْجَرَةَ لِلْخِدْمَةِ وَالْمُودَعَةَ حَلَالًا فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ اهـ (قَوْلُهُ فُلَانَةَ يُحَدُّ) أَيْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَكُونُ الْحَالُ مُتَوَسِّطًا فِي اطْمِئْنَانِ النَّفْسِ إلَى أَنَّهَا هِيَ. اهـ. فَتْحٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِأَجْنَبِيَّةٍ زُفَّتْ وَقِيلَ هِيَ زَوْجَتُك) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ زُفَّتْ إلَيْهِ وَقِيلَ لَهُ هِيَ زَوْجَتُك فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدُ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ فَيُطْلَقُ لَهُ الْعَمَلُ إذْ الْمَرْءُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَغَيْرِهَا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ وَلَا دَلِيلَ يَقِفُ عَلَيْهِ سِوَى هَذَا وَلِهَذَا قُلْنَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الْإِخْبَارَ بِالْمِلْكِ كَالْمُتَحَقِّقِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغُرُورِ عَنْهُ فِي الْأَمَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ بَعْدَمَا وَطِئَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ وَطْءٌ حَرَامٌ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَيَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ لِأَنَّ هَذَا الْوَطْءَ حَلَالٌ لَهُ ظَاهِرًا وَالْحُكْمُ يُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ قُلْنَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا شُبْهَتُهُ فَكَانَ زِنًا حَقِيقَةً فَيَبْطُلُ بِهِ إحْصَانُهُ وَاسْتِنَادُهُ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِذَلِكَ عَلِقَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَقْ ادَّعَاهُ أَوْ لَمْ يَدَّعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَيْهِ مَهْرٌ) لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ الْحَدِّ أَوْ الْمَهْرِ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ فَتَعَيَّنَ الْمَهْرُ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ مِمَّا ذَكَرْنَا يَجِبُ الْمَهْرُ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي وَطْءِ جَارِيَةِ الِابْنِ وَعَلِقَتْ مِنْهُ وَادَّعَى نَسَبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي وَطْءِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ذَكَرَهَا فِي الزِّيَادَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ بِوَطْءِ جَارِيَةِ السَّيِّدِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَجِبُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى عَبْدِهِ وَلَوْ قِيلَ وَجَبَ ثُمَّ سَقَطَ فَمُسْتَقِيمٌ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِي تَزْوِيجِ الْمَوْلَى عَبْدَهُ بِجَارِيَتِهِ وَيَكُونُ الْمَهْرُ لِلْمَوْطُوءَةِ بِذَلِكَ قَضَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَأَنَّهُ جَعَلَهُ حَقَّ الشَّرْعِ لِمَا أَنَّ الْحَدَّ حَقٌّ لَهُ وَهَذَا كَالْعِوَضِ عَنْهُ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ الْوَطْءَ كَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَأَرْشُ الْجِنَايَاتِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ عِوَضًا عَنْ الْحَدِّ لَوَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْحَدَّ سَاقِطٌ عَنْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَحْرَمٍ نَكَحَهَا) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ مَحْرَمٍ تَزَوَّجَهَا وَهَذَا هُوَ الشُّبْهَةُ فِي الْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَكِنْ إنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا بِأَجْنَبِيَّةٍ) اُنْظُرْ مَا تَقَدَّمَ بِأَسْطُرٍ وَهُوَ قَوْلُهُ إلَّا إذَا ادَّعَاهَا إلَخْ فَإِنَّهُ مِنْ شُبْهَةِ الْفِعْلِ مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ كَمَا فِي الْمَزْفُوفَةِ وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ لَا يَثْبُتُ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ زُفَّتْ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ زُفَّتْ أَيْ بُعِثَتْ وَهُوَ مِنْ بَابِ فَعَلَ يَفْعُلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْمُضَارِعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ فَلِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ الِاشْتِبَاهِ بَيَانُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَغَيْرِهَا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ إلَّا بِالْإِخْبَارِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا إذَا جَاءَتْ الْجَارِيَةُ وَقَالَتْ بَعَثَنِي مَوْلَايَ إلَيْك هَدِيَّةً يَحِلُّ وَطْؤُهَا اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهَا فَلَمَّا كَانَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ اشْتِبَاهٍ تَحَقَّقَتْ الشُّبْهَةُ فَسَقَطَ الْحَدُّ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الشُّبْهَةُ الثَّابِتَةُ فِيهَا شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ الْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ نَسَبٌ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا شُبْهَةُ دَلِيلٍ فَإِنَّ قَوْلَ النِّسَاءِ هِيَ زَوْجَتُك دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ فَإِنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا حَلَّ وَطْءُ الْأَمَةِ إذَا جَاءَتْ إلَى رَجُلٍ وَقَالَتْ مَوْلَايَ أَرْسَلَنِي إلَيْك هَدِيَّةً فَإِذَا كَانَ دَلِيلًا غَيْرَ صَحِيحٍ فِي الْوَاقِعِ أَوْجَبَ الشُّبْهَةَ الَّتِي يَثْبُتُ مَعَهَا النَّسَبُ وَعَلَى الْمَزْفُوفَةِ الْعِدَّةُ اهـ قَوْلُهُ عِنْدَ طَائِفَةٍ أَيْ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ) أَيْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُ الَّذِي زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنَّ إحْصَانَهُ لَا يَسْقُطُ عِنْدَهُ بِهَذَا الْوَطْءِ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا عَلَى أَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ مُعْتَمِدًا دَلِيلًا وَلِذَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْمَهْرُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ وَطْئًا حَلَالًا ظَاهِرًا أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَقِيَ الظَّاهِرُ مُعْتَبَرًا فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ وَبِالشُّبْهَةِ سَقَطَ الْحَدُّ لَكِنْ سَقَطَ إحْصَانُهُ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ زِنًا وَهَذَا التَّوْجِيهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى كَوْنِهَا شُبْهَةَ مَحَلٍّ لِأَنَّ فِي شُبْهَةِ الْمَحِلِّ لَا يَكُونُ الْفِعْلُ زِنًا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ أَشْكَلَ عَلَيْهِ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَأَطْلَقُوا أَنَّ فِيهَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ شُبْهَةَ مَحَلٍّ اقْتَضَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلِمْتهَا حَرَامًا عَلَيَّ لِعِلْمِي بِكَذِبِ النِّسَاءِ لَمْ يُحَدَّ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَوْنُ الْإِخْبَارِ يُطْلِقُ الْجِمَاعَ شَرْعًا لَيْسَ هُوَ الدَّلِيلَ الْمُعْتَبَرَ فِي شُبْهَةِ الْمَحِلِّ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ هُوَ مَا مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ نَحْوَ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَالْمِلْكُ الْقَائِمُ لَلشَّرِيك لَا مَا يُطْلَقُ شَرْعًا مُجَرَّدُ الْفِعْلِ غَيْرَ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ أَعْنِي عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِلْإِجْمَاعِ فِيهِ وَبِهَذِهِ وَالْمُعْتَدَّةُ ظُهُورُ عَدَمِ انْضِبَاطِ مَا مَهَّدُوهُ مِنْ أَحْكَامِ الشُّبْهَتَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِمَحْرَمٍ نَكَحَهَا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا قَالَ الْكَمَالُ بِأَنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ بِنَسَبٍ كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ فَوَطِئَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَزُفَرَ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَكِنْ يَجِبُ الْمَهْرُ وَيُعَاقَبُ عُقُوبَةً هِيَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْزِيرِ سِيَاسَةً لَا حَدًّا مُقَدَّرًا شَرْعًا إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عُقُوبَةَ تَعْزِيرٍ وَقَالَا وَالشَّافِعِيُّ أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَكَذَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَجِبُ حَدُّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مُحَرَّمَةٍ بِرَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَفِي الْكَافِي لِحَافِظِ الدِّينِ مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّتُهُ وَمُطَلَّقَتُهُ الثَّلَاثَ بَعْدَ التَّزْوِيجِ كَالْمَحْرَمِ قَالَ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ مُخْتَلِفًا كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَبِلَا شُهُودٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ عِنْدَ الْكُلِّ وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ أَمَةً بِلَا إذْنِ سَيِّدِهَا أَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَنْتَفِي عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَرَادَ بِنِكَاحِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا نِكَاحَ الْمَحَارِمِ وَالْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثَ وَمُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ وَمَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ وَنِكَاحَ الْخَامِسَةِ وَأُخْتَ الْمَرْأَةِ فِي عِدَّتِهَا

عَالِمًا يُوجَعُ بِالضَّرْبِ تَعْزِيرًا لَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إنْ كَانَ عَالِمًا يُحَدُّ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ أَوْ ذَاتِ زَوْجٍ لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَإِضَافَةُ الْعَقْدِ إلَيْهِنَّ كَإِضَافَتِهِ إلَى الذُّكُورِ لِكَوْنِهِ صَادَفَ غَيْرَ الْمَحِلِّ فَيَلْغُو لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يَكُونُ مَحِلًّا لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْحِلُّ هُنَا وَهِيَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَيَكُونُ وَطْؤُهَا زِنًا حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهَا وَالْحَقِّ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] إلَى قَوْلِهِ {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [النساء: 22] وَالْفَاحِشَةُ هِيَ الزِّنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32] الْآيَةَ. وَمُجَرَّدُ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى غَيْرِ الْمَحِلِّ لَا عِبْرَةَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ الْوَارِدَ عَلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا حَتَّى لَا يُفِيدُ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا يُعْذَرُ بِالِاشْتِبَاهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ مَحَلٌّ لِهَذَا الْعَقْدِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ مَا يَكُونُ قَابِلًا لِمَقْصُودِهِ الْأَصْلِيِّ وَكُلُّ أُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ قَابِلٌ لِحُكْمِ النِّكَاحِ وَهُوَ التَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ وَإِذَا كَانَتْ قَابِلَةً لِمَقْصُودِهِ كَانَتْ قَابِلَةً لِحُكْمِهِ إذْ الْحُكْمُ يَثْبُتُ ذَرِيعَةً إلَى الْمَقْصُودِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ الْحِلِّ حَقِيقَةً لِمَكَانِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ فِيهِنَّ بِالنَّصِّ فَيُورِثُ شُبْهَةً إذْ الشُّبْهَةُ مَا يُشْبِهُ الْحَقِيقَةَ لَا الْحَقِيقَةُ بِنَفْسِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَنَا وَلَا هِيَ مَحَلٌّ لِلْعَقْدِ وَمَعَ هَذَا لَوْ اشْتَرَى بِهَا شَيْئًا اُعْتُبِرَتْ مَالًا فِي حَقِّ انْعِقَادِ الْعَقْدِ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُقَابِلُهَا لِكَوْنِهَا مَالًا عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ مَحَلٌّ لِلْعَقْدِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ أَوْلَى بِإِيرَاثِ الشُّبْهَةِ وَكَوْنُهَا مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ لَا يُنَافِي الشُّبْهَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالنِّكَاحُ فِي إفَادَةِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لَهُ بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَكَانَ أَوْلَى فِي إفَادَةِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ تُشْبِهُ الْحَقِيقَةَ فَمَا كَانَ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ الْحَقِيقَةِ كَانَ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ الشُّبْهَةِ وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِالْفَاحِشَةِ عَلَى أَنَّهُ زِنًا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْفَاحِشَةَ اسْمٌ لِلْمُحَرَّمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] وَقَالَ تَعَالَى {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} [النجم: 32] فَلَا يَكُونُ اسْمُ الْفَاحِشَةِ مُخْتَصًّا بِالزِّنَا وَلَوْ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ لِلْوَطْءِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ لَا عَلَى الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَيْسَ بِزِنًا اتِّفَاقًا وَلَا عَلَى الْوَطْءِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إذْ النِّكَاحُ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا مَرَّةً فَيَتَنَاوَلُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْبَدَلِ دُونَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ وَكَانَ مَشْرُوعًا فِي دِينِ مَنْ قَبْلَنَا وَالذِّمِّيُّ لَا يُقَرُّ عَلَى الزِّنَا وَلَمْ يُشْرَعْ الزِّنَا فِي دِينٍ مِنْ الْأَدْيَانِ قَطُّ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عِنْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا يُبَالِغُ فِي تَعْزِيرِهِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا فِيهِ فَسَادُ الْعَالَمِ وَمِنْ الشُّبْهَةِ فِي الْعَقْدِ وَطْءُ الْمُتَزَوِّجَةِ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى أَوْ وَطْءِ أَمَةٍ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُرَّةٍ أَوْ تَزَوَّجَ خَمْسًا فِي عُقْدَةٍ فَوَطِئَهُنَّ أَوْ وَطِئَ مَجُوسِيَّةً أَوْ مُشْرِكَةً تَزَوَّجَهَا أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَوَطِئَهُمَا أَوْ الْأَخِيرَةَ لَوْ كَانَ مُتَعَاقِبًا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُ كَيْفَمَا كَانَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ وَبِلِوَاطَةٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ قُبُلِهَا وَلَا بِاللِّوَاطَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ كَالزِّنَا فَيُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا فَيُرْجَمُ إنْ كَانَ مُحْصَنًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَجُوسِيَّةَ وَالْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ وَنِكَاحَ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ وَالنِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَفِي كُلِّ هَذَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ إذَا عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ قَالَ وَلَكِنَّهُمَا قَالَا فِيمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَقَدْ تَعَارَضَا حَيْثُ جَعَلَ فِي الْكَافِي الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةَ وَالْأَمَةَ بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ وَتَزَوُّجَ الْعَبْدِ بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ مَحَلُّ الِاتِّفَاقِ عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ وَجَعَلَهَا هَذَا الشَّارِحُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ فَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ وَأَضَافَ إلَى ذَلِكَ مَا سَمِعْت ثُمَّ لَا يَخْفَى مَا فِي عِبَارَتِهِ مِنْ عَدَمِ التَّحْرِيرِ ثُمَّ قَوْلُ حَافِظِ الدِّينِ فِي الْكَافِي فِي تَعْلِيلِ سُقُوطِ الْحَدِّ فِي تَزَوُّجِ الْمَجُوسِيَّةِ وَمَا مَعَهَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَنْتَفِي عِنْدَهُمَا يَعْنِي حَتَّى يَجِبَ الْحَدُّ إذَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا فِي تَزَوُّجِ مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَمَا مَعَهَا لِأَنَّهَا لَيْسَ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ فَإِنَّ حُرْمَتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِبَقَاءِ نِكَاحِهَا وَعِدَّتِهَا كَمَا أَنَّ حُرْمَةَ الْمَجُوسِيَّةِ مُغَيَّاةٌ بِتَمَجُّسِهَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَتْ حَلَّتْ كَمَا أَنَّ تِلْكَ لَوْ طَلُقَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ وَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا إلَّا فِي الْمَحَارِمِ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي وَاَلَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَى نَقْلِهِمْ مِثْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ كَذَلِكَ ذَكَرُوا فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمَا أَنَّهُ يُحَدُّ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَلَا يُحَدُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ خَامِسَةً أَوْ مُعْتَدَّةً وَعِبَارَةُ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ تُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَدَخَلَ بِهَا قَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ فَعَلَهُ عَلَى عِلْمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَيَوْجَعُ عُقُوبَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فَعُمِّمَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَحِلُّ لَهُ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ خَصَّصَ مُخَالَفَتَهُمَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ فَاللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الرِّوَايَاتِ اهـ (قَوْله وَاَلَّذِينَ) الْوَاوُ ثَابِتَةٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالتِّلَاوَةُ بِدُونِهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِأَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ قُبُلٍ) أَرَادَ بِهِ التَّفْخِيذَ وَالتَّبْطِينَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا يَعُمُّ الدُّبُرَ لِأَنَّ بَيَانَهُ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَبِلِوَاطَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِلِوَاطَةٍ) اعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَتَى الْمَرْأَةَ فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ أَيْ فِي الدُّبُرِ أَوْ عَمِلَ مَعَ الْغُلَامِ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ قُبُلِهَا) أَيْ بَلْ يُعَزَّرُ وَقَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مُحَرَّمٌ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ فَفِيهِ التَّعْزِيرُ وَمِثْلُهُ مَا إذَا أَتَتْ امْرَأَةٌ امْرَأَةً أُخْرَى فَإِنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ لِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ كَالزِّنَا) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُفِيدُ اعْتِرَافَهُمَا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الزِّنَا بَلْ حُكْمُهُ

وَإِلَّا يُجْلَدْ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا لِأَنَّ فِيهِ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ بِسَفْحِ الْمَاءِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ عَلَى وَجْهٍ تَمَحَّضَ حَرَامًا كَالزِّنَا فِي الْقُبُلِ بَلْ فَوْقَهُ لِأَنَّهُ فِي الزِّنَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ حُدُوثُ وَلَدٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ وَلَا يُتَوَهَّمُ فِي عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ فَكَانَ فَوْقَهُ فِي تَضْيِيعِ الْمَاءِ فَكَانَ أَدْعَى إلَى الزَّاجِرِ وَلَا خَفَاءَ فِي كَوْنِهِ مُشْتَهًى لِأَنَّ الْمَحِلَّ إنَّمَا يُشْتَهَى بِاللِّينِ وَالْحَرَارَةِ وَالدُّبُرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَالْقُبُلِ وَلِهَذَا يَرْغَبُ فِيهِ الْعُقَلَاءُ كَمَا يَرْغَبُونَ فِي الْقُبُلِ وَيَكْثُرُ وُقُوعُهُ كَالزِّنَا بَلْ أَكْثَرُ وَأَشَدُّ حُرْمَةً مِنْهُ لِأَنَّهُ فِي الزِّنَا يُمْكِنُ إزَالَةُ الْحُرْمَةِ بِالتَّزَوُّجِ وَالشِّرَاءِ وَلَا يُمْكِنُ فِي عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ فَكَانَ أَدْعَى إلَى الزَّاجِرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إنَّهُمَا يُقْتَلَانِ فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُونَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبِكْرِ يُوجَدُ عَلَى اللِّوَاطَةِ يُرْجَمُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي مُوجَبِهِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِحُكْمِ الزِّنَا فَمِنْ مَذْهَبِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُحْرَقَا بِالنَّارِ وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ يُعْلَى بِهِمَا أَعْلَى مَكَان مِنْ الْقَرْيَةِ ثُمَّ يُلْقَيَا مَنْكُوسَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [الحجر: 74] وَمَذْهَبُ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنْ يُحْبَسَا فِي أَنْتَنِ الْمَوَاضِعِ حَتَّى يَمُوتَا نَتِنًا وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ حُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنَا مِنْ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ يُهْدَمُ عَلَيْهِمَا جِدَارٌ كُلُّ ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ وَالْحُدُودُ لَا تَثْبُتُ بِهِ وَلَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَكَذَا عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُسَمَّى هَذَا زِنًا وَإِنَّمَا يُسَمُّونَهُ لِوَاطَةً قَالَ الشَّاعِرُ مِنْ كَفِّ ذَاتِ حِرٍّ فِي زِيِّ ذِي ذَكَرٍ ... لَهَا مُحِبَّانِ لُوطِيٌّ وَزَنَّاءُ وَإِفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالِاسْمِ يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِهِمَا وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالزِّنَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لِأَنَّ شَرْطَ الدَّلَالَةِ أَنْ يَكُونَ مِثْلًا لَهُ وَاللُّوَاطَةُ لَيْسَتْ بِمِثْلٍ لِلزِّنَا لِأَنَّ فِي اللِّوَاطَةِ قُصُورًا دُونَ الزِّنَا أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّاعِيَ فِي الزِّنَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَيُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهِ النَّسَبِ وَإِفْسَادِ الْفِرَاشِ وَإِهْلَاكِ الْبَشَرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُفْضِي إلَى وَلَدٍ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ وَتَثْقِيفِهِ فَيَكُونُ هَالِكًا وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِمَوْجُودٍ فِي اللِّوَاطَةِ وَهِيَ أَنْدَرُ وُقُوعًا لِكَوْنِ الدَّاعِي فِيهَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُشَابِهْهُ إلَّا فِي الْحُرْمَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْإِلْحَاقُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَوْلَ مِثْلُ الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ وَلَا يُلْحَقُ بِهَا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى شَارِبِهِ لِقُصُورٍ فِيهِ فَكَذَا هُنَا لِأَجْلِ قُصُورِهِ امْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ بِهِ وَسَفْحُ الْمَاءِ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَزْلُ فِي الْمَمْلُوكَةِ وَكَذَا فِي الْمَنْكُوحَةِ بِرِضَاهَا وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَظَهَرَتْ الْمُحَاجَّةُ فِي الصَّحَابَةِ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ رَأَى الْإِمَامُ فِي قَتْلِ مَنْ اعْتَادَهُ مَصْلَحَةً جَازَ لَهُ قَتْلُهُ أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ ثُمَّ إذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عِنْدَهُ يَوْجَعُ ضَرْبًا وَزَادَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ وَيُودَعُ فِي السِّجْنِ هَذَا إذَا فَعَلَ فِي الْأَجَانِبِ وَأَمَّا إذَا فَعَلَ فِي عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ مَنْكُوحَتِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ الْمَحْظُورَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَهِيمَةٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَفْحُ الْمَاءِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى فَيَسْتَدْعِي زَاجِرًا قُلْنَا إنَّ وَطْءَ الْبَهِيمَةِ لَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ فَلَا يَسْتَدْعِي زَاجِرًا لِوُجُودِ الِانْزِجَارِ بِدُونِ الْحَدِّ وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ نِهَايَةُ السَّفَهِ وَغَلَبَةُ الشَّبَقِ كَمَا يَكُونُ بِالْكَفِّ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَوْ كَانَ مُشْتَهًى لَوَجَبَ سَتْرُهُ كَمَا فِي الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزَّرُ وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ وَقَعَ فِي بَهِيمَةٍ فَعَزَّرَ الرَّجُلَ وَأَمَرَ بِالْبَهِيمَةِ فَأُحْرِقَتْ كَانَ لِقَطْعِ التَّحَدُّثِ بِهِ لِأَنَّهُ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهِ فَيَلْحَقُهُ الْعَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمُ الزِّنَا اهـ قَوْلُهُ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَقَالَا هُوَ كَالزِّنَا. اهـ. (قَوْلُهُ يُحَرَّقَانِ) بِإِثْبَاتِ النُّونِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُلْقَيَا مَنْكُوسَيْنِ) أَيْ مَعَ اتِّبَاعِ الْأَحْجَارِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ بَعْضِهِمْ يُهْدَمُ عَلَيْهِمَا جِدَارٌ) أَيْ وَلَوْ كَانَ زِنًا فِي اللِّسَانِ أَوْ فِي مَعْنَاهُ لَمْ يَخْتَلِفُوا بَلْ كَانُوا يَتَّفِقُونَ عَلَى إيجَابِ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهِ فَاخْتِلَافُهُمْ فِي مُوجِبِهِ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى لَفْظِ الزِّنَا وَلَا مَعْنَاهُ نَعَمْ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا حَيْثُ قَالَ قَائِلُهُمْ مِنْ كَفِّ ذَاتِ حِرٍّ فِي زِيِّ ذِي ذَكَرٍ ... لَهَا مُحِبَّانِ لُوطِيٌّ وَزَنَّاءُ غَلَطٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ بَلْ هُوَ مِنْ شِعْرِ أَبِي نُوَاسٍ مِنْ قَصِيدَتِهِ الَّتِي أَوَّلُهَا دَعْ عَنْك لَوْمِي فَإِنَّ اللَّوْمَ إغْرَاءُ ... وَدَاوِنِي بِاَلَّتِي كَانَتْ هِيَ الدَّاءُ وَهِيَ قَصِيدَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي دِيوَانِهِ وَهُوَ مُوَلَّدُ لَا تَثْبُتُ اللُّغَةُ بِكَلَامِهِ مَعَ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَطْهِيرُ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ عَنْ أَمْثَالِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَنْ اعْتَادَهُ) أَيْ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ جَازَ لَهُ قَتْلُهُ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ اعْتَادَ اللِّوَاطَةَ قَتَلَهُ الْإِمَامُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ سِيَاسَةً أَمَّا الْحَدُّ الْمُقَدَّرُ شَرْعًا فَلَيْسَ حُكْمًا لَهُ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ مَنْكُوحَتُهُ) أَيْ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ) نَعَمْ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّعْزِيرِ وَالْقَتْلِ لِمَنْ اعْتَادَهُ إنْ رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ لَكِنْ لِلشَّافِعِيِّ فِي عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ وَمَنْكُوحَتِهِ قَوْلَانِ وَهَلْ تَكُونُ اللِّوَاطَةُ فِي الْجَنَّةِ أَيْ هَلْ يَجُوزُ كَوْنُهَا فِي الْجَنَّةِ قِيلَ إنْ كَانَ حُرْمَتُهَا عَقْلًا وَسَمْعًا لَا تَكُونُ وَإِنْ سَمْعًا فَقَطْ جَازَ أَنْ تَكُونَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ فِيهَا لِأَنَّهُ تَعَالَى اسْتَبْعَدَهُ وَاسْتَقْبَحَهُ فَقَالَ {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80] وَسَمَّاهُ خَبِيثَةً فَقَالَ {كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} [الأنبياء: 74] وَالْجَنَّةُ مُنَزَّهَةٌ عَنْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ) أَيْ وَكَذَا إذَا زَنَى بِمَيْتَةٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ) أَيْ سَتْرُ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ اهـ

بِذَلِكَ لَا لِأَنَّ الْإِحْرَاقَ وَاجِبٌ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا تُذْبَحُ وَتُحْرَقُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا تُذْبَحُ وَتُؤْكَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا تُحْرَقُ هَذِهِ أَيْضًا هَذَا إنْ كَانَتْ الْبَهِيمَةُ لِلْفَاعِلِ وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ يُطَالَبُ صَاحِبُهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ بِقِيمَتِهَا ثُمَّ تُذْبَحُ هَكَذَا ذَكَرُوا وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا سَمَاعًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِزِنًا فِي دَارِ حَرْبٍ أَوْ بَغْيٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مُلْتَزِمٌ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ وَمِنْ حُكْمِهِ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» وَلِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ لِمَقْصُودِهِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ وَالِاسْتِيفَاءُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَجِبُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ هُنَالِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا لِإِمَامِنَا عَلَيْهِمْ وِلَايَةٌ حَتَّى يُقِيمَهُ هُنَالِكَ فَامْتَنَعَ الْوُجُوبُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ فَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا مِنْ الِابْتِدَاءِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا بِالْخُرُوجِ إلَيْنَا وَلَوْ غَزَا الْخَلِيفَةُ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ أَمِيرُ مِصْرٍ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي مُعَسْكَرِهِ لِأَنَّ الْعَسْكَرَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ فَيُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى مِنْهُمْ كَمَا يُقِيمُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ زَنَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ خَارِجَ الْمُعَسْكَرِ لَا يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ لِمَا ذَكَرْنَا فَصَارَ كَالْمُسْتَأْمِنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا زَنَى هُنَاكَ وَلَوْ دَخَلَتْ سُرِّيَّةٌ دَارَ الْحَرْبِ فَزَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ لَمْ يُحَدَّ وَكَذَا أَمِيرُ الْعَسْكَرِ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ وَالْقِصَاصَ لِأَنَّ أَمِيرَ الْعَسْكَرِ أَوْ السَّرِيَّةِ فُوِّضَ إلَيْهِمَا تَدْبِيرُ الْحَرْبِ لَا إقَامَةَ الْحُدُودِ ثُمَّ إذَا خَرَجَ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِمَا رَوَيْنَا وَذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُعَارِضُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] فَلَا يُقْبَلُ قُلْنَا خُصَّ مِنْهُ مَوَاضِعُ الشُّبْهَةِ مِنْ ذَلِكَ فَبَعْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَأَهْلُ الْبَغْيِ الْتَحَقُوا بِأَهْلِ الْحَرْبِ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْإِمَامِ عَلَيْهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِزِنَا حَرْبِيٍّ بِذِمِّيَّةٍ فِي حَقِّهِ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِزِنَا رَجُلٍ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمِنٍ بِذِمِّيَّةٍ فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمِنِ وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَتُحَدُّ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَا لَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ تُحَدُّ الْمُسْلِمَةُ دُونَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَدُّ الْمُسْتَأْمِنُ أَيْضًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ زَنَى ذِمِّيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ بِمُسْتَأْمِنَةٍ يُحَدُّ الذِّمِّيُّ وَالْمُسْلِمُ دُونَ الْمُسْتَأْمِنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُحَدُّ الْمُسْتَأْمِنَةُ أَيْضًا وَأَبُو يُوسُفَ كَانَ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَالْأَصْلُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحُدُودَ كُلَّهَا تُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ وَالْمُسْتَأْمَنَةِ فِي دَارِنَا إلَّا حَدَّ الشُّرْبِ كَمَا تُقَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالذِّمِّيَّةِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمِنَ يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ الزِّنَا لِكَوْنِهِ حَرَامًا فِي كُلِّ الْأَدْيَانِ وَقَدَرَ الْإِمَامُ عَلَى إقَامَتِهِ عَلَيْهِ وَقَدْ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ وَالسِّيَاسَاتِ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي دَارِنَا كَالذِّمِّيِّ الْتَزَمَهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ وَيُمْنَعُ مِنْ الزِّنَا وَشِرَاءِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالْمُصْحَفِ وَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِمَا إنْ اشْتَرَاهُمَا كَمَا يُجْبَرُ الذِّمِّيُّ بِخِلَافِ حَدِّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُقَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ وَالْمُسْتَأْمَنَةِ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تُبْنَى عَلَى الْوِلَايَةِ وَالْوِلَايَةُ تُبْنَى عَلَى الِالْتِزَامِ إذْ لَوْ أَلْزَمْنَاهُ حَكَمْنَا بِدُونِ الْتِزَامِهِ أَدَّى إلَى تَنْفِيرِهِ مِنْ دَارِنَا وَقَدْ نُدِبْنَا إلَى مُعَامَلَةٍ تَحْمِلُهُ عَلَى الدُّخُولِ فِي دَارِنَا لِيَرَى مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ فَيُسْلِمَ وَهُوَ بِالْأَمَانِ الْتَزَمَ حُقُوقَ الْعِبَادِ لِأَنَّ دُخُولَهُ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ وَهِيَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَالْتَزَمَ أَنْ يُنْصِفَهُمْ كَمَا يُنْصَفُ وَأَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا كَمَا لَا يُؤْذَى فَيَلْزَمُهُ بِالْتِزَامِهِ، وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ تُضْرَبْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ رُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَمَنْعُ الْكَافِرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا وَاجِبٌ عَلَيْنَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ عَلَى حَالِهِ وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِهِ وَلَا الذِّمِّيُّ بِهِ وَلَمْ يَظْهَرُ حُكْمُ الْأَمَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ بِالْأَمَانِ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَتَجْرِي عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْإِحْرَاقُ جَائِزٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا تُذْبَحُ وَتُؤْكَلُ وَلَا تُحْرَقُ بِالنَّارِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُحْرَقُ بِالنَّارِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِزِنًا فِي دَارِ حَرْبٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا فَأَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِهِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بَغْيٍ) أَيْ وَأَهْلُ الْبَغْيِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَخْرُجُونَ عَلَى الْإِمَامِ وَلَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ وَمَنَعَةٌ وَيُخَالِفُونَ بَعْضَ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّأْوِيلِ وَيَظْهَرُونَ عَلَى بَلْدَةٍ مِنْ الْبِلَادِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تُقَامُ الْحُدُودُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ لَكِنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» لَمْ يُعْلَمُ لَهُ وُجُودٌ وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَصَابَ بِهَا حَدًّا ثُمَّ هَرَبَ فَخَرَجَ إلَيْنَا فَإِنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَوْ دَخَلَتْ سَرِيَّةٌ) أَيْ وَهُمْ الَّذِينَ يَسْرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَخْتَفُونَ بِالنَّهَارِ وَمِنْهُ خَيْرُ «السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ هَذَا) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْنَا خُصَّ مِنْهُ) يَعْنِي الصِّبْيَانَ وَالْمَجَانِينَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ) أَيْ لِأَنَّهُ بَعْدَ لَحَاقِ الْخُصُوصِ لَمْ يَبْقَ حُجَّةً قَطْعًا وَيَقِينًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ وَالْمُسْتَأْمَنَةِ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ) أَيْ كَحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجِبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْحُدُودِ إلَّا حَدَّ الشُّرْبِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدَّ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ يَرَاهُ حَلَالًا وَحَدُّ الْقَذْفِ يَجِبُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَحَدُّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ يَجِبُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

أَحْكَامُهَا فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ فَمِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَكَذَا الْمَنْعُ مِنْ شِرَاءِ الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِهِ قَهْرَ الْمُسْلِمِ بِالْإِذْلَالِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْمُصْحَفِ وَنَحْنُ بِالْأَمَانِ لَمْ نَلْتَزِمْ الِاحْتِمَالَ وَالصَّبْرَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا نُمَكِّنُهُ مِنْهُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ فِعْلُ الرَّجُلِ أَصْلٌ وَفِعْلُ الْمَرْأَةِ تَبَعٌ وَالْفِعْلُ قَائِمٌ بِالْفَاعِلِ فَصَارَ مَحَلًّا لَهُ وَالْمُحَالُ كَالشُّرُوطِ فَامْتِنَاعُ الْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي حَقِّ التَّبَعِ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ فِعْلِ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ وَفِعْلُهُ هُنَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ إنْ كَانَ مُسْتَأْمِنًا فَكَذَا تَمْكِينُهَا مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُسْتَأْمِنَةَ فَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهَا وَهِيَ تَبَعٌ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ عَنْهُ وَهُوَ أَصْلٌ لِمَا ذَكَرْنَا، نَظِيرُهُ فِعْلُ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ مَعَ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فَإِنَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ إذَا زَنَى بِصَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا وَإِنْ زَنَتْ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ بِصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّ الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ عَلَيْهَا هُوَ التَّمْكِينُ مِنْ الْفِعْلِ الْفَاحِشِ وَهُوَ الزِّنَا وَقَدْ وُجِدَ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُسْتَأْمِنِ زِنًا لِأَنَّ الْكَافِرَ مُخَاطَبٌ بِالْحُرُمَاتِ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا عِنْدَنَا بِالْعِبَادَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِهَذَا يُحَدُّ الذِّمِّيُّ وَالْمُسْتَأْمِنُ وَيَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ وَإِحْصَانُ الْمُسْتَأْمِنِ حَتَّى لَوْ قَذَفَهُمَا قَاذِفٌ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِكَوْنِهِ صَادِقًا فِيهِمَا لِتَحَقُّقِ الزِّنَا مِنْهُمَا فِي حَالَةِ الْكُفْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ الْمُسْتَأْمِنُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ غَابَ الرَّجُلُ بَعْدَ ثُبُوتِ زِنَاهُمَا وَالْمَرْأَةُ حَاضِرَةٌ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُخَاطَبَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمَا زِنًا وَالتَّمْكِينُ مِنْهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ فِعْلُ الْمَرْأَةِ تَبَعٌ قُلْنَا تَبَعٌ فِي حَقِّ نَفْسِ الْفِعْلِ لَا فِي حُكْمِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مُحْصَنَةً وَالرَّجُلُ غَيْرَ مُحْصَنٍ يُجْلَدُ الرَّجُلُ وَتُرْجَمُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَصِيرُ تَبَعًا لَهُ فِيهِ وَلَا يَكُونُ شُبْهَةً فِي حَقِّهَا، وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ زَنَتْ مُطَاوِعَةٌ بِمُكْرَهٍ تُحَدُّ الْمَرْأَةُ دُونَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ زَنَى مُسْتَأْمِنٌ بِمُسْتَأْمِنَةٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِزِنَا صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ بِمُكَلَّفَةٍ بِخِلَافِ عَكْسِهِ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ مُكَلَّفَةٍ وَهِيَ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا زَنَى الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ حَيْثُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِالْوَطْءِ الْخَالِي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فَكَانَ زِنًا وَالزِّنَا مِنْهَا مُتَصَوَّرٌ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا زَانِيَةً بِقَوْلِهِ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَلِهَذَا مَنْ قَذَفَهَا بِهِ يُحَدُّ وَلَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ الزِّنَا مِنْهَا لَمَا حُدَّ قَاذِفُهَا كَقَاذِفِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِذَا كَانَ زِنًا فَامْتِنَاعُ وُجُوبِ الْحَدِّ لِمَعْنًى يَخُصُّهُ لَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّهَا كَمَا فِي الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا زَنَى الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِالصَّبِيَّةِ أَوْ الْمَجْنُونَةِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إجْمَاعًا فَكَذَا هَذَا وَلَنَا أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْأُنْثَى وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الذَّكَرِ وَلِهَذَا هُوَ يُسَمَّى زَانِيًا وَوَاطِئًا وَالْمَرْأَةُ مَوْطُوءَةً وَمَزْنِيًّا بِهَا إلَّا أَنَّهَا سُمِّيَتْ زَانِيَةً مَجَازًا تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِهِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ كَالرَّاضِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَفِعْلُهُ هُنَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ إذَا زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمِنَةٍ حَيْثُ يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُ عَلَى الْفَاعِلِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمَةِ أَوْ الذِّمِّيَّةِ إذَا زَنَتْ بِحَرْبِيٍّ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُ جَمِيعًا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَابِ الزِّنَا فِعْلُ الذَّكَرِ وَالْمَرْأَةُ تَابِعَةٌ لِكَوْنِهَا مَحِلًّا فَوَجَبَ مِنْ امْتِنَاعِ الْحَدِّ عَلَى الْأَصْلِ امْتِنَاعُهُ عَلَى التَّبَعِ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ امْتِنَاعِ الْحَدِّ عَلَى التَّبَعِ امْتِنَاعُهُ عَلَى الْأَصْلِ اهـ (قَوْلُهُ تُحَدُّ الْمَرْأَةُ دُونَهُ عِنْدَهُمَا) سَيَأْتِي قَرِيبًا نَقْلًا عَنْ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى الزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ اهـ فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ فَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا) قَالَ الْكَمَالُ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ زَنَى مُكْرَهٌ بِمُطَاوِعَةٍ تُحَدُّ الْمُطَاوِعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُحَدُّ اهـ فَلَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي يُوسُفَ قَوْلًا اهـ وَهَكَذَا الْأَتْقَانِيُّ لَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي يُوسُفَ قَوْلًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ زَنَى) أَيْ حَرْبِيٌّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِزِنَا صَبِيٍّ إلَى قَوْلِهِ عَكْسُهُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ مُكَلَّفَةٍ) أَيْ لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا إذَا زَنَى الْعَاقِلُ الْبَالِغُ بِصَبِيَّةٍ) أَيْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يُجَامَعُ مِثْلُهَا لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَوَطِئَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ كَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ لِأَنَّ الطِّبَاعَ السَّلِيمَةَ لَا تَرْغَبُ فِي مِثْلِهَا أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ وَلَوْ وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةً لَهَا خَمْسُ سِنِينَ وَأَفْضَاهَا وَلَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ لِصِغَرِهَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا يُفْطِرُهُ إذَا لَمْ يُنْزِلْ وَهُوَ كَالْإِيلَاجِ فِي الْبَهِيمَةِ وَنَقَلَ أَيْضًا صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا جَامَعَ ابْنَةَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ صَغِيرَةٌ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَأَفْضَاهَا وَأَفْسَدَهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا لِأَنَّ هَذِهِ مِمَّنْ لَا يُجَامَعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَكْرَهُ لَهُ الْأُمَّ وَالِابْنَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ التَّنَزُّهُ أَحَبُّ إلَيَّ لَكِنْ لَا أُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهَا اهـ (قَوْلُهُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ) أَيْ دُونَ الْمَرْأَةِ اهـ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالرَّاضِيَةِ) فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَيْكُمْ مَسَائِلُ وَهِيَ أَنَّ الْمُكْرَهَ إذَا زَنَى بِمُطَاوِعَةٍ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ وَكَذَا الْمُسْتَأْمِنُ إذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا مَكَّنَتْ نَفْسَهَا مِنْ النَّائِمِ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ امْتِنَاعَ الْحَدِّ عَلَى الذَّكَرِ لَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ قُلْت الْمَسَائِلُ مَمْنُوعَةٌ لِأَنَّ الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ نَصَّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى الزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا

لِلْعِيشَةِ وَالدَّافِقِ لِلْمَدْفُوقِ أَوْ لِكَوْنِهَا مُتَسَبِّبَةً بِالتَّمْكِينِ فَيَتَعَلَّقُ الْحَدُّ فِي حَقِّهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ الزِّنَا وَهُوَ فِعْلُ مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْكَفِّ عَنْهُ وَمُؤَثَّمٌ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ وَفِعْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَكُونُ فِعْلُهَا مُوجِبًا لِلْحَدِّ إذْ هُوَ لَيْسَ بِزِنًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى فِعْلُهَا زِنًا إذَا مَكَّنَتْ مِنْ الزِّنَا تَبَعًا وَفِعْلُهُمَا لَيْسَ بِزِنًا فَلَا يَكُونُ فِعْلُهَا أَيْضًا زِنًا وَهَذَا لِأَنَّهَا مَكَّنَتْ نَفْسَهَا مِنْ فَاعِلٍ لَا يَأْثَمُ وَلَا يُحْرَجُ فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهَا الْحَدَّ كَتَمْكِينِهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مِنْ النَّائِمِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِأَنَّ فِعْلَ الرَّجُلِ هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ زِنًا حَقِيقَةً وَعَدَمُهُ فِي التَّبَعِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَدَمِ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهَا وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهَا زِنًا حَقِيقَةً لِإِلْحَاقِ الْعَارِ بِهَا بِنِسْبَتِهَا إلَى التَّمْكِينِ مِنْ الزِّنَا وَهُوَ وَصْفٌ قَبِيحٌ فِي حَقِّهَا فَلِهَذَا يَجِبُ الْحَدُّ بِهِ عَلَيْهَا لَا لِأَنَّهَا زَنَتْ حَقِيقَةً وَعِبَارَاتُ أَصْحَابِنَا أَنَّ فِعْلَهَا مَعَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِزِنًا يُشِيرُ إلَى أَنَّ إحْصَانَهَا لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِهِ حَتَّى يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ ثُمَّ وَطْءُ الصَّبِيِّ يُوجِبُ الْمَهْرَ إذَا كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً غَيْرَ مُطَاوِعَةٍ أَوْ أَمَةً لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَخْلُو عَنْ الْحَدِّ أَوْ الْمَهْرِ وَقَدْ انْتَفَى الْحَدُّ فَتَعَيَّنَ الْمَهْرُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يُؤَاخَذُ بِفِعْلِهِ وَرِضَا الصَّغِيرَةِ وَالْأَمَةِ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا أَمْرُهُمَا لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ كَبِيرَةً مُطَاوِعَةً لَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ فَعَلَ بِأَمْرِهَا وَأَمْرُهَا صَحِيحٌ لِوِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَمَنْ أَمَرَ صَبِيًّا بِشَيْءٍ وَلَحِقَهُ بِذَلِكَ ضَمَانٌ يَرْجِعُ بِهِ الْوَلِيُّ عَلَى الْآمِرِ فَلَا يُفِيدُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالزِّنَا بِمُسْتَأْجَرَةٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ اسْتَأْجَرَهَا وَمَعْنَاهُ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْنِيَ بِهَا أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْخِدْمَةِ فَزَنَى بِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مِلْكٌ وَلَا شُبْهَتُهُ فَكَانَ زِنًا مَحْضًا فَيُحَدُّ وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لَيْسَ بِطَرِيقٍ لِاسْتِبَاحَةِ الْأَبْضَاعِ شَرْعًا فَكَانَ لَغْوًا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ أَوْ لِلْخَبْزِ ثُمَّ زَنَى بِهَا لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ لَا الْأَعْيَانُ وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهَذَا الْوَطْءِ النَّسَبُ وَالْعِدَّةُ وَلَوْ كَانَ سَبَبُهُ الِانْعِقَادَ لَثَبَتَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً طَلَبَتْ مِنْ رَجُلٍ مَالًا فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهَا حَتَّى تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَدَرَأَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَدَّ عَنْهُمَا وَقَالَ هَذَا مَهْرُهَا وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَهْرَ أُجْرَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24] فَصَارَ شُبْهَةً لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الْحَقِيقَةَ لَا الْحَقِيقَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْهَرْتُك كَذَا لِأَزْنِيَ بِك لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ فَكَذَا إذَا قَالَ اسْتَأْجَرْتُك أَوْ خُذِي هَذَا لِأَطَأَك أَوْ مَكِّنِينِي مِنْ نَفْسِك بِكَذَا وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ مَنْفَعَةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ شَرْعًا فَاعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَحِلًّا لِلْإِجَارَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ وَالْخَبْزِ لِأَنَّ الْعَقْدَ ثَمَّ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ وَالْعَقْدُ الْمُضَافُ إلَى مَحَلٍّ يُورِثُ الشُّبْهَةَ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ لَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِإِكْرَاهٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا بِإِكْرَاهٍ وَهَذَا إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا يَقُولُ يَجِبُ الْحَدُّ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ انْتِشَارِ الْآلَةِ وَذَلِكَ دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ وَالطَّوَاعِيَةِ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ حَيْثُ لَا تُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ وَلِأَنَّهَا مُرَخَّصٌ لَهَا هَذَا الْفِعْلُ إذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا لِكَوْنِ نَسَبِ الْوَلَدِ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهَا وَلِهَذَا يُوجِبُ الْقَاصِرُ مِنْ الْإِكْرَاهِ فِي حَقِّهَا شُبْهَةً وَلَا عُقُوبَةَ فِي الْمُرَخَّصِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَخَّصٍ لَهُ فَيُمْكِنُ تَرْتِيبُ الْعُقُوبَةِ عَلَى فِعْلِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلزَّجْرِ وَهُوَ مُنْزَجِرٌ وَإِنَّمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ لِيَدْفَعَ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُحَدُّ كَالْمَرْأَةِ وَانْتِشَارُ الْآلَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا كَمَا يَكُونُ طَوْعًا أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ قَدْ تَنْتَشِرُ آلَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ كَذَا قَالَ الْحَاكِمُ أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ وُجِدَ تَمْكِينُ الْمَرْأَةِ مِنْ الزِّنَا لِأَنَّ الْكَافِرَ مُخَاطَبٌ بِالْمُحَرَّمَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْفَاعِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ التَّمْكِينُ مِنْ الزِّنَا أَصْلًا لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لَا يُوصَفُ بِالزِّنَا لِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ لَكِنَّ الْحَدَّ لَمْ يَلْزَمْ الْكَافِرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حُقُوقَ الشَّرْعِ وَأَمَّا تَمْكِينُهَا نَفْسَهَا مِنْ النَّائِمِ فَمَمْنُوعٌ إذْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا بِهَذَا أَجَابَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَالَ الْأَصْلُ أَنَّ الْحَدَّ مَتَى سَقَطَ عَنْ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ لِشُبْهَةٍ سَقَطَ عَنْ الْآخَرِ لِلشَّرِكَةِ كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ وَمَتَى سَقَطَ عَنْ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ لِقُصُورِ الْفِعْلِ فَإِنْ كَانَ الْقُصُورُ مِنْ جِهَتِهَا سَقَطَ عَنْهَا وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الرَّجُلِ كَمَا إذَا كَانَتْ صَبِيَّةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ نَائِمَةً لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عَلَيْهَا وَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ الْقُصُورُ مِنْ جِهَتِهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا جَمِيعًا كَمَا لَوْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا إلَى هُنَا لَفْظُهُ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُمَكِّنَةَ مِنْ النَّائِمِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ لِأَنَّ الْقُصُورَ مِنْ جِهَةِ الرَّجُلِ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا وُجِدَ مِنْهَا فِعْلٌ خِلَافُ الرِّوَايَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِأَمْرِهَا) أَيْ لِأَنَّهَا لَمَّا طَاوَعَتْهُ صَارَتْ آمِرَةً لَهُ بِالزِّنَا مَعَهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَأَمْرُهَا صَحِيحٌ لِوِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا إيرَادُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّمَا انْتَفَى الْحَدُّ عَنْ الرَّجُلِ انْتَفَى عَنْ الْمَرْأَةِ وَهِيَ مَنْقُوضَةٌ بِزِنَا الْمُكْرَهِ بِالْمُطَاعَةِ وَالْمُسْتَأْمِنِ بِالذِّمِّيَّةِ وَالْمُسْلِمَةِ فَوُرُودُهُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ هَذِهِ قَاعِدَةً وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِيرَادِ ثُمَّ تَكَلَّفَ الدَّفْعَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) أَيْ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا) أَيْ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا) أَيْ لِقُوَّةِ الْفُحُولِيَّةِ وَقَدْ يَكُونُ لِرِيحٍ تَسْفُلُ إلَى الْحُجْرَةِ اهـ فَتْحٌ

وَاخْتِيَارٌ وَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُ السُّلْطَانِ حُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يُحَدُّ لِتَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ خَوْفُ التَّلَفِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ قَادِرٍ وَقَادِرٍ بَلْ فِي غَيْرِ السُّلْطَانِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى عَجَلَةٍ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ فَيَسْتَعْجِلُ قَبْلَ ظُهُورِ الْأَمْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِكْرَاهَ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَدُومُ إلَّا نَادِرًا لِأَنَّ الْمُبْتَلَى بِهِ يَسْتَغِيثُ بِالسُّلْطَانِ أَوْ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالسِّلَاحِ أَوْ بِالْحِيَلِ وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ فَكَانَ فِي زَمَنِهِ لِلسُّلْطَانِ قُوَّةٌ وَلَا يَسْتَجْرِئُ أَحَدٌ عَلَى الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْفَسَادِ وَفِي زَمَنِهِمَا ظَهَرَتْ قُوَّةُ الْمُفْسِدِينَ فَأَفْتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي زَمَنِهِ وَزَمَانُنَا كَزَمَانِهِمَا أَوْ أَفْسَدُ فَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا وَلِذَا أَطْلَقَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالسُّلْطَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِإِقْرَارٍ إنْ أَنْكَرَهُ الْآخَرُ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ إذَا أَنْكَرَهُ الْآخَرُ وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا إنْ ادَّعَى الْمُنْكِرُ مِنْهُمَا الشُّبْهَةَ بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتهَا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ أَنْكَرَ بِأَنْ قَالَ مَا زَنَيْت وَلَمْ يَدَّعِ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ وَجَبَ عَلَى الْمُقِرِّ الْحَدُّ دُونَ الْمُنْكِرِ وَجْهُ الْوِفَاقِيَّةِ أَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالنِّكَاحُ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَلَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّهُ قَدْ زَنَى بِامْرَأَةٍ سَمَّاهَا فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَرْأَةِ فَدَعَاهَا فَسَأَلَهَا عَمَّا قَالَ فَأَنْكَرَتْ فَحَدَّهُ وَتَرَكَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ إقْرَارَ الْمُقِرِّ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ وَتَكْذِيبُ غَيْرِهِ لَا يُوجِبُ تُهْمَةً فِي إقْرَارِهِ خُصُوصًا فِي الْحُدُودِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنَا وَفُلَانٌ قَتَلْنَا فُلَانًا عَمْدًا وَأَنْكَرَ شَرِيكُهُ فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُقْتَصُّ مِنْهُ فَكَذَا هَذَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا قَائِمٌ بِهِمَا فَانْتِفَاؤُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا يُورِثُ شُبْهَةً فِي الْآخَرِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ مِنْ وَاحِدٍ وَنَظِيرُهُ أَنْ يُقِرَّ بِالزِّنَا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى رَجُلٍ آخَرَ بِأَنْ يَقُولُ زَنَيْت بِهَا أَنَا وَفُلَانٌ وَلِأَنَّ الْمُنْكِرَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا بِإِنْكَارِهِ فَيُورِثُ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْآخَرِ كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ حَيْثُ يُحَدُّ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يُنْكِرَ الْغَائِبُ الزِّنَا أَوْ يَدَّعِيَ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ الزِّنَا أَوْ ادَّعَى النِّكَاحَ يَكُونُ شُبْهَةً وَاحْتِمَالُ ذَلِكَ يَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ يَجِبُ الْمَهْرُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْبِضْعِ شَرْعًا وَلَا يُقَالُ كَيْفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِإِقْرَارٍ) أَيْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَقَالَتْ هِيَ تَزَوَّجَنِي أَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَقَالَ الرَّجُلُ تَزَوَّجْتهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي ذَلِكَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَفِيمَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ وَادَّعَى الرَّجُلُ النِّكَاحَ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِالْإِقْرَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا الْإِقْرَارُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ كُلَّمَا أَقَرَّ يَرُدُّهُ الْقَاضِي إلَى أَنْ يَعُودَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا هَكَذَا أَوْ سَأَلَ الْقَاضِي عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ وَمَتَى هُوَ وَأَيْنَ هُوَ وَادَّعَى الْآخَرُ النِّكَاحَ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ الْعُقْرَ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَصَارَ احْتِمَالُ الصِّدْقِ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْ الْمُدَّعِي فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ سَقَطَ عَنْ الْآخَرِ أَيْضًا لِأَنَّ النِّكَاحَ إذَا وُجِدَ قَامَ بِالطَّرَفَيْنِ فَتَعَدَّتْ الشُّبْهَةُ إلَى جَانِبِ الْآخَرِ ثُمَّ لَمَّا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْعُقْرُ بِأَنَّهُ لِخَطَرِ الْمَحِلِّ لَكِنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ دَعْوَى النِّكَاحِ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ الْمُقِرُّ فَإِذَا كَانَتْ دَعْوَى النِّكَاحِ بَعْدَ الْحَدِّ فَلَا مَهْرَ لَهَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يُنْقَضُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَأَنْكَرَتْ وَادَّعَتْ عَلَى الرَّجُلِ حَدَّ الْقَذْفِ يُحَدُّ الرَّجُلُ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ وَوُجُوبَ الْمَهْرِ فِيمَا إذَا ادَّعَى غَيْرُ الْمُقِرِّ النِّكَاحَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ خِلَافٌ أَمَّا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا وَنَفَى الْآخَرُ الزِّنَا وَلَمْ يَدَّعِ النِّكَاحَ فَفِيهِ خِلَافٌ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَقَالَتْ كَذَبَ مَا زَنَى بِي وَلَا أَعْرِفُهُ لَمْ يُحَدَّ الرَّجُلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُحَدُّ وَإِنْ قَالَتْ زَنَى بِي مُسْتَكْرَهَةً حُدَّ الرَّجُلُ دُونَهَا وَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّ هَذَا زَنَى بِهَا وَكَذَّبَهَا الرَّجُلُ لَمْ تُحَدَّ الْمَرْأَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُحَدُّ وَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ صَدَقَتْ حُدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُحَدَّ الرَّجُلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّارِحِ اهـ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إلَخْ) وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْإِكْرَاهِ حَيْثُ قَالَ وَالسُّلْطَانُ وَغَيْرُهُ سِيَّانِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ عَلَى إيقَاعِ مَا تَوَعَّدَ بِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ كَمَا قَالَ) أَيْ لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ مُحْتَمِلَةٌ لِلصِّدْقِ وَبِتَقْدِيرِ صِدْقِ مُدَّعِي النِّكَاحِ مِنْهُمَا يَكُونُ النِّكَاحُ ثَابِتًا فَلَا يُحَدُّ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي صُورَتَيْ دَعْوَاهُ النِّكَاحَ وَدَعْوَاهُ الزِّنَا وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي صُورَةِ دَعْوَاهُ النِّكَاحَ مُعْتَرِفَةً بِأَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا لِدَعْوَاهَا الزِّنَا لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ الشَّرْعُ بِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهَا مَعَ ثُبُوتِ الْوَطْءِ بِاعْتِرَافِهِمَا بِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي جِهَتِهِ كَانَتْ مُكَذَّبَةً شَرْعًا وَالْوَطْءُ لَا يَخْلُو عَنْ عَقْدٍ أَوْ عُقْرٍ فَلَزِمَ لَهَا الْمَهْرُ وَإِنْ رَدَّتْهُ إلَّا أَنْ تُبَرِّئَهُ مِنْهُ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي إنْكَارِهِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِإِنْكَارِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ إلَخْ) وَحَدِيثُ سَهْلٍ ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَوْ تَأْوِيلُهُ أَنَّهَا أَنْكَرَتْ وَطَالَبَتْهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ فَحَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَذْفِهِ إيَّاهَا بِالزِّنَا لَا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا. اهـ. مَبْسُوطٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ إلَخْ) كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشُّبْهَةَ لَا فِي مَسْأَلَةِ إنْكَارِ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ يَجِبُ الْمَهْرُ) أَيْ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ بِدَعْوَى الزَّوْجِ النِّكَاحَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَبَطَلَ زَعْمُهَا لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي الْمُفَوِّضَةِ. اهـ. كِفَايَةٌ

يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ وَهِيَ تُنْكِرُهُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُقِرَّةَ بِالزِّنَا لِأَنَّا نَقُولُ وُجُوبُ الْمَهْرِ مِنْ ضَرُورَاتِ سُقُوطِ الْحَدِّ فَلَا يُعْتَبَرُ رَدُّهَا أَوْ نَقُولُ صَارَتْ مُكَذِّبَةً شَرْعًا بِسُقُوطِ الْحَدِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَكْذِيبِهَا كَمَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَنْكَرَتْ وَأَقَامَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةَ يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ وَإِنْ أَنْكَرَتْ لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا هُنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا لَزِمَهُ الْحَدُّ وَالْقِيمَةُ) مُرَادُهُ قَتَلَهَا بِفِعْلِ الزِّنَا لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيُوَفَّرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهَا الْحَدُّ بِالزِّنَا وَالْقِيمَةُ بِالْقَتْلِ كَمَا إذَا زَنَى بِهَا ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهَا وَلَا يُقَالُ لَمَّا مَاتَتْ بِفِعْلِ الزِّنَا صَارَ الزِّنَا قَتْلًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ إلَّا الْقَتْلُ وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الزِّنَا كَقَطْعِ الْيَدِ إذَا سَرَى وَمَاتَ صَارَ قَتْلًا وَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْقَطْعِ حَتَّى لَا يَجِبُ إلَّا ضَمَانُ النَّفْسِ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ الْقِصَاصِ لِأَنَّا نَقُولُ ضَمَانُ الْيَدِ بَدَلُ الْيَدِ وَضَمَانُ النَّفْسِ بَدَلُ النَّفْسِ وَالْيَدُ تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ تَهْلِكُ بِهَلَاكِ النَّفْسِ تَبَعًا وَيَدْخُلُ ضَمَانُهَا فِي ضَمَانِ النَّفْسِ بِخِلَافِ الْحَدِّ وَضَمَانِ النَّفْسِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَجَبَا بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ: أَحَدُهُمَا بِالزِّنَا وَالْآخَرُ بِإِتْلَافِ النَّفْسِ فَصَارَ كَمَنْ شَرِبَ خَمْرًا لِذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْخَمْرِ لِلذِّمِّيِّ لِمَا قُلْنَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ إيَّاهَا بِفِعْلِ الزِّنَا سَبَبٌ لِمِلْكِهِ إيَّاهَا لِأَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ وُجُودِ سَبَبِ الضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَزَنَى بِهَا ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ بِهِ فَكَذَا هُنَا وَلِأَنَّ اعْتِرَاضَ الْمِلْكِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ يَسْقُطُ كَمَا إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ الْقَطْعِ وَلَهُمَا أَنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ فَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَمَانِ مَالٍ وَإِنَّمَا هُوَ ضَمَانُ الدَّمِ وَهُوَ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ وَهِيَ لَا تَقْبَلُ الْمِلْكَ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُقَسَّطًا عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ كَانَ ضَمَانَ مِلْكٍ لَمَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا الْكَفَّارَةُ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْمَالِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ وَحْدَهُ دُونَ عَاقِلَتِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اعْتِرَاضَ الْمِلْكِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ يُوجِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ وَإِنَّمَا سَقَطَ فِي السَّرِقَةِ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ وَهِيَ شَرْطٌ فِيهِ لَا فِي حَدِّ الزِّنَا وَلَوْ اسْتَنَدَ الْمِلْكُ كَمَا قَالَ كَأَنْ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ وَهُوَ الْعَيْنُ لَا فِي حَقِّ الْمُتَلَاشِي وَهُوَ الْمُسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبِضْعِ فَلَا يَظْهَرُ الِاسْتِنَادُ فِي حَقِّهِ حَتَّى يُجْعَلَ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى مِلْكَهُ بَلْ الْمُسْتَوْفَى حَرَامٌ مَحْضٌ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِمِلْكِ الْعَيْنِ بَعْدَهُ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ يَكُونُ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْجِنَايَةِ بِالْمَوْتِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَحِلٍّ لِلْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَذْهَبَ عَيْنَهَا بِالزِّنَا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ وَهِيَ عَيْنٌ فَأَوْرَثَتْ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ إذْ الْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فَأَمْكَنَ إبْقَاءُ الْمَنَافِعِ تَبَعًا لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَتْ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا بَعْدَمَا زَنَى بِهَا أَوْ زَنَى بِهَا ثُمَّ غَصَبَهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ جَنَتْ الْأَمَةُ فَزَنَى بِهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَنْ قَتَلَتْ نَفْسًا عَمْدًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يَمْلِكُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَأَوْرَثَتْ شُبْهَةً وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ فَإِنْ فَدَاهَا الْمَوْلَى يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الزَّانِيَ لَمْ يَمْلِكْ الْجُثَّةَ وَإِنْ دَفَعَهَا بِالْجِنَايَةِ فَعَلَى الْخِلَافِ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ فَقَتَلَهَا بِهِ يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ الدِّيَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تُمْلَكُ بِالضَّمَانِ وَلَوْ زَنَى بِكَبِيرَةٍ فَأَفْضَاهَا فَإِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْإِفْضَاءِ لِرِضَاهَا بِهِ وَلَا مَهْرَ لَهَا لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَإِنْ كَانَ مَعَ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا شَيْءَ فِي الْإِفْضَاءِ وَيَجِبُ الْعُقْرُ وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً مِنْ غَيْرِ دَعْوَى شُبْهَةٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا وَلَا مَهْرَ لَهَا ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الْإِفْضَاءِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بَوْلُهَا فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْمَرْأَةِ كَامِلَةً لِأَنَّهُ فَوَّتَ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ بَوْلُهَا حُدَّ وَضَمِنَ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِمَا أَنَّ جِنَايَتَهُ جَائِفَةٌ وَإِنْ كَانَ مَعَ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُقِرَّةَ بِالزِّنَا) أَيْ لِأَنَّهَا تَنْفِي وُجُوبَ الْمَهْرِ بِزَعْمِهَا أَنَّهَا زَانِيَةٌ وَلَا عُقْرَ لَهَا. اهـ. كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا) إنَّمَا قَيَّدَ بِالْأَمَةِ لِتَكُونَ صُورَةُ الْخِلَافِ فَإِنَّهُ لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ فَقَتَلَهَا يُحَدُّ اتِّفَاقًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ) أَيْ وَهُمَا الزِّنَا وَالْقَتْلُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ عَنْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ عَنْهُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا خِلَافُهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَادَتُهُ إذَا كَانَ خِلَافُهُ ثَابِتًا ذَكَرَهُ وَكَذَا الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكَافِي خِلَافًا وَإِنَّمَا نَقَلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ خِلَافَهُ فَقَالَ ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَحِينَ نَقَلَ قَوْلَهُ خَاصَّةً ذَكَرَهُ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا قَوْلَ لِمُحَمَّدٍ وَقِيلَ الْأَشْبَهُ كَوْنُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا قَوْلَ لَهُ بِأَنْ تَوَقَّفَ لَذَكَرَهُ وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً لِأَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ فِي عِدَادِ تَلَامِذَتِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا قَالَهُ قَوْلًا يَنْقُلُهُ هُوَ وَعَلَى كَوْنِ الْخِلَافِ هَكَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ وَلَهُمَا أَنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ اهـ فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ زَنَى وَجَنَى فَيُؤَاخَذُ بِمُوجِبِ كُلٍّ مِنْ الْفِعْلَيْنِ وَلَا مُنَافَاةَ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِّ وَالضَّمَانِ وَكَوْنُ الضَّمَانِ يَمْنَعُ الْحَدَّ لِاسْتِلْزَامِهِ الْمِلْكَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ دَمٍ وَجَبَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا يَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَهُوَ لَا يُوجِبُ مِلْكًا لِأَنَّ مَحَلَّ الْمِلْكِ وَالدَّمِ لَيْسَ بِمَالٍ (قَوْلُهُ يَسْقُطُ) أَيْ يَسْقُطُ الْحَدُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَهَا إلَخْ) وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ غَصَبَهَا ثُمَّ زَنَى بِهَا ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَمَّا لَوْ زَنَى بِهَا ثُمَّ غَصَبَهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ فَقَتَلَهَا بِهِ يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ الدِّيَةِ بِالْإِجْمَاعِ) سَيَأْتِي قُبَيْلَ كِتَابِ السَّرِقَةِ أَنَّهُ إذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ أَفْضَاهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَانْظُرْهُ

[باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها]

يَسْتَمْسِكُ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَيَجِبُ الْمَهْرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِمَا نَذْكُرُ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَهِيَ كَالْكَبِيرَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي حَقِّ سُقُوطِ الْأَرْشِ بِرِضَاهَا وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُجَامَع مِثْلُهَا فَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ بَوْلُهَا لَزِمَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَالْمَهْرُ كَامِلًا وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِتَمَكُّنِ الْقُصُورِ فِي مَعْنَى الزِّنَا وَهُوَ الْإِيلَاجُ فِي قُبُلِ مُشْتَهَاةٍ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَالْوَطْءُ الْحَرَامُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُوجِبُ الْمَهْرَ إذَا انْتَفَى الْحَدُّ فَيَجِبُ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِكَوْنِهِ جَائِفَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَمْسِكُ ضَمِنَ الدِّيَةَ وَلَا يَضْمَنُ الْمَهْرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُف رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ الْمَهْرَ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَهُمَا أَنَّ الدِّيَةَ ضَمَانُ كُلِّ الْعُضْوِ وَالْمَهْرَ ضَمَانُ جُزْءٍ مِنْهُ وَضَمَانُ الْجُزْءِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْكُلِّ إذَا كَانَا فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ كَمَا إذَا قُطِعَ إصْبَعُ إنْسَانٍ ثُمَّ قُطِعَ كَفُّهُ قَبْلَ الْبُرْءِ يَدْخُلُ أَرْشُ الْإِصْبَعِ فِي أَرْشِ الْكَفِّ وَيَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِهَذَا الْوَطْءِ لِوُجُودِ صُورَةِ الزِّنَا وَهُوَ الْوَطْءُ الْحَرَامُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ كَسَرَ فَخِذَ امْرَأَةٍ فِي الزِّنَا أَوْ جَرَحَهَا ضَمِنَ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ وَحُدَّ لِأَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ يَعْنِي بِهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَلِيفَةُ يُؤْخَذُ بِالْقِصَاصِ وَبِالْأَمْوَالِ لَا بِالْحَدِّ) يَعْنِي مِثْلَ حَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْمُكَلَّفُ بِإِقَامَتِهَا لِأَنَّهَا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمُفَوَّضَةِ إلَى الْإِمَامِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إقَامَتِهَا عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ إقَامَتَهَا بِطَرِيقِ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ لِيَنْزَجِرَ وَلَا يَفْعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ بِنَفْسِهِ وَلَا يَنْزَجِرُ بِمُعَاقَبَةِ نَفْسِهِ إذْ لَا يَخَافُ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يُبَالِي بِهَا فَلَا يُفِيدُ وَفِعْلُ نَائِبِهِ كَفِعْلِهِ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ فَإِذَا لَمْ يُفِدْ لَا يُشْرَعُ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ إنَّمَا تُشْرَعُ لِأَحْكَامِهَا فَإِذَا لَمْ تُفِدْ أَحْكَامَهَا لَا تَكُونُ مَشْرُوعَةً وَلِهَذَا لَمْ تُشْرَعْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ كَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالْقِصَاصِ وَالْأَمْوَالِ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَضَاءُ بَلْ لَوْ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ جَازَ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى الْإِمَامِ لِيُمَكِّنَهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ بِالْمَنَعَةِ وَالْإِمَامُ فِيهِ كَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فَكَذَا هُنَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْإِمَامِ إمَّا بِتَمَكُّنِهِ هُوَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (شَهِدُوا بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يُحَدَّ) مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْفَوْرِ بُعْدُهُمْ عَنْ الْإِمَامِ وَحَدُّ التَّقَادُمِ شَهْرٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُقَدِّرْهُ بِشَيْءٍ وَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي عَلَى مَا هُوَ دَأْبُهُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَأَشَارَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِسَرِقَةٍ أَوْ بِشُرْبِ خَمْرٍ أَوْ بِزِنًا بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ وَكَذَا أَشَارَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الشَّهْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْخَلِيفَةُ يُؤْخَذُ بِالْقِصَاصِ وَبِالْأَمْوَالِ إلَخْ) فَإِنَّهُ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ يُؤَاخَذُ بِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكُلُّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا الْقِصَاصَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ وَبِالْأَمْوَالِ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْإِمَامِ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ إذَا صَنَعَ شَيْئًا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ فَلَا حَدَّ وَأَمَّا الْقِصَاصُ وَالْمَالُ فَيُؤَاخَذُ بِهِ وَفَسَّرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْإِمَامَ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ بِالْخَلِيفَةِ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قَذَفَ إنْسَانًا أَوْ زَنَى أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ هَذِهِ الْحُدُودَ يُفَوَّضُ إقَامَتُهَا وَاسْتِيفَاؤُهَا إلَى الْإِمَامِ لِكَوْنِهَا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَدُّ الْقَذْفِ الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا فَكَانَ كَبَقِيَّةِ الْحُدُودِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ) وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ لِتَمْكِينِ الْوَلِيِّ مِنْ اسْتِيفَائِهِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ اهـ كَمَالٌ [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا] (بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَدْ ذُكِرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ ثُبُوتَ الزِّنَا بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ وَبِهِمَا جَمِيعًا ثُمَّ احْتَاجَ هُنَا أَنْ يَذْكُرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا كَانَ سَبَبًا لِرَدِّ الشَّهَادَةِ مِثْلَ التَّقَادُمِ وَالرُّجُوعِ وَكَوْنِ الشُّهُودِ عُمْيَانًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِثْلَ ظُهُورِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا بِكْرًا أَوْ مِثْلَ كَوْنِ عَدَدِ الشُّهُودِ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُذْكَرُ فِي الْبَابِ فَأُخِّرَ الْبَابُ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَوَارِضُ وَالْأَصْلُ عَدَمِ الْعَارِضِ اهـ (قَوْلُهُ مُتَقَادِمٍ) قَالَ الْكَمَالُ إسْنَادُهُ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى ضَمِيرِ السَّبَبِ أَيْ مُتَقَادِمٍ سَبَبُهُ وَهُوَ الزِّنَا مَثَلًا وَهُوَ الْمَشْهُودُ بِهِ وَقَوْلُهُ شَهِدُوا بِحَدٍّ تَسَاهُلٌ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَشْهَدُونَ بِسَبَبِ الْحَدِّ وَالتَّقَادُمُ صِفَةٌ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ. اهـ. فَتْحٌ وَالتَّقَادُمُ مِنْ الْقِدَمِ بِمَعْنَى الْقَدِيمِ وَهُوَ خِلَافُ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ شَهِدُوا بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ أَيْ بِحَدٍّ قَدِيمٍ سَبَبُهُ لَا حَدِيثٍ وَالْقَدِيمُ يَكُونُ بِمَعْنَى الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِزِنًا بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ) وَقَدْ جَعَلُوهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُقَدِّرْهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ جَهَدْنَا بِأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُقَدِّرَهُ لَنَا فَلَمْ يَفْعَلْ وَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي فِي كُلِّ عَصْرٍ فَمَا رَآهُ بَعْدَ مُجَانَبَةِ الْهَوَى تَفْرِيطًا فَهُوَ تَقَادُمٌ وَمَا لَا يُعَدُّ تَفْرِيطًا غَيْرُ مُتَقَادِمٍ وَأَحْوَالُ الشُّهُودِ وَالنَّاسِ وَالْعُرْفِ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ نَظَرٍ نَظَرٌ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ فِيهَا تَأْخِيرٌ فَنَصْبُ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ مُتَعَذِّرٌ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ وَقَدْ جَعَلُوهُ أَيْ لَفْظَ حِينٍ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ سَأَلَ الْقَاضِي الشُّهُودَ مَتَى زَنَى بِهَا فَقَالُوا مُنْذُ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ أُقِيمَ الْحَدُّ وَإِنْ قَالُوا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ فَقَدْ قَدَّرَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِشَهْرٍ وَهُوَ

وَمَا فَوْقَهُ آجِلٌ وَمَا دُونَهُ عَاجِلٌ أَصْلُهُ مَسْأَلَةُ الْيَمِينِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَ فُلَانٍ عَاجِلًا فَإِنْ قَضَاهُ فِيمَا دُونَ الشَّهْرِ بَرَّ وَإِلَّا فَلَا وَحَدُّ التَّقَادُمِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ السُّكْرِ بِغَيْرِهَا انْقِطَاعُ الرَّائِحَةِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَجْعَلُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ وَالْإِقْرَارُ لَا يُمْنَعُ بِالتَّقَادُمِ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي هِيَ إحْدَى الْحُجَّتَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَبْطُلُ الْحُدُودُ بِالتَّقَادُمِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا صَارَتْ حُجَّةً بِاعْتِبَارِ وَصْفِ الصِّدْقِ وَتَقَادُمُ الْعَهْدِ لَا يُخِلُّ بِالصِّدْقِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً كَالْإِقْرَارِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَلَنَا قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيُّمَا قَوْمٍ شَهِدُوا فِي حَدٍّ لَمْ يَشْهَدُوا بِهِ عِنْدَ حَضْرَتِهِ فَإِنَّمَا هُمْ شُهُودُ ضِغْنٍ وَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ مَتَى عَايَنَ الزِّنَا وَنَحْوَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ حِسْبَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِيُقَامَ الْحَدُّ فَيَحْصُلَ الِانْزِجَارُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] وَحِسْبَةُ السَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَإِنَّ الشَّارِعَ نَدَبَ إلَيْهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَتَرَ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ عَوْرَتَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ عَوْرَاتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 19] وَتَأْخِيرُهُمْ الْأَدَاءَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلسَّتْرِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ لِلسَّتْرِ فَالْإِقْدَامُ عَلَى الْأَدَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِضَغِينَةٍ حَرَّكْتُهُمْ فَيُتَّهَمُونَ فِيهَا وَلَا شَهَادَةَ لِلْمُتَّهَمِ وَإِنْ كَانَ لَا لِلسَّتْرِ صَارُوا آثِمِينَ فَاسِقِينَ بِالتَّأْخِيرِ لِأَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَتَأْخِيرَهَا فِسْقٌ وَلِهَذَا لَوْ أَخَّرَ الشَّهَادَةَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي بِلَا عُذْرٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ وَلِأَنَّ تُهْمَةَ الضَّغِينَةِ لَا تُتَصَوَّرُ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُعَادِي نَفْسَهُ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَبْطُلُ بِالتُّهْمَةِ وَالْفِسْقِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِيهَا فَالتَّأْخِيرُ لِعَدَمِ الدَّعْوَى إذْ لَا يَصِحُّ بِدُونِهَا فَكَانُوا مَعْذُورِينَ بِالتَّأْخِيرِ فَإِنْ قِيلَ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِي السَّرِقَةِ وَمَعَ هَذَا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهَا بِالتَّقَادُمِ قُلْنَا الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْحَدِّ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ لِلْمَالِ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى السَّرِقَةِ بِدُونِ الدَّعْوَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَيُحْبَسُ السَّارِقُ إلَى أَنْ يَجِيءَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَإِنَّمَا لَا يُقْطَعُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالُهُ لَا يَعْرِفُ السَّارِقَ فَيُتَّهَمُونَ بِالتَّأْخِيرِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلِأَنَّ السَّرِقَةَ تُقَامُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِسْرَارِ عَلَى غِرَّةٍ مِنْ الْمَالِكِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ عَرَفَ إعْلَامُهُ فَيَصِيرُ فَاسِقًا بِالْكِتْمَانِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى كَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا تُعْتَبَرُ التُّهْمَةُ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ إذْ التُّهْمَةُ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَيُكْتَفَى بِالصُّورَةِ لِأَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِصُورَةِ الشُّبْهَةِ كَمَا يَسْقُطُ بِمَعْنَاهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ يَسْقُطُ بِمَعْنَاهُ وَدَعْوَاهُ تَسْقُطُ بِصُورَتِهِ ثُمَّ التَّقَادُمُ كَمَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِي الِابْتِدَاءِ يَمْنَعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ هَرَبَ بَعْدَمَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ بِدَلِيلِ عَمَى الشُّهُودِ وَرِدَّتِهِمْ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ حَيْثُ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الشُّهُودِ لِأَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الزَّانِي لِنَوْعِ شُبْهَةٍ وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ لِإِيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الشُّهُودِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَضْمَنُ الْمَالَ) أَيْ إذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ بِالسَّرِقَةِ الْمُتَقَادِمَةِ فِي حَقِّ الْحَدِّ لِكَوْنِهِ حَقَّ اللَّهِ تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْمَالِ وَيَضْمَنُهُ لِأَنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ بِالْحَدِّ لِلتُّهْمَةِ وَلَا يَمْنَعُ بِالْمَالِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَلِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ أَيْضًا فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْمَالُ وَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَثْبَتُوا زِنَاهُ بِغَائِبَةٍ حُدَّ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ) وَكَذَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ حِينَ أَقَرَّا بِالزِّنَا بِغَائِبَيْنِ» وَلِأَنَّ الزِّنَا قَدْ ثَبَتَ بِالْحُجَّةِ فَيَجِبُ الْحَدُّ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ تُفَوِّتُ الدَّعْوَى وَهِيَ شَرْطٌ فِي السَّرِقَةِ دُونَ الزِّنَا وَلِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ فِي السَّرِقَةِ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ فِي الْمَالِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِحَضْرَتِهِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَدَّ فِي الزِّنَا أَيْضًا حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَدَّعِيَ النِّكَاحَ فَيَكُونَ شُبْهَةً قُلْنَا دَعْوَى النِّكَاحِ شُبْهَةٌ لِاحْتِمَالِ الصِّدْقِ فَتُعْتَبَرُ وَاحْتِمَالِ الدَّعْوَى شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَهَا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحُدُودِ وَلَا يُقَالُ يُنْتَقَضُ هَذَا بِالْقِصَاصِ إذَا كَانَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا لَا يَتَمَكَّنُ الْحَاضِرُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ لِأَنَّا نَقُولُ الْعَفْوُ حَقِيقَةً الْمُسْقِطُ وَاحْتِمَالُهُ يَكُونُ شُبْهَةَ الْمُسْقِطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْإِقْرَارُ لَا يُمْنَعُ بِالتَّقَادُمِ) أَيْ لَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ لَكِنَّ هَذَا فِي حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ لَا فِي حَدِّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ فِيهِ بِالتَّقَادُمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا بَيَّنَّا وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي حَدِّ الشُّرْبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ هَذَا التَّقَادُمُ الْمُقَدَّرُ بِشَهْرٍ بِالِاتِّفَاقِ فِي غَيْرِ شُرْبِ الْخَمْرِ أَمَّا فِيهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا يُقَدَّرُ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ فَلَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالشُّرْبِ بَعْدَهَا لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَأَحْتَسِبُ الْأَجْرَ عَلَى اللَّهِ ادَّخَرَهُ عِنْدَهُ لَا يَرْجُو ثَوَابَ الدُّنْيَا، وَالِاسْمُ الْحِسْبَةُ بِالْكَسْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ يُمْنَعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ) أَيْ خِلَافًا لِزُفَرَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ) وَقَوْلُ زُفَرَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ) أَيْ الِاسْتِيفَاءَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَثْبَتُوا زِنَاهُ بِغَائِبَةٍ حُدَّ) وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ لَا يُحَدُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا إذَا حَضَرَتْ رُبَّمَا جَاءَتْ بِشُبْهَةٍ دَارِئَةٍ لِلْحَدِّ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَعَلَى قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُحَدُّ الرَّجُلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ) أَيْ يُحَدُّ الرَّجُلُ بِإِجْمَاعِهِمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ الْعَفْوُ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ فَعَفَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِحَقِيقَةِ الْعَفْوِ لَا بِشُبْهَةِ الْعَفْوِ فَإِذَا غَابَ كَانَ احْتِمَالُ الْعَفْوِ شُبْهَةً فَاعْتُبِرَتْ الشُّبْهَةُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذَا حَضَرَتْ وَادَّعَتْ النِّكَاحَ كَانَ شُبْهَةً فَإِذَا غَابَتْ اُحْتُمِلَ الشُّبْهَةُ فَلَا تُعْتَبَرُ وَلِأَنَّهُ وَهْمٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَاحْتِمَالُهُ يَكُونُ شُبْهَةَ الْمُسْقِطِ)

لَا شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِمَجْهُولَةٍ حُدَّ وَإِنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا كَاخْتِلَافِهِمْ فِي طَوْعِهَا أَوْ فِي الْبَلَدِ وَلَوْ عَلَى كُلِّ زِنًا أَرْبَعَةٌ) أَيْ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا نَعْرِفُهَا عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا اخْتَلَفُوا فِي طَوَاعِيَتِهَا بِأَنْ قَالَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَأَكْرَهَهَا وَقَالَ آخَرَانِ إنَّهَا طَاوَعَتْهُ أَوْ فِي الْبَلَدِ بِأَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْكُوفَةِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ زَنَى بِهَا بِالْبَصْرَةِ وَإِنْ تَمَّ فِي كُلِّ زِنًا أَرْبَعَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِمَجْهُولَةٍ فُلَانَةَ لَوْ كَانَتْ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ لَعَرَفَهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَلَا أَمَتُهُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِأَنْ لَمْ تُزَفَّ إلَيْهِ قُلْنَا الْإِنْسَانُ لَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ كَذِبًا وَلَا حَالَ الِاشْتِبَاهِ فَلَمَّا أَقَرَّ انْتَفَى كَوْنُ الْمَوْطُوءَةِ امْرَأَتَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ الِاحْتِمَالُ الْبَعِيدُ بِأَنْ تَكُونَ أَمَتَهُ بِجِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ كَالْإِرْثِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ أَوْ بِالتَّوَالُدِ مِنْ مَمْلُوكَاتِهِ أَوْ مَمْلُوكَاتِ آبَائِهِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى اسْتِدَادِ بَابِ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ فِي الْمَعْرُوفَةِ أَيْضًا كَمَا يُحْتَمَلُ فِي الْمَجْهُولَةِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ إنَّمَا لَا يُحَدُّ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَمْ يَمْنَعْهُ دِينُهُ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ ظَاهِرًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَةِ الشُّهُودِ الْمَوْطُوءَةَ أَنْ يَكُونَ زِنًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا الزَّانِي وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفُوا فِي طَوْعِ الْمَرْأَةِ فَلِأَنَّهُ زِنَئَانِ مُخْتَلِفَانِ وَلَمْ يَكْمُلْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ لِأَنَّ زِنَاهَا طَوْعًا غَيْرُ زِنَاهَا مُكْرَهَةً فَلَا تُحَدُّ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَزُفَرَ وَقَالَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ خَاصَّةً لِأَنَّ الشُّهُودَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ زَنَى وَتَفَرَّدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ بِزِيَادَةِ جِنَايَةٍ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ الطَّوْعَ يَقْتَضِي اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْفِعْلِ وَالْكُرْهُ يَقْتَضِي تَفَرُّدَهُ فَكَانَا غَيْرَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الطَّوَاعِيَةِ صَارَا قَاذِفَيْنِ لَهَا بِالزِّنَا فَصَارَا خَصْمَيْنِ فِيهِ وَلَا شَهَادَةَ لِلْخَصْمِ وَإِنَّمَا سَقَطَ حَدُّ الْقَذْفِ عَنْهُمَا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْإِكْرَاهِ وَلِأَنَّ زِنَاهَا مُكْرَهَةً يُسْقِطُ إحْصَانَهَا فَإِنَّ مَنْ قَذَفَ امْرَأَةً ثُمَّ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَنَّهَا زَنَتْ مُكْرَهَةً سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَاعْتِبَارُ عَدَدِ الْأَرْبَعَةِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَهَذَا شَهَادَةٌ عَلَى سُقُوطِ إحْصَانِهَا وَسُقُوطُ الْإِحْصَانِ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْإِحْصَانِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَهَذَا التَّخْرِيجُ يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَاتِّفَاقُ الشُّهُودِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ مُخْرِجٌ لِكَلَامِهِمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ قَرِيبٍ وَفَائِدَةُ اخْتِلَافِ الطَّرِيقِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا شَهِدَ ثَلَاثَةٌ أَنَّهَا طَاوَعَتْهُ وَشَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا فَعَلَى قَوْلِهِ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِمَا قُلْنَا وَعِنْدَهُمَا يُقَامُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ وَلَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهَا بِشَهَادَةِ الْفَرْدِ وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفُوا فِي الْبَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ نِصَابُ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا فِي كُلِّ بَلَدٍ بِأَنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْكُوفَةِ وَاثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْبَصْرَةِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَلَمْ يَتِمَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ فَلَمْ يَثْبُتْ فَلَمْ يُحَدَّا وَلَا يُحَدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ وَإِنَّمَا يَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ لَوْ كَانَ الْعَفْوُ نَفْسُهُ شُبْهَةً فَيَكُونُ احْتِمَالُهُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ بِخِلَافِ الْغَائِبَةِ فَإِنَّ نَفْسَ دَعْوَاهَا النِّكَاحُ مَثَلًا شُبْهَةٌ فَاحْتِمَالُ دَعْوَاهَا ذَلِكَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَاعْتِبَارُهَا بَاطِلٌ وَإِلَّا أَدَّى إلَى نَفْيِ كُلِّ حَدٍّ فَإِنَّ ثُبُوتَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَاَلَّذِي يَثْبُتُ بِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرْجَعَ عَنْهُ وَكَذَا الشُّهُودُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعُوا فَلَوْ اُعْتُبِرَتْ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ انْتَفَى كُلُّ حَدٍّ وَوَجْهُ أَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ أَنَّ نَفْسَ رُجُوعِ الْمُقِرِّ وَالشَّاهِدِ شُبْهَةٌ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ كَذِبُهُ فِي الرُّجُوعِ فَاحْتِمَالُ الرُّجُوعِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فَلَمَّا أَقَرَّ) أَيْ بِالزِّنَا كَانَ فَرْعُ عِلْمِهِ أَنَّهَا لَمْ تَشْتَبِهْ عَلَيْهِ بِزَوْجَتِهِ الَّتِي لَمْ تُزَفَّ وَصَارَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ أَعْرِفْهَا أَيْ بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا وَلَكِنْ عَلِمْت أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فَكَانَ هَذَا كَالْمَنْصُوصِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ فَكَانَ قَوْلُهُ لَا أَعْرِفُهَا لَيْسَ مُوجِبًا لِلْحَدِّ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ) أَيْ بِزِنَاهُ بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ إنَّ الَّتِي رَأَوْهَا مَعِي لَيْسَتْ بِامْرَأَةٍ وَلَا خَادِمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَذَلِكَ وَلِأَنَّهَا تُتَصَوَّرُ أَمَةَ ابْنِهِ أَوْ مَنْكُوحَةً نِكَاحًا فَاسِدًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي رَأَيْتُمُوهَا مَعِي لَيْسَتْ زَوْجَتِي وَلَا أَمَتِي لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ فَلَا يُحَدُّ وَأَمَّا مَا قِيلَ وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا فَبِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُقَامُ الْحَدُّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ أَرْبَعًا حُدَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا قِيلَ قَائِلُهُ صَاحِبُ الدِّرَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لِأَنَّ زِنَاهَا طَوْعًا غَيْرُ زِنَاهَا مُكْرَهَةً) أَيْ وَشَهَادَتُهُمْ بِزِنًا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ وَالشَّاهِدَانِ بِزِنَاهُ بِطَائِعَةٍ يَنْفِيَانِ زِنَاهُ بِمُكْرَهَةٍ وَالْآخَرَانِ يَنْفِيَانِ زِنَاهُ بِطَائِعَةٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ عَلَى خُصُوصِ الزِّنَا لِلتَّحَقُّقِ فِي الْخَارِجِ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ) أَيْ وَهُوَ لَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ عَنْهُ بِخِلَافِ جَانِبِهَا وَلِأَنَّ طَوَاعِيَتَهَا شَرْطُ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهَا وَلَمْ يَثْبُتْ إذْ قَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَتَعَارَضُوا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا بِمَعْنًى غَيْرِ مُشْتَرَكٍ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا لَوْ زَنَى بِصَغِيرَةٍ مُشْتَهَاةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسُقُوطُ الْإِحْصَانِ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْإِحْصَانِ) أَيْ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ قَرِيبٍ) أَيْ فِي خِلَافِيَّةِ زُفَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفُوا إلَخْ) حَاصِلُهَا أَنَّهُ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ إلَّا أَنَّ رَجُلَيْنِ قَالَا اسْتَكْرَهَهَا وَآخَرَيْنِ قَالَا طَاوَعَتْهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْدَرِئُ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَقَالَا يُحَدُّ الرَّجُلُ خَاصَّةً. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتِمَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ) أَيْ الشَّهَادَةُ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ) أَيْ لِلْقَذْفِ اهـ

الشُّهُودُ أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ يُحَدُّونَ وَلِأَنَّ الْعَدَدَ لَمْ يَتَكَامَلْ فِي كُلِّ زِنًا فَصَارُوا قَذْفَةً وَلَنَا أَنَّ كَلَامَهُمْ وَقَعَ شَهَادَةَ صُورَةٍ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا مِنْ الْأَهْلِيَّةِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَتَمَامِ الْعَدَدِ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ فَاعْتَبَرْنَا تَكَامُلَ الْعَدَدِ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِ اعْتِبَارًا لِلصُّورَةِ وَاعْتَبَرْنَا نُقْصَانَ الْعَدَدِ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ بِهِ فَقُلْنَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا حَدُّ الزِّنَا اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا جَاءَ الْقَاذِفُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى فِي بَلَدٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى فِي بَلَدٍ آخَرَ فَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] شَرْطُ شَهَادَةِ الْأَرْبَعِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ وَالْإِحْصَانِ مُطْلَقًا عَنْ الْقَاذِفِ وَقَدْ وُجِدَ وَإِنْ تَمَّ نِصَابُ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا فِي كُلِّ بَلَدٍ بِأَنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِأَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْبَصْرَةِ وَأَرْبَعَةٌ بِأَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْكُوفَةِ فَالْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا ذَكَرَا وَقْتًا وَاحِدًا بِأَنْ شَهِدَ كُلُّ طَائِفَةٍ بِأَنَّهُ زَنَى بِهَا وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ مَثَلًا لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ وَلَا يُعْرَفُ الصَّادِقُ مِنْ الْكَاذِبِ فَيَعْجِزُ الْقَاضِي عَنْ الْحُكْمِ بِهِمَا لِلتَّعَارُضِ أَوْ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ فَتَهَاتَرَتَا وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَهُنَا أَظْهَرُ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزِّنَا تَمَّ فِيهِ نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَيُحْتَمَلُ صِدْقُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَلَا يُحَدُّونَ مَعَ الِاحْتِمَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ حُدَّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَشْهَدَ كُلُّ اثْنَيْنِ عَلَى الزِّنَا فِي زَاوِيَةٍ وَكَانَ الْبَيْتُ صَغِيرًا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا يُقْبَلُ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْبَلَ كَيْفَمَا كَانَ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ حَقِيقَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ وَانْتِهَاؤُهُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى يَنْتَقِلَانِ إلَيْهِ بِالِاضْطِرَابِ أَوْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا فِي وَسَطِ الْبَيْتِ فَيَحْسِبَهُ مَنْ فِي الْمُقَدَّمِ فِي الْمُقَدَّمِ وَمَنْ فِي الْمُؤَخَّرِ فِي الْمُؤَخَّرِ فَيَشْهَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحَسْبِ مَا عِنْدَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفُوا فِي سَاعَتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ مُتَقَارِبَيْنِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَمْتَدَّ الزِّنَا إلَيْهَا يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الثَّوْبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ حَالَةَ الزِّنَا يُقْبَلُ وَلِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ فَيُعَايِنَ كُلُّ فَرِيقٍ غَيْرَ الَّذِي عَايَنَهُ الْآخَرُ أَوْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَخَذَ فِي الْعَمَلِ فِي ثَوْبٍ ثُمَّ لَبِسَ آخَرَ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَعَلَى هَذَا لَوْ اخْتَلَفُوا فِي لَوْنِ الْمَزْنِيِّ بِهَا أَوْ فِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا يُقْبَلُ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّهُ مَهْمَا أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ يُصَارُ إلَيْهِ وَلِأَنَّ التَّوْفِيقَ فِيهِ مَشْرُوعٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا وَجَبَ الْحَدُّ أَصْلًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَشْهَدُ بِزِنًا غَيْرِ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ أَصْحَابُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى زِنَا امْرَأَةٍ وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ وَالشُّهُودُ فَسَقَةٌ أَوْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ وَإِنْ شَهِدَ الْأُصُولُ أَيْضًا لَمْ يُحَدَّ أَحَدٌ) يَعْنِي لَمْ يُحَدَّ الزَّانِيَانِ وَلَا الشُّهُودُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا أَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الْبَكَارَةِ فَظَهَرَ كَذِبُهُمْ بِيَقِينٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَلَا عَلَى الشُّهُودِ وَلِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا بِقَوْلِ النِّسَاءِ إنَّهَا بِكْرٌ وَقَوْلُهُنَّ حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ لَا فِي إيجَابِهِ وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَهُوَ مَجْبُوبٌ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ لِظُهُورِ كَذِبِهِمْ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا لِتَكَامُلِ عَدَدِهِمْ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ صُورَةً وَلِأَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ فِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ وَهُنَا لَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَنَظِيرُهُ إذَا شَهِدُوا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ يُحَدُّونَ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. اهـ. فَتْحٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِسُقُوطِ الْحَدِّ) أَيْ عَنْ الْقَاذِفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْإِحْصَانِ) أَيْ إحْصَانِ الْمَقْذُوفِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا يُقْبَلُ) أَيْ كَالدَّارَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْقِيَاسُ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ اهـ (قَوْلُهُ وَانْتِهَاؤُهُ فِي زَاوِيَةٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ عَلَى هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا شَهِدُوا فَاخْتَلَفُوا فِي الْإِكْرَاهِ وَالطَّوَاعِيَةِ فَإِنَّ هَذَا التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ كُرْهًا وَانْتِهَاؤُهُ طَوَاعِيَةً قَالَ فِي الْكَافِي يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِعْلِ إذَا كَانَ عَنْ إكْرَاهٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَبِالنَّظَرِ إلَى الِابْتِدَاءِ لَا يَجِبُ وَبِالنَّظَرِ إلَى الِانْتِهَاءِ يَجِبُ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَهُنَا بِالنَّظَرِ إلَى الزَّاوِيَتَيْنِ يَجِبُ فَافْتَرَقَا اهـ (قَوْلُهُ يَنْتَقِلَانِ إلَيْهِ بِالِاضْطِرَابِ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا مَا قِيلَ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَمْ يُكَلَّفُوا نَقْلَهُ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا قَائِمٌ فِي الْبَلَدَيْنِ نَعَمْ إنَّمَا هُمْ مُكَلَّفُونَ بِأَنْ يَقُولُوا مَثَلًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَالْوَجْهُ مَا اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي لَوْنِ الْمَزْنِيِّ بِهَا) أَيْ أَنَّهَا بَيْضَاءُ أَوْ سَمْرَاءُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ فِي طُولهَا وَقِصَرِهَا) أَيْ أَوْ فِي سِمَنِهَا وَهُزَالِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّهُ مَهْمَا أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي فَإِنْ قِيلَ التَّوْفِيقُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لِإِيجَابِ الْحَدِّ لِأَنَّهُ احْتِيَالٌ لِلْإِقَامَةِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِالِاحْتِيَالِ لِلدَّرْءِ قُلْنَا التَّوْفِيقُ فِي الْحُدُودِ مَشْرُوعٌ صِيَانَةً لِلْبَيِّنَاتِ عَنْ التَّعْطِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَشْهَدُ بِزِنًا إلَخْ) مَعْنَاهُ أَنَّ أَرْبَعَةً لَوْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَهِدَ بِالزِّنَا الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ أَصْحَابُهُ وَإِنْ لَمْ يَنُصُّوا فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى هَذَا الِاتِّحَادِ مَعَ أَنَّ احْتِمَالَ الِاخْتِلَافِ ثَابِتٌ بِأَنْ كَانَ الزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَشَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِزِنًا عَلَى حِدَةٍ وَفِي ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اهـ كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَظَهَرَ كَذِبُهُمْ بِيَقِينٍ) إذْ لَا بَكَارَةَ مَعَ الزِّنَا وَقَوْلُ النِّسَاءِ حُجَّةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَتَثْبُتُ بَكَارَتُهَا بِشَهَادَتَيْنِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ سُقُوطُ الْحَدِّ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ لَمْ تُعَارِضْ شَهَادَتُهُنَّ شَهَادَتَهُمْ بَلْ تَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِنَّ بَكَارَتُهَا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الزِّنَا لِجَوَازِ أَنْ تَعُودَ الْعَذِرَةُ لِعَدَمِ الْمُبَالَغَةِ فِي إزَالَتِهَا فَلَا تُعَارِضُ شَهَادَةَ الزِّنَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ الْحَدُّ وَإِنْ عَارَضَتْ بِأَنْ لَا يُتَحَقَّقَ عَوْدُ الْعَذِرَةِ يَجِبُ أَنْ تَبْطُلَ شَهَادَتُهُنَّ وَلِأَنَّهَا لَا تُقَوِّي قُوَّةَ شَهَادَتِهِمْ قُلْنَا سَوَاءٌ انْتَهَضَتْ مُعَارَضَةٌ أَمْ لَا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُورِثَ شُبْهَةً بِهَا يَنْدَرِئُ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ مُتَكَامِلَةٌ اهـ وَكُتِبَ مَا نَصُّهُ أَيْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا اهـ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ إذَا أَشْهَدُوا عَلَى

امْرَأَةٍ بِالزِّنَا فَوُجِدَتْ رَتْقَاءَ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا وَلَا عَلَى الشُّهُودِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبِكْرِ وَالْمَجْبُوبِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الشُّهُودُ فَسَقَةً فَلِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي أَدَائِهِ نَوْعُ قُصُورٍ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ يَنْفُذُ عِنْدَنَا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ الزِّنَا مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ الْأَهْلِيَّةِ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ الْقُصُورِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الثُّبُوتِ وَيَسْقُطُ عَنْ الشُّهُودِ بِاعْتِبَارِ الثُّبُوتِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَامَ الْقَاذِفُ أَرْبَعَةً مِنْ الْفُسَّاقِ عَلَى أَنَّ الْمَقْذُوفَ قَدْ زَنَى يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ بِخِلَافِ الْقَاتِلِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَوَدُ بِإِقَامَةِ الشُّهُودِ الْفَسَقَةِ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ قَدْ عَفَوْا لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَوَدِ بِالْقَتْلِ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ وَحَدُّ الْقَذْفِ لَمْ يَجِبْ بِالْقَذْفِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَهُ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] الْآيَةَ عَطَفَهُ عَلَى الشَّرْطِ وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الشَّرْطِ شَرْطٌ فَكَانَ الْعَجْزُ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ وَأَمَّا الْقَوَدُ فَمُرَتَّبٌ عَلَى نَفْسِ الْقَتْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] فَظَهَرَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ وَتَقَرَّرَ فَلَوْ سَقَطَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا يَسْقُطُ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ شَهَادَةٌ مُلْزِمَةٌ وَهَذَا وَلِأَنَّ الْعَفْوَ مُسْقِطٌ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلَيْسَ يَمْنَعُ مِنْ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ تَمْنَعُ مِنْ الْوُجُوبِ وَهُوَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَالْعَجْزُ مُوجِبٌ فَلَمْ يُتَيَقَّنْ بِالْعَجْزِ مَعَ شَهَادَتِهِمْ فَلَا يَجِبُ وَأَمَّا إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ فَلِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهَا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي شَهَادَةِ الْأُصُولِ وَفِي شَهَادَةِ الْفُرُوعِ أَوْ لِأَنَّ الْكَلَامَ إذْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَلْسُنُ يُمْكِنُ فِيهِ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُمَا عَادَةً وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ بَدَلٌ وَالْأَبْدَالُ تُنْصَبُ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ فِي الْحُدُودِ إلَى الْبَدَلِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدَّرْءِ وَلَا حَدَّ عَلَى الْفُرُوعِ وَلِأَنَّهُمْ مَا نَسَبُوا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إلَى الزِّنَا إنَّمَا حَكَوْا شَهَادَةَ الْأُصُولِ وَالْحَاكِي لِلْقَذْفِ لَا يَكُونُ قَاذِفًا لِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ وَالْأَهْلِيَّةُ مَوْجُودَةٌ وَإِنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِنَوْعِ شُبْهَةٍ وَهِيَ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحَدِّ لَا لِإِثْبَاتِهِ وَإِنْ جَاءَ الْأُصُولُ وَشَهِدُوا عَلَى مُعَايَنَةِ ذَلِكَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ وَلَمْ يُحَدُّوا أَيْضًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ شَهِدَ الْأُصُولُ لَمْ يُحَدَّ أَحَدٌ وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ قَدْ رُدَّتْ مِنْ وَجْهٍ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ فِي عَيْنِ تِلْكَ الْحَادِثَةِ إذْ هُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُمْ بِالْأَمْرِ وَالتَّحْمِيلِ وَالشَّهَادَةُ مَتَى رُدَّتْ لِتُهْمَةٍ لَمْ تُقْبَلْ فِي عَيْنِ تِلْكَ الْحَادِثَةِ أَبَدًا وَإِنَّمَا تُقْبَلُ فِي الْمَالِ شَهَادَةُ الْأُصُولِ بَعْدَمَا رُدَّتْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأُصُولِ لَمْ تُرَدَّ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا حَصَلَ فِيهَا شُبْهَةُ الرَّدِّ وَالْمَالُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ دُونَ الْحَدِّ وَلَا يُحَدُّ الْأُصُولُ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ رُدَّتْ شَهَادَةُ الْأُصُولِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْأُصُولِ وَلَا الْفُرُوعِ بَعْدَهُ أَبَدًا هَذَا إذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِتُهْمَةٍ مَعَ الْأَهْلِيَّةِ وَإِنْ رُدَّتْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ كَالْعَبِيدِ وَالْكُفَّارِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِأَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ ثُمَّ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الشُّهُودَ هُمْ الَّذِينَ زَنَوْا بِهَا فَلَا يُحَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يُحَدُّ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ مِنْ الشُّهُودِ وَالْمَرْأَةُ حَدَّ الزِّنَا وَلَا يُحَدُّ الرَّجُلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الشُّهُودَ الثَّانِيَ جَرَحُوا الشُّهُودَ الْأُوَلَ بِفِعْلِ الزِّنَا وَقَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَعَلَى الْمَرْأَةِ بِشَهَادَتِهِمْ فَيُحَدُّونَ حَدَّ الزِّنَا ثُمَّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِثُبُوتِ فِسْقِهِمْ بِالزِّنَا فَلَا يُحَدُّ الرَّجُلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ وَلَهُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُرَادُ بِهِ النَّفْيُ عَنْ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ لِلثَّانِي عَادَةً كَمَا إذَا قَالَ زَيْدٌ دَخَلَ عَمْرٌو الدَّارَ وَقَالَ آخَرُ لِزَيْدٍ هُوَ الَّذِي دَخَلَ الدَّارَ فَالشُّهُودُ الْأُوَلُ أَثْبَتُوهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَالشُّهُودُ الثَّانِي نَفَوْهُ عَنْهُ وَأَثْبَتُوهُ عَلَى الشُّهُودِ وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَفْعَلَهُ شَخْصَانِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ صَادِقًا وَالْآخَرُ كَاذِبًا وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَلَا يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا حَدَّ الزِّنَا لِذَلِكَ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا عَلَى رَجُلٍ فِي بَلَدٍ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ أَنَّهُ زَنَى فِي بَلَدٍ آخَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِالزِّنَا وَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ عَلَى الشُّهُودِ بِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ زَنَوْا بِهَا وَشَهِدَ أَيْضًا أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ عَلَى الشُّهُودِ الثَّانِي بِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ زَنَوْا بِهَا لَا حَدَّ عَلَى الْكُلِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْفَرِيقُ الْأَوْسَطُ مِنْ الشُّهُودِ حَدَّ الزِّنَا لِأَنَّ الْفَرِيقَ الْأَوْسَطَ صَارُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQامْرَأَةٍ بِالزِّنَا فَوُجِدَتْ رَتْقَاءَ إلَخْ) وَتُقْبَلُ فِي الرَّتْقَاءِ وَالْعَذْرَاءِ وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي يُعْمَلُ فِيهَا بِقَوْلِ النِّسَاءِ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ كَذَا قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الشُّهُودُ فَسَقَةً) قَالَ فِي الْكَافِي وَأَصْلُهُ أَنَّ الشُّهُودَ أَصْنَافٌ صِنْفٌ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا وَأَدَاءً كَالْحُرِّ الْعَدْلِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَصِنْفٌ أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ دُونَ الْأَدَاءِ كَالْأَعْمَى وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِمْ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ الْأَدَاءَ فَاتَ فِي الْأَعْمَى لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ وَفِي الْمَحْدُودِ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ لِأَدَاءِ شَهَادَتِهِ وَصِنْفٌ أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ وَالْأَدَاء وَلَكِنَّ فِي أَدَائِهِ نَوْعَ قُصُورٍ كَالْفُسَّاقِ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ الثُّبُوتِ) أَيْ فَاحْتَطْنَا فِي الْحَدَّيْنِ وَالشَّافِعِيُّ خَالَفَنَا فِيهِ وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلشَّهَادَةِ عِنْدَهُ كَالْعَبْدِ. اهـ. كَافِي.

فَسَقَةً بِشَهَادَةِ الْفَرِيقِ الْآخَرِ بِالزِّنَا عَلَيْهِمْ فَبَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَصَارُوا قَذَفَةً لَهُمْ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ لِكَمَالِ النِّصَابِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَيُحَدُّونَ حَدَّ الزِّنَا لِثُبُوتِهِ عَلَيْهِمْ بِالشُّهُودِ الْأَخِيرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانُوا عُمْيَانًا أَوْ مَحْدُودِينَ أَوْ ثَلَاثَةً حُدَّ الشُّهُودُ لَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْعُمْيَانِ أَوْ الْمَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا الْمَالُ مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِهَا الْحَدُّ وَهُوَ يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ بَعْدَ الثُّبُوتِ وَشَهَادَةُ الثَّلَاثَةِ قَذْفٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ النِّصَابُ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَذْفٌ حَقِيقَةً وَخُرُوجُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ قَذْفًا بِاعْتِبَارِ الْحِسْبَةِ وَلَا حِسْبَةَ عِنْدَ نُقْصَانِ الْعَدَدِ فَيُحَدُّونَ وَحَدَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ وَهُمْ أَبُو بَكْرَةَ وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ وَنَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَصَارَ إجْمَاعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حُدَّ فَوُجِدَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا حُدُّوا) وَلِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ إذْ الشُّهُودُ ثَلَاثَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَأَرْشُ ضَرْبِهِ هَدَرٌ وَإِنْ رُجِمَ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا أَرْشُ الضَّرْبِ أَيْضًا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ مِنْ الضَّرْبِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ وَقَدْ جَرَحَتْهُ السِّيَاطُ أَوْ مَاتَ مِنْ الضَّرْبِ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ أَمَّا الرَّجْمُ فَلِأَنَّهُ حَصَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَهُوَ خَطَأٌ مِنْهُ وَخَطَؤُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلِأَنَّ عَمَلَهُ يَقَعُ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَجِبُ غُرْمُهُ فِي مَالِهِمْ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا أَرْشُ الضَّرْبِ فَلَهُمَا أَنَّ الْجَرْحَ أُضِيفَ إلَى شَهَادَتِهِمْ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ بِشَهَادَتِهِمْ مُطْلَقُ الضَّرْبِ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْجَرْحِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَيَنْتَظِمُ الْجَارِحُ وَغَيْرُهُ فَيَكُونُ الْكُلُّ مُضَافًا إلَى شَهَادَتِهِمْ فَيَضْمَنُونَ بِالرُّجُوعِ وَعِنْدَ عَدَمِ الرُّجُوعِ يَجِبُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ فِعْلَ الْجَلَّادِ يَنْتَقِلُ إلَى الْقَاضِي وَهُوَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَصَارَ كَالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ مَا أَخْطَأَ فِيهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ وَقَعَ فِعْلُهُ لَهُ وَفِعْلُهُ وَقَعَ هُنَا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَجِبُ ضَمَانُهُ عَلَيْهِمْ وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ لَهُمْ فَيَجِبُ فِيهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْجَلْدُ حَدًّا وَهُوَ ضَرْبٌ مُؤْلِمٌ غَيْرُ مُهْلِكٍ وَلَا جَارِحٍ وَلَا يَقَعُ جَارِحًا ظَاهِرًا إلَّا لِمَعْنًى فِي الضَّارِبِ وَهُوَ قِلَّةُ اهْتِدَائِهِ لِذَلِكَ فَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الصَّحِيحِ كَيْ لَا يَمْتَنِعَ النَّاسُ مِنْ الْإِقَامَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالضَّرْبِ وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالسَّلَامَةِ بِخِلَافِ الرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِشَهَادَتِهِمْ فِيهِمَا الْإِتْلَافُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ ضَمَانُهُ عِنْدَ رُجُوعِهِمْ وَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ ظُهُورِهِمْ عَبِيدًا لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَ الرَّجْمِ حُدَّ وَغَرِمَ رُبْعَ الدِّيَةِ) وَكَذَا كُلَّمَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ يُحَدُّ وَيَغْرَمُ رُبْعَ الدِّيَةِ أَمَّا الْغَرَامَةُ فَلِأَنَّ تَلَفَ النَّفْسِ بِشَهَادَتِهِمْ فَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ أَتْلَفَ بِغَيْرِ حَقٍّ تَجِبُ عَلَيْهِ الْغَرَامَةُ بِحِسَابِهِ مِنْ الدِّيَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ التَّلَفُ مُسْتَحَقًّا بِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ فِي هَذَا الْبَابِ يُعْتَبَرُ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ حَتَّى لَوْ كَانَ الشُّهُودُ خَمْسَةً فَرَجَعَ وَاحِدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ التَّلَفَ مُسْتَحَقٌّ بِغَيْرِهِ وَأَمَّا الْحَدُّ فَالْمَذْكُورُ هُنَا مَذْهَبُ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّاجِعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ إمَّا أَنْ يَجِبَ بِالْقَذْفِ قَبْلَ الرَّجْمِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِأَنَّ مَنْ قَذَفَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ الْمَقْذُوفُ لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ لِكَوْنِهِ لَا يُورَثُ أَوْ بِالْقَذْفِ بَعْدَ الرَّجْمِ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَرْجُومَ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِكَوْنِهِ مَرْجُومًا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَيَكُونُ شُبْهَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ قَذَفَهُ غَيْرُهُ وَلَنَا أَنَّ كَلَامَهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ لِلْحَالِ وَلِأَنَّهُ انْعَقَدَ شَهَادَةً وَوَقَعَ الْحُكْمُ بِهِ بِهَذَا الْوَصْفِ لَكِنَّهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ يَنْقَلِبُ قَذْفًا لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِشَهَادَتِهِ بِهِ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ كَانُوا عُمْيَانًا أَوْ مَحْدُودِينَ) أَيْ أَوْ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا حِسْبَةَ عِنْدَ نُقْصَانِ الْعَدَدِ) أَيْ وَخُرُوجُ الشَّهَادَةِ عَنْ الْقَذْفِ بِاعْتِبَارِهَا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ شَهْدُ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَهَاءٍ وَدَالٍ قُلْت وَالصَّوَابُ أَنَّهُ شِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ فِي الْإِصَابَةِ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ حَرْفِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ شِبْلُ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ نَسَبُهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْعَسْكَرِيُّ وَقَالَ لَا يَصِحُّ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ ابْنُ السَّكَنِ يُقَالُ لَهُ صُحْبَةٌ وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ وَالِدَةُ أَبِي بَكْرَةَ وَزِيَادٍ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ شَهِدَ أَبُو بَكْرَةَ وَنَافِعٌ وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ عَلَى الْمُغِيرَةِ وَأَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَيْهِ كَمَا يَنْظُرُونَ إلَى الْمَيْلِ فِي الْمُكْحُلَةِ فَجَاءَ زِيَادٌ فَقَالَ عُمَرُ جَاءَ رَجُلٌ لَا يَشْهَدُ إلَّا بِحَقٍّ قَالَ رَأَيْت مَنْظَرًا قَبِيحًا وَلَا أَدْرِي مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَجَلَدَهُمْ عُمَرُ الْحَدَّ اهـ مَعَ حَذْفٍ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَرْشُ ضَرْبِهِ هَدَرٌ) يَعْنِي إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَهُوَ غَيْرُ مُحْصَنٍ فَضَرَبَهُ الْإِمَامُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ كَانُوا عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَقَدْ جَرَحَتْهُ السِّيَاطُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَرْشُ الضَّرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا فَرُجِمَ فَدِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ) أَيْ أَرْشَ الْجِرَاحَةِ إنْ لَمْ يَمُتْ وَالدِّيَةَ إنْ مَاتَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ عَدَمِ الرُّجُوعِ يَجِبُ) أَيْ بِأَنْ ظَهَرُوا عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ ظَهَرَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَضْمَنُوا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَصَارَ) أَيْ الْجَرْحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ كَالرَّجْمِ) يَعْنِي إذَا رَجَمَ الْإِمَامُ أَحَدًا ثُمَّ ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ فَالضَّمَانُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا هَذَا اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْقِصَاصِ) يَعْنِي إذَا حُكِمَ بِالْقِصَاصِ لِأَحَدٍ ثُمَّ ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِالْقِصَاصِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ أَنَّ الْجَرْحَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى شَهَادَتِهِمْ وَلِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا بِشَهَادَتِهِمْ الْحَدَّ وَهُوَ ضَرْبٌ مُؤْلِمٌ لَا جَارِحٌ وَلَا مُتْلِفٌ وَلِهَذَا لَا يُحَدُّ فِي الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَلَا الْمَرَضِ تَفَادِيًا عَنْ الْإِتْلَافِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ إلَّا لِمَعْنًى فِي الضَّارِبِ) أَيْ وَهُوَ الْجَلَّادُ اهـ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الصَّحِيحِ) أَيْ وَلِأَنَّهُ مَا تَعَمَّدَ الْجَرْحَ فَلَوْ ضَمَّنَّاهُ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّاجِعِ)

الْوُجُودِ فَيَنْفَسِخُ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ فَيَكُونُ قَذْفًا لِلْحَالِ وَهُوَ مَحْضٌ فِي زَعْمِهِ فَيُحَدُّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَهُ غَيْرُهُ وَلِأَنَّهُ مَرْجُومٌ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَلَمْ يُوجَدْ فَسْخُ الشَّهَادَةِ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ زَعْمَ الرَّاجِعِ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَنَظِيرُهُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ لِلْحَالِ وَلِأَنَّهُ زَعْمٌ وَيَصِيرُ طَلَاقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِنْ قِيلَ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بَعْدَمَا قَذَفَهُ بِأَنَّهُ كَانَ عَفِيفًا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهِ بِرَجْمِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَذَفَهُ غَيْرُهُ فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ كَانَ عَفِيفًا قُلْنَا الْحُجَّةُ لَيْسَتْ بِكَامِلَةٍ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ لِانْفِسَاخِهَا فِي حَقِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ كَامِلَةً فَلَا يُعْتَبَرُ زَعْمُهُ فِيهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدًا حَيْثُ لَا يُحَدُّونَ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَنَّهُ عَبْدٌ تَبَيَّنَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةً بَلْ كَانَتْ قَذْفًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَصَارُوا قَاذِفِينَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ وَالْحَدُّ لَا يُورَثُ عَلَى مَا يَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدَ فَجُلِدَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حُدَّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِزُفَرَ أَنَّ الْمَقْذُوفَ حَيٌّ هُنَا فَيُطَالَبُ هُوَ بِالْحَدِّ وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ قَدْ مَاتَ بِالرَّجْمِ وَالْحَدِّ لَا يُورَثُ عَلَى مَا عُرِفَ وَلَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ بِالزِّنَا بِغَيْرِهَا وَرُجِمَ فَرَجَعَ الْفَرِيقَانِ ضَمِنُوا دِيَتَهُ إجْمَاعًا وَحُدُّوا لِلْقَذْفِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُحَدُّونَ وَلِأَنَّ رُجُوعَ كُلِّ فَرِيقٍ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِمْ لَا غَيْرُ وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَلِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَقُولُ إنَّهُ عَفِيفٌ قُتِلَ ظُلْمًا وَأَنَّهُ قَذَفَهُ كَاذِبًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبْلَهُ حُدُّوا وَلَا رَجْمَ) أَيْ لَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ الشُّهُودِ قَبْلَ الرَّجْمِ يُحَدُّ كُلُّهُمْ وَلَا يُرْجَمُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ حُدَّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ إنْ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ فَسَقَطَ إحْصَانُهُ ثُمَّ بِالرُّجُوعِ يَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ فَقَطْ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ إعْلَامُ مَنْ لَهُ حَقٌّ بِحَقِّهِ لِيَسْتَوْفِيَهُ مِنْهُ وَاَللَّهُ عَالِمٌ بِالْأَشْيَاءِ وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فَكَانَ الْمُفَوَّضُ إلَى الْحَاكِمِ الِاسْتِيفَاءُ فَلَمَّا لَمْ يَسْتَوْفِ لَمْ يَسْتَحْكِمْ قَضَاؤُهُ فَكَانَ الْعَارِضُ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ كَالْعَارِضِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ الْإِمْضَاءُ بِمَوْتِ الْقَاضِي وَعَزْلِهِ وَرِدَّةِ الشُّهُودِ وَعَمَاهُمْ وَغَيْبَتِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ بِإِقَامَةِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الْقَبُولَ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِ الْحُكْمِ وَإِنْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ حُدُّوا جَمِيعًا وَقَالَ زُفَرُ حُدَّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ وَلِأَنَّ رُجُوعَ الرَّاجِعِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَنَا أَنَّ كَلَامَهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ وَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ بَقِيَ قَذْفًا عَلَى حَالِهِ وَلَا يَكُونُ شُبْهَةً وَلِهَذَا لَا يُقْضَى بِهَا بِالْمَالِ بَعْدَ الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَيُحَدُّ كُلُّهُمْ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ بِرُجُوعِ غَيْرِهِمْ بَعْدَ كَمَالِ النِّصَابِ وَلَا يُؤَاخَذُ أَحَدٌ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّا نَقُولُ الْحَدُّ وَجَبَ عَلَيْهِمْ بِقَذْفِهِمْ لَا بِالرُّجُوعِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَذْفٌ وَإِنَّمَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ قَذْفًا بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا وَبِالرُّجُوعِ امْتَنَعَ الْقَضَاءُ لَا غَيْرُ فَصَارَ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ الشَّاهِدُ الرَّابِعُ عَنْ الشَّهَادَةِ ابْتِدَاءً بَعْدَمَا شَهِدَ أَصْحَابُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْخَمْسَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الشُّهُودُ خَمْسَةً فَرُجِمَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَا شَيْءَ عَلَى الرَّاجِعِ مِنْ الضَّمَانِ وَالْحَدِّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ وَقَدْ بَقِيَ مَنْ يَقُومُ بِكُلِّ الْحَقِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ حُدَّا وَغَرِمَا رُبْعَ الدِّيَةِ) أَمَّا الْحَدُّ فَلِانْفِسَاخِ الْقَضَاءِ بِالرَّجْمِ فِي حَقِّهِمَا وَأَمَّا الْغُرْمُ فَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ وَقَدْ بَقِيَ بِبَقَائِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ فَيَلْزَمُهُمَا الرُّبْعُ فَإِنْ قِيلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا حِينَ رَجَعَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالضَّمَانُ بَعْدَ ذَلِكَ بِرُجُوعِ غَيْرِهِ قُلْنَا وُجِدَ مِنْهُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ وَالضَّمَانِ وَهُوَ قَذْفُهُ وَإِتْلَافُهُ بِشَهَادَتِهِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْوُجُوبُ لِمَانِعٍ وَهُوَ بَقَاءُ مَنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِرُجُوعِ الثَّانِي ظَهَرَ الْوُجُوبُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ الْمُزَكُّونَ دِيَةَ الْمَرْجُومِ إنْ ظَهَرُوا عَبِيدًا كَمَا لَوْ قُتِلَ مَنْ أُمِرَ بِرَجْمِهِ فَظَهَرُوا كَذَلِكَ) يَعْنِي إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَزُكُّوا فَرُجِمَ فَظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّينَ كَمَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْقَاتِلِ بِضَرْبِ عُنُقِهِ فِيمَا إذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ بَعْدَمَا شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا ثُمَّ ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ وَلَا يُحَدُّ الْبَاقُونَ إجْمَاعًا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَيَكُونُ قَذْفًا لِلْحَالِ) أَيْ وَالْمَقْذُوفُ فِي الْحَالِ مَيِّتٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الشُّهُودِ عَبْدًا أَيْ بَعْدَ الرَّجْمِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يُحَدُّونَ) أَيْ حَدَّ الْقَذْفِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَوْ رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ) أَيْ بَعْدَ الْقَضَاءِ. اهـ. كَافِي وَفِي نُسْخَةٍ وَاحِدٌ مِنْ الشُّهُودِ وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ) أَيْ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَكَانَ الْعَارِضُ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ كَوْنِ الْإِمْضَاءِ مِنْ الْقَضَاءِ فِيمَا إذَا اعْتَرَضَتْ أَسْبَابُ الْجَرْحِ فِي الشُّهُودِ أَوْ سُقُوطِ إحْصَانِ الْمَقْذُوفِ أَوْ عَزْلِ الْقَاضِي يَمْتَنِعُ اسْتِيفَاءُ حَدِّ الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَمَاهُمْ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَعَمْيِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ شُبْهَةً) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ شَهَادَةٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا) أَيْ أَوْ كُفَّارًا كَمَا سَيَأْتِي اهـ

التَّزْكِيَةِ بِأَنْ قَالُوا تَعَمَّدْنَا التَّزْكِيَةَ مَعَ عِلْمِنَا بِحَالِهِمْ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَمْ يَضْمَنُوا وَإِنْ ثَبَتُوا عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يَرْجِعُوا لَمْ يَضْمَنُوا بِالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهُمْ أَخْطَئُوا فِيمَا عَمِلُوا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَصَارُوا كَالْقَاضِي وَلَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارُوا كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ وَلِأَنَّهُمْ لَوْ ضَمِنُوا لَكَانَ ضَمَانَ عُدْوَانٍ وَذَلِكَ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوْ بِالتَّسْبِيبِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَمَّا الْمُبَاشَرَةُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا التَّسْبِيبُ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْإِتْلَافِ الزِّنَا وَهُمْ لَمْ يُثْبِتُوهُ وَإِنَّمَا أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ فَيَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِتَبَيُّنِ خَطَأِ الْإِمَامِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَعْمَلُ وَلَا تَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِالتَّزْكِيَةِ فَصَارَتْ كَعِلَّةِ الْعِلَّةِ لِإِلْزَامِهِمْ الْقَاضِيَ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ عَلَامَةٌ مَحْضٌ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي التَّزْكِيَةِ دُونَ شُهُودِ الْإِحْصَانِ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ قَرِيبٍ وَالشَّهَادَةُ مُوجِبَةٌ لِلْعُقُوبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا شَهِدُوا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَخْبَرُوا لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَهَذَا إذَا أَخْبَرُوا بِالْحُرِّيَّةِ وَأَمَّا إذَا قَالُوا هُمْ عُدُولٌ وَظَهَرُوا عَبِيدًا لَمْ يَضْمَنُوا اتِّفَاقًا لِأَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِي ذَلِكَ إذْ الرِّقُّ لَا يُنَافِي الْعَدَالَةَ إذْ هِيَ اجْتِنَابُ الْمَحْظُورَاتِ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ حَيْثُ اكْتَفَى بِهَذَا الْقَدْرِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ لَمْ يَقَعْ شَهَادَةً وَلَا يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا وَقَدْ مَاتَ فَلَا يُورَثُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ وُجِدَ الشُّهُودُ كُفَّارًا وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ فَضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ ثُمَّ ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا فَمَعْنَاهُ قَتْلُهُ عَمْدًا بَعْدَ تَعْدِيلِ الشُّهُودِ وَقَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً بِغَيْرِ حَقٍّ وَهَذَا لِأَنَّ الشُّهُودَ لَمَّا ظَهَرُوا عَبِيدًا تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَصِرْ مُبَاحَ الدَّمِ وَقَدْ قَتَلَهُ بِفِعْلٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ الرَّجْمُ وَهَذَا جَزٌّ فَلَمْ يُوَافِقْ أَمْرَ الْقَاضِي لِيَصِيرَ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ فَبَقِيَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي نَفَذَ ظَاهِرًا وَحِينَ قَتَلَهُ كَانَ الْقَضَاءُ صَحِيحًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ قَتَلَ شَخْصًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ وَعَلَيْهِ عَلَامَتُهُمْ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ بِالصُّلْحِ حَيْثُ يَجِبُ حَالًّا لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ وَفِي الْكَافِي وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَأَمَرَ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ يَجِبُ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالرَّجْمِ وَإِنْ قُضِيَ بِرَجْمِهِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ الشُّهُودُ عَبِيدًا وَلَا كُفَّارًا وَأَمَّا إذَا وُجِدُوا عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا فَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَلَوْ رَجَمَهُ كَمَا أَمَرَ الْإِمَامُ ثُمَّ وُجِدَ الشُّهُودُ عَبِيدًا فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْجَزِّ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لَهُ وَلِهَذَا يُؤَدِّبُهُ فِيهِ دُونَ الْأَوَّلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رُجِمَ فَوُجِدُوا عَبِيدًا فَدِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِرَارًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ شُهُودُ الزِّنَا تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ) وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تُقْبَلُ لِإِقْرَارِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْفِسْقِ وَلِأَنَّ النَّظَرَ إلَى عَوْرَةِ الْغَيْرِ عَمْدًا فِسْقٌ وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إذَا وَقَعَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَنَحْنُ نَقُولُ يُبَاحُ النَّظَرُ ضَرُورَةَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] وَقَالَ تَعَالَى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَلَا وَجْهَ إلَى التَّحَمُّلِ إلَّا بِالنَّظَرِ عَمْدًا لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَتَّفِقُ نَظَرُ الْأَرْبَعَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَالْمَيْلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَلِأَنَّ التَّعَمُّدَ فِيهِ لِلْحَاجَةِ جَائِزٌ كَالطَّبِيبِ وَالْخَافِضَةِ وَالْخَاتِنِ وَالْقَابِلَةِ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ هُنَا ثَابِتَةٌ لِإِقَامَةِ الْحِسْبَةِ وَتَقْلِيلِ الْفَسَادِ فِي الْعَالَمِ وَأَيَّةُ حَاجَةٍ أَعْظَمُ مِنْهَا فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْإِبَاحَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَنْكَرَ الْإِحْصَانَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَلَدَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ رُجِمَ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يُنْكِرَ الدُّخُولَ بَعْدَ وُجُودِ سَائِرِ الشُّرُوطِ فَإِذَا جَاءَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ جُعِلَ وَاطِئًا شَرْعًا لِأَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ نَسَبَ الْوَلَدِ مِنْهُ وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْهُ حُكْمٌ بِالدُّخُولِ بِهَا وَلِهَذَا يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ مِنْ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ عَاقِلَةٍ وَأَنْكَرَ الْإِحْصَانَ فَشَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ تُقْبَلُ وَيُرْجَمُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَالشَّافِعِيُّ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ لَا تُقْبَلُ فِي غَيْرِ الْمَالِ وَتَوَابِعِهِ وَزُفَرُ يَقُولُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا أَخْبَرُوا بِالْحُرِّيَّةِ) أَيْ وَالْإِسْلَامِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَقَالَ تَعَالَى {فَأَشْهِدُوا} [النساء: 6] التِّلَاوَةُ فَاسْتَشْهِدُوا (قَوْلُهُ وَالْخَافِضَةِ) قَالَ فِي الصِّحَاح وَخَفَضْتُ الْجَارِيَةَ مِثْلَ خَتَنْتُ الْغُلَامَ وَاخْتَفَضَتْ هِيَ وَالْخَافِضَةُ الْخَاتِنَةُ اهـ.

[باب حد الشرب]

عِنْدَ وُجُودِ الْإِحْصَانِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ ذِمِّيَّانِ عَلَى ذِمِّيٍّ زَنَى عَبْدُهُ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الزِّنَا لَا يُقْبَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ بِتَكْمِيلِ حَدِّ الْأَحْرَارِ وَهَذَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِأَنَّهُ مُكَمِّلٌ لِلْعُقُوبَةِ وَالْمُكَمِّلُ كَالْمُوجِبِ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ وُجُودًا عِنْدَهُ كَمَا يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ وُجُوبًا وَضَرَرُ الْعُقُوبَةِ لَا يَثْبُتُ بِالْوُجُوبِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالْوُجُودِ وَالِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ لَهُ حُكْمُ الْعِلَلِ وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ لَيْسَ بِعِلَّةِ عُقُوبَةٍ وَلَا سَبَبٍ وَلَا شَرْطٍ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَا يَكُونُ مُوجِبًا وَهُوَ لَيْسَ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ وَإِنَّمَا أَوْجَبَهَا الزِّنَا وَالسَّبَبُ مَا يَكُونُ مُفْضِيًا وَهُوَ لَيْسَ بِمُفْضٍ بَلْ هُوَ مَانِعٌ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ كُلِّهَا تَمْنَعُ عَنْ الْقَبَائِحِ وَالشَّرْطُ مَا يُوجِدُ الْعِلَّةَ بِصُورَتِهَا وَيَتَوَقَّفُ انْعِقَادُهُ عِلَّةً عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَيْهِ دُونَ الْوُجُوبِ كَدُخُولِ الدَّارِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَأَمَّا الزِّنَا قَبْلَ الْإِحْصَانِ لَمْ يُوجَدْ بِصُورَتِهِ حَتَّى يَنْعَقِدَ عِلَّةً لِوُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى وُجُودِ الْإِحْصَانِ وَلَا يُضَافُ وُجُودُ الرَّجْمِ إلَيْهِ فَكَانَ عَلَامَةً بِمَعْنَى أَنَّهُ مُعَرِّفٌ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الرَّجْمُ إذَا وُجِدَ مِنْهُ الزِّنَا وَالْحُكْمُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى الْعَلَامَةِ لَا وُجُوبًا وَلَا وُجُودًا وَلَا إفْضَاءً فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَمِّلٍ لِلْعُقُوبَةِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ بِالْإِحْصَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الذُّكُورَةُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ بِسَبْقِ التَّارِيخِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ الْمُسْلِمُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِيمَا يُنْكِرُهُ الْمُسْلِمُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَالْإِحْصَانُ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يُوجِبُ عُقُوبَةً أَوْ ضَرَرًا وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي شَيْءٍ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْصَانُ مُوجِبًا لِلْعُقُوبَةِ بَلْ هُوَ أَوْصَافٌ حَمِيدَةٌ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالتَّزَوُّجِ وَالْإِسْلَامِ كُلُّهَا تُنَافِي الْعُقُوبَةَ بِخِلَافِ التَّزْكِيَةِ فَإِنَّهَا مُكَمِّلَةٌ لِلْعِلَّةِ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا قَوْلُ النِّسَاءِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَكَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِهِ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَجَامَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا وَلَوْ قَالُوا دَخَلَ بِهَا يَكْفِي عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَكْفِي وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ إحْصَانُهُ وَلِأَنَّ لَفْظَةَ الدُّخُولِ مُشْتَرَكٌ يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَطْءِ وَفِي الزِّفَافِ وَفِي الْخَلْوَةِ وَالزِّيَارَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ بِالشَّكِّ كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَرَبَهَا أَوْ أَتَاهَا وَلَهُمَا أَنَّ الدُّخُولَ مَتَى أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ بِحَرْفِ الْبَاءِ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] الْمُرَادُ الْجِمَاعُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» أَيْ جَامَعَهَا وَفِي الْعُرْفِ إذَا قِيلَ فُلَانٌ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ يُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ دُونَ الْخَلْوَةِ وَإِذَا خَلَا بِهَا يُقَالُ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهُوَ بِمَعْنَى الزِّيَارَةِ وَلَوْ خَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ وَطِئْتُهَا وَأَنْكَرَتْ صَارَ مُحْصَنًا دُونَهَا وَكَذَا لَوْ قَالَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ كُنْتُ نَصْرَانِيَّةً وَقَالَ كَانَتْ مُسْلِمَةً وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ مُحْصَنًا يُحَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّهُ وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَا يَضْمَنُونَ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ هَلْ هُوَ شَرْطٌ مُكَمِّلٌ لِلْعِلَّةِ وَهُوَ الزِّنَا أَوْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ شَرِبَ خَمْرًا فَأُخِذَ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ أَوْ كَانَ سَكْرَانًا وَلَوْ بِنَبِيذٍ وَشَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ أَقَرَّ مَرَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكُلِّهَا) الْوَاوُ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) أَيْ بَعْدَ ظُهُورِ الزِّنَا اهـ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ) أَيْ قَبْلَ ظُهُورِ الزِّنَا اهـ. [بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ] (بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ) قُدِّمَ حَدُّ الزِّنَا عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي الزِّنَا أَشَدُّ وَلِهَذَا كَانَ حَدُّ الزِّنَا مِائَةً أَوْ رَجْمًا فِي الْحُرِّ وَحَدُّ الشُّرْبِ ثَمَانُونَ فِي الْحُرِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَرْبَعُونَ كَمَا فِي الْعَبْدِ يُحَقِّقُهُ مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك قَالَ ثُمَّ أَيُّ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَك قَالَ ثُمَّ أَيُّ قَالَ أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِك» قَالَ وَأَنْزَلَ تَصْدِيقَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] الْآيَةَ وَأُخِّرَ حَدُّ الْقَذْفِ عَنْ حَدِّ الشُّرْبِ لِتَيَقُّنِ الْجَرِيمَةِ فِي الشَّارِبِ دُونَ الْقَاذِفِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَدَقَ فِي الْقَذْفِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ زَانِيًا وَلِهَذَا كَانَ حَدُّ الْقَذْفِ أَخَفَّ الْجَمِيعِ وَتَأْخِيرُ حَدِّ السَّرِقَةِ لِمَا أَنَّهُ شُرِعَ لِصِيَانَةِ الْأَمْوَالِ وَالْمَالُ تَبَعٌ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ وَأُخِّرَ حَدُّ السَّرِقَةِ وَإِنْ كَانَ أَشَدَّ وَلِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَصِيَانَةِ الْأَنْسَابِ وَالْعَقْلِ آكَدُ مِنْ صِيَانَةِ الْمَالِ بَقِيَ أَنَّهُ أَخَّرَهُ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْمَالَ دُونَ الْعِرْضِ فَإِنَّهُ جُعِلَ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ عَنْ كُلِّ مَا تَكْرَهُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا فَأُخِذَ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَأُخِذَ أَيْ إلَى الْحَاكِمِ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ وَهُوَ غَيْرُ سَكْرَانٍ مِنْهَا وَيُعْرَفُ كَوْنُهُ يُحَدُّ إذَا كَانَ سَكْرَانًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَوْ سَكْرَانًا أَيْ جَاءُوا بِهِ إلَيْهِ سَكْرَانًا مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ النَّبِيذِ فَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَيْ بِالشُّرْبِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ عَدَمُ السُّكْرِ مِنْهَا وَفِي الثَّانِي وَهُوَ السُّكْرُ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَالشَّهَادَةُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مُقَيَّدَةٌ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا بِالشُّرْبِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ الرِّيحَ قَائِمٌ حَالَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ بِأَنْ يَشْهَدَا بِهِ وَبِالشُّرْبِ أَوْ يَشْهَدَا بِهِ فَقَطْ فَيَأْمُرَ الْقَاضِي بِاسْتِنْكَاهِهِ فَيُسْتَنْكَهُ وَيُخْبِرَهُ بِأَنَّ رِيحَهَا مَوْجُودٌ وَأَمَّا إذَا جَاءُوا بِهِ مِنْ بَعِيدٍ فَزَالَتْ الرَّائِحَةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَا بِالشُّرْبِ وَيَقُولَا أَخَذْنَاهُ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ لِأَنَّ مَجِيئَهُمْ بِهِ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُمْ أَخَذُوهُ فِي حَالِ قِيَامِ الرَّائِحَةِ فَيَحْتَاجُونَ إلَى ذِكْرِ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ خُصُوصًا بَعْدَ مَا حَمَلْنَا كَوْنَهُ سَكْرَانًا مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ فَإِنَّ رِيحَ الْخَمْرِ لَا تُوجَدُ مِنْ السَّكْرَانِ مِنْ غَيْرِهَا وَلَكِنَّ الْمُرَادَ هَذَا وَلِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِالشَّهَادَةِ مَعَ عَدَمِ الرَّائِحَةِ فَالْمُرَادُ فِي الثَّانِي أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ غَيْرِهَا مَعَ وُجُودِ رَائِحَةِ ذَلِكَ الْمُسْكِرِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْخَمْرِ وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا أَقَرَّ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ لِأَنَّ جِنَايَةَ الشُّرْبِ قَدْ ظَهَرَتْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ اهـ (قَوْلُهُ وَشَهِدَ رَجُلَانِ) وَإِنَّمَا

حُدَّ إنْ عُلِمَ شُرْبُهُ طَوْعًا وَصَحَا) لِحَدِيثِ أَنْسَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ» قَالَ وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ إلَى أَنْ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّمَا كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ إلَى أَنْ جَلَدَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَرَفَعَ الْقَتْلَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي السَّكْرَانِ «إنْ سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ سَكِرَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الزُّهْرِيُّ «فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَكْرَانٍ فِي الرَّابِعَةِ فَخَلَّى سَبِيلَهُ» وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ شُرْبُهُ طَوْعًا لِأَنَّ الشُّرْبَ مُكْرَهًا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ صَاحِيًا لِيُفِيدَ الضَّرْبُ وَهُوَ الْحَدُّ فَائِدَتَهُ وَالْمُرَادُ بِالسُّكْرِ مِنْ النَّبِيذِ الْأَنْبِذَةُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ أَوْ أَقَرَّ مَرَّةً مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَشْتَرِطُ الْإِقْرَارُ مَرَّتَيْنِ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ كَمَا فِي الزِّنَا قُلْنَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَقَرَّ أَوْ شَهِدَا بَعْدَ مُضِيِّ رِيحِهَا لَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ أَوْ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ أَوْ تَقَيَّأَهَا أَوْ رَجَعَ عَمَّا أَقَرَّ أَوْ أَقَرَّ سَكْرَانٌ بِأَنْ زَالَ عَقْلُهُ لَا) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا أَمَّا إذَا أَقَرَّ بَعْدَ ذَهَابِ رَائِحَتِهَا أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشَّاهِدَانِ بِذَلِكَ فَلِلتَّقَادُمِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِهِ وَهُوَ زَوَالُ الرَّائِحَةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يُقَدِّرُ التَّقَادُمَ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ كَمَا فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ اعْتِبَارًا بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُدُودِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يَتَحَقَّقُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَالرَّائِحَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْنَا وَشَهِدَ رَجُلَانِ وَلِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ لَا تَكُونُ مَقْبُولَةً لِأَنَّهَا مُورِثَةٌ لِلشُّبْهَةِ. اهـ. رَازِيٌّ قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَلِأَنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] اعْتَبَرَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ عَدَمِ نِصَابِ الرِّجَالِ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَتَهُ فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ وَتُهْمَةَ الضَّلَالِ وَالنِّسْيَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْحَدُّ فَائِدَتُهُ) أَيْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَدِّ الِانْزِجَارُ وَلَا يَحْصُلُ الِانْزِجَارُ إذَا حُدَّ فِي حَالِ السُّكْرِ لِعَدَمِ الْإِحْسَاسِ بِأَلَمِ الْحَدِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالسُّكْرِ مِنْ النَّبِيذِ الْأَنْبِذَةُ الْمُحَرَّمَةُ) أَيْ وَلِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ أَوْ أَقَرَّ مَرَّةً مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ وَزُفَرَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ مَرَّتَيْنِ) أَيْ فِي مَجْلِسَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ شَهِدَا بَعْدَ) بَعْدُ ظَرْفٌ لِلْفِعْلَيْنِ قَبْلَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ التَّقَادُمُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ) اعْلَمْ أَنَّ التَّقَادُمَ فِي الْحُدُودِ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ مَانِعٌ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا أَنَّ فِي تَقْدِيرِهِ اخْتِلَافًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِشَهْرٍ هَذَا فِي غَيْرِ حَدِّ الشُّرْبِ وَقَدَّرَ مُحَمَّدٌ فِيهِ أَيْضًا كَمَا فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ بِشَهْرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ) أَيْ لِأَنَّ وُجُودَ الرَّائِحَةِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا وَلِأَنَّهُ قَدْ تُوجَدُ رَائِحَتُهُ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ وَقَدْ يُتَكَلَّفُ لِزَوَالِ الرَّائِحَةِ مَعَ بَقَاءِ الْخَمْرِ فِي الْبَطْنِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْإِقْرَارُ بِالشُّرْبِ فَالتَّقَادُمُ لَا يُبْطِلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا لَا يُبْطِلُهُ فِي حَدِّ الزِّنَا بِالِاتِّفَاقِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُبْطِلُهُ التَّقَادُمُ كَمَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُتَّهَمُ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُتَّهَمُ فِي الشَّهَادَةِ بَعْدَ تَطَاوُلِ الْعَهْدِ وَذُكِرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ هَذَا عَظِيمٌ عِنْدِي مِنْ الْقَوْلِ أَنْ يَبْطُلَ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ وَأَنَا أُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ عَامًا أَنَّهُ كَانَ شَرِبَ النَّبِيذَ وَسَكِرَ تَقَادَمَ أَوْ لَمْ يَتَقَادَمْ وُجِدَ رِيحُهَا أَوْ لَمْ يُوجَدْ وَلَهُمَا أَنَّ حَدَّ الشُّرْبِ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَلَا يَصِحُّ إجْمَاعُهُمْ بِدُونِ رَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ اعْتَبَرَ هُوَ قِيَامَ الرَّائِحَةِ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ فَإِنْ قُلْت الشَّرْطُ يُوجِبُ وُجُودَ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَلَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ قُلْت عَدَمُ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الرَّائِحَةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ أَوْجَبَ عَدَمَ الْحُكْمِ بَلْ لِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْحَدِّ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَلِأَنَّ إجْمَاعَهُمْ لَا يَصِحُّ بِدُونِ رَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ لَمْ يَرَ الْحَدَّ عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّائِحَةِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدِي فِي الْإِقْرَارِ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ لِمَا بَيَّنَّا وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنْكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحُدُودِ إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا مُقِرًّا بِهَا الرَّدُّ وَالْإِعْرَاضُ وَعَدَمُ الِاسْتِمَاعِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَقَرَّ مَاعِزٌ فَكَيْفَ يَأْمُرُ ابْنُ مَسْعُودٍ بِالتَّلْتَلَةِ وَالْمَزْمَزَةِ وَالِاسْتِنْكَاهِ حَتَّى يَظْهَرَ سُكْرُهُ فَلَوْ صَحَّ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ جَاءَ فِي رَجُلٍ مُولَعٍ بِالشَّرَابِ مُدْمِنٍ فَاسْتَجَازَهُ لِذَلِكَ. اهـ. وَرَجَّحَ الْكَمَالُ أَيْضًا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالرَّائِحَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ فَالتَّقَادُمُ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ أَنَّهُ أَيْ هَذَا التَّقَادُمَ مُقَدَّرٌ بِالزَّمَانِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِحَدِّ الزِّنَا أَنَّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي أَوْ شَهْرٌ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَهَذَا لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يَتَحَقَّقُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِلَا شَكٍّ بِخِلَافِ الرَّائِحَةِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا قِيلَ يَقُولُونَ لِي انْكَهْ شَرِبْت مُدَامَةً ... فَقُلْت لَهُمْ لَا بَلْ أَكَلْت السَّفَرْجَلَا وَانْكَهْ بِوَزْنِ امْنَعْ وَنَكِهَ مِنْ بَابِهِ أَيْ أَظْهَرَ رَائِحَةَ فَمِهِ فَظَهَرَ أَنَّ رَائِحَةَ الْخَمْرِ مِمَّا تَلْتَبِسُ بِغَيْرِهَا فَلَا يُنَاطُ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ بِوُجُودِهَا وَلَا بِذَهَابِهَا وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَلْتَبِسُ عَلَى ذَوِي الْمَعْرِفَةِ فَلَا مُوجِبَ لِتَقْيِيدِ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ بِوُجُودِهَا وَلِأَنَّ الْمَعْقُولَ تَقَيُّدُ قَبُولِهَا بِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَالتُّهْمَةُ لَا تَتَحَقَّقُ فِي الشَّهَادَةِ بِسَبَبِ وُقُوعِهَا بَعْدَ ذَهَابِ الرَّائِحَةِ بَلْ بِسَبَبِ تَأْخِيرِ الْأَدَاءِ تَأْخِيرًا يُعَدُّ تَفْرِيطًا وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي تَقْدِيرِ يَوْمٍ وَنَحْوِهِ وَبِهِ تَذْهَبُ

يَقُولُونَ لِي انْكَهْ شَرِبْت مُدَامَةً ... فَقُلْتُ لَهُمْ لَا بَلْ أَكَلْتُ السَّفَرْجَلَا وَلَهُمَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ تَلْتِلُوهُ وَمَزْمِزُوهُ ثُمَّ اسْتَنْكَهُوهُ فَإِنْ وَجَدْتُمْ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَاجْلِدُوهُ وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ بَعْدَمَا ذَهَبَتْ رَائِحَتُهَا وَاعْتَرَفَ بِهِ فَعَزَّرَهُ وَلَمْ يَحُدَّهُ وَلَا يُقَالُ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِنَفْيِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلِأَنَّا نَقُولُ لَا بَلْ هُوَ اسْتِدْلَالٌ بِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ ثُبُوتَ هَذَا الْحَدِّ كَانَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَكَانَ إجْمَاعُهُمْ بِرَأْيِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ شَرَطَا فِيهِ الرَّائِحَةَ وَلَا إجْمَاعَ عِنْدَ عَدَمِ الرَّائِحَةِ وَمُطْلَقُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» مَخْصُوصٌ بِالْمُضْطَرِّ وَالْمُكْرَهِ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ أَيْضًا بِإِجْمَاعِهِمْ وَلِأَنَّ قِيَامَ الْأَثَرِ مِنْ أَقْوَى دَلَائِلِهِ عَلَى الْقُرْبِ فَيُقَدَّرُ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ لِعَدَمِ الْأَثَرِ فِيهَا فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُهُ وَالتَّمْيِيزُ مُمْكِنٌ لِمَنْ يَعْرِفُ وَإِنَّمَا يُشْتَبَهُ عَلَى الْجُهَّالِ وَكَوْنُهُ مُقِرًّا لَا يُنَافِي التَّأْكِيدَ بِاشْتِرَاطِ الرَّائِحَةِ كَمَا لَا يُنَافِي التَّأْكِيدَ فِي الزِّنَا بِاشْتِرَاطِ التَّكْرَارِ ثُمَّ الرَّائِحَةُ يُشْتَرَطُ وُجُودُهَا عِنْدَ التَّحَمُّلِ حَتَّى لَوْ أَخَذُوهُ وَرِيحُهَا يُوجَدُ فِيهِ ثُمَّ انْقَطَعَتْ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهُوا بِهِ إلَى الْإِمَامِ لِبُعْدِ مَسَافَةٍ يَجِبُ الْحَدُّ وَمِنْهُ احْتِرَازٌ بِقَوْلِهِ بَعْدَ مُضِيِّ رِيحِهَا لَا لِبُعْدِ مَسَافَةٍ وَلَوْ جَاءُوا بِهِ سَكْرَانًا يُشْتَرَطُ فِيهِ وُجُودُ الرَّائِحَةِ لِمَا ذَكَرْنَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَأَشَارَ فِي الْهِدَايَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَأَمَّا إذَا وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ أَوْ تَقَيَّأَهَا فَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَرِبَهَا مُكْرَهًا أَوْ مُضْطَرًّا وَالرَّائِحَةُ مُحْتَمَلَةٌ أَيْضًا فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالشَّكِّ وَكَذَا إذَا وُجِدَ سَكْرَانًا لَا يُحَدُّ لِاحْتِمَالِ مَا ذَكَرْنَا وَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ الْمُبَاحِ وَأَمَّا إذَا رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ فَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَعْمَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ كَسَائِرِ الْحُدُودِ وَهَذَا وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فَصَارَ شُبْهَةً وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ وَهُوَ سَكْرَانٌ فَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ وَفِي إقْرَارِهِ زِيَادَةُ الِاحْتِمَالِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَلَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ مِثْلَ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا إلَّا أَنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي السَّرِقَةِ فِي حَقِّ الْمَالِ وَلِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِأَنَّ السَّكْرَانَ لَا يَكَادُ يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ فَأُقِيمَ السُّكْرُ مَقَامَ الرُّجُوعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّائِحَةُ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ عُرِفَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي حَامِدٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ بِابْنِ أَخٍ لَهُ سَكْرَانَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ تَرْتَرُوهُ وَمَزْمِزُوهُ وَاسْتَنْكِهُوهُ فَفَعَلُوا فَرَفَعَهُ إلَى السِّجْنِ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْغَدِ وَدَعَا بِسَوْطٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَدُقَّتْ ثَمَرَتُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى صَارَتْ دِرَّةً ثُمَّ قَالَ لِلْجَلَّادِ اجْلِدْ وَارْجِعْ يَدَك وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَدُفِعَ بِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ كَوْنُ الشَّهَادَةِ لَا يُعْمَلُ بِهَا إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ فِيهِ شَهَادَةٌ مُنِعَ مِنْ الْعَمَلِ بِهَا لِقِيَامِ الرَّائِحَةِ وَقْتَ أَدَائِهَا بَلْ وَلَا إقْرَارٌ إنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ حَدَّهُ بِظُهُورِ الرَّائِحَةِ بِالتَّرْتَرَةِ وَالْمَزْمَزَةِ وَالتَّحْرِيكِ بِعُنْفٍ وَالتَّرْتَرَةُ وَالتَّلْتَلَةُ التَّحْرِيكُ وَهُمَا بِتَاءَيْنِ مَنْقُوطَتَيْنِ مِنْ فَوْقٍ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِأَنَّ بِالتَّحْرِيكِ تَظْهَرُ الرَّائِحَةُ مِنْ الْمَعِدَةِ الَّتِي كَانَتْ خَفِيَتْ وَكَانَ ذَلِكَ مَذْهَبَهُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ فَقَالَ مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَاَللَّهِ لَقَدْ قَرَأْتهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحْسَنْت فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إذْ وَجَدَ مِنْهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَقَالَ أَتَشْرَبُ الْخَمْرَ وَتُكَذِّبُ الْكِتَابَ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ ضَرَبَ رَجُلًا وَجَدَ مِنْهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ وَفِيهِ لَفْظُ رِيحِ شَرَابٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدَّهُ عِنْدَ وُجُودِ الرَّائِحَةِ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ لَا يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاطَ الرَّائِحَةِ مَعَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ هُوَ مَذْهَبٌ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَالْأَصَحُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ نَفْيُهُ وَمَا ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ يُعَارِضُ مَا ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ عَزَّرَ مَنْ وَجَدَ مِنْهُ الرَّائِحَةَ وَيَتَرَجَّحُ وَلِأَنَّهُ أَصَحُّ اهـ مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ يَقُولُونَ لِي انْكَهْ شَرِبْت مُدَامَةً الْبَيْتَ) يُرْوَى بِكَلِمَةِ قَدْ وَهِيَ رِوَايَةُ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ وَبِدُونِهَا وَهِيَ رِوَايَةُ الْفُقَهَاءِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَسْقُطُ الْهَمْزَةُ لِلْوَصْلِ مِنْ انْكَهْ فِي اللَّفْظِ وَعَلَى الثَّانِي تُحَرَّكُ بِالْكَسْرِ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ وَيَجُوزُ تَحْرِيكُ هَمْزَةِ الْوَصْلِ فِي الْحَشْوِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمُطْلَقُ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّمْيِيزُ مُمْكِنٌ) أَيْ بَيْنَ الرَّوَائِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِبُعْدِ مَسَافَةٍ يَجِبُ الْحَدُّ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَلَا يَكُونُ التَّقَادُمُ مَانِعًا عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الشَّهَادَةِ حِينَئِذٍ عَنْ عُذْرٍ فَلَا يُتَّهَمُونَ فِي التَّأْخِيرِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُدُودِ إذَا أَخَّرُوا الشَّهَادَةَ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فَكَذَا هُنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ وَهُوَ سَكْرَانٌ) اعْلَمْ أَنَّ السَّكْرَانَ إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ لَا يُؤْخَذُ بِهِ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ بَيَانُهُ أَنَّ السَّكْرَانَ إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى نَحْوَ حَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ لَا يُؤَاخَذُ بِمَا أَقَرَّ وَلَا يُحَدُّ لِأَنَّ كَلَامَهُ هَذَيَانٌ يُحْتَمَلُ الْكَذِبُ وَمَعَ احْتِمَالِ الْكَذِبِ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْحُدُودَ يُحْتَالُ لِدَرْئِهَا لَا لِإِثْبَاتِهَا إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمَسْرُوقَ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلَوْ أَقَرَّ بِحَدٍّ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ كَحَدِّ الْقَذْفِ أَوْ أَقَرَّ بِقِصَاصٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ بِعَتَاقٍ صَحَّ إقْرَارُهُ إلَّا أَنَّهُ يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ إذَا صَحَّا وَهَذَا لِأَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ حَقُّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَلَا يُقَامُ بِدُونِ دَعْوَى الْمَقْذُوفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَالسَّكْرَانُ كَالصَّاحِي فِيمَا فِيهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ عُقُوبَةً عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْآفَةَ عَلَى نَفْسِهِ فَإِذَا أَقَرَّ بِالْقَذْفِ سَكْرَانًا حُبِسَ حَتَّى يَصْحُوَ فَيُحَدَّ لِلْقَذْفِ ثُمَّ يُحْبَسَ حَتَّى يَخِفَّ عَنْهُ الضَّرْبُ فَيُحَدَّ لِلسُّكْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَذْفِ سَكْرَانًا وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِالسُّكْرِ مِنْ الْأَنْبِذَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَدِّ بِالسُّكْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُبَاحَةِ وَإِلَّا فَبِمُجَرَّدِ سُكْرِهِ لَا يُحَدُّ

الرُّجُوعَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى أَوْ سَرَقَ أَوْ شَرِبَ فِي حَالَةِ السُّكْرِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ فَيُعْتَبَرُ فِعْلُهُ فِيمَا يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَاعْتِقَادٍ بِخِلَافِ ارْتِدَادِهِ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ وَلَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ بِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَالِاعْتِقَادِ وَهُوَ شَرْطٌ فِيهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ كُفْرٌ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ أَسْلَمَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ كَإِسْلَامِ الْمُكْرَهِ وَهَذَا إذَا سَكِرَ بِالْمُحَرَّمِ وَأَمَّا إذَا سَكِرَ بِالْمُبَاحِ كَشُرْبِ الْمُضْطَرِّ وَالْمُكْرَهِ وَالْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ وَالدَّوَاءِ فَلَا تُعْتَبَرُ تَصَرُّفَاتُهُ كُلُّهَا وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ ثُمَّ بَيَّنَ حَدَّ السَّكْرَانِ بِقَوْلِهِ بِأَنْ زَالَ عَقْلُهُ وَهُوَ أَنْ لَا يَعْرِفَ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَا الرِّجَالَ مِنْ النِّسَاءِ وَلَا يَعْرِفَ شَيْئًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا هُوَ مَنْ يَهْذِي وَيَخْلِطُ جَدَّهُ بِهَزْلِهِ وَلِأَنَّهُ هُوَ السَّكْرَانُ فِي الْعُرْفِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ إذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَحَدُّ الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ سَوْطًا وَلَهُ أَنَّ الْحَدَّ عُقُوبَةٌ فَتُعْتَبَرُ النِّهَايَةُ فِي سَبَبِهِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَنِهَايَةُ السُّكْرِ أَنْ يَغْلِبَ السُّرُورُ عَلَى الْعَقْلِ فَيَسْلُبَ التَّمْيِيزَ أَصْلًا وَمَا دُونَهُ لَا يَخْلُو عَنْ شُبْهَةِ الصَّحْوِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] عَبَّرَ عَنْ الصَّحْوِ بِعِلْمِ مَا يَقُولُونَ فَكَانَ السُّكْرُ ضِدَّهُ وَهُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِمَا يَقُولُونَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَالْمُعْتَبَرُ الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ مَا قَالَاهُ بِالِاتِّفَاقِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْحُرُمَاتِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُعْتَبَرُ ظُهُورُ أَثَرِ السُّكْرِ فِي مَشْيِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَأَطْرَافِهِ وَهَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الصَّاحِيَ رُبَّمَا يَتَمَايَلُ فِي مَشْيِهِ وَالسَّكْرَانَ قَدْ لَا يَتَمَايَلُ وَيَمْشِي مُسْتَقِيمًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَدُّ السُّكْرِ وَالْخَمْرِ وَلَوْ شَرِبَ قَطْرَةً ثَمَانُونَ سَوْطًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرْبَعُونَ لِمَا رَوَيْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ» وَضَرَبَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُضْرَبَ شَارِبُ الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ» وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ جَلْدَةً رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَمَالِكٌ بِمَعْنَاهُ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَمَا رَوَاهُ كَانَ بِجَرِيدَتَيْنِ فَنَعْلَيْنِ فَيَكُونُ كُلُّ ضَرْبَةٍ بِضَرْبَتَيْنِ فَكَانَ حُجَّةً لَنَا وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى هَذَا قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «جُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَمْرِ بِنَعْلَيْنِ» فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ بَدَلَ كُلِّ نَعْلٍ سَوْطًا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْجَرِيدَتَانِ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمَا وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَجْلِدَ الْوَلِيدَ ثَمَانِينَ وَفِي رِوَايَةٍ أَرْبَعِينَ وَيَتَوَجَّهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ جَلَدَ الْوَلِيدَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُسْنَدِهِ وَكُلُّ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ ضَرْبِهِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ وَلِهَذَا جَلَدَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثَمَانِينَ بَعْدَمَا اسْتَشَارَ النَّاسَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْعَبْدِ نِصْفُهُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِّ الْعَبْدِ فِي الْخَمْرِ فَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ وَأَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَدْ جَلَدُوا عَبِيدَهُمْ نِصْفَ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَبْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفُرِّقَ عَلَى بَدَنِهِ كَحَدِّ الزِّنَا) لِأَنَّ تَكْرَارَ الضَّرْبِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَالْحَدُّ شُرِعَ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا وَيُتَوَقَّى الْمَوَاضِعُ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا فِي حَدِّ الزِّنَا لِمَا ذَكَرْنَا هُنَاكَ وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ إيصَالَ الْأَلَمِ بِالْبَدَنِ وَيُجَرَّدُ عَنْ ثِيَابِهِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا مُبَالَغَةً فِي الْإِيلَامِ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ كَحَدِّ الزِّنَا بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِقْرَارِهِ بِالسُّكْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ) أَيْ بَعْدَ الصَّحْوِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ) قَالَ الْكَمَالُ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ أَوْ الِاسْتِخْفَافِ وَبِاعْتِبَارِ الِاسْتِخْفَافِ حُكِمَ بِكُفْرِ الْهَازِلِ مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِهِ لِمَا يَقُولُ وَلَا اعْتِقَادَ لِلسَّكْرَانِ وَلَا اسْتِخْفَافَ لِأَنَّهُمَا فَرْعُ قِيَامِ الْإِدْرَاكِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ السَّكْرَانَ الَّذِي لَا تَبِينُ امْرَأَتُهُ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَنْطِقًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَدِّهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَقَوْلِهِمَا وَلِهَذَا لَمْ يُنْقَلْ خِلَافٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فَتُعْتَبَرُ النِّهَايَةُ فِي سَبَبِهِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ) أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الزِّنَا تُعْتَبَرُ الْمُخَالَطَةُ كَالْمَيْلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَفِي السَّرِقَةِ يُعْتَبَرُ الْأَخْذُ مِنْ الْحِرْزِ التَّامِّ فَكَذَا هُنَا اُعْتُبِرَ أَقْصَى غَايَاتِ السُّكْرِ وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ مَبْلَغًا لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَالرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ هَذَا الْمَبْلَغَ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ لَا يُحَدُّ وَلِأَنَّ السُّكْرَ نَاقِصٌ وَفِي النَّقْصِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا السُّكْرُ أَصْلًا وَلِأَنَّ حُرْمَتَهَا قَطْعِيَّةٌ لَا اجْتِهَادِيَّةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِنَّمَا اخْتَارُوا لِلْفَتْوَى قَوْلَهُمَا لِضَعْفِ وَجْهِ قَوْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ قَالَ يُؤْخَذُ فِي أَسْبَابِ الْحُدُودِ بِأَقْصَاهَا فَقَدْ سَلَّمَ أَنَّ السُّكْرَ يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْحَالَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا وَأَنَّهُ تَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ وَكُلُّ مَرْتَبَةٍ هِيَ سُكْرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَمْشِي مُسْتَقِيمًا) أَيْ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَدُّ السُّكْرِ) وَالسُّكْرُ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْكَافِ كَذَا السَّمَاعُ أَيْ حَدُّ الْخَمْرِ كَيْفَمَا شَرِبَهَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ عَنْ طَوْعٍ فَإِنَّ حُرْمَتَهَا قَطْعِيَّةٌ يَجِبُ الْحَدُّ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ مِنْهَا بِلَا اشْتِرَاطِ السُّكْرِ وَحَدُّ السُّكْرِ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ فَإِنَّ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ مَا لَمْ يَسْكَرْ وَلِأَنَّ حُرْمَتَهَا اجْتِهَادِيَّةٌ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ثَمَانُونَ سَوْطًا) أَيْ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفُرِّقَ عَلَى بَدَنِهِ) أَيْ وَإِنَّمَا يُفَرَّقُ الضَّرْبُ وَلِأَنَّ الْحَدَّ يُرَادُ بِهِ الطُّهْرَةُ مِنْ الذَّنْبِ وَجَمِيعُ الْأَعْضَاءِ تَحْتَاجُ إلَى التَّطْهِيرِ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الْمُسْتَثْنَاةِ فَإِنَّ الضَّرْبَ عَلَى الْوَجْهِ يُورَثُ الْمَثُلَةَ وَهِيَ مَنْهِيَّةٌ وَالضَّرْبَ عَلَى الْفَرْجِ وَالرَّأْسِ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ) أَيْ فَإِنَّهَا لَا تُنْزَعُ اهـ

[باب حد القذف]

وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُجَرَّدُ إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا قُلْنَا أَظْهَرْنَا التَّخْفِيفَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ حَيْثُ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ أَقَلَّ الْحُدُودِ عَدَدًا وَأَخَفَّ مِنْ حَدِّ الزِّنَا وَصْفًا فَلَا يُخَفَّفُ ثَالِثًا بِتَرْكِ التَّجْرِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الرَّمْيِ مُطْلَقًا وَمِنْهُ الْقَذَّافَةُ وَالْقَذِيفَةُ لِلْمِقْلَاعِ وَالتَّقَاذُفُ التَّرَامِي وَفِي الشَّرْعِ رَمْيٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الرَّمْيُ بِالزِّنَا صَرِيحًا وَهُوَ الْقَذْفُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ وَشَرْطُهُ إحْصَانُ الْمَقْذُوفِ وَعَجْزُ الْقَاذِفِ عَنْ إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَلَوْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ أَمْهَلَهُ الْقَاضِي إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُؤَخِّرُهُ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ وَبِالتَّأْخِيرِ يَتَضَرَّرُ الْمَقْذُوفُ بِالْعَارِ وَفِي الْمَجْلِسِ لَا يُعَدُّ تَأْخِيرًا كَتَأْخِيرِهِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْجَلَّادُ وَلَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِزِنًا مُتَقَادِمٍ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يُحَدَّ لِأَنَّ الزِّنَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الشَّهَادَةَ وُجِدَتْ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ فَتُعْتَبَرُ لِلدَّرْءِ عَنْ الزَّانِي لَا لِلْوُجُوبِ عَلَى الْقَاذِفِ كَشَهَادَةِ الْفُسَّاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ كَحَدِّ الشُّرْبِ كَمِيَّةً وَثُبُوتًا) أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ كَحَدِّ الشُّرْبِ عَدَدًا وَهُوَ ثَمَانُونَ جَلْدَةً وَكَذَا ثُبُوتًا حَتَّى يَثْبُتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهِمَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ عَلَى مَا مَرَّ فِي حَدِّ الزِّنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً بِزِنًا حُدَّ بِطَلَبِهِ مُفَرَّقًا) أَيْ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ مُفَرَّقًا عَلَى أَعْضَاءِ الْقَاذِفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. [بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ] (بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ) قَدْ ذَكَرَ وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَقَامَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَاجْتَنَبَ السَّبْعَ الْكَبَائِرَ نُودِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَدْخُلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ وَذُكِرَ مِنْهَا قَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ» وَتَعَلَّقَ الْحَدُّ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ مُسْتَنِدِينَ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] وَالْمُرَادُ بِالرَّمْيِ بِالزِّنَا حَتَّى لَوْ رَمَاهُ بِسَائِرِ الْمَعَاصِي غَيْرِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بَلْ التَّعْزِيرُ وَفِي النَّصِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ أَيْ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الزِّنَا وَهُوَ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهُودِ يَشْهَدُونَ عَلَيْهَا بِمَا رَمَاهَا بِهِ لِيَظْهَرَ بِهِ صِدْقُهُ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ وَلَا شَيْءَ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ إلَّا الزِّنَا ثُمَّ ثَبَتَ وُجُوبُ جَلْدِ الْقَاذِفِ لِلْمُحْصَنِ بِدَلَالَةِ هَذَا النَّصِّ لِلْقَطْعِ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ وَهُوَ صِفَةُ الْأُنُوثَةِ وَاسْتِقْلَالُ دَفْعِ عَارِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ بِالتَّأْثِيرِ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ فَهْمُهُ عَلَى ثُبُوتِ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ ثَمَانُونَ جَلْدَةً) يَعْنِي فِي الْحُرِّ لِأَنَّ الْقَاذِفَ إذَا كَانَ عَبْدًا فَحَدُّهُ أَرْبَعُونَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ عَلَى مَا مَرَّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً بِزِنًا) قَالَ الْهِدَايَةُ بِصَرِيحِ الزِّنَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِأَنْ قَالَ لِمُحْصَنٍ يَا زَانِي أَوْ لِمُحْصَنَةٍ أَوْ قَالَ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا أَوْ لَسْتَ لِأَبِيك وَأُمُّهُ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ اهـ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ مَنْ قَذَفَ أَحَدًا بِفِعْلٍ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْمَقْذُوفِ لَوْ ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْقَاذِفِ فَيَجِبُ الْحَدُّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً إذَا كَانَ حُرًّا وَأَرْبَعُونَ إذَا كَانَ عَبْدًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَاذِفُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ عَلَى الْمَقْذُوفِ لَوْ ظَهَرَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ وَيَجِبُ التَّعْزِيرُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ بِصَرِيحِ الزِّنَا يُحْتَرَزُ عَنْ الْقَذْفِ بِالْكِنَايَةِ كَقَائِلٍ صَدَقْتَ لِمَنْ قَالَ يَا زَانِي بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هُوَ كَمَا قُلْتَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّك زَانٍ فَقَالَ الْآخَرُ وَأَنَا أَشْهَدُ لَا حَدَّ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمَلٌ وَلَوْ قَالَ أَنَا أَشْهَدُ بِمِثْلِ مَا شَهِدْت بِهِ حُدَّ وَيُحَدُّ بِقَوْلِهِ زَنَى فَرْجُكِ وَبِقَوْلِهِ زَنَيْتِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَمَا قَطَعَ كَلَامَهُ وَأَنْتِ مُكْرَهَةٌ بِخِلَافِهِ مَوْصُولًا وَكَذَا إذَا قَالَ لَيْسَتْ أُمِّي بِزَانِيَةٍ أَوْ أَبِي فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَسُفْيَانُ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ وَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ يُحَدُّ بِالتَّعْرِيضِ لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الْحَدَّ فِي التَّعْرِيضِ وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَلَدَ رَجُلًا بِالتَّعْرِيضِ وَلِأَنَّهُ إذَا عُرِفَ الْمُرَادُ بِدَلِيلِهِ مِنْ الْقَرِينَةِ صَارَ كَالصَّرِيحِ قُلْنَا لَمْ يَعْتَبِرْ الشَّارِعُ مِثْلَهُ فَإِنَّا رَأَيْنَاهُ حَرَّمَ صَرِيحَ خِطْبَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي الْعِدَّةِ وَأَبَاحَ التَّعْرِيضَ فَقَالَ {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] وَقَالَ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] فَإِذَا ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ نَفْيُ اتِّحَادِ حُكْمِهِمَا فِي غَيْرِ الْحَدِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْتَبَرَ مِثْلُهُ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْحَدَّ الْمُحْتَاطَ فِي دَرْئِهِ وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يُلْزِمْ. الْحَدَّ لِلَّذِي قَالَ إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ» يُعَرِّضُ بِنَفْيِهِ فَغَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّ إلْزَامَ حَدِّ الْقَذْفِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الدَّعْوَى وَالْمَرْأَةُ لَمْ تَدَّعِ وَأُورِدَ أَنَّ الْحَدِيثَ يَثْبُتُ بِنَفْيِ النَّسَبِ وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ وَوُرُودُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ وَلَيْسَ حُجَّةً فِي الرِّوَايَاتِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا بِالِاقْتِضَاءِ وَالثَّابِتُ مُقْتَضًى كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ وَالْحَقُّ أَنْ لَا دَلَالَةَ اقْتِضَاءٍ فِي ذَلِكَ لِمَا سَيَظْهَرُ بَلْ حَدُّهُ بِالْأَثَرِ وَالْإِجْمَاعِ فَهُوَ وَارِدٌ لَا يَنْدَفِعُ وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] إلَى قَوْلِهِ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَالْمُرَادُ الرَّمْيُ بِالزِّنَا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِي الْآيَةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ شَرَطَ أَرْبَعَةَ شُهَدَاءَ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الزِّنَا وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي الْمُحْصَنَاتِ لَكِنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ فِي الْمُحْصَنِينَ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَعْنَى وَهُوَ دَفْعُ الْعَارِ يَشْمَلُهُمَا فَكَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُمْ دَلَالَةً وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «لَمَّا أُنْزِلَتْ الْآيَةُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ وَتَلَا الْآيَةَ فَلَمَّا نَزَلَ أَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَكَانُوا قَاذِفِينَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ الْقَاذِفُ بِالزِّنَا بِأَنْ قَالَ جَامَعْتُ فُلَانَةَ حَرَامًا، أَوْ فَجَرْتُ بِهَا وَنَحْوُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْجِمَاعَ الْحَرَامَ قَدْ يَكُونُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا يُقَالُ يَجِبُ الْحَدُّ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ لَسْتَ لِأَبِيك وَهُوَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الزِّنَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ وَلِأَنَّا نَقُولُ فِيهِ نِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَالْمُقْتَضَى إذَا ثَبَتَ يَثْبُتُ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَيَجِبُ الْحَدُّ إذْ الثَّابِتُ اقْتِضَاءً كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ وَشُرِطَ طَلَبُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ حَقَّهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ عَنْ نَفْسٍ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يُفَرَّقُ عَلَى بَدَنِهِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي حَدِّ الشُّرْبِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الزِّنَا مِنْ الْمَقْذُوفِ حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَتْقَاءَ أَوْ مَجْبُوبًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلِأَنَّهُمَا لَا يَلْحَقُهُمَا الْعَارُ بِذَلِكَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ وَكَذَا قَذْفُ الْأَخْرَسِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلِأَنَّ طَلَبَهُ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَلَعَلَّهُ لَوْ كَانَ يَنْطِقُ لَصَدَّقَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ غَيْرُ الْفَرْوِ وَالْحَشْوِ) لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ فَيُنْزَعَانِ وَلَا يُنْزَعُ غَيْرُهُمَا إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ فَلَا يُقَامُ عَلَى الشِّدَّةِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ التَّشْدِيدُ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ رَدُّ شَهَادَتِهِ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الْإِجْحَافُ بِهِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ لِأَنَّ سَبَبَهُمَا مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَلَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الْجَلْدِ فَيُشَدَّدُ عَلَيْهِمَا بِالتَّجْرِيدِ وَبِزِيَادَةِ وَصْفِ الشِّدَّةِ فِي الضَّرْبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِحْصَانُهُ بِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا حُرًّا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ زِنًا) وَأَرَادَ بِالْمُكَلَّفِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا الزِّنَا إذْ الزِّنَا فِعْلٌ مُحَرَّمٌ وَذَلِكَ بِالتَّكْلِيفِ وَلِأَنَّهُمَا لِعَدَمِ عَقْلِهِمَا أَوْ لِقُصُورِهِ لَا يَقِفَانِ عَلَى عَوَاقِبِ الْأُمُورِ فَلَا يَلْحَقُهُمَا الشَّيْنُ بِهِ وَالْعَقْلُ زَاجِرٌ عَنْ ارْتِكَابِ مَا لَهُ عَاقِبَةٌ ذَمِيمَةٌ وَكَمَالُهُ بِالْبُلُوغِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَلَفْظُ الْإِحْصَانِ يَنْتَظِمُ الْحُرِّيَّةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرِ وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرَ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَيَنْتَظِمُ الْعِفَّةَ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] أَيْ الْعَفَائِفُ وَقِيلَ الْحَرَائِرُ وَلِأَنَّ الْمَقْذُوفَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَفِيفًا يَكُونُ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ وَالصِّدْقُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَعِنْدَ اجْتِمَاعِ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا يَجِبُ الْحَدُّ فَيَكُونُ الْكُلُّ وَهِيَ خَمْسُ شَرَائِطَ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] فَإِذَا فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ لَسْتَ لِأَبِيك أَوْ لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَذْفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِصَرِيحِ الزِّنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِالْعَرَبِيِّ أَوْ النَّبَطِيِّ أَوْ الْفَارِسِيِّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُحَدُّ لَوْ قَالَ لَهَا زَنَيْتِ بِحِمَارٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْرٍ لِأَنَّ الزِّنَا إدْخَالُ رَجُلٍ ذَكَرَهُ إلَخْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا زَنَيْتِ بِنَاقَةٍ أَوْ ثَوْرٍ أَوْ أَتَانٍ أَوْ دَرَاهِمَ حَيْثُ يُحَدُّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ زَنَيْتِ وَأَخَذْت الْبَدَلَ إذْ لَا تَصْلُحُ الْمَذْكُورَاتُ لِلْإِدْخَالِ فِي فَرْجِهَا وَلَوْ قِيلَ هَذَا الرَّجُلُ لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْعُرْفُ فِي جَانِبِهِ أُخِذَ الْمَالُ وَلَوْ قَالَ زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَوْ جَامَعَك فُلَانٌ جِمَاعًا حَرَامًا لَا يُحَدُّ لِعَدَمِ الْإِثْمِ وَلِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ وَالْجِمَاعُ الْحَرَامُ يَكُونُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَكَذَا لَا يُحَدُّ بِقَوْلِهِ يَا حَرَامٌ زَادُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ حَرَامٍ زِنًا وَلَا بِقَوْلِهِ أَشْهَدَنِي رَجُلٌ أَنَّك زَانٍ لِأَنَّهُ حَاكٍ لِقَذْفِ غَيْرِهِ وَلَا بِقَوْلِهِ أَنْتَ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَزَنَى الزِّنَا لِأَنَّ أَفْعَلَ فِي مِثْلِهِ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّرْجِيحِ فِي الْعِلْمِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ وَسَيَأْتِي خِلَافُهُ فِي فُرُوعٍ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ فَلَمَّا نَزَلَ أَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ) وَالرَّجُلَانِ هَذَانِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَمِسْطَحُ بْنُ أَثَاثَةَ وَالْمَرْأَةُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ. اهـ. زَرْكَشِيٌّ (قَوْلُهُ دَفْعِ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ) فَإِذَا لَمْ يُطَالِبْ الْمَقْذُوفُ فَقَدْ تَرَكَ حَقَّهُ فَلَا يُسْتَوْفَى الْحَدُّ حِينَئِذٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُنْزَعُ غَيْرُ الْفَرْوِ وَالْحَشْوِ) أَيْ الثَّوْبِ الْمَحْشُوِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ) قَالَ الْكَمَالُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ ذُو بِطَانَةٍ غَيْرُ مَحْشُوٍّ لَا يُنْزَعُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَوْقَ قَمِيصٍ يُنْزَعُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَ الْقَمِيصِ كَالْمَحْشُوِّ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَيَمْنَعُ إيصَالَ الْأَلَمِ الَّذِي يَصْلُحُ زَاجِرًا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ سَبَبَهُ) أَيْ سَبَبَ حَدِّ الْقَذْفِ وَهُوَ كَذِبُهُ فِي النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِحْصَانُهُ) أَيْ الْمَقْذُوفِ اهـ (قَوْلُهُ أَيْ الْعَفَائِفُ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي الْعِفَّةِ قَالَ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالزِّنَا وَلَا بِشُبْهَةٍ وَلَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فِي عُمْرِهِ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً يُرِيدُ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ أَوْ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ كَمَا إذَا وَطِئَ امْرَأَةً فِي الْحَيْضِ أَوْ أَمَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَبَّدَةً سَقَطَ إحْصَانُهُ كَمَا إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَوْ مَسَّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا فَدَخَلَ بِهَا أَوْ أُمِّهَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ وَلَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا وَدَخَلَ بِهَا سَقَطَ إحْصَانُهُ اهـ لَفْظُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بِنْتِ الْمَمْسُوسَةِ بِشَهْوَةٍ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُصَحِّحُونَ نِكَاحَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا) أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَى قَاذِفِهِ الْحَدُّ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَسْتَ لِأَبِيك أَوْ) لَيْسَ هَذَا

فِي غَضَبٍ حُدَّ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مُحْصَنَةً لِأَنَّهُ قَذْفٌ لِأُمِّهِ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ كَانَ مِنْ الزِّنَا ضَرُورَةً إذْ لَا نِكَاحَ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ مِثْلُهُ لَمَا وَجَبَ الْحَدُّ أَبَدًا وَفِيهِ أَثَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَا حَدَّ إلَّا فِي قَذْفِ مُحْصَنَةٍ أَوْ نَفْيِ رَجُلٍ مِنْ أَبِيهِ وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ فِي غَضَبٍ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْغَضَبِ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمُعَاتَبَةُ أَيْ أَنْتَ لَا تُشْبِهُ أَبَاك فِي الْمُرُوءَةِ وَالسَّخَاءِ فَلَا يُحَدُّ مَعَ الِاحْتِمَالِ وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ يُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةُ فَيُحَدُّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنَّك ابْنُ فُلَانٍ لِغَيْرِ أَبِيهِ يُحَدُّ إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الْمُشَاتَمَةِ لِأَنَّ غَرَضَهُ نَفْيُ نَسَبِهِ وَنِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا وَإِنْ كَانَ فِي حَالَةِ الرِّضَا لَا يُحَدُّ لِأَنَّ غَرَضَهُ أَنَّ أَخْلَاقَهُ تُشْبِهُ أَخْلَاقَ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَكَأَنَّهُ ابْنُهُ فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ قَذْفًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ وَلَكِنْ أَوْجَبْنَاهُ اسْتِحْسَانًا فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَثَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَى الْوِلَادَةَ عَنْ أَبَوَيْهِ بِأَنْ قَالَ لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ وَلَا فُلَانَةَ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَذْفُ أُمِّهِ لَا لَفْظًا وَلَا اقْتِضَاءً لِأَنَّ نَفْيَ الْوِلَادَةِ نَفْيٌ لِلْوَطْءِ وَفِيهِ نَفْيُ الزِّنَا لَا إثْبَاتُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي غَيْرِهِ لَا كَنَفَيْهِ عَنْ جَدِّهِ وَقَوْلِهِ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ وَيَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ وَنِسْبَتِهِ إلَى عَمِّهِ وَخَالِهِ وَرَابِّهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْغَضَبِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ كَمَا لَا يَجِبُ بِنَفْيِهِ عَنْ جَدِّهِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ وَالْمُرَادُ بِرَابِّهِ مَنْ رَبَّاهُ وَهُوَ زَوْجُ أُمِّهِ فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ كُلُّهَا لَا تَكُونُ قَذْفًا لَمَّا نُبَيِّنُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى الِانْفِرَادِ أَمَّا إذَا قَالَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْغَضَبِ لَسْتَ لِأَبِيك وَنَحْوَهُ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا إذَا نَفَاهُ عَنْ جَدِّهِ فَلِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي كَلَامِهِ فَإِنَّهُ ابْنُ أَبِيهِ لَا ابْنُ جَدِّهِ وَأَمَّا إذَا قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ فَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْأَخْلَاقِ وَعَدَمِ الْفَصَاحَةِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ لِلْمِصْرِيِّ أَنْتَ رُسْتَاقِيٌّ وَأَنْتَ قَرَوِيٌّ وَيُرَادُ بِهِ مَا ذَكَرْنَا لَا الْقَذْفُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هُوَ قَذْفٌ فَيُحَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَا نَبَطِيُّ فَقَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ، لَوْ نَسَبَهُ إلَى قَبِيلَةٍ أُخْرَى غَيْرَ قَبِيلَتِهِ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا هُوَ أَوْ نَفَاهُ عَنْ قَبِيلَتِهِ وَأَمَّا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ فَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْجُودِ وَالسَّمَاحَةِ وَالصَّفَاءِ وَكَانَ عَامِرُ بْنُ حَارِثَةَ يُلَقَّبُ بِمَاءِ السَّمَاءِ لِكَرَمِهِ وَقَالُوا بِأَنَّهُ كَانَ يُقِيمُ مَالَهُ فِي الْقَحْطِ مَقَامَ الْقَطْرِ وَسُمِّيَتْ أُمُّ الْمُنْذِرِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بِمَاءِ السَّمَاءِ لِحُسْنِهَا وَجَمَالِهَا وَقِيلَ لِأَوْلَادِهَا بَنُو مَاءِ السَّمَاءِ وَهُمْ مُلُوكُ الْعِرَاقِ وَأَمَّا إذَا نَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ مُرَبِّيهِ فَلِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ عَادَةً مَجَازًا وَكَذَا إذَا نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إسْرَائِيلَ وَبَنِيهِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] وَإِبْرَاهِيمُ كَانَ جَدَّهُ وَإِسْحَاقُ أَبَاهُ وَإِسْمَاعِيلُ عَمَّهُ وَقَالَ تَعَالَى {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] يَعْنِي أَبَاهُ وَخَالَتَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَالُ أَبٌ» وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] قِيلَ إنَّهُ كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ وَنِسْبَتُهُ إلَى الْمُرَبِّي فِي الْكِتَابِ دُونَ زَوْجِ الْأُمِّ تُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ لِلتَّرْبِيَةِ لَا غَيْرُ حَتَّى لَوْ نَسَبَهُ إلَى مَنْ رَبَّاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِزَوْجٍ لِأُمِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ اهـ ثُمَّ إنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ لَسْتَ لِأَبِيك لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لَسْتَ لِأُمِّك لَا يُحَدُّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ وَذَاكَ لِأَنَّهُ صَدَقَ لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَى الْآبَاءِ لَا إلَى الْأُمَّهَاتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي غَضَبٍ) ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ خِلَافَ الْأُولَى وَفِي الدِّرَايَةِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْغَضَبُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَجِيءُ اهـ قَالَ فِي النُّقَايَةِ مَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا أَيْ حُرًّا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ الزِّنَا بِصَرِيحِهِ أَوْ بِلَسْتَ لِأَبِيك أَوْ بِلَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ بِغَضَبٍ وَهُوَ أَبُوهُ حُدَّ ثَمَانِينَ سَوْطًا قَالَ الشُّمُنِّيُّ وَقَوْلُهُ فِي غَضَبٍ قَيْدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ بِقَوْلِهِ لَسْتَ لِأَبِيك لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُشْبِهُهُ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِهِ لَسْتَ لِأَبِيك لِأَنَّ أُمَّك وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَنْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ إحْصَانُ الْوَاطِئِ بِذَلِكَ قُلْت إنَّمَا وَجَبَ الْحَدُّ لِأَنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَذْفِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ بِهِ لِأَنَّ الشَّتْمَ إنَّمَا يَكُونُ فِي عَادَاتِ النَّاسِ بِنَفْيِ النَّسَبِ بِالزِّنَا لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ وَنَحْوِهِ فَيَثْبُتُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَسْتَ لِأَبِيك أُمُّك زَانِيَةٌ فَيُحَدُّ الْقَاذِفُ إذَا كَانَتْ هِيَ مُحْصَنَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَى الْوِلَادَةَ عَنْ أَبَوَيْهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا إذَا قَالَ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا فَلَا يَأْتِي فِيهِ تَفْصِيلٌ بَلْ يُحَدُّ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا حَلِيلَةَ فُلَانٍ لَا يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ اهـ. (قَوْلُهُ يَا نَبَطِيُّ) قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ النَّبَطُ قَوْمٌ يَنْزِلُونَ سَوَادَ الْعِرَاقِ قَالَ الْفَرَزْدَقُ فِي هَجْوِ طَيِّئٍ هُمْ نَبَطٌ مِنْ أَهْلِ حَوْرَانَ نِصْفُهُمْ ... وَمِنْ أَهْلِ عَيْنِ التَّمْرِ كَانَتْ سُطُورُهَا وَفَسَّرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ النَّبَطِيَّ بِرَجُلٍ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ اهـ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَالِقِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْمَقَالَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ كِتَابِ دِيسْقُورِيدُوس وَبِلَادِ الْجَرَامِقَةِ هِيَ بِلَادُ النَّبَطِ وَهِيَ فِي بِلَادِ الرَّها وَالْمُوصِلِ وَالْجَزِيرَةِ فِيمَا وَصَفَهُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ إلَى هُنَا لَفْظُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ) قَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْسَبُ إلَى الْجَدِّ مَجَازًا مُتَعَارَفًا وَفِي بَعْضِ أَصْحَابِنَا ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَأَمِيرُ حَاجٍّ جَدُّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ إسْرَائِيلُ) أَيْ يَعْقُوبُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ تَعَالَى {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ} [يوسف: 100] إلَخْ) قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ} [الأحزاب: 55] إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْعَمَّ وَالْخَالَ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ قِيلَ إنَّهُ كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ) يُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ

وَجَبَ أَنْ لَا يُحَدَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ فَطَلَبَ الْوَالِدُ أَوْ الْوَلَدُ أَوْ وَلَدُهُ) أَيْ وَلَدُ الْوَلَدِ (حُدَّ) لِأَنَّهُ قَذَفَ مُحْصَنَةً بَعْدَ مَوْتِهَا وَلِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ مُطَالَبَةٌ لِوُقُوعِ الْقَدْحِ فِي نَسَبِهِمْ بِقَذْفِهَا فَيُحَدُّ بِطَلَبِهِمْ دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْهُمْ وَلَا يُطَالِبُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ وَهُمْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ لِأَنَّهُمْ يَلْحَقُهُمْ الْعَارُ بِذَلِكَ وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا لِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ فَكَانَ الْقَذْفُ مُتَنَاوِلًا لَهُمْ مَعْنًى لِأَنَّ الْعَارَ نَوْعُ ضَرَرٍ وَالضَّرَرُ الرَّاجِعُ إلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ كَالرَّاجِعِ إلَى نَفْسِهِ وَكَذَا النَّفْعُ الرَّاجِعُ إلَيْهِمْ كَالنَّفْعِ الرَّاجِعِ إلَى نَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لَهُمْ وَدَفْعَ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ وَمَنْعَ الْوَكِيلِ مِنْ الْبَيْعِ لَهُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ لِوَلَدِ الْبِنْتِ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِيهِ لَا إلَى أُمِّهِ فَلَا يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ بِزِنَا أَبِي أُمِّهِ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّيْنَ يَلْحَقُهُ إذْ النَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ قُذِفَتْ أُمُّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَمَا خَاصَمَ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بِقَذْفِ أَبِيهَا إذْ الْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا وَلَوْ كَانَ أَصْلُ الْمُحْصَنِ أَوْ فَرْعُهُ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ الْقَذْفُ يَتَنَاوَلُهُ مَعْنًى لِرُجُوعِ الْعَارِ إلَيْهِ فَلَا يُطَالِبُ بِالْحَدِّ كَمَا إذَا تَنَاوَلَهُ صُورَةً وَمَعْنًى بِأَنْ قَذَفَ نَفْسَهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَلَنَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ إذْ الْكُفْرُ أَوْ الرِّقُّ لَا يُنَافِيهِ وَقَدْ عَيَّرَهُ بِنِسْبَةِ مُحْصَنٍ إلَى الزِّنَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْحَدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ فَلَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ عَلَى الْكَمَالِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ شَرَفِ الْمَنْسُوبِ إلَى الزِّنَا وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ قِيَامِ الْوَلَدِ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ إنَّ الشَّيْنَ يَلْحَقُهُ فَوْقَ مَا يَلْحَقُ وَلَدَ الْوَلَدِ فَصَارَ هُوَ مَعَهُ كَالْمَقْذُوفِ مَعَ وَلَدِهِ فَاعْتُبِرَ هَذَا بِالْكَفَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ فِي الْخُصُومَةِ لِلْأَبْعَدِ مَعَ الْأَقْرَبِ وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الْخُصُومَةِ بِاعْتِبَارِ لُحُوقِ الْعَارِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَا قَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ الْإِرْثُ فِي الْقَذْفِ وَهُنَاكَ يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْمَقْذُوفِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مَعَهُ حَقٌّ لِأَنَّ حَقَّ الْخُصُومَةِ لَهُ بِاعْتِبَارِ نَيْلِ الْقَاذِفِ مِنْ عَرْضِهِ وَلَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَا يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ فِيهِ حَقٌّ مَعَ وُجُودِهِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى فِيمَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ غَائِبًا هُوَ يَعْتَبِرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} [هود: 42]. اهـ. كَشَّافٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ) أَيْ مُحْصَنَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِكَوْنِ الْأُمِّ مُحْصَنَةً لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ عَلَى قَاذِفِ غَيْرِ الْمُحْصَنِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ الْإِحْصَانَ فِي الْآيَةِ ثُمَّ الْإِحْصَانُ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ وَالْبَيِّنَةُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَشْتَرِطُ رَجُلَيْنِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ قُبَيْلَ بَابِ الْحَدِّ فَإِنْ أَنْكَرَ الْقَاذِفُ وَعَجَزَ الْمَقْذُوفُ عَنْ الْبَيِّنَةِ لَا يَسْتَحْلِفُ الْقَاذِفَ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَثْبُتُ إحْصَانُهَا بِالظَّاهِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِوُقُوعِ الْقَدْحِ) أَيْ الطَّعْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُحَدُّ بِطَلَبِهِمْ إلَخْ) هَلْ لِلْأُصُولِ أَوْ الْفُرُوعِ مُطَالَبَةُ قَاذِفِ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ الزِّنَا بِأَنْ قَالَ كَانَ سَارِقًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ نَحْوَهُ هَلْ لَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّعْزِيرِ ذَكَرَهَا فِي آخِرِ الْقُنْيَةِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يُوجَدْ فِيهَا نَصٌّ وَلَا جَوَابٌ شَافٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُمْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ) فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَقْذِفُ الرَّجُلَ وَهُوَ مَيِّتٌ قَالَ لَا يَأْخُذُ بِالْحَدِّ إلَّا الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَعْنِي الْوَالِدَ وَالْجَدَّ وَإِنْ عَلَا وَالْوَلَدَ وَوَلَدَ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَدَّ يُسَمَّى أَبًا وَوَلَدَ الْوَلَدِ يُسَمَّى ابْنًا وَلَيْسَ لِلْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمِّ أَنْ يَأْخُذُوا بِالْحَدِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ لِكُلِّ وَارِثٍ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَعِنْدَنَا تَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ لِمَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ كَأَنَّهُ هُوَ الْمَقْذُوفُ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لِدَفْعِ الْعَارِ وَالْعَارُ إنَّمَا يَتَّصِلُ بِالْحَيِّ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا جُزْئِيَّةٌ كَالْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَإِلَّا فَلَا وَلِهَذَا صَارَ الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْأَخِ لِلْأُخْتِ وَبِالْعَكْسِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ وَلِهَذَا اقْتَصَرَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا عَلَى قَرَابَةِ الْوِلَادِ دُونَ سَائِرِ الْأَقَارِبِ فَلَمَّا كَانَ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لِقَرَابَةِ الْوِلَادِ كَانَ الْوَارِثُ وَغَيْرُ الْوَارِثِ سَوَاءً وَكَذَا الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ سَوَاءً أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ قَذَفَ مَيِّتًا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ وَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ أَنْ يُخَاصِمُوا سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ أَوْ الْوَالِدُ وَارِثًا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ فَلِلْبَاقِينَ أَنْ يُخَاصِمُوا لِأَنَّ النَّقِيصَةَ تَلْحَقُ بِهِمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ) يَعْنِي وَمِنْهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ (قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ مَيِّتًا بِأَنْ وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَقْذُوفِ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ وَلَا يُطَالِبُ بِهِ الِابْنُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَقْذُوفِ اهـ (قَوْلُهُ بِأَنْ قَذَفَ نَفْسَهُ) أَيْ بِأَنْ قَذَفَ إنْسَانٌ نَفْسَ الِابْنِ الْكَافِرِ أَوْ الِابْنِ الْعَبْدِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ لِكُفْرِهِ أَوْ رِقِّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكَفَاءَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا حَقُّ خُصُومَةِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْأَقْرَبِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» فَعُلِمَ تَرَتُّبُهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْمَ يُشْعِرُ بِهِ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّ حُكْمَهُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ فِيهِ حَقٌّ مَعَ وُجُودِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَكِنَّ لُحُوقَهُ لَهُمَا بِوَاسِطَةِ لُحُوقِهِ لِلْمَقْذُوفِ بِالذَّاتِ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُهُ مَقْصُودًا فَلَا يُطَالِبُ الْغَيْرُ بِمُوجِبِهِ إلَّا عِنْدَ الْيَأْسِ عَنْ مُطَالَبَتِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَيِّتًا فَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ غَائِبًا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهِ وَلَا لِوَالِدِهِ الْمُطَالَبَةُ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْغَائِبُ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ يَثْبُتُ لِلْأَبِ وَإِنْ عَلَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ رَجُلٌ قَذَفَ مَيِّتًا فَلِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ أَنْ يَأْخُذَ الْقَاذِفَ وَيَحُدَّهُ وَوَلَدُ الِابْنِ

بِمَوْتِهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا وَاعْتِبَارُهُ بِمَوْتِهِ بَاطِلٌ لِأَنَّ بِالْمَوْتِ بَطَلَتْ أَهْلِيَّتُهُ وَلَمْ تُرْجَ خُصُومَتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَيًّا وَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحَقُّ إلَّا لِلْوَارِثِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى لَا يَكُونَ لِابْنِهِ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَأَوْلَادِ بِنْتِهِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ فَيُورَثُ وَعِنْدَنَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَثُبُوتُ الْخُصُومَةِ لِلْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الشَّيْنِ كَحَدِّ السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِصَاحِبِ الْمَالِ الْخُصُومَةُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَطْلُبُ وَلَدٌ وَعَبْدٌ أَبَاهُ وَسَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ) لِأَنَّهُمَا لَا يُعَاقَبَانِ بِسَبَبِهِمَا حَتَّى سَقَطَ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ» فَالْحَدُّ أَوْلَى لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِسَبَبِهِ وَكَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَادِقٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا وَلِأَنَّ مَا يَجِبُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ حَقًّا لِلْمَوْلَى فَلَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مُحَالٌ وَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ أَبٌ وَنَحْوُهُ وَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْحَدِّ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ لِأَنَّ سُقُوطَ حَقِّ بَعْضِهِمْ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّ الْبَاقِينَ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْعَبِيدِ يَسْتَحِقُّونَهُ بِالْمِيرَاثِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ بَعْضِهِمْ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءِ سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ ضَرُورَةً وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا لِلْعَبْدِ حَقُّ الْخُصُومَةِ إذَا لَحِقَهُ بِهِ شَيْنٌ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ فَبِسُقُوطِ حَقِّ بَعْضِهِمْ فِي الْخُصُومَةِ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْبَاقِينَ وَلِهَذَا كَانَ لِلْأَبْعَدِ مِنْهُمْ حَقٌّ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ لَا بِالرُّجُوعِ وَالْعَفْوِ) يَعْنِي حَدُّ الْقَذْفِ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ وَلَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ وَلَا بِالْعَفْوِ وَكَذَا بِمَوْتِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ يَبْطُلُ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقَّ الْعَبْدِ فَبِالنَّظَرِ إلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْعَفْوِ وَبِالنَّظَرِ إلَى حَقِّ الْعَبْدِ لَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّ فِيهِ الْحَقَّيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شُرِعَ لِصِيَانَةِ عَرْضِ الْعَبْدِ وَلِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَهُوَ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ صَارَ حَقًّا لِلْعَبْدِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَإخْلَاءً لِلْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ صَارَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا سُمِّيَ حَدًّا فَلَمَّا تَعَارَضَتْ فِيهِ الْأَدِلَّةُ تَعَارَضَتْ فِيهِ الْأَحْكَامُ أَيْضًا فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُبَاحُ الْقَذْفُ بِإِبَاحَتِهِ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ دُونَ الْمَقْذُوفِ وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا عِنْدَ سُقُوطِهِ وَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ وَلَا يَحْلِفُ الْقَاذِفُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ إلَى أَنْ يَثْبُتَ وَلَا يُورَثُ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَيَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ إحْصَانُهُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ، وَيُقِيمُهُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ، وَيُقَدَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى سَائِرِ الْحُدُودِ وَلَا يَبْطُلُ بِالرَّجْمِ، وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ عَنْ الْإِقْرَارِ فَإِذَا تَعَارَضَ فِيهِ الْحَقَّانِ كَانَ الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَلَدُ الْبِنْتِ سَوَاءٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا يَأْخُذُهُ بِذَلِكَ أَخٌ وَلَا عَمٌّ وَلَا جَدٌّ أَبُو الْأَبِ وَلَا أُمُّ الْأُمِّ وَلَا عَمَّةٌ وَلَا مَوْلَاةٌ اهـ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قُلْت قَدْ ظَهَرَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وِلَايَةِ مُطَالَبَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ بِقَذْفِ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ إنَّمَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ زُفَرُ عِنْدَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ فَمَا وَجْهُ مَا فِي قَاضِي خَانْ إذَا قَالَ جَدُّك زَانٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ قُلْنَا ذَاكَ لِلْإِبْهَامِ لِأَنَّ فِي أَجْدَادِهِ مَنْ هُوَ كَافِرٌ فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا مَا لَمْ يُعَيِّنْ مُسْلِمًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتَ ابْنُ الزَّانِيَةِ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِجَدِّهِ الْأَدْنَى فَإِنْ كَانَ أَوْ كَانَتْ مُحْصَنَةً حُدَّ، اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَطْلُبُ وَلَدٌ وَعَبْدٌ أَبَاهُ وَسَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ) أَيْ الَّتِي قَذَفَهَا فِي حَالِ مَوْتِهَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ بِأَنْ قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِهِ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ حُرَّةٌ أَوْ قَالَ لِابْنِهِ أَوْ لِابْنِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ بَعْدَ وَفَاةِ أُمِّهِ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ» إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَيْسَ لِلْوَلَدِ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ إذَا كَانَ الْقَاذِفُ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ وَإِنْ عَلَا أَوْ أُمَّهُ أَوْ جَدَّتَهُ وَإِنْ عَلَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ لَهَا) أَيْ لِزَوْجَتِهِ الْمَيِّتَةِ الَّتِي قَالَ لِوَلَدِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَلَدٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ حَدُّ الْقَذْفِ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبْطُلُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ إلَخْ) أَيْ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ لَا لِصِحَّةِ عَفْوِهِ بَلْ لِتَرْكِ طَلَبِهِ حَتَّى لَوْ عَادَ وَطَلَبَ يُحَدُّ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ وَكَذَا بِمَوْتِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ يَبْطُلُ) أَيْ الْبَاقِي عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ فَيَرِثُ الْوَارِثُ الْبَاقِيَ فَيُقَامُ عَلَيْهِ وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ وَحَقَّ الْعَبْدِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ) أَيْ كَالْقِصَاصِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ دُونَ الْمَقْذُوفِ) أَيْ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ) أَيْ كَالْعُقُوبَاتِ الْوَاجِبَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ التَّالِفِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُتْلِفِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ) أَيْ فَإِنَّهُ بَعْدَمَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْقَذْفُ وَالْإِحْصَانُ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ عَنْ الْقَاذِفِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ لَا يَصِحُّ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَمْ يَقْذِفْنِي أَوْ كَذَبَ شُهُودِي لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ خُصُومَتَهُ شَرْطٌ ثُمَّ قَالَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ يَصِحُّ الْعَفْوُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُقِيمُهُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ) أَيْ إذَا عَلِمَهُ فِي أَيَّامِ قَضَائِهِ وَلِذَا لَوْ قَذَفَ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي حَدَّهُ، وَإِنْ عَلِمَهُ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يُسْتَقْضَى ثُمَّ وَلِيَ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ حَتَّى يُشْهَدَ بِهِ عِنْدَهُ،. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا سَمِعَ إنْسَانًا يَقْذِفُ إنْسَانًا وَطُولِبَ بِذَلِكَ عِنْدَهُ لَا يَحْتَاج الْمَقْذُوفُ إلَى بَيِّنَةٍ بَلْ يَكْفِي عِلْمُ الْقَاضِي وَهُوَ سَمَاعُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ عَنْ الْإِقْرَارِ) اعْلَمْ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ يَصِحُّ لِعَدَمِ الْكَذِبِ أَمَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَفِيهِ الْحَقَّانِ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِوُجُودِ الْمُكَذِّبِ وَهُوَ الْعَبْدُ وَلِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ أَلْحَقَ

حَقَّ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ وَغِنَى الشَّرْعِ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَقَّانِ، وَنَحْنُ رَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَقْصُودِ وَالِاسْم فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ فَكَانَ فِيهِ أَمْرٌ كُلِّيٌّ يَرْجِعُ إلَى حَقِّ الْعَامَّةِ فَكَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ وَتَسْمِيَتُهُ بِالْحَدِّ يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِحْصَانُ وَلَا يَحْلِفُ فِيهِ الْقَاذِفُ وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا عِنْدَ السُّقُوطِ وَلَا يُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَمَا لِلْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ إذْ الْمَقْصُودُ وَاحِدٌ فَأَمْكَنَ مُرَاعَاتُهُ لِأَنَّ مَا لِلْعَبْدِ يَتَوَلَّاهُ مَوْلَاهُ وَلَا كَذَلِكَ الْعَكْسُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْعَبْدِ فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْحَقَّانِ وَلَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهُنَا أَمْكَنَ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ عَفْوَهُ يَصِحُّ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ بِهِ كَمَوْتِهِ قُلْنَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ فَيُطَالِبُ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِخِلَافِ مَوْتِهِ حَيْثُ لَا يُطَالِبُ بِهِ أَحَدٌ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ بِقَذْفِهِ أَلْحَقَ الْعَارَ بِالْمَقْذُوفِ قَصْدًا وَبِغَيْرِهِ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ تَبَعًا فَإِذَا بَطَلَ حَقُّهُ الْقَصْدِيُّ بِالْمَوْتِ بَطَلَ الضِّمْنِيُّ ضَرُورَةً وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقُّ الْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ وَأَجَابَ عَنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِجَوَابٍ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِنَا فَقَالَ فِي تَفْوِيضِ الْإِقَامَةِ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَهْتَدِي إلَى الْإِقَامَةِ وَإِنَّمَا لَا يُورَثُ لِكَوْنِهِ مُجَرَّدَ حَقٍّ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ لِهَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مِلْكِ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ عَفْوُهُ لِأَنَّهُ مَوْلًى عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْإِقَامَةِ وَلِأَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ فِي الْعَفْوِ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ رِضًا بِالْعَارِ وَالرِّضَا بِالْعَارِ عَارٌ وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ زَنَأْت فِي الْجَبَلِ وَعَنَى الصُّعُودَ حُدَّ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةً قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ وَارْقَأْ إلَى الْخَيْرَاتِ زَنْئًا فِي الْجَبَلِ أَيْ صُعُودًا وَذِكْرُ الْجَبَلِ يُقَرِّرُهُ مُرَادًا وَحَرْفُ " فِي " لَا يُنَافِي الصُّعُودَ كَمَا فِي الْبَيْتِ وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125] فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يُورِثَ الشُّبْهَةَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا اللَّفْظِ لِلْفَاحِشَةِ لَا لِلصُّعُودِ وَإِنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِيهِمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ زَنَأْتُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَبَلَ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لَا يُنَافِي الْفَاحِشَةَ لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَهْمِزُ الْمُلَيَّنَ يُقَالُ دَأْبَةٌ وَشَأْبَةٌ وَبَيْأَضٌ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَهْمِزُ مِنْ غَيْرِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَمَا يُلَيِّنُونَ الْمَهْمُوزَ كَرَاسٍ وَآدَمَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَهْمُوزِ وَالْمُلَيَّنِ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَعْنِ بِهِ الصُّعُودَ يَجِبُ الْحَدُّ إجْمَاعًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا أَوْ كَانَ مُحْتَمِلًا لَمَا وَجَبَ. وَذِكْرُ الْجَبَلِ إنَّمَا يُعَيِّنُ الصُّعُودَ إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى إذْ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ وَلِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَالسِّبَابِ وَدَلَالَةُ الْحَالِ تُرَجِّحُ جَانِبَ الْفَاحِشَةِ وَاسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ فِي بِمَعْنَى كَلِمَةِ عَلَى مَجَازٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] فَلَا تُزَاحِمُ الْحَقِيقَةَ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ مَعَ إمْكَانِهَا وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ زَنَيْتُ ثُمَّ قَالَ عَنَيْت بِهِ الزِّنَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَلَوْ قَالَ زَنَأْت عَلَى الْجَبَلِ قِيلَ يُحَدُّ وَقِيلَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى تُسْتَعْمَلُ فِي الصُّعُودِ وَفِي الْكَوْنِ فَوْقَهُ يُقَالُ زَيْدٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّيْنُ بِغَيْرِهِ ثُمَّ إذَا رَجَعَ يَكُونُ ذَلِكَ إبْطَالًا وَإِسْقَاطًا لِحَقِّ الْغَيْرِ فَلَا يُقْبَلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ) يَعْنِي الْبَزْدَوِيَّ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مَبْسُوطِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ وَأَطْلَقَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَالْعِبَارَتَانِ صَحِيحَتَانِ أَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ مِنْ حَقِّهِ لِمَا لَحِقَهُ مِنْ الشَّيْنِ بِقَذْفِهِ وَتَنَاوُلِهِ مِنْ عِرْضِهِ وَلَوْ لَمْ يُطَالِبْ لَمْ يُحَدَّ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَرَادَ بِهِ نَفْسَ الْحَدِّ لَا الْمُطَالَبَةِ إذْ لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِوَاحِدٍ وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ لِآخَرَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ يُطَالِبُ وَمِلْكُ الثَّمَنِ لِلْآمِرِ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ وَكِيلًا فَإِنَّ قَبْضَ الْعَبْدِ إلَيْهِ وَالْمِلْكَ لِلْآمِرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَى الْإِمَامِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الْإِمَامَةُ أَيْ لِمَنْ وَلِيَ الْإِمَامَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالرِّضَا بِالْعَارِ عَارٌ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ اهـ أَيْ كَوْنُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُغَلَّبًا أَظْهَرُ مِنْ كَوْنِ حَقِّ الْعَبْدِ مُغَلَّبًا وَعَلَى الْأَوَّلِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةً) أَيْ وَقَدْ أَرَادَ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ وَلَا يُحَدُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ وَارْقَأْ إلَى آخِرِ الشَّعْرِ) وَأُوِّلَ الشِّعْرُ أَشْبِهْ أَبَا أُمِّك أَوْ أَشْبِهْ جَمَلَ ... وَلَا تَكُونَنَّ كَهِلَّوْفٍ وَكُلْ يُصْبِحُ فِي مَضْجَعِهِ قَدْ انْجَدَلَ ... وَارْقَأْ إلَى الْخَيْرَاتِ إلَخْ الْجَمَلُ بِالْجِيمِ اسْمُ رَجُلٍ أَبِيٍّ حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ وَهُوَ جَمَلُ بْنُ سَعْدٍ وَالْهِلَّوْفُ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَالْكُلُّ الْعِيَالُ وَالِانْجِدَالُ السُّقُوطُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ قَالَتْ امْرَأَةٌ إلَخْ مَا نَصُّهُ أَيْ وَهِيَ تُرَقِّصُ ابْنَهَا وَقَوْلُهُ وَارْقَأْ هَكَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي الْمَهْمُوزِ رَقَأْتُ الدَّرَجَةَ لُغَةً مِنْ رُقِّيت وَأَنْشَدَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي مَادَّةِ هَلَفَ وَأَرَقَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُعْتَلٌّ لَا مَهْمُوزٌ اهـ وَقَوْلُهُ أَوْ أَشْبِهْ جَمَلَ أَنْشَدَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي مَادَّةِ هَلَفَ أَوْ أَشْبِهْ عَمَلَ ثُمَّ قَالَ وَعَمَلُ اسْمِ رَجُلٍ وَهُوَ خَالُهُ تَقُولُ لَا تُجَاوِزْنَا فِي الشَّبَهِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ عَنَيْت بِهِ الزِّنَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) أَيْ وَلَوْ قَالَ زَنَأْتُ بِدُونِ الصِّلَةِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ قَذْفًا بِدُونِ النِّيَّةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ هُوَ قَذْفٌ صَرِيحٌ لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا يَعْرِفُونَ بِهِ إلَّا الْقَذْفَ. اهـ. كَاكِيٌّ.

الْفَرَسِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ فَيُعْتَبَرُ الظَّاهِرُ أَوْ الْمُحْتَمَلُ فِي الْحُدُودِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ يَا زَانِي وَعَكَسَ حُدَّا) يَعْنِي لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِي وَعَكَسَ الْآخَرُ بِأَنْ قَالَ لَا بَلْ أَنْتَ يُحَدَّانِ جَمِيعًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَذَفَ صَاحِبَهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا بَلْ أَنْتَ الزَّانِي لِأَنَّ كَلِمَةَ بَلْ لِلْإِضْرَابِ عَنْ جَعْلِ الْحُكْمِ لِلْأَوَّلِ وَإِثْبَاتِهِ لِلثَّانِي وَزِيدَتْ لَا مَعَهَا لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْإِضْرَابِ فَيَصِيرُ قَاذِفًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَعَكَسَتْ حُدَّتْ وَلَا لِعَانَ) يَعْنِي عَكَسَتْ الْمَرْأَةُ بِأَنْ قَالَتْ لَا بَلْ أَنْتَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاذِفًا لِصَاحِبِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَقَذْفُهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ وَقَذْفُهَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُبْدَأُ بِالْحَدِّ لِأَنَّ فِي بِدَايَتِهِ فَائِدَةً وَهُوَ إبْطَالُ اللِّعَانِ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلِّعَانِ وَلَا إبْطَالَ فِي عَكْسِهِ أَصْلًا لِأَنَّ الْمُلَاعِنَةَ تُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّ إحْصَانَهُ لَا يَبْطُلُ بِاللِّعَانِ وَالْمَحْدُودُ لَا يُلَاعِنُ لِسُقُوطِ الشَّهَادَةِ بِهِ فَيَحْتَالُ لِدَفْعِ اللِّعَانِ إذْ هُوَ فِي مَعْنَى الْحَدِّ وَلَا يُقَالُ قَدْ وُجِدَ مَا يُوجِبُ تَقْدِيمَ الْحَدِّ وَهُوَ قَذْفُهُ لَهَا سَابِقًا عَلَى قَذْفِهَا لَهُ لِأَنَّا نَقُولُ لَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا تَقَاذَفَا يُحَدَّانِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ يَبْدَأُ بِهِ مَنْ بَدَأَ بِالْقَذْفِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَهَذَا نَظِيرُهُ وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ بِنْتَ الزَّانِيَةِ حَيْثُ صَارَ قَاذِفًا لَهَا وَلِأُمِّهَا فَقَذْفُهَا يُوجِبُ اللِّعَانَ وَقَذْفُ أُمِّهَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُبْدَأُ بِالْحَدِّ لِيَنْتَفِيَ اللِّعَانَ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَتْ زَنَيْتُ بِك بَطَلَا) أَيْ قَالَتْ ذَلِكَ جَوَابًا لِقَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ وَإِنَّمَا بَطَلَ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ بِهِ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِقَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ وَهِيَ صَدَّقَتْهُ مِنْ وَجْهٍ بِقَوْلِهَا زَنَيْتُ بِك لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِهِ قَبْلَ النِّكَاحِ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَصْدِيقًا لَهُ مِنْهَا بِأَنَّهَا زَنَتْ فَيَسْقُطُ اللِّعَانُ لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ لِأَنَّهَا قَذَفَتْهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهَا هُوَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِهِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ أَيْ زِنَايَ هُوَ الَّذِي كَانَ مَعَك بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنِّي مَا مَكَّنْتُ أَحَدًا غَيْرَك وَلَا حَصَلَ مِنَى فِعْلُ الزِّنَا وَهُوَ الْمُرَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّهُ أَغْضَبَهَا وَآذَاهَا فَتُغْضِبُهُ وَتُؤْذِيهِ مُتَمَسِّكَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ} [النور: 3] وَسَمَّتْهُ زِنًا لِلْمُقَابَلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زِنًا حَقِيقَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ مُصَدِّقَةً وَلَا قَاذِفَةً لَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَيَجِبُ اللِّعَانُ بِقَذْفِهِ فَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ لَا يَجِبُ مِنْهُمَا بِالشَّكِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَتْ لَهُ ابْتِدَاءً زَنَيْتُ بِك ثُمَّ قَذَفَهَا هُوَ لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَدُّ وَلَا اللِّعَانُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ زَنَيْتُ مَعَك بَدَلَ قَوْلِهَا زَنَيْت بِك لِلِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنِّي زَنَيْتُ بِحُضُورِك وَأَنْتَ تَشْهَدُ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا لَهُ وَلَوْ قَالَتْ لَهُ زَنَيْت بِك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك تُحَدُّ الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ صَاحِبَهُ غَيْرَ أَنَّهَا صَدَّقَتْهُ فَبَطَلَ مُوجِبُ قَذْفِهِ وَلَمْ يُصَدِّقْهَا هُوَ فَوَجَبَ مُوجِبُ قَذْفِهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ حُدَّتْ الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَصْدِيقِهَا وَعَدَمِ الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ الزَّوْجَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ بِوَلَدٍ ثُمَّ نَفَاهُ لَاعَنَ) لِأَنَّ نَفْيَ وَلَدِ امْرَأَتِهِ يُوجِبُ اللِّعَانَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ اللِّعَانِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُ ذَلِكَ مِنْ تَصْدِيقٍ أَوْ تَفْرِيقٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَكَسَ حُدَّ) أَيْ قَالَ عَكْسَ الْأَوَّلِ بِأَنْ نَفَاهُ أَوَّلًا ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّهُ وَلَدُهُ وَإِنَّمَا يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بَعْدَ مَا نَفَاهُ سَقَطَ اللِّعَانُ وَوَجَبَ الْحَدُّ لِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ وَهَذَا لِأَنَّ اللِّعَانَ حَدٌّ ضَرُورِيٌّ صِيرَ إلَيْهِ لِلتَّكَاذُبِ فَإِذَا بَطَلَ التَّكَاذُبُ بِالْإِكْذَابِ صِيرَ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْحَدُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَدُ لَهُ فِيهِمَا) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِإِقْرَارِهِ بِهِ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اللِّعَانِ نَفْيُ نَسَبِهِ نَظِيرُهُ مَا مَرَّ فِي اللِّعَانِ فِيمَا إذَا وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ فَأَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا وَنَفَى الْآخَرَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لَيْسَ بِابْنِي وَلَا بِابْنِك بَطَلَا) أَيْ بَطَلَ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ أَصْلًا فَيَكُونُ إنْكَارًا لِلزِّنَا بَلْ هُوَ إنْكَارٌ لِلْوَطْءِ فَلَا يَجِبُ بِمِثْلِهِ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ وَلَا فُلَانَةَ وَهُمَا أَبَوَاهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَةً لَمْ يُدْرَ أَبُو وَلَدِهَا أَوْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ أَوْ رَجُلًا وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ أَمَةً مُشْتَرَكَةً أَوْ مُسْلِمًا زَنَى فِي كُفْرِهِ أَوْ مُكَاتَبًا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لَا يُحَدُّ) لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ أَوْ لِفَقْدِ شَرْطِهِ مِنْ إحْصَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ تَقْدِيمَ الْحَدِّ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَلَعَلَّ صَوَابَهُ اللِّعَانُ اهـ. (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ} [الشورى: 40] التِّلَاوَةُ بِالْوَاوِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ تَفْرِيقٍ) أَيْ بِبَيْنُونَةٍ لِأَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ صِيرَ إلَيْهِ لِلتَّكَاذُبِ) أَيْ وَالْحَدُّ الْأَصْلِيُّ حَدُّ الْقَذْفِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اللِّعَانِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إنَّ سَبَبَ اللِّعَانِ كَانَ نَفْيَ الْوَلَدِ فَلَمَّا لَمْ يَنْتَفِ الْوَلَدُ كَيْفَ يَجِبُ اللِّعَانُ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اللِّعَانِ قَطْعُ النَّسَبِ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهُ وُجُودًا وَعَدَمًا فَاللِّعَانُ شُرِعَ بِلَا وَلَدٍ أَلَا تَرَى إذَا تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ مِنْ حِينَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ نَفَى يُلَاعَن بَيْنَهُمَا وَلَا يَنْقَطِعُ نَسَبُ الْوَلَدِ وَلَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ يَنْتَفِي النَّسَبُ وَلَا يَجْرِي اللِّعَانُ إلَيْهِ أَشَارَ الْبَزْدَوِيُّ. اهـ. دِرَايَةٌ.

الْمَقْذُوفِ أَمَّا إذَا قَذَفَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ أَوْ امْرَأَةً لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ فَلِوُجُودِ أَمَارَةِ الزِّنَا لِأَنَّ الْوَلَدَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُعْرَفُ مِنْ الزِّنَا ظَاهِرًا فَقَدْ تَمَكَّنَ فِي إحْصَانِهَا شُبْهَةُ الْعَدَمِ لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ ظَاهِرًا وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا لِأَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ لَا تَزُولُ بِمَوْتِ الْوَلَدِ بَلْ تَتَقَرَّرُ وَلَا تَخْرُجُ هِيَ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَالِدَةً بِمَوْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَاعَنَتْ بِغَيْرِ وَلَدٍ حَيْثُ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِعَدَمِ أَمَارَةِ الزِّنَا لِأَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ فَكَانَ مُؤَكِّدًا لِلْعِفَّةِ وَلَا يُقَالُ اللِّعَانُ فِي جَانِبِهَا قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فَكَانَتْ مَحْدُودَةً فَوَجَبَ أَنْ لَا يُحَدَّ قَاذِفُهَا لِأَنَّا نَقُولُ لِعَانُهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَدِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِعَانَ الزَّوْجِ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ إذْ لَوْ كَانَ مَحْدُودًا فِي حَقِّ الْكُلِّ لَمَا قُبِلَتْ لِأَنَّ لِعَانَهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فَيَكُونُ مُؤَكِّدًا لِإِحْصَانِهَا وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِزَوَالِ التُّهْمَةِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَأَمَّا إذَا قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ أَمَةً مُشْتَرَكَةً فَلِفَوَاتِ الْعِفَّةِ فَيَكُونُ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ حُدَّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا فَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْأَجْنَبِيَّةِ أَوْ مِنْ وَجْهٍ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ أَوْ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ كَأَمَتِهِ الَّتِي حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِالرَّضَاعِ أَوْ بِالْمُصَاهَرَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُهَا بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِخَبَرٍ مَشْهُورٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْقُطُ الْإِحْصَان حَتَّى لَا يُحَدَّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ يُنَافِي مِلْكَ الْمُتْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُنَافِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ فَصَارَ الْوَطْءُ وَاقِعًا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ فَيَصِيرُ زِنًا وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ بِهِ لِأَنَّ الْوَطْءَ مُحَرَّمٌ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِثُبُوتِ التَّضَادِّ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِلُّ فَكَيْفَ يَكُونُ فِيهِ شُبْهَةُ الْحِلِّ وَلَا كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً لِأَنَّ الْحِلَّ فِيهِ يَقْبَلُ الْحَقِيقَةَ فَيَكُونُ شُبْهَةً وَلَا يُقَالُ إنَّكُمْ قُلْتُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا وَعَلَى اعْتِبَارِ مَا قُلْتُمْ هُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا لِوُجُودِ الزِّنَا وَانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّا نَقُولُ وُجُودُ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ أَثَّرَ فِي سُقُوطِ حَدِّ الزِّنَا كَمَا أَثَّرَ عَدَمُهُ مِنْ وَجْهٍ فِي سُقُوطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى قَاذِفِهِ حَدٌّ فَاسْتَوَى الْحُكْمَانِ فِي انْتِفَاءِ الْحَدِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَمَّا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَبِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا وَبِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِ، وَمِنْ الْحُرْمَةِ لِعَيْنِهِ جَارِيَةُ ابْنِهِ وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْأَمَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ وَالْمُكْرَهُ عَلَى الزِّنَا وَمِنْهَا إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا أَوْ تَزَوَّجَهَا فَوَطِئَهَا أَوْ زَنَى أَبُوهُ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الِابْنُ أَوْ اشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْخِلَافُ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ مَحَارِمَهُ وَدَخَلَ عَلَيْهَا أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فَوَطِئَهَا كُلُّ ذَلِكَ يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ لِثُبُوتِ حُرْمَتِهِنَّ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالنَّصِّ وَإِذَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ غَيْرَ مُؤَبَّدَةٍ كَأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِوَطْئِهَا وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً شِرَاءً فَاسِدًا أَوْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ أَمَتَانِ أُخْتَانِ فَوَطِئَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا أَوْ وَطِئَ مُكَاتَبَةً أَوْ الْحَائِضَ أَوْ امْرَأَتَهُ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ الْمُحَرَّمَةَ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ ثَابِتٌ فِيهِنَّ وَالْحُرْمَةُ عَارِضٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ وَلَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ثَبَتَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِالْوَطْءِ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِدَلِيلٍ مُحْتَمَلٍ وَهُوَ خَبَرُ الْوَاحِدِ أَوْ نَوْعُ اجْتِهَادٍ مِنْ حَيْثُ إقَامَةُ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ احْتِيَاطًا فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِالْوَطْءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا زَنَى فِي حَالِ كُفْرِهِ فَلِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ وَهَذَا لِأَنَّ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ وَأَمَّا إذَا قَذَفَ مُكَاتَبًا مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً فَلِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي حُرِّيَّتِهِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي مَوْتِهِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَالْإِحْصَانُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً) أَيْ كَأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ قَرِيبًا اهـ

[فصل في التعزير]

قَاذِفِ وَاطِئِ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ وَحَائِضٍ وَمُكَاتَبَةٍ، وَمُسْلِمٍ نَكَحَ أُمَّهُ فِي كُفْرِهِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مِلْكَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ثَابِتٌ وَفِيمَنْ تَزَوَّجَ أُمَّهُ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْمَحَارِمِ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نِكَاحَهُمْ عِنْدَهُ صَحِيحٌ وَعِنْدَهُمَا فَاسِدٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِ مَحَارِمَهُمْ وَفِي الْمُكَاتَبَةِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ وَطْؤُهَا حَرَامٌ عَلَى الْمَوْلَى وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ لِخُرُوجِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى لَزِمَهُ الْعُقْرُ بِوَطْئِهَا قُلْنَا مِلْكُهُ فِيهَا ثَابِتٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِهَذَا جَازَ إعْتَاقُهَا عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَوُجُوبُ الْعُقْرِ لَا يُنَافِي الْحِلَّ فَكَيْفَ يُنَافِي الشُّبْهَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُسْتَأْمِنٌ قَذَفَ مُسْلِمًا) أَيْ يُحَدُّ مُسْتَأْمِنٌ قَذَفَ مُسْلِمًا وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا يَقُولُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَسَائِرِ الْحُدُودِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذُكِرَ هُنَا وَوَجْهُهُ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَقَدْ الْتَزَمَ إيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ لَا يُؤْذِيَ وَمُوجِبُهُ إذَا آذَى طَمَعًا فِي أَنْ لَا يُؤْذِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَذَفَ أَوْ زَنَى أَوْ شَرِبَ مِرَارًا فَحُدَّ فَهُوَ لِكُلِّهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ وَالِانْزِجَارُ عَنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ أَوْ يُحْتَمَلُ حُصُولُهُ فَخَلَا الثَّانِي عَنْ الْمَقْصُودِ أَوْ يَحْتَمِلُهُ فَتَمَكَّنَ فِيهِ شُبْهَةُ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ فَلَا يُشْرَعُ إذْ الْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى وَقَذَفَ وَشَرِبَ حَيْثُ يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا حَدَّهُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ إذْ الْأَغْرَاضُ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حَدِّ الزِّنَا صِيَانَةُ الْأَنْسَابِ وَمِنْ حَدِّ الْقَذْفِ صِيَانَةُ الْأَعْرَاضِ وَمِنْ حَدِّ الشُّرْبِ صِيَانَةُ الْعُقُولِ فَلَا يَحْصُلُ بِكُلِّ جِنْسٍ إلَّا مَا قُصِدَ بِشَرْعِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ جُلِدَ لِلْقَذْفِ إلَّا سَوْطًا ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ يُتَمُّ الْأَوَّلُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلثَّانِي لِلتَّدَاخُلِ وَلَوْ ضُرِبَ لِلزِّنَا أَوْ لِلشُّرْبِ بَعْضَ الْحَدِّ فَهَرَبَ ثُمَّ زَنَى أَوْ شَرِبَ ثَانِيًا حُدَّ حَدًّا مُسْتَأْنَفًا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْقَذْفِ يُنْظَرُ فَإِنْ حَضَرَ الْأَوَّلُ إلَى الْقَاضِي يُتَمَّمُ الْأَوَّلُ وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي وَإِنْ حَضَرَ الثَّانِي وَحْدَهُ يُحَدُّ حَدًّا مُسْتَأْنَفًا لِلثَّانِي وَبَطَلَ الْأَوَّلُ وَلَوْ قَذَفَ عَبْدٌ فَأُعْتِقَ ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ فَأَخَذَهُ الْأَوَّلُ فَضُرِبَ أَرْبَعِينَ ثُمَّ أَخَذَهُ الثَّانِي يُتَمُّ لَهُ ثَمَانُونَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَتَدَاخَلُ إلَّا إذَا قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ وَاحِدًا بِزِنًا وَاحِدٍ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ عِنْدَهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلَا تَدَاخُلَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَعِنْدَنَا الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَتَدَاخَلُ وَحُكِيَ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى كَانَ قَاضِيًا بِالْكُوفَةِ فَسَمِعَ رَجُلًا يَوْمًا يَقُولُ عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ فَأَمَرَ بِأَخْذِهِ فَأُدْخِلَ الْمَسْجِدَ فَضَرَبَهُ حَدَّيْنِ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ لِقَذْفِهِ الْوَالِدَيْنِ فَأُخْبِرَ أَبُو حَنِيفَةَ بِذَلِكَ فَقَالَ يَا لِلْعَجَبِ مِنْ قَاضِي بَلَدِنَا قَدْ أَخْطَأَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: حَدَّهُ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةِ الْمَقْذُوفِ وَضَرْبَهُ حَدَّيْنِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَذَفَ أَلْفًا، وَوَالَى بَيْنَ الْحَدَّيْنِ وَالْوَاجِبُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِيَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَحَدَّهُ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَنِّبُوا صِبْيَانَكُمْ مَسَاجِدَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ» وَالْخَامِسُ يَنْبَغِي أَنْ يَكْشِفَ أَنَّ الْمَقْذُوفَيْنِ حَيَّانِ أَوْ مَيِّتَانِ لِتَكُونَ الْخُصُومَةُ إلَيْهِمَا أَوْ إلَى وَلَدِهِمَا فَإِنْ اجْتَمَعَتْ عَلَى وَاحِدٍ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ بِأَنْ قَذَفَ وَزَنَى وَشَرِبَ وَسَرَقَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْكُلُّ وَلَا يُوَالِي بَيْنَهَا خِيفَةَ الْهَلَاكِ بَلْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَوَّلِ فَيَبْدَأَ بِحَدِّ الْقَذْفِ أَوْ لَا لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ ثُمَّ الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا وَإِنْ شَاءَ بِالْقَطْعِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ إذْ هُمَا ثَابِتَانِ بِالْكِتَابِ وَيُؤَخِّرُ حَدَّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا جِرَاحَةٌ تُوجِبُ الْقِصَاصَ بُدِئَ بِالْقِصَاصِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ ثُمَّ حَذَفَ الْقَذْفَ ثُمَّ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ) لَمَّا ذَكَرَ الْحُدُودَ وَهِيَ الزَّوَاجِرُ الْمُقَدَّرَةُ شَرَعَ فِي الزَّوَاجِرِ غَيْرِ الْمُقَدَّرَةِ إذْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ كَالْحُدُودِ وَهُوَ تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ وَأَصْلُهُ مِنْ الْعَزْرِ بِمَعْنَى الرَّدِّ وَالرَّدْعِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] الْآيَةَ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَرْفَعْ عَصَاك عَنْ أَهْلِك» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَزَّرَ رَجُلًا قَالَ لِغَيْرِهِ يَا مُخَنَّثُ وَحَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِهِ فِي كَبِيرَةٍ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ ثُمَّ هُوَ قَدْ يَكُونُ بِالْحَبْسِ وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمُوجِبَهُ) بِالنَّصْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْكُلُّ إلَخْ) فَرْعٌ قَذَفَ رَجُلًا فَحُدَّ لِقَذْفِهِ ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا هَلْ يُحَدُّ ثَانِيًا يُنْظَرُ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِشَيْءٍ قُطِعَ فِيهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ. [فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ] (فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ) فَرْعٌ لِلْمَوْلَى تَعْزِيرُ عَبْدِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَحُدُّ عَبْدَهُ إلَّا بِإِذْنِ إمَامِهِ اهـ وَذُكِرَ هُنَاكَ أَنَّهُ تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَيَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاضْرِبُوهُنَّ) أَمْرٌ بِضَرْبِ الزَّوْجَاتِ تَأْدِيبًا وَتَهْذِيبًا لَهُنَّ. اهـ. كَاكِيٌّ

يَكُونُ بِالصَّفْعِ وَبِتَعْرِيكِ الْآذَانِ وَقَدْ يَكُونُ بِالْكَلَامِ الْعَنِيفِ أَوْ بِالضَّرْبِ وَقَدْ يَكُونُ بِنَظَرِ الْقَاضِي إلَيْهِ بِوَجْهٍ عَبُوسٍ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ عَلَى مَا تَقْتَضِي جِنَايَتُهُمْ فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ فِيهِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَبْلُغَ غَايَةَ التَّعْزِيرِ فِي الْكَبِيرَةِ كَمَا إذَا أَصَابَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ كُلَّ مُحَرَّمٍ سِوَى الْجِمَاعِ أَوْ جَمَعَ السَّارِقُ الْمَتَاعَ فِي الدَّارِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ وَكَذَا يُنْظَرُ فِي أَحْوَالِهِمْ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَنْزَجِرُ بِالْيَسِيرِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْكَثِيرِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ التَّعْزِيرُ عَلَى مَرَاتِبَ تَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ وَالْعَلَوِيَّةُ، بِالْإِعْلَامِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْأُمَرَاءُ وَالدَّهَاقِينُ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ وَهُمْ السُّوقِيَّةُ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ وَالْحَبْسِ وَتَعْزِيرُ الْأَخِسَّةِ بِهَذَا كُلِّهِ وَالضَّرْبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْأَمْوَالِ جَائِزٌ لِلْإِمَامِ وَسُئِلَ الْهِنْدُوَانِيُّ عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ قَالَ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِالصِّيَاحِ وَالضَّرْبِ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ لَا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْقَتْلِ حَلَّ لَهُ الْقَتْلُ وَإِنْ طَاوَعَتْهُ الْمَرْأَةُ حَلَّ لَهُ قَتْلُهَا أَيْضًا وَفِي الْمُنْيَةِ رَأَى رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ يَزْنِي بِهَا أَوْ مَعَ مَحْرَمِهِ وَهُمَا مُطَاوِعَتَانِ قَتَلَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ جَمِيعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَذَفَ مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا أَوْ مُسْلِمًا بِيَا فَاسِقُ يَا كَافِرُ يَا خَبِيثُ يَا لِصُّ يَا فَاجِرُ يَا مُنَافِقُ يَا لُوطِيُّ يَا مَنْ يَلْعَبُ بِالصِّبْيَانِ يَا آكِلَ الرِّبَا يَا شَارِبَ الْخَمْرِ يَا دَيُّوثُ يَا مُخَنَّثُ يَا خَائِنُ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ يَا زِنْدِيقُ يَا قَرْطَبَانُ يَا مَأْوَى الزَّوَانِي أَوْ اللُّصُوصِ يَا حَرَامٌ زَادُهُ عُزِّرَ) لِمَا رَوَيْنَاهُ لِأَنَّهُ آذَاهُ بِإِلْحَاقِ الشَّيْنِ بِهِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي بَابِ الْحُدُودِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ وَتَفْسِيرُ قَرْطَبَانِ هُوَ الَّذِي يَرَى مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ مَحْرَمِهِ رَجُلًا فَيَدَعُهُ خَالِيًا بِهَا وَقِيلَ هُوَ السَّبَبُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِمَعْنًى غَيْرِ مَمْدُوحٍ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ امْرَأَتَهُ مَعَ غُلَامٍ بَالِغٍ أَوْ مَعَ مُزَارِعِهِ إلَى الضَّيْعَةِ أَوْ يَأْذَنُ لَهُمَا بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي غَيْبَتِهِ وَعَلَى هَذَا يُعَزَّرُ مَنْ قَالَ يَا سَارِقُ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاسِقِ أَوْ يَا ابْنَ الْكَافِرِ أَوْ النَّصْرَانِيِّ أَوْ قَالَ لِلْمَرْأَةِ يَا قَحْبَةُ وَهِيَ لَا تَكُونُ هِمَّتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا) يَعْنِي فَيَنْزَجِرُ بِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْأَمْوَالِ جَائِزٌ لِلْإِمَامِ) وَعِنْدَهُمَا وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ بِأَخْذِ الْمَالِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفَتْحٌ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ سَمِعْت مِنْ ثِقَةٍ أَنَّ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْمَالِ إنْ رَأَى الْقَاضِي ذَلِكَ أَوْ الْوَالِي جَازَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ رَجُلٌ لَا يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ بِأَخْذِ الْمَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِيَارِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الْمَشَايِخِ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ طَاوَعَتْهُ الْمَرْأَةُ لَهُ قَتْلُهَا أَيْضًا) وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ تَعْزِيرًا يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَسِبًا وَصَرَّحَ فِي الْمُنْتَقَى بِذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ وَالشَّارِعُ وَلِيُّ كُلِّ أَحَدٍ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» الْحَدِيثَ بِخِلَافِ الْحُدُودِ لَمْ يَثْبُتْ وِلَايَتُهَا إلَّا لِلْوُلَاةِ وَبِخِلَافِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَجِب حَقًّا لِلْعَبْدِ بِالْقَذْفِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الدَّعْوَى لَا يُقِيمُهُ إلَّا الْحَاكِمُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَا فِيهِ اهـ (قَوْلُهُ يَا مُنَافِقُ) أَيْ أَوْ يَا يَهُودِيُّ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي إنْ قَالَ يَا يَهُودِيُّ أَوْ يَا نَصْرَانِيُّ أَوْ يَا مَجُوسِيُّ أَوْ يَا ابْنَ الْيَهُودِيِّ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَا لُوطِيُّ) وَفِي يَا لُوطِيُّ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَرَادَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ إمَّا فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ لِأَنَّهُ قَذْفٌ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَمَا لَوْ قَذَفَهُ بِالزِّنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ لِأَنَّهُ قَذْفٌ بِمَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي غَضَبٍ يُعَزَّرُ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي غَضَبٍ إلَخْ قُلْت أَوْ هَزْلِ مَنْ تَعَوَّدَ الْهَزْلَ بِالْقَبِيحِ وَلَوْ قَذَفَهُ بِإِتْيَانِ مَيِّتَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ عُزِّرَ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ عُزِّرَ هَكَذَا ذُكِرَ مُطْلَقًا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَذَكَرَهُ النَّاطِفِيُّ وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا قَالَهُ لِرَجُلٍ صَالِحٍ أَمَّا لَوْ قَالَ لِفَاسِقٍ يَا فَاسِقُ أَوْ لِلِّصِّ يَا لِصُّ أَوْ لِلْفَاجِرِ يَا فَاجِرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُنَا أَنَّهُ آذَاهُ بِمَا أَلْحَقَ بِهِ مِنْ الشَّيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ لَمْ يُعْلَمْ اتِّصَافُهُ بِهَذَا أَمَّا مَنْ عُلِمَ فَإِنَّ الشَّيْنَ قَدْ أَلْحَقَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَتَفْسِيرُ قَرْطَبَانِ هُوَ الَّذِي يَرَى مَعَ امْرَأَتِهِ) أَيْ أَوْ أَهْلِهِ. اهـ. قَاضِي خَانْ قَالَ ثَعْلَبٌ الْقَرْطَبَانُ الَّذِي يَرْضَى أَنْ يَدْخُلَ الرِّجَالُ عَلَى نِسَائِهِ وَقَالَ الْقَرْطَبَانُ وَالْكَشْخَانُ لَمْ أَرَهُمَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَمَعْنَاهُمَا عِنْدَ الْعَامَّةِ مِثْلُ الدَّيُّوثِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُدْخِلُ الرِّجَالَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي الْكَشْخَانِ يُعَزَّرُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ يَا قَوَّادُ يَا قِرْدُ أَوْ يَا مُقَامِرُ قِيلَ يُعَزَّرُ وَقِيلَ لَا يُعَزَّرُ وَلَوْ قَالَ يَا بَلِيدُ يَا قَذِرُ يُعَزَّرُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ مَحْرَمِهِ رَجُلًا) أَيْ أَجْنَبِيًّا. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَدَعُهُ خَالِيًا بِهَا) أَيْ وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ اهـ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هُوَ السَّبَبُ) هَذَا الْقِيلُ عَزَاهُ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ إلَى أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ وَالْقَوْلُ الَّذِي قَبْلَهُ عَزَاهُ لِأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ أَمَّا السَّفَلَةُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُسْلِمُ لَا يَكُونُ سَفَلَةً إنَّمَا السَّفَلَةُ هُوَ الْكَافِرُ وَبِهِ أَخَذَ الْمَشَايِخُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ السَّفَلَةُ هُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا يُقَالُ لَهُ مِنْ وُجُوهِ الذَّمِّ وَالشَّتْمِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ الَّذِي يَلْعَبُ بِالْحَمَامِ وَيُقَامِرُ وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ السَّفَلَةُ هُوَ الَّذِي إذَا دُعِيَ إلَى طَعَامٍ يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ الْمَائِدَةِ وَقِيلَ هُوَ الطُّفَيْلِيُّ وَقِيلَ هُوَ الْحَائِكُ وَالْحَجَّامُ وَالدَّبَّاغُ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَخْتَلِفُ إلَى الْقُضَاةِ ثُمَّ قَالَ قَاضِي خَانْ وَأَمَّا الْمَاجِنُ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا يَسْمَعُ اهـ

ذَلِكَ الْفِعْلَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِيَا كَلْبُ يَا تَيْسُ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ يَا بَقَرُ يَا حَيَّةُ يَا حَجَّامُ يَا بِغَاءُ يَا مُؤَاجِرُ يَا وَلَدَ الْحَرَامِ يَا عَيَّارُ يَا نَاكِسُ يَا مَنْكُوسُ يَا سُخْرَةُ يَا ضُحَكَةُ يَا كَشْخَانُ يَا أَبْلَهُ يَا مُوَسْوَسُ لَا) أَيْ لَا يُعَزَّرُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا لِأَنَّ مِنْ عَادَاتِهِمْ إطْلَاقَ الْحِمَارِ وَنَحْوِهِ بِمَعْنَى الْبَلَادَةِ أَوْ الْحِرْصِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ الشَّتِيمَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ بِهِ وَيَقُولُونَ عِيَاضُ بْنُ حِمَارٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَلٍ لِأَنَّ الْمَقْذُوفَ لَا يَلْحَقُهُ شَيْنٌ بِهَذَا الْكَلَامِ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ الْقَاذِفَ وَكُلُّ أَحَدٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ آدَمِيٌّ وَلَيْسَ بِكَلْبٍ وَلَا حِمَارٍ وَأَنَّ الْقَاذِفَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ وَحَكَى الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يُعَزَّرُ فِي زَمَانِنَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ يَا كَلْبُ يَا خِنْزِيرُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الشَّتْمُ فِي عُرْفِنَا وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ مِنْ الْأَشْرَافِ كَالْفُقَهَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ شَيْنًا فِي حَقِّهِ وَتَلْحَقُهُ الْوَحْشَةُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامَّةِ لَا يُعَزَّرُ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تُوجِبُ التَّعْزِيرَ قَوْلُهُ يَا رُسْتَاقِيُّ وَيَا ابْنَ الْأَسْوَدِ وَيَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَكْثَرُ التَّعْزِيرِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُبْلَغُ بِالتَّعْزِيرِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا وَفِي رِوَايَةٍ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يُقَرِّبُ كُلَّ جِنْسٍ إلَى جِنْسِهِ فَيُقَرِّبُ لِلْمَسِّ وَالْقُبْلَةِ مِنْ حَدِّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ لِغَيْرِ الْمُحْصَنِ أَوْ لِلْمُحْصَنِ بِغَيْرِ الزِّنَا مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ صَرْفًا لِكُلِّ نَوْعٍ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عَلَى قَدْرِ عِظَمِ الْجُرْمِ وَصِغَرِهِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيهِ مُضْطَرِبٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي بَعْضِهَا مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَلَغَ حَدًّا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَا تَيْسُ) هَذَا سَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ اهـ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ التَّيْسُ الذَّكَرُ مِنْ الْمَعْزِ إذَا أَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ وَقَبْلَ الْحَوْلِ جَدْيٌ وَالْجَمْعُ تُيُوسٌ مِثْلَ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ. اهـ. (قَوْلُهُ يَا بِغَاءُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ الْبِغَاءُ أَنْ يَعْلَمَ بِفُجُورِهَا وَيَرْضَى هَذَا إنْ صَحَّ تَوَسُّعٌ فِي الْكَلَامِ يَا بِغَاءُ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا بِغَاءٌ فَهُوَ وَالْقَرْطَبَانُ سَوَاءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ يَا مُؤَاجِرُ) قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عُرْفًا فِيمَنْ يُؤَاجِرُ أَهْلَهُ لِلزِّنَا. اهـ. (قَوْلُهُ يَا عَيَّارُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ رَجُلٌ عَيَّارٌ كَثِيرُ الْمَجِيءِ وَالذَّهَابِ عَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ الْعَيَّارُ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِي يُخَلِّي نَفْسَهُ وَهَوَاهَا لَا يَرْدَعُهَا وَلَا يَزْجُرُهَا وَفِي أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ الَّذِي يَتَرَدَّدُ بِلَا عَمَلٍ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فَرَسٌ عَائِرٌ وَعَيَّارٌ اهـ (قَوْلُهُ يَا سُخْرَةُ) يُقَالُ فُلَانٌ سُخْرَةٌ يَتَسَخَّرُ فِي الْعَمَلِ يُقَالُ خَادِمَةٌ سُخْرَةٌ وَرَجُلٌ سُخْرَةٌ أَيْضًا يُسْخَرُ مِنْهُ وَسُخَرَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ يَسْخَرُ مِنْ النَّاسِ كَثِيرًا. اهـ. صِحَاحٌ (قَوْلُهُ يَا ضُحَكَةُ) يُقَالُ رَجُلٌ ضُحَكَةُ كَثِيرُ الضَّحِكِ وَضُحْكَةٌ بِالتَّسْكِينِ يُضْحَكُ مِنْهُ. اهـ. صِحَاحٌ (قَوْلُهُ يَا كَشْخَانُ) بِالْخَاءِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا كَشْخَانُ حُكِيَ عَنْ امْرَأَةٍ جَاءَتْ إلَى أَبِي عِصْمَةَ الْمَرْوَزِيِّ وَقَالَتْ إنَّ زَوْجِي كُلَّ يَوْمٍ يَأْمُرُنِي بِالطَّبْخِ فَقُلْت لَهُ يَوْمًا أَيْ كَشْخَانُ إلَى مَتَى أَطْبُخُ فَقَالَ لِي إنْ كُنْتُ كَشْخَانَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَالَ أَبُو عِصْمَةَ إنَّ زَوْجَك إذَا سَمِعَ أَنَّ رَجُلًا يَمُدُّ يَدُهُ إلَيْك بِسُوءٍ وَلَا يُبَالِي فَهُوَ كَشْخَانُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ وَضَرَبَكِ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ لَيْسَ بِكَشْخَانَ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ الْقَاذِفَ) أَيْ لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِهِ. اهـ. كَيْ. (قَوْلُهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ) يَعْنِي فِي حَقِّ الْأَحْرَارِ لَا فِي الْعَبِيدِ عَلَى مَا سَيَأْتِي آخِرَ الْمَقَالَةِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَلَغَ حَدًّا») الرِّوَايَةُ بَلَغَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلُ خَطَأٌ بَيِّنٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ بَلَغَ الْحَدَّ فِي غَيْرِ الْحَدِّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ وَلَوْ قِيلَ بَلَّغَ بِالتَّشْدِيدِ لَصَارَ الْمَعْنَى مَنْ بَلَّغَ الْحَدَّ إلَى غَيْرِ الْحَدِّ وَلَا خَفَاءَ فِي بُطْلَانِهِ وَلَوْ قَدَّرْت الْمَفْعُولَ الْأَوَّلَ مَحْذُوفًا لَاحْتَمَلَ الصِّحَّةَ أَيْ بَلَغَ التَّعْزِيرُ حَدًّا وَيَدُلُّ عَلَى الْمَحْذُوفِ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] أَيْ بَلِّغْ النَّاسَ. اهـ. مُسْتَصْفَى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُبْلَغُ بِالتَّعْزِيرِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَلَا تَرَى إلَى مَا نَقَلَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ عَنْ حُدُودِ الْأَصْلِ لَا يُمَدُّ فِي التَّعْزِيرِ، وَيُضْرَبُ وَالْمَضْرُوبُ قَائِمًا أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ لَا يَبْلُغُ أَرْبَعِينَ سَوْطًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْلُغُ بِهِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا ثُمَّ قَالَ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا لَكِنَّ هَذَا فِي تَعْزِيرِ الْحُرِّ أَمَّا فِي تَعْزِيرِ الْعَبْدِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُنْقِصَ خَمْسَةً عَنْ أَرْبَعِينَ كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةٍ قَوْلُهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ كَذَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَلِفِ وَقَوْلُ زُفَرَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ هَكَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَوْلَ زُفَرَ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ الْأَصْلُ هُنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» مَعْنَاهُ مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِيمَا لَيْسَ بِحَدٍّ يَعْنِي فِي التَّعْزِيرِ إذَا بَلَغَ حَدًّا فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ أَيْ مِنْ الْمُجَاوِزِينَ فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ نُقْصَانِ عَدَدِ الْجَلْدِ فِي التَّعْزِيرِ عَنْ الْحَدِّ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِنُقْصَانِ سَوْطٍ عَنْ الْأَرْبَعِينَ لِأَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَلَغَ حَدًّا» بِلَفْظِ النَّكِرَةِ فَيَتَنَاوَلُ أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَدِّ وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ لِأَنَّهُ أَدْنَى حَدِّ الْعَبْدِ فِي الْقَذْفِ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ حَدَّ الْأَحْرَارِ لِأَنَّ الرِّقَّ عَارِضٌ فَنَقَصَ سَوْطًا عَنْهُ عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ نَقَصَ عَنْ الثَّمَانِينَ سَوْطًا وَلَا فِقْهَ فِيهِ وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنًى مَعْقُولٌ قَالُوا إنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ يُعَزِّرُ رَجُلًا وَقَدْ أَمَرَ بِتِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ وَكَانَ يَعْقِدُ لِكُلِّ خَمْسَةٍ عَقْدًا بِأُصْبُعِهِ فَعَقَدَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَمْ يَعْقِدْ لِلْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ لِنُقْصَانِهَا عَنْ الْخَمْسَةِ

فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» فَيُعَزَّرُ مِنْ غَيْرِ تَبْلِيغِهِ حَدًّا بِالْإِجْمَاعِ غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ أَدْنَى الْحُدُودِ وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ لِأَنَّ مُطْلَقَ مَا رَوَيْنَا يَتَنَاوَلُهُ وَأَقَلُّهُ أَرْبَعُونَ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ حَدَّ الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُمْ هُمْ الْأُصُولُ وَأَقَلُّهُ ثَمَانُونَ فَنَقَصَ عَنْهُ سَوْطًا وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَةً رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ فَعَلَهُ فَقَلَّدَهُ أَوْ اُعْتُبِرَ نَفْسُ الْجُرْمِ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجُرْمِ كَالْحَدِّ فَقَرُبَ الْجُرْمُ الْكَبِيرُ مِنْ أَكْثَرِ الْحَدِّ وَهُوَ مِائَةٌ وَالصَّغِيرُ مِنْ الْأَقَلِّ وَهُوَ ثَمَانُونَ سَوْطًا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْأَرْبَعِينَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ) أَيْ أَقَلُّ التَّعْزِيرِ ثَلَاثُ جَلَدَاتٍ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فَكَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ فَيَكُونُ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي يُقَيِّمُهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا تَفَاصِيلَهُ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ حَبْسُهُ بَعْدَ الضَّرْبِ) أَيْ جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْبِسَهُ بَعْدَ مَا ضَرَبَهُ لِتَعْزِيرِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ لِمَا رَوَيْنَا وَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الضَّرْبِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَضُمَّ الْحَبْسَ إلَيْهِ إذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً وَهَذَا لِأَنَّهُ يَصْلُحُ تَعْزِيرًا ابْتِدَاءً حَتَّى جَازَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ وَلِهَذَا لَا يُحْبَسُ بِالتُّهْمَةِ فِي التَّعْزِيرِ لِكَوْنِهِ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهِ فَيَلْزَمُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التَّحَقُّقِ فَإِذَا صَلَحَ تَعْزِيرًا ابْتِدَاءً وَهُوَ مَشْرُوعٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ جَازَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الضَّرْبِ مَا تَجُوزُ زِيَادَةُ الضَّرَبَاتِ فِيهِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ) لِأَنَّهُ جَرَى فِيهِ التَّخْفِيفُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ وَيَتَّقِي الْمَوَاضِعَ الَّتِي تُتَّقَى فِي الْحُدُودِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَضْرِبُ فِيهِ الظَّهْرَ وَالْأَلْيَةَ فَقَطْ ثُمَّ ذُكِرَ فِي حُدُودِ الْأَصْلِ تَفْرِيقُ التَّعْزِيرِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَفِي أَشْرِبَةِ الْأَصْلِ يُضْرَبُ فِي التَّعْزِيرِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَمَوْضُوعُ الْأَوَّلِ إذَا بَلَغَ بِالتَّعْزِيرِ أَقْصَاهُ وَمَوْضُوعُ الثَّانِي إذَا لَمْ يَبْلُغْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَحَدُّ الشُّرْبِ ثَابِتٌ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ لَا تَنْكَشِفُ بِحَالٍ وَحُرْمَةَ الْخَمْرِ تَنْكَشِفُ بِالضَّرُورَةِ وَالزِّنَا يُؤَدِّي إلَى قَتْلِ النَّفْسِ بِأَنْ يَتَخَلَّقَ مِنْهُ وَلَدٌ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُرَبِّيهِ فَيَهْلِكُ وَلِهَذَا شُرِعَ فِيهِ الرَّجْمُ بِخِلَافِ شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَعْظَمَ كَانَتْ عُقُوبَتُهُ أَشَدَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الشُّرْبِ ثُمَّ الْقَذْفِ) أَيْ ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ لِأَنَّ جِنَايَةَ الشُّرْبِ مَقْطُوعٌ بِهَا بِمُشَاهَدَةِ الشُّرْبِ وَالْإِحْضَارِ إلَى الْحَاكِمِ مَعَ الرَّائِحَةِ وَجِنَايَةَ الْقَذْفِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ وَعَجْزُهُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عِفَّةِ الْمَقْذُوفِ فَلَمْ يُتَيَقَّنْ بِكَذِبِهِ وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ جَرَى فِيهِ تَغْلِيظٌ مِنْ حَيْثُ رَدُّ الشَّهَادَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَتَخْفِيفُ الضَّرْبِ لَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَلِأَنَّ الشَّارِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَظَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ وَكَانَ يَعْرِفُ يُضْرَبُ حَقِيقَةَ الْحَالِ فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِهَذَا وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي هَذَا نَقْلٌ عَنْ عُمَرَ لَمْ يَعْتَبِرْ أَبُو حَنِيفَةَ التَّعْزِيرَ بِحَدِّ الْعَبْدِ وَقِيلَ إنَّ نُقْصَانَ الْخَمْسَةِ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا قُلْنَا وَهَذَا لِأَنَّ تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ وَاجِبٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قِيلَ إنَّ أَبَا يُوسُفَ أَخَذَ النِّصْفَ مِنْ حَدِّ الْأَحْرَارِ وَالنِّصْفَ مِنْ حَدِّ الْعَبِيدِ وَأَكْثَرُ حَدِّ الْأَحْرَارِ مِائَةٌ وَأَكْثَرُ حَدِّ الْعَبِيدِ خَمْسُونَ فَأَخَذَ نِصْفًا مِنْ هَذَا وَنِصْفًا مِنْ هَذَا قُلْت سَلَّمْنَا أَنَّ الْمِائَةَ حَدُّ هَذَا وَالْخَمْسُونَ حَدُّ ذَاكَ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ اعْتِبَارَ التَّعْزِيرِ بِتَنْصِيفِ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَى التَّنْصِيفِ جَزْمًا لَا سِيَّمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا دَلِيلَ أَيْضًا عَلَى اعْتِبَارِ أَكْثَرِ الْحَدَّيْنِ وَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ عِنْدِي لِتَيَقُّنِ الْأَقَلِّ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَخَذَ بِقَوْلِ زُفَرَ وَعَلَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ نِصْفُ الْحَدِّ وَلَيْسَ بِحَدٍّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَرْبَعِينَ لَيْسَ بِحَدٍّ بَلْ هُوَ حَدُّ الْعَبْدِ فِي الْقَذْفِ وَلَا يَجُوزُ نَفْيُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ عَمَّتْ (قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ) الرِّوَايَةُ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ وَلِلتَّشْدِيدِ وَجْهٌ عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ أَيْ مَنْ بَلَغَ التَّأْدِيبَ أَوْ بَلَغَ الضَّرْبَ حَدًّا فِيمَا لَيْسَ بِحَدٍّ أَيْ فِي التَّعْزِيرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَقْدِيرِ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ مَنْ بَلَغَ التَّعْزِيرَ حَدًّا وَذَلِكَ مُلَوِّثٌ لِلصِّمَاخِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ حَدٍّ التَّعْزِيرُ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ مَنْ بَلَغَ التَّعْزِيرَ حَدًّا فِي التَّعْزِيرِ فَيَرِدُ مَا قُلْنَا اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (فُرُوعٌ) رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا كَافِرُ أَوْ يَا فَاجِرُ أَوْ يَا مُنَافِقُ أَوْ يَا خَبِيثُ أَوْ يَا خِنْزِيرُ أَوْ يَا حِمَارُ أَوْ يَا لِصُّ أَوْ يَا لُوطِيُّ أَوْ يَا آكِلَ الرِّبَا أَوْ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ أَوْ يَا دَيُّوثُ أَوْ يَا مُخَنَّثُ أَوْ يَا خَائِنُ أَوْ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ أَوْ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يُوجَبُ فِيهِ التَّعْزِيرَ أَوْ ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا زَانِي أَوْ أَمَةٌ ادَّعَتْ أَنَّهُ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ أَوْ ادَّعَى أَمْرًا يَجِبُ فِيهِ الْأَدَبُ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ضَرَبَنِي أَوْ شَتَمَنِي أَوْ لَطَمَنِي وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَّفَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ هَذَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ وَالْإِبْرَاءُ وَلَا يَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ وَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابُ الْقَاضِي وَلَا يَخْتَصُّ الْإِمَامُ بِالْإِقَامَةِ فَإِنَّ الزَّوْجَ يُؤَدِّبُ الْمَرْأَةَ وَالْمَوْلَى يُؤَدِّبُ الْعَبْدَ وَلَوْ رَأَى إنْسَانًا يَفْعَلُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْهَاهُ وَيَمْنَعَهُ وَيُؤَدِّبَهُ وَيَضْرِبَهُ إنْ كَانَ لَا يَنْزَجِرُ بِالْمَنْعِ بِاللِّسَانِ فَيَجْرِي فِيهِ الْيَمِينُ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى قُبَيْلَ بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي قَوْلُهُ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَّفَهُ الْقَاضِي أَيْ فَإِنْ حَلَفَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالتَّعْزِيرِ ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ وَتَمَامُهُ فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَمْ يُتَيَقَّنْ بِكَذِبِهِ) أَيْ

[كتاب السرقة]

قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ الْقَذْفِ فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَيَغْلُظُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ حُدَّ أَوْ عُزِّرَ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا عَزَّرَ زَوْجَتَهُ لِتَرْكِ الزِّينَةِ وَالْإِجَابَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى فِرَاشِهِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إذْ الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ لِلتَّأْدِيبِ فَإِذَا هَلَكَ كَانَ خَطَأً مِنْ الْإِمَامِ وَضَمَانُ خَطَئِهِ فِيمَا يُقِيمُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ نَفْعَ عَمَلِهِ يَعُودُ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْغُرْمُ فِي مَالِهِمْ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِتْلَافُ فَيَكُونُ فِعْلُهُ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ وَرَمْيِ الْغَرَضِ وَنَحْوِهِ وَلَنَا أَنَّ الْحَدَّ وَالتَّعْزِيرَ يَجِبُ عَلَيْهِ إقَامَتُهُ إذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْوَاجِبُ لَا يُجَامِعُ الضَّمَانَ كَالْفِصَادِ وَالْبَزَّاغِ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمُعْتَادَ وَكَمَا لَوْ تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِالْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ وَضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ فَيَكُونُ مَنْسُوبًا إلَى الْآمِرِ فَكَأَنَّهُ أَمَاتَهُ حَتْفَ أَنْفِهِ فَلَا يَضْمَنُ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا عَزَّرَ زَوْجَتَهُ إلَى آخِرِهِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِلَّا فَالضَّمَانُ وَاجِبٌ عِنْدَ التَّلَفِ وَإِنْ ضَرَبَهَا لِغَيْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ وَعَدَّا مِثْلَ مَا ذُكِرَ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَعَلَّلَا لِجَوَازِ الضَّرْبِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ وَطَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَتُعَزَّرُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْرِبُهَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ لَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَى الْمَرْأَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَ وَلَدَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا إذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ أَفْضَاهَا حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ الْجِمَاعُ مُبَاحًا وَلَمْ يُقَيِّدَاهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنْ قَالَ إنَّمَا لَا يَجِبُ هُنَاكَ الضَّمَانُ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمَهْرِ قَدْ وَجَبَ فِي ابْتِدَاءِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِمَوْتِهَا كَانَ فِيهِ إيجَابُ ضَمَانَيْنِ بِمُقَابَلَةِ مَضْمُونٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَعَزَاهُ إلَى الْمُحِيطِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَزِدْ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى مِائَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا كَانَ يَرَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا عَزَّرُوهُ مِائَةٌ فَإِذَا زَادَ عَلَى مِائَةٍ فَمَاتَ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَحَصَلَ الْقَتْلُ بِفِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَبِفِعْلٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَتَنَصَّفُ وَيَثْبُتُ التَّعْزِيرُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِهَذَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَيَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَشُرِعَ فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ وَالتَّكْفِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَابُ السَّرِقَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ أَخْذُ مُكَلَّفٍ خُفْيَةً قَدْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ مُحْرَزَةٍ بِمَكَانٍ أَوْ حَافِظٍ) وَيُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ جَيِّدَةً وَانْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مِلْكَ رَجُلٍ وَاحِدٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ سَرِقَةً وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً لِجَمَاعَةٍ قُطِعَ بِهَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ فَيَأْخُذَهَا جُمْلَةً وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِاحْتِمَالِ أَنَّ شُهُودَهُ غَابُوا أَوْ مَاتُوا أَوْ أَبَوْا عَنْ الشَّهَادَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ) أَيْ الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ) سَيَجِيءُ بَعْدَ أَسْطُرٍ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا إلَخْ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوَاهُ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَرْبَعِ خِصَالٍ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَرْبَعِ إحْدَاهَا عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجُ يُرِيدُهَا وَالثَّانِي عَلَى تَرْكِ الْإِجَابَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى فِرَاشِهِ وَالثَّالِثُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَعَلَى تَرْكِ الْغُسْلِ وَالرَّابِعُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَنْزِلِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ النِّكَاحِ وَالثَّالِثَ وَالرَّابِعَ مَعْصِيَةٌ اهـ وَتَنَبَّهْ لِقَوْلِهِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَرْبَعِ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ النَّفَقَةِ فِي فَصْلِ حُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَرْأَةَ مِنْ الْغَزْلِ وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنْهَا تَرْكُ الزِّينَةِ إذَا أَرَادَ الزِّينَةَ وَالثَّانِيَةُ تَرْكُ الْإِجَابَةِ إذَا أَرَادَ الْجِمَاعَ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَالثَّالِثَةُ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَتَرْكُ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالرَّابِعَةُ الْخُرُوجُ مِنْ مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَعْدَ إيفَاءِ الْمَهْرِ قَالَ السُّرُوجِيُّ وَلَا يُجْبِرُ الْمُسْلِمُ زَوْجَتَهُ الذِّمِّيَّةَ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْكَنَائِسِ اهـ. [كِتَابُ السَّرِقَةِ] (كِتَابُ السَّرِقَةِ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ الْمَزَاجِرِ الرَّاجِعَةِ إلَى صِيَانَةِ النُّفُوسِ كُلًّا وَجُزْءًا وَاتِّصَالًا بِهَا شَرَعَ، فِي بَيَانِ الْمَزَاجِرِ الرَّاجِعَةِ إلَى صِيَانَةِ الْأَمْوَالِ وَأَخَّرَهَا لِكَوْنِ النَّفْسِ أَصْلًا وَالْمَالِ تَابِعًا وَذَلِكَ لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لِلزَّجْرِ عَنْ الزِّنَا الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِضَيَاعِ نَفْسِ الْوَلَدِ فَكَانَ فِيهِ صِيَانَةُ النَّفْسِ، وَحَدُّ الشُّرْبِ فِيهِ صِيَانَةُ الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْأَجْزَاءِ فِي النَّفْسِ، وَحَدُّ الْقَذْفِ لِصِيَانَةِ مَاءِ الْوَجْهِ الَّذِي يَتَّصِلُ بِالنَّفْسِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لِأَنَّهُ خُلِقَ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ قَالَ تَعَالَى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ أَخْذُ مُكَلَّفٍ خِفْيَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَيْدُ الْخِفْيَةِ احْتِرَازٌ عَنْ النَّهْبِ وَالْغَصْبِ وَالِاخْتِلَاسِ اهـ (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ جَيِّدَةً) أَيْ حَتَّى لَوْ سَرَقَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةَ أَوْ سَتُّوقَةَ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْوَصْفِ يُوجِبُ نُقْصَانَ الْمَالِيَّةِ كَنُقْصَانِ الْقَدْرِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ إنْ كَانَتْ تَرُوجُ لِأَنَّ بِالرَّوَاجِ صَارَتْ كَالْجِيَادِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَجَوْدَتُهَا شَرْطٌ وَيُخَالِفُهُ فِي الزُّيُوفِ الرَّائِجَةُ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ اهـ

فِي كِيسٍ فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ كِيسٍ دِرْهَمًا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ فَيَخْرُجَ بِهَا جُمْلَةً لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَتِمُّ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الدَّارِ فَيُعْتَبَرُ الِاتِّحَادُ عِنْدَهُ هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ وَفِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ وَالِاسْتِسْرَارِ وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ لِأَنَّهُ يَسْمَعُ كَلَامَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى غِرَّةٍ مِنْهُ وَقَدْ زِيدَتْ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الِاسْتِسْرَارُ مُرَاعًى فِيهَا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً إذَا كَانَتْ بِالنَّهَارِ أَوْ ابْتِدَاءً لَا غَيْرُ إذَا كَانَتْ بِاللَّيْلِ كَمَا إذَا نَقَبَ الْجِدَارَ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ وَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ مُكَابَرَةً جَهْرًا لِأَنَّهُ وَقْتٌ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِالْخُفْيَةِ فِيهِ ابْتِدَاءً لَامْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي أَكْثَرِ السُّرَّاقِ لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِ مِصْرَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي النَّهَارِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهِ وَهِيَ نَوْعَانِ سَرِقَةٌ صُغْرَى وَكُبْرَى فَالصُّغْرَى يُسَارِقُ فِيهَا عَيْنَ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْحِفْظِ وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ خُفْيَةً عَلَى زَعْمِ السَّارِقِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ دَارَ إنْسَانٍ فَسَرَقَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الدَّارِ وَصَاحِبُ الدَّارِ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَالسَّارِقُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْلَمُ قُطِعَ وَلَوْ كَانَ السَّارِقُ يَعْلَمُ بِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ جَهْرٌ وَالْكُبْرَى يُسَارِقُ فِيهَا عَيْنَ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْآفَاقِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَصَدِّي لِحِفْظِ الطُّرُقِ وَقَوْلُهُ مَضْرُوبَةٌ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا سَرَقَ فِضَّةً غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ وَزْنُهَا عَشَرَةٌ أَوْ أَكْثَرُ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ مَضْرُوبَةٍ لَا يُقْطَعُ بِخِلَافِ الْمَهْرِ حَيْثُ يَصِحُّ جَعْلُهَا مَهْرًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَتَتَعَلَّقُ بِالْكَامِلِ وَالْمَهْرُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَيَصِحُّ كَيْفَمَا كَانَ وَعَلَى هَذَا أَوَانِي الْفِضَّةِ وَالزُّيُوفُ إذَا سَرَقَهَا وَوَزْنُهَا عَشَرَةٌ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ أَوْ قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ وَوَزْنُهَا أَقَلُّ لَا يُقْطَعُ وَقِيلَ الْمَضْرُوبَةُ وَغَيْرُ الْمَضْرُوبَةِ فِيهِ سَوَاءٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَتَثْبُتُ الْقِيمَةُ بِقَوْلِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ لَهُمَا مَعْرِفَةٌ بِالْقِيَمِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحُدُودِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ وَزْنُ سَبْعَةٍ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نِصَابُهُ مُقَدَّرٌ بِرُبْعِ دِينَارٍ وَقَالَ مَالِكٌ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَطَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَفِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخِفْيَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الشَّرِيعَةِ هِيَ هَذَا أَيْضًا وَإِنَّمَا زِيدَ عَلَى مَفْهُومِهَا قُيُودٌ فِي إنَاطَةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِهَا إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَخْذَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ خِفْيَةً سَرِقَةٌ شَرْعًا لَكِنْ لَمْ يُعَلِّقْ الشَّرْعُ بِهِ حُكْمَ الْقَطْعِ فَهِيَ شُرُوطٌ لِثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَإِذَا قِيلَ السَّرِقَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْأَخْذُ خُفْيَةً مَعَ كَذَا وَكَذَا لَا يَحْسُنُ بَلْ السَّرِقَةُ الَّتِي عَلَّقَ بِهَا الشَّرْعُ وُجُوبَ الْقَطْعِ هِيَ أَخْذُ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ عَشَرَةً أَوْ مِقْدَارَهَا خِفْيَةً عَمَّنْ هُوَ مُتَصَدٍّ لِلْحِفْظِ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ لِلْغَيْرِ مِنْ حِرْزٍ بِلَا شُبْهَةٍ وَيُعَمِّمُ الشُّبْهَةَ فِي التَّأْوِيلِ فَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ السَّارِقِ وَلَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ ذِي الرَّحِمِ الْكَامِلَةِ وَالْفِعْلُ خِلَافُ الْأَصْلِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ مَا لَا مَرَدَّ لَهُ كَالصَّلَاةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَمَا قِيلَ هِيَ فِي مَفْهُومِهَا اللُّغَوِيِّ وَالزِّيَادَاتُ شُرُوطٌ غَيْرُ مَرَضِيٍّ وَالْقَطْعُ بِأَنَّهَا لِلْأَفْعَالِ وَالْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا وَلَوْ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَكَيْفَ يُقَالُ بِإِنَّهَا فِي الشَّرْعِ لِلدُّعَاءِ وَالْأَفْعَالُ شَرْطُ قَبُولِهِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ الدُّعَاءُ قَطُّ هَذَا وَسَيَأْتِي فِي السَّارِقِ مِنْ السَّارِقِ خِلَافٌ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ كَمَا إذَا نَقَبَ الْجِدَارَ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ) أَيْ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ صَاحِبُ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ مُكَابَرَةً جَهْرًا) أَعْنِي مُقَاتَلَةً بِالسِّلَاحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُكَابَرَةً) أَيْ مُغَالَبَةً وَمُدَافَعَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ) أَيْ فِي الْمِصْرِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا كَابَرَهُ فِي الْمِصْرِ نَهَارًا وَأَخَذَ مَالَهُ لَا يُقْطَعُ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَانَ دَخَلَ خِفْيَةً وَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ فِي اللَّيْلِ لَكِنْ يُقْطَعُ إذْ غَالِبُ السَّرِقَاتِ فِي اللَّيْلِ تَصِيرُ مُغَالَبَةً إذْ قَلِيلًا مَا يَخْفَى الدُّخُولُ وَالْأَخْذُ بِالْكُلِّيَّةِ وَعَلَيْهِ فُرِّعَ إذَا كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ يَعْلَمُ دُخُولَهُ وَاللِّصُّ لَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ فِيهَا أَوْ يَعْلَمُهُ اللِّصُّ وَصَاحِبُ الدَّارِ لَا يَعْلَمُ دُخُولَهُ أَوْ كَانَا لَا يَعْلَمَانِ قُطِعَ وَلَوْ عَلِمَا لَا يُقْطَعُ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) أَيْ مَقَامَ الْمَالِكِ بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبَ يَدِ أَمَانَةٍ أَوْ ضَمَانٍ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُودِعِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُضَارِبِ وَالْغَاصِبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ وَزْنُ سَبْعَةٍ) يَعْنِي الْمُعْتَبَرُ فِي وَزْنِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي يُقْطَعُ بِعَشَرَةٍ مِنْهَا مَا يَكُونُ وَزْنُ عَشَرَةٍ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ نِصَابُهُ مُقَدَّرٌ بِرُبْعِ دِينَارٍ) أَيْ مَسْكُوكٌ يُقَوَّمُ بِهِ السِّلَعُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ رُبْعُ دِينَارٍ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ مِنْ الْوَرِقِ أَوْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ) وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ بِأَرْبَعِينَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ هَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا نَشَأَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يُقْطَعْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا يَدُ سَارِقِ الْمِجَنِّ وَاخْتَلَفَ فِي تَقْدِيرِهِ الرُّوَاةُ فَبَعْدَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ أَخَذُوا بِالْأَقَلِّ وَبَعْضُهُمْ أَخَذُوا بِالْأَكْثَرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ إلَى هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ يَدَ السَّارِقِ لَمْ تُقْطَعْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَمَنِ مِجَنٍّ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ ثُمَّ إنَّ مَالِكًا رَوَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» وَالشَّافِعِيُّ احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقْطَعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» كَذَا قَالَهُ أَبُو عِيسَى فِي جَامِعِهِ وَأَصْحَابُنَا احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ وَشَرْحِ الْآثَارِ مُسْنَدًا إلَى عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ» وَأَصْحَابُنَا رَجَّحُوا هَذَا لِأَنَّ فِي الْعَشَرَةِ يَجِبُ الْقَطْعُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِيمَا دُونَهَا خِلَافٌ وَالْأَخْذُ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِمَا فِيهِ خِلَافٌ لِأَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْخِلَافِ إيرَاثُ الشُّبْهَةِ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَلِأَنَّ فِي الْأَقَلِّ شُبْهَةً عَدَمَ الْجِنَايَةِ وَلَا حَدَّ بِالشُّبْهَةِ يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ

فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَفِي لَفْظٍ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَالثَّلَاثَةُ رُبْعُهَا وَالرُّبْعُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِيمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْطَعُ يَدَ السَّارِقِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» وَفِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ» قُلْنَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ كَانَتْ قِيمَةُ الْمِجَنِّ الَّذِي قُطِعَ فِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي قِيمَةِ الْمِجَنِّ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّ النِّصَابَ مُقَدَّرٌ بِهِ مَالَ مَالِكٌ إلَى الْأَقَلِّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَمَالَ أَصْحَابُنَا إلَى الْأَكْثَرِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إنَّ الْعَشَرَةَ لَمْ يُقْطَعْ بِهَا وَمَا دُونَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ إذْ الْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ الْمَرْفُوعِ وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ بِمُطْلَقِ السَّرِقَةِ وَلَيْسَ لَهُ نِصَابٌ مُقَدَّرٌ لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ قُلْنَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِالْمَالِ فَكَذَا بِالنِّصَابِ لِمَا رَوَيْنَا وَحَكَيْنَا مِنْ الْإِجْمَاعِ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» الْمُرَادُ بِهِ بَيْضُ الْحَدِيدِ وَالْحَبْلُ النَّفِيسُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الْأَعْمَشِ وَهُوَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ بَيْضُ الْحَدِيدِ وَأَنَّ مِنْ الْحِبَالِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيُقْطَعُ إنْ أَقَرَّ مَرَّةً) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ إلَّا إذَا أَقَرَّ مَرَّتَيْنِ فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّهُ حَدٌّ فَيُعْتَبَرُ عَدَدُ الْإِقْرَارِ فِيهِ بِعَدَدِ الشُّهُودِ أَصْلُهُ الْإِقْرَارُ بِالزِّنَا وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ مَرَّةً مُظْهِرٌ فَيُكْتَفَى بِهِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالِاعْتِبَارُ بِالشَّهَادَةِ بَاطِلٌ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا تُفِيدُ تَقْلِيلَ تُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ فَلَا يُفِيدُ شَيْئًا وَلَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ فَيُؤَكِّدَ بِالتَّكْرَارِ لِيَدُلَّ عَلَى الثُّبُوتِ لِأَنَّا نَقُولُ بَابُ الرُّجُوعِ فِيهِ لَا يَنْسَدُّ بِالتَّكْرَارِ وَالرُّجُوعُ عَنْهُ فِي حَقِّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يُكَذِّبُهُ وَفِي الزِّنَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ بِشْرٌ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْحُدُودِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ الرِّجَالِ وَيَجِبُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّةِ السَّرِقَةِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَمَكَانِهَا وَيَسْأَلَ الشُّهُودَ عَنْ زَمَانِهَا لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ) أَيْ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْخَوَارِجُ وَثَبَتَ عَنْ الشَّافِعِيِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ بِمُطْلَقِ السَّرِقَةِ) أَيْ حَتَّى إذَا سَرَقَ فَلْسًا قُطِعَ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَيُقْطَعُ إنْ أَقَرَّ مَرَّةً) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ. اهـ. كَمَالٌ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَإِنَّمَا خُصَّ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ لِمَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهِ مُسْنَدًا إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» وَلِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَتَحَقَّقُ دُونَهُمَا لِأَنَّهَا بِالْمُخَالَفَةِ وَالْمُخَالَفَةُ فَرْعُ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ) أَيْ إذْ لَا يُتَّهَمُ الْإِنْسَانُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِمَا يَضُرُّهُ ضَرَرًا بَالِغًا عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ الْأَوَّلَ إمَّا صَادِقٌ فَالثَّانِي لَا يُفِيدُ شَيْئًا إذْ لَا يَزْدَادُ صِدْقًا وَإِمَّا كَاذِبٌ فَبِالثَّانِي لَا يَصِيرُ صِدْقًا فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَكْرَارِهِ. اهـ. فَتْحٌ (فُرُوعٌ) مِنْ عَلَامَةِ الْعُيُونِ قَالَ أَنَا سَارِقُ هَذَا الثَّوْبِ يَعْنِي بِالْإِضَافَةِ قُطِعَ وَلَوْ نَوَّنَ الْقَافَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ وَالْأَوَّلُ عَلَى الْحَالِ وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ قَالَ سَرَقْت مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ بَلْ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ يُقْطَعُ فِي الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيَضْمَنُ مِائَةً هَذَا إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمَالَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِسَرِقَةِ مِائَةٍ وَأَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَصَحَّ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ الْأُولَى فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالسَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَبِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ سَرَقْت مِائَةً بَلْ مِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا لَوْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ وَوَجَبَ الْقَطْعُ فَانْتَفَى الضَّمَانُ وَالْمِائَةُ الْأُولَى لَا يَدَّعِيهَا الْمُقَرُّ لَهُ بِخِلَافِ الْأُولَى وَلَوْ قَالَ سَرَقْت مِائَتَيْنِ بَلْ مِائَةً لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنْ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ وَرَجَعَ عَنْهَا فَوَجَبَ الضَّمَانُ وَلَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ وَلَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ بِالْمِائَةِ إذْ لَا يَدَّعِيهَا الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَلَوْ أَنَّهُ صَدَّقَهُ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْمِائَةِ لَا ضَمَانَ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَّنَ لَا يُقْطَعُ هَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى وَالظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَّلَا بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُنَوِّنْ فَكَلَامُهُ دَلَّ عَلَى السَّرِقَةِ الْمَاضِيَةِ كَأَنَّهُ قَالَ سَرَقْت هَذَا الثَّوْبَ وَإِذَا نَوَّنَ فَكَلَامُهُ دَلَّ عَلَى السَّرِقَةِ الْمُسْتَقْبِلَةِ كَأَنَّهُ قَالَ أَسْرِقُهُ مِنَّا لَهُ إذَا قَالَ هَذَا قَاتِلُ زَيْدٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ وَإِنْ قَالَ هَذَا قَاتِلٌ زَيْدًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ اهـ (قَوْلُهُ لَا يَنْسَدُّ بِالتَّكْرَارِ) أَيْ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ التَّكْرَارِ فَيُقْبَلُ بِالْحُدُودِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَإِنْ تَعَدَّدَ وَتَكَثَّرَ يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالرُّجُوعِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّةِ السَّرِقَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا السُّؤَالُ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ بِأَنْ يُقَالَ كَيْفَ سَرَقَ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ نَقَبَ الْبَيْتَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ فَذَهَبَ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي وَكَذَا إذَا نَاوَلَ صَاحِبًا لَهُ عَلَى الْبَابِ لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إذْ فِي الْأَوَّلِ مُخْتَلِسٌ لَا هَاتِكٌ لِلْحِرْزِ لِأَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ فِي الْبَيْتِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ بِخِلَافِ صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ الْمُوجِبُ لِلْقَطْعِ عَلَى الْكَمَالِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَى الثَّوْبَ مِنْ الْبَيْتِ إلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ خَرَجَ فَأَخَذَهُ حَيْثُ يُقْطَعُ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُوجِبَ لِلْقَطْعِ تَمَّ بِهِ وَحْدَهُ

يَلْتَبِسُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فَإِنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى أَشْيَاءَ عَلَى الِاسْتِمَاعِ خِفْيَةً وَعَلَى تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً مَنْ يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ» وَكَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَإِنَّ مَنْ يُدْخِلُ يَدَهُ مِنْ النَّقْبِ أَوْ مِنْ الطَّاقَةِ وَيَأْخُذُ شَيْئًا أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي بَيْتٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ أَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي حِرْزٍ لَا يُقْطَعُ وَكَذَا بِالتَّقَادُمِ يَسْقُطُ الْحَدُّ دُونَ الْمَالِ إذَا كَانَتْ بَيِّنَةٌ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ هَلْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ السَّارِقِ أَوْ زَوْجٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ جَمِيعُ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَاحَةِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الدَّرْءِ مَا اُسْتُطِيعَ وَيَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ لِلتُّهْمَةِ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ جَمْعًا وَالْآخِذُ بَعْضُهُمْ قُطِعُوا إنْ أَصَابَ لِكُلٍّ نِصَابٌ) أَيْ لَوْ سَرَقَ جَمَاعَةُ وَتَوَلَّى الْأَخِذَ بَعْضُهُمْ قُطِعُوا إذَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ بَيْنَ السُّرَّاقِ أَنْ يَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخْذَ وَيَسْتَعِدَّ الْبَاقُونَ لِلدَّفْعِ فَلَوْ امْتَنَعَ الْحَدُّ بِمِثْلِهِ لَامْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي أَكْثَرِ السُّرَّاقِ فَيُؤَدِّي إلَى فَتْحِ بَابِ الْفَسَادِ فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحَدُّ جَمِيعًا اسْتِحْسَانًا سَدًّا لِبَابِهِ سَوَاءٌ خَرَجُوا مَعَهُ مِنْ الْحِرْزِ أَوْ بَعْدَهُ فِي فَوْرِهِ أَوْ خَرَجَ هُوَ بَعْدَهُمْ فِي فَوْرِهِمْ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَحْصُلُ التَّعَاوُنُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ إنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْحِرْزِ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْحَامِلِ وَحْدَهُ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ تَوَلَّى الْأَخْذَ الصَّغِيرُ أَوْ الْمَجْنُونُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَطْعُ وَإِنْ أَخَذَ الْكِبَارُ الْعُقَلَاءُ وَجَبَ لِأَنَّ الْآخِذَ هُوَ الْأَصْلُ وَالرِّدْءُ تَبَعٌ فَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْ الْأَصْلِ يُوجِبُ سُقُوطَهُ عَنْ التَّبَعِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ قُلْنَا الْحَامِلُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَّا بِقُوَّةِ الرِّدْءِ فَصَارُوا مُبَاشِرِينَ مَعْنًى عَلَى مَا يَجِيءُ تَمَامُهُ فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى وَشُرِطَ أَنْ يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ إذْ لَا قَطْعَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ وَقَالَ مَالِكٌ يَقْطَعُونَ بِنِصَابٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْمَالِ مُوجِبٌ لِلْقَطْعِ فَإِذَا اشْتَرَكُوا أُجْرِيَ عَلَى جَمِيعِهِمْ كَالْقِصَاصِ قُلْنَا الْقِصَاصُ تَعَلَّقَ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ إزْهَاقُ الرُّوحِ فَيُنْسَبُ إلَى جَمِيعِهِمْ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقْطَعُ بِخَشَبٍ وَحَشِيشٍ وَقَصَبٍ وَسَمَكٍ وَطَيْرٍ وَصَيْدٍ وَزِرْنِيخٍ وَمَغْرَةٍ وَنُورَةٍ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِيمَا يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ الْمَاهِيَّةِ بِأَنْ يُقَالَ مَا هِيَ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَسْرُوقَ شَيْءٌ تَافِهٌ أَوْ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ أَوْ مَالُ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ مَالٌ فِيهِ شَرِكَةٌ لِلسَّارِقِ أَوْ مَالُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ دَرَاهِمُ الْمَدْيُونِ أَخَذَهَا السَّارِقُ بِقَدْرِ حَقِّهِ أَوْ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ النِّصَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ نَسَبَاهُ إلَى السَّرِقَةِ لِاسْتِرَاقِ الْكَلَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر: 18] أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدِلْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا بُدَّ إذًا مِنْ السُّؤَالِ عَنْهَا وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ الزَّمَانِ بِأَنْ يُقَالَ مَتَى سَرَقَ فَلِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ لِأَنَّ التَّقَادُمَ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ لِلتُّهْمَةِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ الْمَكَانِ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَرَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ سَرَقَ مِنْ مُسْتَأْمِنٍ فِي دَارِنَا لَا قَطْعَ فِيهِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِهِ مُؤَقَّتَةٌ لَا مُؤَبَّدَةٌ أَوْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ الْحِرْزِ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ أَوْ مِنْ حَمَّامٍ نَهَارًا أَوْ بِاللَّيْلِ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْذَنُ بِالدُّخُولِ فِي اللَّيْلِ اهـ قَوْلُهُ وَأَمَّا السُّؤَالُ إلَخْ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَسْأَلُهُمَا عَنْ الْمَكَانِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مُسْلِمٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ثُبُوتُ السَّرِقَةِ بِالْإِقْرَارِ حَيْثُ لَا يَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُقِرَّ عَنْ الزَّمَانِ لِأَنَّ التَّقَادُمَ لَا يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ وَلَا عَنْ الْمَكَانِ لَكِنْ يَسْأَلُهُ عَنْ بَاقِي الشُّرُوطِ مِنْ الْحِرْزِ وَغَيْرِهِ اتِّفَاقًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَحْبِسَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَسْأَلَهُمَا يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ يَحْبِسَ الْإِمَامُ السَّارِقَ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالسَّرِقَةِ تَعْزِيرًا عَلَيْهِ وَقَدْ «حَبَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحُدُودِ وَإِنَّمَا يَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ لِأَنَّ التَّوَثُّقَ بِالْكَفَالَةِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فِيمَا مَبْنَاهُ عَلَى الدَّرْءِ وَالْقَطْعُ قَبْلَ التَّعْدِيلِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّلَافِي إذَا وَقَعَ الْغَلَطُ فَتَعَيَّنَ الْحَبْسُ كَيْ لَا يَفُوتَ الْحَقُّ بِالْهَرَبِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ جَمْعًا وَالْآخِذُ بَعْضُهُمْ قُطِعُوا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا دَخَلَ الْحِرْزَ جَمَاعَةٌ فَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخِذَ قُطِعُوا جَمِيعًا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَإِنَّمَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي دُخُولِ جَمِيعِهِمْ إذَا اشْتَرَكُوا وَاتَّفَقُوا عَلَى فِعْلِ السَّرِقَةِ لَكِنْ دَخَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ وَلَمْ يَدْخُلْ غَيْرُهُ فَالْقَطْعُ عَلَى مَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ إنْ عُرِفَ بِعَيْنِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَعَلَيْهِمْ التَّعْزِيرُ وَلَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرُ الدَّاخِلِ يُعَيِّنُ الدَّاخِلَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمْ مَا لَمْ يَدْخُلُوا الْبَيْتَ لَمْ تَتَأَكَّدْ مُعَاوَنَتُهُمْ بِهَتْكِ الْحِرْزِ بِالدُّخُولِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ اشْتِرَاكُهُمْ لِمَا أَنَّ كَمَالَ هَتْكِ الْحِرْزِ إنَّمَا يَكُونُ بِالدُّخُولِ وَقَدْ وُجِدَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَاعْتُبِرَ اشْتِرَاكُهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) أَيْ أَوْ أَخْرَسُ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ قُلْنَا الْحَامِلُ لَا يَتَمَكَّنُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا أَنَّ أَحَدَ الشُّرَكَاءِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ كَالْمُخْطِئِ وَالْعَامِدِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ اهـ. (قَوْلُهُ وَصَيْدٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَرِّيًّا أَوْ بَحْرِيًّا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَزِرْنِيخٍ وَمَغْرَةٍ وَنُورَةٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ الزِّرْنِيخُ بِالْكَسْرِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالْمَغْرَةُ الطِّينُ الْأَحْمَرُ بِفَتْحَتَيْنِ وَالتَّسْكِينُ تَخْفِيفٌ وَالنُّورَةُ بِضَمِّ النُّونِ حَجَرُ الْكِلْسِ ثُمَّ غَلَبَتْ عَلَى أَخْلَاطٍ تُضَافُ إلَى الْكِلْسِ مِنْ زِرْنِيخٍ وَغَيْرِهِ وَتُسْتَعْمَلُ لِإِزَالَةِ الشَّعْرِ اهـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَهَمَزُوا (وَالنُّورَةُ) خَطَأٌ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ وَمَغْرَةٍ وَنُورَةٍ أَيْ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ يُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ وَكَذَلِكَ الْوَسْمَةُ وَالْحِنَّاءُ وَقِيلَ إنَّ فِي الْوَسْمَةِ وَالْحِنَّاءِ يُقْطَعُ فِي بِلَادِنَا لِأَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي إحْرَازِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ الْأَيْدِي لَا تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ أَيْ الْحَقِيرِ وَمَا يُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُبَاحًا فِي الْأَصْلِ بِصُورَتِهِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ حَقِيرٌ وَالطِّبَاعُ لَا تَضَنُّ بِهِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَفِي آخِذُهُ عَادَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَا دُونَ النِّصَابِ لِأَنَّ الْحِرْزَ فِيهَا نَاقِصٌ وَلِهَذَا يُلْقَى بَعْضُهَا فِي الْأَبْوَابِ بَلْ فِي الْقَوَارِعِ كَالْخَشَبِ وَنَحْوِهِ وَبَعْضُهَا يَنْفَلِتُ فَيَفِرُّ وَيَضِيعُ فَتَنْقُصُ الرَّغَبَاتُ فِيهِ كَمَا تَنْقُصُ فِي الْقَلِيلِ وَلِمِثْلِهِ لَا يُشْرَعُ الزَّاجِرُ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الْعَامَّةَ الَّتِي كَانَتْ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ تُورِثُ الشُّبْهَةَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا وَيَدْخُلُ فِي الطَّيْرِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ حَتَّى الْبَطَّ وَالدَّجَاجَ وَفِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ وَالْمَالِحِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْطَعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا التُّرَابَ وَالطِّينَ وَالسِّرْقِينَ وَهُوَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُتَقَوِّمًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَوَجَبَ قَطْعُهُ فِيهِ وَكَوْنُهُ يُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُبَاحًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ كَالْفَيْرُوزَجِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ الْكَلَأِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ» أَثْبَتَ فِيهِ شَرِكَةً عَامَّةً فَإِذَا انْتَفَتْ الشَّرِكَةُ بِالْإِحْرَازِ حَقِيقَةً تُورَثُ شُبْهَةً وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ كَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمَغْنَمِ وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ» يُورِثُ شُبْهَةً وَإِذَا ثَبَتَ الشُّبْهَةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهِيَ تُوجَدُ مُبَاحَةً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَذَا فِي أَمْثَالِهَا وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَاللُّؤْلُؤُ وَالْجَوْهَرُ فَقَدْ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا سَرَقَهَا عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي تُوجَدُ مُبَاحَةً لَا يُقْطَعُ وَهُوَ الْمُخْتَلِطُ بِالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يُقْطَعُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَافِهَةٍ جِنْسًا فَإِنَّ كُلَّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِهِ لَا يَتْرُكُهُ فَهَذِهِ عَلَامَتُهُ وَلَا يُقْطَعُ فِي الرُّخَامِ وَلَا فِي الْقُدُورِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَلَا فِي الْمِلْحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ أَوْ عَلَى شَجَرٍ وَلَبَنٍ وَلَحْمٍ وَزَرْعٍ لَمْ يُحْصَدْ وَأَشْرِبَةٍ وَطُنْبُورٍ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ سَرِقَةَ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَالْمَعَازِفَ أَوْ السَّرِقَةَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ لَا تُوجِبُ الْقَطْعَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ» وَلَا كَثَرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَالْكَثَرُ الْجِمَارُ وَهُوَ شَيْءٌ أَبْيَضُ لَهُ لَبَنٌ يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ النَّخْلِ وَمَنْ قَالَ الْكَثَرُ الْحَطَبُ أَوْ صِغَارُ النَّخْلِ فَقَدْ أَخْطَأَ ذَكَرَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ الْجِمَارَ شَحْمُ النَّخْلِ وَالْمُرَادُ بِالتَّمْرِ مَا يَتَسَارَعُ الْفَسَادُ وَهُوَ الرُّطَبُ وَسُئِلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فَقَالَ مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلِهِ وَالْعُقُوبَةُ وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيهِ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالْجَرِينُ الْمِرْبَدُ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُلْقَى فِيهِ الرُّطَبُ لِيَجِفَّ وَالْجِرَانُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُعْصَرُ فِيهِ الْعِنَبُ أَوْ التَّمْرُ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ عَلَى الشَّجَرِ وَالزَّرْعَ الَّذِي لَمْ يُحْصَدْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ الْإِحْرَازُ وَالْقَطْعُ بِدُونِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَيَدْخُلُ فِي اللَّحْمِ الْقَدِيدُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ فِيهِ الْفَسَادُ وَفِي الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ الْعِنَبُ وَكَذَا الرُّطَبُ فِي الْمُخْتَارِ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) قَيَّدَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا يُوجَدُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ حَقِيرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ بِصُورَتِهِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَبْوَابِ وَالْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْخَشَبِ وَالْحُصْرِ الْبَغْدَادِيَّةِ فَإِنَّ فِيهَا الْقَطْعَ لِتَغَيُّرِهَا عَنْ الصُّورَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ) لِيَخْرُجَ نَحْوُ الْمَعَادِنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالصُّفْرِ وَالْيَوَاقِيتِ وَاللُّؤْلُؤِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَحْجَارِ لِكَوْنِهَا مَرْغُوبًا فِيهَا فَيُقْطَعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَعَلَى نَظَرِ بَعْضِهِمْ فِي الزِّرْنِيخِ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِهِ لِأَنَّهُ يُحَازُ وَيُصَانُ فِي دَكَاكِينِ الْعَطَّارِينَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُدْخَلُ الدُّورَ لِلْعِمَارَةِ فَكَانَ إحْرَازُهُ نَاقِصًا بِخِلَافِ السَّاجِ وَالْآبِنُوسِ وَاخْتُلِفَ فِي الْوَسْمِ وَالْحِنَّاءِ وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِحْرَازِهِ فِي الدَّكَاكِينِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ غَيْرَ بِنَصْبِ غَيْرَ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ قَوْلِهِ مُبَاحًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا نَظَرَ بَعْضُهُمْ أَيْ وَهُوَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَضَنُّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ ضَنَّ بِالشَّيْءِ يَضَنُّ مِنْ بَابِ تَعِبَ ضَنًّا وَضِنَةٌ بِالْكَسْرِ وَضَنَانَةٌ بِالْفَتْحِ بُخْلٌ فَهُوَ ضَنِينٌ وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ لُغَةً. اهـ. (قَوْلُهُ فَتَنْقُصُ الرَّغَبَاتُ فِيهِ) يَعْنِي فَلَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى اسْتِحْصَالِهِ وَعَلَى الْمُعَالَجَةِ فِي التَّوَصُّلِ إلَيْهِ وَالطِّبَاعُ لَا تَضِنُّ إذَا أُحْرِزَ حَتَّى أَنَّهُ قَلَّمَا يُوجَدُ أَخْذُهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْ الْمَالِكِ وَلَا يُنْسَبُ إلَى الْخِيَانَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضِّنَةَ بِهَا تُعَدُّ مِنْ الْخَسَاسَةِ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ فِيهِ كَمَا دُونَ النِّصَابِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَبْوَابِ وَالْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ فَإِنَّ فِيهَا الْقَطْعَ كَمَا بَيَّنَّا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ فِي الطَّيْرِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ سَرَقَ طَيْرًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَا يُقْطَعُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ أَرَادَ بِهِ الطَّائِرَ الَّذِي يَكُونُ صَيْدًا سِوَى الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ فَيَجِبُ فِيهِمَا الْقَطْعُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْأَهْلِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي جَمِيعِ الطُّيُورِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ ثُمَّ قَالَ وَذُكِرَ فِي الْمُجَرَّدِ لَوْ سَرَقَ مِنْ الدَّجَاجِ أَوْ الْبَطِّ أَوْ الْحَمَامِ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ وَالْمَالِحِ) قَالَ الْكَمَالُ صَوَابُهُ السَّمَكُ الْمَلِيحُ أَوْ الْمَمْلُوحُ اهـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَمَاءٌ مِلْحٌ وَسَمَكٌ مَلِيحٌ وَمَمْلُوحٌ وَلَا يُقَالُ مَالِحٌ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَهُوَ الْمُقَدَّدُ الَّذِي جُعِلَ فِيهِ مِلْحٌ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَطُنْبُورٍ) الطُّنْبُورُ مِنْ آلَاتِ الْمَلَاهِي وَهُوَ فُنْعُولٌ بِضَمِّ الْفَاءِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَإِنَّمَا ضُمَّ حَمْلًا عَلَى بَابِ عُصْفُورٍ اهـ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَلَا كَثَرٍ) بِفَتْحَتَيْنِ. اهـ. مِصْبَاحٌ وَقَوْلُهُ كَثَرٍ بِالْمُثَلَّثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً) الْخُبْنَةُ بِالضَّمِّ مَا تَحْمِلُهُ تَحْتَ إبْطِك. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ الْمِرْبَدُ) مِثْلُ مِقْوَدٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَالْقَطْعُ بِدُونِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ) أَيْ وَلَا خِلَافَ فِيهِ لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ كَانَ فِي حَائِطٍ مُحْرَزٍ. اهـ. كَيْ

وَجْهٍ بِخِلَافِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْطَعُ فِي الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَبِمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ لِمَا رَوَيْنَا قُلْنَا أَخْرَجَهُ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ لِأَنَّ مَا يُؤْوِيهِ الْجَرِينُ هُوَ الْيَابِسُ مِنْ الثِّمَارِ عَادَةً وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إذَا سَرَقَهُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْغَلَاءِ وَفِي الْقَحْطِ لَا يُقْطَعُ فِي الطَّعَامِ لِلضَّرُورَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الْمُنْتَقَى لَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْخَلِّ يُقْطَعُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَهُوَ مَالٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا فِي الْعَسَلِ بِخِلَافِ الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِمَالٍ وَفِي مَالِيَّةِ بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَفِي الْمَعَازِفِ يُتَأَوَّلُ لِكَسْرِهَا وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِكَوْنِهِ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُصْحَفٍ وَلَوْ مُحَلًّى) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْطَعُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْرَزٌ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ حِلْيَتُهُ نِصَابًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُصْحَفِ فَتُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهَا وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْرَزٍ لِلتَّمَوُّلِ وَآخِذُهُ يَتَأَوَّلُ الْقِرَاءَةَ فِيهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْمُصْحَفِ الْقُرْآنُ لَا الْحِلْيَةُ وَالْجِلْدُ وَالْوَرَقُ وَهُوَ لَا يُوصَفُ بِالْمَالِيَّةِ وَوُجُوبِ الْقَطْعِ بِاعْتِبَارِهَا فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَتْبَاعٌ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّبَعِ كَمَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ أَوْ ثَرِيدٌ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ وَقِيمَةُ الْأَوَانِي تَبْلُغُ نِصَابًا فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِيهَا لِمَا أَنَّهَا تَبَعٌ فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْأَصْلُ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُعْتَبَرَ التَّبَعُ وَهِيَ عَلَى الْخِلَافِ فَلَا يَصِحُّ الْإِلْزَامُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً وَفِيهِ فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ مَضْرُوبٌ يَزِيدُ عَلَى النِّصَابِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الثَّوْبُ فَكَانَ هُوَ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ مِنْدِيلًا قَدْ صُرَّ فِيهِ ذَلِكَ حَيْثُ يُقْطَعُ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْمِنْدِيلَ يُصَرُّ فِيهِ عَادَةً فَكَانَ مَا فِيهِ مُعْتَبَرًا إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْأَخْذِ، وَفَرَّقُوا فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا صُرَّ فِيهِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا بِهِ فَأَوْجَبُوا الْقَطْعَ فِي الْعَالِمِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي مَسْأَلَةِ الْأَوَانِي، وَلَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدَّارِ أَوْ أَرَاقَهُ ثُمَّ أَخْرَجَ الْآنِيَةَ يُقْطَعُ إجْمَاعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَابِ مَسْجِدٍ) لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ كَبَابِ الدَّارِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُحْرَزُ بِبَابِ الدَّارِ مَا فِيهَا بِخِلَافِ بَابِ الْمَسْجِدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَلِيبِ ذَهَبٍ وَشِطْرَنْجٍ وَنَرْدٍ) لِأَنَّ مَنْ أَخَذَهَا يَتَأَوَّلُ الْكَسْرَ كَمَا فِي الْمَعَازِفِ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي عَلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْطَعُ فِي الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَبِمَا يَتَسَارَعُ إلَخْ) رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَطْعَ فِي طَعَامٍ» وَالْمُرَادُ الطَّعَامُ الَّذِي لَا يَبْقَى وَيَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَمَا فِي مَالِيَّتِهِ قُصُورٌ كَاللَّحْمِ وَالثَّمَرِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْقَطْعِ فِي الْحِنْطَةِ وَالسُّكَّرِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا يُؤْوِيهِ الْجَرِينُ هُوَ الْيَابِسُ مِنْ الثِّمَارِ) أَيْ وَفِيهِ الْقَطْعُ وَهَذَا لِأَنَّ ثِمَارَ الْمَدِينَةِ لَا تُؤْوَى إلَّا يَابِسَةً فَيَكُونُ مِمَّا يَبْقَى بَعْدَ الْإِيوَاءِ عَلَى عَادَتِهِمْ وَكَذَا عِنْدَنَا لَا يُقْطَعُ إذَا صَارَتْ تَمْرًا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِيهِ الْقَطْعُ) أَيْ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهَا أَيْضًا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي الْقَحْطِ لَا يُقْطَعُ فِي الطَّعَامِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا لِأَنَّ هَذَا مَالٌ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُحْرَزٍ فَإِذَا كَانَ مُحْرَزًا يُقْطَعُ إلَّا إذَا كَانَ فِي عَامِ السَّنَةِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ سَرَقَ مُتَأَوِّلًا، إلَى هُنَا لَفْظُهُ يَعْنِي إذَا كَانَ فِي عَامِ الْقَحْطِ لَا يُقْطَعُ سَارِقُ الْحِنْطَةِ وَإِنْ كَانَ مُحْرَزًا لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ دَفْعَ ضَرُورَةِ الْمَخْمَصَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ «لَا قَطْعَ فِي عَامِ سَنَةٍ وَلَا فِي عِذْقٍ مُعَلَّقٍ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ) يُقَالُ أَطْرَبَهُ فَطَرِبَ وَالطَّرَبُ أَنْ يَسْتَخِفَّك فَرَحٌ أَوْ حُزْنٌ وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْأَشْرِبَةُ الْمُسْكِرَةُ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطَعْ مِنْهَا لِأَنَّ بَعْضَهَا حَرَامٌ كَالْخَمْرِ يَتَأَوَّلُ سَارِقُهَا إرَاقَتَهَا وَبَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِي إبَاحَتِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي إبَاحَتِهِ يُورِثُ شُبْهَةً فِي عَدَمِ الْمَالِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَفِي مَالِيَّةِ بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ) أَيْ الْمُنْصَفِ وَالْبَاذِقِ وَمَاءِ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَالْخَمْرِ وَلَا مَالِيَّةَ لَهُ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمَعَازِفِ) الْمَعَازِفُ آلَاتٌ يَضْرِبُ بِهَا الْوَاحِدُ عَزْفٌ مِثْلُ فَلْسٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَهُوَ نَقْلٌ عَنْ الْعَرَبِ وَإِذَا قِيلَ الْمِعْزَفُ بِكَسْرِ الْمِيمِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الطَّنَابِيرِ يَتَّخِذُهُ أَهْلُ الْيَمَنِ قَالَ وَغَيْرُ اللَّيْثِ يَجْعَلُ الْعُودَ مِعْزَفًا. اهـ. مِصْبَاحٌ قَالَ فِي شَرَحَ الطَّحَاوِيِّ وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الْمَلَاهِي كَالدُّفِّ وَالطَّبْلِ وَالْمِزْمَارِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى كَاسِرِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَأَوْجَبَ قُصُورًا فِي مَالِيَّتِهَا فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي عَدَمِ الْقَطْعِ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيُّ رَجُلٌ سَرَقَ طَبْلًا لِلْغُزَاةِ وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةً تَكَلَّمُوا فِيهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ كَمَا يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ يَصْلُحُ لِلَّهْوِ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ) أَيْ وَلِأَنَّ وَرَقَهُ مَالٌ وَمَا كُتِبَ فِيهِ ازْدَادَ بِهِ وَلَمْ يَنْتَقِصْ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَأَوْجَبُوا الْقَطْعَ فِي الْعَالِمِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّ سَرِقَتَهُ تَمَّتْ فِي نِصَابٍ كَامِلٍ وَقُلْنَا السَّارِقُ قَصَدَ إخْرَاجَ مَا يُعْلَمُ بِهِ دُونَ مَا لَا يُعْلَمُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَابِ مَسْجِدٍ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنْ اعْتَادَ هَذَا الْفِعْلَ أَيْ سَرِقَةَ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَيَجِبُ أَنْ يُعَزَّرَ وَيُبَالَغَ فِيهِ وَيُحْبَسَ حَتَّى يَتُوبَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَلِيبِ ذَهَبٍ) وَالصَّلِيبُ شَيْءٌ مُثَلَّثٌ تَعْبُدُهُ النَّصَارَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَشِطْرَنْجٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ. اهـ. كَاكِيٌّ عَلَى وَزْنِ قِرْطَعْبٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ ابْنُ الْجَوَالِيقِيِّ فِي كِتَابِ مَا تَلْحَنُ فِيهِ الْعَامَّةُ وَمِمَّا يُكْسَرُ وَالْعَامَّةُ تَفْتَحُهُ أَوْ تَضُمُّهُ وَهُوَ الشِّطْرَنْجُ بِكَسْرِ الشِّينِ قَالُوا وَإِنَّمَا كُسِرَ لِيَكُونَ نَظِيرَ الْأَوْزَانِ الْعَرَبِيَّةِ مِثْلَ جِرْدَحْلٍ إذْ لَيْسَ فِي الْأَوْزَانِ الْعَرَبِيَّةِ فَعَلَلٍ بِالْفَتْحِ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَيْهِ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَنَرْدٍ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَنْ أَخَذَهَا يَتَأَوَّلُ الْكَسْرَ كَمَا فِي الْمَعَازِفِ) وَيَضْمَنُ مِثْلَ ذَهَبِهِ وَزْنًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

التِّمْثَالُ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلْعِبَادَةِ بَلْ لِلتَّمَوُّلِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا تَأْوِيلُ الْكَسْرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ الصَّلِيبُ فِي مُصَلَّاهُمْ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ فِي حِرْزٍ يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ فِي الْأَوَّلِ وَوُجُودِهِ فِي الثَّانِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَبِيٍّ حُرٍّ وَلَوْ مَعَهُ حُلِيٌّ) لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا عَلَيْهِ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ وَلِأَنَّهُ يُتَأَوَّلُ إسْكَاتُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ يُسَاوِي النِّصَابَ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمُصْحَفِ الْمُحَلَّى وَالْأَوَانِي وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَفِي الْمُمَيِّزِ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ لِأَنَّهُ خِدَاعٌ وَلَيْسَ بِسَرِقَةٍ لِمَا أَنَّ لَهُ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَا فِي يَدِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَبْدٍ كَبِيرٍ وَدَفَاتِرَ) بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَدَفْتَرِ الْحِسَابِ لِأَنَّ سَرِقَةَ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ غَصْبٌ وَخِدَاعٌ وَالصَّغِيرُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مَالٌ فَيَتَحَقَّقُ فِيهِ السَّرِقَةُ وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرِ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَهُوَ كَالْكَبِيرِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْحُرِّ وَاسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ وَإِنْ كَانَ مَالًا مِنْ وَجْهٍ وَهُمَا اعْتَبَرَا جِهَةَ الْمَالِيَّةِ فِيهِ لِوُجُودِ حَدِّ الْمَالِيَّةِ فِيهِ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ وَفِي إذْنِهِ شَيْءٌ مِثْلُهُ يَقْطَعُ بِاعْتِبَارِ الضَّمِّ وَالدَّفَاتِرِ الْمَقْصُودِ مَا فِيهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ فِي دَفَاتِرِ الْحِسَابِ مَا فِيهَا إذْ لَا نَفْعَ فِيهِ لِغَيْرِ صَاحِبِهِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْكَاغِدُ وَفِي دَفَاتِرِ الْأَدَبِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ مُلْحَقَةٍ بِالْحِسَابِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ أَحْكَامٌ وَفِي رِوَايَةٍ مُلْحَقَةٌ بِالْأَحَادِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ فَلَا يُقْطَعُ فِيهَا إذْ الْحَاجَةُ إلَيْهَا لِمَعْرِفَةِ التَّفْسِيرِ وَالْأَحْكَامِ ثَابِتَةٌ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ نَفْعَهَا مُتَعَدٍّ وَهِيَ مُعَدَّةٌ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ وَلَا يُقْصَدُ بِهَا التَّمَوُّلُ فَصَارَتْ كَغَيْرِهَا مِنْ الدَّفَاتِرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَلْبٍ وَفَهْدٍ) لِأَنَّ جِنْسَهُمَا يُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي مَالِيَّةِ الْكَلْبِ يُورِثُ شُبْهَةً وَلَوْ كَانَ عَلَى الْكَلْبِ طَوْقُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَا يُقْطَعُ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ كَالصَّبِيِّ الْحُرِّ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدُفٍّ وَطَبْلٍ وَبَرْبَطٍ وَمِزْمَارٍ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَهُمَا وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهَا وَيَجِبُ كَسْرُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ بِاعْتِبَارِ صَلَاحِيَتِهَا لِغَيْرِ اللَّهْوِ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ اللَّهْوُ أَوْرَثَ شُبْهَةً لِأَنَّ الْآخِذَ يَتَأَوَّلُ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكِرِ فَيَكْفِي ذَلِكَ لِدَرْءِ الْحَدِّ هَذَا إذَا كَانَ لِلَّهْوِ وَإِنْ كَانَ الدُّفُّ أَوْ الطَّبْلُ لِلْغُزَاةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ يُقْطَعُ فِيهِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لِإِرْهَابِ الْعَدُوِّ بِهِ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ مِنْ اللَّهْوِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِخِيَانَةٍ وَنَهْبٍ وَاخْتِلَاسٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ لِأَنَّ الْحِرْزَ وَالْإِخْفَاءَ شَرْطُ الْقَطْعِ وَعُدِمَا فِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يُوجَدْ الثَّانِي فِي الْأَخِيرَيْنِ فَانْتَفَى رُكْنُ السَّرِقَةِ وَشَرْطُهَا فَلَمْ يُقْطَعْ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَطَعَ مَخْزُومِيَّةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ» مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا أَوْ عَلَى أَنَّهُ سِيَاسَةٌ لِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ مِنْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِنَبْشٍ) أَيْ لَا قَطْعَ بِسَبَبِ نَبْشٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْطَعُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ» لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُتَقَوِّمًا يَبْلُغُ نِصَابًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِهِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْحِرْزِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي» وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَة وَلِأَنَّهُ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي السَّرِقَةِ وَالْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةِ وَالْحِرْزِ وَالْمَقْصُودِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ السَّرِقَةَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهٍ يُسَارِقُ عَيْنَ حَافِظٍ قَصَدَ حِفْظَهُ لَكِنَّهُ انْقَطَعَ حِفْظُهُ بِعَارِضٍ كَنَوْمٍ وَغَفْلَةٍ وَالنَّبَّاشُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الصَّلِيبُ فِي مُصَلَّاهُمْ) أَيْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ لِأَنَّهُ بَيْتٌ مَأْذُونٌ فِي دُخُولِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَبِيٍّ حُرٍّ) قُيِّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ سَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ كَمَا يَجِيءُ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَبِيٍّ حُرٍّ وَلَوْ مَعَهُ حُلِيٌّ) يَعْنِي لَا قَطْعَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ الْخِلَافَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْمُخْتَلِفِ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَيْضًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ فَعَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ هُوَ نِصَابٌ مَكَانَ قَوْلِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اهـ يَعْنِي وَإِلَّا أَوْهَمَ أَنَّهُ مَذْهَبُهُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ وَالزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَبِعَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ قَالَ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُقْصَدُ فِي دَفَاتِرِ الْحِسَابِ) أَيْ وَهِيَ دَفَاتِرُ أَهْلِ الدِّيوَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَفِي الْفَوَائِدِ الْبَدْرِيَّةِ الْمُرَادُ بِدَفَاتِر الْحِسَابِ دَفَاتِرُ أَهْلِ الْعَمَلِ وَالْحِسَابُ الَّذِي أُمْضِيَ حِسَابُهُ فَكَانَ فِيهَا مَا لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ إذْ لَيْسَ فِيهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ الْكَوَاغِدَ فَيُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ نِصَابًا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. اهـ. دِرَايَةٌ قَوْلُهُ الَّذِي أُمْضِيَ أَمَّا إذَا لَمْ يَمْضِ حِسَابُهُ يَكُونُ غَرَضُهُ الْكَاغَدَ لَا مَا فِيهِ فَيُقْطَعُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدُفٍّ) بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا اهـ (قَوْلُهُ وَبَرْبَطٍ) الْبَرْبَطُ وِزَانُ جَعْفَرٍ مِنْ مَلَاهِي الْعَجَمِ وَلِهَذَا قِيلَ مُعَرَّبٌ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ وَجَمَاعَةُ الْعَرَبِ تُسَمِّيهِ الْمِزْهَرَ وَالْعُودَ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ قِيلَ يُقْطَعُ فِيهِ) أَيْ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ) أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَأَيْضًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِخِيَانَةٍ إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ الْكَرْدَرِيِّ الْخَائِنُ مَا يَخُونُ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَمَانَةِ كَالْمُودَعِ وَالْخَائِنَةُ لِلْمُؤَنَّثِ وَالِانْتِهَابُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى وَجْهِ الْعَلَانِيَةِ قَهْرًا مِنْ بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَالِاخْتِلَاسُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْبَيْتِ سُرْعَةً جَهْرًا لَا قَطْعَ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ لِعَدَمِ صِدْقِ السَّرِقَةِ عَلَيْهَا. اهـ. دِرَايَةٌ.

لَا يُسَارِقُ عَيْنَ مَنْ قَصَدَ حِفْظَهُ وَإِنَّمَا يُسَارِقُ عَيْنَ مَنْ لَعَلَّهُ يَهْجُمُ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَاهُ وَلِهَذَا اُخْتُصَّ بِاسْمٍ آخَرَ وَلَا يُسَمَّى سَارِقًا فَلَا تَتَنَاوَلُهُ آيَةُ السَّرِقَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ الْمَيِّتُ حَقِيقَةً لِعَجْزِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِدَارِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الْمَالَ عِبَارَةٌ عَمَّا تَمِيلُ إلَيْهِ النُّفُوسُ وَتَضِنُّ بِهِ وَهُوَ مَخْلُوقٌ لِمَصَالِح الْآدَمِيِّ وَالطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ تَنْفِرُ عَنْهُ فَضْلًا عَمَّا تَضِنُّ بِهِ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْرَزٍ بِالْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ فَكَيْفَ يُحْرِزُ غَيْرَهُ وَلَا بِالْقَبْرِ لِأَنَّهُ حُفْرَةٌ فِي الصَّحْرَاءِ فَلَا يَكُونُ حِرْزًا وَلِهَذَا لَوْ دُفِنَ فِيهِ مَالٌ آخَرُ غَيْرَ الْكَفَنِ لَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ وَأَمَّا الْخَامِسُ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْحُدُودِ تَقْلِيلُ الْفَسَادِ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ وَهَذِهِ الْجِنَايَةُ نَادِرَةٌ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى الزَّاجِرِ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ زِيَادٍ وَذُكِرَ فِي آخِرِهِ «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَ أَنْفَهُ جَدَعْنَاهُ» وَلَا يَكَادُ يَثْبُتُ هَذَا أَبَدًا وَلَئِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ فِيمَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ إذَا رَأَى الْإِمَامُ فِيهِ مَصْلَحَةً وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ نَبَّاشًا أَتَى بِهِ مَرْوَانُ فَسَأَلَ الصَّحَابَةَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُبَيِّنُوا لَهُ فِيهِ شَيْئًا فَعَزَّرَهُ أَسْوَاطًا وَلَمْ يَقْطَعْهُ وَلَوْ كَانَتْ الْآيَةُ تَتَنَاوَلُهُ أَوْ كَانَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ لَبَيَّنُوا لَهُ وَلَا احْتَاجَ هُوَ إلَى مُشَاوَرَتِهِمْ وَلَا كَانُوا يَتَّفِقُونَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَمَا رُوِيَ فِيهِ مِنْ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ ارْتَفَعَ بِإِجْمَاعٍ مَنْ كَانَ فِي عَصْرِهِ مِنْهُمْ وَقَوْلُهُ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ قُلْنَا حِرْزُ الْمِثْلِ لَا يَخْتَلِفُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ كَمَا إذَا سَرَقَ دَابَّةً مِنْ إصْطَبْلٍ يُقْطَعُ وَلَوْ سَرَقَ مِنْهُ لُؤْلُؤًا لَا يُقْطَعُ وَكَذَا لَوْ سَرَقَ شَاةً مِنْ حَظِيرَةٍ يُقْطَعُ وَلَوْ سَرَقَ مِنْهَا ثَوْبًا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حِرْزٌ فِي حَقِّ الدَّابَّةِ وَالشَّاةِ دُونَ اللُّؤْلُؤِ وَالثَّوْبِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَوْ سَرَقَ مِنْهُ ثَوْبًا آخَرَ غَيْرَ الْكَفَنِ لَا يُقْطَعُ فِيهِ وَلَوْ كَانَ حِرْزًا لِلْكَفَنِ لَقُطِعَ فِيهِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ لِأَنَّ مَعْنَى الصِّيَانَةِ بِالْحِرْزِ لَا تَخْتَلِفُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُقَالُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حِرْزًا لَكَانَ تَضْيِيعًا وَبِهِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَبِ وَالْوَصِيِّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا إذَا كَفَّنَا الصَّغِيرَ مِنْ مَالِهِ فَكَانَ حِرْزًا ضَرُورَةً لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ حِرْزًا لَمَا ضَمِنَا ثَوْبًا آخَرَ لَهُ غَيْرَ الْكَفَنِ بِدَفْنِهِ فِيهِ وَإِنَّمَا لَا يَضْمَنَانِ بِالتَّكْفِينِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ إلَى حَاجَةِ الْمَيِّتِ وَبِهِ لَا يَكُونُ تَضْيِيعًا كَإِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ وَذَبْحِ الشَّاةِ لِلْأَكْلِ وَتَنَاوُلِ الطَّعَامِ لِحَاجَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ لَا يُقْطَعُ فِي الْأَصَحِّ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْخَلَلِ وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ مَالًا آخَرَ غَيْرَ الْكَفَنِ لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ بِالدُّخُولِ فِيهِ زِيَارَةَ الْقَبْرِ وَكَذَا إذَا سَرَقَ الْكَفَنَ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ السَّارِقُ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ الْمَيِّتُ لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ بِالدُّخُولِ فِيهِ تَجْهِيزُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ الْكُلِّ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ فِيهِ عَادَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَالُ عَامَّةٍ أَوْ مُشْتَرَكٍ) أَيْ لَا يُقْطَعُ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ فِي مَالٍ لِلسَّارِقِ فِيهِ شَرِكَةً لِأَنَّ لَهُ فِيهِ شَرِكَةً حَقِيقَةً أَوْ شُبْهَةَ شَرِكَةٍ فَإِنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ وَإِذَا احْتَاجَ ثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ فَأَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِثْلُ دَيْنِهِ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ إذَا سَرَقَ مِنْ مَدِينِهِ قَدْرَ دَيْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَالدَّيْنُ حَالٌّ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِدَيْنِهِ وَلَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا مَنْ عَلَيْهِ إذَا ظَفِرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا يُقْطَعُ قِيَاسًا لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ أَخْذُهُ فَصَارَ كَأَخْذِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يُقْطَعُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ دَيْنَهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ وَالتَّأْجِيلُ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَكَذَا إذَا سَرَقَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ لِأَنَّهُ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ يَصِيرُ شَرِيكًا فِيهِ فَيَصِيرُ شُبْهَةً وَإِنْ سَرَقَ مِنْ خِلَافٍ جِنْسَ حَقِّهِ فَإِنْ كَانَ نَقْدًا لَا يُقْطَعُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ النَّقْدَيْنِ جِنْسٌ وَاحِدٌ حُكْمًا وَلِهَذَا كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمَطْلُوبِ وَيُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ عَرْضًا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِيفَاءٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبْدَالٌ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ فَإِنَّ عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِدَيْنِهِ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ الْمَيِّتُ حَقِيقَةً لِعَجْزِهِ) أَيْ وَلَا الْوَارِثُ لِأَنَّهُ لَوْ نَبَشَ الْقَبْرَ وَأَخَذَ الْكَفَنَ يُقْطَعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَوْ كَانَ مَالِكًا لَهُ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُقْطَعُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَنْ جَدَعَ أَنْفَهُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِإِجْمَاعِ مَنْ كَانَ فِي عَصْرِهِ) أَيْ فِي عَصْرِ مَرْوَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَنَاوُلِ الطَّعَامِ لِحَاجَتِهِ) أَيْ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ نَقْدًا لَا يُقْطَعُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ فَسَرَقَ دَنَانِيرَ قِيلَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ النُّقُودَ جِنْسٌ وَاحِدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبْدَالٌ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّرَاضِي) أَيْ وَلِهَذَا إذَا سَلَّمَ إلَيْهِ الْمَدْيُونُ الْعُرُوضَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ تَسْلِيمِ الدَّرَاهِمِ حَيْثُ يُجْبَرُ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ جِنْسِ الْحَقِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ فَإِنْ قَالَ إنَّمَا أَرَدْت أَنْ آخُذَ الْعُرُوضَ رَهْنًا بِحَقِّي أَوْ قَضَاءً بِحَقِّي دُرِئَ عَنْهُ الْقَطْعُ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا فَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَهُ أَنْ يَأْخُذَ خِلَافَ جِنْسِ حَقِّهِ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ أَوْرَثَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي الْعُرُوضِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْأَخْذَ لِحَقِّهِ لِكَوْنِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ شُبْهَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ حُلِيًّا مِنْ فِضَّةٍ وَحَقُّهُ دَرَاهِمُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ قِصَاصًا لِحَقِّهِ بَلْ يَصِيرُ بَيْعًا مُبْتَدَأً وَلَوْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ مِنْ غَرِيمِ الْمَوْلَى قُطِعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى وَكَّلَهُمَا بِالْقَبْضِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُمَا وَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ أَبِيهِ أَوْ غَرِيمِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ أَوْ غَرِيمِ مُكَاتَبِهِ أَوْ غَرِيمِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ قُطِعَ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا يُقْطَعُ وَالْمَسَائِلُ مَذْكُورَةٌ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَالْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهِمَا اهـ أَتْقَانِيٌّ

وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ رَهْنًا بِحَقِّهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً قُلْنَا هَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ فَلَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ اتِّصَالِ الدَّعْوَى بِهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَاهُ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُ لِوُجُودِ الظَّنِّ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِشَيْءٍ قُطِعَ فِيهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) أَيْ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ شَيْءٍ كَانَ قَدْ سَرَقَهُ مِنْ قَبْلُ وَقُطِعَ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالَتِهِ الْأُولَى وَإِنْ تُغَيِّرْ بِأَنْ كَانَ غَزْلًا فَسَرَقَهُ فَقُطِعَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَنَسَجَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ سَرَقَهُ قُطِعَ فِيهِ ثَانِيًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مَعْصُومًا كَامِلَ النِّصَابِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَيُقْطَعُ كَالْأُولَى بَلْ أَوْلَى لِتَقَدُّمِ الزَّاجِرِ وَلَا إشْكَالَ فِي عِصْمَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ أَوْ بَاعَهُ مِنْ السَّارِقِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ثُمَّ كَانَتْ السَّرِقَةُ وَلَنَا أَنَّ الْقَطْعَ يَسْتَلْزِمُ سُقُوطَ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ حَقًّا لِلْعَبْدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ إنْ بَقِيَتْ حَقِيقَةُ الْعِصْمَةِ بَقِيَتْ فِيهِ شُبْهَةُ السُّقُوطِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمَالِكِ وَالْمِلْكِ وَالْعَيْنِ وَبَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِسُقُوطِ عِصْمَةِ ذَلِكَ الْمَالِ وَهُوَ الْقَطْعُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَلِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ وُجُودُهَا نَادِرٌ فَتُعَرَّى الْإِقَامَةُ عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ فَصَارَ نَظِيرُ قَذْفِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ إظْهَارُ كَذِبِ الْقَاذِفِ وَدَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الثَّانِي بِخِلَافِ مَا إذَا تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ كَعَيْنٍ أُخْرَى حَتَّى تَبَدَّلَ اسْمُهَا وَيَمْلِكُهَا الْغَاصِبُ بِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهَا مِنْ السَّارِقِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ ثُمَّ سَرَقَهَا الْأَوَّلُ لِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ يُوجِبُ تَبَدُّلَ الْعَيْنِ حُكْمًا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا تَبَدَّلَتْ حَقِيقَةً أَصْلُهُ حَدِيثُ بَرِيرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» فَإِنْ قِيلَ حَدُّ الزِّنَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَدُّ الْقَذْفِ كَذَلِكَ قُلْنَا حَدُّ الزِّنَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَالْمُسْتَوْفَى فِي الزِّنَا الثَّانِي غَيْرُ الْمُسْتَوْفَى فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى فَصَارَ كَشُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّ الْمَشْرُوبَ فِي الثَّانِي غَيْرُ الْمَشْرُوبِ فِي الْأَوَّلِ أَمَّا حَدُّ السَّرِقَةِ فَبِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ وَهِيَ لَا تَخْتَلِفُ حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَتْ بِأَنْ تَغَيَّرَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ ثَانِيًا عَلَى مَا بَيَّنَّا لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لَا تَسْقُطُ بِهِ عِصْمَةُ الْمَحَلِّ وَبِحَدِّ السَّرِقَةِ تَسْقُطُ فَلَا تَعُودُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ عَنْ تِلْكَ الْهَيْئَةِ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَةٍ فَلَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخُصُومَةِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَحَدِّ الْقَذْفِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْخُصُومَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ السَّاجِ وَالْقَنَا وَالْآبِنُوسِ وَالصَّنْدَلِ وَالْفُصُوصِ الْخُضْرِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَاللُّؤْلُؤِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا وَهِيَ مُحْرَزَةٌ وَلَا تُوجَدُ مُبَاحَةَ الْأَصْلِ بِصُورَتِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهَا فَصَارَتْ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنْ لَا قَطْعَ فِي الْعَاجِ مَا لَمْ يُعْمَلْ فَإِذَا عَمِلَ مِنْهُ شَيْءٌ قُطِعَ فِيهِ وَلَا قَطْعَ فِي الزُّجَاجِ لِأَنَّ الْمَكْسُورَةَ مِنْهُ تَافِهٌ وَالْمَصْنُوعَ مِنْهُ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَقِيلَ فِي الْمَصْنُوعِ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مَالٌ نَفِيسٌ لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ إلَّا بِالتَّقْصِيرِ فِي الِاحْتِرَازِ غَالِبًا وَيُقْطَعُ فِي الْعُودِ وَالْمِسْكِ وَالْأَدْهَانِ وَالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْعَنْبَرِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفُصُوصِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَوَانِي وَالْأَبْوَابِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْخَشَبِ) لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهَا غَلَبَتْ عَلَى الْأَصْلِ وَالْتَحَقَتْ بِالصَّنْعَةِ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ حَتَّى تَضَاعَفَتْ قِيمَتُهَا وَخَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ تَافِهَةً وَلِهَذَا تُحْرَزُ بِخِلَافِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحَشِيشِ وَالْقَصَبِ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ لَمْ تَغْلِبْ فِيهِ حَتَّى لَا تَتَضَاعَفَ قِيمَتُهُ وَلَا يُحْرَزَ حَتَّى لَوْ غَلَبَتْ فِيهِ الصَّنْعَةُ كَالْحُصْرِ الْبَغْدَادِيَّةِ والجرجانية وَالْعَبْدَانِيَّةِ وَالْأَوَانِي الَّتِي تُتَّخَذُ لِلَّبَنِ وَالْمَاءِ مِنْ الْحَشِيشِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْأَخْذَ بِحَقِّهِ أَوْ الرَّهْنَ. اهـ. (قَوْلُهُ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ) وَفِي الْمِرْعَزِيَّةِ هَذَا إذَا قَذَفَهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزِّنَا أَمَّا لَوْ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الزِّنَا يُحَدُّ ثَانِيًا وَقَدْ مَرَّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ. اهـ. دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا) أَيْ كَمَا لَوْ كَانَ قُطْنًا فَصَارَ غَزْلًا أَوْ كَانَ غَزْلًا فَصَارَ ثَوْبًا يُقْطَعُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْعَيْنَ بِتَبَدُّلِهَا عَنْ حَالِهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ عَيْنٍ أُخْرَى فَلَوْ سَرَقَ عَيْنًا وَقُطِعَ فِيهَا ثُمَّ سَرَقَ عَيْنًا أُخْرَى يُقْطَعُ ثَانِيًا فَكَذَا هُنَا وَلِهَذَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْ الْمَغْصُوبِ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ هَكَذَا قَالَ (قَوْلُهُ ثُمَّ سَرَقَهَا الْأَوَّلُ) أَيْ السَّارِقُ الْأَوَّلُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ) وَهُوَ السَّارِقُ اهـ (قَوْلُهُ حَدَّ الْقَذْفِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ حَدُّ السَّرِقَةِ وَقَوْلُهُ أَمَّا حَدُّ السَّرِقَةِ إلَخْ يُؤَيِّدُهُ مَا قُلْنَاهُ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فَإِنْ قِيلَ حَدُّ السَّرِقَةِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَحَدُّ الزِّنَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ يُحَدُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَدُّ السَّرِقَةِ كَذَلِكَ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ إظْهَارُ كَذِبِ الْقَاذِفِ وَدَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ ثَانِيًا قُلْنَا فِي حَدِّ الزِّنَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَحَلِّ لَا تَسْقُطُ فِي حَقِّهِ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ مِنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى بِخِلَافِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ فَإِنَّهُ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ مِنْ السَّارِقِ وَلِأَنَّ هَذَا حَقٌّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ وَلَا يَتَكَرَّرَانِ بِخُصُومَةٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَحَدِّ الْقَذْفِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْخُصُومَةُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْأَبْوَابِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْخَشَبِ) يَعْنِي وَلَا يُقْطَعُ فِي الْخَشَبِ إلَّا فِي خَمْسَةٍ السَّاجِ وَالسِّيجِ وَالْعُودِ وَالْخَلَنْجِ وَالصَّنْدَلِ وَالْآبِنُوسِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الصَّنَوْبَرِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ.

[فصل في الحرز]

السُّودَانِ يُقْطَعُ فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا يُقْطَعُ فِي الْأَبْوَابِ إذَا كَانَتْ فِي الْحِرْزِ وَكَانَتْ خَفِيفَةً لَا يَثْقُلُ حِمْلُهَا عَلَى الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ لَا يَرْغَبُ فِي سَرِقَةِ الثَّقِيلِ مِنْ الْأَبْوَابِ وَإِنْ كَانَتْ مُرَكَّبَةً عَلَى الْبَابِ لَا يُقْطَعُ فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مُحْرَزَةً بِهِ بَلْ هِيَ حِرْزٌ لِغَيْرِهَا لِأَنَّ الْحِرْزَ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْيَدِ إلَى الْمَالِ وَيَصِيرُ الْمَالُ بِهِ مُحْصَنًا وَهِيَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَلَا تَكُونُ مُحْرَزَةً بِالتَّرْكِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَا بِرَضَاعٍ وَمِنْ زَوْجَتِهِ وَزَوْجِهَا وَسَيِّدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَزَوْجِ سَيِّدَتِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَخَتْنِهِ وَصِهْرِهِ وَمِنْ مَغْنَمٍ وَحَمَّامٍ وَبَيْتٍ أُذِنَ فِي دُخُولِهِ لَمْ يُقْطَعْ) لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَلِلْبُسُوطَةِ فِي دُخُولِ الْحِرْزِ عَادَةً وَلِهَذَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَأَبَاحَ الشَّرْعُ النَّظَرَ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَجَرَتْ الْبُسُوطَةُ فِي الِانْتِفَاعِ بِمَالِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُ فِيهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ ظَاهِرَةً وَهِيَ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحَدِّ بِخِلَافِ الصَّدِيقِ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ عَادَاهُ فَلَمْ يَبْقَ صَدِيقًا لَهُ وَفِي غَيْرِ الْوِلَادِ مِنْ الْأَقَارِبِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهَا بِالْأَجَانِبِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي النَّفَقَةِ وَالْعَتَاقِ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مَالَ غَيْرِهِ لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ وَبِالْعَكْسِ يُقْطَعُ لِوُجُودِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ فِي الْوِلَادِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الشُّبْهَةِ فِي مَالِهِ وَقَوْلُهُ لَا بِرَضَاعٍ لَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَإِنَّمَا يُقْطَعُ فِيهِ لِعَدَمِ مَا ذَكَرْنَا فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا عَادَةً مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ بِخِلَافِ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ لِعَدَمِ هَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا كُلُّ ذَلِكَ لَا يَشْتَهِرُ فَلَا يُوجِبُ الْبُسُوطَةَ وَالْمَحْرَمِيَّةُ بِدُونِ الْقَرَابَةِ لَا تُحْتَرَمُ كَمَا إذَا ثَبَتَتْ بِالزِّنَا وَلِهَذَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْأَخِ أَوْ سَرَقَ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ زَوْجَةِ سَيِّدِهِ أَوْ زَوْجِ سَيِّدَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ] (فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْمَسْرُوقِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ أَوْ لَا يَجِبُ فِيهِ وَالْمَسْرُوقُ هُوَ الْمَالُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْحِرْزِ لِأَنَّ الْحِرْزَ شَرْطُ وُجُوبِ الْقَطْعِ إلَّا أَنَّهُ أَخَّرَ ذِكْرَهُ لِأَنَّ الْحِرْزَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الْمَالِ وَالْحِرْزُ فِي اللُّغَةِ الْمَوْضِعُ الْحَرِيزُ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُحْرَزُ فِيهِ الشَّيْءُ أَيْ يُحْفَظُ وَفِي الشَّرْعِ مَا يُحْفَظُ فِيهِ الْمَالُ عَادَةً كَالدَّارِ وَالْحَانُوتِ وَالْخَيْمَةِ أَوْ الشَّخْصُ بِنَفْسِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْحِرْزِ مَا لَا يُعَدُّ صَاحِبُهُ مُضَيِّعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَحَمَّامٍ) أَيْ نَهَارًا. اهـ. مَجْمَعٌ (قَوْلُهُ وَبَيْتٍ إلَخْ) بَعْدَ قَوْلِهِ وَحَمَّامٍ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِ الْوِلَادِ مِنْ الْأَقَارِبِ) كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ فَعِنْدَنَا لَا يَجِبُ الْقَطْعُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ الْقَطْعُ لَهُ ظَاهِرٌ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَلِأَنَّ مِلْكَ أَحَدِهِمَا مُبَايِنٌ لِمِلْكِ الْآخَرِ فَيَجِبُ الْقَطْعُ لِوُجُودِ سَرِقَةٍ مِنْ حِرْزٍ كَامِلٍ وَلَنَا أَنَّ الْقَطْعَ لَا يَجِبُ إلَّا بِأَخْذِ الْمَالِ وَهَتْكِ الْحِرْزِ وَلَمْ يُوجَدْ هَتْكُ الْحِرْزِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ فَلَا يَبْقَى الْمَالُ مُحْرَزًا فِي حَقِّ السَّارِقِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61] فَإِنْ قُلْت الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الْأَكْلِ لَا إبَاحَةِ الدُّخُولِ قُلْت الْأَكْلُ فِي الْبَيْتِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالدُّخُولِ فِيهِ فَدَلَّ إبَاحَةُ الْأَكْلِ فِي الْبَيْتِ عَلَى إبَاحَةِ الدُّخُولِ فِيهِ وَمَعَ إبَاحَةِ الدُّخُولِ فِيهِ لَا يَكُونُ الْحِرْزُ ثَابِتًا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَصِحُّ اسْتِدْلَالُكُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِيهَا {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61] وَمَعَ هَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الصَّدِيقِ قُطِعَ قُلْت لَمَّا سَرَقَ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَدِيقًا بَلْ كَانَ عَدُوًّا بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ لَا يُقَالُ لَمْ تَبْقَ الْأُخُوَّةُ أَوْ الْعُمُومَةُ أَوْ الْخُؤُولَةُ أَوْ الْقَرَابَةُ بِالسَّرِقَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَالْجَوَابُ عَنْ آيَةِ السَّرِقَةِ فَنَقُولُ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِالْإِجْمَاعِ قَدْ خُصَّ مِنْهَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَقَرَابَةُ الْوِلَادِ وَغَيْرُ الْحِرْزِ وَمَالٌ فِيهِ شَرِكَةٌ لِلسَّارِقِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ قُلْنَا هَذَا مَالٌ غَيْرُ مُحْرَزٍ فِي حَقِّ السَّارِقِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ فَلَا يُقْطَعُ كَمَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ) أَمَّا قَرَابَةُ الْوِلَادِ فَلَا قَطْعَ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِالْعَكْسِ يُقْطَعُ) أَيْ كَمَا إذَا سَرَقَ مَالَ ذِي رَحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْ غَيْرِ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهِ) لَك أَنْ تَقُولَ بَلْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّ ابْنَ الْعَمِّ مَثَلًا أَوْ ابْنَ الْخَالِ إذَا كَانَ أَخًا مِنْ الرَّضَاعِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ لَا بِرَضَاعٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَحْرَمِيَّةُ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي حَالَ الْمُطَالَعَةِ اهـ ثُمَّ رَأَيْت الْبَدْرَ الْعَيْنِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَجَابَ عَنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمِثْلِ مَا ظَهَرَ لِي وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ اهـ (قَوْلُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ مِنْ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَجَبَ الْقَطْعُ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ رَضَاعًا لَا يُقْطَعُ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْنَا كُلُّ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الرَّضَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يُوجِبُ الْبُسُوطَةَ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَى الْأُمِّ مِنْ الرَّضَاعِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ يَعْنِي بَيْنَهُمَا انْبِسَاطٌ فِي دُخُولِ الْمَنْزِلِ فَلَا يُقْطَعُ فَقَالَ الرَّضَاعُ قَلِيلٌ اشْتِهَارُهُ عَادَةً فَلَا انْبِسَاطَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ لِعَدَمِ اشْتِهَارِ الرَّضَاعِ احْتِرَازًا عَنْ الْوُقُوفِ فِي مَوْقِفِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ الْأُمِّ مِنْ النَّسَبِ فَإِنَّ النَّسَبَ أَمْرٌ مُشْتَهِرٌ فَالِانْبِسَاطُ مُتَحَقِّقٌ لَا مَحَالَةَ اهـ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ) فَإِنْ قُلْت أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رُبَّمَا يُحْرِزُ مَالَهُ عَنْ الْآخَرِ قُلْت نَعَمْ لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ التَّبَسُّطُ فِي الْمَنْزِلِ

فَلِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً فَانْعَدَمَ الْحِرْزُ وَلَوْ أَبَانَهَا بَعْدَ السَّرِقَةِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ السَّرِقَةَ انْعَقَدَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلْقَطْعِ فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً كَمَا إذَا وَهَبَهَا ثُمَّ أَبَانَهَا حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَلَوْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمَبْتُوتَةِ فِي الْعِدَّةِ أَوْ سَرَقَتْ هِيَ مِنْهُ لَا يَقْطَعُ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ بَيْنَهُمَا قَائِمَةٌ إذْ الدُّخُولُ مُبَاحٌ لِلِاطِّلَاعِ صِيَانَةً لِمَائِهِ أَوْ لِوُجُوبِ السُّكْنَى عَلَيْهَا حَيْثُ يَسْكُنُ وَقِيلَ يُقْطَعُ إذَا كَانَ الْمَنْزِلُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ دُونَ السَّارِقِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ عَنْ الْخَلْوَةِ بِصَاحِبِهِ فَحَرُمَ الدُّخُولُ عَلَيْهِ كَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَوْ سَرَقَ رَجُلٌ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ امْرَأَةٌ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْقَطْعِ لَا يُقْطَعُ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حَيْثُ لَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ شُبْهَةُ الْمِلْكِ وَالشُّبْهَةُ تُوجِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ دُونَ الرُّجُوعِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ حَيْثُ تُعْتَبَرُ فِيهَا حَالَةُ الْمَوْتِ لَا غَيْرُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ يُقْطَعُ وَكَذَا لَوْ سَرَقَ أَحَدُهُمَا مِنْ حِرْزٍ لِلْآخَرِ لَا يَسْكُنَانِ فِيهِ لِوُجُودِ الْبُسُوطَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَمْوَالِ عَادَةً وَدَلَالَةُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَمَّا بَذَلَتْ نَفْسَهَا وَهِيَ أَنْفَسُ مِنْ الْمَالِ فَالنَّفْسُ أَوْلَى وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ وَالْعَبْدُ فِي هَذَا مُلْحَقٌ بِمَوْلَاهُ حَتَّى لَا يُقْطَعَ فِي سَرِقَةٍ لَا يُقْطَعُ فِيهَا الْمَوْلَى كَالسَّرِقَةِ مِنْ أَقَارِبِ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ بِالدُّخُولِ عَادَةً فِي بُيُوتِ هَؤُلَاءِ لِإِقَامَةِ الْمَصَالِحِ وَالْمُكَاتَبُ فِيهِ كَالْقِنِّ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَكَذَا الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ مُكَاتَبِهِ فَلِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي أَكْسَابِهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ مُكَاتَبٍ فَتَحَقَّقَتْ الشُّبْهَةُ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ خَتْنِهِ وَصِهْرِهِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَقْطَعُ لَهُ أَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِالْبُسُوطَةِ فِي دُخُولِ بَعْضِهِمْ مَنَازِلَ بَعْضٍ بِلَا اسْتِئْذَانٍ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْحِرْزِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي مِلْكِ الْبَعْضِ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالْقَرَابَةِ وَلَا قَرَابَةَ وَالْمَحْرَمِيَّةُ بِالْمُصَاهَرَةِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالرَّضَاعِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا سَرَقَ مِنْ كُلِّ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْمُصَاهَرَةِ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ مَغْنَمٍ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَتَى بِرَجُلٍ مِنْ الْمَغْنَمِ فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ وَقَالَ إنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ فَلِاخْتِلَالِ الْحِرْزِ بِالْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا سَرَقَ ثَوْبًا مِنْ تَحْتِ رَجُلٍ فِي الْحَمَّامِ يُقْطَعُ كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ وَالْفَرْقُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْحَمَّامَ بُنِيَ لِلْإِحْرَازِ فَكَانَ حِرْزًا فَلَا يُعْتَبَرُ الْحَافِظُ كَالْبَيْتِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ مَا بُنِيَ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ فَلَمْ يَكُنْ مُحْرِزًا بِالْمَكَانِ فَيُعْتَبَرُ الْحَافِظُ كَالطَّرِيقِ وَالصَّحْرَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ فِي وَقْتٍ لَا يُؤْذَنُ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ يُقْطَعُ وَفِي الْمَسْجِدِ لَا يُقْطَعُ مُطْلَقًا وَحَوَانِيتُ التُّجَّارِ وَالْخَانَاتُ كَالْحَمَّامِ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِلْإِحْرَازِ وَالْإِذْنُ مُخْتَصٌّ بِوَقْتِ التِّجَارَةِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْحِرْزِ لِأَنَّ الِاخْتِفَاءَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ حِرْزٌ لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَمْتَنِعُ الْقَطْعُ لِوُجُودِ التَّبَسُّطِ كَمَا إذَا أَحْرَزَ الْأَبُ مَالَهُ عَنْ ابْنِهِ فَسَرَقَ الِابْنُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَانْعَدَمَ الْحِرْزُ) وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بِغُلَامٍ سَرَقَ مِرْآةً لِامْرَأَةِ سَيِّدِهِ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ فَإِذَا لَمْ يُقْطَعْ خَادِمُ الزَّوْجِ فَالزَّوْجُ أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَبَانَتْ مِنْ غَيْرِ عِدَّةٍ فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ (قَوْلُهُ أَوْ سَرَقَتْ هِيَ مِنْهُ لَا تُقْطَعُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ كَانَتْ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ يَجِبُ الْقَطْعُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ سَرَقَ رَجُلٌ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ سَرَقَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ قُضِيَ بِالْقَطْعِ عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يُقْضَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إذَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ تُقْطَعُ يَدُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَالنَّفْسُ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ فَالْمَالُ وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُكَاتَبُ فِيهِ) أَيْ فِيمَا سَرَقَ مِنْ مَوْلَاهُ كَالْقِنِّ اهـ وَكَذَا الْمُدَبَّرُ عَبْدٌ مَا لَمْ يَمُتْ الْمَوْلَى وَلَا قَطْعَ عَلَى الْعَبْدِ فِي مَالِ سَيِّدِهِ لِمَا بَيَّنَّا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَهُ حَقًّا فِي أَكْسَابِهِ) أَيْ وَلِأَنَّ مَالَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَعَلَى مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ إنْ أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَمَالُهُ لَهُ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَمَالُهُ لِلْمَوْلَى وَلَا قَطْعَ فِي الْمَالِ الْمَوْقُوفِ عَلَى السَّارِقِ وَعَلَى غَيْرِهِ كَمَا إذَا سَرَقَ أَحَدُ الْمُتَابِعَيْنِ مَا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ خَتْنِهِ) سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّ الْأَصْهَارَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ وَأَنَّ الْأَخْتَانَ زَوْجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ مَغْنَمٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ الْغَنَائِمِ وَأَطْلَقَ الرِّوَايَةَ كَمَا أَطْلَقَ الرِّوَايَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ السَّارِقِ مِنْ الْغَنِيمَةِ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ فِي أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ أَوْ فِي الْخُمُسِ كَالْغَانِمِينَ أَوْ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ أَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُسْتَتَمًّا لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَيُقْطَعُ بِخِلَافِ السَّارِقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ مُعَدٌّ لِمَصَالِح عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ فَصَارَ كَمَالٍ فِيهِ شَرِكَةٌ لِلسَّارِقِ فَلَا يُقْطَعُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَالَ الْغَنِيمَةِ مُبَاحٌ أَخْذُهُ فِي الْأَصْلِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَهُوَ بَعْدُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَصَارَ بَقَاؤُهُ عَلَى صُورَتِهِ شُبْهَةً فَسَقَطَ الْقَطْعُ وَالْمَغْنَمُ الْغَنِيمَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ إنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَعْلِيلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ اهـ

لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ كَالدُّورِ وَالْبُيُوتِ وَالصَّنَادِيقِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ وَحِرْزٌ بِالْحَافِظِ كَمَنْ جَلَسَ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ مَتَاعُهُ وَهُوَ مُحْرَزٌ بِهِ وَقَدْ «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ» وَفِي الْمُحْرَزِ بِالْمَكَانِ لَا يُعْتَبَرُ الْإِحْرَازُ بِالْحَافِظِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْحِرْزَ بِهِ فَوْقَ الْحِرْزِ بِالْحَافِظِ لِأَنَّ الْحِرْزَ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْيَدِ إلَى الْمَالِ وَبِهِ امْتَنَعَ مَعَ اخْتِفَائِهِ فِيهِ عَنْ أَعْيُنِهِمْ فَكَانَ الْحِرْزُ بِالْحَافِظِ دُونَهُ فَيَكُونُ كَالْبَدَلِ عَنْهُ فَلَا يُعْتَبَرُ حَالَ وُجُودِ الْأَصْلِ حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ فِيهِ فَسَرَقَ مِنْهُ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ حَاضِرٌ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْحَافِظَ لَا يُعْتَبَرُ مَعَ الْحِرْزِ بِالْمَكَانِ وَذَلِكَ قَدْ سَقَطَ بِالْإِذْنِ وَلَوْ كَانَ بَابُ الدَّارِ مَفْتُوحًا بِالنَّهَارِ فَسَرَقَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مُكَابَرَةٌ وَلَيْسَ بِسَرِقَةٍ وَلَوْ كَانَ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ انْقِطَاعِ انْتِشَارِ النَّاسِ قُطِعَ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَفِي الْمُحِيطِ الْفَشَّاشُ وَهُوَ الَّذِي يُهَيِّئُ لِغَلْقِ الْبَابِ مَا يَفْتَحُهُ فَفَشَّ بَابًا فِي الدَّارِ أَوْ فِي السُّوقِ نَهَارًا وَلَيْسَ فِي الدَّارِ وَلَا فِي السُّوقِ أَحَدٌ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا وَأَخَذَ الْمَتَاعَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ يُقْطَعُ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَأَوْجَبَ الْقَطْعَ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْخَانَاتِ وَفِي الْحَوَانِيتِ لَيْلًا لَا نَهَارًا مُطْلَقًا هَذَا فِي الْمَفْتُوحَةِ وَفِي الْمُغْلَقَةِ يُقْطَعُ مُطْلَقًا فِي الْأَصَحِّ وَالْإِخْرَاجُ مِنْ الْحِرْزِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ فِي الْمُحْرَزِ بِالْمَكَانِ لِقِيَامِ يَدِهِ قَبْلَهُ وَفِي الْحَافِظِ يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ لِزَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ بِهِ فَتَتِمُّ السَّرِقَةُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ مُسْتَيْقِظًا أَوْ نَائِمًا عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ وَإِطْلَاقُ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَقِيلَ لَا يَكُونُ مُحْرِزًا فِي حَالِ نَوْمِهِ إلَّا إذَا كَانَ تَحْتَ جَنْبِهِ أَوْ تَحْتَ رَأْسِهِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْإِحْرَازُ وَقَدْ حَصَلَ بِهِ فَإِنَّ النَّاسَ يَعُدُّونَ النَّائِمَ عِنْدَ مَتَاعِهِ حَافِظًا لَهُ لَا مُضَيِّعًا وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَعِيرُ بِمِثْلِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَرَبُّهُ عِنْدَهُ قُطِعَ) لِمَا رَوَيْنَا وَذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَرَقَ ضَيْفٌ مِمَّنْ أَضَافَهُ أَوْ سَرَقَ شَيْئًا أَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ لَا) أَيْ لَا يَقْطَعُ لِأَنَّ الْبَيْتَ فِي حَقِّ الضَّيْفِ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي دُخُولِهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِهِ وَالدَّارُ بِمَا فِيهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا فِي الْمَعْنَى وَهِيَ كُلُّهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْهَا لِيَتَحَقَّقَ الْأَخْذُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ الْغَصْبِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْأَخْذِ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ صَغِيرَةً لَا يَسْتَغْنِي أَهْلُ الْبُيُوتِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِصَحْنِهَا فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ كُلُّهَا حِرْزًا وَاحِدًا حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهَا فَسَرَقَ مِنْ الْبَيْتِ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً فَسَرَقَ مِنْهَا وَأَخْرَجَهُ إلَى صَحْنِهَا يُقْطَعُ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْهَا عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ حُجْرَةٍ إلَى الدَّارِ أَوْ أَغَارَ مِنْ أَهْلِ الْحُجْرَةِ عَلَى حُجْرَةٍ أَوْ نَقَبَ فَدَخَلَ وَأَلْقَى شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ أَخَذَهُ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ فَسَاقَهُ وَأَخْرَجَهُ قُطِعَ) لِتَحَقُّقِ السَّرِقَةِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَمَّا إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ حُجْرَةٍ إلَى الدَّارِ أَيْ إلَى صَحْنِهَا فَلِأَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْحِرْزِ قَدْ تَحَقَّقَ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ كَبِيرَةً وَفِيهَا مَقَاصِيرُ أَيْ حُجَرٌ وَمَنَازِلُ وَفِي كُلِّ مَقْصُورَةٍ مَكَانٌ يَسْتَغْنِي بِهِ أَهْلُهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِصَحْنِ الدَّارِ وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ انْتِفَاعَ السِّكَّةِ فَيَكُونُ إخْرَاجُهُ إلَيْهِ كَإِخْرَاجِهِ إلَى السِّكَّةِ لِأَنَّ كُلَّ مَقْصُورَةٍ حِرْزٌ عَلَى حِدَةٍ إذْ لِكُلِّ مَقْصُورَةٍ بَابٌ وَغَلْقٌ عَلَى حِدَةٍ وَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مُحْرَزٌ بِمَقْصُورَتِهِ فَكَانَتْ الْمَنَازِلُ بِمَنْزِلَةِ دُورٍ فِي مَحَلَّةٍ وَأَمَّا إذَا أَغَارَ مِنْ أَهْلِ الْحُجْرَةِ عَلَى أَهْلِ حُجْرَةٍ أُخْرَى فَالْمُرَادُ بِهِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ كَبِيرَةً لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يَسْتَغْنِي أَهْلُ الْمَنَازِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ كَالدُّورِ وَالْبُيُوتِ وَالصَّنَادِيقِ) أَيْ وَالْحَانُوتِ وَالْخَيْمَةِ وَالْجَرِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ) أَيْ ابْنِ أُمَيَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ) ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْمُوَطَّإِ وَالسُّنَنِ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ) وَفِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُودَعِ فِيمَا إذَا وَضَعَ الْوَدِيعَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِيمَا إذَا نَامَ قَاعِدًا أَمَّا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْحَضَرِ أَمَّا فِي السَّفَرِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ نَامَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا. اهـ. دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا أَغَارَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ أَغَارَ لَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَالصَّمْيَرِيِّ وَهُوَ مَنْ أَغَارَ عَلَى الْعَدُوِّ وَأَمَّا لَفْظُ مُحَمَّدٍ وَإِنْ أَعَانَ يَعْنِي بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِأَنَّ الْإِغَارَةَ تَدُلُّ عَلَى الْجَهْرِ وَالْمُكَابَرَةِ وَالسَّرِقَةِ عَلَى الْخُفْيَةِ وَلِلْأَوَّلِ وَجْهٌ أَيْضًا عِنْدِي بِأَنْ يَدْخُلَ اللِّصُّ مُكَابَرَةً بِاللَّيْلِ جَهْرًا وَيُخْرِجَ الْمَالَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِوُجُودِ الْخُفْيَةِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اللَّفْظُ أَيْضًا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيَّ مَعَ تَبَحُّرِهِ فِي الْعُلُومِ لَا سِيَّمَا الْفِقْهُ لَيْسَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ فِي هَذَا الْقَدْرِ وَالْإِغَارَةُ جَاءَتْ بِمَعْنَى الْإِسْرَاعِ وَالْعَدْوِ أَيْضًا قَالَ الْفَرَزْدَقُ رَأَوْنَا فَوْقَهُمْ وَلَنَا عَلَيْهِمْ صَلَاةُ الرَّافِعِينَ مَعَ الْغَيْرِ يَقُولُ إذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ بِالْمَوْسِمِ رَأَوْنَا أَئِمَّتَهُمْ وَالْمُغِيرُ الْمُسْرِعُ وَهَذَا مِنْ قَوْلِ أَبِي سَيَّارَةَ عَمِيلَةَ بْنِ خَالِدٍ الْعُدْوَانِيِّ وَكَانَ يَدْفَعُ بِالنَّاسِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ عَلَى حِمَارٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَضَرَبَتْ الْعَرَبُ بِحِمَارِهِ الْمَثَلَ فَقَالُوا أَصَحُّ مِنْ عَيْرِ أَبِي سَيَّارَةَ وَكَانَ يَقُولُ أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا تُغِيرُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَاهُ أَسْرَعَ إنْسَانٌ وَعَدَا مِنْ مَقْصُورَةٍ عَلَى مَقْصُورَةٍ فَسَرَقَ مِنْهَا قُطِعَ وَجَاءَ أَغَارَ الْحَبْلَ أَيْ فَتَلَهُ فَتْلًا شَدِيدًا ذَكَرَهُ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ وَغَيْرِهِ وَالْفَتْلُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُخَادَعَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ مَا فِي مَعْنَاهُ فِيهَا أَيْضًا أَلَا تَرَى إلَى مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ الْخُرُوجَ إلَى الْبَصْرَةِ فَأَبَتْ عَلَيْهِ فَمَا زَالَ يَفْتِلُ فِي الذُّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتَّى أَجَابَتْهُ الذُّرْوَةُ أَعْلَى السَّنَامِ وَالْغَارِبُ مُقَدِّمُهُ هُوَ مَثَلٌ يُقَالُ مَا زَالَ يَفْتِلُ فِي ذُرْوَتِهِ أَيْ يُخَادِعُهُ حَتَّى يُزِيلَهُ عَنْ رَأْيٍ هُوَ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَاهُ إذَا احْتَالَ وَخَادَعَ إنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ مَقْصُورَةٍ عَلَى مَقْصُورَةٍ أُخْرَى فَسَرَقَ مِنْهَا قُطِعَ اهـ كَلَامُ الْأَتْقَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ الْكَمَالُ يُرِيدُ دُخُولَ مَقْصُورَةٍ عَلَى غِرَّةٍ فَأُخِذَ بِسُرْعَةٍ يُقَالُ أَغَارَ الْفَرَسُ وَالثَّعْلَبُ فِي الْعَدْوِ إذَا أَسْرَعَ اهـ

عَنْ الِانْتِفَاعِ بِصَحْنِ الدَّارِ بَلْ يَنْتَفِعُونَ بِهِ انْتِفَاعَ الْمَنَازِلِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ مَكَان وَاحِدٍ فَلَا يُقْطَعُ السَّاكِنُ فِيهَا وَلَا الْمَأْذُونُ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا إذَا سَرَقَ مِنْ بَعْضِ مَقَاصِيرِهَا وَأَمَّا إذَا نَقَبَ وَدَخَلَ إلَخْ فَلِأَنَّهُ هَتَكَ الْحِرْزَ بِالدُّخُولِ وَتَمَّتْ السَّرِقَةُ بِالْإِخْرَاجِ وَالْأَخْذُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ الْإِلْقَاءُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ وَكَذَا الْأَخْذُ مِنْ الطَّرِيقِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يَأْخُذْهُ أَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ مِنْ الطَّرِيقِ وَلَنَا أَنَّهُ حِيلَةٌ مُعْتَادَةٌ بَيْنَ السُّرَّاقِ إمَّا لِتَعَذُّرِ الْخُرُوجِ مَعَ الْمَتَاعِ أَوْ لِيُمْكِنَهُ الدَّفْعُ وَالْفِرَارُ وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فَصَارَ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا وَهَذَا لِأَنَّ يَدَهُ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ ثُمَّ بِالرَّمْيِ لَمْ تَزَلْ يَدُهُ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ سَقَطَ مِنْهُ مَالٌ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي يَدِ صَاحِبِهِ حُكْمًا فَكَأَنَّهُ رَدَّهُ إلَى يَدِهِ حَقِيقَةً فَإِذَا أَبْقَى يَدَهُ حُكْمًا وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالْأَخْذِ يُقْطَعُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ لِأَنَّهُ مُضَيِّعٌ لَا سَارِقٌ وَهَذَا لِأَنَّ رَمْيَهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلتَّضْيِيعِ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقْصِدُ التَّضْيِيعَ عَلَى صَاحِبِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً لِإِتْمَامِ الْأَخْذِ وَأَيُّهُمَا فَعَلَ تَبَيَّنَ أَنَّ الرَّمْيَ كَانَ لِذَلِكَ وَأَمَّا إذَا حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ إلَخْ فَلِأَنَّ سَيْرَ الْحِمَارِ مُضَافٌ إلَيْهِ بِسَوْقِهِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ السَّائِقُ مَا أَتْلَفَتْ الدَّابَّةُ وَلَوْ لَمْ يَسُقْهُ وَخَرَجَ بِنَفْسِهِ لَا يُقْطَعُ وَفِي قَوْلِهِ فَسَاقَهُ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي نَهْرٍ فِي الدَّارِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ ضَعِيفًا وَأَخْرَجَهُ بِتَحْرِيكِ السَّارِقِ قُطِعَ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ مُضَافٌ إلَيْهِ وَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمَاءُ بِقُوَّةِ جَرْيِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَقِيلَ يُقْطَعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِسَبَبِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَاوَلَ آخَرَ مِنْ خَارِجٍ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي بَيْتٍ وَأَخَذَ أَوْ طَرَّ صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ كُمٍّ أَوْ سَرَقَ مِنْ قِطَارٍ بَعِيرًا أَوْ حَمَلًا لَا) أَيْ لَا يُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا لِعَدَمِ الْحِرْزِ أَوْ لِعَدَمِ هَتْكِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا نَاوَلَ آخَرَ مِنْ خَارِجِ الْبَيْتِ وَمُرَادُهُ إذَا نَقَبَ وَدَخَلَ وَنَاوَلَ الْمَتَاعَ غَيْرَهُ فَلِأَنَّ الْقَطْعَ يَجِبُ بِهَتْكِ الْحِرْزِ وَالْإِخْرَاجِ وَلَمْ يُوجَدَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ الْخَارِجُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْهَتْكُ وَالدَّاخِلُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِخْرَاجُ وَإِنْ وُجِدَ بِإِخْرَاجِ يَدِهِ فَقَدْ بَطَلَ بِاعْتِرَاضِ يَدِ الْآخَرِ عَلَيْهِ فَلَمْ تَتِمَّ السَّرِقَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عَلَى الدَّاخِلِ الْقَطْعَ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْهَتْكَ تَمَّ مِنْهُ فَصَارَ الْمَالُ مُخْرَجًا بِفِعْلِهِ أَوْ بِمُعَاوَنَتِهِ وَأَمَّا الْخَارِجُ فَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ يُقْطَعُ لِوُجُودِ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحِرْزِ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ وَلَكِنَّ الدَّاخِلَ أَخْرَجَ يَدَهُ وَنَاوَلَهُ لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْهَتْكِ وَالْإِخْرَاجِ مِنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ الْخَارِجَ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ يُقْطَعُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ذَكَرَهَا فِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي بَيْتٍ يَعْنِي مِنْ النَّقْبِ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ اللِّصُّ إذَا كَانَ ظَرِيفًا لَا يُقْطَعُ قِيلَ كَيْفَ ذَلِكَ قَالَ أَنْ يَنْقُبَ الْبَيْتَ وَيُدْخِلَ يَدَهُ وَيُخْرِجَ الْمَتَاعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَهُ هُوَ وَلِأَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ مُعْتَبَرٌ لِإِيجَابِ الْقَطْعِ وَفِي الْحُدُودِ يُرَاعَى كَمَالُ السَّبَبِ وَالشُّرُوطُ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَأَكْمَلُ جِهَةٍ هَتْكُ الْحِرْزِ بِالدُّخُولِ فَيُشْتَرَطُ بِخِلَافِ الصُّنْدُوقِ وَالْجَيْبِ وَالْكُمِّ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ فِيهَا إدْخَالُ الْيَدِ لَا الدُّخُولُ فَيُشْتَرَطُ الْمُمْكِنُ لَا غَيْرُ لِلتَّعَذُّرِ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ إنَّ السَّرِقَةَ أَخْذُ الْمَالِ مِنْ الْحِرْزِ عَلَى الْخُفْيَةِ وَقَدْ تَحَقَّقَ بِإِدْخَالِ يَدِهِ كَمَا تَحَقَّقَ بِدُخُولِهِ بِنَفْسِهِ وَالدُّخُولُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ حُصُولُ الْمَقْصُودِ بِغَيْرِهِ كَمَا فِي الصُّنْدُوقِ وَنَحْوِهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا وَحُصُولُ الْمَقْصُودِ بِغَيْرِ هَتْكِ الْحِرْزِ لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَقَّ جُوَالِقًا فَتَبَدَّدَ مَا فِيهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَأَخَذَهُ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ لِعَدَمِ الْهَتْكِ وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخَذَ يُقْطَعُ لِوُجُودِ الْهَتْكِ وَأَمَّا إذَا طَرَّ صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ الْكُمِّ فَلِأَنَّ الرِّبَاطَ مِنْ خَارِجٍ فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الظَّاهِرِ فَلَمْ يُوجَدْ هَتْكُ الْحِرْزِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ وَإِنْ كَانَتْ الصُّرَّةُ دَاخِلَةً فَطَّرَهَا وَأَخَذَهَا قُطِعَ لِأَنَّ الرِّبَاطَ مِنْ دَاخِلٍ فَبِالطَّرِّ تَبْقَى الصُّرَّةُ دَاخِلَ الْكُمِّ فَيَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الدَّاخِلِ فَوُجِدَ الْهَتْكُ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الطَّرِّ حَلُّ الرِّبَاطِ يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ لِانْعِكَاسِ الْعِلَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ مُحْرِزٌ بِالْكُمِّ أَوْ بِصَاحِبِهِ قُلْنَا لَا يُعْتَبَرُ الْحِرْزُ بِالْحَافِظِ إلَّا إذَا كَانَ يَحْفَظُهُ مِنْ السُّرَّاقِ وَبَعُدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَصَارَ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ غَيْرُهُ حَيْثُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْ الْحِرْزِ وَلَيْسَ عَلَى السَّارِقِ أَيْضًا قَطْعٌ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ بِاعْتِرَاضِ يَدِ الْآخَرِ لَمْ تَبْقَ يَدُهُ قَائِمَةً عَلَى السَّرِقَةِ حِينَ الْخُرُوجِ وَقَدْ خَرَجَ وَلَا مَالَ فِي يَدِهِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ خَرَجَ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ ثُمَّ بِالرَّمْيِ لَمْ تَزُلْ يَدُهُ حُكْمًا) أَيْ لِعَدَمِ اعْتِرَاضِ يَدٍ أُخْرَى عَلَى يَدِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ لَمْ يَضْمَنْ) سَيَأْتِي فِي بَابِ اللُّقَطَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَضْمَنُ السَّائِقُ إلَخْ) وَفِي مَبْسُوطِ أَبِي الْيُسْرِ وَكَذَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى عُنُقِ كَلْبٍ فَزَجَرَهُ يُقْطَعُ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ زَجْرٍ لَا يُقْطَعُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَسْقِهِ وَخَرَجَ بِنَفْسِهِ لَا يُقْطَعُ) أَيْ لِأَنَّ لِلْبَهِيمَةِ اخْتِيَارًا لِنَفْسِهَا. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَلَوْ ذَهَبَ السَّارِقُ إلَى مَنْزِلِهِ فَخَرَجَ الْحِمَارُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى جَاءَ إلَى مَنْزِلِهِ لَا يُقْطَعُ وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ شَيْئًا عَلَى طَائِرٍ وَتَرَكَهُ ثُمَّ طَارَ إلَى مَنْزِلِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمَاءُ بِقُوَّةِ جَرْيِهِ لَا يُقْطَعُ) كَذَا فِي شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ مُنَاوَلَةِ الدَّاخِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا طَرَّ صُرَّةً) الطَّرُّ الشِّقُّ وَمِنْهُ الطِّرَارُ وَالصُّرَّةُ الْهِمْيَانُ وَالْمُرَادُ مِنْ الصُّرَّةِ هُنَا نَفْسُ الْكُمِّ الْمَشْدُودِ فِيهِ الدَّرَاهِمُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِالْكُمِّ) أَيْ فِي صُورَةِ طَرِّهَا خَارِجَ الْكُمِّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِصَاحِبِهِ) أَيْ فِي صُورَةِ طَرِّهَا دَاخِلَ الْكُمِّ. اهـ. كَاكِيٌّ

[فصل في كيفية القطع وإثباته]

مَا أَدْخَلَهُ فِي كُمِّهِ أَوْ رَبَطَهُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَهُ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ قَطْعَ الطَّرِيقِ أَوْ الِاسْتِرَاحَةَ بِالْمَشْيِ وَالْقُعُودِ لِاعْتِمَادِهِ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ حَافِظًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَلَا تَرَى قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ» لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّاعِي الرَّعْيُ دُونَ الْحِفْظِ وَهُوَ تَبَعٌ فَلَا يَصْلُحُ لِلْقَطْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا عَلَيْهِ وَهُوَ رِدَاؤُهُ أَوْ قَلَنْسُوَةً أَوْ طَرَفَ مِنْطَقَتِهِ أَوْ سَيْفَهُ أَوْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَةٍ حُلِيًّا عَلَيْهَا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهَا خِلْسَةٌ وَلَيْسَتْ بِخُفْيَةِ سَرِقَةٍ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ نَائِمٍ قِلَادَةً عَلَيْهِ وَهُوَ لَابِسُهَا أَوْ مُلَاءَةً وَهُوَ لَابِسُهَا أَوْ وَاضِعُهَا قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ يَكُونُ حَافِظًا لَهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا خُفْيَةً وَسِرًّا وَلَهُ حَافِظٌ وَهُوَ النَّائِمُ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ قِطَارٍ بَعِيرًا أَوْ حَمَلًا فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ مَقْصُودٍ فَتُمْكِنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ السَّائِقَ أَوْ الرَّاكِبَ يَقْصِدُ قَطْعَ الْمَسَافَةِ وَنَقْلَ الْأَمْتِعَةِ دُونَ الْحِفْظِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهَا مَنْ يَحْفَظُهَا يُقْطَعُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَقَّ الْحَمْلُ فَأَخَذَ مِنْهُ أَوْ سَرَقَ جُوَالِقًا فِيهِ مَتَاعٌ وَرَبُّهُ يَحْفَظُهُ أَوْ نَائِمٌ عَلَيْهِ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقٍ أَوْ فِي جَيْبِ غَيْرِهِ أَوْ كُمِّهِ فَأَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ) لِوُجُودِ السَّرِقَةِ مِنْ الْحِرْزِ وَالنَّوْمِ بِقُرْبٍ مِنْهُ بِحَيْثُ يُعَدُّ حَافِظًا لَهُ كَالنَّوْمِ عَلَيْهِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ] (فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ) لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهَا وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ تُقْطَعُ الْأَصَابِعُ فَقَطْ لِأَنَّ الْبَطْشَ يَقَعُ بِهَا وَقَالَتْ الْخَوَارِجُ تُقْطَعُ الْيَمِينُ مِنْ الْمَنْكِبِ لِأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِكُلِّهَا وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الرُّسْغِ» وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَطَعَ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَطَعَ مِنْ الرُّسْغِ فَصَارَ إجْمَاعًا فِعْلًا فَلَا يَجُوزُ خِلَافُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُحْسَمُ) أَيْ تُكْوَى كَيْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّ مَنَافِذَ الدَّمِ تَنْسَدُّ بِالْكَيِّ فَيَنْقَطِعُ بِهِ فَلَوْ لَمْ يُكْوَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا قَطْعَ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ) وَحَرِيسَةُ الْجَبَلِ هِيَ الشَّاةُ الْمَسْرُوقَةُ مِمَّا يُحْرَسُ فِي الْجَبَلِ وَقِيلَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ لِلسَّارِقِ حَارِسٌ عَلَى سَبِيلِ التَّعْكِيسُ وَفِي التَّكْمِلَةِ حَرَسَنِي شَاةً أَيْ سَرَقَهَا حَرَسِي اهـ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ أَوْ سَيْفِهِ) أَيْ وَهُوَ مُسْتَيْقِظٌ غَيْرُ غَافِلٍ اهـ. (فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ) ظَاهِرُ تَرْتِيبِهِ عَلَى بَيَانِ نَفْسِ السَّرِقَةِ وَتَفَاصِيلِ الْمَالِ وَالْحِرْزِ لِأَنَّهُ حُكْمُ سَرِقَةِ الْمَالِ الْخَاصِّ مِنْ الْحِرْزِ فَيَتَعَقَّبُهُ فَالْقَطْعُ لِمَا تَلَوْنَا مِنْ قَبْلُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَالْمَعْنَى يَدَيْهِمَا وَحُكْمُ اللُّغَةِ أَنَّ مَا أُضِيفَ مِنْ الْخَلْقِ إلَى اثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ أَنْ يُجْمَعَ، مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] وَقَدْ يُثَنَّى وَقَالَ ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ وَالْأَفْصَحُ الْجَمْعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مِنْ الزَّنْدِ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الزَّنْدُ مَوْصِلُ طَرَفِ الذِّرَاعِ فِي الْكَفِّ وَهُمَا زَنْدَانِ الْكُوعُ وَالْكُرْسُوعُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْكُوعُ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ وَالْكُرْسُوعُ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا كَوْنُهَا الْيَمِينُ فَبِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فَكَانَ خَبَرًا مَشْهُورًا فَيُقَيِّدُ إطْلَاقَ النَّصِّ فَهَذَا مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ لَا مِنْ بَابِ الْمُجْمَلِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا إجْمَالَ فِي فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وَقَدْ «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَمِينَ» وَكَذَا الصَّحَابَةُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّقْيِيدُ مُرَادًا لَمْ يَفْعَلْهُ وَكَانَ يَقْطَعُ الْيَسَارَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَنْفَعُ مِنْ الْيَسَارِ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ وَحْدَهَا مَا لَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْيَسَارِ فَلَوْ كَانَ الْإِطْلَاقُ مُرَادًا وَالِامْتِثَالُ يَحْصُلُ بِكُلٍّ لَمْ يَقْطَعْ إلَّا الْيَسَارَ عَلَى عَادَتِهِ مِنْ طَلَبِ الْأَيْسَرِ لَهُمْ اهـ وَقَوْلُهُ فَهَذَا مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ إلَخْ فِيهِ رَدٌّ لِمَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قُلْت الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ نُسِخَ عِنْدَنَا فَلِذَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ جَازَتْ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ وَقِرَاءَتُهُ كَانَتْ مَشْهُورَةً إلَى زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالزِّيَادَةُ بِالْمَشْهُورِ جَائِزَةٌ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ فَنَقُولُ خَبَرُ الْوَاحِدِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ وَالْكِتَابُ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ وَفِي حَقِّ الْيَمِينِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ الشِّمَالِ فَالْتَحَقَتْ قِرَاءَتُهُ بِالْكِتَابِ بَيَانًا لَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْيَمِينُ لَا الشِّمَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبَطْشَ يَقَعُ بِهَا) أَيْ وَالْأَخْذُ أَيْ فَتُقْطَعُ الْأَصَابِعُ لِإِزَالَةِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَخْذِ وَالْبَطْشِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الرُّسْغِ») قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا أَنَّ الْيَدَ ذَاتَ مَقَاطِعَ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ الرُّسْغُ وَالْمِرْفَقُ وَالْمَنْكِبُ وَكُلٌّ مِنْهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا فَزَالَ الِاحْتِمَالُ بِبَيَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ أَمَرَ بِقَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى مِنْ الزَّنْدِ وَلِأَنَّ مِفْصَلَ الزَّنْدِ وَهُوَ الرُّسْغُ مُتَيَقِّنٌ بِهِ لِكَوْنِهِ أَقَلَّ فَيُؤْخَذُ بِهِ لِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ لَا تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ وَفِيمَا زَادَ عَلَى الرُّسْغِ شُبْهَةٌ فَلَا تَثْبُتُ وَإِنَّمَا كَانَ مَفْصِلُ الزَّنْدِ مِنْ الْيَمِينِ مُرَادًا إمَّا بِبَيَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْحَسْمُ هُوَ الْكَيُّ بَعْدَ الْقَطْعِ بِالزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ وَنَحْوِهِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا الْحَسْمُ فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَى بِسَارِقٍ سَرَقَ شَمْلَةً فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا إخَالهُ سَرَقَ فَقَالَ السَّارِقُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ فَقُطِعَ ثُمَّ حُسِمَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَقَالَ تُبْت إلَى اللَّهِ قَالَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْك» وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَكَذَا رَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ حُجِّيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ الْمِفْصَلِ ثُمَّ حَسَمَهُمْ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَإِلَى أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا أُيُورُ الْحُمُرِ، وَالْحَسْمُ الْكَيُّ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ وَفِي الْمُغْرِبِ وَالْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ هُوَ أَنْ يُغْمَسَ فِي الدُّهْنِ الَّذِي أُغْلِيَ وَثَمَنُ الزَّيْتِ وَكُلْفَةُ الْجِسْمِ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ أَمَرَ الْقَاطِعَ بِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ وَعِنْدَنَا هُوَ عَلَى السَّارِقِ وَقَوْلُ

رُبَّمَا يَسْتَرْسِلُ الدَّمُ فَيُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى إنْ عَادَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ وَلَمْ يُقْطَعْ كَمَنْ سَرَقَ وَإِبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةٌ أَوْ شَلَّاءُ أَوْ إصْبَعَانِ مِنْهَا سِوَاهَا أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةٌ) أَيْ لَا يُقْطَعُ فِي الثَّالِثَةِ كَمَا لَا يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ إبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ إلَخْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُقْطَعُ فِي الثَّالِثَةِ يَدُهُ الْيُسْرَى وَفِي الرَّابِعَةِ رِجْلُهُ الْيُمْنَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» وَيُرْوَى مُفَسَّرًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ هُوَ وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] يَتَنَاوَلُ الْيَدَيْنِ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ الثَّالِثَةَ مِثْلُ الْأَوْلَى فِي الْجِنَايَةِ بَلْ أَقْبَحُ لِتَقَدُّمِ الزَّاجِرِ فَكَانَتْ أَدْعَى إلَى شَرْعِ الْحَدِّ وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ حِين حَجَّهُمْ عَلِيٌّ بِقَوْلِهِ إنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا وَلَمْ يَحْتَجَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْمَرْفُوعِ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِهِ وَمَا رَوَاهُ لَمْ يَثْبُتْ فَإِنَّ الطَّحَاوِيَّ قَالَ تَتَبَّعْنَا هَذِهِ الْآثَارَ فَلَمْ نَجِدْ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا وَلِهَذَا لَمْ يُقْتَلْ فِي الْخَامِسَةِ وَإِنْ ذُكِرَ فِيمَا رُوِيَ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ عَلَى النَّسْخِ وَالْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّ إضَافَةَ جُزْأَيْنِ أَوْ مَا هُمَا كَجُزْأَيْنِ إلَى مُتَضَمِّنِهِمَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَلَا يُرَادُ بِهِ الْجَمْعُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ بَلْ يُرَادُ بِهِ التَّثْنِيَةُ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا يَدًا وَاحِدَةً مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَبَطَلَ الِاسْتِدْلَال بِهِ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ فِي الثَّانِيَةِ يَدُهُ الْيُسْرَى. وَلَوْ تَنَاوَلَتْهَا الْآيَةُ لَقُطِعَتْ وَلِأَنَّ السَّارِقَ اسْمُ فَاعِلٍ يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ لُغَةً وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى إذْ كُلُّ السَّرِقَاتِ غَيْرُ مُرَادٍ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ وَبِفِعْلٍ وَاحِدٍ لَمْ تُقْطَعْ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ تَعَيَّنَتْ الْيُمْنَى فَخَرَجَتْ الْيُسْرَى مِنْ أَنْ تَكُونَ مُرَادَةً وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَفِي قَطْعِ الْأَرْبَعِ إتْلَافُهُ أَيْضًا فِي الْمَعْنَى وَالْقَطْعُ لِلزَّجْرِ لَا لِلْإِتْلَافِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَسَمَ الْمَقْطُوعَ كَيْ لَا يَهْلَكَ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ الْمُسَاوَاةُ لِكَوْنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَا يَأْثَمُ وَيُسَنُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِرَ بِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَعِنْدَنَا ذَلِكَ مُطْلَقٌ لِلْإِمَامِ إنْ رَآهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ مَنْ قَطَعَهُ لِيَكُونَ سُنَّةً هـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى إلَخْ) ثُمَّ يُقْطَعُ مِنْ الْكَعْبِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَالرَّوَافِضُ يَقْطَعُ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ مِنْ مَقْعَدِ الشِّرَاكِ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقْطَعُ كَذَلِكَ وَيَدْعُ لَهُ عَقِبًا يَمْشِي عَلَيْهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يَمُوتَ) قَالَ صَاحِبُ النَّافِعِ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ سِيمَا رَجُلٍ صَالِحٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ أُصْبُعَانِ مِنْهَا سِوَاهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأُصْبُعَانِ يَنْزِلَانِ مَنْزِلَةَ الْإِبْهَامِ فِي نُقْصَانِ الْبَطْشِ فَلَوْ قُطِعَتْ الْيَمِينُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَلْزَمُ فَوَاتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تُقْطَعُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِهْلَاكُ مَعْنًى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ إصْبَعٌ وَاحِدَةٌ مِنْ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ حَيْثُ تُقْطَعُ الْيَمِينُ لِعَدَمِ الْخَلَلِ فِي الْبَطْشِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ اعْتَبَرَ فِيهَا فِي الْمَنْعِ مِنْ الْجَوَازِ فَوْتَ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ سِوَى الْإِبْهَامِ لَا فَوْتَ الْإِصْبَعَيْنِ وَهُنَا اعْتَبَرَ فِي الْمَنْعِ مِنْ قَطْعِ الْيَمِينِ فَوْتَ الْإِصْبَعَيْنِ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الْهَلَاكُ مَعْنًى فِي الْبَابَيْنِ وَتَحَقُّقُهُ بِفَوَاتِ الْأَكْثَرِ إلَّا أَنَّ الْحَدَّ لَمَّا كَانَ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ اُحْتِيطَ فِيهِ فَأُقِيمَ الْأُصْبُعَانِ مَقَامَ الْإِبْهَامِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كِتَابِ الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ ثَلَاثُ أَصَابِعَ سِوَى الْإِبْهَامِ مَقْطُوعَةً لَا تُقْطَعُ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ إصْبَعَانِ إحْدَاهُمَا الْإِبْهَامُ فَاعْتُبِرَ هُنَاكَ أَكْثَرُ الْأَصَابِعِ وَتِلْكَ الرِّوَايَةُ تُوَافِقُ مَا قَالَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مَقْطُوعَةً مِنْ كُلِّ يَدٍ ثَلَاثُ أَصَابِعَ أَوْ إصْبَعَانِ إحْدَاهُمَا الْإِبْهَامُ لَا يُجْزِئُ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَأَمَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اُعْتُبِرَ ذَهَابُ الْقُوَّةِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْأَكْثَرُ وَهَذَا الرِّوَايَةُ أَحْوَطُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً) أَيْ إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى اهـ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِيمَنْ سَرَقَ أَوَّلًا يَعْنِي مَنْ سَرَقَ أَوَّلًا وَكَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِيمَنْ سَرَقَ ثَانِيًا يَعْنِي مَنْ سَرَقَ ثَانِيًا وَكَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً لَا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَعَلَى الْأَوَّلِ مَشَى الْمُصَنِّفُ الْكَافِي وَشُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ وَعَلَى الثَّانِي مَشَى بَعْضُ الشُّرَّاحِ كَالْبَدْرِ الْعَيْنِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ (قَوْلُهُ وَيُرْوَى مُفَسَّرًا) أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» وَفِي سَنَدِهِ الْوَاقِدِيُّ وَهُنَا طُرُقٌ كَثِيرَةٌ لَمْ تَسْلَمْ مِنْ الطَّعْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ) أَيْ بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْقَتْلِ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى السِّيَاسَةِ أَيْضًا فَكَذَا يُحْمَلُ الْقَطْعُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَخَرَجَتْ الْيُسْرَى مِنْ أَنْ تَكُونَ مُرَادَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يُقْتَلُ فِي الْخَامِسَةِ عِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ قُلْت لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ حَكَى عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ كَقَوْلِنَا فِي الثَّالِثَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي قَطْعِ الْأَرْبَعِ إتْلَافُهُ) هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلْته إذَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَعْنَى) أَيْ لِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَهُ أَثَرٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْقَطْعِ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ إنْسَانًا لَوْ قَطَعَ يَسَارَ إنْسَانٍ آخَرَ يُقْطَعُ يَسَارُ الْقَاطِعِ قِصَاصًا مَعَ فَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِصَاصَ

حَقُّ الْعَبْدِ فَيُسْتَوْفَى مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّهِ وَلِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُهُ فَلَا يَسْتَدْعِي زَاجِرًا إذْ الْحَدُّ فِيمَا يَغْلِبُ لَا فِيمَا يَنْدُرُ وَإِنَّمَا لَا يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ إبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ إلَخْ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ الْبَطْشُ أَوْ الْمَشْيُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ سِوَى الْإِبْهَامِ مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ لِأَنَّ فَوْتَهَا لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْبَطْشِ ظَاهِرًا وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ تُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالنَّصِّ قَطْعُ الْيُمْنَى وَاسْتِيفَاءُ النَّاقِصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْكَامِلِ جَائِزٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَضْمَنُ بِقَطْعِ الْيُسْرَى مَنْ أَمَرَ بِخِلَافِهِ) أَيْ الَّذِي أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِقَطْعِ الْيُمْنَى فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى لَا يَضْمَنُ سَوَاءٌ قَطَعَهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ فِي الْخَطَأِ أَيْضًا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالْمُرَادُ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ أَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا وَقِيلَ يُجْعَلُ عَفْوًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ فَيَضْمَنُهَا قُلْنَا خَطَأُ الْمُجْتَهِدِ مَوْضُوعٌ إجْمَاعًا وَهَذَا مَوْضِعُ الِاجْتِهَادِ إذَا النَّصُّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْيَدَيْنِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَ يَدًا مَعْصُومَةً ظُلْمًا عَمْدًا فَلَا يُعْفَى وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُعْذَرُ فِيمَا إذَا كَانَ دَلِيلُهُ ظَاهِرًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلشُّبْهَةِ إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ تَعْيِينُ الْيُمْنَى وَالْمَالُ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْتَمِدُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَقَدْ وُجِدَتْ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى وُقُوعِهِ تَفْوِيتًا لِجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّ الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا فَيَسْقُطُ لِشُبْهَةِ الْهَلَاكِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَيْ رَجُلٍ قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ أَرْبَعَتَهُ قُطِعَتْ أَرْبَعَتُهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَسْتَوْفِيه مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّهِ لَا يُقَالُ الْيَدُ الْيُسْرَى مَحَلٌّ لِلْقَطْعِ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ، وَلَا إجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ الْكِتَابِ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا وَجَبَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ مِنْهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَمَلًا بِالْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ خَرَجَتْ مِنْ كَوْنِهَا مُرَادَةً وَالْأَمْرُ الْمَقْرُونُ بِالْوَصْفِ وَإِنْ تَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لَكِنْ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ أَمْكَنَ وَإِذَا انْتَفَى إرَادَةُ الْيُسْرَى بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّقْيِيدِ انْتَفَى مِنْ مَحَلِّيَّتِهَا الْقَطْعُ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَكْرَارُهُ فَيَلْزَمُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وَثَبَتَ قَطْعُ الرِّجْلِ فِي الثَّانِيَةِ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَانْتَفَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لِتَمَامِ الدَّلِيلِ عَلَى الْعَدَمِ اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ فِعْلَ السَّرِقَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ يَنْدُرُ. اهـ. (قَوْلُهُ يَنْدُرُ) أَيْ يَنْدُرُ أَنْ يَسْرِقَ الْإِنْسَانُ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ وَالْحَدُّ لَا يُشْرَعُ إلَّا فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى مَا مَرَّ غَيْرُهُ مَرَّةً. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَا يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ إبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةَ الْأَصَابِعِ فَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ وَالْمَشْيَ عَلَيْهَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ وَالْمَشْيَ عَلَيْهَا لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ دَرَأْت فِيهِ الْقَطْعَ ضَمَّنْته السَّرِقَةَ إنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَإِذَا حُبِسَ السَّارِقُ لِيَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ الْيُمْنَى عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَقَدْ بَطَلَ الْحَدُّ عَنْ السَّارِقِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى وَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْمَرَ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ شَلَّاءَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ أَشَلَّ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ أَقْطَعَ أَوْ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَيْ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى إذَا كَانَتْ الْحَالَةُ كَذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا فِيمَا إذَا كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى شَلَّاءَ أَيْ مَقْطُوعَةً وَمَشَيَا فِيمَا إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً وَتَفْوِيتُهُ إهْلَاكِهِ مَعْنًى فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ لِئَلَّا يُفْضِي إلَى الْإِهْلَاكِ وَقَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَيْ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ اهـ قَالَ فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَإِنْ كَانَتْ يَدَاهُ صَحِيحَتَيْنِ وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى يَابِسَةً قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَإِنْ كَانَتْ الرِّجْلُ الْيُمْنَى هِيَ الْيَابِسَةُ لَمْ تُقْطَعْ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِيفَاءِ الزَّائِدِ مِنْ الْوَاجِبِ إذْ بِهِ يَتَعَطَّلُ نِصْفُ الْبَدَنِ عَنْ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى الْهَالِكِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الرِّجْلُ الْيُسْرَى هِيَ الْيَابِسَةُ قُطِعَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إمْسَاكُ الْعَصَا بِالْيَدِ الْيُسْرَى فَيَحْصُلُ بِهَا نَوْعُ مَنْفَعَةٍ وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى لَا يَضْمَنُ) أَيْ وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ الْجَلَّادُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ) أَيْ يَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ أَرْشَ الْيَسَارِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ هُوَ الْخَطَأُ) أَيْ الْمُرَادُ بِالْخَطَأِ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقْطَعَ الْيُسْرَى بَعْدَ قَوْلِ الْحَاكِمِ اقْطَعْ يَمِينَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ فِي أَنَّ قَطْعَهَا يُجْزِئُ عَنْ قَطْعِ السَّرِقَةِ نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْيَسَارُ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا) أَيْ فَيَضْمَنُ. اهـ. لِأَنَّ الْجَهْلَ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِهَارِ لَيْسَ بِعُذْرِ وَهَذَا مَوْضِعُ اشْتِهَارٍ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ اهـ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُجْعَلُ عَفْوًا) أَيْ فَلَا ضَمَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ إذْ النَّصُّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْيَدَيْنِ) أَيْ لِأَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلشُّبْهَةِ) أَيْ الثَّابِتَةِ فِي الْآيَةِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ كَقَوْلِنَا فِيمَا إذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فِي انْتِظَارِ التَّعْدِيلِ ثُمَّ عُدِّلَتْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَتُقْطَعُ يَدُ الْقَاطِعِ قِصَاصًا وَيَضْمَنُ الْمَسْرُوقَ لَوْ كَانَ أَتْلَفَهُ لِأَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ بِاسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُوجَدْ وَلِذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى يُقْتَصُّ لَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ قَطْعُ الْيُمْنَى لِمَا عُرِفَ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْمَرَ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ كَمَنْ شَهِدَ عَلَى غَيْرِهِ بِبَيْعِ مَالِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنْ قِيلَ الْيَمِينُ لَمْ تَحْصُلْ بِقَطْعِ الْيُسْرَى بَلْ كَانَتْ حَاصِلَةً بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهِدِ بِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ أَخْلَفَ قُلْنَا الْيَمِينُ كَانَتْ مُسْتَحِقَّةَ الْإِتْلَافِ فَبِقَطْعِ الْيُسْرَى سَلِمَتْ فَصَارَتْ كَالْحَاصِلَةِ لَهُ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا لَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَيْثُ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى وَمَعَ هَذَا يَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ الضَّمَانُ لِأَنَّا نَقُولُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ فَيُمْنَعُ وَلَئِنْ سَلِمَ فَالْمُتْلَفُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْبَاقِي فَلَمْ يَخْلُفْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَعَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ الَّتِي اُعْتُبِرَ فِيهَا الِاخْتِلَافُ لَوْ قَطَعَ الْيَسَارَ غَيْرُ الْحَدَّادِ لَا يَضْمَنُ فِي الصَّحِيحِ إذَا كَانَ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالْقَطْعِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَخْلَفَ ثُمَّ فِي الْعَمْدِ يَجِبُ ضَمَانُ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ عَلَى السَّارِقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حَدًّا وَسُقُوطُ الضَّمَانِ عَنْهُ فِي ضِمْنِ وُقُوعِهِ حَدًّا وَكَذَا عِنْدَهُمَا بَلْ أَوْلَى وَفِي الْخَطَأِ كَذَلِكَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي اُعْتُبِرَ فِيهَا وَهِيَ أَنَّ الْقَاطِعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ وَلَمْ يَقَعْ حَدًّا وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْقَاطِعَ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ الْكِتَابَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الْيَمِينِ يَكُونُ قَطْعُ الْيَسَارِ وَاقِعًا عَلَى الْحَدِّ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَعْذُورٌ فِي الْخَطَأِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ إذْ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ وَالْمُرَادُ بِالْخَطَأِ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ مِنْ الْيَسَارِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا وَقِيلَ يُجْعَلُ عَفْوًا أَيْضًا هَذَا إذَا عَيَّنَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ الْيُمْنَى بِأَنْ قَالَ لَهُ اقْطَعْ يَمِينَ هَذَا. وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ لَهُ اقْطَعْ يَدَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَا يَضْمَنُ الْقَاطِعُ بِاتِّفَاقٍ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ إذْ الْيَدُ تَنْطَلِقُ عَلَيْهِمَا وَكَذَا لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ يَسَارَهُ فَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِأَمْرِهِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْإِمَامِ وَأَمَّا إذَا قَطَعَهُ أَحَدٌ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ اتِّفَاقًا وَيَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْ السَّارِقِ لِأَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ حَدًّا كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْمُثْلَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا سُرِقَ لِعَدَمِ الْقَطْعِ حَدًّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَلَبُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ شَرْطُ الْقَطْعِ) أَيْ طَلَبُهُ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ حَتَّى لَا يَقْطَعَ وَهُوَ غَائِبٌ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ فِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ فَيَسْقُطُ الْقَطْعُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَالْقَطْعِ لِتَنْتَفِيَ تِلْكَ الشُّبْهَةُ وَكَذَا إذَا غَابَ عِنْدَ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي الْحُدُودِ مِنْ الْقُضَاةِ وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ قُطِعَ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُ الْغَائِبِ وَتَصْدِيقُهُ وَقِيلَ عِنْدَهُمَا يُنْتَظَرُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُنْتَظَرُ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِحُضُورِ وَكِيلِهِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَشَرْطُ الْحَدِّ لَا يَثْبُتُ بِمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْغَيْرِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ فِيهِمَا لِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ مِنْ بَابِ الْحِسْبَةِ كَالزِّنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا حَاجَةَ إلَى حُضُورِهِ فِي الْإِقْرَارِ دُونَ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُبْتَنَى عَلَى الدَّعْوَى دُونَ الْإِقْرَارِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مُودِعًا أَوْ غَاصِبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ) أَيْ وَهُوَ الْيُمْنَى فَإِنَّهَا لَا تُقْطَعُ بَعْدَ قَطْعِ الْيُسْرَى اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مَا نَصُّهُ أَيْ لِأَنَّ الْبَطْشَ بِالْيُمْنَى أَتَمُّ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ الْيَمِينُ لَمْ تَحْصُلْ بِقَطْعِ الْيُسْرَى) أَيْ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُكُمْ أَخَفُّ بَدَلَ مَا أَتْلَفَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَالْمُتْلَفُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْبَاقِي) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ هَذَا كُلُّهُ إذَا قَطَعَ الْحَدَّادُ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ وَلَوْ قَطَعَ يَسَارَهُ غَيْرُهُ فَفِي الْعَمْدِ الْقِصَاصِ وَفِي الْخَطَّا الدِّيَةُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ إلَخْ) تَكْرَارُ مَحْضٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي) فَقَطَعَهَا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهَا يَسَارُهُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِأَمْرِهِ) أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِآخَرَ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَ يَدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا قَطَعَهُ أَحَدٌ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ فَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى قَطَعَ قَاطِعٌ يَمِينَهُ فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ أَوْ بَعْدَ الْخُصُومَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَعَلَى قَاطِعُهُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالْأَرْشُ فِي الْخَطَأِ وَتُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي السَّرِقَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْخُصُومَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ إلَّا أَنَّهُ لَا تُقْطَعَ رِجْلُهُ فِي السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا خُوصِمَ كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْيُمْنَى وَقَدْ فَاتَتْ فَيَسْقُطُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاطِعِ وَكَانَ قَطْعُهُ عَنْ السَّرِقَةِ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى السَّارِقِ فِيمَا اسْتَهْلَكَ مِنْ مَالِ السَّرِقَةِ أَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَ أَنْ تَثْبُتَ السَّرِقَةُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ بِأَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ فَلَا يُقْطَعُ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ أَقْطَعُهُ بِالْإِقْرَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ حَاضِرًا وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا غَابَ عِنْدَ الْقَطْعِ) يَعْنِي لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ أَيْضًا إذَا غَابَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ عِنْدَ الْقَطْعِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا لَا يُقْطَعُ إذَا كَانَ غَائِبًا عِنْدَ الشَّهَادَةِ أَوْ الْحُكْمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي الْحُدُودِ مِنْ الْقَضَاءِ) أَيْ وَلِهَذَا تُجْعَلُ الْأَسْبَابُ الْحَادِثَةُ فِي الشُّهُودِ كَالِارْتِدَادِ وَالْفِسْقِ وَالْجُنُونِ وَالْعَمَى وَالْمَوْتِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ كَالْحَادِثَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبًا فِي وَقْتِ الشَّهَادَةِ أَوْ الْحُكْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُبْتَنَى عَلَى الدَّعْوَى دُونَ الْإِقْرَارِ) وَلَنَا أَنَّ الْمَقَرَّ بِهِ لِلْمُقِرِّ ظَاهِرًا مَا لَمْ يُوجَدْ التَّصْدِيقُ مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ لِغَائِبٍ ثُمَّ لِحَاضِرٍ جَازَ فَإِذَا كَانَ زَوَالُ مِلْكِهِ مَوْقُوفًا إلَى التَّصْدِيقِ كَانَ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ

أَوْ صَاحِبَ الرِّبَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ وَكَذَا بِخُصُومَةِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُضَارِبِ وَالْمُسْتَبْضِعِ وَالْقَابِضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَمُتَوَلَّى الْوَقْفِ وَكُلِّ مَنْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُقْطَعُ إلَّا بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ وَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لِهَؤُلَاءِ حَقَّ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ عِنْدَ جُحُودِ مَنْ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَالِكُ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُمْ الْحِفْظُ دُونَ الْخُصُومَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْخُصُومَةَ فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ مَعَ بَقَاءِ الْيَدِ لِاسْتِمْرَارِهَا فَلَأَنْ لَا يَمْلِكُوهَا مَعَ انْتِفَائِهَا أَوْلَى وَأَحْرَى وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ لَهُمْ أَنْ يُخَاصِمُوا ضَرُورَةَ اسْتِرْدَادِ الْمَالِ إلَى الْحِفْظِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَهَذَا لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَمْلِكُونَ الْخُصُومَةَ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ وَالنِّيَابَةُ لَا تَجْرِي فِي الْحُدُودِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِهِ إذَا حَضَرَ عَلَى مَا مَرَّ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ بِإِقْرَارِهِ مَعَ غِيبَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الْخُصُومَةَ لِلصِّيَانَةِ. وَلَوْ أَظْهَرْنَاهُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ لَفَاتَتْ الصِّيَانَةُ إذْ بِالْقَطْعِ يَبْقَى الْمَالُ غَيْرُ مَعْصُومٍ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ بِالْهَلَاكِ وَلَنَا أَنَّ السَّرِقَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ فِي نَفْسِهَا وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ بِنَاءً عَلَى خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ فَيُسْتَوْفَى الْقَطْعُ وَلِهَؤُلَاءِ يَدٌ صَحِيحَةٌ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ كَالْمِلْكِ فَإِذَا أُزِيلَتْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُخَاصِمُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِاسْتِرْدَادِهَا أَصَالَةً لَا نِيَابَةً لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَمِينًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ إلَّا بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَمِينًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا بِذَلِكَ فَكَانَ مُخَاصِمًا عَنْ نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ حَقِّهِ وَلِهَذَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَةِ الْخُصُومَةِ إلَى غَيْرِهِ بِأَنْ يَقُولَ سَرَقَ مِنِّي بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ يَدٌ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَتِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ وَلَا يُخَاصِمُ بِاعْتِبَارِ حَقِّهِ فَإِذَا كَانَ أَصِيلًا فِي الْخُصُومَةِ وَجَبَ الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ الثُّبُوتِ بِلَا حَضْرَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْقَطْعَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْقِصَاصِ. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا يُنْتَظَرُ فِيهِ حُضُورُهُ اسْتِحْسَانًا فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَلَئِنْ سَلَّمَ فَفِيهِ شُبْهَةٌ زَائِدَةٌ وَهِيَ جَوَازُ أَنْ يُرَدَّ إقْرَارَهُ فَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ بِخِلَافِ خُصُومَةِ هَؤُلَاءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَسُقُوطُ الْعِصْمَةِ ضَرُورَةُ الِاسْتِيفَاءِ ضِمْنًا لِقَطْعِ الْيَدِ فَلَا يَكُونُ سُقُوطُهُ مُضَافًا إلَى الْمُودِعِ وَلَا يَكُونُ تَضْيِيعًا لَهُ بَلْ يَكُونُ صِيَانَةً بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ لِأَنَّ السُّرَّاقَ إذَا عَلِمُوا أَنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ يَمْتَنِعُونَ عَنْهُ وَبِعَكْسِهِ يَجْتَرِؤُنَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ قَتْلًا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالشُّبْهَةِ الْمَوْهُومَةِ بِاعْتِرَاضِ الْمَالِكِ لِبُعْدِهَا كَمَا إذَا حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُؤْتَمَنُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةُ الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الْحِرْزِ ثَابِتَةً وَيُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ مِنْ السَّرِقَةِ مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ حَالَ غِيبَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ مِنْهُ فَكَانَ أَجْنَبِيًّا. وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ خُصُومَتَهُ صَحِيحَةٌ وَاقِعَةٌ عَنْ نَفْسِهِ لِاسْتِرْدَادِ مَالِهِ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ يُقْطَعُ السَّارِقُ بِخُصُومَتِهِ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ إذَا هَلَكَتْ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ فَلَا مُطَالَبَةَ لِلرَّاهِنِ وَكَذَا قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ لَا حَقَّ لَهُ فِي مُطَالَبَةِ الْعَيْنِ فَلَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِخُصُومَةِ الرَّاهِنِ بَعْدَ الْهَلَاكِ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ وَكَانَ الْفَضْلُ يَبْلُغُ نِصَابًا لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ السَّارِقَ بَعْدَ الْهَلَاكِ كَالْوَدِيعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْطَعُ بِطَلَبِ الْمَالِكِ لَوْ سَرَقَ مِنْهُمْ) أَيْ لَوْ سَرَقَ مِنْ الْمُودِعِ وَالْغَاصِبِ وَصَاحِبِ الرِّبَا وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQشُبْهَةٍ وَالْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ فَصَارَ الْإِقْرَارُ كَالشَّهَادَةِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ إذْ ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ بِالشُّهُودِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ لِجَوَازِ التَّكْذِيبِ مِنْهُ فَكَذَا هُنَا وَكَمَا لَوْ قَالَ سَرَقْتهَا وَلَا أَعْرِفُ صَاحِبَهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ صَاحِبُ الرِّبَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفَسَّرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْعَتَّابِيُّ صَاحِبَ الرِّبَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِمَنْ بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِعِشْرِينَ وَقَبَضَ الْعِشْرِينَ ثُمَّ جَاءَ إنْسَانٌ وَسَرَقَ الْعِشْرِينَ مِنْهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ عِنْدَنَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقَابِضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ) أَيْ وَالْقَابِضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُونَهَا) النُّونُ ثَابِتَةٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ السَّرِقَةَ) أَيْ مِنْ حِرْزٍ مُسْتَتِمٍّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ) أَيْ وَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسُقُوطُ الْعِصْمَةِ) جَوَابٌ لِقَوْلِ زُفَرَ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتُ الصِّيَانَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالشُّبْهَةِ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ شُبْهَةُ الْإِذْنِ مِنْ الْمَالِكِ ثَابِتَةٌ فَلَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ هَؤُلَاءِ فَأَجَابَ بِهِ يَعْنِي لَا اعْتِبَارَ بِشُبْهَةٍ مَوْهُومٍ اعْتِبَارُهَا بَلْ الِاعْتِبَارُ لِشُبْهَةِ مُحَقَّقَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ رَبِّ الْوَدِيعَةِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُودِعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَعْنِي رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَعَ أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً مَوْهُومَةً أَيْضًا بِأَنْ يَقُولَ الْمُودِعُ إنْ حَضَرَ كَانَ السَّارِقُ ضَيْفًا عِنْدِي مَأْذُونًا بِالدُّخُولِ فِي الْبَيْتِ وَكَذَا يُقْطَعُ بِالْإِقْرَارِ مَعَ أَنَّ الشُّبْهَةَ مُتَوَهِّمَةٌ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ فَعُلِمَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلشُّبْهَةِ الْقَائِمَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْحَالِ لَا لِلشُّبْهَةِ الْمُتَوَهِّمَةِ الْمُحْتَمَلَةِ الِاعْتِرَاضَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَة) أَرَادَ بِهِ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا نُقِلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ غَابَ الْمُسْتَوْدِعُ وَحَضَرَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ لَيْسَ لَهُ الْقَطْعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُسْتَوْدِعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي السَّرِقَةِ) فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مَنْ بَدَّلَ فِي. اهـ. (قَوْلِهِ فَلَا مُطَالَبَةَ لِلرَّاهِنِ) أَيْ بَلْ لِلْمُرْتَهِنِ. اهـ. كَاكِيٌّ بِمَعْنَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ إلَخْ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ يَنْبَغِي الْأَتْقَانِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُقْطَعُ بِطَلَبِ الْمَالِكِ) قَالَ فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ فَإِنْ حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُودِعُ هَلْ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ فِيهِ رِوَايَتَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِطَلَبِ الْمَالِكِ أَوْ السَّارِقِ لَوْ سَرَقَ مِنْ سَارِقٍ بَعْدَ الْقَطْعِ) مَعْنَاهُ إذَا قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ فَسُرِقَتْ مِنْهُ بَعْدَ الْقَطْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِرَبِّ السَّرِقَةِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ الثَّانِي لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ بَعْدَ الْقَطْعِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ وَهَذَا لِأَنَّ السَّرِقَةَ إنَّمَا تُوجِبُ الْقَطْعَ إذَا كَانَتْ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ أَوْ الْأَمِينِ أَوْ الضَّمِينِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هُنَا إذْ السَّارِقُ الْأَوَّلُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا أَمِينٍ وَلَا ضَمِينٍ فَلَا يُقْطَعُ بِخِلَافِ مَا إذَا سُرِقَ قَبْلَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ وَلِرَبِّ السَّرِقَةِ الْقَطْعُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الِاسْتِرْدَادِ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ إذْ هِيَ تَصِحُّ بِالْمِلْكِ أَوْ الْأَمَانَةِ أَوْ الضَّمَانِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ذَلِكَ لِيَرُدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ إذْ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ إلَّا بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا وَرَدَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى مَالِكِهِ أَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَلَكَهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ مِنْ النِّصَابِ لَمْ يُقْطَعْ) أَمَّا إذَا رَدَّهُ السَّارِقُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى مَالِكِهِ فَلِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَطْعَ وَإِنْ كَانَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ ثُبُوتَهُ فِي ضِمْنِ حَقِّ الْعَبْدِ فِي الْمَسْرُوقِ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ وَالْمَشْهُودُ لَهُ يُنْكِرُ السَّرِقَةَ لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ وَحَقُّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ هُنَا لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالْبَيِّنَةِ بِنَاءً عَلَى خُصُومَةٍ صَحِيحَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ فَلَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقْطَعُ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا أَرَدَّهَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ قُلْنَا بَعْدَ التَّرَافُعِ وُجِدَتْ الْخُصُومَةُ وَانْتَهَتْ بِالرَّدِّ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ لَا يَبْطُلُ بَلْ يَتَقَرَّرُ وَيَتَأَكَّدُ فَتَكُونُ مَوْجُودَةً حُكْمًا وَتَقْرِيرًا وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا رَدَّ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ. وَكَذَا إذَا رَدَّهَا بَعْدَ مَا شَهِدَ الشُّهُودُ قَبْلَ الْقَضَاءِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِمَا هُوَ حُجَّةٌ بِنَاءً عَلَى خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ وَلَوْ رَدَّهَا عَلَى وَلَدِهِ أَوْ ذِي رَحِمِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَعِيرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ فَهُوَ كَرَدِّهِ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَلَا يُقْطَعُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ لِوُجُودِ الْوُصُولِ إلَيْهِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَلِهَذَا لَوْ رَدَّ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَعِيرُ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا وَكَّلَ مَنْ فِي عِيَالِهِ فَقَبَضَ يَبْرَأُ الْمَدِينُ بِقَبْضِهِ وَكَذَا لَوْ رَدَّ عَلَى امْرَأَتِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهِرَةً أَوْ عَبْدَهُ وَلَوْ رَدَّهُ إلَى وَالِدِهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ وَالِدَتِهِ أَوْ جَدَّتِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ شُبْهَةُ الْمِلْكِ فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الرَّدِّ وَشُبْهَةُ الرَّدِّ كَالرَّدِّ وَلَوْ دَفَعَ إلَى عِيَالِ هَؤُلَاءِ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَلَوْ دَفَعَ إلَى مُكَاتَبِهِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ مُكَاتَبٍ وَرَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ مَالَهُ لَهُ رَقَبَةً وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْعِيَالِ وَرَدَّ إلَى مَنْ يَعُولُهُمْ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِمْ فَوْقَ أَيْدِيهمْ فِي مَالِهِ وَأَمَّا إذَا مَلَكَهُ السَّارِقُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ فَلِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ وَقَدْ اعْتَرَضَ مَا يُوجِبُ فَقَدْ شَرَطَهُ وَهُوَ انْقِطَاعُ الْخُصُومَةِ فَيَمْتَنِعُ الْإِمْضَاءُ كَمَا يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مَعْنَاهُ إذَا قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ) أَرَادَ بِالسَّرِقَةِ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ كَمَا فِي نُسَخ الْيَمَنِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ عَنْ كِتَابِ سَرِقَةِ الْأَصْلِ إذَا سَرَقَ مِنْ السَّارِقِ رَجُلٌ وَلَمْ تُقْطَعْ يَدُ السَّارِقِ الْأَوَّلِ فَالْقَطْعُ عَلَى السَّارِقِ الثَّانِي وَلَوْ كَانَ قُطِعَ يَدُ السَّارِقِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ عَلَى الثَّانِي ثُمَّ قَالَ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ إنْ قَطَعْت يَدَ السَّارِقِ الْأَوَّلِ لَمْ أَقْطَعْ يَدَ السَّارِقِ الثَّانِي وَإِنْ دَرَأْت الْقَطْعَ عَنْ الْأَوَّلِ لِشُبْهَةٍ قَطَعْت يَدَ الثَّانِي وَفِي الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِهِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ السَّارِقِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْقَطْعَ الْأَوَّلَ وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ فَإِنْ قُطِعَ الْأَوَّلُ لَا يُقْطَعُ الثَّانِي لِارْتِفَاعِ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ فَكَانَتْ سَرِقَةُ مَالٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ الْأَوَّلُ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَوَّلَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ) أَيْ لِلسَّارِقِ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وِلَايَةٌ) أَيْ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الِاسْتِرْدَادِ) أَيْ مِنْ الثَّانِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجِدْ وَاحِدٌ مِنْهَا) أَيْ فَيَكُونُ الِاسْتِرْدَادُ لِلْمَالِكِ أَمَّا إذَا دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُ ثُمَّ سَرَقَ الثَّانِي فَلَا رِوَايَةَ فِي الِاسْتِرْدَادِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ لِأَنَّ يَدَهُ ضَمَانٌ كَالْغَاصِبِ فَيَسْتَرِدَّ لِيَتَخَلَّصَ عَنْ الضَّمَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إمَّا أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ ضَمَانٍ فَلِانْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ بِالْقَطْعِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا وَرَدَّهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً فَرَدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ قَبْلَ الِارْتِفَاعِ إلَى الْحَاكِمِ لَمْ يُقْطَعْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُعَادَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إذْ رَدَّ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ إلَى الْقَاضِي أَوْ بَعْدَ مَا رَفَعَ لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْخُصُومَةِ قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الزِّنَا وَقِيَاسًا عَلَى مَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ حَقِّ الْعَبْدِ وَحَقِّ الْعَبْدِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْخُصُومَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْخُصُومَةُ بِرَدِّ الْمَسْرُوقِ إلَى الْمَالِكِ فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْعَبْدِ لَمْ يَثْبُتْ مَا فِي ضِمْنِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاكِمُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَقْطَعُ وَيَرُدُّ الْمَالَ إلَى مَالِكِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا فَلَا يَكُونُ فَائِدَةً فِي رَدِّ السَّارِقِ فَلَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَلَكَهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ رَدَّهُ إلَى وَالِدِهِ إلَخْ) أَمَّا الْمُودِعُ يَضْمَنُ بِالرَّدِّ إلَى هَؤُلَاءِ وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ إلَى مُكَاتَبِهِ لَا يُقْطَعُ) أَيْ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى حَقًّا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ) أَيْ فَالْمَلِكُ الْحَادِثُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْمِلْكِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَاضِي لَمَّا لَمْ يَمْضِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فَلَا يَسْتَوْفِي الْقَطْعَ كَمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَاضِي لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ قَضَيْت بَلْ بِالِاسْتِيفَاءِ جَلْدًا

كَتَغَيُّرِ أَوْصَافِ الشُّهُودِ بِالْعَمَى وَالْخَرَسِ وَالرِّدَّةِ وَالْفِسْقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِخِلَافِ رَدِّهِ إلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ يُؤَكِّدُ الْخُصُومَةَ فَيُتِمُّهَا لِحُصُولِ مَقْصُودِهَا فَتَبْقَى تَقْدِيرًا. وَأَمَّا التَّمْلِيكُ فَيُضَادُّ مَقْصُودَهَا إذْ لَا يُخَاصِمُ أَحَدٌ لِيَمْلِكَ وَإِنَّمَا يُخَاصِمُ لِيَسْتَرِدَّ فَيَقْطَعُهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ السَّرِقَةَ وَقَعَتْ مُوجِبَةً لِلْقَطْعِ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِدَلِيلِهَا وَلَا أَثَرَ لِلْعَارِضِ فِي إيرَاثِ الْخَلَلِ فِي الظُّهُورِ أَوْ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ تُوجِبُ مِلْكًا حَادِثًا فَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ كَالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ وَنَحْنُ بَيَّنَّا الْوَجْهَ وَالْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَلَا نُعِيدُهُ فَإِنْ قِيلَ إذَا تَزَوَّجَ بِمَنْ زَنَى بِهَا يُحَدُّ فَلَوْلَا أَنَّ الْعَارِضَ كَالْعَدَمِ لِمَا حُدَّ قُلْنَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ الْحَدُّ بِاعْتِبَارِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَهُوَ مُتَلَاشٍ وَالْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ وَهُوَ بَاقٍ وَأَمَّا إذَا ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِلْكَهُ فَمَعْنَاهُ بَعْدَ مَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِالسَّرِقَةِ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ وَتَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِلِاحْتِمَالِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا قَالَ فَإِنَّ الْمُقِرَّ إذَا رَجَعَ صَحَّ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ وَأَمَّا إذَا نَقَصَتْ قِيمَةُ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ عَنْ النِّصَابِ فَالْمُرَادُ بِهِ النُّقْصَانُ مِنْ حَيْثُ السِّعْرِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْقَطْعِ لَا مِنْ حَيْثُ نُقْصَانِ الْعَيْنِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ سُرِقَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَيَوْمَ الْقَطْعِ أَقَلَّ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ النِّصَابَ تَمَّ عِنْدَ الْأَخْذِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فَنُقْصَانُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِيهِ كَمَا فِي النُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ وَلَنَا أَنَّ النِّصَابَ لَمَّا كَانَ شَرْطًا شَرَطَ قِيَامَهُ عِنْد الْإِمْضَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْقِيمَةِ لِنُقْصَانِ الْعَيْنِ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَضْمُونَةٌ عَلَى السَّارِقِ فَكَمَّلَ النِّصَابَ عَيْنًا وَدَيْنًا وَنُقْصَانُ السِّعْرِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى السَّارِقِ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِفُتُورِ الرَّغَبَاتِ وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى أَحَدٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَقَرَّا بِسَرِقَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَالِي لَمْ يُقْطَعَا) أَيْ لَوْ أَقَرَّ رَجُلَانِ بِسَرِقَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا الْمَسْرُوقُ مَالِي لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَوَاءٌ ادَّعَى قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ لِأَنَّ السَّرِقَةَ ثَبَتَتْ عَلَى الشَّرِكَةِ وَبَطَلَ الْحَدُّ عَنْ أَحَدِهِمَا بِرُجُوعِهِ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ السَّرِقَةَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهَا فَكَانَ رُجُوعًا فِي حَقِّهِ وَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْآخَرِ لِاتِّحَادِ السَّرِقَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ سَرَقْت أَنَا وَفُلَانٌ كَذَا وَفُلَانٌ يُنْكِرُ حَيْثُ يُقْطَعُ الْمُقِرُّ لِعَدَمِ الشَّرِكَةِ بِتَكْذِيبِهِ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ إنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلٍ مُشْتَرَكٍ فَلَا يَثْبُتُ غَيْرُ مُشْتَرَكٍ وَقَدْ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ فَلَا يَثْبُتُ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّرِكَةَ لَمَّا لَمْ تَثْبُتْ بِإِنْكَارِ الْآخَرِ صَارَ فِعْلُهُ كَالْعَدَمِ وَعَدَمُ فِعْلِهِ لَا يُخِلُّ بِالْمَوْجُودِ مِنْهُ كَقَوْلِهِ قَتَلْت أَنَا وَفُلَانٌ فُلَانًا وَقَالَ الْآخَرُ مَا قَتَلْت يُقَادُ الْمُقِرُّ وَحْدَهُ، وَكَقَوْلِهِ زَنَيْت أَنَا وَفُلَانٌ بِفُلَانَةَ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ حُدَّ الْمُقِرُّ وَحْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَرَقَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا وَشَهِدَ عَلَى سَرِقَتِهِمَا قُطِعَ الْآخَرُ) أَيْ الْحَاضِرُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلًا يَقُولُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِأَنَّ الْغَائِبَ رُبَّمَا يَدَّعِي الشُّبْهَةَ عِنْدَ حُضُورِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يُقْطَعُ لِأَنَّ سَرِقَةَ الْحَاضِرِ تَثْبُتُ بِالْحُجَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْمَوْهُومُ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَادَّعَى كَانَ شُبْهَةً وَاحْتِمَالُ الدَّعْوَى شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ وَتُرَدُّ السَّرِقَةُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ) وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ رَجْمًا أَوْ قَطْعًا فَلَا جَرَمَ كَانَ الْإِمْضَاءُ مِنْ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّ ثَمَّةَ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ قَضَيْت يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ السَّارِقَ لَوْ قُطِعَ بَعْدَ الْمِلْكِ قُطِعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا قَضَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ فَوُهِبَتْ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَعْنَاهُ إذَا سُلِّمَتْ يَعْنِي إلَى السَّارِقِ وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ لِأَنَّ الْهِبَةَ إذَا لَمْ تَتَّصِلْ بِالتَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَهَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ سَرَقَ سَرِقَةً فَقَضَى الْقَاضِي بِالْقَطْعِ ثُمَّ وَهَبَ رَبُّ السَّرِقَةِ السَّرِقَةَ إلَى السَّارِقِ قَالَ يَدْرَأُ عَنْهُ الْقَطْعَ قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا السَّارِقُ إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بِالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ وَلَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْخُصُومَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَمَعْنَاهُ إلَخْ) وَإِنَّمَا فَسَّرَ بِهِ لِيُخْرِجَ مَا إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَمْ أَسْرِقْ بَلْ هُوَ مِلْكِي فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ الْمَالُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمُقِرَّ إذَا رَجَعَ صَحَّ) أَيْ إجْمَاعًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ مَنْ يَعْلَمُ هَذَا مِنْ السُّرَّاقِ أَقَلُّ مِنْ الْقَلِيلِ كَالْفُقَهَاءِ وَهُمْ لَا يَسْرِقُونَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي النُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ ذَاتُ الْعَيْنِ نَاقِصَةً وَقْت الِاسْتِيفَاءِ وَالْبَاقِي مِنْهَا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَكَمَّلَ النِّصَابَ عَيْنًا وَدَيْنًا) أَيْ وَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ السَّارِقُ اسْتَهْلَكَهُ كُلَّهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ لِقِيَامِهِ إذْ ذَاكَ ثُمَّ يَسْقُطُ ضَمَانُهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ أَيْ الْحَاضِرِ) ثُمَّ إذَا جَاءَ الْغَائِبُ لَمْ يُقْطَعْ بِالشَّهَادَةِ الْأُولَى حَتَّى تُعَادَ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ أَوْ غَيْرُهَا فَحِينَئِذٍ يُقْطَعُ لِأَنَّ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِأَنَّهَا قَامَتْ بِغَيْرِ خَصْمٍ إذْ الْحَاضِرُ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْهُ إمَّا لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَجْرِي فِي الْخُصُومَةِ فِي الْحُدُودِ أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ السَّرِقَةِ عَلَى الْحَاضِرِ ثُبُوتُهَا عَلَى الْغَائِبِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يُقْطَعُ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ مَعَ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَا يُقْطَعُ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَيُقْطَعُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ بَاقِي الْأَئِمَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ إلَخْ) قَالَ

قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ وَتُرَدُّ السَّرِقَةُ يَعْنِي إذَا كَانَتْ قَائِمَةً وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَا يَضْمَنُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ أَوْ مُكَاتَبًا وَكَانَ الْمَال الْمَسْرُوقُ مُسْتَهْلَكًا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَالْمَالُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى فَيَدْفَعُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُقْطَعُ وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي الْمَالِ أَوْ يُصَدِّقُهُ الْمَوْلَى لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْقَطْعِ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَوْلَى فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ قُلْنَا صِحَّةُ إقْرَارِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِيَّةِ فِي ضِمْنِهِ فَيَصِحُّ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيهِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ بِالدَّيْنِ أَوْ أَقَرَّ الْمَدِينُ بِالدَّيْنِ يُقْبَلُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. فَكَذَا هَذَا وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ بَاطِلٌ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْغَصْبِ وَمَا فِي يَدِهِ لِلْمَوْلَى فَلَا يُقْطَعُ بِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَهْلِكِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمَالَ أَصْلٌ فِيهَا وَالْقَطْعُ تَابِعٌ حَتَّى تَسْمَعَ الْخُصُومَةَ فِيهِ بِدُونِ الْقَطْعِ وَيَثْبُتُ الْمَالُ بِدُونِ الْقَطْعِ كَمَا إذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ دُونَ عَكْسِهِ فَإِذَا بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ بَطَلَ فِي التَّبَعِ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ صَحِيحٌ فَيَصِحُّ فِي حَقِّ الْقَطْعِ تَبَعًا وَبِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِالْمُسْتَهْلِكِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ لِيَرُدَّ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَطْعِ فَيَصِحُّ وَعَلَى الْمَوْلَى بِالْمَالِ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ فَلَا يَصِحُّ وَالْقَطْعُ قَدْ يَجِبُ بِدُونِ الْمَالِ كَمَا إذَا قَالَ الثَّوْبُ الَّذِي مَعَ عَمْرٍو سَرَقْته مِنْ زَيْدٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يُصَدِّقُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الثَّوْبِ وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَال مُسْتَهَلّك وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْقَطْعِ قَدْ صَحَّ مِنْهُ لَكَوَّنَهُ آدَمِيًّا وَصِحَّته لِعَدَمِ التُّهْمَة فَيَصِحّ بِالْمَالِ بِنَاءً عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِقْرَار يُلَاقِي حَالَة الْبَقَاء وَالْمَال فِيهَا تَابِع لِلْقَطْعِ حَتَّى تَسْقُط عِصْمَة الْمَال بِاعْتِبَارِ الْقَطْع وَيَسْتَوْفِي الْقَطْع بَعْد هَلَاك الْمَال بِخِلَافِ مَسْأَلَة الْحُرّ لِأَنَّ الْقَطْع يَجِب بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْمُوَدِّع وَلَا يُقْطَعُ الْعَبْدُ بِمَالِ مَوْلَاهُ أَبَدًا فَحَاصِل هَذَا الْخِلَاف رَاجَعَ إلَى أَنَّ الْمَال أَصْل أَوْ الْقَطْع أَوْ كِلَاهُمَا فَعِنْد أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَطْع هُوَ الْأَصْل وَالْمَال تَبِعْ وَعِنْد مُحَمَّدٍ الْمَال هُوَ الْأَصْل هُوَ فَلَا يَثْبُت الْقَطْع بِدُونِهِ وَعِنْد أَبِي يُوسُفَ كِلَاهُمَا أَصْلٌ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْأَقَاوِيل الثَّلَاثَة مَرْوِيَّة عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَوْله الْأَوَّل أَخَذَ بِهِ مُحَمَّدٌ وَالثَّانِي أَخَذَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَهِيَ نَظِير أَقْوَاله فِي الْحَمْلَانِ فَعُدْت مِنْ مَنَاقِبه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَجْتَمِعُ قَطْعٌ وَضَمَانٌ وَتُرَدُّ الْعَيْنُ لَوْ قَائِمًا) مَعْنَاهُ إذَا قُطِعَ السَّارِقُ وَكَانَتْ السَّرِقَةُ قَائِمَةً فِي يَدِهِ تُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهَا لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَا يَضْمَنُ السَّارِقُ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا فَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُفْتِي بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مَحْظُورًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يُحْكَمُ بِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِ مَا يُنَافِي الْقَطْعَ وَكَذَلِكَ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ إذَا أَخَذَ مَالًا أَوْ قَتَلَ نَفْسًا يُفْتِي بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَالدِّيَةِ وَكَذَا الْبَاغِي لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ انْعَقَدَ وَتَعَذَّرَ الْحُكْمُ لِعَارِضٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْفَتْوَى وَفِي الْكَافِي هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَطْعِ فَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَنَا وَإِنْ قَالَ أَنَا أَخْتَارُ الْقَطْعَ يُقْطَعُ وَلَا يَضْمَنُ. وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ السَّارِقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَمَالُ حَاصِلُ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ إمَّا مَأْذُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يُقِرَّ بِسَرِقَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ فَالْمَأْذُونُ لَهُ إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةِ هَالِكَةٍ يُقْطَعُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَلَا ضَمَانَ مَعَ الْقَطْعِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ وَلَكِنَّ يَضْمَنُ الْمَالَ وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ قَائِمَةٍ قُطِعَ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ كَانَ مَأْذُونًا قُطِعَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَيَرُدُّ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ لَهُ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ وَلَكِنْ يَرُدُّ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا فَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ هَالِكَةٍ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ قَائِمَةٍ فَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ لَا يُقْطَعُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا وَالْإِقْرَارُ بِهَالِكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ أَوْ مَأْذُونًا وَالْإِقْرَارُ بِهَالِكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ فِي هَذِهِ أَعْنِي فِي إقْرَارِ الْمَحْجُورِ بِقَائِمَةٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْطَعُ وَتُرَدُّ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِسَرِقَتِهَا مِنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ وَالسَّرِقَةُ لِمَوْلَاهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُقْطَعُ وَالسَّرِقَةُ لِمَوْلَاهُ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ بَعْدَ الْعَتَاقِ لِلْمُقَرِّ لَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا أَكْذَبَهُ الْمَوْلَى فِي إقْرَارِهِ وَقَالَ الْمَالُ مَالِي أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي الْقَطْعِ وَرَدَّ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ لَهُ اتِّفَاقًا هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ أَصْلًا وَهُوَ ظَاهِرٌ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا يَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِنْ كَانَ هَالِكًا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى يَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ هَالِكًا وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا أَوْ مَأْذُونًا وَالْمَالُ قَائِمٌ أَوْ هَالِكٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَهْلَكِ) أَيْ حَيْثُ يُقْطَعُ فِيهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ) أَيْ وَيَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ الَّذِي يَأْتِي لَا غُرْمَ عَلَى سَارِقٍ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي هَذَا) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الضَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يُقْطَعْ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ شَقَّ مَا سُرِقَ إلَخْ أَنَّهُ إنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرْكَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ بَلْ أَوْلَى لِاسْتِنَادِهِ وَاقْتِصَارِ الْهِبَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ

صَاحِبَ مَالٍ يَضْمَنُ وَإِلَّا نُظِرَا لِلْجَانِبَيْنِ قُلْنَا الْمَضْمُونُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا أَوْ فَأُقَاد وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْإِعْسَارُ فِي التَّأْخِيرِ لَا غَيْرُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَضْمَنُ سَوَاءٌ هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَطْعَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا كَالْحَدِّ مَعَ الْعُقْرِ وَعِنْدَهُ يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ اخْتَلَفَا مَحَلًّا وَمُسْتَحَقًّا وَسَبَبًا لِأَنَّ مَحَلَّ الْقَطْعِ الْيَدُ وَمُسْتَحِقُّهُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَبَبُهُ الْجِنَايَةُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ تَرْكُ الِانْتِهَاءُ عَمَّا نَهَى عَنْهُ وَمَحَلُّ الضَّمَانِ الذِّمَّةُ وَمُسْتَحِقُّهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَسَبَبُهُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْعُدْوَانِ فَوُجُوبُ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْآخَرِ كَالدِّيَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ خَطَأً وَكَالْقِيمَةِ مَعَ الْجَزَاءِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ مَمْلُوكٍ فِي الْحَرَامِ وَكَإِيجَابِ الْقِيمَةِ مَعَ الْحَدِّ فِي شُرْبِ خَمْرِ الذِّمِّيِّ. وَلَنَا مَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا غُرْمَ عَلَى سَارِقٍ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» وَلِأَنَّ لَوْ ضَمَّنَاهُ يَنْتَفِي وُجُوبُ الْقَطْعِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ يُوجِبُ مِلْكَ الْمَضْمُونِ مِنْ وَقْتِ الْأَخْذِ ضَرُورَةَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهَا وَرَدَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَأَنَّ الْقَطْعَ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ عَلَى أَخْذِ مَالِ نَفْسِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ بِهِ بَاطِلًا وَلِأَنَّ الْقَطْعَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجِبُ إلَّا بِجِنَايَةٍ وَاقِعَةٍ عَلَى حَقِّهِ خَالِصًا بِلَا شُبْهَةٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا لِلَّهِ تَعَالَى لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَقٌّ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ فَلَا يَضْمَنُ وَلَوْ بَقِيَ لَهُ حَقٌّ لَكَانَ مُبَاحًا لِذَاتِهِ حَرَامًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ لِحَقِّ مَالِكِهِ فَكَانَ حَرَامًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَيَصِيرُ حَرَامًا حَقًّا لِلشَّرْعِ فَقَطْ كَالزِّنَا فَلَا يَضْمَنُ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْعِصْمَةَ وَهِيَ كَوْنُهُ مَعْصُومًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ شَخْصٍ آخَرَ حَتَّى يَضْمَنَهُ بِالْإِتْلَافِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي حَقِّهِ وَكَذَا فِي حَقِّ السَّارِقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ السَّرِقَةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فِي حَقِّهِ. وَكَذَا الشُّبْهَةُ الدَّارِئَةُ لِلْحَدِّ تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ السَّبَبُ وَهُوَ السَّرِقَةُ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يَضُرُّنَا جَعْلُهُ مَعْصُومًا لِحَقِّ الْعَبْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِهْلَاكِ إذْ لَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَاءِ الْقَطْعِ بِاعْتِبَارِهِ مَالًا فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْصُومًا لِحَقِّ الْعَبْدِ فِي حَقِّ الِاسْتِهْلَاكِ لَأَدَّى إلَى سُقُوطِ الْقَطْعِ وَكَذَا ظَهَرَ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ فِي حَقِّهِ يَلْزَمُ أَنْ يَجِبَ مَالٌ مَعْصُومٌ بِمُقَابَلَةِ مَالٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ وَلَا مُتَقَوِّمٍ فَانْتَفَى الضَّمَانُ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ كَمَا لَا يَجِبُ بِاسْتِهْلَاكِ الْمَنَافِعِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ هُنَا سَبَبَيْنِ بَلْ هُوَ سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ سَرِقَةُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ لَا غَيْرُ فَلَا يَجِبُ حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ كَالْقِصَاصِ مَعَ الدِّيَةِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لِأَنَّ هُنَاكَ سَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّ مَا يَجِبُ مِنْ الْجَزَاءِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِكَوْنِ الْمَحَلِّ مَعْصُومًا مَمْلُوكًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ صَيْدًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ أَوْ صَيْدَ نَفْسِهِ أَوْ شَرِبَ خَمْرَ نَفْسِهِ أَوْ قَتَلَ عَبْدَ نَفْسِهِ تَجِبُ هَذِهِ الْأَجْزِيَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحَلِّ بَدَلًا عَنْهُ فَتَعَدُّدِ الْمُوجِبِ لِتَعَدُّدِ السَّبَبِ فَافْتَرَقَا فَإِنْ قِيلَ مَتَى انْتَقَلَتْ الْعِصْمَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إنْ قُلْتُمْ قَبْلَ السَّرِقَةِ فَفِيهِ سَبْقُ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ وَإِنْ قُلْتُمْ بَعْدَ السَّرِقَةِ فَهَذَا غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّ السَّبَبَ صَادَفَ مَحَلًّا مُحْتَرَمًا حَقًّا لِلْمَالِكِ وَإِنْ قُلْتُمْ مَعَ السَّرِقَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا لِأَنَّ السَّرِقَةَ وَقْتَ الْوُجُودِ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فَكَيْفَ يُوجَدُ حُكْمُهَا. قُلْنَا انْتَقَلَتْ الْعِصْمَةُ قُبَيْلَ السَّرِقَةِ مُتَّصِلًا بِالسَّرِقَةِ لِتَنْعَقِدَ السَّرِقَةُ مُوجِبَةً لِلْقَطْعِ وَيَجُوزُ سَبْقُ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ شَرْطَ صِحَّةِ ذَلِكَ السَّبَبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ أَعْتَقْت يَثْبُتُ الْمِلْكُ مُقْتَضًى لِلْعِتْقِ سَابِقًا عَلَيْهِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْعِتْقِ عَنْهُ فَكَذَا هَذَا فَإِنْ قِيلَ إذَا انْتَقَلَتْ الْعِصْمَةُ وَلَمْ يَبْقَ حَقُّ الْمَالِكِ فَكَيْفَ يُشْتَرَطُ خُصُومَتُهُ قُلْنَا مَا شَرَطَ الْمَالِكُ لِذَاتِهِ بَلْ لِإِظْهَارِ السَّرِقَةِ وَلِيَتَمَكَّنَ الْإِمَامُ مِنْ الْقَطْعِ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ الْخُصُومَةُ مِنْ غَيْرِ مَالِك اكْتَفَى بِهِ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قُطِعَ لِبَعْضِ السَّرِقَاتِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا) يَعْنِي لَوْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ فِي إحْدَاهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا فِي الَّتِي قُطِعَ لَهَا وَلَوْ حَضَرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ بِخُصُومَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا بِالِاتِّفَاقِ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْمُسْقِطَ لِلضَّمَانِ الْقَطْعُ وَهُوَ حَصَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَمَالُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ رُجُوعَهُ عَنْ دَعْوَى السَّرِقَةِ إلَى دَعْوَى الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْإِعْسَارَ فِي التَّأْخِيرِ لَا غَيْرُ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا خِلَافَ إنْ كَانَ بَاقِيًا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الْمَالِكِ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ. اهـ.

لِلْحَاضِرِ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَتِهِ وَإِثْبَاتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ فَيُقْطَعُ لَهُ خَاصَّةً إذْ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُمْ فَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةً عَلَى حَالِهَا وَلِهَذَا لَوْ حَضَرُوا وَادَّعَوْا السَّرِقَةَ لَمْ يَأْخُذُوهَا حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى السَّرِقَةِ وَلَوْ كَانَتْ خُصُومَتُهُ لِكُلٍّ لَأَخَذُوهَا كَمَا يَأْخُذُ هُوَ وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَبْنِيَّ الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ، وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لِيُعْلَمَ لَا لِوُجُوبِ الْقَطْعِ إذْ هُوَ بِالْجِنَايَةِ وَصَاحِبُ الْحَقِّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ بَلْ إلَى الِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا اسْتَوْفَى كَانَ لِلْكُلِّ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَى الْكُلِّ بِخِلَافِ الْمَالِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَتُشْتَرَطُ الْخُصُومَةُ مِنْهُ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ مُتَّحِدٌ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِهِ لِلْكُلِّ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ فَإِنْ قِيلَ الْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِيَصِيرَ الْخَصْمُ بَاذِلًا لِلْمَالِ وَلِهَذَا لَوْ اخْتَارَ التَّضْمِينَ لَا يُقْطَعُ وَلَا يَصِحُّ الْبَذْلُ مِنْ وَاحِدٍ عَنْ الْكُلِّ قُلْنَا بَذْلُ الْمَالِ بِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ يَثْبُتُ بِنَاءً عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ لَا بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْتَوْفِيه الْحَاكِمُ بِخُصُومَةِ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْبَذْلَ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا سَرَقَ مِنْ وَاحِدٍ نِصَابًا مِرَارًا ثُمَّ قُطِعَ لِأَجْلِ نِصَابٍ وَاحِدٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَقَّ مَا سَرَقَ فِي الدَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ قُطِعَ) وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَسْرِقَ ثَوْبًا وَشَقَّهُ نِصْفَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بَعْدَ الشَّقِّ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ سَبَبَ الْمِلْكِ وَهُوَ الْخَرْقُ الْفَاحِشُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقِيمَةَ فَيَمْلِكُ الْمَضْمُونَ فَصَارَ كَالْمُشْتَرِي إذَا سَرَقَ مَبِيعًا فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّقَّ لَيْسَ بِسَبَبٍ مَوْضُوعٍ لِلْمِلْكِ شَرْعًا وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ وَإِنَّمَا يُثْبِتُ الْمِلْكُ ضَرُورَةَ أَدَاءِ الضَّمَانِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَمِثْلُهُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ كَالْأَخْذِ نَفْسِهِ وَكَمَا إذَا سَرَقَ الْبَائِعُ مَعِيبًا بَاعَهُ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرْكَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ بَلْ أَوْلَى لِاسْتِنَادِهِ وَاقْتِصَارِ الْهِبَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا قُطِعَ بِالْإِجْمَاعِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِ تَضْمِينِ كُلِّ الْقِيمَةِ وِتْرِك الثَّوْبِ عَلَيْهِ ثُمَّ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ مَعَ الْقَطْعِ هُنَا وَكَذَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا وَاخْتَارَ أَخْذَ الثَّوْبِ وَتَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَلَا يَمْتَنِعُ هَذَا التَّضْمِينُ بِالْقَطْعِ لِأَنَّ ضَمَانَ النُّقْصَانِ وَجَبَ بِإِتْلَافِ مَا فَاتَ قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَأَخَذُوهَا كَمَا يَأْخُذُ هُوَ) أَيْ فَلَوْ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لَاجْتَمَعَ قَطْعٌ وَضَمَانٌ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَهُ أَنَّ الْقَطْعَ وَجَبَ عَنْ السَّرِقَاتِ كُلِّهَا فَيَبْطُلُ ضَمَانُ كُلُّهَا كَمَا لَوْ خَاصَمُوا جَمِيعًا وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ عِنْدَ تَقَدُّمِ أَسْبَابِهِ يَقَعُ عَنْ الْكُلِّ لِعَدَمِ رُجْحَانِ الْبَعْضِ عَنْ الْبَعْضِ وَكُلُّ السَّرِقَاتِ ثَابِتَةٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقَطْعُ يُسْتَوْفَى حَقًّا لَهُ وَلَا يَجِبُ بِالسَّرِقَاتِ إلَّا قَطْعٌ وَاحِدٌ لِلتَّدَاخُلِ فَيَقَعُ عَنْ الْكُلِّ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ الْقَاضِي لَا عِلْمَ لَهُ بِسَائِرِ السَّرِقَاتِ فَظَنَّ أَنَّ الْقَطْعَ بِإِزَاءِ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا ثَبَتَ الْبَاقِي فِي السَّرِقَاتِ بِالْبَيِّنَاتِ بِأَنَّ لَهُ أَنَّ الْقَطْعَ بِإِزَاءِ الْكُلِّ وَالْخُصُومَةِ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا عِنْدَ الْقَاضِي لَا لِوُجُوبِهَا فَإِذَا خَاصَمَ الْوَاحِدُ وَأَثْبَتَ وَضَحَ التَّكْلِيفُ لِلْقَاضِي بِالْقَطْعِ وَالْمُسْتَوْفِي يَصْلُحُ لِلْكُلِّ وَالْكُلُّ وَاجِبٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَيَقَعُ عَنْ الْكُلِّ لِعَوْدِ نَفْعِهِ إلَى الْكُلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بَعْدَهُ لَمْ يُقْطَعْ اتِّفَاقًا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا) قَالَ فِي الْكَافِي فَإِنْ قِيلَ قَدْ أَوْجَبْتُمْ مَعَ الْقَطْعِ ضَمَانَ النُّقْصَانِ وَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ قُلْنَا إنَّمَا لَا يَجْتَمِعَانِ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْفِعْلِ وَبَدَلِ الْمَحَلِّ فِي جِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُنَا لَا يُؤَدِّي إذْ الْقَطْعُ يَجِبُ بِالسَّرِقَةِ وَضَمَانُ النُّقْصَانِ بِالْخَرْقِ وَالْخَرْقُ لَيْسَ مِنْ السَّرِقَةِ فِي شَيْءٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَمْتَنِعُ هَذَا التَّضْمِينُ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُ السُّؤَالِ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ جَمَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ بَيْنَ الْقَطْعِ وَضَمَانِ الشَّقِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ أَصْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقَطْعَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ فَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا فَاتَ عَنْ الشَّقِّ صَارَ هَالِكًا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَالْقَطْعُ لَمْ يَقَعْ لَهُ فَلَا يَنْتَفِي الضَّمَانُ وَلَا يَمْتَنِعُ الْقَطْعُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاسْتَشْكَلَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ الِاسْتِهْلَاكُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ السَّرِقَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَسْرُوقِ تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ فَكَذَا هُنَا عِصْمَةُ الْمَسْرُوقِ تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الْخَبَّازِيَّةِ وَفِي الصَّحِيحِ لَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْقَطْعُ مَعَ الضَّمَانِ وَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ النُّقْصَانَ يَمْلِكُ مَا ضَمِنَهُ فَيَكُونُ هَذَا كَثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ لَكِنَّهُ يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَالْحَقُّ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الْأُمَّهَاتِ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَالنَّقْصُ بِالِاسْتِهْلَاكِ غَيْرُ وَارِدٍ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ هُنَا بَعْدَ السَّرِقَةِ بِأَنْ سَرَقَ وَاسْتَهْلَكَ الْمَسْرُوقَ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مَا إذَا نَقَصَ قَبْلَ تَمَامِ السَّرِقَةِ فَإِنَّ وُجُوبَ قِيمَةِ مَا نَقَصَ ثَابِتٌ قَبْلَ السَّرِقَةِ ثُمَّ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ كَانَ الْمَسْرُوقُ هُوَ النَّاقِصُ فَالْقَطْعُ حِينَئِذٍ بِذَلِكَ الْمَسْرُوقِ النَّاقِصِ وَلَمْ يَضْمَنْهُ إيَّاهُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّين قَاضِي خَانْ فَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ يَسِيرًا يُقْطَعُ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ أَمَّا الْقَطْعُ فَلِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا كَامِلًا مِنْ الْحِرْزِ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ وَأَمَّا ضَمَانُ النُّقْصَانِ فَلِوُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ التَّعَيُّبُ الَّذِي وُجِدَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ الَّذِي بِهِ تَتِمُّ السَّرِقَةُ وَوُجُوبُ ضَمَانِ النُّقْصَانِ لَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ لِأَنَّ ضَمَانَ النُّقْصَانِ وَجَبَ بِإِتْلَافِ مَا فَاتَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَالْقَطْعِ بِإِخْرَاجِ الْبَاقِي فَلَا يَمْنَعُ كَمَا لَوْ أَخَذَ ثَوْبَيْنِ وَأَحْرَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْبَيْتِ وَأَخْرَجَ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ نِصَابٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْبَاحِثِ يَمْلِكُ مَا ضَمِنَهُ فَيَكُونُ كَثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ إلَخْ فَغَلَطٌ لِأَنَّ عِنْدَ السَّرِقَةِ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ مَا كَانَ لَهُ مِلْكٌ فِي الْمُخْرَجِ فَإِنَّ الْجُزْءَ الَّذِي مَلَكَهُ

الْإِخْرَاجِ وَالْقَطْعُ بِإِخْرَاجِ الْبَاقِي فَلَا يَمْتَنِعُ كَمَا لَوْ أَخَذَ ثَوْبَيْنِ فَأَحْرَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْبَيْتِ وَأَخْرَجَ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ نِصَابٌ وَذَكَرَ الْخَبَّازِيُّ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ هَذَا الثَّوْبِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ مَلَكَ مَا ضَمِنَ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ وَتَكَلَّمُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ فَقِيلَ إنْ أَوْجَبَ الْخَرْقُ نُقْصَانَ رُبُعِ الْقِيمَةِ فَصَاعِدًا فَهُوَ فَاحِشٌ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ وَقِيلَ مَا لَا يَصْلُحُ الْبَاقِي لِثَوْبٍ مَا فَهُوَ فَاحِشٌ وَالْيَسِيرُ مَا يَصْلُحُ وَقِيلَ مَا يَنْقُصُ بِهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ فَاحِشٌ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ وَمَا فَوْقَهُ اسْتِهْلَاكٌ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بَلْ يَتَعَيَّبُ بِهِ فَقَطْ وَهَذَا الْخِيَارُ يَثْبُتُ مَا لَمْ يَكُنْ إتْلَافًا وَإِذَا كَانَ إتْلَافًا فَلَهُ تَضْمِينُ جَمِيعِ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَيَمْلِكُ السَّارِقُ الثَّوْبَ وَلَا يُقْطَعُ وَحَدُّ الْإِتْلَافِ أَنْ يَنْقُصَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا وَأَخْرَجَهَا لَا) أَيْ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى اللَّحْمِ وَلَا قَطْعَ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ صَنَعَ الْمَسْرُوقَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ وَرَدَّهَا) أَيْ لَوْ سَرَقَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً قَدْرَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَصَنَعَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ وَرَدَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهَا وَأَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْغَصْبِ فِي أَنَّ الْغَاصِبَ هَلْ يَمْلِكُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةً أَمْ لَا فَعِنْدَهُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهَا لَا تَتَقَوَّمُ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ لِتَقَوُّمِهَا ثُمَّ وُجُوبُ الْقَطْعِ عِنْدَهُ لَا يُشْكِلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا عَلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ وَقِيلَ يَجِبُ لِأَنَّهُ صَارَ بِالصَّنْعَةِ شَيْئًا آخَرَ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اتَّخَذَهُ حُلِيًّا أَوْ آنِيَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ فَقُطِعَ لَا يَرُدُّ وَلَا يَضْمَنُ) أَيْ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ فَقُطِعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَا ضَمَانُهُ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْكَافِي وَلَفْظُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَقُطِعَ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ وَلَا يَضْمَنُ بِتَأْخِيرِ الصَّبْغِ عَنْ الْقَطْعِ وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَرَقَ الثَّوْبَ فَقَطَعَ يَدَهُ وَقَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَحْمَرَ إلَخْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصْبُغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ لِأَنَّ عَيْنَ مَالِهِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ أَصْلٌ وَالصَّبْغُ تَبَعٌ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْأَصْلِ أَوْلَى كَمَا فِي الْغَاصِبِ وَلَهُمَا أَنَّ صَبْغَ السَّارِقِ فِي الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى وَحَقُّ صَاحِبِ الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً لَا مَعْنًى حَتَّى إذَا هَلَكَ عِنْدَهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَكَانَ حَقُّ السَّارِقِ أَحَقَّ بِالتَّرْجِيحِ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا صَبَغَهُ انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْغَصْبِ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ فَإِنْ قِيلَ إذَا انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ وَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهُ السَّارِقُ مِنْ حِينِ سُرِقَ فَيَمْتَنِعُ الْقَطْعُ قُلْنَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ وَهُوَ لَمْ يَمْلِكْهُ أَبْيَضَ بِوَجْهٍ مَا فَصَارَ كَمَا لَوْ سَرَقَ حِنْطَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالضَّمَانِ هُوَ مَا كَانَ قَبْلَ السَّرِقَةِ وَقَدْ هَلَكَ قَبْلَهَا وَحِينَ وَرَدَتْ السَّرِقَةُ وَرَدَتْ عَلَى مَا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الْجُزْءُ الْمَمْلُوكُ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يُقْطَعُ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مَذْبُوحَةً عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ فِيهِ) أَيْ لَكِنَّهُ يَمْلِكُ قِيمَتَهَا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهَا) أَيْ وَهَلْ يُقْطَعُ عِنْدَهُمَا يُذْكَرُ قَرِيبًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي أَنَّ الْغَاصِبَ) أَيْ إذَا غَصَبَ نَقْرَةَ فِضَّةٍ فَضَرَبَهَا دَارَهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ لِتَقَوُّمِهَا) وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذِهِ الصَّنْعَةَ مُبَدِّلَةٌ لِلْعَيْنِ كَالصَّنْعَةِ فِي الصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ بِأَنْ غَصَبَ حَدِيدًا أَوْ صُفْرًا فَجَعَلَهُ سَيْفًا أَوْ آنِيَةً وَكَذَا الِاسْمُ كَانَ تِبْرًا ذَهَبًا فِضَّةً صَارَ دَرَاهِمَ دَنَانِيرَ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الصَّنْعَةَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَوْ تَقَوَّمَتْ وَبَدَّلَتْ الِاسْمَ لَمْ تُعْتَبَرْ مَوْجُودَةً شَرْعًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا حُكْمُ الرِّبَا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ آنِيَةٍ وَزْنُهَا عَشَرَةٌ فِضَّةٌ بِأَحَدَ عَشَرَ فِضَّةً وَقَلْبُهُ فَكَانَتْ الْعَيْنُ كَمَا كَانَتْ حُكْمًا فَيُقْطَعُ وَتُؤْخَذُ لِلْمَالِكِ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ وَهُوَ اسْمُ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَإِنَّمَا حَدَثَ اسْمٌ آخَرُ مَعَ ذَلِكَ الِاسْمِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ) أَيْ بِمَا حَدَثَ مِنْ الصَّنْعَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ لَكِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا أَخَذَ وَزْنًا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجِبُ) أَيْ وَلَا شَيْءَ عَلَى السَّارِقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ) أَيْ فَقَدْ اسْتَهْلَكَ الْمَسْرُوقَ ثُمَّ قُطِعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ الْكَمَالُ اهـ قَالَ الشَّهِيدُ فِي جَامِعِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ يُقْطَعُ بِهِ قَالَ الْكَمَالُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ) قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ (قَوْلُهُ قَائِمٌ صُورَةً) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. (قَوْله وَمَعْنًى) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى إذَا هَلَكَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ السَّارِقِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ) حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ الصَّبْغِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ) أَيْ فِي الرُّجُوعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ) قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الثَّوْبَ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَطْعِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلسَّارِقِ مِنْ حِينِ صَبْغِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ لَمْ يَكُنْ بِحَقٍّ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْقَطْعَ مَعَ الضَّمَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الضَّمَانِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ السَّرِقَةِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْقَطْعَ لَمْ يَكُنْ بِحَقٍّ وَجَوَابُهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ هُنَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّرْجِيحِ لِوَصْفِ التَّقَوُّمِ فَإِنَّهُ مَعْنًى بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا يَكُونُ الْمِلْكُ ثَابِتًا قَبْلَ الْقَطْعِ وَمَعَ هَذَا لِلْقِيلِ وَالْقَالِ فِيهِ مَجَالٌ فَإِنَّ السَّارِقَ حِينَ قُطِعَ وَالثَّوْبُ مَصْبُوغٌ أَوْ بَقِيَ الثَّوْبُ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ وَالصَّبْغُ مِلْكُ السَّارِقِ فَيَكُونُ قَدْ قُطِعَ فِي شَيْءٍ مُشْتَرَكٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ لَكِنَّهُ جَعَلَ الثَّوْبَ كَالْمُسْتَهْلَكِ حَتَّى جَازَ الْقَطْعُ

[باب قطع الطريق]

فَطَحَنَهَا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِالْحِنْطَةِ وَإِنْ مَلَكَ الدَّقِيقَ لِمَا قُلْنَا يُحَقِّقُهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلسَّارِقِ فِيهِ لِرُجْحَانِ الصَّبْغِ بِكَوْنِهِ مُتَقَوِّمًا دُونَ الثَّوْبِ وَعَدَمُ حُدُثِ الثَّوْبِ بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا يَكُونُ الْمِلْكُ بَاقِيًا قَبْلَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَسْوَدَ يَرُدُّ) أَيْ لَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَسْوَدَ يَرُدُّ الثَّوْبَ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَى الثَّوْبِ لِأَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ بِزِيَادَةٍ وَبِنُقْصَانِ الْمَسْرُوقِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فَيَرُدُّ عَلَى الْمَالِكِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ السَّوَادُ زِيَادَةٌ لَكِنْ بِالزِّيَادَةِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بَلْ يَرُدُّ وَيَأْخُذُ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْقَطِعُ وَلَا يَأْخُذُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْحُمْرَةِ وَكَذَا إذَا قَطَّعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ) شَرَائِطُ قَطْعِ الطَّرِيقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ثَلَاثَةٌ يَعْنِي مَا يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى ثَلَاثَةٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْمٍ لَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ تَنْقَطِعُ بِهِمْ الطَّرِيقُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي مِصْرٍ وَلَا فِيمَا بَيْنَ الْقُرَى وَلَا بَيْنَ مِصْرَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ لِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ إنَّمَا يَكُونُ بِانْقِطَاعِ الْمَارَّةِ وَلَا يَنْقَطِعُونَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَنْ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُمْ يَلْحَقُهُمْ الْغَوْثُ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ وَالْمُسْلِمِينَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ فَلَا يُتْرَكُ الْمُرُورُ وَالِاسْتِطْرَاقُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا فِي الْمِصْرِ لَيْلًا أَوْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ وَهِيَ دَفْعُ شَرِّ الْمُتَغَلِّبَةِ الْمُتَلَصِّصَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَخَذَ قَاصِدُ قَطْعِ الطَّرِيقِ قَبْلَهُ حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ وَإِنْ أَخَذَ مَالًا مَعْصُومًا قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ حَدًّا وَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ قُطِعَ وَقُتِلَ وَصُلِبَ أَوْ قُتِلَ أَوْ صُلِبَ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33]. وَالْمُرَادُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّوْزِيعُ عَلَى الْأَحْوَالِ لِأَنَّ الْجِنَايَاتِ مُتَفَاوِتَةٌ وَالْحِكْمَةُ أَنْ يَتَفَاوَتَ جَزَاؤُهَا وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِحِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْجَزَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنْوَاعَ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ فَكَانَ بَيَانُ جَزَائِهَا أَهَمُّ وَهَذَا لِأَنَّ أَنْوَاعَ الْأَجْزِيَةِ ذُكِرَتْ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنَايَةِ وَهِيَ الْمُحَارَبَةُ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِأَنْوَاعِهَا فَاكْتَفَى بِإِطْلَاقِهَا وَبَيَّنَ أَنْوَاعَ الْجَزَاءِ فَوَجَبَ التَّقْسِيمُ عَلَى حَسَبِ أَحْوَالِ الْجِنَايَةِ إذْ لَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ أَنْ يُسَوِّيَ فِي الْعُقُوبَةِ مَعَ التَّفَاوُتِ فِي الْجِنَايَةِ كَيْفَ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَزَلَ بِهَذَا التَّقْسِيمِ فِي أَصْحَابِ أَبِي بُرْدَةَ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ أَيَّ شَيْءٍ شَاءَ مِنْ هَذِهِ الْأَجْزِيَةِ فَعَلَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ تَقْتَضِي ذَلِكَ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَجَوَابُهُ أَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِالْجِنَايَاتِ فَاقْتَضَتْ الِانْقِسَامَ فَتَقْدِيرُهُ أَنْ يُحَدُّونَ إنْ قَتَلُوا أَوْ يُحَدُّونَ إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أَوْ تُقَطَّعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ] ِ) أَخَّرَهُ عَنْ السَّرِقَةِ وَأَحْكَامِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ سَرِقَةً مُطْلَقًا وَلِذَا لَا يَتَبَادَرُ هُوَ أَوْ مَا يَدْخُلُ هُوَ فِيهِ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ السَّرِقَةِ بَلْ إنَّمَا يَتَبَادَرُ الْأَخْذُ خُفْيَةً عَنْ النَّاسِ وَلَكِنْ أَطْلَقَ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ اسْمَ السَّرِقَةِ مَجَازًا لِضَرْبٍ مِنْ الْإِخْفَاءِ وَهُوَ الْإِخْفَاءُ عَنْ الْإِمَامِ وَمَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ لِحِفْظِ الطَّرِيقِ مِنْ الْكَشَّافِ وَأَرْبَابِ الْإِدْرَاكِ فَكَانَ سَرِقَةً مَجَازًا وَلِذَا لَا تُطْلَقُ السَّرِقَةُ عَلَيْهِ إلَّا مُقَيَّدَةً فَيُقَالُ السَّرِقَةُ الْكُبْرَى وَلَوْ قِيلَ السَّرِقَةُ فَقَطْ لَمْ يُفْهَمْ أَصْلًا وَلُزُومُ التَّقْيِيدِ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ يُسَمَّى سَرِقَةً كُبْرَى أَمَّا كَوْنُهُ سَرِقَةً فَبِاعْتِبَارِ أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ يَأْخُذُ الْمَالَ خُفْيَةً عَنْ عَيْنِ الْإِمَامِ الَّذِي عَلَيْهِ حِفْظُ الطَّرِيقِ وَالْمَارَّةِ لِشَوْكَتِهِ وَمَنَعَتِهِ وَأَمَّا كَوْنُهُ كُبْرَى فَلِأَنَّ ضَرَرَهُ يَعُمُّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ يَقْطَعُ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقَ بِزَوَالِ الْأَمْنِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَإِنَّ ضَرَرَهَا خَاصٌّ بِالْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلِأَنَّ مُوجِبَ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَغْلَظُ مِنْ حَيْثُ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَمِنْ حَيْثُ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَلَيْسَ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ تُقَدَّمُ السَّرِقَةُ الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى لِأَنَّ الصُّغْرَى أَكْثَرُ وُقُوعًا وَلِأَنَّ التَّرَقِّي مِنْ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ أَوْ لِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ فِيمَنْ يُبَاشِرُ عَارِضًا بِالسَّفَرِ وَذَكَرَ الْعَارِضَ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَصْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ) أَيْ بَعْدَ مَا يُعَزَّرُ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ قُطِعَ) قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ إنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ قَتَلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ اهـ قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ أَيْ أَحْيَاءً ثُمَّ قَتَلَهُمْ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَ أَوْ صَلَبَ) اعْلَمْ أَنَّ الْقُطَّاعَ إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ ذَكَرَهَا فِي الْمَتْنِ وَزَادَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهَا ثَلَاثَةَ أُمُورٍ سَتَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ} [المائدة: 33] أَيْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُحَارِبُ اللَّهَ وَلِأَنَّ الْمُسَافِرَ فِي الْبَرَارِي فِي أَمَانِ اللَّهِ وَحِفْظِهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ فَالْمُعْتَرِضُ لَهُ كَأَنَّهُ مُحَارِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى اهـ دِرَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ يُحَارِبُونَ عِبَادَ اللَّهِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّنْ يُقَدِّرُ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِالْقَطْعِ عَلَى الْكَافِرِ وَالذِّمِّيِّ اهـ (قَوْلُهُ التَّوْزِيعُ) أَيْ تَوْزِيعُ الْأَجْزِيَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنْوَاعِ قَطْعِ الطَّرِيقِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَحْوَالِ) كَأَنَّهُ قَالَ أَنْ يُقَتَّلُوا إنْ قَتَلُوا إلَخْ لَا التَّخْيِيرُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ مُتَشَبِّثًا بِظَاهِرِ أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ وَمَنْ قَتَلَ قُتِلَ وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ صُلِبَ». اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِأَنْوَاعِهَا) أَيْ عَادَةً بِتَخْوِيفٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ قَتْلٍ وَأَخْذِ مَالٍ. اهـ. كَافِي

أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ أَوْ يُنْفَوْا إنْ أَخَافُوا بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْحِنْثُ فَكَانَتْ لِلتَّخْيِيرِ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى مَا قُلْنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَلَمْ يُصْلَبُوا وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا نُفُوا مِنْ الْأَرْضِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَحَكَاهُ فِي الْمُنْتَقَى. ثُمَّ هَذِهِ الْأَحْوَالُ أَرْبَعَةٌ الْأُولَى أَنْ يُؤْخَذَ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسًا وَلَا يَأْخُذَ مَالًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أُخِذَ قَاصِدُ قَطْعِ الطَّرِيقِ قَبْلَهُ وَهَذِهِ الْهَاءُ تَرْجِعُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمُرَادُ مِنْ النَّفْيِ الطَّلَبُ لِيَهْرُبُوا مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ وَهَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ لِأَنَّ دَفْعَ أَذَاهُ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَإِنْ أُخْرِجَ بِالتَّتَبُّعِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ فَفِيهِ تَعْرِيضُهُ عَلَى الرِّدَّةِ وَلَمْ يَعْهَدْنَا الشَّارِعُ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ الْحَبْسُ لِأَنَّا عَهِدْنَاهُ عُقُوبَةً فِي الشَّرْعِ وَفِيهِ نَفْيُهُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ وَهُوَ أَبْلَغُ وُجُوهِ النَّفْيِ قَالَ الْقَائِلُ خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا ... فَلَسْنَا مِنْ الْأَمْوَاتِ فِيهَا وَلَا الْأَحْيَاءِ إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمَ الْحَاجَةِ ... عَجِبْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا فَكَانَ أَدْفَعَ لِشَرِّهِ وَأَشَدَّ عُقُوبَةً عَلَى ارْتِكَابِهِ الْمُنْكَرَ وَهُوَ الْإِخَافَةُ وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يُؤْخَذَ بَعْدَ مَا أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ النَّفْسَ وَأَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا فَإِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى إذَا كَانَ الْمَالُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَا مُسْتَأْمِنٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَخَذَ مَالًا مَعْصُومًا قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ لِمَا تَلُونَا وَلِأَنَّ جَانِيَتَهُ أَفْحَشُ مِنْ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَكَانَتْ عُقُوبَتُهُ أَغْلَظَ بِقَطْعِ الثِّنْتَيْنِ وَكَانَ مِنْ خِلَافٍ لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى كَذَلِكَ لَا يُقْطَعُ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ لَمَّا تَضَاعَفَ قَطْعُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَضَاعَفَ نِصَابُهُ فَيَكُونُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا قُلْنَا تُغَلَّظُ الْعُقُوبَةُ هُنَا بِتَغَلُّظِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ هَذِهِ الْأَحْوَالُ أَرْبَعَةٌ) أَيْ وَإِلَّا جِزْيَةٌ كَذَلِكَ. اهـ. كَافِي قَالَ الْكَمَالُ فَأَحْوَالُهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَزَاءِ الشَّرْعِيِّ أَرْبَعَةٌ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ خَمْسَةٌ اهـ وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْأَحْوَالُ خَمْسٌ: تَخْوِيفٌ لَا غَيْرُ وَهُنَا عُزِّرُوا أَدْنَى التَّعْزِيرِ وَحُبِسُوا حَتَّى يَتُوبُوا، وَالثَّانِيَةُ أَخْذُ الْمَالِ فَهُنَا إذَا تَابُوا قَبْلَ الْأَخْذِ سَقَطَ الْحَدُّ وَضَمِنُوا الْمَالَ قَائِمًا وَهَالِكًا وَلَوْ أُخِذُوا قَبْلَ التَّوْبَةِ قُطِعَتْ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَرَدُّوا الْمَالَ الْقَائِمَ وَلَمْ يَضْمَنُوا الْهَالِكَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَالثَّالِثَةُ جَرَحُوا لَا غَيْرُ وَفِيهِ الْقِصَاصُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الْقِصَاصُ وَالْأَرْشُ فِيمَا لَا يَجْرِي وَالِاسْتِيفَاءُ إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ، وَالرَّابِعَةُ أَخَذُوا الْمَالَ وَجَرَحُوا تُقْطَعُ مِنْ خِلَافٍ وَبَطَلَ حُكْمُ الْجِرَاحَاتِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ حُكْمَ مَا دُونَ النَّفْسِ حُكْمُ الْمَالِ فَسَقَطَ الضَّمَانُ، وَالْخَامِسَةُ أُخِذُوا وَقَتَلُوا أَوْ قَتَلَ أَحَدُهُمْ رَجُلًا بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَالْإِمَامُ هُنَا مُخَيَّرٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ الْأُولَى أَنْ يُؤْخَذَ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسًا وَلَا يَأْخُذَ مَالًا) بَلْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ سِوَى مُجَرَّدِ إخَافَةِ الطَّرِيقِ إلَى أَنْ أُخِذُوا فَحُكْمُهُمْ أَنْ يُعَزَّرُوا وَيُحْبَسُوا إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُمْ فِي الْحَبْسِ أَوْ يَمُوتُوا. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْهَاءُ تَرْجِعُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ) أَيْ الْهَاءُ عَائِدَةٌ إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ أَيْ أُخِذَ قَبْلَ أَخْذِ الْمَالِ وَقَتْلِ النَّفْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ) أَيْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْكَافِي إذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعُونَ أَوْ وَاحِدٌ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَقَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ فَأُخِذُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا مَالًا وَيَقْتُلُوا نَفْسًا حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يَتُوبُوا بَعْدَ مَا يُعَزَّرُونَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ الْمَنْصُوصِ الْحَبْسُ فِي حَقِّ مَنْ خَوَّفَ النَّاسَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَلَمْ يَقْتُلْ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ نَفْيُهُ عَنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ وَذَا لَا يَتَحَقَّقُ مَا دَامَ حَيًّا أَوْ عَنْ بَلَدِهِ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى وَبِهِ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ دَفْعُ أَذَاهُ عَنْ النَّاسِ أَوْ عَنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَفِيهِ تَعْرِيضُهُ عَلَى الرِّدَّةِ فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُهُ عَنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ بِدَفْعِ شَرِّهِ عَنْ أَهْلِهَا إلَّا مَوْضِعَ حَبْسِهِ إذَا الْمَحْبُوسُ يُسَمَّى خَارِجًا مِنْ الدُّنْيَا اهـ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُونَ لِارْتِكَابِهِمْ مُنْكَرًا لِتَخْوِيفِ وَشَرْطٌ أَنْ تَكُونَ الْجَمَاعَةُ ذَاتَ مَنَعَةٍ لِأَنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ مُحَارَبُونَ بِالنَّصِّ وَالْمُحَارَبَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ مِمَّنْ لَهُ مَنَعَةٌ وَشَوْكَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ الْقَائِلُ) أَيْ وَهُوَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَسْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ فِيهَا وَلَا الْمَوْتَى) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَلَسْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ وَلَا الْمَوْتَى وَكَذَا فِي الْكَافِي وَفِي بَعْضِ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ فَلَسْنَا مِنْ الْأَمْوَاتِ فِيهَا وَلَا الْأَحْيَاءِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِخَطِّ الْمُصَنِّفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا) أَيْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مَا قِيمَتُهُ الْعَشَرَةُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عِشْرُونَ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ مِنْ قَاطِعِ الطَّرِيقِ طَرَفَانِ فَيُشْتَرَطُ نِصَابَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى) أَيْ لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ لَا مُسْتَأْمِنٍ) أَيْ فَلَوْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى مُسْتَأْمِنٍ لَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا التَّعْزِيرُ وَالْحَبْسُ بِاعْتِبَارِ إخَافَةِ الطَّرِيقِ وَإِخْفَارِ ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مَالَهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَلَى التَّأْبِيدِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا قُطِعَ الطَّرَفَانِ لِوُقُوعِ أَثَرِ الْجِنَايَةِ عَامًا وَتَغَلُّظِهَا وَأَعْطَى مَالَ الذِّمِّيِّ حُكْمَ مَالِ الْمُسْلِمِ لِتَأَبُّدِ الْعِصْمَةِ فِيهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يُقْطَعُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَلَوْ كَانَتْ يَدَاهُ صَحِيحَتَيْنِ وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى فَقَطْ وَلَا خِلَافَ فِيهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَضَاعَفَ نِصَابُهُ فَيَكُونُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا) أَيْ لِأَنَّهُ كَالسَّرِقَتَيْنِ. اهـ. كَافِي

الْجِنَايَةِ بِمُحَارَبَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا بِكَثْرَةِ الْمَأْخُوذِ وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يُؤْخَذَ وَقَدْ قَتَلَ النَّفْسَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقْتُلُهُ حَدًّا حَتَّى لَوْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى عَفْوِهِمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْكُلِّ وَالْآلَةِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِوُجُوبِهِ فِي مُقَابَلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّهِ بِمُحَارَبَتِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ حَدًّا وَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْوَاجِبُ قِصَاصٌ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِإِزَاءِ قَتْلٍ قُلْنَا الْقَطْعُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَكَذَا الْقَتْلُ لِأَنَّهُ قَسِيمَةٌ وَتَسْمِيَتُهُ جَزَاءً يُشْعِرُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ أَنْ يُؤْخَذَ وَقَدْ قَتَلَ النَّفْسَ وَأَخَذَ الْمَالَ فَإِنَّ الْإِمَامَ فِيهِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَهُ وَصَلَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَهُ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُ وَصَلَبَهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقُتِلَ وَصُلِبَ إلَخْ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ وَلَا يُقْطَعُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي الْمَشْهُورِ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَدٌّ عَلَى حِدَةٍ وَالْقَتْلُ كَذَلِكَ بِالنَّصِّ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ إذْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَدْخُلُ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي النَّفْسِ كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَدُّ الشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالرَّجْمِ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِالرَّجْمِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا عَدَاهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ أَنَّهُ وَحَّدَ الْمُوجِبَ لَهُمَا وَهُوَ الْقَتْلُ وَأَخْذُ الْمَالِ فَيَسْتَوْفِيَانِ وَهُمَا حَدٌّ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ سَبَبِهِمَا وَهُوَ قَطْعُ الطَّرِيقِ لَكِنَّ مَا يَقَعُ بِهِ الْقَطْعُ مُتَفَاوِتٌ. فَإِذَا تَنَاهَى تَفْوِيتُ الْأَمْنِ بِأَخْذِ الْمَالِ وَقَتْلِ النَّفْسِ تَنَاهَتْ عُقُوبَتُهُ وَصَارَ هَذَا كَقَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَإِنَّهُمَا حَدَّانِ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَحْدٌ وَاحِدٌ فِي الْكُبْرَى وَلَا تَدَاخُلَ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ كَجَلَدَاتِ الْحَدِّ فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا التَّدَاخُلُ فِي الْحُدُودِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يَصْلُبَهُ وَيَدَعُ الْقَطْعَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِلتَّدَاخُلِ بَلْ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ رِعَايَةُ التَّرْتِيبِ فِي أَجْزَاءِ حَدٍّ وَاحِدٍ فَلَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْقَتْلِ فَإِذَا قَتَلَهُ لَا يُفِيدُ الْقَطْعُ بَعْدَهُ كَالزَّانِي إذَا جُلِدَ خَمْسِينَ جَلْدَةً فَمَاتَ يُتْرَكُ الْبَاقِي لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي إقَامَتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الصَّلْبِ إنْ شَاءَ فَعَلَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّشْهِيرُ لِيَرْتَدِعَ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا يُتْرَكُ مَا أَمْكَنَ قُلْنَا مَعْنَى الزَّجْرِ يَتِمُّ بِالْقَتْلِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَبَ أَحَدًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُصْلَبُ حَيًّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَكُرِهَ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ حَتَّى يَمُوتَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّدْعُ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ صَلْبِهِ بَعْدَ الْقَتْلِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُصْلَبُ بَعْدَ الْقَتْلِ وَلَا يُصْلَبُ حَيًّا تَوَقِّيًا عَنْ الْمُثْلَةِ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ» وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ أَرْدَعُ وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ جَزًّا بِالسَّيْفِ مَعَ الْأَمْرِ بِأَنْ يُحْسِنَ وَكِرْهُ وَنَظِيرُهُ الرَّجْمُ فِي الزِّنَا لِمَا قُلْنَا ثُمَّ إذَا تَمَّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى خَشَبَةٍ حَتَّى يَتَقَطَّعَ وَيَسْقُطَ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي وَكُرْهُ قُلْنَا أَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَيَتَأَذَّى النَّاسُ بِهِ وَالْإِرْدَاعُ قَدْ حَصَلَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَغَايَتُهُ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَضْمَنْ مَا أَخَذَ) يَعْنِي بَعْدَ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا الصُّغْرَى وَكَذَا لَا يَضْمَنُ مَا قَتَلَ وَمَا جَرَحَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَيْرُ الْمُبَاشِرِ كَالْمُبَاشِرِ) يَعْنِي فِي الْأَخْذِ وَالْقَتْلِ حَتَّى تَجْرِي أَحْكَامُهُ عَلَى الْكُلِّ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِهِمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُحَدُّ إلَّا الْمُبَاشِرُ كَحَدِّ الزِّنَا وَلَنَا أَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمُحَارَبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يُؤْخَذَ وَقَدْ قَتَلَ النَّفْسَ) أَيْ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقْتُلُهُ حَدًّا) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ يُقْتَلُ قِصَاصًا وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا أَمْكَنَهُ أَخْذُ الْمَالِ فَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا وَمَالَ إلَى الْقَتْلِ فَإِنَّا سَنَذْكُرُ فِي نَظِيرِهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ قِصَاصًا خِلَافًا لِعِيسَى بْنِ أَبَانَ وَفِيهَا أَيْضًا إنْ خَرَجَ عَلَى الْقَافِلَةِ فِي الطَّرِيقِ وَأَخَافَ النَّاسَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ يُعَزَّرُ وَيُخْلَى سَبِيلُهُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَنَّهُ يُحْبَسُ امْتِثَالًا لِلنَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى عَفْوِهِمْ) أَيْ لِأَنَّ الْحَدَّ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُسْمَعُ فِيهِ عَفْوُ غَيْرِهِ فَمَتَى عَفَا عَنْهُمْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ قُلْنَا الْقَطْعُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ فَلَا يَدْخُلُهُ عَفْوٌ وَعَلَيْهِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَفِي شَرْحِ الْوَجِيزِ قَتْلٌ بِمُقَابَلَةِ قَتْلٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْحَدِّ فَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ وَلَكِنْ ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْوَاجِبُ قِصَاصٌ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِإِزَاءِ قَتْلٍ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْعَفْوِ فَإِنَّ أَصْحَابَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالُوا فِيهِ مَعْنَى الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَخَرَجُوا عَلَى مَسَائِلَ وَلَكِنْ مَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِجَوَازِ الْعَفْوِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ أَعَمُّ فَالْأَحْوَالُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالْخَامِسَةُ أَنْ يُؤْخَذُوا بَعْدَ مَا أَحْدَثُوا تَوْبَةً وَتَأْتِي أَيْضًا فِي الْكِتَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقْتَلُ) وَجَعَلَ فِي الْأَسْرَارِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَصَحَّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَخَذَ الْمَالَ) أَيْ فَأَخْذُ الْمَالِ مُوجِبٌ لِلْقَطْعِ وَالْقَتْلُ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُبْعَجُ) أَيْ يُشَقُّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّدْعُ) الرَّدْعُ الْمَنْعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ جَزًّا) بِالْجِيمِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِيَدْفِنُوهُ) وَعَلِمْت فِي بَابِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى تَجْرِي أَحْكَامُهُ عَلَى الْكُلِّ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِهِمْ) أَيْ وَهَذَا لِأَنَّ قَتَلَهُمْ وَجَبَ حَدًّا عَلَيْهِمْ لَا قِصَاصًا فَلَمْ تُعْتَبَرْ الْمُسَاوَاةُ فَصَارَ مَنْ قَتَلَ وَمَنْ لَمْ يُقْتَلْ سَوَاءٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُحَدُّ إلَّا الْمُبَاشِرُ) أَيْ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْمُبَاشِرِ. اهـ. كَافِي قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ أَحَدُهُمْ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَالْبَاقُونَ وُقُوفٌ لَمْ يَقْتُلُوا وَلَمْ يُعِينُوا أَجْرَى الْحَدَّ عَلَى جَمِيعِهِمْ فَيُقْتَلُوا وَلَوْ كَانُوا مِائَةً بِقَتْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَاحِدًا

فَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّدْءُ وَالْمُبَاشِرُ كَاسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ فِي الْغَنِيمَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدْءَ مُحَارَبٌ مُفْسِدٌ وَوُقُوفُهُ لِيَتَمَكَّنَ الْمُبَاشِرُ مِنْ الْأَخْذِ وَلِيَقْتُلَ هُوَ إنْ أَمْكَنَهُ وَيَدْفَعَ عَنْ الْمُبَاشِرِ الْعَوَائِقَ وَيَنْضَمَّ الْمُبَاشِرُ إلَيْهِ إنْ تَعَذَّرَ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَادُ بَيْنَهُمْ وَلَوْ اشْتَغَلَ الْكُلُّ بِالْمُبَاشَرَةِ لَمَا تَهَيَّأَ لَهُمْ غَرَضُهُمْ فَيَكُونُ الْكُلُّ مُحَارِبِينَ مُفْسِدِينَ فَيَدْخُلُونَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] وَأَيُّ مُحَارَبَةٍ وَأَيُّ فَسَادٍ يَكُونُ أَشَدَّ مِنْهُ وَلِهَذَا جَازَ قَتْلُ رِدْءِ أَهْلِ الْبَغْي وَلَوْلَا أَنَّهُ مُحَارَبٌ لِمَا جَازَ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُحَارَبٌ أَجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ بِخِلَافِ الزِّنَا لِأَنَّ غَيْرَ الْمُبَاشِرِ لَيْسَ لَهُ فِيهِ صُنْعٌ لِتَمَكُّنِهِ وَحْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَصَا وَالْحَجَرُ كَالسَّيْفِ) يَعْنِي الْقَتْلُ بِالْعَصَا أَوْ بِالْحَجَرِ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ لِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ يَحْصُلُ بِالْقَتْلِ بِأَيِّ آلَةٍ كَانَتْ بَلْ بِأَخْذِ الْمَالِ بِغَيْرِ قَتْلٍ أَوْ بِمُجَرَّدِ الْإِخَافَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا حُكْمَهُ وَهُوَ الْمَنَاطُ هُنَا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الْقَتْلَ وَالْقَصْدُ مُبْطَنٌ لَا يُعْرَفُ فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِاسْتِعْمَالِ آلَةِ الْقَتْلِ وَشَرَطَ ذَلِكَ لِيَنْتَفِيَ احْتِمَالَ قَصْدِ التَّأْدِيبِ أَوْ إتْلَافَ الْعُضْوِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَجَرَحَ قُطِعَ وَبَطَلَ الْجُرْحُ) لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْحَدُّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَاسْتَوْفَى بِقَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ سَقَطَتْ عِصْمَةُ النَّفْسِ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَإِنْ قِيلَ الْجُرْحُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ الْأَخْذِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِيهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِ الْحَدِّ فِي الْأَخْذِ لِأَنَّهُمَا فِعْلَانِ مُتَغَايِرَانِ فَبِجَعْلِ أَحَدِهِمَا سَبَبًا لِحَقِّ الْعَبْدِ لَا يَمْتَنِعُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْأَخْذِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا قُلْنَا بَلْ الْفِعْلُ وَاحِدٌ وَهُوَ قَطْعُ الطَّرِيقِ وَإِذَا وَجَبَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ امْتَنَعَ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَرَحَ فَقَطْ أَوْ قَتَلَ فَتَابَ أَوْ كَانَ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ أَوْ قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ عَلَى الْبَعْضِ أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بِمِصْرٍ أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ لَمْ يُحَدَّ فَأَقَادَ الْوَلِيُّ أَوْ عَفَا) أَمَّا إذَا جَرَحَ فَقَطْ أَيْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا فَلِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْعَبْدِ إذْ السُّقُوطُ فِي ضِمْنِ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَلَمْ يُوجَدْ فَيَكُونُ حَقُّهُ بَاقِيًا فَيُقْتَصُّ فِيمَا فِيهِ الْقِصَاصُ وَيُؤْخَذُ الْأَرْشُ فِي غَيْرِهِ وَذَلِكَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ وَعَلَى هَذَا إذَا جَرَحَ وَأَخَذَ مِنْ الْمَالِ دُونَ النِّصَابِ أَوْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يُقْطَعُ فِيهَا كَالْأَشْيَاءِ التَّافِهَةِ وَاَلَّتِي يَتَسَارَعُ إلَيْهَا الْفَسَادُ وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا الْأَخْذِ قَتْلٌ لَا يَجِبُ الْحَدُّ أَيْضًا وَهُوَ طَعْنُ عِيسَى فَإِنَّهُ قَالَ الْقَتْلُ وَحْدَهُ يُوجِبُ الْحَدَّ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ مَعَ الزِّيَادَةِ فَجَوَابُهُ أَنَّ قَصْدَهُمْ الْمَالَ غَالِبًا فَيُنْظَرُ إلَيْهِ لَا غَيْرُ بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَصَرُوا عَلَى الْقَتْلِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ قَصْدَهُمْ الْقَتْلُ دُونَ الْمَالِ فَيُحَدُّونَ فَعُدَّتْ هَذِهِ مِنْ الْغَرَائِبِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ يَكُونُ الْأَمْرُ فِي الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ. وَأَمَّا إذَا قَتَلَ أَوْ أَخَذَ مَالًا فَتَابَ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَلِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ لَا يُقَامُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ أَوْ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ وَبَعْدَ الرَّدِّ لَا يُقْطَعُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْأَمْرُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ فِي الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ إلَى الَّذِي يَلِيه وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114] كَمَا فِي آيَةِ الْقَذْفِ فَلَا يَقْتَضِي سُقُوطَ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ قُلْنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْجُمَلُ الَّتِي قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ كُلُّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إذْ الْكُلّ جَزَاءُ الْمُحَارِبَةِ فَيَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْكُلِّ فَيَرْتَفِعُ الْكُلُّ بِالتَّوْبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْقَتْلَ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ الَّتِي فِيهَا قَتْلٌ بِالنَّصِّ مَعَ التَّوْزِيعِ وَالْمُحَارَبَةُ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ رِدْءًا لِلْبَعْضِ حَتَّى إذَا انْهَزَمُوا انْحَازُوا إلَيْهِمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّدْءُ) الرِّدْءُ وِزَانُ حِمْلٍ الْمُعِينُ وَأَرْدَأْتُهُ بِالْأَلِفِ أَعَنْتُهُ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ) أَيْ فِي قَتْلِ الْكُلِّ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ أَبُو حَنِيفَةَ الْقِصَاصَ بِالْمُثْقِلِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْقِصَاصِ فَإِنَّ حَدَّ قَطْعِ الطَّرِيقِ مَعَ الْقَتْلِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْقِصَاصِ فَلَا يُسْتَدْعَى الْمُمَاثَلَةَ وَلِهَذَا يُقْتَلُ غَيْرُ الْمُبَاشِرِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَجَرَحَ) أَيْ جُرْحًا وَاحِدًا أَوْ جِرَاحَاتٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْعَبْدِ) أَيْ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ الْأَرْشُ فِي غَيْرِهِ) أَيْ كَمَا إذَا قَطَعُوا اللِّسَانَ أَوْ الذَّكَرَ لَا قِصَاصَ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُؤْخَذُ الْأَرْشُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا قَطَعَ مِنْ الْأَصْلِ وَفِي الْحَشَفَةِ قِصَاصٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مَعْلُومٌ إلَّا إذَا قَطَعَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ لَا قِصَاصَ وَكَذَا إذَا ضَرَبُوا الْعَيْنَ فَقَلَعُوهَا لَا قِصَاصَ فِيهِ وَيُؤْخَذُ الْأَرْشُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً فَذَهَبَ ضَوْءُهَا فَفِيهِ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ وَكَذَا لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ إلَّا إذَا اسْوَدَّتْ أَوْ احْمَرَّتْ أَوْ اخْضَرَّتْ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْأَرْشُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا الْأَخْذِ) أَيْ أَخْذِ مَا دُونَ النِّصَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ أَخَذَ مَالًا فَتَابَ) أَيْ وَرَدَّ الْمَالَ أَيْضًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ أَخَذَ بَعْدَ مَا تَابَ وَقَدْ قَتَلَ عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنْ وَقَدْ تَابَ بَطَلَ الْحَدُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَخَذَ بَعْدَ مَا تَابَ لِأَنَّهُ إذَا تَابَ بَعْدَ مَا أَخَذَ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] فَلَمَّا بَطَلَ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ ظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ صَالَحَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمَالَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ رَدُّ الْمَالِ مِنْ تَمَامِ تَوْبَتِهِمْ لِيَنْقَطِعَ بِهِ خُصُومَةُ صَاحِبِ الْمَالِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ خُصُومَتُهُ بِرَدِّ الْمَالِ إلَيْهِ قَبْلَ ظُهُورِ الْجَرِيمَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ. اهـ. دِرَايَةٌ

بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي آيَةِ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي تَلِيه خِلَافُ جِنْسِ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذْ هِيَ لَا تَصْلُحُ جَزَاءً لِلْقَذْفِ وَإِنَّمَا هِيَ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِ بِأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالْفِسْقِ فَكَانَتْ فَاصِلَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْجُمَلِ فَيَعُودُ إلَيْهَا فَقَطْ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْضُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَلِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةً قَامَتْ بِالْكُلِّ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ كَالْعَامِدِ وَالْمُخْطِئِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ يُحَدُّ الْبَاقُونَ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ أَصْلٌ وَالرِّدْءَ تَبَعٌ وَلَا خَلَلَ فِي مُبَاشَرَةِ الْأَصْلِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْخَلَلِ فِي التَّبَعِ وَفِي عَكْسِهِ يَنْعَكِسُ الْمَعْنَى وَالْحُكْمُ وَعَلَى هَذَا السَّرِقَةُ الصُّغْرَى وَقَوْلُهُ أَوْ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَطَعَتْ الطَّرِيقَ تَجْرِي عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ لِأَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ وَقِيلَ لَا تَكُونُ قَاطِعَةَ طَرِيقٍ لِأَنَّ بِنْيَتَهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحِرَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْطَعُ وَلَا تُصْلَبُ وَالْأَخْرَسُ فِي هَذَا كَالصَّبِيِّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْضُ الْقُطَّاعِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ فَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ مُتَّحِدَةٌ فَالِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَأْمِنٌ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّهِ لِخَلَلٍ فِي الْعِصْمَةِ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ فَيَخُصُّ الِامْتِنَاعَ حَتَّى إذَا وَقَعَ الْقَتْلُ وَالْأَخْذُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ خَاصَّةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ عَلَيْهِمَا يَجِبُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ وَفِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِهِمْ حَتَّى لَا يَجِبَ الْحَدُّ بِاعْتِبَارِ نَصِيبِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي نَصِيبِ الْبَاقِينَ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَإِذَا امْتَنَعَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ امْتَنَعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ إلَّا مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ أَخَذُوا مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ يُحَدُّونَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُجْرَى عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ كَانَ الْقِصَاصُ وَالتَّضْمِينُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ وَأَمَّا إذَا قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ عَلَى الْبَعْضِ فَلِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْقَافِلَةُ كَبَيْتٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا إذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ بِمِصْرٍ أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ فَلِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ لِأَنَّ الْغَوْثَ يَلْحَقُهُمْ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَا يُمْكِنُهُمْ الْمُكْثُ فِيهِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ مُحَارَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي الْمَفَازَةِ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهَا فَيَسِيرُ فِي حِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى مُعْتَمَدًا عَلَيْهِ فَمَنْ تَعَرَّضَ لَهُ يَكُونُ مُحَارِبًا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا فِي الْمِصْرِ وَفِي الْقَرِيبِ مِنْهُ فَيَلْحَقُهُ الْغَوْثُ مِنْ السُّلْطَانِ وَالْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ اعْتِمَادُهُ عَلَيْهِمْ فَيَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي فِعْلِ مَنْ يَتَعَرَّضُ لَهُ مِنْ حَيْثُ مُحَارَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُحَدُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ قَاطِعَ الطَّرِيقِ فِي الْمِصْرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْقَطْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ إنْ قَصَدُوا فِي الْمِصْرِ بِالسِّلَاحِ تُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ فَلَا يَلْحَقُهُمْ الْغَوْثُ وَإِنْ قَصَدُوا بِالْحَجَرِ أَوْ الْخَشَبِ فَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ. فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْغَوْثَ لَا يَلْحَقُهُمْ وَإِنْ كَانَ بِقُرْبٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ فَإِنْ كَانَ بِاللَّيْلِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّ الْغَوْثَ لَا يَلْحَقُهُمْ وَإِنْ كَانَ بِالنَّهَارِ لَا تُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَاسْتَحْسَنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي تَلِيه) أَيْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4]. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا السَّرِقَةُ الصُّغْرَى) وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الرِّدْءَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ فِي حَدِّ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُمَا جَمِيعًا إذَا كَانَا مُكَلَّفِينَ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ حُضُورُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَمُبَاشَرَتِهِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا إذَا بَاشَرَا فَكَذَا إذَا حَضَرَا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي سَبَبِ الْحَدِّ كَمَا إذَا اشْتَرَكَ الْخَاطِئُ وَالْعَامِدُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ كَالْحُكْمِ فِي الْأَحْرَارِ وَالرِّجَالِ أَمَّا الْعَبْدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ إنَّ حَدَّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمُحَارَبَةُ وَالْمَرْأَةُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ لَيْسَتْ بِمُحَارِبَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَأْمِنٌ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ الْقَطْعُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْقَطْعِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ثُمَّ وُجُودُ هَذَا فِي الْقَافِلَةِ يُسْقِطُ الْحَدَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ وُجُودُ الْمُسْتَأْمِنِ فِيهِمْ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ لِأَنَّهُمْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ إنْ لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ فَقَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يُوجِبُهُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِلْمُوجِبِ وَهَذَا لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمِنِ لِخَلَلٍ فِي الْعِصْمَةِ وَهُوَ بَقَاءُ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ فِي مَالِهِ عَلَى تَقْدِيرِ رُجُوعِهِ إلَى دَارِهِ وَهُوَ أَيْ الْخَلَلُ يَخُصُّهُ أَيْ الْمُسْتَأْمِنُ وَهَا هُنَا الْخَلَلُ فِي الْحِرْزِ إذْ الْقَافِلَةُ حِرْزٌ وَاحِدٌ وَهُوَ بِسَبِيلٍ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى هَذِهِ الْقَافِلَةِ بِلَا اسْتِئْذَانٍ لِمَكَانِ قَرِيبه الَّذِي يُفْتَرَضُ وَصْلُهُ فَمَتَى لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّ الْكُلِّ كَدَارٍ يَسْكُنُهَا أَخُوهُ وَأَجْنَبِيٌّ فَسَرَقَ مِنْهَا مَالَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يُقْطَعُ وَبِمِثْلِهِ لَوْ سَرَقَ مَالَ مُسْلِمٍ وَمُسْتَأْمِنٍ مِنْ بَيْتٍ يَسْكُنَانِ فِيهِ يُقْطَعُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِمْ مَا نَصُّهُ أَيْ فِي الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ الْقَافِلَةُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ) لَفْظَةُ أَنَّهُ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ مُجْرَى عَلَى إطْلَاقِهِ) أَيْ وَإِنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ) أَيْ وَالْقَاطِعُ مِنْ أَهْلِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ قَاطِعًا كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ دَارٍ يَسْكُنُ السَّارِقُ فِيهَا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَجَبَ الْقِصَاصُ إنْ قَتَلَ عَمْدًا وَرَدَّ الْمَالَ إنْ أَخَذَ وَهُوَ قَائِمٌ وَالضَّمَانُ إنْ هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ إنْ قَصَدُوا فِي الْمِصْرِ) أَيْ نَهَارًا. اهـ. فَتْحٌ

[كتاب السير]

الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَبِهِ يُفْتَى وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُكَابِرِينَ بِاللَّيْلِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ أَهْلُ الدَّارِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُمْ فَهُمْ مُحَارِبُونَ وَأَمَّا بِالنَّهَارِ فَهُمْ مُخْتَلِسُونَ حَتَّى يَكُونُوا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ غَيْرُ السُّلْطَانِ وَالْمُكَابِرُونَ فِي الْقُرَى إذَا كَانَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُمْ مُحَارِبُونَ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ فَإِنَّ النَّاسَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانُوا يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ فِي الْمِصْرِ وَالْقُرَى فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاصِدُ مِنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ إلَّا نَادِرًا فَلَا يَبْنِي الْحُكْمَ عَلَى النَّادِرِ وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَقَدْ تَرَكُوا هَذِهِ الْعَادَةَ فَيَتَحَقَّقُ قَطْعُ الطَّرِيقِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَقَوْلُهُ فَأَقَادَ الْوَلِيُّ أَوْ عَفَا يَعْنِي إنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ عَفَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ فِيهَا ظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ لِأَنَّ سُقُوطَهُ كَانَ فِي ضِمْنِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَلَمْ يُوجَدْ فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اسْتَوْفَى وَإِنْ شَاءَ عَفَا فِي الْقِصَاصِ وَالْمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ خَنَقَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ بِهِ) يَعْنِي سِيَاسَةً لِأَنَّهُ ذُو فِتْنَةٍ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيَقْتُلُهُ الْإِمَامُ دَفْعًا لِشَرِّهِ وَفِتْنَتِهِ عَنْ الْعِبَادِ وَفِي قَوْلِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ السِّيَاسَةِ مَا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ السَّرِقَةُ إذَا أَنْكَرَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ سَارِقٌ وَإِنَّ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ عِنْدَهُ عَاقَبَهُ وَيَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ رَآهُ الْإِمَامُ جَالِسًا مَعَ الْفُسَّاقِ فِي مَجْلِسِ الشَّرَابِ وَكَمَا لَوْ رَآهُ يَمْشِي مَعَ السُّرَّاقِ وَبِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَجَازُوا قَتْلَ النَّفْسِ كَمَا إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ شَاهِرًا سَيْفَهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ وَحُكِيَ أَنَّ عِصَامَ بْنَ يُوسُفَ دَخَلَ عَلَى أَمِيرِ بَلْخٍ فَأُتِيَ بِسَارِقٍ فَأَنْكَرَ السَّرِقَةَ فَقَالَ الْأَمِيرُ لِعِصَامٍ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَ عَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْمُنْكَرِ الْيَمِينُ فَقَالَ الْأَمِيرُ هَاتُوا بِالسَّوْطِ، فَمَا ضُرِبَ عَشَرَةٌ حَتَّى أَقَرَّ وَأَحْضَرَ السَّرِقَةَ فَقَالَ عِصَامٌ مَا رَأَيْنَا جَوْرًا أَشْبَهَ بِالْعَدْلِ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (كِتَابُ السِّيَرِ) السِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ وَأَصْلُ السِّيرَةِ حَالَةُ السَّيْرِ إلَّا أَنَّهَا غَلَبَتْ فِي الشَّرْعِ عَلَى أُمُورِ الْمَغَازِي وَمَا يَتَعَلَّقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ خَنَقَ) رَجُلًا بِالتَّخْفِيفِ إذَا عَصَرَ حَلْقَهُ وَمَصْدَرُهُ الْخَنْقُ بِكَسْرِ النُّونِ وَلَا يُقَالُ بِالتَّسْكِينِ كَذَا عَنْ الْفَارَابِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ خَنَقَهُ يَخْنُقُهُ مِنْ بَابِ قَتَلَ خَنْقًا مِثْلُ كَتِفٍ وَيُسَكَّنُ لِلتَّخْفِيفِ وَمِثْلُهُ الْحَلِفُ وَالْحِلْفُ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ خَنَقَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصُورَةُ الْمَسْأَلَة فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ يَخْنُقُ رَجُلًا بِمِخْنَقَةِ خَنَّاقٍ حَتَّى قَتَلَهُ قَالَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَإِنْ وُجِدَ وَقَدْ خَنَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي الْمِصْرِ وَغَيْرِ الْمِصْرِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ وَأَرَادَ بِهَا أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ مَعَ ذَلِكَ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ مِخْنَقَةُ الْخَنَّاقِ هِيَ الْوَتَرُ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ لَكِنَّهُ بُنِيَ عَلَى الْعَادَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ دُونَ الْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُهُ بِالْمُثْقِلِ وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ أَمَّا إذَا اعْتَادَ هَذَا الْفِعْلَ فَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا سِيَاسَةً. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ قُتِلَ) قَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ قَصْدُهُ إلَى الْقَتْلِ بِالتَّخْنِيقِ حَيْثُ عُرِفَ إفْضَاؤُهُ إلَى الْقَتْلِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ يَعْتَمِدُهُ. اهـ. (قَوْله بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ الْخَنْقِ. اهـ. (قَوْله وَهِيَ مَسْأَلَة الْقَتْل بِالْمُثْقَلِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَظَاهِر أَنَّهَا لَيْسَتْ مَسْأَلَة الْمُثْقَل وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهَا مِثْلهَا فِي ثُبُوت الشُّبْهَة عِنْده فِي الْعَمْد حَيْثُ كَانَتْ الْآلَة فِيهِ قُصُور يُوجِب التَّرَدُّد فِي أَنَّهُ قَصْد قَتَلَهُ بِهَذَا الْفِعْل أَوْ قَصْد الْمُبَالَغَة فِي إيلَامه وَإِدْخَال الضَّرَر عَلَى نَفْسه فَاتَّفَقَ مَوْته وَعَدَم احْتِمَاله لِذَلِكَ. اهـ. (قَوْله عَلَى مَا يَجِيء) قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّة وَاحِدَة قَتَلَ بِهِ قِصَاصًا ذَكَره فِي كَرَاهِيَةِ الْيَنَابِيعِ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ. اهـ. شَرْحُ كَنْزٍ لِلسَّمَرْقَنْدِيِّ [كِتَابُ السِّيَرِ] (كِتَاب السَّيْر) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَنَاسُبُ الْحُدُودِ وَالسِّيَرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْ الْحَدِّ وَالْجِهَادِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَا عَيْنِهِ ثُمَّ الْمَعْنَى الْمُحْسِنُ يَحْصُلُ فِيهِمَا جَمِيعًا بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِدُونِ الْإِتْيَانِ بِفِعْلٍ آخَرَ مَقْصُودٌ وَذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الْحُدُودِ الزَّجْرُ عَنْ الْمَعَاصِي وَفِي الْجِهَادِ قَهْرُ أَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ قَدَّمْت الْحُدُودَ عَلَى السِّيَرِ لِأَنَّهَا تَقَعُ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ غَالِبًا وَعَلَى الْخُصُوصِ كَمَا فِي حَدِّ الشُّرْبِ بِخِلَافِ الْجِهَادِ فَإِنَّهُ يَقَعُ مَعَ الْكَفَّارَةِ فَتَقْدِيمُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ كَانَ أَوْلَى وَلِأَنَّ الْجِهَادَ زَجْرٌ عَنْ أَصْلِ الْمَعَاصِي وَهُوَ الْكُفْرُ وَالْحَدُّ زَجْرٌ عَنْ الْفِسْقِ فَتَرَقَّى مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى وَمَعْنَى السِّيَرِ مَذْكُورٌ فِي الْمَتْنِ وَالْمَغَازِي جَمْعُ الْمَغْزَاةِ مِنْ غَزَا يَغْزُو غَزْوًا وَغَزْوَةً وَغُزَاةً وَمَغْزَاةً إذَا قَصَدَ الْعَدُوَّ لِلْقِتَالِ وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا حَدَّثَ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا قَالَ قُلْت ثُمَّ أَيُّ قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَالَ قُلْت ثُمَّ أَيُّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَسَكَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ اسْتَزَدْته لَزَادَنِي». وَفِيهِ بِإِسْنَادِهِ إلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ قَالُوا ثُمَّ مَنْ قَالَ مُؤْمِنٌ فِي شَعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ» وَفِيهِ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ إلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَفِيهِ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرَيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» اهـ

بِهَا، كَالْمَنَاسِكِ عَلَى أُمُورِ الْحَجِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ابْتِدَاءً) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُونَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] وَقَالَ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 41] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجِهَادُ فَرْضٌ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» الْحَدِيثَ. وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَكَوْنُهُ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لِعَيْنِهِ إذْ هُوَ قَتْلٌ وَإِفْسَادٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا شُرِعَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازِ دِينِهِ وَدَفْعِ الْفَسَادِ عَنْ الْعِبَادِ فَإِذَا حَصَلَ مِنْ الْبَعْضِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَدَفْنِ الْمَيِّتِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَلِأَنَّ فِي اشْتِغَالِ الْكُلِّ قَطْعُ مَادَّةِ الْجِهَادِ مِنْ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فَيَنْقَطِعُ الْجِهَادُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى الْبَعْضُ الْجِهَادَ وَالْبَعْضُ التِّجَارَةَ وَالْحَرْثَ وَالْحِرَفَ الَّتِي تَقُومُ بِهَا الْمَصَالِحُ وَالتَّقْوِيَةُ فَوَجَبَ عَلَى الْكِفَايَةِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] إلَى قَوْلِهِ {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] وَعَدَ الْقَاعِدَ الْحُسْنَى وَلَوْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ لَذُمَّ وَكَانَتْ الصَّحَابَةُ يَغْزُو بَعْضُهُمْ وَيَقْعُدُ الْبَعْضُ وَلَوْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ لَمَا قَعَدُوا وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقَرَّرَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْجِهَادِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ مَأْمُورٌ بِالصَّفْحِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُشْرِكِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85] وَقَالَ تَعَالَى {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 106] ثُمَّ أُمِرَ بِالدُّعَاءِ إلَى الدِّينِ بِالْمَوْعِظَةِ وَالْمُجَادَلَةِ الْحَسَنَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] ثُمَّ أُمِرَ بِالْقِتَالِ إذَا كَانَتْ الْبِدَايَةُ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39] أَيْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ ثُمَّ أُمِرَ بِالْقِتَالِ ابْتِدَاءً فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]. ثُمَّ بِالْبِدَايَةِ بِالْقِتَالِ مُطْلَقًا فِي الْأَزْمَانِ كُلِّهَا وَفِي الْأَمَاكِنِ بِأَسْرِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ الْمُطْلَقَةِ وَقَدْ حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطَّائِفَ لِعَشْرٍ بَقَيْنَ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَالْمُحَاصَرَةُ نَوْعٌ مِنْ الْقِتَالِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَنْسُوخٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ قَامَ بِهِ بَعْضٌ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِغَيْرِهِ فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ كَفَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا أَثِمُوا بِتَرْكِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ أَثِمَ الْكُلُّ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْكُلِّ فَيَأْثَمُونَ بِتَرْكِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ وَأَقْطَعَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} [النور: 61] الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ حِينَ اهْتَمُّوا بِالْخُرُوجِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّخَلُّفِ وَلِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ وَالتَّكْلِيفُ بِالْقُدْرَةِ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ فَلَا يُؤْتَى بِهِ إلَى الْمَهْلَكَةِ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ مَشْغُولَانِ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَحَقُّهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ لِحَاجَتِهِمَا وَغِنَى الشَّرْعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ فَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْكُلِّ فَيَجِبُ عَلَى الْكُلِّ وَحَقُّ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ النَّفِيرِ لِأَنَّ بِغَيْرِهِمْ كِفَايَةٌ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى إبْطَالِ حَقِّهِمَا وَكَذَا الْوَلَدُ يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ وَفِي غَيْرِ النَّفِيرِ الْعَامِّ لَا يَخْرُجُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ابْتِدَاءً) اعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ امْتَنَعُوا عَنْ قَبُولِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ يَجِبُ قِتَالُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ وَكَذَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ حَتَّى يَبْدَؤُنَا وَقَالَ عَطَاءٌ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَلَنَا عُمُومُ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] أَيْ وَقَوْلُهُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وقَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ} [البقرة: 193] وقَوْله تَعَالَى {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12] اهـ. (قَوْلُهُ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) التِّلَاوَةُ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِي اشْتِغَالِ الْكُلِّ قَطْعُ مَادَّةِ الْجِهَادِ) أَيْ وَلِأَنَّ فِي جَعْلِهِ فَرْضُ عَيْنٍ حَرَجًا عَظِيمًا حَيْثُ تَتَعَطَّلُ أُمُورُ النَّاسِ زِرَاعَةً وَتِجَارَةً إذَا خَرَجُوا جَمِيعًا إلَى الْجِهَادِ وَالْحَرَجُ مُنْتَفٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39] أَيْ وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] وَقَوْلُهُ {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] اهـ (قَوْلُهُ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] أَيْ وقَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَصَارَتْ حُرْمَةُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَنْسُوخَةً بِهَذِهِ الْآيَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَفِي الْإِيضَاحِ وَحُرْمَةُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [النساء: 89]. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمُقْعَدٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ صَاحِبُ دِيوَانِ الْأَدَبِ الْمُقْعَدُ الْأَعْرَجُ اهـ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْمُقْعَدُ الَّذِي لَا حَرَاكَ بِهِ مِنْ دَاءٍ فِي جَسَدِهِ كَأَنَّ الدَّاءَ أَقْعَدَهُ وَعِنْدَ الْأَطِبَّاءِ هُوَ الزَّمِنُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الدَّفْعُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْهُجُومُ الْإِتْيَانُ بَغْتَةً وَالدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ مِنْ بَابِ طَلَبَ يُقَالُ هَجَمَ عَلَيْهِ حَمَلَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْوَلَدُ يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ بَعْدَ أَنَّ رَقَّمَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَا يَخْرُجُ الرَّجُلُ إلَى الْجِهَادِ إلَّا بِإِذْنِ الْوَالِدَيْنِ فَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ وَهُمَا فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ يَمْنَعَاهُ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةٌ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حَقِّهِمَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَكَانَ مُرَاعَاةُ فَرْضِ الْعَيْنِ أَوْلَى فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ وَلَهُ جَدَّانِ وَجَدَّتَانِ فَإِنْ أَذِنَ أَبُو الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرَانِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ لِأَنَّ أَبَا الْأَبِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ وَأُمَّ الْأُمِّ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْأُمِّ فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبَوَيْنِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْأَبَوَانِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ فَكَذَا هُنَا هَذَا إذَا كَانَ السَّفَرُ سَفَرَ

إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَكَذَا كُلُّ سَفَرٍ فِيهِ خَطَرٌ لِأَنَّ الْإِشْفَاقَ عَلَيْهِ يَضُرُّهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَطَرٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا إذَا لَمْ يُضَيِّعْهُمَا وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مِثْلُهُمَا عِنْدَ عَدَمِهِمَا وَكَذَا الْمَدِينُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ الدَّائِنِ إلَّا فِي النَّفِيرِ الْعَامِّ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] أَيْ اُخْرُجُوا إلَى الْجِهَادِ شَبَابًا وَشُيُوخًا أَوْ رُكْبَانًا وَمُشَاةً أَوْ فُقَرَاءَ وَأَغْنِيَاءَ وَقَدْ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ خِفَافًا شَبَابًا أَغْنِيَاءً وَثِقَالًا شُيُوخًا فُقَرَاءَ وَهَذَا أَبْلَغُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْجِهَادُ وَاجِبٌ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي سَعَةٍ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَيْهِمْ فَقَوْلُهُ فِي سَعَةٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُبَاشَرَةَ الْقِتَالِ لَا تَجِبُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بَلْ الِاسْتِعْدَادُ لَهُ كَافٍ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَيْهِمْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُبَاشَرَةَ الْقِتَالِ فَرْضٌ عَلَى الْكُلِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ وَهُوَ النَّفِيرُ الْعَامُّ لِأَنَّ الْمَقْصُود حِينَئِذٍ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْكُلِّ فَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِمْ مُبَاشَرَتُهُ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ إذَا جَاءَ النَّفِيرُ إنَّمَا يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْجِهَادِ فَأَمَّا مَنْ وَرَاءَهُمْ بِبُعْدٍ مِنْ الْعَدُوِّ فَإِنْ كَانَ الَّذِينَ بِقُرْبِ الْعَدُوِّ عَاجِزِينَ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْعَدُوِّ أَوْ قَادِرِينَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يُجَاهِدُونَ لِكَسَلٍ بِهِمْ أَوْ تَهَاوُنٍ اُفْتُرِضَ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ فَرْضَ عَيْنٍ ثُمَّ مَنْ يَلِيهِمْ كَذَلِكَ حَتَّى يُفْتَرَضَ عَلَى هَذَا التَّدْرِيجِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ شَرْقًا وَغَرْبًا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَتَجْهِيزُهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ الْجُعْلُ إنْ وُجِدَ فَيْءٌ) وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَضْرِبَ الْإِمَامُ الْجُعْلَ عَلَى النَّاسِ لِلَّذِينَ يَخْرُجُونَ إلَى الْجِهَادِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَجْرَ عَلَى الطَّاعَةِ فَحَقِيقَتُهُ حَرَامٌ فَيُكْرَهُ مَا أَشْبَهَهُ وَلِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنْ جُمْلَتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَيْءٌ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْجِهَادِ مَاسَةٌ وَفِيهِ تَحَمُّلُ الضَّرَرِ الْأَدْنَى لِدَفْعِ الْأَعْلَى وَقَدْ أَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُغَزِّي الْعَزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ وَيُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ وَقِيلَ يُكْرَهُ أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَجِهَادٌ مِنْ الْبَعْضِ بِالْمَالِ وَمِنْ الْبَعْضِ بِالنَّفْسِ وَأَحْوَالُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدِرُ بِأَحَدِهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 41] وَقَوْلُهُ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111] وَقَالَ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُونَ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» وَأَطْلَقَ الْإِبَاحَةَ فِي الْيَسِيرِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ يَغْزُو بِأَجْرٍ كَمَثَلِ أُمِّ مُوسَى تُرْضِعُ وَلَدَهَا لِنَفْسِهَا وَتَأْخُذُ عَلَيْهِ الْأَجْرَ وَكَانَتْ تَأْخُذُ مِنْ فِرْعَوْنَ دِينَارَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ حَاصَرْنَاهُمْ نَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «مَا قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِهَادِ أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرُهُ كَالتِّجَارَةِ وَالْحَجِّ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَيْنِ السَّفَرَيْنِ إبْطَالُ حَقِّهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ خَوْفُ هَلَاكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ السَّفَرُ مِثْلَ السَّفَرِ فِي الْبَحْرِ لَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا ثُمَّ إنَّمَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا لِلتِّجَارَةِ إذَا كَانَا مُسْتَغْنِيَيْنِ عَنْ خِدْمَتِهِ أَمَّا إذَا كَانَا مُحْتَاجَيْنِ فَلَا اهـ. (قَوْلُهُ {انْفِرُوا} [النساء: 71] يُقَالُ نَفَرَ إلَى الْغَزْوِ نَفْرًا وَنَفِيرًا أَيْ خَرَجَ فَإِنْ قُلْت قَوْله تَعَالَى {انْفِرُوا} [النساء: 71] عَامٌّ وَلَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصٌ بِالنَّفِيرِ الْعَامِّ فَكَيْفَ خَصَّ بِالتَّنْفِيرِ الْعَامِّ قُلْت لَوْ لَمْ يَتَخَصَّصَ بِالتَّنْفِيرِ الْعَامِّ لَوَقَعَ النَّاسُ فِي حَرَجٍ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَخْرُجُ مَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّنْفِيرَ خِفَافًا وَثِقَالًا فِيمَا إذَا كَانَ التَّنْفِيرُ عَامًّا بِأَنْ لَا يَنْدَفِعَ شَرُّ الْأَعْدَاءِ بِالْبَعْضِ فَحِينَئِذٍ يُفْتَرَضُ عَلَى الْكُلِّ لِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ قَهْرُ الْكُفَّارِ وَدَفْعُ شَرِّهِمْ يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122] قَالَ الزَّجَّاجُ فِي تَفْسِيرِهِ يُرْوَى أَنَّ «ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ أَعَلَيَّ أَنْ أَنْفِرَ فَقَالَ لَا» (قَوْلُهُ أَوْ فُقَرَاءَ وَأَغْنِيَاءَ) أَيْ أَوْ مَهَازِيلَ وَسِمَانًا أَوْ صِحَاحًا وَمَرْضَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَأَمَّا مَنْ وَرَاءَهُمْ بِبَعْدٍ مِنْ الْعَدُوِّ) أَيْ فَفِي حَقِّهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِمْ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ) أَيْ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَلَا تَجِبُ عَلَى مَنْ بَعُدَ عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ الْمَيِّتِ يُضَيِّعُونَهُ أَوْ عَاجِزُونَ عَنْ إقَامَةِ أَسْبَابِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُرِهَ الْجُعَلُ) الْجُعْلُ مَا جُعِلَ مِنْ شَيْءٍ لِلْإِنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَفْعَلُهُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَضْرِبُهُ الْإِمَامُ لِلْغُزَاةِ عَلَى النَّاسِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّقَوِّي لِلْخُرُوجِ إلَى الْحَرْبِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِدَفْعِ الْأَعْلَى) أَيْ الضَّرَرِ الْأَعْلَى شَرُّ الْكَفَرَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يُغْزِي) يُقَالُ أَغْزَى الْأَمِيرُ الْجَيْشَ إذَا بَعَثَهُ إلَى الْعَدُوِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الْعَزَبِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْعَزَبِ بِالتَّحْرِيكِ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ وَلَا يُقَالُ أَعْزَبُ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ الْأَيِّمُ مِنْ النِّسَاءِ مِثْلُ الْأَعْزَبِ مِنْ الرِّجَالِ وَيُقَالُ امْرَأَةٌ عَزَبٌ أَيْضًا أَنْشَدَ الْجَرْمِيِّ يَا مَنْ يَدُلُّ عَزَبًا عَلَى عَزَبٍ انْتَهَى وَفِي الْمِصْبَاحِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَلَا يُقَالُ رَجُلٌ أَعْزَبُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ وَقِيَاسُ قَوْلِ الْأَزْهَرِيِّ أَنْ يُقَالَ امْرَأَةٌ عَزْبَاءُ مِثْلُ أَحْمَرَ وَحَمْرَاءُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُعْطِي الشَّاخِصَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالشَّاخِصُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ شَخَصَ مِنْ مَكَان إذَا سَارَ فِي ارْتِفَاعٍ فَإِذَا سَارَ فِي حُدُورٍ فَهُوَ هَابِطٌ كَذَا قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَشَخَصَ الرَّجُلُ بِبَصَرِهِ إذَا أَحَدَّ النَّظَرَ رَافِعًا طَرَفَهُ إلَى السَّمَاءِ وَلَا يَكُونُ الشَّاخِصُ إلَّا كَذَلِكَ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ حَاصَرْنَاهُمْ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ بَيَانِ أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ عَلَى تَقْدِيرِ النَّفِيرِ الْعَامِّ وَعَلَى مَنْ يَجِبُ وَعَلَى مَنْ لَا يَجِبُ شَرَعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ نَدْعُوهُمْ إلَخْ) أَمَّا الْأَمْرُ بِالدُّعَاءِ إلَى الْإِسْلَامِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى

قَوْمًا قَطُّ إلَّا دَعَاهُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَرْوَةِ بْنِ الْمُسَيْكِ «لَا تُقَاتِلُهُمْ حَتَّى تَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَسْلَمُوا وَإِلَّا إلَى الْجِزْيَةِ) أَيْ فَإِنْ أَسْلَمُوا كَفَفْنَا عَنْ قِتَالِهِمْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنَى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُؤْمِنَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي الْحَدِيثِ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ الشِّرْكَ فَإِذَا وَحَّدُوا عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ إلَّا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَوْلُهُ وَإِلَّا إلَى الْجِزْيَةِ أَيْ إنْ لَمْ يَقْبَلُوا الْإِسْلَامَ نَدْعُوهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَمَرَهُ بِهِ فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّهُ آخِرُ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْقِتَالُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَوَجَبَتْ الدَّعْوَةُ إلَيْهِ كَمَا تَجِبُ إلَى الْإِسْلَامِ وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ كَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ وَأَمَّا مَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ كَالْمُرْتَدِّينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ فَلَا نَدْعُوهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إذْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ قَالَ تَعَالَى {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَبِلُوا فَلَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا) أَيْ إنْ قَبِلُوا أَدَاءَ الْجِزْيَةِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَمُرَادُهُ بِالْبَذْلِ الْقَبُولُ وَكَذَا بِالْإِعْطَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَحْصُلُ لَهُمْ قَبْلَ أَدَائِهَا بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا نُقَاتِلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ إلَى الْإِسْلَامِ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُمْ بِالدَّعْوَةِ إلَيْهِ يَعْلَمُونَ أَنَّا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى الدِّينِ لَا عَلَى شَيْءٍ آخَرَ مِنْ الذَّرَارِيّ وَسَلْبِ الْأَمْوَالِ فَلَعَلَّهُمْ يُجِيبُونَ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِلَا قِتَالٍ وَمَنْ قَاتَلَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ يَأْثَمُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلَا يَغْرَمُ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ بِالدِّينِ أَوْ الْإِحْرَازِ بِالدِّيَارِ فَصَارَ كَقَتْلِ مَنْ لَا يُقَاتِلُ مِنْهُمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَضْمَنُونَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَدْعُو نَدْبًا مَنْ بَلَغَتْهُ) أَيْ نَدْعُو اسْتِحْبَابًا مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَهْطًا مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى أَبِي رَافِعٍ فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلًا فَقَتَلَهُ وَهُوَ نَائِمٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ قَالُوا تَقْدِيمُ الدَّعْوَةِ إلَى الْإِسْلَامِ عَلَى الْقِتَالِ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ لَمْ يَنْتَشِرْ الْإِسْلَامُ وَلَمْ يَسْتَفِضْ وَأَمَّا بَعْدَ مَا انْتَشَرَ وَاسْتَفَاضَ وَعَرَفَ كُلُّ مُشْرِكٍ إلَى مَاذَا يُدْعَى يَحِلُّ لَهُ الْقِتَالُ قَبْلَ الدَّعْوَةِ وَيَقُومُ ظُهُورُ الدَّعْوَةِ وَشُيُوعُهَا مَقَامَ دَعْوَةِ كُلِّ مُشْرِكٍ وَهَذَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ أَنَّهُ قَالَ كَتَبْت إلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنْ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ فَكَتَبَ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ «أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَأَصَابَ يَوْمئِذٍ جَوَيْرِيَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ حَتَّى حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يَغُرْ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبِحُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالْإِغَارَةُ لَا تَكُونُ بَعْدَ الْإِعْلَامِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِاشْتِهَارِ الْإِسْلَامِ فَمَا ظَنُّك فِي زَمَانِنَا وَقَدْ اشْتَهَرَ وَبَلَغَ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ فَلَا تَجِبُ الدَّعْوَةُ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِالْعِنَادِ وَلِأَنَّهُمْ لَوْ اشْتَغَلُوا بِالدَّعْوَةِ رُبَّمَا يَتَحَصَّنُونَ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا نَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَنُحَارِبُهُمْ بِنَصْبِ الْمَجَانِيقِ وَحَرْقِهِمْ وَغَرْقِهِمْ وَقَطْعِ أَشْجَارِهِمْ وَإِفْسَادِ زُرُوعِهِمْ وَرَمْيِهِمْ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِبَعْضِنَا وَنَقْصِدُهُمْ) أَيْ إنْ لَمْ يَقْبَلُوا الْجِزْيَةَ نَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَنُحَارِبُهُمْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَبِكُلٍّ مِمَّنْ فِيهِ كَسْرُ شَوْكَتِهِمْ وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِمْ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ فِي وَصِيَّةِ أَمِيرِ الْجَيْشِ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ النَّاصِرُ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْمُدَمِّرُ عَلَى أَعْدَائِهِ فَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ وَيُقَاتِلُ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] لَكِنَّ هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ فَإِذَا بَلَغَتْهُمْ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَجْدِيدِ الدَّعْوَةِ أَلَا تَرَى إلَى مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ أَنَّ «نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى سَبْيَهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ» وَالْأَفْضَلُ تَكْرَارُ الدَّعْوَةِ وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ إنْ أَجَابُوا إلَى الْإِسْلَامِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193] وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجِهَادِ إسْلَامُهُمْ وَقَدْ حَصَلَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَيَجِيءُ جَمِيعُ هَذِهِ الْحَاشِيَةِ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ اهـ (قَوْلُهُ إذْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ) أَيْ أَنَّ السَّيْفَ. اهـ. (قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ) أَيْ قَبْلَ وُجُودِ الْإِعْطَاءِ وَالْبَذْلِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَقَتْلِ مَنْ لَا يُقَاتِلُ مِنْهُمْ) أَيْ كَالنِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُمْ غَارُّونَ) أَيْ غَافِلُونَ وَالْغُرَّةُ الْغَفْلَةُ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَغَارَ إلَخْ) أَغَارُ عَلَى الْعَدُوِّ هَجَمَ عَلَيْهِمْ دِيَارَهُمْ وَأَوْقَعَ بِهِمْ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَتَرَّسُوا) يُقَالُ تَتَرَّسَ بِالتُّرْسِ إذَا تَوَقَّى بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

وَأَحْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُوَيْرَةَ وَكَانَ فِيهَا نَخْلٌ» حَتَّى قَالَ الشَّاعِرُ وَهُوَ حَسَّانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَانَ عَلَى سُرَاةِ، بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ وَصَحَّ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطَعَ النَّخْلَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: 5]» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ إلْحَاقُ الْغَيْظِ بِهِمْ وَكَبْتِهِمْ وَكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ وَتَفْرِيقِ شَمْلِهِمْ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} [التوبة: 120]. وَقَوْلُهُ: وَرَمْيِهِمْ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِبَعْضِنَا وَنَقْصِدُهُمْ يَعْنِي نُحَارِبُهُمْ بِرَمْيِهِمْ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ وَنَقْصِدُهُمْ بِالرَّمْيِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إذَا عُلِمَ أَنَّ فِيهِمْ مُسْلِمًا وَأَنَّهُ يُتْلَفُ بِذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ وَتَرْكُ قَتْلِ الْكَافِرِ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَقْتُلَ الْأَسَارَى لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ مُرَاعَاةَ جَانِبِ الْمُسْلِمِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَنَحْنُ نَقُولُ أُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ فَلَوْ اعْتَبَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى أَدَّى إلَى سَدِّ بَابِ الْجِهَادِ لِأَنَّ حُصُونَهُمْ وَمَدَائِنَهُمْ لَا تَخْلُو عَنْ مُسْلِمٍ وَلِأَنَّ فِي الرَّمْيِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِإِلْحَاقِ ضَرَرٍ خَاصٍّ فَكَانَ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَفْعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَجُوزُ لَنَا قَتْلُهُمْ كَنِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ وَالرُّهْبَانِ وَالشُّيُوخِ وَنَقْصِدُ بِالرَّمْيِ الْكُفَّارَ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ بِالنِّيَّةِ مُمْكِنٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فِعْلًا وَالتَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ وَإِنْ أَصَابُوا مِنْهُمْ فَلَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً فَيَجِبُ مُوجِبُهُ وَلِأَنَّ الْإِطْلَاقَ لِلضَّرُورَةِ لَا يُنَافِي الضَّمَانَ كَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ وَلَنَا أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ فَلَا تُجَامِعُهُ الْغَرَامَةُ كَتَعْزِيرِ الْإِمَامِ وَحَدِّهِ وَكَالْبَزَّاغِ وَالْفِصَادِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ أَكْلَ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ حَتَّى كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ وَبِخِلَافِ الْمُرُورِ عَلَى الطَّرِيقِ وَضَرْبِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ لَوْ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهِ كَانَ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُهِينَا عَنْ إخْرَاجِ مُصْحَفٍ وَامْرَأَةٍ فِي سُرِّيَّةٍ يُخَافُ عَلَيْهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضٍ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ» وَقِيلَ قَارِئُ الْقُرْآنِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَتْ الْمَصَاحِفُ وَالْقُرَّاءُ قَلِيلِينَ فَيُخَافُ ذَهَابُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ حِينَ كَثُرَتْ الْمَصَاحِفُ وَالْقُرَّاءُ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَحْوَطُ وَكَذَا فِيهِ تَعْرِيضُ الْمَرْأَةِ عَلَى الضَّيَاعِ وَالْفَضَائِحِ فَيُكْرَهُ إخْرَاجُهَا وَإِنْ دَخَلَ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ الْمُصْحَفَ إذَا كَانُوا قَوْمًا يُوفُونَ بِالْعَهْدِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْخِيَانَةِ وَالْجَرْيُ عَلَى الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ الْعَسْكَرُ عَظِيمًا فَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ الْعَجَائِزِ لِلْخِدْمَةِ مِنْ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَمُعَالَجَةِ الْمَرْضَى وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ السَّلَامَةُ إذَا كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ وَلَا يُبَاشِرْنَ الْقِتَالَ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِهِمْ فَيَجْتَرِئُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوُّ وَأَمَّا الشَّوَابُّ مِنْهُنَّ فَقَرَارُهُنَّ فِي الْبَيْتِ أَسْلَمُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُخْرِجُوا النِّسَاءَ أَصْلًا خَوْفًا مِنْ الْفِتَنِ وَرُبَّمَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ فَاشْتَغَلُوا عَنْهُنَّ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الدَّفْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ الْإِخْرَاجِ لِلْمُبَاضَعَةِ فَالْإِمَاءُ دُونَ الْحَرَائِرِ فَإِنَّ حُكْمَ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ فِي حَقِّ الْإِمَاءِ أَخَفُّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْأَمَةِ أَنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَقَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَالْخِدْمَةُ يَحْصُلُ بِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَرَائِرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَدْرٍ وَغُلُولٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْهُمَا وَكِلَاهُمَا هُوَ الْخِيَانَةُ إلَّا أَنَّ الْغُلُولَ فِي الْمَغْنَمِ خَاصَّةٌ، وَالْغَدْرُ أَعَمُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِثْلُهُ،) لِمَا رُوِيَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَرِيَّةٍ فَقَالَ سِيرُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَعْذِرُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ الْمَنْهِيَّةِ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ وَلَا بَأْسَ بِهَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي كَبْتِهِمْ وَأَضَرُّ بِهِمْ وَهَذَا حَسَنٌ وَنَظِيرُهُ الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَتْلِ امْرَأَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ مُسْتَطِيرُ) الْمُسْتَطِيرُ الْمُنْتَشِرُ اهـ (قَوْلُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ فِيهِمْ مُسْلِمًا وَأَنَّهُ يَتْلَفُ بِذَلِكَ لَا يَحِلُّ) أَيْ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَصَابُوا مِنْهُمْ فَلَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا كَفَّارَةَ) فَإِنْ قُلْت يَرُدُّ عَلَيْكُمْ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ دَمٌ مُفْرَجٌ» أَيْ مُهْدَرٌ قُلْت لَا نُسَلِّمُ لِأَنَّهُ عَامٌّ خَصَّ مِنْهُ الْبُغَاةَ وَقُطَّاعَ الطَّرِيقِ فَيَخُصُّ التَّنَازُعَ بِمَا قُلْنَاهُ اهـ أَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ مُوجِبُهُ) وَلَنَا أَنَّهُ عَالِمٌ بِالْمَرْمِيِّ وَلَا خَطَأَ مَعَ الْعِلْمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا تُجَامِعُهُ الْغَرَامَةُ) أَيْ وَلِأَنَّ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ سَدُّ، بَابِ الْجِهَادِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا عَلِمُوا أَنَّ فِيهِ ضَمَانًا يَمْتَنِعُونَ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ الضَّمَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ) أَيْ بَلْ إذَا صَبَرَ حَتَّى مَاتَ كَانَ مُثَابًا. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِي سَرِيَّةٍ) السَّرِيَّةُ عَدَدٌ قَلِيلٌ يَسِيرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَكْمُنُونَ بِالنَّهَارِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَخَافُ عَلَيْهَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَيْهِمَا بِضَمِيرِ الْمُثَنَّى وَفِي بَعْضِهَا بِالْإِفْرَادِ عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى السَّرِيَّةِ وَعَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى يَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى الْمُصْحَفِ وَالْمَرْأَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَغَدْرٍ وَغُلُولٍ) فِي الْمُحِيطِ هَذَا بَعْدَ الظُّفْرِ، وَإِعْطَاءِ الْأَمَانِ أَمَّا قَبْلَ الْأَمَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا بِالْمُثْلَةِ قَبْلَ الظُّفْرِ، أَوْ الْأَمَانِ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُثْلَةٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ مَثَّلْت، بِالْقَتِيلِ مَثَلًا، مِنْ بَابِ قَتَلَ وَضَرَبَ إذَا جَدَعْته وَظَهَرَ آثَارُ فِعْلِك عَلَيْهِ تَنْكِيلًا، وَالتَّشْدِيدُ مُبَالَغَةً، وَالْمُثْلَةُ وِزَانُ غَرْفَةٍ، اهـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَمَثَّلَ بِهِ مُثْلَةً وَذَلِكَ أَنْ يَقْطَعَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ أَوْ يُسَوِّدَ وَجْهَهُ. اهـ.

وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ وَشَيْخٍ فَانٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «انْطَلَقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا طِفْلًا وَلَا صَغِيرًا وَلَا امْرَأَةً» الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ خُلِقَ مَعْصُومَ الدَّمِ لِيُمْكِنَهُ تَحَمُّلَ أَعْبَاءِ التَّكَالِيفِ وَإِبَاحَةُ الْقَتْلِ عَارِضٌ بِحِرَابِهِ لِدَفْعِ شَرِّهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ الْحِرَابُ فَبَقُوا عَلَى أَصْلِ الْعِصْمَةِ وَعَلَى هَذَا الرُّهْبَانُ الَّذِينَ لَا يُقَاتِلُونَ وَالْمَقْطُوعُ إحْدَى يَدَيْهِ وَإِحْدَى رِجْلَيْهِ أَوْ الْيُمْنَى وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي الشَّيْخِ وَالْمُقْعَدِ وَالْأَعْمَى لِأَنَّ الْقَتْلَ عِنْدَهُ جَزَاءُ الْكُفْرِ وَقَدْ تَحَقَّقَ. قُلْنَا الدُّنْيَا دَارُ التَّكْلِيفِ وَلَيْسَتْ بِدَارِ الْجَزَاءِ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ فِي مُقَارَفَةِ بَعْضِ الْجِنَايَاتِ فِي الدُّنْيَا لِتَنْتَظِمَ مَصَالِحُ الْعِبَادِ لِأَنَّ السُّفَهَاءَ لَا يَنْتَهُونَ بِمُجَرَّدِ الْوَعِيدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ ذَا رَأْيٍ فِي الْحَرْبِ أَوْ مَلِكًا) فَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ لِأَنَّ فِي قَتْلِهِ كَسْرَ شَوْكَتِهِمْ وَإِزَالَةَ ضَرَرِهِمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ وَكَانَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَقِيلَ ابْنُ مِائَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ رَأْيٍ وَهُوَ أَعْمَى فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ قَتْلُ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فَقَتْلُ شُيُوخِهِمْ أَوْلَى إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ بِأَنْ كَانَ مَلِكًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا قَاتَلَ فَيُقْتَلُ دَفْعًا وَكَذَا الْمَجْنُونُ لَا يُقْتَلُ إلَّا مَا دَامَ يُقَاتِلُ وَغَيْرُهُمَا لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ بَعْدَ الْأَسْرِ إذَا كَانَ قَدْ قَاتَلَ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ فِي الْجُمْلَةِ لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمَجْنُونُ يُفِيقُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالصَّحِيحِ فَيُقْتَلُ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَتْلِ أَبٍ مُشْرِكٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَلَيْسَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْقَتْلِ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ فَلَا يَكُونُ هُوَ سَبَبًا لَا فنائه قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلْيَأْبَ الِابْنُ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ) يَعْنِي إذَا أَدْرَكَهُ فِي الصَّفِّ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَقْتُلُهُ بَلْ يَمْتَنِعُ عَنْهُ حَتَّى يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِحَنْظَلَةَ حِين اسْتَأْذَنَهُ لِقَتْلِ أَبِيهِ دَعْهُ يَقْتُلُهُ غَيْرُك» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِهِ الْمَحْظُورَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يَقْتُلُهُ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الرُّجُوعِ حَتَّى لَا يَعُودَ حَرْبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنَّهُ يُلْجِئُهُ إلَى مَكَان يَسْتَمْسِكُ بِهِ حَتَّى يَجِيءَ غَيْرُهُ فَيَقْتُلُهُ وَإِنْ قَصَدَ الْأَبُ قَتْلَهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ لِأَنَّ هَذَا دَفْعٌ عَنْ نَفْسِهِ وَإِيثَارٌ لِحَيَاتِهِ وَهُوَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ أَبَاهُ الْمُسْلِمَ بِالْقَتْلِ إذَا قَصَدَ الْأَبَ قَتْلَهُ فَالْكَافِرُ أَوْلَى وَكَذَا لَهُ أَنْ يُؤْثِرَ حَيَاتَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلِابْنِ مَاءٌ يَكْفِي أَحَدُهُمَا فَلِلِابْنِ أَنْ يَشْرَبَهُ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ يَمُوتُ عَطَشًا وَلِهَذَا يُحْبَسُ الْأَبُ بِنَفَقَةِ وَلَدِهِ دُونَ دَيْنِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْعِ النَّفَقَةِ قَصَدَ إتْلَافَهُ فَكَانَ الْحَبْسُ فِيهِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْهَلَاكِ وَمَعَ هَذَا لَوْ قَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْعَاصِمِ وَقَدْ قَالَ عُمَيْرُ بْنُ مَالِكٍ «قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيت أَبِي فِي الْعَدُوِّ فَسَمِعْت مِنْهُ مَقَالَةً لَك فَقَتَلْته فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَوْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ لَبَيَّنَهُ إذْ هُوَ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ وَأَجْدَادُهُ وَجَدَّاتُهُ مِنْ قَبْلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَأَبَوَيْهِ حَتَّى لَا يَبْتَدِئَهُمْ بِالْقَتْلِ وَلَا يُكْرَهُ قَتْلُ أَخِيهِ وَخَالِهِ وَعَمِّهِ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا كَالْأُصُولِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ بِخِلَافِ أَخِيهِ الْبَاغِي حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ لِأَنَّهُ يَجِبُ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِاتِّحَادِ الدِّينِ فَكَذَا بِتَرْكِ الْقَتْلِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ ابْنِهِ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ ابْنِهِ الْمُحَارِبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُصَالِحُهُمْ وَلَوْ بِمَالٍ إنْ خُيِّرَا) أَيْ يُصَالِحُ الْإِمَامُ أَهْلَ الْحَرْبِ إنْ كَانَ الصُّلْحُ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] أَيْ مَالُوا لِلصُّلْحِ. وَصَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ مَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يَضَعُوا الْحَرْبَ بَيْنَهُمْ وَكَانَ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِمُوَاطَأَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ خَيْبَرَ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ جِهَادٌ فِي الْمَعْنَى إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْجِهَادِ دَفْعُ الشَّرِّ وَلَا يَقْتَصِرُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إذَا تَعَيَّنَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشَيْخٍ فَانٍ) فِي الذَّخِيرَةِ هَذَا الْجَوَابُ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا عَلَى الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَلَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَاحِ بِقَتْلٍ لِأَنَّهُ بِصِيَاحِهِ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَكَذَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِحْبَالِ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيَكْثُرُ مُحَارِبُ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ أَعْبَاءٌ) الْعِبْءُ بِالْكَسْرِ الْحِمْلُ وَالْجَمْعُ الْأَعْبَاءُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ اهـ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الرُّهْبَانُ) وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَا يُقْتَلُ الرَّاهِبُ فِي صَوْمَعَتِهِ وَلَا أَهْلُ الْكَنَائِسِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ وَإِذَا خَالَطُوا يُقْتَلُونَ كَالْقِسِّيسِ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الرَّاهِبُ إنْ دَلَّ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ يَجُوزُ قَتْلُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ قُتِلَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ) أَيْ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَكَانُوا اسْتَحْضَرُوهُ لِيُدَبِّرَ لَهُمْ. اهـ. كَيْ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَوْمَ أَوْطَاسٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ قَتْلُ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ قَتْلُ صِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فَقَتْلُ صِبْيَانِهِمْ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ مِلْكًا) أَيْ الصَّغِيرُ لَلْكُفَّارِ. اهـ. (قَوْلُهُ {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَفِي السَّيْرِ الْكَبِيرِ الْمُرَادُ الْأَبَوَانِ الْمُشْرِكَانِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي} [لقمان: 15] اهـ كَيْ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِيَأْبَ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ يَمُوتُ عَطَشًا) رَجُلٌ وَابْنُهُ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي مَفَازَةٍ وَمَعَهُمَا مِنْ الْمَاءِ قَدْرَ مَا يَكْفِي لِأَحَدِهِمَا مَنْ أَحَقُّ بِالْمَاءِ فَالِابْنُ أَحَقُّ بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ كَانَ أَحَقُّ لَكَانَ عَلَى الِابْنِ أَنْ يَسْقِيَ أَبَاهُ وَمَتَى سَقَى أَبَاهُ مَاتَ مِنْ الْعَطَشِ فَيَكُونُ هَذَا إعَانَةً عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ وَإِنْ شَرِبَ هُوَ لَمْ يُعِنْ الْأَبَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ وَصَارَ كَرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ وَأَخَّرَ قَتْلَ غَيْرِهِ فَقَاتِلُ نَفْسِهِ أَعْظَمُ إثْمًا. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ فِي الْكَرَاهِيَةِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُصَالِحُهُمْ إلَخْ) تَرْجَمَ الشَّيْخُ الشِّلْبِيُّ هُنَا بِبَابِ الْمُوَادَعَةِ وَمَنْ يَجُوزُ أَمَانُهُ اهـ وَقَالَ إنَّمَا سُمِّيَتْ الْمُصَالَحَةُ مُوَادَعَةً لِمَا فِيهَا مِنْ تَرْكِ الْقِتَالِ وَالْوَدَعُ التَّرْكُ اهـ مِنْ خَطِّهِ

الْخَيْرِيَّةُ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَيْرٌ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ دَفْعُ شَرِّهِمْ كَانَ الصُّلْحُ تَرْكًا لِلْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى وَهُوَ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِمَالٍ أَيْ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بِغَيْرِ مَالٍ فَبِالْمَالِ أَوْلَى إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ جِهَادٌ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَيْهِ حَاجَةٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَالِ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَالْجِزْيَةِ إلَّا إذَا نَزَلُوا بِدَارِهِمْ لِلْحَرْبِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ غَنِيمَةً لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا بِالْقَهْرِ وَحُكْمُهُ مَعْرُوفٌ وَلَوْ حَاصَرَ الْعَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبُوا الصُّلْحَ بِمَالٍ يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَفْعَلُ الْإِمَامُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ وَإِلْحَاقِ الْمَذَلَّةِ بِالْمُسْلِمِينَ وَفِي الْخَبَرِ لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَذِلَّ نَفْسَهُ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ لِأَنَّ دَفْعَ الْهَلَاكِ بِأَيِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَ وَاجِبٌ «وَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْأَحْزَابِ أَنْ يَصْرِفَهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِثُلُثِ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ كُلَّ سَنَةٍ فَقَالَ سَيِّدَا الْأَنْصَارِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَ هَذَا عَنْ وَحْيٍ فَامْضِ لِمَا أُمِرْت بِهِ وَإِنْ كَانَ رَأْيًا رَأَيْته فَقَدْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لَنَا وَلَا لَهُمْ دِينٌ فَكَانُوا لَا يُطْعَمُونَ مِنْ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ إلَّا شِرَاءً أَوْ قِرًى فَإِذَا أَعَزَّنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ وَبَعَثَ فِينَا رَسُولٌ نُعْطِيهِمْ الدَّنِيَّةَ لَا نُعْطِيهِمْ إلَّا السَّيْفَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنِّي رَأَيْت الْعَرَبَ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ فَأَحْبَبْت أَنْ أَصْرِفَهُمْ عَنْكُمْ فَإِنْ أَبَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَنْتُمْ وَذَاكَ وَسُرَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ فَقَالَ اذْهَبُوا لَا نُعْطِيكُمْ إلَّا السَّيْفَ» وَمَيَلَانُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الِابْتِدَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ لِدَفْعِ ضَرَرِهِمْ وَكُلُّ ذَلِكَ جِهَادٌ مَعْنًى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَبَذَ لَوْ خَيْرًا) مَعْنَاهُ لَوْ صَالَحَهُمْ الْإِمَامُ ثُمَّ رَأَى نَقْضَ الصُّلْحِ أَصْلَحُ نَبَذَ إلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ لَمَّا تَبَدَّلَتْ كَانَ النَّقْضُ جِهَادًا صُورَةً وَمَعْنًى وَإِيفَاءُ الْعَهْدِ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى وَلَا بُدَّ مِنْ النَّبْذِ إلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] وَلِأَنَّ الْغَدْرَ بِهِ يَنْتَفِي فَكَانَ وَاجِبًا وَنَبَذَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَيَكُونُ النَّبْذُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ الْإِمَامُ فَإِنْ كَانَ مُنْتَشِرًا يَجِبُ أَنْ يَكُونُ النَّبْذُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ بِأَنْ أَمَّنَهُمْ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِرًّا يَكْتَفِي بِنَبْذِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ وَهُوَ عَلَى قِيَاسِ الْإِذْنِ بِالْحَجْرِ فَإِنَّ الْحَجْرَ يَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ الْإِذْنُ فِيهِ مِنْ الْجَهْرِ وَالسِّرِّ ثُمَّ بَعْدَ النَّبْذِ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهِمْ زَمَانٌ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مَلِكُهُمْ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ وَإِنْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ حُصُونِهِمْ وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ وَفِي عَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ خَرَّبُوا حُصُونَهُمْ بِسَبَبِ الْأَمَانِ فَحَتَّى يَعُودُوا كُلُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَيَعْمُرُوا حُصُونَهُمْ مِثْلَ مَا كَانَتْ تَوَقِّيًا عَنْ الْغَدْرِ هَذَا إذَا صَالَحَهُمْ مُدَّةً فَرَأَى نَقْضَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَأَمَّا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ يَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمُضِيِّهَا فَلَا يُنْبَذُ إلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَتْ الْمُوَادَعَةُ عَلَى جُعْلٍ فَنَقَضَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ بِحِصَّتِهِ لِأَنَّهُ مُقَابِلٌ بِالْأَمَانِ فِي الْمُدَّةِ فَيَرْجِعُونَ بِمَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُمْ الْأَمَانُ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُقَاتِلُ بِلَا نَبْذٍ لَوْ خَانَ مَلِكُهُمْ) لِأَنَّ النَّبْذَ لِنَقْضِ الْعَهْدِ وَقَدْ انْتَقَضَ بِالْخِيَانَةِ مِنْهُمْ فَلَا يُتَصَوَّرُ نَقْضُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ لَهُمْ مَنَعَةٌ بِإِذْنِ مَلِكِهِمْ وَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَانِيَةً لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ مَلِكِهِمْ انْتَقَضَ الْعَهْدُ فِي حَقِّهِمْ لَا غَيْرُ حَتَّى يَجُوزَ قَتْلُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ لِأَنَّهُمْ اسْتَبَدُّوا بِأَنْفُسِهِمْ فَيُنْتَقَضُ الْعَهْدُ فِي حَقِّهِمْ وَلَا يُنْتَقَضُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ فِعْلَهُمْ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَعَةٌ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُرْتَدِّينَ بِلَا مَالٍ) أَيْ نُصَالِحُ الْمُرْتَدِّينَ بِلَا أَخْذِ مَالٍ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَرْجُوٌّ مِنْهُمْ فَجَازَ تَأْخِيرُ الْقِتَالِ طَمَعًا فِيهِ إذَا كَانَ فِي التَّأْخِيرِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ الْمَالُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْجِزْيَةَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَرَكَ الْقِتَالَ بِالْمَالِ غَيْرَ أَنَّ الْجِزْيَةَ مُؤَبَّدَةٌ وَهَذَا مُؤَقَّتٌ وَهُمْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ فَكَذَا هَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَخَذَ لَمْ يَرُدَّ) أَيْ إنْ أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُمْ عَلَى الصُّلْحِ لَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ غَيْرُ مَعْصُومَةٍ فَجَازَ أَخْذُهَا ابْتِدَاءً بِغَيْرِ رِضَاهُمْ وَعَلَى هَذَا إذَا طَلَبَ أَهْلُ الْبَغْيِ الْمُوَادَعَةَ أُجِيبُوا إلَيْهَا إنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِأَهْلِ الْعَدْلِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَضْعُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ وَأَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ حَتَّى لَا يَجُوزَ. اهـ. (قَوْلُهُ الدَّنِيَّةُ) أَيْ النَّقِيصَةُ. اهـ. اك (قَوْلُهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ) هُوَ سَيِّدُ الْأَوْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ) هُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ نَبَذَا إلَيْهِمْ) أَيْ بَعَثَ إلَيْهِمْ مَنْ يُعْلِمُهُمْ بِنَقْضِ الْعَهْدِ. اهـ.

(وَلَمْ نَبِعْ سِلَاحًا مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةٌ لَهُمْ فَيَحْرُمُ وَكَذَا الْكُرَاعُ وَالْحَدِيدُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْوِيَتِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ لِأَنَّ الْحَدِيدَ أَصْلُ السِّلَاحِ وَكَذَا بَعْدَ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ النَّقْضِ أَوْ الِانْقِضَاءِ وَكَذَا الرَّقِيقُ لِأَنَّهُمْ يَتَوَالَدُونَ عِنْدَهُمْ فَيَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ مَا يُمْنَعُ الْمُسْلِمُ يُمْنَعُ الْمُسْتَأْمِنُ مِنْهُمْ أَيْضًا أَنْ يَدْخُلَ بِهِ دَارَهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ خَرَجَ هُوَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ بِهِ إلَّا إذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ وَإِنْ بَادَلَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا بِجِنْسِهِ لَا يُمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ خَيْرًا مِنْهُ وَإِنْ بَاعَهُ بِدَارِهِمْ ثُمَّ اشْتَرَى غَيْرَهُ يُمْنَعُ مُطْلَقًا وَلَا يُمْنَعُ مِنْ إدْخَالِ الطَّعَامِ وَالْقُمَاشِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُمْنَعَ لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَتَهُمْ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ ثُمَامَةَ أَنْ يُمِيرَ أَهْلَ مَكَّةَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ نَقْتُلْ مَنْ أَمَّنَهُ حُرٌّ أَوْ حُرَّةٌ) لِأَنَّ أَمَانَ وَاحِدٍ حُرٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَافِرًا وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً صَحِيحٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ الذِّمَّةُ الْعُهْدَةُ وَأَدْنَاهُمْ أَيْ أَقَلُّهُمْ عَدَدًا وَهُوَ الْوَاحِدُ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى الْعَهْدَ الْمُؤَبَّدَ وَالْمُؤَقَّتُ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ الْمَرْأَةَ لَتَأْخُذُ لِلْقَوْمِ» أَيْ تُجِيرُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَجَازَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَانَ أُمِّ هَانِئٍ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَلِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ أَوْ بِمَالِهِ مِنْ أَهْلِ مَنَعَةِ الْإِسْلَامِ فَيَخَافُونَهُ فَيَنْفُذُ أَمَانُهُ فِي حَقِّهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّجَزِّي لِكَوْنِ سَبَبِهِ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَصَارَ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ بَيَانٌ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ أَنَّ الْعِصْمَةَ مِنْ الْقَتْلِ وَحُرْمَةُ الِاسْتِرْقَاقِ وَالِاسْتِغْنَامِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ فِي بَعْضِ شَخْصٍ دُونَ بَعْضِهِ وَمَا لَا يَتَجَزَّأُ لَا يَثْبُتُ إلَّا كَامِلًا فَيَثْبُتُ فِي الْكُلِّ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الْكُلِّ فَيَقُومُ الْوَاحِدُ مَقَامَ الْكُلِّ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْكُلِّ وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ حُرًّا لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ فَلَا يَخَافُهُ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْأَمْنُ مِنْهُ حَتَّى يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَبَذَ لَوْ شَرًّا) أَيْ نَبَذَ الْإِمَامُ أَمَانَ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ شَرًّا رِعَايَةً لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتِرَازًا عَنْ الْغَدْرِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيُؤَدِّبُهُ الْإِمَامُ لِانْفِرَادِهِ بِرَأْيِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ فَيُعْذَرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ أَمَانُ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِهِمْ وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ الْأَمَانِ أَيْضًا وَهُوَ الْإِيمَانُ إلَّا إذَا أَمَرَهُ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ فَيَجُوزُ أَمَانُهُ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِرَأْيِ الْمُسْلِمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ) لِأَنَّهُمَا مَقْهُورَانِ تَحْتَ أَيْدِيهمْ فَلَا يَخَافُونَهُمَا وَالْأَمَانُ يَكُونُ مِنْ الْخَوْفِ وَلِأَنَّهُمَا يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ فَيَعْرَى الْأَمَانُ عَنْ الْمَصْلَحَةِ وَلَوْ جَازَ مِثْلُ هَذَا لَتَحَصَّنُوا بِأَمَانِهِ كُلَّمَا اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ الْأَمْرُ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْفَتْحِ وَكَذَا أَمَانُ الْمُسْلِمِ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِهِمْ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا وَكَذَا لَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّنَهُمْ لَا يَصْلُحُ أَمَانُهُ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ بِمَنَعَتِهِمْ فَلَا يَصِحُّ إلَّا إذَا أَمَّنَهُمْ مَنْ يُقَاوِمُهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَّنَ عِشْرِينَ أَوْ نَحْوَهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ يَجُوزُ أَمَانُهُ لِأَنَّ الْوَاحِدَ وَإِنْ كَانَ مَقْهُورًا بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا يُقَاوِمُهُمْ لَكِنَّهُ قَاهِرٌ مُمْتَنِعٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ إذْ هُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ قَاهِرًا لَهُمْ حُكْمًا بِخِلَافِ الْجَيْشِ فَإِنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ فَلَا يَكُونُونَ فِي قَهْرِهِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَوْ دَخَلُوا دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ كَانُوا فَيْئًا وَلَوْ دَخَلَ جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْهُمْ فَقَاتَلَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَهَرُوهُمْ كَانُوا لَهُمْ خَاصَّةً لِعَدَمِ صَيْرُورَتِهِمْ مَقْهُورِينَ بِحُصُولِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَخْرَجَهُمْ وَاحِدٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ بِشَوْكَتِهِمْ إذَا كَانُوا جُنْدًا عَظِيمًا وَإِلَّا فَبِالْأَمَانِ فَلَا يَجُوزُ غَدْرُهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَبْدٍ مَحْجُورٍ عَنْ الْقِتَالِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَمَانُ عَبْدٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ عَنْ الْقِتَالِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَمَانُهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» أَيْ أَدْنَاهُمْ حَالًا وَهُوَ الْعَبْدُ وَلِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ أَهْلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ نَبِعْ سِلَاحًا مِنْهُمْ) أَيْ وَلَا نَبْعَثُ التُّجَّارَ إلَيْهِمْ. اهـ. اك (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكُرَاعُ) يَعْنِي الْخَيْلُ. اهـ. (قَوْلُهُ يَمِيرُ) يُقَالُ مَارَ أَهْلَهُ أَيْ أَتَاهُمْ بِالطَّعَامِ. اهـ. اك. (قَوْلُهُ أَقَلُّهُمْ عَدَدًا) وَإِنَّمَا فَسَّرَ الْأَدْنَى بِالْأَقَلِّ احْتِرَازًا عَنْ تَفْسِيرِ مُحَمَّدٍ الْآتِي إذْ عِنْدَهُ الْمُرَادُ بِأَدْنَاهُمْ أَدْنَاهُمْ حَالًا وَهُوَ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الدَّنَاءَةِ وَالْعَبْدُ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ. اهـ (قَوْلُهُ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاحِدٌ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ وَاحِدَةٍ اهـ

[باب الغنائم وقسمتها]

لِلْقِتَالِ فَيَخَافُونَهُ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْأَمَانِ كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِذْنَ تَأْثِيرُهُ فِي دَفْعِ الْمَانِعِ لَا فِي إثْبَاتِ الْأَهْلِيَّةِ لِمَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ وَأَهْلِيَّةُ هَذَا التَّصَرُّفِ بِالْإِيمَانِ وَالِامْتِنَاعِ وَلِهَذَا لَوْ عَقَدَ مَعَهُمْ عَقْدَ الذِّمَّةِ جَازَ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَذَا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ لِلتَّأْبِيدِ فَيُمْكِنُ نَقْضُهُ عِنْدَ ظُهُورِ الْخَلَلِ فِيهِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْقِتَالَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْطِيلِ مَصَالِحِهِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا تَعْطِيلَ فِي الْكَلَامِ الْمُجَرَّدِ بَلْ فِيهِ نَفْعٌ يَعُودُ إلَى الْمَوْلَى وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذْ الْكَلَامُ فِيهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَمَانَ جِهَادٌ مَعْنًى عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَنْهُ فَيَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عَنْ الْأَمَانِ بِالضَّرُورَةِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْأَمَانَ إزَالَةُ الْخَوْفِ وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِتَالَ لَا يَخَافُونَهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَمَانُهُ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ جِهَادٍ فَلَا يَعْمَلُهُ إلَّا مَنْ يُبَاشِرُهُ فَيُخْطِئُ ظَاهِرًا فَيُمْنَعُ كَيْ لَا يَنْسَدَّ عَلَيْهِمْ بَابُ الْفَتْحِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالْقِتَالِ لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِوُجُوهِ الْقِتَالِ وَيَخَافُونَهُ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقِتَالَ وَبِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ بِمَالِهَا وَكَذَا بِنَفْسِهَا حَتَّى تَخْرُجَ لِتَعْمَلَ عَمَلًا يَلِيقُ بِحَالِهَا وَذَلِكَ جِهَادٌ مِنْهَا فَيَحْصُلُ الْخَوْفُ مِنْهَا وَبِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّعْوَةِ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْجِزْيَةِ فَيَكُونُ نَفْعُهُ ظَاهِرًا وَلِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ عِنْدَ طَلَبِهِمْ ذَلِكَ وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ نَفْعٌ مَحْضٌ فَافْتَرَقَا وَلَوْ أَمَّنَّ صَبِيٌّ لَا يَعْقِلُ لَا يَصِحُّ كَالْجُنُونِ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَعَلَى الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ وَمُخْتَلِطُ الْعَقْلِ الَّذِي يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَيَصِفُهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ فِيمَا ذَكَرْنَا [بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا] (بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَا فَتَحَ الْإِمَامُ عَنْوَةً قَسَّمَ بَيْنَنَا أَوْ أَقَرَّ أَهْلَهَا وَوَضَعَ الْجِزْيَةَ وَالْخَرَاجَ) يَعْنِي إذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً قَهْرًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ يَعْنِي بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَعَلَى أَرَاضِيهمْ الْخَرَاجَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِسَوَادِ الْعِرَاقِ بِمُوَافَقَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَلَمْ يَجِدْ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَّا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَيَانًا لَيْسَ لَهُمْ مِنْ شَيْءٍ مَا فَتَحْتُ عَلَى قَرْيَةٍ إلَّا قَسَمْتهَا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقِيلَ الْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ لِتَكُونَ عُدَّةً لِلنَّوَائِبِ وَهَذَا فِي الْعَقَارِ وَأَمَّا الْمَنْقُولُ وَحْدَهُ فَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ الشَّرْعُ وَلِأَنَّهُ يَدُومُ بَلْ يَنْقَطِعُ وَالْجَوَازُ بِاعْتِبَارِ الدَّوَامِ نَظَرًا لَهُمْ وَلِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُمْ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بِالرِّقَابِ وَحْدَهُ بِدُونِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَبَعًا لِلْأَرَاضِيِ كَيْ لَا يَشْتَغِلُوا بِالزِّرَاعَةِ عَنْ الْجِهَادِ. ثُمَّ إذَا مَنَّ عَلَيْهِمْ بِالرِّقَابِ وَالْأَرَاضِي يَدْفَعُ إلَيْهِمْ مِنْ الْمَنْقُولِ قَدْرَ مَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ بِهِ الْعَمَلُ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرَكَ لَهُمْ ذَلِكَ وَهُوَ الْقُدْوَةُ فِي الْبَابِ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِالزِّرَاعَةِ وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الزِّرَاعَةِ إلَّا بِآلَتِهَا فَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُمْ بِهَا بِدُونِ الْآلَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِالْأَرَاضِيِ بَلْ يَقْسِمُهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالِاسْتِيلَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَمَنْ) فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِالْكَافِ وَصَوَابُهُ كَمَا فِي الْكَافِي بِاللَّامِ اهـ (بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتُهَا) إنَّمَا ذَكَرَ الْغَنَائِمَ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَمَانِ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا حَاصَرَ الْكُفَّارَ إمَّا أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَهُمْ وَيَغْنَمَ أَمْوَالَهُمْ فَكَانَتْ الْغَنِيمَةُ وَقِسْمَتُهَا أَحَدَ مَا يَخْتَارُهُ الْإِمَامُ ثُمَّ الْغَنِيمَةُ اسْمٌ لِمَالٍ مَأْخُوذٍ مِنْ الْكَفَرَةِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ وَالْفَيْءُ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ كَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ وَفِي الْغَنِيمَةِ خُمُسٌ دُونَ الْفَيْءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَا فَتَحَ الْإِمَامُ عَنْوَةً) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً عَنْوَةً أَيْ قَهْرًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ عَنْوَةً أَيْ قَهْرًا لَيْسَ بِتَفْسِيرٍ لَهُ لُغَةً لِأَنَّ الْعَنْوَةَ مِنْ عَنَا يَعْنُو إذَا ذُلَّ وَخَضَعَ إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ الْقَهْرَ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّ الْقَهْرَ يَسْتَلْزِمُ الذُّلَّ وَذِكْرُ اللَّازِمِ وَإِرَادَةُ الْمَلْزُومِ كِنَايَةٌ اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ الْعَنْوَةَ بِالْقَهْرِ وَهُوَ ضِدُّهُ لِأَنَّهُ مِنْ عَنَا يَعْنُو عَنْوَةً وَعِنْوًا إذَا ذَلَّ وَخَضَعَ وَمِنْهُ {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111] وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فَتَحَ بَلْدَةً حَالَ كَوْنِ أَهْلِهَا ذَوِي عَنْوَةٍ أَيْ ذُلٍّ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ قَهَرَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ وَفِيهِ وَضْعُ الْمَصْدَرِ مَوْضِعُ الْحَالِ وَهُوَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ إلَّا فِي أَلْفَاظٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِطْلَاقُ اللَّازِمِ وَإِرَادَةُ الْمَلْزُومِ فِي غَيْرِ التَّعَارِيفِ بَلْ ذَلِكَ فِي الْإِخْبَارَاتِ عَلَى أَنْ يُرَادَ مَعْنَى الْمَذْكُورِ لَا الْمَجَازِ لَكِنْ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى آخَرَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِتِلْكَ الْإِرَادَةِ كَكَثِيرِ الرَّمَادِ وَلَوْ أَرَادَ بِهِ نَفْسَ الْجُودِ كَانَ مَجَازًا مِنْ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ مَجَازٌ اشْتَهَرَ فَإِنَّ (عَنْوَةً) اُشْتُهِرَ فِي نَفْسِ الْقَهْرِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ نَفْسُهُ تَعْرِيفًا اهـ. (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ قَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ) أَيْ مَعَ رُءُوسِ أَهْلِهَا اسْتِرْقَاقًا وَأَمْوَالَهُمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا) أَيْ مَنَّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا وَتَرَكَهُمْ أَحْرَارَ الْأَصْلِ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ وَالْأَرَاضِي مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ وَجَعَلَ الْجِزْيَةَ عَلَيْهِمْ وَالْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ) مِثْلَ بِلَالٍ وَسَلْمَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ بَبَّانَا) الْبَبَّانِ بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ وَنُونٍ أَيْ أَتْرُكُهُمْ شَيْئًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ إذَا قَسَمَ الْبِلَادَ الْمَفْتُوحَةَ عَلَى الْغَانِمِينَ بَقِيَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْغَنِيمَةَ وَمَنْ يَجِيءُ بَعْدُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ شَيْءٍ مِنْهَا فَلِذَلِكَ تَرَكَهَا لِتَكُونَ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَدْرَ مَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ بِهِ الْعَمَلُ) أَيْ لِيَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِالْأَرَاضِيِ) أَيْ فِي الْمَفْتُوحِ قَهْرًا وَالْمَنُّ بِالْمَنْقُولِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالِاسْتِيلَاءِ) أَيْ عِنْدَهُ اهـ

فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ مُلْكِهِمْ أَوْ حَقِّهِمْ عَنَّا إلَّا بِبَدَلٍ يُعَدُّ لَهُ وَالْخَرَاجُ لَا يُعَدُّ لَهُ لِقِلَّتِهِ بِخِلَافِ الْمَنِّ عَلَى الرِّقَابِ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ بِالْقَتْلِ أَصْلًا فَبِالْعِوَضِ الْقَلِيلِ أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ الْآدَمِيَّ حُرٌّ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَالرِّقُّ عَارِضٌ بِمَشِيئَةِ الْإِمَامِ بَعْدَ الْأَسْرِ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا عَنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَفَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ عَنْوَةً وَمَنَّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا وَلَمْ يَقْسِمْهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَانْطَلَقَا وَمَا يَشَاءُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ مَا شَاءَ إلَّا قَتَلَهُ فَقَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ كُلُّ ذَلِكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَجَارَتْ أُمُّ هَانِئٍ رَجُلًا فَأَرَادَ عَلِيٌّ قَتْلَهُ فَمَنَعَتْهُ فَأَخْبَرَتْ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت يَا أُمَّ هَانِئٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَوْ كَانَ فَتَحَهَا بِالصُّلْحِ لَحَصَلَ الْأَمَانُ بِذَلِكَ لَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمْ وَلِمَنْ يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَالْأَكَرَةِ الْعَامِلَةِ لَهُمْ الْعَالِمَةِ بِوُجُوهِ الزِّرَاعَةِ وَالْمُؤَنُ مُرْتَفِعَةٌ عَنْهُمْ وَالْخَرَاجُ وَإِنْ قَلَّ فِي الْحَالِ فَهُوَ أَكْثَرُ فِي الْمَآلِ فَالْقَلِيلُ الدَّائِمُ خَيْرٌ مِنْ الْكَثِيرِ الْمُنْقَطِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَتَلَ الْأَسْرَى أَوْ اسْتَرَقَّ أَوْ تَرَكَ أَحْرَارًا ذِمَّةٌ لَنَا) مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِمَامَ بِالْخِيَارِ فِي الْأَسَارَى إنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ كَمَا قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي قُرَيْظَةَ فَإِنَّهُ قَتَلَ مُقَاتِلَهُمْ وَاسْتَرَقَّ ذَرَارِيَّهُمْ وَفِيهِ حَسْمُ مَادَّةِ الْفَسَادِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ لِأَنَّ فِيهِ تَوْفِيرَ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ دَفْعِ شَرِّهِمْ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِ إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا بَيَّنَّا وَشَرُّهُمْ قَدْ انْدَفَعَ بِذَلِكَ مَعَ تَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ لَهُمْ لِأَنَّهُ كَالِاسْتِرْقَاقِ إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ لَهُ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ لِأَنَّ قَتْلَهُ أَوْ وَضْعَ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَرُمَ رَدُّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَالْفِدَاءُ وَالْمَنُّ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ تَقْوِيَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَعَوْدُهُمْ حَرْبًا عَلَيْهِمْ وَدَفْعُ شَرِّهِمْ خَيْرٌ مِنْ إنْقَاذِ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي أَيْدِيهِمْ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْنَا وَتَقْوِيَتُهُمْ بِدَفْعِ أَسِيرِهِمْ مُضَافٌ إلَيْنَا فَيَحْرُمُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفَادِيَ بِهِمْ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَاجِبٌ وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ تَرْكِ قَتْلِ أَسْرَى الْكُفَّارِ وَذَلِكَ جَائِزٌ بِدُونِ هَذَا. أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَضَعَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمَنْفَعَةُ تَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ أَوْلَى مِنْ اسْتِرْقَاقِهِمْ أَوْ جَعْلِهِمْ ذِمَّةً وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَادَى بِهِمْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ هَذَا هُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا بَعْدَهَا لِأَنَّ الثَّابِتَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِدُونِ رِضَاهُ بِعِوَضٍ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا الثَّابِتُ فِيهِ حَقُّ الْمِلْكِ فَلَا يُمْنَعُ الْإِمَامُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَلَوْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ لَا يُفَادِي بِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إلَّا إذَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا مُفَادَاةٌ بِالْمَالِ فَلَا تَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْمَالِ وَإِنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ مُطْلَقًا وَكَذَا مُفَادَاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ حَقُّهُمْ عَنْهَا) أَيْ عِنْدَنَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَجَارَتْ أُمُّ هَانِئٍ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَأَجَرَتْ أُمُّ هَانِئٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ كَالْأَكَرَةِ) جَمْعُ أَكَارٍ وَهُمْ الْفَلَّاحُونَ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ) أَيْ قَبْلَ إسْلَامِهِمْ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامَ أَوْ السَّيْفَ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْإِمَامِ فِي الرِّقَابِ ثَلَاثَ خِيَارَاتٍ الْقَتْلُ وَالِاسْتِرْقَاقُ وَجَعْلُهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَلَى الْجِزْيَةِ لَكِنَّ الْقَتْلَ إنَّمَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَإِذَا أَسْلَمُوا فَلَا قَتْلَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ) بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الِاسْتِيلَاءِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِرْقَاقُ لِأَنَّهُ صَارَ أَوْلَى النَّاسِ بِنَفْسِهِ قَبْلَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ وَالْأَخْذُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَنُّ) أَيْ بِأَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِرْقَاقٍ وَلَا ذِمَّةٍ وَلَا قَتْلٍ. اهـ. كَيْ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا رَأَى الْإِمَامَ ذَلِكَ وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي أَيْدِيهِمْ) أَيْ وَهُوَ يَتَلَافَى حَقَّهُ فَقَطْ وَالضَّرَرُ بِدَفْعِ أَسِرْهُمْ إلَيْهِمْ يَعُودُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يُفَادِي بِهِمْ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ إلَّا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِهِنَّ عِنْدَهُمْ وَمَنَعَ أَحْمَدُ الْمُفَادَاةَ بِصِبْيَانِهِمْ اهـ (قَوْله وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ) أَيْ الْفِدَاءُ. اهـ. (قَوْلُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا بَعْدَهَا) أَيْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ بِكُلِّ حَالٍ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمُفَادَاةُ بِالْمَالِ) أَيْ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْمُفَادَاةُ بِالْمَالِ فَهَلْ تَجُوزُ فَالْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِنَا لَا تَجُوزُ كَيْ لَا يَعُودَ حَرْبًا عَلَيْنَا يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ نَزَلَ الْعَذَابُ مَا نَجَا مِنْهُ إلَّا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُشِيرُ بِالْقَتْلِ وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} [البقرة: 85] فَدَلَّ أَنَّهُ حَرَامٌ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَادَى أَسَارَى بَدْرٍ بِمَالٍ أَخَذَهُ» وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ عَجِيبٌ مَعَ نُزُولِ الْآيَةِ بِالْإِنْكَارِ عَلَى الْمُفَادَاةِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَيُفَادِي أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ قُوَّةٌ لِلْحَرْبِ كَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُفَادِي بِالسِّلَاحِ اهـ (قَوْلُهُ فَلَا تَجُوزُ) أَيْ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اهـ. كَافِي

أَسَرَاهُمْ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ تَجُوزُ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] وَأَخَذَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ الْمَالَ فِدَاءً عَنْ أَنْفُسِهِمْ قُلْنَا نُسِخَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِآيَةِ السَّيْفِ لِأَنَّ الْمَنَّ وَالْفِدَاءَ مَذْكُورٌ فِي سُورَةِ مُحَمَّدٍ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ وَآيَةُ السَّيْفِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ وَهِيَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ وَعُوتِبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْأَخْذِ يَوْمَ بَدْرٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: 68] الْآيَةَ فَجَلَسَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ يَبْكِيَانِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَوْ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ عَذَابٌ لَمَا نَجَا إلَّا عُمَرُ وَكَانَ قَدْ قَالَ بِقَتْلِهِمْ دُونَ أَخْذِ الْفِدَاءِ مِنْهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَقْرُ مَوَاشٍ شَقَّ إخْرَاجُهَا فَتُذْبَحُ وَتُحْرَقُ) يَعْنِي يَحْرُمُ عَقْرُ الْمَوَاشِي فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا تَعَذَّرَ إخْرَاجُهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَلْ تُذْبَحُ وَتُحْرَقُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُتْرَكُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَلَنَا أَنَّ ذَبْحَ الْأَنْعَامِ جَائِزٌ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَلَا غَرَضَ أَصَحَّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَتِهِمْ وَإِلْحَاقِ الْغَيْظِ بِهِمْ ثُمَّ تُحْرَقُ كَيْ لَا يَنْتَفِعُوا بِاللَّحْمِ كَمَا تُخَرَّبُ بُيُوتُهُمْ وَتُقَطَّعُ أَشْجَارُهُمْ وَتُقْلَعُ زُرُوعُهُمْ وَلَا تُحْرَقُ قَبْلَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَا تُعْقَرُ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَتُحْرَقُ الْأَسْلِحَةُ وَمَا لَا يَحْتَرِقُ مِنْهَا يُدْفَنُ فِي مَكَان لَا يَقِفُونَ عَلَيْهِ كَيْ لَا يَنْتَفِعُوا بِهِ وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ نَقْلُ السَّبْيِ يُقْتَلُ الرِّجَالُ مِنْهُمْ وَتُخْلَى الذَّرَارِيُّ فِي مَضْيَعَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جَوْعًا وَعَطَشًا كَيْ لَا يَعُودَ ضَرَرُهُمْ عَلَيْنَا بِالتَّوَالُدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِهِمْ لَا لِلْإِيدَاعِ) أَيْ حَرُمَ قِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِغَيْرِ الْإِيدَاعِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ قِسْمَتُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ مِنْهَا إذَا لَحِقَهُمْ مَدَدٌ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ وَلَا يُشَارِكُونَهُمْ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا يُشَارِكُونَهُمْ وَمِنْهَا أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْغَانِمِينَ لَوْ وَطِئَ أَمَةً مِنْ السَّبْيِ فَوَلَدَتْ فَأَعَادَهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ عِنْدَهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ لِفَقْدِ الْمِلْكِ وَيَجِبُ الْعُقْرُ وَتُقَسَّمُ الْأَمَةُ وَالْوَلَدُ وَالْعُقْرُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَمِنْهَا جَوَازُ بَيْعِهِ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ وَعِنْدَنَا لَا وَمِنْهَا مَا إذَا مَاتَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ يُورَثُ نَصِيبُهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ وَمِنْهَا مَا لَوْ أَتْلَفَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُزَاةِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَضْمَنُ وَمِنْهَا مَا لَوْ قَسَمَ الْإِمَامُ الْغَنِيمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ «وَأَخَذَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ الْمَالَ فِدَاءً») أَيْ فَإِنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَادَى أَسَارَى بَدْرٍ بِالْمَالِ وَالْفِدَاءُ كَانَ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ». اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ قُلْنَا نُسِخَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِآيَةِ السَّيْفِ) قَالَ تَعَالَى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67] إلَى قَوْلِهِ {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] (قَوْلُهُ وَهِيَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ) أَيْ فِي هَذَا الشَّأْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَقْرُ مَوَاشٍ) الْمَوَاشِي جَمْعُ مَاشِيَةٍ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ اهـ (قَوْلُهُ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا بِمَعْنَى الْأَكْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ الْمَأْكَلَةُ مَصْدَرٌ كَالْأَكْلِ. اهـ. كَيْ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ هَذَا غَرِيبٌ لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) أَيْ لِمَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا لَا يَحْتَرِقُ مِنْهَا) أَيْ بِأَنْ كَانَ مِنْ الْحَدِيدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَتُخْلَى الذَّرَارِيُّ فِي مَضْيَعَةٍ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ تُتْرَكُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فِي أَرْضٍ غَامِرَةٍ أَيْ خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا كَيْ لَا يَعُودُوا حَرْبًا عَلَيْنَا لِأَنَّ النِّسَاءَ بِهِنَّ النَّسْلُ وَالصِّبْيَانُ يَبْلُغُونَ فَيَصِيرُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا فَبَعِيدٌ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ ثُمَّ قَدْ صَارُوا أَسَارَى بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ وَقَدْ «أَوْصَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَسْرَى خَيْرًا». اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ) قَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْغَانِمِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْقَسْمِ حَيْثُمَا كَانَتْ أَوْ بِاخْتِيَارِ الْغَانِمِ التَّمَلُّكَ وَلَيْسَ هُوَ قَائِلًا إنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْغَانِمِينَ بِالْهَزِيمَةِ كَمَا نَقَلُوا عَنْهُ وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَسْمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مِلْكُ أَحَدٍ بَلْ يَتَأَكَّدُ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ مِنْ الْغَانِمِينَ عَبْدًا بَعْدَ الْإِحْرَازِ لَا يُعْتَقُ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَالِكٌ مُشْتَرَكٌ عَتَقَ بِعِتْقِ الشَّرِيكِ وَيَجْرِي فِيهِ مَا عُرِفَ فِي عِتْقِ الشَّرِيكِ وَتَخْرُجُ الْفُرُوعُ الْمُخْتَلِفَةُ عَلَى هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ وَطِئَ أَمَةً مِنْ السَّبْيِ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ عِنْدَهُ) أَيْ لَا لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ الْهَزِيمَةِ بَلْ لِاخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكَ فَبِالْهَزِيمَةِ ثَبَتَ لِكُلٍّ حَقُّ التَّمَلُّكِ فَإِنْ سَلَّمَتْ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَخَذَهَا وَإِلَّا أَخَذَهَا وَكَمَّلَ مِنْ مَالِهِ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْحَمْلِ وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِثُبُوتِ سَبَبِ الْمِلْكِ وَتُقْسَمُ الْجَارِيَةُ وَالْوَلَدُ وَالْعُقْرُ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عِنْدَنَا وَلَوْ تَأَكَّدَ الْحَقُّ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ بِخِلَافِ اسْتِيلَادِ جَارِيَةِ الِابْنِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّمَلُّكِ فَيَمْتَلِكُهَا بِنَاءً عَلَى الِاسْتِيلَادِ وَلَيْسَ لَهُ هُنَا تَمَلُّكُ الْجَارِيَةِ بِدُونِ رَأْي الْإِمَامِ نَعَمْ لَوْ قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ عَلَى الرَّايَاتِ الْعَرَّافَةِ فَوَقَعَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ أَهْلِ رَايَةٍ صَحَّ اسْتِيلَادُ أَحَدِهِمْ لَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِتْقُهُ لَهَا لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ تِلْكَ الرَّايَةِ شَرِكَةَ مِلْكٍ وَعِتْقُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ نَافِذٌ لَكِنَّ هَذَا إذَا قَلُّوا حَتَّى تَكُونَ الشَّرِكَةُ خَاصَّةً أَمَّا إذَا كَثُرُوا فَلَا لِأَنَّ بِالشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ لَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْإِعْتَاقِ قَالَ وَالْقَلِيلُ إذَا كَانُوا مِائَةً أَوْ أَقَلَّ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخْرَى قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَوْلَى لَا يُؤَقَّتُ وَيُجْعَلُ مَوْكُولًا إلَّا اجْتِهَادِ الْإِمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْعُقْرُ) أَيْ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ لِوُجُودِ سَبَبٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا جَوَازُ بَيْعِهِ) أَيْ بَيْعُ الْإِمَامِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا مَا إذَا مَاتَ وَاحِدٌ) أَيْ مِنْ الْغُزَاةِ أَوْ قُتِلَ اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا مَا لَوْ أَتْلَفَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُزَاةِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ) أَيْ قَبْلَ الْإِحْرَازِ لَا يَضْمَنُ اهـ

لَا عَنْ اجْتِهَادٍ وَلَا لِحَاجَةِ الْغُزَاةِ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَصِحُّ لَهُ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ غَنَائِمَ خَيْبَرَ فِيهَا وَغَنَائِمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فِيهَا» وَلِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ قَدْ تَمَّ وَهُوَ الِاسْتِيلَاء عَلَى مُبَاح فَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ مُوجِبه كَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَاب. وَلَنَا أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْع الْغَنِيمَة فِي دَار الْحَرْب» وَالْقِسْمَة فِيهَا مَعْنَى الْبَيْع لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمُبَادَلَة مَعْنَى وَالْبَيْع أَيْضًا عَلَى الْخِلَاف فَيَكُون حُجَّة عَلَيْهِ فِيهِ وَفِي الْقِسْمَة دَلَالَة وَلِأَنَّ فِيهِ قَطَعَ حَقّ الْمَدَد فَلَا يَشْرَع كَيْلًا يَتَقَاعَدُوا عَنْ الْغَوْث وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَاء يَكُون بِإِثْبَاتِ الْيَد وَالنَّقْل وَلَمْ يُوجَد النَّقْل لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى الِاسْتِنْقَاذ ظَاهِرًا إذْ الْقُوَّة لَهُمْ فِي دَارهمْ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَسَمَ قَبْل الْهَزِيمَة أَوْ قَبْل اسْتِقْرَارهَا وَمَا رُوِيَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَتْح تِلْكَ الْبِلَاد وَصَارَتْ دَار الْإِسْلَام وَلَا خِلَاف فِيهِ وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِيمَا إذَا لَمْ تَصِرْ دَار الْإِسْلَام ثُمَّ هِيَ لَا تَجُوز عِنْدهمَا وَعِنْد مُحَمَّدٍ تَكْرَه كَرَاهِيَة تَنْزِيه وَعِنْد الشَّافِعِيِّ لَا تَكْرَه فَتَتَرَتَّب الْأَحْكَام عَلَيْهَا عِنْدهمَا وَعِنْدنَا لَا تَتَرَتَّب وَقِيلَ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ فَصْل مُجْتَهِد فِيهِ وَقَدْ أَمْضَاهُ وَقِيلَ إذَا قَسَمَ عَنْ اجْتِهَاد جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ قَسَمَ لَا عَنْ اجْتِهَاد فَهُوَ مَوْضِع الْخِلَاف وَقَوْله لَا لِلْإِيدَاعِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْقِسْمَة لِلْإِيدَاعِ جَائِزَة وَصُورَتهَا أَنْ لَا يَكُون لِلْإِمَامِ مِنْ بَيْت الْمَال حَمُولَةٌ يَحْمِل عَلَيْهَا الْغَنَائِم فَيَقْسِمهَا بَيْن الْغَانِمِينَ قِسْمَة إيدَاعٍ لِيَحْمِلُوهَا إلَى دَار الْإِسْلَام ثُمَّ يَرْتَجِعهَا مِنْهُمْ فِيهَا فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَحْمِلُوهَا أَجْبُرهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَجْرِ الْمِثْل فِي رِوَايَة السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِأَنَّهُ دَفَعَ ضَرَر عَام بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ خَاصّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّة شَهْرًا فَمَضَتْ الْمُدَّة فِي الْمَفَازَة أَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَة فَمَضَتْ الْمُدَّة فِي وَسَط الْبَحْر فَإِنَّهُ يَنْعَقِد إلَيْهَا إجَارَة أُخْرَى بِأَجْرِ الْمِثْل وَلَا يَجْبُرهُمْ فِي رِوَايَة السِّيَرِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَر عَلَى عَقَدَ الْإِجَارَة ابْتِدَاء كَمَا إذَا نَفَقَتْ دَابَّته فِي الْمَفَازَة وَمَعَ رَفِيقه دَابَّة لَا يُجْبَر عَلَى الْإِجَارَةِ بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ فَإِنَّهُ بِنَاء وَلَيْسَ بِابْتِدَاءِ وَهُوَ أَسْهَلَ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ فِي بَيْت الْمَال أَوْ فِي الْغَنِيمَة حُمُولَة حَمَلَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْكُلّ مَالهمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْعُهَا قَبْلَهَا) أَيْ حَرُمَ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبْتَاعَ مَغْنَمًا حَتَّى يُقَسَّمَ وَلَا أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ وَلَا أَنْ يَرْكَبَ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ لَمْ يَمْلِكْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ بِهَا نَصِيبُهُ مَجْهُولٌ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَرَكَ الرِّدْءَ وَالْمَدَدَ فِيهَا) أَيْ فِي الْغَنِيمَةِ أَمَّا الرِّدْءُ فَلِتَحَقُّقِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الْمُجَاوَزَةُ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ وَهِيَ السَّبَبُ عِنْدَنَا لَا حَقِيقَةَ الْقِتَالِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شُهُودُ الْوَقْعَةِ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَأَمَّا الْمَدَدُ فَلِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ هُوَ الْقَهْرُ وَتَمَامُ الْقَهْرِ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ وَقَدْ شَارَكَهُمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهُ بِالْمَدَدِ يَنْقَطِعُ طَمَعُهُمْ فِي الِاسْتِنْقَاذِ وَفِيهِ تَحْرِيضُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْإِمْدَادِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى قَهْرِ الْعَدُوِّ وَالتَّلَاحُقِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] وَفِي عَكْسِهِ عَكْسُهُ مِنْ التَّقَاعُدِ وَعَدَمِ التَّنَاصُرِ فَيُؤَدِّي إلَى خِذْلَانِهِمْ فَلَا يَجُوزُ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ إذَا لَحِقُوهُمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ وَتَقَرُّرِ الْهَزِيمَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ بِالْأَخْذِ وَاسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ وَعِنْدَنَا تُمْلَكُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِوُجُودِ الِاسْتِيلَاءِ فِيهَا صُورَةً وَمَعْنًى أَوْ بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ آكَدُ مِنْ الْإِحْرَازِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ الْخَاصُّ أَوْ بِالْبَيْعِ لِأَنَّ جَوَازَهُ يَعْتَمِدُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا فَالْحُكْمُ بِهِ حُكْمٌ بِاسْتِقْرَارِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا السُّوقِيُّ بِلَا قِتَالٍ) أَيْ لَا يَسْتَحِقُّ أَهْلَ سُوقِ الْعَسْكَرِ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ يُسْهَمُ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» وَلِأَنَّ الْجِهَادَ قَدْ وُجِدَ مِنْهُمْ مَعْنًى بِتَكْثِيرِ السَّوَادِ فَصَارُوا كَالْمُقَاتِلِينَ وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ الْمُجَاوَزَةُ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّهُمْ قَصَدُوا التِّجَارَةَ لَا إعْزَازَ الدِّينِ وَإِرْهَابَ الْعَدُوِّ فَإِنْ قَاتَلُوا اسْتَحَقُّوا السَّهْمَ لِأَنَّهُمْ بِالْمُبَاشَرَةِ ظَهَرَ أَنَّ قَصْدَهُمْ الْقِتَالُ وَالتِّجَارَةُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يَضُرُّهُ كَالْحَاجِّ إذَا تَجَرَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَوْ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَغَنَائِمُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ) أَيْ وَأَوْطَاسَ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ) أَيْ الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فِي تَجْوِيزِهِ الْبَيْعَ ثَمَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ حُمُولَةً) بِفَتْحِ الْحَاءِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ بَعِيرٍ وَفَرَسٍ وَغَيْرِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَجْبُرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ) أَيْ وَالْأُجْرَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَجْبُرُهُمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْجُهُ إنْ خَافَ تَفَرُّقَهُمْ لَوْ قَسَمَهَا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ يَفْعَلُ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَخَفْ قَسَمَهَا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِلْحَاجَةِ وَفِيهِ إسْقَاطُ الْإِكْرَاءِ وَإِسْقَاطُ الْأُجْرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَرُمَ بَيْعُ الْغَنَائِمِ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا فِي بَيْعِ الْغُزَاةِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا بَيْعُ الْإِمَامِ لَهَا فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَأَقَلُّهُ تَخْفِيفُ إكْرَاءِ الْحَمْلِ عَنْ النَّاسِ أَوْ عَنْ الْبَهَائِمِ وَنَحْوِهِ وَتَخْفِيفُ مُؤْنَتِهِ عَنْهُمْ فَيَقَعُ عَنْ اجْتِهَادٍ فِي الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَقَعُ جُزَافًا فَيَنْعَقِدُ بِلَا كَرَاهَةٍ مُطْلَقًا. اهـ. (قَوْلُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشَرَك الرِّدْءَ) أَيْ وَهُوَ الْمُعِينُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالرِّدْءُ وَالْمُقَاتِلُ قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا أَمِيرُ الْعَسْكَرِ سَوَاءٌ فِي الْغَنِيمَةِ لَا يَتَمَيَّزُ وَاحِدٌ عَنْ آخَرَ بِشَيْءٍ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِالْقِسْمَةِ) أَيْ بِدَارِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِالْبَيْعِ) أَيْ بَيْعِ الْإِمَامِ الْغَنِيمَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَهْلُ سُوقِ الْعَسْكَرِ مِنْ الْغَنِيمَةِ) أَيْ لَا سَهْمَ وَلَا رَضْخَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ) الْوَقْعَةُ هِيَ الْقِتَالُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْمُجْمَلِ الْوَاقِعَةُ صَدْمَةُ الْحَرْبِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ قَاتَلُوا اسْتَحَقُّوا السَّهْمَ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا كَقَوْلِنَا وَالْآخَرُ يُسْهَمُ لَهُمْ. اهـ. فَتْحٌ

مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ شَهِدَهَا عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا مَنْ مَاتَ فِيهَا وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا يُورَثُ نَصِيبُهُ) أَيْ لَا يَسْتَحِقُّ مَنْ مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَمُرَادُهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ الْغَنِيمَةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَ الْإِخْرَاجِ يُورَثُ نَصِيبُهُ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ قَبْلَهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُورَثُ إذَا مَاتَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ بِهِ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْتَفِعُ فِيهَا بِعَلَفٍ وَطَعَامٍ وَحَطَبٍ وَسِلَاحٍ وَدُهْنٍ بِلَا قِسْمَةٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَمْرٍو «إنَّ جَيْشًا غَنِمُوا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا وَعَسَلًا فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ الْخُمُسُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُمْ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ قَالَ «أَصَبْت جِرَابًا مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَالْتَزَمْته فَقُلْت لَا أُعْطِي الْيَوْمَ أَحَدًا مِنْ هَذَا شَيْئًا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَبَسِّمًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَهَذَا أَقْوَى حَيْثُ لَمْ يَأْمُرْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِرَدِّهِ فِي الْغَنِيمَةِ. وَعَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ «أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيه ثُمَّ يَنْطَلِقُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُقَيِّدْ إبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ هُنَا بِالْحَاجَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَقَيَّدَهَا بِهَا فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ فَلَمْ يُبَحْ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَوَجْهُ الْأُولَى إطْلَاقُ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذْ هُوَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَا يَكْفِيه مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ غَالِبًا فَلَوْ لَمْ يُبَحْ لَهُمْ التَّنَاوُلُ لَضَاقَ عَلَيْهِمْ الْأَمْرُ بِخِلَافِ السِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ لِأَنَّهُ يَسْتَصْحِبُهُ غَالِبًا فَانْعِدَامُ دَلِيلِ الْحَاجَةِ حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ جَازَ لَهُ التَّنَاوُلُ أَيْضًا فَتَعَلَّقَ الْإِطْلَاقُ بِحَقِيقَةِ الْحَاجَةِ فِيهِمَا ثُمَّ يُرَدُّ إلَى الْمَغْنَمِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ وَلَا فَرْقَ فِي الطَّعَامِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ مُهَيَّأً لَهُ حَتَّى يَجُوزَ لَهُمْ ذَبْحُ الْمَوَاشِي مِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْجَزُورِ وَيَرُدُّونَ جُلُودَهَا فِي الْغَنِيمَةِ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي الْجَزُورِ. وَكَذَا أَكْلُ الْحُبُوبِ وَالسُّكَّرِ وَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَالْيَابِسَةِ وَالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَكُلِّ شَيْءٍ هُوَ مَأْكُولٌ عَادَةً وَهَذَا الْإِطْلَاقُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْغَنِيمَةِ أَوْ مَنْ يَرْضَخُ لَهُ مِنْهَا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا أَوْ يُطْعِمُ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَالنِّسَاءِ وَالْمَمَالِيكِ وَكَذَلِكَ الْمَدَدُ لِأَنَّ لَهُ سَهْمًا فِيهَا وَلَا يُطْعِمُ الْأَجِيرَ، وَلَا التَّاجِرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ خُبْزَ الْحِنْطَةِ أَوْ طَبْخَ اللَّحْمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَمَا لَا يُؤْكَلُ عَادَةً لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ مِثْلُ الْأَدْوِيَةِ وَالطِّيبِ وَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُدُّوا الْخَيْطَ وَالْمِخْيَطَ» وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُؤْكَلُ عَادَةً وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ بَلْ لِلزِّينَةِ وَيَسْتَعْمِلُونَ الْحَطَبَ وَالطِّيبَ يَعْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَنْتَفِعُ فِيهَا) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِعَلَفٍ) يُقَالُ عَلَفَ الدَّابَّةَ يَعْلِفُ عَلَفًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ إذَا أَطْعَمَهَا الْعَلَفَ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَلَا يُقَالُ أَعْلَفَهَا وَالدَّابَّةُ مَعْلُوفَةٌ وَعَلِيفٌ، وَالْعَلَفُ كُلُّ مَا اعْتَلَفَتْهُ الدَّابَّةُ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ عَلَفْت الدَّابَّةَ عَلَفًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَاسْمُ الْمَعْلُوفِ عَلَفَ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْجَمْعُ عِلَافٌ مِثْلَ جَبَلٍ وَجِبَالٍ وَأَعْلَفْت بِالْأَلِفِ لُغَةً وَالْمِعْلَفُ بِالْكَسْرِ مَوْضِعُ الْعَلَفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ تُقَيَّدْ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ هُنَا بِالْحَاجَةِ) أَيْ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ رِوَايَةُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ) أَيْ وَاخْتَارَهَا الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلِهَذَا قَالَ مَا دَامَتْ الْغَنِيمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا بَأْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجُنْدِ بِتَنَاوُلِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْعَلَفِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا وَتَبِعَهُ الْقُدُورِيُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ فِي الْغَنِيمَةِ طَعَامٌ أَوْ عَلَفٌ فَاحْتَاجَ إلَيْهِ رَجُلٌ يَتَنَاوَلُ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَكَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ مِنْ سِلَاحِ الْغَنِيمَةِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِلْقِتَالِ ثُمَّ يَرُدَّهَا إذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى هُنَا لَفْظُ السِّيَرِ الصَّغِيرِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ هَذَا جَوَابُ الْقِيَاسِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ السِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ لِأَنَّهُ يَسْتَصْحِبُهُ غَالِبًا فَانْعَدَمَ دَلِيلُ الْحَاجَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَحَاصِلُ مَا هُنَا أَنَّ الْمَوْجُودَ إمَّا مَا يُؤْكَلُ أَوْ لَا وَمَا يُؤْكَلُ إمَّا يُتَدَاوَى بِهِ كَالْإِهْلِيلِجِ أَوْ لَا فَالثَّانِي لَيْسَ لَهُمْ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ كَالْفَرَسِ فَيَجُوزُ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ بِأَنْ مَاتَ فَرَسُهُ أَوْ انْكَسَرَ سَيْفُهُ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يُوَفِّرَ سَيْفَهُ وَفَرَسَهُ بِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ فَعَلَ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ تَلَفَ نَحْوَ الْحَطَبِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ الْمَنْحُوتِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَا يَخْتَصُّ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ أَثَرَ الْمِلْكِ فَضْلًا عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَإِنَّهَا سَبَبُ الرُّخْصَةِ فَيَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ إذَا انْقَضَى الْحَرْبُ وَكَذَا الثَّوْبُ إذَا أَضَرَّهُ الْبُرْدُ يَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ الرَّدِّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ احْتَاجَ الْكُلُّ إلَى الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ قَسَمَهَا بِخِلَافِ السَّبْيِ لَا يُقْسَمُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ لَا أُصُولِهَا فَيَسْتَصْحِبُهُمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُشَاةً فَإِنْ لَمْ يُطِيقُوا وَلَيْسَ مَعَهُ فَضْلُ حَمُولَةٍ قَتَلَ الرِّجَالَ وَتَرَك النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَهَلْ يُكْرَهُ مَنْ عِنْدَهُ فَضْلُ حَمُولَةٍ عَلَى الْحَمْلِ يَعْنِي بِالْأَجْرِ فِيهِ رِوَايَتَانِ تَقَدَّمَتَا وَأَمَّا مَا يُتَدَاوَى بِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ تَنَاوُلُهُ وَكَذَا الطِّيبُ وَالْأَدْهَانُ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ بَلْ الْفُضُولُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَرَضٌ بِأَحَدِهِمْ يُحْوِجُهُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كَانَ ذَلِكَ كَلِبْسِ الثَّوْبِ فَالْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْحَاجَةِ اهـ. (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي الْجَزُورِ) وَفِي الْإِيضَاحِ فِي الْبَقَرِ وَفِي الْمُحِيطِ فِي الْغَنَمِ فَدَلَّ عَلَى التَّسْوِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالسَّمْنُ وَالزَّيْتُ) أَيْ وَدُهْنُ السِّمْسِمِ. اهـ. كِفَايَةٌ

عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيُوقِحُونَ الدَّوَابَّ إذَا احْتَاجُوا إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَبِيعُهَا) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْأَخْذِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ التَّنَاوُلُ لِلضَّرُورَةِ وَالْمُبَاحُ لَهُ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَإِنْ بَاعَهُ أَحَدُهُمْ رَدَّ الثَّمَنَ إلَى الْمَغْنَمِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ وَالْمَتَاعِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ لِصِيَانَةِ سِلَاحِهِ وَدَابَّتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِلَا حَاجَةٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْسِمَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمْ إذَا احْتَاجُوا إلَيْهِ كُلُّهُمْ لِأَنَّ الْمَحْظُورَ يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ وَمُرَاعَاةُ حَقِّهِمْ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ حَقِّ الْمَدَدِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا لَا يَدْرِي أَيُلْتَحَقُ أَوْ لَا فَلَا يُعَارِضُ الْمُحَقَّقَ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ السَّبْيِ حَيْثُ لَا يُقْسَمُ وَإِنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ لِأَنَّ حَاجَتَهُمْ لِلْوَطْءِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا لَا) أَيْ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَا يَنْتَفِعُونَ بِالْغَنِيمَةِ لِزَوَالِ الْمُبِيحِ وَهِيَ الضَّرُورَةُ وَلِأَنَّ حَقَّهُمْ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُورَثَ نَصِيبُهُ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِدُونِ رِضَاهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا فَضُلَ رُدَّ إلَى الْغَنِيمَةِ) أَيْ الَّذِي فَضُلَ فِي يَدِهِ مِنْ الَّذِي كَانَ أَخَذَهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَرْبِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ رَدَّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِزَوَالِ حَاجَتِهِ وَالْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِهَا وَهَذَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا إنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ هَالِكًا وَالْفَقِيرُ يَنْتَفِعُ بِالْعَيْنِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ هَلَكَ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الرَّدُّ صَارَ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَطِفْلَهُ) أَيْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ لِوُجُودِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَلَا اسْتِرْقَاقُهُ لِأَنَّهُمَا جَزَاءُ الْكُفْرِ ابْتِدَاءً أَوْ لِدَفْعِ الشَّرِّ وَالْمُسْلِمُ لَا يُبْتَدَأُ بِالرِّقِّ وَقَدْ انْدَفَعَ شَرُّهُ بِالْإِسْلَامِ وَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ تَبَعٌ لَهُ فَيُلْحَقُونَ بِهِ هَذَا إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ الْمُسْلِمُونَ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ فَهُوَ عَبْدٌ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ فِيهِ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ كَحَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ مَا أُخِذَ أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ وَمَالُهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ هُوَ حَتَّى أَسْلَمَ أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ فَحَسْب لِانْعِقَادِ السَّبَبِ فِي غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلَّ مَالٍ مَعَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» وَقَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِصَخْرٍ يَا صَخْرُ إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ» وَلِأَنَّ يَدَهُ الْحَقِيقِيَّةَ سَبَقَتْ إلَيْهِ يَدُ الظَّاهِرِينَ فَكَانَتْ أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ حُكْمًا إذْ يَدُ الْمُودِعِ كَيَدِ الْمُودَعِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فِي الْحِفْظِ وَهِيَ مُحْتَرَمَةٌ صَحِيحَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا غَصْبًا حَيْثُ تَكُونُ فَيَأْخُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ كَيَدِ الْمَالِكِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ الْحَرْبِيِّ وَدِيعَةً أَوْ غَصْبًا لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ وَلَا صَحِيحَةٍ حَتَّى جَازَ لَنَا التَّعَرُّضُ لَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دُونَ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ) لِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ غَيْرُ تَابِعٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مَعْصُومًا عَنْ الْقَتْلِ وَالِاسْتِغْنَامِ إلَّا بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزَوْجَتِهِ وَحَمْلِهَا) لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ حَرْبِيَّةٌ غَيْرُ تَابِعَةٍ لَهُ فَتُسْتَرَقُّ وَحَمْلُهَا جُزْءٌ مِنْهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ الْحَمْلُ فَيْئًا لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ فَلَا يُبْدَأُ بِالرِّقِّ كَالْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ قُلْنَا الْمُسْلِمُ يُسْتَرَقُّ تَبَعًا كَوَلَدِ الْجَارِيَةِ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا فَكَانَ هَذَا فِي حَقِّ التَّبَعِ بِمَنْزِلَةِ الْبَقَاءِ وَالْإِسْلَامُ لَا يُنَافِي بَقَاءَ الرِّقِّ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ لِعَدَمِ الْجُزْئِيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَقَارَهُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ حَقِيقَةٌ فَيَكُونُ فَيْئًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ لَهُ وَلَا يَكُونُ فَيْئًا لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ كَالْمَنْقُولِ وَلَنَا أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ وَسُلْطَانِهَا إذْ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَقِيلَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَكُونُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَدَ حَقِيقَةٌ تَثْبُتُ عِنْدَهُ فِي الْعَقَارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْغَصْبُ عِنْدَهُ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَبْدَهُ الْمُقَاتِلَ) لِأَنَّهُ لِمَا تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ وَصَارَ تَبَعًا لِأَهْلِ دَارِهِمْ وَمَا كَانَ غَصْبًا فِي يَدِ حَرْبِيٍّ أَوْ وَدِيعَةً فَيْءٌ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ غَصْبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ فَيْئًا لِأَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ وَقَدْ صَارَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيُوقِحُونَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ تَوْقِيحُ الدَّابَّةِ تَصْلِيبُ حَافِرِهَا بِالشَّحْمِ الْمُذَابِ إذَا حَفِيَ أَيْ رَقَّ مِنْ كَثْرَةِ الْمَشْيِ وَالرَّاءُ خَطَأٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَنُسْخَةِ الْإِمَامُ حَافِظُ الدَّيْنِ الْكَبِيرِ بِخَطِّ يَدِهِ بِالرَّاءِ مِنْ التَّرْقِيحِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْمُصَنِّفِ قَالَ هَكَذَا قَرَأْنَا عَلَى الْمَشَايِخِ قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ رَقَحَ فُلَانٌ عَيْشَهُ تَرْقِيحًا إذَا أَصْلَحَهُ وَأَنْشَدَ: يَتْرُكُ مَا رَقَحَ مِنْ عَيْشِهِ يَعِيثُ فِيهِ هَمْجٌ هَامِجٌ وَالْهَمَجُ مِنْ النَّاسِ الَّذِينَ لَا نِظَامَ لَهُمْ اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالرَّاءُ أَيْ تَرْقِيحٌ خَطَأٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُهُ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ فَالتَّرْقِيحُ أَعَمُّ مِنْ التَّوْقِيحِ. اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ أَحَدُهُمْ رَدَّ الثَّمَنَ أَيْ الْمَغْنَمَ) أَيْ لِأَنَّهُ عِوَضُ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَطِفْلَهُ) إنَّمَا احْتَاجَ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِيَقَعَ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَنْ مُسْتَأْمِنٍ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى دَارِ الْحَرْبِ كَانَتْ أَمْوَالُهُ وَأَوْلَادُهُ كُلُّهَا فَيْئًا ذَكَرَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى ظَهَرْنَا أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَمَا فِي يَدِهِ وَالثَّانِيَةُ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَأَسْلَمَ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَجَمِيعُ مَالِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ فَيْءٌ وَالثَّالِثَةُ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ دَخَلَ دَارَنَا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَجَمِيعُ مَالِهِ فَيْءٌ إلَّا أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَالرَّابِعَةُ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْعَقَارَ) يَعْنِي أَنَّ الْيَدَ فِي الْعَقَارِ إنَّمَا تَثْبُتُ حُكْمًا وَدَارُ الْحَرْبِ لَيْسَتْ بِدَارِ الْأَحْكَامِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِيَدِهِ قَبْلَ

[فصل في كيفية القسمة]

مَعْصُومَةً بِإِسْلَامِهِ فَيَتْبَعُهَا مَالُهُ فِيهَا وَلَهُ أَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ فَيُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالنَّفْسُ لَمْ تَصِرْ مَعْصُومَةً بِالْإِسْلَامِ بَلْ هُوَ مُحَرَّمُ التَّعَرُّضِ فِي الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَلِهَذَا لَمْ تَصِرْ مُتَقَوِّمَةً بِالْإِسْلَامِ وَإِبَاحَةُ التَّعَرُّضِ كَانَ لِدَفْعِ شَرِّهِ وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْإِسْلَامِ وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِخِلَافِ الْمَالِ لِأَنَّهُ خُلِقَ عُرْضَةً لِلِامْتِهَانِ فَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ عَلَى مَا كَانَ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي أُخْرَى وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا دَخَلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَأَصَابَ مَالًا ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِهِمْ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي حَقِّ مَالٍ فِي يَدِ حَرْبِيٍّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ كَانَتْ ثَابِتَةٌ لِهَذَا الْمَالِ تَبَعًا لِلْمَالِكِ فَلَا تَزُولُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ يَكُونُ فَيْئًا لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالُوا رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَصَحُّ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى دَارِهِمْ وَأَمَّا إذَا أَغَارُوا عَلَيْهَا وَلَمْ يَظْهَرُوا فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ جَمِيعُ مَالِهِ فَيْئًا إلَّا نَفْسُهُ وَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَمُحَمَّدٌ سَوَّى بَيْنَ الْإِغَارَةِ وَالظُّهُورِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِيَّةِ لِلْمِلْكِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالظُّهُورِ صَارَتْ الدَّارُ دَارَ الْإِسْلَامِ فَكَانَتْ يَدُهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا بِاعْتِبَارِ مَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَدُ الْمُسْلِمِ يَدٌ مُحْتَرَمَةٌ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهَا. وَأَمَّا بِالْإِغَارَةِ فَلَمْ تَصِرْ دَارَ إسْلَامٍ فَلَمْ تَصِرْ يَدُهُ عَلَى الْمَنْقُولِ ثَابِتَةً حُكْمًا لِأَنَّ يَدَ أَهْلِ الْحَرْبِ ثَابِتَةٌ حَافِظَةٌ دَافِعَةٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدَّارِ بِاعْتِبَارِ الْمَنَعَةِ وَالشَّوْكَةِ وَلِهَذَا تَصِيرُ الْغَنِيمَةُ مِلْكًا لِلْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْعِصْمَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلَمْ يُوجَدْ فَبَقِيَتْ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَحُكْمُ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَيْنَا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ (فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ) يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْسِمَ الْغَنِيمَةَ وَيُخْرِجَ خُمُسَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَيَقْسِمَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ عَلَى الْغَانِمِينَ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَلِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْغِنَاءِ وَغِنَاؤُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْثَالِ الرَّاجِلِ لِأَنَّهُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ وَالثَّبَاتِ وَالرَّاجِلُ لِلثَّبَاتِ لَا غَيْرُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ قُسِّمَتْ خَيْبَرَ إلَى أَنْ قَالَ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ الْكَرَّ وَالْفَرَّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إذْ الْفَرُّ لَيْسَ بِمُسْتَحْسِنٍ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَ لِأَجَلِ الْكَرِّ فَيَكُونُ غِنَاؤُهُ مِثْلَيْ غِنَاءِ الرَّاجِلِ فَيُفَضَّلُ عَلَيْهِ بِسَهْمٍ وَلِأَنَّ مِقْدَارَ الزِّيَادَةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ الرَّأْسُ وَالْفَرَسُ مَعَ أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ زِيَادَةَ الْغِنَاءِ يَسْتَحِقُّ بِهَا الزِّيَادَةَ بَلْ بِمَا ذَكَرْنَا أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاكِي بِالسِّلَاحِ أَكْثَرُ غِنَاءٍ مِنْ الْأَعْزَلِ وَمَعَ هَذَا لَا يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ وَلِأَنَّ الْفَرَسَ تَبَعٌ فَلَا يَزِيدُ سَهْمُهُ عَلَى الْأَصْلِ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَى سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ سَهْمَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ كَانَ رَاجِلًا أَجِيرًا لِطَلْحَةَ وَالْأَجِيرُ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمًا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ رَضْخًا لِجَدِّهِ فِي الْقِتَالِ وَقَالَ «خَيْرُ رِجَالِنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَخَيْرُ فُرْسَانِنَا أَبُو قَتَادَةَ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ لَهُ فَرَسَانِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ لَهُ فَرَسَانِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا سَهْمَيْنِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ إذَا قَادَ فَرَسَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَى الزُّبَيْرَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الْقِتَالِ إلَى فَرَسَيْنِ وَرُبَّمَا يَعْيَا الْوَاحِدُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْآخَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَبَعْدَ ظُهُورِهِمْ عَلَى الدَّارِ يَدُ الْغَانِمِينَ أَقْوَى مِنْ يَدِهِ. اهـ. رَازِيٌّ [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ] (فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ) (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ) يَعْنِي سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْغِنَاءِ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْغَنَاءُ بِالْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْغَنَاءُ مِثْلُ كَلَامِ الِاكْتِفَاءِ وَقَالَ الْكَاكِيُّ الْغَنَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ: الْإِجْزَاءُ وَالْكِفَايَةُ وَغِنَاؤُهُ أَيْ غِنَاءُ الْفَرَسِ لِكَرِّ الصَّوْلَةِ وَالْحَمْلَةِ وَالْفَرِّ بِمَعْنَى الْفِرَارِ وَالْفِرَارُ فِي مَوْضِعِ الْفَرِّ مَحْمُودٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ) الْكَرُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْفِرَارِ وَالْفَرُّ الْفِرَارُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالرَّاجِلُ لِلثَّبَاتِ) أَيْ ثَبَاتِ الدَّفْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ ابْنِ جَارِيَةَ) أَيْ الْأَنْصَارِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالرَّاجِلُ سَهْمًا) وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا يَوْمَ بَدْرٍ» قَالَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِي كِتَابِهِ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْحَابِ بَدْرٍ فَارِسٌ غَيْرُ اثْنَيْنِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ غَنَاؤُهُ) بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ الْكِفَايَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ) وَهَذَا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَظْهَرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مَشْغُولٌ بِنَفْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْفَرَس تَبَعٌ) أَيْ لِلرَّجُلِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَعْطَى سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ) أَيْ فِي غَزْوَةِ ذِي قِرْدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ رَضْخًا لِجَدِّهِ) الْجَدُّ فِي الْأَمْرِ الِاجْتِهَادُ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ) لَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ وَلَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يُسْهَمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَعْطَى الزُّبَيْرَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ) أَيْ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ فَرَسَيْهِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الزُّبَيْرُ مَا نَصُّهُ يَعْنِي الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ يَوْمَ خَيْبَرَ اهـ

وَلَهُمَا أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُسْهِمْ يَوْمَ خَيْبَرَ لِصَاحِبِ الْأَفْرَاسِ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ» وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ بِالْإِرْهَابِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الدَّارِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولَ إلَيْهِ أَمْرُهُمْ مِنْ الْقِتَالِ مَعَهُمْ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا وَالْقِتَالُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ فَيُسْهَمُ لَهُ لَا غَيْرُ وَلِهَذَا لَا يُسْهَمُ لِثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِالِاتِّفَاقِ وَالصَّحِيحُ مِنْ «حِكَايَةِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا لِأُمِّهِ صَفِيَّةَ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْأَكْوَعِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ قَادَ فَرَسَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبَرَاذِينُ كَالْعَتَاقِ) لِأَنَّ الْإِرْهَابَ هُوَ السَّبَبُ وَذَلِكَ بِاسْمِ الْخَيْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ} [الأنفال: 60] وَهُوَ يَتَنَاوَلُهُمَا وَالْهَجِينُ وَالْمُقْرِفُ وَلِأَنَّ الْعَتَاقَ إنْ كَانَ أَقْوَى فِي الْجَرْيِ فَالْبِرْذَوْنُ أَصْبَرُ وَأَلْيَنُ عَطْفًا فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ فَاسْتَوَيَا وَأَهْلُ الشَّامِ لَا يُسْهِمُونَ لِلْبَرَاذِينِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا تَلَوْنَا وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الرَّاحِلَةُ وَالْبَغْلُ) أَيْ لَا تَكُونُ الرَّاحِلَةُ وَالْبَغْلُ كَالْعَتَاقِ حَتَّى لَا يُسْهَمَ لَهُمَا لِأَنَّ الْإِرْهَابَ لَا يَقَعُ بِهِمَا إذْ لَا يُقَاتَلُ عَلَيْهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعِبْرَةُ لِلْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ) أَيْ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الدَّارِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ وَقَاتَلَ رَاجِلًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ وَلَوْ دَخَلَ رَاجِلًا فَاشْتَرَى فَرَسًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ الرَّاجِلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَارِسِ لِوُجُودِ الْقِتَالِ مِنْهُ فَارِسًا حَقِيقَةً وَهُوَ أَقْوَى مِنْ التَّقْدِيرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا حَالَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ أَمَّا الْمُجَاوَزَةُ فَوَسِيلَةٌ إلَى السَّبَبِ فَلَا تُعْتَبَرُ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ وَلَنَا أَنَّ الْمُجَاوَزَةَ نَفْسُهَا أَقْوَى الْجِهَادِ لِأَنَّ الْخَوْفَ بِهَا يَلْحَقُهُمْ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ عِنْدَ الدُّخُولِ إلَى شَوْكَةٍ وَجَيْشٍ عَظِيمٍ وَالْحَالُ بَعْدَهَا حَالَ الدَّوَامِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا وَلِهَذَا يَكْتُبُ الْإِمَامُ أَسْمَاءَ الْفُرْسَانِ وَالرَّجَّالَةِ عِنْدَهَا لَا غَيْرُ وَيَقُولُ الْعَدُوُّ كَمْ دَخَلُوا وَالْجِهَادُ يَكُونُ بِالْإِرْهَابِ كَمَا يَكُونُ بِالْقَتْلِ وَبِهِ يَسْتَحِقُّ الْفَارِسُ الزِّيَادَةَ لَا بِالْقَتْلِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِرْهَابَ وَالْإِرْعَابَ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقَتْلِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] وَبِقَوْلِهِ {وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} [التوبة: 120] وَبِهِ تَنْكَسِرُ هِمَّتُهُمْ وَيَنْكَسِرُونَ فَكَانَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ عِنْدَهَا وَهُوَ الشَّرْطُ. أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَشْتَرِطْ بَقَاءَ الْفَرَسِ إلَى تَمَامِ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْفَرَسُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ وَلَا مَعْنًى لِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ مُتَعَسِّرٌ لِأَنَّهُ حَالُ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَالْأَحْكَامُ لَا تَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِ وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا وَقَاتَلَ رَاجِلًا لِضِيقِ الْمَكَانِ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ لِتَهْيِئَةِ الْقِتَالِ فَارِسًا وَهُوَ كَالْمُبَاشَرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدْءَ وَالْمَدَدَ يَسْتَحِقُّونَ بِهِ وَكَذَا الْجُنْدُ فِيمَا أَصَابَتْ السَّرِيَّةُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْفَرَسُ صَالِحًا لِلْقِتَالِ بِأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا كَبِيرًا حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِمُهْرٍ أَوْ مَرِيضٍ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ الْقِتَالَ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتِبَارًا لِلْمُجَاوَزَةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الرَّجَّالَة لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ بِالْمُجَاوَزَةِ الْقِتَالُ فَارِسًا وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَلَهُ سَهْمُ الْفُرْسَانِ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ حَالَ الْقِتَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ لِأَنَّ بَيْعَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ التِّجَارَةَ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ عِزَّتَهُ وَلَوْ دَخَلَ عَلَى فَرَسٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مُسْتَعَارٍ أَوْ مُسْتَأْجَرٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ الْمَالِكُ فَقَاتَلَ رَاجِلًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ فِي رِوَايَةٍ اعْتِبَارًا لِلْمُجَاوَزَةِ وَفِي رِوَايَةٍ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الرَّجَّالَة لِأَنَّهُ لَمْ يُصَمِّمْ عَلَى الْقِتَالِ فَارِسًا حَيْثُ دَخَلَ عَلَى هَذَا الْفَرَسِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ صَفِيَّةُ) أَيْ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ) أَيْ تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَرَاذِينُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَالْعَتَاقِ) الْعَتَاقُ جَمْعُ عَتِيقٍ وَهُوَ الْجَوَادُ وَالْبِرْذَوْنُ الْعَجَمِيُّ الْخَالِصُ وَالْعِرَابُ خِلَافُ الْبَرَاذِينِ وَالْهَجِينُ الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ عَجَمِيَّةٌ وَالْمُقْرِفُ الَّذِي أَبُوهُ عَجَمِيٌّ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَالْبِرْذَوْنُ أَصْبَرُ وَأَلْيَنُ عَطْفًا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا وَمَعْنَى الْفَتْحِ الْإِمَالَةُ وَالْكَسْرُ الْجَانِبُ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الرَّاحِلَةُ وَالْبَغْلُ) وَإِنَّمَا لَمْ يُسْهَمْ لِبَغْلٍ وَلَا لِرَاحِلَةٍ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ لِأَنَّهُ «كَانَ يَكُونَ فِي غَزَوَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَصْحَابِهِ الْجِمَالُ وَالْحَمِيرُ وَالْبِغَالُ وَلَا يُسْهِمُ لِشَيْءٍ مِنْهَا» وَلَوْ أَسْهَمَ لَظَهَرَ نَقْلُهُ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْأَفْرَاسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَنَفَقَ فَرَسُهُ) أَيْ هَلَكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا عِنْدَ شُهُودِ الْوَقْعَةِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَهُوَ تَمَامُ الْقِتَالِ اهـ (قَوْلُهُ وَبِهِ يُسْتَحَقُّ الْفَارِسُ الزِّيَادَةُ) أَيْ وَلِهَذَا يُشَارِكُ الرِّدْءُ الْمُبَاشِرُ فِي الْغَنِيمَةِ لِحُصُولِ الْإِرْهَابِ بِالْكُلِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ) أَيْ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ حَالَةَ الْقِتَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ) أَيْ لِأَنَّ بَيْعَهُ عِنْدَ مُخَاطَرَةِ الرَّوْحِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ لِرَأْيٍ رَآهُ فِي الْحَرْبِ لَا لِتَحْصِيلِ الْمَالِ لِأَنَّ الرُّوحَ تَفُوقُ الْمَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ وَحَمَلَ أَمْرُهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التِّجَارَةَ وَانْتَظَرَ الْعِزَّةَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ الْعَاقِلَ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَخْتَارُ الْمَالَ عَلَى رُوحِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ إنَّمَا بَاعَهُ لِرَأْيٍ رَآهُ فِي الْحَرْبِ إمَّا لِأَنَّهُ وَجَدَهُ غَيْرَ مُوَافِقٍ لَهُ فَرُبَّمَا يَقْتُلُهُ لِعَدَمِ أَدَبِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ لَيْسَ هُوَ الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُقُودِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ عِزَّتَهُ) أَيْ عِزَّةَ الْفَرَسِ. اهـ.

وَأَنَّ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ تَنْقَضِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمَمْلُوكِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالذِّمِّيِّ الرَّضْخُ لَا السَّهْمُ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيَحْذِينَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ وَقَالَ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ سَهْمٌ إلَّا أَنْ يَحْذِيَا مِنْ غَنَائِمِ الْقَوْمِ» رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ أَيْضًا «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِي الْمَرْأَةَ وَالْمَمْلُوكَ مِنْ الْغَنَائِمِ دُونَ نَصِيبِ الْجَيْشِ» وَلِأَنَّ الْجِهَادَ عِبَادَةٌ وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ عَاجِزَانِ عَنْهُ وَلِهَذَا لَمْ يَلْحَقْهُمَا فَرْضُهُ وَالْعَبْدُ لَا يُمَكِّنُهُ مَوْلَاهُ وَلَهُ مَنْعُهُ فَلَمْ يَسْتَحِقُّوا السَّهْمَ الْكَامِلَ لَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَسْهُمَ لِقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ قَاتَلُوا مَعَهُ وَلِلصِّبْيَانِ» فِيمَا رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَلِلنِّسَاءِ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مَحْمُولٌ عَلَى الرَّضْخِ وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ وَتَوَهُّمِ عَجْزِهِ فَيَمْنَعُهُ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا يُرْضَخُ لَهُمْ إذَا بَاشَرُوا الْقِتَالَ أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَقُومُ بِمَصَالِح الْمَرْضَى لِعَجْزِهَا عَنْ حَقِيقَةِ الْقِتَالِ فَيَكُونُ جِهَادُهَا عَمَلًا يَلِيقُ بِحَالِهَا أَوْ دَلَّ الذِّمِّيُّ عَلَى الطَّرِيقِ لِأَنَّ فِي الدَّلَالَةِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ السَّهْمَ لِأَنَّهُمْ لَا يُسَاوُونَ الْجَيْشَ فِي عَمَلِ الْجِهَادِ إلَّا فِي دَلَالَةِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ إذَا كَانَتْ فِي دَلَالَتِهِ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَمَلِ الْجِهَادِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْجِهَادِ إذْ مَا يَأْخُذُهُ فِي الدَّلَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ فَيُعْطَ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَالْأَجِيرُ لَا يُسْهَمُ لَهُ لِأَنَّهُ دَخَلَ لِخِدْمَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا لِلْقِتَالِ وَإِنْ تَرَكَ الْخِدْمَةَ وَقَاتَلَ يُسْهَمُ لَهُ فَصَارَ كَأَهْلِ سُوقِ الْعَسْكَرِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ فَلَا شَيْءَ وَلَا يُجْمَعُ لَهُ أَجْرٌ وَنَصِيبٌ فِي الْغَنِيمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخُمُسُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَقُدِّمَ ذَوُو الْقُرْبَى الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ وَلَا حَقَّ لِأَغْنِيَائِهِمْ) أَيْ يُقَدَّمُ الْفُقَرَاءُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى عَلَى الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِذَوِي الْقُرْبَى خُمُسُ الْخُمُسِ يَسْتَوِي فِيهِ فَقِيرُهُمْ وَغَنِيُّهُمْ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِمْ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخُمُسَ يُقْسَمُ أَثْلَاثًا عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ أَخْمَاسًا سَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى وَسَهْمٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْلُفُهُ فِيهِ الْإِمَامُ وَيَصْرِفُهُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالْبَاقِي لِلثَّلَاثَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ فَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ الصَّدَقَةَ وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ مِنْ الْغَنِيمَةِ» وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ «وَأَعْطَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْعَبَّاسَ وَقَدْ كَانَ غَنِيًّا» وَلَنَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ قَسَّمُوهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ عَلَى نَحْو مَا قُلْنَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ قِسْمَتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِ الْحَتْمِ وَفِيمَا رُوِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَحْذِينَ) قَالَ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ كَانَ يَحْذِي النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ مِنْ الْمَغْنَمِ وَحَذِيَّتُهُ لُغَةً اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ الْحَذْيَا الْعَطِيَّةُ وَأَحْذَيْتُهُ أَعْطَيْته (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَحْذِيَا) أَيْ يُعْطِيَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُرْضَخُ لَهُمْ) أَيْ لِلْمَذْكُورِينَ فِي الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا بَاشَرُوا الْقِتَالَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ وَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ انْحِطَاطًا لِرُتْبَةِ التَّبَعِ عَنْ الْمَتْبُوعِ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ تَبَعٌ لِلْحُرِّ وَالصَّبِيِّ تَبَعٌ لِلْبَالِغِ وَالذِّمِّيُّ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِ وَلِذَا لَا يُمْكِنُ الذِّمِّيُّ مِنْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ) أَمَّا إذَا قَاتَلَ الذِّمِّيُّ لَا يَبْلُغُ بِرَضْخِهِ سَهْمَ الْمُسْلِمِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْخُمُسُ لِلْيَتَامَى) أَيْ الْفُقَرَاءِ أَمَّا الْيَتِيمُ الْغَنِيُّ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقُدِّمَ ذَوُو الْقُرْبَى) الْقُرْبَى الْقَرَابَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ تُقَدَّمُ الْفُقَرَاءُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى عَلَى الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ بَدْرُ الدِّينِ الْكَرْدَرِيُّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ أَيْتَامَ ذَوِي الْقُرْبَى وَمَسَاكِينَ ذَوِي الْقُرْبَى يَدْخُلُونَ فِي سَهْمِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ يَدْخُلُونَ فِي سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ لِمَا أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ الِاحْتِيَاجُ غَيْرَ أَنَّ سَبَبَهُ مُخْتَلِفٌ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْيَتِيمِ وَالْمَسْكَنَةِ وَكَوْنُهُ ابْنُ السَّبِيلِ وَفِي التُّحْفَةِ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَصَارِفُ الْخُمُسِ عِنْدَنَا لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ صَرَفَ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَازَ كَمَا فِي الصَّدَقَاتِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخُمُسَ يُقْسَمُ أَثْلَاثًا) أَيْ سَهْمٌ لِلْيَتَامَى وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ وَيُقَدَّمُونَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَسَهْمٌ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَخْلُفُهُ فِيهِ الْإِمَامُ) وَفِي الْكَشَّافِ وَعَنْ الْحَسَنِ فِي سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لِذَوِي الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَيَصْرِفُهُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ نَحْوِ سَدِّ الثُّغُورِ وَعِمَارَةِ الْقَنَاطِرِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْكَافِي وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ يُقْسَمُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلَّهِ يُصْرَفُ إلَى عِمَارَةِ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقُرْبِهَا وَإِلَى عِمَارَةِ الْجَامِعِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ هِيَ بِالْقُرْبِ مِنْ مَوْضِعِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ هَذِهِ بِقَاعٌ مُضَافَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْبَاقِي لِلثَّلَاثَةِ) أَيْ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَسَمَهَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ» وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ وَلِأَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِحَقِّ الْإِمَامَةِ فَاسْتَحَقَّهُ مَنْ يَخْلُفُهُ فِي الْإِمَامَةِ وَذَوُو الْقُرْبَى بِالْقَرَابَةِ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ كَانَ مَأْخَذُ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةٌ لِثُبُوتِهِ فَيَسْتَوِي غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ كَالْإِرْثِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَلَنَا) أَيْ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْخُمُسَ كَانَ يُقْسَمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ ثُمَّ قَسَمَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِ الْحَتْمِ) أَيْ بَلْ بِطَرِيقِ الْجَوَازِ إذْ لَا يَظُنُّ بِهِمْ خِلَافُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَفِيمَا رَوَى) أَيْ الشَّافِعِيُّ اهـ

إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ لِأَنَّ الْعِوَضَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْمُعَوَّضِ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُعْطِيهِمْ لِلنُّصْرَةِ لَا لِلْقَرَابَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّلَ فَقَالَ «إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مَعِي هَكَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى قُرْبُ النُّصْرَةِ لَا قُرْبُ الْقَرَابَةِ وَلِهَذَا لَمْ تَحْرُمْ الزَّكَاةُ عَلَى بَعْضِ الْهَاشِمِيِّ لِعَدَمِ النُّصْرَةِ كَأَوْلَادِ أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الزَّكَاةِ يُحَقِّقُهُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَى بَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَمْ يُعْطِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا بَنِي نَوْفَلٍ فَجَاءَ عُثْمَانُ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ فَقَالَا إنَّا لَا نُنْكِرُ فَضْلَ بَنِي هَاشِمٍ لِمَكَانِك الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ وَلَكِنْ نَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فِي الْقَرَابَةِ إلَيْك سَوَاءٌ فَمَا بَالُك أَعْطَيْتهمْ وَحَرَمْتنَا فَقَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مَعِي هَكَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ يُشِيرُ إلَى نُصْرَتِهِمْ لَهُ لِأَنَّهُمْ قَامُوا مَعَهُ حِينَ أَرَادَتْ قُرَيْشُ قَتْله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» وَدَخَلَ بَنُو نَوْفَلٍ وَعَبْدُ شَمْسٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ لَمَا خَصَّهُمْ لِأَنَّ عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا أَخَوَا هَاشِمٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَالْمُطَّلِبَ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ فَكَانَا أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِالنُّصْرَةِ كَوْنُهُمْ مَعَهُ يُؤَانِسُونَهُ بِالْكَلَامِ وَالْمُصَاحَبَةِ لَا بِالْمُقَاتَلَةِ وَلِهَذَا كَانَ لِنِسَائِهِمْ فِيهِ نَصِيبٌ ثُمَّ سَقَطَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدَمِ تِلْكَ الْعِلَّةِ وَهِيَ النُّصْرَةُ فَيَسْتَحِقُّونَهُ بِالْفَقْرِ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّدَقَةِ حَتَّى كَانُوا يَأْخُذُونَهُ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِي قَوْله تَعَالَى {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ} [الحشر: 7] إشَارَةٌ إلَيْهِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يَسْقُطُ نَصِيبُ الْفُقَرَاءِ أَيْضًا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَذَكَرَهُ تَعَالَى لِلتَّبَرُّكِ) يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْخُمُسِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ تَبَرُّكًا بِاسْمِهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْكُلَّ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى شَيْءٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَقَطَ بِمَوْتِهِ كَالصَّفِيِّ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِالرِّسَالَةِ وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَيْفَ أَضَافَ إلَيْهِ بِاسْمِ الرَّسُولِ بِقَوْلِهِ وَلِلرَّسُولِ وَكَذَا الصَّفِيُّ وَهُوَ شَيْءٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْطَفِيه لِنَفْسِهِ وَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ الصَّفِيِّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَإِنْ دَخَلَ جَمْعٌ ذُو مَنَعَةٍ دَارَهُمْ بِلَا إذْنٍ خَمَّسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ) فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَوْله تَعَالَى {وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] عُمُومُهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ السَّهْمِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ قِيلَ لَهُ هَذَا عِنْدَنَا لَيْسَ بِعُمُومٍ بَلْ هُوَ مُجْمَلٌ مَوْقُوفُ الْحُكْمِ عَلَى الْبَيَانِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] لَا يَخْتَصُّ بِقَرَابَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ قَرَابَةِ غَيْرِهِ إذْ كَانَ الِاسْمُ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى} [البقرة: 83] لَمْ يَخْتَصَّ بِقِرْبَةِ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ وَقَدْ كَانَ يَجُوزُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَرَابَةُ الْخَلِيفَةِ أَوْ قَرَابَةُ الْغَانِمِينَ أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَرَابَةُ الْخُلَفَاءِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى تَنْصِيصِ قَرَابَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِمْ جَعَلَ اللَّفْظَ مُجْمَلًا مُفْتَقِرًا إلَى الْبَيَانِ وَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِوَضَ) أَيْ وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ اهـ (قَوْلُهُ مَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْمُعَوَّضُ) أَيْ وَهُوَ الصَّدَقَةُ لَوْلَا الْقَرَابَةُ وَاسْتِحْقَاقُهُمْ لِلصَّدَقَةِ لَوْلَا الْقَرَابَةُ بِاعْتِبَارِ الْفَقْرِ فَكَذَا السَّهْمُ اهـ دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَى بَنِي الْمُطَّلِبِ) أَيْ لَمَّا قَسَّمَ غَنَائِمَ خَيْبَرَ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالنُّصْرَةِ إلَخْ) لَمْ يُرِدْ بِالنُّصْرَةِ نُصْرَةَ الْقِتَالِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ مَوْجُودًا فِي عُثْمَانَ وَجُبَيْرٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ نُصْرَةَ الِاجْتِمَاعِ بِهِ وَالْمُؤَانَسَةُ فِي حَالِ مَا هَجَرَهُ النَّاسُ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا بَعَثَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَنِي هَاشِمٍ حَسَدَتْهُمْ قُرَيْشٌ فَتَعَاهَدُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنْ لَا يُجَالِسُوا بَنِي هَاشِمٍ وَلَا يُكَلِّمُوهُمْ حَتَّى يَدْفَعُوا إلَيْهِمْ مُحَمَّدًا لِيَقْتُلُوهُ وَتَعَاقَدَ بَنُو هَاشِمٍ عَلَى الْقِيَامِ بِنُصْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ بَنُو نَوْفَلٍ وَبَنُو عَبْدِ شَمْسٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَدَخَلَ بَنُو الْمُطَّلِبِ فِي عَهْدِ بَنِي هَاشِمٍ حَتَّى دَخَلُوا مَعَهُمْ الشِّعْبَ فَكَانُوا فِيهِ ثَلَاثَ سِنِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَكَلُوا الْعِلْهِزَ مِنْ الْجَهْدِ. اهـ. مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ) قَالَ فِي الْكَافِي وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْطَفِيه لِنَفْسِهِ) أَيْ مِثْلَ دِرْعٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ جَارِيَةٍ. اهـ. هِدَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ يَخْتَارُهُ قَبْلَ الْخُمُسِ اهـ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ «كَانَ سَيْفُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذُو الْفَقَارِ الَّذِي تَنَفَّلَهُ يَوْمَ بَدْرٍ كَانَ سَيْفَ الْعَاصِ بْنِ مُنْيَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ» فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُحْمَلْ مِنْ الْجَنَّةِ وَذَكَرَ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ فِي كِتَابِ السُّيُوفِ «كَانَ سَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذُو الْفَقَارِ وَكَانَ لِلْعَاصِ بْنِ مُنْيَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ السَّهْمِيِّ فَقَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَجَاءَ بِسَيْفِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَارَ بَعْدُ لِعَلِيٍّ أَعْطَاهُ إيَّاهُ النَّبِيُّ» وَلَهُ يَقُولُ الْقَائِلُ لَا سَيْفَ إلَّا ذُو الْفَقَا ... رِ وَلَا فَتَى إلَّا عَلَيْ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَلْبِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي فَائِقِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَفَّلَهُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ بَنِي الْمُصْطَلِقِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِرِوَايَةِ مَنْ هُوَ أَقْدَمُ وَأَعْلَمُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ الصَّفِيِّ) أَيْ مِنْ غَنَائِمِ خَيْبَرَ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ دَخَلَ جَمْعٌ ذُو مَنَعَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا دَخَلَ الْوَاحِدُ أَوْ الِاثْنَانِ دَارَ الْحَرْبِ مُغِيرَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَأَخَذُوا شَيْئًا لَمْ يُخَمَّسْ. اهـ. وَفِي الْمُنْيَةِ وَالثَّلَاثَةُ فِي حُكْمِ الِاثْنَيْنِ وَفِي الْأَرْبَعَةِ يُخَمَّسُ وَيُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَدَّرَ الْجَمَاعَةِ الَّتِي لَا مَنَعَةَ لَهَا بِتِسْعَةِ نَفَرٍ وَاَلَّتِي لَهَا مَنَعَةٌ بِعَشَرَةٍ. اهـ. دِرَايَةٌ قَالَ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ يَخْرُجَانِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ فَيُغِيرَانِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَيُصِيبَانِ الْغَنَائِمَ لَا يُخَمَّسُ مَا أَصَابُوا وَلَوْ بَعَثَ

مَا أَخَذُوا وَإِلَّا لَا) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا ذَوِي مَنَعَةٍ لَا يُخَمَّسُ لِأَنَّ الْخُمُسَ وَظِيفَةُ الْغَنِيمَةِ وَهِيَ الْمَأْخُوذَةُ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْمَنَعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَعَةٌ يَكُونُ أَخْذُهُمْ اخْتِلَاسًا وَسَرِقَةً لَا قَهْرًا وَغَلَبَةً فَلَا يُخَمَّسُ وَإِنْ دَخَلُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُمْ الْتَزَمَ نُصْرَتَهُمْ بِالْإِمْدَادِ فَصَارَ كَالْمَنَعَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ حَيْثُ لَا يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نُصْرَتُهُمْ إذْ لَيْسَ فِيهِ وَهْنٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُمْ مَنَعَةٌ حَيْثُ يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَصْرُهُمْ كَيْ لَا يَلْزَمَ وَهْنُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُنْفِلَ) بِقَوْلِهِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَبِقَوْلِهِ «لِلسَّرِيَّةِ جَعَلْت لَكُمْ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ» لِأَنَّهُ تَحْرِيضٌ عَلَى الْقِتَالِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] وَحَرَّضَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالتَّنْفِيلِ عَلَى الْقِتَالِ فَقَالَ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ «وَنَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ فِي رَجْعَتِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. «وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَنْفُلُ فِي الْبِدَايَةِ الرُّبُعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ فَكَانَ الزِّيَادَةُ فِي الرَّجْعَةِ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ يَكِلُّونَ وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْخُمُسِ لَيْسَ عَلَى سَبِيل الشَّرْطِ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ لَوْ نَفَلَ بِرُبُعِ الْكُلِّ جَازَ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَفَلَ السَّرِيَّةَ بِالْكُلِّ جَازَ فَهَذَا أَوْلَى ثُمَّ قَدْ يَكُونُ التَّنْفِيلُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ هُنَا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ يَقُولُ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَيَدْخُلُ الْإِمَامُ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ بَابُ اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ سَهْمًا أَوْ رَضْخًا فَلَا يُتَّهَمُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَنْ قَتَلْته أَنَا فَلِي سَلَبُهُ حَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّهُ خَصَّ نَفْسَهُ بِهِ فَصَارَ مُتَّهَمًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ لِأَنَّهُ مَيَّزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ ثُمَّ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بِقَتْلِهِ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُبَاحًا قَتْلُهُ حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ بِقَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ لِأَنَّ التَّنْفِيلَ تَحْرِيضٌ عَلَى الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمُقَاتِلِ حَتَّى لَوْ قَاتَلَ الصَّبِيُّ فَقَتَلَهُ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ وَيَسْتَحِقُّ بِقَتْلِ الْمَرِيضِ وَالْأَجِيرِ مِنْهُمْ وَالتَّاجِرِ فِي عَسْكَرِهِمْ وَالذِّمِّيِّ الَّذِي نَقَضَ الْعَهْدَ وَخَرَجَ إلَيْهِمْ لِأَنَّ بِنْيَتَهُمْ صَالِحَةٌ لِلْقِتَالِ أَوْ هُمْ مُقَاتِلُونَ بِرَأْيِهِمْ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُنْفِلَ بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ وَذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ لِلْعَسْكَرِ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ بَعْدَ الْخُمُسِ أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّنْفِيلِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِشَيْءٍ وَفِيهِ إبْطَالُ تَفْضِيلِ الْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ أَوْ إبْطَالُ الْخُمُسِ فَلَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْفُلُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ مِنْ الْخُمُسِ فَقَطْ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفُلَ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ قَدْ تَأَكَّدَ فِيهِ بِالْإِحْرَازِ فِي الدَّارِ وَلِهَذَا يُورَثُ مِنْهُ لَوْ مَاتَ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْخُمُسِ حَقٌّ فَجَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفُلَ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ أَيْضًا تَأَكَّدَ فِي الْخُمُسِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ إبْطَالُهُ كَمَا يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الْغَانِمِينَ قُلْنَا إنَّمَا جَازَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ مَصْرِفٌ بِأَنْ كَانَ فَقِيرًا وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْخُمُسِ فَقِيرٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَإِذَا جَازَ صَرْفُهُ إلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُقَاتِلٍ فَصَرْفُهُ إلَى فَقِيرٍ مُقَاتِلٍ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَصَرْفَ الْمَالِ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ غَنِيًّا فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِي هَذَا التَّنْفِيلِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسَّلَبُ لِلْكُلِّ إنْ لَمْ يَنْفُلْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامُ رَجُلًا وَاحِدًا طَلِيعَةً مِنْ الْعَسْكَرِ فَأَصَابَ غَنِيمَةً تُخَمَّسُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ لَا مَنَعَةَ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَأَصَابُوا غَنَائِمَ فَأَخْرَجُوهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ لَهُمْ وَلَا خُمْسَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَذِنَ لَهُ خُمْسَ مَا أَصَابُوا وَكَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمْ عَلَى سِهَامِ الْغَنِيمَةِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِذْنَ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ صَارَ أَخْذُهُمْ كَأَخْذِ اللِّصِّ وَلَا خُمْسَ فِيهِ لِأَنَّ الْخُمُسَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَأْخُوذِ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَلَمْ يُوجَدْ ثُمَّ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ أَصْحَابُهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالًا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ كَالصَّيْدِ وَالْحَطَبِ وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَخْذِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بَيْنَهُمْ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ دَخَلُوا) أَيْ مَنْ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ حَيْثُ لَا يُخَمَّسُ) وَلَا يُقَالُ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] مُطْلَقٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُخَمِّسَ وُجِدَ الْإِذْنُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّا نَقُولُ الْغَنِيمَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ الْمَأْخُوذُ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَمَا أَخَذَهُ اللِّصُّ سَرِقَةً وَمَا أَخَذَهُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ جَهْرًا خِلْسَةً فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْغَنِيمَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ إلَخْ) لَمَّا كَانَ التَّنْفِيلُ أَمْرًا يَتَعَلَّقُ بِالْغَنِيمَةِ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الْغَنَائِمِ يُقَالُ نَفَلَ السُّلْطَانُ فُلَانًا إذَا أَعْطَاهُ سَلَبَ قَتِيلٍ قَتَلَهُ وَنَفَلَ نَفْلًا وَنَفَلَهُ تَنْفِيلًا لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ كَذَا قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَالنَّفَلُ بِفَتْحَتَيْنِ الْغَنِيمَةُ وَجَمْعُهَا أَنْفَالٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُنْفِلَ أَيْ فِي حَالِ الْقِتَالِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي حَالِ الْقِتَالِ لِأَنَّ التَّنْفِيلَ عِنْدَنَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ وَعِنْدَ الْأَوْزَاعِيِّ يَصِحُّ بَعْدَ الْإِصَابَةِ فِي حَقِّ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ اهـ (قَوْلُهُ وَبِقَوْلِهِ لِلسَّرِيَّةِ جَعَلْت لَكُمْ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ) أَيْ بَعْدَ رَفْعِ الْخُمُسِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحَرِّضْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالتَّنْفِيلِ عَلَى الْقِتَالِ فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ إلَخْ) وَقَوْلُهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا» تَسْمِيَةٌ لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يَئُولَ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] وقَوْله تَعَالَى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَهَذَا أَوْلَى) أَيْ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إلَيْهِ وَقَدْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ لِشَجَاعَةِ أُولَئِكَ وَكِفَايَتِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْفُلَ بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ) أَيْ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ مِنْ الْغُزَاةِ وَمَعَ هَذَا لَوْ فَعَلَ جَازَ لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

أَيْ السَّلْبُ لِجَمِيعِ الْجُنْدِ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ إذَا لَمْ يَنْفُلْ بِهِ الْقَاتِلُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ لِلْقَاتِلِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ مُقْبِلًا لِمَا رَوَيْنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَصْبُ شَرْعٍ لِأَنَّهُ بَعَثَ لَهُ وَلِأَنَّ الْقَاتِلَ مُقْبِلًا أَكْثَرُ عَنَاءً فَيَخْتَصُّ بِسَلَبِهِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَهُوَ غَنِيمَةٌ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ غَنِيمَةٌ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْجَيْشِ إذْ لَوْلَا الْجَيْشُ لَمَا حَصَلَ السَّلَبُ وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُبَاشَرَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدْءَ يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةِ قِتَالٍ فَيَقْسِمُ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ وَمَا رَوَاهُ يُحْتَمَلُ التَّنْفِيلُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَلَوْنَا وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ «عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ انْتَهَيْت إلَى أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ صَرِيعٌ يَذُبُّ النَّاسِ عَنْهُ بِسَيْفٍ لَهُ فَجَعَلْت أَتَنَاوَلُهُ بِسَيْفٍ لِي غَيْرِ طَائِلٍ فَأَصَبْت يَدَهُ فَنَدَرَ سَيْفُهُ فَأَخَذْته فَضَرَبْته حَتَّى قَتَلْته ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْته فَنَفَلَنِي بِسَلَبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَوْ كَانَ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ لَمَا صَحَّ التَّنْفِيلُ بِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ عَادَتَهُمْ كَانَتْ جَارِيَةً بِأَنَّ السَّلَبَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ وَإِنَّمَا قَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ لَمَّا أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ» وَأَرَادَ بِذَلِكَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَحْرِيضَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ لَمَّا سَمِعَ الْمَقَالَةَ طَلَبَ سَلَبَ قَتِيلِهِ وَأَخَذَهُ بَعْدَ مَا كَانَ تَرَكَهُ وَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمئِذٍ سَلَبَ عِشْرِينَ رَجُلًا وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّ «خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ مَنَعَ رَجُلًا سَلَبَ قَتِيلِهِ وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَعْطِهِ ثُمَّ قَالَ لَا تُعْطِهِ» وَلَوْ كَانَ نَصْبُ شَرْعٍ لَمَا وَقَعَ ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلَا يُقَالُ لَعَلَّ هَذَا مُتَقَدِّمٌ لِأَنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ ذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ لِخَالِدٍ وَهُوَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ أَمَا عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ قَالَ بَلَى لَكِنْ اسْتَكْثَرْته وَلَوْ كَانَ نَصْبُ شَرْعٍ لَاسْتَحَقَّهُ وَإِنْ كَثُرَ وَلَمْ يَنْهَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْهُ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ خَالِدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفُلْهُمْ بِهِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ وَزِيَادَةُ الْقِتَالِ لَا تُعْتَبَرُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ مُقْبِلًا فَاشْتِرَاطُهُ يَكُونُ زِيَادَةً وَهُوَ نُسِخَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ إذَا مَاتَ الْمَقْتُولُ عَلَى فَوْرِهِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ أَنَّ سَلَبَهُ يَكُونُ لِلْقَاتِلِ وَإِنْ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ فَإِنْ لَمْ تُقَسَّمْ الْغَنِيمَةُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ سَلَبِهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَازِ تَأَكَّدَ مِلْكُ الْغَانِمِينَ فِيهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَاتِلُ وَالْغَانِمُونَ فِي مَوْتِهِ فَقَالَ مَاتَ قَبْلَهَا وَقَالُوا هُمْ مَاتَ بَعْدَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ وَلَوْ أَثْخَنَهُ وَاحِدٌ وَقَتَلَهُ آخَرُ فَالسَّلَبُ لِمَنْ أَثْخَنَهُ وَلَوْ مَاتَ فَسَلَبَهُ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ وَقَعَ سَلَبُهُ فِي الْغَنِيمَةِ لَا يَأْخُذُهُ الْقَاتِلُ وَلَوْ جَرُّوهُ نَفْسُهُ وَلَمْ يَسْلُبُوا مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَسَلَبُوهُ فَهُوَ لِلْقَاتِلِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ السَّلَبَ بِالْأَخْذِ فَانْقَطَعَ مِلْكُ الْقَاتِلِ وَإِذَا لَمْ يَسْلُبُوا مِنْهُ لَمْ يَمْلِكُوا مِنْهُ شَيْئًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ مَرْكَبُهُ وَثِيَابُهُ وَسِلَاحُهُ وَمَا مَعَهُ) يَعْنِي السَّلَبَ هُوَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لِلْعُرْفِ وَكَذَا مَا عَلَى مَرْكَبِهِ مِنْ السَّرْجِ وَالْآلَةِ وَكَذَا مَا مَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ مَالِهِ فِي حَقِيبَتِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَيْسَ بِسَلَبٍ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ الْأَمِيرُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ فَرَسُهُ فَقَتَلَ رَجُلٌ رَاجِلًا وَمَعَ غُلَامِهِ فَرَسٌ قَائِمٌ بِجَنْبِهِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَكُونُ فَرَسُهُ لِلْقَاتِلِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْإِمَامِ قَتْلُ مَنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْقِتَالِ فَارِسًا وَهَذَا مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ إلَّا بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقِتَالِ ثُمَّ حُكْمُ التَّنْفِيلِ قَطَعَ حَقَّ الْبَاقِينَ عَنْهُ فَأَمَّا الْمِلْكُ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حَتَّى يُحْرَزَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ حَتَّى لَوْ قَالَ الْإِمَامُ مَنْ أَصَابَ جَارِيَةً فَهِيَ لَهُ فَأَصَابَهَا رَجُلٌ وَاسْتَبْرَأَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا بَيْعُهَا وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ السَّلَبَ غَيْرُهُ مِنْ الْغُزَاةِ بَعْدَ مَا أَخَذَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ وَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِنَفْسِ التَّنْفِيلِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِهِ كَالْمُسْلِمِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْمُتَلَصِّصِ إذَا أَخَذَ جَارِيَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ وَاسْتَبْرَأَهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِهَا حَتَّى لَوْ لَحِقَهُ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ شَارَكُوهُ فَيَا وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ إلَّا بِالْقَهْرِ وَلَا يَتِمُّ الْقَهْرُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ كَمَا فِي الْغَنِيمَةِ فِي حَقِّ الْجَيْشِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ قَاهِرٌ يَدًا مَقْهُورٌ دَارًا فَيَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَدْ قَتَلَهُ مُقْبِلًا) حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ اهـ (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ يُحْتَمَلُ التَّنْفِيلُ) أَيْ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِنَصْبِ الشَّرْعِ إذَا قَالَهُ بِالْمَدِينَةِ فِي مَسْجِدِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ إلَّا يَوْمَ بَدْرٍ وَحُنَيْنٍ حِينَ انْهَزَمُوا لِلْحَاجَةِ إلَى التَّحْرِيضِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا مَعَهُ) أَيْ لَا عَبْدَهُ وَمَا مَعَهُ وَدَابَّتُهُ وَمَا عَلَيْهَا وَمَا فِي بَيْتِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ حَقِيبَتُهُ) الْحَقِيبَةُ الْعَجِيزَةُ ثُمَّ سَمَّى مَا يُحْمَلُ مِنْ الْقُمَاشِ عَلَى الْفَرَسِ خَلْفَ الرَّاكِبِ حَقِيبَةً مَجَازًا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَجْزِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا بَيْعُهَا) وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِهَا) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ أَجْمَعُوا فِيمَنْ دَخَلَ مُتَلَصِّصًا دَارَ الْحَرْبِ فَأَخَذَ جَارِيَةً وَاسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُخْرِجَهَا ثُمَّ يَسْتَبْرِئَهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

[باب استيلاء الكفار]

السَّبَبُ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلَا أَثَرَ لِلتَّنْفِيلِ فِي إتْمَامِ الْقَهْرِ وَإِنَّمَا أَثَرُهُ فِي إفَادَةِ التَّخْصِيصِ وَقَطْعِ الشَّرِكَةِ فَأَمَّا السَّبَبُ لِلْمِلْكِ بَعْدَ التَّنْفِيلِ فَهُوَ الَّذِي كَانَ سَبَبًا قَبْلَهُ فَأَشْبَهَ الْمُتَلَصِّصَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِخِلَافِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهَا الْعَقْدُ وَالْقَبْضُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سَبْي التَّرْكُ الرُّومَ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ مَلَكُوهَا) لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِي الْمُبَاحِ سَبَبُ الْمِلْكِ وَقَدْ تَحَقَّقَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي كَافِرٍ اسْتَوْلَى عَلَى كَافِرٍ آخَرَ أَوْ عَلَى مَالِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَمْلِكُ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ الْمِلْكِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَانَ بِهَذَا السَّبَبِ كَالْمُسْلِمِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الدُّنْيَا لَهُمْ وَالْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ بَعْضٍ وَأَمْوَالَهُمْ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمِلَلِ وَالْمِلْكِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكُوهُمْ بِالِاسْتِيلَاءِ كَمَا يَمْلِكُ الْمُسْلِمُ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَلَكْنَا مَا نَجِدُهُ مِنْ ذَلِكَ إنْ غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ) أَيْ مِنْ الَّذِي سَبَوْهُ مِنْ الرُّومِ أَوْ أَخَذُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكُوهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ الْتَحَقُوا بِسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ فَكَمَا تُمْلَكُ عَلَيْهِمْ سَائِرُ أَمْوَالِهِمْ نَمْلِكُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْمَالَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَمْلِكُونَهَا لِأَنَّ اسْتِيلَاءَ الْكُفَّارِ مَحْظُورٌ حِينَ أَخَذُوا وَحِينَ أَحْرَزُوا بِدَارِهِمْ لِوُرُودِهِ عَلَى مَالٍ مَعْصُومٍ. وَالْمَحْظُورُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مَشْرُوعٌ فَيَسْتَدْعِي سَبَبًا مَشْرُوعًا وَالْمَحْظُورُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ نِعْمَةٌ وَالنِّعْمَةُ لَا تُنَاطُ بِالْمَحْظُورِ فَصَارَ كَاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ وَكَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى رِقَابِنَا وَلَا يُقَالُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ فَكَيْفَ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْحُرُمَاتِ كَالزِّنَا وَالرِّبَا فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّهِمْ كَالْمُسْلِمِ وَلَنَا أَنَّ الْحُرُمَاتِ فِي الْأَمْوَالِ تَثْبُتُ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحِلُّ وَلَا يَكُونُ مَعْصُومًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ فِيهِ لِمَنْ اخْتَصَّ بِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ كَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ ضَرُورَةً تُمَكِّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ فَإِذَا زَالَ تَمَكُّنُهُ بِسَبَبِ إحْرَازِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ] ِ) لَمَّا ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا اسْتِيلَاءَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَمْوَالِ الْكُفَّارِ ذَكَرَ هُنَا حَالَ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى أَمْوَالِ كُفَّارٍ أُخَرَ فِي دَارِ حَرْبٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَسَائِلِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ اهـ قَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْكَمَالُ وَتَقَدُّمُ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي ظَاهِرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ سَبَى التُّرْكُ الرُّومَ) التَّرْكُ جَمْعُ تُرْكِيٍّ وَالرُّومُ جَمْعُ رُومِيٍّ وَالْمُرَادُ كُفَّارُ التُّرْكِ وَكُفَّارُ الرُّومِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الرُّومُ مَا نَصُّهُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُمْ مِنْ وَلَدِ الرُّومِ بْنِ عِيصَو يُقَالُ رُومِيٌّ وَرُومٌ مِثْلُ زِنْجِيٍّ وَزِنْجٍ فَلَيْسَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ إلَّا الْيَاءُ الْمُشَدَّدَةُ كَمَا قَالُوا تَمْرَةٌ وَتَمْرٌ فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ إلَّا الْهَاءُ اهـ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالتَّرْكُ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ وَالْجَمْعُ أَتْرَاكٌ الْوَاحِدُ تُرْكِيٌّ مِثْلُ رُومٍ وَرُومِيٍّ اهـ قَوْلُهُ زِنْجِيٌّ بِكَسْرِ الزَّايِ وَالْفَتْحِ لُغَةٌ اهـ مِصْبَاحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَلَكْنَا مَا نَجِدُهُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرُّومِ مُوَادَعَةٌ لِأَنَّا لَمْ نَغْدِرُهُمْ إنَّمَا أَخَذْنَا مَالًا خَرَجَ عَنْ مَلِكِهِمْ وَلَوْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُوَادَعَةٌ فَاقْتَتَلُوا فَغَلَبَتْ إحْدَاهُمَا فَإِنَّ لَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْمَغْنُومَ مِنْ مَالِ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى مِنْ الْغَانِمِينَ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْإِحْرَازُ بِدَارِ الْحَرْبِ شَرْطٌ أَمَّا بِدَارِهِمْ فَلَا وَلَوْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُوَادَعَةٌ وَاقْتَتَلُوا فِي دَارِنَا لَا نَشْتَرِي مِنْ الْغَانِمِينَ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَيَكُونُ شِرَاؤُنَا غَدْرًا بِالْآخَرِينَ فَإِنَّهُ عَلَى مِلْكِهِمْ وَأَمَّا لَوْ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدٍ فَهَلْ يَجُوزُ شِرَاءُ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمِنِ مِنْ الْغَانِمِينَ نَفْسًا أَوْ مَالًا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ بَيْنَ الْمَأْخُوذِ وَبَيْنَ الْآخِذِ قَرَابَةٌ مُحَرَّمَةٌ كَالْأُمِّيَّةِ أَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِلْآخِذِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ دَانُوا ذَلِكَ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ دَانُوا بِأَنَّ مَنْ قَهَرَ آخَرَ مَلَكَهُ جَازَ الشِّرَاءُ وَإِلَّا لَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إنْ غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى التَّرْكِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ يَمْلِكُونَهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ بِدُونِ الْإِحْرَازِ وَلِأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ مَعَ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةٍ مَعَنَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُونَهَا) أَيْ وَإِنْ أَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لِوُرُودِهِ عَلَى مَالٍ مَعْصُومٍ) أَيْ إذْ سَبَبُ عِصْمَتِهِ إسْلَامُ صَاحِبِهِ بِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» وَهُوَ بَاقٍ فَيَبْقَى الْحَظْرُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمَحْظُورُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمُلْكِ) أَرَادَ بِهِ الْمَحْظُورَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَمَّا الْمَحْظُورُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالِاتِّفَاقِ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ الْخَمْرِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَصْلُحُ إلَخْ مَا نَصُّهُ أَيْ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَاعِدَتِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى رِقَابِنَا) قَالَ الْكَمَالُ وَلِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ مُسْنَدًا إلَى عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ «كَانَتْ الْعَضْبَاءُ مِنْ سَوَابِقِ الْحَاجِّ فَأَغَارَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ وَفِيهِ الْعَضْبَاءُ وَأَسَرُوا امْرَأَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانُوا إذَا نَزَلُوا يُرِيحُونَ إبِلَهُمْ فِي أَفْنِيَتِهِمْ فَلِمَا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ قَامَتْ الْمَرْأَةُ وَقَدْ نَوَّمُوا فَجَعَلَتْ لَا تَضَعُ يَدَهَا عَلَى بَعِيرٍ إلَّا رَغَا حَتَّى أَتَتْ عَلَى الْعَضْبَاءِ فَأَتَتْ عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ فَرَكِبَتْهَا ثُمَّ وَجَّهَتْ قِبَلَ الْمَدِينَةِ وَنَذَرَتْ لَئِنْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَجَّاهَا عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا فَلَمَّا قَدِمَتْ عَرَفَتْ النَّاقَةَ فَأَتَوْا بِهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ الْمَرْأَةُ بِنَذْرِهَا فَقَالَ تَبَسُّمًا جُزِيتهَا أَوْ وَفَّيْتهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَفِي لَفْظٍ فَأَخَذَ نَاقَتَهُ» وَلَوْ كَانَ الْكُفَّارُ يَمْلِكُونَ بِالْإِحْرَازِ لَمَلَكَتْهَا الْمَرْأَةُ اهـ

بِدَارِهِمْ عَادَ إلَى الْأَصْلِ وَلَمْ يَبْقَ مَعْصُومًا فَصَارَ كَالصَّيْدِ وَغَيْرُهُ مُبَاحُ الْأَصْلِ فَيَمْلِكُونَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمُهَاجِرِينَ فُقَرَاءَ بِقَوْلِهِ {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] مَعَ وُجُودِ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَوْ كَانَ مِلْكُهُمْ بَاقِيًا لَصَارُوا أَغْنِيَاءَ بِهِ. وَقَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ» وَلَوْ كَانَ مِلْكُهُمْ بَاقِيًا لَمَا اسْتَقَامَ ذَلِكَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ اسْتِيلَاءَهُمْ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ يُوجِبُ الْمِلْكَ لَهُمْ بِخِلَافِ اسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَائِمٌ فَتَبْقَى عِصْمَتُهُ وَبِخِلَافِ رِقَابِنَا لِأَنَّهَا لَمْ تُخْلَقْ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ خُلِقَ لِيَمْلِكَ لَا لِيُمْلَكَ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ فِيهِ مَحَلِّيَّةُ الْمِلْكِ بِالْكُفْرِ الْعَارِضِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُحْرِزُوهَا بِدَارِهِمْ لِأَنَّ مِلْكَهُمْ بِالِاسْتِيلَاءِ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَنْقِذُونَهَا مِنْهُمْ مَا لَمْ يُحْرِزُوهَا بِدَارِهِمْ وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ لَا يَمْنَعُ الْمَشْرُوعِيَّةَ كَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ وَالطَّوَافِ مَعَ الشَّتْمِ وَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ النَّافِلَةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَحْظُورَةٌ لِغَيْرِهَا وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِنَفْسِهَا حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِهَا الثَّوَابَ الْجَزِيلَ الْآجِلَ فَمَا ظَنُّك بِالْقَلِيلِ الْعَاجِلِ وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الدُّنْيَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ فَمَنْ وَجَدَ مِلْكَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ مَجَّانًا وَبَعْدَهَا بِالْقِيمَةِ) أَيْ إنْ غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ فَمَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ مَالَهُ الَّذِي أَخَذَهُ الْعَدُوُّ قَبْلَ أَنْ تُقَسَّمَ الْغَنِيمَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ الْمُشْرِكِينَ أَحْرَزُوا نَاقَةَ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِدَارِهِمْ ثُمَّ وَقَعَتْ فِي الْغَنِيمَةِ فَخَاصَمَ فِيهَا الْمَالِكُ الْقَدِيمُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنْ وَجَدْتهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهِيَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدْتهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهِيَ لَك بِالْقِيمَةِ إنْ شِئْت فَعَلَى» هَذَا يُحْمَلُ كُلُّ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ رَدَّهُ إلَى مَالِكِهِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَخْلَصَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزُوهُ بِدَارِهِمْ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى أَصْحَابِهِ وَلِأَنَّ الْمَالِكَ الْقَدِيمَ زَالَ مِلْكُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ نَظَرًا لَهُ غَيْرَ أَنَّ فِي الْأَخْذِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ضَرَرًا بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ الْخَاصِّ فَيَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءَ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالشَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَامًّا فَيَقِلُّ الضَّرَرُ فَيَأْخُذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مِلْكُهُمْ بَاقِيًا لَصَارُوا أَغْنِيَاءَ بِهِ) أَيْ وَلَيْسَ مَنْ يَمْلِكُ مَالًا وَهُوَ فِي مَكَان لَا يَصِلُ إلَيْهِ فَقِيرًا بَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِابْنِ السَّبِيلِ وَلِذَا عُطِفُوا عَلَيْهِمْ فِي نَصِّ الصَّدَقَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ») قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّارِحُونَ مِمَّا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ «قِيلَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْفَتْحِ أَيْنَ تَنْزِلُ بِمَكَّةَ فَقَالَ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ» وَرُوِيَ «أَتَنْزِلُ غَدًا بِدَارِك فَقَالَ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ» وَإِنَّمَا قَالَهُ لِأَنَّ عَقِيلًا كَانَ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى كُفْرِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ فَإِنَّ عَقِيلًا إنَّمَا اسْتَوْلَى عَلَى الرِّبَاعِ بِإِرْثِهِ إيَّاهَا مِنْ أَبِي طَالِبٍ فَإِنَّهُ تَوَفَّى وَتَرَك عَلِيًّا وَجَعْفَرًا مُسْلِمَيْنِ وَعَقِيلًا وَطَالِبًا كَافِرَيْنِ فَوِرْثَاهُ إلَّا أَنَّ الدَّارَ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِمَا هَاجَرَ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا فَمَلَكُوهَا بِالِاسْتِيلَاءِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا وَلِلْجُمْهُورِ أَوْجُهٌ مِنْ النَّقْلِ وَالْمَعْنَى ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الْمَعْنَى فَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ الِاسْتِيلَاءُ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ يَعْنِي الِاسْتِيلَاءُ الْكَائِنُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ فِي حَالِ الْبَقَاءِ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ فَيَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَاسْتِيلَائِنَا عَلَى أَمْوَالِهِمْ فَإِنَّهُ مَا تَمَّ لَنَا الْمِلْكُ فِيهِ إلَّا لِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا أَيْ كَوْنُهُ مُبَاحًا إذْ ذَاكَ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ ثَبَتَتْ عَلَى مَنَاطِ الدَّلِيلِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْأَمْوَالِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ ضَرُورَةَ تَمَكُّنِ الْمُحْتَاجِ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَإِذَا زَالَتْ الْمُكْنَةُ مِنْ الِانْتِفَاعِ عَادَ مُبَاحًا وَزَوَالُهَا عَلَى التَّحْقِيقِ وَالْيَقِينِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَإِنَّ الْإِحْرَازَ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَامًّا وَهُوَ الِاقْتِدَارُ عَلَى الْمَحَلِّ حَالًا وَمَآلًا بِالْإِدْخَارِ إلَى وَقْتِ حَاجَتِهِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا أَحْرَزْنَا أَمْوَالَهُمْ لَا تَزُولُ أَمْلَاكُهُمْ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ وَمُكْنَةَ الِانْتِفَاعِ ثَابِتَةٌ مَعَ اتِّحَادِ الدَّارِ وَالْمِلَّةِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَزُولُ الْمِلْكُ بِالشَّكِّ. اهـ. (قَوْلُهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ اسْتِيلَاءَهُمْ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ يُوجِبُ الْمِلْكَ لَهُمْ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَنَا بِالِاسْتِيلَاءِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَالتَّمَلُّكُ بِالْقَهْرِ مِنْ أَقْوَى جِهَاتِ السَّبِيلِ قُلْنَا النَّصُّ تَنَاوَلَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُمْ بِالِاسْتِيلَاءِ وَحَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ لَا يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ الْمِلْكِ فَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَيُعِيدُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ مَعَ زَوَالِ مِلْكِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَعْدِهَا بِالْقِيمَةِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَأْخُذُونَ فِي الْوَجْهَيْنِ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَثْبُتْ لِلْكُفَّارِ عِنْدَهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ) هَذَا إذَا كَانَ قِيَمِيًّا فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَوَجَدَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَا يَأْخُذُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهِ بِمِثْلِهِ فَلَا يُشْرَعُ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ. اهـ. مَبْسُوطٌ قَالَ النَّاطِفِيُّ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْأَجْنَاسِ سَأَلْت شَيْخَنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيَّ هَلْ يُورَثُ حَقُّ أَخْذِ الْجَارِيَةِ الْمَأْسُورَةِ فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ مَنْصُوصًا وَقَدْ وَجَدْت ذَلِكَ مَنْصُوصًا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي عَبْدٍ أُسِرَ فَمَاتَ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَقَعَ الْعَبْدُ فِي سَهْمِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ أَنْ يَأْخُذُوهُ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ فَلِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْخُذَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ إمْلَاءً رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَقُولُ إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ الْمَوْلَى حَتَّى مَاتَ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ سَبِيلٌ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالشَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَامَّةٌ) أَيْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ اهـ فَلَا يُصِيبُ كُلُّ فَرْدٍ مَا يُبَالِي بِفَوْتِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّرَرُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَيَقِلُّ الضَّرَرُ) أَيْ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى الْغَانِمِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَأْخُذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ) أَيْ أَوْ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمَّا كَانَ عَامًّا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْمِلْكِ وَلِهَذَا أَوْرَدَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْغَانِمِينَ لَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً مِنْ

(وَبِالثَّمَنِ لَوْ اشْتَرَاهُ تَاجِرٌ مِنْهُمْ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى مَا أَخَذَهُ الْعَدُوُّ مِنْهُمْ تَاجِرٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِثَمَنِهِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ التَّاجِرُ مِنْ الْعَدُوِّ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ لَتَضَرَّرَ التَّاجِرُ فَيَأْخُذُهُ بِثَمَنِهِ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْعَرَضِ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ وَكَذَا لَوْ وَهَبَهُ الْعَدُوُّ لِمُسْلِمٍ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا إذْ مِلْكُهُ فِيهِ ثَابِتٌ فَلَا يُزَالُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَلَوْ كَانَ مِثْلِيًّا فَوَقَعَ فِي الْغَنِيمَةِ يَأْخُذُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يَأْخُذُهُ بَعْدَهَا وَكَذَا إذَا كَانَ مَوْهُوبًا وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ التَّاجِرُ شِرَاءً فَاسِدًا وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ اشْتَرَاهُ صَحِيحًا بِمِثْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَأَخَذَهُ بِمِثْلِهِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ التَّاجِرُ مِنْهُمْ بِأَقَلَّ مِنْهُ قَدْرًا أَوْ بِأَرْدَأَ مِنْهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ وَلَا يَكُونُ رِبًا لِأَنَّهُ يَسْتَخْلِصُ مِلْكَهُ وَيُعِيدُهُ إلَى مَا كَانَ فَصَارَ فِدَاءً لَا عِوَضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ فَقَأَ عَيْنَهُ وَأَخَذَ أَرْشَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ التَّاجِرُ وَإِنْ فُقِئَتْ عَيْنُ الْعَبْدِ الْمَأْسُورِ فِي يَدِ التَّاجِرِ وَأَخَذَ التَّاجِرُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ أَرْشَهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ النَّظَرِ وَلَا يُحَطُّ عَنْهُ شَيْءُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَتْ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ بِخِلَافِ الْمَشْفُوعِ لِأَنَّ شِرَاءَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الشَّفِيعِ مَكْرُوهٌ وَمِلْكُهُ يُنْقَضُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ وَفِيهِ تُضْمَنُ الْأَوْصَافُ مُطْلَقًا لِكَوْنِ الْمِلْكِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا يَضْمَنُ فِي الْغَصْبِ فَكَذَا فِي الْمَشْفُوعِ إذَا كَانَتْ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ حَتَّى لَوْ هَدَمَ الْمُشْتَرِي بِنَاءَهُ أَوْ قَلَعَ شَجَرَهُ يَسْقُطُ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَفِي الْمُرَابَحَةِ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْأَوْصَافُ حَتَّى لَا يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً بَعْدَ مَا أَتْلَفَهَا مَقْصُودًا لِكَوْنِهَا مَبْنِيَّةً عَلَى الْأَمَانَةِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَلِأَنَّ مَا يُعْطِيه الْمَالِكُ الْقَدِيمُ فِدَاءً وَلَيْسَ بِبَدَلٍ فِي حَقِّهِ وَالْفِدَاءُ لَا يُقَابَلُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَوْصَافِ وَلِهَذَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ لَمْ يَنْقُصْ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ وَلِأَنَّ الْأَخْذَ لِلْمَالِكِ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَغْنَمِ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ بِعُمُومِ الشَّرِكَةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ حَيْثُ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ بِلَا شَيْءٍ يَتَضَرَّرُ الْمَالِكُ الْجَدِيدُ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ نَصِيبِهِ فِي الْمَغْنَمِ فَيَفُوتُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ فَلِاعْتِدَالِ النَّظَرِ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَثْبَتَنَا حَقَّ الْأَخْذِ لَكِنْ بِالْقِيمَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ وَالْقَوْلُ فِي الثَّمَنِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ كَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَيْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَلَّكُ عَلَيْهِ مَالُهُ بِمَا يُقِرُّ هُوَ بِهِ كَالْمُشْتَرِي مَعَ الشَّفِيعِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ) أَيْ التَّاجِرُ اهـ (قَوْلُهُ أَخَذَهُ) أَيْ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مِثْلِيًّا) أَيْ مَا أَخَذَهُ الْكُفَّارُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ) أَيْ الْمِثْلِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ) أَيْ الْمِثْلِيَّ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ اشْتَرَاهُ صَحِيحًا بِمِثْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا) أَيْ لَا يَأْخُذُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ أَيْضًا إذَا كَانَ مَا أَخَذَهُ الْكُفَّارُ مِنَّا وَأَحْرَزُوهُ بِدَرَاهِم مُشْتَرِي بِمِثْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي أَنْ يُعْطِيَ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةٍ وَيَأْخُذُ عَشْرَةَ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةً إلَّا إذَا اشْتَرَى بِخِلَافِ الْجِنْسِ وَإِلَّا إذَا اشْتَرَى بِالْأَقَلِّ قَدْرًا أَوْ بِالْأَرْدَأِ مِنْهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْمَالِكِ أَخْذُهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ لِوُجُودِ الْفَائِدَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بَارِدٍ أَمَّنَهُ) أَيْ أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ فَقَأَ عَيْنَهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ أَسَرُوا عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ وَأَخَذَ أَرْشَهَا فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَبْدٍ لِرَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَخْرَجَهُ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ فَأَخَذَ الْمَوْلَى أَرْشَهَا ثُمَّ جَاءَ الْمَوْلَى الْأَوَّلُ بِكَمْ يَأْخُذُ الْعَبْدَ قَالَ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْعَدُوِّ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكُفَّارَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَنَا بِالْإِحْرَازِ بِدَرَاهِم عِنْدَنَا وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ ثُمَّ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا مَأْسُورًا مِنْ الْعَدُوِّ صَحَّ شِرَاؤُهُ فَإِذَا صَحَّ شِرَاؤُهُ صَحَّ مِلْكُهُ فِي الْعَبْدِ لَكِنْ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ حَقُّ أَخْذِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إنْ شَاءَ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْمُشْتَرِي لِحَدِيثِ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ وَقَدْ مَرَّ قَبْلَ هَذَا وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ مَجَّانًا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ لَكِنْ لَيْسَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ أَحَقُّ بِالرَّقَبَةِ لِإِعَادَةِ الْعَبْدِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ وَالْأَرْشُ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي صَحِيحًا وَلَيْسَ فِيهِ الْإِعَادَةُ إلَى قَدِيمِ الْمِلْكِ وَمَعَ هَذَا لَوْ أَخَذَ الْأَرْشَ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَرْشَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ قُتِلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي خَطَأً فَأَخَذَ قِيمَتَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ عَلَيْهِ فِي الْقِيمَةِ سَبِيلٌ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَهَكَذَا هُنَا وَفِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ رِبًا وَهُوَ حَرَامٌ ثُمَّ إذَا لَمْ يَأْخُذْ الْأَرْشَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُطَّ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ بِسَبَبِ فَقْءِ الْعَيْنِ لِأَنَّ الْعَيْنَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ لِأَنَّهُ تَحْصُلُ بِهِ صِفَةُ الْكَمَالِ فِي الذَّاتِ وَالْأَوْصَافِ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ فَاتَ الْوَصْفُ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ وَبِذَهَابِهِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ أَلَا تَرَى لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَذَهَبَتْ يَدُهُ أَوْ عَيْنُهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْوَصْفِ فِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ حَيْثُ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلِهَذَا إذَا اسْتَهْلَكَ إنْسَانٌ شَيْئًا مِنْ بِنَاءِ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الشُّفْعَةُ يَسْقُطُ مِنْ الشَّفِيعِ حِصَّتُهُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا كَانَ وَاجِبُ الرَّدِّ إلَى الشَّفِيعِ بِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ صَارَ كَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا وَالْوَصْفُ فِيهِ مَضْمُونٌ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الرَّدِّ كَمَا فِي الْغَصْبِ فَكَذَا فِيهَا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْمِلْكَ صَحِيحٌ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ فَحَصَلَ الْفَرْقُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَوْلَى يَسْقُطُ عَنْهُ حِصَّةُ الْأَرْشِ مِنْ الْفِدَاءِ فَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّفِيعِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالْحِصَّةِ إذَا اسْتَهْلَكَ إنْسَانٌ شَيْئًا مِنْ الْبِنَاءِ يُقَالُ فَقَأْت عَيْنَهُ أَيْ أَخْرَجْتهَا فَهِيَ مَفْقُوءَةٌ. اهـ. (قَوْله فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَبْضَيْنِ وَاجِبُ

فَيُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَالثَّمَنُ» اسْمٌ لِجَمِيعِهِ فَلَا يُنْقَصُ وَلَا يَأْخُذُ الْمَوْلَى الْقَدِيمُ الْأَرْشَ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي فِي الْأَرْشِ صَحِيحٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَلَوْ أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ فَلَا يُفِيدُ وَلَوْ أَخْرَجَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ عَنْ مِلْكِهِ بِعِوَضٍ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِذَلِكَ الْعِوَضِ إنْ كَانَ مَالًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَالٍ كَالصُّلْحِ عَنْ دَمٍ أَوْ هِبَةٍ أَخَذَهُ بِقِيمَتِهِ وَلَا يُنْقَضُ تَصَرُّفُهُ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ لِأَنَّ حَقَّهُ قَبْلَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فَيُنْقَضُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ تَكَرَّرَ الْأَسْرُ وَالشِّرَاءُ أَخَذَهُ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي بِثَمَنِهِ ثُمَّ الْقَدِيمُ بِالثَّمَنَيْنِ) مَعْنَاهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّجُلِ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ تَاجِرٌ فَأَدْخَلَهُ دَارَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ ثَانِيًا فَأَدْخَلُوهُ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ آخَرُ فَأَدْخَلَهُ دَارَ الْإِسْلَامِ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ بِثَمَنِهِ ثَانِيًا لِأَنَّ الْأَسْرَ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ خِيَارُ الْأَخْذِ لَهُ ثُمَّ إذَا أَخَذَهُ هُوَ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِالثَّمَنَيْنِ إنْ شَاءَ أَيْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْأَوَّلُ مِنْ الْحَرْبِيِّ اشْتَرَاهُ بِهِ الثَّانِي مِنْ الْحَرْبِيِّ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ قَامَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالشِّرَاءِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِالتَّخْلِيصِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَسْرَ الثَّانِي لَمْ يَرِدْ عَلَى مِلْكِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ غَائِبًا وَهُوَ الْمَأْسُورُ مِنْهُ ثَانِيًا لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْ التَّاجِرِ الثَّانِي لَيْسَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ ثَبَتَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ فِي ضِمْنِ عَوْدِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يَعُدْ مِلْكُهُ الْقَدِيمُ وَإِنَّمَا مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ الْجَدِيدِ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَمْلِكُونَ حُرَّنَا وَمُدَبَّرَنَا وَأُمَّ وَلَدِنَا وَمُكَاتَبَنَا وَنَمْلِكُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ) يَعْنِي بِالْغَلَبَةِ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ إلَّا فِي مَحَلِّهِ وَهَؤُلَاءِ مِنَّا لَيْسُوا بِمَحَلٍّ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لِلْمِلْكِ هُوَ الْمَالُ وَهُمْ لَيْسُوا بِمَالٍ إذْ الْحُرُّ مَعْصُومٌ بِنَفْسِهِ وَكَذَا غَيْرُهُ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ قَدْ ثَبَتَتْ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ رِقَابِهِمْ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ عِصْمَتَهُمْ جَزَاءً عَلَى جِنَايَتِهِمْ وَجَعَلَهُمْ أَرِقَّاءَ وَلَا جِنَايَةَ مِنْ هَؤُلَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَدَّ إلَيْهِمْ جَمَلٌ فَأَخَذُوهُ مَلَكُوهُ) لِتَحَقُّقِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَخَذَهُ أَحَدٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَغْنُومًا أَوْ مُشْتَرٍ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَهُ عَلَى التَّفَاصِيلِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَبَقَ إلَيْهِمْ قِنٌّ لَا) أَيْ لَا يَمْلِكُونَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لِحَقِّ الْمَوْلَى ضَرُورَةَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّقْضِ كُرْهًا لَحِقَ الشَّرْعِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَالثَّانِي بِالتَّخْلِيصِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي) أَيْ فَلَا يَحُطُّ مِنْ ذَلِكَ صِيَانَةً لَحِقَهُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ غَائِبًا) أَيْ لَيْسَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَأْخُذَهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ حَضْرَتِهِ. اهـ. كَافِي وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ أَخَذَهُ لَا يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ فِي ضِمْنِ عَوْدِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُتَضَمِّنُ لَا يَثْبُتُ مَا فِي ضِمْنِهِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَمْلِكُونَ حُرَّنَا وَمُدَبَّرَنَا وَأُمَّ وَلَدِنَا وَمُكَاتَبَنَا) وَفَائِدَتُهُ أَنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ هَؤُلَاءِ بِلَا شَيْءٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا وَكَذَا إنْ اشْتَرَى رَجُلٌ وَاحِدًا مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بَعْدَ اسْتِيلَائِهِمْ يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى بِلَا شَيْءٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ كُلَّ مَا يُمْلَكُ بِالْمِيرَاثِ يُمْلَكُ بِالْأَسْرِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَ التَّمَلُّكِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا إذَا اتَّصَلَ بِالْمَحَلِّ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَسْبَابِ فَلَمْ يَتَّصِلْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فَلَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُرَّ مَعْصُومٌ بِنَفْسِهِ وَمَا بَعْدَهُ لَيْسُوا بِمَحَلٍّ لَهُ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ الْحُرِّيَّةَ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنَّ نَتَمَلَّكَهُمْ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ قَدْ ثَبَتَتْ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ أَيْ فِيمَنْ سِوَى الْحُرِّيَّةِ لَا يُقَالُ إذَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ نَمْلِكُ جَمِيعَهُمْ حُرًّا كَانَ أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكُوا أَيْضًا عَلَيْنَا كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ الْقِنِّ لِأَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ تَمَلُّكُهُمْ عَلَى بَعْضِهِمْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَإِنْ كَانَ حُرًّا جَازَ تَمَلُّكُنَا عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُنَا عَلَى أَحْرَارِنَا وَمُدَبَّرِينَا وَمُكَاتَبِينَا وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِنَا بِالْعُقُودِ فَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُمْ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ نَدَا) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ نَدَا الْبَعِيرُ نَدًّا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنِدَادًا بِالْكَسْرِ وَنَدِيدًا ذَهَبَ وَنَفَرَ عَلَى وَجْهِهِ شَارِدًا فَهُوَ نَادٍ وَالْجَمْعُ نَوَادٍ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَبَقَ إلَيْهِمْ قِنٌّ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الِاسْتِيلَاءُ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ وَهَذَا لِأَنَّ لَهُ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ وَمَعْنَى الْيَدِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْحِفْظِ وَالتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا لَوْ قَبَضَ مَا وَهَبَ لَهُ تَتِمُّ الْهِبَةُ وَإِذَا اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ لِرَجُلٍ لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْلَى حَبْسَهُ بِالثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ يَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ لِظُهُورِ يَدِ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ فَإِذَا زَالَتْ يَدُ سَيِّدِهِ بِانْفِصَالِهِ عَنْ دَارِنَا ظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَرَفَعَتْ يَدُهُ ثُبُوتَ يَدِ الْكَفَرَةِ عَلَيْهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيلَاءُ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ الْمُسْلِمُ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ لِمُسْلِمٍ هَذَا قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ ذِمِّيًّا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو الْيُسْرِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَبَقَ مَا نَصُّهُ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَقَتَلَ فِي لُغَةٍ وَالْأَكْثَرُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ. اهـ. مِصْبَاحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ قِنٍّ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْقِنُّ الرَّقِيقُ يُطْلَقُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ عَلَى الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ فَيُقَالُ عَبْدُ قِنٌّ وَأَمَةُ قِنٌّ وَعَبِيدُ قِنٍّ بِالْإِضَافَةِ وَبِالْوَصْفِ أَيْضًا وَرُبَّمَا يُجْمَعُ عَلَى أَقْنَانٍ وَأَقِنَّةٍ وَهُوَ الَّذِي مُلِكَ هُوَ وَأَبُوهُ وَأَمَّا مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ وَيَسْتَعْبِدُ فَهُوَ عَبْدُ مَمْلَكَةٍ اهـ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالْقِنُّ مِنْ الْعَبِيدِ الَّذِي مُلِكَ هُوَ وَأَبَوَاهُ وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ وَقَدْ جَاءَ قِنَانٍ وَأَقْنَانٍ وَأَقِنَّةٍ وَأَمَّا أَمَةٌ قِنَّةٌ فَلَمْ أَسْمَعْهُ وَعَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَبْدٌ قِنٌّ أَيْ خَالِصُ الْعُبُودَةِ وَعَلَى ذَا صَحَّ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهِ خِلَافَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَا يَمْلِكُونَهُ) لَهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ إذَا وُجِدَ سَبَبُهُ وَقَدْ وُجِدَ سَبَبُ التَّمَلُّكِ وَهُوَ اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَيْهِ فَيَمْلِكُونَهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُونَ الْآبِقَ الْمُتَرَدِّدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْعَبْدَ الْمَأْذُونَ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا أَحْرَزَ وَهُمَا بِدَارِهِمْ

الِانْتِفَاعِ بِهِ وَذَلِكَ بِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ زَالَتْ وَلِهَذَا الْمَعْنَى إذَا أَخَذُوهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكُوهُ فَصَارَ كَالْجَمَلِ النَّادِّ إلَيْهِمْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ آدَمِيٌّ ذُو يَدٍ صَحِيحَةٍ حَتَّى إذَا أَوْدَعَ وَدِيعَةً لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى حَقُّ الْقَبْضِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ الْمَوْلَى لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَحْبِسَهُ فَيَكُونُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَا يَظْهَرُ عَلَى نَفْسِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِتَحَقُّقِ يَدِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ تَمْكِينًا لَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَقَدْ زَالَتْ يَدُ الْمَوْلَى بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَصَارَ مَعْصُومًا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ بِخِلَافِ الْمُتَرَدِّدِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بَاقِيَةٌ لِقِيَامِ أَهْلِ الدَّارِ عَلَيْهِ فَيُمْنَعُ ظُهُورُ يَدِهِ وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مَلَكَهُ الِابْنُ بِالْهِبَةِ وَلَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ لَا يَمْلِكُهُ بِخِلَافِ الْبَعِيرِ النَّادِّ لِأَنَّ الْعَجْمَاءَ لَيْسَ لَهَا يَدٌ فَإِذَا خَرَجَتْ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى يَمْلِكُهَا مَنْ أَخَذَهَا وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُمْ فِي الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى الْقَدِيمُ يَعْنِي بِغَيْرِ شَيْءٍ مَغْنُومًا كَانَ أَوْ مُشْتَرًى أَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ مَنْ فِي يَدِهِ أَوْ بَعْدَ مَا صَارَ ذِمِّيًّا وَلَكِنْ إنْ وَجَدَهُ مَغْنُومًا بَعْدَ الْقِسْمَةِ يُعَوِّضُ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إعَادَةُ الْقِسْمَةِ لِتَفَرُّقِ الْغَانِمِينَ وَتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْمَالِكِ جُعْلُ الْآبِقِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ بِزَعْمِهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ مَلَكَهُ سَوَاءٌ كَانَ غَازِيًا أَوْ مُشْتَرِيًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَبَقَ بِفَرَسٍ وَمَتَاعٍ فَاشْتَرَى رَجُلٌ كُلَّهُ مِنْهُمْ أَخَذَ الْعَبْدَ مَجَّانًا وَغَيْرَهُ بِالثَّمَنِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَأْخُذُ الْعَبْدَ أَيْضًا بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِاجْتِمَاعِ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِي كُلِّ فَرْدٍ مَغْنُومًا أَوْ مُشْتَرًى فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ الْمَالِكُ الْمَتَاعَ أَيْضًا بِغَيْرِ شَيْءٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ ظَهَرَتْ يَدُ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ ظَهَرَتْ عَلَى الْمَالِ لِانْقِطَاعِ يَدِ الْمَوْلَى عَنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَدُ الْعَبْدِ أَسْبَقُ مِنْ يَدِ الْكُفَّارِ فَلَا يَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ قُلْنَا ظَهَرَتْ يَدُ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ الرِّقُّ فَكَانَتْ ظَاهِرَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَجَعَلْنَاهَا ظَاهِرَةً فِي حَقِّ نَفْسِهِ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ فِي حَقِّ الْمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ابْتَاعَ مُسْتَأْمِنٌ عَبْدًا مُؤْمِنًا وَأَدْخَلَهُ دَارَهُمْ أَوْ أَمَّنَّ عَبْدٌ ثَمَّةَ فَجَاءَنَا أَوْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصَارَ اسْتِيلَاؤُهُمْ عَلَيْهِ كَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى الدَّابَّةِ الْمُنْفَلِتَةِ إلَيْهِمْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَبْدَ كَمَا انْفَصَلَ عَنْ دَارِ الْإِسْلَامِ ظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِظُهُورِ يَدِهِ كَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى اسْتِعْمَالِ آلَاتِهِ وَصَرْفِ مَنَافِعِهِ إلَى حَيْثُ يُرِيدُهُ فِي مَصَالِحِهِ فَإِذَا ظَهَرَتْ يَدُ الْعَبْدِ زَالَتْ يَدُ الْمَوْلَى وَفَاتَتْ قُدْرَةُ انْتِفَاعِهِ بِالْعَبْدِ لِلتَّنَافِي بَيْنَ يَدِ الْمَوْلَى وَيَدِ الْعَبْدِ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَحَلِّ تَصَرُّفًا كَيْفَ شَاءَ وَيَدُ الْعَبْدِ كَذَلِكَ فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ الْوَاحِدُ مَصْرُوفًا إلَى جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَلَمَّا ظَهَرَتْ يَدُ الْعَبْدِ مَنَعَ ذَلِكَ يَدَ أَهْلِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَهَا تَمْنَعُ أَهْلَ الْحَرْبِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْآبِقِ الْمُتَرَدِّدِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ فِي يَدِ مَوْلَاهُ حُكْمًا لِأَنَّ الِاقْتِدَارَ عَلَى الْمَحَلِّ قَائِمٌ بِالطَّلَبِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الدَّارِ فَلَمْ تَظْهَرْ يَدُ الْعَبْدِ وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى قَائِمَةٌ حُكْمًا أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى صَارَتْ يَدُهُ يَدَ نِيَابَةٍ عَنْ الْمَوْلَى إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعُودُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْآبِقِ لِأَنَّهُ لَمَا أَبَقَ تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ وَصَارَ غَاصِبًا مِلْكَ مَوْلَاهُ كَمَا انْفَصَلَ عَنْ دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَبْقَ لِلْمَوْلَى يَدٌ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَبَطَلَ الْقِيَاسُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي عَبْدٍ مُسْلِمٍ أَبَقَ أَمَّا لَوْ ارْتَدَّ الْعَبْدُ فَدَخَلَ دَارَهُمْ فَأَخَذُوهُ. يَمْلِكُهُ الْكُفَّارُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ فَظَهَرَتْ يَدُهُ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ الْعَبْدُ كَمَا انْفَصَلَ عَنْ دَارِ الْإِسْلَامِ يَقَعُ فِي يَدِ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ مَوْضِعٌ آخَرُ فَمِنْ أَيْنَ تَظْهَرُ يَدُ الْعَبْدِ إذَا انْفَصَلَ عَنْ دَارِنَا فَلَوْ كَانَ تَظْهَرُ يَدُهُ لَعَتَقَ كَعَبْدِ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ وَالْتَحَقَ بِعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ مَوْضِعٌ بَلْ بَيْنَ الدَّارَيْنِ مَوْضِعٌ حَاجِزٌ بَيْنَهُمَا فَإِذَا وَصَلَ الْعَبْدُ إلَيْهِ ظَهَرَتْ يَدُهُ فَمَنَعَ يَدَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتِقْ لِأَنَّ مِنْ ظُهُورِ يَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَلْزَمُ زَوَالُ مِلْكِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لِمَا ظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ صَارَ غَاصِبًا مِلْكَ الْمَوْلَى وَجَائِزٌ أَنْ تُوجَدَ الْيَدُ بِلَا مِلْكٍ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْلَى وَالْيَدَ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ عَبْدِ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ وَالْتَحَقَ بِعَسْكَرِنَا لِأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى مَالِ الْحَرْبِيِّ وَهُوَ غَيْرُ مَعْصُومٍ فَيَمْلِكُهُ فَلَمَّا مَلَكَهُ زَالَ مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَمَّا زَالَ الْمِلْكُ عَتَقَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُتَرَدِّدِ) الَّذِي يَدُورُ فِي دَارِنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ عَتَقَ (قَوْلُهُ الْعَجْمَاءُ) الْعَجْمَاءُ الْبَهِيمَةُ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عَجْمَاءُ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ فَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَلَامِ فَهُوَ أَعْجَمُ وَمُسْتَعْجَمٌ وَيُقَالُ صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ لِأَنَّهُ لَا يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ كَذَا فِي مُجْمَلِ اللُّغَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يُعَوَّضُ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ) أَيْ قِيمَتُهُ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ لِأَنَّ نَصِيبَهُ قَدْ اسْتَحَقَّ فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ لَكَانَ إجْحَافًا وَلَوْ لَزِمَ الْعِوَضُ عَلَى الْمَالِكِ مَعَ اسْتِمْرَارِ مِلْكِهِ لَكَانَ إضْرَارًا بِهِ وَتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ عَلَى شُرَكَائِهِ فِي الْغَنِيمَةِ لِتَفَرُّقِهِمْ فِي الْقَبَائِلِ يُعَوِّضُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنْ نَوَائِبِهِمْ وَلِأَنَّهُ لَوْ فَضُلَ شَيْءٌ يَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهُ كَلُؤْلُؤَةٍ تُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا لَحِقَ غَرِمَ يُجْعَلُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْغُرْمَ مُقَابَلٌ بِالْغُنْمِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْغَازِي أَوْ التَّاجِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْنَا إلَخْ) قُلْت غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ يَدَهُ ظَهَرَتْ عَلَى نَفْسِهِ بِالِانْفِصَالِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ظُهُورِ الْيَدِ ثُبُوتُ الْمَالِكِيَّةِ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مَالٌ مَعْصُومٌ لِمُسْلِمٍ فَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ فَيَبْقَى الْمِلْكُ فِي يَدِ الْعَبْدِ كَمَا كَانَ لِصَاحِبٍ الْمِلْكِ فَيَمْلِكُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ بِالْإِحْرَازِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ فِي حَقِّ الْمَالِ) وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ لِأَنَّ اسْتِيلَاءَ الْعَبْدِ عَلَى الْمَالِ حَقِيقَةً وُجِدَ وَهُوَ مَالٌ مُبَاحٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَ اسْتِيلَاءَ الْكُفَّارِ كَمَا فِي الصَّيْدِ. اهـ. دِرَايَةٌ قَوْلُهُ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ أَقُولُ فِي هَذَا التَّأَمُّلِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكٌ وَالْمَمْلُوكُ لَا يُمْلَكُ. اهـ.

عَتَقَ) أَيْ إذَا اشْتَرَى كَافِرٌ مُسْتَأْمِنٌ عَبْدًا مُؤْمِنًا وَأَدْخَلَهُ دَارَهُمْ أَوْ أَمَّنَّ عَبْدٌ لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ عَتَقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا وَدَخَلَ بِهِ دَارَهُمْ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْإِزَالَةِ كَانَ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ وَقَدْ انْتَهَى ذَلِكَ بِالدُّخُولِ فِي دَارِهِمْ لِعَجْزِ الْإِمَامِ عَنْ الْإِلْزَامِ فَبَقِيَ فِي يَدِهِ عَبْدًا عَلَى مَا كَانَ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَا تُنَافِي الْمِلْكَ بَلْ الْإِدْخَالُ فِيهَا سَبَبُ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَسَرُوا عَبْدًا مُؤْمِنًا وَأَحْرَزُوهُ بِدَارِهِمْ مَلَكُوهُ ابْتِدَاءً فَالِاسْتِدَامَةُ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ اسْتَحَقَّ الْإِزَالَةَ عَنْ مِلْكِ الْكَافِرِ بِالْبَيْعِ كَيْ لَا يَبْقَى تَحْتَ ذُلِّهِ وَلَا يَذْهَبُ مَالُهُ بِلَا عِوَضٍ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِمَا أَنَّ لِمَالِ الْمُسْتَأْمِنِ حُرْمَةً كَمَالِ الذِّمِّيِّ وَإِذَا عَادَ إلَى دَارِهِمْ سَقَطَتْ عِصْمَةُ مَالِهِ وَعَجَزَ الْقَاضِي عَنْ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَعَنْ إعْتَاقِهِ عَلَيْهِ إذْ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عَلَى مَنْ فِي دَارِهِمْ فَأُقِيمَ إحْرَازُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مَقَامَ الْقَضَاءِ بِالْعِتْقِ إقَامَةً لِلشَّرْطِ مَقَامَ الْعِلَّةِ إذْ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ شَرْطٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ فِي الْجُمْلَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِالتَّبَايُنِ وَالْقِيَاسُ عَلَى مَنْ أَدْخَلُوهُ دَارَهُمْ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَنْ وَجَبَ إزَالَتُهُ عَنْ مِلْكِهِ وَاَلَّذِي أَدْخَلُوهُ فِي دَارِهِمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ قَبْلَهُ حَتَّى تَجِبَ إزَالَتُهُ وَإِنَّمَا مَلَكُوهُ بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَهُمْ فَافْتَرَقَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ وَلَا يُمْكِنُ مِنْ إدْخَالِهِ دَارَ الْحَرْبِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فِي دَارِهِمْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَعْتَمِدُ زَوَالَ الِاخْتِصَاصِ وَلَمْ يُوجَدْ إذْ قَهْرُ الْبَائِعِ زَالَ إلَى قَهْرِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ قَهْرَ الْبَائِعِ زَالَ حَقِيقَةً وَالْحَاجَةُ إلَى ثُبُوتِ قَهْرِ الْمُشْتَرِي ابْتِدَاءً وَفِي الْمَحَلِّ مَا يُنَافِيه فَلَا يَثْبُتُ وَلِأَنَّ إسْلَامَهُ يَقْتَضِي زَوَالَ قَهْرِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ الْخِطَابُ بِالْإِزَالَةِ فَأُقِيمَ مَا لَهُ أَثَرٌ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ مَقَامَ الْإِزَالَةِ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَمَّنَّ عَبْدَ حَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الطَّائِفِ مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ عَبِيدِ الْمُشْرِكِينَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ «سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرُدَّ إلَيْنَا أَبَا بَكْرَةَ وَكَانَ مَمْلُوكًا فَأَسْلَمَ قَبْلَنَا فَقَالَ لَا هُوَ طَلِيقُ اللَّهِ طَلِيقُ رَسُولِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ «خَرَجَ عَبْدَانِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ الصُّلْحِ فَكَتَبَ إلَيْهِ مَوَالِيهمْ فَقَالُوا وَاَللَّهِ يَا مُحَمَّدُ مَا خَرَجُوا إلَيْك رَغْبَةً فِي دِينِك وَإِنَّمَا خَرَجُوا هَرَبًا مِنْ الرِّقِّ فَقَالَ نَاسٌ صَدَقُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رُدَّهُمْ إلَيْهِمْ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا أَرَاكُمْ تَنْتَهُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَنْ يَضْرِبُ رِقَابَكُمْ عَلَى هَذَا وَإِنِّي لَنْ أَرُدَّهُمْ وَقَالَ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ بِالْخُرُوجِ إلَيْنَا مُرَاغِمًا لِمَوْلَاهُ وَبِالِالْتِحَاقِ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ إذَا ظَهَرُوا عَلَى الدَّارِ وَاعْتِبَارُ يَدِهِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ يَدِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهَا أَسْبَقُ ثُبُوتًا عَلَى نَفْسِهِ وَالْحَاجَةُ فِي حَقِّهِ إلَى زِيَادَةِ تَوْكِيدٍ وَفِي حَقِّهِمْ إلَى إثْبَاتِ الْيَدِ ابْتِدَاءً فَكَانَتْ يَدُهُ أَوْلَى وَلَوْ أَعْتَقَ حَرْبِيٌّ عَبْدًا حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يُخَلِّهِ أَيْ قَالَ لَهُ أَخْذًا بِيَدِهِ أَنْتَ حُرٌّ لَا يُعْتَقُ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ وَالْعَبْدُ عِنْدَهُ فَهُوَ مِلْكُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُعْتَقُ لِصُدُورِ رُكْنِ الْعِتْقِ مِنْ أَهْلِهِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ إعْتَاقِهِ عَبْدًا مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي مَحَلِّهِ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مُعْتِقٌ بِلِسَانِهِ مُسْتَرِقٌّ بِبَنَانِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ كَمَا يَزُولُ يَثْبُتُ بِاسْتِيلَاءٍ جَدِيدٍ وَهُوَ أَخْذُهُ لَهُ بِيَدِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَكُونُ عَبْدًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ التَّمَلُّكِ بِالِاسْتِيلَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ) فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا خَرَجَ مُرَاغِمًا لِمَوْلَاهُ يَكُونُ حُرًّا وَكَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ عَلَى دَارِهِمْ بَعْدَ إسْلَامِ الْعَبْدِ يَكُونُ حُرًّا لِأَنَّهُ لِمَا الْتَحَقَ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ صَارَ كَأَنَّهُ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَكُونُ عَبْدًا لِلْغُزَاةِ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى أَنْ يَمْلِكُوهُ بِالْإِحْرَازِ وَهُوَ يَحْتَاجُ أَنْ يُحْرِزَ نَفْسَهُ لِيَنَالَ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ وَإِحْرَازُهُ أَسْبَقُ مِنْ إحْرَازِهِمْ فَصَارَ أَوْلَى لِأَنَّهُ صَارَ صَاحِبَ يَدٍ فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَا يُؤَكِّدُ يَدَهُ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى إثْبَاتِ الْيَدِ ابْتِدَاءً فَكَانَ اعْتِبَارُ يَدِهِ أَوْلَى قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ مِنْ أَحَدٍ لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ حُكْمِيٌّ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَى الدَّارِ لَمْ يُعْتَقْ إلَّا إذَا عَرَضَهُ الْمَوْلَى عَلَى الْبَيْعِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ عَتَقَ الْعَبْدُ قَبِلَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ لِأَنَّ الْعَبْدَ اسْتَحَقَّ حَقَّ الْعَتَاقِ بِالْإِسْلَامِ لَكِنَّا نَحْتَاجُ إلَى سَبَبٍ آخَرَ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ وَلَمَّا عَرَضَهُ فَقَدْ رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ فَلَأَنْ يَكُونَ رَاضِيًا بِزَوَالِهِ إلَى عَبْدِهِ أَوْلَى لِأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ حَقُّ الزَّوَالِ وَعَبْدُهُ اسْتَحَقَّ حَقَّ الزَّوَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُرَاغِمًا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَقَدْ رَاغَمَهُ إذَا فَارَقَهُ عَلَى رَغْمِهِ وَمِنْهُ إذَا خَرَجَ مُرَاغِمًا أَيْ مُغَاضِبًا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مُرَاغِمًا لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ إلَيْنَا غَيْرَ مُرَاغِمٍ فَهُوَ عَبْدٌ لِمَوْلَاهُ يَبِيعُهُ الْإِمَامُ وَيَقِفُ ثَمَنَهُ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ فَصَارَ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ الَّذِي دَخَلَ بِهِ مُسْتَأْمِنًا إلَى دَارِنَا كَذَا فِي الْإِيضَاحِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَعْتَقَ حَرْبِيٌّ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْمَجْمَعِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ. اهـ.

[باب المستأمن]

(بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دَخَلَ تَاجِرُنَا ثَمَّةَ حَرُمَ تَعَرُّضُهُ لِشَيْءٍ مِنْهُمْ) أَيْ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانِ مُسْلِمٌ تَاجِرٌ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَدِمَائِهِمْ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْغَدْرِ» عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ إلَّا إذَا غَدَرَ بِهِمْ مَلِكُهُمْ بِأَخْذِ الْأَمْوَالِ أَوْ الْجَيْشُ أَوْ غَيْرُهُ بِعِلْمِهِ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ نَقَضُوا الْعَهْدَ بِهِ فَيُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ حِينَئِذٍ كَالْأَسِيرِ وَالْمُتَلَصِّصِ فَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ وَقَتْلُ نُفُوسِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبِيحَ فُرُوجَهُمْ فَإِنَّ الْفُرُوجَ لَا تَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ عَلَى مَا بَيَّنَّا إلَّا إذَا وَجَدَ امْرَأَتَهُ الْمَأْسُورَةَ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَتِهِ وَلَمْ يَطَأْهُنَّ أَهْلُ الْحَرْبِ لِأَنَّهُنَّ لَا يَمْلِكُهُنَّ أَهْلُ الْحَرْبِ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَهُنَّ بَاقِيَاتٌ عَلَى مِلْكِهِ غَيْرَ أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ إنْ وَطِئُوهُنَّ يَكُونُ شُبْهَةً فِي حَقِّهِنَّ فَيَجِبُ عَلَيْهِنَّ الْعِدَّةُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهُنَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ بِخِلَافِ أَمَتِهِ الْمَأْسُورَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا الْحَرْبِيُّ لِأَنَّهَا مَلَكُوهَا فَصَارَتْ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِهِمْ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهَا بِشَيْءٍ إنْ دَخَلَ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ وَلَمْ يُنْتَقَضْ الْأَمَانُ وَيَجُوزُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِزَوْجَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ أَخْرَجَ شَيْئًا مَلَكَهُ مِلْكًا مَحْظُورًا) (فَيَتَصَدَّقُ بِهِ) يَعْنِي لَوْ غَدَرَهُمْ وَأَخَذَ شَيْئًا وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكَهُ مِلْكًا مَحْظُورًا لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ وَالْحَظْرُ لِغَيْرِهِ لَا يَمْنَعُ الْمَشْرُوعِيَّةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ كَالِاصْطِيَادِ بِقَوْسٍ مَغْصُوبٍ غَيْرَ أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ الْغَدْرِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ خُبْثًا فِيهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَدَانَهُ حَرْبِيٌّ أَوْ أَدَانَ حَرْبِيًّا أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَخَرَجَا إلَيْنَا لَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ) أَيْ التَّاجِرُ الَّذِي دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ إذَا أَدَانَهُ حَرْبِيٌّ أَيْ بَاعَهُ بِالدَّيْنِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَخَرَجَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَتَحَاكَمَا عِنْدَ حَاكِمٍ لَمْ يَقْضِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَسْتَدْعِي الْوِلَايَةَ وَيَعْتَمِدُهَا وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا إذْ لَا قُدْرَةَ لِلْقَاضِي فِيهِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا وَقْتَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى مِنْ أَفْعَالِهِ وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فِي حَقِّ أَحْكَامٍ يُبَاشِرُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْغَصْبُ فِي دَارِ الْحَرْبِ سَبَبٌ يُفِيدُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ اسْتِيلَاءٌ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ فَصَارَ كَالْإِدَانَةِ فَإِذَا مَلَكَهُ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ بِالْحُكْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ] ِ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ الِاسْتِيلَاءِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِدَارِ عَلَى الْمَحَلِّ قَهْرًا وَغَلَبَةً شَرَعَ فِي بَابِ الِاسْتِئْمَانِ لِأَنَّ طَلَبَ الْأَمَانِ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ يَكُونُ فِيهِ قَهْرٌ وَقَدَّمَ اسْتِئْمَانَ الْمُسْلِمِ تَعْظِيمًا لَهُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: حَرُمَ تَعَرُّضُهُ لِشَيْءٍ مِنْهُمْ) أَيْ وَهَذَا لِأَنَّهُمْ إنَّمَا مَكَّنُوهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي دَارِهِمْ بَعْدَ الِاسْتِئْمَانِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَإِذَا تَعَرَّضَ لِذَلِكَ كَانَ غَدْرًا وَالْغَدْرُ حَرَامٌ لِمَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَعَثَ جَيْشًا أَوْ سَرِيَّةً أَوْصَى صَاحِبَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَأَوْصَاهُ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ اُغْزُوَا بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ لَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» الْحَدِيثُ فِيهِ طُولٌ وَرَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ» وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَوْ غَدَرَ التَّاجِرُ بِهِمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ وَأَحْرَزَهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكَهَا مِلْكًا مَحْظُورًا إلَّا أَنَّ الْمَحْظُورَ لَا يُنَافِي وُقُوعَ الْمِلْكِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ وَقَدْ شَرَطَ بِالِاسْتِئْمَانِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُمْ فَالتَّعَرُّضُ بَعْدَهُ غَدْرٌ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ إلَّا إذَا غَدَرَ بِهِمْ مَلِكُهُمْ) أَيْ بِالتُّجَّارِ مَلِكُ أَهْلِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ) أَيْ هُمْ الَّذِينَ يَعْنِي الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ بِهِ اهـ (قَوْلُهُ فَيُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ حِينَئِذٍ كَالْأَسِيرِ) قَالَ فِي الْكَافِي بِخِلَافِ الْأَسِيرِ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ وَإِنْ أَطْلَقُوهُ طَوْعًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمِنٍ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الِالْتِزَامُ بِعَقْدٍ أَوْ عَهْدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْحَظْرُ لِغَيْرِهِ لَا يَمْنَعُ الْمَشْرُوعِيَّةَ) يَعْنِي أَنَّ مَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا الْحَظْرُ جَاءَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَالِ وَهُوَ الْأَمَانُ فَلَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَدَانَهُ حَرْبِيٌّ) الْإِدَانَةُ الْبَيْعُ بِالدَّيْنِ وَالِاسْتِدَانَةُ الِابْتِيَاعُ بِالدَّيْنِ اهـ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا) أَيْ لَا عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ وَلَا عَلَى الْحَرْبِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فِي حَقِّ أَحْكَامٍ يُبَاشِرُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) أَيْ فَلَمَّا انْتَفَتْ الْوِلَايَةُ لَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ بِدُونِ الْوِلَايَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَكِنَّهُ يُفْتِي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَقْضِيَ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي حَقِّ أَحْكَامٍ يُبَاشِرُهَا مَا نَصُّهُ الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي حَقِّ حُكْمٍ يُبَاشِرُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْغَصْبُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَلِكَ فِي الْغَصْبِ لَا يَقْضِي لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ غَصْبَ أَحَدِهِمَا مَالَ صَاحِبِهِ صَادَفَ مَالًا لَا عِصْمَةَ لَهُ فِي حَقِّهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ فَإِذَا اسْتَوْلَى أَحَدُهُمَا عَلَى مَالِ الْآخَرِ فَقَدْ مَلَكَهُ وَلَا يُحْكَمُ بِالرَّدِّ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمَ الْمُسْتَأْمِنَ لَمَّا غَصَبَ مَالَهُمْ صَارَ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ لِأَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ طِيبَةِ أَنْفُسِهِمْ فَيُؤْمَرُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَرُدَّهُ لِيَرْتَفِعَ الْغَدْرُ اهـ

وَلَكِنْ يُفْتِي الْمُسْلِمَ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَيَأْمُرُهُ بِهِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالْأَمَانِ أَنْ لَا يَغْدِرَهُمْ وَهَذَا غَدْرٌ وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْضِي بِالدَّيْنِ عَلَى الْمُسْلِمِ دُونَ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ يَحْكُمُ عَلَيْهِمَا بِالدَّيْنِ فَكَذَا هَذَا وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ امْتَنَعَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَيْضًا تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا حَرْبِيِّينَ وَفَعَلَا ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْمَنَا) لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ قَضَى بِالدَّيْنِ بَيْنَهُمَا لَا بِالْغَصْبِ) يَعْنِي الْحَرْبِيَّيْنِ أَسْلَمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ بَعْدَ مَا أَدَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ غَصَبَ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَقْضِي بِالدَّيْنِ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ صَحِيحَةً لِوُقُوعِ الْمُدَايَنَةِ بِتَرَاضِيهِمَا وَلِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ حَالَةَ الْقَضَاءِ لِالْتِزَامِهِمَا الْأَحْكَامَ بِالْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا لَا يَقْضِي بِالْغَصْبِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مَلَكَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ وُرُودِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ وَلَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ لِأَنَّ مِلْكَ الْحَرْبِيِّ بِالْغَصْبِ صَحِيحٌ لَا خَبَثَ فِيهِ وَإِطْلَاقُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ» يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمِنِ إذَا غَصَبَ مِنْهُمْ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ لِخَبَثٍ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْخِيَانَةِ وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُسْلِمَانِ مُسْتَأْمَنَانِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ) أَيْ مُسْلِمَانِ دَخَلَا دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الْعَمْدِ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ أَمَّا الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ لَا تَبْطُلُ بِالدُّخُولِ الْعَارِضِ بِالْأَمَانِ وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الصِّيَانَةِ مَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ عَلَى اعْتِبَارِ تَرْكِهَا وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَالْقِصَاصُ قَدْ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّيَةِ صِيَانَةً لِلدَّمِ الْمَعْصُومِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِدُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ لَا تَبْطُلُ عِصْمَتُهُ وَالْمُسْلِمُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ وَالْقِصَاصُ حَقُّ الْوَلِيِّ يَنْفَرِدُ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ فَيَسْتَوْفِيه قُلْنَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِمَنَعَةٍ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُقَاوِمُ الْقَاتِلَ ظَاهِرًا وَلَا مَنَعَةَ دُونَ الْإِمَامِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَجِبْ إذْ لَا فَائِدَةَ لِلْوُجُوبِ بِدُونِ الِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ كَالْحَدِّ وَلِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ إبَاحَةٍ لِلدَّمِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً مُسْقِطَةً لِلْعُقُوبَةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ صُورَةِ الْإِبَاحَةِ يَكْفِي لِسُقُوطِ الْعُقُوبَةِ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِقَوْلِهِ اُقْتُلْنِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا شَيْءَ فِي الْأَسِيرَيْنِ سِوَى الْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا أَسْلَمَ ثَمَّةَ) يَعْنِي إذَا قَتَلَ أَحَدُ الْأَسِيرَيْنِ الْآخَرَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ سِوَى الْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ مُسْلِمٌ مُسْتَأْمَنٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ مَعْصُومًا مُتَقَوِّمًا بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَبْطُلُ بِالْأَسْرِ الْعَارِضِ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِالدُّخُولِ لِدَارِهِمْ بِأَمَانٍ بَلْ أَوْلَى لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا وَالْمُسْتَأْمَنُ بِاخْتِيَارِهِ وَعَدَمُ الْقِصَاصِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمَنَعَةُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَسِيرَ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ بِالْقَهْرِ حَتَّى صَارَ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِمْ وَمُسَافِرًا بِسَفَرِهِمْ كَعَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ صَارُوا أَتْبَاعًا لَهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا كَانَ تَبَعًا لَهُمْ فَلَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ كَأَصْلِهِ وَهُوَ الْحَرْبِيُّ فَصَارَ كَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا أَسْلَمَ ثَمَّةَ أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَنْ لَا يَغْدِرَهُمْ) غَدَرَ بِهِ غَدْرًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ نَقَضَ عَهْدَهُ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهِ بِالْأَخْذِ اهـ قَالَ فِي الْكَافِي وَالْجَوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَالْقَاضِي يَقْضِي عَلَى الْمُسْلِمِ بِالدَّيْنِ وَقَوْلُهُمَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ الْتَزَمَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ مُطْلَقًا فَصَارَ كَمَا لَوْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ إلَيْنَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا كَانَ حَرْبِيًّا لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِذَلِكَ فَإِذَا كَانَ مُسْلِمًا وَجَبَ أَنْ لَا يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ أَيْضًا لَا لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ وَلَكِنْ لِتَحْقِيقِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ فَإِنَّ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا لَيْسَ فِي أَنْ يَبْطُلَ حَقُّ أَحَدِهِمَا بِلَا مُوجِبٍ لِوُجُوبِ إبْطَالِ حَقِّ الْآخَرِ بِمُوجِبٍ بَلْ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْإِقْبَالِ وَالْإِقَامَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ أَيْ ضَعْفُ هَذَا الْجَوَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَذَلِكَ) أَيْ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ فِي صُورَةِ الْإِدَانَةِ وَالْغَصْبِ جَمِيعًا اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَعَلَا ذَلِكَ) أَيْ أَدَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا مَالَ الْآخَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عَلَيْهِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَأَمَّا الْقَوَدُ فَلَا يَجِبُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ لِمَا بَيَّنَّا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُقَاوِمُ الْقَاتِلَ ظَاهِرًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ لِسُقُوطِهِ بِعَارِضٍ مُقَارِنٍ لِلْقَتْلِ يَنْقَلِبُ كَقَتْلِ الرَّجُلِ ابْنَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِقَوْلِهِ اُقْتُلْنِي) ذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ لَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَلَا يَصِحُّ إذْنُهُ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْوَرَثَةِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قِيلَ مَا ذَكَرْتُمْ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178] {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] فَالْجَوَابُ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِالْقَتْلِ خَطَأً فَإِنَّهُ قَتْلٌ وَلَيْسَ يَجِبُ بِهِ قِصَاصٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْمَعْنَى أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا أَسْلَمَ ثَمَّةَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَلَهُ وَرَثَةٌ مُسْلِمُونَ هُنَاكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ

[فصل إقامة المستأمن في دارنا إقامة دائمة]

فِي الْخَطَأِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ. فَكَذَا هَذَا لِبُطْلَانِ الْإِحْرَازِ الَّذِي كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِالتَّبَعِيَّةِ لَهُمْ فِي دَرَاهِمِ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا الْمُسْتَأْمِنُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْهُورٍ فَيُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُسْلِمُ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ عَمْدًا وَتَجِبُ الدِّيَةُ بِقَتْلِهِ خَطَأً لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً لِوُجُودِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا» أَثْبَتَ الْعِصْمَةَ بِالْإِسْلَامِ لَا غَيْرُ وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ نِعْمَةً وَكَرَامَةً فَتَتَعَلَّقُ بِمَا لَهُ أَثَرٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَهَذَا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ أَصْلُهَا الْمُؤَثِّمَةُ لِحُصُولِ أَصْلِ الزَّجْرِ بِهَا وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِالْإِسْلَامِ ثَابِتَةٌ بِهِ حَتَّى يَأْثَمَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْمُقَوِّمَةُ كَمَالٌ فِيهَا لِيَحْصُلَ كَمَالُ الِامْتِنَاعِ لِأَنَّ بَعْضَ السُّفَهَاءِ لَا يَتْرُكُ التَّعَرُّضَ لَهُ إلَّا بِالْمُقَوِّمَةِ خَوْفًا مِنْ التَّبِعَةِ فِي الدُّنْيَا فَيَكُونُ وَصْفًا لَهَا فَيَتَعَلَّقُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَصْلُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] جَعَلَ التَّحْرِيرَ كُلَّ الْمُوجِبِ رُجُوعًا إلَى حَرْفِ الْفَاءِ فَإِنَّهَا لِلْجَزَاءِ وَهُوَ الْكِفَايَةُ أَوْ إلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ فَيَنْتَفِي غَيْرُهُ كَمَا انْتَفَى فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الَّذِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى. وَهَذَا لِأَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ لِبَيَانِ الْأَحْكَامِ فِي الْقَتْلِ وَهِيَ أَنْوَاعٌ فَأَوْجَبَ أَوَّلًا فِي الْمُؤْمِنِ الْمُطْلَقِ دِيَةً وَكَفَّارَةً ثُمَّ أَوْجَبَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا كَفَّارَةً ثُمَّ أَوْجَبَ بِقَتْلِ الذِّمِّيِّ دِيَةً وَكَفَّارَةً فَلَا يُزَادُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَصْلَ الْعِصْمَةِ بِالْإِسْلَامِ بَلْ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا لِأَنَّهُ خُلِقَ لِإِقَامَةِ الدِّينِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِعِصْمَةِ نَفْسِهِ بِأَنَّ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُ أَحَدٌ وَإِبَاحَةُ قَتْلِهِ عَارِضٌ بِسَبَبِ إفْسَادِهِ بِالْقِتَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَا يُقَاتِلُ مِنْ الْكُفَّارِ كَالذِّمِّيِّ وَذَرَارِيِّ الْحَرْبِيِّ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ لِعَدَمِ الْإِفْسَادِ، وَالْمُقَوِّمَةُ تَحْصُلُ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذِّمِّيَّ مَعَ كُفْرِهِ يَتَقَوَّمُ بِالْإِحْرَازِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْإِسْلَامِ فِي تَحْصِيلِ الْعِصْمَةِ لِأَنَّ الدِّينَ مَا وُضِعَ لِاكْتِسَابِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا وُضِعَ لِاكْتِسَابِ الْآخِرَةِ وَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ مَعْصُومَةً بِالْآدَمِيَّةِ فَالْمَالُ يَتْبَعُهَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ تَحَمُّلِ أَعْبَاءِ التَّكَالِيفِ وَإِنْ خُلِقَ عُرْضَةً فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لَا يُقَدَّرُ إلَّا بِهِ فَيَكُونُ مَعْصُومًا بِعِصْمَتِهِ وَأَمَّا الْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ فَالْأَصْلُ فِيهَا لِلْأَمْوَالِ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ يُؤْذِنُ بِجَبْرِ الْفَائِتِ بِالتَّمَاثُلِ فَيَسُدُّ مَسَدَّهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمَالِ فَكَانَتْ النُّفُوسُ تَابِعَةً لِلْأَمْوَالِ فِيهَا ثُمَّ الْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ فِي الْأَمْوَالِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ مَعَ كَوْنِهِ أَصْلًا فِيهَا فَفِي النَّفْسِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تَبَعٌ فِيهَا وَلَيْسَ فِيمَا رَوَاهُ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ لِأَنَّهُمْ عَصَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِتَرْكِ الْقِتَالِ وَلِهَذَا لَمْ يُعْصَمُوا بِهِ بِغَيْرِ تَرْكِهِ وَنَظِيرُهُ أَدَاءُ الْجِزْيَةِ يَعْصِمُ الْكَافِرُ بِهِ نَفْسَهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ يَتْرُكُ الْإِفْسَادَ عِنْدَ أَدَائِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يُمَكَّنُ مُسْتَأْمَنٌ فِينَا سَنَةً وَقِيلَ لَهُ إنْ أَقَمْت سَنَةً وُضِعَ عَلَيْك الْجِزْيَةُ) أَيْ إذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا سَنَةً وَيَقُولُ لَهُ الْإِمَامُ إنْ أَقَمْت سَنَةً كَامِلَةً وُضِعَتْ عَلَيْك الْجِزْيَةُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةٍ دَائِمَةٍ فِي دَارِنَا إلَّا بِاسْتِرْقَاقٍ أَوْ جِزْيَةٍ لِأَنَّهُ يَبْقَى ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِكَوْنِهِ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنَا عَلَيْنَا وَيُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ لِأَنَّ فِي مَنْعِهَا قَطْعَ الْمَنَافِعِ مِنْ الْمِيرَةِ وَالْجَلَبِ وَسَدِّ بَابِ التِّجَارَاتِ كُلِّهَا فَفَصَلْنَا بَيْنَهُمَا بِسَنَةٍ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَجِبُ فِيهَا الْجِزْيَةُ ثُمَّ إنْ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ بَعْدَ مَقَالَةِ الْإِمَامِ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَكَثَ سَنَةً فَهُوَ ذِمِّيٌّ) لِالْتِزَامِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ لَا دِيَةَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ أُضَمِّنُهُ الدِّيَةَ وَأَجْعَلُ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ الْكَفَّارَةَ وَأَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ وَأَدَعُ الْقِيَاسَ وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجْهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ لِأَجْلِ إسْلَامِهِ وَكَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَنْفِي تَقَوُّمَ دَمِهِ كَالتَّاجِرِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الَّذِينَ أَسْلَمُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ اهـ (قَوْلُهُ خَوْفًا مِنْ التَّبِعَةِ) التَّبِعَةُ وِزَانُ كَلِمَةٍ مَا تَطْلُبُهُ مِنْ ظُلَامَةٍ وَنَحْوِهَا. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَوْجَبَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا كَفَّارَةً) فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النساء: 92] الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ الْبَاغِي فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا وَالشَّافِعِيُّ لَا يُوجِبُ الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْبَاغِي أَيْضًا قُلْت الْمُرَادُ مِنْهُ هُوَ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ بِالنَّقْلِ عَنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ وَقَدْ دَلَّ إطْلَاقُ اسْمِ الْعَدُوِّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَدُوَّ الْمُطْلَقَ لَنَا هُوَ الْكَافِرُ لَا الْبَاغِي فَإِنَّ الْبَاغِيَ إنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا مِنْ حَيْثُ الدُّنْيَا لَكِنْ مِنْ قَوْمٍ أَصْدِقَاءَ لَنَا مِنْ حَيْثُ الدِّينُ وَالدَّارُ وَالْكَافِرُ عَدُوُّنَا دِينًا وَدَارًا. اهـ. [فَصْلٌ إقَامَة الْمُسْتَأْمَنُ فِي دارنا إقَامَة دائمة] (فَصْلٌ) قَوْلُهُ (لِكَوْنِهِ عَيْنًا لَهُمْ) الْعَيْنُ جَاسُوسُ الْقَوْمِ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ وَالْعَوْنُ الظَّهِيرُ عَلَى الْأَمْرِ وَالْجَمْعُ أَعْوَانٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَيَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيُنْهِي الْخَبَرَ إلَى دَارِهِمْ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ الْمِيرَةُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ الطَّعَامُ يَمْتَارُهُ الْإِنْسَانُ فَأَمَّا الْمِئْرَةُ بِالْهَمْزِ فَهِيَ النَّمِيمَةُ قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ وَكُلُّ شَيْءٍ جَلَبْته مِنْ إبِلٍ وَخَيْلٍ وَسَائِرِ ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانِ لِلتِّجَارَةِ فَهُوَ جَلَبٌ وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ مَكَثَ سَنَةً) أَيْ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ إلَيْهِ أَيْ قَوْلُهُ لَهُ مَا يَعْتَمِدُ فِي ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ. اهـ. كَمَالٌ وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ فِي مَنْعِهِ الْعَوْدَ إذَا أَقَامَ سَنَةً وَبِهِ صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ فَقَالَ لَوْ أَقَامَ سَنَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فَلَهُ الرُّجُوعُ قِيلَ وَلَفْظُ الْمَبْسُوطِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَقَدُّمَ الْإِمَامِ لَيْسَ شَرْطًا لِصَيْرُورَتِهِ ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ قَالَ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فَيَأْمُرَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ الْحَوْلُ

الْجِزْيَةَ فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ لَا مِنْ وَقْتِ دُخُولِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّرَ لَهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إذَا رَأَى كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ فَإِذَا أَقَامَهَا بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ ذِمِّيًّا وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا عِنْدَ إقَامَتِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَنَةً وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ الْإِمَامُ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْحَوْلُ لِأَنَّهُ لِإِبْلَاءِ الْعُذْرِ وَالْحَوْلُ حَسَنٌ لِذَلِكَ كَمَا فِي تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ ثُمَّ إذَا صَارَ ذِمِّيًّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ لَهُ اسْتَأْنَفَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ لِحَوْلٍ بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ مَكَثَ سَنَةً أَخَذَهَا مِنْهُ فَيَأْخُذَهَا مِنْهُ حِينَئِذٍ كُلَّمَا تَمَّتْ السَّنَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَمْ يُتْرَكْ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمْ كَمَا لَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا لَا عَكْسُهُ) يَعْنِي لَا يُتْرَكُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَمَا مَكَثَ فِي دَارِنَا سَنَةً كَمَا لَا يُتْرَكُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمْ بَعْدَمَا وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ أَوْ إذَا تَزَوَّجَتْ الْحَرْبِيَّةُ ذِمِّيًّا لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ ذِمِّيَّةً لِالْتِزَامِهَا الْمَقَامَ مَعَهُ لَا عَكْسُهُ وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيَّةً لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ ذِمِّيًّا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْمَقَامَ فِي دَارِنَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ طَلَاقِهَا فَلَا يُمْنَعُ إذَا خَرَجَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَإِذَا صَارَ ذِمِّيًّا يُمْنَعُ لِأَنَّ فِي عَوْدِهِ ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ بِعَوْدِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا وَبِتَوَالُدِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَطْعِ الْجِزْيَةِ وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ حَتَّى يُوضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا وَحَكَمَ الشَّرْعُ فِيهَا بِوُجُوبِ الْخَرَاجِ صَارَ مُلْتَزِمًا حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَادُ مِنْ وَضْعِ الْخَرَاجِ الْتِزَامُهُ بِمُبَاشَرَةِ الزِّرَاعَةِ أَوْ تَعْطِيلِهَا عَنْهَا مَعَ التَّمَكُّنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ قَدْ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يَدُلُّنَا عَلَى الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الزِّرَاعَةُ أَوْ تَرْكُ الْأَرْضِ عَلَى مِلْكِهِ إلَى أَوَانِ الْخَرَاجِ فَدَلِيلٌ عَلَى الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فَيَصِيرُ ذِمِّيًّا فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهِ وَمَنْعِهِ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَسَائِرِ أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ حَتَّى إذَا لَزِمَهُ الْخَرَاجُ تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ لِصَيْرُورَتِهِ ذِمِّيًّا بِلُزُومِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَصِيرُ ذِمِّيَّةً بِنَفْسِ التَّزَوُّجِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَابِعَةٌ لِلرَّجُلِ فِي السُّكْنَى حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ شَاءَ وَتَصِيرُ مُقِيمَةً بِإِقَامَتِهِ فَتَصِيرُ رَاضِيَةً بِالْمَقَامِ مَعَهُ فِي دَارِنَا فَتَصِيرُ ذِمِّيَّةً بِمُجَرَّدِ التَّزَوُّجِ وَقَوْلُهُ لَا عَكْسُهُ أَيْ لَوْ تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ ذِمِّيَّةً لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا لِانْعِكَاسِ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِمْ وَلَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنٌ عَلَيْهِمَا حَلَّ دَمُهُ) أَيْ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنًا عَلَيْهِمَا حَلَّ دَمُهُ بِالْعَوْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ أَمَانَهُ بِهِ فَعَادَ حَرْبِيًّا وَمَا كَانَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ أَوْ الذِّمِّيِّينَ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَرَامُ التَّنَاوُلِ لِأَنَّ حُكْمَ أَمَانِهِ فِي حَقِّ مَالِهِ لَا يَبْطُلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أُسِرَ أَوْ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَقُتِلَ سَقَطَ دَيْنُهُ وَصَارَتْ وَدِيعَتُهُ فَيْئًا) أَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّهَا فِي يَدِهِ حُكْمًا لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِهِ تَقْدِيرًا فَتَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُودَعِ لِأَنَّ يَدَهُ فِيهَا أَسْبَقُ فَكَانَ بِهَا أَحَقَّ وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّ الْيَدَ عَلَيْهِ لَا تَكُونُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ بَطَلَتْ لِبُطْلَانِ مَالِكِيَّتِهِ إذْ مَمْلُوكِيَّتُهُ بِالْأَسْرِ تُنَافِي مَالِكِيَّتَهُ الدَّيْنَ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ مَمْلُوكًا لَهُ صَارَ مِلْكًا لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِأَنَّ يَدَهُ أَسْبَقُ إلَيْهِ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ وَلَا طَرِيقَ لِجَعْلِهِ فَيْئًا لِأَنَّ الْفَيْءَ هُوَ الَّذِي يُمْلَكُ قَهْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِقَوْلِهِ إنْ أَقَمْتَ طَوِيلًا مَنَعْتُك مِنْ الْعَوْدِ فَإِنْ أَقَامَ سَنَةً مَنَعَهُ وَفِي هَذَا اشْتَرَطَ التَّقَدُّمَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ لَهُ مُدَّةً خَاصَّةً وَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ وَلَا أَنْ يُؤَقِّتَ مُدَّةً قَلِيلَةً كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْحَقَهُ عُسْرٌ بِتَقْصِيرِ الْمُدَّةِ جِدًّا خُصُوصًا إذَا كَانَ لَهُ مُعَامَلَاتٌ يَحْتَاجُ فِي اقْتِضَائِهَا إلَى مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا دَخَلَتْ حَرْبِيَّةٌ بِأَمَانٍ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا صَارَتْ ذِمِّيَّةً قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا تَصِيرُ ذِمِّيَّةً تَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى دَارِهِمْ وَأَخْذِ الْخَرَاجِ مِنْ أَرْضِهَا وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ وَضْعِ الْخَرَاجِ الْتِزَامُهُ بِمُبَاشَرَةِ الزِّرَاعَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ وَالزِّرَاعَةِ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ قَبْلَ وُجُوبِ الْخَرَاجِ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا إذَا وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى الْأَرْضِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَرَاجُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ مِنْ وَقْتِ وَضْعِ الْخَرَاجِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إذَا وَضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ أَيْ وَظَّفَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا وَظَّفَ عَلَيْهِ فَقَدْ لَزِمَهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَقَامِ فِي دَارِنَا فَصَارَ فِي ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا ثُمَّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَكَذَا لَوْ لَزِمَهُ عُشْرٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٌ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً يَكُونُ ذِمِّيًّا أَيْضًا لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ مُؤَنِ الْأَرْضِ وَلَوْ اشْتَرَى الْحَرْبِيُّ أَرْضَ الْعُشْرِ صَارَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَكُونُ ذِمِّيًّا إذَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الْخَرَاجَ وَهِيَ وَأَرْضُ الْخَرَاجِ وَاحِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ الْحَرْبِيُّ أَرْضَ خَرَاجٍ فَزَرَعَهَا وَخَرَاجُهَا عَلَى صَاحِبِهَا لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا إلَّا إذَا كَانَتْ أَرْضًا بِالْمُقَاسَمَةِ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ فَزَرَعَهَا الْحَرْبِيُّ بِقَدْرِهَا فَحَكَمَ الْإِمَامُ بِالْخَرَاجِ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِ الْأَرْضِ يَكُونُ ذِمِّيًّا فَيُوضَعُ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى مِلْكِ الرَّجُلِ بَلْ إلَى وُجُوبِ الْخَرَاجِ وَلِهَذَا إذَا ادَّعَى الْحَرْبِيُّ أَرْضَ خَرَاجٍ بِالْمُقَاسَمَةِ فَآجَرَهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى مَا رَآهُ الْإِمَامُ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنَعَهُ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ) أَيْ وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَضَمَانُ الْمُسْلِمِ قِيمَةَ خَمْرِهِ وَخِنْزِيرِهِ إذَا أَتْلَفَهُ وَوُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً وَوُجُوبُ كَفِّ الْأَذَى عَنْهُ فَتَحْرُمُ غِيبَتُهُ كَمَا تَحْرُمُ غِيبَةُ الْمُسْلِمِ فَضْلًا عَمَّا يَفْعَلُهُ السُّفَهَاءُ مِنْ صَفْعِهِ وَشَتْمِهِ فِي الْأَسْوَاقِ ظُلْمًا

وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى التَّحْقِيقِ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُوبِ تَمْلِيكِ الْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِكِهِ اسْتِيلَاءً عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ رَهْنٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُهُ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُبَاعُ وَيُوَفَّى بِثَمَنِهِ الدَّيْنُ وَالْفَاضِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قُتِلَ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ أَوْ مَاتَ فَقَرْضُهُ وَوَدِيعَتُهُ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ بَاقٍ لِعَدَمِ بُطْلَانِهِ فَيُرَدُّ عَلَى وَرَثَتِهِ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ نَفْسَهُ لَمَّا كَانَتْ مَغْنُومَةً تَبِعَهَا مَالُهُ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ مُودَعِهِ كَيَدِهِ وَهُنَا نَفْسُهُ لَمْ تَصِرْ مَغْنُومَةً فَكَذَا مَالُهُ فَكَأَنَّهُ مَاتَ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَالُهُ فَيْئًا كَمَا إذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ يَكُونُ فَيْئًا فَلَا تَكُونُ يَدُ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمُودِعِ قُلْنَا يَدُ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمَالِكِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَالْعِصْمَةُ مَا كَانَتْ ثَابِتَةً فِي الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ لِمَا أَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَيْسَتْ بِدَارِ عِصْمَةٍ فَلَا تَصِيرُ مَعْصُومَةً بِالشَّكِّ وَفِي هَذِهِ الْعِصْمَةُ كَانَتْ ثَابِتَةً فِيهَا وَقْتَ الْإِيدَاعِ إذْ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارُ عِصْمَةٍ وَلَمْ يُظْهَرْ عَلَى دَارِهِمْ فَتَبْقَى عَلَى حَالِهَا مَعْصُومَةً فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَاءَنَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ وَلَهُ زَوْجَةٌ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (وَوَلَدٌ) أَيْ صِغَارٌ وَكِبَارٌ (وَمَالٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ هُنَا ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَالْكُلُّ فَيْءٌ) أَمَّا الْمَرْأَةُ وَأَوْلَادُهُ وَمَا فِي بَطْنِهَا وَالْعَقَارُ فَلِمَا بَيَّنَّا فِي بَابِ الْغَنَائِمِ وَأَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يَتْبَعُ أَبَاهُ وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ وَمَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ وَأَمْوَالُهُ لَمْ تَصِرْ مُحْرَزَةً بِإِحْرَازِ نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَبَقِيَ الْكُلُّ فَيْئًا وَغَنِيمَةً وَلَوْ سُبِيَ الصَّبِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَصَارَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ إخْرَاجِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ ثُمَّ هُوَ فَيْءٌ عَلَى حَالِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَوْنُهُ مُسْلِمًا لَا يُنَافِي الرِّقَّ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (فَجَاءَنَا) أَيْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ (فَوَلَدُهُ الصَّغِيرُ حُرٌّ مُسْلِمٌ وَمَا أَوْدَعَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ لَهُ وَغَيْرُهُ فَيْءٌ) وَهُوَ أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَقَارُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ تَبِعَهُ أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ لِاتِّحَادِ الدَّارِ وَإِحْرَازِ مَا فِي يَدِهِ أَوْ وَدِيعَةً عِنْدَ مَنْ ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ فِي يَدٍ صَحِيحَةٍ مُحْتَرَمَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُودَعًا عِنْدَ حَرْبِيٍّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْغَنَائِمِ فِي حَرْبِيٍّ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ إذْ الْإِسْلَامُ حَصَلَ فِيهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَكُلُّ حُكْمٍ عُرِفَ فِي تِلْكَ فَهُوَ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً لَا وَلِيَّ لَهُ أَوْ حَرْبِيًّا جَاءَنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْإِمَامِ) لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً فَتَتَنَاوَلُهَا النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِلْإِمَامِ إنَّ الْأَخْذَ لَهُ لِيَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنْ النَّظَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْعَمْدِ الْقَتْلُ أَوْ الدِّيَةُ لَا الْعَفْوُ) أَيْ لَوْ قَتَلَ عَمْدًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ قِصَاصًا أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعُدْوَانًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ اسْتِيلَاءً عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الدَّيْنِ اهـ (قَوْلُهُ فَالْكُلُّ فَيْءٌ) أَيْ غَنِيمَةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ قَاطِعٌ لِلْعِصْمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] أَمَّا الزَّوْجَةُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَلِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ بِالْبُلُوغِ وَأَمَّا الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَكُونُوا فِي يَدِهِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُعْتَبَرُوا مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِأَبِيهِمْ فَصَارُوا فَيْئًا أَيْضًا وَكَذَا الْجَنِينُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَكَذَا وَدِيعَتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ حِينَ فَارَقَ دَارَ الْحَرْبِ كَانَ الْمَالُ مَالَ حَرْبِيٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ فَلَمَّا أَسْلَمَ فِي دَارِنَا لَمْ يُحْرِزْهُ فَلَمْ تَثْبُتْ الْيَدُ عَلَيْهَا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَبَقِيَ الْمَالُ غَيْرَ مَعْصُومٍ فَكَانَ فَيْئًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ مُسْلِمٌ إلَخْ) قُيِّدَ بِالْإِيدَاعِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غَصْبًا فِي أَيْدِيهِمْ يَكُونُ فَيْئًا لِعَدَمِ النِّيَابَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ فَيْئًا إلَّا مَا كَانَ غَصْبًا عِنْدَ حَرْبِيٍّ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ النِّيَابَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ) أَيْ لَا زَوْجَتُهُ، وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ حَرْبِيُّونَ وَكَذَا مَا فِي بَطْنِهَا لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأُمِّ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُودَعًا عِنْدَ حَرْبِيٍّ) أَيْ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ فَكَانَتْ فَيْئًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْإِمَامِ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. اهـ. هِدَايَةُ قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَالْمُسْتَأْمَنُ لَمَّا أَسْلَمَ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِيَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ لِعَدَمِ الْوَارِثِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَا أَنَّهَا تَكُونُ مِلْكًا لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ قُتِلَ عَمْدًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ قِصَاصًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَ الْقَاتِلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ إذَا رَضِيَ الْقَاتِلُ بِالدِّيَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ أَمَّا وُجُوبُ الْقِصَاصِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» فَإِذَا كَانَ السُّلْطَانُ وَلِيًّا كَانَ لَهُ وِلَايَةُ أَخْذِ الْقِصَاصِ وَأَمَّا الصُّلْحُ عَلَى الدِّيَةِ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قُتِلَ رَأَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هُرْمُزَانَ وَفِي يَدِهِ خِنْجَرٌ فَظَنَّ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ عُمَرَ فَقَتَلَهُ فَلَمَّا وُلِّيَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِعُثْمَانَ اُقْتُلْ عُبَيْدَ اللَّهِ فَقَالَ عُثْمَانُ قُتِلَ أَبُوهُ بِالْأَمْسِ وَأَنَا أَقْتُلُهُ الْيَوْمَ لَا أَفْعَلُ وَلَكِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ يَعْنِي أَنَّ هُرْمُزَ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَنَا وَلِيُّهُ فَأَعْفُو عَنْهُ وَأُؤَدِّي دِيَتَهُ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ أَنْفَعُ لِلْعَامَّةِ مِنْ الْقَوَدِ وَالْحَقُّ لِلْعَامَّةِ وَالْإِمَامُ كَالنَّائِبِ عَنْهُمْ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى الدِّيَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ اصْطِنَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا وِلَايَتُهُ بِطَرِيقِ النَّظَرِ وَلَا نَظَرَ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ شَيْءٍ اهـ

[باب العشر والخراج والجزية]

الدِّيَةُ بِالصُّلْحِ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ فَأَيُّهُمَا رَأَى أَصْلَحَ فَعَلَ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ مَجَّانًا لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَقِيطًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ الْقَاتِلَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ الْمَوْلُودُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ الْوَارِثِ غَالِبًا وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ أَوْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ فَكَانَ فِيهِ احْتِمَالُ عَدَمِ الْوِلَايَةِ لِلْإِمَامِ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةٌ وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَلِيِّ بِطَرِيقِ قِيَامِهِ مَقَامَ الْمَيِّتِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَالْمَجْهُولُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَيِّتُ فَلَا يَصْلُحُ وَلِيًّا فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ إلَى الْعَامَّةِ كَمَا فِي الْإِرْثِ وَلَا يُقَالُ تَرَدُّدُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ يُوجِبُ سُقُوطَ الْقِصَاصِ كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى لِأَنَّا نَقُولُ السُّلْطَانُ هُنَا نَائِبٌ عَنْ الْعَامَّةِ فَصَارَ الْوَلِيُّ وَاحِدًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُكَاتَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَرْضُ الْعَرَبِ وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ عُشْرِيَّةٌ) أَمَّا أَرْضُ الْعَرَبِ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَيْءِ فَلَا يَثْبُتُ فِي أَرْضِهِمْ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي رِقَابِهِمْ وَهَذَا لِأَنَّ الْخَرَاجَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا عَلَى الْكُفْرِ كَمَا فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ وَمُشْرِكُو الْعَرَبِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «آخِرُ مَا عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ قَالَ لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَدُّهَا طُولًا مَا وَرَاءَ رِيفِ الْعِرَاقِ إلَى أَقْصَى صَخْرٍ بِالْيَمَنِ وَعَرْضًا مِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ السَّاحِلِ إلَى حَدِّ الشَّامِ، وَأَمَّا مَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرُ أَلْيَقُ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ حَتَّى يُصْرَفَ مَصَارِفَ الصَّدَقَاتِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ وَأَرْفَقُ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْخَرَاجِ لِتَعَلُّقِهِ بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسَّوَادُ وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهِ أَوْ فُتِحَ صُلْحًا خَرَاجِيَّةٌ) لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ فَتَحَ السَّوَادَ وَضَعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَوَضَعَ عَلَى مِصْرَ حِينَ فَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْخَرَاجُ أَلْيَقُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَالتَّغْلِيظِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْإِخْرَاجِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْعُشْرِ أَيْضًا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَوَصَلَ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ وَمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ وَاسْتُخْرِجَ مِنْهَا عَيْنٌ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ لِأَنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ مُعَلَّقَانِ بِالْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَنَمَاؤُهَا بِمَائِهَا فَيُعْتَبَرُ السَّقْيُ بِمَاءِ الْعُشْرِ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ وَالْمُرَادُ بِالْأَنْهَارِ الْأَنْهَارُ الَّتِي احْتَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ كَنَهْرِ يَزْدَجْرِدْ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةً لِأَنَّ الْأَنْهَارَ الْعِظَامَ كَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ فِيهَا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الزَّكَاةِ وَكَذَا مُرَادُهُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَقِيطًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ لَقِيطًا فَقَتَلَهُ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ لِيَثْبُتَ الْمَالُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا وَإِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ صَالَحَهُ عَلَى الدِّيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلَا أَقْتُلُهُ مِنْ قِبَلَ أَنِّي لَا أَعْرِفُ لَهُ وَلِيًّا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ وَلِيٍّ كَالْأَبِ وَنَحْوِهِ إنْ كَانَ ابْنَ رِشْدَةٍ وَكَالْأُمِّ إنْ كَانَ ابْنَ زَنْيَةٍ فَاشْتَبَهَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْقِصَاصِ فَلَا يُسْتَوْفَى وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» فَيَكُونُ السُّلْطَانُ وَلِيَّهُ لِأَنَّ اللَّقِيطَ لَا وَلِيَّ لَهُ. اهـ. [بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ] (بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ) قَالَ الْكَمَالُ لَمَّا ذَكَرَ مَا يَصِيرُ بِهِ الْمُسْتَأْمَنُ ذِمِّيًّا ذَكَرَ مَا يَنُوبُهُ مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ إذَا صَارَ ذِمِّيًّا وَذَلِكَ هُوَ الْخَرَاجُ فِي أَرْضِهِ وَرَأْسِهِ وَفِي تَفَارُقِهِمَا كَثْرَةً فَأَوْرَدَهُمَا فِي بَابَيْنِ وَقَدَّمَ خَرَاجَ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ كَانَ بِقُرْبٍ قَرِيبٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْعُرْفِيَّةَ أَيْضًا تَتْمِيمًا لِوَظِيفَةِ الْأَرْضِ لِأَنَّهَا السَّبَبُ فِي الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ جَمِيعًا وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْعُشْرِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُشْرُ لُغَةً وَاحِدٌ مِنْ الْعَشَرَةِ وَالْخَرَاجُ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَمَاءِ الْأَرْضِ أَوْ نَمَاءِ الْغُلَامِ وَسُمِّيَ بِهِ مَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنْ وَظِيفَةِ الْأَرْضِ وَالْغِرَاسِ وَحَدَّدَ الْأَرَاضِيَ الْعُشْرِيَّةُ وَالْخَرَاجِيَّةَ أَوَّلًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَضْبَطُ فَقَالَ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ) أَيْ وَالْأَرْضُ لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا عُشْرِيَّةٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَرْضُ الْعَرَبِ كُلُّهَا أَرْضُ عُشْرٍ وَهِيَ أَرْضُ الْحِجَازِ وَتِهَامَةَ وَمَكَّةَ وَالْيَمَنِ وَالطَّائِفِ وَالْبَرِّيَّةِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَالْحِجَازُ هُوَ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ سُمِّيَ جَزِيرَةً لِأَنَّ بَحْرَ الْحَبَشِ وَبَحْرَ فَارِسَ وَالْفُرَاتِ أَحَاطَتْ بِهَا وَتُسَمَّى حِجَازًا لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحَدُّهَا) أَيْ حَدُّ أَرْضِ الْعَرَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ حِينَ فَتْحِ السَّوَادِ) أَيْ عَلَى يَدِ سَعْدٍ عَنْوَةً اهـ (قَوْلُهُ وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَا وَضْعُهُ عَلَى مِصْرَ أَيْ وَضْعُ عُمَرَ الْخَرَاجَ عَلَى مِصْرَ حِينَ اُفْتُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى يَدِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَكَذَا وَضْعُهُ عَلَى الشَّامِ حِينَ افْتَتَحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَمُدُنَ الشَّامِ كُلَّهَا صُلْحًا دُونَ أَرَاضِيهَا وَأَمَّا أَرَاضِيهَا فَفُتِحَتْ عَنْوَةً عَلَى يَدِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَشُرَحْبِيلَ بْنِ أَبِي حَسَنَةَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَأَمَّا أَجْنَادِينُ مِنْ الشَّامِ فَقَدْ اُفْتُتِحَ صُلْحًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ وَجِيحُونَ) أَيْ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِيهَا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) أَيْ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عُشْرِيٌّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَرَاجِيٌّ اهـ

هَذَا التَّفْصِيلِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَمَّا الْكَافِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مِنْ أَيِّ مَاءٍ سَقَى لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُبْتَدَأُ بِالْعُشْرِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي حَالَةِ الِابْتِدَاءِ إجْمَاعًا. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فِيمَا إذَا مَلَكَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ أَوْ الْعُشْرُ أَوْ الْعُشْرَانِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الزَّكَاةِ وَلَا يُقَالُ إذَا وُضِعَ الْخَرَاجُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِاعْتِبَارِ الْمَاءِ يَكُونُ ابْتِدَاءُ الْمُسْلِمِ بِالْخَرَاجِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ هَذَا بِابْتِدَاءِ وَضْعٍ عَلَى الْمُسْلِمِ بَلْ الْأَرْضُ لَمَّا لَمْ تَنْمُ إلَّا بِالْمَاءِ اُعْتُبِرَ الْمَاءُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْعَدُوِّ فَجَعَلْنَا وَظِيفَتَهُ الْخَرَاجَ وَالْمُسْلِمُ إذَا سَقَى أَرْضَهُ بِهِ فَقَدْ الْتَزَمَ الْخَرَاجَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَمِثْلُهُ لَا يَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الْخَرَاجِيَّةَ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا لِمَا قُلْنَا وَإِنَّمَا «لَمْ يُوَظِّفْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَرَاضِي مَكَّةَ» مَعَ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا يُوضَعُ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجُ كَمَا لَا يُوضَعُ عَلَى رِقَابِهِمْ الْجِزْيَةُ وَالرِّقُّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ أَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لَهُمْ وَإِنَّمَا هِيَ وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلُهَا مُسْتَأْجِرُونَ لَهَا لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَطَابَ قُلُوبَ الْغَانِمِينَ فَآجَرَهَا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ هَذَا غَلَطٌ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَسْتَطِبْ قُلُوبَهُمْ فِيهِ بَلْ نَاظَرَهُمْ عَلَيْهِ وَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ وَامْتَنَعَ بِلَالٌ وَأَصْحَابُهُ فَدَعَا عَلَيْهِمْ وَأَيْنَ الِاسْتِرْضَاءُ، ثَانِيًا: أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَمْ يَحْضُرُوا الْغَانِمِينَ عَلَى تِلْكَ الْأَرَاضِي فَلَوْ كَانَ إجَارَةً لَاشْتُرِطَ حُضُورُهُمْ، ثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ رِضَا أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَوْ كَانَتْ إجَارَةً لَاشْتَرَطَ رِضَاهُمْ وَرَابِعُهَا أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصْدُرْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عُمَرَ وَلَوْ كَانَتْ إجَارَةً لَوَجَبَ الْعَقْدُ. وَخَامِسُهَا: أَنَّ جَهَالَةَ الْأَرَاضِي تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ وَسَادِسُهَا أَنَّ جَهَالَةَ الْمُدَّةِ تَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهَا أَيْضًا وَسَابِعُهَا أَنَّ الْخَرَاجَ مُؤَبَّدٌ وَتَأْبِيدُ الْإِجَارَةِ بَاطِلٌ وَثَامِنُهَا أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْخَرَاجُ يَسْقُطُ عِنْدَهُ وَتَاسِعُهَا أَنَّ عُمَرَ قَدْ أَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ النَّحْلِ وَنَحْوِهِ وَلَا يَجُوزُ إجَارَتُهَا وَعَاشِرُهَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ اشْتَرَوْهَا فَكَيْفَ يَبِيعُونَ الْأَرْضَ الْمُسْتَأْجَرَةَ وَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُمْ شِرَاؤُهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ) أَيْ قُرْبُ مَا أَحْيَا فَإِنْ كَانَتْ إلَى الْخَرَاجِ أَقْرَبَ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ إلَى الْعُشْرِ أَقْرَبَ فَهِيَ عُشْرِيَّةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ حَيِّزَ الشَّيْءِ يُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ كَفِنَاءِ الدَّارِ يُعْطِي لَهُ حُكْمَ الدَّارِ حَتَّى يَجُوزَ لِصَاحِبِهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ كَالْأَنْهَارِ الَّتِي احْتَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِلَّا فَعُشْرِيَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مُطْلَقًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبَصْرَةُ عُشْرِيَّةٌ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً لِأَنَّهَا اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا مِنْ جُمْلَةِ أَرَاضِي الْعِرَاقِ وَلَكِنْ تَرَكَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِهِمْ وَهَذَا يُورِدُ إشْكَالًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ لَمْ يَعْتَبِرْ فِيهَا الْحَيِّزُ وَلَيْسَ هَذَا بِظَاهِرٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْحَيِّزُ فِي الْأَرَاضِي الْمُحْيَاةِ لَا فِي الْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً ثُمَّ الْخَرَاجُ عَلَى نَوْعَيْنِ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الْخَارِجِ كَالرُّبُعِ وَالْخُمُسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَخَرَاجُ وَظِيفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَهُوَ مَا وَضَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى سَوَادِ الْعِرَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَجَعَلْنَا وَظِيفَتَهُ) أَيْ وَظِيفَةَ الْمَاءِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ ثُمَّ أَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا عِنْدَنَا) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا بِالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ أَرْضًا عَنْوَةً لَهُ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَيَضَعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ وَعَلَى رُءُوسِهِمْ الْجِزْيَةَ فَتَبْقَى الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لِأَهْلِهَا وَقَدَّمْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فِي بَابِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِهَا هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ حَتَّى يَجُوزَ لِصِحَابِهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفِنَاءُ مِلْكًا لَهُ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ اعْتِبَارُ الْأَرْضِ الْمُحْيَاةِ بِالْحَيِّزِ خَرَاجِيًّا كَانَ أَوْ عُشْرِيًّا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اسْتَثْنَى الْبَصْرَةَ مِنْ ضَابِطِهِ فَإِنَّهَا عُشْرِيَّةٍ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى جَعْلِهَا عُشْرِيَّةً كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فَتَرْكُ الْقِيَاسِ فِيهَا كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا وَضَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى سَوَادِ الْعِرَاقِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَرَاجُ الَّذِي وَضَعَهُ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ مِنْ كُلِّ جَرِيبٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ قَفِيزٌ هَاشِمِيٌّ وَهُوَ الصَّاعُ وَدِرْهَمٌ وَمِنْ جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَمِنْ جَرِيبِ الْكَرْمِ الْمُتَّصِلِ وَالنَّخْلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ اعْلَمْ أَنَّ الْقَفِيزَ الْوَاجِبَ فِي الْخَرَاجِ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الْهَاشِمِيِّ وَالْحَجَّاجِيِّ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْفِقْهِ كَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَالشَّامِلِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ الْقَفِيزُ هُوَ الْحَجَّاجِيُّ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَهُوَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَى الْحَجَّاجِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بَعْدَمَا فُقِدَ وَأَنَّهُ يَسَعُ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى قُلْت هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْخَرَاجِ مِنْ الْأَصْلِ فَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ مِنْ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ مِمَّا يَبْلُغُهُ الْمَاءُ مِمَّا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ فَفِي كُلِّ جَرِيبٍ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ زَرَعَ ذَلِكَ صَاحِبُهُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا أَوْ لَمْ يَزْرَعْهُ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَفِي كُلِّ سَنَةٍ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ فِي كُلِّ جَرِيبٍ زُرِعَ وَالْقَفِيزُ قَفِيزُ الْحَجَّاجِ وَهُوَ رُبْعُ الْهَاشِمِيِّ وَهُوَ مِثْلُ الصَّاعِ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ وَلِأَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ يَمُنُّ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ بِصَاعِ عُمَرَ وَصَاعُ عُمَرَ هُوَ صَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا كَانَ صَاعُ عُمَرَ هُوَ الْحَجَّاجِيُّ الَّذِي هُوَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ

عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخَرَاجُ جَرِيبٍ صَلُحَ لِلزَّرْعِ صَاعٌ وَدِرْهَمٌ وَفِي جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَفِي جَرِيبِ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَمَسَحَا سَوَادَ الْعِرَاقِ فَبَلَغَتْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ وَوَضَعَاهُ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ الْمُؤَنَ مُتَفَاوِتَةٌ فَيَجِبُ عَلَى أَخَفِّهَا الْأَكْثَرُ وَعَلَى أَشَدِّهَا الْأَقَلُّ وَعَلَى الْوَسَطِ الْوَسَطُ وَالْجَرِيبُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ كِسْرَى وَأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ذِرَاعِ الْعَامَّةِ بِقَبْضَةٍ وَقِيلَ جَرِيبُ سَوَادِ الْعِرَاقِ وَفِي غَيْرِهِمْ يُعْتَبَرُ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُمْ وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ وَالْمَنُّ مِائَتَانِ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا وَيُعْطَى الدِّرْهَمُ مِنْ أَجْوَدِ النُّقُودِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الْقَفِيزَ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ وَقَالَ فِي الْكَافِي هُوَ يَكُونُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَقَالَ كَذَا فِي كِتَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَيَكُونُ هَذَا الْقَفِيزُ مِمَّا يُزْرَعُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَا لَيْسَ فِيهِ تَوْظِيفُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِمَّا سِوَى مَا ذَكَرْنَا كَالزَّعْفَرَانِ وَالْبُسْتَانِ يُوضَعُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ اعْتِبَارًا بِمَا وَضَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَلَا تَرَى أَنَّهُ اعْتَبَرَ الطَّاقَةَ حَيْثُ قَالَ لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ فَقَالَا لَا بَلْ حَمَّلْنَاهَا مَا تُطِيقُ وَلَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ قَالُوا وَنِهَايَةُ الطَّاقَةِ أَنْ يَبْلُغَ الْوَاجِبُ نِصْفَ الْخَارِجِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ لَمَّا كَانَ لَنَا أَنْ نَقْسِمَ الْكُلَّ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ تُطِقْ مَا وَظَّفَ نُقِضَ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ) يَعْنِي لَا تَجُوزُ وَإِنْ أَطَاقَتْ لِأَنَّ قَوْلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ وَقَوْلَهُمَا لَا بَلْ حَمَّلْنَاهَا مَا تُطِيقُ وَلَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ النُّقْصَانِ عِنْدَ عَدَمِ الطَّاقَةِ وَعَلَى عَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الطَّاقَةِ لِلزِّيَادَةِ لِأَنَّ مُرَادَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَنْقُصَهُ عِنْدَ عَدَمِ الطَّاقَةِ لِمَا وُضِعَ فَلَوْلَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَمَا قَصَدَ ذَلِكَ وَأَخْبَرَاهُ بِأَنَّهَا تُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَزِدْ فَلَوْ كَانَ جَائِزًا لَزَادَ ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا وَظَّفَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ لِأَنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَمَا وَظَّفَهُ إمَامٌ آخَرُ فِي أَرْضٍ فَتَحَهَا هُوَ كَتَوْظِيفِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعِرَاقِ لِأَنَّهُ بِاجْتِهَادٍ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُوَظِّفَ ابْتِدَاءً عَلَى أَرْضٍ بِقَدْرِ طَاقَتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَدِّرُ عُمَرُ الْخَرَاجَ بِالصَّاعِ الْهَاشِمِيِّ الَّذِي لَيْسَ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ تَصْنِيفُهُ حَدَّثَنِي السَّرِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَضَ عَلَى الْكَرْمِ عَشَرَةً وَعَلَى الرَّطْبَةِ خَمْسَةً وَعَلَى كُلِّ أَرْضٍ يَبْلُغُهَا الْمَاءُ دِرْهَمًا وَمَخْتُومًا قَالَ عَامِرٌ هُوَ الْحَجَّاجِيُّ وَهُوَ الصَّاعُ إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ فَعُلِمَ أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالنَّافِعِ مُقَيَّدًا بِالْهَاشِمِيِّ نَظَرٌ أَوْ الصَّاعُ الْهَاشِمِيُّ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ قُلْت هَذَا أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ مِنْ أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ اهـ وَقَوْلُهُ قَالَ عَامِرٌ هُوَ الشَّعْبِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمُؤَنَ مُتَفَاوِتَةٌ) هِيَ جَمْعُ مُؤْنَةٍ يَعْنِي أَنَّ تَفَاوُتَ الْمُؤَنِ لَهُ أَثَرٌ فِي تَفَاوُتِ الْوَاجِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِيمَا سُقِيَ سَيْحًا مِنْ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةُ هُوَ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ نِصْفُ الْعُشْرِ فَلَمَّا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا لَمَّا كَانَ مُؤْنَةُ الْكَرْمِ أَخَفَّ وَرِيعُهُ أَكْثَرَ كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ أَعْلَى وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَهَذَا لِأَنَّهُ يَبْقَى دَهْرًا مَدِيدًا مَعَ قِلَّةِ الْمُؤْنَةِ وَمُؤْنَةُ الزَّرْعِ أَثْقَلُ فَجُعِلَ الْوَاجِبُ فِيهِ أَدْنَى وَهُوَ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ وَهَذَا لِأَنَّ الزَّرْعَ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْكِرَابِ وَإِلْقَاءِ الْبَذْرِ وَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كُلَّ سَنَةٍ وَمُؤْنَةُ الرِّطَابِ بَيْنَ بَيْنَ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي كُلِّ عَامٍ وَلَا تَذْرِيَةٍ فِيهَا أَصْلًا وَتَدُومُ أَعْوَامًا لَكِنْ لَيْسَ كَدَوَامِ الْكَرْمِ فَكَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ عَلَى أَخَفِّهَا) أَيْ الْكَرْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى أَشَدِّهَا) أَيْ الْمَزَارِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى الْوَسَطِ) أَيْ الرِّطَابِ اهـ (قَوْلُهُ أَمْنَاءٌ) جَمْعُ مَنَا لُغَةٌ فِي الْمَنِّ اهـ (قَوْلُهُ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ) أَيْ بِأَوْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْبُسْتَانُ) أَيْ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَقَالُوا الْبُسْتَانُ كُلُّ أَرْضٍ يُحَوِّطُهَا حَائِطٌ وَفِيهَا نَخِيلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَشْجَارٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَيْثُ قَالَ) أَيْ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمَّا كَانَ لَنَا أَنْ نَقْسِمَ) يَعْنِي لَمَّا ظَفِرْنَا عَلَيْهِمْ وَسِعَنَا أَنْ نَسْتَرِقَّهُمْ وَنَقْسِمَ أَمْوَالَهُمْ فَإِذَا قَاطَعْنَاهُمْ كَانَ التَّنْصِيفُ عَيْنَ الْإِنْصَافِ اهـ كَيْ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ تُطِقْ مَا وُظِّفَ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَظَّفْت عَلَيْهِ الْعَمَلَ تَوْظِيفًا قَدَّرْته اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُوَظِّفَ ابْتِدَاءً عَلَى أَرْضٍ بِقَدْرِ طَاقَتِهَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لَا تُطِيقُ قَدْرَ خَرَاجِهَا الْمَوْضُوعَ نَقَصَ وَأَخَذَ مِنْهَا قَدْرَ مَا تُطِيقُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الطَّاقَةُ بِالْأَثَرِ بَيَانُهُ فِيمَا قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تُطِيقُ أَنْ يَكُونَ الْخَرَاجُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِأَنْ كَانَ الْخَارِجُ لَا يَبْلُغُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ يَجُوزُ أَنْ يُنْتَقَصَ حَتَّى يَصِيرَ الْخَرَاجُ مِثْلَ نِصْفِ الْخَارِجِ أَمَّا إذَا كَانَتْ تُطِيقُ ذَلِكَ وَزِيَادَةً فَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَجْمَعُوا أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى وَظِيفَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ وَفِي بَلْدَةٍ وَظَّفَ الْإِمَامُ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ لَا يَجُوزُ فَأَمَّا فِي بَلْدَةٍ أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَبْتَدِئَهَا بِالتَّوْظِيفِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَزِيدُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَزِيدُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ النُّقْصَانَ عِنْدَ قِلَّةِ الرِّيعِ جَائِزٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ زِيَادَةُ التَّوْظِيفِ عِنْدَ زِيَادَةِ الرِّيعِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَزِدْ فِي التَّوْظِيفِ فَلَوْ جَازَ لَزَادَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ حُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ وَلَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ وَقَالَ فِي الْمُخْتَلَفِ فِي خِلَافِ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ بِتَوْظِيفِ الْإِمَامِ وَإِنْ أَطَاقَتْ الْأَرْضُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ وَهَذَا يَرُدُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مِنْ مُدَّعِيهِ اهـ

زِيَادَةً عَلَى مَا وَظَّفَهُ عُمَرُ جَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ حُكْمٍ بِاجْتِهَادٍ وَلَيْسَ فِيهِ نَقْضُ حُكْمٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ خَرَاجَ التَّوْظِيفِ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَاتِّبَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - فِيهِ وَاجِبٌ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ إلَّا تَوْقِيفًا وَالتَّقْدِيرُ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَجُوزُ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ مَنْعُ الزِّيَادَةِ لِئَلَّا يَخْلُوَ التَّقْدِيرُ عَنْ الْفَائِدَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا خَرَاجَ إنْ غَلَبَ عَلَى أَرْضِهِ الْمَاءُ أَوْ انْقَطَعَ أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ) أَمَّا فِي الْفَصْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَلِفَوَاتِ النَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ الْمُعْتَبَرِ فِي الْخَرَاجِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ فِي كُلِّ الْحَوْلِ وَكَوْنُهُ نَامِيًا فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَرْطٌ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْأَصْلُ الَّذِي كَانَ التَّمَكُّنُ قَائِمًا مَقَامَهُ سَقَطَ الْخَلَفُ وَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْأَصْلِ فَإِذَا هَلَكَ بَطَلَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ وَصَارَ كَالْعُشْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَسَلِمَ بِسَلَامَةِ الْخَارِجِ وَبَطَلَ بِهَلَاكِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَنَعَهُ إنْسَانٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَالتَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِيهِ وَقَالُوا فِي الِاصْطِلَامِ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ ثَانِيًا وَأَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ قَدْرُ ذَلِكَ فَلَا يَسْقُطُ وَالْمُرَادُ بِالِاصْطِلَامِ أَيْضًا أَنْ يَذْهَبَ كُلُّ الْخَارِجِ أَمَّا إذَا ذَهَبَ بَعْضُهُ فَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارُ الْخَرَاجِ وَمِثْلُهُ بِأَنْ بَقِيَ مِقْدَارُ دِرْهَمَيْنِ وَقَفِيزَيْنِ يَجِبُ الْخَرَاجُ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْخَارِجِ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ نِصْفُهُ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا أَوْ أَسْلَمَ أَوْ اشْتَرَى مُسْلِمٌ أَرْضَ خَرَاجٍ يَجِبُ) أَيْ يَجِبُ الْخَرَاجُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَمَّا إذَا عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا فَلِأَنَّ التَّمَكُّنَ كَانَ ثَابِتًا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّقْصِيرِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ جَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَيْ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ) مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

وَالْمَالِكُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلَمْ يَزْرَعْهَا وَأَمَّا إذَا عَجَزَ الْمَالِكُ عَنْ الزِّرَاعَةِ بِاعْتِبَارِ قُوَّتِهِ وَأَسْبَابِهِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذَ الْخَرَاجَ مِنْ نَصِيبِ الْمَالِكِ وَيُمْسِكَ الْبَاقِيَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ آجَرَهَا وَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ أُجْرَتِهَا وَإِنْ شَاءَ زَرَعَهَا بِنَفَقَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُ ذَلِكَ بَاعَهَا وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهَا الْخَرَاجَ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْوَاحِدِ لِأَجْلِ الْعَامَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْفَعُ إلَى الْعَاجِزِ كِفَايَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَرْضًا لِيَعْمَلَ فِيهَا وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى أَخَسَّ مِمَّا كَانَ يَزْرَعُهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ الزِّيَادَةَ وَهَذَا يُعْرَفُ وَلَا يُفْتَى بِهِ كَيْ لَا يَتَجَرَّأَ الظَّلَمَةُ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ بِأَنْ يَقُولَ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ قَبْلَ هَذَا كَيْتَ وَكَيْتَ لِشَيْءٍ هُوَ أَحْسَنُ مِمَّا فِيهَا فَنَسُدُّ هَذَا حَتَّى لَا يَنْفَتِحَ لَهُمْ بَابُ الظُّلْمِ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ فَلِأَنَّ الْخَرَاجَ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ فَيُعْتَبَرُ مُؤْنَةً فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَيَبْقَى عَلَى الْمُسْلِمِ وَعُقُوبَةً فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُبْتَدَأُ الْمُسْلِمُ بِهِ وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ مِنْ أَثَرِ الْكُفْرِ فَجَازَ بَقَاؤُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ كَالرِّقِّ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّ الرَّأْسَ لَا مُؤْنَةَ فِيهِ فَيَسْقُطُ وَالْأَرْضُ لَا تَخْلُو عَنْ مُؤْنَةٍ فَلَوْ سَقَطَ الْخَرَاجُ لَاحْتَجْنَا إلَى إيجَابِ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ الْمُؤَنِ وَلِأَنَّ فِي الْجِزْيَةِ صَغَارًا أَيْضًا فَلَا تَبْقَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ اشْتَرَوْا الْأَرْضَ الْخَرَاجَ وَأَدَّوْا خَرَاجَهَا فَدَلَّ عَلَى بَقَائِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَجَوَازِ شِرَائِهِ وَأَدَائِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ أَرْضَ الْخَرَاجِ فَلِمَا بَيَّنَّا ثَمَّ إنْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ الزِّرَاعَةِ فَالْخَرَاجُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْبَائِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا عُشْرَ فِي خَارِجِ أَرْضِ الْخَرَاجِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ مَعَ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ ذَاتًا وَمَحَلًّا وَسَبَبًا وَمَصْرِفًا فَإِنَّ الْخَرَاجَ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، وَالْعُشْرَ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْخَرَاجُ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَالْعُشْرُ فِي الْخَارِجِ وَيَجِبُ الْخَرَاجُ بِالتَّمَكُّنِ وَالْعُشْرُ بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ وَيُصْرَفُ الْخَرَاجُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالْعُشْرُ لِلْفُقَرَاءِ فَوُجُوبُ أَحَدِهِمَا لَا يُنَافِي الْآخَرَ. وَلَنَا قَوْلُهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ» وَلِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَالْجَوْرِ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا فَصَارَ إجْمَاعًا عَمَلًا وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ فِي أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَهْرًا وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَالْعُشْرُ فِي أَرْضً أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا طَوْعًا أَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَالْوَصْفَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَسَبَبُ الْحَقَّيْنِ وَاحِدٌ وَهِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعُشْرِ تَحْقِيقًا وَفِي الْخَرَاجِ تَقْدِيرًا وَلِهَذَا يُضَافَانِ إلَى الْأَرْضِ وَالْإِضَافَةُ تَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ بِالسَّبَبِيَّةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤْنَةُ أَرْضٍ نَامِيَةٍ وَلَا يَجْتَمِعُ وَظِيفَتَانِ بِسَبَبِ أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الزَّكَاةُ مَعَ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً أَوْ خَرَاجِيَّةً لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ دُونَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ مَعَ أَحَدِهِمَا وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَهُ فِيهِ لِاخْتِلَافِ مَحِلِّهِمَا لِأَنَّ الْعُشْرَ مَحَلُّهُ الْخَارِجُ. وَكَذَا الْخَرَاجُ لَكِنْ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً وَفِي الْآخَرِ تَقْدِيرًا وَالزَّكَاةُ مَحَلُّهَا مَالُ التِّجَارَةِ وَهِيَ الْأَرْضُ فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا كَدَيْنِ ثَمَنِ الْأَرْضِ مَعَهُمَا بِخِلَافِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا وَاحِدٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا قُلْنَا إنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَلِهَذَا يُضَافَانِ إلَيْهَا وَكَذَا الزَّكَاةُ وَظِيفَةُ الْمَالِ النَّامِي وَكَذَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ مِلْكِ مَالٍ وَاحِدٍ حَقَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا لَا تَجِبُ زَكَاةُ السَّائِمَةِ وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ بِاعْتِبَارِ مَالٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ بِخِلَافِ دَيْنِ ثَمَنِ الْأَرْضِ مَعَ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ لِلْعَبْدِ وَالْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَتَنَافَيَانِ بَلْ يَجْتَمِعَانِ وَإِنْ كَانَا بِسَبَبِ مِلْكِ مَالٍ وَاحِدٍ ثُمَّ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ كَانَ الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ أَوْلَى مِنْ الزَّكَاةِ بِالْوُجُوبِ لِأَنَّهُمَا صَارَا وَظِيفَةً لَازِمَةً لَهَا وَلَا يَسْقُطَانِ بِعُذْرِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ وَالرِّقِّ وَهُمَا أَسْبَقُ وُجُوبًا مِنْ الزَّكَاةِ فَتُتْرَكُ عَلَى حَالِهَا ثُمَّ الْخَرَاجُ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُوَظِّفْهُ مُكَرَّرًا بِخِلَافِ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ عُشْرًا إلَّا بِوُجُوبِهِ فِي كُلِّ الْخَارِجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّقْصِيرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا عَطَّلَهَا وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ حَيْثُ يَكُونُ الْخَرَاجُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لِتَعَلُّقِ الْخَرَاجِ بِالنَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ حِينَئِذٍ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا أَوْ حَانُوتًا فَعَطَّلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ فَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَنْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ هُنَا سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ أَرْضًا يَزْرَعُهَا فَاصْطَلَمَتْ الزَّرْعَ آفَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ يَجِبُ إلَى وَقْتِ هَلَاكِ الزَّرْعِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْأَجْرُ بِمَنْزِلَةِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ وُضِعَ عَلَى مِقْدَارِ الْخَارِجِ إذَا صَلُحَتْ الْأَرْضُ لِلزِّرَاعَةِ فَإِذَا لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا جَازَ إسْقَاطُهُ وَالْأَجْرُ لَمْ يُوضَعْ عَلَى مِقْدَارِ الْخَارِجِ فَجَازَ إيجَابُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَخَرَاجُ الْوَظِيفَةِ وَالْمُقَاسَمَةِ لَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي الذِّمَّةِ بِسَبَبِ الْخَارِجِ، وَقَبْلَ الْحَصَادِ يَسْقُطُ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْمَالِ لَا فِي الذِّمَّةِ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا فَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَهَلَكَ أَوْ غَرِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ كَانَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ كَأَنَّهُ قَدْ زَرَعَ وَلَوْ غَرِقَتْ الْأَرْضُ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ غَصَبَهَا رَجُلٌ وَزَرَعَهَا لَا أَجْرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَمْ يَزْرَعْهَا حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ كَانَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ. وَكَذَا لَوْ زَرَعَ الْبَعْضَ وَلَمْ يَزْرَعْ الْبَعْضَ اهـ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ زَرَعَهَا فَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَذَهَبَ لَمْ يُؤْخَذْ الْخَرَاجُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُصَابٌ فَيَسْتَحِقُّ الْمَعُونَةَ وَإِنْ أَخَذْنَاهُ بِالْخَرَاجِ كَانَ فِيهِ اسْتِئْصَالٌ وَمِمَّا حُمِدَ مِنْ سِيَرِ الْأَكَاسِرَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ يَرُدُّونَ عَلَى الدَّهَاقِينِ مِنْ خَزَائِنِهِمْ مَا أَنْفَقُوا فِي الْأَرْضِ وَيَقُولُونَ التَّاجِرُ شَرِيكٌ فِي الْخُسْرَانِ كَمَا هُوَ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ فَإِنْ لَمْ نَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَجْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِقَدْرِ مَا كَانَتْ الْأَرْضُ مَشْغُولَةً بِالزَّرْعِ لِأَنَّ الْأَجْرَ عِوَضُ الْمَنْفَعَةِ فَبِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ يَصِيرُ الْأَجْرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَأَمَّا الْخَرَاجُ فَإِنَّهُ صِلَةٌ وَاجِبَةٌ بِاعْتِبَارِ رِيعِ الْأَرْضِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا بَعْدَمَا اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِغْلَالِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَطَّلَهَا اهـ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَفِي الْمُزَارَعَةِ الصَّغِيرَةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا فَزَرَعَهَا فَأَصَابَتْ الزَّرْعَ آفَةٌ فَهَلَكَ أَوْ غَرِقَتْ الْأَرْضُ وَلَمْ تُنْبِتْ فَعَل

(فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْجِزْيَةُ لَوْ وُضِعَتْ بِتَرَاضٍ وَصُلْحٍ لَا يُعْدَلُ عَنْهَا) لِأَنَّهَا تَتَقَرَّرُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ النِّصْفُ فِي صَفَرٍ وَالنِّصْفُ فِي رَجَبٍ يُؤَدُّونَهُمَا وَعَارِيَّةٍ ثَلَاثِينَ دِرْعًا وَثَلَاثِينَ فَرَسًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَثَلَاثِينَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ السِّلَاحِ يَغْزُونَ بِهَا وَالْمُسْلِمُونَ ضَامِنُونَ لَهَا حَتَّى يَرُدُّوهَا عَلَيْهِمْ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَانُوا نَصَارَى وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنَّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْكُمْ دِينَارًا كُلَّ سَنَةٍ أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا يُوضَعْ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ فِي كُلِّ سَنَةٍ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَعَلَى وَسَطِ الْحَالِ ضِعْفُهُ وَعَلَى الْمُكْثِرِ ضِعْفُهُ) يَعْنِي إذَا لَمْ تُوضَعْ بِالتَّرَاضِي بَلْ وُضِعَتْ بِالْقَهْرِ بِأَنْ غَلَبَ الْإِمَامُ عَلَى الْكُفَّارِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فَيُوضَعُ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَانِ وَعَلَى الْمُكْثِرِ وَهُوَ الْغَنِيُّ الظَّاهِرِ الْغِنَى ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَصَارَ إجْمَاعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضَعُ الْإِمَامُ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا لِمَا رَوَيْنَا قُلْنَا كَانَ ذَلِكَ بِالصُّلْحِ وَلَفْظُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ دِينَارًا وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْكُلِّ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ وَأَمَّا الْجِزْيَةُ الَّتِي يَضَعُهَا الْإِمَامُ ابْتِدَاءً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَ إلَّا عَلَى الرِّجَالِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ «قَالَ لِمُعَاذٍ خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ دِينَارًا» وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا كَانَتْ بِالصُّلْحِ لِأَنَّ الْحَالِمَةَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا بِهِ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ نُصْرَةً عَلَى الْمُقَاتِلَةِ فَتَجِبُ عَلَى التَّفَاوُتِ بِمَنْزِلَةِ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَهَذَا لِأَنَّ نَصْرَ الدِّينِ وَاجِبٌ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَنَفْسُهُ لَا تَصْلُحُ بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ ذِكْرِ خَرَاجِ الْأَرْضِ شَرَعَ فِي خَرَاجِ الرُّءُوسِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ وَقَدَّمَ خَرَاجَ الْأَرْضِ لِقُوَّتِهِ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي أَرْضِ الْكُفَّارِ إذَا فُتِحَتْ أَسْلَمُوا أَوْ لَمْ يُسْلِمُوا وَخَرَاجُ الرَّأْسِ لَا يَجِبُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَوْ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ وَالْعُشْرُ مُقَدَّمٌ عَلَى خَرَاجِ الرَّأْسِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا يُبْتَدَأُ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَدَّمَ خَرَاجَ الْأَرْضِ أَيْضًا لِأَنَّ سَبَبَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ نَجْرَانَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَجْرَانُ بِلَادٌ أَهْلُهَا نَصَارَى كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ اهـ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَنَجْرَانُ بَلْدَةُ هَمْدَانَ مِنْ الْيَمَنِ قَالَ الْبَكْرِيُّ سُمِّيَتْ بِاسْمِ بَانِيهَا نَجْرَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ حُلَّةٌ) وَالْحُلَّةُ إزَارٌ وَرِدَاءٌ كَذَا قَالُوا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الْمَعَافِرِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ ثَوْبٌ مَعَافِرِيٌّ مَنْسُوبٌ إلَى مَعَافِرَ بْنِ مُرٍّ وَعَلَيْهِ حَدِيثُ مُعَاذٍ «أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ» أَيْ مِثْلَهُ بُرُدًا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَمَعَافِيرُ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ وَمَعَافِرِيٌّ بِالضَّمِّ وَمَعَافِرِيُّ - غَيْرُ مُنَوَّنٍ - كُلُّهُ لَحْنٌ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا لَمْ تُوضَعْ بِالتَّرَاضِي) قَالَ الْكَمَالُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُمَاكِسَهُمْ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ دِينَارَيْنِ وَمِنْ الْغَنِيِّ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ اهـ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ تَفَاوُتُ مِقْدَارِ الْجِزْيَةِ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِ الطَّبَقَاتِ مَذْهَبُنَا وَقَالَ مَالِكٌ الْجِزْيَةُ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ دِينَارًا وَاثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ لَهُ مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ عَنْ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَلَّاهُ الْيَمَنَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ يَعْنِي مُحْتَلِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِيِّ» وَلَنَا مَا رَوَى أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَّهَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى السَّوَادِ فَمَسَحَا أَرْضَهَا وَوَضَعَا عَلَيْهَا الْخَرَاجَ وَجَعَلَا النَّاسَ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ عَلَى مَا قُلْنَا فَلَمَّا رَجَعَا إلَى عُمَرَ أَخْبَرَاهُ بِذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَمِلَ عُثْمَانَ كَذَلِكَ ثُمَّ عَلِيٌّ كَذَلِكَ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ كَانَ بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ وَلَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ. وَكَلَامُنَا إذَا وَظَّفَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ لِأَنَّ السَّوَادَ فُتِحَ عَنْوَةً لَا صُلْحًا وَالْمَعْقُولُ أَنَّ الْجِزْيَةَ حَقٌّ يُبْتَدَأُ بِهِ الْكَافِرُ فَوَجَبَ فِيهِ التَّفَاوُتُ كَمَا فِي خَرَاجِ الْأَرْضِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الشَّافِعِيِّ فَنَقُولُ ذَلِكَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْنَا لِأَنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ كَانُوا أَهْلَ فَاقَةٍ فَعَلَى الْمُعْسِرِ عِنْدَنَا اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَدِينَارُهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قُلْت لِمُجَاهِدٍ مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ قَالَ جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْيَسَارِ قُلْت هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى مُعَاذٍ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ حَالِمٍ) أَيْ بَالِغٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي مُحْتَلِمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ «قَالَ لِمُعَاذٍ خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ دِينَارًا») أَيْ أَوْ عَدْلَهُ مَعَافِرَ اهـ هِدَايَةٌ وَالْعَدْلُ بِالْفَتْحِ الْمِثْلُ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَبِالْكَسْرِ الْمِثْلُ مِنْ الْجِنْسِ وَالْمَعَافِرُ ثَوْبٌ مَنْسُوبٌ إلَى مَعَافِرَ بْنِ مُرٍّ ثُمَّ صَارَ اسْمًا لِلثَّوْبِ بِغَيْرِ نِسْبَةٍ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمُغْرِبِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ وَحَدِيثُ مُعَاذٍ مُنْقَطِعٌ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ نُصْرَةً) أَيْ خَلَفًا عَنْ النُّصْرَةِ الَّتِي فَاتَتْ بِالْإِصْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ لِأَنَّ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَعَلَيْهِ الْقِيَامُ بِنَصْرِهِ اهـ دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَالْمَالِ وَنَفْسُهُ لَا يَصْلُحُ) أَيْ لِمَيْلِهِمْ إلَى أَهْلِ الدَّارِ الْمُعَادِيَةِ فَيُشَوِّشُونَ عَلَيْنَا فِي الْحَرْبِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْمَالُ أَيْ الْجِزْيَةُ خَلَفًا عَنْ النُّصْرَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَلِهَذَا صُرِفَتْ إلَى الْمُقَاتِلَةِ دُونَ الْفُقَرَاءِ وَضُرِبَتْ عَلَى الصَّالِحِينَ لِلْقِتَالِ الَّذِينَ يَلْزَمُهُمْ الْقِتَالُ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ فَتَخْتَلِفُ

الْمَالِ فَيَجِبُ عَلَى التَّفَاوُتِ أَوْ نَقُولُ إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ النُّصْرَةِ بِهِمَا وَالنُّصْرَةُ بِهِمَا تَتَفَاوَتُ بِقُوَّةِ النَّفْسِ وَكَثْرَةِ الْوَفْرِ فَالْفَقِيرُ يَنْصُرُ رَاجِلًا وَالْمُتَوَسِّطُ يَنْصُرُ رَاكِبًا وَالْفَائِقُ يَرْكَبُ وَيُرْكِبُ غُلَامَهُ فَكَذَا بَدَلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْفَائِقَ فِي الْغِنَى هُوَ صَاحِبُ الْمَالِ الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى الْعَمَلِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدِّرَ بِشَيْءٍ فِي الْمَالِ بِتَقْدِيرٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالْأَعْصَارِ فَفِي الْعِرَاقِ مَنْ يَمْلِكُ خَمْسِينَ أَلْفًا لَا يُعَدُّ وَسَطَ الْحَالِ وَفِي دِيَارِنَا مَنْ يَمْلِكُ عَشَرَةَ آلَافٍ يُعَدُّ غَنِيًّا فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مَوْكُولًا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْمُتَوَسِّطُ الَّذِي لَهُ مَالٌ لَكِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي بِمَالِهِ عَنْ الْكَسْبِ وَالْفَقِيرُ الْمُعْتَمِلُ هُوَ الَّذِي يَكْسِبُ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ لَوْ مَرِضَ الذِّمِّيُّ السَّنَةَ كُلَّهَا فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَعْمَلَ وَهُوَ مُوسِرٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُعْتَمِلِ وَكَذَا لَوْ مَرِضَ أَكْثَرَهَا إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ وَكَذَا لَوْ مَرِضَ نِصْفَ السَّنَةِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِسْقَاطِ فِي الْعُقُوبَةِ ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُوضَعُ عَلَى كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ عَجَمِيٍّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] وَوَضَعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْجِزْيَةِ عَلَى الْمَجُوسِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَشْهَدُ أَنِّي «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِعَامِلِ كِسْرَى «أَمَرَنَا نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَكَانُوا عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَكَذَا وَضْعُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ اسْتِرْقَاقٌ مَعْنًى إذْ بِهِ يَلْحَقُهُ الصَّغَارُ وَالذُّلُّ وَيُؤَدِّي كَسْبَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ وَأَيُّ رِقٍّ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا عَرَبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ) أَيْ لَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ لَا عَلَى الْمُرْتَدِّ لِتَغَلُّظِ كُفْرِهِمَا أَمَّا مُشْرِكُو الْعَرَبِ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ وَالْمُعْجِزَةُ فِي حَقِّهِمْ أَظْهَرُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْرَفَ بِمَعَانِيهِ وَبِوُجُوهِ الْفَصَاحَةِ فَغُلِّظَ عَلَيْهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلِأَنَّهُ كَفَرَ بِرَبِّهِ بَعْدَ مَا رَأَى مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَ مَا هُدِيَ إلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ فِي حَقِّهِمْ وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَنِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ فَيْءٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَسْتَرِقُّ ذَرَارِيَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ» وَأَبُو بَكْرٍ اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ وَصِبْيَانَهُمْ وَكَانُوا مُرْتَدِّينَ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاخْتِلَافِ حَالِهِمْ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى اعْتِبَارًا بِأَصْلِ النُّصْرَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَثْرَةُ الْوَفْرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْوَفْرُ فِي اللُّغَةِ الْمَالُ الْكَثِيرُ وَأَرَادَ هُنَا مُطْلَقَ الْمَالِ فَلَوْ قَالَ بِكَثْرَةِ الْمَالِ كَانَ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفَقِيرُ الْمُعْتَمِلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُعْتَمِلُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ حِرْفَةً اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَالْمُعْتَمِلُ الْمُكْتَسِبُ وَالِاعْتِمَالُ الِاضْطِرَابُ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ الِاكْتِسَابُ وَقَيَّدَ بِالِاعْتِمَالِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَرِيضًا فِي نِصْفِ السَّنَةِ فَصَاعِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَمَّا لَوْ لَمْ يَعْمَلْ وَهُوَ قَادِرٌ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ كَمَنْ عَطَّلَ الْأَرْضَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُوضَعُ عَلَى كِتَابِيٍّ) أَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَجَائِزٌ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ الْعَرَبِ أَوْ مِنْ الْعَجَمِ فَلِأَجْلِ هَذَا ذَكَرَ أَهْلَ الْكِتَابِ مُطْلَقًا حَتَّى يَشْمَلَ الْفَرِيقَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَقَالَ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إلَخْ) قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ حَدَّثَنَا بَعْضُ الشِّيخَةِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذُكِرَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ النِّيرَانَ لَيْسُوا يَهُودَ وَلَا نَصَارَى وَلَا أَهْلَ كِتَابٍ فَقَالَ عُمَرُ مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِهَؤُلَاءِ فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ «أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ اهـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي السُّنَنِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَعْنِي فِي قَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ) ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ كَمَا لَا تُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هُوَ يَقُولُ إنَّ الْقِتَالَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ} [البقرة: 193] إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا جَوَازَ تَرْكِهِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَفِي حَقِّ الْمَجُوسِ بِالْخَبَرِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُمْ عَلَى الْأَصْلِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ) أَيْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَذَا وَضْعُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ) أَيْ كَالْكِتَابِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُؤَدِّي كَسْبَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَنَفَقَتُهُ) أَيْ وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ قَبْلَ ذَلِكَ أَيْ قَبْلَ وَضْعِ الْجِزْيَةِ فَهُمْ فَيْءٌ وَلِلْإِمَامِ الْخِيَارُ بَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا عَرَبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعَجَمِ أَوْ الْعَرَبِ وَلَا خِلَافَ فِي الْمُرْتَدِّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ) قَيَّدَ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ لِمَا أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ ذَكَرَهُ فِي جَامِعَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] لَمْ يُفَصِّلْ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] أَيْ إلَى أَنْ يُسْلِمُوا وَالْآيَةُ فِي عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ وَكَانُوا مُرْتَدِّينَ) أَيْ وَقَسَمَهُمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ حَتَّى وَقَعَ فِي سَهْمِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيَّةُ فَوُلِدَ مِنْهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ

رِجَالِهِمْ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَرَقَّ لِمَا ذَكَرْنَا وَكُفْرُ الْمُرْتَدِّ أَغْلَظُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَلِهَذَا تُجْبَرُ نِسَاءُ الْمُرْتَدِّينَ وَذَرَارِيُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا تُجْبَرُ نِسَاءُ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَذَرَارِيِّهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى وَفَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ وَرَاهِبٍ لَا يُخَالِطُ) أَيْ لَا تُوضَعُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْجِزْيَةُ لِأَنَّهَا خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَعُقُوبَةٌ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ النُّصْرَةُ بِالْقِتَالِ وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ بَرَأَ الْمَرِيضُ قَبْلَ وَضْعِ الْإِمَامِ الْجِزْيَةَ وَضَعَ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ وَضْعِ الْجِزْيَةِ لَا تُوضَعُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّتُهُمْ وَقْتَ الْوَضْعِ إذْ الْإِمَامُ يَخْرُجُ فِي تَعَرُّفِ حَالِهِمْ فَيَضَعُ عَلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْوَضْعِ حَيْثُ يُوضَعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْجِزْيَةِ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْهُ لِعَجْزِهِ وَقَدْ زَالَ ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ) أَيْ الْجِزْيَةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَسْقُطُ بِهِمَا بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ لِأَنَّهَا اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ أَوْ عَنْ السُّكْنَى وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمُعَوَّضُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْعِوَضُ كَمَا فِي الْأُجْرَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ حَيْثُ لَا يَسْقُطَانِ بِالْإِسْلَامِ وَلَا بِالْمَوْتِ وَلَنَا أَنَّهَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ أَوْ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ وَلَا تَبْقَى الْعُقُوبَةُ عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا يُقِيمُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ قَدَرَ بِالْإِسْلَامِ عَلَى النُّصْرَةِ بِبَدَنِهِ فَلَا يَجِبُ عِوَضُهَا وَبِالْمَوْتِ عَجَزَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَلَا يَجِبُ الْخَلَفُ إذْ شَرْطُهُ تَصَوُّرُ الْأَصْلِ وَالْعِصْمَةُ تَثْبُتُ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُوَ يَسْكُنُ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ بَدَلِهِمَا وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِهَذَا تُجْبَرُ نِسَاءُ الْمُرْتَدِّينَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالُوا إنَّ نِسَاءَ الْمُرْتَدِّينَ وَصِبْيَانَهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتَفْسِيرُهُ الْحَبْسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ إلَى الْإِسْلَامِ وَسَيَجِيءُ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّينَ أَمَّا صِبْيَانُهُمْ فَإِنَّمَا يُجْبَرُونَ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ حَيْثُ تُجْبَرُ آبَاؤُهُمْ وَأَمَّا نِسَاؤُهُمْ فَإِنَّمَا يُجْبَرْنَ لِسَبْقِ الْإِسْلَامِ مِنْهُنَّ بِخِلَافِ نِسَاءِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَصِبْيَانِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا جَبْرَ عَلَى آبَائِهِمْ فَكَذَا عَلَى صِبْيَانِهِمْ وَكَذَا عَلَى نِسَائِهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُنَّ الْإِسْلَامُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُكَاتَبٍ) أَيْ وَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَعْمَى وَفَقِيرٍ) أَيْ وَكَذَا الْمَفْلُوجُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرِ لِمَا بَيَّنَّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَاهِبٍ لَا يُخَالِطُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا تُوضَعُ عَلَى الرُّهْبَانِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ كَذَا ذَكَرَهُ هُنَا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَوَجْهُ الْوَضْعِ عَلَيْهِمْ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَهَا فَصَارَ كَتَعْطِيلِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ وَوَجْهُ الْوَضْعِ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ وَالْجِزْيَةُ فِي حَقِّهِمْ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَسْقُطُ بِهِمَا إلَخْ) وَهَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ عَمِيَ أَوْ صَارَ مُقْعَدًا أَوْ زَمِنًا أَوْ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ أَوْ صَارَ فَقِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَبَقِيَ مِنْ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَسْقُطُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُمْ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ) أَيْ الَّتِي تَثْبُتُ لِلذِّمِّيِّ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ عَنْ السُّكْنَى) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ لَهُ آخَرُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمُعَوَّضُ) أَيْ وَهُوَ حَقْنُ دَمِهِ وَسُكْنَاهُ إلَى الْمَوْتِ أَوْ إلَى الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) أَيْ فِيمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَصَالَحَ عَلَى مَالٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَسْقُطَانِ بِالْإِسْلَامِ) يَعْنِي إنْ كَانَتْ الْجِزْيَةُ بَدَلًا عَنْ السُّكْنَى تَكُونُ فِي مَعْنَى الْأُجْرَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامُ كَالْأُجْرَةِ وَإِنْ كَانَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ تَكُونُ فِي مَعْنَى بَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ وَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ) فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجِزْيَةَ بَدَلٌ عَنْ النُّصْرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ اسْتَعَانَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ سَنَةً فَقَاتَلُوا مَعَهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ جِزْيَةُ تِلْكَ السَّنَةِ فَلَوْ كَانَتْ بَدَلًا لَسَقَطَتْ قُلْت إنَّمَا لَمْ تَسْقُطْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ تَغَيُّرُ الْمَشْرُوعِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ طَرِيقَ النُّصْرَةِ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ الْمَالَ دُونَ النَّفْسِ فَإِنْ قُلْت الْجِزْيَةُ حَقٌّ مَالِيٌّ وَجَبَ عَلَى الْكَافِرِ عَلَى كُفْرِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِالْإِسْلَامِ كَخَرَاجِ الْأَرْضِ قُلْت خَرَاجُ الرَّأْسِ فِيهِ صَغَارٌ بِالنَّصِّ وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَصْلًا بِخِلَافِ خَرَاجِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صَغَارٌ وَلِهَذَا يُؤْخَذُ فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ لِلْمُسْلِمِ فَافْتَرَقَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ (قَوْلُهُ وَالْعِصْمَةُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ أَوْ السُّكْنَى بَيَانُهُ أَنَّ الْآدَمِيَّ خُلِقَ مَعْصُومًا مَحْقُونَ الدَّمِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُ الْقِيَامُ بِأُمُورِ التَّكْلِيفِ إلَّا بِكَوْنِهِ مَعْصُومًا وَإِنَّمَا بَطَلَتْ عِصْمَتُهُ بِعَارِضِ الْكُفْرِ ثُمَّ لَمَّا أَسْلَمَ عَادَتْ الْعِصْمَةُ فَصَارَتْ الْعِصْمَةُ بَدَلًا بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ وَالذِّمِّيُّ يَمْلِكُ مَوْضِعَ السُّكْنَى بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ الْبَدَلِ عَلَيْهِ لِسُكْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ مَمْلُوكٍ لَهُ فَلَوْ كَانَتْ الْجِزْيَةُ أُجْرَةً كَانَ وُجُوبُهَا بِالْإِجَارَةِ لَا مَحَالَةَ وَالْإِجَارَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّأْقِيتُ لِأَنَّ الْإِبْهَامَ يُبْطِلُهَا وَحَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّأْقِيتُ فِي السُّكْنَى دَلَّ أَنَّ الْجِزْيَةَ مَا كَانَ بِسَبِيلِ الْأُجْرَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. قَالَ الْكَمَالُ وَلَنَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ» قَالَ أَبُو دَاوُد سُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ هَذَا فَقَالَ يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَبِاللَّفْظِ الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَسْلَمَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ» وَضَعَّفَ ابْنُ الْقَطَّانِ قَابُوسًا وَلَيْسَ قَابُوسٌ فِي سَنَدِ الطَّبَرَانِيِّ فَهَذَا لِعُمُومِهِ يُوجِبُ سُقُوطَ مَا كَانَ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ بَلْ هُوَ الْمُرَادُ بِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْفَائِدَةِ إذْ عَدَمُ الْجِزْيَةِ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ فَالْإِخْبَارُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْفَائِدَةِ لَيْسَ كَالْإِخْبَارِ بِسُقُوطِهَا فِي حَالِ الْبَقَاءِ وَهَذَا يَخُصُّ السُّقُوطَ بِالْإِسْلَامِ وَالْوَجْهُ يَعُمُّ مَوْتَهُ وَإِسْلَامَهُ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سُقُوطِ الْجِزْيَةِ

الرِّقُّ حَيْثُ يَبْقَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْحُكْمِيَّةِ حَتَّى يَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ تَبَعًا بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّكْرَارُ) أَيْ تَسْقُطُ بِالتَّكْرَارِ وَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَسْقُطُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ سَنَتَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهَا عِوَضٌ وَالْأَعْوَاضُ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَصَارَ كَخَرَاجِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي شُرِعَتْ هِيَ فِيهِ وَهُوَ الصَّغَارُ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُوَقَّرُ وَلَا يُحَقَّرُ وَالْمَشْرُوعُ بِصِفَةٍ لَا يُوجَدُ بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ فَسَقَطَتْ لِلتَّعَذُّرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهَا عُقُوبَةٌ وَجَبَتْ عَلَى الْكُفْرِ تُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْإِذْلَالِ وَلِهَذَا لَوْ بَعَثَهَا عَلَى يَدِ غُلَامِهِ أَوْ نَائِبِهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ بَلْ يُكَلَّفُ أَنْ يَحْضُرَ بِهَا بِنَفْسِهِ فَيُعْطِي وَاقِفًا وَالْقَابِضُ مِنْهُ قَاعِدٌ وَفِي رِوَايَةٍ يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ وَيَهُزُّهُ هَزًّا وَيَقُولُ لَهُ أَعْطِ الْجِزْيَةَ يَا ذِمِّيُّ، وَالْعُقُوبَاتُ الْوَاجِبَةُ لِلَّهِ إذَا تَرَاكَمَتْ تَدَاخَلَتْ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْحُدُودِ أَلَا تَرَى أَنَّ كَفَّارَاتِ الْإِفْطَارِ تَتَدَاخَلُ وَإِنْ كَانَتْ عِبَادَةً لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فَالْعُقُوبَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ أَوْلَى وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ فِي حَقِّهِمْ وَعَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا وَكِلَاهُمَا يُوجِبُ السُّقُوطَ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَكُونُ فِي حِرَابٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ وَكَذَا النُّصْرَةُ تَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّكْرَارُ وَالْكَثْرَةُ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ أَوْ قَبْلَ التَّمَامِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ قِيلَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ فِيهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَجِبُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ قَائِمًا مَقَامَ الْعُشْرِ وَلِهَذَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَالْعُشْرُ يَتَكَرَّرُ فَكَذَا هَذَا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَنْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ خَرَاجُ رَأْسِهِ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ وَجَاءَتْ سَنَةٌ أُخْرَى لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فَحَمَلَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَلَى الْمُضِيِّ مَجَازًا وَقَالَ الْوُجُوبُ بِآخِرِ السَّنَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُضِيِّ لِيَتَحَقَّقَ الِاجْتِمَاعُ وَيَتَدَاخَلُ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَنَا فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ وَأَنَّهُ مُجْرًى عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيَتَحَقَّقُ الِاجْتِمَاعُ بِمُجَرَّدِ الْمَجِيءِ وَظَاهِرٌ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْإِعْطَاءَ غَايَةً يَنْتَهِي إلَيْهِ الْقَتْلُ وَيَجِبُ تَرْكُ الْقَتْلِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَلَا يَنْتَظِرُ فِيهِ إلَى حَوَلَانِ الْحَوْلِ فَكَذَا الْإِعْطَاءُ وَهَذَا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ فَتَجِبُ لِلْحَالِ كَالْوَاجِبِ بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَلِأَنَّ الْمُعَوَّضَ قَدْ سُلَّمَ لَهُمْ لِلْحَالِ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الْعِوَضُ كَذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُهُمْ الْقِيَاسُ عَلَى خَرَاجِ الْأَرْضِينَ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ فَمَا لَمْ تُسَلَّمْ لَهُمْ الْمَنْفَعَةِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأُجْرَةُ وَلَا تَلْزَمُنَا الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا إنَّمَا وَجَبَتْ فِي آخِرِ الْحَوْلِ لِيَتَحَقَّقَ النَّمَاءُ إذْ هِيَ لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْمَالِ النَّامِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُحْدَثُ بِيعَةٌ وَلَا كَنِيسَةٌ فِي دَارِنَا) لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِسْلَامِ فَلَا يَرِدُ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْجِزْيَةِ وَبَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا عُقُوبَةٌ عَلَى الْكُفْرِ ثُمَّ لَا يَرْتَفِعُ الِاسْتِرْقَاقُ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَا خَرَاجُ الْأَرْضِ وَتَرْتَفِعُ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلُّ الْإِجْمَاعِ فَإِنْ عَقَلْت حِكْمَةً فَذَاكَ وَإِلَّا وَجَبَ الِاتِّبَاعُ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَالْجِزْيَةِ وَاضِحٌ إذْ لَا إذْلَالَ فِي خَرَاجِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ كَيْ تَبْقَى فِي أَيْدِينَا وَالْمُسْلِمُ مَنْ يَسْعَى فِي بَقَائِهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهَا ذُلٌّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَأَمَّا الِاسْتِرْقَاقُ فَلِأَنَّ إسْلَامَهُ بَعْدَ تَعَلُّقِ مِلْكِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِرَقَبَتِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْمُسْتَحِقِّ الْمُعَيَّنِ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا مِلْكُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَلْ اسْتِحْقَاقٌ لِلْعُمُومِ وَالْحَقُّ الْخَاصُّ فَضْلًا عَنْ الْعَامِّ لَيْسَ كَالْمِلْكِ الْخَاصِّ اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ وَالْأَعْوَاضُ لَا تَسْقُطُ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ كَوْنَهَا وَجَبَتْ عِوَضًا وَكَوْنَ الْمُتَّصِلِ مِنْهَا أَعْوَاضًا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَلْيَقُ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْأَعْوَاضِ الْأَجْزِيَةُ الْوَاقِعَةُ عُقُوبَةً تَمَّ عَلَيْهَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ: وَالْعُقُوبَاتُ تَتَدَاخَلُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى قَوْلِهِمَا) أَيْ أَوْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الصَّغَارُ) أَيْ وَالْعُقُوبَاتُ الْوَاجِبَةُ لِلْبَقَاءِ عَلَى الْكُفْرِ وَبِالْمَوْتِ وَصَلَ إلَى الْعِقَابِ الْأَكْبَرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَدْنَى قَالَ تَعَالَى {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: 21]. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ وَيَهُزُّهُ) التَّلْبِيبُ بِالْفَتْحِ مَا عَلَى مَوْضِعِ اللَّبَبِ مِنْ ثِيَابِهِ وَاللَّبَبُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنْ الصَّدْرِ وَالْهَزُّ التَّحْرِيكُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ بِطَرِيقِ الِاسْتِخْفَافِ لَهُ حَتَّى يُصْفَعَ أَيْضًا حَالَةَ الْأَخْذِ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ قِيلَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) أَيْ فَإِذَا مَضَتْ سُنُونَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ خَرَاجٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا مَضَى اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَالْعُشْرُ) بِالْفَاءِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَفِي الْكَافِي بِالْوَاوِ وَهُوَ أَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ مُجْرًى عَلَى حَقِيقَتِهِ) أَيْ عَلَى حَقِيقَةِ الْمَجِيءِ وَهُوَ الدُّخُولُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَمَا لَمْ تُسَلَّمْ لَهُمْ الْمَنْفَعَةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأُجْرَةُ) أَيْ فَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ بِأَوَّلِ الْحَوْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تُحْدَثُ بِيعَةٌ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ الْجِزْيَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُتَعَبَّدَاتِهِمْ مَا يَجُوزُ مِنْهَا وَمَا لَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا كَنِيسَةٌ) الْكَنِيسَةُ مَعْبَدُ الْيَهُودِ وَالْبِيعَةُ مَعْبَدُ النَّصَارَى قِيلَ فِي وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْخِصَاءِ وَالْكَنِيسَةِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْخِصَاءَ نَوْعُ ضَعْفٍ لَيْسَ فِي الْفَحْلِ وَكَذَا بِنَاءُ الْكَنِيسَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُورِثَ الضَّعْفَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ فِي الْخِصَاءِ تَغْيِيرٌ عَمَّا عَلَيْهِ أَصْلُ الْخِلْقَةِ وَكَذَا فِي بِنَاءِ الْكَنِيسَةِ تَغْيِيرٌ عَمَّا عَلَيْهِ بِنَاءُ دَارِ الْإِسْلَامِ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْكَنِيسَةُ لِمُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَكَذَلِكَ الْبِيعَةُ اسْمٌ لِمُتَعَبَّدِهِمْ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ غَلَبَ فِي الْكَنِيسَةِ لِمُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ وَفِي الْبِيعَةِ لِمُتَعَبَّدِ النَّصَارَى اهـ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ» أَيْ لَا يُخْصَى إخْصَاءٌ يُقَالُ خَصَاهُ يُخْصِيه خِصَاءً عَلَى فِعَالٍ بِمَعْنَى الْإِخْصَاءِ وَقِيلَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119] وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ التَّبَتُّلُ وَالْعُزْلَةُ وَالِامْتِنَاعُ عَنْ النِّسَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ رُهْبَانُ النَّصَارَى فَكَأَنَّهُ خِصَاءٌ مَعْنًى وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْكَنِيسَةِ إحْدَاثُهَا أَيْ لَا تُحْدَثُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَنِيسَةٌ فِي مَوْضِعٍ لَمْ تَكُنْ فِيهِ وَبَيْتُ النَّارِ كَالْكَنِيسَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعَادُ الْمُنْهَدِمُ مِنْ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ الْقَدِيمَةِ) لِأَنَّهُ جَرَى التَّوَارُثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِتَرْكِ الْكَنَائِسِ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَقُومُ الْبِنَاءُ دَائِمًا فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ الْإِعَادَةِ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَقَرَّهُمْ عَهِدَ إلَيْهِمْ الْإِعَادَةَ لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ لَا تَبْقَى دَائِمًا وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ نَقْلِهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالصَّوْمَعَةُ بِمَنْزِلَةِ الْكَنِيسَةِ لِأَنَّهَا تُبْنَى لِلتَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ كَالْكَنِيسَةِ بِخِلَافِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسُّكْنَى وَهَذَا فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى لِأَنَّ الْأَمْصَارَ هِيَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ فَلَا يُعَارَضُ بِإِظْهَارِ مَا يُخَالِفُهَا وَلِهَذَا يُمْنَعُونَ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ وَضَرْبِ النَّاقُوسِ خَارِجَ الْكَنِيسَةِ فِي الْأَمْصَارِ لِمَا قُلْنَا وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي قَرْيَةٍ لَا تُقَامُ فِيهَا الْجُمَعُ وَالْحُدُودُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا عَدَدٌ كَثِيرٌ لِأَنَّ شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ فِيهَا غَيْرُ ظَاهِرَةٍ وَقِيلَ يُمْنَعُونَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَشِعْ فِيهِ شَعَائِرُهُمْ لِأَنَّ فِي الْقُرَى بَعْضَ الشَّعَائِرِ فَلَا تُعَارَضُ بِإِظْهَارِ مَا يُخَالِفُهَا مِنْ شَعَائِرِ الْكُفْرِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَانَ فِي قُرَى الْكُوفَةِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَا يُدْخِلُونَ فِيهَا الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ وَيُمْنَعُونَ مِنْ اتِّخَاذِهَا الْمُشْرِكُونَ مَسْكَنًا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ فِيهَا إلَّا مُسْلِمًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ آخِرُ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ قَالَ «لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ» وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنَّهُ قَالَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَأَجْلَى عُمَرُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُمَيَّزُ الذِّمِّيُّ عَنَّا فِي الزِّيِّ وَالْمَرْكَبِ وَالسَّرْجِ فَلَا يَرْكَبُ خَيْلًا وَلَا يَعْمَلُ بِالسِّلَاحِ وَيُظْهِرُ الْكُسْتِيجَ وَيَرْكَبُ سَرْجًا كَالْإِكَافِ) إظْهَارًا لِلصَّغَارِ عَلَيْهِمْ وَصِيَانَةً لِضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ يَقِينًا لِأَنَّ مَنْ هُوَ ضَعِيفُ الْيَقِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا خِصَاءَ) الْخِصَاءُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ عَلَى فِعَالٍ مَصْدَرُ خَصَاهُ أَيْ نَزَعَ خُصْيَتَيْهِ وَالْإِخْصَاءُ فِي مَعْنَاهُ خَطَأٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ وَالْمَدُّ عَلَى فِعَالٍ مَصْدَرُ خَصَاهُ أَيْ مِنْ بَابِ رَمَاهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُعَادُ الْمُنْهَدِمُ مِنْ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ الْقَدِيمَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَدِيمَةِ مَا كَانَتْ قَبْلَ فَتْحِ الْإِمَامِ بَلَدَهُمْ وَمُصَالَحَتَهُمْ عَلَى إقْرَارِهِمْ عَلَى بَلَدِهِمْ وَأَرَاضِيهمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا مَحَالَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ الْقَدِيمَةِ أَيْ عَلَى قَدْرِ الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ وَيُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ. اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُمْنَعُونَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَشِعْ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ فِي قُرَى الْكُوفَةِ أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ عَدَمِ الْمَنْعِ عَنْ إحْدَاثِ الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ فِي الْقُرَى فِي قُرَى الْكُوفَةِ لَا قُرَى بِلَادِنَا لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا كَانُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ فَلَمْ تَكُنْ قُرَاهَا مَوْضِعَ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ لِغَلَبَتِهِمْ فَلَمْ يَرِدْ الْمَنْعُ مِنْ الْإِحْدَاثِ بِخِلَافِ قُرَى بِلَادِنَا فَإِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ فِيهَا مَعْدُودُونَ فَمُنِعُوا مِنْ الْإِحْدَاثِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا أَرَادُوا إحْدَاثَ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ فِي الْأَمْصَارِ يُمْنَعُونَ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا فِي السَّوَادِ ذَكَرَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ وَفِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ يُمْنَعُ وَقَالَ الْفَضْلِيُّ وَمَشَايِخُ بُخَارَى لَا يُمْنَعُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي بَابِ إجَارَةِ الدُّورِ وَالْبُيُوتِ مِنْ شَرْحِ الْإِجَارَاتِ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ عَنْ ذَلِكَ فِي السَّوَادِ وَذَكَرَ هُوَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَقَالَ إنْ كَانَتْ قَرْيَةً غَالِبُ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ لَا يُمْنَعُونَ وَأَمَّا الْقَرْيَةُ الَّتِي سَكَنَهَا الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا وَهَلْ تُهْدَمُ الْبِيَعُ الْقَدِيمَةُ فِي السَّوَادِ؟ عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا لَا، أَمَّا فِي الْأَمْصَارِ ذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُ لَا تُهْدَمُ الْبِيَعُ الْقَدِيمَةُ بَلْ تُتْرَكُ وَذَكَرَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَنَّهَا تُهْدَمُ قَالَ النَّاطِفِيُّ فِي الْوَاقِعَاتِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ تُتْرَكَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ كَنِيسَةٌ وَلَا بِيعَةٌ وَلَا بَيْتُ نَارٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ فِي أَمْصَارِهَا وَقُرَاهَا. اهـ. هِدَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَلَا تُحْدَثُ فِيهَا كَنِيسَةٌ وَلَا تُقَرُّ لِأَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ السُّكْنَى فَلَا فَائِدَةَ فِي إقْرَارِهَا إلَّا أَنْ تُتَّخَذَ دَارَ سُكْنَى وَلَا تُبَاعُ بِهَا خَمْرٌ وَلَا فِي قَرْيَةٍ مِنْهَا وَلَا فِي مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ الْعَرَبِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيُمْنَعُونَ مِنْ اتِّخَاذِهَا الْمُشْرِكُونَ مَسْكَنًا) بِخِلَافِ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي لَيْسَتْ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ يُمَكَّنُونَ مِنْ سُكْنَاهَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ اتِّخَاذِهَا مَا نَصُّهُ أَيْ أَرْضِ الْعَرَبِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَسْكَنًا مَا نَصُّهُ أَيْ وَوَطَنًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُمَيَّزُ الذِّمِّيُّ عَنَّا فِي الزِّيِّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالزِّيُّ بِالْكَسْرِ الْهَيْئَةُ وَأَصْلُهُ زِوْيٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَصِيَانَةً لِضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ يَقِينًا) أَيْ فَرُبَّمَا يَمْرُقُونَ بِجَهْلِهِمْ فَيَقُولُونَ الْكُفَّارُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَّا فَإِنَّهُمْ فِي خَفْضِ عَيْشٍ وَنِعْمَةٍ وَنَحْنُ فِي كَدٍّ وَتَعَبٍ. اهـ. فَتْحٌ وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَمَّا كَانُوا مُخَالِطِينَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلَا بُدَّ مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمُسْلِمُ مِنْ الْكَافِرِ كَيْ لَا يُعَامَلَ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِ مِنْ التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِذْ وَجَبَ التَّمْيِيزُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ صَغَارٌ

إذَا رَآهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِي النِّعَمِ وَالْمُسْلِمِينَ فِي مِحْنَةٍ وَشِدَّةٍ يُخَافُ أَنْ يَمِيلَ إلَى دِينِهِمْ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: 33] الْآيَةَ وَحِكَايَةُ قَارُونَ مَعَ الضَّعَفَةِ مِنْ قَوْمِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعْرُوفَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُوَقَّرُ وَالذِّمِّيَّ يُحَقَّرُ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ وَلَا يُبْدَأُ بِالسَّلَامِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَامَةٌ يُمَيَّزُ بِهَا لَمَا وَقَعَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا فَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ وَأَوَّلُ مَنْ أَخَذَ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِالْعَلَامَةِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِكَثْرَةِ النَّاسِ فِي أَيَّامِهِ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ تَقَعْ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ إلَّا بِالْعَلَامَةِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيْنَمَا دَارَ عُمَرُ فَالْحَقُّ مَعَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَهُودَ الْمَدِينَةِ وَلَا نَصَارَى نَجْرَانَ وَلَا مَجُوسَ هَجَرَ بِالْعَلَامَةِ» لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَعْرُوفِينَ وَحَالُهُمْ لَا يَشْتَبِهُ عَلَى أَحَدٍ فَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى الْعَلَامَةِ وَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ وَلَا يَلْبَسُونَ طَيَالِسَةً مِثْلَ طَيَالِسَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَرْدِيَةً مِثْلَ أَرْدِيَتِهِمْ وَلَا كُلَّ لِبَاسٍ يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالشَّرَفِ وَإِنْ رَكِبُوا الضَّرُورَةَ مِنْ سَفَرٍ وَنَقْلِ مَرِيضٍ نَزَلُوا فِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ لُبْسِ زَنَانِيرِ الْإِبْرَيْسَمِ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْكُسْتِيجِ وَهُوَ الْخَيْطُ الْغَلِيظُ وَيُؤْمَرُ بِتَمْيِيزِ نِسَائِهِمْ عَنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي الطَّرِيقِ وَالْحَمَّامِ وَتُجْعَلُ عَلَى دُورِهِمْ عَلَامَةٌ كَيْ لَا يَقِفَ عَلَيْهَا السَّائِلُ فَيَدْعُو لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِالْإِبَاءِ عَنْ الْجِزْيَةِ وَالزِّنَا بِمُسْلِمَةٍ وَقَتْلِ مُسْلِمٍ وَسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُنْتَقَضُ أَمَانُهُ بِالسَّبِّ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ الْأَيْمَانَ فَكَذَا الْأَمَانُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ دُونَهُ وَهُوَ خَلَفٌ عَنْهُ وَلَنَا «أَنَّ يَهُودِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّامُ عَلَيْك فَقَالَ أَصْحَابُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ فَلَمْ يَنْتَقِضْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَهْدَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَعَلَى مَالِكٍ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ بِسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ السَّبَّ كُفْرٌ مِنْهُ فَالْكُفْرُ الْمُقَارِنُ لَا يَمْنَعُ الْعَهْدَ فَكَذَا الطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ وَهَذَا لِأَنَّ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْقِتَالُ الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ وَقَبُولُهَا لَا أَدَاؤُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا إعْزَازٌ لِأَنَّ إذْلَالَهُمْ وَاجِبٌ بِغَيْرِ أَذًى مِنْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ بِلَا سَبَبٍ يَكُونُ مِنْهُ بَلْ الْمُرَادُ اتِّصَافُهُ بِهَيْئَةٍ وَضِيعَةٍ وَكَذَا لَوْ أُمِرُوا بِالْكُسْتِيجَاتِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ {سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: 33] تَنْبِيهًا عَلَى خِسَّةِ الدُّنْيَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ وَيَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ الذِّمِّيُّ فَجْأَةً فِي الطَّرِيقِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ عَلَامَةٌ يُصْنَعُ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَاجِبٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ لُبْسِ زَنَانِيرِ الْإِبْرَيْسَمِ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا مُنِعُوا مِنْ شَدِّ زُنَّارٍ وَهُوَ حَاشِيَةٌ رَقِيقَةٌ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ فَمَنْعُهُمْ مِنْ لِبَاسِ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ الَّتِي تُعَدُّ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ فَاخِرَةً سَوَاءٌ كَانَتْ حَرِيرًا أَوْ غَيْرَهُ كَالصُّوفِ الْمُرَبَّعِ وَالْجُوخِ الرَّفِيعِ وَالْأَبْرَادِ الرَّفِيعَةِ أَوْلَى وَلَا شَكَّ فِي وُقُوعِ هَذَا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ وَلَا شَكَّ فِي مَنْعِ اسْتِكْتَابِهِمْ وَإِدْخَالِهِمْ فِي الْمُبَاشَرَةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُعَظَّمًا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ بَلْ رُبَّمَا يَقِفُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ خِدْمَةً لَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَغَيَّرَ خَاطِرُهُ مِنْهُ فَيَسْعَى بِهِ عِنْدَ مُسْتَكْتِبِهِ سِعَايَةً تُوجِبُ لَهُ مِنْهُ الضَّرَرَ وَكَذَا يُؤْخَذُونَ بِالرُّكُوبِ عَلَى سُرُوجٍ فَوْقَ الْحُمُرِ كَهَيْئَةِ الْإِكَافِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ بَلْ اخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنْ لَا يَرْكَبُوا أَصْلًا إلَّا إذَا أُخْرِجُوا إلَى أَرْضِ قَرْيَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ كَانَ مَرِيضًا أَيْ إلَّا أَنْ تَلْزَمَ الضَّرُورَةُ فَيَرْكَبُ ثُمَّ يَنْزِلُ فِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ إذَا مَرَّ بِهِمْ وَلَا يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ وَتُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقُ وَلَا يُبْدَأُ بِالسَّلَامِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ فَقَطْ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ زَنَانِيرَ مَا نَصُّهُ الزُّنَّارُ لِلنَّصَارَى وِزَانُ تُفَّاحٍ وَالْجَمْعُ زَنَانِيرُ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْخَيْطُ الْغَلِيظُ) أَيْ فِي غِلَظِ الْأُصْبُعِ مِنْ الصُّوفِ يَشُدُّهُ فَوْقَ ثِيَابِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَقِفَ عَلَيْهَا السَّائِلُ فَيَدْعُوَ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ) أَيْ أَوْ يُعَامِلَهُمْ بِالتَّضَرُّعِ كَمَا يَتَضَرَّعُ لِلْمُسْلِمِينَ وَتُجْعَلُ مَكَاعِبُهُمْ خَشِنَةً فَاسِدَةَ اللَّوْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ إلَخْ) ذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ الْبُغَاةِ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا أَعَانُوا أَهْلَ الْبَغْيِ عَلَى الْقِتَالِ حُكْمُهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الْبَغْيِ حَتَّى لَا يَجُوزَ اسْتِرْقَاقُهُمْ وَلَا أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ عَهْدَهُمْ لَا يُنْتَقَضُ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ الْإِيمَانُ) يَعْنِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا كَانَ سَبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْقُضُ إيمَانَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَعَلَى مَالِكٍ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ بِسَبِّ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) أَيْ إنْ لَمْ يُسْلِمْ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ قَالَ الْكَمَالُ فَيَصِيرُ مُبَاحَ الدَّمِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا عَهْدَ لَهُ عِنْدَنَا وَقَيَّدَ بِأَدَائِهَا لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا نُقِضَ عَهْدُهُ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ سَبَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ نِسْبَةُ مَا لَا يَنْبَغِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُونَهُ كَنِسْبَةِ الْوَلَدِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنْ ذَلِكَ إذَا أَظْهَرَهُ يُقْتَلُ بِهِ وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُ وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهُ وَلَكِنْ عُثِرَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَكْتُمُهُ فَلَا وَهَذَا لِأَنَّ دَفْعَ الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ عَنْهُمْ بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ بِالْإِعْطَاءِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِمْ صَاغِرِينَ أَذِلَّاءَ بِالنَّصِّ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِمْرَارُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عِنْدَ مُجَرَّدِ الْقَبُولِ وَإِظْهَارِ ذَلِكَ مِنْهُ يُنَافِي قَيْدَ كَوْنِ قَبُولِ الْجِزْيَةِ رَافِعًا لِقَتْلِهِ لِأَنَّهُ الْغَايَةُ فِي التَّمَرُّدِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُ جَارِيًا عَلَى الْعَقْدِ الَّذِي يَدْفَعُ عَنْهُ الْقَتْلَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَاغِرًا ذَلِيلًا وَهَذَا الْبَحْثُ مِنَّا يُوجِبُ أَنَّهُ إذَا اسْتَعْلَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهٍ صَارَ مُسْتَمِرًّا عَلَيْهِ حَلَّ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ أَوْ يَرْجِعُ إلَى الذُّلِّ وَالصَّغَارِ اهـ قَالُوا إذَا طَعَنَ الذِّمِّيُّ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ طَعْنًا ظَاهِرًا جَازَ قَتْلَهُ لِأَنَّ الْعَهْدَ مَعْقُودٌ مَعَهُ عَلَى أَنْ لَا يَطْعَنَ فَإِذَا طَعَنَ فَقَدْ نَكَثَ عَهْدَهُ وَخَرَجَ مِنْ الذِّمَّةِ ذَكَرَهُ حَافِظُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} [التوبة: 12]. اهـ.

وَهُوَ بَاقٍ فَلَا يُنْتَقَضُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بَلْ بِالِالْتِحَاقِ ثَمَّةَ أَوْ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ لِلْحِرَابِ) أَيْ بَلْ يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ بِالِالْتِحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ لِلْحِرَابِ لِأَنَّهُمْ صَارُوا بِذَلِكَ حَرْبًا عَلَيْنَا فَلَا يُفِيدُ بَقَاءُ الْعَهْدِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ الذِّمَّةِ دَفْعُ الْفَسَادِ بِتَرْكِ الْقِتَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَارُوا كَالْمُرْتَدِّ) أَيْ وَصَارُوا بِالْتِحَاقِهِمْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِالْغَلَبَةِ صَارُوا كَالْمُرْتَدِّ فِي حِلِّ قَتْلِهِمْ وَدَفْعِ مَالِهِمْ لِوَرَثَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ الْتَحَقُوا بِالْأَمْوَاتِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُمْ يُسْتَرَقُّونَ وَلَا يُجْبَرُونَ عَلَى قَبُولِ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ حَيْثُ لَا يُسْتَرَقُّ وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كُفْرَ الْمُرْتَدِّ أَغْلَظُ فَأَوْجَبَ الزِّيَادَةَ فِي الْعُقُوبَةِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَبِاسْتِرْقَاقِ الذِّمِّيِّ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَهُوَ دَفْعُ فَسَادِهِ وَحِرَابِهِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِسْلَامُ فَلَا يَحْصُلُ بِاسْتِرْقَاقِهِ فَصَارَ كَمُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمَالُ الَّذِي لَحِقَ بِهِ دَارَ الْحَرْبِ يَكُونُ فَيْئًا وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ كَالْمُرْتَدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَلَحِقَ بِهِ دَارَ الْحَرْبِ حَيْثُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ لِأَنَّهُ حِينَ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مَلَكُوهُ فَلِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مَجَّانًا أَوْ بِعِوَضٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ بَلْ بِالِالْتِحَاقِ ثَمَّةَ إلَخْ يُفِيدُ اخْتِصَاصَ مَا يُنْتَقَضُ بِهِ الْعَهْدُ حَتَّى لَوْ قَالَ نَقَضْت بِالْقَوْلِ لَا يُنْتَقَضُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤْخَذُ مِنْ تَغْلِبِيٍّ وَتَغْلَبِيَّةٍ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (ضِعْفُ زَكَاتِنَا) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ وَلِهَذَا تُصْرَفُ مَصَارِفُ الْجِزْيَةِ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَمَا لَا جِزْيَةَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَلَنَا أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَالَحَهُمْ عَلَى ضِعْفِ الزَّكَاةِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَالزَّكَاةُ تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ دُونَ الصِّبْيَانِ فَكَذَا ضِعْفُهَا وَالنِّسَاءُ أَهْلٌ لِوُجُوبِ الْمَالِ بِالصُّلْحِ وَالْمَصْرِفُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِزْيَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صَرْفِهِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ جِزْيَةً وَكَيْفَ يَكُونُ جِزْيَةً وَشَرَائِطُهُ مِنْ وَصْفِ الصَّغَارِ وَعَدَمِ قَبُولِهِ مِنْ النَّائِبِ وَالْإِعْطَاءِ قَائِمًا وَالْقَابِضُ قَاعِدٌ وَأَخْذِ التَّلْبِيبِ وَالْهَزِّ لَا يُرَاعَى فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَوْلَاهُ كَمَوْلَى الْقُرَشِيِّ) أَيْ فِي حَقِّ عَدَمِ التَّبَعِيَّةِ لِلْمَوْلَى فَإِنَّهُمَا لَا يَتْبَعَانِ مَوْلَاهُمَا فِي الْجِزْيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ) أَيْ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ حِصْنٍ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَارُوا كَالْمُرْتَدِّ) أَيْ فِي الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ بِاللَّحَاقِ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْأَمْوَاتِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَتَعُودُ ذِمَّتُهُ وَلَا يَبْطُلُ أَمَانُ ذُرِّيَّتِهِ بِنَقْضِ عَهْدِهِ وَتَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ الذِّمِّيَّةُ الَّتِي خَلَفَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إجْمَاعًا وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا الْتَحَقَتْ هِيَ مَعَهُ بِدَارِهِمْ ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِنَا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا لِعَدَمِ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ كَالْمُرْتَدِّ) أَيْ إذَا حَمَلَ مَالَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مَجَّانًا) أَيْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ بِعِوَضٍ) أَيْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمْ حِينَ أَخْذِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَغْلِبِيٍّ وَتَغْلَبِيَّةٍ إلَخْ) وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ بِإِسْنَادِهِ إلَى دَاوُد بْنِ كَرْدُوسٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ التَّغْلِبِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ بَنِي تَغْلِبَ مَنْ قَدْ عَلِمْت شَوْكَتَهُمْ وَإِنَّهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَإِنْ ظَاهَرُوا عَلَيْك الْعَدُوَّ اشْتَدَّتْ مُؤْنَتُهُمْ فَإِنْ رَأَيْت أَنْ تُعْطِيَهُمْ شَيْئًا فَافْعَلْ قَالَ فَصَالَحَ عُمَرُ عَلَى أَنْ لَا يَغْمِسُوا أَحَدًا مِنْ أَوْلَادِهِمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ وَتُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَعَلَى أَنْ تَسْقُطَ الْجِزْيَةُ عَنْ رُءُوسِهِمْ فَكُلُّ نَصْرَانِيٍّ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ لَهُ غَنَمٌ سَائِمَةٌ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ سَائِمَةً فَفِيهَا شَاتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ شَاةٌ فَفِيهَا أَرْبَعٌ مِنْ الْغَنَمِ وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْإِبِلُ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ فَعَلَى النَّصْرَانِيِّ التَّغْلِبِيِّ مِثْلُهُ مَرَّتَيْنِ وَنِسَاؤُهُمْ كَرِجَالِهِمْ فِي الصَّدَقَةِ وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ أَرْضُهُمْ الَّتِي كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ يَوْمَ صُولِحُوا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الضِّعْفُ مِمَّا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ فَأَهْلُ الْعِرَاقِ يَرَوْنَ أَنْ يُؤْخَذَ ضِعْفُ الصَّدَقَةِ مِنْ أَرْضِهِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَاشِيَتِهِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مَاشِيَتِهِ وَسَبِيلُ ذَلِكَ سَبِيلُ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الْجِزْيَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِي بَقِيَّةِ أَمْوَالِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ هَذَا لَفْظُ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِي بَقِيَّةِ أَمْوَالِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ يُرِيدُ بِهِ إذَا لَمْ يَمُرُّوا عَلَى عَاشِرٍ أَمَّا إذَا مَرُّوا بِمَالٍ عَلَى الْعَاشِرِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ مَنْ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ وَلَوْ مَرَّ الصَّبِيُّ أَوْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ بِمَالٍ فَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ شَيْءٌ وَعَلَى الْمَرْأَةِ مَا عَلَى الرَّجُلِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي السَّوَائِمِ اهـ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أُفْرِدُ أَحْكَامُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ بِفَصْلٍ لِأَنَّ حُكْمَهُمْ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ النَّصَارَى وَتَغْلِبُ مِنْ بَنِي غَالِبٍ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ رَبِيعَةَ تَنَصَّرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ ثُمَّ زَمَنُ عُمَرَ دَعَاهُمْ عُمَرُ إلَى الْجِزْيَةِ فَأَبَوْا وَأَنِفُوا وَقَالُوا نَحْنُ عَرَبٌ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ الصَّدَقَةَ فَقَالَ لَا آخُذُ مِنْ مُشْرِكٍ فَلَحِقَ بَعْضُهُمْ بِالرُّومِ فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ الْقَوْمَ لَهُمْ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَهُمْ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ فَلَا تُعِنْ عَلَيْك عَدُوَّك بِهِمْ وَخُذْ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ فَبَعَثَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي طَلَبِهِمْ وَضَعَّفَ عَلَيْهِمْ فَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ الْفُقَهَاءُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَوْلَاهُ كَمَوْلَى الْقُرَشِيِّ) يَعْنِي لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ مِنْ الْقُرَشِيِّ وَتُؤْخَذُ مِنْ مَوْلَاهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا اهـ

وَالْخَرَاجِ حَتَّى يُوضَعَا عَلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ الْقُرَشِيُّ وَالتَّغْلِبِيُّ لَا يُوضَعَانِ عَلَيْهِمَا وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُضَاعَفُ عَلَى مَوْلَى التَّغْلِبِيِّ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِمَوْلَاهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَلِهَذَا حُرِّمَتْ الزَّكَاةُ عَلَى مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ وَلَنَا أَنَّهُ لَوْ الْتَحَقَ بِالْمَوْلَى هُنَا كَانَ تَخْفِيفًا إذْ التَّضْعِيفُ أَخَفُّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ وَصْفُ الصَّغَارِ وَالْمَوْلَى لَا يُلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِي التَّخْفِيفِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ كَافِرًا وَلَوْ لَحِقَهُ فِيهِ لَمَا وُضِعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَأُلْحِقَ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ فِي حَقِّهَا بِالْهَاشِمِيِّ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يُلْحَقَ الْمَوْلَى بِأَصْلِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ مَوْلَى الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ وَلَكِنْ وَرَدَ الْحَدِيثُ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ «أَبَا رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَحِلُّ لِي الصَّدَقَةُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا، أَنْتَ مَوْلَانَا وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَمَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يُلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ وَلَيْسَ هَذَا فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ لِإِظْهَارِ فَضِيلَةِ قَرَابَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفَضِيلَةِ مَنْ يَنْتَمِي إلَيْهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْغَنِيِّ لَا يُلْحَقُ بِأَصْلِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ إذْ لَا يُوَازِي الْهَاشِمِيَّ فِي اسْتِحْقَاقِ هَذِهِ الْكَرَامَةِ أَوْ لِأَنَّ الْغَنِيَّ أَهْلٌ لَأَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مِنْهُ غِنَاهُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى فَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ وَمَالُ التَّغْلِبِيِّ وَهَدِيَّةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ بِلَا قِتَالٍ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِنَا كَسَدِّ الثُّغُورِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ وَكِفَايَةِ الْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عَمَلَةُ الْمُسْلِمِينَ قَدْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ تَقْوِيَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَلَوْ لَمْ يُعْطُوا لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ وَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ وَنَفَقَةُ الذَّرَارِيِّ عَلَى الْآبَاءِ فَيُعْطُونَ كِفَايَتَهُمْ كَيْ لَا يَشْتَغِلُوا بِهَا عَنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا خُمُسَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُخَمِّسْ الْجِزْيَةَ وَلِأَنَّهُ مَالٌ أُخِذَ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا قِتَالٍ بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ بِالْقَهْرِ وَالْقِتَالِ فَشَرْعُ الْخُمُسِ فِيهَا لَا يَدُلُّ عَلَى شَرْعِهِ فِي الْآخِرِ وَمِنْ جُمْلَةِ هَذَا النَّوْعِ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ وَمَالُ أَهْلُ نَجْرَانَ وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ قَبْلَ نُزُولِ الْعَسْكَرِ بِسَاحَتِهِمْ كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا يَجِيءُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ مَصْرِفِهِ وَالثَّانِي الزَّكَاةُ وَالْعُشْرُ وَمَصْرِفُهَا مَا ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ وَهُمْ سَبْعَةُ أَصْنَافٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمْ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَالثَّالِثُ خُمُسُ الْغَنَائِمِ وَالْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ وَمَصْرِفُهُ مَا ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمْ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ السِّيَرِ وَالرَّابِعُ اللُّقَطَاتُ وَالتَّرِكَاتُ الَّتِي لَا وَارِثَ لَهَا وَدِيَاتُ مَقْتُولٍ لَا وَلِيَّ لَهُ وَمَصْرِفُهَا اللَّقِيطُ الْفَقِيرُ وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا أَوْلِيَاءَ لَهُمْ يُعْطُونَ مِنْهُ نَفَقَتَهُمْ وَأَدْوِيَتَهُمْ وَتُكَفَّنُ بِهِ مَوْتَاهُمْ وَتُعْقَلُ بِهِ جِنَايَتُهُمْ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بَيْتًا يَخُصُّهُ وَلَا يَخْلِطُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِأَنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ حُكْمًا يَخْتَصُّ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَعْضِهَا شَيْءٌ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ عَلَيْهِ مِنْ النَّوْعِ الْآخَرِ وَيَصْرِفُهُ إلَى أَهْلِ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ شَيْءٌ رَدَّهُ فِي الْمُسْتَقْرَضِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْرُوفُ مِنْ الصَّدَقَاتِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَهُمْ فُقَرَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلصَّدَقَاتِ بِالْفَقْرِ وَكَذَا فِي غَيْرِهِ إذَا صَرَفَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَصْرِفَ إلَى كُلِّ مُسْتَحِقٍّ قَدْرَ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَإِنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَسِيبًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ حُرِمَ عَنْ الْعَطَاءِ) يَعْنِي وَمَنْ مَاتَ مِمَّنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَالْقُضَاةِ وَالْغُزَاةِ وَنَحْوِهِمْ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْعَطَاءِ شَيْئًا وَالْعَطَاءُ اسْمٌ لِمَا يُصْرَفُ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُ صِلَةٌ فَلَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَرْأَةِ إذَا مَاتَتْ وَلَهَا نَفَقَةٌ مَفْرُوضَةٌ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَاسْمُ الْعَطَاءِ يُنْبِئُ عَنْ الصِّلَةِ وَإِنَّمَا قَالَ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي آخِرِ السَّنَةِ يُسْتَحَبُّ صَرْفُهُ إلَى قَرِيبِهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْفَى عَنَاءَهُ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْوَفَاءِ وَلَوْ عَجَّلَ لَهُ كِفَايَةَ سَنَةٍ ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ قِيلَ يَجِبُ رَدُّ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَقِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ يَرْجِعُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْجِعُ هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى امْرَأَةٍ لِيَتَزَوَّجَهَا وَهُمَا يَعْتَبِرَانِهِ بِالْهِبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ مَوْلًى نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ إنَّهُ وُضِعَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَيْهِ التَّخْفِيفُ الثَّابِتُ بِالْإِسْلَامِ فَلَأَنْ لَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ التَّخْفِيفُ الثَّابِتُ بِوَصْفِ التَّغْلِبِيَّةِ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ) أَيْ عَلَى الْهَاشِمِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَخْفِيفًا بَلْ تَحْرِيمٌ وَالْحُرُمَاتُ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا يُلْحَقُ بِأَصْلِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَامِلًا عَلَيْهَا أُعْطِيَ كِفَايَتَهُ مِنْهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ حُرِمَ عَنْ الْعَطَاءِ) أَيْ وَأَمَّا الْمُدَرِّسُ وَالْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ أَوْ عُزِلَ وَقَدْ بَاشَرَ مُدَّةً فَإِنَّهُ لَا يُحْرَمُ نَصَّ عَلَيْهِ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ فِي مَسْأَلَةِ غَلَّةِ الْوَقْفِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ هُنَاكَ فَلْيُرَاجَعْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ عَجَّلَ لَهُ كِفَايَةَ سَنَةٍ ثُمَّ عُزِلَ) أَيْ أَوْ مَاتَ. اهـ.

[باب المرتدين]

(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَتُكْشَفُ شُبْهَتُهُ وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى مَا قَالُوا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ اعْتَرَاهُ شُبْهَةٌ فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ لِتُزَاحَ وَيَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ عَوْدَهُ مَرْجُوٌّ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُرْتَدُّ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْإِمْهَالُ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِمْهَالُ وَاجِبٌ لَا يَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّ ارْتِدَادَ الْمُسْلِمِ يَكُونُ عَنْ شُبْهَةٍ ظَاهِرًا فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ التَّأَمُّلُ فِيهَا فَقَدَّرْنَاهُ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وقَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] مُطْلَقًا وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَيُقْتَلُ لِلْحَالِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ لِإِطْلَاقِ الدَّلَائِلِ فَإِنْ ارْتَدَّ وَتَابَ ثُمَّ ارْتَدَّ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَهَكَذَا دَائِمًا لِأَنَّا نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُقْبَلُ ظَاهِرُ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَنْ قَتَلَ شَخْصًا بَعْدَمَا أَسْلَمَ هَلَّا شَقَقْت قَلْبَهُ» وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الِارْتِدَادُ يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْتَخِفٌّ بِالدِّينِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِسْلَامُهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ سِوَى الْإِسْلَامِ أَوْ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ) أَيْ كَيْفِيَّةُ تَوْبَتِهِ أَنْ يَتَبَرَّأُ عَنْ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ تَبَرَّأَ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ صَحَّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَالْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا دِينَ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَهُ) أَيْ كُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي قَتْلِهِ تَفْوِيتَ الْعَرْضِ الْمُسْتَحَبِّ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ هُنَا تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَضْمَنْ قَاتِلُهُ) لِأَنَّ الْكُفْرَ بِوَصْفِ الْحِرَابِ مُبِيحٌ وَالْعَرْضُ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلَمْ يَضْمَنْ لِذَلِكَ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الْمُرْتَدِّينَ] بَابُ الْمُرْتَدِّ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْكُفَّارِ مِنْ الْأَصْلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْكُفَّارِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْعَارِضَ بَعْدَ الْأَصْلِيِّ فِي الْوُجُودِ فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَضْعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ) أَيْ وَأَبُو دَاوُد. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ) أَيْ وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ هُوَ الدَّعْوَةُ إلَيْهِ وَدَعْوَةُ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بَلْ مُسْتَحَبَّةٌ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْكَافِي يُقْتَلُ مِنْ سَاعَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَجِّلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طَلَبَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِتُزَاحَ) أَيْ تُزَالَ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ) أَيْ مَكَانَهُ فَيُفِيدُ أَنَّ إنْظَارَهُ لَيْسَ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذِمِّيٍّ وَلَا مُسْتَأْمَنٍ إذْ لَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْهُ وَمَا طَلَبَ الْأَمَانَ فَكَانَ حَرْبِيًّا لِإِطْلَاقِ النَّصِّ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ ارْتَدَّ وَتَابَ ثُمَّ ارْتَدَّ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) أَيْ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ مَنْ كَرَّرَ رِدَّتَهُ كَالزِّنْدِيقِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: 137]. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ قُلْنَا رَتَّبَ عَدَمَ الْمَغْفِرَةِ عَلَى شَرْطِ قَوْلِهِ {ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [آل عمران: 90]. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ الْعَامَّةِ إنَّ الْآيَةَ فِي حَقِّ مَنْ ازْدَادَ كُفْرًا لَا فِي حَقِّ مَنْ آمَنَ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94] وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ». اهـ. (قَوْلُهُ وَهَكَذَا دَائِمًا) أَيْ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا إنْ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ أَبَدًا وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ مُسْتَخِفٌّ مُسْتَهْزِئٌ وَلَيْسَ بِثَائِبٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِسْلَامُهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ إلَخْ) وَلَكِنْ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ وَفِي الْمُنْيَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ تُبْت وَرَجَعْت إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ مُسْتَحَبٌّ. اهـ. دِرَايَةٌ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إسْلَامُ النَّصْرَانِيِّ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيَتَبَرَّأَ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ، وَالْيَهُودِيُّ كَذَلِكَ يَتَبَرَّأُ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَكَذَا فِي كُلِّ مِلَّةٍ وَأَمَّا بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ خُصُوصَ الرِّسَالَةِ إلَى الْعَرَبِ فَيُصَدِّقُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَا يَتِمُّ الْإِسْلَامُ إلَّا بِهِ هَذَا فِيمَنْ بَيْنَ أَظْهُرِنَا مِنْهُمْ وَأَمَّا مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فَقَالَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ أَوْ قَالَ دَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ دَلِيلُ إسْلَامِهِ فَكَيْفَ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ضِيقًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ قَالَ الْكَمَالُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْقَاطِعِ لِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ وَكُلُّ جِنَايَةٍ عَلَى الْمُرْتَدِّ هَدَرٌ اهـ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَيْ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أُدِّبَ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ وَرِدَّةُ الرَّجُلِ تُبْطِلُ عِصْمَةَ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْقَاتِلُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ أَوَأَتْلَفَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ هُنَا تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ) أَيْ فَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَعِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الْفَرْضِ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ) أَيْ بَلْ تُحْبَسُ أَبَدًا اهـ

بَلْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْتَلُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ قَتْلَ الرَّجُلِ لِتَغْلِيظِ جِنَايَتِهِ وَقَدْ شَارَكَتْهُ فِيهَا فَتُشَارِكُهُ فِي جَزَائِهَا كَالْقِصَاصِ وَالرَّجْمِ قُلْنَا الْمُبِيحُ لِلْقَتْلِ كُفْرُ الْمُحَارَبِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ قَتْلِ الْكَافِرَاتِ» بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مُعَلَّقٌ بِالْجِنَايَةِ دُونَ الْحِرَابِ وَجَزَاءُ الْكُفْرِ لَا يُقَامُ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهَا دَارُ الِابْتِلَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْمُحَارِبُ لَنَا وَإِلَّا لَوَجَبَ قَتْلُ الشَّخْصِ إذَا أَسْلَمَ لِأَنَّهُ بَدَّلَ دِينَهُ وَهُوَ الْكُفْرُ بِالْإِسْلَامِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَرْوِيه ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَوْجَبَ الْقَتْلَ عَلَى الْيَهُودِيِّ إذَا تَنَصَّرَ وَبِالْعَكْسِ مُحْتَجًّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَانْتِقَالُهُ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ لَا يَزِيدُهُ خُبْثًا وَلِأَنَّ فِيهِ أَمْرًا بِأَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْأَمْرُ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ فَلَا يَجُوزُ وَإِذَا لَمْ تُقْتَلْ الْمُرْتَدَّةُ تُحْبَسُ إلَى أَنْ تُسْلِمَ لِأَنَّهَا ارْتَكَبَتْ جَرِيمَةً عَظِيمَةً فَتُحْبَسُ حَتَّى تَتْرُكَ وَتَخْرُجَ مِنْهَا وَتُضْرَبُ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُبَالَغَةً فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِلشُّبْهَةِ وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ بِأَنْ يَجْعَلَ مَنْزِلَ الْمَوْلَى سِجْنًا لَهَا وَيُفَوِّضُ التَّأْدِيبَ إلَيْهِ مَعَ تَوْفِيرِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِخْدَامِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ دُفِعَتْ إلَيْهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَيْهِ احْتَاجَ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ طَلَبَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ لِأَنَّ الْحَبْسَ تَصَرُّفٌ فِيهَا وَذَاكَ إلَى الْمَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ زَوَالًا مَوْقُوفًا فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَ مِلْكُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَرِثَ كَسْبَ إسْلَامِهِ وَارِثَهُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ إسْلَامِهِ وَكَسْبُ رِدَّتِهِ فَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ رِدَّتِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الرِّدَّةِ يَظْهَرُ فِي إبَاحَةِ دَمِهِ لَا فِي زَوَالِ مِلْكِهِ كَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَالْقَوَدِ وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَيَكُونُ كَامِلَ الْأَهْلِيَّةِ وَذَلِكَ بِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَا كُلِّفَ بِهِ إلَّا بِبَقَاءِ مِلْكِهِ فَيَبْقَى مِلْكُهُ ضَرُورَةَ التَّمْكِينِ وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْعِصْمَةِ وَقَدْ زَالَتْ عِصْمَةُ نَفْسِهِ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهَا حَرْبِيًّا حَتَّى يُقْتَلَ وَكَذَا عِصْمَةُ مَالِهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا وَلِأَنَّهُ هَالِكٌ حُكْمًا فَصَارَ كَالْهَالِكِ حَقِيقَةً غَيْرَ أَنَّهُ يُدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ بِالْإِجْبَارِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْتَلُ) أَيْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ وَالزُّهْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَحَمَّادٌ وَإِسْحَاقُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ قَتْلِ الْكَافِرَاتِ») أَيْ فَقَالَ «لَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً» وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمُرْتَدَّةِ وَالْكَافِرَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَلِأَنَّهَا مَتَى لَا تُقْتَلُ بِالْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ فَبِالطَّارِئِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى كَالصَّبِيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ لَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ إذَا هُنَّ ارْتَدَدْنَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ يُحْبَسْنَ وَيُدْعَيْنَ إلَى الْإِسْلَامِ وَيُجْبَرْنَ عَلَيْهِ وَفِي بَلَاغَاتِ مُحَمَّدٍ قَالَ بَلَغَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الْإِسْلَامِ حُبِسَتْ اهـ. (قَوْله لِأَنَّهَا ارْتَكَبَتْ جَرِيمَةً عَظِيمَةً فَتُحْبَسُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَمْ يَذْكُرْ الضَّرْبَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُضْرَبُ فِي كُلِّ أَيَّامٍ وَقَدَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ وَعَنْ الْحَسَنِ تُضْرَبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ سَوْطًا إلَى أَنْ تَمُوتَ أَوْ تُسْلِمَ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِحُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ وَهَذَا قَتْلٌ مَعْنًى لِأَنَّ مُوَالَاةَ الضَّرْبِ تُفْضِي إلَيْهِ وَلِذَا قُلْنَا فِيمَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حُدُودٌ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ الثَّانِي مَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْحَدِّ الْأَوَّلِ كَيْ لَا يَصِيرَ قَتْلًا وَهُوَ غَيْرُ الْمُسْتَحَقِّ اهـ وَلَا تُسْتَرَقُّ الْحُرَّةُ الْمُرْتَدَّةُ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحِينَئِذٍ تُسْتَرَقُّ إذَا سُبِيَتْ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ تُسْتَرَقُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا قِيلَ وَلَوْ أَفْتَى بِهَذِهِ لَا بَأْسَ بِهِ فِيمَنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ حَسْمًا لِقَصْدِهَا السَّيِّئِ بِالرِّدَّةِ مِنْ إثْبَاتِ الْفُرْقَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا الزَّوْجُ مِنْ الْإِمَامِ لَهُ أَوْ يَهَبَهَا الْإِمَامُ إذَا كَانَ مَصْرِفًا لِأَنَّهَا صَارَتْ بِالرِّدَّةِ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ بِهَا الزَّوْجُ فَيَمْلِكُهَا وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِالرِّدَّةِ وَحِينَئِذٍ يَتَوَلَّى هُوَ حَبْسَهَا وَضَرْبَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ فَيَرْتَدُّ ضَرَرُ قَصْدِهَا عَلَيْهَا قِيلَ وَفِي الْبِلَادِ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا التَّتَرُ وَأَجْرَوْا أَحْكَامَهُمْ فِيهَا وَقَهَرُوا الْمُسْلِمِينَ كَمَا وَقَعَ فِي خَوَارِزْمَ وَغَيْرِهَا إذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الرِّدَّةِ مَلَكَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ حَرْبٍ فِي الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ الْإِمَامِ. وَقَدْ أَفْتَى الدَّبُوسِيُّ وَبَعْضُ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالرِّدَّةِ رَدًّا عَلَيْهَا وَغَيْرُهُمْ مَشَوْا عَلَى الظَّاهِرِ وَلَكِنْ حَكَمُوا بِجَبْرِهَا عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ مَعَ الزَّوْجِ وَتُضْرَبُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ لِلْفَتْوَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ) بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لَا فَائِدَةَ فِي دَفْعِهِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يَبْقَى لِيُمْكِنَ اسْتِخْدَامُهُ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى مِنْ الِاسْتِخْدَامِ وَحَقُّ الشَّرْعِ وَهُوَ الْجَبْرُ عَلَى الْإِسْلَامِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَوْ قَالَ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِلَحَاقِهِ مِثْلُ مَوْتِهِ وَلِهَذَا صَرَّحَ بِذِكْرِهِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَخْ) أَيْ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ جَعَلَ تَصَرُّفَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَجَعَلَهُ مُحَمَّدٌ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَالْقَوَدِ) أَيْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَتُعْتَبَرُ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ إذَا كَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ قَتْلُهُ فَلَا ضَمَانَ فَصَارَ حَالُهُ أَنْحَسَ مِنْ حَالِ الْمَرِيضِ فَاعْتُبِرَ تَصَرُّفُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَجَوَابُهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

وَيُرْجَى عَوْدُهُ إلَيْهِ لِوُقُوفِهِ عَلَى مَحَاسِنِهِ فَلَمْ يَتِمَّ سَبَبُ الزَّوَالِ فَتَوَقَّفْنَا فِي أَمْرِهِ فَإِنْ أَسْلَمَ جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا فَلَمْ يَعْمَلْ السَّبَبُ عَمَلَهُ فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فِي رِدَّتِهِ اسْتَقَرَّ كُفْرُهُ فَعَمِلَ السَّبَبُ عَمَلَهُ وَزَالَ مِلْكُهُ وَانْتَقَلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي إسْلَامِهِ إلَى وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَيْءٌ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ وَعِنْدَهُمَا كِلَاهُمَا لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ إنْ فَضَلَ مِنْ الدَّيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كِلَاهُمَا فَيْءٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ لَا سِيَّمَا الْمُرْتَدُّ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَرِثَهُ أَحَدٌ كَالرَّقِيقِ وَهَذَا لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمِلَّةِ سَبَبُ الْإِرْثِ وَاخْتِلَافُهَا سَبَبُ الْحِرْمَانِ وَهَذَا لَا يَرِثُهُ مُوَافِقُهُ فَمُخَالِفُهُ أَوْلَى فَإِذَا انْتَفَتْ الْوِرَاثَةُ وَهِيَ مَالُ حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ فَيَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَنَا أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا مَالِكًا لِمَالِهِ فَإِذَا تَمَّ هَلَاكُهُ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِي مَالِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ مُسْلِمًا وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ هَلَاكٌ إلَّا أَنَّ تَمَامَهُ بِالْمَوْتِ وَالْقَتْلِ فَإِذَا تَمَّ اسْتَنَدَ التَّوْرِيثُ إلَى أَوَّلِ الرِّدَّةِ وَقَدْ كَانَ مُسْلِمًا عِنْدَ ذَلِكَ فَيَخْلُفُهُ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ فِيهِ فَيَكُونُ تَوْرِيثًا مِنْ الْمُسْلِمِ إذْ الْحُكْمُ عِنْدَ تَمَامِ سَبَبِهِ يَثْبُتُ مِنْ أَوَّلِ السَّبَبِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إذَا أُجِيزَ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِيهِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمَبِيعَ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَلَهُمَا أَنَّ مِلْكَهُ فِي الْكَسْبَيْنِ بَعْدَ الرِّدَّةِ بَاقٍ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ بِمَوْتِهِ فَيَسْتَنِدُ إلَى مَا قَبْلَ رِدَّتِهِ فَيَكُونُ تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَيُمْكِنُ اسْتِنَادُ كَسْبِ الرِّدَّةِ إلَى مَا قَبْلَ الرِّدَّةِ نَظَرًا إلَى سَبَبِ الْكَسْبِ وَهُوَ نَفْسُهُ فَجَعَلَ كَأَنَّ الْكَسْبَ مَوْجُودٌ وَلَهُ أَنَّ اسْتِنَادَ التَّوْرِيثِ إلَى أَوَّلِ الرِّدَّةِ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ مُمْكِنٌ لِوُجُودِهِ عِنْدَهَا وَلَا يُمْكِنُ اسْتِنَادُ التَّوْرِيثِ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ لِعَدَمِهِ عِنْدَهَا وَمِنْ شَرْطِ الِاسْتِنَادِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَهُ فَلَوْ ثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ التَّوْرِيثِ لَثَبَتَ مُقْتَصِرًا عَلَى الْحَالِ وَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ الِاكْتِسَابِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ. ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ وَقْتَ رِدَّتِهِ وَبَقِيَ كَذَلِكَ إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ أَوْ قَتْلِهِ أَوْ الْقَضَاءِ بِلَحَاقِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ وَارِثُهُ قَبْلَهُ أَوْ حَدَثَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ بَعْدَ ارْتِدَادِهِ بِعِتْقٍ أَوْ إسْلَامٍ أَوْ عُلُوقٍ حَادِثٍ لَا يَرِثُ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ وَيُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ تَمَامِ السَّبَبِ لِأَنَّهُ أَوَانُ الِاسْتِحْقَاقِ بِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهِ بَقَاءُ الْمَبِيعِ وَالْمُتَعَاقِدِينَ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ وَقْتَ الرِّدَّةِ وَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ أَوْ بِشَيْءٍ آخَرَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّ رِدَّتَهُ فِي حُكْمِ الْمَوْتِ فَلَا تُعْتَبَرُ إلَّا عِنْدَهَا وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ أَوْ قَتْلِهِ أَوْ الْقَضَاءِ بِلَحَاقِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ قَبْلَ تَمَامِهِ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّبَبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَحْدُثُ مِنْ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ تُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ حَتَّى إذَا قَبَضَهُ مَعَ الْأَصْلِ صَارَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَتَرِثُهُ امْرَأَتُهُ الْمُسْلِمَةُ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِاللَّحَاقِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ صَارَ فَارًّا بِالرِّدَّةِ إذْ الرِّدَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْمَوْتِ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِمَالِهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِاللَّحَاقِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَوْ ارْتَدَّ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا إلَّا عِنْدَ الرِّدَّةِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ قِيَامِ الْعِدَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْمُرْتَدَّةُ لَا يَرِثُهَا زَوْجُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِمَالِهَا وَالزَّوْجِيَّةُ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالِارْتِدَادِ إلَّا أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا) أَيْ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ فِي إحْبَاط عَمَلِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ كُلِّهَا وَفِي وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَفِي فَرْضِيَّةِ تَجْدِيدِ الْإِيمَانِ لَمْ يَكُنْ ارْتِدَادُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَلْ حَبَطَ عَمَلُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ فِي حَقِّ هَذَا أَيْ وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَمْ يَعْمَلْ السَّبَبُ) أَيْ السَّبَبُ الْمُزِيلُ لِلْمِلْكِ وَهُوَ الرِّدَّةُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فِي رِدَّتِهِ) أَيْ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِاللَّحَاقِ مِثْلُ مَوْتِهِ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كِلَاهُمَا فَيْءٌ) أَيْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ هَلَاكٌ) أَيْ مَوْتٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً وَلِهَذَا تَعْتَدُّ امْرَأَةُ الْمُرْتَدِّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ لَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِأَنَّ زَوْجَهَا حَيٌّ حَقِيقَةً اهـ (قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ وَفِي كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ الْقَضَاءُ بِلَحَاقِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَا يَرِثُ الْوَارِثُ إذَا ارْتَدَّ بَعْدَ رِدَّةِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ وَقْتَ الرِّدَّةِ) وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ كَذَا فِي الشَّامِلِ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ مَنْ كَانَ مِنْ الْوَرَثَةِ حُرًّا مُسْلِمًا يَوْمَ ارْتَدَّ فَلَهُ الْمِيرَاثُ وَمَنْ كَانَ مِنْ وَرَثَتِهِ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا يَوْمَ ارْتَدَّ فَعَتَقَ بَعْدَ الرِّدَّةِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ أَوَأَسْلَمَ الْكَافِرُ بَعْدَ الرِّدَّةِ قَبْلَ الْقَتْلِ فَلَا مِيرَاثَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا يَوْمَ ارْتَدَّ وَلَوْ كَانَ وَارِثُ الْمُرْتَدِّ مُسْلِمًا يَوْمَ ارْتَدَّ فَارْتَدَّ الْوَارِثُ بَعْدَ رِدَّةِ أَبِيهِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ أَوْ يَمُوتَ أَوْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ فَلَهُ الْمِيرَاثُ لِأَنَّهُ كَانَ وَارِثًا يَوْمَ ارْتَدَّ وَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاعْتَمَدَ هُوَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلًا آخَرَ فِي مُخْتَصَرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ) أَيْ اسْتِحْقَاقُهُ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا تُعْتَبَرُ إلَّا عِنْدَهَا) أَيْ وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ قَبْلَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ لَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ وَلَكِنْ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهِ وَهَذَا مِثْلُهُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَتْلُهُ أَوْ الْقَضَاءُ بِلَحَاقِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الرِّدَّةِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَارَ فَارًّا بِالرِّدَّةِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَقْتَ الرِّدَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْمَوْتِ) وَهَذَا يُعَضِّدُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ كَمَا يَنْفُذُ مِنْ الْمَرِيضِ أَمَّا إذَا كَانَ وَقْتَ الرِّدَّةِ مَرِيضًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمُرْتَدَّةُ لَا يَرِثُهَا) أَيْ وَالْمَرْأَةُ الْمُرْتَدَّةُ تَرِثُ مِنْ زَوْجِهَا الْمُرْتَدِّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَالرَّجُلُ الْمُسْلِمُ يَرِثُ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمُرْتَدَّةِ إذَا مَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَرِثُ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَلِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا

تَكُونَ مَرِيضَةً فَيَرِثُهَا لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِمَالِهَا فِي مَرَضِهَا فَتَصِيرُ فَارَّةً بِالِارْتِدَادِ كَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ فَسْخِهَا النِّكَاحَ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَنَحْوِهِ وَيَرِثُهَا أَقَارِبُهَا جَمِيعَ مَالِهَا حَتَّى الْكَسْبَ فِي رِدَّتِهَا لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْفَيْءِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَكَمَ بِلَحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَحَلَّ دِينُهُ) لِأَنَّهُ بِاللَّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ كَمَا انْقَطَعَتْ عَنْ الْمَوْتَى فَصَارَ كَالْمَوْتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لَحَاقُهُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعُودَ إلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ الدَّارُ عِنْدَهُ إذْ الدُّنْيَا كُلُّهَا دَارٌ وَاحِدَةٌ وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَوْتٌ ثَبَتَتْ أَحْكَامُ الْمَوْتَى مِنْ عِتْقِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَحُلُولِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فَيُقْضَى كُلُّ دَيْنٍ مِنْ الْكَسْبِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ الرِّدَّةِ وَالْإِسْلَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بِالسَّبَبَيْنِ مُخْتَلِفٌ وَحُصُولُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَسْبَيْنِ بِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الدَّيْنُ فَيُقْضَى كُلُّ دَيْنٍ مِنْ الْكَسْبِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِيَكُونَ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ هَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِكَسْبِ الْإِسْلَامِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ لِأَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ مِلْكُهُ حَتَّى يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهِ وَمِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْخِلَافَةِ الْفَرَاغُ عَنْ حَقِّ الْمَيِّتِ فَيُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَيْهِ أَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالرِّدَّةِ عِنْدَهُ فَلَا يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى دَيْنُهُ بِهِ كَالذِّمِّيِّ إذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ يَكُونُ مَالُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُقْضَى مِنْهُ. كَذَا هَذَا وَعَنْهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِكَسْبِ الرِّدَّةِ فَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَسْبَ الرِّدَّةِ خَالِصُ حَقِّهِ فَكَانَ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْلَى إلَّا إذَا تَعَذَّرَ بِأَنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ تَقْدِيمًا لِحَقِّهِ وَعِنْدَهُمَا تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْكُلَّ مِلْكُهُ حَتَّى يَجْرِيَ الْإِرْثُ فِيهِمَا وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ لَحَاقِهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ اللَّحَاقَ هُوَ السَّبَبُ وَالْقَضَاءُ لِتَقَرُّرِهِ لِقَطْعِ الِاحْتِمَالِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَوْتًا بِالْقَضَاءِ وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهِيَ عَلَى هَذَا لِمَا ذَكَرْنَا وَبَطَلَتْ عَنْهَا الْعِدَّةُ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْمَوْتَى وَلَا عِدَّةَ عَلَى الْأَمْوَاتِ وَلِزَوْجِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا مِنْ سَاعَتِهِ لِانْعِدَامِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا كَالْمَيِّتَةِ وَإِنْ عَادَتْ مُسْلِمَةً أَوْ سُبِيَتْ لَمْ يُنْتَقَضْ نِكَاحُ الْأُخْتِ وَالْأَرْبَعِ لِأَنَّ نِكَاحَهَا لَا يَعُودُ وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ سَاعَتِهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَلَوْ وَلَدَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ وَيُسْتَرَقُّ الْوَلَدُ تَبَعًا لَهَا وَكَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِمَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُوقَفُ مُبَايَعَتُهُ وَعِتْقُهُ وَهِبَتُهُ فَإِنْ أُمِّنَ نَفَذَ وَإِنْ هَلَكَ بَطَلَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ تَعْتَمِدُ الْأَهْلِيَّةَ وَهِيَ تَثْبُتُ بِالْخِطَابِ وَهُوَ بِالْعَقْلِ وَنَفَاذُ التَّصَرُّفِ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ وَهُوَ ثَابِتٌ وَلَوْ زَالَ الْمِلْكُ لَزَالَ إلَى وَرَثَتِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلِهَذَا لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُمْ فِي مَالِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ الرِّدَّةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَوْ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ يَرِثُهُ وَلَوْ مَاتَ وَلَدُهُ قَبْلَ حُكْمِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ لَا يَرِثُهُ فَدَلَّ عَلَى قِيَامِ مِلْكِهِ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَيَنْفُذُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ مِثْلُ مَا يَصِحُّ مِنْ الصَّحِيحِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهُ إلَى الْإِسْلَامِ إذْ الشُّبْهَةُ تُزَاحُ فَلَا يُقْتَلُ فَصَارَ كَالْمُرْتَدَّةِ وَلَا يُجْعَلُ كَالْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ ظَاهِرًا فَيُقْتَلُ لِأَنَّ مِنْ انْتَحَلَ إلَى نِحْلَةٍ قَلَّ مَا يَتْرُكُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُعْرِضًا عَمَّا نَشَأَ فِيهِ فَيُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا لَحِقَتْ بِالدَّارِ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فَإِنْ خَرَجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْلِمَةً لَا يَفْسُدُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَإِذَا ارْتَدَّتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهَا بَطَلَتْ عِدَّتُهَا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فَإِنْ رَجَعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَيْنَا مُسْلِمَةً قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ أَوْ الْحَيْضِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَعُودُ مُعْتَدَّةً وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَعُودُ مُعْتَدَّةً كَمَا كَانَتْ. اهـ. قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ تَحْقِيقُهُ أَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ تَابِعَةٌ لِعِصْمَةِ النَّفْسِ ثُبُوتًا وَسُقُوطًا فَبِارْتِدَادِ الرَّجُلِ تَسْقُطُ عِصْمَةُ النَّفْسِ لِكَوْنِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا فَيُقْتَلُ وَتَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ أَيْضًا تَبَعًا لَهَا فَيَكُونُ كَسْبُ الِارْتِدَادِ أَيْضًا فَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَالِ حَرْبِيٍّ مَقْهُورٍ فِي أَيْدِينَا أَمَّا ارْتِدَادُ الْمَرْأَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِهِ عِصْمَةُ النَّفْسِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ لِعَدَمِ الْحِرَابِ فَلَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ أَيْضًا لِأَنَّ كَسْبَهَا فِي الرِّدَّةِ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَتِهَا الْمُسْلِمِينَ كَكَسْبِهَا فِي الْإِسْلَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا) مَعْنَى هَذَا أَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ تَبَعٌ لِعِصْمَةِ النَّفْسِ فَبِالرِّدَّةِ لَا تَزُولُ عِصْمَةُ نَفْسِهَا حَتَّى لَا تُقْتَلَ فَكَذَا لَا تَزُولُ عِصْمَةُ مَالِهَا فَكَانَ الْكَسْبَانِ مِلْكَهَا فَيَكُونُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهَا بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ كَسْبَهُ فِي الرِّدَّةِ فَيْءٌ لِكَوْنِهِ مُحَارِبًا فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَآلِ بِاللَّحَاقِ. اهـ. كَاكِيٌّ فَرْعٌ قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ بَعْدَ مَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ أَسِيرًا وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ الْمُرْتَدَّةِ بَعْدَمَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُوقَفُ مُبَايَعَتُهُ وَعِتْقُهُ وَهِبَتُهُ) أَيْ وَكِتَابَتُهُ وَقَبْضُ الدُّيُونِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ) أَيْ فَلِهَذَا كَانَتْ عُقُودُ الْمُرْتَدَّةِ كُلُّهَا جَائِزَةً إلَّا مُفَاوَضَتُهَا فَإِنَّهَا مَوْقُوفَةٌ إنْ أَسْلَمَتْ صَحَّتْ وَإِلَّا صَارَتْ عَنَانًا كَمَا قَالَا فِي الْمُرْتَدِّ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَرْعٌ) أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ عِصْمَةَ النِّكَاحِ وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِنَفْسِ الرِّدَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي. اهـ. قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

مَقْهُورٌ فِي أَيْدِينَا حَتَّى يُقْتَلَ وَكَوْنُهُ حَرْبِيًّا مَقْهُورًا سَبَبٌ لِزَوَالِ مِلْكِهِ وَمَالِكِيَّتِهِ وَبُطْلَانِ تَصَرُّفَاتِهِ غَيْرَ أَنَّ الْإِسْلَامَ مَرْجُوٌّ مِنْهُ لِبَقَاءِ الْإِجْبَارِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُلْنَا بِتَوَقُّفِ تَصَرُّفَاتِهِ لِتَرَدُّدِ حَالِهِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ حَرْبِيٍّ دَخَلَ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ لِأَنَّهُ صَارَ فَيْئًا بِدُخُولِهِ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ مَنْ أَخَذَهُ بَلْ يَرُدُّهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ كَمَا دَخَلَ دَارَنَا وَقَعَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ لَهُمْ يَدًا فِي الدَّارِ فَيَرُدُّهُ إلَى مَالِهِمْ أَيْ الْمُسْلِمِينَ وَبِخِلَافِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ وَالرَّجْمِ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يَجِبْ هُنَاكَ لِزَوَالِ سَبَبِ الْعِصْمَةِ. وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ غَيْرُ مَنْ لَهُ الْقَتْلُ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا هُوَ جَزَاءٌ عَلَى الْجِنَايَةِ فَلَمْ يُوجِبْ خَلَلًا فِيهِ وَبِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ حَتَّى تَلْتَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَتَصِيرُ حَرْبِيَّةً حِينَئِذٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ نَافِذٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالِاسْتِيلَادِ وَالطَّلَاقِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ وَالْحَجْرِ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهَا تَسْتَدْعِي الْوِلَايَةَ وَلَا تَعْتَمِدُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ حَتَّى صَحَّتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مِنْ الْعَبْدِ مَعَ قُصُورِ وِلَايَتِهِ وَبَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالنِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ وَالْإِرْثِ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لَهُ وَمَوْقُوفٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالْمُفَاوَضَةِ وَالتَّصَرُّفِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَمَالِ وَلَدِهِ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُرْتَدِّ مَا لَمْ يُسْلِمْ وَمُخْتَلِفٌ فِي تَوَقُّفِهِ وَهُوَ مَا بَيَّنَّاهُ بِدَلِيلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَارِثِهِ أَخَذَهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بَعْدَ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ الْوَارِثُ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ عَيْنَ مَالِهِ لِأَنَّ الْوَارِثَ كَانَ خَلَفَهُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ فَإِذَا عَادَ فَظَهَرَتْ حَاجَتُهُ وَبَطَلَ حُكْمُ الْخَلَفِ وَلَوْ عَادَ بَعْدَ الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ كَانَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ إنَّمَا يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِرِضًا مِنْ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِطَرِيقِهِ وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى بِعِتْقِهِنَّ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَلَوْ جَاءَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا وَمُدَبِّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ عَلَى مِلْكِهِ وَنَظِيرُهُ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ إذَا أَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ وَتَمَّ الْفَسْخُ وَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ وَلَدَتْ أَمَةٌ لَهُ نَصْرَانِيَّةٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ ارْتَدَّ فَادَّعَاهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَهُوَ ابْنُهُ حُرٌّ وَلَا يَرِثُهُ، وَلَوْ مُسْلِمَةً وَرِثَهُ الِابْنُ إنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ) أَمَّا صِحَّةُ الِاسْتِيلَادِ فَلِمَا بَيَّنَّا وَأَمَّا امْتِنَاعُ الْإِرْثِ مَعَ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ فَلِأَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً يَكُونُ الْوَلَدُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَرُدُّهُ إلَى مَالِهِمْ أَيْ الْمُسْلِمِينَ) كَذَا مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ وَالرَّجْمِ إلَخْ) أَخَذَهُ مِنْ النِّهَايَةِ فَرَاجِعْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ غَيْرُ مَنْ لَهُ الْقَتْلُ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ) أَيْ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِوَلِيِّ الْقَاتِلِ عَلَى قَاتِلِ الْقَاتِلِ إذَا كَانَ قَتَلَهُ عَمْدًا وَلَا يَجِبُ عَلَى قَاتِلِ الْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَنَارِ بِقَوْلِهِ وَالْقِصَاصُ لَا يُضْمَنُ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ وَانْظُرْ مَا كَتَبْته فِي الْجِنَايَاتِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِغَيْرِ إذْنِهِ. اهـ. نِهَايَةٌ. ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي الْحُدُودِ قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ كَالْقِصَاصِ وَالْأَمْوَالِ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ فِيهَا لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَضَاءُ بَلْ لَوْ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ جَازَ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِمَامِ لَيُمَكِّنَهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ بِالْمَنَعَةِ وَالْإِمَامُ فِيهِ كَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا عَسَى أَنْ يُقَالَ كَيْفَ يُقْتَلُ قَاتِلُ الْقَاتِلِ وَقَدْ قَضَى بِقَتْلِهِ وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنْ يُقَالَ الْقَضَاءُ فِي هَذَا إنَّمَا هُوَ إعَانَةٌ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَلَمْ يُثْبِتْ الْقَضَاءُ لَهُ حَقًّا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بَلْ حَقُّهُ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالِاسْتِيلَادِ وَالطَّلَاقِ) فَإِنْ قُلْت كَيْفَ نَفَذَ طَلَاقُ الْمُرْتَدِّ وَبِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ تَبِينُ الْمَرْأَةُ قُلْت هَذَا لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَبَانَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي عِدَّتِهَا جَازَ فَكَذَا هَذَا وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَارْتَدَّ الزَّوْجُ أَوْ ارْتَدَّتْ فَطَلَاقُ الْوَكِيلِ يَقَعُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَسَنُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخَرِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ لَا تَقَعَ الْبَيْنُونَةُ أَيْضًا بِالرِّدَّةِ كَمَا إذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ مَعًا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ أَصْلًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُرْتَدِّ مَا لَمْ يُسْلِمْ) أَيْ إلَّا أَنَّ عِنْدَهُمَا إنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ صَارَتْ عَنَانًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَرِثُهُ) أَيْ لَوْ مَاتَ الْمُرْتَدُّ أَوْ قُتِلَ لَا يَرِثُهُ هَذَا الْوَلَدُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَمَّا صِحَّةُ الِاسْتِيلَادِ فَلِمَا بَيَّنَّا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ دَعْوَاهُ الْوَلَدَ صَحِيحَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا بِلَا إشْكَالٍ لِأَنَّ عُقُودَ الْمُرْتَدِّ عِنْدَهُمَا جَائِزَةٌ فَكَذَلِكَ دَعْوَتُهُ أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ جَعَلَ عُقُودَهُ مَوْقُوفَةً لَكِنْ جَعَلَ دَعْوَتَهُ صَحِيحَةً لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ بَلْ يَثْبُتُ بِتَأْوِيلِ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ إذَا ادَّعَى النَّسَبَ مِنْ الْجَارِيَةِ الَّتِي مِنْ تِجَارَتِهِ جَازَ وَكَذَلِكَ الْأَبُ إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَتَأْوِيلُ الْمُرْتَدِّ أَكْثَرُ مِنْ تَأْوِيلِهِمَا فَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ يَثْبُتُ التَّفْرِيعُ الْمَذْكُورُ فِي إرْثِهِ وَعَدَمِهِ. اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ أَوْلَادُ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِمْ إذَا مَاتَ آبَاؤُهُمْ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَا تَنْقَطِعُ تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ بِمَوْتِهِمَا لِأَنَّ بَقَاءَ الْأَصْلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ وَهَكَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَقَاضِي خَانْ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً) أَيْ أَوْ يَهُودِيَّةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ تَبَعًا لِأَبِيهِ) أَيْ لَا لِأُمِّهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْهَا لِكَوْنِهِ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَهَا وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا وَهَذَا فَائِدَةُ تَقْيِيدِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبِكَوْنِهَا نَصْرَانِيَّةً لِأَنَّهُ لَوْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ مُسْلِمَةً يَرِثُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَيَقُّنِنَا بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلْأَبِ بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الرِّدَّةِ حَتَّى يَكُونَ مُسْلِمًا تَبَعًا لَهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلدَّارِ حَتَّى يَكُونَ مُسْلِمًا لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ لَا تَظْهَرُ مَعَ الْأَبَوَيْنِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ إذَا ارْتَدَّ أَبَوَاهُ حَيْثُ يُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ مَا لَمْ يَلْحَقَا بِهِ دَارَ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ قَبْلَ رِدَّتِهِمَا فَيَبْقَى عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ مَا لَمْ يَلْحَقَا بِهِ دَارَ الْحَرْبِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مُسْلِمَةً فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهَا إذْ هِيَ خَيْرُهُمَا دِينًا وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ مُحَمَّدٌ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا فِيهَا وَقْتَ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الْقَضَاءِ بِاللَّحَاقِ وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرِثَ لِعَدَمِ كَوْنِهِ وَارِثًا عِنْدَ الرِّدَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِمَالِهِ فَظَهَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ فَيْءٌ) يَعْنِي لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ لِأَنَّ مِلْكَهُمْ فِيهِ غَيْرُ ثَابِتٍ حَيْثُ أَلْحَقَهُ مَعَهُ ابْتِدَاءً فَسَقَطَتْ عِصْمَتُهُ بِاللَّحَاقِ وَكَذَا عِصْمَةُ مَالِهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ فَيَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا إذَا وَقَعَ فِي الْغَنِيمَةِ لَا سَبِيلَ لِوَرَثَتِهِ فِيهِ وَكَذَا إنْ أَخْرَجَهُ تَاجِرٌ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا تَكُونُ فَيْئًا لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْتَرَقُّ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رَجَعَ وَذَهَبَ بِمَالِهِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ فَلِوَارِثِهِ) يَعْنِي لِوَارِثِهِ أَخْذُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مَلَكَتْهُ الْوَرَثَةُ فَلِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَبَعْدَهَا أَوْ مِنْ التَّاجِرِ بِالْعِوَضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمُرَادُهُ إذَا رَجَعَ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِلَحَاقِهِ وَأَمَّا إذَا رَجَعَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ وَأَخَذَ مَالَهُ وَلَحِقَ ثَانِيًا فَلَا سَبِيلَ لِوَرَثَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِلَحَاقِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ جَوَابُ هَذَا الْكِتَابِ يَعْنِي الْهِدَايَةَ يَرُدُّ عَلَى الْوَرَثَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَتَى لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ فَكَانَ مَيِّتًا ظَاهِرًا وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْوَرَثَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَضَاءِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ هُنَا وَقَالَ فِي الْكَافِي الْقَضَاءُ مُرَجِّحٌ جَانِبَ عَدَمِ الرُّجُوعِ إلَى دَارِنَا فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ وَلَمَّا خَرَجَ إلَيْنَا مُعْتَزًّا وَرَجَعَ بِمَالِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الْعَوْدَ إلَى دَارِنَا فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ مِنْ حِينِ اللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيَكُونُ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا يَرِثُ أَحَدًا) أَيْ لَا مِنْ الْمُرْتَدِّ وَلَا مِنْ الْمُسْلِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلْأَبِ) أَيْ وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ لَا تَظْهَرُ مَعَ الْأَبَوَيْنِ) يَعْنِي أَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ لَا تَظْهَرُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ فَلَا وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ يُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ) أَيْ وَلَا يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَبْقَى عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ) أَيْ يَبْقَى عَلَى إسْلَامِهِ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ وَقَدْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قُلْت هَذَا يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا ارْتَدَّ الْأَبَوَانِ الْمُسْلِمَانِ وَلَهُمَا وَلَدٌ طِفْلٌ وُلِدَ قَبْلَ رِدَّتِهِمَا فَإِنَّهُ يَبْقَى مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ وَلَا يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لَهُمَا قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَبْقَى مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ بَلْ هُوَ كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ بَعْدَ رِدَّتِهِمَا اهـ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ) أَيْ أَصْلًا فَجُعِلَ تَبَعًا لِأَبِيهِ الْمُرْتَدِّ لِقُرْبِهِ إلَى الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَهُوَ فَيْءٌ) أَيْ لِأَنَّهُ مَالُ حَرْبِيٍّ فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَإِنْ قُلْت الْمَالُ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ وَنَفْسُ الْمُرْتَدِّ لَا يَكُونُ فَيْئًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِهِ كَذَلِكَ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَرَيَانِ الْفَيْءِ عَلَى النَّفْسِ عَدَمُ جَرَيَانِ الْفَيْءِ عَلَى الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي الْفَيْءُ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَيَجْرِي الْفَيْءُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ فَكَذَا الْمُرْتَدُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْتَرَقُّ) أَيْ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ رَجَعَ) أَيْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَذَهَبَ بِمَالِهِ) أَيْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ فَلِوَارِثِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا رَجَعَ بَعْدَ اللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ إذَا وَجَدُوهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدُوهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَهُمْ بِالْقِيمَةِ إلَّا إذَا كَانَ مِثْلِيًّا فَإِنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهِ بِالْمِثْلِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ يَأْخُذُ الْعَدُوُّ مَالَهُ ثُمَّ يَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا لَا يُشْكِلُ إلَّا إذَا رَجَعَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي فَأَمَّا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَجَوَابُ هَذَا الْكِتَابِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَالَيْنِ فِي رَدِّ الْمَالِ عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ رَتَّبَ حُكْمَ الرَّدِّ عَلَى مُطْلَقِ اللَّحَاقِ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِاللَّحَاقِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَتَى لَحِقَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ فَكَانَ مَيِّتًا حُكْمًا ثُمَّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ وَقَالَ لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ فَيَكُونُ فَيْئًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَضَاءِ يَعْنِي أَنَّ الْحَقَّ لِلْوَرَثَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ مِنْ الْقَاضِي بِلُحُوقِهِ وَجَعْلِ مَالِهِ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِلُحُوقِهِ فَقَدْ صَارَ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلُحُوقِهِ حَتَّى رَجَعَ وَأَخَذَ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الَّذِي ذَهَبَ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَأَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ وَذَلِكَ لِأَنَّ مُحَمَّدًا يَجْعَلُ مُجَرَّدَ اللَّحَاقِ كَالْمَوْتِ حَتَّى يُعْتَبَرَ كَوْنُ الْوَارِثِ عِنْدَ اللَّحَاقِ وَلَا يَجْعَلُ أَبُو يُوسُفَ ذَلِكَ كَالْمَوْتِ بَلْ يُجْعَلُ الْقَضَاءُ بِاللَّحَاقِ كَالْمَوْتِ حَتَّى يُعْتَبَرَ كَوْنُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْقَضَاءِ لَا عِنْدَ اللَّحَاقِ. اهـ.

يَكُونُ فَيْئًا لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْوَرَثَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَضَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَحِقَ فَقُضِيَ بِعَبْدِهِ لِابْنِهِ فَكَاتَبَهُ فَجَاءَ مُسْلِمًا فَالْمُكَاتَبَةُ وَالْوَلَاءُ لِمُوَرِّثِهِ) وَهُوَ الْمُرْتَدُّ الَّذِي أَسْلَمَ لِأَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ خَلَفٌ عَنْ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ لِاسْتِغْنَائِهِ فَإِذَا جَاءَ مُسْلِمًا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَيُعَادُ إلَيْهِ مِلْكُهُ غَيْرَ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهَا لِصُدُورِهَا عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَجَعَلْنَاهُ نَائِبًا عَنْهُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ فِيهِ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْهُ نَظِيرُهُ الْمُكَاتَبُ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ وَعَجَزَ وَفُسِخَتْ الْكِتَابَةُ الْأُولَى تَبْقَى الْكِتَابَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى حَالِهَا وَيَكُونُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي كَانَ لَهُ غَيْرُ قَائِمٍ بَعْدَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ لِمَا قُلْنَا وَلَا يُقَالُ الْمُكَاتَبُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ فَكَيْفَ انْتَقَلَ إلَى الْمُرْتَدِّ الَّذِي أَسْلَمَ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِانْتِقَالٍ وَإِنَّمَا هُوَ سُقُوطُ وِلَايَةِ الْخَلَفِ عِنْدَ ظُهُورِ وِلَايَةِ الْأَصْلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ رَجُلًا خَطَأً وَلَحِقَ) أَيْ بِدَارِ الْحَرْبِ (أَوْ قُتِلَ فَالدِّيَةُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ) خَاصَّةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا الدِّيَةُ فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ جَمِيعًا لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمُرْتَدَّ لِعَدَمِ النُّصْرَةِ فَيَكُونُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً فَمَالُهُ عِنْدَهُمَا الْمُكْتَسَبُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ جَمِيعًا لِنُفُوذِ تَصَرُّفَاتِهِ فِي الْحَالَيْنِ وَلِهَذَا يَجْرِي الْإِرْثُ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ مَالُهُ الْمُكْتَسَبُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ دُونَ الْمُكْتَسَبِ فِي حَالَةِ الرِّدَّةِ لِتَوَقُّفِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا وَلِهَذَا كَانَ الْأَوَّلُ مِيرَاثًا عَنْهُ وَالثَّانِي فَيْئًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِكَسْبِ الرِّدَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ كُلَّ دَيْنٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ هَذَا إذَا قُتِلَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ أَوْ لَمْ يَمُتْ يَكُونُ فِي الْكَسْبَيْنِ جَمِيعًا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْكُلَّ مَالُهُ وَلِهَذَا يَجْرِي الْإِرْثُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْقَطْعِ عَمْدًا وَمَاتَ مِنْهُ أَوْ لَحِقَ وَجَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْهُ ضَمِنَ الْقَاطِعُ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِوَرَثَتِهِ) أَيْ لَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْمُسْلِمِ عَمْدًا فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ مِنْ مَالِهِ خَاصَّةً لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا ارْتَدَّ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَمَاتَ مِنْ الْقَطْعِ فَلِأَنَّ السِّرَايَةَ حَلَّتْ مَحَلًّا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَأُهْدِرَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُرْتَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِأَنَّ مَا أُهْدِرَ لَا يَلْحَقُهُ الِاعْتِبَارُ بِخِلَافِ الْمُعْتَبَرِ فَإِنَّهُ قَدْ يَلْحَقُهُ الْإِهْدَارُ بِالْإِبْرَاءِ فَكَذَا بِالرِّدَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ وَهُوَ مَعْصُومٌ وَهُوَ الْيَدُ دُونَ النَّفْسِ وَنَظِيرُهُ الْبَيْعُ أَوْ الْإِعْتَاقُ حَتَّى لَوْ قُطِعَتْ يَدُ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ لَا يَضْمَنُ الْجَانِي إلَّا يَدَهُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الرَّدِّ عَلَيْهِ بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُ بِهَذَا التَّصَرُّفِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الرِّدَّةِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَلِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا تَقْدِيرًا وَالْمَوْتُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ وَإِسْلَامُهُ حَيَاةٌ حَادِثَةٌ تَقْدِيرًا فَلَا يَعُودُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَإِذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ حَتَّى عَادَ مُسْلِمًا ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْقَطْعِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ مُرْتَدًّا قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِصُدُورِهَا عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ) أَيْ حَتَّى جُعِلَ الْمُرْتَدُّ مَيِّتًا حُكْمًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَجَعَلْنَاهُ) أَيْ الِابْنَ. اهـ. (قَوْلُهُ نَائِبًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي صَارَ الِابْنُ كَالْوَكِيلِ عَنْ أَبِيهِ الْمُرْتَدِّ فِي التَّصَرُّفِ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَمَّا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ صَارَ كَأَنَّهُ سَلَّطَ ابْنَهُ عَلَى مَالِهِ وَجَعَلَهُ خَلَفًا عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ فَلَمَّا عَادَ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْأَحْيَاءِ وَبَطَلَ حُكْمُ الْمَوْتِ فَلَمَّا لَمْ يُفْسَخْ كَانَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ لِلْمُرْتَدِّ الَّذِي أَسْلَمَ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي الْكِتَابَةِ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا إلَى الْوَكِيلِ وَكَذَلِكَ لِلْمُرْتَدِّ الَّذِي أَسْلَمَ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَالْعِتْقُ وَقَعَ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ لِلْوَارِثِ فَإِنَّ الْوَلَاءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْوَارِثِ لِوُقُوعِ الْعِتْقِ عَنْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَالدِّيَةُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً) وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَا اغْتَصَبَهُ مِنْ مَالٍ أَوْ أَفْسَدَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ النُّصْرَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَلْزَمُهُ نُصْرَةُ الْمُرْتَدِّ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ارْتَدَّ) أَيْ الْمُسْلِمُ. اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَاتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ لَحِقَ) أَيْ وَقَضَى بِلَحَاقِهِ كَمَا سَيَجِيءُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِوَرَثَتِهِ) أَيْ لِوَرَثَةِ الْمَقْطُوعِ يَدُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ مِنْ مَالِهِ) أَيْ وَلَمْ تَجِبْ دِيَةُ النَّفْسِ وَلَا الْقِصَاصُ فِي قَطْعِ الْيَدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ) أَمَّا إذَا كَانَ خَطَأً فَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي هِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَأُهْدِرَتْ) أَيْ فَلَمْ تَجِبْ دِيَةُ النَّفْسِ لِأَنَّ مَوْتَهَا حَصَلَ فِي حَالٍ لَا قِيمَةَ لَهَا وَلَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِي الْيَدِ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ صَارَ شُبْهَةً وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْقَطْعِ كَانَتْ حَقِيقَةُ الْإِبَاحَةِ قَائِمَةً فِي قَطْعِ الْيَدِ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ وَهُوَ الرِّدَّةُ فَإِذَا كَانَتْ فَائِتَةً ثُمَّ اعْتَرَضَتْ كَانَتْ شُبْهَةً فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ وَجَبَ دِيَةُ الْيَدِ وَهِيَ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ لِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ حَصَلَ فِي حَالِ عِصْمَةِ الْيَدِ وَهِيَ حَالَةُ الْإِسْلَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا) أَيْ أَصْلًا لِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ حَصَلَ فِي زَمَانٍ لَا قِيمَةَ لَهَا لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا أُهْدِرَ لَا يَلْحَقُهُ الِاعْتِبَارُ) أَيْ أَصْلًا فَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ زَمَانُ السِّرَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ فَكَذَا بِالرِّدَّةِ) وَالتَّحْقِيقُ هُنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ فَوْتَ الْعِصْمَةِ يُوجِبُ الْهَدَرَ لَا مَحَالَةَ وَقِيَامَ الْعِصْمَةِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لَا مَحَالَةَ كَمَا إذَا قَطَعَ بِأَمْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ اعْتِرَاضُ الْعِصْمَةِ دَافِعًا لِصِفَةِ الْهَدَرِ. (قَوْلُهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ مُرْتَدًّا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا إذَا ارْتَدَّ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ أَمَّا إذَا ارْتَدَّ الْقَاطِعُ فَقُتِلَ وَمَاتَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ مِنْهُ مُسْلِمًا فَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ إنْ كَانَ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاتِلَ مَاتَ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ النَّفْسِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلْقَتْلِ لِأَنَّ الْجَانِيَ كَانَ مُسْلِمًا يَوْمَ الْجِنَايَةِ، لَا جَرَمَ لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ كَانَتْ فِي مَالِهِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ كَانَ الْقَاطِعُ هُوَ الَّذِي ارْتَدَّ فَفِي الْمَبْسُوطِ فَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ

مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ حُكْمَ الِالْتِحَاقِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ وَمَاتَ ضَمِنَ الدِّيَةَ) أَيْ كَامِلَةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ يَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ فَلَا تَنْقَلِبُ بِالْإِسْلَامِ مُعْتَبَرَةً وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ مَعْنًى لَوْ مَاتَ عَلَيْهَا لَا يَجِبُ بِالسِّرَايَةِ شَيْءٌ فَكَذَا إذَا لَمْ يَمُتْ عَلَيْهَا فَصَارَ كَعَبْدٍ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ بَاعَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ تَقَايَلَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْقَاطِعِ إلَّا دِيَةُ الْيَدِ كَمَا لَوْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ أَهْدَرَ دَمَهُ فَصَارَ مُبَرِّئًا لَهُ عَنْ ضَمَانِ النَّفْسِ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدَهُ بَعْدَ الْقَطْعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ وَرَدَتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ وَتَمَّتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ فَتُوجِبُ كُلَّ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ لَمْ تَتَخَلَّلْ الرِّدَّةُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ لِقِيَامِ الْعِصْمَةِ فِي حَالِ بَقَاءِ الْجِنَايَةِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ قِيَامُهَا فِي حَالِ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَفِي حَالِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فَصَارَ كَاشْتِرَاطِ قِيَامِ الْمِلْكِ فِي حَالَةِ الْيَمِينِ وَحَالَةِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَكَاشْتِرَاطِ كَمَالِ النِّصَابِ فِي حَالِ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَتَمَامِهِ وَالرِّدَّةُ لَيْسَتْ بِإِبْرَاءٍ عَنْ الْجِنَايَةِ وَضْعًا وَلَا شَرْعًا بَلْ هِيَ لِتَبْدِيلِ الدِّينِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُوجَدُ مِنْ غَيْرِ إبْرَاءٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ جِنَايَةٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لِكَوْنِ دَمِهِ هَدَرًا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْعَبْدَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِقَطْعِ مِلْكِهِ وَالضَّمَانُ بَدَلُ مِلْكِهِ فَإِذَا قَطَعَ الْأَصْلَ قَصْدًا فَقَدْ قَطَعَ الْبَدَلَ أَيْضًا فَصَارَ كَالْإِبْرَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ارْتَدَّ مُكَاتَبٌ وَلَحِقَ وَأُخِذَ بِمَالِهِ وَقُتِلَ فَمُكَاتَبَتُهُ لِمَوْلَاهُ وَمَا بَقِيَ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْمَوْلَى عَنْ رَقَبَتِهِ بِالرِّدَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ صَارَ دَمُهُ مُبَاحًا وَبِإِبَاحَةِ دَمِ الْعَبْدِ لَا يَزُولُ مِلْكُ سَيِّدِهِ عَنْهُ كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَوَدٌ وَالْكِتَابَةُ لَا تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ وَالِالْتِحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِحَقِيقَةِ الْمَوْتِ فَبِالْحُكْمِيِّ أَوْلَى أَنْ لَا تَبْطُلَ فَبَقِيَ مِلْكُهُ لِمَالِكِهِ وَالتَّصَرُّفُ عَلَى حَالِهِ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَالَ وَالتَّصَرُّفَ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا يُمْنَعُ ذَلِكَ بِالرِّقِّ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُمْنَعَ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّ الرِّقَّ أَقْوَى فِي الْمَنْعِ مِنْ الرِّدَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَمْلِكُ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَعْضُهَا فِيهَا الْخِلَافُ فَإِذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ بَاقِيَةً يُوَفَّى الْمَوْلَى كِتَابَتَهُ وَمَا بَقِيَ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ كَمَا فِي الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ فَإِنْ قِيلَ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ حُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ أَنَّ كَسْبَهُ كَسْبُ مُرْتَدٍّ حُرٍّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَيْئًا عَلَى مَذْهَبِهِ قُلْنَا حُكْمُنَا بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْكِتَابَةِ وَهِيَ حُرِّيَّةُ نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ وَمِلْكُ كَسْبِهِ رَقَبَةً وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ يُعْتَبَرُ عَبْدًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْكِتَابَةِ فَكَذَا لَا يَكُونُ كَسْبُهُ فَيْئًا لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لَا يَكُونُ فَيْئًا فَلَا يُجْعَلُ حُرًّا فِي حَقِّهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَلَحِقَا فَوَلَدَتْ وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَالْوَلَدَانِ فَيْءٌ وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَلَدُ الْوَلَدِ) أَيْ إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَوَلَدَتْ الْمَرْأَةُ هُنَاكَ وَلَدًا وَوُلِدَ لِوَلَدِهِمَا وَلَدٌ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَوَلَدُهُمَا وَوَلَدُ وَلَدِهِمَا فَيْءٌ وَيُجْبَرُ وَلَدُهُمَا عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَلَدُ وَلَدِهِمَا لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالْمُرْتَدَّةُ تُسْتَرَقُّ فَكَذَا وَلَدُهَا وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ يَتْبَعُونَ الْآبَاءَ فِي الدِّينِ لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقْطُوعُ يَدُهُ مِنْ الْقَطْعِ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ وَقَدْ فَاتَ مَحَلُّهُ يَعْنِي حِينَ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ دِيَةُ النَّفْسِ لِأَنَّ عِنْدَ إيجَابِهِ كَانَ مُسْلِمًا وَجِنَايَةُ الْمُسْلِمِ خَطَأً عَلَى عَاقِلَتِهِ وَتَبَيَّنَ بِالسِّرَايَةِ أَنَّ جِنَايَتَهُ كَانَتْ قَتْلًا فَكَانَتْ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُ حَالَ الرِّدَّةِ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ فِي مَالِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَعْقِلُ جِنَايَتَهُ أَحَدٌ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ) أَيْ بَعْدَ الِارْتِدَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَاتَ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ ضَمِنَ الدِّيَةَ) أَيْ اسْتِحْسَانًا ذَكَرَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكِنْ إنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ يَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ) أَيْ قِيَاسًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ) أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ بَعْدَ الِارْتِدَادِ بِحَالٍ لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَصَارَتْ الرِّدَّةُ مُهْدِرَةً لِمَا تُوَلِّدُ مِنْ الْقَطْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَمَّتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ) أَيْ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْحَالَيْنِ مُسْلِمًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ارْتَدَّ مُكَاتَبٌ وَلَحِقَ) أَيْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاكْتَسَبَ مَالًا. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأُخِذَ بِمَالِهِ) أَيْ أَسِيرًا وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ) أَيْ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُرْتَدِّ الْحُرِّ عِنْدَهُمَا مِيرَاثٌ فَكَذَا كَسْبُ الْمُكَاتَبِ وَيُشْكِلُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُرْتَدِّ الْحُرِّ فَيْءٌ عِنْدَهُ فَكَيْفَ كَانَ كَسْبُ الْمُرْتَدِّ الْمُكَاتَبِ مِيرَاثًا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ وَحَلُّهُ أَنَّ كَسْبَ الْمُرْتَدِّ الْحُرِّ لَمَّا كَانَ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ لَمْ تُمْلَكْ أَكْسَابُ الرِّدَّةِ فَكَانَتْ فَيْئًا بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَوْقُوفَةٍ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا يُنَافِيهَا الْمَوْتُ الْحَقِيقِيُّ فَكَذَا لَا يُنَافِيهَا الْمَوْتُ الْحُكْمِيُّ وَهُوَ الرِّدَّةُ وَاللَّحَاقُ فَصَحَّتْ أَكْسَابُهُ فَكَانَتْ أَكْسَابُ الرِّدَّةِ كَأَكْسَابِ الْإِسْلَامِ فَصَارَتْ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ لِمَوْتِهِ حُرًّا لِأَنَّهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَلَدُ الْوَلَدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا وُلِدَ لَهُمَا وَلَدٌ بَعْدَ الْتِحَاقِهِمَا أَمَّا إذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَذَهَبَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِوَلَدٍ لَهُمَا صَغِيرٍ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَالْوَلَدُ فَيْءٌ لِأَنَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ صَارَ مُرْتَدًّا تَبَعًا لِلْأَبَوَيْنِ وَوَلَدُ الْمُرْتَدِّ يَصِيرُ فَيْئًا بِالسَّبْيِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ ذَهَبَ بِهِ وَحْدَهُ وَالْأُمُّ مُسْلِمَةٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ فَيْئًا لِأَنَّ الْوَلَدَ بَقِيَ مُسْلِمًا فَلَا يَصِيرُ فَيْئًا فَيُدْفَعُ إلَى الْأُمِّ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ قَدْ مَاتَتْ مُسْلِمَةً لِأَنَّ إسْلَامَ الْأُمِّ لَا يُرْفَعُ بِالْمَوْتِ بَلْ يَتَقَرَّرُ (قَوْلُهُ وَالْمُرْتَدَّةُ تُسْتَرَقُّ) أَيْ وَالزَّوْجُ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ» الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ «وَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَأَيْت مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» فَيَكُونُ حُجَّةً لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي تَوَقُّفِهِمَا فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا تَبِعَهُمَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ تَبَعًا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ وَلَيْسَ بِمُرْتَدٍّ حَقِيقَةً فَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي الْقَتْلِ حُكْمَ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ وَوَلَدُ الْوَلَدِ يُسْتَرَقُّ وَلَا يُقْتَلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُجْبَرُ رَوَاهَا الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَبَعًا لِجَدِّهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُجْبَرُ لِأَنَّهُ لَوْ أُجْبِرَ إمَّا أَنْ يُجْبَرَ تَبَعًا لِأَبِيهِ وَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ وَالتَّبَعُ لَا يَكُونُ لَهُ تَبَعٌ أَوْ تَبَعًا لِجَدِّهِ وَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْآبَاءِ فِي الدِّينِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْجَدُّ وَلَوْ أُلْحِقَ لَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِآدَمَ وَحَوَّاءَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَلَمْ يُوجَدْ فِي ذُرِّيَّتِهِمَا كَافِرٌ غَيْرُ الْمُرْتَدِّ وَأَصْلُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ أَمْ لَا فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَكُونُ مُسْلِمًا فَإِذَا تَبِعَهُ فِي الْإِسْلَامِ تَبِعَهُ فِي الْإِجْبَارِ عَلَيْهِ أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ فَكَذَا فِي الْإِجْبَارِ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي جُعِلَ الْجَدُّ فِيهَا كَالْأَبِ أَرْبَعَةٌ كُلُّهَا تُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ إذَا كَانَ الْجَدُّ مُوسِرًا فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِ الْحَافِدِ وَالثَّالِثَةُ الْوَصِيَّةُ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى لِأَقْرِبَائِهِ هَلْ يَدْخُلُ الْجَدُّ فِيهَا أَوْ لَا وَالرَّابِعَةُ جَرُّ الْوَلَاءِ وَهُوَ مَا إذَا أُعْتِقَ الْجَدُّ هَلْ يُجَرُّ وَلَاءُ الْحَافِدِ إلَى مَوْلَاهُ أَمْ لَا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَكُونُ الْجَدُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَالْأَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَارْتِدَادُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ كَإِسْلَامِهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ وَلَا إسْلَامُهُ بِإِسْلَامٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَحْكَامٌ يَشُوبُهُ بِهَا ضَرَرٌ كَحِرْمَانِ الْإِرْثِ وَلُزُومِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ الْمُشْرِكَةِ أَوْ الْمُسْلِمَةِ وَامْتِنَاعِ وُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَى أَبَوَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَقَارِبِهِ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا إذْ التَّبَعِيَّةُ دَلِيلُ الْعَجْزِ وَالْأَصَالَةُ دَلِيلُ الْقُدْرَةِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الِارْتِدَادَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ فَلَا يُؤَهَّلُ لَهُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تَمَحَّضَ ضَرَرًا وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ فَإِذَا أَعْرَبَ عَنْهُ لِسَانُهُ فَإِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إيمَانَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ كَانَ آمَنَ صَبِيًّا وَافْتِخَارُهُ بِذَلِكَ مَعْرُوفٌ وَكَانَ يَقُولُ: سَبَقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا ... غُلَامًا مَا بَلَغْت أَوَانَ حُلْمِي وَسُقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَهْرًا ... بِصَارِمِ هِمَّتِي وَسِنَانِ عَزْمِي وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ ابْنَ خَمْسِ سِنِينَ وَذَكَرَ الْقُتَبِيُّ أَنَّ عُمْرَهُ كَانَ سَبْعَ سِنِينَ وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَعُمْرُهُ ثَمَانُ سِنِينَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِالْجَنَانِ وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَكَذَا أَتَى بِحَقِيقَةِ الْكُفْرِ وَهُوَ الْجُحُودُ وَالْإِنْكَارُ وَلَا مَرَدَّ لِلْحَقَائِقِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَنْ طَوْعٍ دَلِيلُ الِاعْتِقَادِ فَلَا سَبِيلَ إلَى رَدِّهِ وَلَا الْحَجْرِ عَنْهُ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا يُحْجَرُ عَنْهَا كَمَا لَا يُحْجَرُ فِي حَقِّ سَائِرِ أَفْعَالِهِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقْتَلُ أَوْ يَسْتَسْلِمُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْتَلُ) أَيْ كَوَلَدِ الْمُسْلِمِ إذَا بَلَغَ وَلَمْ يَصِفْ الْإِسْلَامَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ كَذَا هُنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ أُلْحِقَ لَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِآدَمَ إلَخْ) وَالْمَعْقُولُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحُكْمَ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى كُلِّ الْجِنْسِ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ الْمَقَادِيرِ أَحَقَّ مِنْ بَعْضٍ فَلَزِمَ الْقَصْرُ عَلَى الْأَدْنَى لِتَيَقُّنِهِ وَهُوَ الْأَبُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَابِعًا لِلْجَدِّ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا أُسِرُوا فَيُسْتَرَقُّ أَوْ تُوضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَكُونُ مُسْلِمًا) وَجْهُ مَا رَوَى الْحَسَنُ أَنَّ الْجَدَّ لَهُ حُكْمُ الْأَبِ فِي إنْكَاحِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُمَا الْخِيَارُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَذَلِكَ فِي بَيْعِ مَالِ الصَّغِيرِ فَكَذَا فِي تَبَعِيَّةِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا تَبِعَ الْأَبَ لِأَنَّهُ يَتَفَرَّعُ مِنْهُ فَيَتْبَعُ الْجَدَّ تَبَعًا لِأَنَّهُ تَفَرُّعٌ، وَجْهُ الظَّاهِرِ مَرَّ آنِفًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي جُعِلَ الْجَدُّ فِيهَا كَالْأَبِ) قَالَ فِي الْكَافِي أَرْبَعُ مَسَائِلُ لَمْ يُجْعَلْ الْجَدُّ فِيهَا كَالْأَبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جُعِلَ الْجَدُّ فِيهَا كَالْأَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِ الْحَافِدِ) أَيْ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُؤَدِّي الْجَدُّ الْفُطْرَةَ عَنْ ابْنِ ابْنِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يُؤَدِّيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِابْنِ الِابْنِ مَالٌ كَالْأَبِ لَكِنْ إذَا كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَارْتِدَادُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ كَإِسْلَامِهِ) أَيْ فَلَا يَرِثُ أَبَوَيْهِ إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ) وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي حَجّ غَرِيبُ الرِّوَايَةِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ زُفَرَ فِي ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ إذَا ارْتَدَّ ثُمَّ رَمَى صَيْدًا أَوْ ذَبَحَ أَنَّهُ يُؤْكَلُ وَلَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ اهـ فُصُولٌ اعْلَمْ أَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ إذَا أَسْلَمَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ تَرْتِيبُ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ نَحْوُ الْإِرْثِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحِرْمَانِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُشْرِكِينَ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَةِ فِي حَقِّهِ وَحِلِّ نِكَاحِ الْمُؤْمِنَةِ وَبُطْلَانِ مَالِيَّةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي حَقِّهِ وَعِصْمَةِ دَمِهِ وَمَالِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) ثُمَّ لَمَّا صَحَّ ارْتِدَادُ الصَّبِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَمْ يَرِثْ أَبَوَيْهِ الْمُسْلِمَيْنِ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

[باب البغاة]

الضَّمَانُ بِإِتْلَافِهِ مَالَ الْغَيْرِ شَرْعًا وَفَسَدَ صَوْمُهُ بِأَكْلِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَا يُعْذَرُ فِيهِ لِأَجْلِ صِبَاهُ وَالْحَجْرُ عَنْ الْإِسْلَامِ كُفْرٌ وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِالشَّارِعِ وَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فِي الدُّنْيَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَجَاةٌ سَرْمَدِيَّةٌ وَسَعَادَةٌ أَبَدِيَّةٌ هِيَ مِنْ أَجَلِّ الْمَنَافِعِ وَهُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهِ غَيْرَهُ فَلَا يُبَالِي بِشَوْبِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْحُكْمُ الْمَوْضُوعُ لَهُ لَا مَا يَلْزَمُهُ فِي ضِمْنِهِ وَقَوْلُهُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا إلَخْ قُلْنَا إنَّمَا جُعِلَ تَبَعًا لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ وَفِي اعْتِبَارِ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ مَعَ إبْقَاءِ التَّبَعِيَّةِ تَحْصِيلُ الْمَنْفَعَةِ بِطَرِيقَيْنِ وَذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُضَادَّةٌ وَأَمَّا إذَا تَأَيَّدَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّبَعَ إذَا نَوَى السَّفَرَ كَالْمَرْأَةِ وَنَحْوِهَا صَارَ مُسَافِرًا بِنِيَّتِهِ وَبِنِيَّةِ أَصْلِهِ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ لَوْ صَحَّ إسْلَامُهُ بِنَفْسِهِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فَرْضًا لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الْإِيمَانِ نَفْلًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ. فَإِذَا صَارَ فَرْضًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا وَلَا قَائِلَ بِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَصْحِيحُهُ فَرْضًا لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ مَا إذَا جُعِلَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَنَّ صِفَةَ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْأَصْلِ مُغْنِيَةٌ عَنْ اعْتِبَارِهِ فِي التَّبَعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَقْلُهُ مُعْتَبَرًا لَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ إذَا لَمْ يَحْسُنْ أَنْ يَصِفَ الْإِسْلَامَ كَالْبَالِغِ قُلْنَا إنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ فَإِذَا أَدَّاهُ صَحَّ كَالْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ يُؤَدِّي الْجُمُعَةَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ وَتَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْجُمُعَةُ فَرْضًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لَمْ تَبِنْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْوَصْفَ بَعْدَمَا عَقَلَ لِبَقَاءِ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ وَفِيهِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ يَعْنِي إذَا أَبَى أَنْ يُسْلِمَ بَعْدَمَا ارْتَدَّ لِأَنَّ الْقَتْلَ عُقُوبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْإِجْبَارُ عَلَى الْإِسْلَامِ نَفْعٌ لَهُ فَيُجْبَرُ هَذَا فِي صَبِيٍّ يَعْقِلُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِقَادِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَكَذَا الْمَجْنُونُ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا السَّكْرَانُ فِي الرِّدَّةِ دُونَ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَيُلْحَقُ السَّاحِرُ بِالْمُرْتَدِّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَتَاوَى: السَّاحِرُ هَلْ يُقْتَلُ أَوْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ يُنْظَرُ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ خَالِقٌ لِمَا يَفْعَلُ فَإِنْ تَابَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَتَبَرَّأَ عَمَّا اعْتَقَدَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ كَافِرٌ أَسْلَمَ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ يُقْتَلْ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ إنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي أَتْرُكُ السِّحْرَ وَأَتُوبُ مِنْهُ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ الْآنَ سَاحِرٌ أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ السَّاحِرَةُ تُقْتَلُ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَى نُوَّابِهِ أَنْ اُقْتُلُوا السَّاحِرَ وَالسَّاحِرَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ وَعَنْ جُنْدَبٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ قُلْنَا: الْمَوْقُوفُ فِي مِثْلِهِ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ كَالْمُرْتَدَّةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ ضَرَرَ كُفْرِهَا وَهُوَ السِّحْرُ يَتَعَدَّى فَتَكُونُ سَاعِيَةً فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ وَكَذَلِكَ الزِّنْدِيقُ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ لَهُ تَوْبَةٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ أُتِيَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أَحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (بَابُ الْبُغَاةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (خَرَجَ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَغَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعَوْدِ إلَى الْجَمَاعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فَلَا يُعْذَرُ فِيهِ لِأَجْلِ صِبَاهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ لَمَّا جُعِلَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ حُكْمًا تَبَعًا لَهُمَا فَلَأَنْ يُجْعَلَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ نَفْسِهِ حَقِيقَةً أَوْلَى وَأَحْرَى وَالْأَحْكَامُ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ فَوْزُ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ ثُمَّ إذَا تَرَتَّبَتْ الْأَحْكَامُ عَلَيْهَا لَا يُبَالِي بِهَا لِأَنَّهَا حَصَلَتْ ضِمْنًا وَضِمْنِيَّاتُ الشَّيْءِ لَا تُعَلَّلُ اهـ (فَرْعٌ) رَجُلٌ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ أَسْلَمَ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ قَالَهُ قَاضِي خَانْ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ رَجُلٌ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ تَرَكَهَا فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ قَضَى مَا تَرَكَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مَعْصِيَةٌ وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ وَمَا أَدَّى مِنْ الصَّلَوَاتِ وَالصِّيَامَاتِ فِي إسْلَامِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ تَبْطُلُ طَاعَتُهُ لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُلْحَقُ السَّاحِرُ إلَخْ) السِّحْرُ قَوْلٌ يُعَظِّمُ فِيهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى تُنْسَبُ إلَيْهِ التَّقْدِيرَاتُ وَالتَّأْثِيرَاتُ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الزِّنْدِيقُ إلَخْ) قَالُوا لَوْ جَاءَ الزِّنْدِيقُ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَأَقَرَّ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ فَتَابَ عَنْ ذَلِكَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِنْ أُخِذَ ثُمَّ تَابَ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ لِأَنَّهُمْ بَاطِنِيَّةٌ يُظْهِرُونِ شَيْئًا وَيَعْتَقِدُونَ فِي الْبَاطِنِ خِلَافَ ذَلِكَ فَيُقْتَلُونَ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ كَذَا فِي سِيَرِ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَذْكُورٌ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْكِفَايَةِ. اهـ. [بَابُ الْبُغَاةِ] (بَابُ الْبُغَاةِ) قَدَّمَ أَحْكَامَ قِتَالِ الْكُفَّارِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ وَالْبُغَاةُ جَمْعُ بَاغٍ وَهَذَا الْوَزْنُ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ اسْمِ فَاعِلٍ مُعْتَلِّ اللَّامِ كَغُزَاةٍ وَرُمَاةٍ وَقُضَاةٍ وَالْبَغْيُ فِي اللُّغَةِ الطَّلَبُ بَغَيْت كَذَا أَيْ طَلَبْته قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: 64]. ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي الْعُرْفِ فِي طَلَبِ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَالْبَاغِي فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْخَارِجُ عَلَى الْإِمَامِ الْحَقِّ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَأْخِيرُ هَذَا الْبَابِ لِقِلَّةِ وُجُودِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْبُغَاةِ الْخَوَارِجُ وَلِهَذَا وُسِمَ هَذَا الْبَابُ فِي الْمَبْسُوطِ بِبَابِ الْخَوَارِجِ قَالَ فِي فَصْلِ الْأُسْرُوشَنِي لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَأَهْلُ الْبَغْيِ هُمْ الْخَارِجُونَ عَلَى الْإِمَامِ الْحَقِّ بِغَيْرِ حَقٍّ

(وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ) لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَى أَهْلِ حَرُورَاءَ فَدَعَاهُمْ إلَى التَّوْبَةِ وَنَاظَرَهُمْ قَبْلَ قِتَالِهِمْ وَلِأَنَّهُ تُرْجَى تَوْبَتُهُمْ وَلَعَلَّ الشَّرَّ يَنْدَفِعُ بِالتَّذْكِرَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] وَهُوَ أَهْوَنُ فَيَبْدَأُ بِهِ وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا لِمَاذَا يُقَاتِلُونَ فَصَارُوا كَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ وَلِهَذَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِكُلِّ مَا يُقَاتَلُ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ كَالرَّمْيِ بِالنَّبْلِ وَالْمَنْجَنِيقِ وَإِرْسَالِ الْمَاءِ وَالنَّارِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] فَصَارَ قِتَالُهُمْ كَقِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَدَأَ بِقِتَالِهِمْ) يَعْنِي إذَا تَحَيَّزُوا وَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ وَاجْتَمَعُوا لَهُ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا نَبْدَؤُهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَؤُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ إلَّا دَفْعًا هُمْ مُسْلِمُونَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ فَإِنَّ نَفْسَ الْكُفْرِ مُبِيحٌ عِنْدَهُ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْبِدَايَةِ مِنْهُمْ وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حِدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِّيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحَيُّزِ وَالتَّهَيُّؤِ فَلَوْ انْتَظَرَ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ لَصَارَ ذَرِيعَةً لِتَقْوِيَتِهِمْ فَلَعَلَّهُ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُمْ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى الدَّلِيلَ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ وَلِأَنَّهُمْ بِالْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ صَارُوا عُصَاةً فَجَازَ قِتَالُهُمْ إلَى أَنْ يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ بَلْ وَجَبَ لِمَا تَلَوْنَا، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ فِي الْخَوَارِجِ لَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تُقَاتِلُونَا مَعْنَاهُ حَتَّى تَعْزِمُوا عَلَى قِتَالِنَا بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِالْحَبْسِ بَعْدَ مَا تَأَهَّبُوا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا نُقَاتِلُهُمْ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِأَهْوَنَ مِنْهُ وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ وَاجِبٌ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ شَرُّهُمْ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ لُزُومِ الْبَيْتِ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْإِمَامِ وَأَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيَانُهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى إمَامٍ وَصَارُوا آمَنِينَ بِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ لِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ فَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الظُّلْمَ وَيُنْصِفَهُمْ وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُعِينُوا الْإِمَامَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الظُّلْمِ وَلَا أَنْ يُعِينُوا تِلْكَ الطَّائِفَةَ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً لَهُمْ عَلَى خُرُوجِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ وَلَكِنْ لِدَعْوَى الْحَقِّ وَالْوِلَايَةِ فَقَالُوا الْحَقُّ مَعَنَا فَهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ فَعَلَى كُلِّ مَنْ يَقْوَى عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يَنْصُرَ إمَامَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْخَارِجِينَ لِأَنَّهُمْ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْفِتْنَةُ نَائِمَةٌ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَيْقَظَهَا» فَإِنْ كَانُوا تَكَلَّمُوا بِالْخُرُوجِ لَكِنْ لَمْ يَعْزِمُوا عَلَى الْخُرُوجِ بَعْدُ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُمْ لِأَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ كَذَا ذَكَرَ فِي وَاقِعَاتِ الْإِمَامِ اللَّامِشِيِّ وَذَكَرَ الْقَلَانِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَوْلَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا دَرَيْنَا الْقِتَالَ مَعَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَكَانَ عَلِيٌّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَخَصْمُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَفِي زَمَانِنَا الْحُكْمُ لِلْغَلَبَةِ وَلَا يُدْرَى الْعَادِلَةُ وَالْبَاغِيَةُ كُلُّهُمْ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ اهـ (قَوْلُهُ حَرُورَاءَ) حَرُورَاءُ بِالْمَدِّ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْكُوفَةِ يُنْسَبُ إلَيْهَا فِرْقَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ كَانَ أَوَّلُ اجْتِمَاعِهِمْ بِهَا وَتَعَمَّقُوا فِي الدِّينِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْهُ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ مَعْنَاهُ أَخَارِجَةٌ عَنْ الدِّينِ بِسَبَبِ التَّعَمُّقِ فِي السُّؤَالِ. اهـ. مِصْبَاحٌ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ حَرُورَاءُ اسْمُ قَرْيَةٍ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَهْلُ الْحَرْبِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ) أَيْ لَا تَجِبُ دَعْوَتُهُمْ ثَانِيًا. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا تَحَيَّزُوا) أَيْ انْضَمُّوا. اهـ. (قَوْلُهُ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ) خُوَاهَرْ زَادَهْ هُوَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبُخَارِيُّ وَسُمِّيَ خُوَاهَرْ زَادَهْ لِأَنَّهُ كَانَ ابْنَ أُخْتِ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي ثَابِتٍ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ وَكَانَ خُوَاهَرْ زَادَهْ إمَامًا كَامِلًا فِي الْفِقْهِ بَحْرًا غَزِيرًا صَاحِبَ التَّصَانِيفِ وَمَبْسُوطُهُ أَطْوَلُ الْمَبَاسِيطِ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِيمَا بَلَغَنَا فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَكَانَتْ وَفَاةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ سَنَةَ إحْدَى وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَكَانَتْ وَفَاةُ الْقُدُورِيِّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَبْدَءُوا حَقِيقَةً وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا دَفْعًا وَهُمْ أَيْ الْبُغَاةُ مُسْلِمُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] ثُمَّ قَالَ {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى} [الحجرات: 9] الْآيَةَ اهـ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ) يَعْنِي الْمَقْصُودَ مِنْ قِتَالِ الْبُغَاةِ دَفْعُ شَرِّهِمْ فَإِذَا وُجِدَ دَلِيلُ الشَّرِّ وَهُوَ اجْتِمَاعُهُمْ وَتَعَسْكُرُهُمْ يَجِبُ دَفْعُهُمْ بِالْقِتَالِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ حِلُّ الْقِتَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ) أَيْ دَلِيلِ قِتَالِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَجَازَ قِتَالُهُمْ إلَى أَنْ يُقْلِعُوا) أَيْ يَمْتَنِعُوا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ لُزُومِ الْبَيْتِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْتَزِلَ الْفِتْنَةَ وَيَلْزَمَ بَيْتَهُ وَلَا يَخْرُجَ فِي الْفِتْنَةِ قَالُوا إنَّمَا أَرَادَ أَبُو حَنِيفَةَ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إمَامٌ يَدْعُو إلَى الْقِتَالِ وَإِنْ كَانَ إمَامٌ تَلْزَمُهُمْ إعَانَتُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا مَا قَالَ الْكَرْخِيُّ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ النَّاسُ مُجْتَمَعِينَ عَلَى إمَامٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّاسُ آمِنُونَ وَالسُّبُلُ آمِنَةٌ فَخَرَجَ نَاسٌ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ عَلَى إمَامِ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوا إمَامَ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ لَزِمُوا بُيُوتَهُمْ وَلَمْ يَخْرُجُوا مَعَ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى إمَامِ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ يُعِينُوهُمْ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

إعَانَةُ الْإِمَامِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ الْقُعُودِ عَنْ الْفِتْنَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عَاجِزِينَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ لَهُمْ فِئَةٌ أُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَاتَّبَعَ مُوَلِّيهِمْ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قِتَالِهِمْ دَفْعُ شَرِّهِمْ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إلَى جَمَاعَتِهِمْ فَيَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا وَلَمْ يَحْصُلْ بِذَلِكَ رُجُوعُهُمْ إلَى الْجَمَاعَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ لَا يُجْهِزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا يَتَّبِعُ مُوَلِّيهِمْ لِمَا رُوِيَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ صَرَخَ صَارِخٌ لِعَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ لَا يُقْتَلَنَّ مُدْبِرٌ وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَيَوْمَ الْجَمَلِ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ وَلِأَنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ وَقَدْ انْدَفَعَ بِدُونِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ إلَّا دَفْعًا وَلَا دَفْعَ فِي قَتْلِهِ بَعْدَ مَا تَرَكَ الْقِتَالَ وَنَحْنُ نَقُولُ الْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تُسْبَ ذُرِّيَّتُهُمْ وَحُبِسَ أَمْوَالُهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ الْجَمَلِ لَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ وَهُوَ الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُ لِئَلَّا يَنْفَلِتَ وَيَلْحَقَ بِهِمْ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ لِأَنَّ شَرَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَالْإِسْلَامُ يَمْنَعُ الِاسْتِرْقَاقَ ابْتِدَاءً وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُكْشَفُ سِتْرٌ وَحِينَ طَلَبَ مِنْهُ أَصْحَابُهُ أَنْ يَقْسِمَ النِّسَاءَ بَيْنَهُمْ قَالَ إذَا قُسِمَتْ النِّسَاءُ فَلِمَنْ تَكُونُ عَائِشَةُ فَأَبْهَتَهُمْ بِذَلِكَ وَقَطَعَ شُبْهَتَهُمْ وَلِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ فَتَكُونُ أَمْوَالُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ مَعْصُومَةً بِالْعِصْمَتَيْنِ لِكَوْنِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ احْتَاجَ قَاتَلَ بِسِلَاحِهِمْ وَخَيْلِهِمْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُقَاتِلُ بِهِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَلَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِمَالِهِ بِدُونِ رِضَاهُ وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَسَمَ سِلَاحَهُمْ بِالْبَصْرَةِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَكَانَتْ قِسْمَتُهُ لِلْحَاجَةِ لَا لِلتَّمَلُّكِ بِدَلِيلِ مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا أَنْ لَا يُؤْخَذَ مَالٌ وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِمَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَذَ الدِّرْعَ مِنْ صَفْوَانَ بِغَيْرِ رِضَاهُ» فَمَا ظَنُّك بِمَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ دَفْعُ شَرِّهِمْ وَإِنْ لَمْ يَحْتَاجُوا إلَيْهِ حَبَسَهُ عَنْهُمْ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِمْ تَقْوِيَةً لَهُمْ وَإِعَانَتَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَالْكُرَاعُ يُبَاعُ وَيُحْبَسُ ثَمَنُهُ لِأَنَّ حَبْسَ الثَّمَنِ أَيْسَرُ وَأَحْفَظُ لِلْمَالِيَّةِ فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَزَالَتْ الْفِتْنَةُ رَدَّهَا عَلَيْهِمْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ يُعِينُونَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ فَحُكْمُهُمْ كَحُكْمِ أَهْلِ الْبَغْيِ حَتَّى لَا يَجُوزَ اسْتِرْقَاقُهُمْ وَلَا أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ عَهْدَهُمْ لَمْ يُنْتَقَضْ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَتَلَ بَاغٍ مِثْلَهُ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ) أَيْ إنْ قَتَلَ بَاغٍ بَاغِيًا مِثْلَهُ فِي عَسْكَرِهِمْ عَمْدًا ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِمَنَعَةٍ وَلَا وِلَايَةَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِمْ حَالَةَ الْقَتْلِ فَلَمْ يُوجِبْ وَلَمْ يَنْقَلِبْ مُوجِبًا بَعْدَهُ كَالْقَتْلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ فَقَتَلَ مِصْرِيٌّ مِثْلَهُ فَظَهَرَ عَلَى الْمِصْرِ قُتِلَ بِهِ) يَعْنِي إذَا غَلَبَ الْبُغَاةُ عَلَى مِصْرٍ فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ رَجُلًا مِنْ الْمِصْرِ عَمْدًا ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَجْرِ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ أَحْكَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ بَلْ أَزْعَجَهُمْ الْإِمَامُ الْعَدْلُ قَبْلَ ذَلِكَ عَنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ لِأَنَّ وِلَايَةَ إمَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ تَنْقَطِعْ قَبْلَ أَنْ تَجْرِيَ أَحْكَامُهُمْ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ وَبَعْدَ الْإِجْرَاءِ تَنْقَطِعُ فَلَا يَجِبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَتَلَ عَادِلٌ بَاغِيًا أَوْ قَتَلَهُ بَاغٍ وَقَالَ أَنَا عَلَى حَقٍّ وَرِثَهُ وَإِنْ قَالَ أَنَا عَلَى بَاطِلٍ لَا) أَيْ قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أَوْ قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَقَالَ الْبَاغِي الْقَاتِلُ قَتَلْتُهُ وَأَنَا عَلَى الْحَقِّ وَرِثَهُ وَإِنْ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عَاجِزِينَ) أَيْ إذْ الْعَاجِزُ لَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ. اهـ. (قَوْلُهُ أُجْهِزَ) ضَبَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِلْمَفْعُولِ اهـ (قَوْلُهُ يَوْمَ الْجَمَلِ) وَيَوْمُ الْجَمَلِ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقْعَةُ عَائِشَةَ مَعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمَ الْجَمَلِ لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ يَوْمئِذٍ عَلَى الْجَمَلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَحْنُ نَقُولُ الْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ) أَيْ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ قَوْلُهُ وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ أَيْ لَا تُسْبَى نِسَاؤُهُمْ اهـ (قَوْلُهُ فَتَكُونُ أَمْوَالُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ مَعْصُومَةً بِالْعِصْمَتَيْنِ) أَيْ الْإِسْلَامِ وَالدَّارِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْكُرَاعُ) قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ الْكُرَاعُ الْخَيْلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ قَتَلَ بَاغٍ مِثْلَهُ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا كَانُوا فِي عَسْكَرٍ فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ رَجُلًا مِنْهُمْ عَمْدًا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ أَيْ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ دِيَةٌ وَلَا قِصَاصٌ وَهَذَا لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا يُبَاحُ قَتْلُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَادِلَ إذَا قَتَلَهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّ لِأَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَقْتُلُوهُمْ كَسْرًا لِشَوْكَتِهِمْ فَلَمَّا كَانَ يُبَاحُ قَتْلَهُمْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَلْ أَزْعَجَهُمْ الْإِمَامُ الْعَدْلُ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ أَيْ أَقْلَعَ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ الْمِصْرِ قَبْلَ أَنْ تَجْرِيَ أَحْكَامُهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْإِجْرَاءِ تَنْقَطِعُ فَلَا يَجِبُ) أَيْ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ عَذَابَ الْآخِرَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ قَتَلَ عَادِلٌ بَاغِيًا إلَخْ) وَأَصْلُهُ أَنَّ مَا تَلِفَ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْبَغْيِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ لَكِنْ يَأْثَمُ الْبَاغِي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ يَجِبُ عَلَى الْبَاغِي ضَمَانُ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَفِي الْجَدِيدِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ

قَتَلْتُهُ وَأَنَا عَلَى الْبَاطِلِ لَا يَرِثُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَرِثُ الْبَاغِي فِي الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَرِثُ الْعَادِلُ أَيْضًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ» وَلِهَذَا عِنْدَهُ لَوْ قَتَلَهُ بِحَقٍّ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ لَا يَرِثُ قُلْنَا حِرْمَانُ الْإِرْثِ جَزَاءُ الْجَرِيمَةِ وَلَا جَرِيمَةَ فِي الْقَتْلِ الْوَاجِبِ أَوْ الْجَائِزِ فَلَا يَحْرُمُ وَقَتْلُ الْبَاغِي وَاجِبٌ فَلَا إثْمَ عَلَى الْقَاتِلِ بِقَتْلِهِ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فَكَذَا لَا يَحْرُمُ الْإِرْثُ لِأَنَّ حِرْمَانَهُ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ وَكَذَا الْبَاغِي لَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا أَتْلَفَ عَنْ تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ وَالْفَاسِدُ مِنْهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ إذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ مَنَعَةٌ كَتَأْوِيلِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالْمُرْتَدِّينَ. أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ هَاجَتْ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَافِرُونَ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا يُقَادَ أَحَدٌ وَلَا يُؤْخَذُ بِمَالٍ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلَّا مَنْ وَجَدَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَكَذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَا أَتْلَفَهُ أَهْلُ الرِّدَّةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ ضَمَانُهُ رَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الِالْتِزَامِ وَلَا الْتِزَامَ مِنْهُ لِاعْتِقَادِهِ الْإِبَاحَةَ وَلَا الْتِزَامَ مِنْ الْإِمَامِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ بِمَنَعَتِهِمْ وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَأْوِيلٌ أَوْ مَنَعَةٌ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ بَاقِيَةٌ قَبْلَ الْمَنَعَةِ وَالِالْتِزَامُ مَوْجُودٌ عِنْدَ عَدَمِ التَّأْوِيلِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَنَعَةِ وَالتَّأْوِيلِ لِسُقُوطِ الضَّمَانِ حَتَّى لَوْ تَغَلَّبَ لُصُوصٌ غَيْرُ مُتَأَوِّلِينَ عَلَى مَدِينَةٍ فَقَتَلُوا النَّفْسَ وَأَخَذُوا الْمَالَ أُخِذُوا بِجَمِيعِهِ لِعَدَمِ التَّأْوِيلِ وَكَذَا لَوْ تَغَلَّبَ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ فَأَخَذُوا الْمَالَ وَأَتْلَفُوا النَّفْسَ بِتَأْوِيلٍ أُخِذُوا بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ الْمَنَعَةِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إنَّ الْعَادِلَ إذَا أَتْلَفَ نَفْسَ الْبَاغِي أَوْ مَالَهُ لَا يَضْمَنُ وَلَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقِتَالِهِمْ دَفْعًا لِشَرِّهِمْ وَالْبَاغِي إذَا قَتَلَ الْعَادِلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَنَا وَيَأْثَمُ لِأَنَّهُ لَا مَنَعَةَ فِي حَقِّ الشَّارِعِ وَكَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَصَابُوا مِنْ دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا إذَا كَانَ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَكَذَا أَهْلُ الْعَدْلِ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَصَابُوا مِنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ مَا أَتْلَفُوا دَفْعًا لِقِتَالِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَالْعَادِلُ إذَا أَتْلَفَ عَادِلًا عَبْدًا أَوْ حُرًّا أَوْ مَالَهُ دَفْعًا لِقِتَالِهِ لَا يَضْمَنُ فَالْبَاغِي أَوْلَى وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا تَابُوا أُفْتِيهِمْ أَنْ يَغْرَمُوا وَلَا أُجْبِرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوا بِغَيْرِ حَقٍّ فَبِسُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْمُحِيطِ: الْعَادِلُ إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْبَاغِي يُؤْخَذُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّ مَالَ الْبَاغِي مَعْصُومٌ فِي حَقِّنَا وَأَمْكَنَ إلْزَامُ الضَّمَانِ فَكَانَ فِي إيجَابِهِ فَائِدَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفُوا مَالَ الْعَادِلِ فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْبَدَائِعِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَتْلَفَهُ حَالَةَ الْقِتَالِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ إلَّا بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِمْ كَالْخَيْلِ وَالْقُمَاشِ الَّذِي عَلَيْهِمْ وَعِنْدَ إرْسَالِ الْمَاءِ وَالنَّارِ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا إذَا أَتْلَفُوهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِ الضَّمَانِ لِأَنَّ مَالَهُمْ مَعْصُومٌ وَاعْتِقَادَ الْحُرْمَةِ مَوْجُودٌ فَلَا مَانِعَ مِنْ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَالْإِثْمِ ثُمَّ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ فِي قَتْلِ الْبَاغِي لِلْعَادِلِ إنَّهُ قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْإِرْثِ كَقَتْلِ الْخَاطِئِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَأْثَمُ وَالْخَاطِئُ لَا يَأْثَمُ بِالْقَتْلِ وَالتَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ يُلْحَقُ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ دَفْعِ الضَّمَانِ وَالْحَاجَةُ هُنَا إلَى اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ لَا إلَى الدَّفْعِ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا قَتْلٌ حَصَلَ بِتَأْوِيلٍ صَحِيحٍ عِنْدَ الْقَاتِلِ لِانْضِمَامِهِ إلَى الْمَنَعَةِ وَإِنْ كَانَ هَذَا التَّأْوِيلُ فَاسِدًا فِي نَفْسِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الضَّمَانُ فَكَذَا لَا يُوجِبُ الْحِرْمَانَ وَقَوْلُهُ وَالْحَاجَةُ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ هُنَا لَا إلَى الدَّفْعِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ الْحَاجَةُ هُنَا إلَى دَفْعِ الْحِرْمَانِ لِأَنَّ الْإِرْثَ يُسْتَحَقُّ بِسَبَبِهِ كَالنَّسَبِ أَوْ السَّبَبِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فَيَرِثُ بِهِ وَيَدْفَعُ الْحِرْمَانَ الَّذِي ثَبَتَ جَزَاءً عَلَى فِعْلِهِ بِتَأْوِيلِهِ الْفَاسِدِ بِشَرْطِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُصِرًّا لِيَكُونَ صَحِيحًا عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْمُخْطِئِ فَإِنَّ الْخَطَأَ لَا يَدْفَعُ جَزَاءَ فِعْلِهِ فِي الدُّنْيَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَالْبَاغِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ قَلْعُ سِلَاحِهِمْ بِمَا أَمْكَنَ حَتَّى لَا يَسْتَعْمِلُوهُ فِي الْفِتْنَةِ فَالْمَنْعُ أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهُ مِنْهُمْ لَا) أَيْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ لَا يُكْرَهُ الْبَيْعُ لَهُ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَعَلَى الْغَالِبِ تُبْنَى الْأَحْكَامُ دُونَ النَّادِرِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ بَيْعُ نَفْسِ السِّلَاحِ دُونَ مَا لَا يُقَاتِلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ كَالْحَدِيدِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَرِثُ الْبَاغِي فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ الْبَاغِيَ حَيْثُ لَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقٍّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي الْعَادِلَ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ مَا نَصُّهُ أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ كُنْت عَلَى حَقٍّ وَفِيمَا إذَا قَالَ كُنْت عَلَى بَاطِلٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا قَتْلٌ حَصَلَ بِتَأْوِيلٍ صَحِيحٍ إلَخْ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إنَّ التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ جُعِلَ كَالصَّحِيحِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ بِهِ الضَّمَانُ لَا دِيَةٌ وَلَا قِصَاصٌ وَلَا كَفَّارَةٌ فَلَا يَجِبُ الْحِرْمَانُ أَيْضًا وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ مَوْجُودٌ فَاعْتُبِرَ تَأْوِيلُهُ فِي حَقِّ دَفْعِ الضَّمَانِ فَيُعْتَبَرُ فِي دَفْعِ الْحِرْمَانِ عَنْ الْإِرْثِ أَيْضًا لَكِنْ شَرْطُ الْإِرْثِ أَنْ يَكُونَ مُصِرًّا عَلَى دَعْوَاهُ فَإِذَا رَجَعَ فَقَدْ بَطَلَتْ دِيَانَتُهُ فَلَا إرْثَ كَمَا إذَا قَالَ كُنْت عَلَى الْبَاطِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فُرُوعٌ) وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِرُءُوسِ الْبُغَاةِ أَوْ الْحَرْبِيِّ إلَى الْآفَاقِ إلَّا إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ وَهْنٌ لَهُمْ فَلَا بَأْسَ بِهِ ثُمَّ قَتْلَى أَهْلِ الْعَدْلِ شُهَدَاءُ يُفْعَلُ بِهِمْ كَمَا يُفْعَلُ بِالشُّهَدَاءِ يُكَفَّنُونَ فِي ثِيَابِهِمْ وَلَا يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ أَوْ لَا هُوَ الصَّحِيحُ وَلَكِنْ يُغَسَّلُونَ وَيُكَفَّنُونَ اهـ شَرْحُ هِدَايَةٍ لِلْعَيْنِيِّ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ بِعَلَامَةِ الْوَاوِ حَمْلُ رُءُوسِ الْكُفَّارِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَكْرُوهٌ لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ اهـ

[كتاب اللقيط]

تَقَعُ بِعَيْنِ السِّلَاحِ بِخِلَافِ الْحَدِيدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَصِيرَ وَالْخَشَبَ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الْمَعَازِفُ لَا يُكْرَهُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لَا مَعْصِيَةَ فِي عَيْنِهَا وَكَذَا لَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالدِّيكِ الْمُقَاتِلِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنُهَا مُنْكَرًا وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ فِي اسْتِعْمَالِهِ الْمَحْظُورِ ثُمَّ ذَكَرُوا أَنَّ الْحَدِيدَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَجَازُوهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الْفَرْقِ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ لَا يَتَفَرَّغُونَ لِاسْتِعْمَالِ الْحَدِيدِ سِلَاحًا لِأَنَّ فَسَادَهُمْ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِالتَّوْبَةِ أَوْ بِتَفْرِيقِ جَمْعِهِمْ بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ [كِتَابُ اللَّقِيطِ] (كِتَابُ اللَّقِيطِ) اللَّقِيطُ اسْمٌ لِشَيْءٍ مَنْبُوذٍ فِي اللُّغَةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْقَتِيلِ وَالْجَرِيحِ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ اسْمٌ لِمَوْلُودٍ حَيٍّ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ التُّهْمَةِ سُمِّيَ بِهِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ يُلْقَطُ وَهُوَ مِنْ بَابِ وَصْفِ الشَّيْءِ بِالصِّفَةِ الْمُشَارِفَةِ كَقَوْلِهِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (نُدِبَ الْتِقَاطُهُ وَوَجَبَ إنْ خَافَ الضَّيَاعَ) لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ النَّفْسِ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] وَفِي رَفْعِهِ إظْهَارُ الشَّفَقَةِ عَلَى الْأَطْفَالِ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَلِهَذَا قِيلَ مُحْرِزُهُ غَانِمٌ وَمُضَيِّعُهُ آثِمٌ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا» ثُمَّ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ إنْ كَانَ فِي غَالِبِ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَا يَهْلِكُ بِأَنْ وَجَدَهُ فِي الْمِصْرِ كَمَا بَيَّنَّا وَمَفْرُوضٌ عَلَيْهِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهُ بِأَنْ وَجَدَهُ فِي مَفَازَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَهَالِكِ صِيَانَةً لَهُ وَدَفْعًا لِلْهَلَاكِ عَنْهُ كَمَنْ رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهِ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ مِنْ الْوُقُوعِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ وَهُوَ صِيَانَتُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ حُرٌّ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي بَنِي آدَمَ إذْ هُمْ أَوْلَادُ حَوَّاءَ وَآدَمَ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ حَتَّى يُوجَدَ مَا يُغَيِّرُهُ وَلِأَنَّ الدَّارَ دَارُ الْإِسْلَامِ فَمَنْ كَانَ فِيهَا يَكُونُ حُرًّا بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ إذْ هُوَ الظَّاهِرُ وَالْغَالِبُ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى أَنَّ قَاذِفَهُ يُحَدُّ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُ أُمِّهِ لِوُجُودِ وَلَدٍ مِنْهَا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلِأَنَّهُ عَاجِزٌ مُحْتَاجٌ لَا مَالَ لَهُ وَلَا قَرِيبَ وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِلصَّرْفِ إلَى مِثْلِهِ فَصَارَ كَالْمَقْعَدِ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَلَا قَرِيبَ وَلِأَنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَتَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنْهُ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَلِهَذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ فِيهِ وَقَدْ بَيَّنَّا النَّوْعَ الَّذِي يُسْتَحَقُّ فِيهِ النَّفَقَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْجِزْيَةِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُلْتَقِطُ مِنْ مَالِهِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ عَلَى اللَّقِيطِ بِهَا لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَيْهِ فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ ثُمَّ مُجَرَّدُ أَمْرِ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ يَكْفِي لِلرُّجُوعِ عَلَى اللَّقِيطِ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ كَمَا إذَا قَضَى دَيْنَا عَلَى شَخْصٍ بِأَمْرِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَفِي الْأَصَحِّ لَا يَرْجِعُ عَلَى اللَّقِيطِ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ إلَّا إذَا صَرَّحَ لَهُ بِأَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ قَدْ يَكُونُ لِلْحَثِّ وَالتَّرْغِيبِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالِاحْتِمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَإِرْثِهِ وَجِنَايَتِهِ) أَيْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( كِتَابُ اللَّقِيطِ) عَقَّبَ اللَّقِيطَ وَاللُّقَطَةَ بِالْجِهَادِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ عَرْضِيَّةِ الْفَوَاتِ لِلْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَقَدَّمَ اللَّقِيطَ عَلَى اللُّقَطَةِ لِمَا أَنَّ ذِكْرَ النَّفْسِ مُقَدَّمٌ. اهـ. دِرَايَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ذَكَرَ اللَّقِيطَ وَاللُّقَطَةَ بَعْدَ السِّيَرِ لِمَا أَنَّ النُّفُوسَ وَالْأَمْوَالَ فِي الْجِهَادِ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ فَكَذَلِكَ اللَّقِيطُ وَاللُّقَطَةُ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ وَقَدَّمَ اللَّقِيطَ عَلَى اللُّقَطَةِ لِكَوْنِ النَّفْسِ أَعَزُّ مِنْ الْمَالِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ السِّيَرَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ فِي الْجِهَادِ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِخْلَاءَ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ الَّذِي هُوَ رَأْسُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ وَهُوَ الْكُفْرُ وَالْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] أَوْ فَرْضُ عَيْنٍ إذَا كَانَ النَّفِيرُ عَامًّا وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الِالْتِقَاطَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ يَجِبُ الِالْتِقَاطُ إذَا خِيفَ الضَّيَاعُ عَلَى اللَّقِيطِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَرْتَبَةَ الْفَرْضِ أَقْوَى فَكَانَ تَقْدِيمُهُ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ) أَوْ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ كَأَنَّهُ يَدْعُو صَاحِبَهُ إلَى لَقْطِهِ كَمَا يُقَالُ نَاقَةٌ حَلُوبٌ إذَا كَانَتْ كَثِيرَةَ اللَّبَنِ كَأَنَّهَا تَدْعُو صَاحِبَهَا إلَى الْحَلْبِ وَكَاللُّقَطَةِ عَلَى مَا يَأْتِيَك. اهـ. مُشْكِلَاتٌ خُوَاهَرْ زَادَهْ (قَوْلُهُ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ اسْمٌ لِمَوْلُودٍ حَيٍّ طَرَحَهُ أَهْلُهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي الشَّرِيعَةِ اسْمٌ لِمَا يُوجَدُ مَطْرُوحًا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ صِغَارِ بَنِي آدَمَ وَاللُّقَطَةُ اسْمٌ لِمَا يُوجَدُ مَطْرُوحًا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْأَمْوَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَوَجَبَ) أَيْ فَرْضٌ لِمَا سَيَجِيءُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهُوَ حُرٌّ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ عَبْدًا. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ كَمَا يَأْتِي اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ لِمَا رُوِيَ فِي الْأَصْلِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ اللَّقِيطُ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ وَعَقْلُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَعَنْ عُمَرَ مِثْلُهُ وَعَنْ شُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ مِثْلُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُ أُمِّهِ) أَيْ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ حُرِّيَّتَهَا وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ مَعَ احْتِمَالِ السُّقُوطِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ إلَخْ) وَحُكْمُ مَا إذَا قَتَلَ اللَّقِيطَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً يُنْظَرُ قُبَيْلَ بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَعَ اللَّقِيطِ مَالٌ أَوْ دَابَّةٌ فَهُوَ لَهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ وَمَا فِي يَدِهِ فَهُوَ لَهُ بِظَاهِرِ يَدِهِ كَذَا ذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَسَيَجِيءُ هَذَا مَتْنًا وَشَرْحًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ) أَيْ إذَا كَبِرَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ) أَيْ مُحْتَمِلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ قَدْ يَكُونُ لِلْحَثِّ وَالتَّرْغِيبِ) أَيْ فِي إتْمَامِ مَا شَرَعَ

إرْثُهُ لَهُ وَجِنَايَتُهُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ أَحَدٌ) أَيْ لَا يَأْخُذُ اللَّقِيطَ أَحَدٌ مِنْ الْمُلْتَقِطِ لِأَنَّ يَدَهُ سَبَقَتْ إلَيْهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِحِفْظِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَوْ دَفَعَهُ هُوَ إلَى غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ وَلَوْ دَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي فَلَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَلَدُهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ لِتَكُونَ مُؤْنَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَقِيطٌ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ اهـ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ بِالِالْتِقَاطِ الْتَزَمَ حِفْظَهُ وَتَرْبِيَتَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ إنْ شَاءَ كَالْوَصِيِّ إذَا أَرَادَ عَزْلَ نَفْسِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ وَاحِدٍ) يَعْنِي إذَا ادَّعَاهُ وَلَمْ يَدَّعِهِ الْمُلْتَقِطُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُلْتَقِطِ فِي الْيَدِ وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَتَشَرَّفُ بِالنَّسَبِ وَيُعَيَّرُ بِعَدَمِهِ وَالْمُلْتَقِطُ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ ثُمَّ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَحَقَّ بِحِفْظِ وَلَدِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا وَقِيلَ يَصِحُّ فِي حَقِّ النَّسَبِ دُونَ إبْطَالِ الْيَدِ لِلْمُلْتَقِطِ لِأَنَّ يَدَهُ تَثْبُتُ فِي وَقْتٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِهَا وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا هَذَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُلْتَقِطُ مَعَهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ فَدَعْوَةُ الْمُلْتَقِطِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَةُ الْمُلْتَقِطِ أَصْلًا لِأَنَّهُ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ بِدَعْوَاهُ أَنَّهُ ابْنُهُ بَعْدَمَا أَقَرَّ أَنَّهُ لَقِيطٌ وَلِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ يَلْزَمُ اللَّقِيطَ حُكْمُ النَّسَبِ وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَصِحُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَهُ وَيَكْتَسِبَ لَهُ مَا يَنْفَعُهُ وَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْإِنْسَانِ وَلَدُهُ الصَّغِيرُ ثُمَّ يَعْرِفُهُ وَالتَّنَاقُضُ فِيمَا يَخْفَى لَا يَمْنَعُ الْقَبُولَ كَالْمُلَاعِنِ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَقِيلَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ يَدِ أَحَدٍ وَالنَّسَبُ يَنْفَعُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ دَعْوَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ كَدَعْوَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ اخْتَلَفَ وَجْهُ الْقِيَاسِ فِيهِمَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنْ اثْنَيْنِ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ اثْنَيْنِ أَيْضًا كَمَا يَثْبُتُ مِنْ وَاحِدٍ وَذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِأَحَدِهِمَا مِنْ يَدٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ ذِكْرِ عَلَامَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ مِنْ التَّبَرُّعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَقَدْ يَكُونُ لِلرُّجُوعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجِنَايَتُهُ فِيهِ) أَيْ لَوْ جَنَى اللَّقِيطُ جِنَايَةً خَطَأً عَلَى إنْسَانٍ تَكُونُ دِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَ أَحَقَّ) أَيْ كَمَا فِي سَائِرِ الْمُبَاحَاتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ إنْ شَاءَ كَالْوَصِيِّ إلَخْ) فَإِنْ مَاتَ اللَّقِيطُ وَتَرَكَ مِيرَاثًا أَوْ لَا فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ ابْنُهُ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ اسْتِحْسَانًا أَيْضًا لِأَنَّ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ إنَّمَا صَحَّتْ دَعْوَتُهُ النَّسَبَ لِأَنَّ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ النَّسَبُ وَبِالْمَوْتِ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ بَقِيَ كَلَامُهُ فِي دَعْوَى الْمِيرَاثِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ إلَّا بِحُجَّةٍ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا ادَّعَاهُ) أَيْ مُدَّعٍ أَنَّهُ ابْنُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَمْ يَدَّعِهِ الْمُلْتَقِطُ) يَعْنِي سَابِقًا عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي أَوْ مُقَارِنًا أَمَّا إذَا ادَّعَيَاهُ عَلَى التَّعَاقُبِ فَالسَّابِقُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ وَالْخَارِجِ أَوْلَى وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا فَالْمُلْتَقِطُ أَوْلَى وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا وَالْخَارِجُ مُسْلِمًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى وَلِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَكَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى وَهُوَ الذِّمِّيُّ وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ ثُمَّ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْخَارِجِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَثْبُتَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقٍّ ثَابِتٍ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَهُوَ حَقُّ الْحِفْظِ الثَّابِتِ لِلْمُلْتَقِطِ وَحَقُّ الْوَلَاءِ الثَّابِتِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إقْرَارٌ لِلصَّبِيِّ بِمَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّهُ يَتَشَرَّفُ بِالنَّسَبِ وَيَتَأَذَّى بِانْقِطَاعِهِ إذْ يُعَيَّرُ بِهِ وَيَحْصُلُ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ رَاغِبًا فِي ذَلِكَ غَيْرَ مُمْتَنٍّ بِهِ وَيَدُ الْمُلْتَقِطِ مَا اُعْتُبِرَتْ إلَّا لِحُصُولِ مَصْلَحَتِهِ هَذِهِ لَا لِذَاتِهَا وَلَا لِاسْتِحْقَاقِ مِلْكٍ وَهَذَا مَعَ زِيَادَةِ مَا ذَكَرْنَا حَاصِلٌ بِهَذِهِ الدَّعْوَى فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَثْبُتُ بُطْلَانُ يَدِ الْمُلْتَقِطِ ضِمْنًا مُرَتَّبًا عَلَى وُجُوبِ اتِّصَالِ هَذَا النَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْأَبَ أَحَقُّ بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَصَارَ كَشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ تَصِحُّ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ وَلَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً لَمْ يَصِحَّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يَذْكُرُونَ غَيْرَ هَذَا وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ عِنْدَ الْبَعْضِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُدَّعِي وَيَكُونُ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ مَنْفَعَتَيْ الْوَلَدِ وَالْمُلْتَقِطِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ) أَيْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُعَيَّرُ) أَيْ يُذَمُّ. اهـ. (قَوْلُهُ هَذَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُلْتَقِطُ مَعَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا لَمْ يَدَّعِهِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فَهُوَ ابْنُ الْمُدَّعِي سَوَاءٌ صَدَّقَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ أَوْ كَذَّبَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ فَدَعْوَةُ الْمُلْتَقِطِ أَوْلَى) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ سَبَقَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ أَوْ الْخَارِجُ فَهُوَ لِلْمُدَّعِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ فَيَكُونُ ابْنَ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ دُونَ الْمُدَّعِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَسَيَأْتِي هَذَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُسْلِمًا) أَيْ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي يَدِ ذِمِّيٍّ يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ ابْنُهُ قَضَى لِلذِّمِّيِّ بِحُكْمِ يَدِهِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي لِلَّقِيطِ خَارِجَيْنِ وَأَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ ذِمِّيٌّ وَأَقَامَا بَيِّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْضِي لِلْمُسْلِمِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْإِنْسَانِ وَلَدُهُ الصَّغِيرُ) أَيْ وَيَظُنُّ أَنَّهُ لَقِيطٌ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَرُبَّمَا يَكُونُ الصَّبِيُّ مَنْبُوذًا لِبَعْضِ الْحَوَادِثِ فَيَظُنُّ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهُ لَقِيطٌ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ وَلَدُهُ فَلَا تَنَاقُضَ إذًا اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ وَجْهُ الْقِيَاسِ فِيهِمَا) أَيْ فَإِنَّ وَجْهَ الْقِيَاسِ فِي الْخَارِجِ اسْتِلْزَامُهُ إبْطَالَ حَقٍّ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى وَهُنَا هُوَ اسْتِلْزَامُهُ التَّنَاقُضَ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى أَنَّهُ لَقَطَهُ كَانَ نَافِيًا نَسَبَهُ فَلَمَّا ادَّعَاهُ تَنَاقَضَ. اهـ. (قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ اثْنَيْنِ أَيْضًا) أَيْ فَإِنْ ادَّعَاهُ أَكْثَرُ مِنْ رَجُلَيْنِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُسْمَعُ مِنْ خَمْسَةٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَا يُسْمَعُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُسْمَعُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَا يُسْمَعُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ اهـ

فَيَكُونُ ابْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النَّسَبِ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ اثْنَيْنِ أَيْضًا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْحُجَّةِ عِنْدَنَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً بِهِ) أَيْ بِالْوَلَدِ (فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) لِأَنَّ ذِكْرَ الْعَلَامَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَهُ فَيَتَرَجَّحُ بِهَا بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ حَيْثُ لَا يَتَرَجَّحُ صَاحِبُ الْعَلَامَةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِيهَا لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي اللَّقِيطِ وَهُوَ الدَّعْوَى دُونَ اللُّقَطَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ انْفَرَدَ بِهَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ فِي اللَّقِيطِ وَاعْتِبَارُ الْعَلَامَةِ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} [يوسف: 26] الْآيَةَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: 273] وَإِنْ وَافَقَ بَعْضَ الْعَلَامَةِ وَخَالَفَ الْبَعْضَ سَقَطَ التَّرْجِيحُ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بِالِاعْتِبَارِ وَلَوْ سَبَقَتْ دَعْوَةُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ ابْنُهُ لِعَدَمِ النِّزَاعِ وَلَوْ ادَّعَى الْآخَرُ بَعْدَهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَتَانِ قَضَى بِهِ لَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقْضِي لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ الْوِلَادَةِ وَهُوَ مُحَالٌ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنْ ذِمِّيٍّ وَهُوَ مُسْلِمٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ ذِمِّيٍّ إذَا ادَّعَاهُ وَيَكُونُ اللَّقِيطُ مُسْلِمًا إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي مَكَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ تَتَضَمَّنُ النَّسَبَ وَهُوَ نَفْعٌ لَهُ وَإِبْطَالُ الْإِسْلَامِ الثَّابِتِ بِالدَّارِ يَضُرُّهُ فَصَحَّتْ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ ابْنًا لَهُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَتُهُ لِأَنَّهُ حُكِمَ لَهُ بِالْإِسْلَامِ فَلَوْ جُعِلَ ابْنًا لَهُ صَارَ تَبَعًا لَهُ فِي الدِّينِ وَهُوَ يَضُرُّهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّاهُ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمَكَانُ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ كَالْمَسْجِدِ أَوْ الْقَرْيَةِ أَوْ الْمِصْرِ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ مُسْلِمًا وَالثَّانِي أَنْ يَجِدَهُ كَافِرٌ فِي مَكَانِ أَهْلِ الْكُفْرِ كَالْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَقَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُمْ فَيَكُونُ كَافِرًا وَالثَّالِثُ أَنْ يَجِدَهُ كَافِرٌ فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ وَالرَّابِعُ أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَكَانِ الْكَافِرِينَ فَفِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فَفِي كِتَابِ اللَّقِيطِ الْعِبْرَةُ لِلْمَكَانِ لِسَبْقِهِ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَضَعُ وَلَدَهُ فِي الْبِيعَةِ وَلَا الْكَافِرُ فِي الْمَسَاجِدِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعِبْرَةُ لِلْوَاجِدِ لِقُوَّةِ الْيَدِ أَلَا تَرَى أَنْ تَبَعِيَّةَ الْأَبَوَيْنِ فَوْقَ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ حَتَّى إذَا سُبِيَ الصَّغِيرُ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ يُعْتَبَرُ كَافِرًا فَكَذَا هَذَا مَعَ يَدِ الْوَاجِدِ لَا يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ لِأَنَّهُ كَالْأَبِ فِي حَقِّهِ لِقِيَامِهِ بِتَرْبِيَتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ أَيُّهُمَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَدَائِعُ وَكَذَا فِي شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ وَالْكَمَالِ بِمَعْنَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً بِهِ) أَيْ إذَا ادَّعَاهُ اثْنَانِ وَوَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فِي جَسَدِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا إذَا ادَّعَى نَسَبَ الْوَلَدِ رَجُلَانِ خَارِجَانِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا ذَا الْيَدِ كَانَ هُوَ أَوْلَى بِهِ إلَّا إذَا أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَوْ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ أَنَّهُ ابْنُهُمَا فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهِ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قَضَى لَهُ وَلَوْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ قَضَى لَهُمَا وَلَوْ لَمْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا وَصَفَ بِجَسَدِهِ عَلَامَاتٍ فَأَصَابَ وَالْآخَرُ لَمْ يَصِفْ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ ابْنَ الْوَاصِفِ وَلَوْ لَمْ يَصِفْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يُجْعَلُ ابْنَهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَلَامَةَ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُرَجِّحَةً كَمَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَأَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ كَانَ ابْنًا لِلْمُسْلِمِ وَلَوْ لَمْ يَصِفْ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً كَانَ ابْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الدَّعْوَى. وَكَذَا لَوْ أَقَامَا وَهُمَا مُسْلِمَانِ وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَى أَحَدِهِمَا سَابِقَةً عَلَى الْآخَرِ كَانَ ابْنَهُ وَلَوْ وَصَفَ الثَّانِي عَلَامَةً لِثُبُوتِهِ فِي وَقْتٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ وَإِنَّمَا قُدِّمَ ذُو الْعَلَامَةِ لِلتَّرْجِيحِ بِهَا بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبَيْ الِاسْتِحْقَاقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ خَارِجَانِ مَعًا وَوَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فِي جَسَدِهِ فَطَابَقَ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ فَيُقَدَّمُ عَلَى ذِي الْعَلَامَةِ أَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَذُو الْعَلَامَةِ ذِمِّيٌّ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَتَانِ قُضِيَ بِهِ لَهُمَا إلَخْ) وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَتَانِ اللَّقِيطَ أَنَّهُ وَلَدُهُمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ عَلَى حِدَةٍ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ مِنْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِيرُ وَلَدَهُمَا مِنْ الرَّجُلَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَا لَا يَصِيرُ وَلَدَهُمَا وَلَا وَلَدَ الرَّجُلَيْنِ. اهـ. قَاضِي خَانْ وَلَوْ ادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ أَنَّهُ ابْنُهَا فَإِنْ صَدَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ شَهِدَتْ لَهَا الْقَابِلَةُ أَوْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً صَحَّتْ دَعْوَاهَا وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُقْضَى لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) أَيْ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُحَالٌ مِنْهُمَا) أَيْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جُعِلَ مَجَازًا عَنْ دَعْوَى الْإِرْثِ وَالتَّرْبِيَةِ وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ كَمَا فِي حَقِّ الرَّجُلَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ ذِمِّيٍّ وَهُوَ مُسْلِمٌ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ ابْنُ الذِّمِّيِّ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَيَجِبُ أَنْ يُنْزَعَ مِنْ يَدِهِ إذَا قَارَبَ أَنْ يَعْقِلَ الْأَدْيَانَ كَمَا قُلْنَا فِي الْحَضَانَةِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ الْمُطَلَّقَةُ كَافِرَةً. اهـ. (قَوْلُهُ فَفِي كِتَابِ اللَّقِيطِ الْعِبْرَةُ لِلْمَكَانِ لِسَبْقِهِ) أَيْ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعِبْرَةُ لِلْوَاجِدِ) أَيْ كَالْمُبَاحَاتِ الَّتِي تُسْتَحَقُّ بِسَبْقِ الْيَدِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَبَوَيْنِ فَوْقَ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ) أَيْ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبَوَيْنِ جُزْئِيَّةً وَلَا جُزَيْئَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ) أَيْ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَفِي كِتَابِ الدَّعْوَى اخْتَلَفَتْ النُّسَخُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ اُعْتُبِرَ الْوَاجِدُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ أَيْ نُسَخِ كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ الْمَبْسُوطِ اُعْتُبِرَ الْإِسْلَامُ أَيْ مَا يَصِيرُ الْوَلَدُ بِهِ مُسْلِمًا نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ عَنْ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا لَوْ وَجَدَهُ كَافِرٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ مُسْلِمٌ فِي كَنِيسَةٍ كَانَ مُسْلِمًا فَصَارَتْ الصُّوَرُ أَرْبَعًا اتِّفَاقِيَّتَانِ وَهُوَ مَا إذَا وَجَدَهُ مُسْلِمٌ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ

مُوجِبًا لِإِسْلَامِهِ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى وَهُوَ أَنْفَعُ لَهُ أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ يُحَكَّمُ زِيُّهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْكَفَرَةِ نَحْوُ الصَّلِيبِ وَالزُّنَّارِ فَهُوَ كَافِرٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنْ عَبْدٍ وَهُوَ حُرٌّ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ عَبْدٍ إذَا ادَّعَاهُ وَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُ تَمَحَّضَ مَنْفَعَةٍ فِي حَقِّهِ وَهُوَ لَا يَتْبَعُهُ فِي الرِّقِّ وَإِنَّمَا يَتْبَعُ أُمَّهُ وَقَدْ تَلِدُ حُرَّةً فَيَكُونُ وَلَدُهُ حُرًّا فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ الثَّابِتَةُ بِالدَّارِ بِالْوَهْمِ وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ هُوَ وَلَدِي مِنْ زَوْجَتِي وَهِيَ أَمَةٌ فَصَدَّقَهُ مَوْلَاهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَيَكُونُ حُرًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ حُرٌّ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ بِتَصَادُقِ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ عَبْدًا لِسَيِّدِهَا لِأَنَّ الْأَمَةَ أُمُّهُ فَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهَا ثَبَتَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ وَهُوَ الرِّقُّ إذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلُودُ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ حُرًّا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا قُلْنَا لَا يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ عِتْقُهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَبَعْدَهُ فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ الثَّابِتَةُ بِالدَّارِ بِالشَّكِّ وَالْحُرُّ فِي دَعْوَةِ اللَّقِيطِ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ وَلَوْ ادَّعَاهُ حُرَّانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْحُرَّةِ وَالْآخَرُ مِنْ الْأَمَةِ فَاَلَّذِي يَدَّعِي مِنْ الْحُرَّةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِكَوْنِهِ يُثْبِتُ جَمِيعَ أَحْكَامِ النَّسَبِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ سُرِّيَّةً لَهُ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْأَحْكَامَ مِنْ جَانِبٍ وَالْآخَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ أَوْلَى وَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ مِنْ الذِّمِّيِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ إذَا كَانَ حُرًّا وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَالذِّمِّيُّ أَوْلَى لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْإِسْلَامِ يَكُونُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَلَا اسْتِوَاءَ وَكَذَا الْعَبْدُ لَا يَتَرَجَّحُ بِالْيَدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُرَقُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ بِالدَّارِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ مُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ بِالدَّارِ أَوْ بِالْيَدِ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الْكُفَّارِ إلَّا إذَا اُعْتُبِرَ كَافِرًا بِوُجُودِهِ فِي مَوْضِعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْخَصْمُ فِيهِ هُوَ الْمُلْتَقِطُ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ عَنْهُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِحِفْظِهِ فَيُقِيمُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ لِيَتَوَصَّلَ إلَى حَقِّهِ وَكَذَا إذَا صَدَّقَهُ اللَّقِيطُ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا يُسْمَعُ تَصْدِيقُهُ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهِ نَفْسَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْحُرِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ صَغِيرًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَبْدًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرَكْ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ كَاَلَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ لَا بِتَصْدِيقِهِ وَلِهَذَا لَوْ سَكَتَ يَكُونُ عَبْدًا لَهُ لَكِنْ إذَا رَدَّ لَا يَصِحُّ لِقِيَامِ يَدِهِ مِنْ وَجْهٍ وَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا أُجْرِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْرَارِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَحَدِّ قَاذِفِهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ لِأَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ التَّكْذِيبُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اتَّصَلَ بِهِ التَّكْذِيبُ مِنْ جِهَةِ الْمُقَرِّ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وُجِدَ مَعَهُ مَالٌ فَهُوَ لَهُ) لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ لِكَوْنِهِ حُرًّا فَيَكُونُ مَا فِي يَدِهِ لَهُ بِظَاهِرِ يَدِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مَشْدُودًا عَلَى الدَّابَّةِ وَاللَّقِيطُ عَلَيْهَا لِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ وَيَصْرِفُهُ الْمُلْتَقِطُ إلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ صَرْفِ مِثْلِهِ إلَيْهِ وَقِيلَ يَصْرِفُهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِأَنَّهُ مَالُ اللَّقِيطِ ظَاهِرًا لِمَا ذَكَرْنَا وَمِنْ شَدِّهِ وَجَعْلِهِ لَهُ ظَاهِرًا، وَلِلْمُلْتَقِطِ وِلَايَةُ الْإِنْفَاقِ وَشِرَاءُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِمَصْلَحَةِ اللَّقِيطِ مِنْ مَالِهِ وَلَا يُقَالُ الظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ بَلْ لِلدَّفْعِ لِأَنَّا نَقُولُ غَرَضُنَا بِذَلِكَ دَفْعُ الْغَيْرِ فَإِذَا انْدَفَعَ يَبْقَى الْمَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي نَحْوِ كَنِيسَةٍ فَهُوَ كَافِرٌ وَاخْتلَافِيَّتَان وَهُمَا مُسْلِمٌ فِي نَحْوِ كَنِيسَةٍ أَوْ كَافِرٌ فِي نَحْوِ قَرْيَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْكَفَرَةِ نَحْوُ الصَّلِيبِ وَالزُّنَّارِ فَهُوَ كَافِرٌ) أَيْ كَمَا إذَا اخْتَلَطَ مَوْتَانَا بِمَوْتَى الْكُفَّارِ يُعْتَبَرُ الزِّيُّ وَالْعَلَامَةُ لِلْفَصْلِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ عَبْدٍ وَهُوَ حُرٌّ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَلَوْ وَجَدَ الْعَبْدُ اللَّقِيطَ وَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ وَقَالَ الْمَوْلَى كَذَبْت بَلْ هُوَ عَبْدِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى إنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْمَحْجُورِ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ آخَرَ فِي يَدِهِ لِغَيْرِ الْمَوْلَى لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ إذَا كَذَّبَهُ الْمَوْلَى كَمَا لَوْ كَانَ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ لِأَنَّ لِلْمَأْذُونِ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ آخَرَ فِي يَدِهِ لِعَبْدِ الْمَوْلَى يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا فِي يَدِهِ قَوْلُهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ أَيْ فَيَكُونُ الْوَلَدُ الَّذِي فِي يَدِهِ حُرًّا إلَّا أَنْ يُقِيمَ سَيِّدُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ عَبْدُهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا) أَيْ لِأَنَّ دَعْوَاهُ تَضَمَّنَتْ شَيْئَيْنِ النَّسَبَ وَالرِّقَّ فَفِي الْأَوَّلِ نَفْعُ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الشَّرَفُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ وَفِي الثَّانِي ضَرَرٌ فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْحُرِّيَّةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْخَصْمُ فِيهِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنْ يُقَالَ الْبَيِّنَةُ لَا تَقُومُ إلَّا عَلَى خَصْمٍ مُنْكِرٍ وَلَا خَصْمَ هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ هُوَ الْمُلْتَقِطُ) أَيْ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ فَلَا تَزُولُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ هُنَا وَإِنَّمَا قُلْنَا هُنَا كَيْ لَا يُنْقَضَ بِمَا إذَا ادَّعَى خَارِجٌ نَسَبَهُ فَإِنَّ يَدَهُ تَزُولُ بِلَا بَيِّنَةٍ عَلَى الْأَوْجَهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ يَدَهُ لِمَنْفَعَةِ الْوَلَدِ وَفِي دَعْوَى النَّسَبِ مَنْفَعَةٌ تُفَوِّتُ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي أَوْجَبَتْ اعْتِبَارَ يَدِ الْمُلْتَقِطِ فَتَزُولُ لِحُصُولِ مَا يُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ مِنْ اعْتِبَارِهَا وَهُنَا لَيْسَ دَعْوَى الْعَبْدِيَّةِ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ بِمَا يَضُرُّهُ لِتَبْدِيلِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ فَلَا تَزُولُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ وُجِدَ مَعَهُ مَالٌ فَهُوَ لَهُ) أَيْ ثُمَّ الْمُلْتَقِطُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي وَهَذَا لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الشَّامِلِ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مَشْدُودًا عَلَى الدَّابَّةِ وَاللَّقِيطُ عَلَيْهَا) قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي وَإِنْ وُجِدَ اللَّقِيطُ عَلَى دَابَّةٍ فَالدَّابَّةُ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَصْرِفُهُ الْمُلْتَقِطُ إلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي) قَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ أَيْ لَا حَافِظَ لَهُ وَمَالِكُهُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْحِفْظِ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ صَرْفِ مِثْلِهِ إلَيْهِ وَكَذَا الْغَيْرُ الْوَاجِدُ بِأَمْرِهِ اهـ قَوْلُهُ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ صَرْفِ مِثْلِهِ إلَيْهِ أَيْ وَكَذَا لِغَيْرِهِ بِأَمْرِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ لِمَصْلَحَةِ اللَّقِيطِ مِنْ مَالِهِ) أَيْ وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ. اهـ. فَتْحٌ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَكَذَا تَكُونُ الدَّابَّةُ لَهُ لِسَبْقِ يَدِهِ إلَيْهِ فَإِنَّ الْمَرْكُوبَ تَبَعٌ لِرَاكِبِهِ وَهُوَ كَمَالٍ آخَرَ مَعَهُ. اهـ. كَاكِيٌّ

[كتاب اللقطة]

ضَائِعًا فَيَصْرِفُهُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَصِحُّ لِلْمُلْتَقِطِ عَلَيْهِ نِكَاحٌ وَبَيْعٌ وَإِجَارَةٌ) لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ عَلَى الْغَيْرِ تُسْتَحَقُّ بِقَرَابَةٍ أَوْ مِلْكٍ أَوْ سَلْطَنَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهَا وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِكَمَالِ الرَّأْيِ وَوُفُورِ الشَّفَقَةِ وَذَلِكَ يُوجَدُ فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا غَيْرُ وَلِهَذَا لَا تَمْلِكُهُ الْأُمُّ مَعَ أَنَّهَا تَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ فَذَا أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا شَطْرُ الْعِلَّةِ وَهِيَ كَمَالُ الشَّفَقَةِ فِيهَا وَكَمَالُ الرَّأْيِ فِيهِ فَصَارَ كَالْعَمِّ وَالْإِجَارَةُ لَا يَمْلِكُهَا مَنْ لَا يَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ بِالِاسْتِخْدَامِ بِلَا عِوَضٍ وَالْمُلْتَقِطُ لَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ كَالْعَمِّ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَثْقِيفِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسَلِّمُهُ فِي حِرْفَةِ) لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ يُهَذِّبُ نَفْسَهُ وَيَطَّلِعُ صَاحِبَ الْحِرْفَةِ وَالِاشْتِغَالُ بِهِ يَمْنَعُهُ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالْفَسَادِ فَيَكُونُ سَبَبَ سَعَادَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقْبِضُ هِبَتَهُ) أَيْ إذَا وُهِبَ لِلَّقِيطِ هِبَةٌ فَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَقْبِضَهَا لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ فِيهَا احْتِمَالُ خِلَافِهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الصَّغِيرُ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [كِتَابُ اللُّقَطَةِ] (كِتَابُ اللُّقَطَةِ) اللُّقَطَةُ مِثْلُ اللَّقِيطِ فِي الِاشْتِقَاقِ وَالْمَعْنَى فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُشْتَقٌّ مِنْ الِالْتِقَاطِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَاللُّقَطَةُ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ اسْمُ الْفَاعِلِ لِلْمُبَالَغَةِ وَبِسُكُونِ الْقَافِ اسْمُ الْمَفْعُولِ كَالضُّحَكَةِ وَالضُّحْكَةِ وَسُمِّيَ هَذَا الْمَالُ الْمَلْقُوطُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ مِنْهُ لِزِيَادَةِ مَعْنًى اخْتَصَّ بِهِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَآهَا يَمِيلُ إلَى رَفْعِهَا فَكَأَنَّهَا تَأْمُرُهُ بِالرَّفْعِ لِأَنَّهَا حَامِلَةٌ عَلَيْهِ فَأُسْنِدَ إلَيْهَا مَجَازًا فَجُعِلَتْ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي رَفَعَتْ نَفْسَهَا وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ نَاقَةٌ حَلُوبٌ وَدَابَّةٌ رَكُوبٌ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ رَآهَا يَرْغَبُ فِي الرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ فَنَزَلَتْ كَأَنَّهَا حَلَبَتْ نَفْسَهَا أَوْ رَكِبَتْ نَفْسَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ أَمَانَةٌ إنْ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى رَبِّهَا وَأَشْهَدَ) لِأَنَّ الْأَخْذَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَيَجِبُ إذَا خَافَ ضَيَاعَهُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ لِلْمُلْتَقِطِ عَلَيْهِ نِكَاحٌ وَبَيْعٌ) أَيْ وَشِرَاءٌ لِيَسْتَحِقَّ الثَّمَنَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِأَنَّ الَّذِي إلَيْهِ لَيْسَ إلَّا الْحِفْظُ وَالصِّيَانَةُ وَمَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا تَمْلِكُهُ الْأُمُّ مَعَ أَنَّهَا تَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْأُمِّ وَالْمُلْتَقِطِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهُ) أَيْ تَمْلِكُ اسْتِخْدَامَ وَلَدِهَا وَإِجَارَتَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ) سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْكَرَاهِيَةِ أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مَحْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَثْقِيفِهِ) أَيْ تَقْوِيمِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُسَلِّمُهُ فِي حِرْفَةٍ) أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّثْقِيفِ وَحِفْظِ حَالِهِ عَنْ الشَّتَاتِ وَصِيَانَتِهِ عَنْ الْفَسَادِ. اهـ. فَتْحٌ (كِتَابُ اللُّقَطَةِ) مُنَاسَبَةُ الْكِتَابَيْنِ أَعْنِي كِتَابَ اللَّقِيطِ وَكِتَابَ اللُّقَطَةِ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ لِوُجُودِ مَعْنَى اللَّقْطِ فِيهِمَا جَمِيعًا إلَّا أَنَّ اللَّقِيطَ اخْتَصَّ بِالْمَنْبُوذِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَاللُّقَطَةَ اخْتَصَّتْ بِالْمَنْبُوذِ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّ فُعَّلَةٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْفَاعِلِ كَالْهُمَزَةِ وَاللُّمَزَةِ وَالضُّحَكَةِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمَالُ الْمَنْبُوذُ كَأَنَّهَا تَلْقُطُ نَفْسَهَا لِكَثْرَةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ فِيهَا وَمَيَلَانِ الطَّبْعِ إلَيْهَا فَسُمِّيَ لُقَطَةً عَلَى الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ وَفِي الْمَنْبُوذِ مِنْ بَنِي آدَمَ إبَاءٌ عَنْ قَبُولِهِ لِلُزُومِ نَفَقَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ فَسُمِّيَ لَقِيطًا أَيْ مَلْقُوطًا عَلَى سَبِيلِ التَّفَاؤُلِ وَإِرَادَةِ السِّلَاحِ فِي حَالِهِ كَمَا سُمِّيَ اللَّدِيغُ سَلِيمًا وَالْمَهْلَكَةُ مَفَازَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ الْكَمَالُ هِيَ أَيْ اللُّقَطَةُ فُعَّلَةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَصْفُ مُبَالَغَةٍ لِلْفَاعِلِ كَهُمَزَةٍ وَلُمَزَةٍ وَلُعَنَةٍ وَضُحَكَةٍ لِكَثِيرِ الْهَمْزِ وَغَيْرِهِ وَبِسُكُونِهَا لِلْمَفْعُولِ كَضُحْكَةٍ وَهُزْأَةٍ الَّذِي يُضْحَكُ مِنْهُ وَيُهْزَأُ بِهِ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمَالِ لُقَطَةٌ بِالْفَتْحِ لِأَنَّ طِبَاعَ النُّفُوسِ فِي الْغَالِبِ تَتَبَادَرُ إلَى الْتِقَاطِهِ لِأَنَّهُ مَالٌ فَصَارَ الْمَالُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ دَاعٍ إلَى أَخْذِهِ بِمَعْنًى فِيهِ نَفْسِهِ كَأَنَّهُ الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطِ مَجَازًا وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْمُلْتَقَطِ الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطِ وَمَا عَنْ الْأَصْمَعِيِّ وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْمَالِ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا يَعْنِي يُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ أَيْضًا اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ إلَخْ) تَبِعَ صَاحِبُ الْكَافِي فِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ الْوُجُوبِ وَفِي الْخُلَاصَةِ يُفْتَرَضُ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ الِافْتِرَاضُ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ أَيْ الِالْتِقَاطُ الْوَاجِبُ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ عَلَى مَا قَالُوا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ يُفْتَرَضُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللَّقِيطِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْأَصْلُ فِي جَوَازِ أَخْذِ اللُّقَطَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَخَذَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ» قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ أَخْذُ اللُّقَطَةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا وَجَدَ لُقَطَةً فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا إذَا كَانَ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ لَا يَأْمَنُ لَا يَرْفَعُهَا وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ يُسْتَحَبُّ أَخْذُ اللُّقَطَةِ وَلَا يَجِبُ قَالَ فِي النَّوَازِلِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ تَرْكُ اللُّقَطَةِ أَفْضَلُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا مِنْ رَفْعِهَا وَرَفْعُ اللَّقِيطِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى إنْ خَافَ ضَيَاعَهَا يُفْتَرَضُ الرَّفْعُ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ يُبَاحُ رَفْعُهَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ وَالْأَفْضَلُ الرَّفْعُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي رَفْعِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ رَفْعُهَا أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحِلُّ رَفْعُهَا وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ فَيَمْنَعُهَا عَنْ مَالِكِهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ صَاحِبَهَا رُبَّمَا يَطْلُبُهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَقَطَتْ مِنْهُ فَإِذَا تَرَكَهَا وَجَدَهَا صَاحِبُهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ

مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَصَاحِبُهَا أَيْضًا يَرْضَى بِالْأَخْذِ لِيَحْفَظَهَا لَهُ عَادَةً فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ الرِّضَا دَلَالَةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ وَلْيَحْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَلَا يَكْتُمُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ تَعَالَى يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ. وَهَذَا مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ لُقَطَةَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَقَالَتْ الْمُتَقَشِّفَةُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا لِأَنَّ مَالَ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا وَالتَّرْكُ أَفْضَلُ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَا يَأْمَنُ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ فَيَكْتُمَهَا عَنْ مَالِكِهَا قَالُوا إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الطَّمَعَ فِيهَا فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ وَإِذَا أَخَذَهَا عَرَّفَهَا حَتَّى يُوَصِّلَهَا إلَى مَالِكِهَا وَالْإِشْهَادُ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ صَاحِبُهَا أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ كَالْبَيِّنَةِ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ ضَمِنَ لِوُجُودِ التَّعَدِّي عَلَى مَالِ الْغَيْرِ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ الِالْتِقَاطِ وَادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَهَا لِلرَّدِّ وَادَّعَى صَاحِبُهَا أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهَا وَيَضْمَنُ الْمُلْتَقِطُ قِيمَتَهَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّ أَخْذَهَا لِصَاحِبِهَا حِسْبَةٌ وَلِنَفْسِهِ مَعْصِيَةٌ فَكَانَ حَمْلُ فِعْلِهِ عَلَى الصَّلَاحِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْفَسَادِ وَلِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ مُنْكِرٌ وَالْمَالِكَ مُدَّعٍ لِلضَّمَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ فَيَضْمَنُ. وَهَذَا لِأَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِالْإِشْهَادِ عَلَى مَا رَوَيْنَا وَإِذَا لَمْ يُشْهِدْ لَمْ يُوجَدْ فَيَضْمَنُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الظَّاهِرِ يُعَارِضُهُ مِثْلُهُ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَصَرِّفُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ وَادَّعَى أَنَّهُ وَدِيعَةٌ قَالُوا هَذَا الِاخْتِلَافُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يُشْهِدُهُ أَوْ خَافَ عَلَيْهَا مِنْ الظَّلَمَةِ فَلَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ تَرْكَ الْإِشْهَادِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَإِنْ أَشْهَدَ عِنْدَ الْأَخْذِ وَعَرَّفَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا لَمْ يَضْمَنْ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ إنْ رَدَّهَا بَعْدَمَا حَوَّلَهَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ بِالتَّحْوِيلِ الْتَزَمَ حِفْظَهَا وَبِالرَّدِّ صَارَ مُضَيِّعًا لَهَا وَلَا كَذَلِكَ قَبْلَ التَّحْوِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ حَيْثُ لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ بِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَبْرَأُ بِغَيْرِ الرَّدِّ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَكْفِيهِ فِي الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ مَنْ رَأَيْتُمُوهُ يَنْشُدُ الضَّالَّةَ فَدُلُّوهُ عَلَيَّ سَوَاءٌ كَانَتْ اللُّقَطَةُ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَرَّفَ إلَى أَنْ عَلِمَ أَنَّ رَبَّهَا لَا يَطْلُبُهَا) أَيْ عَرَّفَ اللُّقَطَةَ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ رَفَعَهَا وَوَضَعَهَا فِي مَكَانِهَا ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا هَذَا إذَا أَخَذَ وَلَمْ يَبْرَحْ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى وَضَعَ هُنَاكَ فَأَمَّا إذَا ذَهَبَ عَنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ ثُمَّ أَعَادَهَا وَوَضَعَهَا فِيهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا أَخَذَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَهُوَ ضَامِنٌ ذَهَبَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ لَمْ يَذْهَبْ وَهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِسْبِيجَابِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (فَرْعٌ) مَنْ سَقَطَ مِنْهُ مَالٌ فِي الطَّرِيقِ وَأَخَذَهُ إنْسَانٌ لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَكَانِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فِي يَدِ صَاحِبِهِ حُكْمًا وَرَدُّهُ إلَيْهِ كَرَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ اهـ فَتْحٌ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ فِي نَقْبِ اللِّصِّ وَانْظُرْ مَا كَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَعَرَّفَ إلَخْ فَإِنَّهُ نَافِعٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلْيَحْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا) الْعِفَاصُ الْوِعَاءُ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ النَّفَقَةُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَالْوِكَاءُ الرِّبَاطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ اهـ كَاكِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْوِكَاءُ رِبَاطُ الْقِرْبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ الْمُتَقَشِّفَةُ) الْمُتَقَشِّفَةُ: الْمُتَعَمِّقَةُ فِي الدِّينِ وَأَصْلُ الْمُتَقَشِّفِ الَّذِي لَا يَتَعَاهَدُ النَّظَافَةَ ثُمَّ قِيلَ لِلْمُتَزَهِّدِ الَّذِي يَقْنَعُ بِالْمُرَقَّعِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْوَسَخُ مُتَقَشِّفٌ مِنْ الْقَشَفِ وَهُوَ شِدَّةُ الْعَيْشِ وَخُشُونَتُهُ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ وَلَا أَنْكَرَ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ بَلْ أَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهَا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَا يَأْمَنُ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَأْخُذْهَا فَفِي الْخُلَاصَةِ يُفْتَرَضُ الرَّفْعُ وَلَوْ رَفَعَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَضَعَهَا مَكَانَهَا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَسَنَذْكُرُهُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَيَضِيعُ مَالُهُ فَكَانَ رَفْعُهَا وَسِيلَةً إلَى إيصَالِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ وَلِهَذَا قَالُوا يَجِبُ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ. اهـ. كَافِي شَرْحِ الْوَافِي وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْوَاجِبُ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ عَلَى مَا قَالُوا اهـ قَوْلُهُ وَهُوَ أَيْ أَخْذُ اللُّقَطَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ فَلَا يَضْمَنُ) أَيْ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِلرَّدِّ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَ حَمْلُ فِعْلِهِ عَلَى الصَّلَاحِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْفَسَادِ) أَيْ وَلِأَنَّ الْأَخْذَ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا بِقَيْدِ كَوْنِهِ لِلْمَالِكِ فَإِذَا أَخَذَ إنْ لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِلْمَالِكِ فَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ مَشْكُوكًا فِي أَنَّهُ أَخَذَهُ لَهُ أَوْ لِنَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ كَوْنُهُ مَنَعَنِي مِنْ الْإِشْهَادِ كَذَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ إنْ رَدَّهَا بَعْدَ مَا حَوَّلَهَا ضَمِنَ) وَفِي الْيَنَابِيعِ يَضْمَنُ سَوَاءٌ حَوَّلَهَا أَوْ لَمْ يُحَوِّلْهَا وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَرَّفَ إلَى أَنْ عَلِمَ أَنَّ رَبَّهَا لَا يَطْلُبُهَا) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ قَالَ الْتَقَطْت لُقَطَةً أَوْ ضَالَّةً أَوْ قَالَ عِنْدِي شَيْءٌ فَمَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَسْأَلُ شَيْئًا فَدُلُّوهُ عَلَيَّ فَلَمَّا جَاءَ صَاحِبُهَا قَالَ هَلَكَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ وَجَدَ لُقَطَتَيْنِ وَقَالَ

أَنَّهُ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَرَّفَهَا أَيَّامًا وَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةً فَصَاعِدًا عَرَّفَهَا حَوْلًا وَقَوْلُهُ أَيَّامًا أَيْ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِالْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُئِلَ عَنْ لُقَطَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَك فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ» وَسُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ فَقَالَ مَالَكَ وَلَهَا دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا وَسُئِلَ عَنْ الشَّاةِ فَقَالَ خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَقَدَّرَهُ بِسَنَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَسْأَلُ شَيْئًا فَدُلُّوهُ عَلَيَّ وَلَمْ يَقُلْ عِنْدِي لُقَطَتَانِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عِنْدِي لُقَطَةٌ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ وَإِنْ كَانَتْ عَشْرًا وَهَذَا كُلُّهُ إشْهَادٌ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ اللُّقَطَةِ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ أَيْ اللُّقَطَةُ بِتَأْوِيلِ الْمُلْتَقِطِ اسْمُ جِنْسٍ وَلَا يَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنْ يُشْهِدَ عِنْدَ الْأَخْذِ وَيَقُولَ أَخَذَهَا لَا رَدَّهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعَرِّفْهَا كَفَى فَجَعَلَ التَّعْرِيفَ إشْهَادًا. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَكْفِيهِ مِنْ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ إلَخْ يُفِيدُ مِثْلَهُ فَاقْتَضَى هَذَا الْكَلَامُ أَنْ يَكُونَ الْإِشْهَادُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ التَّعْرِيفُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَصَابَ ضَالَّةً فَلْيُشْهِدْ» مَعْنَاهُ فَلْيُعَرِّفْهَا وَيَكُونُ قَوْلُهُ ذَا عَدْلٍ لِيُفِيدَ عِنْدَ جَحْدِ الْمَالِكِ التَّعْرِيفَ أَيْ الْإِشْهَادَ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَشْهَدَ ثُمَّ عَرَّفَ بِحَضْرَتِهِ لَا يَقْبَلُ مَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا وَإِلَّا فَالتَّعْرِيفُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى مَا يَحْضُرُهُ الْعُدُولُ وَعَلَى هَذَا فَخِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا أَصْلًا حَتَّى ادَّعَى ضَيَاعَهَا وَادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ لِيَرُدَّهَا وَأَخَذَهَا لِذَلِكَ وَقَوْلُهُمَا إنَّ إذْنَ الشَّرْعِ مُقَيَّدٌ بِالْإِشْهَادِ أَيْ بِالتَّعْرِيفِ فَإِذَا لَمْ يُعَرِّفْهَا فَقَدْ تَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا فِي الْأَخْذِ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ الْإِشْهَادُ أَيْ التَّعْرِيفُ وَقْتَ الْأَخْذِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ قَبْلَ هَلَاكِهَا لِيَعْرِفَ بِهِ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا لَا لِنَفْسِهِ وَحِينَئِذٍ فَمَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا لَا يَضْمَنُ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِكَوْنِهِ رَدَّهَا فِي مَكَانِهِ أَوْ بَعْدَ مَا ذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ بِالرَّدِّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِنَفْسِهِ وَبِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ عَنْهُ وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِمَا إذَا لَمْ يَذْهَبْ بِهَا فَإِنْ ذَهَبَ بِهَا ثُمَّ عَادَ ضَمِنَ وَبَعْضُهُمْ ضَمَّنَهُ ذَهَبَ بِهَا أَوْ لَا وَالْوَجْهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَمَا ذَكَرْنَا لَا يَنْفِي وَجْهَ التَّضْمِينِ بِكَوْنِهِ مُضَيِّعًا مَالَ غَيْرِهِ بِطَرْحِهِ بَعْدَ مَا لَزِمَهُ حِفْظُهُ بِالْأَخْذِ اهـ. قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الْغَصْبِ وَلَوْ أَخَذَ لُقَطَةً لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَا يَضْمَنُ وَلَمْ يُفَصِّلْ فِي الْكِتَابِ بَيْنَ مَا إذَا تَحَوَّلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَتَحَوَّلْ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ تَأْوِيلَهُ إذَا أَعَادَهَا قَبْلَ التَّحَوُّلِ فَأَمَّا بَعْدَ التَّحَوُّلِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ وَإِلَيْهِ مَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَذَا إذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ لِيُعَرِّفَهَا فَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا لِيَأْكُلَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَرُدَّهَا إلَى صَاحِبِهَا اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَإِذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ فَقَدْ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ هَذَا إذَا أَعَادَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَمَّا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ مَا تَحَوَّلَ ضَمِنَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَعَادَهَا قَبْلَ التَّحَوُّلِ فَقَدْ تَرَكَ الْحِفْظَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَزِمَ لِأَنَّ الْآخِذَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِالْتِزَامِ الْحِفْظِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلنَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ هَلْ يُمْكِنُهُ الْحِفْظُ فَكَانَ الْآخِذُ مُتَرَدِّدًا فَلَا يَصِيرُ مُلْتَزِمًا لِلْحِفْظِ بِنَقْضِ الْأَخْذِ فَإِذَا أَعَادَ بَعْدَ مَا صَارَ تَارِكًا لِلْحِفْظِ قَبْلَ أَنْ يَلْتَزِمَهُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ فَأَمَّا إذَا تَحَوَّلَ بِهَا فَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ بِهَا لِيَحْفَظَهَا لَا لِيَتَأَمَّلَ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ مَشْيٍ فَكَانَ الْمَشْيُ دَلِيلًا عَلَى الْتِزَامِ الْحِفْظِ فَإِذَا أَعَادَهَا فَقَدْ تَرَكَ الْحِفْظَ بَعْدَ الْتِزَامِهِ فَيَضْمَنُ هَذَا إذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ لِيُعَرِّفَهَا فَإِنْ أَخَذَهَا لِيَأْكُلَهَا لَمْ يَبْرَأْ عَنْ ضَمَانِهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهَا لِيَأْكُلَهَا صَارَ آخِذًا لِنَفْسِهِ فَصَارَ غَاصِبًا وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ بِرَدِّ الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ إلَى دَارِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَإِلَى مَرْبِطِهِ وَإِنْ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعٍ صَالِحٍ لِلْحِفْظِ فَلَأَنْ لَا يَبْرَأَ هُنَا وَقَدْ رَدَّ إلَى مَكَان لَا يَصْلُحُ لِلْحِفْظِ أَوْلَى اهـ. وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ رَفَعَ اللُّقَطَةَ مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ وَضَعَهَا فِي مَكَانِهَا فَهَلَكَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - هَذَا إذَا أَخَذَهَا وَلَمْ يَبْرَحْ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى أَعَادَهَا فِي مَكَانِهَا أَمَّا إذَا ذَهَبَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ أَعَادَهَا فَهَلَكَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا أَخَذَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى مَكَانِهَا فَهُوَ ضَامِنٌ سَوَاءٌ ذَهَبَ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَذْهَبْ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى) أَيْ الْمُلْتَقِطُ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا) الْحِذَاءُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَأَلْفٍ مَمْدُودَةٍ أَرَادَ بِهِ خِفَافَهَا الَّتِي تَقْوَى بِهَا عَلَى السَّيْرِ وَأَرَادَ بِالسِّقَاءِ إذَا وَرَدَتْ الْمَاءَ تَشْرَبُ مَا يَكُونُ رِيَّهَا مِنْ ظَمَئِهَا. اهـ. كَاكِيٌّ (فُرُوعٌ) سَكْرَانٌ ذَاهِبُ الْعَقْلِ وَقَعَ ثَوْبُهُ فِي الطَّرِيقِ وَالسَّكْرَانُ نَائِمٌ فِي الطَّرِيقِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ لِيَحْفَظَهُ لِمَا أَنَّهُ خَافَ ضَيَاعَهُ ضَمِنَ لِأَنَّ السَّكْرَانَ حَافِظٌ لِمَا مَعَهُ لِأَنَّ النَّاسَ يَخَافُونَ مِنْ السَّكْرَانِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوَاهُ وَفِيهَا رَجُلٌ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَضَاعَتْ مِنْهُ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي يَدِ رَجُلٍ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّانِيَ فِي أَخْذِ اللُّقَطَةِ كَالْأَوَّلِ وَلَيْسَ الثَّانِي فِي أَخْذِ الْوَدِيعَةِ كَالْأَوَّلِ وَلَوْ الْتَقَطَ رَجُلٌ لَقِيطًا ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ رَجُلٌ فَاخْتَصَمَا فِيهِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَارَ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهِ بِحُكْمِ الْيَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ آخَرُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ لَمَا وُجِدَ مَطْرُوحًا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَلَا كَذَلِكَ اللُّقَطَةُ لِأَنَّ لَهُ مُسْتَحِقًّا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لِصَاحِبِ الْيَدِ الْأَوَّلِ فَكَانَ الثَّانِي فِي إثْبَاتِ الْيَدِ كَالْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا يُعَرِّفُهَا حَوْلًا وَفِيمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ إلَى الْمِائَتَيْنِ شَهْرًا وَفِي الْعَشَرَةِ جُمُعَةً وَفِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَفِي دِرْهَمٍ يَوْمًا وَإِنْ كَانَتْ ثَمَرَةً وَنَحْوَهَا تَصَدَّقَ بِهَا مَكَانَهَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا أَكَلَهَا مَكَانَهَا قَدَّرَ لِكُلِّ لُقَطَةٍ مَا يَلِيقُ بِحَالِهَا فَكَانَ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاحِدًا لِأَنَّهُ فَوَّضَهُ إلَى اجْتِهَادِهِ. وَهَذَا قَدَّرَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ إنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُلْتَقِطِ يُعَرِّفُهَا إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا لَا يَبْقَى عَرَّفَهَا حَتَّى إذَا خَافَ أَنْ تَفْسُدَ تَصَدَّقَ بِهَا وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ مَرَّ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْحَبْلِ وَأَشْبَاهِهِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَرِّفْهَا فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُك بِعِدَّتِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ بَعْضُهَا مُقَدَّرَةٌ بِحَوْلٍ وَبَعْضُهَا بِسَاعَةٍ وَبَعْضُهَا مُطْلَقَةٌ عَنْ التَّقْدِيرِ فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْمُلْتَقِطِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَقِيَهَا فِيهِ وَفِي الْمَجَامِعِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الْوُصُولِ إلَى صَاحِبِهَا وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ الْإِشْهَادُ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ تَعْرِيفًا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا سَيَّبَ دَابَّتَهُ فَأَخَذَهَا إنْسَانٌ فَأَصْلَحَهَا مَلَكَهَا إنْ قَالَ مَالِكُهَا وَقْتَ التَّسْيِيبِ هِيَ لِمَنْ أَخَذَهَا وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ أَبَاحَ التَّمَلُّكَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ. وَكَذَلِكَ فِيمَنْ أَرْسَلَ صَيْدًا لَهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهَا ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا يُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا كَالنَّوَاةِ وَقِشْرِ الرُّمَّانِ يَكُونُ إلْقَاؤُهُ إبَاحَةً وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ لَكِنَّهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْمُخْتَارُ فِي الْقُشُورِ وَالنَّوَاةِ يَمْلِكُهُ وَفِي الصَّيْدِ لَا يَمْلِكُهُ وَإِنْ جَمَعَ سُنْبُلًا بَعْدَ الْحَصَادِ فَهُوَ لَهُ لِإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ سَلَخَ شَاةً مَيِّتَةً فَهُوَ لَهُ أَيْضًا وَلِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي صُوفِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ تَصَدَّقَ) أَيْ تَصَدَّقَ بِاللُّقَطَةِ إذَا لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا وَأَدَاؤُهَا إلَى أَهْلِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَبِالتَّصَدُّقِ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِهَا إذْ إيصَالُ بَدَلِهَا وَهُوَ الثَّوَابُ كَإِيصَالِ عَيْنِهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا رَجَاءَ الظَّفَرِ بِصَاحِبِهَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ اشْتَرَى جَارِيَةً فَذَهَبَ الْبَائِعُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ عَنْهُ بِثَمَنِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا نَفَّذَهُ أَوْ ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطَ) يَعْنِي إذَا جَاءَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ مَا تَصَدَّقَ بِهَا الْمُلْتَقِطُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الصَّدَقَةَ وَلَهُ ثَوَابُهَا لِأَنَّ التَّصَدُّقَ لَمْ يَحْصُلْ بِإِذْنِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْفَقِيرِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ حَيْثُ تَتَوَقَّفُ الْإِجَازَةُ فِيهِ عَلَى قِيَامِ الْمَحَلِّ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْإِجَازَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْقَائِمِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قِيَامُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْمَالِكِ أَيْضًا عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَإِذْنُ الشَّرْعِ لَا يُنَافِيهِ حَيْثُ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّصَدُّقُ بِهَا وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ فَصَارَ كَتَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَ الْمَخْمَصَةِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ فِعْلِهِ وَالْقَاضِي لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ فَكَذَا لَهُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ) ثُمَّ تَقْدِيرُ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ بِالْحَوْلِ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَعَيَّنَتْ لِلصَّدَقَةِ فَتَكُونُ مُقَدَّرَةً بِالْحَوْلِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهَا) أَيْ مَعَ الْيَمِينِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ هِيَ لِمَنْ أَخَذَهَا لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ إبَاحَةَ التَّمَلُّكِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ) أَيْ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ كَالنَّوَاةِ (يَبْقَى عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ) فَإِذَا وَجَدَهُ مَالِكُهُ فِي يَدِهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِهِ إذْ بِإِلْقَائِهِ يُبِيحُ الِانْتِفَاعَ لِلْوَاجِدِ وَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا مِنْهُ إذْ التَّمْلِيكُ فِي الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَمِلْكُ الْمُبِيحِ لَا يَزُولُ بِالْإِبَاحَةِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فَجَمَعَهَا لَيْسَ لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا بَعْدَ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْآخِذِ بِالْجَمْعِ وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْتِقَاطِهِ السَّنَابِلَ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ وَجَدَ النَّوَاةَ وَالْقُشُورَ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ لَهَا أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُجْتَمِعَةً فِي مَوْضِعٍ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمَّا جَمَعَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا أَلْقَاهَا بَلْ سَقَطَتْ مِنْهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ سَلَخَ شَاةً مَيِّتَةً فَهُوَ لَهُ) أَيْ وَلَوْ دَبَغَ جِلْدَهَا كَانَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَ الْجِلْدَ مِنْهُ بَعْدَ مَا يُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ بِالْإِلْقَاءِ وَالصُّوفُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ بِلَا اتِّصَالِ شَيْءٍ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مَجَّانًا أَمَّا الْجِلْدُ صَارَ مُتَقَوِّمًا بِالدِّبَاغِ فَإِذَا أَخَذَهُ يُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْفَقِيرِ) أَيْ لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ فَيَمْلِكُهُ الْفَقِيرُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ لِأَنَّ الْفَقِيرَ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الصَّدَقَةُ تَقَعُ» الْحَدِيثُ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِ الْمَحَلِّ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ اللُّقَطَةُ فِي يَدِ الْفَقِيرِ تَجُوزُ الْإِجَازَةُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِالْأَخْذِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَأْخُذَ الْمَالِكُ إذَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْفَقِيرِ قُلْنَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِرْدَادِ كَالْوَاهِبِ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ وَكَالْمُرْتَدِّ لَوْ عَادَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ هـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ) أَيْ فَإِنْ ضَمِنَهُ يَكُونُ الثَّوَابُ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ وَقْتِ التَّصَدُّقِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فِي الصَّحِيحِ) وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ إذَا تَصَدَّقَ الْمُلْتَقِطُ بِإِذْنِ الْقَاضِي فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْمُلْتَقِطِ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ جَامِعِ الْفَتَاوَى اهـ

يَضْمَنَ مِنْ أَمْرِهِ الْقَاضِي وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْفَقِيرَ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا يَرْجِعُ الْفَقِيرُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الضَّمَانِ وَلَا الْمُلْتَقِطُ يَرْجِعُ عَلَى الْفَقِيرِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ هَذَا إذَا هَلَكَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْفَقِيرِ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَخَذَهَا صَاحِبُهَا إنْ لَمْ يُمْضِ الصَّدَقَةَ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ الْتِقَاطُ الْبَهِيمَةِ) أَيْ يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّرْكُ أَفْضَلُ فِي غَيْرِ الشَّاةِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَنَا أَنَّهَا يَخَافُ عَلَيْهَا أَنْ تَصِلَ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ فَكَانَ فِي أَخْذِهَا صِيَانَتُهَا فَكَانَ أَفْضَلَ أَوْ وَاجِبًا عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا فِي غَيْرِهَا وَلِأَنَّ إطْلَاقَ النُّصُوصِ فِي هَذَا الْبَابِ يَتَنَاوَلُهَا وَمَا رَوَاهُ كَانَ فِي دِيَارِهِمْ إذْ كَانَ لَا يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْ شَيْءٍ وَنَحْنُ نَقُولُ فِي مِثْلِهِ بِتَرْكِهَا وَهَذَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ الدَّوَابُّ يُسَيِّبُهَا أَهْلُهَا فِي الْبَرَارِيِ حَتَّى يَحْتَاجُوا إلَيْهَا فَيُمْسِكُوهَا وَقْتَ حَاجَتِهِمْ وَلَا فَائِدَةَ فِي الْتِقَاطِهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ كَانَتْ ضَوَالُّ الْإِبِلِ فِي زَمَانِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إبِلًا مُؤَبَّلَةً تَتَنَاتَجُ لَا يُمْسِكُهَا أَحَدٌ حَتَّى إذَا كَانَ عُثْمَانُ أَمَرَ بِمَعْرِفَتِهَا ثُمَّ تُبَاعُ فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى اللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْإِيجَابِ عَلَى ذِمَّتِهِمَا فَصَارَ كَمَا إذَا قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَدِينِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِإِذْنِ الْقَاضِي يَكُونُ دَيْنًا) أَيْ لَوْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْقَاضِي يَكُونُ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً فِي مَالِ الْغَائِبِ نَظَرًا لَهُ إذْ هُوَ نُصِّبَ نَاظِرًا فَصَارَ أَمْرُهُ كَأَمْرِ الْمَالِكِ وَلَا يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لُقَطَةٌ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ غَصْبًا فِي يَدِهِ فَيَحْتَالُ لِإِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى صَاحِبِهَا وَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَغْصُوبِ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ لَيْسَتْ لِلْقَضَاءِ وَإِنَّمَا هِيَ لِيَنْكَشِفَ الْحَالُ فَيَقْبَلُ مَعَ غَيْبَةِ صَاحِبِهَا وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مُقَيَّدًا بِأَنْ يَقُولَ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ الثِّقَاتِ إنَّ هَذَا ادَّعَى أَنَّ هَذِهِ لُقَطَةٌ وَلَا أَدْرِي أَهُوَ صَادِقٌ أَوْ كَاذِبٌ وَطَلَبَ أَنْ آمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَاشْهَدُوا أَنِّي أَمَرْته بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُحَلِّفَهُ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا فَغَابَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَجِدْهُ وَطَلَبَ مِنْ الْحَاكِمِ أَنْ يُبَاعَ وَيُوَفِّيَ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ لَا يُجِيبُهُ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ عَجَزَ أَجَابَهُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي اللُّقَطَةِ وَقَوْلُهُ وَبِإِذْنِ الْقَاضِي يَكُونُ دَيْنًا يُشِيرُ إلَى أَنَّ النَّفَقَةَ تَصِيرُ دَيْنًا بِمُجَرَّدِ إذْنِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ قَدْ يَكُونُ لِلتَّرْغِيبِ وَالْمَشُورَةِ أَوْ لِلْإِلْزَامِ فَلَا يَرْجِعُ بِالِاحْتِمَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشْتَرِطَ وَيَجْعَلَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي اللَّقِيطِ وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً بِقَدْرِ مَا يَقَعُ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا لَظَهَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانَ لَهَا نَفْعٌ آجَرَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ أُجْرَتِهَا) لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَّبَ نَاظِرًا وَأَمْكَنَهُ إبْقَاءُ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْزِمَ صَاحِبَهَا الدَّيْنَ فَتَعَيَّنَ طَرِيقًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا بَاعَهَا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفْعٌ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ مَا يَرَى مِنْ الْمُدَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهَا مَالِكٌ بَاعَهَا لِأَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَسْتَغْرِقُ النَّفَقَةُ قِيمَتَهَا وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ أَنْ تَبْقَى الْعَيْنُ وَيُوجِبَ عَلَيْهَا أَضْعَافَ قِيمَتِهَا فَتَعَيَّنَ الْحِفْظُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ الثَّمَنُ يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّعْرِيفِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ وَفِي كَوْنِهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَبِيعُهَا حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْإِنْفَاقِ وَالْآبِقُ فِي هَذَا كَاللُّقَطَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤَجَّرُ لِأَنَّهُ يَخَافُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ فَصَارَ الْمُلْتَقِطُ كَالْغَاصِبِ وَالْمِسْكِينُ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا الْمُلْتَقِطُ يَرْجِعُ عَلَى الْفَقِيرِ) فَأَمَّا الْمُلْتَقِطُ فَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ وَظَهَرَ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمِلْكِ نَفْسِهِ وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَلِأَنَّهُ فِي الْقَبْضِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إبِلًا مُؤَبَّلَةً) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ إذَا كَانَتْ الْإِبِلُ لِلْقَنِيَّةِ فَهِيَ إبِلٌ مُؤَبَّلَةٌ اهـ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ كَيْفَ شَرَطَ فِي الْأَصْلِ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ وَلَا تَقُومُ الْبَيِّنَةُ إلَّا عَلَى مُدَّعًى عَلَيْهِ مُنْكِرٍ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ وَلَيْسَتْ تُقَامُ الْبَيِّنَةُ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ حَتَّى يَشْتَرِطَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ أُقِيمَتْ لِكَشْفِ الْحَالِ يَعْنِي أُقِيمَتْ حَتَّى يَنْكَشِفَ حَالُ الْبَهِيمَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَرْجِعُ وَفِي رِوَايَةٍ يَرْجِعُ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ وَذَكَرَ أَيْضًا فِيهَا وَإِذَا بَاعَ اللُّقَطَةَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا إذَا حَضَرَ إلَّا الثَّمَنُ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ إنَّمَا بَاعَهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ بَيْعَهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي كَبَيْعِ الْقَاضِي وَلَوْ بَاعَ الْقَاضِي جَازَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا إلَّا الثَّمَنُ فَكَذَا هَذَا وَإِنْ بَاعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِذْنِ فَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ قَائِمَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْبَيْعَ وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ هَالِكَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْبَائِعَ الْقِيمَةَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْبَائِعَ نَفَذَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ مَلَكَ اللُّقَطَةَ مِنْ حِينِ قَبَضَهَا وَكَانَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ وَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ كَانَ لَهَا نَفْعٌ آجَرَهَا) أَيْ إذَا كَانَتْ الْبَهِيمَةُ مِمَّا تَصْلُحُ لِلْإِجَارَةِ كَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا بَاعَهَا) أَيْ إذَا لَمْ تَكُنْ الْبَهِيمَةُ صَالِحَةً لِلْإِجَارَةِ كَالشَّاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِذَا رَفَعَ أَمْرَ اللُّقَطَةِ إلَى الْقَاضِي نُظِرَ فِيهَا إنْ كَانَ شَيْئًا يُمْكِنُ إجَارَتُهُ كَالدَّابَّةِ آجَرَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ إجَارَتِهَا إبْقَاءً لِحَقِّ مَالِكِهَا صُورَةً وَمَعْنًى بِإِبْقَاءِ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إجَارَتُهُ كَالشَّاةِ مَثَلًا يَبِيعُ وَيَحْفَظُ الثَّمَنَ إبْقَاءً لِحَقِّ مَالِكِهَا مَعْنًى بِالْمَالِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ إبْقَاءُ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْصِلَ النَّفَقَةُ الْقِيمَةَ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ رَأَى الْإِنْفَاقَ أَصْلَحَ أَذِنَ فِي الْإِنْفَاقِ وَجَعَلَ النَّفَقَةَ دَيْنًا عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَكُلُّ مَا رَآهُ أَحْفَظَ وَأَصْلَحَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. اهـ.

أَنْ يَأْبَقَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنَعَهَا مِنْ رَبِّهَا حَتَّى يَأْخُذَ النَّفَقَةَ) أَيْ إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا وَطَلَبَهَا مَنَعَهُ إيَّاهَا حَتَّى يُوَفِّيَ النَّفَقَةَ الَّتِي أَنْفَقَ عَلَيْهَا لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ وَجَبَ بِسَبَبِ هَذَا الْمَالِ لِإِحْيَائِهِ فَكَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَذَا الْمَالِ فَأَشْبَهَ جَعْلَ الْآبِقِ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ هَذَا الدَّيْنُ بِهَلَاكِ الْعَيْنِ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ حَبْسِهَا لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَأْخُذُ صِفَةَ الرَّهْنِ عِنْدَ الْحَبْسِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا نَقَدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْحَبْسِ لَا يَسْقُطُ مَا وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَبَعْدَهُ يَسْقُطُ بِهِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي مَعْنَى الرَّهْنِ عِنْدَ اخْتِيَارِهِ الْحَبْسَ فَيَهْلَكُ بِمَا حَبَسَهُ فِيهِ فَكَذَا هَذَا وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ بَاعَهَا بَعْدَمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْمُلْتَقِطُ قَدْرَ مَا يَرَاهُ الْقَاضِي مِنْ الْمُدَّةِ أَعْطَاهُ الْقَاضِي مِنْ ثَمَنِهَا لِأَنَّهُ مَالُ مَالِكِهَا وَالنَّفَقَةُ دَيْنٌ عَلَى مَالِكِهَا فَلِرَبِّ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَالْقَاضِي أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَدْفَعُهَا إلَى مُدَّعِيهَا بِلَا بَيِّنَةٍ) أَيْ لَا يَدْفَعُ اللُّقَطَةَ إلَى مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» وَلِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ الضَّمَانُ بِإِزَالَتِهِ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِهَا كَالْمِلْكِ وَلِهَذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى غَاصِبِ الْمُدَبَّرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَيَّنَ عَلَامَتَهَا حَلَّ لَهُ الدَّفْعُ بِلَا جَبْرٍ) أَيْ إذَا بَيَّنَ الْمُدَّعِي عَلَامَتَهَا حَلَّ لِلْمُلْتَقِطِ الدَّفْعُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ وَالْعَلَامَةُ مِثْلُ أَنْ يُسَمِّيَ عَدَدَ الدَّرَاهِمِ وَوَزْنَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَفِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَّفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ وَإِلَّا فَهِيَ لَك» وَهَذَا أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ قَلَّ مَنْ يَعْرِفُ مَا لَيْسَ فِي يَدِهِ فَيُرَدُّ إلَيْهِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِي الْمِلْكِ فَيَكُونُ لَهُ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ يُنَازِعُهُ فِي الْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ فَيُشْتَرَطُ الْوَصْفُ لِوُجُودِ الْمُنَازَعَةِ مِنْ وَجْهٍ وَلَنَا أَنَّهُ مُدَّعٍ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْيَدَ مَقْصُودٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ عَلَى مَا قَرَّرْنَا وَالْعَلَامَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَلَا عَلَى الْيَدِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقِفُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ. وَقَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ مَالُ نَفْسِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ لِأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْإِبَاحَةُ وَبِهِ نَقُولُ وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِذِكْرِ الْعَلَامَةِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَخَذَهَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً يُضَمِّنُ أَيَّهمَا شَاءَ لِتَعَدِّيهِمَا بِالدَّفْعِ وَالْأَخْذِ وَيَرْجِعُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْآخِذِ إنْ ضَمِنَ وَلَا يَرْجِعُ الْآخِذُ عَلَى أَحَدٍ وَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا عِنْدَ الدَّفْعِ نَظَرًا لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَجِيءَ غَيْرُهُ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَيُضَمِّنَهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ عَلَى مَنْ أَخَذَهَا لِخَفَائِهِ فَيَسْتَوْثِقُ بِالْكَفِيلِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ لِوَارِثٍ غَائِبٍ أَوْ غَرِيمٍ غَائِبٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَأْخُذُ كَفِيلًا لِنَفْسِهِ وَهُنَاكَ لِأَجْنَبِيٍّ لَا يَعْرِفُهُ وَلِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ ظَهَرَ لِلْحَاضِرِينَ فِي الْإِرْثِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ إلَى زَمَانِ التَّكْفِيلِ فَيَكُونُ الْقَاضِي ظَالِمًا بِهِ وَهُنَا لَمْ يَتَعَيَّنْ صَاحِبُ الْحَقِّ بِإِعْطَاءِ الْعَلَامَةِ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَا يَضُرُّهُ التَّأْخِيرُ بَلْ الْمَنْعُ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُلْتَقِطُ قِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ كَالْمُودِعِ إذَا صَدَّقَ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَ الْمَدِينُ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ حَيْثُ يُجْبَرُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُوبِ دَفْعِ مَالِهِ إلَيْهِ. وَقِيلَ يُجْبَرُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَهُ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ مَالِكٌ غَيْرُهُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْمُودِعَ مُتَعَيِّنٌ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْعَيْنِ بِتَصَادُقِهِمَا وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِتَصْدِيقِهِ ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَخَذَهَا مِنْهُ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُلْتَقِطِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ ضَمَّنَ الْقَابِضَ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ هَذَا الدَّيْنُ بِهَلَاكِ الْعَيْنِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ دَيْنُ النَّفَقَةِ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ الْحَبْسِ وَيَسْقُطُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْحَبْسِ شَبِيهَ الرَّهْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى غَاصِبِ الْمُدَبَّرِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ إزَالَةِ الْيَدِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا أَعْطَى الْمُدَّعِي عَلَامَتَهَا) أَيْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُلْتَقِطُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُجْبَرُ) هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ أَصْحَابِنَا وَلَكِنَّ الْقَائِلَ بِوُجُوبِ الدَّفْعِ بِالْعَلَامَةِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ فَإِنَّ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ قَوْلَهُ كَقَوْلِنَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَأَعْطِهَا إيَّاهُ) وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِالدَّفْعِ بِالْعَلَامَةِ بِدُونِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ تَوْفِيقًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِحِلِّ الدَّفْعِ دُونَ الْجَبْرِ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ حَدِيثِ الْخَصْمِ وَالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ». اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ إذَا دَفَعَهَا بِالْعَلَامَةِ فَقَطْ يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا اسْتِيثَاقًا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَأْخُذُ الْكَفِيلُ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ وَنَفْيُ الْخِلَافِ هُنَا مَعَ إثْبَاتِهِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ لِوَارِثٍ إلَخْ) صُورَتُهُ مِيرَاثٌ قُسِّمَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ أَوْ الْوَرَثَةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَرِيمِ وَلَا مِنْ الْوَارِثِ كَفِيلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ صَدَّقَهُ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا إذَا دَفَعَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَلَامَةِ فَإِنْ صَدَّقَهُ مَعَ الْعَلَامَةِ أَوْ لَا مَعَهَا فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ دَفْعِهِ إلَيْهِ لَكِنْ هَلْ يُجْبَرُ قِيلَ يُجْبَرُ كَمَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً وَقِيلَ لَا يُجْبَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْقَابِضِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ فِي رِوَايَةٍ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ وَفِي رِوَايَةٍ يَرْجِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. (فَرْعٌ) وَلَوْ الْتَقَطَ الْعَبْدُ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ يَجُوزُ

[كتاب الآبق]

فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْقَابِضَ تَعَدَّى عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يَمْنَعُ إقْرَارُهُ بِأَنَّهَا مِلْكُ الْأَوَّلِ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ لِاعْتِمَادِهِ عَلَى الْعَلَامَةِ فَإِذَا قَضَى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا فَيَرْجِعُ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِمِلْكِ الْبَائِعِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَ الْمُودَعُ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَأَنْكَرَ رَبُّهَا الْوَكَالَةَ حَيْثُ يَضْمَنُ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ عَامِلٌ لِلْمُوَكِّلِ وَفِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ الْمُوَكِّلَ ظَالِمٌ لَهُ فِي تَضْمِينِهِ إيَّاهُ بَعْدَ مَا قَبَضَ وَكِيلُهُ مِنْهُ وَالْمَظْلُومُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ وَهُنَا الْقَابِضُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ ضَامِنٌ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ فَافْتَرَقَا وَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا لِمَا ذَكَرْنَا. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ بِتَصْدِيقِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا وَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِقَضَاءٍ ضَمَّنَ الْقَابِضَ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يُضَمِّنُ الْمُلْتَقِطَ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ وَإِنْ أَقَامَ الْحَاضِرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ فَقَضَى بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ لَمْ يَضْمَنْ لِمَا ذَكَرْنَا وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ فِي التَّكْفِيلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ رِوَايَتَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفُلُ وَعَزَاهُ إلَى قَاضِي خَانْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْتَفِعُ بِهَا لَوْ فَقِيرًا وَإِلَّا تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ وَصَحَّ عَلَى أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ لَوْ فُقَرَاءَ) يَعْنِي يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِاللُّقَطَةِ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا لَمْ يَجُزْ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْفَقِيرِ أَجْنَبِيًّا كَانَ أَوْ قَرِيبًا لَهُ أَوْ زَوْجَةً لَهُ لِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِدُونِ رِضَاءٍ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 188] الْآيَةُ وَقَوْلِهِ {وَلا تَعْتَدُوا} [البقرة: 190] وَأَمْثَالِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْفَقِيرِ بِطَرِيقِ التَّصَدُّقِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ» أَوْ لِلْإِجْمَاعِ فَبَقِيَ غَيْرُهُ مُحَرَّمَ التَّنَاوُلِ عَلَى الْأَصْلِ فَإِذَا كَانَ الْمُبِيحُ هُوَ الْفَقْرُ فَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ الْوَاجِدَ لَهَا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَقَارِبِهِ أَوْ الْأَجَانِبَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْكُلِّ وَهُوَ التَّصَدُّقُ عَلَى مُحْتَاجٍ وَأَبَاحَ الشَّافِعِيُّ لِلْوَاجِدِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ لِلْفَقِيرِ حَمْلًا لَهُ عَلَى رَفْعِهَا صِيَانَةً لَهَا وَالْغَنِيُّ يُشَارِكُهُ فِيهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا وَلَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ لِأَنَّهُ حِكَايَةُ حَالٍ فَيَجُوزُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ فَقْرَهُ إمَّا لِدُيُونٍ عَلَيْهِ أَوْ لِقِلَّةِ مَالِهِ أَوْ يَكُونُ إذْنًا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالِانْتِفَاعِ بِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا مِنْ الْإِمَامِ عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَرَفَ أَنَّهُ كَانَ مَالَ كَافِرٍ حَرْبِيٍّ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ لَمْ تَكُنْ بِهَا سَعَةٌ يَوْمَئِذٍ وَلَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ لَمَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ وَالْغَنِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَخْذِ لِاحْتِمَالِ افْتِقَارِهِ فِي مُدَّةِ التَّعْرِيفِ وَالْفَقِيرُ قَدْ يَتَوَانَى لِاحْتِمَالِ اسْتِغْنَائِهِ فِيهَا وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِلُقَطَةِ الْحَرَمِ لِأَحَدٍ بَلْ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُعَرِّفٍ» وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ لُقَطَةٍ فِي بَلَدِ مَكَّةَ» وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا نَظَرًا لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى مَنْ انْتَفَعَ بِهَا وَعَلَى مَنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ فَيَكُونُ فِيهِ إبْقَاؤُهَا لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ مَجِيئِهِ وَإِلَّا فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رُوِيَ لِأَنَّهُ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ التَّعْرِيفُ فِيهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لِلْغُرَبَاءِ ظَاهِرًا أَوْ وَهْمًا فَنَقُولُ إنَّ مَالِكَهَا قَدْ ذَهَبَ فَيَأْخُذُهَا مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَابُ الْآبِقِ) وَهُوَ الْعَبْدُ الْمُتَمَرِّدُ عَلَى مَوْلَاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَخْذُهُ أَحَبُّ إنْ قَوِيَ عَلَيْهِ) أَيْ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ فَإِذَا أَتْوَاهُ طُولِبَ رَبُّهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ الْبَيْعِ فِيهِ سَوَاءٌ أَتْوَاهُ قَبْلَ التَّعْرِيفِ أَوْ بَعْدَهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ جِنَايَةً فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَعِنْدَ مَالِكٍ إنْ أَتْلَفَهُ قَبْلَ التَّعْرِيفِ يُؤْمَرُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ يُطَالِبُ الْعَبْدَ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ فَكَانَ ضَمَانًا يَخُصُّهُ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي زَعْمِ الْمُقِرِّ) أَيْ وَهُوَ الْمُودِعُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ فِي التَّكْفِيلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ رِوَايَتَيْنِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ وَهِيَ مَا لَوْ دَفَعَهَا بِالْبَيِّنَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِاللُّقَطَةِ إذَا كَانَ فَقِيرًا) أَيْ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَاجَةِ غَيْرِهِ فِيمَا فِي يَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ وَاجِدَ الرِّكَازِ يَتَمَكَّنُ مِنْ وَضْعِ الْخُمُسِ فِي نَفْسِهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) أَيْ وَكَانَ مِنْ الْمَيَاسِيرِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ وَكَانَ مِنْ الْمَيَاسِيرِ أَيْ حَيْثُ قَالَ اخْلِطْهَا بِمَالِك. اهـ. كَاكِيٌّ [كِتَابُ الْآبِقِ] (كِتَابُ الْآبِقِ) وَهَذِهِ الْكُتُبُ أَعْنِي اللَّقِيطَ وَاللُّقَطَةَ وَالْآبِقَ وَالْمَفْقُودَ لِتَنَاسُبِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّوَى وَالتَّلَفِ تَوَالَى بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ الْإِبَاقُ تَمَرُّدٌ فِي الِانْطِلَاقِ وَهُوَ مِنْ سُوءِ الْأَخْلَاقِ وَرَدَاءَةِ الْأَعْرَاقِ يُظْهِرُ الْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ فِرَارًا لِتَصِيرَ مَالِيَّتُهُ دَمَارًا فَرَدُّهُ إلَى مَوْلَاهُ إحْسَانٌ {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ} [الرحمن: 60] وَالْآبِقُ هُوَ الَّذِي هَرَبَ مِنْ مَالِكِهِ قَصْدًا وَالضَّالُّ هُوَ الَّذِي ضَلَّ عَنْ الطَّرِيقِ أَيْ مَنْزِلَةً قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ كُلٌّ مَنْ الْآبِقِ وَاللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ تَحَقَّقَ فِيهِ عُرْضَةُ الزَّوَالِ وَالتَّلَفِ إنَّ التَّعَرُّضَ لَهُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ فِي الْإِبَاقِ وَكَانَ الْأَنْسَبُ تَعْقِيبَ الْجِهَادِ بِهِ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ وَكَذَا الْأَوْلَى فِيهِ وَفِي اللُّقَطَةِ التَّرْجَمَةُ بِالْبَابِ لَا الْكِتَابُ وَالْإِبَاقُ فِي اللُّغَةِ الْهَرَبُ أَبَقَ يَأْبَقُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ وَالْهَرَبُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْقَصْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا قِيلَ هُوَ الْهَرَبُ قَصْدًا نَعَمْ لَوْ قِيلَ الِانْصِرَافُ وَنَحْوُهُ عَنْ الْمَالِكِ كَانَ قَيْدُ الْقَصْدِ مُفِيدًا وَالضَّالُّ لَيْسَ فِيهِ قَصْدُ التَّغَيُّبِ بَلْ هُوَ الْمُنْقَطِعُ عَنْ مَوْلَاهُ لِجَهْلِهِ بِالطَّرِيقِ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَخْذُهُ أَحَبُّ إنْ قَوِيَ عَلَيْهِ) أَيْ قَوِيَ عَلَى حِفْظِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَى مَوْلَاهُ

إحْيَاءَ مَالِيَّتِهِ وَلِلْمَالِ حُرْمَةٌ كَالنَّفْسِ وَفِيهِ إعَانَةُ مَوْلَاهُ فَكَانَ أَفْضَلَ ثُمَّ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ حَفِظَهُ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ فَإِذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ لَا يَقْبَلُهُ مِنْهُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي اللُّقَطَةِ ثُمَّ يَحْبِسُهُ الْإِمَامُ تَعْزِيرًا لَهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْإِبَاقِ ثَانِيًا وَلِهَذَا لَا يُؤَجِّرُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَنْفَعَةٌ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيَجْعَلُهَا دَيْنًا عَلَى مَالِكِهِ وَإِذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَجِئْ صَاحِبُهُ بَاعَهُ الْقَاضِي وَحَفِظَ ثَمَنَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الضَّالِّ فَقِيلَ أَخْذُهُ أَفْضَلُ إحْيَاءً لَهُ وَقِيلَ تَرْكُهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ مَكَانَهُ فَيَلْقَاهُ مَوْلَاهُ وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ لَا يَحْبِسُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ وَلَا يَأْبَقُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْفَعَةٌ آجَرَهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ رَدَّهُ مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ وَهُوَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ إلَّا بِالشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِمَنَافِعِهِ فَأَشْبَهَ رَدَّ الْعَبْدِ الضَّالِّ وَاللُّقَطَةِ وَلِأَنَّ رَدَّهُ نَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ وَهُوَ فَرْضٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِإِقَامَتِهِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ نَزَلَ نَسْمَعُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «جُعْلُ الْآبِقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا» وَالصَّحَابَةُ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ أَصْلِ الْجُعْلِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَوْجَبَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَأَوْجَبَ عُمَرُ دِينَارًا أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَأَوْجَبَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دِينَارًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ قَالَ إنْ رَدَّهُ فِي الْمِصْرِ فَلَهُ عَشَرَةٌ وَإِنْ رَدَّهُ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ اسْتَحَقَّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَيُحْمَلُ الْكُلُّ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّقْدِيرِ ثُمَّ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ أَرْبَعِينَ عَلَى مَسِيرَةِ السَّفَرِ وَمَا دُونَهُ عَلَى مَا دُونَهَا تَوْفِيقًا وَتَلْفِيقًا وَلِأَنَّ إيجَابَهُ حَامِلٌ لَهُ عَلَى الرَّدِّ إذْ الْحِسْبَةُ نَادِرَةٌ فَتَحْصُلُ صِيَانَةُ أَمْوَالِ النَّاسِ وَإِيجَابُ الْمُقَدَّرِ بِالسَّمْعِ وَلَا سَمْعَ فِي الضَّالِّ وَاللُّقَطَةِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ إذْ الْإِلْحَاقُ مُمْتَنِعٌ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى صِيَانَةِ الضَّالِّ دُونَ الْحَاجَةِ إلَى صِيَانَةِ الْآبِقِ لِأَنَّ الْآبِقَ يَخْتَفِي وَالضَّالَّ يَبْرُزُ فَيَظْهَرُ وَقَوْلُهُ نَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ قُلْنَا هَذَا تَعْلِيلٌ بِمُقَابَلَةِ الْمَنْقُولِ فَلَا يَصِحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْهُ) يَعْنِي لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ قِيمَتُهُ إلَّا دِرْهَمًا لِأَنَّ وُجُوبَهُ ثَبَتَ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ نَظَرًا لَهُمْ وَلَا نَظَرَ فِي إيجَابِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ تَقْدِيرَهُ ثَبَتَ شَرْعًا بِلَا تَعَرُّضٍ لِقِيمَتِهِ فَيُمْنَعُ النُّقْصَانُ كَمَا تُمْنَعُ الزِّيَادَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الصُّلْحَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَى الْأَقَلِّ لِأَنَّهُ حَطَّ الْبَعْضَ وَهُوَ لَوْ حَطَّ الْكُلَّ كَانَ جَائِزًا فَكَذَا الْبَعْضُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَرُوِيَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلُ قَوْلِ صَاحِبِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْهُ قَدْرُ مَا تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَدَّهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا فَبِحِسَابِهِ) أَيْ لِأَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ السَّفَرِ يَجِبُ بِحِسَابِهِ لِأَنَّ الْعِوَضَ يُوَزَّعُ عَلَى الْمُعَوَّضِ ضَرُورَةَ الْمُقَابَلَةِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَرْضَخُ لَهُ إذَا وَجَدَهُ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمِصْرِ ثُمَّ إنْ اتَّفَقَا عَلَى الرَّضْخِ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْإِمَامُ يُقَدِّرُهُ وَإِنْ رَدَّهُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ مَسِيرَةِ السَّفَرِ لَا يُزَادُ عَلَى أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمُدَّةِ السَّفَرِ فَلَا يُزَادُ بِزِيَادَتِهَا كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ فَلَا يَأْخُذُ مَنْ أَوْفَى حَتَّى يُوَفِّيَ كُلَّهُ كَالْمَبِيعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ مَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْعَجْزَ عَنْ ذَلِكَ وَالضَّعْفَ وَلَا يُعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي اللُّقَطَةِ بَيْنَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُهُ عَلَى الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ مَعَ قُدْرَةٍ تَامَّةٍ عَلَيْهِ فَيَجِبُ أَخْذُهُ أَوْ لَا فَلَا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ بَاعَهُ الْقَاضِي وَحَفِظَ ثَمَنَهُ) أَيْ حَتَّى يَجِيءَ طَالِبُهُ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّ الْعَبْدَ عِنْدَهُ فَيَدْفَعُ الثَّمَنَ وَلَا يُنْتَقَضُ بَيْعُ الْإِمَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الضَّالِّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ الضَّالِّ قِيلَ أَخْذُهُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ النَّفْسِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَقِيلَ يَتْرُكُهُ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ مُنْتَظِرًا لِمَوْلَاهُ حَتَّى يَجِدَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ انْتِظَارَهُ فِي مَكَان غَيْرِ مُتَزَحْزِحٍ عَنْهُ غَيْرُ وَاقِعٍ بَلْ نَجِد الضُّلَّالَ يَدُورُونَ مُتَحَيِّرِينَ ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَاجِدُ الضَّالِّ مَوْلَاهُ وَلَا مَكَانَهُ أَمَّا إذَا عَلِمَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي أَفْضَلِيَّةِ أَخْذِهِ وَرَدِّهِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَهُوَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) أَيْ فَصَاعِدًا اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِمَنَافِعِهِ) أَيْ فَإِذَا تَبَرَّعَ عَلَيْهِ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ فَكَذَا إذَا تَبَرَّعَ بِمَنَافِعَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ رَدَّ الْعَبْدِ الضَّالِّ وَاللُّقَطَةِ) أَيْ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي رَدِّهِمَا شَيْئًا بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ جُعْلٌ) الْجُعْلُ مَا يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ عَلَى عَمَلِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ قِيمَتُهُ إلَّا دِرْهَمًا) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بَعْدَ ذَلِكَ لَهُ الْجُعْلُ ثَانِيًا وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْخِلَافَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ وَكَذَلِكَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْفِقْهِ أَيْضًا وَلَمْ يَذْكُرُوا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَوْلَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَوْ دُونَهَا فَإِنَّمَا يُنْقَصُ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يَجِبُ الْجُعْلُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمًا وَاحِدًا وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَيْضًا اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَرْضَخُ لَهُ) يُقَالُ رَضَخَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ مِنْ مَالِهِ إذَا أَعْطَاهُ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ) أَيْ فَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ غَائِبًا فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ حَتَّى يُعْطِيَ تَمَامَ الْجُعْلِ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِنَصِيبِ الْغَائِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيمَا يُعْطِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى نَصِيبِهِ إلَّا بِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا رَدَّهُ بِلَا اسْتِعَانَةٍ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِآخَرَ إنَّ عَبْدِي قَدْ أَبَقَ فَإِذَا وَجَدْته خُذْهُ فَوُجِدَ فَرَدَّهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ لِأَنَّ مَالِكَهُ اسْتَعَانَ بِهِ وَوَعَدَهُ الْإِعَانَةَ وَالْمُعِينُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى يُوَفِّيَ كُلَّهُ) أَيْ كُلَّ الْجُعْلِ اهـ

الْمَحْبُوسِ بِالثَّمَنِ وَإِنْ رَدَّ عَبْدَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَلَوْ رَدَّ جَارِيَةً مَعَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ يَكُونُ تَبَعًا لِأُمِّهِ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْجُعْلِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا يَجِبُ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ) لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَانِ لِلْمَوْلَى ويستكسبهما كَالْقِنِّ فَحَصَلَ بِهِ إحْيَاءُ الْمَالِيَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ إحْيَاءُ مَالِ الْمَوْلَى هَذَا إذَا رَدَّهُمَا فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى وَإِنْ رَدَّهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ فَتَكُونُ حُرَّةً وَلَا جُعْلَ فِي الْحُرِّ وَكَذَا الْمُدَبَّرُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ حُرٌّ عَلَيْهِ دَيْنٌ إذْ الْعِتْقُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ مُكَاتَبٌ وَلَا جُعْلَ فِي الْمُكَاتَبِ وَإِنْ رَدَّ الْقِنَّ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إنْ كَانَ الرَّادُّ أَجْنَبِيًّا وَإِنْ كَانَ وَارِثًا يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّ الْعَمَلَ يَقَعُ فِي مَحَلٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَفِيهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنْ أَخَذَهُ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ فِي حِصَّةِ غَيْرِهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ إنَّ وُجُوبَ الْجُعْلِ يُضَافُ إلَى التَّسْلِيمِ لَا إلَى الْأَخْذِ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَسْقُطُ وَوَقْتُ التَّسْلِيمِ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ وَلَهُمَا أَنَّ الْوُجُوبَ مُضَافٌ إلَى الْعَمَلِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تُسْتَحَقُّ بِالْعَمَلِ وَأَثَرُ التَّسْلِيمِ فِي الْمُبَادَلَةِ فِي تَأْكِيدِ الْبَدَلِ لَا فِي إيجَابِهِ إلَّا أَنَّ سَبَبَ التَّأْكِيدِ إذَا فَاتَ يَسْقُطُ الْبَدَلُ بَعْدَ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَهُنَا التَّسْلِيمُ فَاتَ فِي حِصَّتِهِ إذْ لَا يَكُونُ مُسَلِّمًا وَمُتَسَلِّمًا وَلَمْ يَفُتْ فِي حِصَّةِ غَيْرِهِ فَيَتَأَكَّدُ عَلَيْهِمْ حِصَّتُهُمْ كَمَا لَوْ خَاطَ أَوْ صَبَغَ ثَوْبًا لِمُوَرِّثِهِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَسْقُطُ الْأَجْرُ فِي حِصَّتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَهُ وَالْمَوْلَى مَيِّتٌ لِأَنَّ الْعَمَلَ وَقَعَ فِي مَحَلٍّ مُشْتَرَكٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ رَدَّ عَبْدَ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ سَائِرَ أَقَارِبِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجُعْلُ إذَا كَانَ فِي عِيَالِ الْمَوْلَى لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالرَّدِّ تَبَرُّعًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ وَجَبَ الْجُعْلُ لَهُ إلَّا الِابْنُ إذَا رَدَّ عَبْدَ أَبِيهِ أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رَدَّ عَبْدَ الْآخَرِ فَإِنَّهُمَا لَا يَجِبُ لَهُمَا الْجُعْلُ مُطْلَقًا لِأَنَّ رَدَّ الْآبِقِ عَلَى الْمَوْلَى نَوْعُ خِدْمَةٍ لِلْمَوْلَى وَخِدْمَةُ الْأَبِ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَى الِابْنِ فَلَا تُقَابَلُ بِأَجْرٍ وَكَذَا خِدْمَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا رَدَّ عَبْدَ الْيَتِيمِ لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ وَلَا جُعْلَ لِلسُّلْطَانِ إذَا رَدَّ آبِقًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَبَقَ مِنْ الرَّادِّ لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إذَا أَشْهَدَ وَقْتَ الْأَخْذِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي اللُّقَطَةِ وَلَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَلَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ فَرَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ فَالْجُعْلُ لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى وَلَوْ جَاءَ بِهِ إلَى الْمَوْلَى فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْهُ قَبْضٌ مَعْنًى وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ قَبْضٌ لَهُ وَلَوْ دَبَّرَهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلَا جُعْلَ لَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَيْسَ بِقَبْضٍ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الرَّادِّ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ لِسَلَامَةِ الْبَدَلِ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ لَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ حَتَّى كَانَ لَهُ حَبْسُهُ بِالْجُعْلِ كَمَا يُحْبَسُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ الْمَبِيعِ ثُمَّ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْتَحِقُّ الثَّمَنَ فَكَذَا هَذَا. هَذَا إذَا صَدَّقَهُ الْمَوْلَى فِي الْإِبَاقِ وَإِنْ كَذَّبَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ مِنْ الْآخِذِ قَدْ ظَهَرَ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ مَا يُبَرِّئُهُ عَنْهُ إلَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمَوْلَى بِأَنَّهُ أَبَقَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَشْهَدُ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ) لِأَنَّ الْإِشْهَادَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَتَرْكُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْإِشْهَادِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ يَكُونُ ضَامِنًا وَلَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إذَا رَدَّهُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ وَيَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إذَا رَدَّهُ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي اللُّقَطَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إلَّا إذَا أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ اتَّهَبَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجُعْلُ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّهُ أَحْيَا دَيْنَهُ بِالرَّدِّ لِرُجُوعِهِ بِهِ بَعْدَ سُقُوطِهِ فَحَصَلَ سَلَامَةُ مَالِيَّتِهِ لَهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَهَلَكَ دَيْنُهُ وَالرَّدُّ فِي حَيَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ الرَّادُّ اثْنَيْنِ وَالْآبِقُ وَاحِدًا فَلَهُمَا جُعْلٌ وَاحِدٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ اهـ اق (قَوْلُهُ لَا يَسْقُطُ الْأَجْرُ فِي حِصَّتِهِ) الظَّاهِرُ يَدُلُّ قَوْلُهُ فِي حِصَّتِهِ فِي حِصَّتِهِمْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا الِابْنَ إذَا رَدَّ عَبْدَ أَبِيهِ أَوْ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ كَانَ الرَّادُّ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ وَجَدَ الرَّجُلُ عَبْدَ أَبِيهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي عِيَالِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ وَإِنْ وَجَدَ الْأَبُ عَبْدَ ابْنِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَلَهُ الْجُعْلُ وَإِنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ وَكَذَلِكَ الْأَخُ وَسَائِرُ ذَوِي الْأَرْحَامِ إذَا وَجَدَ عَبْدَ أَخِيهِ إنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَلَهُ الْجُعْلُ إلَى هُنَا لَفْظُهُ وَجُمْلَتُهُ مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَهُوَ مَا إذَا رَدَّ الْآبِقَ وَاحِدٌ مِنْ أَقْرِبَاءِ الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّادُّ وَلَدًا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الرَّادَّ بَائِعٌ مِنْ وَجْهٍ وَأَجِيرٌ مِنْ وَجْهٍ وَأَيُّ ذَلِكَ اعْتَبَرْنَا وَجَبَ الْجُعْلُ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ قَرِيبِهِ اسْتَحَقَّ الثَّمَنَ وَلَوْ عَمِلَ لَهُ بِإِجَارَةٍ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ وَإِنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَوَجَبَ الْجُعْلُ قِيَاسًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجِبُ لِأَنَّ الرَّدَّ حَصَلَ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ عُرْفًا وَعَادَةً فَإِنَّ الْعُرْفَ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ مَنْ أَبَقَ عَبْدُهُ إنَّمَا يَطْلُبُهُ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَيَرُدُّهُ مُتَبَرِّعًا فَلَوْ ثَبَتَ التَّبَرُّعُ نَصًّا لَا يَجِبُ الْجُعْلُ فَكَذَا إذَا ثَبَتَ عُرْفًا لِأَنَّ الثَّابِتَ عُرْفًا كَالثَّابِتِ نَصًّا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ لَمْ يُوجَدْ لَا نَصًّا وَلَا عُرْفًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَحْيَا دَيْنَهُ بِالرَّدِّ لِرُجُوعِهِ بِهِ) أَيْ لِرُجُوعِ الدَّيْنِ بِالرَّدِّ بَعْدَ مَا سَقَطَ وَلَوْلَا الرَّدُّ لَاسْتَمَرَّ ذَهَابُهُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

[كتاب المفقود]

الرَّاهِنِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِمَا هَذَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ جَعَلَ حِصَّةَ الْمَضْمُونِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَحِصَّةَ الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَضْمُونِ فَصَارَ كَثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ وَالْفِدَاءِ مِنْ الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَانَ مَدِينًا فَالْجُعْلُ عَلَى الْمَوْلَى إنْ اخْتَارَ قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ وَإِنْ أَبَى بِيعَ الْعَبْدُ وَأَخَذَ الرَّادُّ جُعْلَهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَمَا بَقِيَ يُعْطَى لِأَصْحَابِ الدُّيُونِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَسْتَقِرُّ لَهُ الْمِلْكُ وَإِنْ كَانَ جَانِيًا فَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فَالْجُعْلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ طَهَّرَهُ عَنْ الْجِنَايَةِ بِاخْتِيَارِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ وَأَحْيَا الرَّادُّ مَالِيَّتَهُ بِالرَّدِّ إلَيْهِ وَإِنْ اخْتَارَ دَفْعَهُ بِالْجِنَايَةِ فَالْجُعْلُ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ بِالرَّدِّ أَحْيَا حَقَّهُ وَإِنْ كَانَ مَوْهُوبًا فَعَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الرَّدِّ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عِنْدَ الرَّدِّ فَزَوَالُهُ بِالرُّجُوعِ بَعْدَ ذَلِكَ كَزَوَالِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ وَلِأَنَّ زَوَالَ مِلْكِهِ بِالرُّجُوعِ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَهُوَ تَرْكُهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوَاجِبُ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَالْمَدِينِ وَجُعْلُ عَبْدِ الصَّبِيِّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ وَلَوْ رَدَّهُ وَصِيَّةً لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِهِ وَجُعْلُ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ ضَمَانَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْغَاصِبِ وَجُعْلُ عَبْدِ رَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ وَخِدْمَتُهُ لِآخَرَ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ فِي الْحَالِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ رَجَعَ بِهِ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَيُبَاعُ الْعَبْدُ بِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَمْرُ نَفَقَتِهِ كَاللُّقَطَةِ) لِأَنَّهُ لُقَطَةٌ حَقِيقَةً فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ مِنْ أَنَّ الْآخِذَ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَوْلَى عِنْدَ الْإِذْنِ وَفِي حَبْسِهِ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَ حُضُورِ مَوْلَاهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُؤَجِّرُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [كِتَاب الْمَفْقُود] (كِتَابُ الْمَفْقُودِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ غَائِبٌ لَمْ يُدْرَ مَوْضِعُهُ) وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ مِنْ الْأَضْدَادِ يَقُولُ الرَّجُلُ فَقَدْت الشَّيْءَ أَيْ أَضْلَلْته وَفَقَدْته أَيْ طَلَبْته وَكُلٌّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ مُتَحَقِّقٌ فِي الْمَفْقُودِ فَقَدْ ضَلَّ عَنْ أَهْلِهِ وَهُمْ فِي طَلَبِهِ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ غَائِبٌ لَمْ يُدْرَ مَوْضِعُهُ وَحَيَاتُهُ وَمَوْتُهُ، وَأَهْلُهُ فِي طَلَبِهِ يَجِدُّونَ وَقَدْ انْقَطَعَ عَنْهُمْ خَبَرُهُ وَخَفِيَ عَلَيْهِمْ أَثَرُهُ فَبِالْجِدِّ قَدْ يَصِلُونَ إلَى الْمُرَادِ وَرُبَّمَا يَتَأَخَّرُ اللِّقَاءُ إلَى يَوْمِ التَّنَادِ وَحُكْمُهُ فِي الشَّرْعِ أَنَّهُ حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى لَا يُقْسَمَ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ مَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى لَا يَرِثَ مِنْ أَحَدٍ مَاتَ مِنْ أَقَارِبِهِ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَيَاتِهِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي إبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَلَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيُنَصِّبُ الْقَاضِي مَنْ يَأْخُذُ حَقَّهُ وَيَحْفَظُ مَالَهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَّبَ نَاظِرَ الْكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَقَدْ عَجَزَ الْمَفْقُودُ فَصَارَ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَفِي نَصْبِ مَا ذَكَرْنَا نَظَرٌ لَهُ فَيَفْعَلُ وَقَوْلُهُ مَنْ يَأْخُذُ حَقَّهُ يَعْنِي يَقْبِضُ غَلَّاتِهِ وَالدُّيُونَ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا غُرَمَاؤُهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَا يُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ لَمْ يُقِرَّ بِهِ الْغَرِيمُ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ عَرَضٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضَمُّنِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِيمَنْ وَكَّلَهُ الْمَالِكُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ هَلْ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ أَمْ لَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَمْلِكُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. فَإِذَا كَانَ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا فَلَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ جَازَ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ قِيلَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ نَفْسُ الْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ نَفَاذُهُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاضِي مَحْدُودًا فِي الْقَذْفِ قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ أَمْ لَا فَإِذَا رَآهَا الْقَاضِي حُجَّةً وَقَضَى بِهَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ هَكَذَا ذُكِرَ هُنَا وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ وَإِلَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ أَبَدًا فَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ حَتَّى يُنَفِّذَهُ حَاكِمٌ آخَرُ بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ حَيْثُ يُبَاعُ وَيُقَدَّمُ الْجُعْلُ ثُمَّ الْبَاقِي لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ اهـ اق. (كِتَابُ الْمَفْقُودِ) قَالَ فِي النُّقَايَةِ هُوَ غَائِبٌ لَمْ يُدْرَ أَثَرُهُ حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا تُنْكَحُ عِرْسُهُ وَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ وَلَا تَنْفَسِخُ إجَارَتُهُ. اهـ.

مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي وَاقِعَةٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ حَيْثُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيذِ أَحَدٍ لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا قَبْلَ الْحُكْمِ ثُمَّ الْوَكِيلُ الَّذِي نَصَّبَهُ الْقَاضِي يُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِيهِ فَتَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَيْهِ وَيَبِيعُ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ حِفْظُ صُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَتَعَيَّنَ النَّظَرُ فِيهِ بِحِفْظِ الْمَعْنَى وَلَا يَبِيعُ مَا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ فِي نَفَقَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا فِي حِفْظِ مَالِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ حِفْظِ الصُّورَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى قَرِيبِهِ وِلَادًا وَزَوْجَتِهِ) أَيْ يُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ عَلَى فُرُوعِهِ وَأُصُولِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وِلَادًا وَعَلَى زَوْجَتِهِ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلِهَذَا لَوْ ظَفِرُوا بِمَالِهِ أَخَذُوهُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَيَكُونُ الْقَضَاءُ إعَانَةً لَهُمْ فَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ غَيْرِ الْوِلَادِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ لَا تَجِبُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِمَا أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَوْ قَضَى لَهُمْ لَكَانَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُهُ مِنْ مَالِهِ الْمُرَادُ بِهِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي مَالِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ النَّقْدَانِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ وَالتِّبْرُ بِمَنْزِلَتِهِمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قِيمَةً كَالنُّقُودِ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمَا إذَا كَانَ الْمُودِعُ وَالْمَدِينُ مُقِرَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ وَالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ إذَا لَمْ يَكُونَا ظَاهِرَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَا ظَاهِرَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقْرَارِهِمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَاهِرًا دُونَ الْآخَرِ يُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ بِمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي الصَّحِيحِ فَإِنْ دَفَعَا إلَيْهِمْ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ الْمُودِعُ وَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ لِتَعَدِّي الْمُودِعِ وَعَدَمِ إيصَالِ الدَّيْنِ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ نَائِبِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ إلَى الْقَاضِي نَفْسُهُ أَوْ إلَى غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةُ الدَّفْعِ وَالْأَخْذِ فَإِذَا كَانَا جَاحِدَيْنِ أَصْلًا أَوْ كَانَا جَاحِدَيْ السَّبَبِ مِنْ النَّسَبِ وَالزَّوْجِيَّةِ لَمْ يَنْتَصِبْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ خَصْمًا فِيهِ لِأَنَّ مَا يُثْبِتُهُ لِلْغَائِبِ وَهُوَ الْمَالُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِحَقِّهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ آخَرُ غَيْرُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَقُّهُ مُتَعَيِّنًا فِيهِ كَالشَّفِيعِ يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ شِرَاءَ الْمَشْفُوعِ مِنْ الْمَالِكِ الْغَائِبِ وَكَالْعَبْدِ يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ مَوْلَاهُ الْغَائِبِ وَأَعْتَقَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ فِي مِثْلِهِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ ذَلِكَ فِي الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ وَلِأَنَّهُ فَاتَ حَقُّهَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ اعْتِبَارًا بِالْعُنَّةِ وَالْإِيلَاءِ فَأَخَذَ مِنْهُمَا الْمِقْدَارَ الْأَرْبَعَ مِنْ الْإِيلَاءِ وَالسِّنِينَ مِنْ الْعُنَّةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ لِأَنَّ حَقَّهَا فَاتَ وَهُوَ مَعْذُورٌ فِي الْعُنَّةِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ كَمَا فِي الْعُنَّةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إنَّهَا امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهَا هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَسْتَبِينَ مَوْتُهُ أَوْ طَلَاقُهُ فَكَانَا بَيَانًا لِلْبَيَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَرْفُوعِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ حَقُّهُ وَهُوَ حَيٌّ فِي إبْقَاءِ حَقِّهِ وَلِهَذَا لَا يُورَثُ مَالُهُ لِلْحَالِ فَكَذَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَقَدْ صَحَّ رُجُوعُ عُمَرَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَالتَّفْرِيقُ فِي الْإِيلَاءِ لِرَفْعِ الظُّلْمِ وَلَا ظُلْمَ فِي الْمَفْقُودِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا مُعَجَّلًا فَأَجَّلَهُ الشَّارِعُ فَكَانَ إيقَاعًا بِخِلَافِ الْغَيْبَةِ فَلَا تُقَاسُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْعُنَّةِ لِأَنَّ الْغُرْبَةَ يَعْقُبُهَا الرُّجُوعُ وَالْعُنَّةُ لَا تَزُولُ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهَا سَنَةً عَادَةً فَانْعَدَمَ شَرْطُ الْقِيَاسِ وَهُوَ الِاسْتِوَاءُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ بَعْدَ تِسْعِينَ سَنَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَاهِرًا) أَيْ الْوَدِيعَةُ وَالدَّيْنُ أَوْ النِّكَاحُ وَالنَّسَبُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِحَقِّهِ) أَيْ وَهُوَ النَّفَقَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ) أَيْ جَرَّتْهُ اهـ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ أَنَا لَقِيت الْمَفْقُودَ فَحَدَّثَنِي حَدِيثَهُ قَالَ أَكَلْت خَزِيرًا بِالزَّايِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مَرَقَةٌ تُطْبَخُ بِمَا يُصَفَّى مِنْ بَلَالَةِ النُّخَالَةِ فِي أَهْلِي ثُمَّ خَرَجَتْ فَأَخَذَنِي نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَمَكَثْت فِيهِمْ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ فِي عِتْقِي فَأَعْتَقُونِي ثُمَّ أَتَوْا بِي قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا أَتَعْرِفُ النَّخِيلَ قُلْت نَعَمْ فَخَلُّوا عَنِّي فَجِئْت فَإِذَا عُمَرُ أَبَانَ امْرَأَتِي بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجْت فَخَيَّرَنِي عُمَرُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيَّ وَبَيْنَ الْمَهْرِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَرَوْنَ أَنَّ عُمَرَ هَمَّ بِتَأْدِيبِهِ حِينَ رَآهُ وَجَعَلَ يَقُولُ يَغِيبُ أَحَدُكُمْ عَنْ امْرَأَتِهِ هَذِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ وَلَا يَبْعَثُ بِخَبَرِهِ فَقَالَ لَا تَعَجَّلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَذَكَرَ لَهُ قِصَّتَهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْجِنَّ يَتَسَلَّطُونَ عَلَى بَنِي آدَمَ وَأَهْلُ الزَّيْغِ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْمُسْتَنْكَرُ دُخُولُهُمْ فِي الْآدَمِيِّ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ رُوحَيْنِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ لَا يَتَحَقَّقُ. وَقَدْ يُتَصَوَّرُ تَسَلُّطُهُمْ عَلَى الْآدَمِيِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلُوا فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْجِنُّ أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْمِلُوا جِسْمًا كَثِيفًا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ وَلَكِنَّا نَأْخُذُ بِمَا وَرَدَ بِهِ الْآثَارُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّهُ يَدْخُلُ فِي رَأْسِ الْإِنْسَانِ فَيَكُونُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِهِ» فَنَتَّبِعُ الْآثَارَ وَلَا نَشْتَغِلُ بِكَيْفِيَّةِ ذَلِكَ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَفِي طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ وَكَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ يَقُولُ إنَّ هَذَا الْمَفْقُودَ كَانَ اسْمُهُ خُرَافَةَ وَكَانَ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ الْجِنِّ يَحْكِي عَنْهُمْ أَشْيَاءَ يَتَعَجَّبُ مِنْهَا وَيَتَوَقَّفُ فِي صِحَّتِهَا فَكَانُوا يَقُولُونَ هَذَا حَدِيثُ خُرَافَةَ وَصَارَ هَذَا مَثَلًا يُضْرَبُ عِنْدَ سَمَاعِ مَا لَا تُعْرَفُ صِحَّتُهُ وَالْخُرَافَاتُ كُلُّ مَا لَا صِحَّةَ لَهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ هَذَا اهـ وَاسْتَبْعَدَهَا فِي الْمُغْرِبِ لِأَنَّ الْمَفْقُودَ كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَخُرَافَةُ كَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ.

[كتاب الشركة]

لِأَنَّ الْغَالِبَ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْفَضْلِيِّ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ حَامِدٍ وَأَبُو يُوسُفَ قَدَّرَهُ بِمِائَةِ سَنَةٍ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمَوْتِ الْأَقْرَانِ فِي بَلَدِهِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إلَى أَمْثَالِهِ فِيمَا تَقَعُ الْحَاجَةُ فِيهِ إلَى مَعْرِفَتِهِ طَرِيقُ الشَّرْعِ كَقَيِّمِ الْمُتْلَفَاتِ وَمَهْرِ مِثْلِ النِّسَاءِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَوْتِهِ فَحَكَمَ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ بَعْدَ أَقْرَانِهِ نَادِرٌ وَمَبْنَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْغَالِبِ لَا عَلَى النَّادِرِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَكَذَا غَلَبَةُ الظَّنِّ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ إذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِي أَدْنَى مُدَّةٍ أَنَّهُ مَاتَ لَا سِيَّمَا إذَا دَخَلَ فِي مَهْلَكَةٍ وَمَا كَانَ سَبَبُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي مُدَّتِهِ إلَّا لِاخْتِلَافِ آرَائِهِمْ فِيهِ فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ وَوَرِثَ مِنْهُ حِينَئِذٍ لَا قَبْلَهُ) أَيْ حِينَ حَكَمَ بِمَوْتِهِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَرِثَهُ إلَّا وَرَثَتُهُ الْمَوْجُودُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ وَرَثَتِهِ كَأَنَّهُ مَاتَ فِيهِ عِيَانًا لِأَنَّ الْحُكْمِيَّ مُعْتَبَرٌ بِالْحَقِيقِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرِثُ مِنْ أَحَدٍ مَاتَ) أَيْ لَا يَرِثُ الْمَفْقُودُ مِنْ أَحَدٍ مَاتَ مِنْ أَقَارِبِهِ حَالَ فَقْدِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ حَيًّا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لَأَنْ يَسْتَحِقَّ بِهِ مَالَ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا يَدْفَعُ بِهِ اسْتِحْقَاقَ مَالِيَّةِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ حَيٌّ فِي مَالِهِ مَيِّتٌ فِي حَقِّ مَالِ غَيْرِهِ هَذَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ إلَى أَنْ يُحْكَمَ بِمَوْتِهِ وَإِنْ عُلِمَ حَيَاتُهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يَرِثُ مِمَّنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلِهَذَا يُوقَفُ نَصِيبُهُ مِنْ مَالِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَقَارِبِهِ كَمَا فِي الْحَمْلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَيًّا فَيَرِثُ فَإِنْ تَبَيَّنَ حَيَاتُهُ فِي وَقْتٍ مَاتَ فِيهِ قَرِيبُهُ كَانَ لَهُ وَإِلَّا يَرُدَّ الْمَوْقُوفَ لِأَجَلِهِ إلَى وَارِثِ مُورِثِهِ الَّذِي وَقَفَ مِنْ مَالِهِ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِوَقْفِ الْمُوصَى بِهِ إلَى أَنْ يَحْكُمَ بِمَوْتِهِ فَإِذَا حَكَمَ بِمَوْتِهِ يَرُدُّ الْمَالَ الْمُوصَى بِهِ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ يُحْجَبُ بِهِ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا وَإِنْ انْتَقَصَ حَقُّهُ بِهِ) أَيْ بِالْمَفْقُودِ (يُعْطِي أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي كَالْحَمْلِ) لِأَنَّ مُتَرَدِّدٌ فَيُعْمَلُ بِالْأَحْوَطِ فَالْأَحْوَطُ كَالْحَمْلِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِي تَصْحِيحِ مَسَائِلِ الْمَفْقُودِ هُوَ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَتُصَحَّحُ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ مَمَاتِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ بَيْنَ التَّصْحِيحَيْنِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ وَإِلَّا اضْرِبْ الْجَمِيعَ فِي الْجَمِيعِ ثُمَّ مَنْ كَانَ يَسْقُطُ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ أَوْ مَمَاتِهِ فَتُسْقِطُهُ وَمَنْ كَانَ يُنْتَقَصُ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَلَا يَسْقُطُ يُعْطَى أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي وَمَنْ لَا يَتَغَيَّرُ نَصِيبُهُ فِي الْحَالَتَيْنِ يُعْطَى نَصِيبَهُ كَامِلًا مِثَالُهُ تَرَكَتْ امْرَأَةٌ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتًا لِأَبَوَيْنِ وَأَخًا كَذَلِكَ مَفْقُودًا فَلِلَامِ السُّدُسُ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ مَمَاتِهِ الرُّبْعُ وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ وَفَاتِهِ الرُّبْعُ وَالثُّمُنُ وَكَذَا لِلْأُخْتِ عَلَى تَقْدِيرِ مَمَاتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ لَهَا التُّسْعُ فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْأَقَلُّ وَيُوقَفُ الْبَاقِي مِنْ نَصِيبِهِ وَلَوْ تَرَكَ رَجُلٌ بِنْتَيْنِ وَأَخًا لِأَبٍ وَبِنْتَ ابْنٍ وَابْنَ ابْنٍ مَفْقُودًا فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلِبِنْتِ الِابْنِ التُّسْعُ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَى تَقْدِيرِ مَمَاتِهِ وَلِلْأَخِ الثُّلُثُ عَلَى تَقْدِيرِ مَمَاتِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ فَيُعْطَى الْبِنْتَانِ الثُّلُثَيْنِ وَلَا يُعْطَى الْأَخُ وَلَا بِنْتُ الِابْنِ شَيْئًا كَمَا فِي الْحَمْلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَابُ الشِّرْكَةِ) وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ اخْتِلَاطِ النَّصِيبَيْنِ فَصَاعِدًا بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَمِنْهُ الشَّرَكُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ مِثَالُهُ تَرَكَتْ امْرَأَةٌ زَوْجًا إلَخْ) هَذَا مِثَالٌ لِصُورَةِ انْتِقَاصِ حِصَّةِ الْوَارِثِ الْحَاضِرِ بِالْمَفْقُودِ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ مَمَاتِهِ الرُّبْعُ) أَيْ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ عَائِلَةً لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ ثُمَّ بِالْعَوْلِ صَارَ ثُلُثُهَا رُبْعًا وَصَارَ نِصْفُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجِ وَالْأُخْتِ رُبْعًا وَثُمُنًا كَمَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَكَذَا لِلْأُخْتِ) أَيْ رُبْعٌ وَثُمُنٌ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَرَكَ رَجُلٌ بِنْتَيْنِ) هَذَا مِثَالٌ لِصُورَةِ مَا يُحْجَبُ فِيهِ الْوَارِثُ الْحَاضِرُ بِالْمَفْقُودِ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ الشِّرْكَةِ] هُوَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ فِي الْمَعْرُوف أَوْ رَدِّ الشِّرْكَةِ عَقِبَ الْمَفْقُودِ لِتَنَاسُبِهِمَا بِوَجْهَيْنِ كَوْنُ مَالِ أَحَدِهِمَا أَمَانَةً فِي يَدِ الْآخَرِ كَمَا أَنَّ مَالَ الْمَفْقُودِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْحَاضِرِ وَكَوْنُ الِاشْتِرَاكِ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ كَمَا لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ وَلَهُ وَارِثٌ آخَرُ وَالْمَفْقُودُ حَيٌّ وَهَذِهِ عَامَّةٌ فِيهِمَا وَفِي الْآبِقِ وَاللُّقَطَةُ وَاللَّقِيطُ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِ مَالٍ مَعَ اللَّقِيطِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمَفْقُودَ عَلَيْهِمَا وَأَوْلَاهُ الْإِبَاقُ لِشُمُولِ عَرَضِيَّةِ الْهَلَاكِ كُلًّا مِنْ نَفْسِ الْمَفْقُودِ وَالْآبِقِ وَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ تَخَيَّلَ أَنَّ عَرْضِيَّةَ الْهَلَاكِ لِلْمَالِ فَقَالَ لِأَنَّ الْمَالَ عَلَى عَرْضِيَّةِ التَّوَى وَحَاصِلُ مَحَاسِنِ الشَّرِكَةِ يَرْجِعُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ فِي تَحْصِيلِ الْمَالِ وَالشِّرْكَةُ لُغَةً خَلْطُ النَّصِيبَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا وَمَا قِيلَ إنَّهُ اخْتِلَاطُ النَّصِيبَيْنِ تَسَاهُلٌ فَإِنَّ الشِّرْكَةَ اسْمُ الْمَصْدَرِ وَالْمَصْدَرُ الشِّرْكُ مَصْدَرُ شَرِكْت الرَّجُلَ أَشَرَكُهُ شِرْكًا فَظَهَرَ أَنَّهَا فِعْلُ الْإِنْسَانِ وَفِعْلُهُ الْخَلْطُ وَأَمَّا الِاخْتِلَاطُ فَصِفَةٌ لِلْمَالِ ثَبَتَتْ عَنْ فِعْلِهِمَا لَيْسَ لَهُ اسْمٌ مِنْ الْمَالِ وَلَا يُظَنُّ أَنَّ اسْمَهُ الِاشْتِرَاكُ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِعْلُهُمَا أَيْضًا مَصْدَرُ اشْتَرَكَ الرَّجُلَانِ افْتِعَالٌ مِنْ الشِّرْكَةِ وَيُعَدَّى إلَى الْمَالِ بِحَرْفِ فِي فَيُقَالُ اشْتَرَكَا فِي الْمَالِ أَيْ حَقَّقَا الْخَلْطَ فِيهِ فَالْمَالُ مُشْتَرَكٌ فِيهِ أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ اشْتِرَاكُهُمَا أَيْ خَلْطُهُمَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ مِنْ الْآخَرِ) ثُمَّ يُطْلَقُ اسْمُ الشِّرْكَةِ عَلَى عَقْدِ الشِّرْكَةِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ اخْتِلَاطُ النَّصِيبَيْنِ لِأَنَّ الْعَقْدَ سَبَبٌ لَهُ ثُمَّ رُكْنُ شِرْكَةِ الْمِلْكِ اجْتِمَاعُ النَّصِيبَيْنِ وَحُكْمُهَا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا مُشْتَرَكًا وَكُلُّ وَاحِدٍ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ

بِالتَّحْرِيكِ حِبَالَةُ الصَّائِدِ لِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَاطَ بَعْضِ حَبْلِهِ بِالْبَعْضِ ثُمَّ يُطْلَقُ اسْمُ الشِّرْكَةِ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا لِكَوْنِهِ سَبَبًا لَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الشِّرْكَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ شِرْكَةِ مِلْكٍ وَشِرْكَةِ عَقْدٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي أَثْنَاءِ الْبَحْثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (شِرْكَةُ الْمِلْكِ أَنْ يَمْلِكَ اثْنَانِ عَيْنًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً) وَكَذَا اسْتِيلَاءً أَوْ اتِّهَابًا أَوْ وَوَصِيَّةً أَوْ اخْتِلَاطُ مَالٍ بِغَيْرِ صُنْعٍ أَوْ بِصُنْعِهِمَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَوْ يَعْسُرُ كَالْجِنْسِ بِالْجِنْسِ أَوْ الْمَائِعِ بِالْمَائِعِ أَوْ خَلْطُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الشِّرْكَةِ كَانَ وَاقِعًا فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالشِّرْكَةِ فِي الْمَوَارِيثِ وَالْغَنَائِمِ وَنَحْوِهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلٌّ أَجْنَبِيٌّ فِي قِسْطِ صَاحِبِهِ) أَيْ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ وَإِنْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ جَازَ كَيْفَمَا كَانَ لِوِلَايَتِهِ عَلَى مَالِهِ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لِأَنَّ خَلْطَ الشَّيْءِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ اسْتِهْلَاكٌ وَهُوَ سَبَبٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَخْلُوطِ إلَى الْخَالِطِ لَوْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّعَدِّي فَإِذَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ فَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبُ الزَّوَالِ مِنْ وَجْهٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ زَوَالِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى شَرِيكِهِ فِي حَقِّ الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِ إلَّا بِرِضَا شَرِيكِهِ وَأَمَّا فِيمَا عَدَاهُ مِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الزَّوَالِ فَيُطْلِقُ لَهُ التَّصَرُّفَ وَلِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى حِيَالِهِ لِأَنَّ كُلَّ حَبَّةٍ مُشَارٍ إلَيْهَا لَيْسَتْ بِمُشْتَرَكَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ مِلْكُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَالْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ مَانِعٌ مِنْ الْجَوَازِ بِخِلَافِ غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ أَنْوَاعِ الشِّرْكَةِ لِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَيْنِ وَهُوَ مَعْلُومٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ فَيَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشِرْكَةُ الْعَقْدِ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا شَارَكْتُك فِي كَذَا وَيَقْبَلُ الْآخَرُ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِرُكْنِهِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِأَنْ يَقُولَ شَارَكْتُك فِي بَزٍّ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَقْدَ الشِّرْكَةِ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَكَالَةَ لِيَقَعَ مَا يُحَصِّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيُحَصِّلُ لِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَلِشَرِيكِهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا يَصِحُّ فِيهِ فَيَكُونُ مَا يَكْسِبُهُ لَهُ خَاصَّةً دُونَ صَاحِبِهِ ثُمَّ شِرْكَةُ الْعُقُودِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ شِرْكَةٍ بِالْمَالِ وَشِرْكَةٍ بِالْأَعْمَالِ وَشِرْكَةٍ بِالْوُجُوهِ وَكُلُّ قِسْمٍ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ مُفَاوَضَةٍ وَعَنَانٍ فَصَارَتْ سِتَّةَ أَقْسَامٍ وَعَقْدُ الشِّرْكَةِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُعِثَ وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَ فَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ وَرُوِيَ أَنَّ «السَّائِبَ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنْت شَرِيكِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكُنْتَ خَيْرَ شَرِيكٍ لَا تُدَارِينِي وَلَا تُمَارِينِي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ الثِّقَاتِ «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَإِذَا خَانَ خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ أَنَّ «زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ كَانَا شَرِيكَيْنِ فَاشْتَرَيَا فِضَّةً بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُمَا أَنَّ مَا كَانَ بِنَقْدٍ فَأَجِيزُوهُ وَمَا كَانَ بِنَسِيئَةٍ فَرُدُّوهُ» فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ شِرْكَةَ الْعَقْدِ مَشْرُوعَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ مُفَاوَضَةٌ إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً وَكَفَالَةً وَتَسَاوَيَا مَالًا وَتَصَرُّفًا وَدَيْنًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ بِدُونِ إذْنِهِ وَرُكْنُ شِرْكَةِ الْعُقُودِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ شَارَكْتُك فِي كَذَا وَكَذَا فَيَقُولَ الْآخَرُ قَبِلْت وَحُكْمُهَا الشِّرْكَةُ فِي الرِّبْحِ ثُمَّ شِرْكَةُ الْأَمْلَاكِ عَلَى ضَرْبَيْنِ جَبْرِيٌّ وَاخْتِيَارِيٌّ فَالْأَوَّلُ فِي الْعَيْنِ يَرِثُهَا رَجُلَانِ وَالثَّانِي فِي الْعَيْنِ يَشْتَرِيَانِهَا أَوْ تُوهَبُ لَهُمَا أَوْ تُوصَى لَهُمَا فَقَبِلَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ حِبَالَةُ الصَّائِدِ) حِبَالَةُ الصَّائِدِ بِالْكَسْرِ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا اسْتِيلَاءٌ إلَخْ) مِثْلُ مَا إذَا اسْتَوْلَيَا عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ اتِّهَابًا) أَيْ قَبِلَا عَيْنًا وُهِبَتْ لَهُمَا اهـ (قَوْلُهُ أَوْ اخْتِلَاطُ مَالٍ بِغَيْرِ صُنْعٍ) أَيْ كَمَا إذَا شُقَّ الْكِيسَانِ فَاخْتَلَطَ مَا فِيهِمَا مِنْ الدَّرَاهِمِ اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ خَلْطَ الشَّيْءِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ) أَيْ مِثْلُ خَلْطِ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبُ الزَّوَالِ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ لِوُجُودِ الْخَلْطِ غَيْرُ مَوْجُودٍ مِنْ وَجْهٍ لِانْعِدَامِ صِفَةِ التَّعَدِّي عَنْ الْخَلْطِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ شِرْكَةِ الْعُقُودِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَكَالَةَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عِنَانًا أَوْ مُفَاوَضَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَكَالَةَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ عَقْدَ الشِّرْكَةِ يَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشِّرْكَةِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ بِالتِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ مِنْ طَرِيقِ النُّطْقِ أَوْ الْحُكْمِ وَلَمْ تُوجَدْ الْوِلَايَةُ وَالنُّطْقُ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ فَتَعَيَّنَ الثَّالِثُ لِتَحَقُّقِ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الشِّرْكَةِ وَهُوَ الرِّبْحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالِاحْتِشَاشُ وَنَحْوُ ذَلِكَ) أَيْ كَالِاصْطِيَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهِيَ مُفَاوَضَةٌ إلَخْ) وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا تَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا أَعْرِفُ مَا الْمُفَاوَضَةُ وَقَالَ فِي الْمُخْتَلَفِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أَدْرِي مَا الْمُفَاوَضَةُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَضَمَّنَتْ شَيْئَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ انْفِرَادِهِ لَا يَجُوزُ فَبِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ عِنْدَ انْضِمَامِهِمَا بَيَانُهَا أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ وَالْكَفَالَةَ، وَالْوَكَالَةُ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ لَا تَجُوزُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَكَّلْتُك بِالشِّرَاءِ أَوْ بِشِرَاءِ الثَّوْبِ لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ وَالْكَفَالَةُ بِمَجْهُولٍ لَا تَصِحُّ أَيْضًا بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِمَجْهُولٍ لِمَعْلُومٍ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ كَقَوْلِهِ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ وَهُنَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ الْوَكَالَةُ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ وَالْكَفَالَةُ بِمَجْهُولٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ وَلِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ شَرْطُهَا الْمُسَاوَاةُ عِنْدَكُمْ وَاعْتِبَارُهَا لَا يُمْكِنُ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَكُونُ لَهُ فَضْلٌ عَلَى الْآخَرِ فِي مَتَاعِ الْأَهْلِيِّ أَوْ ثِيَابِ الْبَدَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُهَا لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُ

أَيْ شِرْكَةُ الْعَقْدِ تَكُونُ مُفَاوَضَةً بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْمُسَاوَاةِ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْهَا قَالَ الشَّاعِرُ لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ ... وَلَا سَرَاةً إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا وَالْمُسَاوَاةُ تَكُونُ بِمَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَقِيلَ الْمُفَاوَضَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّفْوِيضِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُفَوِّضُ أَمْرَ الشِّرْكَةِ إلَى صَاحِبِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلِهَذَا كَانَتْ عَامَّةً فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ أَوْ بِالنَّصِّ عَلَى جَمِيعِ مَا تَقْتَضِيهِ الْمُفَاوَضَةُ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ شَرَائِطَهَا فَيُشْتَرَطُ النَّصُّ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى مُقْتَضَاهَا لِتَكُونَ مَعْلُومَةً ظَاهِرَةً وَإِنَّمَا شُرِطَتْ الْوَكَالَةُ فِيهَا لِيَتَحَقَّقَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الشِّرْكَةُ فِي الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ إلَّا بِالْوَكَالَةِ مِنْهُ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ الْوَكَالَةُ بِالْمَجْهُولِ لَا تَجُوزُ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجُوزَ هَذِهِ الشِّرْكَةُ لِتَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّا نَقُولُ التَّوْكِيلُ بِالْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ قَصْدًا. وَيَصِحُّ ضِمْنًا حَتَّى صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ مَعَ الْجَهَالَةِ لِأَنَّهَا تَوْكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ مَجْهُولٍ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ فَكَذَا هَذَا وَأَقْرَبُ مِنْهُ شِرْكَةُ الْعِنَانِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ تَضَمَّنَتْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَهَالَةِ فِي الْوَكَالَةِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَضَمُّنِ عَقْدِ الشِّرْكَةِ الْوَكَالَةَ لِمَا ذَكَرْنَا أَوْ نَقُولُ الْجَهَالَةُ تُفْسِدُ الْعَقْدَ لِكَوْنِهَا مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا لِذَاتِهَا وَهُنَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَتَجُوزُ. وَقَوْلُهُ إنْ تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ لَيْسَ فِيهِ فَائِدَةٌ تَمْتَازُ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الشِّرْكَةِ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدِ شِرْكَةٍ يَتَضَمَّنُهَا وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِهَا فَلَا تَخْتَصُّ بِالْمُفَاوَضَةِ وَشُرِطَتْ الْكَفَالَةُ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الشِّرْكَةِ لِتَثْبُتَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا بِطَلَبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا وَلَا يُقَالُ إنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَكَيْفَ جَازَتْ هُنَا مَعَ جَهَالَتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ فِي التَّكْفِيلِ مَقْصُودًا وَأَمَّا إذَا دَخَلَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ آخَرَ فَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَكَالَةِ مَعَ الْجَهَالَةِ أَوْ نَقُولُ جَوَّزْنَاهُ لِتَعَامُلِ النَّاسِ وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ وَاشْتُرِطَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ لِأَنَّ لَفْظَهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّسَاوِي وَالْمُرَادُ بِهِ التَّسَاوِي فِي مَالٍ تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ كَالنُّقُودِ وَلَا يَضُرُّهَا التَّفَاضُلُ فِي الْعُرُوضِ وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي التَّصَرُّفِ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ شَرْطٌ فِيهَا وَهِيَ تَفُوتُ عِنْدَ فَوَاتِ الْمُسَاوَاةِ فِي التَّصَرُّفِ كَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ أَوْ الْبَالِغِ وَالصَّغِيرِ لِأَنَّ الْحُرَّ الْبَالِغَ يَمْلِكُهُ بِنَفْسِهِ وَهُمَا لَا يَمْلِكَانِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى وَلِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ التَّكْفِيلَ لِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا ابْتِدَاءً وَهُوَ شَرْطٌ فِيهَا وَاشْتَرَطَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الدَّيْنِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى الِاخْتِلَافِ فِي التَّصَرُّفِ فَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا اشْتَرَى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا لَا يَقْدِرُ الْمُسْلِمُ أَنْ يَبِيعَهُ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى بَيْعِ جَمِيعِ مَا اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَكَذَا الْمُسْلِمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شِرَائِهِمَا كَمَا يَقْدِرُ الْكَافِرُ عَلَيْهِ فَفَاتَ الشَّرْطُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُفَاوَضَةِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رَوَى أَصْحَابُنَا فِي عَامَّةِ كُتُبِهِمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فَاوِضُوا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ». وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَقَدْ رُوِيَ جَوَازُ شِرْكَةِ الْمُفَاوَضَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِمَا وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَعَامَلُوا هَذِهِ الشِّرْكَةَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِهَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمُسَاوَاةِ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّا نَشْتَرِطُ الْمُسَاوَاةَ فِي مَالِ التِّجَارَةِ لَا غَيْرُ وَهِيَ مُمْكِنَةٌ فِيهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ قَالَ الشَّاعِرُ) هُوَ الْأَفْوَهُ الْأَوْدِيُّ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ) أَيْ لَا تَصْلُحُ أُمُورُ النَّاسِ حَالَ كَوْنِهِمْ مُتَسَاوِينَ لَا أَشْرَافَ لَهُمْ يَأْمُرُونَهُمْ وَيَنْهَوْنَهُمْ وَالسَّرَاةُ جَمْعُ سَرَى وَبَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ إذَا تَوَلَّى سَرَاةُ النَّاسِ أَمْرُهُمْ ... نَمَا عَلَى ذَاكَ أَمْرُ الْقَوْمِ وَازْدَادُوا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِيمَا بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا) أَمَّا لَوْ كَفَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ أَجْنَبِيٍّ بِمَالٍ هَلْ يَلْزَمُ الْآخَرُ فِيهِ اخْتِلَافٌ يَجِيءُ. اهـ. دِرَايَةٌ قَوْلُهُ يَجِيءُ أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ خِلَافًا لَهُمَا. (قَوْلُهُ وَاشْتَرَطَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ وَشَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ تَكُونَ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ وَلَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِتِجَارَةٍ دُونَ شَرِيكِهِ وَأَنْ يَكُونَ مَا يَلْزَمُ أَحَدُهُمَا مِنْ حُقُوقِ مَا يَتْجُرَانِ فِيهِ لَازِمًا لِلْآخَرِ وَمَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ لِلْآخَرِ وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا وَجَبَ لِصَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَفِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفِيلِ عَنْهُ وَيَتَسَاوَيَانِ مَعَ ذَلِكَ فِي رُءُوسِ الْأَمْوَالِ فِي قَدْرِهَا وَقِيمَتِهَا فَإِنْ تَفَاوَتَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مُفَاوَضَةً وَكَانَتْ عِنَانًا وَيَتَسَاوَيَانِ أَيْضًا فِي الرِّبْحِ لَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا مَالٌ خَاصٌّ فِي يَدِهِ أَوْ مُودِعٌ لَهُ مِمَّا بَيَّنْت لَك أَنَّ الشِّرْكَةَ تَجُوزُ فِيهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ أَيْضًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي الشِّرْكَةِ فَسَدَتْ الْمُفَاوَضَةُ وَكَذَلِكَ إنْ صَارَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُفَاوَضَةِ فَإِنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَفْسُدُ وَتَصِيرُ شِرْكَةَ عِنَانٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ دَرَاهِمُ أَحَدِهِمَا بِيضٌ وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ سُودٌ جَازَتْ الْمُفَاوَضَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهَا فَضْلٌ عَلَى الْآخَرِ فِي الصَّرْفِ فَلَا تَجُوزُ شِرْكَةُ الْمُفَاوَضَةِ لِمَا عُرِفَ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ مِائَةُ دِينَارٍ جَازَتْ إنْ اسْتَوَتْ الْقِيمَةُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ تَنْعَقِدُ الشِّرْكَةُ عِنَانًا اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَالنُّقُودِ) أَمَّا فِيمَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ كَالْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ وَالدُّيُونِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ حَتَّى لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ لَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ مَا لَمْ يَقْبِضْ الدَّيْنَ ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ وَالذَّخِيرَةِ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ كَمَا يَقْدِرُ الْكَافِرُ عَلَيْهِ) وَفِي الْإِيضَاحِ وَأَمَّا الْمُسْلِمُ مَعَ الْمُرْتَدِّ فَلَا تَجُوزُ الشِّرْكَةُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِمْ

بَيْنَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَيَسْتَوِيَانِ فِي الْكَفَالَةِ وَالْوَكَالَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِزِيَادَةِ تَصَرُّفٍ يَمْلِكُهُ أَحَدُهُمَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَائِزِ مِنْ الْعُقُودِ وَنَظِيرُهُ أَنَّهَا تَجُوزُ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا فِي بَيْعِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَشِرَائِهِ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّاهُ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْحَنَفِيَّ وَالشَّافِعِيَّ لَمْ يَتَفَاضَلَا فِي التِّجَارَةِ وَضَمَانِهَا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّ شِرَاءَ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ جَائِزٌ لَهُمَا وَفِي زَعْمِ الْحَنَفِيِّ جَائِزٌ لَهُمَا فَقَدْ اسْتَوَيَا فِي التَّصَرُّفِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى اعْتِقَادِهِمَا وَكَذَا الْمُحَاجَّةُ بَاقِيَةٌ بَيْنَهُمَا فَيَلْزَمُهُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَتَجُوزُ بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي مِلْكِ التَّصَرُّفِ وَالْكَفَالَةِ وَلَا تَجُوزُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ وَلَا بَيْنَ الصَّغِيرَيْنِ وَلَا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْبَالِغِ لِفَقْدِ شَرْطِهَا وَهُوَ مِلْكُ التَّصَرُّفِ وَالْكَفَالَةِ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْمُفَاوَضَةُ لِفَقْدِ شَرْطِهَا وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْعِنَانِ كَانَ عِنَانًا لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ إذْ هُوَ أَخَصُّ فَإِذَا بَطَلَ الْأَخَصُّ تَعَيَّنَ لَهُ الْأَعَمُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَا تَصِحُّ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ وَبَالِغٍ وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ) لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا يَشْتَرِيهِ كُلٌّ يَقَعُ مُشْتَرَكًا لِإِطْعَامِ أَهْلِهِ وَكِسْوَتِهِمْ) أَيْ مَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ لِلشِّرْكَةِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ لِأَنَّ مُقْتَضَى عَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ صَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فَكَانَ شِرَاؤُهُ كَشِرَائِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ الْمُشْتَرَى وَالْكِسْوَةُ الْمُشْتَرَاةُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ فَكَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الشِّرْكَةِ إلَّا أَنَّا اسْتَثْنَيْنَاهُ لِلضَّرُورَةِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِينَ شَارَكَ صَاحِبَهُ كَانَ عَالِمًا بِحَاجَتِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ وَنَفَقَةُ عِيَالِهِ عَلَى شَرِيكِهِ وَأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِهِ إلَّا بِالشِّرَاءِ فَكَانَ مُسْتَثْنًى بِهَذَا الْمَعْنَى لِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ تَصَرُّفِهِ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ دَلَالَةً أَوْ عَادَةً وَهُوَ كَالْمَنْطُوقِ وَكَذَا الِاسْتِئْجَارُ لِلسُّكْنَى أَوْ لِلرُّكُوبِ لِحَاجَتِهِ كَالْحَجِّ وَغَيْرِهِ وَكَذَا الْإِدَامُ وَالْجَارِيَةُ الَّتِي يَطَؤُهَا لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِتِجَارَةٍ وَغَصْبٍ وَكَفَالَةٍ لَزِمَ الْآخَرَ) لِأَنَّهُ كَفِيلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْكَفَالَةِ إذَا كَانَتْ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فِي الْمَرَضِ وَلَهُ أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرٍ أَوْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ وَفِي الْغَصْبِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَيُلْحَقُ بِهِ الْمُسْتَهْلَكُ مِنْ الْوَدِيعَةِ وَغَيْرُهُ هُوَ يَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ فَصَارَ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَلِهَذَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ مِنْ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَهَذَا لِأَنَّ شَرْطَ لُزُومِهِ غَيْرَ الْعَاقِدِ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مُشْتَرَكًا حَتَّى يَجِبَ بَدَلُ النَّفَقَةِ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ يَصِحُّ فِيهَا الِاشْتِرَاكُ فَكَذَا بَدَلُ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْعَتَاقِ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَحَدَهُمَا يَلْزَمُ الْأَجْرُ صَاحِبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بِهِ تَتَحَقَّقُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَالْمَهْرِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ لِأَنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ بَدَلٌ عَمَّا لَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا الْمُبَاشِرُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَلْتَزِمْ عَنْ صَاحِبِهِ بِالْعَقْدِ إلَّا دُيُونَ التِّجَارَةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَمْ تَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ ثُمَّ إنْ أَدَّى الْعَاقِدُ ثَمَنَ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا رَجَعَ عَلَيْهِ الْآخَرُ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ أَدَّى غَيْرُ الْعَاقِدِ مِنْ مَالِهِ خَاصَّةً رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْكُلِّ وَإِنْ أَدَّى مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا رَجَعَ بِحِسَابِهِ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِمَالِ صَاحِبِهِ أَوْ قَضَى عَنْهُ صَاحِبُهُ بِأَمْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَذَكَرَا فِي الْأَصْلِ، قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ أَنَّهَا تَجُوزُ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا فِي بَيْعِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَشِرَائِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ حَلَالًا بِخِلَافِ الْحَنَفِيِّ وَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيُّ مَعَ الْمَجُوسِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَجُوزُ بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ) أَيْ وَلَا بَيْنَ الْمُكَاتَبَيْنِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا بَيْنَ الصَّغِيرَيْنِ) أَيْ وَإِنْ أَذِنَ أَبُوهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ كَانَ عِنَانًا) أَيْ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى الْعِنَانِ لَفْظُ الْمُفَاوَضَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَزِمَ أَحَدَهُمَا لَا عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ فَلَا يَلْزَمُ الْآخِرَ كَالْأَرْشِ وَالْمَهْرِ وَهَذَا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فِي الْمَرَضِ) أَيْ وَتَبَرُّعُ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَجُوزُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا مِنْ شِرْكَتِهِمَا أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي حِصَّتِهِ خَاصَّةً لَا فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً) وَبَيَانُ كَوْنِهَا مُعَاوَضَةً أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْأَدَاءِ وَإِذَا أَدَّى عَنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ فَلَمَّا كَانَتْ مُعَاوَضَةً فِي حَالِ الْبَقَاءِ كَانَتْ فِي مَعْنَى ضَمَانِ التِّجَارَةِ لِأَنَّ لُزُومَ الْكَفَالَةِ عَلَى صَاحِبِهِ يُلَاقِي حَالَةَ الْبَقَاءِ فَلَزِمَتْ صَاحِبَهُ وَلِأَجْلِ أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فِي حَالِ الْبَقَاءِ صَحَّ إقْرَارُ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ فِيهِ بِالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ بِخِلَافِ إنْشَائِهَا فِيهِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَصَارَتْ الْكَفَالَةُ مِنْ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ كَدَيْنِ الْقَرْضِ وَالْغَصْبِ وَلَيْسَتْ هِيَ كَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ الْآخَرُ بِحِصَّتِهِ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا طَعَامًا لِأَهْلِهِ أَوْ كِسْوَةً لَهُمْ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً فَإِنْ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الشِّرْكَةِ ضَمِنَ نِصْفَهُ لِصَاحِبِهِ فَإِذَا وَصَلَ إلَى يَدِهِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ لِأَنَّهُ فَضْلُ مَا لِشَرِيكِهِ وَالْفَضْلُ فِي الْمَالِ يُبْطِلُ الْمُفَاوَضَةَ. اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ إنْ وُهِبَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ وَرِثَ مَا تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ) أَيْ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ إذَا وَرِثَ أَحَدُهُمَا أَوْ وَهَبَ لَهُ مَا تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ وَوَصَلَ إلَى يَدِهِ وَهُوَ النَّقْدَانِ لِفَوَاتِ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا يُصْلِحُ رَأْسَ الْمَالِ إذْ الْمُسَاوَاةُ فِيهَا شَرْطٌ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً وَقَدْ فَاتَ إذْ لَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ وَتَنْقَلِبُ عِنَانًا لِلْإِمْكَانِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْعَرَضُ) أَيْ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا عَرَضًا لَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ بِهِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ لَا يَقَعُ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً وَهَذَا لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ لَا تَبْطُلُ بِتَفَاوُتِهِمَا فِي الْمَالِ إلَّا فِي مَالٍ يَصِحُّ عَقْدُ الشِّرْكَةِ فِيهِ ابْتِدَاءً كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ وَمَا لَا فَلَا وَلَوْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا دَيْنًا وَهُوَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَقْبِضَ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا تَصِحُّ الشِّرْكَةُ فِيهِ فَإِذَا قَبَضَ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْمُفَاوَضَةِ فَيَمْنَعُ الْبَقَاءَ لِأَنَّ لِبَقَاءِ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ الْعُقُودِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ وَالْمُفَاوَضَةُ مِنْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةٌ وَعِنَانٌ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالتِّبْرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ) وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ فِي الْعُرُوضِ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي رَأْسِ مَالٍ مَعْلُومٍ كَالنُّقُودِ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهَا جُوِّزَتْ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَلَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسَ مَالِهِ وَتَفَاضَلَ الثَّمَنَانِ فَمَا يَسْتَحِقُّهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِي مَالِ صَاحِبِهِ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَمَا لَمْ يَمْلِكْ بِخِلَافِ النَّقْدَيْنِ لِأَنَّ مَا يَشْتَرِيهِ أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِمَا وَثَمَنُهُ فِي ذِمَّتِهِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ بِحِسَابِهِ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ فَكَانَ رِبْحُ مَا يَضْمَنُ وَلِأَنَّ أَوَّلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ الْبَيْعُ وَفِي النُّقُودِ الشِّرَاءُ وَبَيْعُ الْإِنْسَانِ مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي بَيْعِ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْضُ رِبْحِهِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ أَمِينٌ. فَإِذَا شُرِطَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ كَانَ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَالْفُلُوسُ إذَا كَانَتْ تَرُوجُ فَهِيَ أَثْمَانٌ فَأَخَذَتْ حُكْمَ النَّقْدَيْنِ وَقِيلَ هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالنُّقُودِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَصِحُّ الشِّرْكَةُ فِيهَا وَلَا الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّ رَوَاجَهَا عَارِضٌ بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ فَكَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَتَصِيرُ عَرَضًا فَلَا يَصْلُحُ رَأْسَ مَالٍ فِي الشِّرْكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ دَفْعُ رَأْسِ الْمَالِ بِالْعَدَدِ بَعْدَ الْكَسَادِ وَلَا بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْحِرْزِ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَقِيلَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَالْأَقْيَسُ أَنْ يَكُونَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْفُلُوسَ تَتَعَيَّنُ بِالْقَصْدِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى جَازَ بَيْعُ فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَبْطُلُ إنْ وَهَبَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ وَرِثَ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ اسْتَفَادَ أَحَدُهُمَا مَالًا بِالْمِيرَاثِ أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ مِمَّا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ عَقْدُ الشِّرْكَةِ لَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ عَقْدُ الشِّرْكَةِ لَمْ تَبْطُلْ أَيْضًا حَتَّى يَصِلَ إلَى يَدِهِ فَإِذَا وَصَلَ إلَى يَدِهِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ وَصَارَتْ عِنَانًا فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَوَصَلَ إلَى يَدِهِ) أَغْفَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا عَرَضًا لَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا عَرَضًا فَهُوَ لَهُ وَلَا تَفْسُدُ الْمُفَاوَضَةُ وَكَذَا الْعَقَارُ اهـ أَيْ الْعَقَارُ حُكْمُهُ فِي الْإِرْثِ حُكْمُ الْعَرَضِ لَا تَفْسُدُ بِهِ الْمُفَاوَضَةُ ذَكَرَ هَذَا تَفْرِيعًا لِمَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ وَإِنْ وَرِثَ عَرَضًا أَوْ دُيُونًا لَمْ تَبْطُلْ مَا لَمْ يَقْبِضْ الدُّيُونَ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ رَأْسُ الْمَالِ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ حَالَةَ الْبَقَاءِ وَقَالَ فِي الْعُيُونِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا وَرِثَ أَحَدُهُمَا مَالًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ لِلَّذِي وَرِثَهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةٌ وَعِنَانٌ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى تَجُوزُ الشِّرْكَةُ بِالْعُرُوضِ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ شَرْطُ جَوَازِ شِرْكَةِ الْعِنَانِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ وَالْمَالُ وَقْتَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطِ الشِّرْكَةِ بَلْ الشَّرْطُ وَقْتَ الشِّرَاءِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ وَقَالَ أَخْرِجْ مِثْلَهَا وَاشْتَرِ وَبِعْ فَمَا رَبِحْت فَهُوَ بَيْنَنَا فَفَعَلَ صَحَّتْ الشِّرْكَةُ لِقِيَامِ الشِّرْكَةِ عِنْدَ الْمَقْصُودِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ) أَيْ فَإِنَّهَا لَمْ تَجُزْ بِالْعُرُوضِ وَنَحْوِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْمُضَارِبِ بَلْ هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ) أَيْ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا لِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ فِي الْعُرُوضِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا عَرَضَهُ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَالْآخَرُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ فَاشْتَرَكَا فِي الرِّبْحِ يَأْخُذُ الَّذِي بَاعَ عَرَضَهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ مِنْ رِبْحِ مَالِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ رِبْحَ مَا لَمْ يَمْلِكْ وَمَا لَمْ يَضْمَنْ بِخِلَافِ مَا يَشْتَرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرَأْسِ الْمَالِ لَا يَتَعَلَّقُ بِرَأْسِ الْمَالِ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَيَتَحَقَّقُ شَرْطُ طِيبِ الرِّبْحِ وَهُوَ وُجُوبُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْإِنْسَانِ مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ بِعْ عَرَضَك عَلَى أَنَّ ثَمَنَهُ بَيْنَنَا لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اشْتَرِ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِكِ عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيْته بَيْنَنَا أَوْ اشْتَرِ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِي عَلَى أَنَّ مَا اُشْتُرِيَ بَيْنَنَا جَازَ ذَلِكَ فَلِهَذَا افْتَرَقَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفُلُوسُ إذَا كَانَتْ تَرُوجُ فَهِيَ أَثْمَانٌ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِفُلُوسٍ مُعَيَّنَةٍ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَدْفَعَ غَيْرَهَا اهـ مُشْكِلَاتُ خُوَاهَرْ زَادَهْ

بِأَعْيَانِهِمَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْفُلُوسِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ مَا لَمْ يَصْطَلِحْ عَلَى ضِدِّهِ وَأَمَّا التِّبْرُ وَهُوَ مَا كَانَ غَيْرَ مَضْرُوبٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَجَعَلَهُ فِي شِرْكَةِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ فَلَمْ يَصْلُحْ رَأْسَ مَالِ الشِّرْكَةِ وَالْمُضَارَبَةَ وَجَعَلَهُ فِي صَرْفِ الْأَصْلِ كَالْأَثْمَانِ لِأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ثَمَنٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَخْتَصُّ بِضَرْبٍ مَخْصُوصٍ لِأَنَّهُ بَعْدَ الضَّرْبِ لَا يُصْرَفُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ غَالِبًا وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْعُرْفُ فَكُلُّ مَوْضِعٍ جَرَى التَّعَامُلُ بِهِ فَهُوَ ثَمَنٌ وَإِلَّا فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْعُرُوضِ فِي حُكْمِ التَّعْيِينِ وَعَدَمِ جَوَازِ الشِّرْكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ بِهِ. وَأَمَّا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَفَاوِتُ فَلَا تَصِحُّ الشِّرْكَةُ فِيهَا قَبْلَ الْخَلْطِ وَإِنْ خَلَطَاهُ بِجِنْسِهِ فَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيَكُونُ الْمَخْلُوطُ بَيْنَهُمَا شِرْكَةَ مِلْكٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ شِرْكَةُ عَقْدٍ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الرِّبْحِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْتَحِقُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَالَيْهِمَا وَيَبْطُلُ شَرْطُ التَّفَاوُتِ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَصِحَّ الشِّرَاءُ بِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ عَرْضٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَتَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ فَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّهُ عَرَضٌ لَمْ تَصِحَّ الشِّرْكَةُ فِيهِ قَبْلَ الْخَلْطِ وَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّهُ ثَمَنٌ يَجُوزُ بَعْدَهُ رِعَايَةً لِلشَّبَهَيْنِ وَتَوْفِيرًا لِحَظِّهِمَا عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْعُرُوضِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَا يُصْلِحُ رَأْسَ الْمَالِ فِي الشِّرْكَةِ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ بَيْنَ الْخَلْطِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَانِعَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَيْنِ وَهُوَ تَعَيُّنُهُ بِالتَّعْيِينِ فَصَارَ كَمَا إذَا خَلَطَاهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ إذَا خَلَطَ الْجِنْسَ بِجِنْسِهِ يَكُونُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ حَتَّى يَضْمَنَ مُتْلِفُهُ مِثْلَهُ وَإِنْ خَلَطَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ يَكُونُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ حَتَّى يَضْمَنَ مُتْلِفُهُ قِيمَتَهُ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ لَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَمَا قَبْلَ الْخَلْطِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَاعَ كُلٌّ نِصْفَ عَرَضِهِ بِنِصْفِ عَرَضِ الْآخَرِ وَعَقَدَ الشِّرْكَةَ صَحَّ) أَيْ لَوْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَالِهِ مِنْ الْعُرُوضِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ وَعَقَدَا عَقْدَ الشِّرْكَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ جَازَتْ الشِّرْكَةُ وَصَارَتْ شِرْكَةَ عَقْدٍ وَهَذَا لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ صَارَ شِرْكَةَ مِلْكٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ ثُمَّ بِالْعَقْدِ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ شِرْكَةَ عَقْدٍ فَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِمَنْ أَرَادَ الشِّرْكَةَ فِي الْعُرُوضِ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ نِصْفُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونًا عَلَى صَاحِبِهِ بِالثَّمَنِ فَيَكُونُ الرِّبْحُ الْحَاصِلُ مِنْ الْمَالَيْنِ رِبْحَ مَا يَضْمَنُ فَيَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبِيعَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ بَيْعِ نِصْفِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مُتَفَاوِتَةً فَيَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ بِقَدْرِ مَا تَثْبُتُ بِهِ الشِّرْكَةُ كَمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ عَرَضِ أَحَدِهِمَا أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ عَرَضِ الْآخَرِ مِائَةً بِبَيْعِ صَاحِبِ الْأَقَلِّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ عَرَضِهِ بِخُمُسِ عَرَضِ الْآخَرِ فَيَصِيرُ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا وَهَذَا الْحَمْلُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَالِهِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُمَا حَتَّى يَصِيرَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَكَذَا الْعَكْسُ جَائِزٌ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مُتَسَاوِيَةً فَبَاعَاهُ عَلَى التَّفَاوُتِ بِأَنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا رُبْعَ مَالِهِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مَالِ الْآخَرِ حَتَّى يَكُونَ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ بَاعَ نِصْفَ مَالِهِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا أَوْ قَصْدًا لِيَكُونَ شَامِلًا لِلْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ شَرْطُهَا التَّسَاوِي بِخِلَافِ الْعِنَانِ وَقَوْلُهُ بِنِصْفِ عَرَضِ الْآخَرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ عَقَدَ الشِّرْكَةَ فِي الْعَرَضِ الَّذِي بَاعَهُ جَازَ أَيْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعِنَانٌ إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً فَقَطْ) أَيْ هِيَ عِنَانٌ إنْ تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ وَحْدَهَا وَلَمْ تَتَضَمَّنْ الْكَفَالَةَ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ الرَّجُلَانِ فِي نَوْعِ بَزٍّ أَوْ طَعَامٍ أَوْ فِي عُمُومِ التِّجَارَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَفَالَةَ وَالْعِنَانُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَنَّ لَهُ كَذَا أَيْ عَرَضَ لَهُ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ فَعَنَّ لَنَا سِرْبٌ كَأَنَّ نِعَاجَهُ ... عَذَارَى دُوَّارٌ فِي مُلَاءٍ مُذَيَّلِ أَيْ عَرَضَ أَوْ مِنْ قَوْلِهِمْ عَنَّ لَهُ بِمَعْنَى ظَهَرَ لَهُ فَكَأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْبَعْضِ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّ الْعِنَانَ لَا يَثْبُتُ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ عِنَانِ الدَّابَّةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ رَاكِبَ الدَّابَّةِ يُمْسِكُ الْعِنَانَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَيَعْمَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعِنَانٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ سَابِقًا وَهِيَ مُفَاوَضَةٌ إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً وَكَفَالَةً وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ عِنَانٌ مَا نَصُّهُ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ عَرَضَ لَهُ فِي هَذَا الْقَدْرِ لَا عَلَى الْعُمُومِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

بِالْأُخْرَى فَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَجْعَلُ عَنَانَ التَّصَرُّفِ فِي بَعْضِ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمْ يُجِيزَا هَذَا الِاسْمَ عَلَى هَذِهِ الشِّرْكَةِ وَقَالَا هَذِهِ كَلِمَةٌ تَطَرَّقَ بِهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ لِيُمْكِنَهُمْ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الشِّرْكَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَهَذَا خَطَأٌ فَإِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ النَّابِغَةُ وَشَارَكْنَا قُرَيْشًا فِي تُقَاهَا ... وَفِي أَحْسَابِهَا شِرْكَ الْعِنَانِ وَإِنَّمَا تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ وَهُوَ الشِّرْكَةُ فِيمَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا حَاجَةَ إلَى تَضَمُّنِهِ الْكَفَالَةَ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْمُسَاوَاةِ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ دُونَ الرِّبْحِ وَعَكْسِهِ) وَهُوَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ دُونَ الْمَالِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَشْتَرِطَا الْأَكْثَرَ لِلْعَامِلِ مِنْهُمَا أَوْ لِأَكْثَرِهِمَا عَمَلًا وَإِنْ شَرَطَاهُ لِلْقَاعِدِ أَوْ لِأَقَلِّهِمَا عَمَلًا فَلَا يَجُوزُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْتَحِقَّانِ الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ مَالِهِمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَا خِلَافَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْوَضِيعَةِ عَلَى خِلَافِ رَأْسِ الْمَالِ فَكَذَا الرِّبْحُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ» وَلِأَنَّ الرِّبْحَ يُسْتَحَقُّ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ بِالْمَالِ وَالْعَمَلِ وَالضَّمَانِ وَقَدْ وُجِدَ الْعَمَلُ هُنَا فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمَشْرُوطَ بِهِ كَالْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَمَلِ وَالْأُسْتَاذُ الَّذِي يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ بِالضَّمَانِ وَغَيْرِهِمَا بِالْمَالِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَسَّتْ إلَى اشْتِرَاطِ التَّفَاضُلِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ أَهْدَى وَأَحْذَقَ فِي التِّجَارَةِ وَلَا يَرْضَى بِالْمُسَاوَاةِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ كَيْ لَا تَتَعَطَّلَ مَصَالِحُهُمْ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الشِّرْكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ إلَى الْقَرْضِ أَوْ الْبِضَاعَةِ وَبِخِلَافِ الْوَضِيعَةِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ تُنَافِيهِ كَالْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهِ وَلَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ الزِّيَادَةِ مِنْ الرِّبْحِ بِعَمَلِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ مِثْلَ عَمَلِ شَرِيكِهِ أَوْ أَكْثَرَ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُضَارَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْمَلُ بِمَالِ غَيْرِهِ وَيُشْبِهُ الشِّرْكَةَ مِنْ حَيْثُ الِاسْمُ وَوُجُودُ الْعَمَلِ وَالْمَالِ مِنْهُمَا فَقُلْنَا جَازَ اشْتِرَاطُ الزِّيَادَةِ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ وَلَا تَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا اعْتِبَارًا بِالشِّرْكَةِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْمَلُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ وَفِي مَالِ نَفْسِهِ وَعَمَلُهُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ بِأُجْرَةٍ فَيَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى فِيهِ كَالْمُضَارَبَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِبَعْضِ الْمَالِ) أَيْ يَجُوزُ بِبَعْضِ الْمَالِ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَيْهِ وَالْمُسَاوَاةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِخِلَافِ الْجِنْسِ) أَيْ تَجُوزُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ أَيْضًا بِأَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ وَمِنْ جِهَةِ الْآخَرِ دَنَانِيرَ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ وَلَا تُتَصَوَّرُ الشِّرْكَةُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الشِّرْكَةِ فِي الْأَصْلِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِلَا خَلْطٍ وَالْجِنْسَانِ لَا يَخْتَلِطَانِ فَيَكُونُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُمْتَازًا عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَلَا اشْتِرَاكَ مَعَ الِامْتِيَازِ وَلَفْظُ الشِّرْكَةِ يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِلَاطِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَنَا أَنَّ الشِّرْكَةَ عَقْدُ تَوْكِيلٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِيَشْتَرِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِيَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْخَلْطِ وَالرِّبْحُ يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ كَمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ وَلِهَذَا يُسَمَّى الْعَقْدُ شِرْكَةً وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْعَقْدِ حَتَّى جَازَ شِرْكَةُ الْوُجُوهِ وَالتَّقَبُّلُ لَا إلَى الْمَالِ لِأَنَّ تِلْكَ لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِالْعَقْدِ فَإِذَا كَانَتْ مُسْتَنِدَةً إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْكَفَالَةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَقٌّ مِنْ الِاعْتِرَاضِ يُقَالُ عَنَّ لَهُ أَيْ اعْتَرَضَ لَهُ وَهَذَا لَا يُنْبِئُ عَنْ الْكَفَالَةِ وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ لَا يَثْبُتُ بِخِلَافِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَصِحُّ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ دُونَ الرِّبْحِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَصِحُّ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ قَالَ الْكَمَالُ وَعَكْسُهُ بِأَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الْمَالِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَاهُ لِلْقَاعِدِ أَوْ لِأَقَلِّهِمَا عَمَلًا) أَيْ إذَا شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ زِيَادَةُ رِبْحٍ عَلَى رَأْسِ مَالِهِ جَازَ لِأَنَّ الْعَمَلَ مِمَّا يُسْتَحَقُّ بِهِ أَصْلُ الرِّبْحِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَإِنْ اشْتَرَطَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ رِبْحِ مَالِهِ جَازَ أَيْضًا وَيَكُونُ مَالُ صَاحِبِهِ فِي يَدِهِ كَالْبِضَاعَةِ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِعَمَلِهِ وَإِنْ شَرَطَا الْفَضْلَ لِمَنْ لَا يَعْمَلُ لَا يَجُوزُ وَلَهُ مِثْلُ رِبْحِهِ خَاصَّةً. اهـ. شَرْحُ تَكْمِلَةٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ فَإِنَّ الْمَالَ إذَا كَانَ نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحُ أَثْلَاثًا فَصَاحِبُ الزِّيَادَةِ يَسْتَحِقُّهَا بِلَا ضَمَانٍ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ» وَلَمْ يُعَرِّفْ الْحَدِيثَ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ يَنْسُبُهُ إلَى عَلِيٍّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُضَارَبَةُ إلَى الْقَرْضِ) أَيْ بِاشْتِرَاطِهِ لِلْعَامِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ الْبِضَاعَةُ) أَيْ بِاشْتِرَاطِهِ لِرَبِّ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُضَارَبَةَ) أَيْ عَقْدُ شِرْكَةِ الْعِنَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُشْبِهُ الشِّرْكَةَ) أَيْ شِرْكَةَ الْمُفَاوَضَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ) لَهُمَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ مَالَانِ لَا يَخْتَلِطَانِ فَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمَا الشِّرْكَةُ قِيَاسًا عَلَى الدَّرَاهِمِ مَعَ الْعُرُوضِ وَلَنَا أَنَّهُمَا مَالَانِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ فَتَنْعَقِدُ بِهِمَا الشِّرْكَةُ كَمَا إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ عَلَى وَضِيعَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ مَعَ الْعُرُوضِ لِأَنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ وَلِأَنَّ أَوَّلَ هَذَا الْعَقْدِ تَوْكِيلٌ فِي التَّصَرُّفِ وَآخِرُهُ اشْتِرَاكٌ فِي الرِّبْحِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ الِاتِّحَادُ فِي الْمَالِ وَلَا الْخَلْطُ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ فَلَوْ قَالَ زُفَرُ إنَّ الشِّرْكَةَ فِي الْجِنْسَيْنِ تُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ يُسْتَوْفَى بِالْقِيمَةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَلَا تَصِحُّ الشِّرْكَةُ كَالْعُرُوضِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ الْجَهَالَةَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ مَالِهِ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ قِيمَةٍ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

الْعَقْدِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا الْخَلْطُ وَالْمُسَاوَاةُ وَالِاتِّحَادُ وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ يَتَعَيَّنَانِ عِنْدَهُمْ كَالْعُرُوضِ وَعِنْدَنَا لَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَدَمُ خَلْطٍ) أَيْ تَجُوزُ هَذِهِ الشِّرْكَةُ مَعَ عَدَمِ الْخَلْطِ بَيْنَ الْمَالَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا وَالْخِلَافُ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطُولِبَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَقَطْ) أَيْ طُولِبَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ بِالثَّمَنِ هُنَا وَلَا يُطَالَبُ الْآخَرُ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِلشِّرْكَةِ لِأَنَّ الْعِنَانَ تَقْتَضِي الْوَكَالَةَ دُونَ الْكَفَالَةِ وَالْمُبَاشِرُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْحُقُوقِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ لَهُ وَأَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ وَإِنْ نَقَدَ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا لِلشِّرْكَةِ وَهَلَكَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقَّ الرُّجُوعِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَالَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ) لِأَنَّ الشِّرْكَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَلِأَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِيهَا كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ فَكَانَتْ مَعْقُودًا عَلَيْهَا فَتَبْطُلُ بِالْهَلَاكِ كَمَا فِي هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَالِهِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَهُوَ أَمِينٌ فَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهُ بَعْدَ الْخَلْطِ بَقِيَ الْبَاقِي عَلَى الشِّرْكَةِ وَإِنْ هَلَكَ كُلُّهُ تَبْطُلُ الشِّرْكَةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِيهَا بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ حَيْثُ لَا يَبْطُلَانِ بِهَلَاكِ النُّقُودِ الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ الشِّرَاءِ تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ لَا بِالْعَقْدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ وَهَلَكَ مَالُ الْآخَرِ فَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا) يَعْنِي عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّ الشِّرْكَةَ كَانَتْ قَائِمَةً وَقْتَ الشِّرَاءِ فَوَقَعَ الْمِلْكُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَعَيَّنُ بِهَلَاكِ مَالِ الْآخَرِ ثُمَّ الشِّرْكَةُ شِرْكَةُ مِلْكٍ عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ فَلَا يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ إلَّا فِي نَصِيبِهِ لِأَنَّ شِرْكَةَ الْعَقْدِ بَطَلَتْ بِهَلَاكِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ شِرْكَةُ عَقْدٍ حَتَّى يَجُوزَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فِيهِ لِأَنَّهُ حِينَ وَقَعَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا شِرْكَةَ عَقْدٍ فَلَا تَبْطُلُ بِالْهَلَاكِ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَيَا بِمَالِهِمَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَالَانِ قَبْلَ النَّقْدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَقَدْ قَضَى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِدُونِ ضَمَانِهِ هَذَا إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ بَعْدَ شِرَاءِ أَحَدِهِمَا فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ بِمَالِهِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَا صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ فِي عَقْدِ الشِّرْكَةِ فَالْمُشْتَرَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّ عَقْدَ الشِّرْكَةِ إنْ بَطَلَ بِالْهَلَاكِ فَالْوَكَالَةُ الْمُصَرَّحُ بِهَا بَاقِيَةٌ فَكَانَ الْمُشْتَرَى مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ ذَكَرَا مُجَرَّدَ الشِّرْكَةِ وَلَمْ يَذْكُرَا فِي عَقْدِ الشِّرْكَةِ الْوَكَالَةَ فَالْمُشْتَرَى يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي خَاصَّةً لِأَنَّ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ الَّتِي هِيَ فِي ضِمْنِ الشِّرْكَةِ وَقَدْ بَطَلَتْ الشِّرْكَةُ فَيَبْطُلُ مَا فِي ضِمْنِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَا بِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مَقْصُودَةً وَأَطْلَقَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَفِي بَعْضِهَا أَطْلَقَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا فَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَصَّا عَلَى الْوَكَالَةِ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنُصَّا عَلَيْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَفْسُدُ إنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً مِنْ الرِّبْحِ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الشِّرْكَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِنَانَ تَقْتَضِي الْوَكَالَةَ) أَيْ فَلَمَّا كَانَ انْعِقَادُهَا عَلَى الْوَكَالَةِ كَانَ الْمُشْتَرِي وَاقِعًا لِنَفْسِهِ فِي الْبَعْضِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَلِشَرِيكِهِ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ وَالْعَاقِدُ فِي الشِّرَاءِ هُوَ الْمُطَالَبُ بِالْحُقُوقِ فَلِهَذَا تُوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ إلَيْهِ دُونَ شَرِيكِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ إذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ أَدَاءَ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الشِّرْكَةِ إلَّا بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ مَعَ يَمِينِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ لَهُ وَأَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ) أَيْ وَالْوَكِيلُ إذَا أَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَرْجِعُ عَلَى مَالِ الْمُوَكِّلِ فَكَذَا هُنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَالَيْنِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ بُطْلَانُ الشِّرْكَةِ عِنْدَ هَلَاكِ الْمَالَيْنِ ظَاهِرٌ وَكَذَا إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ قَبْلَ وُجُودِ التَّصَرُّفِ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ لَمَّا بَطَلَتْ فِي الْهَالِكِ بَطَلَتْ فِيمَا يُقَابِلُهُ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَرْضَ بِمُشَارَكَتِهِ فِي مَالِهِ إلَّا بِشَرْطٍ أَنْ يُشْرِكَهُ هُوَ فِي مَالِهِ أَيْضًا وَقَدْ عُدِمَ هَذَا الشَّرْطُ بِهَلَاكِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ فَبَطَلَتْ الشِّرْكَةُ فِي الْمَالَيْنِ جَمِيعًا ثُمَّ الْهَالِكُ يُعْتَبَرُ هَالِكًا مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِنِصْفِ الْهَالِكِ عَلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْلَكْ عَلَى الشِّرْكَةِ حَيْثُ بَطَلَتْ الشِّرْكَةُ بِهَلَاكِ الْمَالِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَكَذَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْآخَرِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَمِينِ بِخِلَافِ مَا لَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْخَلْطِ لِأَنَّهُ يَهْلَكُ عَلَى الشِّرْكَةِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْوَكَالَةُ الْمُفْرَدَةُ) احْتِرَازٌ عَنْ الْوَكَالَةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الشِّرْكَةِ وَفِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ فَإِنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِيهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهَلَكَ مَالُ الْآخَرِ) أَيْ قَبْلَ الشِّرَاءِ اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ شِرْكَةَ الْعَقْدِ بَطَلَتْ بِهَلَاكِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ) أَيْ وَإِنَّمَا بَقِيَ مَا هُوَ حُكْمُ الشِّرَاءِ وَهُوَ الْمِلْكُ. اهـ. (قَوْلُهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَا صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ فِي عَقْدِ الشِّرْكَةِ) أَيْ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنَّ مَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَ الْمُشْتَرِي مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ) أَيْ وَيَكُونُ شِرْكَةَ مِلْكٍ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ وَيَكُونُ شِرْكَةَ مِلْكٍ أَيْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ بِالْوَكَالَةِ وَالْوَكِيلُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمُشْتَرِي بِدُونِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ فَكَذَا هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرَا فِي عَقْدِ الشِّرْكَةِ الْوَكَالَةَ) أَيْ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا وَيَبِيعَا فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ فَلَعَلَّهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا الْقَدْرَ الْمُسَمَّى لِأَحَدِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ وَنَظِيرُهُ الْمُزَارَعَةُ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِكُلٍّ مِنْ شَرِيكِي الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ أَنْ يُبْضِعَ) لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ بَيْنَ التُّجَّارِ وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَتْجُرَ فِيهِ فَبِغَيْرِ الْأَجْرِ أَوْلَى لِأَنَّهُ دُونَهُ لِعَدَمِ الْمُؤْنَةِ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْتَأْجِرُ) أَيْ لِيَتْجُرَ فِيهِ أَوْ لِيَحْفَظَ الْمَالَ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ بَيْنَ التُّجَّارِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الْكُلِّ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجِدُ لَهُ بُدًّا مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُودِعُ) لِأَنَّهُ إقَامَةُ الْحَافِظِ فِي الْمَالِ فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْفِظَ بِأَجْرٍ فَبِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُضَارِبُ) لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ إلَى الْمُضَارِبِ يَصِيرُ الْمُضَارِبُ مُودِعًا وَبِالتَّصَرُّفِ وَكِيلًا وَبِالرِّبْحِ أَجِيرًا وَالشِّرْكَةُ فِيهِ ضَرُورِيَّةٌ تُثْبِتُ ضَرُورَةَ اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ مِنْ الرِّبْحِ مُشَاعًا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا عَلَى الِانْفِرَادِ فَكَذَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْ الْعَمَلِ فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ بِشَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ فَلَأَنْ يَجُوزَ هَذَا أَوْلَى وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَوْعُ شِرْكَةٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ فِيهِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِيَتْجُرَ فِيهِ بَلْ أَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الشِّرْكَةِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ وَالْمُضَارَبَةُ دُونَ الشِّرْكَةِ فَتَتَضَمَّنُهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا دُونَهَا أَنَّ الْمُضَارِبَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْوَضِيعَةِ وَأَنَّهُ إذَا فَسَدَتْ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَاتِبَ وَلِلْمَأْذُونِ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُمَا لِأَنَّا نَقُولُ أَطْلَقَ لَهُمَا الِاكْتِسَابَ وَهَذَا مِنْ بَابِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا الْبَيْعُ وَهَذَا دُونَهُ إذْ لَا يَخْرُجُ فِي الْإِذْنِ مِنْ مِلْكِهِ أَصْلًا وَفِي الْكِتَابَةِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَهُوَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ اسْتِتْبَاعِ الْمِثْلِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَأَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا يُمْنَعُ وَالْمُكَاتَبُ أَوْ الْمَأْذُونُ لَهُ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوَكِّلُ) لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ بَيْنَهُمْ وَهُوَ دُونَ الشِّرْكَةِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحْفَظُ الْمَالَ وَمَنْ يَتْجُرُ فِيهِ فَأَوْلَى أَنْ يُوَكِّلَ لِأَنَّهُ دُونَ الِاسْتِئْجَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَدُهُ فِي الْمَالِ أَمَانَةٌ) لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ وَالْوَثِيقَةِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَقَبُّلٍ إنْ اشْتَرَكَ خَيَّاطَانِ أَوْ خَيَّاطٌ وَصَبَّاغٌ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونَ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) أَيْ شِرْكَةُ الْعَقْدِ تَقَبُّلٌ أَيْ شِرْكَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَعَلَّهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا الْقَدْرَ الْمُسَمَّى لِأَحَدِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ) أَيْ وَهُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى الشِّرْكَةِ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا الِاشْتِرَاكُ فِي الرِّبْحِ لَا اخْتِصَاصُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَنَقَلَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْمُضَارَبَةِ الشَّرِكَاتُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَإِذَا شَرَطَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحُ عَشْرَةٍ أَوْ فِي الشِّرْكَةِ تَبْطُلُ لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ بَلْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَنْتَفِي بِهِ الشِّرْكَةُ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ اشْتَرَطَا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْوَضِيعَةُ لَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرَ بِأَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ وَالْوَضِيعَةُ نِصْفَيْنِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ يَعْنِي الشَّرْطُ فَاسِدٌ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَالْأَمَانَةُ لَا تُضْمَنُ بِالشَّرْطِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَقْدُ جَائِزٌ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ لَا يَلْزَمُ فِي عَقْدٍ جَائِزٍ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرِّبْحُ وَالْفَسَادُ مَا تَعَدَّى إلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَرَبِحَا فَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا لِمَا عُرِفَ وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا لِأَنَّ هَلَاكَ الْأَمَانَةِ يَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُودِعُ) أَيْ مَالَ الشِّرْكَةِ لِأَنَّ عَادَةَ التُّجَّارِ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ جَرَتْ كَذَلِكَ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ فِي الْقِيَاسِ فَإِنْ فَعَلَ فَأَعَارَ دَابَّةً فَعَطِبَتْ تَحْتَ الْمُسْتَعِيرِ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنَّ الْمُعِيرَ ضَامِنٌ لِنِصْفِ قِيمَةِ الدَّابَّةِ لِشَرِيكِهِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا أَضْمَنَهُ وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَكَذَا لَوْ أَعَارَ ثَوْبًا أَوْ دَارًا أَوْ خَادِمًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَوْعُ شِرْكَةٍ) أَيْ وَلَيْسَ لِشَرِيكِ الْعِنَانِ أَنْ يُشَارِكَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ الثَّانِيَةَ مِثْلُ الْأُولَى فَلَا تَكُونُ مِنْ أَحْكَامِهَا وَأَتْبَاعِهَا فَكَذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً إلَّا إذَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَ غَيْرَهُ إذَا نَصَّ عَلَيْهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُوَكِّلُ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ بَيْنَهُمْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى عَادَةِ التُّجَّارِ وَفِي عَادَتِهِمْ تَوْكِيلُ الشَّرِيكِ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الشِّرْكَةِ فَجَازَ ذَلِكَ أَوْ نَقُولُ الْمَقْصُودُ مِنْ عَقْدِ الشِّرْكَةِ التِّجَارَةُ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ رُبَّمَا لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْمُبَاشَرَةُ بِنَفْسِهِ لِلتِّجَارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْكِيلِ فَيَثْبُتُ التَّوْكِيلُ فِي ضِمْنِ التِّجَارَةِ تَبَعًا لَهَا بِدَلَالَةِ الْحَالِ فَصَارَ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَ صَاحِبَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ لِأَنَّهُ عَقْدٌ خَاصٌّ ثَبَتَ مَقْصُودُ التَّحْصِيلِ شَيْءٌ مَعْلُومٌ جِنْسُهُ وَصِفَتُهُ فَلَمْ يَثْبُتْ فِي ضِمْنِهِ تَبَعًا مَا هُوَ مِثْلُهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إذَا رَهَنَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ مَتَاعًا مِنْ الشِّرْكَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا لَمْ يَجُزْ وَكَانَ ضَامِنًا لِلرَّهْنِ وَلَوْ ارْتَهَنَ بِدَيْنٍ لَهُمَا أَدَانَاهُ وَقَبَضَ لَمْ يَجُزْ عَلَى شَرِيكِهِ مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّطْهُ أَنْ يَرْتَهِنَ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ ذَهَبَ بِحِصَّتِهِ وَيَرْجِعُ شَرِيكُهُ بِحِصَّتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَيَرْجِعُ الْمَطْلُوبُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ شَاءَ شَرِيكُهُ الْمُرْتَهِنَ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَدُهُ فِي الْمَالِ) يَعْنِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ يَدُهُ يَدُ الْأَمَانَةِ حَتَّى إذَا هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ هَلَكَ بِلَا ضَمَانٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الْقَابِضَ عَلَى سَوْم الشِّرَاءِ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْوَثِيقَةُ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

تَقَبُّلٍ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَتُسَمَّى شِرْكَةَ الصَّنَائِعِ وَشِرْكَةَ الْأَعْمَالِ وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ زُفَرَ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ فِي الرِّبْحِ تَبْتَنِي عَلَى الشِّرْكَةِ فِي رَأْسِ الْمَالِ عَلَى أَصْلِهِمَا وَلَا مَالَ لَهُمَا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ لَهُمَا التَّثْمِيرُ بِدُونِ الْأَصْلِ وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْصِيلُ الْمَالِ بِالتَّوْكِيلِ وَهَذَا مِمَّا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ فَيَجُوزُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِتَقَبُّلِ الْأَعْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْعَاقِدِ فِيهِ شِرْكَةٌ يَجُوزُ فَكَذَا إذَا كَانَتْ لَهُ فِيهِ شِرْكَةٌ كَالشِّرَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرِيكَ قَدْ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِالْعَمَلِ كَمَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْمَالِ كَالْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ وَقَدْ يَسْتَحِقَّانِهِ بِالْمَالِ فَقَطْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَذَا وَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّاهُ بِالْعَمَلِ فَقَطْ وَيَكُونُ هَذَا عَقْدَ شِرْكَةٍ لَا إجَارَةٍ وَلِهَذَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ الْمُدَّةِ بَلْ يَجُوزُ مُطْلَقًا كَالْمُضَارَبَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّحَادُ جِنْسِ الْعَمَلِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ أَوْ خَيَّاطٍ وَصَبَّاغٍ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّحَادُ الْمَكَانِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَمَالِكٍ فِيهِمَا لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِلشِّرْكَةِ وَهُوَ إمْكَانُ التَّحْصِيلِ بِالتَّوْكِيلِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ عَمَلٍ يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُمَا) لِأَنَّهُ تَقَبَّلَهُ لِنَفْسِهِ بِالْأَصَالَةِ وَلِشَرِيكِهِ بِالْوَكَالَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا فَيُطَالِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَمَلِ وَيُطَالِبَانِ بِالْأَجْرِ وَيَبْرَآنِ بِعَمَلِ أَحَدِهِمَا وَيَبْرَأُ الْمُسْتَعْمِلُ بِدَفْعِ الْأُجْرَةِ إلَى أَحَدِهِمَا وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمُفَاوَضَةِ وَفِي الْعِنَانِ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ وَأَنْ لَا يُطَالِبَ غَيْرَ الْمُتَقَبِّلِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْكَفَالَةِ وَالْكَفَالَةُ تَثْبُتُ بِمُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَمَلَ هُنَا كَالثَّمَنِ فِي الشِّرْكَةِ فِي الْمَالِ فَكَمَا يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ هُنَاكَ بِالثَّمَنِ فَكَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ هُنَا بِالْعَمَلِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا قَبْلَ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ إلَى مَا بَعْدَهُ لَسَقَطَ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ إذْ لَا يُمْكِنُ ضَمَانُ الْعَمَلِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ بِخِلَافِ الثَّمَنِ فَلِهَذَا الْمَعْنَى اسْتَوَى فِي هَذِهِ الشِّرْكَةِ حُكْمُ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ فِي الضَّمَانِ وَهَذَا لِأَنَّ الرِّبْحَ يُسْتَحَقُّ إمَّا بِالْمَالِ أَوْ بِالْعَمَلِ وَلَا مَالَ لَهُمَا فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ وَلَا وَجْهَ لِضَمَانِ الْعَمَلِ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَسْبُ أَحَدِهِمَا بَيْنَهُمَا) يَعْنِي إذَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَتْ الْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا أَمَّا اسْتِحْقَاقُ الْعَامِلِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِالتَّقَبُّلِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُ فَيَسْتَحِقُّهُ بِالضَّمَانِ وَهُوَ لُزُومُ الْعَمَلِ وَلَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ وَالْمَالَ أَثْلَاثًا جَازَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ فَالزِّيَادَةُ عَلَى مَا ضَمِنَ مِنْ الْعَمَلِ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزُ كَشِرْكَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَتُسَمَّى شِرْكَةَ الصَّنَائِعِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ شِرْكَةَ الصَّنَائِعِ تُسَمَّى شِرْكَةَ التَّقَبُّلِ وَشِرْكَةَ الْأَعْمَالِ وَشِرْكَةَ الْأَبْدَانِ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَدَنِ يَكُونُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُفَاوَضَةً وَقَدْ تَكُونُ عِنَانًا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَأَمَّا الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَهُمَا فَهِيَ أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَأَنْ يَشْتَرِطَا مَا رَزَقَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَنْ يَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ كَمَا فِي الشِّرْكَةِ بِالْأَمْوَالِ وَأَمَّا الْعِنَانُ فَيَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ أَوْ لَمْ يَكُونَا بَعْدَ أَنْ كَانَا أَهْلًا لِلتَّوْكِيلِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ شِرْكَةَ التَّقَبُّلِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ الصَّنْعَةُ أَوْ اخْتَلَفَتْ كَقَصَّارَيْنِ أَوْ خَيَّاطَيْنِ يَشْتَرِكَانِ عَلَى تَقَبُّلِ الْأَعْمَالِ مِنْ النَّاسِ أَوْ قَصَّارٌ وَإِسْكَافٌ. وَقَالَ زُفَرُ هِيَ جَائِزَةٌ بِشَرْطِ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ وَقَالَ زُفَرُ فِي رِوَايَةٍ لَا تَصِحُّ أَصْلًا وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ عَدَمِ الْجَوَازِ أَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ وَلَا مَالَ هُنَا وَقَدْ مَرَّ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ يَعْقِدُونَ هَذِهِ الشِّرْكَةَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ». اهـ. (قَوْلُهُ فَكَذَا وَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّاهُ بِالْعَمَلِ فَقَطْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ عِنْدَنَا حَتَّى إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا قَصَّارًا وَالْآخَرُ خَيَّاطًا وَقَعَدَا فِي دُكَّانَيْنِ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَزُفَرَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَمَلُ مُخْتَلِفًا يَعْجِزُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ عَمَلِ صَاحِبِهِ الَّذِي يَتَقَبَّلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ صَنْعَتِهِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الشِّرْكَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِلشِّرْكَةِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ بِالتَّوْكِيلِ وَالتَّوْكِيلُ يَصِحُّ مِمَّنْ يُحْسِنُ مُبَاشَرَةَ الْعَمَلِ أَوْ لَا يُحْسِنُهَا لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِيَدِهِ بَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ أَوْ يَسْتَأْجِرَهُ فَإِذَنْ لَا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ إقَامَةِ الْعَمَلِ عَاجِزًا وَكَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَرِضَ وَعَمِلَ الْآخَرُ يَكُونُ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ عَمَلَهُ كَعَمَلِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَتْ الْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ إذَا عَمِلَا فَكُلُّ وَاحِدٍ يَسْتَحِقُّ فَائِدَةَ عَمَلِهِ وَهُوَ كَسْبُهُ وَإِذَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْعَامِلُ مُعِينًا لِشَرِيكِهِ فِيمَا لَزِمَهُ بِالتَّقَبُّلِ فَوَقَعَ عَمَلُهُ لَهُ فَكَأَنَّ الشَّرِيكَ اسْتَعَانَ بِأَجْنَبِيٍّ حَتَّى عَمِلَ وَهَذَا جَائِزٌ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ مُطْلَقُ الْعَمَلِ لَا عَمَلُ الصَّانِعِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْقَصَّارَ إذَا اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ غَيْرَهُ حَتَّى عَمِلَ اسْتَحَقَّ الْقَصَّارُ الْأَجْرَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالُوا جَوَازُ اشْتِرَاطِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْعَمَلِ فِي شِرْكَةِ التَّقَبُّلِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ عِنَانًا أَمَّا فِي الْمُفَاوَضَةِ فَلَا يَجُوزُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ مَا نَصُّهُ وَلَوْ شَرَطَا الْأَكْثَرَ لِأَدْنَاهُمَا عَمَلًا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ فِي الْغَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ حَكَاهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ اهـ قَوْلُهُ قَالَ فِي الْغَايَةِ إلَخْ عِبَارَةُ الْأَتْقَانِيِّ فِي الْغَايَةِ قُلْت الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّ الرِّبْحَ بِقَدْرِ ضَمَانِ الْعَمَلِ لَا بِحَقِيقَةِ الْعَمَلِ أَلَا تَرَى إلَى مَا نَصَّ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي فَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَرِضَ وَلَمْ يَعْمَلْ وَعَمِلَ الْآخَرُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْلَسَ عَلَى دُكَّانِهِ رَجُلًا يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ هَذِهِ الشِّرْكَةُ لِأَنَّ مِنْ أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ وَمِنْ أَحَدِهِمَا الْحَانُوتَ فَتَكُونُ هَذِهِ شِرْكَةً بِالْعُرُوضِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجُوزُ لِأَنَّ هَذِهِ شِرْكَةُ التَّقَبُّلِ لِأَنَّ تَقَبُّلَ الْعَمَلِ مِنْ صَاحِبِ الْحَانُوتِ عَمَلٌ فَصَارَتْ شِرْكَةً بِالْأَعْمَالِ. اهـ.

[فصل في الشركة الفاسدة]

الْوُجُوهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَمَلَ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ أَوْ شِبْهِ الْعَقْدِ فَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يُقَوِّمَ عَمَلَهُ بِمَا شَاءَ فَإِذَا قَوَّمَا عَمَلَ أَحَدِهِمَا بِشَيْءٍ وَعَمَلَ الْآخَرِ بِأَنْقَصَ مِنْهُ أَوْ أَزْيَدَ لَا يُمْتَنَعُ كَثَمَنِ الْعَيْنِ فَيَكُونُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بَدَلَ عَمَلِهِ ابْتِدَاءً لَا رِبْحًا لِأَنَّ الرِّبْحَ يَكُونُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ لِأَنَّ الْعَمَلَ غَيْرُ الْمَالِ بِخِلَافِ شِرْكَةِ الْوُجُوهِ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الثَّمَنِ مُتَقَوِّمٌ وَكَذَا الْمُشْتَرَى مُتَقَوِّمٌ فَيَسْتَحِقَّانِ مِنْ الرِّبْحِ بِقَدْرِ مَا ضَمِنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوُجُوهٍ إنْ اشْتَرَكَا بِلَا مَالٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا) أَيْ هَذِهِ شِرْكَةُ وُجُوهٍ يَعْنِي شِرْكَةُ الْعَقْدِ شِرْكَةُ وُجُوهٍ وَتَفْسِيرُهُ مَا نُبَيِّنُهُ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِي بِالنَّسِيئَةِ إلَّا مَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ وَقِيلَ لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِيَانِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ وَقِيلَ لِأَنَّهُمَا إذَا جَلَسَا لِيُدَبِّرَا أَمْرَهُمَا يَنْظُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى وَجْهِ صَاحِبِهِ وَيَكُونُ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الشِّرْكَةِ عِنَانًا وَمُفَاوَضَةً كَشِرْكَةِ التَّقَبُّلِ وَإِذَا نَصَّا عَلَى الْمُفَاوَضَةِ أَوْ ذَكَرَا جَمِيعَ مَا تَقْتَضِيهِ الْمُفَاوَضَةُ وَاجْتَمَعَتْ فِيهِمَا شَرَائِطُهَا صَارَتْ مُفَاوَضَةً فِيهِمَا وَإِلَّا فَعِنَانٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الشِّرْكَةِ لِأَنَّ خَلْطَ الْمَالِ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَلَا تَجُوزُ بِغَيْرِ مَالٍ وَعِنْدَنَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشِّرْكَةِ التَّحْصِيلُ بِالْوَكَالَةِ وَقَدْ أَمْكَنَ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَكَالَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي شِرْكَةِ التَّقَبُّلِ وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلَ الْآخَرِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ) لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّحْصِيلِ لِصَاحِبِهِ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا تَضَمَّنَهَا جَمِيعُ أَنْوَاعِ شِرْكَةِ الْعُقُودِ وَتَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُفَاوَضَةً لِمَا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَرَطَا مُنَاصَفَةَ الْمُشْتَرَى أَوْ مُثَالَثَتُهُ فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ وَبَطَلَ شَرْطُ الْفَضْلِ) لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْعَمَلِ كَالْمُضَارِبِ أَوْ بِالْمَالِ كَرَبِّ الْمَالِ أَوْ بِالضَّمَانِ كَالْأُسْتَاذِ الَّذِي يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ مِنْ النَّاسِ وَيُلْقِيهِ عَلَى التِّلْمِيذِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَخَذَهُ فَيَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ بِالضَّمَانِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِغَيْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ تَصَرَّفْ فِي مَالِكَ عَلَى أَنَّ لِي بَعْضَ رِبْحِهِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِعَدَمِ هَذِهِ الْمَعَانِي وَاسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ فِي شِرْكَةِ الْوُجُوهِ بِالضَّمَانِ وَالضَّمَانُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى فَكَانَ الرِّبْحُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَفِي الْمُضَارَبَةِ جَازَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَشِرْكَةُ الْوُجُوهِ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا إذْ لَا يَعْمَلُ فِي مَالٍ مُعَيَّنٍ وَتَعْيِينُ الْمَالِ هُوَ الْمُجَوِّزُ لِلْمُضَارَبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَالَ لَمَّا كَانَ مُعَيَّنًا فِي غَيْرِ شِرْكَةِ الْوُجُوهِ جَازَ أَيْضًا اشْتِرَاطُ التَّفَاضُلِ بِشَرْطِ الْعَمَلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ (فَصْلٌ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَصِحُّ شِرْكَةٌ فِي احْتِطَابٍ وَاصْطِيَادٍ وَاسْتِقَاءٍ) وَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَوُجُوهٌ إنْ اشْتَرَكَا إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَأَمَّا الشِّرْكَةُ بِالْوُجُوهِ فَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ الرَّجُلَانِ وَلَيْسَ لَهُمَا مَالٌ وَلَا عَمَلٌ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِالنَّسِيئَةِ وَيَبِيعَاهَا بِالنَّقْدِ فَمَا حَصَلَ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا جَائِزٌ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَوُجُوهٌ إنْ اشْتَرَكَا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي شِرْكَةِ الْوُجُوهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ وَإِنْ شَرَطَا الرِّبْحَ بِخِلَافِ الضَّمَانِ بَيْنَهُمَا فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ ضَمَانِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَوُجُوهٌ إنْ اشْتَرَكَا مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الشِّرْكَةُ مُفَاوَضَةً وَقَدْ تَكُونُ عِنَانًا فَالْمُفَاوَضَةُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَأَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْمُشْتَرَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَأَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَنْ يَتَلَفَّظَا بِالْمُفَاوَضَةِ وَأَمَّا الْعِنَانُ مِنْهُمَا فَهُوَ أَنْ يَجُوزَ التَّفَاضُلُ فِي ضَمَانِ ثَمَنِ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا اهـ (قَوْلُهُ صَارَتْ مُفَاوَضَةً فِيهِمَا) أَيْ فِي التَّقَبُّلِ وَالْوُجُوهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَ الرِّبْحُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ إلَّا فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْوُجُوهُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا بِخِلَافِ الْعِنَانِ لِأَنَّهُ هـ فِي مَعْنَاهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْمَلُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ فَيُلْحَقُ بِهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَكَانَ الرِّبْحُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْإِمَامُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ فَضْلِ الرِّبْحِ عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ لَا يَجُوزُ فَإِنْ شَرَطَ الْفَضْلُ فِيهِ لِأَحَدِهِمَا بَطَلَ الشَّرْطُ وَكَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ ضَمَانِهِمَا وَهَذَا لِأَنَّ ضَمَانَ الثَّمَنِ إذَا كَانَ أَثْلَاثًا بَيْنَهُمَا مَثَلًا وَقَدْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ نِصْفَيْنِ كَانَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ رِبْحُ مَا ضَمَانُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ السُّدُسُ فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَهُوَ السُّدُسُ وَهُوَ حَرَامٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ تَحْقِيقُهُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرِّبْحِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْمَالِ كَرَبِّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ أَوْ بِالْعَمَلِ كَالْمُضَارِبِ أَوْ بِالضَّمَانِ كَرَجُلٍ يُجْلِسُ عَلَى دُكَّانِهِ تِلْمِيذًا يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ نِصْفَ الرِّبْحِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ فِي الشَّرْعِ بِلَا وَاحِدٍ مِنْ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ اسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ فِي شِرْكَةِ الْوُجُوهِ بِضَمَانِ الثَّمَنِ فَإِذَا كَانَ الضَّمَانُ نِصْفَيْنِ يَكُونُ اشْتِرَاطُ فَضْلِ الرِّبْحِ عَلَى النِّصْفِ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَجُوزُ اهـ [فَصْلٌ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ] (فَصْلٌ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ) شَرَعَ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الشِّرْكَةِ الصَّحِيحَةِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مَوْجُودٌ أَصْلًا وَوَصْفًا وَالْفَاسِدُ مَوْجُودٌ أَصْلًا لَا وَصْفًا فَكَانَ تَقْدِيمُ مَا هُوَ مَوْجُودٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَصِحُّ شِرْكَةٌ فِي احْتِطَابٍ إلَخْ) وَإِنَّمَا لَمْ تَصِحَّ الشِّرْكَةُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ وَشَرْطُ تَحَقُّقِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ بِهِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهَا الْوَكِيلُ بِدُونِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ وَفِي الْمُبَاحَاتِ يَمْلِكُهَا الْوَكِيلُ بِلَا تَوْكِيلٍ فَلَمْ تَصِحَّ الشِّرْكَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَكَالَةِ وَسَبَبُ تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ الْحِيَازَةُ فَكُلُّ مَنْ فَازَ بِالسَّبَبِ فَازَ بِهَا وَعَلَى هَذَا سُؤَالُ النَّاسِ وَالتَّكَدِّي قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَخَذَ مِلْكًا لَهُ وَثَمَنُهُ لَهُ وَرِبْحُهُ وَوَضِيعَتُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَعَانَهُ فِي عَمَلِهِ وَجَمْعِهِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ ثَمَنِ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَبْلُغُ أَجْرَ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانٌ

فِي أَخْذِ كُلِّ مُبَاحٍ كَالِاحْتِشَاشِ وَاجْتِنَاءِ الثِّمَارِ مِنْ الْجِبَالِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِيمَا هُوَ ثَابِتٌ لِلْمُوَكِّلِ وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَمْلِكْهُ فَلَا يَمْلِكُ إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ وَلِأَنَّ الْمُبَاحَ لِمَنْ أَخَذَهُ فَلَا يُمْكِنُ إيقَاعُ الْحُكْمِ فِيهِ لِغَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكَسْبُ لِلْعَامِلِ) لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ مَا لِلْآخَرِ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ غَيْرِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ لِيَسْتَقِيَا عَلَيْهَا الْمَاءَ فَأَيُّهُمَا اسْتَقَى فَهُوَ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ آلَةِ الْآخَرِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ إذَا فَسَدَتْ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا لَا يُزَادُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُسَمَّى وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا كَمَا إذَا جَعَلَ الْأَجْرَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ حَمَّامًا عَلَى أَنَّ الْعِمَارَةَ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ إذْ لَا يُمْكِنُ تَحْدِيدُهُ بِشَيْءٍ وَلَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَالْجُزْءِ الشَّائِعِ مِثْلَ النِّصْفِ وَالرُّبْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ لِأَنَّ النِّصْفَ مَجْهُولٌ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ بِكَثْرَةِ مَا يَحْصُلُ وَيَنْقُصُ عِنْدَ قِلَّتِهِ فَلَا يَتِمُّ رِضَاهُ إلَّا بِشَيْءٍ مُقَدَّرٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ كُلِّ مَا يَحْصُلُ بِعَمَلِهِ فَتَمَّ رِضَاهُ بِهِ وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ هَذَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْمُزَارَعَةِ فَمُحَمَّدٌ مَالَ إلَى كَوْنِهِ مَجْهُولًا وَهُمَا إلَى كَوْنِهِ مَعْلُومًا فَإِذَا كَانَ الْمُبَاحُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِمَنْ أَخَذَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ لِلْآخَرِ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ أَخَذَاهُ مَعًا يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ثُمَّ إنْ عُلِمَ مَا أَخَذَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مِثْلُ الثَّمَرَةِ وَنَحْوِهَا أَوْ بِالْقِيمَةِ فِي الْقِيَمِيِّ فَلَا كَلَامَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَدَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا تَصْدُقُ إلَى النِّصْفِ وَلَا تَصْدُقُ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْكَسْبِ وَفِي كَوْنِهِ فِي أَيْدِيهِمَا فَكَانَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ ظَاهِرًا فَلَا يَصْدُقُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرِّبْحُ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ بِقَدْرِ الْمَالِ وَإِنْ شَرَطَ الْفَضْلَ) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الرِّبْحَ تَبَعٌ لِلْمَالِ كَالرِّيعِ وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَلَمْ تَصِحَّ فَيَبْطُلُ شَرْطُ التَّفَاضُلِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ فِيهِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ وَهُوَ وَاجِبُ الرَّفْعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ الشِّرْكَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ حُكْمًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَوْتُ حُكْمًا بِأَنْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ فَيَكُونُ لِدَوَامِهَا حُكْمُ ابْتِدَائِهَا وَهَذَا لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ وَلَا بُدَّ مِنْهَا لِتَحَقُّقِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الشِّرْكَةُ فِي الْمُشْتَرَى عَلَى مَا مَرَّ وَالْوَكَالَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَاللَّحَاقِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ مَوْتَ صَاحِبِهِ أَوْ لَا يَعْلَمَ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَإِذَا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بَطَلَتْ الشِّرْكَةُ يَعْنِي شِرْكَةَ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ لِثُبُوتِهِ ضِمْنًا بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا الشِّرْكَةَ فِي حَالَةٍ يَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ فِيهَا بِأَنْ كَانَ الْمَالُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْآخَرِ لِكَوْنِهِ عَزْلًا قَصْدِيًّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُزَكِّ مَالَ الْآخَرِ) أَيْ لَا يُزَكِّي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهَا لِأَنَّ الْإِذْنَ بَيْنَهُمَا وَقَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى هُنَا لَفْظُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَاجْتِنَاءُ الثِّمَارِ مِنْ الْجِبَالِ) أَيْ وَالْبَرَارِيِ كَالْفُسْتُقِ وَالْجَوْزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلٍ) مِثْلٌ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ) رَوَيْت لِلْقَوْمِ إذَا اسْتَقَيْت لَهُمْ وَالْبَعِيرُ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمَاءُ الرَّاوِيَةُ وَكَثُرَ ذَلِكَ حَتَّى سَمَّوْا الْمَزَادَةَ رَاوِيَةً كَذَا قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَزَادَةُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْمَزَادَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ جِلْدَيْنِ تُفْأَمُ بِجِلْدٍ ثَالِثٍ لِتَتَّسِعَ وَالْجَمْعُ مَزَادٌ وَمَزَايِدُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إنَّ الرِّبْحَ تَبَعٌ لِلْمَالِ كَالرِّيعِ) أَيْ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِلْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ. اهـ. هِدَايَةٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ كَالرِّيعِ مَا نَصُّهُ الرِّيعُ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ كَذَا فِي الْمُجْمَلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُفَاوَضَةً أَوْ عِنَانًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْوَكَالَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَاللِّحَاقِ إلَخْ) ثُمَّ لَمَّا ثَبَتَ بُطْلَانُ الشِّرْكَةِ بِالْمَوْتِ ثَبَتَ بُطْلَانُهَا بِالِارْتِدَادِ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ لِأَنَّهُ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْآخَرِ لِكَوْنِهِ عَزْلًا قَصْدِيًّا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الشِّرْكَةُ فِي الْعَزْلِ الْقَصْدِيِّ تَنْفَسِخُ إذَا كَانَ مَالُ الشِّرْكَةِ عَيْنًا يَعْنِي دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَلَوْ كَانَ مَالُ الشِّرْكَةِ عُرُوضًا وَضَاقَتْ الْفَسْخُ فَقَدْ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ لَا تَنْفَسِخُ وَجَعْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَارَبَةِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا رِوَايَةَ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي الشِّرْكَةِ وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ فِي الْمُضَارَبَةِ وَهِيَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إذَا نَهَى الْمُضَارِبَ عَنْ التَّصَرُّفِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ وَقْتَ النَّهْيِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ صَحَّ النَّهْيُ وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الدَّنَانِيرَ إلَى الدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَنَانِيرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ إلَى الدَّنَانِيرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَرَضًا وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عُرُوضًا وَقْتَ النَّهْيِ فَلَا يَصِحُّ نَهْيُهُ وَجَعَلَ الطَّحَاوِيُّ الشِّرْكَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَارَبَةِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا فَرَّقُوا بَيْنَ الْمُضَارَبَةِ وَالشِّرْكَةِ وَقَالُوا يَجُوزُ فَسْخُ الشِّرْكَةِ وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرَضًا بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ مَالَ الشِّرْكَةِ فِي أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا وَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ إلَيْهِمَا فَيَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَهْيَ صَاحِبِهِ عَيْنًا كَانَ الْمَالُ أَوْ عَرَضًا وَأَمَّا مَالُ الْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ وَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ إلَيْهِ لَا إلَى رَبِّ الْمَالِ فَلَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ نَهْيَهُ بَعْدَ مَا صَارَ الْمَالُ عَرَضًا كَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ وَقْتَ النَّهْيِ دَرَاهِمَ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ كَانَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ صَحَّ نَهْيُهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَصْرِفُ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ بِأَنْ كَانَ رَأْسُ مَالِ الشِّرْكَةِ دَنَانِيرَ وَعَكْسُهُ فَقَطْ اهـ وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرَضًا قَالَ الْكَمَالُ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا تَنْفَسِخُ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ عَرَضًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ.

[كتاب الوقف]

فِي التِّجَارَةِ وَالزَّكَاةُ لَيْسَتْ مِنْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَذِنَ كُلٌّ) أَيْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ عَنْهُ (وَأَدَّيَا مَعًا ضَمِنَا وَلَوْ مُتَعَاقِبًا ضَمِنَ الثَّانِي) أَيْ لَوْ أَدَّيَا مُتَعَاقِبًا ضَمِنَ الثَّانِي عَلِمَ بِأَدَاءِ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا إنْ عَلِمَ يَضْمَنُ وَإِلَّا فَلَا كَذَا أَشَارَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَفِي الزِّيَادَاتِ لَا يَضْمَنُ عَلِمَ بِأَدَاءِ شَرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ الْوَكِيلُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ أَوْ الْكَفَّارَاتِ إذَا أَدَّى الْآمِرُ بِنَفْسِهِ مَعَ الْمَأْمُورِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ أَعْتَقَ لَهُمَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْأَدَاءِ وَقَدْ أَتَى بِهِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إيقَاعُهُ زَكَاةً أَوْ كَفَّارَةً لِتَعَلُّقِهِ بِنِيَّةِ الْآمِرِ فَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِذَبْحِ دَمِ الْإِحْصَارِ إذَا ذَبَحَهُ بَعْدَ مَا زَالَ الْإِحْصَارُ وَحَجِّ الْآمِرِ وَلَهُ أَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ إسْقَاطُ الْفَرْضِ عَنْهُ وَلَمْ يَسْقُطْ بِهِ الْفَرْضُ إذْ لَا يَلْتَزِمُ الضَّرَرَ إلَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إذْ هُوَ صَارَ مَعْزُولًا بِأَدَاءِ الْآمِرِ وَهُوَ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُهُ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ بِقَضَائِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ بَعْدَ قَضَاءِ الْآمِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ جَعَلَ الْمَقْبُوضَ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ وَقَدْ وُجِدَ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَأَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ عَلَى الْهَلَاكِ وَبِخِلَافِ دَمِ الْإِحْصَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَزُولَ فَيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ النُّسُكِ وَكَذَا لَهُ أَنْ لَا يَتَحَلَّلَ بَعْدَ الذَّبْحِ بَلْ يَتَحَلَّلَ بِأَدَاءِ النُّسُكِ وَقَدْ أَتَى بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَيْفَمَا كَانَ فَلَا يَضْمَنُ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا فَلَا يَرُدُّ إشْكَالًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَذِنَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بِشِرَاءِ أَمَةٍ لِيَطَأَ فَفَعَلَ فَهِيَ لَهُ بِلَا شَيْءٍ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَقَعَ لَهُ خَاصَّةً حَتَّى حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ خَاصَّةً وَقَدْ قَضَاهُ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِحِصَّتِهِ كَمَا فِي ثَمَنِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَلَهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ تَدْخُلُ فِي مِلْكِهِمَا جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الشِّرْكَةِ إذْ لَا يَمْلِكَانِ تَغْيِيرَهُ ثُمَّ الْإِذْنُ يَتَضَمَّنُ هِبَةَ نَصِيبِهِ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَيَاهَا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اقْبِضْهَا لَك كَانَتْ هِبَةً وَكَمَا إذَا قَالَ لِشَخْصٍ اقْبِضْ دَيْنِي عَلَى فُلَانٍ لِنَفْسِك فَقَبَضَهُ كَانَ هِبَةً لَهُ وَكَمَا إذَا قَالَ لِشَخْصٍ أَدِّ عَنِّي الزَّكَاةَ فَأَدَّى عَنْهُ كَانَ تَمْلِيكًا مِنْهُ فِي ضِمْنِ قَبْضِ الْفَقِيرِ بِخِلَافِ طَعَامِ الْأَهْلِ وَكِسْوَتِهِمْ لِأَنَّ ذَاكَ مُسْتَثْنًى مِنْ الشِّرْكَةِ لِلضَّرُورَةِ فَيَقَعُ الْمِلْكُ لَهُ خَاصَّةً بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَكَانَ مُؤَدِّيًا دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الشِّرْكَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا تُسْتَثْنَى فَيَدْخُلُ فِي مِلْكِهِمَا فَيَكُونُ قَاضِيًا دَيْنًا عَلَيْهِمَا وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ أَيَّهمَا شَاءَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَابُ الْوَقْفِ) الْوَقْفُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ وَقَفَهُ إذَا حَبَسَهُ وَقْفًا وَوَقَفَ بِنَفْسِهِ وُقُوفًا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى وَمِنْهُ وَقَفَ عَقَارَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَأَدَّيَا مَعًا ضَمِنَا) أَيْ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ اهـ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْغَنِيُّ فِيمَا لَوْ أَدَّيَا مَعًا حَيْثُ يَضْمَنُ الْوَكِيلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَوَجْهُهُ أَنَّ أَدَاءَ الْمُوَكِّلِ سَابِقٌ عَلَى أَدَائِهِ وَإِنْ أَدَّيَا مَعًا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَالِاعْتِبَارُ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَتَصَرَّفُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْأَدَاءِ وَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَتَصَرُّفُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَقْرَبُ مِنْ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ سَابِقًا مَعْنًى كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ وَبَاعَ الْمُوَكِّلُ أَيْضًا وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا يَنْفُذُ بَيْعُ الْمُوَكِّلِ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِحِصَّتِهِ كَمَا فِي ثَمَنِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ) تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوَطْءِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ كَالطَّعَامِ فَلَمْ تَكُنْ مُسْتَثْنَاةً مِنْ عَقْدِ الشِّرْكَةِ بِلَا شَرْطٍ ثُمَّ لَمَّا جَاءَ التَّصْرِيحُ بِالْحَاجَةِ إلَى الْوَطْءِ أُلْحِقَتْ بِحَاجَةِ الطَّعَامِ فَوَقَعَ شِرَاءُ الْجَارِيَةِ لَلشَّرِيك الْمُشْتَرِي خَاصَّةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ إذْ لَا يَمْلِكَانِ تَغْيِيرَهُ) أَيْ مَعَ بَقَاءِ الشِّرْكَةِ. اهـ. كَيْ [كِتَابُ الْوَقْفِ] (كِتَابُ الْوَقْفِ) قَالَ الْكَمَالُ أَمَّا تَفْسِيرُهُ لُغَةً فَالْحَبْسُ مَصْدَرُ وَقَفْت أَقِفُ حَبَسْت قَالَ عَنْتَرَةُ وَوَقَفَتْ فِيهَا نَاقَتِي فَكَأَنَّهَا ... فَدَنٌ لِأَقْضِيَ حَاجَةَ الْمُتَلَوَّمِ وَهُوَ أَحَدُ مَا جَاءَ عَلَى فَعَلْته فَفَعَلَ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى وَيَجْتَمِعَانِ فِي قَوْلِك وَقَفْت زَيْدًا أَوْ الْحِمَارَ فَوَقَفَ وَأَمَّا أَوْقَفْته بِالْهَمْزَةِ فَلُغَةٌ رَدِيئَةٌ وَأَمَّا شَرْعًا فَحَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقِ بِمَنْفَعَتِهَا أَوْ صَرْفِ مَنْفَعَتِهَا إلَى مَنْ أَحَبَّ وَعِنْدَهُمَا حَبْسُهَا لَا عَلَى مِلْكِ أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْ صَرْفُ مَنْفَعَتِهَا لِأَنَّ الْوَقْفَ يَصِحُّ لِمَنْ يُحِبُّ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ بِلَا قَصْدِ الْقُرْبَةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فِي آخِرِهِ مِنْ الْقُرْبَةِ بِشَرْطِ التَّأْبِيدِ وَهُوَ بِذَلِكَ كَالْفُقَرَاءِ وَمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ لَكِنَّهُ يَكُونُ وَقْفًا قَبْلَ انْقِرَاضِ الْأَغْنِيَاءِ بِلَا قَصْدٍ وَسَبَبُهُ إرَادَةُ مَحْبُوبِ النَّفْسِ فِي الدُّنْيَا بِبِرِّ الْأَحْيَاءِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالتَّقَرُّبِ إلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا شَرْطُهُ فَهُوَ الشَّرْطُ فِي سَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ مِنْ كَوْنِهِ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا وَأَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ فَلَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ وَلَدِي فَدَارِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَجَاءَ وَلَدُهُ لَا تَصِيرُ وَقْفًا وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ فَلَوْ وَقَفَ الذِّمِّيُّ عَلَى وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْمَسَاكِينِ جَازَ. وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَسَاكِينَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلَ الذِّمَّةِ وَإِنْ خَصَّ فِي وَقْفِهِ مَسَاكِينَ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَازَ وَتُفَرَّقُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس مِنْهُمْ إلَّا إنْ خَصَّ صِنْفًا مِنْهُمْ فَلَوْ دَفَعَ الْقَيِّمُ إلَى غَيْرِهِمْ كَانَ ضَامِنًا وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ اهـ وَكَتَبَ عَلَى لَفْظِ كِتَابِ الْوَقْفِ مَا نَصُّهُ مُنَاسَبَتُهُ بِالشِّرْكَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُرَادُ لِاسْتِبْقَاءِ الْأَصْلِ مَعَ الِانْتِفَاعِ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشِّرْكَةِ مُسْتَبْقًى فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ وَفِي الْوَقْفِ مُخَرَّجٌ عَنْهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ

عَلَى كَذَا أَيْ حَبَسَهُ عَلَيْهِ وَسُمِّيَ بِهِ الْمَفْعُولُ مُبَالَغَةً كَقَوْلِهِمْ نَسْجُ الْيَمَنِ وَضَرْبُ الْأَمِيرِ لِلْمَنْسُوجِ وَالْمَضْرُوبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ) وَهَذَا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمِلْكُ يَزُولُ بِالْقَضَاءِ لَا إلَى مَالِكٍ) أَيْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَزُولُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَصْلًا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَقِيلَ يَجُوزُ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ فِيهِ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ وَيُورَثُ عَنْهُ إذَا مَاتَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَيَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَزُولُ حَتَّى يَجْعَلَ لِلْوَقْفِ وَلِيًّا وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ «عُمَرَ أَصَابَ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْت أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ إنْ شِئْت حَبَسْت أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْت بِهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ عَلَى أَنْ لَا تُبَاعَ وَلَا تُوهَبَ وَلَا تُورَثَ فِي الْفُقَرَاءِ وَذَوِي الْقُرْبَى وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى يَوْمِنَا هَذَا قَدْ تَعَامَلُوهُ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى أَنْ يَلْزَمَ الْوَقْفُ لِيَصِلَ ثَوَابُهُ إلَيْهِ عَلَى الدَّوَامِ وَقَدْ أَمْكَنَ دَفْعُ هَذِهِ الْحَاجَةِ بِإِسْقَاطِ الْمِلْكِ وَجَعْلِهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْمَسْجِدِ وَيَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا يَخْرُجُ الْمَسْجِدُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ مِلْكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَالْعِتْقِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَزُولُ حَتَّى يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ فَيَكُونُ التَّسْلِيمُ مِنْ شَرْطِهِ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ وَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَحَقَّقُ قَصْدٌ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْأَشْيَاءِ وَلَكِنَّهُ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ إلَى الْعَبْدِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمُنَفَّذَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى» وَقَالَ شُرَيْحٌ بُعِثَ مُحَمَّدٌ بِبَيْعِ الْحَبْسِ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ بَاقٍ لِأَنَّ غَرَضَهُ التَّصَدُّقُ بِغَلَّتِهِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا بَقِيَ الْأَصْلُ عَلَى مِلْكِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ احْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا أَيْ احْبِسْهُ عَلَى مِلْكِك وَتَصَدَّقْ بِثَمَرَتِهَا وَإِلَّا لَكَانَ مُسَبَّلًا جَمِيعَهَا وَهَذَا لِأَنَّ خُرُوجَ الْمِلْكِ لَا إلَى مَالِكٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَانَا عَنْ السَّائِبَةِ وَهِيَ الَّتِي يُسَيِّبُهَا مَالِكُهَا وَيُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِهِ بِزَعْمِهِمْ وَلَا يَتَنَاوَلُ مِنْهَا إلَّا الْفُقَرَاءُ أَوْ الضُّيُوفُ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ أَوْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ يُحْرَزُ عَنْ حَقِّ الْعَبْدِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ وَلِهَذَا لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ حَقُّ الْعَبْدِ حَتَّى كَانَ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِصَرْفِ غَلَّاتِهِ إلَى مَصَارِفِهِ وَنَصْبِ الْقَيِّمِ وَلِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ أَوْ بِالْمَنْفَعَةِ الْمَعْدُومَةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ وَمَا رَوَيَاهُ لَا يَدُلُّ عَلَى لُزُومِهِ وَلِهَذَا أَرَادَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَعِنْدَهُمَا حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ تَعُودُ مَنْفَعَتُهُ إلَى الْعِبَادِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ سِوَى إلَى قَوْلِنَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَلَى وَجْهٍ يُحْبَسُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعِبَادِ لِأَنَّ مِلْكَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَشْيَاءِ لَمْ يَزُلْ قَطُّ وَلَا يُزَالُ فَالْعِبَارَةُ الْجَيِّدَةُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا صَحَّ الْوَقْفُ يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ لَا إلَى مَالِكٍ فَيَلْزَمُ وَلَا يَمْلِكُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ حَبْسُ الْعَيْنِ إلَخْ مَا نَصُّهُ هَذَا التَّعْرِيفُ الَّذِي ذَكَرَهُ لِلْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ أَمَّا بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَا خِلَافَ فِي خُرُوجِهِ عَنْ الْمِلْكِ وَمِثْلُهُ التَّعْلِيقُ بِالْمَوْتِ اهـ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ فِي التَّتِمَّةِ وَالْمُعَوَّلُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. حَقَائِقُ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمِلْكُ يَزُولُ بِالْقَضَاءِ لَا إلَى مَالِكٍ) قَالَ الْكَمَالُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْ الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ أَيْ يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ يُعَلِّقُهُ أَيْ يُعَلِّقُ الْوَقْفَ بِمَوْتِهِ فَيَقُولُ إذَا مِتَّ فَقَدْ وَقَفْت دَارِي عَلَى كَذَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ الَّذِي قَدَّمْنَا صِحَّةَ الْوَقْفِ بِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَزُولُ حَتَّى يَجْعَلَ لِلْوَقْفِ مُتَوَلِّيًا وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ بُخَارَى وَإِذَا لَمْ يَزُلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ الْحُكْمِ يَكُونُ مُوجَبُ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقِ بِالْمَنْفَعَةِ وَحَقِيقَتُهُ لَيْسَ إلَّا التَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ وَلَفْظُ حَبَسَ إلَخْ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ لَهُ بَيْعَهُ مَتَى شَاءَ وَمِلْكُهُ مُسْتَمِرٌّ فِيهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِمَنْفَعَتِهِ فَلَمْ يَحْدُثْ الْوَقْفُ إلَّا مَشِيئَةَ التَّصَدُّقِ بِمَنْفَعَتِهِ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ وَهَذَا الْقَوْلُ كَانَ ثَابِتًا لَهُ قَبْلَ الْوَقْفِ بِلَا ذِكْرِ الْوَقْفِ فَلَمْ يُفِدْ لَفْظُ الْوَقْفِ شَيْئًا وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ الْوَقْفَ وَهُوَ مَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْمَلْفُوظُ فِي الْأَصْلِ يَعْنِي الْمَبْسُوطَ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ فَقَالَ الْوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ حُكْمٌ لَمْ يَكُنْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ كَانَ كَالْمَعْدُومِ وَالْجَوَازُ وَالنَّفَاذُ وَالصِّحَّةُ فَرْعُ اعْتِبَارِ الْوُجُودِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُجِيزُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّلَفُّظَ بِلَفْظِ الْوَقْفِ بَلْ لَا يُجِيزُ الْأَحْكَامَ الَّتِي ذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهَا أَحْكَامُ ذِكْرِ الْوَقْفِ فَلَا خِلَافَ إذًا فَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ الْوَقْفَ أَيْ لَا يُثْبِتُ الْأَحْكَامَ الَّتِي ذُكِرَتْ لَهُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهَا حَاكِمٌ وَقَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةُ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى غَيْرِهِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ أَخْرَجَهُ إلَى غَيْرِهِ فَذَلِكَ الْغَيْرُ لَيْسَ هُوَ الْمُسْتَوْفِي لِمَنَافِعِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) أَيْ مِنْ قَوْلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ) أَيْ الْمُنَجَّزَةِ فِي الْحَالِ اهـ

أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ كَرِهَ أَنْ يَنْقُضَ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَرَكَهُ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ. وَلَوْ كَانَ لَازِمًا لَمَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ إلَّا أَنَّهُ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَى لُزُومَهُ يَلْزَمُ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَسَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ وَطَرِيقُ الْحُكْمِ فِيهِ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَقْفَ إلَى الْمُتَوَلِّي ثُمَّ يَرْجِعَ فِيهِ الْوَاقِفُ بِحُكْمِ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِذَا تَرَافَعَا إلَى الْحَاكِمِ وَحَكَمَ بِانْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَنْ الْوَقْفِ لَزِمَ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَا هَذَا إذَا حَكَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَأَمَّا الْمُحَكِّمُ فَلَا يَلْزَمُ بِحُكْمِهِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ عَلَّقَ الْوَقْفَ بِمَوْتِهِ بِأَنْ قَالَ إذَا مِتَّ فَقَدْ وَقَفْت دَارِي عَلَى كَذَا ثُمَّ مَاتَ صَحَّ وَلَزِمَ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْدُومِ جَائِزَةٌ كَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ وَيَكُونُ مِلْكُ الْمَيِّتِ بَاقِيًا فِيهِ حُكْمًا فَيَتَصَدَّقُ عَنْهُ دَائِمًا وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الثُّلُثِ يَجُوزُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَيَبْقَى الْبَاقِي إلَى أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ آخَرُ أَوْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ لِلْوَقْفِ وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ وَلَوْ عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ وَهُوَ مَرِيضٌ مَرَضَ الْمَوْتِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ وَإِنْ نَجَّزَ الْوَقْفَ فِي الْمَرَضِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُنَجَّزِ فِي الصِّحَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَلْزَمُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ فِي الصِّحَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتِمُّ حَتَّى يَقْبِضَ) أَيْ حَتَّى يَقْبِضَ الْمُتَوَلِّي وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَفْرِزَ) أَيْ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَفْرِزَ يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ الْمُشَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَبْضِ وَأَصْلُ الْقَبْضِ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكَذَا تَتِمَّتُهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ كَالْإِعْتَاقِ وَالشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُهُ كَمَا لَا يَمْنَعُ الْإِعْتَاقَ وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَا يَتِمُّ الْوَقْفُ مَعَ الشُّيُوعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ شَرْطٌ فَكَذَا مَا يَتِمُّ بِهِ الْقَبْضُ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَضُرُّهُ الشُّيُوعُ كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ مَعَ الشُّيُوعِ مُطْلَقًا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ بَقَاءَ الشِّرْكَةِ فِيهِ يَمْنَعُ الْخُلُوصَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِيهِمَا مِنْ أَقْبَحِ مَا يَكُونُ بِأَنْ يُدْفَنَ فِيهَا الْمَوْتَى سَنَةً وَتُنْزَعَ سَنَةً وَيُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فِي وَقْتٍ وَيُتَّخَذُ إصْطَبْلًا فِي وَقْتٍ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِغْلَالُ وَقِسْمَةُ الْغَلَّةِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَقْفِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَا فِيمَا يَحْتَمِلُهَا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْوَقْفِ شَائِعًا بَطَلَ فِي الْكُلِّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَقْفَ كَانَ شَائِعًا فَيَعُودُ الْكُلُّ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْ الثُّلُثِ وَرَجَعَتْ الْوَرَثَةُ فِي الْبَعْضِ شَائِعًا أَوْ رَجَعَ هُوَ فِي الْهِبَةِ كَذَلِكَ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ وَلَا الْهِبَةُ لِأَنَّ الشُّيُوعَ طَارِئٌ بَعْدَ صِحَّتِهِ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ الشُّيُوعِ وَقْتَ التَّصَرُّفِ وَإِنَّمَا طَرَأَ بَعْدَهُ فَلَا يَضُرُّ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ الشُّيُوعِ وَلِهَذَا جَازَ فِي الِابْتِدَاءِ بِدُونِ ذَلِكَ الْجُزْءِ وَعَلَى هَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ الْمُنَفَّذَةُ. وَلَوْ وَقَفَ رَجُلَانِ أَرْضًا بَيْنَهُمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا جَازَ إذَا سَلَّمَاهُ مَعًا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ لِأَنَّ وَقْتَ الْقَبْضِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَلَا شُيُوعَ حِينَئِذٍ كَمَا فِي الصَّدَقَةِ وَاخْتِلَافُ الْجِهَةِ لَا يَضُرُّ كَاخْتِلَافِ الْجِهَةِ فِي الْهَدْيِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجْعَلُ آخِرَهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ حَتَّى يَجْعَلَ آخِرَهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا سَمَّى فِيهِ جِهَةً تَنْقَطِعُ جَازَ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ لَهُمَا أَنَّ حُكْمَ الْوَقْفِ زَوَالُ الْمِلْكِ بِغَيْرِ التَّمْلِيكِ وَأَنَّهُ بِالتَّأْبِيدِ كَالْعِتْقِ وَلِهَذَا كَانَ التَّوْقِيتُ مُبْطِلًا لَهُ كَالتَّوْقِيتِ فِي الْبَيْعِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ هُوَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِجِهَةٍ تَنْقَطِعُ كَمَا يَحْصُلُ بِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ ثُمَّ يَصِيرُ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ عِنْدَهُ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِذِكْرِهِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ بَيْدَقَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَى لُزُومَهُ يَلْزَمُ) قَالَ الْكَمَالُ وَصُورَةُ حُكْمِ الْحَاكِمِ الَّذِي يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى مُتَوَلٍّ ثُمَّ يُظْهِرُ الرُّجُوعَ فَيُخَاصِمُهُ إلَى الْقَاضِي فَيَقْضِي الْقَاضِي بِلُزُومِهِ قَالُوا فَإِنْ خَافَ الْوَاقِفُ أَنْ يَبِيعَهُ قَاضٍ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ يَكْتُبُ فِي صَكٍّ فَإِنْ أَبْطَلَهُ أَوْ غَيَّرَهُ قَاضٍ فَهَذِهِ الْأَرْضُ بِأَصْلِهَا وَجَمِيعُ مَا فِيهَا وَصِيَّةٌ مِنْ فُلَانٍ الْوَاقِفِ تُبَاعُ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا لِأَنَّهُ إذَا كَتَبَ هَذَا لَا يُخَاصِمُ أَحَدٌ فِي إبْطَالِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ وَالْوَصِيَّةُ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَإِذَا أَبْطَلَهُ قَاضٍ لِيَصِيرَ وَصِيَّةً يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا وَقَفَ فِي صِحَّتِهِ أَمَّا إذَا كَانَ وَقَفَ فِي مَرَضِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَقَدْ يَكُونُ فِي بَيْعِهِ وَنَقْضِهِ فَائِدَةٌ لِلْوَرَثَةِ فَحُمِلَ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ وَقَفَ فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَ فِيهِ لَكِنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ الثُّلُثِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَذَا مَا يَتِمُّ بِهِ الْقَبْضُ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ) أَيْ الْمُنَجَّزَةِ فِي الْحَالِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مُشَاعًا فَكَذَا الصَّدَقَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَضُرُّهُ إلَخْ) وَإِنَّمَا أَسْقَطَ أَيْ مُحَمَّدٌ اعْتِبَارَ تَمَامِ الْقَبْضِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَسَمَ قَبْلَ الْوَقْفِ فَاتَ الِانْتِفَاعُ كَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ وَالْحَمَّامِ فَاكْتَفَى تَحْقِيقُ التَّسْلِيمِ فِي الْجُمْلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتُنْزَعُ) أَيْ وَتُزْرَعُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُجْعَلُ آخِرُهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ) أَيْ أَبَدًا كَالْمَسَاكِينِ وَمَصَالِحِ الْحَرَمِ وَالْمَسَاجِدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَجْعَلْ آخِرَهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجَرِّبَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ. اهـ. كَمَالٌ

مَوْقُوفَةٌ أَوْ مُحَرَّمَةٌ أَوْ مَحْبُوسَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّأْبِيدَ يَصِحُّ الْوَقْفُ عِنْدَ الْكُلِّ إلَّا عِنْدَ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ تِلْمِيذُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ ذِكْرَ التَّأْبِيدِ عِنْدَهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَذَكَرَ أَنَّ لَفْظَ الصَّدَقَةِ وَنَحْوَهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْفُقَرَاءَ دُونَ الْوَرَثَةِ وَفِيهِ مَوْضِعٌ آخَرُ لَوْ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُلَانٍ أَوْ عَلَى وَلَدِي وَنَحْوِهِ جَازَ الْوَقْفُ عِنْدَهُمَا وَالْغَلَّةُ لَهُ مَا دَامَ حَيًّا وَبَعْدَهُ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْفُقَرَاءِ انْصَرَفَ إلَيْهِمْ وَذِكْرُ فُلَانٍ لِتَخْصِيصِهِ بِالْبُدَاءَةِ بِالْغَلَّةِ مَا دَامَ حَيًّا وَجَعَلَ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الصَّدَقَةِ بِأَنْ قَالَ هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُلَانٍ أَوْ وَلَدِي أَوْ قَرَابَتِي وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا ذَكَرَ لَفْظَ الصَّدَقَةِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ وَأَبُو يُوسُفَ كَانَ ضَيَّقَ فِي أَمْرِ الْوَقْفِ غَايَةَ التَّضْيِيقِ أَوَّلًا مِثْلَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ رَجَعَ وَوَسَّعَ غَايَةَ التَّوْسِعَةِ حَتَّى لَمْ يَشْتَرِطْ الْقَبْضَ وَالْإِفْرَازَ وَمُحَمَّدٌ تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا أَفْتَى بِهِ عَامَّتُهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ وَقْفُ الْعَقَارِ بِبَقَرِهِ وَأُكْرَتِهِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ مِنْ شَرْطِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فِي تَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ تَبَعًا وَلِهَذَا دَخَلَ الْبِنَاءُ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ وَعَلَى هَذَا سَائِرُ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُشَاعٌ قَضَى بِجَوَازِهِ) أَيْ بِجَوَازِ الْوَقْفِ فِيهِ فَإِنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يَقْطَعُ الْخِلَافَ فِي الْمُجْتَهِدَاتِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ فِيهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ) كَالْكُرَاعِ وَالْخُفِّ وَالسِّلَاحِ وَالْفَأْسِ وَالْمَرْوِ وَالْقِدْرِ وَالْقُدُومِ وَالْمِنْشَارِ وَالْجِنَازَةِ وَثِيَابِهَا وَالْمَصَاحِفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تُعُورِفَ وَقْفُهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الْمَنْقُولِ أَصْلًا إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ تَرَكَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا كَانَ شِبَعُهُ وَرَوْثُهُ وَبَوْلُهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَسَنَاتٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي حَقِّ خَالِدٍ قَدْ حَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى» وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالنَّصِّ وَمُحَمَّدٌ تَرَكَهُ بِالتَّعَامُلِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يُتْرَكُ بِهِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ وَفِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي عَدَدْنَاهَا جَرَى التَّعَامُلُ وَعَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ وَقَفَ كُتُبَهُ إلْحَاقًا لَهَا بِالْمُصْحَفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُمْسَكُ لِلدِّينِ تَعْلِيمًا وَتَعَلُّمًا وَقِرَاءَةً وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَخَذُوا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ وَقْفُ كُلِّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ قِيَاسًا عَلَى الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ قُلْنَا الْأَصْلُ عَدَمُ جَوَازِ الْوَقْفِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَهُوَ الْعَقَارُ وَالْكُرَاعُ وَالسِّلَاحُ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ إلَّا مَا جَرَى التَّعَامُلُ فِيهِ فَصَارَ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى تَجْهِيزِ الْجَيْشِ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالنَّفَقَاتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَدْخُلُ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ مَا كَانَ دَاخِلًا فِي الْبَيْعِ مِنْ الْأَشْجَارِ وَالْبِنَاءِ دُونَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَمْلِكُ الْوَقْفَ وَلَا يَقْسِمُ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ) لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فِي الْعَيْنِ وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ فِي الْغَلَّةِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَقْفِ أَنْ يَبْقَى عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ وَالتَّمَلُّكِ وَالْقِسْمَةِ بَيْنَ مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ يُنَافِيَانِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ بِعِمَارَتِهِ بِلَا شَرْطٍ) لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ صَرْفُ الْغَلَّةِ دَائِمًا وَلَا يَبْقَى دَائِمًا إلَّا بِالْعِمَارَةِ فَيَثْبُتُ اقْتِضَاءً مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ دَارًا فَعِمَارَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) أَيْ لَوْ وَقَفَ دَارًا عَلَى سُكْنَى شَخْصٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ الْعِمَارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهَا وَالْغُرْمُ بِالْغُنْمِ فَصَارَ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فَإِنَّهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَبَى أَوْ عَجَزَ عَمَّرَ الْحَاكِمُ بِأُجْرَتِهَا) لِأَنَّ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالصَّوَابُ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ لِقَوْلِهِ بَعْدُ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى الصَّدَقَةِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ وَقْفُ الْعَقَارِ بِبَقَرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ أَمَّا لَوْ وَقَفَ ضَيْعَةً فِيهَا بَقَرٌ وَعَبِيدٌ لَهُ لَمْ يَذْكُرْهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ مِنْ الْآلَاتِ الْبَقَرُ وَالْعَبِيدُ فِي الْوَقْفِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَقْفُ الْمَنْقُولِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأُكْرَتُهُ) الْأُكَرُ جَمْعُ الْأَكَّارِ وَهُوَ الْفَلَّاحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْأُكْرَةُ الْحَرَّاثُونَ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَكَذَا سَائِرُ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ إذَا كَانَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ يَجُوزُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فِي تَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي حَقِّ خَالِدٍ قَدْ حَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ) الْأَعْتَادُ آلَاتُ الْحَرْبِ مِنْ السِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاحِدَةُ عَتَادٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ عَتَدٌ بِفَتْحَتَيْنِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فَرَسٌ عَتَدٌ وَعَتِدٌ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا الْمُعَدُّ لِلْحَرْبِ وَالْعَتَادُ الْعُدَّةُ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ مَا كَانَ دَاخِلًا فِي الْبَيْعِ مِنْ الْأَشْجَارِ وَالْبِنَاءِ دُونَ الزَّرْعِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا تَدْخُلُ الزُّرُوعُ كُلُّهَا إلَّا مَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ لَا يُقْطَعُ فِي سَنَتِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ شَجَرٍ يُقْطَعُ فِي سَنَتِهِ فَهُوَ لِلْوَاقِفِ وَمَا لَا يُقْطَعُ فِي سَنَتِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْوَقْفِ فَيَدْخُلُ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ أُصُولُ الْبَاذِنْجَانِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ اهـ (قَوْلُهُ وَالثِّمَارُ) أَيْ وَلَا تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ الْقَائِمَةُ وَقْتَ الْوَقْفِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا تُؤْكَلُ أَوْ لَا كَالْوَرْدِ وَالرَّيَاحِينِ وَلَوْ قَالَ وَقَفْتهَا بِحُقُوقِهَا وَجَمِيعِ مَا فِيهَا وَمِنْهَا قَالَ هِلَالٌ لَا تَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ أَيْضًا وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ صَدَقَةٌ مَفْهُومُهُ بِجَمِيعِ مَا فِيهَا وَمِنْهَا فَقَدْ تَكَلَّمَ بِمَا يُوجِبُ التَّصَدُّقَ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَبَى أَوْ عَجَزَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ فَقِيرًا (قَوْلُهُ عَمَّرَ الْحَاكِمُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْمُرْهَا يَبْطُلُ الْحَقَّانِ حَقُّ الْوَاقِفِ وَهُوَ التَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ وَحَقُّ مَنْ لَهُ السُّكْنَى فَإِذَا عُمِّرَتْ يَبْقَى الْحَقَّانِ جَمِيعًا غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ فِي الْعِمَارَةِ تَأْخِيرَ حَقِّ مَنْ لَهُ السُّكْنَى وَتَأْخِيرُ الْحَقِّ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

إبْقَاءَ الْوَقْفِ عَلَى مَا قَصَدَهُ الْوَاقِفُ فَإِذَا عَمَّرَهَا رَدَّهَا إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى رِعَايَةً لِحَقِّهِ وَلَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ مَالِهِ فَصَارَ نَظِيرَ صَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَلَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ رِضًا مِنْهُ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِعَدَمِ الرِّضَا بِصَرْفِ مَالِهِ إلَى الْعِمَارَةِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الرِّضَا بِبُطْلَانِ حَقِّهِ بِالشَّكِّ وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لِأَنَّهُ غَيْرُ نَاظِرٍ وَلَا مَالِكٍ لَكِنَّ الْحَاكِمَ يُؤَجِّرُهَا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَيُعَمِّرُهَا بِأُجْرَتِهَا قَدْرَ مَا تَبْقَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهَا الْوَاقِفُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا مَنْ لَهُ السُّكْنَى لِأَنَّهَا بِصِفَتِهَا صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ فَتُرَدُّ إلَى مَا كَانَتْ وَإِنْ كَانَتْ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ فَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ حَتَّى لَا تَزِيدَ عَلَى مَا كَانَتْ وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ وَالْأُولَى أَصَحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَصْرِفُ نَقْضَهُ إلَى عِمَارَتِهِ إنْ احْتَاجَ وَإِلَّا حَفِظَهُ لِلِاحْتِيَاجِ) أَيْ إلَى الِاحْتِيَاجِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعِمَارَةِ وَإِلَّا فَلَا يَبْقَى فَلَا يَحْصُلُ صَرْفُ الْغَلَّةِ إلَى الْمَصْرِفِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَيَبْطُلُ غَرَضُ الْوَاقِفِ فَيَصْرِفُهُ لِلْحَالِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ وَإِلَّا يُمْسِكْهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَيْهِ كَيْ لَا يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَوَانُ الْحَاجَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَقْسِمُهُ بَيْنَ مُسْتَحِقِّي الْوَقْفِ) أَيْ لَا يَقْسِمُ النَّقْضَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ حَقٌّ فِي الْعَيْنِ وَلَا فِي جُزْءٍ مِنْهُ وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ فِي الْمَنَافِعِ فَلَا يُصْرَفُ إلَيْهِمْ غَيْرُ حَقِّهِمْ وَإِنْ تَعَذَّرَ إعَادَةُ عَيْنِهِ بِيعَ وَصُرِفَ ثَمَنُهُ إلَى الْعِمَارَةِ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ فَيُصْرَفُ مَصْرِفَ الْبَدَلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَعَلَ الْوَاقِفُ غَلَّةَ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ أَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَيْهِ صَحَّ) أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا جَعَلَ غَلَّةَ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ لِأَبِي يُوسُفَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَأْكُلُ مِنْ وَقْفِهِ» وَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ إلَّا بِالشَّرْطِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِهِ وَلِأَنَّ الْوَقْفَ إزَالَةُ الْمِلْكِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِمَا فَإِذَا شَرَطَ الْبَعْضَ أَوْ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ فَقَدْ شَرَطَ مَا صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى لِنَفْسِهِ وَهُوَ جَائِزٌ لَا أَنْ يَجْعَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ السُّكْنَى بِالْعِمَارَةِ وَلَمْ يَجِدْ الْقَاضِي مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا لَمْ أَرَ حُكْمَ هَذِهِ فِي الْمَنْقُولِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالْحَالُ فِيهَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَصِيرَ نَقْضُهَا عَلَى الْأَرْضِ كَوْمًا تَسْقِيهِ الرِّيَاحُ وَخَطَرَ لِي أَنَّهُ يُخَيِّرُهُ الْقَاضِي بَيْنَ أَنْ يَعْمُرَهَا فَيَسْتَوْفِيَ مَنْفَعَتَهَا وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ نَظِيرَ صَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ) أَيْ كَمَا إذَا عَقَدَ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ وَبَيَّنَّا مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ ثُمَّ امْتَنَعَ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ مِنْ الْعَمَلِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الضَّرَرُ وَهُوَ إتْلَافُ مَالِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِعَدَمِ الرِّضَا بِصَرْفِ مَالِهِ إلَى الْعِمَارَةِ إلَخْ) أَوْ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ أَوْ لِرَجَائِهِ إصْلَاحَ الْقَاضِي وَعِمَارَتَهُ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لِأَنَّهُ غَيْرُ نَاظِرٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِنَّمَا قَالَ آجَرَهَا الْحَاكِمُ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ وَفِي تَقْرِيرِهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْمَنْفَعَةِ بَلْ أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ وَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ السُّكْنَى أَنْ يُعِيرَ الدَّارَ وَالْإِعَارَةُ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِلَا عِوَضٍ وَالْمَسْأَلَةُ فِي وَقْفِ الْخَصَّافِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْعَيْنِ وَالْإِجَارَةُ تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ وَالْمَنَافِعُ مَعْدُومَةٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ مِلْكُهَا لِيَمْلِكَهَا فَأُقِيمَتْ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ لِيَرِدَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا مَمْلُوكَةً وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَصِحَّ إجَارَةُ الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ وَأَنْ لَا يَصِحَّ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ السُّكْنَى الْإِعَارَةُ لَكِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا ذَكَرْنَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ تُمْلَكُ الْمَنَافِعُ بِلَا بَدَلٍ فَلَمْ يَمْلِكْ تَمْلِيكَهَا بِبَدَلٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَإِلَّا لَمَلَكَا أَكْثَرَ مِمَّا مَلَكَ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) أَيْ عَدَمُ جَوَازِ الزِّيَادَةِ فِي الْبِنَاءِ أَصَحُّ مِمَّا قَالَ الْبَعْضُ مِنْ جَوَازِهَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَصْرِفُ نُقْضَهُ) النُّقْضُ بِضَمِّ النُّونِ اسْمٌ لِلْبِنَاءِ الْمَنْقُوضِ كَذَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا يُمْسِكْهُ حَتَّى يَحْتَاجَ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ بِالِانْهِدَامِ تَتَحَقَّقُ الْحَاجَةُ إلَى عِمَارَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا مَعْنَى لِلشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَحْتَاجَ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّهَيُّؤُ لِلْعِمَارَةِ ثَابِتًا فِي الْحَالِ صَرَفَهُ إلَيْهَا وَإِلَّا حَفِظَهُ حَتَّى يَتَهَيَّأَ ذَلِكَ وَتَتَحَقَّقَ الْحَاجَةُ فَإِنَّ الْمُنْهَدِمَ قَدْ يَكُونُ قَلِيلًا جِدًّا لَا يَحِلُّ بِالِانْتِفَاعِ بِالْوَقْفِ وَلَا يَقْرَبُهُ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَتُؤَخَّرُ حَتَّى تُحْسِنَ أَوْ تَجِبَ الْعِمَارَةُ وَإِنْ تَعَذَّرَتْ إعَادَتُهُ بِأَنْ خَرَجَ عَنْ الصَّلَاحِيَّةِ فَذَلِكَ لِضَعْفِهِ وَنَحْوِهِ بَاعَهُ وَصَرَفَ ثَمَنَهُ فِي ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَقْسِمُهُ بَيْنَ مُسْتَحِقِّي الْوَقْفِ) بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَقَدْ سَقَطَتْ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ حَقٌّ فِي الْعَيْنِ) أَيْ الْمَوْقُوفَةِ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ جَعَلَ الْوَاقِفُ غَلَّةَ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ قَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ لِعِيسَى بْنِ أَبَانَ إذَا وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ وَنَقَلَ فِي الْأَجْنَاسِ أَيْضًا عَنْ وَقْفِ هِلَالِ بْنِ يَحْيَى الْبَصْرِيِّ لَوْ قَالَ أَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى نَفْسِي كَانَ الْوَقْفُ بَاطِلًا وَكَذَا لَوْ قَالَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَنَّ غَلَّتَهَا إلَى مَا عِشْت لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ وَكَذَا لَوْ قَالَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَيَّ وَعَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَنَسْلِي الْوَقْفُ بَاطِلٌ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ وَمَشَايِخُ بَلْخٍ أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ كَانَ يُفْتِي بِهِ أَيْضًا تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْوَقْفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ) فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِاشْتِرَاطِهِ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي اهـ قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ قِيلَ إنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا بِنَاءٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ أَيْ قَبْضِ الْمُتَوَلِّي فَلَمَّا شَرَطَهُ مُحَمَّدٌ مَنَعَ اشْتِرَاطَ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ فِيهِ وَمَا شَرَطَ الْقَبْضَ إلَّا لِيَنْقَطِعَ حَقُّهُ وَلَمَّا لَمْ يَشْتَرِطْهُ أَبُو يُوسُفَ لَمْ يَمْنَعْهُ وَقِيلَ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ وَهَذَا أَوْجَهُ اهـ

[فصل من بنى مسجدا لم يزل ملكه عنه حتى يفرزه عن ملكه]

فَصَارَ نَظِيرَ مَا إذَا بَنَى خَانًا أَوْ سِقَايَةً أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً وَشَرَطَ أَنْ يَنْزِلَهُ أَوْ يَشْرَبَ مِنْهَا أَوْ يُدْفَنَ فِيهَا وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْقُرْبَةُ وَفِي الصَّرْفِ إلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَفَقَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةٌ» وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّقَرُّبَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَاشْتِرَاطِ الْغَلَّةِ أَوْ بَعْضِهَا لِنَفْسِهِ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَكَانَ بَاطِلًا كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ لَيْسَ فِي هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَةٌ ظَاهِرَةٌ إلَّا شَيْءٌ ذَكَرَهُ فِي الْوَقْفِ فَقَالَ إذَا وَقَفَ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ جَازَ فَقَالَ هَذَا الْوَقْفُ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ مَا يَكُونُ لِأُمِّ الْوَلَدِ حَالَ حَيَاةِ الْمَوْلَى يَكُونُ لِلْمَوْلَى وَقِيلَ إنَّهُ فِي الصَّحِيحِ عَلَى الْخِلَافِ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقِيلَ يَجُوزُ لَهُنَّ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُنَّ يُعْتَقْنَ بِمَوْتِهِ فَيَصِرْنَ أَجْنَبِيَّاتٍ فَيَصِيرُ اشْتِرَاطُهُ لَهُنَّ كَاشْتِرَاطِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ ثُمَّ فِي حَالِ حَيَاتِهِ يَجُوزُ أَيْضًا تَبَعًا لِمَا بَعْدَ مَمَاتِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ أَرْضًا أُخْرَى إذَا شَاءَ وَتَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهُ أَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ التَّقَرُّبَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَاشْتِرَاطِ مَا ذُكِرَ يُمْنَعُ مِنْهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لَهُ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ أَصْلًا وَكَذَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ وَهُوَ مَجْهُولٌ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ الْوَقْفُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ فَصْلُ اشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ لِنَفْسِهِ فَجَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ مُعْتَبَرٌ فَيُرَاعَى كَالنُّصُوصِ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُسَلِّمُهُ ثُمَّ تَكُونُ لَهُ الْوِلَايَةُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهَا لِأَحَدٍ فَالْوِلَايَةُ لَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَكُونُ لَهُ الْوِلَايَةُ لِأَنَّهُ لَمَّا تَرَكَ الشَّرْطَ فِي ابْتِدَاءِ الْوَقْفِ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهِ فَصَارَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ إنَّمَا يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ بِشَرْطِهِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ لَا تَكُونَ لَهُ الْوِلَايَةُ وَغَيْرُهُ يَسْتَفِيدُهَا مِنْهُ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِوِلَايَتِهِ كَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَكُونُ أَوْلَى بِعِمَارَتِهِ وَنَصَّبَ الْقَيِّمَ فِيهِ وَكَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَذَكَرَ هِلَالٌ فِي وَقْفِهِ فَقَالَ قَالَ أَقْوَامٌ إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ كَانَتْ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَا تَكُونُ لَهُ وِلَايَةٌ يَعْنِي بَعْضَ الْمَشَايِخِ قَالُوا ذَلِكَ. قَالَ مَشَايِخُنَا الْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَالتَّسْلِيمُ شَرْطٌ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَا يُنَافِي التَّسْلِيمَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَسْقُطَ التَّسْلِيمُ عِنْدَهُ إذَا شَرَطَ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ شَرْطَهُ يُرَاعَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْزِعُ لَوْ خَائِنًا كَالْوَصِيِّ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَنْزِعَ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَاقِفَ لَوْ شَرَطَ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ وَكَانَ هُوَ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَى الْوَقْفِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْزِعَهَا مِنْهُ وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَيْسَ لِلْقَاضِي وَلَا لِلسُّلْطَانِ نَزْعُهُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَبْطُلُ وَنَظِيرُ هَذَا الْوَصِيُّ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ يُنْزَعُ مِنْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِطَرِيقِهِ وَيَأْذَنَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَإِذَا صَلَّى فِيهِ وَاحِدٌ زَالَ مِلْكُهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا الْإِفْرَازُ فَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُصُ لِلَّهِ إلَّا بِهِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ حَقُّ الْعَبْدِ مُتَعَلِّقًا بِهِ لَمْ يَتَحَرَّرْ لِلَّهِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِيهِ فَلِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّسْلِيمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ يُقَامُ تَحَقُّقُ الْمَقْصُودِ مَقَامَهُ أَوْ يُشْتَرَطُ فِيهِ تَسْلِيمُ نَوْعِهِ وَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَلَا التَّعْلِيقُ بِالْمَوْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَقْفِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ وَيَحْبِسَ الْأَصْلَ وَلَفْظُهُ يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَعْدُومِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ تَعْلِيقُهُ بِالْمَوْتِ لِيَكُونَ وَصِيَّةً بِهِ أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ وَلِذَا سَقَطَ التَّسْلِيمُ إلَى الْقَيِّمِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يَجُوزُ فِي الْمُشَاعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِمَا بَيَّنَّا فَصَارَ الْمَسْجِدُ مُخَالِفًا لِلْوَقْفِ عِنْدَ الْكُلِّ ثُمَّ يَكْتَفِي بِصَلَاةِ الْوَاحِدِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ فِعْلَ الْجِنْسِ كُلُّهُ مُتَعَذَّرٌ فَيُشْتَرَطُ أَدْنَاهُ وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الصَّلَاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ لِلْغَلَّةِ أَوْ السُّكْنَى فَاشْتِرَاطُ الْبَعْضِ أَوْ الْكُلِّ لِنَفْسِهِ يُبْطِلُهُ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَصَارَ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ بِأَنْ تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرٍ بِمَالٍ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ لِي لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إذْ لَمْ يَكُنْ مُمَلَّكًا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إلَّا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ الْقَدْرِ فَكَذَا فِي الصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ وَكَشَرْطِ بَعْضِ بُقْعَةِ الْمَسْجِدِ لِنَفْسِهِ بَيْتًا اهـ. (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ) وَهُوَ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَالتَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ فَإِنَّ فِي تِلْكَ الرِّوَايَاتِ جَعَلَ جَوَازَ الْوَقْفِ عَلَيْهِنَّ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ شَرْطُ الْوِلَايَةِ لِنَفْسِهِ فَقَدْ نَصَّ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ وَقْفِ هِلَالٍ إذَا جَعَلَ أَرْضَهُ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً لِلَّهِ أَبَدًا وَلَمْ يَشْرِطْ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ فَالْوِلَايَةُ لِلْوَاقِفِ اشْتَرَطَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ثُمَّ قَالَ النَّاطِفِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَا وِلَايَةَ لِلْوَاقِفِ إلَّا أَنْ يَشْرِطَهُ لِنَفْسِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ النَّاطِفِيِّ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى الْقَيِّمِ شَرْطُ صِحَّةِ الْوَقْفِ فَبَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ لَا يَبْقَى لَهُ وِلَايَةٌ إلَّا بِالشَّرْطِ السَّابِقِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ شَرْطَهُ يُرَاعَى) وَمِنْ ضَرُورَتِهِ سُقُوطُ التَّسْلِيمِ اهـ كَمَالٌ (فَصْلٌ) لَمَّا اخْتَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَحْكَامٍ تُخَالِفُ أَحْكَامُ مُطْلَقِ الْوَقْفِ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَسْجِدِ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَلَا الْإِيصَاءُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ مُشَاعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُتَوَلِّي عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَفْرَدَهُ بِفَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَخَّرَهُ. اهـ.

بِجَمَاعَةٍ جَهْرًا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ حَتَّى لَوْ كَانَ سِرًّا بِأَنْ كَانَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا وَلَوْ جَعَلَ لَهُ إمَامًا وَمُؤَذِّنًا وَهُوَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَصَلَّى فِيهِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ صَارَ مَسْجِدًا اتِّفَاقًا لِأَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَالْجَمَاعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُؤَذِّنَ لَوْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ لَيْسَ لِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْجَمَاعَةِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ تُبْنَى لِإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ فِيهَا بِالْجَمَاعَةِ فَلَا يَصِيرُ مَسْجِدًا قَبْلَ حُصُولِ هَذَا الْمَقْصُودِ وَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْجِدَ إلَى مُتَوَلٍّ نَصَّبَهُ لِيَقُومَ بِمَصَالِحِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ قَدْ يَكُونُ لَهُ خَادِمٌ يَكْنُسُ وَيُغْلِقُ الْبَابَ وَنَحْوَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَزُولُ مِلْكُهُ بِقَوْلِهِ جَعَلْته مَسْجِدًا لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِمِلْكِ الْعَبْدِ فَيَصِيرُ خَالِصًا لِلَّهِ بِسُقُوطِ حَقِّ الْعَبْدِ وَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَإِذَا صَارَ مَسْجِدًا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَحَرُمَ بَيْعُهُ فَلَا يُورَثُ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ لِأَنَّهُ صَارَ لِلَّهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] وَلَا رُجُوعَ فِيمَا صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى كَالصَّدَقَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ جَعَلَ مَسْجِدًا تَحْتَهُ سِرْدَابٌ أَوْ فَوْقَهُ بَيْتٌ وَجَعَلَ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ وَعَزَلَهُ أَوْ اتَّخَذَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فَلَهُ بَيْعُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ لِبَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ فِيهِ وَالْمَسْجِدُ لَا يَكُونُ إلَّا خَالِصًا لِلَّهِ لِمَا تَلَوْنَا وَمَعَ بَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ فِي أَسْفَلِهِ أَوْ فِي أَعْلَاهُ أَوْ فِي جَوَانِبِهِ مُحِيطًا بِهِ لَا يَتَحَقَّقُ الْخُلُوصُ كُلُّهُ أَمَّا إذَا كَانَ السُّفْلُ مَسْجِدًا فَلِأَنَّ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ حَقًّا فِي السُّفْلِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَأَمَّا إذَا جَعَلَ الْعُلُوَّ مَسْجِدًا فَلِأَنَّ أَرْضَ الْعُلُوِّ مِلْكٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ كَالْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّ السِّرْدَابَ فِيهِ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ بَلْ هُوَ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ حَتَّى لَوْ كَانَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ نَقُولُ بِأَنَّهُ صَارَ مَسْجِدًا وَأَمَّا إذَا اتَّخَذَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا فَلِأَنَّ مِلْكَهُ مُحِيطٌ بِجَوَانِبِهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْ الدُّخُولِ وَالْمَسْجِدُ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِيهِ حَقُّ الْمَنْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114] وَلِأَنَّهُ لَمْ يَفْرِزْهُ حِينَ أَبْقَى الطَّرِيقَ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ حَتَّى لَوْ عَزَلَ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ صَارَ مَسْجِدًا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْأَسْفَلُ مَسْجِدًا وَالْأَعْلَى مِلْكًا لِأَنَّ الْأَسْفَلَ أَصْلٌ وَهُوَ يَتَأَبَّدُ وَلَمْ يَجُزْ عَكْسُهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ عَكْسُهُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُعَظَّمٌ وَلَا تَعْظِيمَ إذَا كَانَ فَوْقَهُ مُسْتَعْلٍ أَوْ مَسْكَنٌ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَجَازَ الْوَجْهَيْنِ حِينَ قَدِمَ بَغْدَادَ وَرَأَى ضِيقَ الْأَمَاكِنِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُهُ حِينَ قَدِمَ الرَّيَّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ اتَّخَذَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا صَارَ مَسْجِدًا وَإِنْ لَمْ يَعْزِلْ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِكَوْنِهِ مَسْجِدًا وَلَا مَسْجِدَ إلَّا بِطَرِيقٍ دَخَلَ فِيهِ الطَّرِيقُ ضَرُورَةً كَمَا يَدْخُلُ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِالطَّرِيقِ وَالِانْتِفَاعُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَلَوْ اتَّخَذَ أَرْضَهُ مَسْجِدًا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَلَا بَيْعُهُ وَكَذَا لَا يُورَثُ عَنْهُ لِتَحَرُّرِهِ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ يَرْجِعُ فِيهِ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ الْحَاكِمُ وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ جَعَلَ مَسْجِدًا تَحْتَهُ سِرْدَابٌ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ جَعَلَ مَسْجِدًا تَحْتَهُ سِرْدَابٌ أَوْ فَوْقَهُ بَيْتٌ وَجَعَلَ بَابَ الْمَسْجِدِ إلَى الطَّرِيقِ وَعَزَلَهُ فَلَهُ بَيْعُهُ وَإِنْ مَاتَ يُورَثُ عَنْهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَسْجِدُ لَا يَكُونُ إلَّا خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى إلَخْ) وَلِأَنَّ اتِّخَاذَ الْمَسْجِدِ عُرِفَ بِالشَّرِيعَةِ وَفِي الشَّرِيعَةِ لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ إلَّا وَمَا فَوْقَهُ وَتَحْتَهُ لِلَّهِ أَلَا تَرَى إلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي بَنَاهُ بِالْمَدِينَةِ وَإِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي بَنَاهُ إبْرَاهِيمُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - بِمَكَّةَ وَإِلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّذِي بَنَاهُ دَاوُد النَّبِيُّ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - بِالرُّخَامِ وَالْمَرْمَرِ وَجَعَلَ عَلَيْهِ قُبَّةً مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ وَجَعَلَ فَوْقَ ذَلِكَ جَوْهَرًا يُضِيءُ فَرَاسِخَ تَغْزِلُ بِضَوْئِهَا النِّسَاءُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيَالِيِ فَكُلُّ مَسْجِدٍ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَكُونَ خَالِصًا لِلَّهِ لَمْ يَجُزْ أَوْرَدَ أَبُو اللَّيْثِ هُنَا سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ تَحْتَهُ مُجْتَمَعُ الْمَاءِ وَالنَّاسُ يَنْتَفِعُونَ بِهِ قِيلَ إذَا كَانَ تَحْتَهُ شَيْءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ إذَا انْتَفَعَ بِهِ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ صَارَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى أَيْضًا. وَأَمَّا الَّذِي اتَّخَذَ بَيْتًا لِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ لَوْ جَعَلَ تَحْتَهُ حَانُوتًا وَجَعَلَهُ وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ قِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ لَوْ جَعَلَ فِي الِابْتِدَاءِ هَكَذَا صَارَ مَسْجِدًا وَمَا تَحْتَهُ صَارَ وَقْفًا عَلَيْهِ وَيَجُوزُ الْمَسْجِدُ وَالْوَقْفُ الَّذِي تَحْتَهُ وَلَوْ أَنَّهُ بَنَى الْمَسْجِدَ أَوَّلًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ تَحْتَهُ حَانُوتًا لِلْمَسْجِدِ فَهُوَ مَرْدُودٌ بَاطِلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ إلَى حَالِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَقِيهِ وَالسِّرْدَابُ بِكَسْرِ السِّينِ كَذَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ وَهُوَ بَيْتٌ تَحْتَ الْأَرْضِ لِلتَّبْرِيدِ. اهـ. مُغْرِبٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَجَازَ الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ سِرْدَابٌ وَفَوْقَهُ بَيْتٌ اهـ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُهُ حِينَ قَدِمَ الرَّيَّ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا تَعْلِيلٌ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ بِالضَّرُورَةِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مِثْلَهُ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ إذَا خَرِبَ الْمَسْجِدُ حَتَّى لَا يُصَلَّى فِيهِ فَاَلَّذِي بَنَاهُ إنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ دَارِهِ وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ إذَا جَعَلَهُ حَبِيسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَصَارَ لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُرْكَبَ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيَصِيرُ ثَمَنُهَا لِصَاحِبِهَا أَوْ لِوَرَثَتِهِ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمَسْجِدِ بَانٍ فَخَرِبَ وَبَنَى أَهْلُ الْمَسْجِدِ مَسْجِدًا آخَرَ ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى بَيْعِهِ وَاسْتَعَانُوا فِي ثَمَنِ الْمَسْجِدِ الْآخَرِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ ثُمَّ نَقَلَ النَّاطِفِيُّ عَنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ إمْلَاءً

وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِمِلْكِهِ فَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ كَالْإِعْتَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ اسْتَغْنَى عَنْهُ أَهْلُهُ فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ وَلَمْ يَعُدْ إلَى وَرَثَةِ الْبَانِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ لِجِهَةٍ وَقَدْ انْقَطَعَتْ كَالْكَفَنِ إذَا خَرَجَ يَرْجِعُ إلَى مَالِكِهِ وَعَلَى هَذَا حَصِيرُ الْمَسْجِدِ وَحَشِيشُهُ إذَا اُسْتُغْنِيَ عَنْهُمَا يَرْجِعُ إلَى مَالِكِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْتَقِلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الرِّبَاطُ وَالْبِئْرُ إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ بَنِي سِقَايَةً أَوْ خَانًا أَوْ رِبَاطًا أَوْ مَقْبَرَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْقَوْلِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا اسْتَقَى النَّاسُ مِنْ السِّقَايَةِ وَسَكَنُوا الْخَانَ وَالرِّبَاطَ وَدَفَنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ زَالَ الْمِلْكُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَنَى عَلَى أَصْلِهِ مِنْ اشْتِرَاطِ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ التَّسْلِيمِ أَوْ مُجَرَّدِ الْقَوْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَوْ سَلَّمَ إلَى الْمُتَوَلِّي صَحَّ التَّسْلِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ شَرْطٌ وَلَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ طَرِيقًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الِانْتِفَاعِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ حَتَّى جَازَ لِلْكُلِّ النُّزُولُ فِي الْخَانِ وَالرِّبَاطِ وَالشُّرْبِ مِنْ السِّقَايَةِ وَالدَّفْنِ فِي الْمَقْبَرَةِ بِخِلَافِ الْغَلَّةِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ إلَّا لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّ الْغَنِيَّ مُسْتَغْنٍ بِمَالِهِ عَنْ الصَّدَقَةِ وَلَا يَسْتَغْنِي عَمَّا ذَكَرْنَا عَادَةً وَهِيَ الْفَارِقَةُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَادَةً فَكَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا كَالْفَقِيرِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْغَلَّةِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا بِمَالِهِ وَعَلَى هَذَا الْوَقْفِ حَتَّى لَوْ وَقَفَ أَرْضًا لِيَصْرِفَ غَلَّتَهَا إلَى الْحَاجِّ أَوْ إلَى الْغُزَاةِ أَوْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ لَا يُصْرَفُ إلَى الْغَنِيِّ مِنْهُمْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ فِي بَابِ تَسْلِيمِ الْوَقْفِ وَعَلَى هَذَا لَوْ جَعَلَ دَارِهِ مَسْكَنًا لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ فِي أَيِّ بَلَدٍ كَانَ يَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْقِ وَرَوَى فِي الْخَبَرِ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرَ بِئْرِ رُومَةَ فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلُ فِيهَا دَلْوَهُ مَعَ وَلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَإِذَا جَازَ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ فَمَا ظَنُّك بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جُعِلَ شَيْءٌ مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا صَحَّ كَعَكْسِهِ) مَعْنَاهُ إذَا بَنَى قَوْمٌ مَسْجِدًا وَاحْتَاجُوا إلَى مَكَان لِيَتَّسِعَ فَأَدْخَلُوا شَيْئًا مِنْ الطَّرِيقِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِأَصْحَابِ الطَّرِيقِ جَازَ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ عَلَى النَّاسِ وَبِجَنْبِهِ أَرْضٌ لِرَجُلٍ تُؤْخَذُ أَرْضُهُ بِالْقِيمَةِ كُرْهًا لِمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْجِدٌ بَادَ وَعُطِّلَتْ الصَّلَوَاتُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَهْدِمَهُ وَلَا يَتَّخِذَهُ مَنْزِلًا وَلَا بَيْعَهُ ذَلِكَ قَالَ النَّاطِفِيُّ هَذَا عِنْدِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ قَالَ النَّاطِفِيُّ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إنْ خَرِبَتْ الْقَرْيَةُ الَّتِي فِيهَا الْمَسْجِدُ وَجُعِلَتْ مَزَارِعَ وَخَرِبَ الْمَسْجِدُ وَلَا يُصَلِّي فِيهِ أَحَدٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَهُ صَاحِبُهُ وَيَبِيعَهُ لِمَنْ يَجْعَلُهُ مَزْرَعَةً وَيَأْخُذَ ثَمَنَهُ فَيَأْكُلَهُ أَوْ يَجْعَلَهُ مَزْرَعَتَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْأَجْنَاسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَعَنْ أَحْمَدَ يُبَاعُ نَقْضُهُ وَيُصْرَفُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مِنْ اشْتِرَاطِ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ التَّسْلِيمِ إلَخْ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ وَلَكِنْ فِي كُلِّ بَابٍ يُعْتَبَرُ مَا يَلِيقُ بِهِ فَفِي الْخَانِ يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ بِالسُّكْنَى وَفِي الرِّبَاطِ بِالنُّزُولِ وَفِي السِّقَايَةِ بِشُرْبِ النَّاسِ وَفِي الْمَقْبَرَةِ بِدَفْنِهِمْ وَيَكْتَفِي إذَا وَجَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ وَاحِدٍ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ جُعِلَ شَيْءٌ مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوَاهُ مَسْجِدٌ أَرَادَ أَهْلُهُ أَنْ يَجْعَلُوا الرَّحْبَةَ مَسْجِدًا أَوْ الْمَسْجِدَ رَحْبَةً أَوْ أَرَادُوا أَنْ يُحْدِثُوا لَهُ بَابًا أَوْ أَرَادُوا أَنْ يُحَوِّلُوا الْبَابَ عَنْ مَوْضِعِهِ فَلَهُمْ ذَلِكَ فَإِنْ اخْتَلَفُوا يُنْظَرُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَأَفْضَلُ فَلَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ لِانْعِدَامِ التَّسَاوِي اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَفِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ هُشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ شَيْءٌ مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا أَوْ يُجْعَلَ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا لِلْعَامَّةِ اهـ يَعْنِي إذَا احْتَاجُوا إلَى ذَلِكَ وَلِأَهْلِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَجْعَلُوا الرَّحْبَةَ مَسْجِدًا وَكَذَا عَلَى الْقَلْبِ وَيُحَوِّلُوا الْبَابَ أَوْ يُحْدِثُوا لَهُ بَابًا وَلَوْ اخْتَلَفُوا يُنْظَرُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وِلَايَةً لَهُ ذَلِكَ وَلَهُمْ أَنْ يَهْدِمُوهُ لِيُجَدِّدُوهُ وَلَيْسَ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ ذَلِكَ وَكَذَا لَهُمْ أَنْ يَضَعُوا الْحَبَّاب وَيُعَلِّقُوا الْقَنَادِيلَ وَيَفْرِشُوا الْحُصْرَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ مَالِ أَنْفُسِهِمْ وَأَمَّا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَلَا يَفْعَلُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّي إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي الْكُلُّ مِنْ الْخُلَاصَةِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَى الْقَلْبِ يَقْتَضِي جَعْلَ الْمَسْجِدِ رَحْبَةً وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي عَلَامَةِ النُّونِ مِنْ كِتَابِ التَّجْنِيسِ قَيِّمُ الْمَسْجِدِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ حَوَانِيتَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِنَائِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ الْمَسْجِدَ مَسْكَنًا تَسْقُطُ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ وَأَمَّا الْفِنَاءُ فَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَسْجِدِ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَرْعٌ) طَرِيقٌ لِلْعَامَّةِ وَهِيَ وَاسِعَةٌ فَبَنَى فِيهِ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ مَسْجِدًا لِلْعَامَّةِ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِالطَّرِيقِ قَالُوا لَا بَأْسَ بِهِ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمَسْجِدَ لَهُمْ أَيْضًا وَإِنْ أَرَادَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَنْ يُدْخِلُوا شَيْئًا مِنْ الطَّرِيقِ فِي دُورِهِمْ وَذَاكَ لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ لَا يَكُونُ لَهُمْ ذَلِكَ وَلِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ تَحْوِيلُ بَابِ الْمَسْجِدِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعِ قَوْمٍ بَنَوْا مَسْجِدًا وَاحْتَاجُوا إلَى مَكَان لِيَتَّسِعَ الْمَسْجِدُ فَأَخَذُوا مِنْ الطَّرِيقِ فَأَدْخَلُوهُ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِأَصْحَابِ الطَّرِيقِ لَا يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ عَلَى النَّاسِ وَبِجَنْبِهِ أَرْضٌ لِرَجُلٍ تُؤْخَذُ أَرْضُهُ بِالْقِيمَةِ كُرْهًا وَلَوْ كَانَ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ أَرْضُ وَقْفٍ عَلَى الْمَسْجِدِ فَأَرَادُوا أَنْ يُزِيدُوا شَيْئًا فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْأَرْضِ جَازَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَاضِي اهـ

أَنَّهُمْ لَمَّا ضَاقَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَخَذُوا أَرْضِينَ بِكُرْهٍ مِنْ أَصْحَابِهَا بِالْقِيمَةِ وَزَادُوا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَوْلُهُ كَعَكْسِهِ أَيْ كَمَا جَازَ عَكْسُهُ وَهُوَ مَا إذَا جُعِلَ فِي الْمَسْجِدِ مَمَرٌّ لِتَعَارُفِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي الْجَوَامِعِ وَجَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ حَتَّى الْكَافِرُ إلَّا الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا فِيهِ الدَّوَابَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهُوَ مَا إذَا جَعَلَ فِي الْمَسْجِدِ مَمَرٌّ) يُوهَمُ التَّخْصِيصَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ شَامِلَةٌ لَهَا وَلِغَيْرِهَا وَانْظُرْ إلَى الْحَاشِيَةِ الَّتِي كَتَبْتهَا عِنْدَ قَوْلِهِ كَعَكْسِهِ. اهـ.

[كتاب البيوع]

(كِتَابُ الْبُيُوعِ) وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ يُقَالُ: بَاعَ كَذَا إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ أَدْخَلَهُ فِيهِ، وَفِي الْخَبَرِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَا يَبِيعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» أَيْ لَا يَشْتَرِ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الشِّرَاءُ لَا الْبَيْعُ. وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ إنَّ الشَّبَابَ لَرَابِحٌ مَنْ بَاعَهُ ... وَالشَّيْبُ لَيْسَ لِبَائِعِيهِ تِجَارُ وَيَقَعُ فِي الْغَالِبِ عَلَى إخْرَاجِ الْمَبِيعِ عَنْ الْمِلْكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي) وَهَذَا فِي الشَّرْعِ، وَفِي اللُّغَةِ هُوَ مُطْلَقُ الْمُبَادَلَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالتَّرَاضِي، وَكَوْنُهُ مُقَيَّدًا بِهِ ثَبَتَ شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29] وَهُوَ جَائِزٌ ثَبَتَ جَوَازُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَمَا تَلَوْنَا وقَوْله تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ كِتَابُ الْبُيُوعِ] كِتَابُ الْبَيْعِ) وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ الْبُيُوعِ اهـ وَمُنَاسَبَةُ الْبَيْعِ بِالْوَقْفِ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إزَالَةَ الْمِلْكِ فَفِي الْوَقْفِ يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْ الْوَاقِفِ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَفِي الْبَيْعِ يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْ الْبَائِعِ وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ الْوَقْفُ كَالْمُفْرَدِ وَالْبَيْعُ كَالْمُرَكَّبِ مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ فِيهِ زَوَالٌ بِلَا دُخُولٍ وَالْبَيْعُ فِيهِ زَوَالٌ وَدُخُولٌ وَالْمُفْرَدُ سَابِقٌ عَلَى الْمُرَكَّبِ فَلِذَا أَخَّرَ ذِكْرَ الْبَيْعِ عَنْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ثُمَّ الْبَيْعُ مَصْدَرٌ فَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَفْعُولُ فَيَجْمَعُ بِاعْتِبَارِهِ كَمَا يُجْمَعُ الْمَبِيعُ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى وَهُوَ الْأَصْلُ فَجَمْعُهُ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ سَلَمًا وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ وَقَلْبُهُ وَهُوَ الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ وَصَرْفًا وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ وَمُقَايَضَةً بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ وَبِخِيَارٍ وَمُنَجَّزًا وَمُؤَجَّلَ الثَّمَنِ وَمُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً وَوَضِيعَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا مَفْهُومُهُ لُغَةً وَشَرْعًا فَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَيْعُ لُغَةً مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَكَذَا فِي الشَّرْعِ لَكِنْ زِيدَ فِيهِ قَيْدُ التَّرَاضِي اهـ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّرَاضِيَ لَا بُدَّ مِنْهُ لُغَةً أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ بَاعَهُ وَبَاعَ زَيْدٌ عَبْدَهُ إلَّا أَنَّهُ اُسْتُبْدِلَ بِهِ بِالتَّرَاضِي وَأَنَّ الْأَخْذَ غَصْبًا وَإِعْطَاءَ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ لَا يَقُولُ فِيهِ أَهْلُ اللُّغَةِ بَاعَهُ اهـ. (قَوْلُهُ يُقَالُ بَاعَ كَذَا) وَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ بَاعَ زَيْدٌ الثَّوْبَ وَبَاعَهُ مِنْهُ قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ كَتَبْت عَلَى هَامِشِ الْمَجْمَعِ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ حَاشِيَةً مِنْ الْمِصْبَاحِ نَافِعَةً هُنَا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ؛ لِأَنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى الرِّضَا الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ، وَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ مِنْ غَيْرِ أَهْلٍ وَمَحَلُّهُ الْمَالُ وَلَا يُنْبِئُ عَنْهُ شَرْعًا وَحُكْمُهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ وَلِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ إذَا كَانَ بَاتًّا وَعِنْدَ الْإِجَازَةِ إذَا كَانَ مَوْقُوفًا. اهـ. اخْتِيَارٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: بِالتَّرَاضِي) وَهَذَا التَّعْرِيفُ يَتَنَاوَلُ الْقَرْضَ أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي اللُّغَةِ هُوَ مُطْلَقُ الْمُبَادَلَةِ)، وَكَذَا الشِّرَاءُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة: 111]، وَقَالَ {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ} [البقرة: 175] وَفِي الشَّرْعِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ بِالْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ تَمْلِيكًا وَتَمَلُّكًا فَإِنْ وُجِدَ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِالْمَنَافِعِ فَهُوَ إجَارَةٌ أَوْ نِكَاحٌ، وَإِنْ وُجِدَ مَجَّانًا فَهُوَ هِبَةٌ. اهـ. اخْتِيَارٌ وَفِي مُشْكِلَاتِ خُوَاهَرْ زَادَهْ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَيْعُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَفِي الشَّرْعِ هَكَذَا أَيْضًا، وَكَذَا الشِّرَاءُ وَالِاشْتِرَاءُ وَالِابْتِيَاعُ وَبِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اللُّغَةِ تَقَعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ عَلَى فِعْلِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى سَبِيلِ

{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا وَكَانُوا يَتَبَايَعُونَ فَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ»، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى جَوَازِهِ وَأَنَّهُ أَحَدُ أَسْبَاب الْمِلْكِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَلْزَمُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَلْزَمُ بِهِ بَلْ لَهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» إذْ هُمَا مُتَبَايِعَانِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَهُ مُتَسَاوِمَانِ، وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ تَمَّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَدَخَلَ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالْفَسْخُ بَعْدَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّرَاضِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْآخَرِ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ. وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى خِيَارِ الْقَبُولِ فَإِنَّهُ إذَا أَوْجَبَ أَحَدَهُمَا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَأْخُذَا فِي عَمَلٍ آخَرَ وَفِي لَفْظِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ فَإِنَّهُمَا مُتَبَايِعَانِ حَالَةَ الْبَيْعِ حَقِيقَةً، وَمَا بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ مَجَازًا كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ مِثْلُ الْمُتَجَاذِبِينَ وَالْمُتَضَارَبِينَ فَيَكُونُ التَّفَرُّقُ عَلَى هَذَا بِالْأَقْوَالِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ بِقَبُولِهَا هَذَا تَأْوِيلُ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ بَعْدَ الْإِيجَابِ قَبْلَ الْقَبُولِ وَقَالَ عِيسَى هَذَا أَوْلَى لِمَا عَهِدْنَا فِي الشَّرْعِ أَنَّ الْفُرْقَةَ مُوجِبَةٌ لِلْفَسَادِ كَمَا فِي الصَّرْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا ذَكَرُوهُ يُوجِبُ التَّمَامَ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ فَكَانَ مَا ذَكَرْنَا أَوْلَى لِكَوْنِهِ مُرَادًا، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَبِيعُ وَيُفَارِقُهُ خُطُوَاتٌ خَشْيَةَ التَّرَادِّ تَأْوِيلٌ مِنْهُ، وَتَأْوِيلُ الصَّحَابِيِّ عِنْدَنَا لَا يَكُونُ حُجَّةً أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ لِقَطْعِ الِاحْتِمَالِ حَتَّى لَا يَحْتَجَّ عَلَيْهِ الْآخَرُ بِذَلِكَ فَيَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ بِيَقِينٍ احْتِيَاطًا؛ لِئَلَّا يَحْمِلَهُ مُخَالِفُهُ عَلَيْهِ لَا؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ مَا أَدْرَكْت الصَّفْقَةَ حَيًّا فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُبْتَاعِ أَيْ إذَا هَلَكَ بَعْدَهَا، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ» مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إذْ هُمَا مُتَبَايِعَانِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ فِيهِ حَالَةُ الْبَيْعِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَمَّاهُمَا مُتَبَايِعَيْنِ لِقُرْبِهِمَا مِنْ الْبَيْعِ كَمَا سَمَّى الْعَصِيرَ خَمْرًا وَإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَبِيحًا. وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ خِيَارُ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخِيَارُ لَلَزِمَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْآخَرِ وَلَدَخَلَ فِي مِلْكِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي وُسْعِ الْمُوجِبِ وَلِلْمُوجِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى الْأَصِيلُ الدَّيْنَ لِلْكَفِيلِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْكَفِيلُ أَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى السَّاعِي قَبْلَ الْحَوْلِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا فِيهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْكَفِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاشْتِرَاكِ قَالَ تَعَالَى {وَشَرَوْهُ} [يوسف: 20] أَيْ بَاعُوهُ إلَّا أَنَّ فِي الْعُرْفِ اخْتَصَّ لَفْظُ الْبَيْعِ بِالْبَائِعِ وَلَفْظُ الشِّرَاءِ وَالِاشْتِرَاءِ وَالِابْتِيَاعِ بِالْمُشْتَرِي اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَكُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِقِيمَتِهِ قَالَ الشَّارِحُ وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا مَالٌ لِيَتَحَقَّقَ رُكْنُ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ لِيَخْرُجَ عَنْهُ الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَنَحْوِهِ وَالْبَيْعُ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ فِي رِوَايَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ) فِي السُّنَنِ مُسْنَدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَلْزَمُ) أَيْ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ انْعِقَادًا لَازِمًا. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: بِإِيجَابٍ) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْإِثْبَاتُ وَفِي الْفِقْهِ مَا يُذْكَرُ أَوَّلًا مِنْ كَلَامِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ خِيَارُ الْقَبُولِ لِلْآخَرِ انْتَهَى شُمُنِّيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِإِيجَابٍ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْإِيجَابُ عِبَارَةٌ عَمَّا صَدَرَ عَنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوَّلًا سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ نَقِيضُ السَّلْبِ وَهُوَ الْإِثْبَاتُ وَالْمُتَكَلِّمُ مِنْهُمَا أَوَّلًا بِقَوْلِهِ بِعْت أَوْ اشْتَرَيْت يُرِيدُ إثْبَاتَ الْعَقْدِ بِشَرْطِ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ قَوْلَ الْآخَرِ أَوْ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِعْت وَاشْتَرَيْت فِعْلٌ وَالْفِعْلُ صَرْفُ الْمُمْكِنِ مِنْ الْإِمْكَانِ إلَى الْوُجُودِ فَكَانَ قَوْلُهُ بِعْت أَوْ اشْتَرَيْت إيجَابًا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِهِ كَانَ فِي حَيِّزِ الْإِمْكَانِ فَصَارَ بَعْدَ التَّلَفُّظِ وَاجِبَ الْوُجُودِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ سُمِّيَ كَلَامُ الْآخَرِ قَبُولًا لِمَا أَوْجَبَهُ الْآخَرُ وَإِنْ كَانَ هُوَ إيجَابًا فِي الْحَقِيقَةِ حَتَّى يَمْتَازَ السَّابِقُ مِنْ كَلَامِ الْعَاقِدِ مِنْ اللَّاحِقِ اهـ وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا قَالَ الْكَمَالُ وَالْإِيجَابُ لُغَةً الْإِثْبَاتُ لِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَالْمُرَادُ هُنَا إثْبَاتُ الْفِعْلِ الْخَاصِّ الدَّالِّ عَلَى الرِّضَا الْوَاقِعِ أَوَّلًا سَوَاءٌ وَقَعَ مِنْ الْبَائِعِ كَبِعْتُ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي كَأَنْ يَبْتَدِئَ الْمُشْتَرِي فَيَقُولُ: اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا بِأَلْفٍ وَالْقَبُولُ الْفِعْلُ الثَّانِي وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْهُمَا إيجَابٌ أَيْ إثْبَاتٌ فَسُمِّيَ الْإِثْبَاتُ الثَّانِي بِالْقَبُولِ تَمْيِيزًا لَهُ عَنْ الْإِثْبَاتِ الْأَوَّلِ وَلِأَنَّهُ يَقَعُ قَبُولًا وَرِضًا بِفِعْلِ الْأَوَّلِ وَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ إرَادَةُ اللَّفْظَيْنِ بِالْبَيْعِ بَلْ حُكْمُهُمَا وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الْبَدَلَيْنِ وَجَبَ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ يَنْعَقِدُ يَثْبُتُ أَيْ الْحُكْمُ فَإِنَّ الِانْعِقَادَ إنَّمَا هُوَ لِلَّفْظَيْنِ لَا لِلْمِلْكِ أَيْ انْضِمَامُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ يَثْبُتُ أَثَرُهُ الشَّرْعِيُّ، وَقَوْلُهُ فِي الْقَبُولِ: إنَّهُ الْفِعْلُ الثَّانِي يُفِيدُ كَوْنَهُ أَعَمَّ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ الْفُرُوعِ مَا لَوْ قَالَ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ بِدِرْهَمٍ فَأَكَلَهُ تَمَّ الْبَيْعُ وَأَكْلُهُ حَلَالٌ وَالرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ بَعْدَ قَوْلِ الْبَائِعِ ارْكَبْهَا بِمِائَةٍ وَالْبَسْهُ بِكَذَا رِضًا بِالْبَيْعِ، وَكَذَا إذَا قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ فَقَبَضَهُ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا كَانَ قَبْضُهُ قَبُولًا بِخِلَافِ بَيْعِ التَّعَاطِي فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ قَبْضٍ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ فَقَطْ وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ فَفِي جَعْلِهِ مَسْأَلَةَ الْقَبْضِ بَعْدَ قَوْلِهِ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ مِنْ صُوَرِ التَّعَاطِي كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُهُمْ نَظَرٌ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا بِكَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ عَلَى هَؤُلَاءِ فَفَعَلَ الْبَائِعُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ وَكَذَلِكَ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا فَاقْطَعْهُ لِي قَمِيصًا فَقَطَعَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ انْتَهَى مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَقَبُولُ) أَيْ وَهُوَ مَا يُذْكَرُ آخِرًا مِنْ كَلَامِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ. اهـ. شُمُنِّيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ بِقَبُولِهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا بِالْأَبْدَانِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرُوهُ يُوجِبُ التَّمَامَ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ التَّفَرُّقُ بِالْأَقْوَالِ اهـ

وَالْفَقِيرِ تَعَلَّقَ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ وَأَنْ يَتِمَّ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ تَامٌّ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ وَيَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُنْبِئُ عَنْ التَّحْقِيقِ كَبِعْتُ أَوْ اشْتَرَيْت أَوْ رَضِيت أَوْ أَعْطَيْتُك أَوْ خُذْهُ بِكَذَا وَالْإِرْسَالُ وَالْكِتَابُ كَالْخِطَابِ حَتَّى يُعْتَبَرَ مَجْلِسُ أَدَائِهِمَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضَ الْمَبِيعِ دُونَ الْبَعْضِ وَإِنْ فَصَّلَ الثَّمَنَ إلَّا إذَا كَرَّرَ الْبَائِعُ لَفْظَةَ بِعْت مَعَ ذِكْرِ الثَّمَنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ إنْ فَصَّلَ الثَّمَنَ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ بِكَذَا أَوْ بِعْتُك هَذِهِ الْعَشَرَةَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِكَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَتَعَدَّدُ بِتَكْرَارِ لَفْظَةِ بِعْت عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي الْقَبْضِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْعَقْدِ بِإِيفَاءِ ثَمَنِ الْبَعْضِ أَوْ إبْرَائِهِ أَوْ تَأْجِيلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِتَعَاطٍ) أَيْ يَلْزَمُ بِالتَّعَاطِي أَيْضًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ خَسِيسًا أَوْ نَفِيسًا، وَزَعَمَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ فِي شَيْءٍ خَسِيسٍ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ فِي النَّفِيسِ لِعَدَمِهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ الرِّضَا لَا بِصُورَةِ اللَّفْظِ وَقَدْ وُجِدَ التَّرَاضِي مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَتِمُّ بِهِ بَيْعُ التَّعَاطِي قِيلَ يَتِمُّ بِالدَّفْعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَشَارَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَيٌّ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ) مَعْنَاهُ إذَا أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ ثُمَّ قَامَ أَحَدُهُمَا الْمُوجِبُ أَوْ الْآخَرُ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَالرُّجُوعِ فَيَبْطُلُ بِهِ كَسَائِرِ عُقُودِ الْمُبَادَلَةِ، بِخِلَافِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ حَيْثُ لَا يَبْطُلَ بِقِيَامِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِمَا وَالْقَبُولُ شَرْطٌ وَالْأَيْمَانُ لَا تَبْطُلُ بِالْقِيَامِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِيَارُ الْقَبُولِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ بَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ وَلَنَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّرَوِّي وَالْفِكْرِ وَالتَّأَمُّلِ فَجَعَلَ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ كَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ إذْ هُوَ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْحَرَجُ وَفِيمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَرَجٌ بَيِّنٌ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا». وَقَالَ (وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِ وَوَصْفِ ثَمَنٍ غَيْرِ مُشَارٍ)؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَيَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُنْبِئُ عَنْ التَّحْقِيقِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إذَا كَانَا بِلَفْظِ الْمَاضِي قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِأَنْ يَكُونَا بِلَفْظِ الْمَاضِي إذَا لَمْ يُوجَدْ نِيَّةُ الْحَالِ مِنْ لَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِذَا وُجِدَتْ تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا، أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ عَقْدُ الْبَيْعِ تَارَةً يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ وَتَارَةً يَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ، فَأَمَّا الَّذِي يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى الْمَاضِي أَوْ عَلَى الْإِيجَابِ فِي الْحَالِ أَمَّا الْمَاضِي فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: بِعْتُ مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْآخَرُ: أَخَذْت أَوْ قَبِلْت تَمَّ الْبَيْعُ وَلَوْ بَدَأَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت أَوْ قَالَ هُوَ لَك تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِلَفْظَيْنِ، وَأَمَّا الْإِيجَابُ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ أَبِيعُ مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَرَادَ بِهِ إيجَابَ الْبَيْعِ فِي الْحَالِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْت أَوْ اشْتَرَيْت أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي أَشْتَرِي مِنْك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَرَادَ بِهِ الْإِيجَابَ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا الَّذِي يَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ أَحَدِهِمَا بِلَفْظِ الْأَمْرِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرِ مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ بِعْت أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِعْ مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ بِعْت فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى سَبِيلِ السُّؤَالِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ بِعْت أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ أَتَبِيعُ مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا اشْتَرَيْتُ إلَى هُنَا لَفْظُ رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. (قَوْلُهُ: أَوْ خُذْهُ بِكَذَا.) قَالَ الْكَمَالُ، وَكَذَا لَفْظُ خُذْهُ بِكَذَا يَنْعَقِدُ بِهِ إذَا قَبِلَ بِأَنْ قَالَ أَخَذْته وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا لَكِنَّ خُصُوصَ مَادَّتِهِ أَعْنِي الْأَمْرَ بِالْأَخْذِ يَسْتَدْعِي سَابِقُهُ الْبَيْعَ فَكَانَ كَالْمَاضِي إلَّا أَنَّ اسْتِدْعَاءَ الْمَاضِي سَبَقَ الْبَيْعَ بِحَسَبِ الْوَضْعِ وَاسْتِدْعَاءَ خُذْهُ سَبَقَهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ فَهُوَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُك عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ وَيَثْبُتُ اشْتَرَيْتُ اقْتِضَاءً، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هُوَ حُرٌّ بِلَا فَاءٍ لَا يُعْتَقُ اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُعْتَبَرَ مَجْلِسُ أَدَائِهِمَا) أَيْ وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَمَا كَتَبَ وَبَعْدَمَا أَرْسَلَ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ سَوَاءٌ عَلِمَ الرَّسُولُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِخِلَافِ مَا إذَا عُزِلَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: يَلْزَمُ بِالتَّعَاطِي) أَيْ وَهُوَ الْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ خَسِيسًا أَوْ نَفِيسًا) قِيلَ النَّفِيسُ نِصَابُ السَّرِقَةِ فَصَاعِدًا وَالْخَسِيسُ مَا دُونَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَزَعَمَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ فِي شَيْءٍ خَسِيسٍ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَرَادَ بِالْخَسِيسِ الْأَشْيَاءَ الْمُحَقَّرَةَ كَالْبَقْلِ وَالرَّغِيفِ وَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ اسْتِحْسَانًا لِلْعَادَةِ قَالَ أَبُو مُعَاذٍ رَأَيْت سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ جَاءَ إلَى صَاحِبِ الرُّمَّانِ فَوَضَعَ عِنْدَهُ فَلْسًا وَأَخَذَ رُمَّانَةً وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَمَضَى. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ) قَالَ الْكَمَالُ إلَّا أَنَّ لِلْمَجْلِسِ أَثَرًا فِي جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ وَبِالْقِيَامِ لَا يَبْقَى الْمَجْلِسُ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ مَا دَامَ الْمَجْلِسُ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ لَا يَنْعَقِدُ وَاخْتِلَافُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ وَنَحْوِهِ، أَمَّا لَوْ قَامَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَذْهَبْ فَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ مَشَى جَمْعٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقَبُولُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَاضِي خَانْ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قَامَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْإِيجَابُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ إذَا قَامَ الْبَائِعُ وَلَمْ يَذْهَبْ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ قَبِلَ الْمُشْتَرِي صَحَّ، وَإِلَيْهِ أُشِيرَ فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ اهـ.

جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ الْمَانِعِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَيَخْلُو الْعَقْدُ عَنْ الْفَائِدَةِ وَكُلُّ جَهَالَةٍ تُفْضِي إلَيْهِ يَكُونُ مُفْسِدًا قَالَ (لَا مُشَارَ) أَيْ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ أَسْبَابِ التَّعْرِيفِ وَجَهَالَةُ وَصْفِهِ وَقَدْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يُمْنَعُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَيْنِ حَاضِرَانِ بِخِلَافِ الرِّبَوِيِّ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ جُزَافًا لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَبِخِلَافِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ الْقَدْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ (وَصَحَّ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَبِأَجَلٍ مَعْلُومٍ) مَعْنَاهُ إذَا بِيعَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَلَمْ يَجْمَعْهُمَا قَدْرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَعَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ قَالَ (وَمُطْلَقُهُ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ) أَيْ مُطْلَقُ الثَّمَنِ يَقَعُ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَمُرَادُهُ مِنْ الْإِطْلَاقِ هُنَا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الْبَلَدِ وَعَنْ قَيْدِ وَصْفِ الثَّمَنِ بَعْدَ أَنْ سُمِّيَ قَدْرُهُ بِأَنْ قَالَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَثَلًا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَامَلِ بِهِ فِي بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ بِالْعُرْفِ كَالْمَعْلُومِ بِالنَّصِّ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ تَصْحِيحُ تَصَرُّفِهِ قَالَ. (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ النُّقُودُ فَسَدَ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ) وَهَذَا إذَا كَانَ الْكُلُّ فِي الرَّوَاجِ سَوَاءً وَفِي الْمَالِيَّةِ مُخْتَلِفَةً؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَتَفْسُدُ إلَى أَنْ تُرْفَعَ بِالْبَيَانِ فَإِنْ كَانَتْ فِي الرَّوَاجِ مُخْتَلِفَةً يَنْصَرِفُ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَالِيَّةِ سَوَاءً جَازَ الْبَيْعُ كَيْفَمَا كَانَ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَرْوَجَ انْصَرَفَ إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَتْ فِي الرَّوَاجِ سَوَاءً كَالْأُحَادِيِّ وَالثُّنَائِيِّ وَالثُّلَاثِيِّ جَازَ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ سَوَاءٌ غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ دِرْهَمٌ وَالثَّانِي كُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهُ دِرْهَمٌ وَالثَّالِثُ كُلُّ ثَلَاثَةٍ مِنْهُ دِرْهَمٌ وَنَظِيرُهُ الْكَامِلِيُّ وَالْعَادِلِيُّ وَالظَّاهِرِيُّ وَالْمَنْصُورِيُّ وَالنَّاصِرِيُّ الْيَوْمَ بِمِصْرَ فَإِذَا اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ فَأُعْطِيَ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَازَعَةَ فِيهَا وَلَا اخْتِلَافَ فِي الْمَالِيَّةِ. قَالَ (وَيُبَاعُ الطَّعَامُ كَيْلًا وَجُزَافًا)؛ لِأَنَّهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا أَمَّا الْمُكَايَلَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْجُزَافُ فَلِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ وَمُرَادُهُ بِالْجُزَافِ إذَا بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ وَبِجِنْسِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ مَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ قَالَ (وَبِإِنَاءٍ أَوْ حَجَرٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهِيَ الْمَانِعَةُ لَا مُجَرَّدًا لِجَهَالَةِ فَصَارَ كَالْمُجَازَفَةِ وَكَبَيْعِ شَيْءٍ لَا يُعْرَفُ وَصْفُهُ بِالْإِشَارَةِ وَلَا يُتَوَهَّمُ هَلَاكُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ يَجِبُ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَيُحْتَمَلُ هَلَاكُهُ وَالِاحْتِمَالُ فِيهِ مُلْحَقٌ بِالْحَقِيقَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ لَا يَنْكَبِسُ بِالتَّكْبِيسِ وَلَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقَصْعَةِ وَالْخَزَفِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَنْكَبِسُ كَالزِّنْبِيلِ وَالْقُفَّةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي قِرَبِ الْمَاءِ اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ فِيهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَا إذَا كَانَ الْحَجَرُ يَتَفَتَّتُ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ بِوَزْنِ شَيْءٍ يَخِفُّ إذَا جَفَّ كَالْخِيَارِ وَالْبِطِّيخِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ بِوَزْنِ حَجَرٍ وَلَا بِإِنَاءٍ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا جُزَافٌ وَشَرْطُ جَوَازِ الْجُزَافِ أَنْ يَكُونَ مُمَيَّزًا مُشَارًا إلَيْهِ وَلَوْ كَالَهُ بِهِ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُمَيَّزًا مُشَارًا إلَيْهِ وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَ الْكَيْلَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مُجَازَفَةً فَكَانَ الْمُسْتَحَقُّ هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةً كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمِ صَحَّ فِي صَاعٍ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا جَازَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ لِجَوَازِ الْبَيْعِ وَجَهَالَةِ الثَّمَنِ بِأَيْدِيهِمَا رَفَعَهُمَا فَيَجُوزُ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا مِنْ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ، بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الشُّهُورَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَلَا يُمْكِنُ إزَالَةُ الْجَهَالَةِ فِيهَا فَيُصْرَفُ إلَى الْأَقَلِّ، كَمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَى كُلِّ دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ حَيْثُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ غَيْرَ أَنَّ الْأَقَلَّ مَعْلُومٌ فَيَصِحُّ فِيهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَمَا عَدَاهُ مَجْهُولٌ فَيَفْسُدُ كَمَا إذَا بَاعَ الثَّوْبَ بِرَقْمِهِ، بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ؛ لِأَنَّ الرَّافِعَ لِلْجَهَالَةِ هُنَا وَهُوَ الْكَيْلُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْعَقْدِ وَفِي تِلْكَ مُقَارِنٌ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ مَوْجُودٌ حَالَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: تَكُونُ مُفْسِدَةً) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَيَكُونُ مُفْسِدًا اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ تَكُونُ مُفْسِدَةً مَا نَصُّهُ كَمَا فِي السَّلَمِ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِعْرَاضَ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُشَارٍ إلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا يُشْتَرَطُ فِيهَا مَعْرِفَةُ الْمِقْدَارِ فِي الْمَبِيعِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَوَصْفُهُ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا مُشَارُ) بِالرَّفْعِ كَمَا اقْتَضَاهُ صَنِيعُ الْعَيْنِيِّ فِي شَرْحِهِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ لَا مُشَارَ مَا نَصُّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرٍ وَوَصْفٍ مُشَارٍ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ مُشَارًا مَقَامَهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَالنَّاصِرِيُّ) مَاتَ النَّاصِرِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ قَلَاوُونَ سَنَةَ سَبْعِمِائَةٍ وَإِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمَاتَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَنَةَ سَبْعمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعِينَ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيُبَاعُ الطَّعَامُ كَيْلًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْكَيْلِ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْجُزَافُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ بِالْإِشَارَةِ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةً) هِيَ اسْمٌ لِكَوْمٍ مِنْ الْحَبِّ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: كُلَّ صَاعٍ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ صُبْرَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْإِشَارَةِ) أَيْ إلَى الْجُمْلَةِ وَالثَّمَنُ مَعْلُومٌ بِالْعَدِّ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ. اهـ. عَيْنِيٌّ

التَّبَايُعِ، ثُمَّ إذَا جَاءَ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَالَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ قَبْلَ تَقَرُّرِ الْفَسَادِ وَكَذَا إذَا سَمَّى جُمْلَةَ الْقُفْزَانِ وَلَهُ الْخِيَارُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ظَهَرَ لَهُ بِالْإِيجَابِ وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَرَآهُ وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ فَسَدَ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بَعْدَ الْمَجْلِسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا شُرِطَ الْخِيَارُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ حَيْثُ يَعُودُ صَحِيحًا بِإِزَالَةِ الْمُفْسِدِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ فِيهِ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بَلْ بِاعْتِبَارِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَيَعُودُ صَحِيحًا قَبْلَ مَجِيئِهِ وَهُنَا تَمَكَّنَ فِيهِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَاعَ ثَلَّةً) أَيْ جَمَاعَةً وَمُرَادُهُ مِنْ الْغَنَمِ (أَوْ ثَوْبًا كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَسَدَ فِي الْكُلِّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْكُلِّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ رَفْعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ بِأَيْدِيهِمَا لِمَا أَنَّ لَهَا نِهَايَةً، وَلَهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَهَالَةِ إلَّا أَنَّ الْوَاحِدَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ أَفْرَادَ الشِّيَاهِ مُتَفَاوِتَةٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعٌ وَاحِدٌ مِنْهَا فَيَفْسُدُ وَقَطْعُ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ يَكُونُ ضَرَرًا عَلَى الْبَاقِي فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ بَاعَ جَذَعًا مِنْ سَقْفٍ وَعَلَى هَذَا كُلُّ عَدَدِيٍّ مُتَفَاوِتٌ قَالَ (وَلَوْ سَمَّى الْكُلَّ صَحَّ فِي الْكُلِّ) يَعْنِي لَوْ سَمَّى جُمْلَتَهُ فِي الْعَقْدِ جَازَ فِي الْكُلِّ فِي الْفَصْلَيْنِ فِي فَصْلِ الصُّبْرَةِ وَفِي فَصْلِ الشِّيَاهِ وَنَحْوِهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَكَذَا إذَا سَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ فِي الْمَجْلِسِ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَتَأَتَّى لِجَوَازِهِ بِدُونِهِ قَالَ (وَلَوْ نَقَصَ كَيْلٌ أُخِذَ بِحِصَّتِهِ أَوْ فُسِخَ وَإِنْ زَادَ فَلِلْبَائِعِ) يَعْنِي لَوْ بَاعَ صُبْرَةً وَسَمَّى جُمْلَتَهَا بِأَنْ قَالَ بِعْتُكهَا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ وَجَدَهَا نَاقِصَةً أَخَذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهَا وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ قِسْطَ كُلِّ قَفِيزٍ فَإِذَا تَعَلَّقَ بِقَدْرِهَا فَإِنْ وَجَدَهَا نَاقِصَةً فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِحِصَّتِهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ وَجَدَهَا زَائِدَةً فَالزَّائِدُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ إلَّا الْقَدْرُ الْمُسَمَّى فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ إذْ الْقَدْرُ لَيْسَ بِوَصْفٍ قَالَ. (وَلَوْ نَقَصَ ذِرَاعٌ أُخِذَ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تُرِكَ وَإِنْ زَادَ فَلِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ) مَعْنَاهُ إذَا بَاعَ مَذْرُوعًا وَسَمَّى جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ وَلَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا ثُمَّ وَجَدَهُ نَاقِصًا أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ وَصْفٌ لِلْمَذْرُوعِ فَلَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى الْأَوْصَافِ فَيَكُونُ كُلُّ الثَّمَنِ مُقَابَلًا بِالْعَيْنِ كُلِّهَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ وَجَدَهُ نَاقِصًا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَإِنْ وَجَدَهُ زَائِدًا فَهُوَ لَهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ كَمَا إذَا شَرَطَ مَعِيبًا فَوَجَدَهُ سَلِيمًا وَبِالْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا شَرَطَ سَلِيمًا فَوَجَدَهُ مَعِيبًا لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ وَصْفٌ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ أَنْ يَذْرَعَهُ وَلَوْ كَانَ قَدْرًا لَمَا جَازَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَزِيدَ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ كَمَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَالَ (وَلَوْ قَالَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِكَذَا وَنَقَصَ أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ أَوْ تَرَكَ وَإِنْ زَادَ أَخَذَ كُلَّهُ كُلَّ ذِرَاعٍ بِكَذَا أَوْ فَسَخَ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَهُ عَلَى أَنَّهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا فَوَجَدَهُ نَاقِصًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِنْ وَجَدَهُ زَائِدًا أَخَذَهُ كُلَّهُ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ فَسَخَ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ وَإِنْ كَانَ وَصْفًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ يُنْتَفَعُ بِهِ بِانْفِرَادِهِ. فَإِذَا سَمَّى لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا جُعِلَ أَصْلًا وَإِلَّا فَهُوَ وَصْفٌ فَإِذَا صَارَ أَصْلًا فَإِنْ وَجَدَهُ نَاقِصًا أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ وَجَدَهُ زَائِدًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ أَيْضًا إنْ شَاءَ أَخَذَهُ كُلَّهُ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ حَصَلَ لَهُ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ فَكَانَ فِيهِ نَفْعٌ يَشُوبُهُ ضَرَرٌ فَيُخَيَّرُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقَدْرَ الْمُسَمَّى وَيَتْرُكَ الزَّائِدَ؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ يَضُرُّ الْبَائِعَ بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَ الْمَذْرُوعِ ابْتِدَاءً وَفِي الصُّبْرَةِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَلَهُ الْخِيَارُ فِيهِمَا) أَمَّا قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَالْكَيْلِ فَفِي صَاعٍ، وَأَمَّا بَعْدَهُمَا فَفِي الْكُلِّ اهـ عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ بَاعَ ثَلَّةً) بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَهِيَ الْقَطِيعُ مِنْ الْغَنَمِ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ سُمِّيَ الْكُلُّ صَحَّ) أَيْ بِأَنْ قَالَ مِائَةُ شَاةٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةٍ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: أَخَذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ) أَيْ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ بِالْأَجْزَاءِ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ الْمِثْلِيِّ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ كَيْلِيًّا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِمَا سُمِّيَ مِنْ الْكَيْلِ مِثْلُ إنْ قَالَ بِعْت هَذِهِ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَا يَتَفَاوَتُ الْحُكْمُ بَيْن أَنْ يُسَمِّيَ لِكُلِّ قَفِيزٍ ثَمَنًا بِأَنْ قَالَ كُلُّ قَفِيزٍ بِكَذَا أَوْ لَمْ يُسَمِّ فَأَوْجَدَ الْمُسَمَّى كَمَا قُدِّرَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي بِلَا خِيَارٍ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَجَدَهَا نَاقِصَةً) أَيْ عَنْ الْمِائَةِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِحِصَّتِهَا) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ وَطَرَحَ حِصَّةَ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الْقُفْزَانَ لَمَّا كَانَتْ مَعْقُودًا عَلَيْهَا انْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَيْهَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْكَيْلِيَّاتِ وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْوَزْنِيَّاتِ الَّتِي لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهَا مَضَرَّةٌ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى جُمْلَةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِذَا نَقَصَتْ يَلْزَمُ تَفَرُّقُ الصِّفَةِ لَا مَحَالَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا الْقَدْرُ الْمُسَمَّى) أَيْ وَهُوَ مِائَةُ قَفِيزٍ انْتَهَى (قَوْلُهُ: فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ) أَيْ الزَّائِدِ عَلَى الْمِائَةِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: إذْ الْقَدْرُ لَيْسَ بِوَصْفٍ) أَيْ الْقَدْرُ الزَّائِدُ لَيْسَ وَصْفًا بَلْ هُوَ الْأَصْلُ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ) اعْلَمْ أَنَّ الذَّرْعِيَّاتِ يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يُسَمَّى لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا بِأَنْ قَالَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِكَذَا وَبَيْنَ أَنْ لَا يُسَمِّيَ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي. (قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ إذَا بَاعَ) أَيْ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ بِعَشَرَةٍ أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةٍ انْتَهَى غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا شَرَطَ مَعِيبًا فَوَجَدَهُ سَلِيمًا) أَيْ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ أَعْمَى فَوَجَدَهُ الْمُشْتَرِي بَصِيرًا حَيْثُ لَا خِيَارَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَخَذَ بِحِصَّتِهِ أَوْ تَرَكَ) أَيْ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَهُ زَائِدًا أَخَذَهُ كُلَّهُ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ فَسَخَ)

مَعْلُومٌ وَلَمَّا كَانَ الذِّرَاعُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا اُعْتُبِرَ أَصْلًا فِي حَقِّ انْقِسَامِ الثَّمَنِ عَلَى الذُّرْعَانِ وَبَقِيَ وَصْفًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ كَدُخُولِ الْفَاضِلِ فِي الْمَبِيعِ وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا. قَالَ (وَفَسَدَ بَيْعُ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ دَارٍ لَا أَسْهُمَ) أَيْ لَا يَفْسُدُ بَيْعُ عَشْرَةِ أَسْهُمٍ مِنْ دَارٍ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ دَارٍ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يَقُلْ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ وَنَحْوِهِ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا تُعْرَفُ نِسْبَتُهُ إلَى جَمِيعِ الدَّارِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَشْرَةُ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ أَوْ مِنْ ثَلَاثِينَ مَثَلًا حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ، عُشْرٌ أَوْ ثُلُثٌ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ قَصَدَ هَذَا وَلَكِنَّ إجْحَافَهُ فِي الِاخْتِصَارِ أَدَّاهُ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ وَفَسَدَ بَيْعُ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ دَارٍ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِمَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا لِلْجَهَالَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى سَهْمًا مِنْهَا أَوْ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْهَا وَلَمْ يَقُلْ مِنْ كَذَا سَهْمًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ يُمْكِنُ رَفْعُهَا بِالذَّرْعِ فَتُعْرَفُ فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى سَهْمًا مِنْهَا أَوْ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ إذْ لَا يُمْكِنُ رَفْعُ الْجَهَالَةِ فِيهِ وَلَوْ بَاعَ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ فَسَدَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مِائَةَ ذِرَاعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الذِّرَاعَ فِي الْمَذْرُوعَاتِ وَصْفٌ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ طُولٍ فِيهِ لَكِنَّهُ وَصْفٌ يَسْتَلْزِمُ زِيَادَةَ أَجْزَاءٍ فَإِنْ لَمْ يُفْرَدْ بِثَمَنٍ كَانَ تَابِعًا مَحْضًا فَلَا يُقَابَلُ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَ عَلَى أَنَّهَا مِائَةٌ بِمِائَةٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ تَابِعًا مَحْضًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَالتَّوَابِعُ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ حَتَّى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَأَعْوَرَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَنْقُصُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَعْوَرَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي جَازَ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى ثَمَنِهَا بِلَا بَيَانٍ فَعَلَيْهِ تَمَامُ الثَّمَنِ فِي صُورَةِ النَّقْصِ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ فَوَجَدَهُ لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَلَهُ الزِّيَادَةُ فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ كَمَا إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ بِعَيْبٍ فَوَجَدَهُ سَلِيمًا هَذَا إنْ لَمْ يُفْرِدْ بِالثَّمَنِ فَإِنْ أَفْرَدَ بِالثَّمَنِ وَهُوَ إذَا قَالَ عَلَى أَنَّهَا مِائَةٌ بِمِائَةٍ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ صَارَ أَصْلًا وَارْتَفَعَ عَنْ التَّبَعِيَّةِ فَنَزَّلَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ وَلَوْ بَاعَهُ هَذِهِ الرِّزْمَةَ مِنْ الثِّيَابِ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ثَوْبٍ كُلَّ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا نَاقِصَةً يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْأَثْوَابَ الْمَوْجُودَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ. فَكَذَا إذَا وَجَدَ الذُّرْعَانَ نَاقِصَةً فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا بِكُلِّ الثَّمَنِ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُ كُلِّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَلَوْ وَجَدَهَا زَائِدَةً لَمْ تُسْلَمْ لَهُ الزِّيَادَةُ لِصَيْرُورَتِهِ أَصْلًا كَمَا لَمْ يُسْلَمْ لَهُ الثَّوْبُ الْمُفْرَدُ فِيمَا إذَا زَادَ عَدَدُ الثِّيَابِ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّ عَدَدَ الثِّيَابِ إذَا زَادَ فَسَدَ الْبَيْعُ لِلُزُومِ جَهَالَةِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْمُنَازَعَةَ تَجْرِي فِي تَعْيِينِ الثَّوْبِ الَّذِي يُرَدُّ إلَى الْبَائِعِ بِسَبَبِ أَنَّهُ أَصْلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِيَفْسُدَ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الزَّائِدَ بِحِصَّتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ صَحَّ لَهُ أَخْذُ الزَّائِدِ لَكِنَّهُ بِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ وَهُوَ زِيَادَةُ الثَّمَنِ وَلَمْ يَكُنْ يَلْتَزِمُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِعَقْدِ الْبَيْعِ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الطُّولَ وَصْفًا تَارَةً وَأَصْلًا أُخْرَى وَلَمْ يَعْتَبِرُوا الْقَدْرَ فِي الْمِثْلِيَّاتِ إلَّا أَصْلًا دَائِمًا مَعَ أَنَّ الطُّولَ وَالْعَرْضَ أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى الْقَدْرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْقَدْرُ وَصْفًا اُحْتِيجَ إلَى الْفَرْقِ فَقِيلَ: لِأَنَّ الْمِثْلَ لَا يَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِنُقْصَانِ الْقَدْرِ فَإِنَّ الصُّبْرَةَ الْكَائِنَةَ مِائَةُ قَفِيزٍ لَوْ صَارَتْ قَفِيزَيْنِ فِي الْغَلَّةِ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَةُ الْقَفِيزِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالْأَرْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي عَادَتُهُ عَشَرَةً وَهُوَ قَدْرُ مَا يُفَصَّلُ قَبَاءً أَوْ فَرَجِيَّةً كَانَ بِثَمَنٍ إذَا قُسِّمَ عَلَى أَجْزَائِهِ يُصِيبُ كُلَّ ذِرَاعٍ مِنْهُ مِقْدَارٌ وَلَوْ أَفْرَدَ الذِّرَاعَ وَبِيعَ بِمُفْرَدِهِ لَمْ يُسَاوِ فِي الْأَسْوَاقِ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ بِأَقَلَّ مِنْهُ بِكَثِيرٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْغَرَضَ الَّذِي يُصْنَعُ بِالثَّوْبِ الْكَامِلِ فَعَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ لَمْ يُعْتَبَرْ كَثَوْبٍ كَامِلٍ مُفْرَدٍ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجُوزُ) أَيْ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ انْتَهَى ابْنُ فِرِشْتَا. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ يُمْكِنُ رَفْعُهَا بِالذَّرْعِ) أَيْ بِأَنْ يُذْرَعَ جَمِيعُ الدَّارِ فَيُعْرَفُ أَنَّ الْمَبِيعَ عُشْرُهَا أَوْ خُمُسُهَا انْتَهَى. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى سَهْمًا مِنْهَا أَوْ عَشَرَةً) أَيْ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ كَذَا سَهْمًا انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: إذْ لَا يُمْكِنُ رَفْعُ الْجَهَالَةِ فِيهِ) أَيْ فَكَانَتْ مُفْسِدَةً لِلْعَقْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ: وَمَنْ بَاعَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ دَارٍ أَوْ حَمَّامٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا هُوَ جَائِزٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْمُؤَدَّى مِنْ بَيْعِ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ شَائِعٍ فَعِنْدَهُمَا شَائِعٌ كَأَنَّهُ بَاعَ عُشْرَ مِائَةٍ وَبَيْعُ الشَّائِعِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي بَيْعِ عَشَرَةِ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ وَعِنْدَهُ مُؤَدَّاهُ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ وَالْجَوَانِبُ مُخْتَلِفَةُ الْحُدُودِ فَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي تَعْيِينِ مَكَانِ الْعَشَرَةِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ فَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مُؤَدَّى عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةٍ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ شَائِعٌ لَمْ يَخْتَلِفُوا، وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لَمْ يَخْتَلِفُوا فَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِي نِكَاحِ الصَّابِئَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَا كِتَابَ لَهُمْ أَوْ لَهُمْ كِتَابٌ فَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى الثَّانِي اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ أَوْ عَلَى الْأَوَّلِ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ فَالشَّأْنُ فِي تَرْجِيحِ الْمَبْنِيِّ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ الدَّارُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ، وَقَالَا هُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَتْ الدَّارُ كُلُّهَا مِائَةَ ذِرَاعٍ هَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحَيْهِمَا وَيُفْهَمُ هَذَا الْقَيْدُ مِنْ تَعْلِيلِهِمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ إنَّمَا تَكُونُ عُشْرَ الدَّارِ إذَا كَانَ كُلُّهَا مِائَةً أَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ بَيْعَ عُشْرِ الدَّارِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالْعَشَرَةُ الْأَذْرُعُ مِنْ الْمِائَةِ عَشْرٌ فَجَازَ، وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ عَشَرَةِ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْهَا إجْمَاعًا وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى قَدْرٍ مِنْ الدَّارِ مُعَيَّنٍ لَا عَنْ شَائِعٍ وَذَلِكَ الْقَدْرُ مَجْهُولٌ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ لَا يُعْلَمُ أَمِنْ جَانِبٍ شَرْقِيٍّ هُوَ أَوْ مِنْ جَانِبٍ غَرْبِيٍّ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا فَيَصِيرُ هُوَ تَابِعًا فِي الْحَقِيقَةِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ عَيْنًا مِنْ الدَّارِ وَتِلْكَ الْأَذْرُعُ مَجْهُولَةٌ فِي نَفْسِهَا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَجْهُولِ فَصَارَ كَأَنَّهُ

لِأَنَّهُ عُشْرُهَا فَأَشْبَهَ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ، وَلَهُ أَنَّ الذِّرَاعَ اسْمٌ لِآلَةٍ يُذْرَعُ بِهَا وَاسْتُعِيرَ لِمَا يَحُلُّهُ الذِّرَاعُ وَهُوَ مُعَيَّنٌ لَا مُشَاعَ ثُمَّ لَا يُعْلَمُ مَحَلُّهُ مِنْ أَيِّ الْجَوَانِبِ هُوَ عَلَى التَّعْيِينِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ بَاعَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ؛ لِأَنَّهُ شَائِعٌ فَلَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْفَسَادَ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ جُمْلَتَهَا فَيَجُوزُ عِنْدَهُ فَجَعَلَهَا نَظِيرَ بَيْعِ شِيَاهٍ مِنْ الْقَطِيعِ كُلُّ شَاةٍ بِدِينَارٍ فَإِنَّهُ إنْ عَلِمَ عَدَدَهَا جُمْلَةً يَجُوزُ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَلَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَإِنْ اشْتَرَى عِدْلًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ فَنَقَصَ أَوْ زَادَ فَسَدَ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مَثَلًا وَلَمْ يُبَيِّنْ ثَمَنَ كُلِّ ثَوْبٍ ثُمَّ إذَا وَجَدَهُ نَاقِصًا أَوْ زَائِدًا فَسَدَ الْبَيْعُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَرُدَّ الثَّوْبَ الزَّائِدَ فَيَتَنَازَعَانِ فِي الْمَرْدُودِ وَلِجَهَالَةِ الثَّمَنِ فِي فَصْلِ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُسْقِطَ حِصَّةَ ثَمَنِ الْمَعْدُومِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَيُؤَدِّيَ إلَى النِّزَاعِ، قَالَ (وَلَوْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ ثَوْبٍ وَنَقَصَ صَحَّ بِقَدْرِهِ وَخُيِّرَ وَإِنْ زَادَ فَسَدَ)؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ زَائِدًا تَبْقَى الْجَهَالَةُ فِي الْمَرْدُودِ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَفِي فَصْلِ النُّقْصَانِ ثَمَنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثِّيَابِ مَعْلُومٌ فَالْمَوْجُودُ يَصِحُّ فِيهِ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ فِي الْمَعْدُومِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَفْسُدُ فِي فَصْلِ النُّقْصَانِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ مَعْدُومٍ وَمَوْجُودٍ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَصَارَ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي الْمَعْدُومِ شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي الْمَوْجُودِ فَكَانَ فَاسِدًا كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَبَيْنَ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ بَاعَ ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا هَرَوِيَّانِ وَبَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَرْوِيٌّ فَإِنَّ الْعَقْدَ عِنْدَهُ فَاسِدٌ فِي الصُّورَتَيْنِ فَكَذَا هَذَا وَعِنْدَهُمَا جَائِزٌ فَكَذَا هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَتَعَدَّدُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَتَعَدَّدُ لَفْظَةُ الْبَيْعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي فَصْلِ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الْمَعْدُومِ شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي الْمَوْجُودِ بَلْ قَصَدَ بَيْعَ الْمَوْجُودِ إلَّا أَنَّهُ غَلَطٌ فِي الْعَدَدِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ فَإِنَّهُ قَصَدَ الْإِيجَابَ فِيهِمَا فَجَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي الْآخَرِ وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الشَّيْئَيْنِ الْمَوْصُوفَيْنِ بِوَصْفٍ إذَا دَخَلَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَانَ قَبُولُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ، إذْ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُقْبَلَ الْعَقْدُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِذَا انْعَدَمَ ذَلِكَ الْوَصْفُ فِي أَحَدِهِمَا كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فَاسِدًا فِي الْآخَرِ فَبِالنَّظَرِ إلَى وُجُودِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَانَ شَرْطًا وَبِالنَّظَرِ إلَى انْعِدَامِ ذَلِكَ الْوَصْفِ كَانَ فَاسِدًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَعْدُومًا بِذَاتِهِ وَوَصْفِهِ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ حَتَّى يَكُونَ قَبُولُهُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقَبُولُ بَلْ هُوَ غَلَطٌ مَحْضٌ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَخَذَهُ بِعَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ وَنِصْفٍ بِلَا خِيَارٍ وَبِتِسْعَةٍ فِي تِسْعَةٍ وَنِصْفٍ بِخِيَارٍ) مَعْنَاهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا وَاحِدًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَإِذَا هُوَ عَشَرَةٌ وَنِصْفٌ أَوْ تِسْعَةٌ وَنِصْفٌ يَأْخُذُهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِعَشَرَةٍ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَأْخُذُهُ بِتِسْعَةٍ إنْ شَاءَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَأْخُذُهُ فِي الْأَوَّلِ بِأَحَدَ عَشَرَ وَفِي الثَّانِي يَأْخُذُهُ بِعَشَرَةٍ وَيُخَيَّرُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَأْخُذُهُ فِي الْأَوَّلِ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي بِعَشْرَةٍ لَا نِصْفًا وَيُخَيَّرُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَمَّى لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ الْتَحَقَ بِالْقَدْرِ وَمِنْ ضَرُورَةِ مُقَابَلَةِ الذِّرَاعِ بِالدِّرْهَمِ مُقَابَلَةُ النِّصْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَاعَ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِ الدَّارِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْبَيْتَ أَوْ بَاعَ قِسْمًا مِنْ الْأَقْسَامِ مِنْ الدَّارِ الْمَقْسُومَةِ عَلَى ثَلَاثٍ وَهَذَا لِأَنَّ الْقِسْمَ لَيْسَ بِاسْمٍ لِلشَّائِعِ بَلْ هُوَ اسْمٌ لِجُزْءٍ مُقَدَّرٍ مُعَيَّنٍ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَجْهُولًا فِي نَفْسِهِ لِجَهَالَةِ مَوْضِعِهِ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ بِخِلَافِ عُشْرِ الدَّارِ أَوْ بَيْعِ عَشَرَةِ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ اسْمٌ آخَرُ لِشَائِعٍ مَعْلُومٍ فِي نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ عَشَرَةُ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ فَإِنَّهَا عَشْرٌ أَيْضًا وَالسَّهْمُ لَا يُشْبِهُ الذِّرَاعَ، أَلَا تَرَى أَنَّ ذِرَاعًا مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِثْلُ ذِرَاعٍ مِنْ عَشَرَةٍ فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَبَيَانُ مَا قُلْنَا أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الدَّارِ لَا عَلَى شَائِعٍ إذْ الذِّرَاعُ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِخَشَبَةٍ يُذْرَعُ بِهَا الْمَمْسُوحُ وَلَيْسَتْ هِيَ بِمُرَادَةٍ مِنْ الْبَيْعِ بَلْ الْمُرَادُ مَا يَحِلُّهُ الذِّرَاعُ وَيُجَاوِرُهُ مَجَازًا بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ وَمَا يَحِلُّهُ الذِّرَاعُ مُعَيَّنٌ لَا شَائِعٌ؛ لِأَنَّ الشَّائِعَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُذْرَعَ فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يُسْتَعَارَ الذِّرَاعُ لِلشَّائِعِ؛ لِأَنَّ الشَّائِعَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلذِّرَاعِ فَلَمَّا أُرِيدَ مِنْ الذِّرَاعِ مَا يَحِلُّهُ وَهُوَ مُعَيَّنٌ لَكِنَّهُ مَجْهُولُ الْوَضْعِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسٌ اهـ. (قَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ) وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ اشْتَرَى عَدْلًا) صُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ بِعْتُك مَا فِي هَذَا الْعَدْلِ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَلَمْ يُفَصِّلْ لِكُلِّ ثَوْبٍ ثَمَنًا بَلْ قَابَلَ الْمَجْمُوعَ بِالْمَجْمُوعِ فَإِذَا هُوَ تِسْعَةٌ أَوْ أَحَدَ عَشَرَ فَسَدَ الْبَيْعُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ مَعْدُومٍ وَمَوْجُودٍ) أَيْ وَلَمْ يَجُزْ فِي الْمَعْدُومِ فَتَعَدَّى إلَى الْمَوْجُودِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: يَأْخُذُهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) أَيْ وَسَلَّمَ لَهُ النِّصْفَ مَجَّانًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَأْخُذُهُ بِعَشَرَةٍ) فَأَبُو يُوسُفَ جَعَلَ نِصْفَ ذِرَاعٍ بِمَنْزِلَةِ ذِرَاعٍ كَامِلٍ فَلِهَذَا يَأْخُذُهُ فِي الْأَوَّل بِأَحَدَ عَشَرَ وَفِي الثَّانِي بِعَشَرَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَأْخُذُهُ فِي الْأَوَّلِ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَأْخُذُهُ فِي الْأَوَّلِ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ وَفِي الثَّانِي بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذِرَاعٍ لَوْ قُوبِلَ بِدِرْهَمٍ يَكُونُ كُلُّ نِصْفِ ذِرَاعٍ مُقَابَلًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ لَا مَحَالَةَ وَهَذَا ظَاهِرٌ ثُمَّ إذَا زَادَ الذِّرَاعُ الْكَامِلُ يَأْخُذُهُ بِأَحَدَ عَشَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ إذَا زَادَ نِصْفُ ذِرَاعٍ لَكِنْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الْوَجْهَيْنِ فَفِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ يَشُوبُهُ ضَرَرٌ وَفِي النُّقْصَانِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ كُلَّ ذِرَاعٍ لَمَّا أُفْرِدَ بِذِكْرِ بَدَلٍ كَانَ كُلُّ ذِرَاعٍ كَثَوْبٍ بِيعَ عَلَى أَنَّهُ ذِرَاعٌ فَإِذَا انْتَقَصَ

[فصل يدخل البناء والمفاتيح في بيع الدار والشجر في بيع الأرض]

بِالنِّصْفِ كَالْمَكِيلِ، وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ازْدَادَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِزِيَادَةِ نِصْفِ ذِرَاعٍ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي انْتَقَصَ الثَّوْبُ عَمَّا شُرِطَ فَيُخَيَّرُ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا قَابَلَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ صَارَ كُلُّ ذِرَاعٍ كَثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ بِيعَ عَلَى أَنَّهُ ذِرَاعٌ بِدِرْهَمٍ فَإِذَا وَجَدَهُ نَاقِصًا لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ وَصْفٌ وَتَغَيُّرُ الْأَوْصَافِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ ازْدَادَ الثَّمَنُ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا وَجَدَهُ زَائِدًا وَانْتَقَصَ الْمَبِيعُ فِي الْآخَرِ فَلَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الذِّرَاعَ فِيهِ وَصْفٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ حُكْمَ الْمِقْدَارِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالذِّرَاعِ وَبِكَوْنِهِ مُقَابَلًا بِالدَّرَاهِمِ فَعِنْدَ عَدَمِهِمَا عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ، ثُمَّ لَا يُخَيَّرُ فِي فَصْلِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ وَفِي النُّقْصَانِ يُخَيَّرُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ قِيلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي ثِيَابٍ يَضُرُّهَا الْقَطْعُ أَوْ تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهَا كَالْعَمَائِمِ وَالْقُمْصَانِ وَالْأَقْبِيَةِ، وَأَمَّا الثِّيَابُ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهَا كَالْبَطَائِنِ وَنَحْوِهَا فَلَا تُسْلَمُ لَهُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْهُ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ إذْ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ. (فَصْلٌ) قَالَ (يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْمَفَاتِيحُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ بِلَا ذِكْرٍ)؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لِلْعَرْصَةِ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْعُرْفِ يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ تَبَعًا لِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِهَا اتِّصَالَ قَرَارٍ، وَكَذَا الشَّجَرُ مُتَّصِلٌ بِالْأَرْضِ لِلْقَرَارِ فَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا تَبَعًا لَهَا وَاخْتَلَفُوا فِي شَجَرٍ غَيْرِ مُثْمِرٍ وَفِي شَجَرٍ صَغِيرٍ قِيلَ لَا يَدْخُلَانِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُثْمِرَةِ تُقْلَعُ لِلْحَطَبِ وَالْخَشَبِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهَا وَالصَّغِيرَةُ تُنْقَلُ مِنْ مَكَانِهَا فَصَارَا كَالزَّرْعِ وَقِيلَ يَدْخُلَانِ فِيهِ؛ لِأَنَّ نِهَايَتَهُمَا لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّوْبُ مِنْ الذِّرَاعِ لَمْ يُنْتَقَصْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَكَذَا هَذَا لَكِنَّ الْخِيَارَ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ يَشُوبُهُ مَضَرَّةٌ وَفِي النُّقْصَانِ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الذِّرَاعَ يُعْتَبَرُ وَصْفًا فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُ حُكْمَ الْأَصْلِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ ثُمَّ الشَّرْطُ وُجِدَ فِي الذِّرَاعِ لَا فِيمَا دُونَهَا فَكَانَ الْحُكْمُ فِيمَا دُونَ الذِّرَاعِ بَاقِيًا عَلَى الْأَصْلِ فَكَانَ وَصْفًا وَالْوَصْفُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ وَالنِّصْفَ بِمَنْزِلَةِ الْعَشَرَةِ الْجَيِّدَةِ فَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَوَجَدَهُ سَلِيمًا يَأْخُذُهُ بِلَا خِيَارٍ فَكَذَا هُنَا وَفِي صُورَةِ النُّقْصَانِ يَأْخُذُهُ بِتِسْعَةٍ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الزَّائِدَ عَلَى التِّسْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنْ لَهُ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَهُوَ النِّصْفُ النَّاقِصُ عَنْ الْعَشَرَةِ وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ نَأْخُذُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ مِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ اخْتَارَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَصَحُّ وَذَكَرَ حَاصِلَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَهُ وَفِي قَوْلِهِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ ذِرَاعًا إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ أَجْزَاءُ الدِّرْهَمِ عَلَى أَجْزَاءِ الذِّرَاعِ فَقَالَ هَذَا إذَا كَانَ تَمَامُ الذِّرَاعِ مَوْجُودًا وَالْمَوْجُودُ هُنَا بَعْضُهُ وَبَعْضُهُ لَيْسَ كُلَّهُ فَكَانَ لِلْبَعْضِ مِنْهُ حُكْمُ الْوَصْفِ لِانْعِدَامِ الْمُقَابَلَةِ بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: قِيلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا فِي الثَّوْبِ الَّذِي يَتَعَيَّبُ بِقَطْعِ بَعْضِهِ كَالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْعِمَامَةِ وَنَحْوِهَا فَأَمَّا إذَا كَانَ كِرْبَاسًا لَا يَضُرُّهُ الْقَطْعُ فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَوَجَدَهُ إحْدَى عَشَرَةَ لَا تُسْلَمُ لَهُ الزِّيَادَةُ بَلْ تُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ هَذَا الْكِرْبَاسِ يَجُوزُ كَمَا لَوْ بَاعَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ وَالتَّمْيِيزَ لَا يَضُرُّ بِالْبَاقِي وَلَوْ بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ هَذَا الْقَمِيصِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الْعِمَامَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ يَضُرُّهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ جَذَعًا فِي السَّقْفِ أَوْ حِلْيَةً فِي السَّيْفِ لَا يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هُنَا إلَّا إذَا قَطَعَهُ وَسَلَّمَهُ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بِطَرِيقِ الِابْتِدَاءِ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْعَتَّابِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُسْلَمُ لَهُ الزِّيَادَةُ) أَيْ لَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مَا زَادَ عَلَى الْمَشْرُوطِ. اهـ. هِدَايَةٌ. [فَصْلٌ يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْمَفَاتِيحُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ] . (فَصْلٌ) لَمَّا ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ وَمَا لَا يَنْعَقِدُ مَعَ لَوَاحِقِهِمَا شَرَعَ يُبَيِّنُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَمَا لَا يَدْخُلُ وَاسْتَتْبَعَ مَا يَخْرُجُ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْأَتْقَانِيُّ وَالْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْعُرْفِ يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ فِي الْعُرْفِ يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ وَالْعَرْصَةَ جَمِيعًا فَيَدْخُلُ الْبِنَاءُ كَالْعَرْصَةِ وَالْمُطْلَقُ مِنْ الْأَلْفَاظِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَفَاهِمِ فِي الْعُرْفِ وَلَا يُفْهَمُ فِي الْعُرْفِ مِنْ بَيْعِ الدَّارِ بَيْعُ عَرْصَتِهَا لَا بِنَاؤُهَا بَلْ بَيْعُهُمَا جَمِيعًا قَالَ الْكَمَالُ وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى دُخُولِ الْبِنَاءِ بِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ الْعَرْصَةَ وَالْبِنَاءَ وَبِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ قَرَارٍ وَاسْتُشْكِلَ الْأَوَّلُ بِمَسْأَلَةِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَمَا انْهَدَمَتْ يَحْنَثُ فَلَوْ كَانَ مِنْ مُسَمَّى لَفْظِ الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذَا لَوْ أَبْطَلَ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ لَا يَضُرُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْ الْحُكْمِ لِثُبُوتِ الْعِلَّةِ الْأُخْرَى ثُمَّ أُجِيبَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ فِيهَا وَهُوَ لَغْوٌ فِي الْمُعَيَّنَةِ فَكَأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الدُّخُولِ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الَّتِي تُسَمَّى الْآنَ دَارًا فَلَا يَتَقَيَّدُ الدُّخُولُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِكَوْنِهَا دَارًا وَقْتَ الدُّخُولِ وَتَدْخُلُ الْبِئْرُ الْكَائِنَةُ فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا بَكَرَةٌ تَدْخُلُ وَلَا يَدْخُلُ الدَّلْوُ وَالْحَبْلُ الْمُعَلَّقَانِ عَلَيْهَا إلَّا إنْ كَانَ قَالَ بِمَرَافِقِهَا وَيَدْخُلُ الْبُسْتَانُ الَّذِي فِي الدَّارِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الدَّارِ لَا يَدْخُلُ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَابٌ فِي الدَّارِ قَالَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْ الدَّارِ وَمِفْتَحُهُ فِيهَا يَدْخُلُ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ أَوْ مِثْلَهَا لَا يَدْخُلُ وَقِيلَ إنْ صَغُرَ دَخَلَ وَإِلَّا لَا وَقِيلَ يَحْكُمُ الثَّمَنُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي شَجَرٍ غَيْرِ مُثْمِرٍ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يَفْصِلْ مُحَمَّدٌ بَيْنَ الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ وَغَيْرِ الْمُثْمِرَةِ وَلَا بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ فَكَانَ الْحَقُّ دُخُولَ الْكُلِّ ثُمَّ قَالَ نَعَمْ الشَّجَرَةُ الْيَابِسَةُ لَا تَدْخُلُ؛ لِأَنَّهَا عَلَى شَرَفِ الْقَطْعِ فَهِيَ كَحَطَبٍ مَوْضُوعٍ فِيهَا اهـ

لَهَا حَدٌّ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ الزَّرْعِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَفَاتِيحِ إذَا كَانَ غَلْقُهَا مُتَّصِلًا بِالدَّارِ مُرَكَّبَةً فِيهَا مِثْلُ الْكَيْلُونِ وَالضَّبَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ حِينَئِذٍ تَبَعًا لَهَا فَيَدْخُلُ الْمَفَاتِيحُ تَبَعًا لِلْإِغْرَاقِ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْغَلْقُ مُرَكَّبًا فِيهَا كَالْقُفْلِ لَا يَدْخُلُ الْغَلْقُ لِعَدَمِ الِاتِّصَالِ وَلَا الْمِفْتَاحُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْقِيَاسِ لَا يَدْخُلُ أَصْلًا إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا ذَلِكَ فِيمَا إذَا دَخَلَ الْغَلْقُ تَبَعًا لَهُ فَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ. ثُمَّ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْمَبِيعِ اتِّصَالَ قَرَارٍ دَخَلَ فِي الْمَبِيعِ تَبَعًا وَإِلَّا فَلَا، إذَا جَرَى الْعُرْفُ بِالدُّخُولِ فِيهِ كَالْمِفْتَاحِ وَالسُّلَّمِ الْمُتَّصِلِ بِالْبِنَاءِ يَدْخُلُ وَلَوْ كَانَ مِنْ خَشَبٍ وَغَيْرُ الْمُتَّصِلِ لَا يَدْخُلُ وَالسَّرِيرُ كَالسُّلَّمِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ السُّلَّمُ وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا وَالظُّلَّةُ لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَدْخُلُ إذَا كَانَ مِفْتَحُهَا مِنْ دَاخِلٍ وَثِيَابُ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لِلْعُرْفِ إلَّا أَنْ تَكُونَ ثِيَابًا مُرْتَفِعَةً تُلْبَسُ لِلْعَرْضِ فَلَا تَدْخُلُ إلَّا بِالشَّرْطِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ إذْ الْعُرْفُ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمِهْنَةِ، ثُمَّ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى الَّذِي عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ بِحُكْمِ الْعُرْفِ كِسْوَةٌ مِثْلُهَا لَا بِعَيْنِهَا، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ اُسْتُحِقَّ ثَوْبٌ مِنْهَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ، وَكَذَا إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَلَوْ وَجَدَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِدُونِ تِلْكَ الثِّيَابِ وَخِطَامُ الْبَعِيرِ وَالْحَبْلُ الْمَشْدُودُ فِي عُنُقِ الْحِمَارِ وَالْعِذَارُ وَالْبَرْذعَةُ وَالْإِكَافُ يَدْخُلُ لِلْعُرْفِ بِخِلَافِ سَرْجِ الدَّابَّةِ وَلِجَامِهَا وَالْحَبْلِ الْمَشْدُودِ عَلَى قَرْنِ الْبَقَرِ وَالْجَمَلِ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالشَّرْطِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ بِخِلَافِهِ وَفَصِيلُ النَّاقَةِ وَفَلُوُّ الرَّمَكَةِ وَجَحْشُ الْأَتَانِ وَالْعُجُولُ وَالْحَمْلُ إنْ ذُهِبَ بِهِ مَعَ الْأُمِّ إلَى مَوْضِعِ الْبَيْعِ دَخَلَ فِيهِ لِلْعُرْفِ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ الْمَفَاتِيحُ تَبَعًا لِلْإِغْلَاقِ) وَالْإِغْلَاقُ جَمْعُ غَلَقٍ بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ مَا يُغْلَقُ وَيُفْتَحُ بِالْمِفْتَاحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: كَالْمِفْتَاحِ وَالسُّلَّمِ الْمُتَّصِلِ) قَالَ الْكَمَالُ فِي الْمُحِيطِ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ فِي الدَّارِ مِنْ الْبِنَاءِ أَوْ مُتَّصِلًا بِالْبِنَاءِ تَبَعٌ لَهَا فَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا كَالسُّلَّمِ الْمُتَّصِلِ وَالسُّرَرِ وَالدَّرَجِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْحَجَرِ الْأَسْفَلِ مِنْ الرَّحَى وَيَدْخُلُ الْحَجَرُ الْأَعْلَى عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَالْمُرَادُ بِالْحَجَرِ الرَّحَى الْمَبْنِيَّةُ فِي الدَّارِ وَهَذَا مُتَعَارَفٌ أَمَّا فِي دِيَارِ مِصْرَ فَلَا تَدْخُلُ رَحَى الْيَدِ؛ لِأَنَّهَا بِحَجَرَيْهَا تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ وَلَا تُبْنَى فَهِيَ كَالْبَابِ الْمَوْضُوعِ وَالْبَابُ الْمَوْضُوعُ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ بِالِاتِّفَاقِ نَعَمْ لَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ هَذَا مِلْكِي وَضَعْتُهُ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَفِي الْمُنْتَقَى اشْتَرَى حَائِطًا يَدْخُلُ مَا تَحْتَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَكَذَا ذَكَرَ فِي التُّحْفَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ وَفِي الْمُحِيطِ جَعَلَهُ قَوْلَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَقَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَدْخُلُ، وَأَمَّا أَسَاسُهُ فَقِيلَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَلِأَنَّهُ جُزْءُ الْحَائِطِ حَقِيقَةً وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْحَمَّامِ الْقُدُورُ دُونَ قِصَاعِهِ، وَأَمَّا قَدْرُ الْقَصَّارِينَ وَالصَّبَّاغِينَ وَأَجَاجِينِ الْغَسَّالِينَ وَخَوَابِي الزَّيَّاتِينَ وَحَبَّابِهِمْ وَدِنَانِهِمْ وَجِذْعِ الْقَصَّارِ الَّذِي يَدُقُّ عَلَيْهِ الْمُثَبَّتِ، كُلُّ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ فَلَا يَدْخُلُ وَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا قُلْت يَنْبَغِي أَنْ تَدْخُلَ كَمَا إذَا قَالَ بِمَرَافِقِهَا، وَأَمَّا الطَّرِيقُ وَنَحْوُهُ فَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْحُقُوقِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى غَيْرَهُ) أَيْ مِنْ ثِيَابِ مِثْلِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ اُسْتُحِقَّ ثَوْبٌ مِنْهَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ) هَذَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمَّا إذَا اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. عِمَادِيَّةٌ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا) أَيْ بِالثِّيَابِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا) أَيْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِدُونِ تِلْكَ الثِّيَابِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ هَلَكَتْ الثِّيَابُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ تَعَيَّبَتْ ثُمَّ رَدَّ الْجَارِيَةَ بِعَيْبٍ رَدَّهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الثَّوْبَ بِالْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَعَلَى هَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي مِنْ رَجُلٍ لَهُ أَرْضٌ وَفِيهَا نَخْلٌ لِغَيْرِهِ فَبَاعَهُمَا رَبُّ الْأَرْضِ بِإِذْنِ الْآخَرِ بِأَلْفٍ وَقِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهِ فَلَوْ هَلَكَ النَّخْلُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ التَّرْكِ وَأَخْذِ الْأَرْضِ بِكُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ دَخَلَ تَبَعًا فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ الثَّمَنُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لِانْتِقَاضِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ النَّخْلِ وَالثَّمَنُ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ لَهُ دُونَ التَّبَعِ اشْتَرَى دَارًا فَوَجَدَ فِي بَعْضِ جُذُوعِهَا مَالًا إنْ قَالَ الْبَائِعُ هُوَ لِي فَهُوَ لَهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا وَصَلَتْ إلَى الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَإِنْ قَالَ لَيْسَ لِي كَانَ كَاللُّقَطَةِ وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ عُلُوٍّ وَسُفْلٍ لِآخَرَ بِعْت مِنْك عُلُوَّ هَذَا بِكَذَا جَازَ وَيَكُونُ سَطْحُ السُّفْلِ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَلِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْقَرَارِ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْإِكَافُ يَدْخُلُ لِلْعُرْفِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ إذَا بَاعَ فَرَسًا وَعَلَيْهِ سَرْجٌ قِيلَ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ وَيَحْكُمُ الثَّمَنُ وَلَوْ بَاعَ حِمَارًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ لَا يَدْخُلُ الْإِكَافُ بِلَا شَرْطٍ وَلَا يُسْتَحَقُّ عَلَى الْبَائِعِ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ مُوكَفًا أَوْ غَيْرَ مُوكَفٍ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَالْإِكَافُ فِيهِ كَالسَّرْجِ فِي الْفَرَسِ، وَقَالَ غَيْرُهُ يَدْخُلُ الْإِكَافُ وَالْبَرْذعَةُ تَحْتَ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُوكَفٍ وَقْتَ الْبَيْعِ وَإِذَا دَخَلَا بِلَا ذِكْرٍ كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ مَا قُلْنَا فِي ثَوْبِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفَلُوُّ) الْفَلُوُّ الْمُهْرُ وَالْجَمْعُ أَفْلَاءُ كَعَدُوٍّ وَأَعْدَاءٍ. اهـ. مُغْرِبٌ.

(وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ بِلَا تَسْمِيَةٍ وَلَا الثَّمَرُ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ إلَّا بِالشَّرْطِ) لِأَنَّهُمَا مُتَّصِلَانِ بِهِمَا لِلْفَصْلِ فَصَارَ كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِيهِمَا وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْحَمْلُ حَيْثُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا وَإِنْ كَانَ لِلْفَصْلِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْجَارِيَةِ فَيَكُونُ تَبَعًا لَهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى فَصْلِهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يُعْتَبَرُ مُنْفَصِلًا فِي تَأَوُّلِ الْحَالِ مَعَ وُجُودِ الْجُزْئِيَّةِ فِي الْحَالِ قَالَ (وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ: اقْطَعْهَا وَسَلِّمْ الْمَبِيعَ) لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ فَكَانَ عَلَيْهِ تَفْرِيغُهُ وَتَسْلِيمُهُ كَمَا إذَا كَانَ فِيهِ مَتَاعٌ مَوْضُوعٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُتْرَكُ حَتَّى يَظْهَرَ صَلَاحُ الثَّمَرِ وَيُسْتَحْصَدُ الزَّرْعُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّسْلِيمُ الْمُعْتَادُ وَفِي الْعَادَةِ لَا يُقْطَعُ كَذَلِكَ فَصَارَ كَمَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا وَفِي الْإِجَارَةِ التَّسْلِيمُ وَاجِبٌ أَيْضًا حَتَّى يُتْرَكَ بِأَجْرٍ وَتَسْلِيمُ الْعِوَضِ كَتَسْلِيمِ الْمُعَوَّضِ، وَإِنَّمَا لَا يُقْلَعُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لِلِانْتِفَاعِ وَذَلِكَ بِالتَّرْكِ دُونَ الْقَلْعِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ إمْكَانُ الِانْتِفَاعِ. أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا لَا يَكُونُ لَهُ الطَّرِيقُ إلَّا بِالشَّرْطِ وَفِي الْإِجَارَةِ يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ لِلثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ قِيمَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا قِيمَةٌ فِي الصَّحِيحِ وَتَكُونُ فِي الْحَالَيْنِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُمَا مُنْفَرِدًا يَجُوزُ فِي الْحَالَيْنِ وَفِي الْأَصَحِّ فَكَذَا لَا يَدْخُلَانِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ تَبَعًا، وَأَمَّا إذَا بَذَرَ فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يَنْبُتْ حَتَّى بَاعَ الْأَرْضَ فَلَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا فَصَارَ كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِيهَا وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْهَا وَلَوْ قَالَ بِعْتُكهَا بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ لَهَا أَوْ فِيهَا أَوْ مِنْهَا أَوْ مِنْ حُقُوقِهَا أَوْ مِنْ مَرَافِقِهَا لَا يَدْخُلَانِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ حُقُوقِهَا أَوْ مِنْ مَرَافِقِهَا دَخَلَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الَّذِي لَهُ فِيهَا أَوْ مِنْهَا لِلِاتِّصَالِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الثَّمَرِ الْمَجْذُوذِ أَوْ الزَّرْعِ الْمَحْصُودِ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ لِلِانْفِصَالِ فِي الْحَالِ وَوَرَقُ التُّوتِ وَالْآسِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْدِ بِمَنْزِلَةِ الثِّمَارِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ، وَأَشْجَارُهَا بِمَنْزِلَةِ النَّخْلِ وَعَكْسُ الثِّمَارِ فِي الْحُكْمِ الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ فَكُلُّ مَوْضِعٍ يَدْخُلُ فِيهِ الثِّمَارُ وَالزَّرْعُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الطَّرِيقُ وَالشِّرْبُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَدْخُلَانِ فِيهِ يَدْخُلُ فِيهِ الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ؛ لِأَنَّ الشِّرْبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ) قَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْقُنْيَةِ الزَّرْعُ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ وَالْإِقْرَارِ وَالْفَيْءِ بِغَيْرِ ذِكْرٍ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَفِي الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ اهـ نَقْلًا عَنْ رُكْنِ الدِّينِ الصَّبَّاغِيِّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَالْقُطْنُ كَالزَّرْعِ لَا يَدْخُلُ، وَأَمَّا أَصْلُ الْقُطْنِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَمَّا الْكُرَّاثُ إذَا كَانَ ظَاهِرًا فَلَا يَدْخُلُ وَمَا كَانَ مُغَيَّبًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَدْخُلُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا الثَّمَرُ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ إلَّا بِالشَّرْطِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ كَانَ عَلَى الشَّجَرِ ثِمَارٌ فَشَرَطَهُ الْمُشْتَرِي لَهُ فَأَكَلَهُ الْبَائِعُ سَقَطَتْ حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فِي الصَّحِيحِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى شَاةً بِعَشَرَةٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي خَمْسَةً فَأَكَلَهُ الْبَائِعُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَلْزَمُهُ الشَّاةُ وَلَا خِيَارَ لَهُ وَالْفَرْقُ غَيْرُ خَافٍ اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُمَا مُتَّصِلَانِ بِهِمَا لِلْفَصْلِ) أَيْ لِفَصْلِ الْآدَمِيِّ إيَّاهُ لِانْتِفَاعِهِ بِهِ فَانْدَفَعَ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعِ الْجَارِيَةِ الْحَامِلِ وَنَحْوِ الْبَقَرِ الْحَامِلِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ حَمْلُهَا فِي الْبَيْعِ مَعَ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ لِلْفَصْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَبَادَرٌ فَتَرَكَ التَّقْيِيدَ بِهِ وَأَيْضًا الْأُمُّ وَمَا فِي بَطْنِهَا مُجَانِسٌ مُتَّصِلٌ فَيَدْخُلُ بِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ لَيْسَ مُجَانِسًا لِلْأَرْضِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْجُزْئِيَّةِ لِيَدْخُلَ بِذِكْرِ الْأَصْلِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ جُزْءُ الْجَارِيَةِ) أَيْ حُكْمًا وَحَقِيقَةً أَمَّا حُكْمًا فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بِعِتْقِ الْأُمِّ، وَأَمَّا حَقِيقَةً فَإِنَّهُ يَتَغَذَّى بِغِذَاءِ الْأُمِّ وَيَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ لِلثَّمَرِ إلَخْ) يَتَّصِلُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَلَا تَسْمِيَةَ وَلَا الثَّمَرَ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ إلَّا بِالشَّرْطِ. اهـ. اُنْظُرْ إلَى الْحَاشِيَةِ الَّتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَعَكْسُ الثِّمَارِ فِي الْحُكْمِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إلَخْ مَا نَصُّهُ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّمَا يَجُوزُ بَعْدَ الطُّلُوعِ إذَا كَانَ الثَّمَرُ بِحَالٍ يُنْتَفَعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِذَا كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّ هَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي بَابِ الْعُشْرِ لَوْ بَاعَ الثِّمَارَ فِي أَوَّلِ مَا تَطْلُعُ وَتَرَكَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ حَتَّى أَدْرَكَ فَالْعُشْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ جَائِزًا حِينَ طَلَعَ لَمَا وَجَبَ عُشْرُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَى هُنَا لَفْظُ رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَا يَدْخُلُ) أَيْ إنَّمَا لَا يَدْخُلُ قَبْلَ النَّبَاتِ وَبَعْدَ التَّقَوُّمِ أَمَّا إذَا نَبَتَ وَلَمْ يَصِرْ مُتَقَوِّمًا يَدْخُلُ قِيلَ، وَكَذَا الْبَذْرُ الْعَفَنُ. اهـ. مُجْتَبَى. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا) أَيْ وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: الْمَجْذُوذِ) تَجُوزُ رِوَايَتُهُ بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ أَوْ مُعْجَمَتَيْنِ وَكِلَاهُمَا بِمَعْنًى وَهُوَ الْمَقْطُوعُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْلَى مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ لِتَنَاسُبٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْصُودِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَكْسُ الثِّمَارِ فِي الْحُكْمِ الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ اشْتَرَى أَرْضًا أَوْ دَارًا لَا يَدْخُلُ الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْحُقُوقِ فَلَا يَدْخُلَانِ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصُّلْحِ وَغَيْرِهِ وَيَدْخُلَانِ فِي الْإِجَارَةِ وَالْقِسْمَةِ وَالرَّهْنِ وَالصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ وَيَقُولَ ظَنَنْت أَنَّ لِي مِفْتَحًا إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَفِيهِمَا رَجُلٌ بَاعَ دَارًا وَكَانَ لَهَا طَرِيقٌ قَدْ سَدَّهُ صَاحِبُهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَجَعَلَ لَهَا طَرِيقًا غَيْرَ ذَلِكَ ثُمَّ بَاعَهَا بِحُقُوقِهَا لَا يَكُونُ لَهُ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ وَلَهُ الطَّرِيقُ الثَّانِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَالطَّرِيقَ لَيْسَا مِنْهَا وَلَا فِيهَا لَكِنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِهَا وَالثَّمَرُ وَالزَّرْعُ مَوْجُودَانِ فِيهَا وَهُمَا مِنْهَا وَلَيْسَا مِنْ حُقُوقِهَا فَتَعَاكَسَا. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً بَدَا صَلَاحُهَا أَوْ لَا صَحَّ) لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَالِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُنْتَفَعًا بِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ تَتَنَاوَلَهُ الْمَشَافِرُ وَالْمَنَاجِلُ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ فِي الْمَالِ فَصَارَ كَالْأَطْفَالِ وَالْجَحْشِ قَالَ (وَيَقْطَعُهَا الْمُشْتَرِي) تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْبَائِعِ هَذَا إذَا اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ قَالَ (وَإِنْ شَرَطَ تَرْكَهَا عَلَى النَّخْلِ فَسَدَ) أَيْ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ شُغْلُ مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ فِي بَيْعٍ إنْ كَانَ لِلْمَنْفَعَةِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ إعَارَةٌ فِي بَيْعٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ»، وَكَذَا بَيْعُ الزَّرْعِ بِشَرْطِ التَّرْكِ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا إذَا تَنَاهَى عِظَمُهَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَفْسُدُ اسْتَحْسَنَهُ لِلْعَادَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ الْجُزْءُ الْمَعْدُومُ وَهُوَ مَا يُزَادُ لِمَعْنًى فِي الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا وَتَرَكَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ وَإِنْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ فِي ذَاتِهِ لِحُصُولِهِ بِجِهَةٍ مَحْظُورَةٍ. وَإِنْ تَرَكَهَا بَعْدَمَا تَنَاهَى عِظَمُهَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ هَذَا تَغَيُّرُ أَحْوَالٍ فَإِنَّ الشَّمْسَ تُنْضِجُهُ وَيَأْخُذُ اللَّوْنَ مِنْ الْقَمَرِ وَالطَّعْمَ مِنْ الْكَوَاكِبِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ النَّخْلَ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ فَتَرَكَهَا طَابَ لَهُ الْفَضْلُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَالْحَاجَةِ فَبَقِيَ الْإِذْنُ مُعْتَبَرًا بِمُجَرَّدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ وَاسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ إلَى أَنْ يُدْرِكَ وَتَرَكَهُ حَيْثُ لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الثَّمَنِ وَعَلَى مَا غَرِمَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ لِلْجَهَالَةِ فَأَوْرَثَتْ خَبَثًا وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا فَأَثْمَرَتْ ثَمَرًا آخَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ الْبَيْعُ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَلَوْ أَثْمَرَ بَعْدَ الْقَبْضِ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ لِلِاخْتِلَاطِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، وَكَذَا فِي الْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ، وَالْمُخَلَّصُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأُصُولَ لِتَحْصُلَ الزِّيَادَةُ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ يَبِيعَ الْأُصُولَ بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ مِنْ الْبَائِعِ إنْ شَاءَ وَقِيلَ: الْمُخَلَّصُ فِيهِ أَنْ يَشْتَرِيَ الثِّمَارَ الْمَوْجُودَةَ وَالْمَعْدُومَةَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ إذَا كَانَ الْمَوْجُودُ أَكْثَرَ فَحَاصِلُهُ أَنَّ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ: أَحَدُهَا - إذَا خَرَجَ الثَّمَرُ كُلُّهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَحُكْمُهُ مَا مَضَى. ثَانِيهَا - أَنْ لَا يَخْرُجَ شَيْءٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ اتِّفَاقًا ثَالِثُهَا أَنْ يَخْرُجَ بَعْضُهَا دُونَ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: يَجُوزُ إذَا كَانَ الْخَارِجُ أَكْثَرَ وَيُجْعَلُ الْمَعْدُومُ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ اسْتِحْسَانًا لِتَعَامُلِ النَّاسِ وَلِلضَّرُورَةِ وَكَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبُخَارِيُّ يُفْتِيَانِ بِهِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى مِثْلِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَ الْأُصُولَ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَوْ يَشْتَرِيَ الْمَوْجُودَ بِبَعْضِ الثَّمَنِ وَيُؤَخِّرَ الْعَقْدَ فِي الْبَاقِي إلَى وَقْتِ وُجُودِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ الْمَوْجُودَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِمَا يَحْدُثُ مِنْهُ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا بِهَذَا الطَّرِيقِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَجْوِيزِ الْعَقْدِ فِي الْمَعْدُومِ مُصَادِمًا لِلنَّصِّ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ». قَالَ (وَلَوْ اسْتَثْنَى مِنْهَا أَرْطَالًا مَعْلُومَةً صَحَّ كَبَيْعِ بُرٍّ فِي سُنْبُلِهِ وَبَاقِلَّى فِي قِشْرِهِ) أَيْ لَوْ اسْتَثْنَى مِنْ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ الْمَجْذُوذَةَ أَوْ غَيْرَ الْمَجْذُوذَةِ جَازَ الْبَيْعُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبُرِّ فِي سُنْبُلِهِ وَالْبَاقِلَّا فِي قِشْرِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً بَدَا صَلَاحُهَا) أَيْ وَبُدُوُّ صَلَاحِهَا عِنْدَنَا أَنْ تَأْمَنَ الْعَاهَةَ وَالْفَسَادَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ ظُهُورُ النُّضْجِ وَبُدُوُّ الْحَلَاوَةِ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَعْنَاهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فِي الْحَالِ) لَفْظَةُ فِي الْحَالِ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا) هَذَا إذَا لَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهَا بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ تَرَكَهَا بَعْدَمَا تَنَاهَى عِظَمُهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِحُصُولِهِ بِجِهَةٍ مَحْظُورَةٍ) أَيْ مِنْ أَصْلٍ مَمْلُوكٍ لِغَيْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَرَكَهَا بَعْدَمَا تَنَاهَى عِظَمُهَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ التَّرْكُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الِازْدِيَادُ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ لَا كَيْلًا وَلَا وَزْنًا، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ حَالُ الْمَبِيعِ مِنْ حَيْثُ النُّضْجِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الشَّمْسَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ بِأَنَّ الشَّمْسَ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ لِلْجَهَالَةِ إلَخْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِذْنِ الثَّابِتِ فِي ضِمْنِ الْإِجَارَةِ الْبَاطِلَةِ وَبَيْنَهُ فِي ضِمْنِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْإِجَارَةِ الْبَاطِلَةِ صَارَ أَصْلًا مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا وُجُودَ لَهُ وَالْمَعْدُومُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمَّنًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ فَائِتُ الْوَصْفِ دُونَ الْأَصْلِ فَلَمْ يَكُنْ مَعْدُومًا وَبِأَصْلِهِ فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمَّنًا فَإِذَا فَسَدَ الْمُتَضَمَّنُ فَسَدَ الْمُتَضَمِّنُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ:، وَكَذَا فِي الْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمَّا مَا يُوجَدُ مِنْ الزَّرْعِ بَعْضُهُ بَعْدَ وُجُودِ بَعْضٍ كَالْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْكُرَّاثِ وَنَحْوِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يَظْهَرْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُخَلِّصُ) أَيْ مِنْ فَسَادِ الْبَيْعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَنْ يَشْتَرِيَ الْأُصُولَ) أَيْ وَيَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ وَيُقَدِّمَ الشِّرَاءَ عَلَى الْإِجَارَةِ فَإِنْ قَدَّمَ الْإِجَارَةَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَكُونُ مَشْغُولَةً بِمِلْكِ الْآجِرِ اهـ فُصُولٌ (قَوْلُهُ: جَازَ الْبَيْعُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ أَقْيَسُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ صُبْرَةِ طَعَامِ كُلِّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ أَفْسَدَ الْبَيْعَ بِجَهَالَةِ قَدْرِ الْمَبِيعِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ لَازِمٌ فِي اسْتِثْنَاءِ أَرْطَالٍ مَعْلُومَةٍ مِمَّا عَلَى الْأَشْجَارِ وَإِنْ لَمْ يُفْضِ إلَى الْمُنَازَعَةِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ جَهَالَةٍ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ مُبْطِلَةٌ فَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنَّ مَا لَمْ يُفْضِ إلَيْهَا يَصِحُّ مَعَهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَدَمِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الصِّحَّةِ مِنْ كَوْنِ الْمَبِيعِ عَلَى حُدُودِ الشَّرْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَدْ يَتَرَاضَيَانِ عَلَى شَرْطٍ

وَالْمُسْتَثْنَى مَعْلُومٌ بِالْعِبَارَةِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَجْهُولٌ وَرُبَّمَا لَا يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ فَيَخْلُو عَنْ الْفَائِدَةِ أَوْ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبُولِ فَيَصِحُّ رُجُوعُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى نَخْلًا مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ قُلْنَا هَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَعْلُومٌ بِالْإِشَارَةِ وَجَهَالَةُ قَدْرِهِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَهُ مُجَازَفَةً جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْقَدْرِ وَهَذَا هُوَ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزَافٌ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ الثُّنْيَا وَلِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ جَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ وَمَا لَا فَلَا وَبَيْعُ أَرْطَالٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الثِّمَارِ جَائِزٌ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهَا، وَنَظِيرُهُ بَيْعُ شَاةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْقَطِيعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهَا وَلَوْ كَانَتْ مَجْهُولَةً بِأَنْ بَاعَ شَاةً مِنْهَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا لَا يَجُوزُ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهَا وَعَلَى هَذَا أَطْرَافُ الْحَيَوَانِ وَأَوْصَافُ الْمَبِيعِ وَقَوْلُهُ وَرُبَّمَا لَا يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا الِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ صِحَّةُ الْكَلَامِ فَإِذَا صَحَّ تَمَّ الْكَلَامُ وَصَارَ مُفِيدًا وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا وَلَوْ خَرَجَ الْكُلُّ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ الْبَقَاءُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ أَوْ قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا حَتَّى لَوْ أَخْرَجَ الْكُلَّ بِهَذَا الطَّرِيقِ صَحَّ وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ رُجُوعًا إذَا كَانَ بِلَفْظِهِ بِأَنْ قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي أَوْ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي حَيْثُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْكَلَامُ وَيَلْغُوا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ عَلَى الْجَمِيعِ فَكَذَا هُنَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا إلَّا إذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الثِّمَارَ إلَّا هَذِهِ الثِّمَارَ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ بُرًّا فِي سُنْبُلِهِ إلَخْ فَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي قِشْرِهِ كَالشَّعِيرِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَسْتُورٌ غَائِبٌ عَنْ الْبَصَرِ وَلَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَبِزْرِ الْبِطِّيخِ وَحَبِّ الْقُطْنِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالزَّيْتِ فِي الزَّيْتُونِ قَبْلَ الِاسْتِخْرَاجِ، قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْغَالِبَ فِي السُّنْبُلَةِ الْحِنْطَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ هَذِهِ حِنْطَةٌ وَهِيَ فِي سُنْبُلِهَا وَلَا يُقَالُ هَذَا حَبٌّ وَلَا هَذَا لَبَنٌ وَلَا زَيْتٌ وَلَا قُطْنٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْفُسْتُقُ وَالْبُنْدُقُ وَالْجَوْزُ وَالْحِمَّصُ الْأَخْضَرُ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ الْمُغَلَّفَةِ، وَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنُ الْعَاهَةَ» الْمُرَادُ بِهَا السَّلَمُ يَعْنِي لَا يَجُوزُ الْإِسْلَامُ فِيهِ حَتَّى يُوجَدَ بَيْنَ النَّاسِ. أَلَا تَرَى إلَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» فَيَكُونُ حُجَّةً لَنَا فِي اشْتِرَاطِ وُجُودِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحَلِّ وَلَوْ أُجْرِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ كَانَ حُجَّةً لَنَا أَيْضًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ بَيْعِهِ بَعْدَمَا ابْيَضَّ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْفَرْكِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَقَالَ حَتَّى يُفْرَكَ. قَالَ (وَأُجْرَةُ الْكَيْلِ عَلَى الْبَائِعِ) مُرَادُهُ فِيمَا إذَا بِيعَ مُكَايَلَةً، وَكَذَا أُجْرَةُ وَزْنِ الْمَبِيعِ وَذَرْعِهِ وَعَدِّهِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ وَالذَّرْعَ وَالْعَدَّ فِيمَا بِيعَ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً أَوْ مُذَارَعَةً أَوْ مُعَادَّةً مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ فَكَذَا تَمَامُهُ قَالَ (وَأُجْرَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَعَلَى الْبَيْعِ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ كَقُدُومِ الْحَاجِّ وَنَحْوِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مُصَحِّحًا، وَأَمَّا مَا قِيلَ فِي تَوْجِيهِ الْمَنْعِ بَعْدَ الْمَبِيعِ لَا يَبْلُغُ إلَّا تِلْكَ الْأَرْطَالَ فَبَعِيدٌ إذْ الْمُشَاهَدَةُ تُفِيدُ كَوْنَ تِلْكَ الْأَرْطَالِ تَسْتَغْرِقُ الْكُلَّ أَوَّلًا فَلَا يَرْضَى الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ بِذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءِ اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ أَيْ، وَكَذَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَرَوَى الْحَسَنُ إلَخْ مَا نَصُّهُ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ وَالنُّقَايَةِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهَا) أَيْ بِخِلَافِ اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ وَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ: وَأَطْرَافُ الْحَيَوَانِ أَيْ كَمَا إذَا بَاعَ هَذِهِ الشَّاةَ إلَّا أَلْيَتَهَا أَوْ هَذَا الْعَبْدَ إلَّا يَدَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَفُلَانَةُ) لَفْظُ فُلَانَةَ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِلَفْظِهِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي قِشْرِهِ كَالشَّعِيرِ) أَيْ وَأُجْرَةُ الدَّوْسِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَى الْبَائِعِ هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. خُلَاصَةٌ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَاقِلَّى فِي الْقِشْرِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ فِي الْقِشْرِ الْأَعْلَى، وَقَالَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَبَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ الْأَرُزُّ وَالسِّمْسِمُ فِي كُمِّهِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ فِي سُنْبُلِهِ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا زَيْتَ وَلَا قُطْنَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَوْرَدَ الْمُطَالَبَةَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا بَاعَ حَبَّ قُطْنٍ فِي قُطْنٍ بِعَيْنِهِ أَوْ نَوَى تَمْرٍ فِي تَمْرٍ بِعَيْنِهِ أَيْ بَاعَ مَا فِي هَذَا الْقُطْنِ مِنْ الْحَبِّ أَوْ مَا فِي هَذَا التَّمْرِ مِنْ النَّوَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ أَنَّهُ أَيْضًا فِي غِلَافِهِ أَشَارَ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْفَرْقِ بِأَنَّ النَّوَى هُنَاكَ مُعْتَبَرٌ عَدَمًا هَالِكًا فِي الْعُرْفِ فَإِنَّهُ يُقَالُ هَذَا تَمْرٌ وَقُطْنٌ وَلَا يُقَالُ هَذَا نَوًى فِي تَمْرٍ وَلَا حَبٌّ فِي قُطْنِهِ وَيُقَالُ هَذِهِ حِنْطَةٌ فِي سُنْبُلِهَا وَهَذَا لَوْزٌ وَفُسْتُقٌ وَلَا يُقَالُ هَذِهِ قُشُورٌ فِيهَا لَوْزٌ وَلَا يَذْهَبُ إلَيْهِ وَهْمٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَسَائِرُ الْحُبُوبِ الْمُغَلَّفَةِ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَجْهَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الِاسْتِخْرَاجِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَأُجْرَةُ الْكَيْلِ عَلَى الْبَائِعِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا وَفِي بَابِ الْعَيْنِ لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً مُكَايَلَةً فَالْكَيْلُ عَلَى الْبَائِعِ وَصَبُّهَا فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَيْضًا هُوَ الْمُخْتَارُ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَفِي الْمُنْتَقَى إخْرَاجُ الطَّعَامِ مِنْ السُّفُنِ عَلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا وَلَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فِي سُنْبُلِهَا فَعَلَى الْبَائِعِ تَحْصِيلُهَا بِالدَّوْسِ وَالتَّذْرِيَةِ وَدَفْعُهَا إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ هُوَ الْمُخْتَارُ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَفِي بَابِ السِّينِ رَجُلٌ اشْتَرَى عِنَبًا جُزَافًا فَقَطَعَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ بَاعَهُ كَالثُّومِ وَالْجَزَرِ وَالْبَصَلِ إذَا خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا قَطْعُ الثَّمَرِ عَلَى الْمُشْتَرِي. اهـ. .

[باب خيار الشرط]

نَقْدِ الثَّمَنِ وَوَزْنِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَزْنَ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَتَسْلِيمُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَكَذَا مَا يَكُونُ مِنْ تَمَامِهِ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْجَيِّدِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ تَعَلَّقَ بِهِ فَيَكُونُ أُجْرَةُ مَنْ يُمَيِّزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ إذْ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ أُجْرَةِ نَقْدِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ يَكُونُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَالْوَزْنِ لِيُعْرَفَ الْمَعِيبُ مِنْ غَيْرِهِ فَكَانَ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فَتَكُونُ أُجْرَتُهُ عَلَيْهِ وَبِالْأَوَّلِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ أُجْرَةَ النَّقْدِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَهُ عَلَى الْمَدِينِ؛ لِأَنَّ عَلَى الْمَدِينِ إيفَاءَ حَقِّهِ فَتَكُونُ أُجْرَةُ التَّمْيِيزِ عَلَيْهِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ دَخَلَ فِي ضَمَانِ رَبِّ الدَّيْنِ وَيَدَّعِي أَنَّهُ خِلَافُ حَقِّهِ فَيَكُونُ تَمْيِيزُ حَقِّهِ عَلَيْهِ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ سَلَّمَهُ أَوَّلًا) أَيْ سَلَّمَ الثَّمَنَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَحَقُّ الْمُشْتَرِي قَدْ تَعَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ فَيُسَلِّمُ هُوَ الثَّمَنَ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ فِيهِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْمَبِيعِ إذْ الثَّمَنُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَصُورَةُ هَذَا أَنْ يُقَالَ لِلْبَائِعِ أَحْضِرْ الْمَبِيعَ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ قَائِمٌ فَإِذَا أُحْضِرَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي سَلِّمْ الثَّمَنَ أَوَّلًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ حَتَّى يَحْضُرَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ عَلَى مِثَالِ الرَّاهِنِ مَعَ الْمُرْتَهِنِ قَالَ (وَإِلَّا مَعًا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ سِلْعَةٌ بِثَمَنٍ سُلِّمَا مَعًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعْيِينِ أَوْ فِي عَدَمِ التَّعْيِينِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا بِثَمَنٍ أَوْ سِلْعَةٍ بِسِلْعَةٍ فَالْأَوَّلُ كِلَاهُمَا غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ وَالثَّانِي مُتَعَيِّنٌ بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلُّ) أَيْ جَازَ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهُمَا جُمْلَةً أَوْ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ يُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ «إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» قَالَ (وَلَوْ أَكْثَرَ لَا) أَيْ لَوْ شَرَطَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَا: يَجُوزُ إذَا سَمَّى مُدَّةً مَعْلُومَةً؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَجَازَ الْخِيَارَ إلَى شَهْرَيْنِ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ لِلتَّرَوِّي لِدَفْعِ الْغَبْنِ وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْأَكْثَرِ فَشَابَهُ التَّأْجِيلَ فِي الثَّمَنِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ، وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ النَّصِّ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فَتَنْتِفِي الزِّيَادَةُ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّحْصِيلِ وَذَلِكَ بِتَطَاوُلِ الْمُدَّةِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ لَيْسَ بِنَصٍّ فِيهِ فَرُوِيَ أَنَّهُ أَجَازَ الْخِيَارَ إلَى شَهْرٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا إذْ لَيْسَ لِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّأْجِيلِ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْحَبْسِ، وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُ الثَّمَنِ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا فَلَهُ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ إلَى اسْتِيفَاءِ الْحَالِّ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا فَلَهُ حَقُّ حَبْسِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لَا يَتَجَزَّأُ قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَلَوْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ رَهْنًا أَوْ تَكَفَّلَ بِهِ كَفِيلٌ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَثِيقَةٌ بِالثَّمَنِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ عَنْ حَبْسِ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَلَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ رَجُلًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَقِيلَ سَقَطَ حَقُّ الْحَبْسِ، وَكَذَا إذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى رَجُلٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ إذَا أَحَالَ رَجُلًا عَلَى الْمُشْتَرِي سَقَطَ حَقُّ الْحَبْسِ وَإِذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْحَبْسِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ حَبْسِ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْعَقْدِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ فَإِنْ جَاءَ الْمُشْتَرِي بِبَعْضِ الثَّمَنِ هَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِهِ أَمْ لَا يُجْبَرُ قَدْ ذَكَرَ الْحُكْمَ فِيهِ فِي حَاشِيَةٍ كَتَبْتهَا مِنْ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الزِّيَادَاتِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ وَعَتَقَ بِالتَّخْلِيَةِ فَرَاجِعْهَا. اهـ. . [بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ] (بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ) (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: صَحَّ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ) أَيْ وَعَلَى قَوْلِ سُفْيَانَ وَابْنِ شُبْرُمَةَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي جَازَ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي التُّحْفَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَيْضًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ أَيْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. اهـ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَدَّرَ مُدَّتُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِحِبَّانَ) وَحَبَّانُ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِنُقْطَةٍ تَحْتَانِيَّةٍ شَهِدَ أُحُدًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَانَ يُغْبَنُ) أَيْ يُخْدَعُ يُقَالُ غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ غَبْنًا وَهُوَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَغَبِنَ رَأْيُهُ غَبْنًا ضَعُفَ وَهُوَ مِنْ بَابِ عَلِمَ وَيُقَالُ إنَّهُ مَغْبُونٌ فِي الْبَيْعِ وَغَبِينٌ فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا خِلَابَةَ) الْخِلَابَةُ الْخَدِيعَةُ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا بِالْإِجْمَاعِ بِهَذَا الْحَدِيثِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَقَالَا يَجُوزُ إذَا سَمَّى مُدَّةً مَعْلُومَةً) أَيْ وَلَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ أَبَدًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ أَيْ أَبَا يُوسُفَ يُوَافِقُ الْإِمَامَ اهـ كَيْ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ لِلتَّرَوِّي) يَعْنِي إلَى النَّظَرِ وَالتَّفَكُّرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَشَابَهَ التَّأْجِيلَ فِي الثَّمَنِ) وَالْجَامِعُ أَنَّهَا مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ لِمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّحْصِيلِ) أَيْ بِالْكَسْبِ أَوْ تَدْخُلُ غَلَّاتُهُ وَهِيَ لَا تَتَحَقَّقُ غَالِبًا وَظَاهِرًا فِي أَدْنَى مُدَّةٍ، وَلِهَذَا جَازَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ بِخِلَافِ شَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ لِإِبْلَاءِ الْعُذْرِ وَالنَّظَرِ فِي أَنَّ الْبَيْعَ رَابِحٌ أَوْ خَاسِرٌ وَمُدَّةُ الثَّلَاثِ تَامَّةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَلَا حَاجَةَ إلَى الزِّيَادَةِ. اهـ. غَايَةٌ

أَوْ الْعَيْبِ فَإِذَا انْتَفَتْ الزِّيَادَةُ فَسَدَ الْعَقْدُ بِهَا قَالَ (فَإِذَا أَجَازَ فِي الثَّلَاثِ صَحَّ خِلَافًا لِزُفَرَ) هُوَ يَقُولُ: إنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَا يَعُودُ صَحِيحًا كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَلَهُ أَنَّ الْمُفْسِدَ قَدْ زَالَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَيَنْقَلِبُ صَحِيحًا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِالرَّقْمِ وَأَعْلَمَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَهَذَا عِنْدَ مَشَايِخِ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّ عِنْدَهُمْ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَيَرْتَفِعُ الْفَسَادُ بِحَذْفِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ اتِّصَالُ الْيَوْمِ الرَّابِعِ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ، فَإِذَا حَذَفَهُ قَبْلَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَقَدْ مَنَعَ اتِّصَالَ الْمُفْسِدِ بِالْعَقْدِ فَصَارَ كَأَنَّ الْخِيَارَ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَأَمَّا عِنْدَ مَشَايِخِ خُرَاسَانَ فَعِنْدَهُمْ الْعَقْدُ مَوْقُوفٌ عَلَى إسْقَاطِ الشَّرْطِ فَبِمُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَسَدَ الْعَقْدُ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِخِلَافِ فَسَادِ النِّكَاحِ لِعَدَمِ الْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ لِعَدَمِ شَرْطِ الْجَوَازِ فَلَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْجَهُ. قَالَ (وَلَوْ بَاعَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ صَحَّ وَإِلَى أَرْبَعَةٍ لَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ هَذَا الشَّرْطُ أَصْلًا وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ إقَالَةٌ فَاسِدَةٌ لِتَعَلُّقِهَا بِشَرْطِ عَدَمِ النَّقْدِ وَلَوْ شَرَطَ فِيهِ الصَّحِيحَةَ مِنْهَا فَسَدَ فَهَذَا أَوْلَى، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ بَلْ هُوَ عَيْنُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ غَيْرَ أَنَّ تَرْكَ النَّقْدِ جَعَلَ أَمَارَةَ الْفَسْخِ وَالنَّقْدِ أَمَارَةَ الْإِمْضَاءِ وَهَذَا الشَّرْطُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِدَفْعِ الْمُمَاطَلَةِ كَمَا أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِدَفْعِ الْغَبْنِ غَيْرَ أَنَّهُ هُنَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ مَعَ عَدَمِ النَّقْدِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَفِي تِلْكَ يَتِمُّ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْحُكْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِذَا أَجَازَ فِي الثَّلَاثِ) أَيْ بَعْدَمَا كَانَ شَرَطَ أَكْثَرَ مِنْهَا. اهـ. عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَإِذَا أَجَازَ فِي الثَّلَاثِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ إذَا بَطَلَ خِيَارُهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ بَعْدَهَا فَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَلَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ جَائِزًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُمَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ مُؤَبَّدًا ثُمَّ أَسْقَطَ الْخِيَارَ بَعْدَ الثَّلَاثِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا وَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ إبْطَالُ الْخِيَارِ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ أَوْ سَقَطَ الْخِيَارُ بِمَوْتِهِ أَوْ بِمَوْتِ الْعَبْدِ أَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ حَدَثَ فِي الْمَبِيعِ مَا يُوجِبُ لُزُومَ الْعَقْدِ كَانَ الْعَقْدُ جَائِزًا عِنْدَنَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِزُفَرَ) أَيْ وَالشَّافِعِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنَّ الْمُفْسِدَ إلَخْ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: قَدْ زَالَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ) أَيْ لُزُومُهُ وَثُبُوتُهُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اهـ كَيْ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْبَيْعِ بِالرَّقْمِ) أَيْ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ اهـ وَالرَّقْمُ الْكِتَابَةُ وَرَقَمَ التَّاجِرُ الثَّوْبَ مِنْ هَذَا وَهُوَ إعْلَامُ ثَمَنِهِ بِنَوْعِ عَلَامَةٍ عَلَيْهِ بِأَنَّ ثَمَنَهُ كَذَا دِرْهَمًا. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِالرَّقْمِ مَا نَصُّهُ وَكَمَا لَوْ بَاعَ جَذَعًا فِي سَقْفٍ ثُمَّ نَزَعَهُ فَسَلَّمَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ مَشَايِخِ أَهْلِ الْعِرَاقِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ نَصَّ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ أَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ جَازَ وَعَلَى ذَلِكَ أَهْلِ الْعِرَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا) أَيْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ عُلَمَاءِ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا مَا نَصُّهُ وَبِالْإِسْقَاطِ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا اهـ كَيْ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْجَهُ) أَيْ الْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَشَايِخُ خُرَاسَانَ وَهُوَ قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ إلَخْ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ بَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا تَرَى وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ يَجُوزُ الْبَيْعُ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ وَاضْطَرَبَ الْأَوْسَطُ فِيهِ فَاعْقِلْ . اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) صَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ هَذَا الشَّرْطُ أَصْلًا) مِنْ قَوْلِهِ هَذَا الشَّرْطُ أَصْلًا إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ اشْتَرَيَا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ مَفْقُودٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ عِنْدَ عَدَمِ النَّقْدِ فِي الثَّلَاثَةِ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ أَيْضًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْمُخْتَلَفِ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَلَوْ مَضَى الثَّلَاثَةُ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الثَّمَنُ فَسَدَ الْبَيْعُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ نَفَذَ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَا، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ كَمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إنْ رَدَّ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ بِهَذَا الشَّرْطِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ قَالَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَفَائِدَتُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى بِقَوْلِهِ إنْ أَعْتَقَ الْبَائِعُ صَحَّ وَإِنْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي لَا وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَنْقُدَهُ الثَّمَنَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْبَيْعُ جَائِزٌ كَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ: آخِرًا كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَدْ مَرَّ، ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَكَذَا مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ إلَّا إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ فِي الثَّلَاثِ فَكَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا لِانْقِطَاعِ الْمُفْسِدِ وَمُحَمَّدٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً فَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ وَلَكِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ شَرْطِ الْخِيَارِ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ حَيْثُ جَوَّزَ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَلَمْ يُجَوِّزْ هُنَا؛ لِأَنَّهُ اتَّبَعَ أَثَرَ ابْنِ عُمَرَ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ إذْ هُوَ أَجَازَ فِيهِ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَرُوِيَ عَنْ

إذْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخٌ عَلَى تَقْدِيرٍ وَإِجَازَةٌ عَلَى تَقْدِيرٍ وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا يَقَعُ بِهِ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ لَا فِي نَفْسِ الْفَسْخِ عِنْدَ إرَادَةِ الْفَسْخِ وَلَا فِي نَفْسِ الْإِجَازَةِ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِجَازَةِ فَلَا يُعَدُّ اخْتِلَافًا ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَرَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ فِي الْمُلْحَقِ بِهِ وَهُوَ شَرْطُ الْخِيَارِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَخَذَ بِالنَّصِّ فِي هَذَا وَبِالْأَثَرِ فِي ذَلِكَ قَالَ (فَإِنْ نَقَدَ فِي الثَّلَاثِ صَحَّ) يَعْنِي فِيمَا إذَا شَرَطَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا صَحَّ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا أَنْ لَا يُبَيِّنَا الْوَقْتَ أَوْ بَيَّنَّا وَقْتًا مَجْهُولًا بِأَنْ يَقُولَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْهُ أَيَّامًا أَوْ بَيَّنَّا وَقْتًا مَعْلُومًا وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا فَاسِدٌ إلَّا أَنْ يَنْقُدَ فِي الثَّلَاثِ لِمَا قُلْنَا أَوْ بَيَّنَّا وَقْتًا مَعْلُومًا وَهُوَ الثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ دُونَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ. (وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ) لِأَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَلَا يَتِمُّ الرِّضَا مَعَ الْخِيَارِ، وَلِهَذَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْبَائِعِ وَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ دُونَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ قَالَ (وَبِقَبْضِ الْمُشْتَرِي يَهْلَكُ بِالْقِيمَةِ) يَعْنِي إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا وَلَا نَفَاذَ بِدُونِ الْمَحَلِّ وَكَانَ مَقْبُوضًا فِي يَدِهِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَفِيهِ الْقِيمَةُ وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْمُطْلَقِ وَلَوْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَلْزَمَ الْبَيْعَ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ وَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَلَوْ تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ؛ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الْمُشْتَرِي يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَإِذَا كَانَ الْعَيْبُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ فِيهِ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ بِفِعْلِهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ. قَالَ (وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا يُمْنَعُ وَلَا يَمْلِكُهُ) أَيْ لَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ نَظَرًا لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَيَعْمَلُ فِي حَقِّهِ دُونَ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَكَانَ زَائِلًا لَا إلَى مَالِكٍ وَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرْعِ وَلَهُ أَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَعْمَلُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ لَدَخَلَ بِلَا عِوَضٍ وَاجْتَمَعَ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ وَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرْعِ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ نَظَرًا لَهُ لِيَنْظُرَ فِيهِ هَلْ هُوَ مُوَافِقٌ أَمْ لَا؟ فَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ يَفُوتُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى قَرِيبَهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَيَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ وَجَازَ أَنْ يُوجَدَ خُرُوجُ مِلْكِهِ بِلَا دُخُولٍ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ كَعَبِيدِ الْكَعْبَةِ يَخْرُجُونَ عَنْ مِلْكِ مُلَّاكِهِمْ وَلَا يَدْخُلُونَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ عِنْدَ الشِّرَاءِ لِلْكَعْبَةِ، وَكَذَا التَّرِكَةُ الْمُسْتَغْرَقَةُ بِالدَّيْنِ تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَلَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ وَلَا يُقَالُ عَلَى هَذَا تَكُونُ سَائِبَةً وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْحَالُ مَوْقُوفٌ إنْ أُجِيزَ الْبَيْعُ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الزَّوَائِدُ وَإِنْ فَسَخَ بَانَ أَنَّهُ غَيْرُ زَائِلٍ عَنْ مِلْكِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ السَّائِبَةِ مَعَ وُجُودِ سَبَبِ الِانْتِقَالِ وَمَعَ تَوَقُّعِ حُكْمِهِ. قَالَ (وَبِقَبْضِهِ يَهْلَكُ بِالثَّمَنِ كَتَعَيُّبِهِ) أَيْ بِسَبَبِ قَبْضِهِ يَضْمَنُ ثَمَنَهُ إذَا هَلَكَ كَمَا يَضْمَنُ إذَا تَعَيَّبَ وَالْمُرَادُ بِالْعَيْبِ عَيْبٌ لَا يَرْتَفِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَجَازَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَجَاوَزْ أَبُو يُوسُفَ حَدَّ السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ وَأَخَذَ بِهِمَا وَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أُخِذَ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الْبَيْعُ أَصْلًا كَمَا قَالَ زُفَرُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ شَرْطٍ فِيهِ إقَالَةٌ فَاسِدَةٌ وَهِيَ إقَالَةٌ مُعَلَّقَةٌ بِالشَّرْطِ وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ الْإِقَالَةِ الصَّحِيحَةِ بَاطِلٌ فَشَرْطُ الْإِقَالَةِ الْفَاسِدَةِ أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مَا نَصُّهُ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ هَهُنَا مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهَا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَلَا يَنْفَسِخُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ فِي يَدِهِ نَفَذَ عِتْقُهُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَا يَنْفُذُ اهـ خَبَّازِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أُخِذَ بِالنَّصِّ) أَيْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَهُوَ «قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَلْأَنْصَارِيِّ إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» اهـ اق وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِالنَّصِّ نُسْخَةً بِالْقِيَاسِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى فِي الْمُحِيطِ يَخْرُجُ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إجْمَاعًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي) أَيْ وَكَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ الْقِيمَةُ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ اهـ كَيْ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ) إنَّمَا ذَكَرَ الصَّحِيحَ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْفَاسِدِ كَذَلِكَ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَيِّتِ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هِيَ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ لِحَاجَتِهِ كَذَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الزَّوَائِدُ) أَيْ إذْ الْحُكْمُ عِنْدَ تَمَامِ السَّبَبِ يَثْبُتُ مِنْ أَوَّلِ السَّبَبِ اهـ وَكُتِبَ عَلَى قَوْلِهِ الزَّوَائِدُ مَا نَصُّهُ الْحَاصِلَةُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَأَمَّا الْكَسْبُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَيُنْظَرُ فِي آخِرِ غَصْبٍ فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ. اهـ. (فَرْعٌ) الْوَلَدُ وَالْعَقْرُ وَالثَّمَرَةُ وَاللَّبَنُ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْإِجْمَاعِ وَغَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ لَا يُمْنَعُ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ فَالْغَلَّةُ وَالْكَسْبُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ فُسِخَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْبَائِعِ اهـ عِمَادِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَبِقَبْضِهِ) أَيْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ. اهـ. .

كَقَطْعِ الْيَدِ فَإِنْ كَانَ يَرْتَفِعُ كَالْمَرَضِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ فَإِنْ ارْتَفَعَ فِي الْمُدَّةِ لَا يَلْزَمُهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ بِدُخُولِ الْعَيْبِ فِيهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَمْتَنِعُ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ لِعَجْزِهِ عَنْ الرَّدِّ كَمَا قَبَضَهُ وَالْهَلَاكُ لَا يُعَرَّى عَنْ مُقَدِّمَةِ عَيْبٍ فَيَهْلَكُ بَعْد مَا انْبَرَمَ الْعَقْدُ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ بِدُخُولِ الْعَيْبِ فِيهِ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ إذْ لَا يَعْجِزُ عَنْ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ وَإِنْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَلَوْ لَزِمَ الْبَيْعُ فِيهِ إنَّمَا يَلْزَمُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ضَرُورَةً. قَالَ (فَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِالْخِيَارِ بَقِيَ النِّكَاحُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ (فَإِنْ وَطِئَهَا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا)؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِحُكْمِ النِّكَاحِ لَا بِحُكْمِ مِلْكِ الْيَمِينِ إذْ لَا يَمْلِكُهَا بِهَذَا الشِّرَاءِ إلَّا إذَا نَقَصَهَا الْوَطْءُ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّبُ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ بَعْدَمَا تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ انْفَسَخَ بِمِلْكِهِ إيَّاهَا فَيَكُونُ الْوَطْءُ بِحُكْمِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ كَمَا إذَا اشْتَرَى غَيْرَ زَوْجَتِهِ فَوَطِئَهَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَظْهَرُ فِيهَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ وَلَهَا نَظَائِرُ مِنْهَا عِتْقُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ قَرِيبًا لَهُ وَمِنْهَا عِتْقُهُ إذَا كَانَ قَدْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْته؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُنْشِئِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فِي حَقِّ تَصْحِيحِ الْجَزَاءِ لَا غَيْرَ حَتَّى لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا نَوَاهُ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْقَرِيبِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَاةَ لَوْ حَاضَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُجْتَزَأُ بِهِ عَنْ الِاسْتِبْرَاءِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَعِنْدَهُمَا يُجْتَزَأُ بِهِ لِوُجُودِهِ وَلَوْ رَجَعَتْ إلَى الْبَائِعِ بِالْفَسْخِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ اسْتِحْسَانًا كَمَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا ثُمَّ تَفَاسَخَا بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ بَعْدَ الْقَبْضِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَقَبْلَ الْقَبْضِ يَجِبُ قِيَاسًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجِبُ إجْمَاعًا وَمِنْهَا مَا إذَا اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ أَوْ حُبْلَى مِنْهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَإِنْ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَوَلَدَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَزِمَ الْبَيْعُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّبُ بِالْوِلَادَةِ وَلَا يَمْلِكُ رَدَّهَا بَعْدَ التَّعَيُّبِ فِي يَدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا اشْتَرَى حُبْلَى مِنْ غَيْرِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَقَبَضَهَا فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ لِمَا ذَكَرْنَا وَمِنْهَا مَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ يَرْتَفِعُ بِالرَّدِّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَهَلَاكُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ إنْ كَانَ فِي الْمُدَّةِ فَهُوَ هَلَاكٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ الْمِلْكِ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّهَا فَهُوَ هَلَاكٌ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ مِنْ مَالِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي لِصِحَّةِ الْإِيدَاعِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ أَوْ الْعَيْبِ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّهُمَا لَا يَمْنَعَانِ وُقُوعَ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْإِيدَاعُ صَحِيحًا بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى بِالْخِيَارِ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَأَبْرَأَهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَقِيَ خِيَارُهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ كَانَ الرَّدُّ امْتِنَاعًا عَنْ التَّمَلُّكِ وَالْمَأْذُونُ لَهُ يَمْلِكُ الرَّدَّ، وَإِنْ كَانَ التَّمْلِيكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَمَا إذَا وُهِبَ لَهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْقَبُولِ وَعِنْدَهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ كَانَ الرَّدُّ مِنْهُ تَمْلِيكًا بِلَا عِوَضٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ خِيَارُ رُؤْيَةٍ أَوْ عَيْبٍ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ فَأَبْرَأَهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَدَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُمَا لَا يَمْنَعَانِ الْوُقُوعَ فِي الْمِلْكِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ عَنْ الثَّمَنِ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ خُرُوجَ الثَّمَنِ عَنْ مِلْكِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إبْرَاءٌ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ فَيَصِحُّ وَمِنْهَا مَا لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَطَلَ الْخِيَارُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا بِالرَّدِّ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَعِنْدَهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بَقِيَ عَلَى خِيَارِهِ بِالْإِجْمَاعِ. وَلَوْ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي عَادَتْ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ بَاتٌّ فَإِنْ أَجَازَهُ صَارَ لَهُ، وَإِنْ فَسَخَ صَارَ الْخَمْرُ لِلْبَائِعِ وَالْمُسْلِمُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْخَمْرَ حُكْمًا كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إذَا كَانَ قَرِيبًا) أَيْ قَرَابَةً مَحْرَمَةً عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يُعْتَقُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُفْسَخْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا عِتْقُهُ) أَيْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِسَبَبِ الْخِيَارِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَعِنْدَهُمَا وُجِدَ فَعَتَقَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْته) أَيْ حَيْثُ يُعْتَقُ اتِّفَاقًا اهـ. (قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي يَدِ الْبَائِعِ) أَيْ فَعِنْدَهُمَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ خِلَافًا لِلْإِمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي عَادَتْ) لَا يَظْهَرُ لِقَوْلِهِ وَإِنْ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ وَإِنْ فُسِخَ إلَخْ يُغْنِي عَنْهُ اهـ.

فِي الْإِرْثِ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَأَسْلَمَ هُوَ بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْلِكَ الْخَمْرَ وَلَوْ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَالْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي بَاتٌّ فَإِنْ أَجَازَ الْعَقْدَ صَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَمْلِكَ الْخَمْرَ حُكْمًا، وَإِنْ فَسَخَهُ كَانَ لِلْبَائِعِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَالْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا، وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا؛ لِأَنَّ لِلْقَبْضِ شَبَهًا بِالْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ فَلَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِالْقَبْضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَلَى مَا مَرَّ وَمِنْهَا مُسْلِمٌ اشْتَرَى مِنْ مُسْلِمٍ عَصِيرًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَتَخَمَّرَ الْعَصِيرُ فِي الْمُدَّةِ فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَمَّ وَمِنْهَا حَلَالٌ اشْتَرَى صَيْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَقَبَضَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ وَالصَّيْدُ فِي يَدِهِ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ وَيَرُدُّهُ إلَى الْبَائِعِ عِنْدَهُ، وَقَالَا: يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ يُنْتَقَضُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَأَحْرَمَ الْبَائِعُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا هُوَ سَاكِنُهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ فَاسْتَدَامَ السُّكْنَى بَعْدَ الشِّرَاءِ لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا اخْتِيَارٌ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْعَيْنِ فَكَانَ سُكْنَاهُ بِحُكْمِ مِلْكِ الْعَيْنِ، وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابْتِدَاءُ السُّكْنَى اخْتِيَارٌ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَا تُمْتَحَنُ بِالسُّكْنَى بِخِلَافِ الِاسْتِمْرَارِ قَالَ. (فَإِنْ أَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فِي غَيْبَةِ صَاحِبِهِ صَحَّ، وَإِنْ فَسَخَ لَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ أَيْضًا مَعَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ كَانَ بِمُسَاعَدَتِهِ فَصَارَ مُسَلِّطًا لَهُ عَلَى الْفَسْخِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ كَالْفَسْخِ بِالْفِعْلِ مِثْلُ إعْتَاقِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ بَيْعُهُ أَوْ وَطْؤُهُ أَوْ تَقْبِيلُهُ بِشَهْوَةٍ وَكَالْإِجَارَةِ فَإِنَّ عِلْمَ الْآخَرِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا فَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ بِالْفَسْخِ يَلْزَمُ صَاحِبَهُ الضَّرَرُ إذْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْعَمَلِ بِمُوجِبِ الْفَسْخِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ كَالِامْتِنَاعِ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْوَطْءِ وَالِاسْتِخْدَامِ بَلْ يُقَدَّمُ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْبَيْعِ فَتَلْزَمُهُ الْغَرَامَةُ، وَكَذَا لَا يُطْلَبُ لِسِلْعَتِهِ مُشْتَرِيًا لِمَا قُلْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَحَجْرِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ وَفِرَاقِ الشَّرِيكِ وَنَهْيِ الْمُضَارِبِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهَا عَلَى صَاحِبِهِ إذْ هُوَ مُوَافِقٌ لَهُ فِيهَا وَبِخِلَافِ الْفَسْخِ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمِيٌّ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ فِي الْحُكْمِيِّ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ وَحَجْرِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حُكْمًا كَارْتِدَادِهِ وَلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَكَجُنُونِهِ مُطْبِقًا. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ وَكَيْفَ يُسَلِّطُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ، وَإِنَّمَا يُفْسَخُ لِكَوْنِ الْعَقْدِ غَيْرَ لَازِمٍ فِي حَقِّهِ لَا بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ فَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَا الْمُضَارِبُ وَلَوْ فُسِخَ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَبَلَغَهُ فِي الْمُدَّةِ صَحَّ وَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ تَمَّ الْعَقْدُ وَلَزِمَ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ وَكِيلًا حَتَّى إذَا بَدَا لَهُ الْفَسْخُ رَدَّهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ لَوْ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ وَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ وَنَصَبَ مَنْ يُخَاصِمُ عَنْهُ صَحَّ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَفِي خِيَارِ الْعَيْبِ لَا يَصِحُّ فَسْخُهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَضَاءِ. قَالَ (وَتَمَّ الْعَقْدُ بِمَوْتِهِ وَبِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَالْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ وَالْأَخْذِ بِشُفْعَةٍ) يَعْنِي يَتِمُّ الْعَقْدُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَوْتُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَلِأَنَّ الْخِيَارَ بِمَوْتِهِ يَبْطُلُ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَازِمٌ ثَابِتٌ لَهُ فِي الْبَيْعِ فَيَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ وَلَنَا أَنَّ الْخِيَارَ صِفَةٌ لِلْمَيِّتِ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ كَسَائِرِ أَوْصَافِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ صِفَةٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ إلَّا مَشِيئَةٌ وَإِرَادَةٌ فَصَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَصَارَ مُسَلِّطًا لَهُ عَلَى الْفَسْخِ) أَيْ وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّسْلِيطِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رِضَا صَاحِبِهِ فِي الْفَسْخِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: مِثْلُ إعْتَاقِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ) يَعْنِي إذَا صَدَرَ الْإِعْتَاقُ وَالْبَيْعُ وَالْوَطْءُ أَوْ التَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ مِمَّنْ لَهُ الْخِيَارُ يَعْنِي الْبَائِعَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فَسْخًا أَمَّا لَوْ صَدَرَتْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ إجَازَةً اهـ ك. (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّهُ بِالْفَسْخِ يَلْزَمُ صَاحِبَهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَفُسِخَ بِلَا عِلْمِ الْمُشْتَرِي فَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ اعْتِمَادًا عَلَى الْبَيْعِ السَّابِقِ وَعَلَى أَنَّ الْعَقْدَ تَمَّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَتَلْزَمُهُ الْغَرَامَةُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِذَا فَسَخَ الْبَائِعُ بِلَا عِلْمِ الْمُشْتَرِي يَتَصَرَّفُ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ اعْتِمَادًا عَلَى الْبَيْعِ السَّابِقِ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ إذَا هَلَكَ وَرُبَّمَا تَكُونُ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ وَفِيهِ الضَّرَرُ وَالْغَرَرُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يُطْلَبُ إلَخْ) أَيْ، وَكَذَا يَلْزَمُ الضَّرَرُ عَلَى الْبَائِعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَفُسِخَ بِلَا عِلْمِ الْبَائِعِ اهـ. (قَوْلُهُ: تَمَّ الْعَقْدُ وَلَزِمَ) أَيْ لِأَنَّ تَمَامَ الْمُدَّةِ دَلَالَةُ لُزُومِ الْبَيْعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ فَسْخُهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ بِالْإِجْمَاعِ) وَفِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِ لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِحُّ الْفَسْخُ بِغَيْبَةِ الْآخَرِ اهـ ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَوْتُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُورَثُ عَنْهُ) وَالْمُرَادُ بِنَفْيِ التَّوْرِيثِ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِ الْوَارِثِ كَمَا كَانَ يَنْفَسِخُ بِفَسْخِ الْمُوَرِّثِ حَالَ حَيَاتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ) أَيْ كَمَا إذَا اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَيُرَدُّ الْآخَرُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ إلَّا مَشِيئَةً وَإِرَادَةً) بِنَصْبِهِمَا بَدَلٌ مِنْ خَبَرِ لَيْسَ أَيْ لَيْسَ الْخِيَارُ شَيْئًا إلَّا مَشِيئَةً وَإِرَادَةً. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِرَادَةُ مَا نَصُّهُ أَيْ إرَادَتُهُ الْفَسْخَ

كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمُوَرِّثَ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ سَلِيمًا فَكَذَا الْوَارِثُ؛ لِأَنَّهُ وَرَّثَ خِيَارَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِالْعَيْبِ فَاتَ الْجُزْءُ السَّلِيمُ فَلِلْمُوَرِّثِ أَنْ يُطَالِبَ بِذَلِكَ الْجُزْءِ فَيَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِيهِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِيمَا تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُوَرِّثِ وَخِيَارُ التَّعْيِينِ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لِاخْتِلَاطِ مِلْكِهِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يُورَثُ فَإِذَا بَطَلَ الْخِيَارُ لَزِمَ الْبَيْعُ وَتَمَّ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ فَلِأَنَّهُ بِمُضِيِّهَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ إلَّا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ كَالْمُخَيَّرَةِ فِي وَقْتٍ مُقَدَّرٍ لَمْ يَبْقَ لَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ مُضِيِّهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْخِيَارِ تَمَامُ الْعَقْدِ وَلُزُومُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَتَوَابِعُهُ فَلِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ دَلِيلُ الِاسْتِبْقَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمِلْكَ وَالْمُرَادُ بِتَوَابِعِ الْعِتْقِ التَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ وَكَذَلِكَ كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ كَالْوَطْءِ وَالتَّقْبِيلِ وَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ يَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَنْفُذُ إلَّا فِي الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَوُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْمُدَّةِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ دَلِيلُ الِاسْتِبْقَاءِ وَلَوْ كَانَ الْفِعْلُ يَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ كَالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِلِامْتِحَانِ وَالتَّجْرِبَةِ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الِاسْتِبْقَاءِ، وَأَمَّا الرَّابِعُ: وَهُوَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ تُبَاعُ دَارٌ أُخْرَى بِجَنْبِهَا فَيَأْخُذُهَا الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ بِالشُّفْعَةِ فَلِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمِلْكِ فَكَانَ دَلِيلَ الْإِجَازَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ شُرِعَتْ نَظَرًا لِلْمُلَّاكِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ يَلْزَمُهُمْ عَلَى الدَّوَامِ فَكَانَ الْأَخْذُ بِهَا دَلِيلَ الِاسْتِبْقَاءِ فَيَتَضَمَّنُ سُقُوطُ الْخِيَارِ سَابِقًا عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ فِيهَا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْجَوَازَ كَانَ سَابِقًا وَلِأَنَّهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا فَكَانَ أَوْلَى بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهَا كَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَهَذَا التَّقْدِيرُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ يَمْلِكُ الدَّارَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِسُقُوطِ الْخِيَارِ لَا غَيْرَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ يَسْقُطُ بِهِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ فِيمَا إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالصَّرِيحِ فَكَذَا بِالدَّلَالَةِ. قَالَ (وَلَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ صَحَّ وَأَيُّهُمَا أَجَازَ أَوْ نَقَضَ صَحَّ) أَيْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي أَوْ مَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ نَقَضَهُ جَازَ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مِنْ مُوَاجَبِ الْعَقْدِ وَمِنْ أَحْكَامِهِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ كَاشْتِرَاطِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ مُفْسِدٌ وَفِيهِ ذَلِكَ فَيَفْسُدُ وَلَنَا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ اشْتِرَاطٌ لِلْعَاقِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَيُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْعَاقِدِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَجَعَلَ الْأَجْنَبِيَّ نَائِبًا عَنْ نَفْسِهِ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَزُفَرُ لَا يَقُولُ بِالِاقْتِضَاءِ وَلَا بِالِاسْتِحْسَانِ فَإِذَا كَانَ نَائِبًا عَنْهُ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ فَأَيُّهُمَا أَجَازَ أَوْ نَقَضَ صَحَّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَلَكَ التَّصَرُّفَ أَصَالَةً أَوْ نِيَابَةً قَالَ (فَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا وَنَقَضَ الْآخَرُ فَالْأَسْبَقُ أَحَقُّ) لِوُجُودِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَتَصَرُّفُ الْآخَرِ بَعْدَهُ يَلْغُو؛ لِأَنَّ السَّابِقَ إنْ كَانَ فَسْخًا فَالْمَفْسُوخُ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، وَإِنْ كَانَ إجَازَةً فَقَدْ انْبَرَمَ الْعَقْدُ وَبَعْدَ انْبِرَامِهِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِفَسْخِهِ قَالَ (وَإِنْ كَانَا مَعًا فَالْفَسْخُ) أَيْ لَوْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا وَأَجَازَ الْآخَرُ وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مِنْهُمَا مَعًا كَانَ الْفَسْخُ أَوْلَى مِنْ الْإِجَازَةِ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الْمَأْذُونِ مِنْ الْمَبْسُوطِ. وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْهُ تَصَرُّفُ الْمَالِكِ أَوْلَى فَسْخًا كَانَ أَوْ إجَازَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَقْوَى إذْ النَّائِبُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْهُ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِلْأَصْلِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى التَّصَرُّفِ كَانَ عَزْلًا لَهُ مِنْهُ بِالْفِعْلِ حُكْمًا وَهُوَ يَمْلِكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ الْإِجَازَةَ وَإِرَادَتُهُ قَدْ انْقَطَعَتْ بِمَوْتِهِ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِرْثَ إنَّمَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ لَا فِيمَا لَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ وَالْخِيَارُ لَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الْإِرْثَ فِيمَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ؛ لِأَنَّ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِ الْمُوَرِّثِ مِنْ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا تُورَثُ، وَكَذَا مَنْكُوحَتُهُ لَا تُورَثُ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَبْطُلُ خِيَارُهُ) أَيْ خِيَارُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرَاهُ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ دَلِيلُ الِاسْتِبْقَاءِ) وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى بِالنِّسْبَةِ إلَى جَانِبِ الْمُشْتَرِي أَمَّا فِي جَانِبِ الْبَائِعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِامْتِحَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اسْتِخْدَامُهُ دَلِيلَ الِاسْتِبْقَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ) أَيْ فَإِنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ الشُّفْعَةَ وَأَنْ يَمْلِكَا رَقَبَةَ الدَّارِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْمُشْتَرِي هُنَا لَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَا نَصُّهُ أَيْ الْمُسْتَغْرِقُ بِالدَّيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّقْدِيرُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ لِأَنَّهُ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَشْفَعُ بِهَا وَقَدْ قَالَ يَشْفَعُ بِهَا فَاحْتَاجَ إلَى جَعْلِهِ فِعْلًا يُفِيدُ الرِّضَا بِالْبَيْعِ فَيَنْبَرِمُ الْبَيْعُ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ عَقْدِ الْخِيَارِ فَيَكُونُ سَابِقًا عَلَى شِرَاءِ مَا فِيهِ الشُّفْعَةُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا) قَالَ الْكَمَالُ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا حَاجَةَ؛ لِأَنَّهُمَا قَائِلَانِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ مَلَكَهَا فَيُتَّجَهُ لَهُ الشُّفْعَةُ بِهَا وَالْوَجْهُ أَنَّهُمَا أَيْضًا يَحْتَاجَانِ إلَى زِيَادَةِ ضَمِيمَةٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا عِنْدَهُمَا فَلَهُ رَفْعُهُ فَهُوَ مُزَلْزَلٌ وَالشُّفْعَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمُسْتَمِرِّ فَحِينَ شَفَعَ دَلَّ عَلَى قَصْدِهِ اسْتِبْقَاءُ الْمِلْكِ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ فَلَا يُفْسَخُ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يَسْقُطُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ) أَيْ حَتَّى إذَا رَآهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بَعْدَمَا شَفَعَ بِهَا وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ صَرِيحًا لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ فَقَبِلَهَا هُوَ عَدَمٌ فَحَقِيقَةُ قَوْلِنَا ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ إذَا رَآهَا ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَكَذَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْعَيْبِ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ. اهـ. كَمَالٌ.

ذَلِكَ صَرِيحًا بِالْقَوْلِ فَكَذَا دَلَالَةً بِالْفِعْلِ وَهَذَا لِأَنَّ تَصَرُّفَ النَّائِبِ إنَّمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْمُتَصَرِّفِ بِنَفْسِهِ فَيَلْغُو، بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ حَيْثُ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُ أَحَدِهِمَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَلَا يُقَدَّمُ تَصَرُّفُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فَكَانَ الْمَوْجُودُ مِنْ الْوَكِيلِ مَنْسُوبًا إلَيْهِ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ فَكَانَ الصَّادِرُ عَنْ الْوَكِيلِ صَادِرًا عَنْ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعَارَضَةَ مِنْ جِهَةِ الْمُتَصَرِّفِ مُتَحَقِّقَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالِكٌ لِلتَّصَرُّفِ وَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِمَا لِلِاسْتِحَالَةِ فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ بِحَالِ التَّصَرُّفِ وَالْفَسْخُ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَى الْمَجَازِ دُونَ الْعَكْسِ فَكَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ كَنِكَاحِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ إذَا وُجِدَا مَعًا يَنْفُذُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِوُرُودِهِ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ دُونَ الْعَكْسِ وَلَا يُقَالُ الْمَجَازُ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا وَفُسِخَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ ثُمَّ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ عَادَ الْحَالُ عَلَى مَا كَانَ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَالْقِيمَةُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ. كَمَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْفَسْخِ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا لَا يَلْزَمُنَا؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي إجَازَةٍ تَرِدُ عَلَى الْمَفْسُوخِ وَلَا إجَازَةَ هُنَا فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا وَقِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَأْذُونِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَدِّمُ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ بَلْ يَسْتَوِيَانِ عِنْدَهُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبُيُوعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ يُقَدِّمُ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ عَلَى تَصَرُّفِ النَّائِبِ عِنْدَهُ وَاسْتَخْرَجَ ذَلِكَ مِمَّا إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ مِنْ شَخْصٍ وَبَاعَ الْمُوَكِّلُ مِنْ غَيْرِهِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَالِكِ تَقْدِيمًا لِتَصَرُّفِ الْمَالِكِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْتَوِيَانِ فَيَكُونُ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ التَّصَرُّفِ فِي عَدَمِ تَقْدِيمِ الْمُتَصَرِّفِ بِالْمِلْكِ عِنْدَهُ وَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِمَا. قَالَ (وَلَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا إنْ فَصَّلَ وَعَيَّنَ صَحَّ وَإِلَّا لَا) أَيْ صَحَّ إنْ فَصَّلَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَيَّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ كَالْخَارِجِ عَنْ الْعَقْدِ إذْ الْعَقْدُ مَعَ الْخِيَارِ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَكَانَ الدَّاخِلُ فِي الْعَقْدِ غَيْرَهُ فَمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الدَّاخِلُ مَعْلُومًا وَثَمَنُهُ مَعْلُومًا لَا يَجُوزُ إذْ جَهَالَةُ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مُفْسِدَةٌ لِلْعَقْدِ وَلَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ إلَّا بِالتَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا - أَنْ يُفَصِّلَ الثَّمَنَ وَيُبَيِّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ. وَالثَّانِي - أَنْ لَا يُبَيِّنَ وَاحِدًا مِنْهُمَا. وَالثَّالِثُ - أَنْ يُبَيِّنَ الثَّمَنَ دُونَ الْآخَرِ. وَالرَّابِعُ - بِالْعَكْسِ وَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فِي الْكُلِّ إمَّا لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ أَوْ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَوْ لِجَهَالَتِهِمَا إلَّا فِي الْأُولَى لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ عَنْهُمَا فَإِنْ قِيلَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَجْعَلَ الْمُسْتَثْنَى دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ أَوْ لَا فَإِنْ جَعَلْته دَاخِلًا فِيهِ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَلَمْ يُفَصِّلْ إذْ لَيْسَ بَيَانُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ وَلَا بَيَانُ ثَمَنِهِ شَرْطًا لِجَوَازِ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ جَعَلْته غَيْرَ دَاخِلٍ فِيهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَإِنْ بَيَّنَ وَفَصَّلَ؛ لِأَنَّك جَعَلْت قَبُولَ الْعَقْدِ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْمَبِيعِ وَهُوَ فَاسِدٌ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ بَيَّنَهُمَا قُلْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ) أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ أَرَادَ بِهِ الثَّلَاثَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَالُ الْمَفْسُوخُ) الَّذِي فِي النُّسَخِ وَلَا يُقَالُ الْمَجَازُ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ) أَيْ إنْ شَاءَ أَخَذَ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَنَقَضَ الْبَيْعَ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَعَيَّنَ صَحَّ إلَخْ) بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُك كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي هَذَا لِانْتِفَاءِ الْمُفْسِدِ لِجَهَالَةِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَالْخَارِجِ عَنْ الْعَقْدِ) أَيْ إلَى وَقْتِ سُقُوطِ الْخِيَارِ فَيَنْعَقِدُ حِينَئِذٍ اهـ. (قَوْلُهُ: إذْ الْعَقْدُ مَعَ الْخِيَارِ لَا يَنْعَقِدُ) إلَخْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّمَا فَسَدَ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ جَمِيعًا وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ فِي حَقِّ الْحُكْمِ إلَى وَقْتِ سُقُوطِ الْخِيَارِ فَيَنْعَقِدُ حِينَئِذٍ لِمَا أَنَّ الْخِيَارَ دَاخِلٌ فِي الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ فَيُمْنَعُ الْحُكْمُ بَعْدَ السَّبَبِ. اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فِيهِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَكَانَ كَأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْآخَرِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لِجَهَالَةِ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ ثُمَّ ثَمَنُ الْمَبِيعِ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَنْقَسِمُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْمَبِيعِ بِالْأَجْزَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ أَنْ يُبَيِّنَ الثَّمَنَ دُونَ الْآخَرِ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِعْتُك كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ دُونَ الْآخَرِ مَا نَصُّهُ أَيْ لَمْ يُبَيِّنْ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالرَّابِعُ بِالْعَكْسِ) أَيْ وَهُوَ أَنْ يُعَيِّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَلَا يُفَصِّلُ الثَّمَنَ اهـ. (قَوْلُهُ: إمَّا لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ) أَيْ لِمَا أَنَّ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْحُكْمِ فَيَبْقَى الْآخَرُ مُفْرَدًا وَثَمَنُهُ مَجْهُولٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَقَالَ الْكَمَالُ: لِأَنَّ الْمَبِيعَ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا يَتَعَيَّنُ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ إلَّا أَنَّ ثَمَنَهُ مَجْهُولٌ لِمَا قُلْنَا إنَّ الثَّمَنَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ) وَهَذَا لِمَا قُلْنَا إنَّ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ فَيَبْقَى الْآخَرُ مُفْرَدًا وَهُوَ مَجْهُولٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ مَا نَصُّهُ بِسَبَبِ جَهَالَةِ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ عَنْهُمَا) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَيْنِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّك جَعَلْتَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ) أَيْ وَغَيْرُ الْمَبِيعِ هُوَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ اهـ. (قَوْلُهُ: قُلْنَا إلَخْ) قَدْ أَجَابَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ أَنْ أَشَارَ إلَى السُّؤَالِ بِقَوْلِهِ وَقَبُولُ الْعَبْدِ فِي الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ إنْ كَانَ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ لَكِنْ هَذَا غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ لِكَوْنِهِ أَيْ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ وَبَاعَهُمَا بِأَلْفٍ حَيْثُ يَنْفُذُ الْبَيْعُ فِي الْقِنِّ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ كَانَ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي الْمُدَبَّرِ شَرْطًا فِيهِ وَذَلِكَ لِدُخُولِ الْمُدَبَّرِ فِي الْبَيْعِ لِمَحَلِّيَّتِهِ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ جَازَ وَكَانَ الْقَبُولُ شَرْطًا صَحِيحًا فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِخِلَافِ مَاشِيهِ

هُوَ دَاخِلٌ صِيغَةً غَيْرُ دَاخِلٍ حُكْمًا فَإِذَا كَانَ دَاخِلًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا اعْتَبَرْنَاهُ دَاخِلًا فَيَجُوزُ وَإِلَّا فَغَيْرُ دَاخِلٍ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مَعَ الْقِنِّ حَيْثُ يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُمَا دَاخِلَانِ صِيغَةً وَحُكْمًا إذْ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِمَا مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِجَوَازِ بَيْعِهِمَا صَحَّ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ الْخِيَارُ يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ أَصْلًا وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُبَيِّنَ الثَّمَنَ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ اشْتَرَى كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا أَوْ عَبْدًا وَاحِدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي نِصْفِهِ جَازَ فَصَّلَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يُفَصِّلْ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مِنْ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَا يَتَفَاوَتُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي. قَالَ (وَصَحَّ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ) وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ أَوْ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ أَوْ يَبِيعَ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهَا شَاءَ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْأَرْبَعَةِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ هَذَا أَصْلًا وَهُوَ الْقِيَاسُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ شَرْعَ الْخِيَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ لِيَخْتَارَ مَا هُوَ الْأَرْفَقُ وَالْأَوْفَقُ وَالْحَاجَةُ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ مُتَحَقِّقَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اخْتِيَارِ مَنْ يَثِقُ بِرَأْيِهِ أَوْ اخْتِيَارِ مَنْ يَشْتَرِيهِ لِأَجْلِهِ وَلَا يُمَكِّنُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ إلَيْهِ إلَّا بِالشِّرَاءِ كَيْ لَا يَبْقَى أَمَانَةً فِي يَدِهِ فَكَانَ فِي مَعْنَى خِيَارِ الشَّرْطِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِتَعَيُّنِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَلَا يُمْنَعُ الْجَوَازُ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِالثَّلَاثَةِ لِوُجُودِ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ فِيهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَرْبَعَةِ وَثُبُوتُ الرُّخْصَةِ لِلْحَاجَةِ وَكَوْنُ الْجَهَالَةِ غَيْرَ مُفْضِيَةٍ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ الشَّرْطِ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ اتِّفَاقًا لَا شَرْطًا. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ خِيَارُ الشَّرْطِ يَلْزَمُ الْعَقْدُ فِي أَحَدِهِمَا حَتَّى لَا يُرَدَّ إلَّا أَحَدُهُمَا وَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْخِيَارَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَضَعَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هَهُنَا يَعْنِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِيمَا إذَا بَيَّنَ مُدَّةَ الْخِيَارِ فَقَالَ يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَوَضَعَهُ كَذَا فِي الْمَأْذُونِ وَوَضَعَهَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِالثَّلَاثِ فَمَا دُونَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيَّتَهَا كَانَتْ عِنْدَهُمَا عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَ هَذَا الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا جَازَ اسْتِحْسَانًا بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَلَا يَجُوزُ بِدُونِهِ فَإِنْ شُرِطَ ذَلِكَ ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ فَإِذَا رَدَّهُمَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْمُدَّةِ أَوْ رَدَّ أَحَدَهُمَا بِخِيَارِ التَّعْيِينِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ فَلَا يَمْلِكُ رَدَّهُمَا جَمِيعًا وَيَبْقَى لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فَيَرُدُّ أَحَدَهُمَا، وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ يَبْطُلُ خِيَارُ الشَّرْطِ وَيَبْقَى خِيَارُ التَّعْيِينِ لِلْوَارِثِ فَلَا يَكُونُ لَهُ إلَّا رَدُّ أَحَدِهِمَا قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ فَلَا مَعْنَى لِتَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّ التَّوْقِيتَ فِيهِ يُفِيدُ لُزُومَ الْعَقْدِ عِنْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ فِي أَحَدِهِمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَلَا يُمْكِنُ تَعْيِينُهُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ بِدُونِ تَعْيِينِهِ فَلَا فَائِدَةَ لِشَرْطِ ذَلِكَ. وَاَلَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِحَالٍ فَكَانَ اشْتِرَاطُ قَبُولِهِ اشْتِرَاطَ شَرْطٍ فَاسِدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: هُوَ دَاخِلٌ) أَيْ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ اهـ. (قَوْلُهُ: صِيغَةً) أَيْ فِي الْعَقْدِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَصَحَّ خِيَارُ التَّعْيِينِ إلَخْ) وَخِيَارُ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ يُورَثُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَوْلُهُ: يُورَثُ يُنْظَرُ كَلَامُ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي خِيَارِ الشَّرْطِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَمَّ الْعَقْدُ بِمَوْتِهِ فَإِنَّ فِيهِ مَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ يُورَثُ فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ) نُسْخَةٌ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَبِيعَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ) نُسْخَةٌ أَوْ يَشْتَرِيَ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهَا شَاءَ) أَيْ وَبَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ وَثَمَنُ الْكُلِّ مُتَّفِقٌ أَوْ مُخْتَلِفٌ اهـ كَيْ (قَوْلُهُ: وَالْحَاجَةُ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ مُتَحَقِّقَةٌ) أَيْ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى زَوْجِ خُفٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يَتَيَسَّرُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى السُّوقِ بِنَفْسِهِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ الرُّؤَسَاءِ أَوْ مِنْ الدَّهَّاقِينِ أَوْ مِنْ النِّسَاءِ فِي الْبُيُوتِ فَيُحْمَلُ إلَيْهِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الشِّرَاءِ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ وَالرَّدِيءِ حَتَّى يَخْتَارَ مَا يُوَافِقُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ) أَيْ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي فُوِّضَ إلَيْهِ الْأَمْرُ يَأْخُذُ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَرْبَعَةِ) أَيْ وَإِنْ انْعَدَمَتْ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ بِتَعَيُّنِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَوْنِ الْجَهَالَةِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لِلْحَاجَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ) أَيْ فِي جَامِعِهِ اهـ كَيْ. (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ اهـ كَيْ. (قَالَ قَوْلُهُ: ل فَخْرُ الْإِسْلَامِ) أَيْ فِي جَامِعِهِ اهـ كَيْ. (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ اهـ كَيْ. (قَوْلُهُ: وَبِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيَّتُهَا كَانَتْ عِنْدَهُمَا) أَيْ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْقِيَاسِ فِي خِيَارِ النَّقْدِ حَتَّى لَمْ يُجَوِّزْ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ هَهُنَا قُلْنَا قَوْلُهُ فِي خِيَارِ النَّقْدِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ تَعْلِيقٌ فَلَا يُلْحَقُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ الْأَثَرُ وَارِدًا فِي حَقِّهِ، وَأَمَّا خِيَارُ التَّعْيِينِ مِنْ جِنْسِ خِيَارِ الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا حَرْفُ التَّعْلِيقِ فَكَانَ الْأَثَرُ وَارِدًا فِي حَقِّهِمَا مَعْنًى، كَذَا قِيلَ. اهـ. دِرَايَةٌ

يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ التَّوْقِيتَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ، وَلَوْ شُرِطَ خِيَارُ التَّعْيِينِ لِلْبَائِعِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا قَالُوا وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الزِّيَادَاتِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ خِيَارٌ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِلْمُشْتَرِي فَكَذَا لَهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ جَوَّزَ لِلْمُشْتَرِي لِلْحَاجَةِ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِلْبَائِعِ ثُمَّ إذَا كَانَ خِيَارُ التَّعْيِينِ لِلْمُشْتَرِي وَقَبَضَهُمَا فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّبَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِيهِ بِثَمَنِهِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْعَقْدِ أَحَدُهُمَا وَاَلَّذِي لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ قَبَضَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ لَا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَلَا بِطَرِيقِ الْوَثِيقَةِ فَكَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِلْأَمَانَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ أَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَا يَعْجِزُ عَنْ الْإِيقَاعِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْهَلَاكِ وَبَعْدَ الْهَلَاكِ لَمْ يَبْقَ الْهَالِكُ مَحَلًّا لِلْإِيقَاعِ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لَهُ لِبَقَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلْبَيْعِ وَلَمْ تَبْطُلْ مَحَلِّيَّتُهُ فَتَعَيَّنَ لَهُ وَهَذَا الْفَرْقُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي بَقَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ غَيْرَ أَنَّهُ فِي الْبَيْعِ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ فَتَعَيَّنَ هُوَ لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لَهُ. وَفِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ كَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْإِيقَاعِ قَبْلَ الْمَوْتِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ فَبَقِيَ مُخَيَّرًا إلَى الْهَلَاكِ فَإِذَا هَلَكَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لَهُ فَلَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ لَوَقَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُمَا لَا يَقَعَانِ بَعْدَهُ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِي ضَرُورَةً هَذَا إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَإِنْ هَلَكَا مَعًا يَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشُيُوعِ الْبَيْعِ وَالْأَمَانَةِ فِيهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِجَعْلِ أَحَدِهِمَا مَبِيعًا أَوْ أَمَانَةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُتَّفِقًا أَوْ مُخْتَلِفًا، وَكَذَا لَوْ هَلَكَا عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَا يَدْرِي الْأَوَّلَ مِنْهُمَا يَجِبُ ثَمَنُ نِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا قُلْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَيَّبَا وَلَمْ يَهْلَكَا حَيْثُ يَبْقَى خِيَارُهُ عَلَى حَالِهِ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَحَلٌّ لِابْتِدَاءِ الْبَيْعِ فَكَذَا لِلتَّعْيِينِ بِخِلَافِ الْهَالِكِ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ. قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَيَا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا لَا يَرُدُّهُ الْآخَرُ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَهُ إذَا أَجَازَ الْآخَرُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ لَهُمَا أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا إثْبَاتُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْغَبْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَاجٌ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَلَوْ شُرِطَ خِيَارُ التَّعْيِينِ لِلْبَائِعِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَعْنِي الْبَيْعَ فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بُيُوعِ الْأَصْلِ وَلَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ كَيْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ جُوِّزَ لِلْمُشْتَرِي لِلْحَاجَةِ) أَيْ إلَى اخْتِيَارِ الْأَرْفَقِ وَالْأَوْفَقِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِلْبَائِعِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ مَعَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَيَرُدُّ جَانِبَهُ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ اهـ كَيْ. (قَوْلُهُ: فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّبَ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِثَمَنِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَلَوْ هَلَكَ الْكُلُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ) فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَكُونُ الْآخَرُ أَمَانَةً حَتَّى إذَا هَلَكَ لَا يَغْرَمُ لِأَجْلِهِ شَيْئًا وَلَا يَكُونُ هُوَ أَدْنَى مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ قُلْت إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا لَا غَيْرُ، وَإِنَّمَا قَبَضَ الْآخَرَ لِيَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعَ إذَا تَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا لَا لِيَتَمَلَّكَهُ وَلَا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَقَدْ تَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا هُنَا فَبَقِيَ الْآخَرُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ لَا عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِسَبَبِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ مَا نَصُّهُ حَتَّى إذَا هَلَكَ بَعْدَ هَلَاكِ الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ هَلَكَا مَعًا إلَخْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ فَهَلَكَتْ مَعًا يَلْزَمُهُ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لِمَا ذُكِرَ ك. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ هَلَكَا عَلَى التَّعَاقُبِ إلَخْ) وَإِنْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَلَكِنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيهِ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُتَّفِقًا، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُخْتَلِفًا بِأَنْ يَكُونَ ثَمَنُ أَحَدِهِمَا عَشَرَةً وَثَمَنُ الْآخَرِ عِشْرِينَ فَقَالَ الْبَائِعُ هَلَكَ الَّذِي ثَمَنُهُ عِشْرُونَ أَوَّلًا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي هَلَكَ الَّذِي ثَمَنُهُ عَشَرَةً أَوَّلًا كَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ يَتَحَالَفَانِ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَاهُ صَاحِبُهُ وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا هَلَكَا مَعًا وَلَزِمَهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ صَارَ دَيْنًا عَلَى الْمُشْتَرِي هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ فَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْفَضْلَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْهَالِكِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِابْتِدَاءِ الْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِتَعَيُّنِهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ يَعْنِي إذَا اشْتَرَيَا شَيْئًا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ بِخِيَارِ الْعَيْبِ بِدُونِ صَاحِبِهِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ رَجُلَانِ اشْتَرَيَا شَيْئًا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِهِمَا لَهُ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى قَالَ يُؤْمَرُ الْآخَرُ بِرَدِّهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَقِيهِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ الرَّدِّ أَرَادَ إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ فِي الْفَسْخِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْكُلِّيَّ مِنْ إثْبَاتِ الْخِيَارِ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ وِلَايَةُ الرَّدِّ لَا الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَوْ كَانَ لِلْإِجَازَةِ مَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ يَتِمُّ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ بِلَا خِيَارٍ فَإِذَا كَانَ الرَّدُّ هُوَ الْمَقْصُودُ وَقَدْ شُرِطَ لَهُمَا جَمِيعًا يُؤْمَرُ صَاحِبُ الرَّدِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ حَقِّ الرَّدِّ. اهـ. .

دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَوْ بَطَلَ هَذَا بِإِبْطَالِ الْآخَرِ خِيَارَهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ وَيَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ وَلَهُ أَنَّ الْمَشْرُوطَ خِيَارُهُمَا لَا خِيَارُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالرَّدِّ وَلِأَنَّ حَقَّ الرَّدِّ ثَبَتَ لَهُمَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْبَائِعُ وَفِي رَدِّ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ إضْرَارٌ بِالْبَائِعِ إذْ الْمَبِيعُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ غَيْرَ مُتَعَيَّبٍ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ فَلَوْ رَدَّهُ أَحَدُهُمَا لَرَدَّهُ مَعِيبًا بِهَا إذْ هِيَ عَيْبٌ فِي الْأَعْيَانِ لِكَوْنِهِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ إلَّا بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُمَا الرِّضَا بِرَدِّ أَحَدِهِمَا لِتَصَوُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الرَّدِّ وَقَوْلُهُ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ قُلْنَا هَذَا الضَّرَرُ يَلْحَقُهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ إيجَادِ شَرْطِ الرَّدِّ وَهُوَ مُسَاعَدَةُ صَاحِبِهِ إيَّاهُ عَلَى الرَّدِّ وَالْبَائِعُ يَتَضَرَّرُ بِتَصَرُّفِ الرَّادِّ فَكَانَتْ رِعَايَةُ جَانِبِ الْبَائِعِ أَوْلَى وَلَا يُقَالُ الْبَائِعُ رَضِيَ بِالتَّبْعِيضِ بِالْبَيْعِ لَهُمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ رَضِيَ بِالتَّبْعِيضِ فِي مِلْكِهِمَا لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ فِي مِلْكِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ زَوَّجَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَاةَ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ لِحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَهُوَ التَّزْوِيجُ، وَإِنْ حَصَلَ بِتَسْلِيطِهِ وَرِضَاهُ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْعَيْبُ حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْعَيْبُ الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ قُلْنَا: هَذَا عَيْبٌ حَدَثَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ يَمْنَعُ الرَّدَّ، وَإِنْ حَدَثَ فِي يَدِ الْبَائِعِ. قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ وَكَانَ بِخِلَافِهِ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَهُ)؛ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَيُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ فَوَاتُهُ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ دُونَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ تَحْلُبُ كَذَا، وَكَذَا أَرْطَالًا حَيْثُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذْ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَبَنٌ أَوْ حَمْلٌ أَوْ انْتِفَاخٌ حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ لَا يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ وَلَوْ قَالَ يَخْبِزُ كَذَا صَاعًا أَوْ يَكْتُبُ كَذَا قَدْرًا يَفْسُدُ لِمَا ذَكَرْنَا وَشَرْطُهُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْخَبَرِ قَدْرُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكَاتِبِ وَالْخَبَّازِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ عِنْدَ الرَّدِّ كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ نَسِيَ عِنْدَك فَالْقَوْلُ قَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ كَاتِبٌ) أَيْ حِرْفَتُهُ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ أَوْ تَرَكَهُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ مَنْ شَرَطَ صِفَةً فَوَجَدَ الْمَبِيعَ بِخِلَافِهَا وَتِلْكَ الصِّفَةُ مِمَّا يَتَفَاوَتُ فِيهَا الْأَغْرَاضُ تَفَاوُتًا كَثِيرًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ حِمَارًا عَلَى أَنَّهُ أَتَانٌ فَإِذَا هُوَ ذَكَرٌ أَوْ شَاةٌ عَلَى أَنَّهَا نَعْجَةٌ فَإِذَا هِيَ فَحْلٌ وَمَسَائِلُ الْكِتَابِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَجَدَ الْمَبِيعَ عَلَى خِلَافِ الصِّفَةِ الَّتِي شَرَطَهَا وَلَهُ فِي الصِّفَةِ غَرَضٌ فَإِذَا فَاتَهُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ تَتَفَاوَتُ فِيهَا الْأَغْرَاضُ تَفَاوُتًا كَثِيرًا فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ دَارًا عَلَى أَنَّ بِنَاءَهَا آجُرٌّ فَإِذَا هُوَ لَبِنٌ أَوْ بَاعَهُ شَخْصًا عَلَى أَنَّهُ جَارِيَةٌ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْجِنْسِ، وَأَمَّا إذَا شَرَطَ صِفَةً فَوَجَدَهَا زَائِدَةً فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَوَجَدَهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَإِذَا هِيَ بِكْرٌ فَتَكُونُ الصِّفَةُ الزَّائِدَةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَوَجَدَهُ صَحِيحًا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ كَمَا شَرَطَ وَامْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِأَنْ يُقَوَّمَ الْعَبْدُ كَاتِبًا وَغَيْرَ كَاتِبٍ فَيَرْجِعُ بِالتَّفَاوُتِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي شَرَطَهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْمَبِيعِ لَدَخَلَ فِي الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ كَانَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَلَى أَنْ يَتَمَلَّكَ الْمَبِيعَ أَوْ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ شَاةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى نَاقَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ حَيْثُ يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْرَفُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ انْتِفَاخَ الْبَطْنِ وَتَحَرُّكَ مَا فِيهِ قَدْ يَكُونُ لِدَاءٍ فَكَانَ غَرَرًا فَأَوْجَبَ فَسَادَ الْبَيْعِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ فَلَمْ يَكُنْ غَرَرًا وَلِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ صِفَةٌ مَحْضَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ انْقِلَابُهَا أَصْلًا وَهُنَالِكَ الْمَقْصُودُ الْوَلَدُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَاشْتِرَاطُ مَالٍ مَجْهُولٍ مَعَ الْمَبِيعِ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ أَيْضًا جَائِزٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْجَوَابِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ثُمَّ قَالَ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْحَبَلِ فِي الْجَوَارِي هَلْ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ أَمْ لَا اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُوجِبُ قِيَاسًا عَلَى النَّاقَةِ لِلْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ثَمَّةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُوجِبُ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ فِي الْجَوَارِي عَيْبٌ فَكَانَ ذِكْرُهُ لِلْبَرَاءَةِ عَنْ هَذَا الْعَيْبِ بِخِلَافِ الْحَبَلِ فِي الْبَهَائِمِ فَإِنَّهُ زِيَادَةٌ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَفِي وُجُودِهَا غَرَرٌ فَلَا يَجُوزُ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ، وَقَالَ إنْ اشْتَرَاهَا لِيَتَّخِذَهَا ظِئْرًا فَشَرَطَ أَنَّهَا حَامِلٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ زِيَادَةً وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَفِي وُجُودِهَا خَطَرٌ فَصَارَتْ كَالنَّاقَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُ اتِّخَاذَهَا ظِئْرًا كَانَ جَائِزًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ اشْتَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَنْ هَذَا الْعَيْبِ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ لَا يَفْسُدُ) أَيْ كَمَا إذَا شَرَطَ فِي الْفَرَسِ أَنَّهَا هِمْلَاجٌ وَفِي الْكَلْبِ أَنَّهُ صَائِدٌ حَيْثُ يَصِحُّ وَمِنْهُ شَرْطُ كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَشَرْطُ كَوْنِ الثَّمَنِ مَكْفُولًا بِهِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) أَيْ وَلَوْ مَاتَ هَذَا الْمُشْتَرِي انْتَقَلَ الْخِيَارُ إلَى وَرَثَتِهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ تَمَلُّكِ الْعَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ نَسِيَ عِنْدَك) أَيْ وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَنْسَى فِي مِثْلِهَا. اهـ. فَتْحٌ

[باب خيار الرؤية]

الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخَبْزِ وَالْكِتَابَةِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ وَلَوْ ابْتَاعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْكِتَابَةَ وَالْخَبْزَ وَكَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ فَنَسِيَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ رَدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ تَسْلِيمَهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ فَإِذَا نَسِيَهُ فَقَدْ تَغَيَّرَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَرُدَّهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا طَبَّاخَةٌ أَوْ نَحْوَهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِ إذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فِي الْعَقْدِ إذْ الْجِنْسُ مُتَّحِدٌ لِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ وَلَوْ اخْتَلَفَ يَفْسُدُ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. (بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ) قَالَ (شِرَاءُ مَا لَمْ يَرَهُ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا رَآهُ وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ إذْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ إلَّا الِاسْمُ فَصَارَ كَمَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَا إلَى مَكَانِهِ أَوْ هُوَ مَعْدُومٌ لِمَا ذَكَرْنَا «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ» أَيْ مَا لَيْسَ بِحَاضِرٍ عِنْدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَرْئِيٍّ لِلْمُشْتَرِي وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ» وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّهُ إذْ لَمْ يُوَافِقْهُ رَدَّهُ فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُشَاهَدِ الْمُعَايَنِ وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ بِدَلِيلِ قِصَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ «حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ يَطْلُبُ مِنِّي سِلْعَةً لَيْسَتْ عِنْدِي فَأَبِيعُهَا مِنْهُ ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ يُمْسِكُ بِالْأَصْلِ وَأَنَّ الْعَدَمَ فِي الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ أَصْلٌ وَالْوُجُودَ فِي الصِّفَاتِ الْأَصْلِيَّةِ أَصْلٌ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهَا تَابِعَةٌ) أَيْ تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَفِي جَعْلِ الْوَصْفِ مُقَابَلًا بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ يَلْزَمُ جَعْلُهُ أَصْلًا فَلَا يَجُوزُ. اهـ. . [بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ] (بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ) لَمَّا شَرَعَ بِذِكْرِ أَنْوَاعِ الْخِيَارِ قَدَّمَ مَا كَانَ تَأْثِيرُهُ أَكْثَرَ فِي الْعَقْدِ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى التَّوَالِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَوَانِعَ خَمْسَةٌ: مَانِعٌ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ كَالْبَيْعِ الْمُضَافِ إلَى حُرٍّ. وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْغَلَّةِ كَالْبَيْعِ الْمُضَافِ إلَى مَالٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ حَتَّى لَا يَتِمَّ الِانْعِقَادُ فِي حَقِّ الْمَالِكِ. وَمَانِعٌ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ. وَمَانِعٌ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ. وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ حَتَّى لَا تَتِمَّ الصَّفْقَةُ بِالْقَبْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَدَّمَ هَذَا الْبَابَ عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ وَذَاكَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ وَاللُّزُومُ بَعْدَ التَّمَامِ وَالْإِضَافَةِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَعَدَمُ الرُّؤْيَةِ هُوَ السَّبَبُ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَثْبُتُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ لَيْسَ غَيْرَ شِرَاءِ الْأَعْيَانِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى مَالٍ عَلَى عَيْنٍ وَالْقِسْمَةِ وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الدُّيُونِ فَلَا يَكُونُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا فِي الْأَثْمَانِ الْخَالِصَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ إنَاءً مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّ فِيهِ الْخِيَارَ وَلَوْ تَبَايَعَا مُقَايَضَةً ثَبَتَ الْخِيَارُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَمَحَلُّهُ كُلُّ مَا كَانَ فِي عَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِالْفَسْخِ لَا مَا لَا يَنْفَسِخُ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَتْ أَعْيَانًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمَّا لَمْ يُوجِبْ الِانْفِسَاخَ بَقِيَ الْعَقْدُ قَائِمًا وَقِيَامُهُ يُوجِبُ الْمُطَالَبَةَ بِالْعَيْنِ لَا بِمَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْقِيمَةِ فَلَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ أَبَدًا وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ مَا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ مِنْهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْفَسْخُ عَلَى قَضَاءٍ وَلَا رِضًا بَلْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ رَدَدْت يَنْفَسِخُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ لَكِنْ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا هُوَ خِلَافُهُمْ فِي الْفَسْخِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: شِرَاءُ مَا لَمْ يَرَهُ جَائِزٌ) أَيْ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ سَوَاءً رَآهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وُصِفَتْ لَهُ أَوْ عَلَى خِلَافِهَا مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ جِرَابًا فِيهِ أَثْوَابٌ هَرَوِيَّةٌ أَوْ زَيْتًا فِي زَقٍّ أَوْ حِنْطَةً فِي غِرَارَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَ شَيْئًا وَمِنْهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك دُرَّةً فِي كُمِّي صِفَتُهَا كَذَا أَوْ ثَوْبًا فِي كُمِّي صِفَتُهُ كَذَا أَوْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَهِيَ حَاضِرَةٌ مُتَنَقِّبَةٌ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْمَبْسُوطِ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ شَرْطُ الْجَوَازِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَا إلَى مَكَانِهِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْكِتَابِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ سَوَاءً سَمَّى جِنْسَ الْمَبِيعِ أَوْ لَا وَسَوَاءً أَشَارَ إلَى مَكَانِهِ أَوْ إلَيْهِ وَهُوَ حَاضِرٌ مَسْتُورٌ أَوْ لَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك مَا فِي كُمِّي بَلْ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ إطْلَاقُ الْجَوَابِ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَهُ وَطَائِفَةٌ قَالُوا: لَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرُهُ كَصَاحِبِ الْأَسْرَارِ وَالذَّخِيرَةِ لِبُعْدِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِ مَا لَمْ يُعْلَمْ جِنْسُهُ أَصْلًا كَأَنْ يَقُولَ بِعْتُك شَيْئًا بِعَشَرَةٍ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ» إلَخْ) وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ فِي الْحَدِيثِ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ فَهُوَ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ عَبَّرَ بِالرُّؤْيَةِ عَنْ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ فَصَارَتْ حَقِيقَةُ الرُّؤْيَةِ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَهَذَا لِوُجُودِ مَسَائِلَ اتِّفَاقِيَّةٍ لَا يُكْتَفَى بِالرُّؤْيَةِ فِيهَا مِثْلُ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالشَّمِّ كَمِسْكٍ اشْتَرَاهُ وَهُوَ يَرَاهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهُ عِنْدَ شَمِّهِ فَلَهُ الْفَسْخُ عِنْدَ شَمِّهِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ، وَكَذَا لَوْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ غَيْرُ مُعَرِّفَةٍ لِلْمَقْصُودِ الْآنَ، وَكَذَا شِرَاءُ الْأَعْمَى يُثْبِتُ لَهُ الْخِيَارَ عِنْدَ الْوَصْفِ لَهُ فَأُقِيمَ فِيهِ الْوَصْفُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُشَاهَدِ) يَعْنِي فِيمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا مُشَارًا إلَيْهِ لَا يَعْلَمُ عَدَدَ ذُرْعَانِهِ يُرِيدُ تَشْبِيهَهُ بِذَلِكَ فِي مُجَرَّدِ ثُبُوتِ الْجَوَازِ لَا بِقَيْدِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ أَعْنِي الثَّوْبَ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى لُزُومِ ذِكْرِ الْجِنْسِ فِي هَذَا الْبَيْعِ فَيَبْقَى الْغَائِبُ مُجَرَّدَ عِلْمِ الْوَصْفِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُشَاهَدِ مَا نَصُّهُ أَيْ الْمُشَارُ إلَيْهِ. اهـ. هِدَايَةٌ

أَدْخُلُ السُّوقَ فَأَسْتَجِيدُهَا فَأَشْتَرِيهَا فَأُسَلِّمُهَا إلَيْهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَيْنًا حَاضِرَةً غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لَهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ مَلَكَهَا فِيمَا بَعْدُ وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ لَجَازَ، وَلَوْ بَاعَ عَيْنًا غَائِبَةً وَكَانَ الْمُشْتَرِي رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ جَازَ فَبَطَلَ زَعْمُهُ طَرْدًا وَعَكْسًا وَقَوْلُهُ، وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهُ يَتَّصِلُ بِمَا قَبْلَهُ أَيْ لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ، وَإِنْ كَانَ رَضِيَ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ وَلِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ رَضِيت قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ فَسْخِهِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِكَوْنِهِ عَقْدًا غَيْرَ لَازِمٍ فَيَنْفَسِخُ بِذَلِكَ لَا بِمُوجِبِ الْخِيَارِ. قَالَ (وَلَا خِيَارَ لِمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ) وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا يَقُولُ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ بِرِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِذَا انْتَفَى رِضَا أَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ فَكَذَا رِضَا الْآخَرِ إذْ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ وَلَا يَزُولُ بِهِ إلَّا بِالرِّضَا وَهُوَ بِالْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ بِالرُّؤْيَةِ وَلِأَنَّهُ خِيَارٌ يَثْبُتُ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْآخَرِ اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يَرَهُ أَصْلًا قَوْلًا وَاحِدًا وَلَنَا لِلْمَرْجُوعِ إلَيْهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَاعَ أَرْضًا بِالْبَصْرَةِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقِيلَ لِطَلْحَةَ: إنَّك قَدْ غُبِنْتَ فَقَالَ لِي الْخِيَارُ؛ لِأَنِّي اشْتَرَيْت مَا لَمْ أَرَهُ وَقِيلَ لِعُثْمَانَ إنَّك قَدْ غَبَنْت فَقَالَ لِي الْخِيَارُ؛ لِأَنِّي بِعْت مَا لَمْ أَرَهُ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ فَقَضَى بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ مُعَلَّقٌ بِرُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي فِيمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ وَلِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَظُنُّهُ خَيْرًا مِمَّا رَأَى فَيَرُدُّهُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَلَوْ رَدَّهُ الْبَائِعُ لَرَدَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَزْيَدُ مِمَّا ظَنَّهُ وَالْخِيَارُ لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ لَا يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ فِيهِ الْخِيَارُ. قَالَ (وَيَبْطُلُ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ) أَيْ يَبْطُلُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ مِنْ التَّصْرِيحِ وَالدَّلَالَةِ وَمُرَادُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، وَأَمَّا قَبْلَهَا فَلَا يَسْقُطُ، وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ إلَّا فِي ضِمْنِ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا رَآهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ وَلَمْ يَفْسَخْ سَقَطَ خِيَارُهُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِجَازَةُ صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ هَذَا الْخِيَارِ جَهَالَةُ أَوْصَافِ الْمَبِيعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ وَالْجَهَالَةُ تَزُولُ بِالرُّؤْيَةِ وَالْخِيَارُ يَسْقُطُ بِزَوَالِ سَبَبِهِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ يَسْقُطُ بِزَوَالِ الْعَيْبِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ فَسْخَهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ مُتَّصِلًا بِهَا لِزَوَالِ سَبَبِهِ إلَّا أَنَّهُ مَلَكَ الْفَسْخَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَزُولُ بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالزَّمَانِ فَيَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ مَا لَمْ يَسْقُطْ بِالْقَوْلِ أَوْ بِفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُسْتُمَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا وَالْعِبْرَةُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِلْمَعْنَى مَعَ أَنَّ جَهَالَةَ الْوَصْفِ لَيْسَتْ بِعِلَّةٍ لِثُبُوتِ هَذَا الْخِيَارِ مُطْلَقًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِتَعَلُّقِهِ بِالرُّؤْيَةِ فَكَذَا لَا يَتَوَقَّفُ لِإِطْلَاقِهِ عَنْ الْوَقْتِ وَالتَّقْيِيدُ بِهِ يَكُونُ زِيَادَةً وَهُوَ فَسْخٌ فَيَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يُسْقِطُهُ وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِهِ أَوْ التَّعْيِيبُ أَوْ تَصَرُّفٌ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ أَوْ يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ يَسْقُطُ بِهَا الْخِيَارُ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ، وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَالْمُسَاوَمَةِ وَالْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا) أَيْ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَ وُجُودِهِ وَالْإِسْقَاطُ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الثُّبُوتِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا خِيَارَ لِمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ) أَيْ بِأَنْ وَرِثَ عَيْنًا مِنْ الْأَعْيَانِ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى فَبَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَرَاهَا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ بِالزِّيَافَةِ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ: حَتَّى جَازَ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ بِالزِّيَافَةِ أَيْ كَمَا أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّ الثَّمَنِ لِعَدَمِ الْأَصَالَةِ فِي الْعَقْدِ وَيَنْفَسِخُ بِرَدِّ الْمَبِيعِ لِلْأَصَالَةِ وَلَا يُقَالُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ مُعَلَّقًا بِالشِّرَاءِ فَلَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَالْمَعْنَى هُوَ الْجَهَالَةُ بِصِفَاتِ الْمَعْقُودِ فَيَثْبُتُ فِي الْفَرْعِ مِثْلُ حُكْمِ الْأَصْلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَنَا لِلْمَرْجُوعِ إلَيْهِ) أَيْ لِلْقَوْلِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَاعَ) الظَّاهِرُ اشْتَرَى. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَبْلَهَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِهِ بِالرُّؤْيَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَسْخٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا إلَى رِضَا الْبَائِعِ وَلَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْبَائِعِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ كَالْإِعْتَاقِ) أَيْ الْعَبْدُ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَرَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُوجِبُ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ) أَيْ وَلَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لِخُلُوصِ الْحَقِّ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي وَقَوْلُهُ: كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الْمُطْلَقَ عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ لَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَالْإِجَارَةِ) أَيْ وَالْهِبَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ) أَيْ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ وَتَلْزَمُ الْبَيْعَ فَلَمَّا لَزِمَ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ وَبَطَلَ الْخِيَارُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ شَرْعًا بَطَلَ الْخِيَارُ وَوَجَبَ تَقْدِيرُ قَيْدٍ فِي الْحَدِيثِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ مُقَيَّدًا بِمَا إذَا لَمْ يُوجِبْ مُوجِبٌ شَرْعِيٌّ عَدَمَهُ إذَا رَآهُ وَحَاصِلُهُ تَقْدِيرٌ مُخَصَّصٌ بِالْعَقْلِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَالْمُسَاوَمَةِ) يُقَالُ سَامَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ عَرَضَهَا وَذَكَرَ ثَمَنَهَا اهـ

لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ صَرِيحُ الرِّضَا وَيُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الرِّضَا بَعْدَ الْعِلْمِ، وَكَذَا إذَا قَبَضَهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَلِأَنَّهُ مُؤَكَّدٌ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَشَابَهُ الْبَيْعَ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ كَالْمُطْلَقِ حَيْثُ يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ بَاتٌّ مُطْلَقٌ مِنْ جَانِبِهِ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَأَذِنَ الْآكِرُ أَنْ يَزْرَعَهَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَزَرَعَهَا بَطَلَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِأَمْرِهِ كَفِعْلِهِ. قَالَ (وَكَفَتْ رُؤْيَةُ وَجْهِ الصُّبْرَةِ وَالرَّقِيقِ وَالدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا وَظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا وَدَاخِلِ الدَّارِ)؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمَقْصُودِ يَكْفِي لِتَعَسُّرِ رُؤْيَةِ الْجَمِيعِ وَرُؤْيَةُ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَقَعُ بِهَا الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ غَيْرِهَا وَلَوْ دَخَلَ فِي الْمَبِيعِ أَشْيَاءُ فَإِنْ كَانَ لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَعَلَامَتُهُ أَنْ يَعْرِضَ بِالنَّمُوذَجِ يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْبَعْضِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَلِوُقُوعِ الْعِلْمِ بِهِ بِالْبَاقِي إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرَادَ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِ وَفِيمَا رَأَى كَيْ لَا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّهَا مَعَ الْخِيَارِ لَا تَتِمُّ، وَإِنْ كَانَ آحَادُهُ تَتَفَاوَتُ وَهُوَ الَّذِي لَا يُبَاعُ بِالنَّمُوذَجِ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ؛ لِأَنَّهُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهَا لَا يَقَعُ الْعِلْمُ بِالْبَاقِي لِلتَّفَاوُتِ وَالْجَوْزُ وَالْبَيْضُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِكَوْنِهَا مُتَقَارِبَةً فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ كَافٍ؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ وَصْفُ الْبَاقِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا النَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ الْبَقِيَّةُ إلَّا إذَا كَانَ فِي طَيِّهِ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ) أَيْ لِأَنَّ خِيَارَهُ لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِأَنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَرَى أَبْطَلْت خِيَارِي فَلَأَنْ لَا يَبْطُلَ بِدَلَالَةِ الرِّضَا أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ يُسْقِطُ الْخِيَارَ صَرِيحًا كَانَ الرِّضَا أَوْ دَلَالَةً. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَفَتْ رُؤْيَةُ وَجْهِ الصُّبْرَةِ وَالرَّقِيقِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ رُؤْيَةَ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ غَيْرُ مَشْرُوطٍ فِي انْتِفَاءِ ثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِتَعَذُّرِهِ عَادَةً وَشَرْعًا وَإِلَّا لَجَازَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى عَوْرَةِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَهُمَا وَلَزِمَ فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ النَّظَرُ إلَى كُلِّ حَبَّةٍ حَبَّةٍ مِنْهَا وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ فَيُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَإِذَا رَآهُ جَعَلَ غَيْرَ الْمَرْئِيِّ تَبَعًا لِلْمَرْئِيِّ فَإِذَا سَقَطَ الْخِيَارُ فِي الْأَصْلِ سَقَطَ فِي التَّبَعِ إذَا عُرِفَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِيَ فَلَا خِيَارَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَى بَطْنَهُمَا وَظَهْرَهُمَا وَسَائِرَ أَعْضَائِهِمَا إلَّا الْوَجْهَ فَإِنَّ لَهُ الْخِيَارَ إذَا رَأَى وَجْهَهُمَا؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ فِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ تَبَعٌ لِلْوَجْهِ وَلِذَا تَتَفَاوَتُ الْقِيمَةُ إذَا فُرِضَ تَفَاوُتُ الْوَجْهِ مَعَ تَسَاوِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَفِي الدَّوَابِّ يُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ وَالْكَفَلِ؛ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ فَيَسْقُطُ بِرُؤْيَتِهِمَا وَلَا يَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِمَا مِنْهَا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ أَشْيَاءَ فَإِنْ كَانَ شَيْئًا وَاحِدًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا تَتَفَاوَتَ آحَادُهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ فَإِذَا رَأَى الْبَعْضَ وَرَضِيَ بِهِ يَكُونُ ذَلِكَ رِضًا بِالْبَعْضِ الَّذِي لَمْ يَرَهُ إذَا كَانَ مِثْلَ مَا رَأَى فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ مُسْقِطًا لِلْخِيَارِ إذَا كَانَ الْبَاقِي مِثْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ تُعْرَفُ حَالَ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ تُعْرَفُ بِالنَّمُوذَجِ وَلَكِنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَكِيلُ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ، وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ لَا تَكُونُ رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ مَتَى كَانَا فِي وِعَاءَيْنِ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي التُّحْفَةِ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْبَاقِي فِيمَا إذَا كَانَ الْكُلُّ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ لَا بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْوِعَاءِ وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ نَحْوِ الثِّيَابِ فِي صُنْدُوقٍ وَالْبَطَاطِيخِ فِي شَرِيجَةٍ وَنَحْوِ الرُّمَّانَاتِ وَالسَّفَرْجَلَاتِ فِي قُفَّةٍ فَإِنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ لَا تُعْتَبَرُ رُؤْيَةً فِي الْبَاقِي وَيَكُونُ عَلَى خِيَارِهِ مَا لَمْ يَرَ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ لَا تَعْرِفُ الْبَاقِيَ لِلتَّفَاوُتِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَاحِدًا كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فَرَأَى الْوَجْهَ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَامَتُهُ) أَيْ عَلَامَةُ الشَّيْءِ الَّذِي لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْبَيْعِ بِالنَّمُوذَجِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ حَيْثُ يَحْمِلُ السِّمْسَارُ شَيْئًا قَلِيلًا مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ إلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَرَاهُ فَإِنْ أَعْجَبَهُ اشْتَرَاهُ وَالنَّمُوذَجُ بِفَتْحِ النُّونِ بِمَعْنَى الْأُنْمُوذَجِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُغْرِبٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ) أَيْ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ يَعْنِي خِيَارَ الْعَيْبِ لَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ وَفِي الْكَافِي إذَا كَانَ أَرْدَأَ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا لَا بِغَيْرِهَا وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى سَوْقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ خِيَارُ عَيْبٍ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ اخْتِلَافُ الْبَاقِي يُوصِلُهُ إلَى حَدِّ الْعَيْبِ وَخِيَارُ رُؤْيَةٍ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ لَا يُوصِلُهُ إلَى اسْمِ الْمَعِيبِ بَلْ الدُّونِ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى ذَكَرَ لَهُ الْبَائِعُ بِهِ عَيْبًا ثُمَّ أَرَاهُ الْمَبِيعَ فِي الْحَالِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مَعَ الْخِيَارِ لَا تَتِمُّ) أَيْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَلِهَذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ دُونَ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ. اهـ. شَرْحُ مَنَارٍ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا مُتَقَارِبَةً) أَيْ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمُجَرَّدِ هُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا النَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ الْبَقِيَّةُ) أَيْ فَلَوْ شَرَطَ فَتْحَهُ لَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِتَكَسُّرِ ثَوْبِهِ وَنُقْصَانِ بَهْجَتِهِ وَبِذَلِكَ يَنْقُصُ ثَمَنُهُ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كِلَا الْوَجْهَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ فِي طَيِّهِ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا كَمَوْضِعِ الْعِلْمِ) ثُمَّ قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَمَا لَمْ يَرَ بَاطِنَ الثَّوْبِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ اخْتِلَافُ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرُ فِي الثِّيَابِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. اهـ. فَتْحٌ

كَمَوْضِعِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِ الثَّوْبِ وَلَا بُدَّ مِنْ نَشْرِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَلَا يُعْرَفُ كُلُّهُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ، قُلْنَا قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُ ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِالْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ مِنْهُ وَالْوَجْهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْآدَمِيِّ، وَلِهَذَا تَتَفَاوَتُ قِيَمُ الرَّقِيقِ بِتَفَاوُتِهِ وَسَائِرُ الْجَسَدِ تَبَعٌ لَهُ وَالْكَفَلُ مِنْ الدَّوَابِّ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِمَا وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ مَعَ ذَلِكَ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رُؤْيَةُ الْوَجْهِ كَافِيَةٌ كَالْآدَمِيِّ وَفِي شَاةِ اللَّحْمِ لَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَظْهَرُ السِّمَنُ وَالْهُزَالُ وَيُعْرَفُ بِهِ كَثْرَةُ اللَّحْمِ وَقِلَّتُهُ وَفِي شَاةِ الْقِنْيَةِ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ ضَرْعِهَا وَفِيمَا يُطْعَمُ لَا بُدَّ مِنْ الذَّوْقِ وَفِيمَا يُشَمُّ لَا بُدَّ مِنْ الشَّمِّ وَفِي دُفُوفِ الْغَازِي لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالشَّيْءِ يَقَعُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةِ إدْرَاكِهِ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ وَجَعَلَ فِي الْمُخْتَصَرِ رُؤْيَةَ خَارِجِ الدَّارِ كَرُؤْيَتِهَا كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْبَاقِي وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ إذَا رَأَى صَحْنَ الدَّارِ سَقَطَ خِيَارُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي خَارِجِهَا. وَقَالَ زُفَرُ: لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ دَاخِلِ الْبُيُوتِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ بُيُوتَهَا الشَّتْوِيَّةَ وَالصَّيْفِيَّةَ وَالْعُلْوِيَّةَ وَالسُّفْلِيَّةَ وَمَرَافِقَهَا وَمَطَابِخَهَا وَسُطُوحَهَا تَخْتَلِفُ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مَقْصُودٌ فَالنَّظَرُ إلَى الْخَارِجِ أَوْ إلَى الصَّحْنِ لَا يُوقِعُ الْعِلْمَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَإِنَّ دُورَهُمْ كَانَتْ عَلَى تَقْطِيعٍ وَاحِدٍ وَلَمْ تَخْتَلِفْ إلَّا فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَفِي كَوْنِهَا جَدِيدَةً أَوْ عَتِيقَةً وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهَا فَاكْتَفَوْا بِهِ لِذَلِكَ، وَأَمَّا الْيَوْمَ بِخِلَافِهِ فَلَا يُكْتَفَى بِهِ وَرُؤْيَةُ أَشْجَارِ الْبُسْتَانِ يُكْتَفَى بِهَا لِوُقُوعِ الْعِلْمِ بِهَا وَلَوْ رَأَى دُهْنًا فِي قَارُورَةٍ مِنْ خَارِجِهَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِمَا) اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَالدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا أَيْ وَكَفَتْ رُؤْيَةُ وَجْهِ الدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِمَا مَا نَصُّهُ فَلَوْ رَأَى أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ) قَالَ الْأَقْطَعُ وَقَدْ قَالُوا إنْ قَالَ أَهْلُ الصَّنْعَةِ وَالْمَعْرِفَةُ بِالدَّوَابِّ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ إلَى الْقَوَائِمِ كَانَ شَرْطًا فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ: لَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ) أَيْ اللَّمْسِ بِالْيَدِ اهـ (قَوْلُهُ: وَيُعْرَفُ بِهِ كَثْرَةُ اللَّحْمِ وَقِلَّتُهُ) أَيْ فَإِنْ رَأَى ذَلِكَ مِنْ بَعِيدٍ وَلَمْ يَجُسَّهُ فَلَهُ الْخِيَارُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ السِّمَنَ لَا يَظْهَرُ مِنْ الصُّوفِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَفِي شَاةِ الْقِنْيَةِ) أَيْ الشَّاةِ الَّتِي تُؤْخَذُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ لَا لِلتِّجَارَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَجَعَلَ فِي الْمُخْتَصَرِ رُؤْيَةَ دَاخِلِ الدَّارِ) نُسْخَةٌ خَارِجَ وَهُوَ الثَّابِتُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ خَارِجَ مَا نَصُّهُ هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي السَّطْرِ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا فِي خَارِجِهَا لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَدَاخِلُ الدَّارِ، وَكَذَا هُوَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْمَتْنِ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي التُّحْفَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا تَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ إذَا رَأَى الدَّارَ مِنْ خَارِجٍ يَبْطُلُ خِيَارُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ دَاخِلُ الدَّارِ أَبْنِيَةً فَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهَا أَبْنِيَةٌ لَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ مَا لَمْ يَرَ دَاخِلَهَا؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ هُوَ الْمَقْصُودُ اهـ. (قَوْلُهُ: يَسْقُطُ خِيَارُهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ بُيُوتَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْأَظْهَرِ) أَيْ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهَا) وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَهَذَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالنَّظَرِ إلَى جُدْرَانِهَا مِنْ خَارِجِ الدَّارِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَرُؤْيَةُ أَشْجَارِ الْبُسْتَانِ يُكْتَفَى بِهَا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي الْأَشْجَارِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ رُءُوسِ الْأَشْجَارِ وَرُؤْيَةِ خَارِجِهِ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَقَالَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبُسْتَانِ بَاطِنُهُ فَلَا يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ لَا يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ الْخَارِجِ وَرُءُوسِ الْأَشْجَارِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَأَى دُهْنًا فِي قَارُورَةٍ مِنْ خَارِجِهَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ لَوْنَ الدُّهْنِ مِمَّا يَتَغَيَّرُ بِلَوْنِ الْقَارُورَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ رَأَى دُهْنًا إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي التُّحْفَةِ لَوْ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ فَرَأَى الْمَبِيعَ قَالُوا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا رَأَى عَيْنَهُ، وَإِنَّمَا رَأَى مِثَالَهُ وَعَلَى هَذَا قَالُوا مَنْ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ فَرَأَى فَرْجَ أُمِّ امْرَأَتِهِ عَنْ شَهْوَةٍ لَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَلَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا عَنْ شَهْوَةٍ فِي الْمِرْآةِ لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا لِمَا قُلْنَا ثُمَّ قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَلَوْ اشْتَرَى سَمَكًا فِي الْمَاءِ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ اصْطِيَادٍ فَرَآهُ فِي الْمَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ رَأَى عَيْنَ الْمَبِيعِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْقُطُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُرَى فِي الْمَاءِ كَمَا هُوَ بَلْ يُرَى أَكْبَرَ مِمَّا هُوَ فَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ لَا تُعْرَفُ حَالَ حَقِيقَتِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُغَيَّبًا فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْفُجْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ شَيْئًا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بَعْدَ الْقَلْعِ كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْجَزَرِ فَإِنَّهُ إذَا قَلَعَ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ قَلَعَ الْبَائِعُ بِرِضَا الْمُشْتَرِي يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ وَإِنْ قَلَعَ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ سَوَاءً رَضِيَ بِالْمَقْلُوعِ أَوْ لَمْ يَرْضَ إذَا كَانَ الْمَقْلُوعُ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ عِنْدَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعِيبًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْمُو وَبِالْقَلْعِ لَا يَنْمُو وَبِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ صُنْعِهِ يَمْنَعُ الرَّدَّ فَمَعَ صُنْعِهِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يُبَاعُ عَدَدًا كَالْفُجْلِ وَالسَّلْقِ وَنَحْوِهِمَا فَرُؤْيَةُ الْبَعْضِ لَا تَكُونُ كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَقْلُوعُ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ عِنْدَ النَّاسِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْعَيْبُ ثُمَّ قَالَ فِي التُّحْفَةِ. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ هَذَا التَّفْصِيلِ، وَقَالَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مُغَيَّبًا فِي الْأَرْضِ مِثْلُ الْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَبَصَلِ الزَّعْفَرَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى جَمِيعَهُ وَلَا يَكُونُ رُؤْيَةُ بَعْضِهِ مُبْطِلًا خِيَارَهُ وَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ الْبَعْضِ فَخِيَارُهُ بَاقٍ إلَى أَنْ يَرَى جَمِيعَهُ فَيَرْضَى أَوْ يَرُدَّ، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الْقَلْعِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَخَافُ إنْ قَلَعْته

فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَبْطُلُ قَالَ (وَنَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ كَنَظَرِهِ لَا نَظَرِ رَسُولِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَكُونُ كَنَظَرِهِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ خِيَارُ الْمُوَكِّلِ بِقَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوَكِّلُ بِالْقَبْضِ دُونَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا يَمْلِكُ مَا لَمْ يَتَوَكَّلْ بِهِ وَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِمَا. فَكَذَا هَذَا وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِ قَصْدًا بِأَنْ قَبَضَهُ مَسْتُورًا فَأَسْقَطَ الْخِيَارَ بَعْدَهُ أَوْ كَأَنْ رَآهُ مِنْ قَبْلُ فَإِنَّ خِيَارَ الْمُوَكِّلِ لَا يَسْقُطُ بِهِ فَكَذَا ضَمِنَا بِالْقَبْضِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ وَأَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِيهِ وَالْقَبْضُ عَلَى نَوْعَيْنِ قَبْضٌ تَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ وَنَاقِصٌ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ مَسْتُورًا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا فَخِيَارُهُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ حَتَّى يَرَاهُ وَلَا تَتِمُّ الصَّفْقَةُ مَعَ بَقَاءِ الْخِيَارِ فَكَانَ نَاقِصًا وَالْمُوَكِّلُ يَمْلِكُهُ بِنَوْعَيْهِ فَكَذَا الْوَكِيلُ لِإِطْلَاقِ التَّوْكِيلِ وَإِذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا انْتَهَتْ الْوَكَالَةُ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا بَعْدَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا بَعْدَ انْتِهَاءِ الْوَكَالَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ وَالْقَبْضُ يَتَضَمَّنُ السُّقُوطَ لِكَوْنِهِ كَامِلًا ضَرُورَةً فَإِذَا انْفَصَلَ السُّقُوطُ عَنْ الْقَبْضِ بِأَنْ كَانَ بَعْدَهُ قَصْدًا أَوْ قَبْلَهُ بِالرُّؤْيَةِ لَا يَمْلِكُهُ إذْ لَمْ يُوَكِّلْهُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهَذَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَلَا يَتَنَوَّعُ الْقَبْضُ مَعَهُ وَبِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقَبْضُ التَّامُّ فَكَذَا بِقَبْضِ الْوَكِيلِ وَبِخِلَافِ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا إلَيْهِ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ وَالتَّسْلِيمَ إذَا كَانَ رَسُولًا فِي الشِّرَاءِ أَوْ الْبَيْعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْإِرْسَالِ أَنْ يَقُولَ فِي التَّوْكِيلِ كُنْ وَكِيلِي فِي الْقَبْضِ وَفِي الْإِرْسَالِ كُنْ رَسُولِي فِيهِ أَوْ أَمَرْتُك بِقَبْضِهِ، وَبِقَوْلِهِ وَنَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ اُحْتُرِزَ عَنْ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّ نَظَرَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَنَظَرِ الْمُوَكِّلِ فَقَيَّدَهُ بِالْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الرَّسُولَ بِهِ؛ لِأَنَّ نَظَرَهُ لَا يَكُونُ كَنَظَرِ الْمُرْسِلِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الرَّسُولُ بِالْقَبْضِ أَوْ بِالشِّرَاءِ. قَالَ (وَصَحَّ عَقْدُ الْأَعْمَى وَيَسْقُطُ خِيَارُهُ إذَا اشْتَرَى بِجَسِّ الْمَبِيعِ وَشَمِّهِ وَذَوْقِهِ وَفِي الْعَقَارِ بِوَصْفِهِ) أَمَّا صِحَّةُ عَقْدِهِ فَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ فَصَارَ كَالْبَصِيرِ، وَأَمَّا سُقُوطُ خِيَارِهِ بِمَا ذَكَرَهُ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُفِيدُ الْعِلْمَ لِمَنْ اسْتَعْمَلَهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبَصِيرِ وَقَوْلُهُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِجَسِّ الْمَبِيعِ إلَخْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وُجِدَ الْجَسُّ مِنْهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَبْلَ أَنْ يَجُسَّ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِهِ بَلْ يَثْبُتُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِمَا رَوَيْنَا وَيَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِي الصَّحِيحِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَاكْتَفَى بِالْوَصْفِ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا بِهِ وَالْوَصْفُ قَدْ يَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ الْبَصِيرِ كَمَا فِي السَّلَمِ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيهِ بَعْدَ مَا وُصِفَ لَهُ فَكَذَا فِي حَقِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَصْلُحُ وَلَا أَقْدِرُ عَلَى الرَّدِّ، وَقَالَ الْبَائِعُ أَخَافُ إنْ قَلَعْته لَا تَرْضَى بِهِ قَالَ مَنْ تَطَوَّعَ بِالْقَلْعِ جَازَ وَإِنْ تَشَاحَّا عَلَى ذَلِكَ فَسَخَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِجْبَارُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) أَيْ حَتَّى يَصُبَّهُ فِي كَفِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الدُّهْنَ حَقِيقَةً لِوُجُودِ الْحَائِلِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَبْطُلُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الزُّجَاجَ لَا يُخْفِي صُورَةَ الدُّهْنِ وَرَوَى هِشَامٌ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَنَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ كَنَظَرِهِ) أَيْ إذَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ نَاظِرًا إلَيْهِ مَكْشُوفًا اهـ (قَوْلُهُ: وَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ) أَيْ بِأَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَرَ عَيْبَهُ ثُمَّ وَكَّلَ بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ وَهُوَ يَرَى عَيْبَهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْعَيْبِ لِلْمُوَكِّلِ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ مَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الشَّرْطِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ قَبَضَهُ) أَيْ الْوَكِيلُ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَسْتُورًا) أَيْ ثُمَّ رَآهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَالْقَبْضُ عَلَى نَوْعَيْنِ قَبْضٌ تَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ)، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْضًا تَامًّا؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَبْطُلُ بِهَذَا الْقَبْضِ وَبَقِيَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْعَقْدِ فَلَمَّا بَطَلَ بِهَذَا الْقَبْضِ مِنْ الْمُشْتَرِي كَانَ هَذَا الْقَبْضُ تَامًّا. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ إلَخْ) وَنُقِضَ بِمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَقُمْ الْوَكِيلُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِيهِمَا إحْدَاهُمَا أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ رَأَى قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَسْقُطْ بِرُؤْيَتِهِ الْخِيَارُ وَالْمُوَكِّلُ لَوْ رَأَى وَلَمْ يَقْبِضْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ وَالثَّانِيَةُ لَوْ قَبَضَهُ الْمُوَكِّلُ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَأَبْطَلَ الْخِيَارَ بَطَلَ وَالْوَكِيلُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ سُقُوطَ الْخِيَارِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ إنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا لِتَمَامِ قَبْضِهِ بِسَبَبِ وِلَايَتِهِ بِالْوَكَالَةِ وَلَيْسَ هَذَا ثَابِتًا فِي مُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَقُولُ بَلْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لِلْمُوَكِّلِ وَهُوَ سُقُوطُ خِيَارِهِ إذَا رَآهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنْ مُجَرَّدَ مُضِيِّ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ يُسْقِطُ الْخِيَارَ وَلَيْسَ هُوَ بِالصَّحِيحِ وَبِعَيْنِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ يَقَعُ الْفَرْقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ضِمْنًا لِلْقَبْضِ الصَّحِيحِ بَلْ ثَبَتَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْوَكَالَةِ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ) أَيْ بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَسَقَطَ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالْبَصِيرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُمْكِنُ جَسُّهُ وَذَوْقُهُ وَشَمُّهُ يُكْتَفَى بِذَلِكَ لِسُقُوطِ خِيَارِهِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْوَصْفِ لَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الْبَصِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ مَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْكَامِلَ فِي حَقِّهِ يَثْبُتُ بِهَذَا فَأَمَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ جَسُّهُ كَالثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْوَصْفُ لَا غَيْرُ، فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَذَا فِي حَقِّهِ) أَيْ فَإِذَا رَضِيَ الْأَعْمَى بِالْوَصْفِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ النَّظَرِ مِنْ الْبَصِيرِ اهـ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُوقَفَ فِي مَكَان إلَخْ فِي جَامِعِ الْعَتَّابِيِّ هُوَ أَنْ يُوقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ ثُمَّ يَذْكُرُ لَهُ صِفَتَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ إيقَافَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْوَصْفِ وَسُقُوطُ الْخِيَارِ بِهِ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ قَدْ أُقِيمَ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي السَّلَمِ وَمِمَّنْ أَنْكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، وَقَالَ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُوقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّشَبُّهَ يَقُومُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ كَتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ أُقِيمَ مَقَامَ الْقِرَاءَةِ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ فِي الصَّلَاةِ وَإِجْرَاءِ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ عِنْدَ التَّحَلُّلِ، وَقَالَ الْحَسَنُ يُوَكِّلُ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ لَهُ وَهُوَ يَرَاهُ وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْوَكِيلِ بِهِ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخٍ يُشْتَرَطُ مَسُّ الْحِيطَانِ وَالْأَشْجَارِ مَعَ الْوَصْفِ، وَإِنْ أَبْصَرَ بَعْدَ الْوَصْفِ وَبَعْدَمَا وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ تَمَّ بِهِ وَانْبَرَمَ فَلَا يُنْتَقَضُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَلِأَنَّ خِيَارَهُ قَدْ سَقَطَ بِهِ فَلَا يَعُودُ، وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ انْتَقَلَ إلَى الْوَصْفِ لِوُجُودِ الْعَجْزِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ. قَالَ (وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ لَهُ رَدُّهُمَا)؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا لَا تُغْنِي عَنْ رُؤْيَةِ الْآخَرِ لِلتَّفَاوُتِ فَبَقِيَ خِيَارُهُ فِيمَا لَمْ يَرَهُ فَيَجُوزُ رَدُّهُمَا لِمَا رَوَيْنَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ» فَيَرُدَّهُمَا جَمِيعًا ضَرُورَةً وَلَا يُقَالُ خِيَارُهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ فِيمَا لَمْ يَرَهُ وَفِي مَنْعِ الْفَسْخِ فِيهِ وَحْدَهُ إبْطَالٌ لَهُ فَكَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: نَحْنُ لَا نَمْنَعُ خِيَارَ الْفَسْخِ فِيهِ، وَإِنَّمَا نَقُولُ إذَا اخْتَارَ الْفَسْخَ فُسِخَ فِيهِ وَفِي الْآخَرِ احْتِرَازًا عَنْ التَّفْرِيقِ فَكَانَ فِيهِ عَمَلًا بِمُوجِبِهِ وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَرَهُ يَرُدُّهُ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَاَلَّذِي رَآهُ بِالثَّانِي لِمَا أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَهَذَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ وَلَا يَكُونُ فَسْخًا لِخَلَلٍ فِي الرِّضَا بِالْعَقْدِ وَهُوَ الصَّفْقَةُ كَمَا لَا تَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ لِعَدَمِ رِضَا الْآخَرِ بِالصَّفْقَةِ، وَكَذَا لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ تَامٍّ قَبْلَ الْقَبْضِ إذْ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي الْقَبْضِ كَمَا لَا يُفَرِّقُ فِي الْقَبُولِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوُقُوفُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ عِلْمًا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَإِجْرَاءُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْمُحْرِمِ) أَيْ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِجْرَاءُ الْمُوسَى إلَخْ مَا نَصُّهُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الْوَصْفِ فَإِنَّ الْقَائِمَ مَقَامَ الشَّيْءِ بِمَنْزِلَتِهِ وَقَدْ ثَبَتَ شَرْعًا اعْتِبَارُهُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي السَّلَمِ وَوُجُوبُ إجْرَاءِ الْمُوسَى مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَكَذَا التَّحْرِيكُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْأُمِّيِّ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرَ ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ انْتَقَلَ إلَى الْوَصْفِ) أَيْ كَأَنَّهُ كَانَ أَعْمَى عِنْدَ الْعَقْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ) أَيْ كَيْ لَا يَكُونَ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ وَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الرِّضَا قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ وَالرِّضَا فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا لَا يُرَدُّ الْبَاقِي وَهُنَا وَفِي خِيَارِ الشَّرْطِ يُرَدُّ الْآخَرُ إذَا رُدَّ بَعْدَ الْقَبْضِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ رَدَّ أَحَدِهِمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَهُمَا وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ لَوْ رُدَّ كَانَ بَعْدَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ فِيمَا كَانَ مِلْكُ الْبَائِعِ ظَاهِرًا فَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْبَاقِي عَيْبُ الشَّرِكَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا وَاحِدًا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ أَيْضًا كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَعْيَانِ الْمُجْتَمِعَةِ عَيْبٌ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الْعَيْبِ فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ. اهـ. فَتْحٌ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: ثُمَّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ مَا لَمْ يَرَهُ إذَا رَآهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ بَلْ يَرُدَّهُمَا جَمِيعًا إنْ شَاءَ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَهَذَا لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعَانِ تَمَامَ الصَّفْقَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ، وَلِهَذَا يَرُدُّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا بَعْدَ الْقَبْضِ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ بَلْ تَتِمُّ الصَّفْقَةُ بِالْقَبْضِ فَلَا يَلْزَمُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ بِرَدِّ أَحَدِهِمَا فَلَوْ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتِمَّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَعْنَى فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لُزُومُ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ تَرْوِيجُ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ بِجَوْدَةِ أَحَدِهِمَا وَرَدَاءَةِ الْآخَرِ وَفِي مَنْعِ الْمُشْتَرِي عَنْ الرَّدِّ أَيْضًا ضَرَرٌ إلَّا أَنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ ضَرَرُ الْبَيْعِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ مَالِيٌّ وَضَرَرُ الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِمَالِيٍّ بَلْ هُوَ بُطْلَانُ مُجَرَّدِ قَوْلِهِ مَتَى أَلْزَمْنَاهُ رَدَّ كِلَيْهِمَا وَبَعْدَ الْقَبْضِ ضَرَرُ الْمُشْتَرِي أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ بِرَدِّ الْكُلِّ يَبْطُلُ حَقُّهُ عَنْ الْيَدِ وَالرَّقَبَةِ. وَضَرَرُ الْبَيْعِ مَوْهُومٌ فَرُبَّمَا يُمْكِنُهُ بَيْعُ الْمَعِيبِ بِثَمَنٍ جَيِّدٍ فَيُدْفَعُ أَعْلَى الضَّرَرَيْنِ بِأَدْنَاهُمَا ثُمَّ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا لَا يَكُونُ لَهُ رَدُّهُمَا إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرَّدِّ وُجِدَ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَفِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مِنْ ضَرْبٍ وَاحِدٍ إذَا قُبِضَ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ جَمِيعًا أَوْ يَرُدَّهُ جَمِيعًا، كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ ثَابِتَةٌ لِلْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِاعْتِبَارِ الْجَمِيعِ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْحَبَّةِ وَأَمْثَالِهَا فَصَارَ الْكُلُّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ حُكْمًا فِي حَقِّ الرَّدِّ، وَلِهَذَا جَعَلَ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ رُؤْيَةَ الْبَاقِي كَمَا فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَفِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ اسْتَحَقَّ أَحَدَ الْمُخْتَلِفَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الْآخَرِ لَا حَقِيقَةً وَلَا اعْتِبَارًا وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ لَهُ الْخِيَارُ لِوُجُودِ النُّقْصَانِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِالتَّهَايُؤِ وَإِنْ كَانَ قَبَضَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يَقْبِضْ الْآخَرَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَكِيلِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِيهِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ قَبْلَ الْقَبْضِ يُخَيَّرُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ كَذَا فِي الشَّامِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي رَآهُ بِالثَّانِي) أَيْ بِالْحَدِيثِ الثَّانِي وَهُوَ «نَهْيُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ» اهـ

الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ رَضِيَا بِالْعَقْدِ عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَامَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ ظَاهِرًا فَلَزِمَ وَتَمَّ، وَلِهَذَا أَفَادَ الْعَقْدُ فِيهِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَالتَّصَرُّفَ وَلَوْ كَانَ فِي رِضَاهُمَا خَلَلٌ لَمَا أَفَادَ يُحَقِّقُهُ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ ثَبَتَ لِفَوَاتِ بَعْضِ أَوْصَافِ الْمَبِيعِ وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ حَتَّى يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ فَهَذَا أَوْلَى فَالتَّفْرِيقُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ فِي الْفَسْخِ إذْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ تَمَامِهِ إلَّا الْفَسْخُ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ بِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ بَلْ يَنْفَسِخُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي وَلَوْ كَانَ يَمْنَعُ التَّمَامَ لَمَلَكَهُ كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَصَارَ نَظِيرُ الْقَبُولِ فِي الِانْفِرَادِ بِهِ كَمَا صَارَا نَظِيرَيْهِ فِيهِ أَيْ نَظِيرَيْ الْقَبُولِ فِي الِانْفِرَادِ بِهِ فِيهِ. قَالَ (وَلَا يُورَثُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ) أَيْ لَا يُورَثُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَمَا لَا يُورَثُ خِيَارُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ لِلْعَاقِدِ وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ وَصْفٌ لَهُ فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى مَا رَأَى خُيِّرَ إنْ تَغَيَّرَ وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَبِيعِ حَصَلَ بِالرُّؤْيَةِ الْأُولَى وَقَدْ رَضِيَ بِهِ مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ إلَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ كَانَ رَآهُ مِنْ قَبْلُ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِعَدَمِ رِضَاهُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِدُونِ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِهِ لَا يُتَصَوَّرُ، وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ إذَا وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَقَعْ مُعَلِّمَةً لَهُ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ. قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَكَذَا سَبَبُ اللُّزُومِ قَدْ ظَهَرَ فَلَا يَصْدُقُ فِي دَعْوَاهُ التَّغَيُّرَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَارِيَةَ الشَّابَّةَ تَكُونُ عَجُوزًا بِطُولِ الْمُدَّةِ قَالَ (وَلِلْمُشْتَرِي لَوْ فِي الرُّؤْيَةِ) أَيْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا أَمْرٌ حَادِثٌ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ. قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى عَدْلًا وَبَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ وَهَبَ رَدَّهُ بِعَيْبٍ لَا بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ)؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ تَعَذَّرَ فِيمَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ تَمَامَ الصَّفْقَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي خِيَارِ الْعَيْبِ يَمْلِكُ التَّفْرِيقَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَفِيهِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ الرَّدِّ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ فَصَارَ كَخِيَارِ الشَّرْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَلِهَذَا أَفَادَ الْعَقْدَ) هَذَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ تَتِمَّ الصَّفْقَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا صَارَا نَظِيرَيْهِ فِيهِ) أَيْ نَظِيرَيْ الْقَبُولِ فِي الِانْفِرَادِ بِهِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَا يُخَيَّرُ) أَيْ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ فِي شِرَاءِ مَا لَمْ يَرَهُ إنَّمَا ثَبَتَ لِلْجَهْلِ بِصِفَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَلَى مَا رَآهُ مِنْ الصِّفَةِ يُحَقِّقُ الْعِلْمَ بِصِفَاتِهِ بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ فَانْتَفَى الْمُوجِبُ لِلْخِيَارِ بِالرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ الْخِيَارُ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ كَانَ رَآهُ مِنْ قَبْلُ) أَيْ كَأَنْ رَأَى جَارِيَةً ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً مُتَنَقِّبَةً لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا الَّتِي كَانَ رَآهَا ثُمَّ ظَهَرَتْ إيَّاهَا فَإِنَّ لَهُ الْخِيَارَ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالرِّضَا أَوْ رَأَى ثَوْبًا فَلُفَّ فِي ثَوْبٍ وَبِيعَ فَاشْتَرَاهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ ذَلِكَ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَنَقُولُ إنْ كَانَ لَا يَتَفَاوَتُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي إذَا نَظَرَ إلَى مَمْلُوكٍ أَوْ دَابَّةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَهْرٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ الَّذِي رَأَيْته عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْبَائِعِ الْيَمِينُ وَلَمْ يُصَدَّقْ الْمُشْتَرِي فِي قَلِيلِ الْمُدَّةِ وَاعْتُبِرَ الشَّهْرُ قَلِيلًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ فِي مُدَّةِ الشَّهْرِ غَالِبًا اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ مَا نَصُّهُ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّرَ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ) أَيْ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هَذَا الَّذِي بِعْتُكَهُ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ هُوَ هُوَ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْعٍ بَاتٍّ أَوْ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الرُّؤْيَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْغَالِبُ فِي الْبِيَاعَاتِ كَوْنُ الْمُشْتَرِي يَرَى الْمَبِيعَ فَدَعْوَى الْبَائِعِ رُؤْيَةَ الْمُشْتَرِي تَمَسُّكٌ بِالظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ الظَّاهِرُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ لَا لِمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ إلَّا إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ ظَاهِرٌ فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي الرُّؤْيَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ وُهِبَ رَدَّهُ) أَيْ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ تَمَامَ الصَّفْقَةِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِعَدَمِ تَكَامُلِ الرِّضَا فَلَوْ جَازَ رَدُّ الْبَاقِي يَلْزَمُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي خِيَارِ الْقَبُولِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ التَّفْرِيقُ فِي خِيَارِ الْقَبُولِ لَمْ يَجُزْ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَجِبُ بِمُقَابِلِهِ عَرْضٌ مَالِيٌّ حَتَّى إذَا بَطَلَ بَطَلَ لَا إلَى بَدَلٍ، وَأَمَّا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ ثَوْبًا دُونَ ثَوْبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ وَهِيَ تَتِمُّ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى السَّلِيمِ وَالظَّاهِرُ وَالسَّلَامَةُ فَوُجِدَ الرِّضَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَتَمَامُ الصَّفْقَةِ لِتَمَامِ الرِّضَا وَالتَّفْرِيقِ بَعْدَ تَمَامِ الصَّفْقَةِ جَائِزٌ، ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ إنْ شَاءَ لِغَرَرٍ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ أَيْ عَادَ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَرَهُ ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ بِأَنْ رَدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ فِي الْبَيْعِ وَبِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فِي الْهِبَةِ، وَكَذَا إذَا رَدَّ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ هُوَ فَسْخُ مَا نَصُّهُ أَيْ مَحْضٌ كَالرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّرْطِ أَوْ الْعَيْبِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ هُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيِّ صَاحِبُ التَّصَانِيفِ الْكَثِيرَةِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَةٍ سَنَةَ تُوُفِّيَ

[باب خيار العيب]

وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَ عَبْدَهُ الْمَدِينَ مِمَّنْ لَهُ الدَّيْنُ أَوْ عَبْدَهُ الْجَانِي مِنْ رَبِّ الْجِنَايَةِ حَتَّى سَقَطَ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ حَيْثُ يَعُودَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالْعُذْرُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ حَقَّ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَضْعَفُ مِنْهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ) وَهُوَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ رَدَّهُ)؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ مِنْ الْعَيْبِ فَكَانَتْ السَّلَامَةُ كَالْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ صَرِيحًا لِكَوْنِهَا مَطْلُوبَةً عَادَةً فَعِنْدَ فَوَاتِهَا يَتَخَيَّرُ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِإِلْزَامِ مَا لَا يَرْضَى بِهِ كَمَا إذَا فَاتَ الْوَصْفُ الْمَرْغُوبُ فِيهِ الْمَشْرُوطُ فِي الْعَقْدِ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ نَحْوُهُ فَوَجَدَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلِكَوْنِ السَّلَامَةِ كَالْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمَعِيبَ حَتَّى يُبَيِّنَ عَيْبَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا وَفِيهِ عَيْبٌ إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ «وَمَرَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ فَقَالَ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «وَكَتَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كِتَابًا بَعْدَ مَا بَاعَ فَقَالَ فِيهِ هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْدَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ بَيْعُ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ فَإِذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِالْعَقْدِ لِكَوْنِهَا تَبَعًا فَلَا تَكُونُ أَصْلًا وَلَا مُزَاحِمًا لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ بِأَنْ حَدَثَ الْعَيْبُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ إذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ بِالْإِتْلَافِ قَصْدًا وَالْمُرَادُ بِهِ عَيْبٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ. قَالَ (وَمَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ عِنْدَ التُّجَّارِ عَيْبٌ)؛ لِأَنَّ التَّضَرُّرَ بِنُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ وَذَلِكَ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ وَالْمَرْجِعُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو بَكْرٍ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالْإِمَامُ الْقُدُورِيُّ هُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ سِينَا الْحَكِيمُ وَالْقُدُورِيُّ تِلْمِيذُ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ وَهُوَ تِلْمِيذُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ وَهُوَ تِلْمِيذُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ) أَيْ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَحَقِيقَةُ الْمَلْحَظِ مُخْتَلِفٌ فَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَحَظَ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ مَانِعًا زَالَ فَيَعْمَلُ الْمُقْتَضِي وَهُوَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَمَلَهُ وَلَحَظَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُسْقِطًا وَإِذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ بِلَا سَبَبٍ وَهَذَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا التَّصَرُّفِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا. اهـ. فَتْحٌ. [بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ] (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ مِنْ الْعَيْبِ) أَيْ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي عُرْفِ التُّجَّارِ وَالْمَعْرُوفُ بِالْعُرْفِ كَالْمَشْرُوطِ بِالشَّرْطِ صَرِيحًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً) شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ) الدَّاءُ مَا كَانَ فِي الْجَسَدِ وَالْخِلْقَةِ وَالْخِبْثَةُ مَا كَانَ فِي الْخُلُقِ وَالْغَائِلَةُ هُوَ سُكُوتُ الْبَائِعِ عَمَّا يَعْلَمُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ مَكْرُوهٍ. اهـ. وَالْعَدَاءُ بِالْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ ابْنُ خَالِدِ بْنُ هَوْذَةَ بْنِ خَالِدٍ كَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ غَرِيبٌ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا خِبْثَةَ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ أَرَادَ بِالْخِبْثَةِ الْحَرَامَ كَمَا عَبَّرَ عَنْ الْحَلَالِ بِالطَّيِّبِ وَالْخِبْثَةُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَبِيثِ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ عَبْدٌ رَقِيقٌ لَا أَنَّهُ مِنْ قَوْمٍ لَا يَحِلُّ سَبْيُهُمْ كَمَنْ أُعْطِيَ عَهْدًا أَوْ أَمَانًا أَوْ مَنْ هُوَ حُرٌّ فِي الْأَصْلِ. اهـ. فَقَوْلُهُ: نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَبِيثِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْقَلَمِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَيْعَ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ) بِنَصْبِ بَيْعٍ وَرَفْعِهِ، النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ بَاعَهُ بَيْعَ الْمُسْلِمِ وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا بَيْعُ الْمُسْلِمِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولُ مَنْصُوبٌ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا بَاعَ غَيْرَ الْمُسْلِمِ جَازَ أَنْ يُعَامِلَهُ بِمَا يَتَضَمَّنُ خِيَانَةً أَوْ غَبْنًا، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا بَاعَ الْمُسْلِمَ يَرَى لَهُ مِنْ النُّصْحِ أَكْثَرَ مِمَّا يَرَى لِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يَنْقُصُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إمْسَاكُ الْمَعِيبِ وَأَخْذُ نُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ الضَّرَرُ عَلَى الْبَائِعِ فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ أَنْ يُخْرِجَ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَخْذِ النُّقْصَانِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِمَّا رَضِيَ بِهِ وَالْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِالْعَيْبِ أَيْضًا يُمْكِنُ تَدَارُكُ ذَلِكَ بِرَدِّ الْمَبِيعِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي أَخْذِ النُّقْصَانِ اهـ. (فَرْعٌ) لَوْ صَالَحَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَنْ حَقِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى مَالٍ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ قَالَهُ الْكَمَالُ اهـ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ) أَيْ وَكَمَا إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ آخَرُ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ اهـ (قَوْلُهُ: وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ) أَيْ عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ أَمَّا إذَا رَأَى ذَلِكَ عِنْدَ أَحَدِ هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ دَلَالَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ إلَخْ) أَرَادَ بِهَذَا بَيَانَ مَعْرِفَةِ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ مَنْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا إلَخْ وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَةِ الْعُيُوبِ فَبَيَّنَ الْعَيْبَ بِهَذَا اهـ

مَعْرِفَتِهِ عُرْفُ أَهْلِهِ قَالَ (كَالْإِبَاقِ وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ عِنْدَهُمْ) ثُمَّ إذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ صَغِيرٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لَا يَكُونُ عَيْبًا، وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا يَكُونُ عَيْبًا وَيَزُولُ بِالْبُلُوغِ فَإِنْ عَاوَدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَكُونُ عَيْبًا حَادِثًا غَيْرَ الْأَوَّلِ لِزَوَالِ الْأَوَّلِ بِالْبُلُوغِ فَيَكُونَانِ مُخْتَلِفَيْنِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا فَإِنَّ الْبَوْلَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِضَعْفٍ فِي الْمَثَانَةِ وَبَعْدَهُ لِدَاءٍ فِي الْبَاطِنِ وَالْإِبَاقَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِحُبِّ اللَّعِبِ وَالسَّرِقَةَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ وَهُمَا بَعْدَهُ لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْهَا عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبُلُوغِ ثُمَّ وُجِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِزَوَالِ الْأَوَّلِ بِالْبُلُوغِ وَلَوْ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَوُجِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَيْضًا قَبْلَ الْبُلُوغِ يَرُدُّهُ بِهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ، وَكَذَا إذَا وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَعِنْدَ الْمُشْتَرِي أَيْضًا بَعْدَ الْبُلُوغِ يَرُدُّهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالسَّرِقَةُ لَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا لِلْأَكْلِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا فَإِنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْمَوْلَى حَيْثُ أَحْوَجَهُ إلَيْهِ. وَإِنْ سَرَقَ طَعَامًا مِنْ الْمَوْلَى لِيَبِيعَهُ يَكُونُ عَيْبًا؛ لِأَنَّهُ يَأْتَمِنُهُ فِي حِفْظِ مَالِهِ وَلَوْ سَرَقَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ نَحْوَ الْفَلْسِ وَالْفَلْسَيْنِ لَا يَكُونُ عَيْبًا وَلَوْ نَقَّبَ الْبَيْتَ يَكُونُ عَيْبًا، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ وَفِي الْإِبَاقِ إذَا خَرَجَ مِنْ الْبَلَدِ يَكُونُ عَيْبًا بِالِاتِّفَاقِ إنْ أَبَقَ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ مِنْ رَجُلٍ كَانَ عِنْدَهُ بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَقَ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى الْمَوْلَى أَوْ إلَى غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَعْرِفْ مَنْزِلَهُ أَوْ لَمْ يَقْوَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ كَبِيرَةً مِثْلُ الْقَاهِرَةِ يَكُونُ عَيْبًا، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُهَا وَبُيُوتُهَا لَا يَكُونُ عَيْبًا قَالَ (وَالْجُنُونُ) لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ فَسَادٌ فِي الْبَاطِنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ مَعْدِنُهُ الْقَلْبُ وَشُعَاعُهُ فِي الدِّمَاغِ وَالْجُنُونُ انْقِطَاعُ ذَلِكَ الشُّعَاعِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ حَتَّى لَوْ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي صِغَرِهِ وَعَاوَدَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْكِبَرِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ غَبَنَ ذَلِكَ الْأَوَّلَ وَقِيلَ: لَا تُشْتَرَطُ الْمُعَاوَدَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَلْ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ بِهِ جُنُونٌ عِنْدَ الْبَائِعِ يَرُدُّهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَاوِدْهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَزُولُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ حَتَّى يُعَاوِدَهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ وَمِقْدَارُهُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا دُونَهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُطْبِقُ عَيْبٌ وَمَا دُونَهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا. قَالَ (وَالْبَخَرُ وَالدَّفَرُ وَالزِّنَا وَوَلَدُهُ فِي الْجَارِيَةِ) يَعْنِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ تَكُونُ عَيْبًا فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْهَا وَهُوَ الِافْتِرَاشُ وَطَلَبُ الْوَلَدِ لَا فِي الْغُلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ الِاسْتِخْدَامُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تُخِلُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَخْدِمُهُ مِنْ بَعْدُ وَكَوْنُهُ أَدْفَرَ أَوْ أَبْخَرَ أَوْ زَانِيًا أَوْ وَلَدَ زِنًا لَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا بِحَيْثُ يَمْنَعُ الْقُرْبَ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ يَكُونُ الزِّنَا عَادَةً لَهُ؛ لِأَنَّ الْفَاحِشَ مِنْ الْبَخَرِ وَالدَّفَرِ يَكُونُ مِنْ دَاءٍ وَهُوَ عَيْبٌ وَاتِّبَاعُ النِّسَاءِ يَشْغَلُهُ عَنْ الْخِدْمَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الزِّنَا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّتَيْنِ وَالْعُيُوبُ كُلُّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْمُعَاوَدَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَرُدَّ إلَّا الزِّنَا فِي الْجَارِيَةِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْأَمَالِي لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَالِغَةً وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ صَغِيرٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لَا يَكُونُ عَيْبًا) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الِامْتِنَاعَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْبَوْلَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِضَعْفٍ فِي الْمَثَانَةِ) وَالضَّعْفُ قَبْلَ الْبُلُوغِ شَامِلٌ فِي الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا ثُمَّ عِنْدَ الْبُلُوغِ تَكْمُلُ أَعْضَاؤُهُ وَيَشْتَدُّ فَكَذَا هَذَا فَإِذَا بَلَغَ وَمَعَ هَذَا بَالَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِمَعْنًى آخَرَ سِوَى ذَلِكَ الضَّعْفِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ ثُبُوتُ ضَعْفٍ فِي الْمَثَانَةِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ عَيْبًا لَازِمًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِاتِّحَادِ السَّبَبِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اتَّفَقَ الْحَالَانِ عُلِمَ أَنَّ السَّبَبَ وَاحِدٌ فَيَكُونُ هَذَا الْعَيْبُ ثَابِتًا عِنْدَ الْبَائِعِ فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ فَلَا يُعْرَفُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَزُولَ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ حَدَثَ النَّوْعُ الْآخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ كَالْعَبْدِ إذَا حُمَّ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ هَذَا الثَّانِي غَيْرَ ذَلِكَ النَّوْعِ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْعِهِ يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ نَقْلًا عَنْ التُّحْفَةِ مَعَ بَعْضِ تَغْيِيرٍ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْجُنُونِ) وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ الْبَلْخِيّ أَنَّ الْجُنُونَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ الْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ فَلَا يُمْكِنُ الْمُشْتَرِيَ أَنْ يَرُدَّ بِالْجُنُونِ إذَا جُنَّ عِنْدَهُ فِي حَالَةِ الْكِبَرِ إذَا كَانَ الْجُنُونُ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ إذَا كَانَ الْجُنُونُ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي حَالَةِ الْكِبَرِ أَيْضًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَهُ فِي الصِّغَرِ الضَّعْفُ الشَّامِلُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَهُوَ يَزُولُ بِالْكِبَرِ كَمَا فِي ضَعْفِ الْمَثَانَةِ وَفِي حَالَةِ الْكِبَرِ لِفَسَادٍ اخْتَصَّ بِهِ مَحَلُّ الْعَقْلِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ ضَعْفَ الدِّمَاغِ لَا يُوجِبُ الْجُنُونَ بَلْ يُوجَدُ فِيهِ مِنْ الْعَقْلِ بِقَدْرِهِ، وَلِهَذَا يَظْهَرُ آثَارُ الْعَقْلِ فِي الصِّغَارِ ثُمَّ يَزْدَادُ ذَلِكَ بِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ فَكَانَ الْجُنُونُ ثَابِتًا لِفَسَادٍ فِيهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعَاوَدَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْكِبَرِ يَرُدُّهُ) أَيْ بِخِلَافِ الْإِبَاقِ وَنَظَائِرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الْمُعَاوَدَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَلْ إذَا أَثْبَتَ أَنَّهُ كَانَ بِهِ جُنُونٌ عِنْدَ الْبَائِعِ يَرُدُّهُ اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ غَبَنَ ذَلِكَ الْأَوَّلَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يَكُونُ إلَّا لِفَسَادٍ فِي مَحَلِّ الْعَقْلِ وَهُوَ الدِّمَاغُ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ ظَهَرَ فَهُوَ بِذَلِكَ السَّبَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْبَخَرِ وَالدَّفَرِ) الْبَخَرُ رَائِحَةٌ مُتَغَيِّرَةٌ مِنْ الْفَمِ وَكُلُّ رَائِحَةٍ سَاطِعَةٍ فَهِيَ بَخَرٌ مَأْخُوذٌ مِنْ بُخَارِ الْقِدْرِ أَوْ بُخَارُ الدُّخَانِ وَهَذَا الْبَخُورُ الَّذِي يَتَبَخَّرُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ وَالدَّفَرُ نَتِنُ رِيحِ الْإِبِطِ قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ الدَّفَرُ النَّتِنُ رَجُلٌ أَدْفَرُ وَامْرَأَةٌ دَفْرَاءُ وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ يَا دَفَارُ مَعْدُولٌ وَقَدْ شَمَمْت دَفَرَ الشَّيْءِ وَدَفْرَهُ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا، وَأَمَّا الذَّفَرُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَهُوَ حِدَةٌ مِنْ طِيبٍ أَوْ نَتِنٍ وَرُبَّمَا خُصَّ بِهِ الطِّيبُ فَقِيلَ مِسْكٌ أَذْفَرُ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ قِيلَ: الرِّوَايَةُ هُنَا وَالسَّمَاعُ بِالدَّالِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: دُونَ الْغُلَامِ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَجَدَهُ سَارِقًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْخِزَانَةِ وَالْأَمْوَال فَإِذَا كَانَ زَانِيًا لِمَ لَا يَكُونُ عَيْبًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْجَوَارِي وَالْخَدَمِ قِيلَ

كَانَتْ زَنَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا، وَإِنْ لَمْ تَزْنِ عِنْدَهُ لِلُحُوقِ الْعَارِ بِالْأَوْلَادِ وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً فَأَبَقَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ وَجَدَهَا وَاسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ بِبَيِّنَةٍ فَعَيْبُ الْإِبَاقِ لَازِمٌ لَهَا أَبَدًا وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْإِبَاقَ أَيْضًا لَا يُشْتَرَطُ مُعَاوَدَتُهُ فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَاوِدْهَا عِنْدَهُ، وَكَذَا مَنْ اشْتَرَى مِنْهُ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ بِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَدَةٍ عِنْدَهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الزِّنَا فِي الْغُلَامِ عَيْبٌ كَالسَّرِقَةِ قُلْنَا لَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِالزِّنَا وَلَا يُعَدُّ عَيْبًا عَادَةً إلَّا إذَا كَثُرَ مِنْهُ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَشُقُّ عَلَيْهِ حِفْظُ مَالِهِ عَنْهُ، وَكَذَا حَدُّهُ أَعْظَمُ وَهُوَ قَطْعُ الْيَدِ مِنْ حَدِّ الزِّنَا وَهُوَ الْجَلْدُ قَالَ (وَالْكُفْرُ) يَعْنِي فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ هُوَ عَيْبٌ؛ لِأَنَّ طَبْعَ الْمُسْلِمِ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَتِهِ لِلْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَتَخْتَلُّ الرَّغْبَةُ فِيهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا لَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْعَيْبُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرُدُّهُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْبَادَ الْكَافِرِ وَإِذْلَالَهُ مَطْلُوبُ الْمُسْلِمِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ (وَعَدَمُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ)؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَهُ وَاسْتِمْرَارَ الدَّمِ أَمَارَةُ الدَّاءِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ مُرَكَّبٌ فِي بَنَاتِ آدَمَ فَإِذَا لَمْ تَحِضْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِدَاءٍ فِيهَا وَذَلِكَ الدَّاءُ هُوَ الْعَيْبُ، وَكَذَا الِاسْتِحَاضَةُ لِدَاءٍ فِيهَا وَلَا يُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِأَنَّهُ ارْتَفَعَ إلَّا إذَا ذَكَرَ سَبَبَهُ وَهُوَ الدَّاءُ أَوْ الْحَبَلُ فَمَا لَمْ يَذْكُرْ أَحَدَهُمَا لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الِارْتِفَاعِ أَقْصَى غَايَةِ الْبُلُوغِ وَهُوَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهَا وَيُسْتَحْلَفُ الْبَائِعُ مَعَ ذَلِكَ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَتُرَدُّ بِنُكُولِهِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرَدُّ بِلَا يَمِينِ الْبَائِعِ لِضَعْفِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَتَّى يَمْلِكَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَصَحَّ الْفَسْخُ لِلْعَقْدِ الضَّعِيفِ بِحُجَّةٍ ضَعِيفَةٍ، قَالُوا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمَةِ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَلَوْ ادَّعَى انْقِطَاعَهُ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَفِي الْمَدِيدَةِ تُسْمَعُ وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كُنَّ مَسْتُورَاتٍ يُمْكِنُهُنَّ حِفْظُ أَنْفُسِهِنَّ وَإِذَا شَغَلَهُ الْمَوْلَى بِالْعَمَلِ رُبَّمَا لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ الْأَمْرِ فَلِذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يَكُونُ عَيْبًا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ اهـ. (فَرْعٌ) النِّكَاحُ عَيْبٌ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا وَعَلَّلَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ فَرْجَ الْجَارِيَةِ عَلَيْهِ حَرَامٌ إذَا كَانَ لَهُ زَوْجٌ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ يَلْزَمُ بِنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَعِدَّةُ الْجَارِيَةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ عَيْبٌ وَعَنْ الْبَائِنِ لَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ وَلَدَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا مِنْ الْبَائِعِ أَوْ عِنْدَ آخَرَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ وَقْتَ الْعَقْدِ هَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ لَا يَرُدُّ إذَا لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ نُقْصَانٌ ظَاهِرٌ وَعَلَى رِوَايَةِ الْمُضَارَبَةِ يَرُدُّ؛ لِأَنَّ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ الْوِلَادَةُ عَيْبٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ التَّكَسُّرَ الَّذِي يَحْصُلُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ لَا يَزُولُ أَبَدًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى نَفْسُ الْوِلَادَةِ عَيْبٌ فِي بَنِي آدَمَ وَفِي الْبَهَائِمِ لَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) وَالْعُسْرُ عَيْبٌ وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ بِشِمَالِهِ وَلَا يَعْمَلُ بِيَمِينِهِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْأَجْنَاسِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْكُفْرُ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَإِذَا هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَجَدَهَا كَذَلِكَ قَالَ كُلُّ هَذَا عَيْبٌ يَرِدُ مِنْهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ قَلَّمَا يَرْغَبُ فِي صُحْبَةِ الْكَافِرِ وَيَنْفِرُ عَنْهُ فَكَانَ الْكُفْرُ سَبَبًا لِنُقْصَانِ الثَّمَنِ لِفُتُورِ الرَّغْبَةِ فَكَانَ عَيْبًا وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الْكَافِرِ إلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ فَاخْتَلَفَتْ الرَّغْبَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: يَرُدُّهُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ) أَيْ لِأَنَّ الْأَوْلَى بِالْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَعْبِدَ الْكَافِرَ وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَسْتَعْبِدُونَ الْعُلُوجَ، وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ رَاجِعٌ إلَى الدِّيَانَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي الْمُعَامَلَاتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَمَةِ) قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرُهُ إنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ بِقَوْلِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ غَيْرَهَا وَيَحْلِفُ الْمَوْلَى مَعَ ذَلِكَ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمَهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَمَا بِهَا هَذَا الْعَيْبُ وَإِنْ نَكَلَ تُرَدُّ بِنُكُولِهِ هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا بِهَا هَذَا الْعَيْبُ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي فِي الْحَالِ وَهَذَا عَلَى قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَكَارَةِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَيْسَتْ بِبِكْرٍ، وَقَالَ الْبَائِعُ: هِيَ بِكْرٌ فِي الْحَالِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُرِيهَا النِّسَاءَ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْبَكَارَةُ، وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ ثَيِّبٌ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ لِلْمُشْتَرِي بِشَهَادَتِهِنَّ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ ضَعِيفَةٌ وَحَقُّ الْفَسْخِ حَقٌّ قَوِيٌّ وَبِشَهَادَتِهِنَّ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْخُصُومَةِ فِي تَوْجِيهِ الْيَمِينِ عَلَى الْبَائِعِ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمَهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِاَللَّهِ أَنَّهَا بِكْرٌ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ بِشَهَادَتِهِنَّ مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ هُنَا تُرَدُّ مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الْبَائِعِ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا لَا تَحِيضُ لَا تُسْمَعُ مِنْهُ الْخُصُومَةُ مَا لَمْ يَدَّعِ ارْتِفَاعَ الْحَيْضِ بِسَبَبِ الدَّاءِ أَوْ الْحَبَلِ فَإِنْ ادَّعَى بِسَبَبِ الْحَمْلِ يُرِيهَا النِّسَاءَ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ حُبْلَى يَحْلِفُ الْبَائِعُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَإِنْ قُلْنَ لَيْسَتْ بِحُبْلَى لَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي ارْتِفَاعَ الْحَيْضِ بِسَبَبِ الدَّاءِ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي (قَوْلُهُ: قَالُوا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمَةِ فِيهِ) فِي الْهِدَايَةِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَمَةِ فَتُرَدُّ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ نُكُولُ الْبَائِعِ اهـ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَدِيدَةِ تُسْمَعُ) وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ وَاَلَّتِي يَرْتَفِعُ حَيْضُهَا زَمَانًا فَهَذَا كُلُّهُ عَيْبٌ وَفَسَّرَ فِي التُّحْفَةِ أَدْنَى ذَلِكَ الزَّمَانِ بِشَهْرَيْنِ اهـ

وَعَشْرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ أَنَّهَا سَنَتَانِ وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ فِيهِ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى انْقِطَاعَهُ وَأَحْسَنَ دَعْوَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا سَأَلَ الْقَاضِي الْبَائِعَ فَإِنْ أَقَرَّ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لِلْحَالِ وَهُوَ الِانْقِطَاعُ لَا يَحْلِفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِقِيَامِهِ فِي الْحَالِ وَأَنْكَرَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ يَحْلِفُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الِانْقِطَاعَ كَانَ لِلْبَائِعِ قَالَ فِي الْكَافِي لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ انْقِطَاعَهُ فَتَيَقَّنَ الْقَاضِي بِكَذِبِهِمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ دُرُورُ الدَّمِ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي الْحَبَلِ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ وَفِي الدَّاءِ إلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ وَاشْتُرِطَ لِثُبُوتِ الْعَيْبِ فِيهَا قَوْلُ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ، وَقَالَ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الرِّجَالُ حَيْثُ يَثْبُتُ بِقَوْلِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ مِثْلَ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَعَزَاهُ إلَى الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ إذَا ثَبَتَ الْعَيْبُ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرُدُّ بِعَيْبٍ حَادِثٍ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ بِعَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ. قَالَ (وَالسُّعَالُ الْقَدِيمُ)؛ لِأَنَّ دَوَامَهُ يَدُلُّ عَلَى الدَّاءِ وَتُنْتَقَصُ بِسَبَبِهِ قِيمَتُهُ قَالَ (وَالدَّيْنُ) لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ يَكُونُ مَشْغُولًا بِهِ وَيُقَدَّمُ الْغُرَمَاءُ عَلَى الْمَوْلَى قَالَ (وَالشَّعْرُ وَالْمَاءُ فِي الْعَيْنِ)؛ لِأَنَّهُمَا يُضْعِفَانِ الْبَصَرَ وَيُورِثَانِ الْعَمَى قَالَ (فَلَوْ حَدَثَ آخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ أَوْ رُدَّ بِرِضَا بَائِعِهِ) أَيْ لَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ فِيهِ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ بِالرَّدِّ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ سَالِمًا عَنْ الْعَيْبِ الثَّانِي وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ إنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِنُقْصَانٍ بَعْدَمَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِهِ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِذَلِكَ وَهُوَ امْتِنَاعُهُ مِنْ أَخْذِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَاطَ الثَّوْبَ قَمِيصًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ هُنَاكَ لِحَقِّ الشَّرْعِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الرِّبَا فَلَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِ وَهُنَا امْتَنَعَ لِحَقِّ الْبَائِعِ فَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ. وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَكَيْفَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً يُقَابِلُهَا وَتَصِيرُ مَقْصُودَةً بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْإِتْلَافِ حَقِيقَةً كَمَا إذَا قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ وَهُوَ النِّصْفُ، وَأَمَّا بِالْمَنْعِ حُكْمًا كَمَا إذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ لِحَقِّهِ أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ بِأَنْ نَقَصَ أَوْ زَادَ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْفَائِتَ صَارَ حَقًّا لِلْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ فَإِذَا عَجَزَ صَارَ مَانِعًا لِذَلِكَ الْجُزْءِ حُكْمًا فَيُرَدُّ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ إنْ أَمْكَنَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ لِانْدِفَاعِ الضَّرَرِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ رَجَعَ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَصَارَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالْمَنْعِ حُكْمًا فَاعْتُبِرَ الْحُكْمِيُّ لِلضَّرُورَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يُقَوَّمَ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ ثُمَّ يُقَوَّمَ وَهُوَ سَالِمٌ فَإِذَا عُرِفَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى إذَا كَانَ عُشْرَ الْقِيمَةِ مَثَلًا رَجَعَ عَلَيْهِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثًا فَثُلُثُهُ، وَقَالَ مَالِكٌ يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَيَرُدُّ مَعَهُ نُقْصَانَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْبَدَلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْمُبْدَلِ كَرَدِّهِ فَصَارَ رَادًّا لِكُلِّ الْمَبِيعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِكُلِّ الثَّمَنِ، وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الرَّدِّ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي لِيَنْدَفِعَ بِهِ الضَّرَرُ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْبَائِعُ وَبَعْدَمَا تَعَيَّبَ عِنْدَهُ لَوْ رَدَّ لَتَضَرَّرَ بِهِ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ سَلِيمًا عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عَنْهُ وَيَعُودُ إلَيْهِ مَعِيبًا بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَضَرَرُ الْمُشْتَرِي أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ أَصْلًا. ثُمَّ لَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الْمَبِيعِ بِعَيْبِهِ فَقَدْ الْتَزَمَ بِالضَّرَرِ بِاخْتِيَارِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ عَلَى الْبَائِعِ إذَا رَضِيَ بِأَخْذِ الْمَعِيبِ وَلَا يُقَالُ مُرَاعَاةُ حَقِّ الْمُشْتَرِي أَوْلَى عِنْدَ تَعَارُضِ الْحَقَّيْنِ لِمَا أَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ عَلَيْهِ وَصَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيُرَجِّحُ مُرَاعَاةَ حَقِّهِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ مِنْهُ وَالْمَعْصِيَةُ لَا تُنَافِي عِصْمَةَ مَالِ الْعَاصِي، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَخَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ لَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ صُنْعِهِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالْعَيْبِ)؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ عَيْبٌ حَادِثٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَيُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَحْسَنَ دَعْوَاهُ) أَيْ بِأَنْ ذَكَرَ سَبَبَهُ وَهُوَ الدَّاءُ أَوْ الْحَبَلُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: مَشْغُولَةً بِهِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مَشْغُولًا بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ) أَيْ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا إنَّمَا قُلْنَا بِتَعَذُّرِ الرَّدِّ لِحَقِّ الْبَائِعِ فَلَمَّا رَضِيَ أَسْقَطَ حَقَّهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْعَصِيرِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْرَ وَيَرُدَّ الثَّمَنَ وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ الرِّضَا بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ ثَمَّةَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا فَلَا يَقَعُ بِتَرَاضِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَمَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى بَيْعِ الْخَمْرِ وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي نُقْصَانَ الْعَصِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ أَصْلًا) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُهُ أَنْ يُقَالَ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ أَيْ إلَى الرَّدِّ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ مَعَ حُدُوثِ عَيْبٍ آخَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَفِي عِبَارَةِ الْكَافِي وَغَيْرِهِ فَيُصَارُ إلَيْهِ بِدُونِ قَوْلِهِ أَصْلًا وَهِيَ ظَاهِرَةُ الْمُرَادِ أَيْ فَيُصَارُ إلَى الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ اهـ

بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بَعِيرًا وَنَحْوَهُ فَوَجَدَ مِعَاهُ فَاسِدًا حَيْثُ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ النَّحْرَ إفْسَادٌ لِلْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ عُرْضَةً لِلنَّتِنِ وَالْفَسَادِ، وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ بِسَرِقَتِهِ فَاخْتَلَّ قِيَامُ مَالِيَّتِهِ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَإِتْلَافِهِ كَمَا إذَا كَانَ عَبْدًا أَوْ طَعَامًا فَقَتَلَهُ أَوْ أَكَلَهُ قَالَ (وَإِنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ كَذَلِكَ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِامْتِنَاعُ لِزِيَادَةٍ فِيهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الشَّرْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ (وَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) لِأَنَّهُ صَارَ حَابِسًا لَهُ بِالْبَيْعِ إذْ الرَّدُّ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بِالْقَطْعِ بِرِضَا الْبَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَانَ مُفَوِّتًا لِلرَّدِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَاطَهُ ثُمَّ بَاعَهُ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ حَابِسًا لَهُ بِالْبَيْعِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ قِبَلَهُ بِالْخِيَاطَةِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْعَيْبِ وَبَيْعُهُ بَعْدَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ. قَالَ (فَلَوْ قَطَعَهُ أَوْ خَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ) يَعْنِي لَوْ بَاعَهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ إذْ الْفَسْخُ فِي الْأَصْلِ بِدُونِ الزِّيَادَةِ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ وَمَعَ الزِّيَادَةِ أَيْضًا لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا فَكَذَا الْفَسْخُ إذْ هُوَ لَا يُرَدُّ إلَّا عَلَى عَيْنِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَإِلَّا لَمَّا كَانَ فَسْخًا وَلَوْ أَخَذَهُ لَكَانَ رِبًا أَيْضًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ لَا تَأْثِيرَ لِلْبَيْعِ لِلِامْتِنَاعِ قِبَلَهَا فَلَا يَصِيرُ بِهِ حَابِسًا بِخِلَافِ الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ خِيَاطَةٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ الْمَبِيعَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ حَيْثُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَصِيرُ بِالْبَيْعِ بَعْدَهَا حَابِسًا لَهُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي مِثْلِهَا تَبَعٌ مَحْضٌ لِكَوْنِهَا وَصْفًا لَهُ فَلَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ نَوْعَانِ مُتَّصِلَةٌ وَمُنْفَصِلَةٌ، فَالْمُتَّصِلَةُ ضَرْبَانِ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْأَصْلِ كَالْجَمَالِ وَغَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالصَّبْغِ وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُمَا وَالْمُنْفَصِلَةُ أَيْضًا نَوْعَانِ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْمَبِيعِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الْفَسْخِ فِيهَا مَقْصُودًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا وَلَا تَبَعًا لِانْفِصَالِهَا وَلَا إلَى الْفَسْخِ فِي الْأَصْلِ وَحْدَهُ بِدُونِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ تَبْقَى الزِّيَادَةُ فِي مِلْكِهِ بِلَا عِوَضٍ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ هَذَا النَّوْعِ زِيَادَةٌ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالْكَسْبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالْفَسْخِ. فَإِذَا فُسِخَ يُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَبِيعٍ بِحَالٍ مَا؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْمَنَافِعِ وَالْمَنَافِعُ لَيْسَتْ بِجُزْءٍ لِلْعَيْنِ، وَلِهَذَا لَا يَتْبَعُ الْكَسْبُ الْكَاسِبَ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ حَتَّى لَا تَكُونَ أَكْسَابُهُمْ مِثْلَهُمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِهَا لِلْمُشْتَرِي مَجَّانًا أَنْ يَكُونَ رِبًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجُزْءٍ لِلْمَبِيعِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ بِالثَّمَنِ، وَإِنَّمَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ وَبِمِثْلِهِ يَطِيبُ الرِّبْحُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ «رَجُلًا ابْتَاعَ غُلَامًا فَاسْتَغَلَّهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ بِالْعَيْبِ فَقَالَ الْبَائِعُ غَلَّةُ عَبْدِي فَقَالَ أَلَيْسَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِيهِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَيُمْكِنُهُ الرَّدُّ بِرِضَا الْبَائِعِ فَإِخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ لِكَوْنِهِ مُفَوِّتًا لَهُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِيهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ، وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ فَإِخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُفَوِّتًا بِالْإِخْرَاجِ بَلْ كَانَ مُمْتَنِعًا قِبَلَهُ. وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَخَاطَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُمَلَّكًا لَهُ بِالْقَطْعِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ فِي وَقْتٍ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا رَجَعَ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مِلْكًا لَهُ إلَّا بِقَبْضِهِ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَحَصَلَتْ الْخِيَاطَةُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْعَيْبِ فِي مِلْكِ الْأَبِ فَامْتَنَعَ الرَّدُّ بِهِ ثُمَّ حَصَلَ التَّمْلِيكُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ قَالَ (أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْخِيَاطَةُ وَنَحْوُهَا لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ كَمَا لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَكَمَا لَا يَمْنَعُ مَوْتَ الْعَبْدِ وَإِعْتَاقَهُ أَمَّا الْمَوْتُ فَإِنَّمَا لَا يَمْنَعُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي مَحَلِّ الْحَيَاةِ ثَبَتَ بِاعْتِبَارِهَا فَيَنْتَهِي بِانْتِهَائِهَا وَامْتِنَاعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الرَّدِّ فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِالرَّدِّ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ) أَيْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ أَوْ قَبْلَهُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْعَيْبِ يَوْمَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ بِالنُّقْصَانِ مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ لَيْسَ لِحَقِّ الْبَائِعِ بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ لِحُصُولِ الزِّيَادَةِ فِيهِ بِالْخِيَاطَةِ فَكَانَ الرَّدُّ مُمْتَنِعًا قَبْلَ الْبَيْعِ بِالْخِيَاطَةِ لَا بِالْبَيْعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ كَانَ لَحْمًا فَشَوَاهُ أَوْ كَانَ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ ثُمَّ بَاعَهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ بِحَابِسٍ لِلْمَبِيعِ بَلْ امْتَنَعَ الرَّدُّ قَبْلَ الْبَيْعِ لِحَقِّ الشَّرْعِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ) يَعْنِي لَوْ قَطَعَهُ وَخَلَطَهُ ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ أَوْ صَبَغَهُ ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ بِالنُّقْصَانِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَا نَصُّهُ أَيْ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ اهـ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يُمْنَعُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) أَيْ إذَا رَضِيَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي الزِّيَادَةِ فَإِذَا أَبَى الْمُشْتَرِي الرَّدَّ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ، وَقَالَ الْبَائِعُ لَا أُعْطِيك نُقْصَانَ الْعَيْبِ وَلَكِنْ رُدَّ عَلَيَّ الْمَبِيعَ حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْك جَمِيعَ الثَّمَنِ قَالَ ح س لَيْسَ لِلْبَائِعِ ذَلِكَ، وَقَالَ م لَهُ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَحَاصِلُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ نَوْعَانِ مُتَّصِلَةٌ إلَخْ) الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ الْأَصْلِ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ. اهـ. غَايَةٌ وَعِمَادِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا قُلْنَا) أَيْ لِأَجْلِ مَا قُلْنَا وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ قُلْنَا إلَخْ اهـ

رَدِّهِ عَلَى الْبَائِعِ حُكْمِيٌّ لَا بِفِعْلٍ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَالْمُرَادُ بِهِ إعْتَاقٌ وُجِدَ مِنْهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْآدَمِيِّ يَثْبُتُ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ إلَى غَايَةِ الْعِتْقِ وَالشَّيْءُ يَنْتَهِي بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ وَالْمُنْتَهِي مُتَقَرِّرٌ فِي نَفْسِهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ بَاقٍ فَتَعَذَّرَ رَدُّهُ. وَلِهَذَا ثَبَتَ الْوَلَاءُ لَهُ بِالْعِتْقِ وَهُوَ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَبَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ الْمِلْكِ وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ كَالْإِعْتَاقِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ فِيهِمَا بِالْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ حَقِيقَةً وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ وَهُوَ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ وَلِأَنَّ الْعِوَضَ وَالْمُعَوَّضَ مِلْكُهُ فَكَانَ كَالْعِتْقِ بِلَا عِوَضٍ وَالْكِتَابَةُ مِثْلُ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ لِحُصُولِ الْعِوَضِ فِيهَا كَالْبَيْعِ، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهَذَا كَمَا قُلْنَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ خَلَفٌ عَنْ الرَّدِّ فَلَا يُصَارُ إلَى الْخَلَفِ مَا دَامَ حَيًّا؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ مَوْهُومٌ فَيُمْكِنُ رَدُّهُ فَإِذَا رَجَعَ رَدَّهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الرَّدِّ وَلَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْهُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ يَرُدُّهُ مَوْلَاهُ وَيَتَوَلَّاهُ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي اشْتَرَاهُ فَكَانَ حُقُوقُهُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَجَزَ وَاطَّلَعَ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ عَيْبًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَتَوَلَّاهُ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ قَالَ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ قَتَلَهُ أَوْ كَانَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ أَوْ بَعْضَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) أَمَّا الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا الْقَتْلُ فَلِأَنَّ الرَّدَّ امْتَنَعَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَلَكَهُ فَصَارَ مُنْتَفِعًا بِهَذَا الْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ سَلَّمَ إلَيْهِ الضَّمَانَ مَعْنًى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ لَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ دُنْيَوِيٌّ فَصَارَ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ فَيَكُونُ إنْهَاءً لِلْمِلْكِ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ أَوْ فَعَلَ فِيهِ نَحْوَهُ حَيْثُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ مَعَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ بِسَبَبِ زِيَادَةِ الْمَبِيعِ لِحَقِّ الشَّرْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْعَيْنُ قَائِمٌ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ عَنْهُ عِوَضٌ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوع فَصَارَ نَظِيرَ الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْإِعْتَاقِ، وَأَمَّا أَكْلُ الطَّعَامِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي الْمَبِيعِ مَا يُقْصَدُ بِشِرَائِهِ وَيُعْتَادُ فِعْلُهُ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْإِعْتَاقَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الرَّدَّ قَدْ تَعَذَّرَ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَلَكَهُ فَصَارَ كَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَقَتْلِ الْعَبْدِ وَكَوْنِهِ مَقْصُودًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ مَقْصُودٌ بِالشِّرَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ يُمْنَعُ مِنْهُ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الرَّدَّ مَتَى امْتَنَعَ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْ الْمُشْتَرِي كَالْقَتْلِ وَالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِهِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ وَمَتَى امْتَنَعَ لَا مِنْ جِهَتِهِ أَوْ مِنْ جِهَتِهِ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ كَالْهَلَاكِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ انْتَقَصَ أَوْ زَادَ زِيَادَةً مَانِعَةً مِنْ الرَّدِّ أَوْ الْإِعْتَاقِ أَوْ تَوَابِعِهِ كَالتَّدْبِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ بِلَا مَالٍ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا كَذَا نُقِلَ قَوْلُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَكَالْقَتْلِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ الْمِلْكَ فِي الْآدَمِيِّ يَثْبُتُ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ) أَيْ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يُخْلَقْ لِلتَّمَلُّكِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْمِلْكُ فِيهِ بِعَارِضِ الْكُفْرِ أَعْنِي أَنَّهُ وَقَعَ جَزَاءً لِلْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ بَاقٍ) بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ لِمِلْكِ الْبَائِعِ إلَى غَيْرِهِ لَا مِنْهُ لِلْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ وَبِهَذَا مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ فِيهِمَا بِالْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ) أَعْنِي الرَّدَّ امْتَنَعَ بِتَعَلُّمِ الشَّرْعِ لَا بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَرْجِعُ)؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْكِتَابَةُ مِثْلُ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ) أَيْ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ) ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْحَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا) وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَتْلَ الْمَوْلَى لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَوْ كَانَ خَطَأً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَخَذَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِمَا، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا فَلَبِسَهُ فَتَمَزَّقَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ عِنْدَ الْبَائِعِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ خِلَافًا لَهُمَا وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ الطَّعَامَ أَوْ الثَّوْبَ بِسَبَبٍ آخَرَ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْأَكْلَ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ يُقْصَدُ الْمَبِيعُ لِأَجْلِهِ، وَكَذَا اللُّبْسُ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ يُقْصَدُ الْمَبِيعُ لِأَجْلِهِ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ الْعَيْنِ لِمَا طُلِبَ فِيهِ لِأَصْلِ التَّخْلِيقِ فَيَقَعُ الْهَلَاكُ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يَكُونُ كَالزَّائِلِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ كَالْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَلَكَهُ) فَصَارَ كَالْمُسْتَفِيدِ عِوَضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالتَّمْلِيكُ مِنْ غَيْرِهِ امْتَنَعَ) أَيْ وَلَمْ يَمْتَنِعْ الرَّدُّ قَبْلَ التَّمْلِيكِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ زَادَ زِيَادَةً مَانِعَةً مِنْ الرَّدِّ أَوْ الْإِعْتَاقِ) مِثَالُ الِامْتِنَاعِ مِنْ جِهَتِهِ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ اهـ

وَالِاسْتِيلَادِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ، وَإِنْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَلَا أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِهِ؛ لِأَنَّهُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يُرَدُّ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ كَمَا إذَا بَاعَ الْبَعْضَ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْكُلِّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَيَتَعَيَّبُ بِالتَّبْعِيضِ وَأَكْلُ الْكُلِّ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فَالْبَعْضُ أَوْلَى وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا أَكَلَ؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهُ، وَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لَا فِي الْمُزَالِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْبَاقِي. قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ جَوْزًا وَوَجَدَهُ فَاسِدًا يُنْتَفَعُ بِهِ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ)؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ إلَّا إذَا رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كُسِرَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْعِلْمِ بِالْعَيْبِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ قُلْنَا: رَضِيَ بِكَسْرِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَجِبُ رِعَايَةُ حَقِّهِمَا بِالرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ وَلَوْ عَلِمَ بِصِفَتِهِ قَبْلَ الْكَسْرِ رَدَّهُ لِإِمْكَانِهِ قَالَ (وَإِلَّا بِكُلِّ الثَّمَنِ) أَيْ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ رَجَعَ بِكُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا قَالُوا هَذَا يَسْتَقِيمُ فِي الْبَيْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِقِشْرِهِ، وَكَذَا فِي الْجَوْزِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ بِأَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يُوقَدُ فِيهِ قِشْرُهُ كَمَا فِي مَوَاضِعِ الزِّجَاجَيْنِ فَقِيلَ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ اللُّبِّ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْقِشْرِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَصَارَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ وَقِيلَ يَرُدُّ الْقِشْرَ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْجَوْزِ بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ دُونَ الْقِشْرِ. فَإِذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِلُبِّهِ فَاتَ مَحَلُّ الْبَيْعِ فَكَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ كَانَ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ هَذَا إذَا ذَاقَهُ فَتَرَكَهُ فَإِنْ تَنَاوَلَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَمَا ذَاقَهُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِهِ آكِلًا لِلْبَعْضِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الطَّعَامِ هَذَا إذَا كَسَرَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِهِ وَلَوْ كَسَرَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ كَسْرَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ دَلِيلُ الرِّضَا وَقَالُوا هَذَا إذَا وَجَدَهُ خَاوِيًا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَلِيلُ لُبِّ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ بَعْضُ الْفُقَرَاءِ أَوْ يَصْلُحُ لِلْعَلَفِ فَهُوَ مِنْ قِبَلِ الْعَيْبِ وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالُوا فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ إذَا وَجَدَهُ فَاسِدًا بَعْدَ الْكَسْرِ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ الْقِشْرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَإِنْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا وَهُوَ قَلِيلٌ جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ الْفَاسِدِ عَادَةً فَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ بِسَبَبِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِحِصَّةِ الصَّحِيحِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ فَصَّلَ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَسِمُ ثَمَنُهُ عَلَى أَجْزَائِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا عَلَى قِيمَتِهِ وَقَبْلَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا عُرِفَ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ. قَالَ (وَلَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَوْ بِرِضَا لَا) أَيْ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ بَاعَهُ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ إنْ كَانَ رُدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ، وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ بِالتَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَقِيلَ فِي عَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ يَرُدُّهُ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُ) أَيْ لَا يَرْجِعُ عِنْدَهُ كَمَا لَوْ أَكَلَهُ كُلَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يُرَدُّ بَعْضُهُ) أَيْ كَالْعَبْدِ الْوَاحِدِ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِي بَعْضِهِ بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهِ مُبْطِلُ الْحَقِّ فِي الْكُلِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَعِنْدَ زُفَرَ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْبَاقِي إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ) أَيْ كَالْقَرْعِ الْمَرِّ وَالْبَيْضِ الْمَذِرِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَرُدُّ الْقِشْرَ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ) هُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَسَرَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِهِ) لَا يَظْهَرُ وَجْهُ هَذَا التَّفْصِيلِ بَعْدَمَا قُرِّرَ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّفْصِيلَ فِيمَا إذَا وَجَدَهُ مَعِيبًا يَنْتَفِعُ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ هُنَاكَ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ الْفَاسِدِ) أَيْ فَصَارَ كَقَلِيلِ التُّرَابِ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ أَصْلًا وَفِي الْقِيَاسِ يَفْسُدُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَقِيلَ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ) قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْأَوَّلَ وَيَفْعَلَ مَا يُحِبُّ مَعَهُ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِمَا إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي الْعَيْبَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي إقْرَارِ الْأَصْلِ فَقَالَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يُخَاصِمَ مَعَ بَائِعِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ لَمْ يَصِرْ مُكَذِّبًا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا قَضَاءٌ عَلَى خِلَافِ مَا أَقَرَّ بِهِ فَبَقِيَ إقْرَارُهُ بِكَوْنِ الْجَارِيَةِ سَلِيمَةً فَلَا يَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الرَّدِّ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: لَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ) أَيْ وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا) أَيْ وَالْبَائِعُ الْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا خُصُومَةَ فَكَذَا هَذَا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فِي الدَّارِ شُفْعَةٌ فَأَسْقَطَ الشَّفِيعُ حَقَّهُ فِيمَا بَاعَهُ ثُمَّ رُدَّ بِعَيْبٍ بِالتَّرَاضِي تَجَدَّدَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ اشْتَرَى ثَانِيًا مَا بَاعَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ فِي الرَّدِّ وَلَا فِي الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُرَدُّ إذَا قَبِلَهُ بِلَا قَضَاءٍ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عِنْدَهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَتَفَاوَتْ الرَّدُّ بِالرِّضَا وَالْقَضَاءِ. اهـ. فَتْحٌ

بِخِلَافِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَامَّةً فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عَلَى الْكُلِّ وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ، وَإِنْ كَانَ بِالتَّرَاضِي فِي غَيْرِ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَجُعِلَ فَسْخًا فِي حَقِّ الْكُلِّ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي الْإِقَالَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْعَقَارِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مَا بَاعَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فَسْخٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِنُكُولٍ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ فَسْخٌ فِي الْكُلِّ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُرَدُّ عَلَى بَائِعِهِ إنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ بِهِ فَيَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ سَلِيمٌ قُلْنَا قَدْ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا فَبَطَلَ إقْرَارُهُ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ إذَا كَانَ الْقَضَاءُ بِإِقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى بَائِعِهِ فَلَا يَصِيرُ فَسْخًا فِي حَقِّهِ كَالْفَسْخِ بِالتَّرَاضِي وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مُضْطَرٌّ إلَى الْقَضَاءِ مِنْ جِهَتِهِ فَانْتَقَلَ الْفِعْلُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ مَنْسُوبٌ إلَى الْمُكْرِهِ قُلْنَا لَا يَنْتَقِلُ فِعْلُ الْمُكْرَهِ إلَى الْمُكْرِهِ إلَّا فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ كَمَا فِي الْقَتْلِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَضْرِبَهُ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يَصْلُحُ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُوقِعُهُمَا بِكَلَامِهِ وَالْمُكْرِهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِيهِ إذْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلِسَانِ غَيْرِهِ وَالْقَاضِي لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا بَاشَرَ سَبَبَ الْفَسْخِ وَهُوَ النُّكُولُ أَوْ الْإِقْرَارُ بِالْعَيْبِ كَانَ رَاضِيًا بِحُكْمِ السَّبَبِ فَلَا يَلْزَمُ بَائِعَهُ قُلْنَا الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِالْعَيْبِ وَأَبَى الْقَبُولَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي جَبْرًا. وَالْفَسْخُ لَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا بِنُكُولِهِ بَلْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَخَ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي حَيْثُ يَكُونُ رَادًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ وَاحِدٌ وَقَدْ فُسِخَ وَالْمَوْجُودُ هُنَا بَيْعَانِ فَبِفَسْخِ أَحَدِهِمَا لَا يَنْفَسِخُ الْآخَرُ فَإِذَا عَادَ قَدِيمُ مِلْكِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِظُهُورِ الْفَسْخِ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْقَضَاءُ فَسْخًا فِي حَقِّ الْكَافَّةِ لَبَطَلَ حَقُّ الشَّفِيعِ بِهِ فِي الشُّفْعَةِ وَلَكَانَ لِأَبِي الْبَائِعِ أَنْ يَدَّعِيَ وَلَدَ الْمَبِيعَةِ الْمَوْلُودَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْفَسْخِ أَوْ بَعْدَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً حُبْلَى وَلَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ حُكْمُ الْفَسْخِ يَظْهَرُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِيمَا مَضَى وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ وَهِيَ ثُبُوتُ حَقِّ الشُّفْعَةِ وَسُقُوطُ دَعْوَى الْأَبِ وَبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْلَ الْفَسْخ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالْحَوَالَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْفَسْخِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاهِبَ إذَا رَجَعَ فِي الْهِبَةِ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّ مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا فِي حَقِّ مَا مَضَى حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْوَاهِبِ زَكَاةُ مَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَوْلُ الْقَائِلِ بِأَنَّ الرَّدَّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ وَجَعَلَ لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّدُّ) أَيْ بِالْعَيْبِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي اهـ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْقَبْضِ) أَيْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي الْمَبِيعَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَبِلَهُ فَلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِالتَّرَاضِي) أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ بَيْعًا فِيهِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ فَإِنَّهُ إذَا فَسَخَ الْمُشْتَرِي الثَّانِيَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَرُدَّهُ مُطْلَقًا وَعَلِمْت أَنَّ الْفَسْخَ بِالْخِيَارَيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءٍ. اهـ. كَمَالٌ. (فَرْعٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَلَى بَائِعِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا لَمْ يَبِعْ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَصَارَ ذَلِكَ الرَّدُّ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، أَمَّا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي ثُمَّ رُدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِعَيْبٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ فَإِنْ قَبِلَهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى بَائِعِهِ وَإِنْ قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبِلَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي كَانَ ذَلِكَ رَدًّا بِاصْطِلَاحِهِمَا وَتَرَاضِيهِمَا فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ وَإِذَا قَبِلَهُ بِالْقَضَاءِ بِأَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالنُّكُولِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ فَلَهُ أَنْ يُرَدَّ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِي انْفَسَخَ بِفَسْخِ الْقَاضِي فَصَارَ كَأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِي لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا وَلَكِنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ قَائِمٌ لَمْ يَنْفَسِخْ بِفَسْخِ الثَّانِي فَيَمْلِكُ الْخُصُومَةَ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ) وَمَعْنَى الْقَضَاءِ بِالْإِقْرَارِ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ فَأَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ اهـ هِدَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي قَوْلِ زُفَرَ إذَا جَحَدَ الْعَيْبَ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَدَّ عَلَى الْأَوَّلِ كَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُرَدُّ عَلَى بَائِعِهِ) هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمَجْمَعِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ شَارِحَا الْهِدَايَةِ الْأَكْمَلِ وَالْقَوَّامُ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ زُفَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: كَانَ رَاضِيًا بِحُكْمِ السَّبَبِ) أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا فِي وُجُوبِ كَوْنِهِ بَيْعًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْمَقَالَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ) هَذَا إذَا كَانَ الْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالنُّكُولِ وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ وَكَانَ عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ لَكِنْ يَبْقَى لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ مَعَ مُوَكِّلِهِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ مُوَكِّلِهِ أَوْ عِنْدَ بَائِعِهِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَتَمَامُهُ فِي الْوَلْوَالِجِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْوَاهِبِ زَكَاةُ مَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ) أَيْ وَلَا يُجْعَلُ الْمَوْهُوبُ عَائِدًا إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْوَاهِبِ فِي حَقِّ زَكَاةِ مَا مَضَى، وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا وَهَبَ دَارَ الْآخَرِ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ عَادَ الْمَوْهُوبُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَجُعِلَ كَأَنَّ

إذَا جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جُعِلَ الْفَسْخُ أَيْضًا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ بِدُونِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ فَإِذَا انْعَدَمَ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ انْعَدَمَ الْفَسْخُ مِنْ الْأَصْلِ فَإِذَا انْعَدَمَ الْفَسْخُ عَادَ الْعَقْدُ لِانْعِدَامِ مَا يُنَافِيهِ فَيَتَمَكَّنُ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى دَوْرٌ وَتَنَاقُضٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَكِنْ يُقَالُ يُجْعَلُ الْعَقْدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّ الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ وَلَكِنْ يُبَرْهِنُ أَوْ يَحْلِفُ بَائِعُهُ) أَيْ لَمْ يُجْبَرْ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ بَعْدَ دَعْوَى الْعَيْبِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِيهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُجْبِرَ وَأُخِذَ مِنْهُ الثَّمَنُ فَرُبَّمَا يُثْبِتُ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ فَيَسْتَرِدُّ مِنْ الْبَائِعِ فَيَكُونُ اشْتِغَالًا بِمَا لَا يُفِيدُ وَفِيهِ نَقْضُ الْقَضَاءِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُنْكِرٌ وُجُوبَ دَفْعِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ حَيْثُ أَنْكَرَ تَعَيُّنَ حَقِّهِ بِدَعْوَى الْعَيْبِ وَكَانَ وُجُوبُ دَفْعِ الثَّمَنِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ فِيهِ بِإِزَاءِ تَعَيُّنِ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ وَقَوْلُهُ وَلَكِنْ يُبَرْهِنُ أَيْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ لِإِثْبَاتِ الْعَيْبِ وَكَيْفِيَّةُ إثْبَاتِهِ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَوْ لَا أَنَّ الْعَيْبَ الَّذِي يَدَّعِيهِ وُجِدَ بِالْمَبِيعِ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْعَيْبُ عِنْدَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ كَانَ بِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَالَ فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وُجِدَ فِيهِ عِنْدَهُ يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ بِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الرَّدَّ. فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ عِنْدَ الْبَائِعِ فُسِخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا لِثُبُوتِهِ فِي الْحَالَيْنِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْبَائِعِ، وَصُورَةُ التَّحْلِيفِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِنْدِي وَذَلِكَ بَعْدَ إقَامَةِ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وُجِدَ فِيهِ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا حَتَّى يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى قِيَامِ الْعَيْبِ فِي الْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَقِيَامِهِ فِي الْحَالِ هَلْ يُحَلِّفُهُ الْمُشْتَرِي فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُحَلِّفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ وَلِأَنَّ الدَّعْوَى مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ فَكَذَا التَّحْلِيفُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا فَإِذَا حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ قِيَامُ الْعَيْبِ لِلْحَالِ ثُمَّ يَحْلِفُ ثَانِيًا عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِنْدَهُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا لِثُبُوتِ الْعَيْبِ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبَيِّنَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْلِفُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَحْلِفُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرَتُّبِ الْبَيِّنَةِ تَرَتُّبُ الْيَمِينِ كَمَا فِي الْحُدُودِ وَالْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِلْزَامِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَقَدُّمُ الدَّعْوَى وَالْيَمِينِ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَذَلِكَ لِقِيَامِ الْعَيْبِ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ شُرِعَ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ الْمُتَحَقِّقَةِ لَا لِإِنْشَائِهَا. وَلَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ هُنَا لَا تَنْقَطِعُ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا بَلْ تَنْشَأُ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَكَلَ ثَبَتَ قِيَامُ الْعَيْبِ بِهِ فِي الْحَالِ ثُمَّ تَنْشَأُ خُصُومَةٌ أُخْرَى فَيَحْلِفُ ثَانِيًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيَرِدُ عَلَى هَذَا مَسْأَلَةُ الشُّفْعَةِ وَهِيَ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا تَقَدَّمَ إلَى الْقَاضِي يَطْلُبُ الشُّفْعَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ صَارَ خَصْمًا فَيَسْأَلُهُ هَلْ ابْتَاعَ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا مِلْكُهُ اسْتَحْلَفَ الْمُشْتَرِي مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ أَنَّهَا مِلْكُهُ ثُمَّ تَنْشَأُ خُصُومَةٌ أُخْرَى فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُهُ هَلْ ابْتَاعَ أَمْ لَا وَهَذَا تَحْلِيفٌ لِإِنْشَاءِ الْخُصُومَةِ ذَكَرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّارَ لَمْ تَزُلْ عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا الْأَصْلُ خَرَجَتْ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ عَلَيْهِ، أَمَّا الشُّفْعَةُ فَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الرَّدِّ وَحُكْمُ الرَّدِّ يَظْهَرُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِيمَا مَضَى، وَكَذَا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إنَّمَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ بِاعْتِبَارِ وِلَايَةٍ كَانَتْ لَهُ زَمَانَ الْعُلُوقِ وَهُوَ مَعْنًى سَابِقٌ عَلَى الرَّدِّ وَقَدْ بَطَلَ قَبْلَ الرَّدِّ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ الرَّدِّ فِيهَا بَلْ يَبْقَى مَا كَانَ مِنْ عَدَمِ وِلَايَةِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ، وَكَذَا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْلَ الرَّدِّ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ الرَّدِّ فِي إبْطَالِهَا وَلِأَنَّ صِحَّتَهَا لَا تَسْتَدْعِي عِنْدَنَا دَيْنًا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلِأَجْلِ هَذَا يُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ يُسْتَحْلَفُ الْبَائِعُ حَتَّى يَظْهَرَ وَجْهُ الْحُكْمِ فَإِنْ اسْتَبَانَ وَجْهُ الْحُكْمِ بِأَنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ فَنَكَلَ رَدَّ الْمَبِيعَ وَإِلَّا أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ فِيهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الثَّمَنِ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا تَعَيَّنَ الْمَبِيعُ اهـ. (قَوْلُهُ: تَعَيَّنَ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ) أَيْ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْمَبِيعُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي التَّسْلِيمِ لَا فِي الْمَبِيعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ) أَيْ إنْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُحَلِّفُهُ) أَيْ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ عَلَى غَيْرِ فِعْلِهِ اهـ أَقْطَعُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ مَا لَمْ يَثْبُتْ حُصُولُهَا عِنْدَهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُقِرَّ الْبَائِعُ بِحُصُولِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ يُنْكِرَ فَإِنْ أَقَرَّ يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ أَنْكَرَ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي أَثْبِتْ أَوَّلًا أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ حَصَلَ عِنْدَكَ فَإِنْ أَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَقَدْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ لِكَوْنِ الْبَيِّنَةِ حُجَّةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى الْعِلْمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ جُنَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَا أَبَقَ وَلَا سَرَقَ وَلَا بَالَ عَلَى فِرَاشٍ كَذَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَوْلُهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَحْلِفُ ثَانِيًا عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ إلَخْ) فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي بَلْ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ قَطُّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي دَعْوَى الْإِبَاقِ هُنَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْتِيبِ الْبَيِّنَةِ تَرْتِيبُ الْيَمِينِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمْته إلَيْهِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ اهـ (قَوْلُهُ: فَيَحْلِفُ ثَانِيًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ) أَيْ إنْ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ قَبْلَ الْبَيْعِ اهـ

الْقُدُورِيُّ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا قَالَ (وَإِنْ قَالَ شُهُودِي بِالشَّامِ دَفَعَ إنْ حَلَفَ بَائِعُهُ) أَيْ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي شُهُودِي بِالشَّامِ اُسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ فَإِنْ حَلَفَ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ ضَرَرًا بِالْبَائِعِ وَلَيْسَ فِي دَفْعِ الثَّمَنِ إلَيْهِ كَبِيرُ ضَرَرٍ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ عَلَى حُجَّتِهِ مَتَى أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ رَدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ، وَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ لَزِمَ الْعَيْبُ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ فِيهِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ حَيْثُ لَا يَكُونُ النُّكُولُ حُجَّةً فِيهَا، وَلِهَذَا لَمْ يَحْلِفْ فِيهَا وَكَيْفِيَّةُ التَّحْلِيفِ مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ ادَّعَى إبَاقًا لَمْ يَحْلِفْ بَائِعُهُ حَتَّى يُبَرْهِنَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ فَإِنْ بَرْهَنَ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدَك قَطُّ) أَيْ إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي اشْتَرَاهُ أَبَقَ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي تَحْلِيفَهُ لَا يَحْلِفُ الْبَائِعُ حَتَّى يُقِيمَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ نَفْسِهِ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ حَلَفَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَنْتَصِبْ خَصْمًا حَتَّى يُثْبِتَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْعَيْبَ وُجِدَ فِيهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَحْلِفُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ آنِفًا وَقَوْلُهُ مَا أَبَقَ عِنْدَك قَطُّ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ قَطُّ أَوْ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك الرَّدَّ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوْ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَاعَهُ وَقَدْ كَانَ أَبَقَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَبِهِ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ ذُهُولٌ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي الصَّغِيرِ يَزُولُ بِالْبُلُوغِ فَلَا يُوجِبُ الرَّدَّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ يُوجِبُ الرَّدَّ، وَكَذَا لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ فَيَتَأَوَّلُهُ فِي الْيَمِينِ عِنْدَ قِيَامِهِ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَهِيَ حَالَةُ التَّسْلِيمِ. وَإِنَّمَا كَانَ التَّحْلِيفُ عَلَى الْبَتَاتِ هُنَا، وَإِنْ كَانَ التَّحْلِيفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي تَسْلِيمَهُ سَلِيمًا فَيَكُونُ مُدَّعِيًا لِلْعِلْمِ بِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى مَا يَدَّعِي، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودَعَ لَوْ قَالَ إنَّ الْمُودِعَ قَبَضَ الْوَدِيعَةَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لِادِّعَائِهِ الْعِلْمَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْقَبْضُ فِعْلَ غَيْرِهِ، وَكَذَا الْوَكِيلُ لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَ الثَّمَنَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لِمَا قُلْنَا، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ أَنْ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَهَذَا فِي الْعُيُوبِ الَّتِي لَا تَظْهَرُ لِلْقَاضِي وَلَا يُعْرَفُ أَهِيَ حَادِثَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا، وَأَمَّا الْعُيُوبُ الَّتِي لَا يَحْدُثُ مِثْلُهَا كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ أَوْ النَّاقِصَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالرَّدِّ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ لِتَيَقُّنِهِ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ إلَّا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُشْتَرِي بِهِ وَأَثْبَتَهُ بِطَرِيقِهِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعُيُوبَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا - أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لِلْحَاكِمِ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا. وَالثَّانِي - مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْأَطِبَّاءُ كَوَجَعِ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ فَمَعْرِفَتُهُ إذَا أَنْكَرَ الْبَائِعُ بِقَوْلِ الْأَطِبَّاءِ فَيُقْبَلُ فِي قِيَامِ الْعَيْبِ لِلْحَالِ وَتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ قَوْلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَدْلٌ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ لِإِثْبَاتِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الرِّضَا بِهِ. وَالثَّالِثُ - عَيْبٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا النِّسَاءُ كَالرَّتْقِ وَالْعَفَلِ فَيَقْبَلُ فِي قِيَامِهِ لِلْحَالِ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ثِقَةٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُرَدُّ بِقَوْلِهِنَّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْلِيفِ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ قَبِلَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُرَدُّ بِقَوْلِهِنَّ مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الْبَائِعِ. وَالرَّابِعُ - عُيُوبٌ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِلْقَاضِي وَلَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهَا الْأَطِبَّاءُ وَلَا النِّسَاءُ كَالْإِبَاقِ وَنَحْوِهِ فَحُكْمُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَالْقَوْلُ فِي قَدْرِ الْمَقْبُوضِ لِلْقَابِضِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ حَتَّى إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ جَارِيَةً أَوْ عَبْدًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَالَ الْبَائِعُ كُنْت بِعْتُك مَعَهُ غَيْرَهُ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتنِيهِ وَحْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَابِضِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا كَالْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ قَالَ شُهُودِي بِالشَّامِ) أَيْ مَثَلًا فَأَمْهِلْنِي حَتَّى أُحْضِرَهُمْ أَوْ آتِيك بِكِتَابٍ حُكْمِيٍّ مِنْ قَاضٍ بِالشَّامِ لَا يُسْمَعُ ذَلِكَ بَلْ يُسْتَحْلَفُ الْبَائِعُ وَيُقْضَى بِدَفْعِ الثَّمَنِ إنْ حَلَفَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: اُسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ) فِيهِ إيهَامٌ إذْ لَمْ يَذْكُرْ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَسْتَحْلِفُهُ أَعَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِقِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ عَلَى عَدَمِ قِيَامِهِ عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الشَّمْسِ الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ ضَرَرًا بِالْبَائِعِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَمْ يَصِلْ عِوَضُهُ إلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ لَزِمَ الْبَيْعُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ حُكْمُ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ أَوْ إقْرَارٌ فَيَصِحَّانِ جَمِيعًا فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حُجَّةٌ فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْعَيْبِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا يَحْلِفُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ) أَيْ فَيَكُونُ غَرَضُ الْبَائِعِ مِنْ هَذَا الْيَمِينِ عَدَمَ وُجُودِ الْعَيْبِ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا اهـ كَيْ فَإِذَا وُجِدَ فِي حَالَةٍ كَانَ بَارًّا؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطَيْنِ إنَّمَا يُنَزَّلُ عِنْدَ وُجُودِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَانَ التَّحْلِيفُ عَلَى الْبَتَاتِ هُنَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَائِعِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتَاتِ وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُسَمَّى يَمِينُ الرَّدِّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ تَسْلِيمُهُ صَحِيحًا فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ رُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَثْبَتَهُ بِطَرِيقَةٍ) أَيْ بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا أَوْ بِنُكُولِ الْمُشْتَرِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعَفَلِ) الْعَفَلُ شَيْءٌ مُدَوَّرٌ يَخْرُجُ بِالْفَرْجِ وَلَا يَكُونُ فِي الْأَبْكَارِ، وَإِنَّمَا يُصِيبُ الْمَرْأَةَ بَعْدَمَا تَلِدُ. اهـ. مُغْرِبٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهَا الْأَطِبَّاءُ وَلَا النِّسَاءُ كَالْإِبَاقِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِبَاقِ وَالْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا تُشَاهَدُ عِنْدَ الْخُصُومَةِ كَذَلِكَ نَحْوُ السَّرِقَةِ وَالْبَوْلِ عَلَى الْفِرَاشِ وَالْجُنُونِ، إلَّا أَنَّ الْمُعَاوَدَةَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي شَرْطٌ فِي الْعُيُوبِ الثَّلَاثَةِ وَالْحَالَةُ وَاحِدَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ) أَيْ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَا قُصِدَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ فِي الْمَقْبُوضِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَكَذَا الْمُودَعُ إذَا أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

وَلِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي بَقَاءَ بَعْضِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ حِصَّةُ الْآخَرِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَقْبُوضِ لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا أَخَذَهُمَا أَوْ رَدَّهُمَا) يَعْنِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ السَّلِيمَ وَيَرُدَّ الْمَعِيبَ بَلْ يَأْخُذُهُمَا أَوْ يَرُدُّهُمَا؛ لِأَنَّ فِي أَخْذِ أَحَدِهِمَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ بِقَبْضِهِمَا وَالتَّفْرِيقُ فِي الْقَبْضِ كَالتَّفْرِيقِ فِي الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا مِلْكَ التَّصَرُّفِ وَمُؤَكِّدًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْعَيْبُ بِالْمَقْبُوضِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَمَّتْ فِيهِ لِتَنَاهِيهَا فِي حَقِّهِ قُلْنَا تَمَامُ الصَّفْقَةِ تَعَلَّقَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّهِ فَلَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ فِي الْإِتْمَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّ حَبْسَ الْمَبِيعِ لَمَّا تَعَلَّقَ بُطْلَانُهُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِقَبْضِ كُلِّهِ وَيَبْقَى بِبَقَاءِ جُزْئِهِ فَكَذَا تَمَامُ الصَّفْقَةِ لَمَّا تَعَلَّقَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ لَا يَتِمُّ بِبَقَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ إذْ هِيَ لَا تَقْبَلُ التجزي فِي هَذَا الْمَعْنَى قَالَ (وَلَوْ قَبَضَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا رَدَّ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ)، وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ وَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِضَمِّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَخِيَارَ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ، وَلَنَا أَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَيَكُونُ الْفَسْخُ بَعْدَهُ ابْتِدَاءً فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَمْتَنِعُ التَّفْرِيقُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا وُجِدَ فِيهِ عِلَّةُ الرَّدِّ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ يَتَخَيَّرْ فِي الْبَاقِي لِتَمَامِهِ بِالْقَبْضِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ قَبْلَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَيْ لَا يَتَفَرَّقَ عَلَيْهِ الصَّفْقَةُ قَبْلَ التَّمَامِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِعَدَمِ تَمَامِ الرِّضَا وَتَضَرُّرِ الْبَائِعِ مِنْ قِبَلِ تَدْلِيسِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، كَذَا ذُكِرَ خِلَافُ زُفَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ وَذُكِرَ فِي الْمُخْتَلَفِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا وُجِدَ بِأَحَدِهِمَا الْعَيْبُ عِنْدَ زُفَرَ كَمَا لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ خَاصَّةً، فَكَذَا قَبْلَهُ وَهَذَا مُشْكِلٌ وَفِيهِ تَفَاوُتٌ كَبِيرٌ فَإِنَّهُ إذَا امْتَنَعَ التَّفْرِيقُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَدْ تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ كَانَ قَبْلَهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَمْ تَتِمَّ هَذَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَزَوْجَيْ الْخُفِّ وَمِصْرَاعَيْ الْبَابِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَيْ ثَوْرٍ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ أَلِفَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِحَيْثُ لَا يَعْمَلُ بِدُونِهِ لَا يَمْلِكُ رَدَّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ. قَالَ (وَلَوْ وَجَدَ بِبَعْضِ الْكَيْلِيِّ أَوْ الْوَزْنِيِّ عَيْبًا رَدَّهُ كُلَّهُ أَوْ أَخَذَهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ حُكْمًا وَتَقْدِيرًا، وَإِنْ كَانَ أَشْيَاءَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ وَالتَّقَوُّمَ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ بِاعْتِبَارِ الِاجْتِمَاعِ وَالِانْضِمَامِ إذْ الْحَبَّةُ الْوَاحِدَةُ لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهَا فَإِذَا كَانَتْ الْمَالِيَّةُ بِاعْتِبَارِ الِاجْتِمَاعِ صَارَ الْكُلُّ فِي حَقِّ الْبَيْعِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَلِهَذَا يُسَمَّى بِاسْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْكُرُّ وَنَحْوُهُ، وَكَذَا جَعَلَ رُؤْيَةَ بَعْضِهِ كَرُؤْيَةِ كُلِّهِ كَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَإِذَا كَانَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَعْضَ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ كَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ إذَا وُجِدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا بِخِلَافِ الْعَبْدَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ وِعَاءَيْنِ وَقِيلَ إذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ عَبْدَيْنِ حَتَّى يَرُدَّ الْوِعَاءَ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْعَيْبُ وَحْدَهُ. قَالَ (وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ لَمْ يُخَيَّرْ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ وَلَوْ ثَوْبًا خُيِّرَ) يَعْنِي لَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ لَمْ يُخَيَّرْ فِي رَدِّ الْبَاقِي، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الثَّوْبِ خُيِّرَ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا تُعَدُّ عَيْبًا؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهُمَا وَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّ الْعَاقِدِ وَتَمَامُهُ بِرِضَا الْعَاقِدِ لَا بِرِضَا الْمَالِكِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ حَيْثُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِيمَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ؛ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ فِيهِ عَيْبٌ وَقَدْ كَانَ وَقْتُ الْبَيْعِ فَيَرُدُّهُ وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّمَامِ. قَالَ (وَاللُّبْسُ وَالرُّكُوبُ وَالْمُدَاوَاةُ رِضًا بِالْعَيْبِ)؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ اسْتِبْقَائِهِ وَإِمْسَاكِهِ، وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ وَالْكِتَابَةُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ وَالسُّكْنَى بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّ اللُّبْسَ وَنَحْوه لَيْسَ دَلِيلُ اخْتِيَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي بَقَاءَ بَعْضِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ إلَخْ) لَا يَظْهَرُ وَجْهُ هَذَا الدَّلِيلِ الثَّانِي إذْ لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ أَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَهُ انْعَكَسَ الْأَمْرُ اهـ (قَوْلُهُ:، وَكَذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَقْبُوضِ) أَيْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي أَيْضًا لِمَا قُلْنَا كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ أَوْ جَارِيَتَيْنِ وَاتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَلَكِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَقْبُوضِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَبَضْت أَحَدَهُمَا لَا غَيْرُ، وَقَالَ الْبَائِعُ قَبَضَهُمَا جَمِيعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ) أَيْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ الْإِمَامَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجِيزُ رَدَّ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَمْنَعُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ زُفَرَ لَا يُجِيزُ رَدَّ أَحَدِهِمَا لَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بَعْدَهُ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا الشَّارِحِ أَيْضًا فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ آنِفًا وَفِي مُخْتَلَفِ الرِّوَايَةِ أَنَّ زُفَرَ يُجِيزُ رَدَّ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْمَنْظُومَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فَحِينَئِذٍ لَا إشْكَالَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَفِعُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَزَوْجَيْ الْخُفِّ إلَخْ) تَقُولُ اشْتَرَيْت زَوْجَيْ حَمَامٍ وَأَنْتَ تَعْنِي ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَعِنْدِي زَوْجَا نِعَالٍ، وَقَالَ تَعَالَى {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [هود: 40]. اهـ. صِحَاحٌ. (قَوْلُهُ: إذْ الْحَبَّةُ الْوَاحِدَةُ لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهَا) أَدْنَى الْقِيمَةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فَلْسٌ وَلَوْ كَانَتْ كِسْرَةَ خُبْزٍ لَا يَجُوزُ. اهـ. قُنْيَةٌ

الْمِلْكَ فِيهِ فَإِنَّ الِاخْتِيَارَ هُنَاكَ شُرِعَ لِلِاخْتِبَارِ وَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبُ مَرَّةً يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلِاخْتِبَارِ فَلَوْ جُعِلَ اخْتِيَارًا لِلْإِجَازَةِ لَفَاتَ فَائِدَةُ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَلَمْ يُشْرَعْ لِلِاخْتِبَارِ، وَإِنَّمَا شُرِعَ لِلرَّدِّ لِيَصِلَ إلَى رَأْسِ مَالِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْجُزْءِ الْفَائِتِ فَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يَحِلُّ بِلَا مِلْكٍ جَعَلَ مُمْسِكًا لِوُجُودِ دَلِيلِ الْإِمْسَاكِ وَالرِّضَا قَالَ (لَا الرُّكُوبُ لِلسَّقْيِ أَوْ لِلرَّدِّ أَوْ لِشِرَاءِ الْعَلَفِ) أَيْ لَا يَكُونُ الرُّكُوبُ لِسَقْيِهَا الْمَاءَ أَوْ لِيَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ أَوْ لِيَشْتَرِيَ لَهَا الْعَلَفَ رِضًا بِالْعَيْبِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَقَدْ لَا تَنْقَادُ وَلَا تَنْسَاقُ فَلَا يَكُونُ دَلِيلُ الرِّضَا إلَّا إذَا رَكِبَهَا فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ الرُّكُوبِ بِأَنْ كَانَ الْعَلَفُ فِي عَدْلٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا تَنْسَاقُ وَلَا تَنْقَادُ وَقِيلَ الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ لَا يَكُونُ رِضًا كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الرَّدِّ وَلِغَيْرِهِ يَكُونُ رِضًا إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ. قَالَ (وَلَوْ قَطَعَ الْمَقْبُوضَ بِسَبَبٍ عِنْدَ الْبَائِعِ رَدَّهُ وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ) مَعْنَاهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَقَطَعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَهُوَ الْقَطْعُ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ قُطِعَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَهُ لَكِنَّ الْقَطْعَ غَيْرُ الْوُجُوبِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ عَيْبٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَتَعَذَّرَ الرَّدُّ وَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً حُبْلَى فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَطْعِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ فِيهِ لَكِنَّهُ مُتَعَيَّبٌ وَقَدْ حَدَثَ فِيهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا إلَى غَيْرِ سَارِقٍ بِأَنْ يُقَوَّمَ سَارِقًا وَغَيْرَ سَارِقٍ فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَتَلَ بِسَبَبٍ كَأَنْ وُجِدَ فِي يَدِ الْبَائِعِ مِنْ قَتْلِ نَفْسٍ أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ رِدَّةٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ، وَلِهَذَا يَقَعُ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَلَوْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَتَقَرَّرُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ وَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وُجِدَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ فَصَارَ كَمَا إذَا قُتِلَ الْمَغْصُوبُ بَعْدَ الرَّدِّ بِجِنَايَةٍ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ. وَرَوَى ابْنُ الْمَنْذُورِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً حُبْلَى فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَلَئِنْ سَلِمَ فَالسَّبَبُ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ يُوجِبُ انْفِصَالَ الْوَلَدِ لَا مَوْتَ الْأُمِّ إذْ الْغَالِبُ فِي الْوِلَادَةِ السَّلَامَةُ، وَلَوْ مَاتَ بِسَبَبِ الْقَطْعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَنْ بَدَّلَهُ بِحِسَابِهِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ بِالسَّرِقَةِ وَالنَّفْسُ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُحْسَمُ وَلَا تُقْطَعُ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَلَا فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ تَوَقِّيًا عَنْ الْهَلَاكِ فَقَبْضُ الْمُشْتَرِي لَا يُنْتَقَضُ فِي النِّصْفِ، وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْقَتْلَ عِنْدَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيُنْتَقَضُ بِهِ قَبْضُ الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَلَوْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُمْسِكَ الْعَبْدَ رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ كَالِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عِنْدَ اخْتِيَارِ الْأَخْذِ بِخِلَافِ الْعَيْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ الْقَطْعِ حَتْفَ أَنْفِهِ يَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ كَالِاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ سَرَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَقُطِعَ بِهِمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا وَعِنْدَهُ لَا يَرُدُّهُ بِغَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِرُبْعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ قُطِعَتْ بِهِمَا فَيَرْجِعُ بِقَدْرِ مَا فَاتَ بِسَبَبِ مَا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ. وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ يَرْجِعُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَيَسْقُطُ الرُّبْعُ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي فَقُطِعَ عِنْدَ الْأَخِيرِ أَوْ قُتِلَ يَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ الْأَخِيرُ عَلَى بَائِعِهِ بِالنُّقْصَانِ ثُمَّ هُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْقَطْعَ أَوْ الْقَتْلَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ اسْتِحْقَاقٌ عِنْدَهُ وَفِيهِ يَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْأَوَّلِ وَعِنْدَهُمَا عَيْبٌ فَيَرْجِعُ مَنْ لَمْ يُفَوِّتْ الرَّدَّ بِالْبَيْعِ وَهُوَ الْأَخِيرُ عَلَى بَائِعِهِ ثُمَّ هُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الرَّدَّ بِالْبَيْعِ قَبْلَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ بِرِضَاهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي هَذَا وَفِيمَا إذَا اشْتَرَاهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِوُجُوبِ الْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ لِشِرَاءِ الْعَلَفِ) الْأَلِفُ وَاللَّامُ بَدَلٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ لِشِرَاءِ عَلَفِهَا أَمَّا الرُّكُوبُ لِشِرَاءِ عَلَفِ غَيْرِهَا لَا يَكُونُ رِضًا اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ) أَيْ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَرَجَعَ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ وَكَانَ ذِكْرُهُ هُنَا أَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا) هَذَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا لَمَّا أَنَّهُ عِنْدَهُمَا يَجْرِي مَجْرَى الْعَيْبِ فَإِذَا كَانَ عَالِمًا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مُبَاحَ الدَّمِ أَوْ كَوْنَهُ مُسْتَحَقَّ الْقَطْعِ عَيْبٌ لَا مَحَالَةَ لَكِنَّهُ أُجْرِيَ مَجْرَى الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعَيْبِ وَالْعِلْمُ بِالْعَيْبِ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَوْ وَقْتَ الْقَبْضِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعِلْمَ وَالْجَهْلَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعِلْمُ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً حُبْلَى) أَيْ وَقَدْ دَلَّسَ الْبَائِعُ الْحَمْلَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا إلَى غَيْرِ سَارِقٍ هَكَذَا فِي أَصْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَصَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ عَيْبِ السَّرِقَةِ لَا بِنُقْصَانِ الْقَطْعِ وَتَعْلِيلُهُ مَبْسُوطٌ فِي الْغَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَوَّمَ سَارِقًا) أَيْ وَاجِبَ الْقَطْعِ وَغَيْرَ وَاجِبِهِ فَيَرْجِعُ بِمَا بَيْنَهُمَا اهـ فِرِشْتَا وَمُصَفَّى (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا إذَا قُتِلَ الْمَغْصُوبُ بَعْدَ الرَّدِّ بِجِنَايَةٍ إلَخْ) فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ كَمَا لَوْ قُتِلَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَئِنْ سَلَّمَ إلَخْ) أَنَّهَا وِفَاقِيَّةٌ فِي الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ فَقَطْ اهـ

[باب البيع الفاسد]

حَقُّهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَيْبِ رِضًا بِهِ وَفِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قُتِلَ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ فَوَاتِ الْمَالِيَّةِ بِهِ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَا يُقَالُ يُنْتَقَضُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا مَرِيضًا وَمَاتَ عِنْدَهُ وَبِمَا إذَا قُطِعَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ بَاعَهُ وَمَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِهِ وَبِمَا إذَا زَنَى عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ بَاعَهُ وَجُلِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ بِهِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إلَّا بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُ مِثْلُ قَوْلِهِمَا، وَإِنْ مَاتَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَرِيضُ وَالْمَقْطُوعُ عِنْدَ الْبَائِعِ مَاتَا بِزِيَادَةِ الْآلَامِ وَتَرَادُفِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَهِيَ لَمْ تُوجَدْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَزِنَا الْعَبْدِ يُوجِبُ الْجَلْدَ وَالْقَتْلُ غَيْرُهُ فَلَا يُؤَاخَذُ الْبَائِعُ بِمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. قَالَ (وَلَوْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْكُلَّ وَلَا يُرَدُّ بِعَيْبٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَعُدَّ الْعُيُوبَ وَفِي جَوَازِ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ لَهُ قَوْلَانِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ عِنْدَهُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشُّرُوطِ وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ كَبَيْعِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ: هَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْعَيْبِ مَعَ التَّسْمِيَةِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي وَقَدْ جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّوَانِيقِيِّ مُنَاظَرَةٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ جَارِيَةً فِي مَوْضِعِ الْمَأْتِيِّ مِنْهَا عَيْبٌ أَوْ غُلَامًا فِي ذَكَرِهِ عَيْبٌ أَكَانَ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُرِيَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ وَلَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ بِهِ هَكَذَا حَتَّى أَفْحَمَهُ وَضَحِكَ الْخَلِيفَةُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُدْخِلُ فِيهِ الْعَيْبَ الْحَادِثَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ قُلْنَا الْغَرَضُ فِيهِ إلْزَامُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْ صِفَةِ السَّلَامَةِ وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ قِبَلَ الْبَائِعِ وَقْتَ الْبَيْعِ لِيَمْلِكَهُ أَوْ لِيُبْرِئَهُ بَلْ هَذَا بَيَانٌ لِاتِّحَادِ الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ السَّلَامَةِ. وَالْعَقْدُ قَابِلٌ لِذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا وَهُوَ يَعْلَمُهُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ يَحْدُثُ بِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ كُلِّ حَقٍّ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْحَقُّ الْقَائِمُ لَا غَيْرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمْ إيجَادُ الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ عَنْ الْعَيْبِ فَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْحَادِثِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ خَصَّ الْمَوْجُودَ وَقْتَ الْعَقْدِ بِالْبَرَاءَةِ. (بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ فَوَاتِ الْمَالِيَّةِ بِهِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّ بِالْإِعْتَاقِ فَاتَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَاضُهُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ. اهـ. . [بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ] (بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ بِنَوْعَيْهِ اللَّازِمِ وَغَيْرِ اللَّازِمِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْأَصْلُ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا ذَاتًا وَصِفَةً قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ جُمْلَةُ مَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا أَوْ ثَمَنُهُ أَوْ يَكُونَ مُحَرَّمًا أَوْ ثَمَنُهُ أَوْ يَكُونَ فِي الْمَبِيعِ حَقٌّ لِغَيْرِ بَائِعِهِ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ فَسْخُهُ أَوْ أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ شَرْطًا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ لَا يُوجِبُهَا الْعَقْدُ أَوْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِمَّا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ أَوْ يَكُونُ فِي الْمَبِيعِ عَرْضٌ أَوْ فِي ثَمَنِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَكَذَلِكَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ أَوْ بَيْعُ مَا يَقْبِضُهُ الْبَائِعُ وَكَذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَشْتَرِي بِهِ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ وَكَذَلِكَ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ وَشَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْأَوْصَافِ وَالْأَتْبَاعِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمَا لَا يَتَبَعَّضُ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ إلَّا بِضَرَرٍ وَإِنْ تَبَعَّضَ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ ضَرَرٍ جَازَ بَيْعُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُرَادُ مِنْ الْجَهَالَةِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ جَهَالَةٌ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ التَّسْلِيمُ حَيْثُ يَصِحُّ الْعَقْدُ كَجَهَالَةِ كَيْلِ الصُّبْرَةِ وَعَدَدِ الثِّيَابِ الْمُعَيَّنَةِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَبِيعِ أَوْ ثَمَنِهِ مُحَرَّمًا فَهُوَ كَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ أَوْ بَيْعِهِمَا وَسَيَجِيءُ بَيَانُ ذَلِكَ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَبِيعِ حَقًّا لِغَيْرِ الْبَائِعِ فَكَالْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ فَاسِدٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ مَوْقُوفٌ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ، وَقَوْلُهُ فَاسِدٌ مَعْنَاهُ لَا حُكْمَ لَهُ فَكَانَ فَاسِدًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ تَفْسِيرُ اشْتِرَاطِ الْمَنْفَعَةِ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ لَا يُوجِبُهَا الْعَقْدُ كَاشْتِرَاطِ الْمَنْفَعَةِ لِلْبَائِعِ كَمَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ أَنْ أَهَبَ لَك وَأَقْرِضَ لَك وَكَاشْتِرَاطِهَا لِلْمُشْتَرِي نَحْوَ إنْ قَالَ اشْتَرَيْت عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي وَكَاشْتِرَاطِهَا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، كَمَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ أَنْ تُعْتِقَهُ أَوْ تُدَبِّرَهُ وَكَاشْتِرَاطِهَا لِإِنْسَانٍ آخَرَ نَحْوُ إنْ قَالَ أَنْ تُقْرِضَ فُلَانًا وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» أَمَّا إذَا كَانَ شَرْطًا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ لَا يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ كَاشْتِرَاطِ حَبْسِ الْمَبِيعِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بَيْعُ الرَّهْنِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَبَيْعُ الطَّيْرِ الَّذِي طَارَ مِنْ يَدِهِ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْآبِقِ وَكَذَلِكَ إذَا تَمَكَّنَ الْغَرَرُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ كَبَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ فَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ فَهُوَ بَيْعُ الْغَرَرِ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْخُذْهُ فَهُوَ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ، وَكَذَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك»، وَكَذَا بَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْبَائِعُ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ

الْبَيْعُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَيُفِيدُ الْحُكْمَ بِنَفْسِهِ إذَا خَلَا عَنْ الْمَوَانِعِ، وَبَاطِلٌ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا وَفَاسِدٌ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ وَهُوَ يُفِيدُ الْحُكْمَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَمَوْقُوفٌ وَهُوَ يُفِيدُ الْحُكْمَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ وَامْتَنَعَ تَمَامُهُ لِأَجْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ بَيْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَالْحُرِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ) لِعَدَمِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَبَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ (فَلَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْبَاطِلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَبَقِيَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقِيلَ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ بَيْعَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ كَالْحُرِّ وَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مَالًا عِنْدَ الْبَعْضِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ الَّتِي لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا مِثْلَ الْمَوْقُوذَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنْ بِيعَتْ بِدَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ بِيعَتْ بِعَيْنٍ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي حَقِّ مَا يُقَابِلُهَا حَتَّى يَمْلِكَ وَيَضْمَنَ بِالْقَبْضِ، بَاطِلٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا حَتَّى لَا تَضْمَنَ وَلَا تَمْلِكَ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ لِمَا أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِإِهَانَتِهَا وَفِي تَمَلُّكِهَا بِالْعَقْدِ مَقْصُودًا إعْزَازٌ لَهَا فَكَانَ بَاطِلًا وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْتَرِيَهَا بِدَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ غَيْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ وَهُوَ كَبَيْعِ الْمَغْصُوبِ يَصِحُّ مِنْ الْغَاصِبِ وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ الْغَاصِبُ مُنْكِرًا وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ وَكَذَلِكَ الصَّفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ نَحْوَ إنْ قَالَ أَبِيعُك هَذَا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَعَنْ بَيْعَيْنِ فِي بَيْعٍ» وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك هَذَا بِقَفِيزَيْنِ حِنْطَةً أَوْ بِقَفِيزَيْنِ شَعِيرًا وَهَذَا بَيْعَانِ فِي بَيْعٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ» كَمَا إذَا قَالَ إنْ أَعْطَيْتنِي الثَّمَنَ حَالًّا فَبِكَذَا وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَبِكَذَا وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْأَوْصَافِ مِنْ الْحَيَوَانِ كَبَيْعِ الْأَلْيَة مِنْ الشَّاةِ الْحَيَّةِ؛ لِأَنَّهَا حَرَامٌ قَبْلَ الذَّبْحِ وَإِيجَابُ الذَّبْحِ عَلَى الْبَائِعِ ضَرَرٌ بِهِ، وَكَذَا بَيْعُ الْأَتْبَاعِ كَبَيْعِ نِتَاجِ الْفَرَسِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَبَلَةِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ وَفِي اللَّبَنِ غَرَرٌ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ انْتِفَاخٌ، وَكَذَا بَيْعُ مَا لَا يَتَبَعَّضُ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ إلَّا بِضَرَرٍ كَبَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ جَازَ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَكَبَيْعِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَشِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مُصَنَّفَ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَقَّبَ الْبَابَ بِالْفَاسِدِ وَإِنْ ابْتَدَأَ بِالْبَيْعِ الْبَاطِلِ بِقَوْلِهِ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَاطِلٍ فَاسِدٌ وَلَا يَنْعَكِسُ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَاطِلَ مُضْمَحِلُّ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ جَمِيعًا وَالْفَاسِدُ مُضْمَحِلُّ الْوَصْفِ دُونَ الْأَصْلِ كَالْجَوْهَرِ إذَا تَغَيَّرَ وَاصْفَرَّ يُقَالُ فَسَدَ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ صَالِحًا لِشَيْءٍ يُقَالُ بَطَلَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ وَجْهُ تَقْدِيمِ الصَّحِيحِ عَلَى الْفَاسِدِ أَنَّهُ الْمُوَصِّلُ إلَى تَمَامِ الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ سَلَامَةُ الدِّينِ الَّتِي شُرِّعَتْ لَهَا الْعُقُودُ لِيَنْدَفِعَ التَّغَالُبُ وَالْوُصُولُ إلَى الْحَاجَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالصِّحَّةِ، وَأَمَّا الْفَاسِدُ فَعَقْدٌ مُخَالِفٌ لِلدِّينِ ثُمَّ إنْ أَفَادَ الْمِلْكَ وَهُوَ مَقْصُودٌ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ لَا يُفِيدُ تَمَامَهُ إذْ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ الْمَبِيعِ وَلَا الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ إذْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ثُمَّ لَفْظُ الْفَاسِدِ فِي قَوْلِهِ بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَفِي قَوْلِهِ إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَعَمِّ مِنْ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ فَالشَّارِحُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفَاسِدَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ بِوَصْفِهِ بَلْ بِأَصْلِهِ وَالْبَاطِلَ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُقَالُ حَقِيقَةً عَلَى الْبَاطِلِ لَكِنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ أَنَّهُ يُبَايِنُهُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ حُكْمَ الْفَاسِدِ إفَادَةُ الْمِلْكِ بِطَرِيقِهِ وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ أَصْلًا فَقَابَلُوهُ بِهِ وَأَعْطَوْهُ حُكْمًا يُبَايِنُ حُكْمَهُ وَهُوَ دَلِيلُ تَبَايُنِهِمَا بِتَبَايُنِهِمَا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِ أَوْ لَازِمٌ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ لَا وَصْفِهِ وَفِي الْبَاطِلِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ فَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ بِأَصْلِهِ وَغَيْرَ الْمَشْرُوعِ مُتَبَايِنَانِ فَكَيْفَ يَتَصَادَقَانِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْفَاسِدِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ الْمَشْرُوعِ بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ فِي الْعُرْفِ لَكِنْ نَجْعَلُهُ مَجَازًا عُرْفِيًّا فِي الْأَعَمِّ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَلِهَذَا وَجَّهَ بَعْضُهُمْ الْأَعَمِّيَّةَ بِأَنَّهُ يُقَالُ لِلَّحْمِ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِلدُّودِ وَالسُّوسِ بَطَلَ اللَّحْمُ وَإِذَا أَنْتَنَ وَهُوَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ فَسَدَ اللَّحْمُ فَاعْتُبِرَ مَعْنَى اللُّغَةِ وَلِذَا أَدْخَلَهُ بَعْضُهُمْ أَيْضًا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِشُمُولِهِ الْمَكْرُوهَ؛ لِأَنَّهُ فَائِتُ وَصْفِ الْكَمَالِ بِسَبَبِ وَصْفِ مُجَاوِرِهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمَيْتَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْحُرِّ وَذَلِكَ لِانْعِدَامِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى التَّرَاضِي وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ وَيُفِيدُ الْمِلْكَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً بِأَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي عَقِيبَ الْبَيْعِ وَلَا يَنْهَاهُ الْبَائِعُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ التَّقَوُّمَ بِدَلِيلِ حِلِّ الْإِتْلَافِ بِلَا ضَمَانٍ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ صَلَحَ ثَمَنًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ لَمْ يَصْلُحْ ثَمَنًا فَكَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ وَهُوَ الْفَاسِدُ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَمْلِكَ) أَيْ فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَبْدًا فَعَتَقَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ عِتْقُهُ

مَقْصُودَةٍ. وَإِنَّمَا هِيَ وَسَائِلُ وَالْمَقْصُودُ تَحْصِيلُهَا فَكَانَ بَاطِلًا إهَانَةً لَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً بِأَنْ كَانَتْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْصِيلُ مَا يُقَابِلُهَا وَفِيهِ إعْزَازٌ لَهُ لَا لَهَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَبَعٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْأَصْلُ هُوَ الْمَبِيعُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَبِيعَتْ بِعَيْنٍ مُقَايَضَةً صَارَ فَاسِدًا فِي حَقِّ مَا يُقَابِلُهَا بَاطِلًا فِي حَقِّهَا وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ كَالْخَمْرِ فِيمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّهُ مَرْغُوبٌ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ فَصَارَ مَالًا مِنْ وَجْهٍ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا وَجَعَلَهُ الْبَزْدَوِيُّ كَالْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَجَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ مِنْ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ قَدْ ثَبَتَ لِأُمِّ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَسَبَبُ الْحُرِّيَّةِ انْعَقَدَ فِي حَقِّ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ فِي الْحَالِ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْمَوْلَى بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْمُكَاتَبُ اسْتَحَقَّ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ وَخَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَوْ ثَبَتَ فِيهِ الْمِلْكُ لَبَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَلَوْ بِيعَ الْمُكَاتَبُ بِرِضَاهُ صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ وَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ اقْتِضَاءً؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُهُ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: إذَا كَانَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ مُلِكَ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ بِالْمَحَلِّ. وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِحَقِّهِ فِي نَفْسِهِ فَاعْتُبِرَ ذِكْرُهُ فِي حَقِّ مَا يُقَابِلُهُ فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْعَقْدِ حَتَّى لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِيمَا ضُمَّ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَبِيعَ مَعَهُ وَلَوْ كَانَ كَالْحُرِّ لَبَطَلَ وَيُؤَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ مَا يُقَابِلُهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَقْبُوضَانِ بِجِهَةِ الْبَيْعِ وَهُمَا مَالٌ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا يُمْلَكُ مَا ضُمَّ إلَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ فَيَضْمَنَانِ بِهِ ضَرُورَةً كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْقَبْضُ وَهَذَا الضَّمَانُ يَجِبُ بِهِ، وَلَهُ أَنَّ شُبْهَةَ الْبَيْعِ إنَّمَا تَلْحَقُ بِحَقِيقَتِهِ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُ الْحَقِيقَةَ وَهُمَا لَا يَقْبَلَانِ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ فَصَارَا كَالْمُكَاتَبِ وَلَيْسَ دُخُولُهُمَا فِي الْبَيْعِ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا بَلْ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْبَيْعِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا كَمَالِ الْمُشْتَرِي لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَحْدَهُ وَيَدْخُلُ فِي حَقِّ مَا ضُمَّ إلَيْهِ وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُ وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ظَهِيرُ الدِّينِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ فِيهِ فِي حَقِّ مَا ضُمَّ إلَيْهِ حَتَّى يَنْقَسِمَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا لَا غَيْرُ. وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ دُونَ أُمِّ الْوَلَدِ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ هُنَا فَإِذَا بَطَلَتْ لِعَدَمِ مَحِلِّهِ بَقِيَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ الْغَصْبِ. قَالَ (وَالسَّمَكِ قَبْلَ الصَّيْدِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ قَبْلَ الِاصْطِيَادِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «لَا تَشْتَرُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَرَرٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَمْ يُمْلَكْ فَلَا يَجُوزُ ثُمَّ هُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ الْأَخْذِ لَا يَجُوزُ لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ أَخَذَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي الْحَظِيرَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْحَظِيرَةُ كَبِيرَةً بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَوْ سَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي بَيْعِ الْآبِقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ حِيلَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ وَهُوَ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ لَهُ وَلَا يُعْتَدُّ بِرُؤْيَتِهِ وَهُوَ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ السَّمَكَ يَتَفَاوَتُ فِي الْمَاءِ وَخَارِجِهِ، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ السَّمَكُ الْحَظِيرَةَ بِاحْتِيَالِهِ بِأَنْ سَدَّ عَلَيْهِ فُوَّهَةَ النَّهْرِ أَوْ سَدَّ مَوْضِعَ الدُّخُولِ حَتَّى لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لِأَنَّهُ لَمَّا اُحْتُبِسَ فِيهِ بِاحْتِيَالِهِ صَارَ آخِذًا لَهُ وَمَلَكَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَلْقَاهُ فِيهِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَيْسَ بِإِحْرَازٍ لَهُ فَصَارَ كَطَيْرٍ دَخَلَ الْبَيْتَ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُهَيِّئْ الْحَظِيرَةَ لِلِاصْطِيَادِ فَإِنْ هَيَّأَهَا لَهُ مَلَكَهُ بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ فَإِنْ اجْتَمَعَ السَّمَكُ فِي الْحَظِيرَةِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَلَمْ يَسُدَّ عَلَيْهِ الْمَدْخَلَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ حِيلَةٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ. قَالَ (وَالطَّيْر فِي الْهَوَاءِ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ قَبْلَ الْأَخْذِ وَبَعْدَهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ وَهَذَا إذَا كَانَ يَطِيرُ وَلَا يَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَكْرٌ عِنْدَهُ يَطِيرُ مِنْهُ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ يَعُودُ إلَيْهِ جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ صَيْدًا قَبْلَ أَخْذِهِ لَا يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَتْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ) أَيْ الْخَمْرُ إذْ لَا يَصِحُّ إلَّا فِيهَا؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَسَبَبُ الْحُرِّيَّةِ الْعَقْدُ إلَخْ) كَأَنَّهُ جَوَابٌ عَلَى مَا يَرِدُ عَلَى أَصْلِنَا مِنْ أَنَّ التَّعْلِيقَاتِ لَيْسَتْ بِأَسْبَابٍ فِي الْحَالِ فَقَالَ لَمَّا كَانَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ زَمَانُ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ انْعَقَدَ التَّدْبِيرُ سَبَبًا فِي الْحَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى) أَيْ وَجَوَازُ الْبَيْعِ يَقِفُ عَلَى الْيَدِ بِدَلِيلِ الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ) احْتِرَازًا عَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ اهـ ق (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْعَقْدِ) أَيْ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَصْلًا فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِيهِ وَفِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ) أَيْ حَتَّى لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا تُفِيدُ سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بَلْ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْبَيْعِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى إنْسَانٌ مَالَ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ ضَمَّهُ مَعَ عَبْدِ الْبَائِعِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّ عَبْدَهُ يَدْخُلُ فِي شِرَائِهِ لِيُثْبِتَ الْمِلْكَ فِي حَقِّ عَبْدِ الْبَائِعِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِيُثْبِتَ حُكْمَ الْبَيْعِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا كَمَالِ الْمُشْتَرِي اهـ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِإِحْرَازٍ لَهُ) سَيَأْتِي فِي الْمَقَالَةِ الْآتِيَةِ مَا يُخَالِفُهُ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ اجْتَمَعَ السَّمَكُ فِي الْحَظِيرَةِ بِنَفْسِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا اجْتَمَعَتْ بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ احْتِيَالٍ لِأَخْذِهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْنَ الْخُرُوجَ كَمَا إذَا أَفْرَخَ الصَّيْدُ فِي أَرْضِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ مَكَانًا فَإِذَا اتَّخَذَ لَهُ مَكَانًا كَانَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ. اهـ. .

وَبَعْدَهُ يَجُوزُ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا فِي مَكَان يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَلَوْ أَخَذَهُ وَسَلَّمَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ فِي الْآبِقِ وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي أَرْضِهِ الصَّيْدُ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ أَخْذِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلِهَذَا لَوْ بَاضَ فِيهَا بَيْضًا أَوْ تَنَكَّسَ الصَّيْدُ أَوْ تَكَسَّرَ يَكُونُ لِمَنْ أَخَذَهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ إيَّاهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَسَّلَ فِيهِ النَّحْلُ حَيْثُ يَمْلِكُهُ لِأَنَّ الْعَسَلَ قَائِمٌ بِأَرْضِهِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ كَالْأَشْجَارِ، وَلِهَذَا وَجَبَ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ كَالثِّمَارِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُهَيِّئْ أَرْضَهُ لِذَلِكَ فَإِنْ هَيَّأَهَا لَهُ بِأَنْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا لِلِاصْطِيَادِ أَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَدَخَلَ فِيهِ صَيْدٌ أَوْ تَعَقَّلَ بِهِ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ التَّهْيِئَةَ أَحَدُ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَطَّ طَسْتًا لِيَقَعَ فِيهِ الْمَطَرُ فَوَقَعَ فِيهِ مَلَكَهُ بِالْوُقُوعِ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ بَسَطَ ذَيْلَهُ عِنْدَ النِّثَارِ لِيَقَعَ فِيهِ الشَّيْءُ الْمَنْثُورُ مَلَكَهُ بِالْوُقُوعِ فِيهِ وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ دَخَلَ الصَّيْدُ دَارِهِ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ كَانَ الصَّيْدُ لَهُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي فِي الطَّيْرِ لَا يَكُونُ لَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. قَالَ (وَالْحَمْلِ وَالنِّتَاجِ) فَالْحَمْلُ مَا كَانَ فِي الْبَطْنِ وَالنِّتَاجُ مَا يَحْمِلُهُ هَذَا الْحَمْلُ «لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تَنْتِجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ تَحْبَلُ الَّتِي نَتَجَتْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ وَعَنْ بَيْعِ مَا فِي ضَرْعِهَا إلَّا بِكَيْلٍ وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ وَعَنْ ضَرْبَةِ الْقَانِصِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا وَقَدْ «نَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْغَرَرُ مَا يَكُونُ مَجْهُولَ الْعَاقِبَةِ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا وَالْحَبَلَةُ هُوَ الْحَبَلُ وَهُوَ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الْجَنِينُ كَمَا سُمِّيَ بِالْحَمْلِ وَهُوَ مَصْدَرٌ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ التَّاءُ لِلْإِشْعَارِ بِالْأُنُوثَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَبِيعَ مَا سَيَحْمِلُهُ الْجَنِينُ إنْ كَانَ أُنْثَى وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ ذَلِكَ فَنَهَاهُمْ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قَالَ (وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يُبَاعَ ثَمَرٌ حَتَّى يُطْعَمَ وَصُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ وَلَبَنٌ فِي ضَرْعٍ وَسَمْنٌ فِي لَبَنٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّهُ يَدِرُّ سَاعَةً فَسَاعَةً فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ وَلِأَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلْبِ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ انْتِفَاخًا مِنْ الرِّيحِ وَلَيْسَ فِيهِ لَبَنٌ. قَالَ (وَاللُّؤْلُؤِ فِي الصَّدَفِ) لِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا وَقَدْ نَهَى عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ فِيهِ وَلَا قَدْرُهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ كَسْرُ الصَّدَفِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الصَّدَفَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِالْكَسْرِ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا قُلْنَا هُوَ مَجْهُولٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ تُرَابَ الذَّهَبِ وَالْحُبُوبَ فِي غِلَافِهَا حَيْثُ يَجُوزُ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً وَيُمْكِنُ تَجْرِبَتُهَا بِالْبَعْضِ أَيْضًا. قَالَ (وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ لِمَا رَوَيْنَا) وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْجَزِّ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَصْفِ الْحَيَوَانِ لِقِيَامِهِ بِهِ كَسَائِرِ أَطْرَافِهِ وَلِأَنَّهُ يَزِيدُ مِنْ أَسْفَلَ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ كَمَا قُلْنَا فِي اللَّبَنِ بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنْ أَعْلَاهَا وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْخِضَابِ وَبِخِلَافِ الْقَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ يُقْلَعُ وَالصُّوفُ يُقْطَعُ فَيَتَنَازَعَانِ فِي مَوْضِعِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ فَصَارَ مَالِيَّةُ اللَّحْمِ فِيهَا مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ شَرْعِيٍّ وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ وَكَوْنُهُ مَقْطُوعًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ كَمَا فِي الْكُرَّاثِ وَقَوَائِمِ الْخِلَافِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَالتَّعْلِيلِ بِمُقَابَلَةِ النَّصِّ مَرْدُودٌ، وَإِنَّمَا أُجِيزَ فِي الْكُرَّاثِ وَقَوَائِمِ الْخِلَافِ لِلتَّعَامُلِ إذْ لَا نَصَّ فِيهِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ. قَالَ (وَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ) لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْحَمْلُ وَالنِّتَاجُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَا يَبِيعُ الْحَمْلَ وَالنِّتَاجَ، وَإِنَّمَا بَطَلَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْبَيْعِ لِمَعْنَى الْغَرَرِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ تُنْتِجُ تِلْكَ النَّاقَةُ أَمْ لَا تُنْتِجُ إنْ بَقِيَتْ فَرُبَّمَا هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ تُنْتِجَ وَتَلِدَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يَمْتَازُ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَا إذَا بَاعَ دَقِيقًا فِي هَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ زَيْتًا فِي هَذَا الزَّيْتُونِ أَوْ دُهْنًا فِي السِّمْسِمِ أَوْ عَصِيرًا فِي الْعِنَبِ أَوْ سَمْنًا فِي اللَّبَنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِأَدَائِهِ إلَى قَلْبِ الْمَوْضُوعِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْأَسْبَابِ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ فَإِذَا أَفْضَى الْبَيْعُ إلَى ذَلِكَ لَزِمَ مَا قُلْنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَاللُّؤْلُؤُ فِي الصَّدَفِ) أَيْ وَلَوْ اشْتَرَى لُؤْلُؤَةً فِي صَدَفٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَصْفِ الْحَيَوَانِ) أَيْ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْحَيَوَانِ فَلَمَّا كَانَ تَبَعًا لَمْ يَجُزْ جَعْلُهُ مَقْصُودًا بِإِرَادَةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنْ أَعْلَاهَا) أَيْ وَكُلُّ مَا يَزْدَادُ مِنْهَا يَزْدَادُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أُجِيزَ فِي الْكُرَّاثِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ يَنْمُو مِنْ أَسْفَلِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِلْجَهَالَةِ أَيْضًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ فِيمَا إذَا كَانَ الْجِذْعُ مُتَعَيِّنًا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْجِذْعُ مُتَعَيِّنًا فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِلْمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَا فِي الْجِذْعِ الْمُتَعَيِّنِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْمَعْنَى الثَّانِي الْجَهَالَةُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ اهـ

لَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِضَرَرٍ يَلْزَمُهُ سَوَاءٌ ذَكَرَ مَوْضِعَ الْقَطْعِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ وَلَا يُقَالُ هُوَ بِنَفْسِهِ الْتِزَامُ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ الِالْتِزَامَ بِدُونِ الْعَقْدِ غَيْرُ لَازِمٍ وَالْعَقْدُ لَمْ يُوجِبْ الضَّرَرَ فَيُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فَيَتَحَقَّقُ النِّزَاعُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بَعْضًا مَعْلُومًا مِنْ نُقْرَةِ فِضَّةٍ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهُ، وَلَوْ قَلَعَ الْبَائِعُ الْجِذْعَ أَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَسَلَّمَهُ عَادَ صَحِيحًا إنْ كَانَ قَبْلَ فَسْخِ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ الْفَسَادِ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَلَّدَ الْحَيَوَانَ وَذَبَحَهُ وَسَلَّمَهُ حَيْثُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ بَاعَ خَمْرًا ثُمَّ تَخَلَّلَتْ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِزْرًا فِي بِطِّيخٍ وَنَحْوَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ شَقَّهُ وَسَلَّمَهُ، لِأَنَّ فَسَادَهُ لِاحْتِمَالِ الْعَدَمِ فَلَا يَعُودُ صَحِيحًا بِخِلَافِ الْحُبُوبِ فِي أَغْلَافِهَا حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَتْ مَسْتُورَةً؛ لِأَنَّ وُجُودَهَا مَعْلُومٌ، وَلِهَذَا سُمِّيَ بِهِ فَيُقَالُ هَذَا بَاقِلِّيٌّ وَهَذِهِ حِنْطَةٌ وَلَا يُقَالُ لِلْبِطِّيخِ هَذَا بِزْرٌ وَهُوَ الْفَارِقُ وَهَذَا فِي ثَوْبٍ يَضُرُّهُ الْقَطْعُ كَالْمُهَيَّأِ لِلُّبْسِ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ الْقَطْعُ جَازَ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْهُ كَالْقَفِيزِ مِنْ الصُّبْرَةِ. قَالَ (وَضَرْبَةُ الْقَانِصِ) وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ أَوْ بِغَوْصِ الصَّائِدِ فِي الْمَاءِ لِمَا رَوَيْنَا فِيهِ مُفَصَّلًا وَمُجْمَلًا وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ الْغَرَرِ وَلِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ (وَالْمُزَابَنَةِ) وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ مَجْدُودٍ مِثْلَ كَيْلِهِ خَرْصًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَاضَرَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُزَابَنَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْمُزَابَنَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلَ كَيْلِهَا خَرْصًا وَالْمُخَاضَرَةُ بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ كَمَا لَوْ كَانَا مَوْضِعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ، وَكَذَا بَيْعُ الْعِنَبِ بِالْعِنَبِ خَرْصًا لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ إلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ فِيهِ «وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَعَنْ كُلِّ ثَمَرٍ بِخَرْصِهِ» وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَمْثَالُهُ مِنْ النُّصُوصِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ هُوَ بِنَفْسِهِ الْتِزَامُ الضَّرَرِ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّهُ رَضِيَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَهُ اتِّفَاقًا فَيُسَلِّمُهُ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ فَيَنْقَلِبُ الْبَيْعُ صَحِيحًا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ بَاعَ جِذْعًا مِنْ سَقْفٍ أَوْ آجُرًّا مِنْ حَائِطٍ أَوْ ذِرَاعًا مِنْ كِرْبَاسٍ أَوْ مِنْ دِيبَاجٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَجْلِ الْمَضَرَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَلَعَ الْبَائِعُ الْجِذْعَ أَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَسَلَّمَهُ عَادَ صَحِيحًا) أَيْ وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَخْذِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِزْرًا فِي بِطِّيخٍ وَنَحْوِهِ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ بَاعَ النَّوَاةَ فِي التَّمْرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا إلَّا بِضَرَرٍ، وَأَمَّا إذَا بَاعَ حَبَّ هَذَا الْقُطْنِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ هَكَذَا اخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي نَزْعِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَقَّهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَقَّ التَّمْرَ وَالْبِطِّيخَ وَأَخْرَجَ النَّوَى وَالْبِزْرَ وَسَلَّمَ لَا يَعُودُ صَحِيحًا لِاحْتِمَالٍ فِي وُجُودِهِمَا زَمَانَ الْبَيْعِ وَلَيْسَ الْجِذْعُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ مَحْسُوسٌ وَلَا احْتِمَالَ فِيهِ وَالْبَزْرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْكَسْرُ فِيهِ لُغَةٌ بِزْرُ الْبَقْلِ وَغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي ثَوْبٍ يَضُرُّهُ الْقَطْعُ كَالْمُهَيَّأِ لِلُّبْسِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: كَالسَّرَاوِيلِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ كِرْبَاسًا لَا تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ قَالُوا يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ. اهـ. . . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَضَرْبَةِ الْقَانِصِ) بِالْقَافِ وَالنُّونِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ وَهُوَ مِنْ الْقَنْصِ يُقَالُ قَنَصَ يَقْنِصُ قَنْصًا إذَا صَادَ وَرُوِيَ فِي تَهْذِيبِ الْأَزْهَرِيِّ عَنْ ضَرْبَةِ الْغَايِصِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ بَعْدَ الْأَلِفِ وَهُوَ غَوْصُ الصَّائِدِ فِي الْمَاءِ أَوْ غَوْصُ الرَّجُلِ فِي الْبَحْرِ لِأَجْلِ اللُّؤْلُؤِ. اهـ. عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَضَرْبَةُ الْقَانِصِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ لِعَدَمِ مِلْكِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَانَ غَرَرًا وَلِجَهَالَةِ مَا يَخْرُجُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ) أَيْ وَهُوَ عَلَى هَذَا مِنْ الْقَنْصِ يُقَالُ قَنَصَ يَقْنِصُ قَنْصًا إذَا صَادَ اهـ ق. (قَوْلُهُ: وَمُجْمَلًا وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ الْغَرَرِ) أَيْ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَحْصُلَ شَيْءٌ مِنْ الضَّرْبَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْصُلَ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مَالِكًا وَقْتَ الْعَقْدِ لِمَا يَحْصُلُ مِنْ الضَّرْبَةِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَهَذَا الْوَجْهُ مِمَّا سَمَحَ بِهِ خَاطِرُ الْأَتْقَانِيُّ كَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ) أَيْ وَجَهَالَةُ الْمَبِيعِ تُفْسِدُ الْبَيْعَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ الضَّرْبَةِ اهـ ق. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمُزَابَنَةِ) قَالَ فِي الْفَائِقِ الْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَالْمُدَافَعَةُ مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَوَّلُ بِالثَّاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِالثَّلَاثِ وَالثَّانِي بِاثْنَتَيْنِ كَذَا وَقَعَ سَمَاعُنَا مِرَارًا بِفَرْغَانَةَ وَبُخَارَى وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا عَلَى النَّخِيلِ قَدْ يَكُونُ رُطَبًا وَقَدْ يَكُونُ تَمْرًا إذَا جَفَّ فَقُلْنَا بِالثَّلَاثِ حَتَّى يَعُمَّهُمَا جَمِيعًا وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْمَجْذُوذِ أَنْ يَكُونَ تَمْرًا فَقُلْنَا بِالِاثْنَيْنِ وَلَوْ رَوَيَا بِالثَّلَاثِ فِيهِمَا جَمِيعًا أَوْ بِالِاثْنَتَيْنِ فِيهِمَا جَمِيعًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ لَا يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِشُبْهَةِ الرِّبَا سَوَاءٌ كَانَ الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ أَوْ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: خِرْصًا) ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ خَرَصْت النَّخْلَ خَرْصًا مِنْ بَابِ قَتَلَ حَذِرْت ثَمَرَهُ وَالِاسْمُ الْخِرْصُ بِالْكَسْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ) أَيْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا) وَهُوَ أَنْ يُبَاعَ بِخِرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ. اهـ. هِدَايَةٌ

لَا تُحْصَى كُلُّهَا مَشْهُورَةٌ وَتَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ وَالتَّفَاضُلُ مُحَرَّمٌ بِهِ، وَكَذَا التَّفَرُّقُ قَبْلَ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا وَلَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَأَخِّرًا كَمَا لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَهَذَا لِأَنَّ احْتِمَالَ التَّفَاضُلِ ثَابِتٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَفَاضَلَا بِيَقِينٍ أَوْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ فِي الْأَرْضِ وَمَعْنَى الْعَرَايَا فِيمَا رَوَاهُ الْعَطَايَا وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ ثَمَرَ نَخْلَةٍ مِنْ بُسْتَانِهِ ثُمَّ يَشُقُّ عَلَى الْمُعْرِي دُخُولُ الْمُعْرَى لَهُ فِي بُسْتَانِهِ كُلَّ سَاعَةٍ وَلَا يَرْضَى أَنْ يُخْلِفَ الْوَعْدَ فَيَرْجِعُ فِيهِ فَيُعْطِيهِ قَدْرَهُ تَمْرًا مَجْذُوذًا بِالْخَرْصِ بَدَلَهُ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَمْ يَمْلِكْ الثَّمَرَةَ لِعَدَمِ الْقَبْضِ فَصَارَ بَائِعًا مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ وَهُوَ جَائِزٌ لَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَسُمِّيَ ذَلِكَ بَيْعًا مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ عِوَضٌ عَمَّا أَعْطَاهُ أَوَّلًا فَكَأَنَّهُ أَنْفَقَ فِي الْوَاقِعَةِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَهُ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الرُّخْصَةَ مُقْتَصِرَةٌ عَلَيْهِ فَنَقَلَ كَمَا وَقَعَ عِنْدَهُ وَسَكَتَ عَنْ السَّبَبِ كَذَا فَسَرَهُ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى كَيْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْمَشَاهِيرِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّاوِيَ ظَنَّ أَنَّهُ بَيْعٌ. قَالَ (وَالْمُلَامَسَةِ وَإِلْقَاءُ الْحَجَرِ) وَهَذِهِ مِنْ الْبُيُوعِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَتَسَاوَمَ الرَّجُلَانِ فَإِذَا لَمَسَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ نَبَذَهَا إلَيْهِ الْبَائِعُ أَوْ وَضَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا حَصَاةً لَزِمَ الْبَيْعُ فَالْأَوَّلُ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالثَّانِي بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ وَالثَّالِثُ إلْقَاءُ الْحَجَرِ وَقَدْ نَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهَا بِمَا رَوَيْنَا وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ، وَالْمُلَامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ وَلَا يَقْلِبُهُ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يُنْبَذَ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ وَيُنْبَذَ الْآخَرُ بِثَوْبِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقًا لِلتَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ فَيَكُونُ قِمَارًا فَصَارَ فِي الْمَعْنَى كَأَنَّهُ قَالَ لِلْمُشْتَرِي أَيُّ ثَوْبٍ أَلْقَيْت عَلَيْهِ الْحَجَرَ فَقَدْ بِعْتُكَهُ وَفِي الْمُغْرِبِ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَاللِّمَاسِ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِهِ: إذَا لَمَسْت ثَوْبَك أَوْ لَمَسْت ثَوْبِي فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَا الْمَتَاعَ بِكَذَا فَإِذَا لَمَسْتُك فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَقُولَ إذَا نَبَذْته إلَيْك أَوْ يَقُول الْمُشْتَرِي إذَا نَبَذْته إلَيَّ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَإِلْقَاءُ الْحَجَرِ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعُ إذَا أَلْقَيْت الْحَجَرَ وَجَبَ الْبَيْعُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد الْمُلَامَسَةُ أَنْ يَمَسَّهُ بِيَدِهِ وَلَا يَنْشُرُهُ وَلَا يُقَلِّبُهُ. قَالَ (وَثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ هَذَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ خِيَارُ التَّعْيِينِ وَإِنْ اُشْتُرِطَ فِيهِ بِأَنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ جَازَ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى ثَلَاثَةٍ وَحُكْمُهُ إذَا قَبَضَهُمَا. قَالَ (وَالْمَرَاعِي وَإِجَارَتِهَا) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرَاعِي وَلَا إجَارَتُهَا وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَلَأُ دُونَ رَقَبَةِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ وَإِجَارَتَهَا جَائِزٌ إذَا كَانَ مَالِكًا لَهَا، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلَأِ وَإِجَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ إذْ لَا يَمْلِكُهُ بِنَبَاتِهِ فِي أَرْضِهِ مَا لَمْ يُحْرِزْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ فِيهِ «وَثُمُنُهُ حَرَامٌ» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُحْرِزْهُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يُمْنَعُ الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالْكَلَأُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهُمْ الِانْتِفَاعَ بِشُرْبِ الْمَاءِ وَسَقْيِ الدَّوَابِّ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْآبَارِ وَالْحِيَاضِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ فِي أَرْضِهِ وَإِذَا طَلَبَ أَحَدٌ الْمَاءَ يَلْزَمُهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُخَلِّيَهُ يَدْخُلُ فَيَأْخُذُ الْمَاءَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُخْرِجُ لَهُ هُوَ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ وَقَعَ ثَوْبُ إنْسَانٍ فِي دَارِ غَيْرِهِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ فِيهِ، وَكَذَا لَهُمْ الِاحْتِشَاشُ مِنْ الْأَرَاضِي الْمَمْلُوكَةِ فَإِنْ مَنَعَهُمْ مِنْ الدُّخُولِ فِي أَرْضِهِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَاءِ مِنْ الْحُكْمِ فَإِذَا كَانَ مُبَاحًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا إجَارَتُهُ وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكُ الْعَيْنِ وَالْإِجَارَةُ لَا تَجُوزُ فِي اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ الْمَمْلُوكَةِ فَغَيْرُ الْمَمْلُوكَةِ أَوْلَى وَأُجِيزَتْ فِي الظِّئْرِ وَالصَّبْغِ لِكَوْنِهَا آلَةً لِلْعَمَلِ بَيْعًا وَضِمْنًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَجُوزُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ قَصْدًا، وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ لِإِيقَافِ الدَّوَابِّ فِيهَا أَوْ لِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى بِقَدْرِ مَا يُرِيدُ صَاحِبُهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ فَيَحْصُلُ بِهِ غَرَضُهُمَا هَذَا إذَا نَبَتَ الْحَشِيشُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ أَنْبَتَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِأَنْ سَقَاهَا أَوْ حَدَّقَ حَوْلهَا أَوْ هَيَّأَهَا لِلْإِنْبَاتِ مَلَكَهُ وَجَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ. (قَوْلُهُ: فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الرُّخْصَةَ مَقْصُورَةٌ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مُقْتَصِرَةٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَثَوْبٌ مِنْ ثَوْبَيْنِ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَيْ وَجَهَالَةُ الْمَبِيعِ مَانِعَةٌ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ إذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهَذِهِ تُفْضِي إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَدْرِي مَا يُسَلِّمُ وَالْمُشْتَرِي لَا يَدْرِي مَا يَتَسَلَّمُ فَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْقِيمَةِ وَجَهَالَةِ الصُّبْرَةِ الْمَبِيعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، وَلَوْ قَالَ بِعْت أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي أَيَّهُمَا شَاءَ بِعَشَرَةٍ فَقَبِلَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَدْ مَضَى بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ خِيَارِ الشَّرْطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَرَطَ فِيهِ بِأَنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ جَازَ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ فِي الثَّانِي بِفِعْلِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَصَارَ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَإِذَا لَمْ يَشْرِطْ الْخِيَارَ ثَبَتَتْ الْجَهَالَةُ وَكَثُرَتْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي اخْتِيَارُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ إلَّا وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُعَيِّنَ الْآخَرَ فَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ تَعَيَّنَ الْمَبِيعُ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا فَقَلَّتْ الْجَهَالَةُ فَلَمْ تُؤَثِّرْ. اهـ. أَقْطَعُ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلَأِ وَإِجَارَتُهُ) أَيْ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِأَحَدٍ قَبْلَ الْإِحْرَازِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ فِي اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ الْمَمْلُوكَةِ) أَيْ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا. اهـ. هِدَايَةٌ

بَيْعُهُ وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ فَلَا تَنْقَطِعُ بِدُونِ الْحِيَازَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْكَلَأِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ مَا تَرْعَاهُ الْمَوَاشِي رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا بِخِلَافِ الْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّ الْكَلَأَ اسْمٌ لِمَا لَا سَاقَ لَهُ وَالْأَشْجَارُ لَهَا سَاقٌ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ حَتَّى جَازَ بَيْعُهَا إذَا نَبَتَتْ فِي أَرْضِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالنَّبَاتِ فِيهَا وَالْكَمْأَةُ كَالْكَلَأِ وَلِذَا لَهُمْ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِضَوْءِ النَّارِ وَالِاصْطِلَاءِ بِهَا وَالْإِيقَادِ مِنْ لَهِيبِهَا بِدُونِ رِضَا صَاحِبِهَا وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْجَمْرِ شَيْئًا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ. قَالَ (وَالنَّحْلِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ مُحْرَزًا؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ كَالْحِمَارِ وَلَهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالزُّنْبُورِ وَهَوَامِّ الْأَرْضِ وَالِانْتِفَاعُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ مُنْتَفِعًا بِهِ وَالشَّيْءُ إنَّمَا يَصِيرُ مَالًا لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ حَتَّى لَوْ بَاعَهُ مَعَ الْكِوَارَةِ صَحَّ تَبَعًا لَهَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْعَسَلِ، وَقَالَ الشَّيْءُ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ مِنْ حُقُوقِهِ كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ. قَالَ (وَيُبَاعُ دُودُ الْقَزِّ وَبَيْضُهُ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي الدُّودِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي بَيْضِهِ وَقِيلَ فِيهِ أَيْضًا مَعَهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدُّودَ مِنْ الْهَوَامِّ وَبَيْضُهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَأَشْبَهَ الْخَنَافِسَ وَالْوَزَغَاتِ وَبَيْضِهَا وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الدُّودَ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَكَذَا بَيْضُهُ فِي الْمَآلِ فَصَارَ كَالْجَحْشِ وَالْمَهْرِ وَلِأَنَّ النَّاسَ قَدْ تَعَامَلُوهُ فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ فَصَارَ كَالِاسْتِصْنَاعِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَالْآبِقِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَ دُودِ الْقَزِّ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَهُوَ شَرْطٌ لِجَوَازِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْسَلِ فِي حَاجَةٍ لِثُبُوتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقْتَ الْعَقْدِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ عَوْدُهُ إلَى مَوْلَاهُ وَلَا كَذَلِكَ الْآبِقُ وَلَوْ بَاعَهُ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ عِنْدَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي الْآبِقِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ آبِقًا عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهَذَا لَيْسَ بِآبِقٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي إذْ هُوَ فِي يَدِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ الْمُطْلَقُ إذْ هُوَ لَيْسَ بِعَاجِزٍ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَهُوَ الْمَانِعُ ثُمَّ لَا يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ إنْ كَانَ أَشْهَدَ عِنْدَ الْأَخْذِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ قَبْضَهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَلَكِنَّ وُجُوبَ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ) قَائِلُهُ الْقُدُورِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا تَنْقَطِعُ بِدُونِ الْحِيَازَةِ) أَيْ وَسَوْقُ الْمَاءِ إلَى أَرْضِهِ لَيْسَ بِحِيَازَةٍ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ: يَنْبَغِي أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ يَمْلِكُ بِنَاءَهَا وَيَكُونُ بِتَكَلُّفِهِ الْحَفْرَ وَالطَّيَّ لِتَحْصِيلِ الْمَاءِ كَمَا يَمْلِكُ الْكَلَأَ بِتَكَلُّفِهِ سَوْقَ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ لِيَنْبُتَ فَلَهُ مَنْعُ الْمُسْتَقِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ مُحْرَزًا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فَيَجُوزُ لِلْحَاجَةِ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ وَبِهِ يُفْتَى، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ تَبَعًا لِلْكُوَّارَاتِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَ فِي كُوَّارَاتِهَا عَسَلٌ فَاشْتَرَى الْكُوَّارَاتِ بِمَا فِيهَا جَازَ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ بَاعَهُ مَعَ الْكُوَّارَةِ صَحَّ) الْكُوَّارَاتُ مَعْسَلُ النَّحْلِ إذَا سُوِّيَ مِنْ طِينٍ وَهِيَ بِضَمِّ الْكَافِ وَالتَّشْدِيدِ كَذَا رَأَيْت فِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ بِتَصْحِيحِ الْمُطَرِّزِيُّ وَرُوِيَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْضًا فِي التَّهْذِيبِ وَرُوِيَ أَيْضًا كِوَارٌ وَكِوَارَةٌ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ فِيهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْعَسَلِ)، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ أَيْضًا وَأَجْمَعُوا أَنَّ بَيْعَ هَوَامِّ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ الْحَيَّاتُ وَالْعَقَارِبُ وَالْوَزَغُ وَالْعَظَايَةُ وَالْقَنَافِذُ وَالْجُعَلُ وَالضَّبُّ وَهَوَامُّ الْأَرْضِ كُلُّهَا، وَقَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ مِنْ الضَّفَادِعِ وَالسَّرَطَانِ وَالسَّلَاحِفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا السَّمَكَ، وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إذَا كَانَ الدُّودُ مِنْ وَاحِدٍ وَوَرَقُ التُّوتِ مِنْهُ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْقَزُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْهُمَا وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْبَيْضُ مِنْهُمَا وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ امْرَأَةٌ أَعْطَتْ بَذْرَ الْقَزِّ وَهُوَ بَذْرُ الْفَيْلَقِ بِالنِّصْفِ امْرَأَةً فَقَامَتْ عَلَيْهِ حَتَّى أَدْرَكَ فَالْفَيْلَقُ لِصَاحِبَةِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ مِنْ بَذْرِهَا وَلَهَا عَلَى صَاحِبَةِ الْبَذْرِ قِيمَةُ الْأَوْرَاقِ وَأُجْرَةُ مِثْلِهَا وَعَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ الْبَقَرَ إلَى إنْسَانٍ بِالْعَلَفِ لِيَكُونَ الْحَادِثُ بَيْنَهُمَا بِالنِّصْفِ فَالْحَادِثُ كُلُّهُ حَدِيثَةُ الْبَقَرِ وَلَهُ عَلَى صَاحِبِ الْبَقَرِ ثَمَنُ الْعَلَفِ وَأَجْرُ الْمِثْلِ، وَكَذَا إذَا دَفَعَ الدَّجَاجَةَ لِيَكُونَ الْبَيْضُ بِالنِّصْفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي الدُّودِ) أَيْ إلَّا إذَا ظَهَرَ فِيهِ الْقَزُّ فَيُجِيزُهُ تَبَعًا لِلْقَزِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِيهِ أَيْضًا مَعَهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي دُودِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ لِلتَّعَامُلِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْآبِقِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَتُهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَبْدٍ لِرَجُلٍ أَبَقَ فَجَاءَ رَجُلٌ إلَى مَوْلَاهُ فَقَالَ إنَّ عَبْدَك قَدْ أَخَذْته وَهُوَ عِنْدِي فِي الْبَيْتِ فَبِعْنِيهِ فَبَاعَهُ مِنْهُ قَالَ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ قَالَ أَخَذَهُ هَذَا الرَّجُلُ وَهُوَ عِنْدَهُ فَبِعْهُ مِنِّي فَصَدَّقَهُ الرَّجُلُ بِمَا قَالَ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْهُ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْسَلِ فِي حَاجَتِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُرْسَلُ فِي حَاجَتِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ الْمُطْلَقُ) أَيْ لِأَنَّ النَّصَّ الْمُطْلَقَ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُقَيَّدَ وَلِأَنَّ النَّصَّ مَعْلُولٌ بِعِلَّةِ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي زَالَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلْفَسَادِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ أَشْهَدَ عِنْدَ الْأَخْذِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَرُدَّهُ) أَيْ حَتَّى إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَبَضَ الْأَمَانَةَ لِكَوْنِهِ أَدْنَى حَالًا لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْبَيْعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

مَانِعٌ عَنْ وُجُوبِ الْقِيمَةِ فَقَبْضُ الضَّمَانِ أَقْوَى مِنْ قَبْضِ الْأَمَانَةِ لِتَأَكُّدِ قَبْضِ الضَّمَانِ بِاللُّزُومِ وَالْمِلْكِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ امْتَنَعَ عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ وَالضَّمَانُ يُوجِبُ الْمِلْكَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَنَا بِخِلَافِ قَبْضِ الْأَمَانَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ فَكَانَ أَضْعَفَ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْأَقْوَى وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ الْأَخْذِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ لِنَفْسِهِ بَلْ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِشْهَادَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِكَوْنِهِ أَمَانَةً عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا شَرْطٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي اللُّقَطَةِ وَلَوْ بَاعَهُ مِمَّنْ قَالَ هُوَ عِنْدَ فُلَانٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ آبِقٌ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الْفَسْخِ لَمْ يَعُدْ صَحِيحًا لِوُقُوعِهِ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ كَبَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ ثُمَّ أَبَقَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ عَادَ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ عَوْدِهِ يَكْفِي لِبَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى مَا كَانَ دُونَ الِابْتِدَاءِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَعُودُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ فِيهِ قَائِمَةٌ فَكَانَ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ فَيَنْعَقِدُ غَيْرَ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ فَيَفْسُدُ فَإِذَا آبَ قَبْلَ الْفَسْخِ عَادَ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَيُجْبَرَانِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَبَيْعِ الْمَرْهُونِ ثُمَّ افْتَكَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ. وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَبِالْأَوَّلِ كَانَ يُفْتِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الثَّلْجِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَلَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِيهِ وَلَوْ عَلِمَ حَيَاتَهُ فِي وَقْتِ الْعِتْقِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ وَهَبَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ لِيَتِيمٍ فِي حِجْرِهِ جَازَ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْيَدِ يَكْفِي فِي الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ قَالَ (إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ عِنْدَهُ) أَيْ الْآبِقِ إذَا بَاعَهُ مِمَّنْ يَدَّعِي أَنَّهُ عِنْدَهُ جَازَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَلَبَنِ امْرَأَةٍ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ حُرَّةٍ كَانَ أَوْ مِنْ أَمَةٍ وَيَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوبٌ طَاهِرٌ كَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَكَذَا عَلَى جُزْئِهَا وَلَهُمَا أَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِمَعْنَى الْبَعْضِيَّةِ وَهُوَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُكَرَّمٌ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ وَالِامْتِهَانِ بِالْبَيْعِ إلَّا مَا حَلَّ فِيهِ الرِّقُّ وَهُوَ لَا يَحِلُّ اللَّبَنُ؛ لِأَنَّهُ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ فَتَمَحَّضَ بِمَحِلِّ الْقُوَّةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّهُ وَهُوَ الْحَيُّ؛ لِأَنَّ الضِّدَّيْنِ يَتَعَاقَبَانِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ وَكَوْنُهُ مَشْرُوبًا ضَرُورِيّ لِأَجْلِ الْأَطْفَالِ حَتَّى لَوْ اسْتَغْنَى عَنْهُ لَا يَجُوزُ وَنَظِيرُهُ مِلْكُ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ ضَرُورِيٌّ لِاقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ وَإِبْقَاءِ النَّسْلِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبُضْعَ مُهَانٌ مُبْتَذَلٌ وَلِأَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيَّةِ فِي حُكْمِ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى جَازَ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَبَيْعُ مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ لَبَنِ الْبَقَرَةِ وَنَحْوِهَا حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى لَا يُسْتَحَقَّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَهُوَ مُبْتَذَلٌ أَيْضًا. قَالَ (وَشَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ لِلْخَرَزِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَعْرِهِ وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْخَرَزِ؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إهَانَةً لَهُ كَالْخَمْرِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ جَوَازَ بَيْعِهِ يُشْعِرُ بِإِعْزَازِهِ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَنَجَاسَتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ الْأَخْذِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا) أَيْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ غَاصِبًا وَقَبْضُ الْغَصْبِ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْبَيْعِ وَهُوَ قَبْضُ ضَمَانٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ مَا لَيْسَ فِي يَدِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَعُدْ صَحِيحًا لِوُقُوعِهِ بَاطِلًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ عَادَ مِنْ إبَاقِهِ وَقَدْ بَاعَهُ مِمَّنْ لَيْسَ عِنْدَهُ هَلْ يَعُودُ الْبَيْعُ جَائِزًا إذَا سَلَّمَهُ فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَعُودُ صَحِيحًا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا إذَا بَاعَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ بَاعَ طَيْرًا فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ أَخَذَهُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَهُوَ مُخْتَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَالثَّلْجِيِّ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ يَجِبُ كَوْنُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ وَالْمِلْكِ فِي الْآبِقِ وَلِذَا صَحَّ عِتْقُهُ فَكَانَ كَبَيْعِ الْمَرْهُونِ إذَا افْتَكَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَفَسْخِ الْقَاضِي لِلْبَيْعِ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ حَتَّى إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ تَسْلِيمِهِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبُولِهِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقَدْ وُجِدَ قَبْلَ الْفَسْخِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ أَنْ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ أَوْ تَخَاصَمَا فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ فَالْحَقُّ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَالْمَشَايِخِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ فَإِنَّك عَلِمْت أَنَّ ارْتِفَاعَ الْمُفْسِدِ فِي الْفَاسِدِ يَرُدُّهُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَائِمٌ مَعَ الْفَسَادِ وَارْتِفَاعُ الْمُبْطِلِ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِصِفَةِ الْبُطْلَانِ بَلْ مَعْدُومًا فَوَجْهُ الْبُطْلَانِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَوَجْهُ الْفَسَادِ قِيَامُ الْمَالِيَّةِ وَالْمِلْكِ وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ مُفْسِدٌ لَا مُبْطِلٌ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ بَاعَ الْآبِقَ ثُمَّ سَلَّمَهُ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَكَانَ بَاطِلًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَبَنِ امْرَأَةٍ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سَمِعْت الْفَقِيهَ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ سَمِعْت الْفَقِيهَ أَبَا الْقَاسِمِ أَحْمَدَ بْنَ حم قَالَ: قَالَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى سَمِعْت الْحَسَنَ بْنَ سَيْهُوبٍ يَقُولُ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ: جَوَازُ إجَارَةِ الظِّئْرِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ بَيْعِ لَبَنِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الْإِجَارَةُ ثَبَتَ أَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الْمَنَافِعِ وَلَيْسَ سَبِيلُهُ الْأَمْوَالَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالًا لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً عَلَى أَنْ يَشْرَبَ لَبَنَهَا لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ فَلَمَّا جَازَ إجَارَةُ الظِّئْرِ ثَبَتَ أَنَّ لَبَنَهَا لَيْسَ بِمَالٍ وَذَكَرَ فِي إجَارَةِ الْعُيُونِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْجَرَ شَاةً لِتُرْضِعَ جَدْيًا أَوْ صَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ اسْتَغْنَى عَنْهُ لَا يَجُوزُ) أَيْ شُرْبُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ يَحْرُمُ حَتَّى مَنَعَ بَعْضُهُمْ صَبَّهُ فِي الْعَيْنِ الرَّمِدَةِ وَبَعْضُهُمْ أَجَازَهُ إذَا عُرِفَ دَوَاءً. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ مَالًا وَبَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَجُوزُ وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

تُشْعِرُ بِهَوَانِ الْمَحِلِّ، وَإِنَّمَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْأَسَاكِفَةِ؛ لِأَنَّ خَرْزَ النِّعَالِ وَالْأَخْفَافِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِهِ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْخَرْزَ يَتَأَتَّى بِغَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ لَحْمَهُ فَالشَّعْرُ أَوْلَى ثُمَّ لَا حَاجَةَ إلَى شِرَائِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مُبَاحُ الْأَصْلِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إنْ كَانَتْ الْأَسَاكِفَةُ لَا يَجِدُونَ شَعْرَ الْخِنْزِيرِ إلَّا بِالشِّرَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُمْ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَالَةُ الضَّرُورَةِ فَأَمَّا الْبَيْعُ فَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِلْبَائِعِ وَلَا بَأْسَ لِلْأَسَاكِفَةِ أَنْ يُصَلُّوا مَعَ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَفِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالَةِ بَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُفْسِدُهُ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ دَلِيلُ طَهَارَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَشَعْرِ الْإِنْسَانِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَعْرِ الْإِنْسَانِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُزْؤُهُ مُهَانًا، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ»، وَإِنَّمَا لُعِنَا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إهَانَةِ الْمُكَرَّمِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَجَازَ الِانْتِفَاعَ بِشَعْرِ الْآدَمِيِّ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ حَلَقَ رَأْسَهُ قَسَمَ شَعْرَهُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِهِ» وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا فَعَلَ فَإِنَّهُ لَا يُتَبَرَّكُ بِالنَّجَسِ، أَلَا تَرَى أَنَّ «أَبَا طَيْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ شَرِبَ دَمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَصْدِ التَّبَرُّكِ بِهِ نَهَاهُ أَنْ يَعُودَ إلَى مِثْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ» قُلْنَا: حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِكَرَامَتِهِ لَا لِنَجَاسَتِهِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ فَبَطَلَ الِاسْتِدْلَال بِهَا وَيُرَخَّصُ فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْ الْوَبَرِ فَيُزَادُ عَلَى قُرُونِ النِّسَاءِ وَذَوَائِبِهِنَّ. قَالَ (وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدَّبْغِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا» فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّ نَجَاسَتَهُ مِنْ الرُّطُوبَاتِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَصَارَ كَلَحْمِ الْمَيْتَةِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ النَّجِسِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لَيْسَتْ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ قَالَ (وَبَعْدَهُ يُبَاعُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ كَعَظْمِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا وَصُوفِهَا وَقَرْنِهَا وَوَبَرِهَا) يَعْنِي بَعْدَ الدِّبَاغِ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ عَظْمِ الْمَيْتَةِ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ طَهُرَ بِالدِّبَاغِ وَالْعَظْمُ وَنَحْوُهُ طَاهِرٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فَجَازَ بَيْعُهُ وَلُحُومُ السِّبَاعِ وَشُحُومُهَا وَجُلُودُهَا بَعْدَ الذَّكَاةِ كَجُلُودِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا غَيْرُ الْأَكْلِ لِطَهَارَتِهَا بِالذَّكَاةِ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَيَجُوزُ بَيْعُ عَظْمِ الْفِيلِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَهُوَ كَالْخِنْزِيرِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا كَالسِّبَاعِ. قَالَ (وَعُلُوٍّ سَقَطَ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ عُلُوٍّ بَعْدَمَا سَقَطَ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقُّ التَّعَلِّي لَا غَيْرَ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَحِلُّ الْبَيْعِ الْمَالُ وَهُوَ مَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ وَقَبْضُهُ وَالْهَوَاءُ لَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ وَقَبْضُهُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ قَبْلَ الِانْهِدَامِ بِاعْتِبَارِ الْبِنَاءِ الْقَائِمِ وَلَمْ يَبْقَ بِخِلَافِ الشُّرْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ لَحْمَهُ) قَالَ تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [المائدة: 3] (قَوْلُهُ فَالشَّعْرُ أَوْلَى) أَيْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ أَخَفُّ مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّ شَعْرَ الْمَيْتَةِ طَاهِرٌ وَلَحْمَهَا لَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُوجَدُ مُبَاحُ الْأَصْلِ) أَيْ غَالِبًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ لِلْأَسَاكِفَةِ أَنْ يُصَلُّوا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَرَّازِينَ مَعَ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ فِي حَقِّهِمْ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا وَهُوَ الْوَجْهُ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ لَمْ تَدْعُهُمْ إلَى أَنْ يَعْلَقَ بِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ وَيَتَجَمَّعُ فِي ثِيَابِهِمْ هَذَا الْمِقْدَارُ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ دَلِيلُ طَهَارَتِهِ) أَيْ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الضَّرُورَةِ لَا يَتَعَدَّاهَا وَهِيَ فِي الْخَرَزِ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَقَطْ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا») مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَعِظَامِهَا إذَا دُبِغَ وَعَصَبِهَا وَعَقِبِهَا وَصُوفِهَا وَوَبَرِهَا وَقَرْنِهَا قَالَ: لَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَبَيْعِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ نَجَاسَتَهُ مِنْ الرُّطُوبَاتِ الْمُتَّصِلَةِ) فَإِنْ قِيلَ نَجَاسَتُهَا أَيْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ لَيْسَ إلَّا لِمَا يُجَاوِرُهَا مِنْ الرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ فَهِيَ مُتَنَجِّسَةٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهَا كَالثَّوْبِ النَّجِسِ أُجِيبَ بِأَنَّ النَّجَسَ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَمَا لَمْ يُزَايِلْهُ فَهِيَ كَعَيْنِ الْجِلْدِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْجِلْدُ نَجِسَ الْعَيْنِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالدُّهْنِ النَّجِسِ فَإِنَّ النَّجَاسَةَ فِيهِ عَارِضَةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الثَّوْبِ بِهَا فِيهِ وَهَذَا السُّؤَالُ لَيْسَ فِي تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَوَّلًا لِيَحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ فَإِنَّهُ مَا عَلَّلَ الْمَنْعَ إلَّا بِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ عَلَّلَ النَّجَاسَةَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِهَا بُطْلَانَ بَيْعٍ أَصْلًا فَإِنَّ بُطْلَانَ الْبَيْعِ دَائِرٌ مَعَ حُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ وَهِيَ عَدَمُ الْمَالِيَّةِ فَإِنَّ بَيْعَ السِّرْقِينِ جَائِزٌ وَهُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا جَوَازُ بَيْعِهَا بَعْدَ الدِّبَاغَةِ لِحِلِّ الِانْتِفَاعِ بِهَا شَرْعًا وَالْحُكْمُ بِطَهَارَتِهَا زِيَادَةٌ ثَبَتَتْ شَرْعًا عَلَى خِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لِطَهَارَتِهَا) أَيْ لِطَهَارَتِهَا بِالذَّكَاةِ قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي الْأَسْآرِ أَنْ الصَّحِيحَ أَنَّ اللَّحْمَ لَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ فَرَاجِعْهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَهُ حَقُّ التَّعَلِّي) وَقَدْ صَرَّحَ الْأَتْقَانِيُّ وَالزَّيْلَعِيُّ عَلَى مَا سَيَأْتِي بِأَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الشِّرْبِ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ أَنَّ الشِّرْبَ حَقُّ الْأَرْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ فَأَجَابَ بِهَذَا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ثُمَّ جَوَازُ بَيْعِ الشِّرْبِ مَعَ الْأَرْضِ اتِّفَاقُ الرِّوَايَاتِ فِيمَا إذَا كَانَ الشِّرْبُ شِرْبَ تِلْكَ الْأَرْضِ، أَمَّا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ مَعَ شِرْبِ أَرْضٍ أُخْرَى اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ: أَمَّا إذَا بَاعَ أَرْضًا مَعَ شِرْبِ غَيْرِهَا فَفِي صِحَّتِهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُفْرَدًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ حَتَّى تَزْدَادَ نَوْبَتُهُ اهـ

حَيْثُ يَصِحُّ بَيْعُهُ تَبَعًا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَمَقْصُودًا فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ؛ لِأَنَّهُ نَصِيبٌ مِنْ الْمَاءِ وَهُوَ مَالٌ، وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ حَتَّى لَوْ سَقَى بِهِ رَجُلٌ أَرْضَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَكَذَا لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ شِرَاءَ أَرْضٍ بِشِرْبِهَا بِأَلْفٍ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِذَلِكَ وَسَكَتَ الْآخَرُ عَنْ الشِّرْبِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِاخْتِلَافِهِمَا فِي ثَمَنِ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بُخَارَى لِلْجَهَالَةِ وَإِنْ سَقَطَ الْعُلُوُّ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ كَهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَسِيلِ وَهِبَتُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ وَالْمَسْأَلَةُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ وَالثَّانِي بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ تَسْيِيلِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَوَّلَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ مَعْلُومُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَأَمَّا رَقَبَةُ الْمَسِيلِ فَمَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ مَا يَشْغَلُهُ الْمَاءُ مِنْ الْأَرْضِ مُخْتَلِفٌ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَاءِ وَكَثْرَتِهِ حَتَّى لَوْ بَيَّنَ حُدُودَهُ جَازَ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ رَقَبَةَ النَّهْرِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمَسِيلِ أَوْ بَاعَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهُ جَازَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الثَّانِي فَفِي بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَجُوزُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَجُوزُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسْيِيلِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مَعْلُومٌ وَهُوَ الطَّرِيقُ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَمَّا التَّسْيِيلُ فَمُتَعَلِّقٌ بِمَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْمَسِيلِ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ حَقِّ التَّعَلِّي حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَبَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْأَرْضِ وَرَقَبَةُ الْأَرْضِ مَالٌ وَهُوَ عَيْنٌ فَمَا تَعَلَّقَ بِهِ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْمَالِ وَحَقُّ التَّعَلِّي مُتَعَلِّقٌ بِالْهَوَاءِ وَالْهَوَاءُ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ وَلَا لَهُ حُكْمُ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ (وَأَمَةٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدٌ، وَكَذَا عَكْسُهُ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ شَخْصًا عَلَى أَنَّهُ أَمَةٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَةٌ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافُ الْوَصْفِ إذْ الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ وَصْفٌ فِي الْحَيَوَانِ وَهُوَ يُوجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَمَقْصُودًا) أَيْ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا عَنْ الْأَرْضِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ) أَيْ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ) أَيْ كَأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ بَلْخٍ تَعَامَلُوا ذَلِكَ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ لِلتَّعَامُلِ كَمَا جُوِّزَ السَّلَمُ لِلضَّرُورَةِ وَالِاسْتِصْنَاعُ لِلتَّعَامُلِ اهـ كَمَالٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَشَايِخُ بَلْخٍ كَأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ يُجَوِّزُونَ بَيْعَ الشِّرْبِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ حَتَّى تَزْدَادَ نَوْبَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ أَهْلَ بَلْخٍ تَعَامَلُوا ذَلِكَ لِحَاجَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ سَقَى بِهِ رَجُلٌ أَرْضَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ) أَيْ وَكَذَا إذَا اسْتَحَقَّ الشِّرْبَ يَبْطُلُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ، وَأَمَّا ضَمَانُهُ بِالْإِتْلَافِ فَهُوَ بِأَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ بِشِرْبِ غَيْرِهِ فَهُوَ رِوَايَةُ الْبَزْدَوِيِّ وَعَلَى رِوَايَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ لَا يَضْمَنُ وَقِيلَ يَضْمَنُ إذَا جَمَعَ الْمَاءَ ثُمَّ أَتْلَفَهُ وَلَا يَضْمَنُ قَبْلَ الْجَمْعِ وَحِينَئِذٍ فَالْإِلْزَامُ بِهِ مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ إلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُخَالِفُ وَعَنْ الشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ ابْنِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَصَرَ ضَمَانَهُ بِالْإِتْلَافِ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَشْهَدَ بِهِ لِآخَرَ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَقَالَ لَا وَجْهَ لِلضَّمَانِ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا بِهَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ بِغَيْرِهَا فَإِمَّا بِالسَّقْيِ أَوْ بِمَنْعِ حَقِّ الشِّرْبِ لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَدِيثِ وَلَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَنْعَ حَقِّ الْغَيْرِ لَيْسَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ بَلْ السَّبَبُ مَنْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَأَمَّا أَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ وَهُوَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَيْنًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ بِعَرَضِيَّةِ وُجُودِهِ كَالسَّلَمِ وَالِاسْتِصْنَاعِ ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ فَهُوَ مَجْهُولُ الْمِقْدَارِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهَذَا وَجْهٌ مَنْعِ مَشَايِخِ بُخَارَى بَيْعَهُ مُفْرَدًا قَالُوا وَتَعَامُلُ أَهْلِ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ هُوَ التَّعَامُلُ الَّذِي يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ بَلْ ذَلِكَ تَعَامُلُ أَهْلِ الْبِلَادِ لِيَصِيرَ إجْمَاعًا كَالِاسْتِصْنَاعِ وَالسَّلَمُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَالضَّرُورَةُ فِي بَيْعِ الشِّرْبِ مُفْرَدًا عَلَى الْعُمُومِ مُنْتَفِيَةٌ بَلْ إنْ تَحَقَّقَ فَحَاجَةُ بَعْضِ النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَبِهَذَا الْقَدْرِ لَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِهِمَا فِي ثَمَنِ الْأَرْضِ) أَيْ لِأَنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ يُقَابِلُ الشِّرْبَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بُخَارَى لِلْجَهَالَةِ) أَيْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ بِخِلَافِ بَيْعِهِ مَعَ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْجَهَالَةِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ. (قَوْلُهُ وَالثَّانِي بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ) أَيْ الَّذِي هُوَ التَّطَرُّقُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَوَّلَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَ وَهُوَ بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ أَيْ مَعَ اعْتِبَارِ حَقِّ التَّسْيِيلِ فَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّرِيقَ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّ لَهُ طُولًا وَعَرْضًا مَعْلُومًا فَإِنْ بَيَّنَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ جَازَ أَيْضًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَسِيلَةِ هُنَا فَإِنَّهُ يَجْعَلُ مِقْدَارَ بَابِ الدَّارِ الْعُظْمَى وَطُولَهُ إلَى السِّكَّةِ النَّافِذَةِ أَمَّا الْمَسِيلُ فَمَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا يَشْغَلُهُ الْمَاءُ وَمِنْ هُنَا عُرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسِيلَةِ مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الطَّرِيقِ وَالتَّسْيِيلِ، أَمَّا لَوْ بَيَّنَ حَدَّا مَا يَسِيلُ فِيهِ الْمَاءُ أَوْ بَاعَ الْأَرْضَ الْمَسِيلَ مِنْ نَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ حَقِّ التَّسْيِيلِ فَهُوَ جَائِزٌ بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ حُدُودَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) أَيْ حَيْثُ جَازَ بَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ دُونَ الْمَسِيلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَجُوزُ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ وَبَيْعُ الْحُقُوقِ بِالِانْفِرَادِ لَا يَجُوزُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: أَمَّا التَّسْيِيلُ) أَيْ فَإِنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ فَهُوَ نَظِيرُ حَقِّ التَّعَلِّي وَبَيْعُ حَقِّ التَّعَلِّي لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَإِنْ كَانَ عَلَى رَقَبَةِ الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِجَهَالَةِ قَدْرِ مَا يَشْغَلُهُ الْمَاءُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَأَمَةٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدٌ، وَكَذَا عَكْسُهُ) قَالَ الْكَمَالُ إذَا اشْتَرَى هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِأَلْفٍ فَظَهَرَتْ غُلَامًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْمَبِيعِ وَهَذِهِ وَأَمْثَالُهَا تَبْتَنِي عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْمَهْرِ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ تَسْمِيَةٌ وَإِشَارَةٌ إلَى شَيْءٍ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْجَارِيَةِ حَيْثُ أَشَارَ إلَى ذَاتٍ وَسَمَّاهَا جَارِيَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأُنُوثَةُ وَصْفٌ فِي الْحَيَوَانِ) أَيْ فَلَا يَتَبَدَّلُ بِهَا مَعْنَى الذَّاتِ. اهـ. غَايَةٌ

الْخِيَارَ لَا الْفَسَادَ كَمَا فِي الْبَهَائِمِ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى كَبْشًا مَثَلًا فَإِذَا هُوَ نَعْجَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَإِذَا هُوَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لِتَفَاحُشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ خَارِجَ الدَّارِ وَمِنْ الْأَمَةِ الِاسْتِخْدَامُ دَاخِلَ الدَّارِ كَالطَّبْخِ وَالْكَنْسِ وَالِاسْتِفْرَاشِ وَالِاسْتِيلَادِ فَصَارَتْ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ الذُّكُورَةِ وَمِنْ غَيْرِهِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِتَقَارُبِ الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ اللَّحْمُ وَالْحَمْلُ وَالرُّكُوبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ الْحَيَوَانِ يَصْلُحَانِ لِذَلِكَ فَكَانَا جِنْسًا وَاحِدًا وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ يَكُونُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَلَّ وَالدِّبْسَ جِنْسَانِ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ اتَّحَدَ أَصْلُهُمَا ثُمَّ فِي مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى إذَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُسَمَّى وَالْمُشَارُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ الْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لِتَعْرِيفِ الذَّاتِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ هَذَا صَارَ الذَّاتُ مُعَيَّنًا وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَالتَّسْمِيَةُ لِإِعْلَامِ الْمَاهِيَّةِ وَهُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ الذَّاتِ فَكَانَ أَبْلَغَ فِي التَّعْرِيفِ وَيَحْتَاجُ فِي مَقَامِ التَّعْرِيفِ إلَى مَا هُوَ أَبْلَغُ فِيهِ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ فِي مُتَّحِدِي الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ذَاتًا وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ تُجْعَلَ الْإِشَارَةُ لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّسْمِيَةُ لِلتَّرْغِيبِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ بِخِلَافِ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِيهِ مِثْلُ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ لَهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ فَيُعْتَبَرُ الْأَعْرَفُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا كَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ ثُمَّ إذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَقَعُ الْبَيْعُ بَاطِلًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَبَيْعُ الْمَعْدُومِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّلَمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ فَاسِدٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ الْمُسَمَّى وَأَشَارَ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ غَيْرَهُ وَذَلِكَ فَاسِدٌ وَالْإِجَارَةُ مِثْلُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالنِّكَاحُ وَأَشْبَاهُهُ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَكِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى يُمْكِنُ ضَبْطُهُ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ الْمَوْصُوفَةِ أَوْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ سَمَّاهُ وَلَمْ يُشِرْ إلَى شَيْءٍ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ضَبْطُهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ. قَالَ (وَشِرَاءُ مَا بَاعَ بِالْأَقَلِّ قَبْلَ النَّقْدِ) وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ فَاشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ قَدْ تَمَّ بِالْقَبْضِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَيِّ قَدْرٍ كَانَ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِعَرْضٍ أَوْ بِأَقَلَّ بَعْدَ النَّقْدِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَدَخَلَتْ مَعَهَا أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَقَالَتْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي بِعْت غُلَامًا مِنْ زَيْدٍ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً وَإِنِّي ابْتَعْته مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ خَارِجَ الدَّارِ) أَيْ كَالزِّرَاعَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالْحِرَاثَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ مِنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُسَمَّى وَالْمُشَارُ إلَيْهِ) أَيْ وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِانْعِدَامِ الْمُسَمَّى اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لِتَعْرِيفِ الذَّاتِ) أَيْ الْحَاضِرَةِ وَالتَّسْمِيَةُ تُعَرِّفُ الْحَقِيقَةَ الْمُنْدَرِجَةَ فِيهَا تِلْكَ الذَّاتُ وَغَيْرُهَا مِنْ ذَوَاتٍ لَا تُحْصَى مَعْرُوفَةٍ عِنْدَ الْعَقْلِ بِأَشْبَاهِهَا لِتِلْكَ الذَّاتِ وَغَيْرِهَا اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ) أَيْ فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ كَانَتْ الْإِشَارَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي الْغَايَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْبَيْعِ قَالَ بَعْضُهُمْ بَاطِلٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَاسِدٌ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ، وَقَالَ كَذَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ أَقُولُ هَذَا اخْتِلَافٌ عَجِيبٌ وَنُقِلَ عَنْ الْكَرْخِيِّ عَجِيبٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ تَنْصِيصًا عَلَى الْبُطْلَانِ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا النَّفْيِ يَدُلُّ عَلَى الْبَاطِلِ لَا الْفَاسِدِ فَكَيْفَ يَصِحُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْكَرْخِيَّ صَرَّحَ فِي مُخْتَصَرِهِ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الصِّفَةِ إذَا أَوْجَبَ اخْتِلَافًا فَاحِشًا كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْجِنْسِ ثُمَّ فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ إذَا بَاعَ فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَكَانَ زُجَاجًا أَوْ بَاعَ هَذَا الثَّوْبَ عَلَى أَنَّهُ خَزٌّ فَإِذَا هُوَ مَرْعَزِيٌّ قَالَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ اهـ وَالْعَجَبُ مِنْ هَذَا التَّعْجِيبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا يَحْتَمِلُ نَفْيَ الصَّحِيحِ وَيَحْتَمِلُ النَّفْيَ مُطْلَقًا وَقَوْلُ الْأَتْقَانِيِّ إنَّ هَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى الْبُطْلَانِ مَمْنُوعٌ وَتَعْلِيلُهُ مُصَادَرَةٌ فَجَعْلُ الْبَيْعَ فَاسِدًا لَهُ وَجْهٌ عَلَى تَقْدِيرِ الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا تَصْرِيحُ الْكَرْخِيِّ بِأَنَّهُ مِثْلُ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ فَهُوَ مِثْلُهُ فِي الِاخْتِلَافِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاطِلٌ وَيَكُونُ الْوُقُوفُ عَلَى كَلَامِ الْكَرْخِيِّ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ قَرِينَةُ هَذَا الْحَمْلِ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامَيْهِ وَلَا يُظَنُّ بِصَاحِبِ النِّهَايَةِ نَقْلُ مَا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْكَرْخِيِّ غَايَتُهُ عَدَمُ وُقُوفِ الْأَتْقَانِيِّ عَلَى ذَلِكَ، هَذِهِ الْحَاشِيَةُ مِنْ فَوَائِدِ الشَّيْخِ مُحِبِّ الدِّينِ الْأَقْصِرَائِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ) اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَرْوِي عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. اهـ. (قَوْلُهُ: أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ بْنِ قَيْسِ بْنِ نُعْمَانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ مَشَاهِيرِ الصَّحَابَةِ وَفِي كُنْيَتِهِ اخْتِلَافٌ، قِيلَ أَبُو عَمْرٍو وَقِيلَ أَبُو عَامِرٍ وَقِيلَ أَبُو أُنَيْسَةَ وَقِيلَ أَبُو أُنَيْسٌ وَتُوُفِّيَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَهَذَا وَاَلَّذِي أَخَذَ الرَّايَةَ يَوْمَ مَوْتِهِ حِينَ اُسْتُشْهِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاهِينِ فِي كِتَابِهِ الْمُعْجَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ابْتَعْته) أَيْ بِعْته، وَكَذَا هُوَ فِي الْهِدَايَةِ اهـ

نَقْدًا فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ بِئْسَمَا شَرَيْت وَبِئْسَمَا شَرَى إنَّ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَطَلَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَهَذَا الْوَعِيدُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فَاسِدٌ وَهُوَ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا قَالَتْهُ سَمَاعًا. وَلَا يُقَالُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ إنِّي بِعْته إلَى الْعَطَاءِ فَلَعَلَّهَا أَنْكَرَتْ عَلَيْهَا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَرَى الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ عَيْنُ مَالِهِ بِالصِّفَةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ وَصَارَ بَعْضُ الثَّمَنِ قِصَاصًا بِبَعْضٍ بَقِيَ لَهُ عَلَيْهِ فَضْلٌ بِلَا عِوَضٍ فَكَانَ ذَلِكَ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهِ حَصَلَ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَمَا دَخَلَ الْمَبِيعُ فِي ضَمَانِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْبَائِعِ بِنَفْسِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ مُتَبَايِنَةٌ بِخِلَافِ الْمَمْلُوكِ لِأَنَّ كَسْبَهُ لِسَيِّدِهِ وَلَهُ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقُّ الْمِلْكِ فَكَانَ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِهِ وَلَهُ أَنَّ شِرَاءَ هَؤُلَاءِ كَشِرَاءِ الْبَائِعِ بِنَفْسِهِ لِاتِّصَالِ مَنَافِعِ الْمَالِ بَيْنَهُمْ وَهُوَ نَظِيرُ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ إذَا عَقَدَ مَعَ هَؤُلَاءِ وَلَوْ اشْتَرَى مَا بِيعَ لَهُ بِأَنْ بَاعَ وَكِيلُهُ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَ بِإِذْنِهِ صَارَ كَبَيْعِهِ بِنَفْسِهِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَقَلِّ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ أَرَادَ الْوَكِيلُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِأَمْرِهِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ، أَمَّا شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ فَلِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بَائِعٌ لِنَفْسِهِ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ فَكَانَ هَذَا شِرَاءَ الْبَائِعِ مِنْ وَجْهٍ وَالثَّابِتُ مِنْ وَجْهٍ كَالثَّابِتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ، وَأَمَّا لِغَيْرِهِ فَلِأَنَّ شِرَاءَ الْمَأْمُورِ وَاقِعٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْحُقُوقُ فَكَانَ هَذَا شِرَاءَ مَا بَاعَ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ وَارِثٍ مُشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَى بِهِ الْمُوَرِّثُ لَمْ يَجُزْ لِقِيَامِ الْوَارِثِ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى وَارِثُ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ بِهِ مُوَرِّثُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَالْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَالْفَرْقُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِيمَا يَرِثُ لَا فِيمَا لَا يَرِثُ وَوَارِثُ الْبَائِعِ لَمْ يَقُمْ مَقَامَ الْبَائِعِ فِي هَذَا الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الشِّرَاءَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ حَالَ حَيَاةِ مُوَرِّثِهِ فَكَانَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا وَارِثُ الْمُشْتَرِي فَقَائِمٌ مَقَامَ الْمُشْتَرِي فِي هَذَا الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْبَيْعِ لَهُ مِنْ أَحْكَامِ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ فَإِنَّهُ مَا كَانَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ حَالَ حَيَاةِ مُوَرِّثِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ مُوَرِّثِهِ وَلَمَّا قَامَ وَارِثُ الْمُشْتَرِي مَقَامَهُ فِي بَيْعِ هَذِهِ الْعَيْنِ بِحُكْمِ الْإِرْثِ صَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ بِئْسَمَا مَا شَرَيْت وَبِئْسَمَا مَا شَرَى) مَا مَعْنَى ذَمِّ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ جَائِزٌ إجْمَاعًا إنَّمَا ذَمَّتْهُ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْبَيْعِ الْمَحْظُورِ كَالسَّفَرِ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ مَحْظُورٌ وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ بِاخْتِصَارٍ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَدْخُلْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ بِالتَّسْلِيمِ وَالثَّمَنُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ فَإِذَا اشْتَرَى بِالْأَقَلِّ لَزِمَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ لَا مَحَالَةَ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمَا حَدَّثَ صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» فَإِنْ قُلْت يُحْتَمَلُ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنَّمَا أَغْلَظَتْ الْقَوْلَ هَكَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ إلَى الْعَطَاءِ وَهُوَ أَجَلٌ مَجْهُولٌ لَا لِأَنَّ فِيهِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ قُلْت كَانَ مِنْ مَذْهَبِ عَائِشَةَ جَوَازُ الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَجَمَاعَةٍ كَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فِي الْأَسْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ سَلَفٌ) صُورَةُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ مَنْفَعَةِ الْقَرْضِ أَوْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَصُورَةُ الشَّرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ أَنْ يَبِيعَ عَبِيدَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ أَوْ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ إلَى سَنَتَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنَا الْعَقْدَ عَلَى أَحَدِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَرَاهُ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ اشْتَرَى وَلَدُهُ أَوْ وَالِدُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ وَكَانَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ آخَرُ وَهُوَ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْآخَرِ وَلِذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْعَبْدِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ وَكِيلُ الْبَائِعِ وَلَا مُضَارِبٌ وَلَا شَرِيكٌ فِي تِلْكَ التِّجَارَةِ وَلَا مُدَبَّرٌ لِلْبَائِعِ وَلَا مُكَاتَبٌ وَلَا عَبْدٌ لِلْبَائِعِ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فَإِنْ اشْتَرَاهُ وَالِدٌ لِلْبَائِعِ أَوْ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ عَلَا أَوْ سَفَلَ أَوْ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِلْبَائِعِ وَلَا شَهَادَةُ الْبَائِعِ لَهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ذَلِكَ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَاعَهُ مُكَاتَبُهُ وَلَا عَبْدُهُ الْمَأْذُونُ وَلَا مُضَارِبُهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعُوهُ فَإِنْ وَكَّلَ الْبَائِعُ مَنْ يَشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَاشْتَرَاهُ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الشِّرَاءُ لَازِمٌ لِلْوَكِيلِ وَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لِلْآمِرِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِمَا لَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ يَكُونُ فَاسِدًا وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْعَقْدُ لَهُ زِيَادَةُ فَسَادٍ بِدَلِيلِ إبْطَالِ الْجِهَادِ فَلَمْ يَجُزْ التَّوْكِيلُ بِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ فِي الْمَعْنَى مُشْتَرٍ مِنْ الْوَكِيلِ قَاصِدًا كَمَا إذَا اشْتَرَى مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ وَارِثِ مُشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَى إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي فَاشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مِنْ الْوَارِثِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ فِي الرَّدِّ وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْمُشْتَرِي وَلَكِنْ مَاتَ الْبَائِعُ فَاشْتَرَاهُ وَارِثُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي جَازَ الشِّرَاءُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِلْبَائِعِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَقَرَابَتُهُ مِنْ الْبَائِعِ لَا تَمْنَعُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَارِثَ الْمُشْتَرِي قَائِمٌ مَقَامَ الْمُشْتَرِي فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُمْ وَرِثُوهُ مِنْهُ، وَأَمَّا وَارِثُ الْبَائِعِ يَقُومُ مَقَامَ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ وَالثَّمَنُ الَّذِي يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي

بَيْعُ الْوَارِثِ وَبَيْعُ الْمُوَرِّثِ سَوَاءً وَكَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ بَيْعُ وَارِثِهِ وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ مِنْ مُشْتَرِيهِ أَوْ مِنْ وَارِثِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ رَجُلٍ أَوْ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ أَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ سَبَبِ الْمِلْكِ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ أَصْلُهُ حَدِيثُ بَرِيرَةَ حَيْثُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ عَلَى حَالِهِ لَمْ يُنْتَقَصْ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَبَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ رِبْحٌ مَا لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ إذَا صَارَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ كَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَإِذَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ كَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ جُعِلَ النُّقْصَانُ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَكَانَ مُشْتَرِيًا مَا بَاعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعْنَى وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ النُّقْصَانُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ السِّعْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَمَا فِي حَقِّ الْغَاصِبِ وَغَيْرِهِ فَعَادَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ كَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَيَظْهَرُ الرِّبْحُ وَشَرَطْنَا اتِّحَادَ الثَّمَنَيْنِ جِنْسًا؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِجِنْسٍ آخَرَ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَقَلَّ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَالدَّنَانِيرُ جِنْسُ الدَّرَاهِمِ هُنَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ بِالدَّرَاهِمِ فَاشْتَرَاهُ بِالدَّنَانِيرِ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ اسْتِحْسَانًا وَجَازَ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ حَتَّى لَا يَجْرِي رِبَا الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا وَلَنَا أَنَّهُمَا جِنْسَانِ صُورَةً وَجِنْسٌ وَاحِدٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ يَصِحُّ وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ فَغَلَّبْنَا الْمُحَرِّمَ عَلَى الْمُبِيحِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَمَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامَ الْحَلَالُ» رَجُلَانِ بَاعَا عَبْدًا بَيْنَهُمَا بِأَلْفٍ فَقَالَا بِعْنَاكَهُ بِأَلْفٍ كُلُّ نِصْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ قَبْلَ النَّقْدِ فَسَدَ فِي نِصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَصَحَّ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ بِنِصْفِ خَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا بِيعَ لَهُ. وَلَوْ قَالَا بِعْنَاك نَصِيبَ فُلَانٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَا بِعْنَاك نَصِيبَ فُلَانٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا كُلَّهُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَسَدَ فِي نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ وَهُوَ الرُّبُعُ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ وَنِصْفُهُ وَهُوَ الرُّبُعُ بَيْعٌ لَهُ، وَأَمَّا نَصِيبُ صَاحِبِهِ فَيَفْسُدُ فِي نِصْفِهِ وَهُوَ الرُّبُعُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ لَهُ وَصَحَّ فِي الرُّبُعِ الْآخَرِ فَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا بِيعَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَيَاهُ مَعًا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ صَحَّ شِرَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ثَمَنِهِ بِثُمُنِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا صَحَّ شِرَاؤُهُ فِي الرُّبُعِ فَإِذَا اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفًا شَائِعًا صَحَّ شِرَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ ذَلِكَ وَهُوَ الثُّمُنُ ضَرُورَةً وَلَوْ بَاعَاهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ اشْتَرَيَاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ شِرَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي رُبُعِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اشْتَرَى نِصْفًا شَائِعًا نِصْفُهُ فِيمَا بَاعَ فَيَفْسُدُ وَنِصْفُهُ فِيمَا بَاعَ شَرِيكُهُ فَيَصِحُّ فِي نِصْفِهِ الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ لَهُ بَلْ بَاعَهُ لِنَفْسِهِ وَلَوْ بَاعَهُ مَعَ وَكِيلِهِ بِأَلْفٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْمُوَكِّلُ بِخَمْسِمِائَةٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِيعَ لَهُ وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ فَسَدَ فِي النِّصْفِ الَّذِي بَاعَهُ هُوَ وَصَحَّ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا بِيعَ لَهُ وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ كُلَّهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ أَمَّا الْوَكِيلُ فَلِأَنَّهُ بَاعَ، وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ فَلِأَنَّهُ بِيعَ لَهُ. قَالَ (وَصَحَّ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ) أَيْ صَحَّ الْبَيْعُ فِيمَا ضُمَّ إلَى الْمُشْتَرَى بِأَنْ اشْتَرَى مَثَلًا جَارِيَةً بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا بِأَلْفٍ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ جَازَ الْبَيْعُ فِي الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْ الْبَائِعِ وَيَفْسُدُ فِي الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْهُ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْأُخْرَى بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فِيهَا لِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ حَتَّى لَوْ قَضَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ يَجُوزُ) أَيْ وَلَوْ عَادَ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ جَازَ لِبَائِعِهِ شِرَاؤُهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ مَا كَانَ بَاعَهُ لَهُ أَوَّلًا. اهـ. مُبْتَغَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَجُوزُ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا مِنْ وَارِثِهِ؛ لِأَنَّ بِتَبَدُّلِ الْعَاقِدِ تَتَبَدَّلُ الْعَيْنُ حُكْمًا فَأَمَّا وَارِثُهُ فَبِمَنْزِلَتِهِ فَإِنَّهُ خَلَفُهُ فَصَارَ شُبْهَةً وَالشُّبْهَةُ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: جَعَلَ النُّقْصَانَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي) أَيْ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبْحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ النُّقْصَانُ بِقَدْرِ ذَلِكَ الْعَيْبِ أَوْ دُونَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَغَيُّرَ السِّعْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ) أَيْ لِأَنَّهُ فُتُورٌ فِي رَغَبَاتِ النَّاسِ فِيهِ وَلَيْسَ مِنْهُ فَوَاتُ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ اسْتِحْسَانًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِمَا ثَمَنًا وَمِنْ حَيْثُ وَجَبَ ضَمُّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ احْتِيَاطًا وَأَلْزَمَ أَنَّ اعْتِبَارَهُمَا جِنْسًا وَاحِدًا يُوجِبُ التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا وَالْجَوَابُ أَنَّ مُقْتَضَى الْوَجْهِ ذَلِكَ وَلَكِنَّ فِي التَّفَاضُلِ عِنْدَ بَيْعِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إجْمَاعٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَجْرِي رِبَا الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَتَثْبُتُ شُبْهَةُ الرِّبْحِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَصَحَّ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ) وَهَذِهِ فَرْعُ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَهِيَ أَنَّ شِرَاءَ مَا بَاعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ بِهِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: إلَى الْمُشْتَرَى) بِفَتْحِ الرَّاءِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: جَازَ الْبَيْعُ فِي الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا) أَيْ بِحِصَّتِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْآخَرِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَهُوَ فَاسِدٌ) أَيْ وَلَا إشْكَالَ هُنَا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا فَسَدَ بَعْضُهُ فَسَدَ كُلُّهُ إذَا كَانَ الْفَسَادُ مُقَارِنًا وَحِلُّهُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ الْفَسَادَ فِيمَا بِيعَتْ أَوَّلًا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي فَسَادِهَا فَلَمْ يَسْرِ لِضَعْفِ الْفَسَادِ إلَى صَاحِبَتِهَا كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ حَيْثُ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْقِنِّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَكَذَا هُنَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْمَضْمُومَةِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

الْقَاضِي بِجَوَازِهِ صَحَّ أَوْ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الرِّبَا وَلِأَنَّهُ طَارِئٌ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ بِانْقِسَامِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُقَاصَّةِ فَلَا يَسْرِي إلَى غَيْرِهَا. قَالَ (وَزَيْتٍ عَلَى أَنْ يَزِنَهُ بِظَرْفِهِ وَيَطْرَحَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ ظَرْفٍ خَمْسِينَ رِطْلًا وَصَحَّ لَوْ شَرَطَ أَنْ يَطْرَحَ بِوَزْنِ الظَّرْفِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ زَيْتِ كُلِّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَزِنَهُ بِظَرْفِهِ وَيَطْرَحَ عَنْ الزَّيْتِ الْمَوْزُونِ مَكَانَ كُلِّ ظَرْفٍ خَمْسِينَ رِطْلًا وَيَجُوزُ إنْ شَرَطَ أَنْ يَطْرَحَ بِوَزْنِ الظَّرْفِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَالثَّانِي يَقْتَضِيهِ وَهَذَا لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ وَزْنُ الظَّرْفِ فَإِذَا طَرَحَ خَمْسِينَ مَثَلًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ الظَّرْفِ أَوْ أَقَلَّ إلَّا إذَا عَرَفَ أَنَّ وَزْنَهُ خَمْسُونَ رِطْلًا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ. قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الزِّقِّ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ، بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى سَمْنًا فِي زِقٍّ فَرَدَّ الْمُشْتَرِي الزِّقَّ وَهُوَ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ فَقَالَ الْبَائِعُ الزِّقُّ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ كَانَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي الزِّقِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا كَالْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ وَإِنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي السَّمْنِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اخْتِلَافٌ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ وَلَا يَتَحَالَفَانِ وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنِ يَثْبُتُ تَبَعًا لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الظَّرْفِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الظَّرْفِ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالْعَقْدِ وَلَا مَعْقُودٍ عَلَيْهِ أَصْلًا فَكَذَا فِيمَا يَثْبُتُ تَبَعًا لَهُ إذْ التَّبَعُ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ وَلِأَنَّ التَّحَالُفَ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِيمَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي مُوجِبِ الْعَقْدِ قَصْدًا ضَرُورَةً أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَقْدًا غَيْرَ الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَالِاخْتِلَافُ فِي الزِّقِّ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ. قَالَ (وَلَوْ أَمَرَ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ خَمْرٍ أَوْ بَيْعِهَا صَحَّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّوْكِيلُ بِبَيْعِ الْخِنْزِيرِ وَعَلَى هَذَا تَوْكِيلُ الْمُحْرِمِ الْحَلَالَ بِبَيْعِ صَيْدِهِ لَهُمَا أَنَّ الْوَكِيلَ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَلَا وِلَايَةَ لِلْمُوَكِّلِ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ فَكَذَا وَكِيلُهُ كَمُسْلِمٍ وَكَّلَ مَجُوسِيًّا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ مَجُوسِيَّةً حَيْثُ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَلِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لَهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ يَجْرِي حُكْمُ الْمُبَادَلَةِ حَتَّى يُجْعَلَ الْوَكِيلُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْبِسُ الْمَبِيعَ بِالثَّمَنِ وَيَرُدُّ الْمُوَكِّلُ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ وَيَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ التَّجَاحُدِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَكِيلَ أَصْلٌ لِنَفْسِ التَّصَرُّفِ وَالْمُوَكِّلَ لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الرِّبَا) أَيْ سَلَامَةِ الْفَضْلِ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَلَا ضَمَانٍ يُقَابِلُهُ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الرِّبَا فَلَمْ يَسْرِ إلَى الْمَضْمُومَةِ لِقُصُورِ سَبَبِ الْفَسَادِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ) أَيْ لَيْسَ بِمُقَارِنٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بَلْ هُوَ إلَخْ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: طَارِئٌ) أَيْ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا فِي الْبَيْعِ مَا يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا الْفَسَادُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الرِّبَا وَهِيَ أَمْرٌ خَفِيٌّ ظَهَرَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ إمَّا بِانْقِسَامِ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَتِهِمَا أَوْ بِالْمُقَاصَّةِ أَعْنِي مُقَاصَّةَ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الثَّانِي بِمِقْدَارِ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَيَبْقَى مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَضْلٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَهُ عِوَضٌ فَكَيْفَمَا كَانَ يَظْهَرُ الْفَضْلُ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَالْفَسَادُ الطَّارِئُ لَا يَسْرِي كَمَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَبَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ أَلْحَقَا الْأَجَلَ إلَى وَقْتِ الْحَصَادِ فِي ثَمَنِ أَحَدِهِمَا فَسَدَ الْبَيْعُ فِيهِ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَزَيْتٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهُ فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ هَذَا الزَّيْتَ وَهُوَ أَلْفُ رِطْلٍ عَلَى أَنْ يَزِنَهُ بِظُرُوفِهِ فَيَطْرَحَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ ظَرْفٍ خَمْسِينَ رِطْلًا قَالَ هَذَا فَاسِدٌ فَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ يَطْرَحَ عَنِّي وَزْنَ الظَّرْفِ فَهُوَ جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيعَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مَجْهُولٌ وَجَهَالَتُهُ تُفْسِدُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ وَزْنَ الظَّرْفِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ يَخْرُجُ بَعْضُ الزَّيْتِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا وَذَلِكَ مَجْهُولٌ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ يَلْزَمُ الْجَهَالَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى الْخَمْسِينَ مِنْ الظَّرْفِ لَيْسَ بِمَبِيعٍ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ طَرْحُ الْخَمْسِينَ بِوَزْنِ كُلِّ ظَرْفٍ شَرْطًا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَأَفْسَدَهُ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ حَيْثُ جَازَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ طَرْحَ قَدْرِ الْوَزْنِ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ لَيْسَ بِمَبِيعٍ فَيَخْرُجُ بِوَزْنِهِ وَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُ إلَّا تَأْكِيدًا لِحُكْمِ الْعَقْدِ وَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا بَاعَ كُلَّ رِطْلٍ مِنْهُ بِكَذَا قَالُوا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَطْرَحُ عَنْهُ) أَيْ يَطْرَحُ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ الظَّرْفِ أَوْ أَقَلَّ) أَيْ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا وَجَهَالَتُهُ تُفْسِدُ الْبَيْعَ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الزِّقِّ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهُ فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ السَّمْنَ الَّذِي فِي هَذَا الزِّقِّ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ فَوَزَنَ لَهُ السَّمْنَ وَالزِّقَّ فَبَلَغَ مِائَةَ رِطْلٍ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ وَجَدْت السَّمْنَ تِسْعِينَ رِطْلًا، وَالزِّقُّ هَذَا وَزْنُهُ أَرْطَالٌ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَمَسْأَلَةُ الِاخْتِلَافِ فِي الزِّقِّ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ فِي الدَّعْوَى فَرَاجِعْ الْحَاشِيَةَ الَّتِي فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلِلْمُشْتَرِي لَوْ فِي الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهَا تَلِيقُ بِهَذَا الْمَحِلِّ وَهِيَ نَقْلًا عَنْ الْكَمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ الْبَائِعُ الزِّقُّ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ كَانَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ) أَيْ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) أَيْ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَكِيلَ أَصْلٌ إلَخْ) وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ وُجِدَا مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَهُوَ أَهْلٌ لِمُبَاشَرَةِ ذَلِكَ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ حُكْمَ التَّصَرُّفِ وَهُوَ مِلْكُ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ حُكْمًا لِتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ لَا قَصْدًا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ إلَخْ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي

بِالْإِرْثِ بِأَنْ كَانَا لِذِمِّيٍّ فَأَسْلَمَ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسَيِّبَ الْخِنْزِيرَ وَيُخَلِّلَ الْخَمْرَ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَكَذَا إذَا تَخَمَّرَ عَصِيرُهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ بِخِلَافِ تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الْمَجُوسِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْمَجُوسِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فِيهِ فَيَكُونُ مُضَافًا إلَى الْمُوَكِّلِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا اتَّهَبَ كَافِرٌ لِمُسْلِمٍ خَمْرًا؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ كَالتَّزْوِيجِ فَيَقَعُ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً وَحُقُوقُهُ رَاجِعَةٌ إلَيْهِ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِ الْخَمْرِ إنْ بَاعَهَا الْوَكِيلُ لَهُ لِتَمَكُّنِ الْخَبَثِ فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ بَيْعَهَا حَرَّمَ شِرَاءَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا» وَفِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْخَمْرِ يَمْلِكُهَا حُكْمًا فَيُخَلِّلُهَا؛ لِأَنَّهُ مُنِعَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهَا وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا عَلَى وَجْهٍ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا كَمَا إذَا وَرِثَهَا أَوْ تَخَمَّرَ عَصِيرُهُ وَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ يَدْفَعُهُ إلَى الْوَكِيلِ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ حُكْمًا فَيَلْزَمُهُ الْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ خِنْزِيرًا يُسَيِّبُهُ وَقَوْلُهُمَا لَا وِلَايَةَ لِلْمُوَكِّلِ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ فَكَذَا وَكِيلُهُ مَنْقُوضٌ بِمَسَائِلَ مِنْهَا أَنَّ رَجُلًا لَوْ تَوَكَّلَ عَنْ غَيْرِهِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ فَلَوْ وَكَّلَ مَنْ يَشْتَرِيهِ لَهُ فَاشْتَرَاهُ لَهُ مَلَكَهُ وَمِنْهَا إذَا مَاتَ ذِمِّيٌّ وَخَلَفَ خَمْرًا يَأْمُرُ الْقَاضِي ذِمِّيًّا بِبَيْعِهَا وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ بَيْعَهَا هُوَ وَمِنْهَا لَوْ كَانَ مُسْلِمٌ وَصِيًّا لِذِمِّيٍّ وَلِلْمَيِّتِ خَمْرٌ يَأْمُرُ الْوَصِيُّ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا بِبَيْعِهَا وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ هُوَ، وَأَمَّا نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّةِ فَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُهُ ابْتِدَاءً وَلَا بَقَاءً فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ لَهُ حُكْمًا لِتَصَرُّفِهِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ الْمِلْكُ وَالْمُسْلِمُ أَهْلٌ لِمِلْكِهِمَا وَالْمَقْصُودُ مِنْ النِّكَاحِ الْحِلُّ وَلَا يُفِيدُ الْحِلُّ فَيَلْغُو. قَالَ (وَأَمَةٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ الْمُشْتَرِي أَوْ يُدَبِّرَ أَوْ يُكَاتِبَ أَوْ يَسْتَوْلِدَ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَمَتِهِ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ بِهَا الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لَهُ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِجَوَازِهِ وَلَمْ يَجُزْ التَّعَامُلُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ مُفْسِدٌ لِمَا رَوَيْنَا فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَشَرْطِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي أَوْ شُرِطَ فِيهِ الْمُلَائِمُ لِلْعَقْدِ كَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا لِلتَّوْثِقَةِ وَالتَّأْكِيدُ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ وَالْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الثَّمَنِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُؤَكِّدُهُ مُلَائِمٌ لَهُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا بِأَنْ كَانَ الرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ مُعَيَّنَيْنِ أَوْ شَرَطَا فِيهِ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِجَوَازِهِ كَالْخِيَارِ وَالْأَجَلِ أَوْ شَرَطَ فِيهِ مَا جَرَى التَّعَامُلُ بَيْنَ النَّاسِ كَشِرَاءِ النَّعْلِ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا لِلْبَائِعِ أَوْ يُشْرِكَهَا أَوْ شَرَطَ فِيهِ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَأَهْلُ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعُ الْآدَمِيُّ وَالْأَجْنَبِيُّ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ أَوْ التَّعَامُلِ أَوْ لِكَوْنِهِ مُلَائِمًا. وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ مُفْسِدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ عَرِيَّةٍ عَنْ الْعِوَضِ فَيُفْضِي إلَى الرِّبَا وَلِأَنَّهُ يَقَعُ بِسَبَبِهِ الْمُنَازَعَةُ فَيُعَرِّي الْعَقْدَ عَنْ مَقْصُودِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْأَسْبَابِ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَطْعُ النِّزَاعِ لِيَخْتَصَّ بِهِ الْمُبَاشِرُ لِلسَّبَبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ نَسَمَةً مُتَعَارَفٌ فِي الْوَصَايَا وَتَفْسِيرُهُ مَا قُلْنَا وَلَنَا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ إذْ هُوَ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ وَأَيَّ تَصَرُّفٍ شَاءَ لَا تَصَرُّفًا مُعَيَّنًا فَاشْتِرَاطُ مِثْلِهِ فِيهِ مُفْسِدٌ لَهُ كَاشْتِرَاطِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ فِيهِ وَتَفْسِيرُ بَيْعِ النَّسَمَةِ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ يُعْتِقُهُ كَمَا إذَا بَاعَهُ مِمَّنْ يَطْلُبُ رَقَبَةً لِلْإِعْتَاقِ عَنْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ وَقِيلَ تَفْسِيرُهُ أَنْ يَعِدَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ. وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَقَالَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْإِعْتَاقِ مُفْسِدٌ فَتَحْقِيقُهُ تَقْرِيرٌ لِلْفَسَادِ لَا رَفْعٌ لَهُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِ الْخَمْرِ إنْ بَاعَهَا الْوَكِيلُ لَهُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ الْوَكَالَةَ تُكْرَهُ أَشَدَّ مَا يَكُونُ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَهِيَ لَيْسَ إلَّا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الصِّحَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْهَا أَنَّ رَجُلًا لَوْ تَوَكَّلَ عَنْ غَيْرِهِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ إلَخْ) وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ لَوْ بَاعَهُ بِمَا يَتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ مُسْتَغْرِقَةٌ لَا يَجُوزُ وَمِنْ وَصِيَّتِهِ يَجُوزُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَا لَا تَبِيعُ الْأُمُّ عُرُوضَ الْوَلَدِ وَصِيُّهَا يَبِيعُ الْعُرُوضَ الَّتِي هِيَ مِنْ مِيرَاثِهَا. اهـ. دِرَايَةٌ وَقَدْ قَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِبَيْعِهِ. اهـ. سِرَاجٌ وَهَّاجٌ وَقَوْلُهُ وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِبَيْعِهِ وَلَا يَبِيعُهُ الْوَكِيلُ إلَّا بِشَرْطٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ كَاشْتِرَاطِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا كَانَ فِي الشَّرْطِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ نَحْوَ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ وَلَا يَهَبَهُ وَلَا يُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ تَدَاوُلَ الْأَيْدِي يَشُقُّ عَلَى الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطَ التَّدْبِيرَ وَالِاسْتِيلَادَ أَوْ شَرَطَ الْعِتْقَ فَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ وَلَكِنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ أَعْتَقَهُ لَزِمَهُ الثَّمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ لَزِمَهُ الْقِيمَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ أَوْ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ ثُمَّ وُجُوبُ الثَّمَنِ عَلَامَةُ الْجَوَازِ وَوُجُوبُ الْقِيمَةِ عَلَامَةُ الْفَسَادِ وَالْحَاصِلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَقْدَ فِي الِابْتِدَاءِ يَنْعَقِدُ عَلَى الْفَسَادِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ بِالْعِتْقِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْقَلِبُ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ لَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ عَتَقَ فَانْقَلَبَ الْبَيْعُ جَائِزًا اسْتِحْسَانًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ جَائِزًا إذَا أَعْتَقَهُ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِهِمَا كَذَا فِي التُّحْفَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي جَازَ الْبَيْعُ) يَعْنِي لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي يَنْقَلِبُ الْبَيْعُ جَائِزًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ.

أَتْلَفَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِعْتَاقِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ حُكْمِهِ يُلَائِمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِمِلْكِهِ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ فَلِوُجُودِ صُورَةِ الشَّرْطِ قُلْنَا يَفْسُدُ فَإِذَا تَحَقَّقَ الْعِتْقُ حَكَمْنَا بِجَوَازِهِ لِتَحَقُّقِ الْمُلَاءَمَةِ وَهُوَ الْإِنْهَاءُ فَكَانَ الْحَالُ قَبْلَهُ مَوْقُوفًا بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ حَيْثُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَنْهِيَّيْنِ لِلْمِلْكِ، وَكَذَا إذَا أَتْلَفَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَهَا فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيهِمَا؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ إطْلَاقُ الِانْتِفَاعِ لَا الْحَجْرُ مِنْهُ وَلَا الْإِلْزَامُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ صَحَّ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِيهِ وَفَسَدَ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ صَحَّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إنْ لَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ فَلَا يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى أَحَدٍ فَكَانَ هَذَا شَرْطًا لَا مُطَالِبَ لَهُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ فَلَا يَفْسُدُ. قَالَ (أَوْ إلَّا حَمْلَهَا) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَمَةٍ إلَّا حَمْلَهَا؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ وَالْحَمْلُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَطْرَافِ فَكَانَ شَرْطًا فَاسِدًا وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ ثُمَّ اسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ فِي الْعُقُودِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ فِي وَجْهٍ يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَالِاسْتِثْنَاءُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ تُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ غَيْرَ أَنَّ الْمُفْسِدَ فِي الْكِتَابَةِ مَا يَتَمَكَّنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ مِنْ الشُّرُوطِ أَيْ مَا يَقُومُ بِهِ الْعَقْدُ حَتَّى لَوْ كَاتَبَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ لَا يَفْسُدُ وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَعَلِمْنَا بِالشَّبَهَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ وَفِي وَجْهٍ الْعَقْدُ جَائِزٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَكُونُ الْحَمْلُ تَابِعًا لِلْأُمِّ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ وَيَصِيرُ هُوَ حَيْثُ صَارَتْ هِيَ وَفِي وَجْهٍ يَجُوزُ الْعَقْدُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِحَمْلِهَا لِآخَرَ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِيهِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ وَفِي الْعِتْقِ يَتْبَعُهَا الْحَمْلُ وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ وَحْدَهُ لَصَحَّ. قَالَ (أَوْ يَسْتَخْدِمُ الْبَائِعَ شَهْرًا أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يُقْرِضَ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا أَوْ يُهْدِي لَهُ أَوْ يُسَلِّمَهُ إلَى كَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ إلَّا حَمْلَهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصْلُ هُنَا مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَازَ الْبَيْعُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَإِذَا اسْتَثْنَى مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مُفْرَدًا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْت مِنْك هَذِهِ الصُّبْرَةَ إلَّا قَفِيزًا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي جَمِيعِ الصُّبْرَةِ إلَّا قَفِيزًا فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى مَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ قَفِيزًا مِنْ الصُّبْرَةِ يَجُوزُ وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ إلَّا شَاةً مِنْهَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَاةً مِنْ الْجُمْلَةِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْقَطِيعَ إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ بِعَيْنِهَا بِمِائَةٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ وَالْعَدَدِيِّ غَيْرِ الْمُتَقَارِبِ وَلِذَا لَوْ بَاعَ حَيَوَانًا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ مَا فِي الْبَطْنِ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَى مَا فِي الْبَطْنِ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَبَلِ» وَقَدْ مَرَّ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَطْرَافِ) أَيْ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْأُمِّ جُمْلَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَنْقَلِبُ بِانْقِلَابِهَا كَسَائِرِ الْأَطْرَافِ فَكَانَ تَبَعًا فِي الدُّخُولِ تَحْتَ الْعَقْدِ كَالْأَطْرَافِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِثْنَاءُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ) أَيْ كَمَنْ آجَرَ دَارِهِ عَلَى جَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْكِتَابَةُ) أَيْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى جَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالرَّهْنُ) أَيْ رَهَنَ جَارِيَتَهُ إلَّا حَمْلَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: مَا يَتَمَكَّنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ) صُلْبُ الْعَقْدِ مَا كَانَ رَاجِعًا إلَى الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ؛ لِأَنَّ صُلْبَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَقِيَامُ الْبَيْعِ بِالْعِوَضَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ) أَيْ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّ) أَيْ وَكَانَ الْحَمْلُ مِيرَاثًا وَالْجَارِيَةُ وَصِيَّةً لِلْمُوصَى لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ) يَعْنِي إذَا قَالَ أَوْصَيْت بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِفُلَانٍ إلَّا خِدْمَتَهَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْخِدْمَةِ بَلْ يَبْطُلُ حَتَّى تَكُونَ الْجَارِيَةُ وَخِدْمَتُهَا جَمِيعًا لِلْمُوصَى لَهُ فَإِنْ قُلْت يَصِحُّ إفْرَادُ الْخِدْمَةِ بِالْعَقْدِ بِأَنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا أَيْضًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا عَكْسٌ لِلْقَاعِدَةِ لَا طَرْدٌ لَهَا فَلَا يَلْزَمُنَا وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالْوَصِيَّةُ غَيْرُ عَقْدٍ اهـ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَبُولَ يَصِحُّ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَوْ كَانَتْ عَقْدًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ الْمُوصِي بِهِ فِي مِلْكِ وَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ بِلَا قَبُولٍ إذَا مَاتَ الْمُوصِي ثُمَّ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ اهـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى خِدْمَتَهَا؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَجْرِي فِيهَا لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْإِرْثُ فِي الْأَعْيَانِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: أَوْ يُقْرِضُ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُقْرِضَنِي فُلَانٌ الْأَجْنَبِيُّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْعَشَرَةَ الْأَجْنَبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ إنَّمَا تَلْزَمُهُ إمَّا بِطَرِيقِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ بِطَرِيقِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَشَرَةَ لَيْسَتْ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَكَيْفَ يَتَحَمَّلُهَا الْكَفِيلُ وَلَا وَجْهَ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ فَإِذَا لَمْ تَلْزَمْ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَوْ ثَبَتَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهُنَا قَدْ سَلَّمَ لَهُ مَا شُرِطَ فِي

أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْبَائِعُ وَيَخِيطَهُ قَمِيصًا) لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا فَيَفْسُدُ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْضُ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ فَهُوَ إجَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي بَيْعٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ فَهُوَ إعَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِيهِ «وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ» وَلِأَنَّ الْأَجَلَ يَخْتَصُّ بِالدُّيُونِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّرْفِيهِ حَتَّى يُتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ بِهِ دُونَ الْأَعْيَانِ إذْ هِيَ حَاصِلَةٌ مُتَعَيِّنَةٌ بِالْعَقْدِ فَلَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى التَّأْجِيلِ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُهُ مُفْسِدًا لَهُ. قَالَ (وَصَحَّ بَيْعُ نَعْلٍ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهُ أَوْ يُشْرِكَهُ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ فِيهِ شَرْطًا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوهُ وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ، وَلِهَذَا أَجَزْنَا الِاسْتِصْنَاعَ وَاسْتِئْجَارَ الصَّبَّاغِ وَالظِّئْرِ وَالْحَمَّامِ وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةً عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْأَعْيَانِ. قَالَ (لَا الْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ إنْ لَمْ يَدْرِ الْمُتَعَاقِدَانِ ذَلِكَ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ؛ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ فَتُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَقَالُوا: إذَا بَاعَ إلَى فِطْرِ النَّصَارَى بَعْدَ مَا شَرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ جَازَ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ صَوْمِهِمْ بِالْأَيَّامِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ. قَالَ (وَإِلَى قُدُومِ الْحَاجِّ وَالْحَصَادِ وَالْقِطَافِ وَالدِّيَاسِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ؛ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ فَتَكُونُ مَجْهُولَةً وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أَفْعَالُ الْعِبَادِ فَتَثْبُتُ بِحَسَبِ مَا يَبْدُو لَهُمْ وَالْآجَالُ شُرِعَتْ بِالْأَوْقَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 189] وَكَذَا إلَى الْجِزَازِ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ جَزُّ الصُّوفِ، وَكَذَا إلَى الْجُذَاذِ وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ عَامٌّ فِي قَطْعِ الثِّمَارِ وَبِالْمُهْمَلَةِ خَاصٌّ فِي النَّخْلِ وَالْحَصَادُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا قَطْعُ الزَّرْعِ وَمِثْلُهُ الْقِطَافُ وَقُرِئَ بِهِمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَالْقِطَافُ قَطْعُ الْعِنَبِ مِنْ الْكَرْمِ وَالدِّيَاسِ أَنْ يُوطِئَ الطَّعَامَ الدَّوَابُّ. قَالَ (وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ صَحَّ) لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ يَسِيرَةٌ وَهِيَ مُحْتَمَلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا فَيَجْرِي التَّسَامُحُ فِيهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ فَإِذَا كَانَتْ يَسِيرَةً أَمْكَنَ دَفْعُهَا بِأَقْصَاهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فَاحِشَةً كَالْكَفَالَةِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تُشْبِهُ النَّذْرَ ابْتِدَاءً لِكَوْنِهَا الْتِزَامًا مَحْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْعِ عَلَى الْمُشْتَرِي. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ) قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْبَائِعُ وَيَخِيطَهُ قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ امْتِنَاعِ الصَّفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ إلَّا أَنَّ هَذَا عَلَى تَقْدِيرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ كَوْنُ الْخِيَاطَةِ يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَهُوَ شَرْطُ إجَارَةٍ فِي بَيْعٍ وَمَا تَقَدَّمَ كَانَ كَذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُقَابَلَةِ يَكُونُ إعَارَةً فِي بَيْعٍ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا قَالَ لِآخَرَ بِعْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ عَلَيَّ وَالْعَبْدَ لِفُلَانٍ حُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاسْتَبْعَدَهُ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْضُ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ) أَيْ وَهُوَ اسْتِخْدَامُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ وَسُكْنَاهُ فِيهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْأَجَلَ يَخْتَصُّ بِالدُّيُونِ) هَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ أَوْ يُسَلِّمُ إلَيَّ كَذَا يَعْنِي لَوْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ إيَّاهَا إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَاحْتَرَزَ بِالْعَيْنِ عَنْ الْمَبِيعِ إذَا كَانَ دَيْنًا كَالْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنَّ الْأَجَلَ فِيهِ صَحِيحٌ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ) أَيْ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّهُ مُعَيَّنٌ حَاضِرٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي إلْزَامِهِ تَأْخِيرَ تَسْلِيمِهِ إذْ فَائِدَتُهُ الِاسْتِحْصَالُ بِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ فَيَكُونُ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ لِلْمُشْتَرِي. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَصَحَّ بَيْعُ نَعْلٍ إلَخْ) قَدْ مَشَى الْقُدُورِيُّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَا ذَكَرَهُ يَعْنِي الْقُدُورِيَّ جَوَابُ الْقِيَاسِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ الْمُرَادُ اشْتَرَى أَدِيمًا عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ الْبَائِعُ نَعْلًا لَهُ فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ النَّعْلِ بِاعْتِبَارِ أَوَّلِهِ إلَيْهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ حَقِيقَتُهُ أَيْ نَعْلُ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا أَيْ يَجْعَلَ مَعَهَا مِثَالًا آخَرَ لِيُتِمَّ نَعْلًا لِلرِّجْلَيْنِ وَمِنْهُ حَذَوْت النَّعْلَ بِالنَّعْلِ أَيْ قَدَّرْته بِمِثَالِ قَطَعْته وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوْ يُشْرِكَهُ فَجَعَلَهُ مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ نَعْلًا وَلَا مَعْنَى لَأَنْ يَشْتَرِيَ أَدِيمًا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ شِرَاكًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُرِيدَ حَقِيقَةَ النَّعْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا أَجَزْنَا الِاسْتِصْنَاعَ) أَيْ مَعَ أَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا الْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ) قَالَ الْكَمَالُ هُوَ يَوْمٌ فِي طَرَفِ الرَّبِيعِ وَأَصْلُهُ نَوْرُوز عُرِّبَ وَقَدْ تَكَلَّمَ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ كُلُّ يَوْمٍ لَنَا نَوْرُوزٌ حِينَ كَانَ الْكُفَّارُ يَبْتَهِجُونَ بِهِ وَالْمِهْرَجَانُ يَوْمٌ فِي طَرَفِ الْخَرِيفِ مُعَرَّبُ مَهْر كَانَ وَقِيلَ هُمَا عِيدَانِ لِلْمَجُوسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ؛ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ) أَيْ عِنْدَهُمَا وَمَعْرِفَةُ غَيْرِهِمَا لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لَهُمَا فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ جَازَ لِارْتِفَاعِ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَعْلُومَةٌ) أَيْ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ) أَيْ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ وَعُلِمَ بِهَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤَجَّلِ هُنَا هُوَ الثَّمَنُ لَا الْمَبِيعُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ تَأْجِيلِ الْمَبِيعِ مُفْسِدٌ وَلَوْ كَانَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَلَا يُنَاسِبُ تَعْلِيلُ فَسَادِ تَأْجِيلِ الْمَبِيعِ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ قَالَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ التَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ يَصِحُّ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا هُوَ فِي الثَّمَنِ الدَّيْنُ أَمَّا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ بِالْأَجَلِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُفْسِدًا لِتَأْجِيلِ الْمَبِيعِ اهـ وَالدِّيَاسُ وَأَصْلُهُ الدِّوَاسُ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّوْسِ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِلْكَسْرَةِ قَبْلَهَا. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ الْمُمَاكَسَةُ) الْمُمَاكَسَةُ اسْتِنْقَاصُ الثَّمَنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فَاحِشَةً كَالْكَفَالَةِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ) قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَمَبْنَى التَّبَرُّعِ

مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَهُ شَيْءٌ وَفِي النَّذْرِ تُتَحَمَّلُ الْجَهَالَةُ وَإِنْ كَانَتْ فَاحِشَةً وَهِيَ مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً بِاعْتِبَارِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَلَا تُتَحَمَّلُ الْجَهَالَةُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْكَفَالَةِ تُتَحَمَّلُ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ حَتَّى لَوْ تَكَفَّلَ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ صَحَّ فَبِالْوَصْفِ وَهُوَ الْأَجَلُ أَوْلَى بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَتَّى لَا يَصِحَّ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ أَصْلًا فَكَذَا فِي وَصْفِهِ. قَالَ (وَلَوْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ قَبْلَ حُلُولِهِ صَحَّ) أَيْ لَوْ بَاعَ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ ثُمَّ أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي الْآجَالَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاسُ فِي الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَقَبْلَ قُدُومِ الْحَاجِّ جَازَ الْبَيْعُ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِإِسْقَاطِ الْمُفْسِدِ كَمَا إذَا أَسْقَطَ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ عَنْ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَكَمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَجَلَ وَلَنَا أَنَّ الْمُفْسِدَ شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْ صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ يَسِيرٌ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهِ فَيَنْقَلِبُ صَحِيحًا عِنْدَ إزَالَتِهِ أَوْ نَقُولُ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا فَبِالْإِسْقَاطِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ جَائِزًا عَلَى مَا قَالَهُ مَشَايِخُنَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَقَبْلَ مَجِيئِهِ لَا مُنَازَعَةَ فَلَا يَفْسُدُ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ عَقْدٍ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِإِزَالَةِ الْمُفْسِدِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا عِنْدَهُمْ وَمَوْقُوفًا عِنْدَ مَشَايِخِنَا بِخِلَافِ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَبِخِلَافِ الْأَجَلِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ النِّكَاحِ وَهُوَ الْمُتْعَةُ وَالْعَقْدُ لَا يَنْقَلِبُ عَقْدًا آخَرَ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ قَبْلَ حُلُولِهِ أَيْ لَوْ أَسْقَطَهُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّهُ فَيَنْفَرِدُ بِإِسْقَاطِهِ وَلَا يَشْتَرِطُ فِيهِ التَّرَاضِي وَقَوْلُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ تَرَاضَيَا بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ وَقَعَ اتِّفَاقًا مَخْرَجُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ رِضَا مَنْ لَهُ الْحَقُّ يَكْفِي وَلَوْ بَاعَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ تَأْجِيلُ الدَّيْنِ وَالْجَهَالَةُ فِي تَأْجِيلِ الدَّيْنِ مُحْتَمَلَةٌ لِخُلُوِّ الْعَقْدِ عَنْ الْمُفْسِدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ مُقَارِنَةٌ لَهُ فَيَفْسُدُ. قَالَ (وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ بَيْنَ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِمَا وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ أَوْ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ بَيْنَ مِلْكٍ وَوَقْفٍ صَحَّ فِي الْقِنِّ وَعَبْدِهِ وَالْمِلْك) أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَازَ فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ ثَمَنَهُمَا صَارَا صَفْقَتَيْنِ فَيَتَقَدَّرُ الْفَسَادُ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَنًا؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَلَهُ أَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَّحِدَةٌ فَلَا يُمْكِنُ وَصْفُهَا بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَتَبْطُلُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ وَالْمَيِّتَةَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْعَقْدِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ فَيَكُونُ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ وَالْمَيِّتَةِ شَرْطًا لِجَوَازِ الْعَقْدِ فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ فَيَبْطُلُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ الْمَجْمُوعُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ فِي الْمُدَبَّرِ وَنَحْوِهِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَقَدْ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِيهِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْمَالِ فَيَفْسُدُ كَالْفَصْلِ الْأَوَّلِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ لِأَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا وَلَهُمَا إذَا لَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَنَحْوَهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ ثُمَّ يُنْقَضُ فِي حَقِّهِ فَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا حَالَةَ الْبَقَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْحُرُّ وَنَحْوُهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا فَلَوْ جَازَ الْبَيْعُ فِيمَا ضَمَّ إلَيْهِ لَكَانَ بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً فَلَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ حَيْثُ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحَلَّلَةِ فِيمَا إذَا ضَمَّ إلَيْهَا الْمُحَرَّمَةَ فَعَقَدَ عَلَيْهِمَا جُمْلَةً؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَلَا بِجَهَالَةِ الْمَهْرِ فَيَكُونُ صَحِيحًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَ وَعَبْدَ الْغَيْرِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمُسَاهَلَةِ، وَلِهَذَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِالْمَجْهُولِ بِأَنْ قَالَ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ فَجَهَالَةُ الْأَجَلِ فِيهَا إذَا كَانَتْ يَسِيرَةً مُسْتَدْرَكَةً لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْأَجَلِ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَدْرَكَةٍ كَالْكَفَالَةِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ أَوْ إلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَلَا يَصِحُّ الْأَجَلُ وَيَكُونُ حَالًّا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ) وَرَوَى عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّ بَيْعَ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَالْقَفِيزِ بِالْقَفِيزَيْنِ فَاسِدٌ مُفِيدٌ لِلْمِلْكِ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ كَالْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَالْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ) قَالَ الْكَمَالُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا أَيْ عَنْ ذِكْرِ الْأَجَلِ حَتَّى انْعَقَدَ صَحِيحًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّأْجِيلُ بَعْدَ الصِّحَّةِ كَالْكَفَالَةِ بِتَحَمُّلِ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَأْجِيلُ دَيْنٍ مِنْ الدُّيُونِ بِخِلَافِهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَقَبُولُ هَذِهِ الْآجَالِ شَرْطٌ فَاسِدٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ بَيْنَ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا كَالْمَيِّتَةِ اهـ فَإِنْ قُلْت مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا مُجْتَهَدٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ كَالْمُدَبَّرِ قُلْت ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يُعْتَبَرْ اجْتِهَادًا لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِنَصِّ كِتَابِ اللَّهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فَكَانَ مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ كَالْمَيِّتَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَّحِدَةٌ) أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي إلَخْ) يُرِيدُ بِالثَّانِي مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ لَا مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ لِزُفَرَ فِيهِ فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يُفَصِّلَ لَكِنَّهُ أَخَذَ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ وَفِيهَا مَا فِيهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَ وَعَبْدَ الْغَيْرِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ) اعْلَمْ أَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ أَمَّا إذَا قَضَى

[فصل قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد بأمر البائع وكل من عوضيه مال]

بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ يَنْفُذُ وَفِي الْمُكَاتَبِ يَنْفُذُ بِرِضَاهُ فِي الْأَصَحِّ وَفِي عَبْدِ الْغَيْرِ بِإِجَازَةِ مَوْلَاهُ وَلَوْلَا أَنَّهُمْ مَالٌ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي الْعَقْدِ لَمَا نَفَذَ كَمَا فِي الْحُرِّ وَالْمَيِّتَةِ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُونَ مِنْ الْعَقْدِ بَعْدَ الدُّخُولِ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَفِي عَبْدِ الْغَيْرِ لِأَجْلِ مَوْلَاهُ فَلَا يَكُونُ بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً بَلْ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَلَا يَفْسُدُ وَفِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ مِلْكٍ وَوَقْفٍ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَفْسُدُ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُحَرَّرًا عَنْ الْمِلْكِ وَالتَّمَلُّكِ فَصَارَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي نَوَازِلِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ مَالٌ، وَلِهَذَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعَ الْأَمْوَالِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ لِأَجْلِ حَقٍّ تَعَلَّقَ بِهِ. وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ كَالْمُدَبَّرِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ حَيْثُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلِهَذَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعَ الْأَمْوَالِ فَصَارَ كَالْحُرِّ وَلَوْ بَاعَ قَرْيَةً وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْمَسَاجِدَ وَالْمَقَابِرَ لَمْ يَصِحَّ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ قِيلَ يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ عَلَى الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ كَالْحُرِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَيْفَ يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ وَلَا سَبِيلَ لِهَذَا إلَّا إذَا جُعِلَ اسْتِثْنَاءً لِلْمَسَاجِدِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ بَاعَهُ غَيْرَ مَوَاضِعِ الْمَسَاجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) (قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَكُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِقِيمَتِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ مَلَكَهُ وَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ إذَا كَانَ الْقَبْضُ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَفِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ ذُكِرَ فِي الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَذَكَرَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ احْتِرَازًا عَنْ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَالْمُرَادُ بِهِ إذْنُهُ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ عَلَى مَا عُرِفَ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إذْنٍ صَرِيحٍ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، وَقَبْلَهُ فِي الْمَجْلِسِ يَكْتَفِي بِالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَسْلِيطٌ مِنْهُ عَلَى الْقَبْضِ إذْ مُرَادُهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْقَبْضِ فَكَانَ ذَلِكَ تَسْلِيطًا مِنْهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَإِنَّ الْإِيجَابَ فِيهِ لَا يَكُونُ تَسْلِيطًا مِنْهُ عَلَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ وَهُوَ التَّمْلِيكُ يَحْصُلُ بِدُونِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ أَوْ قَبَضَهُ وَهُوَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْلَكُ بِهِ وَقَبَضَهُ كَانَ إذْنًا مِنْهُ بِالْقَبْضِ دَلَالَةً فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّصْرِيحِ بِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ لِيَتَحَقَّقَ رُكْنُ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ لِيَخْرُجَ عَنْهُ الْبَيْعُ بِالْمَيِّتَةِ وَنَحْوِهِ وَالْبَيْعُ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ فِي رِوَايَةٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ مَعَ السُّكُوتِ حَيْثُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يَنْفُذُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ بِخِلَافِهِ أَمَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَهَلْ يَنْفُذُ أَمْ لَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَانَتْ مُخْتَلَفًا فِيهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُجِيزُ بَيْعَهَا وَكَانَ عَلِيٌّ يُجِيزُ بَيْعَهَا ثُمَّ أَجْمَعَ التَّابِعُونَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ فِيهَا فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بَعْدَ ذَلِكَ بِجَوَازِ بَيْعِهَا هَلْ يَقَعُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ هَلْ يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ أَمْ لَا فَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ وَلَا يَنْعَقِدُ هَذَا الْإِجْمَاعُ وَعِنْدَنَا يَنْعَقِدُ هَذَا الْإِجْمَاعُ وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ وَقَدْ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ التَّقْوِيمِ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْهُمْ جَمِيعًا أَنَّ الْقَاضِي إذَا قَضَى بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لَمْ يَجُزْ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْخَلَفَ بَعْدَهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَوْ بَقِيَ قَوْلُ الْمَاضِي مُعْتَبَرًا كَأَنَّهُ حَيٌّ لَنَفَذَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ إلَى هُنَا لَفْظُ التَّقْوِيمِ، وَقَالَ فِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِي وَفِي الْقَضَاءِ بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ رِوَايَاتٌ وَأَظْهَرُهَا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَفِي قَضَاءِ الْجَامِعِ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ إنْ أَمْضَى ذَلِكَ الْقَاضِي نَفَذَ وَإِنْ أَبْطَلَ بَطَلَ وَهَذَا أَوْجَهُ الْأَقَاوِيلِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْهُمْ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. اهـ. . [فَصْلٌ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَكُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ] (فَصْلٌ) لَمَّا ذَكَرَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ ذَكَرَ حُكْمَهُ عَقِيبَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ أَثَرُهُ وَأَثَرُ الشَّيْءِ يَتْبَعُهُ وُجُودًا فَكَذَا تَبِعَهُ ذِكْرًا طَلَبًا لِلْمُنَاسَبَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ مِلْكُ الْمَبِيعِ إلَخْ) وَمَعْلُومٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الصَّحِيحِ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَكَيْفَ بِالْفَاسِدِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ لُزُومَ الْقِيمَةِ عَيْنًا إنَّمَا هُوَ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فِي يَدِهِ أَمَّا مَعَ قِيَامِهِ فِي يَدِهِ فَالْوَاجِبُ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَبْلَهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ إذْنُهُ) ثُمَّ الْإِذْنُ قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا وَقَدْ يَكُونُ دَلَالَةً فَالْأَوَّلُ كَمَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ صَرِيحًا بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالْقَبْضِ سَوَاءٌ قَبَضَهُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَالثَّانِي كَمَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي عَقِيبَ الْبَيْعِ وَلَمْ يُوجَدْ النَّهْيُ مِنْ الْبَائِعِ فَيَمْلِكُهُ أَيْضًا كَمَا إذَا وَجَدَ الْإِذْنَ صَرِيحًا اسْتِحْسَانًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْبَيْعُ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ) فِي رِوَايَةٍ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ إذَا بَاعَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَنْعَقِدُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَنْعَقِدُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ يَنْعَقِدُ إلَى هُنَا لَفْظُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ لَوْ بَاعَهُ وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْبَيْعِ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ بِالْقِيمَةِ فَإِذَا سَكَتَ عَنْ الثَّمَنِ كَانَ عِوَضُهُ قِيمَتَهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْت بِالْقِيمَةِ وَهَكَذَا جَمِيعُ الْبَيْعَاتِ الْفَاسِدَةِ تَكُونُ مَضْمُونَةً بِالْقِيمَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِعْت بِغَيْرِ ثَمَنٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَى الثَّمَنَ لَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُ الْمُعَاوَضَةِ بِمُقْتَضَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلْمُقْتَضَى مَعَ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الْمُعَاوَضَةُ لَمْ يَكُنْ بَيْعًا، وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ لَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّمَنَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْقِيمَةِ

وَقَوْلُهُ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِقِيمَتِهِ يَعْنِي قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ أَتْلَفَهُ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مَلَكَهُ بِمِثْلِهِ إذْ هُوَ الْأَعْدَلُ لِكَوْنِهِ مِثْلًا لَهُ صُورَةً وَمَعْنًى فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ مَعَ إمْكَانِهِ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِ بَلْخٍ، وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ لَا يَمْلِكُ الْعَيْنَ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ فِيهَا التَّصَرُّفَ خَاصَّةً بِحُكْمِ تَسْلِيطِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ اسْتِدْلَالًا بِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ أَيْضًا مَنْ اشْتَرَى دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا، وَلَوْ مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي لَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَوْ وَطِئَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ إذَا رَفَعَ الْفَسَادَ وَرَدَّهَا إلَى الْبَائِعِ وَلَوْ مَلَكَهَا لَحَلَّ وَلَمْ يَجِبْ الْعُقْرُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ كَالْأَمَةِ الْمَوْهُوبَةِ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ إذَا رَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهَا، وَكَذَا لَوْ رَبِحَ الْمُشْتَرِي فِيهَا لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ وَلَوْ مَلَكَهَا لَطَابَ، وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا وَلَوْ مَلَكَهُ لَحَلَّ، وَجْهُ الْقَوْلُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْأَبَ أَوْ وَصِيَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا لِلصَّغِيرِ بَيْعًا فَاسِدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ عِتْقُهُ وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ لَمَا نَفَذَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ لَا يَمْلِكَانِ الْإِعْتَاقَ وَلَا التَّسْلِيطَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا فَبِيعَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا لَمَا اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَرَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ لَمَا وَجَبَ، وَإِنَّمَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ التَّصَرُّفَاتُ مِنْ الْوَطْءِ وَالْأَكْلِ وَلَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْوَطْءِ وَنَحْوِهِ إعْرَاضٌ عَنْ الرَّدِّ وَهُوَ وَاجِبٌ شَرْعًا وَفِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ تَأْكِيدُ الْفَسَادِ وَتَقْرِيرُهُ وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ التَّسْلِيطِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إذْ الْمُشْتَرِي يَتَصَرَّفُ فِي الْمَبِيعِ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ بِسَبَبِ تَمْلِيكِهِ إيَّاهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَمْلِكُ بِالْفَاسِدِ الْعَيْنَ وَلَا التَّصَرُّفَ وَإِنْ قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ. وَالْمِلْكُ نِعْمَةٌ لِكَوْنِهِ ذَرِيعَةً إلَى قَضَاءِ الْمَآرِبِ وَوَسِيلَةً إلَى تَحْصِيلِ الْمَطَالِبِ فَلَا يُنَاطُ بِهِ إذْ لَا يُلَائِمُهُ وَالْمُلَاءَمَةُ شَرْطٌ بَيْنَ الْأَثَرِ وَالْمُؤَثِّرِ وَلِأَنَّ النَّهْيَ نُسِخَ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ لِلتَّضَادِّ بَيْنَ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي قُبْحَهُ وَالْمَشْرُوعِيَّةَ تَقْتَضِي حُسْنَهُ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَكَانَ بَاطِلًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَيِّدُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبِهِ تَزْدَادُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِقِيمَتِهِ فَكَذَلِكَ، وَقَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ لَوْ قَالَ: أَبِيعُك بِالْكَعْبَةِ أَوْ بِالرِّيحِ لَمْ يَمْلِكْ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ مَالًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِقِيمَتِهِ إلَخْ) وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِ فَأَتْلَفَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ فَلَا يَتَغَيَّرُ كَالْغَصْبِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مَلَكَهُ بِمِثْلِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَمِنْهَا أَيْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ ثُمَّ قَالَ وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ وَالْمِثْلِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ الضَّامِنُ فَالْقَوْلُ فِي الْقَدْرِ وَالْبَيِّنَةُ فِيهِ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْغَصْبِ) أَيْ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْ الثَّمَنُ حَتَّى لَا يَلْزَمَ تَقْرِيرُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا) عَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يُكْرَهُ الْوَطْءُ وَلَا يَحْرُمُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ عَلَى عَدَمِ الطِّيبِ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ عَدَمِ الْحِلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مَلَكَهُ لَحَلَّ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الْمُشْتَرِي يَمْلِكُ عَيْنَ الْمَبِيعِ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا) أَيْ وَقَبَضَهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً) أَيْ فَقَبَضَهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ التَّصَرُّفَاتُ مِنْ الْوَطْءِ وَالْأَكْلِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَهَا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا كَيْ لَا يَكُونَ مُصِرًّا عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَاشْتِغَالُهُ بِالْوَطْءِ إعْرَاضٌ عَنْ الرَّدِّ فَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا لَا لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَالْمِلْكُ نِعْمَةٌ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ لَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ مَا وَضَعَهُ الشَّرْعُ سَبَبًا بِحُكْمٍ إذَا نَهَى عَنْهُ عَلَى وَضْعٍ خَاصٍّ فَفَعَلَ مَعَ ذَلِكَ الْوَضْعِ رَأَيْنَا مِنْ الشَّرْعِ أَنَّهُ أَثْبَتَ حُكْمَهُ وَإِثْمَهُ أَصْلُهُ الطَّلَاقُ وَضَعَهُ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ وَنَهَى عَنْهُ بِوَضْعٍ خَاصٍّ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَائِضًا ثُمَّ رَأَيْنَاهُ أَثْبَتَ حُكْمَ طَلَاقِ الْحَائِضِ فَأَزَالَ بِهِ الْعِصْمَةَ حَتَّى أَمَرَ ابْنَ عُمَرَ بِالْمُرَاجَعَةِ دَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَأَثِمَ الْمُطَلِّقُ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا فِي كُلِّ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ نَهَى عَنْ مُبَاشَرَتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْفُلَانِيِّ إذَا بُوشِرَ مَعَهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ وَيُقْضَى بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ النَّهْيَ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ) يَعْنِي يُفِيدُ انْتِفَاءَهَا مَعَ الْوَصْفِ فَنَقُولُ مَا نُرِيدُ بِانْتِفَاءِ مَشْرُوعِيَّةِ السَّبَبِ كَوْنَهُ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ الْوَصْفِ أَوْ كَوْنَهُ لَا يُفِيدُ حُكْمَهُ إنْ أَرَدْت الْأَوَّلَ سَلَّمْنَاهُ وَمَنَعْنَا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ حُكْمَهُ مَعَ الْوَصْفِ الْمُقْتَضِي لِلنَّهْيِ كَمَا أَرَيْنَاك مِنْ الشَّرْعِ وَإِنْ أَرَدْت الثَّانِي فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَهُوَ حِينَئِذٍ مُصَادَرَةٌ حَيْثُ جَعَلْت مَحَلَّ النِّزَاعِ جُزْءَ الدَّلِيلِ لَا يُقَالُ فَلَا فَائِدَةَ لِلنَّهْيِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ التَّحْرِيمُ وَالتَّأْثِيمُ وَهُوَ مَوْضِعٌ لِلنَّهْيِ فَإِنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ إذَا كَانَ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ وَهَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّابِتُ رُكْنَ الْعَقْدِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا بِأَنْ عَقَدَ عَلَى الْخَمْرِ أَوْ الْمَيْتَةِ لِعَدَمِ الرُّكْنِ فَلَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ أَصْلًا فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فَوَضَعْنَا الِاصْطِلَاحَ عَلَى الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا تَمْيِيزًا فَسَمَّيْنَا مَا لَا يُفِيدُ حُكْمُهُ بَاطِلًا وَمَا يُفِيدُهُ فَاسِدًا أَخْذًا مِنْ مُنَاسَبَةٍ لُغَوِيَّةٍ تَقَدَّمَتْ أَوَّلَ بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَا خَفَاءَ فِي حُسْنِ هَذَا التَّقْرِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكِفَايَتِهِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْمُرَادُ أَنَّ النَّهْيَ يَتَضَمَّنُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَلِهَذَا أَيْ كَوْنِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَثَبَتَ قَبْلَهُ كَمَا فِي

الْحُرْمَةُ وَالْفَسَادُ فَأَنَّى يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ فِيهِ فَصَارَ كَالْمَيِّتَةِ وَبَيْعِ الْخَمْرِ بِالدَّرَاهِمِ وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ وَلَا خَفَاءَ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ وَرُكْنُهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَفِيهِ الْكَلَامُ وَالنَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ يُقَرِّرُ الْمَشْرُوعِيَّةَ عِنْدَنَا بِخِلَافِ النَّهْيِ عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي التَّصَوُّرَ، وَلِهَذَا لَا يُقَالُ لِلْأَعْمَى لَا تُبْصِرُ وَلَا لِلْإِنْسَانِ لَا تَنْظُرُ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ مِنْ شُرُوطِهِ التَّصَوُّرُ فَتَصَوُّرُ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ بِالشَّرْعِ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً لَمْ تَكُنْ مُتَصَوَّرَةً فَيَبْطُلُ النَّهْيُ إذْ حَقِيقَةُ النَّهْيِ تُصْرَفُ فِي الْمُكَلَّفِ بِالْمَنْعِ مَعَ قِيَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهُوَ الْمَحِلُّ عَلَى حَالِهِ فَاقْتَضَى وُجُودَهُ وَوُجُودُهُ بِالشَّرْعِ فَصَارَتْ مَشْرُوعَةً ضَرُورَةَ صِحَّةِ النَّهْيِ وَالْأَفْعَالُ الْحِسِّيَّةُ مُتَصَوَّرَةٌ بِذَاتِهَا فَلَا ضَرُورَةَ إلَى جَعْلِهَا مَشْرُوعَةً وَهَذَا بِخِلَافِ النَّسْخِ فَإِنَّهُ تَصَرَّفَ فِي الْمَحِلِّ بِإِزَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْمُكَلَّفِ فَكَانَا فِي طَرَفَيْ نَقِيضٍ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً. وَإِنَّمَا يَحْرُمُ مُبَاشَرَتُهَا وَتَحْصِيلُ الْحُكْمِ بِذَلِكَ السَّبَبِ مَعَ بَقَائِهِ سَبَبًا لَهُ عِنْدَنَا كَمَا إذَا كَانَ النَّهْيُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ كَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ عَلَى حَالِهِ مُفِيدٌ لِحُكْمِهِ غَيْرَ أَنَّهُ مَحْظُورٌ وَلَا يُقَالُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْأَذَانِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِغَيْرِهِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: النَّهْيُ فِيهِمَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَكِنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ فِي الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ مُجَاوِرٌ لَهُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُتَّصِلٌ بِهِ وَصْفًا فَكَانَ النَّهْيُ فِيهِمَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْلَا الشَّرْطُ لَجَازَ الْعَقْدُ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْوَصْفَ أَقْوَى اتِّصَالًا مِنْ الْمُجَاوَرَةِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَكَانَ مَشْرُوعًا بِذَاتِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ وَظَهَرَ أَثَرُ الْقُوَّةِ فِي انْعِقَادِهِ فَاسِدًا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَ الْمِلْكَ قَبْلَهُ لَثَبَتَ بِلَا عِوَضٍ إذْ الْمُسَمَّى لَا يَجِبُ لِلْفَسَادِ وَضَمَانُ الْقِيمَةِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلِأَنَّهُ وَاجِبُ الرَّفْعِ بَعْدَ الْقَبْضِ لِلْفَسَادِ الْمُتَّصِلِ بِهِ فَوُجُوبُ الِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ أَوْلَى وَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُؤَدِّي إلَى تَقْرِيرِ الْفَسَادِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْعِ الصَّحِيحِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْمَيْتَةِ) أَيْ الْبَيْعُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ بَيْعِ الْخَمْرِ بِالدَّرَاهِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ إلَخْ) وَلَنَا أَنَّ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ وَشَرَطَتْ الْوَلَاءَ لِمَوْلَاهَا وَقَبَضَتْهَا فَأَعْتَقَتْهَا فَأَجَازَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْضَى الْبَيْعَ» فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لَمْ يُجِزْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إعْتَاقَهَا وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مُنْعَقِدٌ لِوُجُودِ الرُّكْنِ مِنْ الْأَهْلِ مُضَافًا إلَى الْمَحِلِّ أَمَّا الرُّكْنُ فَقَدْ حَصَلَ لِوُجُودِ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَأَمَّا الْأَهْلُ فَلِأَنَّ الْعَاقِدَ حُرٌّ عَاقِلٌ بَالِغٌ، وَأَمَّا الْمَحِلُّ فَلِأَنَّ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ لِمَيَلَانِ طِبَاعِ النَّاسِ إلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ لِإِهَانَةِ الشَّرْعِ فَلَمَّا كَانَ الثَّمَنُ مَالًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ بَلْ فَسَدَ فَكَانَ أَصْلُ الْبَيْعِ مُنْعَقِدًا وَاشْتَرَطَ الْقَبْضَ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وُجِدَ ضَعِيفًا فَصَارَ كَالْهِبَةِ، وَإِنَّمَا النَّهْيُ وَرَدَ لَا لِمَعْنًى فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ بَلْ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ مُجَاوِرٍ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ الْكَلَامُ) أَيْ الْكَلَامُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ هُمَا مَالَانِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ يُقَرِّرُ الْمَشْرُوعِيَّةَ عِنْدَنَا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَشَايِخِ النَّهْيُ يُقَرِّرُ الْمَشْرُوعِيَّةَ لِاقْتِضَاءِ التَّصَوُّرِ يُرِيدُونَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ يُقَرِّرُ مَشْرُوعِيَّتَهُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ يَقْتَضِي تَصَوَّرَ الْمَنْهِيّ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ فَائِدَةٌ فَلَيْسَ بِذَاكَ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ فَائِدَةٌ فَلَيْسَ بِذَاكَ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ يَعْنِي إمْكَانَ فِعْلِهِ مَعَ الْوَصْفِ الْمُثِيرِ لِلنَّهْيِ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ هَذَا الْمُتَصَوَّرَ يَقَعُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ وَإِنْ أَرَادُوا تَصَوُّرًا شَرْعِيًّا أَيْ مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا فَمَمْنُوعٌ، فَإِنْ قَالُوا نُرِيدُ تَصَوُّرَهُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ لَا مَعَ هَذَا الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ مُثِيرُ النَّهْيِ قُلْنَا سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ الثَّابِتَ فِي صُورَةِ النَّهْيِ هُوَ الْمَقْرُونُ بِالْوَصْفِ فَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ مَعَهُ وَالْمَشْرُوعُ وَهُوَ أَصْلُهُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ مُطْلَقًا عَنْ ذَاكَ الْوَصْفِ غَيْرِ الثَّابِتِ هُنَا فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَصْلًا إذْ نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ أَعْنِي مَا لَمْ يُقْرَنْ بِالْوَصْفِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فَلَا يُجْدِي شَيْئًا وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ فَنَفْسُ الْبَيْعِ مَشْرُوعٌ وَبِهِ تُنَالُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ يُقَالُ عَلَيْهِ مَا تُرِيدُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ أَوْ مَا فِيهِ إنْ قُلْت الَّذِي لَيْسَ فِيهِ سَلَّمْنَا وَبِهِ تُنَالُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ لَكِنَّ الثَّابِتَ الْبَيْعُ الَّذِي لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ مَا فِيهِ الْوَصْفُ الْمُثِيرُ لِلنَّهْيِ فَلَا تُنَالُ بِهِ نِعْمَةُ الْمِلْكِ فَيَحْتَاجُ إلَى مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ مَنْعِ أَنَّ السَّبَبَ إذَا كَانَ مَعَ النَّهْيِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّمَا الْمَحْظُورُ مَا يُجَاوِرُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَالْمُرَادُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ عِنْدَ عَدَمِ كَوْنِ النَّهْيِ لِعَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، كَمَا إذَا كَانَ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الرُّكْنِ وَإِلَّا فَالنَّهْيُ لِلْمُجَاوِرِ يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ لَا الْحَظْرَ وَالنَّهْيُ لِلْوَصْفِ اللَّازِمِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ يُفِيدُ الْحَظْرَ، إلَّا أَنِّي أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ مَعَ ذَلِكَ إنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَيْسَا بِمَالٍ فِي شَرِيعَتِنَا فَإِنَّ الشَّارِعَ أَهَانَهُمَا بِكُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَعَنَ حَامِلَهَا وَمُعْتَصِرَهَا مَعَ أَنَّهَا مَفْقُودَةٌ حَالَ الِاعْتِصَارِ بَلْ الْمَوْجُودُ حِينَئِذٍ نِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ خَمْرًا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَهِيَ مَالٌ فِي شَرْعِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى زَعْمِهِمْ وَحَيْثُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَقَدْ أُمِرْنَا بِاعْتِبَارِ بَيْعِهِمْ إيَّاهَا وَبَيْعِهِمْ بِهَا فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا فِي بَيْعِ الْمُسْلِمِ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يُفِيدَ الْمِلْك فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ ثَمَنًا وَإِنْ كَانَ فِي بَيْعِهِمْ فَصَحِيحٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَظَهَرَ أَثَرُ الْقُوَّةِ) أَيْ أَثَرُ قُوَّةِ الِاتِّصَالِ. اهـ. .

حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ مِلْكِ غَيْرِهِ وَبِالْقَبْضِ يَتَقَرَّرُ الْعَقْدُ وَقَوْلُهُ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ قُلْنَا لَا تَنَافِي إذَا جُعِلَ مَشْرُوعًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْمَيِّتَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حَقِّ أَحَدٍ فَانْعَدَمَ الشَّرْطُ وَإِذَا بَاعَ الْخَمْرَ بِالدَّرَاهِمِ فَقَدْ جَعَلَهَا مُثَمَّنًا وَهِيَ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ فَلَوْ انْعَقَدَ لَوَجَبَتْ قِيمَتُهَا لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا وَالْقِيمَةُ لَا تَصْلُحُ مُثَمَّنًا، وَإِنَّمَا تَكُونُ ثَمَنًا إذْ لَا عَهْدَ لَنَا فِي الشَّرْعِ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مَبِيعًا فِي صُورَةٍ مِنْ الْبِيَاعَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ) يَعْنِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْفَسَادِ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا وَاللَّامُ تَكُونُ بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أَيْ فَعَلَيْهَا وَيَتَمَكَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْفَسْخِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبِيلٍ مِنْ فَسْخِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْآخَرِ لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْفَسْخِ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِ عِلْمِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ كَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ فَكَذَلِكَ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ لِقُوَّةِ الْفَسَادِ وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ لِشَرْطٍ زَائِدٍ بِأَنْ بَاعَ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَكُونُ لِمَنْ لَهُ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ الْفَسْخُ دُونَ الْآخَرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الشَّرْطِ إذَا كَانَتْ عَائِدَةً إلَيْهِ كَانَ قَادِرًا عَلَى تَصْحِيحِهِ بِحَذْفِ الشَّرْطِ فَكَانَ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَلَوْ فَسَخَ الْآخَرُ لَأَبْطَلَ حَقَّهُ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ النَّقْضَ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَانْتَفَى اللُّزُومُ عَنْ الْعَقْدِ وَمَنْ لَهُ النَّفْعُ قَادِرٌ عَلَى تَصْحِيحِهِ بِالْحَذْفِ أَوْ الْكَلَامِ عَلَى مَا قَبْلَ التَّصْحِيحِ فَيَفْسَخُهُ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ فِي الْكُلِّ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ قَالَ (إلَّا أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي أَوْ يَهَبَ أَوْ يُحَرِّرَ أَوْ يَبْنِيَ) أَيْ إذَا تَصَرَّفَ فِيهِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْسَخَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ فَيَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفَاتُهُ كُلُّهَا وَيَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ سَوَاءٌ كَانَ تَصَرُّفًا يَقْبَلُ الْفَسْخَ أَوْ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا الْإِجَارَةَ وَالنِّكَاحَ فَإِنَّهُمَا لَا يَقْطَعَانِ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ ضَعِيفٌ يُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَفَسَادُ الشِّرَاءِ عُذْرٌ فَيُفْسَخُ وَالنِّكَاحُ لَا يَمْنَعُ فَسْخَ الْبَيْعِ فَيُفْسَخُ وَيُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ وَالنِّكَاحُ عَلَى حَالِهِ وَمَا عَدَاهُمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ يَقْطَعُ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَالْفَسْخُ حَقُّ الشَّرْعِ وَمَا اجْتَمَعَ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ حَقُّ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا بِالْقَبْضِ) صِفَةٌ لِلنَّكِرَةِ قَبْلَهُ وَهُوَ فَاسِدٌ. اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ فَيَكُونُ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ امْتِنَاعًا مِنْ الْحُكْمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ) إذْ صِلَةُ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَقِيَامُ الْبَيْعِ هُوَ بِالْعِوَضَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ) أَيْ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفَسِخُ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَبِغَيْرِ حَضْرَتِهِ نَظِيرُهُ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَبَيْعُ ثَوْبٍ بِخَمْرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ) أَيْ غَيْرَ قَوِيٍّ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ إلَخْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إلَّا أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي أَوْ يَهَبَ إلَخْ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ بَاعَ الْمَقْبُوضَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا نَفَذَ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ الِاسْتِرْدَادُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ بِبَيْعٍ أَوْ تَمْلِيكٍ مِنْهُ إيَّاهُ غَيْرُهُ جَازَ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ لِبَائِعِهِ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِقَوْلِهِ وَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي بِبَيْعٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ أَخْرَجَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ إذَا كَانَ تَصَرُّفُهُ بَعْدَمَا قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ إبْطَالُهُ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْقِيمَةُ أَوْ الْمِثْلُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَيَطِيبُ ذَلِكَ الْمِلْكُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَلَا يَطِيبُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَأَخَذَ مَالَ حَرْبِيٍّ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ فَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكَهُ وَلَكِنْ لَا يَطِيبُ لَهُ وَيُفْتَى بِالرَّدِّ وَلَا يُقْضَى بِهِ. وَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ بَيْعُهُ وَلَا يَطِيبُ أَيْضًا لِلْمُشْتَرِي كَمَا لَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَوْ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ دَبَّرَهُ صَحَّ عِتْقُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ جَارِيَةٌ وَاسْتَوْلَدَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ وَلَا يَغْرَمُ الْعُقْرَ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي كِتَابِ الشِّرْبِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي كِتَابِ الشِّرْبِ عَلَيْهِ الْعُقْرُ وَلَوْ كَاتَبَ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ إبْطَالُهُ وَلَكِنَّهُ إذَا أَدَّى الْكِتَابَةَ عَتَقَ وَتَقَرَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُ الْقِيمَةِ فَإِنْ عَجَزَ وَرَدَّ رَقِيقًا يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْعَجْزُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي يَرُدُّ الْعَبْدَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَلَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْعَبْدِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَهَنَ الْمَبِيعَ صَحَّ الرَّهْنُ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ إبْطَالُهُ وَإِنْ فَكَّهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ فَكَّهُ بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ أَجَّرَهُ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ الْإِجَارَةُ غَيْرَ أَنَّهُ لِلْبَائِعِ أَنْ يُبْطِلَ الْإِجَارَةَ وَيَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مِمَّا تُفْسَخُ بِالْعُذْرِ وَفَسَادُ الْبَيْعِ صَارَ عُذْرًا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ نَافِذًا يُكْرَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفَسْخَ مُسْتَحَقٌّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْفَسَادِ وَاجِبٌ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالنِّكَاحُ لَا يَمْنَعُ فَسْخَ الْبَيْعِ فَيُفْسَخُ وَيُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَلَوْ زَوَّجَهَا مِنْ إنْسَانٍ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ وَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ زَوَّجَهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَلَوْ أَوْصَى بِالْعَبْدِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا فَإِنَّهُ يُفْسَخُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ الْفَسْخِ يَسْقُطُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ إلَى الْمُوصَى لَهُ فَصَارَ كَالْبَيْعِ وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا فَوَرِثَهُ الْبَائِعُ فَلِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ، وَكَذَا لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي حَقِّ الْفَسْخِ، وَلِهَذَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ الْمُوصَى لَهُ. اهـ. غَايَةٌ

وَغَنَاءُ اللَّهِ بِخِلَافِ حَقِّ الشُّفْعَةِ حَيْثُ يُنْتَقَضُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَكَانَ أَوْلَى بِالشُّفْعَةِ وَلِأَنَّهُ بِالْعِتْقِ قَدْ هَلَكَ فَيَجِبُ قِيمَتُهُ وَالْبَيْعُ الثَّانِي مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَالْأَوَّلُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ فَكَانَ الثَّانِي أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، وَكَذَا الْهِبَةُ مَشْرُوعَةٌ بِأَصْلِهَا وَوَصْفِهَا فَكَانَتْ أَوْلَى وَلِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي قَدْ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ حَيْثُ يُنْقَضُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ التَّسْلِيطِ مِنْهُ وَالْكِتَابَةُ وَالرَّهْنُ نَظِيرُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُمَا لَازِمَانِ إلَّا أَنَّهُ إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ أَوْ فَكَّ الرَّهْنَ يَعُودُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ. وَكَذَا لَوْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ عَادَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَبِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَعُودُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا عَادَ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِمَا يَكُونُ فَسْخًا قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَعُودُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ لُزُومُ الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يُنْتَقَضُ قَضَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا أَبَقَ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ مَا قَضَى عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْوَارِثِ بِهِ لَا يَمْنَعُ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ خِلَافُهُ فَكَانَ فِي حُكْمِ عَيْنِ مَا كَانَ لِلْمُوَرِّثِ، وَلِهَذَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ فِيمَا إذَا اشْتَرَاهُ الْمُوَرِّثُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ يَبْنِي أَيْ يَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ بِبِنَاءِ الْمُشْتَرِي فِي الْعَقَارِ الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْقَطِعُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْغَرْسُ لَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الشَّفِيعِ فِي الْأَخْذِ حَتَّى يَحْتَاجَ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ إلَى الْقَضَاءِ وَتَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ وَلَا تُورَثُ بِخِلَافِ حَقِّ الْبَائِعِ ثُمَّ حَقُّ الشُّفْعَةِ مَعَ ضَعْفِهِ لَا يَبْطُلُ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فَهَذَا أَوْلَى وَلَهُ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ وَهُوَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ فَيَنْقَطِعُ حَقُّهُ فِي الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّسْلِيطُ. وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِبَيْعِ الْمُشْتَرِي وَهِبَتِهِ فَكَذَا بِنَاؤُهُ وَشَكَّ يَعْقُوبُ فِي حِفْظِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَنَصُّ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الْعَقَارَ الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا بِالشُّفْعَةِ إذَا بَنَى الْمُشْتَرِي فِيهِ عِنْدَهُ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ لَا يَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ مَا دَامَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ بَاقِيًا فَلَمَّا وَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ عِنْدَهُ عُلِمَ أَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ قَدْ انْقَطَعَ عِنْدَهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِذَا أَخَذَهُ الشَّفِيعُ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ إنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَنَقَضَ الثَّانِي وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي بِثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ فَأَمْكَنَ إيجَابُ ثَمَنِهِ فَإِذَا أَخَذَهُ هُنَا بِالشُّفْعَةِ نَقَضَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ كَمَا يُفْعَلُ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَلَا يُقَالُ إذَا نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ عَادَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَنْقُضُهُ بَعْدَمَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ وَمِلْكُهُ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَتَى فَعَلَ بِالْمَبِيعِ فِعْلًا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ كَمَا إذَا كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا وَلَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَى مَا زَادَ فِيهِ الصَّبْغُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ كَمَا فِي الْغَصْبِ. قَالَ (وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ الْمَبِيعَ عَنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْهُ) يَعْنِي إذَا تَفَاسَخَا بَعْدَ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَرُدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَهُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ وَأَقْرَبُ مِنْهُ الْمَبِيعُ وَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَالَ حَيَاتِهِ فَكَذَا يُقَدَّمُ عَلَى تَجْهِيزِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَعَلَى هَذَا أَرْبَابُ الدُّيُونِ وَالْوَرَثَةُ وَعَلَى هَذَا لَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي قَدْ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ فَلَا يُنْتَقَضُ) فَإِنْ قُلْت هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ التَّسْلِيطُ وُجِدَ قَبْلَ بَيْعِ الْمُشْتَرِي أَيْضًا وَمَعَ هَذَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ إعْدَامًا لِلْفَسَادِ فَانْتَقَضَتْ الْعِلَّةُ إذَا قُلْت مَعْنَاهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الثَّالِثِ فَبَطَلَ السُّؤَالُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ وَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّ بِالرُّجُوعِ وَالْقَبْضِ اسْتَحْدَثَ مِلْكَ الْوَطْءِ اهـ آخِرَ بُيُوعِ فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ بِقَضَاءٍ؛ لِأَنَّ بِهِ يَعُودُ قَدِيمُ الْمِلْكِ لَا بِغَيْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَبْنِي) لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ بَاعَ رَجُلًا دَارًا بَيْعًا فَاسِدًا فَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَبَنَى فِيهَا قَالَ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَخْذُهَا وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا ثُمَّ شَكَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ يُنْقَضُ الْبِنَاءُ وَتُرَدُّ الدَّارُ عَلَى صَاحِبِهَا إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا الْمُشْتَرِي فَهَذَا اسْتِهْلَاكٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ نَقْضُ الْبَيْعِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لِلْبَائِعِ نَقْضُ الْبَيْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَقْوَى مِنْ حَقِّ الشَّفِيعِ) أَيْ فِي الشِّرَاءِ الصَّحِيحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَشَكَّ يَعْقُوبُ فِي حِفْظِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَأَمَّا شَكُّ يَعْقُوبَ فِي الرِّوَايَةِ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ أَمْ لَا حَتَّى قَالَ مَشَايِخُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَكِنْ ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ الَّتِي جَرَتْ الْمُحَاوَرَةُ فِيهَا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مَا رَوَيْت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا، وَإِنَّمَا رَوَيْت لَك أَنْ يُنْقَضَ الْبِنَاءُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَلْ رَوَيْت لِي أَنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ) أَيْ لَكِنَّهُ يُفَارِقُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِقَدْرِ الدَّيْنِ لَا غَيْرُ وَهُنَا الْمَبِيعُ مَضْمُونٌ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ كَمَا فِي الْعِصْمَةِ. اهـ. أَكْمَلُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ) أَيْ الَّذِي الْجَارِيَةُ فِي يَدِهِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَالَ حَيَاتِهِ) أَيْ وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِمَالِيَّةِ الْمَبِيعِ مِنْ غُرَمَاءِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ يُصْرَفُ إلَى الْغُرَمَاءِ. اهـ. خُلَاصَةٌ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا أَرْبَابُ الدُّيُونِ وَالْوَرَثَةُ) أَيْ يُقَدَّمُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ اهـ

اسْتَأْجَرَ إجَارَةً فَاسِدَةً وَنَقَدَ الْأُجْرَةَ أَوْ ارْتَهَنَ رَهْنًا فَاسِدًا أَوْ أَقْرَضَ قَرْضًا فَاسِدًا وَأَخَذَ بِهِ رَهْنًا لَهُ أَنْ يَحْبِسَ مَا اسْتَأْجَرَ وَمَا ارْتَهَنَ حَتَّى يَقْبِضَ مَا نَقَدَ اعْتِبَارًا بِالْعَقْدِ الْجَائِزِ إذَا تَفَاسَخَا؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَتُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ فَإِنْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُسْتَقْرِضُ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَقْبُوضِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ مَدِينِهِ عَبْدًا بِدَيْنٍ سَابِقٍ لَهُ عَلَيْهِ شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَ الْعَبْدَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَأَرَادَ الْبَائِعُ اسْتِرْدَادَ الْعَبْدِ بِحُكْمِ الْفَسَادِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْعَبْدَ لِاسْتِيفَاءِ مَالِهِ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ بِدَيْنٍ سَابِقٍ عَلَيْهَا وَقَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَبْدَ ثُمَّ فَسَخَ الْمُؤَجِّرُ الْإِجَارَةَ بِحُكْمِ الْفَسَادِ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ قَبْلَ إيفَاءِ الْأُجْرَةِ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْحَبْسُ بِالْأُجْرَةِ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ، وَكَذَا الرَّهْنُ الْفَاسِدُ لَوْ كَانَ بِدَيْنٍ سَابِقٍ عَلَيْهِ. قَالَ (وَطَابَ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ لَا لِلْمُشْتَرِي) أَيْ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بِمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَرَبِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَابَ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ وَلَمْ يَطِبْ لِلْمُشْتَرِي مَا رَبِحَ فِي الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَتَعَيَّنُ فَيَتَمَكَّنُ الْخَبَثُ فِيهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ الثَّانِي بِمَا لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يَجِبُ مِثْلُهُ فِي الذِّمَّةِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخَبَثُ فِيهِ فَلَا يَجِبُ التَّصْدِيقُ بِهِ هَذَا فِي الْخَبَثِ لِفَسَادِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ الْخَبَثُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْأَمَانَاتِ إذَا خَانَ فِيهَا الْمُؤْتَمَنُ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ مَا يَتَعَيَّنُ وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ حَقِيقَةً وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ وَتَقْرِيرُ الثَّمَنِ وَعِنْدَ فَسَادِ الْمِلْكِ تَنْقَلِبُ الْحَقِيقَةُ شُبْهَةً فَتُعْتَبَرُ وَالشُّبْهَةُ تَنْزِلُ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ قَضَاءً فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمْوَالَ نَوْعَانِ مَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ وَالْحُرْمَةُ نَوْعَانِ حُرْمَةٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَحُرْمَةٌ لِفَسَادِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فَتَأَمَّلْهُ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ مِنْ الثَّمَنِ بِعَيْنِهِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَمْ لَا قِيلَ يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ فَصَارَ كَالْغَصْبِ وَقِيلَ لَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا فِي يَدِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي وَأَخَوَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ قَبْلَ إيفَاءِ الْأُجْرَةِ) أَيْ الدَّيْنِ الَّذِي جَعَلَهُ أُجْرَةً اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا أَوْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ. اهـ. عِمَادِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَطَابَ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضَا وَرَبِحَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا قَبَضَ قَالَ يَتَصَدَّقُ الَّذِي قَبَضَ الْجَارِيَةَ بِالرِّبْحِ وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلَّذِي قَبَضَ الدَّرَاهِمَ وَهُوَ لَفْظُ مُحَمَّدٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَالَ نَوْعَانِ نَوْعٌ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَنَوْعٌ يَتَعَيَّنُ كَغَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ التَّعَيُّنِ فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ أَمَّا فِي حَقِّ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالْوَصْفِ فَيُعَيَّنَانِ وَالْخَبَثُ وَهُوَ عَدَمُ الطِّيبِ أَيْضًا نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ يُوجِبُ حَقِيقَةَ الْخَبَثِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ وَيُوجِبُ شُبْهَةَ الْخَبَثِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَيُوجِبُ شُبْهَةَ الْخَبَثِ وَالشُّبْهَةُ مُعْتَبَرَةٌ فَلَا جَرَمَ أَنَّ عَدَمَ الطِّيبِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِي الْمَالَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي فِيمَا يَتَعَيَّنُ وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ وَالْخَبَثُ لِفَسَادِ الْمِلْكِ يُورِثُ الشُّبْهَةَ فِيمَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّ الْخَبَثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ أَدْنَى مِنْ الْخَبَثِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَيُورِثُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ وَشُبْهَةُ الشُّبْهَةِ لَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ فَلِهَذَا يَتَصَدَّقُ الَّذِي أَخَذَ الْجَارِيَةَ بِالرِّبْحِ لِوُجُودِ شُبْهَةِ الْخَبَثِ وَلَمْ يَتَصَدَّقْ الَّذِي أَخَذَ الدَّرَاهِمَ بِالرِّبْحِ لِعَدَمِ الْخَبَثِ حَقِيقَةً وَشُبْهَةً، وَإِنَّمَا هِيَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ. (قَوْلُهُ: لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ) كَالْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) أَيْ وَتَقَابَضَا فَبَاعَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ وَاشْتَرَى الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ شَيْئًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ الثَّانِي) أَيْ فِي الشِّرَاءِ الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْخَبَثُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ كَالْمَغْصُوبِ) أَيْ بِأَنْ غَصَبَ شَيْئًا وَبَاعَهُ بَعْدَ ضَمَانِ قِيمَتِهِ فَرَبِحَ فِيهِ أَوْ غَصَبَ دَرَاهِمَ وَأَدَّى ضَمَانَهَا وَاشْتَرَى بِهَا شَيْئًا وَبَاعَهُ وَرَبِحَ فِيهِ اهـ أك (قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ حَقِيقَةً) أَيْ فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْخَبَثِ وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ تَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ الْخَبَثِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ بِأَنْ نَقَدَ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ بِأَنْ أَشَارَ إلَى الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهَا فَصَارَ مِلْكُ الْغَيْرِ وَسِيلَةً إلَى الرِّبْحِ مِنْ وَجْهٍ فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْخَبَثِ أَمَّا الْخَبَثُ لِفَسَادِ الْمِلْكِ فَيَعْمَلُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ لَا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْمِلْكِ دُونَ عَدَمِ الْمِلْكِ فَتَنْقَلِبُ حَقِيقَةُ الْخَبَثِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ ثَمَّةَ شُبْهَةً هُنَا فَتُعْتَبَرُ وَشُبْهَةُ الْخَبَثِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ ثَمَّةَ يَنْقَلِبُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ هُنَا فَلَا تُعْتَبَرُ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الرِّبَا وَالرِّيبَةِ» أَيْ الشُّبْهَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ وَتَقْدِيرُ الثَّمَنِ) أَيْ بِأَنْ يُشِيرَ إلَى الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ وَيَنْقُدَ مِنْ غَيْرِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالشُّبْهَةُ تَنْزِلُ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ) إذْ لَوْ اُعْتُبِرَتْ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ لَاعْتُبِرَ مَا دُونَهَا فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى سَدِّ بَابِ التِّجَارَةِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ اسْتَهْلَكَ الثَّمَنَ يَرُدُّ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ الَّذِي أَخَذَهُ الْبَائِعُ قَائِمًا فَهَلْ يَتَعَيَّنُ لِلرَّدِّ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الصَّرْفِ

وَالثَّانِي رِوَايَةُ أَبِي حَفْصٍ وَقِيلَ عَلَى هَذَا لَا يَطِيبُ لَهُ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ. قَالَ (وَلَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَرَاهِمَ فَقَضَاهُ إيَّاهَا ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ طَابَ رِبْحُهُ) أَيْ رِبْحُهُ فِي الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ الْخَبَثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ هُنَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ بِتَصَادُقِهِمَا أَوَّلًا فَمَلَكَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ بِالتَّصَادُقِ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَبَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ لَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ فِي الْعَبْدِ وَلَوْلَا أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَبَطَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ دَيْنَهُ فَبَاعَهُ عَبْدَ الْغَيْرِ بِالدَّيْنِ فَقَبَضَهُ الْحَالِفُ وَفَارَقَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ مَوْلَاهُ وَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ؛ لِأَنَّ الْمَدِينَ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِالْبَيْعِ وَهُوَ بَدَلُ الْمُسْتَحِقِّ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا كَانَ مَمْلُوكًا وَهُوَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ وَيَعْمَلُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ. قَالَ (وَكُرِهَ النَّجْشُ وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) وَالنَّجَشُ بِفَتْحَتَيْنِ وَيُرْوَى بِالسُّكُونِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَامَ السِّلْعَةَ بِأَزْيَدَ مِنْ ثَمَنِهَا وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا بَلْ لِيَرَاهُ غَيْرُهُ فَيَقَعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا كُرِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ النَّجْشِ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَأَنْ يَتَنَاجَشُوا» رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَخْطِبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ» وَفِي لَفْظٍ «لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطِبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْبَيْعِ الشِّرَاءُ وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «لَا يَبِيعُ أَحَدُكُمْ وَلَا يَخْطِبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ» وَرَوَى النَّسَائِيّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «لَا يَبِيعُ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ حَتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَرَ» وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إيحَاشًا وَإِضْرَارًا بِهِ فَيُكْرَهُ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ النَّجْشُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّاغِبُ فِي السِّلْعَةِ يَطْلُبُهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا، وَأَمَّا إذَا طَلَبَهَا بِدُونِ ثَمَنِهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَزِيدَ إلَى أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتَهَا، وَكَذَا السَّوْمُ إنَّمَا يُكْرَهُ فِيمَا إذَا جَنَحَ قَلْبُ الْبَائِعِ إلَى الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجْنَحْ قَلْبُهُ وَلَمْ يَرْضَهُ فَلَا بَأْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَزْيَدَ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ وَقَدْ قَالَ أَنَسٌ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا فِيمَنْ يَزِيدُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ الْفُقَرَاءِ وَالْحَاجَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَعَيَّنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فِي حُكْمِ النَّقْضِ وَالِاسْتِرْدَادُ كَالْغَصْبِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَتَعَيَّنُ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ التَّعْيِينِ يَعْنِي فِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ اهـ فَقَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ دَمُ التَّعْيِينِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ التَّصْحِيحِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ عَلَى هَذَا لَا يَطِيبُ لَهُ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا) قَالَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كُلُّ مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْ صَاحِبِهِ بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَرَبِحَ فِيهِ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ يُرِيدُ بِهِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ لِلرَّدِّ بِحُكْمِ الْفَسَادِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِثَالُهُ إذَا اشْتَرَى أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى سَنَةٍ حَتَّى فَسَدَ الصَّرْفُ فَقَبَضَ الدَّرَاهِمَ وَرَبِحَ فِيهَا طَابَ لَهُ الرِّبْحُ وَلَوْ كَانَ الْأَلْفُ غَصْبًا لَمْ يَطِبْ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ شَرْطَ الطِّيبِ الضَّمَانُ وَقَدْ وُجِدَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَرَاهِمَ إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاقْضِهَا فَقَضَاهَا ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقَدْ تَصَرَّفَ فِيهَا وَرَبِحَ فَالرِّبْحُ يَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَثْبُتُ مِنْ حَيْثُ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي ادَّعَاهُ فَقَضَاهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَكَانَ الرِّبْحُ حَاصِلًا فِي مِلْكِهِ فَإِذَا تَصَادَقَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ الدَّيْنِ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الْمَقْبُوضَةُ بِمَنْزِلَةِ بَدَلِ الْمُسْتَحَقِّ وَبَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ مِلْكًا فَاسِدًا وَالْخَبَثُ لِفَسَادِ الْمِلْكِ لَا أَثَرَ لَهُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلِهَذَا طَابَ لَهُ الرِّبْحُ وَلَمْ يَجِبْ التَّصَدُّقُ بِهِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَبَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ) أَيْ وَالْمُسْتَحَقُّ هُوَ الدَّيْنُ وَالْبَدَلُ الدَّرَاهِمُ الْمَقْبُوضَةُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: مَمْلُوكًا) أَيْ مِلْكًا فَاسِدًا. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَكُرِهَ النَّجْشُ وَالسَّوْمُ إلَخْ) قِيلَ لَمَّا كَانَ الْمَكْرُوهُ أَدْنَى دَرَجَةً مِنْ الْفَسَادِ وَلَكِنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْفَسَادِ أَلْحَقَهُ بِالْفَسَادِ وَأَخَّرَهُ عَنْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمَعْنَى فِي كَرَاهِيَةِ النَّجْشِ الْغُرُورُ وَالْخِدَاعُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا بَلْ لِيَرَاهُ غَيْرُهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الصَّحِيحِ النَّجْشُ أَنْ يَزِيدَ الرَّجُلُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا وَلَكِنْ لِيَسْمَعَهُ غَيْرُهُ فَيَزِيدَ لِزِيَادَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ» إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ لَا يَسْتَامُ «وَلَا يَخْطُبُ» نَفْيٌ أُرِيدَ بِهِ النَّهْيُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي دَلَالَتِهِمَا عَلَى الْعَدَمِ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ النَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ حِسًّا فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْخَلَفُ فِي خَبَرِ الشَّارِعِ وَاخْتِيَارُ صِيغَةِ النَّفْيِ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ مِنْ النَّهْيِ كَمَا أَنَّ إخْبَارَ الشَّارِعِ أَبْلَغُ مِنْ الْأَمْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَزِيدَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ قِيمَتَهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَغْبَةٌ فِيهَا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا) قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ الْحِلْسُ كِسَاءٌ يُطْرَحُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ أَوْ الْحِمَارِ وَالْجَمْعُ أَحْلَاسٌ وَحُلُوسٌ. اهـ. غَايَةٌ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أَتَى رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا فِي بَيْتِك شَيْءٌ قَالَ بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ فَقَالَ ائْتِنِي بِهِمَا فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا الرَّجُلَ، وَقَالَ اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إلَى أَهْلِك وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ فَأَتَى بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَفَعَلَ ثُمَّ جَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى

مَاسَّةٌ إلَيْهِ، وَكَذَا النَّهْيُ عَنْ الْخِطْبَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ وَالتَّرَاضِي. قَالَ (وَتَلَقِّي الْجَلَبِ) أَيْ كُرِهَ تَلَقِّي الْمَجْلُوبِ وَصُورَتُهُ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ يَتَلَقَّى الْمِيرَةَ فَيَشْتَرِي مِنْهُمْ ثُمَّ يَبِيعُهُ بِمَا شَاءَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى أَنْ يَتَلَقَّى الْجَلَبَ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ هَذَا إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ بِأَنْ كَانُوا فِي قَحْطٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُمْ فَلَا بَأْسَ بِهِ إلَّا إذَا لَبَسَ السِّعْرُ عَلَى الْوَارِدِينَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَلْقَوْا الرُّكْبَانَ وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ.، وَقَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَفِي الْهِدَايَةِ هَذَا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي قَحْطٍ وَعَوَزٍ وَهُوَ يَبِيعُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ طَمَعًا فِي الثَّمَنِ الْغَالِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِمْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ هُوَ أَنْ يَجْلِبَ الْبَادِي السِّلْعَةَ فَيَأْخُذَهَا الْحَاضِرُ لِيَبِيعَهَا لَهُ بَعْدَ وَقْتٍ بِأَغْلَى مِنْ السِّعْرِ الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْجَلْبِ. قَالَ (وَالْبَيْعُ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] وَلِأَنَّ فِيهِ إخْلَالًا بِالْوَاجِبِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ وَهُوَ السَّعْيُ بِأَنْ قَعَدَا لِلْبَيْعِ أَوْ وَقَفَا لَهُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَعَزَاهُ إلَى أُصُولِ الْفِقْهِ لِأَبِي الْيُسْرِ وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَهَى عَنْ الْبَيْعِ مُطْلَقًا فَمَنْ أَطْلَقَهُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ يَكُونُ تَخْصِيصًا وَهُوَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ وَالْأَذَانُ الْمُعْتَبَرُ فِي تَحْرِيمِ الْبَيْعِ هُوَ الْأَوَّلُ إذَا وَقَعَ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَ (لَا بَيْعَ مَنْ يَزِيدُ) أَيْ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ صَغِيرٍ وَذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) سَوَاءٌ كَانَ الْآخَرُ صَغِيرًا مِثْلَهُ أَوْ كَبِيرًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَبِيعَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ فَبِعْتهمَا وَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ أَدْرِكْهُمَا فَارْتَجِعْهُمَا وَلَا تَبِعْهُمَا إلَّا جَمِيعًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِي رِوَايَةٍ «وَهَبَ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ فَبِعْت أَحَدَهُمَا فَقَالَ لِي مَا فَعَلَ غُلَامَاك فَأَخْبَرْته فَقَالَ لِي رُدَّهُ رُدَّهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ وَبَيْنَ الْأَخِ وَأَخِيهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ جَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا فَنَهَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَرَدَّ الْبَيْعَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرُ يَتَعَاهَدُهُ وَيُشْفِقُ عَلَيْهِ وَيَقُومُ بِحَوَائِجِهِ بِاعْتِبَارِ الشَّفَقَةِ النَّاشِئَةِ مِنْ قُرْبِ الْقَرَابَةِ وَفِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا إيحَاشُ الصَّغِيرِ وَتَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ ذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ». اهـ. تَجْرِيدُ الْأُصُولِ لِلْبَارِزِيِّ قَوْلُهُ قَعْبٌ الْقَعْبُ الْقَصْعَةُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتَلَقِّي الْجَلَبِ) بِمَعْنَى الْمَجْلُوبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي بَيَانِ تَلَقِّي الْجَلَبِ وَصُورَتُهُ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْمِصْرِ أُخْبِرَ بِمَجِيءِ قَافِلَةٍ عَظِيمَةٍ وَأَهْلُ الْمِصْرِ فِي قَحْطٍ وَجَدْبٍ فَتَلَقَّى ذَلِكَ الْوَاحِدُ وَيَشْتَرِي مِنْهُمْ جَمِيعَ مَا يَمْتَارُونَ وَيَدْخُلُ الْمِصْرَ وَيَبِيعُهُ عَلَى مَا يُرِيدُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ تَرَكَهُمْ فَأَدْخَلُوا مِيرَتَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَبَاعُوهَا مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ بِتَفْرِقَةٍ تَوَسَّعَ أَهْلُ الْمِصْرِ بِذَلِكَ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْنَا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمِصْرِ لَا يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ فَلَا يُكْرَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ صُورَتُهُ أَنْ يَلْتَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فَيَشْتَرِي مِنْهُمْ بِأَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ الْمِصْرِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ سِعْرَ الْمِصْرِ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ فِي الْحُكْمِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ سَوَاءٌ اسْتَضَرَّ بِهِ أَهْلُ الْمِصْرِ أَوْ لَمْ يَسْتَضِرُّوا بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: «وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ») الْحَاضِرُ الْمُقِيمُ فِي الْمُدُنِ وَالْقُرَى وَالْبَادِي الْمُقِيمُ بِالْبَادِيَةِ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَنْ يَأْتِيَ الْبَدْوِيُّ الْبَلْدَةَ وَمَعَهُ قُوتٌ يَبْغِي التَّسَارُعَ إلَى بَيْعِهِ رَخِيصًا فَيَقُولُ لَهُ الْحَضَرِيُّ اُتْرُكْهُ عِنْدِي لِأُغَالِيَ فِي بَيْعِهِ فَهَذَا الصَّنِيعُ مُحَرَّمٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْغَيْرِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ مِمَّا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهَا كَالْأَقْوَاتِ فَإِنْ كَانَتْ لَا تَعُمُّ أَوْ أَكْثَرَ الْقُوتِ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ فَفِي التَّحْرِيمِ تَرَدُّدٌ. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ لَهُ طَعَامٌ وَأَهْلُ الْمِصْرِ فِي قَحْطٍ وَهُوَ لَا يَبِيعُهُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ حَتَّى يَتَوَسَّعُوا وَلَكِنْ يَبِيعُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ وَأَهْلُ الْمِصْرِ يَتَضَرَّرُونَ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانُوا لَا يَتَضَرَّرُونَ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ مِنْهُمْ، وَإِلَى هَذِهِ الصُّورَةِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَقِيلَ أَنْ يَتَوَكَّلَ الْمِصْرِيُّ مِنْ الْبَدْوِيِّ لِمُغَالَاةِ السِّعْرِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ أَهْلُ الْمِصْرِ يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَأْخُذُهَا الْحَاضِرُ لِيَبِيعَهَا لَهُ بَعْدَ وَقْتٍ بِأَغْلَى مِنْ السِّعْرِ الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْجَلْبِ) أَيْ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَيْعُ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ إلَخْ) نُهِيَ عَنْ الْبَيْعِ عِنْدَ الْأَذَانِ وَأَقَلُّ أَحْوَالِ النَّهْيِ الْكَرَاهَةُ. اهـ. .

وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَهُ وَالْآخَرُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا لِأَنَّ الْمِلْكَ مُتَفَرِّقٌ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ عَنْ التَّفْرِيقِ ثُمَّ الْمَنْعُ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ قَرِيبٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ وَلَا مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ وَلَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ كَدَفْعِ أَحَدِهِمَا بِالْجِنَايَةِ وَبَيْعِهِ بِالدَّيْنِ وَرَدِّهِ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْ التَّفْرِيقِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الصَّغِيرِ فَلَا يُمْكِنُ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ يَلْحَقُ الضَّرَرُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمَوْلَى وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِإِلْزَامِهِ الْفِدَاءَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَإِلْزَامِهِ الْقِيمَةَ لِلْغُرَمَاءِ وَإِلْزَامِهِ الْمَعِيبَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَكَذَا لَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ إذَا تَعَذَّرَ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا بِالتَّدْبِيرِ أَوْ الِاسْتِيلَادِ أَوْ الْكِتَابَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَهُ أَنْ يَعْتِقَ أَحَدَهُمَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَفْرِيقٌ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ إبْقَائِهِ عَلَى الرِّقِّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَفْرِيقٍ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يَقْدِرُ أَنْ يَدُورَ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ، وَكَذَا لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا مِمَّنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَاهُ أَوْ مَلَكَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْإِعْتَاقِ وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا وَأُمُّهُ كَافِرَةً بِأَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ وَتَبِعَهُ فِيهِ وَمَوْلَاهُمَا كَافِرٌ يُؤْمَرُ بِبَيْعِ الْوَلَدِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ إبْقَائِهِ فِي ذُلِّ الْكَافِرِ وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا حُرًّا كَانَ أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ كَافِرًا فَلَا يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ أَعْظَمُ وَالْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالشَّرَائِعِ. وَلَوْ كَانَ لِلصَّغِيرِ قَرِيبَانِ مُسْتَوِيَانِ فِي الْقُرْبِ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ قَرَابَتِهِمَا لَهُ لَا يُفَرَّقُ وَلَا يُبَاعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا دُونَهُمَا وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبَوَيْنِ بِأَنْ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ مَعًا أَوْ عَمُّهُ وَخَالُهُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَفَقَةً لَيْسَ لِلْآخَرِ وَلَهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتِئْنَاسٌ خِلَافُ الِاسْتِئْنَاسِ بِالْآخَرِ وَإِنْ اتَّحَدَتْ جِهَةُ قَرَابَتِهِمَا كَالْأَخَوَيْنِ أَوْ الْخَالَيْنِ أَوْ الْعَمَّيْنِ لِأَبٍ وَأُمِّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ يَكْتَفِي بِأَحَدِهِمَا مَعَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الصَّغِيرِ مَرْعِيٌّ بِهِ فَيَبِيعُهُ أَوْ يَتْرُكُهُ مَعَ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهِ وَيَقُومُ بِحَوَائِجِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ مِنْ الْآخَرِ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ الْأُمِّ أَوْ الْجَدَّةِ عَمُّهِ أَوْ خَالُهُ أَوْ أَحَدُ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ أَوْ كَانَ مَعَ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمِّ أُخْتٍ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ لَا يُعْتَدُّ بِالْأَبْعَدِ؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ مَعَ شَفَقَةِ الْأَقْرَبِ كَالْمَعْدُومِ وَنَفَذَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ إيحَاشِ الصَّغِيرِ أَوْ الْإِضْرَارِ بِأَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ بِالْوَارِدِينَ إذَا لَبِسَ السِّعْرُ عَلَيْهِمْ وَنَحْوُ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يُوجِبُ الْفَسَادَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُفْسِدُ فِي الْجَمِيعِ لِمَا رَوَيْنَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَدَّ الْبَيْعَ فِي الْوِلَادِ وَأَمَرَ بِالرَّدِّ فِي غَيْرِهِ» وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْفَاسِدِ وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ فَيَنْفَدُ وَالنَّهْيُ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ لَهُ غَيْرِ مُتَّصِلٍ بِهِ فَلَا يُوجِبُ الْفَسَادَ كَالْبَيْعِ عِنْدَ الْأَذَانِ وَكَشِرَاءِ مَا اسْتَامَهُ غَيْرُهُ وَالْمَرْوِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِقَالَةِ أَوْ عَلَى بَيْعِ الْآخَرِ مِمَّنْ بَاعَ مِنْهُ أَحَدُهُمَا. قَالَ (بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ وَالزَّوْجَيْنِ) حَيْثُ يَجُوزُ تَفْرِيقُهُمَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَيْنِ أَوْ الزَّوْجَيْنِ وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَيْسَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَذَكَرَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُمْ أَصَابُوا مِنْ فَزَارَةَ سَبْيًا وَفِيهِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا بِنْتُهَا فَنَفَلَهُ أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ فَذَكَرَ أَنَّهَا أَعْجَبَتْهُ وَلَمْ يَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا ثُمَّ قَالَ هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبَعَثَ بِهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَفِي أَيْدِيهِمْ أَسَارَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَفَدَاهُمْ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ» وَالْحَدِيثُ فِيهِ طُولٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ «وَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ» وَكَانَتَا أَمَتَيْنِ أُخْتَيْنِ وَلَوْ كَانَ مَعَ امْرَأَةٍ مَسْبِيَّةٍ صَبِيٌّ ادَّعَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ النَّسَبَ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الدَّيَّانَاتِ لَا سِيَّمَا فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ وَقَدْ وَجَدَ فِيهِ أَمَارَةَ الصِّدْقِ وَلَوْ بَاعَ الْأُمَّ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ اشْتَرَى الْوَلَدَ يُكْرَهُ التَّنْفِيذُ؛ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ فَيُعْتَبَرُ مُفَرِّقًا بِالتَّنْفِيذِ وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ صَبِيٌّ وَاشْتَرَى أُمَّهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُفَرِّقًا، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ لَتَضَرَّرَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ حَقُّهُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ قَرِيبٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ) أَيْ كَأَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ) أَيْ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ وَامْرَأَةِ الْأَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالشَّرَائِعِ) الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْمُحَرَّمَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَنَفَذَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي كُلِّ الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَكُرِهَ النَّجْشُ إلَى هُنَا اهـ. قَوْلُهُ: «وَفَرَّقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ أَهْدَاهُمَا لَهُ الْمُقَوْقَسُ مَلِكُ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَمِصْرَ وَكَانَتْ مَارِيَةُ بَيْضَاءَ جَعْدَةً جَمِيلَةً فَوَطِئَهَا بِالْمِلْكِ فَوَلَدَتْ لَهُ إبْرَاهِيمُ فَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَوَهَبَ أُخْتَهَا سِيرِينَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَلَمْ يَكُنْ بِمِصْرَ أَحْسَنُ وَلَا أَجْمَلُ مِنْهُمَا وَهُمَا مِنْ أَهْلِ حَفْنٍ مِنْ كُورَةِ أَنْصِنَا فَلَمَّا رَآهُمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْجَبَتَاهُ وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا تُشْبِهُ الْأُخْرَى فَقَالَ اللَّهُمَّ اخْتَرْ لِنَبِيِّك فَاخْتَارَ اللَّهُ لَهُ مَارِيَةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ لَهُمَا قُولَا نَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَبَدَرَتْ مَارِيَةُ فَتَشَهَّدَتْ قَبْلَ أُخْتِهَا وَمَكَثَتْ أُخْتُهَا سَاعَةً ثُمَّ تَشَهَّدَتْ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ بَقِيَ إبْرَاهِيمُ مَا تَرَكْت قِبْطِيًّا إلَّا وَضَعْت عَنْهُ الْجِزْيَةَ» وَقَدْ انْقَطَعَ أَهْلُهَا وَأَقَارِبُهَا إلَّا بَيْتًا وَاحِدًا، مَاتَتْ مَارِيَةُ سَنَةَ (15) وَصَلَّى عَلَيْهَا عُمَرُ وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ اهـ مِنْ الْمِصْبَاحِ الْمُضِيءِ. (قَوْلُهُ: يُكْرَهُ التَّنْفِيذُ) أَيْ تَنْفِيذُ الْبَيْعِ فِي الْأُمِّ. اهـ.

[باب الإقالة]

(بَابُ الْإِقَالَةِ) قِيلَ الْإِقَالَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْقَوْلِ وَالْهَمْزَةُ لِلسَّلْبِ أَيْ إزَالَةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا مِنْ الْبَيْعِ كَأَشْكَى إذَا أَزَالَ شَكْوَاهُ وَلَا يَكَادُ يَصِحُّ هَذَا؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا قُلْتُهُ الْبَيْعَ بِالْكَسْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَيْنَهُ يَاءٌ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْقَوْلِ لَقِيلَ قُلْته بِالضَّمِّ وَقَدْ قَالُوا قَالَهُ الْبَيْعَ قَيْلًا وَهَذَا أَدَلُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا فَسْخًا بِأَنْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي غَيْرِ الْمُقَايَضَةِ فَتَبْطُلُ الْإِقَالَةُ وَيَبْقَى الْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ إذْ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ الْمَبِيعِ تَمْنَعُ الْفَسْخَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فَيَبْطُلُ هَذَا إذَا تَقَايَلَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهَا بَيْعًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ بَيْعٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ جَعْلُهَا بَيْعًا بِأَنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولِ أَوْ كَانَتْ بَعْدَ هَلَاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الْإِقَالَةِ] (بَابُ الْإِقَالَةِ) مُنَاسَبَةُ الْبَابِ بِبَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا يَرْجِعُ الْمَبِيعُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ نَقُولُ لَمَّا كَانَتْ الْإِقَالَةُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ وَهُوَ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ بَيْعٌ نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ الْإِقَالَةَ عَقِيبَهُ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ الْكَمَالُ مُنَاسَبَتُهُ الْخَاصَّةُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَكْرُوهِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَوْ مَكْرُوهًا وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ إلَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَوْنًا لَهُمَا عَنْ الْمَحْظُورِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِقَالَةِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِوُجُوبِ التَّفَاسُخِ فِي الْعُقُودِ الْمَكْرُوهَةِ السَّابِقَةِ وَهُوَ حَقٌّ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَأَيْضًا الْإِقَالَةُ بَيَانُ كَيْفَ يُرْفَعُ الْعَقْدُ وَهُوَ يَقْتَضِي سَابِقَةَ ثُبُوتِهِ وَأَبْوَابُ الْبِيَاعَاتِ السَّابِقَةِ كُلِّهَا مَعَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَكْرُوهُ بَيَانُ كَيْفَ يَثْبُتُ فَأَعْقَبَ الرَّفْعَ مُعْظَمَ أَبْوَابِ الْإِثْبَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ مِنْ الْقَوْلِ لَقِيلَ قُلْته بِالضَّمِّ) وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ الْإِقَالَةَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ الْقَافِ مَعَ الْيَاءِ لَا مَعَ الْوَاوِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالُوا قَالَهُ الْبَيْعُ قَيْلًا) أَيْ وَأَقَالَهُ فَسَخَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ» إلَخْ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ» زَادَ ابْنُ مَاجَهْ «يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَمَّا لَفْظُ نَادِمًا فَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلِأَنَّ الْإِقَالَةَ رَفْعُ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَقَدْ انْعَقَدَ بِتَرَاضِيهِمَا فَكَانَ لَهُمَا رَفْعُهُ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ أَيْ الَّتِي لَهَا شُرِّعَ الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ تَكُونُ الْإِقَالَةُ صَحِيحَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ إذَا ازْدَادَتْ ثُمَّ تَقَايَلَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ أَوْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ إلَّا أَنَّ الزِّيَادَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ مُنْفَصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُتَّصِلَةً وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُهَا فَسْخًا بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ مَانِعَةٌ فَسْخَ الْعَقْدِ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَحِّحُ الْإِقَالَةَ إلَّا بِطَرِيقِ الْفَسْخِ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ عِنْدَهُ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ مَتَى وُجِدَ الرِّضَا مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ فِي الزِّيَادَةِ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ فِي الزِّيَادَةِ وَقَدْ وُجِدَ الرِّضَا بِمَا تَقَايَلَا فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهَا فَسْخًا عِنْدَهُ كَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ اهـ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَبِيعَةَ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْإِقَالَةُ حِينَئِذٍ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا ذُكِرَ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَصَحِيحَةٌ وَتُجْعَلُ بَيْعًا جَدِيدًا، أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَهُ بَيْعٌ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُهَا هَاهُنَا فَسْخًا فَتُجْعَلُ بَيْعًا جَدِيدًا فَتَنَبَّهْ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذْ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ الْبَيْعِ تَمْنَعُ الْفَسْخَ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت إذَا تَعَذَّرَ الْفَسْخُ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْبَيْعِ الْمُبْتَدَأِ مَجَازًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ، وَلِهَذَا جُعِلَتْ الْإِقَالَةُ بَيْعًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ قُلْت إنَّمَا لَمْ يُحْمَلْ اللَّفْظُ عَلَى الْمَجَازِ لِلتَّعَذُّرِ لِمُضَادَّةٍ بَيْنَ الْعَقْدِ وَرَفْعِهِ وَاللَّفْظُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مَجَازًا لِضِدِّهِ وَفِي حَقِّ الثَّالِثِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْبَيْعِ لَا بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ مَجَازًا بَلْ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ حُصُولُ الْمِلْكِ بِبَدَلٍ فَأَظْهَرْنَا هَذَا الْمُوجِبَ فِي حَقِّ الثَّالِثِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا عَلَى غَيْرِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: هَذَا إذَا تَقَايَلَا بَعْدَ الْقَبْضِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ مَنْقُولًا كَانَ الْمَبِيعُ أَوْ غَيْرَ مَنْقُولٍ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا حَتَّى لَا تَصِحَّ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَلَا النُّقْصَانُ عَنْهُ وَلَا خِلَافُ الْجِنْسِ وَلَا الْأَجَلُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا فَسْخًا فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ الْإِقَالَةُ وَلَا تُجْعَلُ بَيْعًا كَمَا إذَا وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَالَ الْأَقْطَعُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا بَيْعٌ بَعْدَ الْقَبْضِ وَفَسْخٌ قَبْلَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ جَعْلِهَا بَيْعًا) أَيْ إذْ بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ بَيْعٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ جَعْلُهَا بَيْعًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ فِي الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَوْ حَمَلَتْ عَلَى الْبَيْعِ كَانَ فَاسِدًا فَحَمَلَتْ عَلَى الْفَسْخِ حَمْلًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا وَتَقَايَلَا قَبْلَ الْقَبْضِ يَكُونُ بَيْعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَبِي حَنِيفَةَ اهـ

أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمُقَايَضَةِ فَيُجْعَلُ فَسْخًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ جَعْلُهَا بَيْعًا وَلَا فَسْخًا بِأَنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ أَوْ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ فِي غَيْرِ الْمُقَايَضَةِ فَتَبْطُلُ وَيَبْقَى الْبَيْعُ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَالْفَسْخُ يَكُونُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَقَدْ سَمَّيَا خِلَافَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ فَسْخٌ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا فَسْخًا بِأَنْ تَقَايَلَا بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَيُجْعَلُ بَيْعًا جَدِيدًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ جَعْلُهُ فَسْخًا وَلَا بَيْعًا بِأَنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ فَيَبْطُلُ وَيَبْقَى الْبَيْعُ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ يَكُونُ فَسْخًا عِنْدَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ سُكُوتٌ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ وَهُوَ لَوْ سَكَتَ عَنْ الْكُلِّ كَانَ فَسْخًا فَكَذَا إذَا سَكَتَ عَنْ الْبَعْضِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْفَسْخِ وَالرَّفْعِ يُقَالُ اللَّهُمَّ أَقِلْنِي عَثَرَاتِي فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَإِذَا تَعَذَّرَ يُحْمَلُ عَلَى مُحْتَمَلِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَلِهَذَا صَارَ بَيْعًا فِي حَقِّ ثَالِثٍ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا عَلَيْهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ بِالتَّرَاضِي وَهُوَ الْبَيْعُ وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ الْمُجَرَّدَةِ كَالْكَفَالَةِ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةً وَبِالْعَكْسِ كَفَالَةً، وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَيَتَجَدَّدُ بِهَا حَقُّ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ وَهَذِهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ فَيُجْعَلُ فَسْخًا؛ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لَهُ أَوْ تَحْتَمِلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الْفَسْخِ وَالرَّفْعِ وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَا يَحْتَمِلُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ أَصْلًا لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ. وَلِهَذَا لَوْ أَرَادَ بِهِ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ كَانَ مُحْتَمِلًا لَهُ لَصَحَّ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُ ضِدَّهُ فَصَارَ بَاطِلًا وَكَوْنُهُ بَيْعًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ مِثْلَ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا مُقْتَضَى الصِّيغَةِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَشَرْطُ الْأَكْثَرِ أَوْ الْأَقَلِّ بِلَا تَعَيُّبٍ وَجِنْسٍ آخَرَ لَغْوٌ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْإِقَالَةُ عِنْدَهُ فَسْخًا وَالْفَسْخُ يُرَدُّ عَلَى غَيْرِ مَا يُرَدُّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ كَانَ اشْتِرَاطُ خِلَافِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بَاطِلًا وَشُرِطَ لِعَدَمِ جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْأَقَلِّ عَدَمُ التَّعَيُّبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا إذَا تَعَيَّبَ عِنْدَهُ فَيَجُوزُ بِالْأَقَلِّ فَيُجْعَلُ الْحَطُّ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ بِالْعَيْبِ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النُّقْصَانُ بِقَدْرِ حِصَّةِ مَا فَاتَ بِالْعَيْبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ فِي غَيْرِ الْمُقَايَضَةِ) أَيْ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَرْضًا بِالدَّرَاهِمِ فَهَلَكَ الْعَرْضُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ فَسْخٌ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ مَنْقُولًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُولٍ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بَاطِلٌ عِنْدَهُ فِي الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ حُمِلَ عَلَى الْفَسْخِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ هِيَ فَسْخٌ مَا نَصُّهُ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَذَا إذَا سَكَتَ عَنْ الْبَعْضِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْإِقَالَةُ بِالنُّقْصَانِ عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ تُجْعَلُ فَسْخًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْإِقَالَةِ جَمِيعَ الثَّمَنِ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ فَكَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْبَعْضَ، وَكَذَا إذَا وَقَعَتْ الْإِقَالَةُ عَلَى تَأْجِيلِ الثَّمَنِ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ وَبَطَلَ الْأَجَلُ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُقَالُ اللَّهُمَّ أَقِلْنِي عَثَرَاتِي) أَيْ ارْفَعْهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَعَذَّرَ) أَيْ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ يُحْمَلُ عَلَى الْبَيْعِ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلُهُ، وَلِهَذَا كَانَتْ بَيْعًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الْبَيْعِ صِيَانَةً لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَكِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ كَبَيْعِ التَّوْلِيَةِ وَأَخْذِ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ، وَلِهَذَا جُعِلَ بَيْعًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ حَيْثُ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ وَبَطَلَتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ وَوَجَبَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيُجْعَلُ فَسْخًا) أَيْ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الثَّالِثِ فَبَيْعٌ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الْفَسْخِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِقَالَةَ رَفْعُ الْعَقْدِ وَبَيْنَ الْعَقْدِ وَرَفْعِهِ مُضَادَّةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ وَاحِدًا فَكَانَتْ فَسْخًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ بَيْعًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجَعَلَهَا بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ لَا بِاعْتِبَارِ الصِّيغَةِ بَلْ لِضَرُورَةِ وُقُوعِ الْحُكْمِ فَإِنَّ حُكْمَ الْإِقَالَةِ وُقُوعُ الْمِلْكِ بِبَدَلٍ وَهَذَا لِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمَا لَا عَلَى غَيْرِهِمَا فَاعْتُبِرَ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الثَّالِثِ لَا الصِّيغَةُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَشَرْطُ الْأَكْثَرِ أَوْ الْأَقَلِّ بِلَا تَعَيُّبٍ وَجِنْسٍ) أَيْ وَشَرْطُ جِنْسٍ (آخَرَ) خِلَافُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (لَغْوٌ) أَيْ بَاطِلٌ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي شَرْطِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالْجِنْسِ الْآخَرِ بَطَلَ الشَّرْطُ وَلَمْ تَبْطُلْ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فِي مَعْنَى الرِّبَا وَالزِّيَادَةُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا فِي الْبَيْعِ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ فَإِنَّهَا رَفْعُ مَا كَانَ وَرَفْعُ مَا كَانَ زَائِدًا عَلَى مَا كَانَ لَا يُتَصَوَّرُ فَلِهَذَا لَمْ يُؤَثِّرْ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ فِي الْإِقَالَةِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجْعَلُهَا بَيْعًا جَدِيدًا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَمَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ شَرْطُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَتَقَعُ الْإِقَالَةُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَّا إذَا حَدَثَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَيَصِحُّ شَرْطُ الْأَقَلِّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَتُجْعَلُ الزِّيَادَةُ بِإِزَاءِ الْجُزْءِ الْمُحْتَبِسِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا شَرَطَ الزِّيَادَةَ يَكُونُ بَيْعًا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ الْفَسْخَ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ حُمِلَ عَلَى الْبَيْعِ لِإِمْكَانِهِ وَإِذَا شَرَطَ الْأَقَلَّ يَكُونُ بَيْعًا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْأَصْلِ عِنْدَهُ وَيَكُونُ فَسْخًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْ الْإِقَالَةِ عَنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ كَانَ فَسْخًا فَكَذَا إذَا سَكَتَ عَنْ الْبَعْضِ وَعِنْدَ زُفَرَ الْإِقَالَةُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا اهـ. (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ صَابُونًا رَطْبًا ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْدَمَا جَفَّ فَنَقَصَ وَزْنُهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمَبِيعِ بَاقٍ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

يَنْقُصَ أَكْثَرُ مِنْهُ وَلَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ إلَّا بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي وَالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ كَالنِّكَاحِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ أَنْ يُعَبَّرَ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي وَلَوْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ بِلَفْظِ الْمُفَاسَخَةِ أَوْ الرَّدِّ أَوْ الْمُتَارَكَةِ لَا تَكُونُ فَسْخًا ثُمَّ فَائِدَةُ كَوْنِ الْإِقَالَةِ فَسْخًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ تَظْهَرُ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ إحْدَاهَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَمَا سَمَّيَا بِخِلَافِهِ يَكُونُ بَاطِلًا وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا فِي حَقِّهِمَا لَفَسَدَتْ، وَالثَّالِثَةُ إذَا تَقَايَلَا وَلَمْ يَرُدَّ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ حَتَّى بَاعَهُ مِنْهُ ثَانِيًا جَازَ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَفَسَدَ لِكَوْنِهِ بَاعَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَالرَّابِعَةُ إذَا وَهَبَ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَتْ الْهِبَةُ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَانْفَسَخَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهِبَةِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَالْخَامِسَةُ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَقَدْ بَاعَهُ مِنْهُ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ ثُمَّ تَقَايَلَا وَاسْتَرَدَّ الْمَبِيعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعِيدَ الْكَيْلَ أَوْ الْوَزْنَ جَازَ قَبْضُهُ وَقَوْلُهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَقَايَلَا يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ لِكَوْنِهِ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَالثَّانِيَةُ إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّهِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالثَّالِثَةُ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَقَبَضَهُ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى بَاعَهُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ إلَى الْمُشْتَرِي فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ قَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ جَازَ وَكَانَ فِي حَقِّ الْبَائِعِ كَالْمَمْلُوكِ بِشِرَاءٍ جَدِيدٍ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، وَالرَّابِعَةُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَوْهُوبًا فَبَاعَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ تَقَايَلَا لَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرَى مِنْهُ، وَالْخَامِسَةُ إذَا اشْتَرَى بِعُرُوضِ التِّجَارَةِ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ بَعْدَمَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَاسْتَرَدَّ الْعُرُوضَ فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ وَهُوَ الْفَقِيرُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ إقَالَةٌ وَقَوْلُهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ وَقَوْلُهُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فَسْخًا فِيمَا هُوَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ وَهُوَ مَا يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِشَرْطٍ زَائِدٍ فَالْإِقَالَةُ فِيهِ تُعْتَبَرُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَيْضًا كَمَا إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَيْنًا قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ ثُمَّ تَقَايَلَا يَعُودُ الدَّيْنُ حَالًّا كَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ وَكَمَا إذَا تَقَايَلَا ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُهُ وَشَهِدَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَاعَهُ ثُمَّ شَهِدَ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَتْ فَسْخًا لَقُبِلَتْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ وَادَّعَى الْمَبِيعَ رَجُلٌ وَشَهِدَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْفَسْخِ عَادَ مِلْكُهُ الْقَدِيمُ فَلَمْ يَكُنْ مُتَلَقِّيًا مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ فَسْخًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِطَعَامٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَقَبَضَ ثُمَّ تَقَايَلَا لَا يَتَعَيَّنُ الطَّعَامُ الْمَقْبُوضُ لِلرَّدِّ كَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِطَعَامٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَكَذَا لَوْ قَبَضَ أَرْدَأَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَجْوَدَ مِنْهُ يَجِبُ رَدُّ مِثْلِ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ كَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُ الْمَشْرُوطِ لَلَزِمَهُ زِيَادَةُ ضَرَرٍ بِسَبَبِ تَبَرُّعِهِ وَلَوْ كَانَ الْفَسْخُ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ تَعَيَّبَ بِقَضَاءٍ يَجِبُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ) أَيْ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِقَالَةِ قِيَامُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا رَفْعُ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ يَقُومُ بِهِ وَهُوَ مَحَلٌّ لَهُ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ هَلَاكِهِ بِخِلَافِ هَلَاكِ الثَّمَنِ حَيْثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ بِلَفْظِ الْمُفَاسَخَةِ أَوْ الرَّدِّ أَوْ الْمُتَارَكَةِ لَا تَكُونُ) إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّارِحِ وَقَوْلُهُ بَيْعًا وَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهَا بَيْعًا بَلْ تَكُونُ إلَخْ هَذَا الْمُلْحَقُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ فَسْخًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُرِدْ) لَعَلَّهُ يَسْتَرِدَّ وَوُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ وَفِي شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ وَغَيْرِهِ يَسْتَرِدُّ اهـ لَكِنَّ الَّذِي وُجِدَ بِخَطِّ الشَّارِحِ يَرُدُّ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى بَاعَهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ مَنْقُولٍ جَازَ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَيْضًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ جَازَ قَبْضُهُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ بَيْعًا لَمَا جَازَ قَبْضُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعِيدَ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ اهـ (قَوْلُهُ: تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ) سَاقَهَا الْقِوَامُ الْأَتْقَانِيُّ وَتَبِعَهُ الْكَمَالُ أَرْبَعَةً فَأَسْقَطَا مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ الثَّانِيَةَ وَالْخَامِسَةَ وَزَادَا مَسْأَلَةَ مَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ صَرْفًا الَّتِي نَقَلْتهَا فِيمَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَالرَّابِعَةُ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ) أَيْ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَقَايَلَا) أَيْ فَعَادَ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ. (قَوْلُهُ: جَازَ وَكَانَ فِي حَقِّ الْبَائِعِ كَالْمَمْلُوكِ بِشِرَاءٍ جَدِيدٍ إلَخْ) وَهَذِهِ حِيلَةٌ فِي جَوَازِ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ. (قَوْلُهُ: وَالرَّابِعَةُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَوْهُوبًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَثَمَرَةُ كَوْنِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا تَظْهَرُ فِي مَوَاضِعَ وَسَاقَهَا أَرْبَعَةً وَذَكَرَ مِنْهَا أَنَّ الْبَيْعَ لَوْ كَانَ صَرْفًا فَالتَّقَابُضُ فِي كِلَا الْجَانِبَيْنِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْإِقَالَةِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الشَّرِيعَةِ كَبَيْعٍ جَدِيدٍ وَتَبِعَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذِكْرِهَا أَرْبَعَةٌ مِنْهَا مَسْأَلَةُ الصَّرْفِ الْمَذْكُورَةُ آنِفًا وَإِذَا زِيدَتْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَكُونُ الْمَسَائِلُ سِتًّا فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ قَبْلَ قَوْلِهِ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ إلَخْ وَهَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ الْإِقَالَةَ) هُوَ مِنْ الْمَتْنِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ الشَّارِحُ.

[باب التولية]

لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِلْعَقْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ قِيَامُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْوُجُودِ فِي الذِّمَّةِ بِالْعَقْدِ فَكَانَ حُكْمًا لِلْعَقْدِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ فَلَا يَكُونُ مَحِلًّا لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَحِلَّ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ يَسْبِقُ فَكَانَ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ، وَلِهَذَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا بِهَلَاكِ الثَّمَنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَلَاكُ بَعْضِهِ بِقَدْرِهِ) أَيْ هَلَاكُ بَعْضِ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَلَوْ تَقَايَضَا عَبْدًا بِجَارِيَةٍ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا صَحَّتْ الْإِقَالَةُ فِي الْبَاقِي مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فَكَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ هَلَكَا جَمِيعًا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ مَحِلِّهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ هَلَكَ الْبَدَلَانِ فِي الصَّرْفِ حَيْثُ تَجُوزُ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الصَّرْفِ مَا وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ هَلَاكُهُ وَالْمَقْبُوضُ غَيْرُهُ فَلَا يَمْنَعُ هَلَاكَهُ صِحَّةُ الْإِقَالَةِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَا قَائِمَيْنِ وَتَقَايَلَا لَا يَلْزَمُهُمَا رَدُّ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ بَلْ لَهُمَا أَنْ يَرُدَّا مِثْلَ الْمَقْبُوضِ مِنْ جِنْسِهِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَقْبُوضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ تَقَايَلَا فِيهِ فَهَلَكَ الْبَدَلَانِ لَا تَبْطُلُ الْإِقَالَةُ فَكَذَا لَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِهِمَا بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ تَتَعَلَّقُ بِأَعْيَانِهِمَا كَالْبَيْعِ فَتَبْطُلُ بِهَلَاكِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ لِتَعَيُّنِ الْبَدَلَيْنِ فِيهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ التَّوْلِيَةِ] (بَابُ التَّوْلِيَةِ) وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ وَالِيًا فَكَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَجْعَلُ الْمُشْتَرَى مِنْهُ وَالِيًا بِمَا اشْتَرَاهُ ثُمَّ أَنْوَاعُ الْبِيَاعَاتِ بِحَسَبِ الثَّمَنِ الَّذِي يُذْكَرُ بِمُقَابَلَةِ السِّلْعَةِ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ الْمُسَاوَمَةُ وَهِيَ الَّتِي لَا يُلْتَفَتُ فِيهَا إلَى الثَّمَنِ السَّابِقِ وَالْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالْوَضِيعَةِ وَهِيَ الْبَيْعُ بِأَنْقَصَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ) أَيْ التَّوْلِيَةُ (بَيْعٌ بِثَمَنٍ سَابِقٍ وَالْمُرَابَحَةُ بِهِ وَبِزِيَادَةٍ) وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ هُمَا نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَنْقُلَ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ حَتَّى لَوْ ضَاعَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً عَلَى مَا ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدَانِ جَائِزَانِ شَرْعًا لِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الْبَيْعِ وَلِتَعَامُلِ النَّاسِ بِهِمَا إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَلِأَنَّ مَنْ لَا يَهْتَدِي إلَى التِّجَارَةِ يَحْتَاجُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى فِعْلِ الذَّكِيِّ الْمُهْتَدِي فِيهَا وَتَطِيبُ نَفْسُهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ، وَلِهَذَا كَانَ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ الْخِيَانَةِ وَشُبْهَتِهَا وَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبِيَاعَاتِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِمَا «وَلَمَّا أَرَادَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْهِجْرَةَ ابْتَاعَ أَبُو بَكْرٍ بَعِيرَيْنِ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( بَابُ التَّوْلِيَةِ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ إيقَاعِ الْبُيُوعِ اللَّازِمَةِ وَغَيْرِ اللَّازِمَةِ كَالْبَيْعِ لِشَرْطِ الْخِيَارِ وَكَانَتْ هِيَ بِالنَّظَرِ إلَى جَانِبِ الْمَبِيعِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِهَا بِالنَّظَرِ إلَى جَانِبِ الثَّمَنِ كَالْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالرِّبَا وَالصَّرْفِ وَتَقْدِيمِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي لِأَصَالَةِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَهِيَ مَصْدَرُ وَلَّى غَيْرَهُ أَيْ جَعَلَهُ وَالِيًا وَفِي الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ اهـ قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ الْبَيْعُ فِي حَقِّ الْبَدَلِ يَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ بَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ وَهُوَ الْبَيْعُ بِأَيِّ ثَمَنٍ اتَّفَقَ وَهُوَ الْمُعْتَادُ وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَبِيعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَزِيَادَةُ رِبْحٍ وَالثَّالِثُ بَيْعُ التَّوْلِيَةِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَبِيعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَالرَّابِعُ الِاشْتِرَاكُ وَهُوَ بَيْعُ التَّوْلِيَةِ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ مِنْ النِّصْفِ وَنَحْوِهِ وَالْخَامِسُ بَيْعُ الْوَضِيعَةِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَبِيعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ نُقْصَانٍ مِنْهُ يَسِيرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ) أَيْ لَمْ يُفَسِّرْهُمَا اكْتِفَاءً بِمَا فِي الْمَتْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْوَضِيعَةُ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِسْمَ الثَّانِيَ فِي هَذَا الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْمُبَايَعَاتِ الِاسْتِرْبَاحُ اهـ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِسْمَ الثَّانِيَ الْمُرَادُ مِنْهُ بَيْعُ الْوَضِيعَةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: التَّوْلِيَةُ بَيْعٌ بِثَمَنٍ سَابِقٍ) أَيْ وَهُوَ الْبَيْعُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْقُدُورِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْخِيَانَةِ وَشُبْهَتِهَا) أَيْ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا مُؤَجَّلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً إلَّا إذَا بَيَّنَ التَّأْجِيلَ. اهـ. غَايَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مَعْنًى يُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِهِ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةُ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْأَجَلِ فَلَوْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً يَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ بِثَمَنٍ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى جَمِيعِ الثَّمَنِ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةُ الْخِيَانَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمَّا أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْهِجْرَةَ إلَخْ) أَخَذَهُ مِنْ الْهِدَايَةِ قَالَ الْكَمَالُ وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ وَفِيهِ أَنَّ «أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالثَّمَنِ» أَخْرَجَهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخَذْتهَا بِالثَّمَنِ» وَفِي الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ «وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ اشْتَرَاهُمَا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ نَعَمِ بَنِي قُشَيْرٍ فَأَخَذَ إحْدَاهُمَا وَهِيَ الْقَصْوَى» فَمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ يَصِحُّ بِالْمَعْنَى وَتَفْصِيلُهُ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ قَالَ فِيهَا «فَلَمَّا قَرَّبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّاحِلَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ أَفْضَلَهُمَا ثُمَّ قَالَ لَهُ ارْكَبْ فِدَاك أَبِي وَأُمِّي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَرْكَبُ بَعِيرًا لَيْسَ لِي قَالَ فَهِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا وَلَكِنْ مَا الثَّمَنُ الَّذِي ابْتَعْتهَا بِهِ قَالَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ قَدْ أَخَذْتهَا بِذَلِكَ قَالَ هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَكِبَا وَانْطَلَقَا» ذَكَرَ

وَلِّنِي أَحَدَهُمَا فَقَالَ لَهُ هُوَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَالَ أَمَّا بِغَيْرِ شَيْءٍ فَلَا». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَرْطُهُمَا كَوْنُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِثْلِيًّا)؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا لَمْ يُعْرَفْ قَدْرُهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ التَّوْلِيَةُ وَلَا الْمُرَابَحَةُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا بَاعَهُ بِذَلِكَ الْبَدَلِ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ أَوْ بِهِ وَبِزِيَادَةِ رِبْحٍ مَعْلُومٍ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ وَلَوْ بَاعَهُ بِهِ وَبِعُشْرِ قِيمَتِهِ أَوْ ثَمَنِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِذَلِكَ وَبِبَعْضِ قِيمَةِ ذَلِكَ الْبَدَلِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ الْبَدَلُ مِثْلِيًّا فَبَاعَهُ بِهِ وَبِعُشْرِهِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ جُمْلَةَ الثَّمَنِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ فَإِنْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ وَلَهُ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَسَدَ كَمَا لَوْ بَاعَ الثَّوْبَ بِرَقْمِهِ وَمِنْ شَرْطِهِمَا أَنْ لَا يَكُونَ صَرْفًا حَتَّى لَوْ بَاعَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ لَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُرَابَحَةُ وَلَا التَّوْلِيَةُ لِأَنَّهُمَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالْمَقْبُوضُ غَيْرُ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَضُمَّ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أَجْرَ الْقَصَّارِ وَالصَّبْغِ وَالطِّرَازِ وَالْفَتْلِ وَحَمْلِ الطَّعَامِ وَسَوْقِ الْغَنَمِ)؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَرَى بِإِلْحَاقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِرَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ، وَلِهَذَا لَا يُعَدُّ ذَلِكَ خِيَانَةً إذَا تَبَيَّنَ لَهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي قِيمَتِهِ يَلْحَقُ بِهِ فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَمَا ذَكَرْنَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ وَالْفَتْلَ وَالْقِصَارَةَ وَالطِّرَازَ يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَالْحَمْلَ وَالسَّوْقَ يَزِيدَانِ فِي الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ أُجْرَةَ الْغَسْلِ وَالْخِيَاطَةِ وَنَفَقَةَ تَجْصِيصِ الدَّارِ وَطَيِّ الْبِئْرِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ وَالْقَنَاةِ وَالْمُسَنَّاةِ وَالْكِرَابِ وَكَسْحِ الْكُرُومِ وَسَقْيِهَا وَالزَّرْعِ وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِيَدِهِ لَا يَضُمُّهُ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَضُمُّ طَعَامَ الْمَبِيعِ وَكِسْوَتَهُ وَكِرَاءَهُ وَأُجْرَةَ السِّمْسَارِ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ وَإِلَّا فَأَكْثَرُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّهَيْلِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ «سُئِلَ لِمَ لَمْ يَقْبَلْهَا إلَّا بِالثَّمَنِ وَقَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ أَضْعَافَ ذَلِكَ وَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ حِينَ بَنَى بِعَائِشَةَ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ أُوقِيَّةً حِينَ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ أَلَا تَبْنِي بِأَهْلِك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَوْلَا الصَّدَاقُ فَدَفَعَ إلَيْهِ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا» وَالنَّشُّ هُنَا عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَقَالَ إنَّمَا فَعَلَ لِتَكُونَ الْهِجْرَةُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ رَغْبَةً مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اسْتِكْمَالِ فَضْلِ الْهِجْرَةِ إلَى اللَّهِ وَأَنْ تَكُونَ عَلَى أَتَمِّ أَحْوَالِهَا وَهُوَ جَوَابٌ حَسَنٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشَرْطُهُمَا كَوْنُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِثْلِيًّا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجُمْلَةُ الْبَيَانِ فِيهِ مَا قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ إذَا بَاعَ شَيْئًا مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ أَوْ يَكُونَ مِثْلَ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ مِثْلَ الْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ وَالدُّورِ وَالْبَطَاطِيخِ وَالرُّمَّانِ وَنَحْوِهَا، أَمَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ مِثْلِيًّا فَبَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِزِيَادَةِ رِبْحٍ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ لَمْ يَكُنْ يَعْنِي أَنْ يَكُونَ شَيْئًا مُقَدَّرًا مَعْلُومًا نَحْوَ الدِّرْهَمِ وَالثَّوْبِ مُشَارًا إلَيْهِ أَوْ دِينَارًا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ مَعْلُومٌ وَالرِّبْحُ مَعْلُومٌ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ لَا مِثْلَ لَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَيْهِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ كَانَ الْعِوَضُ فِي يَدِهِ وَمِلْكِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ بَاعَهُ مِمَّنْ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ وَيَدِهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً بِذَلِكَ الْعِوَضِ أَوْ بِقِيمَتِهِ وَلَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ فِي مِلْكِ مَنْ يَبِيعُهُ مِنْهُ وَلَا وَجْهَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَتَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْخِيَانَةِ. وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِمَّنْ كَانَ الْعِوَضُ فِي يَدِهِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ قَالَ أَبِيعُك مُرَابَحَةً بِالثَّمَنِ الَّذِي فِي يَدِك وَبِرِبْحِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الرِّبْحَ عَلَى الثَّوْبِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ وَإِنْ قَالَ أَبِيعُك ده يازده فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ ده يازده أَوْ أَحَدَ عَشَرَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَحَدَ عَشَرَ إلَّا وَأَنْ يَكُونَ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ جِنْسِ الْعَشَرَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الثَّوْبُ وَبِجُزْءٍ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ وَالثَّوْبُ لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ ثُمَّ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ يُعْتَبَرُ رَأْسُ الْمَالِ وَهُوَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ الَّذِي مَلَكَ الْمَبِيعَ بِهِ وَوَجَبَ بِالْعَقْدِ دُونَ مَا نَقَدَهُ بَدَلًا عَنْ الْأَوَّلِ بَيَانُهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَعْطَى عَنْهَا دِينَارًا أَوْ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ الْعَشَرَةُ الْمُسَمَّاةُ فِي الْعَقْدِ دُونَ الدِّينَارِ وَالثَّوْبِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَجِبُ بِعَقْدٍ آخَرَ وَهُوَ الِاسْتِبْدَالُ كَذَا فِي التُّحْفَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا بَاعَهُ بِذَلِكَ الْبَدَلِ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ) صُورَتُهُ رَجُلٌ بَاعَ عَبْدًا بِثَوْبٍ وَمَلَكَ ذَلِكَ الثَّوْبَ غَيْرُهُ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَذَلِكَ الْغَيْرُ الَّذِي فِي يَدِهِ الثَّوْبُ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ بِذَلِكَ الثَّوْبِ وَبِرِبْحِ دِرْهَمٍ جَازَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالصَّبْغِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَسْوَدَ كَانَ الصَّبْغُ أَوْ غَيْرَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَحَمْلِ الطَّعَامِ) أَيْ بَرًّا أَوْ بَحْرًا اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ هَذَا الْمَعْنَى ظَاهِرٌ وَلَكِنْ لَا يَتَمَشَّى فِي بَعْضِ مَوَاضِعَ وَالْمَعْنَى الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عَادَةُ التُّجَّارِ حَتَّى يَعُمَّ الْمَوَاضِعَ كُلَّهَا. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِيَدِهِ لَا يَضُمُّهُ) أَيْ وَكَذَلِكَ لَوْ تَطَوَّعَ مُتَطَوِّعٌ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ أَوْ بِإِعَارَةٍ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَضُمُّ طَعَامَ الْمَبِيعِ وَكِسْوَتَهُ إلَخْ) لَا نَفَقَةَ الْمُشْتَرِي عَلَى نَفْسِهِ فِي سَفَرِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُضَارِبًا أَنْفَقَ عَلَى الرَّقِيقِ فِي طَعَامِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وَمَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ إذَا كَانَ مَا أَنْفَقَ مِنْ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَانَ أَسْرَفَ لَمْ يَضُمَّ الْفَضْلَ وَضَمَّ مَا بَقِيَ وَلَا يَضُمُّ مَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ فِي سَفَرِهِ فِي كِسْوَتِهِ وَطَعَامِهِ وَمَرْكَبِهِ وَدُهْنِهِ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ وَلَا يَضُمُّ أَيْضًا مَا أَنْفَقَ عَلَى مَرْضَى الرَّقِيقِ فِي أُجْرَةِ طَبِيبٍ أَوْ حَجَّامٍ أَوْ دَوَاءٍ وَيَضُمُّ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْغَنَمِ فِي سِيَاقِهَا وَلَا يَضُمُّ أَجْرَ الرَّاعِي وَلَا جُعْلَ آبِقٍ وَلَا يَضُمُّ التَّاجِرُ أَيْضًا مَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَضُمُّ مَا أَنْفَقَ فِي تَعْلِيمِ صِنَاعَةٍ وَلَا قُرْآنٍ وَلَا شِعْرٍ وَلَا فِي تَعْلِيمِ غَيْرِ ذَلِكَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأُجْرَةُ السِّمْسَارِ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَتُضَمُّ أُجْرَةُ السِّمْسَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي جَامِعِ الْبَرَامِكَةِ

عَلَى أَنَّهَا لَا تُضَمُّ وَلَا يَضُمُّ أُجْرَةَ الدَّلَّالِ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا مَا هُوَ سَبَبٌ لِبَقَائِهِ إلَى وَقْتٍ كَالطَّعَامِ وَفِي الْمَخْزَنِ يَضُمُّ؛ لِأَنَّهُ يَزْدَادُ قِيمَتُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا) وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْته بِكَذَا تَحَرُّزًا عَنْ الْكَذِبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَضُمُّ أُجْرَةَ الرَّاعِي وَالتَّعْلِيمِ وَكِرَاءِ بَيْتِ الْحِفْظِ) لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِإِلْحَاقِهِ بِرَأْسِ الْمَالِ وَلِأَنَّ الرَّعْيَ حِفْظٌ وَهُوَ لَا يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَلَا فِي الْقِيمَةِ شَيْئًا وَثُبُوتُ الزِّيَادَةِ فِي التَّعْلِيمِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَهُوَ ذَكَاؤُهُ وَذِهْنُهُ وَلَا يَضُمُّ حَفْرَ الْبِئْرِ وَيَضُمُّ أُجْرَةَ مَنْ يَذْبَحُ الْحَيَوَانَ وَيَسْلُخُهَا وَاِتِّخَاذُ الْخَشَبِ أَبْوَابًا وَثَقْبُ اللُّؤْلُؤِ وَلَوْ زَوَّجَ الْعَبْدَ لَا يَضُمُّ الْمَهْرَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَحُطُّ مَهْرَ الْأَمَةِ لِزَوْجِهَا وَلَا يَضُمُّ أُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَالرَّائِضِ وَالْبَيْطَارِ وَالْحِجَامَةِ وَجُعْلَ الْآبِقِ وَنَفَقَةَ نَفْسِهِ وَكِرَائِهِ وَأُجْرَةَ الْخِتَانِ وَالْفِدَاءِ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ التُّجَّارَ لَا يَضُمُّونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلِأَنَّهَا لَا تَزِيدُ شَيْئًا فِي الْعَيْنِ وَلَا فِي الْقِيمَةِ فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهَا بِرَأْسِ الْمَالِ وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ فِي الطُّرُقِ مِنْ الظُّلْمِ لَا يُضَمُّ إلَّا فِي مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بَيْنَهُمْ بِالضَّمِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ خَانَ فِي مُرَابَحَةٍ أَخَذَهُ بِكُلِّ ثَمَنِهِ أَوْ رَدَّهُ وَحَطَّ فِي التَّوْلِيَةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحُطُّ فِيهِمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُخَيِّرُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا بَاشَرَا عَقْدًا بِاخْتِيَارِهِمَا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَيَنْعَقِدُ بِالْمُسَمَّى فِيهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مُسَاوَمَةً، وَكَذَا الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ لِلتَّرْوِيجِ وَالتَّرْغِيبِ فَجَرَى مَجْرَى الْوَصْفِ فَإِذَا فَاتَ الْوَصْفُ الْمَرْغُوبُ فِيهِ يَتَخَيَّرُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَوْصَافِ وَكَمَا إذَا وَجَدَهُ مَعِيبًا وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ هُوَ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ، وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ وَلَّيْتُك بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِعْتُك مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ وَالرِّبْحُ مَعْلُومَيْنِ وَذِكْرُ الثَّمَنِ جَارٍ مَجْرَى التَّفْسِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ بِنَاءِ الْعَقْدِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ فِي حَقِّ الثَّمَنِ وَقَدْرُ الْخِيَانَةِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فَيَحُطُّ ضَرُورَةً غَيْرَ أَنَّهُ فِي التَّوْلِيَةِ يَحُطُّ قَدْرَ الْخِيَانَةِ مِنْ الثَّمَنِ لَا غَيْرُ وَفِي الْمُرَابَحَةِ يَحُطُّ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيَحُطُّ مِنْ الرِّبْحِ أَيْضًا بِحِسَابِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا فَمَا أَصَابَ الْخِيَانَةَ سَقَطَ مَعَهُ وَمَا أَصَابَ غَيْرَهُ ثَبَتَ مَعَهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّوْلِيَةَ بِنَاءً عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَالْمُرَابَحَةُ عَقْدٌ مُبْتَدَأٌ بَاشَرَاهُ بِاخْتِيَارِهِمَا وَلَيْسَ بِمَبْنِيٍّ عَلَى الْأَوَّلِ فَيَنْعَقِدُ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى فِيهِ، وَلِهَذَا لَا يَحْتَاجُ فِي التَّوْلِيَةِ إلَى ذِكْرِ الثَّمَنِ وَفِي الْمُرَابَحَةِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ لِيَتَبَيَّنَ قَدْرَ الرِّبْحِ فَيَنْعَقِدُ بِمَا سَمَّيَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تُضَمُّ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الشِّرَاءِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْعُرْفُ فِيهِ وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ تُضَمُّ وَقِيلَ أُجْرَةُ الدَّلَّالِ لَا تُضَمُّ كُلُّ هَذَا مَا لَمْ تَجْرِ عَادَةُ التُّجَّارِ وَلَا يُضَمُّ ثَمَنُ الْجِلَالِ وَنَحْوِهَا فِي الدَّوَابِّ وَتُضَمُّ الثِّيَابُ فِي الرَّقِيقِ وَطَعَامُهُمْ إلَّا مَا كَانَ سَرَفًا وَزِيَادَةً وَيُضَمُّ عَلَفُ الدَّوَابِّ إلَّا أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مُتَوَلِّدٌ كَأَلْبَانِهَا وَصُوفِهَا وَسَمْنِهَا فَيَسْقُطُ قَدْرُ مَا نَالَ وَيَضُمُّ مَا زَادَ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَّرَ الدَّابَّةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ الدَّارَ فَأَخَذَ أُجْرَتَهُ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ مَعَ ضَمِّ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَيْسَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ، وَكَذَا دَجَاجَةٌ أَصَابَ مِنْ بَيْضِهَا يَحْتَسِبُ مَا نَالَهُ وَبِمَا أَنْفَقَ وَيَضُمُّ الْبَاقِيَ اهـ مَا قَالَ الْكَمَالُ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْته بِكَذَا إلَخْ) وَهَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مَتَاعًا ثُمَّ رَقَّمَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى رَقْمِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأَصْلِ حَيْثُ لَا يَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَلَا اشْتَرَيْته بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَإِنَّمَا يَقُولُ رَقْمُهُ كَذَا وَكَذَا فَأَنَا أَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَصْلُهُ مِيرَاثًا أَوْ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً أَوْ وَصِيَّةً فَقَوَّمَهُ قِيمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى تِلْكَ الْقِيمَةِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا بَيْتُ الْحِفْظِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي نَسْخِ الْمَتْنِ: وَكَرْيُ بَيْتِ الْحِفْظِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ) أَيْ فِي نَفْسِ الْمُعَلِّمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ ذَكَاؤُهُ وَذِهْنُهُ) أَيْ فَلَمْ يَكُنْ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْمُعَلِّمِ مُوجِبًا لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ لَا شَكَّ فِي حُصُولِ الزِّيَادَةِ بِالتَّعَلُّمِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ التَّعْلِيمِ عَادَةً وَكَوْنُهُ بِمُسَاعَدَةِ الْقَابِلِيَّةِ فِي الْمُتَعَلِّمِ فَهُوَ كَقَابِلِيَّةِ الثَّوْبِ لِلصَّبْغِ فَلَا تَمْنَعُ نِسْبَتَهُ إلَى التَّعْلِيمِ كَمَا لَا تَمْنَعُ نِسْبَتَهُ إلَى الصَّبْغِ فَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ وَالتَّعْلِيمُ عِلَّةٌ عَادِيَةٌ فَكَيْفَ لَا يُضَمُّ وَفِي الْمَبْسُوطِ أَضَافَ نَفْيَ ضَمِّ الْمُنْفِقِ فِي التَّعْلِيلِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ قَالَ، وَكَذَا فِي تَعْلِيمِ الْغِنَاءِ وَالْعَرَبِيَّةِ قَالَ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ عُرْفٌ ظَاهِرٌ يُلْحِقُهُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَكَذَا لَا يُلْحِقُ أُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَالرَّائِضِ وَالْبَيْطَارِ وَجَعْلَ الْآبِقَ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَلَا يُلْحَقُ بِالسَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِي النَّادِرِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ خَانَ إلَخْ) ثُمَّ ظُهُورُ الْخِيَانَةِ إمَّا بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ خَانَ إلَى آخِرِهِ مَا نَصُّهُ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ اشْتَرَى بِتِسْعَةِ دَرَاهِمَ شَيْئًا وَقَبَضَهُ ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ فَوَلَّيْتُك بِمَا اشْتَرَيْته أَوْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِرِبْحِ زِيَادَةِ دِرْهَمٍ. اهـ. مُشْكِلَاتٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحُطُّ فِيهِمَا) أَيْ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي. اهـ. غَايَةٌ، وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ) أَيْ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: هُوَ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ) أَيْ لَا التَّسْمِيَةُ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِعْتُك مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَا أَصَابَ غَيْرَهُ ثَبَتَ مَعَهُ) أَيْ كَمَا إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ عَلَى رِبْحِ خَمْسَةٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْبَائِعَ اشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةٍ يَحُطُّ قَدْرَ الْخِيَانَةِ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَيَحُطُّ مِنْ الرِّبْحِ دِرْهَمًا وَيَأْخُذُ الثَّوْبَ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ لِمُحَمَّدٍ إنَّ الِاعْتِبَارَ فِيهِمَا لَيْسَ إلَّا لِلتَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بِهِ يَصِيرُ مَعْلُومًا وَبِهِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَالْإِخْبَارُ بِأَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ لَا يَتَعَلَّقُ الِانْعِقَادُ بِهِ إنَّمَا هُوَ تَرْوِيجٌ وَتَرْغِيبٌ فَيَكُونُ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ كَوَصْفِ الْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ فَبِفَوَاتِهِ بِظُهُورِ أَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ ذَاكَ يَتَخَيَّرُ. اهـ. كَمَالٌ

وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطَّ فِي التَّوْلِيَةِ لَمْ يَبْقَ تَوْلِيَةً؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيَصِيرُ مُرَابَحَةً فَيَتَغَيَّرُ بِهِ التَّصَرُّفُ وَلَوْ لَمْ يَحُطَّ فِي الْمُرَابَحَةِ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ إلَّا أَنَّ الرِّبْحَ أَكْثَرُ مِمَّا ظَنَّهُ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَتَغَيَّرْ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ فِيهِ وَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ الرِّضَا وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ أَوْ حَدَثَ بِهِ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ لَزِمَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَسَقَطَ خِيَارُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي الْجُزْءُ الْفَائِتُ وَعِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ يَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرُدُّ قِيمَةَ الْمَبِيعِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي إقَامَةِ الْقِيمَةِ مَقَامَ الْمَبِيعِ فِي التَّحَالُفِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَحُطُّ كَيْفَمَا كَانَ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّوْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَازَ الرَّدُّ وَالْأَخْذُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَلَوْ وَجَدَ الْمَوْلَى بِالْمَبِيعِ عَيْبًا ثُمَّ حَدَثَ بِهِ عِنْدَهُ عَيْبٌ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ يَصِيرُ الثَّمَنُ الثَّانِي أَنْقَصَ مِنْ الْأَوَّلِ وَقَضِيَّةُ التَّوْلِيَةِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مِثْلَ الْأَوَّلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَبَاعَهُ بِرِبْحٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَإِنْ بَاعَهُ بِرِبْحٍ طَرَحَ عَنْهُ كُلَّ رِبْحٍ قَبْلَهُ وَإِنْ أَحَاطَ بِثَمَنِهِ لَمْ يُرَابِحْ) يَعْنِي إذَا بَاعَهُ بِرِبْحٍ ثَانِيًا بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ ثَانِيًا طَرَحَ عَنْهُ كُلَّ رِبْحٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ إذَا بَاعَهُ مُرَابَحَةً وَإِنْ اسْتَغْرَقَ الرِّبْحَ الثَّمَنُ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ مِثَالُهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعِشْرِينَ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِثَلَاثِينَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِعَشَرَةٍ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ وَبَاعَهُ بِأَرْبَعِينَ مُرَابَحَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْعِشْرِينَ فِي الْفَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَخِيرَ عَقْدٌ مُتَجَدِّدٌ مُنْقَطِعُ الْأَحْكَامِ عَنْ الْأَوَّلِ فَيَجُوزُ بِنَاءُ الْمُرَابَحَةِ عَلَيْهِ كَمَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ بِأَنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ بَاعَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْأَوَّلُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ وَلَهُ أَنَّ شُبْهَةَ حُصُولِ الرِّبْحِ الْأَوَّلِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِهِ بَعْدَمَا كَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِالظُّهُورِ عَلَى عَيْبٍ وَالشُّبْهَةُ كَالْحَقِيقَةِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ احْتِيَاطًا، وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْمُرَابَحَةُ فِيمَا أَخَذَهُ بِالصُّلْحِ لِشُبْهَةِ الْحَطِيطَةِ فِيهِ، وَكَذَا فِيمَا اشْتَرَاهُ مِنْ أُصُولِهِ أَوْ فُرُوعِهِ لِمَا لَهُ مِنْ التَّوَسُّعِ فِيمَا لَهُمْ أُلْحِقَ بِمِلْكِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى عَشَرَةً وَثَوْبًا بِعِشْرِينَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَيَطْرَحُ عَشَرَةً؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي تَأَكَّدَ وَأَمِنَ بُطْلَانَهُ وَلِلتَّأَكُّدِ حُكْمُ الْأُصُولِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شُهُودَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا يَضْمَنُونَ نِصْفَ الْمَهْرِ لِتَأَكُّدِهِمْ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ؛ لِأَنَّ التَّأَكُّدَ حَصَلَ بِغَيْرِهِ وَيَصِيرُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي كَأَنَّهُ اشْتَرَى ثَوْبًا وَعِشْرِينَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَصَارَ الْعِشْرُونَ بِالْعِشْرِينَ وَلَمْ يَبْقَ فِي مُقَابَلَةِ الثَّوْبِ شَيْءٌ فَلَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً وَلَا يُقَالُ عَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ الْبَيْعُ لِعَدَمِ مَا يُقَابِلُ الثَّوْبَ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الرِّبْحُ الْأَوَّلُ لَمْ يَصِرْ مُقَابَلًا بِالثَّمَنِ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا أَعْطَى لَهُ حُكْمَ الْمُقَابَلَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْخِيَانَةِ فِيمَا بُنِيَ عَلَى الْأَمَانَةِ وَهُوَ حَقُّ الْعَبْدِ وَلَا يَنْهَضُ ذَلِكَ لِإِفْسَادِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ لِحَقِّ الْعَبْدِ لَا لِحَقِّ الشَّرْعِ وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا بَاعَ مُسَاوَمَةً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَيْثُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَبْنِيَّةٍ عَلَى الْأَمَانَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اشْتَرَى مَأْذُونٌ مَدْيُونٌ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَ مِنْ سَيِّدِهِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ، وَكَذَا الْعَكْسُ) أَيْ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْمَوْلَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ الْمُسْتَغْرِقِ بِالدَّيْنِ بَخَمْسَةَ عَشَرَ يَبِيعُهُ الْعَبْدُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لِإِفَادَتِهِ مِلْكَ الْعَيْنِ أَوْ التَّصَرُّفَ لَهُ شُبْهَةُ الْعَدَمِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَلَكَهُ وَمَا فِي يَدِهِ لَا يَخْلُو عَنْ حَقِّهِ فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حَقِّ الْمُرَابَحَةِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى الْأَمَانَةِ فَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلشِّرَاءِ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَأَنَّ الْعَبْدَ اشْتَرَاهُ لِلْمَوْلَى بِعَشَرَةٍ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَكَأَنَّهُ يَبِيعُهُ لِلْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَيُعْتَبَرُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِ دَائِرٌ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْعَبْدِ فَلَمْ يَتِمَّ خُرُوجُهُ عَنْ مِلْكِ مَنْ كَانَ لَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعُ أَمَانَةٍ لِقَبُولِ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينَ فَتَنْتَفِي عَنْهُمَا كُلُّ تُهْمَةٍ وَشُبْهَةِ خِيَانَةٍ وَالْمُسَامَحَةُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ فَيَكُونُ مَا زَادَ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ خَارِجًا هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ) أَيْ أَوْ اُسْتُهْلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ حَدَثَ بِهِ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ) أَيْ عِنْدَ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ يَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ) أَيْ يَسْقُطُ مَا قَابَلَ الْعَيْبَ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ عَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ الرَّدِّ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ أَوْ بِحُدُوثِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ) أَيْ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي اهـ اك. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَغْرَقَ الرِّبْحَ الثَّمَنُ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً) أَيْ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً) أَيْ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِ وَأَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ وَأَيْضًا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ) أَيْ مِمَّنْ بَاعَهُ مِنْهُ بَعْدَ التَّقَابُضِ اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِعَشَرَةٍ) أَيْ وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْته لِئَلَّا يَصِيرَ كَاذِبًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ لِحَقِّ الْعَبْدِ) وَأَيْضًا الْخِيَانَةُ حَقُّ الشَّرْعِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ اشْتَرَى مَأْذُونٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ عَبْدٍ مِنْ مَوَالِيهِ أَوْ مُكَاتَبٍ مِنْ مَوَالِيهِ مَتَاعًا بِثَمَنٍ قَدْ قَامَ عَلَى الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً إلَّا بِاَلَّذِي قَامَ عَلَى الْبَائِعِ لِلتُّهْمَةِ هَذَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ. اهـ. غَايَةٌ

إذَا لَمْ يُبَيِّنْ وَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مِنْ سَيِّدِهِ جَازَ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ وَاشْتِرَاطُ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ كَأَنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَجُوزُ مَعَ الدَّيْنِ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً فَمَعَ عَدَمِ الدَّيْنِ أَوْلَى لِوُجُودِ مِلْكِ الْمَوْلَى فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِدَيْنِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبُ فِي هَذَا كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ لِوُجُودِ التُّهْمَةِ بَيْنَهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانَ مُضَارِبًا يَبِيعُ مُرَابَحَةً رَبَّ الْمَالِ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ) أَيْ لَوْ كَانَ مَنْ عَمِلَ هَذَا الْعَمَلَ مُضَارِبًا بِأَنْ كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بَخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ سُلِّمَ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَيَحُطُّ عَنْ الثَّمَنِ فَيَبْقَى اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ خَارِجَةً عَنْ مِلْكِهِ عَشَرَةٌ مِنْهَا دَفَعَهَا الْمُضَارِبُ إلَى بَائِعِهِ وَدِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ مِنْ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ بِحُكْمِ أَنَّهُ الثَّمَنُ فَتَمَّ مَا خَرَجَ مِنْهُ فِي تَحْصِيلِ هَذَا الثَّوْبِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَنِصْفٌ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَيْهَا، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَالِهِ بِمَالِهِ قُلْنَا يَسْتَفِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهَذَا الْعَقْدِ مِلْكَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ فَكَانَ صَحِيحًا لِإِفَادَتِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ إفَادَةُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَب تَجُوزُ تَصَرُّفَاتُهُ وَلَا يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ مِلْكَ الْيَدِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ يَتْبَعُ الْفَائِدَةَ لَا الْمِلْكَ عَيْنًا وَقَدْ وُجِدَتْ الْفَائِدَةُ هُنَا أَمَّا فِي حَقِّ الْمُضَارِبِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيمَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِالشِّرَاءِ وَلَا يَمْلِكُهُ قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ مِلْكَهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ تَعَلَّقَ لَهُ بِهِ حَقٌّ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ وَطْءَ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُضَارِبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا رِبْحٌ، وَكَذَا لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ بَيْعِ الْعُرُوضِ وَالْكَلَامِ فِيهِ لَكِنَّهُ مَعَ هَذَا فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ وَكِيلٌ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ فَاعْتُبِرَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَاشْتِرَاطُ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ كَأَنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ نُسَخُ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَدْ قَيَّدَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ دَيْنَ الْعَبْدِ بِالْمُسْتَغْرِقِ، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ عَبْدٌ مَأْذُونٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ أَوْ غَيْرُ مُحِيطٍ وَقَاضِي خَانْ قَيَّدَ بِالْمُحِيطِ أَيْضًا وَالْعَتَّابِيُّ قَيَّدَ بِالْمَأْذُونِ فَحَسْبُ وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّيْنَ أَصْلًا، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ اشْتَرَى مِنْ مَمَالِيكِهِ وَعَبْدُهُ الْمَأْذُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَمُكَاتَبُهُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَقَلِّ الضَّمَانَيْنِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ، وَلَكِنْ فَسَّرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَالشِّرَاءُ الثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَمَالُهُ لِمَوْلَاهُ. فَإِذَا اشْتَرَى مِنْهُ الْمَوْلَى صَارَ كَأَنَّ الْمَوْلَى اشْتَرَى مَالَ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ فِي هَذَا الشِّرَاءِ فَائِدَةٌ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ شِرَاءُ الْمَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِهَذَا الشِّرَاءِ يَسْتَفِيدُ مِلْكَ الْيَدِ وَلَكِنْ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً إلَّا بِعَشَرَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَمَالُهُ لِمَوْلَاهُ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ مَالِهِ لِنَفْسِهِ لَوْ قَضَى دَيْنَ الْعَبْدِ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَشِرَاءُ الْمَوْلَى مِنْهُ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَيْسَ بِشِرَاءٍ مِنْ وَجْهٍ وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ بَيْعُ الْأَمَانَةِ فَيُؤْخَذُ فِيهِ بِالِاحْتِيَاطِ فَيَبِيعُهُ عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَقْدَ الْوَاقِعَ بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ وَالْمُكَاتَبِ جَائِزٌ لِإِفَادَةِ مِلْكِ الْيَدِ وَلَكِنْ لَهُ شُبْهَةُ الْعَدَمِ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْعَبْدِ لَا يَخْلُو عَنْ حَقِّ الْمَوْلَى، وَلِهَذَا كَانَ لِلْمَوْلَى قَضَاءُ دَيْنِ الْعَبْدِ وَاسْتِخْلَاصُ أَكْسَابِهِ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ إذَا عَجَزَ وَرَدَّ فِي الرِّقِّ تُسَلَّمُ أَكْسَابُهُ لِلْمَوْلَى فَكَانَ الْمِلْكُ لِلْعَبْدِ وَاقِعًا لِلْمَوْلَى فَإِذَا بَاعَ الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ يُجْعَلُ الْعَقْدُ كَالْعَدَمِ لِلشُّبْهَةِ وَيَكُونُ الْعَبْدُ فِي الْبَيْعِ الثَّانِي كَالْوَكِيلِ عَنْ مَوْلَاهُ فَلَوْ ثَبَتَتْ الْوَكَالَةُ حَقِيقَةً لَمْ يَبِعْهُ إلَّا عَلَى عَشَرَةٍ فَلِذَا تَمَكَّنَتْ شُبْهَةُ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَإِذَا اشْتَرَى مِنْ مَوْلَاهُ يُجْعَلُ الْعَبْدُ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ عَنْ مَوْلَاهُ فَلَوْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ ثَابِتَةً حَقِيقَةً لَمْ يَبِعْ الْمَوْلَى إلَّا عَلَى عَشَرَةٍ فَكَذَا إذَا تَمَكَّنَتْ شُبْهَةُ الْوَكَالَةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ كَانَ مُضَارِبًا يَبِيعُ مُرَابَحَةً رَبَّ الْمَالِ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يُخَالِفُ هَذَا قُبَيْلَ قَوْلِهِ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفَانِ إلَخْ وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ سِلْعَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَمْسَمِائَةٍ وَبَاعَهَا مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الْمُضَارِبَ يَبِيعُهَا بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ إلَّا إذَا بَيَّنَ الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ وَهَذَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ بَيْعُ أَمَانَةٍ يَجِبُ صَوْنُهَا عَنْ الْخِيَانَةِ وَعَنْ شُبْهَتِهَا مَا أَمْكَنَ وَفِي بَيْعِ هَؤُلَاءِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ شُبْهَةٌ وَتُهْمَةٌ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: قُلْنَا يَسْتَفِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهَذَا الْعَقْدِ مِلْكَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ) أَيْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ انْقَطَعَتْ عَنْ رَبِّ الْمَالِ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ ثُمَّ لَمَّا اشْتَرَى مِنْ الْمُضَارِبِ اسْتَفَادَ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُضَارِبَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ جَائِزٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْإِنْسَانِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ مَعَ هَذَا فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ) أَيْ عَدَمِ الْجَوَازِ لِمَا قُلْنَا مِنْ جِهَةِ زُفَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُضَارِبَ وَكِيلٌ عَنْهُ) أَيْ، وَلِهَذَا تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ وَمِنْ وَجْهٍ لِلْمُضَارِبِ، وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى لَا يَجُوزُ حَجْرُ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارِبِ فِي الْبَيْعِ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ يَبِيعُهُ عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ لِلِاحْتِيَاطِ وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَاعْتُبِرَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ) أَيْ وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ رَبِّ الْمَالِ يُسَلِّمُ ذَلِكَ لِرَبِّ الْمَالِ فَيَحُطُّ عَنْ الثَّمَنِ وَلَا شُبْهَةَ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ وَهُوَ عَشَرَةٌ وَلَا فِي نَصِيبِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ فَلِذَلِكَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَنِصْفٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُرَابِحُ بِلَا بَيَانٍ بِالتَّعَيُّبِ وَوَطْءِ الثَّيِّبِ) أَيْ إذَا تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ أَوْ وَطِئَ الثَّيِّبَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْتَبَسْ عِنْدَهُ شَيْءٌ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ وَصْفٌ وَهُوَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لِكَوْنِهِ تَبَعًا، وَلِهَذَا لَوْ حَدَثَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ غَيْرَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ تَرْكِهِ، وَكَذَا مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ إذَا لَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ وَمَعْنَى أَدَاءِ الْأَمَانَةِ بِالصِّدْقِ وَهُوَ صَادِقٌ إذَا بَقِيَ جَمِيعُ مَا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّعَيُّبِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ كَمَا إذَا حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ عَلَى اخْتِلَافِ تَخْرِيجِهِمَا فَإِنَّ زُفَرَ يُوجِبُ الْبَيَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ غَيْرَ مَعِيبٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ بَعْدَمَا دَخَلَهُ الْعَيْبُ وَالشَّافِعِيُّ يُوجِبُ الْبَيَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَوْصَافَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَهُ وَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَحْصُلَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَنَحْنُ نَقُولُ مَا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ كُلُّهُ قَائِمٌ فَلَا يُبَالِي بِذَهَابِ مَا لَا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَوَسَّخَ الثَّوْبُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا إذَا نَقَصَ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ هَذَا إذَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ شَيْئًا يَسِيرًا وَإِنْ نَقَصَهُ قَدْرَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِبَيَانٍ بِالتَّعْيِيبِ وَوَطْءِ الْبِكْرِ) أَيْ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِشَرْطِ أَنْ يُبَيِّنَ الْعَيْبَ إذَا كَانَ حَادِثًا بِالتَّعْيِيبِ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَأَخَذَ أَرْشَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَوَطْءُ الْبِكْرِ تَعْيِيبٌ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ فَإِزَالَتُهَا تَعْيِيبٌ لَهَا فَيُقَابِلُهُ الثَّمَنُ وَإِنْ تَعَيَّبَ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ فِي نَفْسِهِ كَمَا إذَا فَقَأَ عَيْنَ نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَجَازَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي نَفْسِهِ هَدَرٌ فَلَا يُعْتَبَرُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ سَلِيمًا بِكَذَا مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ أَصَابَهُ الْعَيْبُ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا بَيَانُ نَفْسِ الْعَيْبِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ بِأَنْ يُبَيِّنَ الْعَيْبَ وَالثَّمَنَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ سَلِيمًا ثُمَّ حَدَثَ بِهِ الْعَيْبُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ بَيَانَ مَا فِيهِ مِنْ الْعَيْبِ وَاجِبٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» فَلَا يَجُوزُ إخْفَاؤُهُ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً إلَّا بِبَيَانٍ فَلَمْ يُبَيِّنْ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ إذَا عَلِمَ خِيَانَتَهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَصَابَهُ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ حَرْقُ نَارٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَلَوْ تَكَسَّرَ بِنَشْرِهِ وَطَيِّهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفٍ نَسِيئَةً وَبَاعَ بِرِبْحٍ مِائَةً وَلَمْ يُبَيِّنْ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّهُ يُزَادُ عَلَى الثَّمَنِ لِأَجْلِ الْأَجَلِ فَكَانَ لَهُ شُبْهَةٌ بِالْمَبِيعِ وَالشُّبْهَةُ فِي هَذَا الْبَابِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وَبَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى ثَمَنِهِمَا فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ عِلْمِهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْخِيَانَةِ أَوْ نَقُولُ: إنَّ الثَّمَنَ الْمُؤَجَّلَ أَنْقَصُ فِي الْمَالِيَّةِ مِنْ الْحَالِّ، وَلِهَذَا حَرَّمَ الشَّرْعُ النَّسَاءَ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَيَكُونُ مَا أَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَزْيَدَ فِي الْحُكْمِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ، وَكَذَا فِي التَّوْلِيَةِ إذَا عَلِمَ أَنَّ الثَّمَنَ كَانَ مُؤَجَّلًا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ مِثْلُهَا فِي الْمُرَابَحَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَتْلَفَ فَعَلِمَ لَزِمَ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ) أَيْ إذَا أَتْلَفَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الثَّمَنَ كَانَ مُؤَجَّلًا لَزِمَهُ أَلْفٌ وَمِائَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَرَفُّهٌ فَيَزْدَادُ الثَّمَنُ لِأَجْلِهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا نَظَرًا لِهَذَا الْجَانِبِ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْمُرَابَحَةِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْخِيَانَةِ فَإِذَا هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَبْقَ لَهُ الْخِيَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إذَا تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ) أَيْ بِأَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ مَثَلًا اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُحْتَبَسْ عِنْدَهُ شَيْءٌ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ) أَيْ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ يُقَابِلْهُ الْبَدَلُ فَكَانَ كَالِاسْتِخْدَامِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ إلَخْ) وَفِي قَوْلِ زُفَرَ إذَا اعْوَرَّتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا الَّتِي اشْتَرَاهَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَقَوْلُ زُفَرَ أَجْوَدُ ثُمَّ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَأَخَذَ أَرْشَهُ) هَذَا وَقَعَ اتِّفَاقًا إذْ يَجِبُ الْبَيَانُ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْأَرْشَ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ أَخْذِ الْأَرْشِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ) أَيْ وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ جُزْءًا صَارَ مَقْصُودًا أَوْ حَبَسَ بَدَلَهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَاقِي مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِزَالَتُهَا تَعْيِيبٌ لَهَا فَيُقَابِلُهُ الثَّمَنُ) أَيْ وَكَذَا لَوْ حُبِسَ نَمَاؤُهُ كَالثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ وَالصُّوفِ أَوْ هَلَكَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ جَازَ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ. اهـ. زَاهِدِيٌّ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى جَارِيَةً وَلَهَا لَبَنٌ فَآجَرَهَا لِتُرْضِعَ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ مَا وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ فَلَمْ يَأْخُذْ الْعِوَضَ عَنْ عَيْنٍ مَلَكَهَا بِالشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ الْعِوَضَ عَنْ الْمَنَافِعِ الْحَادِثَةِ عَلَى مِلْكِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَرْضُ فَأْرٍ) الْقَرْضُ بِالْقَافِ وَالْفَاءِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ) أَيْ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ تَابِعَةٌ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ) أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَيِّنْ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي) أَيْ فَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَبَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى ثَمَنِهِمَا) أَيْ وَذَلِكَ حَرَامٌ يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَكَذَا هَذَا اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ عِلْمِهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْخِيَانَةِ) أَيْ كَمَا فِي الْعَيْبِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَإِذَا هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي) أَيْ بِوَجْهٍ بِأَنْ بَاعَهُ أَوْ بِوَجْهٍ آخَرَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْقَ لَهُ الْخِيَارُ) أَيْ وَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

[فصل بيع العقار قبل قبضه]

نَظَرًا لِجَانِبِ عَدَمِ الْمَالِيَّةِ فِي الْأَجَلِ حَقِيقَةً أَوْ نَقُولُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِالْهَلَاكِ فَبَطَلَ خِيَارُهُ كَسَائِرِ الْخِيَارَاتِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الرُّؤْيَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا التَّوْلِيَةُ) أَيْ التَّوْلِيَةُ مِثْلُ الْمُرَابَحَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِيَارِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ قَائِمًا وَبَعْدَ الْهَلَاكِ أَوْ الِاسْتِهْلَاكِ لَا خِيَارَ لَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ لِمَا ذَكَرْنَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ الْهَالِكِ وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ كَمَا قَالَ فِيمَا إذَا اسْتَوْفَى عَشَرَةً زُيُوفًا مَكَانَ عَشَرَةٍ جِيَادٍ وَعَلِمَ بَعْدَ الْإِنْفَاقِ يَرُدُّ مِثْلَ الزُّيُوفِ وَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنْ يُقَوِّمَ الْمَبِيعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَبِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا لِلتَّعَارُفِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِيهِ وَلَكِنَّهُ مَعْنَاهُ مُتَعَارَفٌ بَيْنَهُمْ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ قَدْرٌ مَعْلُومٌ قِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ كَالْمَشْرُوطِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِلَا بَيَانٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ حَالٌّ، وَإِنَّمَا سَامَحَهُ الْبَائِعُ وَاسْتَوْفَى مِنْهُ الثَّمَنَ مُنَجَّمًا وَقَدْ قَالُوا فِي الْمَغْبُونِ غَبْنًا فَاحِشًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ بِحُكْمِ الْغَبْنِ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَيُفْتَى بِرِوَايَةِ الرَّدِّ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَكَانَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ يُفْتِي بِأَنَّ الْبَائِعَ إنْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي: قِيمَةُ مَتَاعِي كَذَا أَوْ قَالَ مَتَاعِي يُسَاوِي كَذَا فَاشْتَرَى بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ وَظَهَرَ بِخِلَافِهِ لَهُ الرَّدُّ بِحُكْمِ أَنَّهُ غَرَّهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَرُدُّ بِهِ كَيْفَمَا كَانَ وَالصَّحِيحُ أَنْ يُفْتَى بِالرَّدِّ إنْ غَرَّهُ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ وَلَّى رَجُلًا شَيْئًا بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فَسَدَ الْبَيْعُ) لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ خُيِّرَ)؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الثَّمَنِ فَسَادٌ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ؛ لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ كَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَتَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ فَصَارَ التَّأْخِيرُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ عَفْوًا كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ يَرْتَبِطُ بِالْإِيجَابِ وَإِنْ تَخَلَّلَتْ بَيْنَهُمَا سَاعَاتٌ فَكَذَا الْعِلْمُ الْحَاصِلُ فِي آخِرِ الْمَجْلِسِ كَالْعِلْمِ الْحَاصِلِ فِي أَوَّلِهِ فَيَصِحُّ عَلَى تَقْدِيرِ الِابْتِدَاءِ، وَأَمَّا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِصْلَاحٌ لَا ابْتِدَاءٌ لِتَقَرُّرِ الْفَسَادِ بِالِافْتِرَاقِ وَهَذَا فَسَادٌ لَا يَحْتَمِلُ الْإِصْلَاحَ وَنَظِيرُهُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ فِيهِ فَاسِدٌ فَإِنْ أَعْلَمَهُ الْبَائِعُ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ لِخَلَلٍ فِي رِضَاهُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ لَا يَتِمُّ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ. (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اشْتَرَيْت شَيْئًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: نَظَرًا لِجَانِبِ عَدَمِ الْمَالِيَّةِ فِي الْأَجَلِ حَقِيقَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَجَلُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ حَقِيقَةً وَلَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ الْمُقَابَلَةِ فَبِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فَأَمَّا أَنْ يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ الْهَلَاكِ بِمُقَابَلَةِ الْأَجَلِ فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ) أَيْ حَالًّا كَمَا فِي الْمُرَابَحَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ الْهَالِكِ وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ قِيمَتَهُ وَيَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَامَتْ مَقَامَهُ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ مُسْتَقِيمٌ كَمَا فِي التَّحَالُفِ وَالتَّرَادِّ أَنَّ الْقِيمَةَ قَامَتْ مَقَامَهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ قَالَ يَرُدُّ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَ فِيمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ جِيَادٍ فَاسْتَوْفَى زُيُوفًا وَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَنْفَقَهَا يَرُدُّ زُيُوفًا مِثْلَهَا وَيَأْخُذُ الْجِيَادَ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ وَلَّى) أَيْ بَاعَ لَهُ بِالتَّوْلِيَةِ اهـ (قَوْلُهُ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ مَعَ مَا لَحِقَهُ مِنْ الْمُؤَنِ نَحْوَ الصَّبْغِ وَالْفَتْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ خُيِّرَ إلَخْ) إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَنَظِيرُهُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ) أَيْ بِعَلَامَةٍ أَعْلَمَهَا الْبَائِعُ عَلَى الثَّوْبِ أَنَّ ثَمَنَهُ كَذَا فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْبَائِعِ وَمَجْهُولٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَكَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ لِخَلَلٍ فِي رِضَاهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا وَجَبَ الْخِيَارُ لِخَلَلٍ فِي الرِّضَا؛ لِأَنَّ الرِّضَا لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْمَعْرِفَةِ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ كَمَا لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِلْجَهْلِ بِالصَّوَابِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ فَكَانَ مُلْحَقًا بِهِ اهـ. [فَصْلٌ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ] (فَصْلٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسَائِلُ هَذَا الْفَصْلِ لَمَّا كَانَ الْبَيْعُ فِيهَا مُقَيَّدًا بِوَصْفٍ زَائِدٍ أَشْبَهَتْ الْمُرَابَحَةَ وَالتَّوْلِيَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِمَا قَيْدًا زَائِدًا عَلَى أَصْلِ الْبَيْعِ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُرَابَحَةٍ وَلَا تَوْلِيَةٍ فَجِيءَ بِالْفَصْلِ لِهَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ كَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَصِحَّةُ الْقَبْضِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ أَوْ بِحَقِيقَةِ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ عُمُومُ النَّهْيِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَمَّا لَمْ يُقْبَضْ» وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَشْمَلُ الْمَنْقُولَ وَالْعَقَارَ جَمِيعًا وَلِأَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا غَيْرُ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَبْضِ مَوْجُودٌ فِيهِمَا جَمِيعًا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ الرِّبْحُ وَرِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ مَنْهِيٌّ شَرْعًا وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فَيَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إجَارَتُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِيهِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهِ بِالْهَلَاكِ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَعَلَّلَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَهُ لَا يَنْقُضُ الْعَقْدَ وَيَكُونُ عَلَى الَّذِي بَدَّلَهُ قِيمَتُهُ اهـ

تَسْلِيمِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْمَنْقُولِ، وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِيهِ بِالْهَلَاكِ وَهُوَ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ فَصَارَ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْعَقَارِ نَادِرٌ وَلَا يُمْكِنُ تَعْيِيبُهُ لِيَصِيرَ هَالِكًا حُكْمًا حَتَّى لَوْ تُصُوِّرَ هَلَاكُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالُوا: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ عَلَى شَطِّ النَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَمَا رَوَاهُ مَعْلُولٌ بِغَرَرِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إلَّا نَادِرًا وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ فَصَارَ كَاحْتِمَالِ غَرَرِ الِانْفِسَاخِ بِالِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِيهِ وَفِي الْمَنْقُولِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَعْلُولٌ بِهِ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ وَكَذَلِكَ التَّصَرُّفُ فِي الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ لِمَا أَمِنَ مِنْهُ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْمُطْلَقَ لِلتَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمِلْكُ قَدْ وُجِدَ لَكِنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْغَرَرِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَذَلِكَ فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْإِجَارَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ قِيلَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَقِيلَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ وَهَلَاكُهَا غَيْرُ نَادِرٍ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَنْقُولِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بَيْعُ الْمَنْقُولِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا ابْتَعْت طَعَامًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُ وَالْغَرَرُ حَرَامٌ لِمَا رَوَيْنَا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ بَاعَ غَيْرَ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ نَقَدَ الثَّمَنَ فَالْبَيْعُ الثَّانِي نَافِذٌ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّسْلِيمِ إذْ لَيْسَ لِلْبَائِعِ مَنْعُ الْمَبِيعِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ فَالْبَيْعُ الثَّانِي مَوْقُوفٌ وَهُوَ الْأَصْلُ كَبَيْعِ الْمَرْهُونِ وَلَوْ كَاتَبَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ تَوَقَّفَتْ كِتَابَتُهُ وَكَانَ لِلْبَائِعِ حَبْسُهُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْفَسْخِ فَلَمْ تَنْفُذْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ نَظَرًا لَهُ وَإِنْ نَقَدَ الثَّمَنَ نَفَذَتْ الْكِتَابَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَوْ وَهَبَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ أَقْرَضَهُ أَوْ رَهَنَهُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) أَيْ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْعَقَارِ نَادِرٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ فَجَازَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَهُ لِتَوَهُّمِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ إلَّا نَادِرًا بِغَلَبَةِ الْمَاءِ وَالرَّمْلِ أَوْ تَخْرِيبِ الْفَأْرِ وَالنَّادِرُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ عَلَى شَطِّ النَّهْرِ وَنَحْوِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ عَلَى طَرَفِ الْمَغَارَةِ الْغَالِبِ عَلَيْهَا الرَّمْلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عُلُوًّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِتَصَوُّرِ هَلَاكِهِ. اهـ. مُحِيطٌ. (قَوْلُهُ: وَمَا رَوَاهُ مَعْلُولٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَنَقُولُ الْمُرَادُ مِنْهُ بَيْعُ الْمَنْقُولِ وَمَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ بِالْبَرَاجِمِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَبْضُ فِي الْحَقِيقَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبَاعُ حَتَّى تَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهَا»؛ لِأَنَّ الْحَوْزَ إلَى الرَّحْلِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَنْقُولِ وَلِأَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِعْتَاقُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْوَصِيَّةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَخْتَصُّ بِالْمَنْقُولِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ إجْمَاعًا وَفِي غَيْرِهِ خِلَافٌ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَيْضًا لِدَلَائِلِ جَوَازِ الْبَيْعِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ بِالْحَدِيثِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَعَلَّلَ الْحَدِيثَ بِغَرَرِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إجْرَاؤُهُ عَلَى الْعُمُومِ حُمِلَ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَإِنْ قُلْت فِي الْعَقَارِ أَيْضًا يُتَوَهَّمُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ بِأَنْ يُرَدَّ بِالْعَيْبِ قُلْت لَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَ جَازَ الْبَيْعُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِيرُ الْمَبِيعُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَقْدِرُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى رَدِّهِ بِالْعَيْبِ فَزَالَ تَوَهُّمُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ فَإِنْ قُلْت غَرَرُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ مَوْجُودٌ بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا بِظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ فَكَيْفَ لَمْ يُلْتَفَت إلَيْهِ قُلْت: لِأَنَّ الْحَدِيثَ مَعْلُولٌ بِغَرَرِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَخَصُّ الْخُصُوصِ لِمَا قُلْنَا عَلَى أَنَّا نَقُولُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ بَابُ الْبَيْعِ مَسْدُودًا وَهُوَ مَفْتُوحٌ بِدَلِيلٍ جَوَازِ الْبَيْعِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا بَيْعُ الْمَنْقُولِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَنَّ فِي الْمَنْقُولِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ عَلَى اعْتِبَارِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَتَبَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَقَدْ رُوِيَ فِي السُّنَنِ مُسْنَدًا إلَى الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» وَالْغُرُورِ مَا طُوِيَ عَنْك عِلْمُهُ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ مَا قَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ أَنَّ كُلَّ عِوَضٍ مُلِكَ بِعَقْدٍ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهِ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَالْمَبِيعِ وَالْأُجْرَةُ إذَا كَانَتْ عَيْنًا وَبَدَلُ الصُّلْحِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَمَا لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَعَلَّلَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَهُ لَا يَنْقُضُ الْعَقْدَ وَيَكُونُ عَلَى الَّذِي بَذَلَهُ قِيمَتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ) أَيْ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَفَسَّرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ بِقَوْلِهِ أَيْ الْعَقْدُ الثَّانِي وَكَأَنَّهُ سَهْوُ الْقَلَمِ أَوْ غَلَطٌ فِي الْأَصْلِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَفَسَّرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ) أَرَادَ بِهِ صَاحِبَ النِّهَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ بَاعَ غَيْرَ الْمَنْقُولِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا صَلَاحُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَوَاشِي ابْنِ فِرِشْتَا بَعْدَ أَنْ سَاقَ مَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ مَا نَصُّهُ الظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ غَيْرِ فِي قَوْلِهِ لَوْ بَاعَ غَيْرَ الْمَنْقُولِ زَائِدَةٌ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ قَالَ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَخْ ثُمَّ قَالَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ نَقَدَ الثَّمَنَ فَالْبَيْعُ الثَّانِي نَافِذٌ إلَخْ وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الْمَنْقُولِ إذْ بَيْعُ الْعَقَارِ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَهُ عَقِيبَ تَفْرِيغِ الْعَقَارِ تَوَهَّمَ الشَّارِحُ أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَهَبَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ

يَجُزْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَيَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَغَيْرُ الْبَائِعِ يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْ الْمُشْتَرِي فِي الْقَبْضِ فَيَصِيرُ قَبْضُ الْمَأْمُورِ قَبْضًا لَهُ أَوَّلًا بِحُكْمِ النِّيَابَةِ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بِالتَّمْلِيكِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَمْلِيكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَاسِدٌ وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تَجُوزُ كَبَيْعِ الْعَيْنِ لِتَمَكُّنِ غَرَرِ الِانْفِسَاخِ فِيهَا بِهَلَاكِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأُجْرَةِ الْعَيْنَ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَيْنَ لَوْ هَلَكَتْ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَ الْغَرَرِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ الْآبِقَةَ جَازَ وَإِنْ تَمَكَّنَ الْغَرَرُ فِيهِ فَإِنَّهَا لَا يُدْرَى أَحَيَّةٌ هِيَ أَمْ مَيِّتَةٌ وَلَوْ وَهَبَ الْمَبِيعَ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَقَبِلَهُ الْبَائِعُ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ هَذَا الْبَيْعُ وَلَمْ يُنْتَقَضْ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْهِبَةَ مَجَازٌ عَنْ الْإِقَالَةِ يُقَالُ هَبْ لِي ذَنْبِي وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي بِخِلَافِ الْبَيْعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اشْتَرَى مَكِيلًا كَيْلًا حَرُمَ بَيْعُهُ وَأَكْلُهُ حَتَّى يَكِيلَهُ وَمِثْلُهُ الْمَوْزُونُ وَالْمَعْدُودُ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى الْمَكِيلَ بِشَرْطِ الْكَيْلِ أَوْ الْمَوْزُونَ بِشَرْطِ الْوَزْنِ أَوْ الْمَعْدُودَ بِشَرْطِ الْعَدِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْعَدِّ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِقَوْلِ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ صَاعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَكُونُ مَوْرُوثًا لِلْوَرَثَةِ فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَهَبَ الْمَبِيعَ مِنْ الْبَائِعِ إلَخْ) وَلَوْ رَهَنَهُ مِنْ الْبَائِعِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ. اهـ. مُحِيطٌ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْبَيْعِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ عَنْ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهَا. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ اشْتَرَى مَكِيلًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ إذَا اشْتَرَيْت شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ فَاشْتَرَيْت مَا يُكَالُ كَيْلًا أَوْ مَا يُوزَنُ وَزْنًا أَوْ مَا يُعَدُّ عَدًّا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَكِيلَهُ أَوْ تَزِنَهُ أَوْ تَعُدَّهُ فَإِنْ بِعْته قَبْلَ أَنْ تَفْعَلَ وَقَدْ قَبَضْته فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَإِنْ اشْتَرَيْت مُذَارَعَةً وَقَبَضْته ثُمَّ بِعْته قَبْلَ أَنْ تَذْرَعَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ هَذَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا يَبِيعُ الْعَدَدِيَّ إذَا اشْتَرَاهُ عَدَدًا حَتَّى يَعُدَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ قَبْلَ الْعَدِّ مَا حُكْمُهُ، وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي فَقَالَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَأَبُو حَنِيفَةَ جَعَلَ ذِكْرَ الْعَدَدِ بِمَنْزِلَةِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَأَبُو يُوسُفَ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الذَّرْعِ وَهَكَذَا ذُكِرَ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ الْفَقِيهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَهَكَذَا ذَكَرَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَلَكِنْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَمْوَالَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مُقَدَّرَاتٍ كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَعَدَدِيَّاتٍ وَمَذْرُوعَاتٍ فَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ اشْتَرَاهُ مُجَازَفَةً وَقَبَضَهُ جَازَ تَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَبِيعٌ فَيَكُونُ بَائِعًا مِلْكَ نَفْسِهِ فَجَازَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ أَوْ عَلَى أَنَّهُ كَذَا مَنًّا لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» فَلَمَّا ثَبَتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ حُكْمُ الْكَيْلِ ثَبَتَ حُكْمُ الْوَزْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا يَجْرِيَانِ مَجْرًى وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُمَا شَطْرُ عِلَّةِ الرِّبَا وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْبَيْعِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ إذَا كَانَ لِمَعْنًى فِي الْمَبِيعِ وَهُوَ جَهَالَتُهُ بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ تَنَاوَلَ مَا يَحْوِيهِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ وَهُوَ مَجْهُولٌ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَإِنْ زَادَ رَدَّ الزِّيَادَةَ وَإِنْ نَقَصَ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَنْ يَكُونُ فِيهِ احْتِمَالُ خَلْطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ مِثْلِهِ وَاجِبٌ فَلَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِيهِ بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَإِنْ كَالَ الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْبَتِهِ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَاعَ الْبَائِعِ وَلَا صَاعَ الْمُشْتَرِي وَالشَّرْطُ أَنْ يُوجَدَ الصَّاعَانِ مِنْهُمَا بِالْحَدِيثِ. وَإِنْ كَالَهُ أَوْ وَزَنَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي مَرَّةً فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ قَالَ عَامَّتُهُمْ كَفَاهُ ذَلِكَ حَتَّى يَحِلَّ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ ثَانِيًا، وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مَرَّتَيْنِ احْتِجَاجًا بِالْحَدِيثِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ إعْلَامُ الْمَبِيعِ وَإِفْرَازُهُ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِعَادَةِ قَالُوا الْحَدِيثُ وَرَدَ فِيمَا إذَا وُجِدَ عَقْدَانِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا مِثْلَ كُرِّ السَّلَمِ وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ اقْتِضَاءً عَنْ السَّلَمِ، فَإِنَّ ثَمَّةَ يُشْتَرَطُ صَاعَانِ صَاعٌ لِلْمُسْلِمِ وَصَاعٌ لِرَبِّ السَّلَمِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكِيلُهُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَكِيلُهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ هَاهُنَا وُجِدَ عَقْدَانِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَيَشْتَرِطُ لِكُلِّ عَقْدٍ كَيْلٌ عَلَى حِدَةٍ قُلْنَا إذَا كَالَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بِلَا شَكٍّ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ حَتَّى يُوجَدَ كَيْلٌ آخَرُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ مِنْ جُمْلَةِ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَمْتَازُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ وَالتَّسْلِيمُ مِنْ الْغَائِبِ لَا يَتَحَقَّقُ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى بَاعَهُ بَعْدَمَا قَبَضَهُ فَسَدَ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَزِيدَ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ فِي بَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ إذَا كَالَ الْبَائِعُ مِنْهُ قَفِيزًا بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ أَنَّ الْبَيْعَ قَائِمٌ يَتَعَيَّنُ فِيمَا بَقِيَ وَلَا يُقْطَعُ بِهِ الْإِفْرَازُ وَمَسْأَلَتُنَا وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى السَّوَاءِ قَالَ قَاضِي خَانْ وَإِنْ اشْتَرَى مُكَايَلَةً وَبَاعَ مُجَازَفَةً قَبْلَ الْكَيْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ اهـ.

الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ «كُنْت أَبْتَاعُ التَّمْرَ مِنْ بَطْنٍ مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو قَيْنُقَاعَ وَأَبِيعُهُ بِرِبْحٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ إذَا ابْتَعْت فَاكْتَلْ وَإِذَا بِعْت فَكِلْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ وَالْعَدَّ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ فَأَصْلُ الْقَبْضِ شَرْطٌ لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَذَا تَمَامُهُ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ إذَا وَجَدَهُ أَكْثَرَ مِنْ كَيْلِ الْبَائِعِ بِأَنْ كَانَ كَالَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ. وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الثَّوْبَ مُذَارَعَةً وَلَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ إذْ الذَّرْعُ وَصْفٌ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَيَّنَ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ الْتَحَقَ بِالْقَدْرِ فِي حَقِّ ازْدِيَادِ الثَّمَنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَارَ الْمَبِيعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ هُوَ الثَّوْبُ الْمُقَدَّرُ وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِالذَّرْعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ رَدُّ الزِّيَادَةِ فِيمَا لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَتَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ مِنْ الثَّمَنِ فِيمَا يَضُرُّهُ وَيَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ انْتِقَاضِهِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْزُونُ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ الْوَزْنِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِيهِمَا أَخْذُ مَعْنَى تَعْيِينِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَفِي غَيْرِهِمْ لَمْ يَأْخُذْهُ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ كَانَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ ثَمَنًا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَأَنْ يَجُوزَ قَبْلَ تَمَامِهِ أَوْلَى فَصَارَ كَالْمَهْرِ الْمَكِيلِ فَإِذَا كَانَ كَيْلُ الْمَبِيعِ شَرْطًا لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ لَا يُعْتَبَرُ كَيْلُ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْلِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهُوَ الشَّرْطُ وَلَا كَيْلُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بِهِ يَصِيرُ مَعْلُومًا وَلَا تَسْلِيمَ إلَّا بِحَضْرَتِهِ وَلَوْ كَالَهُ الْبَائِعُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ قِيلَ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ فِيهِ صَاعَيْنِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ وَاحِدٍ وَتَحَقَّقَ مَعْنَى التَّسْلِيمِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اجْتَمَعَتْ الصَّفْقَتَانِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي بَابِ السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْمَعْدُودَ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ وَعَنْهُ أَنَّهُ كَالْمَذْرُوعِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَالْمَذْرُوعِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَعْدُودَ الْمُتَقَارِبَ يُسَاوِي الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْفَسَادُ وَهُوَ جَهَالَةُ الْمَبِيعِ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى جَوْزًا عَلَى أَنَّهُ أَلْفٌ فَوَجَدَهُ أَكْثَرَ يَرُدُّ الزَّائِدَ وَإِنْ وَجَدَهُ أَنْقَصَ سَقَطَ عَنْهُ الثَّمَنُ بِحِصَّتِهِ بِخِلَافِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ بِدَلِيلٍ يُوجِبُهَا وَهَذَا أَظْهَرُ وَلَوْ اشْتَرَى الْمَكِيلَ أَوْ الْمَوْزُونَ شِرَاءً فَاسِدًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ بِغَيْرِ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَالْبَيْعُ الثَّانِي جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ فَصَارَ الْمَمْلُوكُ قَدْرَ الْمَقْبُوضِ لَا قَدْرَ الْمَذْكُورِ فِيهِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ اسْتَقْرَضَ طَعَامًا بِكَيْلٍ ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْكَيْلِ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَهَذَا الِاسْتِشْهَادُ يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَطَ الْكَيْلَ مَرَّتَيْنِ فِي الْمَبِيعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْمَذْرُوعُ) أَيْ لَا يَحْرُمُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ الْمَذْرُوعِ بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ الذَّرْعِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الذَّرْعِ؛ لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ لَهُ وَلَيْسَ بِقَدْرٍ فَيَكُونُ كُلُّهُ لِلْمُشْتَرِي بِلَا زِيَادَةِ ثَمَنٍ وَلَا نُقْصَانٍ إنْ وَجَدَهُ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا هَذَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا وَإِنْ سَمَّى فَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ حَتَّى يَذْرَعَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ)؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ لِلتَّصَرُّفِ الْمِلْكُ وَقَدْ ثَبَتَ لَهُ فِيهِ الْمِلْكُ وَالنَّهْيُ وَرَدَ فِي الْمَبِيعِ لِاحْتِمَالِ غَرَرِ الِانْفِسَاخِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ مَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ وَالْقَبْضُ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَقْبِضُ غَيْرَهُ مِثْلَهُ عَيْنًا فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَهَذَا تَصَرُّفٌ فِيهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ خِلَافُ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْبُوضُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ إذْ الْكُلُّ مُعَاوَضَةٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا نَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَنَأْخُذُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ كَانَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ ثَمَنًا) أَيْ بِأَنْ بَاعَ شَيْئًا بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فِي الذِّمَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَا مُشَارًا إلَيْهِمَا فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ اجْتِمَاعُ الصَّفْقَتَيْنِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَصُورَتُهُ رَجُلٌ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ أَنْ يَقْبِضَهُ قَضَاءً لَمْ يَكُنْ قَضَاءً وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ ثُمَّ يَقْبِضُهُ لِنَفْسِهِ فَاكْتَالَهُ ثُمَّ اكْتَالَ لِنَفْسِهِ جَازَ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمَبْسُوطِ اهـ. (فَرْعٌ) اسْتَقْرَضَ ثُمَّ قَضَاهُ فَقَبَضَ الْمُقْرِضُ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ حَلَّ لَهُ التَّصَرُّفُ بِلَا كَيْلٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. اهـ. مُنْيَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا الْمَذْرُوعُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمَّا الْمَذْرُوعَاتُ كَالثَّوْبِ وَالْعَقَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ اشْتَرَى مُجَازَفَةً أَوْ بِشَرْطِ الذَّرْعِ بِأَنْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ مَثَلًا فَقَبَضَهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الذَّرْعِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ خَلْطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ؛ لِأَنَّ الذَّرْعَ صِفَةٌ يُمْلِكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَصَحَّ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْأَثْمَانِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ مِنْ الْمَهْرِ وَالْأُجْرَةِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَنَحْوِهَا سِوَى الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُطْلَقٌ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَيْضًا ذَلِكَ فِي الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ وَهُوَ مَعْلُولٌ بِغَرَرِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَثْمَانِ وَالدُّيُونِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ قَالَ، وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمَوْرُوثَ فِي الْمِلْكِ، وَكَذَا الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ. اهـ. .

مَكَانَ الدَّرَاهِمِ الدَّنَانِيرَ وَمَكَانَ الدَّنَانِيرِ الدَّرَاهِمَ فَكَانَ يُجَوِّزُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» بِخِلَافِ السَّلَمِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ خِلَافَ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا جَعَلَهُ الشَّرْعُ كَالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ، وَكَذَا بَدَلُ الصَّرْفِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمُرَادُ بِالتَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ تَمْلِيكُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ أَنْ يَمْلِكَهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالزِّيَادَةُ فِيهِ وَالْحَطُّ مِنْهُ وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِكُلِّهِ) أَيْ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ وَأَنْ يَزِيدَ فِي الْمَبِيعِ وَيَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ بِالْمَبِيعِ حَتَّى يَدْفَعَ الزِّيَادَةَ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الزِّيَادَةَ وَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْمُطَالَبَةَ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ كُلِّهِ بِتَسْلِيمِ مَا بَقِيَ مِنْ الْحَطِّ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَصِحَّانِ عَلَى اعْتِبَارِ الِالْتِحَاقِ بَلْ عَلَى اعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ الصِّلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الزِّيَادَةِ ثَمَنًا إذْ بِهِ يَصِيرُ مِلْكُهُ عِوَضَ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَبِيعَ، وَكَذَا الْحَطُّ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ صَارَ مُقَابَلًا بِجَمِيعِ الْمَبِيعِ فَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ فَصَارَ بِرًّا مُبْتَدَأً، أَلَا تَرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ لَا تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ حَتَّى لَا يَنْتَصِفَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلِهَذَا حَطُّ الْكُلِّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ بَلْ هُوَ بِرٌّ مُبْتَدَأً فَكَذَا الْبَعْضُ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَلَنَا أَنَّهُمَا بِالْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ يُغَيِّرَانِ الْعَقْدَ مِنْ وَصْفٍ مَشْرُوعٍ إلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ وَهُوَ كَوْنُهُ خَاسِرًا أَوْ رَابِحًا أَوْ عَدْلًا وَلَهُمَا وِلَايَةُ ذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُمَا أَنْ يَجْعَلَاهُ لَازِمًا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ بِاشْتِرَاطِهِ بَعْدَ أَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى خِلَافِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةَ الرَّفْعِ بِالْكُلِّيَّةِ بِالتَّقَايُلِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمَا وِلَايَةُ التَّغْيِيرِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ لِكَوْنِهِ وَصْفًا لَهُ فَإِذَا صَحَّ الْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَلَزِمَ كَلُزُومِهِ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الشَّيْءِ يَقُومُ بِهِ لَا بِنَفْسِهِ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] أَيْ فِي فَرِيضَةٍ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الزِّيَادَةِ الْمَفْرُوضَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ كَحُكْمِ الْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَّا مَا كَانَ مُسَمًّى عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يُسَمِّ فِي الْعَقْدِ شَيْئًا ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى تَسْمِيَةٍ لَا يَنْتَصِفُ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا وَعَلَى اعْتِبَارِ الِالْتِحَاقِ لَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ وَلَا الْمَحْطُوطُ ثَمَنًا غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ الْعَقْدِ بِخِلَافِ حَطِّ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ هِبَةً أَوْ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَيَفْسُدُ وَقَدْ كَانَ مِنْ قَصْدِهِمَا التِّجَارَةُ بِعَقْدٍ مَشْرُوعٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَالِالْتِحَاقُ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى تَبْدِيلِهِ فَلَا يَلْتَحِقُ بِهِ ثُمَّ فَائِدَةُ الِالْتِحَاقِ تَظْهَرُ فِي التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ حَتَّى يَجُوزَ عَلَى الْكُلِّ فِي الزِّيَادَةِ وَيُبَاشِرُ عَلَى الْبَاقِي فِي الْحَطِّ وَيَظْهَرُ أَيْضًا فِي الشُّفْعَةِ حَتَّى يَأْخُذَ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ الْحَطِّ، وَإِنَّمَا لَا يَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ الثَّابِتِ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَهُمَا لَا يَمْلِكَانِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُنْتَقَضُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي حَتَّى الْفَسْخُ وَيَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا إذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالزِّيَادَةِ. وَلَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالزِّيَادَةِ وَيَظْهَرُ أَيْضًا فِي حَقِّ الْفَسَادِ فِي الصَّرْفِ حَتَّى لَوْ بَاعَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّرَاهِمِ مُتَسَاوِيَةً ثُمَّ زَادَ أَحَدُهُمَا أَوْ حَطَّ وَرَدَّ الْمَحْطُوطَ وَقَبِلَ الْآخَرُ وَقَبَضَ الْمَزِيدَ فِي الزِّيَادَةِ أَوْ الْمَرْدُودَ فِي الْحَطِّ فَسَدَ الْعَقْدُ كَأَنَّهُمَا عَقَدَاهُ كَذَلِكَ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَلَا تَصِيرُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً وَكَذَلِكَ الْحَطُّ لَا يَصِحُّ وَلَا يَصِيرُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْمَحْطُوطَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَةِ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْحَطِّ يَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً وَيَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا إذَا زَادَ عَلَى الْمَبِيعِ حَتَّى يَصِيرَ لَهُ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ لِلْحَالِّ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ تَسْقُطُ حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْمَبِيعِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَشْرُوطَةَ صَارَتْ تَبَعًا لِلْأَصْلِ فِي حَقِّ الثُّبُوتِ ضَرُورَةَ الصِّحَّةِ فَإِذَا صَحَّتْ زَالَتْ الضَّرُورَةُ فَزَالَتْ التَّبَعِيَّةُ وَبَقِيَتْ الْأَصَالَةُ فِي حَقِّ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ كَأَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً وَقْتَ الْعَقْدِ فَأَمْكَنَ تَقْدِيرُ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَصَارَ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى الْأَصْلِ وَعَلَى الزِّيَادَةِ جَمِيعًا. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ فَمَعْدُومَةٌ وَقْتَ الْعَقْدِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهَا بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَصَارَتْ مَمْلُوكَةً بِمِلْكِ الْأَصْلِ لَا بِالْعَقْدِ فَإِذَا قَبَضَهَا صَارَتْ أَصْلًا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ لِلْقَبْضِ شَبَهًا بِالْعَقْدِ فَيَصِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ وَالْحَطُّ مِنْهُ وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَالْحَطِّ مِنْهُ وَالزِّيَادَةَ فِي الْمَبِيعِ وَسَكَتَ عَنْ الْحَطِّ مِنْهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ الشَّارِحِينَ لَكِنْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ اشْتَرَى قَفِيزَ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهِ فَحَطَّ عَنْ الْبَائِعِ رُبُعَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ وَإِسْقَاطُ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ اشْتَرَى قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ ثُمَّ حَطَّ عَنْهُ رُبُعَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَإِسْقَاطُ الدَّيْنِ يَصِحُّ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي مَجْلِسِ الزِّيَادَةِ وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَتْ، وَكَذَا الزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ. اهـ. طَرْسُوسِيٌّ (قَوْلُهُ بِتَسْلِيمِ مَا بَقِيَ مِنْهُ) أَيْ الثَّمَنِ بَعْدُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَتَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا إذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي) أَيْ وَكَذَا إذَا اسْتَحَقَّ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ الْحَطِّ. اهـ. مُسْتَصْفَى

لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا رَدَّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ يَقْسِمُ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَيَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ زَادَ الزَّوْجُ عَلَى مَهْرِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ تَكُونُ الزِّيَادَةُ لِلْمَوْلَى ثُمَّ الزِّيَادَةُ لَا تَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَبْقَ عَلَى حَالٍ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَالشَّيْءُ يَثْبُتُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ بِخِلَافِ الْحَطِّ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قِيَامُ الْعَقْدِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ بَعْدَ الْهَلَاكِ بِمَنْزِلَةِ الْحَطِّ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَالَ ثُبُوتِهَا لَمْ يُقَابِلْهَا عِوَضٌ، وَإِنَّمَا يُقَابِلُهَا بَعْدَ الْتِحَاقِهَا بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ الْمَبِيعِ حَالَةَ الِالْتِحَاقِ لَا حَالَةَ الثُّبُوتِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا فَمَاتَتْ فَزَادَهُ الْبَائِعُ جَارِيَةً أُخْرَى جَازَ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تَثْبُتُ مُقَابَلَةً بِالثَّمَنِ وَالثَّمَنُ قَائِمٌ وَلَوْ زَادَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي جَانِبِهِ تَثْبُتُ مُقَابَلَةً بِالْمَبِيعِ وَالْمَبِيعُ هَالِكٌ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَالْهَلَاكُ الْحُكْمِيُّ مُلْحَقٌ بِالْهَلَاكِ الْحَقِيقِيِّ وَذَلِكَ بِأَنْ بَاعَ الْمَبِيعَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ زَادَ فِي الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِتَبَدُّلِ سَبَبِ الْمِلْكِ ارْتَفَعَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ وَصَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هَالِكًا حُكْمًا. وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَبِيعَ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ أَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ أَوْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَإِنَّمَا يَلْحَقُ الْحَطُّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحْطُوطُ تَبَعًا وَوَصْفًا أَمَّا إذَا كَانَ تَبَعًا فَلَا يَلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِأَلْفٍ جِيَادٍ فَنَقَدَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً وَرَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ فَإِنَّ الشَّفِيعَ لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِالْجِيَادِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ فَاعْوَرَّ وَرَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الدَّارَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ صَحِيحًا وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا جُعِلَ مَوْجُودًا فِي الذِّمَّةِ لِحَاجَةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَالزِّيَادَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا تَدْفَعُ حَاجَتَهُ بَلْ تَزِيدُ فِي حَاجَتِهِ فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْكُوحَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَا وَرَدَ بِتَمَلُّكِ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْمَمْلُوكَةِ بِالنِّكَاحِ تَبَعًا لِلْمَنْكُوحَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَأْجِيلُ كُلِّ دَيْنٍ غَيْرَ الْقَرْضِ) أَيْ يَجُوزُ تَأْجِيلُ كُلِّ دَيْنٍ غَيْرَ دَيْنِ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا بِالْإِبْرَاءِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْلِكَ إسْقَاطَهَا مُؤَقَّتًا بِالتَّأْجِيلِ وَلَوْ أَجَّلَهُ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ فَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيحِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً كَالتَّأْجِيلِ إلَى الْحَصَادِ جَازَ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَفِي دَيْنِ الْقَرْضِ لَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ خِلَافًا لِمَالِكٍ هُوَ يَقُولُ أَنَّهُ حَقُّهُ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ فِيهِ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَلَنَا أَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ وَصِلَةُ ابْتِدَاءٍ، وَلِهَذَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ وَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالصَّبِيِّ وَالْوَلِيِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَمُعَاوَضَة انْتِهَاءٍ حَتَّى يَلْزَمَهُ رَدُّ مِثْلِهِ فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِيهِ كَالْإِعَارَةِ فَإِنَّ الْمُعِيرَ إذَا وَقَّتَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ لَا سِيَّمَا إذَا كَمُلَتْ الْعِلَّةُ وَحَرُمَ التَّفَاضُلُ بِهَا وَلِأَنَّ الْأَجَلَ لَوْ لَزِمَ فِيهَا لَصَارَ التَّبَرُّعُ مُلْزَمًا عَلَى الْمُتَبَرِّعِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُقْرَضَ فُلَانٌ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ حَيْثُ يَجُوزُ مِنْ الثُّلُثِ وَيَلْزَمُ وَلَا يُطَالِبُ حَتَّى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ وَالْوَصِيَّةُ يُتَسَامَحُ فِيهَا مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي غَيْرِهَا نَظَرًا لِلْمُوصِي، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجُوزُ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَتَلْزَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ الزِّيَادَةُ لَا تَصِحُّ إلَخْ) وَالنَّصْرَانِيَّانِ إذَا تَبَايَعَا خَمْرًا ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ لِأَنَّهُ كَالْهَالِكِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: يَثْبُتُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ) أَيْ وَلَمْ تَثْبُتْ الزِّيَادَةُ لِعَدَمِ مَا يُقَابِلُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا) أَيْ وَكَذَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ. اهـ. أَنْفَعُ الْوَسَائِلِ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتَأْجِيلُ كُلِّ دَيْنٍ غَيْرَ الْقَرْضِ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى فَإِنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ إذَا أَجَّلَهُ عِنْدَ الْإِقْرَاضِ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ بَعْدَهُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ قَرْضٍ فَأَخَّرَهُ إلَى أَجَلٍ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي أَصْلِهِ مُؤَجِّلًا وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْضٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ حَالًّا اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ زُفَرُ لَا يَلْتَحِقُ الْأَجَلُ بِالْعَقْدِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَالٌّ فَلَا يَتَأَجَّلُ كَالْقَرْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ فَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيحِ) أَيْ وَمَجِيءِ الْحَاجِّ وَقُدُومِ رَجُلٍ مِنْ سَفَرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: جَازَ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ) أَيْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْجُذَاذِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُعِيرَ إذَا وَقَّتَ) أَيْ إلَى سَنَةٍ. اهـ. مُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ) أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ اهـ مُسْتَصْفَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْحِيلَةُ فِي صِحَّةِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ أَنْ يُحِيلَ الْمُسْتَقْرِضُ الْمُقْرِضَ عَلَى آخَرَ بِدَيْنِهِ وَيُؤَجِّلُ الْمُقْرِضُ ذَلِكَ الرَّجُلَ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ. اهـ. فُصُولُ الْعِمَادِيَّةِ وَذَكَرَ هَذَا الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّهُ إذَا تَكَفَّلَ بِالْمَالِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ يَتَأَجَّلُ عَلَى الْأَصْلِ أَيْضًا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي وَلَكِنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْهُ حِيلَةً فِي تَأْجِيلِ الْقَرْضِ، وَكَذَا فِي الْكَافِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَجُوزُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً وَالتَّأْجِيلُ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَوْ يُقَالُ إنَّ بَدَلَ الْقَرْضَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ عَيْنُ الْمَقْبُوضِ إذْ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ كَذَلِكَ كَانَ مُبَادَلَةُ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَأَنَّهُ حَرَامٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ عَارِيَّةً ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَالتَّوْقِيتُ فِي الْعَوَارِيِّ غَيْرُ لَازِمٍ فَكَذَا الْأَجَلُ فِي الْقَرْضِ، وَلَوْ صَحَّحْنَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَصِيرُ لَازِمًا لَأَخْرَجْنَاهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَارِيَّةً وَمِنْ أَنْ يَكُونَ بَدَلَ الْقَرْضِ فِي حُكْمِ عَيْنِهِ فَيَكُونُ مُبَادَلَةَ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَأَنَّهُ حَرَامٌ وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْجَهُ. اهـ

[باب الربا]

بَابُ الرِّبَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ فَضْلُ مَالٍ بِلَا عِوَضٍ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ هُوَ مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا} [الروم: 39] إلَى قَوْلِهِ {فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: 39] وَسُمِّيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ رَبْوَةً لِزِيَادَتِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَمَاكِنِ ارْتِفَاعًا وَالرِّبَا مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِّلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِهِ حَتَّى يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعِلَّتُهُ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ) يَعْنِي بِالْقَدْرِ الْكَيْلَ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنَ فِي الْمَوْزُونِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْعِلَّةُ الطَّعْمُ بِانْفِرَادِهِ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالثَّمَنِيَّةِ بِانْفِرَادِهَا فِي الْأَثْمَانِ وَالْجِنْسُ شَرْطٌ عِنْدَهُ لِحَدِيثِ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْت أَسْمَعُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمئِذٍ الشَّعِيرَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الطَّعَامَ مُشْتَقٌّ مِنْ الطُّعْمِ فَذِكْرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ إذْ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَأْخَذَ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةٌ لَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] فَعِلَّةُ الْقَطْعِ وَالْجَلْدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الرِّبَا] الرِّبَا اسْمٌ مِنْ رَبَا الشَّيْءُ يَرْبُو إذَا زَادَ وَالْمَصْدَرُ رِبًا. اهـ. عَيْنِيٌّ ذَكَرَ الرِّبَا وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: 130] بَعْدَ مَا ذَكَرَ أَبْوَابَ الْبَيْعِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10]؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْفُو الْأَمْرَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ طَلَبُ الْإِيجَادِ وَالنَّهْيُ طَلَبُ الْإِعْدَامِ وَإِعْدَامُ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَابِقَةَ وُجُودِهِ لَا مَحَالَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: اعْلَمْ أَنَّ الرِّبَا نَوْعَانِ: رِبَا الْفَضْلِ وَرِبَا النَّسَاءِ فَالْأَوَّلُ فَضْلُ مَالٍ عَلَى الْمُقَدَّرِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالثَّانِي فَضْلُ الْحُلُولِ عَلَى الْأَجَلِ وَفَضْلُ الْعَيْنِ عَلَى الدَّيْنِ فِي الْمَكِيلَيْنِ وَالْمَوْزُونَيْنِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ أَوْ فِي الْجِنْسِ غَيْرِ الْمَكِيلَيْنِ وَالْمَوْزُونَيْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ بَابُ الرِّبَا مَا نَصُّهُ هُوَ مِنْ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيَّةِ قَطْعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: 130] بِسَبَبِ زِيَادَةٍ فِيهِ فَمُنَاسَبَتُهُ بِالْمُرَابَحَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زِيَادَةً إلَّا أَنَّ تِلْكَ حَلَالٌ وَهَذِهِ مَنْهِيَّةٌ وَالْحِلُّ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ فَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَالرِّبَا بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحُهَا خَطَأٌ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَسُمِّيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ رُبْوَةً) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالرُّبْوَةُ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ بِضَمِّ الرَّاءِ فِي الْأَكْثَرِ وَالْفَتْحُ لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَالْكَسْرُ لُغَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ «وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ») وَتَخْصِيصُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ الْمُعَامَلَاتِ الْكَائِنَةِ يَوْمئِذٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ فِيهَا. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعِلَّتُهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَالْعِلَّةُ الْكَيْلُ مَعَ الْجِنْسِ أَوْ الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيُقَالُ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ وَهُوَ أَشْمَلُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ يُقَالُ بَدَلُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ الْقَدْرُ وَهُوَ أَشْمَلُ وَأَخْصَرُ، لَكِنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ يَشْمَلُ الذَّرْعَ وَالْعَدَّ وَلَيْسَا مِنْ أَحْوَالِ الرِّبَا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْخَبَرَ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعُبَادَةَ مَعْلُولٌ أَمْ لَا قَالَ الْقَائِسُونَ بِأَجْمَعِهِمْ: إنَّهُ مَعْلُولٌ، لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: الْعِلَّةُ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ وَعَدُّوا هَذَا الْحُكْمَ إلَى كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ حَتَّى أَثْبَتُوا هَذَا الْحُكْمَ فِي الْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَنَحْوِهِمَا لِوُجُودِ الْكَيْلِ وَأَثْبَتُوهُ فِي الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِوُجُودِ الْوَزْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَقَالَ دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ: إنَّ الْخَبَرَ غَيْرُ مَعْلُولٍ وَلَا يَجْرِي الرِّبَا إلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخَبَرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ: قَوْلُهُ وَالْحُكْمُ يَعْنِي حُرْمَةَ الرِّبَا أَوْ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ مَعْلُولٌ بِإِجْمَاعِ الْقَائِسِينَ بِوُجُوبِ الْقِيَاسِ عِنْدَ شَرْطِهِ بِخِلَافِ الظَّاهِرِيَّةِ وَكَذَا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ حُكْمُ الرِّبَا مُقْتَصِرٌ عَلَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا أَمَّا الظَّاهِرِيَّةُ فَلِأَنَّهُمْ يَنْفُونَ الْقِيَاسَ وَأَمَّا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فَلِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ فِي كُلِّ أَصْلٍ أَنَّهُ مَعْلُولٌ وَلَمْ يَظْهَرْ هُنَا وَلِأَنَّهُ يَبْطُلُ الْعَدَدُ وَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي قَوْلِهِ «خَمْسٌ مِنْ الْفَوَاسِقِ». اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْعِلَّةُ الطَّعْمُ بِانْفِرَادِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْفَضْلِ عَلَى مَا قَالَ فِي التُّحْفَةِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي بَيْعِ مَطْعُومٍ بِجِنْسٍ غَيْرِ مُقَدَّرٍ كَبَيْعِ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالسَّفَرْجَلَةِ بالسفرجلتين وَنَحْوِهِمَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الْقَدْرِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الطُّعْمُ وَالثَّانِي فِي بَيْعِ مُقَدَّرٍ غَيْرِ مَطْعُومٍ كَبَيْعِ قَفِيزِ جِصٍّ بِقَفِيزَيْ جِصٍّ أَوْ مَنِّ حَدِيدٍ بِمَنَوَيْ حَدِيدٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا فِي الْجِصِّ لِوُجُودِ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ وَهِيَ الْكَيْلُ وَالْجِنْسُ وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الطَّعْمُ وَفِي الْحَدِيدِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْجِنْسِ وَالْوَزْنِ وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ الثَّمَنِيَّةِ وَالطُّعْمِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا بَاعَ قَفِيزَ أُرْزٍ بِقَفِيزَيْ أُرْزٍ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْكَيْلِ وَالْجِنْسِ عِنْدَنَا وَلِوُجُودِ الطُّعْمِ وَالْجِنْسِ عِنْدَهُ وَكَذَا أَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا بَاعَ مَنَّ زَعْفَرَانٍ بِمَنَوَيْ زَعْفَرَانٍ أَوْ مَنَّ سُكَّرٍ بِمَنَوَيْ سُكَّرٍ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْوَزْنِ وَالْجِنْسِ عِنْدَنَا وَلِوُجُودِ الْجِنْسِ وَالطُّعْمِ عِنْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجِنْسُ شَرْطٌ عِنْدَهُ) أَيْ لِعَمَلِ الْعِلَّةِ عَمَلَهَا؛ لِأَنَّ الطُّعْمَ وَالثَّمَنِيَّةَ لَا تَعْمَلُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ. اهـ.

السَّرِقَةُ وَالزِّنَا وَلِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَضْيِيقِ تَحْصِيلِهِ؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالنَّهْيِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ حُرْمَةَ الْبَيْعِ أَصْلٌ فِيهِ وَالْجَوَازُ مُعَارِضٌ وَهُوَ التَّقَابُضُ وَالْمُسَاوَاةُ مُخَلِّصٌ إذْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ «لَا تَبِيعُوا» لَمَا جَازَ بَيْعُهُ وَتَعْلِيقُ جَوَازِهِ بِشَرْطَيْنِ يَدُلُّ عَلَى عِزَّتِهِ وَخَطَرِهِ كَمِلْكِ الْبُضْعِ ضُيِّقَ تَحْصِيلُهُ بِاشْتِرَاطِ الشُّهُودِ وَالْمَهْرِ لِعِزَّتِهِ وَخَطَرِهِ فَيُعَلَّلُ بِعِلَّةٍ تُنَاسِبُ الْعِزَّةَ وَهِيَ الطُّعْمُ فِي الْمَطْعُومَاتِ لِبَقَاءِ الْأَنْفُسِ بِهِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي الْأَثْمَانِ لِبَقَاءِ الْأَمْوَالِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ مَصَالِحِهَا بِهَا وَلَا أَثَرَ لِلْجِنْسِيَّةِ وَالْقَدْرِ فِي زِيَادَةِ الْعِزَّةِ وَالْخَطَرِ لِوُجُودِهِمَا فِي خَطِيرٍ وَحَقِيرٍ، لَكِنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَجَعَلْنَاهُ شَرْطًا وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ الشَّرْطِ كَالرَّجْمِ مَعَ الْإِحْصَانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْعِلَّةِ أَنَّ الْعِلَّةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي الْحُكْمِ دُونَ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يُضَافُ وُجُودُهُ إلَى الْعِلَّةِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا إلَى الشَّرْطِ وَقَالَ مَالِكٌ: الْعِلَّةُ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَصَّ بِالذِّكْرِ فِيمَا رَوَيْنَا كُلَّ مُقْتَاتٍ وَمُدَّخَرٍ وَلِأَنَّ الْعِزَّةَ وَالْخَطَرَ بِهِ أَكْمَلُ فَكَانَ أَنْسَبَ وَأَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ وَأَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا وُزِنَ مِثْلٌ بِمِثْلٍ إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا وَمَا كِيلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُمَا عِلَّةُ الْحُكْمِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ يُنْبِئُ عَنْ عِلِّيَّةِ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ مِثْلًا بِمِثْلٍ بِسَبَبِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ مَعَ الْجِنْسِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُمْ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا فَقَالَ: إنَّا نَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالَ لَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلُ ذَلِكَ» أَيْ فِي الْمَوْزُونِ إذْ نَفْسُ الْمِيزَانِ لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا وَهُوَ أَقْوَى حُجَّةً فِي عِلِّيَّةِ الْقَدْرِ وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْمَوْزُونَ كُلَّهُ الثَّمَنَ وَالْمَطْعُومَ وَغَيْرَهُمَا فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمَا فِي مَنْعِهِمَا ذَلِكَ وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلَا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ» الْمُرَادُ مَا يَحِلُّ الصَّاعَ إذْ لَا يَجْرِي الرِّبَا فِي نَفْسِ الصَّاعِ وَهُوَ عَامٌّ فِيمَا يَحِلُّهُ فَيَتَنَاوَلُ الْمَطْعُومَ وَغَيْرَهُ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمَا وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مَجَازٌ فَلَا عُمُومَ لَهُ لِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَهُ عُمُومٌ كَالْحَقِيقَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إنَّمَا تَعُمُّ لِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهَا لَا لِكَوْنِهَا حَقِيقَةً وَالْمَجَازُ يُشَارِكُهَا فِي هَذَا الْمَعْنَى فَيَعُمُّ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّمَاثُلُ إذْ الْبَيْعُ يُنْبِئُ عَنْ التَّقَابُلِ وَذَلِكَ بِالتَّمَاثُلِ وَاعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ فَأَوْجَبَهُ صِيَانَةً لِأَمْوَالِهِمْ عَنْ التَّوَى وَتَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ بِالتَّسْلِيمِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَكُونُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ قَدْرًا تَاوِيًا عَلَى صَاحِبِهِ بِلَا عِوَضٍ وَكَذَا الْحَالُّ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤَجَّلِ فَتَفُوتُ بِهِ التَّسْوِيَةُ وَفَائِدَةُ الْمُبَايَعَةِ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمُؤَجَّلِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِثْلًا بِمِثْلٍ» فَعِنْدَ فَوَاتِهِ تَلْزَمُ الْحُرْمَةُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْفَضْلُ رِبًا فَيُعَلَّلُ بِعِلَّةٍ تُؤَثِّرُ فِي إيجَابِ التَّمَاثُلِ فَيَتَعَيَّنُ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يُوجِبَانِهِ إذْ التَّمَاثُلُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كُلَّ مُحْدَثٍ مَوْجُودٌ بِاعْتِبَارِهِمَا فَالْمِعْيَارُ يُسَوِّي الذَّاتَ وَالْجِنْسِيَّةُ تُسَوِّي الْمَعْنَى لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَقْصِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ كَيْلًا مِنْ بُرٍّ يُسَاوِي كَيْلًا مِنْ أُرْزٍ أَوْ شَعِيرٍ فِي الصُّورَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ لِعَدَمِ مَا قُلْنَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْوَصْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا فِي الْعَادَةِ وَلِأَنَّهُ قَلَّمَا يُوجَدُ فِيهِ غَيْرَ مُتَفَاوِتٍ فَاشْتِرَاطُ التَّسَاوِي فِيهِ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ وَالطَّعْمُ وَالِاقْتِيَاتُ وَالثَّمَنِيَّةُ وَالِادِّخَارُ مِنْ أَعْظَمِ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ وَالْحَاجَةُ إلَيْهَا مِنْ أَشَدِّ الْحَاجَاتِ وَأَهَمِّهَا فَسُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي مِثْلِهِ التَّوْسِعَةُ وَالْإِطْلَاقُ دُونَ التَّضْيِيقِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَيْتَةَ أَبَاحَهَا عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ لِلْحَاجَةِ وَكَذَا أَجَازَ الِانْتِفَاعَ بِالْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِمَظِنَّةِ الْحَاجَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) لَفْظُ الْخُدْرِيِّ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا) يُقَالُ لَهُ سَوَادُ بْنُ غَزِيَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ: «لَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ») قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالْجَمْعُ الدَّقَلُ؛ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ وَيُخْلَطُ مِنْ تَمْرِ خَمْسِينَ نَخْلَةً وَقِيلَ كُلُّ لَوْنٍ مِنْ النَّخْلِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ فَهُوَ جَمْعٌ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى التَّمْرِ الرَّدِيءِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» وَالْجَنِيبُ مِنْ أَجْوَدِ التَّمْرِ اهـ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ أَيْضًا: الدَّقَلُ مِنْ أَرْدَأِ التَّمْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ») أَيْ وَلَا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ الْمُرَادُ مَا يَحِلُّ الصَّاعِ) أَيْ وَيُجَاوِرُهُ مَجَازًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذْ لَا يَجْرِي الرِّبَا فِي نَفْسِ الصَّاعِ) أَيْ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمِكْيَالِ بِمِكْيَالَيْنِ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَتَنَاوَلُ الْمَطْعُومَ وَغَيْرَهُ) وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ عِلَّتِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ مُتَفَاضِلًا مَعَ وُجُودِ الطُّعْمِ وَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَسْقَ وَإِنْ كَانَ مَطْعُومًا مُتَفَاضِلًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إنَّمَا تَعُمُّ لِأَمْرٍ زَائِدٍ) وَذَلِكَ إمَّا الْأَلْفُ وَاللَّامُ أَوْ لَفْظُ الْجَمْعِ أَوْ الْجِنْسِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ) أَيْ الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ» إيجَابُ التَّمَاثُلِ لَا إيجَابُ الْبَيْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ صِيَانَةً لِأَمْوَالِهِمْ عَنْ التَّوَى)؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ إذَا كَانَ أَنْقَصَ مِنْ الْآخَرِ يَكُونُ الزَّائِدُ خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ وَفِيهِ تَلَفُ الزَّائِدِ فَاشْتَرَطَ الْمُمَاثَلَةَ حَتَّى تُصَانَ أَمْوَالُ النَّاسِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «وَالْفَضْلُ رِبًا» أَيْ الْفَضْلُ عَلَى الْمُتَمَاثِلِ رِبًا أَيْ إنَّ الَّذِي نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ بِقَوْلِهِ {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] الْمُرَادُ بِهِ هَذَا الْفَضْلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالطُّعْمُ وَالِاقْتِيَاتُ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ مُتَمَسَّكِ الشَّافِعِيِّ. اهـ.

عَادَةً بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلَمَّا كَانَتْ حَاجَةُ الْحَيَوَانِ إلَى الْهَوَاءِ وَالْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَالنَّفَسِ أَشَدَّ جَعَلَهُ اللَّهُ أَوْسَعَ مِنْ غَيْرِهَا وَكُلُّ مَا اشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ كَانَتْ التَّوْسِعَةُ فِيهِ أَكْثَرَ فَتَعْلِيلُهُ بِمَا يُوجِبُ التَّوْسِعَةَ عَلَى التَّضْيِيقِ مِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى فَسَادِ الْوَضْعِ أَنْ يَفْسُدَ وَضْعُ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ لِكَوْنِهِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ الْحُكْمِ فَيُضَادَّهُ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ حُرْمَةَ الْبَيْعِ أَصْلٌ بَلْ الْأَصْلُ هُوَ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ إذَا ثَبَتَتْ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لَهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ خُلِقَتْ لِلِابْتِذَالِ فَيَكُونُ بَابُ تَحْصِيلِهَا مَفْتُوحًا فَيَجُوزُ مَا لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى مَنْعِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ يُرَدُّ عَلَى الْبِضْعِ وَهُوَ مُحْتَرَمٌ فَيُنَاسِبُ التَّضْيِيقَ إعْزَازًا لَهُ لِشَرَفِ الْآدَمِيِّ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ الْمُسَاوَاةَ مُخَلِّصٌ بَاطِلٌ وَلَئِنْ كَانَ مُخَلِّصًا فَهَلْ مُخَلِّصٌ فِي حَالَةِ التَّسَاوِي وَعِلَّةُ الْحُرْمَةِ فِي حَالَةِ التَّفَاضُلِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ يَتَضَمَّنُ حُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ فِي مَحِلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالنِّكَاحِ يُثْبِتُ الْحِلَّ فِي الْمَنْكُوحَةِ وَالْحُرْمَةَ فِي أُمِّهَا فَكَذَا الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ يُوجِبَانِ الْحُرْمَةَ عِنْدَ التَّفَاضُلِ وَالْحِلَّ عِنْدَ التَّسَاوِي وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِنَا هُمَا عِلَّةُ الرِّبَا وَالْقَاطِعُ لِلشَّغَبِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَطُ التَّمَاثُلَ بِقَوْلِهِ «مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَالتَّمَاثُلُ يَكُونُ بِالْوَزْنِ أَوْ الْكَيْلِ لَا غَيْرَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ لَا يَكُونُ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ وَأَنَّ الْأَمْوَالَ الرِّبَوِيَّةَ هِيَ الَّتِي تَكُونُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَمَا لَا يَكُونُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لَيْسَتْ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ إذْ الْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ مَحِلِّهِ وَلِهَذَا قَالُوا: لَا يَجْرِي الرِّبَا فِيمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمِعْيَارِ كَالْحَفْنَةِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَكَالذَّرَّةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِعَدَمِ مَا قُلْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَحَرُمَ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ بِهِمَا) أَيْ بِالْجِنْسِ وَالْقَدْرِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُمَا عِلَّةُ الرِّبَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنَّسَاءُ فَقَطْ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ حَرُمَ النَّسَاءُ وَحَلَّ التَّفَاضُلُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا إمَّا الْقَدْرُ دُونَ الْجِنْسِ كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ أَوْ الْجِنْسُ دُونَ الْقَدْرِ كَالْهَرَوِيِّ بِالْهَرَوِيِّ لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ حُرْمَةَ الْبَيْعِ أَصْلٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا عُدِمَ الْوَصْفَانِ الْجِنْسُ وَالْمَعْنَى الْمَضْمُومُ إلَيْهِ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ الْحِلُّ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ بِعَارِضِ عِلَّةِ الرِّبَا وَهِيَ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ فَإِذَا انْعَدَمَتْ عِلَّةُ الْحُرْمَةِ كَانَ حَلَالًا بِالْحِلِّ الْأَصْلِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْحَفْنَةِ مِنْ الْحِنْطَةِ إلَخْ) وَالْخَمْسُ حَفَنَاتٍ لَيْسَتْ حَفَنَاتٍ إذَا لَمْ تَبْلُغْ نِصْفَ الصَّاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَحَرَّمَ الْفَضْلَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَسَائِرُ الْمَوْزُونَاتِ خِلَافَ النَّقْدِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ فِي الْمَوْزُونَاتِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا كَإِسْلَامِ حَدِيدٍ فِي قُطْنٍ أَوْ زَيْتٍ فِي جُبْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا إذَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَزْنِيًّا بِالصَّنْعَةِ إلَّا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَوْ أَسْلَمَ سَيْفًا فِيمَا يُوزَنُ جَازَ إلَّا فِي الْحَدِيدِ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا وَمَنْعُهُ فِي الْحَدِيدِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ إنَاءٍ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ يَدًا بِيَدٍ نُحَاسًا كَانَ أَوْ حَدِيدًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَثْقَلَ مِنْ الْآخَرِ بِخِلَافِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّهُ يَجْرِي فِيهَا رِبَا الْفَضْلِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُبَاعُ وَزْنًا؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْوَزْنِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِيهِمَا فَلَا تَتَغَيَّرُ بِالصَّنْعَةِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَزْنِ بِالْعَادَةِ وَأُورِدَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ حِينَئِذٍ إسْلَامُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِاخْتِلَافِ طَرِيقَةِ الْوَزْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُ لِامْتِنَاعِ كَوْنِ النَّقْدِ مُسْلَمًا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَهُمَا مُتَعَيِّنَانِ لِلثَّمَنِيَّةِ وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعًا قِيلَ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ السَّلَمِ فَقَدْ قِيلَ: لَا يَجُوزُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ اِ هـ (قَوْلُهُ وَالنَّسَاء) بِالْمَدِّ لَيْسَ غَيْرُ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ كَالْهَرَوِيِّ بِالْهَرَوِيِّ) قَالَ الْكَمَالُ: وَكَذَا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ إلَى أَجَلٍ لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ بِعَبْدَيْنِ أَوْ الْهَرَوِيَّ بِهَرَوِيَّيْنِ حَاضِرًا جَازَ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: إنَّهُ إذَا بَاعَ ثَوْبًا هَرَوِيًّا بِثَوْبٍ هَرَوِيٌّ أَوْ مَرْوِيًّا بِمَرْوِيٍّ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَيَجُوزُ عِنْدَهُ وَكَذَا لَوْ بَاعَ حَيَوَانًا بِحَيَوَانٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ التَّفَاضُلَ يَحِلُّ وَكَذَلِكَ إسْلَامُ الْمَكِيلَاتِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ فِي الْمَوْزُونَاتِ نَحْوُ الْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْمَطْعُومُ فِي الْمَطْعُومِ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ كَالْحِنْطَةِ فِي الشَّعِيرِ وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّقَابُضَ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ شَرْطٌ عِنْدِي وَلَمْ يُوجَدْ التَّقَابُضُ فَفَسَدَ الْعَقْدُ بِهَذَا لَا لِكَوْنِهِ نَسَاءً قَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ: وَهَذَا خَرْقٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى حُرْمَةِ النَّسَاءِ وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ لَا يُحَرِّمُ النَّسَاءَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَّزَ جَيْشًا فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ» وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفَضْلِ لَا تَحْرُمُ بِالْإِجْمَاعِ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ كَالْهَرَوِيِّ بِالْهَرَوِيَّيْنِ وَالْمَرْوِيِّ بِالْمَرْوِيَّيْنِ فَلَأَنْ لَا تَحْرُمَ شُبْهَةُ الْفَضْلِ وَهِيَ فَضْلُ الْحُلُولِ عَلَى النَّسِيئَةِ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ وَقَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» وَلِأَنَّ الْجِنْسَ أَحَدُ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا فَيُعْتَبَرُ فِي تَحْرِيمِ النَّسَاءِ كَالْوَصْفِ الْآخَرِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ نَسِيئَةً بِالِاتِّفَاقِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِقَدْرِ ثُبُوتِ الْعِلَّةِ فَإِذَا وُجِدَتْ عِلَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ بِوُجُودِ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ تَثْبُتُ حُرْمَةُ الرِّبَا حَقِيقَةً وَإِذَا وُجِدَتْ شُبْهَةُ الْعِلَّةِ بِوُجُودِ أَحَدِ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ تَثْبُتُ شُبْهَةُ الرِّبَا وَالِاحْتِرَازُ عَنْ شُبْهَةِ الرِّبَا وَاجِبٌ كَالِاحْتِرَازِ عَنْ حَقِيقَةِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ بِحَقِيقَةِ أَنَّ أَحَدَ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا مِنْ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ إذَا وُجِدَ كَانَ ذَلِكَ مَالَ الرِّبَا مِنْ وَجْهٍ لِحُصُولِ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهٍ إمَّا ذَاتًا بِالْكَيْلِ أَوْ مَعْنًى بِالْجِنْسِ وَالْفَضْلُ مِنْ حَيْثُ الْحُلُولُ فَضْلٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَيَثْبُتُ بِهِ الرِّبَا مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِقَدْرِ الْعِلَّةِ فَيُحْتَرَزُ عَنْهُ.

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا حَقِيقَةُ الْعِلَّةِ فَيَكُونُ لِأَحَدِهِمَا شُبْهَةُ الْعِلَّةِ فَيَحْرُمُ بِحَقِيقَةِ الْعِلَّةِ حَقِيقَةُ الْفَضْلِ وَهُوَ الْقَدْرُ؛ لِأَنَّهُ تَفَاضُلٌ حَقِيقَةً وَيَحْرُمُ بِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ شُبْهَةُ الْفَضْلِ وَهُوَ النَّسَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْفَضْلَ فَلَيْسَ بِتَفَاضُلٍ حَقِيقَةً إعْمَالًا لِلدَّلِيلِ بِقَدْرِهِ وَلَا يُقَالُ أَحَدُهُمَا جُزْءُ الْعِلَّةِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِأَحَدِهِمَا حُرْمَةُ النَّسَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: أَحَدُهُمَا عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِهَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ حُرْمَةُ النَّسَاءِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْعِلَّةِ فِي حَقِّ رِبَا الْفَضْلِ حَقِيقَةً فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْظُورُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا الْوَزْنُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا جَازَ النَّسَاءُ أَيْضًا كَالنَّقْدَيْنِ مَعَ الْقُطْنِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ وَزْنِهِمَا مُخْتَلِفٌ إذْ النَّقْدَانِ يُوزَنَانِ بِالصَّنَجَاتِ وَلَا يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ قَبْلَ الْوَزْنِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ فَكَانَا مُخْتَلِفَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى وَحُكْمًا فَلَا يَحْرُمُ النَّسَاءُ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَيْهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ» الْحَدِيثُ أَجَازَ السَّلَمَ بِالْوَزْنِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ هُوَ الْغَالِبُ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَكَانَ رَدًّا لَهُ بِالرَّأْيِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّا بِعَدَمِهِمَا) أَيْ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ بِعَدَمِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُرْمَةِ إذْ الْأَصْلُ الْجَوَازُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْحُرْمَةُ تُعَارِضُ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْبَيْعَ بِقَوْلِهِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فِيمَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ بَيْعُ الْمَكِيلِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ وَالْمَوْزُونِ كَالنَّقْدَيْنِ وَمَا يُنْسَبُ إلَى الرَّطْلِ بِجِنْسِهِ مُتَسَاوِيًا لَا مُتَفَاضِلًا) أَمَّا بَيْعُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ غَيْرِ الْمَنْسُوبِ إلَى الرَّطْلِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَبَيَّنَّا أَحْكَامَهُ وَأَمَّا مَا يُنْسَبُ إلَى الرَّطْلِ مِنْهُ فَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ كَيْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ قِيلَ: إنَّهُ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَدْ أَخَذَهُ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا رِبَا بَيْنَهُمَا عِنْدَنَا وَقِيلَ: إنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا حَقِيقَةٌ) أَيْ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَحْرُمُ بِحَقِيقَةِ الْعِلَّةِ) وَذَلِكَ بِوُجُودِ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ اهـ (قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ بِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ) وَهِيَ أَحَدُ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْظُورُ) أَيْ وَهُوَ تَوْزِيعُ أَجْزَاءِ الْحُكْمِ عَلَى أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ اهـ (قَوْلُهُ إذْ النَّقْدَانِ يُوزَنَانِ بِالصَّنْجَاتِ) أَيْ وَالْمَثَاقِيلِ وَالزَّعْفَرَانِ وَأَمْثَالُهُ بِالْأَمْنَاءِ وَالْقَبَّانِ وَهَذَا اخْتِلَافُ الْوَزْنِ بَيْنَهُمَا صُورَةٍ النُّقُودُ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَالزَّعْفَرَانُ وَنَحْوُهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَهَذَا اخْتِلَافٌ بَيْنَهُمَا مَعْنًى وَالتَّصَرُّفُ فِي النُّقُودِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ بِخِلَافِ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مَوْزُونَةً وَقَبَضَ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُوَازَنَةً بِدُونِ إعَادَةِ الْوَزْنِ وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ يُشْتَرَطُ إعَادَةُ الْوَزْنِ إذَا اشْتَرَى مُوَازَنَةً وَهَذَا اخْتِلَافٌ بَيْنَهُمَا حُكْمًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَا مُخْتَلِفَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى وَحُكْمًا) هَذَا عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ فَقَوْلُهُ صُورَةً يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْقُطْنَ يُوزَنُ بِالْأَمْنَاءِ وَالنَّقْدَيْنِ بِالصَّنْجَاتِ وَقَوْلُهُ وَمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ وَقَوْلُهُ وَحُكْمًا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِمَا قَبْلَ الْوَزْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَلَّا بِعَدَمِهِمَا) كَمَا إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ حَيْثُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بِأَنْ يُبَاعَ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ كَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ بِالْمَرْوِيِّ وَالْجَوْزِ بِالْبَيْضِ وَالْحَيَوَانِ بِالثِّيَابِ وَيَجُوزُ نَسِيئَةً أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ بَيْعُ الْمَكِيلِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُغَيَّرُ أَبَدًا عَنْ ذَلِكَ بَلْ يُعْتَبَرُ مَا كَانَ مَكِيلًا فِي عَهْدِهِ مَكِيلًا وَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّسَاوِي بِالْكَيْلِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى التَّسَاوِي فِي الْوَزْنِ دُونَ الْكَيْلِ حَتَّى لَوْ تَسَاوَى الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَزْنًا لَا كَيْلًا لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ الشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ وَمَا كَانَ مَوْزُونًا فِي عَهْدِهِ يُعْتَبَرُ مَوْزُونًا أَبَدًا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ دُونَ الْوَزْنِ حَتَّى لَوْ تَسَاوَى الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ كَيْلًا لَا وَزْنًا لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبَةٌ عَلَيْنَا وَلِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِالنَّصِّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» قَالَ الْقُدُورِيُّ وَمَا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ وَهَذَا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْعُرْفَ يُعْتَبَرُ عَلَى خِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ وَإِذَا تَبَدَّلَتْ الْعَادَةُ يُؤْخَذُ بِهَا وَتُتْرَكُ تِلْكَ الْعَادَةُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْوَزْنِ دُونَ الْكَيْلِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ دُونَ الْوَزْنِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ يَجْرِي بِوَزْنِ الْحِنْطَةِ وَكَيْلِ الذَّهَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ قَالَ الْكَمَالُ: لِأَنَّ الْعُرْفَ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَاطِلٍ كَتَعَارُفِ أَهْلِ زَمَانِنَا فِي إخْرَاجِ الشُّمُوعِ وَالسُّرُجِ إلَى الْمَقَابِرِ لَيَالِي الْعِيدِ وَالنَّصُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَاطِلٍ وَلِأَنَّ حُجِّيَّةَ الْعُرْفِ عَلَى الَّذِينَ تَعَارَفُوهُ وَالْتَزَمُوهُ فَقَطْ وَالنَّصُّ حُجَّةٌ عَلَى الْكُلِّ فَهُوَ أَقْوَى وَلِأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَفِي الْمُجْتَبَى ثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ مَا يَعْتَادُهُ أَهْلُ خُوَارِزْمَ مِنْ بَيْعِ الْحِنْطَةِ الرَّبِيعِيَّةِ بِالْخَرِيفِيَّةِ مَوْزُونًا مُتَسَاوِيًا لَا يَجُوزُ اهـ وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّ حُجِّيَّةَ الْعُرْفِ إلَخْ فِيهِ تَأَمُّلٌ يَجِبُ تَحْرِيرُهُ اهـ اق (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا يُنْسَبُ إلَى الرِّطْلِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكُلُّ مَا يُنْسَبُ إلَى الرِّطْلِ فَهُوَ وَزْنِيٌّ مَعْنَاهُ مَا يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ؛ لِأَنَّهَا قُدِّرَتْ بِطَرِيقِ الْوَزْنِ حَتَّى يَحْسِبَ مَا يُبَاعُ بِهَا وَزْنًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَكَايِيلِ. اهـ.

[ويعتبر التعيين دون التقابض في غير الصرف في الربا]

الرَّطْلِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مَوْزُونًا؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِطَرِيقِ الْوَزْنِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَدْهَانِ فَإِنَّهُ مَوْزُونٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَمْسِكْ إلَّا فِي وِعَاءٍ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَزْنُهُ بِالْأَمْنَاءِ وَالصَّنْجَاتِ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِالْوِعَاءِ فَقُدِّرَ الْوِعَاءُ بِالْأَرْطَالِ وَالْأَمْنَاءِ فَاكْتُفِيَ بِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَبَقِيَ مَوْزُونًا عَلَى حَالِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِذَا كَانَ مَوْزُونًا فَلَوْ بِيعَ بِمِكْيَالٍ لَا يُعْرَفُ وَزْنُهُ بِمِكْيَالٍ مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ فِي الْوَزْنِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَازَفَةِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ مَا يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ بِكَيْلٍ غَيْرِ أَوَاقٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ الْمَوْزُونَ بِجِنْسِهِ بِكَيْلٍ لَمْ يُقَدَّرْ بِالْأَوَاقِيِ فَيَكُونُ مُجَازَفَةً فَيَبْطُلُ لِجَوَازِ التَّفَاضُلِ بِالْوَزْنِ وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْئَيْنِ إذَا اسْتَوَيَا فِي كَيْلٍ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي كَيْلٍ آخَرَ أَيْضًا وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِ الْمَكِيلِ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا فِي ذَلِكَ إذْ لَا يَخْتَلِفُ ثِقَلُهُ فِيهِمَا وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: فَائِدَةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَا يُنْسَبُ إلَى الرِّطْلِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فِي الْكَيْلِ مُتَسَاوِيًا فِي الْوَزْنِ يَجُوزُ وَهَذَا حَسَنٌ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَوْزُونَاتِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إلَّا الْوَزْنُ غَيْرَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْأَوَاقِيِ أَيْضًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَيْلٍ وَكَيْلٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يَنْدَفِعُ هَذَا الْإِشْكَالُ إلَّا إذَا مُنِعَ الْجَوَازُ فِي الْكُلِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَيِّدُهُ كَرَدِيئِهِ) يَعْنِي جَيِّدُ مَالِ الرِّبَا وَرَدِيئُهُ سَوَاءٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فِيمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ «حِينَ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنَّا نَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ لَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ» الْحَدِيثَ وَلِأَنَّ تَفَاوُتَ الْوَصْفِ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا عَادَةً وَلَوْ اُعْتُبِرَ لَانْسَدَّ بَابُ الْبِيَاعَاتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُعْتَبَرُ التَّعْيِينُ دُونَ التَّقَابُضِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ كَالنَّقْدِ بِالنَّقْدِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَإِنَّهُ شَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ وَلِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ لَا تَجُوزُ إلَّا إذَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ هَاءَ أَيْ خُذْ وَالْمُرَادُ بِهِ وَبِقَوْلِهِ «يَدًا بِيَدٍ» فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْقَبْضُ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ كَالْمَصُوغِ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَدًا بِيَدٍ» لَفْظٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقَبْضُ فِي حَقِّ النَّقْدَيْنِ وَالتَّعْيِينُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إمَّا حَقِيقَةٌ فِيهِمَا أَوْ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا وَمَجَازٌ فِي الْآخَرِ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا عُمُومَ لَهُ وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعَاقُبِ الْقَبْضِ بِأَنْ يَقْبِضَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَأَشْبَهَ التَّأْجِيلَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ لِلْمَقْبُوضِ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ فَيَفُوتُ بِهِ التَّسَاوِي وَهُوَ الشَّرْطُ وَلَنَا أَنَّهُ مَبِيعٌ مُتَعَيَّنٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ كَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ لِيَتَعَيَّنَ وَتَعَاقُبُ الْقَبْضِ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا فِي الْمُتَعَيَّنِ بِخِلَافِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَى التَّعْيِينُ غَيْرَ أَنَّ مَا يَتَعَيَّنُ بِهِ مُخْتَلِفٌ فَالنَّقْدَانِ يَتَعَيَّنَانِ بِالْقَبْضِ وَغَيْرُهُمَا بِالتَّعْيِينِ فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَعْنَيَيْ الْمُشْتَرَكِ وَلَا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَإِنَّمَا شُرِطَ الْقَبْضُ فِي الْمَصُوغِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ خِلْقَتِهِ وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ وَلَا يَسْقُطُ اشْتِرَاطُ الْقَبْضِ بِالصَّنْعَةِ لِبَقَاءِ شُبْهَةِ عَدَمِ التَّعَيُّنِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ إذْ الشُّبْهَةُ فِي الْحُرُمَاتِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ وَالْبَيْضَةِ بِالْبَيْضَتَيْنِ وَالْجَوْزَةِ بِالْجَوْزَتَيْنِ وَالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَتَيْنِ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَكُونُ مُجَازَفَةً فَيَبْطُلُ) أَيْ الْمُسَاوَاةُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ شَرْطُ جَوَازِ الْعَقْدِ فَإِذَا عُدِمَتْ الْمُسَاوَاةُ يَثْبُتُ الْعَقْدُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ. اهـ. كَافِي فِي الْإِكْرَاهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ بِالْأَوَاقِيِ) أَيْ الْمُقَدَّرُ بِالْأَوَاقِيِ. اهـ. اق وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِالْأَوَاقِيِ أَيْ بِالْكَيْلِ الْأَوَاقِي. اهـ. (قَوْلُهُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَيْلٍ وَكَيْلٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا) وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ بِالْكَيْلِ الْأَوَاقِي دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَتَوَهُّمُ الْفَضْلِ بِالْوَزْنِ لَا يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْكَيْلِ الْمَجْهُولِ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَوْ اُعْتُبِرَ لَانْسَدَّ بَابُ الْبِيَاعَاتِ) وَهُوَ مَفْتُوحٌ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ لَا تَكُونُ مِثْلًا لِحِنْطَةٍ أُخْرَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. [وَيُعْتَبَرُ التَّعْيِينُ دُونَ التَّقَابُضِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فِي الرِّبَا] (قَوْلُهُ «إلَّا هَاءَ وَهَاءَ») عَلَى وَزْنِ هَاعَ بِمَعْنَى خُذْ مِنْهُ وَالْقَصْرُ خَطَأٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَهَاءُ مَمْدُودٌ مِنْ هَا وَأَلِفٌ وَهَمْزَةٌ بِوَزْنِ هَاعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ وَمَعْنَاهُ خُذْ يَعْنِي هُوَ رِبًا إلَّا فِيمَا يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ خُذْ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّرْفِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ لِيَتَعَيَّنَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَدًا بِيَدٍ» عَيْنًا بِعَيْنٍ بِدَلِيلِ مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ مُسْنَدًا إلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَبِعْ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ» فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْيَدِ بِالْيَدِ التَّعَيُّنُ إلَّا أَنَّ التَّعَيُّنَ فِي الصَّرْفِ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ لِمَا مَرَّ آنِفًا فَلِهَذَا اُشْتُرِطَ التَّقَابُضُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَعَاقُبُ الْقَبْضِ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا فِي الْمُتَعَيَّنِ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْخَصْمِ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ يَتَعَاقَبُ فَأَجَابَ بِأَنَّ التُّجَّارَ لَا يُفَاضِلُونَ فِي الْمَالِيَّةِ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ حَالًّا بِخِلَافِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْمُعَامَلَةِ كَانَ الْعَقْدُ جَائِزًا كَمَا فِي بَيْعِ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ بِجِنْسِهِ وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ. اهـ. . [بَيْع الحفنة بالحفنتين والتفاحة بالتفاحتين] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ بَيْعُ الْحَفْنَةِ) أَيْ وَهِيَ مِلْءُ الْكَفَّيْنِ. اهـ. مِصْبَاحٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ لِوُجُودِ الطُّعْمِ وَعَدَمِ الْمُخَلِّصِ وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

لَيْسَتْ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْمِعْيَارِ فَانْعَدَمَتْ الْعِلَّةُ بِانْعِدَامِ أَحَدِ شَطْرَيْهَا وَهُوَ الْقَدْرُ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ عِنْدِ الْإِتْلَافِ عِنْدَنَا وَمَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ بِمَنْزِلَةِ الْحَفْنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ هَذَا إذَا بَاعَ مَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ بِمَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ وَإِنْ بَاعَ مَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ بِنِصْفِ صَاعٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ لِوُجُودِ الْمِعْيَارِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَتَحَقَّقَتْ الشُّبْهَةُ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ كَالذَّرَّةِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ جَازَ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ شَرْعًا إذْ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ جَمِيعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَهُ الطُّعْمُ أَوْ الثَّمَنِيَّةُ وَقَدْ وُجِدَتْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَالْفَلْسُ بِالْفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا) أَيْ الْبَدَلَانِ بِأَعْيَانِهِمَا بِأَنْ كَانَ الْفَلْسُ مُعَيَّنًا وَالْفَلْسَانِ مُعَيَّنَيْنِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ أَثْمَانٌ وَالثَّمَنُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَلِهَذَا إذَا قَابَلَ الْفُلُوسَ بِخِلَافِ جِنْسِهَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهَا وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهَا تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا أَوْ يَحْتَمِلُهُ بِأَنْ يَأْخُذَ بَائِعُ الْفَلْسِ الْفَلْسَيْنِ أَوَّلًا فَيَرُدَّ أَحَدَهُمَا قَضَاءً بِدَيْنِهِ وَيَأْخُذَ الْآخَرَ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ يَأْخُذَ بَائِعُ الْفَلْسَيْنِ الْفَلْسَ أَوَّلًا، ثُمَّ يَضُمَّ إلَيْهِ فَلْسًا آخَرَ فَيَرُدَّهُمَا عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ فَلْسُهُ مَعَ فَلْسٍ آخَرَ بِغَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ وَهُوَ رِبًا فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَهُمَا أَنَّ الْفُلُوسَ لَيْسَتْ بِأَثْمَانٍ خِلْقَةً وَإِنَّمَا كَانَ ثَمَنًا بِالِاصْطِلَاحِ وَقَدْ اصْطَلَحَا بِإِبْطَالِ الثَّمَنِيَّةِ فَتَبْطُلُ وَإِنْ كَانَتْ ثَمَنًا عِنْدَ غَيْرِهِمَا مِنْ النَّاسِ لِبَقَاءِ اصْطِلَاحِهِمْ عَلَى ثَمَنِيَّتِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِمَا فَلَا يَلْزَمُهُمَا اصْطِلَاحُهُمْ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهَا بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلَا تَبْطُلُ بِالِاصْطِلَاحِ فَإِذَا بَطَلَتْ الثَّمَنِيَّةُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِمَعْنَاهُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْحَفْنَةُ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْحَفْنَةُ مِلْءُ الْكَفَّيْنِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمِنْهُ «إنَّمَا نَحْنُ حَفْنَةٌ مِنْ حَفَنَاتِ اللَّهِ» أَيْ يُشِيرُ بِالْإِضَافَةِ إلَى مُلْكِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحَفَنْت الشَّيْءَ إذَا جَرَفْتَهُ بِكِلْتَا يَدَيْك وَلَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الشَّيْءِ الْيَابِسِ كَالدَّقِيقِ وَالرَّمْلِ وَنَحْوِهِ اهـ وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنَّمَا نَحْنُ حَفْنَةٌ مِنْ حَفَنَاتِ اللَّهِ» أَرَادَ إنَّا عَلَى كَثْرَتِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَلِيلٌ عِنْدَ اللَّهِ كَالْحَفْنَةِ وَهِيَ مِلْءُ الْكَفِّ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْحَفْنَةُ مِلْءُ الْكَفِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إلَخْ) هَذَا إيضَاحٌ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إلَخْ اهـ يَعْنِي أَنَّ الْحَفْنَةَ وَالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةَ وَالتُّفَّاحَتَيْنِ لَوْ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الْمِعْيَارِ كَانَ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، وَلَكِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمِعْيَارِ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْعَدَدِيِّ الْمُتَفَاوِتِ لَا فِي الْمُتَقَارِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ الْجَوْزَةَ مِثْلُ الْجَوْزَةِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ وَكَذَا سَائِرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يَعْنِي أَنَّ التَّمْرَةَ مِثْلُ التَّمْرَةِ وَالْبَيْضَةَ مِثْلُ الْبَيْضَةِ وَلَمْ يُجْعَلْ كَذَلِكَ فِي حُكْمِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الْجَوْزَةَ لَيْسَتْ مِثْلَ الْجَوْزَةِ لِعَدَمِ دَلِيلِ الْمُمَاثَلَةِ لِلتَّفَاوُتِ إلَّا أَنَّ النَّاسَ اصْطَلَحُوا عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ فَقُبِلَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ وَهُوَ ضَمَانُ الْعُدْوَانِ فَأَمَّا فِي حَقِّ وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَحُرْمَةِ الْفَضْلِ فَلَا. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ. قَوْلُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ عِنْدَنَا قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمِنْ فُرُوعِ ضَمَانِ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ بِالْقِيمَةِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ حَفْنَةً فَعَفِنَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَإِنْ أَبَى إلَّا أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَهَا أَخَذَهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْفَسَادِ الَّذِي حَصَلَ لَهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَمَّا كَانَتْ عِلَّةُ الرِّبَا الطُّعْمَ حَرَّمَ الْحَفْنَةَ وَالتُّفَّاحَةَ بِثِنْتَيْنِ وَقَالُوا: مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ فِي حُكْمِ الْحَفْنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ فَعُرِفَ أَنَّهُ لَوْ وُضِعَتْ مَكَايِيلُ أَصْغَرُ مِنْ نِصْفِ الصَّاعِ لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ بِهَا وَهَذَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ نِصْفَ صَاعٍ فَإِنْ بَلَغَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ صَاعٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ نِصْفِ صَاعٍ فَصَاعِدًا بِحَفْنَةٍ وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ قِيلَ لَا رِوَايَةَ فِي الْحَفْنَةِ بِالْقَفِيزِ وَاللُّبِّ بِالْجَوْزِ وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُ الرِّبَا وَلَا يَسْكُنُ الْخَاطِرُ إلَى هَذَا بَلْ يَجِبُ بَعْدَ التَّعْلِيلِ بِالْقَصْدِ إلَى صِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ تَحْرِيمُ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ وَالْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ أَمَّا إنْ كَانَتْ مَكَايِيلُ أَصْغَرَ مِنْهَا كَمَا فِي دِيَارِنَا مِنْ وَضْعِ رُبْعِ الْقَدَحِ وَثُمُنِ الْقَدَحِ الْمِصْرِيِّ فَلَا شَكَّ وَكَوْنُ الشَّرْعِ لَمْ يُقَدِّرْ بَعْضَ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ إهْدَارَ التَّفَاوُتِ الْمُتَيَقَّنِ بَلْ لَا يَحِلُّ بَعْدَ تَيَقُّنِ التَّفَاضُلِ مَعَ تَيَقُّنِ تَحْرِيمِ إهْدَارِهِ وَلَقَدْ أَعْجَبُ غَايَةَ الْعَجَبِ مِنْ كَلَامِهِمْ هَذَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اهـ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ وَجَاءَ التَّقْدِيرُ بِنِصْفِ صَاعٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَدْنَى مَا يَكُونُ مَالُ الرِّبَا مِنْ الْحِنْطَةِ نِصْفُ الْقَفِيزِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَفِيزِ صَاعٌ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْفَلْسُ بِالْفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا) قِيلَ: الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى الْفَلْسَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفَلْسَ الْوَاحِدَ مَبِيعٌ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ ضَرُورَةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَصْلُهُ أَنَّ الْفَلْسَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مَا دَامَ رَابِحًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ حَتَّى لَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ جِنْسِهَا) كَمَا إذَا اشْتَرَى فَاكِهَةً بِفُلُوسٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ) فَكَذَا إذَا قُوبِلَ بِجِنْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهَا) هَذَا لَا يَلْزَمُ أَبَا حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. شَيْخُنَا (قَوْلُهُ فَلَا تَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ نَسْخٌ لِلْإِجْمَاعِ بِالْآحَادِ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ فَلْسُهُ مَعَ فَلْسٍ آخَرَ بِغَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ) وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَرْضَى بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْفُلُوسَ لَيْسَتْ بِأَثْمَانٍ) وَالْأَصْلُ فِي الْفَلْسِ أَنْ يَكُونَ مُثَمَّنًا؛ لِأَنَّهُ نُحَاسٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ)؛ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهُمَا بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ.

[بيع اللحم بالحيوان]

بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِنْ قِيلَ: إذَا بَطَلَتْ الثَّمَنِيَّةُ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا؛ لِأَنَّ النُّحَاسَ مَوْزُونٌ وَإِنَّمَا صَارَ مَعْدُودًا بِالِاصْطِلَاحِ عَلَى الثَّمَنِيَّةِ فَإِذَا بَطَلَتْ الثَّمَنِيَّةُ عَادَ إلَى أَصْلِهِ مَوْزُونًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا قُلْنَا لَا يَعُودُ مَوْزُونًا؛ لِأَنَّ اصْطِلَاحَهُمَا عَلَى الْعَدِّ بَاقٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الثَّمَنِيَّةِ بُطْلَانُ الْعَدِّ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ مَعْدُودٍ لَا يَكُونُ ثَمَنًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوَانِيَ مِنْ النُّحَاسِ أَوْ نَحْوِهِ غَيْرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا إذَا كَانَتْ فِي اصْطِلَاحِهِمْ مَعْدُودَةً وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كَوْنِهِ مَوْزُونًا أَوْ مَكِيلًا فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ الْعُرْفُ بِخِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَالْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُسْتَنْبَطَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِالنَّصِّ وَلِهَذَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ قَاصِرَةً لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ اصْطِلَاحُهُمَا عَلَى الْعَدِّ لَمْ يَعُدْ وَزْنِيًّا فَجَازَ مُتَفَاضِلًا وَلَا يُقَالُ إذَا كَسَدَتْ الْفُلُوسُ بِاتِّفَاقِ الْكُلِّ لَا تَكُونُ ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَتَّى لَا تَجْرِي فِيهَا أَحْكَامُ الْأَثْمَانِ فِي حَقِّهِمَا فَكَذَا إلَّا تَكُونُ عُرُوضًا أَيْضًا بِاصْطِلَاحِهِمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَصْلُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ عُرُوضًا فَاصْطِلَاحُهُمَا عَلَى الثَّمَنِيَّةِ بَعْدَ الْكَسَادِ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ وَلِرَأْيِ الْجَمَاعَةِ فَلَا يَصِحُّ بِخِلَافِ اصْطِلَاحِهِمَا عَلَى جَعْلِهَا عُرُوضًا؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ فَيَصِحُّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافُ رَأْيِ الْكُلِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاللَّحْمُ بِالْحَيَوَانِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ اللَّحْمُ الْمُفْرَزُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الْحَيَوَانِ لِيَكُونَ قَدْرُهُ مُقَابَلًا بِاللَّحْمِ وَالزَّائِدُ بِالسَّقَطِ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَلِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً فَكَذَا: مُتَفَاضِلًا كَالزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ وَلَهُمَا أَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُودِ بِالْمَوْزُونِ فَيَجُوزُ مُتَفَاضِلًا لِاخْتِلَافِهِمَا جِنْسًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَيْسَتْ فِيهِ مَالِيَّةُ اللَّحْمِ إذْ هِيَ مُعَلَّقَةٌ بِفِعْلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ الذَّكَاةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعُ اللَّحْمِ فَصَارَ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ اللَّحْمِ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] أَيْ بِنَفْخِ الرُّوحِ فَإِذَا كَانَ جِنْسًا آخَرَ جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا بِخِلَافِ الزَّيْتِ مَعَ الزَّيْتُونِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ إذْ الزَّيْتُ مَوْجُودٌ فِيهِ لِلْحَالِ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَتِرٌ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا بَيْعُ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا إنْ كَانَا دَيْنَيْنِ أَوْ عَيْنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا دَيْنًا فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَيْنًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَا دَيْنَيْنِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهْي عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَيْنًا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ قَالُوا هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفُلُوسَ هَلْ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ أَمْ لَا فَعِنْدَهُمَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِي غَيْرَهُ لَا يَجُوزُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَتَعَيَّنُ اهـ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ صُوَرَ بَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ أَرْبَعٌ: الْأُولَى أَنْ يَبِيعَ فَلْسًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا الثَّانِيَةُ أَنْ يَبِيعَ فَلْسًا بِعَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا الثَّالِثَةُ أَنْ يَبِيعَ فَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا بِفَلْسٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ الرَّابِعَةُ أَنْ يَبِيعِ فَلْسًا بِعَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِعَيْنِهِمَا وَهَذِهِ الصُّورَةُ فِيهَا خِلَافٌ وَالصُّوَرُ الثَّلَاثَةُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ جَوَازِهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا غَيْرَ مُتَعَيِّنَيْنِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ كَالِئٌ بِكَالِئٍ وَهُوَ حَرَامٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ اصْطِلَاحَهُمَا عَلَى الْعَدِّ بَاقٍ) إذْ فِي نَقْضِهِ فِي حَقِّ الْعَدِّ فَسَادُ الْعَقْدِ وَهُمَا قَصَدَا صِحَّةَ الْعَقْدِ لَا فَسَادَهُ وَلَا صِحَّةَ لِلْعَقْدِ إلَّا بَعْدَ بُطْلَانِ الثَّمَنِيَّةِ فَكَانَ لَهُمَا نَقْضُهَا فَإِذَا عَادَ مُثَمَّنًا جَازَ بَيْعُ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَنًا جَازَ بَيْعُهُ كَذَلِكَ كَالثَّوْبِ بِالثَّوْبَيْنِ وَالْجَوْزَةِ بِالْجَوْزَتَيْنِ. اهـ. هِدَايَةٌ وَشَرْحُهَا لِلْأَتْقَانِيِّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُسْتَنْبَطَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ)؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ صِيرَ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْمَنْقُولِ إلَى شُبْهَتِهِ فِي الْفَرْعِ وَلَا حُجَّةَ إلَيْهِ فِي الْأَصْلِ لِوُجُودِ النَّصِّ فِيهِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ قَاصِرَةً) وَمَعْنَى الْقَاصِرَةِ أَنْ لَا تَتَعَدَّى الْعِلَّةُ إلَى الْفَرْعِ بِأَنْ لَا تُوجَدَ تِلْكَ الْعِلَّةُ إلَّا فِي الْأَصْلِ كَتَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ بِالثَّمَنِيَّةِ مَثَلًا اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [بَيْع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ] (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ) بِأَنْ بَاعَ لَحْمَ الشَّاةِ بِالشَّاةِ اهـ أَمَّا إذَا كَانَ بِلَحْمٍ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ جَازَ كَيْفَمَا كَانَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا بِعَيْنٍ عِنْدَنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ بِأَنْ بَاعَ لَحْمَ الْبَقَرِ بِالشَّاةِ وَمَا أَشْبَهَهُ اهـ وَقَوْلُهُ جَازَ أَيْ بِالِاتِّفَاقِ اهـ (قَوْلُهُ وَالزَّائِدُ بِالسَّقَطِ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْمُرَادُ بِالسَّقَطِ مَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّحْمِ كَالْكَرِشِ وَالْمِعْلَاقِ وَالْجِلْدِ وَالْأَكَارِعِ اهـ (قَوْلُهُ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ) فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ مُطْلَقًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ نَسِيئَةً) لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِهِ نَسِيئَةً أَنْ لَا يَجُوزَ مُتَفَاضِلًا كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ الْكَمَالُ: سَوَاءٌ كَانَ اللَّحْمُ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ أَوْ لَا مُسَاوِيًا لِمَا فِي الْحَيَوَانِ أَمْ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ أَمَّا بِالنَّسِيئَةِ فَلَا لِامْتِنَاعِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ وَاللَّحْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُودِ إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَنَا أَنَّهُ بَاعَ مَوْزُونًا بِغَيْرِ مَوْزُونٍ فَيَصِحُّ كَيْفَمَا كَانَ وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَسِيئَةً وَلِهَذَا قُيِّدَ بِهِ فِي رِوَايَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] فَعُلِمَ أَنَّ الْحَيَّ مَعَ الْجَمَادِ جِنْسَانِ. اهـ. فَتْحٌ.

بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ مِنْهُمَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا بِيعَ بِغَيْرِهِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ الْمَذْبُوحُ غَيْرَ مَسْلُوخٍ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُ أَيْضًا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ بِأَنْ يُجْعَلَ لَحْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجِلْدِ الْآخَرِ كَمَا قَالُوا فِي شَاتَيْنِ مَذْبُوحَتَيْنِ غَيْرَ مَسْلُوخَتَيْنِ بِيعَتْ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكِرْبَاسُ بِالْقُطْنِ) وَكَذَا بِالْغَزْلِ كَيْفَمَا كَانَ لِاخْتِلَافِهِمَا جِنْسًا؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يُنْقَضُ فَيَعُودُ غَزْلًا أَوْ قُطْنًا وَكَذَا الْقُطْنُ وَالْغَزْلُ مَوْزُونَانِ وَالثَّوْبُ لَيْسَ بِمَوْزُونٍ وَلَوْ بَاعَ الْقُطْنَ بِغَزْلِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: جَازَ كَيْفَمَا كَانَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْغَزْلَ لَا يُنْقَضُ فَيَعُودُ قُطْنًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ إلَّا مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّ غَزْلَ الْقُطْنِ قُطْنٌ؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ غَزْلُ دِقَاقٍ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ وَلَوْ بَاعَ الْمَحْلُوجَ بِغَيْرِ الْمَحْلُوجِ جَازَ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْخَالِصَ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي لَا يَجُوزُ وَلَوْ بَاعَ الْقُطْنَ غَيْرَ الْمَحْلُوجِ بِحَبِّ الْقُطْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَبُّ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِنْ الْحَبِّ الَّذِي فِي الْقُطْنِ حَتَّى يَكُونَ قَدْرَهُ مُتَقَابِلًا بِهِ وَالزَّائِدُ بِالْقُطْنِ وَكَذَا لَوْ بَاعَ شَاةً عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ أَوْ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِصُوفٍ أَوْ بِلَبَنٍ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصُّوفُ أَوْ اللَّبَنُ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَى الشَّاةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ نَظِيرُ بَيْعِ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ عَلَى مَا يَجِيءُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (: وَالرُّطَبُ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ مُتَمَاثِلًا وَالْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ) يَعْنِي مُتَمَاثِلًا أَيْضًا أَمَّا الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سُئِلَ عَنْهُ أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ فَقِيلَ: نَعَمْ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا إذًا فَأَفْسَدَ الْبَيْعَ وَأَشَارَ إلَى الْعِلَّةِ وَهِيَ النُّقْصَانُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْعَقْدِ الْمُمَاثَلَةُ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْجَفَافِ لَا فِي الْحَالِ فَصَارَ نَظِيرَ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلتَّفَاوُتِ بَعْدَ الطَّحْنِ وَلَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَالرُّطَبُ تَمْرٌ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالتَّمْرِ مُتَمَاثِلًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَمْرٌ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ رُطَبٌ قَالَ أَوَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يُزْهِي فَقِيلَ: وَمَا يُزْهِي قَالَ: يَحْمَرُّ» وَهُوَ اسْمٌ لَهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَنْعَقِدُ إلَى أَنْ يُدْرِكَ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَمْرًا جَازَ بَيْعُهُ بِهِ بِأَوَّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ مِنْهُمَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ اللَّحْمُ أَوْ الْحَيَوَانُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَذْبُوحُ غَيْرَ مَسْلُوخٍ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ كَانَتْ الشَّاةُ مَذْبُوحَةً غَيْرَ مَسْلُوخَةٍ فَاشْتَرَاهَا بِلَحْمِ الشَّاةِ فَالْجَوَابُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَرَادَ بِالْمَذْبُوحَةِ غَيْرَ الْمَفْصُولَةِ مِنْ السَّقَطِ وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً حَيَّةً بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِاللَّحْمِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ فَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهَا بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ بِلَحْمٍ وَزِيَادَةُ اللَّحْمِ فِي أَحَدِهِمَا مَعَ سَقَطِهَا بِإِزَاءِ سَقَطِ الْأُخْرَى فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَيَجُوزُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ الْقُطْنَ بِغَزْلِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْقُطْنِ بِغَزْلِهِ وَالْكِرْبَاسُ بِالْقُطْنِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ بِالْإِجْمَاعِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقُطْنِ بِغَزْلِهِ أَيْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي بَيْعِ الْقُطْنِ بِغَزْلِ الْقُطْنِ مُتَسَاوِيًا وَزْنًا قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا وَاحِدٌ وَكِلَاهُمَا مَوْزُونٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ يَنْقُصُ إذَا غُزِلَ فَصَارَ كَالْحِنْطَةِ مَعَ الدَّقِيقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ الْمَحْلُوجَ بِغَيْرِ الْمَحْلُوجِ جَازَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْخَالِصَ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْآخَرِ) لِيَكُونَ الزَّائِدُ مُقَابِلَ الْحَبِّ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَالْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ إلَخْ) وَأَمَّا الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ فَيَجُوزُ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا وَكَذَا الْعِنَبُ بِالْعِنَبِ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْمُزَنِيِّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَدْ تَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْقَوْلِ بِالْجَوَازِ اهـ فَتْحٌ قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ: الْعَالِمُ فِي طَرِيقَتِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُتَسَاوِيًا كَيْلًا يَجُوزُ وَقَالَ الْبَاقُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَجُوزُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْجَفَافِ) وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالرُّطَبُ تَمْرٌ) فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ جَائِزٌ وَكَذَا الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ إلَّا أَنَّ الرُّطَبَ اخْتَصَّ بِاسْمٍ خَاصٍّ كَالْبَرْنِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ رُطَبٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ كَانَتْ تَمْرًا أَلَا تَرَى إلَى مَا حَدَّثَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ فَقَالَ: لَا، وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» قَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ: الْجَمْعُ صُنُوفٌ مِنْ التَّمْرِ تُجْمَعُ وَالْجَنِيبُ لَوْنٌ مِنْهُ جَيِّدٌ وَكَانُوا يَبْتَاعُونَ صَاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ بِصَاعٍ مِنْ الْجَنِيبِ فَقَالَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى الرِّبَا اهـ (قَوْلُهُ «قَالَ: أَوَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا») فَسَمَّاهُ أَيْ الرُّطَبَ تَمْرًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ الثَّمَرَةُ أَعَمُّ مِنْ التَّمْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَمْرًا إلَخْ) هَذَا اللَّفْظُ يُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ دَخَلَ بَغْدَادَ وَكَانُوا أَشِدَّاءَ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَةِ الْخَبَرِ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ الرُّطَبُ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَمْرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانَ تَمْرًا جَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» فَأُورِدَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ فَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ دَارَ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَزَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ وَأَبْدَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ. اهـ.

الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَمْرٍ فَبِآخِرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» وَلِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْمَالِ لِذَهَابِ جُزْءٍ مِنْهُ وَهُوَ الرُّطُوبَةُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَفَاوِتَانِ فِي الْحَالِ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِالطَّحْنِ إذْ الطَّحْنُ لَا يَزِيدُ فِيهِ شَيْئًا وَمَا رَوَيَاهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ السَّائِلَ كَانَ وَصِيًّا فِي مَالِ يَتِيمٍ أَوْ وَلِيًّا لِصَغِيرٍ فَلَمْ يَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا التَّصَرُّفِ نَظَرًا لَهُ إذْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ مِنْ مَالِ الرِّبَا لِمَا ذَكَرْنَا وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ كَالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ بِلَفْظِ التَّمْرِ هُنَاكَ يَتَنَاوَلُ الرُّطَبَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ هُنَا فَبَقِيَ مُحَرَّمًا حَتَّى يَعْتَدِلَ وَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ فَلِمَا رَوَيْنَا؛ لِأَنَّ اسْمَ التَّمْرِ يَتَنَاوَلُهُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَذَلِكَ وَلَوْ بَاعَ الْبُسْرَ بِالتَّمْرِ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَمْرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الْكُفُرَّى حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَا شَاءَ مِنْ التَّمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْرٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ التَّمْرِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ مَا تَنْعَقِدُ صُورَتُهُ لَا قَبْلَهُ وَهُوَ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَنْشَقُّ عَنْهُ النَّخْلُ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ مَا فِي جَوْفِهِ وَلِتَفَاوُتِهِ فَاحِشًا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَلَوْ بَاعَ حِنْطَةً رَطْبَةً أَوْ مَبْلُولَةً بِحِنْطَةٍ رَطْبَةٍ أَوْ مَبْلُولَةٍ أَوْ يَابِسَةٍ جَازَ الْبَيْعُ وَكَذَا لَوْ بَاعَ تَمْرًا مُنَقَّعًا أَوْ زَبِيبًا مُنَقَّعًا بِتَمْرٍ مِثْلِهِ أَوْ بِزَبِيبٍ مِثْلِهِ أَوْ بِالْيَابِسِ مِنْهُمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْمُسَاوَاةَ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ بَعْدَ الْيُبْسِ وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَبَيْنَ بَيْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَمْرٍ فَبِآخِرِهِ) وَهَذَا التَّرْدِيدُ حَسَنٌ فِي الْمُنَاظَرَةِ لِدَفْعِ شَغَبِ الْخَصْمِ، لَكِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ قِسْمٌ آخَرَ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ) أَيْ الْوَصِيَّ اهـ (قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ مَعَ التَّسَاوِي كَيْلًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ يَعْنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: يَعْنِي كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عِنْدَهُ إذَا تَسَاوَيَا كَيْلًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ تَسَاوَيَا أَوْ تَفَاضَلَا كَمَا قَالَا فِي الرُّطَبِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ قَبْلَ هَذَا عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ) كَالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ وَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ فَيَجُوزُ عِنْدَنَا كَيْلًا مُتَمَاثِلًا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ التَّقْرِيبِ: وَأَمَّا الْعِنَبُ بِالْعِنَبِ فَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِمْ كَمَا فِي الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَأَمَّا الْبُسْرُ بِالرُّطَبِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَقَالَا: لَا يَجُوزُ اهـ. (قَوْلُهُ فَلِمَا رَوَيْنَا أَنَّ اسْمَ التَّمْرِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ اسْمَ التَّمْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكُفْرِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْكُفْرِيُّ مَقْصُورٌ بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وِعَاءُ الطَّلْعِ وَيُسَمَّى كَافُورًا وَكُفَرَّى كَذَا قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ مَا فِي جَوْفِهِ اهـ ذَكَرَ الْبَدْرُ بْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْخُلَاصَةِ فِي الْكُفْرِيِّ وَجْهَيْنِ فَتْحَ الْفَاءِ وَضَمَّهَا وَتَبِعَهُ الْمُرَادِيُّ وَحَكَى الْبَصْرِيُّ تَثْلِيثَ الْفَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْرٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ التَّمْرِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَهَذَا الِاسْمُ أَعْنِي التَّمْرَ لَهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَنْعَقِدُ صُورَتُهُ لَا قَبْلَهُ وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ لِأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا لَا يَحْنَثُ فَكَانَ غَيْرَهُ فَأَجَابَ بِالْمَنْعِ بَلْ يَحْنَثُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الْمَسْأَلَةُ مَسْطُورَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمَذْهَبِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَكَذَا ادَّعَى أَنَّهُ يَحْنَثُ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا وَلَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى هَذَا إذْ يَكْفِيهِ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَكَلَامُنَا فِيهِ لُغَةٌ وَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مُطَالَبُونَ بِتَصْحِيحِ أَنَّ اسْمَ التَّمْرِ يَلْزَمُ الْخَارِجَ مِنْ حِينِ يَنْعَقِدُ إلَى أَنْ يَطِيبَ ثُمَّ يَجِفَّ مِنْ اللُّغَةِ، وَلَا يُنْكَرُ صِحَّةُ الْإِطْلَاقِ بِاعْتِبَارِ مَجَازِ الْأَوَّلِ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ مِنْ أَوَّلِ مَا تَنْعَقِدُ صُورَتُهُ لَا قَبْلَهُ) وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ مَعَ أَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ ذَكَرَهُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكَلَ طَلْعًا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَلَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ. فَإِنْ قُلْت: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّمْرَ لَيْسَ بِاسْمٍ لِتَمْرِ النَّخْلِ مِنْ حِينِ مَا يَبْدُو صَلَاحُهَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ قُلْت: مَنَعَهُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَقَالَ: بَلْ يَحْنَثُ عِنْدَنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ: وَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُ الْخِلَافِيِّينَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا أَنَّهُ يَحْنَثُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ بَاعَ تَمْرًا مُنْقَعًا) قَالُوا: إنَّهُ بِفَتْحِ الْقَافِ مُخَفَّفًا مِنْ أَنْقَعَ الزَّبِيبَ فِي الْخَابِيَةِ إذَا أَلْقَاهُ فِيهَا لِيَبْتَلَّ وَتَخْرُجُ مِنْهُ الْحَلَاوَةُ، وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ مُنَقَّعٌ بِالتَّشْدِيدِ وَعَلَيْهِ بُنِيَتْ الْمَنْظُومَةُ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) أَيْ إذَا تَسَاوَيَا كَيْلًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الرِّوَايَةُ مَحْفُوظَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْيَابِسَةِ بِالْمَبْلُولَةِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ إذَا انْتَفَخَتْ أَمَّا إذَا بُلَّتْ مِنْ سَاعَتِهَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالْيَابِسَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْمُسَاوَاةَ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ) وَهُوَ بَعْدَ الْيُبْسِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِحَدِيثِ سَعْدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَعْتَبِرُ الْمُسَاوَاةَ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ حَالَةُ الْجَفَافِ إلَّا أَنَّ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ اعْتَبَرَ الْمُسَاوَاةَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ ثَمَّةَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَمَا يَكُونُ الرُّطَبُ شَيْئًا آخَرَ وَهُوَ التَّمْرُ فَلَا يَكُونُ التَّفَاوُتُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْحِنْطَةُ الْمَبْلُولَةُ أَوْ الزَّبِيبُ الْمُنَقَّعُ أَوْ.

الْمَبْلُولِ وَنَحْوِهِ بِمِثْلِهِ حَيْثُ أَجَازَ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَمَنَعَ غَيْرَهُ جَمِيعَهُ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَظْهَرُ مَعَ بَقَاءِ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الِاسْمِ الَّذِي عُقِدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَفِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مَعَ بَقَاءِ أَحَدِهِمَا عَلَى ذَلِكَ الِاسْمِ فَيَكُونُ تَفَاوُتًا فِي عَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَفِي الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ يَكُونُ التَّفَاوُتُ بَعْدَ زَوَالِ ذَلِكَ الِاسْمِ فَلَمْ يَكُنْ تَفَاوُتًا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْحَالِ وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» الْحَدِيثُ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْحِنْطَةَ وَالتَّمْرَ وَالشَّعِيرَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ تَرَكَ هَذَا الْأَصْلَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ حَتَّى مَنَعَهُ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاللُّحُومُ الْمُخْتَلِفَةُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَلَبَنُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَخَلُّ الدَّقَلِ بِخَلِّ الْعِنَبِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَالْمَقْصُودِ وَلَنَا أَنَّ أُصُولَهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ حَتَّى لَا يُضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ وَأَسْمَاؤُهَا أَيْضًا مُخْتَلِفَةٌ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ كَدَقِيقِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْمَقْصُودُ أَيْضًا مُخْتَلِفٌ فَبَعْضُ النَّاسِ يَرْغَبُ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ وَقَدْ يَضُرُّهُ الْبَعْضُ وَيَنْفَعُهُ غَيْرُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الِاتِّحَادِ فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ دُونَ الْعَامِّ وَلَوْ اُعْتُبِرَ الْعَامُّ لَمَا جَازَ بَيْعُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ أَصْلًا بِخِلَافِ لَحْمِ الْجَامُوسِ وَالْبَقَرِ أَوْ لَبَنِهِمَا أَوْ لَحْمِ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ أَوْ لَبَنِهِمَا أَوْ لَحْمِ الْعَرَّابِ وَالْبَخَاتِيِّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ حَتَّى يُضَمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ فَكَذَا أَجْزَاؤُهُمَا مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَقْصُودُ كَشَعْرِ الْمَعْزِ وَصُوفِ الضَّأْنِ أَوْ لَمْ يَتَبَدَّلْ بِالصَّنْعَةِ؛ لِأَنَّ بِالتَّبَدُّلِ تَخْتَلِفُ الْمَقَاصِدُ وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلًا وَكَذَا بَيْعُ الزَّيْتِ الْمَطْبُوخِ بِغَيْرِ الْمَطْبُوخِ أَوْ الدُّهْنِ الْمُرْبِي بِالْبَنَفْسَجِ بِغَيْرِ الْمُرْبِي مِنْهُ مُتَفَاضِلًا وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُ لَحْمِ الطَّيْرِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ بِالصَّنْعَةِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَوْزُونٍ عَادَةً فَلَمْ يَكُنْ مُقَدَّرًا فَلَمْ تُوجَدْ الْعِلَّةُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بِاخْتِلَافِ الْأَصْلِ أَوْ الْمَقْصُودُ أَوْ بِتَبَدُّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّمْرُ الْمُنَقَّعُ بَعْدَ الْجَفَافِ لَا يَزُولُ عَنْهُ اسْمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَكَانَ التَّفَاوُتُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ عَلَى الِاسْمِ الَّذِي عُقِدَ عَلَيْهِ) أَرَادَ بِهِ بَقَاءَ اسْمِ الْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ بَعْدَ الْجَفَافِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَاللُّحُومُ الْمُخْتَلِفَةُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا) وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ جَمَعَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَبَنُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) أَيْ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا نَقْدًا لَا نَسِيئَةً اهـ (قَوْلُهُ وَخَلُّ الدَّقَلِ) بِفَتْحَتَيْنِ اهـ وَإِنَّمَا خَصَّ خَلَّ الدَّقَلِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَرْدَأِ التَّمْرِ إجْرَاءً لِلْكَلَامِ مَجْرَى الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُمْ اعْتَادُوا اتِّخَاذَ الْخَلِّ مِنْ الدَّقَلِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ فِي كُلِّ تَمْرٍ كَذَلِكَ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخَلِّ الْعِنَبِ) كَيْفَ كَانَ وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ جَمَعَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي وَجِيزِهِمْ وَفِي لُحُومِ الْحَيَوَانَاتِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعْنَى وَإِنْ اتَّحَدَ الِاسْمُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِاتِّحَادِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَالْمَقْصُودُ) وَهُوَ التَّغَذِّي وَالتَّقَوِّي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَسْمَاؤُهَا أَيْضًا مُخْتَلِفَةٌ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ) كَقَوْلِك لَحْمُ الْبَقَرِ وَلَحْمُ الضَّأْنِ وَلَحْمُ الْإِبِلِ وَلَحْمِ الدَّجَاجِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَقْصُودُ كَشَعْرِ الْمَعْزِ وَصُوفِ الضَّأْنِ) فَشَعْرُ الْمَعْزِ وَصُوفِ الضَّأْنِ جِنْسَانِ بِخِلَافِ لَحْمِهِمَا وَلَبَنِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا جُعِلَ الشَّعْرُ وَالصُّوفُ جِنْسَيْنِ) وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُمَا وَهُوَ الْمَعْزُ وَالضَّأْنُ جِنْسًا وَاحِدًا لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَهُمَا يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْآخَرُ وَلِهَذَا يُتَّخَذُ مِنْ الصُّوفِ اللِّفَافَةُ وَاللَّبْدُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَمِنْ الشَّعْرِ الْمِسْحُ وَالْحَبْلُ الْغَلِيظُ وَنَحْوُ ذَلِكَ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا صُوفُ الشَّاةِ مَعَ شَعْرِ الْمَعْزِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ وَلَوْ بَاعَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ يَجْمَعُهُمَا اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّبَدُّلِ تَخْتَلِفُ الْمَقَاصِدُ) قَالَ الْكَمَالُ وَمِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ جَوَازِ بَيْعِ إنَاءَيْ صُفْرٍ أَوْ حَدِيدٍ أَحَدُهُمَا أَثْقَلُ مِنْ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ قَمْقَمَةٍ بِقَمْقَمَتَيْنِ وَإِبْرَةٍ بِإِبْرَتَيْنِ وَخُوذَةٍ بِخُوذَتَيْنِ وَسَيْفٍ بِسَيْفَيْنِ وَدَوَاةٍ بِدَوَاتَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَيَمْتَنِعُ التَّفَاضُلُ وَإِنْ اصْطَلَحُوا بَعْدَ الصِّيَاغَةِ عَلَى تَرْكِ الْوَزْنِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْعَدِّ وَالصُّورَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ الدُّهْنُ الْمَرْبِيُّ بِالْبَنَفْسَجِ بِغَيْرِ الْمَرْبِيِّ مِنْهُ مُتَفَاضِلًا). قَالَ الْكَمَالُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُجَانَسَةَ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ فَيَمْنَعُ النَّسِيئَةَ كَمَا فِي الْمُجَانَسَةِ الْعَيْنِيَّةِ وَذَلِكَ كَالزَّيْتِ مَعَ الزَّيْتُونِ وَالشَّيْرَجِ مَعَ السِّمْسِمِ وَتَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ فَيَخْتَلِفُ الْجِنْسُ مَعَ اتِّحَادِ الْأَصْلِ حَتَّى يَجُوزَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ مَعَ دُهْنِ الْوَرْدِ أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الزَّيْتُ أَوْ الشَّيْرَجُ فَصَارَ جِنْسَيْنِ بِاخْتِلَافِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ مِنْ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ وَالْغَرَضِ وَلَمْ يُبَالِ بِاتِّحَادِ الْأَصْلِ وَعَلَى هَذَا دُهْنُ الزَّهْرِ فِي دِيَارِنَا وَدُهْنُ الْبَانِ أَصْلُهُمَا اللَّوْزُ يُطْبَقُ بِالزَّهْرِ وَالْخِلَافِ مُدَّةً، ثُمَّ يُعْصَرُ اللَّوْزُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ دُهْنٌ مُخْتَلِفُ الرَّائِحَةِ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِ الدُّهْنَيْنِ بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَعَلَى هَذَا قَالُوا: لَوْ ضَمَّ إلَى الْأَصْلِ مَا طَيَّبَهُ دُونَ الْآخَرِ جَازَ مُتَفَاضِلًا حَتَّى أَجَازُوا بَيْعَ قَفِيزِ سِمْسِمٍ مُطَيَّبٍ بِقَفِيزَيْنِ غَيْرِ مُطَيَّبٍ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ رِطْلِ لَوْزٍ مُطْبَقٍ بِرِطْلَيْ لَوْزٍ غَيْرِ مُطْبَقٍ وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ دُهْنٍ مُطْبَقٍ بِزَهْرِ النَّارِنْجِ بِرِطْلَيْ دُهْنِ اللَّوْزِ الْخَالِصِ وَكَذَا رِطْلُ زَيْتٍ مُطَيَّبٍ بِرِطْلَيْنِ مِنْ زَيْتٍ لَمْ يُطَيَّبْ فَجَعَلُوا الرَّائِحَةَ فِيهَا بِإِزَاءِ الزِّيَادَةِ عَلَى الرِّطْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُ لَحْمِ الطَّيْرِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُ لَحْمِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ الطُّيُورِ كَالسِّمَانِ مَثَلًا وَالْعَصَافِيرِ مُتَفَاضِلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِ الرِّبَا إذْ لَا بِوَزْنِ لَحْمِ الطَّيْرِ وَلَا يُكَالُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ لُحُومِ الطَّيْرِ الدَّجَاجُ وَالْإِوَزُّ؛ لِأَنَّهُ يُوزَنُ عَادَةً فِي دِيَارِ مِصْرَ بِعَظْمِهِ. اهـ. .

[بيع الخبز بالبر أو الدقيق متفاضلا]

الصَّنْعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَحْمُ الْبَطْنِ بِالْأَلْيَةِ أَوْ بِاللَّحْمِ) يَعْنِي يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مِنْ الضَّأْنِ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ لِاخْتِلَافِ الْأَسْمَاءِ وَالصُّوَرِ وَالْمَقَاصِدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخُبْزُ بِالْبُرِّ أَوْ الدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا شُبْهَةَ الْمُجَانَسَةِ فِي الْحَالِ وَلَا يُعْرَفُ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فَصَارَ كَبَيْعِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ أَوْ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ بِالصَّنْعَةِ صَارَ جِنْسًا آخَرَ حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا وَالْبُرُّ وَالدَّقِيقُ مَكِيلٌ فَلَمْ يَجْمَعْهُمَا الْقَدْرُ وَلَا الْجِنْسُ حَتَّى جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً إذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ هِيَ الْمُتَأَخِّرَةُ لِإِمْكَانِ ضَبْطِهَا وَإِنْ كَانَ الْخُبْزُ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ أَوْ السَّلَمُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالطَّحْنِ وَالْعَجْنِ وَالنُّضْجِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَقَدْ ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا يَحْفَظُ عَنْهُمَا خِلَافُ ذَلِكَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ السَّلَمِ بِاللَّحْمِ وَبِهِ يُفْتَى لِلتَّعَامُلِ وَفِي الْكَافِي أَنَّ ابْنَ رُسْتُمَ ذَكَرَ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا وَلَا عَدَدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي السَّلَمِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بَابَ السَّلَمِ أَوْسَعُ حَتَّى جَازَ السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ دُونَ الْقَرْضِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ بِالْوَزْنِ وَالْعَدَدِ جَمِيعًا لِلتَّعَامُلِ وَبِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ كَالِاسْتِصْنَاعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ بِالْوَزْنِ دُونَ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ أُحَادَهُ تَتَفَاوَتُ بِالْعَدِّ دُونَ الْوَزْنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بَيْعُ الْبُرِّ بِالدَّقِيقِ أَوْ بِالسَّوِيقِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِأَحَدِهِمَا لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّهُ جِنْسُهُ مِنْ وَجْهٍ وَإِنْ اخْتَصَّ بِاسْمٍ آخَرَ فَيَحْرُمُ لِشُبْهَةِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بُرٌّ وَالْآخَرَ أَجْزَاؤُهُ أَوْ أَحَدُهُمَا دَقِيقٌ وَالْآخَرُ أَجْزَاؤُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِالطَّحْنِ لَمْ يُوجَدْ إلَّا تَفْرِيقُ الْأَجْزَاءِ وَالْمُجْتَمِعُ بِالتَّفْرِيقِ لَا يَصِيرُ جِنْسًا آخَرَ فَبَقِيَتْ شُبْهَةُ الْمُجَانَسَةِ وَثُبُوتُ الشُّبْهَةِ تَكْفِي لِثُبُوتِ حُرْمَةِ الرِّبَا كَمَا فِي دُهْنِ السِّمْسِمِ مَعَ السِّمْسِمِ غَيْرَ أَنَّ الْمِعْيَارَ فِيهِمَا الْكَيْلُ وَهُوَ غَيْرُ مُسَوِّ لَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْبُرَّ إذَا طُحِنَ يَزِيدُ عَلَيْهِ وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْحَالِ وَظَهَرَتْ بِالطَّحْنِ بِخِلَافِ بَيْعِ دُهْنِ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمِعْيَارَ فِيهِمَا الْوَزْنُ وَهُوَ مُسَوَّ لَهُمَا فَأَمْكَنَ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيًا وَلَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا لِاتِّحَادِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَبِهِ تَثْبُتُ الْمُجَانَسَةُ مِنْ كُلِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشَحْمُ الْبَطْنِ بِالْأَلْيَةِ أَوْ بِاللَّحْمِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ بَاعَ لُحُومَ الشَّاةِ بِشُحُومِهَا أَوْ بِأَلْيَتِهَا أَوْ لَحْمِهَا بِصُوفِهَا يَجُوزُ ذَلِكَ كَيْفَمَا كَانَ وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ يَجْمَعُهُمَا اهـ قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا الرُّءُوس وَالْأَكَارِعُ وَالْجُلُودُ فَيَجُوزُ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَمَا كَانَ لَا نَسِيئَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضْبَطْ بِالْوَصْفِ حَتَّى أَنَّ السَّلَمَ فِيهِ لَا يَجُوزُ. اهـ. . [بَيْع الْخَبَز بالبر أَوْ الدَّقِيق متفاضلا] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْخُبْزُ بِالْبُرِّ أَوْ الدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا) أَيْ نَقْدًا لَا نَسِيئَةً إلَّا إذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ أَوْ الدَّقِيقُ نَسِيئَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ حِينَئِذٍ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا) أَيْ وَصَارَ وَزْنِيًّا أَوْ عَدَدِيًّا. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ وَزْنِيًّا أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُهُ أَوْ عَدَدِيًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْخُبْزُ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ الْخُبْزُ نَسِيئَةً يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا وَلَا عَدَدًا) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يَجُوزُ بِهِمَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِتَعَامُلِ النَّاسِ بِهِ وَحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ اهـ وَقَالَ ابْنُ فِرِشْتَا: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ وَزْنًا وَعَدَدًا وَقَالَ: ثَلَاثٌ مِنْ الدَّنَاءَةِ اسْتِقْرَاضُ الْخُبْزِ وَزْنًا وَالْجُلُوسُ فِي دُكَّانِ الْحَجَّامِ وَالنَّظَرُ فِي مِرْآتِهِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بَعْدَ أَوْرَاقٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ عَدَدًا وَوَزْنًا كَذَا ذَكَرَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْمُخْتَلَفِ وَالْحَصْرِ وَخُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَصَاحِبُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَدَدًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَزْنَ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ عِنْدَهُ لَا وَزْنًا وَلَا عَدَدًا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَكَأَنَّ مُحَمَّدًا تَرَكَ الْقِيَاسَ فِي جَوَازِ اسْتِقْرَاضِهِ عَدَدًا لِتَعَارُفِ النَّاسِ كَمَا تَرَكَ الْقِيَاسَ بِالْعُرْفِ فِي جَوَازِ الِاسْتِصْنَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ بِالْوَزْنِ دُونَ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ أُحَادَهُ تَتَفَاوَتُ) قَالَ الْكَمَالُ وَمُحَمَّدٌ: يَقُولُ قَدْ أَهْدَرَ الْجِيرَانُ تَفَاوُتَهُ وَعَنْهُمْ يَكُونُ اقْتِرَاضُهُ غَالِبًا وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ وَجَعَلَ الْمُتَأَخِّرُونَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَنَا أَرَى أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا بَيْعُ الْبُرِّ بِالدَّقِيقِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِدَقِيقِ الْحِنْطَةِ وَلَا بِسَوِيقِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ وَلَا بِسَوِيقِهَا أَمَّا بِسَوِيقِ الشَّعِيرِ فَيَجُوزُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْآخَرُ أَجْزَاؤُهُ) عِبَارَةُ الْكَافِي وَفِي الْآخَرِ أَجْزَاؤُهُ اهـ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْمِعْيَارَ فِيهِمَا الْكَيْلُ وَهُوَ غَيْرُ مُسَوٍّ لَهُمَا) قَالَ الْكَمَالُ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ: بَيْنَهُمَا كَيْلًا بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ فَصَارَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَيْلًا كَبَيْعِ الْجُزَافِ لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ وَحُرْمَةُ الرِّبَا إنَّمَا كَانَتْ مُنْتَهِيَةً بِالْعِلْمِ بِالْمُسَاوَاةِ إلَّا فِيمَا لَا اعْتِبَارَ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَتَّفِقَ كَبْسٌ فِي كَيْلِ هَذِهِ الْحِنْطَةِ لَمْ يَتَّفِقْ قَدْرُهُ سَوَاءٌ فِي الْحِنْطَةِ الْأُخْرَى فَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْعِلْمُ بِهَا صَارَتْ مُؤَبَّدَةً بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ كَيْلًا بِكَيْلٍ مُسَاوٍ، ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ: وَقَوْلُنَا الْمِعْيَارُ فِي الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ الْكَيْلُ لَا يُرَادُ بِهِ إلَّا فِيمَا إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ أَمَّا بِالدَّرَاهِمِ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ وَزْنًا بِالدَّرَاهِمِ وَكَذَا الدَّقِيقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَحُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيًا وَلَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا أَخْشَنَ أَوْ أَدَقَّ وَكَذَا بَيْعُ النُّخَالَةِ بِالنُّخَالَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ أَبِي نَصْرٍ: يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ إذَا كَانَا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ النُّعُومَةِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجُمْلَةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْكَيْلِ وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ تَسَاوَيَا فِي الْكَيْلِ أَوْ تَفَاضَلَا وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْكَيْلِ وَهُوَ أَنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ وَهُمَا عَتِيقَتَانِ أَوْ حَدِيثَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا عَتِيقَةٌ وَالْأُخْرَى حَدِيثَةٌ وَكَذَلِكَ إذَا.

وَجْهٍ وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ التَّفَاضُلِ كَمَا فِي الْبُرِّ بِالْبُرِّ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: إنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ إذَا كَانَا مَكْبُوسَيْنِ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مَكْبُوسَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ بَاعَ الدَّقِيقَ بِالدَّقِيقِ مُوَازَنَةً فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَسَاوِيًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالْمَقْصُودُ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَهُمَا يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْآخَرُ وَهُوَ آيَةُ الِاخْتِلَافِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ يَجْمَعُهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْحِنْطَةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَا بِالْحِنْطَةِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَعَدَمِ الْمُسَوِّي وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَصْلِ أَحَدِهِمَا بِأَصْلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْمَقْلِيَّةُ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا الْجُزْءَانِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إذْ الْجُزْءُ لَا يُخَالِفُ الْكُلَّ وَبِفَوَاتِ بَعْضِ الْمَقَاصِدِ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا لَهُ كَأَصْلِ أَحَدِهِمَا مَعَ أَصْلِ الْآخَرِ أَوْ مَعَهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَكَالْبُرِّ الْعَلِكِ مَعَ الْمُسَوَّسِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إلَّا مُتَسَاوِيًا وَمُجَرَّدُ اخْتِلَافِ الِاسْمِ لَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ. أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْضَ الْإِنْسَانِ يَخْتَصُّ بِاسْمٍ كَالشَّابِّ وَالشَّيْخِ وَالطِّفْلِ وَنَحْوِهِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَبَيْعُ الْمَقْلِيَّةِ بِالْمَقْلِيَّةِ وَالسَّوِيقِ بِالسَّوِيقِ مُتَسَاوِيًا جَائِزٌ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالزَّيْتُونُ بِالزَّيْتِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ حَتَّى يَكُونَ الدُّهْنُ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الْآخَرِ لِيَكُونَ قَدْرُهُ بِمِثْلِهِ وَالزَّائِدُ بِالثَّجِيرِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ بَيْنَهُمَا مَعْنًى بِاعْتِبَارِ مَا فِي ضِمْنِهِمَا وَإِنْ اخْتَلَفَا صُورَةً فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ شُبْهَةُ الْمُجَانَسَةِ وَالرِّبَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الدُّهْنُ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِنْ الَّذِي فِي الْآخَرِ كَانَ الثَّجِيرُ بِلَا عِوَضٍ يُقَابِلُهُ فَيَحْرُمُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْخَالِصَ أَكْثَرُ لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ: إنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْجَوَازُ وَالْفَسَادُ طَارِئٌ عِنْدَ وُجُودِ الْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فَلَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ قُلْنَا: الْمُتَوَهَّمُ فِي الرِّبَا كَالْمُتَحَقِّقِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ الرِّبَا وَالرُّبْيَةِ وَهِيَ شُبْهَةُ الرِّبَا» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُنَّا نَدَعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلَالِ مَخَافَةَ الْحَرَامِ وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ السَّلَفُ وَلَا يُقَالُ: إنَّ السِّمْسِمَ مَكِيلٌ وَالدُّهْنَ مَوْزُونٌ فَكَيْفَ يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَقْصُودُ مِنْهُ دُهْنُهُ وَهُوَ مَوْزُونٌ وَالْحُرْمَةُ بِاعْتِبَارِهِ فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ مُتَفَاضِلًا كَيْلًا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ بِأَنْ يُصْرَفَ كُلُّ جِنْسٍ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ قُلْنَا ذَلِكَ يَتَأَتَّى فِي الْمُنْفَصِلِ خِلْقَةً دُونَ الْمُتَّصِلِ وَكَذَا. بَيْعُ الْجَوْزِ بِدُهْنِهِ وَاللَّبَنِ بِسَمْنِهِ وَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ وَكُلُّ شَيْءٍ لِثِقَلِهِ قِيمَةٌ إذَا بِيعَ بِالْخَالِصِ مِنْهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِثِقَلِهِ قِيمَةٌ كَتُرَابِ الذَّهَبِ إذَا بِيعَ بِالذَّهَبِ أَوْ تُرَابِ الْفِضَّةِ إذَا بِيعَ بِالْفِضَّةِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي التُّرَابِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا يُجْعَلُ بِإِزَائِهِ شَيْءٌ حَتَّى لَوْ جُعِلَ فَسَدَ لِرِبَا الْفَضْلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسْتَقْرَضُ الْخُبْزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبَايَعَا حِنْطَةً مَقْلِيَّةً بِمَقْلِيَّةٍ أَوْ دَقِيقَ حِنْطَةٍ بِدَقِيقِ حِنْطَةٍ أَوْ سَوِيقَ حِنْطَةٍ بِسَوِيقِ حِنْطَةٍ وَتَسَاوَيَا فِي الْكَيْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ عَلَى هَذَا وَكَذَلِكَ إذَا تَبَايَعَا تَمْرًا بِتَمْرٍ كِلَاهُمَا عَتِيقٌ أَوْ كِلَاهُمَا حَدِيثٌ أَوْ أَحَدُهُمَا حَدِيثٌ وَالْآخَرُ عَتِيقٌ وَتَسَاوَيَا فِي الْكَيْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ إذَا تَبَايَعَا عِنَبًا بِعِنَبٍ أَوْ زَبِيبًا بِزَبِيبٍ وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَكِيلَاتِ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي لَا يَجُوزُ تَسَاوَيَا فِي الْكَيْلِ أَوْ تَفَاضَلَا فَهُوَ أَنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا حِنْطَةً مَقْلِيَّةً بِغَيْرِ مَقْلِيَّةٍ أَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالدَّقِيقِ أَوْ الْحِنْطَةَ بِسَوِيقِ الْحِنْطَةِ أَوْ تَمْرًا مَطْبُوخًا بِتَمْرٍ غَيْرِ مَطْبُوخٍ أَوْ حِنْطَةً مَطْبُوخَةً بِحِنْطَةٍ غَيْرِ مَطْبُوخَةٍ فَلَا يَجُوزُ تَسَاوَيَا أَوْ تَفَاضَلَا وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهُوَ أَنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا تَمْرًا بِرُطَبٍ أَوْ رُطَبًا بِبُسْرٍ أَوْ عِنَبًا بِزَبِيبٍ فَتَسَاوَيَا فِي الْكَيْلِ يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ تَسَاوَيَا أَوْ تَفَاضَلَا وَبَيْعُ الْكُفْرِيِّ بِالْبُسْرِ أَوْ الرُّطَبِ أَوْ التَّمْرِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرِيَّ عَدَدِيٌّ اهـ مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ إنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ إذَا كَانَا مَكْبُوسَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ: وَهُوَ حَسَنٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ) وَالْمُرَادُ مِنْهُ دَقِيقُ الْحِنْطَةِ بِسَوِيقِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَأَمَّا دَقِيقُ الْحِنْطَةِ بِسَوِيقِ الشَّعِيرِ وَعَكْسُهُ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا: يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ) أَيْ دَقِيقُ الْحِنْطَةِ وَسَوِيقُهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مُخْتَلِفَانِ) أَيْ وَإِنْ رَجَعَا إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِاخْتِلَافِ الِاسْمِ) أَيْ الْهَيْئَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَصْلِ أَحَدِهِمَا بِأَصْلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْمَقْلِيَّةُ) أَيْ فَإِنَّ الْمَقْلِيَّةَ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَلَا لِلْهَرِيسَةِ وَلَا تُطْحَنُ فَيُتَّخَذُ مِنْهَا خُبْزٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَالْبُرِّ الْعَلِكِ مَعَ الْمُسَوَّسِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْحِنْطَةُ الْعَلِكَةُ الْجَيِّدَةُ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ طَعَامٌ عَلِكٌ مَتِينُ الْمَضْغَةِ وَالْحِنْطَةُ الْمُسَوِّسَةُ أَيْ الْمُدَوِّدَةُ يُقَالُ سَوَّسَ الطَّعَامُ إذَا دَوَّدَ مِنْ السُّوسِ وَهُوَ الدُّودُ وَقَالَ الْكَمَالُ الْعَلِكَةُ أَيْ الْجَيِّدَةُ السَّالِمَةُ مِنْ السُّوسِ وَمُسَوِّسَةٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ كَأَنَّهَا هِيَ سَوَّسَتْ أَيْ أَدْخَلَتْ السُّوسَ فِيهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْمَقْلِيَّةِ بِالْمَقْلِيَّةِ) قَالَ الْكَمَالُ فَأَمَّا بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِالْمَقْلِيَّةِ فَاخْتَلَفُوا قِيلَ: يَجُوزُ إذَا تَسَاوَيَا كَيْلًا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقِيلَ: لَا وَعَلَيْهِ عَوَّلَ فِي الْمَبْسُوطِ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّارَ قَدْ تَأْخُذُ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: يُقَالُ حِنْطَةٌ مَقْلِيَّةٌ مِنْ قَلَى يَقْلِي وَمَقْلُوَّةٌ مِنْ قَلَا يَقْلُو فَهُمَا إذَنْ لُغَتَانِ ذَكَرَهُمَا أَهْلُ اللُّغَةِ كَصَاحِبِ الْمُجْمَلِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا عُدَّ مَنْ طَعَنَ عَلَى أَصْحَابِنَا فِي اسْتِعْمَالِهِمْ بِالْيَاءِ مُخْطِئًا اهـ.

[لا ربا بين المولى وعبده]

وَزْنًا لَا عَدَدًا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُسْتَقْرَضُ بِهِمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُسْتَقْرَضُ بِهِمَا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ)؛ لِأَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرَقٌ بِرَقَبَتِهِ وَمَا فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِلْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَلَا يَعْرَى عَنْ الشُّبْهَةِ وَفِي الْمُحِيطِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ لَا رِبَا بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدِينِ بِعِوَضٍ يَعْدِلَهُ اسْتِخْلَاصًا بِغَيْرِ شِرَاءٍ فَجُعِلَ أَخْذًا بِهَذَا الطَّرِيقِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِنْهُ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ يُرَدُّ الدِّرْهَمُ الزَّائِدُ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا لِلرِّبَا حَتَّى لَوْ أَخَذَ مِنْهُ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الرَّدُّ عَلَى الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُتَفَاوِضَانِ لَا رِبَا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَا لَهُمَا وَكَذَا شَرِيكَا الْعِنَانِ إذَا تَبَايَعَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْلِمِ ثَمَّةَ) أَيْ لَا رِبَا بَيْنَهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ إذَا تَبَايَعَا بَيْعًا فَاسِدًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ جَائِزٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ الْتَزَمَ بِالْأَمَانِ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَ أَمْوَالَهُمْ إلَّا بِالْعَقْدِ وَهَذَا الْعَقْدُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ الْحَلَالَ فَصَارَ كَمَا إذَا وَقَعَ مَعَ الْمُسْتَأْمِنِ مِنْهُمْ فِي دَارِنَا وَلَهُمَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ» وَلِأَنَّ مَا لَهُمْ مُبَاحٌ وَبِعَقْدِ الْأَمَانِ لَمْ يَصِرْ مَعْصُومًا إلَّا أَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ لَا يَغْدِرَهُمْ وَلَا يَتَعَرَّضَ لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ بِدُونِ رِضَاهُمْ فَإِذَا أَخَذَهُ بِرِضَاهُمْ فَقَدْ أَخَذَ مَالًا مُبَاحًا بِلَا غَدْرٍ فَيَمْلِكُهُ بِحُكْمِ الْإِبَاحَةِ السَّابِقَةِ إذْ تَأْثِيرُ الْأَمَانِ فِي تَحْصِيلِ التَّرَاضِي دُونَ التَّمَلُّكِ فَكَانَ الْمِلْكُ فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ زَائِلًا بِالتِّجَارَةِ كَمَا رَضِيَ بِهِ وَفِي حَقِّ الْمُسْلِمِ ثَابِتًا لِاسْتِيلَائِهِ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ مِنْهُمْ فِي دَارِنَا؛ لِأَنَّ مَالَهُ صَارَ مَحْظُورًا بِعَقْدِ الْأَمَانِ وَلَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مَالَهُ غَيْرَ مَعْصُومٍ عِنْدَهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. بَابُ الْحُقُوقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْعُلْوُ لَا يَدْخُلُ بِشِرَاءِ بَيْتٍ بِكُلِّ حَقٍّ وَبِشِرَاءِ مَنْزِلٍ إلَّا بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ وَدَخَلَ بِشِرَاءِ دَارٍ كَالْكَنِيفِ) أَيْ لَا يَدْخُلُ الْعُلْوُ بِشِرَاءِ بَيْتٍ وَإِنْ قَالَ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَبِشِرَاءِ مَنْزِلٍ لَا يَدْخُلُ إلَّا أَنْ يَقُولَ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ وَبِشِرَاءِ الدَّارِ يَدْخُلُ الْعُلْوُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَدْخُلُ الْكَنِيفُ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمُسَقَّفٍ وَاحِدٍ يَصْلُحُ لِلْبَيْتُوتَةِ وَالْعُلْوُ مِثْلُهُ وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِمِثْلِهِ وَلَا يَكُونُ مِنْ حُقُوقِهِ فَلَا يَدْخُلُ بِدُونِ التَّنْصِيصِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ لَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ] قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ مُتَفَاضِلًا فِيمَا فِيهِ الرِّبَا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا) وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَلَكِنْ تَعَلَّقَ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَخَذَ) أَيْ السَّيِّدُ اهـ. [لَا ربا بَيْن الْحَرْبِيّ والمسلم فِي دَار الْحَرْب] (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا تَبَايَعَا بَيْعًا فَاسِدًا) الْمُسْلِمُ الَّذِي دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ إذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بَاعَ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ مَيْتَةً أَوْ قَامَرَهُمْ وَأَخَذَ الْمَالَ يَحِلُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مَالَهُمْ مُبَاحٌ) أَيْ أَهْلِ الْحَرْبِ. اهـ. . [بَابُ الْحُقُوقِ] (بَابُ الْحُقُوقِ) أَيْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ: مَحَلُّ هَذَا الْبَابِ عَقِيبَ كِتَابِ الْبُيُوعِ قَبْلَ الْخِيَارِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا اتَّبَعَ وَضْعَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُرَتَّبَ وَفِيهِ وَقَعَ الْوَضْعُ هَكَذَا بَعْدَ ذِكْرِ مَسَائِلِ الْبُيُوعِ وَضَعَ هَكَذَا أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْعُلْوُ لَا يَدْخُلُ بِشِرَاءِ بَيْتٍ بِكُلِّ حَقٍّ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ اشْتَرَى مَنْزِلًا فَوْقَهُ مَنْزِلٌ فَلَيْسَ لَهُ الْأَعْلَى إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِكُلِّ حَقٍّ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ وَمَنْ اشْتَرَى بَيْتًا فَوْقَهُ بَيْتٌ بِكُلِّ حَقٍّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَعْلَى وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا بِحُدُودِهَا فَلَهُ الْعُلْوُ وَالْكَنِيفُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْمَنْزِلُ فَوْقَ الْبَيْتِ وَدُونَ الدَّارِ وَالْبَيْتُ اسْمٌ لِمُسَقَّفٍ وَاحِدٍ لَهُ دِهْلِيزٌ وَالدَّارُ اسْمٌ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَى الصَّحْنِ وَالْبُيُوتِ وَالصُّفَّةِ وَالْمَطْبَخِ وَالْإِصْطَبْلِ وَالْمَنْزِلُ اسْمٌ لِمَا يَشْمَلُ عَلَى بُيُوتٍ وَمَطْبَخٍ وَمَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ فِيهِ صَحْنٌ إلَى هُنَا لَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعُلْوَ لَا يَدْخُلُ فِي شِرَاءِ الْبَيْتِ وَإِنْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ إلَّا إذَا ذَكَرَ اسْمَ الْعُلْوِ صَرِيحًا؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِخَاصٍّ لِمُسَقَّفٍ وَاحِدٍ يُبَاتُ فِيهِ وَالْعُلْوُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ السُّفْلِ وَالشَّيْءُ يَسْتَتْبِعُ دُونَهُ لَا مِثْلَهُ أَوْ فَوْقَهُ وَالْعُلْوُ يَدْخُلُ فِي شِرَاءِ الْمَنْزِلِ إذَا ذَكَرَ الْحُقُوقَ أَوْ الْمَرَافِقَ أَوْ كُلَّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أَوْ اسْمَهُ الْخَاصَّ وَإِلَّا فَلَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ اسْمٌ لِبَيْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ يَنْزِلُ فِيهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَالْعُلْوُ فِي النُّزُولِ كَالسُّفْلِ إلَّا أَنَّهُ دُونَهُ فِي احْتِمَالِ السُّكْنَى فَكَانَ أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ تَابِعًا مِنْ وَجْهٍ فَإِنْ ذَكَرَهُ أَوْ ذَكَرَ اسْمَ التَّبَعِ دَخَلَ وَإِلَّا فَلَا وَعُلْوُ الدَّارِ يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ وَمِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّ الْعُلْوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا أُدِيرَ الْحَوَائِطُ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا إلَخْ) أَيْ إلَّا بِإِحْدَى عِبَارَاتٍ ثَلَاثٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ إلَخْ) هَذِهِ إحْدَى الْعِبَارَاتِ الثَّلَاثِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمُسَقَّفٍ وَاحِدٍ يَصْلُحُ لِلْبَيْتُوتَةِ) فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَصِرُ عَلَى هَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ لَهُ دِهْلِيزًا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِمِثْلِهِ) قَالَ الْكَمَالُ: أَوْ مَا هُوَ دُونَهُ وَأُورِدَ الْمُسْتَعِيرُ لَهُ أَنْ يُعِيرَ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ وَالْمُكَاتَبُ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ.

[الظلة هل تدخل في بيع الدار]

عَلَيْهِ وَالدَّارُ اسْمٌ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ مِنْ الْحَائِطِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى بُيُوتٍ وَمَنَازِلَ وَصَحْنٍ غَيْرِ مُسْقَفٍ وَالْعُلْوُ مِنْ أَجْزَائِهِ وَتَوَابِعِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَالْمَنْزِلُ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَى بُيُوتٍ وَصَحْنٍ مُسْقَفٍ وَمَطْبَخٍ يَسْكُنُهُ الرَّجُلُ بِأَهْلِهِ مَعَ ضَرْبِ قُصُورٍ فِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إصْطَبْلٌ فَكَانَ لَهُ شَبَهٌ بِهِمَا فَلِشَبَهِهِ بِالدَّارِ يَدْخُلُ تَبَعًا عِنْدَ ذِكْرِ التَّوَابِعِ وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْتِ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ تَوْفِيرًا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا وَذُكِرَ فِي الْكَافِي أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ بِنَاءً عَلَى عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَفِي عُرْفِنَا يَدْخُلُ الْعُلْوُ فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ بَاعَ بِاسْمِ الْبَيْتِ أَوْ الْمَنْزِلِ أَوْ الدَّارِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْزِلٍ يُسَمَّى خَانَةً سَوَاءٌ كَانَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: يَتَنَاوَلُ الْعُلْوَ وَالسُّفْلَ وَالْأَحْكَامُ فِي مِثْلِ هَذَا تُبْنَى عَلَى الْعُرْفِ فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ وَفِي كُلِّ عَصْرٍ عُرْفُ أَهْلِهِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْكَنِيفُ؛ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ وَالْكَنِيفُ مِنْهُ فَيَدْخُلُ بِذِكْرِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ إفْرَادِهِ بِالذِّكْرِ كَالْعُلْوِ وَلَوْ كَانَ خَارِجَ الدَّارِ مَبْنِيًّا عَلَى الظُّلَّةِ يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْ الدَّارِ عَادَةً وَيَدْخُلُ بِئْرُ الْمَاءِ وَالْأَشْجَارُ فِي صَحْنِهَا وَالْبُسْتَانُ فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ الْبُسْتَانُ خَارِجَ الدَّارِ إنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهَا أَوْ مِثْلَهَا لَا يَدْخُلُ إلَّا بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ حُدُودِهَا وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْ الدَّارِ عُرْفًا فَصَارَ تَبَعًا لَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الظُّلَّةُ إلَّا بِكُلِّ حَقٍّ) أَيْ لَا تَدْخُلُ الظُّلَّةُ فِي بَيْعِ الدَّارِ إذَا قَالَ بِكُلِّ حَقٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا إذَا كَانَ مِفْتَحُهَا فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الدَّارِ كَالْعُلُوِّ وَالْكَنِيفِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الْحُدُودِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ فَصَارَتْ كَالطَّرِيقِ وَلِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلدَّارِ مِنْ حَيْثُ إنَّ قَرَارَ أَحَدِ طَرَفَيْهَا عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ لَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ قَرَارَ طَرَفِهَا الْآخَرِ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ فَصَارَتْ تَابِعَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَتَدْخُلُ أَنْ ذُكِرَ الْحُقُوقُ وَنَحْوُهُ وَإِلَّا فَلَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ وَالشِّرْبُ إلَّا بِنَحْوِ كُلِّ حَقٍّ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ) أَيْ لَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ أَوْ الْمَسْكَنِ إلَّا بِذِكْرِ كُلِّ حَقٍّ أَوْ نَحْوِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِطَرِيقِ الِاسْتِتْبَاعِ بَلْ لَمَّا مَلَكَ الْمُسْتَعِيرُ الْمَنْفَعَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَ مَا مَلَكَ وَالْمُكَاتَبُ يَعْقِدُ الْكِتَابَةَ لَمَّا صَارَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كِتَابَةَ عَبْدِهِ مِنْ اكْتِسَابِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَنْزِلُ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ) مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ وَهِيَ الدَّوْرَةُ الصَّغِيرَةُ فِيهَا بَيْتَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ يَشْمَلُ عَلَى مَرَافِقِ السُّكْنَى، وَلَكِنَّهُ قَاصِرٌ لَيْسَ فِيهِ مَنْزِلُ الدَّوَابِّ وَلَا مَا يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي عُرْفِنَا يَدْخُلُ الْعُلْوُ) أَيْ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ فِي عُرْفِنَا الدَّارُ وَالْمَنْزِلُ وَالْبَيْتُ كُلُّهُ وَاحِدٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْكَنِيفُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَمَا يَدْخُلُ الْعُلْوُ فِي اسْمِ الدَّارِ يَدْخُلُ الْكَنِيفُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ: الْكَنِيفُ هُوَ الْمُسْتَرَاحُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ بِئْرُ الْمَاءِ وَالْأَشْجَارُ فِي صَحْنِهَا وَالْبُسْتَانُ فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا) قَالَ قَاضِي خَانْ: وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا فِيهَا بُسْتَانٌ دَخَلَ الْبُسْتَانُ فِي الْبَيْعِ صَغِيرًا كَانَ الْبُسْتَانُ أَوْ كَبِيرًا وَإِنْ كَانَ الْبُسْتَانُ خَارِجًا مِنْ الدَّارِ لَا يَدْخُلُ الْبُسْتَانُ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَابٌ فِي الدَّارِ كَذَا قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إنْ كَانَ الْبُسْتَانُ أَصْغَرَ مِنْ الدَّارِ وَمِفْتَحُهَا إلَى الدَّارِ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَإِنْ كَانَ الْبُسْتَانُ أَكْبَرَ مِنْ الدَّارِ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ اهـ. [الظُّلَّةُ هَلْ تدخل فِي بَيْعِ الدَّارِ] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الظُّلَّةُ إلَخْ) وَالظُّلَّةُ هِيَ السَّابَاطُ الَّذِي أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الدَّارِ وَالطَّرَفُ الْآخَرُ عَلَى دَارٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى الْأُسْطُوَانَاتِ فِي السِّكَّةِ وَمِفْتَحُهَا فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَمَالٌ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ مِفْتَحُهَا فِي الدَّارِ) قَالَ قَاضِي خَانْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِفْتَحُهَا فِي الدَّارِ لَا تَدْخُلُ الظُّلَّةُ فِي بَيْعِ الدَّارِ فِي قَوْلِهِمْ إلَّا بِذِكْرِ الظُّلَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الدَّارِ كَالْعُلُوِّ وَالْكَنِيفِ) وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ فَدَخَلَهَا يَحْنَثُ. اهـ. مُحِيطٌ (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ قَرَارَ طَرَفِهَا الْآخَرِ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ) إمَّا جِدَارُ الْجَارِ أَوْ أُسْطُوَانَاتٌ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَهُوَ مَوْضِعُ جَرْيِ الْمَاءِ مِنْ الْمَطَرِ وَغَيْرِهِ وَالشِّرْبُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَهُوَ النَّصِيبُ مِنْ الْمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا بِنَحْوِ كُلِّ حَقٍّ إلَخْ) أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا بِذِكْرِ كُلِّ حَقٍّ أَوْ نَحْوِهِ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْأَصْلِ مِنْهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهَا عَيْنًا بَلْ إمَّا لِذَلِكَ أَوْ لِيَتَّجِرَ فِيهَا أَوْ يَأْخُذَ بَعْضَهَا فَلَمْ يَتَعَيَّنْ فَائِدَةٌ لِلْبَيْعِ فَلَا يَلْزَمُ وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ الْجَحْشِ كَمَا وُلِدَ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ فِي الْحَالِ وَكَذَا الْأَرْضُ السَّبْخَةُ وَلَا يَصِحُّ إجَارَةُ ذَلِكَ وَفِي الْكَافِي وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عُلْوًا وَاسْتَثْنَى الطَّرِيقَ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى عُلْوًا وَاسْتَثْنَى الطَّرِيقَ يَصِحُّ اهـ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ يَشْتَرِي الْبَيْتَ فِي الدَّارِ أَوْ الْمَنْزِلَ فِي الدَّارِ أَوْ الْمَسْكَنَ فِي الدَّارِ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ الطَّرِيقُ إلَّا أَنْ يَقُولَ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ مَرَافِقِهِ أَوْ يَقُولَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ فَيَكُونُ لَهُ الطَّرِيقُ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ خَارِجٌ عَنْ الْمَحْدُودِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ التَّوَابِعِ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَدْخُلْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَكَذَلِكَ الشِّرْبُ وَالْمَسِيلُ وَهَذَا بِخِلَافِ إجَارَةِ الْبَيْتِ أَوْ الْمَنْزِلِ أَوْ الْمَسْكَنِ أَوْ الْأَرْضِ حَيْثُ يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ وَالشِّرْبُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِجَارَةِ هُوَ الِانْتِفَاعُ وَلَا انْتِفَاعَ بِدُونِ أَنْ تَدْخُلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَالْبَيْعُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَمَلُّكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهَا وَالِانْتِفَاعُ مِنْ ثَمَرَاتِهِ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَحْشِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْأَرْضِ السَّبْخَةِ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ: وَإِذَا كَانَ طَرِيقُ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ أَوْ مَسِيلُ مَائِهَا فِي دَارٍ أُخْرَى لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، وَلَكِنَّهُ مِنْ حُقُوقِ هَذِهِ الدَّارِ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: لَيْسَ لِلدَّارِ الْمَبِيعَةِ طَرِيقٌ فِي دَارٍ أُخْرَى فَالْمُشْتَرِي لَا يَسْتَحِقُّ الطَّرِيقَ

[باب الاستحقاق]

بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ تَدْخُلُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَابِعَةٌ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُقْصَدُ لِلِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ دُونَ عَيْنِهَا أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُتَصَوَّرُ وُجُودُهَا بِدُونِ الْمَبِيعِ فَكَانَتْ تَابِعَةً لِلْمَبِيعِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي لِلْبَيْعِ فَلَا يَلْزَمُ الشِّرَاءُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ وَقَدْ يَشْتَرِي الطَّرِيقَ بَعْدَمَا اشْتَرَى الْمَبِيعَ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ لَا غَيْرَ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَوْ بَطَلَ الِانْتِفَاعُ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَنْ عَقْدِ الْإِجَارَةِ تَبْطُلُ إذْ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ إلَّا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَوَجَبَ دُخُولُهَا فِيهَا تَصْحِيحًا لَهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ الطَّرِيقَ مِنْ صَاحِبِ الْعَيْنِ لَا يَجُوزُ فَتَعَيَّنَ الدُّخُولُ فِيهَا وَلَا يَدْخُلُ مَسِيلُ مَاءِ الْمِيزَابِ إذَا كَانَ فِي مِلْكٍ خَاصٍّ وَلَا مَسْقِطِ الثَّلْجِ فِيهِ وَقَدْرُ الْحَمَّامِ يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ بِالْبِنَاءِ وَلَوْ اشْتَرَى رَحًى يَدْخُلُ الْحَجَرُ الْأَسْفَلُ؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ بِالْبِنَاءِ وَكَذَا الْأَعْلَى اسْتِحْسَانًا وَالْآلَاتُ الْمُلْصَقَةُ بِالْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الرَّحَا اسْمٌ لِبَيْتٍ فِيهِ حَجَرٌ دَوَّارٌ وَالْحَجَرُ الْأَعْلَى هُوَ الدَّوَّارُ. بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ لَا الْإِقْرَارُ)؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَصِيرُ حُجَّةً إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ وَلِلْمُقِرِّ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّنَاقُضُ يَمْنَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ لَا الْحُرِّيَّةِ وَالنَّسَبِ وَالطَّلَاقِ)؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ جُذُوعُ دَارٍ أُخْرَى عَلَى الدَّارِ الْمَبِيعَةِ فَإِنْ كَانَتْ لِلْبَائِعِ يُؤْمَرُ بِرَفْعِهَا وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ وَكَذَلِكَ لَوْ ظَهَرَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ طَرِيقٌ لِدَارٍ أُخْرَى أَوْ مَسِيلُ مَاءٍ فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الدَّارُ لِلْبَائِعِ فَلَا طَرِيقَ لَهُ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ الْبَائِعِ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى بَيْتًا فِي دَارِ أَوْ مَنْزِلًا فِيهَا أَوْ مَسْكَنًا فِيهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الطَّرِيقُ فِي هَذِهِ الدَّارِ إلَى ذَلِكَ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِكُلِّ حَقٍّ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَكَذَلِكَ الشِّرْبُ وَالْمَسِيلُ؛ لِأَنَّهُ خَارِجُ الْحُدُودِ لَا أَنَّهُ مِنْ التَّوَابِعِ فَيَدْخُلُ بِذِكْرِ التَّوَابِعِ وَفِي الْمُحِيطِ الْمُرَادُ الطَّرِيقُ الْخَاصُّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ فَأَمَّا طَرِيقُهَا إلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَإِلَى الطَّرِيقِ الْعَامِّ فَيَدْخُلُ وَكَذَا مَا كَانَ لَهُ مِنْ حَقِّ تَسْيِيلِ الْمَاءِ أَوْ إلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ خَاصَّةً وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَإِذَا كَانَ طَرِيقُ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ أَوْ مَسِيلُ مَائِهَا فِي دَارِ أُخْرَى لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ إلَّا أَنَّ تَعْلِيلَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ يَقْتَضِي أَنَّ الطَّرِيقَ الَّذِي فِي هَذِهِ الدَّارِ يَدْخُلُ وَهُوَ غَيْرُ مَا فِي الْكِتَابِ فَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَلَمْ يَشْتَرِ جَمِيعَ هَذِهِ الدَّارِ إنَّمَا اشْتَرَى شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْهَا فَلَا يَدْخُلُ مِلْكَ الْبَائِعِ أَوْ مِلْكَ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا بِذِكْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ تَدْخُلُ فِيهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ أَرْضًا. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ) كَالْمَهْرِ وَالْأَرْضِ السَّبْخَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى رَحًى) وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى بَيْتَ الرَّحَى بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ اهـ قَاضِي خَانْ. [بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ] (بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ) هُوَ طَلَبُ الْحَقِّ اهـ ع قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ذُكِرَ هَذَا الْبَابُ عَقِيبَ بَابِ الْحُقُوقِ لِظُهُورِ التَّنَاسُبِ بَيْنَهُمَا لَفْظًا وَمَعْنًى اهـ قَالَ الْكَمَالُ: حَقُّ هَذَا الْبَابِ أَنْ يُذْكَرَ بَعْدَ تَمَامِ أَبْوَابِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ ظُهُورُ عَدَمِ الصِّحَّةِ بَعْدَ التَّمَامِ ظَاهِرًا وَلَكِنْ لَمَّا نَاسَبَ الْحُقُوقَ لَفْظًا وَمَعْنًى ذُكِرَ عَقِيبَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ إلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَهَذَا أَصْلٌ لِفُرُوعٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مَبِيعَةٌ إلَخْ وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَا الْمِلْكُ مِنْ الْأَصْلِ فَيَتَعَدَّى إلَى الْكُلِّ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي لِرَجُلٍ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لَهُ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ قَاصِرٌ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْخَبَرِ وَقَدْ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِإِثْبَاتِهِ فَلَا يَظْهَرُ الِاسْتِحْقَاقُ فِي حَقِّهِ بِالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالتَّنَاقُضُ يَمْنَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَهَذَا أَيْضًا أَصْلٌ لِفُرُوعٍ كَثِيرَةٍ وَمَوْضِعُهَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مِقْدَارًا مَعْلُومًا بِأَنَّهُ دَيْنٌ لَهُ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ عِنْدَهُ مِنْ جِهَةِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ. وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ تُسْمَعُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ؛ لِأَنَّ مَالَ الشَّرِكَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا بِالْجُحُودِ وَالدَّيْنُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ مَالَ الشَّرِكَةِ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَخُوهُ وَادَّعَى عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لَيْسَ هُوَ بِأَخِي، ثُمَّ مَاتَ الْمُدَّعِي وَخَلَّفَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً فَجَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَطَلَبَ مِيرَاثَهُ وَقَالَ: هُوَ أَخِي لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ وَلَا يُقْضَى لَهُ بِالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ دَعْوَى الْأُخُوَّةِ دَعْوَى الْبُنُوَّةِ أَوْ الْأُبُوَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَيُقْضَى لَهُ بِالْمِيرَاثِ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِيهَا ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدَيْ إنْسَانٍ أَنَّهَا لِفُلَانٍ وَكَّلَنِي بِالْخُصُومَةِ فِيهَا، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ يَصِيرُ مُتَنَاقِضًا فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ، ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لِفُلَانٍ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَلَا يَصِيرُ مُتَنَاقِضًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالتَّنَاقُضُ يَمْنَعُ إلَخْ) إنَّمَا يُعْفَى التَّنَاقُضُ فِي دَعْوَى الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ مِنْ قِبَلِ الْعَتِيقِ أَمَّا لَوْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَوْلَى بِأَنْ بَاعَ عَبْدَهُ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا يُعْفَى؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَيَأْتِي فِي بَابِ دَعْوَى النَّسَبِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ لَا الْحُرِّيَّةِ وَالنَّسَبُ) أَيْ لَا يَمْنَعُ

[مبيعة ولدت فاستحقت ببينة]

لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ إذْ أَحَدُهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَسَقَطَا غَيْرَ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالطَّلَاقَ وَالنَّسَبَ مَبْنَاهُ عَلَى الْخَفَاءِ فَيُعْذَرُ فِي التَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَنْبَنِي عَلَى الْعُلُوقِ وَالطَّلَاقُ وَالْحُرِّيَّةُ يَنْفَرِدُ بِهِمَا الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى فَيَخْفَى عَلَيْهِمْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَبِيعَةٌ وَلَدَتْ فَاسْتُحِقَّتْ بِبَيِّنَةٍ تَبِعَهَا وَلَدُهَا وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ لَا) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ مُبَيِّنَةٌ كَاسْمِهَا فَيَثْبُتُ بِهَا الْمِلْكُ مِنْ الْأَصْلِ وَلِهَذَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ بِالْبَيِّنَةِ، وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْخَبَرِ وَقَدْ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِإِثْبَاتِهِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلَا يَظْهَرُ الِاسْتِحْقَاقُ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ بِالْإِقْرَارِ؛ وَلِأَنَّ الْمَالِكَ يَقْدِرُ عَلَى إنْشَاءِ الْمِلْكِ لِلْحَالِ فَيُحْمَلُ إقْرَارُهُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الشُّهُودِ فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ بِشَهَادَتِهِمْ بِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَكُونُ إظْهَارًا لِمِلْكِهِ مِنْ الْأَصْلِ فَيَسْتَحِقُّهُ بِزَوَائِدِهِ، ثُمَّ قِيلَ: يَدْخُلُ الْوَلَدُ فِي الْقَضَاءِ بِالْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا فَيُكْتَفَى بِهِ وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ لَهُ بِالْوَلَدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْأَصْلِ وَلَمْ يَعْرِفْ بِالزَّوَائِدِ لَمْ تَدْخُلْ الزَّوَائِدُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ وَقْتَ الْقَضَاءِ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا لَا يَتْبَعُهَا فِي الْإِقْرَارِ إذَا لَمْ يَدَّعِهِ الْمُقَرُّ لَهُ أَمَّا إذَا ادَّعَاهُ كَانَ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ عَبْدٌ لِمُشْتَرٍ: اشْتَرِنِي فَأَنَا عَبْدٌ فَاشْتَرَاهُ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً مَعْرُوفَةً فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ وَإِلَّا رَجَعَ الْمُشْتَرِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّنَاقُضُ دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ: كَالْمُكَاتَبِ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى فِي الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَجْرِي فِيهِ الْخَفَاءُ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَنْفَرِدُ بِهِ الْمَوْلَى فَرُبَّمَا لَا يَعْلَمُ الْعَبْدُ إعْتَاقَهُ، ثُمَّ يَعْلَمُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُ أَيْضًا دَعْوَى الطَّلَاقِ كَالْمَرْأَةِ إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا، ثُمَّ أَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا وَلَهَا أَنْ تَسْتَرِدَّ بَدَلَ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاقِضَةً لِاسْتِقْلَالِ الزَّوْجِ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهَا عِلْمٌ بِذَلِكَ وَقَاسَ عَلَى هَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مَسْأَلَةً وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى دَارًا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ شُهُودًا فَكَبِرَ الِابْنُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَا صَنَعَ الْأَبُ، ثُمَّ أَنَّ الْأَبَ بَاعَ الدَّارَ مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ أَنَّ الِابْنَ اسْتَأْجَرَ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ عَلِمَ بِمَا صَنَعَ الْأَبُ فَادَّعَى الدَّارَ عَلَى الْمُشْتَرِي. قَالَ: إنَّ أَبِي اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ لِي مِنْ نَفْسِهِ فِي صِغَرِي وَهِيَ مِلْكِي وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دَفْعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي إنَّكَ مُتَنَاقِضٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَك الدَّارَ مِنِّي اعْتِرَافٌ مِنْك أَنَّ الدَّارَ لَيْسَتْ لَك فَدَعْوَاك الدَّارَ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ مِنْك تَنَاقُضًا قَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ دَفْعًا لِدَعْوَى الْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ هَذَا تَنَاقُضًا؛ لِأَنَّ هَذَا التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَفَاءِ فَإِنَّ الْأَبَ يَسْتَقِلُّ بِالشِّرَاءِ لِلصَّغِيرِ وَمِنْ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ وَالِابْنُ لَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَا يَمْنَعُ دَعْوَى النَّسَبِ كَالرَّجُلِ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ، ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ ابْنُهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَنْبَنِي عَلَى الْعُلُوقِ فَيَخْفَى عَلَيْهِ فَيُعْذَرُ فِي التَّنَاقُضِ اهـ مَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - [مَبِيعَةٌ وَلَدَتْ فَاسْتُحِقَّتْ بِبَيِّنَةٍ] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَبِيعَةٌ وَلَدَتْ فَاسْتُحِقَّتْ) هَذَا هُوَ الثَّابِتُ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ مَبِيعَةٌ اُسْتُحِقَّتْ اهـ وَقَوْلُهُ وَلَدَتْ أَيْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ لَا) فَلَوْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِأَنَّ الْعَبْدَ لِلْمُسْتَحِقِّ يُرِيدُ بِذَلِكَ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ هَلْ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ يُنْظَرُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ نَقْلًا عَنْ الزِّيَادَاتِ فَلْيُرَاجَعْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ) أَيْ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّ جَمِيعِ النَّاسِ غَيْرُ مُقْتَصِرَةٍ عَلَى الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ مُبِينَةٌ) أَيْ لِمَا كَانَ ثَابِتًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ بِهِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ بِهَا الْمِلْكُ مِنْ الْأَصْلِ) قَالَ الْكَمَالُ: فَالْوَلَدُ كَانَ مُتَّصِلًا فِي الزَّمَانِ الَّذِي يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ إظْهَارًا لِبَيِّنَةِ الْمِلْكَ فَيَكُونُ لَهُ أَمَّا الْإِقْرَارُ فَحُجَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقِرِّ حَتَّى لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِالْإِقْرَارِ وَإِنَّمَا جُعِلَ حُجَّةً لِضَرُورَةِ تَصْحِيحِ خَبَرِهِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِثْبَاتِهِ فِي الْحَالِ وَالْوَلَدُ فِي الْحَالِ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا وَالْإِقْرَارُ إنَّمَا هُوَ بِهَا فَقَطْ فَلَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ وَهَذَا التَّوْجِيهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ الْمُقَرُّ لَهُ لَا يَكُونُ لَهُ وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُقَرِّ لَهُ إذَا لَمْ يَدَّعِهِ فَلَوْ ادَّعَاهُ كَانَ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَهُ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ) وَتَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا إذَا اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ آخَرَ وَاشْتَرَى مِنْ الْآخَرِ آخَرُ وَهَكَذَا، ثُمَّ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ يُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ قَضَاءً عَلَى الْكُلِّ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدِهِمْ أَنَّهُ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارُوا مَقْضِيًّا عَلَيْهِمْ بِالْقَضَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ عَلَى الْأَخِيرِ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ حَيْثُ يَرْجِعُونَ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَظْهَرُ الِاسْتِحْقَاقُ فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ الْوَلَدِ اهـ. (قَوْلُهُ، ثُمَّ قِيلَ) أَيْ فِي صُورَةِ الِاسْتِحْقَاقِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ: وَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْوَلَدَ لِلْمُسْتَحِقِّ بِالْبَيِّنَةِ فَقَضَى الْقَاضِي بِالْأُمِّ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْقَضَاءِ فَيَصِيرُ هُوَ مَقْضِيًّا بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ تَدْخُلْ الزَّوَائِدُ تَحْتَ الْحُكْمِ) وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِ رَجُلٍ آخَرَ غَائِبٍ فَالْقَضَاءُ بِالْأُمِّ لَا يَكُونُ قَضَاءً بِالْوَلَدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الزَّوَائِدُ فِي يَدِ غَائِبٍ لَمْ تَدْخُلْ فَحَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ عَلَى الْحَاضِرِ وَهُوَ أَمْرٌ جَائِزٌ عُرِفَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ بِالْوَلَدِ بِخُصُوصِهِ اهـ. [قَالَ عَبْد لمشتر اشتريني فَأَنَا حُرّ فاشتراه فَإِذَا هُوَ عَبْد] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ قَالَ عَبْدٌ لِمُشْتَرٍ) أَيْ لِرَجُلٍ يَطْلُبُ شِرَاءَ عَبْدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَنَا عَبْدٌ) أَيْ لِفُلَانٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَاشْتَرَاهُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى كَلَامِهِ اهـ (قَوْلُهُ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ) أَيْ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا اهـ كَمَالٌ وَقَوْلُهُ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: غَيْرُ مُنَوَّنٍ؛ لِأَنَّهَا إذَا الْمُفَاجَأَةُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَبْدَ وُجِدَ حُرَّ الْأَصْلِ بِبَيِّنَةٍ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً مَعْرُوفَةً) يَعْنِي يُدْرَى أَيْنَ هُوَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ) أَيْ لِوُجُودِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَهُوَ الْبَائِعُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا رَجَعَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدْرِ الْبَائِعُ أَيْنَ

عَلَى الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ) يَعْنِي إذَا قَالَ: ارْتَهِنِّي فَإِنِّي عَبْدٌ فَارْتَهَنَهُ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْعَبْدِ بِحَالٍ سَوَاءٌ كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الثَّمَنِ بِالْمُعَاوَضَةِ أَوْ الْكَفَالَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَصَارَ كَمَسْأَلَةِ الرَّهْنِ وَكَمَا إذَا قَالَ: اشْتَرِنِي أَوْ قَالَ: أَنَا عَبْدٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا كَالرَّهْنِ يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا الْإِخْبَارُ كَاذِبًا وَالْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ فَإِنَّهُ آمِنٌ أَوْ قَالَ لَهُ: كُلْ هَذَا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَسْمُومٍ فَكَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا عَطِبَ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِمَا قُلْنَا وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُقِرَّ بِالْعُبُودِيَّةِ ضَمِنَ سَلَامَةَ نَفْسِهِ أَوْ سَلَامَةَ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الشِّرَاءِ مُعْتَمِدًا عَلَى كَلَامِهِ فَصَارَ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْغُرُورِ مِنْ جِهَتِهِ وَالْغُرُورُ فِي الْمُعَاوَضَةِ يُجْعَلُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَاتِ تَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ. فَإِذَا ظَهَرَتْ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ وَأَهْلِيَّةُ الضَّمَانِ وَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ يُؤْخَذُ هُوَ بِذَلِكَ كَالْمَوْلَى إذَا قَالَ لِأَهْلِ السُّوقِ: هَذَا عَبْدِي وَقَدْ أَذِنْت لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَبَايِعُوهُ فَلَحِقَهُ دُيُونٌ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ حُرٌّ أَوْ اسْتَحَقَّ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ بِحُكْمِ الْغُرُورِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْغُرَمَاءِ فَجُعِلَ الْمَوْلَى كَأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُمْ سَلَامَةَ الْمَالِيَّةِ مِنْهُ وَالْبَيْعُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الْأَمْرُ بِهِ ضَمَانًا لِلسَّلَامَةِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ بَلْ هُوَ حَبْسٌ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ وَيَصِيرُ بِعَاقِبَتِهِ اسْتِيفَاءً لِعَيْنِ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْعَلَ مُبَادَلَةً أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّهْنَ يَجُوزُ فِي مَوْضِعٍ لَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُبَادَلَةُ كَثَمَنِ الصَّرْفِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَمْرُ بِهِ ضَمَانًا لِلسَّلَامَةِ إذْ هُوَ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَبِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْأَكْلِ وَالسُّلُوكِ أَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ وَأَمْرُ الْأَجْنَبِيِّ لَا يُعْبَأُ بِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: اشْتَرِنِي أَوْ قَالَ: أَنَا عَبْدٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يُشْتَرَى تَخْلِيصًا كَالْأَسِيرِ وَقَدْ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْعَبْدِ كَالْمُكَاتَبِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الضَّمَانِ، ثُمَّ إذَا ضَمِنَ الْمُقِرُّ بِالْعُبُودِيَّةِ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ لِتَخْلِيصِ الرَّهْنِ فَإِنْ قِيلَ لَا تُتَصَوَّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ عِنْدَهُ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالْحُرِّيَّةِ لِكَوْنِ الْعِتْقِ حَقَّ الْعَبْدِ وَالتَّنَاقُضُ فِيهِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى فَكَيْفَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْحُرِّيَّةِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِالرِّقِّ. قُلْنَا قَدْ أَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِأَنَّ الْوَضْعَ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَالدَّعْوَى فِيهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ لِتَضَمُّنِهَا تَحْرِيمَ الْفَرْجِ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ تَعْيِينُ أُمِّهِ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ فَتَحْرُمُ عَلَى الْمَوْلَى وَحُرْمَةُ الْفَرْجِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ كَمَا فِي عِتْقِ الْأَمَةِ فَلَا يَكُونُ التَّنَاقُضُ مَانِعًا حَتَّى لَوْ خَلَتْ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ عَنْ تَحْرِيمِ الْفَرْجِ كَوَلَدِ الْمَغْرُورِ تَكُونُ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطًا وَالتَّنَاقُضُ مَانِعٌ مِنْ صِحَّتِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْدَمُ الدَّعْوَى وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطٌ عِنْدَهُ فِي الْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالطَّارِئَةِ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لَكِنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى وَقَبُولَ الشَّهَادَةِ فِيهِمَا لِخَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِ فَيُعْفَى التَّنَاقُضُ فِيهِ أَمَّا الْحُرِّيَّةُ الْأَصْلِيَّةُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ قَدْ يُجْلَبُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَلَا يَعْلَمُ بِحُرِّيَّةِ أَبَوَيْهِ أَوْ بِحُرِّيَّةِ أَحَدِهِمَا بِإِسْلَامِهِمَا أَوْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا فِيهَا وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ رَقِيقٌ فَيُقِرُّ بِالرِّقِّ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ فَيُعْذَرُ فِي التَّنَاقُضِ وَأَمَّا فِي الْعِتْقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ عَلَى الْبَائِعِ) وَإِنَّمَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَابِضِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الثَّمَنِ بِالْمُعَاوَضَةِ) أَيْ بِالْمُبَايَعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ: أَنَا عَبْدٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ) فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْعَبْدِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَالرُّجُوعُ مُفَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ قَوْلُهُ اشْتَرِنِي وَقَوْلُهُ إنِّي عَبْدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا) أَيْ الْمَضْمُونُ بِمَا عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَبْدِ اهـ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ) بِأَنْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ: اشْتَرِهِ فَإِنَّهُ عَبْدٌ فَظَهَرَ حُرًّا لَا يَلْزَمُ الْأَجْنَبِيَّ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا قُلْنَا) أَيْ لِأَجْلِ أَنَّ الْإِخْبَارَ كَاذِبًا لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ اهـ (قَوْلُهُ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ) أَيْ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ) أَيْ فَلَمْ يَقْتَضِ سَلَامَةَ الْعِوَضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ: بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ بَلْ عَقْدَ وَثِيقَةٍ لِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّهِ حَتَّى جَازَ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ فَلَوْ هَلَكَ يَقَعُ اسْتِيفَاءً لِلدَّيْنِ وَلَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً كَانَ اسْتِبْدَالًا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ حَرَامٌ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ لَا بِجَعْلِ الْأَمْرِ بِهِ ضَمَانًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَقْدِيرًا فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ أَمْنِ هَذَا الطَّرِيقِ فَقَالَ: اُسْلُكْهُ فَإِنَّهُ آمِنٌ فَسَلَكَهُ فَنُهِبَ مَالُهُ لَا يَضْمَنُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ: كُلْ هَذَا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَسْمُومٍ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ غَيْرَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عِنْدَ اللَّهِ عَذَابًا لَا يُطَاقُ اهـ (قَوْلُهُ عَلَى الْبَائِعِ) هُوَ الصَّوَابُ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ عَلَى الْآمِرِ اهـ (قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ بِخِلَافِ مِنْ أَدَّى عَنْ آخَرَ دَيْنًا أَوْ حَقًّا عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَيْسَ مُضْطَرًّا فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّنَاقُضُ فِيهِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى) وَقَوْلُهُ أَنَا حُرٌّ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنَا عَبْدٌ تَنَاقُضٌ لَا مَحَالَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِأَنَّ الْوَضْعَ) أَيْ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالدَّعْوَى فِيهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ) أَيْ كَقَوْلِهِمَا فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ مُطْلَقًا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لِتَضَمُّنِهَا) أَيْ الدَّعْوَى اهـ.

[ادعى حقا مجهولا في دار فصولح على ماله]

الطَّارِئِ فَلِأَنَّ الْمَوْلَى يَسْتَبِدُّ بِهِ وَيُخْفِي عَلَى الْعَبْدِ فَيُعْذَرُ فِي التَّنَاقُضِ كَالْمُخْتَلِعَةِ تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ: الْخُلْعِ وَكَالْمُكَاتَبِ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ) أَيْ مَجْهُولًا (فَصُولِحَ عَلَى مَالِهِ فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهَا لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ) لِأَنَّ دَعْوَاهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِيمَا بَقِيَ وَإِنْ قَلَّ فَمَا دَامَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اُسْتُحِقَّ كُلَّهَا؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ أَخَذَ عِوَضَ مَا لَا يَمْلِكُ فَيَرُدُّ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى مَعْلُومٍ عَنْ مَجْهُولٍ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْمَنْعُ بِاعْتِبَارِهِ فَإِذَا خَلَا عَنْهُ جَازَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ وَدَلَّتْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ صِحَّةَ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْحَقِّ فِي الدَّارِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِجَهَالَةِ الْمُدَّعَى حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ إلَّا إذَا ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ صَحِيحٌ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ إلَّا فِي دَعْوَى الْإِقْرَارِ أَوْ دَعْوَى الْمُقَدَّرِ مِنْ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ أَوْ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَالْمُعَاوَضَةُ لَا تَجُوزُ فِي الْمَجْهُولِ وَكَذَا الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَجَّهُ إلَّا بَعْدَ صِحَّةِ الدَّعْوَى قُلْنَا: قَدْ تَكُونُ لِدَفْعِ الشَّغَبِ وَالْخُصُومَةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ الْحَقَّ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَدَّرَهُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ بِرُبْعٍ مَثَلًا أَوْ نِصْفٍ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِحِسَابِ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (: وَلَوْ ادَّعَى كُلَّهَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِقِسْطِهِ)؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى مِائَةٍ وَقَعَ عَنْ كُلِّ الدَّارِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْءٌ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُدَّعِي لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ الْقَدْرَ فَيَرُدُّ بِحِسَابِهِ مِنْ الْعِوَضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَالْمُخْتَلِعَةِ تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ الْخُلْعِ) يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَنْفَرِدُ بِالطَّلَاقِ فَرُبَّمَا لَا تَعْلَمُ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ، ثُمَّ تَعْلَمْ. اهـ. غَايَةٌ وَقَوْلُهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا إنَّمَا قَيَّدَ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ يُمْكِنُ أَنْ يُقِيمَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الَّذِي أَثْبَتَتْهُ الْمَرْأَةُ بِبَيِّنَتِهَا قَبْلَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَأَمَّا فِي الثَّلَاثِ فَلَا يُمْكِنُ اهـ (قَوْلُهُ وَكَالْمُكَاتَبِ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ) أَيْ تُقْبَلُ مَعَ أَنَّ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى سُؤَالِ الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ إقْرَارٌ بِقِيَامِ الْعِصْمَةِ وَالرِّقِّ وَلَمْ يَضُرَّهُمَا التَّنَاقُضُ لِلْخَفَاءِ فَتَرْجِعُ الْمَرْأَةُ وَالْمُكَاتَبُ بِبَدَلِ الْخُلْعِ وَمَالِ الْكِتَابَةِ وَذَكَرَ هُنَا مَسْأَلَةَ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهِيَ أَصْلٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ قَمِيصًا وَخَاطَهُ وَجَاءَ مُسْتَحِقٌّ قَالَ: هَذَا الْقَمِيصُ لِي وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَالْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِلْكَهُ فِي الْأَصْلِ انْقَطَعَ بِالْقَطْعِ وَالْخِيَاطَةِ كَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ يَنْتَقِلُ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الثَّوْبُ إلَى الضَّمَانِ فَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ الْكَائِنِ مِنْ الْأَصْلِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِنْ وَرَدَ عَلَى الْمُشْتَرَى بَعْدَمَا صَارَ إلَى حَالٍ لَوْ كَانَ غَصْبًا مَلَكَهُ بِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنُ الْكَذِبِ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا مُنْذُ شَهْرَيْنِ فَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ شَهْرَيْنِ يَقْضِي لَهُ بِهَا وَلَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَى بَائِعِهِ وَعُرِفَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنْ يَسْتَحِقَّهُ بِاسْمِ الْقَمِيصِ. وَلَوْ كَانَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ قَبْلَ هَذِهِ الصِّفَةَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَعَلَى هَذَا الْجَوَابِ إذَا اشْتَرَى حِنْطَةً فَطَحَنَهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الدَّقِيقُ وَلَوْ قَالَ: كَانَتْ قَبْلَ الطَّحْنِ لِي يَرْجِعُ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى لَحْمًا فَشَوَاهُ وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً فَذَبَحَهَا وَسَلَخَهَا فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ آخَرُ أَنَّ الرَّأْسَ وَالْأَطْرَافَ وَاللَّحْمَ وَالْجِلْدَ لَهُ فَقَضَى بِهَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِحْقَاقُ عَيْنِ الشَّاةِ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ النَّاطِفِيُّ فِي كِتَابِ الْأَجْنَاسِ رَجُلٌ بَاعَ غُلَامًا وَهُوَ سَاكِتٌ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ الْبَيْعِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ أَنَا حُرٌّ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَهُوَ عَبْدٌ ذَكَرَهُ فِي إقْرَارِ الْأَصْلِ وَقَدْ زَادَ فِي مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَقِيلَ لَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ: قُمْ مَعَ مَوْلَاك فَقَامَ فَذَاكَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالرِّقِّ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَجْنَاسِ فِي الْبُيُوعِ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً وَبَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ فَتَدَاوَلَتْهَا الْأَيْدِي فَادَّعَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الرَّابِعِ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَرَدَّهَا الرَّابِعُ عَلَى الثَّالِثِ بِقَوْلِهَا وَالثَّالِثُ عَلَى الثَّانِي وَأَبَى الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَنْ يَقْبَلَهَا. قَالُوا: إنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ ادَّعَتْ الْعِتْقَ فَلَهُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْ الْجَارِيَةِ قَوْلَهَا وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ وَقَدْ انْقَادَتْ لِلْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ بِأَنْ بِيعَتْ وَسُلِّمَتْ لِلْمُشْتَرِي وَهِيَ سَاكِتَةٌ فَلِلْبَائِعِ أَيْضًا أَنْ لَا يَقْبَلَهَا؛ لِأَنَّ انْقِيَادَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ وَلَوْ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ، ثُمَّ ادَّعَتْ الْعِتْقَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ أَنْكَرَتْ الْبَيْعَ وَالتَّسْلِيمَ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ لَا يَقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِالرِّقِّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ كَمَا ثَبَتَتْ الْحُرِّيَّةُ بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا ادَّعَتْ الْحُرِّيَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بِقَوْلِهَا لَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا احْتِيَاطًا حَتَّى يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا إمَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ إنْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ بِمِلْكِ النِّكَاحِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَكَذَا كُلُّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا احْتِيَاطًا. اهـ. قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. [ادَّعَى حقا مَجْهُولًا فِي دَار فصولح عَلَى مَاله] (قَوْلُهُ وَاسْتُحِقَّ بَعْضُهَا) أَيْ بَعْضُ الدَّارِ اهـ ع (قَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ) أَيْ لَا يَرْجِعُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي. اهـ. (قَوْلُهُ فَمَا دَامَ فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى مَعْلُومٍ عَنْ مَجْهُولٍ) هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ عَنْ مَعْلُومٍ عَلَى مَجْهُولٍ اِ هـ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ) أَيْ فِيمَا إذَا ادَّعَى حَقًّا مَجْهُولًا فِي دَارٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ادَّعَى كُلَّهَا رَجَعَ عَلَيْهِ) عَلَيْهِ ثَابِتٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْمُتُونِ. اهـ. . [بَاعَ مُلْك غَيْره] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ إلَخْ) فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ هُنَا فَصْلٌ وَوَقَعَ ذَلِكَ لِلْعَيْنِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَرْجَمَ لَهُ بِبَيْعِ الْفُضُولِيِّ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مُنَاسَبَةُ هَذَا الْفَصْلِ مَعَ الِاسْتِحْقَاقِ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الِاسْتِحْقَاقِ تَتَضَمَّنُ دَعْوَى الْفُضُولِيِّ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إمَّا دَعْوَاهُ أَنَّ بَائِعَك بَاعَ مِلْكِي بِغَيْرِ إذْنِي لِغَصْبِهِ أَوْ فُضُولِهِ وَأَحْسَنُ الْمَخَارِجِ الْمُلْتَمَسَةِ فِيهِ فُضُولُهُ وَالْفُضُولُ جَمْعُ فَضْلٍ غَلَبَ فِي الِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِيهِ وَمَا لَا وِلَايَةَ لَهُ فِيهِ فَقَوْلُ بَعْضِ الْجَهَلَةِ لِمَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ

فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَفْسَخَهُ وَيُجِيزَهُ إنْ بَقِيَ الْعَاقِدَانِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَلَهُ وَبِهِ لَوْ عَرَضًا) أَيْ لِلْمَالِكِ أَنْ يُجِيزَ الْعَقْدَ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى الْمُتَعَاقِدَانِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودُ لَهُ وَهُوَ الْمَالِكُ بِحَالِهِمْ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ وَيَقَعُ بَاطِلًا وَالشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا يَتَوَقَّفُ كَشِرَاءِ الْعَبْدِ وَالصَّغِيرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَنْعَقِدُ تَصَرُّفَاتُ الْفُضُولِيِّ أَصْلًا وَلَا تَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ بَاطِلَةً لِخُلُوِّهَا عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ إذْ هِيَ بِالْمِلْكِ أَوْ بِتَوْكِيلِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَتَلْغُو؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْوِلَايَةِ كَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ وَلَنَا حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ فَجَاءَ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ فَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَحَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَأَرْبَحَ فِيهَا دِينَارًا فَاشْتَرَى أُخْرَى مَكَانَهَا فَجَاءَ بِالْأُضْحِيَّةِ وَالدِّينَارِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: ضَحِّ بِالشَّاةِ وَتَصَدَّقْ بِالدِّينَارِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ بَيْعَهُ وَلَوْ كَانَ بَاطِلًا لَرَدَّهُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ مَوْقُوفًا فَيَنْعَقِدُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ وَالْمَحَلِّيَّةَ بِكَوْنِ الْمَالِ مُتَقَوِّمًا وَقَدْ وُجِدَا وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فَإِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ نَفَذَهُ وَإِلَّا فَسَخَهُ بَلْ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ حَيْثُ يَسْقُطُ عَنْهُ مُؤْنَةُ طَلَبِ الْمُشْتَرِي وَقَرَارُ الثَّمَنِ وَسُقُوطُ رُجُوعِ حُقُوقِ الْعَقْدِ إلَيْهِ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ لِصَوْنِ كَلَامِهِمَا عَنْ الْإِلْغَاءِ فَتَثْبُتُ الْقُدْرَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْتَ فُضُولِيٌّ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: مُنَاسَبَةُ هَذَا الْفَصْلِ بِبَابِ الِاسْتِحْقَاقِ ظَاهِرَةٌ جِدًّا فَإِنَّ الْمَالَ فِي الصُّورَتَيْنِ جَمِيعًا فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ بِلَا إذْنِ الْمَالِكِ، ثُمَّ تَرْجَمَةُ الْفَصْلِ بِبَيْعِ الْفُضُولِيِّ لِكَوْنِهِ أَبْيَنَ أَحْسَنُ مِنْ تَرْجَمَتِهِ بِبَابِ بَيْعِ عَبْدِ الْغَيْرِ كَمَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُرَتَّبُ، ثُمَّ الْفُضُولِيِّ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ خَطَأٌ وَهِيَ نِسْبَةٌ لِفُضُولٍ جَمْعُ الْفَضْلِ بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ وَقَدْ غَلَبَ جَمْعُهُ عَلَى مَا لَا خَيْرَ فِيهِ حَتَّى قِيلَ: فُضُولٌ بِلَا فَضْلٍ وَسِنٌّ بِلَا سَنَا ... وَطُولٌ بِلَا طَوْلٍ وَعُرْضٌ بِلَا عِرْضٍ اهـ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَيُسَمَّى مَنْ يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يَعْنِيهِ فُضُولِيًّا وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ شَرْعِيٍّ كَالْأَجْنَبِيِّ يُزَوِّجُ أَوْ يَبِيعُ وَلَمْ يَرِدْ فِي النِّسْبَةِ إلَى الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْغَلَبَةِ كَالْعَلَمِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَصَارَ كَالْأَنْصَارِيِّ وَالْأَعْرَابِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَفْسَخَهُ وَيُجِيزَهُ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى الْمُتَعَاقِدَانِ) وَهُمَا الْبَائِعُ الْفُضُولِيُّ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ اهـ ع (قَوْلُهُ وَالْمَعْقُودُ لَهُ) أَيْ وَالْمَعْقُودُ بِهِ لَوْ عَرَضًا اهـ مَتْنٌ وَالْمَعْقُودُ بِهِ هُوَ الثَّمَنُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا يَنْعَقِدُ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَيَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ فَإِنْ أَجَازَهُ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ وَإِلَّا يَبْطُلُ التَّصَرُّفُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ) مَحَلُّ تَأَمُّلٍ تَأَمَّلْ تَدْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَنْعَقِدُ تَصَرُّفَاتُ الْفُضُولِيِّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لِأَنَّهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقَدْ فُقِدَا وَلَا انْعِقَادَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَنَا أَنَّهُ تَصَرُّفُ تَمْلِيكٍ وَقَدْ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ لِلْمَالِكِ مَعَ تَخَيُّرٍ قَالَ الْكَمَالُ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ تَصَرُّفُ تَمْلِيكٍ مِنْ إضَافَةِ الْعَامِ إلَى الْخَاصِّ كَحَرَكَةِ الْإِعْرَابِ وَالْإِضَافَةُ فِي مِثْلِهِ بَيَانِيَّةٌ أَيْ تَصَرُّفٌ هُوَ تَمْلِيكٌ وَحَرَكَةٌ هِيَ إعْرَابٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ هُنَا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ تَتَوَقَّفُ عِنْدَنَا إذَا صَدَرَتْ وَالْمُتَصَرِّفُ مُجِيزٌ أَيْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِجَازَةِ سَوَاءٌ كَانَ تَمْلِيكًا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَالتَّزَوُّجِ أَوْ إسْقَاطًا حَتَّى لَوْ طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ غَيْرِهِ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَأَجَازَ طَلُقَتْ وَانْعَتَقَ وَكَذَا سَائِرُ الْإِسْقَاطَاتِ لِلدُّيُونِ وَغَيْرِهَا فَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ اهـ وَقَوْلُهُ وَلَا انْعِقَادَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ قَالَ الْكَمَالُ: وَقَوْلُك وَلَا انْعِقَادَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ إنْ أَرَدْت لَا انْعِقَادَ عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ سَلَّمْنَاهُ وَلَا يَضُرُّ وَإِنْ أَرَدْت لَا انْعِقَادَ عَلَى وَجْهِ التَّوَقُّفِ إلَى أَنْ يَرَى الْمَالِكُ مَصْلَحَتَهُ فِي الْإِجَازَةِ فَيُجِيزُ فِعْلَهُ أَوْ عَدَمَهَا فَيُبْطِلَهُ مَمْنُوعٌ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ الدَّلِيلُ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِهِ وَهُوَ تَحَقُّقُ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ لِكُلٍّ مِنْ الْعَاقِدِ وَالْمَالِكِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَلَا مَانِعٍ شَرْعِيٍّ فَيَدْخُلُ ثُبُوتُهُ فِي الْعُمُومَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ) أَيْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَارَكَ اللَّهُ فِي صَفْقَتِك». اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ وَالْمَحَلِّيَّةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: لِأَنَّ مَحَلَّ الْبَيْعِ بِكَوْنِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا بِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ فَعُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ الْبَيْعِ هُوَ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ لَا الْمَالُ الْمَمْلُوكُ وَقَدْ وُجِدَ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ أَوْ أَوْصَى لِوَارِثِهِ، ثُمَّ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَرَارُ الثَّمَنِ) أَيْ وَنَفَاقُ سِلْعَتِهِ وَرَاحَتُهُ فِيهَا وَوُصُولُهُ إلَى الْبَدَلِ الْمَطْلُوبِ لَهُ الْمَحْبُوبِ وَالْمُشْتَرِي وُصُولُهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ وَدَفْعُهَا بِالْمَبِيعِ وَارْتِفَاعُ أَلَمِ فَقْدِهَا إذَا كَانَ مُهِمًّا لَهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَسُقُوطٌ) ثَابِتٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَيَنْبَغِي إسْقَاطُهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ) الْعَاقِدُ بِصَوْنِ كَلَامِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَالْإِهْدَارِ بَلْ وَحُصُولُ الثَّوَابِ لَهُ إذَا نَوَى الْخَيْرَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى حُصُولِ الرِّفْقِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ اهـ كَمَالٌ.

الشَّرْعِيَّةُ إحْرَازًا لِهَذِهِ الْمَنَافِعِ عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ ثَابِتٌ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَرْضَى بِتَصَرُّفٍ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ النَّفْعُ إذْ لَا يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا التَّصَرُّفِ النَّافِعِ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ عَادَةً إلَّا مِنْ صَدِيقٍ مُتَفَضِّلٍ نَصُوحٍ يَرَى لِأَخِيهِ مِثْلَ مَا يَرَى لِنَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ: الْمَقْصُودُ بِوَضْعِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ أَحْكَامُهَا لَا مُجَرَّدُ السَّبَبِ فَإِذَا لَمْ تُفِدْ الْحُكْمَ لَا تُعْتَبَرُ وَحُكْمُهَا وَهُوَ التَّمْلِيكُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ فَيَلْغُو قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بَلْ يُفِيدُ مِلْكًا مَوْقُوفًا؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالسَّبَبِ الْمَوْقُوفِ كَمَا يُفِيدُ السَّبَبُ الْبَاتُّ الْمِلْكَ الْبَاتَّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ اللَّائِقُ بِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ نَفَذَ عِتْقُهُ وَلِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَلْغُو إذَا خَلَا حُكْمُهُ عَنْهُ شَرْعًا وَأَمَّا إذَا تَأَخَّرَ فَلَا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ قَدْ يَتَأَخَّرُ حُكْمُهَا لِعَارِضٍ كَالْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَكَالرَّاهِنَيْنِ إذَا تَبَايَعَا رَهْنًا بِرَهْنٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنَيْنِ انْعَقَدَ وَتَوَقَّفَ الْحُكْمُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنَيْنِ وَكَذَا الطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى شَهْرٍ يَثْبُتُ لِلْحَالِ وَيَتَأَخَّرُ حُكْمُهُ وَكَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ وَيَتَأَخَّرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا إعْتَاقُ الصَّبِيِّ وَطَلَاقُهُ وَهِبَتُهُ وَبَيْعُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ لَوْ أَجَازَهَا الْوَلِيُّ أَوْ هُوَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا مُجِيزَ لَهَا حَالَ وُقُوعِهَا لِتَمَحُّضِهَا ضَرَرًا عَلَيْهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهَا فَبَطَلَتْ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا تَعُودُ صَحِيحَةً لَوْ بَاشَرَ الصَّبِيُّ عَقْدًا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ الْوَلِيُّ كَالنِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ غَبْنٍ تَوَقَّفَ حَتَّى لَوْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ أَوْ هُوَ بَعْدَ بُلُوغِهِ جَازَ فَإِنْ قِيلَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ أَيْ مَا لَا يَمْلِكُهُ كَمَا نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَعَنْ بَيْعِ الْآبِقِ، ثُمَّ إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ الْآبِقَ لَا يَجُوزُ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهِ فَكَذَا هَذَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْآبِقَ وَالْمَبِيعَ مِلْكُهُ وَهُوَ مَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَعِنْدَ عَدَمِ الْمِلْكِ أَوْلَى قُلْنَا: كَلَامُنَا فِي انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَبَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْعَقِدُ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا وَكَذَا الْآبِقُ فِي رِوَايَةٍ حَتَّى لَوْ سَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ فَلَا يَلْزَمُنَا وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا لَا يَمْلِكُهُ، ثُمَّ يَشْتَرِيهِ وَيُسَلِّمُهُ بِدَلِيلِ قِصَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ «حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيَنِي فَيَطْلُبُ مِنِّي سِلْعَةً لَيْسَتْ عِنْدِي فَأَبِيعُهَا مِنْهُ، ثُمَّ أَدْخُلُ السُّوقَ فَأَشْتَرِيهَا فَأُسَلِّمَهَا إلَيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَإِنَّمَا شُرِطَ لِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ بَقَاءُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْمَعْقُودِ لَهُ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَصَرُّفٌ فِي الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِهِ وَذَلِكَ بِقِيَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الثَّمَنِ إلَّا إذَا كَانَ عَرَضًا؛ لِأَنَّ الْعَرَضَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ فَيُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ وَإِذَا أَجَازَهُ الْمَالِكُ كَانَ الثَّمَنُ مَمْلُوكًا لَهُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْفُضُولِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ حَتَّى لَا يَضْمَنُ بِالْهَلَاكِ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ هَلَكَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَرَتُّبِهِ فِي الْحَالِ عَدَمُهُ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ مَرْجُوٌّ فَلَا يَلْزَمُ عَدَمُهُ وَكَوْنُ مُتَعَلِّقِ الْعَقْدِ مَرْجُوًّا كَافٍ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَعَنْ هَذَا صَحَّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالشَّرْطِ وَإِلَّا فَلَا وُقُوعَ فِي الْحَالِ وَلَا يُقْطَعُ بِوُقُوعِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُلْغَى لَكِنْ لَمَّا كَانَ بِحَيْثُ يُرْجَى صَحَّ وَانْعَقَدَ سَبَبًا فِي الْحَالِ مُضَافًا أَوْ عِنْدَ الشَّرْطِ كَقَوْلِنَا هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَلْغُو إلَخْ) إذَا أُجِيزَ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الزَّوَائِدَ الْمُنْفَصِلَةَ وَالْمُتَّصِلَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ حَيْثُ يَمْلِكُ الْمُتَّصِلَةَ لَا الْمُنْفَصِلَةَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا إعْتَاقُ الصَّبِيِّ وَطَلَاقُهُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَعَدَمُ تَوَقُّفِ طَلَاقِ الصَّبِيِّ وَلَوْ بِمَالٍ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ أَنْزَلَهُ كَالْمَجْنُونِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا إذْ صَحَّ تَوْكِيلُهُ بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ وَطَلَاقُ الْمَرْأَةِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ شُرِعَ لِلتَّرَاحُمِ وَالتَّعَاوُنِ وَانْتِظَامِ الْمَصَالِحِ فَلِذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ ذَلِكَ مِنْهُ لَا عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ وَلَا عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى أَوْ تَزَوَّجَ أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تَتَوَقَّفُ مِنْهُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ وَإِجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا بِيعَ مَتَاعُ إنْسَانٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَنْظُرُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ يَحْتَمِلُ الرِّضَا وَيَحْتَمِلُ السُّخْطَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: سُكُوتُهُ يَكُونُ إجَازَةً قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَسَائِلَ آخِرَ الْكِتَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ بَاعَ عَقَارًا إلَخْ اهـ (فَرْعٌ) رَجُلٌ بَاعَ جَارِيَةً بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَزَوَّجَهَا رَجُلًا آخَرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَأَعْتَقَهَا فُضُولِيٌّ فَأَخْبَرَ الْمَوْلَى قَالَ: أَجَزْت جَمِيعَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ الْمَوْلَى أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَفَذَ الْعِتْقُ وَيَبْطُلُ مَا سِوَاهُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا شُرِطَ لِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ بَقَاءُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْمَعْقُودِ لَهُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْإِيضَاحِ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ فِي حَقِّ وَصْفِ الْجَوَازِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ فَأَخَذَتْ الْإِجَازَةُ حُكْمَ الْإِنْشَاءِ وَلَا بُدَّ فِي الْإِنْشَاءِ مِنْ قِيَامِ الْأَرْبَعَةِ وَبِالتَّفْصِيلِ شُرِطَ بَقَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَنْتَقِلْ فِيهِ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَقِلَ بَعْدَ الْهَلَاكِ وَالْمُشْتَرِي لِيَلْزَمَهُ الثَّمَنُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَزِمَهُ حَالَ أَهْلِيَّتِهِ وَالْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالْإِجَازَةِ وَلَا تَلْزَمُ إلَّا حَيًّا وَالْمَالِكُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَكُونُ مِنْهُ لَا مِنْ وَارِثِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الثَّمَنِ إلَّا إذَا كَانَ عَرَضًا) فَحِينَئِذٍ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ خَمْسَةٍ الْأَرْبَعَةُ السَّابِقَةُ وَالْخَامِسُ قِيَامُ الْعَرَضِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَارَ بِهَا تَصَرُّفُهُ نَافِذًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفُضُولِيِّ إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ لَا يَنْفُذُ بَلْ يَبْطُلُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَهَذَا بِسَبَبِ أَنَّ الْمِلْكَ الْبَاتَّ إذَا طَرَأَ عَلَى الْمَوْقُوفِ وَهُوَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفُضُولِيِّ يَبْطُلُ الْمَوْقُوفُ وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ وَطِئَهَا مَوْلَاهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَاتَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ تَوَقَّفَ النِّكَاحُ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ مِلْكٌ بَاتٌّ لِلْوَارِثِ فِي الْبُضْعِ فَيَبْطُلُ وَهَذَا يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْوَارِثِ بِكَوْنِهِ مِنْ الْوِلَادِ بِخِلَافِ نَحْوِ ابْنِ الْعَمِّ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَلِلْفُضُولِيِّ أَنْ يَفْسَخَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ دَفْعًا لِلُحُوقِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ مُعَبِّرٌ مَحْضٌ فَلَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي النِّكَاحِ بَقَاءُ الْعَاقِدِ الْفُضُولِيِّ عِنْدَ الْإِجَازَةِ حَتَّى لَوْ أَجَازَهُ بَعْدَمَا هَلَكَ الْعَاقِدُ جَازَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الثَّمَنَ يَكُونُ لِلْمَالِكِ فِيمَا إذَا كَانَ دَيْنًا وَإِنْ كَانَ عَرَضًا مُعَيَّنًا كَانَ الثَّمَنُ الْعَرَضُ لِلْفُضُولِيِّ مِلْكًا لَهُ وَإِجَازَةُ الْمَالِكِ إجَازَةُ نَقْدٍ لَا إجَازَةُ عَقْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعَرَضُ مُتَعَيِّنًا كَانَ شِرَاءً مِنْ وَجْهٍ وَالشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُبَاشِرِ إنْ وَجَدَ نَفَاذًا فَيَكُونُ مَالِكًا لَهُ وَبِإِجَازَةِ الْمَالِكِ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بَلْ تَأْثِيرُ إجَازَتِهِ فِي النَّقْدِ لَا فِي الْعَقْدِ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَى الْفُضُولِيِّ مِثْلُ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ الْبَدَلُ لَهُ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْغَيْرِ مُسْتَقْرِضًا لَهُ فِي ضِمْنِ الشِّرَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ وَاسْتِقْرَاضُ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ جَائِزٌ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ قَصْدًا أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ صَحَّ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَلَى الْعَبْدِ مَشْرُوعٌ فَيَنْفُذُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ يَصِيرُ قَرْضًا فَكَذَا هُنَا وَاعْتِبَارُ جَانِبِ الشِّرَاءِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ جَانِبِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ الْأَصْلَ لِنَفَاذِ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ عَلَيْهِ وَاعْتِبَارُ جَانِبِ الْبَيْعِ يَقْتَضِي التَّوَقُّفَ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ شِرَاءً لَمَا مَلَكَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِلْفُضُولِيِّ أَنْ يَفْسَخَ) قَالَ الْكَمَالُ وَلِلْفُضُولِيِّ أَيْ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَفْسَخَ إجَازَةَ الْمَالِكِ حَتَّى لَوْ أَجَازَهُ لَا يَنْفُذُ لِزَوَالِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِيَدْفَعَ الْحُقُوقَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ يَصِيرُ كَالْوَكِيلِ فَتَرْجِعُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ فَيُطَالَبُ بِالتَّسْلِيمِ وَيُخَاصَمُ فِي الْعَيْبِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِهِ فَلَهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ عَلَيْهِ اهـ وَقَوْلُهُ وَلِلْفُضُولِيِّ أَنْ يَفْسَخَ إلَخْ وَكَذَا لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يَفْسَخَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ. اهـ. مَبْسُوطٌ بِمَعْنَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ مُعَبِّرٌ مَحْضٌ أَيْ كَنَاقِلِ عِبَارَةٍ فَبِالْإِجَازَةِ تَنْتَقِلُ الْعِبَارَةُ إلَى الْمَالِكِ فَتَصِيرُ الْحُقُوقُ مَنُوطَةً بِهِ لَا بِالْفُضُولِيِّ فَلَا يَلْزَمُهُ بِالْإِجَازَةِ ضَرَرُ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ وَقَدْ ثَبَتَ لِلْمَالِكِ وَالْوَلِيِّ حَقُّ أَنْ يُجِيزَ وَكَذَا بِالْفِعْلِ كَأَنْ زَوَّجَ امْرَأَةً بِرِضَاهَا مِنْ غَائِبٍ فَقَبْلَ أَنْ يُجِيزَ زَوَّجَهُ أُخْتَهَا تَوَقَّفَ الْعَقْدُ الثَّانِي أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ بَعْدَ عَقْدِهِ فُضُولًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ أُخْتَهَا فَإِنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ يَبْطُلُ لِطُرُوءِ الْبَاتِّ عَلَى الْمَوْقُوفِ اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي بَابِ النِّكَاحِ: لَوْ أَنَّ فُضُولِيًّا خَطَبَ امْرَأَةً لِرَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَإِنَّ النِّكَاحَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ فَسَخَ هَذَا الْفُضُولِيُّ النِّكَاحَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَفَسْخُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَا تَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَهُوَ فِيهِ مُعَبِّرٌ فَإِذَا عَبَّرَ فَقَدْ انْتَهَى فَصَارَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ فَسَخَتْ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ انْفَسَخَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِجَازَةُ الْمَالِكِ إلَخْ) أَيْ الْإِجَازَةُ مِنْ الْمَالِكِ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا إجَازَةُ نَقْدٍ أَيْ إجَازَةُ أَنْ يَنْقُدَ الْفُضُولِيُّ ثَمَنَ الْعَرَضِ مِنْ مَالِ الْمَالِكِ لَا إجَازَةُ عَقْدٍ مَوْقُوفٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ عَلَى الْفُضُولِيِّ نَافِذٌ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ شِرَاءً فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ الْعَقْدِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ: فَإِنْ كَانَ أَيْ الثَّمَنُ عَيْنًا بِأَنْ بَاعَ الْفُضُولِيُّ مِلْكَ غَيْرِهِ بِعَرَضٍ مُعَيَّنٍ بَيْعَ مُقَابَضَةٍ اُشْتُرِطَ قِيَامُ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَخَامِسٌ وَهُوَ ذَلِكَ الثَّمَنُ الْعَرَضُ وَإِذَا أَجَازَ مَالِكُ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنُ عَرَضٌ فَالْفُضُولِيُّ يَكُونُ بِبَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ مُشْتَرِيًا لِلْعَرَضِ مِنْ وَجْهٍ وَالشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ إلَّا إذَا وَجَدَ نَفَاذًا فَيَنْفُذُ عَلَى الْفُضُولِيِّ فَيَصِيرُ مَالِكًا لِلْعَرَضِ وَاَلَّذِي تُفِيدُهُ الْإِجَازَةُ أَنَّهُ أَجَازَ لِلْفُضُولِيِّ أَنْ يَنْقُدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَرَضِ مِنْ مَالِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: اشْتَرِ هَذَا الْعَرَضَ لِنَفْسِك وَانْقُدْ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِي هَذَا قَرْضًا عَلَيْك فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ. وَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا كَثَوْبٍ أَوْ جَارِيَةٍ يَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْجَارِيَةِ أَوْ الثَّوْبِ وَالْقَرْضُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فِي الْقِيَمِيَّاتِ، لَكِنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ قَصْدًا وَهُنَا إنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا مُقْتَضًى لِصِحَّةِ الشِّرَاءِ فَتُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ صِحَّةِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الشِّرَاءُ لَا غَيْرَ كَالْكَفِيلِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا أَدَّاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَصِيرُ مُقْرِضًا حَتَّى رَجَعَ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ ثَوْبًا؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مِثْلِيٌّ فِي بَابِ السَّلَمِ فَكَذَا فِيمَا جُعِلَ تَبَعًا لَهُ فَكَذَا هَهُنَا إذْ لَا صِحَّةَ لِشِرَاءِ الْعَبْدِ إلَّا بِقَرْضِ الْجَارِيَةِ وَالشِّرَاءُ مَشْرُوعٌ فَمَا فِي ضِمْنِهِ يَكُونُ مَشْرُوعًا هَذَا وَإِنَّمَا يَنْفُذُ الشِّرَاءُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يُضِفْهُ إلَى آخَرَ وَوَجَدَ الشِّرَاءُ النَّفَاذَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسْبَقْ بِتَوْكِيلٍ لِلْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ فَأَمَّا إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالشِّرَاءُ يَتَوَقَّفُ وَفِي الْوَكَالَةِ يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ شَيْئًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَجَازَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ لَهُ أَوْ لَمْ يُجِزْهُ أَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى آخَرَ بِأَنْ قَالَ لِلْبَائِعِ: بِعْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا فَقَالَ: بِعْتُ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي هَذَا الْبَيْعَ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ اهـ. (قَوْلُهُ وَاعْتِبَارُ جَانِبِ الشِّرَاءِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ جَانِبِ الْبَيْعِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الشِّرَاءِ فَنَقُولُ فِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قَالَ الْفُضُولِيُّ: بِعْ هَذَا الْعَيْنَ لِفُلَانٍ فَقَالَ الْمَالِكُ: بِعْت وَقَالَ الْفُضُولِيُّ: اشْتَرَيْت لِأَجْلِهِ أَوْ قَالَ الْمَالِكُ ابْتِدَاءً: بِعْت هَذَا الْعَيْنَ لِفُلَانٍ وَقَالَ الْفُضُولِيُّ: قَبِلْت لِأَجْلِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ أَمَّا إذَا قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ لِأَجْلِ فُلَانٍ فَقَالَ الْمَالِكُ: بِعْت أَوْ قَالَ الْمَالِكُ: بِعْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ لِأَجْلِ فُلَانٍ فَقَالَ: اشْتَرَيْت فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَيْهِ ظَاهِرًا وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى إيقَافِهِ عَلَى رِضَا الْغَيْرِ وَقَوْلُهُ لِأَجْلِ فُلَانٍ مُحْتَمِلٌ لِأَجْلِ رِضَاهُ وَشَفَاعَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ وَلَمْ يَنْفُذْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ فَاحْتِيجَ إلَى إيقَافِهِ عَلَى رِضَا الْغَيْرِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْفُضُولِيِّ فَفِي شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَطَرِيقَةُ الْخِلَافِ وَهُوَ أَنَّ الْفُضُولِيَّ لَوْ قَالَ: بِعْ هَذَا الْعَيْنَ لِفُلَانٍ إلَى آخَرَ مَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ اهـ وَقَوْلُهُ وَاعْتِبَارُ جَانِبِ الشِّرَاءِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ جَانِبِ الْبَيْعِ إلَخْ جَوَابٌ.

[عتق مشتر من غاصب بإجازة بيعه]

الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إطْلَاقُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ يَتَنَاوَلُ الْبَيْعَ بِالْعَيْنِ وَالدَّيْنَ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ وَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ لَا يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ فِي الْفَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَرِّثِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ أَوْ الْأَبِ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِمَا فِي مَالِ الصَّغِيرِ، ثُمَّ بَلَغَ الصَّغِيرُ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى إجَازَتِهِمَا لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ لَهُ فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَكَانَ قَدْ وَطِئَهَا، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى حَيْثُ تَنْتَقِلُ الْإِجَازَةُ إلَى ابْنِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الِانْتِقَالِ إلَى الْوَارِثِ كَانَ لِمَعْنًى وَهُوَ حُدُوثُ حِلٍّ بَاتَ عَلَى مَوْقُوفٍ فَأَبْطَلَهُ وَقَدْ عُدِمَ ذَلِكَ هُنَا بِوَطْءِ أَبِيهِ فَلَا يَبْطُلُ حَتَّى لَوْ قُدِّرَ فِي الشِّرَاءِ أَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ بِأَنْ بَاعَهَا الْمَوْلَى مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَوْ أَجَازَ الْمِلْكَ فِي حَيَاتِهِ وَلَا يَعْلَمُ حَالَ الْمَبِيعِ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَعْلَمَ قِيَامَهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي شَرْطِ الْإِجَازَةِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ عِتْقُ مُشْتَرٍ مِنْ غَاصِبٍ بِإِجَازَةِ بَيْعِهِ لَا بَيْعُهُ) مَعْنَاهُ لَوْ غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا وَبَاعَهُ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَأَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ جَازَ عِتْقُهُ وَلَوْ لَمْ يُعْتِقْهُ الْمُشْتَرِي وَلَكِنْ بَاعَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ أَيْضًا وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَقَدْ قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» وَهَذَا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْمَوْقُوفُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إذْ لَا نَفَاذَ فِيهِ وَعِنْدَ الْإِجَازَةِ إنْ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِلْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِلْإِعْتَاقِ مِلْكٌ كَامِلٌ لِمَا رَوَيْنَا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ فِيهِ الْمِلْكَ مُطْلَقًا وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْغَاصِبُ، ثُمَّ أَدَّى الضَّمَانَ لَا يَصِحُّ الْعِتْقُ مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ لَهُ بِالضَّمَانِ أَقْوَى مِنْ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لِلْمُشْتَرِي حَتَّى يَنْفُذَ بَيْعُ الْغَاصِبِ إذَا أَدَّى الضَّمَانَ وَلَا يَنْفُذُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَكَذَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ، ثُمَّ بَاعَهُ، ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْفُذْ الثَّانِي مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ أَسْرَعُ نَفَاذًا مِنْ الْعِتْقِ حَتَّى صَحَّ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ لَهُ دُونَ عِتْقِهِمَا وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ، ثُمَّ أَدَّى الضَّمَانَ نَفَذَ بَيْعُهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ، ثُمَّ أَدَّى الضَّمَانَ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ الْغَاصِبُ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ، ثُمَّ أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ صَحَّ بَيْعُ الْغَاصِبِ وَبَطَلَ عِتْقُهُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَهُمَا أَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ مَوْقُوفًا بِتَصَرُّفٍ مُطْلَقٍ مُفِيدٍ لِلْمِلْكِ بِالْوَضْعِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ فَيَتَوَقَّفُ الْإِعْتَاقُ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ وَيَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ وَصَارَ كَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّاهِنِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ وَيَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ الْمَبِيعَ وَكَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَارِثِ وَالتَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةٌ بِالدَّيْنِ فَأَجَازَتْ الْغُرَمَاءُ الْبَيْعَ أَوْ إعْتَاقَ الْوَارِثِ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ وَهِيَ مُسْتَغْرَقَةٌ بِالدَّيْنِ فَقَضَى الدَّيْنَ أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ سُؤَالٍ بِأَنْ يُقَالَ لِمَ جُعِلَ شِرَاءً وَلَمْ يُجْعَلْ بَيْعًا مَعَ أَنَّ بَيْعَ الْمُقَايَضَةِ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَأَجَابَ إلَخْ (قَوْلُهُ لَا يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا أَوْ دَيْنًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى حَيْثُ تَنْتَقِلُ الْإِجَازَةُ إلَى ابْنِهِ) أَيْ فَإِنْ أَجَازَ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا فَهَذِهِ فُضُولِيَّةٌ وَتَوَقَّفَ عَمَلُهَا عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ اهـ (قَوْلُهُ بِأَنْ بَاعَهَا الْمَوْلَى) أَيْ الْأَمَةَ الَّتِي تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ) أَيْ تَنْتَقِلُ الْإِجَازَةُ إلَى الْمُشْتَرِي. [عِتْق مشتر مِنْ غَاصِب بإجازة بَيْعه] (قَوْلُهُ جَازَ عِتْقُهُ) قَالَ الْكَمَالُ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا، لَكِنَّهُمْ أَثْبَتُوا خِلَافَهُ مَعَ زُفَرَ فِي بُطْلَانِ الْعِتْقِ وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي جَرَتْ الْمُحَاوَرَةُ فِيهَا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ حِينَ عَرَضَ عَلَيْهِ هَذَا الْكِتَابَ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَا رَوَيْت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِتْقَ جَائِزٌ وَإِنَّمَا رَوَيْت أَنَّ الْعِتْقَ بَاطِلٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: بَلْ رَوَيْت لِي أَنَّ الْعِتْقَ جَائِزٌ وَإِثْبَاتُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صِحَّةِ الْعِتْقِ بِهَذَا لَا يَجُوزُ لِتَكْذِيبِ الْأَصْلِ الْفَرْعَ صَرِيحًا وَأَقَلُّ مَا هُنَا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ هُنَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: إنَّ هَذِهِ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَنَحْنُ سَمِعْنَا مِنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ وَسَيَجِيءُ اهـ وَقَوْلُهُ جَازَ عِتْقُهُ أَيْ اسْتِحْسَانًا. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ) وَاسْتَوْضَحَ عَلَى ذَلِكَ بِفُرُوعٍ أَرْبَعَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى يَنْفُذَ بَيْعُ الْغَاصِبِ إذَا أَدَّى الضَّمَانَ) هَذَا إذَا أَدَّى قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ أَمَّا إذَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبَيْعِ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ. اهـ. عِمَادِيَّةٌ فِي آخِرِ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ (قَوْلُهُ إنَّ الْبَيْعَ أَسْرَعُ نَفَاذًا مِنْ الْعِتْقِ) أَيْ فَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ لَمْ يَنْفُذْ إعْتَاقُهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ بَاعَ) اسْتِيضَاحٌ ثَانٍ لِكَوْنِ الْبَيْعِ أَسْرَعَ نَفَاذًا. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ أَنَّ الْبَيْعَ أَسْرَعُ نَفَاذًا اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ الْغَاصِبُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ وَلَا الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ حَتَّى لَوْ أُجِيزَ لَا يَقَعُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَكُلٌّ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فِي الْحَاجَةِ إلَى الْمِلْكِ عَلَى السَّوَاءِ وَلِذَا إذَا جَعَلَ فُضُولِيٌّ أَمْرَ امْرَأَةٍ بِيَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا، ثُمَّ أَجَازَ الزَّوْجُ لَا تَطْلُقُ بَلْ يَثْبُتُ التَّفْوِيضُ فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا الْآنَ طَلُقَتْ وَإِلَّا لَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَطَلَ عِتْقُهُ) أَيْ بَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ وَهَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ عِتْقَهُ نَافِذٌ اهـ كَمَا سَيَجِيءُ بَعْدَ أَسْطُرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِتَصَرُّفٍ مُطْلَقٍ) قَالَ الْكَمَالُ: وَمُطْلَقٌ بِفَتْحِ اللَّامِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَخَرَجَ جَوَابُ قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ عِتْقُ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ مُطْلَقٍ إذْ الْخِيَارُ بِمَنْعِ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ بَاتًّا وَمَوْقُوفًا وَقَدْ يُقْرَأُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ الْبَيْعَ) وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إعْتَاقٌ فِي بَيْعٍ مَوْقُوفٍ. اهـ. فَتْحٌ وَقَوْلُهُ الْمُرْتَهِنُ هُوَ الصَّوَابُ، وَلَكِنَّ الَّذِي بِخَطِّ

مِنْهُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ وَالشَّيْءُ إذَا تَوَقَّفَ تَوَقَّفَ بِحُقُوقِهِ وَإِذَا نَفَذَ نَفَذَ بِحُقُوقِهِ بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْغَاصِبِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَمْ يُوضَعْ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ لِكَوْنِهِ عُدْوَانًا مَحْضًا وَإِنَّمَا يَمْلِكُ ضَرُورَةَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَكُنْ الْغَصْبُ مُثْبِتًا لِلْمِلْكِ فِي الْحَالِ وَلَا سَبَبًا لَهُ لِيَتَوَقَّفَ هُوَ وَيَتَوَقَّفَ الْعِتْقُ بِتَوَقُّفِهِ حُكْمًا لَهُ بَلْ هُوَ سَبَبٌ لَهُ ضَرُورَةً عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ وَالْعِتْقُ وُجِدَ قَبْلَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ وَالْكَلَامُ فِيهِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِهِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ أَصْلًا فَكَانَ الْمِلْكُ فِيهِ غَيْرَ مَوْجُودٍ لِوُجُودِ الْخِيَارِ الْمَانِعِ مِنْهُ فَلَمْ يُصَادِفْ الْإِعْتَاقُ مَحَلَّهُ وَهُوَ الْمِلْكُ وَهُنَا الْبَيْعُ مُطْلَقٌ وَالْأَصْلُ فِي الْأَسْبَابِ الْمُطْلَقَةِ أَنْ تَعْمَلَ فِي حَقِّ الْحُكْمِ بِلَا تَرَاخٍ وَالتَّرَاخِي إنَّمَا ثَبَتَ هُنَا ضَرُورَةَ دَفْعِ الضَّرَرِ وَلَا ضَرَرَ فِي تَوَقُّفِ الْمِلْكِ وَالْإِعْتَاقِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِإِظْهَارِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ وَنَعْنِي بِتَوَقُّفِ الْمِلْكِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يَتَضَرَّرُ الْمَالِكُ بِهَا وَالْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَعْتَقَ، ثُمَّ مَلَكَ الْمَغْصُوبَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ عِنْدَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ بِنَاءً عَلَى مِلْكِ الْغَاصِبِ وَمِلْكُ الْغَاصِبِ لَا يَكْفِي لِصِحَّةِ الْإِعْتَاقِ فَكَذَا مَا ثَبَتَ بِنَاءً عَلَيْهِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ مُطْلَقًا بِسَبَبٍ مُطْلَقٍ وَهُوَ الشِّرَاءُ فَاحْتَمَلَ الْعِتْقَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْغَصْبِ وَهُوَ سَبَبٌ ضَرُورِيٌّ لَا مُطْلَقٌ لِمَا مَرَّ فَكَانَ الْمِلْكُ فِيهِ نَاقِصًا وَالنَّاقِصُ لَا يَكْفِي لِلْإِعْتَاقِ وَيَكْفِي لِجَوَازِ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ الْمُكَاتَبِ يَكْفِي لِجَوَازِ الْبَيْعِ دُونَ الْعِتْقِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ عِنْدَ إجَازَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَهُوَ الْبَائِعُ الثَّانِي مِلْكٌ بَاتٌّ فَإِذَا طَرَأَ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ لِغَيْرِهِ أَبْطَلَهُ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْمِلْكِ الْبَاتِّ وَالْمِلْكِ الْمَوْقُوفِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ هَذَا مَانِعًا لَمَا ثَبَتَ الْمِلْكُ الْمَوْقُوفُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْفُضُولِيِّ لِوُجُودِ الْمِلْكِ الْبَاتِّ فِيهِ لِمَالِكِهِ بَلْ كَانَ هَذَا أَوْلَى بِالِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّ الْبَاتَّ فِيهِ مَوْجُودٌ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمَوْقُوفِ فَإِذَا كَانَ يَرْفَعُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ أَسْهَلُ مَنْ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَنْعُ وَالرَّفْعُ إنَّمَا يَكُونَانِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَلَا تَعَارُضَ، ثُمَّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمَوْقُوفَ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْمَالِكِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَائِمٌ بِهِمَا فَإِذَا أَجَازَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ فَالْمِلْكُ الْبَاتُّ يَثْبُتُ لِلْفُضُولِيِّ وَالْمِلْكُ الْمَوْقُوفُ ظَاهِرٌ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْفُضُولِيَّ عَاقِدٌ فَوَقَعَ التَّعَارُضُ فَيَرْفَعُ الْبَاتُّ الْمَوْقُوفَ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْغَاصِبَ إذَا أَدَّى ضَمَانَ الْمَغْصُوبِ بَعْدَمَا بَاعَهُ يَنْفُذُ بَيْعُهُ وَقَدْ طَرَأَ عَلَى الْمِلْكِ الْمَوْقُوفِ الْمِلْكُ الْبَاتُّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مِلْكُ الْغَاصِبِ ثَابِتٌ ضَرُورَةً إذْ لَيْسَ الْغَصْبُ بِسَبَبٍ مَوْضُوعٍ لِلْمِلْكِ فَلَا يُجْعَلُ ثَابِتًا فِي مَحَلٍّ لَيْسَ فِيهِ ضَرُورَةٌ فَلَا يَظْهَرُ فِي إبْطَالِ التَّوَقُّفِ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ وَلَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ حَاصِلًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَعِنْدَهُمَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَيُوجِبُ الْمِلْكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ الْمُنْعَقِدِ تَعْجِيلُ الْحُكْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّارِحِ الْمُشْتَرِي. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْغَاصِبِ بِنَفْسِهِ) جَوَابٌ عَنْ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ الرَّابِعِ (قَوْلُهُ، ثُمَّ مَلَكَ) أَيْ الْغَاصِبُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْفُذُ) كَذَا ذَكَرَهُ هِلَالُ الرَّأْيِ ابْنُ يَحْيَى الْبَصْرِيُّ فِي وَقْفِهِ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَبَاعَهَا فَوَقَفَهَا الْمُشْتَرِي، ثُمَّ أَدَّى الْغَاصِبُ ضَمَانَهَا حَتَّى مَلَكَهَا قَالَ: يَنْفُذُ وَقْفُهُ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِحْسَانِ فَالْعِتْقُ أَوْلَى. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي) جَوَابٌ عَنْ الثَّالِثِ اهـ وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إلَخْ وَكَذَا لَوْ وَهَبَهُ مَوْلَاهُ لِلْغَاصِبِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ فَوَرِثَهُ فَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ الْمِلْكَ الْمَوْقُوفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الْبَاتِّ مَعَ الْمَوْقُوفِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ عَلَى وَجْهٍ يَطْرَأُ فِيهِ الْبَاتُّ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ فِيهِ مِلْكٌ بَاتٌّ وَعَرَضَ مَعَهُ الْمِلْكُ الْمَوْقُوفُ اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفَرَّقَ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ بَيْنَ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ حَيْثُ يَنْفُذُ بِالْإِجَازَةِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ الثَّانِي حَيْثُ لَا يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَقَالَ: إنَّ بِالْعِتْقِ يَنْتَهِي الْمِلْكُ وَالْمُنْتَهِي مُتَقَرِّرٌ حُكْمًا وَمَا كَانَ مُقَرِّرًا لِلشَّيْءِ كَانَ مِنْ حُقُوقِهِ فَيَتَوَقَّفُ بِتَوَقُّفِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَرِّرٍ لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إنْهَاءُ الْمِلْكِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ حُقُوقِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ بِتَوَقُّفِهِ وَحَقِيقَةُ الْفِقْهِ فِي ذَلِكَ أَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ ضِدُّ الْمِلْكِ وَالشَّيْءُ لَا يَتَوَقَّفُ بِتَوَقُّفِ ضِدِّهِ أَمَّا الْعِتْقُ فَمُقَرِّرٌ لِلْمِلْكِ وَمُقَرِّرُ الشَّيْءِ جَازَ أَنْ يَتَوَقَّفَ بِتَوَقُّفِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَعْتَقَ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَلَوْ بَاعَ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمِلْكُ الْمَوْقُوفُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ) وَفِي صُورَةِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ لَمْ يَطْرَأْ الْمِلْكُ الْبَاتُّ عَلَى الْمِلْكِ الْمَوْقُوفِ فَنَفَذَ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْبَاتَّ فِيهِ مَوْجُودٌ إلَخْ) هَذِهِ مُغَالَطَةٌ بَيَانُهَا فِي الْعِنَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ، ثُمَّ) أَيْ فِي الْمُغَالَطَةِ الْمَذْكُورَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا أَجَازَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ) أَيْ بَيْعَ الْغَاصِبِ لِلْفُضُولِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ فَالْمِلْكُ الْبَاتُّ يَثْبُتُ لِلْفُضُولِيِّ) وَهُوَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذْ هُوَ فُضُولِيٌّ أَيْضًا لِبَيْعِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ اهـ وَقَوْلُهُ فَالْمِلْكُ الْبَاتُّ الَّذِي بِخَطِّهِ فَالْمِلْكُ الثَّابِتُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ) أَيْ وَهُوَ الْمِلْكُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَبَعْدُ فَالْمُقَدِّمَةُ الْقَائِلَةُ فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ الْمُصَحِّحُ لِلْإِعْتَاقِ الْمِلْكُ الْكَامِلُ لَمْ يُصَرَّحْ فِيهَا بِدَفْعٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَخْرَجَ مِنْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ مَنْعُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مِلْكٍ كَامِلٍ وَقْتَ ثُبُوتِهِ بَلْ وَقْتَ نَفَاذِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ.

[أرش العبد إذا قطعت يده عند المشتري]

وَالتَّرَاخِي إلَى وَقْتِ الْإِجَازَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَالضَّرَرُ فِي النَّفَاذِ لَا فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَأُجِيزَ فَأَرْشُهُ لِمُشْتَرِيهِ) أَيْ لَوْ قُطِعَتْ يَدُ عَبْدٍ بَاعَهُ الْفُضُولِيُّ، ثُمَّ أَجَازَ مَالِكُهُ الْبَيْعَ يَكُونُ أَرْشُ الْيَدِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لَهُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَبِيعِ مِنْ كَسْبٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ عُقْرٍ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالْعُذْرُ لَهُ أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الزَّوَائِدِ كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ فَأَخَذَ الْأَرْشَ، ثُمَّ رُدَّ فِي الرِّقِّ يَكُونُ الْأَرْشُ لِلْمَوْلَى وَكَذَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمَبِيعِ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَأَجَازَ الْبَيْعَ يَكُونُ الْأَرْشُ لِلْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ اسْتِنَادِ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِافْتِقَارِهِ إلَى الْمِلْكِ الْكَامِلِ وَمَعَ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي وَبِخِلَافِ مَا إذَا غَصَبَ عَبْدًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَهُ، ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ الْأَرْشُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَيْسَ بِسَبَبٍ مَوْضُوعٍ لِلْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ ضَرُورَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الزَّوَائِدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصَدَّقَ بِمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ)؛ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ حَقِيقَةً وَقْتَ الْقَطْعِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَكَانَ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ فَيَكُونُ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَيَطِيبُ لَهُ قَدْرُ نِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْيَدِ قَامَ مَقَامَ نِصْفِ الثَّمَنِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ فِي الْحُرِّ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الْعَبْدِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَاَلَّذِي دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ مَا هُوَ كَائِنٌ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ فَمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ يَكُونُ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ أَوْ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ لَهُ يَوْمَ قَطْعِ الْيَدِ حَقِيقَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ) فَبَرْهَنَ الْمُشْتَرِي عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ رَبِّ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْبَيْعِ وَأَرَادَ رَدَّ الْبَيْعِ لَمْ يُقْبَلْ لِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ بِالتَّنَاقُضِ إذْ إقْدَامُهُمَا عَلَى الْعَقْدِ وَهُمَا عَاقِلَانِ اعْتِرَافٌ مِنْهُمَا بِصِحَّتِهِ وَنَفَاذِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْعَاقِلِ الْمُسْلِمِ مُبَاشَرَةُ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ النَّافِذِ وَالْبَيِّنَةُ لَا تَنْبَنِي إلَّا عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ فَإِذَا بَطَلَتْ الدَّعْوَى لَا تُقْبَلُ وَهَذَا يُشْكِلُ بِمَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا ادَّعَاهُ رَجُلٌ فَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فِي دَعْوَاهُ فَأَخَذَهُ الْمُسْتَحِقُّ بِإِقْرَارِهِ، ثُمَّ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِأَنَّ الْعَبْدَ لِلْمُسْتَحِقِّ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُثْبِتَ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ) أَيْ عَنْ الْمَالِكِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالضَّرَرُ فِي النَّفَاذِ) أَيْ لَا فِي تَوَقُّفِهِ اهـ فَتْحٌ. [أرش الْعَبْد إذَا قَطَعَتْ يَده عِنْد الْمُشْتَرِي] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَأُجِيزَ إلَخْ) عُلِمَ أَنَّ قَطْعَ الْيَدِ لَا يَمْنَعُ الْإِجَازَةَ لِقِيَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ قُتِلَ بَطَلَتْ الْإِجَازَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ ضَرُورَةً) أَيْ فِي الْمُتَّصِلِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمِلْكِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِشُبْهَةِ الْعَدَمِ اعْتِبَارٌ يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ لَا بِالْفَضْلِ وَحْدَهُ قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ، ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى بَيْعَ الْغَاصِبِ كَانَ الْأَرْشُ لِلْعَبْدِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ: وَإِنْ وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَلَيْسَ مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ مِنْ رَجُلٍ فَأَقَامَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ مَالِكُهُ بِبَيْعِهِ أَوْ أَقَامَ عَلَى رَبِّ الْعَبْدِ ذَلِكَ وَأَرَادَ بِذَلِكَ رَدَّ الْعَبْدِ فَإِنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ لِلتَّنَاقُضِ عَلَى الدَّعْوَى إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الشِّرَاءِ دَلِيلُ دَعْوَاهُ صِحَّتَهُ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ وَدَعْوَاهُ إقْرَارَهُ بِعَدَمِ الْأَمْرِ تُنَاقِضُهُ إذْ هُوَ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَمْلِكْ الْبَائِعُ الْبَيْعَ وَقَبُولُ الْبَيِّنَةِ يَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى فَحَيْثُ لَمْ تَصِحَّ لَمْ تُقْبَلْ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ بَلْ ادَّعَى الْبَائِعُ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِبَيْعِهِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: أَمَرَك أَوْ ادَّعَى عَدَمَ الْأَمْرِ فَادَّعَى الْبَائِعُ الْأَمْرَ فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي الْأَمْرَ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ مُنَاقِضٌ إذْ إقْدَامُهُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ دَلِيلُ اعْتِرَافِهِ بِالصِّحَّةِ وَقَدْ نَاقَضَ بِدَعْوَاهُ عَدَمَ الْأَمْرِ بِخِلَافِ الْآخَرِ وَلِذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ لَا الْبَاطِلَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَبَرْهَنَ الْمُشْتَرِي) أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً اهـ ع (قَوْلُهُ أَوْ رَبُّ الْعَبْدِ) أَيْ أَوْ بَرْهَنَ الْمُشْتَرِي عَلَى إقْرَارِ رَبِّ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ الْبَائِعَ بِالْبَيْعِ اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا يُشْكِلُ بِمَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ إلَخْ) صُورَةُ مَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا وَنَقَدَ الثَّمَنَ، ثُمَّ ادَّعَاهَا مُسْتَحِقٌّ كَانَ الْمُشْتَرِي خَصْمًا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِلْمُدَّعِي أُمِرَ بِتَسْلِيمِهَا وَلَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا لَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْبَائِعِ وَكَذَا لَوْ جَحَدَ دَعْوَاهُ فَخُلِّفَ فَنَكَلَ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَإِقْرَارِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَيْ فَرَّقَ الْمَشَايِخُ بَيْنَ رِوَايَتَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالزِّيَادَاتِ فَقَالُوا: إنَّ الْعَبْدَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ رَبِّ الْعَبْدِ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ وَشَرْطُ الرُّجُوعِ عَدَمُ سَلَامَةِ الْعَيْنِ لِلْمُشْتَرِي وَالْعَيْنُ سَالِمَةٌ لَهُ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ وَفِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُسْتَحِقِّ فَوُجِدَ شَرْطُ الرُّجُوعِ فَقُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ وَلَنَا فِي هَذَا الْفَرْقِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الزِّيَادَاتِ أَيْضًا فِي أَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ الْمُسْتَحِقِّ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ فِي الدَّعْوَى مَوْجُودٌ لَا مَحَالَةَ كَمَا بَيَّنَّا وَمَبْنَى الْبَيِّنَةِ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى فَلَمْ تَصِحَّ فَلَا تَصِحُّ الْبَيِّنَةُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ رَبِّ الْعَبْدِ قَبْلَ الْبَيْعِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَلِهَذَا لَمْ تُقْبَلْ الْبَيِّنَةُ لِلتَّنَاقُضِ وَفِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَمْ يَلْزَمْ التَّنَاقُضُ وَهَذَا مَحْمَلٌ صَحِيحٌ وَلِهَذَا لَمْ يَقْبَلْ الْبَيِّنَةَ فِي الزِّيَادَاتِ أَيْضًا فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَبْقَى بَعْدَهُ بَابٌ إلَى تَمَامِ الْكِتَابِ عَلَى تَرْتِيبِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ: رَجُلٌ بَاعَ شَيْئًا لِرَجُلٍ مِنْ رَجُلٍ

بِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَفِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ فِي يَدِ الْمُسْتَحِقِّ وَشَرْطُ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ أَنْ لَا تَكُونَ الْعَيْنُ سَالِمَةً لِلْمُشْتَرِي فَلِذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَرَجَعَ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ وَقِيلَ: اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْوَضْعِ فَمَوْضُوعُ مَا ذُكِرَ هُنَا فِيمَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ أَقَرَّ قَبْلَ الْبَيْعِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ لِلْمُسْتَحِقِّ وَإِقْدَامُهُ عَلَى الشِّرَاءِ يَنْفِي ذَلِكَ فَيَكُونُ مُتَنَاقِضًا فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَمَوْضُوعُ مَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ فِيمَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ أَقَرَّ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّهُ لِلْمُسْتَحِقِّ فَلَا يَصِيرُ مُتَنَاقِضًا فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ قَوْلُهُ (وَلَوْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِذَلِكَ) فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ (عِنْدَ الْقَاضِي) بِأَنَّ رَبَّ الْعَبْدِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْبَيْعِ (بَطَلَ الْبَيْعُ إنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ)؛ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُسَاعِدَهُ فِيهِ فَيَتَحَقَّقُ الِاتِّفَاق بَيْنَهُمَا فَيُنْتَقَضُ فِي حَقِّهِمَا لَا فِي حَقِّ رَبِّ الْعَبْدِ إنْ كَذَّبَهُمَا وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ أَمَرَهُ فَإِذَا لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّهِ يُطَالَبُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ بَرِيءٌ بِالتَّصَادُقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ. فَإِذَا أَدَّى رَجَعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ إبْرَاءَ الْوَكِيلِ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا وَيَضْمَنُ لِلْمُوَكِّلِ وَعِنْدَهُ لَا يَصِحُّ وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ أَنْكَرَ الْمَالِكُ التَّوْكِيلَ وَتَصَادَقَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ فَإِنْ أَقَامَ الْوَكِيلُ الْبَيِّنَةَ لَزِمَهُ وَإِلَّا اُسْتُحْلِفَ الْمَالِكُ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ كَالْإِقْرَارِ وَلَوْ غَابَ الْمَالِكُ بَعْدَ الْإِنْكَارِ وَطَلَبَ الْبَائِعُ الْفَسْخَ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْقُوفًا فَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي تَأْخِيرَ الْفَسْخِ لِيُحَلِّفَ الْمَالِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ لَمْ يُؤَخَّرْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ قَدْ تَحَقَّقَ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لِأَجْلِ الْيَمِينِ فَلَوْ حَضَرَ الْمَالِكُ وَحَلَفَ أَخَذَ الْعَبْدَ وَإِنْ نَكَلَ عَادَ الْبَيْعُ وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا وَغَابَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَأْخُذْ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَحَّ ظَاهِرًا فَلَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ بِفَسْخِهِ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّفَ رَبَّ الْعَبْدِ أَنَّهُ مَا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ أَمْرُهُ وَإِنْ حَلَفَ ضَمِنَ الْبَائِعُ وَنَفَذَ بَيْعُهُ كَالْغَاصِبِ إذَا بَاعَ الْمَغْصُوبَ، ثُمَّ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ قَبْلَ حُضُورِهِ فَوَرِثَهُ الْبَائِعُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْمَالِكِ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ لَمْ تُقْبَلْ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ التَّنَاقُضِ وَلَوْ أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِ مُشْتَرِيهِ بِذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَالَ حَيَاةِ الْمَالِكِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ: إنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَأْمُرْنِي بِهِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ أَمَرَ بِهِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الَّذِي يَدَّعِي الْأَمْرَ؛ لِأَنَّ الْمُعَاقَدَةَ بَيْنَهُمَا دَلِيلٌ عَلَى نَفَاذِهِ وَصِحَّتِهِ فَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا خِلَافَ ذَلِكَ بَطَلَ لِلتَّنَاقُضِ وَلِأَنَّهُ سَعَى فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ فَبَطَلَ فَإِنْ أَرَادَ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا الْفَسْخَ بِأَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ صَاحِبِهِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ لَمْ يَأْمُرْ بِالْبَيْعِ أَوْ أَرَادَ يَمِينَ صَاحِبِهِ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى بَطَلَتْ لِمَا قُلْنَا فَبَطَلَ مَا يَبْتَنِي عَلَى ذَلِكَ اهـ وَقَوْلُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا إلَخْ هَذَا الْفَرْقُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا هُوَ فَرْقُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ مَنْظُورٌ فِيهِ بِأَنَّ وَضْعَ مَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ أَيْضًا فِي أَنَّ الْجَارِيَةَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَمَا أَسْمَعْتُك وَالْأَوْلَى مَا ذُكِرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْجَامِعِ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ أَمَّا إذَا أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّ رَبَّ الْعَبْدِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْبَيْعِ فَتُقْبَلُ؛ لِأَنَّ إقْدَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى الشِّرَاءِ يُنَاقِضُ دَعْوَاهُ إقْرَارَ الْبَائِعِ بَعْدَ الْأَمْرِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَا يُنَاقِضُ دَعْوَاهُ إقْرَارَهُ بِعَدَمِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَالَ: وَمَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ مَحْمُولَةٌ عَلَى هَذَا أَيْضًا فَتَقَعُ الْغُنْيَةُ عَنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ اهـ. وَقِيلَ: مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ مَحْمُولَةٌ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ رَبِّ الْعَبْدِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَمْ تُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ وَالزِّيَادَاتِ عَلَى الْإِقْرَارِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَمْ يَلْزَمْ التَّنَاقُضُ فَقُبِلَتْ وَمِمَّا يُنَاسِبُ الْمَسْأَلَةَ بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِلَا أَمْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ مَوْلَاهُ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى الْعَبْدَ مِنْ مَوْلَاهُ بَعْدَ بَيْعِهِ أَوْ وَرِثَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَالَ مُحَمَّدٌ: تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) أَيْ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَقَرَّ الْبَائِعُ) قَالَ الْكَمَالُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ الْبَائِعُ عِنْدَ الْقَاضِي بِذَلِكَ حَيْثُ يَحْكُمُ بِالْبُطْلَانِ وَالرَّدِّ إنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَلِهَذَا صَحَّ إقْرَارُهُ بِالشَّيْءِ بَعْدَ إنْكَارِهِ إيَّاهُ إلَّا أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ يَعْنِي إنَّمَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً فَإِذَا وَافَقَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ عَلَيْهِمَا فَلِذَا شُرِطَ طَلَبُ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَكُونَ نَقْضًا بِاتِّفَاقِهِمَا لَا بِمُجَرَّدِ إقْرَارِ الْبَائِعِ وَالْمُرَادُ مِنْ فَسْخِ الْقَاضِي أَنَّهُ يَمْضِي إقْرَارُهُمَا أَمَّا أَنَّ الْفَسْخَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ إلَخْ) فَإِنَّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ بِخِلَافِ الدَّعْوَى اهـ (قَوْلُهُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُسَاعِدَهُ) أَيْ يُوَافِقَهُ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَتَحَقَّقُ) أَيْ بُطْلَانُ الْبَيْعِ اهـ ع. (قَوْلُهُ فَيُنْتَقَضُ فِي حَقِّهِمَا لَا فِي حَقِّ رَبِّ الْعَبْدِ إنْ كَذَّبَهُمَا) قَالَ الْكَمَالُ: وَفُرُوعُهَا أَنَّ صَاحِبَ الْعَبْدِ لَوْ حَضَرَ وَصَدَّقَهُمَا نَفَذَ الْفَسْخُ فِي حَقِّهِ وَتَقَرَّرَ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا وَقَالَ: كُنْت أَمَرْتُهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إقْدَامَهُمَا إقْرَارٌ مِنْهُمَا بِالْأَمْرِ فَلَا يَعْمَلُ رُجُوعُهُمَا فِي حَقِّهِ وَيَغْرَمُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لَهُ وَيَكُونُ الْمَبِيعُ لِلْبَائِعِ لَا لَهُ وَيَبْطُلُ عَنْ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لِلْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْقَى فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي لِلْآمِرِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ يَمْلِكُ إبْرَاءَ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَمْلِكُ الْإِقَالَةَ بِغَيْرِ رِضَا الْآمِرِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْلِكُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بَرِئَ بِالتَّصَادُقِ) فِيهِ إشْكَالٌ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ اهـ (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فُضُولِيٌّ بَاعَ عَبْدَ الْغَيْرِ مِنْ رَجُلٍ وَفُضُولِيٌّ آخَرُ بَاعَ نِصْفَهُ مِنْ آخَرَ فَأَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَيْنِ اهـ فَلْيُرَاجَعْ عِنْدَ قَوْلِهِ دَارٌ فِي يَدِ آخَرَ ادَّعَى رَجُلٌ نِصْفَهَا وَآخَرُ كُلَّهَا. اهـ. .

[باع دار غيره فأدخلها المشتري في بنائه]

فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَصْلٌ فِيهِ فَيَمْتَنِعُ بِالتَّنَاقُضِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتُ لَوْ ادَّعَى بِنَفْسِهِ حَالَ حَيَاتِهِ لَا يَكُونُ مُنَاقِضًا فَكَذَا نَائِبُهُ وَلَوْ وَرِثَهُ الْبَائِعُ وَغَيْرُهُ فَإِنْ ادَّعَى غَيْرُهُ جُحُودَ الْمَالِكِ تُسْمَعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ مَا يُجْعَلُ مُنَاقِضًا بِخِلَافِ شَرِيكِهِ الْبَائِعِ حَيْثُ يَكُونُ مُنَاقِضًا وَلِمُشْتَرِيهِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْلَى أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الْأَمْرُ وَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَخُيِّرَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الْعَبْدَ مَلَكَ الْأَمْرَ وَلَوْ أَنْكَرَ لَغَا قَوْلُ الْآمِرِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكِهِ وَلَغَا تَوْكِيلُ بَائِعِهِ فِي خُصُومَتِهِ كَيْ لَا يَصِيرَ الْبَائِعُ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ بَاعَ دَارَ غَيْرِهِ فَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا بَاعَ دَارَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، ثُمَّ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِالْغَصْبِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ الدَّارَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْبَائِعِ لَا يُصَدَّقُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ حَتَّى يَأْخُذَهَا فَإِذَا لَمْ يُقِمْ الْمُسْتَحِقُّ وَهُوَ صَاحِبُ الدَّارِ الْبَيِّنَةَ كَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى عَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا إلَى عَقْدِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ فَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ وَقَعَ اتِّفَاقًا إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلْإِدْخَالِ فِي الْبِنَاءِ فِي ذَلِكَ. (بَابُ السَّلَمِ) وَهُوَ بِمَعْنَى السَّلَفِ لُغَةً فَإِنَّهُ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهِ لِكَوْنِهِ مُعَجَّلًا عَلَى وَقْتِهِ فَإِنَّ أَوَانَ الْبَيْعِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ وَالسَّلَمُ يَكُونُ عَادَةً بِمَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ مُعَجَّلًا وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فِي رِوَايَةِ الْمُجَرَّدِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ بِلَفْظِ السَّلَمِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَنْعَقِدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ السَّلَمَ الْمُؤَجَّلَ وَأَنْزَلَ فِيهِ أَطْوَلَ آيَةٍ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَهُوَ مَعْدُومٌ وَبَيْعُ مَوْجُودٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ أَوْ مَمْلُوكٍ غَيْرِ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ لَا يَجُوزُ فَبَيْعُ الْمَعْدُومِ أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ وَلَكِنْ تَرَكْنَاهُ بِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَغَا تَوْكِيلُ بَائِعِهِ) أَيْ تَوْكِيلُ الْآمِرِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ أَيْ تَوْكِيلُ رَبِّ الْعَبْدِ بَائِعَهُ أَيْ لَغَا أَنْ يُوَكِّلَ رَبُّ الْعَبْدِ بَائِعَهُ. اهـ. . [بَاعَ دَار غَيْره فأدخلها الْمُشْتَرِي فِي بنائه] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ بَاعَ دَارَ غَيْرِهِ) أَيْ عَرْصَةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ الدَّارَ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَنْ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَكَانَ يَقُولُ: أَوَّلًا يَضْمَنُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ غَصْبِ الْعَقَارِ هَلْ يَتَحَقَّقُ أَوْ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ فَيَضْمَنُ اهـ كَمَالٌ قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ تَفْسِيرُهُ إذَا غَصَبَ دَارًا فَانْهَدَمَتْ أَوْ أَرْضًا فَانْتَقَضَتْ وَسَيَجِيءُ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ فِي الْغَصْبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. [بَابُ السَّلَمِ] (بَابُ السَّلَمِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْبُيُوعِ الَّتِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبْضُ لَا فِي الْعِوَضَيْنِ وَلَا فِي أَحَدِهِمَا شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ وَهُوَ السَّلَمُ وَالصَّرْفُ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَقَدَّمَ السَّلَمَ عَلَى الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي السَّلَمِ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَفِي الصَّرْفِ قَبْضُهُمَا وَالتَّرَقِّي يَكُونُ أَبَدًا مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ: الْبَيْعُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ كَبَيْعِ السِّلَعِ بِأَنْوَاعِهَا نَحْوُ بَيْعِ الثَّوْبِ بِالثَّوْبِ وَغَيْرِهِ وَيُسَمَّى هَذَا بَيْعَ الْمُقَايَضَةِ وَالثَّانِي بَيْعُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ نَحْوُ بَيْعِ السِّلَعِ بِالْأَثْمَانِ الْمُطْلَقَةِ وَبَيْعِهَا بِالْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ دَيْنًا وَالثَّالِثُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَنِ الْمُطْلَقِ بِالثَّمَنِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَإِنَّهُ يُسَمَّى عَقْدَ الصَّرْفِ يُعْرَفُ فِي كِتَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالرَّابِعُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ وَهُوَ السَّلَمُ فَإِنَّ السَّلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَهُوَ دَيْنٌ وَرَأْسُ الْمَالِ قَدْ يَكُونُ عَيْنًا وَقَدْ يَكُونُ دَيْنًا، وَلَكِنَّ قَبْضَهُ شُرِطَ قَبْلَ افْتِرَاقِ الْعَاقِدَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا فَيَصِيرُ عَيْنًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ: وَخُصَّ بِاسْمِ السَّلَمِ لِيَتَحَقَّقَ إيجَابُ التَّسْلِيمِ شَرْعًا فِيمَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَعْنِي تَسْلِيمَ رَأْسِ الْمَالِ وَكَانَ عَلَى هَذَا تَسْمِيَةُ الصَّرْفِ بِالسَّلَمِ أَلْيَقُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ وُجُودُ السَّلَمِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الظَّاهِرُ الْعَامُّ فِي النَّاسِ سَبَقَ الِاسْمُ لَهُ اهـ وَقَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ فِي السَّلَمِ هُوَ عَقْدٌ يُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي الثَّمَنِ عَاجِلًا وَفِي الْمُثْمَنِ آجِلًا يُسَمَّى سَلَمًا وَإِسْلَامًا وَسَلَفًا وَإِسْلَافًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْحَالِ وَفِي عُرْفِ الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ هَذَا أَيْضًا مَعَ زِيَادَةِ شَرَائِطَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا لَمْ يَعْرِفْهَا أَهْلُ اللُّغَةِ فَعَنْ هَذَا عَرَفْت فَسَادَ مَا قِيلَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ السَّلَمَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ؛ لِأَنَّ السِّلْعَةَ إذَا بِيعَتْ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ بِسَلَمٍ وَلَوْ قِيلَ: بَيْعُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ لَمْ يَرِدْ الِاعْتِرَاضُ وَرُكْنُ السَّلَمِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِأَنْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: أَسْلَمْت إلَيْك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ قَالَ: أَسْلَفْت وَقَالَ الْآخَرُ: قَبِلْت وَيُسَمَّى صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ رَبَّ السَّلَمِ وَالْمُسْلِمَ أَيْضًا وَيُسَمَّى الْآخَرُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: 282] وَالْمَعْنَى إذَا تَعَامَلْتُمْ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَاكْتُبُوهُ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ مُسَمًّى

[ما يجوز السلم فيه وما لا يجوز]

(مَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ صَحَّ السَّلَمُ فِيهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَسْلَمَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالضَّبْطُ يَكُونُ بِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَقَدْ شَرَطَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا لَا فَلَا) أَيْ مَا لَا يُضْبَطُ صِفَتُهُ وَلَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْوَصْفِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ضَبْطُهُ بِهِ يَكُونُ مَجْهُولًا جَهَالَةً تَقْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَجُوزُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَيَصِحُّ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْمُثَمَّنِ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ الْمُثَمَّنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانٌ وَلَيْسَا بِمُثَمَّنٍ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فِيهِمَا لَا يَصِحُّ سَلَمًا؛ لِأَنَّ السَّلَمَ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ وَتَأْجِيلُ الْمَبِيعِ وَلَوْ جَازَ فِيهِ لَانْعَكَسَ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ سَلَمًا يَكُونُ بَاطِلًا عِنْدَ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَقَالَ الْأَعْمَشُ: يَكُونُ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي وَقَوْلُ عِيسَى أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي السَّلَمِ الْمُسْلَمُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي مَحَلٍّ أَوْجَبَا الْعَقْدَ فِيهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَلَا وَجْهَ إلَى تَصْحِيحِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ؛ لِأَنَّهُمَا يُوجِبَا الْعَقْدَ فِيهِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ فِيهِمَا غَيْرَ الْأَثْمَانِ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ الْأَثْمَانَ فِيهِمَا كَالدَّرَاهِمِ فِي الدَّنَانِيرِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَلَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْقَدْرَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا كَمَا إذَا أَسْلَمَ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِالْمِيزَانِ رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِيَصِيرَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ لَا لِنَفْيِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِجِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى عَيْنُ الْوَاجِبِ حُكْمًا فِي بَابِ السَّلَمِ فَيَكُونُ بَدَلًا عَنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا رِبَا بَيْنَهُمَا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْمُؤَدَّى عَيْنٌ وَالْعَيْنُ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً فَيَكُونُ الْمُؤَدَّى بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ عَيْنَهُ حُكْمًا فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا كَيْلًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَوْزُونِ كَيْلًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (: وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ)؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَضْبُوطٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ فَأَشْبَهَ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ وَلِهَذَا تَسْتَوِي قِيمَتُهُمَا فَصَارَا بِذَلِكَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ؛ لِأَنَّ آحَادَهُمَا مُتَفَاوِتَةٌ وَلِهَذَا تَخْتَلِفُ فِي الْقِيمَةِ وَبِهَا يُعْرَفُ التَّفَاوُتُ وَالتَّسَاوِي وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ فِي الْمَالِيَّةِ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَيْلًا أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَصِحُّ كَيْلًا؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ لَيْسَ بِمَكِيلٍ فَلَا يَصِحُّ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ الْعَادَةُ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَدَدًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ فِي التَّسْلِيمِ وَالتَّسْلِيمُ بِسَبَبِ التَّفَاوُتِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَصَارَ كَالسَّفَرْجَلِ وَالْقِثَّاءِ وَلَنَا أَنَّ الْمِقْدَارَ يُعْرَفُ بِالْكَيْلِ تَارَةً وَبِالْعَدِّ أُخْرَى فَتَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ قَدْرُهُ بِهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفَلْسُ)؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ وَقِيلَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنٌ مَا دَامَ يَرُوجُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ مَبِيعٌ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ كَالنَّقْدَيْنِ وَإِذَا كَسَدَ صَارَ قِطْعَةَ نُحَاسٍ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِهِ فَيَصِحُّ كَسَائِرِ الْمَعْدُودَاتِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ اصْطِلَاحَ النَّاسِ عَلَى الثَّمَنِيَّةِ لَا يَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ هُنَّاك بَيْنَ الْفُلُوسِ وَالنَّقْدَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (: وَاللَّبِنُ وَالْآجُرُّ إنْ سُمِّيَ مُلَبَّنٌ مَعْلُومٌ)؛ لِأَنَّ آحَادَهُمَا لَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْآلَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالذَّرْعِيُّ كَالثَّوْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِيُعْلَمَ أَنَّ مِنْ حَقِّ الْأَجَلِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا اهـ أَتْقَانِيٌّ. [مَا يَجُوز السَّلَم فِيهِ وَمَا لَا يَجُوز] (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُسْلَمَ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْمُثَمَّنِ) الْمُثَمَّنُ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ وَالْمَوْزُونُ فَقَطْ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فِيهِمَا لَا يَصِحُّ سَلَمًا) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُثَمَّنًا وَالنُّقُودُ أَثْمَانٌ فَلَا تَكُونُ مُسْلَمًا فِيهَا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْأَعْمَشُ إلَخْ) وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ اخْتَارَهُ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي أَدَخَلُ فِي الْفِقْهِ وَعِلَلِهِ فَلْيُنْظَرْ ثَمَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي مَحَلٍّ أَوْجَبَا) أَيْ أَوْجَبَ الْمُتَعَاقِدَانِ الْعَقْدَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِتَعَامُلِ النَّاسِ. اهـ. قَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ كَالْجَوْزِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ أَمَّا السَّلَمُ فِي الْبَاذِنْجَانِ عَدَدًا لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ وَذَكَرَ الشَّمْسُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ وَأَلْحَقَهُ بِالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ هَذَا لَفْظُهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ) أَيْ فَلَا تَرَى جَوْزَةً بِفَلْسٍ وَجَوْزَةً بِفَلْسَيْنِ بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ فَإِنَّك تَرَى بِطِّيخَةً بِدِرْهَمٍ وَأُخْرَى بِفَلْسٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَأَمَّا الْعَدَدِيُّ الْمُتَفَاوِتُ وَتَفْسِيرُهُ مَا نُقِلَ عَنْ ابْن يُوسُفَ مَا اخْتَلَفَتْ آحَادُهُ فِي الْقِيمَةِ وَاتَّفَقَتْ أَجْنَاسُهُ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَذَلِكَ كَالدُّرِّ وَالْجَوَاهِرِ وَاللَّآلِئِ وَالْأُدُمِ وَالْجُلُودِ وَالْخَشَبِ وَالرُّءُوس وَالْأَكَارِعِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالسَّفَرْجَلِ وَنَحْوِهَا إلَّا إذَا بَيَّنَ مِنْ جِنْسِ الْجُلُودِ وَالْأُدُمِ وَالْخَشَبِ وَالْجُذُوعِ شَيْئًا مَعْلُومًا وَطُولًا مَعْلُومًا وَغِلَظًا مَعْلُومًا وَأَتَى بِجَمِيعِ شَرَائِطِ السَّلَمِ وَالْتَحَقَ بِالْمُتَقَارِبِ يَجُوزُ اهـ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَا يَجُوزُ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ إلَّا فِي الثِّيَابِ خَاصَّةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: ثُمَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي بَيْضِ النَّعَامِ أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَضْبُوطٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالذَّرْعِيُّ كَالثَّوْبِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَأَمَّا الذَّرِعِي فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَالثِّيَابِ وَالْبُسُطِ وَالْبَوَارِي وَنَحْوِهَا إذَا بَيَّنَ الطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالصِّفَةَ وَالنَّوْعَ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ

إنْ بَيَّنَ الذِّرَاعَ وَالصِّفَةَ وَالصَّنْعَةَ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَإِنْ كَانَ ثَوْبُ حَرِيرٍ يُبَاعُ بِالْوَزْنِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَزْنِهِ مَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا فِي الْحَيَوَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ إذَا بَيَّنَ الْجِنْسَ وَالسِّنَّ وَالنَّوْعَ وَالصِّفَةَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اسْتَقْرَضَ بَكْرًا وَرَدَّ رُبَاعِيًّا» وَلِأَنَّ بَعْدَ بَيَانِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَوْصَافِ الْجَهَالَةُ تَقِلُّ فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ» وَلِأَنَّهُ تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَيْنِ يَسْتَوِيَانِ فِي الْجِنْسِ وَالسِّنِّ وَتَتَفَاوَتُ قِيمَتُهُمَا لِاخْتِلَافِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَالْكِيَاسَةِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَالْخَلْقِ وَالسِّيرَةِ وَالْفَصَاحَةِ وَالْأَمَانَةِ وَالشِّدَّةِ قَالَ قَائِلُهُمْ أَلَا رُبَّ فَرْدٍ يَعْدِلُ الْأَلْفَ زَائِدًا ... وَأَلْفٍ تَرَاهُمْ لَا يُسَاوَوْنَ وَاحِدًا وَكَذَا سَائِرُ الْحَيَوَانِ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَافِ الْمَالِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَمَا فِي الْخَلِفَاتِ وَالْجَوَاهِرِ بِخِلَافِ الثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ مَصْنُوعُ الْعِبَادِ وَالْعَبْدُ إنَّمَا يَصْنَعُ بِآلَةٍ فَإِنْ اتَّحَدَتْ الْآلَةُ وَالصَّانِعُ يَتَّحِدُ الْمَصْنُوعُ وَالتَّفَاوُتُ الْيَسِيرُ بَعْدَهُ لَا يَضُرُّ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَقْرَضَ بَكْرًا وَرَدَّ رُبَاعِيًّا فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَعْجَلَ فِي الصَّدَقَةِ، ثُمَّ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ عَلَى صَاحِبِهَا فَرَدَّهَا رُبَاعِيًّا أَوْ اسْتَقْرَضَ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ حَقٌّ مَجْهُولٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَجِبُ لَهُ حَقٌّ مَجْهُولٌ. وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اشْتَرَى بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذْ لَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانَاتِ حَتَّى الْعَصَافِيرِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَطْرَافُهُ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ كَالرَّأْسِ وَالْأَكَارِعِ لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ وَعَدَمِ الضَّابِطِ، ثُمَّ قِيلَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ كَمَا فِي اللَّحْمِ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ هُوَ اللَّحْمُ دُونَ الْعَظْمِ وَالْعَظْمُ فِي الرُّءُوسِ وَفِي الْأَكَارِعِ أَكْثَرُ مِنْ اللَّحْمِ أَوْ مُسَاوٍ لَهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلَّحْمِ فَبَقِيَ مُعْتَبَرًا وَلَا يُدْرَى قَدْرُهُ فَيَصِيرُ قَدْرُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَهُوَ اللَّحْمُ مَجْهُولًا وَأَمَّا الْعَظْمُ الَّذِي فِي اللَّحْمِ فَقَلِيلٌ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ تَبَعًا لِلَّحْمِ لِقِلَّتِهِ كَمَا فِي عَظْمِ الْأَلْيَةِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِيهِ وَزْنًا اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجُلُودُ عَدَدًا) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَكَذَا فِي الْوَرَقِ لَا يَجُوزُ لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ فِيهِمَا ضَرْبًا مَعْلُومًا وَطُولًا وَعَرْضًا وَصِفَةً مَعْلُومَةً مِنْ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا لِإِمْكَانِ ضَبْطِهِمَا وَكَذَا إذَا كَانَا يُبَاعَانِ وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا بِالْوَزْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (: وَالْحَطَبُ حُزَمًا وَالرُّطْبَةُ جُرَزًا)؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ طُولُهُ وَغِلَظُهُ حَتَّى لَوْ عُرِفَ ذَلِكَ بِأَنْ بَيَّنَ الْحَبْلَ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحَطَبُ وَالرَّطْبَةُ وَبَيَّنَ طُولَهُ وَضُبِطَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ جَازَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَوْهَرُ وَالْخَرَزُ)؛ لِأَنَّ آحَادَهَا مُتَفَاوِتَةٌ تَفَاوُتًا فَاحِشًا وَفِي صِغَارِ اللُّؤْلُؤِ الَّتِي تُبَاعُ وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا بِالْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مُسْتَهْلِكُهَا الْمِثْلَ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ مَصْنُوعُ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ يَصْنَعُ بِآلَةٍ فَإِذَا اتَّحَدَ الصَّانِعُ وَالْآلَةُ يَتَّحِدُ الْمَصْنُوعُ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا قَلِيلُ تَفَاوُتٍ وَقَدْ يُتَحَمَّلُ قَلِيلُ التَّفَاوُتِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلَا يُحْتَمَلُ فِي الِاسْتِهْلَاكَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ لَوْ بَاعَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ كَانَ مُتَحَمَّلًا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا يَسِيرًا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إنْ بَيَّنَ الذِّرَاعِ) أَيْ بَعْدَ ذِكْرِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ اهـ (قَوْلُهُ وَالصِّفَةُ) أَيْ بِأَنَّهُ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ أَوْ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى مُلْحَمًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّنْعَةُ) أَيْ بِأَنَّهُ عَمَلُ الشَّامِ أَوْ الرُّومِ أَوْ نَحْوِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ ثَوْبَ حَرِيرٍ يُبَاعُ بِالْوَزْنِ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: وَيُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْوَزْنِ فِي ثِيَابِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ إذَا كَانَ يَبْقَى التَّفَاوُتُ بَعْدَ ذِكْرِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَزْنِ فَإِنَّ الدِّيبَاجَ كُلَّمَا ثَقُلَ وَزْنُهُ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ وَالْحَرِيرُ كُلَّمَا خَفَّ وَزْنُهُ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَزْنِهِ) قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ عَيَّنَ الذُّرْعَانَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْوَزْنَ هَلْ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَرِيرِ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَيْسَ بِشَرْطٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُشْتَرَطُ وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِخِلَافِ سَائِرِ الثِّيَابِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْوَزْنُ مَعَ الذَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْحَرِيرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَزْنِ كَمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَلَا كَذَلِكَ الْكِرْبَاسُ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا فِي الْحَيَوَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ السَّلَمَ بَاطِلٌ فِي الْحَيَوَانِ عِنْدَنَا اهـ وَقَالَتْ الثَّلَاثَةُ: يَجُوزُ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِذَا اتَّحَدَتْ الْآلَةُ وَالصَّانِعُ يَتَّحِدُ الْمَصْنُوعُ) أَيْ وَلَيْسَ الْحَيَوَانُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ فِيهِ يَحْدُثُ بِإِحْدَاثِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْعِبَادِ بِلَا آلَةٍ وَلَا مِثَالَ فَظَهَرَ الْفَرْقُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اشْتَرَى بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: قَدْ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدِّيَةِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فَثَبَتَ أَنَّ الْحَيَوَانَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ قُلْت: قَدْ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا أَنَّ بَيْعَ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ نَسِيئَةً فَعُلِمَ أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَلَمَّا وَرَدَ أَصْلَانِ مُتَعَارِضَانِ وَفَّقْنَا بَيْنَهُمَا فَقُلْنَا: إنَّ مَا كَانَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ لَا يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ فِيهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَمَا لَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ فِيهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَالتَّزْوِيجِ أَوْ الْخُلْعِ عَلَى عَبْدٍ وَسَطٍ أَوْ أَمَةٍ وَسَطٍ قِيَاسًا عَلَى إبِلِ الدِّيَةِ وَغُرَّةِ الْجَنِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَطَبُ حُزَمًا وَالرُّطْبَةُ جُرَزًا إلَخْ) وَنُقِلَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ شَرْحِ الشَّافِي فَقَالَ: وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْقَتِّ وَزْنًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْجَوْهَرُ وَالْخَرَزُ إلَخْ) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ

مِمَّا يُبَاعُ بِالْوَزْنِ فَأَمْكَنَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُنْقَطِعُ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الشَّيْءِ الْمُنْقَطِعِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ حَتَّى لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحَلِّ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي الْأَسْوَاقِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ فِي الْمُنْقَطِعِ إذَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحَلِّ لِوُجُودِ الْقُدْرَةِ عِنْدَ وُجُوبِهِ وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَزْهُوَ قَالُوا: وَمَا تَزْهُو؟ قَالَ: تَحْمَرُّ وَقَالَ: إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُو صَلَاحُهَا نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَفِي لَفْظٍ «حَتَّى تَبْيَضَّ وَتَأْمَنَ مِنْ الْعَاهَةِ» وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمُنْقَطِعِ فِي الْحَالِ إذْ الْحَدِيثُ وَرَدَ فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الثِّمَارِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَائِزٌ لَا يَمْنَعُ أَحَدٌ بَيْعَ مَالٍ مُعَيَّنٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَالِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» وَهُوَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ بُطْلَانِ الْبَيْعِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْبَيْعِ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ حَالَ وُجُوبِهِ شَرْطٌ لِجَوَازِهِ. وَفِي كُلِّ وَقْتٍ بَعْدَ الْعَقْدِ يُحْتَمَلُ وُجُوبُهُ بِمَوْتِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيُشْتَرَطُ دَوَامُ وُجُودِهِ لِتَدُومَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ فِيهِ عَنْ كُلِّ خَطَرٍ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَمَلَ فِي بَابِ السَّلَمِ كَالْوَاقِعِ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ بِالتَّحْصِيلِ فِي الْمُدَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ فِيهَا لِيَتَمَكَّن مِنْ التَّحْصِيلِ وَلَوْ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ بَعْدَ الْمَحِلِّ قَبْلَ أَنْ يُوَفِّي الْمُسْلَمَ فِيهِ فَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ وَأَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وُجُودَهُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَيَسْتَرِدُّ رَأْسَ مَالِهِ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ كَمَا إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ قُلْنَا: إنَّ السَّلَمَ قَدْ صَحَّ وَتَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَيُخَيَّرُ فِيهِ كَمَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ لَا إلَى خُلْفٍ وَبِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِالْفُلُوسِ شَيْئًا وَكَسَدَتْ حَيْثُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ أَصْلًا وَلَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَلَوْ رَجَا لَا يُعْلَمُ مَتَى تَرُوجُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ لِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ أَوَانًا مَعْلُومًا فَيَتَخَيَّرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسَّمَكُ الطَّرِيُّ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فِي الشِّتَاءِ لِانْجِمَادِ الْمِيَاهِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ فِيهِ السَّمَكُ أَوْ أَسْلَمَ فِيهِ فِي حِينِهِ جَازَ وَزْنًا لَا عَدَدًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْكِبَارِ الَّتِي تَنْقَطِعُ كَالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي نَزْعِ عَظْمِهَا وَاخْتِلَافِ رَغَبَاتِهِمْ فِي مَوَاضِعِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ وَزْنًا لَوْ مَالِحًا) أَيْ إنْ كَانَ السَّمَكُ مَالِحًا جَازَ السَّلَمُ فِيهِ وَزْنًا لَا عَدَدًا؛ لِأَنَّ الْمَالِحَ مِنْهُ وَهُوَ الْقَدِيدُ لَا يَنْقَطِعُ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَهُوَ مَعْلُومٌ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِبَيَانِ قَدْرِهِ بِالْوَزْنِ وَبَيَانِ نَوْعِهِ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الصِّغَارِ مِنْهُ يَجُوزُ وَزْنًا وَكَيْلًا وَفِي الْكِبَارِ رِوَايَتَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَاللَّحْمُ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجُوزُ إنْ بَيَّنَ جِنْسَهُ وَنَوْعَهُ وَسِنَّهُ وَمَوْضِعَهُ وَصِفَتَهُ وَقَدْرَهُ كَشَاةٍ خَصِيٍّ ثَنِيٍّ سَمِينٍ مِنْ الْجَنْبِ أَوْ الْفَخِذِ مِائَةِ رِطْلٍ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ وَيَصِحُّ اسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا وَهُوَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَيَجْرِي فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ بِعِلَّةِ الْوَزْنِ فَصَارَ كَالْأَلْيَةِ وَشَحْمِ الْبَطْنِ بِخِلَافِ لَحْمِ الطُّيُورِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَصْفِ مَوْضِعٍ مِنْهُ وَتَضَمُّنُهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْدُودٍ تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْمَالِيَّةِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالْجَوَاهِرُ وَاللَّآلِئُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؛ لِأَنَّك تَرَى بَيْنَ لُؤْلُؤَتَيْنِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا فِي الْمَالِيَّةِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا اتِّفَاقٌ فِي الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ) وَالْمَحِلُّ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَصْدَرُ قَوْلِك حَلَّ الدَّيْنُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالسَّمَكُ إلَخْ) وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ طَرِيًّا أَوْ مَالِحًا وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُسْلِمَ فِيهِ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا فَإِنْ أَسْلَمَ فِيهِ عَدَدًا طَرِيًّا كَانَ أَوْ مَالِحًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ وَإِنْ أَسْلَمَ فِيهِ وَزْنًا فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ مَمْلُوحًا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ طَرِيًّا إنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي حِينِهِ وَالْأَجَلُ فِي حِينِهِ وَلَا يَنْقَطِعُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ وَقَالَا: يَجُوزُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ إذَا بَيَّنَ الْجِنْسَ بِأَنْ قَالَ: لَحْمُ شَاةٍ وَالسِّنَّ بِأَنْ قَالَ: ثَنِيٌّ وَالنَّوْعَ بِأَنْ قَالَ: ذَكَرٌ وَالصِّفَةَ بِأَنْ قَالَ: سَمِينٌ وَالْمَوْضِعَ بِأَنْ قَالَ: مِنْ الْجَنْبِ وَالْقَدْرَ بِأَنْ قَالَ: عَشْرَةُ أَمْنَاءٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ) يَعْنِي أَنَّ غَاصِبَ اللَّحْمِ إذَا أَتْلَفَهُ يَضْمَنُ الْمِثْلَ وَزْنًا. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ لَحْمِ الطُّيُورِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَصْفِ مَوْضِعٍ مِنْهُ) أَيْ لِقِلَّةِ لَحْمِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَتَضَمُّنُهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ) أَيْ تَضَمُّنِ اللَّحْمِ شَيْئًا غَيْرُ مَقْصُودٍ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ شَيْءٍ يَرِدُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ عِظَامًا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْعَظْمِ وَكَثْرَتِهِ فَتَثْبُتُ الْجَهَالَةُ وَهِيَ تُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ مَعَ الْجَهَالَةِ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي مَنْزُوعِ الْعَظْمِ قَالَ صَاحِبُ الْمُخْتَلَفِ: وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّمَنِ وَالْهُزَالِ لِقِلَّةِ الْكَلَإِ وَكَثْرَتِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فَيُفْضِي إلَى الْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي مَنْزُوعِ الْعَظْمِ قَالَ صَاحِبُ الْمُخْتَلَفِ: وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْهُ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَصَحُّ اهـ.

وَهُوَ الْعَظْمُ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ كَتَضَمُّنِ التَّمْرِ وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ النَّوَى وَكَتَضَمُّنِ الْأَلْيَةِ الْعَظْمَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اللَّحْمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صِفَتِهِ مِنْ سِمَنٍ وَهُزَالٍ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ فُصُولِ السَّنَةِ فَمَا يُعَدُّ سَمِينًا فِي الشِّتَاءِ يُعَدُّ مَهْزُولًا فِي الصَّيْفِ وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ عِظَامًا غَيْرَ مَعْلُومَةٍ وَتَجْرِي فِيهِ الْمُمَاكَسَةُ فَالْمُشْتَرِي يَأْمُرُهُ بِالنَّزْعِ وَالْبَائِعُ يَدُسُّهُ فِيهِ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْمُنَازَعَةِ لَا تَرْتَفِعُ بِبَيَانِ الْمَوْضِعِ وَذِكْرِ الْوَزْنِ فَصَارَ كَالسَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ بِخِلَافِ النَّوَى فِي الثِّمَارِ أَوْ الْعَظْمِ فِي الْأَلْيَةِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ وَلِهَذَا لَا تَجْرِي فِيهِ الْمُمَاكَسَةُ وَفِي مَخْلُوعِ الْعَظْمِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّلَ بِعِلَّتَيْنِ لَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ إحْدَاهُمَا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالتَّضْمِينُ بِالْمِثْلِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فِي رِوَايَةِ بُيُوعِ الْجَامِعِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَلَئِنْ سُلِّمَ فِيهِمَا فَهُوَ مُعَايَنٌ عِنْدَ الْإِتْلَافِ وَالِاسْتِقْرَاضِ فَيُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ وَقِيلَ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ السَّلَمَ فِي اللَّحْمِ وَهُمَا لَا يُجَوِّزَانِهِ فِيهِ وَجَوَابُهُمَا فِيمَا إذَا بَيَّنَ مَوْضِعًا مِنْهُ مَعْلُومًا وَهُوَ يُجَوِّزُهُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ ثَابِتٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِكْيَالٌ أَوْ ذِرَاعٌ لَمْ يَدْرِ قَدْرَهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِمِكْيَالٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَضِيعَ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِهِ حَالًّا حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ يَجِبُ فِي الْحَالِ فَلَا يُتَوَهَّمُ فَوْتُهُ وَفِي السَّلَمِ يَتَأَخَّرُ التَّسْلِيمُ فَيُخَافُ فَوْتُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقِصَاعِ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ كَالزِّنْبِيلِ وَالْجِرَابِ لَا يَجُوزُ لِلْمُنَازَعَةِ إلَّا فِي قِرَبِ الْمَاءِ لِلتَّعَامُلِ فِيهِ كَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِهِ كَيْفَمَا كَانَ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ قَدْرُهُ فَالتَّقْدِيرُ بِهِ لِبَيَانِ الْقَدْرِ لَا لِتَعَيُّنِهِ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى فِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُنْكَبِسِ وَغَيْرِ الْمُنْكَبِسِ أَوْ التَّجْوِيزُ فِي قِرَبِ الْمَاءِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ حَيْثُ يَجُوزُ بِإِنَاءٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ أَنْ لَا يَنْكَبِسَ وَلَا يَنْبَسِطَ وَيُقَيَّدُ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ قِرَبِ الْمَاءِ أَيْضًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبُرُّ قَرْيَةٍ وَتَمْرُ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْتَرِيهِمَا آفَةٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ «إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» وَلَوْ كَانَتْ النِّسْبَةُ لِبَيَانِ النَّوْعِ بِأَنْ كَانَ لَهُ نَظِيرٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا إذَا نَسَبَهُ إلَى إقْلِيمٍ لَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ كَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَرْطُهُ بَيَانُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ وَالْأَجَلِ) كَقَوْلِهِ حِنْطَةٌ سَقِيَّةٌ جَيِّدَةٌ عَشْرَةُ أَكْرَارٍ إلَى شَهْرٍ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَنْتَفِي بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَجَلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» مُطْلَقًا وَاشْتِرَاطُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالتَّضْمِينُ بِالْمِثْلِ مَمْنُوعٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَوْلُهُمَا إنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنَ الْمِثْلَ قُلْنَا: ذَاكَ مَمْنُوعٌ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ أَلَا تَرَى مَا قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْبَيْعِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ لَحْمًا فَشَوَاهُ، ثُمَّ جَاءَ إنْسَانٌ وَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ ضَمَانُ الْغَصْبِ وَكَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ اللَّحْمِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ اللَّحْمِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ اللَّحْمَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْمِثْلِ وَلَا تُوجَدُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَلَيْسَ بِمِثْلِيٍّ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَعْنِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: تَضْمِينُ اللَّحْمِ بِالْمِثْلِ قَوْلُهُمَا، ثُمَّ قَالَ وَرَأَيْت وَسَطَ غَصْبِ الْمُنْتَقَى رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا اسْتَهْلَكَ لَحْمًا قَالَ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَنَمْنَعُ الِاسْتِقْرَاضَ وَزْنًا فَنَقُولُ ذَلِكَ مَذْهَبُهُمَا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ اللَّحْمَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي التَّتِمَّةِ عَنْ اخْتِيَارِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَاءِ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّ اللَّحْمَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ وَإِنَّمَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إذَا انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فَنَقُولُ ذَاكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمِثْلَ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ الْمِثْلُ وَالْمُمَاثَلَةُ فِي مِثْلِ الشَّيْءِ صُورَةٌ وَمَعْنًى فَيَكُونُ أَعْدَلَ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا مِثْلٌ مَعْنًى لَا صُورَةً وَلَيْسَ اسْتِقْرَاضُ اللَّحْمِ كَالسَّلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَجَّلًا فَعِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَا يُعْلَمُ اللَّحْمُ عَلَى أَيِّ حَالٍ يَكُونُ مِنْ السِّمَنِ وَالْهُزَالِ بِخِلَافِ الِاسْتِقْرَاضِ فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِ حَالٌّ مُعَايَنٌ فَلَا تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ. اهـ. . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِهِ حَالًا حَيْثُ يَجُوزُ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: بِعْت مِنْك مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِمِلْءِ هَذَا الْإِنَاءِ بِدِرْهَمٍ وَلَا يَدْرِي كَمْ يَسَعُ الْإِنَاءَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَيْسَ بِمُجَازَفَةٍ وَلَا مُكَايَلَةٍ وَبَيْعُ الْحِنْطَةِ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى إحْدَاهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِعَيْنِهِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي نُسَخِ الْمَتْنِ مُعَيَّنَةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ النِّسْبَةُ لِبَيَانِ النَّوْعِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَتْ النِّسْبَةُ إلَى قَرْيَةٍ لِبَيَانِ الصِّفَةِ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا قَالُوا كالخشرماني بِبُخَارَى والبساخي بِفَرْغَانَةَ اهـ قَوْلُهُ لِبَيَانِ الصِّفَةِ يَعْنِي لِبَيَانِ الْجَوْدَةِ قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا قَالُوا أَيْ عَلَى مَا قَالَ الْمَشَايِخُ. كالخشرماني بِبُخَارَى وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ مُسَمًّى بِذَلِكَ ثَمَّةَ والبساخي بِفَرْغَانَةَ وَهُوَ أَيْضًا نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ عِنْدَهُمْ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ النِّسْبَةَ فِي الثَّوْبِ لِبَيَانِ الصِّفَةِ كَمَا إذَا قَالَ زَنْدَنِيجِيٌّ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ الزَّنْدَنِيجِيَّ مَا يُنْسَجُ عَلَى صِفَةٍ مَعْلُومَةٍ سَوَاءٌ نُسِجَ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ أَوْ غَيْرِهَا قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى لَوْ كَانَ ذَكَرَ النِّسْبَةَ لِبَيَانِ الصِّفَةِ لَا لِتَعْيِينِ الْمَكَانِ كالخشرماني بِبُخَارَى فَإِنَّهُ يُذْكَرُ لِبَيَانِ الْجَوْدَةِ فَلَا يَفْسُدُ السَّلَمُ وَإِنْ تَوَهَّمَ انْقِطَاعَ حِنْطَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

الْأَجَلَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ مَا فِي الذِّمَّةِ فَيَصِحُّ حَالًّا كَالْمُعَيَّنِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَيَكُونُ فِيهِ الْأَجَلُ جَائِزًا تَرْفِيهًا لَا شَرْطًا كَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَلْتَزِمُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَكَانَ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهِ ظَاهِرًا وَذَلِكَ يَكْفِي لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى التَّسْلِيمِ كَانَ قَادِرًا بِمَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ بِهِ وَلِهَذَا أَوْجَبْنَا تَسْلِيمَ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ أَوَّلًا قَبْلَ قَبْضِهِ الْمُسْلَمَ فِيهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ يَدِ مَوْلَاهُ غَيْرَ مَالِكٍ لِشَيْءٍ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا التَّأْجِيلُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» فَشَرَطَ فِيهِ إعْلَامَ الْأَجَلِ كَمَا شَرَطَ إعْلَامَ الْقَدْرِ فَكَانَ لَازِمًا كَالْقَدْرِ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ بِصِفَةٍ لَا يُوجَدُ بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ كَالصَّلَاةِ شُرِعَتْ بِوُضُوءٍ فَلَا تُوجَدُ بِدُونِهِ وَالرَّهْنُ شُرِعَ مَقْبُوضًا فَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلْيَدْخُلْ غَاضَّ الْبَصَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا إلَّا وَهُوَ كَذَلِكَ وَكَمَنْ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَمَا رَوَاهُ حِكَايَةُ حَالٍ فَلَا عُمُومَ لَهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَخَّصُ هُوَ الْمُؤَجَّلُ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فَمَا بِهِ تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ وَهُوَ الْأَجَلُ الَّذِي فِيهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِهِ يَكُونُ شَرْطًا ضَرُورَةً وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَصْلِ هُوَ تَعْيِينُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِيَكُونَ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهِ بِأَبْلَغِ الْجِهَاتِ حَتَّى إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعَ تَعْيِينِهِ كَالْآبِقِ وَنَحْوِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ حَرَامٌ وَإِنَّمَا أُجِيزَ فِي السَّلَمِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ رُخْصَةً لِأَجْلِ الْمَفَالِيسِ لِمَا رَوَيْنَا وَالرُّخْصَةُ اسْمٌ لِمَا اُسْتُبِيحَ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُحَرِّمِ وَالْحُرْمَةُ لِعُذْرٍ تَيْسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ. وَالْعُذْرُ هُنَا هُوَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ لِعُسْرَتِهِ وَالْعَجْزُ بِسَبَبِ الْعَدَمِ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالتَّمْلِيكِ وَالْإِمْهَالِ إلَى زَمَانِ التَّحْصِيلِ أَوْ الْحَصَادِ فَأَسْقَطَ التَّعْيِينَ لِحَاجَةِ الْمَفَالِيسِ وَعَوَّضَ الْأَجَلَ لِتَقُومَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّحْصِيلِ مَقَامَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِيهَا مَعْقُودٌ بِهِ لَا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَالشَّرْطُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَالثَّمَنِ حَتَّى جَازَ اسْتِبْدَالُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالتَّعْيِينِ فَلَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ حَتَّى يُقَامَ الْأَجَلُ مَقَامَ التَّعْيِينِ وَلَا يَدْخُلُهُ رُخْصَةٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَهُ أَصْلٌ وَلَيْسَ بِعَارِضٍ لِلْعُذْرِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ فَيَصْبِرُ عَلَيْهِ الْمَوْلَى ظَاهِرًا وَلَا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ بِالْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ إذْ لَوْ أَرَادَ التَّضْيِيقَ عَلَيْهِ لَمَا كَاتَبَهُ أَصْلًا إذْ الْعَبْدُ وَكَسْبُهُ لَهُ وَأَمَّا السَّلَمُ فَعَقْدُ تِجَارَةٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ عَقِبَ الْعَقْدِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ فَيُؤَخَّرُ بِالتَّأْجِيلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ وَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضَانِ فِيهِ يَجِبُ تَسْلِيمُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَلَا يُمَكِّنُهُ مِنْ التَّحْصِيلِ بِالْمُطَالَبَةِ وَالْحَبْسِ وَهَذَا يُنَافِي مَعْنَى الرُّخْصَةِ لِأَجْلِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ وَمَا كَانَ شَرْعِيَّتُهُ إلَّا نَفْعًا لَهُمْ فَانْقَلَبَ ضَرَرًا عَلَيْهِمْ وَلَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لِدَفْعِ حَاجَةِ الْمَفَالِيسِ لَمَا جَازَ لِغَيْرِ الْمُفْلِسِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الشَّيْءُ فِي السَّلَمِ لَا يُبَاعُ عَادَةً إلَّا بِأَقَلَّ وَلَا يُقْدِمُ عَلَى مِثْلِهِ إلَّا الْمُحْتَاجُ. فَدَلَّنَا إقْدَامُهُ عَلَى هَذَا الْبَيْعِ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَاجٌ فَأُقِيمَ ذَلِكَ مَقَامَ الْحَاجَةِ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا كَمَا أُقِيمَ السَّفَرُ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا مَقَامَ الْخُرُوجِ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِمَا وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَقَلُّهُ شَهْرٌ) أَيْ أَقَلُّ الْأَجَلِ شَهْرٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ وَالشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ آجِلٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَدِينَ إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ عَاجِلًا فَقَضَاهُ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ فَإِذَا كَانَ مَا دُونَ الشَّهْرِ فِي حُكْمِ الْعَاجِلِ كَانَ الشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ فِي حُكْمِ الْآجِلِ وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا اعْتِبَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا فِي الْمَجْلِسِ وَالْمُؤَجَّلُ مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْقَى الْمَجْلِسُ بَيْنَهُمَا عَادَةً أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِلَى عُرْفِ النَّاسِ فِي التَّأْجِيلِ فِي مِثْلِهِ فَإِنْ أَحَلَّ فِيهِ قَدْرَ مَا يُؤَجِّلُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَبِهِ يُفْتَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَدْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَكُونُ فِيهِ الْأَجَلُ جَائِزًا إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ السَّلَمُ الْحَالُّ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا: أَسْلَمْتُ هَذِهِ الْعَشَرَةَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا إلَى آخِرِ الشُّرُوطِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَدِلُّونَ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ حَدِيثٍ وَهَذَا لَا يَثْبُتُ إلَّا مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَإِنَّمَا الْوَجْهُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي اشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فَوَجَبَ نَفْيُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ حِكَايَةُ حَالٍ) وَالْجَوَابُ عَمَّا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَخَّصَ فِي السَّلَمِ فَنَقُولُ ذَاكَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ بِطَرِيقِ الرُّخْصَةِ وَالضَّرُورَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَلَكِنْ لَا ضَرُورَةَ فِي سَلَمِ الْحَالِّ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَادِرًا انْتَفَتْ الضَّرُورَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا انْتَفَى الْغَرَضُ وَالْمَقْصُودُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا اعْتِبَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ ثَمَّةَ بِالثَّلَاثِ بَيَانُ أَقْصَى الْمُدَّةِ فَأَمَّا أَدْنَاهُ فَغَيْرُ مُقَدَّرٍ. اهـ. فَتْحٌ وَغَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُسَلَّمِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: الصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ مُحَقَّقٌ فِيهِ وَكَذَا مَا عَنْ الْكَرْخِيِّ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِلَى عُرْفِ النَّاسِ فِي تَأْجِيلِ مِثْلِهِ كُلُّ هَذَا تَنْفَتِحُ فِيهِ الْمُنَازَعَاتُ بِخِلَافِ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الزَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) أَيْ تَقْدِيرُ الْأَجَلِ بِشَهْرٍ اهـ.

[بيان شرط السلم]

رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ) أَيْ شَرْطُهُ بَيَانُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ عَلَى مِقْدَارِهِ مِثْلُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُ قَدْرِهِ كَمَا فِي الثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَالْمَذْرُوعَاتِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْعِوَضِ إنَّمَا تُشْتَرَطُ احْتِرَازًا عَنْ الْمُنَازَعَةِ وَجَهَالَةُ قَدْرِهِ بَعْدَ التَّعْيِينِ بِالْإِشَارَةِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَجَهَالَةِ الْقِيمَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْقِيمَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ جَهَالَةَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ قَدْ تُفْضِي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِأَنْ يُنْفِقَ بَعْضَهُ، ثُمَّ يَجِدَ بِالْبَاقِي عَيْبًا فَيَرُدَّهُ وَلَا يَتَّفِقُ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْمَرْدُودِ وَيَبْقَى فِي غَيْرِهِ وَلَا يَدْرِي قَدْرَهُ لِيَبْقَى الْعَقْدُ بِحِسَابِهِ فَيُفْضِي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مَوْهُومًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِكَيْلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِوَزْنٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُهُ لِتَوَهُّمِ هَلَاكِهِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى فَسْخِ الْعَقْدِ بَعْدَمَا أَنْفَقَ رَأْسَ الْمَالِ فَيَفْسَخَانِهِ وَلَا يَدْرِي كَمْ يَرُدُّ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ أَوْ إلَى الرِّبَا فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْ كُلِّ مَوْهُومٍ لِشَرْعِهِ مَعَ الْمُنَافِي إذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا؛ لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِيهِ فَلَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَجَهَالَتُهُ لَا تُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَمِنْ فُرُوعِهِ إذَا أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ رَأْسَ مَالِ أَحَدِهِمَا بِأَنْ أَسْلَمَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَهِيَ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ فَلَا يَكُونُ مَعْلُومًا أَوْ أَسْلَمَ جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ أَحَدِهِمَا بِأَنْ أَسْلَمَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فِي مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْبُرِّ فَبَيَّنَ قَدْرَ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْآخَرَ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَا يَكُونُ مَعْلُومًا بِمَعْرِفَةِ بَعْضِهِ إذْ لَا يَعْلَمُ بِهِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْدُودِ هُنَا مَا لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَكَانُ الْإِيفَاءِ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ) أَيْ شَرْطُ جَوَازِهِ بَيَانُ مَكَانِ إيفَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيُوفِيهِ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُوجَبُ الْعَقْدِ فَيَتَعَيَّنُ لَهُ مَوْضِعُ وُجُودِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا وَجَبَ تَسْلِيمُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَكَذَا الْبَدَلُ الْآخَرُ إذْ الْعَقْدُ يُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ مِنْ جُمْلَتِهَا فَيَتَعَيَّنُ لَهُ مَوْضِعُ وُجُودِهِ دَلَالَةً مَا لَمْ يُعَيِّنَا لَهُ مَكَانًا آخَرَ بِالنَّصِّ فَيَتَعَيَّنُ لَهُ ذَلِكَ الْمَكَانُ؛ لِأَنَّهُ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِالْعَقْدِ فَاشْتِرَاطُ النَّقْلِ عَلَى الْبَائِعِ شَرْطٌ فَاسِدٌ إذْ الْعَقْدُ لَا يَقْتَضِيهِ أَوْ يَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لِلنَّهْيِ الْمَعْرُوفِ عَنْ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ. وَرَبُّ السَّلَمِ لَا يَمْلِكُ الْمُسْلَمَ فِيهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَاشْتِرَاطُهُ لَا يَكُونُ اشْتِرَاطَ الْعَمَلِ فِي مِلْكِهِ بَلْ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَلِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهُ مَكَانٌ آخَرُ فَيَتَعَيَّنُ ضَرُورَةً كَأَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فِي الْأَوَامِرِ الْمُطْلَقَةِ وَصَارَ كَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَعَيُّنَ مَكَانِ الْعَقْدِ إمَّا بِالتَّعْيِينِ صَرِيحًا أَوْ ضَرُورَةَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَمْ يُوجَدْ إذْ السَّلَمُ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا فَيَكُونُ التَّسْلِيمُ مُتَأَخِّرًا ضَرُورَةً بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِتْلَافِ وَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ التَّسْلِيمِ فِي الْحَالِ فَتَعَيَّنَ مَوْضِعُ وُجُودِ السَّبَبِ ضَرُورَةً وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ مَكَانُ الْعَقْدِ لَمَا جَازَ تَغْيِيرُهُ بِالشَّرْطِ كَمَكَانِ الْمَبِيعِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَلَتَعَيَّنَ مَكَانُ الْعَقْدِ فِيمَا إذَا عَقَدَا فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ وَفَسَادُهُ لَا يَخْفَى فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَمْ يُعَيِّنَا مَكَانًا آخَرَ بَقِيَ مَجْهُولًا جَهَالَةً فَاحِشَةً فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَيَفْسُدُ كَاخْتِلَافِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ مَالَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ كَمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَطَبَ فِي الْمُدُنِ أَغْلَى مِنْهُ فِي الْقُرَى وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ الِاخْتِلَافَ فِي بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ كَالِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ. وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَكَانِ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَا يُحْتَاجَ فِيهِ إلَى ذِكْرِهِ فَكَانَ اخْتِلَافًا فِي مُوجَبِ الْعَقْدِ فَيَتَحَالَفَانِ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَيَان شَرْط السَّلَم] قَوْلُهُ إذَا كَانَ الْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ عَلَى مِقْدَارِهِ) احْتَرَزَ عَنْ الْمَذْرُوعِ اِ هـ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَوْهُومًا) أَيْ وَالْمَوْهُومُ فِي عَقْدِ السَّلَمِ كَالْمُتَحَقِّقِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْجَوَازِ بِكَوْنِهِ بَيْعَ مَعْدُومٍ وَإِنَّمَا جُوِّزَ إذَا وَقَعَ الْأَمْنُ عَنْ الْغَرَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِذَا بَقِيَ نَوْعُ غَرَرٍ بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ وَهُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْ كُلِّ مَوْهُومٍ لِشَرْعِهِ) أَيْ لِشَرْعِ السَّلَمِ اهـ (قَوْلُهُ مَعَ) أَيْ الدَّلِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ) أَيْ ثَمَنُ الثَّوْبِ الْمُسْلَمِ فِيهِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ) أَيْ عَلَى مِقْدَارِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَمِنْ فُرُوعِهِ) أَيْ وَمِنْ فُرُوعِ الِاخْتِلَافِ فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَاشْتِرَاطُ النَّقْلِ عَلَى الْبَائِعِ شَرْطٌ فَاسِدٌ) قَالَ الْكَمَالُ: وَفِي بَيْعِ الْعَيْنِ لَوْ شَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ فِي الْمِصْرِ أَنْ يُوفِيَهُ إلَى مَنْزِلِهِ وَالْعَقْدُ فِي الْمِصْرِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ جَوَانِبِ الْمِصْرِ مَسَافَةٌ بَعِيدَةٌ فَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ. اهـ. (قَوْلُهُ كَأَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فِي الْأَوَامِرِ الْمُطْلَقَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنْ الْوَقْتِ يَتَعَيَّنُ لِنَفْسِ الْوُجُوبِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ لِعَدَمِ مُزَاحَمَةِ جُزْءٍ آخَرَ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْمُطْلَقَةِ مَا نَصُّهُ هَذَا إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ) أَيْ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِي أَحَدِ بَدَلَيْ السَّلَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ) يَعْنِي لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا يَتَحَالَفَانِ هَكَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبَدَلِ وَعِنْدَهُ قَضِيَّةُ الشَّرْطِ حَتَّى اُحْتِيجَ فِيهِ إلَى ذِكْرِهِ فَصَارَ كَالِاخْتِلَافِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَالْأَجَلِ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ وَالْقِسْمَةُ إذَا كَانَ لَهَا حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَهِيَ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلَةٌ بِأَنْ اشْتَرَى شَيْئًا أَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِحِنْطَةٍ فِي الذِّمَّةِ مَوْصُوفَةٍ أَوْ اقْتَسَمَا شَيْئًا وَجَعَلَا لِأَحَدِهِمَا مَكِيلًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ فَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِي الصَّحِيحِ حَتَّى يَفْسُدَ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ فَيُسَلِّمُ فِي مَكَانِ الْبَيْعِ وَمَكَانِ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَفِي مَوْضِعِ الْقِسْمَةِ، ثُمَّ إذَا عَيَّنَ مِصْرًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلَّةِ مِنْ مِصْرٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا بِالْمِصْرِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا فِي أَيِّ مَكَان كَانَ وَكَذَا لَوْ دَفَعَ مَالَهُ إلَى رَجُلٍ مُضَارَبَةً لِيَعْمَلَ فِي الْمِصْرِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ وَقِيلَ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمِصْرُ عَظِيمًا فَإِنْ كَانَ عَظِيمًا يَبْلُغُ بَيْنَ نَوَاحِيهِ فَرْسَخًا لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُبَيِّنَا نَاحِيَةً مِنْهُ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُوَفِّيَهُ فِي مَنْزِلِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ مَجْهُولٌ وَقَدْ يَتَبَدَّلُ فَلَا يَعْلَمُ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمَنْزِلُ حَالَ حُلُولِ الْأَجَلِ عَادَةً وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ فِي مَنْزِلِهِ إلَيْهِ وَلَوْ شَرَطَ الْحَمْلَ إلَى مَنْزِلِهِ قِيلَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ الْإِيفَاءِ فِيهِ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْإِيفَاءَ وَهُوَ يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْحَمْلِ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُهُ مُفْسِدًا وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَوْضِعٍ، ثُمَّ يَحْمِلُهُ إلَى مَنْزِلِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْإِيفَاءِ، ثُمَّ اشْتِرَاطُ الْحَمْلِ يَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا لَا حَمْلَ لَهُ يُوفِيهِ حَيْثُ شَاءَ) وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ بَيَّنَا مَكَانَ الْإِيفَاءِ أَوْ لَمْ يُبَيِّنَا؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ فَلَا يُفِيدُ تَعْيِينُهُ فَيَلْغُو وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ مَكَانَ الْإِيفَاءِ يَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الْعَقْدِ عِنْدَهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الِالْتِزَامِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْبُيُوعِ، وَإِنْ بَيَّنَ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُفِيدُ أَمْنَ خَطَرِ الطَّرِيقِ فَيَتَعَيَّنُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيمَا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ كَالْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَعْيِينِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ رِوَايَاتُهُمْ فِيهِ فِي التَّخْرِيجِ فِي أَيِّ مَكَان يَجِبُ تَسْلِيمُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) أَيْ شَرْطُ جَوَازِ السَّلَمِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا وَالْمُرَادُ شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا، ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ لَا عَنْ قَبْضٍ وَإِنَّمَا شَرَطَ قَبْضَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يُنْبِئُ عَنْ أَخْذِ عَاجِلٍ بِآجِلٍ وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِيَكُونَ حُكْمُهُ عَلَى وَفْقِ مَا يَقْتَضِيهِ اسْمُهُ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالصَّرْفِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ أَوْ لَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ يَلْزَمُ الِافْتِرَاقُ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ فَيَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلِهَذَا قُلْنَا: لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ إذْ الْقَبْضُ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الْمِلْكِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَيَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ، وَالِافْتِرَاقُ فِيهِ قَبْلَ تَمَامِهِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ، وَكَذَا لَا يَثْبُتُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ فَكُلَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَعْطَاهُ غَيْرَهُ لِكَوْنِهِ لَا يَتَعَيَّنُ فَلَا يُفِيدُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِيهِ حَيْثُ يَثْبُتَانِ فِيهِ إذَا كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُمَا يُفِيدَانِ الْفَسْخَ بِالرَّدِّ وَلِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ بِالْقَبْضِ وَبِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ الْعَقْدَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ قَبْضٍ جَازَ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهِ مُطْلَقٌ وَامْتِنَاعُ الْحُكْمِ فِيهِ لَيْسَ بِمُقْتَضَى السَّبَبِ بَلْ لِحَقِّ الْمَالِكِ فَإِذَا جَازَ الْتَحَقَتْ الْإِجَازَةُ بِحَالَةِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهُوَ فَوْقَ الِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ مُبْطِلًا، وَلَوْ أَسْقَطَ خِيَارَ الشَّرْطِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جَازَ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ قَائِمًا عِنْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَصَارَ كَالِاخْتِلَافِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَالْأَجَلِ) أَيْ فَلَا يَتَحَالَفَانِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ) ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ) قَالَ الْكَمَالُ: إذْ الْمَالِيَّةُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ فِيمَا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ بَلْ بِعِزَّةِ الْوُجُودِ وَقِلَّتِهِ وَكَثْرَةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَقِلَّتِهَا بِخِلَافِ مَالَهُ مُؤْنَةٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِمَا) قَالَ الْكَمَالُ: وَلَوْ عَيَّنَ مَكَانًا قِيلَ: لَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ وَالشَّرْطُ الَّذِي لَا يُفِيدُ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ اهـ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ أَيْ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْبُيُوعِ) أَيْ مِنْ أَصْلِ الْمَبْسُوطِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَالْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ) أَيْ وَالْكَافُورِ وَصِغَارِ اللُّؤْلُؤِ يَعْنِي الْقَلِيلَ مِنْهُ وَإِلَّا فَقَدْ يُسْلِمُ فِي أَمْنَاءَ مِنْ الزَّعْفَرَانِ كَثِيرَةٍ تَبْلُغُ أَحْمَالًا. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا قُلْنَا: لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ) أَيْ فِي رَأْسِ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ) أَيْ إذْ فَائِدَةُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ رَدُّ الْمَبِيعِ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا رَدَّ الْمَقْبُوضَ عَادَ دَيْنًا كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرَدَّ عَيْنَ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ بَلْ يَعُودُ حَقُّهُ فِي مِثْلِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ) يَعْنِي إذَا ظَهَرَ رَأْسُ الْمَالِ مُسْتَحَقًّا لِلْغَيْرِ. اهـ. (وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَسْقَطَ خِيَارَ الشَّرْطِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جَازَ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ قَائِمًا) قَالَ الْكَمَالُ: وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ أَسْقَطَاهُ بَعْدَ إنْفَاقِهِ أَوْ اسْتِهْلَاكِهِ لَا يَعُودُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ بِالْإِهْلَاكِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَلَوْ صَحَّ كَانَ بِرَأْسِ مَالٍ هُوَ دَيْنٌ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّهُ الْآنَ فِي مَعْنَى الِابْتِدَاءِ لِلْعَقْدِ إذْ قَبْلَ الْإِسْقَاطِ لَمْ يَكُنْ لِلْعَقْدِ وُجُودٌ شَرْعًا اهـ.

مُعْتَبَرٌ بِالِابْتِدَاءِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتِهِ أَنَّ الْعَقْدَ مَتَى وَقَعَ فَاسِدًا لَا يَعُودُ صَحِيحًا عِنْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ جَمَعُوهَا فِي قَوْلِهِمْ إعْلَامُ رَأْسِ الْمَالِ وَتَعْجِيلُهُ وَإِعْلَامُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَتَأْجِيلُهُ وَبَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ إعْلَامُ رَأْسِ الْمَالِ إعْلَامُ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ وَكَذَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَسْلَمَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ بُرٍّ مِائَةً دَيْنًا عَلَيْهِ وَمِائَةً نَقْدًا فَالسَّلَمُ فِي الدَّيْنِ بَاطِلٌ) أَيْ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَصَحَّ فِي حِصَّةِ النَّقْدِ لِوُجُودِ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ بِقَدْرِهِ وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ طَارِئٌ إذْ السَّلَمُ وَقَعَ صَحِيحًا فِي الْكُلِّ وَلِهَذَا لَوْ نَقَدَ مِائَتَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ، لَكِنَّهُ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ نَقْدِ الْمِائَةِ الْأُخْرَى فَلَا يَشِيعُ الْبُطْلَانُ الطَّارِئُ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ دُونَ الْآخَرِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فَبَاعَهُمَا حَيْثُ يَبْطُلُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ فِيهِ مُقَارَنٌ فَيَكُونُ فِي الْعَبْدِ بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً فَلَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ ثَمَنِهِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِالصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِمَا كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَوْ يُضِيفَ إلَى مِائَتَيْنِ مُطْلَقًا، ثُمَّ يَجْعَلُ الْمِائَةَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قِصَاصًا بِمَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَجْمَعُهُمَا وَهُوَ كَوْنُ الْفَسَادِ طَارِئًا إذْ الدَّيْنُ لَا يَتَعَيَّنُ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَيْنًا بِدَيْنٍ، ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَلَوْ تَعَيَّنَ لَبَطَلَ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنْ لَا دَيْنَ حَيْثُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِلَا ثَمَنٍ. وَلَا يُقَالُ: لَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك هَذِهِ الْمِائَةَ وَالْمِائَةَ الَّتِي لِي عَلَى فُلَانٍ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ وَإِنْ نَقَدَ الْكُلَّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اشْتِرَاطُ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَفَسَادُهُ مُقَارِنٌ فَيَتَعَدَّى بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ كَانَ الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ بِأَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَسْلَمَهَا إلَيْهِ وَعَشْرَةُ دَنَانِيرَ عَيْنٍ فِي أَكْرَارٍ مَعْلُومَةٍ لَا يَجُوزُ فِي الْكُلِّ أَمَّا حِصَّةُ الدَّيْنِ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا حِصَّةُ الْعَيْنِ فَلِجَهَالَةِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الْعَيْنِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى إعْلَامِ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَعَنْ زُفَرَ أَنَّ السَّلَمَ فِي الْكُلِّ بَاطِلٌ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ فِي حِصَّةِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَبُولَ فِيهِ شَرْطًا لِصِحَّتِهِ فِي الْآخَرِ فَيَفْسُدُ فِي الْكُلِّ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الدَّيْنِ، ثُمَّ فَسَادُهُ فِي الْبَعْضِ لَا يَتَعَدَّى عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِمَامُنَا فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِشَرِكَةٍ أَوْ تَوْلِيَةٍ)؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَرَأْسُ الْمَالِ مُسْتَحَقُّ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ يُفَوِّتُ الْقَبْضَ الْمُسْتَحَقَّ فَلَا يَجُوزُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِك» فَهَذَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِيهِمَا قَطْعًا حَيْثُ لَمْ يُجَوِّزْ أَخْذَ غَيْرِهِمَا بَدَلًا عَنْهُمَا فَفِي التَّوْلِيَةِ تَمْلِيكُهُ بِعِوَضٍ وَفِي الشَّرِكَةِ تَمْلِيكُ بَعْضِهِ بِعِوَضٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ) وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ كَقَوْلِ زُفَرَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ جَمَعُوهَا إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْكَمَالُ فَإِعْلَامُ رَأْسِ الْمَالِ يَشْتَمِلُ عَلَى بَيَانِ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ وَنَوْعِهِ وَقَدْرِهِ وَتَعْجِيلُهُ يَتِمُّ بِهِ خَمْسَةٌ وَإِعْلَامُ الْمُسْلَمِ فِيهِ يَشْتَمِلُ عَلَى مِثْلِهَا خَلَا التَّعْجِيلِ وَتَأْجِيلِهِ وَبَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ تَتِمُّ أَحَدَ عَشَرَ وَأَمَّا الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ عَدَمُ الِانْقِطَاعِ فَإِنَّ الْقُدْرَةَ بِالْفِعْلِ فِي الْحَالِ لَيْسَتْ شَرْطًا عِنْدَنَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ اتَّفَقَ عَجْزُهُ عِنْدَ الْحُلُولِ وَإِفْلَاسُهُ لَا يُبْطِلُ السَّلَمَ وَقَدْ بَقِيَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَوْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا يَجُوزُ فِي النُّقُودِ وَأَنْ لَا يَكُونَ حَيَوَانًا وَانْتِقَادُ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ نَقْدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَأَنْ لَا يَشْمَلَ الْبَدَلَيْنِ إحْدَى عِلَّتَيْ الرِّبَا وَعَدَمُ الْخِيَارِ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ وَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ لَمْ يَتِمَّ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي السَّلَمِ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ مِائَتَيْنِ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَصِفَتُهُ) أَيْ وَمِنْ صِفَتِهِ أَنْ يَذْكُرَ مِنْ النَّقْدِ الْفُلَانِيِّ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةُ الْمَالِيَّةَ مُتَسَاوِيَةً فِي الرَّوَاجِ فَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ وَتَسَاوَتْ رَوَاجًا يُعْطِيهِ مِنْ أَيُّهَا وَلَوْ تَفَاوَتَ رَوَاجًا انْصَرَفَ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ إلَخْ) وَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ مَضْمُونٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَقَبْضُهُ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ اهـ شَرْحٌ تَكْمِلَةٌ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالِارْتِهَانُ بِرَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ إنْ وُجِدَ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي مَجْلِسِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ جَازَ وَإِلَّا بَطَلَ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ إلَخْ مَا نَصُّهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِالْأَبْدَانِ إنْ شَرْطٌ لِصِحَّةِ عَقْدِ السَّلَمِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ فَإِذَا جَازَ التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَفُوتُ الشَّرْطُ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ احْتِرَازًا عَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ رَبُّ السَّلَمِ سَلَمَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ إيَّاهُ مُرَابَحَةً عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَأَنْ يَبِيعَهُ تَوْلِيَةً وَأَنْ يَبِيعَ مُوَاضَعَةً وَأَنْ يُشْرِكَ فِيهِ غَيْرَهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِعَقْدِ السَّلَمِ يُجْعَلُ فِي الْحُكْمِ كَعَيْنِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ.

فَلَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَهُ شَبَهٌ بِالْمَبِيعِ حَتَّى لَا يَجُوزُ تَفْوِيتُ الْقَبْضِ فِيهِ بِالتَّمْلِيكِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ كَالْمَبِيعِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَشْتَرِ) رَبُّ الْمَالِ (مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا) يَعْنِيَ قَبْلَ قَبْضِهِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِك» أَيْ إلَّا سَلَمَك حَالَ قِيَامِ الْعَقْدِ أَوْ رَأْسَ مَالِك حَالَ انْفِسَاخِهِ فَامْتَنَعَ الِاسْتِبْدَالُ وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ أَخَذَ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَبِيعًا لِسُقُوطِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يُجْعَلَ رَأْسُ الْمَالِ مَبِيعًا وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ دَيْنًا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا كَالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَصَارَ رَأْسُ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَهَا فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ مِنْ حُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ بِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَمَّا صَارَتْ بَيْعًا جَدِيدًا مِنْ وَجْهٍ كَانَ حُكْمُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهَا كَحُكْمِهِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ السَّلَمُ تَنْزِيلًا لِلْخَلَفِ مَنْزِلَةَ الْأَصْلِ فَيَحْرُمُ اسْتِبْدَالُهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ كَمَا كَانَ يَحْرُمُ قَبْلَهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَهَا كَمَا كَانَ يَجِبُ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَيْسَتْ بِبَيْعٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِهَذَا جَازَ إبْرَاؤُهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ قَبْلَهَا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَجُوزُ بَيْعُهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ السَّلَمُ بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءً لَمْ يَصِحَّ وَصَحَّ لَوْ قَرْضًا أَوْ أَمَرَهُ بِقَبْضِهِ لَهُ، ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَفَعَلَ) مَعْنَاهُ أَنْ يَكِيلَهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ هُنَا صَفْقَتَانِ صَفْقَةٌ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَصَفْقَةٌ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَبَيْنَ رَبِّ السَّلَمِ كِلَاهُمَا بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ قَضَاءً لِلصَّفْقَتَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا أَمَرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ مِنْ الْبَائِعِ قَضَاءً بِحَقِّهِ فَلَمْ يَصِحَّ وَوُجِدَ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ مَا إذَا أَمَرَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِقَبْضِهِ لَهُ بِأَنْ يَكِيلَهُ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ بِالْكَيْلِ ثَانِيًا فَلِهَذَا جَازَ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» وَمَحْمَلُهُ عَلَى مَا إذَا اجْتَمَعَتْ الصَّفْقَتَانِ فِيهِ وَأَمَّا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُكْتَفَى بِالْكَيْلِ فِيهِ مَرَّةً فِي الصَّحِيحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ تَقَايَلَا إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَتَقَايَلَا السَّلَمَ فَأَرَادَ رَبُّ السَّلَمِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ، اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الْإِقَالَةَ فِي السَّلَمِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ تَجُوزُ إذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْهُ جُزْءًا مَعْلُومًا كَالنِّصْفِ وَنَحْوِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ رَأْسَ مَالِكَ حَالَ انْفِسَاخِهِ) فَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ كَالْمَبِيعِ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهَذَا أَيْ كَوْنُهُ أَخَذَ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالشَّرْعُ ثَالِثٌ وَعُرِفَ أَنَّ صِحَّتَهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِ الْمَبِيعِ إلَى الْقَبْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ أَخَذَ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ) أَيْ لَمَّا كَانَ هُوَ الْمَقْصُودُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِسُقُوطِهِ) أَيْ بِالْإِقَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ وَهُوَ سِتُّونَ قَفِيزًا أَوْ أَرْبَعُونَ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَالْقَفِيزُ ثَمَانِي مَكَاكِيكَ وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ أَنْ يَقْبِضَهُ قَضَاءً عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَاقْتَضَاهُ رَبُّ السَّلَمِ بِأَنْ اكْتَالَهُ مَرَّةً وَحَازَهُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُقْتَضِيًا حَقَّهُ حَتَّى لَوْ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيُطَالِبُهُ رَبُّ السَّلَمِ بِحَقِّهِ، وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ أَيْ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ، ثُمَّ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ فَاكْتَالَهُ أَيْ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ، ثُمَّ اكْتَالَهُ مَرَّةً أُخْرَى لِنَفْسِهِ صَارَ مُقْتَضِيًا مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَتْ صَفْقَتَانِ لِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِي فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي وَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْمُرَابَحَةِ حَيْثُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ اجْتِمَاعُ الصَّفْقَتَيْنِ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ مَا سُمِّيَ فِيهِ وَهُوَ الْكُرُّ وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْكَيْلِ فَكَانَ الْكَيْلُ مُعَيِّنًا لِلْمُسْتَحِقِّ بِالْعَقْدِ وَهَذَانِ عَقْدَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْفِيرِ مُقْتَضَى كُلِّ عَقْدٍ عَلَيْهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّانِيَ لَوْ كَالَهُ فَزَادَ لَمْ تَطِبْ لَهُ الزِّيَادَةُ وَوَجَبَ رَدُّهَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي كَالَهُ لِنَفْسِهِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَقَبَضَهُ الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكِيلَهُ إقَامَةً لِحَقِّ الْعَقْدِ الثَّانِي، وَالصَّفْقَتَانِ شِرَاءُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِنْ بَائِعِهِ الْكُرَّ وَالصَّفْقَةُ التَّقْدِيرِيَّةُ الَّتِي اُعْتُبِرَتْ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ يَصِيرُ بَائِعًا مِنْ رَبِّ السَّلَمِ مَا اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ لَيْسَ عَيْنَ حَقِّهِ فَإِنَّهُ دَيْنٌ وَهَذَا عَيْنٌ قَاصَصَهُ بِهِ وَقَدْ أَخَذُوا فِي صِحَّةِ الْأَمْرِ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ، ثُمَّ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ وَعِنْدِي لَيْسَ هَذَا بِشَرْطٍ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَكِيلَهُ مَرَّتَيْنِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ: اقْبِضْ الْكُرَّ الَّذِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْ فُلَانٍ عَنْ حَقِّك فَذَهَبَ فَاكْتَالَهُ، ثُمَّ أَعَادَ كَيْلَهُ صَارَ قَابِضًا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بِالْكَيْلِ الْأَوَّلِ بَلْ بِالْكَيْلِ الثَّانِي فَلَمَّا قَالَ لَهُ: اقْبِضْهُ عَنْ حَقِّك وَالْمُخَاطَبُ يَعْلَمُ أَنَّ طَرِيقَ صَيْرُورَتِهِ قَابِضًا لِنَفْسِهِ أَنْ يَكِيلَهُ مَرَّةً لِلْقَبْضِ عَنْ الْآمِرِ وَثَانِيًا لِيَصِيرَ هُوَ قَابِضًا لِنَفْسِهِ فَقَبِلَ ذَلِكَ صَارَ قَابِضًا حَقَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَافْعَلْ مَا تَصِيرُ بِهِ قَابِضًا وَلَفْظُ الْجَامِعِ يُفِيدُ مَا قُلْنَا فَإِنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ فَاكْتَالَهُ، ثُمَّ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ جَازَ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ إلَخْ مَا نَصُّهُ هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَقَعَ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَصَرَّفَ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ أَوْ الْوَزْنَ ثَانِيًا اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَحْمَلُهُ) أَيْ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ اهـ.

فَإِنْ قِيلَ: بَيْعُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مَعَ رَبِّ السَّلَمِ سَابِقٌ عَلَى شِرَاءِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِنْ بَائِعِهِ فَلَمْ يَكُنْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بَائِعًا لِرَبِّ السَّلَمِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ قُلْنَا: السَّلَمُ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا فَقَبْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَاحِقٌ وَالْمَقْبُوضُ بَدَلٌ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ عَيْنَهُ حُكْمًا احْتِرَازًا عَنْ الِاسْتِبْدَالِ فَكَانَ بَيْعًا حَقِيقَةً وَلِأَنَّ اسْتِبْدَالَ الْمُسْلَمَ فِيهِ بِجِنْسِهِ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَاهُ أَجْوَدَ مِمَّا شَرَطَاهُ جَازَ وَلَوْ حَرُمَ الِاسْتِبْدَالُ بِجِنْسِهِ لَمَا جَازَ فَكَانَ اسْتِبْدَالًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَثَبَتَ أَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَوَجَبَ الْكَيْلُ ثَانِيًا لِأَجْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْكُرُّ قَرْضًا فَاشْتَرَى الْمُسْتَقْرِضُ كُرًّا فَأَمَرَ الْمُقْرِضَ بِقَبْضِهِ قَضَاءً لِحَقِّهِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ الْكَيْلَ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ فَكَانَ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ حَقِّهِ تَقْدِيرًا فَلَمْ يَكُنْ اسْتِبْدَالًا وَلَوْ كَانَ اسْتِبْدَالًا لَلَزِمَ مُبَادَلَةُ الْجِنْسِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الصَّفْقَتَانِ فَيُكْتَفَى بِكَيْلٍ وَاحِدٍ لِلْمُشْتَرِي فَيَقْبِضَهُ لَهُ، ثُمَّ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ كَيْلٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَمَرَهُ رَبُّ السَّلَمِ أَنْ يَكِيلَهُ فِي ظَرْفِهِ فَفَعَلَ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً بِخِلَافِ الْمَبِيعِ) يَعْنِي لَوْ دَفَعَ رَبُّ السَّلَمِ إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ظَرْفًا مِثْلَ الْغَرَائِرِ وَأَمَرَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ أَنْ يَكِيلَ الطَّعَامَ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَيَجْعَلَهُ فِي الظَّرْفِ فَفَعَلَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَرَبُّ السَّلَمِ غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا وَلَوْ كَانَ مَكَانَ السَّلَمِ مُشْتَرِي بِأَنَّ اشْتَرَى بُرًّا مُعَيَّنًا وَدَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ ظَرْفًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهُ وَيَجْعَلَهُ فِي الظَّرْفِ فَفَعَلَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي غَائِبٌ صَحَّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ حَقُّهُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَلَمْ يُصَادِفْ أَمْرُهُ مِلْكَهُ فَلَا يَصِحُّ فَيَكُونُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مُسْتَعِيرًا لِلظَّرْفِ فَجَعَلَ فِيهِ مِلْكَ نَفْسِهِ كَالدَّائِنِ إذَا دَفَعَ كِيسًا إلَى الْمَدِينِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِنَ دَيْنَهُ وَيَجْعَلَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَالْمُشْتَرِي يَمْلِكُ الطَّعَامَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَيَصِحُّ أَمْرُهُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ فَيَكُونُ قَابِضًا بِجَعْلِهِ فِي الظَّرْفِ وَيَكُونُ الْبَائِعُ وَكِيلًا فِي إمْسَاكِهِ الظَّرْفَ فَيَكُونُ الظَّرْفُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حُكْمًا فَكَانَ الْوَاقِعُ فِيهِ وَاقِعًا فِي يَدِهِ حُكْمًا وَلِهَذَا اكْتَفَى بِذَلِكَ الْكَيْلَ فِي الصَّحِيحِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِالطَّحْنِ أَوْ بِإِلْقَائِهِ فِي الْبَحْرِ فَفَعَلَ يَكُونُ عَلَى الْآمِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بَائِعًا لِرَبِّ السَّلَمِ بَعْدَ الشِّرَاءِ) أَيْ فَلَمْ تَجْتَمِعْ الصَّفْقَتَانِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَقَبْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَاحِقٌ) أَيْ لِشِرَائِهِ مِنْ بَائِعِهِ وَإِنَّهُ أَيْ قَبْضَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً وَاعْتِبَارُهُ عَيْنَهُ فِي حَقِّ حُكْمٍ خَاصٍّ وَهُوَ صِحَّةُ قَبْضِهِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارُهُ إيَّاهُ مُطْلَقًا فَأَخْذُ الْعَيْنِ عَنْهُ فِي حُكْمِ عَقْدٍ جَدِيدٍ فَيَتَحَقَّقُ بَيْعُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ شِرَائِهِ مِنْ بَائِعِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ مَا قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ لَوْ أَسْلَمَ مِائَةً فِي كُرٍّ، ثُمَّ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ كُرَّ حِنْطَةٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ فَقَبَضَهُ فَلَمَّا حَلَّ السَّلَمُ أَعْطَاهُ ذَلِكَ الْكُرَّ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ يُرِيدُ أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ اشْتَرَى مَا بَاعَهُ وَهُوَ الْكُرُّ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إذَا جُعِلَا عِنْدَ الْعَقْدِ كَأَنَّهُمَا جَدَّدَا عَقْدًا وَمِثْلُ هَذَا فِيمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي مَوْزُونٍ مُعَيَّنٍ وَاشْتَرَى الْمُسْلَمَ إلَيْهِ مَوْزُونًا كَذَلِكَ إلَخْ لَا يَجُوزُ قَبْضُ رَبِّ السَّلَمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ حِنْطَةً مُجَازَفَةً أَوْ مَلَكَهَا بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَأَوْفَاهُ رَبَّ السَّلَمِ فَكَالَهُ مَرَّةً وَتَجَوَّزَ بِهِ يُكْتَفَى بِكَيْلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا عَقْدًا بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَهُوَ السَّلَمُ وَلَوْ اشْتَرَى الْمَعْدُودَ عَدًّا أَوْ أَسْلَمَ فِي مَعْدُودٍ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي وُجُوبِ إعَادَةِ الْعَدِّ فِي بَيْعِ الْمَعْدُودِ بَعْدَ شِرَائِهِ عَدًّا. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَأَمَرَ الْمُقْرِضَ بِقَبْضِهِ قَضَاءً بِحَقِّهِ) أَيْ وَلَمْ يَقُلْ: اقْبِضْهُ لِي، ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِك فَقَبَضَهُ بِأَنْ اكْتَالَهُ مَرَّةً جَازَ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَكَانَ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ حَقِّهِ) أَيْ فَلَمْ تَجْتَمِعْ صَفْقَتَانِ فَلَمْ يَجِبْ الْكَيْلَانِ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ فِي الْقَرْضِ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَزِمَ تَمَلُّكُ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً أَوْ تَفَرَّقَ بِلَا قَبْضٍ فِيهِ وَهُوَ رِبًا وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِي الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَكَذَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ سَلَمًا فَلَمَّا حَلَّ اقْتَرَضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ مِنْ الْمُقْرِضِ فَفَعَلَ جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْقَرْضِ عَقْدُ مُسَاهَلَةٍ لَا يُوجِبُ الْكَيْلَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ مُكَيَالَةً أَوْ مُوَازَنَةً وَلِهَذَا لَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْ آخَرَ حِنْطَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا قَبْلَ الْكَيْلِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي غَرَائِرِ رَبِّ السَّلَمِ طَعَامٌ بِلَا تَرَدُّدٍ فَإِنْ كَانَ قِيلَ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لِمَا قَرَّرْنَا أَنَّ أَمْرَهُ بِخَلْطِ طَعَامِ السَّلَمِ بِطَعَامٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ مُشْتَرَاةً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَنْ اشْتَرَى بُرًّا مُعَيَّنًا) أَيْ عَلَى أَنَّهُ كُرٌّ مَثَلًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ حَقُّهُ فِي الذِّمَّةِ) يَعْنِي أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ وَجَعْلُ الدَّيْنِ وَهُوَ وَصْفٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فِي غَرَائِرِ رَبِّ السَّلَمِ مُحَالٌ وَحَقُّهُ فِي الْعَيْنِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ مِنْ الْأَتْقَانِيِّ (قَوْلُهُ فَلَمْ يُصَادِفْ أَمْرُهُ مِلْكَهُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَ عَيْنًا مَمْلُوكَةً لِلْبَائِعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَجَعَلَ فِيهِ مِلْكَ نَفْسِهِ) حَتَّى إذَا هَلَكَ الْكُرُّ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَبَقِيَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا كَانَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ) أَيْ لَا يَكُونُ قَابِضًا لِدَيْنِهِ بِوَضْعِهِ الدَّرَاهِمَ فِي كِيسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ) أَيْ كَيْلُهُ فِي غَرَائِرِهِ كَكَيْلِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا اكْتَفَى إلَخْ) أَيْ وَلِصِحَّةِ الْأَمْرِ اكْتَفَى بِذَلِكَ إذَا كَالَهُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ اسْتِيضَاحٌ عَلَى صِحَّةِ الْأَمْرِ لِمُصَادَفَتِهِ الْمِلْكَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ أَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالطَّحْنِ كَانَ الدَّقِيقُ لِلْمُشْتَرِي لِصِحَّةِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَفِي السَّلَمِ كَانَ الدَّقِيقُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ فَإِنْ أَخَذَ رَبُّ السَّلَمِ الدَّقِيقَ كَانَ حَرَامًا لِكَوْنِهِ بَدَلًا عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالِاسْتِبْدَالُ فِي السَّلَمِ حَرَامٌ وَلَوْ أَمَرَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَفِي السَّلَمِ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ اهـ قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ بَدَلًا عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَيْ قَبْلَ قَبْضِهِ اهـ فَتْحٌ.

فِي الشِّرَاءِ وَيَتَقَرَّرُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ وَفِي السَّلَمِ عَلَى الْمَأْمُورِ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ: الْبَائِعُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِلْمُشْتَرِي فِي الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ وَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ نَصًّا لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ وَلَا يَكُونُ قَابِضًا لَهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لَهُ هُنَا قُلْنَا: لَمَّا صَحَّ أَمْرُهُ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لَهُ صَارَ وَكِيلًا لَهُ ضَرُورَةً وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا وَلَوْ كَانَ رَبُّ السَّلَمِ حَاضِرًا وَكَالَهَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِحَضْرَتِهِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّعَامِ يَصِيرُ قَابِضًا؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ تَسْلِيمٌ وَلَوْ أَمَرَهُ فِي الشِّرَاءِ أَنْ يَكِيلَهُ وَيَجْعَلَهُ فِي ظَرْفِ الْبَائِعِ فَفَعَلَ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ مُسْتَعِيرًا لِلظَّرْفِ مِنْ الْبَائِعِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَلَا تَصِحُّ الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ بِدُونِ الْقَبْضِ فَلَا يَكُونُ الْوَاقِعُ فِيهِ وَاقِعًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ بَيْتِ الْبَائِعِ وَلَوْ اجْتَمَعَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ وَكَانَ الظَّرْفُ لِلْمُشْتَرِي وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَهُمَا فِيهِ فَإِنْ بَدَأَ بِالْعَيْنِ صَارَ قَابِضًا لِلْكُلِّ أَمَّا الْعَيْنُ فَلِصِحَّةِ الْأَمْرِ بِهِ وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّهُ خَلَطَهُ بِمَالِهِ فَمَلَكَهُ بِالِاتِّصَالِ بِهِ كَمَنْ دَفَعَ لِصَائِغٍ فِضَّةً لِيَصْنَعَهَا خَاتَمًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ مِنْ عِنْدِهِ فِضَّةً قَرْضًا. وَكَمَنْ اسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ حِنْطَةً وَأَمَرَهُ أَنْ يَزْرَعَهُ فِي أَرْضِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُ بِالِاتِّصَالِ بِمِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَالْخَلْطُ بِإِذْنِهِ بِخِلَافِ الصَّبَّاغِ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ حَيْثُ لَا يَصِيرُ صَاحِبُهُ قَابِضًا بِاتِّصَالِ الصَّبْغِ بِثَوْبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِيهِ الْفِعْلُ وَهُوَ الصَّبْغُ لَا الْعَيْنُ وَالْفِعْلُ لَا يُجَاوِزُ الْفَاعِلَ؛ لِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِالثَّوْبِ فَلِهَذَا لَمْ يَصِرْ قَابِضًا، وَإِنْ بَدَأَ بِالدَّيْنِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا لَهُمَا أَمَّا الدَّيْنُ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا خَلَطَهُ بِمِلْكِهِ فَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ وَهَذَا الْخَلْطُ لَمْ يَرْضَ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْبِدَايَةَ بِالْعَيْنِ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ رِضَاهُ بِهِ حَتَّى يَكُونَ شَرِيكًا لَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُمَا جَمِيعًا كَمَا إذَا بَدَأَ بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الدَّيْنُ أَوَّلًا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ وَلَمْ يَصِرْ الْبَائِعُ قَابِضًا لَهُ قُلْنَا: وَلَمَّا كَانَ الْعَيْنُ بَعْدَهُ وَخَلَطَهُ فِيهِ صَارَ قَابِضًا لِلْعَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِلدَّيْنِ أَيْضًا ضَرُورَةَ اتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَدَأَ بِالْعَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَصِيرُ قَابِضًا لِلْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِالدَّيْنِ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَصَارَ مُسْتَعِيرًا لِظَرْفِهِ وَلَمَّا كَانَ الْعَيْنُ بَعْدَهُ وَخَلَطَهُ بِهِ صَارَ خَالِطًا مِلْكَ الْمُشْتَرِي بِمِلْكِ نَفْسِهِ وَمُسْتَهْلِكًا لَهُ بِإِذْنِهِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ وَلَمْ يَبْرَأْ عَنْ الدَّيْنِ لِعَدَمِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَدَأَ بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَلِّمًا لِلْمُشْتَرِي بِوَضْعِهِ فِي ظَرْفِهِ، ثُمَّ يَمْلِكُ الدَّيْنَ بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ بَعْدَهُ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ عِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِي الْمَخْلُوطِ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَسْلَمَ أَمَةً فِي كُرٍّ وَقُبِضَتْ الْأَمَةُ فَتَقَايَلَا فَمَاتَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْإِقَالَةِ بَقِيَ وَصَحَّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) يَعْنِي مَاتَتْ الْأَمَةُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا رَبُّ السَّلَمِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْإِقَالَةِ، ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْدَ مَوْتِهَا بَقِيَتْ الْإِقَالَةُ عَلَى حَالِهَا وَلَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِهَا فِي الْأُولَى وَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ مَوْتِهَا فِي الثَّانِيَةِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ فِيهِمَا يَوْمَ قَبْضِهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِقَالَةِ بَقَاءُ الْعَقْدِ وَهُوَ يَبْقَى بِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي السَّلَمِ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ وَهُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ هَلَاكِ الْجَارِيَةِ فَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ ابْتِدَاءً وَكَذَا يَبْقَى بَعْدَ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْجَارِيَةِ وَقَدْ عَجَزَ بِمَوْتِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِقِيَامِهَا مَقَامَهَا كَمَا لَوْ تَقَايَضَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يَصِيرُ قَابِضًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْغَرَائِرُ لَهُ أَوْ لِلْبَائِعِ أَوْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ يَصِيرُ قَابِضًا مَا نَصُّهُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ اجْتَمَعَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ إلَخْ) بِأَنْ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى رَبُّ السَّلَمِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ كُرًّا آخَرَ مُعَيَّنًا وَدَفَعَ إلَيْهِ ظَرْفًا لِيَكِيلَهُمَا فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ بَدَأَ) أَيْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ صَارَ) أَيْ الْمُشْتَرِي. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ أَمَّا الْعَيْنُ فَلِصِحَّةِ الْأَمْرِ بِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَاقَى مِلْكَهُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الدَّيْنُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّهُ اتَّصَلَ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالْعَيْنُ فِي يَدِهِ حُكْمًا فَصَارَ الدَّيْنُ أَيْضًا فِي يَدِهِ لِاتِّصَالِهِ بِهَا فَصَارَ قَابِضًا لِلْكُلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِيَصْنَعَهَا خَاتَمًا) لَيْسَ هَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ مِنْ عِنْدِهِ قَبَضَهُ) أَيْ فَفَعَلَ الصَّانِعُ ذَلِكَ فِي غَيْبَتِهِ جَازَ وَصَارَ الْآمِرُ بِالْخَلْطِ قَابِضًا لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ بَدَأَ) أَيْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِكَيْلِ الدَّيْنِ اهـ (قَوْلُهُ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا لَهُمَا) أَيْ رَبُّ السَّلَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلِأَنَّهُ) أَيْ رَبَّ السَّلَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمَّا خَلَطَهُ بِمَكَّةَ فَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنْ بَدَأَ بِالدَّيْنِ، ثُمَّ بِالْعَيْنِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا أَمَّا الدَّيْنُ فَلِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهُ خَلَطَ حِنْطَة الْمُشْتَرِي ي بِحِنْطَةِ نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَمْتَازُ فَصَارَ مُسْتَهْلِكًا وَالْبَائِعُ إذَا اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا عِنْدَ صَاحِبَيْهِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِي الْمَخْلُوطِ بِقَدْرِ حِنْطَتِهِ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَهُمَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ اهـ (قَوْلُهُ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ) أَيْ لِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُقَالُ: هَذَا الْخَلْطُ لَيْسَ بِتَعَدٍّ لِيَكُونَ بِهِ مُسْتَهْلِكًا؛ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِمَنْعِ إذْنِهِ فِيهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِجَوَازِ كَوْنِ مُرَادِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْعَيْنِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَهَذَا إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَصِرْ الْبَائِعُ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ الْمُشْتَرِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ) أَيْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْإِقَالَةِ بَقِيَ) أَيْ عَقْدُ الْإِقَالَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ يَبْقَى بِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَبِيعٌ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

عَبْدًا بِجَارِيَةٍ، ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا وَيَجِبُ رَدُّ الْبَاقِي مِنْهُمَا وَيَجِبُ عَلَى الْآخَرِ قِيمَةُ الْهَالِكِ لِمَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَكْسُهَا شِرَاؤُهَا بِأَلْفٍ) أَيْ عَكْسُ مَسْأَلَةِ السَّلَمِ شِرَاءُ الْجَارِيَةِ بِأَلْفٍ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لَوْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ وَلَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِهَا ابْتِدَاءً لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِيهَا هِيَ الْجَارِيَةُ فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِهَا ابْتِدَاءً وَلَا تَبْقَى لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ فَكَانَتْ عَكْسَ الْأُولَى بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ حَيْثُ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ ابْتِدَاءً بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا وَلَا تَبْطُلُ بِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَبِيعًا مِنْ وَجْهٍ فَيَبْقَى الْعَقْدُ بِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ مُنْقَسِمٌ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا الْإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ وَالثَّانِي الْإِقَالَةُ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ وَالثَّالِثُ الْإِقَالَةُ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ بِالثَّمَنِ وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الثَّلَاثَةِ وَالرَّابِعُ الْإِقَالَةُ فِي الصَّرْفِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُمَا إذَا تَقَايَلَا فِيهِ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا أَوْ هَلَكَ الْبَدَلَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ التَّرَادِّ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الصَّرْفِ مَا وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ هَلَاكُهُ وَالْمَقْبُوضُ غَيْرُهُ فَلَا يَمْنَعُ هَلَاكُهُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرِدُ عَلَى مَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَلَا يَرِدُ عَلَى الْمَقْبُوضِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْبُوضُ قَائِمًا كَانَ لَهُمَا أَنْ يَرُدَّا غَيْرَهُ بَعْدَ التَّقَايُلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الرَّدَاءَةِ وَالتَّأْجِيلِ لَا لِنَافِي الْوَصْفِ وَالْأَجَلِ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِ الْوَصْفِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا شَرَطْنَا رَدِيئًا وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ نَشْتَرِطْ شَيْئًا أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: شَرَطْنَا الْأَجَلَ وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ نَشْتَرِطْ شَيْئًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي اشْتِرَاطَ الْوَصْفِ وَالْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ إذْ السَّلَمُ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا مَوْصُوفًا فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ حَرَامٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَجَنَّبَ الْحَرَامَ وَيُبَاشِرَ الْمُبَاحَ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الصِّحَّةِ فَإِنْ خَرَجَ كَلَامُ أَحَدِهِمَا مَخْرَجَ التَّعَنُّتِ كَانَ بَاطِلًا وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخُصُومَةِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، ثُمَّ تَفَاصِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ نَقُولَ: لَوْ أَسْلَمَ دَرَاهِمَ إلَى رَجُلٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ: شَرَطْنَا رَدِيئًا وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ: لَمْ نَشْرِطْ شَيْئًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ الصِّحَّةَ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَعَ رَدَاءَتِهِ يَزِيدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَكَلَامُ الْمُتَعَنِّتِ مَرْدُودٌ وَفِي عَكْسِهِ بِأَنْ ادَّعَى رَبُّ السَّلَمِ شَرْطَ الرَّدِيءِ وَأَنْكَرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الشَّرْطَ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. وَلَوْ قَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجَلٌ وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ: كَانَ لَهُ أَجَلٌ كَانَ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ الْأَجَلُ وَهُوَ حَقٌّ لَهُ فَكَانَ بَاطِلًا فَإِنْ قِيلَ: الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَيْسَ بِمُتَعَنِّتٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَفِيهِ نَفْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمُسْلَمُ فِيهِ بِسَبَبِ فَسَادِ الْعَقْدِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَادَةً فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لَهُ لِإِنْكَارِهِ قُلْنَا: الْفَسَادُ بِسَبَبِ عَدَمِ الْأَجَلِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِالْفَسَادِ فَلَا يُعْتَبَرُ النَّفْعُ فِي سُقُوطِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَنْهُ بِخِلَافِ عَدَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا تَبْقَى) أَيْ بَعْدَ هَلَاكِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ حَيْثُ تَصِحُّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثُمَّ فِيمَا صَحَّتْ الْإِقَالَةُ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الطَّالِبِ وَهُوَ رَبُّ السَّلَمِ أَلَا تَرَى إلَى مَا نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ إذَا تَتَارَكَا السَّلَمَ وَرَأْسُ الْمَالِ ثَوْبٌ فَهَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الطَّالِبُ فَعَلَى الْمَطْلُوبِ قِيمَتُهُ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ وَعَلَى الطَّالِبِ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ فَضْلِ الْقِيمَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَقُومَ لِلطَّالِبِ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا يَدَّعِي. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ كِلَاهُمَا) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ كِلَيْهِمَا. (قَوْلُهُ مَخْرَجُ التَّعَنُّتِ) قَالَ الْكَمَالُ: وَهُوَ أَنْ يُنْكِرَ مَا يَنْفَعَهُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَخْرَجَ التَّعَنُّتِ مَا نَصُّهُ لَا مَخْرَجَ الْخُصُومَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ) أَيْ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُتَعَنِّتِ مِرْوَدٌ فَإِذَا رُدَّ بَقِيَ كَلَامُ الْآخَرِ بِلَا مُعَارِضٍ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخُصُومَةِ) قَالَ الْكَمَالُ: وَهُوَ أَنْ يُنْكِرَ مَا يَضُرُّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ) يَعْنِي الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ مُتَعَنِّتٌ؛ لِأَنَّهُ بِإِنْكَارِ الصِّحَّةِ مُنْكِرٌ مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ يَرْبُو عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فِي الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا وَالْمُسْلَمُ فِيهِ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْعُقَلَاءَ قَاطِبَةً عَلَى إعْطَاءِ هَذَا الْعَاجِلِ بِذَاكَ الْآجِلِ وَلَوْلَا أَنَّهُ يَرْبُو عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ آجِلًا لَمْ تَطْبُو آرَاؤُهُمْ عَلَيْهِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ) لَيْسَ هَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَكَلَامُ الْمُتَعَنِّتِ مَرْدُودٌ) أَيْ فَبَقِيَ قَوْلُ الْآخَرِ بِلَا مُعَارِضٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ) أَيْ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُنْكِرًا وَكَلَامُهُ خُصُومَةٌ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ) أَيْ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ قُلْنَا: الْفَسَادُ بِسَبَبِ عَدَمِ الْأَجَلِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ) أَيْ فَإِنَّ عِنْدَ بَعْضِهِمْ السَّلَمَ بِدُونِ الْأَجَلِ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَجَلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا فِي أَصْلِ الْأَجَلِ فَفِيهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي لِلْأَجَلِ مَعَ يَمِينِهِ طَالِبًا كَانَ أَوْ مَطْلُوبًا وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ سَوَاءٌ كَانَ مُدَّعِيًا لِلْأَجَلِ أَوْ مُنْكِرًا وَالثَّانِي فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَهْرٌ وَقَالَ الْآخَرُ: إنَّهُ شَهْرَانِ فَفِيهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ فَإِنْ قَامَتْ لِأَحَدِهِمَا الْبَيِّنَةُ يُقْضَى بِبَيِّنَتِهِ وَإِنْ قَامَتْ لَهُمَا يَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَالثَّالِثُ فِي مُضِيِّ الْأَجَلِ قَالَ الطَّالِبُ: كَانَ الْأَجَلُ شَهْرًا وَقَدْ مَضَى وَقَالَ

[السلم والاستصناع في الخف والطست والقمقم]

الْوَصْفِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ قَطْعِيٌّ فَيُعْتَبَرُ إنْكَارُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَنِّتٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعَهُ بِسُقُوطِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَنْهُ وَرَدِّ رَأْسُ الْمَالِ بِخِلَافِ إنْكَارِ رَبِّ الْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ حَيْثُ يُنْكِرُ وُجُوبَ حَقِّهِ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ عَادَةً وَإِذَا جُعِلَ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ يَرْجِعُ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ إلَيْهِ أَيْضًا وَفِي عَكْسِهِ بِأَنْ ادَّعَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْأَجَلَ وَأَنْكَرَهُ رَبُّ السَّلَمِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقًّا عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَجَلُ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ. وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ كَرَبِّ الْمَالِ يَقُولُ لِلْمُضَارِبِ: شَرَطْت لَك نِصْفَ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ الْمُضَارِبُ: شَرَطْت لِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَلَمْ تَزِدْ كَانَ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَسَادُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِاسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى عَقْدِ السَّلَمِ وَاتِّفَاقُهُمَا عَلَى الْعَقْدِ اتِّفَاقٌ عَلَى شَرَائِطِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ تَبَعٌ لَهُ وَثُبُوتُهُ بِثُبُوتِ الْأَصْلِ فَإِنْكَارُهُ الْأَجَلَ بَعْدَ ذَلِكَ رُجُوعٌ مِنْهُ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ كَالْمُتَنَاكِحِينَ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَالْآخَرُ بِشُهُودٍ كَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي النِّكَاحَ بِالشُّهُودِ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إذَا صَحَّتْ تَكُونُ شَرِكَةً فِي الرِّبْحِ وَإِذَا فَسَدَتْ تَكُونُ إجَارَةً وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَالْمُضَارَبَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَيَرْتَفِعُ بِاخْتِلَافِهِمَا فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالْإِنْكَارِ بَقِيَ مُجَرَّدُ دَعْوَى الْمُضَارِبِ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ وَهُوَ رَبُّ الْمَالِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ: تَزَوَّجْتُك وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ وَقَالَتْ هِيَ: تَزَوَّجْتَنِي وَأَنَا بَالِغَةٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَسَادُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالْعَقْدِ بَلْ أَنْكَرَهُ حَيْثُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلصِّحَّةِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ السَّلَمُ وَالِاسْتِصْنَاعُ فِي نَحْوِ خُفٍّ وَطَسْتٍ وَقُمْقُمٍ) أَمَّا السَّلَمُ فَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ شَرَائِطُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَأَمَّا الِاسْتِصْنَاعُ فَلِلْإِجْمَاعِ الثَّابِتِ بِالتَّعَامُلِ مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَقَدْ اسْتَصْنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا وَمِنْبَرًا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَكِنْ تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ بِمَا ذَكَرْنَا وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِمِثْلِهِ كَدُخُولِ الْحَمَّامِ وَالِاحْتِجَامِ بِأُجْرَةٍ وَطَلَبِ شَرْبَةِ مَاءٍ مِنْ السَّقَّاءِ بِفَلْسٍ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِلتَّعَامُلِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ لِلْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ كَمْ قَدْرَ مَا يَقْعُدُ فِي الْحَمَّامِ وَكَمْ قَدْرُ مَا يَسْتَعْمِلُ أَوْ يَشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ وَكَمْ قَدْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الدَّمِ إذْ لَا يُعْتَبَرُ الْقِيَاسُ بِمُقَابَلَةِ الْإِجْمَاعِ أَوْ النَّصِّ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» وَلَا يُشْكِلُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُزَارَعَةِ فَإِنَّ التَّعَامُلَ فِيهِ مَوْجُودٌ وَمَعَ هَذَا لَمْ يَأْخُذْ بِهِ وَأَخَذَ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَجْزِ التَّعَامُلُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، ثُمَّ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا جَرَى فِيهِ تَعَامُلٌ وَمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِصْنَاعُ فِيهِ وَيَكُونُ سَلَمًا إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ شَرَائِطُهُ، ثُمَّ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ يَجُوزُ بَيْعًا وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ: إنَّهُ وَعْدٌ وَلَيْسَ بِبَيْعٍ وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا إذَا أَتَى بِهِ مَفْرُوغًا بِالتَّعَاطِي وَلِهَذَا يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ إنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَمَّاهُ شِرَاءً وَذَكَرَ فِيهِ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ وَفَصَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَطْلُوبُ: كَانَ شَهْرًا وَلَمْ يَمْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَوَجَّهَ الْمُطَالَبَةِ فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى بِبَيِّنَتِهِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ الْأَجَلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَيُنْظَرُ فِي الدَّعْوَى عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فِي هَذَا الْمُجَرَّدِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالِاخْتِلَافُ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَا فِي بَدَلِهِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ يَعْنِي أَنَّهُ مَا هُوَ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ جَارٍ مَجْرَى الْأَصْلِ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا شُرِطَ فِي السَّلَمِ الثَّوْبُ الْجَيِّدُ فَجَاءَ بِثَوْبٍ وَادَّعَى أَنَّهُ جَيِّدٌ وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ فَالْقَاضِي يُرِي اثْنَيْنِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ وَهَذَا أَحْوَطُ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي فَإِنْ قَالَا: جَيِّدٌ أُجْبِرَ عَلَى الْقَبُولِ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقًّا عَلَيْهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ يُنْكِرُ حَقًّا عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَجَلُ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَنِّتًا اهـ (قَوْلُهُ شَرَطْت لَك نِصْفَ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ) وَفِي الْهِدَايَةِ نِصْفَ الرِّبْحِ وَزِيَادَةَ عَشَرَةٍ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْرِيرِهِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَثُبُوتُهُ) أَيْ ثُبُوتُ الشَّيْءِ الْمَشْرُوطِ هُنَا. اهـ. . [السَّلَم والاستصناع فِي الْخَفّ والطست والقمقم] (قَوْلُهُ وَأَمَّا الِاسْتِصْنَاعُ فَلِلْإِجْمَاعِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِنْ اسْتَصْنَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَجَلٍ جَازَ اسْتِحْسَانًا قَالَ الْكَمَالُ: الِاسْتِصْنَاعُ طَلَبُ الصَّنْعَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِصَانِعِ خُفٍّ أَوْ مُكَعِّبٍ أَوْ صَفَّارٍ اصْنَعْ لِي خُفًّا طُولُهُ كَذَا وَسِعَتُهُ كَذَا أَوْ دَسْتًا أَيْ بُرْمَةً يَسَعُ كَذَا وَوَزْنُهُ كَذَا عَلَى هَيْئَةِ كَذَا بِكَذَا وَيُعْطِي الثَّمَنَ الْمُسَمَّى أَوْ لَا يُعْطِي شَيْئًا فَيَعْقِدُ الْآخَرَ مَعَهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا تَبَعًا لِلْعَيْنِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ) أَيْ وَالصَّفَّارُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَصَاحِبُ الْمَنْثُورِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا) أَيْ كَانَ لِلصَّانِعِ أَنْ لَا يَعْمَلَ وَلَا يُجْبَرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ السَّلَمِ وَلِلْمُسْتَصْنِعِ أَنْ لَا يَقْبَلَ مَا يَأْتِي بِهِ وَيَرْجِعَ عَنْهُ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: إذَا اسْتَصْنَعَ لَا يُجْبَرُ الصَّانِعُ عَلَى الْعَمَلِ وَلَا الْمُسْتَصْنِعُ عَلَى إعْطَاءِ الْأَجْرِ وَإِنْ شَرَطَ التَّعْجِيلَ وَإِنْ قَبَضَ الصَّانِعُ الدَّرَاهِمَ مَلَكَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْعَمَلُ وَشَبَّهَهَا بِالْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَقْصُودَ عَيْنُ الْمُسْتَصْنَعِ فِيهِ) هَذَا الْمُلْحَقُ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْهُ اهـ.

بَيْنَ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ وَمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ وَأَثْبَتَ فِيهِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ مَلَكَهُ وَالْمُوَاعَدَةُ تَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ وَمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَمْلِكُ بِهِ الْبَدَلَ فِي الْحَالِ فَبَطَلَ مَا قَالَهُ وَالْمَعْدُومُ قَدْ يُعْتَبَرُ مَوْجُودًا حُكْمًا لِلْحَاجَةِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَعَكْسُهُ الْمَاءُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَطَشِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ هُنَا إذْ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يَجِدُ خُفًّا مَصْنُوعًا يُوَافِقُ رِجْلَهُ وَلَا خَاتَمًا يُوَافِقُ أُصْبُعَهُ وَقَدْ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ لِلْحَاجَةِ أَصْلُهُ بَيْعُ الْمَنَافِعِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَيْنُ دُونَ الْعَمَلِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْذَعِيِّ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الصُّنْعِ وَهُوَ الْعَمَلُ فَتَسْمِيَةُ الْعَقْدِ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالْأَدِيمُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ لِلْعَمَلِ وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ جَاءَ بِهِ مَفْرُوغًا لَا مِنْ صَنْعَتِهِ أَوْ مِنْ صَنْعَتِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَأَخَذَهُ جَازَ وَكَذَا لَوْ عَمِلَ بَعْدَهُ وَبَاعَهُ الصَّانِعُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ جَازَ وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ لَمَا جَازَ هَذَا كُلُّهُ. وَكَذَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: إذَا جَاءَ بِهِ مَفْرُوغًا فَلِلْمُسْتَصْنِعِ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ سَمَّاهُ شِرَاءً وَأَثْبَتَ فِيهِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الْعَيْنِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ لِلِاسْتِصْنَاعِ شَبَهًا بِالْإِجَارَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ طَلَبَ الصُّنْعِ فَلِشَبَهِهِ بِالْإِجَارَةِ قُلْنَا: يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ أَجْرَيْنَا فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ إجَارَةً ابْتِدَاءً وَبَيْعًا انْتِهَاءً قُبَيْلَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا بَلْ يُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ وَالْإِجَارَةُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ لِتَعَذُّرِ جَمْعِهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا قُلْنَا فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ هِبَةٌ ابْتِدَاءً بَيْعٌ انْتِهَاءً وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَصْنِعَ طَلَبَ مِنْهُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ فَاعْتُبِرْنَاهُمَا جَمِيعًا تَوْفِيرًا عَلَى الْأَمْرَيْنِ حَظَّهُمَا فَإِنْ قِيلَ: إذَا اعْتَبَرْتُمْ فِيهِ مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَمَعْنَى الْبَيْعِ وَجَبَ أَنْ يُجْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمُضِيِّ وَلَا يُخَيَّرُ قُلْنَا: الْإِجَارَةُ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَهَذَا عُذْرٌ؛ لِأَنَّ الصَّانِعَ يَلْزَمُهُ الضَّرَرُ بِقَطْعِ الصَّرْمِ فَبِاعْتِبَارِهِ كَانَ لِلصَّانِعِ فَسْخُهُ وَكَذَا الْبَيْعُ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ لِلْمُسْتَصْنِعِ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ وَلِأَنَّ الْجَوَازَ لِلضَّرُورَةِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّهِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ اللُّزُومِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ) أَيْ لِلْمُسْتَصْنِعِ الْخِيَارُ إذَا رَأَى الْمَصْنُوعَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ بِخِلَافِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ أَعْطَاهُ غَيْرَهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ إذْ الْمُسْلَمُ فِيهِ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ فَيَبْقَى فِيهَا حَتَّى يَقْبِضَهُ وَهَذَا يُفِيدُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالْإِحْضَارِ وَلَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِقَطْعِ الصَّرْمِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا الصَّانِعُ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا الْمُسْتَصْنِعُ فَلِأَنَّ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُ إضْرَارًا بِالصَّانِعِ فَرُبَّمَا لَا يَرْغَبُ فِيهِ غَيْرُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلْمُسْتَصْنِعِ الْخِيَارَ دُونَ الصَّانِعِ؛ لِأَنَّهُ الْمُشْتَرِي لِمَا لَمْ يَرَهُ وَالصَّانِعُ بَائِعٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلصَّانِعِ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْمُسْتَصْنِعِ وَقَبْلَ أَنْ يَرَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ وَإِذَا رَآهُ وَرَضِيَ بِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْضَارِ أَسْقَطَ خِيَارَهُ وَلَزِمَ مِنْ جَانِبِهِ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ الْمُسْتَصْنِعُ ثَبَتَ اللُّزُومُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُؤَجَّلُهُ سَلَمٌ) أَيْ إذَا أُجِّلَ الْمُسْتَصْنَعُ صَارَ سَلَمًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ ضَرَبَ الْأَجَلَ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ فَهُوَ اسْتِصْنَاعٌ وَإِنْ ضَرَبَ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ فَهُوَ سَلَمٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ كَالثِّيَابِ وَنَحْوِهِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى السَّلَمِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَأَمَّا فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ كَالْخَلَفِ وَنَحْوِهِ فَيَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ لَكِنَّ لَفْظَ الِاسْتِصْنَاعِ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَكَانَ مُحَافَظَةً قَضِيَّتُهَا أَوْلَى وَيُحْمَلُ الْأَجَلُ عَلَى الِاسْتِعْجَالِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَهُ لِلتَّعْجِيلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلِاسْتِمْهَالِ وَلَفْظُ الِاسْتِصْنَاعِ مُحْكَمٌ فِيهِ فَيُحْمَلُ الْمُحْتَمَلُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَبِذِكْرِ الْأَجَلِ لَا يَكُونُ لَازِمًا كَعَقْدِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ لِلتَّرْفِيهِ وَتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ الْعَقْدُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ الِاسْتِصْنَاعُ بِذِكْرِ الْأَجَلِ يَصِيرُ سَلَمًا لَكَانَ السَّلَمُ بِدُونِ ذِكْرِ الْأَجَلِ اسْتِصْنَاعًا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِذِكْرِ الْأَجَلِ سَلَمًا لَكَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الصَّرْمُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالصَّرْمُ بِالْفَتْحِ الْجِلْدُ وَهُوَ مُعَرَّبٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ) أَيْ فَبِرَدِّهِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَيَعُودُ إلَيْهِ رَأْسُ مَالِهِ اهـ. (قَوْلُهُ إذَا أُجِّلَ الْمُسْتَصْنَعُ صَارَ سَلَمًا) حَتَّى لَا يَثْبُتَ فِيهِ الْخِيَارُ وَيُشْتَرَطُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ وَاسْتِقْصَاءُ الْوَصْفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُوَ سَلَمٌ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

[باب المتفرقات]

شَرَطَ فِيهِ عَمَلَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَإِنَّهُ مُفْسِدٌ لِلسَّلَمِ كَاشْتِرَاطِ طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى السَّلَمِ لَفَسَدَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَفْسُدُ إذَا لَمْ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ السَّلَمَ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَهَذَا؛ لِأَنَّ جَوَازَهُمَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ، لَكِنَّ جَوَازَ السَّلَمِ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ دُونَ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ وَجَوَازُ الِاسْتِصْنَاعِ ثَبَتَ لِتَعَامُلِ النَّاسِ وَالسُّنَّةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى السَّلَمِ أَوْلَى فِيمَا احْتَمَلَاهُ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى الْجَوَازِ وَلِهَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ إذَا ضُرِبَ لَهُ أَجَلٌ لِكَوْنِهِ أَتَى بِحُكْمِ السَّلَمِ وَصَرَّحَ بِهِ فَكَانَ هُوَ الْمَقْصُودُ وَالتَّرْجِيحُ بِالْمَقْصُودِ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ الْأَصِيلُ كَفَالَةٌ وَالْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْمَنَافِعَ كَانَ إجَارَةً وَلِأَنَّ ضَرْبَ الْأَجَلِ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَذَلِكَ بِاللُّزُومِ وَاللُّزُومُ فِي السَّلَمِ دُونَ الِاسْتِصْنَاعِ وَذِكْرُ الصَّنْعَةِ لِبَيَانِ الْوَصْفِ فِيهِ لَا لِلتَّعْيِينِ وَلِهَذَا لَوْ جَاءَ بِهِ وَهُوَ مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ جَازَ وَيُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ سَلَمًا بِذِكْرِ الْأَجَلِ أَنْ يَكُونَ السَّلَمُ اسْتِصْنَاعًا بِحَذْفِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّكَاحَ بِذِكْرِ الْأَجَلِ يَكُونُ مُتْعَةً وَلَا تَكُونُ الْمُتْعَةُ بِحَذْفِ الْأَجَلِ نِكَاحًا، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْأَجَلِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أَجَلًا فِي السَّلَمِ وَقَدْ بَيَّنَّا قَدْرَهُ مِنْ قَبْلُ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فَهُوَ اسْتِصْنَاعٌ إنْ جَرَى فِيهِ التَّعَامُلُ وَإِلَّا فَفَاسِدٌ وَهَذَا إذَا ذُكِرَ الْأَجَلُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْهَالِ وَإِنْ ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْجَالِ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَفْرُغَ مِنْهُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ يَكُونُ اسْتِصْنَاعًا؛ لِأَنَّهُ لِلْفَرَاغِ لَا لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَقِيلَ: إنْ ذَكَرَ أَدْنَى مُدَّةً يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الْعَمَلِ فَهُوَ اسْتِصْنَاعٌ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ سَلَمٌ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْعَمَلِ فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ بِشَيْءٍ وَعَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ إنْ ذِكْرَ الْأَجَلِ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمُسْتَصْنِعِ فَهُوَ لِلِاسْتِعْجَالِ فَلَا يَصِيرُ سَلَمًا وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الصَّانِعِ فَهُوَ لِلِاسْتِمْهَالِ فَيَكُونُ سَلَمًا وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ سَلَمًا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ شَرَائِطَ السَّلَمِ مِنْ قِبْضِ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَعَدَمِ خِيَارِ الْفَسْخِ لَهُمَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا (بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ بَيْعُ الْكَلْبِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَصَارَ كَالْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ أَصْلًا لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ مِنْ السُّحْتِ مَهْرَ الْبَغِيِّ وَثَمَنَ الْكَلْبِ» وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَصَارَ كَالْخِنْزِيرِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى فِي كَلْبٍ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا» وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ آلَةُ الِاصْطِيَادِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْبَازِي أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرْعَ أَبَاحَ الِانْتِفَاعَ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا فَكَذَا بَيْعًا وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ، وَالْوَصِيَّةِ فَكَذَا بِعِوَضٍ بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ كَالْمَيْتَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا، وَالْكَلْبُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ وَبِخِلَافِ الْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا وَمَا رَوَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ) أَيْ بِأَنَّهُ الْمُزَابَنَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ [بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ] [حُكْم بَيْع الْكَلْب] (بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ) (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِلصَّيْدِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَأَمَّا اقْتِنَاؤُهُ لِلصَّيْدِ وَحِرَاسَةِ الْمَاشِيَةِ وَالْبُيُوتِ وَالزَّرْعِ فَيَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَهُ فِي دَارِهِ إلَّا إنْ خَافَ لُصُوصًا أَوْ أَعْدَاءً لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَاحَ الِانْتِفَاعَ بِكَلْبِ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ قَبْلَ الْإِبَاحَةِ وَمَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَالْكَلْبُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مُعَلَّمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ إمَّا اصْطِيَادًا أَوْ حِرَاسَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ كَلْبٍ يَحْفَظُ الْبَيْتَ وَيُخْبِرُ عَنْ الْجَائِي بِنُبَاحِهِ. اهـ. وَحَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ إلَى جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالْهِرِّ إلَّا الْكَلْبَ الْمُعَلَّمَ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْكِلَابِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا مِنْ جِهَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ إذَا جَازَ بَيْعُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ جَازَ بَيْعُ غَيْرِهِ مِنْ الْكِلَابِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَالثَّانِيَةُ أَنَّ ذِكْرَهُ لِلْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ لِأَجْلِ مَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ وَكُلُّ مَا أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْهَا فَهُوَ مِثْلُهُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْكِلَابَ الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا وَإِنَّمَا يُبْتَغَى فِيهَا الْهِرَاشُ وَالْقِمَارُ، وَحَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَضَى فِي كُلِّ صَيْدٍ قَتَلَهُ رَجُلٌ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَقَضَى فِي كُلِّ كَلْبِ مَاشِيَةٍ بِكَبْشٍ وَبَقِيَّةُ السِّبَاعِ يَثْبُتُ حُكْمُهَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْكَلْبِ وَالْجَامِعُ كَوْنُهَا جَارِحَةً يُنْتَفَعُ بِهَا اصْطِيَادًا وَنَحْوَهُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: الْبَغِيِّ إلَخْ) وَالْبَغِيُّ الزَّانِيَةُ قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28] اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْكَلْبُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ) إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَصْلًا كَالْخِنْزِيرِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ الْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ) أَيْ مِنْ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالْوَزَغِ وَالْقَنَافِذِ وَالضَّبِّ وَهَوَامِّ الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَلِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ اهـ. غَايَةٌ

الشَّافِعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَخَّصَ فِي ثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ» فَلَفْظُ الرُّخْصَةِ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبَاحَةِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكِلَابِ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ وَشُرَطَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لِجَوَازِ بَيْعِ الْكَلْبِ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا، أَوْ قَابِلًا لِلتَّعْلِيمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَالْفَهْدِ، وَالسِّبَاعِ، وَالطُّيُورِ)؛ لِأَنَّهَا حَيَوَانٌ يَجُوز الِانْتِفَاعُ بِهَا شَرْعًا وَتَقْبَلُ التَّعْلِيمَ عَادَةً فَجَازَ بَيْعُهَا، وَالْحَقُّ أَنَّ كُلَّ مُنْتَفَعٍ بِهِ شَرْعًا فِي الْحَالِ، أَوْ فِي الْمَآلِ وَلَهُ قِيمَةٌ نَحْوَ الْجَحْشِ، وَالطِّفْلِ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ حَبَّةِ قَمْحٍ وَنُقْطَةِ مَاءٍ وَكَفٍّ مِنْ تُرَابٍ؛ لِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا؛ إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَالْفِيلُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَمْلًا وَرُكُوبًا وَفِي بَيْعِ الْقِرْدِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّلَهِّي، وَهُوَ مَحْظُورٌ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَالْهِرُّ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا الْخِنْزِيرَ فَإِنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَالذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِي بَيْعِ غَيْرِ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ فَيَحْتَاجُونَ إلَى تَبْقِيَةِ أَنْفُسِهِمْ لِيَتَحَمَّلُوا أَعْبَاءَ التَّكَالِيفِ كَالْمُسْلِمِينَ فَيُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ الْأَسْبَابُ لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ تَحَمُّلِهَا بِمُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ لِتَحْصِيلِ مَا تَبْقَى بِهِ الْأَنْفُسُ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُمْ عُذْرٌ فِي تَضْيِيعِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ مَا جَازَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ الْبِيَاعَاتِ كَالصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ جَازَ لَهُمْ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الرِّبَا وَغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ إلَّا فِي الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّ عَقْدَهُمْ فِيهِمَا كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْعَصِيرِ، وَالشَّاةِ فَيَجُوزُ فِيهِمَا مَا جَازَ فِيهِمَا مِنْهُ مِنْ السَّلَمِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ مَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا أَمْوَالٌ نَفِيسَةٌ عِنْدَهُمْ فَيُلْحَقَانِ بِنَظِيرِهِمَا مِنْ أَمْوَالِنَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ إلَّا لِذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْخَمْرِ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا، وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فَصَارَ إجْمَاعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ بِعْ عَبْدَك مِنْ زَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك مِائَةً سِوَى الْأَلْفِ فَبَاعَ صَحَّ بِأَلْفٍ وَبَطَلَ الضَّمَانُ، وَإِنْ زَادَ مِنْ الثَّمَنِ، فَالْأَلْفُ عَلَى زَيْدٍ، وَالْمِائَةُ عَلَى الضَّامِنِ) يَعْنِي زَادَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بِأَنْ قَالَ بِعْ عَبْدَك ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: حِينَ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ) أَيْ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُؤْذِي الضِّيفَانَ وَالْغُرَبَاءَ فَنُهُوا عَنْ اقْتِنَائِهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَمَرَ بِقَتْلِهَا وَنَهَى عَنْ بَيْعِهَا تَحْقِيقًا لِلزَّجْرِ عَنْ الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكِلَابِ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ بَيْعُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ جَائِزٌ مُعَلَّمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ وَالنَّمِرِ وَالْأَسَدِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِيضَاحِ وَنَقَلَ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ مِنْ مَسَائِلِ الْفَضْلِ بْنِ غَانِمٍ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أُجِيزُ بَيْعَ كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَلَا أُجِيزُ بَيْعَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَفِي الْكَيْسَانِيَّاتِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَمَنْ قَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَجْنَاسِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ) صَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ عَدَمَ الْجَوَازِ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَى لِلِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ بَلْ لِلتَّلَهِّي وَهُوَ حَرَامٌ فَكَانَ بَيْعَ الْحَرَامِ لِلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اهـ. . (قَوْلُهُ: وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الرِّبَا) أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَا سَلَمٌ فِي حَيَوَانٍ وَلَا نَسِيئَةٌ فِي صَرْفٍ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ إلَّا فِي الْخَمْرِ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَبِلُوا الْجِزْيَةَ صَارُوا كَالْمُسْلِمِينَ فِيمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ إلَّا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ فَإِنَّهُمْ أُقِرُّوا بِعَقْدِ الْأَمَانِ عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَالًا لَهُمْ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُمْ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا وَفِيهِ نَقْضُ الْأَمَانِ، وَالرِّبَا مُسْتَثْنًى فِي عُهُودِهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ عَقْدُ الْأَمَانِ قَالَ تَعَالَى {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161] وَرُوِيَ فِي الْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ فِي عُهُودِهِمْ وَمَنْ أَرْبَى، فَلَا عَهْدَ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا) حَدَّثَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ فِي فَصْلِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ سَمِعْت سُوَيْد بْنَ غَفَلَةَ يَقُولُ حَضَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ عُمَّالُهُ فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَأْخُذُونَ فِي الْجِزْيَةِ الْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْخَمْرَ فَقَالَ بِلَالٌ أَجَلْ إنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ: فَلَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ وَلَّوْا أَرْبَابَهَا بَيْعَهَا وَخُذُوا الثَّمَنَ مِنْهُمْ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْخَرَاجِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ الرِّبَا وَلَا بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي الْحَيَوَانِ وَالدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا النَّسِيئَةُ وَلَا الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ إذَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا هُمْ فِي الْبُيُوعِ كُلِّهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِسْلَامِ مَا خَلَا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَلَا أُجِيزُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بَيْعَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَأَمَّا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فَإِنِّي أُجِيزُ بَيْعَهُمَا بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُمَا أَمْوَالُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ وَأَدَعُ الْقِيَاسَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ الْأَثَرِ الَّذِي جَاءَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ عَنْ نَحْوِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَبَطَلَ الضَّمَانُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ عَلَى الْبَيْعِ لِعَدَمِ الْمُقَابَلَةِ بِالْمَبِيعِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمِائَةُ عَلَى الضَّامِنِ) أَيْ لِأَنَّهُ صَيَّرَ نَفْسَهُ ضَامِنًا حَيْثُ قَالَ مِنْ الثَّمَنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْمِائَةُ عَلَى الضَّامِنِ مَا نَصُّهُ هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَطْلُبَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ شِرَاءَ عَبْدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ لَا يَبِيعُ إلَّا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُشْتَرِي لَا يَرْغَبُ فِيهِ إلَّا بِأَلْفٍ فَيَجِيءُ آخَرُ فَيَقُولُ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ بِعْ عَبْدَك هَذَا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ سِوَى الْأَلْفِ فَيَقُولُ صَاحِبُ الْعَبْدِ بِعْت كَذَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ إبَاءٌ وَلَا مُسَاوَمَةٌ

مِنْ زَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك مِائَةً مِنْ الثَّمَنِ سِوَى الْأَلْفِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَكُونُ الْأَلْفُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالْمِائَةُ عَلَى الضَّامِنِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ وَلَا تَلْزَمُهُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الزِّيَادَةَ تَصِحُّ وَتُلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمَا لَا تَصِحُّ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ قَبْلُ، وَالثَّانِي أَنَّ أَصْلَ الثَّمَنِ لَمْ يُشْرَعْ بِغَيْرِ مَالٍ يُقَابِلُهُ حَتَّى لَا يَصِحَّ اشْتِرَاطُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي؛ إذْ لَا يَسْتَفِيدُ بِإِزَائِهِ مَالًا يُقَابِلُهُ وَفَصْلُ الثَّمَنِ يَسْتَغْنِي عَنْ مَالٍ يُقَابِلُهُ حَقِيقَةً. أَلَا تَرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ تَجُوزُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ بِمُقَابِلَتِهَا شَيْءٌ فَكَذَا تَجُوزُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ شَيْءٌ فَصَارَتْ نَظِيرَ بَدَلِ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ؛ إذْ لَا يُسَلَّمُ لَهُمَا شَيْءٌ بِمُقَابِلَةِ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يَتَقَوَّمُ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَاسْتَوَيَا فِيهِ فَكَذَا هُنَا لَكِنْ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الزِّيَادَةِ أَنْ تُوجَدَ الْمُقَابِلَةُ تَسْمِيَةً وَصُورَةً حَتَّى تَجِبَ حَسَبَ وُجُوبِ الثَّمَنِ بِوَاسِطَةِ الْمُقَابِلَةِ صُورَةً، وَإِنْ لَمْ تُقَابِلْهُ حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُقَابِلْ مَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ مَالٌ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يُقَابِلُهُ صُورَةً وَتَسْمِيَةً فَإِذَا كَانَ مِنْ شَرْطِهَا الْمُقَابِلَةُ صُورَةً، فَإِنْ قَالَ مِنْ الثَّمَنِ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُهَا فَتَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهَا، فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْتِزَامًا لِلْمَالِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ رِشْوَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ، وَهُوَ حَرَامٌ، فَلَا يَصِحُّ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَحْصُلُ فِيهِ لِلْأَصِيلِ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْبَدَلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ يَجُوزُ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي عَدَمِ الْحُصُولِ. فَإِذَا جَازَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لَا يُرْجَعُ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَفِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَالْمُرَابَحَةُ حَتَّى إذَا أَخَذَ الْبَائِعُ الْأَلْفَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَحْبِسُ الْمَبِيعَ لِأَجْلِ الْمِائَةِ وَيُرَابِحُ عَلَى الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَلَيْهِ بِهِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعَ بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تَثْبُتْ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا عَلَيْهِ وَلَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ فَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَسْتَرِدَّ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الثَّمَنِ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسْتَرِدُّ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ، وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، وَإِنْ كَانَ بِقَضَاءٍ يَسْتَرِدُّ لِكَوْنِهِ فَسْخًا بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي ظَهَرَتْ فِي حَقِّ الْكُلِّ حَتَّى يَرْجِعَ الضَّامِنُ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَيُرَابِحَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْأَلْفِ وَلَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَذَتْ مِنْ جِهَتِهِ صَارَ هُوَ وَكِيلًا فِيهَا فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهَا، وَإِنَّمَا الْتَزَمَهَا الْأَجْنَبِيُّ فَيُطَالَبُ بِهَا هُوَ وَحْدَهُ. وَهَذَا كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ يُطَالَبُ هُوَ فَقَطْ، ثُمَّ هُوَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ، أَوْ تَقَايَلَا يَرُدُّ الزِّيَادَةَ عَلَى الضَّامِنِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ دُونَ الْمُشْتَرِي وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ فَجَعَلَهَا ظَاهِرَةً فِي حَقِّهِ أَيْضًا وَلَا يُقَالُ هَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي نَفْسِهِ لَمْ تَظْهَرْ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَخْذُهَا بِأَصْلِ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَكَيْفَ تَجِبُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ بِزِيَادَةِ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَلْتَزِمْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذِهِ زِيَادَةٌ ذُكِرَتْ فِي الْعَقْدِ فَصَارَتْ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ سِوَى الْأَلْفِ بِأَنْ قَالَ بِعْهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك مِائَةً مِنْ الثَّمَنِ يَصِيرُ كَفِيلًا بِمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ الْأَلْفُ وَلَا تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ جَعْلُهُ زِيَادَةً عَلَى الْأَلْفِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ سِوَى الْأَلْفِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ الثَّمَنِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَجُعِلَ مِنْهُ. ثُمَّ إذَا أَدَّى رَجَعَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَصَارَ فِي الْحَاصِلِ لِلْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ صُوَرٍ إحْدَاهَا أَنْ يَقُولَ بِعْهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك مِائَةً سِوَى الْأَلْفِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَتْرُكَ قَوْلَهُ سِوَى الْأَلْفِ، وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَتْرُكَ قَوْلَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الثَّلَاثَةَ وَحُكْمَهَا فَافْهَمْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْعَقْدِ وَأَمَّا إذَا زَادَ الْأَجْنَبِيُّ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْمُشْتَرِي، أَوْ يُعْطِيَ الزِّيَادَةَ مِنْ عِنْدِهِ، أَوْ يَضْمَنَهَا، أَوْ يُضِيفَهَا إلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ زَادَهُ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي جَازَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ فِيهِ وَمُعَبِّرٌ، فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِالضَّمَانِ، وَهُوَ نَظِيرُ الْخُلْعِ، وَالصُّلْحِ، وَإِنَّمَا صَارَ سَفِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُولَ زِدْتُك عَلَى ثَمَنِ الْعَيْنِ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْك فُلَانٌ وَلَا يُمْكِنُهُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ كَالْخُلْعِ، فَلَا يَكُونُ مُبَاشِرًا، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ، بَلْ رَسُولًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَكِنْ إيجَابُ الْبَيْعِ بِأَلْفٍ حَصَلَ عَقِيبَ ضَمَانِ الرَّجُلِ كَانَ كَذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَيَكُونُ الْبَيْعُ بَعْدَهُ دَلَالَةً عَلَى الْقَبُولِ لِأَنَّهُ امْتِثَالٌ لِذَلِكَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت فَقَالَتْ قَدْ طَلَّقْت يُجْعَلُ قَبُولًا اسْتِحْسَانًا فَكَذَلِكَ هَذَا كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الزِّيَادَةَ) أَيْ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ مِنْ الثَّمَنِ إلَخْ) وَأَوْرَدَ الْعَتَّابِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ: إذَا قَالَ مِنْ الثَّمَنِ كَيْفَ يَكُونُ ثَمَنًا وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ، وَكَذَلِكَ هَذَا بَيْعٌ بِثَمَنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي وَإِنَّهُ فَاسِدٌ قُلْنَا: لَهُ الثَّمَنُ مَتَى وَجَبَ مَقْصُودًا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ وَهُنَا نُثْبِتُ الزِّيَادَةَ تَبَعًا وَصَارَ كَالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَيْسَ هَذَا بِبَيْعٍ بِالثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي مَقْصُودًا بَلْ الْبَيْعُ مَقْصُودًا بِأَلْفٍ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهَذِهِ زِيَادَةٌ ثَبَتَتْ تَبَعًا عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا جَائِزٌ كَالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْبَيْعِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ ثَبَتَتْ الزِّيَادَةُ ثَمَنًا وَالْأَجْنَبِيُّ ضَامِنٌ بِهَا لَزِمَ جَوَازُ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي بِهَا كَالْكَفِيلِ قُلْنَا لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْأَصِيلِ أَلَا تَرَى مَنْ قَالَ لِزَيْدٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفٌ وَأَنَا كَفِيلٌ بِهَا فَأَنْكَرَ فُلَانٌ طُولِبَ الْكَفِيلُ بِهَا دُونَ فُلَانٍ فَجَازَ هُنَا كَذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَلْتَزِمْهَا إنَّمَا الْتَزَمَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الثَّمَنِ لِأَجْنَبِيٍّ وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِلَا سَبَبٍ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

[اشترى عبدا فغاب فبرهن البائع على بيعه وغيبته]

(وَوَطْءُ زَوْجِ الْمُشْتَرَاةِ قَبْضٌ لَا عَقْدُهُ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى أَمَةً وَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ صَحَّ النِّكَاحُ لِوُجُودِ الْمِلْكِ فِي الرَّقَبَةِ عَلَى الْكَمَالِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْغَرَرِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَزْوِيجَ الْآبِقِ يَجُوزُ دُونَ بَيْعِهِ، ثُمَّ إذَا جَازَ النِّكَاحُ، فَإِنْ وَطِئَهَا كَانَ قَبْضًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ الزَّوْجِ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا لَا يَكُونُ قَبْضًا لَهَا اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ بِنَفْسِ التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ حُكْمِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرَاةَ مُزَوَّجَةً يَرُدُّهَا بِالْعَيْبِ فَصَارَ كَالتَّدْبِيرِ، وَالْإِعْتَاقِ وَكَالْوَطْءِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي فِعْلٌ يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الذَّاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَيْبٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ رَغَبَاتِ النَّاسِ تَقِلُّ فِيهَا فَيُنْتَقَصُ الثَّمَنُ لِأَجْلِهِ فَصَارَ كَنُقْصَانِ السِّعْرِ بِخِلَافِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ اتَّصَلَ بِهَا فَأَوْجَبَ نُقْصَانًا فِي ذَاتِهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ مُلْحَقٌ بِالْجُزْءِ وَلِهَذَا تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ عُضْوًا مِنْهَا بِالْقَطْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِدَيْنٍ عَلَى الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَكُونُ قَبْضًا، وَإِنْ تَعَيَّبَ مِنْ جِهَتِهِ بِوُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ حُكْمًا، وَهَذَا مِثْلُهُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ، وَالْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ قَدْ تَلِفَتْ بِهِ بِثُبُوتِ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ، أَوْ حَقِّهِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ يَصِيرُ قَابِضًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَغَابَ فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ وَغَيْبَتُهُ مَعْرُوفَةٌ لَمْ يُبَعْ بِدَيْنِ الْبَائِعِ، وَإِلَّا بِيعَ بِدَيْنِهِ) أَيْ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ عَبْدًا فَغَابَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ كَانَ لَهُ وَبَاعَهُ مِنْ فُلَانٍ وَغَابَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ بِدَيْنِهِ، فَإِنْ غَابَ الْمُشْتَرِي غَيْبَةً مَعْرُوفَةً لَمْ يَبِعْهُ الْقَاضِي بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ إلَى حَقِّهِ بِدُونِ بَيْعِهِ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَيْنَ هُوَ أَجَابَهُ الْقَاضِي فِي الْمَنْقُولِ إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا لَيْسَتْ لِلْقَضَاءِ عَلَى غَائِبٍ، وَإِنَّمَا هِيَ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ وَانْكِشَافِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ نَاظِرًا لِكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ وَنَظَرُهُمَا فِي بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَصِلُ بِهِ إلَى حَقِّهِ وَيَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهِ، وَالْمُشْتَرِي أَيْضًا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ دَيْنِهِ وَمِنْ تَرَاكُمِ نَفَقَتِهِ فَإِذَا انْكَشَفَ الْحَالُ عَمِلَ الْقَاضِي بِمُوجَبِ إقْرَارِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ لِلْقَضَاءِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ لِلْغَائِبِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مَشْغُولًا بِحَقِّهِ فَيَظْهَرُ الْمِلْكُ لِلْغَائِبِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ وَلَا يَقْدِرُ الْبَائِعُ أَنْ يَصِلَ إلَى حَقِّهِ فَيَبِيعَهُ الْقَاضِي إحْيَاءً لِحَقِّهِ كَالرَّاهِنِ إذَا مَاتَ وَالْمُشْتَرِي إذَا مَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا غَابَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ حَيْثُ لَا يَحْبِسُهُ الْحَاكِمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِوُجُودِ الْمِلْكِ فِي الرَّقَبَةِ عَلَى الْكَمَالِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَلَكَهَا لَا عَلَى الْكَمَالِ كَمَا فِي مِلْكِ نِصْفِهَا لَا يَمْلِكُ التَّزْوِيجَ بِهِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) أَيْ لِوُرُودِ النَّهْيِ فِي ذَلِكَ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ، فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْبَيْعِ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَالنِّكَاحُ لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَعْنِي الْمَرْأَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ اهـ. (قَوْلُهُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ إلَخْ) وَلَوْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي كَانَ قَابِضًا فَكَذَلِكَ الزَّوْجُ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا لَا يَكُونُ قَبْضًا إلَخْ) حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ التَّزْوِيجِ قَبْلَ الْقَبْضِ هَلَكَتْ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِنَفْسِ التَّزْوِيجِ) حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ هَلَكَتْ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ) أَيْ وَبِالتَّعْيِيبِ يَصِيرُ قَابِضًا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَنُقْصَانِ السِّعْرِ) أَيْ بِخِلَافِ الْفِعْلِ الْحِسِّيِّ كَانْفِقَاءِ عَيْنِهَا مَثَلًا أَوْ قَطْعِ يَدِهَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْمَحَلِّ وَاسْتُشْكِلَ عَلَى هَذَا الْإِعْتَاقُ وَالتَّدْبِيرُ فَإِنَّهُ بِهِمَا يَصِيرُ قَابِضًا وَلَيْسَ بِاسْتِيلَاءٍ عَلَى الْمَحَلِّ بِفِعْلٍ حِسِّيٍّ وَالْجَوَابُ أَنَّا قُلْنَا ذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ نَفْسُ الْفِعْلِ قَبْضًا فَالْمَعْنَى أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي يَكُونُ قَبْضًا هُوَ الْفِعْلُ الْحِسِّيُّ الَّذِي يُحَصِّلُ الِاسْتِيلَاءَ. وَالْعِتْقُ الْحَاصِلُ بِالْعِتْقِ ضَرُورِيٌّ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَمِنْ ضَرُورَةِ إنْهَاءِ الْمِلْكِ كَوْنُهُ قَابِضًا وَالتَّدْبِيرُ مِنْ وَادِيهِ لِأَنَّهُ بِهِ يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ لِلْمُدَبَّرِ وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ هَذَا وَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَوْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بَطَلَ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَتَى انْتَقَضَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَصَارَ النِّكَاحُ بَاطِلًا وَقَيَّدَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ بُطْلَانَ النِّكَاحِ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَوْتِ حَتَّى لَوْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ النِّكَاحِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَإِنْ بَطَلَ الْبَيْعُ اهـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [اشْتَرَى عَبْدًا فغاب فبرهن الْبَائِع عَلَى بَيْعه وغيبته] (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا إلَخْ) وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ لَا فِي الدَّارِ لِأَنَّ فِي الدَّارِ لَا يَتَعَرَّضُ الْقَاضِي لِذَلِكَ وَلَا يَبِيعُهُ فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الْعَبْدِ إلَّا أَنَّهُ جُوِّزَ فِي الْعَبْدِ اسْتِحْسَانًا لِتَسْقُطَ النَّفَقَةُ عَنْ الْبَائِعِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى النَّفَقَةِ فِي الدَّارِ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَنْقُولِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَبِيعُ الْعَقَارَ عَلَى الْغَائِبِ اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ) أَيْ الْمَبِيعَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَيْنَ هُوَ) تَبَيَّنَ أَنَّ الْغَيْبَةَ الْمَعْرُوفَةَ أَنْ يَعْلَمَ أَيْنَ هُوَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَنَظَرَهُمَا) أَيْ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ بَيْعِ الْقَاضِي لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ يَعْنِي بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ فَيَظْهَرُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَشْغُولًا بِحَقِّهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ مِنْ الْقَاضِي لَيْسَ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ لِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ فَمَا هِيَ إلَّا لِكَشْفِ الْحَالِ لِيُجِيبَهُ الْقَاضِي إلَى الْبَيْعِ نَظَرًا لِلْغَائِبِ لَا لِيُثْبِتَ الدَّيْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُقِمْهَا لَمْ يُجِبْهُ إلَى ذَلِكَ اهـ.

؛ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِهِ وَلَا يُقَالُ هَذَا بَيْعٌ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَكَيْفَ يُبَاعُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ إنَّ الْقَاضِيَ يُوَكِّلُ مَنْ يَقْبِضُهُ ثُمَّ يَبِيعُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ إيفَاءِ الثَّمَنِ، وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْبَيْعَ هُنَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ إحْيَاءُ حَقِّهِ وَفِي ضِمْنِهِ يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَصِحُّ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قَصْدًا، ثُمَّ إذَا بَاعَ وَأَوْفَى ثَمَنَهُ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ يُمْسِكُهُ لِلْمُشْتَرِي الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالدَّيْنِ وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ تَبِعَهُ الْبَائِعُ إذَا ظَفِرَ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ غَابَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ لِلْحَاضِرِ دَفْعُ كُلِّ الثَّمَنِ وَقَبْضُهُ وَحَبْسُهُ حَتَّى يَنْقُدَ شَرِيكُهُ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى رَجُلَانِ شَيْئًا فَغَابَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ يَكُونُ لِلْحَاضِرِ دَفْعُ كُلِّ الثَّمَنِ وَقَبْضُهُ كُلَّهُ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ شَرِيكُهُ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْهُ حَتَّى يَنْقُدَهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا نَقَدَ الْحَاضِرُ الثَّمَنَ لَا يَأْخُذُ إلَّا نَصِيبَهُ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ وَكَانَ مُتَبَرِّعًا فِيمَا أَدَّى عَنْ صَاحِبِهِ فَصَارَ الْخِلَافُ فِي مَوَاضِعَ أَحَدُهَا فِي قَبْضِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ عَلَى تَقْدِيرِ إيفَاءِ الثَّمَنِ كُلِّهِ، وَالثَّانِي فِي حَبْسِ نَصِيبِ الْغَائِبِ عَنْهُ إذَا حَضَرَ، وَالثَّالِثُ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى، وَالرَّابِعُ فِي إجْبَارِ الْبَائِعِ عَلَى قَبُولِ مَا أَدَّاهُ الْحَاضِرُ مِنْ نَصِيبِ الْغَائِبِ، عِنْدَهُمَا يُجْبَرُ وَعِنْدَهُ لَا يُجْبَرُ، وَالْخَامِسُ فِي إجْبَارِ الْبَائِعِ عَلَى تَسْلِيمِ نَصِيبِ الْغَائِبِ مِنْ الْمَبِيعِ إلَى الْحَاضِرِ عِنْدَ إيفَاءِ الثَّمَنِ كُلِّهِ فَعِنْدَهُمَا يُجْبَرُ وَعِنْدَهُ لَا يُجْبَرُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَاضِرَ قَضَى دَيْنًا عَلَى الْغَائِبِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا فِيهِ وَلَا جَبْرَ وَلَا رُجُوعَ فِي التَّبَرُّعَاتِ، وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ نَصِيبِهِ، فَلَا يَقْبِضُهُ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ مُضْطَرًّا لَمَا اُخْتُلِفَ بَيْنَ حَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَكَمُعِيرِ الرَّهْنِ وَصَاحِبِ الْعُلْوِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَبِنَاءِ السُّفْلِ وَلَهُمَا أَنَّ الْحَاضِرَ مُضْطَرٌّ إلَى أَدَاءِ كُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ حَبْسِ كُلِّ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ كُلَّ الثَّمَنِ، فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا مَعَ الِاضْطِرَارِ إلَى قَضَاءِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لِيَصِلَ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ وَصَاحِبِ الْعُلْوِ، وَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا أَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ بَيْنَ حَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ عَنْ صَاحِبِهِ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ مِلْكَ الْغَائِبِ يَثْبُتُ بِقَبُولِ الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ شَخْصَيْنِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِقَبُولِ الْآخَرِ وَلَيْسَ بِوَكِيلٍ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُطَالَبُ بِمَا يَخُصُّ صَاحِبَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الشَّيْءَ مَتَى تَرَدَّدَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ تَوَفَّرَ عَلَيْهِ حَظُّهُمَا فَلِشَبَهِهِ بِالْأَجْنَبِيِّ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا عِنْدَ حُضُورِهِ وَلِشَبَهِهِ بِالْوَكِيلِ يَكُونُ مُضْطَرًّا عِنْدَ غَيْبَتِهِ، وَهَذَا، أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الْحَضْرَةِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى الْحُكَّامِ، فَلَا يَكُونُ مُضْطَرًّا وَفِي حَالِ غَيْبَتِهِ لَا يُمْكِنُهُ فَجُعِلَ مُضْطَرًّا فَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَيَحْبِسُ الْمَبِيعَ بِهِ كَالْوَكِيلِ بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ مِنْ الْوَكِيلِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ مَحْضٌ وَلَيْسَ بِمُتَرَدِّدٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، فَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ بَاعَ أَمَةً بِأَلْفِ مِثْقَالٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَهُمَا نِصْفَانِ)؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِهِ) أَيْ بَلْ هُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَالْبَيِّنَةُ حِينَئِذٍ لِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ وَلَا يَثْبُتُ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْبَيْعِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَهَذَا طَرِيقُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَتَقْرِيرُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ يُشْعِرُ بِخِلَافِهِ حَيْثُ قَالَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا لِإِثْبَاتِ حَقٍّ عَلَى الْغَائِبِ وَلَيْسَ ثَمَّ خَصْمٌ حَاضِرٌ لَا قَصْدِيٌّ وَلَا حُكْمِيٌّ فَهُوَ كَمَنْ أَقَامَهَا عَلَى غَائِبٍ لَا يُعْرَفُ مَكَانَهُ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَى حَقِّهِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تُقْبَلُ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَجَزَ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الثَّمَنِ وَعَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ وَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي وَرُبَّمَا تَرْبُو النَّفَقَةُ عَلَى الثَّمَنِ وَالْقَاضِي نَاظِرٌ لِإِحْيَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَهَا لِدَفْعِ الْبَلِيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَهَا لِيُثْبِتَ حَقًّا عَلَى الْغَائِبِ لِيَنْزِعَ شَيْئًا مِنْ يَدِهِ لَا يَقْبَلُهَا وَالْإِجْمَاعُ فِي مِثْلِهِ لِدَفْعِ الْبَلِيَّةِ عَنْ الْبَائِعِ وَلَيْسَ فِيهِ إزَالَةُ يَدِ الْغَائِبِ عَمَّا فِي يَدِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِمَّا فِي يَدِهِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ حَتَّى يَنْقُدَ شَرِيكَهُ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ نَقَدْته الدَّرَاهِمَ وَنَقَدْت لَهُ الدَّرَاهِمَ أَيْ أَعْطَيْته فَانْتَقَدَهَا أَيْ قَبَضَهَا وَنَقَدْت الدَّرَاهِمَ وَانْتَقَدْتهَا إذَا أَخْرَجْت مِنْهَا الزَّيْفَ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَنَقَدَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ أَحَدُهُمَا بِنَفْسِهِ وَالثَّانِي تَارَةً بِنَفْسِهِ وَتَارَةً بِحَرْفِ الْجَرِّ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَتَّى يَنْقُدَهُ شَرِيكُهُ الثَّمَنَ بِحَذْفِ الْمَفْعُولَيْنِ أَوْ يَنْقُدَ لَهُ شَرِيكُهُ الثَّمَنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. . (قَوْلُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْلَ إعْطَاءِ الثَّمَنِ فَالْحَاضِرُ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ نَصِيبِهِ إلَّا بِنَقْدِ جَمِيعِ الثَّمَنِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ الْحَبْسَ بِكُلِّ الثَّمَنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ نَصِيبِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ عَنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ) أَيْ إذَا أَفْلَسَ الرَّاهِنُ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَابَ اهـ. (قَوْلُهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى الْحُكَّامِ) أَيْ فِي أَنْ يَنْقُدَ حِصَّتَهُ لِيَقْبِضَ نَصِيبَهُ اهـ. . (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ بَاعَ أَمَةً بِأَلْفٍ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ الصِّفَةِ مِنْ الْجَوْدَةِ وَغَيْرِهَا اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَهُمَا نِصْفَانِ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ أَبِيعُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِأَلْفِ مِثْقَالِ جَيِّدِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ قَالَ هَذَا نِصْفَانِ خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَخَمْسُمِائَةِ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَقَوْلُهُ أَبِيعُك مُسَاوَمَةٌ لَا إيجَابٌ قَالُوا وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّنْصِيفُ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ الذَّهَبُ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمَثَاقِيلِ وَلَمْ تَتَرَجَّحْ الْفِضَّةُ لِكَوْنِهَا غَالِبَةً فِي الْمُبَايَعَاتِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَعَارَضَا وَلَمْ يُوجَدْ الْمُرَجِّحُ صُيِّرَ إلَى قَضِيَّةِ الْإِضَافَةِ وَالْبَيَانِ فَوَجَبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ.

[أفرخ طير أو باض في أرض رجل]

الْمِثْقَالَ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيَجِبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالٍ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُك بِخَمْسِمِائَةِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَخَمْسِمِائَةِ مِثْقَالِ فِضَّةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفٍ مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ حَيْثُ يَجِبُ مِنْ الذَّهَبِ مَثَاقِيلُ وَمِنْ الْفِضَّةِ دَرَاهِمُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَلْفَ إلَيْهِمَا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمَعْهُودِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسِمْسِمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ ثُلُثُ الْكُرِّ، وَهَذَا قَاعِدَتُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ كُلِّهَا كَالْمَهْرِ، وَالْوَصِيَّةِ، الْوَدِيعَةِ، وَالْغَصْبِ، وَالْإِجَارَةِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَوْزُونِ، وَالْمَكِيلِ، وَالْمَعْدُودِ، وَالْمَذْرُوعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قُضِيَ زَيْفٌ عَنْ جَيِّدٍ وَتَلِفَ، فَهُوَ قَضَاءٌ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ جِيَادٌ فَقَضَاهُ زُيُوفًا، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَهَلَكَتْ، أَوْ أَنْفَقَهَا، ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ، فَهُوَ قَضَاءٌ، فَلَا يَكُونُ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرُدُّ مِثْلَ زُيُوفِهِ وَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ مَرْعِيٌّ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَمَا يُرَاعَى حَقُّهُ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ إلَّا أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بِمُجَرَّدِ الْجَوْدَةِ؛ لِأَنَّهَا وَصْفٌ لَا قِيَامٌ لَهَا بِذَاتِهَا وَلَا قِيمَةَ لَهَا إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا فَتَعَيَّنَ رَدُّ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ، وَالرُّجُوعُ بِالْجِيَادِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ حَتَّى لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ جَازَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ لَمَا جَازَ لِكَوْنِهِ اسْتِبْدَالًا؛ إذْ هُوَ حَرَامٌ فِي الصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ فَإِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ اسْتَوْفَاهُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا الْجَوْدَةُ، وَهِيَ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ وَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا بِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ حَقًّا لَهُ مُمْتَنِعٌ وَلِأَنَّ الْجَوْدَةَ تَبَعٌ، فَلَا تَنْقُضُ الْقَبْضَ فِي الْأَصْلِ لِأَجْلِهِ كَيْ لَا يَنْعَكِسَ فَيَكُونَ الْأَصْلُ تَبَعًا، وَالتَّبَعُ أَصْلًا بِخِلَافِ الرَّاهِنِ إذَا أَتْلَفَ الرَّهْنَ، أَوْ الْمَوْلَى إذَا أَتْلَفَ مِلْكَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدِينِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ، وَإِنْ كَانَ الْمَضْمُونُ مِلْكًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَاكَ لِأَجْلِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ، وَالْغُرَمَاءُ فَلَمْ يَكُنْ الْإِيجَابُ عَلَيْهِ لِحَقِّهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَفْرَخَ طَيْرٌ، أَوْ بَاضَ، أَوْ تَكَنَّسَ ظَبْيٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ، فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ)؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ فَكَانَ، أَوْلَى بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَالْبِيضُ صَيْدٌ» وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ بِكَسْرِهِ وَشَيِّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] أَيْ الْبِيضِ، وَالْفَرْخِ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ مُهَيَّأَةً لِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ مُهَيَّأَةً لِلِاصْطِيَادِ، فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ إلَّا بِالْقَصْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلْجَفَافِ فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا لِلْمَاءِ فَوَقَعَ فِيهِ صَيْدٌ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الِاصْطِيَادَ مَلَكَهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ دَخَلَ صَيْدٌ دَارِهِ، أَوْ وَقَعَ مَا نُثِرَ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي ثِيَابِهِ بِخِلَافِ مَعْسَلِ النَّحْلِ فِي أَرْضِهِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ مُعَدَّةً لِذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِنْ أَنْزَلْ الْأَرْضِ حَتَّى يَمْلِكُهُ تَبَعًا لَهَا كَالْأَشْجَارِ النَّابِتَةِ، وَالتُّرَابِ الْمُجْتَمِعِ فِيهَا لِجَرَيَانِ الْمَاءِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَدَّةً وَلِهَذَا يَجِبُ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ أَنْفَقَهَا ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ إلَخْ) هَاهُنَا خَمْسُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا هَذِهِ. الثَّانِيَةُ كَفَلَ بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الزُّيُوفَ رَجَعَ بِالْجِيَادِ الثَّالِثَةُ اشْتَرَى بِالْجِيَادِ، وَنَقَدَ الزُّيُوفَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْجِيَادِ، الرَّابِعَةُ اشْتَرَى الدَّارَ بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الزُّيُوفَ فَالشُّفْعَةُ بِالْجِيَادِ الْخَامِسَةُ حَلَفَ لَا يَقْضِيَنَّ حَقَّهُ الْيَوْمَ وَعَلَيْهِ جِيَادٌ فَقَضَى زُيُوفًا بَرَّ اهـ. قُنْيَةٌ فِي الشُّفْعَةِ قَوْلُهُ فَقَضَى زُيُوفًا بَرَّ قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْأَجْنَاسِ اشْتَرَى بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الزُّيُوفَ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِالْجِيَادِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ لَا يَحْنَثُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرُدُّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَوْلُهُمَا هُوَ الْقِيَاسُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ اهـ. . [أفرخ طير أَوْ باض فِي أَرْض رَجُل] (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ تَكَنَّسَ ظَبْيٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ) أَيْ دَخَلَ كِنَاسَهُ وَالْكِنَاسُ بَيْتُ الظَّبْيِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَكَسَّرَ أَيْ وَقَعَ فِيهَا فَتَكَسَّرَ وَيُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا لَوْ كَسَّرَهُ رَجُلٌ فِيهَا فَإِنَّهُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ لَا لِلْآخِذِ وَلَا يَخْتَصُّ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ تَكَنَّسَ اسْتَتَرَ اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَقَلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ الرُّقَيَّاتِ مَسَائِلَ نَحْوَ هَذَا قَالَ قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اتَّخَذَ حَظِيرَةً فِي أَرْضِهِ فَدَخَلَ الْمَاءُ وَاجْتَمَعَ فِيهِ السَّمَكُ فَقَدْ مَلَكَ السَّمَكَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَوْ اُتُّخِذَ لِحَاجَةٍ أُخْرَى فَمَنْ أَخَذَ السَّمَكَ فَهُوَ لَهُ قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَفَرَ فِي أَرْضِهِ حَفِيرَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ فَتَكَسَّرَ فَإِنْ اتَّخَذَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لِلصَّيْدِ فَهُوَ لَهُ وَقَدْ مَلَكَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْ ذَلِكَ لِلصَّيْدِ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَضَعَ صُوفًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ فَجَاءَ الْمَطَرُ فَابْتَلَّ ثُمَّ إنَّ رَجُلًا عَصَرَهُ وَأَخْرَجَ مِنْهُ الْمَاءَ هَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ وَضَعَهُ لِأَجْلِ مَاءِ الْمَطَرِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ وَضَعَهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْعُيُونِ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَلَوْ أَنَّ صَيْدًا بَاضَ فِي أَرْضِ رَجُلٍ أَوْ تَكَسَّرَ فِيهَا فَجَاءَ رَجُلٌ لِيَأْخُذَهُ فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ مَنَعَهُ إيَّاهُ فِي مَوْضِعٍ يَقْدِرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَى أَخْذِهِ قَرِيبًا مِنْهُ كَانَ الصَّيْدُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَمَنْعُهُ مِنْهُ كَأَنَّهُ أَخَذَهُ بِيَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ أَنَّ صَيْدًا دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَإِنْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ بِغَيْرِ صَيْدٍ فَقَدْ مَلَكَهُ وَلَوْ أَنَّهُ أَغْلَقَ الْبَابَ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الصَّيْدَ وَلَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَمْلِكُهُ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَوْ دَخَلَ صَيْدٌ دَارِهِ) قَالَ الْكَمَالُ، وَكَذَا إذَا دَخَلَ الصَّيْدُ دَارِهِ وَلَمْ يَعْلَمْهُ فَأَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَإِنْ عَلِمَ بِهِ وَأَغْلَقَ الْبَابَ عَلَيْهِ أَوْ سَدَّ الْكُوَّةَ، وَكَذَا إذَا وَقَعَ فِي ثِيَابٍ النِّثَارُ مِنْ السُّكْرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ مَا لَمْ يَكُفَّ ثَوْبَهُ عَلَى السَّاقِطِ فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ أَنْزَال) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْأَنْزَالُ جَمْعُ نُزُلٍ يُقَالُ طَعَامٌ كَثِيرُ النُّزُلِ وَالْمَنْزِلِ أَيْ الرَّيْعِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

[ما يبطل بالشرط الفاسد ولا يصح تعليقه بالشرط]

أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْبَيْعُ، وَالْقِسْمَةُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالْإِجَازَةُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ، وَالِاعْتِكَافُ، وَالْمُزَارَعَةُ، وَالْمُعَامَلَةُ، وَالْإِقْرَارُ، وَالْوَقْفُ، وَالتَّحْكِيمُ)، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» وَمَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ، أَوْ كَانَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ مِنْ بَابِ الرِّبَا، وَهُوَ يَخْتَصُّ بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ؛ لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ وَحَقِيقَةُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ هِيَ زِيَادَةُ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ فَيَكُونُ فِيهِ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ، وَهُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ غَيْرِ الْمَالِيَّةِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ وَالْخُلْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا فِي التَّبَرُّعَاتِ فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ» وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ الْمَحْضِ لَا يَجُوزُ فِي التَّمْلِيكَاتِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِمَارِ وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِسْقَاطِ الْمَحْضِ الَّذِي يُحْلَفُ بِهِ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ مُطْلَقًا وَذَلِكَ مِثْلُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقَاتِ وَالْوِلَايَاتِ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْمُلَائِمِ، وَكَذَا التَّحْرِيضَاتُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» «وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي غَزْوَةٍ فَقَالَ إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا جِئْنَا إلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَنَقُولُ الْبَيْعُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَيَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ الشَّرْطُ بِكَلِمَةٍ إنْ بَانَ قَالَ بِعْت مِنْك إنْ كَانَ كَذَا وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ نَافِعًا، أَوْ ضَارًّا إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك هَذَا إنْ رَضِيَ فُلَانٌ بِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا وَقَّتَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بِكَلِمَةٍ عَلَيَّ، فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، أَوْ يُلَائِمُهُ، أَوْ فِيهِ أَثَرٌ، أَوْ جَرَى التَّعَامُلُ بِهِ كَمَا إذَا شَرَطَ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ، أَوْ الثَّمَنِ، أَوْ التَّأْجِيلَ، أَوْ الْخِيَارَ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَيَجُوزُ الشَّرْطُ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى النَّعْلَ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ وَلَا الْعَادَةُ جَرَتْ بِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الشَّرْطِ مَنْفَعَةٌ لِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَالْقِسْمَةُ وَالْإِجَارَةُ تَمْلِيكٌ أَمَّا الْإِجَارَةُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ مَا يُبْطِل بالشرط الْفَاسِد وَلَا يَصِحّ تعليقه بالشرط] قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْإِجَارَةُ وَالْإِجَازَةُ) كَذَا فِي الْمَتْنِ وَشَرَحَ عَلَيْهِ الْعَيْنِيُّ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْإِجَارَةُ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَفِي تَعْلِيقِهَا أَيْ الْإِجَارَةِ بِالشَّرْطِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ أَيْضًا قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ إذَا قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِكَذَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعْلِيقٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي اللَّيْثِ وَأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَقَالَ الصَّفَّارُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ ظَهِيرِ الدِّينِ اهـ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ آجَرْتُك دَارِي هَذِهِ رَأْسَ الشَّهْرِ كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا جَازَ فِي قَوْلِهِمْ وَلَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَجُوزُ ذَلِكَ وَقَالَ الْفَقِيهُ الصَّفَّارُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ، فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَلَّقَهَا بِشَرْطٍ آخَرَ وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ قَوْلَهُ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ كَانَ حَانِثًا فِي يَمِينِهِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَهُ وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ مَا ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ أَبْطَلْت خِيَارِي غَدًا أَوْ قَالَ أَبْطَلْت إذَا جَاءَ غَدٌ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا قَالَ وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَقَدْ أَبْطَلْت خِيَارِي فَإِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا وَقْتٌ يَجِيءُ لَا مَحَالَةَ وَلَوْ آجَرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا ثُمَّ قَالَ إذَا جَاءَ هَذَا الشَّهْرُ فَقَدْ أَبْطَلْت الْإِجَارَةَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ كَمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِجَارَةِ لِمَجِيءِ الشَّهْرِ يَصِحُّ تَعْلِيقُ فَسْخِهَا لِمَجِيءِ الشَّهْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَمَسْأَلَةُ الْمُنْتَقَى تَعْلِيقُ إبْطَالِ الْخِيَارِ يُؤَيِّدُ قَوْلَهُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إضَافَةُ الْفَسْخِ إلَى الْغَدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ صَحِيحٌ وَتَعْلِيقُ الْفَسْخِ لِمَجِيءِ الشَّهْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ اهـ. قُلْت وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِجَارَةِ كَمَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِكَذَا وَاسْتُفِيدَ مِمَّا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ إضَافَةَ الْفَسْخِ إلَى الْغَدِ وَغَيْرِهِ تَصِحُّ وَأَنَّ تَعْلِيقَ الْفَسْخِ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ وَغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ اهـ. (قَوْلُهُ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ إلَخْ) وَأَمَّا تَعْلِيقُ الْوَكَالَةِ بِالشَّرْطِ فَهَلْ يَجُوزُ يُنْظَرُ فِي الْكَنْزِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فَإِذَا بَاعَ عَبْدًا وَشَرَطَ اسْتِخْدَامَهُ شَهْرًا أَوْ بَاعَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَمَا مَرَّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ إلَخْ) لِأَنَّ تَعْلِيقَ التَّمْلِيكِ لَا يَصِحُّ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يُلَائِمُهُ) أَيْ كَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ لِأَنَّهُمَا لِلْوَثِيقَةِ وَالتَّأْكِيدِ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ وَالْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الثَّمَنِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُؤَكِّدُهُ مُلَائِمٌ لَهُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا بِأَنْ كَانَ الرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ مُعَيَّنَيْنِ اهـ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ) وَأَهْلُ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرَى وَالْمَبِيعُ الْآدَمِيُّ وَالْأَجْنَبِيُّ اهـ. ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقِسْمَةُ إلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَاقْتَسَمُوا التَّرِكَةَ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَشَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لِأَحَدِهِمْ وَالْعَيْنُ لِلْبَاقِينَ فَهَذَا فَاسِدٌ وَصُورَةُ تَعْلِيقِهَا بِالشَّرْطِ بِأَنْ اقْتَسَمُوا الدَّارَ وَشَرَطُوا فِيهَا رِضَا فُلَانٍ فَهَذَا فَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ فَيَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْإِجَارَةُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ آجَرَ دَارًا

تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ، وَالْأُجْرَةَ، وَالْقِسْمَةُ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فَصَارَا كَالْبَيْعِ، وَالرَّجْعَةُ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِابْتِدَائِهِ، فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ ابْتِدَاءِ الْمِلْكِ بِهِ، وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي الصُّلْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَكُونُ بَيْعًا، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالتَّمْلِيكَاتِ، فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ، وَالِاعْتِكَافُ لَيْسَا مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ، فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ. وَالْمُعَامَلَةُ وَهِيَ الْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ إجَارَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ يُجِيزُهُمَا لَمْ يُجِزْهُمَا إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْإِجَارَةِ فَيَكُونَانِ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ فَيَفْسُدَانِ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْإِقْرَارُ وَالْوَقْفُ لَيْسَا مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ، فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّدْقِ، وَالْكَذِبِ، فَإِنْ كَانَ كَذِبًا لَا يَكُونُ صِدْقًا بِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَلَا بِالْعَكْسِ، وَإِنَّمَا التَّعْلِيقُ فِي الْإِيجَابَاتِ لِيَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ الْإِقْرَارَ بِمَوْتِهِ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْجُحُودِ أَوْ دَعْوَى الْأَجَلِ فَيَلْزَمُهُ لِلْحَالِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالتَّحْكِيمُ لَا يَصِحُّ مُعَلَّقًا بِخَطَرٍ وَلَا مُضَافًا إلَى زَمَانٍ بِأَنْ قَالَ الْمُحَكِّمَانِ إذَا أَهَلَّ الشَّهْرُ، أَوْ قَالَا لِعَبْدٍ، أَوْ كَافِرٍ إذَا أَعْتَقْت، أَوْ أَسْلَمْت فَاحْكُمْ بَيْنَنَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ، وَإِضَافَتُهُ إلَى الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَفْوِيضٌ وَتَوْلِيَةٌ فَصَارَ كَالْوَكَالَةِ، وَالْإِمَارَةِ، وَالْقَضَاءِ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّحْكِيمَ تَوْلِيَةٌ صُورَةً وَصُلْحٌ مَعْنًى؛ إذْ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صُلْحٌ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلَا إضَافَتُهُ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْلِيَةٌ يَصِحُّ، فَلَا يَصِحُّ بِالشَّكِّ، وَالِاحْتِمَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ يُهْدِيَ إلَيْهِ أَوْ آجَرَهُ إيَّاهَا إنْ قَدِمَ زَيْدٌ اهـ وَقَوْلُهُ وَالْإِجَازَةُ بِالزَّايِ بِأَنْ بَاعَ الْفُضُولِيُّ عَبْدَ فُلَانٍ فَقَالَ أَجَزْته بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَنِي أَوْ يُهْدِيَ إلَيَّ أَوْ عَلَّقَ إجَازَتَهُ بِشَرْطٍ بِأَنْ قَالَ أَجَزْت الْبَيْعَ إنْ رَضِيَ فُلَانٌ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ بَيْعٌ مَعْنًى (قَوْلُهُ وَالرَّجْعَةُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ لِمُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ رَاجَعْتُك عَلَى أَنْ تُقْرِضِينِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ؛ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِابْتِدَائِهِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ ابْتِدَائِهِ فَكَذَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا أَيْضًا اهـ. وَصُورَةٌ أُخْرَى لِفَسَادِ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِأَنْ قَالَ رَاجَعْتُك إنْ انْقَضَتْ عِدَّتُك فَإِنَّهَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْعِدَّةِ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ: وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى أَنْ تَسْكُنَنِي فِي الدَّارِ سَنَةً مَثَلًا أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ مَا نَصُّهُ كَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك، وَكَذَا لَا يَجُوزُ إضَافَتُهَا بِأَنْ يَقُولَ رَاجَعْتُك غَدًا اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ صُورَةُ فَسَادِ الصُّلْحِ عَنْ مَالٍ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِأَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا مَعْلُومًا وَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ أَنْكَرَ فَصَالَحَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْبَلَ الْمُدَّعِي عَبْدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْآبِقِ لِأَجْلِ مَا ادَّعَى فَقَبِلَ يَكُونُ الصُّلْحُ فَاسِدًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ فَاسِدٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ إذْ الصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي مُطْلَقًا وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ شَرْطُ جَوَازِهِ وَلَا قُدْرَةَ هُنَا فَيَكُونُ الصُّلْحُ فَاسِدًا وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى كَذَا إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ وَقَبِلَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى الْبَيْعِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ دَيْنِي عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ صُورَةُ فَسَادِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِأَنْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ أَبْرَأْت ذِمَّتَك عَنْ دَيْنِي بِشَرْطِ أَنَّ لِي الْخِيَارَ فِي رَدِّ الْإِبْرَاءِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت وَصُورَةُ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ أَوْ كَفِيلِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا أَوْ مَتَى أَدَّيْت أَوْ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ فَأَنْتَ بَرِيءٌ عَنْ الْبَاقِي فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا يَبْرَأُ وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ سَوَاءٌ ذَكَرَ لَفْظَ الصُّلْحِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالتَّعْلِيقِ فَيَبْطُلُ بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَزْلُ الْوَكِيلِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ عَزَلْتُك عَلَى أَنْ تُهْدِيَ لِي شَيْئًا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ اهـ. فَالْوَكَالَةُ بَاقِيَةٌ لِفَسَادِ الْعَزْلِ (قَوْلُهُ وَالِاعْتِكَافُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ صُورَةُ فَسَادِ الِاعْتِكَافِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِأَنْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ اعْتِكَافُ أَيَّامٍ نَوَيْت أَنْ أَعْتَكِفَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لِلَّهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا أَصُومَ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ أُبَاشِرَ امْرَأَتِي فِي اعْتِكَافِي أَوْ أَنْ أَخْرُجَ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَشَاءُ لِحَاجَةٍ وَغَيْرِهَا يَكُونُ الِاعْتِكَافُ فَاسِدًا لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ نَوَيْت أَنْ أَعْتَكِفَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُعَامَلَةُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ سَاقَيْتُك شَجَرِي أَوْ كَرْمِي عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ اهـ. وَقِيلَ: صُورَةُ فَسَادِ الْمُعَامَلَةِ بِالشَّرْطِ بِأَنْ وَقَّتَا فِيهَا وَقْتًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا تَخْرُجُ الثَّمَرَةُ فِيهِ فَيَفْسُدُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْمُزَارَعَةُ) بِأَنْ قَالَ زَارَعْتُك أَرْضِي عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ صُورَةُ فَسَادِ الْمُزَارَعَةِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِأَنْ عَقَدَا الْمُزَارَعَةَ وَشَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً أَوْ شَرَطَا أَنْ يَرْفَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ بَذْرَهُ وَيَكُونَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ لَا تُخْرِجَ الْأَرْضُ إلَّا هَذَا الْمِقْدَارَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْإِقْرَارُ) بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا إنْ أَقْرَضَنِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْوَقْفُ) بِأَنْ قَالَ أَوْقَفْت دَارِي إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ أَوْقَفْت دَارِي عَلَيْك إنْ أَخْبَرْتنِي بِقُدُومِ فُلَانٍ اهـ. ع (قَوْلُهُ وَالتَّحْكِيمُ) بِأَنْ قَالَا حَكَّمْنَا هَذَا إنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ، فَلَا يَصِحُّ التَّحْكِيمُ لِأَنَّهُمَا جَعَلَاهُ قَاضِيًا بِشَرْطِ عَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ (فَرْعٌ) يُحْفَظُ وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلَ نَجْمٌ وَلَمْ تُؤَدِّ فَالْمَالُ حَالٌّ صَحَّ وَالْمَالُ يَصِيرُ حَالًّا فِي حِيَلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ الْبُيُوعِ اهـ.

[ما لا يبطل بالشرط الفاسد]

(وَمَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ الْقَرْضُ، وَالْهِبَةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالنِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْخُلْعُ، وَالْعِتْقُ، وَالرَّهْنُ، وَالْإِيصَاءُ، وَالْوَصِيَّةُ، وَالشَّرِكَةُ، وَالْمُضَارَبَةُ، وَالْقَضَاءُ، وَالْإِمَارَةُ، وَالْكَفَالَةُ، وَالْحَوَالَةُ، وَالْوَكَالَةُ، وَالْإِقَالَةُ، وَالْكِتَابَةُ، وَإِذْنُ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ وَدَعْوَةُ الْوَلَدِ، وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَالْجِرَاحَةِ وَعَقْدُ الذِّمَّةِ وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، أَوْ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَعَزْلُ الْقَاضِي) هَذِهِ كُلُّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ مِنْ بَابِ الرِّبَا وَأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ، وَهَذِهِ الْعُقُودُ لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ مَا لَا يُبْطِل بالشرط الْفَاسِد] قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إلَخْ) سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ شَيْئًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: الْقَرْضُ) بِأَنْ قَالَ أَقْرَضْتُك هَذِهِ الْمِائَةَ بِشَرْطِ أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا مَثَلًا اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْهِبَةُ) بِأَنْ قَالَ وَهَبْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حَمْلُهَا لِي اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّدَقَةُ) بِأَنْ قَالَ وَهَبْتُك هَذِهِ الْمِائَةَ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي جُمُعَةً اهـ ع أَوْ تَصَدَّقْت عَلَيْك بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حَمْلُهَا لِي اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالصَّدَقَةُ مَا نَصُّهُ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ) بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَك مَهْرٌ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَفْسُدُ الشَّرْطُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ أَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقًا لِلْأُخْرَى فَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ) بِأَنْ قَالَ طَلَّقْتُك عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجِي غَيْرِي (قَوْلُهُ وَالْخُلْعُ) بِأَنْ قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِي مُدَّةً سَمَّاهَا بَطَلَ الشَّرْطُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَوَجَبَ الْمَالُ (قَوْلُهُ: وَالْعِتْقُ) بِأَنْ قَالَ أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ عَلَى أَنْ لَا وَلَاءَ لِي عَلَيْك اهـ. (قَوْلُهُ: وَالرَّهْنُ) بِأَنْ قَالَ رَهَنْت عِنْدَك هَذَا الْعَبْدَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْك أَوْ عَلَى أَنْ لَا تَقْبِضَهُ وَقَبِلَ الْآخَرُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْإِيصَاءُ) بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت إلَيْك عَلَى أَنْ تُزَوِّجَ ابْنَتِي أَوْ أَوْصَى إلَى فُلَانٍ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْوِصَايَةِ وَإِنْ خَانَ وَتَرَكَ حِفْظَ الْأَمَانَةِ فَالْإِيصَاءُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ (قَوْلُهُ: وَالْوَصِيَّةُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ مَالِي إنْ أَجَازَ فُلَانٌ اهـ. أَوْ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت بِخِدْمَةِ عَبْدِي هَذَا لِفُلَانٍ عَلَى أَنْ لَا يُسَلَّمَ الْعَبْدُ إلَى الْمُوصَى لَهُ وَمَاتَ الْمُوصِي وَالْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يُسَلَّمُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِمُقْتَضَى الْوَصِيَّةِ وَهِيَ لَا تَبْطُلُ بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ) بِأَنْ قَالَ شَارَكْتُك عَلَى أَنْ تُهْدِيَنِي كَذَا أَوْ ضَارَبْتُك فِي أَلْفٍ عَلَى النِّصْفِ فِي الرِّبْحِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ وَقِيلَ: صُورَةُ إدْخَالِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ بِأَنْ عَقَدَا الشَّرِكَةَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ أَلْفَانِ وَشَرَطَا الرِّبْحَ وَالْوَضِيعَةَ نِصْفَيْنِ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ وَالشَّرِكَةُ صَحِيحَةٌ وَعَلَى هَذَا إذَا شَرَطَا الْوَضِيعَةَ عَلَى الْمُضَارِبِ بَطَلَ الشَّرْطُ لَا الْمُضَارَبَةُ (قَوْلُهُ: وَالْقَضَاءُ) بِأَنْ قَالَ الْخَلِيفَةُ وَلَّيْتُك قَضَاءَ مَكَّةَ مَثَلًا عَلَى أَنْ لَا تُعْزَلَ أَبَدًا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ وَقِيلَ: صُورَةُ إدْخَالِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ فِي الْقَضَاءِ بِأَنْ قَالَ الْقَاضِي لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَقْضِي لِأَجْلِك عَلَى زَيْدٍ بِشَرْطِ أَنْ تَحُطَّ مِنْ دَيْنِك كَذَا أَوْ تُؤَجِّلَهُ إلَى وَقْتِ كَذَا فَهَذَا الشَّرْطُ فَاسِدٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْإِمَارَةُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ الْخَلِيفَةُ وَلَّيْتُك إمَارَةَ الشَّامِ مَثَلًا عَلَى أَنْ تُرْكَبَ فَهَذَا الشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَا تَبْطُلُ إمْرَتُهُ بِهَذَا (قَوْلُهُ: وَالْكَفَالَةُ) بِأَنْ قَالَ كَفَلْت عَنْ غَرِيمِك إنْ أَقْرَضْتنِي كَذَا اهـ. (قَوْلُهُ وَالْحَوَالَةُ) بِأَنْ قَالَ أَحَلْتُك عَلَى فُلَانٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَرْجِعَ عِنْدَ التَّوَى (قَوْلُهُ: وَالْوَكَالَةُ) بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُك إنْ أَبْرَأْت ذِمَّتِي عَمَّا لَك عَلَيَّ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْوَكَالَةُ مَا نَصُّهُ بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُك بِشَرْطِ أَنْ لَا أَعْزِلَك فَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ وَلَهُ عَزْلُهُ مَتَى شَاءَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْإِقَالَةُ) بِأَنْ قَالَ أَقَلْتُك عَنْ هَذَا الْبَيْعِ إنْ أَقْرَضْتنِي كَذَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ وَقِيلَ: صُورَتُهُ بِأَنْ أَقَالَ الْبَائِعُ مَعَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ بِشَرْطِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِذْنُ الْعَبْدِ) بِأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ بِشَرْطِ أَنْ تَتَوَّقْت إلَى سَنَةٍ مَثَلًا أَوْ عَلَى أَنْ تَتَّجِرَ فِي كَذَا فَإِنَّ إذْنَهُ يَكُونُ عَامًّا فِي التِّجَارَاتِ وَالْأَوْقَاتِ إلَى أَنْ يَحْجُرَ الْمَوْلَى لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِسْقَاطَاتِ لَا تَتَوَقَّتُ (قَوْلُهُ: وَدَعْوَةُ الْوَلَدِ) بِأَنْ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ نَسَبُ الْآخَرِ مِنْهُ أَوْ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرِثَ مِنْهُ ثَبَتَ نَسَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّوْأَمَيْنِ وَيَرِثُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ لِمَا عُرِفَ وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَرِثَ شَرْطٌ فَاسِدٌ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْعَ وَالنَّسَبُ لَا يَفْسُدُ بِهِ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْهُ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي إنْ رَضِيَتْ امْرَأَتِي اهـ (قَوْلُهُ: وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) بِأَنْ صَالَحَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَمْدًا الْقَاتِلَ عَلَى شَيْءٍ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ أَوْ يُهْدِيَ إلَيْهِ شَيْئًا فَإِنَّ الصُّلْحَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ فَاسِدٌ وَيَسْقُطُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ، فَلَا يَحْتَمِلُ الشَّرْطَ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجِرَاحَةُ) بِأَنْ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً خَطَأً فَصَالَحَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَ الشَّاجُّ زِيَادَةً عَنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ أَوْ كَانَ عَمْدًا فَصَالَحَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَقْتَصَّ الْمَشْجُوجُ بَعْدَ الشَّهْرِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَشَرْطُ الزِّيَادَةِ فِي الْأَوَّلِ وَالْقِصَاصُ فِي الثَّانِي بَعْدَ الشَّهْرِ بَاطِلٌ لِمَا يُذْكَرُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ: وَعَقْدُ الذِّمَّةِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ الْإِمَامُ لِحَرْبِيٍّ يَطْلُبُ عَقْدَ الذِّمَّةِ ضَرَبْت عَلَيْك الْجِزْيَةَ إنْ شَاءَ فُلَانٌ مَثَلًا فَإِنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ اهـ. ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ أَنْ لَا يُعْطُوا الْجِزْيَةَ بِطَرِيقِ الْإِهَانَةِ أَوْ أَنْ لَا يُظْهِرُوا الْكُسْتِيجَ (قَوْلُهُ: وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ) أَيْ كَقَوْلِهِ إنْ وَجَدْت بِهِ عَيْبًا أَرُدُّ عَلَيْك إنْ شَاءَ فُلَانٌ اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ بِخِيَارِ الشَّرْطِ) بِأَنْ قَالَ مَنْ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ رَدَدْت الْبَيْعَ أَوْ أَسْقَطْت خِيَارِي إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الرَّدُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ الرُّؤْيَةِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالثَّابِتُ فِي الْمُتُونِ الشَّرْطُ اهـ. (قَوْلُهُ وَعَزْلُ الْقَاضِي) بِأَنْ قَالَ الْخَلِيفَةُ عَزَلْتُك عَنْ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ

[كتاب الصرف]

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ شَرْطَ الْمُعَمِّرِ»، وَكَذَا أَبْطَلَ شَرْطَ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «ابْتَاعِي فَاعْتِقِي فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» قَالَهُ لَهَا حِينَ أَرَادَ مَوَالِي بَرِيرَةَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ بَعْدَ مَا أَعْتَقَهَا لَكِنْ الْكِتَابَةَ إنَّمَا لَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْمُفْسِدِ إذَا كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُعَامِلَ فُلَانًا، أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ تَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ وَيَعْمَلَ مَا شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ مَعَ أَيِّ شَخْصٍ شَاءَ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ دَاخِلًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْبَدَلِ كَالْكِتَابَةِ عَلَى خَمْرٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا تَفْسُدُ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ فَلِشَبَهِهَا بِالْبَيْعِ تَفْسُدُ إذَا كَانَ الْمُفْسِدُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلِشَبَهِهَا بِالنِّكَاحِ لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الزَّائِدِ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ أَيْ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الصُّلْحُ عَنْ جَنَابَةِ الْعَمْدِ، الْوَدِيعَةِ، وَالْعَارِيَّةِ إذَا ضَمِنَهَا رَجُلٌ وَشَرَطَ فِيهَا حَوَالَةً، أَوْ كَفَالَةً ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْهِبَةِ، ثُمَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ هُنَا مَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَمَا لَا يَبْطُلُ بِهَا وَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا مَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَا مَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الزَّمَانِ وَلَا مَا لَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى تَكْمِلَةً لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَقْسَامِ وَتَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ الشَّيْخُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَهَا فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ فَنَقُولُ أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَبِالِالْتِزَامَاتِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا كَالْحَجِّ، وَالصَّلَاةِ، أَوْ التَّوْلِيَاتِ كَالْقَضَاءِ، وَالْإِمَارَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ مَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الزَّمَانِ فَأَرْبَعَةَ عَشَرَ، الْإِجَارَةُ وَفَسْخُهَا، وَالْمُزَارَعَةُ، وَالْمُعَامَلَةُ، وَالْمُضَارَبَةُ، وَالْوَكَالَةُ، وَالْكِتَابَةُ، وَالْكَفَالَةُ، وَالْوَصِيَّةُ، وَالْإِيصَاءُ، وَالْقَضَاءُ، وَالْإِمَارَةُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْوَقْفُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ، وَهِيَ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهَا فِي الْحَالِ فَتَكُونُ مُضَافَةً ضَرُورَةً، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا الْإِجَارَةُ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفَسْخُ الْإِجَارَةِ مُعْتَبَرٌ بِالْإِجَارَةِ فَيَجُوزُ مُضَافًا. أَلَا تَرَى أَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ، وَهُوَ الْإِقَالَةُ مُعْتَبَرٌ بِهِ حَتَّى لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَا إضَافَتُهُ إلَى الزَّمَانِ كَالْبَيْعِ، وَالْمُزَارَعَةِ، وَالْمُعَامَلَةُ إجَارَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ يُجِيزُهُمَا لَا يُجِيزُهُمَا إلَّا بِطَرِيقِهِمَا وَيُرَاعِي فِيهَا شَرَائِطَهَا، وَالْمُضَارَبَةُ، وَالْوَكَالَةُ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقَاتِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْإِسْقَاطَاتِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ قَبْلَ التَّوْكِيلِ فِي مَالِ الْمُوَكِّلِ كَانَ مَوْقُوفًا حَقًّا لِلْمَالِكِ، فَهُوَ بِالتَّوْكِيلِ أَسْقَطَ ذَلِكَ فَيَكُونُ إسْقَاطًا فَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، وَالْكَفَالَةُ مِنْ بَابِ الِالْتِزَامَاتِ فَتَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى الزَّمَانِ وَتَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ الْمُلَائِمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْكَفَالَةِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ حَيْثُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْإِيصَاءُ بِالْمَالِ، أَوْ بِإِقَامَةِ شَخْصٍ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي التَّصَرُّفِ لَا يَكُونُ إلَّا مُضَافًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَوْ تَوْكِيلٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهَا وَإِضَافَتُهَا أَمَّا الْإِيصَاءُ إلَى شَخْصٍ فَلِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ فَلِأَنَّ لَفْظَهَا يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ لِلْحَالِ إلَّا مَجَازًا، وَالْقَضَاءُ، وَالْإِمَارَةُ تَوْلِيَةٌ وَتَفْوِيضٌ مَحْضٌ فَجَازَ إضَافَتُهُ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَأَمَّا الثَّالِثُ، وَهُوَ مَا لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الزَّمَانِ فَتِسْعَةٌ الْبَيْعُ، وَإِجَازَتُهُ وَفَسْخُهُ، وَالْقِسْمَةُ، وَالشَّرِكَةُ، وَالْهِبَةُ، وَالنِّكَاحُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ، وَالْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَمْلِيكَاتٌ، فَلَا يَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى الزَّمَانِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْقِمَارِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (كِتَابُ الصَّرْفِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ بَيْعُ بَعْضِ الْأَثْمَانِ بِبَعْضٍ) كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ إذَا بِيعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، أَوْ بِجِنْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ) أَيْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِبْدَادِ وَثُبُوتُ الِاخْتِصَاصِ يُخَالِفُهُ فَلِذَا بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الْعَقْدُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَفْسُدُ بِهِ) أَيْ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ اهـ. (قَوْلُهُ الصُّلْحُ عَنْ جَنَابَةِ الْعَمْدِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ الْغَصْبُ بَدَلَ قَوْلِهِ الْعَمْدِ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ هُنَا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ أُخْرَى اهـ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ) قَالَ قَاضِي خَانْ آخِرَ كِتَابِ الْوَكَالَةِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ إذَا تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَطَلِّقْهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ وَالْإِضَافَةَ اهـ. وَهَذَا تَعْلِيقٌ لَا إضَافَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالْكَفَالَةُ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ الْكَفَالَةُ وَالْوَصِيَّةُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ الْعَدَدُ إلَّا بِذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ عَلَى مَا بَيَّنَّا (قَوْلُهُ: إلَّا مَجَازًا) أَيْ عَنْ الْوَكَالَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَتِسْعَةٌ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَشَرَةٌ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا عَدَّهَا الشَّارِحُ تِسْعَةً نَظَرًا إلَى أَنَّ الْبَيْعَ وَإِجَازَتَهُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ اهـ. . [كِتَابُ الصَّرْفِ] (كِتَابُ الصَّرْفِ) وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ مَرَّ فِي أَوَّلِ بَابِ السَّلَمِ اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ صَرَفْت الْمَالَ أَنْفَقْته وَصَرَفْت الذَّهَبَ بِالدَّرَاهِمِ بِعْته وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْ هَذَا صَيْرَفِيٌّ وَصَيْرَفٌ وَصِرَافَ لِلْمُبَالَغَةِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ الصَّرْفُ فَضْلُ الدِّرْهَمِ فِي الْجَوْدَةِ عَلَى الدِّرْهَمِ وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ الصَّيْرَفِيِّ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ صَرَفَ الدَّرَاهِمَ بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ وَأَصْرَفَهَا اشْتَرَاهَا وَلِلدِّرْهَمِ عَلَى الدِّرْهَمِ صَرْفٌ فِي الْجَوْدَةِ وَالْقِيمَةِ أَيْ فَضْلٌ وَقِيلَ: لِمَنْ يَعْرِفُ هَذَا الْفَضْلَ وَيُمَيِّزُ هَذِهِ الْجَوْدَةَ

هَذَا فِي الشَّرْعِ، وَفِي اللُّغَةِ لَهُ تَفْسِيرَانِ: أَحَدُهُمَا الْفَضْلُ قَالَهُ الْخَلِيلُ وَمِنْهُ سُمِّيَ التَّطَوُّعُ مِنْ الْعِبَادَاتِ صَرْفًا؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْفَرَائِضِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» أَيْ لَا نَفْلًا وَلَا فَرْضًا وَسُمِّيَ هَذَا الْبَيْعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ إلَّا الزِّيَادَةُ، وَالثَّانِي النَّقْلُ، وَالرَّدُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [التوبة: 127] وَسُمِّيَ بِهِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى النَّقْلِ فِي بَدَلَيْهِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ تَجَانَسَا شُرِطَ التَّمَاثُلُ، وَالتَّقَابُضُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا جَوْدَةً وَصِيَاغَةً، وَإِلَّا شُرِطَ التَّقَابُضُ) يَعْنِي إذَا بِيعَ جِنْسُ الْأَثْمَانِ بِجِنْسِهِ كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، أَوْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّسَاوِي، وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ. وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ، وَالصِّيَاغَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِيهِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ» إلَى أَنْ قَالَ «مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ، وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ إلَى أَنْ قَالَ، وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ، فَلَا تُنْظِرْهُ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ كَيْ لَا يَكُونَ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْآخَرِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النَّقْدَ خَيْرٌ مِنْ النَّسِيئَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى عَرْضِ التَّوَى دُونَهُ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْمَصُوغِ، وَالتِّبْرِ، أَوْ لَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَضْرُوبِ، أَوْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَفِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ التَّعْيِينِ لِكَوْنِهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ خِلْقَةً. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْقَبْضِ هَلْ هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ، أَوْ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ فَقِيلَ: هُوَ شَرْطُ الصِّحَّةِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ الْقَبْضُ مَقْرُونًا بِالْعَقْدِ إلَّا أَنَّ حَالَهُمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جُعِلَتْ كَحَالَةِ الْعَقْدِ تَيْسِيرًا فَإِذَا وُجِدَ الْقَبْضُ فِيهِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ وُجِدَ حَالَةَ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ وَقِيلَ: هُوَ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَالشَّرْطُ أَنْ يَقْبِضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِالْأَبْدَانِ حَتَّى لَوْ نَامَا ـــــــــــــــــــــــــــــQصَرَّافٌ وَصَيْرَفٌ وَصَيْرَفِيٌّ وَأَصْلُهُ مِنْ الصَّرْفِ النَّقْلِ لِأَنَّ مَا فَضَلَ صَرْفٌ عَلَى النُّقْصَانِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بَيْعُ الْأَثْمَانِ صَرْفًا إمَّا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى عَاقِدِهِ طَلَبُ الْفَضْلِ وَالزِّيَادَةِ أَوْ لِاخْتِصَاصِ هَذَا الْعَقْدِ بِنَقْلِ كِلَا الْبَدَلَيْنِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَهُ الْخَلِيلُ) قَالَ الْخَلِيلُ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ الصَّرْفُ فَضْلُ الدِّرْهَمِ عَلَى الدِّرْهَمِ فِي الْقِيمَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنْهُ سُمِّيَ التَّطَوُّعُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا قَوْلُهُ سُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ صَرْفًا فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَوْرَدَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي فَائِقِهِ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذِكْرِ الْمَدِينَةِ «مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» فَقَالَ الصَّرْفُ التَّوْبَةُ لِأَنَّهُ صَرْفٌ لِلنَّفْسِ إلَى الْبِرِّ عَنْ الْفُجُورِ وَالْعَدْلُ الْقُرْبَةُ مِنْ الْمُعَادَلَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْهَرَةِ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ الصَّرْفُ الْفَرِيضَةُ وَالْعَدْلُ النَّافِلَةُ وَقَالَ قَوْمٌ الصَّرْفُ الْوَزْنُ وَالْعَدْلُ الْكَيْلُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَمْهَرَةِ اهـ. مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا قَالَ الْكَمَالُ وَالْمُرَادُ مِنْ إحْدَاثِ الْحَدَثِ فِعْلُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ التَّطَوُّعُ إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ اعْتِرَاضَ الْأَتْقَانِيِّ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي تَفْسِيرِ الصَّرْفِ بِالنَّافِلَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْجَمْهَرَةِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ الصَّرْفُ الْفَرِيضَةُ وَالْعَدْلُ النَّافِلَةُ وَفِي الْغَرِيبَيْنِ عَنْ بَعْضِهِمْ الصَّرْفُ النَّافِلَةُ وَالْعَدْلُ الْفَرِيضَةُ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ الْأَنْسَبُ اهـ (قَوْلُهُ: مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ اللَّهِ (قَوْلُهُ: وَلَا عَدْلًا) الْمُرَادُ بِالْعَدْلِ الْفَرْضُ الَّذِي هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ فِي (قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ) أَيْ لَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِغَيْرِهِمَا مِمَّا يُقَابِلُهُمَا مِنْ نَحْوِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالثَّوْبِ فِي دَفْعِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إلَخْ) رَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ لَا تُفَضِّلُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ لَا يُبَاعُ مِنْهَا غَائِبٌ بِنَاجِزٍ فَإِنِّي أَخَافُ الرَّمَّاءَ وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ، فَلَا تُنْظِرْهُ وَالرَّمَّاءُ بِالْمَدِّ بِمَعْنَى الرِّبَا. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ) أَيْ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فِي الْقَبْضِ لِأَنَّ خِلْقَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلثَّمَنِيَّةِ وَإِنْ كَانَا مِمَّا يَتَعَيَّنَانِ كَالتِّبْرِ وَالْمَصُوغِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ خِلْقَةً) أَخْرَجَ مَا هُوَ ثَمَنٌ بِالِاصْطِلَاحِ كَالْفُلُوسِ قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَلَوْ اشْتَرَى مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ يَكْفِي التَّقَابُضُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ نَامَا إلَخْ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ نَامَا جَالِسَيْنِ لَمْ يَكُنْ فُرْقَةً وَلَوْ نَامَا مُضْطَجِعَيْنِ كَانَ فُرْقَةً وَلَا يَجُوزُ خِيَارُ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ يَنْفِي اسْتِحْقَاقَ الْقَبْضِ وَلَا الْأَجَلُ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْقَبْضَ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الصِّحَّةِ فَإِنْ أَسْقَطَاهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِتَعَلُّقِ الصِّحَّةِ بِعَدَمِ الِافْتِرَاقِ لَا يَبْطُلُ لَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا أَوْ طَالَ قُعُودُهُمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعْلُ الصَّرْفِ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ يَبْطُلُ بِدَلِيلِ الْإِعْرَاضِ كَالْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ نَامَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ فُرْقَةٌ وَلَوْ نَامَا جَالِسَيْنِ، فَلَا، وَعَنْهُ الْقُعُودُ الطَّوِيلُ فُرْقَةٌ دُونَ الْقَصِيرِ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ أَلْفُ

[التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه]

أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ، أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً صَحَّ إنْ تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ)؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْقَبْضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ دُونَ التَّسْوِيَةِ لِمَا رَوَيْنَا، فَلَا يَضُرُّ الْجُزَافُ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا، أَوْ قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِهِمَا بَطَلَ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَهُوَ الْقَبْضُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ، وَالْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْقَبْضِ مَا دَامَ الْخِيَارُ بَاقِيًا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمِلْكِ، وَالْخِيَارُ يَمْنَعُهُ، وَبِالْأَجَلِ يَفُوتُ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ شَرْعًا إلَّا إذَا أُسْقِطَ الْخِيَارُ، أَوْ الْأَجَلُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَعُودُ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَلَوْ بَاعَ الْفِضَّةَ، أَوْ الذَّهَبَ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً، ثُمَّ عَلِمَا تَسَاوِيهِمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ وَبَعْدَهُ لَا يَصِحُّ. وَقَالَ زُفَرُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ التَّسَاوِيَ حَقُّ الشَّرْعِ وَقَدْ وُجِدَ حَالَةَ الْعَقْدِ قُلْنَا التَّسْوِيَةُ شَرْطٌ وَاجِبٌ عَلَيْنَا فَيَجِبُ تَحْصِيلُهُ بِفِعْلِنَا أَمَّا وُجُودُهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِلْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ تُنْبِئُ عَلَى فِعْلِ الْعِبَادِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِابْتِلَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِنْ بَاعَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ وَاشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا فَسَدَ بَيْعُ الثَّوْبِ)؛ لِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ فَوَاتَ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزُ الْعَقْدُ فِي الثَّوْبِ كَمَا نُقِلَ عَنْ زُفَرَ؛ إذْ النُّقُودُ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ دَيْنًا كَانَتْ أَوْ عَيْنًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ دَيْنًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ جَازَ السَّلَمُ حَتَّى إذَا سَلَّمَ إلَيْهِ رَبُّ السَّلَمِ قَدْرَ الدَّيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ تَمَّ السَّلَمُ وَلَوْ تَعَيَّنَ لَمَا صَحَّ لِكَوْنِهِ كَالِئًا بِكَالِئٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ كَذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ لَكِنَّ الْمَانِعَ اشْتِرَاطُ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الدَّيْنِ يَكُونُ اشْتِرَاطًا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِأَنْ يُوَفِّيَهُ وَهُوَ شَرْطٌ مُفْسِدٌ كَمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَلَى غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ فَاشْتَرَى بِهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَجُوزُ لِهَذَا الْمَعْنَى، أَوْ نَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بَدَلَيْ الصَّرْفِ مَبِيعٌ، فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا بِالتَّعْيِينِ كَالْمَضْرُوبِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كَالْمَصُوغِ، وَالتِّبْرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ. [التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَاعَ أَمَةً مَعَ طَوْقٍ قِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ بِأَلْفَيْنِ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا، فَهُوَ ثَمَنُ الطَّوْقِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْنِ أَلْفٌ نَقْدٌ وَأَلْفٌ نَسِيئَةٌ، فَالْأَلْفُ ثَمَنُ الطَّوْقِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQدِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ فَأَرْسَلَ رَسُولًا يَقُولُ لَهُ بِعْتُك الدَّرَاهِمَ الَّتِي لِي عَلَيْك بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي لَك عَلَيَّ فَقَالَ قَبِلْت كَانَ بَاطِلًا، وَكَذَا لَوْ نَادَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ أَوْ مِنْ بَعِيدٍ؛ لِأَنَّهُمَا مُفْتَرِقَانِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ الْأَبُ اشْهَدُوا أَنِّي اشْتَرَيْت هَذَا الدِّينَارَ مِنْ ابْنِي الصَّغِيرِ بِعَشَرَةٍ وَقَامَ قَبْلَ نَقْدِهَا بَطَلَ هَذَا وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْحَوَالَةِ بِهِ كَمَا فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ حَتَّى لَوْ نَامَا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ وُجُودُ التَّقَابُضِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّرْفِ، وَلَكِنَّ وُجُودَ التَّقَابُضِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ شَرْطٌ حَتَّى إنَّهُمَا لَوْ تَعَاقَدَا وَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى مَشَيَا مِيلًا أَوْ أَكْثَرَ فَلَمْ يُفَارِقْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَلَا غَابَ عَنْهُ ثُمَّ تَقَابَضَا وَافْتَرَقَا جَازَ الصَّرْفُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي بَابِ السَّلَمِ يَعْنِي أَنَّ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ شَرْطٌ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِفَايَتِهِ وَالِافْتِرَاقُ الْمُعْتَبَرُ الِافْتِرَاقُ بِالْأَبْدَانِ دُونَ الْمَكَانِ حَتَّى لَوْ قَامَا فَذَهَبَا مَعًا أَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا أَوْ طَالَ قُعُودُهُمَا لَا يَبْطُلُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ) يَعْنِي أَنَّ الصَّرْفَ لَا يَبْطُلُ بِذَهَابِ الْعَاقِدَيْنِ مَعًا وَخِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ يَبْطُلُ وَإِنْ مَشَتْ مَعَ زَوْجِهَا لِأَنَّ اشْتِغَالَهَا بِالْمَشْيِ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ عَمَّا جُعِلَ إلَيْهَا فَيَبْطُلُ خِيَارُهَا إنْ لَمْ تُفَارِقْ الزَّوْجَ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ عَلِمَا تَسَاوِيهِمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا إذَا وُزِنَا فِي الْمَجْلِسِ فَوُجِدَا سَوَاءً فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى فَسَادٍ، فَلَا يَصِحُّ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ جُعِلَتْ كَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَتَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ فَكَانَ الْعِلْمُ بِالْمُمَاثَلَةِ فِي الْمَجْلِسِ كَالْعِلْمِ بِهَا فِي حَالِ الْعَقْدِ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ صَحَّ مَا نَصُّهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: فَسَدَ بَيْعُ الثَّوْبِ) أَيْ وَثَمَنُ الصَّرْفِ عَلَى حَالِهِ يَقْبِضُهُ مِنْهُ وَيَتِمُّ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَسَدَ بَيْعُ الثَّوْبِ مَا نَصُّهُ وَلَا يَبْرَأُ بَائِعُهُ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا نُقِلَ عَنْ زُفَرَ) أَيْ وَلَا يَبْرَأُ بَائِعُهُ عَنْ الصَّرْفِ عِنْدَهُ أَيْضًا اهـ. ذَخِيرَةٌ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ ثَمَنُ الطَّوْقِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبَيْنَ الْفَسَادِ بِتَرْكِ الْقَبْضِ وَالْفَسَادِ بِالْأَجَلِ فَرْقٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ جَارِيَةً فِي عُنُقِهَا طَوْقُ فِضَّةٍ زِنَتُهُ مِائَةٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَتَّى انْصَرَفَ لِلطَّوْقِ مِائَةٌ مِنْ أَلْفٍ فَيَصِيرُ صَرْفًا فِيهِ وَتِسْعُمِائَةٍ لِلْجَارِيَةِ بَيْعًا فَإِنَّهُ لَوْ فَسَدَ بِتَرْكِ الْقَبْضِ بَطَلَ فِي الطَّوْقِ وَبَيْعُ الْجَارِيَةِ بِتِسْعِمِائَةٍ صَحِيحٌ وَلَوْ فَسَدَ بِالْأَجَلِ بِأَنْ بَاعَهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ فَسَدَ فِيهِمَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فَإِنَّهُمَا قَالَا يَفْسُدُ فِي الْجَارِيَةِ وَفَرَّقَ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ انْعَقَدَ صَحِيحًا ثُمَّ طَرَأَ الْمُفْسِدُ فَيَخُصُّ مَحَلَّهُ وَهُوَ الصَّرْفُ وَفِي الثَّانِي انْعَقَدَ أَوَّلًا عَلَى الْفَاسِدِ فَشَاعَ وَهَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ وَفِي الْكَامِلِ لَوْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ دُونَ الْآخَرِ صَحَّ فِي الْمَشْهُورِ وَلَيْسَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى مِثْلِهَا بِخِلَافِ التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وَالْأَوَانِي مِنْ الذَّهَبِ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ لِتَعَيُّنِهِ فِيهِ وَلَوْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا دُونَ الِافْتِرَاقِ مَا قَبَضَ زَيْفًا أَوْ سُتُّوقًا فَحُكْمُهُ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِهِ مِنْ الِاسْتِبْدَالِ وَالْبُطْلَانِ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْأَلْفُ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَلَّذِي بِأَيْدِينَا مِنْ نُسَخِ الْمَتْنِ فَالنَّقْدُ اهـ

يَعْنِي لَوْ بَاعَ أَمَةً فِي عُنُقِهَا طَوْقُ فِضَّةٍ وَزْنُهُ أَلْفُ مِثْقَالٍ مَعَ الطَّوْقِ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ بِأَلْفَيْ مِثْقَالٍ وَنَقَدَ مِنْهُ أَلْفًا كَانَ الْمَنْقُودُ ثَمَنَ الطَّوْقِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ نَسِيئَةً وَبِأَلْفٍ حَالَّةً كَانَ الْحَالُّ ثَمَنَ الطَّوْقِ وَفِي عِبَارَةِ الشَّيْخِ تَسَامُحٌ فَإِنَّهُ قَالَ قِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ أَيْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَارِيَةِ، وَالطَّوْقِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الطَّوْقِ الْقِيمَةُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْقَدْرُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهِ، وَكَذَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الطَّوْقِ صَارَ مُقَابَلًا بِالطَّوْقِ، وَالْبَاقِي بِالْجَارِيَةِ قَلَّتْ قِيمَتُهَا أَوْ كَثُرَتْ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي بَيَانِ قِيمَتِهَا وَلَا فِي بَيَانِ قِيمَةِ الطَّوْقِ إلَّا إذَا قُدِّرَ أَنَّ الثَّمَنَ خِلَافُ جِنْسِ الطَّوْقِ بِأَنْ كَانَ فِضَّةً، وَالثَّمَنُ ذَهَبٌ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَحِينَئِذٍ يُفِيدُ بَيَانُ قِيمَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا. وَكَذَا الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ، فَالْأَلْفُ ثَمَنُ الطَّوْقِ أَيْ الْأَلْفُ الْحَالُّ ثَمَنُ الطَّوْقِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الطَّوْقِ يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ بَدَلَ الصَّرْفِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ دِينَهُمَا وَعَقْلَهُمَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ مُبَاشَرَةِ مَا لَا يَجُوزُ شَرْعًا فَيَصْرِفُ الْمُتَأَخِّرَ إلَى الْجَارِيَةِ، وَالْمَقْبُوضَ وَالْحَالَّ إلَى الطَّوْقِ لِإِحْسَانِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ كُلُّ الثَّمَنِ مُؤَجَّلًا فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَفْسُدُ فِي الطَّوْقِ دُونَ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حِصَّتِهَا فَيَتَقَدَّرُ الْفَسَادُ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْفَسَادَ مُقَارِنٌ فَيَتَعَدَّى إلَى الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ جُمِعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْفَسَادِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ طَارِئٌ، فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَهُ قَالَ (وَإِنْ بَاعَ سَيْفًا حِلْيَتُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةٍ وَنَقَدَ خَمْسِينَ، فَهُوَ حِصَّتُهَا، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ، أَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِهِمَا) يَعْنِي يَكُونُ الْمَنْقُودُ حِصَّةَ الْحِلْيَةِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ حِصَّتُهَا، أَوْ قَالَ خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِهِمَا. أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَمْرَهُمَا يُحْمَلُ عَلَى الصَّلَاحِ وَأَمَّا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِهَا فَلِأَنَّ التَّثْنِيَةَ قَدْ يُرَادُ بِهَا الْوَاحِدُ مِنْهُمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف: 61]، وَالنَّاسِي أَحَدُهُمَا وَقَالَ تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22]، وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا»، وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِظَاهِرِ حَالِهِمَا بِالْإِسْلَامِ وَلِهَذَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً، أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَوَلَدَتْ، أَوْ حَاضَتْ إحْدَاهُمَا طَلَقَتَا؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ إحْدَاهُمَا؛ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي وَلَدٍ وَاحِدٍ، أَوْ حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ حِضْتُمَا، أَوْ وَلَدْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ مِنْهُمَا لِلْإِمْكَانِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ خُذْ هَذَا نِصْفَهُ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ وَنِصْفَهُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ لَا يَبْطُلُ أَيْضًا وَيُجْعَلُ الْمَقْبُوضُ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِأَنَّ الْكُلَّ ثَمَنُ السَّيْفِ يَكُونُ الْمَقْبُوضُ ثَمَنَ الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ مَعَ الْحِلْيَةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَيُجْعَلُ الْمَنْقُودُ عِوَضًا مِنْهُ وَلِأَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ كُلَّ الثَّمَنِ وَلَا يُسَلَّمُ لَهُ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ. (وَلَوْ افْتَرَقَا بِلَا قَبْضٍ صَحَّ فِي السَّيْفِ دُونَهَا إنْ تَخَلَّصَ بِلَا ضَرَرٍ، وَإِلَّا بَطَلَا) يَعْنِي بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الصَّرْفِ يَجِبُ قَبْضُهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَإِذَا لَمْ يُقْبَضْ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ فِيهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَكَذَا فِي السَّيْفِ إنْ كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِضَرَرٍ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ بِدُونِ الضَّرَرِ فَصَارَ كَبَيْعِ جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ، وَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّصُ بِدُونِهِ جَازَ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فَصَارَ نَظِيرَ بَيْعِ الْجَارِيَةِ مَعَ الطَّوْقِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ فَقَالَ لَوْ قَالَ خُذْ هَذِهِ الْخَمْسِينَ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ خَاصَّةً وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ، أَوْ قَالَ لَا وَتَفَرَّقَا عَلَى ذَلِكَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعَقْدِ وَالْإِضَافَةِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَعْدَ تَصْرِيحِ الدَّافِعِ فَيَكُونُ الْمَدْفُوعُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ خَاصَّةً، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَمَلِّكُ فَيَكُونُ أَعْرَفَ بِجِهَتِهِ قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحِلْيَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمِنْ أَنَّهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ يَعْنِي إنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ تَتَخَلَّصُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ صَحَّ فِي السَّيْفِ خَاصَّةً، وَإِلَّا فَيَبْطُلُ فِي الْكُلِّ لِمَا بَيَّنَّا. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ هَذَا مِنْ ثَمَنِ النَّصْلِ خَاصَّةً يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ التَّمْيِيزُ إلَّا بِضَرَرٍ يَكُونُ الْمَنْقُودُ ثَمَنَ الصَّرْفِ وَيَصِحَّانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِصَرْفِ الْمَنْقُودِ إلَى الصَّرْفِ فَحَكَمْنَا بِجَوَازِهِ تَصْحِيحًا لِلْبَيْعِ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُهَا بِغَيْرِ ضَرَرٍ بَطَلَ الصَّرْفُ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِفَسَادِ الصَّرْفِ وَقَصَدَ جَوَازَ الْبَيْعِ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِدُونِ جَوَازِ الصَّرْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَيَتَقَدَّرُ الْفَسَادُ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ) أَيْ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا بَاعَهُمَا بِأَلْفَيْنِ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا وَقَالَ هِيَ مِنْ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْفَسَادِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) أَيْ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ نَسِيئَةً وَأَلْفٍ حَالَّةً وَتَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ الْأَلْفِ حَيْثُ لَا يَتَعَدَّى الْفَسَادُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَنَسِيَا) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالتِّلَاوَةُ بِدُونِ الْفَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) أَيْ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَابْنِ عَمٍّ لَهُ (قَوْلُهُ: يَكُونُ الْمَقْبُوضُ ثَمَنَ الْحِلْيَةِ) أَيْ إذَا كَانَتْ لَا تَتَخَلَّصُ مِنْ السَّيْفِ إلَّا بِضَرَرٍ كَمَا سَيَأْتِي آنِفًا فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْمُحِيطِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ بِدُونِ الضَّرَرِ) أَيْ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ كَمَا مَرَّ فِي جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ اهـ. كَمَالٌ

فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ تَتَخَلَّصُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْفِضَّةَ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الطَّوْقِ وَالْحِلْيَةِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِثْلُهُ، أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ لَا يَجُوزُ لِلرِّبَا، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَا يَجُوزُ وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْجَوَازُ، وَالْمُفْسِدُ هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فَمَا لَمْ يَعْلَمْ يَكُونُ الْعَقْدُ مَحْكُومًا بِجَوَازِهِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُ، أَوْ مِثْلَهُ، أَوْ أَكْثَرَ فَجِهَةُ الْفَسَادِ مِنْ وَجْهَيْنِ فَتَرَجَّحَتْ مِنْ وَجْهَيْنِ بِالْكَثْرَةِ، وَالْحُرْمَةِ. قَالَ (وَلَوْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ وَقَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ وَافْتَرَقَا صَحَّ فِيمَا قَبَضَ، وَالْإِنَاءُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي إذَا بَاعَهُ بِفِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبٍ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ، وَهُوَ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَتَقَدَّرُ الْفَسَادُ بِقَدْرِ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَلَا يَشِيعُ؛ لِأَنَّهُ طَارِئٌ وَلَا يَكُونُ هَذَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لَا مِنْ جِهَةِ الْعَاقِدِ وَلَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْعَيْبِ أَيْضًا بِالشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ حَصَلَتْ مِنْ جِهَتِهِ، وَهُوَ عَدَمُ النَّقْدِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الصُّنْعُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْإِنَاءِ عَلَى مَا يَجِيءُ قَالَ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْإِنَاءِ أَخَذَ الْمُشْتَرِي مَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ، أَوْ رَدَّهُ)؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْإِنَاءِ عَيْبٌ؛ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ يَضُرُّهُ، وَهَذَا الْعَيْبُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْبَيْعِ مُقَارِنًا لَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى إنَاءَ فِضَّةٍ وَافْتَرَقَا وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الثَّمَنِ حَيْثُ لَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَلَوْ بَاعَ قِطْعَةَ نُقْرَةٍ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا أَخَذَ مَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ بِلَا خِيَارٍ)؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِيهَا لَيْسَتْ بِعَيْبٍ؛ إذْ التَّشْقِيصُ لَا يَضُرُّهَا بِخِلَافِ الْإِنَاءِ لَكِنْ إنْ اسْتَحَقَّ قَبْلَ الْقَبْضِ بَعْضَهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ هَلَكَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ لَا مِنْ قِبَلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ قَدْ تَمَّتْ بِالْقَبْضِ قَالَ (وَصَحَّ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ وَكُرِّ بُرٍّ وَشَعِيرٍ بِضِعْفِهِمَا) أَيْ بِأَنْ يَبِيعَهُمَا بِكُرَّيْ بُرٍّ وَكُرَّيْ شَعِيرٍ، وَإِنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ جِنْسٍ مُقَابَلًا بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْعَقْدُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ تَقْتَضِي الِانْقِسَامَ عَلَى الشُّيُوعِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ فَفِي حَمْلِهِ عَلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَغْيِيرٌ لَهُ، فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَصْحِيحُ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ التَّصَرُّفِ لَا يَجُوزُ لِتَصْحِيحِ التَّصَرُّفِ فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى قَلْبًا بِعَشَرَةٍ وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ بَاعَهُمَا مُرَابَحَةً بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ كُلِّ الرِّبْحِ إلَى الثَّوْبِ. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ، ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَا يَصِحُّ فِي الْمُشْتَرِي بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ الْأَلْفِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَقَالَ بِعْتُك أَحَدَهُمَا لَا يَصِحُّ لِلتَّنْكِيرِ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِهِ إلَى عَبْدِهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ، ثُمَّ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الدِّرْهَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِيهِمَا، وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْ جَانِبٍ إلَى الثَّوْبِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَلَنَا أَنَّ فِي صَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِهِ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ، وَإِلَى جِنْسِهِ فَسَادَهُ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْفَاسِدِ، وَالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، وَالْفَاسِدَ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي مُطْلَقَ الْمُقَابَلَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِمُقَيَّدٍ لَا مُقَابَلَةَ الْكُلِّ بِالْكُلِّ بِطَرِيقِ الشُّيُوعِ وَلَا مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ مِنْ جِنْسِهِ وَلَا مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْمُطْلَقَ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِلْمُقَيَّدِ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا عِنْدَ الْوُجُودِ لَا يُوجَدُ إلَّا مُقَيَّدًا لِتَعَذُّرِ وُجُودِ ذَاتٍ بِدُونِ صِفَةٍ. وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِلصِّفَةِ، بَلْ لِلذَّاتِ فَقَطْ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْمُصَحَّحِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْإِطْلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْجِنْسُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ صَحَّ وَلَوْ كَانَ مُنَافِيًا لَهُ لَمَا صَحَّ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْمُصَحَّحِ، أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْمُفْسِدِ، وَهُوَ مُقَابَلَةُ الْكُلِّ بِالْكُلِّ شَائِعًا طَلَبًا لِلصِّحَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَلَامَ أَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ، ثُمَّ إذَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ حُمِلَ عَلَى الْمَجَازِ الْمُمْكِنِ إذَا كَانَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ وَلَئِنْ كَانَ تَغْيِيرٌ، فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَجِهَةُ الْفَسَادِ مِنْ وَجْهَيْنِ) أَيْ إذَا كَانَا سَوَاءً أَوْ كَانَ وَزْنُ الْفِضَّةِ الْمُفْرَدَةِ أَقَلَّ وَجِهَةُ الصِّحَّةِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُ الْفِضَّةِ الْمُفْرَدَةِ أَكْثَرَ اهـ. (قَوْلُهُ فَتَرَجَّحَتْ مِنْ وَجْهَيْنِ بِالْكَثْرَةِ وَالْحُرْمَةِ) أَيْ، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَ التُّجَّارُ فِي قَدْرِهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ طَارِئٌ) أَيْ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ أَنَّ التَّقَابُضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ الِانْعِقَادِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ فَيَصِحُّ ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ، فَلَا يَشِيعُ وَلَا يَتَخَيَّرُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّ عَيْبَ الشَّرِكَةِ جَاءَ بِفِعْلِهِمَا وَهُوَ الِافْتِرَاقُ بِلَا قَبْضٍ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى قَلْبًا) أَيْ مِنْ الْفِضَّةِ وَزْنُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَثَوْبًا) أَيْ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: يَصْرِفُ الْأَلْفَ إلَى الْمُشْتَرِي) أَيْ وَالْبَاقِيَ إلَى الْعَبْدِ الْآخَرِ اهـ. (قَوْلُهُ: بَطَلَ) الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ فَسَدَ اهـ.

تَغْيِيرٌ لِلْوَصْفِ لَا تَغْيِيرٌ لِأَصْلِ الْمُقَابَلَةِ؛ إذْ هِيَ مَوْجُودَةٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمُقَابَلَةِ فِيهِ إفَادَةُ الْمِلْكِ فِي الْكُلِّ بِمُقَابَلَةِ الْكُلِّ وَذَلِكَ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ طَلَبًا لِلصِّحَّةِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْجِنْسَ بِالْجِنْسِ بِأَنْ بَاعَ دِينَارَيْنِ بِدِينَارَيْنِ مَثَلًا فَقَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِينَارًا، ثُمَّ افْتَرَقَا صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَقْبُوضِ كُلِّهِ. وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَاهُ لَمَا صَحَّ إلَّا فِي نِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَقْبُوضَيْنِ؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الشُّيُوعِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ مُقَابَلًا بِالْمَقْبُوضِ وَنِصْفُهُ بِغَيْرِ الْمَقْبُوضِ فَتَبْطُلُ حِصَّةُ غَيْرِ الْمَقْبُوضِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ يُقَابِلُ الدِّرْهَمَ، وَالدِّرْهَمُ الْآخَرُ يَبْقَى فَضْلًا فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُرَابَحَةِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ تَوْلِيَةً فِي الْقَلْبِ بِصَرْفِ كُلِّ الرِّبْحِ إلَى الثَّوْبِ، وَالتَّوْلِيَةُ تُضَادُّ الْمُرَابَحَةَ فَكَانَ إبْطَالًا لَهُ أَصْلًا وَفِي الثَّانِيَةِ طَرِيقُ التَّصْحِيحِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ الْأَلْفِ إلَى الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ أَيْضًا بِصَرْفِ الْأَلْفِ وَمِائَةٍ إلَيْهِ، أَوْ الْأَلْفِ وَمِائَتَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ الطُّرُقَ مُتَعَدِّدَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ الدِّينَارَ إلَى الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمَ إلَى الدِّرْهَمِ، وَالدِّينَارَ إلَى الدِّرْهَمِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ الدِّرْهَمَيْنِ إلَى الدِّينَارَيْنِ، وَالدِّرْهَمَ إلَى الدِّينَارِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَقَلُّ تَغْيِيرًا فَكَانَ، أَوْلَى. وَالثَّالِثَةُ أُضِيفَ الْبَيْعُ إلَى الْمُنْكَرِ، فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعَيَّنِ لِلتَّضَادِّ بَيْنَهُمَا؛ إذْ الْمُنْكَرُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ وَفِي الرَّابِعَةِ يَقَعُ الْعَقْدُ صَحِيحًا سَوَاءٌ كَانَ الْجِنْسُ مُقَابَلًا بِالْجِنْسِ، أَوْ بِخِلَافِهِ، وَالْفَسَادُ بَعْدَ الصِّحَّةِ عَارِضٌ بِالْفِرَاقِ لَا عَنْ قَبْضٍ؛ إذْ الْقَبْضُ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ وَصَرْفُ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِهِ شَرْطٌ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ صَحِيحٌ بِدُونِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الصَّرْفِ إلَى الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ بَعْدَهُ مَوْهُومٌ؛ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ التَّقَابُضِ وَفِي الِابْتِدَاءِ مُتَحَقِّقٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْجِنْسِ لِيَنْعَقِدَ صَحِيحًا، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ يَجِبُ قِسْمَتُهُ عَلَى الْبَدَلِ الْآخَرِ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا لَا رِبَا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ، فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَجْزَاءِ، وَإِنْ كَانَ تَتَفَاوَتُ، فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَصِحُّ فِيهِ الْعَقْدُ لَا غَيْرُ. قَالَ (وَأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ) يَعْنِي يَجُوزُ فَتَكُونُ الْعَشَرَةُ بِمِثْلِهَا، وَالدِّينَارُ بِالدِّرْهَمِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ (وَدِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْنِ غَلَّةً بِدِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَدِرْهَمٍ غَلَّةً) يَعْنِي يَجُوزُ بَيْعُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِي الْقَدْرِ دُونَ الْوَصْفِ، وَالْغَلَّةُ هِيَ الدَّرَاهِمُ الْمُقَطَّعَةُ وَقِيلَ: هُوَ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَتَأْخُذُهُ التُّجَّارُ وَلَا تَنَافِي؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُقَطَّعَةُ قَالَ (وَدِينَارٍ بِعَشَرَةٍ عَلَيْهِ، أَوْ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ وَدَفَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ وَنِصْفُهُ بِغَيْرِ الْمَقْبُوضِ) قَالَ فِي الْإِشَارَاتِ الْكَلَامُ مِنْ حَيْثُ التَّحْقِيقُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ شُرِعَ جَائِزًا وَالْفَسَادُ إنَّمَا يَكُونُ بِمُفْسِدٍ وَمُعَارِضٍ وَهَهُنَا مَتَى حَكَمْنَا بِالْفَسَادِ مَعَ إمْكَانِ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ فَقَدْ أَثْبَتْنَا أَمْرًا عَارِضًا مُفْسِدًا لَمْ يَأْتِ هُوَ بِهِ وَلَمْ يُعَيَّنْ، فَلَا يَجُوزُ عَلَى أَنَّا نَقُولُ إذَا أُرِيدَ بِهَذِهِ الْمُقَابَلَةِ الْجِنْسُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ لَا يَتَغَيَّرُ أَصْلُ الْمُقَابَلَةِ بَلْ يَتَغَيَّرُ وَصْفُهَا مِنْ إطْلَاقٍ إلَى تَقْيِيدٍ وَكُلُّ مُطْلَقٍ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْمُقَيَّدِ وَلِهَذَا صَحَّ التَّفْسِيرُ كَمَا قُلْنَا وَقَدْ أُرِيدَ الْمُقَيَّدُ هُنَا بِدَلَالَةِ حَالِ التَّصَرُّفِ فَكَانَ هَذَا صَحِيحَ التَّصَرُّفِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَهُ الْمُبَاشِرُ لَا عَلَى خِلَافِهِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ) أَيْ وَهُوَ النِّصْفُ الشَّائِعُ بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُرَابَحَةِ فَإِنَّهُ) أَيْ لَوْ صَرَفَ كُلَّ الرِّبْحِ إلَى الثَّوْبِ لَا يَبْقَى بَيْعُ الثَّوْبِ وَالْقَلْبِ جَمِيعًا مُرَابَحَةً لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ بَيْعُ الثَّوْبِ مُرَابَحَةً وَبَيْعُ الْقَلْبِ تَوْلِيَةً وَالْعَاقِدُ قَصَدَ بَيْعَهُمَا مُرَابَحَةً فَيَلْزَمُ تَغْيِيرُ تَصَرُّفِهِ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِيَةِ إلَخْ) أَرَادَ بِهَا قَوْلَهُ فِيمَا سَبَقَ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ) أَيْ فَيَبْقَى الثَّمَنُ مَجْهُولًا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَهَذَا لِأَنَّا لَوْ صَرَفْنَا خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ بِدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَى الْعَبْدِ الْآخَرِ لَا يَلْزَمُ شِرَاءُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ طَرِيقَ التَّصْحِيحِ مُتَعَيِّنٌ وَهُوَ صَرْفُ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالثَّالِثَةُ) أَيْ وَهِيَ مَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَقَالَ بِعْتُك أَحَدَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الرَّابِعَةِ) أَيْ وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ وَافْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ اهـ. (قَوْلُهُ: بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الصَّرْفِ إلَى الْجِنْسِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا غَيْرُ) أَيْ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا تُطْلَبُ لِتَصْحِيحِ أَحْكَامِ الْعَقْدِ وَلَا تَحْصُلُ أَحْكَامُهُ إلَّا مَعَ صِحَّتِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَسَّمَ قِسْمَةً تُبْطِلُ الْعَقْدَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: هُوَ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ) يَعْنِي يَرُدُّ بَيْتُ الْمَالِ الْغَلَّةَ لَا لِزِيَافَتِهَا بَلْ لِكَوْنِهَا قِطَعًا اهـ. غَايَةٌ (وَلَا تَنَافِي إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ الْغَلَّةُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ يُنَافِي قَوْلَهُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ لِأَنَّ الَّذِي يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ زُيُوفٌ فَلَا يُقَالُ لِضِدِّهِ صَحِيحٌ بَلْ يُقَالُ جِيَادٌ فَأَجَابَ بِمَا ذُكِرَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ يُكْرَهُ أَنْ يَرُدَّهُ غَلَّةً لِيُرَدَّ عَلَيْهِ صَحِيحًا فَأَفْهَمَ أَنَّ الْغَلَّةَ هُمْ الْمُقَطَّعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدِينَارٍ بِعَشَرَةٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ هَهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ الْأَوَّلُ مَا إذَا بَاعَ الدِّينَارَ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ وَالثَّانِي أَنْ يُضِيفَ إلَى الدَّيْنِ بِأَنْ يَبِيعَ

الدِّينَارَ وَتَقَاصَّا الْعَشَرَةَ بِالْعَشَرَةِ) أَيْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ دَيْنٍ فَبَاعَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَشَرَةُ دِينَارًا بِالْعَشَرَةِ الَّتِي عَلَيْهِ، أَوْ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةً وَدَفَعَ الدِّينَارَ إلَيْهِ، ثُمَّ تَقَاصَّا الْعَشَرَةَ بِالْعَشَرَةِ فَكِلَاهُمَا جَائِزٌ أَمَّا إذَا قَابَلَ الدِّينَارَ بِالْعَشَرَةِ الَّتِي عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَلِأَنَّهُ جَعَلَ ثَمَنَهُ دَرَاهِمَ لَا يَجِبُ قَبْضُهَا وَلَا تَعْيِينُهَا بِالْقَبْضِ وَذَلِكَ جَائِزٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ بِالْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَتَعْيِينَ الْآخَرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الرِّبَا وَلَا رِبَا فِي دَيْنٍ يَسْقُطُ. وَإِنَّمَا الرِّبَا فِي دَيْنٍ يَقَعُ الْخَطَرُ فِي عَاقِبَتِهِ بِأَنْ يُتْوَى عَلَيْهِ وَيَسْلَمَ الْمَقْبُوضُ عَنْ التَّوَى وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّالِمَ بِيَقِينٍ أَزْيَدُ مِنْ الَّذِي عَلَى خَطَرِ التَّوَى فَيَتَحَقَّقُ الْفَضْلُ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ تَصَارَفَا دَرَاهِمَ دَيْنٍ بِدَنَانِيرِ دَيْنٍ يَصِحُّ لِفَوَاتِ الْخَطَرِ لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتًا قَبْلَ الْبَيْعِ وَيَسْقُطُ بِالْبَيْعِ وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ، ثُمَّ تَقَاصَّا، فَالْمَذْكُورُ هُنَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ بِالصَّرْفِ غَيْرُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالصَّرْفِ دَيْنٌ يَجِبُ تَعْيِينُهُ بِالْقَبْضِ احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا، وَالدَّيْنُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ قَبْضُهُ فَكَانَا غَيْرَيْنِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُقَاصَّةَ لَا تَقَعُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ فَيَكُونُ التَّقَاصُّ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بَدَلَ مَا وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِ الدِّينَارِ، فَلَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا لَمَّا تَقَاصَّا تَضَمَّنَ انْفِسَاخَ الْأَوَّلِ وَانْعِقَادَ صَرْفِ آخَرَ غَيْرِ الْأَوَّلِ مُضَافًا إلَى الْعَشَرَةِ الدَّيْنِ؛ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ فَثَبَتَتْ الْإِضَافَةُ اقْتِضَاءً كَمَا لَوْ تَبَايَعَا بِأَلْفٍ ثُمَّ جَدَّدَاهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ يَنْفَسِخُ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ الثَّانِي اقْتِضَاءً فَكَذَا هَذَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مَوْجُودًا قَبْلَ عَقْدِ الصَّرْفِ، أَوْ حَصَلَ بَعْدَهُ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ التَّقَاصُّ بِدَيْنٍ حَادِثٍ بَعْدَ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَقَاصًّا بِدَيْنٍ سَيَجِبُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّقَاصَّ هُوَ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الْفَسْخَ لِلصَّرْفِ الْأَوَّلِ، وَإِنْشَاءَ صَرْفٍ آخَرَ فَيُكْتَفَى بِوُجُودِ الدَّيْنِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَقْدًا جَدِيدًا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى مَا قَبْلَهُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى سَبْقِ وُجُوبِهِ بِخِلَافِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ قِصَاصًا بِدَيْنٍ آخَرَ مُطْلَقًا مُتَقَدِّمًا كَانَ، أَوْ مُتَأَخِّرًا؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ. وَلَوْ صَحَّتْ الْمُقَاصَّةُ بِرَأْسِ الْمَالِ يَصِيرُ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلِأَنَّ جَوَازَ السَّلَمِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ رُخْصَةً وَهُوَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ لِلضَّرُورَةِ فَإِذَا لَمْ يَقْتَصَّ شَيْئًا، فَلَا ضَرُورَةَ، فَلَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الدَّيْنِ ابْتِدَاءً بِأَنْ يُجْعَلَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ قَالَ (وَغَالِبِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِفِضَّةٍ وَذَهَبٍ حَتَّى لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْخَالِصَةِ بِهَا وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إلَّا مُتَسَاوِيًا وَزْنًا) وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا إلَّا وَزْنًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالدِّينَارَ بِالْعَشَرَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَبِيعَهُ دِينَارًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ يَحْدُثَ لِمُشْتَرِي الدِّينَارِ عَشَرَةٌ عَلَى بَائِعِ الدِّينَارِ بِأَنْ بَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ فَيَتَقَاصَّانِ وَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي مَذْكُورَانِ فِي الْمَتْنِ وَالثَّالِثُ سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - انْتَهَى. (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا قَابَلَ الدِّينَارَ بِالْعَشَرَةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا إذَا أَضَافَ إلَى الدَّيْنِ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ وَتَسْقُطُ الْعَشَرَةُ عَنْ ذِمَّةِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بَدَلًا عَنْ الدِّينَارِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ هَذَا عَقْدُ صَرْفٍ وَفِي الصَّرْفِ يُشْتَرَطُ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَيُشْتَرَطُ قَبْضُ الْآخَرِ احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا وَذَلِكَ لِأَنَّ بِقَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ حَصَلَ الْأَمْنُ مِنْ خَطَرِ الْهَلَاكِ فَلَوْ لَمْ يَنْقُدْ الْآخَرُ يَكُونُ فِيهِ خَطَرُ الْهَلَاكِ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي مَعْنَى التَّاوِي فَيَلْزَمُ الرِّبَا وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ الدِّينَارَ نَقْدٌ وَبَدَلُهُ وَهُوَ الْعَشَرَةُ سَقَطَتْ عَنْ بَائِعِ الدِّينَارِ حَيْثُ سُلِّمَتْ لَهُ فَلَمْ يَبْقَ خَطَرُ الْهَلَاكِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ تَعَيُّنَ الْبَدَلِ الْآخَرِ إنَّمَا كَانَ احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا وَلَا رِبَا فِي دَيْنٍ يَسْقُطُ وَإِنَّمَا الرِّبَا فِي دَيْنٍ يَقَعُ الْخَطَرُ فِي عَاقِبَتِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ حَرَامٌ وَمَعَ هَذَا لَوْ تَصَارَفَا دَرَاهِمَ دَيْنٍ بِدَنَانِيرَ دَيْنٍ صَحَّ لِفَوَاتِ مَعْنَى الْخَطَرِ فِي دَيْنٍ يَسْقُطُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ حَتَّى تَصَارَفَا دَرَاهِمَ دَيْنٍ بِدَنَانِيرَ دَيْنٍ لَمْ يَصِحَّ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَكُونُ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِهَذَا لَمْ تَجُزْ هَذِهِ الْمُقَاصَّةُ بِلَا تَرَاضٍ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذَ مَكَانَ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ أَوْ عَرَضًا لَا يَجُوزُ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَثَبَتَتْ الْإِضَافَةُ اقْتِضَاءً) وَأَبَى ذَلِكَ زُفَرُ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالِاقْتِضَاءِ وَخَالَفَنَا فِي ذَلِكَ كَمَا خَالَفَنَا فِي قَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ التَّقَاصُّ بِدَيْنٍ حَادِثٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا إذَا حَدَثَ الدَّيْنُ بَعْدَ بَيْعِ الدِّينَارِ بِالْعَشَرَةِ بِأَنْ بَاعَ مُشْتَرِي الدِّينَارِ ثَوْبًا مِنْ بَائِعِ الدِّينَارِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَسَلَّمَ الثَّوْبَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَشَرَةَ ثُمَّ تَقَاصَّا الْعَشَرَةَ بِالْعَشَرَةِ فِي الْمَجْلِسِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَا يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالزَّاهِدُ وَالْعَتَّابِيُّ وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَّزَ الْمُقَاصَّةَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي دَيْنٍ سَابِقٍ لَا لَاحِقٍ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ يَنْفَسِخُ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِمَا قَصَدَا وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ وَالْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا اسْتَقْرَضَ بَائِعُ الدِّينَارِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ غَصَبَ مِنْهُ فَقَدْ صَارَ قِصَاصًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّرَاضِي لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْقَبْضُ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الدَّيْنِ إلَى آخِرِهِ) وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ دَيْنًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ جَازَ السَّلَمُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا إلَّا وَزْنًا) أَيْ إلَّا إذَا اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا أَوْ عَرَضًا

لِأَنَّهُمَا لَا يَخْلُوَانِ عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ؛ إذْ هُمَا لَا يُطْبَعَانِ عَادَةً بِدُونِهِ وَقَدْ يَكُونُ الْغِشُّ فِيهِمَا خِلْقَةً فَيَعْسُرُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمَخْلُوطِ وَالْخِلْقِيِّ فَيَلْحَقُ الْقَلِيلُ مِنْ الْغِشِّ بِالرَّدَاءَةِ، وَالرَّدِيءُ وَالْجَيِّدُ مِنْهُمَا سَوَاءٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فَيُجْعَلُ الْغِشُّ الَّذِي فِيهِمَا مَعْدُومًا حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ اعْتِبَارٌ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْغِشُّ هُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمَا حَيْثُ تُعْتَبَرُ الْفِضَّةُ، وَالذَّهَبُ اللَّذَانِ فِيهِ عَلَى مَا يُذْكَرُ مِنْ الْفَرْقِ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَغَالِبُ الْغِشِّ لَيْسَ فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ)؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ فِي الشَّرْعِ قَالَ (فَصَحَّ بَيْعُهَا بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا) أَيْ بِالْمَغْشُوشِ مِثْلِهَا عَدًّا، أَوْ وَزْنًا؛ لِأَنَّ الْغِشَّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَابَلٌ بِالْفِضَّةِ، أَوْ الذَّهَبِ الَّذِي فِي الْآخَرِ، فَلَا يَضُرُّ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا؛ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي الْبَعْضِ لِوُجُودِ الْفِضَّةِ، أَوْ الذَّهَبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْغِشِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ إلَّا بِضَرَرٍ بِخِلَافِ بَيْعِ دِرْهَمٍ وَثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ إلَّا فِي الدِّرْهَمَيْنِ، وَكَذَا إذَا بِيعَتْ بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ، أَوْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ الَّذِي فِي الْمَغْشُوشِ حَتَّى يَكُونَ قَدْرُهُ بِمِثْلِهِ، وَالزَّائِدُ بِالْغِشِّ عَلَى مِثَالِ بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ، وَالْجَارِيَةِ وَطَوْقِهَا بِالْفِضَّةِ فَاعْتُبِرَ الْفِضَّةُ، أَوْ الذَّهَبُ الْمَغْلُوبُ بِالْغِشِّ هُنَا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِبَارِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْغِشُّ الْمَغْلُوبُ بِالْفِضَّةِ، أَوْ الذَّهَبِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ كُلَّهُ فِضَّةٌ، أَوْ ذَهَبٌ فَيُمْنَعُ بَيْعُهُ مُتَفَاضِلًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفِضَّةَ الْمَغْلُوبَةَ، أَوْ الذَّهَبَ الْمَغْلُوبَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً حَالًا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنِ وَمَآلًا بِالْإِذَابَةِ فَإِنْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ يَخْلُصَانِ مِنْهُ بِالْإِذَابَةِ فَكَانَا مَوْجُودَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا حَتَّى يُعْتَبَرُ مَا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ مِنْ النِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ أَيْضًا بِخِلَافِ الْغِشِّ الْمَغْلُوبِ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَرِقُ أَوْ يَهْلِكُ وَلَا لَوْنَ لَهُ فِي الْحَالِ أَيْضًا، فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ عُرِفَ أَنَّ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ الَّذِي فِي الْغِشِّ الْغَالِبِ يَحْتَرِقُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ النُّحَاسِ الْخَالِصِ حَتَّى لَا يَكُونُ لِلْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ الَّذِي فِيهِ اعْتِبَارٌ أَصْلًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا إنْ كَانَ مَوْزُونًا لِلرِّبَا وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَمْ يُفْتُوا بِجَوَازِ التَّفَاضُلِ فِي الْغَطَارِفَةِ، وَالْعِدَالَيْ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهَا الْغِشَّ؛ لِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ فِي دِيَارِهِمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلَوْ أُبِيحَ التَّفَاضُلُ فِيهَا لَانْفَتَحَ بَابُ الرِّبَا. قَالَ (، وَالتَّبَايُعُ، وَالِاسْتِقْرَاضُ بِمَا يَرُوجُ عَدَدًا، أَوْ وَزْنًا، أَوْ بِهِمَا)؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ الْعَادَةُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ فِيهَا الْغِشَّ صَارَتْ كَالْفُلُوسِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا عَادَاتُ النَّاسِ كَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْفُلُوسِ الْعَادَةُ فِي الْمُعَامَلَةِ بِهَا حَتَّى إذَا كَانَتْ تَرُوجُ بِالْوَزْنِ فَبِالْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِالْعَدَدِ تُعْتَبَرُ بِالْعَدَدِ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِهِمَا فَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ (وَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لِكَوْنِهِ أَثْمَانًا) يُعْنِي مَا دَامَتْ تَرُوجُ؛ لِأَنَّهَا بِالِاصْطِلَاحِ صَارَتْ أَثْمَانًا فَمَا دَامَ ذَلِكَ الِاصْطِلَاحُ مَوْجُودًا لَا تَبْطُلُ الثَّمَنِيَّةُ لِقِيَامِ الْمُقْتَضِي قَالَ (وَيَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ إنْ كَانَتْ لَا تَرُوجُ) لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي لِلثَّمَنِيَّةِ، وَهُوَ الِاصْطِلَاحُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ هِيَ سِلْعَةٌ، وَإِنَّمَا صَارَتْ أَثْمَانًا بِالِاصْطِلَاحِ فَإِذَا تَرَكُوا الْمُعَامَلَةَ بِهَا رَجَعَتْ إلَى أَصْلِهَا، وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُهَا الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ، فَهِيَ مِثْلُ الدَّرَاهِمِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا بَلْ بِجِنْسِهَا إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ بِحَالِهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ بِحَالِهَا وَبَاعَهُ بِهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا دَرَاهِمُ جِيَادٌ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالْجِيَادِ لِوُجُودِ الرِّضَا بِهَا فِي الْأُولَى وَلِعَدَمِهَا فِي الثَّانِيَةِ. قَالَ (وَالْمُتَسَاوِي كَغَالِبِ الْفِضَّةِ فِي التَّبَايُعِ وَالِاسْتِقْرَاضِ وَفِي الصَّرْفِ كَغَالِبِ الْغِشِّ) يَعْنِي الَّذِي اسْتَوَى غِشُّهُ وَفِضَّتُهُ، أَوْ غِشُّهُ وَذَهَبُهُ حُكْمُهُ فِي التَّبَايُعِ وَالِاسْتِقْرَاضِ كَحُكْمِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا الْفِضَّةُ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْبَيْعُ بِهَا وَلَا إقْرَاضُهَا إلَّا بِالْوَزْنِ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الرَّدِيئَةِ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ مَوْجُودَةٌ فِيهَا حَقِيقَةً وَلَمْ تَصِرْ مَغْلُوبَةً فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِالْوَزْنِ شَرْعًا كَالْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا إلَّا أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا فِي الْمُبَايَعَةِ فَيَكُونَ بَيَانًا لِقَدْرِهَا وَوَصْفِهَا كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَى الدَّرَاهِمِ الْجَيِّدَةِ وَلَا يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَيُعْطِيهِ مِثْلَهَا؛ لِأَنَّهَا ثَمَنٌ فَلَمْ تَتَعَيَّنْ وَفِي الصَّرْفِ حُكْمُهُ كَحُكْمِ فِضَّةٍ غَلَبَ عَلَيْهَا الْغِشُّ حَتَّى إذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا جَازَ عَلَى وَجْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعَيْنِهِ وَأَشَارَ إلَيْهِ وَأَضَافَ الْعَقْدَ إلَيْهِ فَإِنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ وَزْنَهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ، وَلَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْعَقْدِ انْتَهَى غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَغَالِبُ الْغِشِّ لَيْسَ فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ إلَى آخِرِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَرْخِيَّ يُسَمِّي هَذَا النَّوْعَ السَّتُّوقَ فَقَالَ السَّتُّوقُ عِنْدَهُمْ مَا كَانَ الصُّفْرُ أَوْ النُّحَاسُ هُوَ الْغَالِبُ فَإِذَا كَانَ الصُّفْرُ أَوْ النُّحَاسُ هُوَ الْغَالِبُ كَانَتْ فِي حُكْمِ الصُّفْرِ أَوْ النُّحَاسِ حَتَّى لَا تُبَاعُ بِالصُّفْرِ أَوْ النُّحَاسِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَكِنْ إذَا بِيعَتْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا جَازَ وَيُصْرَفُ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَجْوِيزًا لِلْعَقْدِ وَيُشْتَرَطُ الْقَبْضُ لِكَوْنِهِ صَرْفًا لِأَنَّهُ بَيْعُ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ فَلَمَّا اُشْتُرِطَ الْقَبْضُ فِي الْفِضَّةِ اُشْتُرِطَ فِي الصُّفْرِ أَوْ النُّحَاسِ أَيْضًا لِأَنَّ فِي تَمْيِيزِهِ مَضَرَّةً انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُهَا إلَى إلَخْ)، فَإِنْ كَانَ يَقْبَلُهَا الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَهِيَ كَالزُّيُوفِ وَإِلَّا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا بَلْ بِجِنْسِهَا زُيُوفًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِعَدَمِهِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَلِعَدَمِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْمُتَسَاوِي إلَخْ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَإِنْ كَانَ الْغِشُّ مَعَ الْفِضَّةِ سَوَاءً فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْفِضَّةِ فِي أَنَّهُ لَا يُبَاعُ إلَّا وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُجَازَفَةً وَعَدَدًا وَإِذَا قُوبِلَ بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ فِي الْبَيْعِ يُرَاعَى فِيهِ طَرِيقُ الِاعْتِبَارِ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْفِضَّةَ الْخَالِصَةَ أَكْثَرُ جَازَ حَتَّى تَكُونَ الْفِضَّةُ بِإِزَاءِ الْفِضَّةِ وَزْنًا وَالزِّيَادَةُ بِإِزَاءِ الْغِشِّ وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ أَقَلَّ مِنْ الْفِضَّةِ الَّتِي فِي الْمَغْشُوشِ أَوْ مِثْلَهَا أَوْ لَا يَدْرِي لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا اهـ. أَتْقَانِيٌّ

الِاعْتِبَارِ وَلَوْ بَاعَهَا بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ لَا يَجُوزُ حَتَّى تَكُونَ الْخَالِصَةُ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا غَلَبَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ فِضَّةٍ وَقِطْعَةِ نُحَاسٍ فَبَاعَهُمَا بِمِثْلِهِمَا، أَوْ بِفِضَّةٍ فَقَطْ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إنْ كَانَ نِصْفُهَا صُفْرًا وَنِصْفُهَا فِضَّةً لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ فِيمَا إذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ هُنَا وَوَجْهُهُ أَنَّ فِضَّتَهَا لَمَّا لَمْ تَصِرْ مَغْلُوبَةً جُعِلَتْ كَأَنَّ كُلَّهَا فِضَّةٌ فِي حَقِّ الصَّرْفِ احْتِيَاطًا قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى بِهِ، أَوْ بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ شَيْئًا وَكَسَدَ بَطَلَ الْبَيْعُ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا الْغِشُّ، أَوْ بِالْفُلُوسِ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَافِقًا حَتَّى جَازَ الْبَيْعُ لِقِيَامِ الِاصْطِلَاحِ عَلَى الثَّمَنِيَّةِ وَلِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ؛ لِالْتِحَاقِهِمَا بِالثَّمَنِ، ثُمَّ كَسَدَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَكَذَا إذَا انْقَطَعَتْ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ شَيْئًا بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ كَسَدَتْ، أَوْ انْقَطَعَتْ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِلَّا فَمِثْلُهُ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ صَحَّ لِبَقَاءِ الِاصْطِلَاحِ عَلَى الثَّمَنِيَّةِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ بَعْدَهُ بِالْكَسَادِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ؛ لِاحْتِمَالِ الزَّوَالِ بِالرَّوَاجِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِالرُّطَبِ، ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ. وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ عِنْدَهُمَا وَقَدْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ يَجِبُ قِيمَتُهُ لَكِنْ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ صَارَ مَضْمُونًا بِهِ كَالْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْكَسَادِ، وَهُوَ آخِرُ مَا يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ الِانْتِقَالِ إلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى كَانَ وَاجِبَ التَّسْلِيمِ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ فَإِذَا انْقَطَعَ انْتَقَلَ إلَى الْقِيمَةِ لِلتَّعَذُّرِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمِئِذٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ بِالِاصْطِلَاحِ فَتَبْطُلُ الثَّمَنِيَّةُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ، وَالْمُقْتَضِي لَهَا فَيَبْقَى الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ فَيَبْطُلُ، وَلَا يُقَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَكَسَدَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْكَسَادِ مِثْلُهُ فِي الِانْقِطَاعِ وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ إذَا كَسَدَتْ كَذَلِكَ هَذَا إذَا كَسَدَتْ أَوْ انْقَطَعَتْ فَلَوْ لَمْ تَكْسُدْ وَلَمْ تَنْقَطِعْ، وَلَكِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ وَعَكْسُهُ لَوْ غَلَتْ قِيمَتُهَا وَازْدَادَتْ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَيُطَالَبُ بِأَلْفٍ بِذَلِكَ الْعِيَارِ الَّذِي كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ اهـ. قَالَ فِي الْإِشَارَاتِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِفُلُوسٍ فَكَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ الْعَقْدُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ اشْتَرَى مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ فَقَبَضَ الْفُلُوسَ أَوْ الدِّرْهَمَ ثُمَّ افْتَرَقَا جَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُمَا افْتَرَقَا عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ، فَإِنْ كَسَدَتْ الْفُلُوسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْفُلُوسُ هُوَ الْمَقْبُوضُ، فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّ كَسَادَ الْفُلُوسِ بِمَنْزِلَةِ هَلَاكِهَا وَهَلَاكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ، وَإِنْ كَانَ الْفُلُوسُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ بَطَلَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ كَسَادَ الْفُلُوسِ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ وَهَلَاكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْطُلَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّمَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إبْطَالَهُ فَسْخًا لِأَنَّ كَسَادَهَا بِمَنْزِلَةِ عَيْبٍ فِيهَا وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ إذَا حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ الْخِيَارُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَلَوْ نَقَدَ الدِّرْهَمَ وَقَبَضَ مِنْ الْفُلُوسِ نِصْفَهَا خَمْسِينَ ثُمَّ كَسَدَتْ الْفُلُوسُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ النِّصْفَ الْآخَرَ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِهَا وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ نِصْفَ الدِّرْهَمِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَطَلَ الْبَيْعُ) لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ بَلْ الْمُرَادُ بِالْبُطْلَانِ الْفَسَادُ اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ شَيْئًا بِالدَّرَاهِمِ إلَى آخِرِهِ) لَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا الْغِشُّ إذَا بَاعَ بِهَا وَكَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَحُكْمَ الْبَيْعِ بِالْفُلُوسِ ذَكَرَ الشَّارِحُ حُكْمَ الْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ الْجَيِّدَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَانْقَطَعَتْ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَيْ الْمَبِيعُ مَقْبُوضًا، فَلَا حُكْمَ لِهَذَا الْبَيْعِ أَصْلًا اهـ. (فَرْعٌ) نُقِلَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُحِيطِ دَلَّالٌ بَاعَ مَتَاعَ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ وَاسْتَوْفَى الدَّرَاهِمَ فَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ كَسَدَتْ الدَّرَاهِمُ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَقِيمَتِهِ) أَيْ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَبْطُلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْكَسَادَ لَا يُؤَجَّلُ لِفَسَادٍ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ التَّسْلِيمَ يَتَعَذَّرُ بِهِ وَتَعَذُّرُ التَّسْلِيمِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ) أَيْ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا وَتَجِبُ الْقِيمَةُ أَوْ يَنْتَظِر زَمَانَ الرُّطَبِ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ فَكَذَا هَذَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبَيْعِ) قَالَ الْكَمَالُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعْتَبِرُ يَوْمَ الْكَسَادِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَهَذَا كَالِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا فِيمَنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا وَانْقَطَعَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْكَسَادِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ آخِرَ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا وَهُوَ يَوْمُ الِانْقِطَاعِ لِأَنَّهُ أَوَانُ الِانْتِقَالِ إلَى الْقِيمَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْحَقَائِقِ وَبِهِ يُفْتَى رِفْقًا بِالنَّاسِ اهـ. (قَوْلُهُ فَيَبْقَى الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ فَيَبْطُلُ) الْمُرَادُ مِنْهُ الْفَسَادُ أَيْضًا إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ وَسَكَتَ عَنْ الثَّمَنِ وَلَوْ بَاعَ وَسَكَتَ عَنْهُ يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ فِرِشْتَا فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ نَقْلًا عَنْ الْإِيضَاحِ وَقَالَ فِي الْكَنْزِ فِي بَابِ التَّحَالُفِ مَا نَصُّهُ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ قُضِيَ لِمَنْ بَرْهَنَ وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِمُثْبِتِ الزِّيَادَةِ وَإِنْ عَجَزَ أَوْ لَمْ يَرْضَيَا بِدَعْوَى أَحَدِهِمَا تَحَالَفَا وَبُدِئَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي وَفَسَخَ الْقَاضِي بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا قَالَ الشَّارِحُ لِأَنَّهُمَا لَمَّا حَلَفَا لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَبْقَى بَيْعًا بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ أَوْ بِلَا بَدَلٍ فَيُفْسَخُ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِلَا ثَمَنٍ أَوْ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَاسِدٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ فِيهِ اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ

إنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَ عَيْنَهَا، وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْكَسَادِ، وَهِيَ مَقْدُورَةُ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ تَنَاوُلُهَا بِصِفَةِ الثَّمَنِيَّةِ وَبِالْكَسَادِ تَنْعَدِمُ الصِّفَةُ بِخِلَافِ انْقِطَاعِ الرُّطَبِ فَإِنَّهُ يَعُودُ غَالِبًا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فَلَمْ يَكُنْ هَلَاكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يَبْطُلْ وَفِي النُّحَاسِ وَأَمْثَالِهِ الْأَصْلُ هُوَ الْكَسَادُ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ. فَإِذَا كَسَدَ رَجَعَ إلَى أَصْلِهِ عَلَى وَجْهٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعُودُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا رَجَعَ إلَى أَصْلِهِ قَلَّمَا يَزُولُ وَحَدُّ الْكَسَادِ أَنْ تَتْرُكَ الْمُعَامَلَةَ بِهَا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، فَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لَكِنَّهُ يَتَعَيَّبُ إذَا لَمْ تَرُجْ فِي بَلَدِهِمْ فَيَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي يَدِ الصَّيَارِفَةِ وَفِي الْبُيُوتِ قَالَ (وَصَحَّ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ)؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مَعْلُومَةٌ صَارَتْ ثَمَنًا بِالِاصْطِلَاحِ فَجَازَ بِهَا الْبَيْعُ وَوَجَبَ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ، وَإِنْ عَيَّنَهَا لَا تَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ لَا تَبْطُلُ بِتَعْيِينِهَا؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ قَدْرِ الْوَاجِبِ وَوَصْفِهِ كَمَا فِي الدَّرَاهِمِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِتَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِعَيْنِهَا. فَلَا يَبْطُلُ الِاصْطِلَاحُ بِالْمُحْتَمَلِ مَا لَمْ يُصَرِّحَا بِإِبْطَالِهِ بِأَنْ يَقُولَا أَرَدْنَا بِهِ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِعَيْنِهَا فَحِينَئِذٍ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ فَلْسًا بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَفَسَدَ الْبَيْعُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةً تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ، وَهُنَا يَجُوزُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إبْطَالِ اصْطِلَاحِ الْكَافَّةِ، وَهَذَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَتَعَيَّنُ، وَإِنْ صَرَّحَا بِهِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ اصْطِلَاحَ الْعَامَّةِ لَا يَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا عَلَى خِلَافِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ فِي حَقِّهِمَا لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْغَيْرِ عَلَيْهِمَا فَلَا يَلْزَمُهُمَا. قَالَ (وَبِالْكَاسِدَةِ لَا حَتَّى يُعَيِّنَهَا) أَيْ إذَا بَاعَ بِالْفُلُوسِ الْكَاسِدَةِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ حَتَّى يُعَيِّنَهَا؛ لِأَنَّهَا سِلَعٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهَا قَالَ (وَلَوْ كَسَدَتْ أَفْلُسُ الْقَرْضِ يَجِبُ رَدُّ مِثْلِهَا)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّهَا كَمَا قَبَضَهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ ثَمَنٌ، وَالْمَرْدُودَ لَيْسَ بِثَمَنٍ فَفَاتَتْ الْمُمَاثَلَةُ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ كَمَا لَوْ اسْتَقْرَضَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْكَسَادِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمُسْتَقْرِضِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ أَقَلُّ، وَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْعَ بِلَا ثَمَنٍ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ إذْ الْفَسْخُ يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْعَقْدِ وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي الْبَاطِلِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَعِبَارَةُ الْإِشَارَاتِ الَّتِي نَقَلْتهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ كَسَدَ إلَخْ تُؤَيِّدُ مَا قُلْته اهـ. (قَوْلُهُ: وَحَدُّ الْكَسَادِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَتَفْسِيرُ الْكَسَادِ مَذْكُورٌ فِي الْبُيُوعِ أَنَّهَا لَا تَرُوجُ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ ثُمَّ قَالَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَمَّا عِنْدَهُمَا الْكَسَادُ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ يَكْفِي فِي فَسَادِ الْبَيْعِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي بَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ اصْطِلَاحِ بَعْضِ النَّاسِ وَعِنْدَهُ لَا لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ اصْطِلَاحَ الْكُلِّ وَقَالَ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ مَكَانَهُ نِكَاحٌ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَفِي الْعُيُونِ أَنَّ عَدَمَ الرَّوَاجِ إنَّمَا يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ إذَا كَانَ لَا يَرُوجُ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ هَالِكًا وَيَبْقَى الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَرُوجُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ وَيَرُوجُ فِي غَيْرِهَا لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ وَلَكِنَّهُ تَعَيَّبَ فَكَانَ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ قَالَ أَعْطِ مِثْلَ النَّقْدِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ ذَلِكَ دَنَانِيرَ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْفُلُوسُ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ أَثْمَانُ الْأَشْيَاءِ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ شَرَطَ الْمُتَبَايِعَانِ أَعْيَانَهَا وَيَكُونُ مَا أَوْجَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يُجْبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ مَا شَرَطَ مِنْ الْعَيْنِ إنْ شَاءَ أَعْطَى الْعَيْنَ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى مِثْلَهَا وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يَجْبُرَهُ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَيْنِ إلَيْهِ وَالْخِيَارُ فِي ذَلِكَ إلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفُلُوسَ النَّافِقَةَ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِهَا فَصَارَتْ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَالْعَاقِدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ عَيْنَهَا وَإِنْ هَلَكَتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَاسِدَةً لِأَنَّهَا مَبِيعَةٌ فَالْمَبِيعُ لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ النَّافِقَةِ مَا نَصُّهُ النَّافِقَةُ الرَّائِجَةُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ كَسَدَتْ إلَخْ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْكَسَادِ احْتِرَازًا عَنْ الرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْإِسْبِيجَابِيَّ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْفُلُوسَ إذَا لَمْ تَكْسُدْ، وَلَكِنْ غَلَتْ قِيمَتُهَا أَوْ رَخُصَتْ فَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا قَبَضَ مِنْ الْعَدَدِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا اسْتَقْرَضَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ بُخَارِيَّةً أَوْ طَبَرِيَّةً أَوْ يَزِيدِيَّةً أَوْ فُلُوسًا فِي الْحَالِ الَّتِي تُنْفَقُ فِيهَا ثُمَّ كَسَدَتْ فَإِنَّ بِشْرَ بْنَ الْوَلِيدِ قَالَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ عَلَيْهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهَا وَلَسْت أَرْوِي ذَلِكَ عَنْهُ، وَلَكِنَّ الرِّوَايَةَ فِي الْفُلُوسِ إذَا أَقْرَضَهَا ثُمَّ كَسَدَتْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ لَمْ تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَرْضِ الْفُلُوسِ إذَا كَسَدَتْ أَنَّ عَلَيْهِ مِثْلَهَا قَالَ بِشْرٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ يَوْمَ وَقَعَ الْقَرْضُ فِي الدَّرَاهِمِ الَّتِي ذَكَرْت لَك أَصْنَافَهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا إذَا كَسَدَتْ فِي آخِرِ وَقْتِ نِفَاقِهَا قَبْلَ أَنْ تَكْسُدَ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَفْلُسُ) وَالْفَلْسُ الَّذِي يُتَعَامَلُ بِهِ جَمْعُهُ فِي الْقِلَّةِ أَفْلُسُ وَفِي الْكَثْرَةِ فُلُوسٌ اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ، وَكَذَا فِي حَقِّ) أَيْ، وَكَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمُقْرِضِ أَيْضًا إلَخْ اهـ.

[اشترى شيئا بنصف درهم فلوس]

فِي حَقِّ الْمُقْرِضِ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ مَعْلُومَةٌ وَيَوْمَ الْكَسَادِ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِحَرَجٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ وَمُوجَبُهَا رَدُّ الْعَيْنِ مَعْنًى وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِرَدِّ مِثْلِهِ، وَالثَّمَنِيَّةُ زِيَادَةٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَرْضِ لَا تَعْتَمِدُ الثَّمَنِيَّةَ، بَلْ تَعْتَمِدُ الْمِثْلَ وَبِالْكَسَادِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا وَلِهَذَا صَحَّ اسْتِقْرَاضُهُ بَعْدَ الْكَسَادِ وَصَحَّ اسْتِقْرَاضُ مَا لَيْسَ بِثَمَنٍ كَالْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ، وَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَنًا. وَلَوْلَا إنَّهُ إعَارَةٌ فِي الْمَعْنَى لَمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُبَادَلَةَ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ نَسِيئَةً، وَإِنَّهُ حَرَامٌ فَصَارَ الْمَرْدُودُ عَيْنُ الْمَقْبُوضِ حُكْمًا، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرَّوَاجُ كَرَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَالْقَرْضُ كَالْغَصْبِ؛ إذْ هُوَ مَضْمُونٌ بِمِثْلِهِ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا كَالرُّطَبِ مَثَلًا، ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَ الْغَصْبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ وَوَجْهُ الْبِنَاءِ عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهَا كَاسِدَةٌ وَعَيْنَهَا سَوَاءٌ فِي يَوْمِ الْخُصُومَةِ، فَلَا فَائِدَةَ لِإِيجَابِ الْقِيمَةِ، وَالْعُدُولِ عَنْ الْعَيْنِ، بَلْ إيجَابُ الْعَيْنِ، أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا عُدِلَ فِي الْغَصْبِ إلَى الْقِيمَةِ لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ بِالِانْقِطَاعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ صَحَّ) وَعَلَيْهِ فُلُوسٌ تُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بِثُلُثِ دِرْهَمٍ، أَوْ بِرُبْعِهِ، أَوْ بِدَانَقِ فُلُوسٍ، أَوْ بِقِيرَاطِ فُلُوسٍ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ إمَّا بِقِيمَةِ نِصْفِ دِرْهَمِ فِضَّةٍ، أَوْ بِفُلُوسٍ وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ بَاعَهُ بِقِيمَةِ غَيْرِهِ وَلَوْ بَاعَهُ بِقِيمَةِ نَفْسِ الْمَبِيعِ لَا يَجُوزُ فَبِقِيمَةِ غَيْرِهِ أَوْلَى فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِقِيمَةِ عَبْدٍ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْفُلُوسَ مُقَدَّرَةٌ بِالْعَدَدِ لَا بِالْوَزْنِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِي الْكَثِيرِ مِنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَكَذَا فِي الْقَلِيلِ، أَوْ يَكُونَ اشْتَرَى بِفِضَّةٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ بَدَلَهَا فُلُوسًا فَيَفْسُدُ قُلْنَا التَّبَايُعُ بِهَذَا الطَّرِيقِ مُتَعَارَفٌ فِي الْقَلِيلِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ بَيْنَ النَّاسِ لَا تَتَفَاوَتُ قِيمَةُ الْفِضَّةِ فِيهَا، فَلَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ فَيُفْضِي إلَى النِّزَاعِ وَلَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ لِلْعَادَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الدِّرْهَمِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ وَلَا تَتَفَاوَتُ قِيمَةُ الْفِضَّةِ مِنْ الْفُلُوسِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَيَّنَ عَدَدَ الْفُلُوسِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ فُلُوسًا وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الدِّرْهَمَ بِنِصْفِ دِرْهَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنْظَرُ لِلْجَانِبَيْنِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ لِجَانِبِ الْمُقْرِضِ وَالْمُسْتَقْرِضِ وَهَذَا لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ وَهُوَ كَاسِدٌ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْمُقْرِضِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ وَهُوَ ضَرَرٌ بِالْمُسْتَقْرِضِ فَكَانَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنْظَرَ لَهُمَا جَمِيعًا اهـ. (قَوْلُهُ مَعْلُومَةٌ) أَيْ لِلْمُقْرِضِ وَالْمُسْتَقْرِضِ وَسَائِرِ النَّاسِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَيَوْمَ الْكَسَادِ لَا تُعْرَفُ) أَيْ تُشْتَبَهُ عَلَى النَّاسِ وَيَخْتَلِفُونَ فِيهَا اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَ الْغَصْبِ) وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ يَوْمَ الْبَيْعِ بَدَلَ الْغَصْبِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. . [اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ صَحَّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ جَازَ وَعَلَيْهِ مَا يُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفُلُوسِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَ بِدَانَقِ فُلُوسٍ أَوْ بِقِيرَاطِ فُلُوسٍ جَازَ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَذَا ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي الْمُخْتَلَفِ وَالْحَصْرِ وَغَيْرِهِمَا وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْفُلُوسَ تُعْتَبَرُ بِالْعَدَدِ وَتُقَدَّرُ بِهِ لَا بِالدَّانَقِ وَالدِّرْهَمِ فَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ عَدَدُ الْفُلُوسِ كَانَ مَجْهُولًا فَلَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الدَّانَقِ وَالدِّرْهَمِ ثُمَّ شَرْطُ إيفَائِهِ مِنْ الْفُلُوسِ يَكُونُ شَرْطَ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ، فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ وَلَنَا أَنَّ كُلًّا مِنَّا فِيمَا إذَا كَانَ مَا يُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِدَانَقٍ مِنْ الْفُلُوسِ مَعْلُومًا عِنْدَ النَّاسِ بِأَنْ يَكُونَ الدِّرْهَمُ أَوْ الدَّانَقُ عِبَارَةً عَنْ قَدْرٍ مِنْ الْفُلُوسِ كَمَا يَكُونُ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَإِذَا كَانَ قَدْرُ الْفُلُوسِ مَعْلُومًا كَانَ كَأَنَّهُ صَرَّحَ بِقَدْرِهَا فَجَازَ لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الدَّانَقِ وَالدِّرْهَمِ بَلْ وَقَعَ عَلَى الْفُلُوسِ لِأَنَّهُ أَوْضَحَهُ بِلَفْظِ الْفُلُوسِ وَالْفُلُوسُ تُسْتَعْمَلُ فِي الْكُسُورِ صَوْنًا لِلدَّرَاهِمِ عَنْ الْكَسْرِ وَذَكَرَ الدَّانَقَ لِتَقْدِيرِ الْفَلْسِ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِدِرْهَمٍ فُلُوسٍ لِأَنَّ الْفُلُوسَ لَا تُسْتَعْمَلُ مَكَانَ الدِّرْهَمِ فَكَانَ الْعَقْدُ وَاقِعًا عَلَى الدِّرْهَمِ ثُمَّ شَرْطُ إيفَائِهِ مِنْ الْفُلُوسِ شَرْطُ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ، فَلَا يَجُوزُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ لَا يَجُوزُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ فُلُوسٍ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ مَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْمُرَادُ لَا وَزْنُ الدِّرْهَمِ مِنْ الْفُلُوسِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ لِأَنَّ فِي الْعَادَةِ الْمُبَايَعَةُ بِالْفُلُوسِ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ فَصَارَ مَعْلُومًا بِحُكْمِ الْعَادَةِ وَلَا كَذَلِكَ الدِّرْهَمُ قَالُوا وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَصَحُّ سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي دِيَارِنَا مَا نَصُّهُ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ لِأَنَّ قَدْرَ مَا يُبَاعُ بِالدِّرْهَمِ مِنْ الْفُلُوسِ مَعْلُومٌ وَإِيرَادُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ شِرَاءُ الْفَاكِهَةِ بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ مُبَادَلَةَ الدِّرْهَمِ بِالْفُلُوسِ وَهُمَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَثْمَانِ وَالصَّرْفُ نَوْعُ بَيْعٍ يَقَعُ فِي الْأَثْمَانِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ نِصْفَ دِرْهَمٍ فُلُوسًا) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلنِّصْفِ فِي قَوْلِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ وَيَجُوزُ جَرُّهُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِدِرْهَمٍ أَيْ دِرْهَمَ هُوَ فُلُوسٌ اهـ. أَتْقَانِيٌّ بِالْمَعْنَى

[كتاب الكفالة]

فُلُوسٍ وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً مِنْ الْفِضَّةِ فَيَكُونُ نِصْفَ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً بِمُقَابَلَةِ الْفِضَّةِ وَنِصْفَ دِرْهَمٍ وَحَبَّةٍ بِمُقَابَلَةِ الْفُلُوسِ وَلَوْ قَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً بَطَلَ فِي الْكُلِّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا يُقَابِلُ الْفِضَّةَ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ عِنْدَهُمَا عِنْدَ التَّفْصِيلِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ وَعِنْدَهُ يَفْسُدُ وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْعَقْدَ يَتَكَرَّرُ عِنْدَهُ بِتَكْرَارِ اللَّفْظِ وَعِنْدَهُمَا بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِي الْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَنَحْوُهُ، ثُمَّ إنْ افْتَرَقَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْفُلُوسَ وَالنِّصْفَ إلَّا حَبَّةً بَطَلَ فِي النِّصْفِ إلَّا حَبَّةً؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ صَرْفٌ وَقَدْ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ. وَلَا يَبْطُلُ فِي الْفُلُوسِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهَا بَيْعٌ فَيَكْفِي قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَلَوْ لَمْ يُعْطِهِ الدِّرْهَمَ وَلَمْ يَأْخُذْ هُوَ الْفُلُوسَ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُمَا افْتَرَقَا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَثَبَتَ بِمَجْمُوعِ مَا مَضَى أَنَّ الْأَمْوَالَ أَنْوَاعٌ نَوْعٌ ثَمَنٌ بِكُلِّ حَالٍ كَالنَّقْدَيْنِ صَحِبَهُ الْبَاءُ أَوْ لَا، قُوبِلَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَنَوْعٌ مَبِيعٌ بِكُلِّ حَالٍ كَالثِّيَابِ، وَالدَّوَابِّ، وَالْعَبِيدِ وَنَوْعٌ ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ كَانَ مَبِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا وَصَحِبَهُ الْبَاءُ وَقُوبِلَ بِالْمَبِيعِ فَهُوَ ثَمَنٌ. وَنَوْعٌ ثَمَنٌ بِالِاصْطِلَاحِ، وَهُوَ سِلْعَةٌ فِي الْأَصْلِ كَالْفُلُوسِ، فَإِنْ كَانَ رَائِجًا كَانَ ثَمَنًا، وَإِنْ كَانَ كَاسِدًا، فَهُوَ سِلْعَةٌ مُثَمَّنٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْعَرَبِ. كَذَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ، وَالنُّقُودُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَكَانَتْ ثَمَنًا بِكُلِّ حَالٍ، وَالْعُرُوضُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا عَيْنًا فَكَانَتْ مَبِيعَةً، وَالْمَكِيلُ، وَالْمَوْزُونُ غَيْرُ النَّقْدَيْنِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ عَيْنًا تَارَةً وَدَيْنًا أُخْرَى فَكَانَ ثَمَنًا فِي حَالٍ مَبِيعًا فِي حَالٍ وَمِنْ حُكْمِ الثَّمَنِ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ وُجُودُهُ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِفَوَاتِ تَسْلِيمِهِ وَيَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ وَمِنْ حُكْمِ الْمَبِيعِ أَنْ يُشْتَرَطَ وُجُودُهُ قَبْلَ الْعَقْدِ فِي غَيْرِ السَّلَمِ وَأَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَمِنْ شَرْطِهِمَا أَنْ لَا يَجُوزَ التَّفَاضُلُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ وَأَنْ يَجِبَ تَعْيِينُهُمَا فِيمَا يَتَعَيَّنُ وَقَبْضُهُمَا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ وَفِي غَيْرِ الْمُقَدَّرَاتِ يَجِبُ تَعْيِينُهُمَا فَقَطْ، وَإِنْ قُوبِلَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْبَدَلَانِ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ يَجِبُ تَعْيِينُهُمَا إنْ كَانَا يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ إنْ جَمَعَهُمَا الْقِدْرُ كَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَإِنْ كَانَا لَا يَتَعَيَّنَانِ يَجِبُ قَبْضُهُمَا كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْقِدْرُ كَالْحِنْطَةِ، وَالْفِضَّةِ، أَوْ الْفُلُوسِ مَعَ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُقَدَّرًا، وَالْآخَرُ غَيْرَ مُقَدَّرٍ كَالثِّيَابِ مَعَ النَّقْدَيْنِ، أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ يَجِبُ تَعْيِينُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ دُونَ الْآخَرِ كَيْ لَا يَكُونَ كَالِئًا بِكَالِئٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (كِتَابُ الْكَفَالَةِ)، وَهِيَ مُطْلَقُ الضَّمِّ لُغَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] أَيْ ضَمَّهَا إلَى نَفْسِهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً مِنْ الْفِضَّةِ) أَيْ فَجَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْفُلُوسِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ كَذَا كَذَا فُلُوسًا وَنِصْفَ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا جَازَ فَكَذَا إذَا ذَكَرَ مَا هُوَ بِمَعْنَاهُ فَكَانَ النِّصْفُ إلَّا حَبَّةً بِإِزَائِهِ مِنْ الْفِضَّةِ مِنْ الدِّرْهَمِ وَالْفُلُوسُ بِإِزَاءِ الْبَاقِي مِنْ الدَّرَاهِمِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَوْ شَرَطَهُ فَقَالَ أَعْطِنِي كَذَا كَذَا فُلُوسًا وَدِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا قِيرَاطًا كَانَ هَذَا جَائِزًا كُلُّهُ إذَا تَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ قَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَةَ الْإِعْطَاءِ كَانَ جَوَابُهُ كَجَوَابِهِمَا لِأَنَّهُمَا بَيْعَانِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ هَذَا تَفْرِيعًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِهِمَا إذَا كَرَّرَ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ بِأَنْ يَجُوزَ الْعَقْدُ فِي حِصَّةِ الْفُلُوسِ وَيَبْطُلَ فِي حِصَّةِ الْفِضَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأَصْلِ وَقَالَ وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ كَذَا كَذَا فُلُوسًا وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ الْبَاقِي دِرْهَمًا صَغِيرًا يَكُونُ فِيهِ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَإِنَّ هَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ صَرْفُ نِصْفٍ بِنِصْفِ الْحَبَّةِ وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَفْسُدَ فِي الْفُلُوسِ وَالدِّرْهَمِ الصَّغِيرِ جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا فَسَدَ بَعْضُهَا فَسَدَ كُلُّهَا وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْفُلُوسُ جَائِزَةٌ لَازِمَةٌ لَهُ وَالدِّرْهَمُ الصَّغِيرُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً بَاطِلٌ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ فَقَدْ صَرَّحَ أَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَ إنَّهُمَا بَيْعَانِ اهـ. (قَوْلُهُ جَازَ فِي الْفُلُوسِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَفَرَّقَ بِتَكْرَارِ الْإِعْطَاءِ كَذَا قَالُوا لَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَعْطِنِي مُسَاوَمَةٌ كَقَوْلِهِ بِعْنِي وَبِالْمُسَاوَمَةِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فَكَيْفَ يَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِهِ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ بِتَكْرَارِ أَعْطِنِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَقْصُودَهُ تَفْرِيقُ الْعَقْدِ فَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُمَا عَقَدَا عَقْدَيْنِ اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ وَبَطَلَ فِي الْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ لِتَكْرَارِ لَفْظِ أَعْطِنِي اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنْ شَرْطِهِمَا) أَيْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ اهـ. . [كِتَابُ الْكَفَالَةِ] (كِتَابُ الْكَفَالَةِ) ذَكَرَ كِتَابَ الْكَفَالَةِ عَقِيبَ الْبُيُوعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَفَالَةَ تَكُونُ غَالِبًا فِي الْبِيَاعَاتِ وَلِأَنَّ فِي الْكَفَالَةِ إذَا كَانَ بِأَمْرٍ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ انْتِهَاءً فَنَاسَبَ ذِكْرُهَا عَقِيبَ الْبُيُوعِ الَّتِي هِيَ مُعَاوَضَةٌ اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْرَدَ الْكَفَالَةَ عَقِيبَ الْبُيُوعِ لِأَنَّ غَالِبًا يَكُونُ تَحَقُّقُهَا فِي

وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ» أَيْ ضَامُّ الْيَتِيمِ إلَى نَفْسِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَقِيلَ: هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالدَّيْنِ، وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَا دَيْنَ مُحَالٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ فَرْعُ وُجُوبِ الدَّيْنِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفَرْعُ بِدُونِ الْأَصْلِ، وَالْأَحْكَامُ تَشْهَدُ لِهَذَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وُهِبَ الطَّالِبُ الدَّيْنَ مِنْ الْكَفِيلِ صَحَّ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ، وَهِبَةُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا تَصِحُّ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الطَّالِبُ بِالدَّيْنِ شَيْئًا مِنْ الْكَفِيلِ صَحَّ، وَالشِّرَاءُ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ إلَّا مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَكَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْوَاحِدَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مَرَّتَيْنِ وَيُمْكِنُ وُجُوبُهُ عَلَى شَخْصَيْنِ كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ فَإِنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا وَلَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا شَاءَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَجِبَ دَيْنَانِ وَلَا يَسْتَوْفِيَ إلَّا أَحَدَهُمَا وَأَمَّا وُجُوبُ الْمُطَالَبَةِ بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِهِ فَمُمْكِنٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ يُطَالَبُ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ عَلَى الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَوْ أَبْرَأَهُ الْبَائِعُ صَحَّ، وَكَذَا الْوَلِيُّ، وَالْوَصِيُّ يُطَالَبَانِ بِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ، وَالْمَوْلَى يُطَالِبُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ، أَوْ بِبَيْعِهِ عِنْدَ طَلَبِ الْغُرَمَاءِ بَيْعَهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِذَا أَمْكَنَ إيجَابُ الْمُطَالَبَةِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ الدَّيْنِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ جَعْلِ الدَّيْنِ الْوَاحِدِ دَيْنَيْنِ، فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا إذَا، وَهَبَ الدَّيْنَ لَهُ، أَوْ اشْتَرَى بِهِ مِنْهُ شَيْئًا فَحِينَئِذٍ يُقَدَّرُ الدَّيْنُ عَلَى الْكَفِيلِ ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ تَصَرُّفِهِ فَيُجْعَلُ فِي حُكْمِ دَيْنَيْنِ وَلَا ضَرُورَةَ قَبْلَهُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَفِي الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ لَا يَجِبُ لَهُ إلَّا دَيْنٌ وَاحِدٌ عَلَى أَحَدِهِمَا غَيْرُ عَيْنٍ فَلِهَذَا إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ لِتَضَمُّنِهِ التَّمْلِيكَ مِنْهُ. وَهَذَا تَفْسِيرُ الْكَفَالَةِ، وَسَبَبُهَا مُطَالَبَةُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لِلتَّوَثُّقِ بِتَكْثِيرِ مَحَلِّ الْمُطَالَبَةِ، أَوْ تَيْسِيرِ وُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ، وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ آخِرًا، وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ ثَابِتًا صَحِيحًا بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ بِهِ مُمْكِنَ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْكَفِيلِ. وَأَهْلُهَا أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ حَتَّى لَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَالْمُكَاتَبِ، وَالصَّغِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُجُودِ عَقِيبَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُطَمْئِنُ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي فَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْفُلُهُ بِالثَّمَنِ أَوْ لَا يُطَمْئِنُ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ فَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فِي الْمَبِيعِ وَذَلِكَ فِي السَّلَمِ فَلَمَّا كَانَ تَحَقُّقُهَا فِي الْوُجُودِ غَالِبًا بَعْدَهَا أَوْرَدَهَا فِي التَّعْلِيمِ بَعْدَهَا وَلَهَا مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ بِالصَّرْفِ وَهِيَ أَنَّهَا تَصِيرُ بِالْآخِرَةِ مُعَاوَضَةً عَمَّا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ الْأَثْمَانِ وَذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ إلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ ثُمَّ لَزِمَ تَقْدِيمُ الصَّرْفِ لِأَنَّهُ مِنْ أَبْوَابِ الْبَيْعِ السَّابِقِ عَلَى الْكَفَالَةِ فَلَزِمَتْ الْكَفَالَةُ بَعْدَهُ، وَمَحَاسِنُ الْكَفَالَةِ جَلِيلَةٌ وَهِيَ تَفْرِيجُ كَرْبِ الطَّالِبِ الْخَائِفِ عَلَى مَالِهِ وَالْمَطْلُوبِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ كُفِيَا مُؤْنَةَ مَا أَهَمَّهُمَا وَقَرَّ جَأْشُهُمَا وَذَلِكَ نِعْمَةٌ كَبِيرَةٌ عَلَيْهِمَا وَلِذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ مِنْ الْأَفْعَالِ الْعَالِيَةِ حَتَّى امْتَنَّ تَعَالَى بِهَا حَيْثُ قَالَ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا فِي قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ يَتَضَمَّنُ الِامْتِنَانَ عَلَى مَرْيَمَ إذْ جَعَلَ لَهَا مَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهَا وَيَقُومُ بِهَا بِأَنْ أَتَاحَ لَهَا ذَلِكَ وَسَمَّى نَبِيًّا بِذِي الْكِفْلِ لَمَّا كَفَلَ جَمَاعَةً مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لِمَلِكٍ أَرَادَ قَتْلَهُمْ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ)، فَلَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ فَيَثْبُتُ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْأَصِيلِ وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الْمَبْسُوطِ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَمَا يُخَالُ مِنْ لُزُومِ صَيْرُورَةِ الْأَلْفِ الدَّيْنِ الْوَاحِدِ أَلْفَيْنِ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الدَّيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ مَعَ بَقَائِهِ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ مَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ حَقِّ الطَّالِبِ لِأَنَّ (قَوْلُهُ: وَفِي الْغَاصِبِ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَجُلٌ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا فَغَصَبَ ذَلِكَ الْمَالَ غَرِيمُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ غَاصِبٌ وَالثَّانِيَ غَاصِبُ الْغَاصِبِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَمْ يَبْرَأْ الثَّانِي وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ بَرِئَ الْأَوَّلُ اهـ. ذَكَرَهُ فِي الْغَصْبِ (قَوْلُهُ: وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرُكْنُهَا إيجَابُ الْكَفِيلِ وَقَبُولُ الْمَكْفُولِ لَهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْقَبُولِ، وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حُكْمُهَا وُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَى الْكَفِيلِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا رُكْنُهَا فَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِالْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ وَلَمْ يَجْعَلْ أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ الْقَبُولَ رُكْنًا فَجَعَلَ الْكَفَالَةَ تَتِمُّ بِالْكَفِيلِ وَحْدَهُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقِيلَ: إنَّ الْكَفَالَةَ تَصِحُّ مِنْ الْوَاحِدِ وَحْدَهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الطَّالِبِ أَوْ تَصِحُّ نَافِذًا وَلِلطَّالِبِ حَقُّ الرَّدِّ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ مَنْ يَقُولُ بِالتَّوَقُّفِ يَقُولُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ الْكَفِيلُ اهـ. (قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا إلَخْ) وَمِنْ شَرْطِهَا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ صَحِيحًا سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الصَّغِيرِ أَوْ عَلَى الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ لِأَنَّهُ يُطَالَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْهَا الْحُرِّيَّةُ وَهِيَ شَرْطُ نَفَاذِ هَذَا التَّصَرُّفِ، فَلَا تَجُوزُ كَفَالَةُ الْعَبْدِ مَحْجُورًا كَانَ أَوْ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ بِدُونِ إذْنِ مَوْلَاهُ، وَلَكِنَّهَا تَنْعَقِدُ حَتَّى يُؤَاخِذُ بِهِ بَعْدَ الْعَتَاقِ لِأَنَّ إعْدَامَ النَّفَاذِ مَا كَانَ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ بَلْ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ مِنْهُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ، فَلَا يُحْتَمَلُ النَّفَاذُ اهـ. (قَوْلُهُ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ) قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ، فَلَا كَفَالَةَ مِنْ صَبِيٍّ وَلَا عَبْدٍ مَحْجُورٍ وَقَالَ فِي بَابِ كَفَالَةِ الْعَبْدِ فَلِذَا لَا تَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمَأْذُونِ اهـ. .

[الكفالة بالنفس وإن تعددت]

وَكَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَأَنْوَاعُهَا فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ كَفَالَةٌ بِالنَّفْسِ وَكَفَالَةٌ بِالْمَالِ، وَالْكَفَالَةُ بِالْمَالِ نَوْعَانِ كَفَالَةٌ بِالدُّيُونِ فَتَجُوزُ مُطْلَقًا إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً وَكَفَالَةٌ بِالْأَعْيَانِ، وَهِيَ نَوْعَانِ كَفَالَةٌ بِأَعْيَانٍ مَضْمُونَةٍ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا وَذَلِكَ كَالْمَغْصُوبِ، وَالْمُهُورِ، وَبَدَلِ الْخُلْعِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَفَالَةٌ بِأَعْيَانٍ هِيَ أَمَانَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةِ التَّسْلِيمِ كَالْوَدَائِعِ، وَالْمُضَارَبَاتِ، وَالشَّرِكَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبِ التَّسْلِيمِ، فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا أَصْلًا وَكَفَالَةٌ بِأَعْيَانٍ هِيَ أَمَانَةٌ وَاجِبَةُ التَّسْلِيمِ كَالْعَارِيَّةِ، وَالْمُسْتَأْجَرَةِ، أَوْ بِعَيْنٍ مَضْمُونَةٍ بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِهَا لَا تَصِحُّ وَبِتَسْلِيمِهَا تَصِحُّ وَأَلْفَاظُهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْمَتْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ بِالنَّفْسِ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ) أَيْ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْكَفَالَةُ بِأَنْ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا، ثُمَّ كَفِيلًا، وَكَذَا تَجُوزُ إذَا تَعَدَّدَتْ النُّفُوسُ الْمَكْفُولُ بِهَا أَيْضًا كَمَا تَجُوزُ بِالدُّيُونِ الْكَثِيرَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا إذَا تَكَفَّلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَادُ لَهُ وَلَا يَلْتَزِمُ طَاعَتَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ لَا يُثْبِتُ لَهُ وِلَايَةً فِي مَالِهِ لِيُؤَدِّيَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ، فَالنَّفْسُ، أَوْلَى فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ طَيْرًا فِي الْهَوَاءِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مَالِ الْآمِرِ فَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ فَيُؤَدِّي مِنْ مَالِهِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، أَوْ بِالْمَالِ فَيَقْتَضِي شَرْعِيَّتَهَا وَلَا يُقَالُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ لَا غُرْمَ فِيهَا، فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْغُرْمُ عِبَارَةٌ عَنْ ضَرَرٍ يَلْزَمُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] وَفِيهِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَيْهَا ضَرُورَةَ إحْيَاءِ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِمُوجَبِهَا بِأَنْ يُعْلِمَهُ مَكَانَهُ فَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ؛ إذْ التَّخْلِيَةُ تَسْلِيمٌ، أَوْ يُوَافِقَهُ إذَا ادَّعَاهُ، أَوْ يُكْرِهَهُ بِالْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ، وَالْتِزَامُهُ لِذَلِكَ وَرِضَا خَصْمِهِ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى قُدْرَتِهِ فَتَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ اسْتَعَانَ بِأَعْوَانِ الْقَاضِي فَكَانَتْ مُفِيدَةً وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْأَصْلِ؛ إذْ تَسْلِيمُ النَّفْسِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاجِبٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ فَتَصِحُّ كَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ إذَا ادَّعَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ الْحُضُورِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النور: 48] الْآيَةَ، وَالذَّمُّ يُسْتَحَقُّ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَعَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَجَازُوا الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ وَضَمِنَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنَفْسِ عَلِيٍّ حِينَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ خُصُومَةٌ «وَكَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا بِتُهْمَةٍ»، وَالتَّكْفِيلُ أَخْذُ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ وَلِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الِالْتِزَامِ أَنْ يَكُونَ الْمُلْتَزِمُ مُمْكِنًا وُجُودُهُ عَقْلًا لَا حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا الْتَزَمَ أَلْفَ حَجَّةٍ بِالنَّذْرِ يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ حَقِيقَةً لِقِصَرِ عُمْرِهِ عَادَةً وَقُدْرَتُهُ عَلَى إحْضَارِهِ مُمْكِنٌ فَتَصِحُّ، وَإِذَا صَحَّتْ تَصِحُّ مُتَعَدِّدَةً أَيْضًا؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا اسْتِحْقَاقُ الْمُطَالَبَةِ، وَهِيَ تَحْتَمِلُ الْعَدَدَ، وَالِالْتِزَامُ الْأَوَّلُ لَا يُمْنَعُ الِالْتِزَامَ الثَّانِيَ؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا التَّوَثُّقُ، فَلَا تَنَافِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِكَفَلْتُ بِنَفْسِهِ وَبِمَا عَبَّرَ عَنْ الْبَدَنِ وَبِجُزْءٍ شَائِعٍ) أَيْ تَصِحُّ الْكَفَالَة بِقَوْلِهِ كَفَلْت بِنَفْسِ فُلَانٍ، أَوْ بِمَا يُعَبَّرُ بِهِ مِنْ أَعْضَائِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَرَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَرَقَبَتِهِ وَعُنُقِهِ وَجَسَدِهِ وَبَدَنِهِ بِأَنْ قَالَ تَكَفَّلْت بِرَأْسِهِ، أَوْ بِوَجْهِهِ إلَى آخِرِهِ، أَوْ تَكَفَّلَ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهُ بِأَنْ قَالَ تَكَفَّلْت بِثُلُثِهِ، أَوْ بِرُبْعِهِ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ عُرْفًا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الطَّلَاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ الْكِفَالَة بِالنَّفْسِ وَإِنَّ تَعَدَّدَتْ] قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ لَا تَجُوزُ وَهُوَ قَوْلٌ لَهُ مُخَالِفٌ لِلْقَوْلِ الْأَظْهَرِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ كَقَوْلِنَا اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ) وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْغُرْمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَالِ بَلْ الْغُرْمُ أَدَاءُ مَا يَلْزَمُ مِمَّا يَضُرُّهُ وَالْغُرْمُ اللَّازِمُ ذَكَرَهُ فِي الْمُجْمَلِ وَالْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ يَلْزَمُهُ الْإِحْضَارُ وَقَدْ يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ عَلَى كَفَالَةِ الْمَالِ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ مَاسَّةٌ وَقَدْ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَحَاصِلُهُ إلْحَاقُهُ بِجَامِعِ عُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا إحْيَاءً لِلْحُقُوقِ مَعَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالشَّرَائِطِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ الضَّرَرُ مَوْجُودٌ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لِأَنَّهُ يُلْزَمُ بِإِحْضَارِهِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ اهـ. . (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ بِكَفَلْتُ بِنَفْسِهِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي ذِكْرِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الْكَفَالَةُ وَهِيَ صَرِيحٌ وَكِتَابَةٌ فَالصَّرِيحُ كَفَلْت وَضَمِنْت وَزَعِيمٌ وَقَبِيلٌ وَحَمِيلٌ وَعَلَيَّ وَإِلَيَّ، وَلَك عِنْدِي هَذَا الرَّجُلُ وَعَلَيَّ أَنْ أُوَافِيَكَ بِهِ أَوْ عَلَيَّ أَنْ أَلْقَاكَ بِهِ أَوْ دَعْهُ إلَيَّ وَحَمِيلٌ بِالْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى كَفِيلٍ بِهِ يُقَالُ حَمَلَ بِهِ حَمَالَةً بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ وَرُوِيَ فِي الْفَائِقِ الْحَمِيلُ ضَامِنٌ وَأَمَّا الْقَبِيلُ فَهُوَ أَيْضًا بِمَعْنَى الْكَفِيلِ وَيُقَالُ قَبِلَ بِهِ قَبَالَةً بِفَتْحِهَا فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ ثُمَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُوجِبُ لُزُومَ مُوجَبِ الْكَفَالَةِ إذَا أُضِيفَتْ إلَى جُمْلَةِ الْبَدَنِ أَوْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ حَقِيقَةً فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَمَا لَا فَلَا عَلَى وِزَانِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا مَرَّ مِثْلُ كَفَلْت أَوْ أَنَا حَمِيلٌ أَوْ زَعِيمٌ بِنَفْسِهِ أَوْ رَقَبَتِهِ أَوْ رُوحِهِ أَوْ جَسَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ وَجْهِهِ لِأَنَّ هَذِهِ يُعَبَّرُ بِهَا حَقِيقَةً كَالنَّفْسِ وَالْجَسَدِ وَالْبَدَنِ عُرْفًا وَلُغَةً وَمَجَازًا كَهُوَ رَأْسٌ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَتَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا إذَا كَفَلَ بِعَيْنِهِ قَالَ الْبَلْخِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْبَدَنَ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ فِي الْكَفَالَةِ وَالطَّلَاقِ إذْ الْعَيْنُ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ يُقَالُ عَيْنُ الْقَوْمِ وَهُوَ عَيْنٌ فِي النَّاسِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ أَوْ بِرُبْعِهِ) أَيْ أَوْ بِجُزْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ النَّفْسَ الْوَاحِدَةَ فِي حَقِّ الْكَفَالَةِ لَا تَتَجَزَّأُ فَذِكْرُ بَعْضِهَا شَائِعًا كَذِكْرِ كُلِّهَا اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ لَا تَتَجَزَّأُ بِأَنْ يَكُونَ بِبَعْضِهَا كَفِيلًا وَبَعْضُهَا لَا اهـ. .

(وَبِضَمِنْتُهُ) أَيْ تَصِحُّ بِقَوْلِهِ ضَمِنْته لَك؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلتَّسْلِيمِ، وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالتَّصْرِيحِ بِمُوجَبِهِ كَعَقْدِ الْبَيْعِ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعَلَيَّ) يَعْنِي تَصِحُّ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ لِلْوُجُوبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِلَيَّ)؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى عَلَيَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ كَلًّا، أَوْ عِيَالًا فَإِلَيَّ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنَا زَعِيمٌ بِهِ)؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يُسَمَّى زَعِيمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ صَاحِبِ يُوسُفَ {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] أَيْ كَفِيلٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبِيلٌ بِهِ)؛ لِأَنَّ الْقَبِيلَ هُوَ الْكَفِيلُ وَلِهَذَا يُسَمَّى الصَّكُّ قَبَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ الْحَقَّ فَيَكُونُ وَثِيقَةً كَالْكَفِيلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِأَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ) أَيْ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا بِقَوْلِهِ أَنَا ضَامِنٌ لَك بِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ الْكَفَالَةَ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ الْتَزَمَ مَعْرِفَتَهُ دُونَ الْمُطَالَبَةِ فَصَارَ كَالْتِزَامِهِ دَلَالَتَهُ عَلَيْهِ، أَوْ قَالَ أُوقِفُك عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ أَحْضَرَهُ فِيهِ إنْ طَلَبَهُ)؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالشَّرْطِ فِي الْكَفَالَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ طَلَبَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ بَعْدَهُ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا طَلَبَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَحْضَرَهُ، وَإِلَّا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ)؛ لِامْتِنَاعِهِ عَنْ إيفَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يَحْبِسُهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَا عَرَفَ لِمَاذَا يُدْعَى فَيُمْهِلُهُ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ مَطْلُهُ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ، وَهُوَ لَيْسَ بِظَالِمٍ قَبْلَ الْمُمَاطَلَةِ قَالَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ يَنْبَغِي أَنْ يُفَصِّلَ كَمَا فَصَّلَ فِي الْحَبْسِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ هُنَاكَ قِيلَ: إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ لَا يُعَجِّلُ بِحَبْسِهِ وَأَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الْمُمَاطَلَةِ فَلَمْ يَظْهَرْ بِأَوَّلِ الْوَهْلَةِ، وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ حَبَسَهُ كَمَا وَجَبَ لِظُهُورِ مَطْلِهِ بِالْإِنْكَارِ فَكَذَا هُنَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَصِّلَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ عَجْزُهُ. وَأَمَّا إذَا ظَهَرَ عَجْزُهُ، فَلَا مَعْنَى لِحَبْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفِيلِ فَيُلَازِمُهُ وَيُطَالِبُهُ وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ جَعَلَهُ كَالْمُفْلِسِ بِالدَّيْنِ إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ، أَوْ بِالْبَيِّنَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ غَابَ أَمْهَلَهُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ، وَإِيَابِهِ) أَيْ، وَإِنْ غَابَ الْمَكْفُولُ بِنَفْسِهِ يُؤَجَّلُ الْكَفِيلُ مُدَّةَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ وَلَا يَحْبِسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مَطْلُهُ بَعْدُ وَالْحَبْسُ لِلْمُمَاطَلَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حَبَسَهُ) أَيْ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حَبَسَهُ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مَطْلُهُ، وَالْحَبْسُ جَزَاؤُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ غَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ وَقَدْ صَدَّقَهُ الطَّالِبُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمَدِينِ إذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْكَفِيلُ: لَا أَعْرِفُ مَكَانَهُ، وَقَالَ الطَّالِبُ: تَعْرِفُ، يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ خُرْجَةٌ مَعْرُوفَةٌ يَخْرُجُ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ لِلتِّجَارَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ وَيُؤْمَرُ الْكَفِيلُ بِالذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلطَّالِبِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِضَمِنْتُهُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُ ضَمِنْت بِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُوجَبِهِ لِأَنَّ مُوجَبَ الْكَفَالَةِ لُزُومُ الضَّمَانِ فِي الْمَالِ فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ ضَمِنْته مِنْ أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ لَا النَّفْسِ وَقَدْ تَبِعَ الْكَمَالَ فِي هَذَا تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فَقَالَ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْمَجْمَعِ وَبِقَوْلِهِ ضَمِنْته هَذِهِ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَيَنْبَغِي الْإِفْصَاحُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهَا فِي النَّفْسِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنِّي قَدْ رَاجَعْت بِعَوْنِ اللَّهِ نُقُولًا كَثِيرَةً مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى فَبَعْضُهُمْ يُصَرِّحُ بِأَنَّ ضَمِنْت مِنْ أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ كَالنَّسَفِيِّ فِي كَافِيهِ وَبَعْضُهُمْ فِي قُوَّةِ الصَّرِيحِ فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَهَا فِي الْكَفَالَةِ لَا بِالنَّفْسِ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ مَشَايِخِنَا ذَكَرَهَا فِي أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ ضَمِنْته أَوْ هُوَ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ أَوْ أَنَا زَعِيمٌ بِهِ أَوْ قَبِيلٌ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يَصِحُّ الضَّمَانُ بِهَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ضَمَانِ النَّفْسِ أَوْ ضَمَانِ الْمَالِ بِهَا اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ إذَا أُطْلِقَتْ تُحْمَلُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَتَتَمَحَّضُ حِينَئِذٍ لِلْكَفَالَةِ بِهِ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لَا بِأَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ) أَيْ، وَكَذَا بِمَعْرِفَتِهِ، وَكَذَا أَنَا ضَامِنٌ عَلَى أَنْ أُوقِفَك عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَنْ أَدُلَّك عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَنْزِلِهِ وَلَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِتَعْرِيفِهِ أَوْ عَلَى تَعْرِيفِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْوَجْهُ أَنْ يَلْزَمَ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مُتَعَدٍّ لِاثْنَيْنِ فَقَدْ الْتَزَمَ أَنْ يُعَرِّفَهُ الْغَرِيمَ بِخِلَافِ مَعْرِفَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي إلَّا مَعْرِفَةَ الْكَفِيلِ لِلْمَطْلُوبِ وَعَنْ نُصَيْرٍ قَالَ سَأَلَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَبَا سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيَّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ أَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ أَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِيك لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ قَالَ هَذَا عَلَى مُعَامَلَةِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ هَذَا الْقَوْلُ فِي النَّوَازِلِ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَالظَّاهِرُ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي خِزَانَةِ الْوَاقِعَاتِ وَبِهِ يُفْتَى أَيْ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنْ نُصَّ فِي الْمُنْتَقَى فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لَك بِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ يَلْزَمُهُ وَعَلَى هَذَا مُعَامَلَةُ النَّاسِ وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ لَوْ قَالَ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ أَنَا أَدْفَعُهُ لَك أَوْ أُسَلِّمُهُ إلَيْك أَوْ أَقْبِضُهُ لَا يَكُونُ كَفَالَةً مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ مُتَفَرِّقَاتِ خَالِهِ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا قَالَهُ مُنَجِّزًا فَلَوْ مُعَلَّقًا يَكُونُ كَفَالَةً نَحْوَ أَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ تُؤَدِّ فَأَنَا أُؤَدِّي نَظِيرُهُ فِي النَّذْرِ لَوْ قَالَ أَنَا أَحُجُّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا أَحُجُّ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ اهـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: قَالَ الْفَقِيرُ إلَخْ) هَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ تَفَقُّهِ الشَّارِحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ أَصْلِ الرِّوَايَةِ عَنْ عُلَمَائِنَا فَقَدْ ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْأَصْلِ اهـ. (قَوْلُهُ، فَلَا مَعْنَى لِحَبْسِهِ) كَمَا إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ تَبْطُلُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَإِنْ غَابَ) أَيْ وَعَلِمَ مَكَانَهُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُحْضِرْهُ حَبَسَهُ) أَيْ إلَى أَنْ يَظْهَرَ لِلْقَاضِي تَعَذُّرُ الْإِحْضَارِ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَوْ لِشُهُودٍ بِذَلِكَ فَيُخْرَجُ مِنْ الْحَبْسِ وَيُنْظَرُ

وَهُوَ الْجَهْلُ وَمُنْكِرٌ لُزُومَ الْمُطَالَبَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْكَفِيلِ وَيَحْبِسُهُ الْقَاضِي إلَى أَنْ يَظْهَرَ عَجْزُهُ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ كَانَتْ مُتَوَجِّهَةً عَلَيْهِ، فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى إسْقَاطِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يَدَّعِي، وَإِنْ أَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا أُمِرَ الْكَفِيلُ بِالذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِحْضَارِهِ اعْتِبَارًا لِلثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ بِالثَّابِتِ مُعَايَنَةً، وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا تَسْقُطُ الْكَفَالَةُ فَيُؤَجَّلُ الْكَفِيلُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ وَلَا يُقَالُ بَعْدَ اللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ صَارَ كَالْمَوْتَى وَلِهَذَا يُقَسَّمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْرَأَ الْكَفِيلُ كَمَا لَوْ مَاتَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَيْسَ كَمَوْتِهِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ فِي حَقِّ قِسْمَةِ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَأَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَهُوَ حَيٌّ مُطَالَبٌ بِالتَّوْبَةِ، وَالرُّجُوعِ وَتَسْلِيمِ النَّفْسِ إلَى الْخَصْمِ فَبَقِيَ الْكَفِيلُ عَلَى كَفَالَتِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ وَفِيهِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّهُ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْكَفِيلُ قَادِرًا عَلَى رَدِّهِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مُوَاعَدَةٌ أَنَّ مَنْ لَحِقَ بِهِمْ مُرْتَدًّا يَرُدُّونَهُ إلَيْنَا إذَا طَلَبْنَا يُمْهَلُ الْكَفِيلُ قَدْرَ ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ. ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قُلْنَا إنَّهُ يُؤْمَرُ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ لِلطَّالِبِ أَنْ يَسْتَوْثِقَ الْكَفِيلَ بِكَفِيلٍ آخَرَ حَتَّى لَا يَغِيبَ الْآخَرُ فَيَضِيعَ حَقُّهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ سَلَّمَهُ بِحَيْثُ يَقْدِرُ الْمَكْفُولُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ كَمِصْرٍ بَرِئَ)؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا الْتَزَمَهُ؛ إذْ لَمْ يَلْتَزِمْ تَسْلِيمَهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَحَصَلَ مَقْصُودُ الطَّالِبِ أَيْضًا بِذَلِكَ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إبْقَاءِ الْكَفَالَةِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ تَكَفَّلَ بِمَالٍ وَقَضَاهُ سَوَاءٌ كَانَ التَّسْلِيمُ غَيْرَ مَشْرُوطٍ فِي وَقْتٍ، أَوْ كَانَ مَشْرُوطًا فِيهِ فَسَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْكَفِيلِ فَلَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ كَالدِّينِ الْمُؤَجَّلِ إذَا قَضَاهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ يُجْبَرُ الطَّالِبُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمَدِينِ فَلَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ، ثُمَّ التَّسْلِيمُ يَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَصْمِ وَذَلِكَ بِرَفْعِ الْمَوَانِعِ فَيَقُولُ لَهُ هَذَا خَصْمُك فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِشَأْنِهِ فَخُذْهُ إنْ شِئْت، ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ بَعْدَ طَلَبِهِ، أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ طَلَبِهِ بَرِئَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ سَلَّمْته إلَيْك بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ قَوْلِ الطَّالِبِ، وَإِنْ سَلَّمَهُ بِغَيْرِ طَلَبٍ لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَقُولَ سَلَّمْته إلَيْك بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَلَوْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي سَلَّمَهُ ثَمَّةَ)؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُفِيدٌ فَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي الْتَزَمَهُ فَإِذَا سَلَّمَهُ فِي مَجْلِسِهِ بَرِئَ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ فِي السُّوقِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَقِيلَ: لَا يَبْرَأُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَبِهِ يُفْتَى فِي زَمَانِنَا لِتَهَاوُنِ النَّاسِ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ، وَإِنْ سَلَّمَهُ فِي بَرِّيَّةٍ، أَوْ فِي سَوَادٍ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُخَاصَمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّسْلِيمُ فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ لَا يَبْرَأُ بِمِثْلِ هَذَا التَّسْلِيمِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ سَلَّمَهُ فِي مِصْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْمِصْرِ الَّذِي كَفَلَ فِيهِ بَرِئَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَسْلِيمُهُ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ إحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْقَاضِي وَقَدْ وُجِدَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي الْتَزَمَهُ، وَهُوَ أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي مِصْرٍ كَفَلَ فِيهِ، وَهُوَ مُفِيدٌ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ شُهُودُهُ فِيهِ، أَوْ يَعْرِفَ قَاضِي ذَلِكَ الْمِصْرِ حَادِثَتَهُ، فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ فِيهِ قُلْنَا الِاحْتِمَالُ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شُهُودُهُ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ. وَكَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَاضِي ذَلِكَ الْمِصْرِ يَعْلَمُ حَادِثَتَهُ فَتَعَارَضَ الْمَوْهُومَانِ فَبَقِيَ التَّسْلِيمُ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ فَيَبْرَأُ وَقِيلَ: هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ فَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ حِينَ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ، وَالْعُمَّالُ كَانُوا يَتَعَاوَنُونَ عَلَى الْبِرِّ وَلَا يَمِيلُونَ إلَى الرِّشْوَةِ، فَلَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ بَيْنَ مِصْرِهِ وَمِصْرٍ آخَرَ، وَهُمَا قَالَا ذَلِكَ بَعْدَ مَا ظَهَرَ الْفَسَادُ وَتَغَيَّرَتْ أَحْوَالُ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ حَتَّى لَا يُقِيمُونَ الْحَقَّ إلَّا بِالرِّشْوَةِ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مِصْرُهُ أَسْهَلَ لِإِثْبَاتِ حُقُوقِهِ وَلَوْ سَلَّمَهُ فِي السِّجْنِ وَقَدْ حَبَسَهُ غَيْرُ الطَّالِبِ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّسْلِيمِ تَمَكُّنُهُ مِنْ إحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْحَاكِمِ لِيُثْبِتَ عَلَيْهِ الْحَقَّ وَلَا يُفِيدُ فِي الْمَحْبُوسِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ، وَالْكَفِيلِ لَا الطَّالِبِ) يَعْنِي الْكَفَالَةُ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ وَبِمَوْتِ الْكَفِيلِ وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ بِمَوْتِهِ بَرِئَ هُوَ بِنَفْسِهِ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ، وَالْكَفِيلُ تَبَعٌ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْحُضُورِ بِالْمَوْتِ سَقَطَ عَنْهُ فَكَذَا عَنْ التَّبَعِ لِمَا قُلْنَا وَبَعْدَ مَوْتِ الْكَفِيلِ لَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ مِنْهُ وَوَرَثَتُهُ لَا يَقُومُونَ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَخْلُفُونَهُ فِيمَا لَهُ لَا فِيمَا عَلَيْهِ وَمَالُهُ لَا يَصْلُحُ لِإِيفَاءِ هَذَا الْحَقِّ، وَهُوَ إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِهِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّ مَالَهُ صَالِحٌ لَهُ وَحُكْمُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُمْكِنٌ فَيُوفَى مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الْوَرَثَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى وَقْتِ الْقُدْرَةِ كَالْإِعْسَارِ بِالدَّيْنِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فَيُؤَجَّلُ الْكَفِيلُ مُدَّةَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَمْ يُفَصَّلْ فِي الْمَذْهَبِ بَيْنَ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ وَالْقَرِيبَةِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا لَا يَسْقُطُ الطَّلَبُ كَمَا فِي دُونِهَا وَالثَّانِي يَسْقُطُ إلْحَاقًا بِالْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ مُوَاعَدَةٌ) أَيْ مُوَادَعَةٌ اهـ وَبِهِ عَبَّرَ الْكَاكِيُّ وَقَوْلُهُ مُوَاعَدَةٌ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي إلَخْ) وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ عِنْدَ الْأَمِيرِ فَدَفَعَ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ ذَلِكَ الْوَالِي وَوُلِّيَ غَيْرُهُ فَدَفَعَ إلَيْهِ عِنْدَ الثَّانِي جَازَ اهـ. غَايَةٌ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ لِإِثْبَاتِ حُقُوقِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُمَا أَوْجُهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُفِيدُ فِي الْمَحْبُوسِ) نُقِلَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ كَفَالَةِ الْعُيُونِ إذَا ضَمِنَ لِآخَرَ بِنَفْسِهِ فَحُبِسَ الْمَطْلُوبُ فَأَتَى بِهِ الَّذِي ضَمِنَهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَدَفَعَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَبْرَأُ لِأَنَّهُ فِي السِّجْنِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا ضَمِنَهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ فِي السِّجْنِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فِي السِّجْنِ يَبْرَأُ وَإِنْ كَانَ ضَمِنَهُ فِي السِّجْنِ ثُمَّ خُلِّيَ عَنْهُ ثُمَّ حُبِسَ ثَانِيًا فَدَفَعَهُ إلَيْهِ قَالَ إنْ كَانَ الْحَبْسُ الثَّانِي فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ التِّجَارَةِ أَوْ نَحْوِهَا فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ فِي الْحَبْسِ وَإِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ آخَرَ مِنْ أُمُورِ السُّلْطَانِ لَا يَبْرَأُ اهـ غَايَةٌ.

[تبطل الكفالة بموت المطلوب والكفيل]

عَلَى الْمَكْفُولِ لَهُ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُمْ كَمَا إذَا أَدَّى هُوَ بِنَفْسِهِ حَالَ حَيَاتِهِ، وَإِذَا مَاتَ الطَّالِبُ يَخْلُفُهُ وَصِيُّهُ، أَوْ وَارِثُهُ، فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ؛ إذْ هُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَائِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَرِئَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إذَا دَفَعْته إلَيْك فَأَنَا بَرِيءٌ)؛ لِأَنَّ مُوجَبَ التَّسْلِيمِ الْبَرَاءَةُ فَتَثْبُتُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهَا؛ إذْ مُوجَبُ التَّصَرُّفِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولَ سَلَّمْته إلَيْك بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ يَكُونُ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ، أَوْ اسْتِعَانَةٍ، أَوْ إجَارَةٍ، إلَّا إذْ كَانَ بِطَلَبِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَنْ يُنَصَّ عَلَيْهِ لِتَقَدُّمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ الطَّالِبُ بِالْقَبْضِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُقِرُّ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ وَلَوْ سَلَّمَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ بِهِ إلَى الطَّالِبِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَيَنْزِلُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ قَابِضًا لَتَضَرَّرَ الْكَفِيلُ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ يَرُدُّ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ أَوْ قِيمَتَهَا، وَكَالْمَدِينِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْكَفِيلِ حَيْثُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فَصَارَ نَظِيرَ قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِتَسْلِيمِ الْمَطْلُوبِ نَفْسَهُ مِنْ كَفَالَتِهِ وَبِتَسْلِيمِ وَكِيلِ الْكَفِيلِ وَرَسُولِهِ) يَعْنِي بِتَسْلِيمِ هَؤُلَاءِ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مُطَالَبٌ بِالتَّسْلِيمِ وَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ نَفْسَهُ فَإِذَا سَلَّمَ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، فَلَا مَعْنَى لِبَقَاءِ الْكَفَالَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَوَكِيلُ الْكَفِيلِ يَقُومُ مَقَامَهُ وَرَسُولُهُ سَفِيرٌ عَنْهُ فَيَكُونُ فِعْلُهُمَا كَفِعْلِهِ وَشَرْطُ بَرَاءَتِهِ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ سَلَّمْت إلَيْك بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَفِي لَفْظِ الْمُخْتَصَرِ مَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ وَبِتَسْلِيمِ الْمَطْلُوبِ نَفْسَهُ مِنْ كَفَالَتِهِ شَرْطَ أَنْ يَكُونَ التَّسْلِيمُ مِنْ كَفَالَتِهِ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إذَا لَمْ يَقُلْ مِنْ كَفَالَتِهِ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَفِيلِ وَوَكِيلِهِ وَرَسُولِهِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَالْمُحِيطِ وَفِي تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَلَوْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَقَالَ عِنْدَ الدَّفْعِ سَلَّمْته إلَيْك عَنْ الْكَفِيلِ، فَإِنْ قَبِلَهُ الطَّالِبُ بَرِئَ الْكَفِيلُ، وَإِنْ سَكَتَ الطَّالِبُ وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أُوَافِ بِهِ غَدًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ، أَوْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ ضَمِنَ الْمَالَ)؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ لَزِمَهُ الْمَالُ وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْلَ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ، فَلَا تَنْتَفِي بِوُجُودِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَفَلَهُمَا جُمْلَةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ صَحَّتْ وَلَوْ تَنَافَيَا لَمَا صَحَّتْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لِلتَّوَثُّقِ، وَالتَّوَثُّقُ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لَا يُنَافِي التَّوَثُّقَ بِالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ كَمَا لَا يُنَافِي التَّوَثُّقَ بِكَفَالَةِ نَفْسٍ أُخْرَى، أَوْ بِمَالٍ آخَرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَفَالَتَانِ بَاطِلَتَانِ أَمَّا الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فَقَدْ بَيَّنَّا قَوْلَهُ مِنْ قَبْلُ وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ فَلِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطٍ عَلَى خَطَرٍ وَتَعْلِيقُ وُجُوبِ الْمَالِ بِالشَّرْطِ غَيْرُ جَائِزٍ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَلَنَا أَنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوهُ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ وَغَيْرِهِ، وَبَابَ الْكِفَالَة أَوْسَعُ لِكَوْنِهَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ، وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ انْتِهَاءً مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَفِيلَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ وَتُشْبِهُ النَّذْرَ ابْتِدَاءً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْتِزَامٌ ابْتِدَاءً فَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْعِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ أَصْلًا وَبِاعْتِبَارِ النَّذْرِ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ فَقُلْنَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَالتَّعْلِيقُ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ مُتَعَارَفٌ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِوُجُوبِ الْمَالِ وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيقٌ لِوُجُوبِ الْمُطَالَبَةِ فِي الصَّحِيحِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فَيَصِحُّ فَإِذَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ وَلَمْ يُوَافِ بِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ، أَوْ لِعَجْزِهِ بِمَوْتِهِ، أَوْ بِجُنُونِهِ فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فَيَلْزَمُهُ الْمَشْرُوطُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمُوَافَاةِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ. فَإِنْ قِيلَ: شَرْطُ وُجُوبِ الْمَالِ عَدَمُ مُوَافَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ تَبْطُلُ الْكِفَالَة بموت الْمَطْلُوب والكفيل] قَوْلُهُ الْمَكْفُولِ لَهُ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ إذْ مُوجَبُ التَّصَرُّفِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَيْهِ) أَيْ كَالْغَاصِبِ يَرُدُّ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ مَعَ أَنَّهُ جَانٍ وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْجِنَايَةُ وَكَثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِلَا شَرْطٍ لِأَنَّهُ مُوجَبُ التَّصَرُّفِ وَكَحِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ مُوجَبُهُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَقُلْ مِنْ كَفَالَتِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ فَيَكُونُ عَنْ نَفْسِهِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، فَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أُوَافِ بِهِ غَدًا إلَخْ) وَلَوْ قَالَ إنْ وَافَيْتُك بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِ وَوَافَاهُ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَالُ اهـ. صُغْرَى فِي الْوَكَالَةِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا نَصُّهُ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ هُوَ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ لَا تَعْلِيقُهَا بِالْمُوَافَاةِ اهـ. (قَوْلُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهَذَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ لِمَا عَلَيْهِ بَلْ قَالَ إذَا لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى وَقْتِ كَذَا فَعَلَيْهِ كَذَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَسَيَجِيءُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ إلَخْ) لِأَنَّهُ إذَا أَدَّى الْمَالَ بَرِئَ عَنْ أَحَدِ الضَّمَانَيْنِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَحَدِ الضَّمَانَيْنِ الْبَرَاءَةُ مِنْ الضَّمَانِ الْآخَرِ فَيَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الضَّمَانَيْنِ لِأَنَّ الضَّمَانَيْنِ لِلتَّوَثُّقِ فَيَجُوزُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ دَيْنًا آخَرَ، فَلَا جُرْمَ أَنَّهُ وَجَبَ الْإِحْضَارُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَالزَّعِيمُ الْكَفِيلُ بَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ الْمَجِيءُ بِالصَّاعِ فَعُلِمَ أَنَّ تَعْلِيقَ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ صَحِيحٌ وَهَذَا لِأَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا تَلْزَمُنَا إذَا قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ) أَيْ إنَّهَا مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً أَلَا تَرَى إلَخْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِاعْتِبَارِ النَّذْرِ وَجَبَ) أَيْ إذَا قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَكَلَّمَ فُلَانًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَالتَّعْلِيقُ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ مُتَعَارَفٌ) أَيْ بَيْنَ النَّاسِ لِأَنَّهَا لِتَأْكِيدِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ الْوُصُولُ إلَى الْحَقِّ وَفِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ ذَلِكَ فَصَحَّ فَإِذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ وَوُجِدَ الشَّرْطُ يَلْزَمُ الْمَالُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

مُسْتَحِقِّهِ عَلَيْهِ وَبِمَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إحْضَارُهُ فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ الْمَالُ بِعَدَمِ مُوَافَاتِهِ بَعْدَ مَا بَرِئَ أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّالِبَ إذَا أَبْرَأَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَلَمْ يُحْضِرْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَالُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ فَكَذَا هُنَا قُلْنَا الْإِبْرَاءُ وُضِعَ لِلْفَسْخِ فَتَنْفَسِخُ بِهِ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْمَوْتُ لَمْ يُوضَعْ لِلْفَسْخِ، وَإِنَّمَا بَرِئَ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمٌ يَقَعُ ذَرِيعَةً إلَى الْخِصَامِ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ فَكَانَ ضَرُورِيًّا فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَيَبْرَأُ عَنْ التَّسْلِيمِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى انْفِسَاخِهِ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ، فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ مَاتَ الْكَفِيلُ فَقَدْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ وَارِثَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْكَفِيلِ إنْ دَفَعَهُ إلَى الطَّالِبِ بَرِئَ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهُ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ كَانَ الْمَالُ عَلَى الْوَارِثِ يَعْنِي مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَلَوْ مَاتَ الطَّالِبُ فَدَفَعَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ بِهِ إلَى وَارِثِ الطَّالِبِ فِي الْوَقْتِ بَرِئَ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهُ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ لَزِمَهُ الْمَالُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مِائَةَ دِينَارٍ فَقَالَ رَجُلٌ إنْ لَمْ أُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمِائَةَ، أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا بِأَنْ تَعَلَّقَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فَلَزِمَهُ فَقَالَ لِي عَلَيْك حَقٌّ وَلَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ مَالًا مُقَدَّرًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ دَعْهُ فَأَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ فَادَّعَى الْمُدَّعِي وَأَثْبَتَهَا لَزِمَ الْكَفِيلَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ لَمْ يُبَيِّنْهَا، ثُمَّ ادَّعَى وَبَيَّنَهَا لَا تَلْزَمُهُ وَلَهُ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا مَا قَالَهُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ أَنَّ الْكَفِيلَ عَلَّقَ مَالًا مُطْلَقًا بِخَطَرٍ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ الَّتِي لَك عَلَيْهِ فَكَانَتْ هَذِهِ رِشْوَةً الْتَزَمَهَا الْكَفِيلُ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ بِهِ، فَهَذَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ، وَإِنْ بَيَّنَهَا الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ عَدَمَ النِّسْبَةِ إلَيْهِ هُوَ الَّذِي، أَوْجَبَ الْبُطْلَانَ، وَالثَّانِي مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ، وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمَّا لَمْ يُبَيِّنْ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ فَلَمْ يَجِبْ إحْضَارُهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ أَيْضًا لِعَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى وَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَإِذَا بَطَلَ الْأَصْلُ بَطَلَ الْفَرْعُ، وَهَذَا الْوَجْهُ يُوجِبُ أَنْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ إذَا بَيَّنَ الْمَالَ عِنْدَ الدَّعْوَى وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهَا فَتَصِحُّ أَمَّا إذَا بَيَّنَ الْمَالَ عِنْدَ الدَّعْوَى فَلِأَنَّ الْمَالَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْإِرْسَالِ، وَالْمُرَادُ مَا عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْإِبْهَامِ فِي الدَّعْوَى فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَيُجْمِلُونَهَا إجْمَالًا وَلَا يُبَيِّنُونَهَا إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي دَفْعًا لَحِيلَ الْخُصُومِ وَصَوْنًا لِكَلَامِهِمْ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ فَصَحَّتْ الدَّعْوَى، وَالْمُلَازَمَةُ عَلَى احْتِمَالِ الْبَيَانِ مِنْ جِهَتِهِ فَإِذَا بَيَّنَ انْصَرَفَ بَيَانُهُ إلَى ابْتِدَاءِ الدَّعْوَى فَظَهَرَ بِهِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ قَدْ صَحَّتْ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ الْتِزَامًا لِمَا عَلَيْهِ تَصِحُّ، وَإِلَّا فَلَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ يَوْمَ كَذَا فَعَلَيْهِ مَا لِلطَّالِبِ عَلَى فُلَانٍ آخَرَ جَازَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَفِي الْمُحِيطِ جَعَلَ الْخِلَافَ بِالْعَكْسِ وَجَعَلَ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يُجْبَرُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْحُدُودِ لَا يُجْبَرُ وَلَوْ سَمَحَتْ بِهِ نَفْسُهُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لَهُمَا أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمِائَةَ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ قَدَّمَ رَجُلًا إلَى الْقَاضِي وَادَّعَى عَلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ وَبَيَّنَهَا بِأَنْ قَالَ رُكْنِيَّةٌ أَوْ نَيْسَابُورِيَّةٌ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِائَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ادَّعَى حَقًّا مُطْلَقًا أَوْ مَالًا مُطْلَقًا وَفِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مِائَةَ دِينَارٍ وَبَيَّنَهَا أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا أَيْ وَبَيَّنَ مِقْدَارَ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الْمُدَّعِي بِهِ، وَكَذَا فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ اهـ. (قَوْلُهُ بِخَطَرٍ) هُوَ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ بِهِ) وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْحُدُودِ لَا يُجْبَرُ) ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ شَرْحِ كِتَابِ الْكَافِي أَنَّ الْكَفَالَةَ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَحَدُّ السَّرِقَةِ وَمَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ تَصِحُّ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْجَبْرِ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ فِي الْحُدُودِ لَا يُجْبَرُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْقِصَاصِ لَا يُجْبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ يُجْبَرُ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَفِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِنَفْسِ الْحَدِّ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ أَيْضًا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ قِسْمِ الْمَبْسُوطِ لَا تَجُوزُ كَفَالَةٌ فِي قِصَاصٍ وَحَدٍّ وَيَقُولُ الْقَاضِي لِمُدَّعِي الْقَذْفِ الْزَمْهُ إلَى قِيَامِي إنْ كَانَتْ بَيِّنَتُك حَاضِرَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَأْخُذُ كَفِيلًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ قَالَ وَالْخِلَافُ فِي أَمْرِ الْقَاضِي بِإِعْطَائِهِ لَا فِي الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ كَفَلَ إنْسَانٌ صَحَّ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِهِمْ إذَا بَذَلَهَا الْمَطْلُوبُ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ هَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْكَفِيلِ إذَا طَلَبَ الْخَصْمُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَأْخُذُ الْقَاضِي مِنْهُ كَفِيلًا، وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ يَسْتَوْفِيَ كَذَا ذُكِرَ فِي التُّحْفَةِ ثُمَّ لَا يَحْبِسُهُ الْقَاضِي حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ مَسْتُورَانِ أَوْ شَاهِدٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْقَاضِي فَيَشْهَدُ أَنَّهُ زَنَى أَوْ قَتَلَ فَيَحْبِسُهُ الْقَاضِي حِينَئِذٍ لِثُبُوتِ التُّهْمَةِ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ مِنْ الْعَدَدِ وَالْعَدَالَةِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ الْعُدُولُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَمَحَتْ) أَيْ لَوْ تَبَرَّعَ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَسَامَحَ فِي ذَلِكَ نَفْسُ الْمَطْلُوبِ وَبَذَلَ الْكَفِيلُ بِنَفْسِهِ فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ النَّفْسِ وَتَسْلِيمُ النَّفْسِ وَاجِبٌ اهـ. غَايَةٌ

شُرِعَتْ لِتَسْلِيمِ النَّفْسِ وَتَسْلِيمُ النَّفْسِ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصِيلِ هُنَا فَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ كَمَا فِي دَعْوَى الْمَالِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ؛ لِأَنَّهَا مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْكَفَالَةُ شُرِعَتْ وَثِيقَةً لِصَاحِبِ الْحَقِّ كَيْ لَا يَفُوتَ حَقُّهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْهُ وَبِخِلَافِ نَفْسِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ بِهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ فَلَا يُشْرَعُ وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ مُطْلَقًا» وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ لِلِاسْتِيثَاقِ وَمَبْنَاهُمَا عَلَى الدَّرْءِ فَالْإِجْبَارُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ فِيهِمَا يُفْضِي إلَى فَسَادِ الْوَضْعِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَوْ أَعْطَى بِنَفْسِهِ الْكَفِيلَ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ فِيهِمَا جَازَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْأَصِيلِ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْحُدُودِ. وَأَلْحَقَ التُّمُرْتَاشِيُّ حَدَّ السَّرِقَةِ بِهِمَا فِي حَقِّ جَوَازِ التَّكْفِيلِ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْإِجْبَارِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا وَأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِيهِ كَمَا هُوَ شَرْطٌ فِيهِمَا، وَالْمُدَّعِي يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ شُهُودِهِ وَمَطْلُوبِهِ فَرُبَّمَا يُخْفِي الْمَطْلُوبُ نَفْسَهُ فَيَسْتَوْثِقُ بِكَفِيلٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ بِسَبَبِ الدَّعْوَى؛ إذْ لَا يُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدٍ فِيهَا، فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهَا أَصْلًا وَإِنْ طَابَتْ بِهَا نَفْسُهُ وَسَمَحَتْ فَإِذَا لَمْ يَكْفُلْ عِنْدَهُ يُلَازِمُهُ إلَى أَنْ يَقُومَ الْقَاضِي مِنْ مَجْلِسِهِ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَبِهَا، وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ وَلَيْسَ تَفْسِيرُ الْجَبْرِ عِنْدَهُمَا هُنَا أَنْ يُجْبَرَ بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ لَكِنْ يَأْمُرُهُ بِالْمُلَازَمَةِ وَيَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ، وَإِذَا أَرَادَ دُخُولَ دَارِهِ اسْتَأْذَنَهُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ دَخَلَ مَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ مَنَعَهُ مِنْ الدُّخُولِ وَأَجْلَسَهُ فِي بَابِ الدَّارِ كَيْ لَا يَغِيبَ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُحْبَسُ فِيهِمَا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ مَسْتُورَانِ، أَوْ عَدْلٌ) أَيْ لَا يُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ مَسْتُورَانِ، أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ هُنَا لِتُهْمَةِ الْفَسَادِ وَشَهَادَةُ الْمَسْتُورَيْنِ تَصْلُحُ لِلْحُكْمِ بِهِ فَتَصْلُحُ لِإِثْبَاتِ التُّهْمَةِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي الدِّيَانَاتِ، وَالْمُعَامَلَاتِ فَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ التُّهْمَةُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ أَصْلُ الْحَقِّ، وَالْحَبْسُ بِتُهْمَةِ الْفَسَادِ مَشْرُوعٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَبَسَ رَجُلًا بِتُهْمَةٍ» بِخِلَافِ دَعْوَى الْأَمْوَالِ حَيْثُ لَا يُحْبَسُ فِيهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ؛ لِأَنَّهُ نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ فِيهِ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ كَالْحَدِّ نَفْسِهِ وَعَنْهُمَا أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ أَيْضًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ بِالْكَفَالَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالْمَالِ وَلَوْ مَجْهُولًا إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا بِكَفَلْتُ عَنْهُ بِأَلْفٍ وَبِمَالِك عَلَيْهِ وَبِمَا يُدْرِكُك فِي هَذَا الْبَيْعِ وَمَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ وَمَا ذَابَ لَك عَلَيْهِ فَعَلَيَّ وَمَا غَصَبَك فُلَانٌ فَعَلَيَّ) أَيْ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ وَلَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ مَجْهُولًا بِقَوْلِهِ كَفَلْت؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ مَشْرُوعَةٌ فِيهِ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ مُطْلَقًا») رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي حَدٍّ مُطْلَقًا يَعْنِي لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَدٍّ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَبَيْنَ حَدٍّ هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ فِي جَمِيعِ الْحُدُودِ وَهَذَا مِنْ كَلَامِ شُرَيْحٍ لَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي عَنْ شُرَيْحٍ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَنَا فِي رَفْعِهِ نَظَرٌ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَبْنَاهُمَا) أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ اهـ. (قَوْلُهُ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ) أَيْ إذَا سَمَحَتْ بِهِ نَفْسُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا لَمْ يَكْفُلْ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَأْمُرُهُ بِالْمُلَازَمَةِ إلَخْ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُلَازَمَةِ الْمَنْعُ مِنْ الذَّهَابِ لِأَنَّهُ حَبْسٌ لَكِنْ يَذْهَبُ الطَّالِبُ مَعَ الْمَطْلُوبِ فَيَدُورُ مَعَهُ أَيْنَمَا دَارَ كَيْ لَا يَتَغَيَّبَ اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ دَعْوَى الْأَمْوَالِ حَيْثُ لَا يُحْبَسُ إلَخْ) وَالْحَبْسُ بِالتُّهْمَةِ ذَكَرُوهُ أَيْضًا فِي أَوَّلِ بَابِ الْحُدُودِ قَالَ الْكَمَالُ فِي بَابِ الْحُدُودِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَقَدْ حَبَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ» زَادَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «أَقْبَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي غِفَارٍ حَتَّى نَزَلَا بضجعان مِنْ مِيَاهِ الْمَدِينَةِ وَعِنْدَهَا نَاسٌ مِنْ غَطَفَانَ مَعَهُمْ ظَهْرٌ لَهُمْ فَأَصْبَحَ الْغَطَفَانِيُّونَ وَقَدْ فَقَدُوا بَعِيرَيْنِ مِنْ إبِلِهِمْ فَاتَّهَمُوا الْغِفَارِيَّيْنِ فَأَتَوْا بِهِمَا إلَى رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَبَسَ أَحَدَ الْغِفَارِيَّيْنِ وَقَالَ لِلْآخَرِ اذْهَبْ فَالْتَمِسْ فَلَمْ يَكُ إلَّا يَسِيرٌ حَتَّى جَاءَ بِهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدِ الْغِفَارِيَّيْنِ اسْتَغْفِرْ لِي فَقَالَ غَفَرَ اللَّهُ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَك وَقَتَلَك فِي سَبِيلِهِ قَالَ فَقُتِلَ يَوْمَ الْقَيِّمَةِ» اهـ. مَا قَالَ الْكَمَالُ (فَرْعٌ يُحْفَظُ) الْكَفِيلُ بِأَمْرِ الْأَصِيلِ إذَا أَدَّى الْمَالَ إلَى الدَّائِنِ بَعْدَ مَا أَدَّى الْأَصِيلُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ حُكْمِيٌّ، فَلَا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْعِلْمُ وَالْجَهْلُ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ ضِمْنًا قَالَهُ فِي الْقُنْيَةِ قَبْلَ بَابِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ فِيهِ) وَفِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَقْصَى الْعُقُوبَةِ الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ وَالضَّرْبُ فَجَازَ الْحَبْسُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ إلَخْ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِذِكْرِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَالْمَكْفُولِ عَنْهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَجْهُولًا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ مَا ذَابَ لَك عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فَهُوَ عَلَيَّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَا ذَابَ عَلَيْك لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فَهُوَ عَلَيَّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَهُوَ عَلَيَّ جَازَ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ كُلُّهُ قَلِيلًا بَايَعَهُ أَوْ كَثِيرًا مَرَّةً أَوْ مِرَارًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ إلَّا جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا بَايَعَ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ وَالْمَكْفُولُ لَهُ مَعْلُومًا اهـ.

التَّوَسُّعِ فَيُتَحَمَّلُ فِيهَا الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ وَغَيْرُهَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَارَفًا وَعَلَى الْكَفَالَةِ بِالدَّرَكِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَمْ قَدْرُ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْبَيْعِ وَكَفَى بِهِ حُجَّةً وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا صَحِيحًا كَمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ صَحِيحًا كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ وَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالشَّجَّةِ وَقَطْعِ الْأَطْرَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُوجَبُهُ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ دَيْنٌ صَحِيحٌ لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَالَبَ الْكَفِيلَ، أَوْ الْمَدْيُونَ إلَّا إذَا شَرَطَ الْبَرَاءَةَ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ حَوَالَةً كَمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ بِهَا الْمُحِيلُ كَفَالَةٌ) أَيْ الطَّالِبُ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ طَالَبَ الْكَفِيلَ، وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ الْأَصِيلَ، وَكَذَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ مُوجَبُ الْكَفَالَةِ؛ إذْ هِيَ تُنْبِئُ عَنْ الضَّمِّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي بَقَاءَ الْأَوَّلِ لَا الْبَرَاءَةَ إلَّا إذَا شَرَطَ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ حَوَالَةً، فَلَا يُطَالِبُ الْأَصِيلَ كَمَا إذَا أَحَالَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ الْمُحِيلُ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي لَا لِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ طَالَبَ أَحَدَهُمَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ) لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا اخْتَارَ أَحَدَ الْغَاصِبَيْنِ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ أَحَدَهُمَا يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ مِنْهُ عِنْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ، فَلَا يُمْكِنُهُ التَّمْلِيكُ مِنْ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمُطَالَبَةُ بِالْكَفَالَةِ لَا تَقْتَضِيهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَقِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ كَشَرْطِ وُجُوبِ الْحَقِّ كَأَنْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ، أَوْ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ كَأَنْ قَدِمَ زَيْدٌ، وَهُوَ مَكْفُولٌ عَنْهُ، أَوْ لِتَعَذُّرِهِ كَأَنْ غَابَ عَنْ الْمِصْرِ) أَيْ يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِشُرُوطٍ مُلَائِمَةٍ لَا بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ، وَالْمُلَاءَمَةُ تَثْبُتُ بِكَوْنِ الشَّرْطِ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ كَقَوْلِهِ إنْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ فَعَلَيَّ الثَّمَنُ، أَوْ بِكَوْنِهِ مُمَكِّنًا مِنْ الِاسْتِيفَاءِ كَقَوْلِهِ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، أَوْ بِكَوْنِهِ سَبَبًا لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ كَقَوْلِهِ إنْ غَابَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ الشُّرُوطِ الَّتِي يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] فَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ أَنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِالشَّرْطِ وَذَلِكَ الشَّرْطُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْحَمْلِ عَلَى الْمَجِيءِ بِالصَّاعِ وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا مَا لَمْ تُنْسَخْ. وَلَا يُقَالُ الْكَفِيلُ مَنْ يَكُونُ ضَامِنًا عَنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا الْكَفِيلُ ضَامِنٌ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ أَمْكَنَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْكَفَالَةِ بِأَنْ يَكُونَ رَسُولًا مِنْ جِهَةِ الْمَلِكِ، وَالرَّسُولُ سَفِيرٌ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ كَأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْمَلِكَ قَالَ لِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ، ثُمَّ يَقُولُ هُوَ مِنْ جِهَتِهِ وَأَنَا بِذَلِكَ الْحِمْلِ الَّذِي عَلَى الْمَلِكِ كَفِيلٌ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ لِلْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ فَلَمْ تَبْقَ لَكُمْ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ جَازَ أَنْ تُنْسَخَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَتَبْقَى مَعْمُولًا بِهَا مِنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ ضَمَانَ الدَّرَكِ جَائِزٌ وَلَوْ كَانَ مَنْسُوخًا لَمَا جَازَ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَالِ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ كَقَوْلِهِ مَا غَصَبَك فُلَانٌ فَعَلَيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ) أَيْ لِأَنَّ الدَّيْنَ الصَّحِيحَ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَطَلَبَ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ وَطَالَبَ اهـ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ بِهَا الْمُحِيلُ كَفَالَةً) قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَقَالَ الطَّالِبُ لِلْمَطْلُوبِ أَحِلْنِي بِمَا لِي عَلَيْك عَلَى فُلَانٍ عَلَى أَنَّك ضَامِنٌ لِذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَى الْمُحِيلِ فَقَدْ جَعَلَ الْحَوَالَةَ كَفَالَةً لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ عَدَمِ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ كَفَالَةٌ اهـ. وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ حُكْمُ مَا يَقَعُ فِي زَمَانِنَا مِنْ قَوْلِ رَبِّ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ أَحِلْنِي عَلَى فُلَانٍ وَاضْمَنْ لِي صِحَّةَ الْحَوَالَةِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ) ثُمَّ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَمَ لِصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَقَالَ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ صَحِيحٌ وَبِغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ وَأَطْلَقَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشُّرُوطِ قَالَ الْأَقْطَعُ فِي شَرْحِهِ إذَا كَانَ الشَّرْطُ لِوُجُوبِ الْحَقِّ أَوْ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ جَازَ تَعْلِيقُهَا بِهِ كَقَوْلِهِ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَوْ قَدِمَ زَيْدٌ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِلْوُجُوبِ وَقُدُومَ زَيْدٍ قَدْ يَسْهُلُ بِهِ الْأَدَاءُ بِأَنْ يَكُونَ مَكْفُولًا عَنْهُ أَوْ مُضَارِبَهُ وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ ثُمَّ رَقَمَ لِشَرْحِ أَبِي ذَرٍّ إنَّمَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِسَبَبِ وُجُوبِ الْحَقِّ فَأَمَّا دُخُولُ الدَّارِ وَقُدُومُ زَيْدٍ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْحَقِّ، فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الضَّمَانِ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنَّ الْأَصَحَّ مَا ذَكَرَهُ أَبُو نَصْرٍ أَنَّهُ يَصِحُّ بِقُدُومِ زَيْدٍ وَقَدْ نُصَّ عَلَيْهِ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَشَرْطِ) هَذَا هُوَ الثَّابِتُ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ كَشُرُوطِ اهـ. (قَوْلُهُ كَأَنْ قَدِمَ زَيْدٌ إلَخْ) لِأَنَّ قُدُومَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ سَبَبٌ لِلْوُصُولِ إلَى الْأَدَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ مَا غَصَبَك فُلَانٌ فَعَلَيَّ) وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ مَا قُضِيَ لَك بِهِ عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ فَخَاصَمَ الطَّالِبُ وَرَثَتَهُ أَوْ وَصِيَّهُ فَقُضِيَ لَهُ عَلَيْهِمْ بِحَقٍّ لَزِمَ الْكَفِيلَ وَلَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ لَحِقَهُ فِي تَرِكَتِهِ ذَكَرَهُ فِي تَرِكَةِ الْأَصْلِ وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ لِآخَرَ مَا غَصَبَك فُلَانٌ أَوْ مَا سَرَقَك فَإِنِّي لَهُ ضَامِنٌ جَازَ ذَلِكَ الضَّمَانُ وَلَوْ قَالَ مَا غَصَبَك أَهْلُ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ فَهُوَ بَاطِلٌ حَتَّى يُسَمِّيَ إنْسَانًا بِعَيْنِهِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ ضَمِنْت لَك مَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَلَا كَذَلِكَ إذَا سَمَّى إنْسَانًا بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ فَقَالَ مَا يَجِبُ لَك عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ جَازَ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى ذَكَرَ فِي كَفَالَةِ الْأَصْلِ لَوْ قَالَ مَنْ بَايَعَ فُلَانًا الْيَوْمَ مِنْ بَيْعٍ فَعَلَيَّ فَبَايَعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ ضَمِنْت لِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ فَلَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَالَ لِقَوْمٍ حَاضِرِينَ مَا بَايَعْتُمُوهُ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَعَلَيَّ جَازَ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ لِمُعَيَّنِينَ وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ يُعْطِك فُلَانٌ مَالَك فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ لَمْ يَلْزَمْ الضَّامِنَ شَيْءٌ حَتَّى يَتَقَاضَاهُ الطَّالِبُ فَيَقُولُ لَا أُعْطِيك وَلَوْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ قَبْلَ التَّقَاضِي فَقَالَ وَارِثُهُ أُعْطِيك

[تعليق الكفالة بهبوب الريح]

وَجَهَالَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ، أَوْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ تَمْنَعُ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ غَصَبَك مِنْ النَّاسِ، أَوْ بَايَعَك، أَوْ قَتَلَك فَأَنَا كَفِيلٌ لَك عَنْهُ، أَوْ قَالَ مَنْ غَصَبْته أَنْتَ أَوْ قَتَلْته فَأَنَا كَفِيلٌ لَهُ عَنْك لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْمَكْفُولِ عَنْهُ يَسِيرَةً مِثْلُ أَنْ يَقُولَ كَفَلْت لَك بِمَا لَك عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ، فَالتَّعْيِينُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا) يَعْنِي لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ كَنُزُولِ الْمَطَرِ، فَإِنْ عُلِّقَ بِهِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ مُلَائِمٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِمُلَائِمٍ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ وَلَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ فِي الْكَفَالَةِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا، وَكَذَا الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ كَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ وَيَجُوزُ تَأْجِيلُهَا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَالْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ فِيهَا مُتَحَمَّلَةٌ كَالتَّأْجِيلِ إلَى الْقِطَافِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ وَلَا يَجُوزُ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ، أَوْ نُزُولِ الْمَطَرِ، فَإِنْ أَجَّلَهُ إلَيْهِ بَطَلَ الْأَجَلُ وَلَزِمَهُ تَسْلِيمُ النَّفْسِ حَالًّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَفَلَ بِمَالِهِ عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ عَلَى أَلْفٍ لَزِمَهُ) يَعْنِي إذَا تَكَفَّلَ رَجُلٌ بِمَالِهِ عَلَى فُلَانٍ فَأَقَامَ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَزِمَ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الطَّالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَهُوَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ وَلَا عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا صُدِّقَ الْكَفِيلُ فِيمَا أَقَرَّ بِحَلِفِهِ وَلَا يَنْفُذُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ عَلَى الْكَفِيلِ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ الْكَفِيلُ بِشَيْءٍ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَادَّعَى الطَّالِبُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَوْ أَقَرَّ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ قَوْلُهُ عَلَى الْكَفِيلِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَنْفُذُ إلَّا إذَا كَانَ عَنْ وِلَايَةٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ لَا أُعْطِيك فَالْمَالُ يَلْزَمُ الْكَفِيلَ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ إنْ تَقَاضَيْت فَلَمْ يُعْطِك فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ فَمَاتَ الْمَطْلُوبُ قَبْلَ التَّقَاضِي بَطَلَ عَنْ الضَّمَانِ وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ فَبَايَعَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يَلْزَمُهُ ثَمَنُ مَا بَايَعَهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ ثَمَنُ مَا بَايَعَهُ بَعْدَهُ وَفِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْأَجْنَاسِ وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ الْأَصْلِ رَجُلٌ قَالَ لِلْمُودِعِ إنْ أَتْلَفَ الْمُودَعُ وَدِيعَتَك أَوْ جَحَدَ فَأَنَا ضَامِنٌ لَك صَحَّ وَلَوْ قَالَ إنْ قَتَلَك أَوْ ابْنَك فُلَانٌ خَطَأً فَأَنَا ضَامِنٌ صَحَّ بِخِلَافِ إنْ أَكَلَك سَبُعٌ اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ بِخِلَافِ إنْ أَكَلَك سَبُعٌ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ مُلَائِمًا كَأَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ وَهُوَ غَيْرُ مَكْفُولٍ عَنْهُ أَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيقُ، وَكَذَا إذَا جُعِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَجَلًا يَعْنِي مِنْ هُبُوبِ الرِّيحِ وَمَجِيءِ الْمَطَرِ كَأَنْ يَقُولَ كَفَلْت لَك بِمَا لَك عَلَيْهِ إلَى أَنْ تَهُبَّ الرِّيحُ أَوْ إلَى أَنْ يَجِيءَ الْمَطَرُ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنَّ الْكَفَالَةَ تَثْبُتُ حَالَّةً وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلَّقَهُمَا بِهِمَا نَحْوُ إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فَقَدْ كَفَلْت لَك بِمَا لَك عَلَيْهِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بَاطِلَةٌ أَصْلًا وَلَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ الْحَصَادَ وَالدِّيَاسَ أَوْ الْمِهْرَجَانَ أَوْ الْعَطَاءَ أَوْ صَوْمَ النَّصَارَى جَازَتْ الْكَفَالَةُ وَالتَّأْجِيلُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ الْغَيْرَ الْمُلَائِمِ لَا يَصِحُّ مَعَ الْكَفَالَةِ أَصْلًا وَمَعَ الْأَجَلِ الْغَيْرِ الْمُلَائِمِ تَصِحُّ حَالَّةً وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ اهـ. (قَوْلُهُ وَجَهَالَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَوْ قَالَ الْقَوْمُ مَا بَايَعْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَغَيْرُكُمْ فَهُوَ عَلَيَّ لَزِمَهُ دَيْنُ مَنْ خَاطَبَهُمْ وَلَمْ يَلْزَمْهُ دَيْنُ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ مَعْلُومُونَ وَغَيْرَهُمْ مَجْهُولُونَ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْمَكْفُولِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ قُبَيْلَ فَصْلِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ مَنْ بَايَعَك بِشَيْءٍ فَأَنَا كَفِيلٌ عَنْك بِثَمَنِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ قَالَ مَنْ بَايَعَك مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَشَارَ إلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ مَعْدُودِينَ فَأَنَا كَفِيلٌ عَنْك بِثَمَنِهِ جَازَ اهـ. . [تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ] (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ) اعْلَمْ أَنَّ نُسَخَ الْمَتْنِ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَفِي نُسْخَةٍ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الزَّيْلَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا شَاهَدْته فِي خَطِّهِ هَكَذَا وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا وَعَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ يَكُونُ مَا نَسَبَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ السَّهْوِ لِلْهِدَايَةِ وَالْكَافِي مَنْسُوبًا لِعِبَارَةِ الْكَنْزِ وَاَلَّذِي فِي غَالِبِ نُسَخِ الْمَتْنِ وَجَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ الشُّرَّاحِ هَكَذَا وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَإِنْ جُعِلَ أَجَلًا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا وَلَا سَهْوَ فِي عِبَارَةِ الْكَنْزِ عَلَى هَذَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَلَّقَ بِهِ تَصِحُّ) كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَأَنَا ضَامِنٌ أَوْ إنْ نَزَلَ الْمَطَرُ فَأَنَا كَفِيلٌ اهـ. (قَوْلُهُ: هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي) صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَلَّدَ صَاحِبَ الْمَبْسُوطِ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ التَّعْلِيقَ وَأَرَادَ بِهِ التَّأْجِيلَ بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَدَمَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْحَالِّ اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ فِي الْكَفَالَةِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ لَا يَصِحُّ) كَمَا إذَا قَالَ كَفَلْت بِكَذَا إلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ أَوْ تَهُبَّ الرِّيحُ اهـ. (قَوْلُهُ لَزِمَ الْكَفِيلَ) لِأَنَّهُ أَيْ الْكَفِيلَ ضَمِنَ بِمَا عَلَيْهِ وَقَدْ ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَلْفٌ وَالثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا فَصَارَ كَأَنَّهُ ضَمِنَ بِالْأَلْفِ الَّتِي عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ عَنْ وِلَايَةٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا عَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَفِيلِ فِي مِقْدَارِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّهُ مَالٌ مَجْهُولٌ لَزِمَهُ بِقَوْلِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَوْلُ الْكَفِيلِ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّ مَنْ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ فِيمَا كَانَ هُوَ خَصْمًا فِيهِ وَالشَّيْءُ مِمَّا يَصِحُّ بَذْلُهُ كَانَ الْقَوْلُ مَعَ يَمِينِهِ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَعْتَرِفُ بِهِ الْكَفِيلُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَكْثَرَ عَلَى الْكَفِيلِ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَلَى الْكَفِيلِ فَيُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْكَفِيلِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قَسِيمِ

فَأَقَرَّ فُلَانٌ عَلَى نَفْسِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَأَنْكَرَ الْكَفِيلُ مَا أَقَرَّ بِهِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ تَكَفَّلَ بِمَا تَقَرَّرَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ. وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ مُتَكَفِّلٌ بِمَا سَيَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ فَيُشْتَرَطُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ فِيمَا يَأْتِي بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ تَكَفَّلَ بِمَا عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَإِذَا أَخْبَرَ الطَّالِبُ، أَوْ الْمَطْلُوبُ بِمَا عَلَيْهِ كَانَ مُتَّهَمًا، فَلَا يُصَدَّقُ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ وَيُصَدَّقُ الْمَطْلُوبُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِإِقْرَارِهِ عَلَيْهِ كَالْمَرِيضِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ يُرَدُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى إذَا فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ بِمَا أَدَّى عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ مَعْنَاهُ إذَا أَدَّى مَا ضَمِنَ وَكَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ غَيْرَ صَبِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَغَيْرَ عَبْدٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا أَدَّى خِلَافَهُ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ بِهِ جَيِّدًا فَأَدَّى رَدِيئًا، أَوْ بِالْعَكْسِ وَيَرْجِعُ بِالْمَالِ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الطَّالِبِ كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْإِرْثِ بِأَنْ مَاتَ الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ وَارِثُهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ حَالِ حَيَاتِهِ وَهِيَ جَائِزَةٌ لِلْكَفِيلِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَجُوزُ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ الدَّيْنُ إلَيْهِ بِمُقْتَضَى الْهِبَةِ ضَرُورَةً وَلَهُ نَقْلُهُ بِالْحَوَالَةِ أَوْ يُجْعَلُ كَدَيْنَيْنِ لِلضَّرُورَةِ، أَوْ نَقُولُ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ. ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَامِحَ الْأَصِيلَ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ حَيْثُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى إنْ أَدَّى أَرْدَأَ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ أَدَّى أَجْوَدَ مِنْهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالْأَدَاءِ بِأَمْرِهِ وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ الدَّيْنَ لَا يَمْلِكُهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى مَا لَمْ يُخَالِفْ أَمْرَهُ بِالزِّيَادَةِ أَوْ بِأَدَاءِ جِنْسٍ آخَرَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِهِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِقَدْرِ مَا أَدَّى؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْأَقَلِّ إبْرَاءٌ فَيَكُونُ إبْرَاءً عَنْهُ لَا تَمْلِيكًا إلَّا إذَا صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَهَبَهُ الْبَاقِيَ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الدَّيْنَ كُلَّهُ بَعْضَهُ بِالْأَدَاءِ وَبَعْضَهُ بِالْهِبَةِ وَأَمَّا إذَا تَكَفَّلَ بِأَمْرِ الصَّبِيِّ أَوْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا فَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْكَفَالَةِ اسْتِقْرَاضٌ مِنْهُ مِنْ الْمَأْمُورِ وَاسْتِقْرَاضُهُمَا لَا يَصِحُّ وَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِنَّمَا لَزِمَ الْكَفِيلَ الْمَالُ بِالْتِزَامِهِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ تَعْتَمِدُ الْتِزَامَهُ بِاخْتِيَارِهِ لَا أَمْرَ الْآمِرِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا؛ لِأَنَّ أَمْرَهُمَا بِالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، وَالنَّفْسِ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكَا أَنْ يَتَكَفَّلَا عَنْ أَحَدٍ لِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِمَا الْكَفِيلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ)؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَائِهِ عَنْهُ وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُطَالِبُ الْأَصِيلَ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ)؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَطْلُوبِ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ أَوْ مَا ثَبَتَ أَوْ مَا قُضِيَ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِمَا لَزِمَ الْكَفِيلَ إلَّا قَوْلَهُ مَا قُضِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا ذَابَ أَيْ حَصَلَ وَقَدْ حَصَلَ بِإِقْرَارِهِ وَلَوْ قَالَ مَالَك أَوْ مَا أَقَرَّ لَك بِهِ أَمْسِ فَقَالَ الْمَطْلُوبُ أَقْرَرْت لَهُ بِأَلْفٍ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ لِأَنَّهُ قَبِلَ مَالًا وَاجِبًا عَلَيْهِ لَا مَالًا وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الْحَالِّ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ وَاجِبٌ، فَإِنْ قَالَ مَا أَقَرَّ فَأَقَرَّ فِي الْحَالِّ يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ مَا كَانَ أَقَرَّ لَك وَلَوْ أَبَى الْمَطْلُوبُ الْيَمِينَ فَأَلْزَمَهُ الْقَاضِي لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ لِأَنَّ النُّكُولَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بَلْ بَذْلٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا)، وَكَذَا لَوْ قَالَ مَا بَايَعْته فَعَلَيَّ فَقَالَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بَايَعَنِي وَجَحَدَ الْكَفِيلُ يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِذَلِكَ اسْتِحْسَانًا بِدُونِ بَيِّنَةٍ اهـ. خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، فَإِنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ إلَخْ) رَجُلٌ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ أَجَازَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ الْكَفَالَةَ فَأَدَّى الْكَفِيلُ شَيْئًا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ اهـ. قَاضِي خَانْ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْحَوَالَةِ مُعَلَّلُهُ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ثُمَّ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ رُجُوعَ الْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا وُجِدَ الْأَمْرُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ مِمَّنْ يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالدَّيْنِ وَيَمْلِكُ التَّبَرُّعَ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ وَكِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِمَا حَتَّى إنَّ الصَّبِيَّ الْمَحْجُورَ إذَا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَكْفُلَ عَنْهُ فَكَفَلَ وَأَدَّى لَا يَرْجِعُ لِأَنَّ الْأَصِيلَ مُسْتَقْرِضٌ عَنْ الْكَفِيلِ مَعْنًى وَاسْتِقْرَاضُ الصَّبِيِّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ بِخِلَافِ اسْتِقْرَاضِ الْبَالِغِ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ أَمْرَهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ مَوْلَاهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إذَا كَانَتْ بِأَمْرٍ كَانَتْ بِمَعْنَى الْقَرْضِ كَأَنَّهُ قَالَ أَقْرِضْنِي كَذَا وَادْفَعْهُ إلَى فُلَانٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ فَكَذَلِكَ هَذَا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِالْعَكْسِ يَرْجِعُ بِالْمَالِ الْمَكْفُولِ بِهِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ ثُمَّ الْكَفِيلُ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لَا بِمَا أَدَّى لِأَنَّهُ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ حَتَّى إنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ صِحَاحٌ جِيَادٌ فَأَدَّى زُيُوفًا وَتَجَوَّزَ بِهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالْجِيَادِ، وَكَذَا لَوْ أَدَّى عَنْهَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَوْ الْعُرُوضِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالدَّرَاهِمِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى لَا بِمَا عَلَى الْغَرِيمِ وَبِخِلَافِ الصُّلْحِ إذَا صَالَحَ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِخَمْسِمِائَةٍ لَا بِالْأَلْفِ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْبَعْضِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ وَهَبَهُ) يَعْنِي إذَا وَهَبَ الْمَكْفُولُ لَهُ لِلْكَفِيلِ الْمَالَ الْمَكْفُولَ بِهِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِالْمَكْفُولِ بِهِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فَإِذَا قَبِلَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ كَمَا إذَا أَدَّى اهـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَلَوْ وَهَبَ أَيْ الطَّالِبُ اهـ قَوْله لَهُ أَيْ الْكَفِيلِ اهـ. (قَوْلُهُ فَفَعَلَ) كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ أَلْفٍ عَلَى مِائَةٍ عَلَى أَنْ يَهَبَهُ الْبَاقِيَ فَإِنَّ الْكَفِيلَ يَرْجِعُ حِينَئِذٍ بِأَلْفٍ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَا يُطَالِبُ الْأَصِيلَ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ) أَيْ لِأَنَّ الْكَفِيلَ كَالْمُقْرِضِ مَعْنًى وَالْمُقْرِضُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ مَا لَمْ يُقْرِضْ فَكَذَا الْكَفِيلُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَإِنَّمَا يَتَمَلَّكُ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ فَلَا يَرْجِعُ قَبْلَ التَّمَلُّكِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ يَرْجِعُ قَبْلَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مِنْ الْمُوَكِّلِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ مِنْ الْمُشْتَرِي فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْحُقُوقِ لِمَا أَنَّهُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا وَكَانَ لِلْوَكِيلِ وِلَايَةُ حَبْسِ الْمَبِيعِ عَنْ الْمُوَكِّلِ إلَى أَنْ يُوفِيَ الثَّمَنَ كَمَا كَانَ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ؛ إذْ هُوَ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالثَّمَنِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ كَمَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ قَبْلَ أَنْ يُوفِيَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لُوزِمَ لَازَمَهُ) أَيْ إنْ لُوزِمَ الْكَفِيلُ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ لَازَمَ هُوَ الْأَصِيلَ حَتَّى يُخَلِّصَهُ، وَكَذَا إذَا حُبِسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ وَلَحِقَهُ مَا لَحِقَهُ مِنْ جِهَتِهِ فَيُعَامِلُهُ بِمِثْلِهِ حَتَّى يُخَلِّصَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ تَخْلِيصُهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَرِئَ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ) أَيْ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ يَبْرَأُ بِالْأَدَاءِ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ فَقَطْ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَبْقَى الْمُطَالَبَةُ بِدُونِ الدَّيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلَ أَوْ أَخَّرَ عَنْهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَتَأَخَّرَ عَنْهُ) أَيْ لَوْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ، أَوْ أَجَّلَ دَيْنَهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَتَأَجَّلَ الدَّيْنُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْمُطَالَبَةُ، وَهِيَ تَبَعٌ لِلدَّيْنِ فَتَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ وَتَتَأَخَّرُ بِتَأَخُّرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَفَّلَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ ابْتِدَاءً حَيْثُ يَبْرَأُ الْأَصِيلُ وَحْدَهُ دُونَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ فِيهِ صَارَتْ عِبَارَةً عَنْ الْحَوَالَةِ مَجَازًا، وَاللَّفْظُ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَجَازُ سَقَطَتْ الْحَقِيقَةُ فَصَارَ الْكَفِيلُ مُحَالًا عَلَيْهِ وَبَرَاءَةُ الْمُحِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَتَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ الْمُحِيلُ عَنْ الدَّيْنِ فِيهَا فِي رِوَايَةٍ، وَالْأَحْكَامُ تَشْهَدُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَوَى يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِذَا مَاتَ الْمُحِيلُ كَانَ الْمُحْتَالُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَالِ الْمُحْتَالِ بِهِ كَأَنَّهُ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الدَّيْنَ فِيهَا لَمْ يَسْقُطْ بِالِاتِّفَاقِ. وَإِنَّمَا تَحَوَّلَ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ إمَّا الدَّيْنُ أَوْ الْمُطَالَبَةُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ وَلَا سُقُوطَ تَبَعِهِ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا أَصْلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَنْعَكِسُ) أَيْ بَرَاءَةُ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ وَلَا تَأْخِيرُهُ عَنْهُ يُوجِبُ التَّأْخِيرَ عَنْ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِسْقَاطُ الْمُطَالَبَةِ، أَوْ تَأْخِيرُهُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ وَلَا تَأَخُّرَهُ أَلَا تَرَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، فَإِنْ لُوزِمَ لَازَمَهُ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَفِيلَ بِالْأَمْرِ إذَا طُولِبَ طَالَبَ الْأَصِيلَ وَإِذَا حُبِسَ حَبَسَهُ وَإِذَا أَدَّى رَجَعَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْكَفِيلِ دَيْنٌ مِثْلُهُ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ فَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ مُلَازَمَةُ الْأَصِيلِ وَلَا لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ إذَا حُبِسَ وَلَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إذَا أَدَّى، وَلَكِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ دَيْنُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ مَنْ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرٍ فَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ الرُّجُوعُ وَالْمُطَالَبَةُ وَالْحَبْسُ لِلْأَصِيلِ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مُتَبَرِّعٌ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَرِئَ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ هُنَا مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِذَا أَبْرَأَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْمَطْلُوبَ عَنْ الدَّيْنِ وَقَبِلَ ذَلِكَ بَرِئَ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ جَمِيعًا لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَبَرَاءَةُ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَ الْأَصِيلَ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ قَبُولُهُ أَوْ يَمُوتَ قَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ وَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الْقَبُولِ وَلَوْ رَدَّهُ ارْتَدَّ وَدَيْنُ الطَّالِبِ عَلَى حَالِهِ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَعُودُ إلَى الْكَفِيلِ أَمْ لَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَعُودُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَعُودُ وَلَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلُ صَحَّ الْإِبْرَاءُ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فَإِذَا قَبِلَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ كَمَا إذَا أَدَّى وَفِي الْكَفِيلِ حُكْمُ إبْرَائِهِ وَالْهِبَةِ يَخْتَلِفُ فِي الْإِبْرَاءِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ وَفِي الْأَصِيلِ يَتَّفِقُ حُكْمُ إبْرَائِهِ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ الْإِبْرَاءُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَبِلَ وَرَثَتُهُ صَحَّ وَلَوْ رَدَّ وَرَثَتُهُ ارْتَدَّ وَبَطَلَ الْإِبْرَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ بَعْدَ الْمَوْتِ إبْرَاءٌ لِلْوَرَثَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِمْ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِيمَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْأَصِيلِ وَقَدْ سَقَطَ الضَّمَانُ عَلَى الْأَصِيلِ بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَيَسْقُطُ عَنْ الْكَفِيلِ أَيْضًا لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى الْكَفِيلِ فَرْعُ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ، فَلَا يَبْقَى هَذَا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَا يَنْعَكِسُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِذَا أَخَّرَ الطَّالِبُ الدَّيْنَ عَنْ الْكَفِيلِ إلَى مُدَّةٍ فَقَبِلَ الْكَفِيلُ هَذَا التَّأْخِيرَ مَعَهُ صَحَّ التَّأْخِيرُ عَنْ الْكَفِيلِ خَاصَّةً وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَأْخِيرًا عَنْ الْأَصِيلِ وَلَوْ رَدَّ الْكَفِيلُ التَّأْخِيرَ ارْتَدَّ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ لِلْكَفِيلِ أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ وَلَوْ أَخَّرَ الدَّيْنَ عَنْ الْأَصِيلِ تَأَخَّرَ عَنْهُمَا جَمِيعًا لِأَنَّ ضَمَانَ الْكَفِيلِ تَبَعٌ لِضَمَانِ الْأَصِيلِ وَضَمَانُ الْأَصِيلِ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِضَمَانِ الْكَفِيلِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا ثَبَتَ عَلَى الْكَفِيلِ مُؤَجَّلًا وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْأَصِيلِ حَالًّا وَكَفَلَ عَنْهُ رَجُلٌ لِلطَّالِبِ مُؤَجَّلًا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَتَأَخَّرَ الدَّيْنُ عَنْهُمَا لِأَنَّ الْأَجَلَ أُلْحِقَ بِالدَّيْنِ وَالدَّيْنُ عَلَى الْأَصِيلِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الطَّالِبُ وَقْتَ الْكَفَالَةِ الْأَجَلَ لِأَجْلِ الْكَفِيلِ خَاصَّةً، فَلَا يَتَأَخَّرُ الدَّيْنُ حِينَئِذٍ عَنْ الْأَصِيلِ وَلَوْ أَنَّ الْكَفِيلَ أَحَالَ الْمَكْفُولَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ الْمَكْفُولُ لَهُ وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ فَقَدْ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ حَصَلَتْ بِأَصْلِ الدَّيْنِ وَأَصْلُ الدَّيْنِ كَانَ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَلِذَلِكَ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْحَوَالَةُ بَرَاءَتَهُمَا جَمِيعًا وَلَوْ اشْتَرَطَ الطَّالِبُ وَقْتَ الْحَوَالَةِ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ خَاصَّةً بَرِئَ الْكَفِيلُ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْكَفِيلِ لِمَالٍ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ اهـ.

أَنَّ لِلدَّيْنِ وُجُودًا بِدُونِهِ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَفَّلَ بِالْمَالِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ مَثَلًا حَيْثُ يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْكَفِيلِ حَالَ وُجُودِ الْكَفَالَةِ فَانْصَرَفَ الْأَجَلُ إلَى الدَّيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا رَبَّ الْمَالِ عَنْ أَلْفٍ عَلَى نِصْفِهِ بَرِئَا) أَيْ صَالَحَ الْأَصِيلُ، أَوْ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَنْ الْأَلْفِ الَّتِي عَلَيْهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ، وَالْأَصِيلُ أَمَّا إذَا صَالَحَ الْأَصِيلُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ بِالصُّلْحِ بَرِئَ هُوَ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا إذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ فَلِأَنَّ إضَافَةَ الصُّلْحِ إلَى الْأَلْفِ إضَافَةً إلَى مَا عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَبْرَأُ الْأَصِيلُ عَنْ الدَّيْنِ ضَرُورَةَ إضَافَةِ الصُّلْحِ إلَى الْأَلْفِ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِذَا بَرِئَا عَنْ خَمْسِمِائَةٍ بِصُلْحِ أَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ، فَإِنْ أَدَّى الْكَفِيلُ الْخَمْسَمِائَةِ الْبَاقِيَةَ رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِهَا إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ لِمَا عُرِفَ، ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَذْكُرَ فِي الصُّلْحِ بَرَاءَتَهُمَا فَيَبْرَآنِ جَمِيعًا، أَوْ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَكَذَا الْحُكْمُ، أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، أَوْ شُرِطَ، أَوْ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ لَا غَيْرُ فَيَبْرَأُ هُوَ وَحْدَهُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ، وَالْأَلْفُ عَلَى حَالِهِ عَلَى الْأَصِيلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ بَرِئْتَ إلَيَّ مِنْ الْمَالِ رَجَعَ عَلَى الْمَطْلُوبِ) أَيْ الْكَفِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْقَبْضِ مِنْ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الَّتِي يَكُونُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ وَانْتِهَاؤُهَا إلَى الطَّالِبِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ مِنْهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ دَفَعْتَ إلَيَّ، أَوْ نَقَدْتنِي، أَوْ قَبَضْته مِنْك فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ الطَّالِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِإِقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْكَفِيلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي بَرِئْت، أَوْ أَبْرَأْتُك لَا) أَيْ فِي قَوْلِهِ لِلْكَفِيلِ بَرِئْت، أَوْ أَبْرَأْتُك لَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَرِئْت مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ إلَيَّ مُحْتَمِلٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَرِئَ بِإِبْرَائِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَرِئَ بِالْأَدَاءِ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ بِالشَّكِّ، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا الْبَرَاءَةَ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبَرَاءَةٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَ الْبَرَاءَةَ إلَيْهِ وَلَا يَقْدِرُ الْمَطْلُوبُ أَنْ يَبْرَأَ إلَّا بِالْأَدَاءِ بِأَنْ يَضَعَ الْمَالَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَالِ فَيَبْرَأُ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الطَّالِبِ صُنْعٌ. وَلِهَذَا لَوْ كَتَبَ وَقَالَ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ بِالْقَبْضِ إجْمَاعًا فَكَذَا هَذَا؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّكَّ لَا يُكْتَبُ عَادَةً إلَّا إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بِالْإِيفَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْإِبْرَاءِ لَا يُكْتَبُ وَقَوْلُهُ أَبْرَأْتُك ابْتِدَاءً إسْقَاطٌ لَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْقَبْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَيْفَ نَسَبَ الْفِعْلَ إلَى نَفْسِهِ، وَالْكَفِيلُ لَا يَمْلِكُ الدَّيْنَ بِالْإِبْرَاءِ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى، أَوْ، وَهَبَهُ الطَّالِبُ عَلَى مَا مَرَّ وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَفَّلَ إلَخْ) نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي اهـ (قَوْلُهُ: مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ مَثَلًا) قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ حَالًّا فَكَفَلَ بِهِ إنْسَانٌ مُؤَجَّلًا بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ بِهِ وَطَلَبَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ تَأْجِيلًا فِي حَقِّهِمَا اسْتِحْسَانًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ حَالٌّ عَلَى الْأَصِيلِ مُؤَجَّلٌ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ وُجِدَ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ خَاصَّةً فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ كَمَا لَوْ أَجَّلَهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَضَافَ الْأَجَلَ إلَى نَفْسِ الدَّيْنِ فَتَكُونُ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً مُؤَجَّلَةً وَلَنْ تَكُونَ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهِ مُؤَجَّلَةً ابْتِدَاءً إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ التَّأْجِيلِ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ فَيَتَأَجَّلُ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ فَيَتَأَجَّلُ فِي حَقِّهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَفَلَ حَالًّا ثُمَّ أَجَّلَهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ لَا يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّأْجِيلَ إلَى مَنْ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ لَا إلَى الدَّيْنِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَانْصَرَفَ الْأَجَلُ إلَى الدَّيْنِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ قَرْضًا وَهَذِهِ حِيلَةٌ فِي تَأْجِيلِ الْقَرْضِ اهـ. تِبْيَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ الْكَفَالَةُ بِالْقَرْضِ إلَى أَجَلٍ جَائِزَةٌ وَهُوَ حَالٌّ عَلَى الْأَصِيلِ وَمِثْلُهُ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَشَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَصِيرِيُّ فِي التَّحْرِيرِ مِنْ تَأْجِيلِهِ عَلَى الْأَصِيلِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي حَاشِيَةِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ فِرِشْتَا ذَكَرَهُ قُبَيْلَ فَصْلِ الرِّبَا اهـ. . (قَوْلُهُ: ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَذْكُرَ إلَخْ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ مَثَلًا لِلطَّالِبِ صَالَحْتُك عَنْ الْأَلْفِ الَّتِي عَلَيَّ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنِّي وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ بَرِيئَانِ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ بَرِئَا جَمِيعًا وَالطَّالِبُ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الصُّلْحُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا مِنْ الْكَفِيلِ وَالْكَفِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا مِنْ الْأَصِيلِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ رَجَعَ عَلَى الْمَطْلُوبِ) أَيْ وَالطَّالِبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ جَمِيعَ دَيْنِهِ مِنْ الْأَصِيلِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْكَفِيلِ خَمْسَمِائَةٍ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَا أَدَّى إنْ كَانَ الصُّلْحُ بِأَمْرِهِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: الْكَفِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) أَيْ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ لِأَنَّ لَفْظَ إلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ وَالْمُتَكَلِّمُ وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ هُوَ الْمُنْتَهَى فِي هَذَا التَّرْكِيبِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مُبْتَدَأٌ وَلَيْسَ إلَّا الْكَفِيلُ الْمُخَاطَبُ فَأَفَادَ التَّرْكِيبُ بَرَاءَةً مِنْ الْمَالِ مُبْتَدَؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ وَمُنْتَهَاهَا صَاحِبُ الدَّيْنِ وَهَذَا مَعْنَى الْإِقْرَارِ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ بِالْقَبْضِ مِنْ الْكَفِيلِ كَأَنَّهُ قَالَ دَفَعْت إلَيَّ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ كَانَ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَالْحَوَالَةُ كَالْكَفَالَةِ فِي هَذَا اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَفِي بَرِئْت أَوْ أَبْرَأْتُك لَا) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثَلَاثَ مَسَائِلَ اثْنَتَانِ لَا خِلَافَ فِيهِمَا وَهُمَا قَوْلُهُ بَرِئْت إلَيَّ أَوْ أَبْرَأْتُك اهـ. (قَوْلُهُ: أَبْرَأْتُك ابْتِدَاءً إسْقَاطٌ لَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْقَبْضِ) حَتَّى كَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَصِيلَ بِهِ اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الطَّالِبِ وَالْبَرَاءَةُ الَّتِي ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الطَّالِبِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِسْقَاطِ اهـ. .

[تعليق البراءة من الكفالة بالشرط]

إذَا أَبْرَأَهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ حَيْثُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِمُلْكِهِ مَا فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ غَائِبًا، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي بَيَانِهِ فِي الْكُلِّ أَنَّهُ أَوْفَاهُ، أَوْ أَبْرَأَهُ لِيَزُولَ الِاحْتِمَالُ وَيَثْبُتَ حُكْمُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ)؛ لِأَنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ عَلَى الْكَفِيلِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِثُبُوتِ الْمُطَالَبَةِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَمْلِيكَ الْمُطَالَبَةِ، وَهِيَ كَالدِّينِ؛ لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ إلَيْهِ، وَالتَّمْلِيكُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَقِيلَ: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ فِيهَا عَلَى الْكَفِيلِ الْمُطَالَبَةُ دُونَ الدَّيْنِ فِي الصَّحِيحِ فَكَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ إبْرَاءُ الْكَفِيلِ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ بِخِلَافِ التَّأْخِيرِ عَنْ الْكَفِيلِ حَيْثُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ بَلْ هُوَ خَالِصُ حَقِّ الْمَطْلُوبِ فَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَبِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكَفَالَةُ بِحَدٍّ وَقَوَدٍ وَمَبِيعٍ وَمَرْهُونٍ وَأَمَانَةٍ) يَعْنِي الْكَفَالَةُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَاطِلَةٌ أَمَّا الْكَفَالَةُ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ، أَوْ الْقِصَاصِ فَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنَّمَا تَصِحُّ بِمَضْمُونٍ تَجْرِي النِّيَابَةُ فِي إيفَائِهِ وَلَا تَجْرِي النِّيَابَةُ فِي الْعُقُوبَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِهَا زَجْرُ الْمُفْسِدِينَ عَنْ الْفَسَادِ، فَلَا يُمْكِنُ إقَامَتُهَا عَلَى غَيْرِ الْجَانِي لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالْمَبِيعِ، وَالْمَرْهُونِ، وَالْأَمَانَاتِ كُلِّهَا فَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ بِهِ مَضْمُونًا عَلَى الْأَصِيلِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ إلَّا بِدَفْعِهِ، أَوْ بِدَفْعِ بَدَلِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَى الْأَصِيلِ وَمَضْمُونًا عَلَيْهِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَعْنَى الضَّمِّ، وَالْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، بَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ، وَكَذَا الرَّهْنُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ إذَا هَلَكَ، فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْكَفِيلِ، وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْأَصِيلِ، وَكَذَا الْأَمَانَةُ لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ عَلَى الْأَصِيلِ لَا عَيْنُهَا وَلَا تَسْلِيمُهَا، وَهِيَ كَالْوَدَائِعِ، وَالْمُضَارَبَاتِ، وَالشَّرِكَاتِ، فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا مَضْمُونَةً عَلَى الْكَفِيلِ، فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ لَوْ ثَمَنًا وَمَغْصُوبًا وَمَقْبُوضًا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَمَبِيعًا فَاسِدًا) يَعْنِي إنْ كَانَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ يَصِحُّ إلَخْ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ صَحِيحٌ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْمَغْصُوبُ وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَالْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ عِنْدَهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ؛ إذْ الْقِيمَةُ تَقُومُ مَقَامَهُ فَأَمْكَنَ إيجَابُهُ عَلَى الْكَفِيلِ بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ وَالرَّهْنِ وَبِخِلَافِ الْأَمَانَاتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَجُوزُ فِي الْكُلِّ أَنْ يَتَكَفَّلَ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَضْمُونَةً أَوْ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصِيلِ فَأَمْكَنَ الْتِزَامُهُ فَصَارَ نَظِيرَ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ قَائِمًا يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ، وَإِنْ هَلَكَ يَبْرَأُ كَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَقِيلَ: إنْ كَانَ تَسْلِيمُهُ وَاجِبًا عَلَى الْأَصِيلِ كَالْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ كَالْوَدِيعَةِ وَالْإِجَارَةِ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ عَلَى الْكَفِيلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَمْلِ دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُسْتَأْجَرَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ تَعْلِيق الْبَرَاءَة مِنْ الْكِفَالَة بالشرط] قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَطَلَ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ تَعْلِيقَ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ ثَمَّ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ أَمَّا تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ لَا يَجُوزُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْكَفَالَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَالتَّمْلِيكَاتُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشُّرُوطِ لِإِفْضَائِهَا إلَى مَعْنَى الْقِمَارِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ أَيْ بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ مِثْلِ إنْ عَجَّلْت لِي الْبَعْضَ أَوْ دَفَعْت الْبَعْضَ فَقَدْ أَبْرَأْتُك مِنْ الْكَفَالَةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ: يَصِحُّ) أَيْ قِيلَ: تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ صَحِيحٌ اهـ. . [الْكِفَالَة باستيفاء الْحَدّ أَوْ الْقِصَاص] (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْكَفَالَةُ بِحَدٍّ وَقَوَدٍ وَمَبِيعٍ) يَعْنِي إذَا تَكَفَّلَ عَنْ الْبَائِعِ بِالْمَبِيعِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ عَيْنٌ لَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ إذَا هَلَكَ وَالْمُرَادُ الْكَفَالَةُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ إذَا كَفَلَ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ جَازَ اهـ. (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنَّمَا تَصِحُّ بِمَضْمُونٍ تَجْرِي النِّيَابَةُ فِي إيفَائِهِ) أَيْ وَكُلُّ حَقٍّ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَعْنَاهُ بِنَفْسِ الْحَدِّ لَا بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّ الْكَفَالَةَ بِنَفْسِ الْحَدِّ لَا تَجُوزُ أَمَّا الْكَفَالَةُ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَتَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَاجِبٌ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِنَفْسِ الْحَدِّ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ لَا تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الزَّجْرُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ بِالنَّائِبِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ لَوْ ثَمَنًا) قَالَ الْقُدُورِيُّ وَإِذَا تَكَفَّلَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ جَازَ قَالَ الْأَقْطَعُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ دَيْنٌ صَحِيحٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ فَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ كَالْقَرْضِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَبِيعًا) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي نُسَخِ الْمَتْنِ بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ فِي الْكُلِّ أَنْ يَتَكَفَّلَ بِتَسْلِيمِ) الْعَيْنِ نَحْوِ إنْ كَفَلَ عَنْ الْبَائِعِ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي أَوْ كَفَلَ عَنْ الْمُرْتَهِنِ تَسْلِيمَ الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ كَفَلَ عَنْ الْآجِرِ بِتَسْلِيمِ الْمُسْتَأْجَرِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ اهـ. . (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَحَمْلِ دَابَّةٍ إلَخْ) قَالَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلْحَمْلِ، فَإِنْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِالْحَمْلِ وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّابَّةَ إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ تَسْلِيمُ الدَّابَّةِ دُونَ الْحَمْلِ فَإِذَا تَكَفَّلَ بِالْحَمْلِ فَقَدْ تَكَفَّلَ بِمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لِأَنَّ الَّذِي يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ الْحَمْلُ وَهُوَ مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ فَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ تَكَارَى دَابَّةً أَوْ عَبْدًا وَعَجَّلَ الْأَجْرَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَبْدَ وَلَا الدَّابَّةَ وَكَفَلَ لَهُ كَفِيلٌ بِذَلِكَ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَيْهِ فَإِنَّ الْكَفِيلَ يُؤَاخَذُ بِهِ مَا دَامَ حَيًّا لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى

[الكفالة عن ميت مفلس]

وَخِدْمَةِ عَبْدٍ اُسْتُؤْجِرَ لِلْخِدْمَةِ) يَعْنِي لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْحَمْلِ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِلْحَمْلِ عَلَيْهَا وَلَا بِالْخِدْمَةِ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى التَّسْلِيمِ، وَهُنَا لَا يَقْدِرُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْحَمْلَ عَلَى دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَالْكَفِيلُ لَوْ أَعْطَى دَابَّةً مِنْ عِنْدِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَوْ حَمَلَهُ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ فَصَارَ عَاجِزًا ضَرُورَةً، وَكَذَا الْعَبْدُ لِلْخِدْمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى الْمُؤَجِّرِ الْحَمْلُ، وَالْكَفِيلُ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ وَلَوْ تَكَفَّلَ بِتَسْلِيمِ الدَّابَّةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَبِيعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِلَا قَبُولُ الطَّالِبِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) يَعْنِي لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِلَا قَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَصِحُّ، وَالْخِلَافُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ سَوَاءٌ وَقِيلَ: عِنْدَهُ يَشْتَرِطُ الْقَبُولَ لَكِنَّهُ لَا يَشْتَرِطَ فِي الْمَجْلِسِ، بَلْ إذَا بَلَغَهُ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ فَأَجَازَ جَازَ ذَكَرَ قَوْلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعَيْنِ فَشَرَطَ الْإِجَازَةَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ مُطَالَبَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ بِمُقَابَلَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ شَيْءٌ فَيَصِحُّ كَالْإِقْرَارِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ الْتِزَامٍ فِي ذِمَّتِهِ وَلَهُ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الطَّالِبِ فِيهِ فَيَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ كَالنَّذْرِ وَجْهُ قَوْلِهِ الثَّانِي أَنَّهُ تَصَرُّفٌ لِلْغَيْرِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَعِبَارَةُ الْوَاحِدِ عِنْدَهُ تَقُومُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فُضُولِيًّا كَمَا فِي نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ عِنْدَ الْإِذْنِ بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَذَا عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ، وَإِنَّمَا تَأْثِيرُ الْإِذْنِ عِنْدَهُ فِي اللُّزُومِ دُونَ الِانْعِقَادِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كَانَ يَنْعَقِدُ عِنْدَ الْإِذْنِ بِعِبَارَتَيْنِ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْفُضُولِيِّ وَلَهُمَا أَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فَشَرْطُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عَلَى الطَّالِبِ بِالِالْتِزَامِ، وَإِنْشَاءُ سَبَبِ التَّبَرُّعِ لَا يَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ مَا لَمْ يَقْبَلْهُ الْمُتَبَرَّعُ عَلَيْهِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ عِبَارَتِهِ قَائِمَةً مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ حَتَّى يَكُونَ كَقَبُولِ الْآخَرِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ضَرَرًا عَلَيْهِ بِأَنْ يُرَافِعَهُ الْأَصِيلُ إلَى مَنْ يَرَى بَرَاءَتَهُ مِنْ الْقُضَاةِ بِالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُخْتَلِفُونَ فِيهَا فَيَعُودُ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ قَبُولِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ وَاقِعٍ فَيُقْبَلُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ إضْرَارًا بِأَحَدٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ تَكَفَّلَ وَارِثُ الْمَرِيضِ عَنْهُ) يَعْنِي لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ عِنْدَهُمَا إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِوَرَثَتِهِ، أَوْ لِبَعْضِهِمْ تَكَفَّلُوا عَنِّي بِمَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ لِغُرَمَائِي فَتَكَفَّلُوا عَنْهُ مَعَ غَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ إذْ لَا يَتِمُّ إلَّا بِقَبُولِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ مِنْهُ لِوَرَثَتِهِ بِأَنْ يَقْضُوا دَيْنَهُ وَلِهَذَا يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَرِيضُ الدَّيْنَ وَغُرَمَاءَهُ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا تَصِحُّ إذَا لَمْ يُخْلِفْ مَالًا وَلِأَنَّ الْمَرِيضَ فِي هَذَا الْخِطَابِ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّالِبِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ تَفْرِيغًا لِذِمَّتِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ تَرِكَتِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَلَّقَ فِيهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ بِمَالِهِ صَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ مَالِهِ حَتَّى لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ فِيهِ وَتَوَجَّهَتْ الْمُطَالَبَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِقَضَاءِ دُيُونِهِ مِنْ التَّرِكَةِ فَقَامَ الْمَطْلُوبُ فِي هَذَا الْخِطَابِ مَقَامَ الطَّالِبِ أَوْ نَائِبِهِ كَأَنَّ الطَّالِبَ قَالَ اضْمَنْ عَنْ فُلَانٍ، أَوْ كَأَنَّهُ حَضَرَ وَقَبِلَ. وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَكَفَّلُوا عَنَى لَا يُرَادُ بِهِ الْمُسَاوَمَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْكَفَالَةِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ وَفِيمَا إذَا قَالَ الْمَرِيضُ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ فَضَمِنَ الْأَجْنَبِيُّ بِالْتِمَاسِهِ فَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِدَيْنِهِ بِدُونِ الِالْتِزَامِ فَكَانَ الْمَرِيضُ فِي حَقِّهِ وَالصَّحِيحُ سَوَاءً وَقِيلَ: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ قَصَدَ بِهِ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ، وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ يَرْجِعُ بِهِ فِي تَرِكَتِهِ فَيَصِحُّ هَذَا مِنْ الْمَرِيضِ عَلَى أَنْ يُجْعَلَ قَائِمًا مَقَامَ الطَّالِبِ لِتَضَيُّقِ الْحَالِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُوجَدُ مِنْ الصَّحِيحِ فَيُؤْخَذُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ. [الْكِفَالَة عَنْ مَيِّت مُفْلِس] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ) يَعْنِي لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا وَعَلَيْهِ دُيُونٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُتِيَ بِجِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَأَلَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا نَعَمْ دِرْهَمَانِ، أَوْ دِينَارَانِ فَامْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصِيلِ وَهُوَ مِمَّا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَلَوْ هَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ انْفَسَخَتْ وَخَرَجَ الْأَصِيلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ رَدُّ الْأَجْرِ وَالْكَفِيلُ مَا كَفَلَ بِالْأَجْرِ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَحَمْلِ دَابَّةٍ مَا نَصُّهُ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِحَدٍّ وَقِصَاصٍ أَيْ بَطَلَ الْكَفَالَةُ بِحَمْلِ دَابَّةٍ اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَخِدْمَةِ عَبْدٍ) بِالْجَرِّ أَيْضًا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَحَمْلِ دَابَّةٍ أَيْ وَبَطَلَ الْكَفَالَةُ أَيْضًا بِخِدْمَةِ عَبْدٍ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ قَاضِي خَانْ رَجُلٌ قَالَ لِجَمَاعَةٍ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ ضَمِنْت لِهَذَا الرَّجُلِ بِالْأَلْفِ الَّتِي لَهُ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ إنَّ الْمَدْيُونَ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ قَدْ قَضَاهُ قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَهُ الْكَفِيلُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَبْرَأُ الْمَطْلُوبُ عَنْ دَيْنِ الطَّالِبِ وَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ عَنْ دَيْنِ الطَّالِبِ لِأَنَّ قَوْلَ الْكَفِيلِ ذَلِكَ كَانَ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْكَفَالَةِ، فَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ وَلَوْ أَقَامَ الْمَدْيُونُ بَيِّنَةً عَلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَالْمَدْيُونُ جَمِيعًا (قَوْلُهُ وَلَوْ تَكَفَّلَ بِتَسْلِيمِ الدَّابَّةِ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ كَفَلَ عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ وَالطَّالِبُ غَائِبٌ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ حَاضِرٌ فَأَجَازَ الْغَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَتَصِحُّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ غَائِبًا وَالطَّالِبُ حَاضِرٌ فَأَجَازَ الطَّالِبُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. .

صَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ فَقَامَ أَبُو قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ، وَهُوَ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أَوْ انْفِسَاخِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَسْقُطْ وَلِهَذَا يَبْقَى فِي حَقِّ حُكْمِ الْآخِرَةِ وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ إنْسَانٌ صَحَّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمَا جَازَ لِلطَّالِبِ أَخْذُهُ مِنْ الْمُتَبَرِّعِ، وَكَذَا يَبْقَى إذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ، أَوْ تَرَكَ مَالًا وَلَهُ أَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هُوَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً يُقَالُ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَيْ أَدَاؤُهُ كَمَا يُقَالُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَيُرَادُ بِهِ الْأَدَاءُ، وَالْأَدَاءُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْمَيِّتِ فَسَقَطَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَصِحَّةُ الْكَفَالَةِ تَقْتَضِي قِيَامَ الدَّيْنِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِيَصِحَّ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْكَفَالَةِ، وَهُوَ ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمُطَالَبَةِ، وَالْمُطَالَبَةُ سَاقِطَةٌ عَنْ الْأَصِيلِ، فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا عَلَى الْكَفِيلِ تَبَعًا؛ إذْ لَا يُضَمُّ الْمَوْجُودُ إلَى الْمَعْدُومِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْحُكْمِ مَالٌ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ؛ إذْ الْوُجُوبُ لِأَجْلِهِ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ وَبِخَلَفِهِ مِنْ الْمَالِ وَالْكَفِيلِ؛ فَفَاتَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ، فَلَا يَبْقَى، وَالتَّبَرُّعُ لَا يَعْتَمِدُ قِيَامَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَبْرِئَةٌ فِي حَقِّ الْآخِرَةِ وَلِأَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي حَقِّ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا الْكَفَالَةُ فَأَمْرٌ بَيْنَ الْكَفِيلِ، وَالْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا عَلَى الْأَصِيلِ وَمَا رَوَيَاهُ كَانَ إقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ كَفِيلًا عَنْهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَعْدًا مِنْهُ لَا كَفَالَةً فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ حِكَايَةُ حَالٍ، فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَلَا يُقَالُ لَوْ سَقَطَ الدَّيْنُ لَبَرِئَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ بَرَاءَتَهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ فَلَمَّا لَمْ يَبْرَأْ عُلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَيَجُوزُ ابْتِدَاءً الْكَفَالَةُ بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَفِيلُ خَلَفَ عَنْهُ فَلَا يَبْرَأُ، أَوْ نَقُولُ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الطَّالِبِ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَتَعَدَّى الْمَطْلُوبَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ وَلِرَبِّ الْمَالِ) أَيْ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ وَلَا لِرَبِّ الْمَالِ مَعْنَاهُ إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ، ثُمَّ ضَمِنَ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ عَنْ الْمُشْتَرِي، أَوْ ضَمِنَ مُضَارِبٌ لِرَبِّ الْمَالِ ثَمَنَ مَتَاعٍ بَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ إلَى الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ بِجِهَةِ الْأَصَالَةِ فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ، أَوْ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ وَبِعَزْلِهِ. وَلَوْ وَكَّلَ الْمُوَكِّلَ أَوْ رَبَّ الْمَالِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ ثُمَّ عَزَلَهُ صَحَّ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ وَجَبَ لِلْوَكِيلِ، أَوْ لِلْمُضَارِبِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ إذْ حُقُوقُ الْعَقْدِ رَاجِعَةٌ إلَى الْعَاقِدِ، وَكَذَا الْمُضَارِبُ لَوْ وَكَّلَ رَبَّ الْمَالِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَهُ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ وَالْعَاقِدُ لِغَيْرِهِ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ كَالْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ وَلِهَذَا اخْتَصَّتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَوْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي مَا لِلْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ بَارًّا فِي يَمِينِهِ وَلَوْ حَلَفَ مَا لِلْوَكِيلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَنِثَ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْقَبْضِ. فَإِذَا ضَمِنَ صَارَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ، فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الرَّسُولِ، وَالْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْغَنَائِمِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ، وَالْوَكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ حَيْثُ يَصِحُّ ضَمَانُهُمْ بِالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ حَتَّى لَوْ نَهَاهُمْ الْآمِرُ عَنْ قَبْضِ الْبَدَلِ صَحَّ نَهْيُهُ وَلِأَنَّهُمَا أَمِينَانِ فِي الثَّمَنِ شَرْعًا وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ سَلَّمَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ يُرِيدُ بِهِ قَطْعَ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ قَصْدُهُ حَتَّى جَازَ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ مَا لَمْ يَفْعَلْ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلشَّرِيكِ إذَا بِيعَ عَبْدٌ صَفْقَةً) أَيْ إذَا بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مِنْ رَجُلٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَضَمِنَ أَحَدُهُمَا لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ يُؤَدِّيهِ الْمُشْتَرِي، أَوْ الْكَفِيلُ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا وَلِشَرِيكِهِ فِيهِ نَصِيبٌ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ إذْ الْقِسْمَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِفْرَازِ وَالْحِيَازَةِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفْرَزًا فِي حَيِّزٍ عَلَى حِدَةٍ وَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحِسِّيَّ يَسْتَدْعِي مَحَلًّا حِسِّيًّا، وَالدَّيْنُ حُكْمِيٌّ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ الْحِسِّيُّ. فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ قِسْمَتُهُ يَكُونُ كُلُّ شَيْءٍ يُؤَدِّيهِ إلَى شَرِيكِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَرْجِعُ الْمُؤَدِّي بِنِصْفِ مَا أَدَّى لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يَرْجِعُ أَيْضًا بِنِصْفِ الْبَاقِي إلَى أَنْ لَا يَبْقَى فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَيُؤَدِّيَ تَجْوِيزُهُ ابْتِدَاءً إلَى إبْطَالِهِ انْتِهَاءً. بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَبِالثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ إلَى آخِرِهِ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ ثَوْبًا لِيَبِيعَهُ بِعَشَرَةٍ فَفَعَلَ ثُمَّ ضَمِنَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْآمِرِ قَالَ الضَّمَانُ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ الْمُضَارَبَةُ إذَا بَاعَهَا الرَّجُلُ وَضَمِنَهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَكَّلَ الْمُوَكِّلَ أَوْ رَبَّ الْمَالِ إلَى آخِرِهِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ صَحِيحٌ يَعْنِي عَنْ قَوْلِهِ بَعْدُ وَكَذَا الْمُضَارِبُ إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُمَا) أَيْ الْوَكِيلَ وَالْمُضَارِبَ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُمَا مَا نَصُّهُ تَعْلِيلٌ ثَانٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ) أَيْ كَالْمُودَعِ إذَا ضَمِنَ الْوَدِيعَةَ لِلْمُودِعِ وَكَالْمُسْتَعِيرِ إذَا ضَمِنَ الْعَارِيَّةَ لِلْمُعِيرِ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: إذَا بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مِنْ رَجُلٍ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلَيْنِ بَاعَا مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَضَمِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ الضَّمَانُ بَاطِلٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الثَّمَنَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَلَوْ صَحَّ الضَّمَانُ فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ صَحَّ فِي نِصْفِ الثَّمَنِ مُطْلَقًا أَوْ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ، فَلَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَبَضَ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ كَانَ صَاحِبُهُ شَرِيكًا وَلَا وَجْهَ إلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، فَلَا يَتَمَيَّزُ نَصِيبُ صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازُ الْأَنْصِبَاءِ وَالْإِفْرَازُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا لَمْ يَتَمَيَّزْ نَصِيبُ صَاحِبِهِ يَقَعُ الضَّمَانُ عَنْ نَفْسِ الضَّامِنِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[فصل أعطى المطلوب الكفيل قبل أن يعطي الكفيل الطالب]

مَا إذَا بَاعَهُ صَفْقَتَيْنِ بِأَنْ يُسَمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَصِيبِهِ ثَمَنًا حَيْثُ يَصِحُّ ضَمَانُ أَحَدِهِمَا فِيهِ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُمْتَازٌ عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ فَلَا شَرِكَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ قَبِلَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا وَرَدَّ نَصِيبَ الْآخَرِ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ قَبِلَ الْكُلَّ وَنَقَدَ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا، لِلنَّاقِدِ قَبْضُ نَصِيبِهِ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ بَعْضَهُ لَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يُشَارِكُهُ وَلَوْ تَبَرَّعَ بِالْأَدَاءِ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَعِنْدَ الْأَدَاءِ يَصِيرُ مُسْقِطًا حَقَّهُ فِي الْمُشَارَكَةِ فَيَصِحُّ وَامْتِنَاعُ الْكَفَالَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ التَّبَرُّعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا تَجُوزُ وَيَجُوزُ التَّبَرُّعُ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالْعُهْدَةِ) أَيْ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْعُهْدَةِ وَصُورَتُهَا أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ مَثَلًا فَيَضْمَنُ لِلْمُشْتَرِي رَجُلٌ بِالْعُهْدَةِ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعُهْدَةَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ قَدْ يَقَعُ عَلَى الصَّكِّ الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِمَنْزِلَةِ كِتَابِ الْعُهْدَةِ وَهُوَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ فَإِذَا ضَمِنَ تَسْلِيمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَقَدْ ضَمِنَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَا يَصِحُّ وَيُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَهْدِ، وَالْعَقْدُ وَالْعَهْدُ وَاحِدٌ وَعَلَى حُقُوقِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ثَمَرَةِ الْعَقْدِ وَعَلَى الدَّرَكِ وَعَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ فَفِي الْخَبَرِ عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَيْ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيهِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهَا قَبْلَ الْبَيَانِ فَبَطَلَ الضَّمَانُ لِلْجَهَالَةِ بِخِلَافِ الدَّرَكِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمَانِ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ وَهُوَ مَعْلُومٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ إلَى مَا يَجُوزُ الضَّمَانُ بِهِ، وَهُوَ الدَّرَكُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ فَرَاغُ الذِّمَّةِ أَصْلٌ، فَلَا يَثْبُتُ الشُّغْلُ بِالشَّكِّ، وَالِاحْتِمَالِ. قَالَ: (وَالْخَلَاصِ) أَيْ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْخَلَاصِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَجُوزُ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَهُ عِنْدَهُمَا تَخْلِيصُ الْمَبِيعِ إنْ قُدِرَ عَلَيْهِ، وَرَدُّ الثَّمَنِ إنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ، وَهَذَا ضَمَانُ الدَّرَكِ فِي الْمَعْنَى وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: تَفْسِيرُهُ تَخْلِيصُ الْمَبِيعِ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْهُ. وَلَوْ ضَمِنَ تَخْلِيصَ الْمَبِيعِ، أَوْ رَدَّ الثَّمَنِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ، أَوْ رَدُّ الثَّمَنِ إنْ لَمْ يَجُزْ قَالَ (وَمَالِ الْكِتَابَةِ) أَيْ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي، وَهُوَ دَيْنُ الْمَوْلَى عَلَى مَمْلُوكِهِ، فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْكَفَالَةِ وَلِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُوَفِّيَ، فَلَا يُفِيدُ إيجَابُهُ عَلَى الْكَفِيلِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَإِثْبَاتُهُ مُطْلَقًا يُنَافِي مَعْنَى الضَّمِّ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الِاتِّحَادَ وَلِأَنَّ عَلَى الْأَصِيلِ أَدَاءَ مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ وَالْكَفِيلُ لَا يَجِدُ هَذَا الْمَالَ، وَهَذَا كَالْمُكَاتَبِ إذَا عَتَقَ يَبْرَأُ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَدَاءَ مَالٍ هُوَ مِلْكُ الْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ وَلَا يَجِدُ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فَيَبْرَأَ. (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ) أَيْ لَوْ قَضَى الْمَكْفُولُ عَنْهُ الدَّيْنَ لِلْكَفِيلِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ لَهُ لَيْسَ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَبَطَلَ الضَّمَانُ لِلْجَهَالَةِ) أَيْ فَأَمَّا الدَّرَكُ فَقَدْ صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِي ضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ خَاصَّةً فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْعُهْدَةُ هِيَ كِتَابُ الشِّرَاءِ وَهُوَ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ضَمِنَ لِرَجُلٍ مِلْكَهُ وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ صِحَّةَ الضَّمَانِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْغَيْرِ فَيَضْمَنُهُ الْكَفِيلُ عَنْهُ وَكِتَابُ الشِّرَاءِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى أَحَدٍ فَيَضْمَنُهُ الْكَفِيلُ وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فَقَالَا إنْ حَمَلْنَا الضَّمَانَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بَطَلَ وَصَارَ لَغْوًا فَحَمَلْنَاهُ عَلَى ضَمَانِ الدَّرَكِ فِيمَا عُقِدَ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ لِيَصِحَّ مَعْنَى الضَّمَانِ وَلَا يَصِيرَ لَغْوًا. إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ الْأَجْنَاسِ وَفِي الْبُيُوعِ إمْلَاءِ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ كَضَمَانِ الدَّرَكِ وَهُوَ جَائِزٌ وَيَضْمَنُ الثَّمَنَ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْخَلَاصِ) اعْلَمْ أَنَّ هَهُنَا ثَلَاثَةَ أَلْفَاظٍ: ضَمَانُ الدَّرَكِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ وَضَمَانُ الْعُهْدَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَضَمَانُ الْخَلَاصِ وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعْنَاهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ فَعَلَيْهِ شِرَاؤُهُ وَتَسْلِيمُهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَادِرٍ عَلَى مَا ضَمِنَ وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الدَّرَكِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَوْ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إنْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَإِنَّهُ صَحِيحٌ كَذَا قَالَ الْعَتَّابِيُّ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَالِ الْكِتَابَةِ) قَالَ فِي كَفَالَةِ الصُّغْرَى مَا نَصُّهُ فَإِذَا ضَمِنَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَصِحَّ فَلَوْ أَدَّى مَعَ ذَلِكَ الضَّمَانَ يَرْجِعُ انْتَهَى وَبِمَعْنَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي تَصَرُّفِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ اهـ. . [فَصْلٌ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ إلَى آخِرِهِ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَجُلٍ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِأَمْرِهِ فَقَضَاهُ الْأَلْفَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا صَاحِبَهَا أَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ؟ قَالَ لَا وَإِنْ رَبِحَ فِيهَا رِبْحًا فَهُوَ لَهُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِكُرِّ حِنْطَةٍ فَقَضَاهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ فَبَاعَهُ الْكَفِيلُ فَرَبِحَ فِيهِ فَإِنَّ الرِّبْحَ لَهُ إلَّا أَنَّهُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الَّذِي قَضَاهُ وَيَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَلَا أَجْبُرُهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ لَهُ وَلَا يَرُدُّهُ عَلَى الَّذِي قَضَاهُ الْكُرَّ. إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اعْلَمْ أَنَّ رَجُلًا إذَا كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِأَمْرِهِ فَأَدَّى الْأَصِيلُ الْمَالَ إلَى الْكَفِيلِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ الْكَفِيلُ إلَى الطَّالِبِ ثُمَّ أَرَادَ الْأَصِيلُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْأَلْفَ مِنْ الْكَفِيلِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْكَفِيلِ فَحِينَئِذٍ يَسْتَرِدُّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّفْعَ كَانَ لِغَرَضٍ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ الْمَدْفُوعُ حَقًّا لِلْقَابِضِ عَلَى تَقْدِيرِ أَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِ الْكَفِيلِ فَلَمَّا لَمْ يَنْتَفِ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ بِنَفْسِهِ لَا تَصِحُّ الْمُطَالَبَةُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْقَابِضِ عَلَى احْتِمَالِ قَضَائِهِ الدَّيْنَ، فَلَا يُسْتَرْجَعُ مِنْهُ مَا دَامَ هَذَا الِاحْتِمَالُ بَاقِيًا كَمَنْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ وَدَفَعَهَا إلَى السَّاعِي وَكَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ كَانَ لِغَرَضٍ، وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ زَكَاةً وَثَمَنًا عِنْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ وَمُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَمَا دَامَ هَذَا الِاحْتِمَالُ قَائِمًا لَا يُسْتَرَدُّ وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ دَفْعُهُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ، وَأَخْذُهُ الْكَفِيلُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ بِأَنْ قَالَ لَهُ وَقْتَ الدَّفْعِ إنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَأْخُذَ الطَّالِبُ حَقَّهُ مِنْك فَأَنَا أَقْضِيك الْمَالَ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ بِأَنْ قَالَ الْأَصِيلُ لِلْكَفِيلِ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَادْفَعْهُ إلَى الطَّالِبِ حَيْثُ لَا يَصِيرُ الْمُؤَدَّى مِلْكًا لِلْكَفِيلِ، بَلْ هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ. وَلَكِنْ لَا يَكُونُ لِلْأَصِيلِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ يَدِ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمُؤَدَّى حَقُّ الطَّالِبِ، وَهُوَ بِالِاسْتِرْدَادِ يُرِيدُ إبْطَالَهُ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ مَا لَمْ يَقْضِ دَيْنَهُ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِأَنَّهُ بِالْكَفَالَةِ وَجَبَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ حَقٌّ كَمَا وَجَبَ عَلَى الْكَفِيلِ لِلطَّالِبِ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذَ الْكَفِيلُ مِنْ الْأَصِيلِ رَهْنًا بِهِ جَازَ، وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلُ الْأَصِيلَ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الطَّالِبِ جَازَ حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ بِهَذَا أَنَّ لِلْكَفِيلِ دَيْنًا عَلَى الْأَصِيلِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ عَنْهُ فَصَارَ نَظِيرَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَإِنَّهُ بِالِاسْتِعْجَالِ يُمْلَكُ فَكَذَا هَذَا، ثُمَّ بِالِاسْتِرْدَادِ يَكُونُ نَقْضًا لِمَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ. قَالَ (وَمَا رَبِحَ الْكَفِيلُ لَهُ) أَيْ إذَا رَبِحَ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ هُوَ لِلطَّالِبِ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَكَانَ الرِّبْحُ بَدَلَ مِلْكِهِ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ سَوَاءٌ قَضَى الدَّيْنَ هُوَ أَوْ الْأَصِيلُ؛ لِأَنَّهُ بِالْكَفَالَةِ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ دَيْنٌ إلَّا أَنَّهُ تُؤَخَّرُ مُطَالَبَتُهُ حَتَّى يَدْفَعَ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَيَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ خُبْثٍ إذَا قَضَى الْأَصِيلُ الدَّيْنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا نَذْكُرُ، فَلَا يُعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ، وَإِنْ قَضَى الْكَفِيلُ، فَلَا خُبْثَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ هَذَا إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ، وَإِنْ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الرِّبْحِ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ. قَالَ (وَنُدِبَ رَدُّهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَوْ شَيْئًا يَتَعَيَّنُ) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ رَدُّ الرِّبْحِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ شَيْئًا يَتَعَيَّنُ كَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَهَذَا إذَا قَضَى الْأَصِيلُ الدَّيْنَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقَالَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ عَلَى مِثَالِ مَا لَوْ اقْتَضَى دَيْنَهُ الْمُؤَجَّلَ وَرَبِحَ فِيهِ وَلَهُ أَنَّ الْخُبْثَ تَمَكَّنَ مَعَ الْمِلْكِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّ اقْتِضَاءَهُ قَاصِرٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بِسَبِيلٍ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَاسْتِرْدَادِهِ الْعَيْنَ الْمَقْبُوضَةَ فَلَا يَخْلُو عَنْ الشُّبْهَةِ فَإِذَا لَمْ يَطِبْ لَهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ فِي رِوَايَةٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ يَرُدُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِحَقِّهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْأَصِيلُ فَقِيرًا يَطِيبُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَطِيبُ لَهُ هَذَا إذَا أَعْطَاهُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ لِدَيْنِهِ، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهِ لِتَعَيُّنِهِ فَتَكُونُ الْحُرْمَةُ فِيهِ حَقِيقَةً كَالْمَغْصُوبِ الْمُتَعَيِّنِ إذَا رَبِحَ فِيهِ بِخِلَافِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا الْفَصْلُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ الْأَصِيلُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالنُّقُودِ أَوْ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كَالْعُرُوضِ، فَإِنْ دَفَعَ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ بِأَنْ قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَادْفَعْ إلَى الطَّالِبِ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَدْفُوعُ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ أَوْ يَتَعَيَّنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَطَابَ لَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخُبْثَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْمَالَانِ قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُودَعَ أَوْ الْغَاصِبَ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ أَوْ الْمَغْصُوبِ وَرَبِحَ فَعِنْدَهُمَا لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ دَفَعَ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ بِأَنْ قَالَ الْأَصِيلُ لِلْكَفِيلِ إنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَأْخُذَ الطَّالِبُ حَقَّهُ مِنْك فَأَنَا أَقْضِيك قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ كَالنُّقُودِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْقَبْضِ لِمَا قُلْنَا: غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ لِلْأَصِيلِ الرُّجُوعَ عَلَى الْكَفِيلِ إذَا أَدَّى الْأَصِيلُ بِنَفْسِهِ وَبِالرُّجُوعِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ وَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كَغَيْرِ النُّقُودِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْأَصِيلِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ: مَنُّ الْأَصِيلِ يُتَصَدَّقُ بِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ: مَنُّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَطِيبُ لَهُ اهـ. قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ يَعْنِي الْجَامِعَ الصَّغِيرَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَا يَطِيبُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْكَفِيلَ بِعَقْدِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ اسْتَوْجَبَ عَلَى الْأَصِيلِ دَيْنًا مُؤَجَّلًا كَمَا بَيَّنَّا وَلِهَذَا صَحَّ إبْرَاءُ الْأَصِيلِ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَدَاءِ الْكَفِيلِ حَتَّى إذَا أَدَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا اسْتَوْفَاهُ يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهُ صَحِيحًا فَكَانَ الرِّبْحُ حَاصِلًا عَلَى مِلْكِهِ فَطَابَ لَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِلْكَ الْكَفِيلِ فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ قَاصِرٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّالِبَ إذَا أَخَذَ حَقَّهُ مِنْ الْكَفِيلِ يَتَقَرَّرُ مِلْكُهُ وَإِذَا أَخَذَ مِنْ الْأَصِيلِ يَنْتَقِضُ فَكَانَ الْمِلْكُ قَاصِرًا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ أَصْلًا تَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْخُبْثِ فَإِذَا كَانَ قَاصِرًا تَثْبُتُ شُبْهَةُ الْخُبْثِ فَلَمْ يَطِبْ لَهُ الرِّبْحُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَشْبَهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَطِيبَ لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ حَقُّهُ اهـ. .

عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَمَرَ كَفِيلَهُ أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ حَرِيرًا فَفَعَلَ، فَالشِّرَاءُ لِلْكَفِيلِ، وَالرِّبْحُ عَلَيْهِ) وَتَفْسِيرُهُ أَنَّ الْأَصِيلَ أَمَرَ الْكَفِيلَ بِبَيْعِ الْعِينَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ اشْتَرِ مِنْ النَّاسِ حَرِيرًا، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَنْوَاعِ، ثُمَّ بِعْهُ فَمَا رَبِحَهُ الْبَائِعُ مِنْك وَخَسِرْت أَنْتَ فَعَلَيَّ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَأْتِيَ هُوَ إلَى تَاجِرٍ فَيَطْلُبَ مِنْهُ الْقَرْضَ وَيَطْلُبَ التَّاجِرُ الرِّبْحَ وَيَخَافُ مِنْ الرِّبَا فَيَبِيعَهُ التَّاجِرُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً مَثَلًا بَخَمْسَةَ عَشَرَ نَسِيئَةً لِيَبِيعَهُ هُوَ فِي السُّوقِ بِعَشَرَةٍ فَيَصِلَ إلَى الْعَشَرَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ، أَوْ يُقْرِضَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، ثُمَّ يَبِيعَهُ الْمُقْرِضُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً بَخَمْسَةَ عَشَرَ فَيَأْخُذُ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَقْرَضَهُ عَلَى أَنَّهَا ثَمَنُ الثَّوْبِ فَتَبْقَى عَلَيْهِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَرْضًا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ نَفَذَ عَلَيْهِ، وَالرِّبْحُ الَّذِي رَبِحَهُ التَّاجِرُ يَلْزَمُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا ضَامِنٌ لِمَا يَخْسَرُهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَى أَنَّهَا لِلْوُجُوبِ، فَلَا يَجُوزُ كَمَا قَالَ لِرَجُلٍ فِي السُّوقِ فَمَا خَسِرْت فَعَلَيَّ، وَإِمَّا تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ كَمَا قَالَهُ الْبَعْضُ نَظَرًا إلَى الْأَمْرِ بِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِجَهَالَةِ نَوْعِ الْحَرِيرِ وَثَمَنِهِ. وَسُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْبَيْعِ عِينَةً لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَفِ يُقَالُ بَاعَهُ بِعِينَةٍ أَيْ نَسِيئَةٍ مِنْ عَيْنِ الْمِيزَانِ، وَهُوَ مَيْلُهُ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ وَقِيلَ:؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْعَيْنِ بِالرِّبْحِ وَقِيلَ: هِيَ شِرَاءُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَقِيلَ: لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الدَّيْنِ إلَى الْعَيْنِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَبَرَّةِ الْإِقْرَاضِ مُطَاوَعَةً لِشُحِّ النَّفْسِ، وَهَذَا النَّوْعُ مَذْمُومٌ شَرْعًا اخْتَرَعَهُ أَكَلَةُ الرِّبَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعَيْنِ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ذَلَلْتُمْ وَظَهَرَ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ». قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَيْهِ، أَوْ بِمَا قُضِيَ لَهُ عَلَيْهِ فَغَابَ الْمَطْلُوبُ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَلْفًا لَمْ يُقْبَلْ)؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ مَالًا سَيَجِبُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْقَضَاءِ، أَوْ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ وَذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ فَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُوجَبُ عَلَى الْأَصِيلِ وَشَرْطُ لُزُومِ الْكَفِيلِ فِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ الْوُجُوبُ عَلَى الْأَصِيلِ فَكَذَا الْقَضَاءُ، وَهُوَ غَائِبٌ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا قَبْلَ الْكَفَالَةِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بَعْدَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ، فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَفَالَةِ بِالشَّكِّ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الْوُجُوبَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بِأَنْ قَالَ حَكَمَ لِي عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَانٌ بِكَذَا بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا دَخَلَ فِي الْكَفَالَةِ وَلَزِمَهُمَا الْمَالُ. قَالَ (وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّ لَهُ عَلَى زَيْدٍ كَذَا وَأَنَّ هَذَا كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ بِلَا أَمْرٍ قُضِيَ عَلَى الْكَفِيلِ فَقَطْ) أَيْ لَوْ أَحْضَرَ شَخْصًا عِنْدَ الْقَاضِي فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَّ هَذَا الشَّخْصَ كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ) الْمُرَادُ بِاتِّبَاعِ أَذْنَابِ الْبَقَرِ الزِّرَاعَةُ اهـ. غَايَةٌ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَتْرُكُونَ الْجِهَادَ وَتَأْلَفُ النَّفْسُ الْجُبْنَ قَالَهُ الْكَمَالُ اهـ (قَوْلُهُ: ذَلَلْتُمْ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ اهـ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ إلَى آخِرِهِ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ تَكَفَّلَ لِرَجُلٍ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ أَوْ بِمَا قُضِيَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ فَغَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَجَاءَ الْمُدَّعِي بِالْكَفِيلِ فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَلْفَ دِرْ هَمٍ قَالَ لَا تُسْمَعُ مِنْهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى يُحْضِرَ الْمَكْفُولَ بِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَفِيلَ الْتَزَمَ مَا لَا يُقْضَى بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَمَا لَمْ يُقْضَ بِهِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَى الْكَفِيلِ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَفَلَ بِمَا قُضِيَ لَهُ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى ذَابَ وَجَبَ مُسْتَعَارٌ مِنْ ذَوْبِ الشَّحْمِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَاللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا يُرَادُ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ كَقَوْلِهِمْ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك وَأَدَامَ عِزَّك فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ قُلْنَا الْكَفِيلُ كَفَلَ بِمَالٍ يَجِبُ عَلَى الْغَائِبِ بَعْدَ عَقْدِ الْكَفَالَةِ لَا قَبْلَهُ وَدَعْوَى الْمُدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ مُطْلَقَةٌ عَنْ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِوُجُوبِ الْمَالِ بَعْدَ عَقْدِ الْكَفَالَةِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ الْكَفَالَةِ وَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَفَالَةِ فَفَسَدَتْ الدَّعْوَى فَلَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَلْفًا لَمْ يُقْبَلْ) لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ لَمْ يَنْتَصِبْ عَنْهُ خَصْمٌ إذْ الْكَفِيلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَفَلَ عَنْهُ بِمَالٍ مَقْضِيٍّ بِهِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ كَقَوْلِهِمْ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك وَهَذَا لِأَنَّهُ جَعَلَ الذَّوْبَ شَرْطًا وَالشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مُسْتَقْبَلًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الذَّوْبُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ لَا يَكُونُ كَفِيلًا وَالدَّعْوَى مُطْلَقٌ عَنْ ذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ لَمْ تَشْهَدْ بِقَضَاءِ مَالٍ وَجَبَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ فَلَمْ يَقُمْ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِكَوْنِهِ كَفِيلًا عَنْ الْغَائِبِ بَلْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ إذْ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا وَهَذَا فِي لَفْظِ الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي فِي الْأُخْرَى وَهُوَ لَفْظُ ذَابَ لِأَنَّ مَعْنَى ذَابَ تَقَرَّرَ وَوَجَبَ وَهُوَ الْقَضَاءُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ إلَى آخِرِهِ) صَارَ كَفِيلًا وَصَحَّتْ الدَّعْوَى وَقُضِيَ عَلَى الْكَفِيلِ بِالْمَالِ لِصَيْرُورَتِهِ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ يَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى الْكَفِيلِ خَاصَّةً اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ بَرْهَنَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ لِرَجُلٍ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَغَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَجَاءَ الطَّالِبُ بِالْكَفِيلِ فَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا وَأَنَّ هَذَا كَفِيلٌ لَهُ بِأَمْرِ فُلَانٍ عَنْ فَلِ انٍ فَإِنِّي أَقْضِي بِشَهَادَتِهِمْ بِالْمَالِ عَلَى هَذَا وَعَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ الْغَائِبِ، فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْغَائِبِ قَضَيْت بِالْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ وَلَمْ يَكُنْ الْكَفِيلُ بِخَصْمٍ عَلَى الْغَائِبِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ

قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ وَقُضِيَ عَلَى الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلِ جَمِيعًا وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ قُضِيَ عَلَى الْكَفِيلِ فَقَطْ وَلَا يُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى هُنَا مَالٌ مُطْلَقٌ فَأَمْكَنَ إثْبَاتُهُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِالْأَمْرِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَغَايَرَانِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِأَمْرِهِ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، فَالْقَضَاءُ بِأَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ قَضَاءً بِالْآخَرِ، وَإِذَا قُضِيَ بِهَا بِالْأَمْرِ ثَبَتَتْ وَهُوَ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ فَيَصِيرُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، وَالْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرٍ لَا تَمَسُّ جَانِبَهُ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا تَعْتَمِدُ قِيَامَ الدَّيْنِ فِي زَعْمِ الْكَفِيلِ، فَلَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ وَفِي الْكَفَالَةِ بِأَمْرِهِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْآمِرِ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ الْكَفَالَةَ فَقَدْ ظُلِمَ فِي زَعْمِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا فَبَطَلَ زَعْمُهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ، وَإِنْ كَانَ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ لِمَا قُلْنَا، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ، وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا قُلْنَا إذَا لَمْ يَتَوَصَّلْ إلَى حَقِّهِ عَلَى الْحَاضِرِ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ عَلَى الْغَائِبِ يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ كَمَا إذَا ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّ الْحَاضِرَ اشْتَرَاهُ مِنْ مَوْلَاهُ الْغَائِبِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَأَنْكَرَ الْحَاضِرُ الشِّرَاءَ، وَالْإِعْتَاقَ كَانَ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ مَوْلَاهُ حَتَّى إذَا أَثْبَتَ الْعَبْدُ الشِّرَاءَ وَالْعِتْقَ نَفَذَ عَلَى الْغَائِبِ حَتَّى إذَا حَضَرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفَالَتُهُ بِالدَّرَكِ تَسْلِيمٌ) مَعْنَاهُ إذَا بَاعَ رَجُلٌ دَارًا مَثَلًا فَكَفَلَ رَجُلٌ لِلْمُشْتَرِي عَنْ الْبَائِعِ بِالدَّرَكِ، وَهُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ فَكَفَالَتُهُ تَسْلِيمٌ لِلْمَبِيعِ، وَإِقْرَارٌ مِنْهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَنَّ الدَّارَ مِلْكُهُ، أَوْ ادَّعَى فِيهَا الشُّفْعَةَ، أَوْ الْإِجَارَةَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ تَوَقَّفَ جَوَازُهُ عَلَى قَبُولِ الْكَفِيلِ لِلْكَفَالَةِ فِي الْمَجْلِسِ فَإِذَا قَبِلَ وَانْبَرَمَ بِقَبُولِهِ ثُمَّ ادَّعَى الْمِلْكَ أَوْ غَيْرَهُ صَارَ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَمَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ ضَلَّ سَعْيُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ، فَالْمَطْلُوبُ مِنْ هَذِهِ الْكَفَالَةِ إتْمَامُ الْبَيْعِ، وَإِحْكَامُهُ بِأَنْ لَا يَرْغَبَ فِيهَا الْمُشْتَرِي إلَّا بِالْكَفَالَةِ خَوْفًا مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّ الْبَائِعَ مَالِكٌ لَهَا وَقْتَ الْبَيْعِ، فَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَهَادَتُهُ وَخَتْمُهُ لَا) أَيْ كِتَابَةُ شَهَادَتِهِ وَخَتْمِهِ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا حَتَّى إذَا ادَّعَاهُ بَعْدَهُ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ لِلْبَائِعِ بِالْمِلْكِ؛ إذْ الْبَيْعُ يُوجَدُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ كَمَا يُوجَدُ مِنْ الْمَالِكِ وَلَعَلَّهُ كَتَبَ الشَّهَادَةَ لِيَحْفَظَ الْوَاقِعَةَ، أَوْ لِيَنْظُرَ فِي الْبَيْعِ حَتَّى إذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً أَجَازَهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَفَاذِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الدَّرَكِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الِانْبِرَامُ عَلَى مَا بَيَّنَّا حَتَّى لَوْ شَهِدَ هُنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافُ هَذَا. وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إنَّمَا خَصَّ قَوْلَهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَصًّا وَإِنَّمَا قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ هُنَا وَلَمْ تُقْبَلْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْمَكْفُولُ بِهِ مَالٌ مُقَيَّدٌ وَهُوَ مَا عَلَى الْكَفِيلِ بَعْدَ عَقْدِ الْكَفَالَةِ وَدَعْوَى الْمُدَّعِي وَقَعَتْ مُطْلَقَةً لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فَفَسَدَتْ الدَّعْوَى فَلَمْ تُقْبَلْ وَهَهُنَا الْمَكْفُولُ بِهِ مَالٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّهُ قَالَ وَإِنَّ هَذَا كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَدَعْوَى الْحَالِ مُطْلَقَةٌ أَيْضًا وَصَحَّتْ الدَّعْوَى فَقُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا بِنَاءٌ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقُضِيَ عَلَى الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلِ جَمِيعًا) وَفَائِدَةُ الْقَضَاءِ عَلَى الْكَفِيلِ وَالْمَكْفُولِ عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثْبَتَ الْكَفَالَةَ عَلَى الْحَاضِرِ بِأَمْرِ الْغَائِبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثَبَتَ أَمْرُ الْغَائِبِ بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ وَثَبَتَ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ وَانْتَصَبَ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْغَائِبِ ثَبَتَ الدَّيْنُ عَلَى الْكَفِيلِ خَاصَّةً وَلَا يَثْبُتُ عَلَى الْغَائِبِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الْأَمْرُ مِنْ الْغَائِبِ لَمْ يَتَعَدَّ الْقَضَاءُ إلَيْهِ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ لِأَنَّ الْمُدَّعَى هُنَا مَالٌ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِنَّمَا قُبِلَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَلَمْ تُقْبَلْ فِيمَا قَبْلَهَا لِأَنَّ الْمَكْفُولَ هُنَا مَالٌ مُطْلَقٌ وَدَعْوَى الْمُدَّعِي مُطْلَقَةٌ فَصَحَّتْ الدَّعْوَى فَقُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا بِنَاءٌ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ هُنَاكَ مَالٌ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ وُجُوبِهِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِخُصُوصِ كَمِّيَّةٍ وَلَمْ تُطَابِقْهَا دَعْوَى الْمُدَّعِي وَلَا الْبَيِّنَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ الْكَفَالَةَ إلَخْ) صَارَ ذَلِكَ مِنْهُ إقْرَارًا بِأَنَّ الْأَصِيلَ لَمْ يَأْمُرْهُ وَإِقْرَارُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِزَعْمِهِ، فَلَا رُجُوعَ إذَنْ اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَقَدْ ظُلِمَ فِي زَعْمِهِ) قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ وَالزَّعْمُ وَالزَّعْمُ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ، وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ الزَّعْمُ عَلَى الْبَاطِلِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي التَّنْزِيلِ {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن: 7]، وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْ الزَّعْمِ فِي الْقُرْآنِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَنَحْنُ نَقُولُ) أَيْ لَمَّا قَضَى الْقَاضِي بِالْكَفَالَةِ بِأَمْرٍ بِالْبَيِّنَةِ اهـ (قَوْلُهُ: فَبَطَلَ زَعْمُهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ إنْسَانٍ وَأَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ بَطَلَ زَعْمُهُ اهـ. . (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ) بِأَنْ بَاعَ بِشَرْطِ الْكَفَالَةِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَالْمَطْلُوبُ مِنْ هَذِهِ الْكَفَالَةِ) تَرْغِيبُ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْغَبُ فِي الشِّرَاءِ إذَا لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّرَكِ أَحَدٌ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْهُ تَرْغِيبًا وَتَأْكِيدَ الْعَقْدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرِ هَذَا فَإِنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ وَالْمَبِيعَ مِلْكُ الْبَائِعِ، فَإِنْ لَحِقَك دَرَكٌ فِيهِ فَأَنَا ضَامِنٌ لَك فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْكَفِيلُ مُقِرًّا بِمِلْكِ الْبَائِعِ، فَلَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلتَّنَاقُضِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ إذَا ادَّعَاهُ بَعْدَهُ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ) أَيْ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِيَحْفَظَ الْوَاقِعَةَ) لِيَسْعَى بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ اهـ. فَتْحٌ

أَيْضًا عِنْدَ الْحَاكِمِ بِالْبَيْعِ وَقَضَى بِشَهَادَتِهِ، أَوْ لَمْ يَقْضِ يَكُونُ تَسْلِيمًا حَتَّى لَا تُسْمَعَ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْبَيْعِ عَلَى إنْسَانٍ إقْرَارٌ مِنْهُ بِنَفَاذِ الْبَيْعِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ يُرِيدُ بِتَصَرُّفِهِ الصِّحَّةَ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بَاعَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ أَوْ بَاعَ بَيْعًا بَاتًّا نَافِذًا أَوْ كَتَبَ فِي الشَّهَادَةِ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ فِيهِ عَلَى زَعْمِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ إقْرَارِهِمَا فَيَكُونُ بِدَعْوَاهُ بَعْدَهُ مُنَاقِضًا بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْكِتَابَةِ فِي الصَّكِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ إخْبَارٍ، وَهُوَ لَوْ أَخْبَرَ بِأَنَّ فُلَانًا بَاعَ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ. وَقَوْلُهُ وَخَتْمِهِ وَقَعَ اتِّفَاقًا بِاعْتِبَارِ عَادَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَخْتِمُونَهُ بَعْدَ كِتَابَةِ أَسْمَائِهِمْ عَلَى الصَّكِّ خَوْفًا مِنْ التَّغْيِيرِ، وَالتَّزْوِيرِ، وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصَّكُّ مَخْتُومًا، أَوْ غَيْرَ مَخْتُومٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ آخَرَ خَرَاجَهُ، أَوْ رَهَنَ بِهِ، أَوْ ضَمِنَ نَوَائِبَهُ وَقِسْمَتَهُ صَحَّ) أَمَّا الْخَرَاجُ فَلِأَنَّهُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَصَارَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ حَقًّا لِلْمُقَاتِلَةِ بَدَلًا عَنْ الذَّبِّ وَالِاسْتِحْفَاظِ وَالْمُحَامَاةِ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ، وَهُوَ عَيْنٌ مَضْمُونٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَالْكَفَالَةُ بِأَعْيَانٍ غَيْرِ مَضْمُونَةٍ لَا تَجُوزُ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا فِعْلٌ هُوَ عِبَادَةٌ، وَالْمَالُ مَحَلُّهُ وَلِهَذَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا بِوَصِيَّةٍ، فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهَا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، ثُمَّ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْخَرَاجِ الْخَرَاجُ الْمُوَظَّفُ، وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِأَنْ يُوَظِّفَ الْإِمَامُ كُلَّ سَنَةٍ فِي مَالٍ عَلَى مَا يَرَاهُ لَا الْخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةُ، وَهُوَ الَّذِي يَقْسِمُهُ الْإِمَامُ مِنْ غَلَّةِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الدَّيْنِ. وَالرَّهْنُ كَالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّوَثُّقِ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ فِيهِ وَأَمَّا النَّوَائِبُ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي صُورَتِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَكُونُ بِحَقٍّ كَأُجْرَةِ الْحُرَّاسِ وَكَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَالْمَالِ الْمُوَظَّفِ لِتَجْهِيزِ الْجَيْشِ وَفِدَاءِ الْأَسَارَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ أُرِيدَ بِهِ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ كَالْجِبَايَاتِ الَّتِي فِي زَمَانِنَا يَأْخُذُهَا الظَّلَمَةُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الْأَوَّلَ جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَضْمُونٌ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الثَّانِيَ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ مِنْهُمْ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ، أَوْ فِي الدَّيْنِ، وَهُنَا لَا دَيْنَ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْأَصِيلِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الضَّمِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ، مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ؛ لِأَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ مِثْلُ سَائِرِ الدُّيُونِ، بَلْ فَوْقَهَا، وَالْعِبْرَةُ فِي بَابِ الْكَفَالَةِ لِلْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ؛ لِالْتِزَامِهَا وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ مَنْ قَامَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْقِسْطِ يُؤْجَرُ، وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ بِالْأَخْذِ ظَالِمًا. وَقُلْنَا إنَّ مَنْ قَضَى نَائِبَةَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ كَمَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ، وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَقَدْ قِيلَ: هِيَ مَا أَصَابَ الْوَاحِدَ مِنْ النَّوَائِبِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ هِيَ النَّصِيبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28] وَالْمُرَادُ بِهَا النَّصِيبُ وَقِيلَ: هِيَ النَّوَائِبُ بِعَيْنِهَا غَيْرَ أَنَّ الْقِسْمَةَ مَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ كَتَبَ فِي الشَّهَادَةِ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ إلَخْ) قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ قَالَ مَشَايِخُنَا إنْ ذَكَرَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْبَيْعِ مَا يُوجِبُ صِحَّتَهُ وَنَفَاذَهُ بِأَنْ كَتَبَ فِي الصَّكِّ بَاعَ وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَهُوَ كَتَبَ شَهِدَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ تَبْطُلُ دَعْوَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَتَبَ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِهِمَا بِذَلِكَ كُلِّهِ فَحِينَئِذٍ لَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ بِأَنْ يَكْتُبَ فِي الشَّهَادَةِ بَاعَ فُلَانٌ كَذَا مِنْ فُلَانٍ وَقَدْ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ آخَرَ خَرَاجَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْخَرَاجُ فَإِنَّمَا صَحَّ الضَّمَانُ بِهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ مَضْمُونٌ حَقًّا لِلْعَبْدِ يُطَالَبُ بِهِ وَيُحْبَسُ فَصَارَ ضَمَانُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ بِخِلَافِ الضَّمَانِ بِالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ جَمِيعًا لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ جُزْءٍ مِنْ نِصَابٍ مُقَدَّرٍ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَلِهَذَا لَا تُؤْخَذُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ التَّرِكَةِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُوبِ تَمْلِيكِ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَالْمَهْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْبَدَلُ كَانَ مِلْكًا لَهُ فَيَكُونُ الْمُبْدَلُ مِلْكًا لَهُ أَيْضًا وَالْخَرَاجُ بَدَلٌ عَنْ مَنْفَعَةِ الْحِفْظِ فَيَكُونُ دَيْنًا وَلَيْسَ الزَّكَاةُ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ آخَرَ، فَلَا يَكُونُ دَيْنًا فَكَانَ الْمِلْكُ مُتَعَلِّقًا بِالتَّمْلِيكِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ فِعْلٍ يَعْنِي أَنَّ الزَّكَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ مُجَرَّدِ فِعْلٍ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَأَمَّا النَّوَائِبُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا النَّوَائِبُ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ مَا يَكُونُ بِحَقٍّ كَأَجْرِ الْحَارِسِ وَكَرْيِ نَهْرِ الْعَامَّةِ وَإِنَّهُ دَيْنٌ وَيُسَمَّى نَائِبَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِمَامُ نَحْوُ تَجْهِيزِ الْمُقَاتِلَةِ وَفِدَاءِ الْأَسَارَى بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ فَيُوَظِّفَ مَالًا عَلَى النَّاسِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَدَاؤُهُ عَلَى كُلِّ مُوسِرٍ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ فَيَضْمَنُ إنْسَانٌ قِسْمَةَ صَاحِبِهِ أَيْ نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ يَجُوزُ وَأَمَّا النَّوَائِبُ الَّتِي يُوَظِّفُهَا السُّلْطَانُ ظُلْمًا عَلَى النَّاسِ كَالْجِبَايَاتِ فِي زَمَانِنَا بِسَبِيلِ الظُّلْمِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ اهـ (قَوْلُهُ: كَأُجْرَةِ الْحُرَّاسِ) أَيْ لِلْمَحَلَّةِ الَّذِي يُسَمَّى فِي بِلَادِ مِصْرَ الْخَفِيرَ اهـ. كَمَالٌ مَعَ تَغْيِيرٍ (قَوْلُهُ كَالْجِبَايَاتِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ كَالْجِبَايَاتِ الْمُوَظَّفَةِ عَلَى النَّاسِ فِي زَمَانِنَا بِبِلَادِ فَارِسَ عَلَى الْخَيَّاطِ وَالطَّبَّاخِ وَغَيْرِهِمَا فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لِلسُّلْطَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْهُمْ صَدْرُ الْإِسْلَامِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ النَّسَفِيُّ اهـ. وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ هَذَا هُوَ أَخُو فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْآتِي أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ) هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ النَّسَفِيِّ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ هَذَا كَانَ تِلْمِيذَ الشَّيْخِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ الْمَاتُرِيدِيِّ السَّمَرْقَنْدِيِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقُلْنَا إنَّ مَنْ قَضَى نَائِبَةَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ) لَكِنْ هَذَا إذَا أَمَرَهُ بِهِ لَا عَنْ إكْرَاهٍ أَمَّا إذَا كَانَ مُكْرَهًا فِي الْأَمْرِ لَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ فِي الرُّجُوعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ) أَيْ اسْتِحْسَانًا بِمَنْزِلَةِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ اهـ. غَايَةٌ

رَاتِبًا، وَالنَّوَائِبُ مَا لَيْسَ بِرَاتِبٍ، وَإِنَّمَا يُوَظِّفُهُ الْإِمَامُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ وَقَدْ بَيَّنَّا مَا هُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا اللَّفْظُ وَقَعَ غَلَطًا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مَصْدَرٌ، وَالْمَصْدَرُ فِعْلٌ، وَهَذَا مَضْمُونٌ وَقِيلَ: هِيَ أَنْ يَمْتَنِعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ فَيَضْمَنَهُ إنْسَانٌ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهَا إذَا اقْتَسَمَا، ثُمَّ مَنَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قِسْمَ صَاحِبِهِ، وَالرِّوَايَةُ بِأَوْ، وَهِيَ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ وَفِي الْإِبَاحَةِ نَعَمْ، وَكَذَا فِي النَّفْيِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ ضَمِنْت لَك عَنْ فُلَانٍ مِائَةً إلَى شَهْرٍ فَقَالَ هِيَ حَالَّةٌ، فَالْقَوْلُ لِلضَّامِنِ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ كَفِيلٌ بِدَيْنٍ عَنْ فُلَانٍ وَادَّعَى الْأَجَلَ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَهُوَ الطَّالِبُ فِي الدَّيْنِ، وَكَذَّبَهُ فِي الْأَجَلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِثُبُوتِ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ شَهْرٍ، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ فِي الْحَالِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الدَّيْنِ، وَكَذَّبَهُ فِي الْأَجَلِ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ، ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ، وَهُوَ الْأَجَلُ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْكَفَالَةِ نَوْعٌ حَتَّى يَثْبُتُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا عَلَى الْأَصِيلِ وَفِي الدَّيْنِ عَارِضٌ حَتَّى لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَرْطٍ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ يُنْكِرُ الْعَوَارِضَ وَفِي النَّوْعِ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ وَصْفٌ فِيهِمَا يُقَالُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَحَالٌّ وَفِي الْأَوْصَافِ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي الْفَصْلَيْنِ رَوَاهُ عَنْهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِحَقٍّ، ثُمَّ ادَّعَى تَأْخِيرَهُ، فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ حَقًّا، وَهُوَ التَّأْخِيرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْكَفَالَةِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ جَازَ إقْرَارُهُ بِالْكَفَالَةِ وَبَطَلَ الْخِيَارُ لِمَا قُلْنَا وَنَحْنُ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مَعْنًى يُبْطِلُ الْكَفَالَةَ، فَلَا يُصَدَّقُ بِإِبْطَالِهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهَا بِخِلَافِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِبْطَالٍ، وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعٌ فِي الْكَفَالَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْأَجَلَ وَصْفٌ لِلدَّيْنِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصِفَةٍ لِلدَّيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ كَانَ وَصْفًا لَهُ لَفْظًا أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّيْنَ حَقُّ الطَّالِبِ وَالْأَجَلَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَهُ لَمَا اخْتَلَفَ مُسْتَحَقُّهُمَا كَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِيهِ، وَالْحِيلَةُ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَادُّعِيَ عَلَيْهِ وَخَافَ الْكَذِبَ إنْ أَنْكَرَ وَالْمُؤَاخَذَةَ فِي الْحَالِ إنْ أَقَرَّ أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي هَذَا الَّذِي تَدَّعِيهِ مِنْ الْمَالِ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ. فَإِنْ قَالَ مُؤَجَّلٌ فَلَا دَعْوَى عَلَيْهِ فِي الْحَالِّ، وَإِنْ قَالَ حَالٌّ فَيُنْكِرُهُ وَهُوَ صَدُوقٌ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا إذَا أَنْكَرَ الدَّيْنَ وَقَالَ لَيْسَ لَهُ قِبَلِي الْيَوْمَ حَقٌّ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ إتْوَاءَ حَقِّهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ اشْتَرَى أَمَةً وَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ فَاسْتُحِقَّتْ لَمْ يَأْخُذْ الْمُشْتَرِي الْكَفِيلَ حَتَّى يَقْضِيَ لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ)؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالدَّرَكِ هُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ خُرُوجِ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَهُوَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ مَا لَمْ يَفْسَخْ الْبَيْعَ وَيْحَكُمْ عَلَى الْبَائِعِ بِرَدِّ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَبِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَنْفَسِخُ وَلِهَذَا لَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْفَسْخِ جَازَ فَلَوْ كَانَ مُنْتَقَضًا لَمَا جَازَ فَإِذَا لَمْ يَنْتَقِضْ لَمْ يَجِبْ الثَّمَنُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَمَنُهَا عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْبَائِعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَتَقَ. وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَ الْجَارِيَةَ مِنْ إنْسَانٍ فَاسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ الثَّانِي لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ هَذَا اللَّفْظُ وَقَعَ غَلَطًا) قُلْت دَعْوَى الْغَلَطِ غَلَطٌ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ اسْمٌ بِمَعْنَى النَّصِيبِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28] وَالْمُرَادُ بِهَا النَّصِيبُ أَوْ بِمَعْنَى النَّائِبَةِ وَهِيَ أَيْضًا اسْمٌ أَوْ بِمَعْنَى حَقِّ الْقِسَامِ وَهِيَ أَيْضًا اسْمٌ اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ فِعْلٌ) وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: هِيَ أَنْ يَمْتَنِعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْقِسْمَةِ إلَخْ) فَإِذَا ضَمِنَ إنْسَانٌ لِيَقُومَ مَقَامَهُ فِي الْقِسْمَةِ يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ضَمِنَ شَيْئًا مَضْمُونًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلضَّامِنِ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ عَنْهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ. (قَوْلُهُ، فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ لِأَنَّهُ ادَّعَى إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا تَصَادَقَا فِي وُجُوبِ الْمَالِ وَاخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فَثَبَتَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ مَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي الدُّيُونِ الْوَاجِبَةِ لَا بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ كَالْعُرُوضِ وَثَمَنُ الْبِيَاعَاتِ وَالْمُهُورُ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ عَارِضٌ وَلِهَذَا إذَا أُطْلِقَتْ تَكُونُ حَالَّةً فَإِذَا أَنْكَرَ الْأَجَلَ فَقَدْ أَنْكَرَ الْعَارِضَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ إذَا ادَّعَاهُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ عَارِضٌ وَأَمَّا الْأَجَلُ فِي الْكَفَالَةِ فَقَدْ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِأَنْ قَالَ كَفَلْت بِمَا لَك عَلَى فُلَانٍ وَعَلَى الْأَصِيلِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ يَكُونُ مُؤَجَّلًا عَلَى الْكَفِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ فِي الْكَفَالَةِ أَمْرًا عَارِضًا بَلْ الْكَفَالَةُ الْمُؤَجَّلَةُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْكَفَالَةِ وَالْإِقْرَارُ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالنَّوْعِ الْآخَرِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُقِرَّ بِالدَّيْنِ أَقَرَّ بِمَا هُوَ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الدَّيْنَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بَدَلًا عَنْ قَرْضٍ أَوْ إتْلَافٍ أَوْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَرْضَى بِخُرُوجِ مُسْتَحَقِّهِ فِي الْحَالِ إلَّا لِبَدَلٍ فِي الْحَالِ فَكَانَ الْحُلُولُ الْأَصْلَ وَالْأَجَلُ عَارِضٌ فَكَانَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ مَعْرُوضًا لِعَارِضٍ لَا نَوْعًا ثُمَّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ حَقًّا وَهُوَ تَأْخِيرُهَا وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ وَفِي الْكَفَالَةِ مَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ بَلْ لِحَقِّ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ شَهْرٍ وَالْمَكْفُولُ لَهُ يَدَّعِيهَا فِي الْحَالِ وَالْكَفِيلُ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لَهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمُطَالَبَةِ يَتَنَوَّعُ إلَى الْتِزَامِهَا فِي الْحَالِ أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ كَالْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ وَالدَّرَكِ فَإِنَّمَا أَقَرَّ بِنَوْعٍ مِنْهَا، فَلَا يَلْزَمُ بِالنَّوْعِ الْآخَرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ وَصْفًا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَلَوْ كَانَ حَقًّا اهـ.

[باب كفالة الرجلين والعبدين]

أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ مَا لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لِلثَّانِي كَيْ لَا يَجْتَمِعَ بَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ فَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالثَّمَنِ عَلَيْهِ انْتَقَضَ وَسَقَطَ احْتِمَالُ الْإِجَازَةِ وَلَزِمَ الْبَائِعَ رَدُّ الثَّمَنِ فَيَلْزَمُ كَفِيلَهُ ضَرُورَةً بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِالْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِهَا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ، وَالْكَفِيلِ بِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْتَقِضُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ، وَطَلَبُ الْحُكْمِ مِنْ الْقَاضِي دَلِيلٌ عَلَى النَّقْضِ فَيَنْتَقِضُ بِهِ الْبَيْعُ كَمَا يَنْتَقِضُ بِالنَّقْضِ صَرِيحًا، فَلَا تَعْمَلُ إجَازَةُ الْمُسْتَحِقِّ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ بِهَا لَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ أَخَذَ الْعَيْنَ بَعْدَ الْحُكْمِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ دَلِيلُ الْفَسْخِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ. {بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ} قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دَيْنٌ عَلَيْهِمَا وَكُلٌّ كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى شَرِيكِهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى النِّصْفِ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ دَيْنٌ عَلَى اثْنَيْنِ بِأَنْ اشْتَرَيَا مِنْهُ عَبْدًا وَتَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى شَرِيكِهِ حَتَّى يَزِيدَ مَا يُؤَدِّيهِ عَلَى النِّصْفِ فَيَرْجِعَ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ أَصِيلٌ وَفِي النِّصْفِ كَفِيلٌ فَمَا يُؤَدِّيهِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَيْهِ أَصَالَةً إذْ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَبَيْنَ مَا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَيْنٌ وَمُطَالَبَةٌ وَالثَّانِي مُطَالَبَةٌ فَقَطْ، فَلَا يُعَارِضُ الْأَوَّلَ، وَكَذَا سَبَبُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الشِّرَاءُ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ الثَّانِي وَهُوَ الْكَفَالَةُ وَلِهَذَا يَنْفُذُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمَرِيضِ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالثَّانِي لَا يَنْفُذُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَنْفُذُ أَصْلًا فَكَانَ آكَدَ، فَلَا يُعَارِضُهُ الضَّعِيفُ. وَهَذَا نَظِيرُ مَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَفِضَّةً بِفِضَّةٍ فَقَبَضَهُمَا وَقَبَضَ الْآخَرُ مِنْ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ قَدْرَ فِضَّتِهِ ثُمَّ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ الْبَاقِي يُجْعَلُ الْمَقْبُوضُ ثَمَنَ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ أَقْوَى وَآكَدُ حَتَّى أَوْجَبَ الْقَبْضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ تُوجِبُ الْمُطَالَبَةَ وَهِيَ تَبَعٌ لِلدَّيْنِ، فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالتَّبَعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي النِّصْفِ عَنْ صَاحِبِهِ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَيْضًا أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِأَنْ يُجْعَلَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ نَائِبُهُ وَأَدَاءُ نَائِبِهِ كَأَدَائِهِ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ فَيَسْقُطُ وَلَا مُعَارَضَةَ فِيمَا زَادَ عَلَى مَا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَلَا دَوْرَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ، وَلَوْ كَانَ مَا عَلَيْهِ مُؤَجَّلًا وَمَا عَلَى صَاحِبِهِ حَالًّا صَحَّ تَعْيِينُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ إذْ لَا يَجِبُ مَا عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ] بَابٌ فِي كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ} شَرَعَ فِي كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ بَعْدَ كَفَالَةِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ فِي الْوُجُودِ فَأَخَّرَ ذِكْرَهَا وَضْعًا لِلتَّنَاسُبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ حَتَّى يَزِيدَ مَا يُؤَدِّيهِ عَلَى النِّصْفِ) أَيْ سَوَاءٌ عَيَّنَ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ. اهـ. مَنَافِعُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي النِّصْفِ عَنْ صَاحِبِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي النِّصْفِ عَنْ صَاحِبِهِ لِلْكَفَالَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِهِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَرْجِعَ بِعَيْنِ مَا رَجَعَ بِهِ الْمُؤَدِّي؛ لِأَنَّ أَدَاءَ نَائِبِهِ يَعْنِي كَفِيلَهُ بِأَمْرِهِ كَأَدَائِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ أَدَّى بِنَفْسِهِ يَرْجِعُ فَكَذَا بِنَائِبِهِ لَكِنْ إذَا جَعَلَهُ كُلَّهُ عَنْ صَاحِبِهِ فَنَقُولُ بِذَلِكَ لِيَرْجِعَ بِجَمِيعِ مَا رَجَعَ بِهِ صَاحِبُهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَّا بِنِصْفِ مَا رَجَعَ بِهِ صَاحِبُهُ. بَيَانُهُ أَدَّى الْأَوَّلُ مِائَتَيْنِ يَرْجِعُ بِنِصْفِهِمَا؛ لِأَنَّهُ فِي إحْدَى الْمِائَتَيْنِ أَصِيلٌ فَإِذَا رَجَعَ بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ لَمْ يَقْدِرْ صَاحِبُهُ أَنْ يَرْجِعَ بِكِلْتَيْهِمَا إلَّا إذَا اعْتَبَرَ نَفْسَهُ مُؤَدِّيًا كُلَّهَا عَنْ صَاحِبِهِ الْمُؤَدِّي حَقِيقَةً وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِنِصْفِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّاهَا حَقِيقَةً بِنَفْسِهِ انْصَرَفَ مِنْهَا خَمْسُونَ إلَى مَا عَلَيْهِ أَصَالَةً وَخَمْسُونَ إلَى مَا عَلَيْهِ كَفَالَةً، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا عَنْ الْكَفَالَةِ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ وَمَا يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ مُمْتَنِعٌ فَيَمْتَنِعُ رُجُوعُهُ فَلَمْ يَقَعْ عَنْ صَاحِبِهِ، وَإِلَّا تَغَيَّرَ حُكْمُ الشَّرْعِ إذْ الْوُقُوعُ عَنْ صَاحِبِهِ حِكْمَةُ جَوَازِ الشُّرُوعِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلدَّوْرِ. وَاعْلَمْ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الدَّوْرِ فَإِنَّهُ تَوَقُّفُ الشَّيْءِ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَرُجُوعُ الْمُؤَدِّي لَيْسَ مُتَوَقِّفًا عَلَى رُجُوعِ صَاحِبِهِ بَلْ إذَا رَجَعَ لِلْآخَرِ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ فِي مَالٍ وَاحِدٍ بَلْ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ فَإِذَا رَجَعَ الْآخَرُ اسْتَعَادَهُ أَوْ أَعْطَاهُ غَيْرَهُ، وَكَذَا الْأَوَّلُ، فَاللَّازِمُ فِي الْحَقِيقَةِ التَّسَلْسُلُ فِي الرُّجُوعَاتِ بَيْنَهُمَا فَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ. وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُسَوِّغَهُ شَرْعًا اعْتِبَارُ الْمُؤَدَّى عَنْهُ أَنَّهُ أَدَّى بِنَفْسِهِ وَاحْتَسَبَهُ عَنْ الْمُؤَدِّي؛ لِأَنَّهُ اعْتِبَارٌ بَاطِلٌ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْمُؤَدَّى عَنْهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُؤَدِّي بِمِثْلِ مَا أَدَّى إلَى الطَّالِبِ، وَهُوَ نَقِيضُ مَا يُقْطَعُ بِهِ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الْمُؤَدِّيَ هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ بِمِثْلِ مَا أَدَّى عَنْهُ، وَكَيْفَ يَكُونُ أَدَاءُ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ سَبَبًا لَأَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْغَيْرُ بِمِثْلٍ آخَرَ؟ هَذِهِ مُجَازَفَةٌ عَظِيمَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَيْضًا أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ) أَيْ لِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ مَتَى جَعَلَ الْمُؤَدَّى عَنْ صَاحِبِهِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ عَنْهُ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَجْعَلَ عَنْهُ أَيْضًا وَيَرْجِعَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَقُولُ أَدَاؤُك بِأَمْرِي وَأَنْتَ كَفِيلٌ عَنِّي كَأَدَائِي، وَأَنَا كَفِيلٌ عَنْك ثُمَّ وَثُمَّ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ، وَهُوَ بَاطِلٌ. كَذَا فِي الْمَنَافِعِ، وَهُوَ أَوْضَحُ مِمَّا فِي الشَّرْحِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا مُعَارَضَةَ فِيمَا زَادَ عَلَى مَا عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَنَافِعِ وَإِذَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْمُؤَدَّى، وَهُوَ الزِّيَادَةُ كَأَدَائِهِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ كَفِيلًا عَنْ الْمُؤَدِّي لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ حِصَّةِ نَفْسِهِ لَمْ يَبْقَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ) أَيْ الدَّافِعِ الَّذِي عَلَيْهِ حَالًّا إذَا أَدَّى عَنْ الْمُؤَجَّلِ اهـ.

؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ إذَا عَجَّلَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَكَذَا لَوْ كَفَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ دُونَ الْآخَرِ وَأَدَّى الْكَفِيلُ فَجَعَلَهُ عَنْ صَاحِبِهِ يُصَدَّقُ وَهِيَ وَارِدَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَفَلَا عَنْ رَجُلٍ فَكَفَلَ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ فَمَا أَدَّى رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى شَرِيكِهِ أَوْ بِالْكُلِّ عَلَى الْأَصِيلِ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَكَفَلَ عَنْهُ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ، ثُمَّ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّجُلَيْنِ عَنْ صَاحِبِهِ بِمَا لَزِمَهُ بِالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَنْ الْكَفِيلِ جَائِزَةٌ كَمَا تَجُوزُ عَنْ الْأَصِيلِ فَمَا أَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ هُوَ بِالْكُلِّ عَنْ الْأَصِيلِ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِمَا مُسْتَوِيَانِ، فَلَا تَرْجِيحَ لِلْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ إذْ الْكُلُّ كَفَالَةٌ فَيَكُونُ الْمُؤَدَّى شَائِعًا عَنْهُمَا فَيَرْجِعُ بِنِصْفِهِ عَلَى شَرِيكِهِ إذْ لَا يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ الِاسْتِوَاءُ وَقَدْ حَصَلَ بِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا بِنِصْفِهِ وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَنْقُضَ الِاسْتِوَاءَ بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِ مُرَاعَاةً لِمَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ إذْ الِاسْتِوَاءُ فِي السَّبَبِ يُوجِبُ الِاسْتِوَاءَ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الْغُرْمُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ فِيهَا حَاصِلٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ، فَلَا يَضُرُّهُ الرُّجُوعُ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَا عَنْهُ دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ أَحَدُهُمَا بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ بِنَائِبِهِ، وَإِنْ شَاءَ الْمُؤَدِّي رَجَعَ بِالْجَمِيعِ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِالْجَمِيعِ بِأَمْرِهِ. هَذَا إذَا تَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ، ثُمَّ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِالْجَمِيعِ، وَأَمَّا إذَا تَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ، ثُمَّ تَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي الصَّحِيحِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِمَا أَدَّى مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى النِّصْفِ، وَكَذَا لَوْ تَكَفَّلَا عَنْ الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ مَعًا، ثُمَّ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، فَلَا يَكُونُ كَفِيلًا عَنْ الْأَصِيلِ بِالْجَمِيعِ، وَكَذَا لَوْ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْأَصِيلِ بِالْجَمِيعِ مُتَعَاقِبًا، ثُمَّ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِالنِّصْفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ أَحَدَهُمَا أَخَذَ الْآخَرَ بِكُلِّهِ) لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ لَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَبَقِيَ الْمَالُ كُلُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ وَالْآخَرُ كَفِيلٌ عَنْهُ بِكُلِّهِ فَيَأْخُذُهُ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ افْتَرَقَ الْمُفَاوِضَانِ أَخَذَ الْغَرِيمُ أَيًّا شَاءَ بِكُلِّ الدَّيْنِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الشَّرِكَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَيْهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً وَكَفَلَ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ وَأَدَّى أَحَدُهُمَا رَجَعَ بِنِصْفِهِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ فِيهِ كَفَالَةَ الْمُكَاتَبِ وَالْكَفَالَةَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ بَاطِلٌ وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ أَوْلَى فَصَارَتْ كَمَا إذَا اخْتَلَفَتْ كِتَابَتُهُمَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ يَجِبُ تَصْحِيحُهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَقَدْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ هَذِهِ الْكَفَالَةِ بِأَنْ يُجْعَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يُصَدَّقُ) وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ وَهَذَا وَجْهُ وُرُودِهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَاعْلَمْ اهـ ك. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَنْقُضَ الِاسْتِوَاءَ بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِ مُرَاعَاةً) يَعْنِي أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ نَقْضِ الِاسْتِوَاءِ هُوَ الْمُرَاعَاةُ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا الْفَرْقُ بِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلَوْ كَانَ الْوَجْهُ الثَّانِي صَحِيحًا لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بِاعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّ مُسَوِّغَ رُجُوعِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ اعْتِبَارُ نَفْسِهِ أَدَّى مَا أَدَّاهُ عَنْهُ الْمُؤَدِّي وَاحْتِسَابُهُ بِهِ عَنْ الْمُؤَدِّي، وَهَذَا مُمْكِنٌ هُنَا بِعَيْنِهِ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الَّذِي تَرْجِعُ عَلَيَّ بِهِ بِسَبَبِ أَنَّك أَدَّيْتَهُ عَنِّي هُوَ كَأَدَائِي بِنَفْسِي فَكَأَنِّي أَنَا الَّذِي أَدَّيْتُهُ وَاحْتَسَبْتُهُ عَنْك فَأَنَا أَرْجِعُ عَلَيْك بِهِ وَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِ هَذَا، فَلَا يَقَعُ الْفَرْقُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ اهـ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ الْمُؤَدِّي رَجَعَ بِالْجَمِيعِ عَلَى الْأَصِيلِ) لَا يَخْلُو مَعَ مَا سَبَقَ عَنْ تَكْرَارٍ فَاعْلَمْ اهـ ك. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ افْتَرَقَ الْمُفَاوِضَانِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ شَرِكَةٌ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَالٍ وَصَحِيحَةٌ عِنْدَنَا وَتُبْتَنَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: التَّوْكِيلُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا كَانَ مِنْ أَعْمَالِ التِّجَارَةِ، وَالْكَفَالَةُ بِمَا كَانَ مِنْ ضَمَانِ التِّجَارَةِ، وَالِاسْتِوَاءُ فِي جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فَإِذَا كَانَ انْعِقَادُهَا عَلَى الْكَفَالَةِ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَطْلُبُوا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ أَيَّهمَا شَاءُوا؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَثْبُتُ بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، فَلَا تَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَيْهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً) أَيْ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا كَاتَبْتُكُمَا عَلَى أَلْفٍ إلَى عَامٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَدَّى أَحَدُهُمَا رَجَعَ بِنِصْفِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَيْهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَكُلُّ شَيْءٍ أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِهِ لِأَنَّهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ مِنْ حَيْثُ الْأَصَالَةُ وَالْكَفَالَةُ اهـ (قَوْلُهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ بَاطِلٌ) أَيْ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ، وَالْكَفَالَةُ إنَّمَا تَصِحُّ بِالدَّيْنِ الصَّحِيحِ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ، فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا اخْتَلَفَتْ كِتَابَتُهُمَا) أَيْ بِأَنْ كَاتَبَ الْمَوْلَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ وَكَفَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ بَاطِلَةٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ) وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَجْوِيزُ هَذَا الْعَقْدِ بِأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ الْبَدَلِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْآخَرَ تَبَعًا لَهُ فِي الْعِتْقِ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصِيلًا فِي الْكُلِّ وَكَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي الْكُلِّ كَالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ حَيْثُ يَكُونُ مُكَاتَبًا تَبَعًا لِأُمِّهِ فَلَمَّا احْتَمَلَ هَذَا الْعَقْدُ الصِّحَّةَ صَحَّ وَجُعِلَ كُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا كَأَنَّ الْمَالَ عَلَيْهِ وَكَانَ مُؤَاخَذًا بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ لَا الْكَفَالَةِ فَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا شَيْئًا يَقَعُ

الْمَالُ كُلُّهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَعِتْقُ الْآخَرِ مُعَلَّقٌ بِأَدَائِهِ فَيُطَالِبُ الْمَوْلَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ لَا بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ فَأَيُّهُمَا أَدَّى عَتَقَ وَعَتَقَ الْآخَرُ تَبَعًا لَهُ كَمَا فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبِ، لَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ بِهِمَا حَتَّى انْقَسَمَ عَلَيْهِمَا فَصَارَتْ كَفَالَتُهُ بِمَا عَلَيْهِ أَصَالَةً وَكَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ بِمَا عَلَيْهِ أَصَالَةً جَائِزَةٌ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصِيلًا فِي الْكُلِّ كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ بِالْكُلِّ، وَلَا تَظْهَرُ الْكَفَالَةُ إلَّا فِي حَقِّ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا حَتَّى تَكُونَ مُطَالَبَةُ الْمَوْلَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ لَا بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ فَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا شَيْئًا وَقَعَ عَنْ كُلِّ الْبَدَلِ فَيَقَعُ نِصْفُ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ رَجَعَ بِالْكُلِّ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَتْ كِتَابَتُهُمَا لِأَنَّ عِتْقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَعَلَّقَ بِأَدَاءِ الْمَالِ عَلَى حِدَةٍ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى تَصْحِيحِهِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الطَّرِيقِ، ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يُكَاتِبَهُمَا كِتَابَةً وَاحِدَةً وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا، وَالثَّانِي أَنْ يُكَاتِبَهُمَا كِتَابَةً وَاحِدَةً عَلَى أَلْفٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَحُكْمُهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُهُ حِصَّتُهُ وَيَعْتِقُ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ الْمُطْلَقَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَالثَّالِثُ أَنْ يُكَاتِبَهُمَا كِتَابَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّهُمَا إنْ أَدَّيَا عَتَقَا، وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا فِي الرِّقِّ وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَالَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَعِنْدَ زُفَرَ جَوَابُ هَذَا مِثْلُ الْفَصْلِ الثَّانِي حَتَّى يَعْتِقَ أَحَدُهُمَا بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَلْتَزِمْ بِالْقَبُولِ إلَّا حِصَّتَهُ وَلِهَذَا لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُطَالِبَ أَحَدَهُمَا بِجَمِيعِ الْبَدَلِ، وَلَوْ أَدَّى أَحَدُهُمَا الْجَمِيعَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ كَفَالَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَصِلْ جَمِيعُ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَوْلَى فِي الْعَقْدِ تَجِبُ مُرَاعَاتُهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا شَرْعًا وَقَدْ شَرَطَ الْعِتْقَ عِنْدَ أَدَائِهِمَا جَمِيعَ الْمَالِ نَصًّا، فَلَوْ عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ كَانَ مُخَالِفًا لِشَرْطِهِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ زُفَرُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ هَذَا عِنْدَنَا كَالْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلِهَذَا قُلْنَا مَا لَمْ يَصِلْ جَمِيعُ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حَرَّرَ أَحَدَهُمَا أَخَذَ أَيًّا شَاءَ بِحِصَّةِ مَنْ لَمْ يُعْتِقْهُ) مَعْنَاهُ لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ فِيمَا إذَا كَاتَبَهُمَا وَشَرَطَ كَفَالَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ صَحَّ الْعِتْقُ لِوُجُودِ الْمُصَحِّحِ لِلْعِتْقِ وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الرَّقَبَةِ وَبَرِئَ عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِ الْمَالِ إلَّا لِيَكُونَ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ وَلَمْ يَبْقَ وَسِيلَةً فَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ وَيَبْقَى عَلَى صَاحِبِهِ حِصَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ بِرَقَبَتِهِمَا وَإِنَّمَا جَعَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّهُ احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الضَّمَانِ وَإِذَا حَصَلَ لَهُ الْعِتْقُ اسْتَغْنَى عَنْهُ فَاعْتُبِرَ مُقَابَلًا بِرَقَبَتَيْهِمَا فَيَتَوَزَّعُ عَلَيْهِمَا ضَرُورَةً، فَإِذَا تَوَزَّعَ سَقَطَ حِصَّةُ الْمُعْتَقِ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَأْخُذُ بِحِصَّةِ الَّذِي لَمْ يُعْتَقْ أَيَّهُمَا شَاءَ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمُعْتَقَ بِالْكَفَالَةِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ صَاحِبَهُ بِالْأَصَالَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَخَذَ الْمُعْتَقَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ أَخَذَ الْآخَرَ لَا) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَقِ أَصِيلٌ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ إذَا أَدَّى وَالْمُعْتَقُ كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الْمُعْتَقُ كَفِيلًا عَنْهُ وَالْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا تَجُوزُ؟ قُلْنَا هَذَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الِابْتِدَاءِ كَفِيلًا فَقَطْ وَإِنَّمَا كَانَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَصَالَةً وَقَدَّرْنَا الْكَفَالَةَ فِيهِ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الْأَدَاءِ عَنْ صَاحِبِهِ وَبَعْدَ الْعِتْقِ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْبَدَلِ عَلَيْهِ لِاسْتِغْنَائِهِ، فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْأَصَالَةِ فِيهِ فَبَقِيَ كَفِيلًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ عَبْدٍ مَا لَا يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ جَمِيعِ الْبَدَلِ فَيَقَعُ عَنْ صَاحِبِهِ نِصْفُ ذَلِكَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْعِلَّةِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ الْبَدَلِ مَضْمُونٌ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ الْبَدَلِ فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَسَقَطَ نِصْفُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ بِرَقَبَتَيْهِمَا، وَإِنَّمَا جُعِلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الضَّمَانِ فَإِذَا ثَبَتَ عِتْقُ أَحَدِهِمَا اسْتَغْنَى عَنْ بَدَلِ رَقَبَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الضَّمَانِ) وَالْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ تَشَوُّفُ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْنَا هَذَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ) كَمَا لَوْ مَاتَ شُهُودُ النِّكَاحِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ عَبْدٍ مَا لَا يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَرَادَ بِهِ إقْرَارَهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ عِيَانًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ إلَّا فِي الْمُودَعِ الْمَحْجُورِ إذَا اسْتَهْلَكَهَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا حَتَّى يَعْتِقَ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقْرَضَهُ إنْسَانٌ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ حَتَّى يَعْتِقَ أَيْضًا فَهَذَا كُلُّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ فِي الْحُكْمِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْكَفِيلَ يُؤْخَذُ بِهِ حَالًّا، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِاسْتِهْلَاكِ مَالٍ، وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَانَ مَحْجُورًا وَأَوْدَعَهُ إنْسَانٌ فَاسْتَهْلَكَ الْوَدِيعَةَ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ حَتَّى يَعْتِقَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَوْ أَقْرَضَهُ إنْسَانٌ أَوْ بَاعَهُ، وَهُوَ مَحْجُورٌ أَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِالْمَهْرِ حَتَّى يَعْتِقَ فَإِنْ كَفَلَ إنْسَانٌ بِهِ وَلَمْ يُسَمِّ حَالًّا وَغَيْرَهُ فَهُوَ حَالٌّ أَمَّا صِحَّةُ الْكَفَالَةِ فَلِأَنَّ الْمَالَ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَصِيلِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُطَالَبْ الْأَصِيلُ فِي الْحَالِ لِعُسْرَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ وَلَمْ يَظْهَرْ مَا وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ لِصِحَّةِ سَبَبِهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِهِ وَالْكَفِيلُ لَيْسَ بِمُعْسِرٍ فَيُطَالَبُ حَالًّا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ عَنْ مُطَالَبَةِ الْعَبْدِ وَهُوَ الْعُسْرُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ عَنْ غَائِبٍ حَيْثُ تَصِحُّ وَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِهِ حَالًّا وَإِنْ عَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مَا نَصُّهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَقَعَتْ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ مَالًا أَيْ مَالًا غَيْرَ وَاجِبٍ عَلَى الْعَبْدِ أَدَاؤُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ اهـ.

فَهُوَ حَالٌّ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ) الْمُرَادُ بِهِ دَيْنٌ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى كَمَا إذَا لَزِمَهُ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الِاسْتِقْرَاضِ أَوْ بِالْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةٍ أَوْ اسْتِهْلَاكِ وَدِيعَةٍ فَإِنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، فَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يُؤَاخَذُ بِهَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، فَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا تَكَفَّلَ بِهَذِهِ الدُّيُونِ يَلْزَمُهُ وَيُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْمَالَ حَالٌّ عَلَى الْعَبْدِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَقَبُولِ ذِمَّتِهِ إلَّا أَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ لِعُسْرَتِهِ إذْ هَذِهِ الدُّيُونُ لَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ لِعَدَمِ ظُهُورِهَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَالْكَفِيلُ غَيْرُ مُعْسِرٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَفَلَ عَنْ غَائِبٍ أَوْ مُفَلَّسٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَلَ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ حَيْثُ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ حَالًا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُطَالَبَةَ بِدَيْنٍ وَالطَّالِبُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فِي الْحَالِ، ثُمَّ إذَا أَدَّى عَنْهُ يَرْجِعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ بِالْأَدَاءِ مَلَكَ الدَّيْنَ وَقَامَ مَقَامَ الطَّالِبِ، فَلَا يُطَالِبُهُ قَبْلَ الْحُرِّيَّةِ وَقَوْلُهُ بِدَيْنٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ بَعْدَ عِتْقِهِ احْتِرَازٌ عَمَّا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ مِثْلِ دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ عِيَانًا أَوْ دَيْنٍ لَزِمَهُ بِالتِّجَارَةِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ بِلَا شُبْهَةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ادَّعَى رَقَبَةَ الْعَبْدِ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ مَالًا وَكَفَلَ بِنَفْسِهِ رَجُلٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَرِئَ الْكَفِيلُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّانِيَةَ تَكَفَّلَ عَنْ الْعَبْدِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ وَهُوَ الْمَكْفُولُ بِهِ بَرِئَ هُوَ، وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ بِهِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَفِي الْأُولَى تَكَفَّلَ عَنْ ذِي الْيَدِ بِتَسْلِيمِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي غَصْبَ الْعَبْدِ عَلَى ذِي الْيَدِ، وَالْكَفَالَةَ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا جَائِزَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَجِبُ عَلَى ذِي الْيَدِ رَدُّ الْعَيْنِ، فَإِنْ هَلَكَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا فَكَذَا عَلَى الْكَفِيلِ إنْ أَثْبَتَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْأَصِيلِ وَالْبَيِّنَةُ كَاسْمِهَا مُبَيِّنَةٌ فَيَظْهَرُ بِهَا أَنَّ الْعَبْدَ مَلَكَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَوْ بِنُكُولِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَصِيلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ هُوَ بِنَفْسِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَفَلَ عَبْدٌ عَنْ سَيِّدِهِ بِأَمْرِهِ فَعَتَقَ فَأَدَّاهُ أَوَكَفَلَ سَيِّدُهُ عَنْهُ وَأَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ) وَمَعْنَى الْأُولَى أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْمَوْلَى بِالتَّكْفِيلِ يَصِحُّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ نَفَذَ إقْرَارُهُ وَلَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَأَمَّا كَفَالَةُ الْمَوْلَى عَنْ الْعَبْدِ فَصَحِيحَةٌ كَيْفَمَا كَانَتْ. وَقَالَ زُفَرُ يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ إذَا أَدَّى عَنْهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَكَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ لِتَحَقُّقِ الْمُوجِبِ لِلرُّجُوعِ وَلِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ الرُّجُوعِ قُلْنَا وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْآخَرِ دَيْنًا، فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا إذَا كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ فَإِنَّهَا لَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً لِلرُّجُوعِ فَكَذَا هَذَا، ثُمَّ فَائِدَةُ كَفَالَةِ الْمَوْلَى عَنْ عَبْدِهِ وُجُوبُ مُطَالَبَتِهِ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ وَفَائِدَةُ كَفَالَةِ الْعَبْدِ عَنْ مَوْلَاهُ تَعَلُّقُهُ بِرَقَبَتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَهُوَ حَالٌّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ) يَعْنِي هُوَ حَالٌّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا إذَا لَزِمَهُ بِالْإِقْرَارِ) أَيْ بِأَنْ أَقَرَّ بِاسْتِهْلَاكِ مَالٍ، وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَالَ حَالٌّ عَلَى الْعَبْدِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَقَبُولِ ذِمَّتِهِ) أَيْ وَعَدَمِ الْأَجَلِ فَكَيْفَ وَالْعِتْقُ لَا يَصْلُحُ أَجَلًا لِجَهَالَةِ وَقْتِ وُقُوعِهِ، وَقَدْ لَا يَقَعُ أَصْلًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَفَلَ عَنْ غَائِبٍ) أَيْ حَيْثُ يَصِحُّ وَيُؤْخَذُ بِهِ الْكَفِيلُ حَالًّا وَإِنْ عَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ أَوْ مُفَلَّسٍ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ اهـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَلَّسَهُ الْقَاضِي حَيْثُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيُؤْخَذُ بِهِ الْكَفِيلُ حَالًّا لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْكَفِيلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَامَ مَقَامَ الطَّالِبِ) أَيْ وَالطَّالِبُ مَا كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ فَكَذَا الْكَفِيلُ. اهـ. (قَوْلُهُ احْتِرَازٌ عَمَّا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ مِثْلِ دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ كَانَ كَفَلَ بِدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ الْمُعَايَنِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ الْعِتْقِ إذَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ غَيْرُ مُؤَخَّرٍ إلَى الْعِتْقِ فَيُطَالَبُ السَّيِّدُ بِتَسْلِيمِهِ رَقَبَتَهُ أَوْ الْقَضَاءَ عَنْهُ وَبَحَثَ أَهْلُ الدَّرْسِ هَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الرُّجُوعِ الْأَمْرُ بِالْكَفَالَةِ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ السَّيِّدِ وَقَوِيَ عِنْدِي كَوْنُ الْمُعْتَبَرِ أَمْرَ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ ادَّعَى رَقَبَةَ الْعَبْدِ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ) أَيْ كَفَلَ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ رَجُلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَهَذَا إذَا كَفَلَ بِنَفْسِ الْعَبْدِ فَلَوْ كَفَلَ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فِي هَذَا الْفَصْلِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْكَفِيلِ وَإِنْ مَاتَ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ عَنْ حُرٍّ فَمَاتَ الْحُرُّ مُفْلِسًا لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ عَنْ كَفَالَتِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَفَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، فَلَا تَبْطُلُ بَعْدَ مَوْتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي الْأُولَى تَكَفَّلَ عَنْ ذِي الْيَدِ بِتَسْلِيمِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ) فَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ غَرِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَغَرِمَهَا الْكَفِيلُ أَيْضًا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَحْمِلُ الضَّمَانَ عَنْ الْغَيْرِ، فَإِذَا وَجَبَ ضَمَانُ الْقِيمَةِ عَنْ الْأَصِيلِ وَجَبَ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُطَالَبَةَ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ، وَقَدْ انْتَقِلْ الضَّمَانُ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ إلَى الْقِيمَةِ فَيَنْتَقِلُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ إلَخْ) حَيْثُ يَقْضِي بِقِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَيِّتِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْكَفِيلَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَصَحِيحُهُ كَيْفَمَا كَانَتْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْنَا وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ) أَيْ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ دَيْنًا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، وَكَذَا الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا بِحَالٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَأَجَازَ) أَيْ الْمَكْفُولُ عَنْهُ الْكَفَالَةَ فَأَدَّى الْكَفِيلُ شَيْئًا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ. اهـ. قَاضِي خَانْ.

[كتاب الحوالة]

كِتَابُ الْحَوَالَةِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ التَّحْوِيلُ وَالنَّقْلُ وَمِنْهُ حَوَالَةُ الْغِرَاسِ نَقْلُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ هُوَ النَّقْلُ مُطْلَقًا عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ بِرِضَا الْمُحْتَالِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ) وَهَذَا مِنْ شَرَائِطِهَا وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْقَبُولُ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» وَالْأَمْرُ بِالِاتِّبَاعِ دَلِيلُ الْجَوَازِ وَلِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ بِالدُّيُونِ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ وَهُوَ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ وَهَذَا النَّقْلُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمُطَالَبَةِ فَجَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ النَّقْلُ الشَّرْعِيُّ فِي الثَّابِتِ شَرْعًا، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَحِسِّيٌّ، فَلَا يَنْتَقِلُ بِالنَّقْلِ الْحُكْمِيِّ بَلْ النَّقْلِ الْحِسِّيِّ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ رِضَاهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ وَتَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الذِّمَمُ، فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْإِيفَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُمَاطِلُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَفِّي نَاقِصًا وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ بِالْعَكْسِ، فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِ رِضَاهُ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَيَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُعَنِّفُ فِيهِ وَيَسْتَعْجِلُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَاهِلُ وَيُمْهِلُ وَيُسَامِحُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمُحِيلَ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ بِدُونِ رِضَاهُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ أَوْ لِيَسْقُطَ دَيْنُهُ وَنَظِيرُهَا الْكَفَالَةُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِدُونِ رِضَا الْمَكْفُولِ عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَرِئَ الْمُحِيلُ بِالْقَبُولِ مِنْ الدَّيْنِ) وَهَذَا حُكْمُهَا وَقَالَ زُفَرُ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا التَّوَثُّقُ وَهُوَ بِازْدِيَادِ الْمُطَالَبَةِ كَالْكَفَالَةِ لَا تُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَبْرَأُ فِي الْكَفَالَةِ أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالْحَوَالَةِ وَلَنَا أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ تَثْبُتُ عَلَى وَفْقِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ فَمَعْنَى الْحَوَالَةِ النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِفَرَاغِ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَتَى انْتَقَلَ مِنْ ذِمَّةٍ لَا يَبْقَى فِيهَا وَالْكَفَالَةُ مَعْنَاهَا الضَّمُّ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُوجَبُهَا ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مَعَ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ، وَالِاسْتِيثَاقُ فِيهَا بِالضَّمِّ وَفِي الْحَوَالَةِ بِاخْتِيَارِ مَنْ هُوَ الْأَمْلَأُ مِنْ الْمُحِيلِ وَأَحْسَنُ مِنْ الْمُحِيلِ فِي الْقَضَاءِ، وَلَا يُقَالُ لَوْ بَرِئَ لَمَا أُجْبِرَ الْمُحْتَالُ عَلَى الْقَبُولِ إذَا قَضَاهُ الْمُحِيلُ الدَّيْنَ كَمَا لَوْ قَضَاهُ الْأَجْنَبِيُّ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَجْنَبِيُّ مُتَبَرِّعٌ وَالْمُحِيلُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ عَوْدَ الْمُطَالَبَةِ إلَيْهِ بِالتَّوَى فَلَمْ يَكُنْ أَجْنَبِيًّا إذْ قَصْدُهُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ كِتَابُ الْحَوَالَةِ] [مَا تَصِحّ فِيهِ الْحَوَالَةِ] ِ} (قَوْلُهُ وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْقَبُولُ) أَيْ قَبُولُ الْمُحْتَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ فِي غَيْبَةِ الْمُحْتَالِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا قُلْنَا فِي الْكَفَالَةِ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ رَجُلٌ الْحَالَّةَ لِلْغَائِبِ فَتَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ إذَا بَلَغَهُ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَحَالَ عَلَى غَائِبٍ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ صَحَّتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ») رَوَاهُ فِي الْهِدَايَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا اتَّبَعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا بِلَفْظِ أُحِيلَ مَعَ لَفْظِهِ يَتْبَعُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَمِنْ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْوَسَطِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ قِيلَ وَقَدْ يُرْوَى فَإِذَا أُحِيلَ بِالْفَاءِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاتِّبَاعِ لِلْمُلَاءَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمًا، فَإِذَا أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الظُّلْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمَذْكُورَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ وَعَنْ أَحْمَدَ لِلْوُجُوبِ، وَالْحَقُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرُ إبَاحَةٍ هُوَ دَلِيلُ نَقْلِ الدَّيْنِ شَرْعًا أَوْ الْمُطَالَبَةُ فَإِنَّ بَعْضَ الْأَمْلِيَاءِ عِنْدَهُ مِنْ اللَّدَدِ فِي الْخُصُومَةِ وَالتَّعْسِيرِ مَا تَكْثُرُ بِهِ الْخُصُومَةُ وَالْمَضَارَّةُ اهـ فَمَنْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ هَذَا لَا يَطْلُبُ الشَّارِعُ اتِّبَاعَهُ بَلْ عَدَمَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْخُصُومَاتِ وَالظُّلْمِ، وَأَمَّا مَنْ عُلِمَ مِنْهُ الْمُلَاءَةُ وَحُسْنُ الْقَضَاءِ، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ اتِّبَاعَهُ مُسْتَحَبٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ عَلَى الْمَدْيُونِ وَالتَّيْسِيرِ وَمِنْ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ فَمُبَاحٌ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ إضَافَةُ هَذَا التَّفْصِيلِ إلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ مَجَازِيَّيْنِ لِلَفْظِ الْأَمْرِ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ فَإِنْ جُعِلَ لِلْأَقْرَبِ أُضْمِرَ مَعَهُ الْقَيْدُ وَإِلَّا فَهُوَ دَلِيلُ الْجَوَازِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِهَا اهـ فَتْح. (قَوْلُهُ وَهُوَ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ) أَيْ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، فَلَا يَتَأَتَّى نَقْلُهَا مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فَلَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ فِي الْعَيْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَحِسِّيٌّ إلَخْ) وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَوْصَافَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ لِأَنَّا نَقُولُ أَحْكَامُ الشَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ الْجَوَاهِرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَبْقَى بَعْدَ الْمُبَاشَرَةِ. اهـ. مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ بِدُونِ رِضَاهُ) ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَهُوَ أَيْ الْمُحِيلُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ بَلْ فِيهِ نَفْعُهُ عَاجِلًا بِانْدِفَاعِ الْمُطَالَبَةِ عَلَيْهِ عَنْهُ فِي الْحَالِ وَآجِلًا بَعْدَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِأَمْرِهِ وَحَيْثُ ثَبَتَتْ الْحَوَالَةُ بِغَيْرِ رِضَاهُ كَانَ. (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَبْرَأُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ أَيْضًا. اهـ. فَتْحٌ بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ عَوْدَ الْمُطَالَبَةِ إلَيْهِ بِالتَّوَى) أَيْ لِأَنَّهُ إنَّمَا انْتَقَلَ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، فَإِذَا تَوَى يَرْجِعُ فَلَمْ يَكُنْ الْمُحِيلُ مُتَبَرِّعًا فِي الْقَضَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْبَرَاءَةِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْرَأُ عَنْ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَبْرَأُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ، وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الدَّيْنِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا إذَا أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الْمُحِيلَ مِنْ الدَّيْنِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ، وَالثَّانِي أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا أَحَالَ الْمُرْتَهِنَ بِالدَّيْنِ عَلَى إنْسَانٍ كَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَجَّلَ الدَّيْنَ. كَذَا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ وَذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَحَالَ غَرِيمًا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ بَطَلَ حَقُّهُ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ مُطَالَبَتَهُ سَقَطَتْ، وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إذَا أَحَالَ غَرِيمَهُ عَلَى الرَّاهِنِ بَطَلَ حَقُّهُ فِي حَبْسِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ مُطَالَبَةٌ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى رَجُلٍ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُحِيلِ، وَكَذَا إذَا أَحَالَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ فِي حَبْسِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ نَائِبُ الْمُحِيلِ فَصَارَ مُطَالَبَتُهُ كَمُطَالَبَةِ الْمُحِيلِ وَالْمُكَاتَبُ عَلَى عَكْسِ مَا ذُكِرَ فَإِنَّهُ إذَا أَحَالَ مَوْلَاهُ عَلَى رَجُلٍ يَعْتِقُ كَمَا تَثْبُتُ الْحَوَالَةُ، وَإِنْ كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ نَائِبًا عَنْ الْمُكَاتَبِ وَإِذَا أَحَالَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ رَجُلًا لَا يَعْتِقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى حَقُّ مُطَالَبَةِ الْمُكَاتَبِ وَالْفَرْقُ أَنَّ حُرِّيَّةَ الْمُكَاتَبِ مُعَلَّقَةٌ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَقَدْ بَرِئَتْ إذَا أَحَالَ الْمُكَاتَبُ مَوْلَاهُ عَلَى رَجُلٍ، وَأَمَّا إذَا أَحَالَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ رَجُلًا لَا يَبْرَأُ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلِلْوَثِيقَةِ فَيَبْقَى مَا بَقِيَتْ الْمُطَالَبَةُ وَيَبْطُلُ إذَا بَطَلَتْ، وَكَذَا الْبَيْعُ. اعْلَمْ أَنَّ إحَالَةَ الْمُكَاتَبِ مَوْلَاهُ عَلَى رَجُلٍ إنَّمَا تَجُوزُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ دَيْنٌ أَوْ عَيْنٌ وَقَيَّدَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ يَكُونُ نَائِبًا عَنْ الْمُكَاتَبِ فِي الْقَبْضِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ كَانَ لَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ نَقْلُ الدَّيْنِ إلَى الذِّمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَصَارَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَيْنَ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُحِيلِ حُكْمًا، فَلَوْ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَزِمَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ يَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ غَيْرَ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُحِيلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَالْكَفَالَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي أَحَالَ غَرِيمَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا قَيَّدَهَا بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهَا تَبَرُّعٌ لَيْسَ الْمُكَاتَبُ مِنْ أَهْلِهِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَفَّلَ الْقِنُّ عَنْ مَوْلَاهُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَرْجِعْ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا بِالتَّوَى) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّوَى؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُحِيلِ قَدْ بَرِئَتْ بَرَاءَةً مُطْلَقَةً بِالْحَوَالَةِ، فَلَا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّتِهِ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ، وَغَاصِبُ الْغَاصِبِ إذَا اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْآخَرِ، ثُمَّ بِالتَّوَى عِنْدَهُ لَا يَعُودُ الْحَقُّ عَلَى الْآخَرِ وَكَالْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمَدِينَ فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ تَضْمِينِ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ وَبَيْنَ اتِّبَاعِ الْمُعْتِقِ، فَإِنْ اخْتَارُوا أَحَدَهُمَا وَتَوَى مَا عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُونَ عَلَى الْآخَرِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا فِي الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَقَالَ لَا تَوًى عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِهِ الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ الثَّانِي لَا مُجَرَّدُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ لَا تَخْتَلِفُ فِي نَفْسِ الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ فِي الْإِيفَاءِ فَهَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ بَيْنَ النَّاسِ وَالْمَعْلُومُ كَالْمَشْرُوطِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَجِبُ الرُّجُوعُ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كَانَ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَسَلَامَتُهُ مِنْ الْعَيْبِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَوْ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ عِنْدَ فَوَاتِ وَصْفِ السَّلَامَةِ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالْعِوَضِ لِمَا قُلْنَا وَهَذَا لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ خَلَفٌ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ بِإِحَالَتِهِ هُوَ فَإِذَا فَاتَ الْخَلَفُ رَجَعَ بِالْأَصْلِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ يَخْلُفُ عَنْ الْآخَرِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ ابْتِدَاءً بِمِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ فَيَأْخُذُ مِنْهُ عِوَضَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحِيلَهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ، وَكَذَا الْمَوْلَى وَالْمُعْتَقُ أَحَدُهُمَا لَيْسَ بِخَلَفٍ عَنْ الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ حَقَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَلَى أَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا حَتَّى يَنْقُلَهُ إلَى الْآخَرِ فَافْتَرَقَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ أَنْ يَجْحَدَ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْبَرَاءَةِ) أَيْ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَبْرَأُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الدَّيْنِ وَقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَرِئَ الْمُحِيلُ بِالْقَبُولِ مِنْ الدَّيْنِ) اخْتِيَارًا لِمَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ وَإِذَا بَرِئَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِنْ الدَّيْنِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ أَيْضًا عِنْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِبَرَاءَتِهِ مِنْهُمَا الشَّارِحُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ) أَيْ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَسْقُطُ دَيْنُ الْمُحْتَالِ وَتَمْتَنِعُ مُطَالَبَتُهُ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ) سَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ وَاَلَّذِي يَأْتِي هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ اهـ. {فَرْعٌ} قَالَ فِي السِّرَاجِيَّةِ رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ بِمَالٍ فَأَحَالَ الْغَرِيمَ بِالْمَالِ عَلَى رَجُلٍ فَلِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْبِضَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمُرْتَهِنُ لَوْ أَحَالَ غَرِيمًا لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الرَّهْنِ. اهـ. تَتَارْخَانْ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَهُوَ أَنْ يَجْحَدَ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ التَّوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَمُوتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا وَلَا يَتْرُكَ مَالًا مُعَيَّنًا وَلَا دَيْنًا وَلَا كَفِيلًا عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِلْمُحْتَالِ لَهُ، وَالثَّانِي أَنْ يَجْحَدَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ وَلَمْ يَكُنْ الْمُحْتَالُ لَهُ بَيِّنَةً وَحَلَفَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَقَدْ بَرِئَ وَعَادَ الْمَالُ إلَى الْمُحِيلِ وَلَا يَكُونُ التَّوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ غَيْرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. وَعِنْدَهُمَا التَّوَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: وَجْهَانِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَوَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِالْإِفْلَاسِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. أَمَّا إذَا جَحَدَ الْمَالَ وَحَلَفَ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُطَالَبَتِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ فَقَدْ تَوَى الْحَقَّ، وَكَذَا إذَا مَاتَ مُفْلِسًا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ ذِمَّةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحَقُّ وَلَا تَرِكَةٌ فَسَقَطَ الْحَقُّ عَنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ لِلْمُحْتَالِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ كَانَتْ بَرَاءَةَ نَقْلٍ وَاسْتِيفَاءٍ لَا بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ فَلَمَّا تَعَذَّرَ

[طلب المحتال عليه المحيل بما أحال]

وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ يَمُوتَ مُفْلِسًا) أَيْ التَّوَى يَكُونُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَجْحَدَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ، وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُحِيلِ وَلَا لِلْمُحْتَالِ أَوْ يَمُوتَ مُفْلِسًا بِأَنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا عَيْنًا، وَلَا دَيْنًا، وَلَا كَفِيلًا؛ لِأَنَّ التَّوَى هُوَ الْعَجْزُ عَنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِهِمَا وَهَذَا إذَا ثَبَتَ مَوْتُهُ مُفْلِسًا بِتَصَادُقِهِمَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ الْمُحْتَالُ مَاتَ مُفْلِسًا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحْتَالِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْعُسْرَةُ كَمَا إذَا كَانَ هُوَ حَيًّا وَأَنْكَرَ الْيُسْرَ. وَلَوْ فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ بَعْدَ مَا حَبَسَهُ لَا يَكُونُ تَوًى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هُوَ تَوًى؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْأَخْذِ مِنْهُ بِتَفْلِيسِ الْحَاكِمِ وَقَطْعِهِ عَنْ مُلَازَمَتِهِ عِنْدَهُمَا، فَصَارَ كَعَجْزِهِ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ بِالْجُحُودِ أَوْ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ وَتَعَذُّرُ الِاسْتِيفَاءِ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ بِغَيْبَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّوَى فِي الدَّيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ حُكْمًا بِخُرُوجِ مَحَلِّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا صَالِحًا لِلْوُجُوبِ بِمَوْتِهِ مُعْدَمًا أَوْ بِالْجُحُودِ وَلِأَنَّ الْإِفْلَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ يُمْسِي الْإِنْسَانُ فَقِيرًا وَيُصْبِحُ غَنِيًّا وَبِالْعَكْسِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْتَغْنَى فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِأَنْ مَاتَ لَهُ قَرِيبٌ يَرِثُهُ وَهَذَا نَظِيرُ مَا لَوْ جَرَحَ الْخَصْمُ الشُّهُودَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ لِاحْتِمَالِ تَوْبَتِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَحْقِيقِ الْإِفْلَاسِ وَعَدَمِهِ، وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ رَهْنًا رَهَنَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَسَلَّطَهُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ لَمْ يُسَلِّطْهُ يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا إذْ لَمْ يَبْقَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ وَالرَّهْنُ بِدَيْنٍ، وَلَا دَيْنَ مُحَالٌ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ كَفِيلًا بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ خَلَفٌ عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ طَلَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمَا أَحَالَ فَقَالَ الْمُحِيلُ أَحَلْت بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك ضَمِنَ الْمُحِيلُ مِثْلَ الدَّيْنِ) أَيْ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ قَدْ تَحَقَّقَ بِإِقْرَارِ الْمُحِيلِ وَهُوَ قَضَاءُ دَيْنِهِ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِالْحَوَالَةِ إقْرَارًا مِنْهُ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ، وَلَا قَبُولُهُ الْحَوَالَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ قَدْ تَكُونُ مُطْلَقَةً وَقَدْ تَكُونُ مُقَيَّدَةً بِمَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بَلْ حَقِيقَةُ الْحَوَالَةِ أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً إذْ الْمُقَيَّدَةُ تَوْكِيلٌ بِالْأَدَاءِ وَالْقَبْضِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ الْمُحِيلُ لِلْمُحْتَالِ أَحَلْتُك لِتَقْبِضَهُ لِي فَقَالَ الْمُحْتَالُ أَحَلْتَنِي بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك فَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ) لِأَنَّ الْمُحْتَالَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، وَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ مِنْ الْمُحِيلِ بِالْحَوَالَةِ وَإِقْدَامُهُ عَلَيْهَا إقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا لِلْمُحْتَالِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَوَالَةِ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْوَكَالَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا صَارَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ دُيُونًا وَامْتَنَعَ الْمُضَارِبُ عَنْ التَّقَاضِي وَلَيْسَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَا يُجْبَرُ، وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ أَحِلْ رَبَّ الْمَالِ أَيْ وَكِّلْهُ فَإِذَا احْتَمَلَ التَّوْكِيلَ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمُحِيلِ بِدَعْوَاهُ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ إذْ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّ فَرَاغَ الذِّمَمِ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الدَّيْنَ عَلَى الْمُحِيلِ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَالٍ لَهُ بَاعَهُ الْمُحِيلُ لَهُ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ مِنْهُ وَادَّعَى أَنَّ الدَّيْنَ لَهُ وَوَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْضًا إذَا أَنْكَرَ الْمُحِيلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ لَهُ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ وَالْإِنْسَانُ يَتَصَرَّفُ ظَاهِرًا لِنَفْسِهِ لَا يُسْمَعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ كَانَ لَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَحَالَ بِمَالِهِ عِنْدَ زَيْدٍ وَدِيعَةً صَحَّتْ، فَإِنْ هَلَكَتْ بَرِئَ) أَيْ إذَا كَانَ لَهُ وَدِيعَةٌ دَرَاهِمُ عِنْدَ شَخْصٍ فَأَحَالَ بِهَا غَرِيمَهُ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، فَإِنْ هَلَكَتْ بَرِئَ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مُقَيَّدَةٌ بِهَا إذْ لَمْ يَلْتَزِمْ التَّسْلِيمَ إلَّا مِنْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْمَغْصُوبِ حَيْثُ لَا يَبْرَأُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْلُفُ الْقِيمَةَ وَالْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ لَا إلَى خَلَفٍ بِأَنْ اسْتَحَقَّ بِالْبَيِّنَةِ صَارَ مِثْلَ الْوَدِيعَةِ وَقَدْ تَكُونُ مُقَيَّدَةً بِالدَّيْنِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ: مُقَيَّدَةٌ وَمُطْلَقَةٌ فَالْمُقَيَّدَةُ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ نَحْوِهِ وَالْمُطْلَقَةُ أَنْ يُرْسِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِيفَاءُ وَجَبَ الرُّجُوعُ، وَأَمَّا تَفْلِيسُ الْقَاضِي بِالشُّهُودِ حَالَ حَيَاةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَذَاكَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ تَفْلِيسَ الْقَاضِي هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى ذَلِكَ وَهُمَا يَرَيَانِهِ؛ لِأَنَّهُ عَجْزٌ عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَجْزٌ يُتَوَهَّمُ ارْتِفَاعُهُ بِحُدُوثِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مَالَ اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحُ، فَلَا يَعُودُ إلَى الْمُحِيلِ كَمَا قَبْلَ التَّفْلِيسِ بِخِلَافِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ عَجْزٌ لَا يُتَوَهَّمُ ارْتِفَاعُهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحْتَالِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ إلَخْ) كَذَا فِي الشَّافِي وَالْمَبْسُوطِ وَفِي شَرْحِ النَّاصِحِيِّ الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ مَعَ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ لِإِنْكَارِهِ عَوْدَ الدَّيْنِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ رَهْنًا رَهَنَهُ غَيْرُهُ) أَيْ رَهَنَهُ غَيْرُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُحْتَالِ ثُمَّ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا يَبْطُلُ حُكْمُ الدَّيْنِ فِي الدُّنْيَا فَيَبْطُلُ الرَّهْنُ بِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَلَا دَيْنَ مُحَالٌ أَمَّا لَوْ فَرَضْنَا الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ مِلْكَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا يَأْتِي مَا قَالَهُ مِنْ مَوْتِهِ مُفْلِسًا. اهـ. . [طَلَب الْمُحْتَال عَلَيْهِ الْمُحِيل بِمَا أَحَال] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ طَلَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمَا أَحَالَ) أَيْ إذَا أَرَادَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ إلَى الْمُحْتَالِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَدَّى إلَى الْمُحِيلِ فَقَالَ الْمُحِيلُ لَيْسَ لَك أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ لِأَنِّي كُنْت أَحَلْت عَلَيْك بِدَيْنِي فَقَالَ الْمُحْتَال عَلَيْهِ بَلْ لِي أَنْ أَرْجِعَ عَلَيْك لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ) أَيْ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ الدَّيْنُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ) أَيْ الْمُحْتَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ) أَيْ لِتَيَسُّرِ مَا يَقْضِي بِهِ وَحُضُورِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ.

الْحَوَالَةَ إرْسَالًا، وَلَا يُقَيِّدَهَا بِشَيْءٍ مِمَّا عِنْدَهُ مِنْ وَدِيعَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ يُحِيلَهُ عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَالْكُلُّ جَائِزٌ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَضَمَّنُ أُمُورًا جَائِزَةً عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَهِيَ تَبَرُّعُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ فِي ذِمَّتِهِ وَالْإِيفَاءِ وَتَوْكِيلِ الْمُحْتَالِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَأَمْرِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ إلَى الْمُحْتَالِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَحُكْمُ الْمُطْلَقَةِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ حَقُّ الْمُحِيلِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ، وَلَكِنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ بَعْدَ أَدَائِهِ إذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ بِرِضَاهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُلَازِمَهُ إذَا لُوزِمَ وَيَحْبِسَهُ إذَا حُبِسَ حَتَّى يُخَلِّصَهُ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا عَلَى الْمُحِيلِ كَانَ مُؤَجَّلًا فِي حَقِّ الْمُحَالِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ الدَّيْنُ حَالًّا بِمَوْتِ الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ وَصَارَ أَجْنَبِيًّا وَيَحِلُّ بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَجَلَ كَانَ حَقَّهُ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ وَحُكْمُ الْمُقَيَّدَةِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِمَا أَحَالَ بِهِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ، وَلَوْ مَلَكَ الْمُطَالَبَةَ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُحْتَالِ، وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِحَقِّهِ بِالْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ بَلْ تَعَلَّقَ بِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِأَخْذِ مَا عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ فَكَذَا بِأَخْذِهِ بِخِلَافِ الْمُقَيَّدَةِ؛ لِأَنَّهُ فِيهَا لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَدَاءَ إلَّا مِنْهَا، فَلَوْ أَخَذَ لَبَطَلَ حَقُّهُ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ عَنْ الدَّيْنِ أَخَذَ الْمُحِيلُ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ كَالْمُرْتَهِنِ إذَا أَبْرَأَ الرَّاهِنُ يَرْجِعُ بِرَهْنِهِ. وَلَوْ وَهَبَهُ لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ، وَكَذَا إذَا وَرِثَهُ، وَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ كَانَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ الْمُحْتَالُ بِهِمَا بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَخْتَصُّ بِهِ الْمُحْتَالُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ حَالَ حَيَاتِهِ وَالْمُحِيلُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ أَخْذُهُ فَصَارَ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ، فَلَا تُقْضَى بِهِ دُيُونُهُ وَلَئِنْ كَانَ مِلْكُهُ ثَابِتًا فَتَعَلُّقُ حَقِّ الْمُحْتَالِ سَابِقٌ فَصَارَ كَالْمَرْهُونِ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُرْتَهِنُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ سَابِقًا عَلَى حَقِّهِمْ وَكَدِينِ الصِّحَّةِ يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ لِمَا قُلْنَا وَلَنَا أَنَّ هَذَا مَالُ الْمُحِيلِ لَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ فَيَكُونُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُحْتَالُ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَاطِلٌ لَكِنْ بِالْحَوَالَةِ وَجَبَ لِلْمُحْتَالِ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ مَعَ بَقَاءِ دَيْنِ الْمُحِيلِ وَلِهَذَا لَوْ تَوَى مَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ يَتْوَى عَلَى الْمُحِيلِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ أَيْضًا يَدُ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ عَلَى مَا فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ لَا يُتَصَوَّرُ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ لَمْ يَقْبَلْ الْحَوَالَةَ إلَّا لِيَتَمَلَّكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ أَوْ لِيُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ، فَلَوْ أَخَذَهُ يَفُوتُ الرِّضَا فَتَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَلَيْهِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ هُوَ أَحَقَّ بِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُحْتَالِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْمُزَاحَمَةِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ تَحَوَّلَ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَلَا يُزَاحِمُ غُرَمَاءَ الْمُحِيلِ كَمَا إذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ مُطْلَقَةً وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْمُزَاحَمَةِ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِذَلِكَ الْمَالِ. فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَالَ فَاتَ الرِّضَا بِالْحَوَالَةِ فَتَبْطُلُ الْحَوَالَةُ فَيَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْحَوَالَةِ وَاسْتَوْضَحَ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً؛ لِأَنَّ الْمُحِيلَ بِالْحَوَالَةِ بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِ الْمُحْتَالِ وَصَارَ الْمُحْتَالُ مِنْ غُرَمَاءِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ لَهُ حَقٌّ بِمَالِهِ، فَلَا يُزَاحِمُ غُرَمَاءَ الْمُحِيلِ وَإِذَا قَسَمَ الدَّيْنَ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ لَا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ بِحِصَّةِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ صَارَ مُسْتَحَقًّا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِهِ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ الرَّهْنَ، وَلَا بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ بَعْدَ الْمُحَاصَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ تَاوِيًا، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ) أَيْ بِمَوْتِهِ فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً رَجَعَ الطَّالِبُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَى أَجَلِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ عَنْ الدَّيْنِ أَخَذَ الْمُحِيلُ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ) وَقَدْ قَالُوا لَوْ أَحَالَ رَجُلٌ رَجُلًا بِمَالٍ ثُمَّ إنَّ الْمُحِيلَ نَقَدَ الْمَالَ الَّذِي أَحَالَهُ بِهِ جَازَ وَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فِيمَا نَقَدَ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ عِنْدَنَا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَإِنْ بَرِئَ فِي الظَّاهِرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرُّجُوعَ مُتَرَقَّبٌ فَهُوَ بِالْقَضَاءِ يَقْصِدُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ حَقَّ الرُّجُوعِ فَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ مُتَبَرِّعًا كَالْوَارِثِ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ إذَا أَدَّى الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ عَنْ نَفْسِهِ حَقًّا بِالْأَدَاءِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا قَالُوا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ أَحَالَ صَاحِبَ الْمَالِ عَلَى رَجُلٍ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَوَالَةً مُطْلَقَةً وَلَمْ يَقُلْ أَحَلْتُهُ عَلَيْك بِمَالِي عَلَيْك أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ مَا لِي عَلَيْك فَقَبِلَ فَعَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَلْفَانِ: أَلْفُ الْمُحِيلِ وَأَلْفُ الْمُحْتَالِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُطَالِبَ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْحَوَالَةِ لَا تَقِفُ عَلَى ثُبُوتِ مَالِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ الْحَوَالَةُ بِنَفْسِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهَا بِهِ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ فَبَقِيَ الدَّيْنُ بِحَالِهِ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَحَالَهُ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ وَفِي يَدِهِ أَلْفٌ وَدِيعَةٌ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهَا كَذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا وَإِذَا أَدَّى الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْمَالَ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ الْمُحْتَالُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ فَوَرِثَهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ رَجَعَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى الْمُحِيلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، فَإِذَا ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْأَدَاءِ فَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَمْلِكُهُ بِهَا، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ بَرِئَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ إسْقَاطٌ وَلَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ وَمَتَى لَمْ يَمْلِكْ مَا فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يَرْجِعْ اهـ أَقْطَعُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا وَرِثَهُ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَنْعَكِسُ الْجَوَابُ فَفِي الْهِبَةِ وَالْإِرْثِ يَرْجِعُ وَفِي الْإِبْرَاءِ لَا يَرْجِعُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ) أَيْ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُحْتَالُ دَيْنَ الْحَوَالَةِ فَالدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ لِلْمُحِيلِ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ.

[كتاب القضاء]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ السَّفَاتِجُ) وَهُوَ قَرْضٌ اسْتَفَادَ بِهِ الْمُقْرِضُ أَمْنَ خَطَرِ الطَّرِيقِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُقْرِضَ مَالَهُ إذَا خَافَ عَلَيْهِ الْفَوَاتَ لِيُرَدَّ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْأَمْنِ وَهُوَ تَعْرِيبُ سفته وَسَفَّتْهُ شَيْءٌ مُحْكَمٌ وَسُمِّيَ هَذَا الْقَرْضُ بِهِ لِإِحْكَامِ أَمْرِهِ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا» وَقِيلَ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً، فَلَا بَأْسَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (كِتَابُ الْقَضَاءِ) الْقَضَاءُ فِي اللُّغَةِ الْإِتْقَانُ وَالْإِحْكَامُ قَالَ قَائِلُهُمْ وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا دَاوُد أَوْ صَنَعَ السَّوَابِغَ تُبَّعُ أَيْ أَحْكَمَ صَنْعَتَهَا وَهُوَ فِي الشَّرْعِ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ وَبِهِ أُمِرَ كُلُّ نَبِيٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة: 44] وَقَالَ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] وَالْحَاكِمُ نَائِبٌ عَنْ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ فِي إنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ وَإِيصَالِ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ الْعِبَادِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ يَمِيلُ إلَيْهَا كُلُّ لَبِيبٍ وَمَحَاسِنُهُ لَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَسَدَ الْبِلَادُ وَالْعِبَادُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَثْبُت بِهِ الْوِلَايَةُ عَلَى الْغَيْرِ الشَّاهِدِ بِشَهَادَتِهِ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ أَنْ يَحْكُمَ، وَالْحَاكِمُ بِحُكْمِهِ يُلْزِمُ الْخَصْمَ وَمَنْ صَلُحَ شَاهِدًا صَلُحَ قَاضِيًا فَكَانَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ فَيُسْتَفَادُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ كَمَا هُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلِّدَ، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا فَفَسَقَ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ، لَا يَنْعَزِلُ وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ؛ وَإِذَا أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا) وَكَذَا لَوْ قَضَى بِالرِّشْوَةِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إذَا قُلِّدَ الْفَاسِقُ ابْتِدَاءً يَصِحُّ، وَلَوْ قُلِّدَ وَهُوَ عَدْلٌ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ؛ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ اعْتَمَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُرِهَ السَّفَاتِجُ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى السَّفْتَجُ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي الْقَرْضِ فَهُوَ حَرَامٌ وَالْقَرْضُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَاسِدٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا جَازَ وَقَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ أَقْرَضَ رَجُلًا مَالًا عَلَى أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِهَا إلَى بَلَدِ كَذَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَقْرَضَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَكَتَبَ كَانَ هَذَا جَائِزًا، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ اُكْتُبْ لِي سَفْتَجَةً إلَى مَوْضِعِ كَذَا عَلَى أَنْ أُعْطِيَك هُنَا، فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَقَالَ فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَسَفَاتِجُ التُّجَّارِ مَكْرُوهَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِإِسْقَاطِ خَطَرِ الطَّرِيقِ إلَّا أَنْ يُقْرِضَ مُطْلَقًا ثُمَّ يَكْتُبَ السَّفْتَجَةَ، فَلَا بَأْسَ. هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ كُلِّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا» ولِأَنَّهُ تَمْلِيكُ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ، فَإِذَا شَرَطَ فِي بَلَدٍ أَنْ يَدْفَعَ فِي بَلَدٍ آخَرَ صَارَ فِي حُكْمِ التَّأْجِيلِ وَالتَّأْجِيلُ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَصِحُّ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الدَّفْعَ فِي بَلَدٍ آخَرَ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فَقَالُوا لَا يُكْرَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ، ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا أَوْرَدَ الْقُدُورِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ فِي الدُّيُونِ كَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ نُورِ الدِّينِ الْكُرْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا أَوْرَدَهَا فِي الْحَوَالَةِ لِأَنَّهُ أَحَالَ الْخَطَرَ الْمُتَوَقَّعَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ فِي مَعْنَى الْحَوَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَقِيلَ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً، فَلَا بَأْسَ بِهِ) قَالَ الْكَمَالُ، ثُمَّ قَالُوا إنَّمَا يَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ يُفْعَلُ لِذَلِكَ، فَلَا وَاَلَّذِي يُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ فِي ظِلِّ جِدَارِ غَرِيمِهِ، فَلَا أَصْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ انْتِفَاعًا بِمِلْكِهِ كَيْفَ وَلَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا وَلَا مُتَعَارَفًا، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ فِي الدُّيُونِ كَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا نَصُّهُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَاهُ أَحْسَنَ مِمَّا عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا اهـ كَمَالٌ. [كِتَابُ الْقَضَاءِ] (كِتَابُ الْقَضَاءِ) (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ أَوْ صَنَعَ) امْرَأَةٌ صَنَاعُ الْيَدَيْنِ أَيْ حَاذِقَةٌ مَاهِرَةٌ بِعَمَلِ الْيَدَيْنِ وَامْرَأَتَانِ صَنَاعَانِ وَنِسْوَةٌ صُنُعٌ مِثْلُ قَذَالٍ وَقُذُلٍ وَرَجُلٌ صِنْعُ الْيَدَيْنِ وَصِنْعُ الْيَدَيْنِ أَيْضًا بِالْكَسْرِ أَيْ صَانِعٌ حَاذِقٌ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ صَنَعٌ بِالتَّحْرِيكِ قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا دَاوُد أَوْ صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ هَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْمَعِيِّ وَيُرْوَى أَوْ صِنْعُ السَّوَابِغِ اهـ صِحَاحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي حَتَّى تَجْتَمِعَ فِي الْمَوْلَى شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَإِنَّمَا شَرَطَ شَرَائِطَ الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَدَالَةِ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وِلَايَةٌ كَالشَّهَادَةِ بَلْ الْقَضَاءُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَلَمَّا اشْتَرَطَ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الصِّفَاتِ كَانَ اشْتِرَاطُهَا فِي الْقَضَاءِ أَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ كَمَا هُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلِّدَ) أَيْ كَمَا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ، وَلَوْ قَبِلَ جَازَتْ عِنْدَنَا اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَضَى بِالرِّشْوَةِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى) ذَكَرَ الْأُسْرُوشِنِيُّ إذَا ارْتَشَى الْقَاضِي وَحَكَمَ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى وَيَنْفُذُ فِيمَا لَمْ يَرْتَشِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ أَنَّهُ يَنْفُذُ فِيمَا ارْتَشَى أَيْضًا وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ قَضَايَاهُ فِيمَا ارْتَشَى وَفِيمَا لَمْ يَرْتَشِ بَاطِلَةٌ وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَإِنْ ارْتَشَى وَلَدُ الْقَاضِي أَوْ كَاتِبُهُ أَوْ بَعْضُ أَعْوَانِهِ فَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَرِضَاهُ فَهُوَ وَمَا لَوْ ارْتَشَى الْقَاضِي سَوَاءٌ وَيَكُونُ قَضَاؤُهُ مَرْدُودًا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِ الْقَاضِي نَفَذَ وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَشِي رَدَّ مَا قَبَضَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إذَا قُلِّدَ الْفَاسِقُ ابْتِدَاءً يَصِحُّ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي تَقْلِيدِ الْفَاسِقِ الْقَضَاءَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحَّ التَّقْلِيدُ وَلَا يَنْعَزِلَ بِالْفِسْقِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ إلَّا إذَا شُرِطَ فِي التَّقْلِيدِ أَنَّهُ مَتَى جَارَ يَنْعَزِلُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَنْعَزِلُ وَالْإِمَامُ يَصِيرُ إمَامًا مَعَ الْفِسْقِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ بِلَا

عَدَالَتَهُ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا دُونَهَا كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إذَا أَبَقَ يَنْعَزِلُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ وَهُوَ آبِقٌ جَازَ، وَعَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَصْلُحُ قَاضِيًا وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ وَأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَكَذَا الِاجْتِهَادُ حَتَّى لَوْ وَلِيَ الْجَاهِلُ الْقَضَاءَ صَحَّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا عَدْلًا مَأْمُونًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ» الْحَدِيثَ فَفَسَّرَ الْقَاضِيَيْنِ أَحَدَهُمَا جَاهِلٌ يَحْكُمُ بِالْجَهْلِ وَالْآخَرُ عَالِمٌ يَحْكُمُ بِالْجَوْرِ وَالثَّالِثُ الْعَالِمُ الْعَادِلُ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ بِالْحَقِّ وَالْجَاهِلُ عَاجِزٌ عَنْهُ، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَالْفَاسِقُ غَيْرُ مَأْمُونٍ، فَلَا يَجُوزُ. وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ بِفَتْوَى غَيْرِهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمَّاهُ قَاضِيًا، وَلَوْلَا أَنَّ التَّوْلِيَةَ تَصِحُّ لَمَا سَمَّاهُ قَاضِيًا وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجَازُوا حُكْمَ مَنْ تَغَلَّبَ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَجَارَ وَتَقَلَّدُوا مِنْهُ الْأَعْمَالَ وَصَلَّوْا خَلْفَهُ، وَلَوْلَا أَنَّ تَوْلِيَتَهُ صَحِيحَةٌ لَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا وَقِيلَ لَا) يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَخَبَرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ حَذَارِ النِّسْبَةِ إلَى الْخَطَأِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ فَظًّا غَلِيظًا جَبَّارًا عَنِيدًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْثُوقًا بِهِ فِي عَفَافِهِ وَعَقْلِهِ وَصَلَاحِهِ وَفَهْمِهِ وَعِلْمِهِ بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَوُجُوهِ الْفِقْهِ) وَيَكُونُ شَدِيدًا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ دَفْعُ الْفَسَادِ وَإِيصَالُ الْحُقُوقِ إلَى مُسْتَحِقِّيهَا وَإِقَامَةِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مِنْ أَهَمِّ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَقْوَى وَاجِبٍ عَلَيْهِمْ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَعْرَفَ وَأَقْدَرَ وَأَوْجَهَ وَأَهْيَبَ وَأَصْبَرَ عَلَى مَا أَصَابَهُ مِنْ النَّاسِ كَانَ أَوْلَى وَيَنْبَغِي لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَفَحَّصَ فِي ذَلِكَ وَيُوَلِّي مَنْ هُوَ أَوْلَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالِاجْتِهَادُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ) لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الِاجْتِهَادِ قِيلَ أَنْ يَعْلَمَ الْكِتَابَ بِمَعَانِيهِ وَالسُّنَّةَ بِطُرُقِهَا وَالْمُرَادُ بِعِلْمِهِمَا عِلْمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْهُمَا وَمَعْرِفَةُ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ لِيُمْكِنَهُ اسْتِخْرَاجُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَاسْتِنْبَاطُهَا مِنْ أَدِلَّتِهَا بِطَرِيقِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْفُرُوعِ الَّتِي اسْتَخْرَجَهَا الْمُجْتَهِدُونَ بِآرَائِهِمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْفُرُوعِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى اجْتِهَادِ السَّلَفِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ حَفِظَ الْمَبْسُوطَ وَمَذْهَبَ الْمُتَقَدِّمِينَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ حَدِيثٍ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْفِقْهِ لِيَعْرِفَ مَعَانِيَ الْآثَارِ أَوْ صَاحِبَ فِقْهٍ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْحَدِيثِ كَيْ لَا يَشْتَغِلَ بِالْقِيَاسِ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مَعَ هَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ قَرِيحَةٍ يَعْرِفُ بِهَا عَادَاتِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْكَامِ تُبْتَنَى عَلَيْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُفْتِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَكَذَا) يَعْنِي فِي الْعِلْمِ وَالْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى الْمَقْصُودِ وَأَبْعَدُ مِنْ الْغَلَطِ وَأَكْثَرُ اهْتِمَامًا فِي دِينِهِ عِنْدَ تَجَدُّدِ الْحَوَادِثِ فَيَكُونُ كَلَامُهُ أَوْثَقَ فَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ التَّقَلُّدُ لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ) أَيْ الظُّلْمَ كَيْ لَا يَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى مُبَاشَرَةِ الظُّلْمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَمِنَهُ لَا) أَيْ إنْ أَمِنَ الظُّلْمَ لَا يُكْرَهُ التَّقَلُّدُ لِأَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعُلَمَاءَهُمْ تَقَلَّدُوهُ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَسْأَلُ الْقَضَاءَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ مِنْ السَّمَاءِ يُسَدِّدُهُ ولِأَنَّ مَنْ طَلَبَهُ يَعْتَمِدُ عَلَى نَفْسِهِ فَيُحْرَمُ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ عَلَى رَبِّهِ فَيُلْهَمُ» وَكَرِهَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْقَضَاءِ مُخْتَارًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ فَكَأَنَّمَا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحَقِّ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِأَعْوَانٍ وَقَدْ لَا يُعِينُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَكَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ مَنْ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِلْعِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً تُرْجَى لَهُ النُّبُوَّةُ فَإِذَا اشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْخُلَاصَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ فِي آخَرِ أَدَبِ الْقَاضِي مِنْ كِتَابِ الْأَجْنَاسِ الْفَقِيهُ إذَا كَانَ فَاسِقًا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَفْتَى مِنْهُ فِيهِ كَلَامٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ فِي نَوَادِرِهِ سَمِعْت بِشْرَ بْنَ غَيَّاثٍ يَقُولُ أَرَى الْحَجْرَ عَلَى ثَلَاثَةٍ: فَقِيهٍ فَاسِقٍ وَطَبِيبٍ جَاهِلٍ وَمُكَارٍ مُفْلِسٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ فِي قَوْلِ نَفْسِهِ لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مِنْ الْفَقِيهِ الْفَاسِقِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُخَطِّئَهُ الْفُقَهَاءُ فَيُجِيبُ بِمَا هُوَ الصَّوَابُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ فَظًّا) أَيْ جَافِيًا. اهـ. (قَوْلُهُ غَلِيظًا) أَيْ شَدِيدًا فِي الْكَلَامِ مُتَفَاحِشًا. اهـ. (قَوْلُهُ جَبَّارًا) أَيْ مُتَكَبِّرًا مُقْبِلًا بِغَضَبٍ. اهـ. (قَوْلُهُ عَنِيدًا) أَيْ مُعَانِدًا عَنِيفًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ دَفْعُ الْفَسَادِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِعَيْنِهَا فَسَادٌ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِعِلْمِهِمَا عِلْمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِجَمِيعِ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَشْتَغِلَ بِالْقِيَاسِ فِي الْمَنْصُوصِ إلَخْ) وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ أَنَّ الْأَوَّلَ مُشْتَهِرٌ بِالْحَدِيثِ وَلَهُ فِقْهٌ أَيْضًا، وَالثَّانِي مُشْتَهِرٌ بِالْفِقْهِ وَلَهُ بَصَرٌ بِالْحَدِيثِ أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ بِتَخْفِيفِ الْكَافِ أَيْ فُوِّضَ أَمْرُهُ إلَيْهَا وَمَنْ فُوِّضَ أَمْرُهُ إلَى نَفْسِهِ كَانَ مَخْذُولًا غَيْرَ مُرْشَدٍ لِلصَّوَابِ لِكَوْنِ النَّفْسِ أَمَارَةً بِالسُّوءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْ لَا يُعِينُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الدُّخُولَ فِيهِ رُخْصَةٌ طَمَعًا فِي إقَامَةِ الْعَدْلِ وَالتَّرْكُ عَزِيمَةٌ فَلَعَلَّهُ يُخْطِئُ ظَنُّهُ، فَلَا يُوَفَّقُ لَهُ. اهـ. .

[تقلد القضاء من السلطان]

أَيِسُوا مِنْ نُبُوَّتِهِ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَسْقَطَةٌ، وَإِنْ تَعَيَّنَ هُوَ لِلْقَضَاءِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ غَيْرُهُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ صِيَانَةً لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَدَفْعًا لِظُلْمِ الظَّالِمِينَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ وَمِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - تَقَلَّدُوهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ فِي نَوْبَةِ عَلِيٍّ وَكَانَ الْحَقُّ بِيَدِ عَلِيٍّ يَوْمئِذٍ وَقَدْ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ تَقَلَّدُوهُ مِنْ الْحَجَّاجِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ ضَرَرُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ تَقَلَّدَ يَسْأَلُ دِيوَانَ قَاضٍ قَبْلَهُ وَهُوَ الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَالْمَحَاضِرُ وَغَيْرِهِمَا) مِنْ الصُّكُوكِ وَنَصْبِ الْأَوْصِيَاءِ وَالْقُيَمَاءِ فِي الْأَوْقَافِ وَتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ لِأَنَّ الدِّيوَانَ وُضِعَ لِيَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ فَيُجْعَلُ فِي يَدِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ نُسْخَتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي يَدِهِ لِاحْتِمَالِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَالْأُخْرَى فِي يَدِ الْخَصْمِ وَمَا فِي يَدِ الْخَصْمِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْأَوْرَاقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ تَسْلِيمِهَا إلَى الْجَدِيدِ لِأَنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ فِي يَدِ الْأَوَّلِ لِعَمَلِهِ وَقَدْ انْتَقَلَ الْعَمَلُ إلَى غَيْرِهِ، فَلَا مَعْنَى لِتَرْكِهَا فِي يَدِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ. وَكَذَا إذَا كَانَتْ مِنْ مَالِ الْخُصُومِ أَوْ مِنْ مَالِ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَ وَضَعُوهَا فِي يَدِهِ لِعَمَلِهِ، وَكَذَا الْقَاضِي يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ عَمِلَ ذَلِكَ تَدَيُّنًا لَا تَمَوُّلًا فَيَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَيَبْعَثُ عَدْلَيْنِ مِنْ أُمَنَائِهِ أَوْ عَدْلًا وَاحِدًا وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ لِيَقْبِضَا دِيوَانَ الْمَعْزُولِ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِحَضْرَةِ أَمِينِهِ وَيَسْأَلَانِ الْمَعْزُولَ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ نُسَخِ السِّجِلَّاتِ يَجْمَعَانِهِ فِي خَرِيطَةٍ وَمَا كَانَ مِنْ نَصْبِ الْأَوْصِيَاءِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى يَجْمَعَانِهِ فِي خَرِيطَةٍ أُخْرَى وَمَا كَانَ مِنْ تَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ يَجْمَعَانِهِ فِي خَرِيطَةٍ أُخْرَى وَمَا كَانَ مِنْ نُسَخِ قُيَمَاءِ الْأَوْقَافِ يَجْمَعَانِهِ فِي خَرِيطَةٍ وَمَا كَانَ مِنْ الصُّكُوكِ يَجْمَعَانِهِ فِي خَرِيطَةٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ النُّسَخَ كَانَتْ تَحْتَ تَصَرُّفِ الْمَعْزُولِ، فَلَا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ مَتَى احْتَاجَ إلَى نُسْخَةٍ مِنْهَا فَأَمَّا الْجَدِيدُ فَيَشْتَبِهُ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يُجْمَعْ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا فِي خَرِيطَةٍ وَبِالْجَمْعِ يَسْهُلُ وَإِنَّمَا يَسْأَلَانِ الْمَعْزُولَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ حُجَّةً لِيَنْكَشِفَ عَنْهُمَا مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمَا فَإِذَا قَبَضَا ذَلِكَ خَتَمَا عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ التَّغْيِيرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَظَرَ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ) أَيْ الْقَاضِي الْجَدِيدُ يَنْظُرُ فِي حَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ (فَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَلْزَمَهُ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَعْزُولِ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَزْلِ الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا وَشَهَادَةُ الْفَرْضِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لَا سِيَّمَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَادَّعَى أَنَّهُ حُبِسَ ظُلْمًا لَا يُعَجَّلُ بِتَخْلِيَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا نَادَى عَلَيْهِ) أَيْ إنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يُقِرَّ هُوَ نَادَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَعْزُولَ حَبَسَهُ بِحَقٍّ ظَاهِرٍ، فَلَا يُعَجَّلُ بِتَخْلِيَتِهِ حَتَّى يَنْكَشِفَ لَهُ حَالُهُ وَيُنَادَى عَلَيْهِ إذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ أَيَّامًا وَيَقُولُ الْمُنَادِي مَنْ كَانَ يُطَالِبُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ الْمَحْبُوسَ بِحَقٍّ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَإِنْ حَضَرَ وَإِلَّا فَفِي رَأْيِ الْقَاضِي أَنْ يُطْلِقَهُ، فَإِنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ فِيهَا وَإِلَّا أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا وَأَطْلَقَهُ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَبَيْنَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ حَيْثُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْوَرَثَةِ كَفِيلٌ إذَا أَرَادُوا الْقِسْمَةَ عِنْدَهُ أَنَّ الْوَرَثَةَ ظَهَرَ حَقُّهُمْ فِي الْمَالِ، فَلَا يُؤَخَّرُ إلَى التَّكْفِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْهُومٌ، فَلَا يُعَارِضُ الْمُحَقَّقَ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْبِسُهُ إلَّا بِحَقٍّ ظَاهِرٍ وَاحْتِمَالُ حَبْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ مَوْهُومٌ، فَلَا يُعَارِضُ الظَّاهِرَ وَهَذَا لِأَنَّ فِعْلَ الْمُسْلِمِ يُحْمَلُ عَلَى الصَّلَاحِ مَا أَمْكَنَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَمِلَ فِي الْوَدَائِعِ وَغَلَّاتِ الْوَقْفِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالْإِقْرَارِ إقْرَارُ مَنْ فِي يَدِهِ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَجْنَبِيِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَعْمَلْ بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّهُ سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَيُقْبَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ تقلد الْقَضَاء مِنْ السُّلْطَان] قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ كَانَ قَاضِي الْخَوَارِجِ مِنْ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ وَالْعَدْلِ فَقَضَى، ثُمَّ رَفَعَ إلَى قَاضِي الْعَدْلِ أَمْضَاهُ وَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ بَيْنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّ شُرَيْحًا كَانَ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَكَانُوا خَارِجِينَ عَلَى إمَامِ الْحَقِّ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ فَسَخَ قَضَاءَهُ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ شُرَيْحٍ تَوَلَّوْا لَهُمْ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ نَقْضُ قَضَائِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَانَ عَادِلًا فِي نَفْسِهِ لَا يُعْتَبَرُ فِسْقُ مَنْ وَلَّاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ بِيَدِ عَلِيٍّ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْحَقُّ كَانَ بِيَدِ عَلِيٍّ فِي نَوْبَتِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِنَوْبَتِهِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الرَّوَافِضِ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فَالْحَقُّ كَانَ بِيَدِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي نَوْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} [النساء: 115] وَهَذَا لِأَنَّ خِلَافَتَهُمْ انْعَقَدَ عَلَيْهَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ عَلِيٍّ خِلَافُ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ يَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ حَضَرَ وَإِلَّا فَفِي رَأْيِ الْقَاضِي أَنْ يُطْلِقَهُ) مِنْ كَلَامِ الْمُنَادِي. اهـ. (قَوْلُهُ أَنْ يُطْلِقَهُ) أَيْ يُنَادِي كَذَلِكَ أَيَّامًا. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا) أَيْ بِنَفْسِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَصْمٌ غَائِبٌ يَحْضُرُ وَيَدَّعِي عَلَيْهِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ قَالَ لَا كَفِيلَ لِي أَوَّلًا أُعْطِيَ كَفِيلًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى شَيْءٍ نَادَى عَلَيْهِ شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ إعْطَاءُ الْكَفِيلِ، وَإِنَّمَا طَلَبَهُ الْقَاضِي بِهِ احْتِيَاطًا فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَاطَ بِنَوْعٍ آخَرَ فَيُنَادِي عَلَيْهِ شَهْرًا، فَإِذَا مَضَى الْمُدَّةُ أَطْلَقَهُ اهـ.

قَوْلُهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْوَدَائِعِ وَغَلَّاتِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْمَعْزُولَ الْتَحَقَ بِالرَّعَايَا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الَّذِي فِي يَدِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ مُودِعُ الْقَاضِي وَيَدُ الْمُودِعِ كَيَدِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ إلَّا إذَا بَدَأَ صَاحِبُ الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي إلَيْهِ وَالْقَاضِي يُقِرُّ بِهِ لِغَيْرِهِ فَيُسَلِّمُ إلَى الْمُقِرِّ لَهُ الْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ بَعْدَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ أَوْ يُنْكِرَ التَّسْلِيمَ فَحُكْمُهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْمَعْزُولَ سَلَّمَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ يُقِرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ سَلَّمَهُ إلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْقَاضِي، وَالرَّابِعُ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ سَلَّمَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولَ لَا أَدْرِي لِمَنْ هُوَ فَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ) وَكَذَلِكَ السُّلْطَانُ يَجْلِسُ لِلْحُكْمِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْضُرُهُ الْمُشْرِكُ وَهُوَ نَجَسٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28]، وَالْحَائِضُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ دُخُولِهِ وَلِأَنَّهُ بُنِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ لَا لِلْخُصُومَاتِ وَالْمُنَازَعَاتِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُكْمِ» «وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَفْصِلُ الْخُصُومَاتِ فِي مُعْتَكَفِهِ» وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ كَانُوا يَجْلِسُونَ لِلْحُكْمِ فِي الْمَسَاجِدِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ عِبَادَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَيَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي الْمَسْجِدِ كَالصَّلَوَاتِ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الِاشْتِبَاهِ عَلَى الْغُرَبَاءِ وَبَعْضِ الْمُقِيمِينَ وَأَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ فِي حَقِّ الْقَاضِي فَكَانَ أَوْلَى وَلَيْسَ فِي بَدَنِ الْمُشْرِكِ نَجَاسَةٌ تُلَوِّثُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي اعْتِقَادِهِ وَالْحَائِضُ تُخْبِرُ بِحَالِهَا؛ لِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَيَخْرُجُ لَهَا الْقَاضِي كَمَا إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ عَلَى الدَّابَّةِ فَالْجَامِعُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَشْهَرُ وَأَسْهَلُ عَلَى النَّاسِ إذَا كَانَ وَسَطَ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ فِي الطَّرَفِ يَخْتَارُ مَسْجِدًا آخَرَ فِي وَسَطِ الْبَلْدَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ فِي دَارِهِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ عِبَادَةٌ لَا تَخْتَصُّ بِمَكَانٍ فَجَازَ أَنْ يَحْكُمَ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ فِي مَنْزِلِهِ أَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ، وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ وَيَجْلِسُ مَعَهُ مَنْ كَانَ يَجْلِسُ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ فِي مَنْزِلِهِ فِي وَسَطِ الْبَلْدَةِ وَإِلَّا فَلْيَقْعُدْ فِي وَسَطِ الْبَلْدَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجُلُوسَ لِلْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهَرِ الْأَمَاكِنِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ وَلَيْسَ فِيهِ حَاجِبٌ وَلَا بَوَّابٌ أَفْضَلَ، وَلَوْ حَكَمَ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ جَازَ، وَلَا يَحْكُمُ وَهُوَ مَاشٍ لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا يَجْتَمِعُ وَهُوَ مَشْغُولٌ بِالْمَشْيِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْعُدَ فِي الطَّرِيقِ إذَا كَانَ لَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْكُمَ وَهُوَ مُتَّكِئٌ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي الرَّأْيِ لِزِيَادَةِ رَاحَةٍ فِيهِ، وَلَكِنَّ الْقَضَاءَ مُسْتَوِي الْجُلُوسِ أَفْضَلُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْقَضَاءِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ اُسْتُفْتِيَ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ فَاسْتَوَى وَارْتَدَى وَتَعَمَّمَ، ثُمَّ أَفْتَى تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْفُتْيَا، وَلَا يَجْلِسُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ التُّهْمَةَ، وَإِنْ جَلَسَ وَحْدَهُ، فَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُقْعِدَ مَعَهُ أَهْلَ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ أَنْ يَزِلَّ عَنْ الْحَقِّ فَيُنَبِّهُونَهُ عَلَيْهِ وَيُجْلِسَهُمْ قَرِيبًا مِنْهُ لِلْمَشُورَةِ، وَكَذَا أَهْلُ الْعَدْلِ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَعْوَانِ حَيْثُ يَكُونُونَ بَعِيدًا عَنْهُ لِأَنَّهُمْ لِأَجْلِ الْهَيْبَةِ وَهُوَ أَهْيَبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرُدُّ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ قَرِيبِهِ أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِذَلِكَ) لِأَنَّ الْأُولَى صِلَةُ الرَّحِمِ وَرَدُّهَا قَطِيعَةٌ وَهِيَ حَرَامٌ وَالْمُرَادُ بِالْقَرِيبِ هُوَ ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَالثَّانِيَةُ لَيْسَتْ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا هِيَ جَرْيٌ عَلَى الْعَادَةِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهِمَا الرِّشْوَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُمَا خُصُومَةٌ أَوْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ فَيَكُونُ مِنْ الْغُلُولِ كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْهَدَايَا؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الرِّشْوَةَ فَيَتَجَنَّبُ عَنْهَا وَعَلَى هَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَعْوَةٌ خَاصَّةٌ) أَيْ لَا يَحْضُرُ دَعْوَةً خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِأَجْلِهِ وَالْخَاصَّةُ هِيَ الَّتِي لَا يَتَّخِذُهَا صَاحِبُهَا لَوْلَا حُضُورُ الْقَاضِي وَقِيلَ كُلُّ دَعْوَةٍ اُتُّخِذَتْ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ فَهِيَ خَاصَّةٌ وَلَمْ يَفْصِلْ فِي الْخَاصَّةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْقَرِيبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا جَرَتْ لَهُ عَادَةٌ بِهَا أَوْ لَمْ تَجْرِ وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْقَاضِي وَبَيْنَ الْمُضِيفِ قَرَابَةٌ يُجِيبُهُ فِي الدَّعْوَةِ الْخَاصَّةِ؛ لِأَنَّ إجَابَةَ دَعَوْتِهِ صِلَةُ الرَّحِمِ. قَالَ كَذَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ بِلَا خِلَافٍ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ لِلْقَرِيبِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجِيبُ وَإِنَّمَا لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ لِلْأَجْنَبِيِّ إذَا لَمْ يَتَّخِذْ الدَّعْوَةَ لِأَجْلِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهَدِيَّةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْقَاضِي يُقِرُّ بِهِ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِرَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْأَمِينُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي) أَيْ وَيُسَلِّمُ لِلْمُقِرِّ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ، وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ) أَيْ وَهُوَ كَوْنُهُ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ الْمَعْزُولُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجُلُوسَ لِلْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ أَفْضَلُ أَيْ كَوْنُهُ فِي أَشْهَرِ الْأَمَاكِنِ أَفْضَلَ وَالْجُمْلَةُ مِنْ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ أَنَّ وَأَنَّ وَاسْمُهَا وَخَبَرُهَا فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ قَوْلِهِ فَحَاصِلُهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدَعْوَةٌ خَاصَّةٌ) الدَّعْوَةُ بِفَتْحِ الدَّالِ الضِّيَافَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعَرَبِ وَتَيْمُ الرَّبَابِ تَكْسِرُ دَالَهَا وَذَكَرَهَا قُطْرُبٌ بِالضَّمِّ وَغَلَّطُوهُ اهـ تَحْرِيرٌ.

[فصل في الحبس]

وَيَعُودُ الْمَرِيضَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتَّةُ حُقُوقٍ: إذَا دَعَاهُ أَنْ يُجِيبَهُ وَإِذَا مَرِضَ أَنْ يَعُودَهُ وَإِذَا مَاتَ أَنْ يَحْضُرَهُ وَإِذَا لَقِيَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَإِذَا اسْتَنْصَحَهُ أَنْ يَنْصَحَهُ وَإِذَا عَطَسَ أَنْ يُشَمِّتَهُ» وَحَقُّ الْمُسْلِمِ لَا يَسْقُطُ بِالْقَضَاءِ لَكِنْ لَا يُطِيلُ مُكْثَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَرِيضِ خُصُومَةٌ مَعَ أَحَدٍ لَا يَعُودُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسَوِّي بَيْنَهُمَا جُلُوسًا وَإِقْبَالًا) أَيْ يُسَوِّي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي الْجُلُوسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اُبْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ وَالْإِشَارَةِ وَالنَّظَرِ» وَلِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ أَحَدَهُمَا يَجْتَرِئُ عَلَى خَصْمِهِ وَتَنْكَسِرُ هِمَّةُ صَاحِبِهِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَرْكِ حَقِّهِ وَيَنْبَغِي لِلْخَصْمَيْنِ إذَا حَضَرَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي أَنْ يَجْثُوَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا يَتَرَبَّعَانِ، وَلَا يُقْعِيَانِ، وَلَا يَحْتَبِيَانِ، وَإِنْ فَعَلَا ذَلِكَ مُنِعَا تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحُكْمِ كَمَا يَجْلِسُ الْمُتَعَلِّمُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُعَلِّمِ تَعْظِيمًا لَهُ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْقَاضِي قَدْرُ ذِرَاعَيْنِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ كَلَامَهُمَا مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ بِإِصْغَاءٍ أَوْ رَفْعِ صَوْتٍ، وَلَا يَقْعُدُ أَحَدُهُمَا مِنْ جَانِبِ الْيَمِينِ وَالْآخَرُ مِنْ الْيَسَارِ؛ لِأَنَّ جَانِبَ الْيَمِينِ أَفْضَلُ فَيَكُونُ تَقْدِيمًا لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَوِّيَ فِيهِ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ وَبَيْنَ الْخَلِيفَةِ وَالرَّعِيَّةِ وَبَيْنَ الدَّنِيِّ وَالشَّرِيفِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ عَلَى الْمَلِكِ الَّذِي وَلَّاهُ الْقَضَاءَ، وَكَذَا فَعَلَ شُرَيْحٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِعَلِيٍّ مَعَ خَصْمِهِ، وَاحِدٌ مِنْ الرَّعِيَّةِ وَعَلِيٌّ خَلِيفَةٌ فَإِذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْفِعْلِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيمَا يَجِدُهُ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْمَيْلِ إلَى أَحَدِهِمَا بَعْدَ أَنْ حَكَمَ بَيْنَهُمَا بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْقَسْمِ بَيْنَ نِسَائِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلْيَتَّقِ عَنْ مَسَارَّةِ أَحَدِهِمَا وَإِشَارَتِهِ وَتَلْقِينِ حُجَّتِهِ وَضِيَافَتِهِ) أَيْ يَجْتَنِبُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً وَمَكْسَرَةً لِقَلْبِ الْآخَرِ، وَلَوْ أَضَافَهُمَا جُمْلَةً، فَلَا بَأْسَ لِوُجُودِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمِزَاحِ) أَيْ يَجْتَنِبُ الْمِزَاحَ مُطْلَقًا مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا أَوْ مَعَ غَيْرِهِمَا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَلَا يُكْثِرُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِالْمَهَابَةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمَا بِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَا إلَيْهِ لِأَجْلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ حِشْمَةَ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَإِذَا حَضَرَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَدَأَهُمَا بِالْكَلَامِ فَقَالَ مَا لَكُمَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمَا حَتَّى يَبْدَآهُ بِالْمَنْطِقِ وَهُوَ أَحْسَنُ كَيْ لَا يَكُونَ مُهَيِّجًا لِلْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ قَعَدَ لِقَطْعِهَا وَإِذَا تَكَلَّمَ الْمُدَّعِي أَسْكَتَ الْآخَرَ وَاسْتَمَعَ حَتَّى يَفْهَمَ مَا يَقُولُ فَإِذَا فَرَغَ الدَّعْوَى أَمَرَهُ بِالسُّكُوتِ وَاسْتَنْطَقَ الْآخَرَ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ وَقِيلَ مِنْ غَيْرِ طَلَبِهِ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تَكَلَّمَا جُمْلَةً لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَهْمِ هَذَا إذَا كَانَتْ دَعْوَاهُ صَحِيحَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً قَالَ لَهُ قُمْ فَصَحِّحْ دَعْوَاك لِأَنَّ الْجَوَابَ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بَعْدَ تَصْحِيحِ الدَّعْوَى فَإِذَا صَحَّتْ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ وَيُرَتِّبُ النَّاسَ فِي الْفَصْلِ عَلَى تَرْتِيبِ مَجِيئِهِمْ فَيَبْدَأُ بِالسَّابِقِ فَالسَّابِقِ وَيَجْعَلُ فِي ذَلِكَ أَمِينًا يُخْبِرُهُ، وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فِي زَحْمَةٍ بَلْ يَجْعَلُ الرِّجَالَ نَاحِيَةً وَالنِّسَاءَ نَاحِيَةً إلَّا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ دَعْوًى فَيَجْلِسَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقْتَ الدَّعْوَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَلْقِينِ الشَّاهِدِ) أَيْ يَجْتَنِبُ تَلْقِينَ الشَّاهِدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فَيُوهِمُ الْمَيْلَ إلَيْهِ فَيَكُونُ فِيهِ كَسْرُ قَلْبِ الْآخَرِ فَصَارَ كَتَلْقِينِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحْصَرُ وَقَدْ يَقُولُ أَعْلَمُ مَكَانَ قَوْلِهِ أَشْهَدُ لِمَهَابَةِ الْمَجْلِسِ فَكَانَ فِي تَلْقِينِهِ إحْيَاءَ الْحَقِّ، وَلَا تُهْمَةَ فِي مِثْلِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ كَإِشْخَاصِ الْغَرِيمِ وَتَكْفِيلِهِ وَحَيْلُولَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَهَذَا نَوْعُ رُخْصَةٍ عِنْدَهُ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ مَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ وَالْعَزِيمَةَ فِيمَا قَالَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ تُهْمَةٍ. (فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ) وَلَمَّا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِ دَعَارَتِهِ، وَالْحَبْسُ يَصْلُحُ لِلْعُقُوبَةِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَجَعَلَهُ مِنْ جُمْلَتِهِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَبْسُ، وَأَمَّا السُّنَّةُ؛ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ وَحَبَسَ رَجُلًا آخَرَ مِنْ جُهَيْنَةَ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ»، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ؛ فَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَمْ يَكُنْ سِجْنٌ وَكَانَ يُحْبَسُ فِي الْمَسْجِدِ وَالدِّهْلِيزِ وَبِالرُّبُطِ وَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيُسَوِّي بَيْنَهُمَا جُلُوسًا وَإِقْبَالًا) قَوْلُهُ وَإِقْبَالًا سَاقِطٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ، وَلَكِنْ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ، وَهُوَ مُلْحَقٌ لَا بُدَّ مِنْهُ (قَوْلُهُ الدَّنِيِّ) يَعْنِي الذِّمِّيَّ كَذَا فِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ (قَوْلُهُ وَإِشَارَتُهُ) أَيْ بِيَدِهِ أَوْ عَيْنِهِ أَوْ حَاجِبِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ) أَيْ كَمَا إذَا تَرَكَ الشَّاهِدُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ مَثَلًا أَمَّا فِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ، فَلَا كَمَا إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَشُهِدَ الشَّاهِدُ بِأَلْفٍ فَلَقَّنَهُ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ فَتَلَقَّنَ الشَّاهِدُ ذَلِكَ وَوُفِّقَ. اهـ. . [فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ] (فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ) (قَوْلُهُ وَحَبَسَ رَجُلًا آخَرَ مِنْ جُهَيْنَةَ أَعْتَقَ شِقْصًا إلَخْ) لَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُجْزَلٍ وَلَيْسَ بِصَحَابِيٍّ بَلْ تَابِعِيٌّ وَاسْمُهُ لَاحِقُ بْنُ حُمَيْدٍ أَنَّ «عَبْدًا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَحَبَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَاعَ غَنِيمَةً لَهُ» فَهُوَ مُرْسَلٌ وَيُمْكِنُ فِي وَجْهِ حَبْسِهِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَزِمَهُ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ فَلَمْ يُعْطِهِ فَحَبَسَهُ حَتَّى بَاعَ غَنِيمَةً لَهُ وَدَفَعَ قِيمَةَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ اهـ.

عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَنَى السِّجْنَ وَكَانَ هُوَ أَوَّلَ مَنْ بَنَاهُ فِي الْإِسْلَامِ وَسَمَّى السِّجْنَ نَافِعًا وَلَمْ يَكُنْ حَصِينًا فَانْفَلَتَ النَّاسُ مِنْهُ وَبَنَى سِجْنًا آخَرَ وَسَمَّاهُ مُخَيَّسًا وَقَالَ فِيهِ شِعْرًا أَلَا تَرَانِي كَيِّسًا مُكَيَّسَا ... بَنَيْت بَعْدَ نَافِعٍ مُخَيَّسَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ لِلْمُدَّعِي أَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ فِي الثَّمَنِ وَالْقَرْضِ وَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ وَمَا الْتَزَمَهُ بِالْكَفَالَةِ) مَعْنَاهُ يَحْبِسُهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي حَبْسَهُ بَعْدَ إبَائِهِ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِبَاءِ ظَهَرَ مَطْلُهُ وَبِالْمَالِ الَّذِي حَصَلَ فِي يَدِهِ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ بِاخْتِيَارِهِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِحُصُولِ الْمَالِ لَهُ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ بِالتَّقَلُّبِ فِيهِ، وَكَذَا لَا يَلْتَزِمُ الْإِنْسَانُ بِاخْتِيَارِهِ مَالًا يَقْدِرُ عَلَيْهِ عَادَةً فَإِذَا ظَهَرَ مَطْلُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَهُوَ ظُلْمٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ، ثُمَّ شَرَطَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِبَاءَ بَعْدَ أَمْرِهِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يَحْبِسُهُ كَمَا ثَبَتَ لِظُهُورِ الْمَطْلِ بِإِنْكَارِهِ، وَإِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ كَوْنَهُ مُمَاطِلًا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ؛ فَلَعَلَّهُ طَمِعَ فِي الْإِمْهَالِ فَلَمْ يَسْتَصْحِبْ الْمَالَ فَإِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ حَبَسَهُ لِظُهُورِ مَطْلِهِ، وَمِثْلُهُ حُكِيَ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْمَحْكِيُّ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ عَكْسُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يَعْتَذِرُ فَيَقُولُ مَا عَلِمْتُ أَنَّ لَهُ عَلَيَّ دَيْنًا إلَّا السَّاعَةَ فَإِذَا عَلِمْتُ قَضَيْت، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ وَالْأَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِيفَاءِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُوَفِّيَ فَلَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ حَالُهُ بِالْأَمْرِ وَالْمُطَالَبَةِ بِذَلِكَ وَالصَّوَابُ لَا يَحْبِسُهُ فِيمَا إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ حَتَّى يَسْأَلَهُ، فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ مَالًا أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ، فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ لِظُهُورِ مَطْلِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْمَالَ وَالْمُدَّعِي يَقُولُ لَهُ مَالٌ فَالْقَاضِي يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةٌ أَنَّ لَهُ مَالًا؟ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ مَالًا أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ، فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَنَّ لَهُ مَالًا وَهُوَ يُنْكِرُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعِي فِيمَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ الدُّيُونِ وَهُوَ كُلُّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ فَيَحْبِسُهُ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا فِي غَيْرِهِ إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ غَرِيمُهُ غِنَاهُ فَيَحْبِسُهُ بِمَا رَأَى) أَيْ لَا يَحْبِسُهُ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدُّيُونِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَدُيُونِ النَّفَقَاتِ وَضَمَانِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِبَدَلِ مَالٍ، وَلَا مُلْتَزَمٍ بِعَقْدٍ إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الْمُدَّعِي الْمَالَ بِالْبَيِّنَةِ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى؛ لِأَنَّ الْمُنْكِرَ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ إذْ الْأَصْلُ أَنَّ الْآدَمِيَّ يُولَدُ فَقِيرًا لَا مَالَ لَهُ وَالْمُدَّعِيَ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا فَكَانَ الْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ مَعَ يَمِينِهِ مَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ لَهُ مَالًا بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِيهِ حَصَلَ فِي يَدِهِ، وَلَا يَلْتَزِمُ الْإِنْسَانُ عَادَةً مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَظَهَرَ غِنَاهُ بِذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ الَّذِي يُحْبَسُ فِيهِ مَا تُعُورِفَ تَعْجِيلُهُ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ لَا يُحْبَسُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جَرَى فِيهِ التَّسَامُحُ بِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ، وَإِنْ كَانَ حَالًّا، فَلَا يَدُلُّ دُخُولُهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمَدِينِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْعُسْرَةُ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي عَارِضًا، فَلَا يُسْمَعُ قَوْلُهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَ أَبُو عُبَد اللَّهِ الثَّلْجِيُّ أَنَّ كُلَّ دَيْنٍ أَصْلُهُ مَالٌ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْقَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مُخَيَّسًا) ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ فِي بَابِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَعَ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ اهـ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَخَيَّسَهُ تَخْيِيسًا أَيْ ذَلَّلَهُ وَمِنْهُ الْمُخَيَّسُ، وَهُوَ اسْمُ سِجْنٍ كَانَ بِالْعِرَاقِ أَيْ مَوْضِعُ التَّذْلِيلِ وَكُلُّ سِجْنٍ مُخَيِّسٌ وَمُخَيَّسٌ أَيْضًا اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ فِيهِ شِعْرًا) أَيْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ أَلَا تَرَانِي إلَخْ) أَنْشَدَهُ فِي الصِّحَاحِ أَمَا تَرَانِي فِي مَوْضِعَيْنِ فِي (خيس) وَ (كيس) وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ أَيْضًا مُكَيَّسًا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ فِي الْكَافِ مَعَ الْيَاءِ الْكَيْسُ الظُّرْفُ وَحُسْنُ التَّأَتِّي فِي الْأُمُورِ وَرَجُلٌ كَيِّسٌ مِنْ قَوْمٍ أَكْيَاسٍ وَالْمُكَيَّسُ الْمَنْسُوبُ إلَى الْكِيَاسَةِ اهـ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالرَّجُلُ كَيِّسٌ مُكَيَّسٌ أَيْ ظَرِيفٌ (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ أَيْضًا بَنَيْت بَعْدَ نَافِعٍ مُخَيَّسًا) بَعْدَ هَذَا كَلَامٌ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ، وَهُوَ بَابًا حَصِينًا وَأَمِينًا كَيِّسًا اهـ قَوْلُهُ وَأَمِينًا أَيْ وَنَصَبْت أَمِينًا يَعْنِي السَّجَّانَ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ،) أَيْ لِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالدَّيْنِ وَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى أَحْوَجَهُ إلَى شَكْوَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى يَسْأَلَهُ) أَيْ يَسْأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَلَكَ مَالٌ؟ اهـ. (قَوْلُهُ وَدُيُونِ النَّفَقَاتِ) أَيْ لَا يُحْبَسُ فِي دُيُونِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ وَالْمُرَادُ النَّفَقَةُ الْمَقْضِيُّ بِهَا أَوْ الَّتِي تَرَاضَيَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِذَلِكَ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَدَّعِ الْفَقْرَ يُحْبَسُ كَمَا لَوْ أَثْبَتَ غَرِيمُهُ غِنَاهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَتْنِ أَمَّا النَّفَقَةُ الْمَاضِيَةُ مِنْ غَيْرِ فَرْضٍ وَتَقْدِيرٍ فَلَا حَبْسَ فِيهَا مُطْلَقًا نَعَمْ يُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ الْحَاضِرَةِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا كَمَا سَيَجِيءُ مَتْنًا وَشَرْحًا فَإِنْ قُلْتُ: قَوْلُ الشَّارِحِ فِيمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ بِأَنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا أَوْ اصْطَلَحَ الزَّوْجَانِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ مَالٍ وَلَا لَزِمَتْهُ بِعَقْدٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِي النَّفَقَةِ الَّتِي قُضِيَ بِهَا أَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهَا قُلْتُ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ادَّعَى الْفَقْرَ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ هُنَا إذْ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ وَفُهِمَ عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ عَدَمِ الْحَبْسِ لَنَاقَضَ قَوْلَهُ لَا فِي غَيْرِهِ إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ، وَقَدْ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ وَلَمْ يُعْطِهَا وَقَدَّمَتْهُ إلَى الْقَاضِي مِرَارًا وَلَمْ يَنْجَعْ نُصْحُ الْقَاضِي فِيهِ؛ حَبَسَهُ اهـ فَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي الْحَبْسِ فِي الْمَقْضِيِّ بِهَا لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الْفَقْرَ أَوْ ادَّعَاهُ وَعَلِمَ الْقَاضِي يَسَارَهُ وَقَالَ الْإِمَامُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ امْتَنَعَ عَنْ النَّفَقَةِ بَعْدَ الْفَرْضِ لَمْ يَحْبِسْهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ يُخْبِرُهُ بِالْحَبْسِ إنْ لَمْ يَدْفَعْ اهـ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ الشِّلْبِيِّ (قَوْلُهُ الثَّلْجِيُّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ صَاحِبُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. اهـ. .

فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ مَالٌ وَعُرِفَتْ قُدْرَتُهُ بِذَلِكَ وَالْمُنْكِرُ يَدَّعِي خِلَافَ ذَلِكَ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَكُلُّ دَيْنٍ لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ مَالًا كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ شَيْءٌ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يُعْرَفْ غِنَاهُ فَكَانَ مُتَمَسَّكًا بِالْأَصْلِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا كَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا فِي نَفَقَةِ الْمَحَارِمِ وَنَحْوِهِ وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي، وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بِمُعَاقَدَتِهِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمُدَّعِي إذْ لَا يَلْتَزِمُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ أَنَّ الزَّوْجَ مُوسِرٌ وَطَلَبَتْ نَفَقَةَ الْمُوسِرَاتِ وَادَّعَى هُوَ الْفَقْرَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ تَخْرُجَانِ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا، وَلَا تُخَالِفَانِ شَيْئًا مِنْهَا فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِمَا قَوْلَ الْمُنْكِرِ بِاتِّفَاقِ الْأَقَاوِيلِ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَلْخِيّ يَحْكُمُ الزِّيُّ فَإِذَا كَانَتْ هَيْئَتُهُ هَيْئَةَ الْفُقَرَاءِ يَعْنِي الْمَدِينَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَإِنْ كَانَتْ هَيْئَتُهُ هَيْئَةَ الْأَغْنِيَاءِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعِي إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْأَشْرَافِ وَالْعَبَّاسِيَّةِ فَإِنَّهُمْ يَتَكَلَّفُونَ فِي اللُّبْسِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى غِنَاهُمْ وَقَوْلُهُ يَحْبِسُهُ بِمَا رَأَى أَيْ يَحْبِسُهُ قَدْرَ مَا يَرَى يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعِي أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَلَكِنَّ الْمُدَّعِيَ أَثْبَتَ الْمَالَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ بِإِقْرَارِهِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِحَبْسِهِ مُدَّةً مُقَدَّرَةً وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي يَحْبِسُهُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَأَظْهَرَهُ وَلَمْ يَصْبِر عَلَى مُقَاسَاتِهِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الشَّخْصِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْمَالِ، فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ التَّقْدِيرِ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ اتِّفَاقِيٌّ وَلَيْسَ بِتَقْدِيرٍ حَتْمًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ) أَيْ الْقَاضِي يَسْأَلُ عَنْ الْمَحْبُوسِ بَعْدَ مَا حَبَسَهُ قَدْرَ مَا يَرَاهُ فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إعْسَارِهِ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ، وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَالْعَدْلُ الْوَاحِدُ يَكْفِي فِي هَذَا وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ إنَّ حَالَ الْمُعْسِرِينَ فِي نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَحَالُهُ ضَيِّقَةٌ وَقَدْ اخْتَبَرْنَا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا السُّؤَالُ مِنْ الْقَاضِي عَنْ حَالِ الْمَدْيُونِ بَعْدَ مَا حَبَسَهُ احْتِيَاطٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْإِعْسَارِ شَهَادَةٌ بِالنَّفْيِ وَالشَّهَادَةُ بِالنَّفْيِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَسْأَلَ وَيَعْمَلَ بِرَأْيِهِ، وَلَكِنْ لَوْ سَأَلَ مَعَ هَذَا كَانَ أَحْوَطَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّاهُ) لِأَنَّ عُسْرَتَهُ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ وَاسْتَحَقَّ النَّظْرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] فَحَبْسُهُ بَعْدَهُ يَكُونُ ظُلْمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ) أَيْ لَا يَمْنَعُهُمْ عَنْ مُلَازَمَتِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ يَمْنَعُهُمْ لِأَنَّهُ مُنْتَظَرٌ بِإِنْظَارِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى الْمَيْسَرَةِ، فَلَوْ كَانَ مُنْتَظَرًا بِإِنْظَارِهِمْ بِأَنْ ضَرَبُوا لَهُ الْأَجَلَ لَا يَكُونُ لَهُمْ حَقُّ الْمُلَازَمَةِ قَبْلَ الْأَجَلِ فَكَذَا بِإِنْظَارِهِ تَعَالَى بَلْ أَوْلَى، وَلَكِنَّا نَقُولُ هُوَ مُنْتَظَرٌ إلَى زَمَانِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيفَاءِ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَيُلَازِمُونَهُ كَيْ لَا يُخْفِيَهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكْسِبُ فَوْقَ حَاجَتِهِ الدَّارَّةَ فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ فَضْلَ كَسْبِهِ بِخِلَافِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَائِهِ لِأَنَّهُ مُؤَخَّرٌ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ نَفْسُ الدَّيْنِ حَالٌّ وَذِمَّتُهُ مَشْغُولَةٌ، وَلَكِنْ لَا يُطَالَبَ لِعُسْرَتِهِ، وَزَوَالُ الْعُسْرَةِ مُتَوَقَّعٌ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ فَيُلَازِمُونَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَدُّ الْبَيِّنَةِ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ) لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ عَلَى النَّفْيِ فَلَمْ تُقْبَلْ مَا لَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ وَهُوَ الْحَبْسُ وَبَعْدَهُ تُقْبَلُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تُقْبَلُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى وَكَافَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى الْأَوَّلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيِّنَةُ الْيَسَارِ أَحَقُّ) يَعْنِي إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْيَسَارِ وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْإِعْسَارِ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْيَسَارَ عَارِضٌ وَالْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَبَّدَ حَبْسَ الْمُوسِرِ) لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الظُّلْمِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ إيفَاءِ الْحَقِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ خَلَّدَهُ فِي الْحَبْسِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِدَيْنٍ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ، ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَبَّدَ حَبْسَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا خَلَّى سَبِيلَهُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ جَاحِدًا فَأَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي وَظَهَرَ لِلْقَاضِي جُحُودُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ وَمُمَاطَلَتِهِ أَوْ ظَهَرَ لَهُ مُمَاطَلَتُهُ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره]

مَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ لِمَا مَرَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُحْبَسُ الرَّجُلَ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِنْفَاقِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، فَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ بِأَنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا أَوْ اصْطَلَحَ الزَّوْجَانِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَدَلِ مَالٍ، وَلَا لَزِمَتْهُ بِعَقْدٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ) أَيْ لَا يُحْبَسُ الْوَالِدُ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِ وَلَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ، وَلَا بِقَتْلِ مُوَرِّثِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ، وَلَا بِقَذْفِ أُمِّهِ الْمَيِّتَةِ بِطَلَبِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا إذَا أَبَى مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ) يَعْنِي لَا يُحْبَسُ بِسَبَبِ الِابْنِ إلَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُحْبَسُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِحَاجَةِ الْوَقْتِ وَهُوَ بِالْمَنْعِ قَصَدَ إهْلَاكَهُ فَيُحْبَسُ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِقَتْلِهِ إذَا شَهَرَ عَلَيْهِ السَّيْفَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ وَلِأَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، فَلَوْ لَمْ يُحْبَسْ عَلَيْهَا تَفُوتُ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، فَلَا يَخَافُ فِيهَا الْفَوَاتَ وَهَكَذَا حُكْمُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ، وَإِنْ عَلَوْا، وَكَذَا الْمَوْلَى لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحْبَسُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَبْسَ لِحَقِّ الْغُرَمَاءَ وَهُمْ أَجَانِبُ، فَلَا يَمْتَنِعُ، وَلَا يُحْبَسُ الْعَبْدُ بِدَيْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْمَوْلَى يُحْبَسُ بِدَيْنِ مُكَاتَبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ لَا يُحْبَسُ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ فَقَدْ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ أَخْذُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ إلَّا بِرِضَاهُ وَالْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ مِنْ مَالِهِ فَكَذَا يُحْبَسُ بِدَيْنِهِ إذَا ظَهَرَ ظُلْمُهُ بِالْمُمَاطَلَةِ، وَلَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ لِمَوْلَاهُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ ظَالِمًا بِالِامْتِنَاعِ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فَسْخِ الْكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا مَوْلَاهُ وَيُحْبَسُ بِدَيْنٍ آخَرَ عَلَيْهِ غَيْرِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ظَالِمًا بِمَنْعِهِ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى فَسْخِ سَبَبِ ذَلِكَ الدَّيْنِ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يُحْبَسُ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِسْقَاطِ أَيْضًا بِأَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ فَيُرَدَّ رَقِيقًا فَيَسْقُطُ عَنْهُ دَيْنُ الْمَوْلَى فَصَارَ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِهِ لَا تَجُوزُ كَمَا لَا تَجُوزُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِدَيْنٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ صِلَةٌ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ، ثُمَّ صِفَةُ الْحَبْسِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ فِرَاشٌ، وَلَا وِطَاءٌ، وَلَا يُخَلَّى أَحَدٌ يَدْخُلُ عَلَيْهِ لِيَسْتَأْنِسَ بِهِ، وَلَا يُخْرَجُ لِجُمُعَةٍ، وَلَا لِجَمَاعَةٍ، وَلَا لِحَجٍّ فَرْضٍ، وَلَا لِحُضُورِ جِنَازَةٍ، وَلَوْ أَعْطَى كَفِيلًا، وَلَا لِمَجِيءِ رَمَضَانَ، وَلَا لِلْأَعْيَادِ لِيَضْجَرَ قَلْبُهُ وَيُوفِيَ، وَلَا يُخْرَجُ لِمَوْتِ قَرِيبِهِ إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ فَيُخْرَجُ حِينَئِذٍ لِقَرَابَةِ الْوِلَادِ وَفِي رِوَايَةٍ يُخْرَجُ، وَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُجَهِّزُهُ، وَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا أَضْنَاهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ لَا يُخْرَجُ وَإِلَّا أُخْرِجَ وَلَا يُخْرَجُ لِلْمُعَالَجَةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْمُعَالَجَةُ فِي السِّجْنِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْجِمَاعِ لَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي السِّجْنِ مَوْضِعٌ يَسْتُرُهُ لِأَنَّ اقْتِضَاءَ شَهْوَةِ الْفَرْجِ كَاقْتِضَاءِ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَقِيلَ يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَإِنَّ مَنْعَهُ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ وَهُوَ يُرَخَّصُ لَهُ تَنَاوُلُ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ خَوْفًا مِنْ الْهَلَاكِ فَكَيْفَ يَجُوزُ قَتْلُهُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ قَرَابَتِهِ وَجِيرَانِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِمْ لِلْمُشَاوِرَةِ وَالتَّدْبِيرِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَلَكِنْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمُكْثِ طَوِيلًا وَالْمَالُ الَّذِي يُحْبَسُ فِيهِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ حَتَّى يُحْبَسُ فِي دِرْهَمٍ وَمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ مَانِعَهُ ظَالِمٌ مُتَعَنِّتٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ] (بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَابَ لَيْسَ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ إمَّا نَقْلُ شَهَادَةٍ أَوْ نَقْلُ حُكْمٍ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْهُ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْقُضَاةِ فَكَانَ ذِكْرُهُ فِيهِ أَنْسَبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَكْتُبُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ كِتَابَهُ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ عِبَارَتِهِ، فَلَوْ حَضَرَ بِنَفْسِهِ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَعَبَّرَ بِلِسَانِهِ مَا فِي الْكِتَابِ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَكِتَابُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ يُزَوَّرُ وَالْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَكَذَا الْخَاتَمُ يُشْبِهُ الْخَاتَمَ فَكَانَ أَكْثَرَ احْتِمَالًا مِنْ الْبَيِّنَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ) (قَوْلُهُ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْقُضَاةِ) أَيْ وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اثْنَيْنِ وَالْحَبْسُ يَتِمُّ بِقَاضٍ وَاحِدٍ وَالْوَاحِدُ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاثْنَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ كِتَابَهُ يَنْقُلُ شَهَادَةَ الْأُصُولِ كَمَا أَنَّ الْفُرُوعَ يَنْقُلُونَ بِشَهَادَتِهِمْ شَهَادَةَ الْأُصُولِ، ثُمَّ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا تَجُوزُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَكَذَلِكَ كِتَابُ الْقَاضِي فِيهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ، وَالْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَ قَدْ يُزَوَّرُ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ قَدْ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَيَتَمَكَّنُ نَوْعُ شُبْهَةٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

وَجْهَهُ أَجَازَ ذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْإِنْسَانِ الْجَمْعُ بَيْنَ شُهُودِهِ وَخَصْمِهِ، ثُمَّ هُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ نَقْلُ حُكْمٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى سِجِلًّا وَسَيَأْتِيك بَيَانُهُ، وَنَقْلُ شَهَادَةٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَلَا يُقَالُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ يَحْتَاجُ الْقَاضِي فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَى تَعْدِيلِ الْأُصُولِ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي بِلَادِ الْغُرْبَةِ وَيَتَعَسَّرُ نَقْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَيْضًا إذْ أَكْثَرُ النَّاسُ لَا يُحْسِنُونَ ذَلِكَ، وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي غُنْيَةً عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ يُعَدِّلُ الشُّهُودَ، وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا يُنْقَلُ كِتَابُهُ فَحَسْبُ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِمَا فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ بِزِيَادَةِ الِاحْتِمَالِ. وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ كُلُّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالدَّيْنِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالشُّفْعَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْوَفَاةِ وَالْوِرَاثَةِ وَالْقَتْلِ إذَا كَانَ مُوجِبًا لِلْمَالِ وَالنَّسَبِ مِنْ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ وَالْغَصْبِ وَالْأَمَانَةِ الْمَجْحُودَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الْمَجْحُودَةِ وَالْأَعْيَانِ الْمَنْقُولَةِ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَغَيْرِ الْمَنْقُولَةِ كَالْعَقَارِ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَهُوَ الَّذِي يُفْتَى بِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ فِي الْمَنْقُولِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ إلَيْهَا عِنْدَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الْعَقَارِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ لِأَنَّهَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ إذْ لَا يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَى الدَّيْنِ وَأَمْثَالِهِ وَالْعَقَارُ يُعْرَفُ بِالْحُدُودِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إحْضَارِهِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ فَصَارَ كَالدَّيْنِ، وَفِي دَعْوَى النِّكَاحِ الْمَقْصُودُ نَفْسُ النِّكَاحِ لَا نَفْسُ الْمَرْأَةِ أَوْ نَفْسُ الرَّجُلِ وَإِنَّمَا هُمَا كَالدَّائِنِ وَالْمَدِينِ وَالنِّكَاحُ كَالدِّينِ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ، فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِشَارَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَجَازَ فِي الْعَبْدِ دُونَ الْأَمَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَنْقُولَاتِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ فِيهِ وَلِتَعَذُّرِ دَفْعِ الْأَمَةِ إلَى رَجُلٍ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالْمِلْكِ لِيَنْقُلَهَا إلَى الْكَاتِبِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا بِشَرَائِطِهِ وَهِيَ أَنْ يُكَلِّفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ وَهُوَ الْيَوْمُ فِي يَدِ فُلَانٍ وَيُعَرَّفُ الْعَبْدُ غَايَةَ التَّعْرِيفِ بِصِفَتِهِ وَاسْمِهِ وَسِنِّهِ وَقِيمَتِهِ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي وَيَذْكُرُ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِأَنَّ الْعَبْدَ الْهِنْدِيَّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ فُلَانٌ حِلْيَتُهُ كَذَا وَقَامَتُهُ كَذَا وَسِنُّهُ كَذَا وَقِيمَتُهُ كَذَا مِلْكُ فُلَانٍ الْمُدَّعِي هَذَا وَقَدْ أَبَقَ إلَى بَلْدَةِ كَذَا وَهُوَ الْيَوْمُ عِنْدَ فُلَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَيْهِ وَثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ الْكَاتِبِ وَنَصَّهُ بِشُرُوطِهِ عَلَى مَا يَجِيءُ سَلَّمَ الْعَبْدَ إلَى الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ شَهِدُوا لَمْ يَشْهَدُوا بِحَضْرَةِ الْعَبْدِ وَيَأْخُذُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَهُوَ الَّذِي يُفْتَى بِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ قَالَ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْعُرُوضِ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُقْبَلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَيْ يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا لِتَعَامُلِ النَّاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا بِشَرَائِطِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَخْتَصُّ بِشَرَائِطَ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ يَخْتَصُّ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِشَرَائِطَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ فِي مَعْلُومٍ لِمَعْلُومٍ أَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ مِنْهُ مَعْلُومًا وَالْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ مَعْلُومًا وَالْمُدَّعَى بِهِ مَعْلُومًا وَالْمُدَّعِي مَعْلُومًا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْلُومًا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِمَا بِشَرَائِطَ تُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَوْضِعُهُ كِتَابُ الْإِبَاقِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَأَرَادَ بِهَا بَيَانَ حِلْيَةِ الْعَبْدِ وَصِفَتِهِ وَنِسْبَتِهِ لِلَّذِي أَخَذَهُ وَالْخَتْمِ فِي عُنُقِهِ وَأَخْذِ الْكَفِيلِ. وَحَاصِلُهُ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ الَّذِي لَا يُحْتَاجُ إلَى الْإِشَارَةِ إلَيْهِ كَالدَّارِ وَالْعَقَارِ، وَأَمَّا الْمَنْقُولُ الَّذِي يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لَا يُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مِثْلَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْعَبْدِ، وَالْآبِقُ إذَا أَبَقَ فَأُخِذَ فِي بَلْدَةٍ فَأَقَامَ صَاحِبُهُ الْبَيِّنَةَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ عَبْدُهُ أَخَذَهُ فُلَانٌ فِي مِصْرِ كَذَا وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى الْحِلْيَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدِي وَزَكَّوْا أَنَّ عَبْدًا صِفَتُهُ كَذَا أَخَذَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَأَنَّهُ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَنَسَبَهُمَا إلَى أَبِيهِمَا وَإِلَى فَخِذِهِمَا وَيَقْطَعُ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ وَيَكْتُبُ الْعُنْوَانَ فِي الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ اسْمُهُ وَاسْمُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبُهُمَا، وَالْعِبْرَةُ لِلدَّاخِلِ لَا لِلْخَارِجِ، فَإِذَا جَاءَ الْكِتَابُ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى ذَلِكَ يُسَلَّمُ الْعَبْدُ وَيُخْتَمُ فِي عُنُقِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ إلَى الْقَاضِي الَّذِي كَتَبَ إلَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَبِلَهُ وَقَضَى بِهِ وَسَلَّمَ الْعَبْدَ إلَى الَّذِي جَاءَهُ بِالْكِتَابِ وَأَبْرَأَ كَفِيلَهُ. إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَهَذَا الْكِتَابُ بِهَذِهِ الشَّرَائِطِ يُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا عَلَى رِوَايَةِ قَبُولِ الْكِتَابِ فِي الْأَمَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ يُقْبَلُ فِيهِمَا بِشَرَائِطَ تُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ اهـ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى، وَلَوْ كَتَبَ اسْمَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَنَسَبَهُ وَلَمْ يَكْتُبْ اسْمَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبَهُ، وَلَكِنْ كَتَبَ إلَى مَنْ بَلَغَ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ لَا يَجُوزُ، وَأَبُو يُوسُفَ وَسَّعَ وَأَجَازَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ اسْمَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبَهُ، ثُمَّ كَتَبَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ جَازَ فَإِنَّ كُلَّ قَاضٍ وَصَلَ إلَيْهِ عَمِلَ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يُكْتَبْ فِي الْكِتَابِ التَّارِيخُ لَا يَقْبَلُهُ وَإِنْ كَتَبَ فِيهِ تَارِيخًا يُنْظَرُ هَلْ هُوَ كَانَ قَاضِيًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَمْ لَا؟ وَلَا يُكْتَفَى بِالشَّهَادَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا، وَكَذَا كَوْنُهُ كِتَابَ الْقَاضِي لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ شَهَادَتِهِمْ بِدُونِ الْكِتَابَةِ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى أَصْلِ الْحَادِثَةِ وَلَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا جَائِزٌ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا تُقْبَلُ وَقَالَ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ وَيَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْمِصْرَيْنِ أَوْ مِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى

كَفِيلًا مِنْ الْمُدَّعِي بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَيَجْعَلُ خَاتَمًا مِنْ رَصَاصٍ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ لَهُ مُتَعَرِّضٌ فِي الطَّرِيقِ أَنَّهُ سَرَقَهُ وَيَكْتُبُ كِتَابًا إلَى الْكَاتِبِ بِذَلِكَ وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ عَلَى كِتَابِهِ وَخَتْمِهِ وَعَلَى مَا فِي الْكِتَابِ فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ أَمَرَ الْمُدَّعِيَ أَنْ يُحْضِرَ شُهُودَهُ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَهُ فَيُعِيدُوا الشَّهَادَةَ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْعَبْدِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، فَإِذَا شَهِدُوا حَكَمَ بِهِ وَكَتَبَ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَوَّلًا لِيُبْرِئَ كَفِيلَهُ وَقِيلَ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ الْعَبْدُ هُوَ الْخَصْمُ وَهُوَ غَائِبٌ، وَلَكِنْ يَكْتُبُ مَا جَرَى عِنْدَهُ وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ عَلَى كِتَابِهِ وَخَتْمِهِ وَمَا فِيهِ وَيَبْعَثُ بِالْعَبْدِ وَالْكِتَابَةُ مَعَهُ إلَى ذَلِكَ الْحَاكِمِ حَتَّى يَقْضِيَ لَهُ بِهِ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَيْهِ فَلْيَفْعَلْ هُوَ كَذَلِكَ وَيُبْرِئُ الْكَفِيلَ وَإِنَّمَا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ لِيَقْطَعَ وَهْمَ الشَّرِكَةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَالْحِلْيَةِ، وَفِي الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْعَبْدُ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ بِالْإِحْضَارِ وَالْإِشَارَةِ إلَيْهِ تَرْتَفِعُ فَلِهَذَا يَجِبُ إحْضَارُهُ، وَالْجَارِيَةُ كَالْعَبْدِ فِيمَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُهَا لِلْمُدَّعِي بَلْ يَبْعَثُهَا مَعَ أَمِينٍ مَعَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ) لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَلِحُضُورِ الْخَصْمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ سِجِلًّا) أَيْ كِتَابُ الْحُكْمِ يُسَمَّى سِجِلًّا وَإِنَّمَا يُكْتَبُ حَتَّى لَا تُنْسَى الْوَاقِعَةُ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ وَلِيَكُونَ الْكِتَابُ مُذَكِّرًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى كِتَابَةِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِحُضُورِ الْخَصْمِ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إلَّا إذَا قُدِّرَ أَنَّهُ غَابَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَجَحَدَهُ فَحِينَئِذٍ يُكْتَبُ لَهُ لِيُسَلَّمَ إلَيْهِ حَقُّهُ أَوْ لِيَنْفُذَ حُكْمُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَمْ يَحْكُمْ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْخَصْمُ حَاضِرًا لَا يَحْكُمُ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ، ثُمَّ نُقِلَ إلَيْهِ نَفَّذَهُ بِخِلَافِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ خِلَافَ مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْكُومٌ بِهِ فَيَلْزَمُهُ وَالثَّانِي ابْتِدَاءُ حُكْمٍ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَتَبَ الشَّهَادَةَ لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِهَا وَهُوَ الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ وَهُوَ نَقْلُ الشَّهَادَةِ فِي الْحَقِيقَةِ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ الْكَاتِبَ لَمْ يَحْكُمْ بِالشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا نَقَلَهَا لِيَحْكُمَ بِهَا الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ وَلِهَذَا يَحْكُمُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِرَأْيِهِ، وَإِنْ خَالَفَ رَأْيُهُ رَأْيَ الْكَاتِبِ بِخِلَافِ السِّجِلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُ وَيَنْقُضَ حُكْمَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ اسْتَحْكَمَ بِالْقَضَاءِ وَهُوَ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ إنْ كَانَ الْخَصْمُ غَائِبًا وَإِلَّا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْ الْقُضَاةِ نَقْضُهُ فَإِذًا لَا فَرْقَ بَيْنَ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ شُهُودَ الْفَرْعِ يَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ وَالنَّاقِلُونَ لِكِتَابِ الْقَاضِي يَشْهَدُونَ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْقَاضِي وَأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْدِيلِ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا فِي الْحَادِثَةِ، وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا بُدَّ مِنْ تَعْدِيلِهِمْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ وَخَتَمَ عِنْدَهُمْ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِمْ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبُ فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَهُوَ مِنْ شَرَائِطِهِ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عِنْدَ الثَّانِي، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ إذْ لَا شَهَادَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ أَوْ يُعْلِمَهُمْ بِمَا فِيهِ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ تَحْصُلُ بِهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَلَا بُدَّ مِنْ خَتْمِهِ بِحَضْرَتِهِمْ، ثُمَّ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِمْ كَيْ لَا يُتَوَهَّمَ التَّغْيِيرُ، وَلَا بُدَّ لِلشُّهُودِ مِنْ حِفْظِ مَا فِيهِ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ وَمِنْ شَرَائِطِهِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لِلْكِتَابِ عِنْوَانٌ وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَاسْمَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَأَبِيهِ وَجَدِّهِ حَتَّى لَوْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَاضِي رُسْتَاقَ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ قَاضِي رُسْتَاقَ إلَى قَاضِي مِصْرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَنْهُ أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ وَإِنْ شَهِدُوا بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْخَصْمِ لَمْ يَحْكُمْ وَكَتَبَ بِالشَّهَادَةِ لِيَحْكُمَ بِهَا الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى خَصْمٍ، فَإِذَا كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا حَكَمَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ إلَى الْقَاضِي، وَهَذَا الْكِتَابُ يُسَمَّى سِجِلًّا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْخَصْمُ حَاضِرًا يَسْمَعُ الشَّهَادَةَ وَلَا يَحْكُمُ بِهَا وَيَكْتُبُ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ الشَّهَادَةِ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَحْكُمَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِذَلِكَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ نَقْلِ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي يُسَمَّى الْكِتَابَ الْحَاكِمِيَّ؛ لِأَنَّهُ يُكْتَبُ لِيَحْكُمَ بِهِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ الْمُرَادُ بِالْخَصْمِ هُنَا الْوَكِيلُ عَنْ الْغَائِبِ أَوْ الْمُسَخَّرِ الَّذِي جُعِلَ وَكِيلًا لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نَفْسَهُ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي إذْ الْحُكْمُ يَتِمُّ عَلَى الْخَصْمِ بِحُكْمِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا أَصْلًا لَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا نَائِبُهُ، وَقَدْ حَكَمَ الْقَاضِي بِالشَّهَادَةِ كَانَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى خَصْمٍ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ) أَيْ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ وَخَتَمَ عِنْدَهُمْ إلَخْ) هَذِهِ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَدْفَعُهُ لِلطَّالِبِ وَيَكْتُبُ مَعَهُمْ نُسْخَتَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يُعْلِمَهُمْ بِمَا فِيهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ، وَالشَّرْطُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَيُسَلِّمُ الْكِتَابَ إلَى الْمُدَّعِي وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ. اهـ. كَاكِيٌّ

وَيَكْتُبُ الْعُنْوَانَ مِنْ دَاخِلِ الْكِتَابِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى الظَّاهِرِ لَا يُقْبَلُ وَقِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَالْعُنْوَانُ يَكُونُ عَلَى الظَّاهِرِ فَيُعْمَلُ بِهِ وَيُكْتَبُ فِيهِ اسْمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاسْمُ الْمُدَّعِي عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ بِهِ التَّمْيِيزُ وَذَلِكَ بِذِكْرِ جَدِّهِمَا وَيُذْكَرُ الْحَقُّ فِيهِ وَيُذْكَرُ اسْمُ الشُّهُودِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِذِكْرِ شَهَادَتِهِمْ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى الشُّهُودِ إلَّا نَقْلَ الْكِتَابِ وَالشَّهَادَةِ أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ، وَلَا عَلَى الْقَاضِي سِوَى كِتَابَةِ الْحَاجَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِكَوْنِهِ أَسْهَلَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وَصَلَ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ نَظَرَ إلَى خَتْمِهِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ بِلَا خَصْمٍ، وَلَا شُهُودٍ) لِأَنَّ هَذَا الْكِتَابَ لِلْحُكْمِ بِهِ، فَلَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِحُضُورِ الْخَصْمِ كَالشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ حَيْثُ يَسْمَعُ الشَّهَادَةَ وَيَكْتُبُهَا وَالْخَصْمُ غَائِبٌ؛ لِأَنَّهُ لِلنَّقْلِ لَا لِلْحُكْمِ وَنَظِيرُهُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهَا حُضُورُ الْخَصْمِ عِنْدَ الْأَدَاءِ لَا عِنْدَ التَّحَمُّلِ وَيَجُوزُ أَنْ يُزَوَّرَ الْكِتَابُ، فَلَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عِنْدَ إنْكَارِ الْخَصْمِ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي، وَإِنْ أَقَرَّ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كِتَابُهُ، وَلَا يَلْزَمُ كِتَابُ الِاسْتِئْمَانِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ حَيْثُ يُعْمَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كِتَابُهُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ وَهَذَا مُلْزِمٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ تَامَّةٍ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ إقْرَارِ الْخَصْمِ، وَلَا يَلْزَمُ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي وَرَسُولُ الْمُزَكِّي إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَكُونُ مُعْتَبَرًا بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِلْزَامَ فِيهِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ لَا بِالتَّزْكِيَةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَأْخُذُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْكِتَابَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَلَكِنْ لَا يَعْمَلُ بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي سَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ فَتَحَهُ الْقَاضِي وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمهُ مَا فِيهِ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ عِنْدَهُ بِأَنْ كَانَ يَعْرِفُهُمْ بِالْعَدَالَةِ أَوْ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ عَدَالَتَهُمْ بِأَنْ كَانَ الْقَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَكْتُبُ الْعُنْوَانَ مِنْ دَاخِلِ الْكِتَابِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا مُعَنْوَنًا فِي دَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَكْتُبُ الْعُنْوَانَ فِي الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ وَالْعِبْرَةُ لِلدَّاخِلِ لَا لِلْخَارِجِ اهـ قَالَ الْكَاكِيُّ وَالشَّرْطُ عِنْدَهُمَا عُنْوَانُ الْبَاطِنِ لَا عُنْوَانُ الظَّاهِرِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْعُنْوَانَ الظَّاهِرَ اكْتَفَى الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِالْعُنْوَانِ الْبَاطِنِ وَعَلَى الْعَكْسِ لَا يَجُوزُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ بِلَا خَصْمٍ وَلَا شُهُودٍ) قَالَ الْأَقْطَعُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْبَلُهُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ خَصْمٍ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَخْتَصُّ بِالْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ وَالْحُكْمُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ بِمَا عَلِمَهُ مِنْ الْكِتَابِ فَاعْتُبِرَ حُضُورُ الْخَصْمِ عِنْدَ الْحُكْمِ بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ يُشْبِهُ الْكِتَابَ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ مَا نَصُّهُ أَيْ لَمْ يَأْخُذْهُ اهـ. (صُورَةُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَخْتِمُ الْكِتَابَ بِمَا ذَكَرَ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ مِنْ صُورَةِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَهِيَ قَوْلُهُ مِنْ فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا سَلَامٌ عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْك اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَجُلًا أَتَانِي يُقَالُ لَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَذَكَرَ أَنَّ لَهُ عَلَى رَجُلٍ فِي كُورَةِ كَذَا حَقًّا فَسَأَلَنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ بَيِّنَتِهِ وَأَكْتُبَ إلَيْك بِمَا يَسْتَقِرُّ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ فَسَأَلْته الْبَيِّنَةَ فَأَتَانِي بِعِدَّةٍ مِنْهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ وَيُحِيلُهُمْ وَيَنْسِبُهُمْ فَشَهِدُوا عِنْدِي أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا دَيْنًا حَالًّا وَسَأَلَنِي أَنْ أُحَلِّفَهُ مَا قَبَضَ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا قَبَضَهُ لَهُ قَابِضٌ بِوَكَالَةٍ وَلَا احْتَالَ بِشَيْءٍ فَأَحْلَفْتُهُ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا قَبَضَ مِنْ هَذَا الْمَالِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدِي وَلَا قَبَضَهُ لَهُ وَكِيلٌ وَلَا أَحَالَهُ وَلَا قَبَضَهُ لَهُ قَابِضٌ وَإِنَّهَا لَهُ عَلَيْهِ، وَسَأَلَنِي أَنْ أَكْتُبَ لَهُ إلَيْك بِمَا يَسْتَقِرُّ عِنْدِي فَكَتَبْتُ إلَيْك بِهَذَا الْكِتَابِ وَأَشْهَدْت عَلَيْهِ شُهُودًا أَنَّهُ كِتَابِي وَخَاتَمِي وَقَرَأْته عَلَى الشُّهُودِ. قَالَ ثُمَّ يَطْوِي الْكِتَابَ وَيَخْتِمُ عَلَيْهِ وَيَخْتِمُ الشُّهُودُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْثَقُ، ثُمَّ يَكْتُبُ عَلَيْهِ عُنْوَانَ الْكِتَابِ مِنْ فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا إلَى فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا، ثُمَّ يَدْفَعُ إلَى الْمُدَّعِي. فَإِنْ أَتَى بِهِ الْمُدَّعِي إلَى الْقَاضِي الَّذِي بِالْكُورَةِ فَذَكَرَ أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَيْهِ سَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْمَعَ لَهُ مِنْ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي حَتَّى يُحْضِرَ الْخَصْمَ، فَإِذَا أَحْضَرَهُ وَأَقَرَّ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ قَبِلَ بَيِّنَتَهُ وَسَمِعَ مِنْهُ، فَإِذَا أَنْكَرَ قَالَ جِئْنِي بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ، فَإِذَا جَاءَ بِبَيِّنَةٍ وَعَدَلُوا سَمِعَ مِنْ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي عَلَى أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي الَّذِي ذَكَرَ فَيَقُولُ لَهُ أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ مَا فِيهِ، فَإِذَا قَالُوا نَعَمْ قَدْ قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَأَشْهَدَنَا أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ، ثُمَّ خَتَمَهُ وَقَالَ هَذَا خَاتَمِي، فَإِذَا سَمِعَ مِنْهُ لَمْ يَكْسِرْ الْخَاتَمَ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ، فَإِذَا عَدَلُوا لَمْ يَكْسِرْ الْخَاتَمَ حَتَّى يَحْضُرَ الْخَصْمُ، فَإِذَا حَضَرَ الْخَصْمُ كَسَرَ الْخَاتَمَ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْخَصْمِ مَا فِي الْكِتَابِ، فَإِذَا قَالَ الشُّهُودُ نَعَمْ قَدْ أَشْهَدَنَا عَلَى مَا فِيهِ عَلَى مَا قَرَأَ عَلَيْنَا سَأَلَ الْخَصْمَ عَمَّا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَقَرَّ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ وَإِنْ أَنْكَرَ قَالَ لَك حُجَّةٌ وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ قَضَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حُجَّةٌ قَبِلَ حُجَّتَهُ، فَإِنْ قَالَ لَسْتُ أَنَا فُلَانًا الْفُلَانِيَّ الَّذِي شَهِدُوا عَلَيْهِ بِهَذَا الْمَالِ قَالَ لَهُ أَلَكَ بَيِّنَةٌ أَنَّ فِي هَذِهِ الصِّنَاعَةِ أَوْ الْقَبِيلَةِ رَجُلًا يُنْسَبُ مِثْلَ مَا تُنْسَبُ إلَيْهِ وَإِلَّا أَلْزَمْتُك مَا شَهِدُوا بِهِ، فَإِنْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّ فِي تِلْكَ الْقَبِيلَةِ أَوْ الصِّنَاعَةِ مَنْ يُنْسَبُ بِمِثْلِ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ أَبْطَلَ الْكِتَابَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْقَبِيلَةِ أَوْ الصِّنَاعَةِ أَحَدٌ عَلَى اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ قَضَى عَلَيْهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْمُجَرَّدِ اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ) أَيْ لِأَنَّ الْإِمَامَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى الْأَمَانَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُعْطِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمهُ مَا فِيهِ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُهُ وَخَاتَمُهُ قَبِلَهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ قِرَاءَةِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ عَلَى الشُّهُودِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا شَهِدُوا أَنَّ الْكِتَابَ كِتَابُهُ وَالْخَاتَمَ خَاتَمُهُ ثَبَتَ أَنَّهُ كِتَابُ

الْكَاتِبُ قَدْ كَتَبَ عَدَالَتَهُمْ أَوْ سَأَلَ مَنْ يَعْرِفُهُمْ مِنْ الثِّقَاتِ فَزُكُّوا، وَأَمَّا قَبْلَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ فَلَا يَحْكُمُ بِهِ، وَلَا يُلْزِمُ الْخَصْمَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَفْتَحُهُ إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا تَثْبُتُ عَدَالَتُهُمْ فَيَحْتَاجُ الْمُدَّعِي إلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الشُّهُودِ لِإِثْبَاتِ أَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْقَاضِي لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِذَلِكَ قَبْلَ الْفَتْحِ كَالشُّهُودِ الْأُوَلِ بِخِلَافِ قَبُولِ الْكِتَابِ حَيْثُ يَقْبَلُهُ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُهُ قَبْلَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِمْ بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ، وَقَوْلُهُ سَلَّمَهُ إلَيْنَا إلَخْ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ بِهِ حَتَّى إذَا قَالُوا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْنَا أَوْ لَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْنَا أَوْ لَمْ يَخْتِمْهُ بِحَضْرَتِنَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَشَرَطَ فِي الذَّخِيرَةِ حُضُورَ الْخَصْمِ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ لَا لِقَبُولِ الْكِتَابِ حَتَّى لَوْ قَبِلَهُ مَعَ غَيْبَةِ الْخَصْمِ جَازَ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ يَقْبَلُهُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَمِنْ يَدِ الْمُدَّعِي أَيْضًا إذَا جَاءَ بِهِ وَحْدَهُ، وَكَذَا سَهَّلَ عِنْدَ الْإِثْبَاتِ فَقَالَ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُهُ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِالْخَتْمِ وَغَيْرِهِ قَبِلَهُ فَسَهَّلَ فِي ذَلِكَ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ، وَلَوْ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ مَا يُخَالِفُ شَهَادَتَهُمْ رَدَّهُ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَسَافَةٍ بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ حَتَّى يَجُوزَ كِتَابُ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْمَسَافَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ مُعْتَبَرَةٌ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَهِيَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِهِ صَحَّ الْإِشْهَادُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ صَحِيحًا فِي الْمِصْرِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي مَقْبُولٌ، وَإِنْ كَانَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُمَا اعْتَبَرَاهُ بِالتَّوْكِيلِ، وَفِي الظَّاهِرِ اعْتَبَرَ بِالْعَجْزِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْكَاتِبِ وَعَزْلِهِ) هَذَا إذَا مَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَى الثَّانِي أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فَمَوْتُ الْأُصُولِ قَبْلَ أَدَاءِ الْفُرُوعِ الشَّهَادَةَ يُبْطِلُ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ فَكَذَا هَذَا، وَكَذَا إذَا جُنَّ الْكَاتِبُ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ قَذَفَ فَحُدَّ أَوْ عَمِيَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَبْطُلُ بَلْ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ يَقْضِي بِهِ ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي الْأَمَالِي وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُمَا أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ بِمَنْزِلَةِ شُهُودِ الْفُرُوعِ وَكِتَابَتُهُ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ شُهُودِ الْفَرْعِ الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ شَهَادَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْحَقِّ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَالنَّقْلُ قَدْ تَمَّ بِالْكِتَابَةِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ شُهُودِ الْفَرْعِ إذَا مَاتُوا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ فَكَذَا هَذَا وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَاهِدٍ مَاتَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا وَلَنَا أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ، وَإِنْ كَانَ يَنْقُلُ شَهَادَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَهُ إلَّا أَنَّ لِهَذَا النَّقْلِ حُكْمَ الْقَضَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا النَّقْلَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْقَاضِي، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَدٌ، وَلَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ هَذَا النَّقْلُ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَمَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ قَضَاءٌ فَثَبَتَ أَنَّ لِهَذَا النَّقْلِ حُكْمَ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَتِمَّ بَعْدُ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ. وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ وَقَبْلَ قِرَاءَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَقْضِيِّ بِهِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ فَلَمْ يَكُنْ النَّقْلُ تَامًّا فَيَبْطُلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي كَمَا فِي سَائِرِ الْأَقْضِيَةِ إذَا مَاتَ الْقَاضِي قَبْلَ تَمَامِهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْفَرْعِ إذَا مَاتَ الْأُصُولُ بَعْدَ أَدَائِهِمْ الشَّهَادَةَ لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْحُكْمَ عَلَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوُجُوبُ بِمَوْتِ الْأُصُولِ أَوْ بِمَوْتِ الْفُرُوعِ كَمَا فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ إذَا مَاتَ الشُّهُودُ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوُجُوبُ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ قَبِلَهُ مَعَ هَذَا وَحَكَمَ بِهِ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ وَأَمْضَاهُ جَازَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ صَادَفَ مَحَلًّا مُجْتَهَدًا فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ يَنْفُذُ بِالتَّنْفِيذِ مِنْ قَاضٍ آخَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَيْثُ يَنْفُذُ بِنَفْسِ الْقَضَاءِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ بَعْدَ مَا قَرَأَ الْكِتَابَ لَا يَبْطُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَحْكُمُ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِهِ بِالْقِرَاءَةِ، فَلَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَمَا لَوْ مَاتَ الشَّاهِدُ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَاضِي الْكَاتِبِ، فَإِذَا قَرَأَهُ عَرَفَ مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ عَدَمِ التُّهَمِ) وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ، ثُمَّ قَالَ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَصَحُّ أَيْ يَجُوزُ الْفَتْحُ بِالشَّهَادَةِ بِكِتَابِهِ وَخَتْمِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِعَدَالَةِ الشُّهُودِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَسَافَةٍ بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ) وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا دُونَ السَّفَرِ قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا إلَخْ) قَالَ مِسْكِينٌ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ كِتَابُ الْقَاضِي فِيمَا دُونَ مَسِيرَةِ سَفَرٍ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ غَدَا إلَى بَابِ الْقَاضِي لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى مَنْزِلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ يُقْبَلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَخْ) فِي الْخَصَّافِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مِصْرٍ فِيهِ قَاضِيَانِ فِي كُلِّ جَانِبٍ قَاضٍ يَكْتُبُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ كِتَابًا يُقْبَلُ كِتَابُهُ، وَلَوْ أَتَى أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ فَأَخْبَرَهُ بِالْحَادِثَةِ بِنَفْسِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَانَ الْأَوَّلُ خَاطَبَهُ فِي مَوْضِعِ الْقَضَاءِ وَفِي الثَّانِي خَاطَبَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْقَضَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْكَاتِبِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْكَاتِبُ عَلَى الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ أَوْ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ لَا يَقْبَلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا. اهـ. .

بِهَا، وَفِي اخْتِلَافِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَعْقُوبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي بِهِ إذَا مَاتَ قَبْلَ قَضَائِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَوْتِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَتَبَ بَعْدَ اسْمِهِ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ يَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَتَبَ إلَى فُلَانٍ الْقَاضِي وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَحِينَئِذٍ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ اسْمِهِ عَائِدٌ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَبْطُلُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَيَحْكُمُ الْقَاضِي الَّذِي جَاءَ بَعْدَهُ بِهِ كَمَا لَوْ قَالَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَنَا أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ اعْتَمَدَ عَلَى عِلْمِ الْأَوَّلِ وَأَمَانَتِهِ وَالْقُضَاةُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَمَانَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الْأُمَنَاءِ فِي الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ الْكُلَّ فَكَانُوا مَكْتُوبًا إلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ أَحَدٌ لِأَنَّ إعْلَامَ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْمَكْتُوبِ إلَيْهِ شَرْطٌ، وَتَمَامُ الْإِعْلَامِ لَا يَحْصُلُ بِهَذَا الْقَدْرِ وَإِذَا عَيَّنَ وَاحِدًا حَصَلَ التَّعْرِيفُ لَهُ وَصَحَّ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَصَارَ غَيْرُهُ تَبَعًا لَهُ، وَأَجَازَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ أَحَدٍ مِنْ الْقُضَاةِ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَاسْتَحْسَنَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ تَسْهِيلًا لِلْأَمْرِ، وَلَا يَقْبَلُ الْقَاضِي رِسَالَةَ قَاضٍ آخَرَ. وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ عِبَارَتَهُ فَيَكُونُ كَالْقَاضِي حَضَرَ وَتَكَلَّمَ بِهِ وَهُوَ لَوْ حَضَرَ وَتَكَلَّمَ بِهِ لَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ؛ لِأَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعِيَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ وِلَايَتِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ كَتَبَهُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فَكَانَ الْكِتَابُ مِنْهُ كَالْخِطَابِ لِلْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مُشَافَهَةً لِصُدُورِ الْكِتَابِ مِنْ مَوْضِعِ الْقَضَاءِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْكِتَابَ لَا يُقْبَلُ قِيَاسًا وَإِنَّمَا قُبِلَ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْكِتَابِ غُنْيَةً عَنْهُ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا إلَى قَاضٍ آخَرَ إذَا تَعَذَّرَ حُضُورُ خَصْمِهِ عِنْدَهُ، وَكَذَا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ثَانِيًا أَنْ يَكْتُبَ إلَى آخَرَ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ الْوَاقِعَةَ عِنْدَ الْأَوَّلِ صَارَتْ مَنْقُولَةً إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حُكْمًا فَصَارُوا كَأَنَّهُمْ شَهِدُوا عِنْدَهُ حَقِيقَةً فَجَازَ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى غَيْرِهِ إذْ الْحَاجَةُ إلَى نَقْلِهَا مِرَارًا مَاسَةٌ وَهِيَ الْمُجَوِّزَةُ لِلنَّقْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِمَوْتِ الْخَصْمِ) يَعْنِي لَا يَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ وَارِثَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ الْمُدَّعِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ؛ لِأَنَّ قَرِيبَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيَنْفُذُ لَهُ وَكَمَا يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ، وَلَكِنْ إنْ كَانَ فِي مِصْرِهِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، وَلَا يَكْتُبُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي مِصْرٍ آخَرَ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الِاسْمِ وَالنِّسْبَةِ وَالْخَتْمِ وَالشَّهَادَةِ كَمَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي مِصْرِهِ إلَّا بِهِ، وَلَكِنْ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ لِلْعَادَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ إلَى الْوَالِي وَيَسْتَعِينُ بِهِ فِيمَا عَجَزَ عَنْ إقَامَتِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ لَحَرِجُوا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْأَمِيرِ فَيَشْهَدُ، وَالْأَمِيرُ لَا يُمْكِنُهُ التَّفَحُّصُ عَنْ أَحْوَالِ الشُّهُودِ فَقُبِلَ الْكِتَابُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الضَّرُورَةَ وَالْعَادَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَمِيرُ فِي مِصْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ الْقَاضِي بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ وَالضَّرُورَةِ لِقِلَّةِ وُقُوعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَسْتَقِي مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَشَهَادَتُهَا جَائِزَةٌ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ فَكَذَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَشَهَادَتِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ أَنْ تُوَلَّى الْمَرْأَةُ الْقَضَاءَ لِقُصُورِ عَقْلِهَا قُلْنَا هِيَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَبِهِ تَصِيرُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ فَكَذَا لِلْقَضَاءِ كَالرَّجُلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَسْتَخْلِفُ قَاضٍ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْجُمُعَةِ) لِأَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا التَّقْلِيدُ، فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ بِدُونِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ، وَفِي الْجُمُعَةِ جَوَّزْنَا لِلْمَأْمُورِ بِأَدَائِهَا أَنْ يَسْتَخْلِفَ لِكَوْنِهَا عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ، ثُمَّ إنْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إلَّا مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِيهَا، فَلَا تَنْعَقِدْ دُونَهَا، وَإِنْ كَانَ شَرَعَ فِيهَا جَازَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ بِالْأَصْلِ فَكَانَ الثَّانِي بَانِيًا، فَلَا يُشْتَرَطُ لِلْبِنَاءِ مَا يُشْتَرَطُ لِلِافْتِتَاحِ ولِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ مَعَهُ الْتَحَقَ بِمَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ حُكْمًا إذْ هِيَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْخُطْبَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَفْسَدَ الْمُسْتَخْلَفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَكَذَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلَا تَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ. اهـ (قَوْلُهُ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ بِدُونِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ) بِخِلَافِ الْمُسْتَعِير حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ فَكَانَ مُتَصَرِّفًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْإِذْنِ فَيَمْلِكُ بِقَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ. اهـ. غَايَةٌ.

الْجُمُعَةَ وَأَعَادَهَا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مَعَ ذَلِكَ فَحَكَمَ الْخَلِيفَةُ فَأَجَازَهُ الْقَاضِي جَازَ إذَا كَانَ الْمُسْتَخْلَفُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَوْ كَافِرٍ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا إذَا قَضَى بِحَضْرَةِ الْقَاضِي جَازَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْإِمَامِ بِتَوْلِيَتِهِ حُضُورُ رَأْيِهِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَبَاشَرَ وَكِيلُهُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِغَيْبَتِهِ فَأَجَازَهُ، وَلَوْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بِأَنْ قَالَ لَهُ وَلِّ مَنْ شِئْت لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ شَاءَ فَيَصِيرَ نَائِبًا عَنْ الْإِمَامِ فِي التَّوْلِيَةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ عَزْلَهُ كَالْوَكِيلِ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ بِالتَّوْكِيلِ فَوَكَّلَ صَارَ وَكِيلًا عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ عَزْلَهُ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ حَيْثُ يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ وَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ وَالْعَزْلَ فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ حُكْمِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَدْ يَعْجِزُ الْوَصِيُّ عَنْ الْجَرْي عَلَى مُوجِبِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْمُوصِي فَيَكُونُ الْمُوصِي رَاضِيًا بِاسْتِعَانَتِهِ بِغَيْرِهِ دَلَالَةً كَيْ لَا تَفُوتَ مَصَالِحُهُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ وَالْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُمَا يَتَصَرَّفَانِ بِأَنْفُسِهِمَا، فَلَا تَفُوتُهُمَا الْمَصَالِحُ، وَلَوْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْعَزْلَ بِأَنْ قَالَ اسْتَبْدِلْ مَنْ شِئْت كَانَ لَهُ الْعَزْلُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالتَّفْوِيضِ إلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْإِمَامِ، فَلَا يَمْلِكُ إلَّا مَا أَطْلَقَ لَهُ لِأَنَّ رِضَاهُ بِتَصَرُّفِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِتَوْلِيَتِهِ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْأَمَانَةِ وَالتَّصَرُّفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ إنْ لَمْ يُخَالِفْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ وَالْإِجْمَاعَ) لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِ الِاجْتِهَادَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَقَدْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ، فَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفُذْ الْأَوَّلُ لَمَا نَفَذَ الثَّانِي أَيْضًا، وَكَذَا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى لِاحْتِمَالِ أَنْ يَجِيءَ قَاضٍ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ فَكَانَ نَافِذًا ضَرُورَةً وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا كَثُرَ اشْتِغَالُهُ قَلَّدَ الْقَضَاءَ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَاخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ فَقَضَى لِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ لَقِيَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ فَقَالَ قَضَى عَلَيَّ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ كُنْتُ أَنَا مَكَانَهُ لَقَضَيْتُ لَك فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ وَمَا يَمْنَعُك مِنْ الْقَضَاءِ قَالَ لَيْسَ هُنَا نَصٌّ وَالرَّأْيُ مُشْتَرَكٌ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى فِي حَادِثَةٍ بِقَضِيَّةٍ، ثُمَّ قَضَى فِيهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ تِلْكَ كَمَا قَضَيْنَا وَهَذِهِ كَمَا نَقْضِي، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي، ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ قَيَّدَهُ بِكَوْنِ الثَّانِي يَرَى خِلَافَ مَا حَكَمَ بِهِ الْأَوَّلُ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ التَّقْيِيدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ) الْمُرَادُ بِالْإِمْضَاءِ التَّنْفِيذُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُخَالِفْ الْكِتَابَ) وَالْمُرَادُ مِنْ خِلَافِ الْكِتَابِ خِلَافُ نَصِّ الْكِتَابِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ فِي تَأْوِيلِهِ السَّلَفُ مِثْلُ قَوْلِهِ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَقَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ الْأَبِ وَلَا جَارِيَتَهُ وَلَا يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا فَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِجَوَازِ نِكَاحِ امْرَأَةِ الْأَبِ كَانَ لِلْقَاضِي الثَّانِي فَسْخُهُ اهـ غَايَةٌ، وَكَذَا إذَا قَضَى بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لَا يَصِحُّ وَيُبْطِلُهُ الْقَاضِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْكِتَابِ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ) حَتَّى لَوْ قَضَى بِإِبْطَالِهِ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَالثَّالِثُ يُنْفِذُ قَضَاءَ الْأَوَّلِ وَيُبْطِلُ قَضَاءَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْأَوَّلِ كَانَ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ وَالْقَضَاءُ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ نَافِذٌ بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ الْقَضَاءُ فِي الثَّانِي مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ بَاطِلًا. اهـ. مُحِيطٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصْلُ هُنَا مَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يَنْفُذُ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ عَلَى مَنْ يُخَالِفُ رَأْيَهُ حَسَبَ نُفُوذِهِ عَلَى مَنْ وَافَقَ رَأْيَهُ فَإِذْنُ هَذَا قَضَاءٌ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى نُفُوذِهِ اهـ. (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ نَصُّهُ رَجُلٌ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوْ ابْنَتَهَا فَخَاصَمَتْهُ زَوْجَتُهُ فِي ذَلِكَ إلَى قَاضٍ لَا يَرَى حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ فَقَضَى بِالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا لَيْسَ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يُبْطِلَ قَضَاءَ الْأَوَّلِ، بَلْ يُنْفِذُهُ نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا فَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا، وَالْعُلَمَاءُ وَالْأَحَادِيثُ فِيهَا مُخْتَلِفَةٌ فَيَنْفُذُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ هَلْ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْمُقَامُ مَعَهَا؟ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الزَّوْجُ جَاهِلًا حَلَّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا وَإِنْ قَضَى بِتَحْرِيمِهَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَتَى كَانَ جَاهِلًا يَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ عَالِمًا يُنْظَرُ إنْ قَضَى الْقَاضِي بِتَحْرِيمِهَا وَالْمَقْضِيُّ لَهُ يَرَى حِلَّهَا نَفَذَ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَقْضِيٌّ عَلَيْهِ فَيَتْبَعُ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهِ رَأْيَ الْقَاضِي، وَإِنْ قَضَى لَهُ بِحِلِّهَا وَالْمَقْضِيُّ لَهُ يَرَى حُرْمَتَهَا هَلْ يَنْفُذُ؟ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ إذَا كَانَ بِخِلَافِ رَأْيِ الْمَقْضِيِّ لَهُ هَلْ يَنْفُذُ؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ وَيَتْبَعُ رَأْيَ نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ الْمَقَامُ مَعَهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَنْفُذُ وَيَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي حَتَّى يَحِلَّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا. ذَكَرَ هَذَا الْخِلَافَ فِي النَّوَادِرِ وَذَكَرَ فِي اسْتِحْسَانِ الْأَصْلِ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا طَلَّقَهَا بِلَفْظَةِ الْكِنَايَةِ فَرَفَعَ إلَى قَاضٍ، وَهُوَ يَرَى الْكِنَايَةَ رَوَاجِعَ، وَقَدْ قَضَى لَهُ بِالرَّجْعَةِ حَلَّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُ خِلَافَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي حَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ فَتْوَى؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُخَيَّرُ فِيهِ إنْ شَاءَ رَاجَعَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُرَاجِعْ، وَبِالْفَتْوَى لَا يَصِيرُ الْحَلَالُ حَرَامًا وَالْبَائِنُ رَجْعِيًّا كَمَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّ هَذَا عَمْدًا وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ وَالْوَلِيُّ يَعْرِفُ أَنَّ الشُّهُودَ شُهُودُ زُورٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَكَذَا هَذَا لَهُمَا أَنَّ الْقَضَاءَ إلْزَامٌ فِي حَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَهُ ثُبُوتَ اعْتِقَادِ الْحِلِّ وَالرَّجْعَةِ فَيَصِيرُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي حَقِّ الِاعْتِقَادِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ جَاهِلًا يَنْفُذُ فَكَذَا إذَا كَانَ عَالِمًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُلْزِمٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً بِخِلَافِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ لَا مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ وَلَا مِنْ حَيْثُ الِاسْتِيفَاءُ اهـ

بِهِ فَيُوهِمُ أَنَّهُ إنَّمَا يُمْضِيه إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ. وَقَالُوا شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى لَوْ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ، وَلَا يُمْضِيه الثَّانِي ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ، وَقَالَ فِيهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، فَلَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهِد فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَنْفُذُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَإٍ بِيَقِينٍ، وَفِي أُخْرَى لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ عِنْدَهُ وَقَدْ نَهَى عَنْ اتِّبَاعِ هَوَى غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 48] وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، ثُمَّ شَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لَهَا نَقَضَهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ غَيْرُ سَائِغٍ فَيَنْتَقِضُ بِهِ وَقَيَّدَ بِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْغَرِيبِ وَالْمُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ مَا لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّذِي قَضَى بِهِ الْأَوَّلُ لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، فَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخْتَلَفًا فِيهِ اخْتِلَافًا يَسْتَنِدُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَكَذَلِكَ حُكْمُهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ بِنَقْضٍ بَعْدَ مَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ مِثَالُهُ إذَا رَفَعَ إلَى حَاكِمٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ الْمُضَافِ فَأَبْطَلَ الْيَمِينَ نَفَذَ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِتَزَوُّجِهَا بَعْدَهُ. وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ أَبْطَلْت الْيَمِينَ وَنَقَضْت هَذَا الطَّلَاقَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رَاوِيَةٍ لَا يَنْفُذُ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ لَا يُوجَدُ قَبْلَ الْقَضَاءِ، فَإِذَا قَضَى حِينَئِذٍ وُجِدَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ وَالِاجْتِهَادِ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ آخَرَ يُرَجِّحُ أَحَدَهُمَا وَذَلِكَ مِثْلُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَلِلْغَائِبِ، وَقَضَاءُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَشَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَقَضَاءُ الْفَاسِقِ وَشَهَادَتُهُ قَبْلَ التَّوْبَةِ حَتَّى لَوْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ أَوْ قَضَى الْفَاسِقُ أَوْ الْمَحْدُودُ فِي الْأَصَحِّ لَا يَنْفُذُ إلَّا إذَا رَفَعَ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ فَقَضَى لِصِحَّةِ حُكْمِهِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ لَوْ فَسَخَهُ انْفَسَخَ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَقَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يُوجَدْ مَحَلُّهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ النَّوْعُ الرَّابِعُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَلَا يَنْفُذُ بِتَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ، وَلَوْ رَفَعَ إلَى حَاكِمٍ وَنَفَّذَهُ لِأَنَّ قَضَاءَهُ وَقَعَ بَاطِلًا لِمُخَالَفَتِهِ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ، فَلَا يَعُودُ صَحِيحًا بِالتَّنْفِيذِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْقَضَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ بِالْقِصَاصِ بِتَعْيِينِ الْوَلِيِّ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَيَمِينَهُ أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا إلَى آخِرِهِ) وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ، فَإِذَا كَانَ مُخَالِفًا لِأَحَدِهَا يُبْطِلُهُ الْقَاضِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَظِيرُ خِلَافِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ مَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقِصَاصِ بِالْقَسَامَةِ أَعْنِي يَحْلِفُ الْمُدَّعِي خَمْسِينَ يَمِينًا إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلِّهِ وَكَانَ ثَمَّةَ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي، وَهَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» اهـ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ بِأَنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَعَيَّنَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ رَجُلَيْنِ فِي الْمَحَلَّةِ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ يَقْضِي الْقَاضِي بِالْقَوَدِ فَهَذَا الْقَضَاءُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَقْضِ بِالْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ، فَلَا يَكُونُ خِلَافُ مَالِكٍ مُعْتَبَرًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْقَضَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] الْآيَةَ. فَاَللَّهُ تَعَالَى شَرَعَ الْفَصْلَ بِالْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَكَانَ الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالْحَدِيثُ فِيهِ شَاذٌّ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَيُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَقْضِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ إلَّا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَفِعْلُهُ مِمَّا لَا يُؤْخَذُ بِهِ، فَلَا يَكُونُ هَذَا مُحْتَمَلًا فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ وَلَا يَنْفَسِخُ كَذَا ذَكَر الْإِمَامُ النَّاصِحِيُّ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ هَلْ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَرْفَعُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَرْفَعُ. هَكَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي يَعْنِي أَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنَّهُمْ لَا يُبَعْنَ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ أُرِقَّهُنَّ فَقَالَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ رَأْيُك فِي رَأْيِ عُمَرَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَأْيِك وَحْدَك، ثُمَّ أَجْمَعَ التَّابِعُونَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِجَوَازِ الْبَيْعِ يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ فَيُبْطِلُهُ الثَّانِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا لَمْ يَرْتَفِعْ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ بِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ كَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي فَصْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، فَلَا يَفْسَخُهُ الثَّانِي وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فِي آخِرِ فُصُولِ الْإِجْمَاعِ مِنْ كِتَابِ التَّقْوِيمِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ رَوَى عَنْهُمْ جَمِيعًا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لَمْ يَجُزْ وَذَكَرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَازِلِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَوْ قَضَى قَاضٍ بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ رَفَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَمْ يُنْفِذْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعَتْ عَلَى فَسَادِهِ وَصَحَّ رُجُوعُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا آيَةُ الطَّلَاقِ وَالْعَمَلُ بِالْمَنْسُوخِ حَرَامٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْمُتْعَةِ نَافِذٌ لَكِنَّ هَذَا شَاذٌّ لَا يُعْمَلُ بِهِ، وَهَذَا فِي لَفْظِ الْمُتْعَةِ بِأَنْ قَالَ أَتَمَتَّعُ بِك إلَى أَجَلٍ فَأَمَّا إذَا قَالَ تَزَوَّجْتُك إلَى شَهْرٍ عِنْدَنَا بَطَلَ النِّكَاحُ وَعِنْدَ زُفَرَ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ التَّوْقِيتُ فَكَانَ هَذَا مَوْضِعَ الِاجْتِهَادِ اهـ.

[القضاء بشهادة الزور]

وَالْمُؤَقَّتِ أَوْ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَبْدٍ مُعْتَقِ الْبَعْضِ أَوْ بِلُزُومِ ثَمَنٍ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَوْ بِجَوَازِ نِكَاحِ الْجَدَّةِ أَوْ امْرَأَةِ الْجَدِّ أَوْ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ بِمُضِيِّ سِنِينَ أَوْ بِجَوَازِ بَيْعِ جَنِينٍ ذُبِحَتْ أُمُّهُ وَمَاتَ فِي بَطْنِهَا أَوْ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِلْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الثَّانِي أَوْ إبْطَالِ عَفْوِ الْمَرْأَةِ عَنْ الْقَوَدِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى حُبْلَى أَوْ حَائِضٍ قَبْلَ الدُّخُولِ. كُلُّ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِوُقُوعِهِ بَاطِلًا، وَلَا يَنْفُذُ بِالتَّنْفِيذِ وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى، لَوْ قَضَى بِجَوَازِهِ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي قَضِيَّةٍ فِي عَصْرٍ، ثُمَّ أَجْمَع الْعُلَمَاءُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي عَصْرٍ آخَرَ بَعْدَهُمْ هَلْ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ أَمْ لَا فَعِنْدَهُ يَرْتَفِعُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ خِلَافُ الْمُتَقَدِّمِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْتَفِعُ فَيَكُونُ خِلَافُهُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَرْتَفِعُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِيهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ ضَعِيفٌ فَيَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِخِلَافِهِ لِضَعْفِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الْأَمْلَاكِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ سَبَبُهَا مُعَيَّنًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ لَا يَنْفُذُ إلَّا ظَاهِرًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَهُمْ أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ وَكَمَا إذَا قَضَى بِنِكَاحٍ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَةٍ وَهِيَ مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ أَوْ مُعْتَدَّتَهُ وَكَمَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ شَاهِدَكِ زَوَّجَاكِ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَوْ لَمْ يَنْفُذْ بَاطِنًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَبْدٍ مُعْتَقِ الْبَعْضِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِدَامَةُ الرِّقِّ فِيهِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا قَالَ بَعْضُهُمْ يَخْرُجُ إلَى الْعِتْقِ بِالسِّعَايَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِلْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الثَّانِي)؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ حَدِيثُ الْعُسَيْلَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَظِيرُ خِلَافِ الْإِجْمَاعِ مَا إذَا قَضَى بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ كَانَ لِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَنْقُضَهُ كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ اخْتِلَافُ الشَّافِعِيِّ. اهـ. . [الْقَضَاء بِشَهَادَةِ الزُّور] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ بِنَفَاذِ الْحُكْمِ ظَاهِرًا أَنْ يَثْبُتَ فِيمَا بَيْنَنَا مِثْلَ ثُبُوتِ التَّمْكِينِ وَالنَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ مِنْ نَفَاذِهِ بَاطِنًا ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ النَّفَاذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِيمَا إذَا كَانَ الدَّعْوَى بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ أَيْ الْمُطْلَقَةِ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِدُونِ سَبَبٍ وَفِي الْأَسْبَابِ كَثْرَةٌ فَتَعَذَّرَ تَعْيِينُ سَبَبٍ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذُكِرَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَأَجْمَعُوا أَنَّ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ أَيْ الْمُطْلَقَةِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا وَأَجْمَعُوا أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ ظَهَرُوا عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ كُفَّارًا يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ، ثُمَّ أَنْكَرَ وَحَلَفَ وَقَضَى بِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْخُلَاصَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يَنْفُذُ بَاطِنًا فِي الطَّلَاقِ، وَهُوَ لَيْسَ بِعَقْدٍ وَلَا فَسْخٍ وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهِ الزَّوْجُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كُلُّ شَيْءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي فِي الظَّاهِرِ فَهُوَ فِي الْبَاطِنِ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا اتِّفَاقًا حَتَّى لَا يَحِلَّ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ وَطْؤُهَا اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ لَا يَنْفُذُ إلَّا ظَاهِرًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ) وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ تَصْحِيحَ الْقَضَاءِ عَلَى وِفَاقِ الْحُجَّةِ وَهَذِهِ الْحُجَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ كَذَبَتْ وَالْكَذِبُ بَاطِلٌ، فَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بَاطِنًا، وَلَكِنَّ الْعَدَالَةَ الظَّاهِرَةَ دَلِيلُ الصِّدْقِ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَتْ حُجَّةً مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الْعَمَلِ ظَاهِرًا فَأَمَّا ثُبُوتُ حَقِيقَةِ التَّنْفِيذِ فَمُمْتَنِعٌ لِانْعِدَامِ دَلِيلِهِ، وَهُوَ الْحُجَّةُ الصَّحِيحَةُ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حُجَّةَ الْقَضَاءِ قَامَتْ وَافْتُرِضَ عَلَى الْقَاضِي الْعَمَلُ بِهَا بِحَيْثُ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الصِّدْقِ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ فِي حَقِّ الْقَاضِي، وَوُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى ذَلِكَ فَصَارَتْ سَاقِطَةَ الْعِبْرَةِ وَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ دَلِيلَ الصِّدْقِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ الْعَدَالَةُ، فَإِذَا وُجِدَ فَقَدْ قَامَ دَلِيلٌ أَوْجَبَ الشَّرْعُ الْعَمَلَ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الِاجْتِهَادِ يَكُونُ حُجَّةً فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ، فَإِذَا بَنَى الْقَاضِي الْقَضَاءَ عَلَى مَا جُعِلَ فِي الشَّرْعِ دَلِيلًا يَجِبُ صَوْنُ قَضَائِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ مَا أَمْكَنَ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ مُضَافًا إلَيْهِ قَالَ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وَقَالَ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، فَإِذَا قَضَى بِمَا رَضِيَ مِنْ الشُّهَدَاءِ فَقَدْ قَضَى بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَةُ الْقَضَاءِ فِي الْعُقُودِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا إذَا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَهِيَ تَجْحَدُ وَأَقَامَ عَلَيْهَا شَاهِدَيْ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا حَلَّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَحَلَّ لِلْمَرْأَةِ التَّمْكِينُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ، وَهُوَ يَجْحَدُ. وَمِنْهَا إذَا قَضَى بِالْبَيْعِ بَيْنَهُمَا بِشَهَادَةِ الزُّورِ، وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَدَّعِيَ عَلَى غَيْرِهِ أَنَّك بِعْت مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَيَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا فِي الْوَجْهَيْنِ. وَصُورَةُ الْقَضَاءِ فِي الْفُسُوخِ كَثِيرَةٌ أَيْضًا مِنْهَا إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَسْخَ الْعَقْدِ وَأَقَامَ بَيِّنَةَ زُورٍ فَفَسْخَ الْقَاضِي يَحِلُّ لِلْبَائِعِ وَطْءُ الْجَارِيَةِ وَمِنْهَا إذَا ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَقَامَتْ بَيِّنَةَ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الثَّانِي الْوَطْءُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ اهـ

[القضاء على غائب]

كَانَ تَمْهِيدًا لِلْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ عَهِدْنَا نُفُوذَ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّفْرِيقَ بِاللِّعَانِ يَنْفُذُ بَاطِنًا وَأَحَدُهُمَا كَاذِبٌ بِيَقِينٍ، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَتَحَالَفَا يَفْسَخُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا الْبَيْعَ فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ بَاطِنًا حَتَّى يَحِلَّ لِلْبَائِعِ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ فَكَذَا فِي كُلِّ الْفُسُوخِ وَالْعُقُودِ، وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا ذَكَرُوا لِأَنَّا نَجْعَلُ حُكْمَ الْحَاكِمِ إنْشَاءً وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ قَابِلًا. فَإِذَا كَانَتْ تَحْتَ زَوْجٍ أَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً لَا يُقْبَلُ الْإِنْشَاءُ وَإِنَّمَا لَا يُشْتَرَطُ الشُّهُودُ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مُقْتَضًى فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الْقَضَاءِ وَمَا ثَبَتَ اقْتِضَاءً لَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهُ وَشَهَادَةُ الْعَبِيدِ وَنَحْوِهِمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَصْلًا بِخِلَافِ الْفُسَّاقِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُمْ حُجَّةً وَإِنَّمَا لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ؛ لِأَنَّ فِي أَسْبَابِ الْمِلْكِ تَزَاحُمًا وَلَيْسَ تَعْيِينُ الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ وَإِثْبَاتُ الْمِلْكِ مُطْلَقًا بِغَيْرِ سَبَبٍ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْبَشَرِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى سَبَبًا مُعَيَّنًا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِقَالَةِ وَالْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ، وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا فِي الْبَيْعِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ التَّبَرُّعَاتِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَالْبَيْعُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ تَبَرُّعٌ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي رِوَايَةٍ يَنْفُذُ لِأَنَّ النُّفُوذَ فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الْقَضَاءِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرَائِطُهُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِمَحَلٍّ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ لَيْسَ بِتَبَرُّعٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ وَالْعَبْدَ الْمَأْذُونَ يَمْلِكَانِهِ وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا أَبَانَهَا بِثَلَاثٍ أَوْ بِوَاحِدَةٍ فَجَحَدَ الزَّوْجُ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَحَلَفَ إنْ عَلِمَتْ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَتْ لَا يَسَعُهَا الْإِقَامَةُ مَعَهُ، وَلَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مِيرَاثِهِ شَيْئًا وَهَذَا لَا يُشْكِلُ فِيمَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا لِبُطْلَانِ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْإِنْشَاءِ قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ، وَفِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ إنْشَاءَ النِّكَاحِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْإِنْشَاءُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِنْشَاءَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالنِّكَاحِ وَهُنَا لَمْ يَقْضِ بِهِ لِاعْتِرَافِ الزَّوْجَيْنِ بِالنِّكَاحِ إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ ادَّعَتْ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا وَعَجَزَتْ عَنْ إثْبَاتِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَيَبْقَى مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ فَلَمْ يَحْتَجْ الْقَاضِي إلَى الْقَضَاءِ بِالنِّكَاحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ أَوْ يَكُونَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ كَمَنْ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبَ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى لِهِنْدٍ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ بِالنَّفَقَةِ وَأَبُو سُفْيَانَ غَائِبٌ فَقَالَ لَهَا خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ حُضُورِ خَصْمٍ وَلِأَنَّ الْحُجَّةَ وُجِدَتْ عَلَى التَّمَامِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ كَاسْمِهَا فَجَازَ الْقَضَاءُ بِهَا كَمَا إذَا كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا وَلَنَا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَقْضِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ فَإِنَّك إذَا سَمِعْت كَلَامَ الْآخَرِ عَلِمْت كَيْفَ تَقْضِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ. وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ، وَلَا مُنَازَعَةَ هُنَا لِعَدَمِ الْإِنْكَارِ، فَلَا يَصِحُّ وَلِأَنَّ وَجْهَ الْقَضَاءِ يَشْتَبِهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقِرَّ الْخَصْمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُنْكِرَ وَأَحْكَامُهَا مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّهُ بِالْإِقْرَارِ يَقْتَصِرُ وَبِالْبَيِّنَةِ يَتَعَدَّى، فَلَا يَجُوزُ مَعَ الِاشْتِبَاهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ فَإِنَّك إذَا سَمِعْت كَلَامَ الْآخَرِ عَلِمْت كَيْفَ تَقْضِي» فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِوَجْهِ الْقَضَاءِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ وَأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ يَمْنَعُ الْقَضَاءَ وَأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِكَلَامِهِمَا وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَكُونُ حُجَّةً إلَّا إذَا عَجَزَ الْمُنْكِرُ عَنْ الطَّعْنِ فِي الشُّهُودِ وَمَعَ غَيْبَتِهِ لَا يَتَحَقَّقُ عَجْزُهُ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً، وَلَا حُجَّةَ لَهُمَا فِي حَدِيثِ هِنْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً وَإِنَّمَا كَانَتْ فَتْوَى أَوْ إعَانَةً لَهَا عَلَى أَخْذِ مَالِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَمْ تَدَّعِ الزَّوْجِيَّةَ وَلَمْ تُقِمْ الْبَيِّنَةَ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَالِمًا بِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ أَصْلًا، وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» لَيْسَ لَهُمَا فِيهِ حُجَّةٌ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ لَنَا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ اسْمٌ لِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْبَيَانُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَلَا فِي حَقِّ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ عَالِمٌ بِحَقِّهِ وَالْقَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ) وَإِنَّمَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ إذَا كَانَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَيْسَ فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي، فَلَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةَ زُورٍ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَ مِنْهُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ وَقَبَضَهَا مِنْهُ، وَهُوَ فِي يَده بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بَاطِنًا عِنْدَهُمَا وَهَلْ يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَنْفُذُ كَمَا فِي الشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مُعَيَّنٌ يَدَّعِيه الْمُدَّعِي وَأَمْكَنَ الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ بِالسَّبَبِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ كَمَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ. اهـ. . [الْقَضَاء عَلَى غَائِب] (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقِرَّ الْخَصْمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُنْكِرَ) بَلْ الظَّاهِرُ مِنْهُ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ صَادِقٌ ظَاهِرًا لِوُجُودِ دِينِهِ وَعَقْلِهِ الصَّارِفَيْنِ عَنْ الْكَذِبِ الدَّاعِيَيْنِ إلَى الصِّدْقِ، فَإِذَا كَانَ الْمُدَّعِي صَادِقًا لَا يُنْكِرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الصِّدْقَ لِدِينِهِ وَعَقْلِهِ، فَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ الْإِقْرَارَ لَا يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَأَحْكَامُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ) فَحُكْمُ الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ أَنْ يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَيَظْهَرُ فِي الزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَحُكْمُ الْقَضَاءِ بِالْإِقْرَارِ خِلَافُ ذَلِكَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ يَمْنَعُ الْقَضَاءَ) وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ أَنَّهُ شَرْطٌ فَلْيُنْظَرْ اهـ. قَوْلُهُ عِنْد قَوْلِهِ يَعْنِي فِي الْمَتْن الَّذِي تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَالِمًا بِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ أَصْلًا) وَمِمَّا يُرَجِّحُهُ وُقُوعُ الِاسْتِفْهَامِ فِي الْقِصَّةِ فِي قَوْلِهَا هَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَوَّضَ إلَيْهَا تَقْدِيرَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ كَانَ قَضَاءً لَمْ يُفَوِّضْهُ إلَى الْمُدَّعِي وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْلِفْهَا عَلَى مَا ادَّعَتْ وَلَا كَلَّفَهَا الْبَيِّنَةَ اهـ.

بَانَ لَهُ بِكَلَامِ الْمُدَّعِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُنَازِعٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّ الْخَصْمِ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَزُكِّيَتْ بَيِّنَتُهُ، ثُمَّ غَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ هُوَ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ إعَادَتِهَا. وَكَذَا إذَا غَابَ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَغَابَ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ فَوَصَّى عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَطْعَنَ الْبَيِّنَةَ فَيَبْطُلُ بِهِ دُونَ الْإِقْرَارِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ أَيْضًا، ثُمَّ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ قَدْ يَكُونُ بِإِنَابَتِهِ أَوْ بِإِنَابَةِ الشَّرْعِ كَالْوَصِيِّ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَكِلَاهُمَا ظَاهِرٌ، وَقَدْ يَكُونُ حَكَمًا وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيه عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِيه عَلَى الْحَاضِرِ وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيه عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ شَيْئًا وَاحِدًا مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ دَارًا فِي يَدِ إنْسَانٍ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ وَادَّعَى الْمُنْكِرُ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ أَوْ ادَّعَى فِي دَارٍ فِي يَدِ إنْسَانٍ شُفْعَةً؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ، وَقَالَ ذُو الْيَدِ الدَّارُ دَارِي لَمْ أَشْتَرِهَا مِنْ أَحَدٍ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَ ائْبَ أَوْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ دَيْنًا عَلَى أَنَّهُ كَفِيلٌ عَنْ الْغَائِبِ بِأَمْرِهِ فَأَقَرَّ الْحَاضِرُ بِالْكَفَالَةِ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَيَثْبُتُ الْحَقُّ عَلَى الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ حَتَّى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَزِمَهُ، وَلَا يَحْتَاجُ لِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيه عَلَيْهِمَا شَيْئَيْنِ مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ الْقَاذِفُ أَنَّهُ عَبْدُ فُلَانٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ فَأَقَامَ الْمَقْذُوفُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ مَوْلَاهُ الْغَائِبَ قَدْ أَعْتَقَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَوْطًا أَوْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الشَّاهِدَانِ عَبْدَانِ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ مَوْلَاهُمَا أَعْتَقَهُمَا وَهُوَ يَمْلِكُهُمَا فَإِنَّ بَيِّنَتَهُ تُقْبَلُ وَيَثْبُتُ الْعِتْقُ عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّيْنِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ إذْ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الشَّهَادَةِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ الْحُرِّ وَحَدُّ الْحُرِّ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْأَحْرَارِ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ شَرِيكَهُ الْغَائِبَ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ، وَقَالَ انْقَلَبَ نَصِيبِي مَالًا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْحَقَّيْنِ يَنْفَكُّ عَنْ الْآخَرِ لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ وَتُقْبَلُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ بِنَقْلِ امْرَأَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ إلَيْهِ فَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ طَلَّقَهَا فَإِنَّهَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ الْيَدِ عَنْهُمَا فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَنْقُلَهُمَا، وَلَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، فَلَا يَقَعَانِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ مَوْلَاهَا زَوَّجَهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَأَرَادَ رَدَّهَا بِعَيْبِ الزَّوَاجِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَزَالَ الْعَيْبُ، وَلَوْ كَانَ مَا يَدَّعِيه عَلَى الْغَائِبِ شَرْطًا لِمَا يَدَّعِيه عَلَى الْحَاضِرِ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ يَتَضَرَّرُ بِالشَّرْطِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا إنَّك عَلَّقَتْ طَلَاقِي بِطَلَاقِ فُلَانٍ الْغَائِبِ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَضَرَّرُ تُقْبَلُ بِأَنْ قَالَتْ عَلَّقْتَ طَلَاقِي بِدُخُولِ فُلَانٍ الْغَائِبَ الدَّارَ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا تُقْبَلُ مُطْلَقًا كَمَا فِي السَّبَبِ مِنْهُمْ عَلَى الْبَزْدَوِيِّ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي كَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَى السَّبَبِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْطِ أَيْضًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْرِضُ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ وَيَكْتُبُ الصَّكَّ لَا الْوَصِيُّ وَالْأَبُ)؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَالِ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ وَالْوَصِيُّ وَالْأَبُ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى ذَلِكَ فَيَضْمَنَانِ بِإِقْرَاضِ مَالِ الصَّغِيرِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ تَبَرُّعٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ فِيهِ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ، فَلَا يَمْلِكَانِهِ وَلِأَنَّهُ بِإِقْرَاضِهِمَا يَكُونُ عَلَى شَرَفِ التَّوَى بِأَنْ يَجْحَدَ الْمُسْتَقْرِضُ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ وَتُرَدُّ شُهُودُهُ لِأَنَّ كُلَّ مُسْتَقْرِضٍ غَيْرُ مُؤْتَمَنٍ، وَلَا كُلَّ شَاهِدٍ مَقْبُولٌ، وَلَا كُلَّ قَاضٍ عَادِلٌ بِخِلَافِ إقْرَاضِ الْقَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَغَابَ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فِي بَابِ الِاسْتِحْلَافِ، وَلَوْ أَقَرَّ وَغَابَ قَضَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَضَاءُ إعَانَةٍ، وَلَوْ أُقِيمَ الْبَيِّنَةُ فَلَمْ تُزَكَّ فَغَابَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَزُكِّيَتْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ حَالَ غَيْبَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْجَرْحِ فِي الشُّهُودِ اهـ. (قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيه عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ شَيْئًا وَاحِدًا مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ إلَخْ) وَفِي هَذَا الْقِسْمِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبَ) أَيْ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَإِنَّهُ قَضَى بِهَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الدَّارُ اهـ وَأَيْضًا فَمَا ادَّعَاهُ عَلَى الْغَائِبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ الشِّرَاءُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ مَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْمَالِكِ سَبَبٌ لَا مَحَالَةَ لِمِلْكِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبَ) أَيْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَأَنَّهُ شَفِيعُهَا يَقْضِي بِالشِّرَاءِ فِي حَقِّ ذِي الْيَدِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَتَّى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَزِمَهُ) أَيْ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالثَّانِي) أَيْ النَّوْعُ الثَّانِي اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَمَسَائِلُهُ ثَلَاثٌ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَوْطًا) أَيْ فَتُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَيُقْضَى بِالْعِتْقِ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِب جَمِيعًا حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَمْكَنَ الْعِتْقُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ وَإِنْ ادَّعَى شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ حَدًّا كَامِلًا وَعَلَى الْغَائِبِ عِتْقًا لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْعِتْقُ سَبَبًا لِثُبُوتِ مَا يُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ الْحَدِّ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْعِتْقِ بِحَالٍ فَيُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ جَمِيعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ الْبَيِّنَةَ إلَخْ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالثَّالِثَةُ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ غَابَ أَحَدُهُمَا وَادَّعَى الْحَاضِرُ عَلَى الْقَاتِلِ أَنَّ الْغَائِبَ عَفَا عَنْ نَصِيبِهِ فَانْقَلَبَ نَصِيبِي مَالًا وَأَنْكَرَ الْقَاتِلُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِهَا عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا.

[باب التحكيم]

حَيْثُ يَكُونُ الْإِقْرَاضُ أَحْسَنُ تَصَرُّفٍ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ كَثِيرُ الِاشْتِغَالِ، فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُبَاشِرَ الْحِفْظَ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ إلَى أَمِينِهِ وَدَفْعُهُ إلَيْهِ بِطَرِيقِ الْقَرْضِ أَنْظَرُ لِلْيَتِيمِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ إنْ هَلَكَتْ تَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيُؤْمَنُ التَّوَى بِجُحُودِ الْمُسْتَقْرِضِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي وَلِكَوْنِهِ لَا يُقْرِضُهُ لِدِيَانَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِأَحْوَالِ النَّاسِ إلَّا مِنْ أَمِينٍ يُؤْمَنُ، وَلَا يُخَافُ مِنْهُ الْجُحُودُ وَإِنَّمَا يَكْتُبُهُ فِي الصَّكِّ لِيَحْفَظَهُ؛ لِأَنَّهُ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ يُخَافُ أَنْ يَنْسَاهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْأَبِ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ قَرْضًا لِنَفْسِهِ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قِيلَ لَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الَّذِينَ أَقْرَضَهُمْ مَالَ الْأَيْتَامِ حَتَّى لَوْ اخْتَلَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَخَذَ مِنْهُ الْمَالَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِاسْتِخْلَاصِ لَكِنْ إنَّمَا يَقْدِرُ مِنْ الْغَنِيِّ لَا مِنْ الْفَقِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ الْمُعْسِرَ ابْتِدَاءً فَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ عِنْدَهُ انْتِهَاءً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ التَّحْكِيمِ] (بَابُ التَّحْكِيمِ) لَمَّا كَانَ الْمُحَكَّمُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحُكَّامِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي وَهُوَ جَائِزٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] نَزَلَتْ فِي تَحْكِيمِ الزَّوْجَيْنِ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَرَكَهُمْ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَكَّمَا رَجُلًا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فَحَكَمَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَدِيَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ صَحَّ لَوْ صَلَحَ الْمُحَكَّمُ قَاضِيًا) لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا وَلِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةَ أَنْفُسِهِمَا فَصَحَّ تَحْكِيمُهُمَا وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ فِي حَقِّهِمَا وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَوْ النُّكُولِ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ وَشَرَطَ لِنُفُوذِ حُكْمِهِ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَدِيَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ تَحْكِيمَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى دَمِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ إبَاحَتَهُ، وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ مِنْ حَكَّمَاهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَلَا عَلَى الْقَاتِلِ لِعَدَمِ الْتِزَامِ الْعَاقِلَةِ حُكْمَهُ وَلِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا عَلَى الْقَاتِلِ، وَلَوْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ ثَبَتَ جِرَاحَتُهُ بِبَيِّنَةٍ وَأَرْشُهَا أَقَلُّ مِمَّا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ خَطَأً كَانَتْ الْجِرَاحَةُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَوْ كَانَ قَدْرُ مَا تَتَحَمَّلُهُ، وَلَكِنَّ الْجِرَاحَةَ كَانَتْ عَمْدًا لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ نَفَذَ حُكْمُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُهُ. وَأَجَازَ فِي الْمُحِيطِ التَّحْكِيمَ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فِيمَا بَيْنَهُمَا فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي حَتَّى لَوْ حَكَّمَا كَافِرًا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَوْ صَبِيًّا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ قَاضِيًا لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فَكَذَا حُكْمًا، وَإِنْ حَكَّمَا فَاسِقًا أَوْ امْرَأَةً جَازَ كَمَا فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ، وَكَذَا الْكَافِرُ فِي حَقِّ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ الْقَضَاءَ لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَكِّمِينَ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ حُكْمِهِ) لِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ مِنْ جِهَتِهِمَا فَكَانَ لَهُمَا عَزْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا كَمَا أَنَّ الْمُقَلِّدَ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا يُقَالُ إنَّ التَّحْكِيمَ ثَبَتَ بِتَرَاضِيهِمَا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ عَزْلُهُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا لِأَنَّا نَقُولُ التَّحْكِيمُ مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ فَيَسْتَبِدُّ أَحَدُهُمَا بِنَقْضِهِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَاتِ وَالشَّرِكَاتِ وَالْوَكَالَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ حَكَمَ لَزِمَهُمَا) لِأَنَّ حُكْمَهُ صَدَرَ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ عَلَيْهِمَا كَالْقَاضِي إذَا حَكَمَ لَزِمَ، ثُمَّ بِالْعَزْلِ لَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ فَكَذَا هَذَا وَلِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَكُونُ دُونَ صُلْحٍ جَرَى بَيْنَهُمَا بِتَرَاضِيهِمَا، وَفِيهِ لَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ بَعْدَ تَمَامِهِ. فَهَذَا أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَمْضَى الْقَاضِي حُكْمَهُ إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ) يَعْنِي إذَا رَفَعَا حُكْمَهُ إلَيْهِ وَتَحَاكَمَا عِنْدَهُ نَفَّذَهُ إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ إبْرَامِهِ، ثُمَّ فَائِدَةُ هَذَا الْإِمْضَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ لِقَاضٍ آخَرَ يَرَى خِلَافَهُ نَقْضَهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ إمْضَاءَهُ بِمَنْزِلَةِ قَضَائِهِ ابْتِدَاءً، وَلَوْ لَمْ يُمْضِهِ لَنَقَضَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا أَبْطَلَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يُوَافِقْ مَذْهَبَهُ أَبْطَلَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ إقراض الْقَاضِي مَال الْيَتِيم] بَابُ التَّحْكِيمِ) (قَوْلُهُ لَمَّا كَانَ الْمُحَكَّمُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحُكَّامِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ) أَيْ إلَّا أَنَّهُ أَخَّرَ ذِكْرَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ أَدْنَى حَالًا مِنْ حُكْمِ الْقَاضِي وَلِهَذَا إذَا خَالَفَ حُكْمُهُ مَذْهَبَ الْقَاضِي الَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ أَبْطَلَهُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْقَاضِي فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَلَا يَجُوزُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِيهِمَا وَيَجُوزُ حُكْمُ الْقَاضِي رَضِيَ الْخَصْمُ أَوْ لَا، وَلَا يَجُوزُ حُكْمُ الْحَكَمِ إلَّا بَعْدَ رِضَا الْخَصْمَيْنِ يُقَالُ حَكَّمَهُ أَيْ فَوَّضَ الْحُكْمَ إلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى الْعَائِلَةِ) يَعْنِي لَوْ حَكَّمَاهُ فِي دَمٍ خَطَأٍ فَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ لَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ)، وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ) أَيْ نَقُولَ يَجُوزُ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْعَقْدُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا، ثُمَّ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْمُشَارَكَةِ. اهـ. غَايَةٌ

[باب مسائل شتى]

لَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ التَّحْكِيمِ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَفَعَ إلَيْهِ حُكْمَ حَاكِمٍ حَيْثُ لَا يُبْطِلُهُ، وَإِنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً؛ لِأَنَّ مُقَلِّدَهُ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً فَكَانَ نَائِبُهُ لَهُ فَيَكُونُ قَضَاؤُهُ حُجَّةً فِي حَقِّ الْكُلِّ، فَلَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ نَقْضِهِ كَحُكْمِ الْإِمَامِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُحَكَّمِ لِأَنَّهُ بِاصْطِلَاحِ الْخَصْمَيْنِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ حُكْمُهُ بِمَنْزِلَةِ اصْطِلَاحِهِمَا فِي الْمُجْتَهَدَاتِ حَتَّى كَانَ لَهُ نَقْضُ اصْطِلَاحِهِمَا إذَا رَأَى خِلَافَ ذَلِكَ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا لِأَنَّهُ أَعْطَى لَهُ حُكْمَ الْقَاضِي فِي حَقِّهِمَا حَتَّى اشْتَرَطَ فِيهِ شَرَائِطَ الْقَضَاءِ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمَا كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُوَلَّى مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ مَا لَمْ يُخَالِفْ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا. وَلَوْ أَخْبَرَ هَذَا الْمُحَكَّمُ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ وَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ قَائِمَةٌ، وَإِنْ أَخْبَرَ بِالْحُكْمِ لَا يُقْبَلُ لِانْقِضَاءِ الْوِلَايَةِ هَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُحَكَّمُ بَيْنَهُمَا لِأَحَدِهِمَا قَدْ أَقْرَرْت عِنْدِي لِهَذَا بِكَذَا وَكَذَا أَوْ قَامَتْ عِنْدِي بَيِّنَةٌ عَلَيْك بِكَذَا وَكَذَا فَعَدَلُوا، وَقَدْ أَلْزَمْتُك ذَلِكَ وَحَكَمْت عَلَيْك بِهِ لِهَذَا وَأَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَقَرَّهُ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِشَيْءٍ نَفَذَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُحَكَّمَ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ كَالْقَاضِي الْمُوَلَّى إذَا قَالَ فِي حَالِ قَضَائِهِ لِإِنْسَانٍ قَضَيْت عَلَيْك لِهَذَا بِإِقْرَارِك أَوْ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عِنْدِي بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ حَكَّمَا رَجُلًا مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ، وَقَالَا لَمْ تَحْكُمْ بَيْنَنَا، وَقَالَ الْحَكَمُ حَكَمْتُ فَالْحُكْمُ مُصَدَّقٌ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ؛ لِأَنَّهُ حَكَى مَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ فَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ وَجَعَلَ إقْرَارَهُ كَإِنْشَاءِ الْحُكْمِ، وَلَا يُصَدَّقُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْحُكْمِ، وَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ، وَقَالَ فِيهِ الْمُحَكَّمُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ الْحُكُومَةِ بِأَحَدِ أَسْبَابٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا بِالْعَزْلِ أَوْ بِانْتِهَاءِ الْحُكُومَةِ نِهَايَتِهَا بِأَنْ كَانَ مُؤَقَّتًا فَمَضَى الْوَقْتُ أَوْ بِخُرُوجِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ بِأَنْ عَمِيَ أَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلَوْ غَابَ أَوَأُغْمِيَ عَلَيْهِ وَبَرِئَ مِنْهُ أَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ حُبِسَ كَانَ عَلَى حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُبْطِلُ الشَّهَادَةَ، فَلَا تُبْطِلُ الْحُكُومَةَ. وَكَذَا لَوْ وَلِيَ الْقَضَاءَ، ثُمَّ عُزِلَ عَنْهُ فَهُوَ عَلَى حُكُومَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَةِ الْمُحَكِّمِينَ وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْ جِهَةِ الْوَالِي وَوِلَايَةُ الْحُكُومَةِ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُحَكِّمِينَ لَا مِنْ جِهَةِ الْوَالِي، وَكَذَا لَوْ حَكَمَ بَيْنَهُمَا فِي بَلَدٍ آخَرَ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّحْكِيمَ حَصَلَ مُطْلَقًا فَكَانَ لَهُ الْحُكُومَةُ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا، وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ جَازَ، وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا حَتَّى لَوْ حَكَمَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ حُكْمُهُ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ كَحُكْمِ الْقَاضِي بِخِلَافِ حُكْمِهِ عَلَيْهِمْ) أَيْ يَبْطُلُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ لِهَؤُلَاءِ كَمَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ لَهُمْ بِخِلَافِ حُكْمِهِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِحُكْمِهِ لَهُمْ فَيَبْطُلُ دُونَ حُكْمِهِ عَلَيْهِمْ وَهَذَا كَالشَّهَادَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ وَيَجُوزُ عَلَيْهِمْ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ لِأَبِي امْرَأَتِهِ وَأُمِّهَا، وَكَذَا لِامْرَأَةِ ابْنِهِ أَوْ لِزَوْجِ ابْنَتِهِ إذَا كَانَ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِالْحَيَاةِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ جَائِزَةٌ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَهُمْ قَضَاءٌ لِزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ إذَا كَانُوا يَتَوَارَثُونَ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَتَوَارَثُونَ جَازَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ لِلْإِخْوَةِ وَأَوْلَادِهِمْ وَالْأَعْمَامِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ لَهُمْ جَائِزَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَهُوَ حَسْبِي وَنَعَمْ الْوَكِيلِ. (بَابُ مَسَائِلَ شَتَّى) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَتِدُ ذُو سُفْلٍ فِيهِ، وَلَا يَنْقُبُ كَوَّةً بِلَا رِضَا ذِي الْعُلْوِ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ سُفْلٌ وَلِآخَرَ عُلُوٌّ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتَدًا، وَلَا يَنْقُبَ فِيهِ كُوَّةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَصْنَعُ فِيهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعُلْوِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْعُلْوِ بَيْتًا أَوْ يَضَعَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ قَائِمَةٌ وَإِنْ أَخْبَرَ بِالْحُكْمِ لَا يُقْبَلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْبَرَ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ وَهُمَا عَلَى تَحْكِيمِهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْ قَوْلُ الْمُحَكَّمِ ذَكَرَهُ تَفْرِيعًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ يَعْنِي إذَا قَالَ الْحَكَمُ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ قَدْ أَقْرَرْتَ عِنْدِي بِكَذَا أَوْ قَالَ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْك وَأَلْزَمْتُك بِالْحُكْمِ وَأَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ فَالْحُكْمُ مَاضٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُنْفِذَ التَّحْكِيمَ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ وَالْمَجْلِسُ بَاقٍ، فَإِذَا قَالَ حَكَمْت صُدِّقَ وَإِنْ قَالَ الْحَكَمُ كُنْت حَكَمْت بِكَذَا لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَكَمَ صَارَ مَعْزُولًا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَعْزُولِ أَنِّي حَكَمْتُ عَلَيْهِ بِكَذَا وَلِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ صَارَ قَضَاؤُهُ كَالْقَاضِي بَعْدَ الْعَزْلِ إذَا قَالَ قَضَيْت بِكَذَا لَا يُصَدَّقُ كَذَا هَذَا هـ. (قَوْلُهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَمْ يَجُزْ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي فَصْلِ مَنْ يُجَوِّزُ قَضَاءَ الْقَاضِي لَهُ وَيُجَوِّزُ قَضَاءَ الْقَاضِي لِأُمِّ امْرَأَتِهِ بَعْدَ مَا مَاتَتْ وَلَا يَجُوزُ إنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ حَيَّةً، وَكَذَا لَوْ قَضَى لِامْرَأَةِ أَبِيهِ بَعْدَ مَا مَاتَ الْأَبُ جَازَ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ فِي الْأَحْيَاءِ لَا يَجُوزُ. اهـ. . [بَابُ مَسَائِلَ شَتَّى] [أَرَادَ صَاحِب الْعُلُوّ أَنْ يَبْنِي عَلَى الْعُلُوّ بيتا] (بَابُ مَسَائِلَ شَتَّى) (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَتِدُ) وَتَدَ الْوَتَدَ يَتِدُهُ إذَا ضَرَبَهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَنْقُبُ كَوَّةً) بِفَتْحِ الْكَافِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ لِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْعُلْوِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَصْنَعُ فِيهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعُلْوِ) وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَ سُفْلَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِ الْعُلْوِ فِي سُكْنَاهُ الْعُلْوَ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

جُذُوعًا أَوْ يُحْدِثَ كَنِيفًا قِيلَ مَا حُكِيَ عَنْهُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ إلَّا مَا فِيهِ ضَرَرٌ مِثْلَ مَا قَالَا وَقِيلَ فِيهِ خِلَافٌ حَقِيقَةً وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُمَا الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ مُطْلَقٌ لَهُ وَالْحُرْمَةُ لِعَارِضٍ وَهُوَ الضَّرَرُ بِالْغَيْرِ فَمَا أَشْكَلَ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَعِنْدَهُ الْأَصْلُ هُوَ الْحَظْرُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَالرَّهْنِ وَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْإِطْلَاقِ لِعَارِضٍ وَهُوَ عَدَمُ الضَّرَرِ بِيَقِينٍ فَمَا أَشْكَلَ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحَظْرِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ الْمُشْكِلِ فَظَهَرَ فِيهَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ، وَلَا خِلَافَ فِيمَا لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَلَوْ انْهَدَمَ السُّفْلُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ صَاحِبِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، وَلَكِنْ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ إنْ شَاءَ وَيَبْنِيَ عَلَيْهِ عُلُوَّهُ، ثُمَّ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَيَمْنَعَهُ مِنْ السُّكْنَى فِيهِ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي ذَلِكَ فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا انْهَدَمَتْ فَبَنَاهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ إذْ هُوَ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْسِمَ عَرْصَتَهَا وَيَبْنِيَ نَصِيبَهُ، وَصَاحِبُ الْعُلْوِ لَيْسَ كَذَلِكَ حَتَّى، وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَعَلَى هَذَا لَوْ انْهَدَمَ بَعْضُ الدَّارِ أَوْ بَعْضُ الْحَمَّامِ فَأَصْلَحَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إذْ لَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ بَعْضِهِ، وَلَوْ انْهَدَمَ كُلُّهُ فَعَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَلَوْ هَدَمَ صَاحِبُ السُّفْلِ سُفْلَهُ بِنَفْسِهِ يُجْبَرُ عَلَى إعَادَتِهِ لِتَعَدِّيهِ بِمَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَالرَّاهِنِ يُعْتِقُ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ أَوْ مَوْلَى الْعَبْدِ الْجَانِي يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِعِتْقٍ أَوْ نَحْوِهِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُجْبِرَ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ شَرِيكِهِ، فَإِذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْآخَرِ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ إذْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُجْبِرَهُ وَذَلِكَ مِثْلُ كَرْيُ النَّهْرِ أَوْ إصْلَاحِ سَفِينَةٍ مَعِيبَةٍ وَفِدَاءِ الْعَبْدِ الْجَانِي، وَإِنْ لَمْ يُجْبَرْ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا كَمَسْأَلَةِ انْهِدَامِ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى حَقِّهِ أَصْلًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِالْإِصْلَاحِ فَصَارَ مُضْطَرًّا وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى قَاضِي خَانْ وَلَوْ تَصَرَّفَ صَاحِبُ السُّفْلِ فِي سَاحَةِ السُّفْلِ بِأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَعِنْدَهُمَا الْحُكْمُ مَعْلُولٌ بِعِلَّةِ الضَّرَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (زَائِغَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ يَتَشَعَّبُ عَنْهَا مِثْلُهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ لَا يَفْتَحُ فِيهَا أَهْلُ الْأُولَى بَابًا بِخِلَافِ الْمُسْتَدِيرَةِ) مَعْنَاهُ سِكَّةٌ طَوِيلَةٌ يَتَشَعَّبُ عَنْهَا سِكَّةٌ أُخْرَى طَوِيلَةٌ وَهِيَ غَيْرُ نَافِذَةٍ فَلَيْسَ لِأَهْلِ السِّكَّةِ الْأُولَى أَنْ يَفْتَحُوا بَابًا إلَى السِّكَّةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْبَابَ يُقْصَدُ لِلْمُرُورِ، وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الدُّخُولِ فِيهَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ نَافِذَةٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَهْلِهَا عَلَى الْخُصُوصِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بِيعَتْ دَارٌ مِنْهَا كَانَ حَقُّ الشُّفْعَةِ لَهُمْ لَا لِأَهْلِ الْأُولَى، فَلَوْ مُكِّنُوا مِنْ فَتْحِ الْبَابِ لَخَرَجُوا مِنْهُ إلَيْهَا إذْ لَا يُمْكِنُهُمْ الْمَنْعُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَيُخَافُ أَنْ يَسُدَّ بَابَهُ الْأَصْلِيَّ وَيَكْتَفِيَ بِالْبَابِ الْمَفْتُوحِ وَيَجْعَلَ دَارِهِ مِنْ تِلْكَ السِّكَّةِ فَيَمْنَعَ مِنْهُ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ، فَلَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ وَلِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِمْ ضَرَرٌ بِأَنْ يُضَيَّقَ عَلَيْهِمْ فَيُمْنَعَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ نَافِذَةً؛ لِأَنَّ الِاسْتِطْرَاقَ حَقُّ الْعَامَّةِ وَهُمْ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَقِيلَ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ لِأَنَّهُ رَفَعَ جِدَارَهُ وَهُوَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ كُلَّهُ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ نَقْضُ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ يُرَكَّبُ عَلَيْهِ بَابًا وَيَدَّعِي الْمُرُورَ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ فَيُسْتَدَلُّ بِالْبَابِ عَلَى أَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ قِيلَ مَا حُكِيَ عَنْهُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ إلَّا مَا فِيهِ ضَرَرٌ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ عُلُوٌّ لِرَجُلٍ وَسُفْلٌ لِآخَرَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ فِي الْعُلْوِ بِنَاءً أَوْ يَتِد وَتَدًا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ وَقَالَ صَاحِبَاهُ لَهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالسُّفْلِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إنْ ضَرَّ بِالسُّفْلِ يُمْنَعُ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ لَا يُمْنَعُ وَعِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَالْإِشْكَالِ يُمْنَعُ اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ الْأَصْلُ هُوَ الْخَطَرُ) وَقَوْلُهُ قِيَاسٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ ضَرَرٍ بِالْعُلْوِ مِنْ تَوْهِينِ بِنَاءٍ أَوْ نَقَضِهِ فَوَجَبَ نَقْضُهُ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ فِيمَا لَا إشْكَالَ فِيهِ) أَيْ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ مَا لَا يَضُرُّ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ انْهَدَمَ السُّفْلُ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ) أَيْ أَمَّا إذَا هَدَمَهُ بِنَفْسِهِ فَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي الشَّرْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ إلَخْ) وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْحَائِطِ وَعِمَارَتِهِ قَالَ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ، وَهَذَا عِنْدِي فِي غَايَةِ الْحُسْنِ إذَا كَانَ بِقَضَاءٍ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَضْمَنَ لَوْ عَلَا بِنَاءُ السُّفْلِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبِنَاءِ) قَالَ الْكَمَالُ وَاخْتُلِفَ أَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْبِنَاءِ أَوْ وَقْتَ الرُّجُوعِ وَالصَّحِيحُ وَقْتَ الْبِنَاءِ اهـ (قَوْلُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِبِنَائِهِ، فَلَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ يُجْبَرُ عَلَى إعَادَتِهِ لِتَعَدِّيهِ بِمَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ) أَيْ، وَهُوَ قَرَارُ الْعُلْوِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ كَرْيِ النَّهْرِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ كَرْيِهِ وَكَرَى الْآخَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِدَاءِ الْعَبْدِ الْجَانِي) يَعْنِي الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ إذَا جَنَى فَفَدَاهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ يُجْبَرُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ زَائِغَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ يَتَشَعَّبُ عَنْهَا مِثْلُهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ) وَالزَّائِغَةُ الْأُولَى غَيْرُ نَافِذَةٍ أَيْضًا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَ نَافِذَةٍ حَالًا مِنْ الزَّائِغَتَيْنِ جَمِيعًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لِأَهْلِ السِّكَّةِ الْأُولَى أَنْ يَفْتَحُوا بَابًا إلَخْ) وَلَكِنْ هَذَا فِيمَا إذَا أَرَادَ بِفَتْحِ الْبَابِ الْمُرُورَ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ اسْتِحْسَانًا وَإِذَا أَرَادَ بِهِ الِاسْتِضَاءَةَ أَوْ الرِّيحَ دُونَ الْمُرُورِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ كَذَا نَقَلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي الْكِتَابِ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَتَى فَتَحَ الْبَابَ فَقَدْ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ طَرِيقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمْ مَنْعُهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَزَمَانٍ حَتَّى لَوْ فَتَحَ بَابًا لِلِاسْتِضَاءَةِ وَالرِّيحِ وَنَحْوِهِ لَا يُمْنَعُ اهـ

فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ. وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَدِيرَةِ يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الزَّائِغَةُ الثَّانِيَةُ مُسْتَدِيرَةً حَيْثُ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْأُولَى فَتْحُ الْبَابِ إلَيْهَا لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مُسْتَدِيرَةً وَهِيَ الَّتِي فِيهَا اعْوِجَاجٌ حَتَّى بَلَغَ عِوَجُهَا رَأْسَ السِّكَّةِ صَارَتْ كِلْتَاهُمَا سِكَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ بَيْنَهُمْ عَلَى الشَّرِكَةِ حَتَّى إذَا بِيعَ دَارٌ فِيهَا يَجِبُ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ السِّكَّةُ الْمُسْتَدِيرَةُ غَيْرَ نَافِذَةٍ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ نَافِذَةً فَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا حَقُّ الْمُرُورِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ مَا شَاءَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ فِي دَارِهِ حَمَّامًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْجِيرَانِ وَمَا فِيهِ مِنْ النَّدَاوَةِ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِأَنْ يَبْنِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَارِهِ حَائِطًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجِيرَانَ إذَا مَا تَأَذَّوْا مِنْ دُخَانِهِ فَلَهُمْ مَنْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ دُخَانُ الْحَمَّامِ مِثْلَ دُخَانِهِمْ، وَلَوْ اتَّخَذَ دَارِهِ حَظِيرَةَ غَنَمٍ وَالْجِيرَانُ يَتَأَذَّوْنَ مِنْ نَتْنِ السِّرْقِينِ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْحُكْمِ مَنْعُهُ، وَلَوْ حَفَرَ فِي دَارِهِ بِئْرًا فَنَزَّ مِنْهَا حَائِطٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ وَقِيلَ إنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ يَقِينًا فَلَهُ مَنْعُهُ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَلَوْ أَرَادَ بِنَاءَ تَنُّورٍ فِي دَارِهِ لِلْخُبْزِ الدَّائِمِ كَمَا يَكُونُ فِي الدَّكَاكِينِ أَوْ رَحًا لِلطَّحْنِ أَوْ مِدَقَّاتٍ لِلْقَصَّارِينَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالْجِيرَانِ ضَرَرًا ظَاهِرًا فَاحِشًا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ وَتُرِكَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَوْ سَقَطَ حَائِطٌ بَيْنَ دَارَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا عَوْرَاتٌ فَطَلَبَ مِنْ جَارِهِ أَنْ يُسَاعِدَهُ فِي الْبِنَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُجْبَرُ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجْبَرُ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ قَاضِي خَانْ إنْ كَانَ الْحَائِطُ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَيَبْنِي كُلُّ وَاحِدٍ فِي نَصِيبِهِ السُّتْرَةَ لَا يُجْبَرُ وَإِلَّا أُجْبِرَ وَقِيلَ إنْ كَانَ يَقَعُ بَصَرُهُ فِي دَارِ جَارِهِ فَلَهُ مَنْعُهُ عَنْ الصُّعُودِ حَتَّى يَتَّخِذَ سِتْرَهُ، وَإِنْ كَانَ يَقَعُ فِي سَطْحِهِ فَلَا يَمْنَعُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتٍ فَسَأَلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ جَحَدَنِيهَا فَاشْتَرَيْتهَا وَبَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ الْهِبَةَ لَا يُقْبَلُ وَبَعْدَهُ يُقْبَلُ) لِوُجُودِ التَّنَاقُضِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ وَشُهُودُهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِهِ قَبْلَهَا وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُمْكِنُ إذْ الشِّرَاءُ وُجِدَ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ الْهِبَةَ، فَلَا يَكُونُ مُتَنَاقِضًا، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ جَحَدَنِي الْهِبَةَ وَالْمَسْأَلَتَانِ بِحَالِهِمَا لَا يُقْبَلُ فِي الْأُولَى وَيُقْبَلُ فِي الثَّانِيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ وَعَدَمِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ جَحَدَنِي الْهِبَةَ أَوَّلًا، وَلَا يُقَالُ فِي الثَّانِي أَيْضًا وُجِدَ التَّنَاقُضُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي شِرَاءَ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَهُ فِي وَقْتٍ بِالْهِبَةِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَمْلِكَهُ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا جَحَدَ الْهِبَةَ وَوَافَقَهُ بِالتَّرْكِ انْفَسَخَتْ الْهِبَةُ إذْ جَمِيعُ الْعُقُودِ تَنْفَسِخُ بِالْجُحُودِ إذَا وَافَقَهُ صَاحِبُهُ بِالتَّرْكِ غَيْرَ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْفَسْخَ، فَلَا يَكُونُ مُتَنَاقِضًا، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمَا تَارِيخًا أَوْ ذَكَرَ لِأَحَدِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَجْعَلَ الشِّرَاءَ مُتَأَخِّرًا وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا لَهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ وَصَاحِبُ الْيَدِ يُنْكِرُ فَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَحَلَفَ ذُو الْيَدِ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ ادَّعَى الْإِرْثَ مِنْ أَبِيهِ أَوَّلًا، ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ لَا يُقْبَلُ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ التَّنَاقُضَ إنَّمَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى إذَا لَمْ يُمْكِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي مُحِيطِهِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ بِيعَتْ فِيهَا دَارٌ فَأَهْلُهَا شُفَعَاءُ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا عِطْفٌ إنْ كَانَ مُرَبَّعًا فَأَصْحَابُ الْعِطْفِ أَوْلَى بِمَا بِيعَ فِي عِطْفِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ التَّرْبِيعِ يَصِيرُ الْعِطْفُ الْمُرَبَّعُ كَالْمُنْفَصِلِ عَنْ السِّكَّةِ؛ لِأَنَّ هَيْئَاتِ الدُّورِ فِي الْعِطْفِ الْمُرَبِّعِ تُخَالِفُ هَيْئَاتِ الدُّورِ فِي السِّكَّةِ فَصَارَ الْعِطْفُ الْمُرَبَّعُ بِمَنْزِلَةِ سِكَّةٍ أُخْرَى فَصَارَ كَسِكَّةٍ فِي سِكَّةٍ وَلِهَذَا يُمْكِنُهُ نَصْبُ الدَّرْبِ فِي أَعْلَاهُمْ وَهُمْ وَأَهْلُ السِّكَّةِ فِيمَا بِيعَ فِي السِّكَّةِ سَوَاءٌ كَمَا لَوْ بِيعَتْ دَارٌ فِي السِّكَّةِ الْعُظْمَى فَهُمْ وَأَهْلُ السِّكَّةِ الصُّغْرَى فِيهَا سَوَاءٌ فَكَذَا هُنَا وَإِنْ كَانَ الْعِطْفُ مُدَوَّرًا فَالْكُلُّ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْعِطْفَ الْمُدَوَّرَ اعْوِجَاجٌ فِي بِضْعِ السِّكَّةِ وَبِذَلِكَ لَا يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ سِكَّتَيْنِ لِأَنَّ هَيْئَاتِ الدُّورِ فِيهَا لَا تَخْتَلِفُ بِسَبَبِ الِاعْوِجَاجِ فَكَانَتْ سِكَّةً وَاحِدَةً إلَى هُنَا لَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجْبَرُ فِي زَمَانِنَا) قَالَ الْعِمَادِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَأَجْنَاسِهَا الْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ يُلْحِقُ ضَرَرًا بِالْغَيْرِ، لَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ فِي مَوْضِعٍ يَتَعَدَّى فِيهِ ضَرَرُ تَصَرُّفِهِ إلَى غَيْرِهِ ضَرَرًا بَيِّنًا وَقِيلَ بِالْمَنْعِ وَبِهِ أَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ يُقْبَلُ لِوُجُودِ التَّنَاقُضِ) إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ وَهَبَنِي مُنْذُ شَهْرٍ، ثُمَّ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ مُنْذُ سَنَةٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُمْكِنُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ وَهَبَنِي مُنْذُ شَهْرٍ، ثُمَّ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْته مِنْهُ مُنْذُ أُسْبُوعٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَتَانِ بِحَالِهِمَا) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى الْهِبَةَ فِي وَقْتٍ، ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَهُ وَلَمْ يَقُلْ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا اهـ وَقَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ فِي الْأُولَى أَيْ لِأَنَّ دَعْوَاهُ الْهِبَةَ فِي وَقْتِ إقْرَارٍ مِنْهُ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، ثُمَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ فَكَانَ مُنَاقِضًا، فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ فَأَمَّا دَعْوَاهُ الشِّرَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقَرِّرُ إقْرَارَهُ بِالْمُلْكِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا جَحَدَ الْهِبَةَ إلَخْ) انْفَسَخَتْ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَوَقَّفَ الْفَسْخُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي عَلَى رِضَاهُ، فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَقَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ الْفَسْخَ فَتَمَّ الْفَسْخُ فِيمَا بَيْنَهُمَا بِتَرَاضِيهِمَا، فَإِذَا اشْتَرَى مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ اشْتَرَى مَا لَا يَمْلِكُهُ فَصَحَّ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا لَهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ) أَيْ الْمُدَّعِي اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِي نَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ، ثُمَّ جَحَدَ أَبُوهُ الشِّرَاءَ حَتَّى مَاتَ فَوَرِثَهَا. اهـ. .

[قال لآخر اشتريت مني هذه الأمة فأنكر]

التَّوْفِيقُ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى التَّوْفِيقِ مِنْ الْمُدَّعِي وَإِلَّا فَلَا يُوَفَّقُ وَقِيلَ التَّوْفِيقُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَاهُ قِيَاسٌ وَعَدَمُ التَّوْفِيقِ بِدُونِ دَعْوَاهُ اسْتِحْسَانٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْتُ مِنِّي هَذِهِ الْأَمَةَ فَأَنْكَرَ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا إنْ تَرْكَ الْخُصُومَةَ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَ الشِّرَاءَ كَانَ ذَلِكَ فَسْخًا مِنْهُ إذْ الْجُحُودُ كِنَايَةٌ عَنْ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ وَالْجُحُودُ إنْكَارٌ لِلْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ فَكَانَ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا سَاعَدَهُ الْبَائِعُ بِتَرْكِ الْخُصُومَةِ تَمَّ الْفَسْخُ فَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا بِالْعَيْبِ إنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا بَعْدَ ذَلِكَ لِتَمَامِ الْفَسْخِ بِالتَّرَاضِي حَتَّى إذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَفِي النِّهَايَةِ إذَا عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ قَبْلَ تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الثَّانِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَنْكُلَ عِنْدَ التَّحْلِيفِ فَاعْتُبِرَ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّفْصِيلُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، فَإِنْ قِيلَ الْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ فَكَيْفَ يَكُونُ فَسْخًا قُلْنَا نَحْنُ لَا نُثْبِتُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ وَإِنَّمَا نُثْبِتُهُ بِالْعَزْمِ وَالْيَمِينِ أَوْ بِالْعَزْمِ وَالْفِعْلِ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي الْجَارِيَةِ بِالنَّقْلِ مِنْ مَوْضِعِ الْخُصُومَةِ إلَى بَيْتِهِ أَوْ بِالِاسْتِخْدَامِ أَوْ إمْسَاكِهَا بِيَدِهِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْفَسْخِ فَكَانَ فَسْخًا دَلَالَةً إذْ الْفِعْلُ قَدْ يُوجَدُ دَلَالَةً كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَجَرْتُك هَذَا الدَّابَّةَ يَوْمًا لِتَرْكَبَهَا فَأَخَذَهَا وَاسْتَعْمَلَهَا كَانَ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ وَالِاسْتِعْمَالَ لَا يَحِلُّ بِدُونِ الْقَبُولِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ زُيُوفٌ صُدِّقَ) مَعْنَاهُ إذَا قَالَ قَبَضْت مِنْهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا، وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَنَّهَا نَبَهْرَجَةٌ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَقَعُ عَلَى الْجِيَادِ وَالزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ دُونَ السَّتُّوقَةِ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِالزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ جَازَ حَتَّى فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ دُونَ السَّتُّوقَةِ، وَالْقَبْضُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِيَادِ فَيُصَدَّقُ فِي إنْكَارِهِ قَبْضَ حَقِّهِ مَعَ يَمِينِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الْجِيَادَ أَوْ حَقَّهُ أَوْ الثَّمَنَ أَوْ اسْتَوْفَى حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ؛ لِأَنَّ الزُّيُوفَ ضِدُّ الْجِيَادِ وَحَقُّهُ فِي الْجِيَادِ فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِقَبْضِ حَقِّهِ مُطْلَقًا إقْرَارًا مِنْهُ بِقَبْضِ الْجِيَادِ وَالِاسْتِيفَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ قَبْضِ الْحَقِّ بِوَصْفِ التَّمَامِ فَكَانَ عِبَارَةً عَنْ قَبْضِ حَقِّهِ أَيْضًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، ثُمَّ ادَّعَى الْعَيْبَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُتَعَيِّنٌ فِي الْبَيْعِ، فَإِذَا قَبَضَهُ فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عَيْنَ حَقِّهِ دَلَالَةً، ثُمَّ بِدَعْوَاهُ الْعَيْبَ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُنَاقِضًا، فَلَا يُقْبَلُ كَلَامُهُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ وَحَقُّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ فَبِالْإِقْرَارِ بِقَبْضِهَا لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِقَبْضِ حَقِّهِ، ثُمَّ فِي قَوْلِهِ قَبَضْت دَرَاهِمَ جِيَادًا لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا، وَفِيمَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ حَقَّهُ أَوْ اسْتَوْفَى، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ زُيُوفًا يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِمَا ذَكَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ قَالَ لِآخِرِ اشتريت مِنِّي هَذِهِ الْأَمَة فَأَنْكَرَ] قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا إنْ تَرَكَ الْخُصُومَةَ) وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَيُقَالُ هُوَ قَوْلُ زُفَرَ كَذَا قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْثُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَمَّا بَاعَهَا فَهِيَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَبِعْهَا مِنْ الْبَائِعِ أَوْ يَتَقَابَلَا وَلَنَا أَنَّ الْإِقَالَةَ قَدْ تَكُونُ بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ وَبِلَفْظِ الرَّدِّ وَبِجُحُودِهِمَا بِأَنْ تَجَاحَدَا الْبَيْعَ، ثُمَّ إذَا جَحَدَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ حَصَلَ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا عَزَمَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَاقْتَرَنَ عَزْمُهُ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ إمْسَاكُ الْجَارِيَةِ وَنَقْلُهَا مِنْ مَجْلِسِ الْخُصُومَةِ إلَى مَنْزِلِهِ وَاسْتِخْدَامُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ دَلَالَةَ الْفَسْخِ فَتَمَّ الْفَسْخُ بَيْنَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ) يَعْنِي أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ مَدْيُونِهِ بِدَيْنِ قَرْضٍ اقْتَرَضَهُ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ بَدَلِ إجَارَةٍ أَوْ قَالَ غَصَبْتُ مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ أَوْ قَالَ بَعْدَ نَعَمْ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا) وَفِي الْمَبْسُوطِ أَقَرَّ الطَّالِبُ أَنَّهُ قَبَضَ مِمَّا لَهُ عَلَى فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ وَجَدْتهَا زُيُوفًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ صُدِّقَ يُفِيدُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ إجَارَةٍ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي دَعْوَى الزِّيَافَةِ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ إنْ وَصَلَ لَا إنْ فَصَلَ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِ تِجَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ يَنْصَرِفُ إلَى الِالْتِزَامِ أَوْ بِالتِّجَارَةِ إذْ هُوَ اللَّائِقُ بِحَالِ الْمُسْلِمِ وَقِيلَ يُصَدَّقُ هُنَا إذَا وَصَلَ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْجَوْدَةِ تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِعَقْدِ التِّجَارَةِ، فَإِذَا لَمْ يُصَرِّحْ فِي كَلَامِهِ بِجِهَةِ التِّجَارَةِ لَا تَصِيرُ صِفَةُ الْجَوْدَةِ مُسْتَحَقَّةً اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَالْقَبْضُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِيَادِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ بِدَعْوَى الزُّيُوفِ مُتَنَاقِضًا فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ حَيْثُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ لِأَنَّهُ قَالَ اُقْتُضِيَتْ الدَّرَاهِمُ، ثُمَّ دَعْوَاهُ السَّتُّوقَةَ أَوْ الرَّصَاصَ إنْكَارٌ مِنْهُ لِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ) أَيْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ، فَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ) أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ جِيَادٌ مُفَسِّرٌ، فَلَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ أَوْ نَصٌّ فَيَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا صُدِّقَ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ، ثُمَّ قَالَ إنَّهَا سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ يُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا قَالَ ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ الزُّيُوفُ مَا رَدَّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجَةُ مَا تَرُدُّهُ التُّجَّارُ وَالسَّتُّوقَةُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْغِشُّ، وَقِيلَ الزُّيُوفُ هِيَ الْمَغْشُوشَةُ وَالنَّبَهْرَجَةُ هِيَ الَّتِي تُضْرَبُ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ وَالسَّتُّوقَةُ صُفْرٌ مُمَوَّهٌ، وَعَنْ الْكَرْخِيِّ السَّتُّوقَةُ عِنْدَهُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصُّفْرُ أَوْ النُّحَاسُ هُوَ الْغَالِبُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ، ثُمَّ صَدَّقَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ الْمُقِرُّ لَهُ بِأَنْ قَالَ مَا كَانَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ أَوْ قَالَ بَلْ هُوَ لَك أَوْ لِفُلَانٍ، ثُمَّ صَدَّقَهُ فَقَالَ بَلْ كَانَ لِي عَلَيْك فِي مَكَانِهِ أَوْ بَعْدَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ ارْتَدَّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ وَالثَّانِي دَعْوَى فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ أَوْ تَصْدِيقِ الْخَصْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتُ وَأَنْكَرَ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ كَمَا لَا يَنْفَرِدُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ فَعَمِلَ فِيهِ التَّصْدِيقُ أَمَّا الْمُقَرُّ لَهُ فَيَنْفَرِدُ بِرَدِّ الْإِقْرَارِ فَافْتَرَقَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِنَسَبِ عَبْدِهِ لِغَيْرِهِ فَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ حَيْثُ لَا يَرْتَدُّ بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى إذَا ادَّعَاهُ الْمُقَرُّ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ إقْرَارٌ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ، فَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَلَوْ قَبِلَ الْإِقْرَارَ أَوْ الْإِبْرَاءَ عَنْ الدِّينِ أَوْ وَهَبْتَهُ لَهُ، ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَرْتَدُّ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبُولِ قَدْ تَمَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَهَبْت لَك رَقَبَتَك فَرَدَّ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ وَهُوَ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَلَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِإِنْسَانٍ كَالدَّيْنِ وَغَيْرِهِ فَصَدَّقَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ لَا يُقْبَلُ، وَلَوْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُقِرِّ لَا يَحْلِفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ كَالشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ دَعْوَاهُ مُتَنَاقِضَةٌ فَفَسَدَتْ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لِي عَلَى فُلَانٍ شَيْءٌ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ لَا يَحْلِفُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُقَرِّ لَهُ يَحْلِفُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْإِشْهَادِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ تَحَقُّقِهَا تَحَرُّزًا عَنْ امْتِنَاعِ الْآخَرِ عَنْ التَّسْلِيمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَالَ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى أَلْفٍ وَهُوَ بَرْهَنَ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ قُبِلَ) أَيْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَضَاهُ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَالْإِبْرَاءَ يَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا وَلَنَا أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَقِّ قَدْ يُقْضَى وَيَبْرَأُ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ قَضَى بِبَاطِلٍ، وَقَدْ يُصَالِحُ عَلَى شَيْءٍ فَيَثْبُتُ ظَاهِرًا ثُمَّ يُقْضَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْقِصَاصَ عَلَى شَخْصٍ فَأَنْكَرَهُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَفْوِ أَوْ الصُّلْحِ عَنْهُ عَلَى مَالٍ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَكَذَا لَوْ جَرَى مِثْلُ ذَلِكَ فِي دَعْوَى الرِّقِّ يُقْبَلُ فَكَذَا هَذَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ فِيهِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ زَادَ وَلَا أَعْرِفُك لَا) أَيْ لَوْ زَادَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَلَى مَا ذَكَرَ بِأَنْ قَالَ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ، وَلَا أَعْرِفُك لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ لِتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ قَوْلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُعَامَلَةٌ مِنْ دَفْعٍ وَأَخْذٍ وَقَضَاءٍ وَاقْتِضَاءٍ بِلَا مَعْرِفَةِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يُقْبَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُحْتَجِبَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُخَدَّرَةَ قَدْ يُؤْذَى بِالشَّغَبِ عَلَى بَابِهِ فَيَأْمُرُ بَعْضَ وُكَلَائِهِ بِإِرْضَائِهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَلَا يَعْرِفُهُ فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ يَتَوَلَّى الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا صُدِّقَ) وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ قَبَضْت مَالِي عَلَيْهِ أَوْ حَقِّي عَلَيْهِ جُعِلَ مُقِرًّا بِقَبْضِ الْقَدْرِ وَالْجَوْدَةِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا اسْتَثْنَى الْجَوْدَةَ فِيهِ اسْتَثْنَى الْبَعْضَ مِنْ الْجُمْلَةِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا كَمَا لَوْ قَالَ مِائَةً إلَّا دِرْهَمًا أَمَّا لَوْ قَالَ قَبَضْتُ عَشَرَةً جِيَادًا فَقَدْ أَقَرَّ بِالْقَدْرِ بِلَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ وَبِالْجَوْدَةِ بِلَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ، فَإِذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ فَقَدْ اسْتَثْنَى الْكُلَّ مِنْ الْكُلِّ فِي حَقِّ الْجَوْدَةِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٌ إلَّا دِينَارًا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا وَإِنْ ذَكَرَهُ مَوْصُولًا كَذَا هُنَا، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ الْجَوْدَةِ وَإِنْ دَخَلَتْ تَحْتَ الْإِقْرَارِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ تَبَعٌ وَصِفَةٌ لِلدَّرَاهِمِ وَاسْتِثْنَاءُ التَّبَعِ مَوْصُولًا لَا يَصِحُّ كَاسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ مِنْ الدَّارِ مَوْصُولًا قُلْنَا اسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ مِنْ الدَّارِ إنَّمَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ دَخَلَ فِي اسْمِ الدَّارِ تَبَعًا، فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مَقْصُودًا أَمَّا الْجُودَةُ دَخَلَتْ تَحْتَ اللَّفْظِ مَقْصُودًا كَالْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ مَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ فَكَانَ دَاخِلًا مَقْصُودًا لَا تَبَعًا فَيَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مَوْصُولًا كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالسَّتُّوقَةُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْغِشُّ) قَالَ الْكَمَالُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ السَّتُّوقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ غِشَّهَا غَالِبٌ وَاسْمُ الدَّرَاهِمِ بِاعْتِبَارِ الْفِضَّةِ وَالنِّسْبَةِ إلَى الْغَالِبِ مُتَعَيِّنٌ، فَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْغِشُّ فَلَيْسَتْ دَرَاهِمَ إلَّا مَجَازًا وَلِذَا قِيلَ هُوَ مُعَرَّبُ سه طَاقه يَعْنِي ثَلَاثَ طَاقَاتٍ الطَّاقُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ فِضَّةٌ وَالْأَوْسَطُ نُحَاسٌ وَهِيَ شِبْهُ الْمُمَوَّهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فَكَذَّبَهُ الْمُقِرُّ لَهُ حَيْثُ لَا يَرْتَدُّ بِذَلِكَ) أَيْ حَتَّى كَانَ لِلرَّادِّ أَنْ يَعُودَ وَيَدَّعِيَهُ فَلَمَّا لَمْ تَبْطُلْ بِالرَّدِّ بَقِيَ مُقِرًّا بِنَسَبِهِ لِغَيْرِهِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ) أَيْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَكُنْ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ، وَلَكِنْ آذَيْتنِي بِخُصُومَتِك الْبَاطِلَةِ فَدَفَعْتُ إلَيْك مَا تَدَّعِيه دَفْعًا لِأَذَاك. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ) أَيْ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ يُقْبَلُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ أَيْضًا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ فِيهِ أَظْهَرُ) أَيْ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ فِي الْحَالِ لِأَنِّي قَدْ قَضَيْت حَقَّك أَوْ لِأَنَّك أَبْرَأْتنِي. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهِ يَصِحُّ، وَهَذَا لِأَنَّ لَيْسَ لِنَفْيِ الْحَالِ. اهـ. كَافِي.

[يبطل الصك بإن شاء الله]

لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَفِي الْكَافِي قِيلَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَقَالُوا فِيمَنْ قَالَ لَمْ أَدْفَعْ، ثُمَّ قَالَ دَفَعْتُ إلَيْهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِلتَّنَاقُضِ إلَّا إذَا ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ. - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ أَمَتَهُ فَقَالَ لَمْ أَبِعْهَا مِنْك قَطُّ فَبَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ بَرِئَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ تُقْبَلْ) أَيْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا عَلَيْهِ فَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ لَمْ يَبِعْهَا هُوَ وَإِنَّمَا بَاعَهَا مِنْهُ وَكِيلُهُ وَأَبْرَأَهُ عَنْ الْعَيْبِ فَيَكُونُ صَادِقًا بِذَلِكَ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ شَخْصٍ وَهُوَ يُنْكِرُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ وَأَقَامَ الْمُنْكِرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ رَدَّ الْمَبِيعَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّأْوِيلِ أَوْ يَقُولُ أَخَذَهُ مِنِّي بِبَيِّنَةٍ كَاذِبَةٍ، ثُمَّ اسْتَقَلْتُهُ مِنْهُ فَأَقَالَنِي. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَرَاءَةِ تَغْيِيرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ اقْتِضَاءِ وَصْفِ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهِ فَيَقْتَضِي وُجُودَ الْعَقْدِ إذْ الصِّفَةُ بِدُونِ الْمَوْصُوفِ لَا تُتَصَوَّرُ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ قَدْ يَقْضِي عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ الصَّكُّ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ) أَيْ يَبْطُلُ صَكُّ الشِّرَاءِ وَالْإِقْرَارِ إذَا كَتَبَ فِي آخِرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَتَّى يَبْطُلَ الشِّرَاءُ وَالْإِقْرَارُ بِذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُبْطِلٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ كَتَبَ فِي آخَرِ الصَّكِّ فَمَنْ قَامَ بِهَذَا الْحَقِّ فَهُوَ وَكِيلٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ كَتَبَ فَمَا أَدْرَكَ فُلَانًا مِنْ دَرَكٍ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ بَطَلَ الصَّكُّ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَبْطُلَ الْإِقْرَارُ وَالشِّرَاءُ، وَقَالَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه وَهُوَ الْأَخِيرُ فَيَبْطُلُ بِهِ ضَمَانُ الدَّرَكِ وَالتَّوْكِيلِ وَيَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْجُمَلِ الِاسْتِقْلَالُ وَالصَّكُّ يُكْتَبُ لِلِاسْتِيثَاقِ، فَلَوْ انْصَرَفَ إلَى الْكُلِّ كَانَ مُبْطِلًا لَهُ فَيَكُونُ ضِدَّ مَا قَصَدُوهُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه ضَرُورَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ كِتَابًا إلَى بَعْضِ إخْوَانِهِ أَوْ وُكَلَائِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى مَا يَلِيه حَتَّى لَا يَبْطُلَ الْكِتَابُ كُلُّهُ فَكَذَا هَذَا وَلَهُ أَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ بِحُكْمِ الْعَطْفِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْمَعْطُوفِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ مِثْلُ قَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ الْعَادَةِ إنَّمَا جَرَى بِأَنْ يَتْرُكَ فُرْجَةً أَوْ يَكْتُبَ بِخَطٍّ عَلَى حِدَةٍ، فَلَوْ فَعَلَ هُنَا ذَلِكَ انْصَرَفَ إلَى مَا يَلِيه، وَلَا يَبْطُلُ الشِّرَاءُ، وَلَا الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ الْفُرْجَةَ كَالسُّكُوتِ حَالَ النُّطْقِ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يُكْتَبُ فِي كَتْبِ الرِّسَالَةِ لِلتَّبَرُّكِ عَادَةً لَا لِلْإِبْطَالِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ مَا يَلِيه أَيْضًا، وَفِي الصَّكِّ يَبْطُلُ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَهُمْ أَنْ يُكْتَبَ فِي أَسْفَلِ الصَّكِّ مَنْ قَامَ بِهَذَا الْحَقِّ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ أَيْ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ بِإِثْبَاتِ مَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْكِتَابَةِ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ رِضَا الْخَصْمِ بِالتَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهَذَا لِأَنَّ تَوْكِيلَ الْمَجْهُولِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَكِنْ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الْخَصْمِ، فَإِذَا رَضِيَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَالْإِسْقَاطُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا إذْ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ، ثُمَّ يُوَكِّلُ مَنْ شَاءَ وَقِيلَ لَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ أَيْضًا وَإِنَّمَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمَّا لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ الْمَجْهُولِ لَا يُفِيدُ الرِّضَا بِهِ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَجُوزُ فَيُفِيدُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ ذِمِّيٌّ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ أَسْلَمْتُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ)، وَقَالَ زُفَرُ الْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ حَادِثٌ وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ أَنْ تُضَافَ إلَى أَقْرَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي قِيلَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ) أَيْ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ يَتَحَقَّقُ بِلَا مَعْرِفَةٍ اهـ كَافِي. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ أَمَتَهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ الْخَصَّافُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي آخَرِ أَدَبِ الْقَاضِي وَأَثْبَتَ فِيهَا الْخِلَافَ فَقَالَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ عَلَى الْبَرَاءَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُقْبَلُ. اهـ. . [يُبْطِل الصك بإن شَاءَ اللَّه] (قَوْلُهُ وَقَالَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه) وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ كَذَا ذَكَرَ فِي الشَّامِلِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ قِسْمِ الْمَبْسُوطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ) أَيْ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى يُبْطِلُ الْكُلَّ، فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ وَلَا يَلْزَمُ نَذْرُ كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ) يَعْنِي مَنْ أَخْرَجَهُ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ، ثُمَّ كَتَبَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِهَذِهِ الْكِتَابَةِ. اهـ. كَمَالٌ. وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ، وَقَدْ أَوْرَدَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْتُبْ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَبْطُلْ شَيْءٌ وَيَلْزَمُهُ صِحَّةُ الْوَكَالَةِ لِلْمَجْهُولِ بِالْخُصُومَةِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ وَتَوْكِيلُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ كِتَابَتِهِ إثْبَاتُ رِضَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَوْكِيلِ مَنْ يُوَكِّلُهُ الْمُدَّعِي، فَلَا يَمْتَنِعُ الْمَدْيُونُ عَنْ سَمَاعِ خُصُومَةِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ عِنْدَهُ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ بِهَذَا يَثْبُتُ الرِّضَا بِتَوْكِيلِ وَكِيلٍ مَجْهُولٍ وَالرِّضَا بِتَوْكِيلِ مَجْهُولٍ بَاطِلٌ، فَلَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ أَيْضًا وَقِيلَ بَلْ فَائِدَتُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. [مَاتَ ذمي فَقَالَتْ زَوْجَته أسلمت] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ مَاتَ ذِمِّيٌّ إلَخْ) تَرْجَمَ هُنَا فِي الْهِدَايَةِ بِفَصْلٍ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي آخِرِ أَبْوَابِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ آخِرُ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا فَكَانَ ذِكْرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ مُنَاسِبًا اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ) قَالَ الْكَمَالُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ لَا تُصَدَّقُ الْوَرَثَةُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ يَكُونُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا حَلِفَ عَلَيْهِمْ إلَّا إنْ ادَّعَتْ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ كُفْرَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَهَا أَنْ تُحَلِّفَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ اهـ

أَوْقَاتِهِ وَأَقْرَبُ أَوْقَاتِهِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَتُضَافُ إلَيْهِ قُلْنَا سَبَبُ الْحِرْمَانِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ فِيمَا مَضَى تَحْكِيمًا لِلْحَالِ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ وَهَذَا الظَّاهِرُ نَعْتَبِرُهُ لِلدَّفْعِ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ يَعْتَبِرُهُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ، وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَحْتَهُ نَصْرَانِيَّةٌ فَجَاءَتْ مُسْلِمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَالَتْ أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ أَيْضًا، وَلَا يُحَكَّمُ الْحَالُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَمَقْصُودُهَا ذَلِكَ، وَأَمَّا الْوَرَثَةُ فَمُرَادُهُمْ الدَّفْعُ وَيَشْهَدُ لَهُمْ ظَاهِرُ الْحُدُوثِ أَيْضًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ تَدَّعِي بِهِ الِاسْتِحْقَاقَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَهُمْ يَدَّعُونَ بِهِ الدَّفْعَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا مَسَائِلُ ذُكِرَتْ عَلَى سَبِيلِ النَّقْضِ مِنْهَا مَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ رَجُلٍ عَبْدٍ فَقَالَ رَجُلٌ فَقَأْتَ عَيْنَهُ وَهُوَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي فَقَأْته وَهُوَ فِي مِلْكِي كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فَيَأْخُذُ أَرْشَهُ مِنْهُ فَاسْتُحِقَّ بِالظَّاهِرِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ وَأَرْشُهُ لِغَيْرِهِ فَلِهَذَا اسْتَحَقَّهُ هُوَ لَا بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ، وَمِنْهَا مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ وَحُكِّمَ الْحَالُ فَكَانَ جَارِيًا فِي الْحَالِ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِهَذَا الظَّاهِرِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَا يُسْتَحَقُّ بِالظَّاهِرِ إذَا لَمْ يَكُنْ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ مَوْجُودًا فِي الْحَالِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ مَوْجُودًا بِيَقِينٍ فَيُسْتَحَقُّ بِهِ فَهُنَا سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ، وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى السَّبَبُ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الزَّوْجِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْحَالِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ وَصَارَ فَارًّا فَتَرِثُ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَبَانَهَا فِي الصِّحَّةِ، فَلَا تَرِثُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فَتَرِثُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا تَرِثُ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ الْمَانِعَ وَهُوَ الطَّلَاقُ فِي الصِّحَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ الْمُودِعُ هَذَا ابْنُ مُودِعِي لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ دُفِعَ الْمَالُ إلَيْهِ) يَعْنِي إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَلَهُ مَالٌ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ هَذَا ابْنُ الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْوَارِثِ خِلَافَةً عَنْ الْمَيِّتِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ وَهُوَ حَيٌّ أَصَالَةً بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُودِعِ بِالْقَبْضِ أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُودَعِ فِي الْعَيْنِ بِإِزَالَتِهَا عَنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمَالِكِ، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ الْمَدِينِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ وَكِيلُ الطَّالِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِخَالِصِ حَقِّهِ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَدِيعَةِ قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الْمُودَعِ وَالْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ بِالدَّفْعِ مُتَعَدِّيًا وَلِهَذَا يَضْمَنُ إذَا جَاءَ الْمُودَعُ وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ، وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى ضَاعَتْ عِنْدَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قِيلَ لَا يَضْمَنُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ لِأَنَّهُ فِي زَعْمِهِ وَكِيلٌ وَالْمَنْعُ مِنْ وَكِيلِهِ كَالْمَنْعِ مِنْهُ، وَاخْتُلِفَ فِي اللُّقَطَةِ إذَا أَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهَا لِفُلَانٍ هَلْ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَصَدَّقَهُ مُودِعُ الْمَيِّتِ أَوْ غَاصِبُهُ أَوْ وَصِيُّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ قُلْنَا سَبَبُ الْحِرْمَانِ ثَابِتٌ) أَيْ سَبَبُ حِرْمَانِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ إسْلَامُهَا مِنْ مِيرَاثِ زَوْجِهَا الذِّمِّيِّ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ وَتُحَكَّمُ الْحَالُ عِنْدَ عَدَمِ دَلِيلٍ آخَرَ وَاجِبٍ، وَالْحَالُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ اهـ (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ فِيمَا مَضَى تَحْكِيمًا لِلْحَالِ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ، وَهَذَا الظَّاهِرُ) هُوَ اسْتِصْحَابٌ أَعْنِي اسْتِصْحَابَ الْمَاضِي لِلْحَالِ نَعْتَبِرُهُ لِلدَّفْعِ وَمَا ذَكَرَهُ اسْتِصْحَابٌ عَكْسُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ يَكُونُ مِنْ الْمَاضِي لِلْحَالِ وَمِنْ الْحَالِ إلَى الْمَاضِي، وَلَكِنَّهُ اعْتَبَرَهُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلَيْسَ حُكْمُ الِاسْتِصْحَابِ كَذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِجَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ مَا إذَا اخْتَلَفَ مَالِكُهَا مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا طَالَبَهُ بِمُدَّةٍ فَقَالَ كَانَ الْمَاءُ مُنْقَطِعًا حُكْمُ جَرَيَانِهِ فِي الْحَالِ، فَإِذَا كَانَ مُنْقَطِعًا فِي الْحَالِ فَيُعْطَفُ عَلَى الْمَاضِي لِرَفْعِ أُجْرَةِ اسْتِحْقَاقِ الْمَاضِي فَكَذَا هَذَا وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِصْحَابِ أَحْسَنُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالظَّاهِرِ، فَإِنْ مَا يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ ظَاهِرًا كَأَخْبَارِ الْآحَادِ قَدْ تُثْبِتُ مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقًا. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ اخْتَلَفَا فِي وُجُوبِ الْأَجْرِ بَعْدَ الْمُدَّةِ فَالْمُسْتَأْجِرُ يَقُولُ الْمَاءُ مُنْقَطِعٌ، فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ وَقَالَ الْآجِرُ جَارٍ فَيَجِبُ الْأَجْرُ فَلَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي الْحَالِ جَارِيًا كَانَ الْقَوْلُ لِلْآجِرِ، وَلَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَهَذَا حُكْمٌ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فِي حَقِّ مَا مَضَى بِخِلَافِ الْمَفْقُودِ فَإِنَّ هُنَاكَ حُكْمًا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ الْمَاضِي فِي حَقِّ الْحَالِ فَعُلِمَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالِاسْتِصْحَابِ تَارَةً يَكُونُ فِي الْحَالِ لِلْمَاضِي وَتَارَةً مِنْ الْمَاضِي إلَى الْحَالِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْوَرَثَةُ فَمُرَادُهُمْ الدَّفْعُ) أَيْ وَالِاسْتِصْحَابُ يَكْفِي لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ اسْتِصْحَابُ مَا فِي الْمَاضِي مِنْ كُفْرِهَا إلَى مَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْمَسْأَلَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ اُعْتُبِرَ فِيهِمَا لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) أَيْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيَامِ حَقِّ الْمُودَعِ وَمِلْكِهِ فِي الْوَدِيعَةِ الْآنَ إذْ هُوَ حَيٌّ فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى مَالِ الْغَيْرِ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمِلْكِهِ لِمَا فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ مِلْكِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ فِيهِ لِلْحَالِ وَفِي فَصْلِ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِزَوَالِ مِلْكِ الْمُودَعِ لَكِنْ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَعْنِي الْمَالِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ مِلْكِهِ بِإِقْرَارِهِ فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ بِالْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا) وَالْمِثْلُ مِلْكُ الْمُقِرِّ. اهـ. كَمَالٌ وَقَوْلُهُ بِأَمْثَالِهَا أَيْ لَا بِأَعْيَانِهَا فَكَانَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَصَحَّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَدِيعَةِ) يَعْنِي لَوْ دَفَعَ إلَى الَّذِي اعْتَرَفَ لَهُ بِالْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى ضَاعَتْ) قِيلَ يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ مَنَعَهَا مِنْ وَكِيلِ الْمُودِعِ فِي زَعْمِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ مَنَعَهَا مِنْ نَفْسِ الْمُودِعِ وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ. اهـ. كَمَالٌ

- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ لِآخَرَ هَذَا ابْنُهُ أَيْضًا، وَكَذَّبَهُ الْأَوَّلُ قَضَى لِلْأَوَّلِ) يَعْنِي قَالَ مُودَعُ الْمَيِّتِ لِرَجُلٍ آخَرَ بَعْدَ مَا أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ هَذَا أَيْضًا ابْنُهُ، وَكَذَّبَهُ الِابْنُ الْأَوَّلُ قُضِيَ بِالْمَالِ لِلِابْنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ قَدْ صَحَّ وَانْقَطَعَ يَدُهُ عَنْ الْمَالِ فَيَكُونُ هَذَا إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ، فَلَا يَصِحُّ كَمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ ابْنًا مَعْرُوفًا بِخِلَافِ إقْرَارِهِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قُبِلَ لِعَدَمِ مَنْ يُكَذِّبُهُ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُودِعُ هُنَا لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي كَمَا قُلْنَا فِي مُودِعِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ إذَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِمَا فِي يَدِهِ لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْقَاضِي عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ قُلْنَا هُنَا أَيْضًا يَضْمَنُ نَصِيبَهُ إذَا دَفَعَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مِيرَاثٌ قُسِّمَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ لَا يُكْفَلُ مِنْهُمْ، وَلَا مِنْ وَارِثٍ) وَهَذَا شَيْءٌ احْتَاطَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَهُوَ ظُلْمٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَأْخُذُ الْكَفِيلُ مِنْهُمْ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ وَالْإِرْثُ بِالشَّهَادَةِ وَلَمْ تَقُلْ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ، وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ يَأْخُذُ كَفِيلًا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ قَالُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَفِيلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَتَفْصِيلُ مَا يُقْسَمُ مِنْ التَّرِكَةِ بِقَوْلِهِمْ وَمَا لَا يُقْسَمُ وَمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ وَمَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ وَمَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا أَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ لِلْغَيْبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ غَرِيمٌ غَائِبٌ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً فَيُحْتَاطُ بِالْكَفَالَةِ كَمَا إذَا دَفَعَ اللُّقَطَةَ أَوْ الْآبِقَ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ أَعْطَى امْرَأَةَ الْغَائِبِ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَقَّ الْحَاضِرِ ثَابِتٌ قَطْعًا أَوْ ظَاهِرًا، فَلَا يُؤَخَّرُ لِأَجْلِ الْمَوْهُومِ إلَى أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ كَمَا إذَا ثَبَتَ الشِّرَاءُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ أَوْ أَثْبَتَ الدَّيْنَ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى بِيعَ فِي دَيْنِهِ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِمَا ظَهَرَ عِنْدَهُ لَا بِطَلَبِ مَا لَمْ يَظْهَرْ، فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ أَرَأَيْت أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ كَفِيلًا كَانَ يَمْنَعُ حَقَّهُ وَلِأَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ مَجْهُولٌ فَصَارَ كَمَا إذَا كَفَلَ لِأَحَدِ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ ثَابِتٌ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْآبِقُ وَاللُّقَطَةُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَصَحِّ إنْ كَانَ الدَّفْعُ إلَيْهِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثْبَتَ بَيِّنَتَهُ حَرُمَ تَأْخِيرُ حَقِّهِ، وَلَا كَذَلِكَ الدَّفْعُ بِذِكْرِ الْعَلَامَةِ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلِهَذَا جَازَ مَنْعُهُ فَكَذَا تَأْخِيرُهُ لِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ مُسْتَحَقٌّ فِيهِ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْقَاضِيَ يَتَلَوَّمُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، وَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ ظُلْمًا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي مَنْعُ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ إلَى مَعْنًى آخَرَ بَعْدَ ظُهُورِهِ يَقِينًا شَرْعًا لِأَجَلٍ مُوهَمٍ غَيْرَ ثَابِتٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَهْمَ مَوْجُودٌ، وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا آخَرَ، وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ الْوَهْمِ تَكْفِيلٌ لَوَجَبَ التَّكْفِيلُ فِيهِ بِخِلَافِ التَّلَوُّمِ فَإِنَّهُ فِي التَّلَوُّمِ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ بِطَلَبِ عِلْمٍ زَائِدٍ بِانْتِفَاءِ الشَّرِيكِ الْمُسْتَحِقِّ مَعَهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَمِثْلُهُ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَطْلُبُ مِنْ الشُّهُودِ أَنْ يَقُولُوا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمْ وَهُوَ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ لَا تَجُوزُ، وَلَكِنَّهُ يُزَادُ بِهِ طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ فَكَذَا التَّلَوُّمُ، وَقَدْرُ مُدَّتِهِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَقَدَّرَهُ الطَّحَاوِيُّ بِالْحَوْلِ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ ظُلْمٌ أَيْ مَيْلٌ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَعَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَرِئَ عَنْ الِاعْتِزَالِ لَا كَمَا ظَنَّهُ الْبَعْضُ بِسَبَبِ مَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِيُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ قُلْنَا مَعْنَاهُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ بِالِاجْتِهَادِ إذْ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ عَمَلِهِ حَتَّى يُحْكَمَ بِصِحَّتِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ وَإِنْ أَخْطَأَ الْحَقَّ الَّذِي هُوَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ كَأَنَّهُ أَصَابَ الْحَقَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ادَّعَى دَارًا إرْثًا لِنَفْسِهِ وَلِأَخٍ لَهُ غَائِبٍ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ أَخْذَ نِصْفَ الْمُدَّعَى فَقَطْ) يَعْنِي أَخَذَ النِّصْفَ الَّذِي هُوَ نَصِيبُ الْحَاضِرِ وَتَرَكَ نَصِيبَ الْغَائِبِ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ، وَلَا يَسْتَوْثِقُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ ابْنًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَلْ يَضْمَنُ لِلِابْنِ الثَّانِي قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّهُ لَا يَغْرَمُ الْمُودِعُ لِلِابْنِ الثَّانِي شَيْئًا بِإِقْرَارِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ التَّلَفُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ ثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ ثُبُوتُ الْإِرْثِ، فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْبُنُوَّةِ إقْرَارًا بِالْمَالِ وَفِي الدِّرَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ نِصْفَ مَا أَدَّى لِلِابْنِ الثَّانِي الَّذِي أَقَرَّ لَهُ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَأَحْمَدُ فِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لِلثَّانِي صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ شَيْءٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَهَذَا شَيْءٌ احْتَاطَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ) كَأَنَّهُ عَنَى بِهِ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ بِالْكُوفَةِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ لَا يَأْخُذُ الْكَفِيلُ) أَيْ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ حَتَّى يَكْفُلُوا اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ قُلْنَا مَعْنَاهُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ بِالِاجْتِهَادِ) أَيْ حَتَّى يُثَابَ عَلَيْهِ وَإِنْ وَقَعَ اجْتِهَادُهُ مُخَالِفًا لِلْحَقِّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ تَلَاعَنَا ثَلَاثًا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ. جَعَلَ قَضَاءَهُ صَوَابًا مَعَ فَتْوَاهُ أَنَّهُ مُخْطِئٌ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي التَّقْوِيمِ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ادَّعَى دَارًا إرْثًا إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي دَارٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ فُلَانٍ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا قَالَ يَقْضِي لَهُ الْقَاضِي بِنِصْفِهَا وَيَتْرُكُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي يَدِ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ وَلَا يَسْتَوْثِقُ مِنْهُ بِكَفِيلٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا جَحَدَهَا أَخَذَهَا مِنْهُ وَجَعَلَهَا فِي يَدَيْ أَمِينٍ حَتَّى يَقْدُمَ الْغَائِبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَحَدَهَا تَرَكَ النِّصْفَ فِي يَدَيْهِ حَتَّى يَقْدُمَ الْغَائِبُ الْآخَرُ. إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي الْمُخْتَلَفِ قِيلَ إنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ الْقَضَاءُ لِلْغَائِبِ؟ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي الْقَضَاءِ، وَلَكِنْ فِي تَرْكِ نَصِيبِهِ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُخْتَلَفِ. اهـ. غَايَةٌ

[قال مالي وما أملك في المساكين صدقة]

ذِي الْيَدِ بِكَفِيلٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا إنْ كَانَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ جَاحِدًا أُخِذَ مِنْهُ وَجُعِلَ فِي يَدِ أَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْ تُرِكَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْجَاحِدَ خَائِنٌ، فَلَا يُتْرَكُ فِي يَدِهِ إذْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْجُحُودِ ثَانِيًا، وَالْقَاضِي نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْغَيْبِ وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِهِ مِنْ النَّظَرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُوجَدُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ فَتَعَيَّنَ الْأَخْذُ مِنْهُ وَوَضْعُهَا فِي يَدِ عَدْلٍ وَلِأَنَّهُ يُخَافُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الشَّيْءَ لَهُ وَهُوَ فِي يَدِهِ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُقِرًّا؛ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِهِ مُتَعَيِّنٌ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ فِي اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَعَرَّضَ لِوَدَائِعِ النَّاسِ، وَلَا لِغَيْرِهَا حَتَّى يَأْخُذَهَا مِنْ أَيْدِي مَنْ هِيَ عِنْدَهُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ عَرَفَ الْقَاضِي مِلْكًا لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ رَآهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ مَا لَمْ يَحْضُرْ خَصْمُهُ فَكَذَا هَذَا. وَهَذَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ لِلْمَيِّتِ مَقْصُودًا وَلِهَذَا قُضِيَ عَلَى ذِي الْيَدِ بِكُلِّ الدَّارِ بِحُضُورِ الْبَعْضِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَتُقْضَى بِهَا دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ فِيهِ وَصَايَاهُ، وَصَاحِبُ الْيَدِ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ أَوْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، فَلَا يَنْقُضُ يَدَهُ كَمَا إذَا كَانَ مُقِرًّا، وَجُحُودُهُ قَدْ ارْتَفَعَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُضِرُّ بِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْجُحُودَ بَعْدَ ذَلِكَ لِكَوْنِ الْحَادِثَةِ مَعْلُومَةً لَهُ وَلِلْقَاضِي وَمُسَجَّلَةً فِي خَرِيطَةِ الْقَاضِي، وَلَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَمُوتَ الْقَاضِي فَيَعُودَ إلَى الْإِنْكَارِ لِأَنَّا نَقُولُ مَوْتُ الْقَاضِي أَوْ الشُّهُودِ الَّذِينَ عَايَنُوا الْقَضَاءَ أَوْ الَّذِينَ شَهِدُوا بِأَصْلِ الْحَقِّ أَوْ نِسْيَانُهُمْ مِنْ أَنْدَرِ مَا يَكُونُ، فَلَا يُعْتَبَرُ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ فَقَدْ قِيلَ لَا يُتْرَكُ النِّصْفُ الَّذِي هُوَ لِلْغَائِبِ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ يُنْزَعُ مِنْهُ وَيُدْفَعُ إلَى عَدْلٍ يَحْفَظُهُ لِحَاجَتِهِ إلَى الْحِفْظِ بِخِلَافِ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْحِفْظِ عَلَيْهِ كَمَا لِلْأَبِ ذَلِكَ، وَكَذَا حُكْمُ وَصِيِّ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ عَلَى الصَّغِيرِ فِيمَا وَرِثَهُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ حِفْظَهُ عَلَى الصَّغِيرِ دُونَ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَوَصِيُّهُمْ قَائِمٌ مَقَامَهُمْ فَيَمْلِكُ مَا يَمْلِكُونَهُ وَقِيلَ الْمَنْقُولُ أَيْضًا عَنْ الْخِلَافِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ أَظْهَرُ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ أُخِذَ وَدُفِعَ إلَى أَمِينِ الْقَاضِي كَانَ أَمَانَةً فَكَانَ التَّرْكُ أَبْعَدَ مِنْ التَّوَى وَإِنَّمَا لَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهَا إنْشَاءَ خُصُومَةٍ وَالْقَاضِي نُصِبَ لِقَطْعِهَا لَا لِإِنْشَائِهَا. وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا الْقَضَاءِ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فَيُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْمَيِّتِ، ثُمَّ يَكُونُ لَهُمْ بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ عَنْهُ، وَكَذَا يَقُومُ الْوَاحِدُ مَقَامَهُ فِيمَا عَلَيْهِ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا فَيَقُومُ مَقَامَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ نَفْسِ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّهُ عَامِلٌ فِيهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ الْمَيِّتِ، فَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا لَهُمْ أَيْضًا لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ مِنْهُمْ وَلِعَدَمِ قِيَامِهِمْ فِيهِ مَقَامَ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ فَإِنَّهُ نَائِبٌ فِيهِ عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا لَهُ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ نَائِبًا لَهُمْ أَيْضًا فِي ضَمِنِهِ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إنَّمَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي فِي يَدِ الْوَارِثِ الْحَاضِرِ، وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْعَيْنِ لَا تَتَوَجَّهُ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ، فَلَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُمْ إلَّا فِي قَدْرِ مَا فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا حَيْثُ يَنْتَصِبُ فِيهِ بَعْضُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ مُطْلَقًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ فَهُوَ عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَالْوَصِيَّةِ فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالْكُلِّ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُطْلَقُ الْمَالِ فِي بَابِ الصَّدَقَاتِ بِإِيجَابِ اللَّهِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْبَعْضِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى؛ {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24] وقَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] فَكَذَا مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْإِرْثُ يَجْرِي فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ فَكَذَا هِيَ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَلْتَزِمُ الصَّدَقَةَ مِنْ فُضُولِ مَالِهِ وَهُوَ مَالُ الزَّكَاةِ حَالَ حَيَاتِهِ وَجَمِيعُ الْمَالِ حَالَ وَفَاتِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ جِنْسُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهِيَ السَّوَائِمُ وَالنَّقْدَانِ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ سَوَاءٌ بَلَغَتْ نِصَابًا أَوْ لَمْ تَبْلُغْ قَدْرَ النِّصَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُقِرًّا) أَيْ لِأَنَّهُ أَمِينُ الْمَيِّتِ، فَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِنْهُ تُوضَعُ فِي يَدِ أَمِينٍ آخَرَ، فَإِذَا كَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ أَمِينًا لَا يَحْتَاجُ إلَى أَمِينٍ آخَرَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ إلَخْ) قَالَ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ، وَلَوْ كَانَ عُرُوضًا يُؤْخَذُ مِنْ يَدِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْعُرُوضَ يُمْكِنُ تَعْيِيبُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْمَنْقُولَ يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ دُونَ الْعَقَارِ، وَالْبَيْعُ أَبْلَغُ فِي حِفْظِهِ مِنْ تَرْكِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقَاضِي نُصِّبَ لِقَطْعِهَا لَا لِإِنْشَائِهَا) وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَجِدُ كَفِيلًا وَلَا يَسْمَحُ بِإِعْطَائِهِ وَالْأَخُ الْحَاضِرُ يُطَالِبُ بِهِ فَتَثُورُ الْخُصُومَةُ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا الْقَضَاءِ) أَيْ وَيُسَلَّمُ النِّصْفُ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَضَاءِ الْكَائِنِ فِي غَيْبَتِهِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ نَفْسِ الِاسْتِيفَاءِ) أَيْ اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ. اهـ. . [قَالَ مالي وَمَا أملك فِي الْمَسَاكِين صَدَقَة] (قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ أَخَذَ بِهِ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَالْوَصِيَّةِ فَيَلْزَمُهُ التَّصْدِيقُ بِالْكُلِّ) أَيْ بِكُلِّ مَالٍ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَالِ الزَّكَاةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ) أَيْ وَالْبَتِّيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ لِعُمُومِ اسْمِ الْمَالِ كَالْوَصِيَّةِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي لُبَابَةَ حِينَ قَالَ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي يَجْزِيك الثُّلُثُ» اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ إطْعَامٌ يَنْصَرِفُ إلَى طَعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ اسْتِدْلَالًا بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَذَا هُنَا اهـ كَاكِيٌّ

وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَا قَدْرُهَا، وَلَا شَرَائِطُهَا وَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهَا سَبَبُ الصَّدَقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَصْرِفَهُ مَصَارِفُ الزَّكَاةِ فَكَانَتْ جِهَةُ الصَّدَقَةِ فِيهَا رَاجِحَةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَدْخُلُ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْمُؤْنَةِ وَلِهَذَا تَجِبُ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمُكَاتَبِ، وَفِي أَرْضٍ لَا مَالِكَ لَهَا كَالْأَوْقَافِ فَكَانَتْ جِهَةُ الْمُؤْنَةِ رَاجِحَةً عِنْدَهُ. وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ مَعَهُ، وَلَا تَدْخُلُ الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ لِأَنَّهَا تَمَحَّضَتْ مُؤْنَةً، وَلَا يَدْخُلُ الرَّقِيقُ لِلْخِدْمَةِ، وَلَا الْعَقَارُ وَأَثَاثُ الْمَنَازِلِ وَثِيَابُ الْبِذْلَةِ وَسِلَاحُ الِاسْتِعْمَالِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ مَا أَمْلِكُ أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَوْلِهِ مَالِي صَدَقَةٌ أَوْ جَمِيعُ مَالِي صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَعَمُّ مِنْ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمِلْكَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ وَعَلَى غَيْرِهِ يُقَالُ مِلْكُ النِّكَاحِ وَمِلْكُ الْقِصَاصِ وَمِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَالُ لَا يُطْلَقُ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِذَا كَانَ لَفْظُ الْمِلْكِ أَعَمَّ تَنَاوَلَ جَمِيعَ مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ كُلُّ مَالٍ أَمْلِكُهُ مِمَّا يُتَصَدَّقُ بِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا، فَيَكُونُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي أَحَدِهِمَا وَارِدًا فِي الْأُخَرِ فَيَكُونُ فِيهِ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ كَمَا فِي الْمَالِ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ عَادَةً يَلْتَزِمُ التَّصَدُّقَ بِالْفَاضِلِ عَلَى الْحَاجَةِ فَيَنْصَرِفُ فِيهَا إلَى جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِيجَابِ يُمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ قُوتِهِ، فَإِذَا أَصَابَ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ تَصَدَّقَ بِمِثْلِ مَا أَمْسَكَ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ، وَلَوْ لَمْ يُمْسِكْ قَدْرَ حَاجَتِهِ لَتَكَفَّفَ النَّاسَ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا عِنْدَهُ، ثُمَّ يَتَكَفَّفُ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمَبْسُوطِ قَدْرَ مَا يُمْسِكُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعِيَالِ وَبِاخْتِلَافِ مَا يَتَجَدَّدُ لَهُ مِنْ التَّحْصِيلِ فَبَعْضُ أَهْلِ الْحِرَفِ يَحْصُلُ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ وَبَعْضُهُمْ كُلَّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرُ وَبَعْضُهُمْ أَقَلُّ، وَكَذَا أَهْلُ التِّجَارَةِ وَأَهْلُ الزَّرْعِ يَتَجَدَّدُ لَهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَهْلُ الْغَلَّةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَادَةً وَهُمْ الَّذِينَ لَهُمْ دُورٌ وَحَوَانِيتُ وَخَانَاتٌ يُؤَجِّرُونَهَا فَيُمْسِكُ أَهْلُ كُلِّ صَنْعَةٍ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِ إلَى أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ حَاصِلُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أُوصِيَ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ فَهُوَ وَصِيٌّ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) حَتَّى لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَصِيَّةِ جَازَ الْبَيْعُ، وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ مَالَ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ، ثُمَّ عَلِمَ لَمْ يَجُزْ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْوَصِيَّةِ أَيْضًا حَتَّى يَعْلَمَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَابَهُ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَالْآخَرَ بَعْدَ الْمَمَاتِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ خِلَافَةٌ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بَعْدَ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمُوصِي، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ وَكَثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ وَالْوِلَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا الصَّغِيرِ لَوْ مَاتَ وَبَاعَ الْجَدَّ مَالَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِمَوْتِهِ جَازَ فَكَذَا هَذَا أَمَّا الْوَكَالَةُ فَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَ بِاسْتِخْلَافٍ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْمُوَكِّلِ، فَلَا يَصِحُّ بِلَا عِلْمِ مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ كَإِثْبَاتِ الْوِلَايَةِ بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَادِرٌ فَيَتَصَرَّفُ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَفُوتُهُ النَّظَرُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَالْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ لِلْعَبْدِ وَالصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ، فَلَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ، وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَأْذُونِ لَهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأَذَانِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْعِلْمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أُعْلِمَ بِالْوَكَالَةِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ) أَيْ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَأَعْلَمَهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ كَانَ وَكِيلًا وَجَازَ تَصَرُّفُهُ سَوَاءٌ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ عَدْلٌ أَوْ غَيْرُ عَدْلٍ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَا قَدْرُهَا) وَلِذَا قَالُوا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَالِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ قَضَى بِهِ دَيْنَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَكْتَسِبُهُ بَعْدَهُ إلَى أَنْ يُوَفِّيَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةُ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَلْ تَدْخُلُ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ فَيَجِبُ التَّصْدِيقُ بِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَعَمْ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الصَّدَقَةِ غَالِبَةٌ فِي الْعُشْرِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْمُؤْنَةِ غَالِبَةٌ عِنْدَهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) حَتَّى لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَصِيَّةِ جَازَ الْبَيْعُ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ وَبَعْضُ الرِّوَايَاتِ الْمَأْذُونِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ وَفَرْقُهُمَا أَنَّ الْوَصَايَا خِلَافَةٌ كَالْإِرْثِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ كَالْإِرْثِ فَتَثْبُتُ بِلَا عِلْمٍ، وَالْوَكَالَةُ إنَابَةٌ فَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ كَمَا فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ لِلْوَكَالَةِ أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْوِصَايَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ عِنْدَ رَجُلٍ فَقَالَ لِرَجُلٍ انْطَلِقْ وَاشْتَرِ عَبْدِي مِنْ فُلَانٍ لِنَفْسِك فَذَهَبَ فَاشْتَرَاهُ وَلَمْ يَكُنْ رَبُّ الْعَبْدِ وَكَّلَ الْبَائِعَ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَجُوزُ وَيَكُونُ أَمَرَ الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ وَكَالَةً لِلْبَائِعِ بِالْبَيْعِ قَالَ هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا، ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ وَبَعْضُ رِوَايَةِ الْمَأْذُونِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إذْنًا مَا لَمْ يُعْلِمْهُ الرَّسُولُ بِذَلِكَ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورَ فِي بَابِ مَا لَا تَجُوزُ فِيهِ الْوَكَالَةُ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي اهـ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ قَالَ وَقَدْ مَرَّ تَمَامُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ اهـ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي بَابِ مَا تَقَعُ بِهِ الْوَكَالَةُ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَكِيلَ هَلْ يَصِيرُ وَكِيلًا قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْوَصِيُّ يَصِيرُ وَصِيًّا بِدُونِ الْعِلْمِ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ) يَعْنِي لَوْ بَاعَ الْوَارِثُ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِمَوْتِهِ جَازَ بَيْعُهُ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَعْلَمَ بِالْوَكَالَةِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ بِخَبَرِ

وَلَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِطْلَاقُ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ كَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ، وَلَا الْإِسْلَامُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا التَّمْيِيزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ إلَّا بِعَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْنِ كَالْإِخْبَارِ لِلسَّيِّدِ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ وَالشَّفِيعِ وَالْبِكْرِ وَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ) يَعْنِي لَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ عَنْ الْوَكَالَةِ إلَّا بِخَبَرِ عَدْلٍ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ غَيْرِ عَدْلٍ إلَخْ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَّا التَّمْيِيزُ لِأَنَّهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فَصَارَ كَالْإِخْبَارِ بِالتَّوْكِيلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلْزَامًا مِنْ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ. بَيَانُ الْإِلْزَامِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّصَرُّفِ، وَكَذَا الشَّفِيعُ يَلْزَمُهُ سُقُوطُ الشُّفْعَةِ عَلَى تَقْدِيرِ سُكُوتِهِ وَعَلَيَّ تَقْدِيرِ الطَّلَبِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَكَذَا الْبِكْرُ عَلَى تَقْدِيرِ السُّكُوتِ يَلْزَمُهَا النِّكَاحُ وَعَلَى تَقْدِيرِ الرَّدِّ لَا يَلْزَمُهَا، وَكَذَا السَّيِّدُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالْعِتْقِ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّصَرُّفِ لَا يَلْزَمُهُ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ كَمَا فِي الْمُنَازَعَاتِ عِنْدَ الْحُكَّامِ، وَفِيمَا لَا يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ، وَلَا الْعَدَالَةُ، فَإِذَا كَانَ فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْفَاسِقِ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ بِخَبَرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ بِهِ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا فَلْيُبَلِّغْ» الْحَدِيثَ، وَفِي الرَّسُولِ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ كَالْبِكْرِ إذَا أَخْبَرَهَا رَسُولُ الْوَلِيِّ بِالتَّزْوِيجِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ وَبَلَّغَهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَلِّغْهُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى يُبَلِّغَهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ نَهْيَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِنَوَاهِي الشَّرْعِ فَكَمَا لَا يَثْبُتُ النَّهْيُ فِي الشَّرْعِ بَعْدَ الْإِطْلَاقِ قَبْلَ الْبُلُوغِ إلَى الْمُكَلَّفِ حَتَّى لَا يَحْرُمَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَكَذَا نَهْيُ الْعَبْدِ وَهَذَا فِي الْعَزْلِ الْقَصْدِيِّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ حُكْمِيًّا فَيَثْبُتُ وَيَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ مُطْبِقًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَاعَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا لِلْغُرَمَاءِ وَأَخَذَ الْمَالَ فَضَاعَ وَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ ضَاعَ ثَمَنُ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَهُوَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ لَمْ يَضْمَنْ الْقَاضِي، وَلَا أَمِينُهُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي قَائِمٌ مَقَامَ الْقَاضِي وَالْقَاضِي قَائِمٌ مَقَامَ الْخَلِيفَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ الضَّمَانُ لَتَقَاعَدُوا عَنْ قَبُولِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ كَيْ لَا يَلْزَمَهُمْ الضَّمَانُ وَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ وَضَاعَ فِي يَدِهِ وَهَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُ الْقَاضِي، وَلَا أَمِينُهُ الثَّمَنَ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغُرَمَاءِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ وَاقِعٌ لَهُمْ فَيَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهَا عَلَى الْعَاقِدِ كَمَا يَجْعَلُ الْعُهْدَةَ عَلَى الْمُوَكِّلِ إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا عَلَى الْوَكِيلِ بِأَنْ كَانَ الْوَكِيلُ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَمَرَ الْقَاضِي الْوَصِيَّ بِبَيْعِهِ فَاسْتُحِقَّ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَضَاعَ الْمَالُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ هُوَ الْعَاقِدُ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى إلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا نَصَّبَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نَصَّبَهُ لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْمَيِّتِ لَا لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْقَاضِي فَصَارَ كَمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْمَيِّتُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ عَلَى الْغُرَمَاءِ) أَيْ رَجَعَ الْوَصِيُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُمْ وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا وَلَحِقَهُ بِسَبَبِهِ ضَمَانٌ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ الْعَمَلُ، وَلَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ ذَلِكَ مَالٌ رَجَعَ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدِينِهِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ فَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُوصِي أَوْ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْقَاضِيَ أَوْ أَمِينَهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى ذَلِكَ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَصِيِّ كَقَبْضِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْوَارِثُ إذَا بِيعَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاحِدِ أَصْلًا لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ عَقْدًا كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ وَلِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ اهـ فَتْحٌ (وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ) فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ فَكَانَ كَقَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهَا عَلَى يَدِهِ، وَهُوَ مَحَلُّ الْإِجْمَاعِ وَالنَّصِّ فَقَدْ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبَلُهَا مِنْ الْعَبْدِ وَالتَّقِيِّ وَيَشْتَرِي مِنْ الْكَافِرِ». اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ إلَّا بِعَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُخْبِرَ بِالْعَزْلِ لَوْ كَانَ فَاسِقًا وَصَدَّقَهُ يَنْعَزِلُ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا التَّمْيِيزَ) لِأَنَّهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَمَجْلِسُ الْقَضَاءِ فَيُعْتَبَرُ خَبَرُ الْوَاحِدِ عَدْلًا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْإِخْبَارِ بِالتَّوْكِيلِ إلَخْ)، ثُمَّ إثْبَاتُ الْوَكَالَةِ يَصِحُّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا، وَكَذَلِكَ الْعَزْلُ عِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْعَزْلُ عِنْدَهُ إلَّا بِخَبَرِ الِاثْنَيْنِ أَوْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ. قَالُوا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَوْلَى الْعَبْدِ الْجَانِي إذَا أَخْبَرَ بِالْجِنَايَةِ فَبَاعَ أَوْ أَعْتَقَ هَلْ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَكَذَا الشَّفِيعُ إذَا سَكَتَ بَعْدَ مَا أَخْبَرَ بِالْبَيْعِ، وَكَذَا الْبِكْرُ إذَا سَكَتَتْ بَعْدَ مَا أَخْبَرَتْ بِإِنْكَاحِ الْوَلِيِّ، وَكَذَا الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ فَأَخْبَرَ بِالشَّرَائِعِ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ أَخْبَرَنَا بِالْحَجْرِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَيَبْطُلُ حَقُّ الشَّفِيعِ بِالسُّكُوتِ وَيَكُونُ السُّكُوتُ رِضًا مِنْ الْبِكْرِ وَيَلْزَمُ الشَّرَائِعُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ الِانْتِهَاءَ بِالِابْتِدَاءِ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْوَصِيِّ أَوْ لِلْمُشْتَرِي) قَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدَيْنِهِ بِلَا شَكٍّ.

كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ كَانَ الْعَاقِدُ عَامِلًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ إنْ كَانَ هُوَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ هُوَ الْعَاقِدَ رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ قَاضٍ عَدْلٌ عَالِمٌ قَضَيْتُ عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ أَوْ بِالْقَطْعِ أَوْ بِالضَّرْبِ فَافْعَلْهُ مَا وَسِعَك فِعْلُهُ) قَيَّدَهُ هُنَا بِكَوْنِهِ عَدْلًا عَالِمًا، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنَّمَا يَسَعُهُ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ وَاجِبَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَفِي تَصْدِيقِهِ طَاعَةٌ وَلِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ لِخُلُوِّهِ عَنْ التُّهْمَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُوَلَّى فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إلَّا قَاضٍ وَاحِدٌ فِي الْأَعْصَارِ كُلِّهَا، وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَحْدَهُ لَوُلِّيَ فِي مَكَان قَاضِيَانِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ ثُمَّ رَجَعَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ هَذَا فَقَالَ لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ أَوْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ مَعَ الْقَاضِي عَدْلٌ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِفَسَادِ أَكْثَرِ قُضَاةِ زَمَانِنَا، وَالتَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ ولِأَنَّ قَبُولَ خَبَرِ الْوَاحِدِ رُتْبَةُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَغَيْرُهُمْ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ الْكَذِبِ وَالْغَلَطِ إلَّا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لِضَرُورَةِ إحْيَاءِ الْحُقُوقِ وَلِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي مِثْلِهِ قَلَّمَا تَقَعُ، وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ عَدْلًا عَالِمًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ تُهْمَةِ الْخِيَانَةِ وَاحْتِمَالِ الْخَطَأِ لِأَنَّهُ لِعَدَالَتِهِ يُؤْمَنُ مِنْ الْمَيْلِ بِالرِّشْوَةِ وَلِفِقْهِهِ يُؤْمَنُ مِنْ الْغَلَطِ ظَاهِرًا، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَاهِلًا يَسْتَفْسِرُ؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ قَدْ يَظُنُّ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا فَإِنْ أَحْسَنَ بِأَنْ ذَكَرَ شَرَائِطَهُ مِثْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِحَدِّ الزِّنَا مَثَلًا بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَيَأْتِي بِشَرَائِطِهِ عِنْدَ التَّفْسِيرِ وَجَبَ تَصْدِيقُهُ؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ تَمْنَعُهُ عَنْ الْكَذِبِ، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ بِأَنْ أَخَلَّ فِي شَرَائِطِهِ مِنْ نِصَابِ الشَّهَادَةِ أَوْ التَّكْرَارِ فِي الْإِقْرَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا فَكَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ لِاحْتِمَالِ الْخَطَأِ أَوْ الْخِيَانَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَبَأِ الْفَاسِقِ {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ، فَلَا يَمِينَ عَلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى الْخَصْمِ وَالْقَاضِي لَيْسَ بِخَصْمٍ وَإِنَّمَا هُوَ أَمِينٌ، وَلَوْ صَارَ خَصْمًا لَمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ. قَالَ (وَإِنْ قَالَ قَاضٍ عُزِلَ لِرَجُلٍ أَخَذْتُ مِنْكَ أَلْفًا وَدَفَعْتُهُ إلَى زَيْدٍ قَضَيْتُ بِهِ عَلَيْك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْتَهُ ظُلْمًا فَالْقَوْلُ لِلْقَاضِي) وَكَذَا لَوْ قَالَ قَضَيْتُ بِقَطْعِ يَدِك فِي حَقٍّ إذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ يَدَهُ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ مَالُهُ مُقِرًّا أَنَّهُ فَعَلَهُ وَهُوَ قَاضٍ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ لَمَّا أَقَرَّ أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي حَالِ قَضَائِهِ صَارَ مُعْتَرِفًا بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لِلْقَاضِي؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي عَلَى سَبِيلِ الْقَضَاءِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ بِحَالٍ فَجَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي فِي ذَلِكَ يَمِينٌ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَالِ قَضَائِهِ بِتَصَادُقِهِمَا، وَلَا يَمِينَ عَلَى الْقَاضِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ أَقَرَّ الْآخِذُ وَالْقَاطِعُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَدَفْعُهُ صَحِيحٌ فَصَارَ إقْرَارُهُ بِهِ كَفِعْلِهِ مُعَايِنًا. وَلَوْ زَعَمَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَالْمَأْخُوذُ مَالُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا يَوْمئِذٍ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّقْلِيدِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْقَاضِي أَيْضًا لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ طَلَّقْتُ أَوْ أَعْتَقْتُ وَأَنَا مَجْنُونٌ وَالْجُنُونُ كَانَ مَعْهُودًا مِنْهُ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إذَا زَعَمَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْقَاضِيَ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَزْلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعِي لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ وَمَنْ ادَّعَى تَارِيخًا سَابِقًا لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَتَى وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ فِي الْإِسْنَادِ يُحَكَّمُ الْحَالُ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ وَهُوَ لَوْ فَعَلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْإِسْنَادِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ إلَّا بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْإِسْنَادُ بِتَصَادُقِهِمَا. وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ عَلِيٍّ الْبَزْدَوِيِّ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ، وَنَظِيرُهُ إذَا قَالَ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ قَطَعْتُ يَدَك وَأَنَا عَبْدٌ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ قَطَعْتَهَا وَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَبْدِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدٍ قَدْ أَعْتَقَهُ أَخَذْتُ مِنْك غَلَّةَ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَأَنْتَ عَبْدٌ، وَقَالَ الْمُعْتَقُ أَخَذْتَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا قَالَ بِعْتُ وَسَلَّمْتُ قَبْلَ الْعَزْلِ، وَقَالَ الْمُوَكِّلُ بَعْدَ الْعَزْلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُسْتَهْلَكًا، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فِيهِ فَيَصِيرُ مُدَّعِيًا، وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي الْغَلَّةِ الْقَائِمَةِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ وَبِالْإِضَافَةِ يُدَّعَى عَلَيْهِ التَّمْلِيكُ، وَلَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ وَالْآخِذُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي يَضْمَنَانِ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِسَبَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالُوا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَرْجِعُ بِالْمِائَةِ الَّتِي غَرِمَهَا أَيْضًا يُرِيدُ بِالْمِائَةِ مَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي وَفَرْضُهُ مِائَةٌ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ ذَلِكَ فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ أَعْنِي جَوَازَ أَنْ يُقَالَ، وَأَمَّا الْوَاقِعُ مِنْ الْقَوْلِ بِالرُّجُوعِ بِمَا ضَمِنَ فَفِيهِ خِلَافٌ قِيلَ نَعَمْ وَقَالَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ السُّرْخَكَتِيُّ لَا يَأْخُذُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ إنَّمَا ضَمِنَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى غَيْرِهِ وَفِي الْكَاكِيِّ الْأَصَحُّ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ قَضَى ذَلِكَ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي التَّصْحِيحِ كَمَا سَمِعْت اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ هُوَ الْعَاقِدَ رَجَعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَارِثِ إذَا كَانَ أَهْلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا نَصَّبَ الْقَاضِي عَنْهُ مَنْ يَقْضِي دَيْنَهُ اهـ كَيْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَاهِلًا يُسْتَفْسَرُ) أَيْ عَنْ قَضَائِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا فَشَمِلَ صُورَتَيْنِ وَالْأَقْسَامُ عَلَى هَذَا أَرْبَعَةٌ: عَدْلٌ عَالِمٌ لَا يُسْتَفْسَرُ. عَدْلٌ جَاهِلٌ يُسْتَفْسَرُ. فَاسِقٌ عَالِمٌ. فَاسِقٌ جَاهِلٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا إلَّا إنْ عَايَنَ الْحُجَّةَ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ الْآخِذُ وَالْقَاطِعُ فِي هَذَا الْفَصْلِ) أَرَادَ بِهَذَا الْفَصْلِ مَا إذَا زَعَمَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَوْ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ أَنَّ الْأَخْذَ أَوْ الْقَطْعَ وَقَعَ قَبْلَ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ. اهـ. غَايَةٌ

[كتاب الشهادة]

الضَّمَانِ وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ الضَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ وُجِدَ الْإِسْنَادُ مِنْهُمَا أَيْضًا إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَا أَيْضًا كَالْقَاضِي قُلْنَا إنَّ هَذِهِ حُجَّةٌ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِسَبَبِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ لَكِنَّ إقْرَارَ كُلِّ مُقِرٍّ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي حَقِّهِمَا حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ لَا قَطْعِيَّةٌ وَالظَّاهِرُ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّ الْقَاضِي كَذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لَكِنْ لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الضَّمَانَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ حَذَرَ الضَّمَانِ بَعْدَ الْعَزْلِ فَتُرِكَ لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْآخِذِ قَائِمًا، وَقَدْ أَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَالُ صُدِّقَ الْقَاضِي فِي أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي قَضَائِهِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ قَضَائِهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَ لَهُ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى تَمَلُّكِهِ إلَّا بِحُجَّةٍ وَقَوْلُ الْمَعْزُولِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمِنْ نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا لَوْ قَالَ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَا بَلَغَ الْيَتِيمُ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَالِ وَأَنْكَرَ الْيَتِيمُ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَصِيِّ لِمَا أَنَّهُ أُسْنِدَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهَا قَطَعْتُ يَدَكِ وَأَنْتِ أَمَتِي فَقَالَتْ هِيَ قَطَعْتَهَا وَأَنَا حُرَّةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، وَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ بِإِسْنَادِهِ الْفِعْلَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ فَأَجَابَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْلَى أَقَرَّ بِأَخْذِ مَالِهَا، ثُمَّ ادَّعَى التَّمَلُّكَ لِنَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ التَّمَلُّكَ لَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الرَّجُلُ أَكَلْتُ طَعَامَك بِإِذْنِك فَأَنْكَرَ الْإِذْنَ يَضْمَنُ الْمُقِرُّ وَهَذَا الْفَرْقُ غَيْرُ مُخَلِّصٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمِنْ نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا لَوْ قَالَ الْوَصِيُّ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْوَصَايَا فِي فَصْلٍ فِي تَصَرُّفَاتِ الْوَصِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَطَلَبَ مَالَهُ مِنْ الْوَصِيِّ فَقَالَ الْوَصِيُّ ضَاعَ مِنِّي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَإِنْ قَالَ أَنْفَقْت مَالَك عَلَيْك يُصَدَّقُ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ فَقَالَ الْوَصِيُّ مَاتَ أَبُوهُ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وَقَالَ الْيَتِيمُ مَاتَ أَبِي مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الِابْنِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ إذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّ الْمَيِّتَ تَرَكَ رَقِيقًا فَأَنْفَقْت عَلَيْهِمْ إلَى وَقْتِ كَذَا، ثُمَّ مَاتَ وَكَذَّبَهُ الِابْنُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الِابْنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْعَبِيدِ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَصِيِّ وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّ غُلَامًا لِلْمُوصِي أَبَقَ فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ فَأَعْطَيْتُ جُعْلَهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَالِابْنُ يُنْكِرُ الْإِبَاقَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَصِيِّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْوَصِيُّ بِبَيِّنَةٍ عَلَى مَا ادَّعَى وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُ رَجُلًا لِيَرُدَّهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُصَدَّقًا وَالْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إذَا قَالَ الْوَصِيُّ أَدَّيْتُ خَرَاجَ أَرْضِك عَشْرَ سِنِينَ مُنْذُ مَاتَ أَبُوك وَقَالَ الْيَتِيمُ إنَّمَا مَاتَ أَبِي مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الِابْنِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَدَّعِي تَارِيخًا سَابِقًا، وَهُوَ يُنْكِرُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ يَدَّعِي عَلَيْهِ وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمَالِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَإِنْ قَالَ الْوَصِيُّ فَرَضَ الْقَاضِي لِأَخِيك الزَّمِنِ نَفَقَةً فِي مَالِك، كُلَّ شَهْرٍ كَذَا فَأَدَّيْتَ إلَيْهِ لِكُلِّ شَهْرٍ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ، وَكَذَّبَهُ الِابْنُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ عِنْدَ الْكُلِّ وَيَكُونُ ضَامِنًا. اهـ. [كِتَابُ الشَّهَادَةِ] (كِتَابُ الشَّهَادَةِ) قَالَ الْكَمَالُ الشَّهَادَةُ لُغَةً إخْبَارٌ قَاطِعٌ وَفِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ إخْبَارُ صِدْقٍ بِإِثْبَاتِ حَقٍّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الزُّورِ فَلَيْسَتْ شَهَادَةً وَقَوْلُ الْقَائِلِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَشْهَدُ بِرُؤْيَةِ كَذَا لِبَعْضِ الْعُرْفِيَّاتِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ذَكَرَ الشَّهَادَاتِ بَعْدَ كِتَابِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَحْتَاجُ فِي حُكْمِهِ إلَى الشَّاهِدِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّةِ حُكْمِهِ وَقَالَ الْكَمَالُ: يَتَبَادَرُ أَنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَى الْقَضَاءِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا إذَا كَانَ ثُبُوتُ الْحَقِّ بِهَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَضَاءُ هُوَ الْمَقْصُودَ مِنْ الشَّهَادَةِ قَدَّمَهُ تَقْدِمَةً لِلْمَقْصُودِ عَلَى الْوَسِيلَةِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَمَعْنَاهَا الْحُضُورُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» أَيْ حَضَرَهَا وَالشَّاهِدُ أَيْضًا يَحْضُرُ الْقَاضِيَ وَمَجْلِسَ الْوَاقِعَةِ وَفِي الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَهِيَ أَيْ الشَّهَادَةُ إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِشَخْصٍ عَلَى غَيْرِهِ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْقَضِيَّةِ الَّتِي يَشْهَدُ بِهَا بِالتَّحْقِيقِ وَعَنْ عِيَانٍ أَيْ عَنْ مُعَايَنَةٍ لِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» ثُمَّ أَكَّدَ مَعْنَى الشَّهَادَةِ بِقَوْلِهِ لَا عَنْ تَخْمِينٍ وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْحَدْسِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ مَصْدَرُ خَمَّنَ بِالتَّشْدِيدِ وَمَادَّتُهُ خَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَمِيمٌ وَنُونٌ وَالتَّخْمِينُ وَالْحَدْسُ فِي الْإِخْبَارِ لَا يُفِيدُ التَّحْقِيقَ وَالتَّيَقُّنَ فَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ وَأَكَّدَ مَعْنَى الْعِيَانِ بِقَوْلِهِ وَلَا عَنْ حِسْبَانٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ مِنْ حَسِبْته كَذَا أَحْسَبُهُ بِالْفَتْحِ مَحْسَبَةً وَمُحْسِبَةً وَحِسْبَانًا أَيْ ظَنَنْته وَيُقَالُ أَحْسِبُهُ بِالْكَسْرِ شَاذٌّ وَأَمَّا حُسْبَانٌ بِالضَّمِّ فَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ حَسَبَ يَحْسُبُ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ إذَا عَدَّ وَجَعَلَ الشَّارِحُ هَذَا مَعْنًى لُغَوِيًّا لِلشَّهَادَةِ ثُمَّ قَالَ وَهِيَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ بِصِدْقٍ مَشْرُوطٍ فِيهِ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ الْحُضُورُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيُّ وَقَوْلُهُ إخْبَارٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ هُوَ إخْبَارٌ بِصِدْقٍ

(كِتَابُ الشَّهَادَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ إخْبَارٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ لَا عَنْ تَخْمِينٍ وَحِسْبَانٍ) هَذَا فِي اللُّغَةِ فَلِهَذَا قَالُوا: إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي تُبْنَى عَلَى الْمُعَايَنَةِ وَسُمِّيَ الْأَدَاءُ شَهَادَةً إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ، وَقِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الشُّهُودِ بِمَعْنَى الْحُضُورِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَحْضُرَ مَجْلِسَ الْقَاضِي وَمَجْلِسَ الْوَاقِعَةِ وَهِيَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ بِصِدْقٍ مَشْرُوطٍ فِيهِ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ وَلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ فَشَرْطُهَا الْعَقْدُ الْكَامِلُ وَالضَّبْطُ وَالْوِلَايَةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَرُكْنُهَا لَفْظُ أَشْهَدُ بِمَعْنَى الْخَبَرِ دُونَ الْقَسَمِ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي بِمَا تَقْتَضِيهِ الشَّهَادَةُ وَالْقِيَاسُ يَأْبَى أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ حُجَّةً مُلْزَمَةً؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَلْزَمُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي) أَيْ يَلْزَمُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ وَلَا يَسَعُ كِتْمَانُهَا إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وَهَذَا وَإِنْ كَانَ نَهْيًا عَنْ الْإِبَاءِ وَعَنْ الْكِتْمَانِ لَكِنْ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ يَكُونُ أَمْرًا بِضِدِّهِ إذَا كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الِانْتِهَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالِاشْتِغَالِ بِهِ فَكَانَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَرْضًا قَطْعًا كَفَرِيضَةِ الِانْتِهَاءِ عَنْ الْكِتْمَانِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِهِ بَلْ آكَدُ وَلِهَذَا أُسْنِدَ الْإِثْمُ إلَى الْآلَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الْفِعْلُ وَهِيَ الْقَلْبُ؛ لِأَنَّ إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى مَحَلِّهِ أَقْوَى مِنْ إسْنَادِهِ إلَى كُلِّهِ، وَقَوْلُهُمْ: أَبْصَرْتُهُ بِعَيْنِي آكَدُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَبْصَرْته، وَإِسْنَادُهُ إلَى أَشْرَفِ الْجَوَارِحِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَعْظَمُ الْجَرَائِمِ بَعْدَ الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَأَدَّى غَيْرُهُ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَقُبِلَتْ فَقَالُوا لَا يَأْثَمُ وَإِنْ أَدَّى غَيْرُهُ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ يَأْثَمْ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ إذَا كَانَ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ هَذَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الشَّاهِدِ قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْقَاضِي لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَيَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ قَالُوا: لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] ثُمَّ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَرْكُوبِ فَأَرْكَبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ عِنْدِهِ قَالُوا: لَا بَأْسَ بِهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِكْرَامِ لِلشُّهُودِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَكْرِمُوا الشُّهُودَ»، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ وَأَرْكَبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ عِنْدِهِ قَالُوا لَا تُقْبَلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَتْرُهَا فِي الْحُدُودِ أَحَبُّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِلَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك» وَهَذَا الْحَدِيثُ وَلَفْظُ الْمُخْتَصَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا كَوْنُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَيْسَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ خَارِجٌ عَنْ ذَاتِهِ كَمَا عُرِفَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرُكْنُهَا لَفْظُ أَشْهَدُ) وَفِي قَوْلِ الْقَائِلِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَشْهَدُ بِرُؤْيَةِ كَذَا لِبَعْضِ الْعُرْفِيَّاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَنَظِيرُهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُلْزَمُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي) قَالَ الْكَمَالُ وَسَبَبُ وُجُوبِهَا طَلَبُ ذِي الْحَقِّ أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّهِ فَإِنَّ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لَا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُ الْحَقِّ وَخَافَ فَوْتَ الْحَقِّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ بِلَا طَلَبٍ، وَشَرْطُهَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْوِلَايَةُ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِسْلَامَ؛ لِأَنَّ الدِّينَ أَصْلُ الشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَرُكْنُهَا اللَّفْظُ الْخَاصُّ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْإِخْبَارِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَقَالَ الْكَمَالُ: وَسَبَبِيَّةُ الطَّلَبِ تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وَسَبَبِيَّةُ خَوْفِ الْفَوْتِ بِالْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ سَبَبِيَّةَ الطَّلَبِ إنَّمَا ثَبَتَتْ كَيْ لَا يَفُوتَ الْحَقُّ اهـ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدَّى غَيْرُهُ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ يَأْثَمْ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ فِيمَنْ لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي إنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُهُ نَرْجُو أَنْ يَسْعَهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ وَفِي الْعُيُونِ إنْ كَانَ فِي الصَّكِّ جَمَاعَةٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ دُونَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ لَكِنْ قَبُولُهَا مَعَ شَهَادَتِهِ أَسْرَعُ وَجَبَ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إذَا دُعِيَ فَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ ظَاهِرٍ ثُمَّ أَدَّى لَا تُقْبَلُ لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ فِيهِ إذْ يُمْكِنُ أَنَّ تَأْخِيرَهُ بِعُذْرٍ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ لِاسْتِجْلَابِ الْأُجْرَةِ. اهـ. وَالْوَجْهُ أَنْ يُقْبَلَ وَيُحْمَلَ عَلَى الْعُذْرِ مِنْ نِسْيَانٍ ثُمَّ تَذَكُّرٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْفَضْلِ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَأَدَائِهَا وَإِلَّا لَضَاعَتْ الْحُقُوقُ وَعَلَى هَذَا الْكَاتِبِ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ فِيمَنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَكَذَا مَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ فِي الْعُقُودِ إلَّا فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَجِبُ وَفِي الرَّجْعَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ قَالُوا لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِذَلِكَ) قَالَ الْكَمَالُ قَالُوا: يَلْزَمُ إذَا كَانَ مَجْلِسُ الْقَاضِي قَرِيبًا، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَعَنْ نَصْرٍ إنْ كَانَ بِحَالٍ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ شَيْخًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ فَأَرْكَبَهُ الطَّالِبُ لَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ فِيمَنْ أَخْرَجَ الشُّهُودَ إلَى ضَيْعَةٍ فَاسْتَأْجَرَ لَهُمْ حَمِيرًا فَرَكِبُوهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا الْعَادَةُ وَهِيَ إكْرَامٌ لِلشُّهُودِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ وَفَصَلَ فِي النَّوَازِلِ بَيْنَ كَوْنِ الشَّاهِدِ شَيْخًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ وَلَا يَجِدُ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ دَابَّةً فَيُقْبَلُ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ وَلَوْ وَضَعَ لِلشُّهُودِ طَعَامًا فَأَكَلُوا إنْ كَانَ مُهَيَّأً مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ يُقْبَلُ، وَإِنْ صَنَعَهُ لِأَجْلِهِمْ لَا يُقْبَلُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُقْبَلُ فِيهِمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْبَلُ فِيهِمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِلْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بِإِطْعَامِ مَنْ حَلَّ مَحَلَّ الْإِنْسَانِ مِمَّنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ شَاهِدًا أَوْ لَا وَيُؤْنِسُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْإِهْدَاءَ إذَا كَانَ بِلَا شَرْطٍ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ عِنْدَ الْأَمِيرِ يَجُوزُ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْأَدَاءَ فُرِضَ بِخِلَافِ الذَّهَابِ إلَى الْأَمِيرِ اهـ

[شروط الشهود في الزنا]

مُخَيَّرٌ بَيْنَ السَّتْرِ وَالْإِظْهَارِ وَلَكِنَّ السَّتْرَ أَفْضَلُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَفِيمَا نُقِلَ مِنْ تَلْقِينِ الْمُقِرِّ لِلدَّرْءِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ السَّتْرَ أَفْضَلُ، وَإِنْ شَاءَ أَظْهَرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ حِسْبَةً أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الْفَسَادِ أَوْ تَقْلِيلَهُ فَكَانَ حَسَنًا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} [النور: 19] الْآيَةَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ فِيهِمْ الْفَاحِشَةُ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَذَلِكَ صِفَةُ الْكَافِرِ فَلِذَلِكَ وُعِدُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّاهِدِ ارْتِفَاعُ الْفَاحِشَةِ مِنْ الْعِبَادِ لَا إشَاعَتُهَا وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِشْهَادِ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] فَلِهَذَا حَسُنَ وَالْأَوَّلُ وَهُوَ السَّتْرُ أَحْسَنُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283]؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] أَيْ إذَا دَعَاهُمْ الْمُدَّعِي إذْ الْحُدُودُ لَيْسَ لَهَا مُدَّعٍ يَدَّعِيهَا وَلِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مَعَ كَرَمِهِ وَلُطْفِهِ بِعِبَادِهِ، وَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ شَحِيحٌ فَلَا يُقَاسُ أَحَدُ الْحَقَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقُولُ فِي السَّرِقَةِ أَخَذَ لَا سَرَقَ)؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمَالِ وَاجِبٌ إذَا طَلَبَهُ الْمُدَّعِي، وَالسَّتْرُ فِي الْحَدِّ أَفْضَلُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَأَمْكَنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةِ الْحَقَّيْنِ بِقَوْلِهِ أَخَذَ؛ لِأَنَّهُ يُحْيِي بِهِ حَقَّ الْمُدَّعِي وَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ مَتَى وَجَبَ عَلَيْهِ سَقَطَ الضَّمَانُ إذْ لَا يَجْتَمِعَانِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمُدَّعِي بِقَوْلِهِ سَرَقَ فَيَتَوَقَّاهُ مُرَاعَاةً لِحَقِّهِ إذْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَفِيهِ صِيَانَةُ يَدِ السَّارِقِ وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى إقَامَتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشُرِطَ لِلزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 13] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ائْتِ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك» وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَوْضُوعَةٌ لِلْمُذَكَّرِ دُونَ الْمُؤَنَّثِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى اشْتِرَاطِ الذُّكُورِ فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ السَّتْرَ عَلَى عِبَادِهِ وَأَوْعَدَ بِالْعَذَابِ مَنْ أَحَبَّ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِمَا تَلَوْنَا وَفِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ مَعَ وَصْفِ الذُّكُورَةِ تَحْقِيقُ مَعْنَى السَّتْرِ إذْ وُقُوفُ الْأَرْبَعِ عَلَى هَذِهِ الْفَاحِشَةِ قَلَّمَا يَتَحَقَّقُ وَأَوْجَبَ عَلَى مَنْ نُسِبَ إلَى هَذِهِ الْفَاحِشَةِ الْحَدَّ إنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، وَاللِّعَانَ إنْ كَانَ زَوْجًا كُلُّ ذَلِكَ يُؤَكِّدُ مَعْنَى السَّتْرِ وَيَمْنَعُ مِنْ الْإِظْهَارِ وَلَا يُقَالُ لَيْسَ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ إلَّا بَيَانُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِهَذَا الْعَدَدِ وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِأَقَلَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَذْكُورِ وَلَكِنْ لَا يُوجِبُهُ أَيْضًا فَمَنْ ادَّعَى جَوَازَ مَا دُونَهُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ كَمَا أَنَّ النَّافِيَ لِلْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ لَا يَنْفِيهِ إلَّا لِعَدَمِ دَلِيلٍ يَقْتَضِيهِ إذْ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَقَدْ وُجِدَ الدَّلِيلُ عَلَى انْتِفَائِهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ هُنَا وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى يَوْمِنَا هَذَا أَنَّ الشُّهُودَ عَلَى الزِّنَا إذَا نَقَصَ عَدَدُهُمْ عَنْ الْأَرْبَعَةِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ لِكَوْنِهِمْ قَذَفَةً. أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَدَّ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى مُغِيرَةَ بِالزِّنَا وَلَوْ كَانَ الزِّنَا يَثْبُتُ بِمَا دُونَهُ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ بَلْ كَانَ يَجِبُ عَلَى الْمَنْسُوبِ إلَى الزِّنَا وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ لِعَدَمِ التَّسَاوِي وَلِوُجُودِ النَّصِّ فِي الْفَرْعِ وَشَرْطُ الْقِيَاسِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْأَصْلِ، وَالْفَرْعِ وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي الْفَرْعِ نَصٌّ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ رَجُلَانِ) لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ وَقَالَ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَلِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيهَا شُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَجُلٍ فَلَا يُقْبَلُ فِيمَا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ كَمَا لَا يَجُوزُ فِيهَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، وَإِنَّمَا كَانَتْ فِيهَا شُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ لَا حَقِيقَتُهَا؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ غَالِبًا وَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ تُقْبَلُ مَعَ وُجُودِ الشُّهُودِ مِنْ الرِّجَالِ وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ} [البقرة: 282] قَالُوا: إنْ لَمْ يَشْهَدَا حَالَ كَوْنِهِمَا رَجُلَيْنِ فَلْيَشْهَدْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَلَوْلَا هَذَا التَّأْوِيلُ لَمَا اعْتَبَرَ شَهَادَتَهُنَّ مَعَ وُجُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) أَيْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ سَتَرَهُ اللَّهُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَتَرَ إلَخْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ، وَإِنْ شَاءَ أَظْهَرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ حِسْبَةً أَيْضًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ يُخَيَّرُ فِيهَا الشَّاهِدُ فِي السَّتْرِ وَالْإِظْهَارِ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَالتَّوَقِّي عَنْ الْهَتْكِ وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ اهـ قَالَ الْكَاكِيُّ وَالْحِسْبَةُ مَا يُنْتَظَرُ بِهِ الْأَجْرُ فِي الْآخِرَةِ وَفِي الصِّحَاحِ احْتَسَبَ بِكَذَا أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْمُ الْحِسْبَةُ بِالْكَسْرِ وَهِيَ الْأَجْرُ وَالْجَمْعُ الْحِسَبُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ وَهُوَ السَّتْرُ أَحْسَنُ لِمَا بَيَّنَّا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، فَإِنْ قُلْت كَيْفَ كَانَ السَّتْرُ أَفْضَلَ مَعَ تَنْصِيصِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] قُلْت الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْمُدَايَنَةِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا فِي الْحُدُودِ بِدَلَالَةِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا آنِفًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمْكَنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةِ الْحَقَّيْنِ بِقَوْلِهِ أَخَذَ) أَيْ فَإِنَّ الْأَخْذَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ غَصْبًا أَوْ عَلَى ادِّعَاءِ أَنَّهُ مَلَكَهُ مُودَعًا عِنْدَ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الشَّهَادَةَ بِالْأَخْذِ مُطْلَقًا ثُبُوتُ الْحَدِّ بِهَا. اهـ. كَمَالٌ [شُرُوط الشُّهُود فِي الزِّنَا] (قَوْلُهُ وَشَرْطُ الْقِيَاسِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الزِّنَا أَعْظَمُ الْجَرَائِمِ وَلِهَذَا شُرِعَ فِيهِ الرَّجْمُ فَلَا يُقَاسُ عَلَى غَيْرِهِ اهـ مِنْ خَطِّهِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ رَجُلَانِ) وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ) وَتَخْصِيصُ الْخَلِيفَتَيْنِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ كَانَ مُعْظَمُ تَقْرِيرِ الشَّرْعِ وَطُرُقِ الْأَحْكَامِ

[ما يشترط للشهادة في ثبوت الولادة والبكارة وعيوب النساء]

الرِّجَالِ، وَشَهَادَتُهُنَّ مُعْتَبَرَةٌ مَعَهُمْ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ أَيْضًا حَتَّى إذَا شَهِدَ رِجَالٌ وَنِسْوَةٌ بِشَيْءٍ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْكُلِّ حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْكُلِّ عِنْدَ الرُّجُوعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْوِلَادَةِ، وَالْبَكَارَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رَجُلٌ امْرَأَةٌ) يَعْنِي يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرُ إلَيْهِ»، وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ، وَاللَّامِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَعْهُودٌ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ وَقَالَ حُذَيْفَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي الشَّهَادَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ فِيهِ ثِنْتَانِ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ شَيْئَانِ الْعَدَدُ، وَالذُّكُورَةُ وَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا فَبَقِيَ الْآخَرُ وَهُوَ الْعَدَدُ عَلَى حَالِهِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ اشْتِرَاطُ صِفَةِ الذُّكُورَةِ لِيَخِفَّ النَّظَرُ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ أَخَفُّ فَكَذَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْوَاحِدِ أَخَفُّ. وَالْأَحْوَطُ الِاثْنَانِ أَوْ الْأَكْثَرُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا سَائِرُ شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالْعَقْلِ، وَالْبُلُوغِ، وَالْعَدَالَةِ وَحُكْمُ شَهَادَتِهِنَّ فِي الْوِلَادَةِ، وَالْبَكَارَةِ، وَالْعُيُوبُ قَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي مَوْضِعِهَا مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْبُيُوعِ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ فِي اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَتُقْبَلُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ كَشَهَادَتِهَا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَرِوَايَتِهَا الْإِخْبَارَ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ عَلَامَةُ حَيَاتِهِ وَلَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ حَضَرَهُ وَلَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ عَادَةً فَصَارَ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ وَيُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ فِيهِ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ كَانَ الرَّجُلُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ قَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ كَمَا فِي الزِّنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِغَيْرِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) أَيْ يُشْتَرَطُ لِغَيْرِ الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ وَمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْوِصَايَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا كَالْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِنَّ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَاخْتِلَالِ الضَّبْطِ وَقُصُورِ الْوِلَايَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ وَحْدَهُنَّ، وَإِنْ كَثُرْنَ وَلَا مَعَ الرِّجَالِ فِي الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا قُبِلَتْ فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا لِلضَّرُورَةِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَقِلَّةِ خَطَرِهَا وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ الْمَالِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَجَازَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي النِّكَاحِ، وَالْفُرْقَةِ وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ أَصْلِيَّةٌ لَا ضَرُورِيَّةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْقَبُولُ لِوُجُودِ مَا يُبْنَى عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الْوِلَايَةُ وَهِيَ تُبْنَى عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَالْإِرْثِ وَلِوُجُودِ أَهْلِيَّةِ الْقَبُولِ وَهِيَ تُبْنَى عَلَى انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بِالْكَذِبِ، وَالْغَلَطِ فَالْكَذِبُ يَنْتَفِي بِالْعَدَالَةِ، وَالْغَلَطُ يَنْتَفِي بِإِتْقَانِ الْمُعَايَنَةِ، وَالضَّبْطِ، وَالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ بِالْأَوَّلِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلشَّاهِدِ وَبِالثَّانِي يَحْصُلُ بِهِ الْبَقَاءُ، وَالدَّوَامُ، وَبِالثَّالِثِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْقَاضِي وَلِهَذَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهَا فِي الْإِخْبَارِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُنَّ مُطْلَقًا كَالرِّجَالِ وَلَكِنْ جَاءَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ كَيْ لَا يَكْثُرَ خُرُوجُهُنَّ وَنُقْصَانُ الضَّبْطِ بِزِيَادَةِ النِّسْيَانِ انْجَبَرَ بِضَمِّ أُخْرَى إلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الشُّبْهَةُ وَهَذِهِ الْحُقُوقُ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ كَالْمَالِ بَلْ فَوْقَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ مَعَ الْهَزْلِ وَكَذَا الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالْمَالُ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ وَأَيُّ شُبْهَةٍ أَقْوَى مِنْ الْهَزْلِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْكُلِّ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ، وَالْعَدَالَةِ) أَيْ يُشْتَرَطُ لِجَمِيعِ مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ، وَالْعَدَالَةِ لِكَيْ تُقْبَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي زَمَانِهِمَا وَبَعْدَهُمَا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا إلَّا الِاتِّبَاعُ. اهـ. فَتْحٌ [مَا يَشْتَرِط للشهادة فِي ثُبُوت الْوِلَادَة والبكارة وَعُيُوب النِّسَاء] (قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ فِيهِ ثِنْتَانِ مِنْ النِّسَاءِ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُ شَهَادَتِهِنَّ فِي الْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا حُكْمُ الْبَكَارَةِ، فَإِنْ شَهِدْنَ أَنَّهَا بِكْرٌ يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً فَإِذَا مَضَتْ فَقَالَ وَصَلْت إلَيْهَا وَأَنْكَرَتْ تُرَى النِّسَاءَ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ تُخَيَّرُ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ فُرِّقَ لِلْحَالِ، وَإِنَّمَا فُرِّقَ بِقَوْلِهِنَّ؛ لِأَنَّهَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ وَهِيَ مُوَافَقَةُ الْأَصْلِ إذْ الْبَكَارَةُ أَصْلٌ وَلَوْ لَمْ تَتَأَيَّدْ شَهَادَتُهُنَّ بِمُؤَيِّدٍ اُعْتُبِرَتْ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي إلْزَامِ الْخَصْمِ وَكَذَا فِي رَدِّ الْمَبِيعِ إذَا اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي هِيَ ثَيِّبٌ يُرِيهَا النِّسَاءَ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ لِتَأَيُّدِ شَهَادَتِهِنَّ بِمُؤَيِّدٍ هُوَ الْأَصْلُ، وَإِنْ قُلْنَ: ثَيِّبٌ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ قَوِيٌّ وَشَهَادَتَهُنَّ ضَعِيفَةٌ وَلَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ لَكِنْ يَثْبُتُ حَقُّ الْخُصُومَةِ وَيَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ لَقَدْ سَلَّمَتْهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا حَلَفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتهَا وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا فِي حَقِّ الْإِرْثِ فَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ صَوْتُهُ مَسْمُوعٌ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ فَكَانَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَهُمَا يَقُولَانِ صَوْتُهُ يَقَعُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَعِنْدَهَا لَا تُحْضِرُ الرِّجَالَ فَصَارَ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ أَرْجَحُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَتُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْضًا) فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ رَجُلٌ بِأَنْ قَالَ: فَاجَأْتهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي إلَيْهَا يُقْبَلُ إنْ كَانَ عَدْلًا وَلَوْ قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ لَا يُقْبَلُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنْ قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ أَيْضًا تُقْبَلُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ اهـ كَيْ وَفَتْحٌ

حَتَّى لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ نَاطِقَةٌ بِالِاسْتِشْهَادِ فَلَا يَقُومُ مَقَامَهَا غَيْرُهَا لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ تَوْكِيدٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْيَمِينِ مُلَاحَظًا فِيهَا وَامْتِنَاعُهُ عَنْ الْكَذِبِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَشَدُّ إذْ لَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَوَامِرِ حَيْثُ لَا يُرَاعَى فِيهِ اللَّفْظُ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْأَمْرُ بَلْ يَتَأَتَّى بِكُلِّ لَفْظٍ يُعْطِي ذَلِكَ الْمَعْنَى كَالتَّكْبِيرِ، وَالْأَيْمَانِ حَتَّى صَحَّ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ الْأَيْمَانُ يَجُوزُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ إلْزَامَ الْحَاكِمِ الْحُكْمَ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَالْعِرَاقِيُّونَ لَا يَشْتَرِطُونَ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَيَجْعَلُونَهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَمَجْلِسِ الْحُكْمِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْعَدَالَةُ هِيَ الْمُعَيِّنَةُ لِلصِّدْقِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَالَ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، وَالْعَدْلُ هُوَ الْمَرَضِيُّ وَلِأَنَّ مَنْ يُبَاشِرُ غَيْرَ الْكَذِبِ مِنْ الْمَعَاصِي قَدْ يُبَاشِرُ الْكَذِبَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ، وَالْكَذِبَ وَبِالْعَدَالَةِ تَتَرَجَّحُ جِهَةُ الصِّدْقِ وَهِيَ الِانْزِجَارُ عَمَّا يُعْتَقَدُ حُرْمَتُهُ، وَالْحُجَّةُ هُوَ الْخَبَرُ الصِّدْقُ وَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ دُونَهَا وَهِيَ شَرْطُ لُزُومِ الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ لَا شَرْطُ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ إذْ الْفَاسِقُ أَهْلٌ لِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ، وَالسَّلْطَنَةِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّ فِسْقَهُ أَوْجَبَ التَّوَقُّفَ فِي خَبَرِهِ لِتُهْمَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] أَمَرَ بِالتَّبَيُّنِ، وَالتَّثَبُّتِ لَا بِالرَّدِّ حَتَّى إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي الشَّهَادَةِ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْفَاسِقَ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ فِي شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لِوَجَاهَتِهِ لَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ عَلَى اسْتِئْجَارِهِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلِمُرُوءَتِهِ يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ إكْرَامًا لَهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَكْرِمُوا الشُّهُودَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِي الْحُقُوقَ بِهِمْ» وَفِي حَقِّ الْفَاسِقِ أَمَرْنَا بِخِلَافِهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا لَقِيت الْفَاسِقَ فَالْقَهُ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ» وَمَنْ يَكُونُ مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ فَلَا مُرُوءَةَ لَهُ شَرْعًا فَلَا يَلْزَمُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ حَتْمًا عَلَى وَجْهٍ لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ سِرًّا) وَعَلَانِيَةً فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْتَصِرُ عَلَى ظَاهِرِ عَدَالَةِ الْمُسْلِمِ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ الشَّاهِدِ حَتَّى يَطْعَنَ الْخَصْمُ فِيهِ، فَإِنْ طَعَنَ فِيهِ سَأَلَ عَنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا إلَّا فِي الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَطْعَنْ فِيهِ الْخَصْمُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ» وَمِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] يَشْهَدُ لَهُ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الِانْزِجَارُ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ وَدِينَهُ يَمْنَعَانِهِ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْقَبِيحِ فَاكْتَفَى بِالظَّاهِرِ لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ اسْتِحْقَاقٍ كَالشَّفِيعِ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِظَاهِرِ يَدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُنَازِعٌ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى الْقَطْعِ لِخَفَائِهَا وَلَوْ زَكَّى فَالْمُزَكِّي يُخْبِرُ عَنْ عَدَالَتِهِ مُتَمَسِّكًا بِظَاهِرِ حَالِهِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عَدَالَتِهِ انْزِجَارُهُ عَنْ مَحْظُورَاتِ دِينِهِ وَاجْتِهَادُهُ عَلَى الطَّاعَاتِ وَهِيَ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ بِقَطْعِيَّةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ السُّؤَالِ إلَّا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْعَنُهُ كَاذِبًا ظَاهِرًا فَتَقَابَلَ الظَّاهِرَانِ فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ بِالِاسْتِقْصَاءِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُمَا يُدْرَآنِ بِالشُّبْهَةِ وَيُحْتَاطُ لِإِسْقَاطِهِمَا فَيُسْتَقْصَى فِيهِمَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ طَعْنِ خَصْمٍ رَجَاءَ أَنْ يَسْقُطَا وَلَهُمَا أَنَّ الْقَضَاءَ يَنْبَنِي عَلَى الْحُجَّةِ وَلَا تَقَعُ الْحُجَّةُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْعَدَالَةُ قَبْلَ السُّؤَالِ ثَابِتَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ: أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَا تُقْبَلُ إلَخْ) وَثَالِثٌ وَهُوَ التَّفْسِيرُ حَتَّى لَوْ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ أَوْ مِثْلَ شَهَادَتِهِ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا مِثْلُ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ عِنْدَ الْخَصَّافِ لِلِاحْتِمَالِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَالْعَدَالَةُ هِيَ الْمُعِينَةُ لِلصِّدْقِ)، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ إخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ عَلَى السَّوَاءِ بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ الْمَفْهُومِ فَبِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ صِدْقًا حَتَّى يَعْمَلَ بِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إذْ الْفَاسِقُ أَهْلٌ لِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَالسَّلْطَنَةِ) قَالَ الْكَمَالُ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ يَنْفُذُ عِنْدَنَا وَيَكُونُ الْقَاضِي عَاصِيًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفَاسِقَ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ إلَخْ) كَمُبَاشِرِي السُّلْطَانِ وَالْمَكَسَةِ وَغَيْرِهِمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مُكْفَهِرٌّ) أَيْ شَدِيدُ الْعُبُوسَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ) أَيْ وَيُسْتَقْصَى دَرْءُ الْحَدِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ». اهـ. (قَوْلُهُ فَاكْتَفَى بِالظَّاهِرِ لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ إلَخْ) وَلِأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنْ الشُّهُودِ بَلْ اكْتَفَوْا عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ وَأَوَّلُ مَنْ سَأَلَ عَنْهُمْ ابْنُ شُبْرُمَةَ فَدَلَّ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى ظَاهِرِ عَدَالَةِ الْإِسْلَامِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: كَالشَّفِيعِ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ إلَخْ) أَمَّا لَوْ جَحَدَ الْمُشْتَرِي مِلْكِيَّتَهُ لِلدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا الشَّفِيعُ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْعَنُهُ كَاذِبًا ظَاهِرًا فَتَقَابَلَ الظَّاهِرَانِ) أَيْ وَهُمَا كَوْنُ الشَّاهِدِ الْمُسْلِمِ لَا يَكْذِبُ ظَاهِرًا فَكَذَلِكَ الْخَصْمُ مُسْلِمٌ لَا يَكْذِبُ فِي طَعْنِهِ ظَاهِرًا فَوَجَبَ السُّؤَالُ تَرْجِيحًا لِأَحَدِ الظَّاهِرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَهَذَا كَمُدَّعِي الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ حَيْثُ لَا يُلْزِمُهُ الْقَاضِي إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى مِلْكِ الدَّارِ فَإِذَا طَعَنَ الْخَصْمُ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يُعْتَبَرُ لِلْإِلْزَامِ اهـ

بِالظَّاهِرِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فَوَجَبَ التَّعَرُّفُ عَنْهَا صِيَانَةً لِقَضَائِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ وَإِسْنَادِ الْحُكْمِ إلَى الْبُرْهَانِ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ وَهُمْ نَاسٌ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخَيْرِ، وَالصَّلَاحِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي الَّذِي أَنَا فِيهِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ وَيَشْهَدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ»، وَالْآيَةُ الَّتِي تَلَوْنَا، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَا يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ وَهُمَا كَانَا فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ بَعْدَمَا تَغَيَّرَ أَحْوَالُ النَّاسِ وَظَهَرَتْ الْخِيَانَاتُ، وَالْكَذِبُ فَأَفْتَى كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ، وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي هَذَا الْعَصْرِ أَكْثَرُ ثُمَّ التَّعْدِيلُ فِي السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْمَسْتُورَةَ وَهِيَ الرُّقْعَةُ إلَى الْمُعَدِّلِ فِيهَا اسْمُ الشَّاهِدِ وَنَسَبُهُ وَحِلْيَتُهُ وَمَسْجِدُهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ وَمُحَلَّتُهُ وَسُوقُهُ إنْ كَانَ سُوقِيًّا فَيَسْأَلُ عَنْ جِيرَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ، فَإِذَا عَرَفَهُمْ فَمَنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي أَنَّهُ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ يَسْكُتُ وَلَا يَكْتُبُ احْتِرَازًا عَنْ الْهَتْكِ وَيَقُولُ اللَّهُ أَعْلَمُ. إلَّا إذَا عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ أَنَّهُ مَسْتُورٌ وَيَرُدُّ الْمُعَدِّلُ الْمَسْتُورَةَ سِرًّا كَيْ لَا يَظْهَرَ فَيُؤْذَى وَلَا بُدَّ فِي التَّعْدِيلِ فِي الْعَلَانِيَةِ مِنْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ، وَالشَّاهِدِ لِتَنْتَفِيَ شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ عَنْ الْقَاضِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي قَبِيلَتِهِ مَنْ يُوَافِقُهُ فِي الِاسْمِ وَقَدْ كَانَتْ الْعَلَانِيَةُ وَحْدَهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الشَّوْكَةَ كَانَتْ لِأَهْلِ الْخَيْرِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الشَّرِّ وَيُكْتَفَى بِالسِّرِّ فِي زَمَانِنَا لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ، وَالْمَحْدُودَ فِي قَذْفٍ إذَا تَابَ يَكُونُ عَدْلًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ؛ لِأَنَّ مَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَانِنَا كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ الْحُرِّيَّةَ، وَالْإِسْلَامَ وَلِهَذَا لَا يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ حُرِّيَّةِ الشَّاهِدِ وَإِسْلَامِهِ مَا لَمْ يُنَازِعْهُ الْخَصْمُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ أَنَّ النَّاسَ أَحْرَارٌ إلَّا فِي الشَّهَادَةِ، وَالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ، وَالْعَقْلِ، فَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْحُرِّيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بَلْ يَسْأَلُ عَنْهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ بِالرِّقِّ، فَإِنَّ أَبَا الْحُسَيْنِ ذَكَرَ فِي مُخْتَصَرٍ لَهُ أَنَّ النَّاسَ أَحْرَارٌ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَوَاضِعَ الشَّهَادَةُ، وَالْحُدُودُ، وَالْقِصَاصُ، وَالْعَقْلُ. فَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْحُرِّيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: إنَّ الشَّاهِدَ عَبْدٌ أَوْ قَالَ الْقَاذِفُ: الْمَقْذُوفُ عَبْدٌ أَوْ قَالَ الشَّاجُّ: الْمَشْجُوجُ عَبْدٌ أَوْ قَالَتْ الْعَاقِلَةُ: الْقَاتِلُ عَبْدٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ وَلَا الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ حُرٌّ وَهِيَ نَظِيرُ الْعَدَالَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فِيهِمْ بِكَوْنِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ فِيهِمْ، فَإِذَا طَعَنَ الْخَصْمُ سَأَلَ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ لَا يَصِحُّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا حُجَّةٌ وَبُرْهَانٌ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي زَمَانِ أَبِي حَنِيفَةَ الصَّلَاحُ بِخِلَافِ زَمَانِهِمَا وَمَا قِيلَ إنَّهُ أَفْتَى فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَشْهُودُ لَهُ بِالصَّلَاحِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» وَهُمَا أَفْتَيَا بِالْقَرْنِ الرَّابِعِ فَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ تُوُفِّيَ فِي عَامِ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ فَكَيْفَ أَفْتَى فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ وَقَوْلُهُ «خَيْرُ الْقُرُونِ» إلَخْ إثْبَاتُ الْخَيْرِيَّةِ بِالتَّدْرِيجِ وَالتَّفَاوُتِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ فِي الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ غَلَبَةُ الْفِسْقِ وَالظَّاهِرُ الَّذِي يَثْبُتُ بِالْغَالِبِ أَقْوَى مِنْ الظَّاهِرِ الَّذِي يَثْبُتُ بِظَاهِرِ حَالِ الْإِسْلَامِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّا مَا قَطَعْنَا بِغَلَبَةِ الْفِسْقِ وَقَدْ قَطَعْنَا بِأَنَّ مَنْ الْتَزَمَ الْإِسْلَامَ لَمْ يَجْتَنِبْ مَحَارِمَهُ وَلَمْ يَبْقَ مُجَرَّدُ الْتِزَامِ الْإِسْلَامِ مَظِنَّةً لِلْعَدَالَةِ فَكَانَ الظَّاهِرُ الثَّابِتُ بِالْغَالِبِ إلَى مُعَارِضٍ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَهِيَ الرُّقْعَةُ إلَى الْمُعَدِّلِ) وَسُمِّيَتْ بِهَا لِسَتْرِهَا عَنْ نَظَرِ الْعَوَامّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ فِي التَّعْدِيلِ فِي الْعَلَانِيَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَةُ تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ فَيَقُولَ الْمُعَدِّلُ لِلشَّاهِدِ الَّذِي عَدَّلَهُ هَذَا الَّذِي عَدَّلْته اهـ. (فَرْعٌ) إذَا شَهِدَ فَعُدِّلَ ثُمَّ شَهِدَ لَا يُسْتَعْدَلُ إلَّا إذَا طَالَتْ فَوَقَّتَ مُحَمَّدٌ شَهْرًا وَأَبُو يُوسُفَ سَنَةً ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَذَا قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَسَيَأْتِي هَذَا الْفَرْعُ اهـ (فَرْعٌ) لَوْ تَابَ الْفَاسِقُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ تَمْضِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ سَنَةٌ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فَشَهِدَ بِالزُّورِ ثُمَّ تَابَ فَشَهِدَ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الشَّهَادَةِ الْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ تَظْهَرُ فِيهِ التَّوْبَةُ ثُمَّ بَعْضُهُمْ قَدَّرَ ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَالْمُعَدِّلُ وَمَنْ اُتُّهِمَ بِالْفِسْقِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ وَالْمُعَدِّلُ إذَا قَالَ لِشَاهِدٍ هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْفِسْقِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي قَبِيلَتِهِ مَنْ يُوَافِقُهُ فِي الِاسْمِ) أَيْ وَالنِّسْبَةِ وَالصِّفَةِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ هَذَا هُوَ الَّذِي عَدَّلْته قَطْعًا لِلشَّرِكَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيُكْتَفَى بِالسِّرِّ فِي زَمَانِنَا لِمَا ذَكَرْنَا) أَوَّلُ مَنْ سُئِلَ فِي السِّرِّ الْقَاضِي شُرَيْحٌ فَقِيلَ لَهُ أَحْدَثْت يَا أَبَا أُمَيَّةَ فَقَالَ أَحْدَثْتُمْ فَأَحْدَثْنَا. اهـ. كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الشُّهُودَ يُقَابِلُونَ الْمُزَكِّيَ إذَا جَرَّحَهُمْ بِالْأَذَى وَتَقَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ الْعَدَاوَةُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ) وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ الشَّاهِدُ عَدْلًا وَلَا يَكُونُ الشَّاهِدُ عَدْلًا وَلَا يَكُونُ حُرًّا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ بِلَا طَعْنٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْخَصْمِ يَعْنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا قَالَ فِي شُهُودِ الْمُدَّعِي هُمْ عُدُولٌ فَلَا تَقَعُ بِهِ التَّزْكِيَةُ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْخَصْمَ كَاذِبٌ فِي إنْكَارِهِ مُبْطِلٌ فِي إصْرَارِهِ فَلَا يَصْلُحُ

هَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْنِي تَعْدِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ لَا يَصِحُّ وَمُرَادُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ، وَنَظِيرُهُ الْمُزَارَعَةُ، فَإِنَّهُ لَا يَرَاهَا وَمَعَ هَذَا فَرَّعَ عَلَيْهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ تَعْدِيلُهُ؛ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ظَالِمٌ كَاذِبٌ فِي الْجُحُودِ فَتَزْكِيَةُ الْكَاذِبِ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ تَزْكِيَتَهُ تَجُوزُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ كَانَ عَدْلًا لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْدِيلُ الْوَاحِدِ وَأَبُو يُوسُفَ يُجَوِّزُهُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِيمَا إذَا قَالَ: هُمْ عُدُولٌ لَكِنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسُوا أَمَّا إذَا قَالَ: صَدَقُوا أَوْ هُمْ عُدُولٌ صَدَّقَهُ فَقَدْ لَزِمَهُ الْحَقُّ لِإِقْرَارِهِ بِهِ وَلَوْ قَالَ: هُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ عُدُولًا يُتَوَهَّمُ مِنْهُمْ النِّسْيَانُ، وَالْخَطَأُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَدْلًا أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ صَوَابًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَاحِدُ يَكْفِي لِلتَّزْكِيَةِ، وَالرِّسَالَةِ، وَالتَّرْجَمَةِ)؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا الْعَدَالَةُ حَتَّى يَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْأَعْمَى، وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ؛ لِأَنَّ خَبَرَ هَؤُلَاءِ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ رِوَايَتَهُمْ فِي الْإِخْبَارِ مَقْبُولَةٌ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشْتَرَطُ فِي التَّزْكِيَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْعَدَدِ وَوَصْفِ الذُّكُورَةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا أَرْبَعَةٌ ذُكُورٌ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ رَجُلَانِ وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْحُقُوقِ يَجُوزُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَفِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ رَتَّبَهَا عَلَى مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ تَبْتَنِي عَلَى ظُهُورِ الْعَدَالَةِ وَهُوَ بِالتَّزْكِيَةِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْإِخْبَارِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَلَا مَجْلِسُ الْحُكْمِ وَجَازَ تَزْكِيَةُ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَتَزْكِيَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَتَزْكِيَةِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَبِالْعَكْسِ وَاشْتِرَاطُ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ رُجْحَانَ الصِّدْقِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ بِالْعَدَالَةِ لَا بِالْعَدَدِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْإِخْبَارِ حَتَّى قَالُوا فِيهَا لَا يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ مَا لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ التَّوَاتُرِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ لِلنَّصِّ فَبَقِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعَدِّلًا؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ فِي الْمُزَكِّي شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: هَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ) أَيْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِيَ عَنْ الشُّهُودِ فَكَانَ هَذَا نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ حَيْثُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ثَمَّةَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُهَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إلَّا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ وَمَعَ هَذَا إذَا سَأَلَ عَنْهُمْ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُوَ عَدْلٌ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ حَتَّى يَسْأَلَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ تَعْدِيلَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ عَلَى الْكَمَالِ بَلْ هُوَ تَعْدِيلٌ مِنْ وَجْهٍ وَجَرْحٍ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا قَالَ الْخَصْمُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُوَ عَدْلٌ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا إذَا قَالَ هُمْ عُدُولٌ لَكِنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسُوا أَمَّا إذَا قَالَ هُمْ عُدُولٌ صُدِّقُوا فِي شَهَادَتِهِمْ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ فَيُقْضَى عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ هُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ شَهِدُوا عَلَيْك بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَإِنْ قَالَ بِحَقٍّ فَهُوَ إقْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (فَرْعٌ) وَلَوْ جَرَّحَ الشُّهُودَ وَاحِدٌ وَعَدَّلَهُمْ اثْنَانِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ ثَبَتَتْ بِحُجَّةٍ رَاجِحَةٍ وَلَوْ جَرَّحَهُمْ اثْنَانِ وَعَدَّلَهُمْ ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ وَالْمُثَنَّى فِي الشَّهَادَةِ سَوَاءٌ فَاسْتَوَى الْمُعَدِّلُ وَالْجَارِحُ فَرُجِّحَ الْجَرْحُ؛ لِأَنَّ الْمُعَدِّلَ وَقَفَ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ وَالْجَارِحَ وَقَفَ عَلَى الْبَاطِنِ وَهُوَ شَيْءٌ لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُعَدِّلُ فَالْجَارِحَانِ يُثْبِتَانِ شَيْئًا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُعَدِّلُونَ وَالشَّهَادَةُ لِلْإِثْبَاتِ اهـ مِنْ الْوَاقِعَاتِ لِحُسَامِ الدِّينِ الْبُخَارِيِّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي لِلتَّزْكِيَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالتَّرْجَمَةِ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَالتُّرْجُمَانُ إذَا كَانَ أَعْمَى فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ. اهـ. غَايَةٌ وَقَالَ الْكَمَالُ فِي بَابِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى وَيُقْبَلُ أَيْ الْأَعْمَى فِي التَّرْجَمَةِ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَحْصُلُ بِالسَّمَاعِ وَقَدْ كَتَبْت عِبَارَتَهُ بِكَمَالِهَا هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمَحْدُودُ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَا يَجُوزُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ إلَّا مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إلَّا لَفْظُ الشَّهَادَةِ فَقَطْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُشْتَرَطُ فِي التَّزْكِيَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَمَّا ظَهَرَ مِنْ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارُ التَّزْكِيَةِ بِالشَّهَادَةِ فِي حَقِّ الْعَدَدِ قَالَ الْمَشَايِخُ فَيَجِبُ عِنْدَهُ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الْمُزَكِّينَ فِي شُهُودِ الزِّنَا اهـ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ لِحُسَامِ الدِّينِ رَجُلٌ صَحِبَ رَجُلًا فِي حَضَرِهِ وَسَفَرِهِ وَلَمْ يَرَ مِنْهُ إلَّا الصَّلَاحَ وَالْخَيْرَ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُزَكِّيَهُ مَا لَمْ يَصْحَبْهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ سَنَةً وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَسَعُهُ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ عَدَّلَهُ، وَإِنْ عَرَفَهُ ثُمَّ تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ بِتِلْكَ الْمَعْرِفَةِ وَحَدُّ التَّطَاوُلِ سَنَةٌ أَوْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ) أَيْ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحُرِّيَّةُ وَالْعَدَالَةُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَجَازَ تَزْكِيَةُ إلَخْ) أَيْ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَعْدِيلُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ وَالِابْنِ لِلْأَبِ فِي السِّرِّ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالصَّبِيُّ أَهْلٌ لِتَعْدِيلِ السِّرِّ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ وَقَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ اهـ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ شَرَطَ الْخَصَّافُ أَنْ

مَا وَرَاءَهَا عَلَى الْأَصْلِ وَفِي الْمُحِيطِ أَجَازَ تَزْكِيَةَ الصَّبِيِّ وَقَالُوا: تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ وَعَدَدُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الْحَدِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمُرَادُ بِالرِّسَالَةِ، وَالتَّرْجَمَةِ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي، وَالْمُتَرْجِمِ عَنْ الشُّهُودِ وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَالْأَحْوَطُ فِي الْكُلِّ اثْنَانِ. وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَخْتَارَ فِي الْمُسَاءَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ مَنْ هُوَ أَخْبَرُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ وَأَكْثَرُهُمْ اخْتِلَاطًا بِالنَّاسِ مَعَ عَدَالَتِهِ عَارِفًا بِمَا يَكُونُ جَرْحًا وَمَا لَا يَكُونُ جَرْحًا غَيْرَ طَمَّاعٍ وَلَا فَقِيرٍ كَيْ لَا يُخْدَعَ بِالْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جِيرَانِهِ وَلَا أَهْلِ سُوقِهِ مَنْ يَثِقُ بِهِ سَأَلَ أَهْلَ مَحَلَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِمْ ثِقَةً اعْتَبَرَ فِيهِمْ تَوَاتُرَ الْإِخْبَارِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ، وَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَالْبَصَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ سِوَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ، فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ أَوْ رَأَى فِي مِثْلِ الْبَيْعِ، وَالْإِقْرَارِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَالْغَصْبِ، وَالْقَتْلِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي كُلِّ مَا يَتِمُّ بِنَفْسِهِ إذَا عَايَنَ السَّبَبَ كَالْبَيْعِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذْ ادَّعَى إلَيْهِ لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا وَهَذَا لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا هُوَ الْمُوجِبُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الشَّرْطُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» وَيَقُولُ أَشْهَدُ بِأَنَّهُ بَاعَ أَوْ أَقَرَّ؛ لِأَنَّهُ عَايَنَ السَّبَبَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ بِهِ كَمَا عَايَنَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْعَقْدِ فَظَاهِرٌ، وَإِذَا كَانَ بِالتَّعَاطِي فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَقَدْ وُجِدَ وَقِيلَ لَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأَخْذِ، وَالْإِعْطَاءِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حُكْمِيٌّ وَلَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقِيٍّ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي إلَّا إذَا أَشْهَدَهُ كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ بِكَذَا لِفُلَانٍ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ سَمِعَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ الْمُزَكِّي فِي الْعَلَانِيَةِ غَيْرَ الْمُزَكِّي فِي السِّرِّ أَمَّا عِنْدَنَا فَاَلَّذِي يُزَكِّيهِمْ فِي السِّرِّ يُزَكِّيهِمْ فِي الْعَلَانِيَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالُوا تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ وَعَدَدُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الْحَدِّ بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الْمُزَكِّي فِي الْحُدُودِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا فِي الْقِصَاصِ ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَلِفِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ فِي الْمُخْتَلِفِ وَالْحَصْرِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ بَابِ أَبِي حَنِيفَةَ تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الْمُزَكِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا اهـ وَقَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ الْمَحْكِيِّ فِيهِ الْإِجْمَاعُ كَمَا ذُكِرَ عَنْ الْمُخْتَلِفِ إنَّمَا هُوَ الذُّكُورَةُ، وَأَمَّا الْعَدَدُ فَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَمُخْتَلِفُ الرِّوَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْمُجْتَبَى وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ نَفْسُهُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالرِّسَالَةِ وَالتَّرْجَمَةِ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي) الظَّاهِرُ أَيْ الْمُزَكِّي يَنْظُرُ فِي الْأَكْمَلِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَ رَسُولُ الْقَاضِي الَّذِي يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ وَاحِدًا جَازَ وَالِاثْنَانِ أَفْضَلُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ إلَّا اثْنَانِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَرَادُوا بِالرَّسُولِ الْمُزَكِّيَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُتَرْجِمُ عَنْ الشَّاهِدِ وَرَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي وَرَسُولُ الْمُزَكِّي إلَى الْقَاضِي يُخْبِرُهُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْمُرَادُ مِنْ رَسُولِ الْقَاضِي الْمُزَكِّي وَهُوَ الْمَسْئُولُ مِنْهُ عَنْ الشُّهُودِ فَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ قَوْلَهُ الَّذِي يُسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْوَاحِدِ فِي التَّزْكِيَةِ وَكَذَا فِي الرِّسَالَةِ إلَيْهِ وَالرِّسَالَةِ مِنْهُ إلَى الْقَاضِي وَكَذَا فِي التَّرْجَمَةِ عَنْ الشَّاهِدِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ الْكَمَالُ فَهَذَا الْخِلَافُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ فَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي مَسَائِلِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الْخِلَافُ فِي عَدَدِ الْمُزَكِّي فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ وَأَمَّا فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ فَشُرِطَ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَفِي التَّرْجَمَةِ شَرْطٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَمَا يَتَحَمَّلُهُ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ أَيْ يَكُونُ هُوَ تَمَامَ السَّبَبِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ قَوْلًا كَانَ مِثْلَ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَالطَّلَاقِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ فِعْلًا كَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ، فَإِذَا سَمِعَ الشَّاهِدُ الْقَوْلَ كَأَنْ سَمِعَ قَاضِيًا يُشْهِدُ جَمَاعَةً عَلَى حُكْمِهِ أَوْ رَأَى الْفِعْلَ كَالْقَتْلِ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ فَيَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ أَشْهَدُ أَنَّهُ قَضَى فَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ مُعَاطَاةً فَفِي الذَّخِيرَةِ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَقِيلَ يَشْهَدُونَ بِالْبَيْعِ كَالْقَوْلِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَمِنْهُ مَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَهُ ذَلِكَ الشَّاهِدُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِنَابَةِ وَالتَّحْمِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الشَّرْطُ) أَيْ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ هُوَ رُكْنُ الْمُسَوِّغِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لِمُسَوِّغِ الْأَدَاءِ سِوَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] بَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَوَّزَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ وَقَدْ حَصَلَ الْعِلْمُ بِالرُّؤْيَةِ وَالسَّمَاعِ فَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ) فَأَمَرَ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ الْعِلْمِ يَقِينًا فَعَنْ هَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا تَسْمَعُهُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ بِحَضْرَتِهِ لِرَجُلٍ بَقِيَ لَك عَلَيَّ كَذَا أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَفِي الْخُلَاصَةِ اشْتَرَى عَبْدًا وَادَّعَى عَلَى الْبَائِعِ عَيْبًا بِهِ فَلَمْ يُثْبِتْهُ فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَيْهِ هَذَا الْعَيْبَ فَأَنْكَرَ فَاَلَّذِينَ سَمِعُوا مِنْهُ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى الْعَيْبِ فِي الْحَالِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي إلَّا إذَا أَشْهَدَهُ كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا)

لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ إذْ النَّغْمَةُ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ إلَّا إذَا كَانَ فِي الدَّاخِلِ وَحْدَهُ وَعَلِمَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمِلْكِ وَلَيْسَ لَهُ مِلْكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الدَّاخِلِ وَلَا يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا فُسِّرَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ؛ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ الْقَبُولُ عِنْدَ التَّفْسِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ تَجُوزُ فِي أَشْيَاءَ ثُمَّ عِنْدَ التَّفْسِيرِ لَا تُقْبَلُ وَقَالُوا: إذَا سَمِعَ صَوْتَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ يَرَى شَخْصَهَا وَقْتَ الْإِقْرَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا بِنَفْسِهِ وَلَا تَصِيرُ حُجَّةً إلَّا بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْأُصُولِ فَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَجْعَلَ كَلَامَهُ حُجَّةً إلَّا بِأَمْرِهِ فَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إلَّا بِالتَّحْمِيلِ، وَكَذَا إذَا سَمِعَهُ يُشْهِدُ غَيْرَهُ عَلَى شَهَادَتِهِ لَا يَسَعُ السَّامِعَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ، وَإِنَّمَا حَمَلَ غَيْرَهُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ سَمِعَ شَخْصًا يُوَكِّلُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلسَّامِعِ أَنْ يَتَصَرَّفَ مَا لَمْ يُوَكِّلْهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَعْمَلُ شَاهِدٌ وَقَاضٍ وَرَاوٍ بِالْخَطِّ إنْ لَمْ يَتَذَكَّرُوا) أَيْ لَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ وَلَا لِلْقَاضِي إذَا وَجَدَ فِي دِيوَانِهِ مَكْتُوبًا شَهَادَةُ شُهُودٍ وَلَا يَحْفَظُ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِذَلِكَ أَوْ قَضِيَّةٍ قَضَاهَا أَنْ يَحْكُمَ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ وَلَا أَنْ يُمْضِيَ تِلْكَ الْقَضِيَّةَ وَلَا لِلرَّاوِي إذَا وَجَدَ مَكْتُوبًا بِخَطِّهِ أَوْ بِخَطِّ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى فُلَانٍ وَنَحْوِهِ أَنْ يَرْوِيَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ أَوْ الْقَضِيَّةَ أَوْ الرِّوَايَةَ وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُهُ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ» شُرِطَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا وَلَا يُتَصَوَّرُ الْعِلْمُ بِدُونِ تَذَكُّرِ الْوَاقِعَةِ وَلِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مُزَوَّرٌ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْكِتَابِ أَنْ يَتَذَكَّرَ إذَا نَظَرَ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يَفْدِ لِلْقَلْبِ التَّذَكُّرُ صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْمَلَ بِالْكِتَابِ إنْ تَيَقَّنَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الْوَاقِعَةَ تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ لِلرَّاوِي أَنْ يَعْمَلَ بِهِ لِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ وَكَذَا لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِالشَّهَادَةِ وَأَنْ يُمْضِيَ الْقَضَاءَ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِرُؤْيَةِ خَطِّهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِ كُلِّ حَادِثَةٍ وَلِهَذَا يَكْتُبُ كُلَّ حَادِثَةٍ فَلَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِمَا يَجِدُهُ فِي قِمْطَرِهِ لَتَعَطَّلَ أَحْوَالُ النَّاسِ وَلِأَنَّ سِجِلَّهُ فِي قِمْطَرِهِ وَهُوَ فِي يَدِهِ تَحْتَ خَتْمِهِ فَيُؤْمَنُ مِنْ التَّبْدِيلِ، وَالتَّزْوِيرِ وَكِتَابَةُ الرُّوَاةِ تَكُونُ فِي أَيْدِيهِمْ فَيُؤْمَنُ التَّزْوِيرُ أَيْضًا بِخِلَافِ كِتَابَةِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَاذِبِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا فُسِّرَ لَهُ) أَيْ بِأَنْ قَالَ: إنِّي أَشْهَدُ بِالسَّمَاعِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالُوا إذَا سَمِعَ إلَخْ) رَجُلَانِ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ امْرَأَةٍ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَشَهِدَا أَنَّ رَجُلَيْنِ سِوَاهُمَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَشْهَدَاهُمَا أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا أُجِيزُ ذَلِكَ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَ الشَّاهِدِ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا سَمِعُوا صَوْتَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَوْ رَأَوْا شَخْصَهَا وَشَهِدَ عِنْدَهُمْ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى إقْرَارِهَا، وَإِنْ لَمْ يَرَوْا وَجْهَهَا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَرَوْا شَخْصَهَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى إقْرَارِهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَذَكَرَ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّ ابْنًا لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ دَخَلَ عَلَى أَبِي سُلَيْمِ بْنِ الْجُوزَجَانِيِّ فَسَأَلَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا فُلَانَةُ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَقُولَانِ يَجُوزُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ يَرَى شَخْصَهَا وَقْتَ الْإِقْرَارِ) شُرِطَ فِي شَهَادَةِ النَّوَازِلِ رُؤْيَةُ شَخْصِهَا دُونَ وَجْهِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ قَالَ أَشْهَدَنِي فُلَانٌ عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا وَكَذَا قَالَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ حَتَّى يَقُولَ اشْهَدُوا عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَصْلُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ تَحْمِيلٌ وَتَوْكِيلٌ فَلَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَحْمِيلٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا يَسَعُ السَّامِعَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ) وَهُوَ بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا أَشْهَدَ عَلَى قَضِيَّةٍ وَسَمِعَ بِذَلِكَ آخَرُونَ وَسِعَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ حُجَّةٌ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَصِحُّ التَّحَمُّلُ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْحَاشِيَةِ بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا أَشْهَدَ إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِ مَا لَوْ سَمِعَ قَاضِيًا يُشْهِدُ قَوْمًا عَلَى قَضَائِهِ كَانَ لِلسَّامِعِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى قَضَائِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ وَمَنْ عَايَنَ حُجَّةً حَلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِهَا كَمَا لَوْ عَايَنَ الْإِقْرَارَ وَالْبَيْعَ أَمَّا الشَّهَادَةُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي غَيْرُ مُلْزِمَةٍ كَذَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا سَمِعَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ) أَيْ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَجَزَمَ أَنَّهُ خَطُّهُ لَا يَشْهَدُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجَزْمَ لَيْسَ بِجَزْمٍ بَلْ تَخَيُّلُ الْجَزْمِ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا هُوَ وَلَا فِي شَرْحِهِ لِلْأَقْطَعِ وَكَذَا الْخَصَّافُ ذَكَرَهَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْمَلَ بِالْكِتَابِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّكُّ مُسْتَوْدَعًا لَمْ تَتَدَاوَلُهُ الْأَيْدِي وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِ صَاحِبِهِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي كَتَبَ اسْمَهُ وَوَضَعَ خَاتَمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ اهـ

الصَّكَّ يَكُونُ فِي يَدِ الْخُصُومِ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ التَّبْدِيلِ وَلَوْ نَسِيَ الْقَاضِي قَضَاءَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سِجِلٌّ فَشَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَضَى بِكَذَا فَعَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعْتَمَدُ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ يَثِقُ بِهِمْ أَنَّهُ كَانَ شَاهِدًا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ وَعَلَى هَذَا لَوْ سَمِعَ حَدِيثًا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ نَسِيَ رَاوِي الْأَصْلِ فَسَمِعَهُ مِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَعْتَمِدُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ ذَلِكَ فِي الْكُلِّ وَلَوْ تَذَكَّرَ مَجْلِسَ الشَّهَادَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ إلَّا فِي النَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَالنِّكَاحِ، وَالدُّخُولِ وَوِلَايَةِ الْقَاضِي وَأَصْلِ الْوَقْفِ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ)، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِعِلْمٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْعِلْمُ إلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالْعِيَانِ أَوْ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَالِ أَخَفُّ مِنْ حُكْمِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِالتَّسَامُعِ، وَالْحُكْمُ يَجِبُ بِمَا تَجِبُ بِهِ الشَّهَادَةُ وَلِهَذَا لَوْ فُسِّرَ لِلْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَخْتَصُّ بِمُعَايَنَةِ أَسْبَابِهَا خَوَاصٌّ مِنْ النَّاسِ وَيَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ تَبْقَى عَلَى انْقِضَاءِ الْقُرُونِ وَانْقِرَاضِ الْأَعْصَارِ فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ فِيهَا بِالتَّسَامُعِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَتَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ وَلِأَنَّ الْأَسْبَابَ يَقْتَرِنُ بِهَا مَا تَشْتَهِرُ بِهِ، فَإِنَّ النَّسَبَ يَشْتَهِرُ بِالتَّهْنِئَةِ وَنِسْبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى الْآخَرِ عِنْدَ الْمُخَاطَبَاتِ، وَالْمُنَادَاةِ، وَالْمَوْتِ بِالتَّعْزِيَةِ وَقِسْمَةِ التَّرِكَاتِ وَانْدِرَاسِ الْآثَارِ، وَالنِّكَاحِ بِالشُّهُودِ، وَالْوَلَائِمِ، وَالدُّخُولِ بِتَعَلُّقِ أَحْكَامٍ مَشْهُورَةٍ مِنْ الْمَهْرِ، وَالنَّسَبِ، وَالْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الْإِحْصَانِ، وَالْقَضَاءِ بِقِرَاءَةِ الْمَنْشُورِ وَاخْتِلَافِ الْخُصُومِ إلَيْهِ وَازْدِحَامِهِمْ عَلَيْهِ فَنُزِّلَتْ الشُّهْرَةُ فِيهَا مَنْزِلَةَ الْعِيَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْمُشَاهَدَةُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالْإِجَارَةِ وَأَمْثَالِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِمُشَاهَدَةِ أَسْبَابِهَا الْخَوَاصُّ مِنْ النَّاسِ بَلْ يَحْضُرُهُ الْخَاصُّ، وَالْعَامُّ. وَبِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ وَلِأَنَّ النَّاسَ قَاطِبَةً مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالشُّهْرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّا نَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ وَدَخَلَ بِهَا وَشُرَيْحًا كَانَ قَاضِيًا وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَزَوَّجَ بِنْتَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلَوْ تَعَلَّقَتْ بِحَقِيقَةِ عِلْمِ النَّسَبِ أَدَّى إلَى عَدَمِ الشَّهَادَةِ بِهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ سَبَبَ النَّسَبِ الْعُلُوقُ وَلَا عِلْمَ لِلْبَشَرِ فِيهِ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ التَّوْلِيَةُ وَلَا يَحْضُرُهُ إلَّا الْوَزِيرُ وَأَمْثَالُهُ وَكَذَا الدُّخُولُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الزَّوْجَانِ فَاكْتَفَى فِي الْكُلِّ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ ثُمَّ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَذِهِ بِالتَّوَاتُرِ أَوْ بِإِخْبَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ، وَإِذَا رَأَى امْرَأَةً يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ وَيَنْبَسِطَانِ انْبِسَاطَ الْأَزْوَاجِ وَسَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ عَقْدَ النِّكَاحِ وَكَذَا إذَا رَأَى شَخْصًا جَالِسًا مَجْلِسَ الْحُكْمِ يَفْصِلُ الْخُصُومَاتِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ قَاضٍ قَالُوا وَفِي الْإِخْبَارِ يُشْتَرَطُ أَنْ يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَهُوَ عُدُولٌ لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ عِلْمٍ أَوْ غَلَبَةُ ظَنٍّ وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يُكْتَفَى بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِخْبَارِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الْمَوْتِ وَفِي الْمَوْتِ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ فَكَذَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ. وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْمَوْتَ إلَّا شَخْصٌ وَاحِدٌ وَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَخْبَرَ بِذَلِكَ رَجُلًا عَدْلًا ثُمَّ يَشْهَدَانِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ حَضَرَ دَفْنَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ نَسِيَ الْقَاضِي قَضَاءَهُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ نَسِيَ الْقَاضِي قَضَاءَهُ وَلَا سِجِلَّ لَهُ فَشَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَنَّك قَضَيْت بِكَذَا لِهَذَا عَلَى فُلَانٍ، فَإِنْ تَذَكَّرَ أَمْضَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ وَقِيلَ وَأَبُو يُوسُفَ كَذَلِكَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَمَدُ وَيَقْضِي بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ تَذَكَّرَ مَجْلِسَ الشَّهَادَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ) بِالِاتِّفَاقِ وَقِيلَ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَا يَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ) أَيْ لَمْ يَقْطَعْ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُعَايَنَةِ بِالْعَيْنِ أَوْ السَّمَاعِ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ) مِنْ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ وَذَلِكَ بِالْعِلْمِ وَلَمْ يَحْصُلْ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) وَاسْمُهَا أُمُّ كُلْثُومٍ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْأَوْلِيَاءِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ اهـ وَقَوْلُهُ بِنْتُ عَلِيٍّ أَيْ مِنْ فَاطِمَةَ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي نِكَاحِ فَتَاوَاهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَوْتَ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ لَا يَكْتَفِي فِيهِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْكَمَالُ وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ فَقَوْلُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ مِنْ التَّصْحِيحِ اهـ وَقَوْلُهُ: يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يُشَاهِدُ غَيْرُ الْوَاحِدِ إذْ الْإِنْسَانُ يَهَابُهُ وَيَكْرَهُهُ فَيَكُونُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ بَعْضُ الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ النَّسَبُ وَالنِّكَاحُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِخْبَارِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْإِخْبَارِ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ وَفِي الْمَوْتِ إذَا قُلْنَا يَكْفِي الْوَاحِدُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْمَوْتَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِذَا رَآهُ وَاحِدٌ عَدْلٌ وَيَعْلَمُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ وَهُوَ عَدْلٌ أَخْبَرَ غَيْرَهُ ثُمَّ يَشْهَدَانِ بِمَوْتِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ الْمُخْبِرُ أَنَّهُ شَهِدَ مَوْتَهُ أَوْ جِنَازَتَهُ وَدَفْنَهُ حَتَّى يَشْهَدَ الْآخَرُ مَعَهُ وَكَذَا لَوْ جَاءَ خَبَرُ مَوْتِ رَجُلٍ وَصَنَعَ أَهْلُهُ مَا يُصْنَعُ بِالْمَوْتَى لَمْ يَسَعْ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِهِ إلَّا إنْ شَهِدَ مَوْتَهُ أَوْ سَمِعَ مِمَّنْ شَهِدَ بِذَلِكَ اهـ

فَهُوَ مُعَايَنَةٌ وَقَوْلُهُ وَأَصْلُ الْوَقْفِ يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ شَرَائِطِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ هُوَ الَّذِي يُشْتَهَرُ دُونَ شَرَائِطِهِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا بِالتَّسَامُعِ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ أَوْ الْفَقِيرِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرُوا فِي شَهَادَتِهِمْ الْجِهَةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ ثُمَّ قَصْرُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَنْفِي اعْتِبَارَ التَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لَحْمَةٌ كَلَحْمَةِ النَّسَبِ» وَلِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْوَلَاءِ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالنَّسَبِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ بِالتَّسَامُعِ لَتَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْعِتْقَ يَنْبَنِي عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُعَايَنَةِ فَكَذَا مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْعِتْقِ لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِيهِ أَيْضًا ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَسِّرَ أَنَّهُ يَشْهَدَ بِالتَّسَامُعِ فَلَوْ فَسَّرَ لَا يَقْبَلُهُ كَمُعَايَنَةِ شَيْءٍ فِي يَدِ إنْسَانٍ يُطْلَقُ لَهُ الشَّهَادَةُ، وَإِذَا فُسِّرَ لَا تُقْبَلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ سِوَى الرَّقِيقِ لَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ)؛ لِأَنَّ الْيَدَ بِلَا مُنَازِعٍ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ إذْ لَا دَلِيلَ بِمَعْرِفَةِ الْمِلْكِ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ سِوَى الْيَدِ بِلَا مُنَازِعٍ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُعَايِنَ أَسْبَابَ الْمِلْكِ مِنْ الشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْمُمَلَّكَ ثَبَتَ مِلْكُهُ بِالْيَدِ بِلَا مُنَازِعٍ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا صَحَّ التَّمْلِيكُ مِنْهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَثَبَتَ بِهَذَا أَنْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْمِلْكِ سِوَى الْيَدِ فَكَانَ مُعْتَمَدُ الشَّاهِدِ الْيَدَ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَمَنْعُهُ الشَّهَادَةَ بِالْيَدِ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِهَا إذْ لَا دَلِيلَ لِلشَّاهِدِ سِوَى الْيَدِ، وَبَابُهَا مَفْتُوحٌ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهَا فَهُوَ الْمُنْتَفِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ عِلْمٍ أَوْ غَلَبَةُ ظَنٍّ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِلَا عِلْمٍ لَا تَجُوزُ لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا وَلِهَذَا قِيلَ لَوْ رَأَى دُرَّةً ثَمِينَةً فِي يَدِ كَنَّاسٍ أَوْ كِتَابًا فِي يَدِ جَاهِلٍ وَلَيْسَ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ قَالُوا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ وَسِعَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَلِيلُ الْمِلْكِ الْيَدُ مَعَ التَّصَرُّفِ وَبِهِ قَالَ الْخَصَّافُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى مِلْكٍ الْوَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَإِجَارَةٍ وَرَهْنٍ فَلَا يَمْتَازُ إلَّا بِالتَّصَرُّفِ قُلْنَا التَّصَرُّفُ أَيْضًا مُتَنَوِّعٌ إلَى وَكَالَةٍ وَأَصَالَةٍ. وَشَرَطَ النَّسَفِيُّ التَّصَرُّفَ مَعَ الْيَدِ وَأَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّهَادَةِ الْإِحَاطَةُ، وَالتَّيَقُّنُ لِمَا بَيَّنَّا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ مُتَعَذِّرٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ غَايَةُ مَا يُمْكِنُ وَهُوَ الْيَدُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ حَقِيقَةً، وَإِنْ رَآهُ يَشْتَرِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُهُ فَيَكْتَفِي بِظَاهِرِ الْيَدِ تَيْسِيرًا إذْ الْأَصْلُ أَنْ تَكُونَ الْأَمْلَاكُ فِي يَدِ مُلَّاكِهَا، وَكَيْنُونَتُهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ عَارِضٌ فَرَجَّحْنَا بِالْأَصْلِ وَلِهَذَا يَقْضِي لَهُ الْقَاضِي بِالْيَدِ قَضَاءَ تَرْكٍ ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يُعَايِنَ الْمَالِكَ، وَالْمِلْكَ بِأَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ وَأَصْلُ الْوَقْفِ) قَبُولُ شَهَادَةِ التَّسَامُعِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ شَرَائِطِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَيْسَ مَعْنَى الشُّرُوطِ أَنْ يُبَيِّنُوا الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ بَلْ أَنْ يَقُولَ يُبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهَا بِكَذَا لِكَذَا وَالْبَاقِي كَذَا وَكَذَا وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى كَذَا وَلَمْ يُبَيِّنُوا الْوَاقِفَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ وَنُصَّ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ قَدِيمًا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ سِوَى الرَّقِيقِ لَك أَنْ تَشْهَدَ إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي فَصْلٍ فِي الشَّاهِدِ يَشْهَدُ بَعْدَمَا أَخْبَرَ بِزَوَالِ الْحَقِّ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا رَأَيْت فِي يَدِ رَجُلٍ مَتَاعًا أَوْ دَارًا وَوَقَعَ فِي قَلْبِك أَنَّهُ لَهُ ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَسِعَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِك حِينَ رَأَيْته أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ لَمْ يَسَعْ أَنْ تَشْهَدَ لَهُ بِرُؤْيَتِك إيَّاهُ فِي يَدِهِ، وَإِنْ رَأَيْته فِي يَدِهِ فَوَقَعَ فِي قَلْبِك أَنَّهُ لَهُ ثُمَّ رَأَيْته فِي يَدِ غَيْرِهِ فَأَرَدْت أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ فَشَهِدَ عِنْدَك شَاهِدَا عَدْلٍ أَنَّهُ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيَوْمَ كَانَ هُوَ أَوْدَعَهُ لِلْأَوَّلِ بِحَضْرَتِهِمَا لَمْ يَسَعْك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ، فَإِنْ شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ وَسِعَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ قَالَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لَا يَزُولُ مَا كَانَ فِي قَلْبِك أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَمْتَنِعَ عَنْ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِك أَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ صَادِقٌ فَإِذَا وَقَعَ فِي قَلْبِك ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ. وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إذَا رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهُ لَهُ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا رَأَى مَتَاعًا أَوْ دَارًا فِي يَدِ إنْسَانٍ ثُمَّ رَآهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّصَرُّفَ مَعَ الْيَدِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُحْتَمَلَةٌ وَكَذَا التَّصَرُّفُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ مَا لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى: وَإِذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي دَارًا وَشَهِدَ شُهُودُهُ أَنَّ فُلَانًا وَهَبَهَا لَهُ وَقَبَضَهَا أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ وَلَا يَحْتَاجَانِ إلَى أَنْ يَقُولَا بَاعَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ بِقَبْضِ الْمُدَّعِي الدَّارَ مِنْ الْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ شَهَادَةٌ مِنْهُمْ أَنَّ الدَّارَ كَانَتْ فِي يَدِ الْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ فِيمَا مَضَى وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا وَهَبَ الدَّارَ مِنْ الْمُدَّعِي وَالدَّارُ كَانَتْ فِي يَدِهِ يَوْمَ الْهِبَةِ أَوْ بَاعَ وَالدَّارُ كَانَتْ فِي يَدِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَيُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِالْمِلْكِ لِلْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ نَصًّا فَقَدْ شَهِدُوا لَهُ بِالْمِلْكِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْيَدِ عِنْدَ سَبَبِ الْمِلْكِ جُعِلَ دَلَالَةً عَلَى الْمِلْكِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِهَا وَلِهَذَا قَالُوا مَنْ رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ وَلَوْ رَآهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لِهَذَا اهـ

[باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل]

عَرَفَ الْمَالِكَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَوَجْهِهِ وَعَرَفَ الْمِلْكَ بِحُدُودِهِ وَرَآهُ فِي يَدِهِ بِلَا مُنَازَعَةِ أَحَدٍ ثُمَّ رَآهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ بَعْدُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِلْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ إذَا ادَّعَاهُ بِنَاءً عَلَى يَدِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يُعَايِنَ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ بِأَنْ عَايَنَ مِلْكًا بِحُدُودِهِ يُنْسَبُ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَهُوَ لَمْ يَعْرِفْهُ بِوَجْهِهِ وَنَسَبِهِ ثُمَّ جَاءَ الَّذِي نُسِبَ إلَيْهِ الْمِلْكُ وَادَّعَى أَنَّ الْمَحْدُودَ مِلْكُهُ عَلَى شَخْصٍ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ فَصَارَ الْمَالِكُ مَعْلُومًا بِالتَّسَامُعِ، وَالْمِلْكُ بِالْمُعَايَنَةِ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِثْلَ هَذَا لَضَاعَ حُقُوقُ النَّاسِ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ الْمَحْجُوبَ وَمَنْ لَا يُبْرِزْ أَصْلًا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرَاهُ مُتَصَرِّفًا فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِالتَّسَامُعِ، وَإِنَّمَا هُوَ إثْبَاتُ النَّسَبِ بِالتَّسَامُعِ وَفِي ضِمْنِهِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِهِ وَهُوَ لَا يَمْتَنِعُ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ إثْبَاتُهُ قَصْدًا. وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يُعَايِنَ الْمِلْكَ وَلَا الْمَالِكَ وَلَكِنْ سَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُمْ قَالُوا لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ضَيْعَةٌ فِي قَرْيَةِ كَذَا حُدُودُهَا كَذَا وَهُوَ لَا يَعْرِفُ تِلْكَ الضَّيْعَةَ وَلَمْ يُعَايِنْ يَدَهُ عَلَيْهَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَالرَّابِعُ أَنْ يُعَايِنَ الْمَالِكَ دُونَ الْمِلْكِ بِأَنْ عَرَفَ الرَّجُلَ مَعْرِفَةً تَامَّةً وَسَمِعَ أَنَّ لَهُ فِي قَرْيَةِ كَذَا ضَيْعَةً وَهُوَ لَا يَعْرِفُ تِلْكَ الضَّيْعَةَ بِعَيْنِهَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِالْمَحْدُودِ وَهُوَ شَرْطٌ لِلشَّهَادَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ سِوَى الرَّقِيقِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي الرَّقِيقِ إذَا رَآهُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ لِلرَّقِيقِ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى إذَا ادَّعَى أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَلَا يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ يَدٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى يُعْتَبَرَ لِإِطْلَاقِ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ التَّصَرُّفُ وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ لِإِطْلَاقِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ أَيْضًا يُسْتَخْدَمُ طَائِعًا كَالْعَبْدِ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْمِلْكِ وَفِي الْكَافِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي الرَّقِيقِ أَيْضًا وَفِي الْهِدَايَةِ جَعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُهُ أَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى رَقِيقًا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَذُو الْيَدِ يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ كَانَ الْقَوْلُ لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ بِالْمِلْكِ وَهُوَ قِيَامُ يَدِهِ عَلَيْهِ هَذَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ مُمَيِّزًا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ بِالرِّقِّ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالرِّقِّ جَازَ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ إذَا رَآهُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ أَوْ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ يَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِهِ إذْ لَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَصَارَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ) أَيْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ فَسَّرَ أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ بِرُؤْيَتِهِ فِي يَدِهِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِرُؤْيَتِهِ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ التَّسَامُعَ أَوْ الرُّؤْيَةَ فِي الْيَدِ مُجَوِّزٌ لِلشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ، وَالْقَاضِي يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ بِالشَّهَادَةِ إذَا كَانَتْ عَنْ عِيَانٍ وَمُشَاهَدَةٍ أَوْ إطْلَاقٍ لِاحْتِمَالِ الْمُشَاهَدَةِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ عَنْ تَسَامُعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ فِي يَدِهِ فَلَا يَزِيدُهُ عِلْمًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِسَمَاعِ نَفْسِهِ وَلَوْ تَوَاتَرَ عِنْدَهُ وَلَا بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ فِي يَدِ إنْسَانٍ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ بِسَمَاعِ غَيْرِهِ أَوْ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِمَا تَجِبُ بِهِ الشَّهَادَةُ وَفِيمَا لَا تَجِبُ لَا يَجِبُ فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الشَّهَادَةُ فِيمَا لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا لِلضَّرُورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَبَقِيَ الْقَضَاءُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ حَضَرَ دَفْنَ فُلَانٍ أَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَتِهِ فَهُوَ مُعَايَنَةٌ حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي قُبِلَ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ إلَّا بِمَا عَلِمَ فَوَجَبَ قَبُولُهَا لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81] وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُبِلَ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ وَهُوَ رِوَايَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِلْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ إذَا ادَّعَاهُ بِنَاءً عَلَى يَدِهِ) وَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلْكِ الْمَمْلُوكُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ تَمْنَعُ جَوَازَ الشَّهَادَةِ فَكَذَا فِي الْمَشْهُودِ لَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَخْ)؛ لِأَنَّهُ مُجَازِفٌ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ فُسِّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ شَهِدُوا بِالْمِلْكِ وَقَالُوا شَهِدْنَا؛ لِأَنَّا رَأَيْنَاهُ فِي يَدِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ. اهـ. [بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ] (بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ) لَمَّا ذَكَرَ مَا تُسْمَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَمَا لَا تُسْمَعُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تُسْمَعُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ وَمَنْ لَا تُسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ كَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَأَخَّرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَحَالَّ شُرُوطٌ وَالشَّرْطُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ التُّهْمَةَ تُبْطِلُ الشَّهَادَةَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا شَهَادَةَ لِمُتَّهَمٍ» وَالتُّهْمَةُ تَثْبُتُ مَرَّةً بِعَدَمِ الْعَدَالَةِ وَمَرَّةً بِعَدَمِ التَّمْيِيزِ مَعَ قِيَامِ الْعَدَالَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَمِيَ قَبْلَ التَّحَمُّلِ أَوْ بَعْدَهُ فِيمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالتَّسَامُعِ أَوْ لَا تَجُوزُ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَعْمَى لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ بَصِيرًا عِنْدَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ أَعْمَى عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ أَعْمَى فِي الْحَالَيْنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ بَصِيرًا عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَعْمَى عِنْدَ الشَّهَادَةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى كَذَا ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْحَصْرِ وَكَذَا ذُكِرَ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَفِي الْأَسْرَارِ وَلَكِنْ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ وَذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ بَلْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا تَرَى وَلَكِنْ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْمُسَمَّى بِالتَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ إذَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُقْبَلُ إلَى هُنَا

عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ يُسَاوِي الْبَصِيرَ فِي السَّمَاعِ إذْ لَا خَلَلَ فِي سَمْعِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَجُوزُ إذَا كَانَ بَصِيرًا وَقْتَ التَّحَمُّلِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْمُعَايَنَةِ وَهُوَ الْعِلْمُ، وَالْأَدَاءُ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ وَلِسَانُهُ صَحِيحٌ فَصِيحٌ، وَالتَّعْرِيفُ يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا خَلَلَ فِي حِفْظِهِ وَلَمْ يَفُتْ فِي حَقِّهِ إلَّا الْإِشَارَةُ وَذِكْرُ الِاسْمِ يَقُومُ مَقَامَهَا عِنْدَ تَعَذُّرِهَا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَقَالَ مَالِكٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا كَالْبَصِيرِ وَلَنَا أَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالنَّغْمَةِ فَيُخْشَى عَلَيْهِ التَّلْقِينُ مِنْ الْخَصْمِ إذْ النَّغْمَةُ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ وَرُبَّمَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي الِاسْمِ، وَالنَّسَبِ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةٌ وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِحَبْسِ الشُّهُودِ، وَالنِّسْبَةِ لِتَعْرِيفِ الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ فَصَارَ كَالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ بِخِلَافِ وَطْءِ امْرَأَتِهِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ مَعَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَفِيهِ ضَرُورَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ وَبَقَاءِ النَّسْلِ وَلِأَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَيُعْتَمَدُ عَلَى خَبَرِ الْمَرْأَةِ وَكَذَا إذَا عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْأَهْلِيَّةِ شَرْطٌ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِتَصِيرَ حُجَّةً فَصَارَ كَمَا إذَا خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ أَوْ ارْتَدَّ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتُوا أَوْ غَابُوا؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ تَنْتَهِي بِالْمَوْتِ وَبِالْغَيْبَةِ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَالْمَمْلُوكِ، وَالصَّبِيِّ)؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ إلْزَامِ الْغَيْرِ وَلَيْسَ مَعْنَى الْوِلَايَةِ سِوَى هَذَا، وَالْأَصْلُ وِلَايَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا الْوِلَايَةُ عَلَى الْغَيْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَا فِي الرِّقِّ، وَالصِّغَرِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَالْبُلُوغِ)؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالسَّمَاعِ وَيَبْقَى إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ بِالضَّبْطِ وَهُمَا لَا يُنَافِيَانِ ذَلِكَ وَعِنْدَ الْأَدَاءِ هُمَا أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَالْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ، وَإِنْ تَابَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: 160]، وَالِاسْتِثْنَاءُ إذَا تَعَقَّبَ جُمْلَةً بَعْضُهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى بَعْضٍ يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ الدَّارَ فَهُوَ مُنْصَرِفٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ هَذَا افْتِرَاءٌ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالِافْتِرَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ كُفْرٌ لَا يُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ بَلْ إذَا أَسْلَمَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَهَذَا أَوْلَى. وَلِأَنَّهُ لَوْ تَابَ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا جَائِزَ أَنْ تَكُونَ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ هِيَ الْمُوجِبَةَ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ مُطَهِّرٌ أَيْضًا فَلَا يَصْلُحُ مَنَاطًا لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَتَعَيَّنَ الرَّدُّ لِفِسْقِهِ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَفْظُ التَّقْرِيبِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ جَوَازَ شَهَادَةِ الْأَعْمَى فِي النَّسَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى نَظَرٍ وَمُعَايَنَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْأَسْرَارِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ كَالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ اهـ. (فَرْعٌ لَطِيفٌ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي مَا نَصُّهُ وَلَوْ شَهِدَ ذِمِّيٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ وَلَمْ يُنَفِّذْ الْحَاكِمُ الشَّهَادَةَ حَتَّى أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَالشَّهَادَةُ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا وَعِنْدَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا الشَّاهِدُ كَافِرٌ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فَلَا تَصِيرُ حُجَّةً، وَإِنْ أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَالْحُكْمُ مَاضٍ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ بِالْحُقُوقِ كُلِّهَا إلَّا الْحُدُودَ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي بَابِ الْحُدُودِ مِنْ الْقَضَاءِ فَصَارَ الْإِسْلَامُ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ كَالْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَكَذَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا يُنَفِّذُ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا لِمَا قُلْنَا وَقَدْ ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ بَعْدَ هَذَا فَوَائِدَ جَمَّةً فَلْتُنْظَرْ ثَمَّةَ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: نَصْرَانِيَّانِ شَهِدَا عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِقَطْعِ يَدٍ أَوْ قِصَاصٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْعُقُوبَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قُبِلَ الْحُكْمُ بِهَا؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْأَهْلِيَّةِ شَرْطٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا عَمِيَ أَوْ خَرِسَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قُبِلَ الْحُكْمُ بِهَا لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ الْخِلَافَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَذَكَرَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَسْرَارِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَعْنًى طَرَأَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا يُمْنَعُ الْحُكْمُ بِهَا كَمَا لَوْ مَاتَ الشَّاهِدَانِ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ غَابَا أَوْ جُنَّا أَوْ عَمِيَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَبْسُوطِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنَا أُخْبِرُ أَوْ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَا يُقْبَلُ وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ لَا تَتَحَقَّقُ مِنْ الْأَخْرَسِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ حِينَئِذٍ كَتَرْجَمَةِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِلِسَانٍ آخَرَ وَقُلْنَا فِي إشَارَتِهِ تُهْمَةٌ وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِحَبْسِ الشُّهُودِ كَمَا فِي الْأَعْمَى. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْمَمْلُوكِ وَالصَّبِيِّ) قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ شَهِدَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى مُسْلِمٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ ثُمَّ شَهِدُوا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ وَالْفَاسِقُ لَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ شَهِدَ بِهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ شَهَادَةٌ فَيَكُونُ فِيهِ نَقْضُ قَضَاءٍ قَدْ أُمْضِيَ بِالِاجْتِهَادِ كَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ الْإِبَانَةِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَذَلِكَ وَلَوْ شَهِدَ لِمَوْلَاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَدْ تَحَمَّلَهَا حَالَ الرِّقِّ جَازَ لِمَا عُرِفَ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَ الذِّمِّيِّ شَهَادَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ فَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ وَشَهِدَ عَلَى الْمُسْلِمِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ لِأَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ فَيُرَاعَى وَقْتَ الْأَدَاءِ إذَا وُجِدَ اهـ

وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَدَّ شَهَادَتَهُ عَلَى التَّأْبِيدِ فَمَنْ قَالَ هُوَ مُؤَقَّتٌ إلَى وُجُودِ التَّوْبَةِ يَكُونُ رَدًّا لِمَا اقْتَضَاهُ النَّصُّ فَيَكُونُ مَرْدُودًا، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْجَرَائِمِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ الْمُخَالِفَ لِلنَّصِّ لَا يَصِحُّ وَلِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ حَدٌّ فَكَذَا هَذَا فَصَارَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ إذْ الْعَطْفُ لِلِاشْتِرَاكِ وَتَغَايُرُهُمَا بِالْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ: اجْلِسْ وَلَا تَتَكَلَّمْ فَكَانَ الْكُلُّ جَزَاءَ جَرِيمَتِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا حُدُودٌ وَلِهَذَا أَمَرَ الْأَئِمَّةُ بِهِ وَقَوْلُهُ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] لَيْسَ بِحَدٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ وَصْفٍ قَامَ بِالذَّاتِ فَلَا يَصْلُحُ حَدًّا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَقَعُ بِفِعْلِ الْأَئِمَّةِ لَا بِوَصْفٍ قَائِمٍ بِالذَّاتِ فَلَا يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجَمِيعِ، وَلَوْ انْصَرَفَ لَبَطَلَ الْحَدُّ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] وَاوُ نَظْمٍ لَا وَاوُ عَطْفٍ فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ فَيَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى مَا يَلِيهِ ضَرُورَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7]. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ جَزَاءً لِجَرِيمَتِهِ، وَالْجَلْدُ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ يَصْلُحَانِ جَزَاءً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤْلِمٌ زَاجِرٌ عَنْ ارْتِكَابِ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ فَصَارَ رَدُّ الشَّهَادَةِ قَطْعًا لِلْآلَةِ الْجَانِيَةِ مَعْنًى وَهِيَ اللِّسَانُ كَقَطْعِ الْيَدِ حَقِيقَةً فِي السَّرِقَةِ فَصَارَ الرَّدُّ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ، وَالْحَدُّ لَا يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ لَا يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجَمِيعِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمِثَالِ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ فِيهِ لِلْعَطْفِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّهَا جُمَلٌ إنْشَائِيَّةٌ فَيَتَوَقَّفُ كُلُّهَا عَلَى آخِرِهَا حَتَّى إذَا وُجِدَ الْمُغَيِّرُ فِي الْأَخِيرِ تَغَيَّرَ الْكُلُّ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ مُمْتَنِعٌ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْفَرْعِ نَصٌّ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ وَهُنَا نَصٌّ عَلَى التَّأْبِيدِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ رَدُّ شَهَادَتِهِ لِفِسْقِهِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ هُوَ التَّوَقُّفُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] لَا الرَّدُّ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الرَّدُّ لِأَجْلِ فِسْقِهِ لَلَزِمَ عَطْفُ الْعِلَّةِ عَلَى حُكْمِهَا وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ لِأَجْلِ أَنَّهُ حَدٌّ لَا لِلْفِسْقِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةً بَعْدَمَا حُدَّ عَلَى أَنَّهُ زَنَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا يُحَدُّ فَكَذَا لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يُحَدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ)، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ اسْتَفَادَهَا بَعْدَ الْحَدِّ بِالْإِسْلَامِ فَلَمْ يَلْحَقْهَا رَدٌّ؛ لِأَنَّ الَّتِي رُدَّتْ غَيْرُ هَذِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْدُودَةَ لَا تُقْبَلُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَهَذِهِ تُقْبَلُ فَبِرَدِّ الْأُولَى لَا تَرْتَدُّ الثَّانِيَةُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أُعْتِقَ حَيْثُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَهَادَةٌ عَلَى أَحَدٍ وَقْتَ الْجَلْدِ فَلَمْ يَتِمَّ الرَّدُّ إلَّا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ فِي حَقِّهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ قَبُولُهَا مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَقْذُوفِ أَنَّهُ زَنَى عَلَى مَا مَرَّ، وَهَذَا لِأَنَّ الرَّدَّ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِّ فَفِي الْكَافِرِ تَمَّ فِي حَالِ كُفْرِهِ وَفِي الْعَبْدِ لَمْ يَتِمَّ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَلَوْ ضُرِبَ الذِّمِّيُّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ سَوْطًا فَأَسْلَمَ ثُمَّ ضُرِبَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ، وَالْمَوْجُودُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِحَدٍّ بَلْ هُوَ بَعْضُهُ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ رَدُّ الشَّهَادَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا ضُرِبَ السَّوْطَ الْأَخِيرَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَعَلَّقَ بِعِلَّةٍ ذَاتِ أَجْزَاءٍ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْجُزْءِ الْأَخِيرِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ إذَا ضُرِبَ الْأَكْثَرَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ. وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا تَسْقُطُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ مَا لَمْ يُضْرَبَ تَمَامَ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ مُسْقِطَةٌ لِلشَّهَادَةِ، وَالْحَدُّ لَا يَتَجَزَّأُ فَمَا دُونَهُ لَا يَكُونُ حَدًّا بَلْ يَكُونُ تَعْزِيرًا وَهُوَ لَا يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا تَسْقُطُ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا ضُرِبَ سَوْطًا سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَهِيَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ إسْلَامِ الذِّمِّيِّ فِي حَالَةِ الْحَدِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَدِ لِأَبَوَيْهِ وَجَدَّيْهِ وَعَكْسِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ، وَالسَّيِّدِ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَلَا الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ» وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ مُتَّصِلَةٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ بَعْضِهِمْ الزَّكَاةَ إلَى بَعْضٍ فَتَكُونُ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا تُقْبَلُ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَجْلِ أَنَّهُ حُدَّ إلَخْ) شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي السَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجِنَايَاتِ سِوَى الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ تُقْبَلُ إذَا تَابَ فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ إذَا تَابَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ لِهَؤُلَاءِ كَانَ لِأَجْلِ الْفِسْقِ وَبِالتَّوْبَةِ يَرْتَفِعُ الْفِسْقُ أَمَّا شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَأَصْلُ الْحَدِّ لَا يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ فَكَذَا مَا هُوَ مِنْ تَمَامِهِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: بَعْدَ التَّوْبَةِ) زَائِدٌ مُفْسِدٌ كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ شَطَبَ فِي نُسْخَتِهِ عَلَى قَوْلِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَقَدْ شَاهَدْته ثَانِيًا فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الدِّرَايَةِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا أَقَامَ أَرْبَعَةً مِنْ الشُّهُودِ عَلَى صِدْقِهِ بَعْدَ الْحَدِّ عَلَيْهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ وَهُوَ كَمَا تَرَى يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يُحَدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ) اعْلَمْ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا حُدَّ فِي قَذْفٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ثُمَّ إذَا أَسْلَمَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَعَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ جَمِيعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ) قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ إذَا شَهِدَ الْأَجِيرُ لِأُسْتَاذِهِ بِشَيْءٍ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهِ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ فِي الدِّيَاتِ: أَجِيرُ الْقَاتِلِ إذَا شَهِدَ عَلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ بِالْعَفْوِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَجِيرِ لِأُسْتَاذِهِ مَرْدُودَةٌ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالُوا: إنْ كَانَ الْأَجِيرُ مُشْتَرِكًا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَمَا ذُكِرَ فِي الدِّيَاتِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنْ كَانَ أَجِيرٌ وَاحِدٌ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً أَوْ مُيَاوَمَةً لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأُسْتَاذِهِ لَا فِي تِجَارَتِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ آخَرَ وَمَا ذُكِرَ فِي الْكَفَالَةِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا كَذَا ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ وَالْإِمَامُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَجِيرَ الْوَحْدِ

فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي مَالِهِ كَيْفَمَا كَانَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ فِي الْحَدِيثِ التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَعُدُّ ضَرَرَ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَنَفْعَهُ نَفْعَ نَفْسِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شَهَادَةَ لِلْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ» وَأَصْلُ الْقُنُوعِ السُّؤَالُ، وَالْمُرَادُ مَنْ يَكُونُ تَبَعًا لِلْقَوْمِ كَالْخَادِمِ، وَالْأَجِيرِ، وَالتَّابِعِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّائِلِ يَطْلُبُ مَعَاشَهُ مِنْهُمْ وَهُوَ مِنْ الْقُنُوعِ لَا مِنْ الْقَنَاعَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَجِيرُ مُشَاهَرَةً؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ فَيَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى مَنَافِعِهِ، فَإِذَا شَهِدَ لَهُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ يَكُونُ كَأَنَّهُ شَهِدَ لَهُ بِأَجْرٍ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُنَا فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ هُوَ يَعْتَبِرُهَا بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُخَالِفُنَا فِي الزَّوْجَيْنِ فَيَقُولُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا، وَالزَّوْجِيَّةُ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلتَّنَافُرِ، وَالْعَدَاوَةِ وَقَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلْمَيْلِ، وَالْإِيثَارِ فَصَارَتْ نَظِيرَ الْأُخُوَّةِ وَلِهَذَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا، وَالْحَبْسُ بِالدَّيْنِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَنْفَعَةِ الثَّابِتَةِ ضِمْنًا كَمَا فِي الْغَرِيمِ إذَا شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ الْمُفْلِسِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمَا مُتَّصِلَةٌ وَلِهَذَا يُعَدُّ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا بِغِنَى صَاحِبِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الزَّوْجَيْنِ فَفِي الْوِلَادِ أَوْلَى وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - شَهِدَ لِعَلِيٍّ مَعَ قَنْبَرٍ عِنْدَ شُرَيْحٍ بِدِرْعٍ لَهُ فَقَالَ شُرَيْحٌ لِعَلِيٍّ ائْتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ فَقَالَ مَكَانَ الْحَسَنِ أَوْ مَكَانَ قَنْبَرٍ فَقَالَ لَا بَلْ مَكَانَ الْحَسَنِ فَقَالَ أَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ هُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» قَالَ سَمِعْت لَكِنْ ائْتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ الْقِصَّةَ إلَى آخِرِهَا وَفِيهَا أَنَّهُ اسْتَحْسَنَهُ وَزَادَهُ فِي الرَّزْقَةِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَشَهَادَةُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ فِي الْبَعْضِ وَشَهَادَةُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، فَإِذَا بَطَلَ فِي نَصِيبِهِ بَطَلَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَتَجَزَّأُ، وَلَوْ شَهِدَ لَهُ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا فِي حَقِّ الشَّرِيكَيْنِ شَرِكَةَ عِنَانٍ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا شَهَادَةُ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا فِي الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ، وَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا مُشْتَرِكٌ بَيْنَهُمَا وَهَذَا سَهْوٌ، فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الشَّرِكَةِ إلَّا الدَّرَاهِمُ، وَالدَّنَانِيرُ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَقَارُ وَلَا الْعُرُوض وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ وُهِبَ لِأَحَدِهِمَا مَالٌ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ لَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُخَنَّثِ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَتَكَسُّرٌ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ يَتَعَمَّدُ ذَلِكَ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ وَفِي عُرْفِ النَّاسِ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ الرَّدِيءَ مِنْ الْأَفْعَالِ وَيُلَيِّنُ كَلَامَهُ عَمْدًا كُلُّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُؤَنِّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالْمُذَكِّرَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِذَا كَانَ يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ لِزَمَانِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ كَانَ مُتَّهَمًا فِيمَا شَهِدَ أَمَّا الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ الَّذِي عُقِدَتْ عَلَيْهِ الْإِجَارَةُ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَوْجِبْ بِشَهَادَةٍ أَجْرًا انْتَفَتْ التُّهْمَةُ عَنْ شَهَادَتِهِ وَلِهَذَا جَازَتْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ عِنْدَ شَرْطِهَا وَهُوَ الْعَدَالَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَجِيرُ مُشَاهَرَةً؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ لِأُسْتَاذِهِ أَرَادَ بِهِ التِّلْمِيذَ الْخَاصَّ وَالتِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَأْكُلُ مَعَهُ وَفِي عِيَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ أَمَّا الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ إذَا شَهِدَ لِلْمُسْتَأْجِرِ تُقْبَلُ، وَأَمَّا الْأَجِيرُ الْوَاحِدُ وَهُوَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُيَاوَمَةً أَوْ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا تُقْبَلُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْخُلَاصَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَجِيرِ الْوَاحِدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ مِنْ آخَرَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَلَوْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ كَانَتْ شَهَادَةً بِالْأَجْرِ فَلَا تَجُوزُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَنَافِعِهِ وَهِيَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْأَجْرِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ: فَيَصِيرُ كَالْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الشَّهَادَةِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ الْعُيُونِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ يَوْمًا وَاحِدًا لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي. (قَوْلُهُ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُنَا) قَالَ الْكَاكِيُّ مَا وَجَدْته فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ اهـ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا؛ لِأَنَّ لَهَا حَقًّا فِي مَالِهِ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا فِيهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ لَهَا لِعَدَمِ التُّهْمَةِ اهـ قَالَهُ الْكَاكِيُّ اهـ وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَنْفَعَةِ الثَّانِيَةِ ضِمْنًا كَمَا فِي الْغَرِيمِ إذَا شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ الْمُفْلِسِ) قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَيَجُوزُ شَهَادَةُ رَبِّ الدَّيْنِ لِمَدْيُونِهِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْوَكَالَةِ وَالْجَامِعِ وَلَوْ شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمَالٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِ الْمَدْيُونِ فِي حَيَاتِهِ وَيَتَعَلَّقُ بَعْدَ وَفَاتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَنْبَرٌ) قَنْبَرٌ عَتِيقٌ لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ وَأَمَّا جَدُّ سِيبَوَيْهِ فَبِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ فَسِيبَوَيْهِ هُوَ عَمُّ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ قَنْبَرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ أَمَا سَمِعْت) أَيْ قَالَ عَلِيٌّ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَكَانَ مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبُولُ شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ الرَّزْقَةِ) قَالَ الصَّاغَانِيُّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرَّزْقَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَالْجَمْعُ الرَّزَقَاتُ وَهِيَ أَطْمَاعُ الْجُنْدِ وَارْتَزَقَ الْجُنْدُ أَيْ أَخَذُوا أَرْزَاقَهُمْ اهـ قَوْلُهُ وَهِيَ أَطْمَاعُ الْجُنْدِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي بَابِ الْعَيْنِ وَالطَّمَعُ رِزْقُ الْجُنْدِ وَيُقَالُ أَمَرَ لَهُمْ الْأَمِيرُ بِأَطْمَاعِهِمْ أَيْ بِأَرْزَاقِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا شَهَادَةُ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا فِي الْحُدُودِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فِيمَا خَلَا الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ، وَغَيْرُ الْمُفَاوِضِ أَيْضًا فِي تِجَارَتِهِ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ النِّهَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَقَارُ وَلَا الْعُرُوض) قُلْت: قَدْ قَالَ فِيهَا هُوَ مُشْتَرَكٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا عُرُوضٌ وَعَقَارٌ اُشْتُرِيَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ اهـ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ اهـ

مِنْ النِّسَاءِ»، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ خِلْقَةً وَلَمْ يُشْتَهَرْ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَفْعَالِ الرَّدِيَّةِ فَهُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنَّائِحَةِ، وَالْمُغَنِّيَةِ)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ الْمُغَنِّيَةِ، وَالنَّائِحَةِ» أَطْلَقَهُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهَا تُغَنِّي لِلنَّاسِ وَقَيَّدَهُ بِهِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ رَفْعِ الصَّوْتِ حَرَامٌ فِي حَقِّهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ قَالُوا الْمُرَادُ بِالنَّائِحَةِ هِيَ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا تَرْتَكِبُ الْمَحْظُورَاتِ لِأَجْلِ الطَّمَعِ فِي الْمَالِ وَتَجْعَلُهُ مَكْسَبَةً أَمَّا الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَتِهَا فَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَالْعَدُوِّ إنْ كَانَتْ عَدَاوَتُهُ دُنْيَوِيَّةً)؛ لِأَنَّ الْمُعَادَاةَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا حَرَامٌ فَمَنْ ارْتَكَبَهَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْعَدَاوَةُ دِينِيَّةً فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ التَّدَيُّنِ فَتَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ دِينِهِ وَعَدَالَتِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُعَادَاةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً بِأَنْ رَأَى فِيهِ مُنْكَرًا شَرْعًا وَلَمْ يَنْتَهِ بِنَهْيِهِ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ لَك هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ، وَالْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ قَائِمَةٌ بَيْنَهُمَا فَلَوْ كَانَتْ مَانِعَةً لَمَا قُبِلَتْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُدْمِنُ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) أَيْ مُدَاوِمٌ شُرْبَ الْخَمْرِ لِأَجْلِ اللَّهْوِ؛ لِأَنَّ شُرْبَهَا كَبِيرَةٌ وَفِي الْكَافِي قَالَ إنَّمَا شُرِطَ الْإِدْمَانُ لِيَكُونَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنْهُ، فَإِنَّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ سِرًّا وَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، وَإِنْ شَرِبَهَا كَثِيرًا، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ إذَا كَانَ يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ سَكْرَانَ فَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ، فَإِنَّهُ لَا مُرُوءَةَ لِمِثْلِهِ وَلَا يَحْتَرِزُ عَنْ الْكَذِبِ عَادَةً وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ إطْلَاقُ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ فِي حَقِّ الْمَشْرُوبِ لِيَتَنَاوَلَ جَمِيعَ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ مِنْ الْخَمْرِ، وَالسُّكْرِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّ الْإِدْمَانَ شُرِطَ فِي الْخَمْرِ أَيْضًا فِي حَقِّ سُقُوطِ الْعَدَالَةِ. وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ وَلَا مُدْمِنِ السُّكْرِ؛ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ ثُمَّ قَالَ شُرِطَ الْإِدْمَانُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي الشُّرْبِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي النِّيَّةِ يَعْنِي يَشْرَبُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ السُّكْرِ وَأَرَادَ بِهِ السُّكْرَ بِسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ سِوَى الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ السُّكْرُ فَشُرِطَ الْإِدْمَانُ عَلَى السُّكْرِ، وَالْمُحَرَّمُ فِي الْخَمْرِ نَفْسُ الشُّرْبِ فَشُرِطَ الْإِدْمَانُ عَلَى الشُّرْبِ وَكَذَلِكَ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْفُجُورِ، وَالشُّرْبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِهِمْ وَلَمْ يَحْتَرِزْ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ مَا يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَحْتَرِزُ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ اللَّهْوِ وَيُقَالُ بِالطُّيُورِ وَهُوَ أَيْضًا مِثْلُهُ وَيُورِثُ الْغَفْلَةَ أَيْضًا وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَنَا مِنْ دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنِّي» وَلِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ أَنْ يَصْعَدَ إلَى السُّطُوحِ لِيُطَيِّرَ طَيْرَهُ فَيَنْظُرَ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالنَّائِحَةِ) لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ الْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحَةِ») وَصَفَ الصَّوْتَ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ. اعْلَمْ أَنَّ التَّغَنِّيَ لِلَّهْوِ أَوْ لِجَمْعِ الْمَالِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَالنَّوْحُ كَذَلِكَ خُصُوصًا إذَا كَانَ مِنْ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ مِنْهَا حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يُرِدْ بِالنَّائِحَةِ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَتِهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا اتَّخَذَتْ ذَلِكَ مَكْسَبَةً. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْعَدُوِّ إنْ كَانَتْ عَدَاوَتُهُ دُنْيَوِيَّةً) قَالَ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَلَا شَهَادَةُ الْعَدُوِّ إنْ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ بِسَبَبِ الدُّنْيَا وَتُقْبَلُ إنْ كَانَتْ بِسَبَبِ الدِّينِ (إلَخْ) وَالْعَدُوُّ مَنْ يَفْرَحُ بِحُزْنِهِ وَيَحْزَنُ بِفَرَحِهِ وَقِيلَ: يُعْرَفُ بِالْعُرْفِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَيَشْهَدُ لِعَدُوِّهِ وَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ وَيَحْكُمُ لِعَدُوِّهِ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْحُكْمِ ظَاهِرَةٌ وَأَسْبَابَ الشَّهَادَةِ خَافِيَةٌ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ عَنْهُ فِي الْحُكْمِ وَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ فِي الشَّهَادَةِ اهـ. (فَرْعٌ) وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُجَازِفِ فِي كَلَامِهِ وَحُكِيَ أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ رَبِيعٍ وَزِيرَ الْخَلِيفَةِ شَهِدَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَرَدَّ شَهَادَتَهُ فَشَكَاهُ إلَى الْخَلِيفَةِ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ إنَّ وَزِيرِي رَجُلُ دِينٍ لَا يَشْهَدُ بِالزُّورِ فَلِمَ رَدَدْت شَهَادَتَهُ قَالَ؛ لِأَنِّي سَمِعْته يَوْمًا قَالَ لِلْخَلِيفَةِ أَنَا عَبْدُك، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَالِ فِي مَجْلِسِك بِالْكَذِبِ فَلَا يُبَالِي فِي مَجْلِسِي أَيْضًا فَعَذَرَهُ الْخَلِيفَةُ اهـ كَاكِيٌّ سَتَأْتِي هَذِهِ الْحِكَايَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْعُمَّالِ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَقَلَ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي عَنْ الْخَصَّافِ فَقَالَ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَاللُّصُوصِ وَأَصْحَابِ الْفُجُورِ بِالنِّسَاءِ وَمَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ وَمَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَمَنْ يَسْكَرُ مِنْ النَّبِيذِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ فُسَّاقٌ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْخَصَّافُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ الْإِدْمَانَ كَمَا تَرَى وَوَجْهُهُ أَنَّ نَفْسَ شُرْبِ الْخَمْرِ يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ وَشَرَطَ شَهَادَاتِ الْإِدْمَانِ فَقَالَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ وَمُدْمِنِ السُّكْرِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ فِي السِّرِّ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ قَالَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ وَهَذَا شَرْطٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مَتَى دَامَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَدُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ تَائِبٌ نَادِمٌ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا مَنْ أَدْمَنَ الشُّرْبَ عَلَى غَيْرِ لَهْوٍ وَلَمْ يَسْكَرْ وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُ تَحْلِيلَهُ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الْفِسْقَ وَلَا بِتَرْكِ الْمُرُوءَةِ اهـ. وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْخَبَّازِيُّ فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ غَيْرَ شَارِبِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى إبْطَالِ شَهَادَتِهِ إلَى شُرْبِهَا عَلَى اللَّهْوِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِيَتَنَاوَلَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لِسِيَاقِ جَمِيعِ الْأَشْرِبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْفُجُورِ إلَخْ) وَقَالَ النَّاصِحِيُّ أَيْضًا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْفُجُورِ وَالْمَجَانَةِ عَلَى الشُّرْبِ، وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ؛ لِأَنَّ اخْتِلَاطَهُ بِهِمْ وَتَرْكَهُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ يُوجِبُ سُقُوطَ عَدَالَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْسُ الْجُلُوسِ فِسْقًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَنَا مِنْ دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنِّي») الدَّدُ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ

عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَهُوَ فِسْقٌ، وَلَوْ كَانَ يَقْتَنِي الْحَمَامَ فِي بَيْتِهِ لِيَسْتَأْنِسَ بِهِ لَا لِيُطَيِّرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ إمْسَاكَ الْحَمَامِ فِي الْبُيُوتِ مُبَاحٌ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ بُرُوجًا لِلْحَمَامِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ إلَّا إذَا كَانَتْ تَجُرُّ حَمَامَاتٍ أُخَرَ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِ فَتُفْرِخُ فِي وَكْرِهَا فَيَأْكُلُ وَيَبِيعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَتَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ)؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَلَا يَخْلُو عَادَةً مَنْ ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ بِالْمُجَازَفَةِ، وَالْكَذِبِ وَقَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ يُغَنِّي لِلنَّاسِ أَيْ يُسْمِعُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ حَتَّى يُزِيلَ الْوَحْشَةَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُسْقِطُ عَدَالَتَهُ فِي الصَّحِيحِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ دَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ يُغَنِّي، وَالْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ كَانَ مِنْ زُهَّادِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَإِنْ أَنْشَدَ شِعْرًا فِيهِ وَعْظٌ وَحِكْمَةٌ فَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً أَوْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ امْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَهِيَ حَيَّةٌ يُكْرَهُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَجَازَ الْغِنَاءَ فِي الْعُرْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِضَرْبِ الدُّفِّ فِيهِ إعْلَانًا لِلنِّكَاحِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَلَوْ بِالدُّفِّ» وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ إذَا كَانَ يَتَغَنَّى لِيَسْتَفِيدَ بِهِ نَظْمَ الْقَوَافِي وَيَصِيرَ بِهِ فَصِيحَ اللِّسَانِ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ كَرِهَهُ مُطْلَقًا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَبَاحَهُ مُطْلَقًا وَنَحْنُ بَيَّنَّا الصَّحِيحَ مِنْ الْأَقَاوِيلِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ يَرْتَكِبُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَمَنْ يَرْتَكِبُهَا لَا يُبَالِي بِالْكَذِبِ وَكُلُّ مَنْ يَرْتَكِبُ الْكَبَائِرَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَبِيرَةِ فَقَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ هِيَ السَّبْعُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهِيَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَبَهْتُ الْمُؤْمِنِ، وَالزِّنَا وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهَا أَكْلَ الرِّبَا وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا ثَبَتَ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ فَهِيَ كَبِيرَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا فِيهِ حَدٌّ أَوْ قَتْلٌ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَقِيلَ كُلُّ مَا أَصَرَّ عَلَيْهِ الْمَرْءُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَمَا اسْتَغْفَرَ عَنْهُ فَهُوَ صَغِيرَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ مَا كَانَ عَمْدًا فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ أَنَّ الْكَبِيرَةَ، وَالصَّغِيرَةَ اسْمَانِ إضَافِيَّانِ لَا يُعَرَّفَانِ بِذَاتِهِمَا، وَإِنَّمَا يُعَرَّفَانِ بِالْإِضَافَةِ فَكُلُّ ذَنْبٍ إذَا نَسَبْته إلَى مَا دُونَهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَإِذَا نَسَبْته إلَى مَا فَوْقَهُ فَهُوَ صَغِيرَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ مَعْصِيَةٍ أَوْعَدَ عَلَيْهَا فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ مَوْعُودٌ عَلَيْهِ فَمَنْ يَرْتَكِبُ مِثْلَهُ مِنْ الذُّنُوبِ يَرْتَكِبُهُ فَصَلُحَ دَلِيلًا عَلَى ارْتِكَابِهِ الْكَذِبَ؛ لِأَنَّ مَنْ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ارْتَكَبَ نَظِيرَهُ عَادَةً وَقِيلَ: إذَا ارْتَكَبَ مَا يَكُونُ شَنِيعًا عَادَةً فَلَيْسَ بِعَدْلٍ وَقِيلَ مَا كَانَ حَرَامً الِعَيْنِهِ فَكَبِيرَةٌ وَإِلَّا فَصَغِيرَةٌ وَقِيلَ مَا سُمِّيَ فِي الشَّرْعِ فَاحِشَةً فَكَبِيرَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ)؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ النَّاظِرَ، وَالْمَنْظُورَ» وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلًا فِي الْحَمَّامِ بِغَيْرِ إزَارٍ فَقَالَ أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ خَافُوا إلَهَكُمْ وَلَا تَدْخُلُوا الْحَمَّامَ مِنْ غَيْرِ مِئْزَرٍ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مَنْ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ بِالسَّرَاوِيلِ وَحْدَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا)؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَشُرِطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِهِ وَذَلِكَ بِالْإِدْمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ رِبًا بِخِلَافِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدْمَانُ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْهُ مُمْكِنٌ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ وَفِي الرِّبَا يَدْخُلُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدْمَانُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ يُقَامِرُ بِالنَّرْدِ، وَالشِّطْرَنْجِ أَوْ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ بِسَبَبِهِمَا)؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ فِسْقٌ وَكَذَا إذَا كَانَ يُكْثِرُ عَلَيْهِ الْحَلِفَ كَاذِبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ مَحْذُوفَةُ اللَّامِ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ مُتَمَّمَةً دَدَى كَنَدَى، وَدَدَنُ كَبَدَنِ وَلَا يَخْلُو الْمَحْذُوفُ أَنْ يَكُونَ يَاءً كَقَوْلِهِمْ يَدٌ فِي يَدِي أَوْ نُونًا كَقَوْلِهِمْ لَدٌ فِي لَدُنْ وَمَعْنَى تَنْكِيرِ الدَّدِ الشِّيَاعُ وَالِاسْتِغْرَاقُ وَأَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ أَيْ مَا أَنَا فِي شَيْءٍ مِنْ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَتَعْرِيفُهُ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْهُودًا بِالذِّكْرِ كَأَنَّهُ قَالَ وَلَا ذَلِكَ النَّوْعُ مِنِّي، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَلَا هُوَ مِنِّي؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ آكَدُ وَأَبْلَغُ. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ يَقْتَنِي الْحَمَامَ فِي بَيْتِهِ إلَخْ) أَوْ لِحَمْلِ الْكُتُبِ كَمَا فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ دَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ يُغَنِّي) وَكَانَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ حَسَنَ الصَّوْتِ. اهـ. الْإِصَابَةُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقِيلَ أَصَحُّ مَا فِيهِ مَا نُقِلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَةِ اللَّهِ وَالدِّينِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَكَذَا الْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ وَالْحَثِّ عَلَيْهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ كَذَا الذَّخِيرَةُ وَالْمُحِيطُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَلَا شَهَادَةُ مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ إذَا لَمْ يُعْرَفْ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ) أَيْ وَمُرْتَكِبُ الْحَرَامِ فَاسِقٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الشَّرْحِ مِنْ غَيْرِ مِئْزَرٍ) الَّذِي سَمِعْته مِنْ شَيْخِي الْعَلَّامَةِ الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا بِمِئْزَرٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِهِ)؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِهِ فَطَرِيقُهُ التُّهْمَةُ وَعَدَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ فَلَا تَبْطُلُ بِتُهْمَةِ مَعْصِيَةٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ. اهـ. غَايَةٌ (فَرْعٌ) قَالَ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي حُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ شَيْخًا لَوْ صَارَعَ الْأَحْدَاثَ فِي الْجَامِعِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا سُخْفٌ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِفِسْقِهِ لِذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَرْعٌ) وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الطُّفَيْلِيِّ وَالْمُشَعْوِذِ وَالرَّقَّاصِ وَالْمَسْخَرَةِ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ

؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَقَالُوا فِي النَّرْدِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِمُجَرَّدِ اللَّعِبِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْقِمَارِ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ اللَّعِبِ فِيهِ فِسْقٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَلْعُونٌ مَنْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ» وَمَنْ يَكُونُ مَلْعُونًا كَيْفَ يَكُونُ عَدْلًا بِخِلَافِ الشِّطْرَنْجِ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ أَحَدُ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلْ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ) يَعْنِي الصَّالِحِينَ مِنْهُمْ وَهُمْ الصَّحَابَةُ، وَالتَّابِعُونَ، وَالْعُلَمَاءُ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَدُلُّ عَلَى قُصُورِ عَقْلِهِ وَقِلَّةِ مُرُوءَتِهِ وَمَنْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ مِثْلِهَا لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ عَادَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُخْفِي السَّبَّ، وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَأْكُلُ فِي السُّوقِ بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْحِرَفِ لِكَثْرَةِ الْأَيْمَانِ الْفَاجِرَةِ مِنْهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ عُرِفَ مِنْهُمْ بِالْعَدَالَةِ وَلَا تُقْبَلُ مِمَّنْ يُكْثِرُ شَتْمَ أَهْلِهِ وَلَا مِمَّنْ يَشْتُمُ النَّاسَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُقْبَلُ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَأَبَوَيْهِ رَضَاعًا وَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا وَزَوْجِ بِنْتِهِ وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ)؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ بَيْنَهُمْ مُتَمَيِّزَةٌ، وَالْأَيْدِي مُتَحَيِّزَةٌ وَلَا سَطْوَةَ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ الْبَعْضِ فَلَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ لِقَرَابَتِهِ وِلَادًا أَوْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ إذْ الْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ أَغْلَظُ مِنْ الْفِسْقِ مِنْ حَيْثُ التَّعَاطِي وَلَا شَهَادَةَ لِلْفَاسِقِ وَلَنَا أَنَّ الْفَاسِقَ إنَّمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ، وَالْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ مَا أَوْقَعَهُ فِيهِ إلَّا تَدَيُّنُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَكْفُرُ بِالذَّنْبِ وَفِيهِمْ مَنْ يَجْعَلُ مَنْزِلَتَهُ بَيْنَ الْإِيمَانِ، وَالْكُفْرِ فَيَكُونُ هُوَ أَقْوَى اجْتِنَابًا عَنْ الْكَذِبِ حَذَرًا عَنْ الْخُرُوجِ مِنْ الدِّينِ وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَدْلٌ لَا يَتَعَاطَى الْكَذِبَ فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ صَاحِبِ الْهَوَى وَهَوَاهُ عَنْ تَأْوِيلٍ وَتَدَيُّنٍ فَلَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ بِهِ كَمَنْ يَسْتَبِيحُ الْمُثَلَّثَ أَوْ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَاسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ فَقَالَ أَرَأَيْت أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاعَدُوا مُعَاوِيَةَ عَلَى مُخَالَفَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَوْ شَهِدُوا بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ أَكَانَ يَرُدُّ شَهَادَتَهُمْ، وَمُخَالَفَةُ عَلِيٍّ بَعْدَ عُثْمَانَ بِدْعَةٌ وَهَوَاءٌ فَكَيْفَ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ عِنْدَهُ تَأْوِيلٌ وَتَدَيُّنٌ لَمْ يَمْنَعْ قَبُولَ شَهَادَتِهِ وَشَرَطَ فِي الذَّخِيرَةِ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ أَنْ يَكُونَ هَوًى لَا يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ أُصُولَ أَهْلِ الْهَوَى سِتَّةٌ الْجَبْرُ، وَالْقَدَرُ، وَالرَّفْضُ، وَالْخُرُوجُ، وَالتَّشْبِيهُ، وَالتَّعْطِيلُ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ يَصِيرُ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً، وَالْخَطَّابِيَّةُ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبٍ الْأَجْدَعِ يَسْتَجِيزُونَ أَنْ يَشْهَدُوا لِلْمُدَّعِي إذَا حَلَفَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَيَقُولُونَ الْمُسْلِمُ لَا يَحْلِفُ كَاذِبًا فَبِاعْتِقَادِهِمْ هَذَا تَمَكَّنَتْ شُبْهَةٌ فِي شَهَادَتِهِمْ فَلَعَلَّهُ أَقْدَمَ عَلَى الشَّهَادَةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَقِيلَ: إنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمْ شَيْئًا عَلَى غَيْرِهِ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بَقِيَّةُ شِيعَتِهِ وَذَكَرَ الْأَقْطَعُ أَنَّهُمْ قَوْمٌ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ رَجُلٌ كَانَ بِالْكُوفَةِ قَتَلَهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى وَصَلَبَهُ بِالْكَنَائِسِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ الْإِلَهُ الْأَكْبَرُ وَجَعْفَرًا الصَّادِقَ الْإِلَهُ الْأَصْغَرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالذِّمِّيُّ عَلَى مِثْلِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَالِكٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى ذِمِّيٍّ مِثْلِهِ وَلَا عَلَى الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِسْقَهُمْ فِي آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَهُوَ أَغْلَظُ مِنْ الْفِسْقِ تَعَاطِيًا فَكَانَ أَوْلَى بِرَدِّ شَهَادَتِهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَلْعُونٌ مَنْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ») وَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ أَحَدُ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ هَذِهِ وَلَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ وَحَافَظَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا وَلَمْ يُقَامِرْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْلِفْ بِالْكَذِبِ، فَإِنَّهُ لَا تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي حُرْمَةِ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ وَإِبَاحَتِهِ عِنْدَ انْعِدَامِ هَذِهِ الْمَعَانِي فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يَحِلُّ كَذَا نَقَلَ مَذْهَبَهُمَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ وَلِأَنَّ النَّاسَ لَا يَعُدُّونَهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَا يَسْتَخِفُّونَ صَاحِبَهُ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلُ عَلَى الطَّرِيقِ) أَيْ بِمَرْأَى النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَأْكُلُ إلَخْ) وَاَلَّذِي وَجَدْته بِخَطِّ شَيْخِنَا مَكْتُوبًا بَعْدَ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ إلَخْ) قَالَ الْكَاكِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ مُرُوءَةٌ وَكُلُّ فِعْلٍ فِيهِ تَرْكُ الْمُرُوءَةِ يُوجِبُ سُقُوطَ شَهَادَتِهِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ حَتَّى لَوْ مَشَى فِي السُّوقِ أَوْ فِي مَجَامِعِ النَّاسِ بِسَرَاوِيلَ وَاحِدٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَكَذَا مَنْ يَمُدُّ رِجْلَيْهِ عِنْدَ النَّاسِ أَوْ يَكْشِفُ رَأْسَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا عَادَةَ فِيهِ مِمَّا يَجْتَنِبُهُ أَهْلُ الْمُرُوآتِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُقْبَلُ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ إلَخْ) وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَيُعْمَلُ بِعُمُومِهِ إلَّا مَا وَرَدَ التَّخْصِيصُ بِالدَّلِيلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَرَادَ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَصْحَابَ الْبِدَعِ كَالْخَارِجِيِّ وَالرَّافِضِيِّ الْجَبْرِيِّ وَالْقَدَرِيِّ وَالْمُشَبِّهِ وَالْمُعَطِّلِ وَيُسَمَّى أَهْلُ الْبِدَعِ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ لِمَيْلِهِمْ إلَى مَحْبُوبِ أَنْفُسِهِمْ بِلَا دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عَقْلِيٍّ فَالْهَوَى مَحْبُوبُ النَّفْسِ مِنْ هَوَى الشَّيْءَ إذَا أَحَبَّهُ وَقَدْ مَرَّ فِي التَّبْيِينِ فِي بَابِ أَقْسَامِ السُّنَّةِ اهـ (قَوْلُهُ: بِالْكَنَائِسِ) كَذَا هُوَ فِي نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْأَتْقَانِيِّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَصَلْبِهِ بِالْكُنَاسَةِ اهـ. قَالَ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ لِيَاقُوتِ الْكُنَاسَةُ بِالضَّمِّ مَحَلَّةٌ بِالْكُوفَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ يَاقُوتُ الْكَنَائِسَ وَقَدْ وَقَفْت عَلَى نُسْخَةٍ مِنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ مُعْتَمَدَةً بِخَطِّ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَصُّهَا فَهُمْ يَعْنِي الْخَطَّابِيَّةِ قَوْمٌ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ رَجُلٌ كَانَ بِالْكُوفَةِ قَتَلَهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى وَصَلَبَهُ بِالْكُنَاسَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالذِّمِّيُّ عَلَى مِثْلِهِ) اتَّفَقَتْ مِلَّتُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِسْقَهُمْ فِي آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ)

قَالَ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، وَالْكَافِرُ غَيْرُ مَرَضِيٌّ وَلِأَنَّ شَهَادَةَ الرَّقِيقِ تُرَدُّ لِمَا أَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ فَكَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ بِهِ حَقِيقَةُ الْكُفْرِ وَلِأَنَّ قَبُولَ شَهَادَتِهِ يُؤَدِّي إلَى إلْزَامِ الْحَاكِمِ الْقَضَاءَ بِشَهَادَتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُسْلِمَ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ يَتَضَرَّرُ بِهِ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَجْتَنِبُونَ الْكَذِبَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ الْآيَاتِ عِنَادًا مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ حَقٌّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] فَكَانَ ذَلِكَ كَذِبًا مِنْهُمْ، وَالْكَذَّابُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا كَالْمُرْتَدِّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَكَذَا عَلَى الْكَافِرِ كَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ شَخْصٍ وَشَخْصٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إنْ اتَّفَقَتْ مِلَّتُهُمْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ لَا تُقْبَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شَهَادَةَ لِأَهْلِ مِلَّةٍ عَلَى أَهْلِ مِلَّةٍ أُخْرَى إلَّا الْمُسْلِمُونَ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمْ مَقْبُولَةٌ عَلَى أَهْلِ الْمِلَلِ كُلِّهِمْ» وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ بِشَهَادَةِ يَهُودَ عَلَيْهِمَا بِالزِّنَا» وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَجَازَ شَهَادَةَ النَّصَارَى بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ السَّلَفِ وقَوْله تَعَالَى {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] أَيْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104] فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ مَقْبُولَةٌ فِي وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ وَفِي وَصِيَّةِ الْكَافِرِ أَوْلَى ثُمَّ انْتِسَاخُهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لِأَجْلِ أَنَّ وِلَايَتَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ انْتَسَخَتْ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِسَاخِهِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73]، وَالْمُرَادُ بِهِ الْوِلَايَةُ دُونَ الْمُوَالَاةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْله تَعَالَى {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72]، فَإِذَا بَقِيَتْ وِلَايَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بَقِيَتْ الشَّهَادَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ وِلَايَةٍ لِمَا فِيهَا مِنْ إلْزَامِ الْغَيْرِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ فِي حَقِّهِمْ وَكَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ وَقَدْ عَمِلَ بِهَا بَعْضُ الصَّحَابَةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا، فَإِنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمْضَى شَهَادَةَ الْكَافِرَيْنِ فِي وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِجُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ: فَإِنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَيْضًا، وَالْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ لَا يَمْنَعُ الْقَبُولَ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ مَحْظُورِ دِينِهِ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ، وَالْكَذِبُ مَحْظُورٌ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا، وَالرِّضَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ فِي حَقِّ الْمُعَامَلَاتِ بِصِفَةِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ فَقَالَ {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] فَخَرَجَتْ الْآيَةُ مَخْرَجَ الْوَصْفِ لَهُمْ بِالْأَمَانَةِ، وَالْأَمَانَةُ مَرْضِيَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكَافِرُ مَرَضِيًّا لِكُفْرِهِ وَلَمَّا كَانَ مُؤْتَمَنًا فِي الْمُعَامَلَاتِ كَانَ مُؤْتَمَنًا فِي الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى أَحَدٍ كَالصَّبِيِّ، وَالشَّهَادَةُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَالْكَافِرُ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ عَلَى جِنْسِهِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ أَيْضًا عَلَى جِنْسِهِ، وَالْقَاضِي لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِقَوْلِ الْكَافِرِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ بِالتَّقْلِيدِ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ، وَالْقَضَاءُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ النَّظَرُ لِلْغُيَّبِ، وَالصِّغَارِ مِنْهُمْ وَمِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْظُرَ بِأَيِّ سَبَبٍ وَجَبَ لَهُمْ الْحَقُّ وَامْتِنَاعُهُمْ عَنْ الْكَذِبِ مُشَاهَدٌ، وَالْعِنَادُ. وَالْجُحُودُ الَّذِي حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مَعَ عِلْمِهِمْ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مَنْ فِي عَصْرِنَا مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحَقِّ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ الْكُفْرَ حَقًّا لِجَهْلِهِ بِهِ، وَلَوْ عَلِمَ لَأَسْلَمَ وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَيْضًا مَنْ لَا يَعْلَمُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78] وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146] وَقَوْلُهُمْ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ شَخْصٍ وَشَخْصٍ قُلْنَا: إنَّمَا اخْتَلَفَتْ شَهَادَتُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْكَافِرِ لِمَا ذَكَرْنَا وَمِثْلُ هَذَا غَيْرُ مُنْكَرٍ شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَعَلَى غَيْرِهِ تُقْبَلُ وَكَذَا شَهَادَتُهُ لِقَرَابَتِهِ وِلَادًا لَا تُقْبَلُ وَلِغَيْرِهِمْ تُقْبَلُ فَلَا يَبْعُدُ رَدُّ الشَّهَادَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَخْصٍ لِلتُّهْمَةِ فَكَذَا هَذَا، وَالْمُرْتَدُّ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى أَحَدٍ كَالْعَبْدِ، وَالصَّبِيِّ وَمِلَلُ الْكُفْرِ كُلِّهِ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهَا قَوْلُهُ فِي سُورَةِ النُّورِ {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55] وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَتْ لَا تُقْبَلُ) كَشَهَادَةِ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسِهِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ» إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا مَا حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ائْتُونِي بِأَرْبَعَةٍ مِنْكُمْ يَشْهَدُونَ» فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَّزَ شَهَادَتَهُمْ عَلَيْهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرْتَدُّ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ يُقَرُّ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ لَيْسَ فِي قَهْرِ بَعْضٍ فَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحَرْبِيُّ عَلَى مِثْلِهِ لَا عَلَى الذِّمِّيِّ)؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْحَرْبِيِّ، وَالذِّمِّيُّ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَجَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَالْحَرْبِيُّ مِثْلُ الْحَرْبِيِّ فَتَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا إذَا كَانَا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْإِفْرِنْجِ، وَالْحَبَشِ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا لَا يَتَوَارَثَانِ، وَالدَّارُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ، وَالْمِلْكِ لِانْقِطَاعِ النُّصْرَةِ بَيْنَهُمَا وَاسْتِبَاحَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَمَ الْآخَرِ وَمَالَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَلَمَّ بِصَغِيرَةٍ إنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ عَصَى مَعْصِيَةً صَغِيرَةً بِشَرْطِ أَنْ يَجْتَنِبَ الْكَبَائِرَ، وَاللَّمَمُ الصَّغِيرَةُ وَأَلَمَّ إذَا أَذْنَبَ مَا دُونَ الْفَوَاحِشِ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا وَكَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَغْلَبَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ الْكَبَائِرِ، وَالصَّغَائِرِ فَبَقِيَ الْكَلَامُ فِي الْعَدَالَةِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الِاسْتِقَامَةُ يُقَالُ طَرِيقٌ عَدْلٌ لِلْجَادَّةِ، وَالِاسْتِقَامَةِ بِالْإِسْلَامِ وَاعْتِدَالِ الْعَقْلِ وَيُعَارِضُ الْعَقْلَ هَوًى يُضِلُّهُ وَيَصُدُّهُ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ وَلَيْسَ لِكَمَالِ الِاسْتِقَامَةِ حَدٌّ يُدْرَكُ مَدَاهُ وَيُكْتَفَى لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَرْبِيُّ عَلَى مِثْلِهِ لَا عَلَى الذِّمِّيِّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ قَالَ الْكَمَالُ أَرَادَ بِهِ الْمُسْتَأْمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ قَهْرًا اُسْتُرِقَّ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى أَحَدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالذِّمِّيُّ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا) وَقَدْ قَبِلَ خُلْفَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ حَتَّى كَانَ لَهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا كَانَ لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ عِنْدَنَا لَا بِالْمُسْتَأْمِنِ اهـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَالْحَرْبِيُّ مِثْلُ الْحَرْبِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمِنِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الدَّارِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ فَلَا لِارْتِفَاعِ الْوِلَايَةِ وَالْعِصْمَةِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ حَيْثُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَإِنْ كَانَ هَذَا رُومِيًّا وَذَاكَ تُرْكِيًّا؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَبِلُوا الْجِزْيَةَ صَارُوا مِنْ أَهْلِ دِيَارِنَا وَكَانَتْ دَارُهُمْ مُتَّحِدَةً حُكْمًا قَالَ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي، فَإِنْ أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّا لَوْ قَضَيْنَا لَقَضَيْنَا الْآنَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَإِذَا عَرَضَ مَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يَقْضِ بِهِ كَمَا لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ قَبْلَ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي كَذَا هَذَا، وَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَالْقَضَاءُ مَاضٍ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَمَّتْ بِالْقَضَاءِ فَطَرَيَانُ مَا يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ لَا يُبْطِلُ الْقَضَاءَ كَمَا لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ بَعْدَ الْقَضَاءِ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَإِنِّي أَدْرَأُ ذَلِكَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ فَإِذَا عَرَضَ مَانِعٌ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُسْتَوْفَ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَلَمَّ إذَا أَذْنَبَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَلَمَّ أَيْ أَتَى اللَّمَمَ وَهُوَ دُونَ الْكَبِيرَةِ مِنْ الذُّنُوبِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ الدِّيوَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا وَكَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَغْلَبَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَتْ الْحَسَنَاتُ أَغْلَبَ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَالرَّجُلُ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ أَلَمَّ بِمَعْصِيَةٍ قَالَ الْكَمَالُ هَذَا هُوَ مَعْنَى الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي حَدِّ الْعَدَالَةِ وَهُوَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ وَفِيهِ قُصُورٌ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِأَمْرِ الْمُرُوءَةِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْمَعَاصِي وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ هُوَ قَوْلُهُ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِكَبِيرَةٍ وَلَا يُصِرُّ عَلَى صَغِيرَةٍ وَيَكُونُ سَتْرُهُ أَكْثَرَ مِنْ هَتْكِهِ وَصَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ وَمُرُوءَتُهُ ظَاهِرَةً وَيَسْتَعْمِلُ الصِّدْقَ وَيَجْتَنِبُ الْكَذِبَ دِيَانَةً وَمُرُوءَةً هَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ حِينَ سَأَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ وَزِيرُ الْمُعْتَضِدِ عَنْ الْعَدَالَةِ فَقَالَ لَهُ أَحْسَنُ مَا نُقِلَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ الْقَاضِي ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ وَكَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ: وَمُرُوءَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فَأَمَّا الْإِلْمَامُ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا تَنْقَدِحُ بِهِ الْعَدَالَةُ يُرِيدُ الصَّغِيرَةَ، وَلَفْظُ الْإِلْمَامِ وَأَلَمَّ اُشْتُهِرَ فِي الصَّغِيرَةِ. وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي خِرَاشٍ وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ... وَأَيُّ عَبْدٍ لَك لَا أَلَمَّا هَكَذَا أَوْرَدَهُ الْقُتَبِيُّ عَنْهُ بِسَنَدِهِ وَنَسَبَهُ الْخَطَّابِيُّ إلَى أُمَيَّةَ وَنِسْبَةُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ إيَّاهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَلَطٌ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ أَفْرَادٍ نُصَّ عَلَيْهَا، مِنْهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ كَوْنِ الْإِمَامِ لَا طَعْنَ عَلَيْهِ فِي دِينٍ وَلَا حَالٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فِي تَرْكِهَا كَأَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدًا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْإِمَامُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِالتَّرْكِ وَكَذَا بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْحَلْوَانِيِّ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ مَنْ أَكَلَ فَوْقَ الشِّبَعِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ التَّقَوِّي عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ مُؤَانَسَةِ الضَّيْفِ وَكَذَا مَنْ خَرَجَ لِرُؤْيَةِ السُّلْطَانِ أَوْ الْأَمِيرِ عِنْدَ قُدُومِهِ وَرَدَّ شَهَادَةَ شَيْخٍ صَالِحٍ لِمُحَاسَبَتِهِ ابْنَهُ فِي النَّفَقَةِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ كَأَنَّهُ رَأَى مِنْهُ تَضْيِيقًا وَمُشَاحَّةً يَشْهَدُ بِالْبُخْلِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ رُكُوبَ الْبَحْرِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ التَّفَرُّجِ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ وَكَذَا التِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ وَقُرَى فَارِسَ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطِرٌ بِدِينِهِ وَنَفْسِهِ لِنَيْلِ الْمَالِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكْذِبَ لِأَجْلِ الْمَالِ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ إذَا كَانَ مُوسِرًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ عَلَى الْفَوْرِ. وَكَذَا مَنْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ بَاطِلٍ وَكَذَا عَلَى فِعْلِ بَاطِلٍ مِثْلُ مَنْ يَأْخُذُ سُوقَ النَّخَّاسِينَ مُقَاطَعَةً وَأَشْهَدَ عَلَى وَثِيقَتِهَا شُهُودًا قَالَ الْمَشَايِخُ إنْ شَهِدُوا حَلَّ بِهِمْ الطَّعْنُ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى بَاطِلٍ فَكَيْفَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عِنْدَ مُبَاشِرِي السُّلْطَانِ عَلَى ضَمَانِ الْجِهَاتِ وَالْإِجَارَاتِ الْمُضَارَّةِ عَلَى الْمَحْبُوسِينَ عِنْدَهُمْ وَاَلَّذِينَ فِي تَرْسِيمِهِمْ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ

بِأَدْنَاهُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ وَأَدْنَاهُ رُجْحَانُ جِهَةِ الدِّينِ، وَالْعَقْلِ عَلَى الْهَوَى، وَالشَّهْوَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَصَارَ مُتَّهَمًا بِالْكَذِبِ لِظُهُورِ رُجْحَانِ جِهَةِ الْهَوَى عَلَى الْعَقْلِ. وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَدْلَ فِي الشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونُ مُجْتَنَبًا عَنْ الْكَبَائِرِ وَلَا يَكُونُ مُصِرًّا عَلَى الصَّغَائِرِ وَيَكُونُ صَلَاحُهُ أَكْثَرَ مِنْ فَسَادِهِ وَصَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ تَكُونُ كَبِيرَةً بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهَا وَلَا يُوثَقُ بِكَلَامِ مَنْ كَثُرَ مِنْهُ الْخَطَأُ، وَالْفَسَادُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاجْتِنَابِ عَنْ الْكَذِبِ، وَالْإِلْمَامُ مِنْ غَيْرِ إصْرَارٍ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ إذْ لَا يُوجَدْ مِنْ الْبَشَرِ مَنْ هُوَ مَعْصُومٌ سِوَى الْأَنْبِيَاءِ، - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيُؤَدِّي اشْتِرَاطُ الْعِصْمَةِ إلَى سَدِّ بَابِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] أَيْ عُدُولًا وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَالْأَقْلَفُ) لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْخِتَانِ وَلِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ هَذَا إذَا تَرَكَهُ لِعُذْرٍ بِهِ مِنْ كِبَرٍ أَوْ خَوْفِ هَلَاكٍ، وَإِنْ تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَدْلًا مَعَ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا بِالسُّنَّةِ وَلَمْ يُقَدِّرْ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْخِتَانِ وَقْتًا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَمْ يُنْقَلْ فِيهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْمَقَادِيرِ السَّمَاعُ وَلَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَدْخَلٌ. وَقَدَّرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ وَقْتُهُ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ وِلَادَتِهِ أَوْ بَعْدَ السَّابِعِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مُحْتَمِلًا وَلَا يَهْلَكُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ، وَالْحُسَيْنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خُتِنَا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ أَوْ بَعْدَ السَّابِعِ وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ وَهُوَ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ عِنْدَنَا دُونَ النِّسَاءِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ فَرْضٌ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخِتَانُ لِلرِّجَالِ سُنَّةٌ وَلِلنِّسَاءِ مَكْرُمَةٌ» قَالَ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ النِّسَاءُ يَخْتَتِنَّ فِي زَمَنِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مَكْرُمَةً؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ الذِّلَّةُ عِنْدَ الْمُوَاقَعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَصِيُّ وَوَلَدُ الزِّنَا، وَالْخُنْثَى) لِتَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْعُضْوِ أَوْ زِيَادَتُهُ أَوْ جِنَايَةُ أَبَوَيْهِ لَا يُوجِبُ قَدَحًا فِي الْعَدَالَةِ وَقَبِلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ، وَالْخُنْثَى إمَّا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَشَهَادَةُ الْجِنْسَيْنِ مَقْبُولَةٌ ثُمَّ هُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَيُجْعَلُ امْرَأَةً فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ احْتِيَاطًا حَتَّى لَا يَجُوزَ أَنْ يَشْهَدَ مَعَ رَجُلٍ مَا لَمْ يُضَمَّ إلَيْهِ امْرَأَةٌ وَلَا مَعَ النِّسَاءِ بِلَا رَجُلٍ مَعَهُنَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعُمَّالُ) الْمُرَادُ بِهِ عُمَّالُ السَّلَاطِينِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْحُقُوقَ الْوَاجِبَةَ كَالْخَرَاجِ، وَالْجِزْيَةِ، وَالصَّدَقَاتِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ هُمْ الْأُمَرَاءُ وَقِيلَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِأَيْدِيهِمْ وَيُؤْجِرُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَيَّامًا كَانُوا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَمَلِ لَيْسَ بِفِسْقٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ كُبَرَاؤُهُمْ كَانُوا عُمَّالًا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ عِبَادَةٌ وَلَهُ الْأَجْرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا عَلَى الظُّلْمِ وَقِيلَ إذَا كَانَ الْعَامِلُ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ لَا يُجَازِفُ فِي كَلَامِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا مَرَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ لِمَهَابَتِهِ لَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ عَلَى اسْتِئْجَارِهِ عَلَى الشَّهَادَةِ الْكَاذِبَةِ وَلِوَجَاهَتِهِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْكَذِبِ حِفْظًا لِلْمُرُوءَةِ. وَرُوِيَ أَنَّ فُضَيْلٍ بْنَ رَبِيعٍ وَزِير الْخَلِيفَةِ شَهِدَ عِنْد أَبِي يُوسُف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَادِثَةٍ فَرَدَّ شَهَادَته فَشَكَاهُ إلَى الْخَلِيفَة فَقَالَ الْخَلِيفَة أَيُّهَا الْقَاضِي: إنَّ وَزِيرِي رَجُلُ دِينٍ لَا يَشْهَدُ بِالزُّورِ فَلِمَ رَدَدْت شَهَادَتَهُ فَقَالَ؛ لِأَنِّي سَمِعْته يَوْمًا قَالَ لِلْخَلِيفَةِ: أَنَا عَبْدُك، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُبَالِي بِالْكَذِبِ فِي مَجْلِسِك فَلَا يُبَالِي بِالْكَذِبِ فِي مَجْلِسِي أَيْضًا فَعَذَرَهُ الْخَلِيفَةُ فِيهِ وَفِي الْكَافِي هَذَا كَانَ فِي زَمَانِهِمْ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ وَفِي زَمَانِنَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعُمَّالِ لِغَلَبَةِ ظُلْمِهِمْ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْبَزْدَوِيِّ أَنَّ مِنْ قَامَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْقِسْطِ، وَالْعَدَالَةِ كَانَ مَأْجُورًا، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مِنْ جِهَةٍ بَاطِلَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْأَقْلَفِ إلَخْ) وَمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا تُقْبَلُ صَلَاتُهُ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمَجُوسَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: الذِّلَّةُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ الذَّالَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْخَصِيِّ وَوَلَدِ الزِّنَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَأَيْت فِي كِتَابِ التَّفْرِيعِ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا إلَّا فِي الزِّنَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْحُدُودِ، فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ فِيهِ هَذَا لَفْظُ كِتَابِ التَّفْرِيعِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ النَّاسِ مِثْلَهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا كَانَ وَلَدُ الزِّنَا عَدْلًا وَالْعَدْلُ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا مَعَ النِّسَاءِ بِلَا رَجُلٍ مَعَهُنَّ) وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً وَفِي شَهَادَتِهِنَّ شُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْعُمَّالِ) ذَكَرَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ أَرَادَ بِهِ عَامِلَ السُّلْطَانِ الَّذِي يُعَيِّنُهُ عَلَى أَخْذِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ شَرْعًا أَمَّا الَّذِي يُعَيِّنُهُ عَلَى أَخْذِ الْحَرَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ انْتَهَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَذَكَرَ فِي الْوَاقِعَاتِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ بِعَلَامَةِ السِّينِ: الْعُمَّالُ لِلسُّلْطَانِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْعُشْرَ وَالصَّدَقَاتِ وَغَيْرَهَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ إذَا كَانُوا أُمَنَاءَ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا حُمِلُوا عَلَى ذَلِكَ لِأَمَانَتِهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يَحْتَرِزُونَ مِنْ الْكَذِبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِوَجَاهَتِهِ لَا يَقْدُمُ عَلَى الْكَذِبِ حِفْظًا لِلْمُرُوءَةِ) فَأَمَّا إذَا كَانَ سَاقِطَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ النَّاسِ أَوْ مُجَازِفًا فِي كَلَامِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. اهـ. كَافِي

ثُمَّ قَالَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ مَنْ قَامَ بِالتَّوْزِيعِ، وَلَوْ كَانَ مُجَازِفًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْعُمَّالِ أَهْلَ الْحَرْفِ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ وَبَائِعُ الْكَفَنِ قَالُوا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَنَّى كَثْرَةَ الْمَوْتِ بِالطَّاعُونِ وَغَيْرِهِ وَفِي النِّهَايَةِ شَهَادَةُ الْبَخِيلِ لَا تُقْبَلُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَنْ يَبْخَلُ بِالْوَاجِبَاتِ كَالزَّكَاةِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ، وَالْأَقَارِبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُعْتَقُ لِلْمُعْتِقِ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُعْتَقِ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ وَكَذَا بِالْعَكْسِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَنْبَرًا، وَالْحَسَنَ شَهِدَا لِعَلِيٍّ عِنْدَ شُرَيْحٍ فَقَبِلَ شَهَادَةَ قَنْبَرٍ وَهُوَ كَانَ عَتِيقَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَيْهِ، وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي جَازَ، وَإِنْ أَنْكَرَ لَا كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دُيُونِهِ وَادَّعَى الْوَكِيلُ أَوْ أَنْكَرَ) يَعْنِي إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَادَّعَيَا أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ، وَالرَّجُلُ يَدَّعِي الْوَصِيَّةَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ أَنْكَرَ الرَّجُلُ الْوَصِيَّةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا كَمَا لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا أَنَّ أَبَاهُمَا الْغَائِبَ قَدْ وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِقَبْضِ دُيُونِهِ سَوَاءٌ ادَّعَى الرَّجُلُ الْوَكَالَةَ أَوْ أَنْكَرَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا، وَإِنْ ادَّعَى وَكَذَا إذَا شَهِدَ الْمُوصِي إلَيْهِمَا أَوْ لَهُمَا أَوْ الْغَرِيمَانِ لَهُمَا عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِمَا لَهُ دَيْنٌ أَنَّهُ أَوْصَى إلَى هَذَا الرَّجُلِ تَجُوزُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّهَا تَجُرُّ مَنْفَعَةً إلَى الشَّاهِدِ بِإِقَامَةِ مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ أَوْ مَنْ يُسْتَوْفَى مِنْهُ أَوْ مَنْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ أَوْ مَنْ يُعِينُهُ بِالْقِيَامِ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَالشَّهَادَةُ الَّتِي تَجُرُّ مَنْفَعَةً لَا تُقْبَلُ فَصَارَ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ إذَا كَانَ الْوَصِيُّ طَالِبًا وَكَانَ الْمَوْتُ مَعْرُوفًا فَيَكْفِي الْقَاضِيَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ وَزَكَّيَاهُ بِشَهَادَتِهِمَا إذْ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا كَانَ يُتَأَمَّلُ فِيمَنْ يُعَيِّنُ وَفِيمَنْ يَصْلُحُ فَيُعَيِّنُ مَنْ تَثْبُتُ صَلَاحِيَّتُهُ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا فَلَمْ يَثْبُتْ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ وَنَظِيرُهَا الْقُرْعَةُ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُوجِبَةٍ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ لَوْلَا الْقُرْعَةُ وَمَعَ هَذَا جَازَ اسْتِعْمَالُهَا تَطْيِيبًا لِلْقُلُوبِ وَنَفْيًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ الْقَاضِي وَلَا يُقَالُ: إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَصِيَّانِ لَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى وَصِيٍّ ثَالِثٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا قُلْتُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إذَا أَقَرَّ الْوَصِيَّانِ أَنَّ مَعَهُمَا ثَالِثًا كَانَ لَهُ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْمَيِّتِ بِإِقْرَارِهِمَا أَنَّ مَعَهُمَا ثَالِثًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَصِيُّ جَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَ أَحَدٍ عَلَى قَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي نَصْبَ الْوَصِيِّ إلَّا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ فَتَصِيرُ الشَّهَادَةُ مُوجَبَةً عَلَى الْقَاضِي فَتَبْطُلُ لِمَعْنَى التُّهْمَةِ وَهُوَ جَرُّ الْمَنْفَعَةِ إلَى الشَّاهِدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَ شَخْصَانِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُمَا الْغَائِبَ وَكَّلَ فُلَانًا بِقَبْضِ حُقُوقِهِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ. وَإِنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْغَائِبِ فَلَوْ ثَبَتَ لَثَبَتَ بِشَهَادَتِهِمَا وَهِيَ غَيْرُ مُوجَبَةٍ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ فَبَطَلَتْ وَفِي الْكَافِي فِي الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْقَبْضِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ وَثَبَتَ مَوْتُ رَبِّ الدَّيْنِ بِإِقْرَارِهِمَا فِي حَقِّهِمَا وَقِيلَ مَعْنَى الْقَبُولِ أَنْ يَأْمُرَهُمَا الْقَاضِي بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِمَا إلَيْهِ لَا أَنْ يَبْرَآ عَنْ الدَّيْنِ بِهَذَا الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ مِنْهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِمَا فَيُقْبَلُ فِي حَقِّهِ، وَالْبَرَاءَةُ حَقٌّ لَهُمَا فَلَا تُقْبَلُ فِي حَقِّهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى جَرْحٍ) أَيْ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَضَمَّنَ إيجَابَ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ أَوْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ الْمُجَرَّدَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ يُرْفَعُ فِسْقُهُ بِالتَّوْبَةِ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَابَ فِي مَجْلِسِهِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِلْزَامُ وَلِأَنَّ فِيهِ هَتْكَ السَّتْرِ وَإِشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَهُوَ حَرَامٌ وَلِلضَّرُورَةِ جَائِزٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ مَنْ قَامَ بِالتَّوْزِيعِ وَلَوْ كَانَ مُجَازِفًا) إلَى هُنَا كَلَامُ الشَّارِحِ وَبَعْدَ هَذَا كَتَبْت مُلْحَقًا وَهُوَ فِي كَلَامِهِ مِنْ الْعُمَّالِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ هَذَا الْمُلْحَقُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَلَا يَصِحُّ الْكَلَامُ إلَّا بِهِ. (قَوْلُهُ وَبَائِعِ الْكَفَنِ قَالُوا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي قَالُوا شَهَادَةُ بَائِعِ الْأَكْفَانِ لَا تَجُوزُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إنَّمَا لَا تَجُوزُ إذَا تَرَصَّدَ لِذَلِكَ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ وَالطَّاعُونَ أَمَّا إذَا كَانَ يَبِيعُ الثِّيَابَ هَكَذَا وَيُشْتَرَى مِنْهُ الْكَفَنُ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا) قَالَ الْكَمَالُ صُورَتُهَا رَجُلٌ ادَّعَى أَنَّهُ وَصِيُّ فُلَانٍ الْمَيِّتِ فَشَهِدَ بِذَلِكَ اثْنَانِ مُوصًى لَهُمَا بِمَالٍ أَوْ وَارِثَانِ كَذَلِكَ أَوْ غَرِيمَانِ لَهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّانِ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ تَتَضَمَّنُ جَلْبَ نَفْعٍ لِلشَّاهِدِ أَمَّا الْوَارِثَانِ لِقَصْدِهِمَا نَصْبَ مَنْ يَتَصَرَّفُ لَهُمَا وَيُرِيحُهُمَا وَيَقُومُ بِإِحْيَاءِ حُقُوقِهِمَا وَالْغَرِيمَانِ الدَّائِنَانِ وَالْمُوصَى لَهُمَا لِوُجُودِ مَنْ يَسْتَوْفِيَانِ مِنْهُ وَالْمَدْيُونَانِ لِوُجُودِ مَنْ يَبْرَآنِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَالْوَصِيَّانِ مَنْ يُعَيِّنُهُمَا فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَالْمُطَالَبَةِ وَكُلُّ شَهَادَةٍ جَرَّتْ نَفْعًا لَا تُقْبَلُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا شَهِدَ الْمُوصَى إلَيْهِمَا) يُقَالُ أَوْصَى إلَيْهِ أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا وَأَوْصَى لَهُ بِكَذَا أَيْ جَعَلَهُ مُوصَى لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: تَجُوزُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ اسْتِحْسَانًا) وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَوْتُ ظَاهِرًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ هَؤُلَاءِ إلَّا الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا تُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ مَعْرُوفًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا قُلْتُمْ) قُلْت: إنَّهُمَا شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى هَذَا الرَّجُلِ الثَّالِثِ فَقَدْ أَقَرَّا أَنْ لَا حَقَّ لَهُمَا فِي التَّصَرُّفِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا ثَالِثٌ فَلَوْ رَدَّ شَهَادَتَهُمَا لَاحْتَاجَ إلَى نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ حَتَّى يَتَصَرَّفَ مَعَهُمَا فَلَا يَكُونُ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَائِدَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: جَائِزٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ) قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ فِسْقَهُ بِالْبَيِّنَةِ لِيَدْفَعَ التَّعْزِيرَ عَنْ نَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ

وَلَا يُقَالُ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَهُوَ مَنْعُ الظَّالِمِ عَنْ الظُّلْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُنْصُرْ أَخَاك الظَّالِمَ أَوْ الْمَظْلُومَ»؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا ضَرُورَةَ إلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِخْبَارِ لِلْقَاضِي سِرًّا حَتَّى يَرُدَّ شَهَادَتَهُمَا فَأَمْكَنَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الظُّلْمِ بِذَلِكَ. أَمَّا إذَا كَانَ الْجَرْحُ غَيْرَ مُجَرَّدٍ بِأَنْ كَانَ فِيهِ إثْبَاتُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِمَا زَنَوْا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا أَوْ كَانَ فِيهِ إثْبَاتُ حَقِّ الْعَبْدِ كَقَوْلِهِمَا أَخَذُوا الْمَالَ أَوْ قَتَلُوا النَّفْسَ عَمْدًا فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ضَرُورَةَ إحْيَاءِ الْحُقُوقِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَتْكٌ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا إيجَابُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَدُّ أَوْ إيجَابُ حَقِّ الْعَبْدِ وَهُوَ ضَمَانٌ يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَفِي ضِمْنِهِ يَثْبُتُ الْجَرْحُ وَكَذَا إذَا قَالَ صَالَحْت الشُّهُودَ بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا الْبَاطِلِ وَقَدْ شَهِدُوا عَلَيَّ بِهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَطَلَبَ اسْتِرْدَادَ الْمَالِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ أَعْطَاهُمْ الْمُدَّعِي مِنْ مَالِي الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ حَتَّى يَشْهَدُوا لَهُ بِالزُّورِ وَطَلَبَ اسْتِرْدَادَهُ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ صَحِيحَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إيجَابِ رَدِّ الْمَالِ عَلَى الشُّهُودِ وَهُوَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ حَتَّى لَوْ قَالَ صَالَحْتهمْ بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ وَلَمْ أَدْفَعْ إلَيْهِمْ الْمَالَ أَوْ قَالَ: اسْتَأْجَرَهُمْ الْمُدَّعِي بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَشْهَدُوا لَهُ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ إذْ الْمُدَّعِي مُجَرَّدُ جَرْحٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ قَبْلَهُ حَقًّا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِهِ وَدَعْوَى الِاسْتِئْجَارِ، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَكِنَّهُ يَدَّعِيهَا لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ فَكَانَ جَرْحًا مُجَرَّدًا، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّ الشُّهُودَ فَسَقَةٌ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَعْنَى وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الشُّهُودَ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْضُرُوا الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْحَقُّ. وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ؛ لِأَنَّ فِي الْعَبِيدِ إثْبَاتَ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ وَهُوَ الرِّقُّ وَفِي غَيْرِهِ لَيْسَ فِيهِ إشَاعَةُ الْفَاحِشَةِ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَإِنَّمَا حُكُوا بِإِظْهَارِ فَاحِشَةٍ مِنْ غَيْرِهِمْ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزُّورِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ. وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الشُّهُودَ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ زَنَوْا أَوْ وَصَفُوا الزِّنَا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا مِنِّي كَذَا وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ قَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَقَادِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَقَادِمًا لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ إثْبَاتِ الْحَقِّ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ مَرْدُودَةٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ مَقْبُولَةٌ تَأْوِيلُهُ إذَا أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ أَوْ عَلَى التَّزْكِيَةِ وَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّ الشُّهُودَ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ لَمْ تُقْبَلْ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ زَنَوْا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا تُقْبَلُ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَقَادِمًا وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ زُنَاةٌ أَوْ زَنَوْا إلَخْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ شَهِدَ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى قَالَ أَوْهَمْتُ بَعْضَ شَهَادَتِي تُقْبَلُ لَوْ عَدْلًا) قَوْلُهُ أَوْهَمْتُ أَيْ أَخْطَأْت بِذِكْرِ زِيَادَةٍ كَانَتْ بَاطِلَةً أَوْ بِنِسْيَانِ بَعْضِ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيَّ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُبْتَلَى بِالْغَلَطِ لِمَهَابَةِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَوَضَحَ الْعُذْرُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَدَارَكَهُ فِي أَوَانِهِ وَهُوَ عَدْلٌ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَمَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ غَرَّهُ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ بِالرِّشْوَةِ ثُمَّ قِيلَ يَقْضِي بِجَمِيعِ مَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا حَتَّى لَوْ شَهِدَ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ غَلِطْت فِي خَمْسِمِائَةٍ يُقْضَى بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ أَوَّلًا صَارَ حَقًّا لِلْمُدَّعِي وَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْقَضَاءُ بِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ، وَقِيلَ يُقْضَى بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَحُدُوثِهِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا كَانَ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ كَمَا بَيَّنَّا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ فَلَا بَأْسَ بِإِعَادَةِ الْكَلَامِ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِ لَفْظَ الشَّهَادَةِ أَوْ اسْمَ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ يَتْرُكَ الْإِشَارَةَ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، وَإِنْ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَأْمُونًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ قَوْلَهُ يُقْبَلُ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ فِي الْكُلِّ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا قَالَ أَوْهَمْت فِي الزِّيَادَةِ أَوْ فِي النُّقْصَانِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَلَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَعَ الْغَلَطُ فِي ذِكْرِ بَعْضِ حُدُودِ الْعَقَارِ أَوْ فِي بَعْضِ النَّسَبِ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُبْتَلَى بِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَذِكْرُهُ ذَلِكَ لِلْقَاضِي دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ وَاحْتِيَاطِهِ فِي الْأُمُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى مُجَرَّدِ الْجَرْحِ وَالْفِسْقِ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ يَا زَانِي ثُمَّ أَثْبَتَ زِنَاهُ بِبَيِّنَةٍ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْحَدِّ. اهـ. قُنْيَةٌ فِي الْحُدُودِ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ حَتَّى قَالَ أَوْهَمْت) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَوَهِمَ فِي الْحِسَابِ غَلِطَ مِنْ بَابِ لَبِسَ وَأَوْهَمَ فِيهِ مِثْلُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ، فَإِنْ قَالَ: أَوْهَمْت أَوْ أَخْطَأَتْ أَوْ نَسِيت وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ الشَّاهِدَانِ أَوْهَمْنَا إنَّمَا السَّارِقُ هَذَا وَيُرْوَى وَهِمْنَا وَأَوْهَمَ فِي الْحِسَابِ مِائَةً أَيْ أَسْقَطَ وَأَوْهَمَ مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى وَأَوْهَمَ فِي صَلَاتِهِ فَقِيلَ لَهُ كَأَنَّك أَوْهَمْت فِي صَلَاتِك» اهـ

[باب الاختلاف في الشهادة]

(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الشَّهَادَةُ إنْ وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ وَإِلَّا لَا)؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حَقِّ الْعَبْدِ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نُصِّبَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ بَيْنَ الْخُصُومِ وَفَصْلُهُ يَفْتَقِرُ إلَى سَبْقِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ بَعْدَ الدَّعْوَى أَمَّا الشَّهَادَةُ أَوْ الْيَمِينُ وَقَدْ وُجِدَ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى فِيمَا إذَا وَافَقَتْ الشَّهَادَةُ الدَّعْوَى فَأَمْكَنَ الْفَصْلُ بِالشَّهَادَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا إذَا خَالَفَتْهَا فَلَمْ يُمْكِنْ الْقَضَاءُ بِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لِأَجْلِ تَصْدِيقِ الدَّعْوَى، فَإِذَا خَالَفَتْهَا فَقَدْ كَذَّبَتْهَا، وَالدَّعْوَى الْكَاذِبَةُ لَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا فَانْعَدَمَ الشَّرْطُ وَهُوَ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى فَلَا يُحْكَمُ بِهَا بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ خَصْمًا فِي إثْبَاتِهِ فَصَارَ كَأَنَّ الدَّعْوَى مَوْجُودَةٌ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِإِقَامَتِهَا كَانَ طَالِبًا لَهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إقَامَتُهَا وَفِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا بِالدَّعْوَى إذْ لَا يَعْرِفُ الْقَاضِي حُقُوقَهُمْ وَلَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى اسْتِيفَائِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ادَّعَى دَارًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً فَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ لَغَتْ) أَيْ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى مِلْكًا حَادِثًا وَهُمَا شَهِدَا بِمِلْكٍ قَدِيمٍ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُطْلَقِ يَثْبُتُ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمُدَّعِي بِزَوَائِدِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمِلْكِ الْحَادِثِ وَتَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيهِ فَصَارَا غَيْرَيْنِ، وَالتَّوْفِيقُ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ قَدِيمًا وَلَا الْقَدِيمُ حَادِثًا فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعَكْسِهِ لَا) أَيْ بِعَكْسِ مَا مَضَى وَهُوَ مَا إذَا ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَا بِمِلْكٍ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ لَا تَكُونُ لَغْوًا بَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى)؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَهِيَ شَهَادَةُ الْمُثَنَّى فَمَا لَمْ يَتَّفِقَا فِيمَا شَهِدَا بِهِ لَا تَثْبُتُ الْحُجَّةُ مُطْلَقًا، وَالْمُوَافَقَةُ الْمُطْلَقَةُ بِاللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ لَا غَيْرُ، وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ فِي اللَّفْظِ تَطَابُقُ اللَّفْظَيْنِ عَلَى إعَادَةِ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْوَضْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ] ِ) الِاخْتِلَافُ فِي الشَّهَادَةِ خِلَافُ الْأَصْلِ بَلْ الْأَصْلُ الِاتِّفَاقُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا يَتَفَرَّعُ عَنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ذَلِكَ وَالشَّهَادَةُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَتَفَرَّعُ إمَّا عَنْ رُؤْيَةٍ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَالْقَتْلِ أَوْ سَمَاعٍ بِإِقْرَارٍ وَغَيْرِهِ وَالشَّاهِدَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي إدْرَاكِ ذَلِكَ فَيَسْتَوِيَانِ فِيمَا يُؤَدِّيَانِ فَلِذَا أَخَّرَهُ عَمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ خِلَافٌ اهـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ الشَّهَادَةُ إنْ وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ) بِأَنْ كَانَتْ فِي أَلْفٍ قَرْضٍ وَشَهِدَا بِأَلْفٍ قَرْضٍ اهـ ع (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُوَافِقْ الشَّهَادَةُ الدَّعْوَى بِأَنْ كَانَتْ فِي أَلْفٍ قَرْضٍ وَشَهِدَا بِأَلْفٍ ثَمَنِ مَتَاعٍ اهـ ع (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حَقِّ الْعَبْدِ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ وَهُوَ الدَّعْوَى، وَقَدْ وُجِدَتْ الدَّعْوَى فِيمَا يُوَافِقُهَا أَيْ يُوَافِقُ الشَّهَادَةَ فَوُجِدَ شَرْطُ قَبُولِهَا فَتُقْبَلُ وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا، فَإِنَّهَا لَمَّا لَمْ تُوَافِقْهَا صَارَتْ الدَّعْوَى لِشَيْءٍ آخَرَ وَشَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى وَاعْلَمْ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْمُوَافَقَةِ الْمُطَابَقَةَ بَلْ إمَّا الْمُطَابَقَةُ أَوْ كَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَكْثَرَ فَمِنْ الْأَقَلِّ مَا لَوْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ بِسَبَبِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِمَهْرِ كَذَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ بِلَا زِيَادَةٍ تُقْبَلُ وَيَقْضِي بِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ قَدْرَ مَا سَمَّاهُ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ لَا يَقْضِي بِالزِّيَادَةِ كَذَا فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ الْخُلَاصَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ وَمِنْهُ إذَا ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ بِالنِّتَاجِ فَشَهِدُوا فِي الْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَفِي الثَّانِي بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ قُبِلَتَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِسَبَبٍ أَقَلُّ مِنْ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْأَوَّلِيَّةَ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَالنِّتَاجَ عَلَى الْيَقِينِ وَفِي قَلْبِهِ وَهُوَ دَعْوَى الْمُطْلَقِ فَشَهِدُوا بِالنِّتَاجِ لَا تُقْبَلُ وَمِنْ الْأَكْثَرِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِسَبَبٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ الْإِرْثَ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِرْثِ كَدَعْوَى الْمُطْلَقِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَيَّدَهُ فِي الْأَقْضِيَةِ بِمَا إذَا نَسَبَهُ إلَى مَعْرُوفٍ سَمَّاهُ وَنَسَبَهُ، أَمَّا لَوْ جَهِلَهُ فَقَالَ اشْتَرَيْته أَوْ قَالَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ قُبِلَتْ فَهِيَ خِلَافِيَّةٌ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْقَبُولِ رَشِيدُ الدِّينِ وَهُنَا اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَى مِلْكٍ بِسَبَبٍ، وَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمُطْلَقِ لَمْ يُذْكَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ لَا يَحِلُّ لَهُ قُلْت كَيْفَ وَفِيهِ أَيْضًا إبْطَالُ حَقِّهِ، فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا لَوْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فَإِذَا خَالَفَتْهَا فَقَدْ كَذَّبَتْهَا) أَيْ كَذَّبَتْ الشَّهَادَةُ الدَّعْوَى اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَنُسِبَ الْكَذِبُ إلَى الدَّعْوَى لَا إلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشُّهُودِ الْعَدَالَةُ دُونَ الْمُدَّعِي إذْ هِيَ شَرْطٌ فِيهِمْ دُونَهُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ) قَالَ الْكَمَالُ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ الِاشْتِرَاطُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ احْتِرَازًا عَنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ دَعْوَى مُدَّعٍ خَاصٍّ غَيْرِ الشَّاهِدِ لَيْسَ شَرْطًا لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَالَى وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ الْقِيَامُ فِي إثْبَاتِهِ وَذَلِكَ الشَّاهِدُ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَكَانَ قَائِمًا فِي الْخُصُومَةِ مِنْ جِهَةِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَشَاهِدٌ مِنْ جِهَةِ تَحَمُّلِ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْتَجْ فِيهَا إلَى خَصْمٍ آخَرَ. اهـ. . (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ ادَّعَى دَارًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً فَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبٍ اهـ ع (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ فِي اللَّفْظِ تَطَابُقُ اللَّفْظَيْنِ عَلَى إعَادَةِ الْمَعْنَى) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ أَوْ بِمُرَادِفِهِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْعَطِيَّةِ قُبِلَتْ اهـ كَمَالٌ وَقَوْلُهُ إعَادَةٌ هُوَ بِالْعَيْنِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَكَذَا هُوَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْكَافِي إفَادَةٌ بِالْفَاءِ اهـ

لَا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِدِرْهَمٍ وَآخَرُ بِدِرْهَمَيْنِ وَآخَرُ بِثَلَاثَةٍ وَآخَرُ بِأَرْبَعَةٍ وَآخَرُ بِخَمْسَةٍ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ لَفْظًا وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِأَرْبَعَةٍ. وَكَذَا إنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمِائَةُ، وَالْمِائَتَانِ، وَالطَّلْقَةُ، وَالطَّلْقَتَانِ أَوْ الثَّلَاثُ لَهُمَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَقَلِّ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالزِّيَادَةِ فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ دُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا لِعَدَمِهَا، وَذَلِكَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ ادَّعَى الْأَكْثَرَ وَشَهِدَا بِالْأَقَلِّ تُقْبَلُ، وَلَوْ كَانَ اخْتِلَافًا لَمَا قُبِلَتْ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقَبُولِ أَنْ تُوَافِقَ الْبَيِّنَةُ الدَّعْوَى فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَ، وَالْخَمْسَمِائَة بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْأَقَلَّ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ مَنْ يَشْهَدُ بِالزِّيَادَةِ وَبِشَهَادَةِ الْفَرْدِ لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ اخْتِلَافَ اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَاحِدِ غَيْرُ لَفْظِ الِاثْنَيْنِ وَلَفْظَ الْأَلْفِ غَيْرُ لَفْظِ الْأَلْفَيْنِ وَلِهَذَا لَا يُرَادُ بِأَحَدِهِمَا الْآخَرُ وَلَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْ اللَّفْظَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا وَاحِدٌ وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْأَلْفَ مَوْجُودٌ فِي الْأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَعَمْ مَوْجُودٌ فِيهِ إذَا ثَبَتَ الْأَلْفَانِ ثَبَتَ الْأَلْفُ ضِمْنًا، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُتَضَمِّنُ لَا يَثْبُتُ الْمُتَضَمَّنُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ) فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ فَلَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَدَّعِي أَلْفًا لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ شَاهِدَ الْأَلْفَيْنِ إلَّا إنْ وَفَّقَ فَقَالَ كَانَ لِي عَلَيْهِ أَلْفَانِ فَقَضَانِي أَلْفًا أَوْ أَبْرَأْتُهُ مِنْ أَلْفٍ وَالشَّاهِدُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ يُقْضَى لَهُ بِالْأَلْفِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمِائَةُ وَالْمِائَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَتَانِ أَوْ الثَّلَاثُ) لَا يُقْضَى بِطَلَاقٍ أَصْلًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِالْأَقَلِّ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا فِي دَعْوَى الدَّيْنِ، أَمَّا فِي دَعْوَى الْعَيْنِ بِأَنْ كَانَ فِي كِيسٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْكِيسِ لَهُ وَهُوَ أَلْفَا دِرْهَمٍ وَالْآخَرُ أَنَّ نِصْفَ مَا فِيهِ لَهُ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمِقْدَارِ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ ذَكَرَهُ الْخَبَّازِيُّ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يَسْتَحِقُّ الزَّائِدَ بِالْحَلِفِ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَ وَالْخَمْسَمِائَةِ) أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِطَلْقَةٍ وَالْآخَرُ بِتَطْلِيقَةٍ وَنِصْفٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْأَقَلَّ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ) أَيْ اتِّفَاقًا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا) هَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي فَصْلِ الْمَشِيئَةِ وَذَكَرَ الْحُكْمَ فِيهِ كَمَا هُنَا فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَرَاجِعْهُ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ: فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ مَا لَوْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ فَشَهِدَا بِأَلْفٍ تُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى وَهِيَ شَرْطٌ وَعَلَى قَوْلِ الْكُلِّ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا: أَنْتِ خَلِيَّةٌ، وَالْآخَرُ: أَنْتِ بَرِّيَّةٌ لَا يُقْضَى بِبَيْنُونَةٍ أَصْلًا مَعَ إفَادَتِهِمَا مَعًا الْبَيْنُونَةَ وَتَقَدَّمَ أَنَّ اخْتِلَافَ اللَّفْظِ وَحْدَهُ غَيْرُ ضَائِرٍ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْعَطِيَّةِ تُقْبَلُ أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الِاتِّفَاقَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، وَإِنْ اُشْتُرِطَ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى وِزَانِ اتِّفَاقِهِ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ أَوْ الْقَتْلَ فَشَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ لَا تُقْبَلُ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ حَصَلَتْ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَدَّعِي أَلْفَيْنِ كَانَ مُدَّعِيًا الْأَلْفَ. وَقَدْ شَهِدَ بِهِ اثْنَانِ صَرِيحًا فَيُقْبَلُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا بِالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ لَمْ يَنُصَّ شَاهِدُ الْأَلْفَيْنِ عَلَى الْأَلْفِ إلَّا مِنْ حَيْثُ هِيَ أَلْفَانِ وَلَمْ تَثْبُتْ الْأَلْفَانِ، وَأَمَّا عَنْ الثَّانِي فَنَمْنَعُ التَّرَادُفَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى خَلِيَّةٍ لَيْسَ مَعْنَى بَرِيَّةٍ لُغَةً، وَالْوُقُوعُ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى اللُّغَةِ وَلِذَا قُلْنَا: إنَّ الْكِنَايَاتِ عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا فَهُمَا لَفْظَانِ مُتَبَايِنَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ غَيْرَ أَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الْمُتَبَايِنَيْنِ يَلْزَمُهُمَا لَازِمٌ وَاحِدٌ هُوَ وُقُوعُ الْبَيْنُونَةِ وَالْمُتَبَايِنَانِ قَدْ تَشْتَرِكُ فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ فَاخْتِلَافُهُمَا ثَابِتٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْمَعْنَى مِنْهُمَا كَانَ دَلِيلَ اخْتِلَالِ تَحَمُّلِهِمَا، فَإِنَّ هَذَا يَقُولُ مَا وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ إلَّا بِوَصْفِهَا بِخَلِيَّةٍ وَالْآخَرُ لَمْ تَقَعْ إلَّا بِوَصْفِهَا بِبَرِيَّةٍ وَإِلَّا فَلَمْ تَقَعْ الْبَيْنُونَةُ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ: وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ مَا يُخَالِفُ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا بَلْ أَشَارَ إلَى أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أَبَدًا عَلَى أَنَّ لِزَيْدٍ ثُلُثَ غَلَّتِهَا وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ لِزَيْدٍ نِصْفَهُ قَالَ أَجْعَلُ لِزَيْدٍ ثُلُثَ غَلَّتِهَا الَّذِي أَجْمَعَا عَلَيْهِ وَالْبَاقِيَ لِلْمَسَاكِينِ وَكَذَا إذَا سَمَّى أَحَدُهُمَا مَالًا لِزَيْدٍ مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَالْآخَرُ أَقَلَّ مِنْهُ أَحْكُمُ لِزَيْدٍ بِمَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ يُعْطَى لِزَيْدٍ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الْوَقْفِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَا يَسَعُهُ وَيَسَعُ عِيَالَهُ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَالَ الْآخَرُ: يُعْطَى أَلْفًا قَالَ أُقَدِّرُ نَفَقَتَهُ وَعِيَالِهِ فِي الْعَامِ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ حَكَمْت لَهُ بِالْأَلْفِ أَوْ الْأَلْفُ أَكْثَرُ أَعْطَيْته نَفَقَتَهُ وَالْبَاقِيَ لِلْمَسَاكِينِ هَذَا بَعْدَ أَنْ أَدْخَلَ الْكِسْوَةَ فِي النَّفَقَةِ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ قُلْت: فَلِمَ أَجَزْت هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَقَدْ اخْتَلَفَا فِي لَفْظِهِمَا قَالَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْوَاقِفُ أَنَّ لِزَيْدٍ بَعْضَ هَذِهِ الْغَلَّةِ فَاجْعَلْ لَهُ الْأَقَلَّ اهـ فَإِيرَادُ هَذَا السُّؤَالِ هُوَ الَّذِي ذَكَرْت أَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ، فَإِنَّ إيرَادَهُ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. قَوْلُهُ: وَقَدْ اخْتَلَفَ لَفْظُهُمَا صَرِيحٌ فِيهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ اهـ وَحَاصِلُهُ أَنَّا عَلِمْنَا اسْتِحْقَاقَهُ وَتَرَدَّدْنَا بَيْنَ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ فَيَثْبُتُ الْمُتَيَقَّنُ اهـ

قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ بَرِيَّةٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَإِنْ اتَّفَقَ اللَّفْظَانِ فِي الْمَعْنَى لِعَدَمِ ثُبُوتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ اتِّفَاقَ الشَّاهِدَيْنِ فِي اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى شَرْطُ الْقَبُولِ بِخِلَافِ الدَّعْوَى، وَالْبَيِّنَةِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ اتِّفَاقُهُمَا فِي اللَّفْظِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ أَوْ الْقَتْلَ فَشَهِدَا بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ أَوْ الْقَتْلِ، وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ وَبِخِلَافِ الْأَلْفِ، وَالْخَمْسِمِائَةِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالزِّيَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ، وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَنَظِيرُهُ الطَّلْقَةُ، وَالطَّلْقَةُ وَنِصْفٌ، وَالْمِائَةُ، وَالْمِائَةُ، وَالْخَمْسُونَ بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ كَالْأَلْفَيْنِ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ، وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْمُدَّعِي الْأَكْثَرَ فَشَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ بِالْأَكْثَرِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ الْمُدَّعِي بِالزِّيَادَةِ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ فَيَقُولَ أَصْلُ حَقِّي كَانَ كَمَا قَالَ إلَّا أَنِّي اسْتَوْفَيْت الزَّائِدَ أَوْ أَبْرَأْته عَنْهُ فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ فِي الْأَقَلِّ لِظُهُورِ التَّوْفِيقِ وَفِي النِّهَايَةِ إنْ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَذَلِكَ نَحْوُ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْهِبَةِ، وَالْآخَرُ عَلَى الْعَطِيَّةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الشَّهَادَةِ بَلْ الْمَقْصُودُ مَا تَضَمَّنَهُ اللَّفْظُ وَهُوَ مَا صَارَ اللَّفْظُ عَلَمًا عَلَيْهِ، فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُوَافَقَةُ فِي ذَلِكَ لَا تَضُرُّ الْمُخَالَفَةُ فِيمَا سِوَاهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَكَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ، وَالْآخَرُ بِالتَّزْوِيجِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الِاتِّفَاقُ فِي اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا فِي الْمَعْنَى لَا غَيْرُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاَلَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا بِتَطْلِيقَةٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا كَانَ ضَمَانُ نِصْفِ الصَّدَاقِ عَلَى شَاهِدَيْ الثَّلَاثِ دُونَ شَاهِدَيْ الْوَاحِدَةِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَا إنَّ الْوَاحِدَةَ تُوجَدُ فِي الثَّلَاثِ لَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِ الثَّلَاثِ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَهَا أَنْ تُوقِعَ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا حَيْثُ تَقَعُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَهُ أَنْ يُوقِعَ أَيَّ عَدَدٍ شَاءَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُنَفَّذُ إلَّا بِقَدْرِ الْمَحَلِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي ذَلِكَ قُبِلَتْ عَلَى الْأَلْفِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِأَلْفٍ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَ وَخَمْسَمِائَةٍ لِاتِّفَاقِهِمَا بِالْأَلْفِ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَدَّعِي الْأَلْفَ فَقَطْ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ مَنْ شَهِدَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا ادَّعَى دَيْنًا، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الْعَقْدَ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ بَعْدُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (: وَلَوْ شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا: أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَرِيَّةٌ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي لَفْظَةِ الْإِيقَاعِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ وَاحِدًا اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: بَرِيَّةٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْبَرَاءَةِ الْفَرَاغُ عَقِيبَ الشُّغْلِ، وَمَعْنَى الْخُلُوِّ الْفَرَاغُ الْمُطْلَقُ، فَإِذَا اخْتَلَفَا لَفْظًا وَمَعْنًى لَا يَثْبُتُ الْمَشْهُودُ بِهِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ وَهُوَ الْحُرْمَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ) أَيْ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ (قَوْلُهُ، وَإِنْ اتَّفَقَ اللَّفْظَانِ فِي الْمَعْنَى) أَيْ وَهُوَ إثْبَاتُ الْحُرْمَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الِاتِّفَاقِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى فَوَجْهُ الِاتِّفَاقِ هُوَ الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَقُولُ: أَدَّعِي كَذَا وَالشَّاهِدُ يَقُولُ: أَشْهَدُ بِكَذَا وَلَا اتِّفَاقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْرِفْ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى فَالشَّهَادَةُ لَمْ تَبْطُلُ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ بَطَلَتْ قَالَ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ فِي الْفُصُولِ وَذَكَرَ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الشَّهَادَاتِ مِنْ شَهَادَاتِ الْجَامِعِ وَلَيْسَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَيْ الشَّاهِدَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُطَابِقَةً لِلْأُخْرَى فِي اللَّفْظِ وَإِلَّا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَعْنَى أَمَّا الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي الْمَعْنَى خَاصَّةً وَلَا عِبْرَةَ لِلَّفْظِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ) أَيْ وَمَا لَمْ يُوَفِّقْ صَرِيحًا لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ وَلَا يَكْفِي احْتِمَالُ التَّوْفِيقِ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَا كَانَ إلَّا الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهُ إكْذَابٌ صَرِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْفِيقَ فَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ) عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ الَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (قَوْلُهُ: لَوْ شَهِدَا بِتَطْلِيقَةٍ) يَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ)؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ فَقَدْ مَلَّكَهَا الثَّلَاثَ بِالتَّفْوِيضِ إلَيْهَا فِيهَا وَالْمَالِكُ يُوجِدُ مِنْ مَمْلُوكِهِ مَا شَاءَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي ذَلِكَ قُبِلَتْ عَلَى الْأَلْفِ) بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ وَعِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَانْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِالشَّهَادَةِ بِجُمْلَةٍ أُخْرَى مَنْصُوصٌ عَلَى خُصُوصِ كَمِّيَّتِهَا لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْأَلْفِ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ وَهُوَ يَدَّعِيهِمَا. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ بَعْدُ) فِي قَوْلِهِ وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانٍ إلَخْ اهـ

قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ تُقْبَلُ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُسْمَعْ أَنَّهُ قَضَاهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ آخَرُ)؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ الْأَلْفِ فَتُقْبَلُ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِقَضَاءِ النِّصْفِ فَلَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ وَلَا يَكُونُ بِقَوْلِهِ قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ مُنَاقِضًا لِشَهَادَتِهِ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ طَرِيقُهُ الْمُقَاصَّةُ مَعْنَاهُ أَنَّ الدَّائِنَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا قَبَضَ فَلَا يُنَافِي بَقَاءَ دَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ كَاذِبًا وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ شَاهِدَهُ بِالْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ كَمَا إذَا شَهِدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يُكَذِّبْهُ فِيمَا شَهِدَ لَهُ، وَإِنَّمَا كَذَّبَهُ فِيمَا شَهِدَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ كَمَا إذَا شَهِدَ لَهُ اثْنَانِ بِحَقٍّ ثُمَّ شَهِدَا عَلَيْهِ بِحَقٍّ لِإِنْسَانٍ آخَرَ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا لَهُ لَا تَبْطُلُ، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ فِيهِ فِيمَا شَهِدَ لَهُ فَيَكُونُ قَادِحًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَقْضِي بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّ مَضْمُونَ شَهَادَةِ شَاهِدِ الْقَضَاءِ أَنْ لَا دَيْنَ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ فِي اعْتِبَارِ الْمَعْنَى كَمَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ لَكِنَّهُ خَالَفَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ بِخُمْسِ الْمِائَةِ ابْتِدَاءً بَلْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى وُجُوبِ الْأَلْفِ عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي ثُمَّ انْفَرَدَ الْآخَرُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يُسْمَعُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْهَدَ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِمَا قَبَضَ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْهَدَ بِالْأَلْفِ كُلِّهَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي أَنَّهُ قَبَضَ خَمْسَمِائَةٍ كَيْ لَا يَصِيرَ مُعِينًا عَلَى الظُّلْمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدَا بِقَرْضِ أَلْفٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ جَازَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَرْضِ) لِتَمَامِ الْحُجَّةِ فِي الْقَرْضِ وَعَدَمِهَا فِي الْقَضَاءِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِهَا الْقَاضِي وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ، وَلَوْ قَضَى لَكَانَ قَضَاءً بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ شَاهِدَ الْقَضَاءِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَ بِقَضَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ فِي هَذِهِ وَفِي الْأُولَى بِقَضَاءِ الْبَعْضِ، وَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْأُولَى، وَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعِتْقِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالرَّهْنِ، وَالدَّيْنِ، وَالْقَرْضِ، وَالْبَرَاءَةِ، وَالْكَفَالَةِ، وَالْحَوَالَةِ، وَالْقَذْفِ تُقْبَلُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْجِنَايَةِ، وَالْغَصْبِ، وَالْقَتْلِ، وَالنِّكَاحِ لَا تُقْبَلُ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إنْ كَانَ قَوْلًا كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِيهِ فِي الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ مِمَّا يُعَادُ وَيُكَرَّرُ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ فِعْلًا كَالْغَصْبِ أَوْ قَوْلًا لَكِنْ الْفِعْلُ فِيهِ شَرْطُ صِحَّتِهِ كَالنِّكَاحِ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ وَحُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ فِعْلٌ وَهُوَ شَرْطٌ فَاخْتِلَافُهُمَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ يَمْنَعُ الْقَبُولَ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان غَيْرُ الْفِعْلِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان آخَرَ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَذْفِ فِي زَمَانِهِ أَوْ مَكَانِهِ لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ قَوْلًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ كَانَ إنْشَاءً فَهُمَا غَيْرَانِ وَلَيْسَ عَلَى كُلِّ قَذْفٍ شَاهِدَانِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا إنْشَاءً، وَالْآخَرُ إخْبَارًا فَهُمَا لَا يَتَّفِقَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ) وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا يَعْنِي قَوْلَهُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ يَعْنِي فَبَعْدَ ثُبُوتِ الْأَلْفِ بِاتِّفَاقِهِمَا شَهِدَ وَاحِدٌ بِسُقُوطِ خَمْسِمِائَةٍ فَلَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا بِأَلْفٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّهُ قَضَاهُ إيَّاهَا بَعْدَ قَرْضِهِ، فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالْكُلِّ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ شَاهِدِ الْقَضَاءِ وَذَكَرُوا قَوْلَ زُفَرَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ إكْذَابٌ مِنْ الْمُدَّعِي فَهُوَ كَمَا لَوْ فَسَّقَهُ، وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا إلَخْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِكْذَابِ التَّفْسِيقُ لِجَوَازِ كَوْنِهِ تَغْلِيطًا لَهُ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ ثُمَّ انْفَرَدَ الْآخَرُ بِالْقَضَاءِ فَلَا تُسْمَعُ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا عَلِمَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِالْقَضَاءِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ قَدْ قَضَاهُ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى دَعْوَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ادَّعَى بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْهَدَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ قَالَ الْقُدُورِيُّ وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ أَيْ بِقَضَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ أَنْ لَا يَشْهَدَ حَتَّى يَعْتَرِفَ الْمُدَّعِي بِقَبْضِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ فَإِمَّا بِالْأَلْفِ ثُمَّ يَقُولُ قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ وَعَلِمْت أَنَّهُ يَقْضِي فِيهَا بِأَلْفٍ فَيَضِيعُ حَقُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِمَّا بِخَمْسِمِائَةٍ فَيَثْبُتُ اخْتِلَافُهُمَا إنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَفِيهِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ أَصْلًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَضِيعُ حَقُّ الْمُدَّعِي فَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ الَّذِي عَرَفَ الْقَضَاءَ حَتَّى يَعْتَرِفَ الْمُدَّعِي بِالْقَدْرِ الَّذِي سَقَطَ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ لَا يَنْبَغِي لَا يَحِلُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي جَامِعِ أَبِي اللَّيْثِ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ قَوْمٍ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ كَذَا فَبَعْدَ مُدَّةٍ جَاءَ رَجُلَانِ أَوْ أَكْثَرُ إلَى الْقَوْمِ فَقَالُوا: لَا تَشْهَدُوا عَلَى فُلَانٍ بِذَلِكَ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ قَضَاهُ كُلَّهُ الشُّهُودُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا امْتَنَعُوا مِنْ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ شَاءُوا أَخْبَرُوا الْحَاكِمَ بِشَهَادَةِ الَّذِينَ أَخْبَرُوهُمْ بِالْقَضَاءِ، فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُونَ عُدُولًا لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِالْمَالِ هَذَا قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَدَّعُوا الشَّهَادَةَ وَكَذَا إذَا حَضَرُوا بَيْعَ رَجُلٍ أَوْ نِكَاحَهُ أَوْ قَتْلَهُ فَلَمَّا أَرَادُوا الشَّهَادَةَ شَهِدَ عِنْدَهُمْ بِطَلَاقِ الزَّوْجِ ثَلَاثًا أَوْ قَالَ عَايَنَّا امْرَأَةً أَرْضَعَتْهُمَا أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ عَفَا عَنْهُ الْوَلِيُّ إنْ كَانَ وَاحِدًا شَهِدُوا أَوْ اثْنَيْنِ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا وَكَذَا لَوْ رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ فَأَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَنَّ الْمِلْكَ لِلثَّانِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لِلْأَوَّلِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ ذِي الْيَدِ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا عَلِمَ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِمَا اهـ

؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ أَنْ يَقُولَ: زَنَيْت أَوْ أَنْتَ زَانٍ، وَالْإِخْبَارَ أَنْ يَقُولَ: قَذَفْتُك بِالزِّنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا سَمِعَ الْإِنْشَاءَ، وَالْآخَرُ سَمِعَ الْإِقْرَارَ بِهِ وَيَثْبُتُ عِنْدَهُ قَذْفُهُ فَهُمَا شَاهِدَانِ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَآخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِصْرَ رُدَّتَا) يَعْنِي طَائِفَتَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ اجْتَمَعَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَشَهِدَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ تُرَدُّ الطَّائِفَتَانِ؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ الْأُخْرَى وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْ بَابِ الْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يَتَكَرَّرُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَرَكَاتٌ انْقَرَضَ لِكَوْنِهِ عَرْضًا لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ، وَالثَّانِيَ حَرَكَاتٌ أُخَرُ غَيْرُ الْأَوَّلِ يُحْدِثُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الثَّانِي إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ حَتَّى يَصِيرَ تَكْرَارَ الْأَوَّلِ وَإِعَادَتَهُ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ الْفِعْلِ بِالْفِعْلِ لَا يُتَصَوَّرُ فَكَانَا غَيْرَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا بِخِلَافِ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ يُحْكَى بِالْقَوْلِ فَيَكُونُ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ حُكْمًا وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْآلَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الْقَتْلُ لَا تُقْبَلُ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ قَضَى بِإِحْدَاهُمَا أَوَّلًا بَطَلَتْ الْأُخْرَى) يَعْنِي لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ بِشَهَادَةِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى ثُمَّ شَهِدَتْ الْأُخْرَى لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا فَلَا يُنْتَقَضُ بِالثَّانِيَةِ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِأَنَّهُ قَتَلَ بِمَكَّةَ صَارَ ذَلِكَ حُكْمًا بِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ فِي غَيْرِهَا إذْ قَتْلُ شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي مَكَانَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ كَانَ مَعَ رَجُلٍ ثَوْبَانِ أَحَدُهُمَا نَجِسٌ فَتَحَرَّى وَصَلَّى فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى طَهَارَةِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اتَّصَلَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِوُقُوعِ التَّحَرِّي فِي الْآخَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ بِخِلَافِ الذُّكُورَةِ، وَالْأُنُوثَةِ، وَالْغَصْبِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى سَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِ الْبَقَرَةِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا سَرَقَ بَقَرَةً بَيْضَاءَ وَقَالَ الْآخَرُ بَقَرَةً سَوْدَاءَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَتُقْطَعُ يَدُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا سَرَقَ ذَكَرًا، وَالْآخَرُ قَالَ أُنْثَى أَوْ اخْتَلَفَا فِي لَوْنِ الْبَقَرَةِ فِي الْغَصْبِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِيهِمَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِي السَّرِقَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَقَرَةَ الْبَيْضَاءَ غَيْرُ السَّوْدَاءِ فَكَانَا سَرِقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ نِصَابُ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ وَصَارَ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الذُّكُورَةِ، وَالْأُنُوثَةِ وَكَاخْتِلَافِهِمَا فِي اللَّوْنِ فِي الْغَصْبِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْغَصْبِ ضَمَانٌ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالثَّابِتُ بِالسَّرِقَةِ حَدٌّ يَسْقُطُ بِهَا فَصَارَ نَظِيرَ اخْتِلَافِهِمَا فِي قِيمَتِهَا وَلَهُ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيمَا لَمْ يُكَلَّفَا نَقْلَهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يُضَافُ إلَى إثْبَاتِ الْوَصْفِ فَصَارَ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي ثِيَابِ السَّارِقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ سَكَتَا عَنْ بَيَانِ اللَّوْنِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا بِخِلَافِ بَيَانِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الشَّهَادَةِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا تَبْلُغُ نِصَابًا وَلِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَكُونُ فِي اللَّيَالِي غَالِبًا وَيَكُونُ التَّحَمُّلُ فِيهَا مِنْ بَعِيدٍ فَيَتَشَابَهُ عَلَيْهِمَا اللَّوْنَانِ أَوْ يَجْتَمِعَانِ فِي بَقَرَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ كَانَ أَحَدُ جَانِبَيْهَا أَبْيَضَ، وَالْجَانِبُ الْآخَرُ أَسْوَدَ فَيَشْهَدُ كُلٌّ بِمَا رَأَى أَوْ بِمَا وَقَعَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ وَصْفِ الذُّكُورَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَآخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِصْرَ) لَفْظَةُ يَوْمِ النَّحْرِ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: تُرَدُّ الطَّائِفَتَانِ) فَلَا يُقْتَلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ شَهِدَتْ الْأُخْرَى لَا تُقْبَلُ) وَحِينَئِذٍ فَيُقْتَلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا)، فَإِنَّهُ حِينَ قَضَى بِالْأُولَى وَلَا مُعَارِضَ لَهَا إذْ ذَاكَ يَنْفُذُ شَرْعًا فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي ثَبَتَ شَرْعًا بِحُدُوثِ مُعَارِضٍ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى طَهَارَةِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ) وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِتَحَرِّيهِ الْأَوَّلِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ الصِّحَّةُ بَعْدَ الْوُجُوبِ فِيهِ فَلَا يُؤَثِّرُ التَّحَرِّيَ الثَّانِيَ فِي رَفْعِهِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قَالَ أُجِيزُ الشَّهَادَةَ وَأَقْطَعُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا نُجِيزُ الشَّهَادَةَ وَلَا نَقْطَعُهُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ ثَوْرًا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ) قَالَ الْكَمَالُ صُورَتُهَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ لَهُ بَقَرَةً وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا لَوْنًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَشَهِدَ وَاحِدٌ بِسَرِقَتِهِ حَمْرَاءَ وَالْآخَرُ سَوْدَاءَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ وَيُقْطَعُ وَقَالَا هُمَا وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا يُقْطَعُ وَلَوْ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ عَيَّنَ لَوْنًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَوْدَاءُ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ لَوْ ادَّعَى سَرِقَةَ ثَوْبٍ مُطْلَقًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا هَرَوِيٌّ وَالْآخَرُ مَرْوِيٌّ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَمْ تُقْبَلْ إجْمَاعًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ السَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَاخْتِلَافِهِمَا فِي اللَّوْنِ فِي الْغَصْبِ)، فَإِنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى غَصْبِ بَقَرَةٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَوْدَاءُ أَوْ حَمْرَاءُ وَالْآخَرُ بَيْضَاءُ لَمْ تُقْبَلْ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ قَبُولُهَا إثْبَاتَ حَدٍّ فَلَأَنْ لَا يُقْبَلَ فِيمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَدَّ أَعْسَرُ إثْبَاتًا، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَأَمَّا مَا زِيدَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَلَيْسَ مِمَّا فِيهِ الْكَلَامُ مِنْ السَّرِقَةِ بَلْ يَخُصُّ الزِّنَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ وَصْفِ الذُّكُورَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَبِخِلَافِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا أَوْ تَشَابُهَهُمَا لَا يَكُونُ فِي حَيَوَانٍ وَاحِدٍ عَادَةً وَلِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يُكَلَّفَانِ بَيَانَ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِمَا فَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِيهِمَا

وَالْأُنُوثَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي بَقَرَةٍ وَاحِدَةٍ. وَكَذَا الْوُقُوفُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ يَكُونُ بِالْقُرْبِ فَلَا يَشْتَبِهُ فَيَكُونَانِ سَرِقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَلَمْ يَتِمَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَبِخِلَافِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِيهِ بِالنَّهَارِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ يَقَعُ بِالنَّهَارِ وَهُوَ يَقْرُبُ مِنْهُ غَالِبًا فَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْحَالُ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَى تَحْقِيقٍ وَتَأَمُّلٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ فِي التَّوْفِيقِ احْتِيَالٌ لِإِيجَابِ الْحَدِّ وَهُوَ يَحْتَالُ لِدَرْئِهِ لَا لِإِيجَابِهِ قُلْنَا الْقَطْعُ لَا يُضَافُ إلَى إثْبَاتِ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُكَلَّفَا نَقْلَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمَا يُوجِبُ الدَّرْءَ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْمُوجِبِ لَا فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا تَكُونُ الْبَقَرَةُ الْمَسْرُوقَةُ بَلْقَاءَ، وَالْمَشْهُودُ بِسَرِقَتِهَا إمَّا بَيْضَاءُ أَوْ سَوْدَاءُ وَلَمْ يَقُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا: إنَّهَا بَلْقَاءُ فَتَكُونُ غَيْرَهَا ضَرُورَةً قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يَعْرِفُ اللَّوْنَيْنِ أَمَّا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْرِفُ إلَّا أَحَدَهُمَا فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى ذَلِكَ اللَّوْنِ فَسَمَّاهَا بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ مَوَاضِعِهَا وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي بَقَرَةً مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِوَصْفٍ وَأَمَّا إذَا ادَّعَى سَرِقَةَ بَقَرَةٍ سَوْدَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ أَحَدَهُمَا وَقِيلَ هَذَا فِي لَوْنَيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ كَالسَّوَادِ، وَالْحُمْرَةِ، وَأَمَّا فِي لَوْنَيْنِ غَيْرِ مُتَشَابِهَيْنِ كَالسَّوَادِ، وَالْبَيَاضِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي ثَوْبٍ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا هَرَوِيٌّ وَقَالَ الْآخَرُ مَرْوِيٌّ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ لَنْ تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانٍ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ السَّبَبِ وَهُوَ الْعَقْدُ فَالْبَيْعُ بِأَلْفٍ غَيْرُ الْبَيْعِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ لِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ فَلَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يُكَذِّبُ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ السَّبَبِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ الْأَصْلُ، وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ تَبَعًا لِثُبُوتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ هُوَ الْمَقْصُودَ حَقِيقَةً فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ، وَالسَّبَبُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ لَكِنْ مَقْصُودُهُ وَهُوَ الْحُكْمُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ فَكَانَ فِي إثْبَاتِهِ إثْبَاتُ الْحُكْمِ إذْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ إلَّا بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ وَذَكَرَ عَلَاءُ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَصِيرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَزِيدَهُ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى شِرَاءٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْجِنْسِ بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ بَطَلَتْ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ يَصِيرُ بِمِائَةِ دِينَارٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا الْكِتَابَةُ، وَالْخُلْعُ) أَيْ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْبَدَلِ فِيهِمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ السَّبَبِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْعَبْدَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي السَّبَبَ لِيَحْصُلَ لَهُ مَقْصُودُهُ وَهُوَ الْعِتْقُ بِالْأَدَاءِ فَصَارَ نَظِيرَ الشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي نَفْسِ الشَّهَادَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ) أَيْ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ مَسَائِلَ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالْخُلْعُ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالنِّكَاحُ وَالرَّهْنُ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا وَيُنْكِرَ الْآخَرَ أَوْ يَدَّعِيَ الْآخَرَ وَيُنْكِرَ هَذَا اهـ وَقَدْ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْكَنْزِ مِنْهَا أَرْبَعَةً: الْبَيْعُ وَالْكِتَابَةُ وَالْخُلْعُ وَالنِّكَاحُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَانَ الْأَنْسَبُ لِلْوَضْعِ أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ فِي دَعْوَى الْمَالِ وَهَذِهِ فِي دَعْوَى الْعَقْدِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ إلَخْ قَالَ الْكَمَالُ صُورَتُهَا عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ فِي الرَّجُلِ يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ بَاعَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَيُنْكِرُ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فَيُقِيمُ عَلَيْهِ شَاهِدًا بِأَلْفٍ وَشَاهِدًا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قَالَ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ هَذَا بَاطِلٌ إلَى آخِرِ مَا هُنَاكَ فَقَدْ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ قَضَى بِالْأَلْفِ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَهُنَا لَا يُقْبَلُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ بَيَانُهُ هُوَ أَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا ادَّعَى دَيْنًا فَقَطْ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا دَعْوَى الْعَقْدِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي الْجَامِعِ فَيُنْكِرُ الْبَائِعُ الْبَيْعَ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ الدَّيْنَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ السَّبَبِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مِنْ أَرْكَانِهِ وَالْمُرَكَّبُ الَّذِي بَعْضُ أَجْزَائِهِ مِقْدَارٌ خَاصٌّ غَيْرُ مِثْلِهِ بِمِقْدَارٍ أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى أَحَدِهِمَا نِصَابُ شَهَادَةٍ فَلَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ أَصْلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعَ) بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ فَأَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ كَذَلِكَ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا) وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِي اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا) أَيْ مِنْ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ وَالتَّكْذِيبِ مِنْ الْمُدَّعِي. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ عَلَاءُ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ السَّيِّدِ الْإِمَامِ الشَّهِيدِ السَّمَرْقَنْدِيِّ تُقْبَلُ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَصِيرُ بِمِائَةِ دِينَارٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّارِحِينَ فِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ)؛ لِأَنَّ دَعْوَى السَّيِّدِ لِمَالٍ عَلَى عَبْدِهِ لَا يَصِحُّ إذْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِوَاسِطَةِ دَعْوَى الْكِتَابَةِ فَيَنْصَرِفُ إنْكَارُ الْعَبْدِ إلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا بِهِ

الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ السَّبَبِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ فَيَصِيرُ مُقَابَلًا بِالْعِتْقِ فَقِيلَ الْأَدَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ فَكَانَ مَقْصُودُهُ إثْبَاتَ الْعَقْدِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى لَا تُفِيدُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالتَّعْجِيزِ، وَالْمُرَادُ بِالْخُلْعِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ لِلْخُلْعِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا إثْبَاتُ السَّبَبِ دُونَ الْمَالِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِيهِ فَصَارَ نَظِيرَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ دَعْوَى الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الْمَالُ دُونَ السَّبَبِ فَيَثْبُتُ قَدْرُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ دُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِقْرَارِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الدَّيْنِ فَيَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهُوَ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ لِتَمَامِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ فِيهِ وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْعَبْدَ أَوْ الْقَاتِلَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْعَبْدِ، وَالْقَاتِلِ الْعَقْدُ دُونَ الْمَالِ فَلَا يَثْبُتُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى أَوْ الْوَلِيَّ يَثْبُتُ الْعَفْوُ، وَالْعِتْقُ بِإِقْرَارِهِمَا فَيَكُونُ دَعْوَى الدَّيْنِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْخُلْعِ وَفِي الرَّهْنِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُرْتَهِنَ فَهُوَ كَدَعْوَى الدَّيْنِ يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الرَّاهِنَ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الرَّهْنَ إذْ الرَّهْنُ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ فَلَا فَائِدَةَ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى حَقٍّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُقِيمُهَا عَلَى حَقٍّ لَهُ وَصُورَةُ دَعْوَى الرَّهْنِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ رَهَنَهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَادَّعَى أَنَّهُ قَبَضَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ الرَّاهِنُ فَيَطْلُبُ الِاسْتِرْدَادَ مِنْهُ فَأَقَامَ بَيِّنَةً فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَفِي الْإِجَارَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَهِيَ نَظِيرُ الْبَيْعِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَهِيَ كَالدَّيْنِ يُثْبِتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَكْثَرَ، وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي الْأَقَلَّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ بِالْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ الْمُدَّعِي وَكَذَا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الدَّيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَأَمَّا النِّكَاحُ فَيَصِحُّ بِأَلْفٍ) يَعْنِي بِأَقَلَّ الْمَالَيْنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَاءٌ كَانَ الدَّعْوَى مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ الْمَرْأَةِ وَسَوَاءٌ ادَّعَى الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ إلَّا لِإِثْبَاتِهَا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ ذِكْرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِيَةِ مَسْأَلَةُ الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ الْخُلْعُ وَالْعَتَاقُ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَرْأَةَ فِي الْخُلْعِ وَالْعَبْدُ فِي الْعِتْقِ وَالْقَاتِلُ فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُفِيدُهُمَا الْخَلَاصَ وَهُوَ مَقْصُودُهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ دَعْوَى مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَهُوَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى وَوَلِيُّ الْقَتِيلِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَكْثَرَ الْمَالَيْنِ فَشَهِدَ بِهِ شَاهِدٌ وَالْآخَرُ بِالْأَقَلِّ إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ بِعَطْفٍ مِثْلُ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قُضِيَ بِالْأَقَلِّ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ كَالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْعَفْوُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ بِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَلَمْ تَبْقَ الدَّعْوَى إلَّا فِي الدَّيْنِ اهـ. وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي الطَّلَاقِ أَوْ فِي الْخُلْعِ عَلَى مَالٍ أَوْ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ أَوْ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَالٍ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ، أَوْ الْمَوْلَى أَوْ وَلِيَّ الْقِصَاصِ فَهَذَا دَعْوَى الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هِيَ الْمَرْأَةَ أَوْ الْقَاتِلَ أَوْ الْعَبْدَ فَهَذَا دَعْوَى عَقْدٍ لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الرَّهْنِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُرْتَهِنَ إلَخْ)، فَإِنْ قِيلَ: الرَّهْنُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَكَانَ كَسَائِرِ الْعُقُودِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي قَدْرِ الْمَالِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِيهِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ مَتَى شَاءَ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِدَعْوَى الدَّيْنِ فِي جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ إذْ الرَّهْنُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالدَّيْنِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي ثُبُوتِ الدَّيْنِ فَيَثْبُتُ الرَّهْنُ بِأَلْفٍ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِلدَّيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ مَثَلًا هَكَذَا أُطَالِبُهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لِي عَلَيْهِ عَلَى رَهْنٍ لَهُ عِنْدِي فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ إلَّا الْمَالَ، وَذِكْرُ الرَّهْنِ زِيَادَةٌ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ بِتَوَقُّفِ ثُبُوتِ دَيْنِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ دَيْنِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ هَكَذَا أُطَالِبُهُ بِإِعَادَةِ رَهْنِ كَذَا وَكَذَا كَانَ رَهْنُهُ عِنْدِي عَلَى كَذَا ثُمَّ غَصَبَهُ أَوْ سَرَقَهُ مَثَلًا فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا دَعْوَى الْعَقْدِ فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي أَنَّهُ رَهَنَهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَإِنْ كَانَ زِيَادَةً يُوجِبُ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَخْتَلِفُ بِهِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الرَّاهِنَ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ) أَيْ بِشَيْءٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى وَلَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الرَّاهِنَ لَا حَظَّ لَهُ فِي الرَّهْنِ أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِرْدَادِهِ مَا دَامَ الدَّيْنُ قَائِمًا فَلَا فَائِدَةَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى فَلَمْ تَصِحَّ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْإِجَارَةِ إنْ كَانَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالسَّابِعَةُ الْإِجَارَةُ إنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ بِأَنْ ادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ الْآجِرُ أَنَّهُ آجَرَهُ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَشَهِدَ وَاحِدٌ كَذَلِكَ وَآخَرُ بِأَلْفٍ لَا تَثْبُتُ الْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ إذْ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَا يُسْتَحَقُّ بَدَلٌ فَكَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ الْعَقْدِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبَدَلِ فَلَا تَثْبُتُ الْإِجَارَةُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّهَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ أَوْ لَمْ يَسْتَوْفِ بَعْدَ أَنْ تَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُؤَجِّرَ فَهِيَ دَعْوَى الْمَالِ، فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ يَدَّعِي الْأَكْثَرَ يَقْضِي بِأَلْفٍ إذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بَعْدَ الْمُدَّةِ إلَّا الْأَجْرُ، وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِيهِمَا لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِأَلْفٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ فَهُوَ دَعْوَى الْعَقْدِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِمَالِ الْإِجَارَةِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا اعْتَرَفَ بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ اخْتِلَافُهُمَا فِيهِ وَلَا يَثْبُتُ الْعَقْدُ لِلِاخْتِلَافِ اهـ

وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ وَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إثْبَاتُ السَّبَبِ، وَالنِّكَاحُ بِأَلْفٍ غَيْرُ النِّكَاحِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَتَبْطُلُ الشَّهَادَةُ كَمَا فِي الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِيَ أَوْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ لِامْتِنَاعِ ثُبُوتِ النِّكَاحِ بِإِقْرَارِ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، وَالْخُلْعِ، وَالْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ حَيْثُ يَكُونُ دَعْوَى الدَّيْنِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ، وَالْمَوْلَى، وَالْوَلِيَّ؛ لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ، وَالْعِتْقُ فَيَبْقَى دَعْوَى الْمَالِ الْمُجَرَّدِ عَنْ السَّبَبِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي النِّكَاحِ كَمَا تَصِحُّ عِنْدَ الْعَقْدِ تَصِحُّ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثُمَّ سَمَّى لَهَا مَهْرًا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَلِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى قِيَامِهِ وَقِيَامُهُ تَارَةً يَكُونُ حَالَةَ الِابْتِدَاءِ وَتَارَةً يَكُونُ حَالَةَ الْبَقَاءِ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ اخْتِلَافِ التَّسْمِيَتَيْنِ اخْتِلَافُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ وُجِدَتْ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْعَقْدِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ. وَالْبَيِّنَةُ عَلَى التَّسْمِيَةِ فِي حَالٍ يَسْتَحِيلُ الْعَقْدُ لَا تَكُونُ بَيِّنَةً عَلَى الْعَقْدِ بَلْ عَلَى التَّسْمِيَةِ الْمُجَرَّدَةِ فَكَانَ الثَّابِتُ بِشَهَادَتِهِمَا الْمَالَ حَالَ بَقَاءِ النِّكَاحِ فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ فَحَاصِلُ الْقَضِيَّةِ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَمْ تَقُمْ إلَّا عَلَى الْمَالِ حَالَ بَقَاءِ النِّكَاحِ فَيَثْبُتُ بِهَا التَّسْمِيَةُ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ لَا غَيْرُ وَلِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحِلُّ، وَالِازْدِوَاجُ، وَالْمِلْكُ وَمِنْ حُكْمِ التَّبَعِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ الْأَصْلَ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِنَفْيِهِ وَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِهِ فَكَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ فَبَقِيَ الْعَقْدُ سَالِمًا عَنْ الِاخْتِلَافِ فَلَزِمَ وَمَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ وَهُوَ الْمَالُ يَقْضِي بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا كَمَا فِي الدَّيْنِ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ يَجْعَلُ أَبُو حَنِيفَةَ مَقْصُودَهَا الْمَالَ فَيُخْرِجُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُمَا يَجْعَلَانِ مَقْصُودَهَا الْعَقْدَ لِمَا بَيَّنَّا لَهُمَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ فَمَقْصُودُهُ الْعَقْدُ لَا الْمَالُ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بِأَلْفٍ غَيْرُ الْعَقْدِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَيَسْتَوِي فِيهِ دَعْوَى أَقَلِّ الْمَالَيْنِ وَأَكْثَرِهِمَا فِي الصَّحِيحِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْعَقْدُ، وَالِاخْتِلَافُ فِي التَّبَعِ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِيهِ لَكِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ الْمَالِ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ بِدَعْوَى الْأَقَلِّ تَكْذِيبًا لِلشَّاهِدِ لِجَوَازِ أَنَّ الْأَقَلَّ هُوَ الْمُسَمَّى ثُمَّ صَارَ أَكْثَرَ بِالزِّيَادَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِلْكُ الْمُوَرِّثِ لَمْ يَقْضِ لِوَارِثِهِ بِلَا جَرٍّ إلَّا أَنْ يَشْهَدَا بِمِلْكِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ يَدِ مُسْتَعِيرِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَ شَيْءٌ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ بِأَنْ ادَّعَى الْوَارِثُ عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهَا مِيرَاثُ أَبِيهِ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ لِأَبِيهِ لَا يُقْضَى لَهُ حَتَّى يَجُرَّ الْمِيرَاثَ فَيَقُولَا مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ أَوْ يَقُولَا كَانَتْ لِأَبِيهِ يَوْمَ مَوْتِهِ أَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَرَّ شَرْطٌ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَلَكِنْ إذَا ثَبَتَ مِلْكُهُ أَوْ يَدُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَانَ جَرًّا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ مِلْكَهُ أَوْ أَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى الْوَارِثِ فَيَثْبُتُ الِانْتِقَالُ ضَرُورَةً فَيَكُونُ إثْبَاتًا لِلِانْتِقَالِ وَكَذَا إذَا أَثْبَتَ يَدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ إنْ كَانَتْ يَدَ مِلْكٍ فَهُوَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الْأَيْدِيَ فِي الْأَمَانَاتِ عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا لِتَرْكِهِ الْحِفْظَ، وَالْمَضْمُونُ يَمْلِكُهُ الضَّامِنُ عَلَى مَا عُرِفَ فَيَكُونُ إثْبَاتُ الْيَدِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إثْبَاتًا لِلْمِلْكِ، وَإِثْبَاتُ يَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْمُودِعِ، وَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمُرْتَهِنِ، وَالْغَاصِبِ وَغَيْرِهِمْ إثْبَاتٌ لِيَدِهِ فَيُغْنِي إثْبَاتُ الْمِلْكِ وَقْتَ الْمَوْتِ عَنْ ذِكْرِ الْجَرِّ فَاكْتَفَى بِهِ عَنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجَرُّ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ إذَا أَثْبَتَ الْوَارِثُ أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ لِلْمُوَرِّثِ يَكْفِي؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَيِّتِ قَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ الشُّهُودِ كَانَتْ لَهُ وَمِلْكُ الْوَارِثِ خِلَافُهُ عَنْهُ وَلِهَذَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوَرِّثُ فَيَكُونُ مِلْكُ الْوَارِثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ) أَيْ لَا يَقْضِي بِالنِّكَاحِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَيَمْلِكُ النِّكَاحَ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ، وَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ مِلْكُ الْبُضْعَ فَيَقْضِي بِذَلِكَ وَلَا يَنْظُرُ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي النَّفْعِ وَهُوَ الْمَالُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَمَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ وَهُوَ الْمَالُ يَقْضِي بِالْأَقَلِّ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ الْقَضَاءُ بِالنِّكَاحِ بِأَلْفٍ، فَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ بِالْأَقَلِّ بِلَا تَفْصِيلٍ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الدَّيْنِ) بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ ثَمَّةَ أَصْلٌ كَالْمَبِيعِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ بِدُونِ ذِكْرِ الثَّمَنِ فَكَانَ ذَلِكَ دَعْوَى الْعَقْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ فَمَقْصُودُهُ الْعَقْدُ) إذْ الزَّوْجُ لَا يَدَّعِي عَلَيْهَا مَالًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمِلْكُ الْمُوَرِّثِ إلَخْ) تَرْجَمَ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِفَصْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِرْثِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا ذَكَرَ الشَّهَادَةَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِحَالِ الْحَيَاةِ شَرَعَ فِي الشَّهَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحَالِ الْمَمَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَتْلُو الْحَيَاةَ فَنَاسَبَ وَضْعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ عَقِيبَ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لَمْ يَقْضِ لِوَارِثِهِ بِلَا جَرٍّ) أَيْ مِنْ الشُّهُودِ بِأَنْ يَجُرَّا الْمِيرَاثَ فَيَقُولَا مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَا بِمِلْكِهِ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فَتَعَيَّنَ الْبِرُّ لِلِادِّخَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِشِرَاءِ طَعَامٍ مَخْرُومٍ مِنْ نُسْخَةِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ يَدِهِ أَوْ يَدِ مُسْتَعِيرِهِ) كَذَا هُنَا وَاَلَّذِي شَرَحَ عَلَيْهِ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنْ يَشْهَدَا بِمِلْكِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ يَدِ مُودِعِهِ أَوْ يَدِ مُسْتَعِيرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا أَثْبَتَ يَدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ)؛ لِأَنَّ الْيَدَ، وَإِنْ تَنَوَّعَتْ إلَى يَدِ غَصْبٍ وَأَمَانَةٍ وَمِلْكٍ، فَإِنَّهَا عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ تَصِيرُ يَدَ مِلْكٍ لِمَا عُرِفَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُودِعِ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا يَصِيرُ الْمَغْصُوبُ الْوَدِيعَةُ مِلْكَهُ لِصَيْرُورَتِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ شَرْعًا وَلَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ مَالِكِ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا) أَيْ فِيمَا

[باب الشهادة على الشهادة]

عَيْنَ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ مُسْتَمِرًّا إلَى هَذَا الْوَقْتِ لَا مِلْكًا آخَرَ غَيْرَهُ كَمَا فِي الْحَيِّ إذَا أَثْبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ يُحْكَمُ لَهُ بِهَا وَلَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَكَمَا إذَا ادَّعَى فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ أَنَّهَا مِلْكُ الْبَائِعِ فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ يَكْتَفِي بِذَلِكَ وَيَقْضِي لَهُ بِهَا وَلَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهَا كَانَتْ لِلْبَائِعِ وَقْتَ الْبَيْعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فَهُوَ بَاقٍ إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُزِيلُهُ لِاسْتِغْنَاءِ الْبَقَاءِ عَنْ دَلِيلٍ وَلَهُمَا أَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مُتَجَدِّدٌ ثَبَتَ لَهُ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ أَحْكَامٌ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فِي حَقِّ الْمُوَرِّثِ مِنْ اسْتِبْرَاءِ الْجَارِيَةِ وَحِلِّ وَطْئِهَا لَوْ كَانَتْ حَرَامًا عَلَى الْمُوَرِّثِ أَوْ بِالْعَكْسِ وَكَذَا يَحِلُّ لِلْوَارِثِ الْغَنِيِّ أَكْلُ صَدَقَةٍ وَرِثَهَا مِنْ الْفَقِيرِ، وَلَوْلَا تَجَدُّدُ الْمِلْكِ لَمَا حَلَّ لَهُ، فَإِذَا كَانَ مُتَجَدِّدًا فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ النَّقْلِ إلَيْهِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَرِّ لَا بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْمَيِّتِ قَبْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ مِلْكِهِ إلَى الْمَوْتِ يَثْبُتُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ حُجَّةٌ لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ لَا لِإِثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ وَحَاجَتِنَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالِكِيَّةَ الْوَارِثِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَكَانَ مُتَجَدِّدًا ضَرُورَةً فَلَا يَثْبُتُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِظَاهِرِ يَدِهِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعِ بِهَا، وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُ دَعْوَى غَيْرِهِ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَثْبَتَ الْحَيُّ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ حَيْثُ يُحْكَمُ لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّا اعْتَبَرْنَا فِيهِ اسْتِصْحَابَ الْحَالِ لِبَقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَهُوَ حُجَّةٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ حَيْثُ لَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لَهَا وَقْتَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مُضَافٌ إلَى الشِّرَاءِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ لَا إلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ بِبَقَاءِ مِلْكِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ حَتَّى لَا يَتَحَقَّقَ بِدُونِ إثْبَاتِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ ثَابِتًا بِالشِّرَاءِ، وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ مُضَافٌ إلَى كَوْنِ الْمَالِ مِلْكَ الْمُوَرِّثِ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا إلَى الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِسَبَبٍ مَوْضُوعٍ لِلْمِلْكِ بَلْ مَوْضُوعٌ لِإِبْطَالِهِ فَكَمْ مِنْ مَوْتٍ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ الْمِلْكِ لِأَحَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ بِأَنْ قَالَ: إنْ مَاتَ سَيِّدُك فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ سَبَبَ الْمِلْكِ لَصَحَّ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَلَوْ شَهِدَا بِيَدِ حَيٍّ مُنْذُ شَهْرٍ رُدَّتْ) أَيْ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ كَانَتْ فِي يَدِ فُلَانٍ مُنْذُ شَهْرٍ وَهُوَ حَيٌّ رُدَّتْ الشَّهَادَةُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مَقْصُودَةٌ كَالْمِلْكِ فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ كَمَا إذَا شَهِدَ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ مُنْذُ شَهْرٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ مَتَى ثَبَتَ يَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُزِيلُهُ فَكَذَا الْيَدُ وَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَا بِالْأَخْذِ مِنْ الْمُدَّعِي أَوْ بِالْإِقْرَارِ مِنْهُ بِالْيَدِ لَهُ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ قَامَتْ بِمَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُنْقَضِيَةٌ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى مِلْكٍ وَأَمَانَةٍ وَضَمَانٍ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ وَبِخِلَافِ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَيْضًا وَحُكْمُهُ مَعْلُومٌ وَهُوَ وُجُوبُ الرَّدِّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذْت حَتَّى تَرُدَّ» وَكَذَا الْإِقْرَارُ بِالْيَدِ مَعْلُومٌ عَلَى مَا يَجِيءُ وَلِأَنَّ يَدَ صَاحِبِ الْيَدِ مُعَايَنٌ وَيَدُ الْمُدَّعِي مَشْهُودٌ بِهِ فَلَا يُعَارِضُ الْمُتَحَقِّقُ؛ لِأَنَّ الْعِيَانَ يُوجِبُ الْعِلْمَ، وَالشَّهَادَةَ تُوجِبُ غَلَبَةَ الظَّنِّ فَكَانَ أَكْثَرَ إثْبَاتًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دَفَعَ إلَى الْمُدَّعِي) أَيْ لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَدِ لِلْمُدَّعِي أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لِلْمُدَّعِي مُنْذُ أَشْهُرٍ دَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مَعْلُومٌ فَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ وَجَهَالَةُ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ صَحَّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ وَلَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تُقْبَلُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) أَيْ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ الْمُوَرِّثُ مَغْرُورًا فِيهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: أَوْ بِالْعَكْسِ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ مَوْطُوءَةَ الْمَيِّتِ أَوْ مَوْطُوءَةَ وَارِثِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُرِّ) أَيْ الصُّورِيِّ أَوْ الْمَعْنَوِيِّ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا إلَى الْمَوْتِ) أَيْ لَيْسَ بِمُضَافٍ إلَى الْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا بِيَدِ حَيٍّ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْحَيِّ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا شَهِدَ الْمَيِّتُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ تُقْبَلُ اتِّفَاقًا. اهـ. عَيْنِيٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا آنِفًا اهـ (قَوْلُهُ: رُدَّتْ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْيَدَ مُنْقَضِيَةٌ) أَيْ زَائِلَةٌ فِي الْحَالِ وَلَيْسَتْ بِقَائِمَةٍ حَتَّى تُحْمَلَ عَلَى الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ) فَلَمْ يَجِبْ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الرَّدُّ مِنْ وَجْهٍ لَا يَجِبُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دُفِعَ إلَى الْمُدَّعِي) قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّارِ الَّتِي فِي يَدِهِ هَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دُفِعَتْ لِلْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ مُتَنَوِّعَةً؛ لِأَنَّ حَاصِلَ ذَلِكَ جَهَالَةٌ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بَلْ يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ صَحَّ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ الْإِقْرَارُ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا الْجَهَالَةُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَشَهِدَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا جَازَتْ وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ. اهـ. [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ] (بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ شَهَادَةِ الْأُصُولِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ إلَخْ إذْ الْأَصْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرْعِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ لَا تُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَحَدُّ الزِّنَا

الشَّهَادَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَجَبَتْ عَلَى شَاهِدِ الْأَصْلِ وَلَيْسَتْ بِحَقٍّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْخُصُومَةُ فِيهَا، وَالْإِجْبَارُ عَلَيْهَا، وَالنِّيَابَةُ لَا تَجْرِي فِي الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ وَلِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةُ احْتِمَالٍ؛ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ فِيهَا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْأُصُولِ وَفِي الْفُرُوعِ وَفِيهِ شُبْهَةٌ مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ وَلِهَذَا لَا يُصَارُ إلَى الْفُرُوعِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأُصُولِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَيْهَا إذْ شَاهِدُ الْأَصْلِ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِمَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ بُعْدِ مَسَافَةٍ فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ أَدَّى إلَى إتْوَاءِ الْحُقُوقِ وَلِهَذَا جَوَّزْنَا الشَّهَادَةَ عَلَى شَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَعَلَى شَهَادَةِ فُرُوعِ الْفُرُوعِ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ فَصَارَ كَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي قَوْلُهُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ احْتِرَازٌ عَنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالشُّبْهَةِ وَفِيهَا شُبْهَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَثْبُتَانِ بِهَا كَمَا لَا يَثْبُتَانِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ حَقِيقَةُ الْبَدَلِيَّةِ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ جَمِيعُ الْحُقُوقِ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي الْوَقْفِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَجُوزُ فِيهِ إحْيَاءً لَهُ وَصَوْنًا عَنْ انْدِرَاسِهِ وَقَوْلُهُ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ يَعْنِي إنْ شَهِدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ رَجُلَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ قَضِيَّةٌ مِنْ الْقَضَايَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ النِّصَابِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِيَثْبُتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَغَايُرُ الْفُرُوعِ حَتَّى لَوْ أَشْهَدَ أَحَدُهُمَا عَلَى شَهَادَتِهِ رَجُلَيْنِ وَأَشْهَدَهُمَا الْآخَرُ بِعَيْنِهِمَا جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلَانِ غَيْرُ اللَّذَيْنِ أَشْهَدَهُمَا صَاحِبَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ قَائِمَانِ مَقَامَ أَصْلٍ وَاحِدٍ فَلَا يَتِمُّ حُجَّةٌ لِلْقَضَاءِ بِهِمَا كَالْمَرْأَتَيْنِ لَمَّا قَامَتَا مَقَامَ رَجُلٍ لَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ بِشَهَادَتِهِمَا وَلِأَنَّ الْفَرْعَ لَمَّا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ صَارَ شَاهِدًا أَوَ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى تِلْكَ الشَّهَادَةِ غَيْرَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْأَصْلَيْنِ لَمَّا كَانَ شَاهِدًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشْهِدَهُ صَاحِبُهُ عَلَى شَهَادَتِهِ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَلَى شَهَادَةِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَصْلِ مُعَبِّرٌ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ رَسُولِهِ فِي إيصَالِ شَهَادَتِهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَأَنَّهُ حَضَرَ وَشَهِدَ بِنَفْسِهِ وَاعْتُبِرَ هَذَا بِرِوَايَةِ الْإِخْبَارِ، فَإِنَّ رِوَايَةَ الْوَاحِدِ عَنْ الْوَاحِدِ مَقْبُولَةٌ، وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِأَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ كُلِّ أَصْلٍ فَرْعَانِ وَلِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ حَقٌّ مِنْ جُمْلَةِ الْحُقُوقِ، وَالْحَقُّ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ لِلْقَاضِي الْقَضَاءَ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّصَابِ، فَإِذَا تَمَّ وَشَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا جَازَ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى الْآخَرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى قَضِيَّاتٍ كَثِيرَةٍ بِخِلَافِ امْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ لَمْ يَتِمَّ بِهِمَا وَشَطْرُ الْعِلَّةِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ وَبِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْأَصْلِ يَعْلَمُ الْحَادِثَةَ يَقِينًا فَلَا يَسْتَفِيدُ بِإِشْهَادِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ شَيْئًا وَلِأَنَّ مَعْنَى الْأَصَالَةِ يَقْتَضِي مُشَاهَدَةَ الْحَقِّ وَمَعْنَى الْفَرْعِيَّةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمُشَاهَدَةِ فَيَتَنَافَيَانِ فَلَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ الْفَرْعَ بَدَلٌ عَنْ الْأَصْلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ بَدَلًا وَأَصْلًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلِأَنَّ شَاهِدَ الْأَصْلِ يُثْبِتُ نِصْفَ الْحَقِّ، وَالْفَرْعَانِ نِصْفَهُ. وَلَوْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى شَهَادَةِ صَاحِبِهِ لَأَثْبَتَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْحَقِّ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالسَّرِقَةُ وَالْقِصَاصُ وَالْقَذْفُ وَحَدُّ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَقَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ الْأَجْنَاسِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي نَوَادِرِ مُحَمَّدِ بْنِ رُسْتُمَ يَجُوزُ فِي التَّعْزِيرِ الْعَفْوُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَجَبَتْ عَلَى شَاهِدِ الْأَصْلِ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ احْتِمَالٍ) يَعْنِي تُهْمَةَ الْكَذِبِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا، وَفِي الْفُرُوعِ تُهْمَةٌ زَائِدَةٌ وَهِيَ تُهْمَةُ عَدَمِ السَّمَاعِ مِنْ الْأُصُولِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ شُبْهَةٌ مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ)؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ احْتِرَازٌ عَنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) وَبِقَوْلِنَا هَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَأَصَحُّ قَوْلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ عُدُولٌ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ فَالْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ لَا بِشَهَادَتِهِمْ وَصَارُوا كَالْمُتَرْجِمِ وَسَيَنْدَفِعُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ) أَيْ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تُقْبَلُ إلَخْ جَمِيعُ الْحُقُوقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ إلَخْ) فِي هَذَا النَّقْلِ عَنْ مَالِكٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْحُقُوقِ كُلِّهَا وَذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ جَمِيعًا عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا جَائِزَةٌ وَذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ الْأَرْبَعَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ التَّفْرِيعِ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ اهـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ يَجُوزُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَوَّزَ شَهَادَةَ الرَّجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَلَمْ يَنْفِ شَهَادَتَهُمَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ آخَرَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ كُلِّ أَصْلٍ فَرْعَانِ عَلَى حِدَةٍ فَدَلَّ إطْلَاقُهُ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْفَرْعَيْنِ جَمِيعًا عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلَيْنِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ خِلَافُهُ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

الْفَرْعُ بَدَلًا لَمَا جَازَ أَنْ يَشْهَدَا مَعَ أَحَدِ الْأَصْلَيْنِ إذْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَدَلِ، وَالْمُبْدَلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْفَرْعَيْنِ لَيْسَا بِبَدَلٍ عَنْ الَّذِي شَهِدَ مَعَهُمَا بَلْ عَنْ الَّذِي لَمْ يَحْضُرْ وَقَوْلُهُ: إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الشَّهَادَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِتَمَامِ النِّصَابِ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ عَلَى شَهَادَتِهِ رَجُلًا؛ لِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا أَنْ تُشْهِدَ عَلَى شَهَادَتِهَا رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ امْرَأَةٍ نِصَابُ الشَّهَادَةِ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَبَيَّنَّا الْخِلَافَ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِشْهَادُ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا) وَهَذَا صِفَةُ الْإِشْهَادِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحْمِيلِ، وَالتَّوْكِيلِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ كَمَا يَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي لِيَنْقُلَهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ هُنَا وَيَقُولُ لَهُ عِنْدَ التَّحْمِيلِ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ إنْ شَاءَ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّ مَنْ عَايَنَ الْحَقَّ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْت فُلَانًا يُقِرُّ لِفُلَانٍ بِكَذَا فَاشْهَدْ أَنْتَ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ أَوْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَاشْهَدْ أَنْتَ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلَا يَقُولُ: اشْهَدْ عَلَيَّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُحْتَمَلٌ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ الْمَشْهُودِ بِهِ فَيَكُونُ أَمْرًا بِالْكَذِبِ وَكَذَا لَا يَقُولُ اشْهَدْ بِشَهَادَتِي؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِأَنْ يَشْهَدَ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِ فَيَكُونُ آمِرًا لَهُ بِأَنْ يَشْهَدَ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَهُوَ كَذِبٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَدَاءُ الْفَرْعِ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ) وَهَذَا صِفَةُ أَدَاءِ الْفَرْعِ عِنْدَ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَتِهِ وَذِكْرُ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَذِكْرُ التَّحْمِيلِ، وَالْجُمْلَةُ تَحْصُلُ بِذَلِكَ وَلَهُ لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْهُ وَأَقْصَرُ كِلَا طَرَفَيْ الْأُمُورِ ذَمِيمٌ وَأَوْسَطُهَا صَمِيمٌ فَالْأَطْوَلُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّهُ شَهِدَ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَقَرَّ عِنْدَهُ وَأَشْهَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ لِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَقَرَّ عِنْدِي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَفِيهِ ثَمَانِ شِينَاتٍ أَوْ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا شَهِدَ عِنْدِي بِكَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ فَيَذْكُرُ فِيهِ سِتَّ شِينَاتٍ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ فِيهِ خَمْسُ شِينَاتٍ، وَالْأَقْصَرُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: أَمَرَنِي فُلَانٌ أَنْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ فَيَذْكُرُ فِيهِ أَرْبَعَ شِينَاتٍ أَوْ يَقُولُ: أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا فَيَذْكُرُ فِيهِ شِينَيْنِ لَا غَيْرُ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَبَيَّنَّا الْخِلَافَ فِيهِ) وَهُوَ أَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْإِشْهَادُ) أَيْ إشْهَادُ شَاهِدِ الْأَصْلِ شَاهِدَ الْفَرْعِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفَرْعَ كَالنَّائِبِ عَنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَرْعَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَصْلِ وَنَائِبٌ عَنْهُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ نَائِبٌ عَنْهُ فَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ كَالنَّائِبِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَفَرْعَيْنِ عَنْ أَصْلٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ الْفَرْعُ نَائِبًا حَقِيقَةً لَمَا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ كَمَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشْهَدَ) أَيْ شَاهِدُ الْأَصْلِ عِنْدَ الْفَرْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِيَنْقُلَهُ) أَيْ لِيَنْقُلَ الْفَرْعُ شَهَادَةَ الْأَصْلِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى شُهُودُ الْفَرْعِ يَجِبُ أَنْ يَذْكُرُوا أَسْمَاءَ الْأُصُولِ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ حَتَّى لَوْ قَالُوا لِلْقَاضِي نَشْهَدُ أَنَّ رَجُلَيْنِ نَعْرِفُهُمَا أَشْهَدَانَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا يَشْهَدَانِ بِكَذَا أَوْ قَالُوا لِلْقَاضِي: لَا نُسَمِّيهِمَا لَك أَوْ قَالَا لَا نَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ حَتَّى يُسَمِّيَا؛ لِأَنَّهُمَا تَحَمَّلَا مُجَازَفَةً لَا عَنْ مَعْرِفَةٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَهُ لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْهُ وَأَقْصَرُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَهَا قَوْلٌ أَطْوَلُ مِنْ هَذَا وَأَقْصَرُ مِنْهُ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ لِشَهَادَةِ الْفَرْعِ عِنْدَ الْأَدَاءِ لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْخَصَّافُ وَلَفْظٌ أَقْصَرُ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ وَأَوْسَطُهَا حَمِيمٌ) فِي نُسْخَةٍ صَمِيمٌ (قَوْلُهُ: فَالْأَطْوَلُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ إلَخْ) نَسَبَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا إلَى الْخَصَّافِ فَقَالَ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يُكَرِّرُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ ثَمَانِ مَرَّاتٍ وَذَكَرَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَذْكُرُ فِيهِ سِتَّ شِينَاتٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ يَكْفِي ثَلَاثُ شِينَاتٍ فِي الْإِشْهَادِ وَسِتٌّ فِي الْأَدَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ فِيهِ خَمْسُ شِينَاتٍ) أَيْ كَمَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ يَقُولُ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ وَيُمْكِنُ الِاقْتِصَارُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثِ لَفَظَاتٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ أَوْلَى وَأَحْوَطُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ هُوَ لَفْظُ شَهَادَتِهِ ثُمَّ يُخْبِرُ بِذَلِكَ بِصِفَةِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَهَادَتُهُ وَهُوَ التَّحْمِيلُ، أَمَّا قَوْلُهُ وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي هُوَ شَرْطٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ جَازَ وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِ وَذَلِكَ كَذِبٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْمِيلِ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ تَحْمِيلًا بِالشَّكِّ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَمْرَ الشَّاهِدِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ وَأَنَّهُ لَا يَكْذِبُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّحْمِيلَ فَيَصِحُّ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ اهـ قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَهُوَ الْهِدَايَةُ وَاَلَّذِي فِيهَا خَمْسُ شِينَاتٍ كَمَا فِي الْكَنْزِ اهـ

وَأَبِي جَعْفَرٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَهُوَ أَسْهَلُ وَأَيْسَرُ وَأَقْصَرُ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ كَانَ يُخَالِفُهُ فِيهِ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ فَأَخْرَجَ لَهُمْ الرِّوَايَةَ مِنْ السِّيَرِ فَانْقَادُوا لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا شَهَادَةَ لِلْفَرْعِ إلَّا بِمَوْتِ أَصْلِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ)؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا لِلْحَاجَةِ عِنْدَ عَجْزِ الْأَصْلِ، وَالْعَجْزُ يَتَحَقَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ مَا لَا يَسْتَطِيعُ الْحُضُورَ مَعَهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ فَرْضٌ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْعَجْزِ، فَإِذَا سَقَطَ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ غَيْرَهُ كَيْ لَا يُتْوَى حَقُّهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَمْرُ الْقَاضِي بِالْحُضُورِ إلَى مَوْضِعِ الْمَرِيضِ شَنِيعٌ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَرُبَّمَا لَا يَتَفَرَّغُ لِلْقُعُودِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْأَمْرَاضِ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ ، وَالسَّفَرُ عُذْرٌ ظَاهِرٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَلَّقَتْ بِهِ أَحْكَامٌ جَمَّةٌ مِنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ، وَالْفِطْرِ فِي الصَّوْمِ وَامْتِدَادِ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَسُقُوطِ الْجُمُعَةِ، وَالْأُضْحِيَّةِ وَحُرْمَةِ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَكَذَا هَذَا الْحُكْمُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَبِيتَ فِي مَنْزِلِهِ جَازَ الْإِشْهَادُ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَالثَّانِي وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَرْفَقُ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَ الْحُقُوقِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، وَالشَّاهِدُ أَيْضًا مُحْتَسِبٌ فَلَا يُكَلَّفُ مَا فِيهِ حَرَجٌ وَفِي الْبَيْتُوتَةِ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ حَرَجٌ عَظِيمٌ فَيَجُوزُ الْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَتِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْهُ وَإِحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ وَأَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي زَاوِيَةِ الْمَسْجِدِ فَشَهِدَ الْفُرُوعُ عَلَى شَهَادَتِهِ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ. ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالْقَاضِي الْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إذَا شَهِدَ الْفُرُوعُ عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ، وَالْأُصُولُ فِي الْمِصْرِ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ عَلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ إنَابَةَ غَيْرِهِ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الْجَوَابِ إلَّا بِعُذْرٍ فَكَذَا لَا يَمْلِكُ الْأَصْلُ إنَابَةَ غَيْرِهِ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الشَّهَادَةِ إلَّا بِعُذْرٍ، وَالْجَامِعُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْجَوَابِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَاسْتِحْقَاقِ الْحُضُورِ عَلَى الشُّهُودِ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا مَلَكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَابَةَ غَيْرِهِ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الْجَوَابِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَكَذَا فِي الْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ عَدَّلَهُمْ الْفُرُوعُ صَحَّ)؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ مِنْ أَهْلِ التَّزْكِيَةِ فَصَحَّ تَعْدِيلُهُمْ شُهُودَ الْأَصْلِ وَكَذَا إذَا عَدَّلَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ صَاحِبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ بِتَنْفِيذِ شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَوْ اُتُّهِمَ بِمِثْلِهِ لَاتُّهِمَ فِي شَهَادَتِهِ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ وَكَانَ يَنْسَدُّ بَابُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ وَكَيْفَ يُتَّهَمُ بِهِ وَشَهَادَتُهُ لَمْ تُرَدَّ بِرَدِّ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ بَلْ تُقْبَلُ بِضَمِّ آخَرَ مَعَهُ، وَإِنْ اتَّفَقَ الرَّدُّ فَهِيَ إنَّمَا تُرَدُّ لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ وَقِيلَ لَا يَقْبَلُ تَعْدِيلَ صَاحِبِهِ لِلتُّهْمَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا عُدِّلُوا) أَيْ إنْ لَمْ يُعَدِّلْهُمْ الْفُرُوعُ عُدِّلُوا بِسُؤَالِ غَيْرِ الْفُرُوعِ عَنْ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَى الْفُرُوعِ النَّقْلُ دُونَ التَّعْدِيلِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا نَقَلُوا شَهَادَتَهُمْ يَتَعَرَّفُ الْقَاضِي عَدَالَتَهُمْ كَمَا إذَا حَضَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ وَشَهِدُوا عِنْدَهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْقُلُونَ الشَّهَادَةَ وَلَا شَهَادَةَ بِدُونِ الْعَدَالَةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ كَانَ يَعْرِفُ الْفُرُوعَ، وَالْأُصُولَ بِالْعَدَالَةِ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ، وَإِنْ عَرَفَ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ بِالْعَدَالَةِ دُونَ الْآخَرِ سَأَلَ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفْهُمْ بِهَا، فَإِنْ عَدَّلَ الْأُصُولُ الْفُرُوعَ أَوْ بِالْعَكْسِ جَازَ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ عَدَالَةُ الْأُصُولِ بِتَعْدِيلِ الْفُرُوعِ، وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الْفُرُوعُ لِلْقَاضِي لَا نَعْرِفُ حَالَهُمْ أَوْ لَا نُخْبِرُك بِحَالِهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ بِإِنْكَارِ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَأَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْفَقِيهُ وَبِهَذَا الْقَوْلِ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِي الْحُضُورِ فَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَتِلْكَ مَشَقَّةٌ قَلِيلَةٌ فَلَا تُعْتَبَرُ تِلْكَ الْمَشَقَّةُ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ حَسَنٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ عَدَّلَهُمْ الْفُرُوعُ صَحَّ) وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ تَعْدِيلَهُمَا لَا يَكُونُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ نَائِبٌ عَنْ الْأَصْلِ فَتَعْدِيلُهُ الْأَصْلَ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ تَعْدِيلِ الْأَصْلِ نَفْسِهِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْفَرْعَ نَائِبٌ عَنْ الْأَصْلِ فِي نَقْلِ عِبَارَتِهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَإِذَا نَقَلَ عِبَارَتَهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَقَدْ انْتَهَى حُكْمُ النِّيَابَةِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْأَجَانِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اُتُّهِمَ بِمِثْلِهِ لَاتُّهِمَ فِي شَهَادَتِهِ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ) بِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْهَدُ لِيَصِيرَ قَوْلُهُ مَقْبُولًا عِنْدَ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَهَادَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ) أَيْ الْوَاجِبَ عَلَى الْفُرُوعِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَتَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ بِإِنْكَارِ الْأَصْلِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ قَالَ الْكَمَالُ: لِأَنَّ إنْكَارَهُمَا الشَّهَادَةَ إنْكَارٌ لِلتَّحْمِيلِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي الْقَبُولِ فَوَقَعَ فِي التَّحْمِيلِ تَعَارُضُ خَبَرِهِمَا بِوُقُوعِهِ وَخَبَرِ الْأُصُولِ بِعَدَمِهِ وَلَا ثُبُوتَ مَعَ التَّعَارُضِ اهـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ: لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ التَّحْمِيلُ، فَإِذَا أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ شَهَادَتَهُمْ لَا يُوجَدُ التَّحْمِيلُ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْفَرْعِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ شُهُودُ الْأَصْلِ مَا لَنَا شَهَادَةٌ عَلَى هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَمَاتُوا أَوْ غَابُوا ثُمَّ جَاءَ شُهُودُ الْفَرْعِ يَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ بِهَذِهِ الْحَادِثَةِ أَمَّا مَعَ حَضْرَتِهِمْ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى شَهَادَةِ الْفُرُوعِ، وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْ شُهُودُ الْأَصْلِ. اهـ. كَافِي قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي وَبِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ سَوَاءٌ أَنْكَرَ الْأُصُولُ شَهَادَتَهُمْ

أَيْ الْإِشْهَادَ، وَمَعْنَاهُ إذَا قَالَ شُهُودُ الْأَصْلِ لَمْ نَعْرِفْهُمْ وَلَمْ نُشْهِدْهُمْ عَلَى شَهَادَتِنَا فَمَاتُوا أَوْ غَابُوا ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ وَشَهِدُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ شَرْطٌ وَلَمْ يَثْبُتْ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ خَبَرِ الْأُصُولِ وَبَيْنَ خَبَرِ الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الْأُصُولَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ بِذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ التَّحْمِيلُ مَعَ الِاحْتِمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى فُلَانَةِ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ بِأَلْفٍ وَقَالَا أَخْبَرَانَا أَنَّهُمَا يَعْرِفَانِهَا فَجَاءَ بِامْرَأَةٍ فَقَالَا: لَا نَدْرِي أَهِيَ هَذِهِ أَمْ لَا قِيلَ لِلْمُدَّعِي هَاتِ شَاهِدَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ)؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالنِّسْبَةِ قَدْ تَحَقَّقَ بِشَهَادَتِهِمَا، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ لِلْحَاضِرَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ تِلْكَ النِّسْبَةِ لِلْحَاضِرَةِ وَنَظِيرُهُ إذَا شَهِدُوا بِبَيْعِ مَحْدُودٍ بِذِكْرِ حُدُودِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ وَشَهِدُوا عَلَى الْخَصْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ الْمَحْدُودَ بِتِلْكَ الْحُدُودِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَصِحَّ الْقَضَاءُ بِهِ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْحُدُودَ الْمَذْكُورَةَ فِي الشَّهَادَةِ حُدُودُ مَا فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ الْحُدُودَ الْمَذْكُورَةَ فِي الشَّهَادَةِ حُدُودُ مَا فِي يَدِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَتَبَ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدِي بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ وَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي امْرَأَةً عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَنْسُوبَةَ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهَا هِيَ الْمَنْسُوبَةُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ لِوِلَايَتِهِ يَنْفَرِدُ بِنَقْلِ الشَّهَادَةِ إلَيْهِ وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى كُلِّ أَصْلٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ قَالَا فِيهِمَا التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخْذِهَا) أَيْ لَوْ قَالَ الشَّاهِدَانِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخْذِهَا وَهُوَ الْجَدُّ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ شَرْطٌ فِيهِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامَّةِ وَهِيَ عَامَّةٌ وَيَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَاصَّةِ، وَالنِّسْبَةُ إلَى الْفَخْذِ خَاصَّةٌ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ النَّسَبِ الشَّعْبُ ثُمَّ الْقَبِيلَةُ ثُمَّ الْفَصِيلَةُ ثُمَّ الْعِمَارَةُ ثُمَّ الْبَطْنُ ثُمَّ الْفَخْذُ فَكَانَ أَخَصَّ مِنْ الْكُلِّ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الصِّحَاحِ وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيّ فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ الْفَصِيلَةَ آخِرَ الْكُلِّ فَالشَّعْبُ مَجْمَعُ الْقَبَائِلِ، وَالْقَبِيلَةُ مَجْمَعُ الْعَمَائِرِ، وَالْعِمَارَةُ مَجْمَعُ الْبُطُونِ، وَالْبَطْنُ مَجْمَعُ الْأَفْخَاذِ، وَالْفَخْذُ مَجْمَعُ الْفَصَائِلِ خُزَيْمَةُ شَعْبٌ وَكِنَانَةُ قَبِيلَةٌ وَقُرَيْشٌ عُمَارَةٌ وَقُصَيٌّ بَطْنٌ وَهَاشِمٌ فَخْذٌ، وَالْعَبَّاسُ فَصِيلَةٌ وَسُمِّيَ الشَّعْبُ شَعْبًا؛ لِأَنَّ الْقَبَائِلَ تَتَشَعَّبُ مِنْهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ النَّسَبِ حُصُولُ الْعِلْمِ بِالْمَنْسُوبِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالنَّسَبِ إلَى الْخَاصِّ دُونَ الْعَامِّ وَبَنُو تَمِيمٍ عَامٌّ فَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ والفرغانية نِسْبَةٌ عَامَّةٌ وَكَذَا السَّمَرْقَنْدِيَّة، وَالْبُخَارِيَّةُ، وَالْمِصْرِيَّةُ، والأوزجندي ةُ خَاصَّةٌ وَكَذَا النِّسْبَةُ إلَى السِّكَّةِ الصَّغِيرَةِ بِخِلَافِ الْمَحَلَّةِ الْكَبِيرَةِ ثُمَّ التَّعْرِيفُ، وَإِنْ كَانَ يَتِمُّ بِذِكْرِ الْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَذِكْرُ الْفَخْذِ أَوْ الْفَصِيلَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ يَقُومُ مَقَامَ الْجَدِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا يُشَهَّرُ وَلَا يُعَزَّرُ) أَيْ لَا يُضْرَبُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَوْجَعُ ضَرْبًا وَيُحْبَسُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اتَّصَلَ بِشَهَادَتِهِ الْقَضَاءُ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً وَفِيهَا ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ إزَالَةً لِلْفَسَادِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهَا كَبِيرَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّهَا النَّاسُ عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الْإِشْرَاكَ بِاَللَّهِ ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30]» وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلُ الزُّورِ»، فَإِذَا كَانَتْ كَبِيرَةً وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تَعْزِيرِهِ فَقَطْ لَهُمْ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَسَخَّمَ وَجْهَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ شُرَيْحًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَفْسِ الْحَادِثَةِ أَوْ أَنْكَرُوا إشْهَادَهُمْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَكِنْ مَتْنُ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا صَوَّرَهُ فِي الْكَافِي لَا عَلَى مَا صَوَّرَهُ الشَّارِحُ حَيْثُ قَالَا بِإِنْكَارِ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ وَلَمْ يَقُولَا بِإِنْكَارِ الْإِشْهَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ قَالَا فِيهِمَا التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخْذِهَا) فَسَّرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْفَخْذَ بِالْقَبِيلَةِ الْخَاصَّةِ وَفَسَّرَهَا الْعَتَّابِيُّ بِالْأَبِ الْأَعْلَى الَّذِي يُنْسَبُ أَبُوهَا إلَيْهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَنِي تَمِيمٍ قَوْمٌ لَا يُحْصَوْنَ فَلَا يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ بِذَلِكَ مَا لَمْ يُنْسَبُوا إلَى الْقَبِيلَةِ الْخَاصَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: الشَّعْبُ) بِفَتْحِ الشِّينِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ) أَيْ قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيّ وَقَوْلِ صَاحِبِ الصِّحَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا يُشَهَّرُ وَلَا يُعَزَّرُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ شَاهِدَانِ أَقَرَّا أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ لَمْ يُضْرَبَا وَقَالَا يُعَزَّرَانِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ فِي حَقِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُكْمِ هُوَ الْمُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الشَّهَادَةَ وَالْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ وَفَائِدَتُهُ أَيْ وَفَائِدَةُ وَضْعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ فِيمَا إذَا أَقَرَّا أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ كَذِبُ الشَّاهِدِ إلَّا بِإِقْرَارِهِ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا قَامَتْ عَلَى أَنَّهُمَا شَهِدَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ لَا تُسْمَعُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَتْ كَبِيرَةً وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ بِالْإِجْمَاعِ) غَيْرَ أَنَّهُ اكْتَفَى بِتَشْهِيرِ حَالِهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرْبِ خُفْيَةً وَهُمَا أَضَافَا إلَى ذَلِكَ الضَّرْبِ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَسَخَّمَ) يُقَالُ سَخَّمَ وَجْهَهُ إذَا سَوَّدَهُ مِنْ السُّخَامِ وَهُوَ سَوَادُ الْقُدُورِ وَقَدْ جَاءَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْأَسْحَمِ وَهُوَ الْأَسْوَدُ وَفِي الْمُغْنِي وَلَا يُسَخِّمُ وَجْهَهُ بِالْخَاءِ

[كتاب الرجوع عن الشهادة]

كَانَ يُشَهِّرُ وَلَا يَضْرِبُ وَكَانَ يَبْعَثُهُ إلَى سُوقِهِ إنْ كَانَ سُوقِيًّا وَإِلَى قَوْمِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ سُوقِيٍّ بَعْدَ الْعَصْرِ أَجْمَعُ مَا يَكُونُونَ وَيَقُولُ: إنَّ شُرَيْحًا يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ وَيَقُولُ إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوهُ النَّاسَ وَشُرَيْحٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِنْ كَانَ تَابِعِيًّا وَلَكِنَّهُ زَاحَمَ الصَّحَابَةَ فِي الْفَتْوَى وَسَوَّغُوا لَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَرَجَعُوا إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُنَاظَرَةِ فَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحَابَةِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ يُقَلِّدُهُمْ وَعَدَّهُمْ فَقَالَ مِثْلُ مَسْرُوقٍ، وَالْحَسَنِ وَعَلْقَمَةَ وَشُرَيْحٍ. وَمَنْ كَانَ فِي رُتْبَتِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ فَيَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى هَذَا تَقْلِيدُهُ لِلصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - لِتَجْوِيزِهِمْ فِعْلَهُمْ وَقَوْلَهُمْ لَا سِيَّمَا شُرَيْحٌ، فَإِنَّهُ كَانَ قَاضِيًا فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ مَشْهُورًا بَيْنَهُمْ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ وَهُوَ بِمَحْضَرٍ مِنْهُمْ فَيَكُونُ تَقْلِيدُهُ تَقْلِيدًا لَهُمْ ضَرُورَةً وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ كَانَ سِيَاسَةً بِدَلِيلِ تَبْلِيغِهِ أَرْبَعِينَ وَهُوَ حَدُّ الْعَبِيدِ فِي الْقَذْفِ وَبِدَلِيلِ تَسْخِيمِهِ وَهُوَ مِثْلُهُ لَمْ يَجُزْ بِالْإِجْمَاعِ وَلِذَا لَمْ يَقُولُوا بِهِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْمُثْلَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ الشَّدِيدَ، وَالتَّسْخِيمَ يَمْنَعَانِهِ مِنْ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْوُقُوعِ فَلَا يُشْرَعَانِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُشَهَّرُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا، وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَاكِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبَةِ، وَالنَّدَامَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ بِالْإِجْمَاعِ، وَالثَّانِي أَنْ يَرْجِعَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى مَا كَانَ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِالْإِجْمَاعِ، وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَعْلَمَ رُجُوعَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ، فَإِنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلَهُ وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ التَّشْهِيرُ أَوْ التَّعْزِيرُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَلَى مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ شَهِدَ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا. وَأَمَّا إذَا قَالَ غَلِطْت أَوْ نَسِيت أَوْ أَخْطَأْت أَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَةٍ أَوْ لِمُخَالَفَةٍ بَيْنَ الشَّهَادَةِ، وَالدَّعْوَى أَوْ بَيْنَ شَهَادَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَنْ هُوَ الْكَاذِبُ مِنْهُمْ الْمَشْهُودُ لَهُ أَوْ الشَّاهِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَقَدْ يَكْذِبُ الْمُدَّعِي لِيُنْسَبَ الشَّاهِدَ إلَى الْكَذِبِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّفْيِ، وَالْبَيِّنَةُ حُجَّةُ الْإِثْبَاتِ وَلَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ مِنْ الضَّمَانِ، وَالتَّعْزِيرِ وَكَذَا إذَا شَهِدُوا بِقَتْلِ شَخْصٍ أَوْ مَوْتِهِ ثُمَّ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ أَوْ بِمَوْتِهِ حَيًّا لِتَيَقُّنِنَا بِكَذِبِهِمْ، وَالرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي شَاهِدِ الزُّورِ سَوَاءٌ وَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا تَابَ قَالُوا: إنْ كَانَ فَاسِقًا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ فِسْقُهُ، فَإِذَا تَابَ وَظَهَرَ صَلَاحُهُ تُقْبَلُ لِزَوَالِ الْفِسْقِ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ التَّوْبَةِ فَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبَعْضُهُمْ بِسَنَةٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ لَا تُعْتَمَدُ وَرَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ وَبِهِ يُفْتِي فَتَخَلَّصَ لَنَا مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الشَّهَادَةَ تُرَدُّ بِسَبَبِ التُّهْمَةِ وَسَبَبُهَا أَنْوَاعٌ إمَّا مَعْنًى فِي الشَّاهِدِ وَهُوَ الْفِسْقُ، وَالْعَمَى وَإِمَّا مَعْنًى فِي الْمَشْهُودِ لَهُ وَهُوَ وَصْلَةٌ خَاصَّةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ كَقَرَابَةِ الْوِلَادِ، وَالزَّوْجِيَّةِ، وَإِمَّا لِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ فِي حَقِّ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ عَجْزَهُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ دَلِيلَ كَذِبِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَاءِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَشُرَيْحٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى تَقْلِيدَ التَّابِعِيِّ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ هُمْ رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَالٌ نَجْتَهِدُ فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَ هُنَا اهـ (قَوْلُهُ: وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ سِيَاسَةً) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ مَا رُوِيَ مِنْ ضَرْبِ عُمَرَ وَالتَّسْخِيمِ كَانَ سِيَاسَةً، فَإِذَا رَأَى الْحَاكِمُ ذَلِكَ مَصْلَحَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَقَدْ يُرَدُّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابَةِ عُمَرَ بِهِ إلَى عُمَّالِهِ فِي الْبِلَادِ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى السِّيَاسَةِ بِالتَّبْلِيغِ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَلَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ إلَى الْحُدُودِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُجِيزُهُ وَقَدْ أَجَازَ عَالِمُ الْمَذْهَبِ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَبْلُغَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ وَتِسْعٌ وَسَبْعُونَ فَجَازَ كَوْنُ رَأْيِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَذَلِكَ، وَأَمَّا كَوْنُ التَّسْخِيمِ مِثْلَهُ مَنْسُوخَةٌ فَقَدْ يَكُونُ رَأْيُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْمُثْلَةَ لَيْسَتْ إلَّا فِي قَطْعِ الْأَعْضَاءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُفْعَلُ فِي الْبَدَنِ وَيَدُومُ لَا بِاعْتِبَارِ عَرَضٍ يُغْسَلُ فَيَزُولُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَنْ يَرْجِعَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى مَا كَانَ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ شَهِدْت فِي هَذِهِ بِالزُّورِ وَلَا أَرْجِعُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا تَصْرِيحٌ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَشَاهِدُ الزُّورِ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ وَلَا يُحْكَمُ بِهِ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ بِمُخَالَفَتِهِ الدَّعْوَى أَوْ الشَّاهِدَ الْآخَرَ أَوْ تَكْذِيبِ الْمُدَّعَى لَهُ إذْ قَدْ يَكُونُ مُحِقًّا فِي الْمُخَالَفَةِ أَوْ لِلْمُدَّعِي غَرَضٌ فِي أَذَاهُ وَزَادَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِ وَاحِدٍ فَيَجِيءَ حَيًّا اهـ [كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ] (كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) لَمَّا كَانَ هَذَا أَبْحَاثَ رَفْعِ الشَّهَادَةِ وَمَا تَقَدَّمَ أَبْحَاثَ إثْبَاتِهَا فَكَانَا مُتَوَازِيَيْنِ فَتُرْجِمَ هَذَا بِالْكِتَابِ كَمَا تُرْجِمَ ذَلِكَ لِلْمُوَازَاةِ بَيْنَهُمَا وَإِلَّا فَلَيْسَ لِهَذَا أَبْوَابٌ لِتَعَدُّدِ أَنْوَاعِ مَسَائِلِهِ لِيَكُونَ كِتَابًا كَمَا لِذَاكَ وَلِتَحَقُّقِهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ إذْ لَا رَفْعَ إلَّا بَعْدَ الْوُجُودِ نَاسَبَ أَنْ يَجْعَلَ تَعْلِيمَهُ بَعْدَهُ كَمَا أَنَّ وُجُودَهُ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَاتِمُ الشَّهَادَةِ كَشَاهِدِ الزُّورِ» وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ الْكَبَائِرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّاهِدُ بِالزُّورِ لَا يَرْفَعُ قَدَمَيْهِ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى تَلْعَنَهُ مَلَائِكَةُ السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضِ» فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ الِاجْتِنَابُ عَنْهَا، وَإِذَا وَقَعَتْ مِنْهُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ، وَالتَّوْبَةُ عَنْهَا لَا تَصِحُّ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَا يَمْنَعُهُ عَنْهَا الِاسْتِحْيَاءُ مِنْ النَّاسِ وَخَوْفُ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ الْخَالِقِ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْمَخْلُوقِ وَفِيهِ تَدَارُكُ مَا أَتْلَفَهُ بِالزُّورِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي ثُمَّ رُكْنُ الرُّجُوعِ أَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَمَّا شَهِدْت بِهِ أَوْ شَهِدْت بِزُورٍ فِيمَا شَهِدْت وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَحُكْمُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ التَّعْزِيرُ، وَالضَّمَانُ وَقَبْلَهُ التَّعْزِيرُ فَقَطْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي)؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَا تَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ أَيِّ حَاكِمٍ كَانَ كَالْفَسْخِ فِي بَابِ الْبَيْعِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ مِنْ قِيَامِ الْمَبِيعِ وَرِضَا الْمُتَبَايِعَيْنِ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الشَّهَادَةِ تَوْبَةٌ عَمَّا اُرْتُكِبَ مِنْ قَوْلِ الزُّورِ، وَالتَّوْبَةِ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السِّرُّ بِالسِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ». فَإِذَا كَانَتْ الْجَرِيمَةُ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ تَوْبَتُهَا كَذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ الرُّجُوعُ عِنْدَ غَيْرِهِ غَيْرَ صَحِيحٍ فَلَوْ أَقَامَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا بَيِّنَةً بِأَنَّهُمَا رَجَعَا عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَوْ طَلَبَ يَمِينَهُمَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يَحْلِفَانِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُمَا رَجَعَا عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي حَيْثُ يَصِحُّ إقْرَارُهُمَا، وَإِنْ أَقَرَّا بِرُجُوعٍ بَاطِلٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمَا بِهِ يُجْعَلُ رُجُوعًا مِنْهُمَا فِي الْحَالِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا رَجَعَا عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي كَانَ قَضَى بِالْحَقِّ حَيْثُ تُقْبَلُ هُنَاكَ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا صَحِيحًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ رَجَعَا قَبْلَ حُكْمِهِ لَمْ يَقْضِ بِهَا)؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمَا مُتَنَاقِضٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَهُ وَخُصُوصَ مُنَاسَبَتِهِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ وَهُوَ أَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا لِتَقَدُّمِهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْكَاكِيُّ عَقِبَ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ؛ إذْ الرُّجُوعُ يَقْتَضِي سَبْقَ الشَّهَادَةِ وَلَهُ مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ بِشَهَادَةِ الزُّورِ إذْ الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ مُسَبَّبٌ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ ثُمَّ لِلرُّجُوعِ رُكْنٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّاهِدِ شَهِدْت بِزُورٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْقَاضِي أَيِّ قَاضٍ كَانَ فَيَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ) قَالُوا وَيُعَزَّرُ الشُّهُودُ سَوَاءٌ رَجَعُوا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَوْبَةٌ عَنْ تَعَمُّدِ الزُّورِ إنْ تَعَمَّدَ أَوْ التَّهَوُّرِ وَالْعَجَلَةِ إنْ كَانَ أَخْطَأَ فِيهِ وَلَا تَعْزِيرَ عَلَى التَّوْبَةِ وَلَا عَلَى ذَنْبٍ ارْتَفَعَ بِهَا وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَحُكْمُهُ إيجَابُ التَّعْزِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ رَجَعَ قَبْلَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ وَالضَّمَانِ مَعَ التَّعْزِيرِ إنْ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَكَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَالًا وَقَدْ أَزَالَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَبْلَهُ التَّعْزِيرُ فَقَطْ) أَيْ بِالضَّرْبِ عِنْدَهُمَا وَبِالتَّشْهِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي شَاهِدِ الزُّورِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي) قَالَ الْكَمَالُ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْقَاضِي الْمَشْهُودُ عِنْدَهُ أَوْ غَيْرَهُ اهـ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ أَيَّ حَاكِمٍ كَانَ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَزَادَ جَمَاعَةٌ فِي صِحَّةِ الرُّجُوعِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِرُجُوعِهِمَا وَيُضَمِّنَهُمَا الْمَالَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَلَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا وَأَرَادَ يَمِينَهُمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَرْجِعَا لَا يَحْلِفَانِ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى هَذَا الرُّجُوعِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَإِلْزَامُ الْيَمِينِ لَا يُقْبَلُ إلَّا عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ ثُمَّ قَالَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ قَاضِي كَذَا وَضَمَّنَهُ الْمَالَ تُقْبَلُ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي تَقَيُّدِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بِذَلِكَ وَنُقِلَ هَذَا عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَبْعَدَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ تَوَقُّفَ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالرُّجُوعِ أَوْ بِالضَّمَانِ وَتَرَكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مُصَنِّفِي الْفَتَاوَى هَذَا الْقَيْدَ وَذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَهُ تَعْوِيلًا عَلَى هَذَا الِاسْتِبْعَادِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمَجْلِسِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ شَاهِدٌ بِالرُّجُوعِ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِهِ وَبِالْتِزَامِ الْمَالِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ إذَا تَصَادَقَا أَنَّ لُزُومَ الْمَالِ عَلَيْهِ كَانَ بِهَذَا الرُّجُوعِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالتَّوْبَةُ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجِنَايَةُ كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ التَّوْبَةُ عَنْهَا وَهِيَ الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ مُخْتَصًّا بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ أَيْضًا أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ «مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ مُعَاذٌ أَوْصِنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَلَيْك بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى مَا اسْتَطَعْت وَاذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ كُلِّ شَجَرٍ وَحَجَرٍ وَإِذَا عَمِلْت شَرًّا فَأَحْدِثْ تَوْبَةَ السِّرِّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ بِالْعَلَانِيَةِ». اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَحْلِفَانِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا) وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَإِلْزَامُ الْيَمِينِ لَا يُقْبَلُ إلَّا عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ رَجَعَا قَبْلَ حُكْمِهِ لَمْ يَقْضِ بِهَا) حَيْثُ قَالُوا نَشْهَدُ بِكَذَا لَا نَشْهَدُ بِهِ اهـ فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ يُنْظَرُ إلَى حَالِ الشُّهُودِ إنْ كَانَ حَالُهُمْ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَفْضَلَ مِنْ حَالِهِمْ وَقْتَ الْأَدَاءِ فِي الْعَدَالَةِ صَحَّ رُجُوعُهُمْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيُعَزَّرُونَ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانُوا عِنْدَ الرُّجُوعِ كَحَالِهِمْ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ دُونَهُ يُعَزَّرُونَ وَلَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الشَّاهِدِ وَهَذَا قَوْلُ أُسْتَاذِهِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَلَا يُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ قَاضٍ وَرَجَعَ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ يَصِحُّ وَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لَكِنْ إذَا قَضَى عَلَيْهِ هَذَا الْقَاضِي بِالضَّمَانِ كَمَا لَوْ رَجَعَ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ

فَالْقَاضِي لَا يَحْكُمُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَحَدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُتْلِفَا شَيْئًا عَلَى أَحَدٍ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا الْحَقُّ إلَّا بِالْقَضَاءِ فَلَمْ يُتْلِفَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَا عَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ عَدَمَ ثُبُوتِ حَقِّهِ لَا يُضَافُ إلَى رُجُوعِهِمَا بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الْعَدَمِ عَلَى مَا كَانَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُقَالَ: لَوْلَا رُجُوعُهُمَا لَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا وَلَثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ لَكِنْ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا لَوْ أَبَيَا أَنْ يَشْهَدَا ابْتِدَاءً وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمَا عِنْدَهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُمَا صَادِقَانِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ لِجَوَازِ أَنْ يُجَرَّحَا وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ عَلَى دَعْوَاهُ فَلَعَلَّهُ يَشْهَدُ لَهُ غَيْرُهُمَا مِنْ الْعُدُولِ فَيَثْبُتُ حَقُّهُ وَلَا يُتْوَى وَلَئِنْ تَوَى فَهُوَ مُضَافٌ إلَى عَجْزِهِ لَا إلَيْهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَعْدَهُ لَمْ يُنْقَضْ) أَيْ إذَا رَجَعُوا بَعْدَمَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِمْ لَمْ يُفْسَخْ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمَا مُتَنَاقِضٌ فَكَمَا لَا يُحْكَمُ بِالْمُتَنَاقِضِ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالْمُتَنَاقِضِ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الصِّدْقِ وَقَدْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ شَهِدَ أَنَّ عَمْرًا قَتَلَهُ بَكْرٌ بِالْكُوفَةِ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِمِصْرَ، فَإِنَّهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ يَرُدَّانِ وَبَعْدَهُ لَا يُنْقَضُ لِتَرَجُّحِهِ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ نُقِضَ أَدَّى إلَى النَّقْضِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى بِرُجُوعِهِ عَنْ الرُّجُوعِ ثُمَّ بِرُجُوعِهِ عَنْ هَذَا الرُّجُوعِ الْأَخِيرِ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَا مَا أَتْلَفَاهُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا)؛ لِأَنَّ التَّسْبِيبَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي يُوجِبُ الضَّمَانَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ عَلَى الطَّرِيقِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَضْمَنَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلتَّسْبِيبِ مَعَ وُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ قُلْنَا لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانُ عَلَى الْقَاضِي عِنْدَ رُجُوعِ الشُّهُودِ، وَإِنْ كَانَ مُبَاشِرًا؛ لِأَنَّهُ مُلْجَأٌ مِنْ جِهَتِهِمَا، فَإِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بَعْدَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمَا حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ بِإِثْمٍ وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ وَيُعَزَّرُ. وَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الضَّمَانَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى فَتَعَيَّنَ صَاحِبُ السَّبَبِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى صَاحِبِ الْعِلَّةِ كَوَضْعِ الْحَجَرِ عَلَى الطَّرِيقِ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُوجِبُ الْقِصَاصَ عَلَى شُهُودِ الْقِصَاصِ إذَا رَجَعُوا بَعْدَمَا قَتَلَهُ الْوَلِيُّ وَهُوَ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَأَمْرُ الدَّمِ أَعْظَمُ ثُمَّ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ الْمَالَ وَهُوَ يُثْبِتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَيَقُولُ إنَّ الْقَاضِيَ مَلْجَأٌ وَلَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي الْمَالِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ وَلَا يُقَالُ أَنْتُمْ أَيْضًا تَنَاقَضَ قَوْلُكُمْ، فَإِنَّكُمْ أَوْجَبْتُمْ عَلَى الشَّاهِدِ الْمَالَ إذَا رَجَعَ وَلَمْ تُوجِبُوا عَلَيْهِ الْقِصَاصَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءُ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِصَاصُ نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِنِهَايَةِ الْجِنَايَةِ، وَالتَّسْبِيبُ فِيهِ قُصُورٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالضَّمَانِ وَنَقَلَهُ عَنْ شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ ثُمَّ قَالَ وَكَانَ أُسْتَاذُنَا فَخْرُ الدِّينِ الْبَدِيعُ يَسْتَبْعِدُ تَوَقُّفَ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالرُّجُوعِ أَوْ بِالضَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَالْقَاضِي لَا يَحْكُمُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ) وَلِأَنَّهُ أَيْ كَلَامَهُ الَّذِي نَاقَضَ بِهِ وَهُوَ الْمُتَأَخِّرُ فِي احْتِمَالِهِ الصِّدْقَ كَالْأَوَّلِ فَلَيْسَ الْقَضَاءُ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ فَوُقِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُتْلِفَا شَيْئًا عَلَى أَحَدٍ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهَا صَارَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ فَسَقَطَتْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَبَعْدَهُ لَمْ يُنْقَضْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِالرُّجُوعِ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ وَالْقَضَاءُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ لَا يَجُوزُ فَلَا يَفْسَخُ الْقَاضِي حُكْمَهُ بِالرُّجُوعِ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَمَا لَيْسَ بِشَهَادَةٍ لَا يَبْطُلُ بِهِ الْحُكْمُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَضَمِنَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لَهُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْإِتْلَافِ السَّبَبُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَلَا عِبْرَةَ بِالسَّبَبِ مَعَ وُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ فَسَقَطَ حُكْمُ السَّبَبِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ كَالْحَافِرِ مَعَ الدَّافِعِ وَلَنَا أَنَّ الشُّهُودَ لَمَّا رَجَعُوا عُلِمَ أَنَّ الْمَالَ وَصَلَ إلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ وَشَهَادَتُهُمْ كَانَتْ بَاطِلَةً وَتَسْلِيمُ مَالِ الْغَيْرِ إلَى الْغَيْرِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَالضَّمَانُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ وَلَا عَلَى الْقَاضِي بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ فَلِأَنَّ رُجُوعَ الشَّاهِدِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْغَيْرِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَاضِي فَلِأَنَّهُ كَالْمُلْجَأِ عَلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فُرِضَ عَلَيْهِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَرَ وُجُوبَ الْقَضَاءِ يَكْفُرُ وَلَوْ رَأَى ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا أَخَّرَ الْقَضَاءَ يَفْسُقُ وَإِذَا كَانَ كَالْمُلْجَأِ كَانَ مَعْذُورًا فِي قَضَائِهِ ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ وَعَلَى الْقَاضِي فَتَعَيَّنَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا سَبَبًا لِإِزَالَةِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ لِلْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِالْعِتْقِ ثُمَّ رَجَعُوا اهـ مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّسْبِيبَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِأَنَّهُمَا تَعَدَّيَا وَوَضَعَا الشَّهَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَصَارَ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى تَلَفِ الْمَالِ وَالْإِتْلَافُ بِسَبَبٍ إذَا كَانَ بِسَبِيلِ التَّعَدِّي يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا فِي حَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ كَلَامَ الشُّهُودِ مُتَنَاقِضٌ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّهَمٍ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَسْتَرِدُّ الْمَالَ مِنْ الْمَحْكُومِ لَهُ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الشَّاهِدِ صَحَّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلتَّسْبِيبِ مَعَ وُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ) قُلْنَا الْمُبَاشِرُ الْقَاضِي وَالْمُدَّعِي وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاضِي اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُلْجَأِ إلَى مُبَاشَرَةِ الْقَضَاءِ الَّذِي بِهِ الْإِتْلَافُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِافْتِرَاضِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ، وَإِذَا أَلْجَأَهُ الشَّرْعُ لَا يُضَمِّنُهُ، وَأَمَّا الْمُدَّعِي فَلِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِحَقٍّ ظَاهِرٍ مَاضٍ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الرُّجُوعِ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ لِيُنْقَضَ الْحُكْمُ وَإِذَا لَمْ يُنْقَضْ لَا يُمْكِنُ جَبْرُهُ عَلَى إعْطَاءِ مَا أَخَذَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ الْمَاضِي شَرْعًا وَإِذَا تَعَذَّرَ الْإِيجَابُ عَلَى الْمُبَاشِرِ تَعَيَّنَ عَلَى الْمُتَعَدِّي بِالتَّسْبِيبِ اهـ فَتْحٌ

وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ مَعَ الْمُبَاشِرِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْمُبَاشِرِ فَكَانَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ دُونَ ضَمَانِ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ فِي الْخَطَأِ، وَالْمَالَ يَجِبُ، وَالْخَطَأُ أَقْوَى مِنْ التَّسْبِيبِ لِوُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ فِيهِ وَلِهَذَا يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ بِخِلَافِ التَّسْبِيبِ فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ بِهِ الْقِصَاصُ وَقَوْلُهُ إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا وَهَذَا اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَتَحَقَّقُ بِقَبْضِ الْمُدَّعِي مَالَهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَيْنِ، وَالدَّيْنِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ دَيْنًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ الضَّمَانُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَشْهُودُ لَهُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُقَيَّدٌ بِالْمُمَاثَلَةِ فَفِي الْعَيْنِ زَوَالُ مِلْكِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَنْهَا بِالْقَضَاءِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا وَجَازَ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ وَفِي الدَّيْنِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ فَلَوْ رَجَعَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُمَاثَلَةُ إذْ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ أَخْذِ الْعَيْنِ وَإِيجَابِ الدَّيْنِ وَفِي الْعَيْنِ تَتَحَقَّقُ وَكَذَلِكَ فِي الْعَقَارِ يَضْمَنُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِيهِ وَهَذَا الْإِتْلَافُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ بِالْكَلَامِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْعَقَارَ عِنْدَ شَخْصٍ فَأَقَرَّ بِهِ الْمُودِعُ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْمُودِعِ لِتَحَقُّقِ الْإِتْلَافِ فِيهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ حَلَّلَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ أَوْ وَهَبَهُ إيَّاهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْمَالَ الْمَشْهُودَ بِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَصِيرُ مَالًا فِي الْعَاقِبَةِ بِالْقَبْضِ فَيَتَحَقَّقُ الْإِتْلَافُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ثُمَّ رَجَعَا حَيْثُ لَا يَضْمَنَانِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ الْآدَمِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ، وَالْعِبْرَةُ لِمَنْ بَقِيَ لَا لِمَنْ رَجَعَ) وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَ الضَّمَانُ مَعَ بَقَاءِ مَنْ يَقُومُ بِكُلِّ الْحَقِّ بِأَنْ بَقِيَ النِّصَابُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَقِيَ مَنْ يَقُومُ بِنِصْفِ الْحَقِّ فَيَجِبُ ضَمَانُ النِّصْفِ وَلَا يُقَالُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِبَعْضِ الْعِلَّةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَبْقَى بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى الْحُكْمُ بِبَعْضِ الْعِلَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ ابْتِدَاءً كَالْحَوْلِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى النِّصَابِ يَبْقَى بِبَقَاءِ بَعْضِ النِّصَابِ، وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ) أَيْ خُوَاهَرْ زَادَهْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَيْنًا يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ الضَّمَانُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُ قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ فِي شَرْطِ الْقَبْضِ لِضَمَانِ الْعَيْنِ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالْمِلْكِ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ فِي زَعْمِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بَاطِلٌ وَالْمَرْءُ مُؤَاخَذٌ بِزَعْمِهِ فَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمِلْكُ عَنْ يَدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَشْهُودُ لَهُ) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ مِنْ الشَّامِلِ فَقَالَ شَهِدَا بِعَيْنٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ قَبَضَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُمَا أَزَالَا مِلْكَ الْآخَرِ عَنْ الْعَيْنِ الْمَقْضِيِّ بِهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُمَا حَالَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ دَيْنًا ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ قَبْلَ قَبْضِ الدَّيْنِ لَا يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا وَمَا حَالَا وَلِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا دَيْنًا وَلَا يُوجِبُ ضَمَانَ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ مُقَيَّدٌ بِالْمِثْلِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ لَا جُرْمَ لَوْ قَبَضَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَصَارَ عَيْنًا يَضْمَنُ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فُرُوعٌ) شَهِدَا أَنَّهُ أَجَّلَهُ إلَى سَنَةٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَاهُ حَالًّا ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَوْ تَوَى مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ لَوْ يَرْجِعَا عَلَى الطَّالِبِ بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ شَهِدَا عَلَى هِبَةِ عَبْدٍ وَتَسْلِيمٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ لِلْمَالِكِ وَلَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ كَالْعِوَضِ، وَإِنْ لَمْ يُضَمِّنْ الْوَاهِبُ الشَّاهِدَيْنِ لَهُ الرُّجُوعُ شَهِدَا أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةٌ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا يُخَيِّرُ الْبَائِعَ بَيْنَ رُجُوعِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَى سَنَةٍ وَبَيْنَ تَضْمِينِ الشَّاهِدَيْنِ قِيمَتَهُ حَالَّةً وَلَا يُضَمِّنُهُمَا الْخَمْسَمِائَةِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ رَجَعَا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْبَائِعِ بِالضَّمَانِ وَطَابَ لَهُمَا قَدْرُ مِائَةٍ وَتَصَدَّقَا بِالْفَضْلِ. اهـ. كَمَالٌ مَعَ حَذْفِ فُرُوعٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الضَّمَانَ) أَيْ ضَمَانَ الْإِتْلَافِ وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ إلَخْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَجَازَ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ وَفِي الدَّيْنِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ) وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ يُوَافِقُ فِي وَجْهِ الدَّيْنِ وَيَقُولُ فِي الْعَيْنِ: إنَّ الْمِلْكَ، وَإِنْ ثَبَتَ فِيهِ لِلْمُدَّعِي بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ لَكِنْ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ مِلْكُهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّاهِدَ شَيْئًا مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ قَالَ الْبَزَّازِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى الضَّمَانُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ أَوْ لَا. اهـ. كَمَالٌ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا نَصُّهُ الشَّاهِدَانِ إذَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا رُجُوعًا مُعْتَبَرًا يَعْنِي عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ لَكِنْ ضَمِنَا الْمَالَ الَّذِي شَهِدَا بِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى سَوَاءٌ قَبَضَ الْمَقْضِيُّ لَهُ الْمَالَ الَّذِي قَضَى بِهِ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ وَكَذَا الْعَقَارُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْعِبْرَةُ لِمَنْ بَقِيَ لَا لِمَنْ رَجَعَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصْلُ هُنَا مَا ذَكَرُوا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الرُّجُوعِ لِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ لَا لِرُجُوعِ مَنْ رَجَعَ وَأَنَّ الشَّاهِدَ فِي رُجُوعِهِ يَضْمَنُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَا أَثْبَتَ بِشَهَادَتِهِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَرُجُوعُهُ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَا فِي إبْطَالِ مَا ثَبَتَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا الْعِبْرَةُ لِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعِبْرَةُ لِرُجُوعِ مَنْ رَجَعَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ وَاجِبًا عَلَى الرَّاجِعِ مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ عِنْدَ وُجُودِ الْمُبْقِي كَمَا إذَا رَجَعَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ ضَمَانُ الْإِتْلَافِ بِلَا تَلَفٍ وَهُوَ فَاسِدٌ إذْ الْحَقُّ بَاقٍ لَمْ يَتْلَفْ مِنْهُ شَيْءٌ بِبَقَاءِ الشَّاهِدَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْحَوْلِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى النِّصَابِ يَبْقَى إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا مَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ الِاثْنَيْنِ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ شَيْءٌ أَصْلًا فَيَقْتَضِي أَنْ يَضْمَنَ الْوَاحِدُ الرَّاجِعُ كُلَّ الْمَالِ فَهُوَ مُصَادِمٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى نَفْيِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَفْيِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ ثُبُوتِ شَيْءٍ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ إنَّمَا هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا يَلْزَمُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ

لَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ ابْتِدَاءً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (: فَإِنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ وَرَجَعَ وَاحِدٌ لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ تَكْفِي لِثُبُوتِ الْحَقِّ فِي غَيْرِ الزِّنَا، وَالْكَلَامِ فِيهِ وَقَدْ بَقِيَتْ فَصَارَ الْحَقُّ مُسْتَحَقًّا بِهَا، وَالِاسْتِحْقَاقُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَقِّ كَمَنْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمُتْلِفُ بِبَيِّنَةٍ لَا يَضْمَنُ لِلْأَوَّلِ شَيْئًا فَكَذَا هَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ رَجَعَ آخَرُ ضَمِنَا النِّصْفَ)؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ فَيَبْقَى بِبَقَائِهِ نِصْفُ الْحَقِّ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الرَّاجِعُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ كَانَ مُضَافًا إلَى الْبَاقِيَيْنِ وَلِهَذَا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا بِرُجُوعِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ التَّلَفُ مُضَافٌ إلَى الْمَجْمُوعِ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ رُجُوعِ الْأَوَّلِ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ لِمَانِعٍ وَهُوَ بَقَاءُ الشَّاهِدَيْنِ فَلَمَّا رَجَعَ آخَرُ ظَهَرَ أَثَرُهُ إذْ لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ يَقُومُ بِنِصْفِ الْحَقِّ فَيَغْرَمَانِ النِّصْفَ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَهَذَا كَمَا يَلْزَمُ جَمِيعَهُمْ الضَّمَانُ إذَا رَجَعُوا وَهُمْ ثَلَاثَةٌ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُنِي الضَّمَانُ؛ لِأَنِّي لَوْ رَجَعْت وَحْدِي لَمَا وَجَبَ عَلَيَّ فَلَا يَجِبُ عَلَيَّ الضَّمَانُ بِرُجُوعِ غَيْرِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ ضَمِنَتْ الرُّبْعَ) لِبَقَاءِ ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ بِبَقَاءِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ إذْ الرَّجُلُ وَحْدَهُ بِالنِّصْفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ رَجَعَتَا ضَمِنَتَا النِّصْفَ)؛ لِأَنَّهُ بِبَقَاءِ الرَّجُلِ بَقِيَ نِصْفُ الْحَقِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِمَا الرُّبْعُ أَثْلَاثًا، وَإِنْ رَجَعَ رَجُلَانِ فَعَلَيْهِمَا النِّصْفُ، وَإِنْ رَجَعَتْ امْرَأَتَانِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ فَرَجَعَتْ ثَمَانٍ لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ وَهُوَ الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَتَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى ضَمِنَ رُبْعَهُ)؛ لِأَنَّهُ بِبَقَاءِ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ بَقِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ النِّصْفُ بِالرَّجُلِ، وَالرُّبْعُ بِالْمَرْأَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ رَجَعُوا فَالْغُرْمُ بِالْأَسْدَاسِ) يَعْنِي سُدُسَهُ عَلَى الرَّجُلِ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ عَلَى النِّسْوَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّهُنَّ، وَإِنْ كَثُرْنَ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا بِانْضِمَامِ رَجُلٍ. فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ بِهِنَّ مَا لَمْ يَشْهَدْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ فَكَانَ الثَّابِتُ بِشَهَادَتِهِ نِصْفَ الْحَقِّ وَبِشَهَادَتِهِنَّ النِّصْفَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ مُتَعَيِّنٌ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ لِلْقِيَامِ بِنِصْفِ الْحُجَّةِ فَلَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ إلَّا بِوُجُودِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ هَذَا الْحُكْمُ بِكَثْرَةِ النِّسَاءِ، فَإِذَا ثَبَتَ نِصْفُ الْحَقِّ بِشَهَادَتِهِ ضَمِنَ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِنَّ فَعَلَيْهِنَّ ضَمَانُهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي نُقْصَانِ عَقْلِهِنَّ «عَدَلَتْ شَهَادَةُ كُلِّ اثْنَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ» فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ بِذَلِكَ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ أَسْدَاسًا وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِكَثْرَتِهِنَّ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِكَثْرَتِهِنَّ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الرِّجَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي الْمِيرَاثِ تَقُومَانِ مَقَامَ ابْنٍ وَاحِدٍ وَعِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ فَلَا يَزْدَادُ نَصِيبُهُنَّ، وَإِنْ اخْتَلَطْنَ بِابْنٍ يَزِيدُ فَيُعْتَدُّ بِكَثْرَتِهِنَّ فَكَذَا هُنَا، وَإِنْ رَجَعَ النِّسْوَةُ الْعَشْرُ دُونَ الرَّجُلِ كَانَ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِهِ نِصْفُ الْحَقِّ وَهُوَ الرَّجُلُ وَكَذَلِكَ إذَا رَجَعَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ عَلَيْهِ نِصْفُ الْحَقِّ لِبَقَاءِ مَنْ يَقُومُ بِالنِّصْفِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ إنْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَثَمَانِ نِسْوَةٍ فَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الْحَقِّ وَلَا شَيْءَ عَلَى النِّسْوَةِ؛ لِأَنَّهُنَّ، وَإِنْ كَثُرْنَ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ فَيَجْعَلُ الرَّاجِعَاتِ كَأَنَّهُنَّ لَمْ يَشْهَدْنَ وَهَذَا سَهْوٌ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ أَخْمَاسًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَنْصَافًا. وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ كَانَ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمَا وَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا دُونَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَيْسَتْ بِشَاهِدَةٍ بَلْ هِيَ بَعْضُ الشَّاهِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَلْزَمُ فِي الِابْتِدَاءِ وَحِينَئِذٍ فَبَعْدَمَا ثَبَتَ شَيْءٌ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ نُسِبَ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي حَالِ الْبَقَاءِ ثُبُوتُ حِصَّةٍ مِنْهُ بِشَهَادَتِهِ فَتَبْقَى هَذِهِ الْحِصَّةُ مَا بَقِيَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَيَكُونُ مُتْلِفًا لَهَا بِرُجُوعِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِمَا الرُّبْعُ أَثْلَاثًا) ثُلُثَا الرُّبْعِ وَهُوَ سُدُسٌ عَلَى الرَّجُلِ وَثُلُثُ الرُّبْعِ وَهُوَ نِصْفُ سُدُسٍ عَلَى الْمَرْأَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى ضَمِنَ) أَيْ النِّسْوَةُ التِّسْعُ الرَّاجِعَاتُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ رَجَعُوا) أَيْ الرَّجُلُ وَالنِّسْوَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا بِانْضِمَامِ رَجُلٍ) فَصَارَتْ شَهَادَةُ عَشْرِ نِسْوَةٍ كَشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَتَصِيرُ شَهَادَةُ عَشْرِ نِسْوَةٍ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ خَمْسَةِ رِجَالٍ فَصَارَ كَأَنَّ الشُّهُودَ كَانُوا سِتَّةَ رِجَالٍ فَرَجَعُوا جَمِيعًا فَوَجَبَ الضَّمَانُ أَسْدَاسًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: كَانَ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ بِالِاتِّفَاقِ) عَلَى اخْتِلَافِ التَّخْرِيجِ فَعِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفُ الْمَالِ وَعِنْدَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِهِ نِصْفُ الْحَقِّ وَهُوَ الرَّجُلُ) كَمَا لَوْ شَهِدَ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعَ خَمْسَةٌ ثُمَّ لَيْسَتْ إحْدَاهُنَّ أَوْلَى بِضَمَانِ النِّصْفِ مِنْ الْأُخْرَيَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَكَذَا فِي الِاخْتِيَارِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا إلَخْ فَلَا سَهْوَ إذْ كَذَا أَفَادَ شَيْخُنَا الْبُرْهَانُ الطَّرَابُلُسِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ:، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْمَبْسُوطِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بِشَهَادَتِهَا؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ شَاهِدٍ فَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى بَعْضِ الْعِلَّةِ اهـ

فَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ، وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَعِنْدَهُمَا عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ الْخُمُسَانِ وَعَلَيْهِنَّ ثَلَاثَةُ الْأَخْمَاسِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ، وَلَوْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الرَّاجِعَةِ أَثْلَاثًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا بِنِكَاحٍ بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَرَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا) سَوَاءٌ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ أَوْ هُوَ وَمُرَادُهُ هَذَا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ أَتْلَفَا عَلَيْهِ شَيْئًا بِعِوَضٍ يُقَابِلُهُ، وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافٍ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَسْتَقِيمُ فِي حَقِّهَا؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهَا الْبُضْعَ بِعِوَضٍ مُتَقَوِّمٍ. وَأَمَّا فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَغَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَأَتْلَفَا عَلَيْهِ الْمَالَ الْمُتَقَوِّمَ بِمُقَابَلَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَا لَهُ مُطْلَقًا قُلْنَا الْبُضْعُ مُتَقَوِّمٌ حَالَ دُخُولِهِ فِي الْمِلْكِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ زَادَا عَلَيْهِ ضَمِنَاهَا) أَيْ إنْ زَادَا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ضَمِنَا الزِّيَادَةَ هَذَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِلنِّكَاحِ وَهُوَ يُنْكِرُ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَى الزَّوْجِ قَدْرَ الزِّيَادَةِ بِلَا عِوَضٍ وَلَمْ يُذْكَرْ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَحُكْمُهُ أَنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ لَهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْمُتَقَوِّمِ إذْ التَّضْمِينُ يَسْتَدْعِي الْمُمَاثَلَةَ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ وَيَتَقَوَّمُ بِالتَّمَلُّكِ ضَرُورَةَ إبَانَةِ خَطَرِ الْمَحَلِّ. فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالًا كَالْقِصَاصِ، وَالنِّكَاحِ لَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ كَانَ مَالًا، فَإِنْ كَانَ الْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ يُعَادِلُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ لَا يَعْدِلُهُ لَا يَضْمَنُ بِقَدْرِ الْعِوَضِ وَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ لِخُلُوِّهَا عَنْ الْعِوَضِ وَتَخْرُجُ الْمَسَائِلُ عَلَى هَذَا، وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهَا بِقَبْضِ مَهْرِهَا أَوْ بَعْضِهِ فَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لَهَا؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهَا مَالًا وَهُوَ الْمَهْرُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا دُونَ الْبُضْعِ، وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسُمِائَةٍ وَأَنَّهَا قَبَضَتْ الْأَلْفَ وَهِيَ تُنْكِرُ فَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ لَا الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا فِيهِ إذْ لَمْ يَقْضِ بِوُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالنِّكَاحِ مَعَ قَبْضِ الْمَهْرِ قَضَاءٌ بِإِزَالَةِ مِلْكِهَا عَنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا قَضَاءٌ بِالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَقْبُوضًا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِهِ فَلَمْ تَقَعْ الشَّهَادَةُ بِالْقَبْضِ إتْلَافًا لِلْمُسَمَّى لِعَدَمِ وُجُوبِهِ أَصْلًا بَلْ وَقَعَتْ إتْلَافًا لِلْبُضْعِ فَيَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْرِيرِ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ مِنْ الْمَذْهَبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى الشُّهُودِ قِيمَةَ الْبُضْعِ مَعَ عَدَمِ وُجُوبِهِ بِالْقَضَاءِ. وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُوَ أَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِتْلَافِ، وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ عَلَى الزَّوْجِ عِنْدَ تَمَلُّكِهِ إيَّاهُ، وَلَوْ شَهِدَا بِالنِّكَاحِ عَلَى أَلْفٍ وَلَمْ يَشْهَدَا بِالْقَبْضِ حَتَّى قَضَى بِهِ ثُمَّ شَهِدَا بِالْقَبْضِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ ضَمِنَا لِلْمَرْأَةِ أَلْفًا؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا شَهِدَا بِالنِّكَاحِ بِأَلْفٍ ثَبَتَ لَهَا حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ قَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ بِالنِّكَاحِ ثُمَّ بِشَهَادَتِهِمَا أَتْلَفَا عَلَيْهَا ذَلِكَ فَيَضْمَنَانِ جَمِيعَهُ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ، وَقَالَتْ: تَزَوَّجَنِي عَلَى أَلْفٍ وَذَلِكَ مَهْرُ مِثْلِهَا فَأَقَامَ الزَّوْجُ شَاهِدَيْنِ بِمَا ادَّعَى وَقَضَى لَهُ بِذَلِكَ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لَهَا تِسْعَمِائَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الْمَهْرِ فَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُهَا إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَلَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَقَضَى لَهَا عَلَيْهِ بِأَلْفٍ فَأَتْلَفَا عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ تِسْعَمِائَةٍ فَيَضْمَنَانِهِ وَعِنْدَهُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَلَمْ يُتْلِفَا عَلَيْهَا شَيْئًا وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ) أَيْ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ أَثْلَاثٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ قَامَتَا مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ ضَمِنَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ نِصْفَ الْمَالِ أَثْلَاثًا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الرَّجُلُ نِصْفَ الْمَالِ وَلَا تَضْمَنُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الثَّابِتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ نِصْفُ الْحَقِّ وَبَقِيَ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ نِصْفُ الْحَقِّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْحَقُّ بِشَهَادَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى الشُّيُوعِ ثُمَّ تُقَامُ كُلُّ امْرَأَتَيْنِ مَقَامَ رَجُلٍ فَثَلَاثُ نِسْوَةٍ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَنِصْفٍ، فَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا فَعِنْدَهُمَا أَنْصَافًا وَعِنْدَهُ أَخْمَاسًا عَلَى النِّسْوَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا بِنِكَاحٍ بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَرَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَسْتَدْعِي الْمُمَاثَلَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ الَّتِي هِيَ الْعَرْضُ أَعْنِي مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ كَمَا فِي إتْلَافِ سَائِرِ الْمَنَافِعِ الْمَغْصُوبَةِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِ الْمَرْأَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةً مَرِيضَةً لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ يَجِبْ لَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَتْ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِلْبُضْعِ قِيمَةٌ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ إبَانَةً لِخَطَرِ الْمَحَلِّ اهـ كَلَامُ الْأَتْقَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: قُلْنَا: الْبُضْعُ مُتَقَوِّمٌ حَالَ دُخُولِهِ إلَخْ) وَفِي الذَّخِيرَةِ وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ تُعْتَبَرُ مَالًا عِنْدَ الدُّخُولِ فَصَلُحَتْ عِوَضًا وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، وَالْأَبُ لَا يَمْلِكُ إزَالَةَ مَالِ الصَّغِيرِ إلَّا بِعِوَضٍ وَلَا يَمْلِكُ الْأَبُ خُلْعَ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ بِمَالِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ زَادَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زَادَ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الْعَيْنِيِّ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَى الزَّوْجِ قَدْرَ الزِّيَادَةِ بِلَا عِوَضٍ) حَيْثُ لَمْ يُدْخِلَا بِإِزَائِهَا شَيْئًا اهـ

إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ مَا دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَإِنْ أَتْلَفَا مَنْفَعَةً بِأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَكْرَى دَابَّتَهُ بِمِائَةٍ وَأَجَّرَ مِثْلَهَا مِائَتَانِ فَرَكِبَهَا ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ، وَالْمُنْكِرُ صَاحِبَ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ مُجَرَّدَ الْمَنْفَعَةِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا شُبْهَةِ عَقْدٍ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لِمَا عُرِفَ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي صَاحِبَ الدَّابَّةِ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُ ضَمِنَا لَهُ مَا زَادَ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ بِلَا عِوَضٍ وَقُدِّرَ أَجْرُ الْمِثْلِ بِعِوَضٍ فَلَمْ يَضْمَنَاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَضْمَنَا فِي الْبَيْعِ إلَّا مَا نَقَصَ) يَعْنِي إذَا شَهِدَا عَلَى الْبَائِعِ بِأَنَّهُ بَاعَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ لَمْ يَضْمَنَا لَهُ إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ الْمَبِيعَ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ أَوْ يَفُوقُهُ، وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافَ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ بَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَا النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ أَوْ كَانَ بَاتًّا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْبَيْعُ السَّابِقُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيَكُونُ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمَا، فَإِنْ قِيلَ: الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ وَقَدْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِفَسْخِ الْبَيْعِ فِي الْمُدَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ رَضِيَ بِالْبَيْعِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَا لَهُ شَيْئًا قُلْنَا: السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِزَوَالِ الْمِلْكِ هُوَ الْبَيْعُ الْمَشْهُودُ بِهِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ حُكْمُهُ وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِزَوَائِدِهِ عِنْدَ النَّفَاذِ فَكَانَ الْإِتْلَافُ حَاصِلًا بِشَهَادَتِهِمَا فَيَضْمَنَانِ. وَهَذَا لِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ مُنْكِرًا لِلْبَيْعِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُقِرِّ بِالْبَيْعِ فَيَتَنَاقَضُ كَلَامُهُ عِنْدَ النَّاسِ فَيَكُونُ كَاذِبًا عِنْدَهُمْ فَيَتَوَقَّاهُ حَذَرًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى إذَا أَجَازَهُ بِاخْتِيَارِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْمُسَبِّبِ مَعَ وُجُودِ الْمُبَاشِرِ هَذَا إذَا شَهِدَا بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَشْهَدَا بِنَقْدِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَهِدَا بِنَقْدِ الثَّمَنِ مَعَ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِالْبَيْعِ يُنْظَرُ، فَإِنْ شَهِدَا بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ مَثَلًا فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ شَهِدَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ ضَمِنَا الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَقَرَّرَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بِالْقَضَاءِ ثُمَّ أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا بِالْقَبْضِ فَيَضْمَنَانِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ يَضْمَنَانِ الزِّيَادَةَ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ هَذَا الْقَدْرَ بِشَهَادَتِهِمَا الْأُولَى، وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِيمَةُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْبَيْعِ لَا بِوُجُوبِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالثَّمَنِ يُقَارِنُهُ مَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالْقَبْضِ، وَالْقَضَاءُ بِالشَّيْءِ إذَا اقْتَرَنَ بِهِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ لَا يُقْضَى بِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْبَيْعِ، وَالْإِقَالَةِ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَشْتَغِلُ بِالْقَضَاءِ بِالْبَيْعِ لِاقْتِرَانِ مَا يُوجِبُ انْفِسَاخَهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالْإِقَالَةِ فَكَذَا هُنَا، وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالشِّرَاءِ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا. فَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَضْمَنَا لِلْمُشْتَرِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ لَا يَكُونُ إتْلَافًا فِي الْمَعْنَى عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَا مَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ الزَّائِدَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَضْمَنَانِهِ لَهُ وَكَذَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَجَازَ الْبَيْعُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ جَازَ بِإِجَازَتِهِ لَا يَضْمَنَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي حَقِّ الْبَائِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ) يَعْنِي إذَا شَهِدَا بِأَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِلزَّوْجِ نِصْفَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُمَا أَكَّدَا عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ ارْتِدَادِهَا وَتَقْبِيلِ ابْنِ زَوْجِهَا ثَابِتٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُوجَدَ ذَلِكَ مِنْهَا فَيَسْقُطُ الْمَهْرُ بِهِ وَلِلتَّأْكِيدِ حُكْمُ الْإِيجَابِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا أَوْجَبَا عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ آخَرُ فِي يَدِهِ يَلْزَمُ الْآخِذَ الْجَزَاءُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِالتَّسْبِيبِ وَلِلتَّقْرِيرِ حُكْمُ الْإِيجَابِ وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ فَلَا تُوجِبُ شَيْئًا إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ جِهَتِهِ وَهُمَا بِإِضَافَةِ الْفُرْقَةِ إلَيْهِ أَلْزَمَاهُ نِصْفَ الْمَهْرِ فَيَضْمَنَانِ لَهُ ذَلِكَ وَيُنْتَقَضُ هَذَا بِمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّحْرِيرِ إحْدَاهُمَا امْرَأَةٌ لَهَا عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلٌ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ حَالٌّ فَأَخَذَتْهُ مِنْهُ ثُمَّ ارْتَدَّتْ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَسُبِيَتْ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ لَا يَضْمَنُونَ وَهَذَا الدَّيْنُ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى حَالِهِ لَسَقَطَ بِارْتِدَادِهَا، وَالثَّانِيَةُ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ امْرَأَةً قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ مَا دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُسْتَنْكَرُ عُرْفًا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ

بِهَا زَوْجُهَا حَتَّى لَزِمَهُ جَمِيعُ الْمَهْرِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنْ وُجِدَ التَّأْكِيدُ مِنْهُ إذْ لَوْلَا قَتْلُهُ لَكَانَ احْتِمَالُ السُّقُوطِ ثَابِتًا وَلَكِنْ نَقُولُ الْقَتْلُ مِنْهُ لِلنِّكَاحِ، وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ، وَالدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ ثَابِتٌ فِي الْحَالِّ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ يَحِلُّ وَلَمْ يُؤَكِّدَا بِشَهَادَتِهِمَا شَيْئًا إذْ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ أَوْ نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ بِأَنَّ دَيْنَهَا يَسْقُطُ بَلْ يَكُونُ لِوَرَثَتِهَا وَتَقْضِي بِهِ دُيُونَهَا فَلَا يَسْقُطُ فَبَطَلَ السُّؤَالُ مِنْ الْأَصْلِ، وَالِابْنُ إذَا أَكْرَهَ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَزَنَى بِهَا يَلْزَمُ أَبَاهُ نِصْفُ الْمَهْرِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الِابْنِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ بِإِكْرَاهِهِ إيَّاهَا أَلْزَمَ أَبَاهُ نِصْفَ الْمَهْرِ فَصَارَ نَظِيرَ الشُّهُودِ. وَلَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ غَرِمُوا لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ وَلَمْ تَرِثْ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالْقَضَاءِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي حَيَاتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ وَقَعَتْ لَهُمْ وَضَمِنَا لِلْمَرْأَةِ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ كَانَ مُؤَكَّدًا ظَاهِرًا بِالْمَوْتِ بِحَيْثُ لَا يَسْقُطُ بِمُسْقِطٍ وَكَذَا الْمِيرَاثُ كَانَ وَاجِبًا لَهَا بِمَوْتِهِ فَهُمَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ أَبْطَلَا عَلَيْهَا نِصْفًا مُؤَكَّدًا مِنْ الْمَهْرِ وَإِرْثًا ثَابِتًا بِالظَّاهِرِ فَيَضْمَنَانِ لَهَا ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَضْمَنَا لَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا فَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ لَمْ يَضْمَنَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ لَا بِشَهَادَتِهِمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَضْمَنَانِ لِلزَّوْجِ مَهْرَ الْمِثْلِ وَكَذَا إذَا قَتَلَهَا قَاتِلٌ يَضْمَنُ الْقَاتِلُ لِلزَّوْجِ مَهْرَ الْمِثْلِ عِنْدَهُ وَكَذَا إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْرَمَ لِلزَّوْجِ نِصْفَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ حَالَ الدُّخُولِ حَتَّى لَا يُتَصَوَّرَ أَنْ يَتَمَلَّكَ بِلَا عِوَضٍ فَكَذَا عِنْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ عَيْنُ مَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ فَمِنْ ضَرُورَةِ تَقَوُّمِهِ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ التَّقَوُّمُ فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى كَمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَنَا أَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ الْمُتْلِفُ بِالْوَطْءِ شَيْئًا حَتَّى لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعُقْرُ لَهَا، وَلَوْ كَانَ مِلْكُهُ مُتَقَوِّمًا لَكَانَ لَهُ وَلَكَانَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ إنْسَانٍ كَمِلْكِ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْمُمَاثَلَةُ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْبُضْعِ وَالْمَالِ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا، وَأَمَّا عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ فَالْمُتَقَوِّمُ هُوَ الْمَمْلُوكُ دُونَ الْمِلْكِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ وَتَقَوُّمُهُ لِإِظْهَارِ خَطَرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ حَتَّى يَكُونَ مَصُونًا عَنْ الِابْتِذَالِ وَلَا يُمْلَكُ مَجَّانًا، فَإِنَّ مَا يُمْلَكُ مَجَّانًا لَا يَعْظُمُ خَطَرُهُ عِنْدَ إصَابَتِهِ وَذَلِكَ مَحَلٌّ لَهُ خَطَرٌ مِثْلُ النُّفُوسِ؛ لِأَنَّ النَّسْلَ يَحْصُلُ بِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْصُلُ فِي طَرَفِ الْإِزَالَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَتَمَلَّكُ عَلَى الزَّوْجِ شَيْئًا لَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهَا مِلْكُ الزَّوْجِ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَا هُوَ مَشْرُوطٌ لِمَعْنَى الْخَطَرِ عِنْدَ التَّمَلُّكِ كَالشُّهُودِ، وَالْوَلِيِّ لَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِنْهُ عِنْدَ الْإِزَالَةِ وَلِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ دُونَ الدُّخُولِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْلَعَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ عَلَى مَالِهَا مِنْ زَوْجِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ عَلَى مَالِهِ بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ مِلْكُ مَالٍ، وَالْمَالُ مِثْلٌ لِلْمَالِ فَعِنْدَ الْإِتْلَافِ يَضْمَنُ بِالْمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَفِي الْعِتْقِ ضَمِنَا الْقِيمَةَ) أَيْ إذَا شَهِدَا بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِعِتْقِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ ضَمِنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَالْوَلَاءُ لِلَّذِي شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِمَا بِهَذَا الضَّمَانِ فَلَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ وَلَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا بِثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ بَلْ هُوَ كَالنَّسَبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لَحْمَةٌ كَلَحْمَةِ النَّسَبِ» فَلَا يَكُونُ الضَّمَانُ بَدَلًا عَنْهُ بَلْ عَمَّا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مِنْ مِلْكِ الْمَالِ وَهَذَا الضَّمَانُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ إلَّا مِلْكَهُ وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَزِمَ مِنْهُ فَسَادُ مِلْكِ صَاحِبِهِ فَأَوْجَبَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ الْمُوَاسَاةَ صِلَةً، وَالصِّلَاتُ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ كَالزَّكَاةِ وَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ. وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ دَبَّرَهُ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا مَا نَقَصَهُ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا لِلْعَبْدِ حَقَّ الْعِتْقِ وَبِذَلِكَ تُنْتَقَصُ مَالِيَّتُهُ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَيَضْمَنَانِ لِلْوَرَثَةِ بَقِيَّةَ قِيمَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سَوَاءٌ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَسَعَى فِي ثُلُثَيْهِ وَيَضْمَنَانِ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُعْسِرًا يَضْمَنَانِ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَيَرْجِعَانِ بِهِ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَقَضَى بِالْكِتَابَةِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُمَا حَالَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ فَصَارَا كَالْغَاصِبِ لَهُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ ثُمَّ الشَّاهِدَانِ يَتْبَعَانِ الْمُكَاتَبَ بِالْكِتَابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَضْمَنَا لَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَقَدْ دَخَلَ بِهَا وَقَضَى الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا إلَّا مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمَهْرِ إتْلَافٌ بِعِوَضٍ وَهُوَ اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ إنْ كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى ضَمِنَا النِّصْفَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مُسَمًّى يَضْمَنَانِ الْمُتْعَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِمُقَابَلَةِ عِوَضٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

عَلَى نُجُومِهَا؛ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ حِينَ ضَمِنَا قِيمَتَهُ وَكَانَ مِنْ قَضِيَّةِ الضَّمَانِ أَنْ يَمْلِكَاهُ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ لَكِنْ الْمُكَاتَبُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَلَا يُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ رُجُوعِهِمَا، فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ، وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُكَاتَبُ لَهُ، وَإِنَّمَا الشَّاهِدَانِ قَامَا مَقَامَهُ فِي أَخْذِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْهُ لَا غَيْرُ فَأَدَاؤُهُ إلَيْهِمَا كَأَدَائِهِ إلَى الْمَوْلَى وَيَطِيبُ لَهُمَا مَا أَخَذَا مِنْ الْمُكَاتَبِ إنْ كَانَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مِثْلَ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ تَصَدَّقَا بِالْفَضْلِ، وَإِنْ عَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ كَانَ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ لَمْ تَصِرْ مِلْكًا لِلشَّاهِدَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَيَرُدُّ الْمَوْلَى مَا أَخَذَ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ قَدْ بَطَلَتْ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا إذَا غَصَبَ الْمُدَبَّرَ فَأَبَقَ عِنْدَهُ فَضَمَّنَهُ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ ثُمَّ جَاءَ مِنْ الْإِبَاقِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْغَاصِبِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ اخْتَارَ الْمَوْلَى أَنْ يَتْبَعَ الْمُكَاتَبَ وَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْ مِنْهُ، وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ هُنَا حَالَ حَيَاةِ الْمَوْلَى أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ وَكَانَ الرُّجُوعُ حَالَ حَيَاةِ الْمَوْلَى، فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ لِلْمَوْلَى نُقْصَانَ قِيمَتِهَا، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ فَيَضْمَنَانِ لِلْوَرَثَةِ بَاقِيَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَوَرِثَهَا الْوَرَثَةُ فَفَوَّتَا عَلَيْهِمْ هَذَا الْقَدْرَ، وَإِنْ رَجَعَا بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى ضَمِنَا جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِلْوَرَثَةِ لِإِتْلَافِهِمَا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ وَرَجَعَا حَالَ حَيَاةِ الْمَوْلَى ضَمِنَا نُقْصَانَ قِيمَتِهَا لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَضَمِنَا جَمِيعَ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا كَانَ عَبْدًا لَهُ فَفَوَّتَا عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْوَلَدِ شَرِيكٌ فِي الْمِيرَاثِ لَا يَضْمَنَانِ لَهُ شَيْئًا وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ بِمَا قَبَضَ الْأَبُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ مَنْ زَعَمَ الْوَلَدُ أَنَّ رُجُوعَهُمَا بَاطِلٌ وَقَبَضَ الْأَبُ الضَّمَانَ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيُؤَدِّي مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ تَرِكَةٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَى الِابْنِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِدَيْنٍ وَلَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَرِيكٌ، فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَضْمَنَانِ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَمِنْ بَاقِي قِيمَةِ الْأُمِّ وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ بِمَا قَبَضَ الْأَبُ مِنْهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا إنْ تَرَكَ مَالًا وَلَا يَرْجِعَانِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُمَا شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي زَعْمِهِ ظَلَمَهُمَا فَلَا يُظْلَمُ هُوَ وَكَذَا فِي زَعْمِهِمَا فَلَا يَظْلِمَانِهِ وَلَا يَضْمَنَانِ لِشَرِيكِهِ مَا أَخَذَهُ الْوَلَدُ بِالْإِرْثِ، وَإِنْ رَجَعَا بَعْدَ وَفَاةِ الْمَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ شَرِيكٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ وَهُوَ يُكَذِّبُهُمَا فِي الرُّجُوعِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمِيرَاثِ يَضْمَنَانِ لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَمِنْ جَمِيعِ قِيمَةِ الْأُمِّ وَلَا يَضْمَنَانِ لَهُ مَا وَرِثَهُ الْوَلَدُ وَلَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ هُنَا بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُمَا شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا ظُلْمُ شَرِيكِهِ لَا ظُلْمُ أَبِيهِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَى الْإِرْثِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا أَنْ يَضْمَنَا جَمِيعَ قِيمَتِهَا هُنَا؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهَا عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَضْمَنَا مِنْ قِيمَتِهَا شَيْئًا لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ حَالَ حَيَاةِ الْمَوْلَى، وَإِنْ شَهِدَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ ضَمِنَا جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِلْوَرَثَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ ضَمِنَا قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ كُلَّهَا وَمَا أَخَذَهُ الْوَلَدُ بِالْإِرْثِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَوْلَى حَيْثُ لَا يَضْمَنَانِ مَا أَخَذَهُ الْوَلَدُ مِنْ التَّرِكَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لَا تَكُونُ شَهَادَةً بِالْمَالِ، وَالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ الِابْنُ أَوَّلًا فَيَرِثَهُ الْأَبُ فَلَا تَكُونُ شَهَادَتُهُمَا إتْلَافًا لِلْمَالِ فَلَا يَضْمَنَانِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَشَهَادَتُهُمَا وَقَعَتْ عَلَى الْمَالِ فَتَكُونُ إتْلَافًا لَهُ فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ كُلَّهُ حَتَّى الْوَلَدَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا كَانَ عَبْدًا مِيرَاثًا لَهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْقِصَاصِ الدِّيَةُ وَلَمْ يَقْتَصَّا) أَيْ فِيمَا إذَا شَهِدَا بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى شَخْصٍ بِأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا عَمْدًا فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ فَقُتِلَ ثُمَّ رَجَعَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْتَصُّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا تَسَبَّبَا لِقَتْلِهِ فَصَارَا كَالْمُكْرَهِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُعَانُ، وَالْمُكْرَهُ يُمْنَعُ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ أَفْضَى إلَى الْقَتْلِ وَأَوْلَى بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمَا وَلَنَا أَنَّهُمَا تَسَبَّبَا لِقَتْلِهِ وَلَيْسَا بِمُلْجِئَيْنِ إذْ الْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا بَلْ جَانِبُ الْعَفْوِ مُتَرَجِّحٌ، وَالتَّسَبُّبُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِنِهَايَةِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الْقَتْلُ مُبَاشَرَةً عَمْدًا بِآلَةٍ صَالِحَةٍ لَهُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِقَتْلٍ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا تَصِيرُ قَتْلًا بِوَاسِطَةٍ لَيْسَتْ فِي يَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَضْمَنَانِ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ) أَيْ إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْأَبُ مِنْهُمَا غَيْرَ نُقْصَانِ قِيمَةِ الْأُمِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ بِمَا قَبَضَ الْأَبُ) أَيْ مِنْ نُقْصَانِ قِيمَةِ الْأَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَصَارَا كَالْمُكْرَهِ) وَهَذَا لِأَنَّ الشَّاهِدَ كَالْمُكْرِهِ أَيْضًا لِلْقَاضِي عَلَى قَضَائِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَرَ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ يَكْفُرُ وَلَوْ رَأَى وَأَخَّرَ يَفْسُقُ ثُمَّ الْمُكْرَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَبِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ يَجِبَ عَلَى الشَّاهِدِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُعَانُ) أَيْ يُعَانُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُكْرَهُ يُمْنَعُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ الْكَاكِيُّ قَوْلُهُ وَالْمُكْرَهُ يُمْنَعُ بِنَصْبِ الرَّاءِ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْوَلِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْمُكْرَهِ اهـ

الشَّاهِدِ وَهُوَ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَاخْتِيَارُ الْوَلِيِّ قَتْلَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَالْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ مِنْ الْمُبَاشِرِ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَى الْمُتَسَبِّبِ كَدَلَالَةِ السَّارِقِ وَفَتْحِ بَابِ الْقَفَصِ وَحَلِّ قَيْدِ الْعَبْدِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْقَتْلُ حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ وَلَا حُكْمًا لِعَدَمِ الْإِلْجَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُلْجَأَ هُوَ الَّذِي يَخَافُ الْعُقُوبَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ عَلَى نَفْسِهِ فَيُؤْثِرُ نَفْسَهُ بِالطَّبْعِ فَيَكُونُ كَمَسْلُوبِ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ وَلَا فِي حَقِّ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَخَافُ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَصِيرُ بِهِ مُلْجَأً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُقِيمُ الطَّاعَةَ خَوْفًا مِنْ الْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَقْهُورًا. وَالْوَلِيُّ يُبَاشِرُ الْقَتْلَ بِاخْتِيَارِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَرَجٌ فِي الْعَفْوِ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى الْإِكْرَاهُ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ يُؤْثِرُ حَيَاتَهُ فَيُقْدِمُ عَلَى الْقَتْلِ فَيُنْسَبُ الْفِعْلُ إلَى الْمُكْرِهِ، وَالْمُكْرَهُ كَالْآلَةِ لَهُ وَلِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً، وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِهَا دُونَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ، وَإِنْ رَجَعَ الْوَلِيُّ مَعَهُمَا أَوْ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَلِيَّ الدِّيَةَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ مُتْلِفٌ لَهُ حَقِيقَةً، وَالشَّاهِدَانِ مُتْلِفَانِ لَهُ حُكْمًا، وَالْإِتْلَافُ الْحُكْمِيُّ مِثْلُ الْحَقِيقِيِّ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَا عِنْدَهُمَا إنْ ضَمَّنَ الْوَلِيَّ، وَإِنْ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ فَلَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا عَلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا عَامِلَانِ لَهُ فِي الشَّهَادَةِ فَيَرْجِعَانِ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُمَا بِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَا لَهُ بِقَتْلِ الْخَطَأِ فَقَضَى لَهُ بِهَا وَأَخَذَ الدِّيَةَ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا. وَهَذَا لِأَنَّهُمَا لَمَّا ضَمِنَا قَامَا مَقَامَ الْوَلِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكَا الْقِصَاصَ فَيَرْجِعَانِ عَلَيْهِ كَغَاصِبِ الْمُدَبَّرِ إذَا غَصَبَ مِنْهُ آخَرُ فَهَلَكَ عِنْدَ الثَّانِي وَاخْتَارَ الْمَوْلَى تَضْمِينَ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ فَضَمَّنَهُ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ قَامَ مَقَامَ الْمَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْمُدَبَّرَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِمَّا يُمْلَكُ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى مَلَكَهُ الْوَلِيُّ وَوَرَثَتُهُ إذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ وَلَهُ بَدَلٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْتَمِلٌ لِلتَّمَلُّكِ فَيَكُونُ السَّبَبُ مُعْتَبَرًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي بَدَلِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَعْمَالِهِ فِي الْأَصْلِ كَالْيَمِينِ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ يَنْعَقِدُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ الَّذِي هُوَ خَلَفٌ عَنْ الْبِرِّ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ هُوَ الْبِرَّ وَهُوَ مُتَصَوَّرُ الْوُجُودِ عَقْلًا وَكَذَا شُهُودُ الْكِتَابَةِ إذَا رَجَعُوا وَضَمِنُوا لِلْمَوْلَى الْقِيمَةَ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا بِهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكُوا مِنْهُ شَيْئًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الشُّهُودَ ضَمَّنُوا لِإِتْلَافِهِمْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ حُكْمًا، وَالْمُتْلِفُ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ بِسَبَبِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَالْوَلِيِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَكُونُوا مُتْلِفِينَ لَمَا ضَمِنُوا مَعَ الْمُبَاشِرِ إذْ لَا يُعْتَبَرُ مُجَرَّدُ التَّسَبُّبِ مَعَ الْمُبَاشِرِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَافِرَ لَا يُعْتَبَرُ مَعَ الدَّافِعِ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُمْ جُنَاةٌ وَمَنْ ضَمِنَ بِجِنَايَتِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ، فَإِنَّمَا يَرْجِعَانِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا ضَمِنَا مَلَكَا الدِّيَةَ وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْقَابِضُ بِصَرْفِهِ إلَى حَاجَتِهِ فَيَرْجِعَانِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ السَّبَبُ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي بَدَلِهِ أَنْ لَوْ كَانَ السَّبَبُ مِمَّا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ حُكْمِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْمِلْكِ فِي الْقِصَاصِ بِالضَّمَانِ بِحَالٍ فَلَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ خُلْفِهِ كَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَلَوْ كَانَ الْقِصَاصُ مِلْكًا لِإِنْسَانٍ حَقِيقَةً لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُتْلِفُ عَلَيْهِ بِأَنْ قَتَلَهُ شَخْصٌ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شُهُودٌ بِالْعَفْوِ ثُمَّ رَجَعُوا لَا يَضْمَنُ الْقَاتِلُ وَلَا الشُّهُودُ شَيْئًا لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ وَانْعِقَادُ السَّبَبِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ وُجُودِ الْمِلْكِ حَقِيقَةً وَبِهَذَا فَارَقَ مَسْأَلَةَ غَصْبِ الْمُدَبَّرِ، وَالْمُكَاتَبِ، فَإِنَّهُ فِيهِ لَوْ كَانَ مَالِكًا حَقِيقَةً لَكَانَ يَضْمَنُهُ الْمُتْلَفُ عَلَيْهِ فَكَذَا إذَا جُعِلَ كَالْمَالِكِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ انْعِقَادِ السَّبَبِ لَهُ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْبَدَلِ لِذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا)؛ لِأَنَّ التَّلَفَ مُضَافٌ إلَى شَهَادَتِهِمْ لِصُدُورِهَا مِنْهُمْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا شُهُودُ الْأَصْلِ بِلَمْ نُشْهِدْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِنَا أَوْ أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِمْ لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفُرُوعِ أَوْ بِقَوْلِهِمْ أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ إذْ الْقَاضِي يَقْضِي بِمَا يُعَايِنُ مِنْ الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمْ بِقَوْلِهِمْ لَمْ نُشْهِدْهُمْ أَنْكَرُوا السَّبَبَ أَصْلًا وَهُوَ الْإِشْهَادُ وَهُوَ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ، وَالْكَذِبِ فَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى كَلَامِهِمْ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالُوا ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَيْثُ لَا يُقْضَى بِهِ لِإِنْكَارِهِمْ التَّحْمِيلَ وَهُوَ شَرْطٌ فِيهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ شُهُودُ الْأَصْلِ فِيمَا إذَا قَالُوا أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ قَامُوا مَقَامَ الْأُصُولِ فِي نَقْلِ شَهَادَتِهِمْ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَيَحْصُلُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ فَلِهَذَا تُعْتَبَرُ عَدَالَتُهُمْ فَصَارَ كَأَنَّهُمْ حَضَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ مَجْلِسَ الْقَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا يَصِيرُ بِهِ مُلْجَأً) تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لَوْ لَمْ يَقْضِ بَعْدَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا) اعْلَمْ أَنَّ شُهُودَ الْفَرْعِ إذَا رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي بَعْدَ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِمْ ضَمِنُوا الْمَشْهُودَ بِهِ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْمَشْهُودِ بِهِ حَصَلَ بِأَدَائِهِمْ الشَّهَادَةَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَانَ الْإِتْلَافُ مُضَافًا إلَى شَهَادَتِهِمْ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الضَّمَانُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لَا شُهُودُ الْأَصْلِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ وَقَالُوا: لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِنَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْخِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَكَذَلِكَ أَثْبَتَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مُطْلَقًا بِلَا ذِكْرِ الْخِلَافِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي نَصْرٍ الْبَغْدَادِيِّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُونَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى هُنَا لَفْظُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا قَالُوا أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا) اعْلَمْ أَنَّ الْفَرْعَيْنِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَرْجِعَا عَمَّا شَهِدَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

فَشَهِدُوا ثُمَّ رَجَعُوا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالُوا لَمْ نُشْهِدْهُمْ عَلَى شَهَادَتِنَا حَيْثُ لَمْ يَضْمَنُوا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا، وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا التَّحْمِيلَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْأُصُولِ شَهَادَةٌ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَالشَّهَادَةُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ لَا تَكُونُ سَبَبًا لِإِتْلَافِ شَيْءٍ فَلَا يَلْزَمُهُمَا الضَّمَانُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُخْتَصَّةٌ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي وَلِهَذَا اخْتَصَّ الرُّجُوعُ بِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ لِلتَّنَاسُبِ وَلِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ الْفُرُوعَ نَائِبُونَ مَنَابَهُمْ فِي نَقْلِ شَهَادَتِهِمْ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَإِنَّهُمْ بَعْدَ الْإِشْهَادِ لَوْ مَنَعُوهُمْ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ كَانَ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ إذَا دَعَاهُمْ الْمُدَّعِي إلَيْهِ، وَلَوْ كَانُوا نَائِبِينَ عَنْ الْأُصُولِ لَمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَنْعِ وَلَكِنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى مَا تَحَمَّلُوا وَهُوَ إشْهَادُ الْأُصُولِ إيَّاهُمْ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ رَجَعَ الْأُصُولُ بِأَنْ قَالُوا أَشْهَدْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّا رَجَعْنَا عَنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ وَعِنْدَهُ يَضْمَنُونَ، وَالْوَجْهُ قَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ رَجَعَ الْأُصُولُ، وَالْفُرُوعُ ضَمِنَ الْفُرُوعُ فَقَطْ)؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِالشَّهَادَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَهِيَ مِنْ الْفُرُوعِ مُبَاشَرَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْأُصُولُ مُسَبِّبُونَ لِلتَّلَفِ مِنْ وَجْهٍ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْمُبَاشِرَ، وَالْمُسَبِّبَ إذَا اجْتَمَعَا وَهُمَا مُتَعَدِّيَانِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُبَاشِرِ دُونَ الْمُسَبِّبِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأُصُولَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْفُرُوعَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَاضِيَ عَايَنَ الشَّهَادَةَ مِنْ الْفُرُوعِ وَوَقَعَ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفُرُوعَ نَائِبُونَ عَنْهُمْ وَنَقَلُوا شَهَادَتَهُمْ بِأَمْرِهِمْ فَيُخَيَّرُ فِي تَضْمِينِ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ شَاءَ، وَالْجِهَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأُصُولِ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَشَهَادَةَ الْفُرُوعِ عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ أَوْ نَقُولُ إحْدَاهُمَا إشْهَادٌ، وَالْأُخْرَى أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّضْمِينِ بَلْ يُجْعَلُ كُلُّ فَرِيقٍ كَالْمُنْفَرِدِ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّلَفَ يَثْبُتُ بِالنَّقْلِ، وَالْإِشْهَادِ، وَالنَّقْلُ مِنْ الْفُرُوعِ، وَالْإِشْهَادُ مِنْ الْأُصُولِ فَلَوْلَا إشْهَادُ الْأُصُولِ لَمَا تَمَكَّنَ الْفُرُوعُ، وَلَوْلَا نَقْلُ الْفُرُوعِ لَمَا تَمَكَّنَ الْأُصُولُ فَكَانَ فِعْلُ كُلِّ فَرِيقٍ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سَبَبَ ضَمَانٍ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَاشَرَةِ. أَمَّا الْفُرُوعُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمْ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى وَجْهٍ لَوْ لَمْ يَعْمَلْ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ يَأْثَمُ وَكَذَلِكَ الْأُصُولُ مُبَاشِرُونَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْفُرُوعِ مَنْقُولٌ إلَى الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ مُضْطَرُّونَ مِنْ جِهَةِ الْأُصُولِ إلَى الْأَدَاءِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ بِحَيْثُ لَوْ امْتَنَعُوا عَنْ الْأَدَاءِ أَثِمُوا فَصَارُوا نَظِيرَ الْقَاضِي لِمَا أَلْجَأَهُ الشُّهُودُ إلَى الْقَضَاءِ نُسِبَ إلَيْهِمْ فَضَمِنُوا ثُمَّ أَيُّ فَرِيقٍ أَدَّى لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا ضَمِنَ بِجِنَايَتِهِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَى غَاصِبِ الْغَاصِبِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْفُرُوعِ كَذَبَ الْأُصُولُ أَوْ غَلِطُوا) يَعْنِي بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْ الْقَضَاءِ لَا يُنْتَقَضُ بِقَوْلِهِمْ كَمَا لَا يُنْتَقَضُ بِرُجُوعِهِمْ وَلَا يَلْزَمُهُمْ غَرَامَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا، وَإِنَّمَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِأَنَّهُمْ كَذَبُوا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ الْمُزَكُّونَ بِالرُّجُوعِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارَ كَمَا لَوْ أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِأَنْ شَهِدُوا عَلَى إحْصَانِ الزَّانِي ثُمَّ رَجَعُوا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا سَبَبَ التَّلَفِ وَهُوَ الزِّنَا مَثَلًا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ بِالْأَصَالَةِ، وَإِنَّمَا أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ فَصَارُوا فِي الْمَعْنَى كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُمْ جَعَلُوا مَا لَيْسَ بِمُوجِبٍ مُوجِبًا فَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَثْبَتَ سَبَبَ الْإِتْلَافِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ التَّزْكِيَةِ وَسَبَبُ التَّلَفِ الشَّهَادَةُ وَهِيَ لَا تُعْمَلُ إلَّا بِالتَّزْكِيَةِ فَكَانَتْ التَّزْكِيَةُ عِلَّةَ الْعِلَّةِ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا غَيْرَ الْمُوجِبِ مُوجِبًا؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الزِّنَا وَهُمْ لَمْ يُثْبِتُوهُ وَلِهَذَا يَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ بِخِلَافِ التَّزْكِيَةِ لِشُهُودِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُعْمَلُ إلَّا بِهَا فَصَارَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهَا كَمَا يُضَافُ إلَى الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ النِّسَاءُ مُزَكَّيَاتٍ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْحُدُودِ كَمَا لَا تَصْلُحُ لِلشَّهَادَةِ فِيهَا، وَلَوْلَا إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهَا لَصَلَحْنَ لِلتَّزْكِيَةِ فِيهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّأْثِيرَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ، وَالْعِلَّةُ مُؤَثِّرَةٌ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَكَذَلِكَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ مُؤَثِّرَةٌ أَيْضًا فِي إعْمَالِ الْعِلَّةِ إذْ الشَّهَادَةُ لَا تُوجِبُ الْعَمَلَ إلَّا بِهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فِي إثْبَاتِ الزِّنَا، فَإِنَّهُمْ أَثْنَوْا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأُصُولِ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَشَهَادَةَ الْفُرُوعِ عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ) فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّضْمِينِ بِأَنْ يُقَالَ يَضْمَنُ الْفَرِيقَانِ حَقَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْصَافًا بَلْ لَهُ الْخِيَارُ فِي تَضْمِينِ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ شَاءَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَصَارُوا نَظِيرَ الْقَاضِي لَمَّا أَلْجَأَهُ الشُّهُودُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ يَضْمَنُونَ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ بِحَالٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْفُرُوعِ كَذَبَ الْأُصُولُ أَوْ غَلِطُوا) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي: وَإِنْ قَالَ اللَّذَانِ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي قَدْ أَشْهَدَانَا عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَكِنَّهُمَا كَذَبَا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِمَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَلَمْ يَلْزَمْهُمَا الضَّمَانُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ عَلَى غَيْرِهِمَا بِأَنَّهُمَا كَذَبَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِيهِ. اهـ. غَايَةٌ

عَلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ إنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَقَدْ أَوْفَى حَقَّهَا شَرْعًا بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا وَهَذِهِ الْخِصَالُ تَمْنَعُ الزِّنَا فَلَا تَكُونُ مُوجِبَةً لَهُ؛ لِأَنَّ الزِّنَا مَذْمُومٌ وَهَذِهِ الْخِصَالُ مَحْمُودَةٌ فَهُمَا مُتَضَادَّانِ فَكَيْفَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا سَبَبًا لِلْآخَرِ فَلَمَّا لَمْ يُوجِبْ الزِّنَا لَا يُوجِبُ الرَّجْمَ أَيْضًا بَلْ هُوَ مُوجِبٌ الزِّنَا عِنْدَ وُجُودِ الْإِحْصَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشُهُودُ الْيَمِينِ) أَيْ يَضْمَنُ شُهُودُ الْيَمِينِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَشْهَدَا بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِشَرْطٍ أَوْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِشَرْطٍ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَنْهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا قِيمَةُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُمْ شُهُودُ الْعِلَّةِ إذْ التَّلَفُ يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ أَوْ التَّطْلِيقُ وَهُمْ الَّذِينَ أَثْبَتُوا ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمْ، وَالشَّرْطُ، وَإِنْ كَانَ مَانِعًا، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ أُضِيفَ التَّلَفُ إلَى تِلْكَ الْكَلِمَةِ وَهِيَ الْعِلَّةُ دُونَ زَوَالِ الْمَانِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا شُهُودُ الْإِحْصَانِ، وَالشَّرْطِ) أَيْ لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الْإِحْصَانِ وَلَا شُهُودُ الشَّرْطِ وَفِيهِمَا خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا شُهُودُ الْإِحْصَانِ فَهُوَ يَقُولُ إنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ عِنْدَهُ فَصَارَ كَحَقِيقَةِ الْعِلَّةِ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الرَّجْمِ، وَالشَّرْطُ إذَا سَلِمَ عَنْ مُعَارَضَةِ الْعِلَّةِ صَلُحَ عِلَّةً أَلَا تَرَى أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ يَضْمَنُ عِنْدَ عُدْمِ مَنْ يُلْقِي، وَالْحَفْرُ شَرْطُ الْوُقُوعِ فَيُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ قُلْنَا: إنَّ الْإِحْصَانَ عَلَامَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشَّرْطِ أَنْ تُوجَدَ الْعِلَّةُ بِصُورَتِهَا وَتَتَوَقَّفُ صَيْرُورَتُهَا عِلَّةً عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ كَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ قَدْ وُجِدَتْ بِصُورَتِهَا وَهِيَ قَوْلُهُ عَبْدُهُ حُرٌّ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَتَوَقَّفَتْ صَيْرُورَتُهَا عِلَّةً عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُنَا لَوْ زَنَى ثُمَّ أَحْصَنَ لَا يُرْجَمُ وَلَكِنْ إذَا زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ عَرَفْنَا أَنَّ حُكْمَهُ الرَّجْمُ وَهَذَا مَعْنَى الْعَلَامَةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وُجُوبُ الرَّجْمِ وَلَا وُجُودُهُ إذْ الْحُكْمُ لَا يُضَافُ إلَى الْعَلَامَةِ الْمُظْهِرَةِ، وَأَمَّا شُهُودُ الشَّرْطِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَرْجِعُوا وَحْدَهُمْ أَوْ مَعَ شُهُودِ الْعِلَّةِ وَهِيَ التَّعْلِيقُ، فَإِنْ رَجَعُوا مَعَ شُهُودِ الْيَمِينِ لَا يَضْمَنُونَ وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِشَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا قُلْنَا شُهُودُ الْيَمِينِ أَثْبَتُوا بِشَهَادَتِهِمْ الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ لِلْحُكْمِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ، وَالْآخَرُونَ أَثْبَتُوا الشَّرْطَ، وَالشَّرْطُ لَا يُعَارِضُ الْعِلَّةَ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى عِلَّتِهِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ وَإِلَى الشَّرْطِ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَالْمَجَازُ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ، وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ يَضْمَنُونَ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا لَمْ تُعَارِضْهُ الْعِلَّةُ صَلُحَ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَصَارَ عِلَّةً؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ لَمْ تُجْعَلْ عِلَّةً لِذَوَاتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَشُهُودُ الْيَمِينِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ صُورَتُهُ شَهِدَا بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِشَرْطٍ أَوْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِشَرْطٍ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ أَوْ الطَّلَاقُ وُجِدَ وَقَدْ نَزَلَ الْمُعَلَّقُ فَحَكَمَ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الْجَمِيعُ فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ هِيَ السَّبَبُ وَالتَّلَفُ إنَّمَا يُضَافُ إلَى مَنْ أَثْبَتَ السَّبَبَ دُونَ الشَّرْطِ الْمَحْضِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ وَشَاهِدَانِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قُبَيْلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ وَغَيْرِ السُّنَّةِ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَقَضَى الْقَاضِي بِعِتْقِهِ ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنَ شَاهِدَا الْيَمِينِ دُونَ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ تَلِفَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَاضِي قَضَى بِعِتْقِهِ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ بِقَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ لَا بِدُخُولِ الدَّارِ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى مَا أَثْبَتَهُ شَاهِدُ الْيَمِينِ دُونَ شَاهِدَيْ الشَّرْطِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا وَقَضَى الْقَاضِي بِجَمِيعِ الْمَهْرِ ثُمَّ رَجَعُوا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الدُّخُولِ. وَإِنْ كَانَ وُجُوبُ الْمَهْرِ مُضَافًا إلَى التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّ شُهُودَ الدُّخُولِ أَثْبَتُوا أَنَّ الزَّوْجَ اسْتَوْفَى عِوَضَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ فَخَرَجَتْ شَهَادَةُ شُهُودِ النِّكَاحِ مِنْ أَنْ تَكُونَ إتْلَافًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ أَنَّ شَاهِدَيْ الشَّرْطِ لَوْ رَجَعَا عَلَى الِانْفِرَادِ هَلْ يَضْمَنَانِ ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَضْمَنَانِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الضَّمَانِ عَلَى مُحَصِّلِ الشَّرْطِ عِنْدَ انْعِدَامِ إمْكَانِ الْإِيجَابِ عَلَى صَاحِبِ الْعِلَّةِ وَاجِبٌ وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُونَ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا وَحْدَهُمْ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا فِي التَّلَفِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَهُ أَثَرٌ فِي وُجُوبِ الْعِلَّةِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَكُونُ سَبَبُ الضَّمَانِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ فِي تَقْسِيمِ الشَّرْطِ قُلْنَا فِي شُهُودِ التَّعْلِيقِ وَشُهُودِ الشَّرْطِ إذَا رَجَعُوا الضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ التَّعْلِيقِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُمْ نَقَلُوا قَوْلَ الْمَوْلَى أَنْتَ حُرٌّ وَهَذَا بِانْفِرَادِهِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِإِضَافَةِ حُكْمِ الْعِتْقِ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ هُنَاكَ شَبَهَ الْعِلَّةِ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الشَّرْطِ شَيْئًا سَوَاءٌ رَجَعَ الْفَرِيقَانِ أَوْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ خَاصَّةً وَكَذَلِكَ شُهُودُ التَّخْيِيرِ وَشُهُودُ الِاخْتِيَارِ، فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى شُهُودِ الِاخْتِيَارِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ سَبَبٌ وَمَا عَارَضَهُ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِلْحُكْمِ مُضَافًا إلَيْهِ دُونَ السَّبَبِ فَلَمْ يَضْمَنْ شُهُودُ السَّبَبِ شَيْئًا كَمَا لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الشَّرْطِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لَا شُهُودُ الْإِحْصَانِ) صُورَتُهُ كَمَا قَالَ الْعَيْنِيُّ أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَيَشْهَدَ آخَرَانِ أَنَّهُ مُحْصَنٌ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ عِلَّةٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى شُهُودِ الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَقِيقَةً وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ صُورَتُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي شُهُودِ الْيَمِينِ. اهـ.

[كتاب الوكالة]

فَجَازَ أَنْ تَخْلُفَهَا الشُّرُوطُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ شُهُودَ الشَّرْطِ لَا يَضْمَنُونَ بِحَالٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ، وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالتَّفْوِيضِ وَشَاهِدَانِ بِالْإِيقَاعِ ثُمَّ رَجَعُوا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الْإِيقَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْعِلَّةُ، وَالتَّفْوِيضُ سَبَبٌ كِتَابُ الْوَكَالَةِ الْوَكَالَةُ الْحِفْظُ وَمِنْهُ الْوَكِيلُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَنْ قَالَ وَكَّلْتُك بِمَالِي يَمْلِكُ الْحِفْظَ فَقَطْ وَقِيلَ تَرْكِيبُهُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى التَّفْوِيضِ وَالِاعْتِمَادِ وَمِنْهُ التَّوَكُّلُ يُقَالُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا أَيْ فَوَّضْنَا أُمُورَنَا، وَالتَّوْكِيلُ تَفْوِيضُ التَّصَرُّفِ إلَى الْغَيْرِ وَسُمِّيَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ وَكَّلَ إلَيْهِ الْقِيَامَ بِأَمْرِهِ أَيْ فَوَّضَهُ إلَيْهِ وَاعْتَمَدَ فِيهِ عَلَيْهِ وَالْوَكِيلُ الْقَائِمُ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَقَدْ «وَكَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19] الْآيَةَ وَكَانَ الْبَعْثُ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ، وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا مَا لَمْ يَظْهَرْ نَسْخُهُ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفَاتِ وَعَنْ حِفْظِ مَالِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ أَشَدَّ الِاحْتِيَاجِ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَأَلْفَاظُهَا كُلُّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَقَوْلِهِ وَكَّلْتُك، أَوْ هَوَيْت أَوْ أَحْبَبْت أَوْ رَضِيت أَوْ شِئْت أَوْ أَرَدْت وَلَوْ قَالَ: لَا أَنْهَاك عَنْ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ لَا يَكُونُ تَوْكِيلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ التَّوْكِيلُ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْأَدِلَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ إقَامَةُ الْغَيْرِ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي التَّصَرُّفِ) أَيْ التَّصَرُّفُ الْجَائِزُ الْمَعْلُومُ هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ حَتَّى إنَّ التَّصَرُّفَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا يَثْبُتُ بِهِ أَدْنَى تَصَرُّفَاتِ الْوَكِيلِ وَهُوَ الْحِفْظُ فَقَطْ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مِمَّنْ يَمْلِكُهُ) أَيْ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ مِنْهُ وَيَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ مِنْ قِبَلِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَسْتَفِيدَ الْوِلَايَةَ مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ حَاصِلَةً بِمَا يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ فَأَمَّا كَوْنُ الْمُوَكِّلِ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ فِيهِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى يَجُوزَ عِنْدَهُ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَتَوْكِيلِ الْمُحْرِمِ الْحَلَالَ بِبَيْعِ الصَّيْدِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ نَظَرًا إلَى أَصْلِ التَّصَرُّفِ وَإِنْ امْتَنَعَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ بِعَارِضِ النَّهْيِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْأَسْبَابِ أَحْكَامُهَا، فَإِذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْأَحْكَامُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا كَانَ الْوَكِيلُ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا) يَعْنِي يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْعُقُودِ وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِمَا وَالْمُرَادُ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الشِّرَاءَ جَالِبٌ لِلْمَبِيعِ وَسَالِبٌ لِلثَّمَنِ وَالْبَيْعَ عَلَى عَكْسِهِ وَيَعْرِفُ الْغَبَنَ الْفَاحِشَ مِنْ الْيَسِيرِ وَيَقْصِدَ بِذَلِكَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ وَالرِّبْحِ لَا الْهَزْلَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْعِبَارَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ لِيَكُونَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ وَذَلِكَ بِالْعَقْلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (بِكُلِّ مَا يَعْقِدُهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِكُلِّ شَيْءٍ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ بِنَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ وَالْأَدِلَّةِ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْوَكِيلُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ يَعْقِدَ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ لَا مَا اسْتَفَادَهُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَقَيَّدُ بِأَمْرِ آمِرِهِ، وَكَذَا لَا يَرِدُ جَوَازُ تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ عَكْسٌ وَالنَّقْضُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الطَّرْدِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاضُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَهُ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ بِهِ وَاسْتَقْرَضَ لَهُ الْوَكِيلُ كَانَ لَهُ لَا لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي بَابِ الْقَرْضِ لَا يَجِبُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبْضِ وَالْأَمْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ كِتَابُ الْوَكَالَةِ] ِ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا. اهـ. غَايَةٌ أَوْرَدَ كِتَابَ الْوَكَالَةِ عَقِيبَ كِتَابِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْوَكَالَةِ إعَانَةُ الْغَيْرِ بِإِحْيَاءِ حَقِّهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْحِفْظُ فَقَطْ) وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْأَصْلِ الْفَرْعُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ وَقَالَ الْكَمَالُ قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ كَانَ وَكِيلًا بِالْحِفْظِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَرِدُ جَوَازُ تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ عَكْسٌ) وَيَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ نَقْضٌ وَهُوَ أَنَّ الذِّمِّيَّ يَمْلِكُ بَيْعَ الْخَمْرِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مُسْلِمًا بِبَيْعِهَا وَالْجَوَابُ أَنَّ الذِّمِّيَّ يَمْلِكُ بَيْعَ الْخَمْرِ بِنَفْسِهِ وَيَمْلِكُ تَمْلِيكَ غَيْرِهِ بَيْعَهَا أَيْضًا حَتَّى لَوْ وَكَّلَ ذِمِّيًّا بِذَلِكَ جَازَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ هُنَا لِمَعْنًى فِي الْمُسْلِمِ وَهُوَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاجْتِنَابِهَا وَفِي التَّوْكِيلِ بِبَيْعِهَا اقْتِرَابُهَا وَالْحُرْمَةُ إذَا جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَحَلِّ لَا تَكُونُ مَانِعَةً حَتَّى لَوْ قَالَ قَائِلٌ: كُلُّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْحَائِضُ وَالْمُحَرَّمَةُ لِأَنَّا نَقُولُ هُنَاكَ جَائِزٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ بِمَعْنًى عَارِضٍ حَتَّى إذَا انْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى ظَهَرَ الْحِلُّ الَّذِي ثَبَتَ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ كَافِرًا بِقَبُولِ نِكَاحِهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ شَائِيَةِ الْعِبَارَةِ اهـ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي كِتَابِ السِّيَرِ فِي نَوْعٍ آخَرَ إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ لِذِمِّيٍّ أَنْ يُؤَمِّنَ أَهْلَ الْحَرْبِ فَأَمَّنَهُمْ جَازَ أَمَانُهُمْ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْأَمَانَ بِنَفْسِهِ يَجِبُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْأَمَانَ بِالنِّيَابَةِ عَنْ الْغَيْرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا وَكَّلَ ذِمِّيًّا أَنْ

بِالْقَبْضِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَثْبُتُ بِالْعَقْدِ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ فِيهِ مَقَامَهُ وَبِخِلَافِ الرِّسَالَةِ بِالِاسْتِقْرَاضِ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ عِبَارَةِ الْمُرْسِلِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ مُعَبِّرٌ وَالْعِبَارَةُ مِلْكُ الْمُرْسِلِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِاعْتِبَارِ الْعِبَارَةِ فَيَصِحُّ، وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَغَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِنَقْلِ عِبَارَةِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّ الْعِبَارَةَ لِلْوَكِيلِ وَلِهَذَا حُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ جَائِزٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالْخُصُومَةِ فِي الْحُقُوقِ بِرِضَا الْخَصْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا مُدَّةَ السَّفَرِ أَوْ مُرِيدًا لِلسَّفَرِ أَوْ مُخَدَّرَةً) أَيْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ بِشَرْطِ أَنْ يَرْضَى الْخَصْمُ إلَّا إذَا كَانَ مَعْذُورًا بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَالَا: يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ عُذْرٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَ بِمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ فَيَصِحُّ بِدُونِ رِضَا الْخَصْمِ كَالتَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ وَالْإِيفَاءِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى تَجْوِيزِهِ بِهَا إذَا لَا يَهْتَدِي إلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ أَوْ لَا يَرْضَى بِهَا عِنْدَ الْحُكَّامِ كُلُّ أَحَدٍ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَحْضُرُ خُصُومَةً أَبَدًا وَكَانَ يَقُولُ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُهَا وَإِنَّ لَهَا قُحْمًا وَكَانَ إذَا خُوصِمَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِ وَكَّلَ عَقِيلًا فَلَمَّا كَبُرَ عَقِيلٌ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَقَالَ هُوَ وَكِيلِي فَمَا قُضِيَ عَلَيْهِ وَمَا قُضِيَ لَهُ فَهُوَ لِي وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهَا بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَا خَصْمِهِ فَكَذَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّ التَّوْكِيلَ حَوَالَةٌ وَهِيَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَكَذَا التَّوْكِيلُ وَهَذَا لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَخْتَلِفُ وَالْجَوَابُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَصَارَ نَظِيرَ الْحَوَالَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُوَكِّلُ إلَّا مَنْ هُوَ أَلَدُّ وَأَشَدُّ إنْكَارًا وَيَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِ الْتِزَامِهِ كَالْحَوَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِهِ عُذْرٌ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ إسْقَاطُ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ لَكِنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي حَالِهِ وَفِي عُدَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا تَخْفَى هَيْئَةُ مَنْ يُسَافِرُ وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا اخْتَارُوا لِلْفَتْوَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَلِمَ مِنْ الْخَصْمِ التَّعَنُّتَ فِي الْإِبَاءِ مِنْ قَبُولِ التَّوْكِيلِ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَقْبَلُ التَّوْكِيلَ مِنْ الْمُوَكِّلِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَإِنْ عَلِمَ مِنْ الْمُوَكِّلِ قَصْدَ الْإِضْرَارِ بِخَصْمِهِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ التَّوْكِيلُ إلَّا بِرِضَاهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ الْأَعْذَارِ الْحَيْضُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَبْسُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْقَاضِي الَّذِي تَرَافَعُوا إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا إلَّا فِي حَدٍّ أَوْ قَوَدٍ) أَيْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِيفَاءِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَالِاسْتِيفَاءُ لِمَا بَيَّنَّا إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَا يُسْتَوْفَى بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ نَوْعِ شُبْهَةٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ فِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلَنَا أَنَّهُ عُقُوبَةٌ فَيَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ وَشُبْهَةُ الْعَفْوِ ثَابِتَةٌ فِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ قَدْ عَفَا بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ إذْ الْعَفْوُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَفْوِ وَقَدْ يَحْتَاجُ الْمُوَكِّلُ إلَى ذَلِكَ لِقِلَّةِ هِدَايَتِهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ أَوْ لِأَنَّ قَلْبَهُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ فِي غَيْبَةِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُمْ نَادِرٌ فَلَا يُتَوَهَّمُ وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَإِذَا قَامَتْ وَثَبَتَ الْحَقُّ فَلِلْمُوَكِّلِ اسْتِيفَاؤُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِهَا أَيْضًا كَمَا لَا يَجُوزُ بِاسْتِيفَائِهَا وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنَّهُ يُجَوِّزُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا رِضَا الْخَصْمِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا وَقِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، وَأَمَّا حَالُ حَضْرَتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ يُوجَدُ مِنْ الْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُهْدَةٌ عَلَى الْوَكِيلِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَكِيلَ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَلِ عَنْ الْأَصْلِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْإِبْدَالِ فِي هَذَا الْبَابِ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَلَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلَا مِنْ الْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ بَدَلٌ عَنْ الْعِبَارَةِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِثْبَاتِ الِاسْتِيفَاءُ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بِهِ لَا يَصِحُّ بِالْإِثْبَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُزَوِّجَ لَهُ مُسْلِمَةً جَازَ وَإِنْ كَانَ الذِّمِّيُّ لَا يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِالْمُسْلِمَةِ لِنَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ الرِّسَالَةِ بِالِاسْتِقْرَاضِ) بِأَنْ يَقُولَ: أَرْسَلَنِي فُلَانٌ إلَيْك يَسْتَقْرِضُ مِنْك كَذَا الْوَكِيلُ مَنْ يُبَاشِرُ الْعَقْدَ وَالرَّسُولُ مَنْ يُبَلِّغُ الْمُبَاشِرَ وَالسِّلْعَةُ أَمَانَةٌ فِي أَيْدِيهِمَا. اهـ. تَهْذِيبُ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى تَجْوِيزِهِ بِهَا) أَيْ إلَى تَجْوِيزِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: قُحَمًا) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْحَاءِ اهـ وَالْقُحْمَةُ الشِّدَّةُ وَالْوَرْطَةُ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْخُصُومَةِ وَإِنَّ لَهَا لَقُحَمًا وَفَتْحُ الْقَافِ خَطَأٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ اهـ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَمًا هِيَ الْأُمُورُ الْعَظِيمَةُ الشَّاقَّةُ وَاحِدَتُهَا قُحْمَةٌ اهـ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالْقُحْمَةُ بِالضَّمِّ الْأَمْرُ الشَّاقُّ لَا يَرْكَبُهُ أَحَدٌ وَالْجَمْعُ قُحَمٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ. اهـ.

أَيْضًا، وَلَهُمَا أَنَّ التَّوْكِيلَ تَنَاوَلَ مَا لَيْسَ بِحَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ وَلَا يُضَافُ وُجُوبُ الْحَدِّ إلَى الْخُصُومَةِ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهَا كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ مُضَافٌ إلَى الْجِنَايَةِ وَظُهُورُهُ مُضَافٌ إلَى الشَّهَادَةِ وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ مَحْضٌ لَا أَثَرَ لَهَا فِي الْوُجُوبِ وَلَا فِي الظُّهُورِ إذْ الْحُكْمُ لَا يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ وَيُمْكِنُ التَّدَارُكُ إذَا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّوْكِيلُ بِالْجَوَابِ مِنْ جَانِبِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ، وَكَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِيهِ وَقَعَ بِدَفْعِ دَعْوَى الْقِصَاصِ وَالْحُدُودُ وَدَفْعُهَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ حَتَّى يَثْبُتَ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَبِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ غَيْرَ أَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ وَالتَّوَكُّلُ بِإِثْبَاتِ حَدِّ الزِّنَا، وَالشُّرْبِ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا تُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ، فَإِذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحُقُوقُ فِيمَا يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَقَبْضِهِ، وَقَبْضُ الثَّمَنِ وَالرُّجُوعُ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْخُصُومَةُ فِي الْعَيْبِ وَالْمِلْكِ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً حَتَّى لَا يُعْتَقُ قَرِيبُ الْوَكِيلِ بِشِرَائِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَبَعٌ لِلْحُكْمِ وَلَيْسَتْ بِأَصْلٍ، وَالْوَكِيلُ لَيْسَ بِأَصْلٍ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَلَا يَكُونُ أَصْلًا فِي حَقِّ الْحُقُوقِ الَّتِي هِيَ مِنْ تَوَابِعِ الْحُكْمِ فَصَارَ كَالرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ وَأَخَوَاتِهِ وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ أَصْلٌ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقُومُ بِالْكَلَامِ وَصِحَّةُ كَلَامِهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ آدَمِيًّا عَاقِلًا فَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ الْحَاصِلُ بِالتَّصَرُّفِ وَأَفْعَالِهِ غَيْرَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمَّا اسْتَنَابَهُ فِي تَحْصِيلِ الْحُكْمِ جَعَلْنَاهُ نَائِبًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ لِلضَّرُورَةِ كَيْ لَا يَبْطُلَ مَقْصُودُهُ وَرَاعَيْنَا الْأَصْلَ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْعَقْدِ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ كَانَ سَفِيرًا كَمَا زَعَمَ لَمَا اسْتَغْنَى عَنْ إضَافَتِهِ إلَيْهِ كَالرَّسُولِ وَكَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ وَأَخَوَاتِهِ حَتَّى إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَانَ لَهُ دُونَ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ إضَافَةُ الْعَقْدِ إلَيْهِ وَإِيقَاعُ الْحُكْمِ لِلْمُوَكِّلِ. فَإِذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ كَانَ أَصِيلًا فِيهِ فَيَقَعُ لَهُ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ فِيهِ وَهِيَ الْحُقُوقُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَقَبْضُهُ وَقَبْضُ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمُهُ وَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ مَا بَاعَ أَوْ رُجُوعُهُ هُوَ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ مَا اشْتَرَى وَالْخُصُومَةُ فِي الْعَيْبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ يَقَعُ لَهُ فِي رِوَايَةٍ بَلْ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةً حُكْمِيَّةً فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً خِلَافَةً عَنْهُ بِمَعْنَى أَنَّ الْوَكِيلَ أَصْلٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ لَكِنْ فِي حَقِّ الْحُكْمِ يَخْلُفُهُ الْمُوَكِّلُ فَيَقَعُ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا فِيهِ كَالْعَبْدِ تَيَّهِبُ أَوْ يَصْطَادُ وَلِهَذَا لَا يُعْتَقُ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا اشْتَرَى قَرِيبَهُ بِالْوَكَالَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً إلَخْ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِالْوَكَالَةِ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي حَقِّ الْحُقُوقِ لَمْ يَخْلُفْهُ، فَإِذَا كَانَ أَصْلًا فِي حَقِّ الْحُقُوقِ جَازَ تَوْكِيلُهُ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْمُوَكِّلِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا، وَفِي قَوْلِهِ: تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ لَهُمَا تَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْحُقُوقُ وَتَلْزَمُهُمَا الْعُهْدَةُ مُطْلَقًا وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ جَازَ بَيْعُهُ وَلَزِمَتْهُ الْعُهْدَةُ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ، فَإِنْ كَانَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا بَلْ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْآمِرِ حَتَّى يُطَالِبَ الْبَائِعَ الْآمِرَ بِالثَّمَنِ دُونَ الْمُبَاشِرِ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ ضَمَانُ كَفَالَةٍ وَلَيْسَ بِضَمَانِ ثَمَنٍ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الثَّمَنِ مَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلضَّامِنِ فِي الْمُشْتَرِي وَهَذَا لَا يُفِيدُهُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَلْتَزِمُ مَالًا فِي ذِمَّتِهِ وَاسْتَوْجَبَ مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى مُوَكِّلِهِ. وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَهُوَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بِثَمَنٍ حَالٍّ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ الْعُهْدَةُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ ثَمَنٍ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الثَّمَنِ مَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْمُشْتَرَى وَهُنَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، فَإِنَّهُ يَحْبِسُ الْمَبِيعَ بِالثَّمَنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرَى لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ حَبْسَهُ بِهِ فَكَانَ ضَمَانَ كَفَالَةٍ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَفِي الْإِيضَاحِ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِالنَّقْدِ فَاشْتَرَى كَمَا أَمَرَهُ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْفَصْلِ الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ: أَظْهَرُ) أَيْ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ كَانَ أَصِيلًا فِيهِ فَيَقَعُ لَهُ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ) أَمَّا إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَقَدْ حَكَى الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ فِيهِ خِلَافًا وَحَكَى ابْنُ فِرِشْتَا الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ وَعَزَاهُ لِلْفُصُولِ وَفِيهِ مَا فِيهِ. اهـ.

وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ فِي تَسْلِيمِ الثَّمَنِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَحِقَتْهُ الْعُهْدَةُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ وَيُحْبَسَ الْمَبِيعَ عَنْهُ فَيَصِيرَ الْحَقُّ كَالْمُعَلَّقِ بِالْبَيْعِ فَيَخْرُجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا وَلَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ نَسِيئَةً فَاشْتَرَاهُ كَمَا أَمَرَهُ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ لَهُ دُونَ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ نَسِيئَةً لَمْ يَمْلِكْ حَبْسَ الْمَبِيعِ فَظَهَرَ مَعْنَى التَّبَرُّعِ بِالْتِزَامِ الدَّيْنِ فَلَا يَصِحُّ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الْوَكَالَةُ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ أَيْضًا إلَى أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْتِزَامُ الْعُهْدَةِ لِقُصُورِ أَهْلِيَّةِ الصَّبِيِّ وَلِحَقِّ مَوْلَى الْعَبْدِ فَتَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ كَمَا فِي الرَّسُولِ وَالْقَاضِي وَأَمِينِهِ ثُمَّ الْعَبْدُ إذَا عَتَقَ تَلْزَمُهُ تِلْكَ الْعُهْدَةُ. وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ لَا تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ لُزُومِ الْعُهْدَةِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ حَقُّ الْمَوْلَى إذْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ وَقَدْ زَالَ حَقُّهُ فَيَلْزَمُهُ وَالْمَانِعُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ حَقُّ نَفْسِهِ وَلَا يَزُولُ بِالْبُلُوغِ وَلَوْ قَبَضَهُ مَعَ هَذَا يَصِحُّ قَبْضُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ فَكَانَ أَصِيلًا فِيهِ فَانْتِفَاءُ اللُّزُومِ لِمَا ذَكَرْنَا لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْجَوَازِ وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ مُرْتَدًّا جَازَ تَصَرُّفُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ فَتُعْتَبَرُ عِبَارَتُهُ وَلَكِنْ يَتَوَقَّفُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنْ أَسْلَمَ كَانَتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُوَكِّلِ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهِيَ فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِي تَصَرُّفَاتِهِ لِنَفْسِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِيمَا يُضِيفُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ عَنْ إنْكَارٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ فَلَا يُطَالَبُ وَكِيلُهُ بِالْمَهْرِ وَلَا وَكِيلُهَا بِتَسْلِيمِهَا) أَيْ فِي كُلِّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَحُقُوقُهُ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ وَذَلِكَ كَالنِّكَاحِ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهَا سَفِيرٌ مَحْضٌ وَلِهَذَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ وَقَعَ النِّكَاحُ لَهُ فَصَارَ كَالرَّسُولِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ صَادِرًا مِنْ شَخْصٍ عَلَى سَبِيلِ الْأَصَالَةِ، وَالْحُكْمُ وَاقِعٌ لِغَيْرِهِ فَجَعَلْنَاهُ سَفِيرًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطَاتِ، أَمَّا غَيْرُ النِّكَاحِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ مَالِكِيَّتُهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ الْحُرْمَةُ فَكَانَ النِّكَاحُ إسْقَاطًا لِلْحُرْمَةِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ ضَرُورَةً لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْوَطْءِ وَلِهَذَا لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَسْخِ وَالتَّمْلِيكِ مِنْ الْغَيْرِ وَفِيمَا وَرَاءَ الْوَطْءِ فَهُوَ إسْقَاطٌ جَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ إذْ الْحُرْمَةُ تُنَافِي الْمِلْكَ وَالسَّاقِطُ مُتَلَاشٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ ثُمَّ يَسْقُطَ ثَانِيًا فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ بِالِانْتِقَالِ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَكَانَ حُكْمُ النِّكَاحِ ثَابِتًا لِمَنْ أُضِيفَ إلَيْهِ ابْتِدَاءً وَهُوَ الْمُوَكِّلُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ حُكْمَهُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَجَازَ أَنْ يَصْدُرَ السَّبَبُ مِنْ شَخْصٍ أَصَالَةً وَيَقَعَ الْحُكْمُ لِغَيْرِهِ. وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحِلَّ فِيهِ خُلِقَ مُبَاحًا وَقَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَذَلِكَ الْحُكْمُ مِمَّا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَهُ شَخْصٌ ثُمَّ يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى شَخْصٍ وَجَازَ أَنْ يَصْدُرَ السَّبَبُ مِنْ شَخْصٍ وَيَقَعَ الْحُكْمُ لِغَيْرِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ غَيْرَ أَصْلٍ إذْ جَوَازُ الِانْتِقَالِ عَنْهُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ أَخَوَاتِ هَذَا النَّوْعِ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةُ وَالْهِبَةُ وَالتَّصَدُّقُ وَالْإِعَارَةُ وَالْإِيدَاعُ وَالْإِقْرَاضُ وَالرَّهْنُ وَالشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ وَأَنَّهُ يُلَاقِي مَحِلًّا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ فَلَا يُجْعَلُ أَصِيلًا فِيهِ بَلْ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا وَكَذَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ فِيهِ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ وَلِأَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَلْتَزِمُ بَدَلَ الْقَرْضِ فِي ذِمَّتِهِ فَيَصِيرُ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ بِعْ شَيْئًا مِنْ مَالِك عَلَى أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ لِي وَنَظِيرَ التَّوْكِيلِ بِالشَّحَّاثَةِ فَكَانَ بَاطِلًا وَمَا اسْتَقْرَضَهُ فَهُوَ لِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْأَمْرِ وَلَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَدَلٌ يَلْزَمُهُ حَتَّى يَكُونَ بَيْعُ مَالِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا حُكْمُهُ يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ وَالْوَكِيلُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَحِلِّ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا فِيهِ فَصَارَ سَفِيرًا عَنْ الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَارَةِ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ حُكْمُهُ وَحُقُوقُهُ بِهَا وَهِيَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ أَجْنَبِيًّا بَلْ أَصِيلًا فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلِلْمُشْتَرِي مَنْعُ الْمُوَكِّلِ عَنْ الثَّمَنِ) يَعْنِي إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ إنَّ الْمُوَكِّلَ طَالَبَ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ لَهُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُوَكِّلِ (صَحَّ وَلَا يُطَالِبُهُ الْوَكِيلُ ثَانِيًا)؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ حَقُّهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَكِنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ) قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ وَكَّلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ إنْ أَضَافَ الْوَكِيلُ الِاسْتِقْرَاضَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَقَالَ: إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُ مِنْك كَذَا أَوْ قَالَ أَقْرِضْ فُلَانًا كَذَا كَانَ الْقَرْضُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يُضِفْ الِاسْتِقْرَاضَ لِلْمُوَكِّلِ يَكُونُ الْقَرْضُ لِلْوَكِيلِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ بِالْمُبَاحَاتِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاسْتِقَاءِ وَاسْتِخْرَاجِ الْجَوْهَرِ مِنْ الْمَعَادِنِ فَمَا أَصَابَ الْوَكِيلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ وَكَذَا التَّوْكِيلُ بِالتَّكَدِّي اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ وَالتَّوْكِيلُ بِقَبْضِ الْقَرْضِ يَصِحُّ بِأَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ: أَقْرِضْنِي ثُمَّ يُوَكِّلُ رَجُلًا بِقَبْضِهِ صَحَّ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ: وَلَوْ وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَ الْوَكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَبَيْنَ مُوَكِّلِهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ قَبَضْت الْمَالَ مِنْ الْمُقْرِضِ وَدَفَعْت إلَى الْمُوَكِّلِ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُرِيدُ بِهَذَا إلْزَامَ الْمَالِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إيجَابِ الْمَالِ عَلَى الْمُوَكِّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَنَظِيرُ التَّوْكِيلِ بِالشَّحَّاثَةِ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فِي بَابِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالشَّحَّاذُ الْمُلِحُّ فِي مَسْأَلَتِهِ وَعَوَامُّ الْعِرَاقِيِّينَ يَقُولُونَ شَحَّاثٌ بِالثَّاءِ وَيُخْطِئُونَ فِيهِ. اهـ.

[باب الوكالة بالبيع والشراء]

نَزْعِهِ مِنْهُ ثُمَّ رَدِّهِ عَلَيْهِ وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُشْتَرِي لِوُصُولِ الثَّمَنِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ وَدَفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْيَتِيمِ حَيْثُ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْوَصِيِّ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ لَيْسَ لَهُ قَبْضُ مَالِهِ أَصْلًا فَلَا يَكُونُ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الْمَدِينِ فَيَكُونُ الدَّفْعُ إلَيْهِ تَضْيِيعًا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ فِي مَسْأَلَتِنَا فَمُتَصَرِّفٌ فِي مَالِهِ وَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَيْهِ فِيهِ فَيَكُونُ قَبْضُهُ مُعْتَبَرًا وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ إذَا صَارَفَ وَقَبَضَ الْمُوَكِّلُ بَدَلَ الصَّرْفِ حَيْثُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ وَلَا يُعْتَدُّ بِقَبْضِهِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الصَّرْفِ مُعَلَّقٌ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَكَانَ الْقَبْضُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْعَاقِدَيْنِ فَكَذَا الْقَبْضُ فِي الصَّرْفِ وَقَبْضُ الثَّمَنِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَيْسَ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَإِنَّمَا جَازَ لِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي دَيْنٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّقَاصِّ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ دُونَ دَيْنِ الْوَكِيلِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْوَكِيلِ فَقَطْ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بِهِ وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ حَيْثُ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الدَّيْنِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْوَكِيلِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ إبْرَاءِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مِنْ الثَّمَنِ فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إبْرَاؤُهُ فَكَذَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِهِ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ فَلَا تَقَعُ وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ الْمُقَاصَّةَ إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ كَانَتْ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ أَوْلَى عِنْدَهُمَا كَمَا لَوْ أَبْرَآهُ مَعًا، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِإِبْرَاءِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَلْزَمَ الْوَكِيلَ ضَمَانُهُ. وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي مِلْكُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَإِبْرَاؤُهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ عَلَى خِلَافِ مَا أَمَرَ بِهِ فَلَا يَنْفُذُ كَمَا لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ وَهَبَهُ لِلْمُشْتَرِي وَدَلِيلُ الْخِلَافِ ظَاهِرٌ وَلِهَذَا يَصِيرُ ضَامِنًا وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْقَبْضِ وَالْقَبْضَ خَالِصُ حَقِّ الْوَكِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْبِضَ بِنَفْسِهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فَكَانَ هُوَ بِالْإِبْرَاءِ مُمْتَنِعًا عَنْ الْقَبْضِ مُسْقِطًا حَقَّ نَفْسِهِ فَيَصِحُّ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ بِقَبْضِهِ يَتَعَيَّنُ مِلْكُ الْآمِرِ فِي الْمَقْبُوضِ، وَإِذَا انْسَدَّ عَلَيْهِ هَذَا الْبَابُ بِإِبْرَائِهِ صَارَ ضَامِنًا لَهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّاهِنِ إذَا أَعْتَقَ الْمَرْهُونَ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ وَيَضْمَنُ لِلْمُرْتَهِنِ لِانْسِدَادِ بَابِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ بِالْإِعْتَاقِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إبْرَاءُ الْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ فِيمَا بَاعَاهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ [بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ] (بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) الْأَصْلُ أَنَّ الْجَهَالَةَ إذَا كَانَتْ تَمْنَعُ الِامْتِثَالَ وَلَا يُمْكِنُ دَرْكُهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ وَإِلَّا فَلَا وَالْجَهَالَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ جَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ وَهِيَ الْجَهَالَةُ فِي الْجِنْسِ فَتَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ سَوَاءٌ بُيِّنَ الثَّمَنُ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ جَهَالَةٌ يَسِيرَةٌ وَهِيَ مَا كَانَتْ فِي النَّوْعِ الْمَحْضِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ أَوْ مَرْوِيٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ وَقَالَهُ بِشْرٌ لَا تَجُوزُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَّلَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ شَاةٍ لِلْأُضْحِيَّةِ» وَلِأَنَّ جَهَالَةَ النَّوْعِ لَا تُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ وَيُمْكِنُ دَفْعُهَا بِصَرْفِ التَّوْكِيلِ إلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَوْ أَنَّ عَامِّيًّا وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ فَرَسٍ فَاشْتَرَى فَرَسًا يَصْلُحُ لِلْمُلُوكِ لَا يَلْزَمُهُ وَالثَّالِثَةُ جَهَالَةٌ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْجِنْسِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ إنْ بَيَّنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) (قَوْلُهُ: بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاء) كَذَا تَرْجَمَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ عَقِبَهُ فَصْلٌ فِي الشِّرَاءِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدَّمَ بَابَ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى سَائِرِ الْأَبْوَابِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى الْوَكَالَةِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَدَّمَ فَصْلَ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مُثْبِتٌ لِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمَبِيعُ وَالْبَيْعُ مُزِيلٌ لَهُ وَالثُّبُوتُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَكَانَ الشِّرَاءُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ اهـ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْأَصْلِ لِمُحَمَّدٍ وَإِذَا قَالَ لَهُ: اشْتَرِ لِي حِمَارًا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بَغْلًا، فَإِنْ اشْتَرَى لَهُ شَيْئًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ وَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ وَإِنْ سَمَّى الثَّمَنَ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثِّيَابَ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ ثَوْبًا هَرَوِيًّا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَهُوَ جَائِزٌ إذَا اشْتَرَاهُ بِمَا يُشْتَرَى مِثْلُهُ أَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ جِنْسٍ سَمَّاهُ مِنْ الثِّيَابِ، فَإِنْ سَمَّى لَهُ ثَمَنًا فَزَادَ عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ وَإِنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ، فَإِنْ وَصَفَ لَهُ صِفَةً وَسَمَّى لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ تِلْكَ الصِّفَةَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْآمِر. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ بِشْرٌ لَا تَجُوزُ) أَيْ وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ تُمْنَعُ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِامْتِثَالَ اهـ وَبِقَوْلِ بِشْرٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ اهـ كَيْ. (قَوْلُهُ: «وَكَّلَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ شَاةٍ لِلْأُضْحِيَّةِ») وَجَعَلَ جَهَالَةَ النَّوْعِ عَفْوًا وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ النَّوْعِ وَالنَّوْعِ يَسِيرٌ فَلَا يَمْنَعُ الِامْتِثَالَ لَكِنْ تَنْصَرِفُ الْوَكَالَةُ إلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُوَكِّلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالثَّالِثَةُ جَهَالَةٌ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْجِنْسِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ وَالثَّالِثَةُ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ إنْ بَيَّنَ

الثَّمَنَ أَوْ النَّوْعَ بِأَنْ قَالَ عَبْدًا تُرْكِيًّا أَوْ حَبَشِيًّا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ جَازَتْ الْوَكَالَةُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بِبَيَانِ الثَّمَنِ يُعْلَمُ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ يُرِيدُ وَبِبَيَانِ النَّوْعِ يُعْلَمُ ثَمَنُهُ فَتَبْقَى الْجَهَالَةُ بَعْدَ ذَلِكَ يَسِيرَةً وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْجِنْسِ حَيْثُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ وَإِنْ بُيِّنَ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الثَّمَنِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ فَلَا يُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَمَرَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ صَحَّ سَمَّى ثَمَنًا أَوْ لَا)؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْقَ الْجَهَالَةُ بَعْدَ إعْلَامِ الْجِنْسِ إلَّا فِي الصِّفَةِ وَهِيَ مُحْتَمَلَةٌ فِي الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ بِأَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِهِ إذْ اخْتِلَافُ الصِّفَةِ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ أَصْلِ الْمَقْصُودِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي مِثْلِهِ تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ لِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ بِبَيَانِ جِنْسِ الْمُثَمَّنِ يَصِيرُ مَعْلُومًا عَادَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ وَلِأَنَّا لَوْ شَرَطْنَا الِاسْتِقْصَاءَ فِي الصِّفَةِ وَالْبَيَانِ فِي النَّوْعِ رُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الْقِيَامِ بِذَلِكَ وَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ وَحُرِجُوا وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ جَازَ إنْ سَمَّى ثَمَنًا وَإِلَّا لَا)؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَلَيْسَتْ بِفَاحِشَةٍ وَلَا يَسِيرَةٍ، فَإِذَا بَيَّنَ ثَمَنَهُ عُلِمَ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ مَقْصُودُهُ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْعَبِيدِ مَعْلُومٌ بَيْنَ النَّاسِ وَالْتَحَقَ بِجَهَالَةِ النَّوْعِ بِذَلِكَ فَجَازَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ثَمَنَهُ الْتَحَقَ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ فَلَمْ تَجُزْ الْوَكَالَةُ بِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ الْعَمَلِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَبِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ النَّظَرِ وَالْجَمَالِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِنَّ الْجَمَالَ مَنْفَعَةٌ مَطْلُوبَةٌ مِنْ بَنِي آدَمَ وَلِهَذَا جُعِلَ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ مِنْ بَنِي آدَمَ كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ الْجَمَالُ لِكَوْنِهِ مَجْمَعَ الْمَحَاسِنِ وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ يَخْتَلِفُ التُّرْكِيُّ وَالْهِنْدِيُّ وَالسِّنْدِيُّ وَالْحَبَشِيُّ وَالتَّكْرُورِيُّ وَكَذَا إذَا بَيَّنَ نَوْعَهُ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِهِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِمَقْصُودِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ إذَا بَيَّنَ ثَمَنَهُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومَ النَّوْعِ فَعِنْدَ التَّصْرِيحِ بِنَوْعِهِ أَوْلَى أَنْ تَجُوزَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِشِرَاءِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ لَا وَإِنْ سَمَّى ثَمَنًا) يَعْنِي لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَإِنْ بَيَّنَ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ فِي الْجِنْسِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الِامْتِثَالِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّ مَا مِنْ نَوْعٍ يَشْتَرِيهِ الْوَكِيلُ مِنْ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ إلَّا وَيُمْكِنُ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي عَنَيْتُ خِلَافَهُ وَالْأَمْرُ بِمَا لَا يُمْكِنُ الِامْتِثَالُ بِهِ بَاطِلٌ فَتَخَلَّصَ لَنَا مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَهَالَةَ إذَا كَانَتْ فِي الْجِنْسِ لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَتْ فِي النَّوْعِ تَجُوزُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ مَا بَيْنَهُمَا بِأَنْ كَانَتْ أَنْوَاعًا، فَإِنْ ذُكِرَ الثَّمَنُ أَوْ النَّوْعُ جَازَتْ وَالْتَحَقَ بِالثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْتَحَقَ بِالْأَوَّلِ فَلَمْ تَجُزْ وَالْجِنْسُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مُتَغَايِرَةٌ وَالنَّوْعُ اسْمٌ لِأَحَدِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمٍ فَوْقَهُ، وَقِيلَ: الْجِنْسُ اسْمٌ دَالٌّ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالنَّوْعِ وَالنَّوْعُ اسْمٌ دَالٌّ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالشَّخْصِ وَقِيلَ كُلُّ اسْمٍ مُنْتَظِمٍ أَشْيَاءَ نَوْعٌ بِاعْتِبَارِ مَا فَوْقَهُ جِنْسٌ بِاعْتِبَارِ مَا دُونَهُ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْعُمُومِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْعُمُومِ بِأَنْ قَالَ: ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْتَ جَازَتْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ فَأَيُّ شَيْءٍ اشْتَرَاهُ لَهُ يَكُونُ مُمْتَثِلًا. وَكَذَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي بِأَلْفٍ ثِيَابًا أَوْ دَوَابَّ أَوْ أَشْيَاءَ أَوْ مَا شِئْتَ أَوْ مَا رَأَيْتَ أَوْ أَدْنَى شَيْءٍ حَضَرَك أَوْ مَا يُوجَدُ أَوْ مَا يَتَّفِقُ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ دَلَالَةُ التَّفْوِيضِ إلَى رَأْيِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بِأَلْفٍ أَوْ بِعْ جَازَتْ الْوَكَالَةُ وَيَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْأَلْفِ مِنْهُ وَيَصِيرُ الْبَائِعُ قَابِضًا لِلْآمِرِ أَوَّلًا بِحُكْمِ الْقَرْضِ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: اجْعَلْهُ بِضَاعَةً لِي؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْبِضَاعَةِ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ عَامٌّ فَكَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرِ لِي مَا بَدَا لَك أَوْ قَالَ سَلَّطْتُك عَلَى الشِّرَاءِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَذِنْتُ لَك أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّمَنَ أَوْ الصِّفَةَ بِأَنْ قَالَ: تُرْكِيًّا أَوْ هِنْدِيًّا أَوْ رُومِيًّا صَحَّتْ الْوَكَالَةُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ أَوْ الصِّفَةَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي أَكْثَرُ مِنْ اخْتِلَافِ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ وَعَادَةُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ فَكَانَتْ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَكَذَا الدَّارُ مُلْحَقَةٌ بِالْجِنْسِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَرَافِقِ وَكَثْرَتِهَا، فَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ أُلْحِقَتْ بِجَهَالَةِ النَّوْعِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أُلْحِقَتْ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ قَالُوا فِي دِيَارِنَا لَا يَجُوزُ بِدُونِ بَيَانِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلَّةِ وَبِمَا سُمِّيَ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي حِنْطَةً لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ عَدَدَ الْقُفْزَانِ أَوْ الثَّمَنَ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ تَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَمَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ أَوْ الثَّمَنَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحُرِجُوا) حَرَجَ صَدْرُهُ ضَاقَ حَرَجًا مِنْ بَابِ لَبِسَ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً أَوْ عَبْدًا، فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْعَبِيدَ وَالْجَوَارِيَ مُخْتَلِفُونَ، فَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا مُوَلَّدًا أَوْ حَبَشِيًّا أَوْ سِنْدِيًّا أَوْ سَمَّى جِنْسًا مِنْ الْأَجْنَاسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا وَتَسْمِيَةُ الثَّمَنِ وَتَسْمِيَةُ الْجِنْسِ سَوَاءٌ. اهـ. غَايَةٌ. ثُمَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ دَارًا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَقَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ أَمَرَ آخَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ وَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ سَمَّى ثَمَنَ الدَّارِ وَبَيَّنَ جِنْسَ الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ جَازَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ جَازَ إنْ سَمَّى ثَمَنًا وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ لَا يَجُوزُ وَهَذَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْعَبْدِ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَوْعَهُ أَمَّا إذَا بَيَّنَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْتَ جَازَتْ الْوَكَالَةُ) أَيْ جَازَتْ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالْبِضَاعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

لِمَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِشِرَاءِ طَعَامٍ يَقَعُ عَلَى الْبُرِّ وَدَقِيقِهِ) لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ طَعَامٍ يَنْصَرِفُ إلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ غَيْرَهُمَا مِنْ الطَّعَامِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَتَنَاوَلَ كُلَّ مَطْعُومٍ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لَهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّعَامَ مَقْرُونًا بِالْبَيْعِ أَوْ بِالشِّرَاءِ يُرَادُ بِهِ الْبُرُّ عَادَةً وَدَقِيقُهُ وَلَا عُرْفَ فِيمَا إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِالْأَكْلِ فَبَقِيَ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ أَيِّ طَعَامٍ كَانَ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يَبِيعُ طَعَامًا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْبُرِّ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ كَثِيرَةً فَعَلَى الْبُرِّ وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً فَعَلَى الْخُبْزِ وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَعَلَى الدَّقِيقِ وَالْفَارِقُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ وَيُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ حَتَّى إذَا عُرِفَ أَنَّهُ بِالْكَثِيرِ مِنْ الدَّرَاهِمِ يُرِيدُ بِهِ الْخَبَرَ بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ وَلِيمَةٌ يَتَّخِذُهَا هُوَ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْخُبْزَ لَهُ؛ لِأَنَّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا يَشْتَرِيهِ لِلِادِّخَارِ وَهُوَ الْمُرَجِّحُ لِجَانِبِ الْحِنْطَةِ إذْ الْخُبْزُ لَا يَقْبَلُ الِادِّخَارَ وَكَذَا الدَّقِيقُ لَا يَقْبَلُهُ طَوِيلًا فَتَعَيَّنَ الْبُرُّ لِلِادِّخَارِ وَهُوَ فِي الْكَثِيرِ عَادَةً وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ: الطَّعَامُ فِي عُرْفِنَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ يَعْنِي الْمُهَيَّأَ لِلْأَكْلِ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ وَنَحْوِهِ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ دَرَاهِمَ، وَقَالَ: اشْتَرِ لِي طَعَامًا مَا لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَكِيلًا وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ مِقْدَارَهُ وَجَهَالَةُ الْقَدْرِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ كَجَهَالَةِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَكِيلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْآمِرِ بِمَا سَمَّى لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْوَكِيلِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَهِيَ كُلُّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَلَّمَهُ إلَى الْآمِرِ لَا يَرُدُّهُ إلَّا بِأَمْرِهِ)؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَكَالَةِ قَدْ انْتَهَى بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلِأَنَّ فِي رَدِّهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إبْطَالَ مِلْكِهِ وَيَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ بِدُونِ رِضَاهُ وَلِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ نَائِبٌ فِي حَقِّ الْحُكْمِ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ فَكَانَ لَهُ جَانِبَانِ فَجَانِبُ النِّيَابَةِ يَمْنَعُهُ الرَّدَّ وَجَانِبُ الْأَصَالَةِ لَا يَمْنَعُهُ فَعَمَلُنَا بِجَانِبِ الْأَصَالَةِ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَبِجَانِبِ النِّيَابَةِ بَعْدَهُ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا بِهَذَا الطَّرِيقِ وَلَوْ رَضِيَ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ جَازَ وَسَقَطَ حَقُّ الرَّدِّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ عَنْ الثَّمَنِ فَعَنْ الْعَيْبِ أَوْلَى وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَعَامَّتُهُمْ صَحَّحُوا إبْرَاءَهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْإِبْرَاءِ عَنْ الثَّمَنِ بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الثَّمَنِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُضِرًّا بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي أَمْلَأَ مِنْ الْوَكِيلِ، فَإِذَا بَرِئَ يَبْقَى دَيْنُهُ فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ وَهُوَ مُفْلِسٌ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ فِيهِ عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ وَأَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ إذْ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ بِإِبْرَائِهِ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةً حُكْمِيَّةً كَأَنَّ الْوَكِيلَ بَاعَهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَلِهَذَا يَحْبِسُ الْوَكِيلُ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُوَكِّلِ فَإِسْقَاطُ حَقِّهِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ سُقُوطُ حَقِّ مَنْ اشْتَرَى مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَبَسَ الْمَبِيعَ بِثَمَنٍ دَفَعَهُ مِنْ مَالِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِشِرَاءِ طَعَامٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا فَهُوَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا اهـ (قَوْلُهُ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّعَامَ فِي عُرْفِهِمْ يَتَنَاوَلُ الْحِنْطَةَ وَدَقِيقَهَا إذَا ذُكِرَ مَقْرُونًا بِالشِّرَاءِ وَلِهَذَا يُسَمَّى عِنْدَهُمْ السُّوقُ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا سُوقَ الطَّعَامِ، وَإِذَا كَانَ الْعُرْفُ هَكَذَا تُرِكَ الْقِيَاسُ بِهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ) هَذَا قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حُكْمَ الْوَكَالَةِ قَدْ انْتَهَى بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ) وَلِهَذَا قَالَ إذَا سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُطَالِبَ الْوَكِيلَ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْوَكَالَةِ وَانْقَطَعَ حَقُّهُ كَذَلِكَ هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَدَفَعَهَا إلَى الْآمِرِ ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبٍ، فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهَا إلَّا بِرِضَا الْآمِرِ، فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا إلَى الْآمِرِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، فَإِنْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ أَوْ أَبْرَأ الْبَائِعَ عَنْ الْعَيْبِ وَقَدْ أَمَرَهُ الْآمِرُ بِرَدِّهَا صَحَّ رِضَاهُ وَإِبْرَاؤُهُ فِي حَقِّهِ دُونَ الْآمِرِ حَتَّى كَانَ لِلْآمِرِ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِيَةَ مَعَ الْعَيْبِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَى الْمَأْمُورِ وَضَمَّنَهُ الثَّمَنَ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حُجَّةٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِبْرَاءُ عَنْ الثَّمَنِ صَحِيحًا ثَمَّةَ فِي حَقِّ الْآمِرِ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْبِ هَاهُنَا أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمِنْهُمْ أَيْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا بَلْ صَحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْبِ عِنْدَ الْكُلِّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَفَرَّقُوا لِأَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ: فَعَامَّتُهُمْ صَحَّحُوا إبْرَاءَهُ) أَيْ إبْرَاءَهُ عَنْ الْعَيْبِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ هَذَا) أَيْ بَيْنَ إبْرَاءِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ عَنْ الْعَيْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَيْنَ الْإِبْرَاءِ) أَيْ وَبَيْنَ إبْرَاءِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ عَنْ الثَّمَنِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ)، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ الْآمِرُ شَيْئًا حَتَّى هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمَأْمُورِ، فَإِنَّهَا تَهْلَكُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمَالِكِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ وَلَمْ يُحْدِثْ مَنْعًا يَرْجِعُ الْآمِرُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْآمِرَ يَشْتَرِي مِنْهُ حُكْمًا وَقَدْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا وَعَجَزَ عَنْ رَدِّهَا بِمَوْتِهَا فِي يَدِهِ حُكْمًا، وَكَذَا إذَا لَمْ تَمُتْ لَكِنْ اعْوَرَّتْ فِي يَدِ الْوَكِيلِ يَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الِاعْوِرَارَ عَيْبٌ حَدَثَ فِي يَدِ الْآمِرِ حُكْمًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَحْبِسُ الْوَكِيلُ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ إلَخْ)، وَإِذَا وَجَدَ الْمُوَكِّلُ بِهِ عَيْبًا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ تَحَالَفَا اهـ.

أَيْ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى وَدَفَعَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ لِلْبَائِعِ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ لِلْبَائِعِ مِنْ مَالِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمُبَادَلَةَ الْحُكْمِيَّةَ قَدْ جَرَتْ بَيْنَهُمَا وَصَارَ الْوَكِيلُ كَالْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلُ كَالْمُشْتَرِي مِنْهُ وَلِهَذَا لَوْ وَجَدَ الْمُوَكِّلُ بِهِ عَيْبًا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ تَحَالَفَا وَسَلَامَةُ الْمَبِيعِ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ وَلِأَنَّ تَوْكِيلَهُ إيَّاهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَيْهِ إذْنٌ مِنْهُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَذِنَ صَرِيحًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ وَيَحْبِسُ عَنْهُ الْمَبِيعَ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ لِتَنَزُّلِهِ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَقَوْلُهُ بِثَمَنٍ دَفَعَهُ مِنْ مَالِهِ وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ أَيْضًا لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ أَخَذَ حُكْمَهُ وَالْمُشْتَرِي لَا يُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ ثَمَنَهُ كَمَا لَوْ كَانَ بَائِعًا لَهُ حَقِيقَةً يُحَقِّقُهُ أَنَّ حَبْسَ الْمَبِيعِ عَنْ الْمُوَكِّلِ لَيْسَ لِأَجْلِ نَقْدِ الثَّمَنِ عَنْهُ بَلْ لِأَجْلِ أَنَّهُ بَائِعٌ لَهُ حُكْمًا وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَا إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ لِلْوَكِيلِ حَبْسُ الْمَبِيعِ عَنْ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فَتَقُومُ يَدُهُ مَقَامَ يَدِ الْمُوَكِّلِ وَيَكُونُ قَبْضُهُ قَبْضَ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَحْبِسُ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَلَيْسَ لِلْأَمِينِ حَبْسُ الْأَمَانَةِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى صَاحِبِهَا. قُلْنَا: الْمُوَكِّلُ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِعَقْدٍ بَاشَرَهُ الْوَكِيلُ بِبَدَلٍ اسْتَوْجَبَهُ عَلَيْهِ وَهَذَا مَعْنَى الْبَيْعِ فَيَحْبِسُهُ بِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ حَقِيقَةً وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةً حُكْمِيَّةً وَلِهَذَا يَرُدُّهُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِعَيْبٍ وَيَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ الْبَيْعِ فَكَذَا هَذَا الْحُكْمُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ بَلْ قَبْضُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِإِحْيَاءِ حَقِّ نَفْسِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِتَتْمِيمِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ فَيَتَبَيَّنُ فِي الْآخِرَةِ بِحَبْسِهِ أَنَّ الْقَبْضَ كَانَ لَحِقَهُ وَبِعَدَمِ الْحَبْسِ كَانَ لِلْمُوَكِّلِ وَقَبْلَ ذَلِكَ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلِأَنَّ هَذَا الْقَبْضَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقَبْضِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ بِهِ قَابِضًا وَمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يَكُونُ عَفْوًا فَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ إذْ فِي سُقُوطِهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ)؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْقَبْضِ عَامِلٌ لِلْمُوَكِّلِ فَيَصِيرُ قَابِضًا بِقَبْضِ الْوَكِيلِ حُكْمًا فَمَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ لَا يَكُونُ مُسْتَرِدًّا لَهُ، فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَبَسَهُ عَنْهُ ثُمَّ هَلَكَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَرِدًّا بِالْحَبْسِ أَوْ تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ قَبَضَ لِنَفْسِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ حَبْسِهِ فَهُوَ كَالْمَبِيعِ) يَعْنِي يَهْلَكُ بِالثَّمَنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ كَالْغَصْبِ فَيَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَهُ فَبِالْحَبْسِ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا كَالْمُودَعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ وَجَدَ الْمُوَكِّلُ بِهِ عَيْبًا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ إذَا هَلَكَ عِنْدَ الْمُوَكِّلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ تَحَالَفَا) وَالتَّحَالُفُ مِنْ خَوَاصِّ الْمُبَادَلَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ أَيْضًا لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْهُ) قَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ وَسَامَحَهُ الْبَائِعُ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَيْهِ هَلْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ عَنْ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ ثُمَّ قَالَ حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِلْوَكِيلِ لَيْسَ لِأَجْلِ مَا نَقَدَ بَلْ لِأَجْلِ بَيْعٍ حُكْمِيٍّ انْعَقَدَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ النَّقْدِ وَقَبْلَهُ قُلْت هَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ مِنْ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَكَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ هَذَا وَقَدْ صَرَّحَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي الشِّرَاءِ فَقَالَ: وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ وَقَبَضَهُ وَطَلَبَ الْآمِرُ أَخْذَ الْعَبْدِ مِنْ الْوَكِيلِ وَأَبَى الْوَكِيلُ أَنْ يَدْفَعَ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْنَعَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ فَهُوَ سَوَاءٌ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى بِالنَّسِيئَةِ فَحَلَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِمَوْتِهِ لَا يَحِلُّ عَلَى الْآمِرِ وَنَقَلَهُ عَنْ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ مِنْ وَكَالَةِ الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ قَبْضُهُ قَبْضَ الْمُوَكِّلِ)، وَإِذَا سَلَّمَهُ حَقِيقَةً سَقَطَ حَقُّ الْحَبْسِ فَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ حُكْمًا وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ أَمِينٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْهَلَاكِ عِنْدَهُ كَالْمُودَعِ فَلَيْسَ لِلْأَمِينِ حَقُّ الْحَبْسِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُودِعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِلْمُوَكِّلِ وَلَيْسَ عَلَى الْأَمِينِ شَيْءٌ مَا لَمْ يُحْدِثْ مَنْعًا فَلَا يَضْمَنُهُ كَمَا إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فِي يَدِ الْمُودَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ) أَيْ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمُوَكِّلِ، وَإِذَا وَقَعَ الْقَبْضُ لِلْوَكِيلِ لَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمُ مِنْهُ إلَى الْمُوَكِّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ: فَإِنْ حَبَسَهُ فَهَلَكَ كَانَ مَضْمُونًا ضَمَانَ الرَّهْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَضَمَانَ الْمَبِيعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ كَمَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُخْتَلِفِ وَالْحَصْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَهُ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَضْمُونَاتِ أَنْوَاعٌ مِنْهَا الرَّهْنُ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ حَتَّى إذَا هَلَكَ سَقَطَ الثَّمَنُ قَلَّ الثَّمَنُ أَوْ كَثُرَ وَالْمَغْصُوبُ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَبِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَالْمُشْتَرِي إذَا حَبَسَهُ الْوَكِيلُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَهَلَكَ فَفِيهِ خِلَافٌ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الثَّمَنِ كَالرَّهْنِ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الرَّهْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ كَالْمَبِيعِ يَهْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ زُفَرُ: يَضْمَنُ ضَمَانَ الْغَصْبِ لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ لَيْسَ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ فَصَارَ بِالْحَبْسِ غَاصِبًا وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ كَالْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ ثُمَّ الْوَكِيلُ قَدْ عَيَّنَ حَقَّ الْمُوَكِّلِ فِي الْمُشْتَرِي حَيْثُ اشْتَرَاهُ لَهُ فَوَجَبَ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَيْضًا أَنْ يُعَيِّنَ حَقَّ

يَمْنَعُ الْوَدِيعَةَ عَنْ صَاحِبِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ كَالرَّهْنِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَضْمُونًا بِالْحَبْسِ لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِهِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ حَبَسَهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَحْبِسْهُ يُحَقِّقُهُ أَنَّ حَبْسَهُ لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوسًا بِهِ وَأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ وَهَذَا حُكْمُ الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ فِيهِ يَكُونُ مَحْبُوسًا مِنْ أَوَّلِ مَا يُوجَدُ وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهِ وَلَهُمَا أَنَّ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةً حُكْمِيَّةً بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالْمُبَادَلَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بَلْ يَنْفَسِخُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَكَذَا لَوْ رَضِيَ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُوَكِّلُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَالرَّهْنِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي النِّصْفِ الشَّائِعِ، وَالْحَبْسُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ لَمَا ثَبَتَ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ. قُلْنَا: إنَّ الْوَكِيلَ وَالْمُوَكِّلَ يَمْلِكَانِ الْمَبِيعَ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَمَا شُرِطَ فِيهِ يَلْزَمُهُمَا بِخِلَافِ الشَّفِيعِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَمَا شُرِطَ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ مَشْرُوطًا فِي الثَّانِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ دُونَ الْمُوَكِّلِ)؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِيهِمَا قَبْضُ الْعَاقِدِ وَالْعَاقِدُ هُوَ الْوَكِيلُ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ وَتَسْلِيمَهُ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ فَفِي حُكْمِ صِحَّةِ التَّقَابُضِ هُوَ كَوَكِيلٍ تَعَلَّقَ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ، فَإِذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ تَمَّ الْعَقْدُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ، وَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَإِنْ فَارَقَهُ الْمُوَكِّلُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ بِخِلَافِ الرَّسُولِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ حَصَلَتْ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ وَكَلَامُ الرَّسُولِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُرْسِلِ فَيَكُونُ الْعَاقِدُ هُوَ الْمُرْسِلِ فَيَكُونُ قَبْضُ الرَّسُولِ قَبْضَ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَلَا يَجُوزُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَصِيرُ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارِفٌ بِنَفْسِهِ فَلَا تُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ وَعَزَاهُ إلَى خُوَاهَرْزَادَهْ وَهَذَا مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي بَابِ الْبَيْعِ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ الْعَقْدَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ بَعْدَهُ بِأَسْطُرٍ فَقَالَ الْمُعْتَبَرُ بَقَاءُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ، وَغَيْبَةُ الْمُوَكِّلِ لَا تَضُرُّ وَعَزَاهُ إلَى وَكَالَةِ الْمَبْسُوطِ وَإِطْلَاقُهُ وَإِطْلَاقُ سَائِرِ الْكُتُبِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُفَارَقَةَ الْمُوَكِّلِ لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا وَفِي قَوْلِهِ تُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ فِيهِمَا جَائِزٌ وَإِنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ فَجَازَ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ، وَهَذَا فِي الصَّرْفِ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَأَمَّا فِي السَّلَمِ، فَإِنَّمَا يَجُوزُ بِدَفْعِ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ، وَأَمَّا بِأَخْذِهِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إذَا قَبَضَ رَأْسَ الْمَالِ يَبْقَى الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ مَبِيعٌ وَرَأْسُ الْمَالِ ثَمَنُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْإِنْسَانُ مَالَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَإِذَا بَطَلَ التَّوْكِيلُ كَانَ الْوَكِيلُ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ فَيَجِبُ الْمُسَلَّمُ فِيهِ فِي ذِمَّتِهِ وَرَأْسُ الْمَالِ مَمْلُوكٌ لَهُ وَإِذَا سَلَّمَهُ إلَى الْآمِرِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ كَانَ قَرْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشْرَةٍ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ مِمَّا يُبَاعُ مِنْهُ عَشْرَةٌ بِدِرْهَمٍ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ مِنْهُ عَشْرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْعِشْرُونَ بِدِرْهَمٍ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ وَجْهُ قَوْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَكِيلِ فِي الثَّمَنِ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَكَانَ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ بِحَقٍّ فَلَمْ يَكُنْ غَاصِبًا ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّهُ مَضْمُونٌ ضَمَانَ الرَّهْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِالثَّمَنِ سَقَطَ وَإِلَّا رَجَعَ بِالْفَضْلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَضْمُونٌ ضَمَانَ الْمَبِيعِ، فَإِذَا هَلَكَ سَقَطَ كُلُّ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ كَالْبَائِعِ وَجْهُ. قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَائِعٍ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ يَحْبِسُ الْمُشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ الرَّهْنُ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الرَّهْنَ هُوَ الْحَبْسُ بِالدَّيْنِ قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ قَالَ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا، وَقِيمَةُ الْمَبِيعِ عَشْرَةً فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالْفَضْلِ وَهُوَ الْخَمْسَةُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْغَضَبِ فِي عَكْسِ هَذَا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْمَبِيعِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّمَنُ عَشْرَةً فَعِنْدَ زُفَرَ يَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْخَمْسَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَتَفَاوَتُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ أَصْلًا اهـ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشْرَةً مَثَلًا وَالثَّمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِخَمْسَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عِنْدَ زُفَرَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَيْضًا وَلَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّمَنُ عَشْرَةً فَعِنْدَ زُفَرَ يَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِخَمْسَةٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. (قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِهِ) يَعْنِي لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا قَالَ زُفَرُ، وَإِنَّمَا صَارَ مَضْمُونًا بِالْحَبْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: قُلْنَا إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ قُبَيْلَهُ: إنَّ الْمُبَادَلَةَ الْحُكْمِيَّةَ الْوَاقِعَةَ بَيْنَهُمَا مُعْتَبَرَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ إذًا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمَا يَمْلِكَانِهِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَيَتِمُّ بِهِ الْفَرْقُ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهَذَا مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ) قُلْت هَذَا لَيْسَ بِمُشْكِلٍ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْهُ، فَإِذَا حَضَرَ الْأَصِيلُ فَلَا يُعْتَبَرُ النَّائِبُ اهـ ع (قَوْلُهُ: وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ) وَهَذَا لِأَنَّ مُحَمَّدًا اقَالَ فِي الْأَصْلِ فِي آخِرِ بَابِ الْوَكَالَة فِي الشِّرَاءِ، وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَشْرَةَ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ لَزِمَ الْآمِرَ مِنْهَا عَشَرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَكَانَ لِلْمَأْمُورِ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ كَمَا تَرَى وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صَرْفُ الدِّرْهَمِ فِي عَشْرَةِ أَرْطَالٍ مِنْ اللَّحْمِ، وَقَدْ صَرَفَهُ فِيهِ مَعَ زِيَادَةِ خَيْرٍ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي عِشْرِينَ رِطْلًا مِنْهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ حَيْثُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَهُ إلَى شَرٍّ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ تَنَاوَلَ لَحْمًا يُسَاوِي عَشْرَةَ أَرْطَالٍ مِنْهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَشْرَةٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَيَنْفُذُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ وَالْعَشَرَةُ عَلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ فِيهِ بَدَلُ مِلْكِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا هَرَوِيًّا بِعَشْرَةٍ فَاشْتَرَى لَهُ ثَوْبَيْنِ هَرَوِيَّيْنِ بِعَشْرَةٍ يُسَاوِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ حَيْثُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ إذْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ وَكَذَا الْمُشْتَرِي لِلْمُوَكِّلِ مَجْهُولٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ اللَّحْمِ، فَإِنَّهُ مَوْزُونٌ مُقَدَّرٌ فَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُوَافِقًا بِمِثْلِهِ عِنْدَهُ كَمَا إذَا أَمَرَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا حَيْثُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَهُ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ بِمِثْلِ هَذَا الِاخْتِلَافِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِلِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ فِيهَا شَرْطٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا عَلَى الْوَكِيلِ، وَأَمَّا إذَا وَجَدَ فَيَنْفُذُ وَفِي ضِمْنِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ وَهَذَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا وَالْعَشَرَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْعِشْرِينَ فَبِنُفُوذِ الْعِشْرِينَ تَنْفُذُ الْعَشَرَةُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَالشَّهَادَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْفُذُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا عَلَى الْمُوَكِّلِ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُوَافَقَةُ شَرْطٌ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ) مَعْنَاهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ بَلْ لَوْ اشْتَرَاهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ أَوْ تَلَفَّظَ بِذَلِكَ يَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ، وَالْمُوَكِّلُ غَائِبٌ حَتَّى (لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ) كَانَ الْمُشْتَرِي لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ نَفْسَ الْعَبْدِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ وَكَّلَ الْعَبْدُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَهُ لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ فَاشْتَرَى حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْآمِرِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ فِيهِمَا لِلْآمِرِ مَعَ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً حَيْثُ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الَّذِي أَتَى بِهِ الْوَكِيلُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْوَكَالَةِ نِكَاحٌ مُضَافٌ إلَى الْمُوَكِّلِ فَكَانَ مُخَالِفًا بِإِضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ فَانْعَزَلَ، وَفِي الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ الدَّاخِلِ فِيهَا شِرَاءٌ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْإِضَافَةِ إلَى أَحَدٍ فَكُلُّ شَيْءٍ أَتَى بِهِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا بِهِ إذْ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُطَلَّقَاتِ إلَّا ذَاتُهُ دُونَ صِفَاتِهِ فَيَتَنَاوَلُ الذَّاتَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ فَيَكُونُ مُوَافِقًا بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ خَالَفَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْآمِرِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ قَدْرُهُ كَانَ مِثْلَهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ وَكَّلَهُ رَجُلٌ آخَرُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ لَهُ كَانَ لِلْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ الشِّرَاءَ لِغَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ النُّقُودِ أَوْ بِخِلَافِ مَا سُمِّيَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ)؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ فَيَنْعَزِلُ فِي ضِمْنِ الْمُخَالَفَةِ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ هَذَا الْوَكِيلُ رَجُلًا فَاشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ وَهُوَ غَائِبٌ كَانَ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِحَضْرَتِهِ نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا يُمْكِنُ نَقْلُ كَلَامِهِ إلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَائِبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q « وَكَّلَ عُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ لِيَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً وَاشْتَرَى شَاتَيْنِ فَأَجَازَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ» وَلِأَنَّهُ أَمَرَ الْوَكِيلَ بِصَرْفِ الدِّرْهَمِ فِي اللَّحْمِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ سِعْرَ اللَّحْمِ عَشَرَةٌ بِدِرْهَمٍ، فَإِذَا زَادَ فَقَدْ فَعَلَ خَيْرًا فَلَزِمَ الْآمِرَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خَالَفَهُ إلَى شَرٍّ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ السَّمِينِ لَا الْمَهْزُولِ وَهَذَا مَهْزُولٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَنْفُذُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ وَالْعَشَرَةُ عَلَى الْآمِرِ) وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْنَا الزِّيَادَةُ الْقَلِيلَةُ كَعَشَرَةِ أَرْطَالٍ وَنِصْفِ رِطْلٍ حَيْثُ يَلْزَمُ الْجَمِيعَ الْآمِرُ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ حُصُولُ الزِّيَادَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَخْ) ذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ وَقَالَ: إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا هَرَوِيًّا بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَى لَهُ هَرَوِيَّيْنِ بِعَشَرَةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَاوِي عَشَرَةً قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَيَّهُمَا أُعْطِيهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْعَشَرَةِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْمُنْتَقَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ جَوَابِ إشْكَالُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ) الْفَرْضُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ يُسَاوِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَشَرَةً فَكَيْفَ يُقَالُ بَعْدَ ذَلِكَ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ) وَهَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الثَّمَنَ أَمَّا إذَا عَيَّنَ فَخَالَفَ فَسَيَأْتِي اهـ (قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِيهِ الْغَدْرُ بِالْمُسْلِمِ وَهُوَ حَرَامٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ يَشْتَرِيهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ يَلْزَمُ مِنْهُ إخْرَاجُهُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ فَسْخُ عَقْدٍ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ صَاحِبِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ عَزْلُهُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ يَقَعُ شِرَاؤُهُ عَنْ الْمُوَكِّلِ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ لِنَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ اشْتَرَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ إنْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا خَالَفَ فِي الثَّمَنِ لَا إلَى خَيْرٍ أَوْ إلَى جِنْسٍ غَيْرِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُوَكِّلُ، وَإِذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ بِالشِّرَاءِ فَاشْتَرَاهُ لَهُ صَحَّ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ بِخِلَافِ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ الثَّمَنِ) كَمَا إذَا وَكَّلَهُ

وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ الثَّانِي أَوْ أَعْتَقَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ وَإِنْ حَضَرَهُ رَأْيُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ كَالرَّسُولِ فَلَا يَتَصَرَّفُ مِنْ عِنْدِهِ بِشَيْءٍ بَلْ يُبَلِّغُ الرِّسَالَةَ، فَإِذَا تَصَرَّفَ فَقَدْ خَالَفَ فَلَا يَنْفُذُ، وَالْوَكِيلُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ أَصِيلٌ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ تَوْكِيلٍ مِنْهُ فَأَجَازَهُ الْوَكِيلُ جَازَ وَفِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَمْ يَجُزْ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلَعُ وَالْكِتَابَةُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِهِ) أَيْ إنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَى عَبْدًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ إلَّا إذَا قَالَ نَوَيْت الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِهِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِهِ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَيْهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى ثَمَنٍ مُعَيَّنٍ أَوْ إلَى مُطْلَقٍ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مُعَيَّنٍ كَانَ الْمُشْتَرَى لِصَاحِبِ ذَلِكَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُضِيفُ الشِّرَاءَ إلَى مَالِ مَنْ يَشْتَرِيهِ لَهُ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَيَّنُ لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةَ التَّعَيُّنِ مِنْ حَيْثُ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ بِهِ وَتَعَيُّنُ قَدْرِهِ وَوَصْفِهِ وَلِهَذَا لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ إذَا اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ وَدِينُهُ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مَالِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا وَعَادَةً فَلَا يَرْتَكِبُهُ وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى مَالِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ شَرْعًا وَعُرْفًا فَيَكُونُ الْمُشْتَرَى لِمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الثَّمَنَ وَإِنْ نَوَى خِلَافَ ذَلِكَ جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الْعُرْفِ وَالشَّرْعِ ثُمَّ إذَا نَقَدَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى ثَمَنٍ مُطْلَقٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا. فَإِنْ كَانَ حَالًّا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ عَلَى عَدَمِهَا أَوْ يَخْتَلِفَا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ حَالًّا وَاتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ لِأَحَدِهِمَا كَانَ لِمَنْ نُوِيَ لَهُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِاتِّفَاقِهِمَا كَالثَّابِتِ عِيَانًا وَاتِّفَاقُهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى النَّقْدِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُوَكِّلِ، فَإِذَا عَيَّنَهُ بِنِيَّتِهِ فَقَدْ تَعَيَّنَ وَيَكُونُ بِالنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ غَاصِبًا فِيمَا إذَا نَوَاهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ يُحَكَّمُ النَّقْدُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى التَّعْيِينِ مِثْلُ دَلَالَةِ إضَافَةِ الشِّرَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ شَرْعًا أَوْ يَجْرِيَ عَلَى عَوَائِدِهِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ لِلْعَاقِدِ؛ لِأَنَّ مَا يُطْلِقُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ يَكُونُ لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يَنْوِ أَنَّهُ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَكَّمُ النَّقْدُ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ فَبَقِيَ مَوْقُوفًا فَمِنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ نَقَدَ فَقَدْ عَيَّنَ الْمُحْتَمَلَ بِهِ فَصَارَ كَحَالَةِ التَّكَاذُبِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ، فَإِنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ وَهُوَ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَانَ مَأْمُورًا بِأَنْ يَنْوِيَ الْحَجَّ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ كَانَ مُخَالِفًا، وَأَمَّا الْمُعَامَلَاتُ فَالنِّيَّةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهَا فَلَا يَصِيرُ بِتَرْكِهَا مُخَالِفًا فَيَبْقَى الْحُكْمُ مَوْقُوفًا عَلَى النَّقْدِ وَالتَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ فِي الطَّعَامِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ حَتَّى يُحَكِّمَ أَوَّلًا الْإِضَافَةَ فَيَكُونُ الْمُسْلَمُ فِيهِ لِمَنْ أُضِيفَ عَقْدُ السَّلَمِ إلَى مَالِهِ ثُمَّ النِّيَّةُ فَيَكُونُ لِمَنْ نُوِيَ لَهُ بِالْعَقْدِ إنْ تَصَادَقَا عَلَى النِّيَّةِ. وَإِنْ تَكَاذَبَا فَيُحَكَّمُ النَّقْدُ، وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنْ يَشْتَرِيَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ اهـ ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي مَسَائِلِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِعْتَاقِ، وَإِذَا وَكَّلَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ فَطَلَّقَ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ أَعْتَقَ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ عِبَارَتُهُ فِي أَوَّلِ وَكَالَةِ الْعُيُونِ وَفِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ النَّوَازِلِ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ رَجُلًا فَطَلَّقَ الثَّانِي لَا يَقَعُ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ فَعَلَ أَجْنَبِيٌّ ذَلِكَ فَبَلَغَ الْوَكِيلَ فَأَجَازَ ذَلِكَ يَجُوزُ. إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى الْغَيْرِ لِيَعْمَلَ فِيهِ بِرَأْيِهِ، فَإِذَا كَانَ الْوَكِيلُ الثَّانِي فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وُجِدَ رَأْيُ الْأَوَّلِ وَكَذَا إذَا فَعَلَ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَهُ الْوَكِيلُ ثُمَّ حَقِيقَةُ الْوَكَالَةِ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِيمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْإِجَارَةِ وَلَا تَتَحَقَّقُ فِيمَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِغَيْرِ مَالٍ فَكَانَ الْوَكِيلُ رَسُولًا يَنْقُلُ كَلَامَ الْمُوَكِّلِ، وَطَلَاقُ الْوَكِيلِ الثَّانِي وَعَتَاقُهُ لَيْسَ بِطَلَاقِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَقَعْ نَقْلًا لِكَلَامِ الْمُوَكِّلِ، وَالْمُوَكِّلُ إنَّمَا وَكَّلَ بِنَقْلِ كَلَامِهِ فَلِأَجْلِ هَذَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُ الْوَكِيلِ الثَّانِي وَعَتَاقُهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ) قَالَ فِي التَّهْذِيبِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ إنَّمَا يَصِيرُ لِلْمُوَكِّلِ بِنِيَّةِ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ بِصَرِيحِ ذِكْرِهِ أَوْ يَشْتَرِي بِمَالِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بِغَيْرِ مَالِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِهِ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَيْهِ) لَا الدَّفْعَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ ثُمَّ نَقَدَ، فَإِنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْوَكِيلِ يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ اهـ غَايَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ إلَى مَالِ الْمُوَكِّلِ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ أَوْ يُطْلِقَ فِي أَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ كَمَا يَأْتِي ذَلِكَ صَرِيحًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ آخِرَ هَذِهِ الصَّفْحَةِ فِي قَوْلِهِ فَيَكُونَ الْمُشْتَرَى لِمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الثَّمَنَ، وَإِنْ نَوَى خِلَافَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ) فَقَالَ الْمُوَكِّلُ: اشْتَرَيْتَهُ لِي وَقَالَ الْوَكِيلُ اشْتَرَيْتُهُ لِنَفْسِي اهـ

وَمُحَمَّدٍ فِي الشِّرَاءِ فِيمَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَحْضُرْهُ بَلْ بِالْإِجْمَاعِ يَكُونُ لِلْعَاقِدِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّ لِلنَّقْدِ فِيهِ أَثَرًا فِي تَنْفِيذِ الْعَقْدِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُقُوعِهِ لِمَنْ نُقِدَ مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَفَرَّقَ هَذَا الْقَائِلُ لِأَبِي يُوسُفَ بِهَذَا الْفَرْقِ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَةِ، فَإِذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يُضَفْ الْعَقْدُ إلَى مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْوَكَالَةُ فَيَكُونُ مُخَالِفًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْت لِلْآمِرِ وَقَالَ الْآمِرُ لِنَفْسِك فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ فَلِلْمَأْمُورِ) مَعْنَاهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفٍ مَثَلًا ثُمَّ قَالَ الْمَأْمُورُ: اشْتَرَيْت لَك عَبْدًا وَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْتَهُ لِنَفْسِك كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْآمِرِ إنْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إلَى الْوَكِيلِ، وَإِنْ كَانَ مَدْفُوعًا إلَيْهِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ حَيًّا حِينَ أَخْبَرَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ أَوْ مَيِّتًا، فَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ أَخْبَرَ بِشِرَائِهِ وَالْعَبْدُ حَيٌّ قَائِمٌ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ إجْمَاعًا مَنْقُودًا كَانَ الثَّمَنُ أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَالْمُخْبَرُ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَالثُّبُوتِ يُسْتَغْنَى عَنْ الْإِشْهَادِ فَيُصَدَّقُ كَقَوْلِهِ لِمُطَلَّقَتِهِ رَاجَعْتُك وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَكَذَّبَتْهُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهُ وَبِهَذَا وَقَعَ التَّقَصِّي عَنْ الْوَلِيِّ إذَا أَقَرَّ عَلَى مَوْلِيَّتِهِ بِالنِّكَاحِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ شَرْعًا لِعَدَمِ الشُّهُودِ إذْ هُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشُهُودٍ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ، فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِهِ شَرْعًا بِدُونِ الْإِشْهَادِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَيِّتًا حِينَ أَخْبَرَ فَقَالَ هَلَكَ عِنْدِي بَعْدَ الشِّرَاءِ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مَنْقُودٍ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ فِيهِ، وَغَرَضُهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ وَالْآمِرُ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ حَيًّا فَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْته لَك وَقَالَ الْآمِرُ لَا بَلْ اشْتَرَيْته لِنَفْسِك، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ فَصَحَّ كَمَا فِي الْمُعَيَّنِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً أَلْزَمَهَا الْآمِرَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ وَفِي ضِمْنِهِ يَكُونُ الْعَبْدُ لِلْآمِرِ تَبَعًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَتَبَعًا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ لِلنَّقْدِ فِيهِ أَثَرًا فِي تَنْفِيذِ الْعَقْدِ) حَتَّى إذَا لَمْ يَنْقُدْ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ بَطَلَ السَّلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفٍ مَثَلًا فَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْت لَك عَبْدًا) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ وَضْعَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَعَلَى هَذَا، فَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ صَدَرَ وَالْعَبْدُ هَالِكٌ فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا صَدَرَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا وَالْعَبْدُ حَيٌّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ إلَخْ فَمِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ حَالَ الْمُطَالَعَةِ قَبْلَ الْمُرَاجَعَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ دِرْهَمٍ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت وَمَاتَ عِنْدِي وَقَالَ الْآمِرُ: اشْتَرَيْتَهُ لِنَفْسِك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ يَأْمُرُ الرَّجُلَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَجَاءَ الْمَأْمُورُ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ لَك عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضْتُهُ فَمَاتَ وَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْتَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضْتَهُ وَمَاتَ عِنْدَك، وَإِنَّمَا اشْتَرَيْته لِنَفْسِك قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ. إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهِيَ مِنْ الْخَوَاصِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مَأْمُورًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَالثَّمَنُ غَيْرَ مَنْقُودٍ وَقَالَ الْوَكِيلُ: اشْتَرَيْت وَقَبَضْت وَهَلَكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرَادَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ كَوْنِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَهُوَ هَالِكٌ فَتَنَبَّهْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ إلَخْ) مُعَيَّنًا حَيًّا وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ (الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ) مُعَيَّنًا حَيًّا وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَنْقُودٍ (الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ) مُعَيَّنًا هَالِكًا وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ (الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ) مُعَيَّنًا هَالِكًا وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَنْقُودٍ (الْقَوْلُ لِلْآمِرِ) مُنْكِرًا حَيًّا وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ (الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ) مُنْكِرًا حَيًّا وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَنْقُودٍ (عِنْدَهُ لِلْآمِرِ وَعِنْدَهُمَا لِلْمَأْمُورِ) مُنْكِرًا هَالِكًا وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ (الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ مُنْكِرًا هَالِكًا وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَنْقُودٍ (الْقَوْلُ لِلْآمِرِ اتِّفَاقًا) لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَغَرَضُهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ وَالْآمِرُ مُنْكِرٌ اهـ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ) وَكَذَا وَكِيلُ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ وَمَوْلَى الْعَبْدِ إذَا أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُعَيَّنًا لِأَنَّهُ إلَخْ) بَقِيَ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّمَانِيَةِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَهُوَ هَالِكٌ وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ أَوْ غَيْرُ مَنْقُودٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُمَا الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ حُكْمَهُمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ

حَالَ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الثَّمَنَ إنْ كَانَ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُودٍ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ بِأَنْ كَانَ مَيِّتًا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ، وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ وَفِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ الْقَوْلُ لِلْآمِرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ قَالَ: بِعْنِي هَذَا لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْآمِرُ أَخَذَهُ فُلَانٌ) أَيْ رَجُلٌ قَالَ الْآخَرُ بِعْنِي هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي أَشْتَرِيه لَهُ فَبَاعَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ أَمَرَهُ فَقَالَ فُلَانٌ أَنَا أَمَرْتُهُ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِعْنِي لِفُلَانٍ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ وَكَّلَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ بَعْدَهُ صَارَ مُنَاقِضًا فَلَا يُسْمَعُ قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْعَبْدُ لِلْمُوَكِّلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَقُولَ لَمْ آمُرْهُ بِهِ) أَيْ إلَّا أَنْ يَقُولَ فُلَانٌ الْمُشْتَرَى لَهُ لَمْ آمُرْهُ بِالشِّرَاءِ فَحِينَئِذٍ لَا يَأْخُذُهُ بَلْ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي ارْتَدَّ بِرَدِّهِ وَالْإِقْرَارُ مِمَّا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَيَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ) أَيْ إلَى فُلَانٍ الْمُشْتَرَى لَهُ فَيَكُونُ لَهُ بِالتَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ قَدْ ارْتَدَّ بِالرَّدِّ وَصَارَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي، فَإِذَا سَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى فُلَانٍ الْمُشْتَرَى لَهُ وَأَخَذَهُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ جَدِيدٌ بِالْمُعَاطَاةِ فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا بِالتَّعَاطِي كَمَنْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَتَّى لَزِمَهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُشْتَرَى لَهُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ يَكْفِي لِانْعِقَادِ الْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي فِي الْخَسِيسِ وَالنَّفِيسِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَقْدُ الثَّمَنِ لِلْعُرْفِ وَلِوُجُودِ التَّرَاضِي بِهِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا صَحَّ)؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِثَمَنٍ مُقَدَّرٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّرَ لَهُ ثَمَنَهُمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافٌ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ عَلَى مَا يَجِيءُ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَيَكُونُ شِرَاءُ أَحَدِهِمَا حِيلَةً لِتَحْصِيلِهِمَا فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالنَّفَاذِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِشِرَائِهِمَا بِأَلْفٍ وَقِيمَتِهِمَا سَوَاءٌ فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِنِصْفِهِ أَوْ أَقَلَّ صَحَّ وَبِالْأَكْثَرِ لَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِمَا بَقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ) أَيْ لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِنِصْفِ الْأَلْفِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ الشِّرَاءُ وَبِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ لَمْ يَجُزْ يَعْنِي لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ بِالْعَبْدَيْنِ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَيَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ دَلَالَةً فَيَكُونُ أَمْرًا بِشِرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ ضَرُورَةً فَالشِّرَاءُ بِخَمْسِمِائَةٍ مُوَافَقَةٌ وَبِأَقَلَّ مِنْهَا مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ وَبِأَكْثَرَ مِنْهَا إلَى شَرٍّ فَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْمُصَرَّحَ بِهِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ قَدْ حَصَلَ وَمَا ثَبَتَ الِانْقِسَامُ إلَّا دَلَالَةً وَالصَّرِيحُ بِفَوْقِهَا فَلَا تُعْتَبَرُ مَعَهُ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ مَا يَشْتَرِي بِمِثْلِهِ الْعَبْدَ الْبَاقِيَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ حَصَلَ مُطْلَقًا بِلَا تَقْدِيرِ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَلَكِنَّ غَرَضَهُ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ بِالْأَلْفِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ قَدْرُ مَا يَشْتَرِي بِمِثْلِهِ الْبَاقِيَ لِيَحْصُلَ غَرَضُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَبِشِرَاءِ هَذَا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَاشْتَرَى صَحَّ، وَلَوْ غَيْرَ عَيْنٍ نَفَذَ عَلَى الْمَأْمُورِ) أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ فَوَكَّلَ الدَّائِنُ الْمَدِينَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ فَاشْتَرَى جَازَ وَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَاشْتَرَى لَا يَكُونُ لِلْآمِرِ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمَأْمُورِ حَتَّى لَوْ مَاتَ عِنْدَ الْمَأْمُورِ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمَأْمُورِ وَالْأَلْفُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ لَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا هُوَ لَازِمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ حَالَ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالصَّوَابُ حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّارِحُ فِيمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَصَرَّحَ الْوَكِيلُ بِشِرَائِهِ لِنَفْسِهِ كَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ وَهَكَذَا هُوَ فِي الْهِدَايَةِ وَشَرْحِهَا فَتَأَمَّلْ اهـ قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَأْخُذُهُ (أَيْ وَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَمَرْتُهُ) لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُقِرِّ ارْتَدَّ بِرَدِّ الْمُقِرِّ لَهُ، فَإِذَا عَادَ تَصْدِيقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَنْفَعْهُ لِأَنَّهُ عَادَ حِينَ انْتَفَى الْإِقْرَارُ فَلَمْ يَصِحَّ تَصْدِيقُهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ) يَعْنِي لَمَّا انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ بِالتَّعَاطِي كَانَتْ الْعُهْدَةُ لِلْآخِذِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَذَا فَسَّرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَفَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ: وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا هَذَا الْعَبْدَ فَاشْتَرَاهُ جَازَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَمَرَهُ الَّذِي لَهُ الْمَالُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا هَذَا الْعَبْدَ فَاشْتَرَاهُ قَالَ جَائِزٌ، فَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ، فَإِذَا قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْآمِرُ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَالْأَلْفُ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا هِيَ وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ ذَلِكَ جَائِزٌ لَازِمٌ لِلْآمِرِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إذَا قَبَضَهُ الْمَأْمُورُ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ لَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، فَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الْآمِرِ فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ يَقَعُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً

لِلْآمِرِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ الدَّائِنُ لِلْمَدِينِ أَسْلِمْ الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَيْك إلَى فُلَانٍ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فُلَانًا لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَصْرِفَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ إذَا أُضِيفَ إلَى دَيْنٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ أَوْ الْمَبِيعُ مُتَعَيِّنًا وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ كَيْفَمَا كَانَ لَهُمَا أَنَّ النَّقْدَيْنِ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ عَيْنًا كَانَا أَوْ دَيْنًا وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ عَلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الشِّرَاءُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ، فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ صَارَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ بِهِ سَوَاءً كَمَا فِي غَيْرِ الدَّيْنِ حَتَّى إذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَلْفَ وَلَا الْبَائِعَ وَلَا الْمَبِيعَ جَازَ التَّوْكِيلُ. فَكَذَا هَذَا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: تَصَدَّقْ بِمَالِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ آجَرَ حَمَّامًا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَأَمَرَ الْمُسْتَأْجِرَ بِالْمَرَمَّةِ مِنْ الْأُجْرَةِ أَوْ آجَرَ دَابَّتَهُ وَأَمَرَ الْمُسْتَأْجِرَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْأُجْرَةِ عَبْدًا يَسُوقُ الدَّابَّةَ وَيُنْفِقُ عَلَى الدَّابَّةِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ أَوْ الْمَبِيعُ مُتَعَيِّنًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ النُّفُوذَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ وَلِهَذَا لَوْ قَيَّدَهَا بِالْعَيْنِ مِنْهَا أَوْ بِالدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ هَلَكَ الْعَيْنُ وَأُسْقِطَ الدَّيْنُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، فَإِذَا تَعَيَّنَتْ فِيهَا كَانَ هَذَا تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ لَهُ ثُمَّ بِقَبْضِهِ لِنَفْسِهِ وَتَوْكِيلُ الْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ فَكَانَ بَاطِلًا كَمَا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَكُونُ أَمْرًا بِصَرْفِ مَا لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَا لِي عَلَيْك مَنْ شِئْتَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا عَنْهُ بِالْقَبْضِ وَهُوَ مَعْلُومٌ فَيَصِحُّ لِتَعَيُّنِهِ فَيَصِيرُ الْبَائِعُ أَوَّلًا قَابِضًا لَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ وَتَعْيِينُ الْمَبِيعِ تَعْيِينٌ لِلْبَائِعِ فَكَانَ بِهِ مَعْلُومًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَالَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَعْلُومٌ وَلِأَنَّ الْفَقْرَ يَنْتَصِبُ نَائِبًا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَقَبَضَ حَقَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا فَيَكُونُ الْفَقِيرُ الَّذِي يَقْبِضُهُ لَهُ مَعْلُومًا فَيَصِحُّ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَمَّامِ وَنَحْوُهَا فَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا وَلَئِنْ كَانَ قَوْلَ الْكُلِّ، فَإِنَّمَا جَازَ بِاعْتِبَارِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَجِدُ الْأُجْرَةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَأُقِيمَ الْحَمَّامُ مَقَامَ الْمُؤَجَّرِ فِي الْقَبْضِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّصَادُقِ بِأَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ بَعْد الشِّرَاءِ بِهِ فَلِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ دَيْنًا كَانَتْ أَوْ عَيْنًا، فَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِبُطْلَانِ الدَّيْنِ إذْ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ، فَإِنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِيهَا وَكَلَامُنَا فِيهَا وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا بَعْدَهُ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ وَسِيلَةٌ إلَى الشِّرَاءِ فَتُعْتَبَرُ بِالشِّرَاءِ وَعَزَاهُ إلَى الزِّيَادَاتِ وَالذَّخِيرَةِ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُمَا مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالتَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ لَهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَجُوزُ فَكَذَا التَّوْكِيلُ بِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْمُعَيَّنِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا لَهُ بِالْقَبْضِ ثُمَّ بِالتَّمْلِيكِ لَا تَوْكِيلًا لِلْمَدِينِ بِالتَّمْلِيكِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَا يَصِحُّ الْأَمْرُ لِلْمَجْهُولِ فَكَانَ تَوْكِيلًا لِلْمَدِينِ بِالتَّمْلِيكِ فِي الْإِسْلَامِ وَالشِّرَاءِ وَالصَّرْفِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ عِنْدَهُ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَى الْمَأْمُورِ حَتَّى إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْقَبْضِ يَهْلَكُ مِنْ مَالِهِ إلَّا إذَا قَبَضَهُ الْآمِرُ مِنْهُ فَحِينَئِذٍ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِالتَّعَاطِي فَيَكُونُ لِلْآمِرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِشِرَاءِ أَمَةٍ) أَيْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ أَمَةٍ (بِأَلْفٍ دَفَعَ إلَيْهِ فَاشْتَرَى فَقَالَ: اشْتَرَيْت بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تُسَاوِي أَلْفًا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ وَالْآمِرُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقَّ الرُّجُوعِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْمَأْمُورُ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَبِيلِ التَّعَاطِي لِأَنَّهُ دَفَعَهُ عَلَى جِهَةِ التَّمْلِيكِ وَبَيْعُ التَّعَاطِي جَائِزٌ عِنْدَنَا بِمَا عَزَّ مِنْ الْأَمْوَالِ أَوْ خَسَّ اهـ (قَوْلُهُ: وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَ غَرِيمَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِمَا عَلَيْهِ شَيْئًا، فَإِنْ عَيَّنَ الْمَبِيعَ أَوْ الْبَائِعَ جَازَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَهُمَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَهُمَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَفُسُوخِهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فَكَمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ إذَا كَانَتَا عَيْنًا لَا يَتَعَيَّنَانِ إذَا كَانَتَا دَيْنًا وَلِهَذَا إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُشْتَرِي) الْمُرَادُ بِالْمُشْتَرِي هُنَا الْوَكِيلُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَصُّهُ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ لَهُ لَا يَبْطُلُ الشِّرَاءُ وَوَجَبَ مِثْلُ ذَلِكَ الدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ هَلَكَ الْعَيْنُ) هَكَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهَكَذَا كَانَ فِي نُسْخَةِ الْعَلَّامَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ كَشَطَهُ وَكَتَبَ مَكَانَهُ اسْتَهْلَكَ وَكَتَبَ تَحْتَهُ بِخَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا نَصُّهُ أَيْ الْآمِرُ أَوْ الْوَكِيلُ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاكِ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ بِالِاسْتِهْلَاكِ لَا بِالْهَلَاكِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ اهـ مَا كَتَبَهُ بِخَطِّهِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَا نَصُّهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِالْعَيْنِ مِنْهَا أَوْ بِالدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ أَوْ أُسْقِطَ الدَّيْنُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ إنَّمَا قُيِّدَ بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاك لِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ مَخْصُوصٌ بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاكِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَلَّمَةُ إلَى الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ فَأَقُولُ كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَيَّدَ بِالِاسْتِهْلَاكِ حَتَّى لَا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَبْطُلُ إذَا اسْتَهْلَكَ الْوَكِيلُ الدَّرَاهِمَ الْمُسَلَّمَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ الدَّرَاهِمَ فَيَقُومُ مِثْلُهَا مَقَامَهَا فَيَصِيرُ كَأَنَّ عَيْنَهَا بَاقِيَةٌ فَقَالَ بِالِاسْتِهْلَاكِ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ كَمَا فِي الْهَلَاكِ لِتَعَيُّنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ كَمَا فِي هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَالِي عَلَيْك مَنْ شِئْت) أَيْ أَوْ أَلْقِهِ فِي الْبَحْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَالِي عِنْدَك مِنْ الْعَيْنِ مَنْ شِئْت أَوْ أَلْقِهِ فِي الْبَحْرِ كَانَ التَّوْكِيلُ صَحِيحًا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَمْلِكُهُ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَبَضَ حَقَّهُ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَعِبَارَةُ الْكَافِي وَغَيْرِهِ فِي قَبْضِ حَقِّهِ اهـ (قَوْلُهُ: الْأُجْرَةُ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ الْأَجْرُ. اهـ.

قَوْلَهُ، وَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ لَا تَلْزَمُ الْآمِرَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ إذْ الْأَمْرُ تَنَاوَلَ أَمَةً تُسَاوِي أَلْفًا فَيَنْفُذُ عَلَى الْمَأْمُورِ وَلِأَنَّ فِيهِ غَبْنًا فَاحِشًا فَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُخَالِفَ الْآمِرَ وَلَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِأَلْفٍ أَوْ بِخَمْسِمِائَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ فَلِلْآمِرِ) أَيْ إنْ لَمْ يَدْفَعْ الْآمِرُ الْأَلْفَ إلَى الْمَأْمُورِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ الْقَوْلُ لِلْآمِرِ وَتَلْزَمُ الْأَمَةُ الْمَأْمُورَ وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْأَمَةِ خَمْسَمِائَةٍ فَظَاهِرٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُخَالَفَةِ وَالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا يَتَخَالَفَانِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا يَجِبُ لِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَقَدْ جَرَى بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ ثُمَّ إذَا حَلَفَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ الْمَأْمُورَ لِانْتِقَاضِ مِلْكِ الْآمِرِ بِالْفَسْخِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِشِرَاءِ هَذَا) أَيْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ هَذَا الْعَبْدِ (وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا) فَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ بِالْفَسْخِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِشِرَاءِ هَذَا) أَيْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ هَذَا الْعَبْدِ (وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ وَقَالَ الْآمِرُ بِنِصْفِهِ) وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ (تَحَالَفَا)؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى التَّحَالُفِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقِيلَ لَا يَتَحَالَفَانِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ إذْ هُوَ حَاضِرٌ فَيُجْعَلُ تَصَادُقُهُمَا بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْعَقْدِ فِي الْحَالِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هُوَ غَائِبٌ فَاعْتُبِرَ الِاخْتِلَافُ وَإِلَى هَذَا مَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ أَصَحُّ وَمَالَ أَبُو مَنْصُورٍ إلَى الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُ الْبَائِعِ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ إنْ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآمِرِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ وَقَالَ فِي الْكَافِي هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ قَالُوا وَمُرَادُهُ التَّحَالُفُ لَكِنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِ يَمِينِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْمُدَّعِي وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي إلَّا فِي صُورَةِ التَّحَالُفِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ بِالتَّحَالُفِ يَمِينَ الْمُدَّعِي دُونَ الْمُنْكِرِ إذْ ذَاكَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَالْمُوَكِّلُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُنْكِرٌ وَلَوْلَا مُرَادُهُ التَّحَالُفَ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْآمِرِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا فَكَانَ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ بِمَا ادَّعَى مِنْ الثَّمَنِ إذَا حَلَفَ وَلَمْ يَذْكُرْ يَمِينَ الْمَأْمُورِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إلَّا أَنَّ فِيهِ إشْكَالًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرُوا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَكِنَّ لَفْظَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى الْأَوَّلِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: إنَّ الْقَوْلَ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ يُصَدَّقُ فِيمَا قَالَ وَفِي التَّحَالُفِ لَا يُصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ التَّحَالُفَ لَمَا قَالَ ذَلِكَ وَهَذَا فِيمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لَهُ بِأَلْفٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ الْآمِرُ: أَمَرْتُك أَنْ تَشْتَرِيَهُ لِي بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ أَمَرْتَنِي بِالشِّرَاءِ بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَيَلْزَمُ الْعَبْدُ الْمَأْمُورَ لِمُخَالَفَتِهِ، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِشِرَاءِ نَفْسِ الْآمِرِ مِنْ سَيِّدِهِ بِأَلْفٍ وَدَفَعَ فَقَالَ لِسَيِّدِهِ اشْتَرَيْته لِنَفْسِهِ فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْته فَالْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي وَالْأَلْفُ لِسَيِّدِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَلْفٌ مِثْلُهُ) أَيْ لَوْ وَكَّلَ الْعَبْدُ رَجُلًا بِشِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ بِأَلْفٍ وَالْآمِرُ هُوَ الْعَبْدُ وَدَفَعَ الْأَلْفَ إلَى الْوَكِيلِ فَقَالَ الْوَكِيلُ لِسَيِّدِهِ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَا أَشْتَرِي عَبْدَك لِنَفْسِهِ فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ: اشْتَرَيْته وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِ الْعَبْدِ كَانَ الْعَبْدُ مِلْكًا لِلْوَكِيلِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي وَالْأَلْفُ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَدَفَعَهُ إلَى الْمَوْلَى كَانَ لِلْمَوْلَى فِيهِمَا مَجَّانًا وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عَلَى الْمُعْتَقِ الْأَلْفُ وَأَصْلُهُ أَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ، وَشِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ قَبُولُ الْإِعْتَاقِ بِبَدَلٍ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ بَيْعًا حَقِيقَةً غَيْرُ مُمْكِنٍ إمَّا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ أَوْ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ فَجُعِلَ مَجَازًا عَنْ الْإِعْتَاقِ لِوُجُودِ إزَالَةِ الْمِلْكِ فِيهِ كَالْبَيْعِ. فَإِذَا اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ لِلْعَبْدِ صَارَ الْبَائِعُ مُعْتِقًا فَيَلْزَمُهُ الْوَلَاءُ وَالْوَكِيلُ بِالْقَبُولِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ عَنْهُ فَلَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ وَإِذَا أَطْلَقَ الْوَكِيلُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِ الْعَبْدِ يَقَعُ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا اللَّفْظِ لِلْبَيْعِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَى الْعِتْقِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمَوْلَى وَلَعَلَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ لُزُومِ وَلَائِهِ وَعَقْلِ جِنَايَتِهِ فَلَا يَكُونُ الشِّرَاءُ لِلْعَبْدِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ الْعَبْدِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُوَكِّلِ بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِمُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ فِيهِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ أَيْضًا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَتَحَالَفَانِ فِيهِ وَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَقَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا أَوْ أَقَلَّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَأْمُورِ إذَا كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ فَقَدْ وَافَقَ الْآمِرُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَحَالَفَانِ) أَيْ وَيَلْزَمُ الْعَبْدَ الْآمِرُ اهـ (قَوْلُهُ: وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ أَصَحُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ قَوْلَ أَبِي مَنْصُورٍ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَ أَبِي جَعْفَرٍ أَصَحَّ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَاضِي خَانْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّصْحِيحِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ ك (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآمِرِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ) أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَصْدُقُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ تَصْدِيقُ الْبَائِعِ بَقِيَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَهُوَ الْوَكِيلُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمُوَكِّلُ فَوَجَبَ التَّحَالُفُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْته. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى الْمُعْتَقِ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ وَبِشِرَاءِ نَفْسِ الْآمِرِ مِنْ سَيِّدِهِ إلَخْ. اهـ.

[فصل الوكيل بالبيع والشراء لا يعقد مع من ترد شهادته له]

لَهُ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ إذْ الْكُلُّ بَيْعٌ وَالْوَكِيلُ أَصِيلٌ فِيهِ فِي الْحَالَيْنِ حَتَّى تَتَعَلَّقَ بِهِ الْحُقُوقُ فِي الْحَالَيْنِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْبَيَانِ وَهُنَا أَحَدُهُمَا إعْتَاقٌ مُعْقِبُ لِلْوَلَاءِ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ بِالْوَكِيلِ وَالْآخَرُ بَيْعٌ وَأَحْكَامُهُ خِلَافُ الْعِتْقِ فَلَا يَدُلُّ رِضَاهُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الرِّضَا بِالْآخِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ، فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ وَالْأَلْفُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عَلَى الْعَبْدِ إذَا عَتَقَ أَلْفٌ مِثْلُهَا ثَمَنًا أَوْ بَدَلَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ قَدْ بَطَلَ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَوْلَى مَا أَدَّاهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُ كَسَبَ عَبْدَهُ فَكَانَ مِلْكًا لَهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَقَبْلَ الْعِتْقِ فَلَا يَصْلُحُ مِلْكُهُ بَدَلًا عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ وَالْمَالِكُ لِلْعَبْدِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، وَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُ يَشْتَرِي لِلْعَبْدِ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْعِتْقِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ وَالْمَالُ عَلَى الْعَبْدِ دُونَ الْوَكِيلِ وَذَكَرَ فِي وَكَالَةِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَفِي وَكَالَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْعَبْدَ يُعْتَقَ وَالْمَالُ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ لِلْعَبْدِ كَتَوْكِيلِهِ بِشِرَائِهِ لِغَيْرِهِ فَيُطَالَبُ بِبَدَلِهِ الْوَكِيلُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ وَكِيلَ الْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَلَفْظُ الْبَيْعِ يَكُونُ مَجَازًا عَنْ الْعِتْقِ لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْبَيْعِ حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْعَبْدِ الْآمِرِ لَهُ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ حُقُوقُهُ فَيُطَالَبُ الْآمِرُ كَمَا إذَا كَانَ الْآمِرُ بِبَيْعِ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْ الْعَبْدِ هُوَ الْمَوْلَى حَيْثُ يَكُونُ الطَّلَبُ بِالْبَدَلِ إلَى الْمَوْلَى دُونَ الْوَكِيلِ لِمَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ قَالَ لِعَبْدٍ اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاك فَقَالَ لِلْمَوْلَى بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ فَفَعَلَ فَهُوَ لِلْآمِرِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ عَتَقَ) أَيْ إذَا قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدٍ: اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاك فَقَالَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا الشَّرْطِ كَانَ الْعَبْدُ مِلْكًا لِلْآمِرِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْعَبْدَ بِأَنْ قَالَ بِعْنِي وَلَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ عَتَقَ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الشِّرَاءِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ، وَالْعَبْدُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ نَفْسِهِ فِي حُكْمِ الْمَالِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُ حَبْسَ الْعَبْدِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَدَلَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالْمُودَعِ إذَا اشْتَرَى الْوَدِيعَةَ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ لِوُجُودِ الْقَبْضِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ كَانَ مِلْكًا لِلْمُوَكِّلِ. وَإِذَا أَضَافَ الشِّرَاءَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ بِعْنِي نَفْسِي لِنَفْسِي عَتَقَ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يُقَالُ إنَّ الْعَبْدَ وَكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ أَتَى بِجِنْسٍ آخَرَ مِنْ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ وَشِرَاؤُهُ قَبُولُ الْعِتْقِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ يَنْفُذُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ بِعْنِي نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ لِي وَلَا لِفُلَانٍ عَتَقَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ فَلَا يَقَعُ امْتِثَالًا بِالشَّكِّ فَيَبْقَى التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لِنَفْسِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْبَيْعَ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَالْعِتْقَ مَجَازٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ إذْ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ الْأَصْلُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْأَصْلُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ فَتَعَارَضَ الْأَصْلَانِ فَتَسَاقَطَا فَيَرْجِعُ إلَى غَرَضِ الْمَوْلَى، فَإِنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ التَّصَرُّفَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَوْلَى يُرِيدُ الْإِعْتَاقَ إذْ بَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ مُطْلَقًا إعْتَاقٌ وَاقْتِصَارُهُ عَلَى إضَافَتِهِ إلَى الْعَبْدِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَلَا يَرْضَى بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ لَا إلَى الْحُرِّيَّةِ لِيَثْبُتَ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ ثُمَّ الثَّمَنُ هُنَا يَكُونُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ فِي الْوَجْهَيْنِ دُونَ ذِمَّةِ الْآمِرِ أَمَّا إذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ لِلْآمِرِ فَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ فَتَرْجِعُ إلَيْهِ الْحُقُوقُ فَيُطَالَبُ بِالثَّمَنِ وَيَرْجِعُ هُوَ بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَلَا يُقَالُ الْعَبْدُ هُنَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَالْوَكِيلُ إذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ زَالَ الْحَجْرُ هُنَا بِالْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ مُقْتَرِنًا بِإِذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ إذَا كَانَ الشِّرَاءُ لِلْآمِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَإِنْ وَقَعَ لِلْعَبْدِ يُكْتَفَى بِقَوْلِ الْمَوْلَى بِعْتُ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَبُولِ الْعَبْدِ بَعْدَ قَوْلِهِ بِعْنِي نَفْسِي؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمَوْلَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الْعِتْقِ كَالنِّكَاحِ وَلَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ) وَذَلِكَ مِثْلُ قَرَابَةِ الْوِلَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِوُجُودِ الْقَبْضِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ) يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ وَلَوْ كَانَتْ وَدِيعَةً فَبَاعَهُ يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَضْمُونِ لَا يَنُوبُ عَنْ الْمَضْمُونِ. اهـ. [فَصْلٌ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ] (فَصْلٌ) هَذَا الْفَصْلُ عَقَدَهُ لِلْبَيْعِ وَذَكَرَهُ بَعْدَ فَصْلِ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الْإِزَالَةَ تَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْإِثْبَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ مِثْلُ قَرَابَةِ الْوِلَادِ) كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأُمِّهِ وَوَلَدِهِ، وَإِنْ سَفَلَ اهـ

وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَعَبِيدِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إلَّا مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ مُتَبَايِنَةٌ وَالْمَنَافِعَ مُنْقَطِعَةٌ فَصَارَ كَالْمُضَارِبِ بِخِلَافِ عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ مِلْكِهِ لَهُ وَلَهُ فِي مَالِ مُكَاتَبِهِ حَقٌّ وَيَنْقَلِبُ حَقِيقَةً بِالْعَجْزِ فَيَكُونُ بَيْعًا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ تَمَكَّنَتْ شُبْهَتُهُ وَبِخِلَافِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَوَاضِعَ التُّهَمِ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ الْوَكَالَاتِ وَهَذِهِ مَوَاضِعُهَا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ فَصَارَ بَيْعًا مِنْ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ وَتَبَايُنُ الْأَمْلَاكِ لَا يَمْنَعُ الِاتِّصَالَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ كَالْمُتَصَرِّفِ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ بَعْدَمَا صَارَ الْمَالُ عُرُوضًا وَأَنَّهُ شَرِيكُهُ فِي الرِّبْحِ فَلَا يَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَبِيعُ مَالَ نَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ هُوَ كَالْوَكِيلِ فَجَوَّزُوا فِيهِمَا الْبَيْعَ لَهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَعَلَى هَذَا لَنَا أَنْ نَمْنَعَ قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يُطْلِقْ لَهُ الْمُوَكِّلُ، وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ لَهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ بِعْ مِمَّنْ شِئْتَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ لَهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ إنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْوَكَالَةِ وَالْبُيُوعِ لَا يَجُوزُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُضَارَبَةِ يَجُوزُ وَبَيْعُ الْمُضَارِبِ وَشِرَاؤُهُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ يَجُوزُ هُنَا عِنْدَهُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَفِي الْوَكِيلِ رِوَايَتَانِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ عَلَى إحْدَاهُمَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَنَحْوُهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَصِحُّ بَيْعُهُ بِمَا قَلَّ وَكَثُرَ بِالْعَرَضِ وَالنَّسِيئَةِ) يَعْنِي الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إلَخْ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِنُقْصَانٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ حَالَّةً أَوْ إلَى أَجَلٍ مُتَعَارَفٍ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْوَكَالَةِ يَتَقَيَّدُ بِالتَّعَارُفِ وَالتَّصَرُّفَاتِ لِدَفْعِ الْحَاجَاتِ فَيَتَقَيَّدُ التَّوْكِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَعَبِيدُهُ) أَيْ وَمُكَاتَبُهُ وَمُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ) وَتَخْصِيصُ قَوْلِهِمَا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْصِيصِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَائِدَةٌ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مُلْحَقٌ بِالْقِيمَةِ وَسَيَأْتِي هُنَا عَنْ النِّهَايَةِ مِثْلُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ مُتَبَايِنَةٌ) أَلَا تَرَى أَنَّ لِلِابْنِ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ مُتَبَايِنًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ وَطْءَ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةَ أَبِيهِ فَلَمَّا تَبَايَنَ الْمِلْكُ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ كَانَ عَقْدُهُ مَعَهُمْ بَيْعًا وَشِرَاءً كَالْعَقْدِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ. وَلِهَذَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْوَكِيلِ شَيْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ أَصْلًا فَكَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ عَبْدِهِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ مَوْلَاهُ وَالْبَيْعُ مِنْهُ كَالْبَيْعِ مِنْ نَفْسِهِ فَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا إذَا بَاعَ مِنْ عَبْدِهِ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ مِنْ مُكَاتَبِهِ لِأَنَّ الرِّقَّ بَاقٍ فِي الْمُكَاتَبِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْقِنِّ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ عَبْدِهِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ نَفْسِهِ وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْحَاشِيَةِ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ عَبْدِهِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ عَبْدِهِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ كَمَا هُنَا لِأَنَّ كَسْبَهُ مِلْكُ مَوْلَاهُ فَبَيْعُهُ مِنْهُ كَبَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَكَانَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ لِأَنَّ مِلْكَ مِلْكِهِ لَهُ وَلَهُ فِي مَالِ مُكَاتَبِهِ حَقٌّ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْوَكِيلِ لِنَفْسِهِ وَلَا بَيْعُهُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهُ الْوَكِيلُ مِنْ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ لَمْ يَجُزْ كَأَنَّهُ بَاعَ مِنْ نَفْسِهِ وَلَوْ بَاعَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ لَمْ يَجُزْ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ أَبَوَيْهِ، وَإِنْ عَلَوَا أَوْ بَاعَهُ مِنْ أَوْلَادِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا أَوْ بَاعَهُ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ الزَّوْجَةِ إذَا بَاعَتْهُ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ بَاعَهُ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَلَوْ أَمَرَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَجَازَ لَهُ مَا صَنَعَ فَبَيْعُهُ مِنْ هَؤُلَاءِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ مِنْ عَبْدِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى مِنْ هَؤُلَاءِ. إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) ثُمَّ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَنَا وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ إذَا لَمْ يُجَبْ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَقُلْنَا لَوْ جَازَ يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ فِي الْأَحْكَامِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْتَزِيدًا وَمُسْتَنْقِصًا أَيْضًا وَمُخَاصِمًا فِي الْعَيْبِ وَمُخَاصِمًا وَفِيهِ مِنْ التَّضَادِّ مَا لَا يَخْفَى وَلَوْ قَالَ لَهُ بِعْ مِنْ نَفْسِك أَوْ اشْتَرِ مِنْ نَفْسِك لَمْ يَجُزْ أَيْضًا كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَتَبَايُنُ الْأَمْلَاكِ إلَخْ) أَيْ قَدْرُ ذَلِكَ التَّبَايُنِ لَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلِمَنَا أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَجَوَّزُوا) أَيْ فَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ لِلْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ الْبَيْعَ مِنْ هَؤُلَاءِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْفَرْقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ) أَيْ أَوْ الدَّنَانِيرِ اهـ وَقَالَ فِي الْأَسْرَارِ رَوَى الْحَسَنُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَنُقْصَانٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْمُخْتَلِفِ وَشَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (فَرْعٌ) لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِعِتْقِ عَبْدِهِ غَدًا أَوْ بَيْعِهِ غَدًا فَعَتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ بَعْدَ غَدٍ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَقَدْ نَقَلْتُ عِبَارَتَهُ قُبَيْلَ بَابِ الْهَدْيِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُطْلَقَ الْوَكَالَةِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ) قَالَ فِي التَّتِمَّةِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ

بِهَا بِمَوَاقِعِهَا، وَالْمُتَعَارَفُ الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَبِالنُّقُودِ حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ بَيْنَ النَّاسِ، وَبَيْعُ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِعَشْرَةٍ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمُعْتَادِ وَلِهَذَا يَتَقَيَّدُ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْفَحَمِ وَالْجَمَدِ بِأَيَّامِ الْحَاجَةِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ هِبَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَوْ صَدَرَ مِنْ الْمَرِيضِ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعُ بِالْعَرَضِ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ يُوَكِّلْهُ بِهِ وَلَا بِالْهِبَةِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِنَقْدٍ أَوْ بِقِيمَةٍ وَالْبَيْعُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ أَوْ بِالْعَرَضِ أَوْ بِالنَّسِيئَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِهِ مَا يَنْفِي ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: بِعْهُ وَاقْضِ بِهِ دَيْنِي أَوْ لِلنَّفَقَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مُتَعَارَفٌ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى الثَّمَنِ وَالتَّضَجُّرِ مِنْ الْعَرَضِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا فِي الْعُرْفِ وَلَا فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ يَبِيعَ يَحْنَثُ بِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ وَالْيَمِينُ تَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ كَالْوَكَالَةِ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْهِبَةِ، وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَلَا الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَلَا نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ فِي مَرَضِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ إبْطَالُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ مُتَّهَمٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَلَمَّا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً نَسَبَهَا إلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ فَلَا يُتَّهَمُ وَالْمَسَائِلُ الْمُسْتَشْهَدُ بِهَا مَمْنُوعَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُقَايَضَةُ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ شِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَبِيعُ مَالَهُ وَيَشْتَرِي مَالَ الْآخَرِ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ لِعَدَمِ احْتِمَالِ الشِّرَاء لِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلْمُوَكِّلِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْمُخَالَفَةِ فِيهِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ فَكَانَتْ التُّهْمَةُ فِيهِ بَاقِيَةً وَالْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ إذَا زَوَّجَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَقَيَّدَ شِرَاؤُهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسِ فِيهَا وَهُوَ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ) أَيْ تَقَيَّدَ شِرَاءُ الْوَكِيلِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ شِرَاؤُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ أَمْرَهُ بِالْبَيْعِ يُلَاقِي مِلْكَ نَفْسِهِ وَفِي الشِّرَاءِ مِلْكُ غَيْرِهِ وَلَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وِلَايَةٌ مُطْلَقَةٌ فَاعْتُبِرَ إطْلَاقُهُ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِالنَّقْدِ وَبِمِثْلِ الْقِيمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُطْلَقِ إذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ قِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِالنَّسِيئَةِ، وَإِنْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ لِحَاجَتِهِ إلَى النَّفَقَةِ أَوْ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِالنَّسِيئَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالسَّلَمِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ ثُمَّ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ وَذَكَرَ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ شَرْحِ بُيُوعِ الْكَافِي أَنَّ الْوَكِيلَ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالنَّسِيئَةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ قِيلَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: مُتَعَارَفٌ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ) وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمُوَكِّلِ وَإِقْدَامُ الْوَكِيلِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تُهْمَةٍ دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ الْحَاجَةِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ مُتَعَارَفٌ مَا نَصُّهُ فَالْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ. اهـ. كَافِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا: فَإِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ هَذَا بَيْعٌ رَابِحٌ وَذَاكَ بَيْعٌ خَاسِرٌ وَذَاكَ بَيْعٌ عَدْلٌ فَلَوْلَا أَنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ يَكُونُ بَيْعًا لَمْ يَصِحَّ إطْلَاقُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيَسْتَحِقُّ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَالْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَمَا مِنْ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ إلَّا وَيُقَابِلُهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الشِّرَاءُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِلتُّهْمَةِ لِأَنَّهُ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لَمَّا رَأَى فِيهِ الْخُسْرَانَ أَلْحَقَهُ بِالْآمِرِ حَتَّى لَوْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ بِأَنْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ جَازَ شِرَاؤُهُ عَلَى الْآمِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا لِعَدَمِ التُّهْمَةِ اهـ فَقَوْلُهُ حَتَّى لَوْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ إلَخْ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الشَّارِحِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمَّا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً نَسَبَهَا إلَيْهِ) نَقَلَ فِي التَّتِمَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالسَّلَمِ أَنَّ تَقْيِيدَ التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْجَمَدِ وَالْفَحْمِ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ الْإِطْلَاقُ يَعْنِي لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانِ الْأُضْحِيَّةِ وَالصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْمَسَائِلُ مَمْنُوعَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّوْكِيلَ يَتَقَيَّدُ فَنَقُولُ إنَّمَا يُقَيَّدُ بِدَلَالَةِ الْغَرَضِ لَا بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ شِرَاءِ الْفَحْمِ دَفْعُ ضَرَرِ الْبَرْدِ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالشِّتَاءِ، وَالْغَرَضُ مِنْ شِرَاءِ الْجَمَدِ دَفْعُ ضَرَرِ الْحَرِّ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالصَّيْفِ حَتَّى لَوْ انْعَدَمَتْ هَذِهِ الدَّلَالَةُ بِأَنْ وُجِدَ التَّوْكِيلُ مِمَّنْ يَعْتَادُ تَرَبُّصَ الْفَحْمِ كَالْحَدَّادِينَ وَغَيْرِهِمْ أَوْ تَرَبُّصَ الْجَمَدِ كَالْفَقَّاعِينَ وَغَيْرِهِمْ لَا يَتَقَيَّدُ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ تُقَيَّدُ بِأَيَّامِ النَّحْرِ بِالْغَرَضِ لَا بِالْعَادَةِ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُوَكِّلِ خُرُوجُهُ مِنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي أَيَّامِ تِلْكَ السَّنَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَالْمَسَائِلُ) أَرَادَ بِهَا مَسَائِلَ شِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجَمَدِ وَالْأُضْحِيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْمُقَايَضَةُ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ شِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلَخْ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا وَثَمَنًا وَيَفْتَرِقُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ بِدُخُولِ حَرْفِ الْبَاءِ الَّتِي تَصْحَبُ الْأَثْمَانَ فَعَلَى أَيِّهِمَا دَخَلَ الْبَاءُ يُجْعَلُ ذَلِكَ ثَمَنًا وَالْآخَرُ مَبِيعًا، فَإِذَا كَانَ بَيْعُ الْمُقَايَضَةِ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَنَاوَلَهُ مُطْلَقُ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ

فَيَتَقَيَّدُ بِهَا وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْإِطْلَاقِ فِي الشِّرَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ لَاشْتَرَاهُ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ وَبِزِيَادَةٍ فَيَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ إطْلَاقِ الْآمِرِ فِيهِ فَافْتَرَقَا وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِالنَّقْدَيْنِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ بِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ الْمَوْصُوفُ مِنْهُ ثَمَنٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا ثُمَّ قَدَّرَ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ هُنَا بِمَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ وَمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ فَيُعْذَرُ فِيمَا يَشْتَبِهُ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَا يُعْذَرُ فِيمَا لَا يَشْتَبِهُ لِفُحْشِهِ وَلِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً إلَّا عَمْدًا وَقِيلَ حَدُّ الْفَاحِشِ فِي الْعُرُوضِ نِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ وَفِي الْحَيَوَانِ عُشْرُ الْقِيمَةِ وَفِي الْعَقَارِ خُمُسُ الْقِيمَةِ وَفِي الدَّرَاهِمِ رُبُعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ يَحْصُلُ لِقِلَّةِ الْمُمَارَسَةِ فِي التَّصَرُّفِ فَكُلَّمَا كَانَتْ الْمُمَارَسَةُ فِيهِ أَقَلَّ كَانَ الْغَبْنُ فِيهِ أَكْثَرَ فَيُعْفَى عَنْ التَّفَاوُتِ بِحَسَبِ الْمُمَارَسَةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَفِي النِّهَايَةِ جَعَلَ هَذَا الْقَدْرَ مَعْفُوًّا وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَقِيلَ لَا يَتَحَمَّلُ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ أَيْضًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ سِعْرُهُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بَيْنَ النَّاسِ وَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْمَوْزِ وَالْجُبْنِ لَا يُعْفَى فِيهِ الْغَبْنُ، وَإِنْ قَلَّ، وَلَوْ كَانَ فَلْسًا وَاحِدًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ صَحَّ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الِاجْتِمَاعِ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا مُجْتَمِعًا وَمُتَفَرِّقًا فَصَارَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ كُلَّهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الثَّمَنِ جَازَ عِنْدَهُ فَبِنِصْفِهِ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرَ الشَّرِكَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَادٍ أَوْ هُوَ عَيْبٌ وَيُنْتَقَصُ بِهِ الْقِيمَةُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا؛ لِأَنَّ بَيْعَ النِّصْفِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَشْتَرِيهِ جُمْلَةً فَيَحْتَاجُ إلَى التَّفْرِيقِ فَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِبَيْعِ الْبَاقِي بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ وَلَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِذَلِكَ. قُلْنَا: ضَرَرُ الشَّرِكَةِ أَهْوَنُ مِنْ ضَرَرِ بَيْعِ الْكُلِّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الشِّرَاءِ يَتَوَقَّفُ مَا لَمْ يَشْتَرِ الْبَاقِيَ) أَيْ فِي الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ إذَا اشْتَرَى نِصْفَهُ يَتَوَقَّفُ شِرَاؤُهُ، فَإِنْ اشْتَرَى بَاقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا لَزِمَ الْمُوَكِّلَ وَإِلَّا لَزِمَ الْوَكِيلَ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْبَعْضِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الْإِمْسَاكِ بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى شِرَاءِ كُلِّهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَيَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهِ شِقْصًا فَشِقْصًا حَتَّى يَشْتَرِيَ الْكُلَّ، فَإِذَا اشْتَرَى الْكُلَّ قَبْلَ رَدِّ الْآمِرِ الشِّرَاءَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ فَيَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ، وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعُمُومِ الْأَمْرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي النِّهَايَةِ جَعَلَ هَذَا الْقَدْرَ مَعْفُوًّا) وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْمَجْمَعِ فَقَالَ: وَيَجُوزُ لِلْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ الْعَقْدُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَةٍ يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهَا كَنِصْفِ دِرْهَمٍ فِي عَشَرَةٍ فِي الْعُرُوضِ وَدِرْهَمٍ فِي الْحَيَوَانِ وَدِرْهَمَيْنِ فِي الْعَقَارِ قَالَ شَارِحُهُ هَذَا بَيَانٌ لِلْغَبْنِ الْيَسِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَاَلَّذِي لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ وَقِيلَ فِي الْعُرُوضِ دَهٍ نُيَمّ وَفِي الْحَيَوَانِ دَهٍ يازده وَفِي الْعَقَارِ دَهٍ دوايزده لِأَنَّ التَّصَرُّفَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ فِي الْأَوَّلِ وَيَقِلُّ فِي الْأَخِيرِ وَيَتَوَسَّطُ فِي الْأَوْسَطِ وَكَثْرَةُ الْغَبْنِ لِقِلَّةِ التَّصَرُّفِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ هَذَا كُلُّهُ إلَخْ) أَيْ جَوَازُ عَقْدِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا اهـ وَقَوْلُهُ هَذَا كُلُّهُ نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْإِمَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ فِي بُيُوعِ التَّتِمَّةِ وَبِهِ يُفْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ) أَيْ أَوْ جُزْءًا مَعْلُومًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ مُجْتَمِعًا وَمُتَفَرِّقًا) سَوَاءٌ بَاعَ الْبَاقِيَ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَبِعْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ كُلَّهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الثَّمَنِ جَازَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ بِمَا قَلَّ وَكَثُرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا) أَيْ فَهُمَا جَعَلَاهُ كَالشِّرَاءِ وَهُوَ فَرْقُ بَيْنَهُمَا. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ الْعُمُومَ وَالْإِطْلَاقَ فِي التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَأَمَّا فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَيَعْتَبِرُ الْمُتَعَارَفَ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا تُهْمَةَ وَعِنْدَهُمَا كِلَاهُمَا سَوَاءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي الشِّرَاءِ يَتَوَقَّفُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ قُلْت فِيهِ خِلَافَ زُفَرَ وَالثَّلَاثَةُ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ إلَّا فِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَإِنْ ابْتَاعَ الْبَاقِيَ مِنْهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ لَزِمَ الْآمِرَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ دُونَ الْآمِرِ وَلَوْ اخْتَصَمَ الْوَكِيلُ مَعَ الْمُوَكِّلِ إلَى الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَكِيلُ الْبَاقِيَ وَأَلْزَمَ الْقَاضِي الْوَكِيلَ ثُمَّ إنَّ الْوَكِيلَ اشْتَرَى الْبَاقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي فِي تَبْعِيضِهَا مَضَرَّةٌ وَيَكُونُ التَّشْقِيصُ فِيهِ عَيْبًا كَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءٍ لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهِ مَضَرَّةٌ وَلَا يَكُونُ التَّبْعِيضُ فِيهِ عَيْبًا فَاشْتَرَى بَعْضَهُ لَزِمَ الْآمِرَ نَحْوُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِشِرَاءِ كُرٍّ مِنْ حِنْطَةٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى نِصْفَ الْكُرِّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَزِمَ الْآمِرَ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا لَزِمَ الْآمِرَ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعَدَدِيِّ فَاشْتَرَى وَاحِدًا مِنْهَا لَزِمَ الْآمِرَ اهـ

لَمْ يَشْتَرِ حَتَّى رَدَّ الشِّرَاءَ نَفَذَ عَلَى الْمَأْمُورِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشِّرَاءَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ التُّهْمَةُ دُونَ الْبَيْعِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ يُصَادِفُ مِلْكَهُ فَيَصِحُّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ إطْلَاقُهُ وَالْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى شِرَاءِ الْبَاقِي وَلَا يُقَالُ: إنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَبِكَيْفَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالتَّوَقُّفِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَا يَتَوَقَّفُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ فَيَتَوَقَّفُ كَشِرَاءِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا لِغَيْرِهِمَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ مَنْ اُشْتُرِيَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي فَكَذَا هُنَا شِرَاءُ النِّصْفِ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ لِعَدَمِ النَّفَاذِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُخَالِفًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْ أَمْرَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَقُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ. فَإِنْ اشْتَرَى بَاقِيَهُ لَزِمَ الْآمِرَ وَإِلَّا لَزِمَ الْمَأْمُورَ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْآمِرُ فِي زَمَنِ التَّوَقُّفِ نَفَذَ عِتْقُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْمَأْمُورِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْخِلَافَ يُتَوَهَّمُ رَفْعُهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فَقَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بَقِيَ مُخَالِفًا، فَإِذَا أَعْتَقَهُ الْآمِرُ لَمْ يَنْفُذْ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: إنَّ الْعَقْدَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ صَرِيحًا نَفَذَ عَلَيْهِ، وَالْإِعْتَاقُ إجَازَةٌ مِنْهُ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْفُذُ إعْتَاقُ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَنَاوَلَتْ مَحِلًّا بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَمْلِكْ الْوَكِيلُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى إجَازَتِهِ فَلَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ رَدَّهُ عَلَى الْآمِرِ وَكَذَا بِإِقْرَارٍ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ)؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ وَالْوَكِيلُ مُضْطَرٌّ فِي النُّكُولِ لِعَدَمِ مُمَارَسَتِهِ الْمَبِيعَ فَلَزِمَ الْآمِرَ وَإِقْرَارُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَعْلَمُ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى الْإِقْرَارِ وَلَا إلَى الْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعَيْبَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ حَادِثًا كَالسِّنِّ الزَّائِدَةِ وَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ أَوْ يَكُونَ حَادِثًا لَكِنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ يَحْدُثُ فِي مِثْلِهَا، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَادِثٍ رَدَّهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ حُجَّةٍ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ أَوْ إقْرَارٍ وَكَذَا إذَا كَانَ حَادِثًا لَكِنَّهُ لَا يَحْدُثُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ رَدَّهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا نُكُولٍ وَلَا إقْرَارٍ لِعِلْمِهِ بِكَوْنِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَتَأْوِيلُ اشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ أَوْ الْإِقْرَارِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْحَالَ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَى الْقَاضِي بِأَنْ لَا يَعْرِفَ تَارِيخَ الْبَيْعِ فَاحْتَاجَ إلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ لِيَظْهَرَ التَّارِيخُ أَوْ كَانَ عَيْبًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْأَطِبَّاءُ أَوْ النِّسَاءُ وَقَوْلُهُمْ حُجَّةٌ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي الرَّدِّ فَيَفْتَقِرُ إلَيْهَا لِلرَّدِّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْقَاضِي عَايَنَ الْبَيْعَ وَكَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ كَانَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ، وَكَذَا النُّكُولُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا رَدُّ الْقَاضِي عَلَى الْوَكِيلِ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ. وَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ فِي هَذَا النَّوْعِ بِإِقْرَارٍ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ فَلَا يَتَعَدَّى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فَيَرُدَّهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةِ أَوْ بِنُكُولِهِ، وَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِرِضَاهُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ وَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْمُوَكِّلُ ثَالِثُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِقَضَاءِ قَاضٍ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ حَصَلَ بِالْقَضَاءِ فَكَانَ مُكْرَهًا فَانْعَدَمَ التَّرَاضِي وَهُوَ شَرْطٌ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ فَجُعِلَ فَسْخًا فِي حَقِّ الْكُلِّ وَلَكِنَّ الْفَسْخَ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ قَاصِرٍ وَهُوَ الْإِقْرَارُ فَعَمِلْنَا بِهِمَا فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الرَّدَّ فَسْخٌ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ قَاصِرٍ لَزِمَ الْوَكِيلَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ حُجَّةً عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ غَيْرَ حَادِثٍ أَوْ كَانَ حَادِثًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَرَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ بِإِقْرَارِهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَزِمَ الْوَكِيلَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فِي عَامَّةِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ. وَذَكَرَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّهُ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُمَا فَعَلَا عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ إذْ لَا يُكَلِّفُهُ الْقَاضِي إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا إلَى الْحَلِفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ بِلَا حُجَّةٍ فَكَانَ الْحَقُّ مُتَعَيِّنًا فِي الرَّدِّ قُلْنَا: الرَّدُّ بِالتَّرَاضِي بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْمُوَكِّلُ ثَالِثُهُمَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَقَّ مُتَعَيِّنٌ فِي الرَّدِّ بَلْ يَثْبُتُ حَقُّهُ أَوَّلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَهُ فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْآمِرُ فِي زَمَنِ التَّوَقُّفِ نَفَذَ عِتْقُهُ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا فَاشْتَرَى نِصْفَهُ جَازَ عِتْقُ الْآمِرِ فِيهِ وَلَمْ يَجُزْ عِتْقُ الْوَكِيلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ عِتْقُ الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَتَأْوِيلُ اشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ أَوْ الْإِقْرَارِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَإِنَّمَا شَرَطَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْبَيِّنَةَ أَوْ الْإِبَاءَ أَوْ الْإِقْرَارَ لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ عَلَى الْقَاضِي بِأَنَّ الْعَيْبَ قَدِيمٌ أَمْ لَا أَوْ يَعْلَمُ الْقَاضِي يَقِينًا أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْعَيْبِ لَا يَحْدُثُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ مَثَلًا وَلَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُ تَارِيخَ الْبَيْعِ مَتَى كَانَ فَيَحْتَاجُ الْمُشْتَرِي إلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْحُجَجِ عَلَى أَنَّ تَارِيخَ الْبَيْعِ مُنْذُ شَهْرٍ حَتَّى يَظْهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ عَلَيْهِ اهـ

فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ ثُمَّ إذَا عَجَزَ يَنْتَقِلُ إلَى الرَّدِّ ثُمَّ إذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ أَوْ بِزِيَادَةِ حُدُوثٍ فِيهِ يَنْتَقِلُ إلَى الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ فَلَمْ يَكُنْ الرَّدُّ مُتَعَيِّنًا وَهَكَذَا ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ نُزُولًا مِنْ اللُّزُومِ إلَى أَنْ لَا يُخَاصِمَ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَانَ الْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُهُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَاعَ نَسِيئَةً فَقَالَ أَمَرْتُك بِنَقْدٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ أَطْلَقْت فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ) أَيْ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ بَاعَ نَسِيئَةً فَقَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ أَمَرْتُك أَنْ تَبِيعَهُ بِنَقْدٍ وَقَالَ الْوَكِيلُ أَمَرْتَنِي بِبَيْعِهِ مُطْلَقًا وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْوَكَالَةِ عَلَى التَّقْيِيدِ حَتَّى لَا تَصِحَّ بِدُونِ بَيَانِ النَّوْعِ بَعْدَ الْجِنْسِ أَوْ الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَكَّلْتُك أَنْ تَشْتَرِيَ لِي دَابَّةً لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي مَالِي لَيْسَ لَهُ إلَّا الْحِفْظُ، فَإِذَا كَانَتْ مَبْنَاهَا عَلَى التَّقْيِيدِ وَهُوَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ كَمَا إذَا أَنْكَرَ الْآمِرُ أَصْلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْمُضَارَبَةِ لِلْمُضَارِبِ) أَيْ بَاعَ الْمُضَارِبُ نَسِيئَةً فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ أَمَرْتُك أَنْ تَبِيعَهُ بِنَقْدٍ وَقَالَ الْمُضَارِبُ أَطْلَقْتَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْإِطْلَاقُ وَالْعُمُومُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ الْمُعْتَادَ مِنْ شِرَاءٍ وَبَيْعٍ وَإِبْضَاعٍ وَتَوْكِيلٍ وَاسْتِئْجَارٍ وَإِيدَاعٍ بِذِكْرِ لَفْظَةِ الْمُضَارَبَةِ بِهِ فَقَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَمَنْ ادَّعَاهُ فِيهَا كَانَ مُدَّعِيًا لَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَالْمُضَارِبُ فِي نَوْعٍ آخَرَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِسُقُوطِ الْإِطْلَاقِ بِاتِّفَاقِهِمَا فَأَشْبَهَتْ الْوَكَالَةَ الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا شَائِبَةُ الشَّرِكَةِ ثُمَّ مُطْلَقُ الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ يَقْتَضِيهِ نَقْدًا وَنَسِيئَةً إلَى أَجَلٍ مُتَعَارَفٍ عِنْدَهُمَا وَإِلَى أَيِّ أَجَلٍ كَانَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ حَيْثُ يَتَقَيَّدُ بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ بَيْنَ التُّجَّارِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَخَذَ الْوَكِيلُ بِالثَّمَنِ رَهْنًا فَضَاعَ أَوْ كَفِيلًا فَتَوَى عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ) أَيْ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ وَقَبْضُ الثَّمَنِ مِنْهَا وَالِارْتِهَانُ وَالْكَفَالَةُ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيَمْلِكُهُمَا وَلِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ كَقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ ثُمَّ الثَّمَنُ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَكَذَا الرَّهْنُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ الرَّهْنِ وَلَا الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ نِيَابَةً عَنْ الْآمِرِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ وَيَمْلِكُ الْآمِرُ مَنْعَهُ وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَلَوْلَا أَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهِ لَكَانَ مِثْلَهُ وَفِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِالْكَفَالَةِ هُنَا الْحَوَالَةُ؛ لِأَنَّ التَّوَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْكَفَالَةِ وَقِيلَ الْكَفَالَةُ عَلَى حَقِيقَتِهَا، فَإِنَّ التَّوَى يَتَحَقَّقُ فِيهَا بِأَنْ مَاتَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ مُفْلِسَيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا تَوَى مُضَافٌ إلَى أَخْذِهِ الْكَفِيلَ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ كَفِيلًا لَمْ يَتْوَ دَيْنُهُ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَالتَّوَى الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَى أَخْذِهِ الْكَفِيلَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ كَفِيلًا أَيْضًا لَتَوَى بِمَوْتِ مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ) لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي كَيْفِيَّةِ تَحْقِيقِهِ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ يَقَعُ مُطْلَقًا وَقَدْ يَقَعُ مُقَيَّدًا وَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْخُصُوصَ وَالْأَصْلُ فِي الْوَكَالَةِ الْخُصُوصُ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْمُضَارِبُ أَطْلَقْتَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ) وَفِي قَوْلِ زُفَرَ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَالِ فَصَارَ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعُلَمَاؤُنَا اسْتَحْسَنُوا فِي الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ بِنَاؤُهَا عَلَى الْعُمُومِ وَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ ثُمَّ رَبُّ الْمَالِ ادَّعَى زِيَادَةَ شَرْطٍ وَالْمُضَارِبُ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَأَشْبَهَتْ الْوَكَالَةَ الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا شَائِبَةُ الشَّرِكَةِ) يُحْتَرَزُ بِذَلِكَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ وَلَكِنْ تَصِيرُ شَرِكَةً فِي الْآخِرِ إذَا رَبِحَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ أَخَذَ الْوَكِيلُ بِالثَّمَنِ رَهْنًا إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا وَضَاعَ فِي يَدِهِ أَوْ أَخَذَ بِهِ كَفِيلًا فَتْوَى الْمَالَ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ قَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ أَمَرَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ لَهُ عَبْدًا فَبَاعَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا فَضَاعَ فِي يَدِهِ وَأَخَذَ بِهِ كَفِيلًا فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الثَّمَنِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى الْوَكِيلِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْكَفَالَةِ فِي الرَّهْنِ، وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَتَاعًا فَقَالَ: بِعْهُ وَارْتَهِنْ لِي بِهِ رَهْنًا فَفَعَلَ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَلَوْ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ فَكَذَا إذَا فَعَلَهُ نَائِبُهُ. فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى قَوْلِهِمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَخْذَ الرَّهْنِ يُشْبِهُ الْبَيْعَ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ ضَمَانٍ وَيَصِيرُ مُسْتَبْدِلًا مُسْتَوْفِيًا فِي الْعَاقِبَةِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ عِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَمْلِكُ وَلَوْ بَاعَهُ وَلَمْ يَرْتَهِنْ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مُؤَكَّدٍ بِالرَّهْنِ، فَإِذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ غَيْرِ مُؤَكَّدٍ يَصِيرُ مُخَالِفًا وَلَوْ قَالَ: بِعْهُ بِثَمَنٍ ثِقَةٍ فَارْتَهِنْ رَهْنًا أَقَلَّ مِنْهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ التَّوَثُّقُ بِهِ لِأَنَّهُ مُمَاثِلٌ لِلدَّيْنِ أَوْ مُقَارِبٌ لَهُ فَصَلَحَ وَثِيقَةً لَهُ لِأَنَّ الْوَثِيقَةَ مَا يُفْضِي إلَى الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ تَوْثِيقَ الْكَثِيرِ بِحَبْسِ الْقَلِيلِ مِمَّا لَا يُعْقَلُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْآمِرِ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّوَثُّقِ مَرْجِعُهُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْوَكِيلُ بِالرَّدِّ مُبْطِلًا لَهُ فَيَضْمَنُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَتْوَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْكَفِيلِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْوَافِي أَوْ أَخَذَ بِثَمَنِهِ كَفِيلًا فَتْوَى الْمَالَ عَلَى الْكَفِيلِ اهـ

عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْحَوَالَةِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتْوَى فِيهَا بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا بَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُحِيلِ، وَإِنَّمَا يَتْوَى بِمَوْتِهِمَا مُفْلِسَيْنِ فَصَارَ كَالْكَفَالَةِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالتَّوَى تَوًى مُضَافٌ إلَى أَخْذِهِ الْكَفِيلَ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْمُرَافَعَةِ إلَى حَاكِمٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ عَنْ الدَّيْنِ بِالْكَفَالَةِ وَلَا يَرَى الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مَالِكِيًّا وَيَحْكُمَ بِهِ ثُمَّ يَمُوتَ الْكَفِيلُ مُفْلِسًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَصَرَّفُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ وَحْدَهُ)؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الْبَدَلُ مُقَدَّرًا؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَفِي اخْتِيَارِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا فِي تَصَرُّفٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا فِيهِ وَكَانَ تَوْكِيلُهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ لَا يُمْكِنُ الِاجْتِمَاعُ فِيهِ كَالْخُصُومَةِ جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ دُونَ صَاحِبِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ تَوْكِيلُهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَقْتَ تَوْكِيلِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَصِيَّيْنِ إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَلَامٍ عَلَى حِدَةٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ صَارَا وَصِيَّيْنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَالْوَكَالَةُ حُكْمُهَا يَثْبُتُ بِنَفْسِ التَّوْكِيلِ فَإِذَا أُفْرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ اسْتَبَدَّ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ وَإِذَا وَكَّلَهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا وَالْآخَرُ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ أَجَازَهُ صَاحِبُهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ لَمْ يَجُزْ لِلْآخَرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَحْدَهُ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إلَّا فِي خُصُومَةٍ وَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ بِلَا بَدَلٍ وَرَدِّ وَدِيعَةٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ وَالْخُصُومَةِ، وَإِنْ كَانَ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ لَكِنَّ اجْتِمَاعَهُمَا فِي التَّكَلُّمِ فِي مَجْلِسٍ الْقَاضِي مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّلْبِيسِ عَلَى الْقَاضِي وَإِلَى الشَّغَبِ، وَالرَّأْيُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ سَابِقًا عَلَى الْخُصُومَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ صَاحِبِهِ وَقْتَ الْخُصُومَةِ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِالتَّوَى إلَخْ) أَخَذَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا مِنْ الْكَافِي فَقَدْ قَالَ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَتْوَى الْمَالَ عَلَى الْكَفِيلِ بِأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى قَاضٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ بِنَفْسِ الْكَفَالَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فَيَحْكُمُ بِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فَتْوَى الْمَالَ عَلَى الْكَفِيلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَانَ تَوْكِيلُهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَا فِيهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالُوا هَذَا إذَا وَكَّلَهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ دُفْعَةً وَاحِدَةً بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُكُمَا بِبَيْعِ عَبْدِي وَخُلْعِ امْرَأَتِي أَمَّا إذَا وَكَّلَهُمَا بِكَلَامَيْنِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَلَّطٌ عَلَى الْبَيْعِ وَالْخُلْعِ بِانْفِرَادِهِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْوَكِيلَيْنِ بِالْمُبَادَلَةِ إذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا بِالْمُبَادَلَةِ دُونَ صَاحِبِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَنْفُذُ حَتَّى يُجِيزَهُ الْوَكِيلُ الْآخَرُ أَوْ الْمُوَكِّلُ وَلَا يَجُوزُ فِعْلُ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَتَعَلَّقُ بِالرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ وَقَدْ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا وَمَشُورَتِهِمَا وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى وَالْوَكِيلُ الْآخَرُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ إلَّا أَنَّ فِي الشِّرَاءِ يَنْفُذُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ لَا يَتَوَقَّفُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ الْوَكِيلِ وَكَذَا الْوَكِيلَانِ بِالتَّزْوِيجِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ عَلَى مَالٍ إذَا فَعَلَهُ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يُجِيزَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْوَكِيلُ الْآخَرُ وَأَمَّا الْوَكِيلَانِ بِالْعِتْقِ عَلَى غَيْرِ مَالٍ وَالْوَكِيلَانِ بِالطَّلَاقِ عَلَى غَيْرِ مَالٍ فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يَعْتِقَ وَيُطَلِّقَ وَكَذَا الْوَكِيلَانِ بِالْخُصُومَةِ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخَاصِمَ إلَّا أَنَّهُ إذَا انْتَهَى إلَى قَبْضِ الْمَالِ لَا يَجُوزُ قَبْضُ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا لِأَنَّ الْخُصُومَةَ مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهَا اثْنَانِ بِالِاجْتِمَاعِ وَالْقَبْضِ مِمَّا يَتَأَتَّى فِيهِ الِاجْتِمَاعُ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ بِتَسْلِيمِ مَا وَهَبَ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا صَحَّتْ الْهِبَةُ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَسَلَّمَ الْمَالَ إلَيْهِمَا فَقَضَاهُ أَحَدُهُمَا جَازَ وَأَمَّا الْوَصِيَّانِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا التَّصَرُّفُ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَالْوَكِلَيْنِ بِالْبَيْعِ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْرُوفَةٍ فَذَكَرَهَا فِي الْوَصَايَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ عَلَى حِدَةٍ وَلَوْ دَفَعَ مَالَهُ إلَى اثْنَيْنِ مُضَارَبَةً فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا التَّصَرُّفُ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ إلَّا فِي خُصُومَةٍ وَطَلَاقٍ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الْأَوَّلُ إذَا وَكَّلَهُمَا بِالطَّلَاقِ وَالثَّانِي إذَا وَكَّلَهُمَا بِالْعَتَاقِ وَالثَّالِثُ إذَا وَكَّلَهُمَا بِرَدِّ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ دَيْنٍ عَلَيْهِ لِرَجُلٍ، وَالرَّابِعُ إذَا وَكَّلَهُمَا بِالْخُصُومَةِ لِأَنَّ فِي الثَّلَاثَةِ لَا يُحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ وَأَمَّا فِي الْخُصُومَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِيهَا الْمَعْنَى اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ صَاحِبِهِ وَقْتَ الْخُصُومَةِ) وَلَكِنَّهُمَا لَا يَقْبِضَانِ إلَّا مَعًا وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ الِانْفِرَادُ فِي الْخُصُومَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ وَرَأْيُ الِاثْنَيْنِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِ الْوَاحِدِ فَرِضَاهُ بِرَأْيِهِمَا لَا يَكُونُ رِضًا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَنَا أَنَّ الْمَعْهُودَ بَيْنَ النَّاسِ هُوَ الِانْفِرَادُ بِالتَّكَلُّمِ صِيَانَةً لِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ عَنْ الشَّغَبِ وَتَحَرِّيًا لِلصَّوَابِ إذْ الْإِنْسَانُ يُبْتَلَى بِالْغَلَطِ عِنْدَ كَثْرَةِ اللَّغَطِ وَفِي الِاجْتِمَاعِ إخْلَالٌ بِالِاسْتِمَاعِ وَلَمَّا وَكَّلَهُمَا بِالْخُصُومَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا صَارَ رَاضِيًا بِخُصُومَةِ أَحَدِهِمَا وَلَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُفَوِّتُ فَائِدَةَ تَوْكِيلِهِمَا وَذَا بِأَنْ يَتَنَاوَبَا الْأَمْرَ بِرَأْيِهِمَا، وَإِنَّمَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّكَلُّمِ. اهـ. كَافِي

بِسَمَاعِهِ الْخُصُومَةَ وَهُوَ سَاكِتٌ فَائِدَةٌ، وَطَلَاقُ الزَّوْجَةِ وَالْعِتْقُ بِلَا بَدَلٍ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ إلَّا إذَا قَالَ: طَلِّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا أَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِأَيْدِيهِمَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَفْوِيضًا فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ تَمْلِيكًا أَوْ يَكُونُ تَعْلِيقًا فَيُشْتَرَطُ فِعْلُهُمَا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَيْئَيْنِ لَا يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ طَلِّقَاهَا جَمِيعًا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَحْدَهُ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ قَالَ طَلِّقَاهَا جَمِيعًا ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا طَلْقَةً وَالْآخَرُ طَلْقَتَيْنِ لَا يَقَعُ وَرَدُّ الْوَدِيعَةِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ فَرَدُّ أَحَدِهِمَا كَرَدِّهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُمَا بِاسْتِرْدَادِهَا حَيْثُ لَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْبِضَ بِدُونِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا فِيهِ مُمْكِنٌ وَلِلْمُوَكِّلِ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ حِفْظَ اثْنَيْنِ خَيْرٌ مِنْ حِفْظِ وَاحِدٍ، فَإِذَا قَبَضَهُ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ إذْ أَمْرُهُ تَنَاوَلَهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ لَا مُتَفَرِّقَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ بِقَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِثْلُ رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَاقْتِضَاؤُهُ مِثْلُ اسْتِرْدَادِ الْوَدِيعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُوَكِّلُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ بِاعْمَلْ بِرَأْيِك) أَيْ لَا يُوَكِّلُ الْوَكِيلُ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ يَقُولَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِك؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ دُونَ التَّوْكِيلِ بِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِدُونِ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ فِي الْحُقُوقِ حَيْثُ يَمْلِكُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ وَلَا نَهْيُهُ عَنْهُ وَيَمْلِكُهُمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِدُونِ رِضَاهُ، فَإِذَا فَوَّضَ إلَيْهِ وَوَكَّلَ كَانَ الثَّانِي وَكِيلًا عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَعْزِلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ، وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ نَظِيرُ اسْتِخْلَافِ الْقَاضِي حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ ثُمَّ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ وَلَا بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِعَزْلِ الْخَلِيفَةِ لَهُمَا لَكِنْ لَا يَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخَلِيفَةَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَنْعَزِلُ بِهِ الْقَاضِي الَّذِي وَلَّاهُ هُوَ أَوْ وَلَّاهُ الْقَاضِي بِإِذْنِهِ وَالْمُوَكِّلُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَيَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ بِمَوْتِهِ لِبُطْلَانِ حَقِّهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ وَكَّلَ بِلَا إذْنِ الْمُوَكِّلِ فَعَقَدَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بَاعَ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَ صَحَّ) أَيْ إنْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ فَعَقَدَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ أَوْ عَقَدَ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَهُ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ جَازَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ حُضُورُ رَأْيِهِ، وَقَدْ حَصَلَ بِهِ وَكَذَا لَوْ عَقَدَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ جَازَ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَطَلَاقُ الزَّوْجَةِ وَالْعِتْقُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ طَلِّقَا امْرَأَتِي إنْ شِئْتُمَا أَوْ أَرَدْتُمَا فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَقَعْ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهِمَا فَلَا يَنْزِلُ عِنْدَ مَشِيئَةِ أَحَدِهِمَا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَمْرُ امْرَأَتِي بِأَيْدِيكُمَا فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الرَّأْيَ إلَيْهِمَا لَا إلَى أَحَدِهِمَا اهـ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ طَلِّقَاهَا جَمِيعًا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَحْدَهُ) حَتَّى لَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِلَا رَأْيِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ) وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الرَّأْيِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيَمْلِكُهُمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ) أَيْ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ التَّوْكِيلَ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ وَيَمْلِكُ نَهْيَ الْوَكِيلِ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا فُوِّضَ إلَيْهِ وَوُكِّلَ كَانَ الثَّانِي وَكِيلًا) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ، وَقَالَ لَهُ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ بِذَلِكَ جَازَ تَوْكِيلُهُ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَكِيلَ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ لَا وَكِيلَ الْوَكِيلِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ أَوْ عُزِلَ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَلَوْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ الْأَوَّلُ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلَانِ وَلَوْ عَزَلَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ جَازَ عَزْلُهُ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِصُنْعِ الْأَوَّلِ وَعَزْلُ الْأَوَّلِ الثَّانِيَ مِنْ صَنِيعِ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ وَكَّلَ بِلَا إذْنِ الْمُوَكِّلِ فَعَقَدَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بَاعَ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَ صَحَّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَجُلٍ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ فَأَمَرَ الْوَكِيلُ رَجُلًا بِبَيْعِهِ قَالَ: إنْ بَاعَهُ وَالْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَاضِرٌ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ بَاعَهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَهُ رَجُلٌ غَيْرُ الْوَكِيلِ فَبَلَغَ الْوَكِيلَ فَسَلَّمَ الْبَيْعَ قَالَ جَائِزٌ. إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ لِمَا وُكِّلَ بِهِ إلَّا أَنْ يُطْلِقَ لَهُ الَّذِي وَكَّلَهُ أَوْ يُجِيزَ أَمْرَهُ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ بِنَاءَ الْوَكَالَةِ عَلَى الْخُصُوصِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ بِذَلِكَ أَوْ يَقُولَ لَهُ وَقْتَ التَّوْكِيلِ: مَا صَنَعْتُ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ وَلَمْ يُجِزْ لَهُ مَا صَنَعَ وَلَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ بِبَيْعِ ذَلِكَ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ الثَّانِي، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ بَاعَهُ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ جَازَ الْبَيْعُ وَصَارَ كَأَنَّ الْوَكِيلَ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي بَاعَهُ. وَلَوْ بَاعَهُ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ حَتَّى يُجِيزَهُ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ أَوْ الْمُوَكِّلُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَكِيلِ الثَّانِي سَوَاءٌ كَانَ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ أَوْ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَجُوزُ بَيْعُ الْوَكِيلِ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ وَبِغَيْرِ حَضْرَتِهِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَاشْتَرَى الثَّانِي فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ عَقَدَ الْوَكِيلُ الثَّانِي إلَى قَوْلِهِ جَازَ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَتْنِ فَأَجَازَ صَحَّ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَتَيْ الْوَكِيلِ الثَّانِي وَالْأَجْنَبِيِّ وَإِلَّا لَوْ كَانَ قَوْلُهُ جَازَ رَاجِعًا لِمَسْأَلَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ الشَّارِحِ وَكَذَا لَوْ عَقَدَ الْوَكِيلُ إلَخْ فَائِدَةً لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُسْتَفَادًا مِنْ الْمَتْنِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَقَلَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ وَكَالَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَبَاعَ الثَّانِي أَوْ آجَرَ وَالْأَوَّلُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ ذَلِكَ جَازَ فَقَدْ شَرَطَ الْإِجَازَةَ مِنْ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لِلْجَوَازِ، وَإِنْ حَصَلَ الْبَيْعُ أَوْ الْإِجَارَةُ مِنْ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ

[باب الوكالة بالخصومة والقبض]

حُضُورُ رَأْيِهِ قَدْ حَصَلَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ بِإِذْنِهِ، وَلَوْ قَدَّرَ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ لِلثَّانِي جَازَ عَقْدُهُ فِي غَيْبَتِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِاسْتِعْمَالِ رَأْيِهِ فِي تَقْدِيرِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَقَدَّرَ لَهُمَا الْبَدَلَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ بِدُونِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي نُقْصَانِهِ فِي الشِّرَاءِ وَفِي الزِّيَادَةِ فِي الْبَيْعِ وَفِي اخْتِيَارِ مَنْ يُعَامِلَانِهِ بَلْ هُوَ مَقْصُودُهُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ تَفْوِيضَهُ إلَيْهِمَا مَعَ تَقْدِيرِ الْبَدَلِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ اسْتِعْمَالُ رَأْيِهِ فِي مُعْظَمِ الْأَمْرِ وَهُوَ تَقْدِيرُ الْبَدَلِ، وَقَدْ حَصَلَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْوَكَالَاتِ الِاسْتِرْبَاحُ عَادَةً وَهُوَ زِيَادَةُ الْبَدَلِ، وَقَدْ حَصَلَ بِتَقْدِيرِ الْبَدَل وَمَا عَدَاهُ كَالْفَضْلَةِ فَلَا يَكُونُ مَقْصُودًا بِالتَّوْكِيلِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعُهْدَةِ فِيمَا إذَا عَقَدَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ الْحُقُوقَ تَتَعَلَّقُ بِالْأَوَّلِ وَكَذَا ذَكَرَ الْمَحْبُوبِيُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِلُزُومِ الْعُهْدَةِ لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَذَكَرَ فِي حِيَلِ الْأَصْلِ وَالْعُيُونِ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ وَالْعَقْدُ هُوَ السَّبَبُ لِلُّزُومِ، وَقَدْ صَدَرَ مِنْ الْمُبَاشِرِ دُونَ غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا عَقَدَهُ وَالْأَوَّلُ غَائِبٌ فَأَجَارَهُ أَوْ عَقَدَهُ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَ الْأَوَّلُ وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ حَضْرَتِهِ. وَالْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَطَلَّقَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ عَلَّقَهُ بِلَفْظِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ كَافِرٌ صَغِيرَتَهُ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ أَوْ بَاعَ لَهَا أَوْ اشْتَرَى لَمْ يَجُزْ)؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِهَؤُلَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ إنْكَاحَ غَيْرِهِ وَكَذَا الْكَافِرُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْوِيضِهَا إلَى الْقَادِرِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى النَّظَرِ، وَالرِّقُّ يُزِيلُ الْقُدْرَةَ وَالْكُفْرُ يَقْطَعُ الشَّفَقَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا مَصْلَحَةَ فِي التَّفْوِيضِ إلَيْهِمَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ، فَإِنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَمْوَالِهِمْ مَوْقُوفَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا تُبْنَى عَلَى النَّظَرِ وَالنَّظَرُ يَحْصُلُ بِاتِّفَاقِ الْمِلَّةِ؛ لِأَنَّ اتِّحَادَهَا دَاعٍ إلَى النَّظَرِ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ فِي الْحَالِ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ فِيهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ وَإِذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ تَقَرَّرَتْ جِهَةُ انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ فَيَبْطُلُ تَصَرُّفُهُ بِخِلَافِ تَزَوُّجِهِ بِنَفْسِهِ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ جَوَازَ النِّكَاحِ يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لِلْمُرْتَدِّ فَلَا يَتَوَقَّفُ إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّوَقُّفِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُجِيزٌ فِي الْحَالِ فَصَارَ نَظِيرَ إعْتَاقِ الصَّبِيِّ وَطَلَاقِهِ وَهِبَتِهِ حَيْثُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْبُلُوغِ إذْ لَا مُجِيزَ لَهَا فِي الْحَالِ وَنِكَاحُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ لَهُ مُجِيزٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْوَلِيُّ أَوْ الْقَاضِي فَيَتَوَقَّفُ، فَإِذَا أَسْلَمَ نَفَذَتْ فَصَحَّ النِّكَاحُ وَإِلَّا بَطَلَ وَبِخِلَافِ تَصَرُّفَاتِهِ فِي مَالِهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا تَنْبَنِي عَلَى الْمِلْكِ وَمِلْكُهُ قَائِمٌ ثَابِتٌ فِي أَمْوَالِهِ مَا دَامَ حَيًّا فَيَنْفُذُ بِلَا تَوَقُّفٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلِ يَجُوزُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْإِجَازَةَ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْقِيَامِ عَلَى الدَّارِ مِنْ الْمَبْسُوطِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ ثُمَّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ حُكِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ لَكِنْ مَا ذَكَرَ مُطْلَقًا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَجَازَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ ذَلِكَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَوْكِيلَ الْوَكِيلِ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ فَيَكُونُ الثَّانِي فُضُولِيًّا وَعَقْدُ الْفُضُولِيِّ لَا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ حَضْرَةِ الْمُجِيزِ مَا لَمْ يُجِزْ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِجَازَةُ كَمَا ذَكَرْنَا وَفِي رِوَايَةٍ يَكْفِي حُضُورُ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ وَعَلَى هَذَا أَحَدِ وَكِيلَيْ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ إذَا أَمَرَ صَاحِبَهُ فَبَاعَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ آجَرَ جَازَ فِي رِوَايَةٍ وَلَا يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ مَا لَمْ يُجِزْ الْآمِرُ الثَّانِي أَوْ الْمَالِكُ كَذَا فِي التَّتِمَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَدَّرَ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ لِلثَّانِي جَازَ عَقْدُهُ فِي غَيْبَتِهِ) أَيْ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ اهـ وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الثَّمَنِ يَمْنَعُ النُّقْصَانَ وَلَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَرُبَّمَا يَزِيدُ الْأَوَّلُ عَلَى هَذَا الثَّمَنِ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُبَاشِرَ لِلْبَيْعِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعُهْدَةِ فِيمَا إذَا عَقَدَ الْوَكِيلُ إلَخْ) قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ الْمُوَكِّلُ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ، فَإِنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ فَبَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ جَازَ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا عَقَدَهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ بَاعَهُ الْوَكِيلُ الثَّانِي حَالَ غَيْبَةِ الْأَوَّلِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ أَوْ بَاعَهُ أَجْنَبِيٌّ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ جَازَ لِأَنَّهُ حَصَلَ رَأْيُهُ. اهـ. (بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ) لَمَّا كَانَتْ الْخُصُومَةُ مَهْجُورَةً شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال: 46] حَتَّى تُرِكَتْ حَقِيقَتُهَا إلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ مَجَازًا إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ أَخَّرَ ذِكْرَ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ عَمَّا لَيْسَ بِمَهْجُورٍ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ مُجْرًى عَلَى حَقِيقَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِآخَرَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ فِي كُلِّ حَقٍّ قِبَلَ أَهْلِ بَلْدَةِ كَذَا فَهُوَ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ فِي كُلِّ حَقٍّ لَهُ قِبَلَ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ يَوْمَ التَّوْكِيلِ وَمَا يَحْدُثُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ قِبَلَ فُلَانٍ يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فِي كُلِّ حَقٍّ يَكُونُ مَوْجُودًا يَوْمَ التَّوْكِيلِ اهـ خُلَاصَةَ الْفَتَاوَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَالتَّقَاضِي لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ) وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشَّيْءِ وَكِيلٌ بِإِتْمَامِهِ، وَإِتْمَامُهُمَا يَكُونُ بِالْقَبْضِ وَمَا لَمْ يَقْبِضْ فَالْخُصُومَةُ قَائِمَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ إنْكَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْمَطْلُ وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْمُرَافَعَةِ ثَانِيًا فَيَكُونُ لَهُ الْقَبْضُ قَطْعًا لِمَادَّتِهَا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخُصُومَةِ الِاسْتِيفَاءُ إذْ هِيَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا وَالْوَكِيلُ بِالشَّيْءِ يَمْلِكُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَمَعْنَى التَّقَاضِي الطَّلَبُ فِي الْعُرْفِ فَصَارَ بِمَعْنَى الْخُصُومَةِ وَهُوَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ تَفَاعُلٌ مِنْ قَضَى يُقَالُ قَضَى دَيْنَهُ وَاقْتَضَيْت مِنْهُ دَيْنِي أَيْ أَخَذْت وَالْعُرْفُ أَمْلَكُ فَكَانَ أَوْلَى إذْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةٌ فَصَارَ بِمَعْنَى الْخُصُومَةِ مَجَازًا فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ بِهَا تَوْكِيلًا بِهَا تَوْكِيلًا بِإِتْمَامِهَا إذْ الْمُطَالَبَةُ لَا تَنْتَهِي إلَّا بِالْقَبْضِ وَلِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخُصُومَةَ غَيْرُ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَهِيَ لِإِظْهَارِ الْحَقِّ وَيَخْتَارُ فِي التَّوْكِيلِ بِهَا مَنْ هُوَ أَلَدُّ النَّاسِ خُصُومَةً وَأَكْثَرُهُمْ كَذِبًا وَخِيَانَةً وَأَقَلُّهُمْ دِينًا وَحَيَاءً وَيَخْتَارُ فِي الْقَبْضِ مَنْ هُوَ أَوْفَى النَّاسِ أَمَانَةً وَأَكْثَرُهُمْ وَرَعًا فَمَنْ يَصْلُحُ لِلْخُصُومَةِ عَادَةً لَمْ يَرْضَ بِقَبْضِهِ فَالتَّوْكِيلُ بِخُصُومَتِهِ لَا يَدُلُّنَا عَلَى الرِّضَا بِقَبْضِهِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى عَكْسِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْقَبْضُ وَكَذَا الْمُطَالَبَةُ غَيْرُ الْقَبْضِ فَالْوَكِيلُ بِهَا لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِهَذَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ الْخِيَانَاتِ فِي الْوُكَلَاءِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ فِيهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْبَضُ الدَّيْنُ بِمِلْكِ الْخُصُومَةِ) أَيْ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ إبْرَائِهِ تُقْبَلُ وَكَذَا إذَا جَحَدَ الْغَرِيمُ فَأَقَامَ الْوَكِيلُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَكُونُ خَصْمًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ الْخُصُومَةِ فَلَمْ يَكُنْ الرِّضَا بِهِ رِضًا بِهَا إذْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ يَهْتَدِي إلَيْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا فَلَوْ بِرَهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ وُقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ، وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ) أَيْ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ الْعَيْنَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ إلَّا فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ عَنْ الْعَيْنِ فَيَتَوَقَّفُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ وَكَذَا لَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهَا أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهِ أَنَّ الْمَوْلَى قَدْ أَعْتَقَهُ لَا تُقْبَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَالَ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ يَمْلِكُ قَبْضَ الدَّيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِفَايَتِهِ الْوَكِيلُ بِتَقَاضِي الدَّيْنَ لَهُ الْقَبْضُ اتِّفَاقًا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِعَلَامَةِ النُّونِ الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي أَوْ بِالْخُصُومَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الدَّيْنَ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّ الْخِيَانَةَ ظَهَرَتْ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ خُصُوصًا فِي الْوُكَلَاءِ عَلَى بَابِ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعُرْفُ أَمْلَكُ) لِأَنَّ وَضْعَ الْأَلْفَاظِ لِحَاجَةِ النَّاسِ وَهُمْ لَا يَفْهَمُونَ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ بَلْ يَفْهَمُونَ الْمَجَازَ فَصَارَ الْمَجَازُ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِزُفَرَ أَنَّ الْخُصُومَةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِ زُفَرُ أَنَّهُ رَضِيَ بِهِدَايَتِهِ فِي الْخُصُومَةِ لَا بِأَمَانَتِهِ فِي الْقَبْضِ إذْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْخُصُومَةِ مَنْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْقَبْضِ فَلَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِقَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى فِي الْأَصْلِ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ كُلِّ دَيْنٍ لَهُ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ دَيْنٌ فَلَهُ قَبْضُهُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ غَلَّةِ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ الْحَادِثَ وَفِي سَرِقَةِ الْجَامِعِ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا وَكَّلَ مَنْ فِي عِيَالِهِ صَحَّ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ فَقَبَضَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ اهـ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ، فَإِنْ أَقَامَ الْمَطْلُوبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَضَى الْمُوَكِّلَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ وَقَالَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنَّ الْخُصُومَةَ تَسْقُطُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الْعَيْنَ لَا يَكُونُ خَصْمًا إجْمَاعًا وَنَقَلَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ إجْمَاعًا إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ مِنْ الْقَاضِي كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ دُيُونِ الْغَائِبِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ لَهُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ عَبْدٌ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهِ مِنْ الَّذِي الْعَبْدُ فِي يَدَيْهِ ثُمَّ غَابَ الْمُوَكِّلُ فَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ بَاعَهُ إيَّاهُ فَقَالَ أَقِفْهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا الدَّيْنَ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهِ فَأَقَامَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ يَحْضُرُ الْغَائِبُ وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا الدَّيْنَ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهِ فَأَقَامَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ أَوْفَاهُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ أَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِعْتَاقِ حَيْثُ لَا يَكُونُ الْوَكِيلُ خَصْمًا وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلَّا لِقِصَرِ الْيَدِ اسْتِحْسَانًا وَيُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْغَائِبُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُوقَفَ الْأَمْرُ بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُدْفَعَ إلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ بَطَلَتْ لِقِيَامِهَا عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ فِي قَصْرِ الْيَدِ خَاصَّةً أَنَّ الْوَكِيلَ فِي نَفْسِ الْقَبْضِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فَجُعِلَ خَصْمًا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْقَبْضِ احْتِيَاطًا، فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ تُعَادُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ وَالْقِيَاسَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَأَوْرَدَ الْقُدُورِيُّ سُؤَالًا

فِي حَقِّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَتُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ عَنْهُمَا حَتَّى يُوقَفَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْغَائِبُ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ اسْتِحْسَانًا وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ التَّوْكِيلَ إذَا وَقَعَ بِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّهِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ وَقَعَ بِالْقَبْضِ لَا غَيْرُ وَيُمْكِنُ حُصُولُهُ بِلَا خُصُومَةٍ بِأَنْ لَا يَجْحَدَ ذُو الْيَدِ مِلْكَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ وَكِيلًا فِي غَيْرِ مَا وُكِّلَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَدْخُلُ غَيْرُهُ فِيهِ إذَا كَانَ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِهِ لِلضَّرُورَةِ. وَإِنْ وَقَعَ التَّوْكِيلُ بِالتَّمَلُّكِ كَانَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحْصِيلُ إلَّا بِهَا وَالْخُصُومَةُ مِنْ جُمْلَتِهَا فَكَانَ وَكِيلًا بِهَا، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّهِ حُكْمًا وَلِهَذَا لَوْ قَبَضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ وَمَعْنَى التَّمَلُّكِ سَاقِطٌ حُكْمًا حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ فَلَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِالتَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِلْمُوَكِّلِ بَلْ هُوَ بَدَلُ حَقِّهِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِلِاسْتِيفَاءِ فَانْتَصَبَ خَصْمًا كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَالْقِسْمَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَالْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ، وَمَسْأَلَتُنَا أَشْبَهُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ، فَإِنَّهُ خَصْمٌ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ كَمَا أَنَّ الْوَكِيلَ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ خَصْمٌ قَبْلَ الْأَخْذِ، فَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ، فَإِنَّمَا يَصِيرُ خَصْمًا بَعْدَ مُبَاشَرَةِ الشِّرَاءِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ فَلَيْسَ بِوَكِيلٍ بِالْمُبَادَلَةِ فَصَارَ رَسُولًا وَأَمِينًا مَحْضًا فَلَمْ تَتَعَلَّقْ الْحُقُوقُ بِالْقَابِضِ وَلَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ قِيَاسًا حَتَّى لَا يَجِبَ التَّوَقُّفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ، فَإِذَا حَضَرَ أُمِرَ الْخَصْمُ بِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا ادَّعَى؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ وَعَلَى قَصْرِ الْيَدِ وَالْوَكِيلُ خَصْمٌ فِي حَقِّ الْيَدِ فَحَسْبُ فَيُقْبَلُ فِي حَقِّهِ فَتَقْصُرُ يَدُهُ عَنْهُ كَمَا إذَا أَقَامَ الْخَصْمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ عَزَلَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ الْيَدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي صَحَّ وَإِلَّا لَا) أَيْ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ وَعِنْدَهُ يَصِحُّ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَوَابًا فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ فَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ وَكِيلًا بِالتَّمَلُّكِ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ فِي قَبْضِ الْخَمْرِ كَمَا لَا يُوَكَّلُ فِي تَمَلُّكِهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا تَمَلُّكٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ، وَالْمُسْلِمُ يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ الْخَمْرَ حُكْمًا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ عَقْدُهُ عَلَيْهَا اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ لَكِنْ لَمَّا أَخَذَ الْمَقْبُوضَ كَانَ عَلَى الْقَابِضِ مِثْلُ مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ فَالْتَقَى الدَّيْنَانِ قِصَاصًا (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى مَطْلَعِ نُكْتَةِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَعْنِي كَأَنْ وَكَّلَهُ بِتَمَلُّكِ مِثْلِ الدَّيْنِ وَذَلِكَ مُبَادَلَةً وَالْمَأْمُورُ بِالْمُعَاوَضَةِ يَكُونُ أَصِيلًا فِي حُقُوقِ الْمُعَاوَضَةِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِلِاسْتِيفَاءِ) يَعْنِي أَنَّ الدُّيُونَ، وَإِنْ كَانَتْ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا لِمَا بَيَّنَّا آنِفًا إلَّا أَنَّ الْمَقْبُوضَ جُعِلَ لَهُ حُكْمَ عَيْنِ الدَّيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ فَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا مَحْضًا لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى اسْتِيفَاءِ عَيْنِ الْحَقِّ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَبْضِ وَكَذَا إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ حَلَّ لَهُ التَّنَاوُلُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَالْقِسْمَةِ) يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُقَاسِمَ شَرِيكَهُ فَأَرَادَ الْوَكِيلُ الْمُقَاسَمَةَ فَأَقَامَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَخَذَ نَصِيبَهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ خَصْمٌ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِرَدِّ الْمُشْتَرِي بِسَبَبِ الْعَيْبِ فَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ رَضِيَ بِذَلِكَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ) يَعْنِي إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ كَانَ خَصْمًا حَتَّى إذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ فَأَقَامَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْوَاهِبَ أَخَذَ الْعِوَضَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْوَكِيلُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ) إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ صَحَّتْ وَقُضِيَ بِذَلِكَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَسْأَلَتُنَا أَشْبَهُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ) أَيْ مِنْ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَجِبَ التَّوَقُّفُ فِيهِ) بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْوَكِيلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ) أَيْ بَيِّنَةَ صَاحِبِ الْيَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي صَحَّ وَإِلَّا لَا) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ وَكِيلَ الْمُدَّعِي فَأَقَرَّ بِبُطْلَانِ الْحَقِّ أَوْ كَانَ وَكِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِلُزُومِ الْحَقِّ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ) اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ عِنْدَ الْقَاضِي جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَرَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْوَكَالَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ إقْرَارُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْقُدُورِيِّ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فِيهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَجْحَدُ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الَّذِي وَكَّلَهُ قَدْ اسْتَوْفَاهُ قَالَ يُقْضَى عَلَى الَّذِي لَهُ الْمَالُ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ، وَإِنْ أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ فَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَاهِدٌ إنْ لَمْ يَقْضِ عَلَى الَّذِي لَهُ الْمَالُ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُقْضَى لَهُ بِدَفْعِ الْمَالِ إذَا شَهِدَتْ الشُّهُودُ بِإِقْرَارِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إقْرَارُهُ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي وَهُوَ لَازِمٌ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ، وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ بِالْخُصُومَةِ فِي شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ خَصْمٌ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي وَكَّلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى الَّذِي وَكَّلَهُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي فَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ

- رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ إقْرَارُهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ مُنَازَعَةٌ وَالْإِقْرَارُ يُضَادُّهَا؛ لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ وَالصُّلْحَ وَيَصِحُّ إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ وَلَوْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الْخُصُومَةِ مَهْجُورَةً لَمَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابٍ هُوَ خُصُومَةٌ عِنْدَهُمَا لِقَصْدِهِ الْإِنْكَارَ وَلِهَذَا يَخْتَارُ فِيهَا الْأَهْدَى فَالْأَهْدَى فِي الْخُصُومَةِ وَهَذَا هُوَ الْعُرْفُ وَالْوَكَالَةُ تَتَقَيَّدُ بِهِ كَمَا تَتَقَيَّدُ بِالتَّقْيِيدِ صَرِيحًا وَلِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْمُوَكِّلِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مَعَ أَنَّ وِلَايَتَهُمَا أَوْفَرُ قُلْنَا التَّوْكِيلُ صَحِيحٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ وَهُوَ الْجَوَابُ مُطْلَقًا دُونَ أَحَدِهِمَا عَيْنًا إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُنْكِرَ إذَا كَانَ خَصْمُهُ مُحِقًّا وَالْخُصُومَةُ يُرَادُ بِهَا مُطْلَقُ الْجَوَابِ عُرْفًا مَجَازًا؛ لِأَنَّهَا سَبَبُهُ. فَذِكْرُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبِّبِ شَائِعٌ أَوْ لِخُرُوجِهِ بِمُقَابِلَتِهَا أَوْ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ تَكُونُ فِيهِ الْخُصُومَةُ وَهُوَ مَجْلِسُ الْحُكْمِ وَالْجَوَابُ يَتَنَاوَلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ كَمَا لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ مَجَازًا فَيَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ، وَالدَّلِيلُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهَا الْجَوَابُ مُطْلَقًا أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُهُ بِالْجَوَابِ فَيَقُولُ لَهُ أَجِبْ خَصْمَك وَلَا يَأْمُرُهُ بِالْخُصُومَةِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْجَوَابِ لِيَصِحَّ تَوْكِيلُهُ قَطْعًا وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْإِنْكَارِ لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُحِقًّا بِالْإِنْكَارِ، وَإِنْ كَانَ مُبْطِلًا لَا يَصِحُّ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ وَالْمُوَكِّلُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْكَارَ عَيْنًا، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ مُطْلَقَ الْجَوَابِ وَهُوَ بِنَعَمْ إنْ كَانَ خَصْمُهُ مُحِقًّا أَوْ بِلَا إنْ كَانَ مُبْطَلًا فَكَذَا لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِالْإِنْكَارِ عَيْنًا فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَيْهِ فَسَادَهُ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَمْلِهِ عَلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ صِحَّتُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ أَوْلَى لِصِحَّتِهِ بِيَقِينٍ قَطْعًا بِلَا احْتِمَالِ الْفَسَادِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَوْكِيلًا بِالْإِنْكَارِ فَقَطْ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ عَيْنًا فَكَذَا لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِهِ فَلَا يَلْزَمُنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُحِقًّا بِالْإِنْكَارِ فَيَمْلِكُهُ وَتَنْصِيصُهُ عَلَيْهِ يُرَجِّحُ تِلْكَ الْجِهَةَ فَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ بِهِ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ فَصَحَّحَهُ مِنْ الطَّالِبِ دُونَ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ عَلَى مَا يَخْتَارُ وَالْمَطْلُوبُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا فَلَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِمَا فِيهِ إضْرَارٌ بِالطَّالِبِ وَلِأَنَّ الطَّالِبَ يَثْبُتُ حَقُّهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِنُكُولِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْلِفُ فَلَا يُفِيدُ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ فِي حَقِّهِ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ مِنْهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ الْإِنْكَارَ حَقِيقَةٌ فِي الْخُصُومَةِ فَلَا يُعَارِضُهُ الْمَجَازُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِالْحَقِيقَةِ ثُمَّ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ الْوَكِيلُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ بِإِقَامَتِهِ فَإِقْرَارُهُ لَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَذَا إقْرَارُ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا إلَّا بِانْضِمَامِ الْقَضَاءِ إلَيْهِ كَالْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولِ، فَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَمُوجِبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ إقْرَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ غَيْرِهِ وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ قَوْلُهُ: وَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَخْ قَالَ الْكَاكِيُّ أَطْلَقَ الْإِقْرَارَ وَالْمُوَكِّلَ لِيَتَنَاوَلَ اسْمَ الْمُوَكِّلِ الْمُدَّعِيَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ جَوَابَ الْإِقْرَارِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُوَكِّلُهُ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ سِوَى أَنَّ مَعْنَى الْإِقْرَارِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمُوَكِّلِ فَإِقْرَارُ وَكِيلِ الْمُدَّعِي هُوَ أَنْ يُقِرَّ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ وَإِقْرَارُ وَكِيلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ أَنْ يُقِرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَى مُوَكِّلِهِ اهـ (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَيْضًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَالْمُنَازَعَةِ وَالْإِقْرَارِ مُسَالَمَةً وَمُسَاعَدَةً فَكَانَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْخُصُومَةِ تَضَادٌّ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مَا يُضَادُّهُ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ صُلْحُهُ وَإِبْرَاؤُهُ مَعَ أَنَّ الصُّلْحَ أَقْرَبُ إلَى الْخُصُومَةِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَكَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَاسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا تُقِرَّ عَلَيَّ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لِأَنَّ لَفْظَ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْإِقْرَارَ فَلَوْ تَنَاوَلَهُ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَصَحَّ الْإِقْرَارُ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ) أَيْ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ إذَا اسْتَثْنَى إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت الظَّاهِرَ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِقْرَارَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ كَمَا لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ خِلَافِيَّةٌ لَيْسَ إيرَادُهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِشْهَادِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الشَّارِحِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِقْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ: دُونَ أَحَدِهِمَا عَيْنًا) أَيْ أَحَدَ الْجَوَابَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِخُرُوجِهِ بِمُقَابِلَتِهَا) كَمَا سُمِّيَ جَزَاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةً فِي قَوْله تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] لِخُرُوجِ الْجَزَاءِ فِي مُقَابَلَةِ السَّيِّئَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَيَصِحُّ إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلَا يُفِيدُ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ) صَوَابُهُ الْإِقْرَارُ قَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى إذَا وَكَّلَ بِالْخُصُومَةِ وَاسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ صَحَّتْ الْوَكَالَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ مِنْ الطَّالِبِ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ) صَوَابُهُ الْإِقْرَارُ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْإِنْكَارَ) صَوَابُهُ الْإِقْرَارُ

بِنَفْسِهِ فَلَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَقَالَ تَعَالَى {قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220] وَلَيْسَ فِي إقْرَارِهِ خَيْرٌ لَهُمْ وَهُمَا يَقُولَانِ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْخُصُومَةِ الْجَوَابُ مَجَازًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَوَابٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إقْرَارٌ وَالْجَوَابُ يَسْتَحِقُّ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ مُخْتَصًّا بِهِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا غَيْرُ وَلَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي غَيْرِهِ، فَإِذَا أَقَرَّ فِيهِ لَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا فَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَكِنْ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّا بِمَالِ الصَّغِيرِ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوِلَايَةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْإِنْكَارَ صَحَّ إقْرَارُهُ وَكَذَا إنْكَارُهُ وَلَا يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ مُقِرًّا بِالتَّوْكِيلِ بِالْإِقْرَارِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ جُعِلَ تَوْكِيلًا بِالْجَوَابِ مَجَازًا بِالِاجْتِهَادِ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ فِي إقْرَارِ الْوَكِيلِ فَيُورِثُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ مَا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ تَوْكِيلُهُ الْكَفِيلَ بِمَالٍ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ وَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ فَوَكَّلَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ بِقَبْضِ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ صَحَّحْنَا هَذِهِ الْوَكَالَةَ صَارَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ سَاعِيًا فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ فَبَطَلَ وَلِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ مُلَازِمٌ لِلْوَكَالَةِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا، وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا وَجَبَ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا فِيهِ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمَدِينَ حَتَّى لَزِمَهُ ضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ وَلَزِمَ الْعَبْدَ جَمِيعُ الدَّيْنِ ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى ضَمِنَ الدَّيْنَ لِلْغُرَمَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا هَذَا، فَإِنْ قَبِلَ الدَّائِنُ إذَا وَكَّلَ الْمَدِينَ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ عَنْ الدَّيْنِ يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ سَاعِيًا فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ قُلْنَا ذَلِكَ تَمْلِيكٌ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك، فَإِذَا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ فَلَوْ قَبَضَهُ مِنْ الْمَدِينِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَهْلَكْ عَلَى الطَّالِبِ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ لَا تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً لِوُقُوعِهَا بَاطِلَةً ابْتِدَاءً كَمَا لَوْ كَفَلَ عَنْ غَائِبٍ، فَإِنَّهُ يَقَعُ بَاطِلًا ثُمَّ إذَا بَلَغَهُ فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ تَبْطُلَ الْكَفَالَةُ وَتَصِحَّ الْوَكَالَةُ كَعَكْسِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ ثُمَّ ضَمِنَ الْوَكِيلُ الدَّيْنَ صَحَّ الضَّمَانُ وَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَفَالَةُ أَقْوَى مِنْ الْوَكَالَةِ لِكَوْنِهَا لَازِمَةً فَتَصْلُحُ نَاسِخَةً لَهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ أُمِرَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَقْبِضَهُ خَالِصُ حَقِّهِ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيَكُونُ مُقِرًّا بِوُجُوبِ دَفْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوِلَايَةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ) وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِمَا لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا بِاعْتِبَارِ النَّظَرِ وَهُوَ حِفْظُ الْمَالِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَكُونُ حِفْظًا بَلْ هُوَ إضَاعَةٌ، فَإِذَا أُخِذَ الْمَالُ مِنْ الْغَرِيمِ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِمَا لِلتَّنَاقُضِ كَمَا لَوْ ادَّعَيَا مَالًا لِلصَّغِيرِ عَلَى رَجُلٍ فَأَنْكَرَ فَصَدَّقَهُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ ثُمَّ جَاءَ يَدَّعِي الْمَالَ لَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ لِأَنَّهُمَا خَرَجَا مِنْ الْوِلَايَةِ وَالْوِصَايَةِ فَكَذَا الْوَكِيلُ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ الدَّائِنُ إذَا وَكَّلَ الْمَدِينُ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْوَكَالَةِ مَا نَصُّهُ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ صَاحِبُ الدَّيْنِ إذَا وَكَّلَ الْمَدْيُون أَنْ يُبْرِئَ نَفْسَهُ عَنْ الدَّيْنِ صَحَّ، وَإِذَا أَبْرَأ نَفْسَهُ بَرِئَ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَإِذَا أَبْرَأ نَفْسه لَا يَبْرَأُ وَفِي حَوَالَةِ الْأَصْلِ الْمُحْتَالُ لَهُ إذَا وَكَّلَ الْمُحِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ وَكَذَلِكَ رَبُّ الدَّيْنِ إذَا وَكَّلَ الْمَدْيُونَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَصِحُّ وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ بِالْمَالِ كَفِيلٌ فَوَكَّلَهُ الطَّالِبُ بِقَبْضِهِ مِنْ الْمَطْلُوبِ فَقَبَضَ لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ عِنْدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رَسُولٌ وَلَمْ يَقْبِضْهُ لِنَفْسِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ فِي يَدِ آخَرَ وَغَابَ فَأَقَامَ مَنْ فِي يَدِهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ إيَّاهُ وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ لَا بِالْخُصُومَةِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُوقَفَ الْأَمْرُ كَمَا لَا يُقْضَى بِالْبَيْعِ لِبُطْلَانِ الْبَيِّنَةِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ لِقِصَرِ يَدِهِ عَنْ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِصُورَةِ الْقَبْضِ وَلِهَذَا لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ تُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ بِنَقْلِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعِتْقِ وَالْمَرْأَةُ عَلَى الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ وَغَابَ فَأَقَامَ مَنْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَضَاهُ حَيْثُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَيَبْرَأُ الْغَرِيمُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِالتَّمْلِيكِ، وَالتَّمَلُّكِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ قَضَاءَ الدُّيُونِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا فَصَارَ خَصْمًا كَالْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ وَالْقِسْمَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ وَكِيلًا بِالتَّمْلِيكِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْهُ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ قَاضِي خَانْ وَلَوْ وَكَّلَ الْمَدْيُونُ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ عَنْ الدَّيْنِ صَحَّ تَوْكِيلُهُ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ إلَخْ) أَمَّا لَوْ أَنْكَرَ الْغَرِيمُ الْوَكَالَةَ وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ لَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْوَكِيلُ بَيِّنَةً عَلَى وَكَالَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ فِي الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ هَذَا تَسْلِيمٌ لَا يُبْرِئُهُ عَنْ الدَّيْنِ فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْحَقُّ عَيْنًا وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا وَصِيُّ الصَّغِيرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَارِثُهُ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إقْرَارَهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِسِوَاهُ وَقُلْنَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ لَهُ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ مَا يَقْبِضُهُ خَالِصُ مَالِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَمْرُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَى الْوَكِيلِ مَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَإِنْ قُلْت: يُرَدُّ عَلَى هَذَا الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّ الْمُودَعَ

مَالِهِ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَوْفَى الدَّيْنَ إلَى الطَّالِبِ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الدَّفْعُ إلَى الْوَكِيلِ بِإِقْرَارِهِ وَثَبَتَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْإِيفَاءُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَلَا يُؤَخَّرُ حَقُّهُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا وَادَّعَى ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ رَبَّ الْمَالِ وَيَسْتَحْلِفَهُ وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْوَكِيلَ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا يَعْلَمُ أَنَّ الطَّالِبَ قَدْ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَجْرِي فِي الْأَيْمَانِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ حَيْثُ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ فَكَانَ الْحَلِفُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ دُونَ النِّيَابَةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ نَوْعُ إشْكَالٍ وَهُوَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ تَوْكِيلٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَمَا قَبَضَهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَهُ عَلَى الْغَرِيمِ مِثْلُ ذَلِكَ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا وَالتَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ رِسَالَةٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ بِالِاسْتِقْرَاضِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ إضَافَةِ الْقَبْضِ إلَى مُوَكِّلِهِ بِأَنْ يَقُولَ: إنَّ فُلَانًا وَكَّلَنِي بِقَبْضِ مَالَهُ عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَا بُدَّ لِلرَّسُولِ فِي الِاسْتِقْرَاضِ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُرْسِلِ بِأَنْ يَقُولَ أَرْسَلَنِي إلَيْك وَقَالَ لَك أَقْرِضْنِي فَصَحَّ مَا ادَّعَيْنَاهُ أَنَّ هَذَا رِسَالَةٌ مَعْنًى وَالرِّسَالَةُ بِالِاسْتِقْرَاضِ جَائِزَةٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَهَذَا سُؤَالٌ حَسَنٌ وَالْجَوَابُ غَيْرُ مُخْلَصٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَأَنْ لَوْ كَانَ رَسُولًا لَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ فَصَدَّقَهُ وَإِلَّا دَفَعَ إلَيْهِ الْغَرِيمُ الدَّيْنَ ثَانِيًا)؛ لِأَنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا لَهُ وَقَبْضُ الْوَكِيلِ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ وَكَالَتُهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُمَا حُجَّةً عَلَيْهِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ الدَّيْنَ ثَانِيًا إنْ لَمْ يَجْرِ اسْتِيفَاؤُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ لَوْ بَاقِيًا) أَيْ رَجَعَ الْغَرِيمُ بِمَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَانْقَطَعَ حَقُّ الطَّالِبِ عَنْهُ وَلَمْ يَبْقَ الِاحْتِمَالُ فِيهِ حَيْثُ قَبَضَ دَيْنَهُ مِنْهُ ثَانِيًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ضَاعَ لَا) أَيْ إنْ ضَاعَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ بِإِقْرَارِهِ صَارَ مُحِقًّا فِي قَبْضِهِ الدَّيْنَ، وَإِنَّمَا ظَلَمَهُ الطَّالِبُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ ثَانِيًا وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ وَيَرِدُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَلَهُ أَلْفٌ آخَرُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَاقْتَسَمَا الْأَلْفَ الْعَيْنَ نِصْفَيْنِ فَادَّعَى الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنَّ الْمَيِّتَ اسْتَوْفَى مِنْهُ الْأَلْفَ حَالَ حَيَاتِهِ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ فَالْمُكَذِّبُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَيَرْجِعُ بِهَا الْغَرِيمُ عَلَى الْمُصَدِّقِ وَهُوَ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْمُكَذِّبَ ظَلَمَهُ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ وَظَلَمَ هُوَ الْمُصَدِّقَ بِالرُّجُوعِ بِمَا أَخَذَهُ الْمُكَذِّبُ وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ زَعَمَ أَنَّهُ بَرِئَ عَنْ جَمِيعِ الْأَلْفِ إلَّا أَنَّ الِابْنَ الْجَاحِدَ ظَلَمَهُ وَمَنْ ظُلِمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ وَمَا أَخَذَهُ الْجَاحِدُ دَيْنٌ عَلَى الْجَاحِدِ وَدَيْنُ الْوَارِثِ لَا يُقْضَى مِنْ التَّرِكَةِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُصَدِّقَ أَقَرَّ عَلَى أَبِيهِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالِاسْتِيفَاءِ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، فَإِذَا كَذَّبَهُ الْآخَرُ وَأَخَذَ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ لَمْ تَسْلَمْ لَهُ الْبَرَاءَةُ إلَّا عَنْ خَمْسِمِائَةٍ فَبَقِيَتْ خَمْسُمِائَةٍ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ فَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُصَدِّقِ فَيَأْخُذُ مَا أَصَابَهُ بِالْإِرْثِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا إذَا ضَمِنَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ) أَيْ إلَّا أَنْ يُضَمِّنَ الْغَرِيمُ الْوَكِيلَ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُوجِبٌ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ ضَمَّنَهُ التَّشْدِيدُ وَالتَّخْفِيفُ فَمَعْنَى التَّشْدِيدِ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَرِيمُ الْوَكِيلَ وَمَعْنَى التَّخْفِيفِ أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا صَدَّقَهُ ثُمَّ أَبَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَيْهِ قُلْت: إنَّمَا لَمْ يُجْبَرْ الْمُودَعُ عَلَى التَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِثُبُوتِ الْحَقِّ فِي الْقَبْضِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ مِلْكُ الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلِأَجْلِ هَذَا لَمْ يُجْبِرْهُ الْقَاضِي عَلَى التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ بِحَقِّ الْقَبْضِ وَقَعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ فَصَدَّقَهُ) أَيْ صَدَّقَ الْغَائِبُ وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ الْوَكِيلَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا دَفَعَ الْغَرِيمُ إلَيْهِ الدَّيْنَ ثَانِيًا) لِأَنَّ الْغَائِبَ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي دَعْوَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ عَنْ الْحَقِّ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ فَأُمِرَ بِالدَّفْعِ ثَانِيًا إلَى الْمُوَكِّلِ قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ كَانَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا قَبَضَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ هَذَا الْمَالَ بِأَمْرِك وَوَكَالَتِك لِأَنَّ الْغَرِيمَ يَدَّعِي عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ، فَإِذَا حَلَفَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَرِيمِ وَالْغَرِيمُ يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُمَا حُجَّةً) أَيْ الْغَرِيمِ وَالْوَكِيلِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْقَبْضِ وَلَكِنَّ الْمُوَكِّلَ يَظْلِمُهُ فِيمَا يُطَالِبُهُ ثَانِيًا فَلَمَّا كَانَ أَمِينًا كَانَ مُحِقًّا فِي الْقَبْضِ ثُمَّ لَمَّا أَخَذَ الْغَرِيمُ مِنْ الْوَكِيلِ كَانَ ذَلِكَ ظُلْمًا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مَظْلُومًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ، وَإِنْ نَكَلَ الطَّالِبُ عَنْ الْيَمِينِ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ فَلَا يَكُونُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَبِيلٌ لَا عَلَى الْمَطْلُوبِ وَلَا عَلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ ثُمَّ الْغَائِبُ إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْوَكِيلَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَكِيلَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِالدَّفْعِ فَكَانَ لَهُ اتِّبَاعُ الذِّمَّةِ فَأَمَّا الْوَكِيلُ، فَإِنَّمَا قَبَضَ مَالَ الدَّافِعِ فَلَا سَبِيلَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى التَّخْفِيفِ أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ) مَعْنَاهُ أَنْ يَضْمَنَ الْكَفِيلُ نَظِيرَ الْمَالِ الَّذِي يَأْخُذُهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ عَلَى تَقْدِيرِ أَخْذِهِ مِنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَضْمَنُ لِلْمَدْيُونِ الْمَالَ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْوَكِيلُ مِنْ الْمَدْيُونِ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِهَذَا الْمَالِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَقَدْ مَزَجَ بِأَكْبَرَ فِي شَرْحِهِ هَكَذَا (إلَّا إذَا ضَمَّنَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ) بِأَنْ قَالَ الْوَكِيلُ إنْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ، فَإِنِّي ضَامِنٌ لِهَذَا الْمَالِ

وَصُورَةُ هَذَا الضَّمَانِ أَنْ يَقُولَ الْغَرِيمُ لِلْوَكِيلِ: نَعَمْ أَنْتَ وَكِيلُهُ لَكِنْ لَا آمَنُ أَنْ يَجْحَدَ الْوَكَالَةَ وَيَأْخُذَ مِنِّي ثَانِيًا وَيَصِيرُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنِّي ظُلْمًا فَهَلْ أَنْتَ كَفِيلٌ عَنْهُ بِمَا يَأْخُذُهُ مِنِّي ثَانِيًا فَيَضْمَنُ ذَلِكَ الْمَأْخُوذَ فَيَكُونُ صَحِيحًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ مَا غَصَبَك فُلَانٌ فَعَلَيَّ أَوْ مَا ذَابَ لَك عَلَيْهِ فَعَلَيَّ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الطَّالِبُ ثَانِيًا غَصْبٌ، وَأَمَّا مَا أَخَذَهُ الْوَكِيلُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ وَالْأَمَانَاتُ لَا تَجُوزُ بِهَا الْكَفَالَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى ادِّعَائِهِ) أَيْ يَضْمَنُ الْغَرِيمُ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا وَلَمْ يَرْضَ بِقَبْضِهِ إلَّا لِقَضَاءِ دَيْنِهِ تَحْصِيلًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ وَانْقَطَعَ الرَّجَاءُ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُكَذِّبَهُ صَرِيحًا أَوْ يَسْكُتَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّصْدِيقِ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ وَزَعْمُهُ فِيمَا إذَا كَذَّبَهُ أَنَّهُ قَبْضٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَنَّ قَبْضَهُ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَكَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّصْدِيقِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ الطَّالِبُ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى صَارَ حَقًّا لِلطَّالِبِ أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَصَادَقَانِ ظَاهِرًا إلَّا عَلَى حَقٍّ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ، وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُ يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مَعَ بَقَاءِ هَذَا الِاحْتِمَالِ وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ لِغَرَضٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ إلَى فُضُولِيٍّ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ لَمْ يَمْلِكْ اسْتِرْدَادَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجِيزَ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ الْغَرِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ، وَلَوْ أَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ عَلَى ذَلِكَ لَا يُسْتَحْلَفُ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ لِلْغَائِبِ. وَلَوْ أَقَامَ الْغَرِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الطَّالِبَ جَحَدَ الْوَكَالَةَ وَأَخَذَ مِنِّي الْمَالَ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَاءً عَلَى إثْبَاتِ سَبَبِ انْقِطَاعِ حَقِّ الطَّالِبِ عَنْ الْمَدْفُوعِ وَهُوَ قَبْضُهُ الْمَالَ بِنَفْسِهِ مِنْهُ فَانْتَصَبَ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فِي إثْبَاتِ السَّبَبِ فَيَثْبُتُ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ فَتُنْتَقَضُ يَدُ الْوَكِيلِ ضَرُورَةً وَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الشَّيْءُ ضِمْنًا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَقْصُودًا وَلَوْ ادَّعَى الْغَرِيمُ عَلَى الطَّالِبِ حِينَ رَجَعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَكَّلَ الْقَابِضَ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَلَوْ طَلَبَ الْغَرِيمُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْوَكِيلِ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ بَعْدَمَا أَدَّى إلَى الطَّالِبِ بِنَفْسِهِ فَادَّعَى الْوَكِيلُ هَلَاكَهُ أَوْ دَفْعَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ حَلَّفَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ وَوَرِثَهُ غَرِيمُهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِ الْوَكِيلِ أَخَذَهُ مِنْهُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا ضَمَّنَهُ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مَا إذَا صَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْغَرِيمُ الْوَكَالَةَ وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الطَّالِبَ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ) الْغَرِيمُ (عَلَى الْوَكَالَةِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ) بِنَاءً (عَلَى ادِّعَائِهِ) فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ إنْ أَنْكَرَ الْغَائِبُ فَالْغَرِيمُ يَضْمَنُ الْوَكِيلَ إنْ ضَاعَ الْمَالُ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْمَأْخُوذَ ثَانِيًا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فِي زَعْمِهِمَا وَهَذِهِ كَفَالَةٌ أُضِيفَتْ إلَى حَالَةِ الْقَبْضِ فَتَصِحُّ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي الْوَكَالَةِ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ رَجَاءَ إجَازَةِ الْغَائِبِ، فَإِذَا لَمْ يُجِزْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ اهـ مَا قَالَهُ بَاكِيرٌ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ، فَإِنِّي ضَامِنٌ لِهَذَا الْمَالِ إنْ عُقِدَ الضَّمَانُ وَقَعَ عَلَى الْمَالِ الَّذِي قَبَضَهُ الْوَكِيلُ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَمَانَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِهِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ إلَخْ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَظِيرَ الْمَالِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْغَرِيمُ مِنْ الْمَدْيُونِ كَمَا قَدَّمْنَا فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: وَصُورَةُ هَذَا الضَّمَانِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ عَلَى مَعْنَى التَّخْفِيفِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى مَعْنَى التَّشْدِيدِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَزَعْمُهُ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ أَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) قَالَ قَاضِي خَانْ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ وَدَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ عَلَى الْإِنْكَارِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَفِي الْمُنْتَقَى لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا مَا نَصُّهُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: حَالَةُ التَّصْدِيقِ مَعَ التَّضْمِينِ وَمَعَ عَدَمِهِ وَحَالَةُ التَّكْذِيبِ وَحَالَةُ السُّكُوتِ اهـ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ مِنْهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْعَى الْإِنْسَانُ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ وَهُوَ حَرَامٌ وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ الشُّفْعَةُ لِوَكِيلِ الْمُشْتَرِي حَتَّى لَا يَلْزَمَ نَقْضُ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مَا إذَا صَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي الدَّيْنِ، فَإِنْ ضَاعَ الْمَالُ فِي يَدِهِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ الْغَرِيمُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ إنْ كَانَ كَذَّبَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَوْ صَدَّقَهُ وَضَمِنَهُ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ وَكِيلٌ، فَإِذَا أَخْلَفَ ذَلِكَ الظَّنَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِقَبْضِهِ، وَإِنْ صَدَّقَهُ وَلَمْ يَضْمَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ قَبْضَهُ وَقَعَ حَقًّا فَلَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ أَقُولُ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَحْوَالَ فِيمَا إذَا ضَاعَ الْمَقْبُوضُ مِنْ يَدِ الْوَكِيلِ أَرْبَعَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا يَضْمَنُ وَهِيَ مَا إذَا صَدَّقَهُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَضَمِنَهُ أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ لَا ضَمَانَ بِهَا وَهِيَ مَا إذَا صَدَّقَهُ وَلَمْ يَضْمَنْهُ وَالْكُلُّ مَفْهُومٌ مِنْ عِبَارَةِ صَاحِبِ الْكَنْزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا الْأُولَى مِنْ أَحْوَالِ الضَّمَانِ فَهِيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَّا إذَا ضَمِنَهُ أَيْ مَعَ كَوْنِهِ صَدَّقَهُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ مِنْهَا فَدَاخِلَتَانِ فِي قَوْلِهِ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ إلَخْ قَالَ الشَّارِحُ لِأَنَّ عَدَمَ التَّصْدِيقِ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ وَأَمَّا الرَّابِعَةُ وَهِيَ حَالَةُ عَدَمِ الضَّمَانِ فَهِيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ ضَاعَ لَا فَتَنَبَّهْ

دَيْنِهِ، فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ، وَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْمَالِ لِلْوَكِيلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُحَلِّفُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّحْلِيفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ خَصْمٌ وَلَمْ يَثْبُتْ بِلَا حُجَّةٍ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَ يُحَلَّفُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ قَالَ إنِّي وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودِعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِقَبْضِ مَالِ الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ فِي الْعَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِ الدَّيْنِ فَصَدَّقَهُ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَالِ نَفْسِهِ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ عِنْدَهُ بَعْدَمَا مَنَعَ قِيلَ لَا يَضْمَنُ وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ وَكِيلِ الْمُودَعِ فِي زَعْمِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْعِ مِنْ الْمُودِعِ وَهُوَ يُوجِبُ الضَّمَانَ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ سَلَّمَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِ فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ وَأَنْكَرَ الْمُودِعُ الْوَكَالَةَ يَضْمَنُ الْمُودَعُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُودَعَ أَنَّهُ مَا وَكَّلَهُ، فَإِذَا نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَإِذَا حَلَفَ ضَمِنَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْمُودَعَ ظَالِمٌ فِي تَضْمِينِهِ إيَّاهُ وَهُوَ مَظْلُومٌ وَالْمَظْلُومُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ إلَّا إذَا ضَمِنَهُ وَقْتَ الدَّفْعِ لَهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي الدَّيْنِ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ لَهُ عَلَى الْوَكَالَةِ رَجَعَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً أَخَذَهَا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُ بَعْدَمَا دَفَعَهَا إلَيْهِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ وَصَدَّقَهُ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ شِرَاءَ الْوَدِيعَةِ وَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ مَقْبُولٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمُودِعَ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَصَدَّقَهُ دَفَعَ إلَيْهِ)؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ بِمَوْتِهِ وَاتَّفَقَا أَنَّهُ مَالُ الْوَارِثِ فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ، وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا وَأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِمَا فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَصَدَّقَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْوَارِثِ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ كَمَا يَدْفَعُ إلَى الْوَارِثِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ، وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ بَلْ أَنْكَرَ مَوْتَهُ أَوْ قَالَ لَا أَدْرِي لَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْيَدِ خَصْمًا وَتَمَامُهُ فِي التَّحْرِيرِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ مَاتَ وَأَوْصَى إلَيْهِ وَصَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ لَا يُلْتَفَتُ إلَى تَصْدِيقِهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْمَالُ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِ الْمَالِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْغَصْبِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَكَّلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ دَيْنًا عَلَى الْمُقِرِّ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلِ يُصَدَّقُ وَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ إذْ الْقَضَاءُ فِي خَالِصِ مَا لَهُ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَصَدَّقَهُ الْمَدِينُ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَدَّقَهُ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ لَكِنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ وَجْهٍ وَدَعْوَى لِبَرَاءَةِ نَفْسِهِ يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الدَّيْنَ إلَيْهِ وَتَحَقَّقَ مَوْتُ صَاحِبِ الْمَالِ بَرِئَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِصِحَّةِ أَمْرِ الْقَاضِي بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْوَارِثُ وَأَنْكَرَ وِصَايَتَهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا لَهُ وِلَايَةُ إتْبَاعِ الْغَرِيمِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَبْرَأَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِوَكَالَتِهِ حَالَ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رَبُّ الدَّيْنِ وَأَنْكَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي بِالدَّفْعِ لَمْ يَصِحَّ فِي حَيَاتِهِ ذَكَرَهُ فِي التَّيْسِيرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ مَالِهِ فَادَّعَى الْغَرِيمُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَهُ دَفَعَ الْمَالَ) أَيْ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ فَقَالَ الْغَرِيمُ لِلْوَكِيلِ إنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَهُ مِنِّي يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ إلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ وَكَالَتَهُ تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ إذَا لَمْ يُنْكِرْ الْوَكَالَةَ، وَإِنَّمَا ادَّعَى الْإِيفَاءَ وَفِي ضِمْنِ دَعْوَاهُ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ وَبِالْوَكَالَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مُحِقًّا عِنْدَهُ فِي طَلَبِ الدَّيْنِ لَمَا اشْتَغَلَ بِذَلِكَ فَصَارَ كَمَا إذَا طَلَبَ مِنْهُ الدَّيْنَ فَقَالَ أَوْفَيْتُك، فَإِنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ، فَإِذَا كَانَ إقْرَارًا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ فِي زَعْمِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْإِيفَاءُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ صَرِيحًا عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ طَلَبَ الْغَرِيمُ تَحْلِيفَ الْوَكِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمُوَكِّلَ اسْتَوْفَى مِنْهُ لَمْ يَحْلِفْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَلَّمَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِ فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ وَأَنْكَرَ الْمُودَعُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنْ كَانَتْ ضَاعَتْ فِي يَدِهِ أَيْ يَدِ الْوَكِيلِ فَهَلْ لِلْمُودِعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ الْمُودَعُ مَعَ التَّصْدِيقِ بِلَا تَضْمِينٍ فَلَا رُجُوعَ فِيهِ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْوَكِيلَ مُحِقٌّ فِي الْأَخْذِ وَلَكِنَّ الْمُوَكِّلَ ظَلَمَ فِي الْأَخْذِ ثَانِيًا بِالتَّضْمِينِ وَالْمَرْءُ مُؤَاخَذٌ بِزَعْمِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَدْفَعَ بِالتَّصْدِيقِ وَشَرْطُ الضَّمَانِ احْتِيَاطًا مِنْ تَكْذِيبِ الْغَائِبِ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَجْلِ ضَمَانِهِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَدْفَعَ مَعَ التَّكْذِيبِ، فَإِذَا ضَمَّنَهُ الْغَائِبَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالرَّابِعُ أَنْ يَدْفَعَ بِلَا تَصْدِيقٍ وَلَا تَكْذِيبٍ، فَإِذَا ضَمَّنَهُ الْغَائِبَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ أَيْضًا لِأَنَّ الدَّفْعَ كَانَ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ مِنْ الْغَائِبِ، فَإِذَا انْقَطَعَ الرَّجَاءُ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ اهـ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ لَكِنِّي بَادَرْت بِكِتَابَتِهَا قَبْلَ التَّأَمُّلِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَكِيلِ) أَيْ فِيهَا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ الْمُودَعُ مَعَ التَّصْدِيقِ بِلَا تَضْمِينٍ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ) صَادِقٌ بِمَا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ مَعَ التَّكْذِيبِ وَبِمَا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ بِلَا تَصْدِيقٍ وَلَا تَكْذِيبٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ ضَمِنَهُ أَوْ لَمْ يَضْمَنْهُ اهـ ك

وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاتَّبَعَ رَبَّ الْمَالِ وَاسْتَحْلَفَهُ) أَيْ الْغَرِيمُ يَتْبَعُ رَبَّ الْمَالِ فَيَسْتَحْلِفُهُ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ يُوجِبُ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ وَالطَّالِبُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَيُسْتَحْلَفُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَكَّلَهُ بِعَيْبٍ فِي أَمَةٍ وَادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي) أَيْ وَكَّلَهُ بِرَدِّ جَارِيَةٍ بِسَبَبِ عَيْبٍ فِيهَا فَقَالَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَا يَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ هُنَاكَ بِاسْتِرْدَادِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ نُكُولِهِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ نَافِذٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَصِحُّ الْقَضَاءُ وَيَلْزَمُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إذْ لَا يَجُوزُ فَسْخُ الْقَضَاءِ وَفِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ لَيْسَ فِيهِ قَضَاءٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمْرُ بِالتَّسْلِيمِ، فَإِذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ فِيهِ أَمْكَنَ نَزْعُهُ مِنْهُ وَدَفْعُهُ إلَى الْغَرِيمِ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ حَقَّ الطَّلَبِ فِي الدَّيْنِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ لِتَحَقُّقِ الْمُوجِبِ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْوَكِيلِ اسْتِيفَاؤُهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْغَرِيمُ مَا يُسْقِطُهُ وَلَا كَذَلِكَ الْعَيْبُ؛ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ ثُبُوتُ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَأَى الْعَيْبَ وَرَضِيَ بِهِ وَقْتَ التَّسْلِيمِ فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُ حَقِّهِ فِي الرَّدِّ أَصْلًا وَقَالُوا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بَلْ يُرَدُّ فِيهِمَا لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْخَطَأِ لَا يَنْفُذُ إلَّا ظَاهِرًا عِنْدَهُمَا فَأَمْكَنَ التَّدَارُكُ فِيهِمَا وَقِيلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْفَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ مَا لَمْ يَسْتَحْلِفْ الْمُشْتَرِيَ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا رَضِيتُ بِهَذَا الْعَيْبِ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْبَائِعُ الرِّضَا فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْمُشْتَرِي وَحَلِفِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةً يُنْفِقُهَا عَلَى أَهْلِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ عَشَرَةً مِنْ عِنْدِهِ فَالْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ فَتُرَدُّ الْعَشَرَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ لَا يَكُونُ بِدُونِ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ بِهِ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَالْوَكِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ وَقَالَ زُفَرُ أُحَلِّفُهُ عَلَى عِلْمِهِ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ خَرَجَ مِنْ الْوَكَالَةِ وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ قَامَ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْخُصُومَةِ وَمَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيمَا يُدَّعَى قِبَلَهُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ كَالْوَصِيِّ وَلِأَنَّ الْغَرِيمَ يَدَّعِي الْإِيفَاءَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَصِحَّ النِّيَابَةُ فِيهَا وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمَّا جَازَ أَنْ تُسْمَعَ عَلَى الْوَكِيلِ لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الْخُصُومَةِ جَازَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ لِيَنْكُلَ فَيَثْبُتَ هَذَا الْمَعْنَى وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ سَقَطَتْ خُصُومَتُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَاتَّبَعَ رَبَّ الْمَالِ وَاسْتَحْلَفَهُ)، فَإِنْ حَلَفَ مَضَى الْأَدَاءُ، وَإِنْ نَكَلَ يُتْبَعُ الْقَابِضُ فَيُسْتَرَدُّ مَا قَبَضَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ فَيُرَدُّ كَمَا فِي الدَّيْنِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْبَائِعُ عِلْمَهُ أَمَّا لَوْ ادَّعَى عِلْمَهُ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَعِنْدَنَا لَا يَحْلِفُ أَيْضًا اهـ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ حَيْثُ يَدْفَعُ الْمَالَ إلَى الْوَكِيلِ بِلَا تَأْخِيرٍ إلَى حُضُورِ رَبِّ الدَّيْنِ وَحَلَّفَهُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُرَدُّ الْمَبِيعُ عَلَى الْبَائِعِ بَلْ يُؤَخَّرُ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي فَيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ نَافِذٌ)، وَإِنْ ظَهَرَ الْخَطَأُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)، فَإِذَا سَقَطَ الْبَيْعُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَا يُمْكِنُ إعَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِأَجْلِ هَذَا يُؤَخَّرُ الرَّدُّ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي فَيَحْلِفَ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْفَصْلَيْنِ) نَظَرًا لِلْغَرِيمِ وَالْبَائِعِ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ لِلْغَرِيمِ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ اهـ قَوْلُهُ وَالْبَائِعُ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَالْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَالْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ أَيْ تَكُونُ الْعَشَرَةُ الَّتِي حَبَسَهَا عِنْدَهُ لَهُ بِالْعَشَرَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْعَشَرَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا وَلَا تُرَدُّ الْعَشَرَةُ الْمَحْبُوسَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ مَسْأَلَةَ الْإِنْفَاقِ بَلْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَقَالَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ قَضَاءً عَلَيَّ فَدَفَعَ الْوَكِيلُ غَيْرَهَا وَاحْتَبَسَ الْأَلْفَ عِنْدَهُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَدْفَعَ الَّتِي حَبَسَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي الَّتِي دَفَعَ وَلَكِنِّي أَدَّعِ الْقِيَاسَ وَأَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالُوا فِي شُرُوحِهِ هَذَا الَّذِي ذَكَره اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَيَضْمَنُ إنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ يَتَعَيَّنَانِ فِي الْوَكَالَةِ، وَإِنْ كَانَتَا لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَعِنْدَنَا حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ الْإِنْفَاقِ أَوْ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِهَا فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ. فَإِذَا أَنْفَقَ عَشَرَةً مِنْ عِنْدِهِ كَانَ مُتَبَرِّعًا فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّل وَلِأَنَّهُ خَالَفَ الْأَمْرَ فَيُرَدُّ مَالُ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِ الدَّافِعِ لَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَمَّا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ خَالَفَ وَكَانَ مُتَطَوِّعًا اهـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا فَأَنْفَقَ الْوَكِيلُ ثُمَّ تَصَدَّقَ عَنْ الْآمِرِ بِعَشَرَةٍ مِنْ مَالِهِ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ ضَامِنًا لِلْعَشَرَةِ وَلَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ قَائِمَةً فَأَمْسَكَهَا الْوَكِيلُ وَتَصَدَّقَ مِنْ عِنْدِهِ بِعَشَرَةٍ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَتَكُونُ الْعَشَرَةُ لَهُ بِعَشَرَتِهِ، وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ دِينَارًا إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ فَبَاعَ الْمَأْمُورُ دِينَارًا مِنْ عِنْدَ نَفْسِهِ وَأَمْسَكَ دِينَارَ الْآمِرُ لِنَفْسِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ ثَوْبًا فَاشْتَرَى بِدِينَارٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ جَازَ شِرَاؤُهُ لِلْآمِرِ وَيَكُونُ الدِّينَارُ لَهُ وَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ دِينَارًا لِيَقْضِيَ غَرِيمًا لَهُ فَقَضَاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَأَمْسَكَ الدِّينَارَ لِنَفْسِهِ جَازَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَرُدُّ الْعَشَرَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ) أَيْ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَيَضْمَنُ إنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. اهـ. غَايَةٌ

[باب عزل الوكيل]

بِالشِّرَاءِ يَمْلِكُ النَّقْدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَصْحِبُ دَرَاهِمَ الْآمِرِ فِي كُلِّ مَكَان وَيُنْفِقُ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَيَشْتَرِيهِ لَهُ وَيَحْتَاجُ إلَى النَّقْدِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَمْ يُجْعَلْ مُتَبَرِّعًا تَحْقِيقًا لِغَرَضِ الْآمِرِ وَنَفْيًا لِلْحَرَجِ عَنْ الْمَأْمُورِ وَقِيلَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ فَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ كَانَ مُقَيَّدًا بِالْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَفِي دَفْعِ مَالٍ آخَرَ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي الْقَضَاءِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَيَرُدُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَقَدْ كَانَ عَيَّنَهُ لِجِهَةٍ، وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَقْصُودَ الْآمِرِ تَحْصِيلُ الْبَرَاءَةِ، وَقَدْ حَصَلَتْ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَالَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا فَلَا يُعْتَبَرُ وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ يُبْتَلَى بِوُجُودِ الطَّالِبِ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ مَعَهُ مَالُ الْمُوَكِّلِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَأْخُذَ بَدَلَهُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ فَكَانَ هَذَا تَوْكِيلًا بِالْمُبَادَلَةِ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمُبَادَلَةِ يَكْفِي لِصِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ) اعْلَمْ أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ عَزْلَ الْوَكِيلِ عَنْ الْوَكَالَةِ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهَا إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ بِأَنْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ بِالْتِمَاسٍ مِنْ الطَّالِبِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَطْلُوبِ، فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَلَّى سَبِيلَهُ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ حَقِّهِ مَتَى شَاءَ فَلَوْ جَازَ عَزْلُهُ لَتَضَرَّرَ بِهِ الطَّالِبُ عِنْدَ اخْتِفَاءِ الْمَطْلُوبِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ فَصَارَ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ حَاضِرًا أَوْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مِنْ غَيْرِ الْتِمَاسِ الطَّالِبِ أَوْ كَانَتْ مِنْ جِهَتِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْخُصُومَةِ مَعَ الْمَطْلُوبِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْوَكَالَةِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي إذْ هُوَ لَمْ يَطْلُبْ وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ الْعَزْلُ إلَى الطَّالِبِ وَهُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ فَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ وَيُبَاشِرَ الْخُصُومَةَ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْخُصُومَةَ بِالْكُلِّيَّةِ وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إذَا وَكَّلَ الزَّوْجُ وَكِيلًا بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِالْتِمَاسِهَا ثُمَّ غَابَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ لَهُ عَزْلُهُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الطَّلَاقِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ)، وَإِذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْآمِرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ اهـ غَايَةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ: ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ قَضَاءً عَنِّي فَدَفَعَ الْوَكِيلُ غَيْرَهَا وَاحْتَبَسَهَا عِنْدَهُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَلْفَ الَّتِي احْتَبَسَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَيَكُونَ مُتَطَوِّعًا فِيمَا دَفَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالدَّفْعِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَقَدْ بَطَلَتْ جِهَةُ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيَلْزَمُهُ الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهُ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مَأْمُورٌ بِشِرَاءِ مَا فِي ذِمَّةِ الْآمِرِ بِالدَّرَاهِمِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ سُلِّمَ الْمَقْبُوضُ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَحْتَاجُ إلَى النَّقْدِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَخْ) فَكَانَ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا فِيمَا فَعَلَ كَالْوَصِيِّ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ إمَّا لِنَفْسِهِ أَوْ الْوَارِثِ قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فَكَذَلِكَ هَاهُنَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَيْسَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ مَعْنَى الشِّرَاءِ فَوَرَدَ فِيهِ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ) أَمَّا الْإِنْفَاقُ شِرَاءٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ وَجْهَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ بَلْ صَحَّ ذَلِكَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا حَتَّى رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا أَنْفَقَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. اهـ. غَايَةٌ [بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ] (بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ) أَخَّرَ الْعَزْلَ عَنْ الْوَكَالَةِ لِمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي سَبْقَ ثُبُوتِهَا فَنَاسَبَ ذِكْرَهُ آخِرًا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ بِأَنْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ) أَيْ وَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْمُدَّعِي بِالْتِمَاسِ الْمُدَّعَى. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ) أَيْ بِلَا رِضَا الْخَصْمِ لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ مَتَى شَاءَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ اسْتِنَابَةٌ، فَإِذَا عَزَلَهُ فَقَدْ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهُ فَيَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْخَصْمُ قَدْ أَخَذَهُ حَتَّى جَعَلَ لَهُ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي أَخَافُ أَنْ تَغِيبَ فَوَكِّلْ وَكِيلًا إنْ غِبْت أُخَاصِمُهُ فَيُقْضَى لِي عَلَيْهِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الطَّالِبِ فَلَا يُمْكِنُ إبْطَالُهَا إلَّا بِعِلْمِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ الْإِمَام مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ مَتَى شَاءَ وَيَكُونَ بِعَزْلِهِ إيَّاهُ خَارِجًا عَنْ وَكَالَتِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِوَكَالَتِهِ حَقُّ الْغَيْرِ. فَأَمَّا إذَا تَعَلَّقَ بِوَكَالَتِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَلَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ بِغَيْرِ رِضَا مَنْ لَهُ الْحَقُّ كَمَا لَوْ رَهَنَ مَالَهُ عِنْدَ رَجُلٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ وَضَعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ عَدْلٍ وَجَعَلَ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ عِنْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ ثُمَّ عَزَلَ الرَّاهِنُ الْمُسَلَّطَ عَلَى الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَزْلُ الْمُدَّعِي وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْمُدَّعِي بِالْتِمَاسِ الْمُدَّعَى ثُمَّ عَزَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمُدَّعِي فَلَا يَنْعَزِلُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ حَقُّ الْغَيْرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ بِأَنْ وَكَّلَ الطَّالِبُ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فَلَهُ عَزْلُهُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَطْلُوبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَصْلِ الْوَقْفِ عَلَى الْقَرَابَاتِ مَا نَصُّهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى

لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا عَزَلَهُ تَجَدَّدَتْ الْوَكَالَةُ لَهُ وَقِيلَ يَنْعَزِلُ بِقَوْلِهِ كُلَّمَا وَكَّلْتُك فَأَنْتَ مَعْزُولٌ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عِنْدِي أَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ بِأَنْ يَقُولَ عَزَلْتُك عَنْ جَمِيعِ الْوَكَالَاتِ فَيَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى الْمُعَلَّقِ وَالْمُنْفَذِ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْ ذَلِكَ أَدَّى ذَلِكَ إلَى تَغْيِيرِ حُكْمِ الشَّرْعِ بِجَعْلِ الْوَكَالَةِ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَكِلَاهُمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ عَزْلَهُ وَتَوْكِيلَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهُمَا دَائِمًا لَا إلَى نِهَايَةٍ وَلَيْسَ فِيهِ وَكَالَةٌ تَنْفَعُ وَلَا عَزْلٌ يَمْنَعُ وَلَيْسَ فِي الثَّانِي مَا يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ الْمُعَلَّقَةَ؛ لِأَنَّ عَزْلَهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْمَوْجُودَةَ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ عَزْلُ الْوَكِيلِ قَبْلَ الْوَكَالَةِ كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ عَزْلُ الْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانِ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ إذَا أَرَادَ عَزْلَهُ وَأَرَادَ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ الْوَكَالَةُ بَعْدَ الْعَزْلِ أَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَنْ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُك عَنْ الْمُنَجَّزَةِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ لَازِمًا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَالْوَكَالَةُ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالْعَزْلِ إذَا عَلِمَ بِهِ الْوَكِيلُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَزْلِ يُسْقِطُ حَقَّ نَفْسِهِ وَجَوَازَ الْوَكَالَةِ لِحَقِّهِ، وَالْمَرْءُ يَنْفَرِدُ بِإِسْقَاطِ حَقِّ نَفْسِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَكَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ مِثْلُ الْمَوْتِ وَالْجُنُونِ وَلَنَا أَنَّ الْعَزْلَ خِطَابٌ مُلْزِمٌ مَقْصُودٌ وَحُكْمُ الْخِطَابِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ كَخِطَابِ الشَّرْعِ حَتَّى إذَا بُدِّلَ بِالنَّسْخِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّسْخِ حَتَّى يَبْلُغَ الْمُكَلَّفَ وَلِأَنَّ فِي انْعِزَالِهِ إضْرَارًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَصَرَّفُ بَعْدَ الْعَزْلِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ بِذَلِكَ وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ فِيهِ حُكْمِيٌّ لِضَرُورَةِ عَدَمِ الْمَحِلِّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرُهُ وَالرَّسُولُ يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ حَتَّى إذَا أَرْسَلَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ فَعَزَلَهُ قَبْلَ التَّبْلِيغِ انْعَزَلَ؛ لِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ عِبَارَةَ الْمُرْسِلِ وَنَاقِلٌ لَهَا فَيَكُونُ عَزْلُهُ رُجُوعًا عَنْ الْإِيجَابِ وَلَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي أَوْجَبَهُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، فَإِنَّهُ يَعْقِدُ بِعِبَارَةٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحُقُوقُ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا كَمَا فِي النِّكَاحِ وَأَمْثَالِهِ وَلَيْسَ بِنَاقِلٍ عِبَارَةَ الْمُرْسِلِ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّوْكِيلُ فِيهِ إيجَابًا، وَإِنَّمَا الْإِيجَابُ مِنْ الْوَكِيلِ فَلَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَبْلُغَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَصِيلًا فِي حَقِّ الْعِبَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصِيلًا فِي حَقِّ الْحُقُوقِ وَالرَّسُولُ لَيْسَ بِأَصِيلٍ فِي شَيْءٍ مَا فَافْتَرَقَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ فِي الْمُبَلِّغِ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَا نُعِيدُهُ وَكَذَا لَوْ عَزَلَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ لَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَلَوْ جَحَدَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ فَقَالَ لَمْ أُوَكِّلْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَزْلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا وَجُنُونُهُ مُطْبِقًا وَلُحُوقُهُ مُرْتَدًّا) يَعْنِي تَبْطُلُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَكَانَ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فَيُشْتَرَطُ لِقِيَامِ الْأَمْرِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مَا يُشْتَرَطُ لِلِابْتِدَاءِ وَشُرِطَ فِي الْجُنُونِ أَنْ يَكُونَ مُطْبِقًا أَيْ مُسْتَوْعِبًا مِنْ قَوْلِهِمْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ السَّمَاءَ أَيْ اسْتَوْعَبَهَا؛ لِأَنَّ كَثِيرَهُ كَالْمَوْتِ وَقَلِيلَهُ كَالْإِغْمَاءِ وَحَدُّ الْمُطْبِقِ شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الصَّوْمُ وَعَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الصَّلَوَاتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ فِي الرَّجُلِ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَخْرَجَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ فَهُوَ وَكِيلُهُ قَالَ نُصَيْرٌ تَجُوزُ هَذِهِ الْوَكَالَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ لَا تَجُوزُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا لِاخْتِلَافِ تَفْسِيرِ هَذَا الشَّرْطِ فَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ فَهِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ مَتَى أَخْرَجَهُ عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَةِ فَهُوَ وَكِيلُهُ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَكَالَةِ فِي الشَّرْعِ أَنْ لَا تَكُونَ لَازِمَةً وَيَرِدُ عَلَيْهَا الْعَزْلُ وَنُصَيْرٌ فَهِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ مَتَى أَخْرَجَهُ عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَةِ فَهُوَ وَكِيلُهُ وَكَالَةً مُسْتَقْبَلَةً وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ كَانَ جَائِزًا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ إنَّمَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ أَمَّا فِي الْوَقْفِ، وَإِنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ، فَإِنَّا نُبْطِلُهُ صِيَانَةً لِلْوَقْفِ عَنْ الْبُطْلَانِ ثُمَّ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ إذَا جَازَتْ الْوَكَالَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَنْ قَوْلِي مَتَى أَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ فَأَنْتَ وَكِيلِي فَيَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ ثُمَّ يَقُولُ أَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالْعَزْلِ إذَا عَلِمَ بِهِ الْوَكِيلُ) قَالَ فِي الْمَتْنِ فِي آخِرِ مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَةِ وَمَنْ أُعْلِمَ بِالْوَكَالَةِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَلَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ إلَّا بِعَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَتَصَرَّفُ بَعْدَ الْعَزْلِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ) أَيْ بَيْعًا أَوْ شِرَاءً فَتَنْصَرِفُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ مِنْ نَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ إذَا كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَمِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إذَا كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ ثُمَّ إذَا عَقَدَ أَوْ سَلَّمَ يَضْمَنُ مَا تَصَرَّفَ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بَعْدَ الْعَزْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ الْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ، فَإِنَّهُ كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرُهُ) يَعْنِي الْعَزْلُ قَبْلَ الْعِلْمِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا وَالْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ عَزَلَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْوَكَالَةِ فِي الْجِنْسِ الَّذِي عَقَدَهُ لِلْعَزْلِ وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ رُدَّ عَلَيَّ الْوَكَالَةَ فَقَالَ رَدَدْت الْوَكَالَةَ يَنْعَزِلُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقُلْ الْمُوَكِّلُ رُدَّ عَلَيَّ الْوَكَالَةَ وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ قَالَ رَدَدْت الْوَكَالَةَ وَعَلِمَ الْمُوَكِّلُ يَنْعَزِلُ. اهـ. قُلْت وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى يَعْلَمَ الْمُوَكِّلُ، فَإِذَا عَلِمَ انْعَزَلَ وَهُوَ حِينَئِذٍ نَظِيرُ مَا إذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ، فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى الْوَكَالَةِ حَتَّى يَبْلُغَهُ خَبَرُ الْعَزْلِ اهـ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي رَدِّ الْوَكَالَةِ مَا نَصُّهُ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ لَا يَصِحُّ عَزْلُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا وَجُنُونُهُ مُطْبِقًا) بِسُكُونِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ دَائِمٌ وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الْأَطِبَّاءِ الْحُمَّى الدَّمَوِيَّةَ اللَّازِمَةَ بِالْمُطْبِقَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ الْمَجْنُونُ الْمُطْبَقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ الَّذِي أَطْبَقَ جُنُونُهُ وَدَامَ مُتَّصِلًا وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ الْحُمَّى الْمُطْبَقَةُ بِفَتْحِ الْبَاء وَهِيَ الدَّائِمَةُ اهـ

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَوْلٌ كَامِلٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ حَتَّى الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ اسْتِمْرَارَهُ حَوْلًا مَعَ اخْتِلَافِ فُصُولِهِ آيَةُ اسْتِحْكَامِهِ أَمَّا مَا دُونَ الْحَوْلِ فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَوْتِ، وَالْمُرَادُ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِلِحَاقِهِ؛ لِأَنَّ لِحَاقَهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَإِذَا حَكَمَ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَمَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ فَكَذَا وَكَالَتُهُ، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَتَصَرُّفَاتُهُ نَافِذَةٌ فَلَا تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ غَيْرَ لَازِمَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً لَا تَبْطُلُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ مَشْرُوطَةً فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَكَذَا إذَا جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا ثُمَّ جُنَّ الزَّوْجُ لَا يَبْطُلُ أَمْرُهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَّكَهَا التَّصَرُّفَ فَصَارَ كَتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالنِّكَاحِ تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلنِّكَاحِ بِنَفْسِهِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِهِ أَيْضًا ثُمَّ لَا تَعُودُ بِالْإِسْلَامِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَلَا تَبْطُلُ وَكَالَةُ الْمَرْأَةِ بِارْتِدَادِهَا مَا لَمْ تَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَيَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهَا وَكَذَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهَا بَعْدَ ارْتِدَادِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ مَالِكَةً لِلتَّصَرُّفِ بِنَفْسِهَا، وَرِدَّتُهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا إلَّا إذَا وَكَّلَتْهُ بِالتَّزْوِيجِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِنَفْسِهَا فَكَذَا لَا يُزَوِّجُهَا وَكِيلُهَا، وَلَوْ وَكَّلَتْ وَكِيلًا فِي حَالِ رِدَّتِهَا فَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا أَسْلَمَتْ صَحَّ كَالْمُعْتَدَّةِ إذَا وَكَّلَتْ وَكِيلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهَا فَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَتْهُ قَبْلَ ارْتِدَادِهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَأَسْلَمَتْ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا؛ لِأَنَّ ارْتِدَادَهَا إخْرَاجٌ لَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ فَصَارَ مَعْزُولًا مِنْ جِهَتِهَا وَلَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ بَعْدَ الْعَزْلِ، وَإِنْ عَادَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا بَعْدَ اللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ كَانَ وَكِيلًا فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَعُودُ وَكِيلًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ. وَلِهَذَا لَا يَعُودُ مِلْكُهُ فِي مُدَبَّرِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَيُعْتَقْنَ بِهِ كَمَا يُعْتَقْنَ بِالْمَوْتِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ التَّصَرُّفِ يَمْلِكُهُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَوِلَايَةُ التَّنْفِيذِ بِالْمِلْكِ وَبِاللِّحَاقِ لَحِقَ بِالْأَمْوَاتِ فَلَا مِلْكَ وَلَا أَهْلِيَّةَ لَهُ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ بِمَعَانٍ قَائِمَةٍ بِهِ وَالْعَجْزُ بِعَارِضِ اللِّحَاقِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالتَّوْكِيلُ إطْلَاقٌ، فَإِذَا زَالَ الْعَجْزُ وَالْإِطْلَاقُ بَاقٍ عَادَ وَكِيلًا لِبَقَاءِ تِلْكَ الْمَعَانِي وَهُوَ الْعَقْلُ وَالْقَصْدُ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَالذِّمَّةِ الصَّالِحَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ لَحِقَ الْمُوَكِّلَ وَحَقُّهُ بَاقٍ بَعْدَ لِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَإِنَّمَا عَجَزَ عَنْ التَّصَرُّفِ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ، فَإِذَا زَالَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَبَقِيَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ زَمَانًا ثُمَّ أَفَاقَ، وَإِنْ كَانَ الْعَائِدُ مُسْلِمًا هُوَ الْمُوَكِّلُ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ فِي الظَّاهِرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَعُودُ كَمَا قَالَ فِي الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَادَ مِلْكُهُ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا كَانَ، وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً لَا تَبْطُلُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ) أَيْ الْمَوْتِ وَالْجُنُونِ وَاللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا اهـ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَهَذَا كُلُّهُ فِي مَوْضِعٍ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ أَمَّا فِي مَوْضِعٍ لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ كَالْعَدْلِ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَالْأَمْرِ بِالْيَدِ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ وَالْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بِالْتِمَاسِ الْخَصْمِ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ، وَالْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ يَنْعَزِلُ بِجُنُونِ الْمُوَكِّلِ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَنْعَزِلُ قِيَاسًا وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي، وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ وَكِيلًا فِي خُصُومَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءِ شَيْءٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ صَحَّ لِحَقِّ الْمُوَكِّلِ فَكَانَ لَهُ إبْطَالُهُ، فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ حَتَّى ذَهَبَ عَقْلُ الْمُوَكِّلِ زَمَانًا دَائِمًا فَقَدْ خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ بَقَاءَ النِّيَابَةِ يَسْتَدْعِي بَقَاءَ أَهْلِيَّةِ الْمَنُوبِ عَنْهُ فَقَدْ بَطَلَتْ وَهَذَا فِي شَيْءٍ يَقْبَلُ الْعَزْلَ فَأَمَّا فِي شَيْءٍ لَا يُمْكِنُهُ عَزْلُهُ فَلَا يَبْطُلُ مِثْلُ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَمَا أَشْبَهَهُ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ لَازِمٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّجْدِيدِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْأَهْلِيَّةِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ الْجَائِزِ لِأَنَّهُ يَتَلَاشَى فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَاعْتُبِرَ بَقَاؤُهُ أَهْلًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فَطَلَبَ خَصْمَهُ ثُمَّ جُنَّ الْمُوَكِّلُ أَوْ مَاتَ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ وَالرَّاهِنُ إذَا سَلَّطَ الْعَدْلَ عَلَى الْبَيْعِ ثُمَّ جُنَّ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ الْعَدْلُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرِدَّتُهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا لِأَنَّ عِلَّةَ الْقَتْلِ الْحِرَابُ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا بِنْيَةٌ صَالِحَةٌ لِلْحِرَابِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَعُودُ وَكِيلًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ ثُمَّ قَدَّرَ مُدَّةَ اللِّحَاقِ بِأَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ قَالَ إنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ سَنَةٍ ثُمَّ عَادَ تَعُودُ الْوَكَالَةُ لِأَنَّا بَقَّيْنَاهَا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَعُودَ فَأَمَّا إذَا بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ سَنَةٍ ثُمَّ عَادَ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَوْدِ قَدْ بَطَلَ بِالْحَوْلِ ظَاهِرًا وَغَالِبًا فَصَارَ كَالْجُنُونِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ لَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ، وَإِذَا اسْتَوْعَبَ السَّنَةَ تَبْطُلُ إلَى هُنَا لَفْظُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْكَافِي اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِاللِّحَاقِ لَحِقَ بِالْأَمْوَاتِ إلَخْ) وَالْوَكَالَةُ لَا تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ فَبَطَلَ وَالْبَاطِلُ لَا يَعُودُ بِخِلَافِ أَمْلَاكِهِ، فَإِنَّهَا قَائِمَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَجَازَ أَنْ تَعُودَ وَلِأَنَّ اللِّحَاقَ يَمْنَعُ ابْتِدَاءً الْوَكَالَةَ، فَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهَا أَبْطَلَهَا كَالْجُنُونِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ) أَيْ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَدَمَ نَفَاذِ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ انْعَزَلَ بَلْ لِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَتَنَاوَلْ تِلْكَ الْبُقْعَةَ كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْ ثَوْبِي بِبَغْدَادَ فَأَخْرَجَهُ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، فَإِذَا عَادَ جَازَ بَيْعُهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْعَائِدُ مُسْلِمًا هُوَ الْمُوَكِّلُ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ) بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. اهـ. غَايَةٌ

تَعَلَّقَتْ الْوَكَالَةُ بِقَدِيمِ مِلْكِهِ فَيَعُودُ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَعَلَّقَتْ بِمِلْكِ الْمُوَكِّلِ، وَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ وَلِحَاقِهِ فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ عَلَى الْبَتَاتِ بِخِلَافِ رِدَّةِ الْوَكِيلِ، فَإِنَّ مِلْكَ الْمُوَكِّلِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ، وَقَدْ تَعَلَّقَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ، وَإِنَّمَا انْقَطَعَ تَصَرُّفُهُ لِعَجْزِهِ، وَقَدْ زَالَ فَتَعُودُ الْوَكَالَةُ كَمَا كَانَتْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَافْتِرَاقُ الشَّرِيكَيْنِ) أَيْ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِافْتِرَاقِ الشَّرِيكَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ وَالْعَزْلُ الْحُكْمِيُّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ ثُمَّ هَذَا الْكَلَامُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْعَزِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَنْعَزِلُ بِالِافْتِرَاقِ عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ ثَابِتَةً فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ فَتَبْطُلُ بِبُطْلَانِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُصَرَّحًا بِهَا وَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِفَسْخِ الشَّرِكَةِ بِدُونِ عِلْمِ صَاحِبِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ قَصْدِيٌّ فَكَيْفُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْعَزِلَ بِدُونِ عِلْمِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا هَلَكَ الْمَالَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ تَبْطُلُ بِهِ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي ضِمْنِهَا عَلِمَا بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ إذَا لَمْ تَكُنْ الْوَكَالَةُ مُصَرَّحًا بِهَا عِنْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَالثَّانِي أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ جَازَ عَلَى مَا عُرِفَ فَلَوْ افْتَرَقَا انْعَزَلَ هَذَا الْوَكِيلُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُوَكِّلِ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحَا بِالْإِذْنِ فِي التَّوْكِيلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَجَزَ مُوَكِّلُهُ لَوْ مُكَاتَبًا وَحَجَرَهُ لَوْ مَأْذُونًا) مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَحَجْرِ الْعَبْدِ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ مُعْتَبَرٌ بِابْتِدَائِهَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ لَازِمَةٍ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي لَا تَلْزَمُ لِبَقَائِهَا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فَيُشْتَرَطُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ قِيَامُ الْأَمْرِ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَدْ بَطَلَ بِالْعَجْزِ وَالْحَجْرِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ وَيَسْتَوِي فِيهِ عِلْمُ الْوَكِيلِ وَجَهْلُهُ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ حُكْمِيٌّ كَمَا إذَا تَصَرَّفَ الْمُوَكِّلُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي وَكَّلَ فِيهِ هَذَا إذَا كَانَ وَكِيلًا فِي الْعُقُودِ وَالْخُصُومَاتِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَاقْتِضَائِهِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَلَا بِحَجْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ أَوْ الْحَجْرَ يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ مِنْ إنْشَاءِ التَّصَرُّفِ فَيَخْرُجُ وَكِيلُهُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَلَا يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَاقْتِضَائِهِ فَكَذَا لَا يُوجِبُ عَزْلَ وَكِيلِهِ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كُوتِبَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أَذِنَ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَمْ تُعَدَّ الْوَكَالَةُ الَّتِي بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا كَانَتْ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ التَّصَرُّفَ عِنْدَ التَّوْكِيلِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعَجْزِ وَالْحَجْرِ بَعْدَ الْوَكَالَةِ فَلَمْ يُعَدَّ بِالْكِتَابَةِ الثَّانِيَةِ وَالْإِذْنِ الثَّانِي، وَلَوْ عَزَلَ الْمَوْلَى وَكِيلَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَجْرٌ خَاصٌّ وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَكُونُ إلَّا عَامًّا فَكَانَ بَاطِلًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الْإِذْنِ فَكَذَا لَا يَنْفُذُ فِعْلُهُ الْحُكْمِيُّ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصَرُّفُهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِتَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ فِيمَا وَكَّلَهُ بِهِ لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ وَالْمُرَادُ بِتَصَرُّفِهِ مَا يَعْجِزُ الْوَكِيلُ عَنْ الِامْتِثَالِ بِهِ مِثْلُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْجِزْهُ عَنْ الِامْتِثَالِ فَالْوَكَالَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا وَهَذَا أَصْلُهُ حَتَّى لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا هُوَ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِطَلَبِ الْوَكَالَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ الِامْتِثَالِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِتَحَقُّقِ عَجْزِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْإِيقَاعِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَذَا الْوَكِيلُ، وَإِنَّمَا تَمَكَّنَ مِنْ الْإِيقَاعِ بَعْدَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لِلْوَكِيلِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِبَقَاءِ الْمَحِلِّ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْقَضَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ الزَّوْجُ فَطَلَاقُ الْوَكِيلِ يَقَعُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِبَقَاءِ تَمَكُّنِ الزَّوْجِ مِنْ الْإِيقَاعِ، وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ. وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُلَعِ ثُمَّ خَلَعَهَا الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ بَعْدَ الْخُلْعِ لَا يَصِحُّ فَتَعَذَّرَ التَّصَرُّفُ عَلَى الْوَكِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ خَالَعَهَا الزَّوْجُ حَيْثُ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُ الْوَكِيلِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ الزَّوْجِ يَقَعُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَبْقَى الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا كَانَ الْمُوَكِّلُ فِيهِ قَادِرًا عَلَى الْإِيقَاعِ كَانَ وَكِيلُهُ أَيْضًا قَادِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ إلَخْ) كَمَا قَالُوا فِيمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ، فَإِذَا رُدَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ عَادَتْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْأَوَّلَ عَادَ فَعَادَ حُقُوقُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِافْتِرَاقِ الشَّرِيكَيْنِ) يَعْنِي أَحَدَ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَوْ الْمُفَاوَضَةِ (قَوْلُهُ: فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِبَقَاءِ الْمَحِلِّ) بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ ثَلَاثًا حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا فِي الْعِدَّةِ وَلَا بَعْدَهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ) وَلَوْ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَأَسْلَمَتْ فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ الْوَكِيلُ جَازَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَمَةً وَنِكَاحُ الْأَمَةِ لَيْسَ بِمَعْهُودٍ وَغَيْرُ الْمَعْهُودِ خَارِجٌ عَنْ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ عِنْدَهُمَا. اهـ. غَايَةٌ

[كتاب الدعوى]

عَلَى الْإِيقَاعِ فَتَبْقَى الْوَكَالَةُ عَلَى حَالِهَا وَمَا لَا فَلَا، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا كَخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ لِفَسَادِ بَيْعٍ فَالْوَكِيلُ بَاقٍ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ الْقَدِيمَ قَدْ عَادَ إلَيْهِ بِالْفَسْخِ فَتَعُودُ الْوَكَالَةُ، وَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَكُونُ فَسْخًا كَالرَّدِّ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ إقَالَةٍ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْوَكِيلُ ثَالِثُهُمَا وَالْوَكَالَةُ تَعَلَّقَتْ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَهَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا وَلَوْ بَاعَهُ الْوَكِيلُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ثَانِيًا كَمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُوَكِّلَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَلَوْ وَكَّلَهُ بِهِبَةِ شَيْءٍ فَوَهَبَهُ الْمَالِكُ ثُمَّ رَجَعَ بِالْهِبَةِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَهَبَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ مُخْتَارٌ فِي الرُّجُوعِ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ عَدَمِ حَاجَةِ الْوَاهِبِ إلَى الْهِبَةِ، وَلَوْ وَهَبَهُ الْوَكِيلُ فَرَجَعَ الْمُوَكِّلُ فِي هِبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَهَبَهُ ثَانِيًا لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تُشْبِهُ الْهِبَةُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْبَيْعِ لَا تَنْقَضِي بِمُبَاشَرَةِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بَعْدَمَا بَاعَ يَتَوَلَّى حُقُوقَ الْعَقْدِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ، فَإِذَا فُسِخَ الْبَيْعُ وَالْوَكَالَةُ قَائِمَةٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ ثَانِيًا بِحُكْمِهَا أَمَّا الْوَكَالَةُ بِالْهِبَةِ تَنْقَضِي بِمُبَاشَرَةِ الْهِبَةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ وَلَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ، فَإِذَا رَجَعَ فِي هِبَتِهِ فَقَدْ عَادَ إلَيْهِ الْعَبْدُ وَلَا هِبَةَ وَلَا وَكَالَةَ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الْهِبَةِ ثَانِيًا، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَأَسَرَهُ الْعَدُوُّ وَأَدْخَلُوهُ فِي دَارِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمُوَكِّلِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ لَمْ تَعُدْ الْوَكَالَةُ وَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرَى مِنْهُمْ بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْقِيمَةِ مِمَّنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْغَانِمِينَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ بِهَذَا الطَّرِيقِ عَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ، وَقَدْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مُتَعَلِّقَةً بِهِ، فَإِذَا عَادَ عَادَتْ الْوَكَالَةُ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِإِعْتَاقِ أَمَتِهِ فَأَعْتَقَهَا الْمُوَكِّلُ ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَمَلَكَهَا لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ جَدِيدٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ. وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً وَهِيَ ذَاتُ زَوْجٍ فَمَاتَ زَوْجُهَا أَوْ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَكَالَةٌ مُضَافَةٌ لِانْعِدَامِ الْمَحِلِّ وَقْتَ التَّوْكِيلِ وَهِيَ جَائِزَةٌ، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً فَارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أُسِرَتْ وَأَسْلَمَتْ جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَسْمِيَةَ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا تَنْصَرِفُ إلَى الْحُرَّةِ عِنْدَهُمَا وَلَا تَنْصَرِفُ عِنْدَهُ بَلْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْأَمَةَ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ رَهَنَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ آجَرَهُ فَسَلَّمَهُ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَابُ الدَّعْوَى) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ حَالَةَ الْمُنَازَعَةِ) أَيْ الدَّعْوَى أَنْ يَدْعُوَ الشَّيْءَ إلَى نَفْسِهِ فِي حَالَةِ الْخُصُومَةِ وَهَذَا فِي الشَّرِيعَةِ وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ ثَمَّ مُنَازِعٌ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُنَازَعَةٍ أَوْ مُسَالَمَةٍ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: ادَّعَى فُلَانٌ شَيْئًا إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ إذَا قَالَ لِي وَمِنْهُ دَعْوَةُ النَّسَبِ بِالْكَسْرِ وَالدَّعْوَةُ بِالْفَتْحِ فِي الْمَأْدُبَةِ وَقِيلَ الدَّعْوَى فِي اللُّغَةِ قَوْلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ الشَّيْءِ عَلَى الْغَيْرِ إلَّا أَنَّ اسْمَ الْمُدَّعِي يَتَنَاوَلُ مَنْ لَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْعُرْفِ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ لَهُ حُجَّةٌ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُسَمِّيهِ مُدَّعِيًا قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَبَعْدَهَا يُسَمِّيهِ مُحِقًّا لَا مُدَّعِيًا وَيُقَالُ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ لَعَنَهُ اللَّهُ مُدَّعِي النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهَا وَلَا يُقَالُ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّعِي النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَهَا بِالْمُعْجِزَةِ. وَالدَّعْوَى اسْمٌ وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ وَالْفِعْلُ ادَّعَى افْتَعَلَ وَالْمَصْدَرُ ادِّعَاءٌ افْتِعَالٌ وَأَلْفُ دَعْوَى لِلتَّأْنِيثِ فَلَا يُنَوَّنُ وَجَمْعُهَا دَعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ لَا غَيْرُ كَفَتْوَى وَفَتَاوَى وَاسْمُ الْفَاعِلِ مُدَّعٍ وَالْمَفْعُولُ مُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمَالُ مُدَّعَى وَالْمُدَّعَى بِهِ خَطَأٌ ثُمَّ شَرْطُ جَوَازِ الدَّعْوَى أَنْ تَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَا تَصِحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا كَخِيَارِ رُؤْيَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ ثُمَّ آجَرَهَا الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ يَعُودُ عَلَى وَكَالَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِشَرْحِ السَّرَخْسِيِّ لَهَا زَوْجٌ فَوَكَّلَتْ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَلَمَّا طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا زَوَّجَهَا الْوَكِيلُ مِنْ نَفْسِهِ جَازَ قُلْت فَقَدْ صَحَّ تَوْكِيلُهَا بِهِ مَعَ عَجْزِهَا عَنْهُ وَقْتَ التَّوْكِيلِ اهـ (قَوْلُهُ: جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ) لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِإِنْكَاحِهَا إيَّاهُ وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ بِوَاسِطَةِ الْمَوْتِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَانْصَرَفَ التَّوْكِيلُ إلَيْهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى إضَافَةِ التَّوْكِيلِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْوَكَالَاتُ مِمَّا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَالْإِضَافَةَ إلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبِلِ. اهـ. غَايَةٌ [كِتَابُ الدَّعْوَى] (كِتَابُ الدَّعْوَى) لَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَكَالَاتِ وَهِيَ سَبَبٌ دَاعٍ إلَى الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ نَاسَبَ ذِكْرَ كِتَابِ الدَّعْوَى عَقِيبَ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْمُسَبِّبَ يَقْتَضِي سَابِقِيَّةَ السَّبَبِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَخْ) هَذَا رُكْنُهَا لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ الشَّيْءُ وَالدَّعْوَى إنَّمَا تَقُومُ بِإِضَافَةِ الْمُدَّعِي إلَى نَفْسِهِ فَكَانَ رُكْنًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الدَّعْوَى لَا تَكُونُ إلَّا حَالَ الْمُنَازَعَةِ لَا حَالَ الْمُسَالَمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ إلَخْ) لِأَنَّهُ يُضِيفُهُ إلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ إنَّنِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْوَاوِ وَلَا غَيْرُ) هَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي اهـ

فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَابُهُ وَأَنْ يَكُونَ الْخَصْمُ حَاضِرًا حَتَّى لَوْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ لِإِيجَابٍ وَأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى شَيْئًا مَعْلُومًا لِيُمْكِنَ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ وَيَتَمَكَّنَ الْقَاضِي مِنْ الْحُكْمِ بِهِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْجَوَابُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى مَجْهُولًا، وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا صَحَّتْ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى صِحَّتِهَا وُجُوبُ إحْضَارِ الْخَصْمِ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْجَوَابِ بِلَا أَوْ نَعَمْ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ إذَا أَنْكَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ تُرِكَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ) أَيْ لَا يُتْرَكُ إذَا تَرَكَ بَلْ يُجْبَرُ هَذَا لِمَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهِيَ مِنْ أَهَمِّ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ الدَّعْوَى. وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِي حَدِّهِ فَمِنْهَا مَا ذُكِرَ هُنَا وَهُوَ حَدٌّ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ جَامِعًا لِلْمَحْدُودِ مَانِعًا مِنْ دُخُولِ غَيْرِهِ فِيهِ وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْخَارِجِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ كَصَاحِبِ الْيَدِ وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَلْتَمِسُ غَيْرَ الظَّاهِرِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَشْتَمِلُ كَلَامُهُ عَلَى الْإِثْبَاتِ فَلَا يَصِيرُ خَصْمًا بِالتَّكَلُّمِ فِي النَّفْيِ، فَإِنَّ الْخَارِجَ لَوْ قَالَ لِذِي الْيَدِ: هَذَا الشَّيْءُ لَيْسَ لَك لَا يَكُونُ خَصْمًا وَمُدَّعِيًا مَا لَمْ يَقُلْ هُوَ لِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَشْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى النَّفْيِ فَيُكْتَفَى بِهِ مِنْهُ، فَإِنَّ ذَا الْيَدِ لَوْ قَالَ لَيْسَ هَذَا لَك كَانَ خَصْمًا بِهَذَا الْقَدْرِ وَقَوْلُهُ هُوَ لِي فَضْلَةٌ فِي الْكَلَامِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَقِيلَ كُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِمَا فِي يَدِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُدَّعٍ وَكُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِمَا فِي يَدِ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُنْكِرٌ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ وَكُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِمَا فِي يَدِ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ فَهُوَ شَاهِدٌ وَكُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِمَا فِي يَدِ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مُقِرٌّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ وَالْآخَرُ هُوَ الْمُدَّعِي وَهَذَا صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُمَا يَحْتَاجُ إلَى فِقْهٍ وَحِدَّةِ ذَكَاءٍ إذْ الْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الْكَلَامُ مِنْ شَخْصٍ فِي صُورَةِ الدَّعْوَى وَهُوَ إنْكَارٌ فِي الْمَعْنَى كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّهُ مُدَّعٍ لِلرَّدِّ صُورَةً وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلْوُجُوبِ مَعْنًى فَيُحَلِّفُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ رَدُّهُ وَلَا ضَمَانُهُ وَلَا يُحَلِّفُهُ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ عَلَى النَّفْيِ لِيَتَحَقَّقَ الْإِنْكَارُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْمَدِينُ إذَا ادَّعَى قَضَاءَ الدَّيْنِ أَوْ إبْرَاءَ الطَّالِبِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلطَّالِبِ مَعَ أَنَّهُ يَدَّعِي شَغْلَ ذِمَّتِهِ وَالْمَدِينُ الْبَرَاءَةَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ الدَّيْنِ صَارَ الشَّغْلُ هُوَ الْأَصْلُ وَالْمَدِينُ بِدَعْوَاهُ الْإِيفَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ صَارَ مُدَّعِيًا خِلَافَ الْأَصْلِ وَالطَّالِبُ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْمُودَعَ أَمِينٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي وَضْعِ الْأَمَانَةِ مَوْضِعَهَا كَمَا فِي الْقَاضِي وَأَمِينِهِ وَكَالْمُطَلَّقَةِ إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ أَوْ بَقَاءَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا عُلِمَ جِنْسُهُ، وَقَدْرُهُ)؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْإِلْزَامُ بِوَاسِطَةِ الْإِشْهَادِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِشْهَادُ وَلَا الْإِلْزَامُ فِي الْمَجْهُولِ فَلَا يَصِحُّ وَلَا يَجِبُ الْجَوَابُ عَلَى الْخَصْمِ، فَإِذَا بَيَّنَ جِنْسَهَا وَنَوْعَهَا، وَقَدْرَهَا وَصِفَتَهَا وَسَبَبَ وُجُوبِهَا صَحَّتْ الدَّعْوَى فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا مِنْ وُجُوبِ الْإِحْضَارِ وَالْحُضُورِ وَالْمُطَالَبَةِ بِالْجَوَابِ وَوُجُوبِ الْجَوَابِ وَالْيَمِينِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلُزُومِ إحْضَارِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى إنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى الْمَجْهُولَةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِفَسَادِهَا، وَإِنَّمَا وَجَبَ إذَا صَحَّتْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 48] أَلْحَقَ الْوَعِيدَ بِمَنْ امْتَنَعَ عَنْ الْحُضُورِ بَعْدَمَا طُولِبَ بِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ نَعَمْ) أَيْ فَإِذَا أَجَابَ بِنَعَمْ يَجِبُ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ لَا يَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي أَلِك بَيِّنَةٌ، فَإِنْ قَالَ لَا يَقُولُ لَك يَمِينُهُ، فَإِنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ اسْتَحْلَفَهُ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ عَنْ الدَّعْوَى، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الدَّعْوَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ صُورَةُ ذَلِكَ هُوَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ دَعْوَاهُ تُرِكَ وَالْمُنْكِرُ هُوَ الَّذِي إذَا تَرَكَ دَعْوَاهُ لَا يُتْرَكُ اهـ (قَوْلُهُ: كَالْمُودَعِ إلَخْ) سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ افْتَدَى الْمُنْكِرُ يَمِينَهُ أَنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ: إنَّ الْوَدِيعَةَ قَبَضَهَا صَاحِبُهَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلْوُجُوبِ) أَيْ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ إذْ الْأَصْلُ فِي الذِّمَمِ الْبَرَاءَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَسَبَبُ وُجُوبِهَا إلَخْ) لِأَنَّ أَحْكَامَ الدُّيُونِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بِسَبَبِ السَّلَمِ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ لِيَقَعَ التَّحَرُّزُ عَنْ الِاخْتِلَافِ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَبِيعٍ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لِفَسَادِهَا) وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةَ يُجَوِّزُونَ دَعْوَى الْمَجْهُولِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ ادَّعَى حَقًّا مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْ إقْرَارٍ، فَإِنَّهُمَا يَصِحَّانِ بِالْمَجْهُولِ وَيَصِحُّ دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُشْتَرَطُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى الْمُخَالَطَةُ وَالْمُعَامَلَةُ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَعَنْ مَالِكٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الدَّنِيءِ عَلَى الشَّرِيفِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ بَيْنَهُمَا سَبَبٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا) قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي فُصُولِهِ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ: إنَّ الدَّعْوَى لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَقَعَ فِي الدَّيْنِ أَوْ فِي الْعَيْنِ، فَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا. فَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا فَلَا يَخْلُو أَمَّا إنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا، فَإِنْ ادَّعَى مَنْقُولًا قَائِمًا، فَإِنْ أَمْكَنَ إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَلَا شَهَادَةَ شُهُودِهِ إلَّا بَعْدَ إحْضَارِ مَا وَقَعَ فِيهِ يُشِيرُ إلَيْهِ الْمُدَّعِي وَالشُّهُودُ لِتَنْقَطِعَ الشَّرِكَةُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَغَيْرِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمِنْ الْمَنْقُولَاتِ مَا لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي كَالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْقَطِيعِ مِنْ الْغَنَمِ فَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَضَرَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَوْ تَيَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْحُضُورُ وَكَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ يَبْعَثُ خَلِيفَتَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا كَانَ الْقَاضِي فِي دَارِهِ وَوَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي جَمَلٍ وَلَا يَسَعُ بَابُ دَارِهِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ يَأْمُرُ نَائِبَهُ حَتَّى يَخْرُجَ لِيُشِيرَ إلَيْهِ الشُّهُودُ بِحَضْرَتِهِ وَفِي الْقُدُورِيِّ

الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلِّفَ إحْضَارُهَا لِيُشِيرَ إلَيْهَا بِالدَّعْوَى وَكَذَا فِي الشَّهَادَةِ وَالِاسْتِحْلَافِ)؛ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ وَذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ بَعْدَ الْإِحْضَارِ فِيمَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ مِنْ الْمَنْقُولِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَالرَّحَى حَضَرَهُ الْحَاكِمُ أَوْ بَعَثَ أَمِينَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَكَرَ قِيمَتَهَا) أَيْ إنْ تَعَذَّرَ إحْضَارُ الْمَنْقُولَاتِ بِأَنْ كَانَتْ هَالِكَةً أَوْ غَائِبَةً ذَكَرَ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالْوَصْفِ وَيُمْكِنُ بِالْقِيمَةِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُدَّعَاةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِصَيْرُورَتِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ فَقَالَ غَصَبَ مِنِّي عَيْنًا كَذَا وَلَا أَدْرِي أَنَّهُ هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَالَ فِي الْكَافِي ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالِهِ فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ وَعَزَاهُ إلَى الْقَاضِي فَخْرِ الدِّينِ وَإِلَى صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَإِذَا سَقَطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ عَنْ الْمُدَّعِي سَقَطَ عَنْ الشُّهُودِ أَيْضًا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ أَبْعَدُ عَنْ مُمَارَسَتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ادَّعَى عَقَارًا ذَكَرَ حُدُودَهُ)؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَعْرِيفُهُ بِالْإِشَارَةِ لِتَعَذُّرِ نَقْلِهِ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَتَعَيَّنَ التَّحْدِيدُ إذْ الْعَقَارُ يُعْرَفُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ الْمُدَّعَى شَيْئًا يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ كَالرَّحَى فَالْحَاكِمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَضَرَ وَإِنْ شَاءَ بَعَثَ أَمِينًا كَذَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ الْعَيْنُ الْمُدَّعَى فِي الْمِصْرِ أَمَّا إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ كَيْفَ يَقْضِي الْقَاضِي بِهِ وَالْمِصْرُ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنَّ الطَّرِيقَ فِيهِ أَنْ يَبْعَثَ وَاحِدًا مِنْ أَعْوَانِهِ حَتَّى يَسْمَعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ وَيَقْضِي ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُمْضِي قَضَاءَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي الشَّهَادَةِ وَالِاسْتِحْلَافِ) يَعْنِي إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ أَوْ اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ كُلِّفَ إحْضَارُهَا. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى أَيْضًا وُجُوبُ إحْضَارِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ مَجْلِسَ الْقَاضِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ مَنْقُولَةً قَائِمَةً فِي يَدِهِ حَتَّى يُشِيرَ الْمُدَّعِي أَوْ الشُّهُودُ إلَيْهَا أَوْ يُشِيرَ إلَيْهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِحْلَافِ اهـ (قَوْلُهُ: ذَكَرَ قِيمَتَهَا) أَيْ ذَكَرَ الْمُدَّعِي قِيمَتَهَا حَتَّى تَصِحَّ الدَّعْوَى بِوُقُوعِهَا عَلَى مَعْلُومٍ لِأَنَّ عَيْنَ الْمُدَّعَاةِ تَعَذَّرَ مُشَاهَدَتُهَا وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا بِالْوَصْفِ فَاشْتُرِطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ لِأَنَّهَا شَيْءٌ تُعْرَفُ الْعَيْنُ الْهَالِكَةُ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ) أَيْ الْمُقَدَّرِ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ بَيَانِ قِيمَتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: ذِكْرُ الذُّكُورَةِ) وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي مَسْأَلَةِ سَرِقَةِ الْبَقَرَةِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إحْضَارَ الْمَنْقُولِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى إذْ لَوْ شَرْط لأحضرت وَلَمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ عِنْدَ الْمُشَاهَدَةِ ثُمَّ قَالَ وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ ادَّعَى عَقَارًا إلَخْ) ذَكَرَ هُنَا فُصُولًا ثَلَاثَةً: الْأَوَّلُ تَحْدِيدُ الْعَقَارِ وَهُوَ بَيَانُ حُدُودِهِ، وَالثَّانِي ذَكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالثَّالِثُ ذَكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ يُطَالِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمُدَّعَى أَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَنَقُولُ إنَّمَا شُرِطَ التَّحْدِيدُ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ وَالْعَقَارُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِالتَّحْدِيدِ فَاشْتُرِطَ التَّحْدِيدُ حَتَّى تَقَعَ الشَّهَادَةُ عَلَى مَعْلُومٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ لَوْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي غَيْرِ مَحْدُودٍ لَمْ تَصِحَّ حَتَّى يَحْضُرَ الْحَاكِمُ عِنْدَ الْأَرْضِ فَيَسْمَعَ الدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهَا وَيُشِيرُ الشُّهُودُ إلَيْهَا بِالشَّهَادَةِ قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعِي وَعَلَى الشُّهُودِ الْإِعْلَامُ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ وَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ فِي الدَّارِ الْبَلْدَةُ ثُمَّ الْمُحَلَّةُ الَّتِي فِيهَا الدَّارُ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ ثُمَّ يُبَيِّنُ حُدُودَ الدَّارِ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ وَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ هَذَا وَهُوَ أَنْ يُبَيِّنَ أَوَّلًا الِاسْمَ الْعَامَّ وَهُوَ الْبَلْدَةُ ثُمَّ يُبَيِّنُ مَا هُوَ الْأَخَصُّ مِنْهُ وَهُوَ الْمُحَلَّةُ ثُمَّ يُعَرِّفُ بِمَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْمَحَلَّةِ وَهُوَ الْحُدُودُ الْأَرْبَعَةُ لِيَحْصُلَ التَّعْرِيفُ وَالْإِعْلَامُ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ قَبِلَ الْقَاضِي وَقَضَى بِهِ. وَقَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ مِنْ فُصُولِهِ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْفَقِيهُ الْحَاكِمُ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي شُرُوطِهِ إذَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي الْعَقَارِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْبَلْدَةِ الَّتِي فِيهَا الدَّارُ ثُمَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَلَّةِ ثُمَّ مِنْ ذِكْرِ السِّكَّةِ فَيَبْدَأُ الْكَاتِبُ بِذِكْرِ الْكُورَةِ ثُمَّ بِذِكْرِ الْمَحَلَّةِ اخْتِيَارًا لِقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَعَمِّ ثُمَّ يَنْزِلَ مِنْ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْبَغْدَادِيُّ يَبْدَأُ بِالْأَخَصِّ ثُمَّ بِالْأَعَمِّ فَيَقُولُ دَارٌ فِي سِكَّةِ كَذَا فِي مُحَلَّةِ كَذَا فِي كُورَةِ كَذَا وَقَاسَهُ عَلَى النَّسَبِ حَيْثُ يَقُولُ فُلَانٌ ثُمَّ يَقُولُ ابْنُ فُلَانٍ ثُمَّ يَذْكُرُ الْجَدَّ فَيَبْدَأُ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ ثُمَّ يَتَرَقَّى إلَى مَا هُوَ الْأَبْعَدُ لَكِنْ مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْعَامَّ يُعْرَفُ بِالْخَاصِّ وَلَا يُعْرَفُ الْخَاصُّ بِالْعَامِّ وَفَصْلُ النَّسَبِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَعَمَّ اسْمُهُ، فَإِنَّ جَعْفَرًا فِي الدُّنْيَا كَثِيرٌ، فَإِنْ عُرِفَ وَإِلَّا تَرَقَّى إلَى الْأَخَصِّ فَيَقُولُ ابْنُ مُحَمَّدٍ وَهَذَا أَخَصُّ، فَإِنْ عُرِفَ وَإِلَّا تَرَقَّى إلَى الْجَدِّ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ وَقَالَ هَذَا الْفَصْلَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا ادَّعَى مَحْدُودًا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَبَيَّنَ الْحُدُودَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الْمَحْدُودَ مَا هُوَ كَرْمٌ أَوْ أَرْضٌ أَوْ دَارٌ وَشَهِدَ الشُّهُودُ كَذَلِكَ هَلْ تُسْمَعُ وَهَلْ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ حَكَى فَتْوَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ وَحَكَى فَتْوَى شَمْسِ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيِّ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا بَيَّنَ الْمِصْرَ وَالْمَحَلَّةَ وَالْمَوْضِعَ وَالْحُدُودَ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَلَا يُوجِبُ تَرْكُ بَيَانِ الْمَحْدُودِ جَهَالَةً فِي الْمُدَّعَى وَكَانَ ظَهِيرُ الدَّيْنِ الْمَرْغِينَانِيُّ يَكْتُبُ فِي جَوَابِ الْفَتْوَى لَوْ سَمِعَ قَاضٍ هَذِهِ الدَّعْوَى تَجُوزُ وَقِيلَ ذِكْرُ الْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ وَالْمَحَلَّةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَذَكَرَ رَشِيدُ الدِّينِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكْتُبَ بِأَيِّ قَرْيَةٍ وَبِأَيِّ مَوْضِعٍ لِتَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ عَقَارًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْعَقَارُ بِالْفَتْحِ الْأَرْضُ وَالضِّيَاعُ وَالنَّخْلُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفَتْ ثَلَاثَةٌ) أَيْ كَفَى ذِكْرُ ثَلَاثٍ مِنْ الْحُدُودِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَكْفِي وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَمْ يَتِمَّ بِذِكْرِ الثَّلَاثَةِ كَمَا لَا يَتِمُّ بِذِكْرِ الِاثْنَيْنِ وَلَنَا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ بِخِلَافِ مَا إذَا غَلِطَ فِي الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِهِ الْمُدَّعِي وَلَا كَذَلِكَ تَرَكَهَا وَنَظِيرُهُ إذَا ادَّعَى شِرَاءَ شَيْءٍ بِثَمَنٍ مَنْقُودٍ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ، وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ بَيَانِ جِنْسِ الثَّمَنِ، وَلَوْ ذَكَرُوا ذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ لَمْ تُقْبَلْ وَكَمَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْحَدِّ فِي الدَّعْوَى يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَسْمَاءُ أَصْحَابِهَا) أَيْ ذِكْرُ أَسْمَاءِ أَصْحَابِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَذِكْرُ أَنْسَابِهِمْ لِيَتَمَيَّزُوا عَنْ غَيْرِهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا) أَيْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدُودِ إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ مَشْهُورًا بَيْنَ النَّاسِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْرِيفِ يَحْصُلُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يُكْتَفَى بِذِكْرِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنَّهُ فِي يَدِهِ) أَيْ وَذَكَرَ أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَكُونُ خَصْمًا إلَّا إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِي الْعَقَارِ بِتَصَادُقِهِمَا بَلْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ) أَيْ لَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِيهِ بِتَصَادُقِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ وَلَعَلَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا تَوَاضَعَا فِيهِ لِيَكُونَ لَهُمَا ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِيهِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي لِتَنْتَفِيَ تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُعَايَنَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ الزِّيَادَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) أَيْ ذَكَرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِالشَّيْءِ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ذَكَرَ حَقَّهُ عِنْدَهُ فَبِذِكْرِهِ أَنَّهُ طَالِبُ يَتَبَيَّنُ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الطَّلَبِ لَحَسِبَ الْقَاضِي أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ فَيُزِيلُ ذَلِكَ الْوَهْمَ بِالنَّصِّ عَلَى الطَّلَبِ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَهُ لِاحْتِمَالِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا طَلَبَ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ لِقَطْعِ الْخُصُومَاتِ لَا لِإِنْشَائِهَا، فَإِذَا بَيَّنَ طَلَبَهُ أَجَابَهُ وَإِلَّا فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ بِرَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ إجَارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَزُولُ الِاحْتِمَالُ بِدُونِ طَلَبِهِ وَلِهَذَا قَالُوا يَجِبُ فِي الْمَنْقُولِ أَنْ يَقُولَ هُوَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَانَ دَيْنًا ذَكَرَ وَصْفَهُ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَا لَهُ دَارٌ وَلَا عَقَارٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَقِيلَ الْعَقَارُ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ الْمَبْنِيَّةِ وَالضَّيْعَةُ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ لَا غَيْرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يُكْتَفَى بِذِكْرِهِ) كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرُ الْبُخَارِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا لَا عَيْنًا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِحْضَارُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ لِأَنَّ الْإِحْضَارَ إنَّمَا اُشْتُرِطَ ثَمَّةَ لِيَمْتَازَ الْمُدَّعَى مِنْ غَيْرِهِ بِالْإِشَارَةِ الَّتِي عِنْدَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ وَعِنْدَ اسْتِحْلَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَشْتَرِكُ مَعَ عَيْنٍ أُخْرَى فِي الْوَصْفِ وَالْحِلْيَةِ فَلَا يَنْقَطِعُ الشَّكُّ مَا لَمْ تَكُنْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا فِي الْحُضُورِ وَالدَّيْنُ لَا يُمْكِنُ إعْلَامُهُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ إحْضَارُهُ بَلْ اُكْتُفِيَ بِبَيَانِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَالْوَصْفِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ مُسْتَهْلَكَةً حَيْثُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِي قِيمَتِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَفِي مِثْلِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْمِثْلُ وَالْقِيمَةُ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الدُّيُونِ تُقْبَلُ بِلَا إشَارَةٍ إلَيْهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْقُدُورِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تُقْبَلُ الدَّعْوَى حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْمَلُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ جَمِيعًا وَلَكِنْ إنْ كَانَ نَقْلِيًّا قَائِمًا بِعَيْنِهِ يُشْتَرَطُ الْإِحْضَارُ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا يَجِبُ التَّحْدِيدُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَافْهَمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فُرُوعٌ) فِي التَّتِمَّةِ لَوْ ادَّعَى دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ وَقَالَ كُلُّ التَّرِكَةِ فِي يَدِ هَذَا يَحْلِفُ وَحْدَهُ بِاَللَّهِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ دَيْنًا عَلَى أَبِيهِ وَقِيلَ يَحْلِفُ يَمِينَيْنِ عَلَى الْوُصُولِ عَلَى الْبَتَاتِ وَعَلَى الدَّيْنِ عَلَى الْعِلْمِ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُدَّعِيَ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَاهُ وَلَا أَبْرَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْخَصْمُ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى رَجُلٌ ادَّعَى دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْتَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَهَذَا لَيْسَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ خَاصَّةً بَلْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَدَّعِي حَقًّا فِي التَّرِكَةِ وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ مِثْلُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ دَعْوَى اهـ. قَالَ الْإِمَامُ النَّاصِحِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ مَا مُلَخَّصُهُ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى مَيِّتٍ شَيْئًا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَارِثٍ وَاحِدٍ أَوْ عَلَى الْوَصِيِّ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ فِيمَا يَجِبُ لِلْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ لِلْمَيِّتِ قِبَلَهُ دَيْنٌ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَيُقْضَى بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَبِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِذَا كَانَ خَصْمًا فِي الْجَمِيعِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ لِأَنَّ الْوَصِيَّ خَصْمٌ عَنْ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُخَاصِمُ عَنْهُ وَيَرُدُّ بِالْعَيْبِ فَهَذِهِ بَيِّنَةٌ أَقَامَهَا خَصْمٌ فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى غَرِيمٍ أَوْ مُوصَى لَهُ لَمْ يُقْضَ بِهَا وَلَا يَكُونُ الْخَصْمُ عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا وَارِثًا أَوْ وَصِيًّا لِأَنَّ الْغَرِيمَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فَهَذِهِ بَيِّنَةٌ أُقِيمَتْ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ فَلَا تُقْبَلُ، وَإِذَا كَانَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا نَصَّبَ لَهُمْ وَصِيًّا وَيَجُوزُ إثْبَاتُ الْحَقِّ الْمُدَّعَى عَلَى الْمَيِّتِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَلِي عَلَيْهِمْ فَصَارَ كَالْأَبِ وَلِلْأَبِ أَنْ يُنَصِّبَ عَلَيْهِمْ وَصِيًّا كَذَلِكَ هَذَا وَلِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي أَبْسَطُ مِنْ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَذَلِكَ لِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ لَهُمْ وَصِيًّا ثُمَّ إذَا دَفَعَ الْمَالَ إلَى الْغَرِيمِ اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ مَا قَبَضَ هَذَا الْمَالَ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَلَا مِنْ أَحَدٍ أَدَّاهُ إلَيْهِ وَلَا قَبَضَ لَهُ قَابِضٌ بِأَمْرِهِ وَلَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَلَا عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا حَطَّ

فِيهِ خَفَاءٌ وَكَذَا فِي الشَّهَادَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ صَحَّتْ الدَّعْوَى سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الدَّعْوَى لِيَنْكَشِفَ لَهُ وَجْهُ الْقَضَاءِ إنْ ثَبَتَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ يُخَالِفُ الْقَضَاءَ بِالْإِقْرَارِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ بِنَفْسِهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ، وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْقَضَاءِ فِيهِ مَجَازٌ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ بِالْخُرُوجِ عَمَّا لَزِمَهُ بِالْإِقْرَارِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ إلَّا إذَا اتَّصَلَ بِهَا الْقَضَاءُ فَيَسْقُطُ احْتِمَالُ الْكَذِبِ بِالْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ فَيَصِيرُ حُجَّةً يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ كَسَائِرِ الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي قُضِيَ عَلَيْهِ) لِوُجُودِ الْحُجَّةِ الْمُلْزِمَةِ لِلْقَضَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا حَلَفَ بِطَلَبِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِلْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَةٌ قَالَ لَا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَك يَمِينُهُ فَقَالَ يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَ لَك إلَّا هَذَا شَاهِدٌ لَك أَوْ يَمِينُهُ فَصَارَ الْيَمِينُ حَقًّا لَهُ لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ، وَإِنَّمَا صَارَ حَقًّا لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُنْكِرَ قَصَدَ إتْوَاءَ حَقِّهِ عَلَى زَعْمِهِ بِالْإِنْكَارِ فَمَكَّنَهُ الشَّارِعُ مِنْ إتْوَاءِ نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَهِيَ الْغَمُوسُ إنْ كَانَ كَاذِبًا كَمَا يَزْعُمُ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ إتْوَاءِ الْمَالِ وَأَلَّا يَحْصُلَ لِلْحَالِفِ الثَّوَابُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُرَدُّ يَمِينٌ عَلَى مُدَّعٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ لَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ جَعَلَ جِنْسَ الْيَمِينِ عَلَى الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَلَيْسَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ آخَرُ حَتَّى يَكُونَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» قَسَمَ بَيْنَهُمَا وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ وَفِيهِ الْأَلْفُ وَاللَّامُ أَيْضًا تَدُلُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيُفِيدُ اسْتِغْرَاقَ الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ وَلَا يُقَالُ: إنَّمَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُنْكِرُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْخَارِجُ هُوَ الْمُدَّعِيَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُنْكِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ هُوَ لِي وَيَقُولُ لِصَاحِبِهِ هُوَ لَيْسَ لَك؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَقْصُودُ وَمَقْصُودُ الْخَارِجِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ، وَالنَّفْيُ يَدْخُلُ ضِمْنًا وَتَبَعًا وَمَقْصُودُ ذِي الْيَدِ نَفْيُهُ وَلِهَذَا يَقُولُ الْخَارِجُ أَوَّلُ مَا يَنْطِقُ هُوَ لِي وَيَقُولُ ذُو الْيَدِ لَيْسَ لَك فَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فَسُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَوَّلِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمَا اعْتِبَارًا لِلْقَصْدِيِّ دُونَ الضِّمْنِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِذَا نَكَلَ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ لَهُ، وَإِنْ نَكَلَ لَا يُقْضَى لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صَارَ شَاهِدًا لِلْمُدَّعِي بِنُكُولِهِ فَتُعْتَبَرُ يَمِينُهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ اُعْتُبِرَ يَمِينُهُ، وَقَالَ أَيْضًا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا وَعَجَزَ عَنْ الْآخَرِ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَيُقْضَى لَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ» يُرْوَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رَوَاهُ ضَعِيفٌ رَدَّهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ يَرْوِيهِ رَبِيعَةُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَأَنْكَرَهُ سُهَيْلٌ فَلَا يَبْقَى حُجَّةً بَعْدَ مَا أَنْكَرَهُ الرَّاوِي فَضْلًا أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِلْمَشَاهِيرِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ قَضَى تَارَةً بِشَاهِدٍ يَعْنِي بِجِنْسِهِ وَتَارَةً بِيَمِينٍ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا كَمَا يُقَالُ رَكِبَ زَيْدٌ الْفَرَسَ وَالْبَغْلَ وَالْمُرَادُ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ يَقْتَضِي الْجَمْعَ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَمِينُ الْمُدَّعِي بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ لَا يُعْتَبَرُ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَيَرْجِعُ إلَى يَمِينِ الْمُنْكِرِ عَمَلًا بِالْمَشَاهِيرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا بَيِّنَةَ لِذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَحَقُّ) أَيْ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَلَا احْتَالَ بِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى أَحَدٍ وَلَا أَحَالَ بِذَلِكَ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى فُلَانٍ الْمَيِّتِ وَلَا ارْتَهَنَ بِذَلِكَ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى فُلَانٍ الْمَيِّتِ، فَإِذَا حَلَفَ دُفِعَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْحَلِفَ يَجِبُ لِتَسْلِيمِ الْمَالِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُمْ وَكَذَلِكَ السَّبِيلُ فِيمَا يَدَّعِي فِي يَدِ الْمَيِّتِ مِنْ ضَيْعَةٍ أَوْ عَقَارٍ اهـ. قَالَ قَاضِي خَانْ آخِرَ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ الرَّجُلَ إذَا ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْتَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا أَبْرَأْتَهُ يُحَلِّفُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَالْوَارِثِ الصَّغِيرِ وَكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ اهـ فَقَوْلُهُ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ التَّحْلِيفَ وَاجِبٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَحْصُلُ لِلْحَالِفِ الثَّوَابُ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي نِكَاحٍ إلَخْ أَنَّ الْيَمِينَ الصَّادِقَةَ فِيهَا الثَّوَابُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَيْضًا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْضَى بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي مَوْضِعَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَهْلِ الْحِجَازِ جَمِيعًا أَحَدُهُمَا إذَا أَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْحَلِفِ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَى، وَإِنْ أَبَى عَنْ الْمُنَازَعَةِ وَالثَّانِي إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدٌ آخَرُ وَحَلَفَ قُضِيَ لَهُ وَعِنْدَنَا لَا يُقْضَى بِيَمِينِ الْمُدَّعِي أَصْلًا فَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يُقْضَى بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا بَيِّنَةَ لِذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) أَرَادَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَنْ يَدَّعِيَ الْمِلْكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدَّعِيَ السَّبَبَ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا مِلْكِي وَلَمْ يَقُلْ هَذَا مِلْكِي بِسَبَبِ الشِّرَاءِ أَوْ الْإِرْثِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَا يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْخَارِجَ وَذَا الْيَدِ تَسَاوَيَا فِي الْبَيِّنَةِ وَانْفَرَدَ ذُو الْيَدِ بِالْيَدِ فَكَانَ أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ يَسْتَوِي الْجَوَابُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمِنًا أَوْ عَبْدًا أَوْ حُرًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا وَالْمُدَّعِي قَبِلَهُ كَذَلِكَ وَالْمُدَّعَى بِهِ أَيَّ مَالٍ كَانَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» اهـ

الْمُطْلَقِ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ لِتَأَكُّدِهَا بِالْيَدِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ أَوْ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ وَالْمَرْأَةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ يَكُونُ أَوْلَى، وَلَوْ ادَّعَيَا أَمَةً وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا أَمَتُهُ دَبَّرَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا وَأَقَامَا بَيِّنَةً كَانَ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْلَى، وَلَنَا أَنَّ الْبَيِّنَاتِ شُرِعَتْ لِلْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ مُبَيِّنَةً مُظْهِرَةً لَكِنَّهَا أَخَذَتْ حُكْمَ الْإِثْبَاتِ لِمَا أَنَّا لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ إذْ الْأَحْكَامُ تَثْبُتُ بِأَسْبَابِهَا فَصَارَتْ كَالْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنَّهَا أَمَارَاتٌ فِي حَقِّ الشَّارِعِ وَفِي حَقِّنَا لَهَا حُكْمُ الْإِثْبَاتِ. وَلِهَذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ عِنْدَ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُحَالُ إلَى شَهَادَتِهِمْ إيجَابًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ بَيِّنَتُهُ أَكْثَرَ إثْبَاتًا؛ لِأَنَّهُ بِبَيِّنَتِهِ يَسْتَحِقُّ عَلَى ذِي الْيَدِ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِظَاهِرِ يَدِهِ وَذُو الْيَدِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْخَارِجِ بِبَيِّنَتِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْخَارِجِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِوَجْهٍ مَا، وَقَدْرُ مَا أَثْبَتَتْهُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ كَانَ ثَابِتًا بِظَاهِرِ يَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهُ لَهُ وَإِذَا نَازَعَهُ أَحَدٌ فِي الْمِلْكِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ دَفَعَ الْقَاضِي عَنْهُ وَلَمْ تَثْبُتْ بَيِّنَتُهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ، وَأَمَّا بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، فَإِنَّهَا أَثْبَتَتْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَهُ فَكَانَتْ أَوْلَى إذْ الْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ النِّتَاجِ، فَإِنَّ بَيِّنَةَ صَاحِبِ الْيَدِ فِيهِ مُتَضَمِّنَةٌ لِدَفْعِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ وَأَوَّلِيَّةُ الْمِلْكِ لَا تَثْبُتُ إلَّا لِأَحَدِهِمَا، فَإِذَا قَدَّرْنَا ثُبُوتَهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ مُتَضَمِّنَةً دَفَعَ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فَوُجِدَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ بِالْيَدِ وَفِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَمْ يُوجَدْ التَّعَارُضُ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ لَمْ تُثْبِتْ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَتَّى تُعَارِضَهَا بَيِّنَةُ ذِي الْيَد بِالدَّفْعِ وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّعَارُضِ. وَيُتَصَوَّرُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ بِهِمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي بَيِّنَتِهِ مَا يَدْفَعُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فَلَا تُقْبَلُ وَبِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مُثْبِتًا فَتَعَارَضَتَا فَتُرَجَّحُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ بِالْيَدِ وَبِخِلَافِ دَعْوَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى سَبَبِ الْمِلْكِ أَيْضًا فَصَارَتْ كَالنِّتَاجِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَكَلَامُنَا فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا فِي الْمِلْكِ بِسَبَبٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ ذَا الْيَدِ أَوْلَى بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَ سَبَبًا لَا يَتَكَرَّرُ فِي الْمِلْكِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يُقَالُ: إنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرَا سَبَبَ الْمِلْكِ بِأَنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فَبَطَلَ مَا ذَكَرْتُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: السَّبَبُ فِيهِ مُتَعَيِّنٌ إذْ لَا طَرِيقَ لِهَذَا الْمِلْكِ إلَّا بِهِ فَيَكُونُ دَعْوَى الْمِلْكِ فِيهِ دَعْوَى لِلسَّبَبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَلَاءِ شَخْصٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى لِتَعَيُّنِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ فِي مِلْكِهِ وَلَا كَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَلِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي، وَالْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِالنَّصِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَجْهَهُ مِنْ الِاسْتِغْرَاقِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ مَا لَمْ يَكُنْ مُدَّعِيًا بِدَعْوَى السَّبَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقُضِيَ لَهُ إنْ نَكَلَ مَرَّةً بِلَا أَحْلِفُ أَوْ سَكَتَ) أَيْ قُضِيَ لِلْمُدَّعِي إنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَرَّةً صَرِيحًا بِقَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ أَوْ دَلَالَةً بِسُكُوتِهِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ وَقُضِيَ لَهُ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ قُضِيَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاللَّامُ تَأْتِي بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أَيْ فَعَلَيْهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُقْضَى بِنُكُولِهِ بَلْ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ يُقْضَى لَهُ بِالْمَالِ، وَإِنْ نَكَلَ انْقَطَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ حَلَّفَ الْمُدَّعِيَ بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا وَجَبَتْ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى الْمُنْكِرِ لِكَوْنِ الظَّاهِرِ يَشْهَدُ لَهُ، فَإِذَا نَكَلَ هُوَ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ وَلِأَنَّ النُّكُولَ مُحْتَمَلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ اشْتِبَاهِ الْحَالِ أَوْ لِأَجْلِ التَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَوْ لِأَجْلِ التَّرَفُّعِ عَنْ الصَّادِقَةِ كَمَا فَعَلَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَقَالَ أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَهُ قَضَاءٌ فَيُقَالُ إنَّ عُثْمَانَ حَلَفَ كَاذِبًا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ فَلَا يُقْضَى بِهِ وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا أَنَّهُ وَافَقَ إجْمَاعَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ بِأَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ أَوْلَى وَقَوْلُ مَالِكٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَذَا فِي التَّفْرِيعِ وَقَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ كَقَوْلِنَا كَذَا فِي الْخِرَقِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) أَيْ كَمَا لَا تَدُلُّ الْيَدُ عَلَى النِّتَاجِ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى غَيْرِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْيَدُ فَتَرَجَّحَتْ بِالْيَدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَضَى لَهُ إنْ نَكَلَ) قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا النُّكُولُ حُجَّةٌ يُقْضَى بِهَا فِي بَابِ الْأَمْوَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ وَقَضَى لَهُ بِمَعْنَى عَلَى) وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الضَّمِيرُ الْبَارِزُ فِي قَوْلِهِ لَهُ وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي قَوْلِهِ نَكَلَ رَاجِعَيْنِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَضَمِيرُ لَهُ رَاجِعٌ لِلْمُدَّعِي وَضَمِيرُ نَكَلَ رَاجِعٌ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ لِأَجْلِ التَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّ النُّكُولَ عَنْ الْيَمِينِ يَحْمِلُ التَّوَرُّعَ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ وَالتَّحَرُّزَ عَنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ وَالتَّرَوِّيَ لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) أَيْ حِينَ ادَّعَى عَلَيْهِ الْمِقْدَادُ مَالًا عِنْدَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - اهـ (قَوْلُهُ: وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ، فَإِنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ أَبَا بَكْرٍ الْمَدْعُوَّ بخواهر زاده قَالَ فِي مَبْسُوطِهِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُمْ قَضَوْا بِالنُّكُولِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَقْرَانِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ اهـ

فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ الْمُنْكِرَ طَلَبَ مِنْهُ رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي فَقَالَ لَيْسَ لَك إلَيْهِ سَبِيلٌ وَقَضَى بِالنُّكُولِ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قالون وَمَعْنَاهَا بِالرُّومِيَّةِ أَصَبْت وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ عِنْدَهُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا حَبْلُك عَلَى غَارِبِك فَحَلَّفَ عُمَرُ الزَّوْجَ بِاَللَّهِ مَا أَرَدْت طَلَاقًا فَنَكَلَ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالْفُرْقَةِ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَلِأَنَّ النُّكُولَ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ أَدَاءً لِلْوَاجِبِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَتَرَجَّحَتْ هَذِهِ الْجِهَةُ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ التَّرَفُّعِ وَالتَّوَرُّعِ وَالِاشْتِبَاه؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَأْتِي بِالْوَاجِبِ فَلَا يَتَرَفَّعُ عَنْ الصَّادِقَةِ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ فَلَا يَكُونُ نُكُولُهُ تَوَرُّعًا عَنْ الْكَاذِبَةِ ظَاهِرًا بِاعْتِبَارِ حَالِهِ، وَلَوْ كَانَ لِاشْتِبَاهِ الْحَالِ لَاسْتَمْهَلَ حَتَّى يَنْكَشِفَ لَهُ الْحَالُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ الْبَذْلِ وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَرْضُ الْيَمِينِ ثَلَاثًا نَدْبًا) أَيْ عَرَضَ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ يَقُولُ لَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ، فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ إعْلَامًا لَهُ لِلْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ خَفَاءٍ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَرَاهُ، فَإِذَا كَرَّرَ عَلَيْهِ الْإِنْذَارَ وَالْعَرْضَ وَلَمْ يَحْلِفْ حَكَمَ عَلَيْهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا آفَةَ بِهِ مِنْ طَرَشٍ وَخَرَسٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ التَّكْرَارَ حَتْمٌ حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالنُّكُولِ مَرَّةً لَا يَنْفُذُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفُذُ، وَالْعَرْضُ ثَلَاثًا مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ نَظِيرُ إمْهَالِ الْمُرْتَدِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَكَذَا هَذَا مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ يَمِينٌ قَاطِعٌ لِلْخُصُومَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْيَمِينِ عِنْدَ غَيْرِهِ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ عَلَى فَوْرِ النُّكُولِ فِيهِ اخْتِلَافٌ ثُمَّ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ، فَإِنْ وَجَدَ بَيِّنَةً أَقَامَهَا عَلَيْهِ وَقَضَى لَهُ بِهَا وَبَعْضُ الْقُضَاةِ مِنْ السَّلَفِ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْحَلِفِ وَيَقُولُونَ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ صِدْقِهِ بِالْيَمِينِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ صِدْقِ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ يَمِينُ الْمُنْكِرِ مَعَهَا وَهَذَا الْقَوْلُ مَهْجُورٌ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مِنْ الْمُدَّعِي بَعْدَ يَمِينِ الْمُنْكِرِ وَكَانَ شُرَيْحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عُقُوبَةَ شَاهِدِ الزُّورِ وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ إنْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفٌ فَادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَظْهَرُ وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ حَلَفَ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ضَامِنٌ لِلْمَالِ وَحَلَفَ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي نِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَفَيْءٍ وَاسْتِيلَادٍ وَرِقٍّ وَنَسَبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلِأَنَّ النُّكُولَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّ النُّكُولَ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْيَمِينِ جُعِلَ بَذْلًا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ إقْرَارًا عَلَى مَذْهَبِ صَاحِبِيهِ فَلَوْلَا ذَلِكَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمَلًا بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَحَيْثُ لَمْ يُقْدِمْ عَلَى الْيَمِينِ دَلَّ أَنَّهُ بَذَلَ الْحَقَّ أَوْ أَقَرَّ، فَإِذَا بَذَلَ أَوْ أَقَرَّ وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْحُكْمُ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا نَكَلَ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يُعْتَبَرُ النُّكُولُ إقْرَارًا وَتَكْرَارُ النُّكُولِ شَرْطٌ دُونَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ شَرْطًا فِي النُّكُولِ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّكْرَار شَرْطٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فَنَقُولُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّكْرَارُ فِي النُّكُولِ دُونَ الْإِقْرَارِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَالْبَيِّنَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ وَلَا يُقَالُ يُقْبَلُ الرُّجُوعُ عَنْ النُّكُولِ دُونَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّا نَقُولُ يُقْبَلُ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ أَيْضًا فِي الْحُدُودِ الْوَاجِبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ يُقْبَلُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ عَنْهُ لَا يَصِحُّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَاذِلًا) أَيْ حَقَّ الْمُدَّعِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُقِرًّا) أَيْ بِحَقِّ الْمُدَّعِي عِنْدَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ) بَيَانُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ لِقِدَمِ الْعَهْدِ فَمَنْ قَالَ بِرَدِّهَا عَلَى الْمُدَّعِي كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رَدَّا لِحُكْمِ الْحَدِيثِ وَهُوَ فَاسِدٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: حَكَمَ عَلَيْهِ إذَا عَلِمَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَاتِ اخْتَلَفَتْ فِيمَا إذَا سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحْلِفُ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إذَا سَكَتَ سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُ هَلْ بِهِ خَرَسٌ أَوْ طَرَشٌ، فَإِنْ قَالُوا لَا جَعَلَهُ نَاكِلًا وَقَضَى عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُحْبَسُ حَتَّى يُجِيبَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَالْخَرَسُ آفَةٌ بِاللِّسَانِ تَمْنَعُ الْكَلَامَ أَصْلًا وَيُقَالُ طَرِشَ يَطْرَشُ طَرَشًا مِنْ بَابِ عَلِمَ أَيْ صَارَ أُطْرُوشًا وَهُوَ الْأَصَمُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْأَقْضِيَةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَلَزِمَهُ السُّكُوتُ فَلَمْ يُجِبْ أَصْلًا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ ثُمَّ يَسْأَلُ جِيرَانَهُ عَسَى بِهِ آفَةٌ فِي لِسَانِهِ أَوْ سَمْعِهِ، فَإِنْ أَخْبَرُوا أَنَّهُ لَا آفَةَ بِهِ يُحْضَرُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، فَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يُجِبْ يُنْزَلُ مَنْزِلَةَ مُنْكِرٍ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ هَذَا قَوْلُهُمَا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُحْبَسُ حَتَّى يُجِيبَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَظْهَرُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْفَتْوَى فِي دَعْوَى الدَّيْنِ إنْ ادَّعَاهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً يَظْهَرُ كَذِبُهُ، وَإِنْ ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبٍ وَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ وَجَدَ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْإِيفَاءَ كَذَا فِي الْفُصُولِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يُسْتَحْلَفُ إلَى قَوْلِهِ وَوَلَاءٌ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ اعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ وَصُورَتُهَا

وَوَلَاءٍ وَحَدٍّ وَلِعَانٍ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ الْمُنْكِرُ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ) يَعْنِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي عَدَّهَا سِوَى الْحَدِّ وَاللِّعَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ فَيَجْرِي فِيهَا الِاسْتِحْلَافُ كَالْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَاللِّعَانِ، وَهَذَا لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَلِفِ ظُهُورُ الْحَقِّ بِالنُّكُولِ وَالنُّكُولُ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاجِبٌ فَتَرْكُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاذِلٌ أَوْ مُقِرٌّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بَاذِلًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ الْبَذْلُ مِنْهُ كَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَكَذَا يَجُوزُ فِي الدَّيْنِ وَلَا يَجُوزُ بَذْلُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالنُّكُولِ وَيَصِحُّ إيجَابُهُ فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً، وَلَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا صَحَّ وَلَا وَجَبَ وَكَذَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَيَصِحُّ فِي الشَّائِعِ فِيمَا يُقْسَمُ، وَلَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا صَحَّ وَلَا وَجَبَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكِنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَذْلِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ مَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَاللِّعَانِ. أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَلَا بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ لِمَا فِيهَا مِنْ الشُّبُهَاتِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي الْإِنْكَارِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا نَكَلَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الصَّادِقَةَ فِيهَا الثَّوَابُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَصِيَانَةُ مَالِهِ وَعِرْضِهِ بِدَفْعِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْعَاقِلُ يَمِيلُ إلَى مِثْلِ هَذِهِ وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ فِيهَا هَلَاكُ النَّفْسِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْهَا مَخَافَةَ الْهَلَاكِ وَمُخَالَفَةً لِهَوَاهُ وَشُحِّ نَفْسِهِ وَإِيثَارًا لِلرُّجُوعِ إلَى الْحَقِّ إذْ هُوَ أَوْلَى مِنْ التَّمَادِي عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] فَيَكُونُ إقْرَارًا ضَرُورَةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ بَذْلٌ وَإِبَاحَةٌ وَهَذِهِ الْحُقُوقُ لَا يَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ وَالْإِبَاحَةُ فَلَا يُقْضَى بِهَا بِالنُّكُولِ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَكَالْحُدُودِ وَاللِّعَانِ وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْبَذْلِ صِيَانَةُ عِرْضِهِ عَنْ الْكَذِبِ فَكَانَ أَوْلَى وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَقَضَائِهِ وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَجَازَ مُطْلَقًا بِدُونِ الْقَضَاءِ وَكَذَا لَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِمَا يُقِرُّ لَهُ بِهِ فُلَانٌ فَادَّعَى الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ دَيْنًا فَاسْتَحْلَفَهُ فَنَكَلَ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَى نِصْفَهُ الْبَاقِيَ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَاسْتَحْلَفَهُ فَنَكَلَ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ الْآخَرَ يَحْتَاجُ إلَى خُصُومَةٍ وَاسْتِحْلَافٍ جَدِيدٍ إذَا أَنْكَرَ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَمَا اسْتَحْلَفَ ثَانِيًا بَلْ كَانَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ بِالنُّكُولِ الْأَوَّلِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْيَمِينَ وَاجِبَةٌ مَعَ الْبَذْلِ فَلَا يَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ بِهِ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ تَحْلِيفَهُ لِتَنْتَهِيَ بِهِ الْخُصُومَةُ وَمَعَ الْبَذْلِ لَا خُصُومَةَ وَلَا طَلَبَ فَلَا تَجِبُ، وَإِنَّمَا جَازَ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُمَا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ كَمَا تَدْخُلُ الضِّيَافَةُ الْيَسِيرَةُ وَالْهَدِيَّةُ الْيَسِيرَةُ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَا بُدَّ لِلتُّجَّارِ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا جَازَ فِي الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَمَعْنَى الْبَذْلِ تَرْكُ الْمَنْعِ وَتَرْكُ الْمَنْعِ جَائِزٌ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْمَالِ هَيِّنٌ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالنُّكُولِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لِمَا أَنَّ الْمُدَّعِيَ كَانَ لَهُ الشَّيْءُ الْمُدَّعَى ظَاهِرًا وَأَبْطَلَهُ الْمُنْكِرُ بِالنِّزَاعِ وَالشَّرْعُ أَبْطَلَ نِزَاعَهُ إلَى الْيَمِينِ، فَإِذَا امْتَنَعَ الْيَمِينُ عَادَ الْأَصْلُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا صَحَّ إيجَابُهُ فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً بِنَاءً عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مُحِقٌّ وَأَنَّ مَعْنَى الْبَذْلِ تَرْكُ الْمَنْعِ وَلَئِنْ كَانَ بَذْلًا حَقِيقَةً فَالْمَالُ يَجِبُ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً كَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ بِهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ فَيَجُوزُ بَذْلُهُ إذَا كَانَ مُفِيدًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ يَدِهِ الْمُتَآكِلَةِ لِلْفَائِدَةِ فَكَذَا يَجُوزُ بَذْلُهُ لِدَفْعِ الْيَمِينِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَيُّ فَائِدَةٍ أَعْظَمُ مِنْهُ وَلِهَذَا نَكَلَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الصَّادِقَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ فِي الْيَمِينِ صِيَانَةُ مَالِهِ وَعِرْضِهِ إلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَذْلٍ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا صَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQادَّعَى الرَّجُلُ النِّكَاحَ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ الْفَيْءَ فِي الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى مَجْهُولٍ النَّسَبَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ وَلَدُهُ وَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ اخْتَصَمَا فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ أَوْ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْ ادَّعَتْ الْأَمَةُ عَلَى مَوْلَاهَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا أَوْ ادَّعَاهَا وَقَدْ مَاتَ الْوَلَدُ وَلَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْعَكْسُ لِأَنَّ الْمَوْلَى إذَا ادَّعَى ذَلِكَ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِإِقْرَارِهِ وَلَا اعْتِبَارَ بِإِنْكَارِ الْأَمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَدٌّ وَلِعَانٌ) كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّك قَذَفْتَنِي بِالزِّنَا وَعَلَيْك الْحَدُّ لَا يُسْتَحْلَفُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّك قَذَفْتَنِي بِالزِّنَا وَعَلَيْك اللِّعَانُ. اهـ. صَدْرُ الشَّرِيعَةِ سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ إلَخْ حَاشِيَةً نَافِعَةً هُنَا فَرَاجِعْهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ: قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ) الْمُرَادُ بِهِ قَاضِي خَانْ كَذَا فِي شَرْحَيْ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: يُسْتَحْلَفُ الْمُنْكِرُ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ) النَّسَبُ وَالِاسْتِيلَادُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلِذَا قَالَ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ اهـ لَكِنَّ الشَّارِحَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الشَّرْحِ وَمَعْنَى الْبَذْلِ إلَخْ قَالَ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بَذْلُهُ) إذْ الْبَذْلُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَعْيَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ) أَيْ النُّكُولُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُقْضَى فِيهَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَلَا يُقْضَى بِهَا بِالنُّكُولِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا جَازَ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ لَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا مَلَكَهُ الْمُكَاتَبُ وَأَخَوَاهُ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ التِّجَارَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَنْ قَوْلِهِمْ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ عَنْ قَوْلِهِمَا اهـ

بَذْلًا فِي الْمَعْنَى عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ تَرْكُ مَنْعٍ وَأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ مُحِقًّا فَلَا يَمْتَنِعُ بِالشُّيُوعِ. ثُمَّ الدَّعْوَى فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ تُتَصَوَّرُ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَيُّهُمَا كَانَ إلَّا الْحَدَّ وَاللِّعَانَ وَالِاسْتِيلَادَ، فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي فِيهَا إلَّا الْمَقْذُوفَ وَالْمَوْلَى وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ قَوْلَهُمَا لِلْفَتْوَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ رَآهُ مُتَعَنِّتًا يُحَلِّفُهُ أَخْذًا بِقَوْلِهِمَا، وَإِنْ رَآهُ مَظْلُومًا لَا يُحَلِّفُهُ أَخْذًا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ نَظِيرُ مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ إنْ رَأَى مِنْ الْخَصْمِ التَّعَنُّتَ وَقَصْدَ الْإِضْرَارِ بِالْآخِرِ قَبِلَ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْحُدُودَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِالزِّنَا وَقَالَ: إنْ زَنَيْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ الْمَوْلَى حَتَّى إذَا نَكَلَ ثَبَتَ الْعِتْقُ دُونَ الزِّنَا ثُمَّ إذَا لَمْ يَحْلِفْ الْمُنْكِرُ فِي النَّسَبِ عِنْدَهُ هَلْ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ نَسَبًا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ مِثْلُ الْجَدِّ وَوَلَدِ الْوَلَدِ وَالْأَعْمَامِ وَالْإِخْوَةِ وَأَوْلَادِهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْمَوْلَى الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلِ حَيْثُ تُقْبَلُ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مُعْتَقُ جَدِّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ فِيهِمْ إلَّا بِوَاسِطَةٍ فَيَكُونُ فِيهِ تَحْمِيلٌ عَلَى الْوَاسِطَةِ أَمَّا الْوَلَاءُ فَلَا يَثْبُتُ بِوَاسِطَةٍ بَلْ يُجْعَلُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَقُ وَلِهَذَا لَا تَرِثُ النِّسَاءُ الْوَلَاءَ، وَلَوْ كَانَ بِوَاسِطَةٍ لَثَبَتَ لَهُنَّ وَكَذَا يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ. وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ لَمَا كَانَ لَهُ كَمَا فِي الْمَالِ وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى عَنْ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ الِابْنَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ وَاحِدٍ وَالْآخَرُ عَنْ عَشَرَةٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ، فَإِنَّ مَالَهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُمْ أَعْتَقُوهُ، وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ لَكَانَ لِلِابْنِ الْوَاحِدِ النِّصْفُ وَلِلْعَشَرَةِ النِّصْفُ نَصِيبُ أَبِيهِمْ وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْمَوْلَى) لِأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ ادَّعَى الِاسْتِيلَادَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهَا اهـ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ قَوْلَهُمَا لِلْفَتْوَى) قَالَ الْكَاكِيُّ وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَالْوَاقِعَاتِ وَالْفُصُولِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ) لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْبَزْدَوِيُّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَمُرَادُهُ قَاضِي خَانْ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْمُخْتَصَرُ هُوَ مَتْنُ الْكَنْزِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ فِي دَعْوَاهُ إنَّهُ قَدْ أَتَى مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ عِتْقِي وَلَا يَقُولُ إنَّهُ قَدْ زَنَى كَيْ لَا يَصِيرَ قَاذِفًا مَوْلَاهُ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا لَمْ يَحْلِفْ الْمُنْكَرُ فِي النَّسَبِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنَّمَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي يَثْبُتُ الِاسْتِحْلَافُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ بِدُونِ دَعْوَى حَقٍّ آخَرَ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ أَمَّا إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ فَلَا يَجْرِي الِاسْتِحْلَافُ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا بَيَانُهُ أَنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ يَصِحُّ بِخَمْسَةٍ بِالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَا يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا سِوَاهُمْ وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِأَرْبَعَةٍ بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَلَا يَصِحُّ بِالْوَلَدِ وَمَنْ سِوَى هَؤُلَاءِ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ إلَّا إذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ فِي إقْرَارِهَا بِالْوَلَدِ أَوْ تَشْهَدَ بِوِلَادَةِ الْوَلَدِ قَابِلَةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فِي بَابِ الِاسْتِحْلَافِ فِي الِادِّعَاءِ: الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُدَّعَى قِبَلَهُ النَّسَبُ إذَا أَنْكَرَ هَلْ يُسْتَحْلَفُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يُفِيدُ، فَإِنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ النُّكُولُ حَتَّى يُجْعَلَ النُّكُولُ بَذْلًا أَوْ إقْرَارًا فَيُقْضَى عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ لَوْ أَقَرَّ، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى قِبَلَهُ بِحَيْثُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، فَإِذَا أَنْكَرَ هَلْ يُسْتَحْلَفُ عَلَى ذَلِكَ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحْلَف وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُسْتَحْلَفُ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ عَنْ الدَّعْوَى، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ الدَّعْوَى فَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يُخَرِّجُ مَسَائِلَ الْبَابِ. إلَى هُنَا لَفْظُ خُوَاهَرْزَادَهْ وَقَالَ أَيْضًا ثُمَّ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَمِينَ فِي النَّسَبِ إذَا وَقَعَ الدَّعْوَى فِي مُجَرَّدِ النَّسَبِ، فَأَمَّا إذَا وَقَعَ فِي النَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى قِبَلَهُ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْمَالِ لَا لِلنَّسَبِ يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي يَدَّعِي حَقٌّ وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ لِلنَّسَبِ وَالْمَالِ جَمِيعًا وَهَذَا لِأَنَّ الدَّعْوَى وَقَعَ فِي النَّسَبِ وَالْمَالِ جَمِيعًا وَالْمَالُ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الِاسْتِحْلَافُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا فَيُسْتَحْلَفُ لِلْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَحْلَفُ لِلنَّسَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَانَ الْجَوَابُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْجَوَابِ فِي السَّرِقَةِ عِنْدَ الْكُلِّ إذَا أَنْكَرَ السَّارِقُ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ لِلْمَالِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ قِبَلَكَ ضَمَانُ هَذَا الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَحْلَفُ لِلْقَطْعِ لِأَنَّ الدَّعْوَى وَقَعَ فِي الْحَدِّ وَالْمَالِ جَمِيعًا فَيُسْتَحْلَفُ لِلْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَحْلَفُ لِلْقَطْعِ فَكَذَلِكَ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ بِالضَّمِّ أَيْ لِمَنْ هُوَ أَقْعَدُ بِالنَّسَبِ وَأَقْرَبُ اهـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَقَوْلُهُمْ الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ أَيْ لِأَكْبَرِ أَوْلَادِ الْمُعْتَقِ وَالْمُرَادُ أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا لَا أَكْبَرُهُمْ سِنًّا يُقَالُ: هُوَ أَكْبَرُ الْقَوْمِ أَيْ أَقْعَدُهُمْ فِي النَّسَبِ وَأَقْرَبُهُمْ إلَى الْجَدِّ الْأَكْبَرِ وَفِي الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ وَيَتْرُكَ ابْنًا وَابْنَ ابْنٍ فَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ دُونَ ابْنِ الِابْنِ. اهـ.

كَانَ نَسَبًا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَمْ يُقْطَعْ)؛ لِأَنَّ مُوجِبَ فِعْلِهِ شَيْئَانِ الضَّمَانُ وَهُوَ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَيَجِبُ بِالنُّكُولِ، وَالْقَطْعُ وَهُوَ لَا يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَلَا يَجِبُ بِالنُّكُولِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا إذَا ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ أَوْ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، فَإِنَّ ضَمَانَ الْمَالِ يَجِبُ بِهَا دُونَ الْقَطْعِ وَيَقُولُ فِي الِاسْتِحْلَافِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْمَالُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي مَاذَا تُرِيدُ، فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ الْقَطْعَ قَالَ لَهُ إنَّ الْحُدُودَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا فَلَيْسَ لَك يَمِينُهُ، فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ الْمَالَ قَالَ لَهُ دَعْ دَعْوَى السَّرِقَةِ وَادَّعِ الْمَالَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالزَّوْجُ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ طَلَاقًا قَبْلَ الْوَطْءِ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ الْمَهْرِ) أَيْ يُسْتَحْلَفُ الزَّوْجُ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَجْرِي فِي الْمَالِ بِالِاتِّفَاقِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْمَالُ وَكَذَا فِي النِّكَاحِ إذَا ادَّعَتْ الصَّدَاقَ أَوْ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْمَالِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْمَالُ بِنُكُولِهِ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَكَذَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا كَالْإِرْثِ وَالْحَجْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْعِتْقِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الْحَقُّ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ كَانَ نَسَبًا لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَاحِدُ الْقَوَدِ فَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ وَفِيمَا دُونَهُ يُقْتَصُّ) أَيْ يُسْتَحْلَفُ جَاحِدُ الْقِصَاصِ، فَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ يُقْتَصُّ مِنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ فِي امْتِنَاعِهِ عَنْ الْيَمِينِ احْتِمَالًا يَحْتَمِلُ لِأَجْلِ التَّرَفُّعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا تَجِبُ بِهِ الْعُقُوبَةُ كَالْحُدُودِ، فَإِذَا امْتَنَعَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ حَيْثُ لَا يُقْضَى فِيهِ بِشَيْءٍ وَكَذَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهِ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَا يَمِينَ فِي حَدٍّ إلَّا لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً اسْتَحْلَفَهُ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ضَمَّنَهُ السَّرِقَةَ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ كِتَابِ الِاسْتِحْلَافِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُسْتَحْلَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ لَا فِي الزِّنَا وَلَا فِي السَّرِقَةِ وَلَا الْقَذْفِ وَلَا شُرْبِ الْخَمْرِ وَلَا السُّكْرِ إلَّا إنْ طَالَبَ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ بِضَمَانِ الْمَالِ اسْتَحْلَفَهُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ ضَمَّنَهُ الْمَالَ وَلَمْ يَقْطَعْهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّعْوَى تَتَضَمَّنُ أَمْرَيْنِ: الضَّمَانَ وَالْقَطْعَ، وَالضَّمَانُ يُسْتَوْفَى بِالنُّكُولِ فَوَجَبَ إثْبَاتُ أَحَدِهِمَا وَإِسْقَاطُ الْآخَرِ وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ شُرِعَ لِلنُّكُولِ وَالنُّكُولُ إمَّا بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِي الْحُدُودِ وَلِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ لِاسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ وَالْحُدُودُ يُحْتَالُ لِدَرْئِهَا فَلَا يَتَكَلَّفُ لِاسْتِخْرَاجِهَا فَلَا يُشْرَعُ الْيَمِينُ فِيهَا إلَّا فِي السَّرِقَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَالُ فَيُسْتَحْلَفُ فِيهَا وَيُقْضَى بِالْمَالِ عِنْدَ النُّكُولِ كَمَا يُقْضَى بِهَا بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالزَّوْجُ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ طَلَاقًا قَبْلَ الْوَطْءِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ فِي الطَّلَاقِ إجْمَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ الْمَهْرِ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَهَا فِيهِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى هُوَ الْمَالُ وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ لَا التَّزَوُّجُ وَالِاسْتِحْلَافُ يَجْرِي فِي الْمَالِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي النِّكَاحِ إذَا ادَّعَتْ الصَّدَاقَ) يَعْنِي إذَا كَانَ مَعَ النِّكَاحِ دَعْوَى الْمَالِ يَجْرِي الِاسْتِحْلَافُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَالُ ثُمَّ بِالنُّكُولِ يَثْبُتُ الْمَالُ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ لِأَنَّ الْبَذْلَ يَجْرِي فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ إلَخْ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى فِي النَّسَبِ حَقًّا آخَرَ سِوَى النَّسَبِ كَالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ يُسْتَحْلَفُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي دَعْوَى النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: كَالْإِرْثِ) بِأَنْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأَنَّ أَبَاهُمَا مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى النَّسَبِ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى بِالْمَالِ دُونَ النَّسَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْحَجْرُ) بِأَنْ الْتَقَطَ رَجُلٌ صَبِيًّا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهُ أَخُوهَا تُرِيدُ قَصْرَ يَدِ الْمُلْتَقِطِ وَأَخْذِهِ بِالْحَضَانَةِ وَأَنْكَرَ الْمُلْتَقِطُ ذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ لَهَا حَقُّ نَقْلِ الصَّبِيِّ إلَى حِجْرِهَا وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ اهـ (قَوْلُهُ: وَالنَّفَقَةُ) أَيْ إذَا قَالَ الْمُدَّعِي وَهُوَ زَمِنٌ إنَّهُ أَخُو الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَافْرِضْ لِي النَّفَقَةَ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَخَاهُ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى النَّسَبِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى بِالنَّفَقَةِ دُونَ النَّسَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَامْتِنَاعُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) صُورَتُهُ مَا إذَا أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنَا أَخُوك فَأَنْكَرَ الْوَاهِبُ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الِامْتِنَاعُ وَلَمْ تَثْبُتْ الْأُخُوَّةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَجَاحِدُ الْقَوَدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا فِي دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَفِيهِ يَبْرَأُ بِالْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ جَمِيعًا وَسَيَجِيءُ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ تَمَامُ الْبَيَانِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ أَوْ فِي الطَّرَفِ يَحْلِفُ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ يُقْتَصُّ فِي الطَّرَفِ وَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ فِي النَّفْسِ وَلَكِنْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ جُوعًا وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِالْمَالِ فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ جَمِيعًا. اهـ. (قَوْلُهُ: يُسْتَحْلَفُ جَاحِدُ الْقِصَاصِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ اهـ

الْقِصَاصَ سَقَطَ فِيهِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَفِي النُّكُولِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ فَيُصَارُ إلَى الْأَرْشِ وَنَظِيرُهُ إذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ خَطَأً وَالْوَلِيُّ يَدَّعِي الْعَمْدَ تَجِبُ الدِّيَةُ وَبِالْعَكْسِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الضَّمَانِ فِي السَّرِقَةِ حَيْثُ يَجِبُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَأَمْثَالِهِ كَمَا يَجِبُ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِيهِ أَصْلٌ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْحَدِّ، فَإِذَا قَصَرَ يَبْقَى الْأَصْلُ عَلَى حَالِهِ وَهُنَا الْأَصْلُ الْقِصَاصُ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ حَتَّى أُبِيحَ قَطْعُهَا لِلْحَاجَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ الضَّمَانُ إذَا قَطَعَهَا بِأَمْرِهِ بِخِلَافِ النَّفْسِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ بِأَمْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي رِوَايَةٍ وَالدِّيَةُ فِي أُخْرَى، فَإِذَا سَلَكَ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ يَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ كَالْأَمْوَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُهَا بِلَا فَائِدَةٍ وَهَذَا الْبَذْلُ مُفِيدٌ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ فَصَارَ كَقَطْعِ الْيَدِ لِلْأَكْلَةِ وَقَلْعِ السِّنِّ لِلْوَجَعِ وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَالْيَمِينُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ يُحْبَسُ فِيهِ كَمَا فِي الْقَسَامَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَطَلَبَ الْيَمِينَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُسْتَحْلَفُ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي أُخْرَى وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً فِي الْمِصْرِ، وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ يَحْلِفُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا يَحْلِفُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا وَلَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي الِاسْتِحْلَافِ وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ بِهِ مُؤْنَةَ الْمَسَافَةِ وَيَتَوَصَّلَ إلَى حَقِّهِ فِي الْحَالِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ نُكُولِهِ وَفِي الْبَيِّنَةِ احْتِمَالٌ فَلَعَلَّهَا لَا تُقْبَلُ فَيُجِيبُهُ إذَا طَلَبَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ فِي الْيَمِينِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا فَلَا يَكُونُ حَقُّهُ دُونَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ خَصْمِهِ وَشُهُودِهِ فَيَكُونُ عَاجِزًا وَلِأَنَّ فِي اسْتِحْلَافِهِ مَعَ حُضُورِ الشُّهُودِ هَتْكَ الْمُسَلَّمِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ مَا حَلَفَ فَيَجِبُ أَنْ يَتَوَقَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقِيلَ لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا بِنَفْسِك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) كَيْ لَا يَضِيعَ حَقُّهُ بِتَغْيِيبِهِ نَفْسَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْمُدَّعِي وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَهُ لِمَا تَلَوْنَا حَتَّى يُعْدِيَ عَلَيْهِ وَيَشْخَصَ إلَى الْقَاضِي وَيُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ فَيَصِحَّ التَّكْفِيلُ بِإِحْضَارِهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى كَاسْتِحْلَافِهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ ثِقَةً مَعْرُوفًا بَيْنَ النَّاسِ لَا يُتَوَهَّمُ اخْتِفَاؤُهُ حَتَّى يَحْصُلَ بِهِ فَائِدَةُ التَّكْفِيلِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ التَّكْفِيلُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمَا بَيْنَ مَجْلِسَيْ الْقَاضِي حَتَّى إذَا كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَكْفُلُ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ أَيَّامٍ يَوْمًا يَكْفُلُ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا فَرْقَ فِي الظَّاهِرِ بَيْنَ الْوَجِيهِ وَالْخَامِلِ وَبَيْنَ الْحَقِيرِ مِنْ الْمَالِ وَالْخَطِيرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُخْفِي نَفْسَهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْمَالِ لَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى حَقِيرًا لَا يُخْفِي الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ لِأَجْلِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّكْفِيلِ لَكِنْ إذَا أَعْطَى هُوَ بِاخْتِيَارِهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَهَذَا إذَا قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ، وَإِنْ قَالَ لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ أَوْ شُهُودِي غُيَّبُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي التَّكْفِيلِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ كَالْهَالِكِ مِنْ وَجْهٍ وَلَيْسَ كُلُّ غَائِبٍ آتِيًا وَيُمْكِنُهُ الِاسْتِحْلَافُ فِي الْحَالِ فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِالتَّكْفِيلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَبَى لَازَمَهُ) أَيْ دَارَ مَعَهُ (حَيْثُ سَارَ) أَيْ إنْ أَبَى أَنْ يَكْفُلَ لَا يَجْبُرُهُ الْقَاضِي عَلَى التَّكْفِيلِ بَلْ يَأْمُرُهُ بِمُلَازَمَتِهِ مِقْدَارَ مُدَّةِ التَّكْفِيلِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ حَتَّى لَا يَغِيبَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ) كَانَ (غَرِيبًا لَازَمَهُ مِقْدَارَ مَجْلِسِ الْقَاضِي) أَيْ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ الضَّمَانُ إذَا قَطَعَهَا بِأَمْرِهِ) أَيْ إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ يَعْنِي إذَا قَطَعَ يَدَ مَنْ قَالَ: اقْطَعْ يَدِي لَا يَجِبُ الضَّمَانُ وَلَكِنْ لَا يُبَاحُ الْقَطْعُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَخْرِقْ ثَوْبِي أَوْ أَتْلِفْ مَالِي لَا يُبَاحُ لَهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقِيلَ لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا بِنَفْسِك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَلَوْ كَانَ غَرِيبًا إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ فِي إعْطَاءِ الْكَفِيلِ نَظَرٌ لِلْمُدَّعِي وَهَذَا هُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي الظَّاهِرِ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْخَطِيرُ) لِأَنَّ إعْطَاءَ الْكَفِيلِ لَمَّا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ لَا يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا أَوْ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ الْمَالُ خَطِيرًا أَوْ حَقِيرًا كَالْيَمِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ أَبَى لَازَمَهُ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي مَسَائِلِ الْعَدَوِيِّ الْمُدَّعِي إذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلًا وَأَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إعْطَاءَ الْكَفِيلِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْمُدَّعِيَ بِمُلَازَمَتِهِ ثُمَّ قَالَ وَتَفْسِيرُ الْمُلَازَمَةِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ كَانَ غَرِيبًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ غَرِيبًا لَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَلَكِنْ إنْ أَعْطَى كَفِيلًا بِنَفْسِهِ مُخْتَارًا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يَمْنَعُهُ مِنْ السَّفَرِ وَالذَّهَابِ (فَرْعٌ) ذَكَرَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي الْبَابِ الْمُعَلَّمِ بِعَلَامَةِ الْوَاوِ إذَا شَكَّ الرَّجُلُ فِيمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يُرْضِيَ خَصْمَهُ بِشَيْءٍ وَيُصَالِحَهُ وَلَا يُعَجِّلَ بِالْيَمِينِ احْتِرَازًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ وَهُوَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ، وَإِنْ أَبَى الْخَصْمُ إلَّا أَنْ يُحَلِّفَهُ، فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْحَقِّ وَسِعَهُ ذَلِكَ وَنَذْكُرُ هُنَا نُبَذًا مِنْ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا

أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْقَدْرِ ظَاهِرًا وَكَذَا إذَا أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا مِقْدَارُ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ التَّوْكِيلَ بِخُصُومَتِهِ حَتَّى لَوْ غَابَ الْأَصِيلُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ وَكِيلًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْوَكِيلِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْوَكِيلِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْأَصِيلِ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يُسْتَوْفَى مِنْ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ دُونَ الْوَكِيلِ، وَلَوْ أَخَذَ كَفِيلًا بِالْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِيفَاءُ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْأَصِيلِ أَيْسَرَ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى مَنْقُولًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ مَعَ ذَلِكَ كَفِيلًا بِالْعَيْنِ لِيُحْضِرَهَا وَلَا يُغَيِّبَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَقَارًا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّغْيِيبَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ إلَّا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمِعَ عُمَرَ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَفِي لَفْظٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا فَقَالَ لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحْلِفُوا إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَهَذَا الْحَدِيثُ بِإِطْلَاقِهِ يَمْنَعُ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسُوغُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ بِهِمَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ لِقِلَّةِ مُبَالَاةِ النَّاسِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي زَمَانِنَا لَكِنْ إذَا نَكَلَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يَنْفُذُ، وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَحْلِيفَ الشَّاهِدِ أَوْ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الشَّاهِدَ كَاذِبٌ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِإِكْرَامِ الشُّهُودِ وَالْمُدَّعِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا سِيَّمَا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَغْلُظُ بِذِكْرِ أَوْصَافِهِ) أَيْ تُؤَكَّدُ الْيَمِينُ بِذِكْرِ أَوْصَافِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ شَتَّى فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ عَنْ الْيَمِينِ بِالتَّغْلِيظِ وَيَتَجَاسَرُ عِنْدَ عَدَمِهِ فَيُغَلَّظُ عَلَيْهِ لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ بِذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى هَذَا إنْ شَاءَ وَلَهُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَصَّافُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحِيَلِ إنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَنَوَى كُلَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِالْيَمَنِ أَوْ بِالْهِنْدِ أَوْ بِالسِّنْدِ أَوْ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ لَهُ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا يَحْنَثُ وَقَالَ: إنْ ابْتَدَأَ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ يَحْتَالُ وَيَقُولُ هُوَ اللَّهُ وَيُدْغِمُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَفْهَمَ الْمُسْتَحْلِفُ. فَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحْلِفُ إنَّمَا أُحَلِّفُك بِمَا أُرِيدُ وَقُلْ أَنْتَ نَعَمْ كُلَّمَا أَوْقَعْت أَنَا كَيْفَ يَحْتَالُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ كَتَبَ الْيَمِينَ فِي كِتَابٍ وَيُرِيدُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ بِاَللَّهِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْمَشْيِ وَصَدَقَةِ مَا يَمْلِكُ قَالَ نَعَمْ وَيَنْوِي بِنَعَمْ مِنْ النَّعَمِ أَيْ مِنْ الْأَنْعَامِ، فَإِذَا أَجَابَهُ بِنَعَمْ يَنْوِي نَعَمًا مِنْ الْأَنْعَامِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ نِسَاؤُك طَوَالِقُ وَنَوَى نِسَاءَهُ الْعُورَ أَوْ الْعُمْيَانَ أَوْ الْعَرْجَانِ أَوْ الْمَمَالِيكَ أَوْ الْيَهُودِيَّاتِ أَوْ النَّصْرَانِيَّاتِ وَيَقْصِدُ إلَى صِفَةٍ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَكَذَلِكَ الْمَمَالِيكُ وَجَمِيعُ مَا يَمْلِكُ مِنْ نَوْعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا يَقْصِدُ بِنِيَّتِهِ إلَى مَا شَرَحْت لَك فَيَكُونُ لَهُ نِيَّتُهُ وَلَا يَحْنَثُ وَقَالَ: إنْ كَانَ يُسْتَحْلَفُ عَلَى فِعْلٍ مَضَى وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا وَأَحْضَرَ الْمَمْلُوكَ قَالَ يَضَعُ رَأْسَهُ عَلَى رَأْسِ الْمَمْلُوكِ وَظَهْرِهِ وَيَقُولُ: هَذَا حُرٌّ يَعْنِي ظَهْرُهُ حُرٌّ إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا وَلَا يُعْتَقُ الْمَمْلُوكُ، وَإِنْ حَلَفَ بِعِتْقِ الْمَمْلُوكِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا يَعْنِي لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ وَيَنْوِي ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ مَرَّ فِعْلُ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي نَوَى وَقَصَدَ، وَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ قَالَ يَقُولُ امْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا وَيَنْوِي عَمَلًا مِنْ الْأَعْمَالِ مِثْلَ الْخُبْزِ وَالْغَسْلِ أَوْ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ وَيَنْوِي بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ أَوْ ثَلَاثَ جُمَعٍ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حِنْثٌ. قَالَ قُلْت: أَرَأَيْت سُلْطَانًا بَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ كَلَامٌ فَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ الَّذِي بَلَغَهُ فَمَا الْوَجْهُ فِيهِ قَالَ الْوَجْهُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ الَّذِي اُسْتُحْلِفَ مَا الَّذِي بَلَغَك عَنِّي، فَإِذَا قَالَ بَلَغَنِي عَنْك أَنَّك قُلْت كَذَا وَكَذَا وَحَكَى الْكَلَامَ، فَإِنْ شَاءَ حَلَفَ لَهُ بِالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ أَنَّهُ مَا قَالَ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي حَكَاهُ هَذَا وَلَا سَمِعَ بِهِ إلَّا السَّاعَةَ يَعْنِي مَا تَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي حَكَاهُ وَلَا سَمِعَ بِهِ بِهَذَا الْكَلَامِ بِعَيْنِهِ قَبْلَ السَّاعَةِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ إثْمٌ، وَإِنْ شَاءَ نَوَى فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مَا شَرَحْنَاهُ، وَإِنْ شَاءَ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَذَا الْكَلَامِ بِالْكُوفَةِ أَوْ بِالْبَصْرَةِ أَوْ فِي الْيَمَنِ أَوْ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ غَيْرَ الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ تَكَلَّمَ بِهَذَا فِيهِ وَنَوَى بِاللَّيْلِ إنْ كَانَ تَكَلَّمَ بِالنَّهَارِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بِاللَّيْلِ نَوَى أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالنَّهَارِ أَوْ نَوَى فِي دَارِ فُلَانٍ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْبَاقِي يُعْلَمُ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَرْعٌ آخَرُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَأَيْت فِي مُحِيطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَاسْتِحْلَافُ الْأَخْرَسِ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ إنْ كَانَ لِهَذَا عَلَيْك هَذَا الْحَقُّ وَيُشِيرُ الْأَخْرَسُ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك حَقٌّ فَيُشِيرُ الْأَخْرَسُ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْعِبَارَةِ مِنْ النُّطْقِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْحَلِفِ وَالْقَاضِي لَوْ اسْتَحْلَفَ النَّاطِقَ بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ نَعَمْ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ احْلِفْ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ يَمِينًا فَكَذَلِكَ الْأَخْرَسُ وَلَوْ قَالَ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ فَقَالَ نَعَمْ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ إنْ كَانَ لِهَذَا عَلَيَّ كَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَتَاقٌ) أَيْ وَحَجٌّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يَنْفُذُ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ.

يَنْقُصَ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ يُحْتَاطُ وَيَحْتَرِزُ عَنْ عَطْفِ بَعْضِ الْأَسْمَاءِ عَلَى الْبَعْضِ كَيْ لَا يَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَلَوْ أُمِرَ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ أَتَى بِهَا، وَلَوْ لَمْ يُغَلِّظْ جَازَ وَقِيلَ لَا يُغَلِّظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ وَيُغَلِّظُ عَلَى غَيْرِهِ وَقِيلَ يُغَلِّظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الْحَقِيرِ، وَلَوْ غَلَّظَ عَلَيْهِ فَحَلَفَ مِنْ غَيْرِ تَغْلِيظٍ وَنَكَلَ عَنْ التَّغْلِيظِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ حَصَلَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ) أَيْ لَا يُؤَكِّدْ عَلَيْهِ الْيَمِينَ بِزَمَانٍ وَلَا بِمَكَانٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي قَسَامَةٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ فِي مَالٍ عَظِيمٍ يَبْلُغُ مِائَتَيْ مِثْقَالٍ تُغَلَّظُ بِالْمَكَانِ فَيُحَلَّفُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَعِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ وَعِنْدَ الصَّخْرَةِ إنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفِي الْجَوَامِعِ فِي غَيْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي الْمَسَاجِدِ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَالتَّخْصِيصُ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ نَسْخٌ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِيهِ حَرَجًا عَلَى الْقَاضِي حَيْثُ يُكَلَّفُ حُضُورُهَا وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَلِأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ حَقِّ الْمُدَّعِي فِي الْيَمِينِ فَلَا يُشْرَعُ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَا تَنْقَطِعُ بِهِ الْخُصُومَةُ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِمَا كَالْبَيِّنَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَالنَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَالْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ وَالْوَثَنِيُّ بِاَللَّهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِابْنِ صُورِيَّا الْأَعْوَرِ الْيَهُودِيِّ أَنْشُدُك بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ حُكْمَ الزِّنَا فِي كِتَابِكُمْ هَذَا» وَلِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَعْتَقِدُونَ نُبُوَّةَ نَبِيِّهِمْ فَيُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ بِذِكْرِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِمْ وَالْمَجُوسِيُّ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ النَّارِ فَيُؤَكِّدُ عَلَيْهِ بِذِكْرِ خَالِقِهَا وَالْوَثَنِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُهُ، وَإِنَّمَا يُشْرِكُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا احْتِرَازًا عَنْ إشْرَاكِ غَيْرِهِ فِي التَّعْظِيمِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يُحَلَّفُ غَيْرُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا؛ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ النَّارِ فِي الْيَمِينِ تَعْظِيمًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُشْعِرُ بِذَلِكَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَظِّمَ النَّارَ بِخِلَافِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ؛ لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبُ التَّعْظِيمِ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ فَكَأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهَا تَعْظِيمَ الْمُسْلِمِ الشَّعَائِرَ وَلَا يَعْبُدُونَهَا حَقِيقَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُحَلَّفُونَ فِي بُيُوتِ عِبَادَاتِهِمْ)؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَهَا وَالْقَاضِي مَمْنُوعٌ مِنْ حُضُورِهَا مَعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيَحْتَرِزُ عَنْ عَطْفِ بَعْضِ الْأَسْمَاءِ) أَيْ فَإِنَّهُ مَتَى حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً، فَإِذَا حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ وَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَيُرَاعِي الْقَاضِي هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ إلَخْ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ وَالْعَبْدُ التَّاجِرُ وَالْمُكَاتَبُ وَالصَّبِيُّ التَّاجِرُ وَالْمَرْأَةُ فِيمَا ادَّعَوْا أَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ أَمَّا الذِّمِّيُّ، فَإِنَّهُ لَا يُفَارِقُ الْمُسْلِمَ فِي أَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ لِأَنَّهُمْ مَحْمُولُونَ عَلَى أَحْكَامِنَا إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ بِعَقْدِ الْأَمَانِ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّهُ مِمَّنْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فَجَازَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ التَّاجِرُ عَلَى أَصْلِنَا إذْ الْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ لَهُ جَائِزٌ فَيَصِيرُ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَهُوَ فِي بَابِ الْمُعَامَلَاتِ كَالْحُرِّ وَالْمَرْأَةِ لَا تُفَارِقُ الرِّجَالَ فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فَجَرَيَا مَجْرًى وَاحِدًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَيُسْتَحْلَفُ النَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ لَمْ يَتَّهِمْهُ الْقَاضِي اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَإِنْ اتَّهَمَهُ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْيَهُودِ يُحَلَّفُ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَفِي حَقِّ النَّصَارَى بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ وَيُحَلَّفُ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُحَلَّفُ فِي كَنِيسَةِ الْيَهُودِ وَلَا بَيْعَةِ النَّصَارَى وَلَا بِبَيْتِ نَارِ الْمَجُوسِيِّ، وَإِنَّمَا يَسْتَحْلِفُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي وَالْأَصْلُ أَنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ النُّكُولُ الَّذِي هُوَ إقْرَارٌ أَوْ بَذْلٌ وَالْكَافِرُ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ وَالْبَذْلُ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَلَى مُوسَى) أَيْ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِنُبُوَّةِ مُوسَى وَيَعْتَقِدُ الْحُرْمَةَ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: عَلَى عِيسَى) أَيْ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ يُقِرُّ بِنُبُوَّةِ عِيسَى وَيَعْتَقِدُ الْحُرْمَةَ لَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ وَالْمَسِيحُ هُوَ اللَّهُ وَثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَيَمْتَنِعُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: صُورِيَّا) بِالْقَصْرِ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَنْشُدُك) أَيْ أَسْأَلُك. اهـ. (قَوْلُهُ: بِذِكْرِ خَلْقِهَا) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ بِذِكْرِ خَالِقِهَا اهـ (فَرْعٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَأَمَّا الصَّابِئَةُ فَإِنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِإِدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اُسْتُحْلِفُوا بِاَلَّذِي أَنْزَلَ الصُّحُفَ عَلَى إدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ اُسْتُحْلِفُوا بِاَلَّذِي خَلَقَ الْكَوَاكِبَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ وَبَيْعٌ قَائِمٌ وَمَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ وَمَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك الْآنَ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْغَصْبِ وَالطَّلَاقِ) وَلَا يُقَالُ بِاَللَّهِ مَا نَكَحْت وَلَا بِاَللَّهِ مَا بِعْت وَلَا بِاَللَّهِ مَا غَصَبْت وَلَا بِاَللَّهِ مَا طَلَّقْت؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قَدْ تَقَعُ ثُمَّ تَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ كَالطَّلَاقِ وَالْإِقَالَةِ وَالْهِبَةِ وَالنِّكَاحِ الْجَدِيدِ فَلَا يُمْكِنُ تَحْلِيفُهُ عَلَى السَّبَبِ فَيُحَلِّفُهُ عَلَى الْحَاصِلِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالسَّبَبِ ثُمَّ ادَّعَى طُرُوَّ الرَّافِعِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فَيَحْتَالُ بِهَذَا الطَّرِيقِ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَسْبَابِ أَحْكَامُهَا فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِهَا لَا عَلَى نَفْيِ السَّبَبِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّ الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ وَالْمُدَّعِي هُوَ السَّبَبُ إلَّا إذَا عَرَضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ قَدْ وَقَعَ الْبَيْعُ ثُمَّ تَقَايَلْنَا وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُحَلِّفُهُ عَلَى الْحَاصِلِ نَظَرًا لَهُ كَيْ لَا يَفُوتَ حَقُّهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ يَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ السَّبَبُ يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ وَلَيْسَ فِي تَحْلِيفِهِ عَلَى الْحَاصِلِ ضَرَرٌ بِالْمُدَّعِي، فَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ كَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذَا ادَّعَى الْعِتْقَ عَلَى مَوْلَاهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِمَا بِالِارْتِدَادِ وَنَقْضِ الْعَهْدِ ثُمَّ الِالْتِحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَا يَتَكَرَّرُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ عِنْدَ ارْتِدَادِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي التَّحْلِيفِ عَلَى الْحَاصِلِ ضَرَرٌ بِالْمُدَّعِي مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ شُفْعَةً بِالْجِوَارِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَرَاهَا وَمِثْلُ أَنْ تَدَّعِيَ الْمَبْتُوتَةُ النَّفَقَةَ وَالزَّوْجُ لَا يَرَاهَا، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ حِينَئِذٍ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ فِي تَحْلِيفِهِ عَلَى الْحَاصِلِ تَرْكَ النَّظَرِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي إذْ هُوَ يَحْلِفُ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِ فَيَبْطُلُ حَقُّ الْمُدَّعِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ ادَّعَى شُفْعَةً بِالْجِوَارِ أَوْ نَفَقَةَ الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الزَّوْجُ لَا يَرَاهُمَا يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ) لِمَا ذَكَرْنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى الْحَاصِلِ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا إلَّا إذَا أَدَّى إلَى الْإِضْرَارِ بِالْمُدَّعِي أَوْ كَانَ سَبَبًا لَا يَتَكَرَّرُ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ التَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ هُوَ الْأَصْلُ إلَّا إذَا عَرَضَ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الْعِلْمِ لَوْ وَرِثَ عَبْدًا فَادَّعَاهُ آخَرُ) أَيْ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ إذَا وَرِثَ عَبْدًا وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ لَهُ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَعْلَمُ بِمَا فَعَلَ الْمُوَرِّثُ فَيَمْتَنِعُ عَنْ الْيَمِينِ فَيَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ وَهُوَ مُحِقٌّ ظَاهِرًا فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الْبَتَاتِ لَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ) يَعْنِي يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ إنْ كَانَ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ بِشِرَائِهِ إيَّاهُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالشِّرَاءَ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ وَمُبَاشَرَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُمَلَّكِ لَهُ لَمَا بَاشَرَ السَّبَبَ ظَاهِرًا فَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِاخْتِيَارِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ التَّفَحُّصِ ظَاهِرًا فَيُطْلَقُ لَهُ الْحَلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ. فَإِذَا امْتَنَعَ عَمَّا أُطْلِقَ لَهُ يَكُونُ بَاذِلًا أَمَّا الْوَارِثُ، فَإِنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي الْمِلْكِ وَلَا يَدْرِي مَا فَعَلَ الْمُوَرِّثُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُطْلَقُ لَهُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَتَاتِ وَلِأَنَّ الْوَارِثَ خَلَفٌ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْيَمِينُ لَا تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبُ لَهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَالْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ وَمَتَى وَقَعَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ تَكُونُ عَلَى الْبَتَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَلَّفَ الْيَهُودِيَّ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ قَاتِلًا فَحَلَّفَهُمْ عَلَى الْبَتَاتِ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُهُمْ وَفِي الثَّانِي عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِهِمْ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا الْأَصْلُ مُسْتَقِيمٌ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إلَّا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْعَبْدَ آبِقٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي تَحْلِيفَ الْبَائِعِ، فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ ضَمِنَ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ سَالِمًا عَنْ الْعُيُوبِ فَالتَّحْلِيفُ يَرْجِعُ إلَى مَا ضَمِنَ بِنَفْسِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الْحَلِفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْعِلْمِ إذَا قَالَ الْمُنْكِرُ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الْعِلْمَ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ: إنَّ الْوَدِيعَةَ قَبَضَهَا صَاحِبُهَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا ادَّعَى قَبْضَ الْمُوَكِّلِ الثَّمَنَ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِمَا لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ لَا يَجْرِي فِي النِّكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْآنَ) قَيْدٌ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ مَا اسْتَقْرَضْت مَا غَصَبْت. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ هَذَا الْمَالُ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الِالْتِحَاقُ بِدَارِ الْحَرْبِ) أَيْ وَالسَّبْيُ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ ادَّعَى شُفْعَةً إلَخْ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ كِتَابِ الِاسْتِحْلَافِ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْن أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى دَارًا فِي جِوَارِهِ وَأَنَّهُ يُطَالَبُ بِالشُّفْعَةِ فِيهَا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ فَأَرَادَ إسْمَاعِيلُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت فَقَالَ قَدْ يَشْتَرِي الْإِنْسَانُ وَيُسْقِطُ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك شُفْعَةٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ فِي الْحَالِ فَقَالَ الْمُدَّعِي إنَّ هَذَا يَعْتَقِدُ أَنَّ شُفْعَةَ الْجِوَارِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَإِنْ اسْتَحْلَفْته تَأَوَّلَ ذَلِكَ فَقَالَ إسْمَاعِيلُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ الشِّرَاءِ فَقَدْ حَكَمْتُ عَلَيْك بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ اسْتَحْلَفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك شُفْعَةٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ فِي الْحَالِ فَامْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الزَّوْجُ لَا يَرَاهُمَا) أَيْ كَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ الْمُشْتَرِي شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ اهـ (قَوْلُهُ: وَمُبَاشَرَتُهُ) خَرَجَ بِهَذَا الْإِرْثُ، فَإِنَّهُ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ لَكِنْ لَيْسَ بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ وَمُبَاشَرَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا ادَّعَى قَبْضَ الْمُوَكِّلِ الثَّمَنَ) أَيْ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَبَضَ الْمُوَكِّلُ. اهـ.

[باب التحالف]

عَلَى الْبَتَاتِ لِادِّعَائِهِ الْعِلْمَ بِذَلِكَ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْبَتَاتِ فَحَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا حَتَّى لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَا يَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْهُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ يُعْتَبَرُ الْيَمِينُ حَتَّى يَسْقُطَ الْيَمِينُ عَنْهُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْبَتَاتِ آكَدُ فَيُعْتَبَرُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ افْتَدَى الْمُنْكِرُ يَمِينَهُ أَوْ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ صَحَّ وَلَمْ يَحْلِفْ بَعْدَهُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اُدُّعِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَأَعْطَى شَيْئًا وَافْتَدَى يَمِينَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ فَقِيلَ أَلَا تَحْلِفُ وَأَنْتَ صَادِقٌ فَقَالَ أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَ قَدَرٌ يَمِينِي فَيُقَالُ هَذَا بِسَبَبِ يَمِينِهِ الْكَاذِبَةِ وَقِيلَ كَانَ لَهُ عَلَى مِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ سَبْعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَقْرَضَهَا إيَّاهُ فَقَضَاهُ مِنْهَا أَرْبَعَةَ آلَافٍ فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَلَمْ يَحْلِفْ وَلِأَنَّ بِالِافْتِدَاءِ صِيَانَةَ عِرْضِهِ وَهُوَ مُسْتَحْسَنٌ عَقْلًا وَشَرْعًا، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذُبُّوا عَنْ أَعْرَاضِكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ» وَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ إيَّاكَ وَمَا يَقَعُ عِنْدَ النَّاسِ إنْكَارُهُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَك اعْتِذَارُهُ وَلِأَنَّ الْمُنْكِرَ يَدْفَعُ بِهِ الْخُصُومَةَ وَتُهْمَةَ الْكَذِبِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ عَلَى أَنَّهُ حَقُّهُ أَوْ عِوَضٌ عَنْهُ فَيَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ مَالًا كَالْقِصَاصِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ لِعَقْدٍ وَاحِدٍ جِهَتَانِ كَمَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَمَا يُعْطَى مِنْ الثَّمَنِ بَدَلُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي زَعْمِ الْبَائِعِ وَهُوَ فِدَاءٌ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَعْتِقَ الْعَبْدُ وَكَمَا فِي الصُّلْحِ عَنْ الْإِنْكَارِ، فَإِنَّهُ بَدَلُ حَقِّهِ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَلِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ ثُمَّ لَمَّا أَبْطَلَ حَقَّهُ فِي الْيَمِينِ فِي لَفْظِ الصُّلْحِ وَالْفِدَاءِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى يَمِينَهُ بِمَالٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ عَقْدُ تَمْلِيكِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِمَالٍ فَبَطَلَ وَبَقِيَ حَقُّهُ فِي الْيَمِينِ عَلَى حَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ التَّحَالُفِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ قُضِيَ لِمَنْ بَرْهَنَ) أَيْ لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ إذْ الْبَيِّنَةُ مُبَيِّنَةٌ كَاسْمِهَا فَبَقِيَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مُجَرَّدُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْهَا إذْ هِيَ مُتَعَدِّيَةٌ حَتَّى تُوجِبَ الْقَضَاءَ عَلَى الْقَاضِي فَلَا يُعَارِضُهَا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِمُثْبِتِ الزِّيَادَةِ) أَيْ إذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَيِّنَاتُ شُرِعَتْ لِلْإِثْبَاتِ وَلَا مُعَارَضَةَ فِي قَدْرِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَلَا فِي الزِّيَادَةِ فَيَجِبُ كُلُّهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى فِي الثَّمَنِ وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَوْلَى فِي الْمَبِيعِ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي النِّهَايَةِ إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِعَبْدِك هَذَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتهَا مِنْك بِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَقَّ لَهُ فِيهِ وَالْأُخْرَى تَنْفِيهِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ دُونَ النَّفْيِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَجَزَا وَلَمْ يَرْضَيَا بِدَعْوَى أَحَدِهِمَا تَحَالَفَا) أَيْ إنْ عَجَزَا عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَمْ يَرْضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِمَا قَالَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ مَا قِيلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ تَرْضَى بِمَا قَالَهُ صَاحِبُك ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ افْتَدَى الْمُنْكِرُ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْمَالَ فَيَفْتَدِي يَمِينَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَالَ جَائِزٌ وَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عَلَى ذَلِكَ الْيَمِينِ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إنْ صَالَحَهُ مِنْ يَمِينِهِ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَمَّا جَوَازُ الِافْتِدَاءِ فَلِمَا إلَخْ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَالِافْتِدَاءُ قَدْ يَكُونُ بِمَالٍ مِثْلَ الْمُدَّعَى أَوْ أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى وَالصُّلْحُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى فِي الْغَالِبِ لِأَنَّ الصُّلْحَ يُنْبِئُ عَنْ الْحَطِيطَةِ وَكِلَاهُمَا مَشْرُوعٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَيَجُوزُ عِنْدَنَا وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ كَانَ عَلَى مِقْدَادٍ) كَانَ لِعُثْمَانَ عَلَى الْمِقْدَادِ سَبْعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَادَّعَى أَنَّهُ أَوْفَاهَا لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عِنْدَك اعْتِذَارُهُ) تَمَامُهُ فَلَيْسَ كُلُّ سَامِعٍ نُكُرًا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُوسِعَهُ عُذْرًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِمَالٍ) ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ والمرغيناني وَالْمَحْبُوبِيَّ. اهـ. مِعْرَاجٌ [بَابُ التَّحَالُفِ] (بَابُ التَّحَالُفِ) (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ) أَيْ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَبِيعِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ مِنْهُ اهـ هِدَايَةً (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِمُثْبِتِ الزِّيَادَةِ) يَعْنِي ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الْعَيْنَ بِعَشْرَةٍ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ بَاعَهَا بَخَمْسَةَ عَشَرَ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ أَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَى الْكُرَّيْنِ بِعَشَرَةٍ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ بَاعَ الْكُرَّ بِعَشَرَةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَى فَالْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى. اهـ. غَايَة (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا) أَيْ فِي قَدْرِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَوْلَى فِي الْمَبِيعِ) صُورَتُهُ مَا قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَحْدَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا بَلْ مَعَ هَذَا الْعَبْدِ بِخَمْسِينَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى بِهِمَا جَمِيعًا لِلْمُشْتَرِي بِمِائَةِ دِينَارٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَتْ بَيِّنَتُهُ زِيَادَةً فَتُقْبَلُ فِي حَقِّ تِلْكَ الزِّيَادَةِ. اهـ. غَايَةً (قَوْلُهُ وَفِي النِّهَايَةِ إلَخْ) هَذَا الْفَرْعُ وَقَعَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأُخْرَى تَنْفِيهِ) أَمَّا حَقُّ الْمُشْتَرِي فَثَابِتٌ فِي الْجَارِيَةِ بِاتِّفَاقِهِمَا فَلَمْ تُثْبِتْ بَيِّنَتُهُ لَهُ شَيْئًا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ فَبَيِّنَتُهُ أَوْلَى بِالْقَبُولِ اهـ

وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ عَلَيْك تَحَالَفَا وَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَهَذَا طَرِيقٌ فِيهِ فَلَعَلَّهُمَا يَرْغَبَانِ فِي الْبَيْعِ دُونَ الْفَسْخِ فَيَرْضَيَانِ بِهِ إذَا عَلِمَا ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبُدِئَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَشَدُّهُمَا إنْكَارًا إذْ هُوَ الْمُطَالَبُ بِالثَّمَنِ أَوَّلًا فَيُنْكِرُ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ فَيَكُونُ بَادِئًا بِالْإِنْكَارِ وَعِنْدَ نُكُولِهِ يُطَالَبُ بِالثَّمَنِ كَمَا نَكَلَ مِنْ غَيْرِ تَأَخُّرٍ فَيَتَعَجَّلُ بِهِ فَائِدَةَ الْيَمِينِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ أَوْ الْبَذْلُ عِنْدَ النُّكُولِ وَبِنُكُولِ الْبَائِعِ تَتَأَخَّرُ الْفَائِدَةُ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ يَتَأَخَّرُ إلَى زَمَانِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ يُمْسِكُ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَكَانَ مَا يُتَعَجَّلُ بِهِ فَائِدَتُهُ أَوْلَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ» خَصَّهُ بِالذِّكْرِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِيَمِينِهِ فَإِنْ تَقَاصَرَ عَنْ إفَادَتِهِ فَلَا يَتَقَاصَرُ عَنْ إفَادَةِ التَّقْدِيمِ وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْبُدَاءَةِ هَذَا إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ وَإِنْ بَاعَ ثَمَنًا بِثَمَنٍ أَوْ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ بَدَأَ الْقَاضِي بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي فَائِدَةِ النُّكُولِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَسَخَ الْقَاضِي بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» وَلِأَنَّهُمَا لَمَّا حَلَفَا لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَبْقَى بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ أَوْ بِلَا بَدَلٍ فَيُفْسَخُ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِلَا ثَمَنٍ أَوْ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَاسِدٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ فِيهِ وَقِيلَ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ وَطْءَ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ يَحِلُّ بَعْدَ التَّحَالُفِ قَبْلَ فَسْخِ الْقَاضِي الْمَبِيعَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ كَانَ يَنْفَسِخُ لَمَا حَلَّ وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَيَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِمَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ بِضَمِّ الْإِثْبَاتِ إلَى النَّفْيِ تَأْكِيدًا وَالْأَصَحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّفْيِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ عَلَيْك) فَيُغَالِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَرْضَى بِالثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ وَإِلَّا فَسَخْنَا وَفِي صُورَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَبِيعِ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إمَّا أَنْ تُسَلِّمَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَسَخْنَا وَفِي صُورَةِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِيهِمَا يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا ذُكِرَ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبُدِئَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) هَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَبِيعِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْبَائِعِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْإِجَارَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعِنْدَ زُفَرَ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا كَذَا فِي التَّقْرِيبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ» وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْبَائِعِ وَهَلَاكُهُ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَكَانَ تَقْدِيمُ مَنْ فِي حَبْسِهِ الْمَبِيعُ أَوْلَى. اهـ. غَايَةً وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ كِتَابِ الِاسْتِحْلَافِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْلَافِ وَهِيَ أَنَّ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ ابْتَدَأَ بِالْخُصُومَةِ وَادَّعَى عَلَى الْبَائِعِ اُبْتُدِئَ بِيَمِينِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ ابْتَدَأَ بِالدَّعْوَى اُبْتُدِئَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي. اهـ. غَايَةً (قَوْلُهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي فَائِدَةِ النُّكُولِ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا نَكِلَ لَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ شَيْءٍ فِي الْحَالِ. اهـ. غَايَةً (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَسَخَ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ الْيَمِينِ وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا انْتَفَى الثَّمَنَانِ فَبَقِيَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَيَفْسُدُ فَيَنْقَضِ الْعَقْدُ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا يَنْقُضُ الْقَاضِي فِيمَا بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَا أَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَاضِي النَّقْضَ فَإِمَّا بِدُونِ الطَّلَبِ لَا يَنْقُضُ وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اللِّعَانِ وَهُوَ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا فَرَغَا مِنْ اللِّعَانِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا سَوَاءً طَلَبَا مِنْ الْقَاضِي أَوْ لَمْ يَطْلُبَا لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَحِلِّ قَدْ ثَبَتَتْ شَرْعًا عَلَى مَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» وَهَذِهِ الْحُرْمَةُ حَقُّ الشَّرْعِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى طَلَبِ الْعَبْدِ وَأَمَّا الْعَقْدُ وَفَسْخُ الْعَقْدِ حَقُّهُمَا فَشَرْطُ طَلَبِ الْعَبْدِ لِهَذَا وَقَالَ الْإِمَامُ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي وَإِنْ حَلَفَا لَمْ يَنْقُضْ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَطْلُبَا ذَلِكَ أَوْ يَطْلُبَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ الْفَسْخَ حَقٌّ لَهُمَا بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا) يَعْنِي إذَا اسْتَحْلَفَ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَحَلَفَا فُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا مَا نَصَّهُ حَتَّى لَوْ رَضِيَا بِتَرْكِ الدَّعْوَى لَا يُفْسَخُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَاسِدٍ) أَيْ وَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْفَسْخِ. اهـ. غَايَةً (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِتَعْلِيلِ اشْتِرَاطِ طَلَبِ أَحَدِهِمَا الْفَسْخَ مَعَ أَنَّ رَفْعَ الْفَسَادِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدٌ وَوَجْهُ اشْتِرَاطِهِ أَنَّ الْفَسَادَ هُنَا وَقَعَ بَعْدَ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فَاسِدَةً ابْتِدَاءً. اهـ. (قَوْلُهُ وَصِفَةُ الْيَمِينِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا صِفَةُ التَّحَالُفِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى الْآخَرِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِمِائَةٍ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ الِاقْتِصَارُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ مَوْضُوعُ الْيَمِينِ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ عِنْدَنَا إلَّا بِالنَّفْيِ فَلَوْ جَمَعْنَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لَتَضَمَّنَتْ الْإِثْبَاتَ وَالنَّفْيَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَوَجْهُ مَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ تَأْكِيدٌ لِلنَّفْيِ وَلَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ مَوْضُوعُهَا النَّفْيُ وَيُضَمُّ إلَيْهَا الْإِثْبَاتُ عَلَى طَرِيقِ التَّأْكِيدِ فَيَقُولُ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَهَذَا وَارِثُهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ جَوَابًا عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ زُفَرُ وَإِنَّمَا خُصَّ الْبَائِعُ بِالذَّكَرِ لِأَنَّ يَمِينَ الْمُشْتَرِي مَعْلُومَةٌ لَا يُشْكِلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»

لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى ذَلِكَ وُضِعَتْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ فِي الْقَسَامَةِ بِقَوْلِهِمْ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى الْمُنْكِرِ وَهُوَ النَّافِي فَيَحْلِفُ عَلَى هَيْئَةِ النَّفْيِ إشْعَارًا بِأَنَّ الْحَلِفَ وَجَبَ عَلَيْهِ لِإِنْكَارِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنْكِرٌ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِيَ يُنْكِرُ وَيَدَّعِي زِيَادَةَ الْمَبِيعِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَحَدِهِمَا فَأَحَدُهُمَا يَدَّعِي زِيَادَةَ الْبَدَلِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ وَالْمُنْكِرُ مِنْهُمَا يَدَّعِي وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ عَلَى صَاحِبِهِ عِنْدَ تَسْلِيمِهِ الْبَدَلَ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَصَارَا مُدَّعِيَيْنِ وَمُنْكِرَيْنِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِكَوْنِهِ مُدَّعِيًا وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا وَهَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ فَظَاهِرٌ وَهُوَ قِيَاسٌ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَمُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ الْقَابِضَ مِنْهُمَا لَا يَدَّعِي شَيْئًا عَلَى صَاحِبِهِ وَإِنَّمَا يُنْكِرُ مَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ وَلَكِنْ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ) لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا بِهِ أَوْ بَاذِلًا فَلَزِمَهُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ بِدُونِ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْبَذْلِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَذْلِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا بِانْفِرَادِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي التَّحَالُفِ إذَا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْبَذْلِ مَقْصُودًا وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ آخَرَ نَحْوُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ مِنْ آخَرَ سَمْنًا فِي زِقٍّ وَوَزْنُهُ مِائَةُ رَطْلٍ ثُمَّ جَاءَ بِالزِّقِّ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَوَزْنُهُ عِشْرُونَ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هَذَا زِقِّي وَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ زِقُّك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ رَطْلٍ ثَمَنًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ فَجَعَلَ هَذَا اخْتِلَافًا فِي الْمَقْبُوضِ وَفِيهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ فِي نَفْسِ الْقَبْضِ وَالْمَقْبُوضِ فَكَذَا فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ اخْتِلَافٌ فِي الثَّمَنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَزْدَادُ بِنُقْصَانِ الزِّقِّ وَيَنْقُصُ بِزِيَادَتِهِ فَالْبَائِعُ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي إيجَابِ التَّحَالُفِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَقَعَ مُقْتَضَى اخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّقِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ أَوْ شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي قَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ فِي رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ إقَالَةِ السَّلَمِ لَمْ يَتَحَالَفَا) وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ أَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي قَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ فَلِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودِ بِهِ فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَلُّ الْعَقْدُ بِانْعِدَامِهِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ وَجِنْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ التَّحَالُفُ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ لَا غَيْرُ لِكَوْنِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَجَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْفٍ لَهُ أَلَا تَرَى أَنْ لِلثَّمَنِ وُجُودًا بِدُونِهِ وَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَسَكَتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَبَيَّنَ مَا يُشْكِلُ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ بَيَانُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى ذَلِكَ وُضِعَتْ) أَيْ وُضِعَتْ لَا عَلَى الْإِثْبَاتِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ) قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ مَقْبُوضَةٌ كَانَتْ أَوْ لَمْ تَكُنْ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى دَعْوَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَعْوَى الْبَائِعِ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَاهُ وَهُوَ الْبَيْعُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا فَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ آنِفًا وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ النُّكُولَ فِي مَعْنَى الْبَذْلِ وَبَذْلُ الْأَعْوَاضِ صَحِيحٌ فَإِذَا كَانَ النَّاكِلُ بَاذِلًا لَمْ تَبْقَ دَعْوَاهُ مُعَارِضَةً لِدَعْوَى صَاحِبِهِ فَيَثْبُتُ دَعْوَى صَاحِبِهِ لِسَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِض. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ النُّكُولَ. اهـ. (قَوْلُهُ نَحْوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ مِنْ آخَرَ سَمْنًا فِي زِقٍّ إلَخْ) هَذَا الْفَرْعُ مَذْكُورٌ فِي مَتْنِ الْكَنْزِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَرَاجِعْ الْحَاشِيَةَ الَّتِي فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ نَقْلًا عَنْ الْكَمَالِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلِلْمُشْتَرِي لَوْ فِي الرُّؤْيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَذَا فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ) يَعْنِي الْقَوْلُ فِيهِ لِلْقَابِضِ هَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ حَيْثُ قَالَ وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ لِلْقَابِضِ فَلْيُرَاجَعْ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ فِي قَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ) ذِكْرُ الْبَعْضِ لَيْسَ بِقَيْدٍ إذْ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ كُلِّ الثَّمَنِ كَذَلِكَ يَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ لَا غَيْرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْإِبْرَاءِ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَا فِي حَطِّ بَعْضِ الثَّمَنِ أَوْ إبْرَاءِ كُلِّ الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا فَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ. اهـ. (قَوْله وَلِهَذَا لَا يَخْتَلُّ الْعَقْدُ بِانْعِدَامِهِ) أَيْ بِانْعِدَامِ الْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ) أَعْنِي فِي جُودَتِهِ أَوْ رَدَاءَتِهِ. اهـ. غَايَةً (قَوْلُهُ وَجِنْسِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمُ وَالْآخَرُ دَنَانِيرُ اهـ غَايَةً (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إلَخْ) وَالتَّحْقِيقُ هُنَا أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّحَالُفَ شُرِعَ بِالنَّصِّ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ إذَا أَمْكَنَ الْفَسْخُ بَعْدَ التَّحَالُفِ لِيُتَوَصَّلَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى رَأْسِ مَالِهِ إذَا لَمْ يَصِلْ لَهُ مَا ادَّعَى قِبَلَ صَاحِبِهِ وَهَذَا مُمْكِنٌ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ لِأَنَّهُمَا إذَا تَحَالَفَا لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْ الثَّمَنَيْنِ أَوْ الْمُثَمَّنَيْنِ فَيَبْقَى الْبَيْعُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ وَهُوَ فَاسِدٌ فَيَجِبُ الرَّدُّ وَالْمُتَارَكَةُ بِسَبَبِ الْفَسَادِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ اخْتَلَفَا فِي شَرْطٍ زَائِدٍ وَهُوَ الْأَجَلُ وَالْخِيَارُ فَإِذَا تَحَالَفَا لَمْ يَثْبُتْ الشَّرْطُ وَالْبَيْعُ يَبْقَى صَحِيحًا بِدُونِهِ كَمَا لَوْ عَقَدَ الْبَيْعَ بِدُونِهِ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُفْسَخَ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ وَثَمَرَةُ التَّحَالُفِ الْفَسْخُ فَلَا تَحَالُفَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُؤَدِّي إلَى الْفَسْخِ وَيُعَلَّلُ أَيْضًا لِخِيَارِ الشَّرْطِ فَنَقُولُ نَوْعُ خِيَارٍ فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي بُيُوعِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْعَاقِدَيْنِ مَتَى اخْتَلَفَا فِي الْمَمْلُوكِ بِالْعَقْدِ يَتَحَالَفَانِ وَمَتَى اخْتَلَفَا فِي الْمَمْلُوكِ بِالشَّرْطِ لَمْ يَتَحَالَفَا أَوْ نَقُولُ مَتَى اخْتَلَفَا فِي كَلِمَةِ الْعَقْدِ تَحَالَفَا وَمَتَى لَمْ يَخْتَلِفَا فِي كَلِمَةِ الْعَقْدِ لَمْ يَتَحَالَفَا وَالْأَجَلُ مَمْلُوكٌ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ فِي كَلِمَةِ الْعَقْدِ وَالثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ مَمْلُوكٌ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مِنْ كَلِمَةِ الْعَقْدِ

مُسْتَحِقُّهُمَا مُخْتَلَفٌ فَإِنَّ الثَّمَنَ حَقُّ الْبَائِعِ وَالْأَجَلُ حَقُّ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لِلثَّمَنِ لَكَانَ حَقَّ الْبَائِعِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَتَحَالَفَانِ فِي الْأَجَلِ إذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهِ أَوْ قَدْرِهِ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ مَالِيَّةِ الثَّمَنِ فَإِنَّ الْمُؤَجَّلَ أَنْقَصُ مِنْ الْحَالِ فِي الْمَالِيَّةِ وَلِأَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَ التَّحَالُفَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَلَمْ يُفَصِّلْ قُلْنَا وُجُوبُ التَّحَالُفِ مُعَلَّقٌ بِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَيْعِ فَيَتَعَلَّقُ وُجُوبُهُ بِاخْتِلَافِهِمَا فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْبَيْعُ وَهُوَ يَثْبُتُ بِالْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ لَا بِالْأَجَلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ تَحَالَفَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَجَلَ لَيْسَ بِوَصْفٍ لِلثَّمَنِ إذْ لَوْ كَانَ وَصَفًّا لَهُ لَذَهَبَ عِنْدَ ذَهَابِهِ إذْ الشَّيْءُ لَا يَبْقَى بِدُونِ وَصْفِهِ وَفُرِّقَ بَيْنَ الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ جَعَلَ هُنَاكَ الْقَوْلَ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الْأَجَلَ وَجَعَلَ الْقَوْلَ هُنَا لِمُنْكِرِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي السَّلَمِ وَتَرْكُهُ فِيهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَإِقْدَامُهُمَا عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِيهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِنَافِيهِ لِأَنَّ الْأَجَلَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِأَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إلَى ثَلَاثٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْآخَرُ الْخِيَارَ وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لِلثَّمَنِ لِمَا قَبْلُ وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْبَيْعِ أَوْ فِي مَكَانِ إيفَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا انْفَرَدَ فِي إنْكَارِ أَصْلِ الْبَيْعِ وَالِاخْتِلَافِ فِي مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْبُيُوعِ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ صَارَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ لَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ قِيَامِ السِّلْعَةِ وَالْمُرَادُ بِاشْتِرَاطِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ التَّنْبِيهُ عَلَى عَدَمِ سُقُوطِهِ فِي حَالَةٍ أَدْنَى مِنْهَا كَأَنَّهُ يَقُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَحَالَفَا وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَمْيِيزُ الصَّادِقِ مِنْ الْكَاذِبِ إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً بِتَحْكِيمِ قِيمَتِهَا فِي الْحَالِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ بَعْدَ الْهَلَاكِ فَإِذَا كَانَ يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا مَعَ إمْكَانِ الْمَعْرِفَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَجْرِيَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَقْدًا غَيْرَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ إذْ الْبَيْعُ بِأَلْفٍ غَيْرُ الْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْبَيْعِ إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعَيْنِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَالْآخَرُ الْهِبَةَ أَوْ كَانَ الْبَيْعُ مُقَايَضَةً فَهَلَكَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ وَفِي التَّحَالُفِ فَائِدَةٌ وَهُوَ تَسْلِيمُ مَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُشْتَرِي أَوْ سُقُوطِ الثَّمَنِ كُلِّهِ عَنْ الْمُشْتَرِي عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ نُكُولِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ قَائِمَةً وَمَا رَوَيَاهُ مِنْ الْمُطْلَقِ مَحْمُولٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQاهـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي أَجَلِ الثَّمَنِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا فِي أَصْلِهِ أَوْ فِي قَدْرِهِ أَوْ فِي مُضِيِّهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا وَالْبَيِّنَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْقَدْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمُضِيِّ وَالْقَدْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الْمُضِيِّ وَفِي الْقَدْرِ قَوْلُ الْبَائِعِ فَيَجْعَلُ شَهْرًا لَمْ يَمْضِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا فَأَمَّا إذَا كَانَ دَيْنًا يَعْنِي السَّلَمَ فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ وَالتَّرَادَّ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَمْلُوكِ بِالشَّرْطِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَتَحَالَفَانِ وَيُتَرَادَّانِ لِأَنَّ السَّلَمَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ فَالِاخْتِلَافُ كَالِاخْتِلَافِ فِي صِفَةِ السَّلَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفَرْقٌ بَيْنَ الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ إلَخْ) ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي أَجَلِ السَّلَمِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهِ أَوْ فِي قَدْرِهِ وَفِي مُضِيِّهِ أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مُدَّعِي الْأَجَلِ هُوَ رَبُّ السَّلَمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَيَجُوزُ السَّلَمُ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِي الْأَجَلِ هُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا اسْتِحْسَانًا وَيَجُوزُ السَّلَمُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ وَيَفْسُدُ الْمُسْلَمُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَالْبَيِّنَةُ أَيْضًا بَيِّنَتُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ وَمُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ فِي الْقَدْرِ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ وَالْقَوْلُ فِي الْمُضِيِّ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَلَى إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَمْضِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي دَعْوَى التَّأْجِيلِ مُصَدَّقٌ كَرَبِّ السَّلَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا) أَيْ وَيُقْضَى بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ) أَيْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي إذْ قَبْلَ قَبْضِهِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَوْ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ أَمْر بِالتَّحَالُفِ وَالْفَسْخِ عَلَى قِيمَتِهِ وَجَعَلَا الْقَوْلَ لِلْمُشْتَرِي اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ السِّلْعَةَ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً يَتَحَالَفَانِ سَوَاءً كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ فِي تَحْلِيفِ الْبَائِعِ عِنْدَنَا لَا يَحْلِفُ الْبَائِعُ وَعِنْدَهُمَا يَحْلِفُ اهـ قَوْلُهُ أَوْ فِي الثَّمَنِ أَيْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ اهـ شَرَحَهُ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي هَلَاكٌ حُكْمًا وَالْهَلَاكُ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا اهـ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ قَائِمَةً) أَيْ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ اهـ

عَلَيْهِ وَلَفْظُ التَّرَادِّ فِيهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّرَادَّ يَكُونُ فِي الْقَائِمِ دُونَ الْهَالِكِ وَلِأَنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إذَا كَانَ الرَّاوِي لَهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدًا بِالْإِجْمَاعِ وَيُحَالُ تَرْكُ الرَّاوِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَيْدَ إلَى غَفْلَتِهِ وَقِلَّةِ ضَبْطِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الرَّاوِيَانِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ يُتْرَكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ وَمَحَلٍّ وَاحِدٍ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ هُنَا يَرْوِيهِمَا ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُؤْخَذُ بِالْمُقَيَّدِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالتَّحَالُفُ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى حَالِ هَلَاكِ السِّلْعَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ إذْ لَا يَعُودُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى رَأْسِ مَالِهِ وَلَا يَدَّعِي الْمُشْتَرِي فِيهِ شَيْئًا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّهُ بِالتَّحَالُفِ يُفْسَخُ الْعَقْدُ وَالْفَسْخُ يُرَدُّ عَلَى عَيْنِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُهُ كَالْعَقْدِ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ وَلَا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمَا إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَقْدًا غَيْرَ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قَدْرِ الثَّمَنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ يَبِيعُهُ بِأَلْفَيْنِ وَأَنَّ الْبَيْعَ بِأَلْفٍ يَصِيرُ بِأَلْفَيْنِ بِالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ وَبِخَمْسِمِائَةٍ بِالْحَطِّ وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَحَدُهُمَا لَا لِاخْتِلَافِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدَّنَانِيرَ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الشِّرَاءَ بِالدَّرَاهِمِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ وَإِنْكَارُهُ صَحِيحٌ وَكَذَا دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يُسَلَّمُ لَهُ إلَّا بِثَمَنٍ فَكَانَ دَعْوَاهُ الثَّمَنَ دَعْوَى الْمَبِيعِ وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى ثَمَنٍ وَهُنَا اتَّفَقَا عَلَى أَلْفٍ وَهُوَ يَكْفِي لِلصِّحَّةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً جَازَ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْفَسْخِ بَعْدَ التَّحَالُفِ وَلَوْ كَانَ مُخْتَلِفًا لَمَا صَحَّ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا هِبَةً وَالْآخَرُ بَيْعًا لِاخْتِلَافِهِمَا حَقِيقَةً وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فَكَانَ الْبَيْعُ قَائِمًا بِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِيهِ وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ فَإِذَا كَانَ بَاقِيًا رَدَّهُ وَرَدَّ الْآخَرُ مِثْلَ الْهَالِكِ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَإِلَّا فَقِيمَتَهُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِي التَّحَالُفِ هُنَا فَائِدَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْفَسْخِ أَنْ لَا يُسَلَّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الْعِوَضُ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ عَيْنُ مَالِهِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَهُنَا يُسَلَّمُ الْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ كَمَا يُسَلَّمُ لَهُ بِالثَّمَنِ إذَا لَمْ يُفْسَخْ فَلَا يُعْتَدُّ بِاخْتِلَافِ سَبَبِ السَّلَامَةِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ كَمَنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ فَقَالَ الْمَقَرُّ لَهُ هِيَ غَصْبٌ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِعْتَنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَأَنْكَرَ وَقَالَ مَا بِعْتُكَهَا وَإِنَّمَا زَوَّجْتُكَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ فَإِنَّ حُكْمَ مِلْكِ الْيَمِينِ خِلَافُ حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ وَكَذَا لَا يَرْجِعُ إلَى الْبَائِعِ بِالْفَسْخِ عَيْنُ مَالِهِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَلَا يَكُونُ فِي الْفَسْخِ فَائِدَةٌ لِأَنَّ مَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْفَائِدَةِ هُوَ عَوْدُ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ إلَى صَاحِبِهِ لَا أَيُّ فَائِدَةٍ كَانَتْ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصُورَتُهُ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِيهَا لَا يَتَحَالَفَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ وَجَعَلَ هَذَا فِي النِّهَايَةِ لَفْظَ الْمَبْسُوطِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَقَالَ قَاضِيخَانْ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْمَيِّتِ شَيْئًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيِّ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ فِي الْهَالِكِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي ثَمَنِهِ قَوْلَ الْمُشْتَرِي وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِمَا وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِيهِمَا وَيُرَدُّ الْحَيُّ وَقِيمَةُ الْهَالِكِ لِأَنَّ هَلَاكَ كُلِّ السِّلْعَةِ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ فَهَلَاكُ الْبَعْضِ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ امْتِنَاعَ التَّحَالُفِ لِلْهَلَاكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ الْقَبْضِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ وَالسِّلْعَةُ اسْمٌ لِجَمِيعِهَا فَلَا تَبْقَى السِّلْعَةُ بَعْدَ فَوَاتِ جُزْءٍ مِنْهَا وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَالُفُ فِي الْقَائِمِ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقِسْمَةِ عَلَى قِيمَتِهِمَا وَالْقِيمَةُ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَيُؤَدِّي إلَى التَّحْلِيفِ مَعَ الْجَهْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الثَّمَنُ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ الْحَيِّ وَيَخْرُجُ الْهَالِكُ عَنْ الْعَقْدِ فَيَكُونُ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي) أَيْ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ اهـ

فَيَتَحَالَفَانِ فَإِنْ حَلَفَا فُسِخَ الْعَقْدُ فِيهِ وَأَخَذَهُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ وَلَا مِنْ قِيمَتِهِ شَيْئًا وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ وَلَفْظُ الْمَبْسُوطِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَدَمُ التَّحَالُفِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ قَوْلُهُ لَمْ يَتَحَالَفَا وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَتَحَالَفَانِ وَأَنْ لَا يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يَمِينُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ قَبْلَهُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَتَكَلَّمُوا أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ إلَى مَاذَا يَنْصَرِفُ قَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَنْصَرِفُ إلَى يَمِينِ الْمُشْتَرِي وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْبَائِعَ يَأْخُذُ الْحَيَّ مِنْهُمَا صُلْحًا عَمَّا يَدَّعِيهِ قَبْلَ الْمُشْتَرِي مِنْ الزِّيَادَةِ وَيُجْعَلُ صُلْحُهُمَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ كَصُلْحِهِمَا عَلَى عَبْدٍ آخَرَ وَصَارَ تَقْدِيرُ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْبَائِعُ الْحَيَّ وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا آخَرَ فَحِينَئِذٍ لَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده هَذَا لَا يَقْوَى لِأَنَّ الْأَخْذَ مُعَلَّقٌ بِمَشِيئَةِ الْبَائِعِ وَلَوْ كَانَ أَخَذَ الْحَيَّ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ لَكَانَ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهِمَا قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ لَيْسَ فِي هَذَا الْأَخْذِ فَائِدَةٌ لَهُ أَيْضًا وَلَا يَحْتَمِلُهَا فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ لِأَنَّ تَرْكَ حِصَّةِ الْهَالِكِ مِنْ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ يُقَابِلُهُ لَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ ثُمَّ قَالَ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْصَرِفٌ إلَى التَّحَالُفِ وَصَارَ تَقْدِيرُ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْمَيِّتِ شَيْئًا فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ التَّحَالُفُ دُونَ يَمِينِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ صَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْمَذْكُورِ أَوْلَى وَبَعْضُهُمْ قَالُوا لَا بَلْ يَنْصَرِفُ إلَى يَمِينِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا رَضِيَ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْمَيِّتِ شَيْئًا فَحِينَئِذٍ لَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَعْرَضَ عَنْ دَعْوَاهُ لَا مَعْنَى لِتَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي عَدَمِ الْفَائِدَةِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ الْإِمَامُ الْكَيْسَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَأْخُذُ الْبَائِعُ فِي حَقِّ الْهَالِكِ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا يُقِرُّ بِهِ الْمُشْتَرِي فَحِينَئِذٍ لَا يَحْلِفُ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ إنَّمَا شُرِعَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ يُنْكِرُ مَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ مِنْ الزِّيَادَةِ فَإِذَا تَرَكَ الْبَائِعُ دَعْوَى الزِّيَادَةِ وَأَخَذَ الْحَيَّ وَرَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِحْلَافِ الْمُشْتَرِي وَالصَّحِيحُ هُوَ تَرْكُ دَعْوَى الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ لَا تَرْكُ ثَمَنِ الْهَالِكِ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَتْرُكُ ثَمَنَ الْهَالِكِ كُلَّهُ وَإِنَّمَا يَتْرُكُ الزَّائِدَ عَلَى مَا يُقِرُّ بِهِ الْمُشْتَرِي وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا أَيْ لَا يَأْخُذُ مِنْ الزِّيَادَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا شَيْئًا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْصَرِفًا إلَى يَمِينِ الْمُشْتَرِي وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى التَّحَالُفِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّحَالُفِ وَهُوَ الْهَالِكُ قَدْ زَالَ بِخُرُوجِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا فَصَارَ كَأَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْحَيُّ وَحْدَهُ أَوْ بِرِضَاهُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ فَلَمْ يَبْقَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي ثَمَنِ الْحَيِّ فَيَتَحَالَفَانِ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ ثُمَّ تَفْسِيرُ التَّحَالُفِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْهَلَاكَ عِنْدَهُ لَا يُؤَثِّرُ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا حَيَّانِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَحَالَفَانِ عَلَى الْقَائِمِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ دُونَ الْهَالِكِ لِأَنَّ التَّحَالُفَ لِلْفَسْخِ وَالْفَسْخَ لَا يُرَدُّ عَلَى الْهَالِكِ وَهَذَا لَا يَقْوَى لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَى الْقَائِمَ بِأَلْفٍ يَكُونُ صَادِقًا لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ مَا اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَلْفٍ كَانَ صَادِقًا فَلَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ الْحَلِفِ فَلَمْ يُفِدْ التَّحَالُفُ فَائِدَتَهُ وَالصَّحِيحُ أَنْ يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُمَا بِأَلْفَيْنِ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ وَإِنْ حَلَفَ يَحْلِفْ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُمَا بِأَلْفٍ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ حَلَفَ فُسِخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا فِي الْقَائِمِ وَسَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي حِصَّةُ الْهَالِكِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يُقِرُّ بِهِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُقْسِمُ عَلَى قِيمَتِهِمَا يَوْمَ الْقَبْضِ فَمَا أَصَابَ الْحَيَّ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ الْهَالِكَ لَزِمَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ لِأَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةَ السُّقُوطِ بِدَعْوَى قِلَّةِ قِيمَةِ الْهَالِكِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَقَبَضَهُمَا ثُمَّ رَدَّ أَحَدَهُمَا بِعَيْبٍ وَهَلَكَ الْآخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي سَقَطَ عَنْهُ ثَمَنُ مَا رَدَّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَا هَلَكَ عِنْدَهُ وَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَدَمُ التَّحَالُفِ) أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ مُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ التَّحَالُفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَحْلِفَ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَكَلَّمُوا أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَصَارَ تَقْدِيرُ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ) أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا آخَرَ) أَيْ لَا مِنْ قِيمَةِ الْهَالِكِ وَلَا مِنْ ثَمَنِهِ اهـ (قَوْلُهُ كَانَ صَادِقًا) أَيْ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت الْقَائِمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي كَانَ صَادِقًا اهـ

بَيِّنَةً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ كُلِّ الثَّمَنِ ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةَ السُّقُوطِ بِدَعْوَاهُ أَنَّ قِيمَةَ الْهَالِكِ أَقَلُّ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ أَيْضًا وَهَذَا الْفِقْهُ وَهُوَ أَنَّ الْأَيْمَانَ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَقِيقَةُ لِأَنَّهَا تَتَوَجَّهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَهُمَا يَعْرِفَانِ حَقِيقَةَ الْحَالِ فَيَنْبَنِي الْأَمْرُ عَلَيْهَا وَالْبَائِعُ مُنْكِرٌ حَقِيقَةً فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَفِي الْبَيِّنَاتِ يُعْتَبَرُ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَا يَعْلَمَانِ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فَاعْتُبِرَ الظَّاهِرُ فِي حَقِّهِمَا وَالْبَائِعُ مُدَّعٍ ظَاهِرًا فَلِهَذَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا وَتَرَجَّحَتْ بِالزِّيَادَةِ الظَّاهِرَةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْبَائِعَ إذَا رَضِيَ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ مِنْ الثَّمَنِ يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا هَلَكَ بَعْضُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَهُ يَتَحَالَفَانِ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا لَوْ رَدَّ أَحَدَهُمَا بِعَيْبٍ لِأَنَّ الْكُلَّ يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ التَّعْلِيلَ بِأَنَّ السِّلْعَةَ اسْمٌ لِجَمِيعِهَا غَيْرُ سَدِيدٍ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَتَحَالَفَانِ وَتُفْسَخُ الْكِتَابَةُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ تَقْبَلُ الْفَسْخَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَدَّعِي بَدَلًا زَائِدًا وَالْعَبْدَ يُنْكِرُهُ وَالْعَبْدَ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ عَلَى الْمَوْلَى عِنْدَ أَدَاءِ مَا يُقِرُّ بِهِ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُهُ فَيَتَحَالَفَانِ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَهُوَ قَبْلَ الْقَبْضِ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ فَيَتَعَدَّى إلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ مُقَابِلٌ بِفَكِّ الْحَجَرِ وَهُوَ مِلْكُ التَّصَرُّفِ وَالْيَدُ لِلْحَالِ وَقَدْ سُلِّمَ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ وَلَا يَدَّعِي عَلَى مَوْلَاهُ شَيْئًا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَتَحَالَفَانِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَبْدِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُقَابِلًا بِالْعِتْقِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَهُ لَا يُقَابِلُهُ أَصْلًا حَتَّى يُقَالَ فِيهِ أَنَّهُ اخْتِلَافٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذَا نَظِيرُ الْأُجْرَةِ فَإِنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَكَذَا الْكِتَابَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ صُورَةً وَمَعْنًى لِأَنَّ صُورَةَ الْبَيْعِ لِلِاسْتِرْبَاحِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّضْيِيقِ وَالْكِتَابَةُ بِخِلَافِهِ وَالْبَيْعُ يَقْبَلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِهِ وَالْكِتَابَةُ لَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ بَعْدَ التَّمَامِ فَلَا تَكُونُ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَتَحَالَفَانِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَالْمَصِيرُ إلَى التَّحَالُفِ فِيهِ مُفِيدٌ حَتَّى إذَا نَكَلَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْمُكَاتِبَ إذَا نَكَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالتَّعْجِيزِ وَالدَّيْنُ فِيهِ غَيْرُ لَازِمٍ حَتَّى لَا تَجُوزَ الْكَفَالَةُ بِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْكُلَّ مَالُ الْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَإِذَا انْعَدَمَ التَّحَالُفُ وَجَبَ اعْتِبَارُ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ وَهُوَ الْعَبْدُ وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِهَا وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَدَّى قَدْرَ مَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْحُرِّيَّةَ لِنَفْسِهِ عِنْدَ أَدَاءِ هَذَا الْقَدْرِ فَوَجَبَ قَبُولُ بَيِّنَتِهِ عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ نَظِيرُ مَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَدَّى خَمْسَمِائَةٍ يَعْتِقُ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ بَدَلُ الْكِتَابَةِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَرْتَفِعُ بَعْدَ النُّزُولِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ وَأَمَّا إذَا اُخْتُلِفَ فِي رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ إقَالَةِ السَّلَمِ فَلِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَيْسَ بِبَيْعٍ بَلْ هُوَ إبْطَالٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ رَبَّ السَّلَمِ لَا يَمْلِكُ الْمُسْلَمَ فِيهِ بِالْإِقَالَةِ بَلْ يَسْقُطُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مَعْنَى الْبَيْعِ حَتَّى يَتَحَالَفَا فَاعْتُبِرَ فِيهِ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ حَقِيقَةً فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّحَالُفِ فَسْخُ الْعَقْدِ حَتَّى يَعُودَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى رَأْسِ مَالِهِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ النَّبَوِيَّةُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَحَالَفَا وَتَرَادَّا وَالتَّحَالُفُ فِي الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ لَا يُفِيدُ هَذَا الْمَقْصُودَ وَهُوَ فَسْخُ الْإِقَالَةِ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي السَّلَمِ بَعْدَ نَفَاذِهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ قَالَا نَقَضْنَا الْإِقَالَةَ لَا تُنْتَقَضُ وَكَذَا لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرْضًا فَقَبَضَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ ثُمَّ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ لَا يَعُودُ السَّلَمُ فَكَذَا بِالتَّحَالُفِ لَا تَنْتَقِضُ الْإِقَالَةُ وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ حَيْثُ تَنْتَقِضُ بِهَذِهِ النَّوَاقِضِ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ سَقَطَ بِالْإِقَالَةِ فَلَوْ انْفَسَخَتْ الْإِقَالَةُ لَكَانَ حُكْمُ انْفِسَاخِهَا عَوْدَ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالسَّاقِطُ لَا يَحْتَمِلُ الْعُودَ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ عَيْنٌ فَأَمْكَنَ عَوْدُهُ إلَى مِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَنْبَنِي الْأَمْرُ عَلَيْهَا) أَيْ لِئَلَّا يَلْزَمُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقَسَمِ بِجَهَالَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَا يَعْلَمَانِ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ) أَيْ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْحَالُ فِي الْوَاقِعِ عَلَى خِلَافِ مَا ظَهَرَ عِنْدَهُمَا بِهَزْلٍ أَوْ تَلْجِئَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. اهـ.

الْمُشْتَرِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ تَحَالَفَا) مَعْنَاهُ إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ مَا تَقَايَلَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ وَيَعُودُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ التَّحَالُفَ قَبْلَ الْقَبْضِ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ لِمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُنْكِرٌ فَيَتَعَدَّى إلَى الْإِقَالَةِ كَمَا يَتَعَدَّى إلَى الْإِجَارَةِ وَإِلَى الْوَارِثِ وَإِلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ غَيْرُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ قَبَضَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ فَلَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّهُ يَرَى النَّصَّ مَعْلُولًا بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ قَضَى لِمَنْ بَرْهَنَ) أَيْ لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِهَا وَهِيَ كَاسْمِهَا مُبَيِّنَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلْمَرْأَةِ) أَيْ إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ فَكَانَتْ أَوْلَى هَذَا إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ يَشْهَدُ لِلزَّوْجِ بِأَنْ كَانَ مِثْلَ مَا يَدَّعِي الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلزَّوْجِ وَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ تُثْبِتُ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَكَانَتْ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ يَشْهَدُ لَهَا بِأَنْ كَانَ مِثْلَ مَا تَدَّعِيهِ أَوْ أَكْثَرَ كَانَتْ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يَشْهَدُ لَهَا وَلَا لَهُ بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يَتَهَاتَرَانِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْإِثْبَاتِ لِأَنَّ بَيِّنَتَهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَبَيِّنَتَهُ تُثْبِتُ الْحَطَّ فَلَا تَكُونُ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَجَزَا) أَيْ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (تَحَالَفَا وَلَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ) لِأَنَّ يَمِينَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْتَفِي بِهِ مَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ مِنْ التَّسْمِيَةِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ بِلَا تَسْمِيَةٍ وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلنِّكَاحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَسْخِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بَلْ يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَقَضَى بِقَوْلِهِ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ أَوْ أَقَلَّ وَبِقَوْلِهَا لَوْ كَانَ كَمَا قَالَتْ أَوْ أَكْثَرَ وَبِهِ لَوْ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيَنَ مَا قَالَتْهُ هِيَ وَبَيْنَ مَا قَالَهُ هُوَ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَفَى بِيَمِينِهِمَا التَّسْمِيَةُ اُحْتِيجَ إلَى تَحْكِيمِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَيُقْضَى بِقَوْلِ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ هُوَ قُضِيَ بِذَلِكَ وَهَذَا تَخْرِيجُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَخْرِيجُ الرَّازِيّ خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ أَوَّلًا فَيَجْعَلُ الْقَوْلَ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا وَيُبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ لِتَعْجِيلِ الْفَائِدَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مُفَصَّلًا فِي النِّكَاحِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَتَحَالَفَانِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ تَحَالَفَا) يَعْنِي قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ نَظِيرُ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ وَمُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ وَهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَإِنْ قِيلَ قِيَامُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِلتَّحَالُفِ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْدُومَةٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْرَى فِيهَا التَّحَالُفُ قُلْنَا فِي الْمَعْدُومِ يُجْرَى التَّحَالُفُ كَمَا فِي السَّلَمِ وَلِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا قَائِمَةٌ ثُمَّ إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَنْفَعَةِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَنْفَعَةِ فَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا فَبَيِّنَةُ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى فِي الْأُجْرَةِ وَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى فِي الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِثْبَاتِ فَمَا كَانَ أَكْثَرَ إثْبَاتًا كَانَ أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَعْدَهُ لَا وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ إنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ لَا يَتَحَالَفَانِ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّحَالُفِ الْفَسْخُ وَالْمَنَافِعُ الْمُسْتَوْفَاةُ لَا يُمْكِنُ عَقْدُ الْفَسْخِ فِيهَا فَامْتَنَعَ التَّحَالُفُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ هَلَاكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْهَلَاكَ إنَّمَا لَا يَمْنَعُ عِنْدَهُ فِي الْمَبِيعِ لِمَا أَنَّ لَهُ قِيمَةً تَقُومُ مَقَامَهُ فَيَتَحَالَفَانِ عَلَيْهَا وَلَوْ جَرَى التَّحَالُفُ هُنَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ فَلَا قِيمَةَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ وَبِالْفَسْخِ يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا عَقْدَ فَإِذَا امْتَنَعَ التَّحَالُفُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبَعْضُ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ) مَعْنَاهُ إذَا اسْتَوْفَى بَعْضَ الْمَنَافِعِ وَبَقَّى الْبَعْضَ يُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْكُلِّ حَتَّى يَمْتَنِعَ التَّحَالُفُ فِي الْمُسْتَوْفَى وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَى الْكُلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ غَيْرُ الْمُشْتَرِي) أَيْ وَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي بَقَاءَ الْعَقْدِ وَأَخْذَهُ الْقِيمَةَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ الْمُؤَجِّرُ أَجَّرْتُك بِعَشَرَةٍ وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ بَلْ بِخَمْسَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَمْنَعُ عِنْدَهُ) أَيْ التَّحَالُفَ. اهـ.

وَيَجْرِي التَّحَالُفُ فِي الْبَاقِي وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِيهِ كَمَا إذَا لَمْ يَسْتَوْفِ شَيْئًا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ فَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي هَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ التَّحَالُفَ فِيهِ عِنْدَهُ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْبَاقِي فَكَذَا هُنَا وَهُمَا خَالَفَا أَصْلِهِمَا فِي الْمَبِيعِ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا بَيَّنَّاهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ مِنْ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ فَلَوْ تَحَالَفَا لَا يَبْقَى الْعَقْدُ فَلَمْ يُمْكِنْ إيجَابُ شَيْءٍ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَقْدَ فِي الْإِجَارَةِ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ فَيَصِيرُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنَافِعِ كَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَقْدًا مُبْتَدَأً عَلَى حِدَةٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَذُّرِ التَّحَالُفِ فِي الْمَاضِي التَّعَذُّرُ فِيمَا بَقِيَ إذْ هُمَا فِي حُكْمِ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَيَتَحَالَفَانِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ التَّحَالُفُ فِيهِ عِنْدَهُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَاحِدٌ فَإِذَا امْتَنَعَ فِي الْبَعْضِ امْتَنَعَ فِي الْكُلِّ ضَرُورَةً كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَالْقَوْلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ قَائِمًا بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا وَمِمَّا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ الْعِمَامَةُ وَالْقَبَاءُ وَالْقَلَنْسُوَةُ وَالطَّيْلَسَانُ وَالسِّلَاحُ وَالْمِنْطَقَةُ وَالْكُتُبُ وَالْقَوْسُ وَالدِّرْعُ الْحَدِيدُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ لِمَا بَيَّنَّا وَمِمَّا يَصْلُحُ لِلْمَرْأَةِ الْخِمَارُ وَالدِّرْعُ وَالْأَسَاوِرُ وَخَوَاتِمُ النِّسَاءِ وَالْحُلِيُّ وَالْخَلْخَالُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهَا قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَبِيعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا لِتَعَارُضِ الظَّاهِرَيْنِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَبِيعُ مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا) أَيْ إذَا اخْتَلَفَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ وَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الْيَدِ فِي الدَّعَاوَى بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ مِنْ جِهَتِهَا فَيَتَعَارَضَانِ فَتَرَجَّحَ بِالِاسْتِعْمَالِ مِنْ جِهَتِهَا وَاَلَّذِي يَصْلُحُ لَهُمَا الْفُرُشُ وَالْأَمْتِعَةُ وَالْأَوَانِي وَالرَّقِيقُ وَالْعَقَارُ وَالْمَوَاشِي وَالنُّقُودُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلِلْحَيِّ) أَيْ إذَا مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْحَيُّ مِنْهُمَا مَعَ وَرَثَةِ الْآخَرِ كَانَ الْمَتَاعُ لِلْحَيِّ وَمُرَادُهُ مِنْ الْمَتَاعِ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَهُوَ الْمُشْكِلُ وَمَا لَا إشْكَالَ فِيهِ وَهُوَ مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا وَلَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ فَهُوَ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِيهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَخَالَفَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُشْكِلِ فَقَالَ يُدْفَعُ إلَى الْمَرْأَةِ مِنْ الْمُشْكِلِ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا وَالْبَاقِي لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مِثْلَ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ لَهُ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ لِلزَّوْجِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي حَيَاتِهِمَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ لِمَنْ يَصْلُحُ لَهُ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ حَتَّى تَقُومَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَهُ لِلزَّوْجِ فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا وَلِلْبَاقِي مِنْهُمَا بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَهُ لِلزَّوْجِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ مِنْهُ لِلْمَرْأَةِ قَدْرَ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا فِي الْحَالَتَيْنِ لِأَنَّهَا تَأْتِي بِالْجِهَازِ عَادَةً فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهَا وَهُوَ أَقْوَى مِنْ ظَاهِرِ يَدِ الزَّوْجِ فَيَبْطُلُ بِهِ ظَاهِرُهُ وَلَا مُعَارِضَ فِي الْبَاقِي فَيُعْتَبَرُ وَلَهُمَا فِي الِاسْتِوَاءِ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَقُومُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُمْ خُلَفَاؤُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ فِي الْمُشْكِلِ بِالْمَوْتِ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ فِي غَيْرِ الْمُشْكِلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ يَدَ الْبَاقِي مِنْهُمَا أَسْبَقُ إلَى الْمَتَاعِ لِأَنَّ الْوَارِثَ ثَبَتَتْ يَدُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَيَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ كَمَا يَقَعُ بِالصَّلَاحِيَّةِ لِلِاسْتِعْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ لِلْيَدِ رُجْحَانًا مُطْلَقًا حَتَّى يُرَجَّحَ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ بِخِلَافِ الصَّلَاحِيَّةِ وَلِأَنَّ يَدَ الْبَاقِي مِنْهُمَا يَدُ نَفْسِهِ وَيَدَ الْوَارِثِ خَلَفٌ عَنْ يَدِ الْمُوَرِّثِ فَلَا يُعَارِضُ الْأَصْلَ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُشْكِلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَالْبَاقِي مِثْلُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَنْهُ أَنَّ الْمَتَاعَ كُلَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ إذْ هُمَا سَاكِنَانِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَالْبَيْتُ مَعَ مَا فِيهِ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالشُّبْهَةِ فِي الْخُصُومَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ إسْكَافًا وَعَطَّارًا لَوْ اخْتَلَفَا فِي آلَةِ الْأَسَاكِفَةِ أَوْ آلَةِ الْعَطَّارِينَ وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمَا قُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ قَدْ يَتَّخِذُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْبَيْعِ فَلَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الْمَتَاعُ كُلُّهُ لِلْمَرْأَةِ وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ إلَّا مَا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ السَّاكِنَةُ فِيهِ وَلِهَذَا تُسَمَّى قَعِيدَتُهُ وَيَدُ صَاحِبِ الْبَيْتِ عَلَى مَا فِي الْبَيْتِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ وَفِي الدَّعَاوَى يُقَدَّمُ صَاحِبُ الْيَدِ وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَبِيعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ) أَيْ أَوْ كَانَ صَانِعًا لَهَا. اهـ.

[فصل قال المدعى عليه هذا الشيء أودعنيه أو آجرنيه أو أعارنيه]

ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْمَتَاعُ كُلُّهُ لِلزَّوْجِ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَمَا فِي الْبَيْتِ أَيْضًا يَكُونُ فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ لَهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ وَأَنَّ الْبَيْتَ يُضَافُ إلَيْهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُؤَجِّرِ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْمَنْزِلِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِكَوْنِهِ مُضَافًا إلَيْهِ بِالسُّكْنَى وَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ سِوَى مَا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ فَكَذَا هَذَا وَهَذِهِ هِيَ الْمُسْبِعَةُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَقَاوِيلَ السَّبْعَةَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ (وَلَوْ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَلِلْحُرِّ فِي الْحَيَاةِ وَلِلْحَيِّ فِي الْمَوْتِ) أَيْ لَوْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَمْلُوكًا وَاخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ كَانَ الْمَتَاعُ لِلْحُرِّ فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا وَلِلْحَيِّ مِنْهُمَا بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ لِأَنَّ يَدَ الْحُرِّ أَقْوَى لِأَنَّهَا يَدُ مِلْكٍ وَلَا كَذَلِكَ يَدُ الْمَمْلُوكِ وَأَمَّا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَا يَدٌ لِلْمَيِّتِ فَخَلَتْ يَدُ الْحَيِّ عَنْ الْمُعَارِضِ فَكَانَ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا هَكَذَا ذُكِرَ الْحُكْمُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْمَتَاعُ لِلْحُرِّ مِنْهُمَا ثُمَّ قَالَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا وَهُوَ سَهْوٌ وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي الْخُصُومَاتِ وَلِهَذَا لَوْ اخْتَصَمَ الْحُرُّ وَالْمُكَاتَبُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ فِي أَيْدِيهمَا يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ اسْتَوَيَا فِيهِ حَتَّى يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا فَكَذَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّ يَدَ الْمَمْلُوكِ لَا تَكُونُ مُسَاوِيَةً لِيَدِ الْحُرِّ فَإِنَّ يَدَهُ يَدُ نَفْسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيَدَ الْمَمْلُوكِ يَدُ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ وَلِأَنَّ يَدَ الْحُرِّ يَدُ مِلْكٍ حَقِيقَةً وَيَدَ الْمَمْلُوكِ لَيْسَتْ بِيَدِ مِلْكٍ فَكَانَتْ يَدُ الْحُرِّ أَقْوَى فَتَرَجَّحَتْ بِهِ فِي حَقِّ مَتَاعِ الْبَيْتِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَتَرَجَّحُ بِالصَّلَاحِيَّةِ فَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَتَرَجَّحَ بِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْخُصُومَاتِ فَإِنَّهَا لَا تَتَرَجَّحُ بِالصَّلَاحِيَّةِ فَكَذَا لَا تَتَرَجَّحُ بِالْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُنَا يَشْهَدُ بِالِاسْتِعْمَالِ فَكَانَتْ الصَّلَاحِيَّةُ وَالْمُلْكُ فِيهِ أَقْوَى دَلَالَةً عَلَيْهِ فَتَرَجَّحَتْ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي اسْتِدْلَالِهِمْ عَلَى التَّنْصِيفِ بِاخْتِلَافِ الْعَطَّارِ وَالْإِسْكَافِ فِي آلَةِ أَحَدِهِمَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ أَعَارَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ دُفِعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّ الْعَيْنَ وَصَلَتْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْغَائِبِ وَأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ أَوْ أَثْبَتَ ذُو الْيَدِ إقْرَارَهُ بِهِ وَالشَّرْطُ إثْبَاتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دُونَ الْمِلْكِ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ دُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَمْ تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ وَبِالْعَكْسِ تَنْدَفِعُ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ بِظَاهِرِ يَدِهِ صَارَ خَصْمًا وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ بِهَا لِلْغَائِبِ لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْهُ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ فِي إدْخَالِ الشَّيْءِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَخُرُوجِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا فِي ضِمْنِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ فَلَا يَثْبُتُ الْمُتَضَمَّنُ بِغَيْرِ أَصْلِهِ كَالْوَصِيَّةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ بِالْمُحَابَاةِ تَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فَصَارَ نَظِيرُ مَا لَوْ ادَّعَاهَا بَعْدَ هَلَاكِهَا أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْفِعْلَ كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِإِقْرَارِهِ لِلْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ كَلَامَهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَالْإِقْرَارُ مُوجِبٌ لِلْحَقِّ بِنَفْسِهِ لِخُلُوِّهِ عَنْ التُّهْمَةِ فَالْتُحِقَ بِالْبَيِّنَةِ فَيَثْبُتُ مَا أَقَرَّ بِهِ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِغَائِبٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِحَاضِرٍ فَرَجَعَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَهُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَكَذَا الصَّحِيحُ لَوْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِشَيْءٍ فَمَرِضَ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي مَرَضِهِ كَانَ إقْرَارُهُ إقْرَارَ الصَّحِيحِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِشَخْصٍ ثُمَّ غَابَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ مُوجِبًا بِنَفْسِهِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحٌ فَيَثْبُتُ بِهِ أَنَّ يَدَهُ يَدُ حِفْظٍ لَا يَدُ خُصُومَةٍ قُلْنَا إنَّ بَيِّنَتَهُ أَثْبَتَتْ أَمْرَيْنِ الْمِلْكَ لِلْغَائِبِ وَهُوَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الَّذِي ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لِلْحُرِّ هَكَذَا نَقَلَهُ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي [فَصْلٌ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ أَعَارَنِيهِ] (فَصْلٌ أَيْ فِيمَنْ لَا يَكُونُ خَصْمًا) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ مَنْ يَكُونُ خَصْمًا شَرَعَ فِيمَنْ لَا يَكُونُ خَصْمًا وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْكِتَابَ كِتَابُ الدَّعْوَى وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخُصُومَةِ فَجَرَّ الْكَلَامَ إلَى ذِكْرِ مَنْ لَا يَكُونُ خَصْمًا فَذَكَرَ بَعْدَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ الْخُصُومَةُ إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي ذَلِكَ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَسْمَعُ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ دُفِعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْقُدُورِيِّ ثُمَّ قَالَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ إذَا كَانَ الْعَيْنُ قَائِمًا أَمَّا إذَا هَلَكَ فَلَا تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ بِدَعْوَى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ فِي بَابِ الرَّجُلِ يَكُونُ خَصْمًا فِيمَا لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَادَّعَى إنْسَانٌ عَلَيْهِ ضَمَانَ الْعَبْدِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ وَدِيعَةَ فُلَانٍ وَنَحْوَهُ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُودِعُ الْغَاصِبَ فَيَكُونُ ضَامِنًا اهـ وَقَدْ نَصَّ الشَّارِحُ عَلَى حُكْمِ هَلَاكِ الْعَيْنِ قَرِيبًا مِنْ هَذِهِ الْقَوْلَةِ فِي الشَّرْحِ بِقَوْلِهِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ ادَّعَاهَا بَعْدَ هَلَاكِهَا يَعْنِي فَإِنَّهُ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ فَقَدْ قَاسَ ابْنُ شُبْرُمَةَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى الْمُتَّفَقِ. اهـ. (قَوْلُهُ دُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) أَيْ الْإِيدَاعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِشَخْصٍ) أَيْ عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا سَيَأْتِي فِي صَفْحَةِ هَذِهِ الْقَوْلَةِ فِي الشَّرْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْنَا) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ ابْنِ شُبْرُمَةَ اهـ

وَدَفْعَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ خَصْمٌ فِيهِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ كَالْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ أَوْ الْأَمَةِ إذَا أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ تُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ دُونَ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَصَارَ كَأَنَّ الْمُدَّعِي أَقَرَّ بِذَلِكَ أَوْ أَثْبَتَ إقْرَارَهُ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ مَقْصُودَ ذِي الْيَدِ إثْبَاتُ يَدٍ حَافِظَةٍ لِنَفْسِهِ لَا إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَهُوَ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ يَدِهِ فَيَثْبُتُ دُونَ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ بِظَاهِرِ يَدِهِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ بِالْحُضُورِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْكَفِيلُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهَا إلَّا بِحُجَّةٍ كَمَا إذَا ادَّعَى إحَالَةَ غَرِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ دَفْعَهَا بِلَا بَيِّنَةٍ يُؤَدِّي إلَى إتْوَاءِ الْحُقُوقِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْجِزُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ وَخُرُوجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا فِي ضِمْنِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ إلَخْ قُلْنَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ فَيَتَوَقَّفُ بِمُوَاجِبِهِ وَانْدِفَاعِ الْخُصُومَةِ مِنْهَا فَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا صَدَقَهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مِلْكَهُ كَانَ ثَابِتًا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ حَافِظَةً لَا يَدَ خُصُومَةٍ وَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ إذَا حَضَرَ وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَيُسَلِّمُ الْقَاضِي الْمَقَرَّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ إذَا غَابَ الْمُقِرُّ بَعْدَ إقْرَارِهِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْعَيْنَ بَعْدَ هَلَاكِهَا عِنْدَهُ حَيْثُ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْمُدَّعِي بَعْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْقِيمَةَ وَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِهَا عَلَى مُودِعِ الْغَاصِب فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ ذِمَّتَهُ كَانَتْ لِغَيْرِهِ وَفِي الْعَيْنِ يَتَبَيَّنُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْفِعْلَ عَلَيْهِ كَالْغَصْبِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ صَارَ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي بِاعْتِبَارِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ فَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْعَيْنَ لِغَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ دَعْوَى الْفِعْلِ تَجُوزُ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ فَلَا تَنْدَفِعُ بِالتَّحْوِيلِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ لَا تَجُوزُ فَتَنْدَفِعُ بِالتَّحْوِيلِ لِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا لَهُ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ فَإِذَا أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ يَدَهُ حَافِظَةٌ وَلَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخِرًا إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَالِحًا فَالْجَوَابُ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ وَالِافْتِعَالِ لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْعَيْنَ لِلْغَائِبِ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ مِنْ النَّاسِ يَأْخُذُ مَالَ غَيْرِهِ غَصْبًا وَيَدْفَعُهُ سِرًّا إلَى غَرِيبٍ يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ مِنْ الْبَلْدَةِ وَيُوَاعِدُهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ لِيُمْكِنَهُ الْإِشْهَادُ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ أَوْدَعَهُ غَيْرَهُ عِنْدَ مَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ فَيُضَيِّعُ بِذَلِكَ مَالَهُ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي أَحْوَالِ النَّاسِ وَيَعْمَلَ بِمُقْتَضَى حَالِهِمْ رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ بَعْدَ مَا وَلِيَ الْقَضَاءَ وَابْتُلِيَ بِأُمُورِ النَّاسِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ نَعْرِفُ صَاحِبَ الْمَالِ وَهُوَ الْمُوَدِّعُ أَوْ الْمُعِيرُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَوَجْهِهِ لِأَنَّ الْمُدَّعِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَتْبَعَهُ وَإِنْ قَالُوا لَا نَعْرِفُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا يَقْبَلُ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ وَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْ ذِي الْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمْ مَا أَحَالُوا الْمُدَّعِي عَلَى رَجُلٍ مَعْرُوفٍ يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ وَلَعَلَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَلَوْ انْدَفَعَتْ لَبَطَلَ حَقُّهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُودِعُ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ يَبْطُلُ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَلَوْ قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَلَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ بِالْيَدِ فَلَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ إلَّا إذَا أَحَالَهُ عَلَى مَعْرُوفٍ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ الْمُدَّعِي وَالْمَعْرِفَةُ بِوَجْهِهِ فَقَطْ لَا تَكُونُ مَعْرِفَةً أَلَا تَرَى «قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِرَجُلٍ أَتَعْرِفُ فُلَانًا فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ هَلْ تَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ فَقَالَ لَا فَقَالَ إذًا لَا تَعْرِفُهُ» وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَعْرِفُ فُلَانًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا بِوَجْهِهِ لَا يَحْنَثُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا إلَّا بِوَجْهِهِ عِنْدَ الشُّهُودِ لَا يَتَمَكَّنُ الْمُدَّعِي مِنْ اتِّبَاعِهِ فَيَتَضَرَّرُ بِانْدِفَاعِهَا عَنْهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّ الْعَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ آخِرًا إلَخْ) وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا أُودَعَهُ يَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَوَجْهِهِ حَيْثُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ أَوْ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ) أَيْ بِالتَّزْوِيرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَوَجَّهَتْ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لِأَنَّهَا تَوَجَّهَتْ اهـ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ نَعْرِفُ فُلَانًا الْغَائِبَ بِوَجْهِهِ وَلَكِنْ لَا نَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ فَكَذَلِكَ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُصُولُ الْعَيْنِ إلَى ذِي الْيَدِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُدَّعِي فَثَبَتَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ وَهَذَا يَكْفِي لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ فَكَذَلِكَ هَذَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُسْمَعُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ مَا لَمْ يَذْكُرُوا اسْمَ الْغَائِبِ وَنَسَبَهُ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ خَصْمٌ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ وَهُوَ يَمْلِكُ نَقْلَ الْخُصُومَةِ إلَى غَيْرِهِ أَمَّا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُدَّعِي وَمَتَى صَارَ الْغَائِبُ مَعْرُوفًا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ كَانَ نَقْلًا وَإِذَا لَمْ يَصِرْ مَعْرُوفًا لَا يَتَمَكَّنُ الْمُدَّعِي مِنْ الْخُصُومَةِ مَعَهُ فَيَكُونُ إبْطَالًا لِحَقِّ الْمُدَّعِي وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ أَوْدَعَهَا رَجُلٌ لَا نَعْرِفُ اسْمَهُ وَلَا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ لِلْمَجْهُولِ وَلَعَلَّ الْمُودِعَ هُوَ الْمُدَّعِي فَعَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُودِعُ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ وَالْيَدُ دَلِيلُ الْخُصُومَةِ فَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِالشَّكِّ وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَقَالَ ذُو الْيَدِ لَا أَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ ذُو الْيَدِ فَصَارَ مُكَذِّبًا لَهُمْ فِي بَعْضِ شَهَادَتِهِمْ فَإِنْ قَالَ ذُو الْيَدِ أَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَشُهُودُهُ شَهِدُوا أَنَّهُ أَوْدَعَهَا رَجُلٌ فَالْقَاضِي يَسْأَلُ الشُّهُودَ هَلْ تَعْرِفُونَهُ بِوَجْهِهِ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ رَجُلًا دَفَعَ إلَيْهِ تُقْبَلُ وَتَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ رَجُلًا دَفَعَهُ إلَيْهِ لَا أَعْرِفُهُ

[باب ما يدعيه الرجلان]

أَخَذَهَا مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعِي وَأَنَّ يَدَهُ يَدُ حِفْظٍ إذْ الشُّهُودُ يَعْرِفُونَ الْمُودِعَ بِوَجْهِهِ وَيَقُولُونَ إنَّهُ غَيْرُ هَذَا الْمُدَّعِي وَمَقْصُودُ ذِي الْيَدِ إثْبَاتُ يَدٍ حَافِظَةٍ وَأَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَتْ لِهَذَا الْحَاضِرِ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ كَافِيَةٌ لِهَذَا الْمَقْصُودِ وَحُصُولُ الضَّرَرِ لِلْمُدَّعِي بِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ اتِّبَاعِهِ مُضَافٌ إلَى نَفْسِهِ حَيْثُ نَسِيَ خَصْمَهُ أَوْ إلَى شُهُودِهِ حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنُوا لَهُ خَصْمَهُ فَأَضَرُّوا بِهِ وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بِمِثْلِهِ لَا يَثْبُتُ التَّعْرِيفُ وَلَكِنْ لَيْسَ تَعْرِيفُ خَصْمِهِ عَلَى ذِي الْيَدِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ وَأَنَّ يَدَهُ يَدُ حِفْظٍ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَمَّسَةَ كِتَابِ الدَّعْوَى لِأَنَّ فِيهَا خَمْسَ صُوَرٍ مِنْ دَعْوَى الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ فِيهَا اخْتِلَافَ خَمْسَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ ابْتَعْته مِنْ الْغَائِبِ أَوْ قَالَ الْمُدَّعِي غُصِبْته أَوْ سُرِقَ مِنِّي وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَا) أَيْ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَوْدَعَهُ فُلَانًا لِأَنَّ ذَا الْيَدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِدَعْوَاهُ الشِّرَاءَ مِنْ الْغَائِبِ صَارَ مُعْتَرِفًا بِأَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ فَيَكُونُ مُعْتَرِفًا بِأَنَّهُ خَصْمٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُدَّعِي لَمَّا قَالَ لِصَاحِبِ الْيَدِ غَصَبْته مِنِّي صَارَ ذُو الْيَدِ خَصْمًا بِاعْتِبَارِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ وَفِيهِ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهَا بِالْإِحَالَةِ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْخُصُومَةِ فِيهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى تَصِحَّ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِانْتِفَاءِ يَدِهِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ فَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ الْغَائِبُ وَأَقَامَ بَيِّنَتَهُ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَضَى عَلَى ذِي الْيَدِ خَاصَّةً وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ قَوْلُ الْمُدَّعِي سُرِقَ مِنِّي يَكُونُ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى اسْتِحْسَانًا وَإِنَّمَا جَعَلَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِأَجْلِ السِّتْرِ عَلَيْهِ كَيْ لَا يُقْطَعَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ سَرَقْته مِنِّي وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ الْفِعْلَ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ غُصِبَ مِنِّي عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّاهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ الْفِعْلَ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ الْعُدُولَ عَنْهُ إذْ الْحَدُّ لَا يَجِبُ عَلَى فَاعِلِهِ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ كَشْفِهِ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ ذِي الْيَدِ وَقَبَضَهَا وَنَقَدَ الثَّمَنَ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهَا إيَّاهُ انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى ذِي الْيَدِ فِعْلًا لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَقْدٌ اسْتَوْفَى أَحْكَامَهُ فَصَارَ كَالْعَدَمِ فَكَانَ كَدَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى قَبْضِهِ لَمْ تَنْدَفِعْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي ابْتَعْته مِنْ فُلَانٍ وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ ذَلِكَ سَقَطَتْ الْخُصُومَةُ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ لِغَيْرِ الْمُدَّعِي فَيَكُونُ وُصُولُهُ إلَى يَدِهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُدَّعِي ضَرُورَةً فَلَمْ يَكُنْ ذُو الْيَدِ خَصْمًا وَلَا لِلْمُدَّعِي أَخْذُهُ مِنْ يَدِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ فَيَأْخُذُهُ لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِالْحِفْظِ وَلَوْ صَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ فِي شِرَائِهِ مِنْهُ لَا يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ حَتَّى لَا يَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِإِقْرَارِهِ وَهِيَ عَجِيبَةٌ وَلَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ وَكِيلُ فُلَانٍ ذَلِكَ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ وُصُولَ الدَّارِ إلَى يَدِ ذِي الْيَدِ لَمْ يَثْبُت مِنْ جِهَةِ مَنْ اشْتَرَى هُوَ مِنْهُ لِإِنْكَارِ ذِي الْيَدِ وَلَا مِنْ جِهَةِ وَكِيلِهِ لِإِنْكَارِ الْمُدَّعِي وَكَذَا لَوْ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى الْوَكِيلِ وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْوَكِيلَ دَفَعَهَا إلَى ذِي الْيَدِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ لِأَنَّ وُصُولَ الْعَيْنِ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْغَائِبِ ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ نَصًّا وَبِإِقْرَارِ الْمُدَّعِي ضَرُورَةً لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْهُ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ وَلَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ إنَّ فُلَانًا أَوْدَعَنِي الْعَيْنَ فَقَالَ الْمُدَّعِي كَانَ أَوْدَعَك إيَّاهَا ثُمَّ وَهَبَهَا مِنْك أَوْ بَاعَك إيَّاهَا وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا وَهَبَهَا لَهُ وَلَا بَاعَهَا مِنْهُ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ جَعَلَهُ خَصْمًا لِأَنَّ نُكُولَهُ كَإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إقْرَارَهُ بِالشِّرَاءِ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ خَصْمٌ وَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا وَلَا يَحْتَاجُ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ الْوَدِيعَةِ لِإِقْرَارِ الْمُدَّعِي بِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بَرْهَنَا عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ قُضِيَ لَهُمَا) يَعْنِي إذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَزَعَمَ كُلُّ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِوَجْهِهِ وَنَسَبِهِ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ فَكَذَا هَذَا وَهَذَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ حَصَلَتْ بِالْمَعْلُومِ وَهُوَ إقْرَارُ الْمُدَّعِي فَتُقْبَلُ لَكِنْ الْمُقَرُّ لَهُ مَجْهُولٌ وَجَهَالَةُ الْمُقَرِّ لَهُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ فَأَمَّا جَهَالَةُ الْمَشْهُودِ لَهُ تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِذِي الْيَدِ بَيِّنَةٌ عَلَى الْإِيدَاعِ عِنْدَهُ حَتَّى قَضَى الْقَاضِي بِهِ لِلْمُدَّعِي ثُمَّ وَجَدَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى الْإِيدَاعِ لَا تُسْمَعُ وَالْقَضَاءُ لِلْمُدَّعِي مَاضٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً عَلَى النِّتَاجِ أَوْ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عَلَى ذِي الْيَدِ وَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ حَيْثُ يَبْطُلُ الْقَضَاءُ لِلْخَارِجِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِهِ بُطْلَانُ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ فِيهَا) أَيْ فِي دَعْوَى الْفِعْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ سَقَطَتْ إلَخْ) وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الْإِيدَاعِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) أَيْ لِأَنَّ الْوِكَالَةَ لَا تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ. اهـ. [بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ] (بَابٌ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ) لَمَّا ذَكَرَ فِيمَا تَقَدَّمَ دَعْوَى الْوَاحِدِ شَرَعَ فِي دَعْوَى الِاثْنَيْنِ لِأَنَّ الْمُثَنَّى بَعْدَ الْوَاحِدِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا تَتَهَاتَرَانِ) أَيْ وَتَجِبُ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِهِ. اهـ. غَايَةٌ

مِنْهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَمْ يَذْكُرَا سَبَبَ الْمِلْكِ وَلَا تَارِيخَهُ قُضِيَ بِالْعَيْنِ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا يَتَهَاتَرَانِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَمْلِكَ شَخْصَانِ عَيْنًا وَاحِدَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّهَا فَتَعَيَّنَ التَّهَاتُرُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا فِي دَعْوَى النِّكَاحِ أَوْ الْمَصِيرِ إلَى الْقُرْعَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقْرَعَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي أَمَةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ تَقْضِي بَيْنَ عِبَادِكَ بِالْحَقِّ ثُمَّ قَضَى بِهَا لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ» وَلِأَنَّ الْقُرْعَةَ لِتَعْيِينِ الْمُسْتَحِقِّ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي الْقِسْمَةِ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْضِي لِأَعْدَلِهِمَا بَيِّنَةً لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَصِيرُ حُجَّةً بِالْعَدَالَةِ فَالْأَعْدَلُ أَقْوَى فِي الْحُجَّةِ فَلَا يُزَاحِمُهُ الضَّعِيفُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُقْضَى لِمَنْ كَانَ شُهُودُهُ أَكْثَرَ عَدَدًا لِأَنَّ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ الْحَاصِلَةَ بِهِ أَرْجَحُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ «رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَاهِدَيْنِ فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ «رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَابَّةٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَجَعَلَهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلِاشْتِرَاكِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَالْمُوصِي لَهُمَا بِأَنْ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالثُّلُثِ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَكَذَا الْغَرِيمَانِ فِي التَّرِكَةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ فَتَعَيَّنَ التَّهَاتُرُ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا لِأَنَّ الْأَيْدِيَ قَدْ تَتَوَالَى فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيَعْتَمِدُ كُلُّ فَرِيقٍ مَا شَاهَدَ مِنْ السَّبَبِ الْمُطْلَقِ لِلشَّهَادَةِ وَهُوَ الْيَدُ فَيُحْكَمُ بِالتَّنْصِيفِ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجُوزُ التَّرْجِيحُ بِكَوْنِ الشُّهُودِ أَعْدَلَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْكُلِّ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْكَذِبِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ يَكُونُ بِقُوَّةٍ فِي الدَّلِيلِ لَا بِكَثْرَتِهِ وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا» إنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْقِمَارُ مُبَاحًا ثُمَّ انْتَسَخَ بِانْتِسَاخِ الْقِمَارِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقُرْعَةَ لِتَعْيِينِ الِاسْتِحْقَاقِ بِهَا لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهَا قِمَارًا فَكَذَا التَّعْيِينُ الْمُسْتَحَقُّ وَإِنَّمَا يُقْرَعُ فِي الْقِسْمَةِ لِتَطْيِيبِ الْقَلْبِ وَنَفْيِ التُّهْمَةِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْسِمَ بِلَا قُرْعَةٍ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْقِمَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ سَقَطَا وَهِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْ أَوْ سَبَقَتْ بَيِّنَتُهُ) يَعْنِي لَوْ أَقَامَ اثْنَانِ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ زَوْجَتُهُ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِهِمَا إذْ النِّكَاحُ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ وَهِيَ زَوْجَةٌ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ مِنْهُمَا لِأَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ فَيُرْجَعُ إلَى تَصْدِيقِهَا فَيَجِبُ اعْتِبَارُ قَوْلِهَا أَنَّ أَحَدَهُمَا زَوْجُهَا أَوْ أَسْبَقُهُمَا نِكَاحًا إلَّا إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا فَيَكُونُ هُوَ أَوْلَى وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهَا لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ نَقْلِهَا أَوْ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ عَقْدِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ فَيَكُونُ هُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَلَا يُعْتَبَرُ مَعَهُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَأَقَامَ بَيِّنَةً فَحُكِمَ لَهُ بِهِ حَتَّى لَا يُقْبَلَ دَعْوَى أَحَدِ النِّكَاحِ فِيهَا بَعْدَهُ لِكَوْنِهَا أَقْوَى لِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ سَبَقَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهَا لَمَّا سَبَقَتْ وَحُكِمَ بِهَا تَأَكَّدَتْ فَلَا تُنْقَضُ بِغَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ إلَّا إذَا أَثْبَتَتْ الثَّانِيَةُ أَنَّ نِكَاحَهُ أَسْبَقُ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ أَوْلَى لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا فَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا إذَا تَنَازَعَا فِي امْرَأَةٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَإِنْ أَرَّخَا وَكَانَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَقْدَمَ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا فَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَالدُّخُولِ بِهَا أَوْ نَقْلِهَا إلَى مَنْزِلِهِ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُرْجَعُ إلَى تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ لِكُلٍّ نِصْفُهُ بِبَدَلِهِ إنْ شَاءَ) أَيْ لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجَيْنِ بَيِّنَةً عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ ذِي الْيَدِ بِلَا تَارِيخٍ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي السَّبَبِ وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِكُلِّهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَتَخَيَّرُ كُلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَيَتَوَقَّفُ إلَى الصُّلْحِ عَلَى قَوْلٍ كَذَا فِي وَجِيزِهِمْ اهـ (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ التَّهَاتُرُ) أَيْ لِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِكَذِبِ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ تَعْيِينُ الصَّادِقَةِ مِنْ الْكَاذِبَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي دَعْوَى النِّكَاحِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَانِ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ اهـ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ خَارِجَانِ ادَّعَيَا نِتَاجَ دَابَّةٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ وَالدَّارُ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَلَمْ يُعْرَفْ سَبْقُ أَحَدِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ سَبَقَتْ بَيِّنَتُهُ) لَوْ قَالَ كَمَا لَوْ سَبَقَتْ بَيِّنَتُهُ لَكَانَ أَوْلَى اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ مِنْهُمَا) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي آخِرِ بَابِ اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فِي الدَّعْوَى مِنْ شَرْحِ الْكَافِي وَلَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ عَبْدًا فِي أَيْدِيهِمَا وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا فَقَالَ الْعَبْدُ أَنَا لِأَحَدِهِمَا هَذَا بِعَيْنِهِ لَمْ يُصَدَّقْ وَهُوَ لَهُمَا لِأَنَّ أَيْدِيَهُمَا دَلِيلُ الْمِلْكِ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ دَافِعَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَيَا امْرَأَةً فِي أَيْدِيهِمَا فَأَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا حَيْثُ يُقْضَى بِهَا لَهُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي يَدِ أَحَدٍ لِأَنَّهَا فِي يَدِ نَفْسِهَا فَيُعْتَبَرُ إقْرَارُهَا بِالزَّوْجِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِكُلِّهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ فَإِنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ رَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ نَقَدَهُ الثَّمَنَ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْهُ أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الثَّمَنِ وَإِنْ اخْتَارَ الرَّدَّ سَلَّمَ الدَّارَ كُلَّهَا لِلْبَائِعِ وَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ نَقَدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقَدَ فَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَائِعِ. اهـ. غَايَةٌ

وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِتَغَيُّرِ شَرْطِ عَقْدِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ نَظِيرَ الْفُضُولِيَّيْنِ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا وَاحِدًا مِنْ رَجُلٍ وَأَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَيْنِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا جُهِلَ التَّارِيخُ جُعِلَ كَأَنَّهُ بَاعَ كُلَّهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ حَقِيقَةً أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَرَ مِنْ وَكِيلِهِ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ يَأْخُذْ الْآخَرُ كُلَّهُ) أَيْ لَوْ قَضَى الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَأَبَى أَحَدُهُمَا أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ بَلْ اخْتَارَ الْفَسْخَ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَهُ كُلَّهُ لِأَنَّهُ صَارَ فِي النِّصْفِ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِبَيِّنَتِهِ اسْتَحَقَّ جَمِيعَهُ وَكَانَ يُسَلَّمُ لَهُ لَوْلَا بَيِّنَةُ صَاحِبِهِ وَلَمَّا قَضَى الْقَاضِي بِهِ بَيْنَهُمَا صَارَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي النِّصْفِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَكُونُ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهُ اشْتَرَى الْكُلَّ وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَى النِّصْفِ بِالْمُزَاحَمَةِ ضَرُورَةَ الْقَضَاءِ بِهِ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ نَظِيرَ تَسْلِيمِ أَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ الْمَبِيعِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا النِّصْفَ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالسَّبَبِ كُلَّهُ وَالِانْقِسَامُ لِلْمُزَاحَمَةِ ضَرُورَةُ الْقَضَاءِ بِهِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَرَّخَا فَلِلسَّابِقِ) لِأَنَّهُمَا لَمَّا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ ذِي الْيَدِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَبِيعِ ثُمَّ أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ مِنْهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَانْدَفَعَ بِهِ الْآخَرُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي يَدَّعِي الشِّرَاءَ مِنْهُ الْآخَرُ حَيْثُ لَا يَتَرَجَّحُ فِيهِ صَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَسْبَقِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ خَصْمٌ عَنْ بَائِعِهِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ وَمِلْكُ بَائِعِهِمَا لَا تَارِيخَ فِيهِ فَصَارَ كَأَنَّ الْبَائِعَيْنِ حَضَرَا وَأَثْبَتَا الْمِلْكَ لِأَنْفُسِهِمَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَارِيخٍ وَكَذَا لَوْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تُؤَرِّخْ الْأُخْرَى كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُمَا إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْهُ وَأَنَّ شِرَاءَهُمَا حَادِثٌ وَالْحَادِثُ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ إلَّا إذَا أَثْبَتَ التَّارِيخُ فَيَثْبُت تَقَدُّمُهُ بِهِ فَلِهَذَا كَانَ الْمُؤَرَّخُ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ بَائِعُهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَيَا الْمِلْكَ وَلَمْ يَدَّعِيَا الشِّرَاءَ مِنْ ذِي الْيَدِ حَيْثُ لَا يَكُونُ صَاحِبُ التَّارِيخِ أَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فَرْقَهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَلِذِي الْقَبْضِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَارِيخٌ وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ صَاحِبُ الْقَبْضِ أَوْلَى لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي إثْبَاتِ الشِّرَاءِ مِنْ ذِي الْيَدِ وَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِالْقَبْضِ فَلَا يُنْقَضُ قَبْضُهُ الْمُعَايَنُ الْمُتَحَقِّقُ بِالِاحْتِمَالِ وَالشَّكِّ حَتَّى لَا يُنْقَضَ بِتَارِيخِ الْآخَرِ أَيْضًا لِبَقَاءِ الِاحْتِمَالِ فِيهِ إلَّا إذَا أَثْبَتَ شِرَاءَهُ قَبْلَ شِرَاءِ ذِي الْيَدِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ هُوَ أَوْلَى لِانْقِطَاعِ الِاحْتِمَالِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ بَائِعُهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا قَبْضٌ حَيْثُ يَكُونُ فِيهِ غَيْرُ الْقَابِضِ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا يَحْتَاجَانِ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِبَائِعِهِمَا أَوَّلًا فَإِذًا يَجْتَمِعُ فِيهِ فِي حَقِّ الْبَائِعَيْنِ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لِثُبُوتِهِ بِتَصَادُقِهِمَا فَكَانَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لَهُمَا فَقَطْ وَالسَّبَبُ فِي حَقِّ الْقَابِضِ أَقْوَى لِتَأَكُّدِهِ بِالْقَبْضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشِّرَاءُ أَحَقُّ مِنْ الْهِبَةِ) مَعْنَاهُ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءً مِنْ شَخْصٍ وَادَّعَى الْآخَرُ هِبَةً وَقَبَضَا مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ بِعَيْنِهِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا كَانَ الشِّرَاءُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْوَى لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمُثْبِتًا لِلْمِلِكِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُمَلِّكُ لَهُمَا أَوْ كَانَ مَعَهُمَا تَارِيخٌ حَيْثُ لَا يَكُونُ الشِّرَاءُ فِيهِ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُمَلِّكِ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمًا عَنْ مُمَلِّكِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ وَهُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَفِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمُمَلِّكُ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ لِثُبُوتِهِ بِاتِّفَاقِهِمَا وَإِنَّمَا حَاجَتُهُمَا إلَى إثْبَاتِ سَبَبِ الْمِلْكِ لِأَنْفُسِهِمَا وَفِيهِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى وَفِيمَا إذَا كَانَ مَعَهُمَا تَارِيخٌ وَالْمُمَلِّكُ لَهُمَا وَاحِدٌ كَانَ لِأَقْدَمِهِمَا تَارِيخًا لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُمَلِّكُ لَهُمَا مُخْتَلِفًا حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ سَبْقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِتَغَيُّرِ شَرْطِ عَقْدِهِ عَلَيْهِ) فَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ) أَيْ إلَّا بِتَجْدِيدٍ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَرَّخَا فَلِلسَّابِقِ) أَيْ لِأَنَّا لَمَّا حَكَمْنَا لِلْبَيْعِ لِلْأَوَّلِ مَلَكَهُ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ بَائِعًا مِلْكَ غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ أَوْلَى) فِي الْهِدَايَةِ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاحْتَمَلَ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يُقْضَى لَهُ بِالشَّكِّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا فَلِذِي الْقَبْضِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدَّيْنِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَقْتًا وَكَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ أَحَدِ الْمُدَّعِيَيْنِ قَدْ قَبَضَهَا قَضَيْت بِهَا لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ لِأَنَّ الْقَبْضَ دَلَالَةُ السَّبَقِ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ الْقَبْضَ إنَّمَا يَكُونُ صَحِيحًا إذَا تَقَدَّمَهُ عَقْدٌ فَكَانَ أَوْلَى وَرَدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ عَلَى الْآخَرِ (قَوْلُهُ وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا) أَيْ لِأَنَّهُمَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا صَارَ كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا وَالشِّرَاءُ أَقْوَى مِنْ الْهِبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمُثْبِتًا لِلْمِلْكِ بِنَفْسِهِ) أَيْ وَالْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ الشِّرَاءُ فِيهِ أَوْلَى) أَيْ بَلْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِقَوْلِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا يَأْتِي وَهُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ اهـ قَوْلُهُ بَلْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَذَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ) وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُؤَرِّخْ الْآخَرُ فَالْمُؤَرِّخُ أَوْلَى أَيُّهُمَا كَانَ فَإِنْ كَانَ الْمُؤَرِّخُ هُوَ الْمُشْتَرِي فَلَا إشْكَالَ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ غَيْرِ تَارِيخٍ أَوْلَى فَمَعَ التَّارِيخِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ أَرَّخَ الْهِبَةَ فَالْهِبَةُ أَوْلَى لِأَنَّ الشِّرَاءَ مُتَأَخِّرٌ

التَّارِيخِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا الشِّرَاءُ مَعَ الصَّدَقَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَدَعْوَى الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مَعَ الْقَبْضِ فِيهِمَا مُسْتَوِيَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي وَجْهِ التَّبَرُّعِ وَلَا تَرْجِيحَ لِلصَّدَقَةِ بِاللُّزُومِ لِأَنَّ أَثَرَ اللُّزُومِ يَظْهَرُ فِي ثَانِي الْحَالِ وَهُوَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالتَّرْجِيحُ يَكُونُ بِمَعْنًى قَائِمٍ فِي الْحَالِ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا اُمْتُنِعَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا وَهُوَ الْأَجْرُ لَا لِقُوَّةٍ فِي السَّبَبِ وَلَوْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْهِبَةِ لَا يَرْجِعُ أَيْضًا كَمَا إذَا كَانَتْ لِذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ أَوْ عَوَّضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَنْهَا وَالصَّدَقَةُ قَدْ لَا تَكُونُ لَازِمَةً بِأَنْ كَانَتْ لِغَنِيٍّ وَهَذَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لِأَنَّ الشُّيُوعَ لَا يَضُرُّهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِي الشَّائِعِ فَصَارَ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الِارْتِهَانِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هِبَةَ الْوَاحِدِ مِنْ اثْنَيْنِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ يُسْتَفَادُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَقَضَاؤُهُ كَهِبَةِ الْوَاحِدِ مِنْ اثْنَيْنِ وَقِيلَ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الشُّيُوعَ طَارِئٌ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ قَبْضَ الْكُلِّ ثُمَّ حَصَلَ الشُّيُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّا لَوْ قَضَيْنَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ يُقْضَى لَهُ بِالْعَقْدِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْعَقْدَيْنِ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ مِنْ رَجُلَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ تُؤَقَّتْ الْبَيِّنَتَانِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْضٌ وَأَمَّا إذَا وُقِّتَتَا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُوَقَّتَا وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَكَذَا إنْ وَقَّتَ صَاحِبُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الشِّرَاءِ مِنْ ذِي الْيَدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشِّرَاءُ وَالْمَهْرُ سَوَاءٌ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءَ عَيْنٍ مِنْ رَجُلٍ وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ تَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ الْعَيْنِ فَهُمَا سَوَاءٌ لِاسْتِوَاءِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الْقُوَّةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَمُثْبِتٌ لِلْمِلْكِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ثُمَّ لِلْمَرْأَةِ نِصْفُ الْعَيْنِ وَنِصْفُ قِيمَةِ الْعَيْنِ عَلَى الزَّوْجِ لِاسْتِحْقَاقِ نِصْفِ الْمُسَمَّى وَلِلْمُشْتَرِي نِصْفُ الْعَيْنِ وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشِّرَاءُ أَوْلَى وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ قِيمَةُ الْعَيْنِ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَيِّنَتَيْنِ مُمْكِنٌ فَيُصَارُ إلَيْهِ إذْ الْبَيِّنَةُ مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ وَالْعَمَلُ بِهَا مَهْمَا أَمْكَنَ وَاجِبٌ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا بِتَقْدِيمِ الشِّرَاءِ إذْ النِّكَاحُ عَلَى عَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْغَيْرِ جَائِزٌ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِأَنَّ تَقَدُّمَ النِّكَاحِ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْمَالِكِ قُلْنَا الْمَقْصُودُ مِنْ السَّبَبِ حُكْمُهُ وَحُكْمُ النِّكَاحِ مِلْكُ الْمُسَمَّى فِيهِ وَمَتَى قَدَرَ مُتَأَخِّرًا لَمْ يُوجَبْ حُكْمُهُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ كَمَا لَا يُصَارُ إلَى تَأَخُّرِ الشِّرَاءِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا وَهُمَا سَوَاءٌ فِي إفَادَةِ مِلْكِ الْعَيْنِ فَلَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَدَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْهُمَا بَلْ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ أَوْلَى مِنْ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ أَقْوَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ وَالتَّصَرُّفَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَّا أَنَّا سَوَّيْنَا بَيْنَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ فِيمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إثْبَاتُ تَارِيخٍ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرَّهْنُ أَحَقُّ مِنْ الْهِبَةِ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا رَهْنًا وَقَبْضًا وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبْضًا مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخٌ وَلَا قَبْضٌ كَانَ الرَّهْنُ أَوْلَى وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ فَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى وَهَذَا رِوَايَةُ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ وَالْهِبَةَ أَمَانَةٌ وَالْمَضْمُونُ أَقْوَى فَكَانَ أَوْلَى بِخِلَافِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لِأَنَّهَا بَيْعُ انْتِهَاءٍ وَالْبَيْعُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ عَقْدَ ضَمَانٍ يُثْبِتُ الْمِلْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنًى فَيَعْتَبِرُ بِمَا لَوْ كَانَ مُتَأَخِّرًا حَقِيقَةً بِأَنْ أَرَّخَ صَاحِبُ الشِّرَاءِ مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَصَاحِبُ الْهِبَةِ مُنْذُ سَنَةٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الشِّرَاءَ حَادِثٌ وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ حَالَ حُدُوثِهَا أَنَّهُ يُحْكَمُ بِحُدُوثِهَا (قَوْلُهُ وَلَا تَرْجِيحَ لِلصَّدَقَةِ بِاللُّزُومِ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ إنَّ الْهِبَةَ مَعَ الْقَبْضِ وَالصَّدَقَةَ مَعَ الْقَبْضِ سَوَاءٌ حَتَّى يَكُونَ الْعَيْنُ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ نِصْفَيْنِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ اللَّازِمَ مِنْ الْهِبَةِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ مِلْكًا غَيْرَ لَازِمٍ فَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا قَالَ وَهُوَ أَنَّ لُزُومَ الصَّدَقَةِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا لَا بِاعْتِبَارِ الْحَالِ وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَمْرِ الثَّابِتِ فِي الْحَالِ فَلَا تَتَرَجَّحُ الصَّدَقَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ) أَيْ كَوْنُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ سَوَاءً فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ صَحِيحٌ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ وَكَذَا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ عِنْدَ الْبَعْضِ أَيْ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ سَوَاءٌ أَيْضًا عِنْدَ الْبَعْضِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالدَّارِ وَنَحْوِهَا وَيَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ الشُّيُوعَ طَارِئٌ وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَصِحُّ وَلَا يُقْضَى لَهُمَا بِشَيْءٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِي الشَّائِع اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالدَّارِ وَنَحْوِهَا فَلَا يُقْضَى لَهُمَا بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدُهُمَا يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا قُضِيَ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُمَا سَوَاءٌ) هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ أَمَّا إذَا أَرَّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ فَالسَّابِقُ أَوْلَى كَمَا فِي دَعْوَى الْهِبَةِ مَعَ الشِّرَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْعَمَلُ بِهَا مَهْمَا أَمْكَنَ وَاجِبٌ) حُسْنًا لِلظَّنِّ بِالشُّهُودِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ) أَيْ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الشِّرَاءَ مُقَدَّمًا عَلَى النِّكَاحِ وَلَمْ يَشْهَدْ بِتَقَدُّمِهِ أَحَدٌ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ) أَيْ بَلْ يُثْبِتُ الْيَدَ وَالْمِلْكُ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ) أَيْ فَإِنَّهَا أَوْلَى مِنْ الرَّهْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

لِلْحَالِ صُورَةً وَمَعْنًى وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ إلَّا عِنْدَ الْهَلَاكِ مَعْنًى لَا صُورَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجَانِ عَلَى الْمِلْكِ وَالتَّارِيخِ أَوْ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ وَاحِدٍ فَالْأَسْبَقُ أَحَقُّ) أَيْ لَوْ أَقَامَ الْخَارِجَانِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَالتَّارِيخِ أَوْ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ وَاحِدٍ غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَعَلَى التَّارِيخِ كَانَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا أَوْلَى فِيهِمَا أَمَّا الْأَوْلَى فَالْمُرَادُ مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ هُنَا لِأَجْلِ ذِكْرِ التَّارِيخِ وَإِنَّمَا كَانَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا فِيهَا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَثْبَتَ مِلْكَهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَجَعَلَ الْكَرْخِيُّ هَذَا الْقَوْلَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لِأَنَّ دَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ دَعْوَى التَّمَلُّكِ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى ذِي الْيَدِ مِنْ الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِظَاهِرِ يَدِهِ يُعْتَبَرُ اسْتِحْقَاقًا لِلْمِلْكِ عَلَى ذِي الْيَدِ فَيَكُونُ تَمَلُّكًا مِنْ جِهَتِهِ وَالتَّارِيخُ مُعْتَبَرٌ فِي دَعْوَى التَّمَلُّكِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ادَّعَيَا التَّمَلُّكَ بِالشِّرَاءِ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَعَلَ صَاحِبُ الْأَمَالِي أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخِرًا وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ آخِرًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا هُوَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ دَعْوَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ مَعْنًى حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِزَوَائِدِهِ الْمُنْفَصِلَةِ كَالنِّتَاجِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ إثْبَاتِ التَّارِيخِ إثْبَاتُ زِيَادَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى خَصْمِهِ لِتَتَرَجَّحَ بَيِّنَتُهُ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَصْمِ فَإِثْبَاتُ زِيَادَةِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا تُتَصَوَّرُ فِي دَعْوَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَكَانَ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فِيهِ سَوَاءً وَلَوْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَهُمَا سَوَاءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْمُؤَرَّخُ أَوْلَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْمُبْهَمُ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ مِنْ الْأَصْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأَوْلَادَ وَالْإِكْسَابَ وَمُلْكُ الْأَصْلِ أَوْلَى مِنْ التَّارِيخِ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُؤَرَّخَ مِلْكُهُ مُتَيَقَّنٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُتَيَقَّنْ بِمِلْكِ الْآخَرِ فَكَانَ الْمُتَيَقَّنُ أَوْلَى مِنْ الْمُحْتَمَلِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُبْهَمَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَقْدَمَ فَلَا يَتَرَجَّحُ الْمُؤَرَّخُ مَعَ الِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْحُدُوثِ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ مَا لَمْ يُؤَرَّخْ فَإِذَا أُرِّخَ دَلَّ عَلَى سَبْقِ مِلْكِهِ فَتَرَجَّحَ بِهِ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَهُمَا سَوَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَكَذَا إذَا أَرَّخَا تَارِيخًا وَاحِدًا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهُمَا لَمَّا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فَمَنْ أَثْبَتَ مِنْهُمَا التَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ أَحَدٌ كَانَ أَوْلَى لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الشِّرَاءَ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي يَدَّعِي مِنْهُ صَاحِبُهُ الشِّرَاءَ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا فَهُمَا سَوَاءٌ وَإِنْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَالْمُؤَرِّخُ أَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَلَوْ أَرَّخَ الْآخَرُ مَا لَمْ يُثْبِتْ أَنَّهُ أَقْدَمُ تَارِيخًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ ذِي الْيَدِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ وَالْآخَرُ الْهِبَةَ وَالْقَبْضَ أَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ وَالْآخَرُ الْمَهْرَ أَوْ أَحَدُهُمَا الرَّهْنَ وَالْآخَرُ الْهِبَةَ كَانَ الْجَوَابُ فِيهَا فِي جَمِيعِ صُوَرِهَا كَالْجَوَابِ فِي تِلْكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُدَّعِيَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ اتَّفَقَا بِدَعْوَاهُمَا الشِّرَاءَ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لَهُ وَأَنَّ الْمِلْكَ لِغَيْرِهِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْهُ فَكَانَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الشِّرَاءِ مِنْ آخَرَ وَذَكَرَا تَارِيخًا اسْتَوَيَا) يَعْنِي لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ رَجُلٍ غَيْرِ الَّذِي يَدَّعِي الشِّرَاءَ مِنْهُ صَاحِبُهُ كَانَا سَوَاءً حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَقْدَمَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِ وَمِلْكُ بَائِعِهِ مُطْلَقٌ وَلَا تَارِيخَ فِيهِ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعَيْنِ مِلْكٌ مُطْلَقٌ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا فَصَارَ كَمَا إذَا حَضَرَ الْبَائِعَانِ وَادَّعَيَا الْمِلْكَ مِنْ غَيْرِ تَارِيخٍ وَكَذَا لَوْ ذَكَرَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا دُونَ الْآخَرِ فَهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَرَجَّحُ بِالتَّقَدُّمِ حَقِيقَةً فَكَيْفَ يَتَرَجَّحُ بِالِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُمَلِّكُ لَهُمَا وَاحِدًا حَيْثُ يَكُونُ أَقْدَمُهُمَا تَارِيخًا أَوْلَى لِأَنَّ مِلْكَ بَائِعِهِمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِمَا فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّمَلُّكُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَإِذَا مَلَّكَهُ لِأَحَدِهِمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَكَانَ الْبَيْعُ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ فَلَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْمُؤَرِّخُ أَوْلَى بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ وَلَوْ ادَّعَى شَخْصٌ هِبَةً وَقَبْضًا مِنْ رَجُلٍ وَادَّعَى آخَرُ شِرَاءً مِنْ غَيْرِهِ وَادَّعَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثَالِثٌ مِيرَاثًا مِنْ غَيْرِهِمَا وَادَّعَى رَابِعٌ صَدَقَةً وَقَبْضًا مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بَيْنهمْ أَرْبَاعًا سَوَاءً كَانَ مَعَهُمْ تَارِيخٌ أَوْ مَعَ بَعْضِهِمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْمِلْكَ لِمُمَلِّكِهِمْ وَذَلِكَ لَا تَارِيخَ فِيهِ وَلَا يُقَدَّمُ الْأَقْوَى هُنَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَتَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقُ أَوْ بَرْهَنَا عَلَى النِّتَاجِ وَسَبَبِ مِلْكٍ لَا يَتَكَرَّرُ أَوْ الْخَارِجُ عَلَى الْمِلْكِ وَذُو الْيَدِ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَذُو الْيَدِ أَحَقُّ) يَعْنِي فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَرِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَصْلًا لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ تُثْبِتُ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ فَيَسْتَوِي فِيهَا التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فَصَارَا كَأَنَّهُمَا قَامَتَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَا السَّبَبَ كَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْحُدُوثَ وَفِيهِ الْأَقْدَمُ أَوْلَى مَا لَمْ يَدَّعِ الْمُتَأَخِّرُ التَّلَقِّيَ مِنْ جِهَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ مَعَ التَّارِيخِ تَدْفَعُ مِلْكَ غَيْرِهِ فِي وَقْتِ التَّارِيخِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الدَّفْعِ مَقْبُولَةٌ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِغَيْرِهِ بَعْدَهُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ وَلَوْ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا تَارِيخٌ أَوْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَ الْخَارِجُ أَوْلَى لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تُثْبِتُ غَيْرَ الظَّاهِرِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ لَا تُثْبِتُ غَيْرَ مَا ظَهَرَ بِالْيَدِ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى مَا لَمْ يُثْبِتْ ذُو الْيَدِ التَّقَدُّمَ عَلَيْهِ صَرِيحًا بِلَا احْتِمَالٍ وَفِيمَا إذَا أَرَّخَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ وَحْدَهَا خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى فِيهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَبَتَ فِي وَقْتٍ مُتَقَدِّمٍ بِيَقِينٍ وَمِلْكَ الْآخَرِ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُزَاحِمُ الْمُتَيَقَّنَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ وَاحِدٍ قُلْنَا بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَتْ الدَّفْعَ وَلَمْ تَتَضَمَّنْ هُنَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِلْكُ الْخَارِجِ أَقْدَمَ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ حَيْثُ يَكُونُ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا إلَّا إذَا أَرَّخَا وَكَانَ تَارِيخُ الْخَارِجِ أَقْدَمَ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى فِي أَيْدِيهِمَا وَأَرَّخَا كَانَ أَقْدَمُهُمَا تَارِيخًا أَوْلَى عِنْدَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ مَقْبُولَةٌ عِنْدَهُمَا لِلدَّفْعِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْوَقْتَ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَلَوْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَعْتَبِرُ التَّارِيخَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلِاحْتِمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَعْتَبِرُهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ لِلْمُؤَرِّخِ مِنْهُمَا لِأَنَّ تَارِيخَ الْوَاحِدِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ لِتَيَقُّنِ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاحْتِمَالِ الْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَرُجِّحَ بِالتَّيَقُّنِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ أَوْ عَلَى سَبَبٍ آخَرَ لَا يَتَكَرَّرُ فَلِأَنَّ بَيِّنَتَهُمَا قَامَتَا عَلَى مَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْيَدُ فَاسْتَوَيَا فِي الْإِثْبَاتِ وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ بِالْيَدِ فَيُقْضَى لَهُ بِهِ وَلَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ لِأَنَّ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ تَسْتَوْعِبُ كُلَّ تَارِيخٍ فَلَا يُفِيدُ ذِكْرُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْهُمَا اتَّحَدَ التَّارِيخَانِ أَوْ اخْتَلَفَا مَا لَمْ يَذْكُرْ تَارِيخًا مُسْتَحِيلًا بِأَنْ لَمْ يُوَافِقْ سِنَّ الْمُدَّعَى وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي إثْبَاتِ أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ وَتَرَجَّحَ الْخَارِجُ بِإِثْبَاتِ مَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْيَدُ وَهُوَ الْمِلْكُ لِنَفْسِهِ فَكَانَ أَوْلَى وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ بِيَقِينٍ لِاسْتِحَالَةِ نِتَاجِ دَابَّةٍ مِنْ دَابَّتَيْنِ فَصَارَ نَظِيرَ الشَّهَادَةِ بِالْقَتْلِ فِي مَكَانَيْنِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى لِذِي الْيَدِ بِنَاقَةٍ بَعْدَ مَا أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَهَا وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَهَا وَلِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَكَانَ مُسَاوِيًا لِلْخَارِجِ فِيهَا فَبِإِثْبَاتِهَا يَنْدَفِعُ الْخَارِجُ وَبَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولَةٌ لِلدَّفْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ أَرَّخَا فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَقْدَمُ تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا فِيهَا مِنْ تَضَمُّنِ مَعْنَى الدَّفْعِ فَكَذَا هُنَا وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ كَالْغَصْبِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ حَيْثُ تَكُونُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى وَإِنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ النِّتَاجَ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْفِعْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله لِمُمَلِّكِهِمْ) هُوَ بِالْإِفْرَادِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا بَعْدَ عَوْدِهِ مِنْ الرَّقَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ وَقَالَ الْخَارِجُ أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِيهِ الْأَقْدَمُ) أَيْ سَوَاءً كَانَ الْبَيْعُ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْخِلَافَ مُتَّحِدٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى فِي أَيْدِيهِمَا وَوَقَّتَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ وَفِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَوَقَّتَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) يَعْنِي بِهِ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى فِي أَيْدِيهِمَا اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَا) أَيْ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتْجُهَا عِنْدَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتْجُهَا عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ أُخِذَ هَذَا بِالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْضَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا تَعَارَضَا فِي الْإِثْبَاتِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأُولَى مِنْ الْآخَرِ لَكِنَّا نَرُدُّ الْقِيَاسَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ مَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى نَاقَةً فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتْجُهَا عِنْدَهُ وَأَقَامَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتْجُهَا عِنْدَهُ فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ» (قَوْلُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ) حَتَّى يَحْلِفَ ذُو الْيَدِ لِلْخَارِجِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ قَرِيبًا اهـ (قَوْلُهُ فَكَانَ مُسَاوِيًا لِلْخَارِجِ فِيهَا) أَيْ فِي دَعْوَى النِّتَاجِ اهـ

عَلَى ذِي الْيَدِ وَهُوَ الْغَصْبُ وَأَشْبَاهُهُ إذْ هُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ أَصْلًا وَأَوَّلِيَّةُ الْمِلْكِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِالْيَدِ فَأَصْلُ الْمِلْكِ ثَابِتٌ بِهَا ظَاهِرًا فَكَانَ ثَابِتًا بِالْيَدِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَكَانَ إثْبَاتُ غَيْرِ الثَّابِتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْلَى إذْ الْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ وَمَا قَالَهُ عِيسَى غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي خَارِجَيْنِ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَا قَالَهُ هُوَ لَتَهَاتَرَتَا وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَالسَّوَاقِطُ فِي يَدِ الْآخَرِ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ يُقْضَى بِهَا وَبِالسَّوَاقِطِ لِمَنْ فِي يَدِهِ أَصْلُ الشَّاةِ وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَا ذَكَرَهُ لَتُرِكَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا فِي يَدِهِ وَثَمَرَةُ مَا قَالَهُ تَظْهَرُ فِي التَّحْلِيفِ لِأَنَّهُمَا إذَا تَهَاتَرَا يُصَارُ إلَى التَّحْلِيفِ وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ وَأَنَّهُ وُلِدَ عِنْدَهُ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ آخَرَ وَأَنَّهُ وُلِدَ عِنْدَهُ كَانَ ذُو الْيَدِ أَوْلَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ نِتَاجِ بَائِعِهِ كَمَا أَنَّهُ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ وَلَوْ حَضَرَ الْبَائِعَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُمَا وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمِلْكِ وَالْآخَرُ عَلَى النِّتَاجِ كَانَ صَاحِبُ النِّتَاجِ أَوْلَى أَيُّهُمَا كَانَ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ وَبَعْدَهُ لَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الدَّعْوَى بَيْنَ الْخَارِجَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ قَضَى بِالنِّتَاجِ لِصَاحِبِ الْيَدِ ثُمَّ أَقَامَ ثَالِثٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ يَقْضِي لَهُ إلَّا أَنْ يُعِيدَهَا ذُو الْيَدِ لِأَنَّ الثَّالِثَ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ وَكَذَا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ تُقْبَلُ بَيِّنَتَهُ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْخَارِجَ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَى ذِي الْيَدِ شَيْئًا لِأَنَّ مِلْكَ ذِي الْيَدِ ثَبَتَ بِالنِّتَاجِ صَرِيحًا وَبَعْدَ مَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لِلْخَارِجِ بِذَلِكَ السَّبَبُ لِأَنَّ النِّتَاجَ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مَا اسْتَحَقَّهُ الْخَارِجُ مِنْ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لِذِي الْيَدِ بِظَاهِرِ الْيَدِ مُسْتَحَقًّا عَلَى ذِي الْيَدِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ الْأَصْلِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْيَدِ فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ مَا اسْتَحَقَّهُ الْخَارِجُ مِنْ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لِذِي الْيَدِ بِظَاهِرِ الْيَدِ مُسْتَحَقًّا عَلَى ذِي الْيَدِ فَجُعِلَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ تَرْجِيحِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فَإِذَا لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي حَقِّ النِّتَاجِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ كَمَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نَصٍّ تُرِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى ذُو الْيَدِ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ حَيْثُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ لِلِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي حَادِثَةٍ لَا يُقْضَى لَهُ فِيهَا وَإِلَّا قُضِيَ لَهُ فِيهَا وَقَوْلُهُ وَسَبَبُ مِلْكٍ لَا يَتَكَرَّرُ مَعْنَاهُ كُلُّ سَبَبٍ لَا يَتَكَرَّرُ فِي الْمِلْكِ إذَا ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْيَدِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ النِّتَاجِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَذَلِكَ مِثْلُ حَلْبِ اللَّبَنِ وَاِتِّخَاذِ الْجُبْنِ وَاللِّبَدِ وَجَزِّ الصُّوفِ وَالْمِرْعِزَّى وَغَزْلِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَنَسْجِ الثَّوْبِ مِنْ غَزْلِهِمَا وَإِنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ قَضَى بِهِ لِلْخَارِجِ وَهُوَ مِثْلُ الْخَزِّ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَزِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ لِأَنَّ ثَوْبَ الْخَزِّ وَالصُّوفِ وَالشَّعْرِ إذَا بَلِيَ يُنْقَضُ وَيُغْزَلُ مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ يُنْسَجُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَا الْيَدِ نَسَجَهُ ثُمَّ غَصَبَهُ الْخَارِجُ وَنَقَضَهُ ثُمَّ نَسَجَهُ فَيَكُونُ مِلْكًا لَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ بَلْ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَكَذَا غَيْرُهُ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَالزِّرَاعَةَ يَتَأَتَّى فِيهَا التَّكْرَارُ وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ يُسْأَلُ عُدُولُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وَالْوَاحِدُ مِنْهُمْ يَكْفِي وَالْأَحْوَطُ الِاثْنَانِ وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ قُضِيَ بِهِ لِلْخَارِجِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْعُدُولُ عَنْهُ بِخَبَرِ النِّتَاجِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ إلَّا مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِشَرْطِ أَنْ يُبَيِّنَ فِي الدَّعْوَى نَصَّا أَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ وُجِدَ فِي مِلْكِهِ حَتَّى إذَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ ذُو الْيَدِ وَحْدَهُ نَسَجْت هَذَا الثَّوْبَ أَوْ نُتِجَتْ هَذِهِ الدَّابَّةُ عِنْدِي كَانَ الْخَارِجُ أَوْلَى لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْسِجُ لِغَيْرِهِ وَتَلِدُ دَابَّةُ الْغَيْرِ عِنْدَهُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الثَّوْبَ نَسَجَهُ فِي مِلْكِهِ وَأَنَّ الدَّابَّةَ وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ فَبَقِيَ دَعْوَى مُطْلَقِ الْيَدِ وَفِيهِ الْخَارِجُ أَوْلَى وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِيهِ حَتَّى يَنُصَّ عَلَيْهِ وَيَقُولَ نَسَجْتُهُ فِي مِلْكِي أَوْ نُسِجَ فِي مِلْكِي أَوْ وَلَدَتْ الدَّابَّةُ فِي مِلْكِي وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ هَذَا جُبْنِي اتَّخَذْته أَنَا أَوْ قَالَ اللَّبَنُ الَّذِي اُتُّخِذَ مِنْهُ هَذَا الْجُبْنُ مِلْكِي أَوْ الشَّاةُ الَّتِي حُلِبَ مِنْهَا لَبَنُهُ مِلْكِي كَانَ الْخَارِجُ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ قَالَ اتَّخَذْتُهُ فِي مِلْكِي أَوْ حُلِبَ لَبَنُهُ فِي مِلْكِي كَانَ ذُو الْيَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمَا قَالَهُ عِيسَى إلَخْ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الرَّدِّ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى عِيسَى لَوْ كَانَ عِيسَى شَارِحًا لِكَلَامِ مُحَمَّدٍ أَمَّا إذَا كَانَ مَا قَالَهُ عِيسَى مَذْهَبًا لَهُ لَا لِمُحَمَّدٍ كَيْف يَرُدُّ عَلَيْهِ بِمَذْهَبِ مُحَمَّدٍ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ يُصَارُ إلَى التَّحْلِيفِ) أَيْ تَحْلِيفِ ذِي الْيَدِ لِلْخَارِجِ عِنْدَ عِيسَى وَعِنْدَنَا لَا يَحْلِفُ لِأَنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِذِي الْيَدِ قَضَاءَ اسْتِحْقَاقٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَبَبُ مِلْكٍ لَا يَتَكَرَّرُ) يَعْنِي إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى نَسْجِ ثَوْبٍ فِيمَا لَا يَتَكَرَّرُ نَسْجُهُ كَغَزْلِ الْقُطْنِ كَانَ ذُو الْيَدِ أَوْلَى لِأَنَّ مَا لَا يَتَكَرَّرُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ وَهُوَ لَا يَتَكَرَّرُ وَكَذَلِكَ حَلْبُ اللَّبَنِ فَإِذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا اللَّبَنَ حُلِبَ فِي مِلْكِهِ وَكَذَلِكَ اتِّخَاذُ الْجُبْنِ بِأَنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْجُبْنَ لَهُ صَنَعَهُ فِي مِلْكِهِ وَكَذَا اتِّخَاذ اللِّبَدِ وَالْمِرْعِزَّى أَنَّهُ صَنَعَهُ فِي مِلْكِهِ وَكَذَا الصُّوفُ إذَا أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ صُوفُهُ جَزَّهُ مِنْ غَنَمِهِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ كَانَ ذُو الْيَدِ أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ حَلْبِ اللَّبَنِ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ حَلَبَ هَذَا اللَّبَنَ فِي مِلْكِي اهـ فُرِشَتَا (قَوْلُهُ وَاِتِّخَاذِ الْجُبْنِ وَاللِّبَدِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَلِكَ الْغَرْسُ وَزِرَاعَةُ الْحُبُوبِ فَتَكَرَّرَ فَإِنَّهُ يَغْرِسُ فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ يَقْلَعُ وَيَغْرِسُ ثَانِيًا وَكَذَلِكَ الْحُبُوبُ تُزْرَعُ ثُمَّ تُغَرْبَلُ فَتُزْرَعُ مَرَّةً أُخْرَى. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا بَلَا) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ إذَا بَلِيَ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ بَلِيَ الثَّوْبُ يَبْلَى مِنْ بَابِ تَعِبَ بِلًى بِالْكَسْرِ اهـ قَالَ الْكَاكِيُّ وَالْخَزُّ اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ سُمِّيَ الثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ مِنْ وَبَرِهِ خَزًّا قِيلَ هُوَ يُنْسَجُ فَإِذَا بَلِيَ يُغْزَلُ مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ يُنْسَجُ. اهـ (قَوْلُهُ وَإِقْرَارُهُ) أَيْ وَإِقْرَارُ ذِي الْيَدِ بِالْمُلْكِ لِلْخَارِجِ. اهـ.

أَوْلَى وَعَلَى هَذَا لَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا الْقَاضِيَ قَضَى لَهُ بِهَا بِالْبَيِّنَةِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ أَنَّهَا نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ كَانَ ذُو الْيَدِ أَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَهُمَا الْخَارِجُ أَوْلَى لِأَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ صَحَّ ظَاهِرًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ ذِي الْيَدِ فَلَا يُنْقَضُ قَضَاؤُهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَلِأَنَّ الْخَارِجَ أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ بِبَيِّنَتِهِ وَأَثْبَتَ ذُو الْيَدِ التَّلَقِّيَ مِنْهُ فَكَانَ لَهُ بِحُكْمِ التَّلَقِّي مِنْهُ وَإِقْرَارُهُ بِأَنَّهُ لَهُ فِي ضِمْنِ دَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ دَعْوَاهُ وَقَبُولَ بَيِّنَتِهِ كَمَا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ صَرِيحًا ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ الشِّرَاءُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ إذْ التَّوْفِيقُ مُمْكِنٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَرْهَنَ كُلٌّ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا تَارِيخَ سَقَطَا وَتُتْرَكُ الدَّارُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ) أَيْ لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ أَوْ الْخَارِجَيْنِ أَوْ ذَوِي الْأَيْدِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا تَارِيخَ لَهُمَا تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ الْمُدَّعَى فِي يَدِ ذِي الْيَدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا يُقْضَى بِالْبَيِّنَتَيْنِ وَتَكُونُ لِلْخَارِجِ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِمَا بِجَعْلِ ذِي الْيَدِ مُشْتَرِيًا مِنْ الْخَارِجِ وَقَبَضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلَالَةُ السَّبْقِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا يُعْكَسُ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالشِّرَاءِ مِنْ صَاحِبِهِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لَهُ فَصَارَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى إقْرَارِ الْآخَرِ وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بِالْإِجْمَاعِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ فَكَذَا هَذَا وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْقَضَاءِ بِهِمَا الْقَضَاءُ لِذِي الْيَدِ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ وَهُوَ الْمِلْكُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ السَّبَبِ إذْ السَّبَبُ لَمْ يُشَرَّعْ إلَّا لِحُكْمِهِ فَإِذَا لَمْ يُفِدْ حُكْمَهُ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا كَطَلَاقِ الصَّبِيِّ وَعَتَاقِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِأَنَّ سَبَبِيَّتَهُ بِالشَّرْعِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ لِذِي الْيَدِ إلَّا بِمِلْكٍ مُسْتَحَقٍّ فَيَلْزَمُ مِنْهُ الْقَضَاءُ لَهُ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ثُمَّ لَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَتَانِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ تَقَاصَّا إنْ كَانَ الثَّمَنَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَتَسَاوَيَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَا جِنْسًا رَدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا قَبَضَ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَا يَتَأَتَّى الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَأَتَّى لِوُجُوبِهِ عِنْدَهُ وَلَوْ شَهِدَ الْفَرِيقَانِ بِالْبَيْعِ وَقُبِضَ الْمَبِيعُ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ بِالِاتِّفَاقِ لِتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّ الْبَيْعَيْنِ وَإِنْ كَانَا جَائِزَيْنِ لِوُجُودِهِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِمَا ذِكْرُ التَّارِيخِ وَلَا دَلَالَتُهُ حَتَّى يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا سَابِقًا وَالْآخَرُ لَاحِقًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرَا قَبْضَ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ هُنَاكَ أَنْ يُجْعَلَ شِرَاءُ ذِي الْيَدِ مُتَقَدِّمًا لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يُقْضَى لَهُمَا عِنْدَهُ فَيُجْعَلُ الْقَبْضُ الْمُعَايَنُ آخِرَ الْقَبْضَيْنِ وَيُجْعَلُ ذُو الْيَدِ آخِرَ الْمُشْتَرِيَيْنِ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَى وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ ذِي الْيَدِ وَقَبَضَ فَيُقْضَى بِالدَّارِ لَهُ وَمِثْلُهُ فِي الْجَامِعِ وَشَرْحِ الْكَرْخِيِّ وَالْمَبْسُوطِ وَالْمُخْتَلَفِ وَإِنْ وُقِّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَقَارِ وَلَمْ تُثْبِتَا قَبْضًا فَإِنْ كَانَ وَقْتُ الْخَارِجِ أَسْبَقَ يُقْضَى بِهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ عِنْدَهُمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَى أَوَّلًا ثُمَّ بَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْضَى لِلْخَارِجِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى بِهَا لِذِي الْيَدِ عِنْدَهُ أَيْضًا فَيُجْعَلُ الْخَارِجُ كَأَنَّهُ قَبَضَهَا ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ بَائِعِهِ وَهُوَ ذُو الْيَدِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ وَإِنْ أَثْبَتَا قَبْضًا يُقْضَى بِهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْبَيْعَيْنِ جَائِزَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْخَارِجَ بَاعَهَا مِنْ بَائِعِهِ بَعْدَ مَا قَبَضَهَا وَذَلِكَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ وَقْتُ صَاحِبِ الْيَدِ أَسْبَقَ يُقْضَى بِهَا لِلْخَارِجِ سَوَاءٌ شَهِدُوا بِالْقَبْضِ أَوْ لَمْ يَشْهَدُوا لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ قَابِضٌ وَقَدْ أَثْبَتَ شِرَاءَهُ سَابِقًا فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى أَوَّلًا كَمَا شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ بَائِعِهِ وَهُوَ الْخَارِجُ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِالْقَبْضِ أَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ إنْ شَهِدُوا بِالْقَبْضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُرَجَّحُ بِزِيَادَةِ عَدَدِ الشُّهُودِ) مَعْنَاهُ أَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَكْثَرَ لَا يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ شُهُودِهِ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ يَكُونُ بِقُوَّةٍ فِي الْعِلَّةِ لَا بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ) أَيْ وَفِي الْكَافِي هَذَا بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمَا اهـ قَوْلُهُ هَذَا أَيْ مَا فِي الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ وُقِّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَقَارِ) قُيِّدَ بِالْعَقَارِ لِيَظْهَرَ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.

لِأَنَّ مَا يَصْلُحُ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا لَا يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ وَإِنَّمَا يُرَجَّحُ بِالْوَصْفِ وَلِهَذَا لَا تُرَجَّحُ الْآيَةُ بِآيَةٍ أُخْرَى وَلَا الْخَبَرُ بِالْخَبَرِ وَإِنَّمَا يُرَجَّحُ بِقُوَّةٍ فِيهَا بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَوَاتِرًا وَالْآخَرُ مِنْ الْآحَادِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُفَسَّرًا وَالْآخَرُ مُجْمَلًا فَيُرَجَّحُ الْمُفَسَّرُ عَلَى الْمُجْمَلِ وَالْمُتَوَاتِرُ عَلَى الْآحَادِ لِقُوَّةِ وَصَفٍّ فِيهِ وَكَذَا لَا يُرَجَّحُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ بِالْقِيَاسِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دَارٌ فِي يَدِ آخَرَ ادَّعَى رَجُلٌ نِصْفَهَا وَآخَرُ كُلَّهَا وَبَرْهَنَا فَلِلْأَوَّلِ رُبْعُهَا وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ) لِأَنَّ مُدَّعِيَ الْكُلِّ لَا يُنَازِعُهُ أَحَدٌ فِي النِّصْفِ فَسُلِّمَ لَهُ مِنْ غَيْرِ مُنَازَعَةٍ ثُمَّ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا فَسُلِّمَ لِمُدَّعِي الْكُلِّ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ سُلِّمَ لَهُ الرُّبْعُ وَهَذَا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا تُقْسَمُ الدَّارُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَالثُّلُثَانِ لِمُدَّعِي الْكُلِّ وَالثُّلُثُ لِمُدَّعِي النِّصْفِ لِأَنَّ مُدَّعِيَ الْكُلِّ يَدَّعِي النِّصْفَيْنِ وَالْآخَرَ النِّصْفَ الْوَاحِدَ وَلَيْسَ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَنْصَافٍ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا وَهَذَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَلَهَا نَظَائِرُ وَأَضْدَادٌ نُبَيِّنُهَا مُخْتَصَرًا فَنَقُولُ إنَّ جِنْسَ الْقِسْمَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: نَوْعٍ مِنْهَا يُقْسَمُ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ إجْمَاعًا وَهِيَ ثَمَانِ مَسَائِلَ الْمِيرَاثُ وَالدُّيُونُ وَالْوَصِيَّةُ بِمَا دُونَ الثُّلُثِ إذَا اجْتَمَعَتْ وَزَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ وَالْمُحَابَاةُ وَالدَّرَاهِمُ الْمُرْسَلَةُ وَالسِّعَايَةُ وَالْعَبْدُ إذَا قَلَعَ عَيْنَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَدُفِعَ بِهِمَا وَالْمُدَبِّرُ إذَا جَنَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَدُفِعَتْ قِيمَتُهُ بِهِمَا. وَنَوْعٍ مِنْهَا مَا يُقْسَمُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ إجْمَاعًا وَهِيَ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ فُضُولِيٌّ بَاعَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ مِنْ رَجُلٍ وَفُضُولِيٌّ آخَرُ بَاعَ نِصْفَهُ مِنْ آخَرَ فَأَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَيْنِ فَاخْتَارَ الْمُشْتَرِيَانِ الْأَخْذَ يَكُونُ لِمُشْتَرِي الْكُلَّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَلِمَنْ اشْتَرَى النِّصْفَ الرُّبْعُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ. وَنَوْعٍ مِنْهَا مَا يُقْسَمُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَهِيَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا نِصْفَ الدَّارِ وَالْآخَرُ كُلَّهَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَالثَّانِيَةُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِ مَالِهِ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ، وَالثَّالِثَةُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ وَلَآخِرَ بِنِصْفِ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ وَمِنْهَا مَا يُقْسَمُ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَهِيَ خَمْسُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَدَانَهُ أَحَدُهُمَا مِائَةً وَأَدَانَهُ أَجْنَبِيٌّ مِائَةً فَدَيْنُ الْمَوْلَى سَقَطَ نِصْفُهُ لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَى عَبْدِهِ وَثَبَتَ نِصْفُهُ الَّذِي فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَإِذَا بِيعَ بِالدَّيْنِ يَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ادَّعَى رَجُلٌ) لَفْظُ رَجُلٍ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ رَجُلٍ ثَالِثٍ إنْ لَمْ يُقِمْ لَهُمَا بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يَحْلِفُ ذُو الْيَدِ فَإِذَا حَلَفَ تُرِكَ الدَّارُ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَفَ انْقَطَعَ دَعْوَاهُمَا فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَدَّعِيَا وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَسْمُوعَةٌ عَلَى مَا ادَّعَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا ادَّعَى لِنَفْسِهِ خَارِجٌ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ مَسْمُوعَةٌ عَلَى ذِي الْيَدِ وَإِذَا سُمِعَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قُسِمَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ أَرْبَاعًا أَصْلُهُ مِنْ سَهْمَيْنِ لِحَاجَتِك إلَى النِّصْفِ فَمُدَّعِي الْجَمِيعِ يَدَّعِي الْجَمِيعَ وَمُدَّعِي النِّصْفِ لَا يَدَّعِي إلَّا سَهْمًا فَقَدْ تَفَرَّدَ مُدَّعِي الْجَمِيعِ بِدَعْوَى سَهْمٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ لَهُ بِلَا مُنَازَعَةٍ فَبَقِيَ سَهْمٌ وَاحِدٌ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا فَيَنْكَسِرُ فَيُضَعَّفُ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةً وَإِنْ شِئْت قُلْت إنَّا نَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ نِصْفٌ وَلِنِصْفِهِ نِصْفٌ صَحِيحٌ وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَهَا نَظَائِرُ) أَيْ فَمِنْ نَظَائِرِهَا رَجُلٌ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِكُلِّ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِ مَالِهِ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ أَرْبَاعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَهُمَا أَثْلَاثًا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ اهـ (قَوْلُهُ وَأَضْدَادٌ) يَعْنِي بِهِ الْخِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ كَمُدَبَّرٍ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً وَآخَرَ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ وَدَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ كَانَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَ وَلِيَّيْ الْخَطَأِ وَاَلَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ عِنْدَهُ أَثْلَاثًا عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَصُورَةُ الْمُنَازَعَةِ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ فَرْعٌ مِنْ دَعْوَى قَوْمٍ سُلِّمَ لِلْآخَرِ بِلَا مُنَازَعَةٍ فَهَاهُنَا صَاحِبُ النِّصْفِ يَدَّعِي النِّصْفَ فَالنِّصْفُ خَلَا مِنْ دَعْوَاهُ وَسُلِّمَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ اسْتَوْعَبَ مُنَازَعَتَهُمَا فِيهِ فَيَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ الرُّبْعُ وَصُورَةُ الْعَوْلِ أَنْ يَضْرِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِسَهْمِهِ فَتُجْمَعُ السِّهَامُ كُلُّهَا وَتُقْسَمُ الْعَيْنُ عَلَى مَبْلَغِ السِّهَامِ فَهَاهُنَا صَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي الْجَمِيعَ وَصَاحِبُ النِّصْفِ يَدَّعِي النِّصْفَ فَيَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ نِصْفٌ وَأَقَلُّ ذَلِكَ سَهْمَانِ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي سَهْمَيْنِ وَصَاحِبُ النِّصْفِ يَدَّعِي سَهْمًا فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الْمِيرَاثُ) كَمَا فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتًا لِأَبٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ فَتَعُولُ الْفَرِيضَةُ إلَى سَبْعَةٍ وَكَانَتْ فِي الْأَصْلِ مِنْ سِتَّةٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالدُّيُونُ) إذَا اجْتَمَعَتْ وَضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْهَا. اهـ. كَرَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفًا وَلِرَجُلٍ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الْعَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا اجْتَمَعَتْ وَزَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ) أَيْ بِأَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَآخِرَ بِرُبْعِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِسُدُسِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ حَتَّى عَادَتْ إلَى الثُّلُثِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يَعْتِقَ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ وَمِنْ الْآخَرِ نِصْفُهُ وَلَا يَخْرُجُ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَيْنِ) يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِيَانِ فَإِنْ اخْتَارَا الرَّدَّ فَلَا كَلَامَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ) أَيْ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ أَوْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا) أَيْ فَيَأْخُذُ الْمَوْلَى ثُلُثَ الثَّمَنِ وَالْأَجْنَبِيُّ ثُلُثَيْهِ اهـ

وَالثَّانِيَةُ إذَا أَدَانَهُ أَجْنَبِيَّانِ أَحَدُهُمَا مِائَةً وَالْآخَرُ مِائَتَيْنِ يَقْتَسِمَانِ ثَمَنَهُ عَلَى هَذَا، وَالثَّالِثَةُ عَبْدٌ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً وَآخَرَ عَمْدًا وَلِلْمَقْتُولِ عَمْدًا وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا فَدُفِعَ بِهِمَا كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ، وَالرَّابِعَةُ لَوْ كَانَ الْجَانِي مُدَبَّرًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَدُفِعَتْ قِيمَتُهُ كَانَتْ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ، وَالْخَامِسَةُ أُمُّ وَلَدٍ قَتَلَتْ مَوْلَاهَا وَأَجْنَبِيًّا عَمْدًا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَإِنَّهَا تَسْعَى فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهَا فَتُقَسَّمُ بَيْنَ السَّاكِتَيْنِ فَيُعْطَى الرُّبْعُ لِشَرِيكِ الْعَافِي آخِرًا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِ الْعَافِي أَوَّلًا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِشَرِيكِ الْعَافِي أَوَّلًا وَالثُّلُثُ لِشَرِيكِ الْعَافِي آخِرًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ مَتَى وَجَبَتْ لِحَقٍّ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ أَوْ لِحَقٍّ ثَابِتٍ فِي الْعَيْنِ عَلَى وَجْهِ الشُّيُوعِ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْكُلِّ كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَوْلِيَّةً وَمَتَى وَجَبَتْ الْقِسْمَةُ لِحَقٍّ ثَابِتٍ عَلَى وَجْهِ التَّمْيِيزِ أَوْ كَانَ حَقُّ أَحَدِهِمَا فِي الْبَعْضِ الشَّائِعِ وَحَقُّ الْآخَرِ فِي الْكُلِّ كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّ الْحَقَّيْنِ مَتَى ثَبَتَا عَلَى الشُّيُوعِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى الْعَوْلِ وَإِنْ ثَبَتَا عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ فِي وَقْتَيْنِ كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى الْمُنَازَعَةِ وَبَيَانِ طُرُقِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَتَخْرِيجِهَا عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ وَتَمَامُ تَفْرِيعِهَا مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِقَاضِي خَانْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا فَهِيَ لِلثَّانِي) أَيْ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِي الْمُدَّعِيَيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَتْ كُلُّهَا لِمُدَّعِي الْكُلِّ لِأَنَّ مُدَّعِيَ النِّصْفِ تَنْصَرِفُ دَعْوَاهُ إلَى مَا فِي يَدِهِ لِتَكُونَ يَدُهُ يَدًا مُحِقَّةً لِأَنَّ حَمْلَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصِّحَّةِ وَاجِبٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ ظَالِمًا بِالْإِمْسَاكِ فَاقْتَصَرَتْ دَعْوَاهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَلَا يَدَّعِي شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَمُدَّعِي الْكُلِّ يَدَّعِي مَا فِي يَدِ نَفْسِهِ وَمَا فِي يَدِ الْآخَرِ وَلَا يُنَازِعُهُ أَحَدٌ فِيمَا فِي يَدِهِ فَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَكَانَتْ بَيِّنَتُهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ خَارِجٌ فِيهِ فَيُقْضَى لَهُ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ فَسُلِّمَ لَهُ الْكُلُّ نِصْفُهَا بِالتَّرْكِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِالْقَضَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَرْهَنَا عَلَى نِتَاجِ دَابَّةٍ وَأَرَّخَا قُضِيَ لِمَنْ وَافَقَ سِنَّهَا تَارِيخُهُ) لِأَنَّ عَلَامَةَ الصِّدْقِ ظَهَرَتْ فِيمَنْ وَافَقَ تَارِيخُهُ سِنَّهَا فَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَتُهُ بِذَلِكَ وَفِي الْأُخْرَى ظَهَرَتْ عَلَامَةُ الْكَذِبِ فَيَجِبُ رَدُّهَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي النِّتَاجِ مِنْ غَيْرِ تَارِيخٍ حَيْثُ يُحْكَمُ بِهَا لِذِي الْيَدِ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا إنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ فَلَهُمَا) أَيْ إنْ أَشْكَلَ سِنُّ الدَّابَّةِ فِي مُوَافَقَةِ أَحَدِ التَّارِيخَيْنِ يُقْضَى لَهُمَا بِهَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى بِهَا مِنْ الْآخَرِ وَهَذَا إذَا كَانَا خَارِجَيْنِ بِأَنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَكَذَا إذَا كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا قُضِيَ بِهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَشْكَلَ الْأَمْرُ سَقَطَ التَّارِيخَانِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا لَمْ يُؤَرِّخَا وَإِنْ خَالَفَ سِنُّ الدَّابَّةِ التَّارِيخَيْنِ بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُ الْفَرِيقَيْنِ فَيُتْرَكُ فِي يَدِ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ بَلْ يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا إنْ كَانَا خَارِجَيْنِ أَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا يُقْضَى بِهَا لِذِي الْيَدِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ ذِكْرِ الْوَقْتِ لِحَقِّهِمَا وَحَقُّهُمَا هُنَا فِي إسْقَاطِ اعْتِبَارِهِ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ إسْقَاطَ حَقِّهِمَا فَلَا يُعْتَبَرُ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا ذَكَرَا النِّتَاجَ مِنْ غَيْرِ تَارِيخٍ وَفِيهِ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى إنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَإِلَّا فَهِيَ بَيْنَهُمَا كَمَا إذَا أَشْكَلَ فِي مُوَافَقَةِ سِنِّهَا أَحَدَ التَّارِيخَيْنِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ) أَيْ عِنْدَهُ أَثْلَاثًا وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا وَإِنْ فَدَاهُ الْمَوْلَى يَفْدِيهِ بَخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا خَمْسَةِ آلَافٍ لِشَرِيكِ الْعَافِي وَعَشْرَةِ آلَافٍ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا) سَلَّمَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ نِصْفَهَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَنِصْفَهَا لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّارَ فِي أَيْدِيهِمَا وَالْيَدُ مِنْ أَسْبَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالتَّسَاوِي فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِي نَفْسِ الِاسْتِحْقَاقِ فَصَارَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ ثُمَّ دَعْوَى مُدَّعِي النِّصْفِ تَنْصَرِفُ إلَى النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ دُونَ النِّصْفِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ غَاصِبًا فِي إمْسَاكِ النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَأُمُورُ الْمُسْلِمِينَ يَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى الصَّلَاح مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَقَامَ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ النِّصْفِ فَكَانَ الْخَارِجُ أَوْلَى وَهُوَ مُدَّعِي الْكُلِّ وَالنِّصْفُ الَّذِي فِي يَدِ مُدَّعِي الْجَمِيعِ سُلِّمَ لَهُ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مُدَّعِي النِّصْفِ لِمُدَّعِي الْجَمِيع وَلَا يَحْلِفُ مُدَّعِي الْجَمِيعِ لِمُدَّعِي النِّصْفِ لِأَنَّ مُدَّعِي النِّصْفِ لَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِ الْجَمِيعِ وَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِ النِّصْفِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَحْلِفُ فَإِنْ حَلَفَ انْقَطَعَ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَصَارَ الْحَالُ بَعْدَ الْحَلْفِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ وَقَبْلَ الْحَلْفِ كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا نِصْفَيْنِ فَبَعْدَ الْحَلْفِ كَذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَشْكَلَ) أَيْ إنْ لَمْ يَظْهَرْ سِنُّ الدَّابَّةِ. اهـ. فِرِشْتَا (قَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفَ سِنُّ الدَّابَّةِ التَّارِيخَيْنِ) أَيْ فِي دَعْوَى الْخَارِجَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ) أَيْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ سَابِقًا بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ اهـ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ فَإِنْ خَالَفَ سِنُّ الدَّابَّةِ الْوَقْتَيْنِ قُضِيَ بِهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ الصَّحِيحُ أَنْ تَبْطُلَ الْبَيِّنَتَانِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الْوَقْتَيْنِ أَوْ كَانَتْ مُشْكِلَةً قَضَيْت بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْوَقْتُ فَصَارَا كَأَنَّهُمَا لَمْ يُوَقِّتَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي اللَّيْثِ الْخُوَارِزْمِيَّ إذَا كَانَ سِنُّ الدَّابَّةِ عَلَى غَيْرِ الْوَقْتَيْنِ فَالْبَيِّنَتَانِ بَاطِلَتَانِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهُمَا إلَى هُنَا لَفْظُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورُ وَقَدْ مَرَّ مَرَّةً

وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُ الْخَارِجَيْنِ عَلَى الْغَصْبِ وَالْآخَرُ عَلَى الْوَدِيعَةِ اسْتَوَيَا) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَيْنٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلَانِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ وَالْآخَرُ الْوَدِيعَةِ اسْتَوَتْ دَعْوَاهُمَا حَتَّى يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ تَصِيرُ غَصْبًا بِالْجُحُودِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْوِفَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَالَفَ بِالْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ جُحُودٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرَّاكِبُ وَاللَّابِسُ أَحَقُّ مِنْ آخِذِ اللِّجَامِ وَالْكُمِّ) مَعْنَاهُ إذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِلِجَامِهَا أَوْ تَنَازَعَا فِي قَمِيصٍ أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِكُمِّهِ كَانَ الرَّاكِبُ وَاللَّابِسُ أَوْلَى مِنْ الْمُتَعَلِّقِ بِاللِّجَامِ وَالْكُمِّ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا أَظْهَرُ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ فَكَانَا صَاحِبَيْ يَدٍ وَالْمُتَعَلِّقُ خَارِجٌ فَكَانَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ حَيْثُ تَكُونُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى لِأَنَّهَا حُجَّةٌ مُطْلَقًا وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا التَّعَلُّقُ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَكَذَا التَّصَرُّفُ لَكِنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ وَالْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ حَتَّى جَازَتْ الشَّهَادَةُ لَهُ بِالْمِلْكِ فَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ حَتَّى تَقُومَ الْحُجَجُ وَالتَّرَاجِيحُ وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَاكِبًا عَلَى السَّرْجِ وَالْآخَرُ رَدِيفًا لَهُ كَانَ الرَّاكِبُ أَوْلَى لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمِ يَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا رَاكِبَيْنِ عَلَى السَّرْجِ حَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَعَلِّقًا بِذَنَبِهَا وَالْآخَرُ مُمْسِكًا بِلِجَامِهَا قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى بِهَا لِمَنْ يُمْسِكُ لِجَامَهَا لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّجَامِ غَالِبًا إلَّا الْمَالِكُ بِخِلَافِ التَّعَلُّقِ بِالذَّنَبِ وَلَوْ تَنَازَعَا فِي بِسَاطٍ أَحَدُهُمَا قَاعِدٌ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ بِحُكْمِ الِاسْتِوَاءِ بَيْنَهُمَا لَا بِطَرِيقِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْجُلُوسَ لَيْسَ بِيَدٍ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِيرُ بِهِمَا غَاصِبًا لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَصِيرُ غَاصِبًا بِالْقُعُودِ عَلَى الْبِسَاطِ وَكَذَا إذَا كَانَا جَالِسَيْنِ عَلَيْهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا جَالِسَيْنِ فِي دَارٍ وَتَنَازَعَا فِيهَا حَيْثُ لَا يُحْكَمُ لَهُمَا بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَهُنَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَاحِبُ الْحِمْلِ وَالْجُذُوعِ وَالِاتِّصَالِ أَحَقُّ مِنْ الْغَيْرِ) فَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَتَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَعَلَيْهَا حِمْلٌ لِأَحَدِهِمَا كَانَ صَاحِبُ الْحِمْلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا التَّصَرُّفَ الْمُعْتَادَ فَكَانَتْ فِي يَدِهِ كَمَا إذَا ادَّعَى جَمَاعَةٌ سَفِينَةً وَكَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ رَاكِبَهَا وَالْآخَرُ مُمْسِكٌ بِسُكَّانِهَا وَآخَرُ يُجَدِّفُ فِيهَا وَآخَرُ يَمُدُّهَا فَهِيَ بَيْنَهُمْ إلَّا مَنْ يَمُدُّهَا فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَهُ فِيهَا لِأَنَّ الْبَاقِينَ هُمْ الْمُتَصَرِّفُونَ فِيهَا التَّصَرُّفَ الْمُعْتَادَ وَلَوْ كَانَ الْحِمْلُ لَهُمَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا وَلَا يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ مَا فِي الْحِمْلِ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّ التَّرْجِيحَ يَقَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده فِي مَبْسُوطِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْوَقْتَيْنِ أَوْ كَانَتْ مُشْكِلَةً فَإِنِّي أَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا ذَكَرَ أَيْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ ثُمَّ قَالَ قَالُوا مَا ذَكَرَ مِنْ الْجَوَابِ يَسْتَقِيمُ جَوَابًا لِإِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَوْ كَانَتْ مُشْكِلَةً لِأَنَّهَا مَتَى كَانَتْ مُشْكِلَةً يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سِنُّ الدَّابَّةِ مُوَافِقًا لِوَقْتِ كُلِّ وَاحِدٍ وَمُخَالِفًا فَلَمْ يُتَيَقَّنْ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الدَّعْوَى وَالْحُجَّةِ فَيَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَأَمَّا مَتَى كَانَ عَلَى غَيْرِ الْوَقْتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُمَا بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِكَذِبِ شَهَادَةِ كُلِّ فَرِيقٍ وَهَذَا مَانِعٌ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ فَيَمْتَنِعُ حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ خُوَاهَرْزَادَهْ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا مَا رَوَى أَبُو اللَّيْثِ الْجَوَابَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ قَالَ إذَا كَانَ سِنُّ الدَّابَّةِ مُشْكِلًا يَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْوَقْتَيْنِ لَا يَقْضِي لَهُمَا بِشَيْءٍ وَيَتْرُكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ قَضَاءَ تَرْكٍ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْأَلِفَ فِي قَوْلِهِ: أَوْ كَانَتْ مُشْكِلَةً زِيَادَةٌ وَقَعَتْ غَلَطًا مِنْ الْكَاتِبِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْوَقْتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الشَّكِّ لَا عَلَى سَبِيلِ الْيَقِينِ يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلْوَقْتَيْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا فَأَمَّا مَتَى كَانَ مُخَالِفًا لِلْوَقْتَيْنِ بِيَقِينٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي لَهُمَا بِشَيْءٍ وَيُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ كَمَا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ إذَا خَالَفَ سِنُّ الدَّابَّةِ الْوَقْتَ بِيَقِينٍ فَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ تَصِيرُ غَصْبًا بِالْجُحُودِ) أَيْ فَصَارَ دَعْوَى الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ سَوَاءً. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ) أَيْ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي الدَّارِ أَحَدُهُمَا سَاكِنُهَا وَالْآخَرُ آخِذٌ بِحَلْقَةِ الْبَابِ إنَّ السَّاكِنَ أَوْلَى وَكَذَلِكَ إذَا تَنَازَعَا فِي بَعِيرٍ وَعَلَيْهِ حِمْلٌ لِأَحَدِهِمَا كَانَ صَاحِبُ الْحِمْلِ أَوْلَى لِأَنَّ لَهُ يَدًا ظَاهِرَةً وَتَصَرُّفًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى جَازَتْ الشَّهَادَةُ لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ الْيَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ كَانَا جَمِيعًا رَاكِبَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي السَّرْجِ وَالْآخَرُ خَارِجَ السَّرْجِ قُضِيَ بِالدَّابَّةِ بَيْنَهُمَا بِالْإِجْمَاعِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ يُقْضَى بِالدَّابَّةِ لِلرَّاكِبِ فِي السَّرْجِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَنَقَلَ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ نَوَادِرِ الْمُعَلَّى رَجُلَانِ عَلَى دَابَّةٍ أَحَدُهُمَا رَاكِبٌ فِي السَّرْجِ وَالْآخَرُ رَدِيفٌ فَادَّعَيَا الدَّابَّةَ فَهِيَ لِرَاكِبِ السَّرْجِ فَإِنْ كَانَا فِي السَّرْجِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَعُلِمَ بِمَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَجْنَاسِ أَنَّ الدَّابَّةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَاكِبًا فِي السَّرْجِ وَالْآخَرُ رَدِيفَهُ فَالرَّاكِبُ أَوْلَى مِنْ الرَّدِيفِ فَذَاكَ عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمِ يَدِهِ) أَيْ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْمُلَّاكَ يَرْكَبُونَ فِي السَّرْجِ وَغَيْرُهُمْ يَكُونُ رَدِيفًا اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّعَلُّقِ بِالذَّنْبِ) أَيْ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ غَيْرُ الْمَالِكِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجُلُوسَ لَيْسَ بِيَدٍ عَلَيْهِ) وَكَذَا النَّوْمُ عَلَى الْبِسَاطِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى الْيَدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْآخَرُ مُمْسِكٌ بِسُكَّانِهَا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالسُّكَّانُ ذَنَبُ السَّفِينَةِ لِأَنَّهَا بِهِ تَقُومُ وَتَسْكُنُ اهـ مُغْرِبٌ

بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ حَائِطٌ عَلَيْهِ هَرَادِيُّ لِرَجُلٍ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ جُذُوعٌ أَوْ مُتَّصِلٌ بِبِنَائِهِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ وَالِاتِّصَالِ دُونَ الْهَرَادِيِّ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجُذُوعِ هُوَ الْمُسْتَعْمِلُ وَصَاحِبَ الْهَرَادِيِّ مُتَعَلِّقٌ وَالْبِنَاءُ يُبْنَى لِلْجُذُوعِ عَادَةً لَا لِوَضْعِ الْهَرَادِيِّ فَصَارَ نَظِيرَ دَابَّةٍ تَنَازَعَا فِيهَا وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ وَلِلْآخَرِ كُوزٌ مُعَلَّقٌ أَوْ مِخْلَاةٌ مُعَلَّقَةٌ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِصَاحِبِ الْحِمْلِ دُونَ صَاحِبِ الْكُوزِ وَالْمُرَادُ بِالِاتِّصَالِ اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ وَهُوَ أَنْ يَتَدَاخَلَ لَبِنُ الْبِنَاءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فِي لَبِنِ جِدَارِهِ وَلَبِنُ جِدَارِهِ فِي لَبِنِ الْبِنَاءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَسَاجُ أَحَدِهِمَا مُرَكَّبٌ عَلَى سَاجِ الْآخَرِ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْبِنَاءِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ بَانِيَهُمَا وَاحِدٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَتَرَجَّحَ بِهِ وَكَانَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ صِفَةُ هَذَا الِاتِّصَالِ أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ مُتَّصِلًا بِحَائِطَيْنِ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا وَالْحَائِطَانِ مُتَّصِلَانِ بِحَائِطٍ لَهُ بِمُقَابَلَةِ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ مُرَبَّعًا شِبْهَ الْقُبَّةِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْكُلُّ فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَالْمُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ اتِّصَالَ جَانِبَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِحَائِطَيْنِ لِأَحَدِهِمَا يَكْفِي وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الْحَائِطَيْنِ بِحَائِطٍ لَهُ بِمُقَابَلَةِ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِأَنَّ الرُّجْحَانَ يَقَعُ بِكَوْنِ مِلْكِهِ مُحِيطًا بِالْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالِاتِّصَالِ بِجَانِبَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْجِدَارُ مِنْ خَشَبٍ فَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَكُونَ سَاجُ أَحَدِهِمَا مُرَكَّبًا فِي الْآخَرِ وَأَمَّا إذَا نُقِّبَ وَأُدْخِلَ فَلَا يَكُونُ مُرَبَّعًا فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَا بِاتِّصَالِ الْمُلَازَقَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْبِيعٍ لِعَدَمِ الْمُدَاخَلَةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا بُنِيَا مَعًا وَلَا بِوَضْعِ الْهَرَادِيِّ وَلَا الْبَوَارِي لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لِأَجْلِهِ عَادَةً فَلَا يَكُونُ تَصَرُّفًا فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَصْلًا كَوَضْعِ الثَّوْبِ عَلَى الْجِدَارِ حَتَّى لَوْ تَنَازَعَا فِي حَائِطٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ هَرَادِيُّ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَا يُرَجَّحُ صَاحِبُ الْهَرَادِيِّ لِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ اتِّصَالِ التَّرْبِيعِ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِيهِ مَوْجُودٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ لِلتَّسْقِيفِ وَهُوَ بِالْجُذُوعِ دُونَ الْهَرَادِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُرَجَّحُ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَعَارِيَّةٌ وَغَصْبٌ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ قُلْنَا صَاحِبُ الْجُذُوعِ مُسْتَعْمِلٌ لِلْحَائِطِ فَكَانَ فِي يَدِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ فَصَارَ نَظِيرَ الْحِمْلِ عَلَى الدَّابَّةِ وَلِأَنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِلْجُذُوعِ فَوَضْعُهُ عَلَامَةُ مِلْكِهِ وَمِثْلُ هَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عَلَامَةً كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ حَتَّى جُعِلَ التَّرْجِيحُ بِالصَّلَاحِيَّةِ وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ ثَلَاثَةٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي أَصْلِ الْعِلَّةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثًا لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنَّمَا اشْتَرَطْنَا أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْحَائِطَ تُبْنَى لِلتَّسْقِيفِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ غَالِبًا فَصَارَ الثَّلَاثُ كَالنِّصَابِ لَهُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ جُذُوعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الْهَرَادِيُّ) الْهَرَادِيُّ جَمْعُ الْهُرْدِيَّةِ قَصَبَاتٌ تُضَمُّ مَلْوِيَّةً بِطَاقَاتٍ مِنْ الْكَرْمِ فَتُرْسَلُ عَلَيْهَا قُضْبَانُ الْكَرْمِ كَذَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الدِّيوَانِ الْهَاءَ وَالْحَاءَ جَمِيعًا وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ الْحُرْدِيُّ الْقَصَبُ نَبَطِيٌّ مُعَرَّبٌ وَلَا يُقَالُ الْهَرْدِيُّ وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ مِنْ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ الْحَرَادِيُّ بِالْحَاءِ وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْهَرَةِ فِي بَابِ الْحَاءِ وَالدَّالِ وَالرَّاءِ أَمَّا الَّذِي يُسَمِّيهِ الْبَصْرِيُّونَ الْحُرْدِيَّ مِنْ الْقَصَبِ فَهُوَ نَبَطِيٌّ مُعَرَّبٌ وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الدِّيوَانِ أَيْضًا الْحُرْدِيُّ وَاحِدُ حَرَادِيِّ الْقَصَبِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِالْهَاءِ وَالْحَاءِ جَمِيعًا وَالرِّوَايَةُ فِي الْأَصْلِ وَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بِالْحَاءِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشَرْحِ الْكَافِي وَقَعَتْ بِالْهَاءِ لَا غَيْرُ قَالَ الْإِمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا كَانَ الْحَائِطُ بَيْنَ دَارَيْنِ فَادَّعَاهُ صَاحِبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّارَيْنِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ لِأَنَّهُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْجُذُوعِ يَعْنِي بِهَا الْيَدَ الْمُسْتَعْمَلَةَ وَالْيَدُ الْمُسْتَعْمَلَةُ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ لِأَنَّ الْحَائِطَ مَا بُنِيَ إلَّا لَهُ وَصَارَ كَاثْنَيْنِ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا وَالْآخَرُ آخِذٌ بِلِجَامِهَا يُقْضَى بِهَا لِلرَّاكِبِ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ وَلِلْآخَرِ بِهَا نَوْعُ تَعَلُّقٍ كَذَا هُنَا فَإِنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ هَرَادِيُّ أَوْ بَوَارِيُّ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهَا شَيْئًا وَكَانَ الْحَائِطُ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَعْمِلُ لِلْحَائِطِ اسْتِعْمَالَ مَيْلِهِ لِأَنَّهُ بُنِيَ لِوَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَيْهِ وَالتَّسْقِيفُ دُونَ الْهَرَادِيِّ لَكِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِرَفْعِ الْهَرَادِيِّ وَالْبَوَارِيِّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ لَهُ بِالْحَائِطِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ دُونَ إبْطَالِ الِاسْتِحْقَاقِ الثَّابِتِ لِلْغَيْرِ ظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِلْحَائِطِ فَكَانَ فِي يَدِهِ وَثُبُوتُ الْيَدِ عَلَى مَا جَاوَرَهُ وَقَرُبَ لَا يَكُونُ ثُبُوتًا عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اتِّصَالًا بِتَرْبِيعٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ طَرَفَيْ الْآجُرِّ فِي هَذَا الْحَائِطِ وَالطَّرَفُ الْآخَرُ فِي الْحَائِطِ الْآخَرِ حَتَّى يَصِيرَ فِي مَعْنَى حَائِطٍ وَاحِدٍ وَبِنَاءٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ ثُبُوتُ الْيَدِ عَلَى الْبَعْضِ ثُبُوتًا عَلَى الْكُلِّ فَيَكُونُ الْحَائِطُ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ وَلِصَاحِبِ الْجُذُوعِ مَوْضِعُ جِذْعِهِ وَكَذَا إنْ كَانَ الْحَائِطُ مُتَّخَذًا مِنْ الْخَشَبِ فَتَكُونُ الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي هَذَا الْحَائِطِ مُرَكَّبَةً بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِي ذَلِكَ الْحَائِطِ وَلِأَنَّ اتِّصَالَ التَّرْبِيعِ أَدَلُّ عَلَى سَبْقِ الْيَدِ مِنْ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى الْجِدَارِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُوضَعُ عَلَيْهِ بَعْدَ تَمَامِهِ وَصَيْرُورَتِهِ حَائِطًا فَمَتَى عَرَفْنَا سَبْقَ يَدِ أَحَدِهِمَا قَضَيْنَا لَهُ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ صَاحِبُ الْجُذُوعِ بِرَفْعِ جُذُوعِهِ لِأَنَّا قَضَيْنَا لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ وَالتَّرْبِيعِ بِالْجِدَارِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ دُونَ إبْطَالِ الثَّابِتِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ حَقُّ وَضْعِ الْجُذُوعِ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِكَوْنِهِ مُبْطِلًا فِي الْوَضْعِ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ الْوَضْعَ مَعَ كَوْنِ الْحَائِطِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ ضَرُورَاتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثَةٌ وَلِلْآخَرِ أَقَلُّ فَهُوَ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْقِيَاسُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لَا يَكُونُ بِالْكَثْرَةِ بَلْ بِالْقُوَّةِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ كَمَا إذَا كَانَ لَهُمَا حِمْلٌ عَلَى دَابَّةٍ لِأَحَدِهِمَا مِائَةُ مَنٍّ وَلِلْآخَرِ مَنٌّ أَوْ مَنَوَانِ فَإِنَّهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثِ حُجَّةٌ نَاقِصَةٌ إذْ لَا يُبْنَى الْحَائِطُ لِأَجَلِ الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ عَادَةً وَالْحُجَّةُ النَّاقِصَةُ لَا تَظْهَرُ بِمُقَابَلَةِ الْكَامِلَةِ ثُمَّ لِصَاحِبِ الْجِذْعِ الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ حَقُّ الْوَضْعِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِالْحَائِطِ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَثْبَتَ الْحَائِطَ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ تَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ نَظِيرُ الشُّفْعَةِ حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ بِمَا ثَبَتَ مِلْكُهُ بِالْيَدِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ وَلِلْآخَرِ كُوزٌ مُعَلَّقٌ أَوْ نَحْوُهُ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَإِنْ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْيَدِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ وَضْعَ الْكُوزِ لَا يُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهُ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ ابْتِدَاءً مُؤَبَّدًا وَإِنَّمَا يُمْكِنُ مُؤَقَّتًا مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فَإِذَا ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ أُمِرَ بِالْإِزَالَةِ وَأَمَّا وَضْعُ الْخَشَبِ فَمُمْكِنٌ اسْتِحْقَاقُهُ بِأَنْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ أَمْ لَا فَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْحَائِطَ كُلَّهُ لِصَاحِبِ الْأَجْذَاعِ وَلِصَاحِبِ الْقَلِيلِ مَا تَحْتَ جِذْعَيْهِ يُرِيدُ بِهِ حَقَّ الْوَضْعِ لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لِأَجَلِ جِذْعٍ وَاحِدٍ أَوْ جِذْعَيْنِ عَادَةً وَإِنَّمَا يُنْصَبُ لَهُ أُسْطُوَانَةٌ فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْمِلْكِ كَمَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ وَلَلْآخَرِ كُوزٌ مُعَلَّقٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ الْحَائِطَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْأَجْذَاعِ لِأَنَّ مَوْضِعَ جِذْعِهِ مَشْغُولٌ بِجِذْعِهِ فَيَكُونُ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ الِاسْتِعْمَالِ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمِلْكُ فِيمَا تَحْتَ خَشَبِهِ لِوُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ ثُمَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُحْكَمُ بِمَا بَيْنَ الْخَشَبَاتِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْأَخْشَابِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمَلَّكُ صَاحِبُ الْخَشَبَةِ أَوْ الْخَشَبَتَيْنِ إلَّا مَوْضِعَ خَشَبَتِهِ وَمِنْهُمْ مِنْ قَالَ يَكُونُ مَا بَيْنَ الْخَشَبِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُقَسَّمُ جَمِيعُ الْحَائِطِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَخْشَابِهِمَا اعْتِبَارًا لِقَدْرِ الِاسْتِعْمَالِ وَجَعَلَ فِي الْمُحِيطِ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَصَحَّ وَقَالَ قَاضِيخَانْ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ يَكُونُ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْخَشَبَةِ كَمَا ذَكَرَ فِي الدَّعْوَى وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ وَلِلْآخَرِ اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ فَصَاحِبُ الْجُذُوعِ أَوْلَى لِأَنَّ لَهُ تَصَرُّفًا فِي الْحَائِطِ وَلِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ الْيَدُ وَالتَّصَرُّفُ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمِلْكِ وَرَجَّحَ السَّرَخْسِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ صَاحِبَ الِاتِّصَالِ أَوْلَى لِأَنَّ الْحَائِطَيْنِ بِهَذَا الِاتِّصَالِ يَصِيرَانِ كَبِنَاءٍ وَاحِدٍ فَالْقَضَاءُ بِبَعْضِهِ يَصِيرُ قَضَاءً بِكُلِّهِ ثُمَّ يَبْقَى لِلْآخَرِ حَقُّ وَضْعِ جُذُوعِهِ لِمَا بَيَّنَّا وَصَحَّحَ الْجُرْجَانِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَرَجَّحَهَا بِالسَّبْقِ لِأَنَّ التَّرْبِيعَ يَكُونُ حَالَةَ الْبِنَاءِ وَهُوَ سَابِقٌ عَلَى وَضْعِ الْجُذُوعِ فَكَانَ يَدُهُ ثَابِتًا فِيهِ قَبْلَ وَضْعِ الْآخَرِ الْجُذُوعَ فَصَارَ نَظِيرَ سَبْقِ التَّارِيخِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ جُذُوعَ الْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِاتِّصَالُ مِنْ جَانِبٍ أَوْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْمُحِيطِ الْأَيْدِي فِي الْحَائِطِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ اتِّصَالِ تَرْبِيعٍ وَاتِّصَالِ مُلَازَقَةٍ وَمُجَاوَرَةٍ وَوَضْعِ جُذُوعٍ وَمُحَاذَاةِ بِنَاءٍ وَلَا عَلَامَةَ لِلْيَدِ فِي الْحَائِطِ سِوَى هَذَا فَأَوَّلَاهُمْ صَاحِبُ التَّرْبِيعِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَصَاحِبُ الْجُذُوعِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَصَاحِبُ الْمُحَاذَاةِ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا جِذْعٌ وَاحِدٌ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ هُمَا فِيهِ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَقِيلَ صَاحِبُ الْجِذْعِ أَوْلَى لِأَنَّ الْحَائِطَ قَدْ يُبْنَى بِجِذْعٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ غَالِبٍ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ هَرَادِيُّ أَوْ بَوَارِيُّ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَالْهَرَادِيُّ لَا تُعْتَبَرُ وَلَا الْبَوَارِي وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جِذْعٌ وَاحِدٌ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ هَرَادِيُّ أَوْ بَوَارِيُّ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْجِذْعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثَوْبٌ فِي يَدِهِ وَطَرْفُهُ فِي يَدِ آخَرَ نُصِّفَ) يَعْنِي لَوْ تَنَازَعَ الشَّخْصَانِ فِي ثَوْبٍ فِي يَدِ إحْدَاهُمَا وَطَرَفُهُ فِي يَدِ الْآخَرِ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ يَدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي الثَّوْبِ إلَّا أَنَّ إحْدَاهُمَا ثَابِتَةٌ فِي الْأَكْثَرِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ لِوُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ فِي حُكْمِ مَا بَيْنَ الْخَشَبِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ كَرَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي دَارٍ وَفِي يَدِ أَحَدِهِمَا بَيْتٌ مِنْهَا وَفِي يَدِ الْآخَرِ بَيْتَانِ أَنَّ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَذَلِكَ مَا بَيْنَ الْخَشَبِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ خَشَبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ صَاحِبَ الْخَشَبِ الْكَثِيرِ مُسْتَعْمِلٌ لِلْحَائِطِ أَكْثَرَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْآخَرِ فَاعْتُبِرَ مُسْتَعْمِلًا لِمَا يَلِي الْجُذُوعَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ عَلَى قَدْرِ خَشَبِهِمَا حَتَّى يَكُونَ لِصَاحِبِ الْجِذْعَيْنِ خُمُسَانِ وَلِصَاحِبِ الْجُذُوعِ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةُ الْأَخْمَاسِ اهـ (قَوْلُهُ ثُمَّ مِنْ أَصْحَابِنَا) أَيْ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ اهـ قَوْلُهُ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ إلَخْ أَعْنِي الْقَوْلَ بِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّصَرُّفُ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمِلْكِ) أَيْ كَمَا لَوْ تَنَازَعَ الدَّابَّةَ رَاكِبٌ عَلَيْهَا وَمُتَعَلِّقٌ بِلِجَامِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ صَاحِبَ الِاتِّصَالِ إلَخْ) وَكَوْنُ صَاحِبِ الِاتِّصَالِ أَوْلَى مِنْ صَاحِبِ الْجُذُوعِ هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْأَتْقَانِيُّ وَلَمْ يَحْكِ قَوْلًا آخَرَ غَيْرَهُ وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ أَوَّلَ الْمَقَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ لِوُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ فَرَاجِعْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا إلَى قَوْلِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ) أَلْحَقَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ وَلَمْ يَكْتُبْ آخِرَهَا لَفْظَةَ صَحَّ اهـ

التَّرْجِيحَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الرُّجْحَانَ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَلَهُمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ عَلَى التَّفَاوُتِ كَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَفَاوُتُ الْحِمْلِ حَتَّى إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا مَنٌّ وَلِلْآخَرِ مِائَةُ مَنٍّ كَانَتْ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا الْهُدَّابَةُ وَالْبَاقِي فِي يَدِ الْآخَرِ لِأَنَّ الْهُدَّابَةَ لَيْسَتْ بِثَوْبٍ إذْ هِيَ غَيْرُ مَنْسُوجَةٍ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّوْبِ فَلَا يُزَاحِمُ الْآخَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَبِيٌّ يُعَبِّرُ فَقَالَ أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ لَهُ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى أَحَدٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَبْدُهُ عِنْدَ إنْكَارِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَالْبَالِغِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ أَوْ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ عَبْدٌ لِمَنْ فِي يَدِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ حَيْثُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالرِّقِّ فَكَانَ مِلْكًا لِمَنْ فِي يَدِهِ كَالْقُمَاشِ وَلَا يُقَالُ الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ مِنْ الْمَضَارِّ فَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ الصَّبِيِّ فَكَيْفَ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِ هُنَا لِأَنَّا نَقُولُ الرِّقُّ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِ الصَّبِيِّ بَلْ بِدَعْوَى ذِي الْيَدِ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ بِدَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي بَقِيَ كَالْقُمَاشِ فِي يَدِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالرِّقِّ مِنْ الْمَضَارِّ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ بَعْدَهُ بِدَعْوَى الْحُرِّيَّةِ إذْ التَّنَاقُضُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ وَلَا يُقَالُ الْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّ الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّهُ وَلَدُ آدَمَ وَحَوَّاءَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَهُمَا حُرَّانِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَى الرِّقِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَكَوْنُهُ فِي يَدِهِ لَا يُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ كَاللَّقِيطِ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَصْلُ إذَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ يَبْطُلُ وَثُبُوتُ الْيَدِ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْمِلْكِ فَيَبْطُلُ بِهِ ذَلِكَ الْأَصْلُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّقِيطَ إذَا أَقَرَّ بِالرِّقِّ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُعَبِّرًا عَنْ نَفْسِهِ يُخَالِفُهُ فِي الْحُكْمِ فَلَا يَلْزَمُنَا وَإِنْ لَمْ يُعَبِّرْ عَنْ نَفْسِهِ فَلَيْسَ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ وَالْأَمِينُ يَدُهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ يَدِ غَيْرِهِ فَكَانَتْ غَيْرَ ثَابِتَةٍ حُكْمًا وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ فَيَكُونُ مِلْكًا لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ إنْ ادَّعَاهُ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ مِنْ يَدٍ عَلَى نَفْسِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْآدَمِيِّ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ يَدُ غَيْرِهِ إكْرَامًا لَهُ حَتَّى لَا يَكُونَ مُهَانًا كَالْقُمَاشِ وَالْبَهَائِمِ لَكِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ بِأَنْ يَكُونَ مُعَبِّرًا عَنْ نَفْسِهِ لَا عِنْدَ الْعَجْزِ وَالْعَجْزُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالصِّغَرِ حَقِيقَةً أَوْ بِالرِّقِّ حُكْمًا فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي وَلَوْ كَبُرَ وَادَّعَى الْحُرِّيَّةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عَلَيْهِ الرِّقُّ فَلَا يُنْقَضُ ذَلِكَ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَشْرَةُ أَبْيَاتٍ فِي دَارٍ فِي يَدِهِ وَبَيْتٌ فِي يَدِ آخَرَ فَالسَّاحَةُ نِصْفَانِ) لِأَنَّ السَّاحَةَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمُلَّاكُ لِاسْتِعْمَالِهَا فِي أَنْوَاعِ الْمَرَافِقِ مِنْ الْمُرُورِ فِيهَا وَالتَّوَضُّؤِ وَكَسْرِ الْحَطَبِ وَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَنَافِعِ وَهُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَتُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا فَصَارَتْ نَظِيرَ الطَّرِيقِ وَلِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَازَعَا فِي الشُّرْبِ حَيْثُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيهِمَا لِأَنَّ الشُّرْبَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَجْلِ سَقْيِ الْأَرْضِ فَعِنْدَ كَثْرَةِ الْأَرَاضِي تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْأَرَاضِي بِخِلَافِ الِانْتِفَاعِ بِالسَّاحَةِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْلَاكِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ادَّعَى كُلٌّ أَرْضًا أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَلَبِنُ أَحَدِهِمَا فِيهَا أَوْ بَنَى أَوْ حَفَرَ فَهِيَ فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ بَرْهَنَ أَنَّهَا فِي يَدِهِ) لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْأَرْضِ غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ فَلَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمَا أَنَّهَا فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهَا فِي يَدِهِ أَوْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا كَالتَّلْبِينِ أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ الْحَفْرِ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ إنْ ادَّعَيَا أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ يَتَكَلَّمُ وَيَعْقِلُ مَا يَقُولُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ الصَّبِيِّ) أَيْ كَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ) أَيْ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَتْ غَيْرَ ثَابِتَةٍ حُكْمًا) أَيْ فَلَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى مِنْهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ غَيْرِهِ فَتَكُونُ الْيَدُ ثَابِتَةً عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَتَصِحُّ الدَّعْوَى مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا تَثْبُتُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ يَدُ غَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَالسَّاحَةُ نِصْفَانِ) بِالْحَاءِ وَهِيَ عَرْصَةٌ فِي الدَّارِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهَا اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ خَطِّهِ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَالسَّاحَةُ نِصْفَانِ مَا نَصُّهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي اسْتِعْمَالِ السَّاحَةِ فِي الْمُرُورِ وَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ وَكَسْرِ الْحَطَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَالطَّرِيقِ يَسْتَوِي فِيهِ صَاحِبُ الدَّارِ وَصَاحِبُ الْمَنْزِلِ وَصَاحِبُ الْبَيْتِ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ كَانَ الْعُلْوُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَالسُّفْلُ فِي يَدِ الْآخَرِ وَالسَّاحَةُ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ وَحَلَفَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَدَّعِي الْجَمِيعَ يُتْرَكُ السُّفْلُ فِي يَدِ صَاحِبِ السُّفْلِ وَالْعُلْو فِي يَدِ صَاحِبِ الْعُلْوِ وَالسَّاحَةَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ حَقُّ الْمُرُورِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى السَّاحَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى بِالسُّفْلِ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ وَبِالْعُلْوِ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَالسَّاحَةُ لِلَّذِي قُضِيَ لَهُ بِالسُّفْلِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ السَّاحَةُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا يُقْضَى بِمَا فِي يَدِ الْآخَرِ وَبِمَا فِي يَدِ الْآخَرِ لِهَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ادَّعَى كُلٌّ أَرْضًا أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَلَبِنُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ لَبَّنَ فِي الْأَرْضِ أَوْ بَنَى أَوْ حَفَرَ فَهِيَ فِي يَدِهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَرْضٍ صَحْرَاءَ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهَا فِي يَدَيْهِ وَأَحَدُهُمَا لَبَّنَ فِيهَا لَبِنًا وَهُوَ فِيهَا أَوْ حَفَرَ فِيهَا أَوْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً قَالَ هِيَ فِي يَدِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهَا اللَّبِنَ أَوْ الْحَفْرَ أَوْ الْبِنَاءَ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ اسْتِعْمَالٌ مِنْهُ لِلْأَرْضِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الِاسْتِعْمَالِ إثْبَاتُ الْيَدِ كَالرُّكُوبِ عَلَى الدَّوَابِّ وَاللُّبْسِ فِي الثِّيَابِ كَذَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

[باب دعوى النسب]

يَقْضِ بِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَإِنْ ادَّعَيَا أَنَّهَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُمَا تَوَاضَعَا عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ لَيْسَ لِلْمُقِرِّ أَنْ يُنَازِعَهُ فِي الْيَدِ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَإِقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَقْبُولٌ وَكَذَا لَوْ حَلَفَا أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَنَكَلَ أَحَدُهُمَا وَلَوْ نَكَلَا جَعَلَ فِي يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفَهَا الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا لَمْ يَقْضِ بِالْيَدِ لَهُمَا فِيهَا وَبَرِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي يَدِهِ قَضَى لَهُ بِالْيَدِ فِيهَا وَيَكُونُ الْآخَرُ خَارِجًا وَكَذَا إنْ لَبَّنَ أَحَدُهُمَا أَوْ بَنَى أَوْ غَرَسَ أَوْ فَعَلَ شَيْئًا آخَرَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْيَدِ قَضَى بِهَا لَهُمَا فَإِنْ طَلَبَا الْقِسْمَةَ لَا يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا نُقْسَمُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي أَيْدِيهِمْ قَسَّمَهَا بِقَوْلِهِمْ إنَّهَا مِيرَاثٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُقَسِّمُهَا حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا بَيْنَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَدَتْ مَبِيعَةٌ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ بِيعَتْ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَهُوَ ابْنُهُ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْبَيْعِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ مِنْهُ إذْ هُوَ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِجَوَازِهِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُبَاشِرُ الْبَاطِلَ ظَاهِرًا فَصَارَ فِي دَعْوَاهُ مُنَاقِضًا وَسَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ فَلَا يُقْبَلُ إذْ التَّنَاقُضُ يُبْطِلُ الدَّعْوَى فَصَارَ كَمَا لَوْ ادَّعَاهُ أَبُو الْبَائِعِ أَوْ ادَّعَى هُوَ اعْتَاقَهَا أَوْ تَدْبِيرَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَبْنَى النَّسَبِ عَلَى الْخَفَاءِ فَيُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُضُ فَتُقْبَلُ دَعْوَتُهُ إذَا تَيَقَّنَ بِالْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ بِالْوِلَادَةِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بَلْ فَوْقَهَا وَهَذَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَعْلَمُ الْعُلُوقَ بِالْكُلِّيَّةِ ثُمَّ يَظْهَرُ لَهُ أَوْ قَدْ يَظُنُّ أَنَّ الْعُلُوقَ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْهُ فَيُعْذَرُ فِي التَّنَاقُضِ كَالزَّوْجِ إذَا كَذَّبَ نَفْسَهُ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِنَفْيِ النَّسَبِ كَاللِّعَانِ وَكَالْمُخْتَلِعَةِ تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ الْخُلْعِ وَكَالْمُكَاتَبِ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ بَيِّنَتَهُمَا تُقْبَلُ مَعَ التَّنَاقُضِ فِي الدَّعْوَى لِلْخَفَاءِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الزَّوْجَ وَالْمَوْلَى يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ فَيُعْذَرَانِ فِيهِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ بَعْدَ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ فِعْلُ نَفْسِهِ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ فَلَا يُعْذَرُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُتَيَقَّنْ بِكَذِبِهِ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِي الثَّانِي فَلَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ بِالِاحْتِمَالِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ التَّدْبِيرِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِتَيَقُّنِنَا كَذِبَهُ بِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ أَوْ التَّدْبِيرِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَبِخِلَافِ دَعْوَى الْبَائِعِ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ دَعْوَاهُ ثُبُوتُ وِلَايَةِ الدَّعْوَةِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يُوجَدْ وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى مِنْ الْبَائِعِ اسْتَنَدَتْ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ لِكَوْنِهَا دَعْوَةَ اسْتِيلَادٍ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ فَيَكُونُ بَاطِلًا وَيُرَدُّ الثَّمَنُ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَنَكَلَ أَحَدُهُمَا) يُقْضَى عَلَيْهِ بِكُلِّهَا لِلْحَالِفِ بَعْضُهَا الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ وَبَعْضُهَا الَّذِي كَانَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ لِنُكُولِهِ وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ ثَالِثٍ لَمْ تُنْزَعْ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّ نُكُولَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الثَّالِثِ اهـ كَيٌّ (قَوْلُهُ وَبَرِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ دَعْوَى صَاحِبِهِ) أَيْ وَتَوَقَّفَ الدَّارُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ حَقِيقَةُ الْحَالِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ) فَكُلُّ شَيْءٍ فِي أَيْدِيهِمَا سِوَى الْعَقَارِ إذَا طَلَبَا الْقِسْمَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْسِمُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ مَا ذَكَرَ هَاهُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْعَقَارِ أَيْضًا يُقْسَمُ وَإِنْ لَمْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَجَعَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَرْعًا لِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْقِسْمَةِ إذَا طَلَبَ الْوَرَثَةُ مِنْ الْقَاضِي قِسْمَةَ الْعَقَارِ بَيْنَهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَعِنْدَهُمَا يَقْسِمُ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرَاةً بِأَنْ قَالَا اشْتَرَيْنَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَطَلَبَا الْقِسْمَةَ فَإِنَّهُ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ عِنْدَ الْكُلِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ لَمْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ لَا يُقْسَمُ فِي الْمِيرَاثِ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ وَهَذَا الْعَقَارُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا بَيْنَهُمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَوْرُوثٍ لَا يُقْسَمُ احْتِيَاطًا وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ فَهَاهُنَا أَوْلَى وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا قَوْلُ الْكُلِّ فَلَا يُقْسَمُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ نَوْعَانِ قِسْمَةٌ بِحَقِّ الْمِلْكِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَقِسْمَةٌ بِحَقِّ الْيَدِ لِأَجَلِ الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ وَالْعَقَارُ غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ إلَى الْحِفْظِ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَا يُقَسَّمُ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا شَيْءٌ سِوَى الْعَقَارِ يُقَسَّمُ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ مَا سِوَى الْعَقَارِ يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ قِيلَ هَذَا) أَيْ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ [بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ] (بَابٌ دَعْوَى النَّسَبِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ دَعْوَى الْمَالِ شَرَعَ فِي بَيَانِ دَعْوَى النَّسَبِ وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِكَوْنِهِ أَهَمُّ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ اهـ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالدَّعْوَةُ إلَى الطَّعَامِ بِفَتْحِ الدَّالِ وَالدَّعْوَةُ فِي النَّسَبِ بِالْكَسْرِ هَذَا أَكْثَرُ كَلَامِ الْعَرَبِ فَأَمَّا عَدِيُّ الرِّبَابِ فَيَفْتَحُونَ فِي النَّسَبِ وَيَكْسِرُونَ فِي الطَّعَامِ كَذَا رَأَيْت فِي أَمَالِي ثَعْلَبٍ وَكَذَا ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ الْخُلْعِ) لَهَا أَنْ تَسْتَرِدَّ بَدَلَ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاقِضَةً لِاسْتِقْلَالِ الزَّوْجِ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا. اهـ. عِمَادِيٌّ

لَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ إلَيْهِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ رَجَعَ بِهِ وَلَا تُعْتَبَرُ دَعْوَةُ الْمُشْتَرِي مَعَ دَعْوَةِ الْبَائِعِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ أَسْبَقُ لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْعُلُوقِ لِكَوْنِهَا دَعْوَةَ اسْتِيلَادٍ لِوُجُودِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَدَعْوَةُ الْمُشْتَرِي دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ إذْ الْعُلُوقُ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَيُقْتَصَرُ فَكَانَتْ الْأُولَى أَقْوَى فَلَا تُعْتَبَرُ الثَّانِيَةُ مَعَهَا وَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الْبَائِعِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ بَاطِلًا فَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ الْمُشْتَرِي كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ بِثُبُوتِهِ مِنْ الْبَائِعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ عَمَّا إذَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَهُ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لِوُجُودِ الْمُجَوِّزِ لِلدَّعْوَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ إعْتَاقُهُ وَإِعْتَاقُ أُمِّهِ فَكَذَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ أَيْضًا لِحَاجَتِهِ إلَى النَّسَبِ وَإِلَى الْحُرِّيَّةِ وَيَثْبُتُ لَهَا أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ بِثُبُوتِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ فَيَبْطُلُ بِهِ حَقُّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ لِلْبَائِعِ ضَرُورَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا إنْ مَاتَتْ الْأُمُّ بِخِلَافِ مَوْتِ الْوَلَدِ) يَعْنِي إذَا مَاتَتْ الْأُمُّ فَادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ مِثْلَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ وَالْأُمَّ تَبَعٌ لَهُ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ أَوَّلًا فَيَعْتِقُ فَتَتْبَعُهُ أُمُّهُ فَيَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ بِسَبَبِهِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الدَّعْوَةِ الْوَلَدُ دُونَ الْأُمِّ وَهِيَ تَدْخُلُ تَبَعًا فَكَانَ الثَّابِتُ أَقْوَى وَالْأَدْنَى يَتْبَعُ الْأَقْوَى فَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ هُوَ الْأَصْلُ كَانَ الْمُعْتَبَرُ بَقَاءَهُ لِحَاجَتِهِ إلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ وَلَا يَضُرُّهُ فَوَاتُ التَّبَعِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ دُونَ الْأُمِّ حَيْثُ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ فِي الْأُمِّ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ فِي التَّبَعِ ابْتِدَاءً بِدُونِ مَتْبُوعِهِ وَالْوَلَدُ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ بِالْمَوْتِ فَتَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ بَعْدَ مَوْتِهَا فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيَرُدُّ الثَّمَنَ كُلَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَبَيْعُهَا بَاطِلٌ وَلَا يَضْمَنُهَا الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مَالِيَّتَهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ كَالْحُرِّ وَلِهَذَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ وَلَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْأُمِّ لِأَنَّ مَالِيَّتَهَا مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا فَتُضْمَنُ بِالْعَقْدِ وَالْغَصْبِ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا رَدَّ الْوَلَدَ دُونَهَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ حِصَّةِ مَا سَلَّمَ لَهُ وَهُوَ الْوَلَدُ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ حِصَّةِ مَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَهِيَ الْأُمُّ هَكَذَا ذَكَرُوا الْحُكْمَ عَلَى قَوْلِهِمَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ الْبَائِعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا ثُمَّ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ صَحِيحٍ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الثَّمَنُ فَلَا يَكُونُ لِأَجْزَاءِ الْمَبِيعِ مِنْهُ حِصَّةٌ بَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ رَدُّ مَا قَبَضَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَبَدَلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعِتْقُهُمَا كَمَوْتِهِمَا) أَيْ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ وَالْوَلَدَ كَمَوْتِهِمَا حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ دُونَ الْوَلَدِ فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ ابْنُهُ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَوْ أَعْتَقَ الْوَلَدَ دُونَ الْأُمِّ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْأَصْلُ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ الْمَانِعِ بِهِ حَتَّى تَمْتَنِعَ الدَّعْوَى دُونَ الْأُمِّ كَمَا قُلْنَا فِي الْمَوْتِ وَإِنَّمَا كَانَ الْإِعْتَاقُ مَانِعًا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ كَالنَّسَبِ فَصَارَ إعْتَاقُهُ كَدَعْوَتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يُثْبِتُ الْوَلَاءَ وَهُوَ كَالنَّسَبِ فَلَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ كَمَا لَا يُمْكِنُ إبْطَالُ نَسَبِهِ بَعْدَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّ لِلْبَائِعِ حَقًّا وَهُوَ حَقُّ دَعْوَةِ النَّسَبِ وَالِاسْتِيلَادِ وَمَا ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي حَقِيقَةً وَالْحَقُّ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ وَالتَّدْبِيرُ كَالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ لَمَّا ظَهَرَ فِيهِ بَعْضُ آثَارِ الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ امْتِنَاعُ التَّمْلِيكِ فَصَارَ كَالِاسْتِيلَادِ ثُمَّ إنْ قَامَ هَذَا الْمَانِعُ بِالْوَلَدِ امْتَنَعَتْ دَعْوَةُ الْبَائِعِ لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ قَامَ بِالْأُمِّ لَا يَمْتَنِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهُ) وَإِنَّمَا ذَكَرَ الضَّمِيرَ بِتَأْوِيلِ الِادِّعَاءِ أَوْ بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ فِي الْأُمِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ إذَا مَاتَ الْوَلَدُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ النَّسَبِ فِيهِ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَثْبُتُ ابْتِدَاءً لِلْمَيِّتِ وَلَا عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ لِأَنَّهُ فَرْعُ النَّسَبِ وَكَانَتْ الْأُمُّ بِحَالِهَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَعْتَقَ الْوَلَدَ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ فَأَخَذَ قِيمَتَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَطَلَتْ مَحَلِّيَّةُ الدَّعْوَى بِالْهَلَاكِ إذْ النَّسَبُ لَيْسَ بِأَمْرٍ مَقْصُودٍ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ تَصَرُّفٌ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَتَعَذَّرَ تَصْحِيحُ الدَّعْوَةِ فِي الْوَلَدِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْوَلَدِ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْأُمِّ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ فَيُقْبَلُ وَيَصِيرُ كَالْأَمْرِ الظَّاهِرِ وَلَوْ لَمْ يُقْتَلْ الْوَلَدُ وَلَكِنَّهُ قُطِعَتْ يَدُهُ فَأَخَذَ الْمُشْتَرِي نِصْفَ قِيمَتِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَإِنَّهُ يُصَدِّقُ عَلَى الدَّعْوَةِ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ مَا قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا حِصَّةَ الْيَدِ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالْقَطْعِ فَانْتَفَى حُكْمُ التَّبَعِيَّةِ عَنْهَا فَلَا يَظْهَرُ الِاسْتِحْقَاقُ فِي حَقِّهَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَطْعُ فِي الْأُمِّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ رَجُلٌ فَقَأَ عَيْنَيْ الْوَلَدِ فَدَفَعَهُ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ قِيمَتَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَدَعْوَتُهُ جَائِزَةٌ وَيَرُدُّ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ الْجَانِي عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا وَلَا يَكُونُ لِلْعَيْنَيْنِ أَرْشٌ عَلَى الْجَانِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْجَانِي مَا نَقَصَهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ الْجُثَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيُشْتَرَطُ سَلَامَتُهَا لِلْجَانِي وَقَدْ تَعَذَّرَ وَعِنْدَهُمَا فِي مُقَابَلَةِ النُّقْصَانِ وَالنُّقْصَانُ مُتَحَقِّقٌ عِنْدَهُمَا فَيُجْبَرُ بِالضَّمَانِ وَكَذَلِكَ لَوْ فَقَأَ عَيْنَ الْأُمِّ اهـ (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ قَامَ هَذَا الْمَانِعُ) أَيْ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ أَوْ التَّدْبِيرُ اهـ

فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَلَا تَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهَا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ فَلَمْ يَمْلِكْهَا الْمُشْتَرِي فَيَبْطُلُ الْإِعْتَاقُ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَأَعْتَقَ الْمُشْتَرِي أَحَدَهُمَا ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْآخَرَ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ وَبَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا تَبْطُلُ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ مِثْلِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَكَذَا الْعِتْقُ وَتَوَابِعُهُ لِأَنَّا نَقُولُ ثُبُوتُ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ لَيْسَ مِنْ أَحْكَامِ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَلَا مِنْ ضَرُورَاتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ وَفِي وَلَدِ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِخِلَافِ التَّوْأَمَيْنِ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَمَا ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ ثَبَتَ لِلْآخَرِ ضَرُورَةً ثُمَّ إذَا لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِي الْأُمِّ قَبْلَ الْبَيْعِ يَرُدُّ مِنْ الثَّمَنِ مَا يَخُصُّ الْوَلَدَ خَاصَّةً وَلَا يَرُدُّ مَا يَخُصُّ الْجَارِيَةَ بِالْإِجْمَاعِ هُنَا وَذَكَرَ الْفَرْقَ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَبْسُوطِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا مَاتَتْ الْأُمُّ فَإِنَّ الْبَائِعَ فِيهَا يَرُدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ عِنْدَهُ وَهُنَا يَرُدُّ مَا يَخُصُّ الْوَلَدَ فَقَطْ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْإِعْتَاقِ الْقَاضِي كَذَّبَ الْبَائِعَ فِيمَا يَزْعُمُ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ حَيْثُ جَعَلَهَا مُعْتَقَةَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُفْسَخْ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا فَبَقِيَ الْبَيْعُ صَحِيحًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَنُهَا بِخِلَافِ فَصْلِ الْمَوْتِ فَإِنَّ زَعْمَ الْبَائِعِ فِيهِ لَمْ يَبْطُلْ بِشَيْءٍ فَبَقِيَ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّهِ إذْ لَمْ يَكُنْ مُكَذَّبًا شَرْعًا فَيَرُدَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَفِي الْإِعْتَاقِ يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ ثُمَّ جَعَلَ هُنَا لِلْمَوْلُودِ بَعْدَ الْقَبْضِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ كَالْمَوْلُودِ قَبْلَهُ لِكَوْنِ الْبَائِعِ بِسَبِيلٍ مِنْ فَسْخِ هَذَا الْبَيْعِ بِالدَّعْوَةِ فَصَارَ كَالْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَعْنَى وَفِي الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا اسْتَهْلَكَهُ الْبَائِعُ وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ هُنَا بِالدَّعْوَةِ أَوْ لِكَوْنِهِ مُسْتَخْرَجًا مِنْ الْعَقْدِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَرُدُّ الْبَائِعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ هُنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا فِي فَصْلِ الْمَوْتِ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَهُ وَلَا يُضْمَنُ بِالْعَقْدِ فَيُؤَاخَذُ بِزَعْمِهِ وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَصَحَّحَهُ وَهُوَ يُخَالِفُ الرِّوَايَةَ وَكَيْفَ يُقَالُ يَسْتَرِدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَالْبَيْعُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْجَارِيَةِ حَيْثُ لَمْ يَبْطُلْ إعْتَاقُهُ بَلْ يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ فَقَطْ بِأَنْ يَقْسِمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتِهِمَا بِأَنْ يَعْتَبِرَ قِيمَةَ الْأُمِّ يَوْمَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَقِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ الْقِيمَةُ بِالْوِلَادَةِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ رُدَّتْ دَعْوَةُ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي) وَهَذَا الْكَلَامُ يَشْمَلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَلِدَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ لِعَدَمِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ بِيَقِينٍ وَهُوَ الْمُصَحِّحُ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَيُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ بِالنِّكَاحِ لِتَيَقُّنِنَا أَنَّ الْعُلُوقَ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَلَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حَادِثٌ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَا يُسْتَنَدُ إلَى مَا قَبْلَ الْبَيْعِ حَتَّى يَبْطُلَ فَكَانَتْ هَذِهِ الدَّعْوَةُ دَعْوَةَ تَحْرِيرٍ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا فِي الْمِلْكِ إذْ لَا يَقْدِرُ غَيْرُ الْمَالِكِ عَلَى التَّحْرِيرِ، وَالثَّانِي أَنْ تَلِدَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْهُ فَحُكْمُهُ أَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ لَا تُقْبَلُ فِيهِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَمْ يُوجَدْ الْمُصَحِّحُ فِيهِ بِيَقِينٍ فَلَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ لِتَصَادُقِهِمَا فِيهِ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ تَبَعًا لِلْوَلَدِ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ لِاسْتِنَادِ الْعُلُوقِ إلَى مَا قَبْلَ الْبَيْعِ لِإِمْكَانِهِ فَيَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَةَ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَتُسْتَنَدُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الدَّعْوَةَ هُنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ دَعْوَةِ اسْتِيلَادٍ وَدَعْوَةِ تَحْرِيرٍ وَدَعْوَةِ شُبْهَةٍ كَالْأَبِ يَدَّعِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَكَذَا الْعِتْقُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ أَوْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ رَهَنَهَا أَوْ آجَرَهَا أَوْ زَوَّجَهَا أَبْطَلْت جَمِيعَ ذَلِكَ وَرَدَدْتهَا إلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِمَّا يَحْمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ صِحَّتِهَا فَلَأَنْ يُنْقَضَ عِنْدَ ظُهُورِ عَدَمِ الصِّحَّةِ أَصْلًا أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّسَبَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ عَدَمُ ثَبَاتِ النَّسَبِ لِجَوَازِ الِانْفِصَالِ كَمَا فِي وَلَدِ الْمُغَرَّرِ فَإِنَّهُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْمُسْتَوْلَدِ وَأُمُّهُ أَمَةٌ تُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ ذَهَبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي هَذَا إلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَسَمَّاهُ الصَّحِيحَ وَلَكِنْ هَذَا عَلَى خِلَافِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرُهُ وَقَدْ مَرَّ آنِفًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) أَيْ لِأَنَّ بِتَصَادُقِهِمَا أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الْبَائِعِ لَا يُثْبِتُ كَوْنَ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَدَّعِي ذَلِكَ وَكَيْفَ يَدَّعِي وَالْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَكَانَ حَادِثًا بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ تَكُونُ دَعْوَاهُ هُنَا دَعْوَةَ تَحْرِيرٍ وَغَيْرُ الْمَالِكِ لَيْسَ بِأَهْلِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يُنَفِّذُ إلَّا فِي الْمِلْكِ) أَيْ فَلَمْ يُعْتِقْ الْوَلَدَ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الدَّعْوَةَ هُنَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الدَّعْوَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ دَعْوَةِ اسْتِيلَادٍ وَدَعْوَةِ مِلْكٍ وَدَعْوَةِ شُبْهَةٍ أَمَّا دَعْوَةُ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّهَا دَعْوَةٌ قَوِيَّةٌ تُنَفَّذُ فِي الْمِلْكِ وَغَيْرِ الْمِلْكِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَتُوجِبُ هَذِهِ الدَّعْوَةُ فَسْخَ مَا جَرَى مِنْ الْعُقُودِ إذَا كَانَ مَحِلًّا لِلْفَسْخِ وَيَنْتَظِمُ الِاعْتِرَافُ بِالْوَطْءِ وَدَعْوَةِ الْمِلْكِ أَنْ لَا يَكُونَ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي الْمِلْكِ وَتُنَفَّذُ فِي الْمِلْكِ وَلَا تُنَفَّذُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَقْتَصِرُ عَلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ وَلَا تُوجِبُ هَذِهِ الدَّعْوَةُ فَسْخَ مَا جَرَى فِي الْعُقُودِ وَلَا يَنْتَظِمُ الِاعْتِرَافُ بِالْوَطْءِ وَدَعْوَةُ شُبْهَةِ الْمِلْكِ كَدَعْوَةِ الْأَبِ وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِلْكُ الِابْنِ قَائِمًا فِي الْجَارِيَةِ وَالْوَلَدُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ لِأَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ ثَبَتَ لَهُ بِحُكْمِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْأَبِ حَقِيقَةً وَلَا حَقُّ مِلْكٍ بَلْ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِحَقٍّ ثَبَتَ لَهُ فِي مَالِ الِابْنِ مُقْتَضَى الدَّعْوَةِ سَابِقًا عَلَيْهِ ثُمَّ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ كَمَا فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيلَادِ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ فِي مَالِ ابْنِهِ سَابِقًا عَلَى الِاسْتِيلَادِ تَصْحِيحًا لَهُ

جَارِيَةَ ابْنِهِ وَحُكْمُ كُلِّ قِسْمٍ وَشَرْطُهُ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ وَصُورَةُ كُلِّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةٍ إمَّا أَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ لِمَا بَيْنَهُمَا وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ كُلٍّ بِحَمْدِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ مِلْكِ الِابْنِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ لِيَثْبُتَ لَهُ الْحَقُّ فِي مَالِهِ تَصْحِيحًا لِدَعْوَتِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ إذَا ادَّعَى وَلَدَ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ أَوْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ أَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ ادَّعَى الْبَائِعُ وَحْدَهُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ هُمَا جَمِيعًا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ فَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ دَعْوَتُهُ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ نَقَدَ وَقَالَ زُفَرُ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ إذَا كَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَذَا ذَكَرَ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ الْوَلَدَ دَعْوَى مِنْهُ إبْطَالُ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ وَلِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْبَيْعِ اعْتِرَافٌ بِأَنَّ الْوَلَدَ عَبْدٌ فَصَارَ مُنَاقِضًا فِي دَعْوَتِهِ وَدَعْوَى الْمُنَاقِضِ مَرْدُودَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهَا لَا يَصِحُّ وَكَذَا لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي أَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ عُلُوقَ الْوَلَدِ فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي بِيَقِينٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ حُكْمًا فِي حَقِّ ثَبَاتِ النَّسَبِ وَحُرْمَةِ الْوَلَدِ مِنْ الْأَصْلِ وَصَيْرُورَةِ الْجَارِيَةِ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ اسْتِدْلَالًا بِالْأَبِ ادَّعَى جَارِيَةَ وَلَدِ ابْنِهِ صَحَّ دَعْوَتُهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ الِابْنُ إذَا عُلِمَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِ الِابْنِ فَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الْأَبَ لَهُ شُبْهَةُ مِلْكٍ فِي مَالِ الِابْنِ وَلِلْبَائِعِ حَقِيقَةُ مِلْكٍ وَالتَّنَاقُضُ مَعْفُوٌّ لِمَكَانِ الْخَفَاءِ فِي النَّسَبِ وَإِذَا صَحَّ دَعْوَةُ الِاسْتِيلَادِ يُرَدُّ الْبَيْعُ لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ الْوَلَدِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَيُفْسَخُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي أَوْ ادَّعَاهُ حَيْثُ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وَالنَّسَبَ حَقٌّ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهَا أَوْ دَبَّرَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى بَيِّنَةٌ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ بِيَقِينٍ صَارَ كَالْبَيِّنَةِ حُكْمًا وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْبَيِّنَةُ حَقِيقَةً وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ إقْرَارًا مَحْضًا عَلَى الْغَيْرِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ هَذَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ لَا غَيْرُ فَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْمُشْتَرِي دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ حَتَّى كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَلَاءٌ عَلَى الْوَلَدِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ وَالْمُشْتَرِي يَصِحُّ مِنْهُ التَّحْرِيرُ فَيَصِحُّ مِنْهُ دَعْوَةُ التَّحْرِيرِ فَإِنْ ادَّعَيَا جَمِيعًا إنْ خَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا فَدَعْوَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى لِأَنَّهُ سَابِقٌ مَعْنًى فَيُعْتَبَرُ كَمَا لَوْ كَانَ سَابِقًا حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَ سَابِقًا حَقِيقَةً بِأَنْ ادَّعَى أَوَّلًا ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي صَحَّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ وَلَمْ يَصِحَّ دَعْوَةُ الْمُشْتَرِي فَكَذَا هَذَا وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ سَابِقٌ لِأَنَّهُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ وَدَعْوَةُ التَّحْرِيرِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْحَالِ وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَالسَّابِقُ أَوْلَى فَإِنْ كَانَ السَّابِقُ هُوَ الْبَائِعُ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ هَذَا كُلُّهُ إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ فَإِنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لَا غَيْرُ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ عُلُوقَ الْوَلَدِ لَمَّا لَمْ يُتَيَقَّنْ فِي مِلْكِهِ صَارَتْ دَعْوَتُهُ وَدَعْوَةُ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ سَوَاءً إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْأَجْنَبِيِّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا صَدَّقَ الْأَجْنَبِيَّ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ وَلَكِنْ يَبْقَى الْوَلَدُ عَبْدًا وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عُلُوقُ الْوَلَدِ فِي مِلْكِهِ بِتَصَادُقِهِمَا وَفِيمَا إذَا صَدَقَ الْبَائِعُ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ وَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ لِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي صَحَّ دَعْوَتُهُ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ صَحِيحَةٌ حَالَ الِانْفِرَادِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْعُلُوقَ فِي مِلْكِهِ فَفِيمَا يَحْتَمِلُ الْعُلُوقَ أَوْلَى وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ دَعْوَةَ اسْتِيلَادٍ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَدُ حُرَّ الْأَصْلِ وَلَا يَكُونُ لَهُ وَلَاءٌ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّ الْعُلُوقَ فِي مِلْكِهِ مُمْكِنٌ وَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا أَوْ سَبَقَ دَعْوَةُ أَحَدِهِمَا صَحَّ دَعْوَةُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ فَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَيْضًا فَإِنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَصِحُّ بِدُونِ تَصْدِيقِهِ مَعَ احْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَهُنَا أَوْلَى أَنْ لَا يَصِحَّ بِدُونِ تَصْدِيقِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْعُلُوقَ فِي مِلْكِهِ أَصْلًا وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ الدَّعْوَةُ وَثَبَتَ النَّسَبُ كَمَا فِي الْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَبْقَى الْوَلَدُ عَبْدًا لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا أَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ صَحَّ دَعْوَةُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا عُلِمَ مُدَّةُ الْوِلَادَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَيْضًا فَإِنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ تَيَقُّنِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي صَحَّ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ عُلُوقَ الْوَلَدِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَكِنْ هَذَا لَا يَمْنَعُ دَعْوَةَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي الدَّعْوَى إنْ سَبَقَ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَإِنْ سَبَقَ الْبَائِعُ ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَكُونُ الْوَلَدُ عَبْدًا لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي ثَبَاتِ النَّسَبِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيَثْبُتُ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ الْبَائِعِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ يَثْبُتُ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ

تَعَالَى فَاحْفَظْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ) لِمَا بَيَّنَّا وَإِنَّمَا يُعْرَفُ أَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ إذَا كَانَ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَلَيْسَا بِتَوْأَمَيْنِ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَإِذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ آخَرَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ إذْ لَا يُمْكِنُ عُلُوقُ الثَّانِي بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يُمْكِنُ عُلُوقُهُ وَهِيَ حُبْلَى بِالْأَوَّلِ لِأَنَّ فَمَ الرَّحِمِ مَسْدُودٌ لَا يَنْفَتِحُ وَهِيَ حُبْلَى إلَّا لِخُرُوجِ الْوَلَدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَاعَ أَحَدَهُمَا فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي) مَعْنَاهُ إذَا بَاعَ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ وَبَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِيهِ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ صَحَّتْ فِي الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ لِمُصَادَفَتِهِ الْعُلُوقَ وَالدَّعْوَى مِلْكَهُ فِيهِ فَثَبَتَ نَسَبُهُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ مِنْهُ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِمَا حُرَّيْ الْأَصْلِ إذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا حُرَّ الْأَصْلِ وَالْآخَرُ رَقِيقًا وَهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ نَقْضُ الْعِتْقِ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ الثَّابِتَةُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ فِيهِ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي بِدَعْوَى الْبَائِعِ نَسَبَهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ لَوْ بَطَلَ لَبَطَلَ مَقْصُودًا لِأَجْلِ حَقِّ الدَّعْوَةِ لِلْبَائِعِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَجْهَهُ وَهُنَا تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ فِي الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ ضِمْنًا وَتَبَعًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَقْصُودًا هَذَا إذَا كَانَ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ بِأَنْ اشْتَرَاهُمَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَوْ اشْتَرَى أُمَّهُمَا وَهِيَ حُبْلَى بِهِمَا أَوْ بَاعَهَا فَجَاءَتْ بِهِمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُمَا أَيْضًا لِأَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنْ لَا يَعْتِقُ الَّذِي لَيْسَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ أَعْتَقَهُ لَا يَبْطُلُ عِتْقُهُ لِأَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَةَ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ لِعَدَمِ الْعُلُوقِ فِي الْمِلْكِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فَلِهَذَا شَرَطَ لِنُزُولِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ حَيْثُ يَعْتِقَانِ جَمِيعًا لِأَنَّهَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَتُسْتَنَدُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عِتْقُهُمَا بِطَرِيقِ أَنَّهُمَا حُرَّا الْأَصْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ حُرًّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَبِيٌّ عِنْدَ رَجُلٍ فَقَالَ هُوَ ابْنُ فُلَانٍ ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ وَإِنْ جَحَدَ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ صَبِيٌّ عِنْدَ رَجُلٍ فَقَالَ الرَّجُلُ الَّذِي عِنْدَهُ الصَّبِيُّ هَذَا الصَّبِيُّ ابْنُ فُلَانِ الْغَائِبِ ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ أَبَدًا وَإِنْ جَحَدَ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ ابْنَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ لِهَذَا الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ فِي يَدِهِ وَاشْتِرَاطُهُ فِي الْكِتَابِ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ الْغَيْرِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ ثُبُوتَ نَسَبِهِ مِنْهُ بِدَعْوَتِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْمُقِرِّ بَعْدَ جُحُودِ الْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بَطَلَ بِجُحُودِ الْمُقَرِّ لَهُ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يُقِرَّ وَلِهَذَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِدَعْوَتِهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا لَهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ مِمَّا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ إذْ الْإِقْرَارُ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ مُلْحَقٌ بِالْإِقْرَارِ بِمَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَلِهَذَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ وَالْإِكْرَاهُ حَتَّى لَا يَصِحَّ مَعَهُمَا وَإِنْ كَانَا لَا يُؤَثِّرَانِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ قَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا أَعْتَقْتُهُ فَإِنَّ الْوَلَاءَ يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ فَكَذَا هَذَا وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ لَهُ بِالنَّسَبِ نَفْيٌ لِلنَّسَبِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ إنْكَارٌ لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْإِقْرَارَ بِهِ بَعْدَهُ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ هُوَ بِابْنِي ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي فَكَذَا هَذَا وَلِهَذَا يَصِحُّ إكْذَابُ الْمُلَاعِنِ نَفْسَهُ بَعْدَ نَفْيِ النَّسَبِ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا وَقَعَ الشَّكُّ كَانَ الْإِثْبَاتُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ التَّوْأَمُ اسْمٌ لِلْوَلَدِ إذَا كَانَ مَعَهُ آخَرُ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ وَيُقَالُ هُمَا تَوْأَمَانِ كَمَا يُقَالُ هُمَا زَوْجَانِ وَقَوْلُهُمْ هُوَ تَوْأَمُ وَهُمَا زَوْجٌ خَطَأٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ إلَخْ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ وَالْمَالُ مَحِلُّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَتْنِ عَلَيَّ وَقَبْلِي إقْرَارٌ بِدَيْنٍ مَخْرُومٌ مِنْ نُسْخَةِ الشَّارِحِ اهـ (قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَ أَصْلُ الْعُلُوقِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَإِذَا وَلَدَتْ أَمَةُ الرَّجُلِ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْحَبَلِ عِنْدَهُ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَهُمَا ابْنَاهُ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ وَلَا عِتْقُ الْمُشْتَرِي أَمَّا ثَبَاتُ النَّسَبِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُ أَحَدِهِمَا ثَبَتَ نَسَبُ الثَّانِي ضَرُورَةَ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ الْآخَرِ وَأَمَّا عَدَمُ انْتِقَاضِ الْبَيْعِ فَلِأَنَّهُ حَدَثَ فِي الْمَحِلِّ مَا يَمْنَعُ الِانْتِقَاضَ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَلَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ فِيهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ) فَكَانَ قَوْلُهُ هَذَا ابْنِي مَجَازًا عَنْ قَوْلِهِ هَذَا حُرٌّ وَإِعْتَاقُ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ يَنْفَصِلُ عَنْ عِتْقِ الْآخَرِ فَيَقْتَصِرُ هَذَا الْعِتْقُ عَلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَصَارَ كَأَنَّ الْبَائِعَ أَعْتَقَهُمَا فَيُعْتِقُ مَنْ فِي مِلْكِهِ فَحَسْبُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ وَاشْتَرَى أَبُو الْمُشْتَرِي الْآخَرَ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا نَسَبَهُ حَيْثُ يَعْتِقُ كِلَاهُمَا وَهَذِهِ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لِمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا إمَّا إنْ كَانَ أَبَا الْمُشْتَرِي أَوْ ابْنَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ أَبَا الْمُشْتَرِي فَالِابْنُ مَلَكَ أَخَاهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الِابْنُ فَالْأَبُ مَلَكَ حَافِدَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ نَقَلَهُ الشَّيْخُ الشِّلْبِيُّ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ جَحَدَ) أَيْ الْغَائِبُ اهـ (قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ ابْنَهُ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّبِيِّ يَكُونُ فِي يَدَيْ الرَّجُلِ قَالَ هُوَ ابْنُ عَبْدِي الْغَائِبِ ثُمَّ يَقُولُ هُوَ ابْنِي قَالَ لَا يَكُونُ ابْنَهُ أَبَدًا وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ إذَا جَحَدَ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ كَانَ ابْنَ الْمَوْلَى إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ وَاشْتِرَاطُهُ فِي الْكِتَابِ) أَيْ بِقَوْلِهِ عِنْدَ رَجُلٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ) أَيْ بِأَنَّ هَذَا ابْنُ فُلَانٍ اهـ

بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي نَسَبًا ثَابِتًا مِنْ غَيْرِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ تَصْدِيقِهِ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُلَاعِنِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ بِتَكْذِيبِ نَفْسِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ النَّسَبَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالْإِقْرَارَ بِمِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَيَبْقَى فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ كَمَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ الْغَيْرِ فَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَبْقَى فِي حَقِّ الْمُقِرِّ حُرًّا وَلَا يَرْتَدُّ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا عَتَقَ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ وَكَمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِنَسَبٍ صَغِيرٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ الشَّاهِدُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّ دَعْوَاهُ لَا تُقْبَلُ لِإِقْرَارِهِ بِهِ لِلْغَيْرِ وَهَذَا لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ بَعْدَ التَّكْذِيبِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ فَصَارَ كَدَعْوَاهُ قَبْلَ الرَّدِّ وَلِأَنَّ مُوجَبَ إقْرَارِهِ شَيْئَانِ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ وَإِبْطَالُ حَقِّ نَفْسِهِ فِي الدَّعْوَةِ وَإِذَا ارْتَدَّ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَرْتَدُّ الثَّانِي لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مَسْأَلَةُ الْوَلَاءِ لِأَنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالنَّسَبُ أَلْزَمُ مِنْ الْوَلَاءِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّحَوُّلَ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ إلَى جَانِبِ الْأَبِ عِنْدَ إعْتَاقِ الْأَبِ وَكَذَا إذَا ارْتَدَّتْ مُعْتَقَةٌ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَسُبِيَتْ وَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى الثَّانِي كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ وَالنَّسَبُ لَا يَقْبَلُهُ كَمَا مَرَّ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا ادَّعَاهُ لِإِقْرَارِهِ بِهِ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ الثَّابِتِ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ هُوَ ابْنِي وَهَذَا يَصْلُحُ حِيلَةً فِيمَنْ يَبِيعُ عَبْدًا أَصْلُ عُلُوقِهِ عِنْدَهُ وَيَخَافُ عَلَيْهِ الدَّعْوَةَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْبَائِعِ فَيَبْطُلُ دَعْوَاهُ بِنَسَبِهِ لِغَيْرِهِ مُطْلَقًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرُدَّ الْمُقَرُّ لَهُ النَّسَبَ بِأَنْ يَسْكُتَ أَوْ يُقِرَّ بِهِ لِمَيِّتٍ أَوْ لِغَائِبٍ لَا يُعْرَفُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ ابْنِي وَقَالَ الْمُسْلِمُ عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ ابْنُ النَّصْرَانِيِّ) أَيْ لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي أَيْدِيهِمَا فَادَّعَى النَّصْرَانِيُّ أَنَّهُ ابْنُهُ وَالْمُسْلِمُ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَادَّعَيَاهُ مَعًا كَانَ حُرًّا ابْنَ النَّصْرَانِيِّ لِأَنَّهُ يَنَالُ بِذَلِكَ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَالْإِسْلَامِ فِي الْمَآلِ إذْ دَلَائِلُ الْوَحْدَانِيَّةِ ظَاهِرَةٌ فَكَانَ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَفِي عَكْسِهِ فَوَاتُ شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى اكْتِسَابِهَا فَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلْمُسْلِمِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُرَجَّحٌ لِأَنَّا نَقُولُ التَّرْجِيحُ يَكُونُ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَهُوَ الِاسْتِوَاءُ وَلَا تَعَارُضَ هُنَا لِأَنَّ النَّظَرَ لَهُ فِيمَا قُلْنَا أَوْفَرُ فَانْتَفَى الِاسْتِوَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ حَيْثُ يَكُونُ الْمُسْلِمُ فِيهِ أَوْلَى لِاسْتِوَائِهِمَا فِي دَعْوَى الْبُنُوَّةِ فَيُرَجَّحُ الْمُسْلِمُ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ أَوْفَرُ لِلصَّبِيِّ لِحُصُولِ الْإِسْلَامِ لَهُ فِي الْحَالِ تَبَعًا لِأَبِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ زَوْجَيْنِ فَزَعَمَ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا وَزَعَمَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ ابْنُهُمَا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَرَّ لِلْوَلَدِ بِالنَّسَبِ وَادَّعَى مَا يُبْطِلُ حَقَّ صَاحِبِهِ فَصَحَّ إقْرَارُهُمَا لَهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ صَاحِبِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِاسْتِوَاءِ أَيْدِيهِمَا فِيهِ وَقِيَامِ أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ وَقِيَامُ الْفِرَاشِ بَيْنَهُمَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمَا كَثَوْبٍ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ هَذَا الثَّوْبُ لِي وَلِفُلَانٍ آخَرَ غَيْرِك وَلَيْسَ لَك أَنْتَ فِيهِ شَيْءٌ كَانَ الثَّوْبُ بَيْنَهُمَا وَلَا يُصَدَّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِهِ فِيهِ إلَّا أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي نَصِيبِهِ لِأَنَّ الْمَحِلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ وَفِي النَّسَبِ لَا يُشَارِكُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ يُعَبِّرُ فَالْقَوْلُ لَهُ أَيُّهُمَا صَدَقَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَدَتْ مُشْتَرَاتُهُ فَاسْتُحِقَّتْ غَرِمَ الْأَبُ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَهُوَ حُرٌّ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْوَلَدِ وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَكَذَا إذَا مَلَكَهَا بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الشِّرَاءِ أَيِّ سَبَبٍ كَانَ وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي النِّكَاحِ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّسَبَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ إقْرَارٌ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَةُ الْمُقِرِّ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ وَالنَّسَبُ إذَا ثَبَتَ لَا يُنْتَقَضُ بِالْجُحُودِ وَالتَّكْذِيبِ وَلِهَذَا لَوْ عَادَ الْمُقَرُّ لَهُ إلَى تَصْدِيقِهِ جَازَ وَثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ وَصَارَ كَاَلَّذِي لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ اهـ (قَوْلُهُ وَادَّعَيَاهُ مَعًا) وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِ لَوْ سَبَقَتْ يَكُونُ عَبْدًا لِلْمُسْلِمِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُرَجِّحٌ) بِكَسْرِ الْجِيمِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ يَكُونُ الْمُسْلِمُ فِيهِ أَوْلَى) وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ يَسْتَوِيَانِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُحَكَّمُ الْقَائِفُ كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ زَوْجَيْنِ إلَخْ) قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ التَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ دَعْوَى النَّسَبِ حَتَّى لَوْ قَالَ رَجُلٌ هُوَ ابْنِي مِنْك مِنْ زِنًا وَقَالَتْ مِنْ نِكَاحٍ ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ مِنْ نِكَاحٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ فَلَوْ قَالَتْ ابْنِي مِنْك مِنْ نِكَاحٍ وَقَالَ مِنْ زِنًا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُمَا لِعَدَمِ اتِّفَاقِهِمَا فِي النِّكَاحِ فَلَوْ قَالَتْ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنِي مِنْك مِنْ نِكَاحٍ ثَبَتَ لِمَا قُلْنَا اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يُعَبِّرُ) أَيْ وَلَيْسَ هُنَاكَ رِقٌّ ظَاهِرٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَدَتْ مُشْتَرَاتُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا عِنْدَهُ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ غَرِمَ الْأَبُ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ يُخَاصَمُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ قَالَ يَغْرَمُ الْأَبُ لِلْمَوْلَى قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ تَخَاصَمَ إنْ جَاءَ وَالْوَلَدُ حَيٌّ وَإِنْ جَاءَ وَالْوَلَدُ قَدْ مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ جَاءَ وَقَدْ مَاتَ الْوَلَدُ وَتَرَك عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ قُتِلَ الْوَلَدُ فَأَخَذَ الْوَالِدُ دِيَتَهُ فَعَلَى الْأَبِ قِيمَتُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ

عَنْهُ فِي الشِّرَاءِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاجِبٌ إذْ الْمَغْرُورُ مَعْذُورٌ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ شَرْعًا وَالْأَمَةُ مِلْكُ الْمُسْتَحِقِّ وَالْوَلَدُ جُزْؤُهَا فَاسْتَوْجَبَ الْآخَرُ النَّظَرَ فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَهْمَا أَمْكَنَ مُرَاعَاةً لِحَقِّهِمَا وَذَلِكَ بِأَنْ يُجْعَلَ الْوَلَدُ حُرَّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْأَبِ وَرَقِيقًا فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَصْلِ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْجُزْءِ فَيَضْمَنُ الْأَبُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ يَوْمُ الْمَنْعِ وَالتَّحَوُّلِ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِقَ رَقِيقًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى كَانَ حَقُّهُ فِي عَيْنِ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ التَّحَوُّلِ وَتَجِبُ هَذِهِ الْقِيمَةُ عَلَى الْأَبِ دُونَ الْوَلَدِ حَتَّى إذَا كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا يُؤْخَذُ مِنْ تِرْكَتِهِ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَهُوَ مِنْ الْأَبِ دُونَهُ وَلَا وَلَاءَ لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ حُرَّ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا الرِّقَّ ضَرُورَةَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ فَلَا تَعْدُ مَوْضِعَهَا ثُمَّ هَذَا الْغُرُورُ إنْ كَانَ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِهَا وَبِوَلَدِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ عِنْدَ إقَامَةِ الْمُسْتَحِقِّ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهَا لِلْمُسْتَحِقِّ وَفَرْعُهَا يَتْبَعُهَا إلَّا إذَا أَثْبَتَ الزَّوْجُ أَنَّهُ مَغْرُورٌ بِأَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَيَثْبُتُ بِهِ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِلْأَوْلَادِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ قِيمَتَهُ) يَعْنِي لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمُسْتَحِقِّ حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَإِنَّ الْوَلَدَ الْمَغْصُوبَ أَمَانَةٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ حَقِيقَةً وَكَذَا لَوْ تَرَكَ مَالًا لِأَنَّ الْإِرْثَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْهُ فَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَمْ يَجْعَلْ سَلَامَةَ الْإِرْثِ كَسَلَامَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُ قَاتِلٌ وَقَبَضَ الْأَبُ مِنْ دِيَتِهِ قَدْرَ قِيمَتِهِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ لِأَنَّ سَلَامَةَ بَدَلِهِ كَسَلَامَتِهِ وَمَنْعَ بَدَلِهِ كَمَنْعِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ وَإِنْ قَبَضَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُ الْأَبُ لِأَنَّ الْمَنْعَ تَحَقَّقَ بِقَتْلِهِ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبِ إذَا أَتْلَفَهُ الْغَاصِبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَقِيمَتِهِ عَلَى بَائِعِهِ لَا بِالْعُقْرِ) أَيْ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ الْجَارِيَةِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْعُقْرِ بِوَطْئِهَا لِأَنَّ الْبَائِعَ صَارَ كَفِيلًا بِمَا شُرِطَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَدَلِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى مُسَاوَاةِ الْبَدَلَيْنِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فَلَمَّا كَانَ الثَّمَنُ مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي سَالِمًا لِلْبَائِعِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ سَالِمًا لِلْمُشْتَرِي وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْبَائِعَ كَفِيلًا بِسَبَبِ تَمَلُّكِ الْبَدَلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لِلْمُشْتَرِي إنَّ الْحُكْمَ قَدْ ثَبَتَ لَك فَإِنْ ضَمِنَك أَحَدٌ بِدَعْوَى بَاطِلٍ فَأَنَا ضَامِنٌ لَك بِمَا ضَمِنَك وَلِأَنَّ الْبَائِعَ الْتَزَمَ سَلَامَتَهَا عَنْ الْعَيْبِ إذْ الْمُعَاوَضَةُ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَا عَيْبَ فَوْقَ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَكَذَا إنْ هَلَكَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَضَمَّنَهُ الْمُسْتَحِقُّ قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ الْأَوْلَادِ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَبِمَا ضَمِنَ مِنْ قِيمَةِ الْأَوْلَادِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ أَخْذَ قِيمَتِهَا مِنْهُ كَأَخْذِ عَيْنِهَا وَفِيهِ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِالثَّمَنِ فَكَذَا هَذَا وَكَذَا إذَا زَوَّجَهُ رَجُلٌ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ يَرْجِعُ الْأَبُ عَلَى الْمُزَوِّجِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ إذْ الِاسْتِيلَادُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّزْوِيجِ وَشَرْطُ الْحُرِّيَّةِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ اللَّازِمِ لِهَذَا التَّزْوِيجِ فَيَكُونُ الِاسْتِيلَادُ بِنَاءً عَلَى التَّزْوِيجِ وَشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ فَكَانَ الشَّارِطُ صَاحِبَ عِلَّةٍ فَنَزَلَ كَالْقَائِلِ أَنَا كَفِيلٌ بِمَا لَحِقَك بِسَبَبِ هَذَا الْعَقْدِ أَوْ يُقَالُ مَا لَزِمَهُ مِنْ الضَّمَانِ إنَّمَا لَزِمَهُ بِالِاسْتِيلَادِ وَالِاسْتِيلَادُ حُكْمُ التَّزْوِيجِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ فَكَانَ الْمُزَوِّجُ صَاحِبَ عِلَّةٍ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ أَخْبَرَتْهُ هِيَ وَتَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْحُرِّيَّةِ حَيْثُ يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُغَرَّرُ مَنْ يَسْتَوْلِدُ امْرَأَةً مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ ثُمَّ يَسْتَحِقُّهَا رَجُلٌ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهَا أَمَةٌ وَوَلَدُهَا حُرٌّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ وَلَدَ الْمُغَرَّرِ إنَّمَا يَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ إذَا كَانَ الْمُغَرَّرُ حُرًّا أَمَّا إذَا كَانَ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّزْوِيجِ يَكُونُ وَلَدُهُ عَبْدًا لِلْمُسْتَحِقِّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمَكَاتِبِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا وَلَاءَ لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَلَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ) أَيْ وَهُوَ الْمُشْتَرِي. اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ إنْ جَاءَ الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَ مَا مَاتَ الْوَلَدُ وَتَرَك عَشَرَةَ آلَافٍ وَرِثَهُ أَبُوهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ عُلِّقَ حُرًّا فِي حَقِّ الْمُسْتَوْلِدِ وَلَا يَغْرَمُ الْأَبُ قِيمَةَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ الْوَلَدَ وَالْمِيرَاثُ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْوَلَدِ حَتَّى يَكُونَ مَنْعُهُ كَمَنْعِ الْوَلَدِ وَلَوْ قَتَلَ الْأَبُ الْوَلَدَ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَأَخَذَ دِيَتَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِأَنَّ سَلَامَةَ الْبَدَلِ كَسَلَامَةِ الْوَلَدِ وَمَنْعُهُ كَمَنْعِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الدِّيَةَ مِنْ الْقَاتِلِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ الْوَلَدَ أَصْلًا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا كَذَا ذَكَرَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَيَغْرَمُ الْوَاطِئُ الْعُقْرَ لِلْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّهُ وَطِئَ مِلْكَ الْغَيْرِ بِشُبْهَةٍ وَلَا يَرْجِعُ بِالْعُقْرِ عَلَى الْغَارِّ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ أَتْلَفَهُ مِنْهَا وَتَنَاوَلَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهَا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي قَالَ وَإِذَا أَبَقَتْ الْأَمَةُ فَأَتَتْ رَجُلًا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَتَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فِي الظَّاهِرِ أَوْ فَاسِدٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ أَقَامَ مَوْلَاهَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أَمَتُهُ فَقَضَى بِهَا لَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالْوَلَدِ أَيْضًا لِمَوْلَى الْجَارِيَةِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ جَعَلَتْ الْوَلَدَ حُرًّا وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَيَكُونُ هَذَا اغْتِرَارًا مِنْهُ حَيْثُ بَنَى أَمْرَهُ عَلَى مُطْلَقِ خَبَرِهَا فَأَمَّا إذَا شَرَطَ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ يَصِيرُ الزَّوْجُ مَغْرُورًا فَيَكُونُ وَلَدُهُ حُرًّا وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ وَجُعِلَتْ عَلَى أَبِيهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ قُضِيَ بِهِ لَهُ دَيْنًا فِي مَالِهِ دُونَ مَالِ الْوَلَدِ. اهـ.

الْوَلَدُ رَقِيقًا وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُخْبِرِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ سَبَبٌ مَحْضٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ حَصَلَ بِاخْتِيَارِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ حُكْمَ الْعِلَّةِ بِالْغَرَرِ وَذَلِكَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ بِالشَّرْطِ أَوْ بِالْمُعَاوَضَةِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْعُقْرِ عَلَى الْبَائِعِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَرْجِعُ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ لَزِمَهُ بِفَوْتِ السَّلَامَةِ قُلْنَا الْعُقْرُ عِوَضٌ عَمَّا اسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ فَلَوْ رَجَعَ بِهِ سُلِّمَ لَهُ الْمُسْتَوْفَى مَجَّانًا وَالْوَطْءُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ مَجَّانًا وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَاهِبِ وَالْمُتَصَدِّقِ وَالْمُوصِي بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ الْأَوْلَادِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَرْجِعُ لِأَنَّ الْغَرَرَ قَدْ تَحَقَّقَ لَهُ مِنْهُ بِإِيجَابِهِ الْمِلْكَ لَهُ فِيهَا وَإِخْبَارِهِ أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ قُلْنَا مُجَرَّدُ الْغَرَرِ لَا يَكْفِي لِلرُّجُوعِ فَإِنَّ مَنْ أَخْبَرَ إنْسَانًا أَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ آمِنٌ فَسَلَكَهَا فَأَخَذَ اللُّصُوصُ مَالَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُخْبِرِ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةِ يُوجِبُ السَّلَامَةَ أَوْ الضَّمَانَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهَذَا تَبَرَّعَ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَلَيْسَ عَلَى الْمُحْسِنِ مِنْ سَبِيلٍ وَبِخِلَافِ التَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلِاسْتِيلَادِ وَطَلَبِ النَّسْلِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَنَاكَحُوا تَوَالَدُوا تَكْثُرُوا» الْحَدِيثَ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ وَالْمَقْصُودُ بِوَضْعِ الْهِبَةِ إظْهَارُ الْجُودِ وَالسَّمَاحَةِ وَثُبُوتُ الْمِلْكِ وَهَذَا الْمَقْصُودُ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الِاسْتِيلَادِ وَلَوْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ فَاسْتَوْلَدَهَا الثَّانِي ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ أَيْضًا لِأَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ ضَمِنَ لِلثَّانِي سَلَامَةَ الْوَلَدِ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ حَيْثُ أَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ الْوَلَدِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الثَّمَنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي سَلَامَةَ أَوْلَادِهِ دُونَ سَلَامَةِ أَوْلَادِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِأَنَّ ضَمَانَ السَّلَامَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ وَالْبَيْعُ الثَّانِي لَا يُضَافُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يُضَافُ إلَى الْبَائِعِ الثَّانِي لِمُبَاشَرَتِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَيَنْقَطِعُ بِهِ تَسَبُّبُ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ ضَمِنَ لِلْبَائِعِ الثَّانِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ فَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ فَلَا يُسَلَّمُ لِبَائِعِهِ الثَّمَنُ وَبِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّهُ سَلِيمًا وَلَمْ يُوجَدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ م ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ لَزِمَهُ بِفَوْتِ السَّلَامَةِ) أَيْ الْمُسْتَحَقَّةِ فِي الْعَقْدِ كَمَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ اهـ 1 - (فَرْعٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ خَتَمَ كِتَابَ الدَّعْوَى فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ أَنَا أُمُّ وَلَدِ هَذَا الرَّجُلِ وَأَرَادَتْ اسْتِحْلَافَ الرَّجُلِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ تَابِعَةٌ لِلنَّسَبِ وَلَا يُرَى الْيَمِينُ فِي النَّسَبِ. اهـ.

[كتاب الإقرار]

(كِتَابُ الْإِقْرَارِ) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْإِثْبَاتُ يُقَالُ قَرَّ الشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ وَأَقَرَّهُ غَيْرُهُ إذَا أَثْبَتَهُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِخْبَارِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ وَهُوَ ضِدُّ الْجُحُودِ وَشَرْطُ صِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ بَالِغًا عَاقِلًا طَائِعًا وَكَوْنُهُ حُرًّا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى يَصِحَّ إقْرَارُ الْعَبْدِ وَيَنْفُذَ فِي الْحَالِ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَفِيمَا فِيهِ تُهْمَةٌ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ الْمَوْلَى وَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لِغَيْرِهِ لَا يَنْفُذُ لِلْحَالِ وَإِذَا مَلَكَهَا يَوْمًا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُقِرِّ لَهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ وَالْإِخْبَارُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مُكْرَهًا لَا يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ إنْشَاءً لَصَحَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ حَقِّ الْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ) هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَقَيَّدَهُ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ يَكُونُ شَهَادَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ كِتَابُ الْإِقْرَارِ] قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْكُتُبَ أَعْنِي كِتَابَ الْإِقْرَارِ وَكِتَابَ الصُّلْحِ وَكِتَابَ الْمُضَارَبَةِ وَكِتَابَ الْوَدِيعَةِ عَقِيبَ كِتَابِ الدَّعْوَى لِلْمُنَاسَبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ فَإِنْ أَقَرَّ فَبَابُهُ الْإِقْرَارُ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَالْإِنْكَارُ مُنَازَعَةٌ وَخُصُومَةٌ وَالْخُصُومَةُ تَسْتَدْعِي الصُّلْحَ فَبَعْدَ مَا ثَبَتَ لَهُ الْمَالُ إمَّا بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالصُّلْحِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَرْبِحَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَالِاسْتِرْبَاحُ بِنَفْسِهِ بِالْبَيْعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَابُهُ وَالِاسْتِرْبَاحُ بِغَيْرِهِ هُوَ الْمُضَارَبَةُ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ الِاسْتِرْبَاحَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْفَظَ الْمَالَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَحِفْظُهُ بِنَفْسِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَبَقِيَ حِفْظُهُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْوَدِيعَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ عَبْدٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَقَرَّ رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهُ لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ هُوَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَهُوَ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ الْغَيْرِ، وَلَوْ بَدَأَ وَقَالَ هُوَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ هُوَ لِفُلَانٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْحُرِّ لِغَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ اهـ قَالَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ الزَّاهِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقُنْيَةِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ مَنْ يُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ مَا نَصُّهُ: وَقَدْ يَكُونُ خَصْمًا فِي الْيَمِينِ وَلَا يَكُونُ خَصْمًا فِي الْبَيِّنَةِ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِ الْبَائِعِ فُلَانٌ وَدَفَعَهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِيَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْبَائِعَ بِاَللَّهِ مَا كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ نَكَلَ رَدَّ الثَّمَنَ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ لِإِنْسَانٍ إلَخْ) هَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ اهـ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلُ فِي الشَّارِحِ بِوَرَقَةٍ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ الْغَيْرِ فَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ مَلَكَهُ الْمُقِرُّ يَوْمًا عَتَقَ فَرَاجِعْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُقَرِّ لَهُ)، وَلَوْ أَقَرَّ بِهَذِهِ الدَّارِ الَّتِي فِي يَدِ فُلَانٍ وَقْفٌ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا ثُمَّ مَلَكَهَا الْمُقِرُّ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُتَوَلِّي هَكَذَا أَفْتَيْتُ فِي سُؤَالٍ رُفِعَ إلَيَّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مَعْزِيًّا إلَى أَوَّلِ إقْرَارِ فَتَاوَى صَاحِبِ الْمُحِيطِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ

وَلِنَفْسِهِ يَكُونُ دَعْوَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا أَقَرَّ حُرٌّ مُكَلَّفٌ بِحَقٍّ صَحَّ وَلَوْ مَجْهُولًا كَشَيْءٍ وَحَقٍّ)؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ ثَبَتَتْ حُجِّيَّتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَالْمَعْقُولِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة: 282] أَمَرَهُ بِالْإِمْلَالِ فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ إقْرَارَهُ لَمَا كَانَ لِإِمْلَالِهِ مَعْنًى، وَقَدْ نَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا عَنْ كِتْمَانِ الْحَقِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} [البقرة: 282] فَصَارَ نَظِيرَ أَمْرِهِ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَنَهْيِهِ عَنْ كِتْمَانِهَا وقَوْله تَعَالَى {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14] أَيْ شَاهِدٌ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِقْرَارُ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهِمَا» فَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَالْمَالُ أَوْلَى أَنْ يَجِبَ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى أَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فَالْمَالُ أَوْلَى وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ كَاذِبًا بِمَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الصِّدْقِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَكَمَالِ الْوِلَايَةِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ مَجْهُولُ النَّسَبِ بِالرِّقِّ جَازَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَمُدَبَّرِيهِ وَمُكَاتَبِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً بِالْقَضَاءِ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّ الْكُلِّ، أَمَّا الْإِقْرَارُ فَحُجَّةٌ بِنَفْسِهِ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا رَدَّهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، وَلَوْ صَدَّقَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَصِحُّ رَدُّهُ وَلَكِنْ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ عَنْ كُرْهٍ مِنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا إذَا سَلَّمَهُ لَهُ بِطِيبٍ مِنْ نَفْسِهِ حَلَّ فَيَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً مِنْهُ وَشَرْطُ الْحُرِّيَّةِ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يَتَأَخَّرُ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَكَذَا الْمَأْذُونُ لَهُ يَتَأَخَّرُ إقْرَارُهُ بِمَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ كَإِقْرَارِهِ بِالْمَهْرِ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْمَالِ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا التِّجَارَةَ فَلَمْ يَكُنْ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى لَا يَصِحُّ عَلَيْهِ فِيهِ وَشَرْطُ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمَجْنُونِ لَا يَصِحُّ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الِالْتِزَامِ إلَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَعْتُوهُ مَأْذُونًا لَهُ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَا يُعَامِلُهُ أَحَدٌ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ فَدَخَلَ فِي الْإِذْنِ كُلُّ مَا كَانَ طَرِيقُهُ التِّجَارَةَ كَالدُّيُونِ وَالْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْغُصُوبِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِيهَا لِالْتِحَاقِهِ فِي حَقِّهَا بِالْبَالِغِ الْعَاقِلِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَدُلُّ عَلَى عَقْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ كَالْمَهْرِ وَالْجِنَايَةِ وَالْكَفَالَةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهَا؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْمَهْرَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ وَالْجِنَايَةَ لَيْسَتْ بِمُبَادَلَةٍ وَالْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ وَالنَّائِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ وَإِقْرَارُ السَّكْرَانِ جَائِزٌ مُطْلَقًا إذَا كَانَ سُكْرُهُ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْخِطَابَ إلَّا إذَا أَقَرَّ بِمَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ كَالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ السَّكْرَانَ لَا يَكَادُ يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ فَأُقِيمَ السُّكْرُ مَقَامَهُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ سَكِرَ بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ كَالشُّرْبِ مُكْرَهًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ رَدَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ الرَّدُّ. اهـ. وَسَيَأْتِي هَذَا الْفَرْعُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ زِيَادَةَ فَائِدَةٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إذَا أَقَرَّ حُرٌّ مُكَلَّفٌ بِحَقٍّ) لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِلَفْظِ الْحَقِّ بَلْ بِدِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ غَيْرَ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْحَقِّ كَقَوْلِ الرَّجُلِ جَاءَنِي فُلَانٌ فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ مُنْكَرٍ فِي حَقِّ الْقَائِلِ فَعَبَّرَ عَنْ الْمُعَرَّفِ الَّذِي عِنْدَهُ بِالْمُنْكَرِ اهـ مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى أَوْلَادِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْإِقْرَارِ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مَجْهُولَانِ لَهُمَا ابْنٌ صَغِيرٌ لَا يَتَكَلَّمُ أَقَرَّا بِالرِّقِّ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَعَلَى ابْنِهِمَا جَازَ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ: أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ وَالْمُدَبَّرُونَ فَإِقْرَارُهُ بِالرِّقِّ لَا يَعْمَلُ فِي حَقِّهِمْ اهـ (قَوْلُهُ فَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ) رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ أَنَا عَبْدٌ لَك فَقَالَ الْآخَرُ: لَا ثُمَّ قَالَ بَلَى أَنْتَ عَبْدٌ لِي فَإِنَّهُ عَبْدُهُ وَلَا يَكُونُ نَفْيُهُ شَيْئًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يَبْطُلُ بِجُحُودِ الْمَوْلَى أَمَّا الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ يَبْطُلُ بِالتَّكْذِيبِ. اهـ. خُلَاصَةٌ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ) أَيْ فِيمَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعُقُوبَةِ بِنَاءً عَلَى الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَكَوْنُهُ مُكَلَّفًا مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (فَرْعٌ) ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ رَجُلٌ قَالَ مَا فِي يَدِي مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَتَاعٍ لِفُلَانٍ صَحَّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ وَلَيْسَ بِمَجْهُولٍ فَإِنْ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ لِيَأْخُذَ عَبْدًا مِنْ يَدِ الْمُقِرِّ وَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: كَانَ فِي يَدِك وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَهُوَ لِي وَقَالَ الْمُقِرُّ: لَا بَلْ مَلَكْتُ هَذَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُقَرُّ لَهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَقْتَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْمُنْكِرَ يُنْكِرُ دُخُولَ هَذَا الْعَبْدِ فِي الْإِقْرَارِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي الْإِقْرَارِ مَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْجَامِعِ رَجُلٌ قَالَ مَا فِي حَانُوتِي لِفُلَانٍ ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا فِي الْحَانُوتِ لَهُ وَوَضَعَهُ فِي الْحَانُوتِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ صُدِّقَ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْجَامِعِ قَالُوا تَأْوِيلُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إذَا ادَّعَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ فِي مُدَّةٍ لَا يُمْكِنُهُ إدْخَالُهُ فِي الْحَانُوتِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بِيَقِينٍ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ إذَا ادَّعَى الْمُقِرُّ حُدُوثَ الْمِلْكِ فِي زَمَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ حُدُوثُهُ فِيهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي مَلَكْتُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ. اهـ. قَاضِيخَانْ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي. (فَرْعٌ آخَرُ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ رَجُلٌ قَالَ: جَمِيعُ مَا فِي يَدِي لِفُلَانٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ يُرْجَعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ وَلَا يُعْلَمُ قَبْلَ الْبَيَانِ اهـ

شُرْبُ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الْعَسَلِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَوْلُهُ، وَلَوْ مَجْهُولًا كَشَيْءٍ وَحَقٍّ أَيْ، وَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ شَيْءٌ أَوْ حَقٌّ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَلْزَمُهُ مَجْهُولًا بِأَنْ يُتْلِفَ مَالًا أَوْ يَجْرَحَ جِرَاحَةً أَوْ يَبْقَى عَلَيْهِ بَاقِيَةُ حِسَابٍ لَا يَعْرِفُ قِيمَتَهُ وَلَا أَرْشَهَا وَلَا قَدْرَهَا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ بِالْإِيفَاءِ أَوْ التَّرَاضِي فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْعِلْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ»؛ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجَبُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ فَيَبْطُلُ إذْ لَا حَاجَةَ لِلشُّهُودِ بِدُونِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ وَبِخِلَافِ الْجَهَالَةِ فِي الْمُقَرِّ لَهُ سَوَاءٌ تَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ لَمْ تَتَفَاحَشْ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ لِأَحَدِ هَذَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا إذْ لَا يُمْكِنُ جَبْرُهُ عَلَى الْبَيَانِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُدَّعَى فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ هَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَالنَّاطِفِيُّ فِي وَاقِعَاتِهِ أَنَّهَا إذَا تَفَاحَشَتْ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ تَتَفَاحَشْ جَازَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَا يَعْدُو مَنْ ذَكَرَهُ وَفِي مِثْلِهِ يُؤْمَرُ بِالتَّذَكُّرِ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ يَنْسَى صَاحِبَ الْحَقِّ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الْحَقِّ عَنْ الْمُسْتَحِقِّ وَالْقَاضِي نُصِبَ لِإِيصَالِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لَا لِإِبْطَالِهِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ ثُمَّ نَسِيَهُ بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْمُقَرِّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجْبَارَ عَلَى الْبَيَانِ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ وَبِخِلَافِ إعْتَاقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَنْزِلْ فِي الْمَحَلِّ فَلَا يُؤَدِّي الْإِجْبَارُ إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ؛ وَلِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَخْذِ مِنْ الْمُقِرِّ وَاصْطَلَحَا بَيْنَهُمَا أَمْكَنَ دَعْوَاهُمَا فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ لَك عَلَى أَحَدِنَا: أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُجْبَرُ عَلَى بَيَانِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَسْبَابِ يَتَحَقَّقُ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَغْصِبُ مَا يُصَادِفُ وَيُودِعُ مَا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ فِي قَدْرِهِ وَجِنْسِهِ وَوَصْفِهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُفَسِّرْ السَّبَبَ فَيَصِحُّ حَتَّى لَوْ فَسَّرَهُ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ، وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ يَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ بَيَّنَ السَّبَبَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ سَبَبًا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لَا يَصِحُّ وَلَا يُجْبَرُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ رَأَى إنْسَانًا يَبِيعُ شَيْئًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَوْ يَشْتَرِي بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ ثَمَنٍ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى الْأَدَاءِ فَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِهِ، وَلَوْ عَايَنَهُ يَغْصِبُ شَيْئًا لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ أَوْ يُودِعُهُ يَأْمُرُهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهِ فَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُبَيِّنُ مَا لَهُ قِيمَةٌ)؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِيهَا فَإِذَا بَيَّنَهُ فِيهِ يَكُونُ رُجُوعًا فَلَا يُقْبَلُ، وَذَلِكَ مِثْلُ حَبَّةِ حِنْطَةٍ أَوْ قَطْرَةِ مَاءٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ عَادَةً وَلَا يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ، وَلَوْ بَيَّنَ فِي الصَّبِيِّ الْحُرِّ أَوْ الزَّوْجَةِ لَا يَصِحُّ وَقِيلَ: يَصِحُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ بَيَّنَهُ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِغَصْبِ شَيْءٍ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ إلَّا إذَا بَيَّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْغَصْبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ مَجْهُولًا إلَخْ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ قَوْلُهُ بِحَقٍّ يُرِيدُ بِهِ أَنْ يَقُولَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْتُ بِهِ حَقَّ الْإِسْلَامِ لَمْ يُصَدَّقْ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيَانِ مَا لَهُ قِيمَةٌ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا مِثْلَ الْجَوْزَةِ وَالْحَفْنَةِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَغَيْرِهِمَا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْأَبْزَارِ وَغَيْرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِوَاحِدٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ زَيْدًا فِي الدُّنْيَا كَثِيرٌ إلَّا إذَا عَيَّنَ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ هَذَا إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً فَإِنْ لَمْ تَتَفَاحَشْ فَلَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِعَلَامَةِ الْوَاوِ مِنْ الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ: جَارِيَةٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ جَازَ وَيَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا ادَّعَيَاهَا، وَلَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ لِلْمَجْهُولِ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ الْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ تَتَفَاحَشْ جَازَ) أَيْ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْعَبْدُ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَإِنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَخْذِهِ كَانَ لَهُمَا حَقُّ الْأَخْذِ كَذَا فِي مَبْسُوطِ أَبِي الْيُسْرِ اهـ مُسْتَصْفَى وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ تَتَفَاحَشْ مَا نَصُّهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ إذْ فَائِدَتُهُ وُصُولُ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَطَرِيقُ الْوُصُولِ بَابٌ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَخْذِهِ فَلَهُمَا حَقُّ الْأَخْذِ قَالَهُ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) هَذَا التَّصْحِيحُ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلْتُهُ عَنْ الْكَاكِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُبَيِّنُ مَا لَهُ قِيمَةٌ) أَيْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ نَحْوُ حَبَّةٍ أَوْ فَلْسٍ أَوْ جَوْزَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ قَالَهُ الْكَاكِيُّ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُقَالُ لَهُ بَيِّنْ الْمَجْهُولَ يَعْنِي إذَا لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ مَجْهُولًا لَا يُقَالُ لَهُ بَيِّنْ الْمَجْهُولَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَالَ وَقَعَ مِنْ جِهَتِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَلَكِنْ يُبَيِّنُ شَيْئًا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، نَحْوُ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ حَبَّةً أَوْ فَلْسًا أَوْ جَوْزَةً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَمَّا إذَا بَيَّنَ شَيْئًا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: عَنَيْتُ حَقَّ الْإِسْلَامِ أَوْ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ أَوْ نَحْوَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يُقْبَلُ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِالْكَلْبِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَمَالِكٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ) يَعْنِي لَوْ بَيَّنَ فِي الْغَصْبِ بِأَنَّ الْمَغْصُوبَ زَوْجَتُهُ أَوْ وَلَدُهُ قِيلَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْغَصْبِ يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَعَلَى الْوَلَدِ وَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ. اهـ. كِفَايَةٌ

التَّمَانُعُ وَهُوَ الْمُتَقَوِّمُ وَلَوْ قَالَ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ حَقٌّ أَرَدْت بِهِ حَقَّ الْإِسْلَامِ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ عُرْفًا وَعَلَيْهِ التَّعْوِيلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي مَالٍ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ مِنْ الْكُسُورِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَالِ عَادَةً وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَالٌ عَظِيمٌ نِصَابٌ)؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَالٍ مَوْصُوفٍ بِالْعِظَمِ فَيُعْتَبَرُ هَذَا الْوَصْفُ وَالنِّصَابُ عَظِيمٌ فِي الشَّرْعِ حَتَّى اُعْتُبِرَ صَاحِبُهُ غَنِيًّا وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ مُوَاسَاةَ الْفُقَرَاءِ، وَكَذَا عُرْفًا حَتَّى يُعَدَّ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ عَادَةً وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ نِصَابُ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ وَهُوَ عَظِيمٌ حَيْثُ تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ الْمُحْتَرَمَةُ وَيُسْتَبَاحُ بِهِ الْبُضْعُ الْمُحْتَرَمُ، وَعَنْهُ مِثْلُ جَوَابِ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا ثُمَّ يُعْتَبَرُ أَنْ يَبْلُغَ نِصَابًا يُؤْخَذُ مِنْ جِنْسِهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي بَيَّنَهُ فِيهِ حَتَّى إذَا بَيَّنَهُ فِي الْإِبِلِ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ قَلِيلٌ حَيْثُ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِ يَبْنِي عَلَى حَالِ الْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ وَأَضْعَافُ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِعَظِيمٍ وَهُوَ الشَّرْعُ مُتَعَارِضٌ فَإِنَّ الْمِائَتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ عَظِيمٌ وَفِي السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ الْعَشَرَةُ عَظِيمَةٌ فَيُرْجَعُ إلَى حَالِهِ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَحَوَاشِي الْهِدَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى مَبْسُوطِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَمْوَالٌ عِظَامٌ ثَلَاثَةُ نُصُبٍ) يَعْنِي مِنْ أَيِّ مَالٍ فَسَّرَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ فَلَا يَصْدُقُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ، وَإِنْ بَيَّنَهُ بِغَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ قَدْرَ ثَلَاثَةِ نُصُبٍ وَيُعْتَبَرُ الْأَدْنَى فِي ذَلِكَ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ حَالُ الْمُقِرِّ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ عَشَرَةٌ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْنِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ النِّصَابِ مُكْثِرٌ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُوَاسَاةُ غَيْرِهِ وَلَهُ أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقْصَى مَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَكَانَ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ: عَلَيَّ دَنَانِيرُ كَثِيرَةٌ عِنْدَهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى النِّصَابِ وَعِنْدَهُ إلَى الْعَشَرَةِ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ ثِيَابٌ كَثِيرَةٌ أَوْ وَصَائِفُ كَثِيرَةٌ فَعِنْدَهُ عَشَرَةٌ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَإِنْ قَالَ غَصَبْتُ إبِلًا كَثِيرَةً أَوْ بَقَرًا كَثِيرَةً أَوْ غَنَمًا كَثِيرَةً أَوْ حِنْطَةً كَثِيرَةً يَنْصَرِفُ إلَى أَقَلِّ نِصَابٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ عِنْدَهُمَا وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ وَالْأَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ وَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ مِنْ الْحِنْطَةِ وَعِنْدَهُ يُرْجَعُ إلَى بَيَانِ الْمُقِرِّ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ مَالٌ نَفِيسٌ أَوْ كَرِيمٌ أَوْ خَطِيرٌ أَوْ جَلِيلٌ قَالَ النَّاطِفِيُّ لَمْ أَجِدْهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَكَانَ الْجُرْجَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ يَلْزَمُهُ مِائَتَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ حَقٌّ إلَخْ) وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُسْتَزَادِ أَنَّهُ إنْ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا صُدِّقَ، وَإِنْ قَالَ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ بَيَانٌ تَغَيَّرَ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ فِي الْعُرْفِ حَقُّ الْإِسْلَامِ اهـ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ عُرْفًا) أَيْ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ حُقُوقٌ مَالِيَّةٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَالٌ عَظِيمٌ نِصَابٌ) قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ لَوْ قَالَ: دِرْهَمٌ عَظِيمٌ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ فَيَكُونُ الْعِظَمُ صِفَةً لِعَرَضِهِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ نَاقِلًا عَنْ الْمُنْتَقَى فِي الْمَالِ الْقَلِيلِ أَنَّهُ دِرْهَمٌ وَنُقِلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ يَلْزَمُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَا قَلِيلٌ لَزِمَهُ الْكَثِيرُ وَالْمَالُ الْكَثِيرُ فِي الشَّرْعِ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِفَايَتِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ يَلْزَمُهُ سِتَّةٌ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الدَّرَاهِمِ ثَلَاثَةٌ وَالتَّضْعِيفُ أَقَلُّهُ مَرَّةٌ فَيُضَعَّفُ مَرَّةً قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً أَوْ قَالَ مُضَاعَفَةً أَضْعَافًا عَلَيْهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الْأَضْعَافَ جَمْعُ الضِّعْفِ فَتُضَاعَفُ ثَلَاثَةَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ فَكَانَ تِسْعَةً، وَقَوْلُهُ مُضَاعَفَةً يَقْتَضِي ضِعْفَ ذَلِكَ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَالَ وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ الدَّرَاهِمُ الْمُضَاعَفَةُ سِتَّةٌ وَأَضْعَافُهَا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَالَ عَلَيَّ عَشَرَةٌ وَأَضْعَافُهَا مُضَاعَفَةً عَلَيْهِ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ أَضْعَافَ الْعَشَرَةِ ثَلَاثُونَ فَإِذَا ضُمَّتْ إلَى الْعَشَرَةِ كَانَ أَرْبَعِينَ فَأَوْجَبَهَا مُضَاعَفَةً فَتَكُونُ ثَمَانِينَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكِفَايَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا قَالَ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ الدَّرَاهِمِ صُدِّقَ فِي أَيِّ جِنْسٍ ذَكَرَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا نِصَابَ لَهُ صُدِّقَ يَبْلُغُ قِيمَةَ النِّصَابِ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَوْ قَالَ مَالٌ نَفِيسٌ أَوْ كَرِيمٌ أَوْ خَطِيرٌ أَوْ جَلِيلٌ قَالَ النَّاطِفِيُّ لَمْ أَجِدْهُ مَنْصُوصًا وَكَانَ الْجُرْجَانِيُّ يَقُولُ مِائَتَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ سَيَأْتِي هَذَا الْفَرْعُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِ يُبْنَى إلَخْ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَالُ الْمُقِرِّ إنْ كَانَ غَنِيًّا يَقَعْ عَلَى مَا يُسْتَعْظَمُ عِنْدَ الْأَغْنِيَاءِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يَقَعْ عَلَى النِّصَابِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْنِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَدَّقُ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ قَوْلِهِ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مَالٌ عَظِيمٌ أَنَّ الدَّرَاهِمَ تُفِيدُ الْعَدَدَ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ تَكُونُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ فَاعْتُبِرَ الْكَثْرَةُ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْعَدَدِ وَقَوْلُهُ عَظِيمٌ لَا يَتَضَمَّنُ عَدَدًا فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُسْتَعْظَمِ لَا مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ الْعَظِيمُ فِي الشَّرْعِ مَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا فَتَجِبُ الزَّكَاةُ بِنَفْسِهِ فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ وَصَائِفُ) الْوَصِيفُ الْغُلَامُ دُونَ الْمُرَاهِقِ، وَالْوَصِيفَةُ الْجَارِيَةُ كَذَلِكَ وَالْجَمْعُ وُصَفَاءُ وَوَصَائِفُ مِثْلُ كَرِيمٍ وَكُرَمَاءَ وَكَرِيمَةٍ وَكَرَائِمَ. اهـ. مِصْبَاحٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَرَاهِمُ ثَلَاثَةٌ) يَعْنِي إذَا قَالَ عَلَيَّ دَرَاهِمُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ فَصَارَ مُتَيَقَّنًا بِهِ وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا قَالَ عَلَيَّ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ فَعَلَيْهِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَضِعْفَهَا سِتَّةٌ، وَلَوْ قَالَ دَرَاهِمُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ أَضْعَافًا لَفْظُ جَمْعٍ وَأَقَلَّهُ ثَلَاثَةٌ فَتَصِيرُ تِسْعَةً ثُمَّ بِالْمُضَاعَفَةِ تَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَكَذَا إذَا عَكَسَ بِأَنْ قَالَ: عَلَيَّ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةً أَضْعَافًا؛ لِأَنَّهَا بِالْمُضَاعَفَةِ تَصِيرُ الثَّلَاثَةُ سِتَّةً ثُمَّ بِالْأَضْعَافِ وَهُوَ جَمْعٌ تَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ كَذَا دِرْهَمًا دِرْهَمٌ)؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُبْهَمِ، وَذُكِرَ فِي التَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ وَأَقَلَّ الْعَدَدِ اثْنَانِ إذْ الْوَاحِدُ لَا يُعَدُّ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ قِيلَ: يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ كَذَا يُذْكَرُ لِلْعَدَدِ عُرْفًا وَأَقَلُّ عَدَدٍ غَيْرِ مُرَكَّبٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ الدِّرْهَمُ بِالنَّصْبِ عِشْرُونَ، وَلَوْ ذُكِرَ بِالْخَفْضِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ عَدَدٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ الدِّرْهَمُ بِالْخَفْضِ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ: دِرْهَمٌ عَظِيمٌ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ مَعْلُومُ الْقَدْرِ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَزْدَادُ قَدْرُهُ بِقَوْلِهِ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لَهُ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ دُرَيْهِمٍ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ تَامٌّ؛ لِأَنَّ التَّصْغِيرَ قَدْ يُذْكَرُ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ فَلَا يُنْقِصُ عَنْ الْوَزْنِ، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْوَزْنُ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَكَذَا فِي الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ يَجْرِي عَلَى الْمُعْتَادِ عَادَةً فَلَا يُعْرَضُ عَنْهُ إلَّا بِحُجَّةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (كَذَا كَذَا أَحَدَ عَشَرَ كَذَا، وَكَذَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَلَوْ ثَلَّثَ بِالْوَاوِ يُزَادُ مِائَةٌ، وَلَوْ رَبَّعَ زِيدَ أَلْفٌ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مُبْهَمَةٌ فَيَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى نَظِيرِهَا مِنْ الْمُفَسَّرِ فَأَقَلُّ عَدَدَيْنِ يُذْكَرَانِ مِنْ غَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ بَيْنَهُمَا أَحَدَ عَشَرَ وَبِحَرْفِ عَطْفٍ بَيْنَهُمَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَثَلَاثَةُ أَعْدَادٍ بِحَرْفَيْ الْعَطْفِ مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَأَرْبَعَةُ أَعْدَادٍ بِثَلَاثَةِ حُرُوفٍ أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَلَوْ ثَلَّثَ بِلَا وَاوٍ يَجِبُ أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ خَمَّسَ بِالْوَاوِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَشْرَةُ آلَافٍ، وَلَوْ سَدَّسَ يُزَادُ مِائَةُ أَلْفٍ، وَلَوْ سَبَّعَ يُزَادُ أَلْفُ أَلْفٍ وَعَلَى هَذَا كُلَّمَا زَادَ عَدَدًا مَعْطُوفًا بِالْوَاوِ زِيدَ عَلَيْهِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، وَلَوْ قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا وَدِينَارًا فَعَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَصْلِ وَقَالَ الْإِمَامُ شَرَفُ الدِّينِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْأَنْصَارِيُّ الْعُقَيْلِيُّ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْمِنْهَاجِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ مَا بَيَّنَهُ أَقُولُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ فِي هَذَا أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْعَدَدِ الَّذِي يَقَعُ مُمَيَّزُهُ مَنْصُوبًا هَكَذَا نُقِلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي بَيَانِهِ بِدِرْهَمٍ وَالْقِيَاسُ فِيهِ مَا قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ عِشْرُونَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ جُمْلَةً وَفَسَّرَهَا بِدِرْهَمٍ مَنْصُوبٍ، وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ عِشْرِينَ إلَى تِسْعِينَ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ وَهُوَ عِشْرُونَ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ) مُحَالًا إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ قِيلَ يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ) وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَكَمِ الْمَالِكِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ) أَيْ، وَإِنْ قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمٌ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا وَاوَ الْعَطْفِ وَذَكَرَ الدِّرْهَمَ عَقِيبَهُمَا بِالْخَفْضِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْعَدَدِ الْمُصَرَّحِ ثَلَاثُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ ثَلَاثًا عَدَدٌ وَمِائَةً عَدَدٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ وَيَسْتَقِيمُ ذِكْرُ الدِّرْهَمِ بِالْخَفْضِ عَقِيبَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْوَزْنُ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ أَيْ بَيْنَ النَّاسِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ الْأَلْفَاظِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ غَالِبُ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ الرُّجُوعَ عَمَّا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ قَالَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ أَهْلُ الْبَلَدِ مِنْ الْأَوْزَانِ أَوْ الْعَدَدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مُتَعَارَفًا فَيُحْمَلُ عَلَى وَزْنِ سَبْعَةٍ فَإِنَّهُ الْوَزْنُ الْمُعْتَبَرُ فِي الشَّرْعِ، وَكَذَلِكَ فِي الدِّينَارِ يَعْتَبِرُونَ الْمَثَاقِيلَ إلَّا فِي مَوْضِعٍ مُتَعَارَفٍ فِيهِ بِخِلَافِهِ، وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ دُرَيْهِمٍ أَوْ دُنَيْنِيرٌ فَعَلَيْهِ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّ التَّصْغِيرَ قَدْ يُذْكَرُ لِصِغَرِ الْحَجْمِ وَقَدْ يَكُونُ لِاسْتِحْقَارِ الدِّرْهَمِ وَقَدْ يَكُونُ لِخِفَّةِ الْوَزْنِ فَلَا يَنْقُصُ الْوَزْنُ بِالشَّكِّ، إلَى هُنَا لَفْظُ التُّحْفَةِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَدَدًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هِيَ وَزْنُ خَمْسَةٍ أَوْ وَزْنُ سِتَّةٍ وَكَانَ الْإِقْرَارُ مِنْهُ بِالْكُوفَةِ فَعَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَزْنُ سَبْعَةٍ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى النُّقْصَانِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ وَزْنَهَا مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ، وَكَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ، وَإِنْ كَانُوا فِي بِلَادٍ يَتَبَايَعُونَ عَلَى دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَالْوَزْنُ بَيْنَهُمْ يَنْقُصُ عَنْ سَبْعَةٍ صُدِّقَ إذَا ادَّعَى أَنَّ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ هُوَ عَلَى وَزْنِهِمْ وَلَا يُصَدَّقُ إنْ ادَّعَى وَزْنًا دُونَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ مُخْتَلِفًا فَهُوَ عَلَى الْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَذَا كَذَا أَحَدَ عَشَرَ) وَالزِّيَادَةُ تَقِفُ عَلَى بَيَانِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَذَا كَذَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ) وَالزِّيَادَةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى بَيَانِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ بَيْنَهُمَا أَحَدَ عَشَرَ) أَيْ وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا إلَى تِسْعَةَ عَشَرَ إلَّا أَنَّ الْأَقَلَّ يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَالزِّيَادَةُ تَقِفُ عَلَى بَيَانِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِحَرْفِ عَطْفٍ بَيْنَهُمَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَإِنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَدْ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ مَعْطُوفًا أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَذَكَرَ عَقِيبَهُمَا دِرْهَمًا بِالنَّصْبِ فَيُجْعَلُ عِبَارَةً عَنْ عَدَدَيْنِ مُصَرَّحَيْنِ بَيْنَهُمَا وَاوُ الْعَطْفِ يَسْتَقِيمُ ذِكْرُ الدِّرْهَمِ عَقِيبَهُمَا بِالنَّصْبِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إلَّا أَنَّ الْأَقَلَّ يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَالزِّيَادَةُ تَقِفُ عَلَى بَيَانِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ " كَذَا " عِبَارَةٌ عَنْ الدِّرْهَمِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ عَقِيبَ الْوَاحِدِ لَا يُذْكَرُ بِالنَّصْبِ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ بِالرَّفْعِ فَيُقَالُ وَاحِدٌ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ اهـ

بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدًا مُبْهَمًا وَأَشْرَكَ فِيهِ جِنْسَيْنِ فَيَلْزَمُهُ النِّصْفُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا، وَكَذَا كَذَا دِينَارًا حَيْثُ يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَدَدَيْنِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ وَعَلَى هَذَا فِي الْمُفَسَّرِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ عَلَيَّ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَدِينَارًا لَزِمَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَأَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدَ عَشَرَ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ مِقْدَارًا وَأَضَافَهُ إلَى صِنْفَيْنِ مِنْ الْمَالِ يَجِبُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا إذَا أَقَرَّ لِرَجُلَيْنِ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، مِثَالُهُ إذَا قَالَ: عَلَيَّ مِائَةُ مِثْقَالٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ أَوْ كُرُّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَنَيِّفٌ فَالْبَيَانُ فِي النَّيِّفِ إلَيْهِ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ جَازَ؛ لِأَنَّ النَّيِّفَ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَادَةِ يُقَالُ: جَبَلٌ مُنِيفٌ إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى الْجِبَالِ، وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ؛ لِأَنَّ الْبِضْعَةَ أَوْتَارُ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةٌ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعَةٌ فَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (عَلَيَّ وَقِبَلِي إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ)؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ لِلْوُجُوبِ وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ الْعُلُوِّ وَإِنَّمَا يَعْلُوهُ إذَا كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِحَيْثُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ قَضَائِهِ لِيَخْرُجَ عَنْهُ، وَكَلِمَةُ قِبَلٍ تُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ يُقَالُ قَبَلَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ أَيْ ضَمِنَ وَسُمِّيَ الْكَفِيلُ قَبِيلًا؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ وَسُمِّيَ الصَّكُّ الَّذِي هُوَ حُجَّةُ الدَّيْنِ قَبَالَةً؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُهُ كَالضَّامِنِ، وَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ فِيهِمَا أَرَدْتُ بِهِ وَدِيعَةً وَوَصَلَ صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُمَا يُنْبِئَانِ عَنْ الْوُجُوبِ، وَالْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُودَعِ، وَالْمَالُ مَحَلُّهُ فَجَازَ ذِكْرُ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةُ الْحَالِّ مَجَازًا وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَيَجُوزُ تَفْسِيرُهُ بِهِ مُتَّصِلًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا وَلَا يَجُوزُ مُنْفَصِلًا؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ حُكْمُهُ بِالسُّكُوتِ فَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْمُغَيِّرَاتِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ فِي قَوْلِهِ قِبَلِي أَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُمَا يُقَالُ لَيْسَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ دَيْنٌ وَلَيْسَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ وَدِيعَةٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَيْسَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ حَقٌّ يَكُونُ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ جَمِيعًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْجِهَةِ فَيَتَنَاوَلُهُمَا، وَالْأَمَانَةُ أَدْنَاهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الدُّيُونِ أَغْلَبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عِنْدِي مَعِي فِي بَيْتِي فِي صُنْدُوقِي فِي كِيسِي أَمَانَةٌ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ مَحَلٌّ لِلْعَيْنِ لَا لِلدَّيْنِ إذْ الدَّيْنُ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ وَالْعَيْنُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً وَأَمَانَةً، وَالْأَمَانَةُ أَدْنَاهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا لِلتَّيَقُّنِ بِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عِنْدَ لِلْقُرْبِ وَمَعَ لِلْقِرَانِ وَمَا عَدَاهُمَا لِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ فَيَكُونُ مِنْ خَصَائِصِ الْعَيْنِ، وَلَا يَحْتَمِلُ الدَّيْنَ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ فَإِذَا كَانَتْ مِنْ خَصَائِصِ الْعَيْنِ تَعَيَّنَتْ الْأَمَانَةُ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ تُسْتَعْمَلُ فِي الْأَمَانَاتِ، وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَوْ قَالَ لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ فَقَالَ: اتَّزِنْهُ أَوْ انْتَقِدْهُ أَوْ أَجِّلْنِي بِهِ أَوْ قَضَيْتُكَهُ أَوْ أَحَلْتُكَ بِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ النِّصْفُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ كَذَا كَذَا دِينَارًا وَدِرْهَمًا كَانَ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِعَدَدَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ فَوَجَبَا مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَكَيْفَ يُقْسَمُ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ خَمْسَةً وَنِصْفَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَخَمْسَةً وَنِصْفَ مِنْ الدَّنَانِيرِ إلَّا أَنَّا نَقُولُ لَوْ فَعَلْنَا ذَلِكَ أَدَّى إلَى الْكَسْرِ، وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَسْرِ فَيُجْعَلُ سِتَّةً مِنْ الدَّرَاهِمِ وَخَمْسَةً مِنْ الدَّنَانِيرِ فَصَرَفْنَاهُ إلَيْهَا احْتِيَاطًا كَذَا ذَكَرَ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي اهـ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الشَّارِحِ فَعَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا بِالسَّوِيَّةِ - وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ، وَلَوْ قَالَ كَذَا كَذَا دِينَارًا وَدِرْهَمًا لَزِمَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ أَحَدَ عَشَرَ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَلَيَّ وَقِبَلِي إقْرَارٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا قَوْلُهُ عَلَيَّ فَإِنَّمَا كَانَ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ بِسَبِيلِ الِاقْتِضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الدَّيْنَ صَرِيحًا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ تُسْتَعْمَلُ فِي الْإِيجَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وَمَحَلُّ الْإِيجَابِ الذِّمَّةُ، وَالثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ الدَّيْنُ لَا الْعَيْنُ فَصَارَ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ مُقْتَضَى قَوْلِهِ عَلَيَّ، وَالثَّابِتُ اقْتِضَاءً كَالثَّابِتِ نَصًّا، وَلَوْ نَصَّ فَقَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ كَانَ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ لَا بِالْعَيْنِ فَكَذَلِكَ هَذَا اهـ (قَوْلُهُ قَبَالَةً) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَتَقَبَّلْت الْعَمَلَ مِنْ صَاحِبِهِ إذَا الْتَزَمْته بِعَقْدٍ وَالْقَبَالَةُ بِالْفَتْحِ اسْمُ الْمَكْتُوبِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا يَلْتَزِمُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ عَمَلٍ وَدَيْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ كُلُّ مَنْ تَقَبَّلَ بِشَيْءٍ مُقَاطَعَةً وَكَتَبَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كِتَابًا فَالْكِتَابُ الَّذِي يُكْتَبُ هُوَ الْقَبَالَةُ بِالْفَتْحِ وَالْعَمَلُ قِبَالَةً بِالْكَسْرِ؛ لِأَنَّهُ صِنَاعَةٌ اهـ (قَوْلُهُ وَإِرَادَةُ الْحَالِ) إلَى هُنَا آخِرُ الْخَرْمِ الَّذِي فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي بَابِ دَعْوَى النَّسَبِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ إلَخْ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمُجَرَّدِ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الدُّيُونِ أَغْلَبُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ قِبَلِي، وَإِنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِيجَابَاتِ وَالْأَمَانَاتِ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ لِفُلَانٍ قِبَلِي وَدِيعَةٌ وَقِبَلِي أَمَانَةٌ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْإِيجَابَاتِ وَالْمُطْلَقُ مِنْ الْكَلَامِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ كَالدَّرَاهِمِ الْمُطْلَقَةِ تَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ: وَإِنْ قَالَ لَهُ فِي مَالِي مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ فِي دَرَاهِمِي هَذِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَطَ مَالُهُ بِمَالِهِ كَانَ شَرِيكًا لَهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ اتَّزِنْهُ أَوْ انْتَقِدْهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي قَوْلِهِ اتَّزِنْ وَانْتَقِدْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْهَاءِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْتِزَامٍ وَقَدْ يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ مِمَّنْ يَسْتَهْزِئُ وَيُبَالِغُ فِي الْجُحُودِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّكِّ وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ بِحَرْفِ الْكِنَايَةِ يَكُونُ إقْرَارًا كَقَوْلِنَا وَقَالَ سَحْنُونٌ الْمَالِكِيُّ يَكُونُ إقْرَارًا فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا إذَا قَالَ اتَّزِنْ أَوْ اتَّزِنْهَا مَا أَبْعَدَك مِنْ ذَلِكَ اهـ كَاكِيٌّ

وَبِلَا كِنَايَةٍ لَا)؛ لِأَنَّ الْهَاءَ كِنَايَةٌ عَنْ الْمَذْكُورِ فِي الدَّعْوَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَعَادَ الْمُدَّعَى فَيَكُونُ إقْرَارًا بِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَمِيرُ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى انْصِرَافِهِ إلَى الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ كَلَامًا مُبْتَدَأً فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَبِلَا كِنَايَةٍ لَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَوَابَ يَنْتَظِمُ إعَادَةَ الْخِطَابِ لِيُفِيدَ الْكَلَامُ فَكُلُّ مَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَلَا يَصْلُحُ ابْتِدَاءً يُجْعَلُ جَوَابًا وَمَا يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ لَا لِلْبِنَاءِ أَوْ يَصْلُحُ لَهُمَا فَإِنَّهُ يُجْعَلُ ابْتِدَاءً لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كَوْنِهِ جَوَابًا لِئَلَّا يَلْزَمَهُ الْمَالُ بِالشَّكِّ فَإِنَّ ذِكْرَ هَاءِ الْكِنَايَةِ يَصْلُحُ جَوَابًا لَا ابْتِدَاءً وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْهَاءَ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا أَوْ يَصْلُحُ ابْتِدَاءً وَجَوَابًا فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّكِّ هَذَا إذَا كَانَ الْجَوَابُ مُسْتَقِلًّا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ كَقَوْلِهِ نَعَمْ يَكُونُ إقْرَارًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ جَوَابًا وَهُوَ صَالِحٌ لَهُ فَصَارَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِطَابِ كَالْمُعَادِ فِيهِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْهَا أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهَا أَوْ وَهَبَهُ إيَّاهَا كَانَ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَتْلُو الْوُجُوبَ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِهَا، وَكَذَا دَعْوَى الْإِحَالَةِ بِهَا يَكُونُ إقْرَارًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْضِيكَهَا أَوْ لَا أَزِنُهَا لَك الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْقَضَاءَ وَالْوَزْنَ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ أَصْلِ الْمَالِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْمَالِ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَالْقَضَاءُ يَكُونُ مُنْتَفِيًا أَبَدًا، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: أَعْطِنِي ثَوْبَ عَبْدِي هَذَا فَقَالَ: نَعَمْ كَانَ إقْرَارًا مِنْهُ بِالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ لَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ افْتَحْ بَابَ دَارِي هَذِهِ أَوْ جَصِّصْ دَارِي هَذِهِ أَوْ أَسْرِجْ دَابَّتِي هَذِهِ أَوْ أَعْطِنِي سَرْجَهَا أَوْ لِجَامَهَا فَقَالَ نَعَمْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ إقْرَارًا مِنْهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ كَلِمَةَ نَعَمْ لَا تَسْتَقِلُّ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْجَوَابِ كَيْ لَا يَصِيرَ لَغْوًا، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: هَلْ لِفُلَانٍ عَلَيْكَ كَذَا؟ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ بِنَعَمْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأَخْرَسِ قَائِمَةٌ مَقَامَ النُّطْقِ لَا مِنْ غَيْرِهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ حَالٌّ لَزِمَهُ حَالًّا)؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ عَلَى نَفْسِهِ وَادَّعَى حَقًّا عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ لِرَجُلٍ وَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إلَّا بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَصْلِ وَكَذَّبَهُ فِي الصِّفَةِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ السُّودُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ السُّودَ نَوْعٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ فِي النَّوْعِ، وَالْأَجَلُ عَارِضٌ لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ بَلْ بِالشَّرْطِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فِي الْعَوَارِضِ وَبِخِلَافِ إقْرَارِ الْكَفِيلِ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي الْأَجَلِ دُونَ الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْكَفَالَةِ نَوْعٌ حَيْثُ يَثْبُتُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِأَنْ كَفَلَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِي الْكَفَالَةِ وَخِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ فِيهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْأَجَلِ)؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ لِلْأَجَلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ فَهِيَ دَرَاهِمُ وَمِائَةٌ وَثَوْبٌ يُفَسِّرُ الْمِائَةَ) يَعْنِي يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ (وَكَذَا مِائَةٌ وَثَوْبَانِ بِخِلَافِ مِائَةٍ وَثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ) حَيْثُ تَكُونُ الْأَثْوَابُ تَفْسِيرًا لِلْمِائَةِ أَيْضًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُرْجَعَ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ وَثَوْبٌ أَوْ مِائَةٌ وَثَوْبَانِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ مُفَسَّرًا عَلَى مُبْهَمٍ فِي الْفَصْلَيْنِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوضَعْ لِلْبَيَانِ فَبَقِيَتْ الْمِائَةُ عَلَى إبْهَامِهَا كَمَا فِي عَطْفِ الثَّوْبِ عَلَيْهَا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ عَطْفَ الْمَوْزُونِ وَالْمَكِيلِ عَلَى عَدَدٍ مُبْهَمٍ يَكُونُ بَيَانًا لِلْمُبْهَمِ عَادَةً؛ لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَثْقَلُوا تَكْرَارَ التَّفْسِيرِ عِنْدَ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَذَلِكَ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّعَامُلُ، وَهُوَ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ مَرَّةً لِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ وَدَوَرَانِهِ فِي الْكَلَامِ بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَا يَكْثُرُ التَّعَامُلُ بِهَا لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ فِي جَمِيعِ الْمُعَامَلَاتِ فَلَمْ يَسْتَثْقِلُوا ذِكْرَهَا لِقِلَّةِ دَوَرَانِهَا فِي الْكَلَامِ وَالِاكْتِفَاءِ بِالثَّانِي لِلْكَثْرَةِ، وَلَمْ تُوجَدْ فَبَقِيَ عَلَى الْقِيَاسِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ حَيْثُ تَكُونُ الْأَثْوَابُ تَفْسِيرًا لِلْمِائَةِ أَيْضًا وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُقَدَّرَاتُ وَغَيْرُهَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَأَعْقَبَهُمَا تَفْسِيرًا فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا فَيَكُونُ بَيَانًا لَهُمَا، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ جَرَتْ بِذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ أَعْطِنِي سَرْجَهَا إلَخْ)، وَلَوْ قَالَ لَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ يَكُونُ إقْرَارًا أَيْضًا، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِذِكْرِ لَا أَمَّا لَوْ قَالَ لَا أُعْطِيكَ الْيَوْمَ أَوْ أَبَدًا فَهُوَ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِالْكِنَايَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أُعْطِيَكَ سَرْجَ بَغْلِك الْيَوْمَ أَوْ أَبَدًا وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا كَانَ إقْرَارًا فَكَذَا فِي الْكِنَايَةِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ حَالًا) أَمَّا لَوْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي التَّأْجِيلِ أَيْضًا لَكِنَّهُ ادَّعَى مُضِيَّ الْأَجَلِ وَأَنْكَرَهُ الْمُقِرُّ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ حُلُولَ الدَّيْنِ وَاسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ. اهـ. شَرْحُ تَكْمِلَةٍ فِي الْبُيُوعِ (قَوْلُهُ حَيْثُ تَكُونُ الْأَثْوَابُ تَفْسِيرًا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قَالَ مِائَةٌ وَدِينَارٌ أَوْ قَالَ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ أَوْ مِائَةٌ وَقَفِيزُ حِنْطَةٍ أَوْ مِائَةٌ وَفَلْسٌ أَوْ مِائَةٌ وَمَنُّ زَعْفَرَانٍ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْمَعْطُوفُ وَيُرْجَعَ فِي بَيَانِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ إلَى الْمُقِرِّ وَبِالْقِيَاسِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبَ وَجَعَلُوا الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمَعْطُوفِ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَصَاحِبُ الْأَسْرَارِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَوْبٌ أَوْ مِائَةٌ وَشَاةٌ أَوْ مِائَةٌ وَعَبْدٌ يَلْزَمُهُ الْمَعْطُوفُ وَالْمَرْجِعُ فِي بَيَانِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ إلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ قَالَ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ قَالَ وَثَلَاثُ شِيَاهٍ أَوْ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ يَكُونُ الْبَيَانُ فِي الْمَعْطُوفِ بَيَانًا فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْحُكْمُ فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ وَثَوْبَانِ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ وَثَوْبٌ، وَإِنْ قَالَ ثَوْبَانِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ فِي جَمِيعِ الْمُعَامَلَاتِ) أَيْ فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا فِي السَّلَمِ وَالنِّكَاحِ وَذَا لَا يَكْثُرُ فَبَقِيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ اهـ

يَقُولُونَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ ثَوْبًا وَثَلَاثَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا فَيَنْصَرِفُ التَّفْسِيرُ إلَيْهِمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَفِي النِّهَايَةِ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ وَثَوْبٌ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ الثِّيَابِ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ وَشَاةٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الثِّيَابَ وَالْغَنَمَ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ الْعَبِيدِ فَإِنَّهُمْ لَا يُقْسَمُونَ قِسْمَةً وَاحِدَةً وَمَا يُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً تَتَحَقَّقُ فِي أَعْدَادِهَا الْمُجَانَسَةُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُفَسَّرُ مِنْهُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ، وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَإِنَّ عِنْدَهُمَا تُقْسَمُ الْعَبِيدُ كَالْغَنَمِ وَلَا يُقْسَمُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٌ وَثَوْبٌ فَعَلَيْهِ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَكَذَا لَوْ قَالَ نِصْفُ هَذَا الْعَبْدِ وَنِصْفُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ فَيَنْصَرِفُ النِّصْفُ إلَى الْكُلِّ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ نِصْفُ هَذَا وَنِصْفُ هَذَا إلَخْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ مُعَيَّنًا، وَبَعْضُهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ قَالَ: نِصْفُ هَذَا الدِّينَارِ وَدِرْهَمٌ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّينَارِ وَيَجِبُ الدِّرْهَمُ كُلُّهُ، وَلَوْ قَالَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَدَانِقٌ وَقِيرَاطٌ فَهُوَ مِنْ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ شَائِعٌ عِنْدَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف: 25] يَعْنِي مِنْ السِّنِينَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَوْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَاهُ) يَعْنِي التَّمْرَ وَالْقَوْصَرَّةَ وَفُسِّرَ فِي الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ غَصَبْتُ تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبِ تَمْرٍ حَالَ كَوْنِهِ مَظْرُوفًا، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِدُونِ ظَرْفِهِ فَلَزِمَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ غَصَبْتُ تَمْرًا مِنْ قَوْصَرَّةٍ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلِانْتِزَاعِ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِالْمَنْزُوعِ، وَعَلَى هَذَا الطَّعَامُ فِي الْجُوَالِقِ أَوْ فِي السَّفِينَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَتْهُ الدَّابَّةُ فَقَطْ)؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَنْقُولِ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُمَا وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُهُمَا وَعَلَى هَذَا - الطَّعَامُ فِي الْبَيْتِ، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الظَّرْفَ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ ظَرْفًا حَقِيقَةً يُنْظَرْ فَإِنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ لَزِمَاهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ نَقْلُهُ لَزِمَهُ الْمَظْرُوفُ خَاصَّةً عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ الْمَظْرُوفُ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبٍ تَامٍّ إذْ هُوَ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْكَمَالِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَزِمَاهُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ غَصْبَ الْمَنْقُولِ مُتَصَوَّرٌ عِنْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ ظَرْفًا حَقِيقَةً لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَبِخَاتَمٍ لَهُ الْحَلْقَةُ وَالْفَصُّ)؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِسَيْفٍ لَهُ النَّصْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَخْ) أَيْ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ كُرٌّ مِنْ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسِمْسِمٍ كَانَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ الْكُلَّ الْوَاجِبَ بِهَذِهِ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ فَيَقْضِي الْإِبْهَامُ بِالسَّوِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَوْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ) الْقَوْصَرَّةُ وِعَاءُ التَّمْرِ مَنْسُوجٌ مِنْ قَصَبٍ قَالَ صَاحِبُ الْجَمْهَرَةِ أَمَّا الْقَوْصَرَّةُ فَأَحْسَبُهَا دَخِيلًا وَقَدْ رُوِيَ: أَفْلَحَ مَنْ كَانَتْ لَهُ قَوْصَرَّهْ ... يَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّهْ ثُمَّ قَالَ: وَلَا أَدْرِي صِحَّةَ هَذَا الْبَيْتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَزِمَاهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ، وَالْإِقْرَارُ بِالْغَصْبِ إخْبَارٌ عَنْ نَقْلِهِ إذْ الْغَصْبُ نَقْلٌ وَنَقْلُ الْمَظْرُوفِ لَا يُتَصَوَّرُ حَالَ كَوْنِهِ مَظْرُوفًا إلَّا بِنَقْلِ الظَّرْفِ فَصَارَ إقْرَارًا بِغَصْبِهِمَا ضَرُورَةً كَذَا فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلِانْتِزَاعِ) أَيْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِأَنَّ مَبْدَأَ الْغَصْبِ مِنْ قَوْصَرَّةٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِالْمَنْزُوعِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُكَ كَذَا وَكَذَا أَوْ كَذَا مَعَ كَذَا أَوْ كَذَا بِكَذَا أَوْ كَذَا عَلَيْهِ كَذَا لَزِمَاهُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَقْتَضِي إلْصَاقَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَضَمَّهُ إلَيْهِ فَيَرِدُ عَلَيْهِمَا الْغَصْبُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ كَذَا مِنْ كَذَا أَوْ كَذَا عَلَى كَذَا لَزِمَهُ الْأَوَّلُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الِانْفِصَالَ وَالتَّمْيِيزَ لَا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ وُرُودِ الْغَصْبِ عَلَيْهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّانِي ظَرْفًا لِلْأَوَّلِ وَوِعَاءً لَهُ لَزِمَاهُ، نَحْوُ: ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ، وَطَعَامٌ فِي سَفِينَةٍ وَحِنْطَةٌ فِي جَوَالِقَ وَتَمْرٌ فِي قَوْصَرَّةٍ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مِمَّا لَا يَكُونُ وِعَاءً لِلْأَوَّلِ نَحْوُ غَصَبْتُكَ دِرْهَمًا فِي دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلظَّرْفِيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا طَعَامٌ فِي الْجُوَالِقَ) كَمَا إذَا قَالَ غَصَبْتُ الطَّعَامَ فِي الْجُوَالِقِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ فِي السَّفِينَةِ) حَيْثُ يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ وَالْمَظْرُوفُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ الْأَتْقَانِيّْ، وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُك كَذَا فِي كَذَا وَالثَّانِي مِمَّا يَكُونُ وِعَاءً لِلْأَوَّلِ لَزِمَاهُ نَحْوُ ثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ وَطَعَامٍ فِي سَفِينَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَظْرُوفُهُ فِي حَالِ وُرُودِ الْغَصْبِ عَلَيْهِ فَيَرِدُ عَلَى ظَرْفِهِ ضَرُورَةً. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الطَّعَامُ فِي الْبَيْتِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي: وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُكَ مِائَةَ كُرٍّ حِنْطَةً فِي بَيْتٍ ضَمِنَ الطَّعَامَ وَالْبَيْتَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ يَرَى الْغَصْبَ فِي الْبَيْتِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يَرَيَانِهِ فَيَضْمَنُ الطَّعَامَ لَا غَيْرُ وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُكَ الْبَيْتَ بِالطَّعَامِ وَلَمْ أُحَوِّلْهُ لَمْ يُصَدَّقْ وَأُخِذَ بِهِمَا جَمِيعًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ فِي الْحِنْطَةِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّقْلِ فَإِذَا قَالَ لَمْ أُحَوِّلْ الطَّعَامَ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْدَمَا أَقَرَّ فَلَا يُصَدَّقُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِخَاتَمٍ لَهُ الْحَلْقَةُ وَالْفَصُّ) وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِدَارٍ أَوْ أَرْضٍ لِرَجُلٍ يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْأَشْجَارُ إذَا كَانَا فِيهِمَا حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُقِرُّ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْأَشْجَارَ لِي، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْفَصُّ لِي لَمْ يُصَدَّقْ وَلَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ الْعَلَّامَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُمَا)؛ وَلِهَذَا يَدْخُلُ الْفَصُّ فِي بَيْعِ الْخَاتَمِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ فَإِذَا تَنَاوَلَهُمَا الِاسْمُ لَزِمَاهُ جَمِيعًا بِالْإِقْرَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِسَيْفٍ لَهُ النَّصْلُ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ قَالَ هَذَا الْخَاتَمُ لِي وَفَصُّهُ لَك هَذَا السَّيْفُ لِي وَحِلْيَتُهُ لَك هَذِهِ الْجُبَّةُ لِي وَبِطَانَتُهَا لَك وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ الْكُلُّ لِي فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَزْعِ الْمُقَرِّ بِهِ ضَرَرٌ يُؤْمَرُ الْمُقِرُّ بِالنَّزْعِ وَالدَّفْعِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي النَّزْعِ ضَرَرٌ فَوَاجِبٌ عَلَى الْمُقِرِّ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا أَقَرَّ بِهِ اهـ

وَالْجَفْنُ وَالْحَمَائِلُ)؛ لِأَنَّ اسْمَ السَّيْفِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْكُلِّ النَّصْلُ حَدِيدَتُهُ وَالْجَفْنُ غِمْدِهِ وَالْحَمَائِلُ غِمْدُهُ وَالْحَمَائِلُ جَمْعُ الْحِمَالَةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ عَلَاقَتُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِحَجْلَةٍ لَهُ الْعِيدَانُ وَالْكِسْوَةُ)؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يُطْلَقُ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَادَةً، وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْبَابِ وَالْحَجْلَةُ بَيْتٌ مُزَيَّنٌ بِالثِّيَابِ وَالْأَسِرَّةِ وَالْعِيدَانُ جَمْعُ عُودٍ كَالدِّيدَانِ فِي جَمْعِ دُودٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ أَوْ فِي ثَوْبٍ لَزِمَاهُ)؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ وَهُوَ مُمْكِنٌ حَقِيقَةً فَيَدْخُلُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ غَصَبْتُ إكَافًا عَلَى حِمَارٍ حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْإِكَافُ خَاصَّةً دُونَ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ مَذْكُورٌ لِبَيَانِ مَحَلِّ الْمَغْصُوبِ حِينَ أَخَذَهُ وَغَصْبُ الشَّيْءِ مِنْ مَحَلٍّ لَا يَكُونُ مُقْتَضِيًا غَصْبَ الْمَحَلِّ كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثَوْبٍ فِي عَشَرَةٍ لَهُ ثَوْبٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ ثَوْبًا؛ لِأَنَّ النَّفِيسَ مِنْ الثِّيَابِ قَدْ يُلَفُّ فِي عَشَرَةٍ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ ظَرْفًا كَقَوْلِهِ حِنْطَةٌ فِي جَوَالِقَ أَوْ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: عَشَرَةُ أَثْوَابٍ فِي ثَوْبٍ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا أَنَّ الْعَشَرَةَ لَا تَكُونُ ظَرْفًا لِثَوْبٍ وَاحِدٍ عَادَةً وَالْمُمْتَنِعُ عَادَةً كَالْمُمْتَنِعِ حَقِيقَةً إذْ التَّعْوِيلُ عَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ إذَا لُفَّ فِي ثِيَابٍ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَظْرُوفًا فِي حَقِّ مَا وَرَاءَهُ فَلَا يَكُونُ ظَرْفًا إلَّا الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ ظَرْفًا لِوَاحِدٍ فَلَغَا آخِرُ كَلَامِهِ وَحَمْلُهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ فِيهِ احْتِيَالًا لِإِيجَابِ الْمَالِ مَعَ الِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّ " فِي " قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْبَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ بَيْنَ عِبَادِي فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَقَوْلُهُ النَّفِيسُ مِنْ الثِّيَابِ قَدْ يُلَفُّ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا قَالَ غَصَبْت مِنْهُ كِرْبَاسًا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابِ حَرِيرٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكُلُّ عِنْدَهُ مَعَ أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ عُرْفًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِخَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ وَعُنِيَ الضَّرْبُ خَمْسَةً) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ عَشَرَةٌ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ لِعُرْفِ الْحِسَابِ؛ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ ارْتِفَاعَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِقَدْرِ الْعَدَدِ الْآخَرِ وَلِزُفَرَ أَنَّ حَرْفَ " فِي " تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مَعَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ مَعَهُمْ وَهُوَ الْفَاشِي بَيْنَ الْكَافَّةِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ ارْتِفَاعُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِقَدْرِ الْآخَرِ عِنْدَ الْخَوَاصِّ مِنْ النَّاسِ وَهُمْ الْحُسَّابُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ فِي أَنْ تَكُونَ لِلظَّرْفِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ ظَرْفًا لِلدَّرَاهِمِ فَتَعَيَّنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَالدِّيدَانِ فِي جَمْعِ دُودٍ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الدُّودُ جَمْعُ دُودَةٍ وَجَمْعُ الدُّودِ دِيدَانٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَ ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ كَانَ مُقِرًّا بِالثَّوْبِ وَيُرْجَعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظُّرُوفِ يُقَالُ جَعَلْت الدُّرَّةَ فِي الْحِقَّةِ وَالْحِنْطَةَ فِي الْجُوَالِقِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ عَلَى تَوَافُقِ الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ يُجْعَلُ الْمِنْدِيلُ ظَرْفًا لِلثَّوْبِ وَإِذَا أَمْكَنَ بِحَقِيقَتِهِ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ فَإِذَا وَجَبَ اعْتِبَارُهُ فَهَذَا أَقَرَّ بِثَوْبٍ مَظْرُوفٍ فِي مِنْدِيلٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ غَصْبُ ثَوْبٍ مَظْرُوفٍ فِي مِنْدِيلٍ إلَّا بِغَصْبِ الثَّوْبِ وَالْمِنْدِيلِ جَمِيعًا فَإِنَّهُ مَتَى غَصَبَ الثَّوْبَ دُونَ الْمِنْدِيلِ لَا يَكُونُ غَاصِبًا لِثَوْبٍ مَظْرُوفٍ فِي الْمِنْدِيلِ فَصَارَ مُقِرًّا بِغَصْبِ ثَوْبٍ وَمِنْدِيلٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ الثَّوْبَ وَالْمِنْدِيلَ فَيُرْجَعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: غَصَبْتُكَ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ فِي عَيْبَةٍ كَانَ مُقِرًّا بِغَصْبِ عَشَرَةِ أَثْوَابٍ وَعَيْبَةٍ فَيُرْجَعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي غَصْبِ الثَّوْبِ وَالْمِنْدِيلِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ كَلِمَةُ فِي حَقِيقَتُهَا لِلظَّرْفِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا تَكُونُ ظَرْفًا لِثَوْبٍ وَاحِدٍ عَادَةً) أَيْ فَتُتْرَكُ الْحَقِيقَةُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ وَتُحْمَلُ كَلِمَةُ فِي عَلَى الْمَجَازِ وَيُجْعَلُ بِمَعْنَى الْبَيْنِ وَالْوَسَطِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ غَصَبْتُ ثَوْبًا مِنْ وَسَطِ عَشَرَةِ أَثْوَابٍ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ بَيْنَ عِبَادِي) سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَبِخَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ أَنَّ " فِي " فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى مَعَ. اهـ. (قَوْلُهُ مَنْقُوضٌ) مِثْلُ هَذَا عَلَى عَادَةِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ حَقِيقَةً يَكُونُ بِتَخَلُّفِ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْحَسَنُ يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَرَادَ بِهِ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ صَاحِبَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَذْهَبُ زُفَرَ مِثْلُ قَوْلِ الْحَسَنِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ اهـ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَوْ بِخَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ بِمَعْنَى مَعَ لَزِمَتْهُ عَشَرَةٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْحِسَابَ أَلْزَمْنَاهُ بِخَمْسَةٍ لَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ اهـ وَهُوَ كَمَا تَرَى مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ زُفَرَ فَلَعَلَّ عَنْ زُفَرَ رِوَايَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ ظَرْفًا لِلدَّرَاهِمِ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ: عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَعَلَيْهِ الْعَشَرَةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " فِي " تُسْتَعْمَلُ لِلظَّرْفِ وَالْعَشَرَةُ لَا تَصْلُحُ ظَرْفًا لِعَشَرَةٍ أُخْرَى فَلَغَا قَوْلُهُ فِي عَشَرَةٍ وَبَقِيَ قَوْلُهُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ فِي عَشَرَةِ دَنَانِيرَ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَنَيْتُ هَذِهِ وَهَذِهِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا مَعَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ مَعَ عِبَادِي وَلَكِنَّهَا خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُنْصَرَفُ إلَيْهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الدِّرْهَمُ وَالْقَفِيزُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْقَفِيزَ، وَإِنْ صَلَحَ ظَرْفًا لِلدِّرْهَمِ لَكِنَّهُ الْتِزَامُ الْمَظْرُوفِ دُونَ الظَّرْفِ فَلَا يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ وَبَيَانُهُ مَا قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ: إنَّهُ أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ فِي الذِّمَّةِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَظْرُوفًا فِي شَيْءٍ آخَرَ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ قَفِيزُ حِنْطَةٍ فِي دِرْهَمٍ لَزِمَهُ الْقَفِيزُ وَبَطَل الدِّرْهَمُ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ فَرْقُ زَيْتٍ فِي عَشَرَةِ مَخَاتِيمِ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الزَّيْتُ، وَالْحِنْطَةُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ ظَرْفًا كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ

الْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ اللَّفْظَيْنِ اتِّصَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْجَمْعِ فَصَحَّتْ الِاسْتِعَارَةُ قُلْنَا: لَمَّا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ وَهِيَ الظَّرْفِيَّةُ لَغَا وَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ مُتَعَارِضٌ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِاتِّصَالٍ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْجَمْعِ وَبِمَعْنَى " مَعَ " عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِمَعْنَى " عَلَى " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] أَيْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى عَلَى لَا تَقْتَضِي وُجُوبَ الثَّانِي عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَيْسَ حَمْلُهَا عَلَى الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَلَغَتْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الظَّرْفِيَّةَ إذَا تَعَذَّرَتْ تَلْغُو فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَلَيَّ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْإِلْغَاءِ فِيهِ هُوَ تَعَذُّرُ الظَّرْفِيَّةِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ وَمَا ذَكَرَ الْحَسَنُ لَا يَسْتَقِيمُ فِي الْمَوْزُونِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَسْمُوحِ عَلَى أَنَّ الِارْتِفَاعَ الَّذِي ذَكَرَهُ يُرَادُ بِهِ تَكْثِيرُ الْأَجْزَاءِ لَا تَكْثِيرُ الْأَعْدَادِ صَحِيحَةً وَتَكْثِيرُ الْأَجْزَاءِ لَا يُوجِبُ تَكْثِيرَ الْعَدَدِ وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَ الْحِسَابِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَشَرَةٌ إنْ عَنَى مَعَ) أَيْ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ إنْ أَرَادَ بِهِ مَعْنَى مَعَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ وَهُوَ حَرْفُ " فِي " يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِذَا نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَهُ تِسْعَةٌ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ الْأَوَّلَ وَالْآخَرَ حَدًّا وَالْحَدُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ فَلَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ أَوْ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ فَإِنَّ الْحَائِطَيْنِ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِقْرَارِ فَكَذَا هَذَا وَلِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْغَايَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً إذْ الْمَعْدُومُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَدًّا لِلْمَوْجُودِ وَوُجُودُهُ بِوُجُوبِهِ فَتَدْخُلُ الْغَايَتَانِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَحْسُوسِ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فَيَصْلُحُ حَدًّا فَلَا يَدْخُلَانِ وَلَهُ أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ الْمَحْدُودِ فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ كَمَا قَالَ زُفَرُ لَكِنْ هُنَا لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ الْغَايَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الثَّانِي وَالثَّالِثَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْأَوَّلِ إذْ لَا يُعْقَلُ ثَانٍ بِدُونِ الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الْغَايَةُ الْأُولَى ضَرُورَةً وَلَا ضَرُورَةَ فِي إدْخَالِ الثَّانِيَةِ فَأَخَذْنَا فِيهَا بِالْقِيَاسِ فَلَا تَدْخُلُ؛ وَلِأَنَّ الْعَدَدَ يَقْتَضِي ابْتِدَاءً فَإِذَا أَخْرَجْنَا الْأَوَّلَ مِنْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً صَارَ الثَّانِي هُوَ الِابْتِدَاءُ فَيَخْرُجُ هُوَ أَيْضًا مِنْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً كَالْأَوَّلِ، وَكَذَا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ إلَى آخِرِهِ فَيُؤَدِّي إلَى خُرُوجِ الْكُلِّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فَكَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ لِفُلَانٍ كُرُّ حِنْطَةٍ إلَى كُرِّ شَعِيرٍ فَعَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا قَفِيزًا؛ لِأَنَّ الْقَفِيزَ الْآخَرَ مِنْ الشَّعِيرِ هُوَ الْغَايَةُ الثَّانِيَةُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْكُرَّانِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ الدَّرَاهِمُ وَتِسْعَةُ دَنَانِيرَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ ذَكَرَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي النِّهَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَهُ مِنْ دَارَى مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ لَهُ مَا بَيْنَهُمَا فَقَطْ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ وَلِلْحَمْلِ إنْ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا ـــــــــــــــــــــــــــــQدِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْجَمْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حَالَةِ الْوُجُوبِ فَقَدْ أَقَرَّ بِوُجُوبِ دِرْهَمٍ آخَرَ سَابِقًا عَلَيْهِ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فَيُؤْخَذُ بِهِ، وَإِنْ قَالَ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَاهُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْجَمْعَ وَالْمُقَارَنَةَ فِي الْوُجُوبِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ حَيْثُ يَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ فَيُجْعَلُ الثَّانِي مُؤَكِّدًا لِلْأَوَّلِ وَالطَّلَاقُ إنْشَاءٌ وَالتَّأْكِيدُ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِنْشَاءِ فَكَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ فَاقْتَضَى وُقُوعَ طَلَاقٍ آخَرَ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْبَدَلِيَّةِ يَعْنِي عَوَّضَهُ دِرْهَمٌ فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْأَوَّلَ بِالْوُجُوبِ وَالثَّانِي بِكَوْنِهِ مَوْضِعًا لَهُ فَلَا يَتَّصِفُ الثَّانِي بِالْوُجُوبِ فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمَانِ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الدِّرْهَمِ سَابِقًا عَلَى وُجُوبِ الدِّرْهَمَيْنِ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهِيَ الظَّرْفِيَّةُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَشَرَةٌ إنْ عَنَى مَعَ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَرَادَ بِفِي مَعْنَى عَلَى مَا حُكْمُهُ عِنْدَنَا وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ ذَاكَ يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ فَلَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ وَعِنْدَ زُفَرَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ لِفُلَانٍ كُرُّ حِنْطَةٍ إلَخْ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَا بَيْنَ كُرِّ شَعِيرٍ إلَى كُرِّ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ كُرُّ شَعِيرٍ وَكُرُّ حِنْطَةٍ إلَّا قَفِيزًا وَلَمْ يَجْعَلْ الْغَايَةَ جَمِيعَ الْكُرِّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَا تَكُونُ أَكْثَرَ الشَّيْءِ وَلَا نِصْفَهُ وَالْكُرُّ عِبَارَةٌ عَنْ جُمْلَةٍ مِنْ الْقُفْزَانِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِيرَ الِانْتِهَاءُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى دِينَارٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الدِّينَارُ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّ الْغَايَةَ أَكْثَرُ الشَّيْءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْحَمْلِ إنْ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا إلَخْ) كَمَا إذَا قَالَ لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ عَلَيَّ مِنْ جِهَةِ وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا لَهُ فُلَانٌ بِعَيْنِهَا أَوْ مِيرَاثٍ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ فَاسْتَهْلَكَتْهَا عَلَيْهِ وَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا لِلْجَنِينِ عَلَيَّ أَوْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَأَوْصَى بِهَا لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ وَمَاتَ أَوْ كَانَ لِأَبِيهِ أَوْ قَرِيبٍ لَهُ آخَرَ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

وَإِلَّا فَلَا) وَقَوْلُهُ إنْ بَيَّنَ سَبَبًا يَتَعَلَّقُ بِالْإِقْرَارِ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْحَمْلِ هُوَ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ السَّبَبِ الصَّالِحِ؛ لِأَنَّهُ إنْ بَيَّنَ فِيهِ سَبَبًا صَالِحًا بِأَنْ قَالَ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فُلَانٌ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ فَجَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ فَيَجِبُ إعْمَالُهُ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ وَرِثَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فَلَا يُصَارُ إلَى الْإِبْطَالِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَصَارَ كَإِقْرَارِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ أَوْ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِإِمْكَانِ الْجَوَازِ وَإِنْ احْتَمَلَ الْفَسَادَ بِأَنْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ؛ وَلِهَذَا جَازَ إقْرَارُهُ بِالْحَمْلِ مَعَ احْتِمَالِ الْفَسَادِ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لِجَوَازِهِ طَرِيقَيْنِ الْإِرْثُ وَالْوَصِيَّةُ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَبْطُلُ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَهُ وَعَبْدًا آخَرَ مَعَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى، وَإِنْ أَمْكَنَ جَوَازُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ الْأَلْفُ أَوْ أَكْثَرُ حِصَّةَ الْمُشْتَرِي وَالْبَاقِي حِصَّةُ الْآخَرِ بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ لِصِحَّتِهِ جِهَةً وَاحِدَةً وَهِيَ التِّجَارَةُ وَبِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْحَمْلِ؛ لِأَنَّ لِصِحَّتِهِ جِهَةً وَاحِدَةً وَهِيَ الْوَصِيَّةُ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ الْحَمْلَ وَحْدَهُ لَا يُمْلَكُ بِالْوَصِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ سَبَبًا؛ وَلِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ؛ وَلِهَذَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَيَنْفُذُ إقْرَارُ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ عَلَى شَرِيكِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا جَازَ وَلَا نَفَذَ فَصَارَ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْبَيْعُ مِنْ الْجَنِينِ وَلَا يَلِي عَلَيْهِ أَحَدٌ فَيَبْطُلُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ إمَّا أَنْ يُبْهِمَ الْإِقْرَارَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَإِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا صَالِحًا فَيَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا غَيْرَ صَالِحٍ فَلَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يُقَالُ ظَاهِرُ إقْرَارِهِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِهِ بِبَيَانِ سَبَبٍ غَيْرِ صَالِحٍ وَالْإِبْطَالُ رُجُوعٌ عَنْ الْإِقْرَارِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانُ سَبَبٍ مُحْتَمَلٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَوْلِيَائِهِ بَائِعُهُ عَنْهُ فَيَحْسَبُ أَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ فَيُقِرُّ بِهِ وَيُضِيفُهُ إلَى الْجَنِينِ أَيْضًا مَجَازًا كَمَا يُقَالُ بَنَى فُلَانٌ دَارًا، وَإِنْ كَانَ الْبَانِي غَيْرَهُ وَهُمْ الْأُجَرَاءُ ثُمَّ إذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ لِلْحَمْلِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا جَاءَتْ بِهِ فِي مُدَّةٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ أَوْ يُحْتَمَلُ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً ثُمَّ إنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا كَانَ لَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا يُرَدُّ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي أَوْ وَرَثَةِ أَبِيهِ، وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَإِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ وَفِي الْإِرْثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَمْلِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ أُبْهِمْ وَلَمْ يُبَيَّنْ السَّبَبُ وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ لَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ حَمَلَ جَارِيَةً فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُقَرُّ لَهُ إذَا عَلِمَ وُجُودَهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ أَوْ احْتَمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَ حَمَلَ بَهَائِمَ يُقَدَّرْ بِأَدْنَى مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَزِمَهُ الْمَالُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَجِبُ إعْمَالُهُ مَا أَمْكَنَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كَلَامِ الْعَاقِلِ أَنْ يُصَحَّحَ مَهْمَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ بِالْحَمْلِ عَلَى أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَالَ الْجَنِينِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا غَيْرَ صَالِحٍ فَلَا يَجُوزُ) أَيْ إقْرَارُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِأَنْ قَالَ لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الِاقْتِرَاضِ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يُضَفْ إلَى مَحَلِّهِ فَإِنَّ الْجَنِينَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ دَيْنًا بِالتِّجَارَةِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يَتَّجِرُ وَلَا يُتَّجَرُ لَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْجَنِينُ أَهْلًا لِاسْتِحْقَاقِ الدَّيْنِ بِالسَّبَبِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِلْجَنِينِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ كَذِبًا بِيَقِينٍ وَالْكَذِبُ بِيَقِينٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَيَكُونُ وُجُودُهُ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِهِ فَكَانَ كَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ فُلَانٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأٍ أَوْ يَدَ فُلَانٍ صَحِيحَةً لَا يَلْزَمُهُ بِهَذَا الْإِقْرَارِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ بِيَقِينٍ فَكَذَلِكَ هَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ لِرَضِيعٍ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الرَّضِيعَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ الدَّيْنَ لِهَذَا السَّبَبِ بِتِجَارَةِ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَّجِرُ لَهُ إنْ كَانَ لَا يَتَّجِرُ هُوَ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْجَنِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ أَوْ وَرَثَةُ أَبِيهِ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ أُبْهِمَ وَلَمْ يُبَيَّنْ السَّبَبُ) أَيْ؛ لِأَنَّ لَهُ وَجْهًا صَحِيحًا بِأَنْ أَوْصَى رَجُلٌ بِالْحَمْلِ لِآخَرَ وَمَاتَ فَأَقَرَّ وَارِثُهُ بِأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ لِفُلَانٍ وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِهِ غَيْرَهُ فَتَعَيَّنَ طَرِيقُ التَّصْحِيحِ فَيَصِحُّ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَزِمَهُ الْمَالُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْإِقْرَارِ هُوَ الْفَسْخُ فَلَمَّا لَمْ يَحْتَمِلْ الْإِقْرَارُ الْفَسْخَ لَمْ يَجُزْ شَرْطُ الْخِيَارِ وَلَزِمَهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ فَسْخِ الْإِقْرَارِ فَسْخُ الْمُقَرِّ بِهِ وَالْمُقَرُّ بِهِ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ وُجُوبُ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَوُجُوبُهُ مَا كَانَ بِالْإِقْرَارِ حَتَّى يَنْفَسِخَ بِفَسْخِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَمَّا كَانَ، وَلَيْسَ بِإِيجَابٍ مُبْتَدَأً وَإِذَا لَمْ يَنْفَسِخْ الْمَقْصُودُ مِنْ فَسْخِ الْإِقْرَارِ بِفَسْخِهِ لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَارُ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ كَمَا فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ فَسْخُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَهُوَ مَا سَقَطَ بِهِمَا لَمْ يَكُونَا مُحْتَمِلَيْنِ لِلْفَسْخِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَأَوْرَدَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ الْإِقْرَارُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الرَّدَّ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ لَيْسَ بِفَسْخٍ لِلْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الشَّيْءِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَتَكْذِيبُ الْمُقَرِّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي إقْرَارِهِ لَيْسَ بِرَفْعِ الْإِقْرَارِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّهِ بَلْ بَيَانٌ أَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَقِّهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَإِذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثَبَتَ الْكَذِبُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا صَحَّ التَّكْذِيبُ فِي حَقِّهِ ظَهَرَ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مِنْ الْأَصْلِ لَا أَنَّهُ انْفَسَخَ فِي حَقِّهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ اهـ

[باب الاستثناء وما في معناه]

إذَا قَالَ عَلَيَّ لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةٌ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ الْكَائِنِ وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ وَالْإِخْبَارُ لَا يَقْبَلُ الْخِيَارَ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِيَتَغَيَّرَ بِهِ صِفَةُ الْعَقْدِ وَيَتَخَيَّرَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِهِ وَإِمْضَائِهِ، وَالْخَبَرُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَهُوَ صِدْقٌ اخْتَارَ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِاخْتِيَارِهِ وَلَا بِعَدَمِ اخْتِيَارِهِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ؛ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ وَالْخَبَرُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِعَدَمِ حُكْمِهِ وَهُوَ الْإِعْدَامُ وَأَمَّا إذَا قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ بِعْتُهُ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ صَحَّ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ إذَا صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ عَقْدٌ يَقْبَلُ الْخِيَارَ فَيَصِحُّ إذَا ثَبَتَ بِحُجَّةٍ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوَارِضِ كَالْأَجَلِ وَالْقَوْلُ فِي الْعَوَارِضِ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ بِسَبَبِ كَفَالَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ قَصِيرَةٍ جَازَ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ يَصِحُّ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ لَا تَقْبَلُ الْخِيَارَ فَكَذَا الْإِقْرَارُ بِهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ) الِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا عِنْدَنَا وَإِخْرَاجٌ بَعْدَ الدُّخُولِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ جَائِزٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَوْ كَانَ إخْرَاجًا لِمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ الرُّجُوعَ وَالرَّفْعَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا مِائَةً أَوْ خَمْسِينَ فَعِنْدَنَا يَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي وَكَانَ مَانِعًا مِنْ الدُّخُولِ شَكَكْنَا فِي الْمُتَكَلَّمِ بِهِ وَالْأَصْلُ فَرَاغُ الذِّمَمِ فَلَا يَلْزَمُهُ الزَّائِدُ بِالشَّكِّ وَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ وَعِنْدَهُ لَمَّا دَخَلَ الْأَلْفُ كُلُّهُ صَارَ الشَّكُّ فِي الْمُخْرِجِ فَيَخْرُجُ الْأَقَلُّ وَهُوَ خَمْسُونَ وَالْبَاقِي عَلَى حَالِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ مُتَّصِلًا وَلَزِمَهُ الْبَاقِي) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا وَصَارَ اسْمًا لَهُ فَيَلْزَمُهُ كَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي ابْتِدَاءً ثُمَّ إطْلَاقُ لَفْظَةِ الْبَعْضِ فِي الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِشَيْءٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَكْثَرَ جَائِزٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ الْفَرَّاءُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ قُلْنَا تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] {إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 83] ثُمَّ قَالَ {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] فَاسْتَثْنَى الْمُخْلَصِينَ تَارَةً وَالْغَاوِينَ أُخْرَى فَأَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ لَزِمَهُ وَقَالَ الشَّاعِرُ أَدُّوا الَّتِي نَقَصْت تِسْعِينَ مِنْ مِائَةٍ ... ثُمَّ ابْعَثُوا حَكَمًا بِالْعَدْلِ حُكَّامًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْإِخْبَارُ لَا يَقْبَلُ الْخِيَارَ) أَيْ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ صَاحِبُهُ أَوْ كَذَّبَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْكَافِي لِلْإِسْبِيجَابِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِيَتَغَيَّرَ) أَيْ شُرِعَ لَأَنْ يَتَغَيَّرَ إلَخْ (قَوْلُهُ جَازَ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) أَيْ وَالْخِيَارُ لَهُ آخِرَ الْمُدَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تُلَائِمُ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ)؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْخَطَرِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ عَقْدُ الْبَيْعِ فَإِذَا جَازَ اشْتِرَاطُهُ فِي الْبَيْعِ فَفِي الْكَفَالَةِ أَوْلَى ثُمَّ قُدِّرَ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يُقَدَّرْ الْخِيَارُ فِي الْكَفَالَةِ بِمُدَّةٍ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْخِيَارِ يُنَافِي حُكْمَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ وَحُكْمَ الْخِيَارِ مَنْعُ السَّبَبِ مِنْ الْعَمَلِ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَحُكْمُ الْكَفَالَةِ هَاهُنَا لُزُومُ الدَّيْنِ وَأَنْ يَصِحَّ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا فَلَا يَكُونُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ مُنَافِيًا، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْخِيَارِ لَزِمَهُ الْمَالُ وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّأْخِيرَ وَهُوَ يُنْكِرُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. [بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ] (بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ) لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْإِقْرَارِ بِلَا تَغْيِيرٍ شَرَعَ فِي مُوجِبِهِ مَعَ الْمُغَيِّرِ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّغْيِيرِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا مِائَةً أَوْ خَمْسِينَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ كَلِمَةَ الشَّكِّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا كَمَا لَوْ ذَكَرَ كَلِمَةَ الشَّكِّ فِي الْإِقْرَارِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا فَكَذَا هَذَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ يَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْإِقْرَارِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ تِسْعُمِائَةٍ أَوْ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ فَيَثْبُتُ الْأَقَلُّ قَالُوا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ حَصَلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ ظَاهِرًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَصَارَ اسْمًا لَهُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَاسْتَثْنَى فَقَالَ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ تِسْعُمِائَةٍ أَمَّا جَوَازُ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا دَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ مَقْصُودًا وَاسْتِثْنَاءُ بَعْضِ مَا دَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ مَقْصُودًا جَائِزٌ إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا فَإِذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ صَارَ مُقِرًّا بِمَا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى وَذَلِكَ تِسْعُمِائَةٍ كَأَنَّهُ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ تِسْعُمِائَةٍ فَأَمَّا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَصِحُّ وَيَكُونُ عَلَيْهِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالْفَرَّاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَذَا ذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَوَجْهُهُ أَنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ بِالِاسْتِثْنَاءِ إخْرَاجَ الْأَقَلِّ دُونَ الْأَكْثَرِ وَنَحْنُ نَقُولُ إذَا عُرِفَ عَمَلُ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ الْأَقَلُّ أَوْ الْأَكْثَرُ اهـ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ الْفَرَّاءَ. اهـ.

اسْتَثْنَى تِسْعِينَ مِنْ مِائَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَدَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ، وَإِنْ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِطَرِيقِهِمْ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُسُورِ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ، وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِمَّا لَا يُقْسَمُ أَوْ مِمَّا يُقْسَمُ حَتَّى إذَا قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ إلَّا ثُلُثَهُ أَوْ قَالَ إلَّا ثُلُثَيْهِ صَحَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ) أَيْ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْحَاصِلِ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ لِيَصِيرَ مُتَكَلَّمًا بِهِ فَيَكُونُ رُجُوعًا فَلَا يَصِحُّ، وَهَذَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِلَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً أَوْ يَقُولُ هَؤُلَاءِ أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ وَأَمَّا إذَا كَانَ بِخِلَافِ لَفْظِهِ يَجُوزُ، وَإِنْ أَتَى عَلَى الْكُلِّ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ، أَوْ يَقُولَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا هَؤُلَاءِ أَوْ يَقُولَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا مُبَارَكًا وَسَالِمًا وَبَزِيعًا أَوْ يَقُولَ: نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَعَمْرَةَ وَفَاطِمَةَ ولِ يس لَهُ عَبِيدٌ وَلَا نِسَاءٌ غَيْرَ الْمُسْتَثْنَى صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فَلَا يُعْتَقُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إذْ اللَّفْظُ صَالِحٌ لَهُ، وَذَلِكَ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ حَقِيقَةُ الْبَقَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَتْبَعُ صِحَّةَ الْكَلَامِ لَفْظًا لَا تَحَقُّقَ مَا دَخَلَ تَحْتَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفًا إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ يَصِحُّ حَتَّى لَا يَقَعَ عَلَيْهَا إلَّا وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَانَ يَتْبَعُ صِحَّةَ الْحُكْمِ لَوَقَعَ الثَّلَاثُ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَلْفًا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي إلَّا ثُلُثَ مَالِي لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ مَالِهِ، وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِثُلُثِ مَالِي إلَّا أَلْفًا وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ لَا غَيْرَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُوصَى لَهُ شَيْئًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَتْبَعُ صِحَّةَ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ اللَّفْظِ لَا عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ وَلَا لِلتَّكَلُّمِ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا فَلَمْ يَصِحَّ اللَّفْظُ، وَلَا الِاسْتِثْنَاءُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَا غَيْرِهِمَا) حَتَّى إذَا قَالَ: عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ أَوْ دِينَارًا صَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا أَلْفًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَكَذَا إذَا اسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ اسْتِثْنَاءُ الْأَلْفِ مِنْ الْأَلْفِ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِثْنَاءُ الْأَلْفِ وَزِيَادَةٍ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَعْرُوفُ بالإسبيجابي فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ قَالَ لَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا سَبْعَةَ دَرَاهِمَ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الْمُسْتَثْنَى الْأَخِيرِ وَهُوَ دِرْهَمٌ فَيَسْتَثْنِيهِ مِنْ الَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فَيَبْقَى دِرْهَمَانِ فَيَسْتَثْنِيهِمَا مِنْ الَّذِي يَلِيهِمَا وَهُوَ خَمْسَةٌ فَيَبْقَى ثَلَاثَةٌ ثُمَّ يَسْتَثْنِي الْبَاقِيَ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ سَبْعَةٌ فَيَبْقَى مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ثُمَّ يَسْتَثْنِي الْبَاقِي وَهُوَ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ مِنْ الَّذِي يَلِيه وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَيَبْقَى سِتَّةٌ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قِيرَاطًا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الَّذِي يَلِيهِ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ مِائَةُ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا مِنْ الْأَلْفِ كَانَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْمَحَلِّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَيَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ مِنْ الْأَلْفِ جَعَلْتَهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى مَا يَلِيهِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ الدَّنَانِيرُ وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا جَعَلْتَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُصْرَفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى مَا هُوَ جِنْسٌ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلَّا عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَلَا تَعَذُّرَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَدِرْهَمٌ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ فَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ وَاحِدًا جَعَلْتَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ نَوْعِهِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَيْهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَيْسَ مِنْ نَسَقِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لَا يُلَائِمُ الْإِخْبَارَ وَالْإِقْرَارَ فَصَارَ فَاصِلًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ فَاصِلًا؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ غَلِطْتُ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَلَا يُعَدُّ فَاصِلًا فَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَّا خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يَكُنْ اسْتِثْنَاءً؛ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ لَا يُذْكَرُ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ فَكَانَ نَسَقًا آخَرَ فَعُدَّ فَاصِلًا وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَا فُلَانُ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ لِشَخْصٍ خَاصٍّ، وَهَذَا صِيغَتُهُ فَلَا يُعَدُّ فَاصِلًا، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَا إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَا حَشْوٌ لَا يُحْتَاجُ الْإِقْرَارُ إلَيْهِ فَعُدَّ فَاصِلًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا فُلَانُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حَشْوًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْكَيْلِيِّ) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ يُطْرَحُ قَدْرُ قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى عَنْ الْمُقِرِّ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى تَسْتَغْرِقُ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ثُمَّ مَا ذُكِرَ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى تَلْزَمُ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ مُحَالًا إلَى الْمُنْتَقَى فَقَالَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قَلِيلًا فَعَلَيْهِ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَكَذَا فِي نَظَائِرِهَا نَحْوِ قَوْلِهِ إلَّا شَيْئًا؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الشَّيْءِ اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ عُرْفًا فَأَوْجَبْنَا النِّصْفَ وَزِيَادَةَ دِرْهَمٍ فَقَدْ اسْتَثْنَى الْأَقَلَّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا بَعْضَهَا فَعَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْوَزْنِيُّ مِنْ الدَّرَاهِمِ) يَعْنِي أَوْ مِنْ الدَّنَانِيرِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ بَعْدَ قَوْلِهِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْمَتْنِ أَوْ إلَّا دِينَارًا صَحَّ بِقَوْلِهِ، وَكَذَا إلَخْ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ فَفِيهِ خِلَافٌ فَإِنْ كَانَ اسْتِثْنَاءُ الْمُقَدَّرِ مِنْ الْمُقَدَّرِ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ

وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ أَوْ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صَحَّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا لَا يَصِحُّ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ فِيهِمَا يَعْنِي فِي الْمِثْلِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ امْتِنَاعُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُسْتَثْنَى لِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ مِنْ الْعُمُومِ فَإِذَا قَالَ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا خَمْسَةً فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ فَإِذَا كَانَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَإِذَا كَانَ الْمُعَارِضُ مِنْ جِنْسِهِ يَجِبُ إخْرَاجُ قَدْرِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ يَجِبُ إخْرَاجُ قِيمَتِهِ عَمَلًا بِالدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَلِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ لَكَانَ دَاخِلًا تَحْتَ اللَّفْظِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ اللَّفْظِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْقِيَاسَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّهُمَا اسْتَحْسَنَا فِي الْمُقَدَّرَاتِ وَهِيَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ؛ لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَالًا وَمُؤَجَّلًا وَيَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صُورَتُهَا فَإِذَا كَانَتْ فِي الْمَعْنَى جِنْسًا وَاحِدًا جَازَ اسْتِثْنَاؤُهَا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِخْرَاجٌ بِطَرِيقِ الْمَعْنَى عَلَى أَنْ يَصِيرَ الْكَلَامُ بِهِ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ لَا تَثْبُتُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ انْتِقَاءَ أَحَدِهِمَا لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْآخَرِ فَلَا يَتَعَارَضَانِ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَنْفِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْتَفِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِنْكَارِهِ، وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ كَمَا ذَكَرَهُ لَاسْتَوَى فِيهِ الْبَعْضُ وَالْكُلُّ كَالنَّسْخِ وَكَذَا كَانَ يَسْتَوِي فِي الِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ؛ لِأَنَّ الْمُعَارِضَ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمُغَيِّرِ؛ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ، وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا كَذِبًا، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14]، وَلَوْ كَانَ هَذَا إخْبَارٌ عَنْ لُبْثِهِ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يَلْبَثْ فِيهِمْ خَمْسِينَ عَامًا مِنْهَا لَكَانَ كَذِبًا - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا - وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِلْبَاقِي بَعْدَ الثِّنْيَا كَأَنَّهُ قَالَ فَلَبِثَ فِيهِمْ تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ عَامًا؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً فَذَلِكَ اسْمٌ لِلْخَمْسَةِ كَأَنَّك قُلْتَ عَلَيَّ خَمْسَةٌ لَا أَنَّكَ أَقْرَرْتَ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ أَسْقَطْت الْخَمْسَةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِكَلَامٍ مُعَارِضٍ وَالْمَعْدُودُ الَّذِي لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْفُلُوسِ مِثْلُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ حَتَّى يَجُوزَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَلَوْ وَصَلَ إقْرَارَهُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ إقْرَارُهُ)؛ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَقَدْ بَطَلَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ حَتَّى إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ فُلَانٌ كَانَ الْإِقْرَارُ بَاطِلًا، وَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا وَيُطْرَحُ قَدْرُ قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى مِمَّا أَقَرَّ بِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَإِنْ كَانَ اسْتِثْنَاءُ غَيْرِ الْمُقَدَّرِ مِنْ الْمُقَدَّرِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَنَا كَمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ كَلَامٌ آخَرُ يُعَارِضُ الصَّدْرَ بِحُكْمِهِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْمُجَانَسَةُ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ قَدْ اسْتَثْنَى مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجٌ وَتَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثِّنْيَا وَعَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُجَانَسَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى دَاخِلًا تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَالدُّخُولُ تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ لَا يَكُونُ إذَا لَمْ تُوجَدْ الْمُجَانَسَةُ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّدْرِ، وَجْهُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ جِنْسٍ مِنْ خِلَافِ جِنْسٍ لَا يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اسْتَثْنَى مِنْ الْمُقَدَّرِ ثَوْبًا أَوْ حَيَوَانًا فِي الْحُجَّةِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اسْتَثْنَى كَلْبًا فِي الْحُجَّةِ عَلَى الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يُطْرَحُ قِيمَةُ قَدْرِ الْمُسْتَثْنَى وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا دَخَلَ تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ وَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْمُسْتَثْنَى مِنْ صَدْرِ الْكَلَامِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا مَرَدَّ لَهَا وَيُمْكِنُ إخْرَاجُهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهُوَ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ بِالْعَقْدِ؛ وَلِهَذَا يَصِحُّ إيجَابُهَا فِي الذِّمَّةِ كَالدَّرَاهِمِ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا فَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا قَدْرَ قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى فَيَصِيرُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَدَمًا فِي قَدْرِهِ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى غَيْرَ الْمُقَدَّرِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لِكَوْنِهِ مُتَفَاوِتًا فِي نَفْسِهِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءَ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ فَيَفْسُدُ؛ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يُجَانِسُ الدَّرَاهِمَ لَا صُورَةً وَلَا وُجُوبًا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّ الثَّوْبَ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا سَلَمًا أَوْ هُوَ فِي مَعْنَى السَّلَمِ كَالْبَيْعِ بِثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ وَالدَّرَاهِمُ تَجِبُ مُطْلَقًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَجِبُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَضُمَّ إلَى إقْرَارِهِ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْهُ إقْرَارُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (فَرْعٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَقَالَ فُلَانٌ قَدْ شِئْتُ فَهَذَا الْإِقْرَارُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ وَمَا نَجَّزَ، وَاللُّزُومُ حُكْمُ التَّنْجِيزِ لَا حُكْمُ التَّعْلِيقِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ إقْرَارٍ عُلِّقَ بِخَطَرٍ أَوْ شَرْطٍ نَحْوُ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ إنْ مَطَرَتْ السَّمَاءُ أَوْ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ إنْ قَضَى اللَّهُ أَوْ إنْ أَرَادَهُ أَوْ إنْ رَضِيَهُ أَوْ إنْ أَحَبَّهُ أَوْ إنْ أَصَبْتُ مَالًا أَوْ إنْ كَانَ كَذَلِكَ أَوْ إنْ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا فِي الْحَالِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إقْرَارًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِخِلَافِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّا أَبْقَيْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمِينٌ وَلَهُ حُكْمٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ ثُمَّ إذَا جَاءَ الشَّرْطُ انْحَلَّ التَّرْكِيبُ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَهَاهُنَا الْحُكْمُ بِخِلَافِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ كَانَ الْإِقْرَارُ بَاطِلًا، وَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ)

عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ فِي وُجُودِهِ خَطَرٌ وَالْإِقْرَارُ لَا يَحْتَمِلُهُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ، وَالْإِقْرَارُ لَا يُحْلَفُ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِنْ كَانَ صِدْقًا لَا يَصِيرُ كَذِبًا بِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا لَا يَصِيرُ صِدْقًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا التَّعْلِيقُ فِيمَا هُوَ إيجَابٌ لِيَتَبَيَّنَ بِالتَّعْلِيقِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ مَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَكَذَلِكَ كُلُّ إقْرَارٍ عُلِّقَ بِالشَّرْطِ نَحْوُ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ أَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ إنْ قَضَى اللَّهُ تَعَالَى أَوْ أَرَادَهُ أَوْ رَضِيَهُ أَوْ أَحَبَّهُ أَوْ قَدَّرَهُ أَوْ يَسَّرَهُ أَوْ إنْ بُشِّرْت بِذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ وَمَا شَاكَلَهُ مُبْطِلٌ لِلْإِقْرَارِ إذَا كَانَ مَوْصُولًا لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا وَلَوْ قَالَ اشْهَدُوا أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ إنْ مِتُّ فَهُوَ عَلَيْهِ إنْ مَاتَ أَوْ عَاشَ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ فَإِنَّ مَوْتَهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَمُرَادُهُ أَنْ يُشْهِدَهُمْ عَلَى الْمَالِ الْمُقَرِّ بِهِ حَتَّى لَا تَبْقَى ذِمَّتُهُ مُرْتَهَنَةً لِيَشْهَدُوا بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا جَحَدَتْ الْوَرَثَةُ فَيَكُونُ رَاجِعًا إلَى تَأْكِيدِ الْإِقْرَارِ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ عَاشَ أَوْ مَاتَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إذَا أَفْطَرَ النَّاسُ أَوْ إلَى الْفِطْرِ أَوْ إلَى الْأَضْحَى؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ وَإِنَّمَا هُوَ دَعْوَى الْأَجَلِ إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ مَقْبُولًا وَدَعْوَاهُ الْأَجَلَ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ فِي بَابِ تَعْلِيقِ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ: أَصْلُهُ أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ وَالْمَالُ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ كَائِنٍ سَابِقٍ وَالْكَائِنُ لَا يُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ وَإِنَّمَا يُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ غَيْرِ الْكَائِنِ لِيَصِيرَ كَائِنًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ وَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِنْ كَانَ صِدْقًا لَا يَصِيرُ كَذِبًا بِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا لَا يَصِيرُ صِدْقًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ فَلَغَا تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ إلَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ سَبَبًا كَحُلُولِ الْأَجَلِ وَالْمَوْتِ وَمَجِيءِ الْغَدِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْإِخْبَارُ عَنْ مَحَلِّ الْأَجَلِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ الْمَبْسُوطِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ فِي أَوَائِلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ فَقَالَ لَوْ قَالَ غَصَبْتُ مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ أَمْسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَنْزِلَةِ ذِكْرِ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْإِنْشَاءَاتِ دُونَ الْإِخْبَارَاتِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ الِاسْتِثْنَاءُ مُخْرِجٌ لِلْكَلَامِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً لَا أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُعَاتَبْ عَلَى تَرْكِ الصَّبْرِ، وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَعُوتِبَ؛ لِأَنَّ الْوَعْدَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالْعَهْدِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَالْإِقْرَارُ لَا يَكُونُ إلَّا بِكَلَامٍ هُوَ عَزِيمَةٌ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى مَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَشَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَفْصُولًا لَا يُؤَثِّرُ خِلَافًا لِابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ اسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ سَنَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ» قُلْنَا هُوَ مُغَيَّرٌ وَالْمُغَيَّرُ لَا يَصِحُّ إلَّا مُتَّصِلًا كَالشَّرْطِ وَاسْتِثْنَاءُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لِامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لَا لِمَنْعِ الِانْعِقَادِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ هَلْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ أَوْ إبْطَالٌ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَلَا نُعِيدُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اسْتَثْنَى الْبِنَاءَ مِنْ الدَّارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ فُلَانٍ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ اهـ اخْتِيَارٌ (قَوْلُهُ أَوْ إلَى الْأَضْحَى) فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ وَهُوَ حَالٌّ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُقِرَّ الطَّالِبُ بِالْأَجَلِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَيَلْزَمُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَشَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تَمْنَعُ مِنْ لُزُومِ مَا يَلْزَمُ عِنْدَ عَدَمِهَا قَالَ تَعَالَى {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف: 69] بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يَصْبِرْ كَانَ خُلْفًا فِي الْوَعْدِ فَلَمَّا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يَصْبِرْ لَمْ يَصِرْ مُخْلِفًا لِلْوَعْدِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَشِيئَةَ إذَا عُلِّقَ بِهَا تَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَلْزَمَهُ الْمَالُ ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ وَالْقِيَاسَ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ فَائِدَةَ التَّعْلِيقِ تَأْخِيرُ الْحُكْمِ إلَى أَنْ يُوجَدَ الشَّرْطُ وَتَأْخِيرُ مَا كَانَ مُتَحَقِّقًا فِي الْمَاضِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَمَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْمَاضِي وَلَيْسَ بِإِيجَابٍ مُبْتَدَأٍ فِي الْحَالِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ تَعْلِيقُ أَمْرٍ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُتَحَقِّقٍ لَا يُعْرَفُ وُجُودُهُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا عُلِّقَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. (قَوْلُهُ هَلْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ إلَخْ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْبِنَاءَ مِنْ الدَّارِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَرَّ أَنَّهَا لِفُلَانٍ إلَّا بَيْتًا مِنْهَا مَعْلُومًا فَإِنَّهُ لِي فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إلَّا ثُلُثَهَا أَوْ إلَّا تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا لِي فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِمَا سِوَى الْمُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي، وَلَوْ قَالَ الدَّارُ لِفُلَانٍ، وَهَذَا الْبَيْتُ لِي كَانَتْ الدَّارُ كُلُّهَا لِفُلَانٍ، وَكَذَا قَالَ الدَّارُ لِفُلَانٍ وَلَكِنَّ هَذَا الْبَيْتَ لِي، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِي أَوْ قَالَ هَذِهِ الْأَرْضُ لِفُلَانٍ وَنَخْلُهَا لِي أَوْ قَالَ النَّخْلُ بِأُصُولِهِ لِفُلَانٍ وَثَمَرَتُهُ لِي؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ كُلَّهُ لِفُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى شَيْئًا مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاءَهَا فَإِنَّهُ لِي لَمْ يُصَدَّقْ أَيْضًا عَلَى الْبِنَاءِ، وَالْبِنَاءُ تَابِعٌ وَلَيْسَ هَذَا بِاسْتِثْنَاءٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ وَالْبِنَاءُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ وَإِنَّمَا دَخَلَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَالْأَتْبَاعُ لَا يَتَنَاوَلُهَا الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الْجَارِيَةُ لِفُلَانٍ إلَّا بَيَاضَهَا أَوْ جَمَالَهَا فَإِنَّهُ لِي أَلَيْسَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ كَذَا هُنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذَا الْبُسْتَانُ لِفُلَانٍ إلَّا نَخِيلَهُ بِغَيْرِ أُصُولِهِ فَإِنَّهُ لِي أَوْ قَالَ هَذِهِ الْجُبَّةُ لِفُلَانٍ إلَّا بِطَانَتَهَا فَإِنَّهَا لِي أَوْ قَالَ هَذَا السَّيْفُ لِفُلَانٍ إلَّا حِلْيَتَهُ فَإِنَّهَا لِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ لِلتَّوَابِعِ وَأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ فِي الدَّارِ مِنْ مَبْسُوطِهِ

فَهُمَا لِلْمُقَرِّ لَهُ)؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ دَخَلَ فِي الْإِقْرَارِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا فَصَارَ وَصْفًا، وَالِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْمَلْفُوظِ، وَلِكَوْنِ الْبِنَاءِ وَصْفًا لَا يَسْقُطُ بِاسْتِحْقَاقِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ كَفَوَاتِ سَائِرِ الْأَوْصَافِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا ثُلُثَهَا أَوْ إلَّا بَيْتًا مِنْهَا؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الدَّارِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ لَفْظِ الدَّارِ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا؛ وَلِهَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ هَذَا الْجُزْءُ أَوْ فَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَسْقُطُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالطَّوْقُ فِي الْجَارِيَةِ وَالْفَصُّ فِي الْخَاتَمِ وَالنَّخْلَةُ فِي الْبُسْتَانِ نَظِيرُ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ بِنَاؤُهَا لِي وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ)؛ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ دُونَ الْبِنَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ لِفُلَانٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَكَانَ الْعَرْصَةِ الْأَرْضَ بِأَنْ قَالَ: بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الْبِنَاءُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ كَالدَّارِ فَيَتْبَعُهَا الْبِنَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِزَيْدٍ وَالْأَرْضُ لِعَمْرٍو حَيْثُ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْبِنَاءِ لِزَيْدٍ صَارَ مِلْكًا لَهُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِإِقْرَارِهِ لِعَمْرٍو بِالْأَرْضِ إذْ لَا يَصْدُقُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ مَمْلُوكٌ لَهُ فَإِذَا أَقَرَّ بِالْأَرْضِ لِغَيْرِهِ يَتْبَعُهَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ أَرْضُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِي أَوْ لِفُلَانٍ كَانَ الْكُلُّ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْأَرْضِ لَهُ مَلَكَ الْبِنَاءَ تَبَعًا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ عِنْدَ الْإِقْرَارِ لَهُمَا فَيَنْفُذُ، وَتَخْرِيجُ جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِهِ لِغَيْرِهِ وَأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ فَإِنْ عَيَّنَ الْعَبْدَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ إنْ عَيَّنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ أَقَرَّ فَقَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاءَهَا فَإِنَّهُ لِي فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ وَتَكُونُ الْأَرْضُ مَعَ الْبِنَاء لِلْمُقِرِّ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَقَرَّ فَقَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا وَكَانَ مَا عَدَا الْبَيْتَ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَا هُوَ أَنَّ الْبِنَاءَ إنَّمَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ تَبَعًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُرَكَّبٌ لَا مَقْصُودًا كَمَا دَخَلَ الْبِنَاءُ تَحْتَ بَيْعِ الدَّارِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا حَتَّى إذَا احْتَرَقَ الْبِنَاءُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَكِنْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فَدَلَّ أَنَّ الْبِنَاءَ إنَّمَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ بِالدَّارِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا وَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ تَبَعًا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْعَبْدِ وَاسْتَثْنَى يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ صِفَةً مِنْ أَوْصَافِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ تَبَعًا فَلَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِخْرَاجٌ لِلْمُسْتَثْنَى مَقْصُودًا مِنْ اللَّفْظِ فَلَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ تَبَعًا كَالْإِقَالَةِ لَا يَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْبَيْعِ تَبَعًا؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ مَقْصُودًا وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ الْبِنَاءَ كَانَ الْبِنَاءُ وَالْأَرْضُ لِلْمُقِرِّ فَكَذَلِكَ هَذَا بِخِلَافِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ مَقْصُودًا كَمَا فِي الْبَيْعِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ مَقْصُودًا حَتَّى لَوْ اسْتَحَقَّ الْبَيْتَ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَاسْتِثْنَاءُ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ مَقْصُودًا صَحِيحٌ وَإِذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ جُعِلَ مُقِرًّا لَهُ بِمَا وَرَاءَ الْبَيْتِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذَا الْبُسْتَانُ لِفُلَانٍ إلَّا نَخِيلَهُ بِغَيْرِ أُصُولِهِ فَإِنَّهُ لِي فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ إنَّمَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ بِالْبُسْتَانِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَكَانَ الْبِنَاءُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ لَا يَصِحُّ فَكَذَلِكَ هَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَثْنَى نَخِيلَهُ بِأُصُولِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا فَكَانَ كَالْبَيْتِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: هَذِهِ الْجُبَّةُ لِفُلَانٍ إلَّا بِطَانَتَهَا؛ لِأَنَّ الْبِطَانَةَ دَخَلَتْ تَحْتَ الْإِقْرَارِ بِالْجُبَّةِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا كَمَا فِي الْبَيْعِ تَدْخُلُ الْبِطَانَةُ تَحْتَ بَيْعِ الْجُبَّةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ تَبَعًا فَكَانَتْ كَالْبِنَاءِ قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَقَدْ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا نَفَلَ فَقَالَ مَنْ أَصَابَ جُبَّةَ خَزٍّ فَهِيَ لَهُ فَأَصَابَ جُبَّةَ خَزٍّ كَانَ لَهُ الظِّهَارَةُ دُونَ الْبِطَانَةِ فَلَمْ تُجْعَلْ الْبِطَانَةُ فِي التَّنْفِيلِ تَبَعًا لِلْجُبَّةِ وَاعْتُبِرَ هَاهُنَا تَبَعًا لِلظِّهَارَةِ حَتَّى لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ أَنَّ مَا قَالَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَحْمُولٌ عَلَى جُبَّةِ خَزٍّ بِطَانَتُهَا مِثْلُ ظِهَارَتِهَا فِي النَّفَاسَةِ فَلَا تَكُونُ الْبِطَانَةُ تَبَعًا لِلظِّهَارَةِ فَكَانَتَا بِمَنْزِلَةِ جُبَّتَيْنِ وَمَا ذُكِرَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى جُبَّةٍ بِطَانَتُهَا فِي النَّفَاسَةِ دُونَ الظِّهَارَةِ فَتَكُونُ تَبَعًا لِلظِّهَارَةِ وَلَا تَكُونُ بِمَعْنَى جُبَّتَيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْبِطَانَةُ مِثْلَ الظِّهَارَةِ فِي النَّفَاسَةِ بِأَنْ كَانَتْ جُبَّةَ خَزٍّ ظِهَارَتُهَا وَبِطَانَتُهَا مِنْ خَزٍّ أَوْ مِنْ غَيْرِ خَزٍّ لَكِنَّهَا فِي النَّفَاسَةِ مِثْلُهَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْبِطَانَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ الْإِقْرَارِ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ حِينَئِذٍ قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذَا السَّيْفُ لِفُلَانٍ إلَّا حِلْيَتَهُ فَإِنَّهُ لِي فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ الْحِلْيَةَ دَخَلَتْ الْإِقْرَارَ بِالسَّيْفِ تَبَعًا فِي الْبَيْعِ؛ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالنَّخْلَةُ فِي الْبُسْتَانِ نَظِيرُ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ) يَعْنِي كَمَا لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ لَا يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ الْفَصِّ وَالنَّخْلَةِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ الصَّدْرِ تَبَعًا لَا لَفْظًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ تَبَعًا أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ قَالَ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ بُقْعَةٍ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَصْلِ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْأَصْلِ إقْرَارًا بِالتَّبَعِ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي، وَلَوْ بَدَأَ فَقَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِفُلَانٍ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الْأَرْضُ لِفُلَانٍ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِفُلَانٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِزَيْدٍ وَالْأَرْضُ لِعَمْرٍو وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَعَادَهَا لِيُقَابِلَ بِهَا مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ أَرْضُ هَذِهِ إلَخْ. اهـ. قَارِئُ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدَ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ الْأَلْفُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُقِرُّ الْعَبْدَ فَحُكْمُهُ

الْمُقِرُّ الْعَبْدَ وَسَلَّمَهُ الْمُقَرُّ لَهُ إلَى الْمُقِرِّ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ بِهَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ عَلَى صِفَةٍ فَيَلْزَمُهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ مَا إذَا صَدَّقَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا يَكُونُ كَالثَّابِتِ عِيَانًا وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدُ عَبْدُكَ مَا بِعْتُكَهُ وَإِنَّمَا بِعْتُكَ عَبْدًا آخَرَ وَسَلَّمْتُهُ إلَيْك وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ مَا أَقَرَّ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِهِمَا وَلَا بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَاتِّحَادِ الْحُكْمِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِغَصْبِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ: الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ قَرْضٌ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ عَبْدِي مَا بِعْتُكَهُ وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُقِرَّ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ عَلَى صِفَةٍ وَهِيَ سَلَامَةُ الْعَبْدِ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِهَا وَالرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ لَمْ أَبِعْكَ هَذَا الْعَبْدَ وَإِنَّمَا بِعْتُكَ عَبْدًا آخَرَ فَحُكْمُهُ أَنْ يَتَحَالَفَا؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَبِيعِ وَهُوَ يُوجِبُ التَّحَالُفَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَزِمَهُ الْأَلْفُ كَقَوْلِهِ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمُقِرُّ الْعَبْدَ لَزِمَهُ الْأَلْفُ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ وَلَا تَفْسِيرُهُ بِثَمَنِ الْخَمْرِ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ وَصَلَ صُدِّقَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ أَوْ خَمْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْمَالِ وَبَيَّنَ سَبَبَهُ وَهُوَ غَيْرُ صَالِحٍ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ عَبْدٍ مَجْهُولٍ لَا يَجِبُ سَوَاءً كَانَتْ الْجَهَالَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِالِاخْتِلَاطِ بِأَمْثَالِهِ؛ لِأَنَّهُ يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ أَوْ يَهْلِكُ بِهِ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَجِبُ بِهِ الثَّمَنُ، وَكَذَا ثَمَنُ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ وَصَدْرُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَصَارَ بَيَانًا مُغَيِّرًا كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ، وَالْمُغَيِّرُ يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ صَدْرَ كَلَامِهِ لَمَّا كَانَ لِلْوُجُوبِ فَإِتْيَانُهُ فِي آخِرِهِ بِمَا يُنَافِي الْوُجُوبَ رُجُوعٌ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا؛ وَلِأَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ ادَّعَى تَأْخِيرَ الثَّمَنِ إلَى شَهْرٍ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي التَّأْجِيلِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ حَالًا فَفِي إضَافَةِ الْبَيْعِ إلَى الْمَجْهُولِ وَأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّأْخِيرِ أَبَدًا كَانَ أَوْلَى: بَيَانُهُ أَنَّ الثَّمَنَ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بَعْدَ إحْضَارِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ فَلَوْ أَحْضَرَ الْبَائِعُ عَيْنًا لِيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ: الْمَبِيعُ غَيْرُ هَذَا، وَكَذَا فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى فَلَا يَصِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَأْتِي بَعْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مَتْنًا وَشَرْحًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا آخَرَ وَسَلَّمْته إلَيْك) أَيْ وَلِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ) أَيْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ هَذَا الْعَبْدِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ أَوْ فِي يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ أَوْ فِي يَدِ الثَّالِثِ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ فَإِنْ صَدَّقَهُ الطَّالِبُ فِيمَا أَقَرَّ لَزِمَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَلَوْ عَايَنَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ وَالْعَبْدُ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَذَلِكَ هَذَا، فَأَمَّا إذَا قَالَ الطَّالِبُ الْعَبْدُ عَبْدِي وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا غَيْرَهُ وَأَخَذَ الْعَبْدَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَصَادَقَا عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ إنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بَدَلًا عَنْ هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْعَبْدَ لَا يُسَلِّمُ الْمُقِرُّ لَهُ بَدَلَهُ فَأَمَّا إذَا قَالَ الْعَبْدُ عَبْدُك وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا غَيْرَهُ وَلِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْجِهَةِ الَّتِي وَجَبَ الْأَلْفُ وَاتَّفَقَا عَلَى الْوُجُوبِ أَمَّا الطَّالِبُ فَلِأَنَّهُ ادَّعَى وُجُوبَ أَلْفِ دِرْهَمٍ بِسَبَبِ بَيْعِ عَبْدٍ آخَرَ اُشْتُرِيَ مِنْهُ وَقَبَضَهُ وَهُوَ قَدْ أَقَرَّ بِالْوُجُوبِ بَدَلًا عَنْ هَذَا الْعَبْدِ وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ الْعَبْدَ فَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى الْوُجُوبِ وَاخْتَلَفَا فِي جِهَةِ الْوُجُوبِ وَفِي مِثْلِ هَذَا يُقْضَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ فَقَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِفُلَانٍ مِنْ غَصْبٍ وَقَالَ الْآخَرُ لَا مِنْ قَرْضٍ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ الثَّمَنَ وَيَأْخُذُ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ هَذَا الْعَبْدِ ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا فَصَارَ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَلَوْ عَايَنَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي اُنْقُدْ الثَّمَنَ وَخُذْ الْعَبْدَ صَحَّ فَكَذَلِكَ هَذَا، فَأَمَّا إذَا قَالَ الْعَبْدُ عَبْدُك وَلِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ آخَرَ قَبَضْتَهُ مِنِّي فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى الْوُجُوبِ وَاخْتَلَفَا فِي جِهَةِ الْوُجُوبِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْجِهَةِ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ مَتَى تَصَادَقَا عَلَى الْوُجُوبِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الطَّرِيقِ إذَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْحُكْمِ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَبِعْك هَذَا الْعَبْدَ وَالْعَبْدُ عَبْدِي وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا آخَرَ وَقَبَضْتَهُ مِنِّي لَا يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَصَادَقَا عَلَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ مَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْأَلْفِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا أَقَرَّ بَدَلًا عَنْ الْعَبْدِ وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْعَبْدُ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْوُجُوبِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ فَيُسَلَّمُ الْعَبْدُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَيَبْطُلُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ بِبَيْعِ غَيْرِ هَذَا الْعَبْدِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْمُقِرُّ يَدَّعِي تَسْلِيمَ هَذَا الْعَبْدِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَتَحَالَفَانِ فَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ ثَالِثٍ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَأَمْكَنَهُ تَسْلِيمُهُ لَزِمَهُ الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَهُوَ يُوجِبُ التَّحَالُفَ) أَيْ فَإِذَا تَحَالَفَا بَطَلَ الْمَالُ عَنْ الْمُقِرِّ وَالْعَبْدُ سَالِمٌ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ. اهـ. كِي (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَزِمَهُ الْأَلْفُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَعْلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ إقْرَارَهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ وَإِضَافَتُهُ إلَى مَبِيعٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ يَقْتَضِي إسْقَاطَهُ فَلَمْ يُصَدَّقْ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ جَهَالَةَ الْمَبِيعِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك ثَمَنَهُ أَوْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا ثُمَّ جُهِلَ، وَهَذَا يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ وَسُقُوطَ الثَّمَنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَاخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ فَسَدَ الْبَيْعُ وَمَنْ اعْتَرَفَ بِدَيْنٍ ثُمَّ ادَّعَى سُقُوطَهُ لَمْ يُقْبَلْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَبِيعُ الْمُعَيَّنُ؛ لِأَنَّ ثَمَنَهُ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ فَقَدْ أَضَافَ الدَّيْنَ إلَى جِهَةٍ يَجُوزُ ثُبُوتُهُ مِنْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ بَيَانُهُ أَنَّ الثَّمَنَ إلَخْ) أَيْ بَيَانُ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِ الثَّمَنِ أَبَدًا اهـ

الْبَائِعُ إلَى قَبْضِ الثَّمَنِ أَبَدًا فَكَانَ بَاطِلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْبُطْلَانِ فَيَلْزَمُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا هَذَا إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي السَّبَبِ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُكَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الثَّمَنُ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا إذَا أَقَرَّ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّ الْمُقِرَّ لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ. وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ فَصَلَ أَمْ وَصَلَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا بَقِيَ أَمْرُ الْقَبْضِ مُجْمَلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ نَصًّا وَلَا اقْتِضَاءً؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِقَبْضِ الْمَبِيعِ إذْ هُوَ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ فَصَارَ كَمَا إذَا عَيَّنَ الْمَبِيعَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي السَّبَبِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ مَفْصُولًا؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَصِحُّ مَفْصُولًا وَهُنَا لَا تَغْيِيرَ فِيهِ لِتَصَادُقِهِمَا فِي السَّبَبِ فَصَارَ مِنْ بَابِ الْمُجْمَلَاتِ فَيَصِحُّ بَيَانُهُ مَفْصُولًا وَمَوْصُولًا وَلَوْ قَالَ: إنِّي اشْتَرَيْت مِنْهُ مَبِيعًا إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الشِّرَاءِ مِنْهُ وَبِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لَا يَجِبُ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبْضِ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْعَقْدِ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ فَلَا يَجِبُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُطْلَقًا، وَعِنْدَهُمَا إذَا فَصَلَ الْبَيَانَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ هُنَاكَ بِالْوُجُوبِ فَلَا يَسْقُطُ بِآخِرِ كَلَامِهِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَرَامٌ أَوْ رِبًا فَهِيَ لَازِمَةٌ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا حَلَالًا عِنْدَ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُورًا أَوْ بَاطِلًا إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَزِمَهُ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ هَذَا مِنْ فُلَانٍ وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ وَحَبَسَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ نَفَذَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ وَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ إذَا أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ أَوْ أَقْرَضَنِي وَهِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ لَزِمَهُ الْجِيَادُ بِخِلَافِ الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ، وَإِنْ فَصَلَ لَا يُصَدَّقُ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ لِأَبِي يُوسُفَ فِيهِمَا رِوَايَتَيْنِ وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ لَهُمَا أَنَّهُ تَفْسِيرٌ مُغَيِّرٌ فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُ الْجِيَادَ وَالزُّيُوفَ بِحَقِيقَتِهِ حَتَّى لَوْ تُجُوِّزَ بِالزُّيُوفِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ جَازَ وَالسَّتُّوقَةَ بِمَجَازِهِ إلَّا أَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ يَقَعُ بِهَا وَالْأَذْهَانُ تَسْبِقُ إلَيْهَا فَكَانَ مُغَيِّرًا لِلْأَصْلِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ كَمَا إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ وَنَقْدُ الْبَلَدِ وَزْنُ سَبْعَةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَيْبٌ وَالْعَقْدُ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْهُ وَدَعْوَاهَا رُجُوعٌ عَنْ مُقْتَضَى مَا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يَصِحُّ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُك مَعِيبًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا بَلْ سَلِيمًا فَالْقَوْلُ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالسَّتُّوقَةُ وَالرَّصَاصُ لَيْسَا مِنْ الْأَثْمَانِ وَالْبَيْعُ يَرِدُ عَلَى الثَّمَنِ فَكَانَ رُجُوعًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْقَدْرَ فَصَارَ مُغَيِّرًا فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ ثَمَنِ دَارٍ اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ حَيْثُ يُقْبَلُ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا؛ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ نَوْعٌ لَا عَيْبٌ فَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْهَا بِخِلَافِ الْجُودَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِيهَا وَلَا يَصِحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ هَذَا إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) أَيْ فِي السَّبَبِ بِأَنْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبْضِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَمَّا فِي الشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا يَجِبُ الثَّمَنُ وَإِنْ قَبَضَ أَيْضًا مَا لَمْ يَسْقُطْ الْخِيَارُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبْضِ أَيْ إنَّمَا يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبُ وَإِلَّا فَالثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ يَجِبُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبْضِ مَا نَصُّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْبَيْعِ الْبَاتِّ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ وَوَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُصَدَّقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هُمَا مَرَّا عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ هَذَا بَيَانٌ مُغَيِّرٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَمَّا قَالَ عَلَيَّ فَقَدْ وَصَفَ بِالْوُجُوبِ فَإِذَا قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ فَقَدْ نَاقَضَ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ لَا يَتَّصِفُ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَكِنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَذَّبَهُ الطَّالِبُ أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا قَالَ مِنْ ثَمَنٍ حُرٍّ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ وَبِهِ صَرَّحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِدَيْنٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ وَنَقَلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ كِتَابِ إقْرَارِ الْأَصْلِ رِوَايَةَ هِشَامٍ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَهُمَا مُسْلِمَانِ وَقَالَ الطَّالِبُ بَلْ هُوَ مِنْ ثَمَنِ بُرٍّ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمَطْلُوبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ ثَمَنُ مَيْتَةٍ أَوْ رَطْلِ خَمْرٍ كَانَ بَاطِلًا ثُمَّ قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ ذُكِرَ فِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُف رِوَايَةُ ابْن سِمَاعَة لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَرَامٌ أَوْ بَاطِلٌ لَزِمَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ) أَيْ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ جِيَادٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ) أَيْ وَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ رَصَاصٌ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُصَدَّقُ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ فَيَلْزَمُهُ الْجِيَادُ وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ إنْ وَصَلَ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْغَصْبِ، وَأَمَّا فِي الْغَصْبِ فَسَيَأْتِي الْحُكْمُ فِيهِ فِي الشَّارِحِ آخِرَ هَذِهِ الصَّفْحَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِيهِمَا رِوَايَتَيْنِ) أَيْ فِي رِوَايَةٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةٍ مَعَ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَمُطْلَقُ الْعَقْدِ إلَخْ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ فِي فَصْلِ بَيَانِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ الرَّدَاءَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فِي الْحِنْطَةِ فَالْعَيْبُ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ وَالرَّدَاءَةُ فِي الْحِنْطَةِ تَكُونُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَيَكُونُ هَذَا بَيَانَ النَّوْعِ لَا بَيَانَ الْعَيْبِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا وَقَالَ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ أَفْلُسٍ مِنْ

اسْتِثْنَاؤُهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي اسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِغَصْبِ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَغْصِبُ مَا يُصَادِفُ وَيُودِعُ مَا عِنْدَهُ فَلَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ فِي الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مُطْلَقًا مَفْصُولًا وَمَوْصُولًا؛ لِأَنَّهُمَا نَوْعٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَفِيهِ يُقْبَلُ مَفْصُولًا؛ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إذَا وَقَعَ فِي الْمَقْبُوضِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا وَفِي السَّتُّوقَةِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا مَوْصُولًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُهَا الِاسْمُ مَجَازًا فَكَانَ مِنْ بَابِ التَّغْيِيرِ فَلَا يَصِحُّ مَفْصُولًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ فِي الْقَرْضِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ إنْ وَصَلَ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يَتِمُّ بِالْقَبْضِ فَأَشْبَهَ الْغَصْبَ وَالْوَدِيعَةَ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالتَّعَامُلِ فَأَشْبَهَ مَا يَجِبُ بِالْبَيْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا قَالَ غَصَبْت أَلْفًا ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا فَصَلَ كَمَا فِي الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ قِيلَ يُصَدَّقُ إجْمَاعًا إذَا وَصَلَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْعَقْدِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْجُودَةِ بِهِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْوُجُوبِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ مَوْضُوعٍ لَهُ وَهُوَ التِّجَارَةُ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنَّهُ يَنْقُصُ كَذَا مُتَّصِلًا صُدِّقَ وَإِلَّا فَلَا)؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْقَدْرَ فَيَكُونُ تَغْيِيرًا فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا عَلَى مَا بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَوْ كَانَ الِانْقِطَاعُ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ النَّفَسِ أَوْ بِسَبَبِ دَفْعِ السُّعَالِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَصِحُّ إذَا وَصَلَهُ بِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ وَيَذْكُرَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي آخِرِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ عُذْرًا يَكُونُ عَلَيْهِمْ حَرَجٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ ثَوْبٍ وَجَاءَ بِمَعِيبٍ صُدِّقَ)؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَخْتَصُّ بِالتَّسْلِيمِ كَالْوَدِيعَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ أَخَذْتُ مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً وَهَلَكَتْ، وَقَالَ: أَخَذْتهَا غَصْبًا فَهُوَ ضَامِنٌ)؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQثَمَنِ مَبِيعٍ ثُمَّ قَالَ هِيَ كَاسِدَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ وَصَلَ؛ لِأَنَّ كَسَادَ الْفُلُوسِ عَيْبٌ فِيهَا فَصَارَ كَالزُّيُوفِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْكَاسِدَةِ وَالزُّيُوفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْكَسَادَ فَقَدْ ادَّعَى فَسَادَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ يُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الصِّفَةِ كَاسْتِثْنَاءِ الْقَدْرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ) أَيْ عَنْ الْعَيْبِ عُرْفًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَمَا يَرِدُ فِي الْجِيَادِ يَرِدُ فِي الزُّيُوفِ فَكَانَ ذَلِكَ بَيَانَ النَّوْعِ فَصَحَّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى بِالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ بِأَنْ غَصَبَ ثَوْبًا أَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً فَجَاءَ بِهِ وَهُوَ مَعِيبٌ خَلَقٌ، فَقَالَ كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا هَذَا وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي قَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إنْ قَالَ مَوْصُولًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ قَالَ مَفْصُولًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي السَّتُّوقَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ وَوَصَلَ صُدِّقَ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، وَإِنْ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ صُدِّقَ إنْ وَصَلَ وَلَمْ يُصَدَّقْ إذَا فَصَلَ يَعْنِي فِي الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهَا صُورَةً فَصَارَ إرَادَتُهَا بِاسْمِ الدَّرَاهِمِ كَإِرَادَةِ الْمَجَازِ بِاسْمِ الْحَقِيقَةِ وَإِذَا بَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ بِاللَّفْظِ الْمَجَازَ مَوْصُولًا قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي السَّتُّوقَةِ مَا نَصُّهُ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ إنْ وَصَلَ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ هِيَ زُيُوفٌ يُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ قَوْلَهُ هِيَ زُيُوفٌ بِقَوْلِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ أَمَّا إذَا قَطَعَ كَلَامَهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ زَمَانٍ هِيَ زُيُوفٌ لَا يُصَدَّقُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُقْضَى بِالْمِثْلِ فَرُبَّمَا يَكُونُ الْمَقْبُوضُ زَيْفًا فَيُصَدَّقُ فِيمَا إذَا وَصَلَ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَأَرَادَ بِالْأُصُولِ الْجَامِعَيْنِ وَالزِّيَادَاتِ وَالْمَبْسُوطِ وَهِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَغَيْرُهَا غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْأَمَالِي وَالنَّوَادِرِ وَالرُّقَيَّاتِ والهارونيات والكيسانيات. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ) أَيْ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ اهـ (قَوْلُهُ يُصَدَّقُ إجْمَاعًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُهَا أَيْ يَتَنَاوَلُ الزُّيُوفَ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَلَوْ أَرْسَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجِهَةَ ثُمَّ قَالَ: هِيَ زُيُوفٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي الْأُصُولِ فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَاهُنَا يُصَدَّقُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْجُودَةَ تَجِبُ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ دُونَ الْبَعْضِ فَلَا يَجِبُ مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَاَلَّذِي قَالَ عَلَى الِاخْتِلَافِ هُوَ الْكَرْخِيُّ كَذَا ذَكَرَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَمِنْ هَذَا عَرَفْت قَوْلَهُ فِي الْمَتْنِ وَقِيلَ: لَا يُصَدَّقُ أَيْ لَا يُصَدَّقُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ، وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ؛ لِأَنَّهُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الصَّادِرَ مِنْهُ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إلَى الْعُقُودِ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَشْرُوعَةُ وَالْحُكْمُ فِي الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ هَذَا عِنْدَهُ وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْغَصْبِ حَتَّى يُجْعَلَ مُصَدَّقًا فِي دَعْوَى الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ أَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحَرَامِ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُقَالُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْصَرِفَ إقْرَارُهُ إلَى الْوَدِيعَةِ فَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الزِّيَافَةِ كَمَا فِي الْغَصْبِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَوْلَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَنْفِي الْوَدِيعَةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الذِّمَّةِ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) عَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ إلَى شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ل قَاضِيخَانْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) مُكَرَّرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْوَدِيعَةِ) فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا غَصَبَ سَوَاءً وَصَلَ أَوْ فَصَلَ اهـ أَتْقَانِيٌّ

أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» ثُمَّ ادَّعَى مَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ وَهُوَ الْإِذْنُ بِالْأَخْذِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُقِرِّ بِإِقْرَارِهِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ الْخَصْمُ عَنْ الْيَمِينِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ بَلْ أَخَذْتَهَا قَرْضًا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ حَصَلَ بِإِذْنِهِ وَالْأَخْذُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْآخِذِ إلَّا بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الضَّمَانِ، فَالْمَالِكُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْعَقْدَ وَذَاكَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ وَعَلَى هَذَا إذَا أَقَرَّ بِأَخْذِ الثَّوْبِ وَدِيعَةً، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ أَخَذْتَهُ بَيْعًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ: أَعْطَيْتَنِيهَا وَدِيعَةً وَقَالَ: غَصَبْتَنِيهَا لَا) أَيْ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ أَعْطَيْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةٍ فَهَلَكَتْ وَقَالَ الْمَالِكُ: لَا بَلْ غَصَبْتَهَا مِنِّي لَا يَضْمَنُ الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ بَلْ أَقَرَّ بِالْإِعْطَاءِ وَهُوَ فِعْلُ الْمُقَرِّ لَهُ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ كَالْإِقْرَارِ بِالْأَخْذِ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ، وَالْإِقْرَارُ بِالدَّفْعِ كَالْإِقْرَارِ بِالْإِعْطَاءِ فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ. فَإِنْ قِيلَ إعْطَاؤُهُ وَالدَّفْعُ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ قُلْنَا قَدْ يَكُونُ هُوَ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْوَضْعِ بَيْن يَدَيْهِ وَلَوْ اقْتَضَى ذَلِكَ فَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ ضَرُورَةً فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ انْعِقَادِهِ سَبَبًا لِلضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ عَدَمٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَإِنْ قَالَ هَذَا كَانَ وَدِيعَةً لِي عِنْدَكَ فَأَخَذْتُهُ فَقَالَ: هُوَ لِي أَخَذَهُ)؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ ثُمَّ بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَادَّعَى اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَيْنِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَقْرَضْتُك أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَخَذْتُهَا مِنْك يَجِبُ عَلَى الْمُقِرِّ دَفْعُهَا إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ آجَرْتُ بَعِيرِي أَوْ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَرَكِبَهُ أَوْ لَبِسَهُ فَرَدَّهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ الْبَعِيرُ وَالثَّوْبُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَارُ بِالْإِعَارَةِ أَوْ الْإِسْكَانِ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُمْ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقَ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ لَهُ دُونَ دَعْوَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ كَمَا فِي فَصْلِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ عَلَى مَا مَرَّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْيَدَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ ثَبَتَتْ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ) أَيْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ الْخَصْمُ) أَيْ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُقِرِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ لَهُ) أَيْ لِلْمُقِرِّ اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ) أَيْ وَكَذَا فِي الْبَيْعِ مَكَانَ الْقَرْضِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ بِلَا خِلَافٍ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ أَخَذْتَهُ بَيْعًا) فِي الْخُلَاصَةِ أَخَذْتُ مِنْكَ هَذَا الثَّوْبَ عَارِيَّةً وَقَالَ صَاحِبُهُ بَلْ أَخَذْتَهُ بَيْعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَلْبَسْهُ أَمَّا إذَا لُبِسَ وَهَلَكَ يَضْمَنُ اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ الْمُقِرُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالْفِعْلِ مِنْ نَفْسِهِ حَيْثُ أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُقِرُّ لَفْظَ الْأَخْذِ، وَقَالَ أَوْدَعْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ دَفَعْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَضَاعَتْ وَقَالَ الطَّالِبُ غَصَبْتَنِي، وَأَنْتَ ضَامِنٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ذَكَرَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ كَالْإِقْرَارِ بِالْأَخْذِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ قَبَضْتُ مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ غَصَبْتَهَا كَانَ ضَامِنًا كَمَا إذَا قَالَ أَخَذْتُهَا وَدِيعَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ قُلْنَا قَدْ يَكُونُ هُوَ) أَيْ الدَّفْعُ وَالْإِعْطَاءُ اهـ (قَوْلُهُ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ بِدُونِ قَبْضِهِ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْقَبْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ) أَيْ دَعْوَاهُ الْإِيدَاعَ إلَّا بِحُجَّةٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَيْنِ) أَيْ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَرَدَّهُ) فَقَالَ فُلَانٌ كَذَبْت بَلْ الدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ لِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَارُ بِالْإِعَارَةِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَعَرْتُ دَابَّتِي هَذِهِ فُلَانًا فَرَكِبَهَا وَرَدَّهَا أَوْ قَالَ أَعَرْتُ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَلَبِسَهُ وَرَدَّهُ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ الْإِسْكَانُ) بِأَنْ قَالَ أَسْكَنْتُ فُلَانًا بَيْتِي هَذَا ثُمَّ أَخْرَجْتُهُ فَادَّعَى السَّاكِنُ أَنَّهُ لَهُ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْقَوْلُ قَوْلُ السَّاكِنِ بَعْدَمَا يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَسْكَنَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ) أَيْ الْمُقِرُّ اهـ (قَوْلُهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ) أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ) أَيْ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْيَدَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ ثَبَتَتْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَاسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ جَعَلَ فِيهَا الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ حَيْثُ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُقِرِّ وَذَكَرَ الْقُمِّيُّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: إنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ قَالَ أَخَذْتهَا مِنْهُ فَوَجَبَ جَزَاؤُهُ وَجَزَاءُ الْأَخْذِ الرَّدُّ وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَارِيَّةِ قَالَ فَرَدَّهَا عَلَيَّ فَافْتَرَقَا لِافْتِرَاقِهِمَا فِي الْوَضْعِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَالَ يَأْخُذُهَا الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْيَدِ مَعَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّارِعَ أَحْسَنَ فِي إطْلَاقِ الْعَوَارِيّ وَالْإِجَارَاتِ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَقَضَاءً لِحَوَائِجِهِمْ مَعَ أَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ، وَكُلُّ قِيَاسٍ يَرْجِعُ إلَى نَقْضِ هَذَا الِاسْتِحْسَانِ فَهُوَ بَاطِلٌ مِثْلُ قِيَاسِ مَنْ عَلَّلَ بِعَدَمِ الْمَنَافِعِ لِإِبْطَالِ هَذِهِ الْعُقُودِ وَإِذَا كَانَ إطْلَاقُ الْعَوَارِيّ وَالْإِجَارَاتِ لِمَرَافِق النَّاسِ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمُقِرِّ بَعْدَ ذَلِكَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ الْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ

بِالْيَدِ لَهُمَا مَقْصُودًا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُقِرِّ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِمَا مَقْصُودَةٌ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهِمَا إقْرَارًا لَهُمَا بِالْيَدِ؛ وَلِأَنَّ الْمُقِرَّ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ أَقَرَّ بِيَدٍ ثَابِتَةٍ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي كَيْفِيَّتِهَا وَلَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ فَإِنَّهُ قَالَ كَانَ وَدِيعَةً، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ بِأَنْ يَهُبَّ فِيهِ الْهَوَاءُ وَيُلْقِيَهُ فِي دَارِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ: أُودِعْتَهَا كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَلَيْسَ مَدَارُ الْفَرْقِ عَلَى ذِكْرِ الْأَخْذِ فِي الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا وَعَدَمِ ذِكْرِ الْأَخْذِ فِي الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ عَلِيٌّ الْقُمِّيُّ فَإِنَّهُ جَعَلَ مَدَارَ الْفَرْقِ ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ أَيْضًا فِي الْإِقْرَارِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّابَّةُ مَعْرُوفَةً لِلْمُقِرِّ، وَلَوْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً لَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَعَزَاهُ إلَى الْأَسْرَارِ وَلَوْ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ خَاطَهُ لِي بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلَانٌ ثُمَّ قَبَضْتُهُ مِنْهُ وَقَالَ فُلَانٌ: الثَّوْبُ ثَوْبِي فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَوْ قَالَ اقْتَضَيْت مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ، وَهَذَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ اقْتِضَاءً لِحَقِّهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَإِذَا أَقَرَّ بِالِاقْتِضَاءِ فَقَدْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا يُبَرِّئُهُ مِنْ الضَّمَانِ وَهُوَ تَمَلُّكُهُ عَلَيْهِ بِمَا يَدَّعِيه مِنْ الدَّيْنِ مُقَاصَّةً وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِجَارَةِ وَأَشْبَاهِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ فِيهَا بِالْمِلْكِ وَلَا بِالْيَدِ لَهُ مَقْصُودًا وَلَا وُجِدَ مَا يَدُلُّ مِنْهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ ضَمَانِ الْمَقْبُوضِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ؛ وَلِأَنَّا لَوْ أَخَذْنَا النَّاسَ فِي الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ بِإِقْرَارِهِمْ لَامْتَنَعُوا مِنْهُمَا وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرَجٌ بَيِّنٌ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَيْهِمَا فَلَا يُؤَاخَذُونَ بِهِ اسْتِحْسَانًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَلَوْ قَالَ إنَّ فُلَانًا زَرَعَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ بَنَى هَذِهِ الدَّارَ أَوْ غَرَسَ هَذَا الْكَرْمَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمِلْكُ مِلْكِي وَفَعَلْتُ ذَلِكَ لِنَفْسِي، وَقَالَ الْمُقِرُّ لَا بَلْ اسْتَعَنْتُ بِك فَفَعَلْتُ أَوْ فَعَلْتَهُ بِأَجْرٍ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِالْيَدِ لَا صَرِيحًا وَلَا اقْتِضَاءً وَإِنَّمَا أَقَرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَهَبَ مَرَافِقُ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ إذَا أَعَارَ أَوْ آجَرَ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ يَصِيرُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ امْتَنَعَ عَنْ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ مَالِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ حَتَّى لَا تَخْتَلَّ حَوَائِجُ النَّاسِ فَهَذَا وَجْهٌ مَرْجِعُهُ إلَى الْإِجْمَاعِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الْوَجْهُ الْفِقْهِيُّ أَنَّ الْيَدَ فِي الْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ بَلْ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ تَثْبُتُ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ فَلَا تَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَظْهَرُ إذَنْ إقْرَارُهُ بِالْيَدِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مُدَّعِيًا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْإِيدَاعِ مَقْصُودَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْحِفْظُ وَلَا يَكُونُ الْحِفْظُ بِدُونِ الْيَدِ فَإِذَا كَانَتْ الْيَدُ مَقْصُودَةً فِي الْوَدِيعَةِ كَانَ إقْرَارًا بِأَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ فِي يَدِهِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْيَدِ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ عَلَّلَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: الْيَدُ فِي الْإِيدَاعِ مَقْصُودَةٌ دُونَ الْإِعَارَةِ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ) أَيْ وَهِيَ الْإِجَارَةُ وَالْإِسْكَانُ وَالْإِعَارَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَزَاهُ إلَى الْأَسْرَارِ) لَمْ يَعْزِهِ إلَى الْأَسْرَارِ وَإِنَّمَا عَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ فُلَانٌ الثَّوْبُ ثَوْبِي) أَعَرْتُكَهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ، وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ يُسَلَّمُ إلَى الصَّبَّاغِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَإِنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ خَاطَ لِي قَمِيصِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْتُهُ مِنْهُ لَمْ يُرَدَّ الثَّوْبُ عَلَى الْخَيَّاطِ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ لِلْخَيَّاطِ بِالْيَدِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ خَاطَهُ فِي مَنْزِلِهِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ) أَيْ فِي الْوَدِيعَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ إنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالْيَدِ لِفُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى الِاسْتِحْقَاقَ عَلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ) وَفِي الْغَايَةِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْأُصُولِ اهـ وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَلَكِنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا: هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ أَيْضًا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ اقْتَضَيْتُ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اقْتَضَيْت مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ أَوْ أَقْرَضْتُهُ أَلْفًا ثُمَّ أَخَذْتُهَا مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِسْكَانِ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافُ مَا إذَا قَالَ اقْتَضَيْتُ، أَوْ قَالَ أَقْرَضْتُ وَأَخَذْتُ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ، قَالَ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الدَّيْنَ يُقْضَى بِالْمِثْلِ فَإِذَا أَقَرَّ بِاقْتِضَاءِ الدَّيْنِ وَأَخْذِ الْقَرْضَ كَانَ مُقِرًّا بِأَخْذِ مِثْلِ حَقِّهِ وَالْمِثْلُ مِلْكُ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْأَصْلِ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِهِ لَهُ فَيُرَدُّ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَمَّا فِي صُورَةِ الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِسْكَانِ فَالْمَقْبُوضُ عَيْنُ مَا ادَّعَى فِيهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لِلْمُقَرِّ لَهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابٍ بَعْدَ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالْجِنَايَةِ: وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ اقْتَضَى مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ فُلَانٌ مَا كَانَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ وَلَكِنَّكَ أَخَذْتَهَا مِنِّي ظُلْمًا فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُؤْخَذُ بِرَدِّهَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ، وَمُطْلَقُ الْأَخْذِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَقَدْ ادَّعَى جِهَةً مَانِعَةً مِنْ التَّمْكِينِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَاهَا هِبَةً، أَوْ صَدَقَةً، أَوْ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى جِهَةً مَانِعَةً مِنْ الضَّمَانِ فَلَا يُصَدَّقُ، أَوْ قَالَ قَبَضْتُهَا بِوَكَالَةٍ مِنْ فُلَانٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْك، أَوْ وَهَبْتُهَا لَهُ فَأَمَرَنِي فَقَبَضْتُهَا وَدَفَعْتُهَا إلَيْهِ كَانَ ضَامِنًا لِلْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ وَلَمْ تَثْبُتْ الْجِهَةُ الَّتِي ادَّعَاهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَامْتَنَعُوا مِنْهُمَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ إذَا أَعَارَ شَيْئًا أَوْ آجَرَهُ ثُمَّ يُرَدُّ عَلَيْهِ يَصِيرُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ امْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ مَالِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ حَتَّى لَا تَخْتَلَّ حَوَائِجُ النَّاسِ. اهـ. إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا بَلْ اسْتَعَنْتُ بِك) أَيْ عَلَى الزِّرَاعَةِ، أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

[باب إقرار المريض]

بِمُجَرَّدِ فِعْلٍ مِنْهُ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ يَدِهِ فِيهِ بِأَنْ يَفْعَلَهُ وَهُوَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ بَلْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: خَاطَ لِي هَذَا الْقَمِيصَ فُلَانٌ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْتُهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لَهُ بِالْيَدِ لِتَصَوُّرِ فِعْلِهِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَفِي بَيْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِالسُّكْنَى فِي دَارِهِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى لَا تَكُونُ إلَّا بِالْيَدِ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ لَهُ بِهِ إقْرَارًا لَهُ بِالْيَدِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا اللَّبَنَ أَوْ هَذَا السَّمْنَ أَوْ هَذَا الْجُبْنَ مِنْ بَقَرَةِ فُلَانٍ أَوْ هَذَا الصُّوفَ مِنْ غَنَمِهِ أَوْ هَذَا التَّمْرَ مِنْ نَخْلِهِ وَادَّعَى فُلَانٌ أَنَّهُ لَهُ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِمِلْكِ شَيْءٍ إقْرَارٌ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ هَذَا الْأَلْفُ وَدِيعَةُ فُلَانٍ لَا بَلْ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ فَالْأَلْفُ لِلْأَوَّلِ وَعَلَى الْمُقِرِّ مِثْلُهُ الثَّانِي)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِلْأَوَّلِ صَحَّ إقْرَارُهُ لَهُ وَصَارَ مِلْكًا لَهُ لِثُبُوتِ يَدِهِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بَلْ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ إضْرَابٌ عَنْهُ وَرُجُوعٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهَا لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا، وَقَدْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِهَا لِلْأَوَّلِ فَيَضْمَنُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِإِقْرَارِهِ لِلْأَوَّلِ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ هِيَ لِفُلَانٍ لَا بَلْ لِفُلَانٍ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالْإِيدَاعِ مِنْهُ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِهِ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ رَجَعَ وَشَهِدَ بِهِ لِلثَّانِي فَرُجُوعُهُ لَا يَصِحُّ وَشَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَقَرَّ بِالْإِيدَاعِ مِنْ الثَّانِي، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ بِفِعْلِهِ فَصَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهَا فَيَضْمَنُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْأَلْفُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا بَلْ لِفُلَانٍ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَنْ الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ وَإِقْرَارَهُ لِلثَّانِي صَحِيحٌ فَيَلْزَمُهُ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ وَاحِدًا بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ أَلْفَانِ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُهُمَا اسْتِحْسَانًا وَهُوَ الْأَلْفَانِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْمَالَانِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ لَا بَلْ رُجُوعٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَاسْتِدْرَاكُ غَلَطٍ بِالثَّانِي، وَالرُّجُوعُ عَنْ الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ وَإِقْرَارُهُ بِالْمَالَيْنِ صَحِيحٌ فَلَزِمَاهُ فَصَارَ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا أَوْ اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَالَيْنِ بِأَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ أَلْفُ دِينَارٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَالَانِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَذَا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا إقْرَارَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالْمُقَرِّ لَهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ تَكْرَارًا كَمَا إذَا أَقَرَّ لَهُ مَرَّتَيْنِ بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفَانِ لِذَلِكَ الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَلْفَانِ فَكَذَا هَذَا وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ أَوْ اخْتِلَافِ الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَسْتَحِيلُ جَعْلُهُ تَكْرَارًا وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُقَرِّ لَهُ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ لِلثَّانِي فَرُجُوعُهُ لَا يَصِحُّ وَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْوَصْفِ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ جِيَادٌ لَا بَلْ زُيُوفٌ أَوْ أَلْفٌ زُيُوفٌ لَا بَلْ جِيَادٍ لَزِمَهُ الْجِيَادُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكُ الْغَلَطِ فِي الصِّفَةِ فَيَلْزَمُهُ أَفْضَلُ الصِّفَتَيْنِ كَمَا يَلْزَمُهُ فِي الِاسْتِدْرَاكِ فِي الْغَلَطِ فِي الْمِقْدَارِ أَكْثَرُ الْمَالَيْنِ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ؛ لِأَنَّ الْأَرْدَأَ دَاخِلٌ فِي الْأَجْوَدِ كَمَا أَنَّ الْأَقَلَّ دَاخِلٌ فِي الْأَكْثَرِ، وَلَوْ قَالَ غَصَبْت فُلَانًا مِائَةَ دِرْهَمٍ وَمِائَةَ دِينَارٍ وَكُرَّ حِنْطَةٍ لَا بَلْ فُلَانًا لَزِمَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ مِنْهُمَا وَهُوَ فِعْلٌ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي مِثْلُهَا وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَفُلَانًا مِائَةَ دِينَارٍ وَفُلَانًا كُرَّ حِنْطَةٍ لَا بَلْ فُلَانًا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِلرَّابِعِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِلثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ وَرُجُوعٌ عَنْ الْأَخِيرِ فَصَحَّ إقْرَارُهُ لَا رُجُوعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دَيْنُ الصِّحَّةِ وَمَا لَزِمَهُ فِي مَرَضِهِ بِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ قُدِّمَ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَيْنُ الصِّحَّةِ وَدَيْنُ الْمَرَضِ يَسْتَوِيَانِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ وَفِي مَحَلِّهِ وَهُوَ الذِّمَّةُ إذْ هِيَ مَحَلُّ الْوُجُوبِ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْوُجُوبِ وَصِحَّتِهِ بِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ؛ لِأَنَّهُمَا يَحْمِلَانِهِ عَلَى الصِّدْقِ وَيَزْجُرَانِهِ عَنْ الْكَذِبِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ بَلْ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ يَزْدَادُ رُجْحَانُ جِهَةِ الصِّدْقِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ سَبَبُ التَّوَرُّعِ وَالْإِنَابَةِ فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ وَالْمَحَلِّ اسْتَوَيَا فِي الِاسْتِيفَاءِ؛ وَلِهَذَا يَسْتَوِيَانِ إذَا كَانَ وُجُوبُهُ بِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ كَالشِّرَاءِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَكَالتَّزْوِيجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ بِفِعْلِهِ) أَيْ وَهُوَ إقْرَارُهُ بِهَا لِلْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِقْرَارًا بِهِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالْإِقْرَارُ اهـ. [بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ] (بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ) أُخِّرَ إقْرَارُ الْمَرِيضِ إمَّا؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ عَارِضٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعَارِضِ، أَوْ؛ لِأَنَّ فِي إقْرَارِ الْمَرِيضِ اخْتِلَافًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانُهُ وَإِقْرَارُ الصَّحِيحِ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ فَكَانَ أَقْوَى وَبِالتَّقْدِيمِ أَوْلَى اهـ أَتْقَانِيٌّ وَأُفْرِدَ إقْرَارُ الْمَرِيضِ بِبَابٍ لِكَثْرَةِ أَحْكَامِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ دَيْنُ الصِّحَّةِ وَمَا لَزِمَهُ فِي مَرَضِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدُيُونٍ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فِي صِحَّتِهِ وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي مَرَضِهِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَدَيْنُ الصِّحَّةِ وَالدَّيْنُ الْمَعْرُوفُ بِالْأَسْبَابِ مُقَدَّمٌ اهـ. هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَإِذَا قُضِيَتْ وَفَضَلَ شَيْءٌ كَانَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ حَالَةَ الْمَرَضِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعَانٍ ثُمَّ قَالَ وَمِنْهَا أَنَّ دَيْنَ الصِّحَّةِ يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ أَقَرَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي صِحَّتِهِ فِي مَرَضِهِ لِأَجْنَبِيٍّ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ، أَوْ أَمَانَةٍ بِأَنْ قَالَ: مُضَارَبَةٌ، أَوْ وَدِيعَةٌ، أَوْ غَصْبٌ يُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ فَحِينَئِذٍ يُصْرَفُ إلَى غُرَمَاءِ الْمَرَضِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَسْتَوِيَانِ إذَا كَانَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا اسْتَقْرَضَ مَالًا فِي مَرَضِهِ وَعَايَنَ الشُّهُودُ دَفْعَ الْمُقْرِضِ الْمَالَ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَايَنَ الشُّهُودُ قَبْضَ الْمَبِيعِ، أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا، أَوْ اسْتَأْجَرَ شَيْئًا بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ فَإِنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ تَكُونُ مُسَاوِيَةً لِدُيُونِ الصِّحَّةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ لَا مَرَدَّ لَهَا

بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ إذَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَهَنَ عَيْنًا أَوْ آجَرَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُنَا أَيْضًا فِي إقْرَارِهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ أَصْحَابِ الدُّيُونِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ اسْتِيفَاءً؛ وَلِهَذَا مُنِعَ مِنْ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ مُطْلَقًا فِي حَقِّهِمْ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَبَبُهَا مَعْرُوفًا كَالنِّكَاحِ الْمُشَاهَدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ كَالْبَيْعِ الْمُشَاهَدِ وَالْإِتْلَافِ الْمُشَاهَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا التُّهْمَةُ فِي الْإِقْرَارِ، وَالْبَيْعُ لَا يُبْطِلُ حَقَّهُمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَالِيَّةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَفِي النِّكَاحِ إنْ كَانَ يَبْطُلُ لَكِنَّ حَقَّهُ فِيهِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ كَمَأْكَلِهِ وَمَلْبَسِهِ وَمَسْكَنِهِ وَثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ حَالَةِ الصِّحَّةِ حَيْثُ يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ وَلِهَذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ مُطْلَقًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِسَابِ وَحَالَةُ الْمَرَضِ حَالَةُ عَجْزٍ فَيُمْنَعُ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِآخَرَ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ. وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ إلَّا إذَا قَضَى مَا اسْتَقْرَضَ فِي مَرَضِهِ أَوْ نَقَدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى فِيهِ، وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْطِلْ حَقَّهُمْ، وَإِنَّمَا حَوَّلَهُ مِنْ مَحَلٍّ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى مَحَلٍّ حَصَّلَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَدَّ عَيْنَ مَا اسْتَقْرَضَهُ إلَى الْمُقْرِضِ أَوْ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِمَا يُعَادِلُهُ مِنْ الْعِوَضِ لَا يُعَدُّ إخْرَاجًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَأَعْطَاهَا الْمَهْرَ حَيْثُ يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يُشَارِكُوا الْمَرْأَةَ فِيمَا قَبَضَتْ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَيْنًا وَأَوْفَى أُجْرَتَهَا فَإِنَّهُمْ يُشَارِكُونَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ عَنْ مِلْكِهِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهُمْ بِهَا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَضَى حَقَّ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ، وَلَهُمْ فِيهِ أَنْ يُشَارِكُوهُ فَكَذَا هَذَا. فَإِنْ قِيلَ: يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِوَارِثٍ آخَرَ وَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ يَحْجُبُ غَيْرَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ بِالْمُزَاحَمَةِ أَيْضًا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ الْحَجْبِ قُلْنَا: إنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَارِثِ الْمَالَ بِالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ جَمِيعًا وَالِاسْتِحْقَاقُ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا فَيُضَافُ إلَى الْمَوْتِ؛ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَا بِالنَّسَبِ قَبْلَ الْمَوْتِ ثُمَّ مَاتَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَوَرِثَ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْهُ الْمَالَ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ وَرِثَ بِالْمَوْتِ فَأَمَّا الدَّيْنُ فَلَا يَجِبُ بِالْمَوْتِ بَلْ بِالْإِقْرَارِ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ. وَدَيْنُ الْمَرَضِ إذَا كَانَ سَبَبُهُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْمَرَضِ كُلَّهَا بِمَنْزِلَةِ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ الْحَجْرِ فَيَسْتَوِي فِيهَا السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ كَمَا أَنَّ أَحْوَالَ الصِّحَّةِ كُلَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q؛ وَلِأَنَّهُ بِالْقَرْضِ وَالشِّرَاءِ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي التَّرِكَةِ مِقْدَارَ الدَّيْنِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهَا وَمَتَى لَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُقُوقِهِمْ بِالْإِبْطَالِ نَفَذَ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ؛ وَلِهَذَا مُنِعَ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ بِاسْتِوَاءِ الْحَالَيْنِ يَعْنِي لَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْ التَّبَرُّعِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ كَمَا فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ فِيمَا لَمْ تَسْتَغْرِقْ الدُّيُونُ جَمِيعَ مَالِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَفِي حَقِّ الثُّلُثِ يُمْنَعُ أَيْضًا إذَا اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ جَمِيعَ مَالِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (فَرْعٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي: وَلَوْ مَرِضَ وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ فَأَقَرَّ بِدَيْنٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّ الْأَلْفَ الَّتِي فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ، أَوْ مُضَار بِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ مَاتَ قُسِمَتْ الْأَلْفُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ أَوَّلًا فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْأَلْفِ الَّتِي فِي يَدَيْهِ فَإِذَا أَقَرَّ بِأَنَّهَا وَدِيعَةٌ فَقَدْ أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ مَعْنًى وَالْكُلُّ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ فَاسْتَوَتْ الدُّيُونُ فِي التَّعَلُّقِ، وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ: لَا حَقَّ لِي قِبَلَ الْمَيِّتِ، أَوْ قَدْ أَبْرَأْتُهُ مِنْ دَيْنِي كَانَتْ الْأَلْفُ بَيْنَ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ وَالْغَرِيمِ الْآخَرِ نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ وُجِدَتْ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْكُلِّ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْآخَرِ بِإِبْرَاءِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ لَمْ يُبْرِئْهُ الْأَوَّلُ وَلَكِنَّهُ أَكْذَبَهُ فِي الْإِقْرَارِ وَرَدَّهُ كَانَتْ الْأَلْفُ كُلُّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِكْذَابِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ وَلَا تَعَلُّقَ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ الْوَدِيعَةِ بِعَيْنِهَا سَابِقًا عَلَى الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَيَسْبِقُهُ فِي التَّعَلُّقِ لِمَا بَيَّنَّا كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَأْكَلِهِ وَمَلْبَسِهِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ تَزَوَّجَ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يُولَدُ لَهُ عَادَةً أَوْ الْمَرْأَةُ آيِسَةٌ، أَوْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّ لَهُ نِسَاءً وَجِوَارِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشَارِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا النِّكَاحَ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ قُلْنَا النِّكَاحُ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ مِنْ الْحَوَائِجِ، وَالْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ لَا لِلْعَارِضِ وَهَذِهِ الْعَوَارِضُ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا لِيُبْتَنَى الْأَمْرُ عَلَيْهَا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْأَسْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ حَالَةِ الصِّحَّةِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِي الصِّحَّةِ بِالدَّيْنِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمَا أَنَّ الدَّيْنَ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فَقَالَ لَمْ يَتَعَلَّقْ فِي حَالِ الصِّحَّةِ بِالْمَالِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الِاكْتِسَابِ فَيَتَحَقَّقُ التَّمَيُّزُ فَلَمْ تَقَعْ الْحَاجَةُ إلَى تَعْلِيقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ وَهَذِهِ أَيْ حَالَةُ الْمَرَضِ حَالَةُ الْعَجْزِ عَنْ الِاكْتِسَابِ إذْ الْمَرِيضُ عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ فَتَعَيَّنَ مَا فِي يَدِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَعْضٍ) يَعْنِي إذَا قَضَى الْمَرِيضُ بَعْضَ الدُّيُونِ مِنْ دُيُونِ الصِّحَّةِ وَالدُّيُونِ الْمَعْرُوفَةِ الْأَسْبَابِ يُرَدُّ ذَلِكَ وَيُجْعَلُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ إلَّا إذَا قَضَى الْقَرْضَ، أَوْ أَدَّى ثَمَنَ الْمَبِيعِ فَيَكُونُ الْمُقْرِضُ وَالْبَائِعُ أَحَقَّ بِذَلِكَ فَلَيْسَ لِغُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَغَيْرِهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ) جَوَابُ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي إذَا أَقَرَّ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ ثَانِيًا أَنْ لَا يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ بِمَالِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي الْمَرَضِ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَالِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ

بِمَنْزِلَةِ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ حَالَةِ الصِّحَّةِ مَعَ حَالَةِ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ صِفَةً مِنْ الْإِطْلَاقِ وَالْحَجْرِ فَيُقَدَّمُ دَيْنُ الْإِطْلَاقِ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ وَيُقَدَّمُ فِيهِ دَيْنُهُ فِي حَالَةِ الْإِذْنِ لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا هَذَا فَإِذَا صَحَّ إقْرَارُهُ نَفَذَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَنْفُذَ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ تَصَرُّفَهُ عَلَى الثُّلُثِ وَعَلَّقَ حَقَّ الْوَرَثَةِ بِالثُّلُثَيْنِ فَكَذَا إقْرَارُهُ لَكِنْ تُرِكَ بِالْأَثَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ كَالْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ فَلَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيغَ ذِمَّتِهِ وَرَفْعَ الْحَائِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ كَسَائِرِ حَوَائِجِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّ شَرْطَ تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ الْفَرَاغُ عَنْ حَقِّهِ؛ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ كَفَنُهُ عَلَيْهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُخِّرَ الْإِرْثُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الدُّيُونِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ لِمَا بَيَّنَّا آنِفًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ بَطَلَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيمَا فِيهِ فِكَاكُ رَقَبَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ حَقٍّ ثَابِتٍ عَلَيْهِ وَجَانِبُ الصِّدْقِ رَاجِحٌ فِيهِ فَصَارَ كَإِقْرَارِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَبِوَارِثِ آخَرَ وَبِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ لِلْوَارِثِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِأَنْ أَوْدَعَهَا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ» وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنِ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ فَغَيْرُ جَائِزٍ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْوَرَثَةُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إيثَارَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ حَقُّ جَمِيعِهِمْ بِهِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْبَقِيَّةِ كَالْوَصِيَّةِ لَهُ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِمْ بِالْإِقْرَارِ لِوَرَثَتِهِ كَمَا لَا يُمَكَّنُ بِالْوَصِيَّةِ لَهُمْ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْإِقْرَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ مُعَامَلَتِهِ حَذَرًا مِنْ إتْوَاءِ أَمْوَالِهِمْ فَيَنْسَدُّ عَلَيْهِ طَرِيقُ التِّجَارَةِ وَالْمُدَايَنَةِ فَيُحْرَجُ حَرَجًا عَظِيمًا فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْمُعَامَلَةِ كَمَا لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ مِنْ التَّبَرُّعِ إلَى الثُّلُثِ لِحَاجَتِهِ إلَى التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ مَعَهُ نَادِرَةٌ إذْ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ فَلَا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِهَا، وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَقَاءِ نَسْلِهِ وَحَاجَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ؛ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ قَصْدًا، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ حَقُّهُمْ بِالْمَوْتِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَّحِدَ دِينُهُمَا وَفِي الْإِقْرَارِ يَبْطُلُ فِي الْحَالِ بِإِقْرَارِهِ قَصْدًا فَافْتَرَقَا وَلَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ كَانَ لِلتُّهْمَةِ فَانْتَفَى الْحُكْمُ بِانْتِفَائِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّا لَوْ كَذَّبْنَاهُ فَمَاتَ وَجَبَ الضَّمَانُ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مُجْهَلًا، وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَكْذِيبِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ غَيْرَ مَعْرُوفَةٍ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِاسْتِهْلَاكِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ كَانَ لِحَقِّهِمْ فَإِذَا صَدَّقُوهُ فَقَدْ أَقَرُّوا بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمْ فَيَلْزَمُهُمْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى وَارِثِهِ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْبَقِيَّةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ صَحَّ وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ أَصْلًا كَمَا فِي حَقِّ الْوَارِثِ أَوْ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَتَبَرُّعَاتِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا جَوَابَهُ وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ أَقَرَّ بِبُنُوَّتِهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا صَحَّ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ) حَيْثُ لَا يَصِحَّانِ لَهَا أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا عَنْ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي الْأَصْلِ حَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِيهِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَ إقْرَارِهِ فِي الْجَمِيعِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ فَيَنْفُذُ إقْرَارُهُ فِي الْجَمِيعِ كَالصَّحِيحِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ لِوَارِثٍ حَيْثُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ لِجَوَازِ إيثَارِهِ عَلَى بَاقِي الْوَرَثَةِ اهـ. (فَرْعَانِ) مَرِيضٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَأَقَرَّ الْمَرِيضُ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ، أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ وَارِثِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَوْ ادَّعَى رَدَّ الْأَمَانَةِ إلَى وَارِثِهِ الْمَرِيضِ وَكَذَّبَهُ الْمُوَرِّثُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَارِثِ مَرِيضٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَلَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنُ الصِّحَّةِ فَأَقَرَّ الْمَرِيضُ بِاسْتِيفَاءِ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِنْ مَدْيُونِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ. اهـ. قَاضِيخَانْ (قَوْلُهُ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ) صَوَابُهُ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ فَتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ بَطَلَ) ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ بِدَيْنِ الْمَهْرِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا إقْرَارًا لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ لَا تُهْمَةَ فِيهِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ. اهـ. تَتِمَّةٌ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ إلَخْ) وَتَصْدِيقُ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ هُنَا صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ فِي حَيَاةِ الْمُقِرِّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ وَالْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَلَا عِبْرَةَ لِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِيهِمَا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي اهـ كَذَا ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ مِنْ أَحْكَامِ الْمَرْضَى. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَإِقْرَارِهِ) أَيْ لَهُ حَالَةَ الصِّحَّةِ وَإِقْرَارِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا وَصِيَّةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِدَيْنٍ». اهـ.

كَمَا لَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ لَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَحَصَلَتْ التُّهْمَةُ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْبَابِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَهَبَهَا أَوْ أَوْصَى لَهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَلَنَا أَنَّ النَّسَبَ يَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْعُلُوقِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْبُنُوَّةَ كَانَتْ حَالَةَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَجُوزُ وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجِيَّةُ فَإِنَّهَا حَادِثَةٌ فَتَكُونُ مُقْتَصِرَةً عَلَى زَمَانِ التَّزَوُّجِ فَلَا يَظْهَرُ أَنَّ إقْرَارَهُ كَانَ بَاطِلًا لِعَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهَا شَيْئًا أَوْ أَوْصَى لَهَا بِشَيْءٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حَيْثُ تَبْطُلُ الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ وَالْهِبَةُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ حَتَّى لَا تَنْفُذَ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْوَصِيَّةِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَصَارَتْ كَالْوَصِيَّةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا عِنْدَ الْمَوْتِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ دُونَ الْمَوْتِ أَوْ كَانَ وَارِثًا فِيهِمَا وَلَمْ يَكُنْ وَارِثًا فِيمَا بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَصَارَ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ فَإِنْ كَانَ وَارِثًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ دُونَ وَقْتِ الْمَوْتِ بِأَنْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ مَثَلًا ثُمَّ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِعَدَمِ كَوْنِهِ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا فِيهِمَا لَا فِيمَا بَيْنَهُمَا بِأَنْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ وَالَى رَجُلًا فَأَقَرَّ لَهُ ثُمَّ فَسَخَ الْمُوَالَاةَ ثُمَّ عَقَدَاهَا ثَانِيًا لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ مُتَّهَمٌ فِي الطَّلَاقِ وَفَسْخِ الْمُوَالَاةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ امْتِنَاعِ الْإِقْرَارِ أَنْ يَبْقَى وَارِثًا إلَى الْمَوْتِ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَلَمْ يَبْقَ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ أَجْنَبِيًّا نَفَذَ الْإِقْرَارُ كَمَا لَوْ أَنْشَأَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْقِدْ ثَانِيًا كَانَ جَائِزًا فَكَذَا إذَا عَقَدَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ ثُمَّ صَارَ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ يُنْظَرْ فَإِنْ صَارَ وَارِثًا بِسَبَبٍ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ الْأَبِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَإِنْ صَارَ وَارِثًا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَالتَّزَوُّجِ وَعَقْدِ الْمُوَالَاةِ جَازَ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حَصَلَ لِلْوَارِثِ وَقْتَ الْمَوْتِ فَصَارَ كَمَا إذَا صَارَ وَارِثًا بِالنَّسَبِ، وَلَنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ حِينَ صَدَرَ حَصَلَ لِلْأَجْنَبِيِّ لَا لِلْوَارِثِ فَنَفَذَ وَلَزِمَ فَلَا يَبْطُلُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ؛ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَتُعْتَبَرُ وَقْتَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَارَ وَارِثًا بِالنَّسَبِ بِأَنْ أَقَرَّ مُسْلِمٌ مَرِيضٌ لِأَخِيهِ الْكَافِرِ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ كَانَ مَحْجُوبًا بِالِابْنِ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ لَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَلَوْ أَقَرَّ لِوَارِثِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ الْمَرِيضُ وَوَارِثُ الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ وَرَثَةِ الْمَرِيضِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حَصَلَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَقَالَ آخِرًا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَرِيضِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ الْمَرِيضُ وَوَرَثَةُ الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ وَرَثَةِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ فَيَتِمُّ بِهِ ثُمَّ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِعَبْدٍ لِأَجْنَبِيٍّ وَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ هُوَ لِفُلَانٍ وَارِثِ الْمَرِيضِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَقَرَّ الْأَجْنَبِيُّ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ أَوْ كَانَ أَعْتَقَهُ عَتَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَقَرَّ لِمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِيهِ) أَيْ فِي الْمَرَضِ (فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ وَالدَّيْنِ) هَذَا إذَا طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا بِلَا سُؤَالِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ إذْ هُوَ فَارٌّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي طَلَاقِ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ لَكِنْ لَمَّا أَقَرَّ لَهَا بِالدَّيْنِ بَقِيَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ وُجِدَ لَهُ وَلَدٌ) أَيْ وَبَقِيَ الْوَالِدُ إلَى أَنْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا فِيهِمَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَإِنْ كَانَ يَوْمَ أَقَرَّ وَارِثُهُ بِمُوَالَاةٍ، أَوْ زَوْجِيَّةٍ وَيَوْمَ مَاتَ وَارِثُهُ وَقَدْ خَرَجَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثَهُ بِبَيْنُونَةٍ، أَوْ فَسْخٍ لِلْمُوَالَاةِ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ يَقُولُ الْعِبْرَةُ لِحَالَةِ الْإِقْرَارِ وَحَالَةِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْإِقْرَارِ حَالَةُ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَحَالَةَ الْمَوْتِ حَالَةُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا عِبْرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلْحُكْمِ بِهِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: بِأَنَّ الْإِقْرَارَ وُجِدَ فِي حَالِ كَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا، وَالْإِقْرَارُ لِلْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ قَوْلُهُ حَالَ نَفَاذِهِ هُوَ وَارِثٌ قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَلَا يَكُونُ الْإِرْثُ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَلَيْسَ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إقْرَارُهُ كَذَلِكَ هَاهُنَا اهـ. وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) قَدْ رَجَعَ أَبِي يُوسُفَ عَنْ هَذَا وَوَافَقَ مُحَمَّدًا كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ الْحَاشِيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ اهـ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَفَتَاوَى قَاضِيخَانْ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ رُجُوعِ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ نَفَذَ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ وَارِثًا فَيَصِيرُ إقْرَارًا لِلْوَارِثِ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا صَارَ وَارِثًا بِالنَّسَبِ) قَالَ فِي وَصَايَا الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرِيضَ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِابْنِهِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَبْدٌ ثُمَّ أَسْلَمَ الِابْنُ أَوْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ كَانَ سَبَبُ التُّهْمَةِ بَيْنَهُمَا قَائِمًا وَهُوَ الْقَرَابَةُ الَّتِي صَارَ بِهَا وَارِثًا فِي ثَانِي الْحَالِ وَلَيْسَ هَذَا كَاَلَّذِي أَقَرَّ لِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ التُّهْمَةِ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَذَكَرَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خِلَافَ زُفَرَ فِي الْإِقْرَارِ لِابْنِهِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ عَبْدٌ فَقَالَ: إنَّ الْإِقْرَارَ صَحِيحٌ عِنْدَ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ) إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ عَمَلُهَا لِمَانِعٍ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَمِلَ السَّبَبُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ) أَيْ الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ السَّابِقُ. اهـ. .

مُتَّهَمَيْنِ فِيهِ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ قَدْ يَتَّفِقَانِ عَلَى الطَّلَاقِ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ لَهَا فَتُعْطَى أَقَلَّهُمَا رَدًّا لِقَصْدِهِمَا وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى لَهَا تُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ وَمِنْ الْوَصِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ بِشُعَبِهَا فِي الطَّلَاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ بِغُلَامٍ مَجْهُولٍ يُولَدُ لِمِثْلِهِ) أَيْ لِمِثْلِ الْمُقِرِّ (أَنَّهُ ابْنُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَلَوْ مَرِيضًا وَشَارَكَ الْوَرَثَةَ)؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ أَيْضًا إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ مَا بَيَّنَّاهُ، وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى غَيْرِهِ قَصْدًا فَيَصِحُّ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الدَّعْوَى وَالْعَتَاقِ وَشُرِطَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ مِنْهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ بِهِ عَنْهُ، وَشُرِطَ أَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ كَيْ لَا يُكَذِّبَهُ الظَّاهِرُ وَشُرِطَ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْغُلَامُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ تَصْدِيقِهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا وَالْكَلَامُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فَإِذَا صَحَّ إقْرَارُهُ شَارَكَ الْوَرَثَةَ فِي الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ ثُبُوتِ النَّسَبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ إقْرَارُهُ) أَيْ إقْرَارُ الرَّجُلِ (بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ)؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ فِيهِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَشَرْطُهُ مَا بَيَّنَّا فِي الِابْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى)؛ لِأَنَّ مُوجِبَ إقْرَارِهِ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِتَصَادُقِهِمَا مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِأَحَدٍ فَيَنْفُذُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِقْرَارُهَا) أَيْ يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ (بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ حُجَّةٌ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَبِالْإِقْرَارِ بِهَؤُلَاءِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إلْزَامُ نَفْسِهَا فَيُقْبَلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالْوَلَدِ إنْ شَهِدَتْ قَابِلَةٌ أَوْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ) أَيْ يُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِهِ بِهَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَابِلَةِ حُجَّةٌ فِي تَعْيِينِ الْوَلَدِ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَالزَّوْجُ هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ فَإِذَا صَدَّقَهَا فَقَدْ أَقَرَّ بِهِ فَلَزِمَهُمَا بِالْإِقْرَارِ لَهُ هَذَا إذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ مُعْتَدَّةً وَادَّعَتْ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا هِيَ مُعْتَدَّةٌ أَوْ كَانَ لَهَا وَادَّعَتْ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِهِ صَحَّ إقْرَارُهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا فَيَنْفُذُ عَلَيْهَا فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى هُوَ الْوَلَدَ فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَلَدُهُ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّهَا إلَّا بِتَصْدِيقِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ هَؤُلَاءِ) يَعْنِي تَصْدِيقَ الْمُقَرِّ لَهُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ غَيْرِهِمْ لَا يَلْزَمُهُمْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ فِي يَدِ نَفْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ صَغِيرًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَهُوَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدًا لَهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ مَوْلَاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ التَّصْدِيقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ إلَّا تَصْدِيقَ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ بِنَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُقِرُّ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَحَّ تَصْدِيقُهُ إلَّا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِالزَّوْجِ فَصَدَّقَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ النَّسَبَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَذَا إقْرَارُ الزَّوْجِ بِالزَّوْجِيَّةِ فَصَدَّقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ بَاقٍ فِي حَقِّهَا وَهُوَ الْعِدَّةُ فَإِنَّهَا مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ؛ وَلِهَذَا جَازَ لَهَا غَسْلُهُ مَيِّتًا كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِالزَّوْجِيَّةِ فَصَدَّقَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْمَذْكُورُ هُنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ رَدًّا لِقَصْدِهِمَا) أَيْ وَلَا تُهْمَةَ فِي الْأَقَلِّ هَذَا إذَا كَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ جَازَ إقْرَارُهُ فَإِذَا أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنِ الْمَهْرِ فَقَدْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَلَوْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ بِدَيْنٍ مِنْ مَهْرِهَا صُدِّقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَهْرِ مِثْلِهَا وَتَحَاصَّ غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَانْعَدَمَتْ التُّهْمَةُ، وَلَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ فِي مَرَضِهَا بِقَبْضِ الْمَهْرِ مِنْ زَوْجِهَا لَمْ تُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِدَيْنٍ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يُوجِبُ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ لِلْوَارِثِ لَا يَصِحُّ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمَرِيضَةُ إذَا أَقَرَّتْ بِاسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا فَإِنْ مَاتَتْ وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ، أَوْ مُعْتَدَّةٌ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا، وَإِنْ مَاتَتْ غَيْرَ مَنْكُوحَةٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ بِأَنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَصِحُّ وَنَقَلَهُ عَنْ إقْرَارِ الْجَامِعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَشَرَطَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَةَ شُرُوطِ: الْأَوَّلُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ مَعْرُوفَ النَّسَبِ لَا يَصِحُّ دَعْوَى نَسَبِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ مِنْ أَحَدٍ لَا يُقْبَلُ الْفَسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ شَارَكَ الْوَرَثَةَ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. اخْتِيَارٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَصَحَّ إقْرَارُهُ بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ) فِي النِّهَايَةِ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ صِحَّةِ إقْرَارِ الْمُقِرِّ بِالْأُمِّ حَيْثُ قَالَ بِالْوَالِدَيْنِ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ التُّحْفَةِ وَرِوَايَةِ شَرْحِ فَرَائِضِ السِّرَاجِيِّ لِمُصَنِّفِهِ وَمُخَالِفٌ لِعَامَّةِ النُّسَخِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْجَامِعِ وَغَيْرِهَا. اهـ. مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالزَّوْجَةِ) أَيْ إذَا صَدَّقَتْهُ وَكَانَتْ خَالِيَةً مِنْ الزَّوْجِ وَعِدَّتِهِ وَلَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْمُقِرِّ أُخْتُهَا أَوْ أَرْبَعٌ سِوَاهَا، وَأَرَادَ بِالْمَوْلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ سَوَاءٌ أَرَادَ الْمُعْتَقَ أَوْ الْمُعْتِقَ، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَحِيحٌ إذَا صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَلَا وَلَاؤُهُ ثَابِتًا مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَوْلَى) أَطْلَقَ الْمَوْلَى لِيَشْمَلَ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ جَمِيعًا؛ وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَيَجُوزُ إقْرَارُ الرَّجُلِ بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ وَمِنْ تَحْتُ إذَا صَدَّقَهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَعْدُوهُمَا فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَيُقْبَلُ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِغَيْرِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ، وَيَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَلَدِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إقْرَارَهَا فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهَا وَفِيمَا عَدَاهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَلَدِ وَإِنْ صَدَّقَهَا وَلَكِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَارِثٌ مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ إقْرَارُهَا فِي حَقِّهَا وَلَا يُقْضَى بِالنَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْحُجَّةِ وَهُوَ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ فَإِنْ شَهِدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ صَدَّقَهَا الْوَلَدُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَشْهَدْ لَهَا امْرَأَةٌ وَقَدْ صَدَّقَهَا زَوْجُهَا فِيهِ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ تَصْدِيقُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْتَهِي بِالْمَوْتِ وَلَا يَبْطُلُ كَالنَّسَبِ، وَالْمُنْتَهِي مُتَقَرِّرٌ فَيَصِحُّ تَصْدِيقُهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ وَالْإِقْرَارُ قَائِمٌ؛ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ مِنْ الزَّوْجِ لَمْ يُوجَدْ فَصَحَّ التَّصْدِيقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ بِتَصَادُقِهِمَا فَيَرِثُ مِنْهَا إذْ الثَّابِتُ بِتَصَادُقِهَا كَالثَّابِتِ عِيَانًا؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا عَلَى النِّكَاحِ تُقْبَلُ وَلَوْلَا أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لَمَا قُبِلَتْ فَكَذَا بِتَصَادُقِهِمَا يُعْمَلُ فِيهِ أَيْضًا كَالْبَيِّنَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ وَأَمَّا الْإِرْثُ فَحُكْمٌ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالنِّكَاحُ إنَّمَا يَنْتَهِي فِي حَقِّ حُكْمٍ كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَالنِّكَاحُ مَعْدُومٌ فِيهِ فَلَوْ صَحَّحْنَا الْإِقْرَارَ وَالنِّكَاحُ مَعْدُومٌ صَحَّحْنَاهُ لِإِثْبَاتِ الْإِرْثِ ابْتِدَاءً فَيَكُونُ التَّصْدِيقُ وَاقِعًا فِي شَيْءٍ هُوَ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ جَانِبِهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُ النِّكَاحِ بَاقِيًا بِبَقَاءِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ عَلَى مَا مَرَّ فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَقَرَّ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ كَسْبًا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ ثُمَّ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ اسْتَحَقَّ الْكَسْبَ وَالْإِرْثُ فِي مَسْأَلَتِنَا بِمَنْزِلَةِ الْكَسْبِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ تَصْدِيقُهُ فِي حَقِّهِ قُلْنَا الْكَسْبُ يَقَعُ مِلْكًا لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ مِنْ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَنْفَعَةِ وَمَنْ مَلَكَ رَقَبَةً مَلَكَ مَنَافِعَهَا حُكْمًا تَبَعًا لَهَا فَيَصِيرُ الْإِقْرَارُ بِالْعَبْدِ إقْرَارًا لَهُ بِأَنَّ الْكَسْبَ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَيَصِيرُ قِيَامُهُ بِمَنْزِلَةِ قِيَامِ الْعَبْدِ، وَأَمَّا الْإِرْثُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ مَوْتِهَا عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهَا بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ لَا بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ يَفُوتُ بِمَوْتِهَا فَيَبْقَى تَصْدِيقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَى إرْثٍ مُبْتَدَأٍ فَلَا يَصِحُّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا أَقَرَّتْ بِهِ هِيَ نِكَاحٌ وَمَا ادَّعَاهُ هُوَ بَعْدَ مَوْتِهَا إرْثٌ فَلَا يَكُونُ تَصْدِيقُهَا لَهَا فِيمَا أَقَرَّتْ بِهِ بَلْ هُوَ دَعْوًى مُبْتَدَأَةٌ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ بِلَا حُجَّةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهَا حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ فَيَثْبُتُ بِهَا مُدَّعَاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ نَحْوِ الْأَخِ وَالْعَمِّ لَمْ يَثْبُتْ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ بِنَسَبٍ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَخِ وَالْعَمِّ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ بِأَنَّهُ ابْنُهُ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالْجَدِّ أَوْ بِابْنِ الِابْنِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَإِنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يَجُوزُ بِدُونِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْأَحْكَامُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْحَضَانَةِ وَالْإِرْثِ إذَا تَصَادَقَا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ وَرِثَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا) أَيْ إنْ كَانَ لِلْمُقِرِّ وَارِثٌ لَا يَرِثُ الْمُقَرُّ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ مَعَ وَارِثٍ مَعْرُوفٍ قَرِيبًا كَانَ ذَلِكَ الْوَارِثُ كَذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْ بَعِيدًا كَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَرِثَهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِضْرَارِ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ بِالنَّسَبِ وَبِاسْتِحْقَاقِ مَالِهِ بَعْدَهُ وَهُوَ فِي النَّسَبِ مُقِرٌّ عَلَى غَيْرِهِ فَيُرَدُّ وَفِي اسْتِحْقَاقِ مَالِهِ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُزَاحِمِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَكَذَا لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِهَذَا الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى كَانَ لِلْمُقِرِّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يَلْزَمُهُ كَالْوَصِيَّةِ إرْثٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِغَيْرِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْمُقَرِّ لَهُ مَا دَامَ الْمُقِرُّ مُصِرًّا عَلَى إقْرَارِهِ كَأَنَّهُ وَارِثٌ حَقِيقَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ شَرَكَهُ فِي الْإِرْثِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إقْرَارَهُ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، نَظِيرُهُ مُشْتَرِي الْعَبْدِ إذَا أَقَرَّ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَعْتِقَ الْعَبْدُ فَإِذَا قُبِلَ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يَسْتَحِقُّ الْمُقَرُّ لَهُ نِصْفَ نَصِيبِ الْمُقِرِّ مُطْلَقًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى يُجْعَلُ إقْرَارُهُ شَائِعًا فِي التَّرِكَةِ فَيُعْطَى الْمُقِرُّ مِنْ نَصِيبِهِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ مَاتَ أَبُوهُ أَخٌ مَعْرُوفٌ فَأَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ فَكَذَّبَهُ أَخُوهُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ أَعْطَى الْمُقِرُّ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي النِّصْفَيْنِ فَنَفَذَ إقْرَارُهُ فِي حِصَّتِهِ وَبَطَلَ مَا كَانَ فِي حِصَّةِ أَخِيهِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ وَالسُّدُسُ الْآخَرُ فِي نَصِيبِ أَخِيهِ بَطَلَ إقْرَارُهُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّهُ يُسَاوِيهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمُنْكِرُ ظَالِمٌ بِإِنْكَارِهِ فَيُجْعَلُ مَا فِي يَدِهِ كَالْهَالِكِ فَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ تَأْخُذُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا تَأْخُذُ خُمُسَهُ، وَلَوْ أَقَرَّ ابْنٌ وَبِنْتٌ بِأَخٍ وَكَذَّبَهُمَا ابْنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَكِنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَصِيَّةٌ حَقِيقَةً أَيْ لَكِنْ الْإِقْرَارُ بِنَسَبِ الْأَخِ وَالْعَمِّ بِمَنْزِلَةِ الْإِيصَاءِ بِالْمَالِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُقِرُّ النَّسَبَ ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ الْمَالُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ لِأَحَدٍ كَانَ الْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ لَمَّا صَحَّ بَطَلَ الْإِقْرَارُ أَصْلًا وَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الرُّجُوعُ قَبْلَ ثُبُوتِ النَّسَبِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ لِكَوْنِهِ تَحْمِيلًا عَلَى الْغَيْرِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ؛ وَلِهَذَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ قَالَ هُوَ ابْنُ عَبْدِي الْغَائِبِ ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إذَا ثَبَتَ لَا يَنْتَقِضُ بِالْجُحُودِ وَالتَّكْذِيبِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَيْسَ هَذَا بِوَصِيَّةٍ فِي الْحَقِيقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَا وَارِثَ لَهُ، ثُمَّ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثَ وَالْبَاقِيَ لِلْأَخِ، وَلَوْ كَانَ الْأَخُ يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَجَبَ قِسْمَةُ الثُّلُثِ بَيْنَهُمَا فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ فِي حُكْمِ الْمُوصَى لَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمَالَ بِقَوْلِ الْمَرِيضِ وَلَيْسَ هُنَاكَ نَسَبٌ ثَابِتٌ يَسْتَنِدُ الِاسْتِحْقَاقُ إلَيْهِ. اهـ. .

[كتاب الصلح]

وَبِنْتٌ يُقْسَمُ نَصِيبُ الْمُقِرَّيْنِ أَخْمَاسًا وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا، وَالتَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِامْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِيهِ أَخَذَتْ ثُمُنَ مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِجَدَّةٍ هِيَ أُمُّ الْمَيِّتِ أَخَذَتْ سُدُسَ مَا فِي يَدِهِ فَيُعَامَلُ فِيمَا فِي يَدِهِ كَمَا يُعَامَلُ لَوْ ثَبَتَ مَا أَقَرَّ بِهِ وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ بِزَوْجَةٍ لِلْمَيِّتِ أَخَذَتْ تُسْعَيْ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ التَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا لِلزَّوْجَةِ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ ابْنٍ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ، فَلَمَّا أَخَذَ أَخُوهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِمَا صَارَ ذَلِكَ كَالْهَالِكِ فَتَضْرِبُ هِيَ بِقَدْرِ حَقِّهَا وَهُوَ سَهْمَانِ وَيَضْرِبُ الِابْنُ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَهُوَ سَبْعَةٌ فَيَحْصُلُ لَهَا سَهْمَانِ مِنْ تِسْعَةٍ وَلَهُ سَبْعَةٌ، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى لَهَا ثُمُنُ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ إنَّمَا يَصِحُّ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ يَعْنِي مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلَهُ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِائَةٌ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِقَبْضِ أَبِيهِ خَمْسِينَ مِنْهَا فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ)؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ غَيْرُ الدَّيْنِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ يَتَقَاصَّانِ فَإِذَا كَذَّبَهُ أَخُوهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً فَوَجَبَ عَلَى الْمَيِّتِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا عَلَى زَعْمِهِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَاسْتَغْرَقَ نَصِيبَهُ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا كَمَا إذَا أَقَرَّ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ آخَرَ وَكَذَّبَهُ أَخُوهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ أَخَاهُ فِي الْخَمْسِينَ وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَلَى أَخِيهِ لَرَجَعَ أَخُوهُ عَلَى الْغَرِيمِ بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى زَعْمِهِ ثُمَّ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْمُقِرِّ بِمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ مِمَّا أَخَذَهُ مِنْ أَخِيهِ الْمُكَذِّبِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ، وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ الْمُقِرَّ يَحْصُلُ لَهُ نِصْفُ الْخَمْسِينَ؛ لِأَنَّهُ يَصْرِفُ الْإِقْرَارَ إلَى الْكُلِّ شَائِعًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَخِيهِ، فَإِقْرَارُهُ فِي حَقِّهِ مَقْبُولٌ فَيَصِحُّ وَفِي حَقِّ أَخِيهِ لَا يُقْبَلُ فَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ كُلَّ الدَّيْنِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ جَوَابُهُ كَالْأُولَى إلَّا أَنَّهُ هُنَا يُحَلِّفُ الْمُنْكِرَ لِحَقِّ الْمَدِينِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَبَضَ الدَّيْنَ فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، وَإِنْ حَلَفَ دُفِعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يَحْلِفُ لِحَقِّ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كُلَّهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْلِيفِهِ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إلَّا النِّصْفُ فَيُحَلِّفُهُ، وَلَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِائَةً أُخْرَى غَيْرَ الدَّيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَاقْتَسَمَاهَا رَجَعَ الْمُكَذِّبُ عَلَى الْغَرِيمِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْمِائَةِ الدَّيْنِ لِمَا قُلْنَا وَلِلْغَرِيمِ أَنْ يُحَلِّفَهُ لِمَا بَيَّنَّا فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، وَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ نَصِيبَهُ، وَهُوَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا مِنْ الْغَرِيمِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ بِذَلِكَ عَلَى الْمُقِرِّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِقَبْضِ أَبِيهِ الْمِائَةَ فَقَدْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (كِتَابُ الصُّلْحِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ هُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُصَالَحَةِ، وَهُوَ الْمُسَالَمَةُ خِلَافُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ)، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ صَارَتْ مِيرَاثًا بَيْنَهُمَا فَلَمَّا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِاقْتِضَاءِ أَبِيهِ صَحَّ ذَلِكَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً لَا فِي نَصِيبِ أَخِيهِ فَبَقِيَتْ حِصَّةُ الْآخَرِ كَمَا كَانَتْ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمُقِرَّ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضِ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيَجِبُ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى الطَّالِبِ بِقَبْضِ الطَّالِبِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِلطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا فَيَسْقُطُ مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ فَإِذَا كَذَّبَهُ أَخُوهُ فِي الْإِقْرَارِ لَمْ يَنْفُذْ الْإِقْرَارُ عَلَى الْمُنْكِرِ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً فَيَسْقُطُ نَصِيبُ الْمُقِرِّ وَأَوْرَدَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ يَزْعُمُ هَذَا الْمُقِرُّ أَنَّ أَبَاهُ قَدْ قَبَضَ الْخَمْسِينَ، وَالْخَمْسُونَ الْبَاقِيَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ فِي الْكُلِّ قِيلَ لَهُ: لَوْ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْخَمْسِينَ شَيْئًا أَدَّى ذَلِكَ إلَى الدَّوْرِ وَالتَّنَاقُصِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ كَانَ لِلِابْنِ الْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَطْلُوبِ تَمَامَ الْخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ الِابْنَ الْمُنْكِرَ يَقُولُ لَمْ يَأْخُذْ أَبِي مِنْ الدَّيْنِ شَيْئًا وَلِي تَمَامُ خَمْسِينَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَرِيمِ بِتَمَامِ خَمْسِينَ ثُمَّ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الِابْنِ الْمُقِرِّ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ أَخِيهِ وَإِذَا كَانَ يُؤَدِّي إلَى هَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيمَا قَبَضَ الْمُنْكِرُ مِنْ الْخَمْسِينَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَلَى أَخِيهِ) أَيْ وَأَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ الْخَمْسِينَ الَّتِي قَبَضَهَا مِنْ الْغَرِيمِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ) أَقُولُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِتَمَامِ الْخَمْسِينَ إذْ لَا حَقَّ لِلْأَخِ الْمُنْكِرِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ حَتَّى يَكُونَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ اهـ [كِتَابُ الصُّلْحِ] (كِتَابُ الصُّلْحِ) قَدْ مَرَّ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الصُّلْحِ وَالْإِقْرَارِ بِالدَّعْوَى فِي أَوَّلِ الْإِقْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ) رُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ مَالًا مَعْلُومًا إنْ اُحْتِيجَ إلَى قَبْضِهِ وَإِلَّا لَا يُشْتَرَطُ مَعْلُومِيَّتُهُ، فَإِنَّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِبَلَهُ حَقًّا فِي حَانُوتِهِ فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَتْرُكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَعْوَاهُ قِبَلَ صَاحِبِهِ، صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْدَارَ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي. وَجَوَازُهُ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] عُرِّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ صُلْحٍ خَيْرًا وَكُلُّ خَيْرٍ مَشْرُوعٌ اهـ سَيِّدٌ وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَشَرْطُ الصُّلْحِ كَوْنُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَقًّا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهُ، وَكَوْنُ بَدَلِ الصُّلْحِ مَالًا مَعْلُومًا إنْ اُحْتِيجَ إلَى قَبْضِهِ وَإِلَّا لَا تُشْتَرَطُ مَعْلُومِيَّتُهُ فَإِنَّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي حَانُوتِهِ فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَتْرُكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَعْوَاهُ قِبَلَ صَاحِبِهِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كُلُّ وَاحِدٍ حَقَّهُ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُسَالَمَةُ) أَيْ بَعْدَ الْمُحَارَبَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

الْمُخَاصَمَةُ وَأَصْلُهُ مِنْ الصَّلَاحِ، وَهُوَ ضِدُّ الْفَسَادِ، وَمَعْنَاهُ دَالٌّ عَلَى حُسْنِهِ الذَّاتِيِّ وَكَمْ مِنْ فَسَادٍ انْقَلَبَ بِهِ إلَى الصَّلَاحِ بِحُسْنِهِ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِنْدَ حُصُولِ الْفَسَادِ وَالْفِتَنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] قَالُوا مَعْنَاهُ جِنْسُ الصُّلْحِ خَيْرٌ وَلَا يَعُودُ إلَى الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّعْلِيلِ، وَالْعِلَّةُ لَا تَتَقَيَّدُ بِمَحَلِّ الْحُكْمِ فَيُعْلَمُ بِهَذَا أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ إطْفَاءَ النَّائِرَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَرَفْعَ الْمُنَازَعَاتِ الْمُوبِقَاتِ عَنْهُمْ، وَهِيَ ضِدُّ الْمُصَالَحَةِ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنَازَعُوا} [الأنفال: 46] وَفِي تَرْكِ الصُّلْحِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ طَلَبَ جَمِيعِ مَا يَسْتَحِقُّهُ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْإِنْكَارِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْإِعْسَارِ، وَفِيهِ فَسَادٌ عَظِيمٌ بَعْدَ الْإِنْكَارِ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تَكْثُرُ الْعَدَاوَةُ وَتَهِيجُ الْفِتَنُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالشُّهُودِ وَالْقَاضِي وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «رُدُّوا الْخُصُومَ كَيْ يَصْطَلِحُوا» وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَعْمَلُ الشَّيْطَانُ فِي إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ فِي بَنِي آدَمَ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ مِنْ إبْطَالِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ فِي مَنْعِ هَذَا الصُّلْحِ فَتْحَ بَابِ الْمُنَازَعَاتِ وَإِثَارَةَ النَّائِرَاتِ بَيْنَ النَّاسِ وَإِقَامَةَ الْفِتَنِ وَالْمُكَايَدَاتِ، أَلَا تَرَى إلَى مَا حُكِيَ أَنَّ فِتْنَةً وَقَعَتْ فِي قَبِيلَةٍ بِسَبَبِ تُهْمَةِ غُلَامٍ فَهَاجَتْ بَيْنَهُمْ حَتَّى قُتِلَ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ أَلْفًا فَامْتَدَّتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ إلَى أَنْ وَقَعَ الصُّلْحُ فَانْطَفَأَتْ النَّائِرَةُ؛ وَلِأَنَّ الْعُقُودَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِلْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ أَمَسُّ لِدَفْعِ الشَّرِّ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَهُوَ جَائِزٌ بِإِقْرَارٍ وَسُكُوتٍ، وَإِنْكَارٍ) لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ صُلْحٍ جَائِزٌ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ مِنْ الصَّلَاحِ) أَيْ وَهُوَ اسْتِقَامَةُ الْحَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ قَالُوا مَعْنَاهُ جِنْسُ الصُّلْحِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قُلْت لَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِالْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْجِنْسَ لَا الْعَهْدَ وَقَدْ وُجِدَ دَلِيلُ الْعَهْدِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] أَيْ ذَلِكَ الصُّلْحُ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا صَرْفُهُ إلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّ مَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصُّلْحِ لَا يَجُوزُ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَصُلْحُ الْمُودَعِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَإِذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ قَذْفًا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا فَأَنْكَرَتْ فَصَالَحَتْ عَلَى مَالٍ لَا يَجُوزُ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ صَرْفُهُ إلَى الْكُلِّ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْأَدْنَى لِتَيَقُّنِهِ وَهُوَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ قُلْت التَّعَلُّقُ بِالْآيَةِ صَحِيحٌ لِدُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهِيَ مُطْلَقَةٌ لَا فَصْلَ فِيهَا وَحَمْلُهُ عَلَى الْعَهْدِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالصُّلْحِ وَعَلَّلَ بِكَوْنِهِ خَيْرًا وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ وَكَأَنَّهُ قَالَ صَالِحُوا فَإِنَّ الصُّلْحَ خَيْرٌ يَعْنِي جِنْسَ الصُّلْحِ خَيْرٌ كَمَا يُقَالُ صَلِّ وَالصَّلَاةُ خَيْرٌ أَيْ جِنْسُ الصَّلَاةِ خَيْرٌ، غَايَةُ مَا فِي الْبَاب أَنَّهُ انْصَرَفَ إلَى الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، وَلَكِنَّهُ وَصَفَهُ تَعَالَى بِكَوْنِهِ خَيْرًا؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ فَكُلُّ مَا يَكُونُ صُلْحًا يَكُونُ خَيْرًا، وَأَيْضًا قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ نُشُوزَ الزَّوْجِ وَالْإِعْرَاضَ قَدْ يَكُونُ عَنْ إنْكَارِ حَقِّهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ صُلْحًا عَلَى الْإِنْكَارِ وَمَعَ ذَلِكَ جَازَ وَقَوْلُهُمْ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى الْجِنْسِ كُلِّهِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ نَقُولُ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ مَا لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِالْإِطْلَاقِ بَلْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تُرِكَ الْعَمَلُ بِالْإِطْلَاقِ بِدَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَوُجُودُهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ فِي كُلِّ الْمَوَاضِعِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْعَمَلَ بِالْإِطْلَاقِ فِيمَا وَرَاءَ دَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَقَدْ تَأَيَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ الصُّلْحُ مَعَ الْمُودَعِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ إذَا ادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ الْإِيدَاعَ وَجَحَدَ الْمُودَعُ وَالثَّانِي إذَا ادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ الْإِيدَاعَ وَالِاسْتِهْلَاكَ وَالْمُودَعُ أَقَرَّ بِالْإِيدَاعِ وَسَكَتَ وَلَمْ يَدَّعِ الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ وَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الصُّلْحُ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ، وَالثَّالِثُ إذَا قَالَ الْمُودَعُ هَلَكْت، أَوْ رَدَدْتُ وَصَاحِبُ الْمَالِ سَاكِتٌ، أَوْ قَالَ لَا أَدْرِي فَاصْطَلَحَا لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُوسُفَ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالرَّابِعُ إذَا قَالَ الْمُودَعُ ضَاعَتْ، أَوْ رَدَدْتُ وَقَالَ الْمَالِكُ لَا بَلْ اسْتَهْلَكْتَ فَاصْطَلَحَا لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ قَالَ أُسْتَاذُنَا فَخْرُ الدِّينِ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَيْضًا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا إذَا قَالَ الْمَالِكُ اسْتَهْلَكْتَهَا وَقَالَ الْمُودَعُ ضَاعَتْ أَوْ رَدَدْتُ أَوْ قَالَ الْمُودَعُ ضَاعَتْ، أَوْ رَدَدْتُ وَقَالَ الْمُودِعُ اسْتَهْلَكْتَهَا وَذَكَرُوا الْخِلَافَ فِيهِمَا جَمِيعًا وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ إذَا قَالَ الْمُودِعُ أَوَّلًا اسْتَهْلَكْتَهَا وَقَالَ الْمُودَعُ ضَاعَتْ، أَوْ رَدَدْتُ يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي قَوْلِهِمْ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهُوَ جَائِزٌ بِإِقْرَارٍ) قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَالْمُرَادُ بِجَوَازِ الصُّلْحِ اعْتِبَارُهُ فِي إثْبَاتِ مِلْكِ الْمُدَّعِي فِي بَدَلِ الصُّلْحِ وَانْقِطَاعِ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبُطْلَانِ حَقِّ الدَّعْوَى فِي أَصْلِ الْمُدَّعَى وَالْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ هَذَا بَذْلُ الْمَالِ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي لِقِيَامِ أَمَارَةِ ثُبُوتِ الْحَقِّ فِي حَقِّهِ وَبَذْلُ الْمَالِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ وَصِيَانَةِ النَّفْسِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسُكُوتٍ) أَيْ وَهُوَ أَنْ لَا يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يُنْكِرَ اهـ وَوَجْهُ حَصْرِ الصُّلْحِ فِي الثَّلَاثَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجِيبَ لِدَعْوَى الْمُدَّعِي، أَوْ لَا وَالثَّانِي هُوَ السُّكُوتُ وَالْأَوَّلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا فَانْحَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ لَا مَحَالَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ «كُلُّ صُلْحٍ جَائِزٌ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ اهـ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ مَعَ الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ لِمَا رَوَيْنَا، وَهَذَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ كَانَ حَلَالًا لِلدَّافِعِ حَرَامًا عَلَى الْآخِذِ فَبِالصُّلْحِ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فَيَكُونُ حَرَامًا عَلَى الدَّافِعِ حَلَالًا عَلَى الْآخِذِ، أَوْ نَقُولُ إنَّ الْمُدَّعِيَ إنْ كَانَ مُحِقًّا كَانَ أَخْذُ الْمُدَّعَى حَلَالًا لَهُ قَبْلَ الصُّلْحِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ بِالصُّلْحِ، وَإِنْ كَانَ مُبْطِلًا فَقَدْ كَانَ أَخْذُ الْمَالَ عَلَى الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ حَرَامًا عَلَيْهِ قَبْلَ الصُّلْحِ وَحَلَّ لَهُ بِالصُّلْحِ فَصَارَ صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا؛ وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدْفَعُ الْمَالَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا رِشْوَةٌ فَإِذَا كَانَ التَّمْلِيكُ رِشْوَةً كَانَ التَّمَلُّكُ قَبُولَ الرِّشْوَةِ إذْ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي مَلَكَ فَيَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعًا لِدَفْعِ الظُّلْمِ وَالْمُدَّعِي آخِذًا لِتَرْكِ الظُّلْمِ قُلْنَا لَيْسَ هَذَا بِمُرَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الصُّلْحِ مَعَ الْإِقْرَارِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ يَقَعُ عَادَةً عَلَى مَا دُونَ حَقِّهِ فَمَا زَادَ عَلَى الْمَأْخُوذِ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ كَانَ حَلَالًا لِلْمُدَّعِي أَخْذُهُ قَبْلَ الصُّلْحِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ بِالصُّلْحِ، وَكَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْعُهُ قَبْلَ الصُّلْحِ وَحَلَّ لَهُ ذَلِكَ بَعْدُ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا الْمَعْنَى لَمَا صَحَّ مُطْلَقًا بَلْ الْبَيْعُ أَيْضًا يَكُونُ حَرَامًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَالُهُ كَانَ حَلَالًا لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ، وَكَذَا سَائِرُ الْعُقُودِ الْمَشْرُوعَةِ فَيُؤَدِّي هَذَا إلَى تَحْرِيمِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ بِأَسْرِهَا، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُسْتَبَاحَ بِالصُّلْحِ مَا لَيْسَ بِمُبَاحٍ شَرْعًا أَوْ يُحَرَّمَ مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ أَوْ تُصَالِحَ إحْدَى الضَّرَّتَيْنِ زَوْجَهَا عَلَى أَنْ لَا يَطَأَ الْأُخْرَى أَوْ أَمَتَهُ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى زَعْمِهِمْ بِالصُّلْحِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَ الْحَرَامَ وَالْحَلَالَ مُطْلَقًا وَالْمُطْلَقُ مِنْهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ حَرَامًا أَوْ حَلَالًا لِعَيْنِهِ وَقَوْلُهُ رِشْوَةٌ وَتَمَلُّكُهُ قَبُولٌ لِلرِّشْوَةِ إلَى آخِرِهِ لَا يَسْلَمُ بَلْ هُوَ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي هُوَ عَيْنُ حَقِّهِ أَوْ بَدَلُهُ فَهُوَ حَلَالٌ لَهُ أَخْذُهُ وَأَكْلُهُ وَفِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ أَيْضًا حَلَالٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمْ يُخْلَقْ إلَّا لِذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ أَجْوَزَ مَا يَكُونُ مِنْ الصُّلْحِ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الصُّلْحِ فِيهِ يَتَحَقَّقُ عَلَى التَّمَامِ، وَهُوَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَالْخُصُومَةِ وَالْفَسَادِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَأَمَّا مَعَ الْإِقْرَارِ فَلَا يُؤْخَذُ فِيهِ مَعْنَى الصُّلْحِ عَلَى التَّمَامِ إذْ لَيْسَ فِيهِ مُنَازَعَةٌ حَتَّى يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى الصُّلْحِ بَلْ هُوَ اسْتِيفَاءٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِسْقَاطٌ لِلْبَاقِيَّ إنْ أَخَذَ بَعْضَ حَقِّهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ خِلَافِهِ فَهُوَ بَيْعٌ عَنْ طَوْعٍ مِنْهُ وَاخْتِيَارٍ، وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ رِشْوَةٌ فَهِيَ جَائِزَةٌ لِلدَّافِعِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الذَّمِّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» الْمُرَادُ بِهِ إذَا كَانَ هُوَ الظَّالِمُ فَيَدْفَعُهَا إلَى بَعْضِ الظَّلَمَةِ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الظُّلْمِ بِالرِّشْوَةِ وَأَمَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا شُبْهَةَ فِيهِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ أَيْضًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْيَتِيمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَضِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَرَقَ السَّفِينَةَ كَيْ لَا يَأْخُذَهَا الظَّالِمُ وَمَا كَانَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ إلَّا الْإِصْلَاحَ، وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُصْلِحَ مِنْ الْمُفْسِدِ، وَقَوْلُهُ إذْ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي مَلَكَ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ اتِّحَادَ جِهَةِ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ بَلْ قَدْ تَخْتَلِفُ الْجِهَةُ بَيْنَهُمَا كَمَنْ أَقَرَّ بِعِتْقِ عَبْدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَإِنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى يُجْبَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى الثَّمَنِ فِدَاءٌ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي إذْ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا عَلَى زَعْمِهِ، وَقِبْلَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي التَّحَرِّي مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَالْخُلْعُ يَمِينٌ فِي حَقِّهِ مُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّهَا، وَكَذَا الْفَسْخُ بِالْإِقَالَةِ فَإِنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ بِإِقْرَارٍ اُعْتُبِرَ بَيْعًا)؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ قَدْ وُجِدَ فِيهِ، وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَنْ تَرَاضٍ فَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبُيُوعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصُّلْحِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَشْبَهِ الْعُقُودِ لَهُ فَتَجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّورِ؛ وَلِهَذَا جُعِلَتْ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَيْعًا، وَالْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةً وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ الْأَصِيلُ كَفَالَةً ثُمَّ إذَا وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ يُنْظَرْ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ الْمُدَّعَى فَهُوَ بَيْعٌ وَشِرَاءٌ كَمَا ذَكَرْنَا هُنَا، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى فَهُوَ حَطٌّ وَإِبْرَاءٌ، وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِهِ فَهُوَ قَبْضٌ وَاسْتِيفَاءٌ، وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَهُوَ فَضْلٌ وَرِبًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَتَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَالرَّدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِي» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ) رَوَى مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا دِينَارَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِسُحْتٍ إلَّا عَلَى مَنْ أَكَلَهُ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَاهُ لِمَنْفَعَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا إنْ رَشَا إنْسَانًا يَخَافُ ظُلْمَهُ وَحَبْسَهُ فَلَا بَأْسَ لِلرَّاشِي وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْمُرْتَشِي قَالَ مُحَمَّدٌ بَلَغَنَا عَنْ الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ مَا وَجَدْنَا فِي زَمَنِ الْحَجَّاجِ، أَوْ زِيَادٍ، أَوْ ابْنِ زِيَادٍ شَيْئًا خَيْرًا لَنَا مِنْ الرِّشَا قَالَ مُحَمَّدٌ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ لِلْمُعْطِي؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الظِّلَامَةَ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْآخِذِ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) رَوَاهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَأْخُذُهَا الظَّالِمُ) أَجَازَ التَّعْيِيبَ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى مَخَافَةَ أَخْذِ الْمُتَغَلِّبِ كَذَا فِي أَحْكَامِ الصَّفَّارِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ رَشَا لِدَفْعِ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ خَوْفًا عَلَى نِسَائِهِ، أَوْ أَعْطَى مَالَهُ لِشَاعِرٍ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُصْلِحَ مِنْ الْمُفْسِدِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ لَمْ يُرِدْ الشَّارِحُ التِّلَاوَةَ وَلِذَا قَدَّمَ الْمُصْلِحَ اهـ (قَوْلُهُ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ) أَيْ فَجِهَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِبْلَةٌ فِي حَقِّهِ وَلَا تَكُونُ قِبْلَةً فِي حَقِّ مَنْ تَوَجَّهَ إلَى غَيْرِهَا. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَتَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ) أَيْ إذَا كَانَ عَقَارًا اهـ

بِالْعَيْبِ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ فَتَثْبُتُ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُفْسِدُهُ جَهَالَةُ الْبَدَلِ) أَيْ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ (لَا جَهَالَةُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ)؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَيَفْسُدُ بِالْجَهَالَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ غَيْرَ أَنَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ وَاَلَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ يُحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِهِ فَتُفْسِدُهُ؛ وَلِهَذَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ يَفْسُدُ دُونَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَكَذَا يَفْسُدُ بِجَهَالَةِ الْأَجَلِ إذَا جُعِلَ الْبَدَلُ مُؤَجَّلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ أَوْ كُلُّهُ رَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ مِنْ الْعِوَضِ أَوْ بِكُلِّهِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَوْ بَعْضُهُ رَجَعَ بِكُلِّ الْمُصَالَحِ عَنْهُ أَوْ بِبَعْضِهِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِوَضٌ عَنْ الْآخَرَ فَأَيُّهُمَا اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ إنْ كُلًّا فَبِالْكُلِّ، وَإِنْ بَعْضًا فَبِالْبَعْضِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ اُعْتُبِرَ إجَارَةً) يَعْنِي الصُّلْحَ بِإِقْرَارٍ إنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ يَكُونُ إجَارَةً لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَشْبَهِ عُقُودٍ لَهُ إذْ الْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهَا لِوُجُودِ مَعْنَاهَا فِيهِ، وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ وَيَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ، وَهَذَا حُكْمُهَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ بِأَنْ ادَّعَى شَيْئًا فَوَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ أَوْ سُكْنَى سَنَةٍ وَفِيمَا عَدَاهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ كَمَا إذَا صَالَحَهُ عَلَى صَبْغِ الثَّوْبِ أَوْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ أَوْ حَمْلِ الطَّعَامِ إلَى مَوْضِعٍ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَحَلُّ الْمَنْفَعَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بَطَلَ الصُّلْحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ وَلِهَذَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ) أَيْ كَمَا إذَا صَالَحَ عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَيُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ) حَتَّى لَوْ صَالَحَهُ عَلَى سُكْنَى دَارٍ إلَى الْأَبَدِ، أَوْ حَتَّى يَمُوتَ لَا يَجُوزُ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِذَا اُعْتُبِرَ بِالْإِجَارَةِ كَانَ التَّوْقِيتُ مِنْ شَرْطِهِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى سُكْنَى بَيْتٍ بِعَيْنِهِ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ، وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ أَبَدًا، أَوْ إلَى أَنْ يَمُوتَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى زِرَاعَةِ أَرْضٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً جَازَ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً فَلَا، وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَيْضًا كَمَا فِي الْإِجَارَةِ وَيَرْجِعُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ بِقَدْرِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَصْلُ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى مَعْلُومٍ عَنْ مَعْلُومٍ، أَوْ عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ جَائِزٌ وَالصُّلْحُ عَلَى شَيْءٍ مَجْهُولٍ عَنْ مَعْلُومٍ، أَوْ عَنْ مَجْهُولٍ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ يَسْتَغْنِي عَنْ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ فَجَهَالَتُهُ لَا تُبْطِلُ عَقْدَ الصُّلْحِ كَمَا إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا مَجْهُولًا فَاصْطَلَحَا جَمِيعًا عَلَى التَّتَارُكِ جَازَ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تُبْطِلُ الْعُقُودَ لِعَيْنِهَا وَإِنَّمَا تَبْطُلُ الْعُقُودُ لِمَعْنًى فِيهَا وَهُوَ لِوُقُوعِ الْمُنَازَعَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْتَغْنَى عَنْ قَبْضِهِ وَلَا تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي ثَانِي الْحَالِ جَازَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ وَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي ثَانِي الْحَالِ عِنْدَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ لَمْ يَجُزْ ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَيْنَ مَالٍ فِي يَدِ رَجُلٍ كَالْعَبْدِ وَالدَّارِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهَا فَادَّعَى كُلَّهُ، أَوْ بَعْضَهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرٌّ أَوْ جَاحِدٌ، أَوْ سَاكِتٌ فَإِنَّ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ إمَّا أَنْ يَكُونَ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا، أَوْ حَيَوَانًا أَوْ ثِيَابًا وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، أَوْ مَوْصُوفًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، أَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى مَنْفَعَةٍ، أَمَّا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى دَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا فَالشَّرْطُ فِيهَا بَيَانُ مِقْدَارِهَا وَيَقَعُ عَلَى الْجِيَادِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ يَقَعُ عَلَى الْغَالِبِ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِبَعْضٍ مِنْهَا عَلَى بَعْضٍ غَلَبَةٌ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ نَقْدًا مِنْهَا مَعَ بَيَانِ الْقَدْرِ وَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهَا حَالَّةً وَمُؤَجَّلَةً، وَقَبْضُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَمَا لَا يُبْطِلُهُ النَّسَاءُ لَا يُبْطِلُهُ الْعَقْدُ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً جَازَ الصُّلْحُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ وَلَكِنْ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ حَتَّى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْبِسَهَا وَيُعْطِيَ الرَّجُلَ مِثْلَهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُدَّعِي، أَوْ اُسْتُحِقَّتْ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ مِثْلِهَا وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهَا وَوَصْفِهَا بَعْدَ الْهَلَاكِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا اخْتَلَفَا وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا وَهَا هُنَا الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَائِمٌ وَهُوَ عَيْنٌ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ إنْ وَقَعَ عَلَى الدَّنَانِيرِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الدَّرَاهِمِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا، وَإِنْ صَالَحَ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى كَيْلِيٍّ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، أَوْ عَلَى وَزْنِيٍّ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَأَضَافَ الْعَقْدَ وَهُوَ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ بَعْدَ أَنَّ ذَلِكَ فِي مِلْكِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَحَّ الصُّلْحُ وَيَقَعُ عَلَى مَا سَمَّى مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ وَلَمْ يُسَمِّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ جَازَ وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ فَالشَّرْطُ فِيهِ بَيَانُ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ، وَبَيَانُ الْأَجَلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلَوْ بَيَّنَ الْأَجَلَ جَازَ وَيَثْبُتُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْكَيْلِيَّ وَالْوَزْنِيَّ أَعْيَانُهُمَا سِلَعٌ وَأَوْصَافُهُمَا ثَمَنٌ فَإِذَا عُيِّنَا تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِأَعْيَانِهِمَا وَإِذَا وُصِفَا وَلَمْ يَتَعَيَّنَا صَارَ حُكْمُهُمَا كَحُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى ثِيَابٍ إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً جَازَ الصُّلْحُ وَالشَّرْطُ فِيهِ الْإِشَارَةُ لَا غَيْرُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَالصُّلْحُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَأْتِيَ بِجَمِيعِ شَرَائِطِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ لَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ شَرَائِطِ السَّلَمِ، وَإِنْ صَالَحَ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى حَيَوَانٍ أَوْ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ لِجَهَالَتِهِ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ وُرُودُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ صَحَّ الصُّلْحُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ وُرُودُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ هَلَكَ) لَفْظُ، أَوْ هَلَكَ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. .

فَيَرْجِعُ بِالْمُدَّعَى، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ بَطَلَ فِيمَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِالْمُدَّعَى بِقَدْرِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ وَهِيَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمَوْتِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ الْمُدَّعِي يَسْتَوْفِي الْمَنَافِعَ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعِي فَكَذَلِكَ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّارِ، وَالْوَارِثُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِمَا وَيَبْطُلُ فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَفِي إبْطَالِهِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا إعَادَةُ الْمُنَازَعَةِ فَيَبْقَى فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ فِيهِ إمَّا بِاسْتِمْرَارِ الْعَاقِدِ أَوْ بِإِقَامَةِ وَارِثِهِ مَقَامَهُ، وَفِيمَا يَتَفَاوَتُونَ فِيهِ كَلُبْسِ الثِّيَابِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ إنْ مَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَبْقَى لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ بِالِاسْتِمْرَارِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعِي يَبْطُلُ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْوَارِثِ مَقَامَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ الْمَالِكُ بِذَلِكَ، وَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ يَبْطُلُ الصُّلْحُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُطْلَقًا كَالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُنْظَرُ فَإِنْ قَتَلَهُ الْمُدَّعِي أَوْ الْأَجْنَبِيُّ يَضْمَنْ قِيمَتَهُ وَيَشْتَرِي بِقِيمَتِهِ عَبْدًا فَيُخْدِمُهُ كَمَا إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَلَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِاحْتِمَالِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا فِي الْخِدْمَةِ فَالرِّضَا بِالْأَوَّلِ لَا يَكُونُ رِضًا بِالثَّانِي، وَإِنْ قَتَلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَطَلَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَضْمَنُ نَفْسَ عَبْدِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الضَّمَانُ بِالْإِتْلَافِ وَالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الِاسْتِيفَاءَ الْحَاصِلَ بِعَقْدِ الرَّهْنِ وَالْقَبْضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصُّلْحُ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ فِدَاءٌ لِلْيَمِينِ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ وَمُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي) لِمَا بَيَّنَّا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ بِاعْتِبَارِ شَخْصَيْنِ كَالنِّكَاحِ مُوجِبُهُ الْحِلُّ فِي الْمُتَنَاكِحَيْنِ وَالْحُرْمَةُ فِي أُصُولِهِمَا فَيُؤَاخَذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَزْعُمُ، وَهَذَا فِي الْإِنْكَارِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالْإِنْكَارِ أَنَّ مَا يُعْطِيهِ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَفِدَاءِ الْيَمِينِ، وَكَذَا فِي السُّكُوتِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ فَجِهَةُ الْإِنْكَارِ رَاجِحَةٌ إذْ الْأَصْلُ فَرَاغُ الذِّمَمِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالشَّكِّ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ كَوْنُ مَا فِي يَدِهِ عِوَضًا عَمَّا دَفَعَ بِالشَّكِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَا شُفْعَةَ إنْ صَالَحَا عَنْ دَارَيْهِمَا وَتَجِبُ لَوْ صَالَحَا عَلَى دَارَيْهِمَا) أَيْ الْمُنْكِرُ وَالسَّاكِتُ إذَا ادَّعَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارِهِ فَصَالَحَ عَنْهَا بِدَفْعِ شَيْءٍ آخَرَ لَمْ تَجِبْ فِي دَارِهِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهَا دَارُهُ وَأَنَّهُ يَسْتَبْقِيهَا عَلَى مَا كَانَتْ لَهُ، وَأَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَى الْمُدَّعِي لَيْسَ بِعِوَضٍ عَنْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ فَصَالَحَ عَنْهُ عَلَى دَارٍ فَدَفَعَهَا إلَى الْمُدَّعِي وَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَأْخُذُهَا عِوَضًا عَمَّا ادَّعَى فَكَانَ مُعَاوَضَةً عَلَى زَعْمِهِ فَتَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ يُؤَاخَذُ بِزَعْمِهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا فَأَنْكَرَ فَصَالَحَهُ عَنْهَا عَلَى دَارٍ أُخْرَى وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِي الَّتِي صَالَحَ عَلَيْهَا دُونَ الْأُخْرَى لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْكَارُ الْآخَرِ الْمُعَاوَضَةَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ فِيهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ: أَنَا اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٌ يُنْكِرُ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ دَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِدَاءٌ لِلْيَمِينِ) لَفْظُ لِلْيَمِينِ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ) أَيْ وَالسَّاكِتِ قَالَ الْقُدُورِيُّ وَالصُّلْحُ عَنْ السُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَفِي حَقِّ الْمُدَّعِي بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ اهـ فَيَشْمَلُ قَوْلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرَ وَالسَّاكِتَ. اهـ. (وَقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي)، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي دَعْوَاهُ وَاَلَّذِي أَخَذَهُ عِوَضٌ عَنْ حَقِّهِ وَالْمَرْءُ مُؤَاخَذٌ بِزَعْمِهِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّهِ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ وَاَلَّذِي يُعْطِيه لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ وَالشَّغَبِ وَالذَّبِّ عَنْ نَفْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَا شُفْعَةَ إنْ صَالَحَا عَنْ دَارَيْهِمَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ مَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالَ وَإِذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ صَالِحٍ مَعَهُ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ تَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ مُقِرٌّ بِأَنَّ الدَّارَ كَانَتْ لِلْمُدَّعِي وَإِنَّمَا صَارَتْ لَهُ بِهَذَا الصُّلْحِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ فَإِنْ كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ مِثْلِيًّا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مِثْلِيٍّ أَخَذَهَا بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا؛ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الدَّارَ كَانَتْ لَهُ وَإِنَّمَا بَذَلَ الْمَالَ لِلْمُدَّعِي لِدَفْعِ بَاطِلِ خُصُومَتِهِ لَا بَدَلًا لِلدَّارِ وَلَكِنَّ الشَّفِيعَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُدَّعِي وَلَهُ أَنْ يُدْلِيَ بِحُجَّتِهِ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ أَنَّ الدَّارَ كَانَتْ لِلْمُدَّعِي، أَوْ حَلَّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّارَ إنَّمَا حَصَلَتْ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ وَقَعَ عَلَى أَرْضٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ عَلَى دَارٍ بِعَيْنِهَا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَبَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ بِقِيمَةِ الدَّارِ الْمَتْرُوكَةِ سَوَاءً كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ، أَوْ إنْكَارٍ؛ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهَا بَدَلًا عَنْ الدَّارِ الْمَتْرُوكَةِ وَأَنَّ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةَ فَاسْتَوَى فِي الْمَأْخُوذَةِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَعْوَاهُ فِي الدَّارِ عَلَى مَنَافِعَ لَا عَلَى عَيْنِ مَالٍ فَلَا شُفْعَةَ فِي الْمَتْرُوكَةِ سَوَاءً كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ، أَوْ إنْكَارٍ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الدَّارِ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ، وَلَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُدَّعِي الدَّارَ وَيُعْطِيَهُ دَارًا أُخْرَى فَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّارَيْنِ الشُّفْعَةُ بِقِيمَةِ الدَّارِ الْأُخْرَى إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا كَانَ عَنْ إنْكَارٍ كَانَتْ هَذِهِ مُبَادَلَةَ دَارٍ بِدَارٍ، وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ مِثْلَ هَذَا عَنْ إقْرَارٍ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ وَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ جَمِيعًا مِلْكٌ لِلْمُدَّعِي كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ) وَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ الْمُدَّعِي فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَ مُعَاوَضَةً عَلَى زَعْمِهِ) أَيْ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

[فصل الصلح جائز عن دعوى المال]

مِنْ فُلَانٍ، وَهُوَ يُنْكِرُ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ زَعْمَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ رَجَعَ الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ وَرَدَّ الْبَدَلَ، وَلَوْ بَعْضَهُ فَبِقَدْرِهِ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى شَخْصٍ شَيْئًا فَأَنْكَرَ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمُدَّعَى كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ رَدَّ الْمُدَّعِي الْعِوَضَ الَّذِي أَخَذَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ قَدْرَ مَا اُسْتُحِقَّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَرَجَعَ هُوَ بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْمُسْتَحَقِّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى زَعْمِهِ عِوَضًا عَمَّا ادَّعَى فَإِذَا اُسْتُحِقَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَدْفَعْ الْعِوَضَ إلَّا لِيَدْفَعَ خُصُومَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ لِيَبْقَى الْمُدَّعَى فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةِ أَحَدٍ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَقْصُودُهُ وَتَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا إذَا أَدَّى الْمَكْفُولُ عَنْهُ الْمَالَ إلَى الْكَفِيلِ لِيَقْضِيَ الدَّيْنَ مِنْ عِنْدِهِ وَيَكُونَ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ قَضَى الْمَكْفُولُ عَنْهُ الدَّيْنَ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ بِمَا أَعْطَاهُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ قَامَ مَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ أَخَذَ الْمُدَّعَى مِنْهُ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَوْ بَعْضُهُ رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ) أَيْ اُسْتُحِقَّ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ فِي يَدِ الْمُدَّعِي رَجَعَ الْمُدَّعِي إلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ إنْ اُسْتُحِقَّ كُلُّ الْعِوَضِ أَوْ فِي بَعْضِهِ إنْ اُسْتُحِقَّ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مَا تَرَكَ الدَّعْوَى إلَّا لِيُسَلَّمَ لَهُ الْبَدَلُ فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ رَجَعَ بِالْمُبْدَلِ، وَهُوَ الدَّعْوَى بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِعْتُك هَذَا الشَّيْءَ بِهَذَا وَقَالَ الْآخَرُ اشْتَرَيْت حَيْثُ يَرْجِعُ الْمُدَّعِي عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمُدَّعَى نَفْسِهِ لَا بِالدَّعْوَى؛ لِأَنَّ إقْدَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُبَايَعَةِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْمُدَّعَى مِلْكُ الْمُدَّعِي فَلَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ بِخِلَافِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ إذْ الصُّلْحُ قَدْ يَقَعُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَلَاكُ بَدَلِ الصُّلْحِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَاسْتِحْقَاقِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ وَفِي فَصْلِ الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ فَإِذَا كَانَ كَاسْتِحْقَاقِهِ يَبْطُلُ بِهِ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْبَدَلِ فِي الْبَيْعِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حَقِيقَةً عَلَى مَا مَرَّ، وَكَذَا فِي فَصْلِ الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فَيَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ فَلَوْ هَلَكَ بَعْضُهُ يَكُونُ كَاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ حَتَّى يَبْطُلَ الصُّلْحُ فِي قَدْرِهِ وَيَبْقَى فِي الْبَاقِي كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ هَذَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِمَا عِنْدَ الْإِشَارَةِ إلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِمَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْهَلَاكُ. (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فِي حَقِّهِمَا إنْ وَقَعَ بِمَالٍ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَحْدَهُ إنْ وَقَعَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ وَفِي حَقِّ الْآخَرِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ أَوْ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ إنْ وَقَعَ عَنْهُ بِمَنَافِعَ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَنْفَعَةُ) يَعْنِي الصُّلْحَ عَنْ دَعْوَى الْمَنْفَعَةِ أَيْضًا جَائِزٌ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْإِجَارَةِ إنْ وَقَعَ عَنْهُ بِمَالٍ أَوْ بِمَنَافِعَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَكَذَا بِعَقْدِ الصُّلْحِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ صَالَحُوا الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ عَلَى مَالٍ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ) أَيْ فِي الصُّلْحِ عَنْ إنْكَارٍ، أَوْ سُكُوتٍ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَدْفَعْ الْعِوَضَ إلَّا لِيَدْفَعَ خُصُومَتَهُ إلَخْ) قَالَ الْكَاكِيُّ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْطَى الْمُدَّعِي شَيْئًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّ مَا دَفَعَ إلَيْهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ لِأَنِّي أَخَذْت مِلْكِي فَكُنْت مُتَبَرِّعًا فِيمَا أُعْطِي وَلَا رُجُوعَ فِيهِ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، أَوْ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُضْطَرٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ لِضَرُورَةِ قَطْعِ الْخُصُومَةِ وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا أَمَّا الْمُدَّعِي لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ فِيمَا أَعْطَى؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِيرَتِهِ فِي دَعْوَاهُ فَكَانَ الدَّفْعُ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَدَمُ الِاخْتِيَارِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ) صُورَتُهُ صَالَحَ ذُو الْيَدِ الْمُنْكِرِ مَعَ الْمُدَّعِي عَلَى عَبْدٍ فَقَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِهَذِهِ الدَّارِ يَعْنِي أَجْرَى لَفْظَ الْبَيْعِ فِي مَقَامِ الصُّلْحِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ حَيْثُ يَرْجِعُ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّارِ لَا بِالدَّعْوَى اهـ. [فَصْلٌ الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ] (فَصْلٌ) لَمَّا ذَكَرَ فِيمَا تَقَدَّمَ مَشْرُوعِيَّةَ الصُّلْحِ وَأَنْوَاعَهُ الثَّلَاثَةَ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا يَجُوزُ عَنْهُ الصُّلْحُ وَمَا لَا يَجُوزُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا جَوَازُهُ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَالَحَ تُمَاضِرَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ رُبُعِ ثُمُنِهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَسَيَجِيءُ فِي فَصْلِ التَّخَارُجِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ) فَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ الصُّلْحُ عَنْهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ صَالَحُوا إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الْوَصَايَا وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَصَالَحَهُ الْوَارِثُ مِنْ خِدْمَتِهِ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ عَلَى سُكْنَى بَيْتٍ، أَوْ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ آخَرَ، أَوْ عَلَى رُكُوبِ دَابَّةٍ، أَوْ عَلَى لُبْسِ ثَوْبٍ شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ أَحَدٍ بِبَدَلٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ آجَرَ مِنْهُمْ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنَّا نَقُولُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ إيَّاهُمْ بِبَدَلٍ بَلْ هُوَ إسْقَاطُ حَقِّهِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ بِبَدَلٍ وَلَفْظَةُ الصُّلْحِ لَفْظَةٌ تَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ وَتَحْتَمِلُ الْإِسْقَاطَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ تَمْلِيكًا أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ إسْقَاطًا فَصَحَّحْنَاهُ إسْقَاطًا وَهُوَ حَقٌّ مُعْتَبَرٌ يُوَازِي الْمِلْكَ فَاحْتَمَلَ التَّقْوِيمَ بِالشَّرْطِ؛ وَلِهَذَا جَازَ الصُّلْحُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ آخَرَ فَلَوْ كَانَ هَذَا تَمْلِيكًا

مَنْفَعَةٍ جَازَ فَهَذَا أَوْلَى لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ لَهَا مُدَّةً مُتَنَاهِيَةً لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ الْمَنَافِعِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَا مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ بِأَنْ يُصَالَحَ عَنْ السُّكْنَى عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ أَوْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ أَوْ لُبْسِ الثِّيَابِ أَمَّا إذَا اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا كَمَا إذَا صَالَحَ عَنْ السُّكْنَى عَلَى السُّكْنَى أَوْ عَنْ الزِّرَاعَةِ أَوْ عَلَى الزِّرَاعَةِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ فَكَذَا الصُّلْحُ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا بِالْمَنْفَعَةِ فَكَذَا الصُّلْحُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجِنَايَةِ) يَعْنِي الصُّلْحَ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْجِنَايَةِ، وَهَذَا اللَّفْظُ يَتَنَاوَلُ الْجِنَايَةَ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً سَوَاءً كَانَ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ، أَمَّا الْعَمْدُ فِي النَّفْسِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَمَعْنَاهَا مَنْ بُذِلَ لَهُ بَدَلَ أَخِيهِ الْمَقْتُولِ مَالٌ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالصُّلْحِ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ فِي حَقِّ الْفِعْلِ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَمِلْكِ النِّكَاحِ وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا جَازَ أَنْ يَكُونَ بَدَلَ الصُّلْحِ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَمْوَالِ الْمَعْلُومَةِ وَالْمَنَافِعِ الْمَعْلُومَةِ وَمَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا لَا يَصْلُحُ بَدَلًا عَنْ الْقَوَدِ مِثْلُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَكِنْ فِي النِّكَاحِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ بِلَا مَالٍ وَالْعَفْوُ مَشْرُوعٌ بِدُونِهِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فِيهِمَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَةَ الدُّخُولِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ قِيمَةٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ وَفِي الْعَفْوِ عَنْ الْقَوَدِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ وَلَمْ يُوجَدْ وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ يَكُونُ بِقِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ وَالْقِصَاصُ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ إذْ لَا يُمَاثِلُهُ غَيْرُهُ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَجَازَ أَخْذَ عِوَضِهِ عِنْدَ اتِّفَاقِهِمَا فَجَازَ أَخْذُهُ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَحَلِّ بَلْ هُوَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْخِدْمَةِ بِالْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَصِيُّ الْوَارِثِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ نَافِعٌ فِي حَقِّهِ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ بَعْدَمَا قَبَضَ الْمُوصَى لَهُ مَا صَالَحُوهُ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ إسْقَاطٍ وَقَدْ تَمَّ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي مَنْفَعَتِهِ مَا دَامَ حَيًّا وَقَدْ أُسْقِطَ كُلُّ ذَلِكَ بِالصُّلْحِ فَسَلِمَ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ عَبْدًا مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِنَّ ثَمَّةَ لَمْ يُسَلَّمْ جَمِيعُ مَا قُوبِلَ بِالْمُبْدَلِ فَلَا يُسَلَّمُ الْبَدَلَ أَيْضًا فِي مُقَابَلَتِهِ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْجِنَايَةِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَالصُّلْحُ مِنْ كُلِّ جِنَايَةٍ فِيهَا قِصَاصٌ عَلَى مَا قَلَّ مِنْ الْمَالِ أَوْ كَثُرَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْإِسْقَاطَ بِغَيْرِ مَالٍ فَيَحْتَمِلُهُ بِالْمَالِ أَيْضًا وَهُوَ حَقٌّ يَحْتَمِلُ التَّقْوِيمَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كَذَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الدِّيَةَ» أَرَادَ بِهِ بِرِضَا الْقَاتِلِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى هَذَا كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي؛ وَلِأَنَّ دَمَ الْعَمْدِ حَقٌّ يَجُوزُ أَنْ يَئُولُ إلَى مَالٍ وَهُوَ إذَا دَخَلَتْهُ شُبْهَةٌ فَجَازَ الصُّلْحُ مِنْهُ عَلَى مَالٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) وَقِيلَ إنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي دَمٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ عَفَا أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ فِي حَقِّ الْفِعْلِ) بِخِلَافِ حَقِّ الشُّفْعَةِ إذْ لَيْسَ ثَابِتًا فِي الْمَحَلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا إلَخْ) أَيْ الصُّلْحُ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا يَصْلُحُ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ يَصْلُحُ بَدَلَ الصُّلْحِ وَلَا يُقَالُ كُلُّ مَا يَصْلُحُ بَدَلَ الصُّلْحِ يَصْلُحُ مَهْرًا؛ لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَهُ عَنْ أَنْ يَعْفُوَ الْآخَرُ عَنْ قِصَاصٍ لَهُ قِبَلَ رَجُلٍ آخَرَ جَازَ وَعَفْوُ الْقِصَاصِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وَكُلُّ مَا يَصْلُحُ مَهْرًا يَصْلُحُ بَدَلَ الصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ وَكُلُّ مَا ذُكِرَ مَهْرًا وَلَمْ يَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَهُنَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَالْأَرْشُ فِي مَالِهِ حَالًا؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ هُنَا كَمَهْرِ الْمِثْلِ هُنَالِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَجِبُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ ثُمَّ الْقَوَدُ يَسْقُطُ بِأَدْنَى شَيْءٍ وَلَمْ يَرْضَ مَجَّانًا فَيَجِبُ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي فَصْلِ إذَا صَالَحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى خَمْرٍ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَمْلِكُ الْعَفْوَ بِلَا شَيْءٍ فَإِذَا ذَكَرَ مَا لَا يَصِحُّ عِوَضًا أَصْلًا فَكَأَنَّهُ عَفَا وَفِي النِّكَاحِ لَا يُمْكِنُ بِدُونِ مَهْرٍ وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ وَبَدَلُ الصُّلْحِ فِي دَمِ الْعَمْدِ جَارٍ مَجْرَى الْمَهْرِ وَكُلُّ جَهَالَةٍ تُحُمِّلَتْ فِي الْمَهْرِ تُحُمِّلَتْ هُنَا وَمَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ يَمْنَعُ وُجُوبَهُ فِي الصُّلْحِ وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ وَجَبَ ابْتِدَاءً لَا فِي مُقَابِلَةِ مَالٍ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ بَطَلَتْ التَّسْمِيَةُ فِي النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ إلَّا أَنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ وَيَجِبُ بَدَلُ النَّفْسِ وَهُوَ الدِّيَةُ نَحْوُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى ثَوْبٍ كَمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى خَمْرٍ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَهْرِ فِي بَابِ النِّكَاحِ مِنْ ضَرُورَاتِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ بِلَا مَالٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُسَمَّى مَالًا لَغَتْ التَّسْمِيَةُ فَصَارَ كَمَا لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَأَمَّا فِي بَابِ الصُّلْحِ فَوُجُوبُ الْمَالِ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ عَفَا وَلَمْ يُسَمِّ مَالًا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقٍّ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي الْمَحَلِّ قَبْلَ تَمَلُّكِ الْمَحَلِّ وَهُوَ الدَّارُ مَثَلًا وَالْقِصَاصُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ قَبْلَ أَخْذِ الْقِصَاصِ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ مِلْكِهِ كَأَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ عَبْدِهِ فِي الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَاشْتِغَالُهُ بِالصُّلْحِ إعْرَاضٌ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالصُّلْحِ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَ مِنْ شُفْعَتِهِ عَلَى نِصْفِ الدَّارِ، أَوْ عَلَى ثُلُثٍ مِنْهَا، أَوْ رُبُعٍ جَازَ وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ قِسْمِ الْمَبْسُوطِ اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ فَصَالَحَ مِنْ شُفْعَتِهِ عَلَى نِصْفِ الدَّارِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ شِرَاءً مُبْتَدَأً لَا أَخْذًا بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَيَجُوزُ الشِّرَاءُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الشُّفْعَةَ عَلَى بَيْتٍ مِنْ

وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ إنْ شَاءَ وَذَلِكَ مُجَرَّدُ خِيَارٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ وَكَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ. ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ فِي الصُّلْحِ كَمَا إذَا صَالَحَ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مَجَّانًا فَيُصَارُ إلَى مُوجِبِهِ الْأَصْلِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَوْ سَمَّى الْخَمْرَ وَنَحْوَهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الصُّلْحِ يَتَضَمَّنُ الْإِبْرَاءَ عَنْهُ، وَكَذَا الْخِيَارَاتُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَالشُّفْعَةُ تَسْقُطُ لِمَا ذَكَرْنَا وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ الْكَفَالَةِ بِهِ قِيلَ: تَسْقُطُ لِمَا ذَكَرْنَا وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَالِ غَالِبًا فَأَخَذَتْ حُكْمَهُ فَلَا تَسْقُطُ مَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِيَارِ وَالْقِصَاصِ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي النَّفْسِ فَلِأَنَّ مُوجَبَهُ الْمَالُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَعْوَاهُ جَائِزٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ لِلرِّبَا كَمَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ جِنْسِهِ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ حَيْثُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ، وَكَذَا عَلَى الْأَقَلِّ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمَالِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ فَيَتَقَدَّرُ بِتَقْدِيرِهِمَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ تَسْمِيَةُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِهِ شَرْعًا. ، وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ جَازَ كَيْفَمَا كَانَ لِعَدَمِ الرِّبَا إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ إذَا كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَيْ لَا يَكُونَ افْتِرَاقًا عَنْ كَالِئٍ بِكَالِئٍ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِأَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ فَصَالَحَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ مِنْهَا بِالزِّيَادَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ تَعَيَّنَ فِيهِ بِالْقَضَاءِ فَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ كَجِنْسٍ آخَرَ فَأَمْكَنَ الْحَمْلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ تَرَاضِيَهُمَا عَلَى بَعْضِ الْمَقَادِيرِ بِمَنْزِلَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَكَمَا لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الدِّيَةِ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ لَهُمَا أَيْضًا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَيْهَا لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الرِّبَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا. ، وَلَوْ صَالَحَ عَلَى خَمْرٍ فَسَدَ الصُّلْحُ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ عَنْ مَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّارِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ بَاقٍ وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ عَلَى دَرَاهِمَ لَا يَجِبُ الْمَالُ وَبَطَلَتْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَالَحَ عَلَى بَيْتٍ مِنْهَا فَقَدْ ذَكَرَ فِي الصُّلْحِ مَا يَصِحُّ أَخْذُهُ لَوْ كَانَ مَعْلُومًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَمَّى رُبُعَ الدَّارِ بِرُبُعِ الثَّمَنِ جَازَ إلَّا أَنَّهُ بَطَلَ الْأَخْذُ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ وَبَقِيَ الْحَقُّ أَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَشَرَطَ فِي الصُّلْحِ مَا لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ مَجَّانًا إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ إلَخْ مَا نَصُّهُ رَاجِعْ بَابَ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَالْكِفَالَةِ بِالنَّفْسِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا وَأَمَّا الْكَفَالَةُ هَلْ تَسْقُطُ سَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهَا بَعْدَ ثَلَاثَةٍ أَسْطُرٍ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. اهـ. . (قَوْلُهُ قِيلَ تَسْقُطُ) أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي بَابِ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ - وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَهَلْ تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ أَمْ لَا فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ فِي الصُّلْحِ تَبْطُلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَكِتَابِ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ لَا تَبْطُلُ وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ إنَّ الْكَفِيلَ بِالنَّفْسِ إذَا صَالَحَ الْمَكْفُولَ لَهُ بِمَالٍ مَعْلُومٍ عَلَى أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَالْكَفَالَةُ لَازِمَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ جَائِزٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) أَيْ أَوَّلَ الْفَصْلِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ لِئَلَّا تَلْزَمَ الْمُجَاوَزَةُ عَنْ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ) أَيْ فِي الْخَطَأِ فِي النَّفْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ لِلرِّبَا) وَفِي الْمُغْنِي هَذَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ مُنْفَرِدًا أَمَّا إذَا كَانَ الصُّلْحُ مُنْضَمًّا بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْخَطَأِ يَجُوزُ وَإِنْ زَادَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَتَيْنِ كَمَا لَوْ صَالَحَ وَلِيُّ قَتِيلِ الْعَمْدِ وَوَلِيُّ قَتِيلِ الْخَطَأِ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا وَقَتَلَ خَطَأً عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَتَيْنِ يَجُوزُ وَلِصَاحِبِ الْخَطَأِ قَدْرُ الدِّيَةِ وَمَا بَقِيَ لِصَاحِبِ الْعَمْدِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ يَجُوزُ الصُّلْحُ مِنْ الْقِصَاصِ فِي نَفْسِهِ وَمَا دُونَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ وَفِي الْخَطَأِ لَا يَجُوزُ عَلَى الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَيْسَ بِمَالٍ فَجَازَ كَيْفَمَا كَانَ وَفِي الثَّانِيَةِ الْوَاجِبُ يُقَدَّرُ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُتَجَاوَزُ عَنْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ) أَيْ عَدَمُ صِحَّةِ الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا صَالَحَ عَنْ جِنَايَةِ الْخَطَأِ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ كَالْإِبِلِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى غَيْرِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ جَازَ الصُّلْحُ عَلَى الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا تَظْهَرُ الزِّيَادَةُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَكُونُ افْتِرَاقًا عَنْ كَالِئٍ بِكَالِئٍ) أَيْ وَهُوَ دَيْنُ الدِّيَةِ بِدَيْنِ بَدَلِ الصُّلْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَمَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِنَوْعٍ مِنْ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ ثُمَّ صَالَحَ عَنْ نَوْعٍ آخَرَ مِنْهَا بِالزِّيَادَةِ كَمَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِمِائَةِ بَعِيرٍ فَصَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، أَوْ أَلْفِ دِينَارٍ جَازَ؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَ الْوُجُوبِ فِي الْإِبِلِ بِالْقَضَاءِ وَكَانَ الْبَقَرُ بَدَلًا عَنْهَا فَجَازَ كَيْفَمَا كَانَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْأَجْنَاسِ نَاقِلًا عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ صَالَحَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى ثَلَثِمِائَةِ بَقَرَةٍ وَقَبَضَ جَازَ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ جَازَ إذَا قَبَضَ ثُمَّ نَقَلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ لِلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إذَا حَكَمَ بِالْإِبِلِ ثُمَّ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ أَوْ أَلْفَيْ شَاةٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدِّيَةِ فَيَجُوزُ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَرَاضِيَهُمَا عَلَى بَعْضِ الْمَقَادِيرِ) تَعْيِينٌ لِلْوَاجِبِ الشَّرْعِيِّ وَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُتَعَيِّنِ شَرْعًا اهـ.

فَيَكُونُ نَظِيرَ الصُّلْحِ عَنْ سَائِرِ الدُّيُونِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ مُعْتَبَرٌ بِالنَّفْسِ فَيُلْحَقُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيهِ، بِالْعَمْدِ فِي النَّفْسِ وَمَا يُوجِبُ الْمَالَ فِيهِ بِالْخَطَأِ فِيهَا ثُمَّ لَا يَخْتَلِفُ هَذَا الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ فِيهَا السَّبَبُ مِنْ مُعَاوَضَةٍ أَوْ افْتِدَاءِ يَمِينٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ الْحَدِّ) يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَنْ دَعْوَى حَدٍّ بِأَنْ رَفَعَ الزَّانِيَ أَوْ شَارِبَ الْخَمْرِ أَوْ الْقَاذِفَ فَصَالَحَ هُوَ الرَّافِعَ حَتَّى يَتْرُكَ الدَّعْوَى لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا دَفَعَ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا حَقُّ الرَّافِعِ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ؛ وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ وَلَدَهَا مِنْ زَوْجِهَا الْمُطَلِّقِ فَأَنْكَرَ وَصَالَحَهَا عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تَتْرُكَ الدَّعْوَى كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّ الْوَلَدِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ ظُلَّةٌ أَوْ كَنِيفٌ عَلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَخَاصَمَهُ رَجُلٌ عَلَى نَقْضِهِ فَصَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ وَاحِدٌ عَلَى الِانْفِرَادِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ الْإِمَامُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةً عَامَّةً وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَصَالِحِهِمْ فَإِذَا رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِيَاضَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ الْعَامِّ جَائِزٌ مِنْ الْإِمَامِ؛ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ صَحَّ بَيْعُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَصَالَحَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الطَّرِيقِ حَيْثُ يَجُوزُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْأَفْرَادِ، وَالصُّلْحُ مَعَهُ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّهُ ثُمَّ يَتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ رِضَا الْبَاقِينَ فَيَجُوزُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنْ نِكَاحٍ) أَيْ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى النِّكَاحِ هَذَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الصِّحَّةِ فِيهِ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي حَقِّهِ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ عَنْ تَرْكِ الْبُضْعِ خُلْعٌ وَالصُّلْحُ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْعُقُودِ إلَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ ذِكْرُهُ وَفِي حَقِّهَا لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ فَكَانَ صَحِيحًا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ ذُكِرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ تَرْكُ الدَّعْوَى مِنْهَا طَلَاقًا فَالزَّوْجُ لَا يُعْطَى الْعِوَضَ فِي الْفُرْقَةِ إذْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ شَيْءٌ فِي هَذِهِ الْفُرْقَةِ وَهِيَ يُسَلَّمُ لَهَا الْمَالُ وَالنَّفْسُ، وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ فُرْقَةً فَالْحَالُ بَعْدَ الصُّلْحِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَتَكُونُ هِيَ عَلَى دَعْوَاهَا فَلَا يَكُونُ هَذَا الصُّلْحُ مُفِيدًا قَطْعَ الْخُصُومَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ الْقَاذِفُ) الْغَالِبُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ حَقُّ الشَّرْعِ عِنْدَنَا. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّ الْوَلَدِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ الْمُطَلَّقَةُ الْمُبَانَةُ ادَّعَتْ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ لِلْمُطَلِّقِ وَصَالَحَ مِنْ النَّسَبِ عَلَى مِائَةٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ وَأَيْضًا لَا يُمْكِنُ أَخْذُ الْوَلَدِ عَنْ النَّسَبِ، وَلَوْ ادَّعَتْ نِكَاحًا بِغَيْرِ وَلَدٍ فَصَالَحَ عَلَى مِائَةٍ لَمْ يَجُزْ وَيَسْتَرِدُّ الْمَالَ إنْ دَفَعَ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ عَلَى تَرْكِ النِّكَاحِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فِي الْكِفَايَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ نِكَاحٍ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ فَصَالَحَتْهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَبْرَأَ مِنْ تَزْوِيجِهَا الَّذِي ادَّعَى أَجَزْتُهُ إذَا قَبِلَ وَيَكُونُ هَذَا خُلْعًا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَبَذْلَ الْمَالِ وَالرِّشْوَةِ فِي حَقِّهَا قَطْعًا لِمُنَازَعَتِهِ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى تَزْوِيجِهِ بَعْدَ الصُّلْحِ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ مَعْنَى الْخُلْعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَتْ أُعْطِيك مِائَةَ دِرْهَمٍ عَلَى الْمُبَارَأَةِ أَوْ عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ دَعْوَاك أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَلَوْ ادَّعَى قِبَلَهُ أَنَّهُ شَارِبُ خَمْرٍ وَقَالَ أَرْفَعُك إلَى السُّلْطَانِ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ أَوْ صَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ زَنَى بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَكُفَّ وَلَا يَرْفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ عَلَى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ ادَّعَى قِبَلَهُ سَرِقَةَ مَتَاعٍ فَصَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِبَلَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَبْرَأَهُ مِنْ السَّرِقَةِ فَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى قِبَلَهُ حَقًّا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَعْوَى السَّرِقَةِ دَعْوَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ فِي حَقِّ الْمَالِ فَصَحَّ الصُّلْحُ فِيهِ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ الْمُدَّعِي كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ ثُمَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِالسَّرِقَةِ فَفَعَلَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الْعُرُوض قَائِمَةً بِعَيْنِهَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ هَذَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ فِي بَابِ دَعْوَى الْجِرَاحَاتِ وَالْحُدُودِ، وَتَفْسِيرُهُ مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي دَعْوَى الْقِصَاصِ وَالْحَدِّ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي فَإِنْ كَانَتْ الْعُرُوض قَائِمَةً بِعَيْنِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا لِذَلِكَ الْعَرَضِ فِي زَعْمِهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِدَرَاهِمَ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالصُّلْحُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا عَلَى مَالٍ وَغَيْرِ مَالٍ مَرْدُودٌ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَكَانَ صَحِيحًا) وَالْمُرَادُ مِنْ جَوَازِ الصُّلْحِ نَفَاذُهُ فِي الظَّاهِرِ فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ ثِقَةٍ مِنْ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ مَكْتُوبَةً فِي تَارِيخِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ عَدَمَ الْجَوَازِ قَالَ، وَإِنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ فَصَالَحَهَا عَلَى مَالٍ بَذَلَهُ لَهَا لَمْ يَجُزْ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَيْ الْجَوَازُ أَنْ يُجْعَلَ زِيَادَةً فِي مَهْرِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي دَعْوَاهَا النِّكَاحَ وَصُلْحُ الرَّجُلِ عَنْهُ عَلَى مَالٍ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ النِّكَاحِ بِمَالٍ فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ وَالْأَصَحُّ الْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي أَثْبَتَهُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ لَا غَيْرُ وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ الْكِفَايَةِ قَبْلَ هَذَا وَنَصَّ الْكَرْخِيِّ عَلَى بُطْلَانِ الصُّلْحِ فِي مُخْتَصَرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ) أَيْ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ) أَيْ لَوْ دَفَعَ إلَيْهَا الْمَالَ لِتَتْرُكَ الدَّعْوَى وَجَعَلَ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قِبَلَهُ) أَيْ فَلَا يَكُونُ مَا أَخَذَتْهُ عِوَضًا عَنْ شَيْءٍ

فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ، وَذُكِرَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ زَادَهَا عَلَى مَهْرِهَا ثُمَّ خَالَعَهَا عَلَى أَصْلِ الْمَهْرِ دُونَ الزِّيَادَةِ فَيَسْقُطُ الْمَهْرُ غَيْرَ الزِّيَادَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرِّقِّ وَكَانَ عِتْقًا عَلَى مَالٍ) يَعْنِي الصُّلْحَ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الرِّقِّ وَكَانَ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي بِمَعْنَى الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَفِي حَقِّ الْآخَرِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَجَازَ؛ وَلِهَذَا يَصِحُّ عَلَى حَيَوَانٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجْلٍ كَالْكِتَابَةِ اعْتِبَارًا لِزَعْمِ الْمُدَّعِي فَإِنَّ الْحَيَوَانَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فِي مُعَاوَضَةِ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْعِتْقَ وَيَدَّعِي أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَيْهِ لَا غَيْرُ حَتَّى لَا يَكُونَ رَقِيقًا؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ مُعْتَقًا بِالصُّلْحِ فَلَا يَعُودُ رَقِيقًا، وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ الصُّلْحِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّهُ بِأَخْذِ الْبَدَلِ بِاخْتِيَارِهِ نَزَلَ بَائِعًا وَكُلُّ مَوْضِعٍ وَقَعَ فِيهِ الصُّلْحُ وَالْمُدَّعِي كَاذِبٌ فِيهِ لَا يَحِلُّ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ وَنَظِيرُهُ الْمُقَرُّ لَهُ إذَا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الْمُقِرَّ كَاذِبٌ لَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا إذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ بِطِيبَةِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ هِبَةً مُبْتَدَأَةً فَيَطِيبُ لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ رَجُلًا عَمْدًا لَمْ يَجُزْ صُلْحُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ لَهُ رَجُلًا عَمْدًا فَصَالَحَهُ عَنْهُ جَازَ) أَيْ، لَوْ صَالَحَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ عَنْ عَبْدِهِ جَازَ وَعَنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا جَازَ عَنْ عَبْدِهِ دُونَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ إلَّا فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي غَيْرِهِ وَتَصَرُّفُهُ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فَلَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى إذَا كَانَ بِعِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَهُوَ الْمَوْلَى؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ وَيَصِحُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَلِيِّ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ قَتْلُهُ بَعْدَ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مَالُ الْمَوْلَى وَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَالْأَمَةِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ بِعِوَضٍ وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْمَالُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَأَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ صَالَحَ عَلَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، وَتَصَرُّفُهُ فِي عَبْدِهِ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِخْلَاصَهُ كَشِرَائِهِ؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْقَتْلَ صَارَ كَالزَّائِلِ عَنْ مِلْكِهِ، وَهُوَ لَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَكَذَا لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِصَهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ لِخُرُوجِهِ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى؛ وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ رَقَبَتَهُ كَانَ هُوَ الْخَصْمُ فِيهِ وَإِذَا جُنِيَ عَلَيْهِ كَانَ الْأَرْشُ لَهُ وَكَذَا إذَا قَتَلَ لَا تَكُونُ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى بَلْ لِوَرَثَتِهِ حَتَّى تُؤَدَّى بِهَا كِتَابَتُهُ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَيَكُونَ الْفَضْلُ لَهُمْ فَصَارَ كَالْحُرِّ فَيَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فَلَا يَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ صَالَحَ عَنْ الْمَغْصُوبِ الْمُتْلَفِ بِمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ أَوْ عَلَى عَرَضٍ صَحَّ، وَلَوْ أَعْتَقَ مُوسِرٌ عَبْدًا مُشْتَرَكًا فَصَالَحَ الشَّرِيكَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ لَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي الْمَغْصُوبِ أَيْضًا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يُمْكِنُ وُجُوبُهَا فِي الذِّمَّةِ دُونَ الْعَيْنِ إذْ الْعَيْنُ لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَكُونُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ بِمُقَابَلَةِ مَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ الْقِيمَةُ لَا بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ فَيَصِيرُ مَا زَادَ عَلَيْهَا رِبًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ هَلَكَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَابِلَهَا شَيْءٌ، وَلَوْ أَمْكَنَ لَجَازَ بَيْعُهَا فَصَارَ بِمُقَابَلَةِ الْقِيمَةِ ضَرُورَةً وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَجُوزُ وَيَلْزَمُهَا رَدُّهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالرِّقِّ) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَجْهُولِ الْحَالِ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَأَنْكَرَ ثُمَّ صَالَحَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أُصَالِحُك مِنْ دَعْوَايَ عَلَى وَصَيْفٍ إلَى أَجَلٍ، أَوْ عَلَى كَذَا مِنْ الْغَنَمِ إلَى أَجَلٍ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ كُلُّهُ وَالثِّيَابُ وَالْعُرُوضُ وَكُلُّ شَيْءٍ يَجُوزُ فِيهِ الْمُكَاتَبَةُ فَهُوَ فِي هَذَا الْبَابِ جَائِزٌ، وَلَوْ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِذَلِكَ لَزِمَ الْكَفِيلَ الْكَفَالَةُ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْمُكَاتَبَةَ؛ لِأَنَّهُ هُنَا قَدْ عَتَقَ حِينَ وَقَعَ الصُّلْحُ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ) أَيْ الْمَأْذُونَ لَهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيمَا هُوَ مِنْ كَسْبِهِ وَتِجَارَتِهِ، وَرَقَبَتُهُ لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ وَلَيْسَتْ هِيَ مِنْ تِجَارَتِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْخِدْمَةِ؛ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى مَوْلَاهُ فِي رَقَبَتِهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَكَانَ التَّصَرُّفُ فِي رَقَبَتِهِ إلَى مَوْلَاهُ لَا إلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ بَيْنَهُ) أَيْ الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ الْمَأْذُونِ وَوَلِيِّ الْمَقْتُولِ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ صَالَحَ عَنْ الْمَغْصُوبِ الْمُتْلَفِ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْإِتْلَافِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَائِمًا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ أَمَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. مِعْرَاجٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا يَهُودِيًّا دُونَ الْمِائَةِ فَاسْتَهْلَكَهُ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَبْطُلُ الْفَضْلُ عَلَى قِيمَتِهِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا غَصَبَ عَبْدًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ أَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهُ أَقَلُّ مِمَّا صَالَحَ عَلَيْهِ بِكَثِيرٍ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَيُرَدُّ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُسْتَهْلَكًا كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا) أَيْ جَوَازُ الصُّلْحِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ وَعَدَمُ جَوَازِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمَحَلُّ عَدَمِ جَوَازِ الصُّلْحِ عِنْدَهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَعَدَمِ جَوَازِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ مَا إذَا لَمْ يَقَعْ الصُّلْحُ عَلَى عَرَضٍ، أَمَّا إذَا وَقَعَ عَلَى عَرَضٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا كَمَا سَيُصَرِّحُ الشَّارِحُ بِهِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فَتَنَبَّهْ لَهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ قَوْلُهُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَيْ مَقَالَةِ الشَّرْحِ

مُقَدَّرَةٌ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا كَمَا قُلْنَا فِي الصُّلْحِ عَنْ قَتْلِ الْخَطَأِ وَضَمَانِ الْعِتْقِ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَقَادِيرِ الدِّيَةِ، وَعَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ وَصَارَ كَمَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْقِيمَةِ؛ وَلِهَذَا لَوْ صَالَحَ عَلَى شَيْءٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إلَى أَجْلٍ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ لَجَازَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الضَّمَانَ بَدَلٌ عَنْ الْعَيْنِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فَيَجُوزُ بَالِغًا مَا بَلَغَ كَمَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً حَقِيقَةً، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ الْمِثْلُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَذَلِكَ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنَى؛ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الْمُقَدَّرَاتِ فَكَذَا فِي الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا فِي الذِّمَّةِ مُمْكِنٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَيَوَانَ وَالثِّيَابَ وَغَيْرَهَا مِنْ غَيْرِ الْمُقَدَّرَاتِ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فِي النِّكَاحِ وَالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ وَالدِّيَةِ وَفِي كُلِّ مَا هُوَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فَكَذَا فِي الْمَغْصُوبِ إذْ لَا تَعَذُّرَ فِي نَفْسِ الْوُجُوبِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْأَخْذِ يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ أَخْذَ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ وَالدَّافِعَ لَا يَعْرِفَانِ حَقِيقَةَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ فَكَانَ الْوَاجِبُ مِثْلَهُ فَإِذَا أَخَذَ عِوَضَهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا يَكُونُ رِبًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَيْنِ أَوْ نَقُولُ: إنَّ الْعَيْنَ بَعْدَ الْهَلَاكِ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَا لَمْ يَضْمَنْهُ أَوْ يَتَقَرَّرْ حَقُّهُ فِي الْقِيمَةِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ التَّضْمِينَ بَقِيَ الْعَيْنُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَجِبَ الْكَفَنُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ آبِقًا فَعَادَ مِنْ إبَاقِهِ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالضَّمَانُ يَكُونُ عِوَضًا عَنْ الْعَيْنِ، وَلَا رِبَا فِيهَا كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَيْنِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَصْلِ رَدُّ الْعَيْنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ»، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهِيَ فِي حَقِّ الْأَخْذِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي جَعْلِ الْمَأْخُوذِ بَدَلًا عَنْ الْقِيمَةِ لِإِمْكَانِ جَعْلِهِ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ، وَالدِّيَةُ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَكَذَا ضَمَانُ الْعِتْقِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مُقَدَّرًا فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ فَوْقَ تَقْدِيرِ الْقَاضِي وَبِهِ يَتَقَرَّرُ فَكَذَا بِمَا هُوَ فَوْقَهُ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ غَيْرَ النَّقْدَيْنِ إلَى أَجْلٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَهْلَكَ لَا يُوقَفُ عَلَى أَثَرِهِ وَمَا لَا يُوقَفُ عَلَى أَثَرِهِ يَكُونُ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ، وَالِافْتِرَاقُ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ لَا يَجُوزُ فَكَيْفَ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ مُؤَجَّلًا وَقَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَدَلًا عَنْ الْقِيمَةِ لَمَا جَازَ إلَّا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَبِيعًا حِينَئِذٍ وَبَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ السَّلَمِ، وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى عَرَضٍ جَازَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنَ الْوَاجِبِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْهُ فَصَالَحَ لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَضَمَانُ الْعِتْقِ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْمَتْنِ وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَقَادِيرِ الدِّيَةِ) أَيْ كَمَا إذَا صَالَحَ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ، أَوْ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ اهـ (قَوْلُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَمَا إذَا قَضَى الْقَاضِي لِلشَّفِيعِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ ثُمَّ قَالَ وَكَمَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ ثُمَّ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي كُلِّ مَا هُوَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، أَوْ نَقُولُ إنَّ حَقَّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى الْمِثْلِ مَعْنًى وَهُوَ الْمِثْلُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْقَضَاءِ فَقَبْلَ الْقَضَاءِ إذَا تَصَالَحَا عَلَى الْأَكْثَرِ لَا يَلْزَمُ الرِّبَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اعْتِيَاضٌ عَنْ حَقِّهِ فِي الْعَيْنِ لَا اسْتِيفَاءٌ لِعَيْنِ حَقِّهِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى الْأَكْثَرِ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ الْحَقُّ فِيهَا فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ رِبًا لَا مَحَالَةَ وَبِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا فَلَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَغْيِيرُ الثَّابِتِ شَرْعًا وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَجْبُورٌ عَلَى إزَالَةِ الْمِلْكِ إلَى الشَّفِيعِ بِثَمَنٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ الثَّمَنُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ مُتَعَيِّنًا فَلَا يَمْلِكُ التَّغْيِيرَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ وَبِخِلَافِ ضَمَانِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ نِصْفٍ لِلْمُعْتَقِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا مَنَعُوا ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا شَرَحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَنَقُولُ لَا يَرِدُ ذَلِكَ عَلَيْنَا؛ لِأَنَّهُ ثَمَّةَ حَقُّ السَّاكِتِ مُقَدَّرٌ فِي الْقِيمَةِ شَرْعًا لَا يَحْتَمِلُ الْمَزِيدَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ قُوِّمَ الْعَبْدُ قِيمَةَ عَدْلٍ لَا وَكْسَ فِيهِ وَلَا شَطَطَ» فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ وَإِلَّا سَعَى الْعَبْدُ فِيهِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُوجَدْ التَّقْدِيرُ شَرْعًا. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَيْنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ قَائِمًا فَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ جَائِزٌ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا كَانَ قَائِمًا عَنْ الْكَاكِيِّ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ)، وَلَوْ كَانَ اكْتَسَبَ كَسْبًا كَانَ الْكَسْبُ لَهُ، وَلَوْ كَانَ نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْكَسْبَ بِمِلْكِ الْأَصْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ عَلَى مَا أَخَذَتْ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالدَّلِيلُ أَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ فِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى مَكِيلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَقَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ، وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ مُنْقَطِعًا وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَيْنًا لِمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ سَلَمًا فَلَا بُدَّ مِنْ شَرَائِطِ عَقْدِ السَّلَمِ اهـ قَوْلُهُ لَمْ يَنْقَطِعْ فِيهِ أَيْ فِي الْمَغْصُوبِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ صَالَحَ عَلَى شَيْءٍ مَوْصُوفٍ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى عَرَضٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي ذَيْلِ وَجْهِ قَوْلِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْغَصْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى عَرَضٍ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَبِخِلَافِ الْغَبَنِ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ فَضْلًا فَلَمْ يَكُنْ رِبًا اهـ.

مَا لَمْ يَضْمَنْهُ بَلْ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ) هَذَا إذَا صَالَحَ عَنْهُ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ عَنْ إقْرَارٍ فِي دَمِ عَمْدٍ أَوْ فِيمَا لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ كَالصُّلْحِ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ مُعَاوَضَةٌ بِإِسْقَاطِ الْحَقِّ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ الْقَوَدِ وَأَمَّا الصُّلْحُ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ فَإِسْقَاطٌ مَحْضٌ فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ؛ وَلِهَذَا جَازَ هَذَا الصُّلْحُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَجُوزُ الْخُلْعُ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ شَيْءٌ إلَّا بِالِالْتِزَامِ كَالْوَكِيلِ فِي النِّكَاحِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ضَمِنَ هُنَا وَأَدَّى عَنْهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَفِي النِّكَاحِ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالصُّلْحِ عَنْهُ أَمْرٌ بِالْأَدَاءِ عَنْهُ لِيُفِيدَ الْأَمْرُ فَائِدَتَهُ إذْ الصُّلْحُ عَنْهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَكَانَ فَائِدَةُ أَمْرِهِ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ إذَا ضَمِنَ عَنْهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَكَانَ فَائِدَةُ الْأَمْرِ فِيهِ الْجَوَازُ، ثُمَّ إنْ ضَمِنَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَدَّى يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَالْأَمْرُ بِالْخُلْعِ مِثْلُ الْأَمْرِ بِالصُّلْحِ حَتَّى يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ إنْ ضَمِنَ وَأَدَّى عَنْهُ وَأَمَّا إذَا صَالِحَ عَنْهُ فِيمَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ بِأَنْ كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ عَنْ إقْرَارٍ فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ فَيُطَالِبُ هُوَ بِالْعِوَضِ دُونَ الْمُوَكِّلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ صَالَحَ عَنْهُ بِلَا أَمْرٍ صَحَّ إنْ ضَمِنَ الْمَالَ أَوْ أَضَافَ إلَى مَالِهِ أَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ وَسَلَّمَ وَإِلَّا يُوقَفُ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ وَإِلَّا بَطَلَ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ ضَمِنَ الْمَالَ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ أَضَافَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ إلَى نَفْسِهِ أَوْ لَا، وَإِنْ لَمْ يُضِفْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ سَلَّمَ الْعِوَضَ أَوْ لَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا الْوَجْهَ الْأَخِيرَ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَضْمَنْ الْبَدَلَ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْمُدَّعِي، أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا إذَا صَالَحَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَضَمِنَ الْمَالَ فَالصُّلْحُ فِيهِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ إلَّا الْبَرَاءَةَ، وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَوِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْأَجْنَبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا لَا يُسَلَّمُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَمَعَ ذَلِكَ جَازَ اشْتِرَاطُ بَدَلِ الصُّلْحِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَذَا لِلْأَجْنَبِيِّ وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الصُّلْحِ رِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ لَا رِضَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْ لَا حَظَّ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ مَفْرُوضٌ فِيمَا لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ كَدَعْوَى الْقِصَاصِ وَأَخَوَاتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا وَالْمُدَّعِي يَنْفَرِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَا لَمْ يَضْمَنْهُ) فَأَمَّا إذَا ضَمِنَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ لَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَلَوْ ادَّعَى فِي دَارِ رَجُلٍ دَعْوَى فَصَالَحَهُ عَنْهُ آخَرُ فَإِذَا أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى الَّذِي فِي يَدَيْهِ الدَّارُ سَوَاءً كَانَ عَنْ إقْرَارٍ، أَوْ عَنْ إنْكَارٍ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَصَالِحِ، وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ سَالِمٌ لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ حَيْثُ أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ صَالَحَ فُلَانًا وَلَا عُهْدَةَ عَلَى الرَّسُولِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ صَالَحْتُك وَلَمْ يَذْكُرْ فُلَانًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِضَافَةِ إلَى فُلَانٍ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَالْخُصُومَةُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَبَيْنَ فُلَانٍ فَصَارَ هَذَا وَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ سَوَاءً، وَإِنْ أَضَافَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ صَالَحَنِي فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ أَصْلًا فِي الْعَقْدِ فَيُؤْخَذُ بِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْآمِرِ لِوُقُوعِ حُكْمِ الْعَقْدِ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُضِفْ إلَى نَفْسِهِ وَلَكِنْ ضَمِنَ أَوْ أَضَافَ إلَى مَالِ نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي، أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا الْتَزَمَ الْمَالَ فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ أَصْلًا وَأَنَّهُ يَصْلُحُ أَصْلًا فِي هَذَا الْعَقْدِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، أَوْ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْخُلْعِ وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ الْجَوَابُ هَكَذَا إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الْكَافِي اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ) وَلَا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالسَّفِيرِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ صَالَحَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِلَا أَمْرٍ صَحَّ) أَيْ إنْ صَالَحَ الْأَجْنَبِيُّ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِلَا أَمْرِهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ كَدَعْوَى الْقِصَاصِ صَحَّ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ أَضَافَ) أَيْ الْمُصَالِحُ الشَّيْءَ. اهـ. (قَوْلُهُ جَائِزٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) أَيْ وَلَزِمَهُ تَسْلِيمُهَا إلَى الْمُدَّعِي وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَصَارَ كَالْكَفَالَةِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَدْيُونِ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ فَالصُّلْحُ فِيهِ جَائِزٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بِعَقْدِ الصُّلْحِ يَجِبُ بِالضَّمَانِ وَيَلْزَمُ بِضَمَانِهِ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ يَصِحُّ وَالسَّاقِطُ يَتَلَاشَى فَيَسْتَوِي فِيهِ الْفُضُولِيُّ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَصْلُحُ الْأَجْنَبِيُّ أَصِيلًا فِي حَقِّ الضَّمَانِ إذَا أَضَافَ الضَّمَانَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ صَالِحْنِي عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ كَالزَّوْجِ إذَا خَالَعَ امْرَأَتَهُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ فُضُولِيٍّ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ وَضَمِنَ الْأَجْنَبِيُّ ذَلِكَ كَانَ بَدَلُ الْخُلْعِ عَلَيْهِ وَكَانَ أَصِيلًا فِي الضَّمَانِ وَمُتَبَرِّعًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِسْقَاطِ الْخُصُومَةِ فَكَذَا هُنَا قَالَ فِي التُّحْفَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهَذَا صُلْحُ الْفُضُولِيِّ وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا يَصِحُّ الصُّلْحُ وَيَلْزَمُ الْمَالُ عَلَى الْمَصَالِحِ الْفُضُولِيِّ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعِي شَيْءٌ بِأَنْ يَقُولَ الْفُضُولِيُّ لِلْمُدَّعِي أُصَالِحُك مِنْ دَعْوَاك هَذِهِ عَلَى فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك هَذِهِ الْأَلْفَ أَوْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ وَهُمَا فَصْلٌ وَاحِدٌ، أَوْ قَالَ عَلَى أَلْفِي هَذِهِ، أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا أَضَافَ الْمَالَ إلَى نَفْسِهِ أَوْ عَيَّنَ الْبَدَلَ فَقَالَ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَإِنَّمَا كَانَ هَكَذَا؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِإِسْقَاطِ الدَّيْنِ بِأَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحِيحٌ وَالتَّبَرُّعُ بِإِسْقَاطِ الْخُصُومَةِ عَنْ غَيْرِهِ صَحِيحٌ وَالصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ إسْقَاطٌ لِلدَّيْنِ وَالصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ إسْقَاطٌ لِلْخُصُومَةِ فَيَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ، وَفِي فَصْلٍ وَاحِدٍ لَا يَصِحُّ بِأَنْ قَالَ أُصَالِحُك مِنْ دَعْوَاك هَذِهِ مَعَ فُلَانٍ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ عَلَى عَبْدٍ وَسَطٍ فَإِنَّ هَذَا الصُّلْحَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَجَازَ يَصِحَّ وَيَجِبْ الْمَالُ عَلَيْهِ دُونَ الْمَصَالِحِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ التَّوْكِيلِ وَالْحُكْمُ فِي التَّوْكِيلِ كَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ يَبْطُلْ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَالُ وَالْمُدَّعَى لَا يَسْقُطُ اهـ

[باب الصلح في الدين]

بِهَذِهِ الْأُمُورِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مَجَّانًا فَإِذَا سُلِّمَ لَهُ الْعِوَضُ مِنْ جِهَةِ الْمُتَبَرِّعِ صَحَّ وَلَزِمَ لِتَمَامِ رِضَاهُ، وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَلَامَتُهُ تَكُونُ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَلْزَمْ بِالْعَقْدِ لِكَوْنِهِ سَفِيرًا فِيهِ يَلْزَمُهُ بِالضَّمَانِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَتَمَّ رِضَاهُ بِهِ، وَكَذَا بِالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ يَقُولَ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفِي هَذِهِ أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى نَفْسِهِ الْتِزَامٌ مِنْهُ لِلتَّسْلِيمِ إلَى الْمُدَّعِي، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ ضَمِنَ فَيَصِحُّ لِتَمَامِ رِضَاهُ بِهِ وَالْمُعَرَّفُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ كَالْمُضَافِ إلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِلتَّسْلِيمِ إلَيْهِ بِشَرْطِهِ فَيَتِمُّ بِهِ الصُّلْحُ، وَكَذَا بِتَسْلِيمِ الْعِوَضِ إلَيْهِ بِأَنْ عَقَدَ الْمُتَبَرِّعُ عَقْدَ الصُّلْحِ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ وَلَمْ يَضْمَنْ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى نَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ سَلَّمَ إلَيْهِ الْعِوَضَ الْمَشْرُوطَ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ حَقِيقَةً تَمَّ رِضَاهُ فَصَارَ فَوْقَ الضَّمَانِ وَالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ فَإِذَا حَصَلَ لَهُ الْعِوَضُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ تَمَّ رِضَاهُ بِهِ وَبَرِئَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْمُصَالِحِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَنْ عَيْنٍ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ أَنَّهُ لِلْمُدَّعِي حَيْثُ يَمْلِكُ الْمُتَبَرِّعُ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِكِهِ فَيَمْلِكُهُ إذْ الشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا بَلْ يَنْفُذُ عَلَيْهِ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْعِوَضُ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ أَوْ وَجَدَهُ زُيُوفًا أَوْ سُتُّوقًا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُصَالِحِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، لَمْ يَلْتَزِمْ الْإِيفَاءَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ إذْ لَيْسَ عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِالدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَرْكِ حَقِّهِ مَجَّانًا إلَّا فِي صُورَةِ الضَّمَانِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُصَالِحِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالضَّمَانِ فَصَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ التَّسْلِيمِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصُّوَرِ، وَالرَّابِعُ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَلْفٍ وَلَمْ يَضْمَنْ وَلَمْ يُضِفْ الْعِوَضَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُدَّعِي عِوَضٌ فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مَجَّانًا لِعَدَمِ رِضَاهُ بِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ وَلَزِمَهُ الْمَشْرُوطُ لِالْتِزَامِهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنْ بَطَلَ؛ لِأَنَّ الْمُصَالِحَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ تَصَرُّفُهُ وَالْخُلْعُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَالصُّلْحِ وَجَعَلَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ فِي بَابِ الْخُلْعِ الْأَلْفَ الْمُشَارَ إلَيْهَا وَالْعَبْدَ الْمُشَارَ إلَيْهِ مِثْلَ الْأَلْفِ الْمُنْكَرِ حَتَّى جَعَلَ الْقَبُولَ إلَى الْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الصُّلْحُ عَمَّا اُسْتُحِقَّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ أَخْذٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِسْقَاطٌ لِلْبَاقِي لَا مُعَاوَضَةٌ) هَكَذَا ذَكَرَ فِي نُسَخِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ عَمَّا اُسْتُحِقَّ، وَهَذَا سَهْوٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَ عَنْ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ جَمِيعُ صُوَرِهِ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِسْقَاطًا لِلْبَاقِي، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الدَّيْنِ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَنْ الدَّيْنِ بِجِنْسٍ آخَرَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ الصُّلْحُ عَلَى مَا اُسْتُحِقَّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ إلَخْ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَصْلًا جَيِّدًا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ نَقْضٌ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَسْقَطَ بَاقِيهِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْإِحْسَانَ مَتَى وُجِدَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ يَكُونُ تَبَرُّعًا، وَإِنْ وُجِدَ مِنْ الْجَانِيَيْنِ يَكُونُ مُعَاوَضَةً، وَإِنَّمَا لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ إذَا وَقَعَ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَيْهَا فَسَادَ الْعَقْدِ لِلرِّبَا وَفِي حَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَسْقَطَ الْبَاقِي جَوَازُهُ فَكَانَ أَوْلَى حَمْلًا لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ وَظَاهِرُ حَالِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ الصِّحَّةَ دُونَ الْفَسَادِ إذْ عَقْلُهُ وَدِينُهُ يَمْنَعَانِهِ عَنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورِ دِينِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ صَالَحَ عَنْ أَلْفٍ عَلَى نِصْفِهِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ جَازَ)؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا لِنِصْفِ حَقِّهِ وَمُسْقِطًا لِلنِّصْفِ فِي الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَجَّلَ نَفْسَ الْحَقِّ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ لَفَسَدَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ جَازَ كَأَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ النِّصْفِ وَأَخَّرَ النِّصْفَ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَالَحَ عَنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ زُيُوفٍ حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ جَازَ فَيُجْعَلُ مُسْقِطًا لِلْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَمُسْتَوْفِيًا لِبَعْضِ حَقِّهِ أَوْ مُؤَخِّرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْمُصَالِحِ شَيْءٌ) أَيْ مِنْ الْمُدَّعَى أَيْ لَا يَصِيرُ الدَّيْنُ الْمُدَّعَى بِهِ مِلْكًا لِلْمُصَالِحِ. اهـ. [بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ] (بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الصُّلْحِ عَلَى الْعُمُومِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ حُكْمَهُ عَنْ دَعْوَى خَاصٍّ وَهُوَ دَعْوَى الدَّيْنِ إذْ الْخُصُوصُ بَعْدَ الْعُمُومِ اهـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا ذَكَرَ الصُّلْحَ مُطْلَقًا فِي عُمُومِ الدَّعَاوَى ذَكَرَ هُنَا الصُّلْحَ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ مُقَيَّدٌ وَالْمُقَيَّدُ بَعْدَ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ الْقَيْدَ وَصْفٌ زَائِدٌ فِي الذَّاتِ اهـ فَتَأَمَّلْ فِي أُولَى الْعِبَارَتَيْنِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ) يَعْنِي لَوْ صَالَحَ الطَّالِبُ عَنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ عَلَى الْمَطْلُوبِ عَلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٍ جَازَ، وَذَلِكَ لِمَا قُلْنَا إنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ فَلَوْ حَمَلْنَا ذَلِكَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ يَلْزَمُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسَاءً، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الْحَالَّةَ وَالدَّرَاهِمَ الْمُؤَجَّلَةَ ثَابِتَةٌ فِي الذِّمَّةِ وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» فَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ حَمَلْنَاهُ عَلَى التَّأْخِيرِ تَصْحِيحًا لِلتَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ كَوْنُهُ تَصَرُّفًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ الْجِيَادَ يَسْتَحِقُّ الزُّيُوفَ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ جَازَ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ بِالْعَقْدِ لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَبَدَلِ الصَّرْفِ لَا تَجُوزُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ لَهُ أَلْفٌ زُيُوفٌ وَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جِيَادٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَسْقَطَ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْجِيَادَ فَيَكُونُ مُعَاوَضَةً ضَرُورَةً فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا؛ لِأَنَّ جَيِّدَهَا وَرَدِيئَهَا سَوَاءٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَالَّ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ عَيْنَ حَقِّهِ فَيَكُونُ مُبَادَلَةً بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ سُودٍ عَلَى نِصْفٍ حَالٍّ أَوْ بِيضٍ لَا) يَعْنِي لَوْ صَالَحَهُ عَنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ أَوْ عَنْ أَلْفٍ سُودٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ بِيضٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الدَّرَاهِمَ لَا يَسْتَحِقُّ الدَّنَانِيرَ فَكَانَ مُعَاوَضَةً وَهُوَ صَرْفٌ فَلَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ وَمَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَالَّ، وَكَذَا مَنْ لَهُ دَرَاهِمُ سُودٌ لَا يَسْتَحِقُّ الْبِيضَ؛ لِأَنَّهَا أَجْوَدُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَكُونُ أَخْذُهَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ لَا بِطَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ وَشَرْطُ صِحَّةِ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ الْقَدْرِ الْمُسَاوَاةُ وَلَمْ تُوجَدْ فَلِهَذَا بَطَلَ الصُّلْحُ حَتَّى لَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ عَنْ الْأَلْفِ الْمُؤَجَّلَةِ أَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَلْفٍ بِيضٍ عَنْ الْأَلْفِ السُّودِ جَازَ بِشَرْطِ قَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقَدْرِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الصَّرْفِ دُونَ الْمُسَاوَاةِ فِي الصِّفَةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفٌ فَصَالَحَهُ عَلَى طَعَامٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ سَوَاءٌ كَانَتْ حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ إسْقَاطًا لِلدَّنَانِيرِ كُلِّهَا وَلِلدَّرَاهِمِ إلَّا مِائَةً وَتَأْجِيلًا لِلْمِائَةِ الَّتِي بَقِيَتْ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَسَادَهُ؛ وَلِأَنَّ جِهَةَ الْإِسْقَاطِ أَرْجَحُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِغْمَاضِ؛ وَلِهَذَا جَازَ عَنْ الْمَجْهُولِ، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى كَانَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ أَدْوَنَ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا وَوَقْتًا أَوْ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَهُوَ إسْقَاطٌ لِلْبَعْضِ وَاسْتِيفَاءٌ لِلْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى دُونَ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ أَزْيَدَ مِنْهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ وَصْفٍ أَوْ مَا هُوَ بِمَعْنَى الْوَصْفِ كَتَعْجِيلِ الْمُؤَجَّلِ وَمِنْ اخْتِلَافِ جِنْسٍ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ اسْتِيفَاءً فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ الْجِيَادَ اسْتَحَقَّ الزُّيُوفَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْجِيَادِ مُسْتَحِقٌّ لِمَا دُونَهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ السُّودَ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ بِدُونِ رِضَاهُ جَازَ وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الرَّدِّ، وَلَوْ أَخَذَ الْبِيضَ مَكَانَ السُّودِ بِدُونِ أَمْرِهِ لَمْ يَجُزْ وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّدِّ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ لَا يَجُوزُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَأْتِي فِي الْمَتْنِ بَعْدَ أَسْطُرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَالَّ) أَيْ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ كَانَ حَقُّهُ فِي الْمُؤَجَّلِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ مُبَادَلَةً بِالضَّرُورَةِ إلَخْ) وَبَيْعُ خَمْسِمِائَةٍ بِأَلْفٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ رِبًا أَوْ نَقُولُ إنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي كَانَتْ مُؤَجَّلَةً فِي الْأَصْلِ تَكُونُ بِمُقَابَلَةِ الْخَمْسِمِائَةِ الْمَحْطُوطَةِ الْمُؤَجَّلَةِ فَيَكُونُ اعْتِيَاضًا عَنْ الْأَجَلِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي كِتَابِ الْمُجَرَّدِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَيَّ مَالٌ إلَى أَجَلٍ فَسَأَلَنِي أَنْ أُعَجِّلَ وَيَضَعَ عَنِّي بَعْضَهُ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِابْنِ عُمَرَ فَنَهَانِي وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْخُذُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ إحْسَانٌ فِي الْقَضَاءِ بِالتَّعْجِيلِ وَإِحْسَانٌ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ فِي الِاقْتِضَاءِ بِحَطِّ بَعْضِ حَقِّهِ لَكِنَّا نَقُولُ هَذَا حَسَنٌ إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ فَإِذَا شُرِطَ أَحَدُهُمَا فِي مُقَابَلَةِ الْآخَرِ دَخَلَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ فَاسِدَةٌ فَكَانَ فَاسِدًا، وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَنَهَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَنَهَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَقَالَ: إنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ أُطْعِمَهُ الرِّبَا وَعَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ حَطُّ بَعْضِهِ عَنْهُ وَأَبُو يُوسُفَ أَخَذَ بِقَوْلِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ أَوْ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ بِسَطْرٍ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَانْظُرْ إلَى مَا قَبْلَ هَذِهِ الْقَوْلَةِ نَقْلًا عَنْ الْأَتْقَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا فَإِنَّهُ مُفِيدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ سُودٍ) قَالُوا الْمُرَادُ مِنْ الدَّرَاهِمِ السُّودِ هِيَ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ مِنْ النُّقُودِ السَّوْدَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَخَذَهَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ إلَخْ) فَيَكُونُ مُعَاوَضَةُ الْأَلْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ فَكَانَ رِبًا عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ أَوْ إلَى شَهْرٍ صَحَّ الصُّلْحُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ذَكَرَهُ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ لَمَّا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ فَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الدَّنَانِيرِ أَصْلًا وَأَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الدَّرَاهِمِ إلَّا مِائَةً وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ التَّأْجِيلُ فِي الْمِائَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِوَضٍ بَلْ هِيَ نَفْسُ مَا كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَعَشْرَةِ دَنَانِيرَ إلَى شَهْرٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ حَطَّ بَعْضَ حَقِّهِ قَدْرًا وَبَعْضَهُ وَصْفًا وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَطَّ لَا يَقِفُ عَلَى اسْتِيفَاءِ مَا بَقِيَ وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى خَمْسِينَ دِرْهَمًا إلَى أَجَلٍ أَوْ حَالٍّ؛ لِأَنَّهُ حَطَّ أَحَدَ حَقَّيْهِ أَصْلًا وَالْآخَرُ بَعْضُ حَقِّهِ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَا دَارَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اسْتِيفَاءً وَصَرْفًا يُجْعَلُ اسْتِيفَاءً؛ لِأَنَّهُ دُونَ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ عَقْدٌ مُبْتَدَأٌ لَهُ أَحْكَامٌ مُبْتَدَأَةٌ وَالِاسْتِيفَاءُ مُتَمِّمٌ لِمَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَكَانَ حَمْلُ التَّصَرُّفِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ عَلَيْهِ أَوْلَى. اهـ.

شُرُوطُ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ تَعْجِيلُ الْمُؤَجَّلِ كَالْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤَجَّلِ؛ وَلِهَذَا يَنْقُصُ الثَّمَنُ لِأَجْلِهِ فَيَكُونُ الْحَطُّ بِمُقَابَلَةِ الْأَجَلِ فَيَكُونُ رِبًا فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا صَالَحَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِرْفَاقِ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا مُقَابَلَةَ الْأَجَلِ بِبَعْضِ الْمَالِ وَلَكِنَّهُ إرْفَاقٌ مِنْ الْمَوْلَى بِحَطِّ بَعْضِ الْبَدَلِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ وَمُسَاهَلَةٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ فِيمَا بَقِيَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ أَيْضًا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ فَقَالَ أَدِّ غَدًا نِصْفَهُ عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ فَفَعَلَ بَرِئَ، وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يُؤَدِّ غَدًا النِّصْفَ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ لَا يَبْرَأُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْرَأُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَلَا تَعُودُ إلَيْهِ خَمْسُ الْمِائَةِ السَّاقِطَةِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْأَدَاءِ ضَائِعٌ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ يُطَالِبُهُ هُوَ فِيهِ إذْ الْمَالُ عَلَيْهِ حَالٌّ فَبَطَلَ التَّعْلِيقُ وَصَارَ إبْرَاءً مُطْلَقًا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ أَدَاءَ خَمْسَ الْمِائَةِ عِوَضًا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلْمُعَاوَضَةِ وَالْأَدَاءُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الصُّلْحِ وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ لِلْإِبْرَاءِ عِوَضًا سِوَاهُ وَالْعِوَضُ هُوَ الْمُسْتَفَادُ بِالْعَقْدِ وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَحَصَلَ الْإِبْرَاءُ مُطْلَقًا كَمَا إذَا بَدَأَ بِالْإِبْرَاءِ بِأَنْ قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي خَمْسَمِائَةٍ غَدًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ فَإِنْ لَمْ تَنْقُدْ غَدًا فَلَا صُلْحَ بَيْنَنَا؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِعَدَمِ النَّقْدِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ وَلِهَذَا جَازَ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا عَلَى مَا مَرَّ ذِكْرُهُ وَلَهُمَا أَنَّ كَلِمَةَ عَلَى تَكُونُ لِلشَّرْطِ كَمَا تَكُونُ لِلْمُعَاوَضَةِ فَتُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ حَمْلِهَا عَلَى الْمُعَاوَضَةِ لِمَا ذُكِرَ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ فَإِذَا كَانَ لِلشَّرْطِ جَازَ تَقْيِيدُ الْإِبْرَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ التَّعْلِيقَ بِهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ فَإِنَّ الْأَصِيلَ يَبْرَأُ بِقَيْدٍ عَلَى صِفَةٍ وَهُوَ سَلَامَةُ الْعِوَضِ لَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا بِالْبَاقِي أَوْ رَهْنًا فَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ غَرَضًا فِيهِ حَذَارِ إفْلَاسِهِ أَوْ تَوَسُّلًا إلَى تِجَارَةٍ أَرْبَحَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّمَ الْإِبْرَاءَ؛ لِأَنَّهُ بَرِئَ بِالْبُدَاءَةِ فَلَا يَعُودُ الدَّيْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرُ أَلْفٌ فَقَالَ أَدِّ غَدًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ فَقَالَ لَهُ ادْفَعْ إلَيَّ غَدًا مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الْخَمْسَمِائَةِ غَدًا عَادَتْ الْأَلْفُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا تَعُودُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ أُصَالِحُك عَلَى أَنْ أَحُطَّ عَنْك خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْيَوْمَ خَمْسَمِائَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا قَالَا فِي ذَلِكَ إنْ أَعْطَاهُ يَوْمَئِذٍ خَمْسَمِائَةٍ جَازَ الصُّلْحُ، وَإِنْ مَضَى ذَلِكَ الْيَوْمُ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ انْتَقَضَ الصُّلْحُ وَبَطَلَ وَكَانَتْ الْأَلْفُ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْرَأُ إلَخْ) وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ حَصَلَ مُطْلَقًا فَتَثْبُتُ الْبَرَاءَةُ مُطْلَقًا أَعْطَى أَوْ لَمْ يُعْطِ فَصَارَ كَمَا إذَا بَدَأَ بِذِكْرِ الْإِبْرَاءِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ خَارِجٌ مَخْرَجَ الْمُطَالَبَةِ لَا مَخْرَجَ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُعَاوَضَةِ لَا يَصْلُحُ أَدَاءُ الْخَمْسِمِائَةِ عِوَضًا؛ لِأَنَّ أَدَاءَ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِقَضِيَّةِ السَّبَبِ السَّابِقِ وَحَقِيقَةُ الْمُعَاوَضَةِ إنَّمَا تَكُونُ إذَا اسْتَفَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا لَمْ يَكُنْ اسْتَفَادَهُ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّمَا اسْتَفَادَهُ بِاسْتِحْقَاقٍ طَارِئٍ فَلَمَّا لَمْ يَصْلُحْ أَدَاءُ ذَلِكَ عِوَضًا صَارَ ذِكْرُهُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ فَبَقِيَ إبْرَاءً مُطْلَقًا فَلَمْ يَتَقَيَّدْ الْإِبْرَاءُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعِوَضِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذَا إبْرَاءٌ بِشَرْطٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ فَيَكُونُ إبْرَاءً مُقَيَّدًا بِشَرْطِ سَلَامَتِهِ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ عَلَى شَرْطٍ سَمَّاهُ أَوْ قَيَّدَ الْإِبْرَاءَ بِشَرْطِ الْكَفَالَةِ أَوْ الرَّهْنِ كَمَا لَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ بِشَرْطِ أَنْ تُعْطِيَنِي بِالْبَاقِي الْيَوْمَ كَفِيلًا أَوْ رَهْنًا فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُعْطِ عَادَ الْأَلْفُ عَلَيْهِ كَمَا هُنَا وَكَالْحَوَالَةِ لَمَّا كَانَتْ بَرَاءَةُ الْمُحِيلِ مُقَيَّدَةً بِشَرْطِ سَلَامَةِ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَإِذَا فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ بِمَوْتِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا عَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَالُهُ عَلَى إنْسَانٍ مُقَصِّرٍ فِي الْأَدَاءِ فَيُرِيدُ أَنْ يَشْرُطَ الْحَطَّ عَنْ بَعْضٍ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ فِي مُقَابَلَتِهِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ حَامِلًا لَهُ عَلَى التَّأْجِيلِ، وَهَذَا مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ فَصَارَ الْإِبْرَاءُ مُقَابَلًا بِالتَّعْجِيلِ فَتَقِفُ سَلَامَتُهُ عَلَى سَلَامَةِ ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَرَطَا شَرْطًا آخَرَ؛ وَلِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُعَاوَضَةِ حُمِلَتْ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لَا يَصِحُّ هُنَا لِمَا قُلْنَا فَحُمِلَتْ عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُعَاوَضَةِ مُقَابَلَةَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ بِالْآخَرِ وَالشَّرْطُ أَيْضًا يُقَابِلُ الْجَزَاءَ فَصَارَ الشَّرْطُ كَالْمَذْكُورِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ تَنْقُدْ فَلَا صُلْحَ فَإِذَا لَمْ يَنْقُدْ بَطَلَ الصُّلْحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ كَلِمَةَ عَلَى تَكُونُ لِلشَّرْطِ) قَالَ تَعَالَى {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12]. اهـ. (قَوْلُهُ جَازَ تَقْيِيدُ الْإِبْرَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ بِهِ) رَأَيْت بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ هُنَا حَاشِيَةً نَصُّهَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّقْيِيدِ وَالتَّعْلِيقِ أَنَّ فِي التَّقْيِيدِ لَا يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الشَّرْطِ صَرِيحًا؛ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ إنْ أَدَّيْت أَوْ مَتَى أَدَّيْت أَوْ إذَا أَدَّيْت لَمْ يَصِحَّ التَّقْيِيدُ وَفِي التَّعْلِيقِ يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الشَّرْطِ صَرِيحًا هَذَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، وَالْفَرْقُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ فِي تَقْيِيدِ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ يَحْصُلُ الْإِبْرَاءُ فِي الْحَالِ بِشَرْطِ وُجُودِ مَا قَيَّدَ بِهِ وَفِي التَّعْلِيقِ لَا يَحْصُلُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَهُ فَكَانَ التَّقْيِيدُ بِمَنْزِلَةِ الْإِضَافَةِ إلَى وَقْتٌ وَبَيَانُهُ مُسْتَقْصًى فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ ثُمَّ فِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ صَرِيحُ لَفْظِ الشَّرْطِ وَلَكِنْ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ فَلِذَا سَمَّيْنَاهُ تَقْيِيدًا لَا تَعْلِيقًا. اهـ (قَوْلُهُ حَذَارِ إفْلَاسِهِ) يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الْمَفْعُولُ لَهُ مَعْرِفَةً كَمَا فِي قَوْلِك خَرَجْت مَخَافَةَ الشَّرِّ وَقَوْلُهُ حَذَارِ إفْلَاسِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. اهـ غَايَةٌ

بِالشَّكِّ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَبْرَأْ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرُهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِالشَّكِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى مُحْتَمِلَةٌ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِ لَا يَبْرَأُ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَبْرَأُ بِالْأَدَاءِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ لِلْعِوَضِ يَبْرَأُ مُطْلَقًا فَلَا يَبْرَأُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا مَا ذَكَرْنَا وَالثَّانِي أَنْ يُصَرِّحَ بِالتَّقْيِيدِ بِأَنْ يَقُولَ صَالَحْتُك عَنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ تَدْفَعُهَا إلَيَّ غَدًا، وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى أَنَّكَ إنْ لَمْ تَدْفَعْهَا إلَيَّ غَدًا فَلَا تَبْرَأُ مِنْ الْبَاقِي فَيَكُونُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ فَلَا يُزَاحِمُهُ غَيْرُهُ، وَالثَّالِثُ إذَا قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي خَمْسَمِائَةٍ غَدًا فَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَبْرَأُ مُطْلَقًا أَدَّى خَمْسَ الْمِائَةِ فِي الْغَدِ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ قَدْ حَصَلَتْ بِالْإِطْلَاقِ أَوَّلًا فَلَا تَتَغَيَّرُ بِمَا يُوجِبُ الشَّكَّ فِي آخِرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْأُولَى وَالرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ أَدِّ إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنَّكَ بَرِيءٌ مِنْ بَاقِيهِ وَلَمْ يُؤَقِّتْ لِلْأَدَاءِ وَقْتًا فَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَبْرَأُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُطْلَقٌ إذْ لَمْ يُؤَقِّتْ لَهُ وَقْتًا وَلَيْسَ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي مُطْلَقِ الزَّمَانِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى التَّقْيِيدِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ اسْمٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ بِالْعَقْدِ وَالْأَدَاءُ وَاجِبٌ قَبْلَهُ فَلَغَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ فِيهَا مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْأَدَاءِ وَهُوَ غَرَضٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَتَقَيَّدُ بِهِ وَالْخَامِسُ إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ إذَا أَدَّيْت أَوْ مَتَى أَدَّيْت فَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ صَرِيحًا وَالْبَرَاءَةُ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّتِهِ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَبِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنْوَاعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهَا فِيهَا بِصَرِيحِ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِالتَّقْيِيدِ فَصَارَ كَالْمُضَافِ إلَى وَقْتٍ بَلْ هُوَ مُضَافٌ إلَى الْوَقْتِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ فَلَا يَكُونُ مُعَلَّقًا بِالْخَطَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَا أُقِرُّ لَك بِمَا لَك حَتَّى تُؤَخِّرَهُ عَنِّي أَوْ تَحُطَّ) يَعْنِي بَعْضَهُ (فَفَعَلَ صَحَّ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكْرَهٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إقَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي لَا يَبْرَأُ إذَا لَمْ يُؤَدِّ وَيَكُونُ الْمَالُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَبْرَأْتُك عَنْ خَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي غَدًا خَمْسَمِائَةٍ فَإِنْ لَمْ تَنْقُدْنِي غَدًا خَمْسَمِائَةٍ فَالْأَلْفُ عَلَيْك فَمَضَى الْغَدُ وَلَمْ يُعْطِهِ فَالْأَلْفُ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ لُزُومَ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطِ إيفَاءِ الْبَاقِي قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» وَالْإِبْرَاءُ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَقَّفَ لُزُومُهُ عَلَى شَرْطٍ مَرْغُوبٍ عَرَفْنَا ذَلِكَ بِآخِرِ كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَنْقُدْنِي غَدًا فَالْأَلْفُ عَلَيْك، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ؛ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَجَازَ أَنْ يَقِفَ لُزُومُهُ عَلَى الشَّرْطِ اهـ (قَوْلُهُ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَبْرَأُ مُطْلَقًا) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذْ لَمْ يُؤَقِّتْ لَهُ وَقْتًا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَقِّتْ لَهُ وَقْتًا يَكُونُ وَقْتُهُ الْعُمْرَ فَلَا تُنْتَقَضُ الْبَرَاءَةُ بِعَدَمِ الدَّفْعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ مَتَى أَدَّيْت) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَوْ قَالَ لِلْغَرِيمِ أَوْ لِلْكَفِيلِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ مَتَى أَدَّيْت أَوْ إنْ أَدَّيْت أَوْ إنْ دَفَعْت إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ فَأَنْتَ بَرِيءٌ عَنْ الْبَاقِي فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الْبَاقِي، وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ سَوَاءٌ ذَكَرَ لَفْظَ الصُّلْحِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ بِالشَّرْطِ صَرِيحًا فَتَبْطُلُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ أَبْرَأْتُك بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ مَا صَرَّحَ بِالتَّعْلِيقِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَرَاءَةَ إسْقَاطٌ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ وَيَرْتَدَّ بِالرَّدِّ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَتَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ كَتَعْلِيقِ الْبَيْعِ وَتَعْلِيقُ الْإِسْقَاطِ جَائِزٌ كَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَاعْتَبَرْنَا شُبْهَةَ التَّمْلِيكِ وَقُلْنَا بِأَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِالتَّعْلِيقِ لَا يَصِحُّ وَاعْتَبَرْنَا شَبَهَ الْإِسْقَاطِ وَقُلْنَا بِالصِّحَّةِ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِلْكَفِيلِ وَفِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ؛ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ إلَّا أَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ كَإِبْرَاءِ الْأَصِيلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِمَا لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ إذَا كَفَلَ بِمَالٍ عَنْ رَجُلٍ وَكَفَلَ بِنَفْسِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ إنْ وَافَى بِنَفْسِهِ غَدًا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَوَافَى بِنَفْسِهِ بَرِئَ مِنْ الْمَالِ، وَإِنْ عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ بِالْإِيفَاءِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ فَصَحَّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ) أَيْ الْإِبْرَاءُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ) أَيْ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكَاتِ بِالْأَخْطَارِ بَاطِلٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَفَعَلَ صَحَّ) أَيْ أَخَّرَ رَبُّ الدَّيْنِ أَوْ حَطَّ بَعْضَ الدَّيْنِ بِأَنْ أَبْرَأَ الْمَدْيُونَ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ صَحَّ مَا نَصُّهُ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ مُطَالَبَتِهِ فِي الْحَالِ وَلَا مُطَالَبَةَ مَا حَطَّ عَنْهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَتَمَكَّنُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْحَالَّ لَا يَتَأَجَّلُ بِتَأْجِيلِ صَاحِبِهِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُكْرَهٌ فِي فِعْلِ التَّأْخِيرِ وَالْحَطِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ لَا يُقِرُّ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ الْإِكْرَاهَ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْعُقُوبَةِ وَالْحَبْسِ وَلَمْ يُوجَدْ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا يُقِرُّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ أَجْوَزُ مَا يَكُونُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ وَهِيَ عِنْدَ الْإِنْكَارِ لَا الْإِقْرَارِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ فِي الْهِدَايَةِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ سِرًّا أَمَّا إذَا قَالَ عَلَانِيَةً يُؤْخَذُ بِهِ اهـ أَيْ يُؤْخَذُ الْمُقِرُّ بِالْمَالِ فِي الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْحَقِّ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَخْتِمُ الْفَصْلَ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ قَالَ، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ لَا يَعْرِفَانِ وَزْنَهَا فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الصُّلْحِ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ أَكْثَرُ مِنْهُ لَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْحَطِّ وَالْإِغْمَاضِ فَكَانَ تَقْدِيرُهُمَا بَدَلَ الصُّلْحِ بِشَيْءٍ دَلَالَةً ظَاهِرَةً أَنَّهُمَا عَرَفَاهُ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَا

[فصل دين بينهما صالح أحدهما عن نصيبه على ثوب لشريكه]

الْبَيِّنَةِ، أَوْ التَّحْلِيفِ فَيَنْكُلُ وَهُوَ نَظِيرُ الصُّلْحِ مَعَ الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُنَافِي الطَّوْعَ وَالِاخْتِيَارَ فِي تَصَرُّفِهِ أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ مُضْطَرٌّ لَكِنَّ الِاضْطِرَارَ لَا يَمْنَعُ مِنْ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ كَبَيْعِ مَالِهِ بِالطَّعَامِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ. (فَصْلٌ) قَالَ (دَيْنٌ بَيْنَهُمَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُتْبِعَ الْمَدْيُونَ بِنِصْفِهِ، أَوْ يَأْخُذَ نِصْفَ الثَّوْبِ مِنْ شَرِيكِهِ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ رُبُعَ الدَّيْنِ) يَعْنِي إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْمُصَالِحُ لِشَرِيكِهِ رُبُعَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَقْبُوضِ مِنْ الدَّيْنِ إذْ لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْمَقْبُوضُ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ فَقَضِيَّتُهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ رُبُعَ الدَّيْنِ وَلَا يَكُونُ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى الثَّوْبِ كَمَا فِي فَصْلِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ عِوَضَهُ لَكِنَّ الصُّلْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحَطِّ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ رُبُعَ الدَّيْنِ لَتَضَرَّرَ الْمُصَالِحُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَبْلُغُ قِيمَةُ الثَّوْبِ كُلِّهِ رُبُعَ الدَّيْنِ فَأَثْبَتْنَا لَهُ الْخِيَارَ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَدِينِ بِنَصِيبِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ وَإِذَا رَجَعَ عَلَى الْمُصَالِحِ أَثْبَتْنَا لِلْمُصَالِحِ الْخِيَارَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ، أَوْ رُبُعَ الدَّيْنِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ بِخِلَافِ فَصْلِ الشِّرَاءِ وَالِاقْتِضَاءِ لِنَفْسِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى قَدْرَ حَقِّهِ بَلْ أَكْثَرَ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ بِرُبُعِ الدَّيْنِ وَفِي فَصْلِ الِاقْتِضَاءِ قَدْ قَبَضَ نِصْفَ الْحَقِّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا لِمَا أَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى فِي الذِّمَّةِ فَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنْهُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ فَجَعَلْنَا الْمَقْبُوضَ كَأَنَّهُ عَيْنُ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ حَقِيقَةً؛ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْقَابِضُ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَيْنٌ وَالْعَيْنُ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً وَقَدْ قَبَضَهُ بَدَلًا عَنْ حَقِّهِ فَيَمْلِكُهُ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ ثُمَّ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ حِصَّتَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ بِأَنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنٌ عَلَى حِدَةٍ، أَوْ كَانَ لَهُمَا عَيْنٌ وَاحِدَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا وَبَاعَا الْكُلَّ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ ثَمَنِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ قِيمَةِ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ أَوْ بَدَلِ الْقَرْضِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَعْرِفَانِ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ. اهـ. . [فَصْلٌ دَيْنٌ بَيْنَهُمَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ لِشَرِيكِهِ] (فَصْلٌ) هَذَا الْفَصْلُ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا ذَكَرَ مُطْلَقَ الدَّيْنِ شَرَعَ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ عَارِضٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعَارِضِ اهـ وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الدَّيْنِ الْمُفْرَدِ شَرَعَ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي فَصْلِ الشِّرَاءِ) أَيْ الْآتِي فِي الْمَتْنِ وَهُوَ وَقَوْلُهُ، وَلَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ شَيْئًا ضَمَّنَهُ رُبُعَ الدَّيْنِ اهـ (قَوْلُهُ لَكِنَّ الصُّلْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحَطِّ)؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالِاقْتِضَاءُ لِنَفْسِ الدَّيْنِ) فِي نُسْخَةٍ وَالِاقْتِضَاءُ لِنِصْفِ الدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِمَا أَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تُتَصَوَّرُ) سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْمَحَلِّ التَّعْلِيلُ لِعَدَمِ جَوَازِ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقِسْمَةُ الدَّيْنِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ لَا تَجُوزُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ أَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِيمَا فِي الذِّمَّةِ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَوْ اقْتَسَمَا الْأَعْيَانَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ، أَلَا تَرَى أَنَّ صُبْرَةَ طَعَامٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ خُذْ مِنْهَا هَذَا الْجَانِبَ لَك، وَهَذَا الْجَانِبُ لِي لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ وَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ لَمَّا لَمْ يَتَمَيَّزْ؛ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقْتَسِمَيْنِ يَأْخُذُ نِصْفَ حَقِّهِ وَيَأْخُذُ الْبَاقِيَ عِوَضًا عَمَّا لَهُ فِي يَدِ الْآخَرِ وَتَمْلِيكُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَجُوزُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ الْحَقَّيْنِ جَمِيعًا فَكَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ أَجْوَدَ مِنْهُ فَإِنَّ الْجُودَةَ لَا يُعْتَبَرُ بِهَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إذَا أَدَّى أَجْوَدَ مِنْهُ أُجْبِرَ صَاحِبُ الدَّيْنِ عَلَى قَبْضِهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَبَضَ نَفْسَ حَقِّهِ فَلَزِمَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ أَرْدَأَ مِنْهُ فَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مِنْ دَيْنِهِ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ فَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ غَيْرِهِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا جِئْنَا إلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَقُلْنَا إذَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَتْبَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِنِصْفِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَرِيكُهُ بِنَصِيبِهِ ثَوْبًا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الثَّوْبِ مِنْ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَنْ نِصْفِ الدَّيْنِ وَهُوَ مُشَاعٌ بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا أَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ لَا تَصِحُّ وَحَقُّ الشَّرِيكِ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ فَصَارَ عِوَضُ الثَّوْبِ نِصْفَهُ مِنْ حَقِّهِ فَوَقَفَ عَلَى إجَازَتِهِ وَأَخْذُهُ لِلنِّصْفِ دَلَالَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْعَقْدِ فَصَحَّ ذَلِكَ وَجَازَ فَإِنْ ضَمِنَ لَهُ شَرِيكُهُ رُبُعَ الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الثَّوْبِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ اهـ (قَوْلُهُ وَبَاعَا الْكُلَّ صَفْقَةً وَاحِدَةً) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُزَادَ عَلَى هَذَا وَيُقَالَ إذَا كَانَ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِشَرْطِ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ بَاعَا صَفْقَةً وَنَصِيبُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الزِّيَادَةَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ ثَخِيَّةً وَنَصِيبُ الْآخَرِ سُودٌ فَقَبَضَ السُّودَ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ صَفْقَةً وَاحِدَةً مَا نَصُّهُ وَاحْتَرَزَ بِالصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ الصَّفْقَتَيْنِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَلشَّرِيكُ السَّاكِتِ الْمُشَارَكَةُ، أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ رَجُلٍ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَكَتَبَا عَلَيْهِ صَكًّا وَاحِدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لَهُمَا فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ وَجَبَ بِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ قِيمَةِ الْعَيْنِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى ثَمَنِ مَنْ قَوْلِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ اهـ

الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا أَوْ يَكُونُ الدَّيْنُ مَوْرُوثًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَيَّدَهُ بِكَوْنِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ دَيْنًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ يَخْتَصُّ الْمُصَالِحُ بِبَدَلِ الصُّلْحِ وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ مَالٌ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَقَيَّدَهُ بِكَوْنِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ ثَوْبًا وَمُرَادُهُ خِلَافُ جِنْسِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى جِنْسِهِ يُشَارِكُهُ فِيهِ، أَوْ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدِينِ وَلَيْسَ لِلْقَابِضِ فِيهِ خِيَارٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ بَعْضِ الدَّيْنِ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ، أَوْ سُكُوتٍ، أَوْ إنْكَارٍ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَيْنِ يَتَصَادَقَانِ عَلَى أَنَّ لَهُمَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا وَمَا يَأْخُذُهُ بَدَلٌ عَنْهُ وَزَعْمُهُمَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمَا، وَلَوْ أَرَادَ الْقَابِضُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ فِيمَا قَبَضَ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَهَبَهُ الْغَرِيمُ قَدْرَ دَيْنِهِ وَهُوَ يُبْرِئُهُ عَنْ دَيْنِهِ، أَوْ يَبِيعَ الطَّالِبُ كَفًّا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ نَحْوِهِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ، ثُمَّ يُبْرِئُهُ عَنْ الدَّيْنِ وَيَأْخُذُ ثَمَنَ الزَّبِيبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَبَضَ نَصِيبَهُ شَرَكَهُ فِيهِ وَرَجَعَا بِالْبَاقِي عَلَى الْغَرِيمِ)؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ لَا تُتَصَوَّرُ وَالْمَقْبُوضُ بَدَلٌ عَنْهُ فَلَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ إنْ شَاءَ لِكَوْنِهِ عَيْنَ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى كَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْغَرِيمِ وَيُجْبَرُ الْغَرِيمُ عَلَى الْقَضَاءِ وَلَا إجْبَارَ عَلَى الْمُبَادَلَةِ فَإِذَا كَانَ عَيْنَ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِهِ ثَوْبًا حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ يُضَمِّنُهُ رُبُعَ الدَّيْنِ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الثَّوْبِ فِي فَصْلِ الصُّلْحِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الْمُصَالِحَ الضَّرَرُ وَهُنَا انْتَفَى الضَّرَرُ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَرْجِعُ بِرُبُعِ الدَّيْنِ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاقْتِضَاءِ، وَلَوْ سَلَّمَ لَهُ الْمَقْبُوضَ وَاخْتَارَ مُتَابَعَةَ الْغَرِيمِ، ثُمَّ تَوَى نَصِيبُهُ بِأَنْ مَاتَ الْغَرِيمُ مُفْلِسًا رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْبَاقِي لَهُ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الْمَقْبُوضَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهَا قَدْ سَقَطَ بِالتَّسْلِيمِ فَلَا يَعُودُ حَقُّهُ فِيهَا بِالتَّوَى وَيَعُودُ إلَى ذِمَّتِهِ فِي مِثْلِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ شَيْئًا ضَمَّنَهُ رُبُعَ الدَّيْنِ) يَعْنِي إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لِنَصِيبِهِ بِالْمُقَاصَّةِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يُقَالُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا تُتَصَوَّرُ فَكَيْفَ تُتَصَوَّرُ الْمُقَاصَّةُ فِيهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَجُوزُ ضِمْنًا، وَإِنَّمَا لَا تَجُوزُ قَصْدًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الدَّيْنِ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى اثْنَانِ فِي دَارٍ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّارِ عَلَى مَالٍ لَمْ يُشْرِكْهُ الْآخَرُ، أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الْغَصْبِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْكَافِي، وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا فِي دَارِ دَعْوَى مِيرَاثٍ عَنْ أَبِيهِمَا فَصَالَحَ رَبُّ الدَّارِ أَحَدَهُمَا عَلَى مَالٍ لَمْ يُشْرِكْهُ الْآخَرُ فِيهِ إنْ كَانَ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا وَكَذَلِكَ الْعُرُوض؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِمَا أَنَّهُ بَائِعٌ نَصِيبَهُ فِي الْمِيرَاثِ وَقَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الْعَقَارِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا فِي يَدِ رَجُلٍ دَارًا أَوْ قَالَا وَرِثْنَاهَا عَنْ أَبِينَا وَجَحَدَ الرَّجُلُ ثُمَّ صَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَرَادَ شَرِيكُهُ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي هَذِهِ الْمِائَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الدَّارِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ لِمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْكَافِي بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ وَمَنْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ مِلْكِهِ لَا بَدَلُ مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ يَعْنِي الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ ذُكِرَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ رُسْتُمَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ يُشَارِكُهُ وَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ لَا يُشَارِكُهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الصُّلْحَ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ بَلْ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُدَّعَى إذَا كَانَ دَيْنًا فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى شَرِيكِهِ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) أَيْ إنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ وَمُعَاوَضَةً فِي زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ فَلَا يَثْبُتُ لَلشَّرِيك حَقُّ الشَّرِكَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يَبِيعَ الطَّالِبُ) أَيْ مِنْ الْمَدْيُونِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ قَبَضَ) أَيْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ نَصِيبَهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِهِ ثَوْبًا) وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ فِي الْمَتْنِ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْبَاقِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ عَلَى رَجَاءِ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ فَإِذَا تَوَى لَمْ يَسْلَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ) أَيْ كَمَا إذَا مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ شَيْئًا ضَمِنَهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحَدَ رَبَّيْ الدَّيْنِ لَمَّا اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ سِلْعَةً وَجَبَ عَلَى ذِمَّتِهِ مِثْلُ مَا وَجَبَ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَبَضَ نِصْفَ الدَّيْنِ فَلَوْ اسْتَوْفَى نِصْفَ الدَّيْنِ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَا هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشَّرِيكِ الْمُشْتَرِي فِي ضَمَانِ رُبُعِ الدَّيْنِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصُّلْحِ) يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ إذَا اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ سِلْعَةً لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ بَلْ يَضْمَنُ رُبُعَ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى سِلْعَةٍ كَالثَّوْبِ مَثَلًا حَيْثُ يَكُونُ الْمُصَالِحُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ الثَّوْبِ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إلَيْهِ رُبُعَ الدَّيْنِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ رُبُعَ الدَّيْنِ بِلَا خِيَارٍ كَمَا لَوْ اشْتَرَى؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِهِ قَابِضًا وَنَحْنُ نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْحَطِيطَةِ وَالتَّجَوُّزِ بِدُونِ الْحَقِّ وَمَا صَارَ إلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ فَإِذَا أَلْزَمْنَاهُ رَدَّ حِصَّةِ السَّاكِتِ يَلْزَمُ الضَّرَرُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ دُونَ التَّجَوُّزِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّرَرُ فِي إلْزَامِ رَدِّ الْحِصَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

وَهُنَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الشِّرَاءِ أَوْ صِحَّةِ الْمُصَالَحَةِ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ ضِمْنًا وَلَا يَصِحُّ قَصْدًا وَلِلْغَرِيمِ أَنْ لَا يُتْبِعَ الْقَابِضَ فِي الْجَمِيعِ وَيَرْجِعَ عَلَى الْمَدِينِ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَبَضَ حَقَّهُ إلَّا أَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ وَلَوْ كَانَ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى أَحَدِهِمَا دَيْنٌ قَبْلَ وُجُوبِ دَيْنِهِمَا عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ دَيْنُهُ قِصَاصًا بِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ آخِرَ الدَّيْنَيْنِ قَضَاءٌ لِأَوَّلِهِمَا وَبِهِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالِاقْتِضَاءِ، وَكَذَا الْمُشَارَكَةُ لَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالِاقْتِضَاءِ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ فَوْقَ الصُّلْحِ فِي التَّبَرُّعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا فَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الصُّلْحِ فَفِي هَذَا أَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنَ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ كَانَتْ قِسْمَةُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ السِّهَامِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَادَ إلَى هَذَا الْقَدْرِ وَلَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا عَيْنًا مِنْ الْمَدِينِ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَهُوَ قَبْضٌ؛ لِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ وَجَبَ لِلْغَرِيمِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا، وَدَيْنُ الْغَرِيمِ آخِرُهُمَا فَيَكُونُ قَضَاءً مِنْ الْغَرِيمِ وَاقْتِضَاءً مِنْ الطَّالِبِ فَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ، وَالِاسْتِئْجَارُ بِنَصِيبِهِ كَالشِّرَاءِ بِنَصِيبِهِ حَتَّى يَضْمَنَ رُبُعَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ لِلْمَنَافِعِ حُكْمَ الْمَالِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الدَّيْنِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ وَلَوْ أَحْرَقَ أَحَدُهُمَا مَتَاعَ الْمَطْلُوبِ بِالنَّارِ لَا يَكُونُ قَبْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْغَصْبِ، ثُمَّ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ بِالْإِحْرَاقِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ حَصَلَ بِالْقَبْضِ فَيُسْتَنَدُ إلَيْهِ فَيَمْلِكُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَقَهُ فِي يَدِ مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ قَبْضٌ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَاقِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَصَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ آخِرَ الدِّينَيْنِ قَضَاءٌ لِلْأَوَّلِ فَصَارَ مُقْتَضِيًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَتَزَوُّجُ أَحَدِهِمَا بِنَصِيبِهِ بِأَنْ كَانَ لَهُمَا دَيْنٌ عَلَى امْرَأَةٍ فَزَوَّجَتْهُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، أَوْ عَلَى مَوْلَى الْأَمَةِ فَزَوَّجَهَا الْمَوْلَى مِنْهُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ أَوْ عَلَى الْأَمَةِ الْمَأْذُونِ لَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَيْسَ بِقَبْضٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ شَيْءٌ يُمْكِنُهُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِ الْمَدِينِ وَكَالْإِبْرَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْقَبْضِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الدَّيْنِ عِنْدَ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ فَتَمْلِكُهُ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ يَسْقُطُ عَنْ ذِمَّتِهَا كَالْهِبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُضِفْ الْعَقْدَ إلَيْهِ بِأَنْ سَمَّى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةً فَوَقَعَ التَّقَاصُّ بِنَصِيبِهِ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْهُ، وَإِنَّمَا مَلَكَتْ غَيْرَهُ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا، وَالصُّلْحُ عَلَيْهِ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ لَيْسَ بِقَبْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا قَابِلًا لِلشَّرِكَةِ بِمُقَابَلَتِهِ وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَمُحَمَّدٌ مَعَهُ فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أُخْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ قَبْلَ وُجُوبِ دَيْنِهِمَا عَلَيْهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَتُهُ مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ إلَى أَجَلٍ قَالَ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ لِلْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ قَبْلَ دَيْنِهِمَا فَقَدْ بَرِئَ الْمَطْلُوبُ مِنْ حِصَّتِهِ وَلَا شَيْءَ لَلشَّرِيك عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ قَضَى دَيْنَ الْمَطْلُوبِ بِمَا دَايَنَهُ أَوْ أَقْرَضَهُ وَمَنْ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُشَارِكَهُ، وَلَوْ اقْتَضَى مِنْ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ كَانَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُشَارِكَهُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ قَاضٍ لَا مُقْتَضٍ؛ لِأَنَّ آخِرَ الدَّيْنَيْنِ يُجْعَلُ قَضَاءً عَنْ أَوَّلِهِمَا أَمَّا أَوَّلُهُمَا لَا يُجْعَلُ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ هُوَ مُؤَدٍّ دَيْنَهُ لَا مُسْتَرِدٌّ دَيْنَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ) أَيْ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَالْإِسْقَاطُ لَا يُسَمَّى اسْتِيفَاءً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَانَتْ قِسْمَةُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ السِّهَامِ) أَيْ كَمَا إذَا أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا عَنْ نِصْفِ دَيْنِهِ وَالدَّيْنُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا يَكُونُ لِلْمُبْرِئِ الْمُطَالَبَةُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَلِلسَّاكِتِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالِاسْتِئْجَارُ بِنَصِيبِهِ كَالشِّرَاءِ بِنَصِيبِهِ) أَيْ حَتَّى لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ عِنْدَهُمْ لِحُصُولِ الْقَبْضِ بِالْمُقَاصَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ اسْتَأْجَرَ بِنَصِيبِهِ دَارًا مِنْ الْغَرِيمِ وَسَكَنَهَا يَرْجِعُ الشَّرِيكُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ نَصِيبِهِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ مُطْلَقًا أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَرْجِعُ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَجُعِلَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُطْلَقًا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ بَدَلُ نَصِيبِهِ الْمَنْفَعَةَ فَلَا يَضْمَنُ بِاعْتِبَارِهِ مَالًا لِشَرِيكِهِ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ) قِيلَ الْمَسْأَلَةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا مَا إذَا رَمَى النَّارَ عَلَى ثَوْبِ الْمَدْيُونِ فَأَحْرَقَهُ أَمَّا إذَا أَخَذَ الثَّوْبَ فَأَحْرَقَهُ فَالسَّاكِتُ يَتْبَعُ الْمُحْرِقَ بِالْإِجْمَاعِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ يُمْكِنُهُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ) أَيْ إذْ الْبُضْعُ لَا يَحْتَمِلُ الْمُشَارَكَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أُخْرَى) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا بِالْإِبْرَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْخِلَافِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ لَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ رِوَايَتَيْ الْكِتَابَيْنِ كِتَابِ الشَّرِكَةِ وَكِتَابِ الصُّلْحِ فَفِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ اهـ قَوْلُهُ وَكِتَابُ الصُّلْحِ أَيْ مِنْ الْأَصْلِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ الِاخْتِلَافِ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهَا حَيْثُ ذَكَرَ فِيهَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي إنْشَاءِ التَّأْخِيرِ أَمَّا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّ الدَّيْنَ مُؤَجَّلٌ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ صَحَّ إقْرَارُهُ فِي نَصِيبِهِ

لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إبْرَاءٌ مُؤَقَّتٌ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ؛ وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قِسْمَةَ الدَّيْنِ بَلْ يَبْقَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ النَّصِيبَيْنِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُؤَجَّلُ بَيْنَهُمَا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَيَرْجِعُ الْمُؤَخِّرُ عَلَى الْقَابِضِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهِيَ لَا تَجُوزُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ وَالْإِفْرَازِ وَفِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَالْمُبَادَلَةِ، وَالدَّيْنُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّمْيِيزُ وَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ فَبَطَلَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ مُخْتَلِفَانِ وَصْفًا وَحُكْمًا حَتَّى لَا يُطَالِبَ السَّاكِتُ بِنَصِيبِهِ فِي الْحَالِّ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ قِسْمَةٍ وَهَلْ دَعْوَى عَدَمِ الْقِسْمَةِ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا دَعْوَى الْمُحَالِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى شَرِيكِهِ بِأَنْ يَجْعَلَ مُؤْنَةَ الطَّلَبِ عَلَيْهِ فَقَطْ بَيَانُهُ أَنَّ السَّاكِتَ يُطَالِبُ بِنَصِيبِهِ فِي الْحَالِّ فَإِذَا خَلَصَ مِنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ هُوَ بِنَصِيبِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ فَيُؤَخِّرُ هُوَ نَصِيبَهُ أَيْضًا مِثْلَ مَا أَخَّرَ فِي الْأَوَّلِ فَيُطَالِبُ السَّاكِتُ بِنَصِيبِهِ فَإِذَا خَلَصَ مِنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ هَكَذَا إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْكُلَّ وَفِيهِ تَفْوِيتُ غَرَضِهِ بِمَنْعِهِ مِنْ وُصُولِ حَقِّهِ لَهُ فِي الْحَالِّ وَهَذَا ضَرَرٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ كَمَا لَا يُمَكَّنُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْآخَرِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ أَيْضًا لَا يُؤَدِّي إلَى قِسْمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا تَكُونُ مَعَ بَقَاءِ النَّصِيبَيْنِ مِلْكًا لِلشَّرِيكَيْنِ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُبْرِئِ فِيهِ مِلْكٌ فَلَا تَكُونُ قِسْمَةً، وَإِنَّمَا هُوَ إتْلَافٌ لِنَصِيبِهِ فَقَطْ، وَذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ لِإِنْسَانٍ صَحَّ إقْرَارُهُ وَصَارَ مِلْكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ لِكَوْنِهِ إتْلَافًا لِنَصِيبِهِ، وَلَوْ كَانَ قِسْمَةً لَمَا جَازَ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ صُلْحُ أَحَدِ رَبَّيْ السَّلَمِ عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى مَا دَفَعَ) أَيْ عَلَى مَا دَفَعَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ، وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الصُّلْحُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِبْدَالِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَيَجُوزُ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصُّلْحَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ كَالصُّلْحِ فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا أَجَازَهُ شَرِيكُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ حُجَّةُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُمَا يَقِيسَانِ الْإِنْشَاءَ عَلَى الْإِقْرَارِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عَقِبَ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَلْزَمُ إذَا أَقَرَّ بِتَأْخِيرِ نَصِيبِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا أَقَرَّ بِتَأْخِيرِ كُلِّهِ إلَّا أَنَّهُ يَنْفُذُ إقْرَارُهُ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَكَانَ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْكُلَّ مُؤَجَّلٌ وَفِي زَعْمِ الْآخَرِ أَنَّ الْكُلَّ حَالٌّ أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِتَأْخِيرِ نَصِيبِ نَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ كَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْكَافِي اهـ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا إذَا كَانَ لَهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ سُودٌ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ بِيضٌ عَلَى رَجُلٍ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبِيضُ لِأَحَدِهِمَا وَالسُّودُ لِلْآخَرِ كَانَ بَاطِلًا وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ لِتَمْيِيزِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَنَعْنِي مِنْ الْقِسْمَةِ هَذَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ مُخْتَلِفَانِ وَصْفًا وَحُكْمًا) أَمَّا وَصْفًا فَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُؤَجَّلٌ وَالْآخَرَ مُعَجَّلٌ وَأَمَّا حُكْمًا فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُطَالِبَ بِنَصِيبِهِ لَا لِلْآخَرِ لَوْ لِقِسْمَةٍ لَيْسَتْ إلَّا لَأَنْ يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَقَدْ صَارَ كَذَلِكَ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ فِي الْأَسْرَارِ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا يَحْتَجُّونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا كَلَامٌ ظَاهِرُ الِاخْتِلَالِ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا يَقُولَانِ التَّأْجِيلُ لَا يُوجِبُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمُطَالَبَةِ فَأَصْلُ الدَّيْنِ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ مُشْتَرَكًا وَتَغَيُّرُ صِفَةِ الدَّيْنِ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ وَتَغَيُّرُ صِفَةِ النَّصِيبِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الشَّرِكَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ نَصِيبَهُ لِفُلَانٍ صَحَّ وَقَدْ تَغَيَّرَ صِفَةُ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ كَانَ مُضَافًا إلَيْهِ وَالْآنَ صَارَ مُضَافًا إلَى غَيْرِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَيْنًا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَسَلَّمَ صَحَّ وَالشَّرِكَةُ بَاقِيَةٌ لَكِنْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إنَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا يَصِيرُ مُخَالِفًا لِنَصِيبِ الْآخَرِ وَصْفًا وَحُكْمًا إلَى آخَرَ مَا ذَكَرْنَا وَبِهَذَا تَتَحَقَّقُ الْقِسْمَةُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْقَوْلُ مَا قَالَتْ حَذَامِ. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ حَتَّى يُطَالِبَ) يُوجَدُ فِي نُسَخٍ عَدِيدَةٍ حَتَّى لَا بِإِثْبَاتٍ لَا وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا بِسَطْرٍ بَيَانُهُ إلَخْ اهـ شَاهَدْت لَا ثَابِتَةٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا اهـ (قَوْلُهُ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْآخَرِ) فَلَوْ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يُبْطِلَ الْكِتَابَةَ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ) يَعْنِي لَوْ أَبْرَأ أَحَدُهُمَا الْمَدْيُونَ عَنْ نَصِيبِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُبْرِئِ فِيهِ) أَيْ نَصِيبِهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَطَلَ) أَيْ بَطَلَ بِدُونِ إجَازَةِ الشَّرِيكِ أَيْ لَمْ يَنْفُذْ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ شَرِيكِهِ فَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ الصُّلْحُ أَصْلًا وَبَقِيَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ بَيْنَهُمَا عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ نِصْفُ رَأْسِ الْمَالِ بَيْنَهُمَا وَبَاقِي الطَّعَامِ بَيْنَهُمَا. اهـ. اخْتِيَار (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ صُلْحُ) سَمَّاهُ صُلْحًا مَجَازًا إذْ هُوَ فَسْخٌ فِي الْحَقِيقَةِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ عَلَى لَفْظِ الْمَتْنِ مَا نَصُّهُ مَعْنَاهُ أَنَّ أَحَدَ شَرِيكَيْ السَّلَمِ إذَا صَالَحَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ وَيَفْسَخَ عَقْدَ الشَّرِكَةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى مَا دَفَعَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ شَرِيكُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ نَقْلًا عَنْ التَّقْرِيبِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَرِيبًا. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَقَدْ ذُكِرَ الْخِلَافَ هَكَذَا فِي الْأَصْلِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ وَالْمُخْتَلِفِ وَالْحَصْرِ وَالْمَنْظُومَةِ وَكِتَابِ التَّقْرِيبِ لِلْقُدُورِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ الصُّلْحُ وَجَعَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

وَيُشَارِكُهُ فِي الْمَقْبُوضِ وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ فِي حَقِّهِ، ثُمَّ يَكُونُ لِشَرِيكِهِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِيمَا قَبَضَ وَيَكُونُ الدَّيْنُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَكَإِقَالَةِ نَصِيبِهِ فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ. وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِفَسْخِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا قَبْلَ الْعَقْدِ وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ وُجُوبِهِ بِالْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ قَدْ تَمَّ بِهِمَا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ كَشَطْرِ الْعِلَّةِ وَشَطْرُ الْعِلَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ مَا لَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ بِإِجَازَةِ الْآخَرِ كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَحَدُ الْمُعْتِقَيْنِ الْمُعْتَقَةَ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَيْنِ فَإِنَّ الْعَيْنَ أَصْلٌ لِوُجُودِ الْعَقْدِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْعَقْدُ إلَّا بِوُجُودِهَا فَكَذَا تَكُونُ أَصْلًا لِصِحَّةِ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَوْجُودَةٌ حِسًّا وَمُعَايَنَةً قَبْلَ الْعَقْدِ وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَلَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْعَقْدِ فَكَذَا رَفْعُهُ لِتَمَامِ الْعِلَّةِ فِيهَا، وَفِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَلَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ إلَّا بِهِ فَكَانَ فِعْلُهُمَا عِلَّةَ ثُبُوتِ الشَّرِكَةِ وَالْوِلَايَةِ؛ وَلِأَنَّهُ، لَوْ جَازَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً بِدُونِ إذْنِ شَرِيكِهِ لَكَانَ قِسْمَةً لِلدَّيْنِ وَهُوَ فِي الذِّمَّةِ وَلَوْ جَازَ فِي نَصِيبِهِمَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ رُجُوعِ شَرِيكِهِ عَلَيْهِ عَوْدُ الدَّيْنِ وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ إلَى ذِمَّتِهِ وَالْمُسَلَّمُ فِيهِ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَقَايَلَا، ثُمَّ فَسَخَا الْإِقَالَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَيْنِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَجُوزَ صُلْحُهُ ثَانِيًا حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُ مَا عَادَ إلَى ذِمَّتِهِ، وَكَذَا ثَالِثًا وَرَابِعًا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَلَنْ يَحْصُلَ ذَلِكَ إلَّا بِسُقُوطِ الْكُلِّ هَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَخْلُوطًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَاهُ وَنَقَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ كَوْنُهُ يُؤَدِّي إلَى الْعَوْدِ بَعْدَ سُقُوطِهِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا آخَرَ فَلَا يُؤَدِّي إلَى عَوْدِهِ بَعْدَ سُقُوطِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الصُّورَةُ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ عِنْدَهُمَا لِكَوْنِهِ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ لِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا فَلَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُبْطِلَةٌ لَكِنْ عِنْدَ عَدَمِ الْخَلْطِ يَبْطُلُ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَعِنْدَ وُجُودِ الْخَلْطِ بِعِلَلٍ؛ وَلِأَنَّ مَنْ أَجَازَهُ لَمْ يُجِزْهُ إلَّا لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَذَلِكَ لَا يَنْهَضُ حُجَّةً لِعَدَمِ الْحُكْمِ لِجَوَازِ تَرَادُفِ الْعِلَلِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ فَعَدَمُ بَعْضِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ لِجَوَازِ أَنْ يَخْلُفَهُ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي الْمَقْبُوضِ إذَا لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَ بَلْ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِيهِ إنَّمَا تَثْبُتُ لِكَوْنِهِمَا اشْتَرَكَا فِي دَيْنِ السَّلَمِ وَالشَّرِكَةُ فِي دَيْنِ السَّلَمِ ثَابِتَةٌ بِسَبَبِ اتِّحَادِ الْعَقْدِ؛ وَلِهَذَا لَا يَقْبِضُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ إلَّا شَارَكَهُ فِيهِ صَاحِبُهُ وَلَا تَأْثِيرَ لِخَلْطِ الْمَالِ فِيهِ وَلَا لِعَدَمِهِ فَكَذَا فِي رَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ الْفَسْخِ فَكَانَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بَاطِلًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَخْرَجَتْ الْوَرَثَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَإِقَالَةِ نَصِيبِهِ فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ) أَيْ كَمَا إذَا اشْتَرَيَا عَبْدًا فَأَقَالَ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ صُلْحُ أَحَدِهِمَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَجُوزَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً أَوْ فِي نِصْفٍ مِنْ نَصِيبِهِمَا جَمِيعًا فَإِنْ جَازَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً يَلْزَمُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَذَلِكَ فَاسِدٌ لِمَا بَيَّنَّا قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ، وَإِنْ جَازَ فِي نِصْفٍ مِنْ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا يَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا فِي حَقِّ شَرِيكِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ فِي بَابِ السَّلَمِ بِوِلَايَةِ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ حَادِثٌ بِالْعَقْدِ لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فَصَارَ الْعَقْدُ أَصْلًا فِيهِ وَاسْتَنَدَتْ وِلَايَةُ الْفَسْخِ إلَى الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ قَائِمٌ بِهِمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ اهـ (فَرْعٌ) وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا اعْتَبَرَا جَانِبَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَصِيرُ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مَوْجُودًا بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْعَقْدِ وَأَبُو يُوسُف اعْتَبَرَ جَانِبَ الدَّيْنِ فَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُف ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَمَا قَالَاهُ أَدَقُّ فِي الْفَرْقِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ إلَّا بِالْعَقْدِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَبَتَ بِالْعَقْدِ وَقَبْلَ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ جَازَ صُلْحُ أَحَدِهِمَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَشَارَكَهُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ فِي الْمَقْبُوضِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِذَا شَارَكَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ حِصَّتَهُ رَجَعَ الشَّرِيكُ الْمُصَالِحُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ بِالصُّلْحِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمُصَالِحِ وَالْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ سَاقِطًا بِالصُّلْحِ ثُمَّ عَادَ فَيَلْزَمُ عَوْدُ السَّلَمِ بَعْدَ سُقُوطِهِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ ثُبُوتُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ إلَى ذِمَّتِهِ) أَيْ ذِمَّةُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَقَايَلَا) أَيْ فِي السَّلَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَجُوزَ صُلْحُهُ) أَيْ صُلْحُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَخْلُوطًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالُوا هَذَا إذَا خَلَطَا الْمَالَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا خَلَطَا رَأْسَ الْمَالِ وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَلَنَا فِي قَيْلِهِمْ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي السَّلَمِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْخَلْطِ وَعَدَمِهِ بَلْ أَطْلَقَ الْجَوَابَ وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فِيمَا إذَا لَمْ يَخْلِطَا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ وَوَضَعَهَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فِيمَا إذَا نَقَدَ رَأْسَ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ أَخْرَجَتْ الْوَرَثَةُ إلَخْ) فِي الْهِدَايَةِ عَقَدَ لِهَذَا فَصْلًا فَقَالَ فَصْلٌ فِي التَّخَارُجِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَعْنَى التَّخَارُجِ أَنْ يُصَالِحَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى شَيْءٍ فَيَخْرُجُ مِنْ الْبَيْنِ وَإِنَّمَا أَخَّرَ هَذَا الْفَصْلَ لِقِلَّةِ وُقُوعِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَرْضَى بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْبَيْنِ

أَحَدَهُمْ عَنْ عَرَضٍ أَوْ عَقَارٍ بِمَالٍ، أَوْ عَنْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ) أَيْ عَنْ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ (صَحَّ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ) يَعْنِي قَلَّ مَا أَعْطَوْهُ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُبَادَلَةِ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ عَنْ عَيْنٍ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِبْرَاءِ إذْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ، وَبَيْعُ الْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ جَائِزٌ، وَكَذَا بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ لِعَدَمِ الرِّبَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَفِيهِ الْأَثَرُ أَنَّ تُمَاضِرَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ صَالَحَهَا وَرَثَتُهُ عَنْ رُبُعِ ثُمُنِهَا عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ وَقِيلَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ نِصْفَ حَقِّهَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ يَتَخَارَجُ أَهْلُ الْمِيرَاثِ أَيْ يُخْرِجُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِطَرِيقِ الصُّلْحِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ وَبَيْعُ مَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ فِيهِ جَائِزٌ كَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ الْمُقِرِّ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا قَدْرَهُ لِمَا ذَكَرْنَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَإِلَى التَّتِمَّةِ وَقَالَ لَا تُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَالَ ذَكَرَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، أَوْ وَقَعَ عَنْ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ إنْ كَانَ جَاحِدًا يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا يَعْنِي مُقِرًّا غَيْرَ مَانِعٍ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِهِ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَجْهُولِ لَا يُمْكِنُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ رِوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْمَكِيلِ، أَوْ الْمَوْزُونِ، وَإِنَّمَا لَا يَنُوبُ هَذَا الْقَبْضُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ الْمَضْمُونِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِهِ بِأَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَكَان يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ بِالتَّخْلِيَةِ، وَالْمَضْمُونُ يَنُوبُ عَنْ الْأَمَانَةِ وَعِنْدَ اتِّحَادِ الْقَبْضَيْنِ يَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَالْمَضْمُونِ عَنْ الْمَضْمُونِ أَوْ الْأَمَانَةِ عَنْ الْأَمَانَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ دُونَ نَصِيبِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِبْرَاءُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْأَعْيَانِ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ لَا يَصِحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ الْأَثَرُ) أَيْ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ أَنَّ تُمَاضِرَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) أَيْ كَانَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ فَاخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي مِيرَاثِهَا مِنْهُ ثُمَّ صَالَحُوهَا عَلَى الشَّطْرِ وَكَانَتْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَحَظُّهَا رُبُعُ الثُّمُنِ جُزْءٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ التَّرِكَةِ فَصَالَحُوهَا عَلَى نِصْفِ ذَلِكَ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا وَأَخَذَتْ بِهَذَا الْحِسَابِ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ الْأَلْفَ مُطْلَقًا وَلَمْ يُفَسِّرْ أَنَّهَا دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَذَكَرَ ثَلَاثَةً قَبْلَ الثَّمَانِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ الْمُصَالَحَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْ كَمْ نِسْوَةٍ مَاتَ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَمْ يَذْكُرْ الثَّلَاثَةَ قَبْلَ الثَّمَانِينَ وَفَسَّرَ الثَّمَانِينَ بِالدِّينَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْقُرْآنِ فِي بَرَاءَةِ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} [التوبة: 79] وَقَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ «حَثَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّدَقَةِ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي ثَمَانِيَةُ آلَافٍ جِئْتُك بِنِصْفِهَا فَاجْعَلْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمْسَكْت نِصْفَهَا لِعِيَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيمَا أَعْطَيْت وَفِيمَا أَمْسَكْت» فَبَارَكَ اللَّهُ فِي مَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى إنَّهُ خَلَفَ امْرَأَتَيْنِ حِينَ مَاتَ فَبَلَغَ ثُمُنُ مَالِهِ لَهُمَا مِائَةٌ وَسِتِّينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الصُّلْحِ فَإِنَّ مَالًا بَلَغَ الصُّلْحُ عَنْ رُبُعِ ثَمَنِهَا هَذَا الْمَبْلَغَ يَكُونُ مِمَّا لَا يُحْصَى عَدَدُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَدْرَهُ وَقْتَ الصُّلْحِ لَا يَكُونُ مُسْتَدْرَكًا فَلَا يَكُونُ نَصِيبُ الْمُصَالَحَةِ مُسْتَدْرَكًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهَذَا دَلِيلُ ثَرْوَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ كَانَ قَاسَمَ اللَّهَ مَالَهُ فِي حَيَاتِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَصَدَّقَ بِنِصْفِهِ وَأَمْسَكَ نِصْفَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِجَمْعِ الْمَالِ وَاكْتِسَابِ الْغِنَى مِنْ الْحِلِّ فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ عِلْيَةِ الصَّحَابَةُ وَالْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ وَلَكِنْ تَرْكُ الْجَمْعِ وَالِاسْتِكْثَارِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ اخْتَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا» الْحَدِيثُ اهـ (فَرْعٌ) النَّدْبُ إلَى الصُّلْحِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ رُدُّوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُحْدِثُ بَيْنَهُمْ الضَّغَائِنَ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا فِي حَالِ اشْتِبَاهِ وَجْهِ الْقَضَاءِ أَمَّا فِي حَالِ ظُهُورِ وَجْهِ الْقَضَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ فِي الدُّعَاءِ إلَى الصُّلْحِ أَمْرًا لِأَحَدِهِمَا بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهِ وَمَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ دُعَاؤُهُمَا إلَى الصُّلْحِ بِطَرِيقِ النَّدْبِ لَا بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ لِمَا قَالَ مِنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ صِيَانَتُهُمَا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْعَدَاوَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْعُوَهُمَا إلَى ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ أَبَيَا عَنْ ذَلِكَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِالْقَضَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يَرُدُّهُمَا إلَى مَنْ يَسْمَعَانِ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِهِمَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ عَسَى أَنْ يَحْتَشِمَ مِنْ الْقَاضِي فَيَتْرُكُ بَعْضَ حَقِّهِ حِشْمَةً مِنْ الْقَاضِي وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ رُدُّوا الْخُصُومَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ إلَى أَهْلِهَا وَالصُّلْحُ فِي حَقِّهَا أَنْدَبُ احْتِرَازًا عَنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَبَيْعُ مَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ فِيهِ) أَيْ فِي التَّخَارُجِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ شَيْءٍ) أَيْ أَوْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهُ شَيْئًا. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَجْهُولِ إلَخْ) قَبْضُ الْمَجْهُولِ الْعَيْنِ هُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَمَّا مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَيُمْكِنُ قَبْضُهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ رِوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ إلَخْ) الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَأَعْيَانُ التَّرِكَةِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ مِنْ جِنْسِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ فَيَكُونُ رِبًا أَوْ شُبْهَةَ الرِّبَا كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(وَعَنْ نَقْدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ لَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُعْطَى أَكْثَرَ مِنْ حَظِّهِ مِنْهُ) أَيْ لَوْ صَالَحَ عَنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ حَتَّى يَكُونَ مَا أَعْطَوْهُ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى يَكُونَ قَدْرُ نَصِيبِهِ بِنَصِيبِهِ وَالزَّائِدُ بِحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ لِتَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَجَبَ اعْتِبَارُ شَرْطِ الْمُعَاوَضَةِ فِيهِ، وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَوْهُ قَدْرَ حَقِّهِ أَوْ أَقَلَّ يَكُونُ الْعُرُوض، أَوْ الْعُرُوض وَبَعْضُ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ حَاصِلًا لَهُمْ بِلَا عِوَضٍ فَيَكُونُ رِبًا وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ نَصِيبِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ أَقَلَّ فَكَانَ أَرْجَحَ وَأَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ إنَّمَا يَبْطُلُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ فِي مَالِ الرِّبَا فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ التَّنَاكُرِ بِأَنْ أَنْكَرُوا وِرَاثَتَهُ فَيَجُوزُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ مَا يَأْخُذُهُ لَا يَكُونُ بَدَلًا لَا فِي حَقِّ الْآخِذِ وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ صَرْفًا فِي قَدْرِهِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَرَضًا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا جَازَ مُطْلَقًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، قُبِضَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَمْ يُقْبَضْ لِعَدَمِ الرِّبَا وَإِذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ صَحَّ الصُّلْحُ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّا نَصْرِفُ الْجِنْسَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّلْحِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِيهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَأَخْرَجُوهُ لِيَكُونَ الدَّيْنُ لَهُمْ بَطَلَ)؛ لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ وَهُوَ نَصِيبُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُمْ الْوَرَثَةُ فَبَطَلَ فِيهِ، ثُمَّ تَعَدَّى إلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ بَيَّنَ حِصَّةَ الدَّيْنِ، أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُمَا فِي غَيْرِ الدَّيْنِ إذَا بَيَّنَ حِصَّتَهُ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، أَوْ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ وَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَبَيَّنَ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الثَّمَنِ بَطَلَ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا صَحَّ فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ وَفِي النِّهَايَةِ يَرِدُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي مَسْأَلَةَ الصُّلْحِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ وَزَيْتٍ فَإِنَّهُمَا قَالَا يَصِحُّ فِي حِصَّةِ الزَّيْتِ وَيَفْسُدُ فِي حِصَّةِ الشَّعِيرِ وَهَا هُنَا قَالَا فَسَدَ فِي الْكُلِّ قَالَ هَذَا مِمَّا يُحْفَظُ، ثُمَّ قَالَ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ فِيمَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ مَا يُقَابِلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ إذَا بَيَّنَ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا وَتَصْحِيحًا لِقَاعِدَتِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ (صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، أَوْ تَمْلِيكٌ لِلدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَهَذِهِ حِيلَةُ الْجَوَازِ وَأُخْرَى أَيْ حِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يُعَجِّلُوا قَضَاءَ نَصِيبِهِ مُتَبَرِّعِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقْرِضُوا الْمُصَالَحَ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ وَيُصَالِحُوا عَمَّا وَرَاءَ الدَّيْنِ وَيُحِيلُهُمْ عَلَى اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَهَذَا فِي الْوَجْهَيْنِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَعْطَوْا الْمُصَالِحَ شَيْئًا بِمُقَابَلَةِ الدَّيْنِ، أَوْ قَدْرَ الدَّيْنِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ الدَّيْنُ فَقَدْ حَصَلَ لَهُمْ ضَرَرٌ دُنْيَوِيٌّ وَلَيْسَ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُمْ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُمْ قَدْرُ الدَّيْنِ لَكِنْ حَصَلَ لَهُمْ الدَّيْنُ بِمُقَابَلَتِهِ فَانْتَفَى عَنْهُمْ الضَّرَرُ إلَّا ضَرَرَ النَّقْدِ فَإِنَّ الْعَيْنَ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ وَالْأَوْجَهُ مِنْهُ أَنْ يَبِيعُوهُ كَفًّا مِنْ تَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، ثُمَّ يُحِيلُهُمْ عَلَى الْغُرَمَاءِ، أَوْ يُحِيلُهُمْ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ بَيْعِ شَيْءٍ لِيَقْبِضُوهُ لَهُ، ثُمَّ يَأْخُذُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ كَانَتْ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ وَلَيْسَ فِيهَا مَكِيلٌ وَلَا مَوْزُونٌ فَصُولِحَ عَلَى مَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ) أَيْ أَبُو الْفَضْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجْهُ ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ يَعْنِي الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ إنَّمَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِمَا مِنْ الْعَيْنِ فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَيْ مِنْ مُخْتَصَرِ الْكَافِي أَمَّا فِي حَالَةِ الْمُنَاكَرَةِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ مُعَاوَضَةً يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إسْقَاطًا ثُمَّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَاطِلٌ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُعَاوَضَةً فِي حَقِّ الْمُدَّعَى فَيَدْخُلُ فِيهِ مَعْنَى الرِّبَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا اهـ قَوْلُهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَيْ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِعِ) أَيْ؛ لِأَنَّ فِي حَالِ الْمُنَاكَرَةِ الْمُعْطِي يُعْطِي الْمَالَ لِيَقْطَعَ الْمُنَازَعَةَ وَيُفْدَى يَمِينُهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الرِّبَا إلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ هَذَا. اهـ. ذَخِيرَةٌ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ) أَيْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ النَّقْضِ الَّذِي قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا مِنْ اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ حَيْثُ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا فِيمَا وَرَاءَ الدَّيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ لَكِنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ فَصَارَ كَبَيْعِ الْحُرِّ وَالْقِنِّ اهـ وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَفِي الْكَافِي قِيلَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا يَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا فِيمَا وَرَاءَ الدَّيْنِ وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ فَصَارَ كَبَيْعِ الْحُرِّ وَالْقِنِّ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ) يَعْنِي إذَا شَرَطَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُبْرِئَ الْمُصَالِحُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ الْغُرَمَاءَ وَهُمْ الْمَدْيُونُونَ وَلَا يَكُونُ الرُّجُوعُ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِنَصِيبِ الْمُصَالِحِ صَحَّ الصُّلْحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ) أَيْ لِلدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذِهِ حِيلَةُ الْجَوَازِ) أَيْ فِي الصُّلْحِ إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي ضَرَرُ النَّقْدِ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

[كتاب المضاربة]

قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الرِّبَا بِأَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ مِنْ جِنْسِهِ فَيَكُونُ فِي حَقِّهِ بَيْعُ الْمُقَدَّرِ بِجِنْسِهِ جُزَافًا وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا وَإِذَا كَانَ فِيهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ أَكْثَرَ وَإِنَّ احْتِمَالَهُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ هُوَ احْتِمَالُ الِاحْتِمَالِ فَنَزَلَ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ فَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ مَعَ جَهَالَةِ التَّرِكَةِ يَجُوزُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى التَّسْلِيمِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُصَالِحِ، أَوْ بَعْضُهَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يَصِيرَ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ مَعْلُومًا لِلْحَاجَةِ إلَى التَّسْلِيمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بَطَلَ الصُّلْحُ وَالْقِسْمَةُ)؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَمْلِكُونَ التَّرِكَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُسْتَغْرِقَ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ التَّرِكَةِ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْإِرْثِ، وَلَوْ ضَمِنَ رَجُلٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ جَازَ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ هَذَا كَفَالَةٌ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ وَهُوَ الْمَيِّتُ فَتَصِيرُ حَوَالَةً فَيَخْلُو مَالُ الْمَيِّتِ عَنْ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ تَصَرُّفُهُمْ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا بِالدَّيْنِ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقْسِمُوهُ أَوْ يُصَالِحُوا عَنْهُ، وَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ التَّرِكَةِ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالصَّرْفِ إلَى جُزْءٍ دُونَ جُزْءٍ فَصَارَ كَالْمُسْتَغْرِقِ فَيُمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو عَنْ دَيْنٍ قَلِيلٍ فَلَوْ مَنَعَ غَيْرُ الْمُسْتَغْرَقِ مِنْهُ تَمَلُّكَ الْوَارِثِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ، أَوْ إلَى أَنْ لَا يَمْلِكُوا أَصْلًا فَقُلْنَا بِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ يَرْفَعُونَ مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ الدَّيْنِ وَيُتْرَكُ حَتَّى يُقْضَى بِهِ الدَّيْنُ كَيْ لَا يَحْتَاجُوا إلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ شَرِكَةٌ بِمَالٍ مِنْ جَانِبٍ وَعَمَلٌ مِنْ جَانِبٍ) يَعْنِي: الْمُضَارَبَةُ عَقْدُ شَرِكَةٍ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَعَمَلٌ مِنْ الْآخَرِ هَذَا فِي الشَّرْعِ وَالْمُرَادُ بِالشَّرِكَةِ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ حَتَّى لَوْ شَرَطَا فِيهَا الرِّبْحَ لِأَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ مُضَارَبَةً عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَقِيلَ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ دَفْعِ الْمَالِ إلَى غَيْرِهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا فَيَكُونُ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ بِسَبَبِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَلِلْمُضَارِبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَسَبُّبٌ لِوُجُودِ الرِّبْحِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ السَّيْرُ فِيهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: 20] يَعْنِي الَّذِينَ يُسَافِرُونَ لِلتِّجَارَةِ وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسِيرُ فِي الْأَرْضِ غَالِبًا لِطَلَبِ الرِّبْحِ؛ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] وَهُوَ الرِّبْحُ وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَ هَذَا الْعَقْدَ مُقَارَضَةً وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَقْطَعُ قَدْرًا مِنْ مَالِهِ وَيُسَلِّمُهُ لِلْعَامِلِ، وَأَصْحَابُنَا اخْتَارُوا لَفْظَةَ الْمُضَارَبَةِ لِكَوْنِهَا مُوَافِقَةً لِمَا تَلَوْنَا مِنْ نَظْمِ الْآيَةِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ هُوَ صَاحِبُ مَالٍ وَلَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفِ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ بِالْعَكْسِ فَشُرِعَتْ لِتَنْتَظِمَ مَصَالِحُهُمْ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُعِثَ وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَهَا فَتَرَكَهُمْ عَلَيْهَا وَتَعَامَلَهَا الصَّحَابَةُ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى أَنَّ «عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ إذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْلُكَ بِهِ بَحْرًا وَأَنْ لَا يَنْزِلَ وَادِيًا وَلَا يَشْتَرِيَ ذَاتَ كَبِدٍ رَطْبٍ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَمِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَتَصِيرُ حَوَالَةً)؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إذَا كَانَتْ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ كَانَتْ حَوَالَةً فَيَنْتَقِلُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْكَفِيلُ فَتَخْلُو التَّرِكَةُ عَنْ الدَّيْنِ فَتَنْفُذُ الْقِسْمَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. [كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ] (كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ) وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ الْمُضَارَبَةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْآثَارُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ قَالَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِئْجَارُ الْعَامِلِ بِأَجْرٍ مَجْهُولٍ أَوْ مَعْدُومٍ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ فَسَدَ كَانَ إجَارَةً بِالْإِجْمَاعِ وَجَهَالَةُ الْعَمَلِ وَالْأَجْرِ تُوجِبُ فَسَادَ الْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَجَوَّزْنَاهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَمَلٌ) هَكَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالرَّفْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالشَّرِكَةِ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِي رَأْسِ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَكُونُ مُضَارَبَةً) أَيْ بَلْ بِضَاعَةً إنْ شَرَطَ جَمِيعَهُ لِرَبِّ الْمَالِ أَوْ قَرْضًا إنْ شَرَطَ لِلْمُضَارِبِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هِيَ دَفْعُ الْمَالِ إلَى الْغَيْرِ لِيَتَّجِرَ بِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ الْحَاصِلُ فِيهِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ السَّيْرُ فِيهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْعَاقِدَيْنِ حُصُولُ الرِّبْحِ وَلَنْ يَحْصُلَ ذَلِكَ عَادَةً إلَّا بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: 20] وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] وَأَطْلَقَ اسْمَ الْمُضَارِبِ عَلَى الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ ضَارِبٌ فِي الْأَرْضِ لَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ طَالِبٌ لِلضَّرْبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَنَّ عَبَّاسًا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَنَّ عَبَّاسَ اهـ

فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَحْسَنَهُ» فَصَارَتْ مَشْرُوعَةً بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ الْأَثْمَانِ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا شَائِعًا وَنَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْلُومًا وَأَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا مُسَلَّمًا إلَيْهِ فَإِنْ فُقِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَسَدَتْ وَرُكْنُهَا أَنْ يَقُولَ دَفَعْت هَذَا الْمَالَ إلَيْك مُضَارَبَةً، أَوْ مُعَامَلَةً، أَوْ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَنَا نِصْفَانِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي ثَبَتَتْ بِهَا الْمُضَارَبَةُ وَحُكْمُهَا أَنْوَاعٌ: إيدَاعٌ وَوَكَالَةٌ وَإِجَارَةٌ وَغَصْبٌ وَأَنْوَاعُهَا: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ عَلَى مَا يَجِيءُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ مُفَصَّلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُضَارِبُ أَمِينٌ وَبِالتَّصَرُّفِ وَكِيلٌ وَبِالرِّبْحِ شَرِيكٌ وَبِالْفَسَادِ أَجِيرٌ وَبِالْخِلَافِ غَاصِبٌ وَبِاشْتِرَاطِ كُلِّ الرِّبْحِ لَهُ مُسْتَقْرِضٌ وَبِاشْتِرَاطِهِ لِرَبِّ الْمَالِ مُسْتَبْضِعٌ) يَعْنِي بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْمُضَارَبَةِ يَكُونُ أَمِينًا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَيْهِ مَضْمُونًا أَقْرَضَهُ رَأْسَ الْمَالِ كُلَّهُ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ مُضَارَبَةً، ثُمَّ يَدْفَعُهُ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي الْعَمَلِ فَإِذَا عَمِلَ وَرَبِحَ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ وَأَخَذَ رَأْسَ الْمَالِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ الْقَرْضِ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ أَخَذَ رَأْسَ الْمَالِ بِالْقَرْضِ، وَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَهُوَ الْعَامِلُ، أَوْ أَقْرَضَهُ كُلَّهُ إلَّا دِرْهَمًا مِنْهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَعَقَدَا شَرِكَةَ الْعِنَانِ، ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ الدِّرْهَمَ وَيَعْمَلُ فِيهِ الْمُسْتَقْرِضُ فَإِنْ رَبِحَ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا صَارَ وَكِيلًا بِالتَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِهِ بِأَمْرِهِ وَهَذَا مَعْنَى الْوَكَالَةِ، وَإِنَّمَا صَارَ شَرِيكًا لَهُ إذَا رَبِحَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ فَصَارَ ثُبُوتُ الشَّرِكَةِ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّتِهَا وَصِحَّةِ الِاشْتِرَاطِ، وَإِنَّمَا صَارَ أَجِيرًا إذَا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَهُ فِيهَا أَجْرُ الْمِثْلِ كَالْإِجَارَةِ إذَا فَسَدَتْ وَهُوَ بَدَلُ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى لِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَكَذَا عَمَلُهُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الْمُضَارَبَةِ وَلَمْ يَرْضَ بِالْعَمَلِ مَجَّانًا فَيَجِبُ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ الشَّرِيكِ حَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً إذَا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الرِّبْحَ بِالْمَالِ لَا بِالْعَمَلِ، ثُمَّ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الشَّرِكَةِ، وَإِنَّمَا صَارَ غَاصِبًا بِالْخِلَافِ لِوُجُودِ التَّعَدِّي عَلَى مَالِ الْغَيْرِ كَالْغَصْبِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ فَإِذَا خَالَفَ فَقَدْ تَعَدَّى فَصَارَ غَاصِبًا فَيَضْمَنُ، وَإِنَّمَا صَارَ الْمُضَارِبُ مُسْتَقْرِضًا بِاشْتِرَاطِ كُلِّ الرِّبْحِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ كُلَّهُ إلَّا إذَا صَارَ رَأْسُ الْمَالِ مِلْكًا لَهُ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ كَالثَّمَرَةِ لِلشَّجَرِ، وَكَالْوَلَدِ لِلْحَيَوَانِ فَإِذَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الرِّبْحِ لَهُ فَقَدْ مَلَّكَهُ جَمِيعَ رَأْسِ الْمَالِ مُقْتَضًى فَقَضِيَّتُهُ أَنْ لَا يَرُدَّ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يَقْتَضِي الرَّدَّ كَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ لَفْظَةَ الْمُضَارَبَةِ تَقْتَضِي رَدَّ رَأْسِ الْمَالِ فَجَعَلْنَاهُ قَرْضًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ عَمَلًا بِهِمَا؛ وَلِأَنَّ الْقَرْضَ أَدْنَى التَّبَرُّعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْحَقَّ عَنْ الْعَيْنِ دُونَ الْبَدَلِ وَالْهِبَةُ تَقْطَعُ عَنْهُمَا فَكَانَ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَقَلَّ ضَرَرًا، وَإِنَّمَا صَارَ مُسْتَبْضِعًا بِاشْتِرَاطِ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَمْ يَطْلُبْ لِعَمَلِهِ بَدَلًا وَعَمَلُهُ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ فَكَانَ وَكِيلًا مُتَبَرِّعًا فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْبِضَاعَةِ فَكَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنَّمَا تَصِحُّ بِمَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ)، وَمَعْنَاهُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِمَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ وَهِيَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا غَيْرُ عِنْدَهُمَا وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مِثْلُهُمَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الشَّرِكَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيُمْكِنُ تَقْدِيرُ رَأْسِ الْمَالِ بِمِثْلِ الْمَقْبُوضِ وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ بِالْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ يُسْتَرْبَحُ عَلَيْهَا بِالتِّجَارَةِ عَادَةً فَكَانَتْ كَالنَّقْدَيْنِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْمُضَارَبَةِ وَأَمْكَنَ تَقْدِيرُ رَأْسِ الْمَالِ بِالْقِيمَةِ إذْ هِيَ مُتَقَوِّمَةٌ؛ وَلِهَذَا تَبْقَى الْمُضَارَبَةُ عَلَيْهَا فَكَذَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهَا، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَالْمُضَارَبَةُ بِغَيْرِ النُّقُودِ تُؤَدِّي إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ وَرُبَّمَا زَادَتْ قِيمَتُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ) إمَّا تَسْمِيَةً أَوْ إشَارَةً. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَحُكْمُهَا أَنْوَاعٌ إيدَاعٌ) لَيْسَ هَذَا حُكْمَهَا وَإِنَّمَا هِيَ حَالَاتٌ لِلْمُضَارِبِ وَأَوْصَافٌ لَهُ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ مَقْبُوضٌ بِالْقِيمَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْوَثِيقَةُ) احْتِرَازٌ عَنْ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَقْرَضَهُ إلَخْ) هَذِهِ الْحِيلَةُ الثَّانِيَةُ عَزَاهَا الْأَتْقَانِيُّ لِشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ الدِّرْهَمَ) أَيْ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ الْمُقْرِضِ وَرَأْسُ مَالِ الْمُسْتَقْرِضِ جَمِيعَ مَا اسْتَقْرَضَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِيهِ جَمِيعًا وَيُشْتَرَطَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْمَلُ الْمُسْتَقْرِضُ خَاصَّةً فِي الْمَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ) أَيْ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَعْدَمَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِلْمُضَارِبِ وَلَكِنْ لَا يَطِيبُ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ لَهُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ إذَا تَصَرَّفَا وَرَبِحَا لَا يَطِيبُ لَهُمَا الرِّبْحُ عَلَى الِاخْتِلَافِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ بِالْعُرُوضِ) وَمَا كُتِبَ فِي بَعْضِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِالْعُرُوضِ لَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِهِمْ بَلْ ذَكَرَ فِيهَا لَا تَصِحُّ بِالْعُرُوضِ. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَالْمُضَارَبَةُ بِغَيْرِ النُّقُودِ تُؤَدِّي إلَيْهِ) بَيَانُهُ أَنَّهُ الْمُضَارِبُ لَوْ بَاعَ الْعُرُوضَ فَهَلَكَتْ الْعُرُوض فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّ الْعُرُوضَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ إنْ سَلَّمَهَا تَمَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَرَضُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَالرِّبْحُ الْحَاصِلُ مِنْهُ يَكُونُ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَهُوَ حَرَامٌ لِلنَّهْيِ وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بَلَغَنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا تَكُونُ الْمُضَارَبَةُ بِالْعُرُوضِ إنَّمَا تَكُونُ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

فَإِذَا بَاعَهَا شَرَكَهُ فِي الرِّبْحِ فَحَصَلَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ إذْ الْمُضَارِبُ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ شَيْءٌ فِي ضَمَانِهِ بِخِلَافِ النُّقُودِ فَإِنَّهُ عِنْدَ الشِّرَاءِ بِهَا يَجِبُ الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَمَا يَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ رِبْحُ مَا ضَمِنَ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ عُرُوضٌ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَأَوَّلُ تَصَرُّفٍ يَكُونُ فِيهَا بَيْعٌ وَقَدْ يَحْصُلُ بِهَذَا الْبَيْعِ رِبْحٌ بِأَنْ يَبِيعَهُ، ثُمَّ يَرْخُصَ سِعْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَظْهَرُ رِبْحُهُ بِدُونِ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ هَذَا اسْتِئْجَارًا عَلَى الْبَيْعِ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ فَيَكُونُ بَاطِلًا كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرَضًا وَقَالَ: بِعْهُ وَاعْمَلْ بِثَمَنِهِ مُضَارَبَةً جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضَافَةَ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ، وَلَنَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ الْعَرَضِ أَوَّلًا، وَهُوَ كَبَيْعِهِ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ عَقَدَ الْمُضَارَبَةَ عَلَى الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ، وَهُوَ كَالْمَقْبُوضِ فِي يَدِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ وَاشْتَرِ بِثَمَنِهِ هَذَا الْعَبْدَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَيْسَ فِيهَا إلَّا تَوْكِيلٌ وَإِجَارَةٌ وَكُلُّ ذَلِكَ قَابِلٌ لِلْإِضَافَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ غَيْرُ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِضَافَةَ سَبَبٌ لِلْحَالِ دُونَ التَّعْلِيقِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْعَرَضَ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَيَكُونُ ذَلِكَ رَأْسَ الْمَالِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا فَلَا يَصْلُحُ رَأْسُ الْمَالِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ اقْبِضْ دَيْنِي مِنْ فُلَانٍ وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ بِالْقَبْضِ وَإِضَافَةٌ لِلْمُضَارَبَةِ إلَى مَا بَعْدَ قَبْضِ الدَّيْنِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ وَالتَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ لَا يَصِحُّ حَتَّى يُعَيِّنَ الْبَائِعَ، أَوْ الْمَبِيعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَبَطَلَ التَّوْكِيلُ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى كَانَ لِلْمَأْمُورِ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِقَبْضِ مَا فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ بِمَا فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَا ذَكَرْنَا حَتَّى يَكُونَ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ لَكِنَّ الْمُشْتَرَى عُرُوضٌ فَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا) أَيْ لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ إلَّا إذَا كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَتَحَقَّقُ بِهِ حَتَّى لَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَزِيدَ الرِّبْحُ عَلَى الْمُسَمَّى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرَضًا إلَخْ) يَعْنِي بِهَذَا وَجْهَ الْحِيلَةِ فِي جَوَازِ الْمُضَارَبَةِ بِالْعُرُوضِ وَوَجْهُهَا هَذَا وَحِيلَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْخَصَّافُ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ وَقَالَ قُلْت أَرَأَيْت رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى رَجُلٍ مُضَارَبَةً وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا مَتَاعٌ كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ يَبِيعُ الْمَتَاعَ مِنْ رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ وَيَقْبِضُ الْمَالَ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُضَارِبِ مُضَارَبَةً ثُمَّ يَشْتَرِي الْمُضَارِبُ هَذَا الْمَتَاعَ مِنْ الرَّجُلِ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ قَابِلٌ لِلْإِضَافَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي وَكَالَةِ الطَّحَاوِيِّ إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ غَدًا كَانَ وَكِيلًا فِي الْغَدِ وَفِيمَا بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ تَقْبَلُ الْإِضَافَةَ؛ وَلِهَذَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَمَامُ الْبَيَانِ فِيهِ مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ قُبَيْلَ بَابِ اشْتِرَاطِ الرِّبْحِ لِغَيْرِهِمَا، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَأَمَرَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مُضَارَبَةً وَيَشْتَرِي بِهِ مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْمَتَاعِ وَيَبِيعُهُ فَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ لَا يَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمِنْ شَرْطِ الْمُضَارَبَةِ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ أَمَانَةً عِنْدَهُ، وَمَا اشْتَرَى فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ وَرِبْحُهُ لَهُ وَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَيْنُهُ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَا اشْتَرَى وَبَاعَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ وَبَرِئَ الْمُضَارِبُ مِنْ دَيْنِهِ وَلِلْمُضَارِبِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِثْلُ أَجْرِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إنْ فَسَدَتْ بَقِيَ أَمْرًا بِالشِّرَاءِ لَهُ بِمَا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَعِنْدَهُمَا الْأَمْرُ بِهِ صَحِيحٌ فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ وَقَدْ أَطْمَعَهُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَصِحَّ فَيَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَمَرَ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ مَعْلُومًا يَصِحُّ الشِّرَاءُ لِلْآمِرِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مَتْنًا وَشَرْحًا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ الْكَلَامُ فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ هُوَ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ فَإِذَا اشْتَرَطَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً كَالْمِائَةِ وَنَحْوِهَا تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَكُونُ الرِّبْحُ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ فَلَا يَبْقَى لِلْآخَرِ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ قَدْرًا مَعْلُومًا مُشَاعًا مِنْ كُلِّ الرِّبْحِ مِثْلُ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَإِذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا مِائَةً مِنْ الرِّبْحِ مَثَلًا أَوْ مِائَةً مَعَ الثُّلُثِ أَوْ الثُّلُثَ إلَّا مِائَةً وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ لَمْ تَجُزْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَرْبَحَ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ ثُمَّ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَدَّى إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ صَحَّتْ وَبَطَلَ الشَّرْطُ مِثْلُ أَنْ يَشْرِطَا الْوَضِيعَةَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا أَنَّ مَا تَقِفُ صِحَّتُهُ عَلَى الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ مَا أَمْكَنَ كَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ؛ وَلِأَنَّهَا وَكَالَةٌ مَعْنًى وَالْوَكَالَةُ لَا يُبْطِلُهَا الشَّرْطُ الْفَاسِدُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ تَحْتُ عَطْفًا عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ بِمَا تَصِحُّ اهـ قُلْت وَقَدْ وَجَدْته فِي نُسَخٍ كَذَلِكَ وَفِي بَعْضِهَا وَيَكُونُ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ مُضَارِعُ كَانَ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مَصْدَرًا مَجْرُورًا بِالْبَاءِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا إلَخْ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ

زِيَادَةَ عَشْرَةٍ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ عَنْ الْمَشْرُوطِ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَيَجِبُ الْأَجْرُ لِلْمُضَارِبِ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ أَجْرَ الْأَجِيرِ يَجِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَنَافِعِ وَالْعَمَلِ كَمَا فِي أَجِيرِ الْوَحْدِ، وَقَدْ وُجِدَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَمَا لَا يَجِبُ فِي الصَّحِيحَةِ مِنْهَا مَعَ أَنَّهَا فَوْقَهَا فِي إمْضَاءِ حُكْمِهَا وَاسْتِحْقَاقِ الْمُسَمَّى فِيهَا وَالْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ أَمَانَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ بِالْهَلَاكِ كَمَا فِي الصَّحِيحَةِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْعُقُودِ يَأْخُذُ الْحُكْمَ مِنْ الصَّحِيحِ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّهُ عَيْنٌ فِي يَدِ أَجِيرِهِ وَلَوْ تَلِفَ بَعْدَ الْعَمَلِ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَقِيلَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إذَا تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ إجَارَةٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِهَذَا الطَّرِيقِ مَا شَاءَ مِنْ الْمَالِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ هَذِهِ مُضَارَبَةٌ لَفْظًا وَإِجَارَةٌ مَعْنًى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ طَلَبَ لِعَمَلِهِ أُجْرَةً فَعَمِلْنَا بِاللَّفْظِ فِي انْتِقَاءِ الضَّمَانِ وَبِالْمَعْنَى فِي حَقِّ وُجُوبِ أَجْرِ مِثْلِهِ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ كَأَجِيرِ الْوَحْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيجَارِ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةَ الرِّبْحِ يُفْسِدُهَا وَإِلَّا لَا وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَشَرْطِ الْوَضِيعَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَدِّيًا إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ لَا يُفْسِدُهَا بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَاَلَّذِي يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَشْتَرِطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ أَرْضَهُ لِيَزْرَعَهَا سَنَةً، أَوْ دَارِهِ لِيَسْكُنَهَا سَنَةً، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ بَعْضَ الرِّبْحِ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ وَالْبَعْضَ أُجْرَةَ دَارِهِ أَوْ أَرْضِهِ وَلَا يَعْلَمُ حِصَّةَ الْعَمَلِ حَتَّى تَجِبَ حِصَّتُهُ وَيَسْقُطُ مَا أَصَابَ مَنْفَعَةَ الدَّارِ، وَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ صَحَّ الْعَقْدُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى جَهَالَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَعَلَى أَنَّ لِلَّذِي أَخَذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً زِيَادَةً مِنْ الرِّبْحِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قَالَ لَا خَيْرَ فِي هَذَا وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَقْدٌ عَلَى الشَّرِكَةِ فَمَا أَدَّى إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ كَانَ فَاسِدًا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا الشَّرْطُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْبَحُ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ فَلَا يَحْصُلُ لِلْآخَرِ شَيْءٌ وَإِذَا فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ كَانَ لِلْعَامِلِ أَجْرٌ مِثْلُ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ ابْتَغَى لِعَمَلِهِ عِوَضًا فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ذَلِكَ لِفَسَادِ الْعَقْدِ كَانَ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ زِيَادَةُ عَشْرَةٍ) أَيْ عَنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ الرِّبْحِ اهـ (قَوْلُهُ لَا يُجَاوِزُ عَنْ الْمَشْرُوطِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ كَمَا فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ اهـ (قَوْلُهُ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ) أَيْ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا) أَيْ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ) يَعْنِي يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ سَوَاءٌ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ) وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَكُونُ فِي مَعْنَى الْأَجِيرِ إذَا فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ ثُمَّ الْأَجِيرُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إمَّا بِتَسْلِيمِ الْمَنَافِعِ كَمَا فِي أَجِيرِ الْوَحْدِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ وَفِي تَسْلِيمِ نَفْسِهِ تَسْلِيمُ الْمَنَافِعِ وَإِمَّا بِتَسْلِيمِ الْعَمَلِ كَمَا فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَقَدْ وُجِدَ تَسْلِيمُ الْمَنَافِعِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَلَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى لِفَسَادِ الْعَقْدِ فَيَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي أَجِيرِ الْوَحْدِ) فِيهِ نَظَرٌ كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ) أَيْ إذَا لَمْ يَرْبَحْ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَجِبُ مَا نَصُّهُ فِي الْفَاسِدَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ أَمَانَةٌ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْمُضَارِبُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ كَالْأَجِيرِ فِيهَا فَإِنْ ضَاعَ مِنْهُ الْمَالُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ كَمَا تَرَى وَلَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَجَعَلَهُ أَمَانَةً كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ وَجُمْلَةُ الْبَيَانِ هُنَا مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فَقَالَ وَلَوْ قَالَ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَلِلْمُضَارِبِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَهَذِهِ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ عَسَى لَا يَرْبَحُ إلَّا مِائَةً وَمَتَى فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ انْقَلَبَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً حَتَّى لَوْ عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ فَرَبِحَ مَالًا أَوْ لَمْ يَرْبَحْ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ وَهَلْ يُجَاوِزُ نِصْفَ الرِّبْحِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي شَرِكَةِ الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ أَنَّ الْمَجْمُوعَ يَكُونُ لِلْجَامِعِ وَلِلْأَجِيرِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ نِصْفَ الْمَجْمُوعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ بِنِصْفِ الرِّبْحِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ، وَلَوْ وُضِعَ الْمَالُ أَوْ تَلِفَ الْمَالُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ مَضْمُونًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِحُكْمِ الْمَالِ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ أَوْ فَسَدَتْ يَكُونُ أَمَانَةً، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُضَارَبَةً عِنْدَهُ فَقَدْ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا وَلَهُ وِلَايَةُ جَعْلِهِ أَمِينًا وَكَذَا كُلُّ مُضَارَبَةٍ فَاسِدَةٍ عَمِلَ بِهَا الْمُضَارِبُ فَرَبِحَ أَوْ وَضَعَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَا رِبْحَ لَهُ وَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الْكَافِي انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَضْمُونَةٍ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لَهُمَا عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ بَيْنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ الْمُضَارِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنَّ هَذِهِ) أَيْ الْمُضَارَبَةَ الْفَاسِدَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ) أَيْ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ فَأَمَّا الْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ إجَارَةٌ لَفْظًا وَمَعْنًى فَيَكُونُ الْمَالُ مَضْمُونًا عِنْدَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْهَلَاكُ بِأَمْرٍ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ صَحَّ الْعَقْدُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ دَفَعَ أَلْفًا مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَعَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ

حِصَّةِ الْعَمَلِ إذْ نَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ مُقَابَلٌ بِعَمَلِهِ لَا غَيْرُ وَلَا جَهَالَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا شَرَطَ لَهُ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ الرِّبْحِ شَائِعًا، ثُمَّ هُوَ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَيَبْطُلُ هُوَ دُونَهَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَا تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالْوَكَالَةِ وَالْهِبَةِ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَشَرْطُ الْوَضِيعَةِ شَرْطٌ زَائِدٌ لَا يُوجِبُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ وَلَا الْجَهَالَةَ فِيهِ فَلَا يَكُونُ مُفْسِدًا وَتَكُونُ الْوَضِيعَةُ وَهُوَ الْخُسْرَانُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مَا فَاتَ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ بِالْهَلَاكِ يَلْزَمُ صَاحِبَ الْمَالِ دُونَ غَيْرِهِ وَالْمُضَارِبُ أَمِينٌ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِالشَّرْطِ فَصَارَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ، أَوْ قَطْعَ الشَّرِكَةِ فِيهِ مُفْسِدٌ وَمَا لَا فَلَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ) يَعْنِي رَبُّ الْمَالِ يُسَلِّمُ الْمَالَ إلَيْهِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ فِيهَا مَعْنَى الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مُقَابَلٌ بِعَمَلِهِ وَالْمَالُ مَحَلُّ الْعَمَلِ فَيَجِبُ تَسْلِيمُهُ كَالْإِجَارَةِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ كَالْوَدِيعَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَسْلِيمُ الْمَالِ إلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ انْعَقَدَتْ عَلَى الْعَمَلِ مِنْهُمَا فَشَرْطُ انْتِفَاءِ يَدِ رَبِّ الْمَالِ فِيهَا يُخْرِجُ الْعَقْدَ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَرِكَةً وَلَا كَذَلِكَ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِيهَا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْعَمَلَ مِنْ الْآخَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَالِ إلَى الْعَامِلِ وَتَخْلِيصِهِ لَهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَشَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يُنَافِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ عَاقِدًا، أَوْ غَيْرَ عَاقِدٍ كَالصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُمَا عَلَى مَالِهِمَا بِجِهَةِ الْمِلْكِ كَالْكَبِيرِ فَبَقَاءُ يَدِهِمَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُسَلِّمًا إلَى الْمُضَارِبِ وَكَذَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً فَشَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ شَرِيكُهُ مَعَ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ لَلشَّرِيكِ فِيهِ مِلْكًا فَيَمْنَعُ يَدَهُ مِنْ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُضَارِبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَاقِدُ مَالِكًا وَشَرَطَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَبُّ الْمَالِ أَرْضَهُ يَزْرَعُهَا سَنَةً أَوْ عَلَى أَنْ يُسْكِنَهُ دَارِهِ سَنَةً فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَ بِهَا شَرْطًا لَا تَقْتَضِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الَّذِي شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ أَرْضَهُ لِيَزْرَعَهَا رَبُّ الْمَالِ سَنَةً أَوْ يَدْفَعَ دَارِهِ إلَى رَبِّ الْمَالِ يَسْكُنُهَا سَنَةً فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ نِصْفِ الرِّبْحِ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ وَعَنْ أُجْرَةِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ فَصَارَ حِصَّةُ الْعَمَلِ مَجْهُولًا بِالْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ كَذَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَا تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ) أَيْ كَمَا لَوْ شَرَطَ لُزُومَ الْمُضَارَبَةِ بِخِلَافِ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةَ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ إذْ الْعَقْدُ شُرِعَ لِإِثْبَاتِ مُوجَبِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ إذْ مُوجَبُهُ تَسْلِيمُ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ وَذَا يَمْنَعُهُ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِدَفْعِ الْمَالِ) قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ وَبِدَفْعٍ بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ تَحْتُ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِمَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت. اهـ. (قَوْلُهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُضَارِبِ شَرْطُ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ، وَشَرْطُ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ يُفْسِدُهَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ كَالْوَدِيعَةِ وَإِذَا شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ مَعَهُ لَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ تَبْقَى عَلَى الْمَحَلِّ فَيُمْنَعُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَرَدَّهُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَفَعَلَ وَرَبِحَ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ صَرِيحُ النَّقْضِ وَلَا دَلَالَتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَعِينًا بِهِ عَلَى الْعَمَلِ وَمَتَى وَقَعَ الْعَمَلُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ إعَانَةً لَا يُجْعَلُ هَذَا اسْتِرْدَادًا فَلَا تُنْتَقَضُ بِهِ الْيَدُ الثَّابِتَةُ لِلْمُضَارِبِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ فِي حَالِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ مَانِعَةٌ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَالتَّسْلِيمُ شَرْطُ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إذَا اسْتَعَانَ بِالْمُسْتَأْجِرِ فَفَعَلَ حَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ هُوَ الْعَمَلُ فَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ أَمَّا هَاهُنَا فَالْعَمَلُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِي تَحْصِيلِ الرِّبْحِ فَافْتَرَقَا وَصَارَ كَأَنَّ الْمَالِكَ وَهَبَ لِلْمُضَارِبِ رَأْسَ الْمَالِ ثُمَّ اشْتَرَكَا، وَلَوْ فَعَلَ كَذَلِكَ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَذَا هَاهُنَا كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ وَلَوْ دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مُضَارَبَةً فَالْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ فَاسِدَةٌ وَالْمُضَارَبَةُ الْأُولَى جَائِزَةٌ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ تَنْفَسِخُ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهِيَ تُعْرَفُ فِي الْمُخْتَلَفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ اشْتِرَاطَ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَ رَبُّ الْمَالِ عَاقِدًا كَالْبَالِغِ أَوْ غَيْرَ عَاقِدٍ كَالصَّغِيرِ مِثْلُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ إذَا دَفَعَ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ الصَّغِيرِ يَفْسُدُ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ مَالِكٌ لِلْمَالِ فَبَقَاءُ يَدِهِ فِيهِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْمُضَارَبَةِ كَالْكَبِيرِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالٍ إذَا شَرَطَ عَمَلَهُ مَعَ الْمُضَارِبِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ كَأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَوْ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ إذَا دَفَعَا مَالًا مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ شَرِيكِهِ مَعَ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالِهِ كَالدَّافِعِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ شَرِيكُ رَبِّ الْمَالِ إنْ كَانَتْ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ يَدَ الشَّرِيكِ كَيَدِهِ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَصَارَ كَأَنَّ يَدَ رَبِّ الْمَالِ بَاقِيَةٌ عَلَى الْمَالِ فَمَنَعَتْ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَكَذَلِكَ شَرِيكُ الْعِنَانِ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ يَدَهُمَا وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ لَمْ يَفْسُدْ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ شَرِيكَ الْعِنَانِ فِي غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ يُنَزِّلُ مَنْزِلَةَ الْأَجَانِبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

الْمُضَارِبِ فَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمُضَارَبَةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ تَفْسُدُ كَالْمَأْذُونِ يَدْفَعُ مَالَهُ مُضَارَبَةً وَيَشْتَرِطُ عَمَلَهُ مَعَ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ إلَيْهِ وَالْيَدُ ثَابِتَةٌ لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ وَيَدُهُ يَدُ نَفْسِهِ فَصَارَ كَالْمَالِكِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى التَّصَرُّفِ فَكَانَ قِيَامُ يَدِهِ مَانِعًا لِصِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مُضَارَبَةً لَمْ تَفْسُدْ الْمُضَارَبَةُ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا دَفَعَا مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً وَشَرَطَا أَنْ يَعْمَلَا بِأَنْفُسِهِمَا مَعَ الْمُضَارِبِ بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ أَخَذَا مَالَهُ مُضَارَبَةً لِيَعْمَلَا بِأَنْفُسِهِمَا بِالنِّصْفِ صَحَّ فَكَذَا إذَا شَرَطَا عَمَلَهُمَا مَعَ الْمُضَارِبِ بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَالٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ فِيهِ مُضَارِبًا وَحْدَهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُضَارِبًا مَعَ غَيْرِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَاقِعٌ لِلصَّغِيرِ حُكْمًا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَصَارَ دَفْعُهُ كَدَفْعِ الصَّغِيرِ وَشَرْطُهُ كَشَرْطِهِ فَتُشْتَرَطُ التَّخْلِيَةُ مِنْ قِبَلِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الْمَالِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ، وَإِنْ دَفَعَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ مَالَهُ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ مَوْلَاهُ مَعَ الْمُضَارِبِ يُنْظَرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمُضَارَبَةِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَوْلَى فِيهِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا دَفَعَ مَالَهُ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ مَوْلَاهُ مَعَهُ لَا يَفْسُدُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبِيعُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ وَيَشْتَرِي وَيُوَكِّلُ وَيُسَافِرُ وَيُبْضِعُ وَيُودِعُ) يَعْنِي لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَفْعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً مُطْلَقَةً بِأَنْ دَفَعَ إلَيْهِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ مَثَلًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ الْأَنْوَاعَ كُلَّهَا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا هُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ التُّجَّارِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْبَحُ فِي جِهَةٍ مِنْ التَّصَرُّفِ دُونَ جِهَةٍ، أَوْ فِي نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ دُونَ نَوْعٍ فَيُطْلِقُ لَهُ الْكُلَّ لِيَحْصُلَ لَهُ غَرَضُهُ وَهُوَ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ وَالتَّوْكِيلُ وَالْإِبْضَاعُ وَالْإِيدَاعُ وَالْمُسَافَرَةُ مِنْ صَنِيعِهِمْ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ فِي بَلَدِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ فِي غُرْبَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَى بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَبِيعُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ)، وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ أَمَرْتُك أَنْ تَبِيعَهُ بِالنَّقْدِ فَبِعْتَهُ بِالنَّسِيئَةِ وَقَالَ الْمُضَارِبُ لَا بَلْ أَمَرْتنِي بِبَيْعِهِ مُطْلَقًا كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ فِي مِثْلِهِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُوَكِّلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ يَعْنِي الْبَزَّازِيَّ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَنَسِيئَةٍ مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَكِيلًا خَاصًّا مَلَكَ ذَلِكَ بِإِطْلَاقِ الْوَكَالَةِ فَإِذَا كَانَ عَامًّا أَوْلَى، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ عَسَى لَا يَحْصُلُ لَهُ الرِّبْحُ إلَّا بِالنَّسِيئَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إلَّا إذَا بَاعَ إلَى أَجَلٍ لَا يَبِيعُ التُّجَّارُ إلَيْهِ يَعْنِي إذَا بَاعَ الْمُضَارِبُ إلَى أَجَلٍ طَوِيلٍ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ أَنْ تَبِيعَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَعَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا وَالنَّسِيئَةُ بِالْهَمْزِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلَةٍ وَرُبَّمَا تُدْغَمُ بَعْدَ التَّخْفِيفِ كَالْخَطِيئَةِ وَالنَّسَاءُ بِالْمَدِّ التَّأْخِيرُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ اهـ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ لِلْمُضَارِبِ تَأْخِيرَ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مُتَعَارَفٍ فَقَوْلُهُ مُتَعَارَفٍ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا بَاعَ إلَى أَجَلٍ طَوِيلٍ اهـ (قَوْلُهُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَفْعَلَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً مُطْلَقَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَرَادَ بِالْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ أَنْ لَا تَكُونَ مُقَيَّدَةً بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً لَا يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَسَيَجِيءُ بَعْدَ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ) أَيْ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ فِي غُرْبَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَا لَهُ أَنْ يُبْضِعَ وَيُودِعَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ فِي الْمَالِ بِعِوَضٍ فَإِذَا أَبْضَعَ فَقَدْ حَصَلَ الْعَمَلُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ أَوْلَى وَإِنَّمَا قُلْنَا يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الرِّبْحِ إلَّا بِالْعَمَلِ وَرُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ الْمُضَارِبُ مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْأَجِيرِ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةُ التُّجَّارِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ إلَّا بِذَلِكَ وَهُوَ مَأْذُونٌ فِي حِفْظِ الْمَالِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ السُّفُنَ وَالدَّوَابَّ وَالرِّجَالَ لِحَمْلِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَحْصُلُ بِنَقْلِ الْمَالِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ وَلَا يُمْكِنُهُ نَقْلُهُ بِنَفْسِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَأَنْ يَرْتَهِنَ بِدَيْنٍ لَهُ مِنْهَا عَلَى رَجُلٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ الْإِيفَاءُ وَالِارْتِهَانُ الِاسْتِيفَاءُ وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِعَقْدٍ عَامٍّ وَالْحَاصِلُ هُنَا مَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمُضَارَبَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ هُوَ مِنْ بَابِ الْمُضَارَبَةِ وَتَوَابِعِهَا فَيَمْلِكُهَا بِمُطْلَقِ الْإِيجَابِ وَهُوَ الْإِيدَاعُ وَالْإِبْضَاعُ وَالْإِجَارَةُ وَالِاسْتِئْجَارُ وَالرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَقِسْمٌ آخَرُ لَيْسَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ لَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُلْحَقَ بِهَا عِنْدَ وُجُودِ الدَّلَالَةِ وَهُوَ إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ فِي الْمُضَارَبَةِ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً أَوْ يَخْلِطَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ هَذَا بِمُطْلَقِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَمْ يَرْضَ بِشَرِكَةِ غَيْرِهِ وَهُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا تَقُومُ بِهِ التِّجَارَةُ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ فَإِذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَلَهُ ذَلِكَ، وَقِسْمٌ آخَرُ لَيْسَ هُوَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَلَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهَا وَهُوَ الْإِقْرَاضُ وَالِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ وَالِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْمَالِ تَصَرُّفٌ بِغَيْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَالتَّوْكِيلُ مُقَيَّدٌ بِرَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّعَدِّيَ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فَإِذَا نَصَّ عَلَيْهِ اُعْتُبِرَ بِنَفْسِهِ حَتَّى يَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لَا مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ رَأْسُ الْمَالِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ لَا يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ فَهَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَرْجِعُ

صَاحِبَهُ رَضِيَ بِهِ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُقِيمُ بِدَارِ الْغُرْبَةِ دَائِمًا فِي الْغَالِبِ وَإِعْطَاؤُهُ الْمَالَ مُضَارَبَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَيَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ إذْ اللَّفْظُ دَالٌّ عَلَيْهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَعْرِيضٌ عَلَى الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ السَّلَامَةُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَوْهُومِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ وَالْمُضَارِبُ لَهُ ذَلِكَ فَكَانَ أَدْنَى مِنْهَا وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ يُوجِبُ قَصْرَ يَدِهِ عَنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَيُعْجِزُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِضِدِّ مَقْصُودِ رَبِّ الْمَالِ فَصَارَ كَالْإِقْرَاضِ بَلْ فَوْقَهُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ بِوَاسِطَةِ الطَّلَبِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ فَيَكُونُ فِيهَا نَوْعُ إهْلَاكٍ أَوْ تَبَرُّعٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ الْمَرِيضُ بِالنَّسِيئَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَنَحْنُ نَقُولُ الْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَهُوَ مُتَعَارَفٌ عِنْدَهُمْ فَيَدْخُلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى تَحْصِيلِ الرِّبْحِ عَادَةً فَكَانَ أَوْفَقَ لِمَقْصُودِ رَبِّ الْمَالِ وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدٍ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْضَاعِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَالْمُضَارَبَةِ قُلْنَا: الْمُضَارَبَةُ يَصِيرُ شَرِيكًا وَالْعَبْدُ لَا يَكُونُ شَرِيكًا فَافْتَرَقَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدًا وَلَا أَمَةً)، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى الْمَهْرِ وَإِلَى سُقُوطِ نَفَقَتِهَا بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْعَبْدِ فَإِنَّ فِيهِ إشْغَالَ رَقَبَتِهِ بِالدَّيْنِ وَاسْتِحْقَاقَ بَيْعِهِ بِهِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْمُضَارَبَةِ يَدُلُّ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَالِ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ لَا بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ وَلَا يُعْتِقَ عَلَى مَالٍ، وَإِنْ كَانَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ دُونَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْتَضِي الِاكْتِسَابَ دُونَ التِّجَارَةِ؛ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ فَيَمْلِكَ تَزَوُّجَ الْأَمَةِ أَيْضًا وَنَظِيرُهَا الْأَبُ وَالْوَصِيُّ حَيْثُ يَمْلِكَانِ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ وَالْكِتَابَةَ دُونَ تَزْوِيجِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ لِلصَّغِيرِ فَمَهْمَا كَانَ فِيهِ نَظَرٌ لِلصَّغِيرِ فَعَلَاهُ وَمَا لَا فَلَا وَنَظِيرُ الْمُضَارِبِ الشَّرِيكُ شَرِكَةَ عِنَانٍ، أَوْ مُفَاوَضَةٍ حَتَّى كَانَ تَزْوِيجُهُ الْأَمَةَ عَلَى الْخِلَافِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُضَارِبُ إلَّا بِإِذْنٍ، أَوْ بِاعْمَلْ بِرَأْيِك) يَعْنِي لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَالَ مُضَارَبَةً إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُضَارِبُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَرَبُّ الْمَالِ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَضْمَنَ إلَّا مِقْدَارَ رَأْسِ الْمَالِ فَلَوْ جَوَّزْنَا الِاسْتِدَانَةَ لَزِمَهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ اسْتِدَانَتُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ خَاصَّةً، وَأَمَّا إذَا اسْتَدَانَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَمَا يَشْتَرِيهِ بَيْنَهُمَا شَرِكَةُ وُجُوهٍ، أَلَا تَرَى الْمُشْتَرَى بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي مَالٍ عَيْنٍ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُضَارَبَةً لَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَكُونَ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا شَرِكَةُ وُجُوهٍ وَإِطْلَاقُ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي التَّسَاوِي فَلِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَقَدْ قَالُوا لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَأْخُذَ سَفْتَجَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِدَانَةٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا يُعْطِي سَفْتَجَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَرْضٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْقَرْضَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اعْمَلْ بِرَأْيِك لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَعُودُ إلَى التِّجَارَةِ وَلَا يَتَنَاوَلُ التَّبَرُّعَ وَالِاسْتِدَانَةَ اهـ قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ إلَخْ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَ أَدْنَى مِنْهَا) أَيْ فَكَانَ السَّفَرُ أَدْنَى مِنْ الْإِيدَاعِ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ)، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ مُسْتَقِيمٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ الْمُطْلَقَ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالنَّسِيئَةِ عِنْدَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبْضَاعِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ فِي الْمَشْهُورِ يَمْلِكُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِ الْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) رَوَاهُ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدًا وَلَا أَمَةً) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ وَاحِدًا مِنْهُمَا. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُضَارِبُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ بِاعْمَلْ بِرَأْيِك) أَيْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِاشْتِرَاكِ غَيْرِهِ فِي الرِّبْحِ فَلَا يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك)، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ فَدَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ فَاسِدَةً فَلَا يَضْمَنُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ عَمِلَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ وَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ وَيَجِبُ لِلثَّانِي أَجْرُ الْمِثْلِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ صَحِيحَةً لَمْ يَكُنْ الْمَالُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ حَتَّى إنَّ الْمَالَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ هَلَكَ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَلَا يَكُونُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا بِالْإِيدَاعِ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ وَإِذَا عَمِلَ الثَّانِي صَارَ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا وَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ، وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي بِمَا ضَمِنَ وَصَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ إلَى الثَّانِي هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَضْمَنُ إذَا عَمِلَ الثَّانِي مَا لَمْ يَرْبَحْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيلِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ الرِّبْحُ وَلَا يَصِيرُ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا بِالتَّوْكِيلِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُخَالِفًا بِالْإِشْرَاكِ وَكَذَلِكَ لَوْ خَلَطَ مَالَ نَفْسِهِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ضَمِنَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ وَالرِّبْحُ لَهُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ شَارَكَ مَعَ غَيْرِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ وَخَلَطَ ضَمِنَ وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا هَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَإِنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَلَهُ أَنْ يَخْلِطَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ وَإِذَا رَبِحَ قَسَمَ الرِّبْحَ بَيْنَ الْمَالَيْنِ فَرِبْحُ مَالِهِ يَكُونُ لَهُ خَاصَّةً وَرِبْحُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ وَكَذَلِكَ لَوْ شَارَكَ مَعَ غَيْرِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ جَازَ وَيَقْسِمُ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ فَإِذَا قَسَمَ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا يَكُونُ مَالُ الْمُضَارَبَةِ مَعَ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مَعَ الرِّبْحِ يَسْتَوْفِي مِنْهَا رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَمَا فَضَلَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ كَذَا فِي

لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ أَوْ التَّفْوِيضِ الْمُطْلَقِ إلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إلَّا بِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَالْمُسْتَعِيرِ حَيْثُ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ أَمْثَالَهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ لَا بِحُكْمِ النِّيَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ صَارَ حُرًّا يَدًا فَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ؛ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَالْبَيْعِ مِنْ نَفْسِ الْعَبْدِ فَيَمْلِكُهُ وَالْمَأْذُونُ بِفَكِّ الْحَجْرِ بَقِيَ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ، وَالْمُسْتَعِيرُ يَمْلِكُ أَيْضًا تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ وَبِخِلَافِ الْإِيدَاعِ وَالْإِبْضَاعِ؛ لِأَنَّهُمَا دُونَهَا فَتَضَمَّنَهُمَا وَبِخِلَافِ الْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِدَانَةِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُمَا إلَّا بِالتَّصْرِيحِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ التَّعْمِيمُ فِيمَا هُوَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ وَلَيْسَا مِنْهُ فَصَارَا كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَنَظِيرُ الْمُضَارَبَةِ الشَّرِكَةُ وَالْخَلْطُ بِمَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِك. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَتَعَدَّ عَمَّا عَيَّنَهُ مِنْ بَلَدٍ وَسِلْعَةٍ وَوَقْتٍ وَمُعَامِلٍ كَمَا فِي الشَّرِكَةِ) أَيْ إذَا خَصَّ لَهُ رَبُّ الْمَالِ التَّصَرُّفَ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ فِي مُعَامَلَةِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ فَإِنْ تَعَدَّى صَارَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَوْكِيلٌ وَفِي التَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ مِنْ أَمْنِ خَطَرِ الطَّرِيقِ وَخِيَانَةِ الْمُضَارِبِ وَمِنْ نَفَقَتِهِ مِنْ مَالِهِ، وَكَذَا الْأَسْعَارُ قَدْ تَخْتَلِفُ فَبِالتَّقْيِيدِ تَحْصُلُ الْفَائِدَةُ فَتُعْتَبَرُ، وَلَوْ عَيَّنَ لَهُ بَلَدًا وَأَخْرَجَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، أَوْ دَفَعَهُ بِضَاعَةً إلَى مَنْ يُخْرِجُهُ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ بِالْمُخَالَفَةِ صَارَ غَاصِبًا وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِخْرَاجِ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ وَتَقَرَّرَ ذَلِكَ بِالشِّرَاءِ وَالنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ فَكَانَ لَهُ فَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ الْمَغْصُوبِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِ شَيْئًا حَتَّى رَدَّ الْمَالَ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ كَالْمُودَعِ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْوِفَاقِ وَعَادَ الْمَالُ مُضَارَبَةً مِثْلَ مَا كَانَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ بَاقِيَةٌ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ، وَكَذَا لَوْ رَدَّ الْبَعْضَ يَكُونُ الْمَرْدُودُ مُضَارَبَةً حَتَّى إذَا اشْتَرَى فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ كَانَ لِلْمُضَارَبَةِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ لَمَّا كَانَ مُفِيدًا تَقَيَّدَ بِهِ وَصَارَ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا لَكِنَّهُ لَا يَتَقَرَّرُ إلَّا بِالشِّرَاءِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ فَإِذَا رَجَعَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ زَالَ الضَّمَانُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَبَقِيَ الْمَالُ عَلَى مَا كَانَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَيَّدَهُ فِي سُوقٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْمِصْرِ حَيْثُ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ الْوَاحِدَ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ وَكَإِقَالَةٍ؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ، وَإِنْ كَانَتْ تَتَنَاوَلُ الْمُضَارَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ لَكِنْ لَا تَتَنَاوَلُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهَا مَعْنَى الْأَمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّنَاوُلِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُضَارَبَةَ بِالشَّكِّ. اهـ. ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمَا دُونَهَا) أَيْ دُونَ الْمُضَارَبَةِ اهـ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُمَا إلَّا بِالتَّصْرِيحِ) أَيْ لَا بِقَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِك. اهـ. (قَوْلُهُ وَنَظِيرُ الْمُضَارَبَةِ الشَّرِكَةُ وَالْخَلْطُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ مَعَ غَيْرِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ أَوْ يَخْلِطَ الْمَالَ بِمَالِ نَفْسِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ لَا بِشَرِكَةِ غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ وَالشَّرِكَةُ أَعَمُّ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَفِي خَلْطِ الْمَالِ يَثْبُتُ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ حَقًّا لِغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَتَعَدَّ عَمَّا عَيَّنَهُ مِنْ بَلَدٍ وَسِلْعَةٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَتَى شَرَطَ عَلَى الْمُضَارِبِ شَرْطًا فِي الْمُضَارَبَةِ إنْ كَانَ شَرْطًا لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ فَائِدَةٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُضَارِبِ مُرَاعَاتُهُ وَالْوَفَاءُ بِهِ وَإِذَا لَمْ يُوَفِّ بِهِ صَارَ مُخَالِفًا وَعَامِلًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِرَبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَيُجْعَلُ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْأَسْعَارُ قَدْ تَخْتَلِفُ) أَيْ قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى خَارِجَ الْكُوفَةِ وَبَاعَ وَرَبِحَ أَوْ وَضَعَ فَالرِّبْحُ لَهُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ وَلَا يَتَصَدَّقُ أَصْلُهُ الْمُودَعُ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَصَارَ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ مُتَعَدِّيًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَكَلَّمُوا أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ مُخَالِفًا بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ بِالْعَمَلِ وَالْأَمْرُ بِالْعَمَلِ مُقَيَّدٌ فَصَارَ الْأَمْرُ بِالْحِفْظِ مُقَيَّدًا أَيْضًا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ بِالْكُوفَةِ فَخَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ فَاشْتَرَى بِهَا قَالَ إذَا اشْتَرَى فَهُوَ ضَامِنٌ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ شَرَطَ الشِّرَاءَ لِلضَّامِنِ كَمَا تَرَى وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْكُوفَةِ فَقَدْ خَالَفَ وَقَدْ جَعَلَهُ مُخَالِفًا بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ قِيلَ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنَّمَا شَرَطَ الشِّرَاءَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِيُقَرِّرَ الضَّمَانَ لَا لِأَصْلِ الْوُجُودِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْهُ بِالْعَوْدِ قَبْلَ الشِّرَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَيَّدَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ التَّقْيِيدُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْبَلَدِ حَيْثُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ إذَا جَاوَزَهُ خِلَافُ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا حَتَّى إذَا اشْتَرَى وَبَاعَ بِالْكُوفَةِ فِي غَيْرِ سُوقِهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَلَوْ دَفَعَهُ مُضَارَبَةٌ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ السُّوقِ بِالْكُوفَةِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِهِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ فِي غَيْرِ السُّوقِ إذَا كَانَ فِي الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي السُّوقِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ السُّوقِ؛ لِأَنَّ الْأَسْعَارَ لَا تَتَفَاوَتُ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فَلَا يَكُونُ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا، وَلَوْ قَالَ لَا تَعْمَلُ بِهِ إلَّا فِي السُّوقِ فَعَمِلَ فِي الْكُوفَةِ فِي غَيْرِ السُّوقِ فَهُوَ مُخَالِفٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فِي السُّوقِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْعَمَلَ بِهِ تَقَيُّدُهُ بِمَكَانٍ وَالتَّقْيِيدُ لَغْوٌ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي بَدَأَ بِالنَّهْيِ وَاسْتَثْنَى تَصَرُّفًا خَاصًّا فَلَوْ أَلْغَيْنَاهُ لَا يَسْتَقِيمُ الْإِطْلَاقُ بِصَدْرِ الْكَلَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدُ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالنَّهْيِ بِأَنْ قَالَ اعْمَلْ فِي هَذَا السُّوقِ وَلَا تَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يَتَقَيَّدُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَهُ وَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ إلَيْهِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ يُفِيدُ لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ حَقِيقَةً، وَكَذَا حُكْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الْحِفْظَ فِي مَحَلَّتِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى فَإِذَا تُصُوِّرَ الِاخْتِلَافُ تَقَيَّدَ بِهِ فَيَضْمَنُ إذَا خَالَفَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ بِعْ نَسِيئَةً وَلَا تَبِعْ حَالًّا حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَالًّا عِنْدَ عَدَمِ اخْتِلَافِ السِّعْرِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ بِيَقِينٍ فَهُوَ نَظِيرُ مَنْ لَوْ وَكَّلَ شَخْصًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ بِالزِّيَادَةِ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ بِأَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ غَيْرَ مُفِيدٍ لَا يُعْتَبَرُ حَتَّى إذَا أَوْدَعَ، وَقَالَ لَا تَضَعْهَا مِنْ يَدِك لَيْلًا وَنَهَارًا لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، ثُمَّ الْأَلْفَاظُ الَّتِي تُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِالْمَذْكُورِ قَوْلُهُ خُذْ هَذَا مُضَارَبَةً تَعْمَلُ بِهِ فِي مِصْرَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعْمَلُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ خُذْهُ مُضَارَبَةً وَالْكَلَامُ الْمُبْهَمُ إذَا تَعَقَّبَهُ تَفْسِيرٌ كَانَ الْحُكْمُ لِلتَّفْسِيرِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فَاعْمَلْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ وَاَلَّذِي وَصَلَ الْكَلَامَ الْمُبْهَمَ وَتَعَقَّبَهُ كَانَ تَفْسِيرًا لَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ خُذْ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ بِمِصْرَ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فِي مِصْرَ؛ لِأَنَّ فِي لِلظَّرْفِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ ظَرْفًا إذَا حَصَلَ الْفَاعِلُ وَالْفِعْلُ فِيهِ وَكَذَا إذَا قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِمِصْرَ؛ لِأَنَّ عَلَى لِلشَّرْطِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ وَلَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً وَاعْمَلْ بِهِ فِي مِصْرَ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ فِي الْعَمَلِ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ وَالشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُعْطَفُ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلِابْتِدَاءِ إذَا كَانَ بَعْدَهَا جُمْلَةٌ فَيَكُونُ مَشُورَةً لَا شَرْطًا فِي الْأَوَّلِ، وَفِي الْكَافِي مَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ مِنْ الْأَلْفَاظِ سِتَّةٌ دَفَعْت إلَيْك الْمَالَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالْكُوفَةِ، أَوْ لِتَعْمَلَ بِهِ، أَوْ تَعْمَلُ بِالْكُوفَةِ مَجْزُومًا، أَوْ مَرْفُوعًا أَوْ فَاعْمَلْ بِهِ بِالْكُوفَةِ، أَوْ قَالَ دَفَعْت إلَيْك مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ بِالْكُوفَةِ وَمَا لَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ لَفْظَانِ دَفَعْت إلَيْك مُضَارَبَةً وَاعْمَلْ بِالْكُوفَةِ، أَوْ قَالَ اعْمَلْ بِالْكُوفَةِ وَالضَّابِطُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَتَى ذَكَرَ عَقِيبَ الْمُضَارَبَةِ مَا لَا يُمْكِنُ التَّلَفُّظُ بِهِ ابْتِدَاءً وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ مَبْنِيًّا عَلَى مَا قَبْلَهُ يُجْعَلُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ كَمَا فِي الْأَلْفَاظِ السِّتَّةِ، وَإِنْ اسْتَقَامَ الِابْتِدَاءُ بِهِ لَا يُبْنَى عَلَى مَا قَبْلَهُ وَيُجْعَلُ مُبْتَدَأً كَمَا فِي اللَّفْظَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الزِّيَادَةُ شُورَى فَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ الطَّعَامَ، أَوْ قَالَ فَاشْتَرِ بِهِ الطَّعَامَ، أَوْ قَالَ لِتَشْتَرِي بِهِ الطَّعَامَ، أَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فِي الطَّعَامِ فَهَذَا كُلُّهُ مُفِيدٌ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقْيِيدُ بِهِ وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ فُلَانٍ وَتَبِيعَ مِنْهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْمُعَامَلَةِ قَضَاءً وَاقْتِضَاءً، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، أَوْ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَتَبِيعَ مِنْهُمْ فَبَاعَ فِي الْكُوفَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِ الصَّيَارِفَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ عَادَةً التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ أَوْ بِالنَّوْعِ فَيُقَيَّدُ بِالْمَكَانِ وَالنَّوْعِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْكُوفَةِ فِي الْأَوَّلِ وَيَبِيعَ فِيهَا مِنْ أَهْلِهَا وَمِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فِي الثَّانِي وَيَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمَكَانِ وَالنَّوْعِ مُفِيدٌ فَيُعْتَبَرُ وَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ وَالصَّيَارِفَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَا يُمْكِنُ إحْصَاؤُهُمْ فَيَجْتَمِعُ فِيهِمْ الصَّالِحُ وَالطَّالِحُ فَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدُ بِهِمْ فَلَا يُعْتَبَرُ وَيُفِيدُ التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ وَالنَّوْعِ مِنْ حِفْظِ الْمَالِ عَلَى مَا يَرَى هُوَ فَيُعْتَبَرُ وَكَذَلِكَ إنْ وَقَّتَ لِلْمُضَارَبَةِ وَقْتًا يَتَقَيَّدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ كَمَا يَتَقَيَّدُ بِالنَّوْعِ وَالْمَكَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَشْتَرِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمَالِكِ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِقَرَابَةٍ، أَوْ بِسَبَبِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ، وَذَلِكَ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَفِي التَّصَرُّفِ فِيهِ كَثِيرًا وَالْعِتْقُ يُنَافِيهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ هُنَاكَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَهُنَا مُقَيَّدٌ بِمَالٍ يُمْكِنُ التِّجَارَةُ فِيهِ حَتَّى لَوْ وَجَدَ فِي الْوَكَالَةِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّقْيِيدِ بِأَنْ قَالَ اشْتَرِ لِي عَبْدًا أَبِيعُهُ، أَوْ قَالَ أَسْتَخْدِمُهُ أَوْ جَارِيَةٍ أَطَؤُهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا نَفَذَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَالْوَكِيلِ إذَا خَالَفَ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمُوَكِّلِ حَيْثُ يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا. قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ عِنْدَ عَدَمِ اخْتِلَافِ السِّعْرِ بَيْنَهُمَا) أَيْ خِلَافًا لِزُفَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ) أَيْ خِلَافًا لِزُفَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ مَرْفُوعًا) تَعْمَلُ بِهِ بِالْكُوفَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْأَلْفَاظِ السِّتَّةِ) إذْ لَا يَسْتَقِيمُ الِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالْكُوفَةِ وَكَذَلِكَ فِي أَخَوَاتِهَا فَاعْتُبِرَتْ مُتَعَلِّقَةً بِمَا قَبْلَهَا فَصَارَتْ بِمَعْنَى الشَّرْطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ كَمَا فِي اللَّفْظَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ وَهُمَا قَوْلُهُ وَاعْمَلْ بِالْكُوفَةِ بِالْوَاوِ وَغَيْرِ الْوَاوِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِيمُ الِابْتِدَاءُ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ مِمَّا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الزِّيَادَةُ شُورَى) كَأَنَّهُ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ أَنْفَعُ وَأَحْسَنُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِالنَّوْعِ) أَرَادَ بِهِ الصَّرْفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَبِيعُ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَغَيْرِهِمْ) أَيْ مَا بَدَا لَهُ مِنْ الصَّرْفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَشْتَرِ مَنْ يَعْتِقُ إلَخْ) إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ جَارِيَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ وَطْؤُهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَتَمَامُهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ مُضَارَبَةً امْرَأَةٌ فَاشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ زَوْجَهَا صَحَّ الشِّرَاءُ وَبَطَلَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهَا بِالشِّرَاءِ. اهـ. سِرَاجٌ وَهَّاجٌ (قَوْلُهُ أَوْ بِسَبَبِ يَمِينٍ) أَيْ بِأَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إذَا مَلَكَهُ. اهـ. .

- رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ عَلَيْهِ إنْ ظَهَرَ رِبْحٌ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ نَصِيبُهُ وَيَفْسُدُ بِسَبَبِهِ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ أَوْ يَعْتِقُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي الْعِتْقِ فَيُمْتَنَعُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَالْمُرَادُ مِنْ ظُهُورِ الرِّبْحِ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِي جُمْلَةِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قِيمَةُ الْعَيْنِ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ أَقَلَّ لَا يَظْهَرُ مِلْكُ الْمُضَارِبِ فِيهِ بَلْ يُجْعَلُ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ حَتَّى إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا وَصَارَ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ، أَوْ أَقَلُّ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ، أَوْ أَكْثَرُ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ أَلْفٌ، أَوْ أَقَلُّ فَاشْتَرَاهُمْ لَا يَعْتِقُ مِنْهُمْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ مِنْهُمْ شَيْئًا حَتَّى تَزِيدَ قِيمَةُ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ عَلَى حِدَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَمِّهِ إلَى آخَرَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ إنْ فَعَلَ) أَيْ ضَمِنَ الْمُضَارِبُ إنْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ، وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا الْعَبْدَ لِنَفْسِهِ فَيَضْمَنُ بِالنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ صَحَّ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى زِيَادَةٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ جَازَ شِرَاؤُهُ لِلْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذْ لَا مِلْكَ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ لِكَوْنِهِ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِلْمُضَارَبَةِ فَيَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ ظَهَرَ عَتَقَ حَظُّهُ) أَيْ إنْ ظَهَرَ الرِّبْحُ فِي الْمُشْتَرَى بَعْدَ الشِّرَاءِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ قَدْرَ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَقَلَّ، ثُمَّ زَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَتْ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ بَعْضَ قَرِيبِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَضْمَنْ لِرَبِّ الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا عَتَقَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ بِسَبَبِ زِيَادَةِ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ فَصَارَ كَمَا إذَا وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَعَى الْمُعْتَقُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُ اُحْتُبِسَتْ مَالِيَّتُهُ عِنْدَهُ فَيَضْمَنُهَا كَالْعَبْدِ الْمَوْرُوثِ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَحَدُهُمَا أَبُوهُ وَفِي الْكَافِي لَوْ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَا فَضْلَ فِيهِ وَنِصْفُهُ بِمَالِهِ صَحَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ هَذَا النِّصْفَ لَا رِبْحَ فِيهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْعِتْقُ فِيهِ، وَإِنَّمَا دَخَلَ الْعِتْقُ فِيهِ حُكْمًا لِمَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا، وَالشَّرِيكُ فِي هَذَا وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ كَالْمُضَارِبِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَبْدًا هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الشَّرِيكِ الْآخَرِ نَفَذَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُضَارِبِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْأَبُ، أَوْ الْوَصِيُّ لِلصَّغِيرِ عَبْدًا هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصَّغِيرِ، أَوْ الْمَعْتُوهِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى الْأَبِ، أَوْ الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِيهِ لِلصَّغِيرِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَوْلَى يَصِحُّ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ عَتَقَ عَلَى الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى أَمْ لَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ ظُهُورِ الرِّبْحِ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي الْحَوَاشِي الْآتِيَةِ وَفِي الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَضَمِنَ إنْ فَعَلَ) أَيْ ضَمِنَ الْمُضَارِبُ إذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَوْ عَلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ الْحُكْمَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِيمَا تَقَدَّمَ بَلْ أَخَّرَهُ إلَى هُنَا اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ) أَيْ كَمَا إذَا اشْتَرَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فَمَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأَخًا لَا يَضْمَنُ الزَّوْجُ لِلْأَخِ لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ فَكَذَا هُنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسَعَى الْمُعْتَقُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ) أَيْ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ وَنَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا فَوَطِئَهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ ابْنُهُ ثُمَّ زَادَ الْغُلَامُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْس مِائَةٍ وَالرَّجُلُ الْمُدَّعِي مُوسِرٌ قَالَ إنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ اسْتَسْعَى الْغُلَامَ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ الْغُلَامَ فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا ضَمِنَ الْمُدَّعِي نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَوْلُهُ وَالْمُدَّعِي مُوسِرٌ أَيْ الْمُدَّعِي لِلْوَلَدِ وَهُوَ الْمُضَارِبُ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِيَسَارِهِ نَفْيًا لِشُبْهَةٍ تَرِدُ بِأَنْ يُقَالَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُضَارِبُ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ إذَا كَانَ الْمُضَارِبُ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعِتْقِ يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَلَكِنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ نُفُوذَ الْعِتْقِ بِمَعْنًى حُكْمِيٍّ لَا صُنْعَ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ اعْلَمْ أَنَّ الْوَلَدَ إذَا لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ عَلَى أَلْفٍ فَدَعْوَةُ الْمُضَارِبِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْوَالِدِ وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ وَانْتَفَى الْحَدُّ لِاحْتِمَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ ظُهُورِ الرِّبْحِ فِي الثَّانِي وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ أَصْلًا وَيَضْمَنُ الْعُقْرَ فَيَكُونُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنَافِعِ فَصَارَ كَالْكَسْبِ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الْجَارِيَةَ وَالْوَلَدَ؛ لِأَنَّهُمَا مَالُ الْمُضَارَبَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ فَيُعْتَبَرُ رَأْسُ الْمَالِ فِي كُلِّ عَبْدٍ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ قِسْمَةُ الرَّقِيقِ فَتُجْعَلُ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ كَعَبْدٍ وَاحِدٍ فَيَظْهَرُ الرِّبْحُ فَمَلَكَ الْمُضَارِبُ نِصْفَ الرِّبْحِ فَتَصِحُّ دَعْوَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَبِعْ وَاحِدًا مِنْهُمَا حَتَّى زَادَ الْغُلَامُ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ نَفَذَتْ الدَّعْوَةُ السَّابِقَةُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ كَانَتْ صَحِيحَةً فِي الظَّاهِرِ حَمْلًا لَهَا عَلَى الصِّحَّةِ وَهُوَ فِرَاشُ النِّكَاحِ لَكِنَّهَا لَمْ تَنْفُذْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُمَا مَشْغُولَانِ بِرَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَهْلَكَ أَحَدُهُمَا فَيَتَعَيَّنُ الْآخَرُ رَأْسُ الْمَالِ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ فَإِذَا وُجِدَ الْمِلْكُ بِظُهُورِ الرِّبْحِ نَفَذَتْ الدَّعْوَةُ وَعَتَقَ الْوَلَدُ عَلَى الْمُضَارِبِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَيْسَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلٌ فَالرِّبْحُ لَا يَظْهَرُ فِيهِمَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنْ صَارَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ

أَيْ مَعَ الْمُضَارِبِ (فَاشْتَرَى بِهِ أَمَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَادَّعَاهُ مُوسِرًا) أَيْ ادَّعَاهُ الْمُضَارِبُ فِي حَالِ يَسَارِهِ (فَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ سَعَى لِرَبِّ الْمَالِ فِي أَلْفٍ وَرُبُعِهِ) أَيْ رُبُعِ الْأَلْفِ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ (أَوْ أَعْتَقَهُ فَإِنْ قَبَضَ الْأَلْفَ ضَمِنَ الْمُدَّعِي) وَهُوَ الْمُضَارِبُ (نِصْفَ قِيمَتِهَا) أَيْ نِصْفَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْمُضَارِبِ وَقَعَتْ صَحِيحَةً ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَلَدُهُ مِنْ النِّكَاحِ بِأَنْ يُحْمَلَ أَنَّ الْبَائِعَ زَوَّجَهَا مِنْهُ، ثُمَّ بَاعَهَا مِنْهُ وَهِيَ حُبْلَى مِنْهُ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ لَكِنْ لَا تَنْفُذُ هَذِهِ الدَّعْوَى لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَهُوَ شَرْطٌ فِيهِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ فِيهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَارَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَزِيدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِأَوْلَى بِهِ مِنْ الْبَعْضِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ نَصِيبٌ فِي الْأَمَةِ وَلَا فِي الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّصَرُّفِ فَلَا تَنْفُذُ دَعْوَتُهُ فَإِذَا زَادَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ وَصَارَتْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ظَهَرَ الرِّبْحُ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَمَلَكَ الْمُضَارِبُ مِنْهُ نِصْفَ الزِّيَادَةِ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ السَّابِقَةُ فِيهِ لِوُجُودِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْمِلْكُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ، ثُمَّ ظَهَرَتْ الزِّيَادَةُ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ السَّابِقُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إنْشَاءٌ فَإِذَا بَطَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَنْفُذُ بَعْدَهُ بِحُدُوثِهِ أَمَّا الدَّعْوَةُ فَإِخْبَارٌ فَإِذَا رُدَّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَهُوَ بَاقٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ نَفَذَتْ دَعْوَتُهُ فِيهِ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ لِغَيْرِهِ يُرَدُّ إقْرَارُهُ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ حُرًّا وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ الْغَيْرِ، ثُمَّ مَلَكَهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ؛ لِمَا قُلْنَا فَإِذَا نَفَذَتْ دَعْوَتُهُ صَارَ الْغُلَامُ ابْنًا لَهُ وَعَتَقَ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْهُ وَهُوَ رُبُعُهُ وَلَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِالْمِلْكِ وَالنَّسَبِ فَصَارَتْ الْعِلَّةُ ذَاتَ وَجْهَيْنِ، وَالْمِلْكُ آخِرُهُمَا وُجُودًا فَيُضَافُ الْحُكْمُ وَهُوَ الْعِتْقُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ أَصْلُهُ وَضْعُ الْقُفَّةِ عَلَى السَّفِينَةِ وَالْقَدَحِ الْأَخِيرِ وَالْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ فِي الزِّنَا؛ وَلِهَذَا قَالَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِلَّذِي أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالزِّنَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إيَّاكَ وَالرَّابِعَةَ فَإِنَّهَا هِيَ الْمُوجِبَةُ وَلَا صُنْعَ لِلْمُضَارِبِ فِي الْمِلْكِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي إذْ لَا يَجِبُ ضَمَانُ الْعِتْقِ إلَّا بِالتَّعَدِّي فَكَانَ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْغُلَامِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَاهُ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ اُحْتُبِسَتْ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْإِعْتَاقِ فَإِذَا اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ اسْتَسْعَاهُ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ مُسْتَحَقٌّ لَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ نَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ فَإِذَا قَبَضَ مِنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ وَظَهَرَ أَنَّ الْأُمَّ كُلَّهَا رِبْحٌ لِفَرَاغِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَنَفَذَ فِيهَا دَعْوَةُ الْمُضَارِبِ وَصَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْآنَ ظَهَرَ الرِّبْحُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَنِصْفُهُ لِلْمُضَارِبِ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَقَدْ مَلَكَ الْمُضَارِبُ شَيْئًا مِنْ الْوَلَدِ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ الْمَوْقُوفَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ سَعَى) أَيْ الْوَلَدُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ أَعْتَقَهُ) أَيْ إنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْوَلَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَبَضَ) أَيْ رَبُّ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ الْأَلْفَ) أَيْ مِنْ الْوَلَدِ الَّذِي اسْتَسْعَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ رُبُعُهُ) أَيْ رُبُعُ رَأْسِ الْمَالِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ لِرَبِّ الْمَالِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ حِينَ ادَّعَى لَمْ تَنْفُذْ الدَّعْوَةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَحِينَ نَفَذَتْ الدَّعْوَةُ لَمْ يُوجَدْ صُنْعٌ مِنْ الْمُضَارِبِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعِتْقِ ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الصُّنْعِ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ) عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَصْلُهُ وَضْعُ الْقُفَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي فِي بَابِ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ سَفِينَةٌ لَا تَحْمِلُ إلَّا مِائَةً مَنٍّ فَأَوْقَعَ فِيهَا رَجُلٌ مَنًّا زَائِدًا عَلَى الْمِائَةِ فَغَرِقَتْ كَانَ الضَّمَانُ كُلُّهُ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقَدَحُ الْأَخِيرُ) أَيْ فِي السُّكْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا صُنْعَ لِلْمُضَارِبِ فِي الْمِلْكِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ بِازْدِيَادِ الْقِيمَةِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِي ازْدِيَادِ الْقِيمَةِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ) أَيْ مَالِيَّةُ الْغُلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَتْ) أَيْ الْأُمُّ بِمَنْزِلَةِ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَاسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا فَيَصِحُّ اسْتِيلَادُهُ وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ كَسْبَهَا وَخِدْمَتَهَا فَصَارَ ذَلِكَ الضَّمَانُ بِبَدَلٍ وَالضَّمَانُ إذَا كَانَ بِبَدَلٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الصُّنْعِ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الصُّنْعِ كَذَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَصْلِ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ الَّتِي تَجْرِي الْقِسْمَةُ فِيهَا إذَا كَانَتْ جَمَاعَةً وَفِيهَا فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ يَظْهَرُ لِلْمُضَارِبِ فِيهَا نَصِيبٌ نَحْوَ أَنْ يَصِيرَ كُلُّهُ حِنْطَةً أَوْ كُلُّهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ عُرُوضًا أَوْ حَيَوَانًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ سِوَى الرَّقِيقِ أَوْ ثِيَابًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ حَتَّى إنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ نَصِيبُهُ مِنْهُ يَبْلُغُ نِصَابًا كَامِلًا وَلَوْ صَارَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ فَكُلُّ جِنْسٍ مِنْهَا مَشْغُولٌ بِرَأْسِ مَالِهِ حَتَّى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ وَيَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ فِي الْحَاصِلِ هَذَا الْقَدْرُ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ كَانَ أَلْفًا فَاشْتَرَى مَا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ، وَلَوْ صَارَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ رَقِيقًا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ وَاحِدًا وَفِيهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ يَظْهَرُ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ وَهُوَ نِصْفُ الْفَضْلِ، وَلَوْ كَانُوا جَمَاعَةً قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَأْسُ الْمَالِ فَلَا يَظْهَرُ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ فَيَكُونُ كَالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْسَمُ قِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يُقْسَمُ الرَّقِيقُ فَيَظْهَرُ لِلْمُضَارِبِ نَصِيبٌ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ قَدْرُ رُبُعِهِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَلَا كَذَلِكَ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتْ جَمَاعَةً فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْكُلِّ فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْكُلِّ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ

[باب المضارب يضارب]

؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ إذَا صَادَفَ مَحَلًّا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ لَا يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجِبُ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِرَبِّ الْمَالِ مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ التَّمَلُّكِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّعَدِّي؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ وَرِثَ أُمَّ وَلَدِهِ مَعَ غَيْرِهِ يَتَمَلَّكُهَا كُلَّهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَضْمَنَ حِصَّةَ غَيْرِهِ مِنْ قِيمَتِهَا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ لَا تَمَلُّكٍ وَهُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا عَلَى مُعْسِرٍ وَاشْتِرَاطُ الْيَسَارِ هُنَا لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنَّمَا شَرَطَ قَبْضَ رَبِّ الْمَالِ الْأَلْفَ مِنْ الْغُلَامِ حَتَّى تَصِيرَ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِرَأْسِ الْمَالِ فَإِذَا قَبَضَهُ مِنْ الْغُلَامِ فَرَغَتْ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَصَارَتْ كُلُّهَا رِبْحًا فَظَهَرَ فِيهَا مِلْكُ الْمُضَارِبِ فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجْعَلُ الْمَقْبُوضَ مِنْ الْوَلَدِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَجْعَلَ الْوَلَدَ كُلَّهُ رِبْحًا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِرَأْسِ الْمَالِ عَلَى حَالِهَا؟ قُلْنَا: الْمَقْبُوضُ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ مَالِهِ فَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِجَعْلِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ؛ وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى الرِّبْحِ إذْ لَا يَسْلَمْ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا بَعْدَ سَلَامَةِ رَأْسِ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ فَكَانَ جَعْلُهُ بِهِ أَوْلَى بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى يَدِهِ، وَلَوْ لَمْ تَزِدْ قِيمَةُ الْوَلَدِ عَلَى أَلْفٍ وَزَادَتْ قِيمَةُ الْأُمِّ حَتَّى صَارَتْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ صَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُضَارِبِ وَيَضْمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا زَادَتْ قِيمَتُهَا ظَهَرَ فِيهَا الرِّبْحُ وَمَلَكَ الْمُضَارِبُ بَعْضَ الرِّبْحِ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ فِيهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسُ مَالِهِ وَهُوَ أَلْفٌ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا نَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَإِذَا وَصَلَ إلَى يَدِهِ أَلْفٌ اسْتَوْفَى رَأْسَ الْمَالِ وَصَارَ الْوَلَدُ كُلُّهُ رِبْحًا فَيَمْلِكُ الْمُضَارِبُ مِنْهُ نِصْفَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَصِلْ إلَى رَبِّ الْمَالِ الْأَلْفُ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْأُمِّ، ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ عَلَى أَنَّهُ نَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا عَتَقَ الْوَلَدُ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ ظَهَرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَأْخُذُ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْسَرُ الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُعَجَّلٌ وَهُوَ مُوسِرٌ وَالسِّعَايَةُ مُؤَجَّلَةٌ وَالْعَبْدُ مُعْسِرٌ وَيَأْخُذُ مِنْهُ أَيْضًا مَا بَقِيَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَيَضْمَنُ أَيْضًا نِصْفَ عُقْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْفَى رَأْسَ الْمَالِ ظَهَرَ أَنَّهُ رِبْحٌ؛ لِأَنَّ عُقْرَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يَكُونُ لِلْمُضَارَبَةِ وَيَسْعَى الْغُلَامُ فِي نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ ضَارَبَ الْمُضَارِبُ بِلَا إذْنٍ لَمْ يَضْمَنْ مَا لَمْ يَعْمَلْ الثَّانِي) أَيْ إذَا دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ الثَّانِي، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ حَتَّى يَرْبَحَ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ تَصَرَّفَ أَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ عَلَى وَجْهِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي مِثْلَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ بِالدَّفْعِ وَالثَّانِي بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ كَالْمُودَعِ إذَا أَعَارَ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الدَّفْعَ إيدَاعٌ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَتَقَرَّرُ كَوْنُهُ لِلْمُضَارَبَةِ بِالتَّصَرُّفِ، وَوَجْهُ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَقْدَ الْمُجَرَّدَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ؛ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الْفُضُولِيُّ بِمُجَرَّدِ بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ وَلَا بِالتَّسْلِيمِ لِأَجْلِ التَّصَرُّفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ لِلْمُضَارِبِ نِصْفُ الْفَضْلِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ وَلِهَذَا لَوْ وَرِثَ أُمَّ وَلَدِهِ إلَخْ) بِأَنْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ مَلَكَهَا هُوَ وَغَيْرُهُ وِرَاثَةً يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ أَيْضًا نِصْفَ عُقْرِهَا) تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ بِالنِّكَاحِ فَكَيْفَ يَجِبُ الْعُقْرُ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ. [بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ] (بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ) لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ دَفْعِ الْمَالِ مُضَارَبَةً مِنْ رَبِّ الْمَالِ إلَى غَيْرِهِ ذَكَرَ حُكْمَ دَفْعِ الْمُضَارِبِ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّ الْأُولَى مُضَارَبَةٌ مُفْرَدَةٌ وَهَذِهِ مُرَكَّبَةٌ وَالْمُرَكَّبُ بَعْدَ الْمُفْرَدِ وُجُودًا وَعَدَمًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ ضَارَبَ الْمُضَارِبُ بِلَا إذْنٍ) أَيْ أَوْ تَفْوِيضٍ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ اعْمَلْ بِرَأْيِك؛ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ يَمْلِكُ أَنْ يُضَارِبَ حِينَئِذٍ اهـ (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ) أَيْ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ اهـ (قَوْلُهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) هُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْلَ عَمَلِ الثَّانِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَإِذَا عَمِلَ الثَّانِي بِالْمَالِ إنْ عَمِلَ عَمَلًا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمُضَارَبَةِ بِأَنْ وَهَبَ الْمُضَارِبُ الثَّانِي الْمَالَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ عَمِلَ عَمَلًا دَخَلَ تَحْتَ الْمُضَارَبَةِ بِأَنْ اشْتَرَى بِالْمَالِ شَيْئًا فَإِنْ رَبِحَ فَعَلَيْهِمَا الضَّمَانُ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُجَرَّدَ الدَّفْعِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ لَهُ أَنْ يُودِعَ وَيُبْضِعَ فَلَمْ يَضْمَنْ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُخَالَفَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَصَرَّفَ الثَّانِي حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ الْعَمَلُ فِي الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمَالِكُ فَتَحَقَّقَ الْخِلَافُ فَوَجَبَ الضَّمَانُ فَجُعِلَ الْأَمْرُ مُرَاعًى أَيْ مَوْقُوفًا قَبْلَ الْعَمَلِ حَتَّى إذَا عَمِلَ الثَّانِي وَجَبَ الضَّمَانُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا بِالتَّسْلِيمِ) يَعْنِي لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُضَارِبِ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُضَارِبِ الثَّانِي اهـ

؛ لِأَنَّهُ إيدَاعٌ وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَلَا بِالتَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَهُوَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِالْمُخَالَفَةِ وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى الِانْفِرَادِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا بِهِ لَكِنْ إذَا رَبِحَ أَثْبَتَ الشَّرِكَةَ فِيهِ وَإِثْبَاتُ الشَّرِكَةِ فِي مَالِ الْغَيْرِ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ كَمَا إذَا خَلَطَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ ثُمَّ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ رَأْسَ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يُوجِبَانِ الضَّمَانَ عَلَى مُودَعِ الْمُودَعِ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَدْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الثَّانِي كَمُودَعِ الْمُودَعِ وَقِيلَ يَضْمَنُ الثَّانِي عِنْدَهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْعِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مُودَعِ الْمُودَعِ فَإِنَّهُ يَقْبِضُهُ لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِ الْمَالِ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَهُ مِنْ وَقْتِ خَالَفَ فَصَارَ كَمَا لَوْ دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ مُضَارَبَةً إلَى الثَّانِي، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ لَهُ سَلَامَةَ الْمَقْبُوضِ لَهُ عَنْ الضَّمَانِ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْمُخَالَفَةِ إذْ هُوَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ كَمُودَعِ الْغَاصِبِ وَصَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ مَلَكَ الْمَدْفُوعَ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ التَّعَدِّي فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ دَفَعَ مُضَارَبَةَ مِلْكِ نَفْسِهِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِصِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ وَيَطِيبُ لِلثَّانِي مَا رَبِحَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَمَلِ وَلَا خُبْثَ فِي عَمَلِهِ وَلَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَمِلْكُهُ فِيهِ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا فَلَا يَخْلُو عَنْ شُبْهَةٍ فَيَكُونُ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَتَانِ صَحِيحَتَيْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا فَاسِدَةً، أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ هِيَ الْفَاسِدَةَ صَارَ أَجِيرًا عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ فِي الْمَالِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْأُولَى فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فَسَادَهَا يُوجِبُ فَسَادَ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَمَّا فَسَدَتْ صَارَتْ إجَارَةً وَصَارَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَلَوْ صَحَّتْ الثَّانِيَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَصَارَ الثَّانِي شَرِيكًا، وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهُ بَلْ الْمُضَارِبُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَكَانَتْ فَاسِدَةً بِالضَّرُورَةِ وَكَانَا أَجِيرَيْنِ، وَكَذَا إذَا كَانَتَا فَاسِدَتَيْنِ فَإِذَا كَانَا أَجِيرَيْنِ لَا يَضْمَنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَا يُقَالُ الْأَجِيرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لِلْعَمَلِ فَكَيْفَ جَازَ هُنَا لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ بَعْدَ مَا فَسَدَتْ الْأُولَى، وَهُوَ أَجِيرٌ فِيهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْفَاسِدُ مِنْ الْعُقُودِ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ مِنْهَا فَلَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ فِي الْفَاسِدَةِ أَيْضًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ دَفَعَ بِإِذْنٍ بِالثُّلُثِ وَقِيلَ لَهُ: مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِلْمَالِكِ النِّصْفُ وَلِلْأَوَّلِ السُّدُسُ وَلِلثَّانِي الثُّلُثُ) أَيْ دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ إلَى الْمُضَارِبِ الثَّانِي بِالثُّلُثِ وَكَانَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ لِلْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ، وَرَبِحَ الثَّانِي فَلِرَبِّ الْمَالِ النِّصْفُ وَلِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ السُّدُسُ وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الثَّانِي صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ بِأَمْرِ الْمَالِكِ، وَرَبُّ الْمَالِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ جَعَلَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي ثُلُثَهُ فَيَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ شَيْئًا فَبَقِيَ لَهُ السُّدُسُ وَيَطِيبُ ذَلِكَ لِكُلِّهِمْ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّهُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَالْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي يَسْتَحِقَّانِهِ بِالْعَمَلِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي وَقَعَ عَنْهُمَا فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَاسْتَأْجَرَ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ) يَعْنِي إذَا دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَعَمِلَ الثَّانِي ثَبَتَ الضَّمَانُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الدَّفْعِ اهـ وَلَا مُخَالَفَةَ حِينَئِذٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ مَلَكَ بِالضَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْعَقْدِ فَصَارَ كَمُودَعِ الْمُودَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذْ هُوَ مَغْدُورٌ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْغَدْرِ كَذَا السَّمَاعُ. اهـ. غَايَةٌ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ الزَّيْلَعِيُّ مَغْرُورٌ بِالرَّاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمُودَعِ الْغَاصِبِ) يَعْنِي أَنَّ مُودَعَ الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا ضَمِنَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ) أَيْ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ الثَّانِي لَمْ يَعْمَلْ بِالْمَالِ حَتَّى ضَاعَ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْمُضَارِبِينَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ إذْ هُوَ حِفْظٌ وَصِيَانَةٌ وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِالْحِفْظِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالتَّصَرُّفِ وَقَدْ انْعَدَمَ التَّصَرُّفُ هَاهُنَا، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُضَارِبُ الثَّانِي الْمَالَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنِدٍ إلَى أَمْرِهِ فَانْقَطَعَتْ إضَافَتُهُ عَنْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَخْلُو عَنْ شُبْهَةٍ) أَيْ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالِاسْتِنَادِ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَتَمَكَّنُ الْخُبْثُ فِي الرِّبْحِ وَلَا يَطِيبُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ضَمَانِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَتَانِ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْأُولَى) أَيْ فَقَطْ وَكَانَتْ الثَّانِيَةُ جَائِزَةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَانَا أَجِيرَيْنِ) وَلِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي وَقَعَ لَهُ فَكَأَنَّهُ عَمِلَ بِنَفْسِهِ وَلِلثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ مِثْلُ مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِمُضَارَبَةٍ صَحِيحَةٍ فَاسْتَحَقَّ مَا سَمَّى لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَتَا فَاسِدَتَيْنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ جَوَابُهَا فِي الْأَصْلِ اهـ وَقَوْلُهُ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الْمُضَارَبَتَانِ جَائِزَتَيْنِ أَوْ فَاسِدَتَيْنِ أَوْ الْأُولَى جَائِزَةٌ وَالثَّانِيَةُ فَاسِدَةٌ أَوْ عَكْسُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ الْأَوَّلَ أَجِيرٌ فِي الْمَالِ وَالثَّانِي أَجِيرُ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَعْمَلُ فِي مَالِهِ فَاسْتَأْجَرَ الْأَجِيرُ رَجُلًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَيَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى نَصِيبِهِ) أَيْ إلَى نَصِيبِ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ اهـ

غَيْرَهُ لِيَخِيطَ لَهُ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَزَادَ قِيمَةُ الثَّوْبِ طَابَ لَهُمْ جَمِيعًا لِمَا قُلْنَا فَهَذِهِ لَا شُبْهَةَ فِيهَا وَهِيَ تِجَارَةٌ حَسَنَةٌ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ الْأَوَّلُ سُدُسَ الرِّبْحِ، وَهُوَ قَاعِدٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قِيلَ مَا رَزَقَك اللَّهُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ) أَيْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْأَوَّلِ ذَلِكَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (فَلِلثَّانِي ثُلُثُهُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْمَالِكِ نِصْفَانِ)؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ هُنَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ مَا رَزَقَ اللَّهُ الْمُضَارِبَ الْأَوَّلَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْمَرْزُوقُ لِلْأَوَّلِ هُوَ الثُّلُثَانِ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ اسْتَحَقَّهُ الثَّانِي بِشَرْطِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ رِزْقِ الْأَوَّلِ إلَّا الثُّلُثَانِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيَطِيبُ لَهُمْ بِلَا شُبْهَةٍ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذِهِ أَحْسَنُ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لَهُ مَا رَبِحْتَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ وَدَفَعَ بِالنِّصْفِ فَلِلثَّانِي النِّصْفُ وَاسْتَوَيَا فِيمَا بَقِيَ) أَيْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ أَيَّ شَيْءٍ رَبِحْت فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ، ثُمَّ دَفَعَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي بِالنِّصْفِ فَلِلثَّانِي نِصْفُ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَرَطَ لَهُ ذَلِكَ وَشَرْطُهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَالْبَاقِي وَهُوَ النِّصْفُ اسْتَوَى فِيهِ رَبُّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ هُنَا إلَّا نِصْفَ مَا رَبِحَهُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَرْبَحْ هُوَ إلَّا النِّصْفَ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ صَارَ لِلثَّانِي بِشَرْطِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ رِبْحِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرَ أَنَّ الْمَشْرُوطَ فِيهَا لِلثَّانِي الثُّلُثُ فَيَبْقَى لَهُمَا الثُّلُثَانِ وَفِي هَذِهِ النِّصْفُ فَيَبْقَى لَهُمَا النِّصْفُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قِيلَ لَهُ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَلِي نِصْفُهُ، أَوْ مَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَبَيْنَنَا نِصْفَانِ فَدَفَعَ بِالنِّصْفِ فَلِلْمَالِكِ النِّصْفُ وَلِلثَّانِي النِّصْفُ وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ)؛ لِأَنَّ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ مَا رَزَقَ اللَّهُ، أَوْ مَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ الرِّبْحِ فَيَكُونُ لَهُ النِّصْفُ مِنْ الْجَمِيعِ، وَقَدْ شَرَطَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي نِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ فَيَكُونُ لَهُ أَيْضًا النِّصْفُ فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَوَّلِ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ فَيَخْرُجُ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا بِدِرْهَمٍ فَاسْتَأْجَرَ الْأَجِيرُ غَيْرَهُ لَهُ لِيَخِيطَ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَا رَبِحْت بَيْنَنَا نِصْفَانِ، أَوْ مَا رَزَقَك اللَّهُ حَيْثُ يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهَا نِصْفُ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّانِي وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَتَى مَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ الرِّبْحِ، أَوْ ثُلُثَهُ مِنْ مُطْلَقِ الرِّبْحِ فَلَهُ مَا شَرَطَ مِنْ جَمِيعِ الرِّبْحِ، وَإِنْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَبِحَهُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ أَوْ ثُلُثَهُ فَلَهُ مَا شَرَطَ مِمَّا فَضَلَ مِنْ نَصِيبِ الثَّانِي فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ الْأَوَّلُ فِي هَذِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَفِي الْأُولَى يُمْكِنُ عَلَى مَا رَأَيْت وَيُمْكِنُ أَنْ يَضْمَنَ لِلثَّانِي أَيْضًا عَلَى مَا تَبَيَّنَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَرَطَ لِلثَّانِي ثُلُثَيْهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ضَمِنَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي سُدُسًا) أَيْ سُدُسَ الرِّبْحِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ النِّصْفَ مِنْ مُطْلَقِ الرِّبْحِ فَلَهُ ذَلِكَ وَاسْتَحَقَّ الْمُضَارِبُ الثَّانِي ثُلُثَيْ الرِّبْحِ بِشَرْطِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لَكِنْ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ إذْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُغَيِّرَ شَرْطَهُ فَيَغْرَمُ لَهُ قَدْرَ السُّدُسِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ الثُّلُثَيْنِ بِالْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّهُ غَرَّهُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ أَيْضًا سَبَبٌ لِلرُّجُوعِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ فَدَفَعَهُ الْأَجِيرُ إلَى مَنْ يَخِيطُهُ بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَرَطَ لِلْمَالِكِ ثُلُثَهُ وَلِعَبْدِهِ ثُلُثَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ وَلِنَفْسِهِ ثُلُثَهُ صَحَّ) أَيْ إذَا شَرَطَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَ الرِّبْحِ وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ ثُلُثَ الرِّبْحِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ مَعَ الْمُضَارِبِ وَلِنَفْسِهِ ثُلُثَ الرِّبْحِ جَازَ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ اشْتِرَاطًا لِلْمَوْلَى فَكَأَنَّهُ شَرَطَ لِلْمَوْلَى ثُلُثَيْ الرِّبْحِ وَاشْتِرَاطُ عَمَلِ الْعَبْدِ غَيْرُ مُفْسِدٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُضَارِبَ فِي مَالِ مَوْلَاهُ وَلِلْعَبْدِ يَدٌ حَقِيقَةً وَلِهَذِهِ لَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ أَخْذِ مَا أَوْدَعَهُ الْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا هُنَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ بِاشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فَلَا تَكُونُ يَدُ مَوْلَاهُ ثَابِتَةً فِيهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَصَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ لِزَوَالِ يَدِ الْمَوْلَى عَنْ الْمَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ يَدِهِ يَمْنَعُ تَسْلِيمَ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ فَلَا يَجُوزُ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَهُوَ لِلْمَوْلَى سَوَاءٌ شَرَطَ فِيهَا عَمَلَ الْعَبْدِ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ لِغُرَمَائِهِ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ فَهُوَ لِلْمَوْلَى، وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ بِاشْتِرَاطِ عَمَلِهِ صَارَ مُضَارِبًا فِي مَالِ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ فَيَأْخُذُهُ غُرَمَاؤُهُ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ فَكَانَ الْمَشْرُوطُ كَمَسْكُوتٍ عَنْهُ فَيَكُونُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ نَصِيبِهِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ لِكَوْنِهِ كَالْأَجِيرِ وَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ الثُّلُثَ لِعَبْدِ الْمُضَارِبِ يَصِحُّ سَوَاءٌ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَزَادَ قِيمَةَ الثَّوْبِ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا الْكَاكِيُّ وَذَكَرَ مَا قَبْلَهَا اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَزَادَ قِيمَةَ الثَّوْبِ مَا نَصُّهُ عَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ فِي مَعْنَاهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَالَهُ لِغَيْرِهِ فَلَا يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ غَرَّهُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْغُرُورَ بِضِمْنِ الْعَقْدِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْغُرُورَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ كَمَا إذَا قَالَ لِآخَرَ هَذَا الطَّرِيقُ آمِنٌ فَاسْلُكْهَا فَسَلَكَهَا فَقُطِعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِعَبْدِهِ) أَيْ لِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ وَالتَّقْيِيدُ بِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ لَا لِلشَّرْطِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ عَبْدِ الْمُضَارِبِ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ لِأَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ إذَا شَرَطَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ إلَخْ) وَأَمَّا إذَا شَرَطَ الثُّلُثَ لِابْنِ الْمُضَارِبِ أَوْ لِزَوْجَتِهِ فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ وَمَا شُرِطَ لِابْنِ الْمُضَارِبِ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمُضَارِبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ مِنْ غَيْرِ مَالٍ وَلَا عَمَلٍ اهـ فَصَارَ الْمَشْرُوطُ مَسْكُوتًا عَنْهُ وَمَا سُكِتَ عَنْهُ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ لِلْمَوْلَى ثُلُثِي الرِّبْحِ) وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ شَرَطَ ثُلُثَ الرِّبْحِ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُضَارِبِ أَوْ لِقَضَاءِ دَيْنِ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ فِي قَضَاءِ دَيْنِ أَحَدِهِمَا مَشْرُوطٌ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمَوْلَى) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ رِبْحًا فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ وَلَا مَالٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ لَهُ) أَيْ لِرَبِّ الْمَالِ اهـ

أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ مَا شَرَطَهُ لَهُ لِلْمَوْلَى فَيَكُونُ كَأَنَّهُ شَرَطَ لِلْمَوْلَى مِنْ الِابْتِدَاءِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ جَازَ وَكَانَ الْمَشْرُوطُ لِغُرَمَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ مَا شَرَطَهُ لَهُ لِرَبِّ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ عِنْدَهُ فَلَا يَكُونُ الْمَشْرُوطُ لِلْعَبْدِ مَشْرُوطًا لِلْمَوْلَى فَتَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ لَهُ، وَكَذَا لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ لِلْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ فَبَطَلَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ لِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ بِلَا عَمَلٍ فَإِنَّ الْعَبْدَ إنْ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ يَبْقَى فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فَيَكُونُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَعِنْدَهُمَا الْمَوْلَى يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدِينِ فَاشْتِرَاطُهُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ اشْتِرَاطًا لِلْمَوْلَى فَيَصِحُّ هَذَا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ هُوَ الْمَوْلَى وَلَوْ عَقَدَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ مَعَ أَجْنَبِيٍّ وَشَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى مَوْلَاهُ لَا يَصِحُّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ فَصَارَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدِينِ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ شَرَطَ بَعْضَ الرِّبْحِ لِمُكَاتَبِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ الْمُضَارِبِ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ جَازَ عَمَلُهُ وَكَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُضَارِبًا لَهُ بِاشْتِرَاطِهِ الْعَمَلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُضَارِبَ فِي مَالِ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَشْرُوطُ هِبَةٌ مَوْعُودَةٌ فَلَا يَلْزَمُ وَعَلَى هَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ إنْ شَرَطَ لَهُ بَعْضَ الرِّبْحِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ عَمَلَهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَيُعْلَمُ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اشْتِرَاطَ عَمَلِ الْعَبْدِ مَعَ الْمُضَارِبِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا، أَوْ إعْلَامًا أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ الْمَوْلَى حَتَّى لَا تَمْنَعَ صِحَّةَ الْمُضَارَبَةِ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِهِ عَلَى الْمَوْلَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا)؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ وَكَالَةٌ وَهِيَ تَبْطُلُ بِهِ وَلَا تُورَثُ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِلُحُوقِ الْمَالِكِ مُرْتَدًّا) يَعْنِي تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ بِلُحُوقِ رَبِّ الْمَالِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا؛ لِأَنَّ اللُّحُوقَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ؛ وَلِهَذَا يُورَثُ مَالُهُ وَتَعْتِقُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُوهُ وَقَبْلَ لُحُوقِهِ يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُ مُضَارِبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى النَّفَاذِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ الْبُطْلَانِ بِالْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لَهُ فَصَارَ كَتَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ شَرَطَ لِلْمَوْلَى مِنْ الِابْتِدَاءِ) أَيْ فَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ الثُّلُثَانِ وَلِرَبِّ الْمَالِ الثُّلُثُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَبَطَلَ) فَصَارَ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَمَا سُكِتَ عَنْهُ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا)؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ كَالْوَكِيلِ فَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ بَطَلَ الْإِذْنِ فَلَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ الْمُضَارِبُ تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَمَوْتُ الْوَكِيلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ وَلَا يَنْتَقِلُ ذَلِكَ إلَى وَرَثَتِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ الْخَاصَّةِ لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ شِرَاءِ الْمُضَارِبِ وَبَيْعِهِ وَإِذَا أَرَادَ الْمُضَارِبُ أَنْ يَرُدَّ عَبْدًا قَدْ اشْتَرَاهُ بِالْعَيْبِ فَطَلَبَ الْبَائِعُ يَمِينَ الْمُضَارِبِ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ وَلَا عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ مُنْذُ اشْتَرَاهُ فَنَكَلَ الْمُضَارِبُ عَنْ الْيَمِينِ بَقِيَ الْعَبْدُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا شِرَاءً مُبْتَدَأً وَلَوْ اشْتَرَاهُ ابْتِدَاءً صَحَّ فَكَذَا إذْ اسْتَرَدَّ بِالْعَيْبِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِالْعَيْبِ يَلْزَمُهُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَمِنْهَا مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَيْضًا فِي بَابِ الْمُضَارِبِ يَدْفَعُ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَقَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَدَفَعَهُ الْمُضَارِبُ إلَى رَجُلٍ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ فَعَمِلَ بِهِ فَرَبِحَ فَلِلْمُضَارِبِ الْآخَرِ ثُلُثُ الرِّبْحِ وَلِلْأَوَّلِ سُدُسُهُ وَلِرَبِّ الْمَالِ نِصْفُهُ فَإِنْ دَفَعَ الثَّانِي إلَى ثَالِثٍ مُضَارَبَةً وَقَدْ كَانَ قَالَ لِلثَّانِي اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك لَهُ أَنْ يُشَارِكَ بِهِ وَأَنْ يَخْلِطَهُ بِمَالِهِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ إذَا قَالَ اعْمَلْ بِرَأْيِك كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ، وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَفَادَ وِلَايَةَ التَّوْكِيلِ بِالْإِذْنِ وَالْإِذْنُ وُجِدَ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً فَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ هَذِهِ الْوِلَايَةَ بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ وِلَايَةَ التِّجَارَةِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَيَمْلِكُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ، وَهَذَا نَوْعُ تِجَارَةٍ فَمَلَكَ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا دُفِعَ إلَيْهِ الثَّمَنُ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ لَوْ هَلَكَ مَا أَخَذَهُ ثَانِيًا لَا يَرْجِعُ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى وَالْمُضَارِبُ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى أَنْ يَصِلَ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْهِدَايَةِ قُبَيْلَ فَصْلٍ فِي الِاخْتِلَافِ مِنْ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَنَ إذَا تَوَى فِي يَدِ الْوَكِيلِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ لَوْ تَوَى ثَانِيًا لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمَّا أَدَّى الثَّمَنَ بِأَمْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ وَإِذَا رَجَعَ مَرَّةً أُخْرَى فَقَدْ قَبَضَ مَا وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ فَلَا يَرْجِعُ ثَانِيًا بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ قَابِضٌ لِلْمُضَارَبَةِ لَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْمُضَارَبَةِ كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ فِي الْمُضَارَبَةِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا اشْتَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ عُرُوضًا ثُمَّ عَزَلَهُ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْمُضَارَبَةِ لَمْ يَعْمَلْ عَزْلُهُ وَإِنْ عَلِمَ بِعَزْلِهِ وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي الْمَتْنِ بَعْدَ خُطُوطٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ حَجْرَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُضَارَبَةِ بِهِ وَهُوَ حَقُّ الْبَيْعِ لِيَرْبَحَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَزِلُ إذَا عَلِمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِهِ وَمِنْهَا

الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدَّ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ إنَّمَا تَوَقَّفَتْ لِمَكَانِ تَوَقُّفِهِ فِي مِلْكِهِ وَلَا مِلْكَ لَهُ هُنَا فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَلَهُ عِبَارَةٌ صَحِيحَةٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ إنْ عَلِمَ) أَيْ يَنْعَزِلُ الْمُضَارِبُ بِعَزْلِ رَبِّ الْمَالِ إيَّاهُ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ الْعَزْلَ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ بِعَزْلِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْوَكَالَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَلِمَ وَالْمَالُ عُرُوضٌ بَاعَهَا) أَيْ عَلِمَ الْمُضَارِبُ بِالْعَزْلِ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ عُرُوضٌ بَاعَ الْعُرُوضَ وَلَا يَنْعَزِلُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الرِّبْحِ وَلَا يَظْهَرُ إلَّا بِالنَّضِّ فَثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْبَيْعِ لِيَظْهَرَ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ لَا يَتَصَرَّفُ فِي ثَمَنِهَا)؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بَعْدَ الْعَزْلِ كَانَ لِلضَّرُورَةِ حَتَّى يَظْهَرَ الرِّبْحُ إنْ كَانَ فِيهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ النَّضِّ فَصَارَ كَمَا إذَا عَزَلَهُ بَعْد مَا نَضَّ وَصَارَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ عَزَلَهُ وَالْمَالُ نُقُودٌ لَكِنْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ النَّقْدَيْنِ جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِرَدِّ جِنْسِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ضَرُورَةً وَمَوْتُهُ وَارْتِدَادُهُ مَعَ اللُّحُوقِ وَجُنُونُهُ مُطْبَقًا وَالْمَالُ عُرُوضٌ كَعَزْلِهِ وَالْمَالُ عُرُوضٌ حَتَّى لَا يَمْنَعَهُ مَوْتُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ بَيْعِهِ كَمَا لَا يَمْنَعُهُ عَزْلُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ بَيْعِهِ لَهُ بَعْدَ الْعَزْلِ لِأَجْلِ حَقِّ الْمُضَارِبِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِبْحٌ فَيَظْهَرُ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَزْلُ حُكْمِيًّا، أَوْ قَصْدِيًّا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ حَتَّى بِأَنْ نَضَّ كُلُّهُ، أَوْ كَانَ وَكِيلًا لَا مُضَارِبًا حَيْثُ يَخْتَلِفُ فِيهِ بَيْنَ الْعَزْلِ الْقَصْدِيِّ وَالْحُكْمِيِّ حَتَّى لَا يَنْعَزِلَ فِي الْقَصْدِيِّ إلَّا إذَا عَلِمَ وَفِي الْحُكْمِيِّ يَنْعَزِلُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْوَكَالَةِ وَهُنَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ ثُبُوتُ حَقِّهِ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِيهِ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَزْلِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ هُنَا فَكَذَا كَوْنُهُ حُكْمِيًّا؛ لِأَنَّ الْقَصْدِيَّ بَعْدَ الْعِلْمِ يُسَاوِي الْحُكْمِيَّ مُطْلَقًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ افْتَرَقَا وَفِي الْمَالِ دُيُونٌ وَرِبْحٌ أُجْبِرَ عَلَى اقْتِضَاءِ الدُّيُونِ)؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجِيرِ وَالرِّبْحُ كَالْأُجْرَةِ لَهُ، وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ فَيُجْبَرُ عَلَى إتْمَامِ عَمَلِهِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ الْمَحْضَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِضَاءُ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِضَاءُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ، وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ وَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ عَلَى إنْهَاءِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ الْوَاهِبُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَلَا يُقَالُ الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّسْلِيمِ كَمَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْوَاجِبُ عَلَيْهِ رَفْعُ الْمَوَانِعِ وَذَلِكَ بِالتَّخْلِيَةِ لَا بِالتَّسْلِيمِ حَقِيقَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوَكِّلُ الْمَالِكُ عَلَيْهِ) أَيْ يُوَكِّلُ الْمُضَارِبُ الْمَالِكَ، وَهُوَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الِاقْتِضَاءِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَرَبُّ الْمَالِ لَيْسَ بِعَاقِدٍ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ إلَّا بِتَوْكِيلِهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّوْكِيلِ كَيْ لَا يُضَيِّعَ حَقَّهُ وَعَلَى هَذَا كُلُّ وَكِيلٍ بِالْبَيْعِ وَكُلُّ مُسْتَبْضِعٍ إذَا امْتَنَعَ مِنْ التَّقَاضِي لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّقَاضِي وَلَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُحِيلَ صَاحِبَ الْمَالِ كَيْ لَا يُضَيِّعَ حَقَّهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسِّمْسَارُ يُجْبَرُ عَلَى التَّقَاضِي)؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي لِلنَّاسِ عَادَةً بِأُجْرَةٍ فَجُعِلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّقَاضِي وَالِاسْتِيفَاءُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ بَدَلُ عَمَلِهِ فَصَارَ كَالْمُضَارِبِ إذَا كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ وَالسِّمْسَارُ بِكَسْرِ الْأَوَّلِ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ وَالْجَمْعُ السَّمَاسِرَةُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي لِلنَّاسِ بِأُجْرَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَأْجَرَ، وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ شَيْئًا مَعْلُومًا لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى إقَامَتِهِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمُسَاعَدَةِ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ يَوْمًا لِلْخِدْمَةِ فَيَسْتَعْمِلَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِبَيَانِ قَدْرِ الْمُدَّةِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَلَوْ عَمِلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَأَعْطَاهُ شَيْئًا لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ مَعَهُ حَسَنَةً فَجَازَاهُ خَيْرًا وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى حَسَنٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَمِنْ الرِّبْحِ)؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَرَأْسُ الْمَالِ أَصْلٌ لِتَصَوُّرِ وُجُودِهِ بِدُونِ الرِّبْحِ لَا الْعَكْسُ فَوَجَبَ صَرْفُ الْهَالِكِ إلَى التَّبَعِ لِاسْتِحَالَةِ بَقَائِهِ بِدُونِ الْأَصْلِ كَمَا يُصْرَفُ الْهَالِكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا عِنْدَهُمْ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ وَبِرِدَّتِهِ وَلَحَاقِهِ وَبِمَوْتِ الْمُضَارِبِ دُونَ رِدَّتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ) أَيْ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَا يَظْهَرُ إلَّا بِالنَّضِّ) فِي الْمُغْرِبِ نَضِيضُ الْمَاءِ خُرُوجُهُ مِنْ الْحَجَرِ أَوْ نَحْوِهِ وَسَيَلَانُهُ قَلِيلًا قَلِيلًا مِنْ حَدِّ ضَرَبَ وَمِنْهُ خُذْ مَا نَضَّ لَك مِنْ دَيْنِك أَيْ مَا تَيَسَّرَ وَحَصَلَ وَفِي الْحَدِيثِ «يَقْتَسِمَانِ مَا نَضَّ بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَيْنِ» أَيْ صَارَ وَرِقًا وَعَيْنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَتَاعًا وَالنَّاضُّ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ فِي حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ نَاضِّ الْمَالِ هُوَ مَا نَضَّ مِنْهُ أَيْ صَارَ وَرِقًا وَعَيْنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَتَاعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَكِنْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ وَالنَّاضُّ دَنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ افْتَرَقَا) الْمُرَادُ مِنْ افْتِرَاقِ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ فَسْخُهُمَا عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا لَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِضَاءُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَلْزَمُهُ الِاقْتِضَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ) أَيْ، وَلَوْ ضَمِنَ الْعَاقِدُ لِرَبِّ الْمَالِ هَذَا الدَّيْنَ عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَمْ يَجُزْ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ جَعَلَهُ أَمِينًا فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ ضَمِينًا فِيمَا جَعَلَهُ الْعَقْدُ أَمِينًا. اهـ. غَايَةٌ.

[فصل ما يفعله المضارب ثلاثة أنواع]

إلَى الْعَفْوِ فِي الزَّكَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ زَادَ الْهَالِكُ عَلَى الرِّبْحِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ)؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَكُونُ ضَمِينًا لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قُسِمَ الرِّبْحُ وَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ، أَوْ بَعْضُهُ تَرَادَّا الرِّبْحَ لِيَأْخُذَ الْمَالِكُ رَأْسَ مَالِهِ) أَيْ إذَا اقْتَسَمَا الرِّبْحَ وَالْمُضَارَبَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا وَلَمْ يَفْسَخَاهَا بِأَنْ اقْتَسَمَا بَعْضَ الْمَالِ وَتَرَكَا بَعْضَهُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ عَلَى أَنَّهُ رَأْسُ الْمَالِ وَالْمُقْتَسَمُ رِبْحٌ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَتْرُوكُ فِي يَدِهِ وَهُوَ أَمَانَةٌ تَرَادَّا الرِّبْحَ الَّذِي اقْتَسَمَاهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ وَرَأْسُ الْمَالِ أَصْلٌ فَلَا يُسَلَّمُ الرِّبْحُ بِدُونِ سَلَامَةِ الْأَصْلِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ التَّاجِرِ لَا يَسْلَمُ لَهُ رِبْحُهُ حَتَّى يَسْلَمَ لَهُ رَأْسُ مَالِهِ فَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ لَا تَسْلَمُ لَهُ نَوَافِلُهُ حَتَّى تَسْلَمَ لَهُ عَزَائِمُهُ، أَوْ قَالَ فَرَائِضُهُ» فَإِذَا هَلَكَ مَا فِي يَدِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَأْسِ مَالٍ وَأَنَّ مَا اقْتَسَمَاهُ لَيْسَ بِرِبْحٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ التَّبَعِ بِدُونِ الْأَصْلِ فَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ مَا أَخَذَهُ عَلَى أَنَّهُ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ حَتَّى يَتِمَّ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ بِخِلَافِ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ لِنَفْسِهِ وَمَا أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَنَظِيرُهُ عَزْلُ الْوَرَثَةِ بَعْضَ التَّرِكَةِ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ بِهِ، ثُمَّ اقْتِسَامُهُمْ بَقِيَّةَ التَّرِكَةِ، ثُمَّ هَلَاكُ الْمَعْزُولِ فَإِنَّ قِسْمَتَهُمْ قَدْ بَطَلَتْ وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ التَّرَادُّ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ غَرِيمٌ فَهُوَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِمْ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَسْلَمُ لَهُمْ شَيْءٌ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا فَضَلَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) أَيْ مَا فَضَلَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ التَّرَادِّ يَكُونُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ رَأْسِ مَالِهِ إلَّا فِي الرِّبْحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ نَقَصَ لَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ)؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قُسِمَ الرِّبْحُ وَفُسِخَتْ، ثُمَّ عَقَدَاهَا فَهَلَكَ الْمَالُ لَمْ يَتَرَادَّا الرِّبْحَ الْأَوَّلَ) أَيْ لَوْ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ وَفَسَخَا الْمُضَارَبَةَ، ثُمَّ عَقَدَاهَا ثَانِيًا فَهَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَتَرَادَّا الرِّبْحَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ الْأُولَى قَدْ انْتَهَتْ بِالْفَسْخِ، وَثُبُوتُ الثَّانِيَةِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَهَلَاكُ الْمَالِ فِي الثَّانِيَةِ لَا يُوجِبُ انْتِقَاضَ الْأُولَى فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا آخَرَ وَهَذِهِ هِيَ الْحِيلَةُ فِيمَا إذَا خَافَ الْمُضَارِبُ أَنْ يُسْتَرَدَّ مِنْهُ الرِّبْحُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِسَبَبِ هَلَاكِ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَصُورَةُ هَذِهِ الْحِيلَةِ أَنْ يُسَلِّمَ الْمُضَارِبُ رَأْسَ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَا الرِّبْحَ، ثُمَّ يَرُدُّ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ وَيَقُولُ لَهُ: اعْمَلْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَتَكُونُ بِذَلِكَ مُضَارَبَةً مُسْتَقْبَلَةً فَهَلَاكُ الْمَالِ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ رَدَّ الرِّبْحِ الَّذِي كَانَ فِي الْأُولَى وَهَكَذَا إذَا فَعَلَا ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا اقْتَسَمَاهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا التَّرَادُّ عِنْدَ الْهَلَاكِ. [فَصْلٌ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ] (فَصْلٌ) اعْلَمْ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ مَا هُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ التُّجَّارِ كَالرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ وَالْإِيجَارِ وَالِاسْتِئْجَارِ لِلرُّكُوبِ أَوْ الْحَمْلِ وَالشِّرَاءِ لَهُ، وَلَوْ سَفِينَةً إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَى الْعَفْوِ فِي الزَّكَاةِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ التَّبَعِ إلَخْ) قَالَ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ مِنْ الشَّامِلِ وَلَوْ رَبِحَ أَلْفَيْنِ فَأَخَذَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ أَلْفًا وَأَخَذَ الْمُضَارِبُ مِنْ الْأَلْفَيْنِ حِصَّتَهُ أَلْفًا وَلَمْ يَأْخُذْ رَبُّ الْمَالِ حِصَّتَهُ حَتَّى هَلَكَ رَدَّ الْمُضَارِبُ نِصْفَ مَا أَخَذَ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَا لَمْ يَأْخُذْ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الرِّبْحُ إلَّا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ، وَإِنْ كَانَ مَا أَخَذَهُ الْمُضَارِبُ هَلَكَ يَهْلَكُ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ فَخَرَجَتْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يَسْتَوْفِيهِ الْمُضَارِبُ لِنَفْسِهِ صَارَ فِي ضَمَانِهِ وَاَلَّذِي لَمْ يَسْتَوْفِ رَبُّ الْمَالِ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَصْلٌ اعْلَمْ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ) هَذِهِ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَيَبِيعُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ نَقْلًا عَنْ الْأَتْقَانِيِّ فَرَاجِعْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا هُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ التُّجَّارِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ الْأَمْرَ الْعَامَّ الْمَعْرُوفَ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ الْمُضَارِبُ لَهُ وِلَايَةُ الْأَمْرِ الشَّائِعِ الْمَشْهُورِ فِي عُرْفِ النَّاسِ يَعْنِي بِهِ مَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةَ أَنَّهُ يَشْتَرِي دَابَّةً لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَلَا يَشْتَرِي سَفِينَةً لِلرُّكُوبِ وَيَشْتَرِي سَفِينَةً لِلْحَمْلِ اعْتِبَارًا لِصَنِيعِ التُّجَّارِ قَالَ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ مِنْ الشَّامِلِ دَفَعَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الطَّعَامَ خَاصَّةً لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لِنَفْسِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ وَالْحُمُولَةِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَفْعَلُهُ التُّجَّارُ وَلَا يَشْتَرِي سَفِينَةً يَحْمِلُ فِيهَا الطَّعَامَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ لَا جَرَمَ فِي بَلَدٍ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ عَامَّةً جَازَ شِرَاءُ السَّفِينَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَتْ عَامَّةً كَذَا فِي الشَّامِلِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مَا هُوَ تِجَارَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلتُّجَّارِ مِنْهُ بُدٌّ، أَمَّا مَا لَيْسَ بِتِجَارَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ هُوَ تِجَارَةٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ لَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَمِنْ هَذَا قُلْنَا إنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ غُلَامِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ احْتَالَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى الْأَعْسَرِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ يَحْتَالُ بِمَالِ الْيَتِيمِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَنْظَرُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي لَوْ قَبِلَ الْمُضَارِبُ الْحَوَالَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي جَازَ، وَإِنْ كَانَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَعْسَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقَايِلَ الْبَيْعَ مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَبِيعَ مِنْ الْأَعْسَرِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ يَقْبَلُ الْحَوَالَةَ مِنْ مُشْتَرِي مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَعْسَرَ مِنْهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ اهـ

وَتَأْخِيرُ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مُتَعَارَفٍ، وَلَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ الدَّيْنَ بَعْدَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ، ثُمَّ بَيْعُهُ نَسِيئَةً وَهُنَا يَمْلِكُ وَنَوْعٌ لَا يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَيَمْلِكُهُ إذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك، وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ فَيَلْتَحِقُ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلَالَةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ دَفْعِ الْمَالِ مُضَارَبَةً، أَوْ شَرِكَةً وَخَلْطُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ لَا بِشَرِكَةِ غَيْرِهِ وَهُوَ أَمْرٌ عَارِضٌ لَا تَتَوَقَّفُ التِّجَارَةُ عَلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْعَقْدِ، وَلَكِنَّهُ هُوَ طَرِيقٌ فِي التَّثْمِيرِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُوَافِقٌ لَهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلَالَةِ وَقَوْلُهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك دَالٌّ عَلَيْهِ وَنَوْعٌ لَا يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَلَا بِقَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِك إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَهُوَ الِاسْتِدَانَةُ؛ لِأَنَّ فِيهِ شَغْلَ ذِمَّتِهِ بِالدَّيْنِ فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَصُورَتُهُ هُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّيْنِ بَعْدَمَا اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ نَوْعًا مِنْ التِّجَارَةِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ كَانَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا وَرِبْحُهُ تَبَعٌ لِأَصْلِهِ حَتَّى يَسْتَحِقَّانِهِ بِقَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْأَصْلَ وَيَبْطُلُ شَرْطُهُمَا فِيهِ خِلَافَ ذَلِكَ إذْ هُوَ شَرِكَةُ وُجُوهٍ وَلَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ عُرُوضًا، ثُمَّ اشْتَرَى شَيْئًا آخَرَ بِالدَّيْنِ يَكُونُ زَائِدًا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَلَمْ تَنْعَقِدْ عَلَيْهِ الْمُضَارَبَةُ، أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ابْتِدَاءً كَانَ حِصَّةُ دَفْعِ الزِّيَادَةِ شَرِكَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ كَانَ يَنْفُذُ عَلَى الْمُضَارِبِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ نَفَذَ عَلَيْهِمَا وَأَخَذَ السَّفَاتِجَ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدَانَةٌ، وَكَذَا إعْطَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ إقْرَاضٌ، وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَغَيْرِ مَالٍ وَالْكِتَابَةُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ كُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالنَّصِّ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ دَرَاهِمُ فَاشْتَرَى بِمَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ نَفَذَ عَلَى الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدَانَةٌ، وَلَوْ اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ كَانَ لِلْمُضَارَبَةِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ وَجْهٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمَالِكِ بِضَاعَةً) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَفْسُدُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُضَارِبُ مِنْ رِبْحِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ وَكِيلًا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يَصْلُحُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ فِيهِ بَلْ يَكُونُ مُسْتَرِدًّا لِمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ وَاسْتِرْدَادَ مَالِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّهُ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ، أَوْ كَمَا إذَا أَخَذَهُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ الْمُضَارِبِ إلَيْهِ، وَهُوَ نَاضٌّ وَكَمَا إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مُضَارَبَةً، وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُسَلَّمًا إلَى الْمُضَارِبِ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إجَارَةٌ وَالْأَجِيرُ إذَا اسْتَعَانَ بِالْمُؤَجِّرِ وَفَعَلَهُ الْمُؤَجِّرُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ كَالْخَيَّاطِ إذَا اسْتَعَانَ بِصَاحِبِ الثَّوْبِ فَخَاطَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا، وَلَنَا أَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ وُجِدَ وَصَارَ التَّصَرُّفُ بَعْدَ ذَلِكَ حَقًّا لِلْمُضَارِبِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْمَالِ وَكِيلًا فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ فِيهَا مَعْنَى الشَّرِكَةِ أَرْجَحُ حَتَّى جَازَ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ وَبِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْعَمَلِ وَلَوْ عَمِلَ وَلَمْ يَرْبَحْ شَيْئًا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ إجَارَةً لَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ بِالْعَمَلِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ فَرْعًا عَلَى عَمَلِهِ كَمَا يَسْتَحِقُّهُ رَبُّ الْمَالِ فَرْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ مُتَعَارَفٌ) قَدْ ذَكَرْنَا فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ بِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ فِيمَا سَبَقَ وَيَبِيعُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ بَاعَ ثُمَّ أَخَّرَ الثَّمَنَ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ تَأْجِيلَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بِالِاتِّفَاقِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَالْمُضَارِبُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمُضَارِبِ أَعَمُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الرِّبْحِ دُونَ الْوَكِيلِ وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ عِنْدَهُ تَأْجِيلُ الْمُضَارِبِ دُونَ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ ثُمَّ يَبِيعَهَا بِنَسَاءٍ فَمَلَكَ التَّأْخِيرَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ فَإِذَا مَلَكَ الْإِقَالَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّلَ وَكَأَنَّهُ بَاعَ بِنَسِيئَةٍ ابْتِدَاءً وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ فَلَا يَمْلِكُ التَّأْجِيلَ اهـ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي مَالٍ عَيْنٍ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُضَارَبَةً لَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا شَرِكَةُ وُجُوهٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ دَرَاهِمُ فَاشْتَرَى بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِدَانَةِ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ أَوْ اشْتَرَى بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ اسْتِدَانَةٌ عَلَى الْمَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مَا يُؤَدِّيهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ دَرَاهِمُ فَاشْتَرَى بِدَنَانِيرَ أَوْ كَانَ فِي يَدِهِ دَنَانِيرُ فَاشْتَرَى بِدَرَاهِمَ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِجِنْسٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِالْعُرُوضِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنُوا فَقَالُوا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ قَدْ أُجْرِيَا عِنْدَ التُّجَّارِ مَجْرَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا أَثْمَانٌ وَبِهِمَا يُقْضَى فِي النَّفَقَاتِ وَالْأُرُوشُ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَلَا يَتَعَذَّرُ نَقْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى بِجِنْسٍ هُوَ فِي يَدِهِ وَأَمَّا الْفُلُوسُ فَالْقِيَاسُ فِيهَا مَا ذَكَرْنَا وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ تَكُونَ كَالدَّرَاهِمِ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ الْمُضَارَبَةَ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهَا ثَمَنٌ كَسَائِرِ الْأَثْمَانِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ بِهَا كَالْعُرُوضِ فَلَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ بِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيُّ. اهـ. . (قَوْلُهُ فَكَيْفَ يَصْلُحُ وَكِيلًا إلَخْ) فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَصِحُّ إضَافَةُ الْأَبْضَاعِ إلَى الْمُضَارِبِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْبِضَاعَةُ لِلْمُبْضِعِ وَلَا مَالَ لِلْمُضَارِبِ قُلْت لَيْسَ بِشَرْطٍ أَنْ تَكُونَ الْبِضَاعَةُ مِلْكًا لِلْمُبْضِعِ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَ الْأَبْضَاعِ الِاسْتِعَانَةُ بِالْغَيْرِ فِي التَّصَرُّفِ وَرَبُّ الْمَالِ يَصْلُحُ مُعِينًا لَهُ وَالِاسْتِعَانَةُ بِالْأَجْنَبِيِّ جَائِزَةٌ فَرَبُّ الْمَالِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ فِي مَالِهِ أَكْثَرُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ كَمَا إذْ أَخَذَهُ بِنَفْسِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَعَمِلَ فِيهِ انْتَقَضَتْ الْمُضَارَبَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَمَا إذَا دَفَعَهُ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَفْسُدُ وَالْمَفْهُومُ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ مُضَارَبَةً حَكَمْنَا بِبَقَاءِ الْأُولَى لَا بِانْفِسَاخِهَا اهـ

عَلَى الْمَالِ فَإِذَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بِهَذَا الطَّرِيقِ صَلَحَ رَبُّ الْمَالِ مُعِينًا لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ فَكَانَ عَمَلُهُ ثَابِتًا تَقْدِيرًا، وَكَذَا يَدُهُ فَلَا يَكُونُ بِأَخْذِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْفَسْخِ مُبْطِلًا لَهَا كَالرَّاهِنِ إذَا اسْتَعَارَ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ فَسْخًا لِلرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمُضَارِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُعِينًا هُنَا لِعَدَمِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ فَيَقَعُ الْعَمَلُ لِنَفْسِهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَالِاسْتِرْدَادَ إذَا كَانَ الْمَالُ نَاضًّا حَتَّى لَوْ كَانَ عُرُوضًا وَأَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ الْمُضَارِبِ لَا يَكُونُ اسْتِرْدَادًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً، أَوْ أَخَذَهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ عَلَى وَجْهِ الْمُضَارَبَةِ، أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ ابْتِدَاءً حَيْثُ تَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُبْطِلَةً لِلْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ، أَوْ يَكُونُ الْمَالُ وَالْعَمَلُ مُسْتَحَقًّا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَتَخْرُجُ بِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُضَارَبَةً وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخَيَّاطِ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ مَحْضَةٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقَعَ عَمَلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ عَنْ الْأَجِيرِ إذْ تَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ أَوْ الْعَمَلِ شَرْطٌ فِي الْإِجَارَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الشَّرِكَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ سَافَرَ فَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَكِسْوَتُهُ وَرَكُوبُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ عَمِلَ فِي الْمِصْرِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ كَالدَّوَاءِ) أَيْ إذَا سَافَرَ الْمُضَارِبُ لِلتِّجَارَةِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَمَأْكَلُهُ وَمَشْرَبُهُ وَمَلْبَسُهُ وَرَكُوبُهُ يَكُونُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ عَمِلَ فِي مِصْرِهِ فَفِي مَالِهِ كَمَا يَكُونُ الدَّوَاءُ فِي مَالِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِسَبَبِ الِاحْتِبَاسِ كَنَفَقَةِ الْقَاضِي وَالزَّوْجَةِ، وَهُوَ إذَا سَافَرَ صَارَ مَحْبُوسًا بِهِ فَتَجِبُ مُؤْنَتُهُ الرَّاتِبَةُ فِيهِ بِخِلَافِ الدَّوَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوَارِضِ وَبِخِلَافِ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْبَدَلَ بِيَقِينٍ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ وَالْمُضَارِبُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الرِّبْحَ فَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَحْصُلَ فِيهِ رِبْحٌ فَلَوْ لَمْ يُنْفِقْ مِنْهُ لَتَضَرَّرَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْمُسْتَبْضِعِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَبَرِّعَانِ فِيهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَعْمَلُ فِي مِصْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَبِسْ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ فَلَا تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ فِيهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ سَاكِنٌ بِالسَّكَنِ الْأَصْلِيِّ وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الِاحْتِبَاسِ بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْمُضَارِبِ الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ، أَوْ الْأَجِيرِ أَوْ الشَّرِيكِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِيمَا يَعْمَلُ بِهِ فَكَذَا هَذَا إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى؛ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا عَمِلَ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ وَفِي مِصْرِهِ يَأْكُلُ مِنْ مَالِهِ وَالْمَكَانُ الْقَرِيبُ مِنْ مِصْرِهِ بِمَنْزِلَةِ مِصْرِهِ وَالْفَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَكَان بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْدُوَ وَيَرُوحَ إلَى مَنْزِلِهِ فَهُوَ كَمِصْرِهِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السُّوقِ يَتَّجِرُونَ فِي السُّوقِ، ثُمَّ يَبِيتُونَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَبِيتَ فِي مَنْزِلِهِ فَمُؤْنَتُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَحْبُوسًا بِهِ وَمِنْ مُؤْنَتِهِ الْوَاجِبَةِ فِيهِ: غَسْلُ ثِيَابِهِ وَأُجْرَةُ مَنْ يَخْدُمُهُ وَعَلَفُ دَابَّةٍ يَرْكَبُهَا وَالدُّهْنُ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْحِجَازِ وَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَالْحَلَّاقِ وَقَصِّ الشَّارِبِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِهَا؛ وَلِأَنَّ نَظَافَةَ الْبَدَنِ وَالثِّيَابِ تُوجِبُ كَثْرَةَ مَنْ يُعَامِلُهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْوَسَخِ تَعُدُّهُ النَّاسُ مِنْ الْمَفَالِيسِ فَيَجْتَنِبُونَ مُعَامَلَتَهُ فَيُطْلِقُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى إذَا زَادَ يَضْمَنُ وَلَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَفِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ النَّفَقَةِ رَدَّهُ إلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَالْحَاجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَيْثُ تَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُبْطِلَةً إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ شَرْطِ الْعَقْدِ وَهُوَ التَّخْلِيَةُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ اهـ وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (قَوْلُهُ فَتَخْرُجُ بِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُضَارَبَةً) أَمَّا الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى فِيمَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ فَبَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا فَلَا يَصِحُّ الْإِلْزَامُ الْمُتَقَدِّمُ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ الْمُضَارِبُ إلَى رَبِّ الْمَالِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَقْدُ شَرِكَةٍ بِأَنْ يَكُونَ الْمَالُ مِنْ الدَّافِعِ وَالْعَمَلُ مِنْ الْمُضَارِبِ وَالرِّبْحُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَلَا مَالَ هُنَا لِلْمُضَارِبِ فَلَوْ جَازَ مَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُ قَلْبُ الْمَوْضُوعِ فِي التَّصَرُّفِ فَلَمْ تَبْطُلْ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَكُوبُهُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ أَيْ بِالْمَعْرُوفِ. اهـ. كَيْ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْرِفَ فِي النَّفَقَةِ وَإِنَّمَا يُنْفِقُ عَلَى الْمَعْرُوفِ عِنْدَ التُّجَّارِ وَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ ضَمِنَ الْفَضْلَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَإِنْ قِيلَ رَضِيَ بِنَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ قِيلَ لَهُ النَّفَقَةُ لَيْسَتْ بِمُسْتَحَقَّةٍ لَهُ لَكِنَّهَا مِنْ مُؤَنِ الْمَالِ كَأَجْرِ الْأَجِيرِ لِلْعَمَلِ فِي الْمَالِ وَأُجْرَةِ الْحَمَّالِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ خَرَجَ إلَى السَّفَرِ بِمَالِهِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ جَمِيعًا كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ بِالْحِصَصِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَتَجِبُ مُؤْنَتُهُ الرَّاتِبَةُ) أَيْ الثَّابِتَةُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْمُسْتَبْضِعِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْمُسْتَبْضِعِ فِي مَالِ الْبِضَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُ فِيهَا. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَبِسْ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ) وَبِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا سَافَرَ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ. اهـ. كَيْ وَقَوْلُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ أَيْ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ سَاكِنٌ بِالسَّكَنِ) أَيْ لَا لِأَجْلِ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالدُّهْنُ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الدُّهْنَ فِي مَالِ الْمُضَارِبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ الدُّهْنُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الدُّهْنَ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ وَلَا تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَةُ فَصَارَ كَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الدُّهْنَ يُسْتَعْمَلُ لِمَنْفَعَةٍ فِي الْبَدَنِ وَغَيْرُهُ غَيْرُ نَادِرٍ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَلَيْسَ فِي الْخِضَابِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْحِجَامَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ اللَّحْمِ فَقَالَ كَمَا كَانَ يَأْكُلُ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَفِي يَدِهِ شَيْءٌ) أَيْ شَيْءٌ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ رَدَّهُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ

عَنْ الْغَيْرِ إذَا بَقِيَ شَيْءٌ فِي يَدِهِ يَرُدُّهُ عَلَى الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، أَوْ الْوَرَثَةِ وَكَالْغَازِي إذَا خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ يَرُدُّ إلَى الْغَنِيمَةِ مَا مَعَهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَكَالْأَمَةِ إذَا بَوَّأَهَا الْمَوْلَى مَنْزِلًا مَعَ الزَّوْجِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا لِلْخِدْمَةِ وَقَدْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ النَّفَقَةِ فِي يَدِهَا اسْتَرَدَّهُ الزَّوْجُ، وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الدَّوَاءَ أَيْضًا يَكُونُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لِإِصْلَاحِ بَدَنِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْعَمَلِ فَصَارَ كَالنَّفَقَةِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النَّفَقَةَ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا وَالْحَاجَةُ إلَى الدَّوَاءِ مِنْ الْعَوَارِضِ فَكَانَ مَوْهُومًا فَلَا يَجِبُ كَمَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَفِي النِّهَايَةِ الشَّرِيكُ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الشَّرِكَةِ فَنَفَقَتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَ فِي الْكَافِي بَعْدَمَا ذَكَرَ وُجُوبَ النَّفَقَةِ لِلْمُضَارِبِ فِي الْمَالِ فَقَالَ بِخِلَافِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ التَّعَارُفُ أَنَّ الشَّرِيكَ الْعَامِلَ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رَبِحَ أَخَذَ الْمَالِكُ مَا أَنْفَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) أَيْ إذَا رَبِحَ الْمُضَارِبُ أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ قَدْرَ مَا أَنْفَقَ الْمُضَارِبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ حَتَّى يَتِمَّ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ فَإِذَا اسْتَوْفَى رَأْسَ مَالِهِ وَفَضَلَ شَيْءٌ اقْتَسَمَاهُ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ أَصْلٌ، وَالرِّبْحُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَلَا يَسْلَمُ لَهُمَا الْفَرْعُ حَتَّى يَسْلَمَ لِرَبِّ الْمَالِ الْأَصْلُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الَّذِي ذَهَبَ بِالنَّفَقَةِ هَالِكٌ وَالْهَالِكُ يُصْرَفُ إلَى الرِّبْحِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَاعَ الْمَتَاعَ مُرَابَحَةً حَسَبَ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَتَاعِ لَا عَلَى نَفْسِهِ) يَعْنِي إذَا بَاعَ الْمُضَارِبُ الْمَتَاعَ الَّذِي أَنْفَقَ عَلَيْهِ ضَمَّ جَمِيعَ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَتَاعِ مِنْ أُجْرَةِ الْحَمْلِ وَالطِّرَازِ وَأُجْرَةِ السِّمْسَارِ وَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ إلَى رَأْسِ الْمَالِ بِأَنْ يَقُولَ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ وَتَعَارَفَ التُّجَّارُ إلْحَاقَهَا بِرَأْسِ الْمَالِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فَجَازَ ذَلِكَ وَلَا يَضُمُّ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي سَفَرِهِ وَتَقَلُّبَاتِهِ فِي الْمَالِ إلَى رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَارَفُوا ضَمَّهُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَزِيدُ هُوَ أَيْضًا فِي قِيمَةِ الْمَتَاعِ بِخِلَافِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَتَاعِ؛ لِأَنَّهَا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ صَارَتْ فِي مَعْنَى الثَّمَنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَصَّرَهُ أَوْ حَمَلَهُ بِمَالِهِ وَقِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي زَمَانِ تَفْرِيغِ نَفْسِهِ لِعَمَلِ الْمُضَارَبَةِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَيُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ اسْتَرَدَّهُ الزَّوْجُ) هَكَذَا هُوَ فِي النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ فَاعْلَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالنَّفَقَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الدَّوَاءُ وَالْحِجَامَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَلَا يَقْضِي بِالدَّوَاءِ وَالْحِجَامَةِ كَذَلِكَ هَاهُنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِذَلِكَ وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِي الْحِجَامَةِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْفَقِيهُ وَمَعْنَى هَذَا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِهَا مَتَاعًا وَقَدْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَلَمَّا اشْتَرَى الْمَتَاعَ حَمَلَهُ بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ قَصَرَهُ بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِيمَا صَنَعَ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْمِائَةِ شَيْءٌ فِي رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ صَبَغَ الثِّيَابَ حُمْرًا كَانَ شَرِيكًا بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِي الثِّيَابِ وَلَا يَضْمَنُ الثِّيَابَ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلُ هُنَا مَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُضَارِبِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ مِنْهَا لَا يَمْلِكُهُ الْمُضَارِبُ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ الِاسْتِدَانَةُ فَإِذَا عَرَفْت ذَلِكَ قُلْنَا إذَا حَمَلَهَا بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَقَدْ اسْتَدَانَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ اسْتِغْرَاقِ رَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَنْفُذُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَكَذَا إذَا قَصَرَهَا بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ وَلَا يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْقِصَارَةَ لَيْسَتْ بِعَيْنِ مَالٍ قَائِمٍ فِي الثَّوْبِ وَأَمَّا إذَا صَبَغَهَا لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِمَا قُلْنَا لَكِنْ لَا يَضِيعُ مَالُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ قَصَّرَ يَضِيعُ مَالُهُ، وَلَوْ صَبَغَ لَا يَضِيعُ فَهَا هُنَا أَوْلَى؛ وَلِهَذَا لَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَهُ مَجَّانًا بَلْ يَتَخَيَّرُ رَبُّ الثَّوْبِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لَا يَوْمَ الِاتِّصَالِ بِثَوْبِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ جَمِيعَ قِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ يَوْمَ صَبْغِهِ وَتَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هُنَا يَصِيرُ شَرِيكًا بِقَدْرِ مَالِهِ حَتَّى لَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ يَأْخُذُ الْمُضَارِبُ مِنْ الثَّمَنِ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَمَا بَقِيَ يَكُونُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَلَا يَكُونُ الْمُضَارِبُ ضَامِنًا لِلثِّيَابِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَثَبَتَ لَهُ وِلَايَةُ الْخُلْطَةِ وَالشَّرِكَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَهُ، أَمَّا الِاسْتِدَانَةُ فَلَا تُسْتَفَادُ وِلَايَتُهَا إلَّا بِالتَّصْرِيحِ وَلَمْ يُوجَدْ كَذَا قَالَ قَاضِيخَانْ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَخَصَّ الْحُمْرَةَ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا سَائِرُ الْأَلْوَانِ فَمِثْلُ الْحُمْرَةِ يَعْنِي إذَا صَبَغَ الثِّيَابَ سُودًا كَانَ كَالْقِصَارَةِ سَوَاءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُ نُقْصَانٌ وَعِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ لِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ الَّذِي دَخَلَ فِي الثِّيَابِ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ بِعَقْدِ الْمُضَارَبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَصَبَغَ الثِّيَابَ سُودًا فَنَقَصَهَا ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ فَكَذَا إذَا صَبَغَهَا بِمَالِ نَفْسِهِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْمُحِيطِ، وَإِنْ صَبَغَهَا الْمُضَارِبُ بِعُصْفُرٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ صَبْغٍ آخَرَ يَزِيدُ فِي الثَّوْبِ فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ لَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَالْمُضَارِبُ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ ضَمِنَ وَإِذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك كَانَ رَبُّ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُضَارِبَ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ يَوْمَ صَبْغِهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثِّيَابَ وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لَا يَوْمَ اتَّصَلَ بِثَوْبِهِ كَمَا فِي الْغَاصِبِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَضْلٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَضْلٌ فَبِقَدْرِ مَا كَانَ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ مِنْ الثِّيَابِ لَا يَضْمَنُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ رَبُّ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى بَاعَ الْمُضَارِبُ الثِّيَابَ جَازَ بَيْعُهُ وَبَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ وَلَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْبَيْعِ وَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ يُنْظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ بَاعَهَا

يَعْنِي إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَاشْتَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ كُلِّهِ مَتَاعًا، ثُمَّ نَقَلَهُ، أَوْ قَصَّرَ ثِيَابَهُ بِمَالٍ مِنْ عِنْدِهِ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَكُونُ تَنْفِيذُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِدَانَةً مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَكَذَا لَوْ زَادَ عَلَى الثَّمَنِ بِأَنْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي الزِّيَادَةِ وَفِي الْكَافِي لَوْ اشْتَرَى بِكُلِّ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ أَلْفٌ ثِيَابًا وَاسْتَقْرَضَ مِائَةً لِلْحَمْلِ رَابَحَ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِنْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ كَانَتْ عَشْرَةً مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ أَيْ عَشْرَةُ أَسْهُمٍ عَلَى شَرْطِهِمَا وَسَهْمٌ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ اسْتَقْرَضَهُ لِنَفْسِهِ، وَالْكِرَاءُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً، وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ الثِّيَابَ مُرَابَحَةً عَلَى الْأَلْفِ لَا غَيْرُ وَالثَّمَنُ كُلُّهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْكِرَاءِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَصَارَ كَاسْتِكْرَاءِ الْأَجْنَبِيِّ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ لِلْمُضَارِبِ فِي الثِّيَابِ حَقًّا يُضَاهِي الْمِلْكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَهَاهُ رَبُّ الْمَالِ عَنْ بَيْعِ الثِّيَابِ لَمْ يَصِحَّ نَهْيُهُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ فَقَامَ الثِّيَابُ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ فَيَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى الْكُلِّ فَإِذَا بَاعَهَا مُرَابَحَةً يَقْسِمُ ثَمَنَهَا عَلَى مَالِهِمَا فَمَا أَصَابَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ عَشْرَةُ أَسْهُمٍ بَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ فِيهَا عَلَى حَالِهَا وَمَا أَصَابَ الْمِائَةَ الْمُسْتَقْرَضَةَ كَانَ لَهُ خَاصَّةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ فَهُوَ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَلَا يَضْمَنُ)؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ، وَقَدْ اخْتَلَطَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ مُتَقَوِّمٌ فَيَكُونُ شَرِيكًا ضَرُورَةً بِخِلَافِ الْقِصَارَةِ وَالْحُمْلَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ قَائِمٍ فَلَا يَكُونُ خَلْطًا بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضِيعُ عَلَى الْغَاصِبِ دُونَ الصَّبْغِ، ثُمَّ إذَا بِيعَ الْمَتَاعُ قُسِمَ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ وَعَلَى مَا زَادَ مِنْ الصَّبْغِ فَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الثَّوْبِ كَانَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَمَا أَصَابَ الزِّيَادَةَ كَانَ لَهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَالٌ مُشْتَرَكٌ فَيُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ، وَإِنَّمَا لَا يَضْمَنُ الْمُضَارِبُ بِهَذَا الْخَلْطِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك يَنْتَظِمُهُ فَلَا يَكُونُ بِهِ مُتَعَدِّيًا بَلْ يَكُونُ شَرِيكًا كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فِي ثَوْبِ إنْسَانٍ فَأَلْقَتْهُ فِي صَبْغِ غَيْرِهِ، أَوْ اخْتَلَطَ الْمَالُ الْمُودَعُ بِمَالِ الْمُودِعِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ شَرِيكًا بَلْ يَضْمَنُ كَالْغَاصِبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ بَزًّا وَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَاشْتَرَى بِهِمَا عَبْدًا فَضَاعَا غَرِمَا أَلْفًا وَالْمَالِكُ أَلْفًا) أَيْ غَرِمَ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ أَلْفًا، ثُمَّ غَرِمَ رَبُّ الْمَالِ وَحْدَهُ أَلْفًا آخَرَ فَيَغْرَمُ الْمُضَارِبُ خَمْسَمِائَةٍ وَالْمَالِكُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ (وَرُبُعُ الْعَبْدِ لِلْمُضَارِبِ وَبَاقِيهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَرَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ وَيُرَابِحُ عَلَى أَلْفَيْنِ)؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمَّا صَارَ أَلْفَيْنِ ظَهَرَ الرِّبْحُ فِي الْمَالِ وَهُوَ أَلْفٌ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَنَصِيبُ الْمُضَارِبِ مِنْهُ خَمْسُمِائَةٍ فَإِذَا اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ عَبْدًا صَارَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَرُبُعُهُ لِلْمُضَارِبِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِرَبِّ الْمَالِ، ثُمَّ إذَا ضَاعَ الْأَلْفَانِ قَبْلَ النَّقْدِ كَانَ عَلَيْهِمَا ضَمَانُ ثَمَنِ الْعَبْدِ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا فِي الْعَبْدِ فَرُبُعُهُ عَلَى الْمُضَارِبِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَهُوَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فَنَصِيبُ الْمُضَارِبِ خَرَجَ عَنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَمَانَةٌ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ، وَنَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِعَدَمِ مَا يُنَافِيهَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَبَاقِيهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ يَعْنِي ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ، وَرَأْسُ الْمَالِ هُوَ جَمِيعُ مَا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ وَهُوَ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ أَوَّلًا أَلْفًا، ثُمَّ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَلَا يَبِيعُ الْعَبْدُ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى أَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ، وَهُوَ مَعْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسَاوَمَةً يُقْسَمُ الثَّمَنُ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَبَيْنَ الْمُضَارِبِ عَلَى قِيمَةِ الثِّيَابِ غَيْرِ مَصْبُوغَةٍ وَعَلَى قِيمَتِهَا مَصْبُوغَةً فَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا يَكُونُ قِيمَةَ الصَّبْغِ حَتَّى إذَا كَانَ قِيمَةُ الثِّيَابِ غَيْرَ مَصْبُوغَةٍ أَلْفًا وَقِيمَتُهَا مَصْبُوغَةٌ أَلْفًا وَمِائَتَانِ وَبِيعَتْ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ فَالْأَلْفُ لِلْمُضَارَبَةِ وَالْمِائَتَانِ لِلْمُضَارِبِ بَدَلُ صَبْغِهِ وَإِنْ بَاعَهَا مُرَابَحَةً فَإِنَّ هَذَا الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِهِ الثِّيَابَ وَعَلَى قِيمَةِ الصَّبْغِ الَّذِي صَبَغَ الْمُضَارِبُ الثِّيَابَ بِهِ وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاكْتَرَى سَفِينَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْمَالُ عِنْدَهُ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفِ كُلِّهِ طَعَامًا وَحَمَلَهُ فِي السَّفِينَةِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْكِرَاءِ، وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى بِتِسْعِمِائَةٍ مِنْهَا طَعَامًا وَبَقِيَتْ فِي يَدِهِ مِائَةٌ فَأَدَّاهَا فِي الْكِرَاءِ لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا وَبَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْكِرَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى إصْلَاحِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِجَمِيعِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ثِيَابًا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ عَلَى حَمْلِهَا أَوْ قِصَارَتِهَا أَوْ نَقْلِهَا كَانَ مُتَطَوِّعًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَارَ بِالِاسْتِئْجَارِ مُسْتَدِينًا عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا فَصَارَ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ مُتَطَوِّعًا (قَوْلُهُ وَالْحُمْلَانُ) الْحُمْلَانُ أَجْرُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّوَابِّ كَذَا فِي الدِّيوَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحُمْلَانُ بِالضَّمِّ وَالْحَمْلُ مَصْدَرُ حَمَلَ وَالْحُمْلَانُ أَيْضًا أَجْرُ مَا يُحْمَلُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَضَاعَا) أَيْ الْأَلْفَانِ قَبْلَ النَّقْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ غَرِمَا أَلْفًا وَالْمَالِكُ أَلْفًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالُوا هَذَا جَوَابُ الْحَاصِلِ يَعْنِي أَنَّ حَاصِلَ الضَّمَانِ يَجِبُ هَكَذَا وَلَكِنَّ الْأَلْفَيْنِ فِي الِابْتِدَاءِ يَجِبَانِ جَمِيعًا عَلَى الْمُضَارِبِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرُبُعُ الْعَبْدِ إلَخْ) مِنْ قَوْلِهِ وَرُبُعُ الْعَبْدِ إلَى قَوْلِهِ عَلَى أَلْفَيْنِ مِنْ الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَرُبُعُهُ لِلْمُضَارِبِ) أَيْ؛ لِأَنَّ رُبُعَ الثَّمَنِ لَهُ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ) فَلَمَّا مَلَكَ الْمُضَارِبُ رُبُعَهَا بِسَبَبِ ضَمَانِ رُبُعِ الثَّمَنِ خَرَجَ رُبُعُهَا عَنْ الْمُضَارَبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ مَا يُنَافِيهَا) أَيْ إذْ ضَمَانُ رَبِّ الْمَالِ الثَّمَنَ لَا يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ) أَيْ وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ اهـ

قَوْلِهِ وَيُرَابِحُ عَلَى أَلْفَيْنِ، وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ كَانَ لِلْمُضَارِبِ رُبُعُهُ، وَهُوَ أَلْفٌ وَالْبَاقِي لِلْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ فَأَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا رَأْسُ الْمَالِ وَخَمْسُمِائَةٍ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اشْتَرَى مِنْ الْمَالِكِ بِأَلْفٍ عَبْدًا اشْتَرَاهُ بِنِصْفِهِ رَابَحَ بِنِصْفِهِ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَبْدًا كَانَ اشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ يَبِيعُهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً عَلَى نِصْفِ الْأَلْفِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ كَبَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فَيَكُونُ بَيْعَ مَالِهِ بِمَالِهِ فَيَكُونُ كَالْمَعْدُومِ، وَإِنْ حُكِمَ بِجَوَازِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُضَارِبِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْمُرَابَحَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَمَانَةِ وَعَلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ فَتُبْنَى عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ فَيَكُونُ الْمُضَارِبُ كَالْوَكِيلِ لَهُ فِي بَيْعِهِ، وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ فَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْجَارِيَ بَيْنَهُمَا كَالْمَعْدُومِ لِمَا ذَكَرْنَا فَتُبْنَى الْمُرَابَحَةُ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ الْمُضَارِبُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ لَهُ وَنَاوَلَهُ إيَّاهُ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَقَتَلَ رَجُلًا خَطَأً فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْفِدَاءِ عَلَى الْمَالِكِ وَرُبُعُهُ عَلَى الْمُضَارِبِ وَالْعَبْدُ يَخْدُمُ الْمَالِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْمُضَارِبَ يَوْمًا)؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا كَانَ عَيْنًا وَاحِدَةً قِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ يَظْهَرُ فِيهِ الرِّبْحُ، وَهُوَ أَلْفٌ هُنَا بَيْنَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) أَيْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ هُوَ الرِّبْحُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ اشْتَرَى مِنْ الْمَالِكِ بِأَلْفٍ عَبْدًا إلَخْ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً ثُمَّ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ فَبَاعَهُ إيَّاهُ بِأَلْفٍ عَلَى كَمْ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً قَالَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ قَالَ فَإِنْ اشْتَرَى الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً عَبْدًا بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ قَالَ يَبِيعُهُ رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ بِالنِّصْفِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَصْلُ هَذَا مَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ يَنْبَنِي عَلَى الْأَمَانَةِ وَيُمْتَنَعُ بِشُبْهَةِ الْخِيَانَةِ كَمَا يُمْتَنَعُ بِحَقِيقَتِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ لَا يُبَاعُ مُرَابَحَةً إلَّا بِبَيَانٍ لِشُبْهَةِ الْحَطِّ وَكَذَا الْمُشْتَرَى نَسِيئَةً لَا يُبَاعُ مُرَابَحَةً بِدُونِ الْبَيَانِ لِشُبْهَةِ الزِّيَادَةِ بِمُقَابَلَةِ الْأَجَلِ فَإِذَا اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفٍ فَالْمُضَارِبُ اشْتَرَى لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَبَيْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ نَفْسِهِ بَاطِلٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ حَقُّ الْمُضَارَبَةِ بِمَنْزِلَةِ حَقٍّ ثَالِثٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَبَقِيَتْ شُبْهَةُ بُطْلَانِ الْبَيْعِ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ فَأَمَّا إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ بَاعَهُ رَبُّ الْمَالِ مُرَابَحَةً بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ وَقَعَا لِرَبِّ الْمَالِ وَلَمْ يَقَعْ لِرَبِّ الْمَالِ مِنْهُ إلَّا قَدْرُ مِائَةٍ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْمِائَةِ وَفِيمَا وَقَعَ لِرَبِّ الْمَالِ لَا يُعْتَبَرُ الرِّبْحُ لِشُبْهَةِ بُطْلَانِ الْعَقْدِ الثَّانِي وَهَذَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ عَلَى النِّصْفِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَاشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنْ بَاعَهُ الْمُضَارِبُ مُسَاوَمَةً بَاعَهُ كَيْفَ شَاءَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُسَاوَمَةِ لَا يَتَقَيَّدُ بِثَمَنٍ بَلْ الثَّمَنُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي ذَكَرَاهُ فِي الْعَقْدِ وَإِنْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بَاعَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ عَقْدُ أَمَانَةٍ فَيَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْ الْخِيَانَةِ وَعَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ وَالْعَقْدُ الْأَوَّلُ وَقَعَ لِرَبِّ الْمَالِ وَالثَّانِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِشِرَاءِ الْمُضَارِبِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ إلَّا أَنَّهُ صَحَّ الْعَقْدُ لِزِيَادَةِ فَائِدَةٍ وَهِيَ ثُبُوتُ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ لِلْمُضَارِبِ فَبَقِيَ شُبْهَةُ عَدَمِ وُقُوعِ الْعَقْدِ الثَّانِي فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِخَمْسِمِائَةٍ بَاعَهُ الْمُضَارِبِ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ وَقَعَا لِرَبِّ الْمَالِ فَيَبِيعُهُ عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ لِمَا بَيَّنَّا ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِهَا عَبْدًا فَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ بَاعَهُ رَبُّ الْمَالِ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّا نَعْتَبِرُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ وَذَلِكَ أَلْفٌ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ بَيَانُهُ أَنَّ الْأَلْفَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فِي ثَمَنِ الْعَبْدِ فَيُعْتَبَرُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَنِصْفُ الْأَلْفِ الَّتِي هِيَ الرِّبْحُ مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ أَمَّا النِّصْفُ الَّذِي هُوَ حِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ إلَى مِلْكِ الْمُضَارِبِ حَقِيقَةً بِإِزَاءِ هَذَا الْعَبْدِ فَيُعْتَبَرُ كَذَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ قَوْلِ الشَّارِحِ، وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ إلَخْ وَبَيْنَ مَا نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَنْ شَرْحِ الْكَافِي إذْ مُقْتَضَاهُمَا أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّارِحِ هَذِهِ بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ لَا بِخَمْسِمِائَةٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَتَنَبَّهْ اهـ وَفِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفٍ عَبْدًا وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ وَهُوَ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشَرْحِ الْكَافِي وَقَالَ فِي الْكَنْزِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى مَأْذُونٌ مَدْيُونٌ ثَوْبًا بِعَشْرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشْرَةٍ وَكَذَا الْعَكْسُ، وَلَوْ كَانَ مُضَارِبًا يَبِيعُ مُرَابَحَةً لِرَبِّ الْمَالِ بِاثْنَيْ عَشْرَ وَنِصْفٍ اهـ وَهُوَ كَمَا تَرَى مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشَرْحِ الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. .

نِصْفَانِ وَأَلْفٌ لِرَبِّ الْمَالِ بِرَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ أَلْفَانِ فَصَارَ الْفِدَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَرْبَاعًا فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَالرُّبُعُ عَلَى الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ فَإِذَا فَدَيَاهُ خَرَجَ الْعَبْدُ كُلُّهُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ أَمَّا نَصِيبُ الْمُضَارِبِ فَلِأَنَّهُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ فَبِقَضَاءِ الْقَاضِي بِانْقِسَامِ الْفِدَاءِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ بِالْفِدَاءِ يَتَضَمَّنُ قِسْمَةَ الْعَبْدِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِالْفِدَاءِ يُوجِبُ سَلَامَةَ الْمُفْدَى وَلَا سَلَامَةَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ بِخِلَافِ مَا مَضَى؛ لِأَنَّ كُلَّ الثَّمَنِ ثَمَّ عَلَى الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِمَا ضَمِنَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقِسْمَةِ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ صَارَ كَالزَّائِلِ عَنْ مِلْكِهِمَا إذْ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الدَّفْعُ وَبِالْفِدَاءِ صَارَ كَأَنَّهُمَا اشْتَرَيَاهُ فَإِذَا خَرَجَ عَنْ الْمُضَارَبَةِ يَخْدُمُهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا بِحُكْمِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ يَخْدُمُ الْمَالِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَيْ رَبَّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبَ يَوْمًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا وَهَلَكَ الثَّمَنُ قَبْلَ النَّقْدِ دَفَعَ الْمَالِكُ أَلْفًا آخَرَ ثُمَّ وَثُمَّ وَرَأْسُ الْمَالِ جَمِيعُ مَا دَفَعَ) يَعْنِي إذَا كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا وَضَاعَ الثَّمَنُ قَبْلَ النَّقْدِ رَجَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ ثَانِيًا، ثُمَّ هَلَكَ قَبْلَ النَّقْدِ أَيْضًا رَجَعَ عَلَيْهِ أَيْضًا فَهَكَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ كُلَّمَا هَلَكَ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ جَمِيعَ مَا دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عِنْدَ هَلَاكِ الثَّمَنِ بَعْدَ الشِّرَاءِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ أَمَانَةٌ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ وَالْمُضَارَبَةُ تُنَافِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكُلُّ مَا قَبَضَ يَكُونُ أَمَانَةً وَإِذَا هَلَكَ كَانَ الْهَالِكُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَقَبْضُ الْوَكِيلِ بَعْدَ الشِّرَاءِ اسْتِيفَاءٌ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ مِثْلُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ فَإِذَا قَبَضَهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِذَلِكَ فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَإِذَا هَلَكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفِيَ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ مِنْ جَعْلِهِ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تُنَافِي الضَّمَانَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا تَوَكَّلَ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ جَازَ، وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ مَا قَبَضَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَمَانَةً حَتَّى لَوْ لَمْ يَقَعْ اسْتِيفَاءً بِأَنْ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ قَبْلَ الشِّرَاءِ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ، ثُمَّ هَلَكَ قَبْلَ النَّقْدِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِوُقُوعِ الْأَوَّلِ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُسْتَوْفِيًا بِقَبْضِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا بِالْقَبْضِ فَيَكُونُ أَمَانَةً فَإِذَا هَلَكَ رَجَعَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، ثُمَّ إذَا هَلَكَ لَا يَرْجِعُ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ الشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ أَصْلًا وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ؛ وَلِأَنَّ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ لَزِمَ مِنْهُ تَضْيِيعُ الْمَالِ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ ثَانِيًا يَضِيعُ وَفِي الْمُضَارَبَةِ لَا يَضِيعُ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِرَأْسِ الْمَالِ وَيَسْتَوْفِيهِ مِنْ الرِّبْحِ وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ لَتَضَرَّرَ الْمُضَارِبُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ بِالشِّرَاءِ مَرَّةً وَانْعَزَلَ فَلَا يَرْجِعُ بَعْدَ الِانْعِزَالِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْعَزِلْ بِالتَّصَرُّفِ بَلْ لَا يَنْعَزِلُ بِالْعَزْلِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ مَا دَامَ مُتَصَرِّفًا لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَعَهُ أَلْفَانِ فَقَالَ دَفَعْتَ إلَيَّ أَلْفًا وَرَبِحْتُ أَلْفًا وَقَالَ الْمَالِكُ دَفَعْتُ أَلْفَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا مَضَى إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ دَفْعَ الْفِدَاءِ هُنَا كَابْتِدَاءِ الشِّرَاءِ فَيَخْرُجُ الْعَبْدُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ ثَمَّةَ دَفْعُ الثَّمَنِ فَلَا يَكُونُ كَابْتِدَاءِ الشِّرَاءِ وَتَبْقَى الْمُضَارَبَةُ فِيهَا لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ بِخِلَافِ الرُّبُعِ فَإِنَّهُ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً وَتَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ لِلْمُنَافَاةِ وَقَدْ مَرَّ الْبَيَانُ ثَمَّةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا فَهَلَكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ قَالَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا أُخْرَى أَبَدًا فَإِذَا دَفَعَهَا الْمُضَارِبُ إلَى الْبَائِعِ ثُمَّ بَاعَ الْعَبْدَ بِرِبْحٍ كَثِيرٍ فَرَأْسُ الْمَالِ جَمِيعُ مَا دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ مِنْ بَعْدُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَوْلُهُ أَبَدًا مِنْ الْخَوَاصِّ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا هَلَكَ الْمَالُ رَجَعَ مَرَّةً فَإِنْ هَلَكَ رَجَعَ أُخْرَى فَإِنْ هَلَكَ فَكَذَلِكَ ثُمَّ هَلَكَ كَذَلِكَ أَيْضًا حَتَّى يُسَلِّمَ إلَى الْبَائِعِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا هَلَكَ الثَّمَنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا إلَيْهِ ثُمَّ اشْتَرَى فَهَلَكَ الثَّمَنُ الْمَنْقُودُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مَنْقُودٍ إلَيْهِ فَاشْتَرَى ثُمَّ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُوَكِّلِ فَهَلَكَ الثَّمَنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ يَغْرَمُ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ أَصْلًا عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ فَصْلَيْ الْوَكَالَةِ أَنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِحَقِّ الْأَمَانَةِ دُونَ الِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا هَلَكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَهُوَ دَائِمٌ عَلَى الْأَمَانَةِ فَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا فَلَا يَرْجِعُ بَعْدَ ذَلِكَ أَصْلًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ أَنَّ الضَّمَانَ لَا يُنَافِي الْوَكَالَةَ؛ وَلِهَذَا لَوْ وَكَّلَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ يَصِيرُ وَكِيلًا وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ بِمُجَرَّدِ الْوَكَالَةِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْتَبَرُ أَمِينًا وَعَقْدُ الْوَكِيلِ يُوجِبُ دَيْنًا لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِذَا قَبَضَ مِنْ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ الشِّرَاءِ حُمِلَ قَبْضُهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيفَاءِ لَا عَلَى جِهَةِ الْأَمَانَةِ فَإِذَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ مَرَّةً لَمْ يَبْقَ الْحَقُّ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ فَإِنَّ الضَّمَانَ يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا بِحَالٍ فَيُحْمَلُ قَبْضُهُ عَلَى جِهَةِ الْأَمَانَةِ لَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيفَاءِ فَلَوْ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ كَانَ الْمُضَارِبُ ضَامِنًا وَهُوَ بَاطِلٌ؛ وَلِهَذَا رَجَعَ الْمُضَارِبُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مَا لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْبَائِعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَأْسُ الْمَالِ جَمِيعُ مَا دَفَعَ) يَعْنِي لَا يَكُونُ لِلْمُضَارِبِ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى يَصِلَ رَبُّ الْمَالِ إلَى جَمِيعِ مَا أَوْصَلَهُ لِلْمُضَارِبِ عَلَى أَنَّهُ ثَمَنٌ أَمَّا إذَا أَرَادَ الْمُضَارِبُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً لَا يُرَابِحُ إلَّا عَلَى أَلْفٍ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ. .

فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفَانِ فَقَالَ لِرَبِّ الْمَالِ: دَفَعْتُ إلَيَّ أَلْفًا وَرَبِحْتُ أَلْفًا وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ دَفَعْتُ إلَيْك أَلْفَيْنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ أَوَّلًا الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي الرِّبْحَ وَالشَّرِكَةَ فِيهِ وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْقَبْضَ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ بِأَنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ وَشَرَطْتُ لَك ثُلُثَ الرِّبْحِ وَقَالَ الْمُضَارِبُ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفٌ وَشَرَطْتُ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ الْقَابِضُ، وَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ لِلزِّيَادَةِ، وَهُوَ لَوْ أَنْكَرَ اسْتِحْقَاقَ الرِّبْحِ عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ بِأَنْ قَالَ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ بِضَاعَةً كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَكَذَا فِي إنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مُبَيِّنَةٌ كَاسْمِهَا، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَانَتْ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ أَوْلَى فِي مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ، وَبَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ أَوْلَى فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَعَهُ أَلْفٌ فَقَالَ: هُوَ مُضَارَبَةٌ بِالنِّصْفِ وَقَدْ رَبِحَ أَلْفًا وَقَالَ الْمَالِكُ هُوَ بِضَاعَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ)؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ، أَوْ الشَّرِكَةَ فِي مَالِهِ، أَوْ شَرْطًا مِنْ جِهَتِهِ وَرَبُّ الْمَالِ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ أَقْرَضْتَنِي، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ وَدِيعَةٌ، أَوْ بِضَاعَةٌ، أَوْ مُضَارَبَةٌ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمَلُّكَ، وَهُوَ يُنْكِرُ، وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْقَرْضَ وَالْمُضَارِبُ الْمُضَارَبَةَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ كَانَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، ثُمَّ رَبُّ الْمَالِ يَدَّعِي عَلَيْهِ ضَمَانًا، وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا، وَلَوْ ادَّعَى الْمُضَارِبُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ تِجَارَةٍ وَادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْخُصُوصَ، أَوْ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَقَالَ الْمُضَارِبُ مَا سَمَّيْتَ لِي تِجَارَةً بِعَيْنِهَا كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْعُمُومُ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ أَعْرَفَ بِهِ كَالْوَكَالَةِ وَكَمَا إذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ الْعَمَلِ قُلْنَا الْأَصْلُ فِي الْوَكَالَةِ الْخُصُوصُ وَفِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ وَقَبْلَ الْعَمَلِ يَكُونُ إنْكَارُ رَبِّ الْمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّ الِاخْتِلَافَ وَقَعَ فِي مِقْدَارِ مَا قَبَضَ الْمُضَارِبُ وَالْمُضَارِبُ أَنْكَرَ زِيَادَةَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ مَا قَبَضْتُ مِنْكَ إلَّا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَرَبُّ الْمَالِ يَقُولُ قَبَضْتُ مِنِّي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ زِيَادَةَ الْقَبْضِ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ إلَّا قَبْضُ الْأَلْفِ فَالْأَلْفُ الزَّائِدَةُ تَكُونُ رِبْحًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ جَاءَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَقَالَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً وَأَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً لِفُلَانٍ عِنْدِي أَوْ قَالَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً وَأَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ خَالِصِ مَالِي وَرَبُّ الْمَالِ يَقُولُ لَا وَلَكِنْ أَلْفُ دِرْهَمٍ رَأْسُ الْمَالِ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ رِبْحٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا كَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ) قَيَّدَ بِهِ إذْ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الصِّفَةِ كَانَ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى مَا يَجِيءُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَمِينًا كَانَ) أَيْ كَالْمُودَعِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ ضَمِينًا) أَيْ كَالْغَاصِبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْقَابِضُ) أَيْ وَهُوَ يُنْكِرُ زِيَادَةَ الْقَبْضِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ أَقْرَضْتَنِي) أَيْ الْمَالَ وَالرِّبْحُ لِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ التَّمْلِيكَ اهـ أَتْقَانِيٌّ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُ مُضَارَبَةً أَوْ بِضَاعَةً أَوْ وَدِيعَةً ثُمَّ أَقْرَضَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَانَتْ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ أَوْلَى)، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الضَّمَانَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْعُمُومُ) أَيْ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ خُذْ هَذَا الْأَلْفَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْعُمُومَ لَمَا صَحَّ إلَّا بِالتَّخْصِيصِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَمَا إذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ الْعَمَلِ) كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (فُرُوعٌ) وَنَفَقَةُ عَبْدِ الْمُضَارَبَةِ وَجُعْلُهُ إذَا أَبَقَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ظَهَرَ رِبْحٌ أَوْ لَا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْعَامِلِ فِي الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُتَرَدِّدٌ وَمِلْكُ رَبِّ الْمَالِ مُتَقَرِّرٌ وَيَضُمُّ رَأْسَ الْمَالِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَيْنِ وَقَالَ أَضِفْ مِنْ عِنْدَك أَلْفًا أُخْرَى يَكُونُ أَلْفَانِ مِنْهَا شَرِكَةً وَالْأَلْفُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ جَازَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَضُمَّ إلَى مَالِ الْقِرَاضِ شَرِكَةً وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ عَامِلًا فِي الْمُضَارَبَةِ لِرَجُلٍ ثُمَّ يُضَارِبُهُ آخَرُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ دَفَعَ أَلْفًا عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ رِبْحِهَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ لِي رِبْحَ نِصْفِهَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَأَبِي ثَوْرٍ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ بِالْأَلْفِ أَمَةً أَوْ غَنَمًا أَوْ بَقَرًا أَوْ مَوْزُونًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ زَكَّى حَظَّهُ لِظُهُورِ الرِّبْحِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَأَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لَا يُزَكِّي لِعَدَمِ مِلْكِهِ الرِّبْحَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى أَمَتَيْنِ أَوْ غَنَمًا وَبَقَرًا أَوْ شَعِيرًا لَا يُزَكِّي لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ وَلَا يُكَاتِبُ الْمُضَارِبُ قَبْلَ ظُهُورِ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَبَعْدَهُ يَنْفُذُ فِي حِصَّتِهِ عِنْدَنَا وَلِرَبِّ الْمَالِ فَسْخُهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ كَمَا قَبْلَ ظُهُورِ الرِّبْحِ اهـ كَاكِيٌّ

[كتاب الوديعة]

نَهْيًا لَهُ عَنْ الْعُمُومِ، وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَصَحَّ نَهْيُهُ، وَلَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعًا كَانَ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْخُصُوصِ فَكَانَ قَوْلُ مَنْ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ الْإِذْنُ أَوْلَى، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ لِحَاجَتِهِ إلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ حَاجَةِ الْآخَرِ إلَى الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ وُقِّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ بِأَنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: دَفَعْتُ إلَيْك مُضَارَبَةً أَنْ تَعْمَلَ فِي بَزٍّ فِي رَمَضَانَ وَقَالَ الْمُضَارِبُ دَفَعْتُ إلَيَّ لِأَعْمَلَ فِي طَعَامٍ فِي شَوَّالٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ مَنْ يَقُولُ فِي شَوَّالٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّ آخِرَ الشَّرْطَيْنِ يَنْسَخُ أَوَّلَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتَا وَقْتًا، أَوْ وَقَّتَا وَقْتًا وَاحِدًا، أَوْ وُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى يَقْضِي بِمَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ كَأَنَّهُمَا لَمْ يُوَقِّتَا، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (كِتَابُ الْوَدِيعَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْإِيدَاعُ هُوَ تَسْلِيطُ الْغَيْرِ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ الْوَدِيعَةُ مَا يُتْرَكُ عِنْدَ الْأَمِينِ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ: الْوَدِيعَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَدْعِ، وَهُوَ مُطْلَقُ التَّرْكِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجَمَاعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَوْ لَيُكْتَبُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ» أَيْ تَرْكُهُمْ إيَّاهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3] قُرِئَتْ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْمُودَعُ الشَّيْءُ الْمَتْرُوكُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْإِيمَانُ نُورُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْدَعَهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ» فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْأَلَ التَّوْفِيقَ عَلَى حِفْظِ وَدِيعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى حِفْظِ جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَحِفْظُهَا يُوجِبُ سَعَادَةَ الدَّارَيْنِ وَالْخِيَانَةُ تُوجِبُ الشَّقَاءَ فِيهِمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَمَانَةُ تَجُرُّ الْغِنَى وَالْخِيَانَةُ تَجُرُّ الْفَقْرَ» وَرُوِيَ أَنَّ زُلَيْخَا لَمَّا اُبْتُلِيَتْ بِالْفَقْرِ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهَا مِنْ الْحُزْنِ عَلَى يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَلَسَتْ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فِي زِيِّ الْفُقَرَاءِ فَمَرَّ بِهَا يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَامَتْ تُنَادِي أَيُّهَا الْمَلِكُ اسْمَعْ كَلَامِي فَوَقَفَ يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَتْ الْأَمَانَةُ أَقَامَتْ الْمَمْلُوكَ مَقَامَ الْمُلُوكِ وَالْخِيَانَةُ أَقَامَتْ الْمُلُوكَ مَقَامَ الْمَمْلُوكِ فَسَأَلَ عَنْهَا يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقِيلَ إنَّهَا زُلَيْخَا فَتَزَوَّجَهَا مَرْحَمَةً عَلَيْهَا، ثُمَّ شَرْطُ الْوَدِيعَةِ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَيْهَا عِنْدَ الِاسْتِحْفَاظِ وَرُكْنُهَا قَوْلُ الْمُودِعِ أَوْدَعْتُك هَذَا الْمَالَ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُودَعِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، أَوْ بِالْفِعْلِ فَقَطْ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحِفْظِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ عِنْدَ الطَّلَبِ وَصَيْرُورَةُ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ أَمَانَةٌ فَلَا تُضْمَنُ بِالْهَلَاكِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يَقْضِي بِمَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقَعَانِ مَعًا وَلَا عَلَى التَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَمْ يَشْهَدُوا بِهِ وَإِذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِمَا يَعْمَلُ بِبَيِّنَةِ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ كَذَا فِي الْأَصْلِ. اهـ. [كِتَابُ الْوَدِيعَةِ] (كِتَابُ الْوَدِيعَةِ) مُنَاسَبَةُ هَذَا الْكِتَابِ بِمَا تَقَدَّمَ مَرَّتْ فِي أَوَّلِ الْإِقْرَارِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ الْعَارِيَّةَ وَالْهِبَةَ وَالْإِجَارَةَ لِلتَّنَاسُبِ بِالتَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ بِلَا تَمْلِيكِ شَيْءٍ وَفِي الْعَارِيَّةِ أَمَانَةٌ مَعَ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ لَكِنْ بِلَا عِوَضٍ وَفِي الْهِبَةِ تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِلَا عِوَضٍ وَهِيَ الْهِبَةُ الْمَحْضَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْبَيْعِ وَفِي الْإِجَارَةِ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ بِعِوَضٍ وَفِيهِ مَعْنَى اللُّزُومِ وَمَا كَانَ لَازِمًا أَقْوَى وَأَعْلَى مِمَّا كَانَ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَكَانَ فِي الْكُلِّ التَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى فَأَوَّلُ الْقَطْرِ غَيْثٌ ثُمَّ يَنْسَكِبُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عَقْدَ الْوَدِيعَةِ مَشْرُوعٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَهُوَ تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً لِصَاحِبِهَا بِحِفْظِ مَالِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ ائْتَمَنَ أَمَانَةً فَلْيُؤَدِّهَا» وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْوَدِيعَةُ مَا نَصُّهُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَالْمُودَعُ الشَّيْءُ الْمَتْرُوكُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ يُقَالُ أَوْدَعْت زَيْدًا مَالًا وَاسْتَوْدَعْته إيَّاهُ إذَا دَفَعْته إلَيْهِ لِيَكُونَ عِنْدَهُ فَأَنَا مُودِعٌ وَمُسْتَوْدِعٌ بِالْكَسْرِ وَزَيْدٌ مُودَعٌ وَمُسْتَوْدَعٌ بِالْفَتْحِ وَالْمَالُ مُودَعٌ وَمُسْتَوْدَعٌ أَيْضًا أَيْ وَدِيعَةٌ اهـ (فَرْعٌ) فِي صُورَةِ وَضْعِ الْمَالِ عِنْدَ آخَرَ وَذَهَابُهُ وَتَرْكُهُ أَوْ إلْقَاءُ الرِّيحِ فِي بَيْتِهِ كَانَ قَابِلًا لِلْوَدِيعَةِ عُرْفًا بِالسُّكُوتِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِصَاحِبِ الْحَمَّامِ أَيْنَ أَضَعُ ثِيَابِي فَقَالَ الْحَمَّامِيُّ ثَمَّةَ فَوَضَعَهُ فَسُرِقَتْ يَضْمَنُ الْحَمَّامِيُّ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْحِفْظِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِقَوْلِهِ قَابِلًا لِلْوَدِيعَةِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُغْنِي وَفَتَاوَى قَاضِيخَانْ. اهـ. (قَوْلُهُ عِنْدَ الِاسْتِحْفَاظِ) حَتَّى لَوْ أَوْدَعَ الْآبِقَ أَوْ الْمَالَ السَّاقِطَ فِي الْبَحْرِ أَوْ الطَّيْرَ الَّذِي يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ لَا يَصِحُّ وَكَوْنُ الْمُودَعِ مُكَلَّفًا شَرْطٌ أَيْضًا لِيَجِبَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ) احْفَظْ هَذَا الشَّيْءَ أَوْ خُذْ هَذَا الشَّيْءَ وَدِيعَةً عِنْدَك اهـ (قَوْلُهُ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحِفْظِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ) حَتَّى لَوْ رَأَى إنْسَانًا يَسُوقُهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ يَضْمَنُ لِتَرْكِهِ الْحِفْظَ الْمُلْتَزَمَ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْمُودَعَ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْعَقْدِ. اهـ. بَدَائِعُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْإِيجَابُ وَحْدَهُ كَافٍ فِي حَقِّ الْأَمَانَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَالِكُ لِلْغَاصِبِ أَوْدَعْتُك الْمَغْصُوبَ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَالِ أَمَانَةً حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِرَبِّ الْمَالِ فَيَثْبُتُ بِهِ وَحْدَهُ وَأَمَّا وُجُوبُ الْحِفْظِ فَيَلْزَمُ الْمُودَعَ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً. اهـ. شَرْحِ مَجْمَعٍ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهِيَ أَمَانَةٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ حَمْلِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي قَوْلِكَ لِإِنْسَانٍ

«لَا ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ؛ وَلِأَنَّ الْمُودَعَ مُتَبَرِّعٌ فِي الْحِفْظِ وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ؛ وَلِأَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ فَيَكُونُ هَلَاكُهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ؛ وَلِأَنَّ لِلنَّاسِ حَاجَةً إلَى الْإِيدَاعِ فَلَوْ ضَمِنَ الْمُودَعُ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ فَكَانُوا يُحْرَجُونَ بِذَلِكَ، وَهَلَاكُهَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ أَوْ لَا وَبَيْنَ إنْ هَلَكَ لِلْأَمِينِ مَالٌ غَيْرُهَا مَعَهَا، أَوْ لَمْ يَهْلِكْ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ ادَّعَى أَنَّهَا سُرِقَتْ وَحْدَهَا يَضْمَنُ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُودِعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِعِيَالِهِ)؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ أَنْ يَحْفَظَهَا مِثْلَ مَا يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ وَمَالُ نَفْسِهِ يَحْفَظُهُ بِمَنْ فِي عِيَالِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاكَنَةُ لَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَة إذَا دَفَعَتْ الْوَدِيعَةَ إلَى زَوْجِهَا لَا تَضْمَنُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى أَجِيرِهِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُودَعَ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى وَكِيلِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ، أَوْ دَفَعَ إلَى أَمِينٍ مِنْ أُمَنَائِهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ حَفِظَهُ مِثْلَ مَا يَحْفَظُ مَالَهُ وَجَعَلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، ثُمَّ قَالَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَزَاهُ إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ، وَهُوَ إلَى الْحَلْوَانِيِّ، ثُمَّ قَالَ، وَعَنْ هَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي التُّحْفَةِ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ بِالْعِيَالِ فَقَالَ وَيَلْزَمُ الْمُودَعَ حِفْظُهُ إذَا قَبِلَ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ بِهِ مَالَهُ وَذَكَرَ فِيهِ أَشْيَاءَ حَتَّى ذَكَرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفَظَ بِشَرِيكِ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ مَالُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْعِيَالَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ ضَمِنَ) أَيْ بِغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَرْضَ بِيَدِ غَيْرِهِ وَالْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ؛ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ كَالْمُضَارِبِ لَا يُضَارِبُ وَالْوَضْعُ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْجَارٍ لَهُ إيدَاعٌ حَتَّى يَضْمَنَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ فِي الْحِرْزِ وَضْعٌ فِي يَدِ مَنْ فِي يَدِهِ الْحِرْزُ فَيَكُونُ كَالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَخَافَ الْحَرَقَ، أَوْ الْغَرَقَ فَيُسَلِّمُهَا إلَى جَارِهِ، أَوْ فُلْكٍ آخَرَ)؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى جَارِهِ، أَوْ الْإِلْقَاءَ إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى عِنْدَ إحَاطَةِ النَّارِ بِدَارِهِ وَعِنْدَ تَخَبُّطِ السَّفِينَةِ تَعَيَّنَ حِفْظًا فَلَا يَضْمَنُ بِهِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْوَدِيعَةِ إلَى غَيْرِهِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَدَعْوَى ضَرُورَةٍ دَعْوَى مُسْقِطٌ لَهُ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا إذَا أَتْلَفَهَا بِالصَّرْفِ فِي حَاجَتِهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِعِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى الْأَجْنَبِيِّ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهَا فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى وَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَقِرَّ فِيهَا بِأَنْ وَقَعَتْ فِي الْبَحْرِ ابْتِدَاءً، أَوْ بِالتَّدَحْرُجِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ طَلَبهَا رَبُّهَا فَحَبَسَهَا قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا، أَوْ خَلَطَهَا بِمَالِهِ حَتَّى لَا تَتَمَيَّزَ ضَمِنَهَا)؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهَا إذْ لَا يَرْضَى صَاحِبُهَا بِإِمْسَاكِهَا بَعْدَهُ فَيَكُونُ مَعْزُولًا فَصَارَ يَدُهُ عَلَيْهَا كَيَدِ الْغَاصِبِ فَيَضْمَنُ، وَكَذَا بِالْخَلْطِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا مُتَعَدِّيًا إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيَوَانٌ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ أَمَانَةً بِاسْتِحْفَاظِ صَاحِبِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ قَصْدًا وَالْأَمَانَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ وَأَلْقَتْ ثَوْبَ إنْسَانٍ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ يَكُونُ ذَلِكَ أَمَانَةً عِنْدَهُ وَلَكِنْ بِلَا قَصْدٍ فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ أَيْ هِيَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إذَا هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ التَّقْصِيرُ فِي الْحِفْظِ وَخَلْطُهَا بِمَالِهِ وَمَنْعُهَا مِنْ مَالِكِهَا بَعْدَ الطَّلَبِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ يَجُوزُ لِلْمُودَعِ دَفْعُ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِمْ وَلَا يَضْمَنُ عِنْدَ تَلَفِهَا الزَّوْجَةُ وَالْوَلَدُ وَالْمَمْلُوكُ وَالْأَجِيرُ ثُمَّ قَالَ فِيهَا شَيْئَانِ لَا يُوجِبَانِ الضَّمَانَ مَعَ الْخِلَافِ إذَا قَالَ لَا تَدْفَعْ إلَى زَوْجَتِك فَدَفَعَ إلَيْهَا وَتَلِفَ أَوْ قَالَ احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْمُودِعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِعِيَالِهِ) فِي الذَّخِيرَةِ الدَّفْعُ إلَى الْعِيَالِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَنْ فِي عِيَالِهِ أَمِينًا وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ اهـ. (فَرْعٌ) لَوْ ادَّعَى الْمُودَعُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ الدَّعْوَى فَلْيُرَاجَعْ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ ضَمِنَ) صُورَتُهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ وَيَتْرُكَ الْوَدِيعَةَ فِيهِ وَفِي بَيْتِهِ غَيْرُهُ وَالْإِيدَاعُ أَنْ يَنْقُلَ الْوَدِيعَةَ مِنْ بَيْتِهِ وَيَدْفَعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ بِالْإِيدَاعِ لِمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْتَزَمَ حِفْظَ مَالِ غَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ وَمَالُ نَفْسِهِ يُحْفَظُ بِالْإِيدَاعِ قُلْنَا قَوْلُهُ إنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ وَيَدُهُ تَحْفَظُهُ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ جَوَابٌ عَنْهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ أَيْ بِنَفْسِهِ غَالِبًا فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنْ يَحْفَظَ مَالَ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يَخَافَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ ضَمِنَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَلَوْ أَرَادَ سَفَرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَيْسَ بِعُذْرٍ اهـ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ الْغَرَقُ) أَوْ اللُّصُوصُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) يَعْنِي لَوْ أَوْدَعَ غَيْرَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَهُ عَنْ عُذْرٍ لَا يُصَدَّقُ إلَخْ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَا نُصَدِّقُهُ عَلَى الْعُذْرِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ ثُمَّ قَالَ وَكَذَلِكَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِيدَاعَ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ فَإِذَا ادَّعَى سُقُوطَ الضَّمَانِ لِلضَّرُورَةِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمَالِكَ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِيدَاعِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ دَفَعَ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ احْتَرَقَ بَيْتُ الْمُودَعِ فَدَفَعَهَا إلَى جَارِهِ وَكَذَا فِيمَا يُشْبِهُ هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَفِي الْمُنْتَقَى هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بَيْتَهُ احْتَرَقَ فَإِذَا عَلِمَ قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ) وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ مِنْ أَخْذِهَا دُونَ حَمْلِهَا إلَى صَاحِبِهَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَذَلِكَ لَوْ جَحَدَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا صَارَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهَا بِخِلَافِ الْمُودَعِ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ تَرَكَ الْخِلَافَ وَعَادَ إلَى الْوِفَاقِ

حَقِّهِ بِسَبَبِ فِعْلِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَيَمْلِكُ الْمَخْلُوطَ وَلَا سَبِيلَ لِلْمُودِعِ فِي الْمَخْلُوطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا إذَا خَلَطَهَا بِجِنْسِهَا شَرِكَهُ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ صُورَةً وَأَمْكَنَهُ مَعْنًى بِالْقِسْمَةِ فَكَانَ اسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيمَا لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ إفْرَازٌ وَتَعْيِينٌ حَتَّى مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ عَيْنًا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَكَانَ إمْكَانُ الْوُصُولِ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ قَائِمًا مَعْنًى فَيَتَخَيَّرُ وَلَهُ أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ وَلَا يَكُونُ الِاسْتِهْلَاكُ مِنْ الْعِبَادِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إعْدَامَ الْمَحَلِّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِمْ فَيَصِيرُ ضَامِنًا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُهَا الشَّرِكَةُ لِيَصِلَ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى حَقِّهِ فَلَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً لِلشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ لَا يَكُونُ عِلَّةَ الْعِلَّةِ ثُمَّ قَالُوا لَا يُبَاحُ لِلْخَالِطِ التَّنَاوُلُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُودِعُ الْخَالِطَ لَا سَبِيلَ لِلْمُودِعِ عَلَى الْمَخْلُوطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ لَا غَيْرُ، وَقَدْ سَقَطَ بِإِبْرَائِهِ وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ وَتَتَعَيَّنُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَخْلُوطِ وَفِيهِ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ وَلَوْ خُلِطَ الْمَائِعُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ كَالزَّيْتِ بِالشَّيْرَجِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ صُورَةً وَمَعْنًى لِتَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَتَعَيُّنِ الْمُبَادَلَةِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ خَلْطُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَخْلُو عَنْ حَبَّاتِ الْآخَرِ فَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ وَقِيلَ لَا يَنْقَطِعُ بِالْإِجْمَاعِ لَامِكَانِ التَّمْيِيزِ فِي الْجُمْلَةِ وَقِيلَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْمَخْلُوطُ مِلْكًا لِلْخَالِطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَصِيرُ، وَلَوْ خُلِطَ الْمَائِعُ بِجِنْسِهِ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِمَا بَيَّنَّا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ أَجْزَاءً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرِكَهُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ عِنْدَهُ، وَقَدْ مَرَّ فِي الرَّضَاعِ، وَلَوْ خُلِطَتْ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ بَعْدَ الْإِذَابَةِ صَارَ مِنْ الْمَائِعَاتِ؛ لِأَنَّهُ مَائِعٌ حَقِيقَةً عِنْدَ الْخَلْطِ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ اشْتَرَكَا)؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِالتَّعَدِّي، وَلَمْ يُوجَدْ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ فَيَشْتَرِكَانِ ضَرُورَةً وَهَذِهِ شَرِكَةُ أَمْلَاكٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهَا فِي الشَّرِكَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَنْفَقَ بَعْضَهَا فَرَدَّ مِثْلَهُ فَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي ضَمِنَ الْكُلَّ)؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ صَارَ ضَامِنًا لَهُ بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ وَصَارَ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ ضَامِنًا أَيْضًا لِكَوْنِهِ خَلَطَ مَالَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهِ وَقَبْلَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا خَلَطَهُ الْوَدِيعَةِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلْوَدِيعَةِ فَيَضْمَنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَعَدَّى فِيهَا، ثُمَّ زَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQارْتَفَعَ الضَّمَانُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَرْتَفِعُ كَالْجُحُودِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (فَرْعٌ) قَالَ قَاضِيخَانْ قَوْمٌ دَفَعُوا إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ لِيَدْفَعَ الْخَرَاجَ عَنْهُمْ فَأَخَذَهَا وَشَدَّهَا فِي مِنْدِيلِهِ وَوَضَعَ فِي كُمِّهِ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَذَهَبَتْ مِنْهُ الدَّرَاهِمُ وَهُوَ لَا يَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ وَأَصْحَابُ الْمَالِ لَا يُصَدِّقُونَهُ قَالُوا لَا يَكُونُ ضَامِنًا وَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ ذَهَبَتْ الْوَدِيعَةُ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ وَثَمَّةَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ بِالضَّمَانِ)، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ فَإِنْ انْشَقَّ الْكِيسُ فِي صُنْدُوقِهِ فَاخْتَلَطَتْ بِدَرَاهِمِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِمَا جَمِيعًا وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْنِي إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخِرِ أَلْفَانِ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَطَ بِمَالِهِ الْآخَرِ خَلْطًا لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا فَثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي لِوُجُودِ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي بَعْضِهِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ صِحَاحًا أَوْ مُكَسَّرَةً فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ أَحَدِهِمَا صِحَاحًا وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ مُكَسَّرَةً فَلَا يَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا بَلْ يُمَيَّزُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَدْفَعُ إلَى الْمُودِعِ مَالَهُ وَيُمْسِكُ الْمُودَعُ مَالَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ صِحَاحًا جِيَادًا وَفِيهَا بَعْضُ الرَّدِيءِ وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ صِحَاحًا رَدِيئَةً وَفِيهَا بَعْضُ الْجِيَادِ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَ الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا خَلْطٌ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ كَيْفَ يَقْتَسِمَانِ إنْ تَصَادَقَا أَنَّ ثُلْثَيْ مَالِ أَحَدِهِمَا جِيَادٌ وَرَدِيءٌ (قَوْلُهُ فَيَشْتَرِكَانِ)، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَصَارَ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ ضَامِنًا أَيْضًا) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ فَأَنْفَقَ طَائِفَةً مِنْهَا فِي حَاجَتِهِ كَانَ ضَامِنًا لِمَا أَنْفَقَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِالْإِنْفَاقِ وَلَا يَضْمَنُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْلَفْ فَإِنْ جَاءَ بِمِثْلِ مَا أَنْفَقَ وَخَلَطَ بِالْبَاقِي صَارَ ضَامِنًا لِجَمِيعِهَا مَا أَنْفَقَ بِالْإِتْلَافِ وَمَا بَقِيَ بِالْخَلْطِ هَذَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ عَلَى مَالِهِ عَلَامَةً حِينَ خَلَطَ بِمَالِ الْوَدِيعَةِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَامَةٌ لَا يَضْمَنُ سِوَى مَا أَنْفَقَ لِإِمْكَانِ التَّمْيِيزِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ تَعَدَّى إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَقَّبَ لِلْمَسْأَلَةِ إنَّ الْمُودَعَ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ كَذَا فِي نَسْخِ طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ وَفِي الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ إذَا خَالَفَا ثُمَّ تَرَكَا الْخِلَافَ بَقِيَ الضَّمَانُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَفِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ الْعَيْنَ بِالْخِلَافِ هَلْ تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ أَمْ لَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْخِلَافِ لَا يَضْمَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْخِلَافِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا هَلَكَ فِي حَالَةِ الْخِلَافِ وَاخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَقَالَ فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَيْنَ تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ بِلَفْظِ

التَّعَدِّي زَالَ الضَّمَانُ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَإِقْرَارِهِ بَعْدَ جُحُودِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَدِيعَةِ ارْتَفَعَ حِينَ صَارَ ضَامِنًا لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالْأَمَانَةِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى صَاحِبِهَا وَلَا تَعُودُ الْأَمَانَةُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَصَارَ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَكَالْجُحُودِ وَلَنَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْحِفْظِ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا فَإِذَا خَالَفَ فِي الْبَعْضِ ارْتَفَعَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ فَإِذَا رَجَعَ إلَى الْوِفَاقِ فِي غَيْرِهِ أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ فِيهِ فَارْتَفَعَ الْخِلَافُ ضَرُورَةً فَتَعُودُ الْأَمَانَةُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِلْحِفْظِ فِي مُدَّةٍ فَتَرَكَ الْحِفْظَ فِي بَعْضِهَا، ثُمَّ عَادَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ لِلْعَيْنِ إذَا تَعَدَّى فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ وَالْمُسْتَأْجَرَةِ، ثُمَّ زَالَ التَّعَدِّي حَيْثُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الضَّمَانِ إنَّمَا تَكُونُ بِإِعَادَةِ يَدِ الْمَالِكِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُمَا الْعَيْنَ كَانَ لِأَنْفُسِهِمَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ فَإِذَا تَرَكَا الْخِلَافَ لَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ إلَى صَاحِبِهَا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا بِخِلَافِ الْمُودَعِ فَإِنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فِي الْحِفْظِ فَإِذَا تَرَكَ الْخِلَافَ فَقَدْ رَدَّهَا إلَى يَدِ صَاحِبِهَا حُكْمًا فَبَرِئَ إذْ هُوَ نَائِبٌ عَنْهُ وَبِخِلَافِ الْجُحُودِ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ فَيَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ كَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّهُ بِالْجُحُودِ يُنْتَقَضُ إيمَانُهُ فَلَا يَعُودُ مُسْلِمًا إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَبِالْمُخَالَفَةِ فِعْلًا لَا يُنْتَقَضُ حَتَّى إذَا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ صَحَّ، وَلِهَذَا جُحُودُ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ يَكُونُ فَسْخًا، وَكَذَا جُحُودُ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْبَيْعَ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَ بِحَضْرَتِهِ عَزَلَ نَفْسَهُ، وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ وَيَنْفَرِدُ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا طَالَبَهُ الْمُودِعُ فَقَدْ عَزَلَهُ فَيَكُونُ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِمْسَاكِ غَاصِبًا وَلَوْ عَادَ إلَى الْإِقْرَارِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَإِقْرَارِهِ بَعْدَ جُحُودِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ جَحَدَهَا عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبِهَا، أَوْ عِنْدَهُ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ حَالِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الرَّدَّ، أَوْ طَلَبَ مِنْهُ الرَّدَّ عِنْدَ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ فَجَحَدَهَا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا يُعَدُّ إنْكَارًا وَلَا خِلَافًا، وَإِنَّمَا هُوَ إتْقَانٌ لِلْحِفْظِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ حَالَ غَيْبَتِهِ وَلَمْ يَعْزِلْهُ صَاحِبُهَا فَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ سَبَبُ الضَّمَانِ لِكَوْنِهِ إتْلَافًا حُكْمًا فَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ كَالْإِتْلَافِ حَقِيقَةً قُلْنَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ إتْلَافًا إذَا أَرَادَ تَمَلُّكَهَا وَمُرَادُهُ هُنَا حِفْظُهَا بِقَطْعِ طَمَعِ الطَّامِعِينَ فَكَيْفَ يَكُونُ إتْلَافًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ النَّهْيِ وَالْخَوْفِ) أَيْ لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ إذَا لَمْ يَنْهَهُ الْمُودِعُ وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا بِالْإِخْرَاجِ، وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهُ الْخُرُوجُ بِهَا إلَى مَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ، وَإِنْ طَالَتْ لَا يَخْرُجُ بِمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَصِيرَةَ لَا يُخَافُ فِيهَا عَادَةً؛ وَلِهَذَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ السَّفَرَ الْقَصِيرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَخْرُجُ بِمَالِهِ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ وَرُبَّمَا تَسْتَغْرِقُ الْمُؤْنَةُ الْوَدِيعَةَ، وَفِيهِ إهْلَاكُهَا فَلَا يَجُوزُ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ إخْرَاجُ الْمَبِيعِ فَإِنْ أَخْرَجَ ضَمِنَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ، وَهُوَ الْحِفْظُ فِي الْأَمْصَارِ عَادَةً وَصَارَ كَالِاسْتِحْفَاظِ بِأَجْرٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَمْرَ صَدَرَ مُطْلَقًا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَكَانِ كَمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِالزَّمَانِ، وَالْمَفَازَةُ مَحَلٌّ لِلْحِفْظِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَالْكَلَامُ فِيهِ فَصَارَ كَالْمِصْرِ؛ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مَعَ أَنَّ وِلَايَتَهُمَا نَظَرِيَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَلَوْلَا أَنَّهُ مِنْ الْأَحْسَنِ لَمَا جَازَ ذَلِكَ لَهُمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَوْدَةَ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ تَتَقَوَّمُ فِي تَصَرُّفِهِمَا حَتَّى لَا يَنْفُذَ بَيْعُهُمَا بِمِثْلِهَا وَزْنًا لِعَدَمِ النَّظَرِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مَأْمُورٌ بِالْبَيْعِ لَا بِالْحِفْظِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحِفْظُ بِمُقْتَضَى الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ إلَّا بَعْدَ حِفْظِهِ وَالِاسْتِحْفَاظُ بِأَجْرٍ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ وَمَا يَلْزَمُ الْآمِرَ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ ضَرُورَةَ صِحَّةِ أَمْرِهِ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ إضْرَارًا بِهِ وَالْمُعْتَادُ كَوْنُهُمْ فِي الْمِصْرِ لَا حِفْظُهُمْ فِيهِ وَمَنْ يَكُونُ فِي الْمَفَازَةِ يَحْفَظُ مَالَهُ فِيهَا كَأَهْلِ الْأَخْبِيَةِ، وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مُخِيفًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ بِأَنْ سَافَرَ مَعَ أَهْلِهِ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ نَهَاهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا مِنْ الْمِصْرِ فَخَرَجَ بِهَا ضَمِنَ إنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَرَاءَةِ وَالْبَرَاءَةُ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ تَعَدَّى مَا نَصُّهُ بِأَنْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَعُودُ الْأَمَانَةُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا اعْتَبَرَا الْخِلَافَ فِعْلًا بِالْخِلَافِ قَوْلًا فَإِذَا جَحَدَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ أَقَرَّ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ فَكَذَا هُنَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَأْجِرُ لِلْعَيْنِ إذَا تَعَدَّى إلَخْ) بِأَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ ثُمَّ جَاوَزَهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا لَا جَائِيًا لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْتَهَى بِالْوُصُولِ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَبِالْعَوْدِ إلَيْهِ لَا يَعُودُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عِنْدَهُ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ حَالِهَا) وَخَصَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ كَذَلِكَ وَكَذَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِمَا أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي مَبْسُوطِ مُحَمَّدٍ وَفِيمَا ذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ فَأَوْرَدَهُ كَذَلِكَ اهـ مِعْرَاجٌ.

أَبْلَغُ فِي الْحِفْظِ فَكَانَ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ لَا يَضْمَنُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَلَوْ أَوْدَعَا شَيْئًا لَمْ يَدْفَعْ الْمُودِعُ إلَى أَحَدِهِمَا حَظَّهُ) أَيْ لَوْ أَوْدَعَ رَجُلَانِ شَيْئًا عِنْدَ رَجُلٍ فَحَضَرَ أَحَدُهُمَا يَطْلُبُ نَصِيبَهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَالَا لَهُ ذَلِكَ وَالْخِلَافُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَفِي غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ لَهُمَا أَنَّ الْحَاضِرَ طَلَبَ نَصِيبَهُ خَاصَّةً فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ مَا سَلَّمَ إلَيْهِ، وَهُوَ النِّصْفُ وَهُوَ لَهُ؛ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ فَكَذَا يُؤْمَرُ الْمُودَعُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ وَلِأَنَّ الْمُودَعَ لَا يَمْلِكُ الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمَا؛ وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَهُ لَا يَكُونُ قِسْمَةً بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى إذَا هَلَكَ الْبَاقِي رَجَعَ صَاحِبُهُ عَلَى الْآخِذِ بِحِصَّتِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ قِسْمَةٌ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ نَصِيبَ الْغَائِبِ إلَيْهِ لِعَدَمِ إذْنِهِ بِذَلِكَ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ فَيَضْمَنُ نِصْفَهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا وَأَخْذُهُ الشَّرِيكَ عِنْدَ الظَّفَرِ بِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُودَعَ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا إذَا كَانَ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَلِلْمَدِينِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةٌ عِنْدَ آخَرَ فَلِغَرِيمِهِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَدِيعَةَ إذَا ظَفِرَ بِهَا وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِذَلِكَ وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلَيْنِ دَخَلَا الْحَمَّامَ وَأَوْدَعَا عِنْدَ الْحَمَّامِيِّ أَلْفًا فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا فَطَلَبَهُ مِنْهُ فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ الْآخَرُ وَطَالَبَهُ فَتَحَيَّرَ الْحَمَّامِيُّ وَذَهَبَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ لَهُ قُلْ لَا أُعْطِيك حَتَّى تُحْضِرَ صَاحِبَك فَانْقَطَعَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ مَا يُقْسَمُ اقْتَسَمَاهُ وَحَفِظَ كُلٌّ نِصْفَهُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْآخَرِ ضَمِنَ بِخِلَافِ مَا لَا يُقْسَمُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْمُرْتَهَنَيْنِ وَالْوَكِيلَيْنِ بِالشِّرَاءِ إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَقَالَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَحْفَظَ بِإِذْنِ الْآخَرِ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْآخَرِ وَلَا يَضْمَنَ كَمَا فِيمَا لَا يُقْسَمُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ أَقْيَسُ أَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِحِفْظِهِمَا لَا بِحِفْظِ أَحَدِهِمَا وَرِضَاهُ بِأَمَانَةِ الِاثْنَيْنِ لَا يَكُونُ رِضًا بِأَمَانَةِ الْوَاحِدِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ فِعْلَ الِاثْنَيْنِ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي يَتَنَاوَلُ الْبَعْضَ لَا الْكُلَّ فَإِذَا سَلَّمَ الْكُلَّ إلَى الْآخَرِ وَلَمْ يَرْضَ الْمَالِكُ بِهِ ضَمِنَ وَلَا يَضْمَنُ الْقَابِضُ؛ لِأَنَّ مُودَعَ الْمُودَعِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يُقْسَمُ فَالْمَالِكُ رَضِيَ بِثُبُوتِ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْدَعَهُمَا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى حِفْظِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَمْكَنَهُمَا الْمُهَايَأَةُ صَارَ رَاضِيًا بِحِفْظِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْخِلَافُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْخِلَافُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَإِنَّمَا قَالَ وَهُوَ الْمُرَادُ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْقُدُورِيِّ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلْوَجْهَيْنِ فَقَالَ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا يُقْسَمُ اسْتِدْلَالًا بِوَضْعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي ثَلَاثَةِ نَفَرٍ أَوْدَعُوا رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَغَابَ اثْنَانِ وَجَاءَ وَاحِدٌ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَكَذَلِكَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ وَمَنْ اسْتَوْدَعَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ مَا سِوَاهَا مِمَّا يُقْسَمُ ثُمَّ جَاءَ أَحَدُهُمْ يَطْلُبُ نَصِيبَهُ وَلَمْ يَحْضُرْ صَاحِبَاهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهَا شَيْئًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ ثُلُثَهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ صَاحِبَاهُ يَدْفَعُ نَصِيبَهُ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ هَذَا قِسْمَةً عَلَى الْغَائِبِ حَتَّى إنَّ الْغَائِبَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُودَعِ كَانَ لِلْغَائِبِ أَنْ يُشَارِكَ الْقَابِضَ فِيمَا قَبَضَ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْقَابِضِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْقَابِضَ فِيمَا قَبَضَ (قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَرَضًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ خَرَجَ الْآخَرُ وَطَالَبَهُ) أَيْ وَقَالَ إنَّا دَفَعْنَاهُ إلَيْك وَقَدْ ضَيَّعْت حَقِّي بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَحْدَهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَقَالَ لَهُ قُلْ لَا أُعْطِيك حَتَّى تُحْضِرَ صَاحِبَك) أَيْ لَأَنَّكُمَا دَفَعْتُمَاهُ إلَيَّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَكْسُ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْمُودِعَ وَاحِدٌ وَالْمُودَعَ مُتَعَدِّدٌ وَالْمُتَقَدِّمَةُ بِالْعَكْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْآخَرِ ضَمِنَ) أَيْ ضَمِنَ الدَّافِعُ النِّصْفَ وَلَا يَضْمَنُ الْقَابِضُ كَمَا سَيَجِيءُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا أَوْدَعَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ مَالًا قَالَ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ يَعْنِي يَقْتَسِمَانِهِ قَالَ فَإِنْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا الْمَالَ كُلَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَتَوَى الْمَالُ قَالَ يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي دَفَعَ النِّصْفَ وَلَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ شَيْئًا قَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا تُسْتَطَاعُ قِسْمَتُهُ فَأَمَّا مَا لَا تُسْتَطَاعُ قِسْمَتُهُ نَحْوَ الْمَمْلُوكِ وَالثَّوْبِ فَإِذَا دَفَعَ أَحَدُ الْمُسْتَوْدَعِينَ ذَلِكَ إلَى صَاحِبِهِ لَمْ يَضْمَنْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا سَلَّمَ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ) أَيْ فَضَاعَ ضَمِنَ النِّصْفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا) أَيْ فَكَانَ دَفْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفْعًا إلَى أَمِينِ الْمَالِكِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْمُهَايَأَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ مِنْ الشَّامِلِ لَوْ أَوْدَعَ رَجُلَيْنِ عَبْدًا فَتَهَايَآ عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا شَهْرًا وَعِنْدَ الْآخَرِ شَهْرًا لَمْ يَضْمَنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْحِفْظُ مَعًا فَجَازَ

(وَلَوْ قَالَ لَهُ لَا تَدْفَعُ إلَى عِيَالِك، أَوْ احْفَظْ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَدَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَوْ حَفِظَهُ فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ الدَّارِ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ الْمُودِعُ قَالَ ذَلِكَ لِلْمُودَعِ فَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْحِفْظُ مَعَ مُرَاعَاةِ شَرْطِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُفِيدًا فَيَلْغُو، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِمَّا يُحْفَظُ فِي يَدِ مَنْ مَنَعَهُ الْمُودِعُ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ فَرَسًا فَيَمْنَعُهُ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى غُلَامِهِ، أَوْ تَكُونَ عَقْدَ جَوْهَرٍ فَيَمْنَعُهُ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى امْرَأَتِهِ، أَوْ كَانَتْ بُيُوتُ الدَّارِ مُتَسَاوِيَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِمَّا لَا يُحْفَظُ فِي يَدِ مَنْ نَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ فَرَسًا فَنَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى امْرَأَتِهِ، أَوْ كَانَتْ عَقْدَ جَوْهَرٍ فَنَهَاهُ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَى امْرَأَتِهِ، أَوْ كَانَتْ بُيُوتُ الدَّارِ مُخْتَلِفَةً بِأَنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا عَوَرٌ ظَاهِرٌ فَيَضْمَنُ بِالْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ فِي مِثْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ حَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى ضَمِنَ) أَيْ إنْ كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنْ دَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى مَنْ نَهَاهُ عَنْ دَفْعِهَا إلَيْهِ بِأَنْ نَهَاهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى امْرَأَتِهِ فُلَانَةَ وَلَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى، أَوْ نَهَاهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى غُلَامِهِ فُلَانٍ وَلَهُ غُلَامٌ آخَرُ فَخَالَفَهُ، أَوْ قَالَ لَهُ احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ، أَوْ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَحَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى ضَمِنَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي الْأَمَانَةِ وَالْكِيَاسَةِ وَمَعْرِفَةِ طُرُقِ الصِّيَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَمَّا يُوجِبُ شَيْئًا فِي الدَّيْنِ إذْ هِيَ الْحَامِلَةُ عَلَى الْحِفْظِ كَمَا يَنْبَغِي، وَكَذَا الدُّورُ تَخْتَلِفُ فِي الْحِرْزِ فَكَانَ هَذَا الشَّرْطُ مُفِيدًا فَيُعْتَبَرُ إذَا كَانَ لَا يُحْرِجُ بِالْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ، وَذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ ذَكَرْنَا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ضَمِنَ مُودَعُ الْغَاصِبِ لَا مُودَعُ الْمُودَعِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ مُودَعُ الْمُودَعِ أَيْضًا فَيَكُونُ لِصَاحِبِهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ عَامِلًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ خَائِنٌ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الثَّانِي بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ وَالثَّانِي مُتَعَدٍّ بِقَبْضِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَنَزَلَا مَنْزِلَةَ الْغَاصِبِ وَمُودَعِ الْغَاصِبِ أَوْ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، أَوْ الْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ غَيْرَ أَنَّ الثَّانِيَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْأَوَّلِ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ، وَلَهُ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ مِنْ يَدِ أَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ لَا يَضْمَنُ لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يُفَارِقْهُ لِحُضُورِ رَأْيِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى هَذَا الْوَجْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ لَا تَدْفَعْ إلَى عِيَالِك إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي، وَإِنْ قَالَ لَا تَدْفَعْهَا إلَى امْرَأَتِك أَوْ عَبْدِك أَوْ وَلَدِك أَوْ أَجِيرِك فَإِنِّي أَتَّهِمُهُمْ عَلَيْهَا فَدَفَعَهَا إلَى الَّذِي نَهَاهُ عَنْهُ فَهَلَكَتْ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ دَفْعِهَا إلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَإِنْ كَانَ يَجِدُ مِنْ أَهْلِهِ وَخَدَمِهِ مَنْ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ وَيَضَعُهَا عِنْدَهُ غَيْرَ هَذَا فَأَعْطَاهُ وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهُ ضَمِنَهُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِعُذْرٍ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي خَالَفَ بِغَيْرِ عُذْرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَنَهَاهُ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَى امْرَأَتِهِ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ إلَى غُلَامِهِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ حَفِظَهَا إلَخْ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي دَارٍ وَنَهَاهُ عَنْ الْوَضْعِ فِي دَارٍ أُخْرَى فَوَضَعَهَا فِي الَّتِي نَهَاهُ عَنْهَا فَهَلَكَتْ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْتَانِ فِي دَارٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَضْمَنْ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي وَإِذَا قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ لِلْمُسْتَوْدَعِ اخْبَأْهَا فِي بَيْتِك هَذَا فَخَبَّأَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ دَارِهِ تِلْكَ فَضَاعَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْسِكْهَا بِيَدِك وَلَا تَضَعْهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا فَوَضَعَهَا فِي بَيْتِهِ فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَلَوْ قَالَ اخْبَأْهَا فِي دَارِك هَذِهِ وَلَا تَخْبَأْهَا فِي دَارِك الْأُخْرَى فَوَضَعَهَا فِي الَّتِي نَهَى عَنْهَا ضَمِنَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا تُخْرِجْهَا مِنْ الْكُوفَةِ فَخَرَجَ بِهَا إلَى الْبَصْرَةِ كَانَ ضَامِنًا لَهَا، وَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى الْبَصْرَةِ أَوْ إلَى غَيْرِهَا لِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ فَهَلَكَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَهَا إلَى بَيْتٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا نَقَلَهَا إلَى دَارٍ أُخْرَى وَلَنَا أَنَّ الدَّارَ حِرْزٌ وَاحِدٌ بِدَلَالَةِ أَنَّ السَّارِقَ إذَا أَخَذَ مِنْ بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ فَنَقَلَ إلَى بَيْتٍ آخَرَ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ الْحِرْزَ بَعْدُ وَالْحِرْزُ الْوَاحِدُ لَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ وَمَا لَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِهِ فِي الْأَمْرِ يَسْقُطُ فِي الْإِيدَاعِ كَمَا لَوْ قَالَ احْفَظْهَا بِيَمِينِك دُونَ شِمَالِك أَوْ قَالَ ضَعْهَا فِي يَمِينِ الْبَيْتِ دُونَ يَسَارِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ تَفَاوُتٌ فِي الْحِرْزِ بِأَنْ كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً وَظَهْرُ الْبَيْتُ الَّذِي نَهَاهُ عَنْهُ إلَى السِّكَّةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَضْمَنُ بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ فَإِنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْحِرْزِ ظَاهِرٌ فِيهِمَا؛ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذَ السَّارِقُ مِنْ إحْدَى الدَّارَيْنِ فَنَقَلَ إلَى الْأُخْرَى قُطِعَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الدَّارُ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الْوَضْعِ فِيهَا أَحْرَزَ أَوْ كَانَتَا سَوَاءً فِي الْحِرْزِ لَا يَضْمَنُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ بِمُفِيدٍ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ يُفِيدُ اعْتِبَارُهُ وَيُمْكِنُ الْمُودَعُ مُرَاعَاتَهُ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ وَكُلُّ شَرْطٍ لَا يُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُ وَلَا يُفِيدُ اعْتِبَارُهُ فَهُوَ لَغْوٌ وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَوْ قَالَ احْفَظْهَا فِي كِيسِك وَلَا تَحْفَظْهَا فِي صُنْدُوقِك أَوْ قَالَ احْفَظْهَا فِي صُنْدُوقِك وَلَا تَحْفَظْهَا فِي الْبَيْتِ فَحَفِظَهَا فِي الْبَيْتِ لَا يَضْمَنُ وَالصُّنْدُوقُ مِنْ الْبَيْتِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ مِنْ الدَّارِ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ضَمِنَ مُودَعُ الْغَاصِبِ لَا مُودَعُ الْمُودَعِ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَجُلٍ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَوْدَعَهَا الْمُسْتَوْدَعُ الْأَوَّلُ رَجُلًا آخَرَ فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ قَالَ لِصَاحِبِ الْأَلْفِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَوْدَعَ الْأَوَّلَ وَلَا يُضَمِّنَ الْآخَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُضَمِّنُ صَاحِبُ الْمَالِ أَيَّهمَا شَاءَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْآخَرَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ قَوْلِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ بَاقٍ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ، وَصَاحِبُهَا رَضِيَ بِهِ بِاعْتِبَارِ حُصُولِ رَأْيِهِ لَا بِصُورَةِ يَدِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ لَا يَضْمَنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِيدَاعَ مُبَاحٌ لَهُ إذَا لَمْ يَقْطَعْ رَأْيُ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ مَا لَمْ يُفَارِقْهُ فَإِذَا فَارَقَهُ صَارَ مُضَيِّعًا لَهَا وَقْتَ التَّفْرِيقِ بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْمُلْتَزَمِ بِالْعَقْدِ، وَالْقَابِضُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِالْقَبْضِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ الْأَوَّلُ وَبَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَمْ يُحْدِثْ فِعْلًا آخَرَ بَلْ هُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَهُوَ أَمِينٌ فِيهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا بَعْدَهُ، وَهُوَ لَمْ يُفَوِّتْ الْحِفْظَ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ فِي أَوَّلِهِ أَمِينًا وَجَبَ أَنْ يَبْقَى كَذَلِكَ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ فِعْلٌ يُبْطِلُهُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ فِي ثَوْبِ إنْسَانٍ فَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالِاسْتِمْرَارِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ بَعْدُ فَكَذَا هَذَا، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُتَعَدِّيًا بِدُونِ إحْدَاثِ فِعْلٍ آخَرَ وَلَا يُقَالُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ لَمَا ضَمِنَ بِالْفِرَاقِ كَمَا إذَا دَفَعَهَا إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ فَلَمَّا ضَمِنَ بِالْفِرَاقِ عُلِمَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فَيَكُونُ الْقَابِضُ مِنْهُ أَيْضًا مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا جَازَ لَهُ الدَّفْعُ، وَهُوَ حَاضِرٌ بِالْإِجْمَاعِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا صَارَ كَأَنَّ الْمُودِعَ قَالَ لَهُ أَذِنْت لَك أَنْ تَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِك بِشَرْطِ أَنْ لَا تُفَارِقَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا دَامَ مَعَهُ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْغَاصِبِ وَالْغَاصِبِ مِنْهُ وَأَخَوَاتِهَا؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا مِثْلَهُ بِالتَّلَقِّي مِنْهُ ابْتِدَاءً لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ فَكَذَا بَقَاءً، ثُمَّ مُودَعُ الْغَاصِبِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ غَاصِبٌ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ عَلِمَ فَكَذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ وَحَكَى أَبُو الْيُسْرِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ بِالْإِيدَاعِ وَلَا مُودَعُ الْمُودَعِ بِالْقَبْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُودِعَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ مِثْلَ مَا يَحْفَظُ مَالَهُ وَيَحْفَظَ مَالَهُ تَارَةً بِنَفْسِهِ وَتَارَةً بِغَيْرِهِ قُلْنَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُودِعِ الرِّضَا بِالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ وَلَا الدَّلَالَةُ عَلَى الرِّضَا إذْ لَوْ رَضِيَ بِغَيْرِهِ لَمَا أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ فَيَضْمَنُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَعَهُ أَلْفٌ ادَّعَى رَجُلَانِ كُلٌّ أَنَّهُ لَهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَنَكَلَ لَهُمَا فَالْأَلْفُ لَهُمَا وَغُرْمُ آخَرَ بَيْنَهُمَا) أَيْ إذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ أَلْفٌ فَادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا لَهُ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ يَحْلِفُ لَهُمَا فَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ بَيْنَهُمَا بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ دَعْوَاهُمَا صَحِيحَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَهُمَا فَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، وَإِنْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا وَنَكَلَ لِلْآخَرِ قُضِيَ بِهِ لِمَنْ نَكَلَ لَهُ دُونَ الْآخَرِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ فِي حَقِّهِ دُونَ الْآخَرِ، وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ لَهُمَا لِإِقْرَارِهِ بِهِ، أَوْ لِبَذْلِهِ إيَّاهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ وَلِأَيِّهِمَا بَدَأَ الْقَاضِي بِالتَّحْلِيفِ جَازَ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَلِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَالْأَوْلَى عِنْدَ التَّشَاحِّ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمَا وَنَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمَيْلِ فَإِنْ نَكَلَ لِلْأَوَّلِ لَا يَقْضِي بِهِ حَتَّى يُحَلِّفَهُ لِلثَّانِي لِيَنْكَشِفَ وَجْهُ الْقَضَاءِ هَلْ هُوَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَحْكُمُ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ بِنَفْسِهِ وَالنُّكُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا بِصُورَةِ يَدِهِ) أَيْ لَا بِاعْتِبَارِ صُورَةِ مُجَرَّدِ يَدِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ رَأْيِ الْأَوَّلِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ إلَخْ) هَذَا السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ أَوْرَدَهُمَا الْأَتْقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ وَنَصُّهُ فَإِنْ قُلْت إنَّ الْأَوَّلَ إذَا كَانَ ضَامِنًا كَانَ الثَّانِي آخِذًا مِنْ يَدِ ضَمِينٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الثَّانِي ضَامِنًا ضَرُورَةً قُلْت هَذِهِ مُغَالَطَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ بَلْ هُوَ أَمِينٌ حِينَئِذٍ لِمَا قُلْنَا وَإِنَّمَا صَارَ ضَامِنًا بِالْمُفَارَقَةِ بِصُنْعٍ مِنْهُ وَالثَّانِي لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ فَلَا يَضْمَنُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَضْمَنُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي قَوْل ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ تَمْلِيكَهُ غَيْرَهُ بِمِثْلِ مَا مَلَكَهُ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ يَأْذَنُ وَالْمُكَاتَبُ يُكَاتِبُ وَالْمُسْتَأْجِرُ يُؤَاجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ يُعِيرُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّعَدِّي مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْإِيدَاعِ وَلَا مِنْ الثَّانِي فِي الْقَبْضِ اهـ (قَوْلُهُ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ فَيَضْمَنُ) وَقِيَاسُهُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ لَيْسَ بِمَالِكٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِعَيْنِ الْوَدِيعَةِ وَلَا لِمَنْفَعَتِهَا وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ مَلَكَ مَنَافِعَ نَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَسْلِيمَ الْوَدِيعَةِ إلَى غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَعَهُ أَلْفٌ ادَّعَى رَجُلَانِ إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَلْفِ دِرْهَمٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَهُمَا قَالَ تَكُونُ هَذِهِ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا وَيَغْرَمُ أَلْفًا أُخْرَى فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا دَفْعُ الْأَلْفِ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ إلَّا أَلْفًا وَاحِدَةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَلْفٌ أُخْرَى أَمَّا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا فَلِأَنَّهُ لَمَّا نَكَلَ لِأَحَدِهِمَا فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ أَلْفًا فَلَمَّا نَكَلَ لِلْآخَرِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ أَلْفًا فَلَمَّا أَقَرَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَلْفٍ وَلَمْ يَصِلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا خَمْسُمِائَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَمَامَ الْأَلْفِ، بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ ادَّعَى دَعْوَى صَحِيحَةً لِاحْتِمَالِ الصِّدْقِ فِي دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمُنْكِرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَلَكِنْ يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ فَإِذَا أَنْكَرَ يُحَلِّفُهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِإِقْرَارِهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ (قَوْلُهُ أَوْ لِبَذْلِهِ إيَّاهُ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِأَيِّهِمَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَلِأَيِّهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ فَإِنَّهُ بَعْدَ نُكُولِهِ لِلْأَوَّلِ إنْ نَكَلَ لِلثَّانِي يَكُونُ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا وَيَقْضِي لَهُمَا جُمْلَةً، وَإِنْ حَلَفَ لِلثَّانِي كَانَ كُلُّ الْأَلْفِ لِلْأَوَّلِ اهـ

[كتاب العارية]

لَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِالْقَضَاءِ؛ وَلِهَذَا لَوْ نَكَلَ ثُمَّ حَلَفَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَكَذَا الْبَيِّنَةُ لَا تَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِالْقَضَاءِ فَيُؤَخِّرُ الْقَضَاءَ حَتَّى يَنْكَشِفَ وَجْهُهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى لِلْمُتَقَدِّمِ حَتَّى يَحْلِفَ لِلْمُتَأَخِّرِ وَلَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي أَيْضًا قَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُجَّةِ وَيَغْرَمُ أَلْفًا آخَرَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّهُ بِالنُّكُولِ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّ الْأَلْفِ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَإِذَا صَرَفَهُ إلَيْهِمَا فَقَدْ صَرَفَ نِصْفَ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ فَيَغْرَمُهُ فَلَوْ قَضَى لِلْأَوَّلِ حِينَ نَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ لِلثَّانِي لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ حَتَّى لَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي بَعْدَهُ كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلْأَوَّلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الثَّانِي وَقَالَ الْخَصَّافُ نَفَذَ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ مُجْتَهَدٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُشَارِكُهُ الثَّانِي فِيهِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ كَالْإِقْرَارِ وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ، ثُمَّ لَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلثَّانِي بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ مُقْتَصِرًا عَلَى قَوْلِهِ مَا هَذَا الْعَبْدُ لِي بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ لَا يُفِيدُ بَعْدَمَا صَارَ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ وَهَلْ يَحْلِفُ إذَا ضَمَّ إلَيْهِ الْقِيمَةَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ: بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك هَذَا الْعَبْدُ وَلَا قِيمَتُهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا أَقَلُّ مِنْهُ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ يَضْمَنُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ: إنَّ مَا فَاتَ مِنْ حَقِّهِ لَمْ يَفُتْ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ، وَإِنَّمَا فَاتَ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يَضْمَنُ وَلَكِنْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَ الْقَاضِيَ عَلَى الْقَضَاءِ بِهَا لِلْأَوَّلِ بِإِقْرَارِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ لِلثَّانِي بِأَنَّهُ مُودِعٌ عِنْدَهُ وَالْمُودَعُ يَكُونُ ضَامِنًا بِالتَّسْلِيطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . (كِتَابُ الْعَارِيَّةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَارِ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ وَوَزْنُهَا فَعْلِيَّةٌ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَفِي الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالشَّافِعِيُّ هِيَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ضَرْبُ الْمُدَّةِ وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ التَّمْلِيكُ، وَكَذَا يُعْمَلُ فِيهِ النَّهْيُ وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ فِي الثِّمَارِ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَنْفَعَةِ كَذَلِكَ فَاقْتَضَتْ تَمْلِيكًا، وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ وَلَوْ كَانَ إبَاحَةً لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ وَهَذَا لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ مَشْرُوعٌ بِعِوَضٍ كَالْإِجَارَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا بِغَيْرِ عِوَضٍ أَيْضًا كَالْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ فِيهِ التَّمْلِيكُ بِبَدَلٍ جَازَ فِيهِ التَّمْلِيكُ بِغَيْرِ بَدَلٍ إلَّا النِّكَاحَ، وَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَكُلُّ جَهَالَةٍ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تُوجِبُ الْفَسَادَ وَهَذَا لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ، بِخِلَافِ الْمُعَاوَضَاتِ فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ وَالْجَهَالَةُ فِيهَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ حَتَّى إذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَالْخِيَاطَةِ جَازَتْ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ الْمُدَّةِ وَالنَّهْيُ مُنِعَ عَنْ تَحْصِيلِهِ مَا لَمْ يَحْصُلْ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدُ فَيَكُونُ امْتِنَاعًا عَنْ التَّمْلِيكِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إجَارَتُهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ الْحُدُوثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ بِأَعَرْتُكَ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) أَيْ قَبْلِ قَضَاءِ الْقَاضِي اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَكِنْ الْخَصَّافُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ فِي أَدَبِ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْخَصَّافُ يَنْبَغِي أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ (قَوْلُهُ بِنَاءً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فَبِالْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ ضَمِنَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَكَذَا بِالنُّكُولِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَمْ يَضْمَنْ ثَمَّةَ بِالْإِقْرَارِ فَكَذَا هُنَا بِالنُّكُولِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ) أَيْ بِالْقَضَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. [كِتَابُ الْعَارِيَّةُ] (كِتَابُ الْعَارِيَّةُ) (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالشَّافِعِيُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ لَا الْإِبَاحَةَ لَكَانَ بَيَانُ الْمُدَّةِ مِنْ شَرْطِهَا؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَهَا مَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ، أَصْلُهُ الْإِجَارَةُ، وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَمْلِيكًا لَجَازَ إجَارَةُ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ غَيْرِهِ كَالْمُسْتَأْجِرِ، وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ بِأَنْ قَالَ أَبَحْت رُكُوبَ هَذِهِ الدَّابَّةِ أَوْ أَبَحْت لُبْسَ هَذَا الثَّوْبِ لَك، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ نَهْيُ الْمُعِيرِ الْمُسْتَعِيرَ عَنْ الِانْتِفَاعِ فَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ آجَرَ دَابَّتَهُ شَهْرًا ثُمَّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَوْ نَهَاهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا لَمْ يَصِحَّ. وَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ الْعَرِيَّةَ وَالْعَارِيَّةَ أَحَدُهُمَا مُشْتَقٌّ مِنْ الْآخَرِ وَلَكِنْ خُصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاسْمٍ فَقَالُوا فِي تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ عَرِيَّةٌ وَفِي تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ عَارِيَّةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَارِيَّةُ تَمْلِيكٌ لَا إبَاحَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ مَلَّكْتُك مَنَافِعَ فِي هَذَا الْعَيْنِ شَهْرًا يَنْعَقِدُ إعَارَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ إلَخْ) وَانْعِقَادُهَا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ بِسَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ كَانْعِقَادِ الْإِجَارَةِ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْ الْمُسْتَعِيرُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ لَازِمٌ، فَلَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ انْقَلَبَتْ مِنْ الْجَوَازِ إلَى اللُّزُومِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْمُعِيرِ وَخَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ صِحَّةِ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ جَائِزَةً كَانَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَنْهَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ) أَيْ كَالْمُبَاحِ لَهُ الطَّعَامُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبِيحَ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

بِقَوْلِهِ أَعَرْتُك؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَطْعَمْتُك أَرْضِي وَمَنَحْتُك ثَوْبِي) لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا لَا تُؤْكَلُ عَيْنُهُ يُرَادُ بِهِ مَا يُسْتَغَلُّ مِنْهُ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ وَمَنَحْتُك ثَوْبِي مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنْحَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ عُرْفًا وَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَتِهِ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ وَأَصْلُهُ أَنْ يُعْطَى الرَّجُلُ نَاقَةً أَوْ شَاةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا إذَا ذَهَبَ دَرُّهَا ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ فِي كُلِّ مَنْ أَعْطَى شَيْئًا مَنَحَ وَإِذَا أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ أَفَادَ مِلْكَ الْعَيْنِ وَإِلَّا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَمَلْتُك عَلَى دَابَّتِي) أَيْ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِمَا يُقَالُ حَمَلَ فُلَانٌ فُلَانًا عَلَى دَابَّتِهِ يُرَادُ بِهِ الْهِبَةُ تَارَةً وَالْعَارِيَّةَ أُخْرَى فَإِذَا نَوَى أَحَدَهُمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى كَيْ لَا يَلْزَمُهُ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَخْدَمْتُك عَبْدِي) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَارِي لَك سُكْنَى وَدَارِي لَك عُمْرِي سُكْنَى) لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارِي لَك مُحْتَمِلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ رَقَبَتُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْفَعَتُهَا، وَقَوْلُهُ سُكْنَى مُحْكَمٌ فِي إرَادَةِ الْمَنْفَعَةِ فَيُحْمَلُ الْمُحْتَمَلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ سُكْنَى خَرَجَ مَخْرَجَ التَّفْسِيرِ لِذَلِكَ الْمُحْتَمَلِ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ مَتَى شَاءَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةَ مُؤَدَّاةٌ» وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا بِحَسَبِ حُدُوثِهَا فَرُجُوعُهُ امْتِنَاعٌ عَنْ تَمْلِيكِ مَا لَمْ يَحْدُثْ فَلَهُ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ لَا يَضْمَنُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ الْغَيْرِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ فَأَشْبَهَ الْغَصْبَ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ» وَالْمُرَادُ بِمِثْلِهِ مَنْ يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَارِيَّة مَضْمُونَةٌ» وَقَدْ «اسْتَعَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ لَا بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ قَالَ فَضَاعَ بَعْضُهَا فَعَوَّضَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَنَا الْيَوْمَ فِي الْإِسْلَامِ رَاغِبٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْإِذْنُ بِالْقَبْضِ ثَبَّتَ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَ حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجَرِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَطْعَمْتُك أَرْضِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْعَارِيَّةُ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَطْعَمَهُ فَطَعِمَ وَنَفْسُ الْأَرْضِ لَا تُطْعَمُ فَكَانَ الْمُرَادُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَهُوَ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنَحْتُك ثَوْبِي) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَلَوْ قَالَ مَنَحْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ كَانَتْ عَارِيَّةً لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لِمَا رَوَيْنَا إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعَارِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةَ مُؤَدَّاةٌ» وَهَكَذَا ذَكَرَ الْجَوَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَقَالَ إذَا قَالَ مَنَحْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ فَهِيَ عَارِيَّةٌ وَلَكِنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ أَبَا بَكْرٍ الْمَعْرُوفَ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فَصَّلَ فِي مَبْسُوطِهِ، وَقَالَ إذَا قَالَ مَنَحْتُك إنْ كَانَ مُضَافًا إلَى مَا يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ يَكُونُ إعَارَةً وَإِنْ أَضَافَ إلَى مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالطَّعَامِ يَكُونُ هِبَةً وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِنْحَةَ تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْعَارِيَّةُ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ» وَأَرَادَ بِهِ الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَكُونُ مَرْدُودَةً وَإِنَّمَا الْمَرْدُودَةُ الْعَارِيَّةُ وَتُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْهِبَةُ يُقَالُ مَنَحَ فُلَانٌ فُلَانًا أَيْ وَهَبَ لَهُ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ اللَّفْظَةُ صَالِحَةً لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَالْعَمَلُ بِهِمَا مُتَعَذِّرٌ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلَّيْنِ عَارِيَّةً وَهِبَةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ عَمِلْنَا بِهِمَا مُخْتَلِفَيْنِ فَقُلْنَا إذَا أُضِيفَتْ الْمِنْحَةُ إلَى عَيْنٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ جُعِلَ عَارِيَّةً، وَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى عَيْنٍ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ جُعِلَ هِبَةً كَمَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ تَوْفِيرًا عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ حَظَّهُمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَخْدَمْتُك عَبْدِي) أَيْ جَعَلْته خَادِمًا لَك اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدَارِي لَك سُكْنَى) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفَرَّقَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بَيْنَ قَوْلِهِ هَذِهِ الدَّارُ لَك سُكْنَى أَوْ عُمْرِي سُكْنَى وَبَيْنَ قَوْلِهِ هِيَ لَك لِتَسْكُنَهَا فَقَالَ وَلَوْ قَالَ هِيَ لَك لِتَسْكُنَهَا كَانَ تَمْلِيكًا لِلدَّارِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّمْلِيكَ إلَى رَقَبَةِ الدَّارِ، وَقَوْلُهُ لِتَسْكُنَهَا مَشُورَةً فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَقَوْلُهُ سُكْنَى مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ مِنْ قَوْلِهِ لَك؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارِي لَك يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ: تَمْلِيكَ عَيْنِ الدَّارِ وَتَمْلِيكَ مَنْفَعَةِ الدَّارِ فَخَرَجَ قَوْلُهُ سُكْنَى تَفْسِيرًا قَاطِعًا لِلِاحْتِمَالِ فَتَعَيَّنَتْ الْعَارِيَّةُ اهـ (قَوْلُهُ «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةَ مُؤَدَّاةٌ») أَيْ يَجِبُ رَدُّهَا وَيَجِبُ أَدَاؤُهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ لَا يَضْمَنُ) أَقُولُ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِوَقْتٍ فَهَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا كَمَا سَيُصَرِّحُ الشَّارِحُ بِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَعِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِلَا تَعَدٍّ مَا نَصُّهُ وَلَوْ تَعَدَّى ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ إلَخْ) أَمَّا إذَا هَلَكَتْ فِي حَالَةِ الِانْتِفَاعِ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَوْمَ أُحُدٍ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ يَوْمَ أُحُدٍ مَا نَصُّهُ هَكَذَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي نُسَخٍ وَشَطَبَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي نُسْخَتِهِ عَلَى أُحُدٍ وَكَتَبَ فَوْقَهُ حُنَيْنٍ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْعَارِيَّةِ أَمَانَةٌ إنْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ شَرَطَ الضَّمَانَ فِي الْعَارِيَّةِ هَلْ تَصِحُّ؟ فَالْمَشَايِخُ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ كَذَا فِي التُّحْفَةِ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ أَعِرْنِي ثَوْبَك فَإِنْ ضَاعَ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ قَالَ لَا يَضْمَنُ وَنَقَلَهُ عَنْ الْمُنْتَقَى. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَ حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ) وَلِهَذَا كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ عَنْ اسْتِحْقَاقٍ) أَيْ تَقَدَّمَ وَهُوَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي رَجُلٌ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ

وَلِأَنَّهُ لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِهِ وَبِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِهَا لَا لِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ، وَلِهَذَا إذَا هَلَكَتْ عِنْدَهُ وَضَمَّنَهُ الْمُسْتَحِقُّ قِيمَتَهَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُودِعِ وَفِي الْعَارِيَّةِ لَا يَرْجِعُ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ عَنْ اسْتِحْقَاقٍ فَإِنَّ الْوَارِثَ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ إلَيْهِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَادَلَةِ فَلَا يَضْمَنُ كَالْإِجَارَةِ الْوَدِيعَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْمُتَعَدِّي وَمَعَ الْإِذْنِ بِالْقَبْضِ لَا يُوصَفُ بِالتَّعَدِّي فَانْتَفَى الضَّمَانُ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْقَبْضِ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي وَانْتِفَاءِ الْمُبَادَلَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ شَرْعًا إمَّا بِعَقْدٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ أَوْ بِشُبْهَتِهِ بِأَنْ كَانَ فَاسِدًا أَوْ بِالتَّعَدِّي، فَالْعَقْدُ الدَّالُّ عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ لَمْ يُوجَدْ وَلَا شُبْهَتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَالتَّعَدِّي لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ الْإِذْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ بِالْإِتْلَافِ فَأَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ فَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ، وَحَدِيثُ صَفْوَانَ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِحَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا قَالَ «أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ.» وَعِنْدَ الْحَاجَةِ يُرَخَّصُ تَنَاوُلُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ كَحَالَةِ الْمَخْمَصَةِ وَلِأَنَّهُ شَرَطَ لَهُ الضَّمَانَ، وَالْعَارِيَّةُ إذَا اُشْتُرِطَ فِيهَا الضَّمَانُ تُضْمَنُ عِنْدَنَا فِي رِوَايَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثَيْنِ ضَمَانَ رَدُّ الْعَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ صَفْوَانَ كَانَ حَرْبِيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَيَجُوزُ مِنْ الشُّرُوطِ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْلِمِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ» يَقْتَضِي رَدَّ الْعَيْنِ وَبِهِ نَقُولُ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْعَيْنِ وَاجِبٌ فِي الْأَمَانَاتِ وَإِنَّمَا لَا يَرْجِعُ الْمُسْتَعِيرُ بِضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِهِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ وَهُوَ لَمْ يَغُرَّهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ مُتَبَرِّعٌ كَالْوَاهِبِ وَلَيْسَ عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُؤَجِّرُ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَازِمَةٌ فَيَلْزَمُ الْمُعِيرَ زِيَادَةُ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ لَمَا جَازَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ حَتَّى تَفْرُغَ مُدَّتُهَا فَيَتَضَرَّرَ فَلَا يَلْزَمُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِهَا لُزُومُ مَا لَا يَلْزَمُ وَهُوَ الْعَارِيَّةُ أَوْ عَدَمُ لُزُومِ مَا يَلْزَمُ وَهُوَ الْإِجَارَةُ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرْهَنُ كَالْوَدِيعَةِ) لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوفِيَ دَيْنَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ لَازِمٌ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ فَصَارَ كَالْإِجَارَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ آجَرَ فَعَطِبَ ضَمِنَ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالتَّسْلِيمِ فَصَارَ غَاصِبًا، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَصَارَ كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ فَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ آجَرَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ عَارِيَّةً فِي يَدِهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغُرُورِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْعَيْنَ عَارِيَّةٌ فِي يَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ فَصَارَ كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ عَالِمًا بِالْغَصْبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعِيرُ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ) أَيْ يُعِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسِلَاحًا لِيُقَاتِلَ بِهِ فَضَرَبَ بِالسَّيْفِ فَانْقَطَعَ نِصْفَيْنِ أَوْ طَعَنَ بِالرُّمْحِ فَانْكَسَرَ قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَذَلِكَ لِأَنَّهُ هَلَكَ مِنْ عَمَلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَصِيرُ مَأْذُونًا فِيهِ ضَرُورَةً، وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ رَجُلٌ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَاسْتَعْمَلَ قِصَاعَ الْحَمَّامِ فَانْكَسَرَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا أَخَذَ كُوزَ الْفُقَّاعِ لِيَشْرَبَ فَسَقَطَ وَانْكَسَرَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ فِي يَدِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ) تَمَامُهُ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدِعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَقِيلَ عُمَرُ وَفِي الْإِسْنَادِ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ حَسَّانَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ. اهـ. عَبْدُ الْحَقِّ (قَوْلُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ) يُحْتَرَزُ عَنْ الرَّهْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ صَفْوَانَ كَانَ حَرْبِيًّا) أَيْ كَانَ مُسْتَأْمِنًا اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ) أَيْ فَعَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ نَفَقَةُ الْعَارِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ آجَرَ فَعَطِبَ ضَمِنَ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي، وَإِذَا اسْتَعَارَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يَذْهَبَ بِهَا حَيْثُ شَاءَ وَلَمْ يُسَمِّ مَكَانًا وَلَا وَقْتًا وَلَا مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا فَذَهَبَ بِهَا إلَى الْحِيرَةِ أَوْ أَمْسَكَهَا بِالْكُوفَةِ شَهْرًا يَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يُؤَاجِرُهَا قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا فِي الْإِجَارَةِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ حَيْثُ آجَرَهَا صَارَ ضَامِنًا وَيَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالِانْتِفَاعِ مُطْلَقًا وَالْمُطْلَقُ يَتَنَاوَلُ أَيَّ انْتِفَاءٍ شَاءَ وَإِلَيْهِ التَّعْيِينُ بِفِعْلِهِ إنْ شَاءَ اسْتَعْمَلَهَا فِي الرُّكُوبِ أَوْ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهَا، وَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ غَيْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ إذَا تَعَيَّنَ بِقَيْدٍ فَلَا يَبْقَى مُطْلَقًا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ وَالْعَارِيَّةَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَبِنَاءُ اللَّازِمِ عَلَى الْجَائِزِ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ وَتَنْعَقِدُ جَائِزَةً لَا لَازِمَةً كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ مِنْ أُصُولِ أَصْحَابنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا قِيمَةَ لَهَا وَإِنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ، وَلِهَذَا لَمْ يَمْلِكْ أَنْ يُؤَاجِرَ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَمَّا ظَهَرَتْ بِالشَّرْطِ اقْتَصَرَتْ عَلَى الْمَشْرُوطِ فَلَمْ تَتَقَوَّمْ فِيمَا وَرَاءَهُ وَفِي الْعَارِيَّةُ لَا شَرْطَ فَلَا قِيمَةَ فَلَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَآجَرَهَا صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ، وَالْغَاصِبُ إذَا فَعَلَ يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ مَالِ الْغَيْرِ فَكَانَ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُعِيرُ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ) لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَجُلٍ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا قَالَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا فَإِنْ آجَرَهَا فَعَطِبَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ. إلَى هُنَا لَفْظُهُ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ وَيَجُوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُعِيرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَارُ مِمَّا يَخْتَلِفُ

الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ إذَا كَانَتْ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةُ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ عِنْدَهُ وَالْمُبَاحُ لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ وَعِنْدَنَا لَمَّا كَانَتْ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ جَازَ أَنْ يُعِيرَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَمْلِكُ أَنْ يُمَلِّكْ كَالْمُسْتَأْجِرِ يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ وَكَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ وَهَذَا إذَا صَدَرَتْ مُطْلَقَةً وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِشَيْءٍ تَتَقَيَّدُ بِهِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ تَفْصِيلُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ أَوْ بِهِمَا لَا يَتَجَاوَزُ عَمَّا سَمَّاهُ وَإِنْ أَطْلَقَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ أَيَّ نَوْعٍ شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ) لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فِيهِ مِنْ تَقْيِيدٍ أَوْ إطْلَاقٍ ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً أَوْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً بِالزَّمَانِ أَوْ بِالِانْتِفَاعِ أَوْ بِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً كَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ أَوْ ثَوْبًا لِلُّبْسِ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ وَيَرْكَبُ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ مَا لَمْ يَلْبَسْ هُوَ وَلَمْ يَرْكَبْ فَإِذَا أَلْبَسَ غَيْرَهُ أَوْ أَرْكَبَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ خِلَافُهُ تَعَدِّيًا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعَارُ شَيْئًا بَتَفَاوُتُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ كَاللُّبْسِ فِي الثَّوْبِ وَالرُّكُوبِ فِي الدَّابَّةِ فَجَعَلَهُ كَالْإِجَارَةِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّرَاعَةِ عَلَى مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ أُرْكِبَ عَلَيْهَا مَنْ أَشَاءُ وَأُلْبِسَ الثَّوْبَ مَنْ أَشَاءُ كَمَا حُمِلَ الْإِطْلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا وَإِنْ كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُقَيَّدَةً بِالِانْتِفَاعِ دُونَ الْوَقْتِ بِأَنْ شَرَطَ أَنْ يَنْتَفِعَ هُوَ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرُهُ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ ذَلِكَ التَّقْيِيدَ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ كَالرُّكُوبِ وَأَخَوَاتِهِ وَلِلْمُسَمَّى أَنْ يَفْعَلَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَلِفُ كَالسُّكْنَى وَالْحَمْلِ جَازَ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالِانْتِفَاعِ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ لَا يُفِيدُ وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْوَقْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ مِثْلَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسَ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُعِيرَ لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ) أَيْ وَيَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ اهـ (قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا صَدَرَتْ مُطْلَقَةً) أَيْ عَنْ الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وِلَايَةِ إعَارَةِ الْمُسْتَعِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِهِمَا) فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ) وَالرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ كَمَا سَيَجِيءُ قَرِيبًا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ لَكِنْ إنَّمَا مَلَكَ الْمُسْتَعِيرُ إعَارَتَهُ لِلْإِطْلَاقِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعِنْدَهُ أَيْ الشَّافِعِيِّ الْإِعَارَةُ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ وَالْمُبَاحُ لَهُ لَا يَمْلِكُ الْإِبَاحَةَ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ كَالرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ، ثُمَّ قَالَ فِي ذِكْرِ دَلِيلِنَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ مُطْلَقًا بَلْ لَهُ أَنْ يُعِيرَ إذَا أَعَارَهُ مُطْلَقًا اهـ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، ثُمَّ الْعَارِيَّةُ عَلَى مَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي حَقِّ الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ جَمِيعًا وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ أَيَّ مَنْفَعَةٍ شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِي الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ بِأَنْ قَيَّدَهُ بِيَوْمٍ وَعَيَّنَ نَوْعَ مَنْفَعَةٍ كَالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ عَمَلًا بِالتَّقْيِيدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِلَافًا إلَى خَيْرٍ أَوْ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا يَضْمَنُ وَالْخِلَافُ كَمَا إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ شَعِيرٍ أَوْ سِمْسِمٍ أَوْ أُرْزٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْحُبُوبِ مِثْلَ كَيْلِ الْحِنْطَةِ وَخِفَّتِهَا لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ يُفِيدُ اعْتِبَارُهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمَّا رَضِيَ بِالْحِنْطَةِ كَانَ أَرْضَى بِمَا دُونَهَا وَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ وَالْخِلَافُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ كَمَا إذَا شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَة مَخَاتِيمَ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ نَفْسِهِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُفِيدًا، وَهَذَا التَّقْيِيدُ لَا يُفِيدُ، وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِي الْوَقْتِ مُطْلَقَةً فِي الِانْتِفَاعِ، وَالرَّابِعُ عَلَى الْعَكْسِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي الْوَقْتِ مُقَيَّدَةً فِي الِانْتِفَاعِ فَفِي الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمُسَمَّى وَفِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْلَقَ الْوَقْتَ وَالِانْتِفَاعَ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ فَإِنْ شَاءَ رَكِبَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ حَمَلَ وَإِنْ أَعَارَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ جَازَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْحَمْلِ، وَالْمُسْتَعِيرُ يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ وَإِنْ أَعَارَهُ لِلرُّكُوبِ صَحَّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَعْيِينٌ لِلِانْتِفَاعِ وَالْمُنْتَفَعِ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الِانْتِفَاعِ وَالْمُنْتَفِعِ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً فَإِذَا أَعَارَهُ لِلرُّكُوبِ فَقَدْ عَيَّنَ جَهْلًا الِانْتِفَاعَ وَالْمُنْتَفِعَ لَا أَنَّهُ يَمْلِكُ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ لِلرُّكُوبِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الرُّكُوبِ لَكِنْ لَمَّا أَطْلَقَ كَانَ تَعْيِينُ الرَّاكِبِ مُفَوَّضًا إلَى الْمُسْتَعِيرِ فَإِذَا عَيَّنَ غَيْرَهُ تَعَيَّنَ حَتَّى لَوْ رَكِبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ ضَمِنَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَرْذَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتَبِعَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ إذَا لَمْ يَضْمَنْ بِالرُّكُوبِ أَوْ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْعَيْنَ بِإِذْنِ الْمُسْتَعِيرِ وَتَمْلِيكِهِ فَلَأَنْ لَا يَضْمَنَ إذَا رَكِبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَبِسَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْلَك لَمَا مَلَّكَ غَيْرَهُ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَلِفُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ، وَإِذَا كَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ مِثْلُ خِدْمَةِ الْعَبْدِ وَزِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَحَمْلِ الدَّابَّةِ، أَمَّا الرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ اهـ فَقَوْلُهُ وَزِرَاعَةُ الْأَرْضِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الشَّارِحِ سَابِقًا بِأَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ وَالزِّرَاعَةُ فَإِنَّهُ عَدَّهَا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ اهـ

تَقَيَّدَتْ بِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا إلَّا فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَمِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى إطْلَاقِهَا فَيَجُوزُ لَهُ مُطْلَقًا فِيمَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمُطْلَقِ عَنْ الِانْتِفَاعِ وَالْوَقْتِ وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِهِمَا تَقَيَّدَتْ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ كَيْفَمَا كَانَ وَكَذَا مِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعُ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ لَا تَتَقَيَّدُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمُقَيَّدِ بِالِانْتِفَاعِ ثُمَّ كُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُسَمَّى لَهُ أَنْ يُخَالِفَ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ أَوْ إلَى مِثْلِهِ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ احْمِلْ عَلَى الدَّابَّةِ هَذِهِ الْحِنْطَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي إيدَاعِ الْمُسْتَعِيرِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ مُطْلَقًا مِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إذَا بَعَثَ الْعَارِيَّةَ إلَى صَاحِبِهَا عَلَى يَدِ أَجْنَبِيٍّ فَهَلَكَتْ فِي يَدِ الرَّسُولِ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا إيدَاعًا مِنْهُ. قَالَ الْبَاقِلَّانِيُّ هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ الْعَيْنُ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَصْدًا فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَنْفَعَةِ قَصْدًا وَتَسْلِيمُ الْعَيْنِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَافْتَرَقَا وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ مَشَايِخُ الْعِرَاق وَأَبُو اللَّيْثِ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَالصَّدْرُ الْكَبِيرُ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ دُونَ الْإِعَارَةِ وَالْعَيْنِ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ فِي الْعَارِيَّةُ فَإِذَا مَلَكَ الْأَعْلَى فَأَوْلَى أَنْ يَمْلِكَ الْأَدْنَى. قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَارِيَّةُ الثَّمَنَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ قَرْضٌ) لِأَنَّ الْإِعَارَةَ إذْنٌ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَا يَتَأَتَّى الِانْتِفَاعُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا وَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِهْلَاكَ إلَّا إذَا مَلَكَهَا فَاقْتَضَتْ تَمْلِيكَ عَيْنِهَا ضَرُورَةً، وَذَلِكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْقَرْضِ وَالْقَرْضُ أَدْنَاهُمَا ضَرَرًا لِكَوْنِهِ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ اهـ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي إيدَاعِ الْمُسْتَعِيرِ) أَيْ قَصْدًا اهـ أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَارِيَّةُ الْمُطْلَقَةَ تُعَارُ وَلَا تُؤَاجَرُ وَفِي إيدَاعِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ الْوَدِيعَةُ لَا تُودَعُ وَلَا تُعَارُ وَلَا تُؤَاجَرُ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَأْجَرُ يُعَارُ وَيُؤَاجَرُ وَفِي إيدَاعِهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ) أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. سَيَأْتِي الْجَوَابُ فِي هَذَا الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ الْبَاقِلَّانِيُّ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي النِّهَايَةِ الْبَقَّالِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّدْرُ الْكَبِيرُ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ) وَالِدُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي آخِرِ كُتُبِ كِتَابِ الْعَارِيَّةُ فَإِنَّهُ قَالَ الْمُعِيرُ إذَا وَجَدَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَعَارَةَ فِي يَدِ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَهُوَ خَصْمٌ، وَإِذَا قَالَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ قَدْ أَوْدَعَنِيهَا فُلَانٌ الَّذِي أَعَرْتهَا مِنْهُ فَلَيْسَ بِخَصْمٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُودِعَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قُلْت هَكَذَا وَجَدْت هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَنْصُوصَةً فِي آخِرِ كُتُبِ كِتَابِ الْعَارِيَّةُ الْأَصْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَهُ أَنْ يُودِعَ فَرَاجِعْهُ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَاكَ الْجَوَابَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى مَنْعِ الْإِيدَاعِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَارِيَّةُ الثَّمَنَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَعَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ فَرْضٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ عَدًّا مِثْلَ الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي، وَكَذَلِكَ الْأَقْطَانُ وَالصُّوفُ وَالْإِبْرَيْسَمْ وَالْمِسْكُ وَالْكَافُورُ وَسَائِرُ مَتَاعِ الْعِطْرِ وَالصَّنَادِلَةِ الَّتِي لَا تَقَعُ الْإِجَارَةُ عَلَى مَنَافِعِهَا قَرْضٌ كَذَلِكَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ، ثُمَّ قَالَ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي وَإِنْ اسْتَعَارَ آنِيَةً يَتَجَمَّلُ بِهَا فِي مَنْزِلِهِ أَوْ سَيْفًا مُحَلَّى أَوْ مِنْطَقَةً مُفَضَّضَةً أَوْ خَاتَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا قَرْضًا. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْإِعَارَةِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَجَمَّلُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالتَّجَمُّلُ بِالْمَالِ نَوْعُ انْتِفَاعٍ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ أَعَرْتُك هَذِهِ الْقَصْعَةَ مِنْ الثَّرِيدِ فَأَخَذَهَا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ وَهُوَ قَرْضٌ إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سَعَةٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلُ الْإِبَاحَةِ، وَفِي الْعُيُونِ قَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ سَأَلَتْ مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ رُقْعَةً يُرَقِّعُ بِهَا قَمِيصَهُ أَوْ خَشَبًا يُدْخِلُهُ فِي بِنَائِهِ قَالَ لَا يَكُونُ هَذَا عَارِيَّةً وَهُوَ ضَامِنٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَرْضِ فَإِنْ قَالَ أَرُدُّهُ عَلَيْك فَهُوَ عَارِيَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فَاقْتَضَتْ تَمْلِيكَ عَيْنِهَا ضَرُورَةً) قَالَ فِي الْكَافِي فِي بَابِ الصَّرْفِ اسْتَقْرَضَ كُرَّ بُرٍّ وَقَبَضَهُ مَلَكَهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ حَتَّى لَا يَسْتَهْلِكَهُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ إلَّا أَنَّ الْعَيْنَ هُنَا قَامَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهَا فَكَذَا الْعَيْنُ وَلَهُمَا أَنَّ الْعَيْنَ لَمَّا قَامَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ قَامَ قَبْضُهَا مَقَامَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ فَلَوْ بَاعَهُ مِنْ مُقْرِضِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ مُقْرِضِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِلْكَ نَفْسِهِ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنْ اشْتَرَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْبُرِّ مِنْ مُقْرِضِهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ بَدَلِهِ فَسَدَ لِلِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَإِنْ نَقَدَ بَدَلَهُ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ لِلِافْتِرَاقِ عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ فَلَوْ نَقَدَ حَتَّى صَحَّ، ثُمَّ وَجَدَ بِالْكُرِّ عَيْبًا لَمْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَرْضِ وَهُوَ تَبَرُّعٌ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْ الْعَيْبِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ كُرٌّ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْ الْقَرْضِ وَالْقَرْضُ مَعِيبٌ فَالْكُرُّ الَّذِي وَجَبَ بَدَلًا عَنْهُ يَكُونُ مَعِيبًا أَيْضًا، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ وَسَقَطَ لَمَّا اشْتَرَاهُ عَنْ ذِمَّتِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ، ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبٍ بِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ النُّقْصَانُ بِأَنْ يُقَوَّمَ الْكُرُّ الْقَرْضُ غَيْرَ مَعِيبٍ وَيُقَوَّمَ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ فَيَرْجِعَ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِكُرِّ مِثْلِهِ لَا يَرْجِعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ رِبًا. اهـ. (قَوْلُهُ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ) بِخِلَافِ الْهِبَةِ اهـ

؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةُ تُوجِبُ رَدَّ الْعَيْنِ وَالْقَرْضُ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ، وَلِهَذَا صِيرَ إلَيْهِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَاتَّفَقَا. هَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ جِهَةَ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَإِنْ بَيَّنَ جِهَةً يَنْتَفِعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا بِأَنْ يَسْتَعِيرَهَا لِيُعَايِرَ بِهَا مِيزَانًا أَوْ مَكِيلًا أَوْ لِيُزَيِّنَ بِهَا دُكَّانَهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الِانْتِفَاعَاتِ صَارَتْ عَارِيَّةَ أَمَانَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِإِهْلَاكِهَا فَكَانَ نَظِيرَ عَارِيَّةِ الْحُلِيِّ وَالسَّيْفِ الْمُحَلَّى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ أَوْ لِلْغَرْسِ صَحَّ) لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مَعْلُومَةٌ وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا شَرْعًا وَإِيجَارُهَا فَكَذَا إعَارَتُهَا بَلْ أَوْلَى لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ) لِأَنَّ الْعَارِيَّةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُكَلِّفُهُ قَلْعَهُمَا) أَيْ قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ أَرْضَهُ بِمِلْكِهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ، إلَّا إذَا شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُمَا بِقِيمَتِهِمَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَسْتَضِرُّ بِالْقَلْعِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُمَا مَقْلُوعَيْنِ وَيَكُونَانِ لَهُ كَيْ لَا تَتْلَفُ عَلَيْهِ أَرْضُهُ وَيَسْتَبِدُّ هُوَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تَسْتَضِرُّ بِالْقَلْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ التَّرْكُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا بِخِلَافِ الْقَلْعِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّفَاقُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بَلْ أَيُّهُمَا طَلَبَ الْقَلْعَ أُجِيبَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يُوَقِّتْ) أَيْ رَبُّ الْأَرْضِ لَا يَضْمَنُ لِلْمُسْتَعِيرِ مَا نَقَصَ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ بِالْقَلْعِ إنْ لَمْ يُوَقِّتْ لِلْعَارِيَّةِ وَقْتًا، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ ضَمَانُ قِيمَتِهِمَا وَيُتْرَكَانِ فِي أَرْضِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ كَمَا إذَا وَقَّتَ لِلْعَارِيَّةِ وَقْتًا فَرَجَعَ قَبْلَ الْوَقْتِ قُلْنَا الْعَارِيَّةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَيَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَمْ يَكُنْ غَارٍّ لَهُ بِالْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا هُوَ اغْتَرَّ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَرَجَعَ قَبْلَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَارًّا لَهُ بِذَلِكَ حَيْثُ نَصَّ عَلَى تَرْكِهَا فِي يَدِهِ إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَفِيَ بِالْوَعْدِ فَيَكُونُ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِسَبَبِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَقَّتَ فَرَجَعَ قَبْلَهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ بِالْقَلْعِ)، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ فِي الْعَارِيَّةُ غَيْرُ مُلْزَمٍ كَأَصْلِ عَقْدِهَا، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَالْغُرُورُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا فِي التَّبَرُّعَاتِ، وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَتْ الْعَارِيَّةُ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ فَاسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا لَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا ضَمِنَ، وَفِي الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَاتِ لَهُ ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً وَنَحْنُ قَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ يُحْمَلُ عَلَى الْفَائِدَةِ مَا أَمْكَنَ، وَجَوَازُ الْعَقْدِ يَثْبُتُ بِدُونِ التَّوْقِيتِ فَلَا بُدَّ لِلتَّوْقِيتِ مِنْ الْفَائِدَةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْتِزَامِهِ الْقِيمَةَ لَهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ رَجَعْت قَبْلَ الْوَقْتِ فَأَنَا ضَامِنٌ لَك فَيَلْزَمُهُ بِحُكْمِ الْتِزَامِهِ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ ضَمِنَ مَا نَقَصَ أَنْ يَقُومَ قَائِمًا غَيْرَ مَقْلُوعٍ؛ لِأَنَّ الْقَلْعَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوَقْتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَزْرَعَهَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ حَتَّى يَحْصُدَ) الزَّرْعَ اسْتِحْسَانًا (وَقَّتَ أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ)؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَيُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةَ الْحَقَّيْنِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَلْعَ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ فَالْخِيَارُ لِرَبِّ الْأَرْضِ. اهـ. . 1 - (فَرْعٌ) فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي قَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ حَاكِيًا عَنْ أُسْتَاذِهِ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يُجْبَرُ عَلَى النَّفَقَةِ بَلْ يُقَالُ لَهُ إنْ شِئْت فَأَنْفِقْ وَإِلَّا فَخَلِّ يَدَك عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ لَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا فَطَعَامُهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَلَوْ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعَارَهُ لِيُعَارَ عَلَى الْمُعِيرِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ يَعْنِي إذَا قَالَ مَوْلَى الْعَبْدِ خُذْ عَبْدِي وَاسْتَخْدِمْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِيرَهُ الْمُسْتَعِيرُ فَإِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ لِيُعَارَ عَلَى مَوْلَاهُ وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَعَلَى الْمُعِيرِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا. اهـ. كَاكِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - 1 - (قَوْلُهُ إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مُقْتَضَاهَا الرُّجُوعُ فَلَا يُغَيِّرُهُ التَّوْقِيتُ وَلَكِنْ يُكْرَهُ الرُّجُوعُ لِئَلَّا يَلْزَمُ الْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ». اهـ. (فَقَوْلُهُ فَيَكُونُ مَغْرُورًا) أَيْ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ الِالْتِزَامِ الْمَعْنَوِيِّ عَلَى مَا يَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ وَقَّتَ فَرَجَعَ قَبْلَهُ) أَيْ الْمُعِيرُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَيْضًا ضَمِنَ مَا نَقَصَ بِالْقَلْعِ) أَيْ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَضَمِنَ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ نُقْصَانُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى أَنَّ مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً بِمَعْنَى الَّذِي فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ مَنْصُوبَيْنِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونَانِ مَرْفُوعَيْنِ وَالْغَرْسُ يُرْوَى بِالْفَتْحِ عَلَى إرَادَةِ الْمَغْرُوسِ وَبِالْكَسْرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ حَتَّى يَحْصُدَ الزَّرْعَ اسْتِحْسَانًا) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى الْعَقْدُ فَكَانَ لَهُ حَقُّ التَّفْرِيغِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا لَوْ أَمَرْنَاهُ بِالْقَلْعِ لَأَضْرَرْنَا بِهِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَعُودُ إلَى الْمَالِكِ وَلَوْ بَقَّيْنَاهُ لَنَفَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَعُودُ إلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّا نُبْقِيهِ بِأُجْرَةٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ أَوْلَى بِخِلَافِ النَّخْلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِإِدْرَاكِهِ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَلَوْ بَقَّيْنَاهُ لَعَطَّلْنَا عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ أَرْضِهِ أَمَّا هَذَا فَلِإِدْرَاكِهِ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ حَتَّى لَوْ كَانَ الْغِرَاسُ لِلْبَيْعِ وَالنَّقْلِ لَا لِلِاسْتِبْقَاءِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الزَّرْعِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِقَلْعِ الزَّرْعِ إذَا زَرَعَ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّهُ جَانٍ فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَدْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى رَفْعِ الْعُدْوَانِ وَهَا هُنَا بِخِلَافِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةَ الْحَقَّيْنِ) أَيْ حَقِّ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتْرُكُ الْأَرْضَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِئَلَّا تَفُوتَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مَجَّانًا وَلَا يَتْلَفَ زَرْعُ الْآخَرِ أَيْضًا فَيَعْتَدِلُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودِعِ وَالْمُؤَجِّرِ وَالْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ حَصَلَتْ لَهُمْ وَالْأَصْلُ أَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ تَجِبُ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْقَبْضُ لَهُ أَمَّا الْمُسْتَعِيرُ فَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَالرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً فَأَمْسَكَهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى هَلَكَتْ ضَمِنَ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ كَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَالْغُرْمَ بِالْغَنَمِ وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ فَلِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ مَقْبُوضَةٌ لِمَنْفَعَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْأَجْرَ سُلِّمَ لَهُ بِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ رَدُّهَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ وَالتَّخْلِيَةُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ وَلَا يُقَالُ قَبْضُهُ كَانَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ مَا حَصَلَ لَهُ مَنْفَعَةٌ وَهِيَ عَرْضٌ يَفْنَى وَمَا حَصَلَ لِلْمُؤَجَّرِ عَيْنٌ تَبْقَى، فَكَانَ هُوَ بِالْوُجُوبِ أَوْلَى، وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْقَبْضِ حَاصِلَةٌ لَهُ لِأَنَّهُ لِحِفْظِ الْعَيْنِ، وَمَنْفَعَةُ حِفْظِهَا عَائِدٌ إلَيْهِ فَكَانَتْ مُؤْنَةُ رَدِّهَا عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ فَلِأَنَّ الْغَاصِبَ يَجِبُ عَلَيْهِ نَسْخُ فِعْلِهِ وَذَلِكَ بِرَدِّهَا وَإِعَادَتِهَا إلَى يَدِ مَالِكِهَا كَمَا كَانَتْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَزَالَ يَدَهُ مُتَعَدِّيًا فَفِي رَدِّهَا بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِك، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلِأَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَكَانَ قَابِضًا لِنَفْسِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ إلَى إصْطَبْلِ مَالِكِهَا أَوْ الْعَبْدَ إلَى دَارِ الْمَالِكِ بَرِئَ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُمَا إلَى صَاحِبِهِمَا، وَإِنَّمَا ضَيَّعَهُمَا تَضْيِيعًا فَصَارَ كَالْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْلِيمِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِصْطَبْلَ أَوْ الدَّارَ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَلَوْ رَدَّهُمَا عَلَى الْمَالِكِ كَأَنْ يَرُدَّهُمَا إلَى الْإِصْطَبْلِ أَوْ الدَّارِ فَكَانَ الرَّدُّ إلَيْهِمَا رَدًّا عَلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهَا لِلْحِفْظِ وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ غَيْرِهِ إذْ لَوْ رَضِيَ بِهِ لَمَا أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ وَبِخِلَافِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِإِثْبَاتِ يَدِهِ فِي الْعَيْنِ وَبِإِزَالَةِ يَدِ صَاحِبِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ يَدِهِ وَإِثْبَاتِ يَدِ صَاحِبهَا فِيهَا، وَذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ حَقِيقَةً وَقِيلَ هَذَا فِي عَادَتِهِمْ وَفِي زَمَانِنَا لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى يَدِ صَاحِبِهِمَا وَعَنْ ابْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَرْبِطُ خَارِجَ الدَّارِ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الدَّابَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَعَلَفُ الدَّابَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُقَيَّدَةً، وَكَذَلِكَ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَيْضًا وَالْمُرْتَهِنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةُ وَفِي الرَّهْنِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الرَّاهِنِ اهـ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ اهـ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ مُؤْنَةَ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ وَعَزَاهُ لِشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَيْضًا وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ وَفِي الْجَوْهَرَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً إلَخْ) سَيَأْتِي هَذَا الْفَرْعُ فِي أَوَاخِرِ الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي الشَّرْحِ فَرَاجِعْهُ اهـ. وَكُتِبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْوَجِيزِ الْعَارِيَّةُ إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فِي الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ بِأَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا وَلَمْ يُوَقِّتْ وَلَا مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ فَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُلْبِسَ وَيُرْكِبَ غَيْرَهُ وَالْعَارِيَّةَ الْمُقَيَّدَةُ فِيهِمَا بِأَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا يَوْمًا وَبَيَّنَ أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ بِنَفْسِهِ فَفِي الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ وَيُلْبِسَ غَيْرَهُ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ وَفِي الْعَبْدِ وَالدَّارِ لَهُ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فِي الْوَقْتِ مُطْلَقَةً فِي الِانْتِفَاعِ بِأَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً يَوْمًا وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا شَاءَ فِي الْيَوْمِ فَإِنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً فِي الْوَقْتِ مُقَيَّدَةً فِي الِانْتِفَاعِ بِأَنْ اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا الْحِنْطَةَ مَتَى شَاءَ اهـ. وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَإِنَّمَا أَعَدْتهَا لِفَائِدَةٍ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ وَالتَّخْلِيَةُ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فِي حَوَائِجِهِ فِي الْمِصْرِ وَقْتًا مَعْلُومًا فَمَضَى الْوَقْتُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا إلَى صَاحِبِهَا بِأَنْ يَمْضِيَ بِهَا إلَيْهِ وَعَلَى الَّذِي آجَرَ أَنْ يَقْبِضَهَا مِنْ مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَإِنْ انْتَفَعَ لَكِنَّهُ بِعِوَضٍ فَبَقِيَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا حَتَّى لَوْ أَمْسَكَهَا أَيَّامًا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ سَوَاءٌ طَلَبَهَا مِنْهُ أَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الرَّدُّ إلَى بَيْتِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي الْإِمْسَاكِ كَالْمُودِعِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ إلَى بَيْتِ الْمُودِعِ فَهَلَكَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلِأَنَّ قَبْضَهُ) أَيْ قَبْضَ الْمُرْتَهِنِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَره الْمُسَمَّى بِالْكَافِي، وَإِذَا رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ فَلَمْ يَجِدْ خَادِمَهَا وَلَا صَاحِبَهَا فَرَبَطَهَا فِي دَارِ صَاحِبِهِ عَلَى مَعْلِفِهِ فَضَاعَتْ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ لَهَا فِي الْقِيَاسِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا أُضَمِّنَهُ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ إلَى مَنْزِلِ صَاحِبِهَا الَّذِي يَكُونُ فِيهِ فَرَبَطَهَا عَلَى آرِيِّهَا فَهَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَضْمَنُ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَبِالْقِيَاسِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُمَا) أَيْ الدَّابَّةَ أَوْ الْعَبْدَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْلِيمِ الْمُعْتَادِ بَيْنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَسْتَعِيرُونَ الدَّابَّةَ فَيَرُدُّونَهَا إلَى إصْطَبْلِ الْمَالِكِ وَالْجِيرَانُ يَسْتَعِيرُونَ آلَةَ الْبُيُوتِ وَيَرُدُّونَهَا إلَى دَارِ صَاحِبِهَا وَيُسْلِمُونَهَا إلَى مَنْ فِيهِ دُونَ صَاحِبِ الدَّارِ فَلَوْ رَدَّ إلَى الْمَالِكِ أَيْضًا كَانَ الْمَالِكُ أَيْضًا يَحْفَظُهَا بِهَذَا الْمَكَانِ فَقَدْ أَسْقَطَ عَنْهُ الْمُسْتَعِيرُ كُلْفَةً زَائِدَةً فَتَرَكَ الْقِيَاسَ بِالْعَادَةِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ»، وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عَقْدَ جَوْهَرٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرُدَّهَا إلَّا إلَى الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِحِفْظِهِ فِي الدَّارِ وَلَا دَفْعِهِ إلَى الْغُلَامِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ) أَيْ حَيْثُ لَا يَبْرَأُ فِيهَا إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ اهـ.

تَكُونُ هُنَاكَ بِلَا حَافِظٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً أَوْ مَعَ عَبْدِ رَبِّ الدَّابَّةِ أَوْ أَجِيرِهِ بَرِئَ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَالْإِيصَالِ إلَى يَدِ صَاحِبِهَا وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّاهُ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ يَحْفَظُ دَوَابَّهُ بِسَائِسِهِ وَالدَّفْعُ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ إلَى صَاحِبِهَا عَادَةً وَهُوَ لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْمَالِكِ لَدَفَعَهَا هُوَ إلَى السَّائِسِ وَحِفْظُهُ بِسَائِسِهِ كَحِفْظِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَدِيعَةِ فَيَكْتَفِي بِالتَّسْلِيمِ مِنْهُ إلَى السَّائِسِ أَوْ مِنْ السَّائِسِ إلَى السَّائِسِ أَوْ مِنْ السَّائِسِ إلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى سَائِسِ الْمَالِكِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْدَعَهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِهِ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ لِمَا أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ بِخِلَافِ غُلَامِ نَفْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَهَذَا فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ فِي يَدِ الْغِلْمَانِ عَادَةً، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي أَيْدِيهِمْ عَادَةً كَعُقَدِ لُؤْلُؤٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَرَدَّهَا الْمُسْتَعِيرُ إلَى يَدِ غُلَامِ صَاحِبِهَا أَوْ وَضَعَهَا فِي دَارِهِ أَوْ إصْطَبْلِهِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِهِ فِي مِثْلِهِ، وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَهُ الْمُودِعُ إلَى غُلَامِهِ يَضْمَنُ، ثُمَّ قِيلَ هَذَا إذَا رَدَّهَا إلَى يَدِ عَبْدِهِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إلَيْهِ وَإِلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ دَائِمًا يَدْفَعُ إلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَكُونُ رِضَا الْمَالِكِ مَوْجُودًا دَلَالَةً، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ وَعَلَى الْمُخْتَارِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً فَمَضَتْ مُدَّتُهَا، ثُمَّ بَعَثَهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ بِإِمْسَاكِهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا حَتَّى إذَا هَلَكَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ فَكَذَا إذَا تَرَكَهَا فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ وَهَذَأ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْعَارِيَّةُ فَإِذَا كَانَ يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ فَأَوْلَى أَنْ يَمْلِكَ الْإِيدَاعَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ الْإِيدَاعِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَكْتُبُ الْمُعَارُ أَطْعَمْتنِي أَرْضَك) أَيْ إذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِلزِّرَاعَةِ يَكْتُبُ الْمُسْتَعِيرُ أَنَّك أَطْعَمْتنِي أَرْضَك وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَالَا يَكْتُبُ أَنَّك أَعَرْتنِي؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ هِيَ الْمَوْضُوعَةُ لِهَذَا الْعَقْدِ وَالْكِتَابَةُ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْلَى كَمَا فِي إعَارَةِ الثَّوْبِ وَالدَّارِ فَإِنَّهُ يَكْتُبُ فِيهِ أَعَرْتنِي وَلَا يَكْتُبُ أَلْبَسْتنِي وَلَا أَسْكَنْتنِي وَلَهُ أَنَّ لَفْظَ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ يَخُصُّ الزِّرَاعَةَ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ يُعْرَفُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِاسْتِغْلَالُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الزِّرَاعَةِ بِخِلَافِ لَفْظِ الْإِعَارَةِ فَإِنَّهَا تَنْتَظِمُ الزِّرَاعَةَ وَالْبِنَاءَ وَالْمَرَاحَ وَنَصْبَ الْخِيَامِ بِخِلَافِ الدَّارِ وَالثَّوْبِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا غَيْرُ مُتَنَوِّعَةٍ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِذِكْرِ الْعَارِيَّةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ أَجِيرِهِ بَرِئَ) أَيْ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ فِي حَقِّ الْعَيْنِ مُودِعٌ وَأَمِينٌ وَالْمُودِعُ يَمْلِكُ الدَّفْعَ إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ فَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ وَعَبْدُهُ فِي عِيَالِهِ، وَكَذَا أَجْبُرُهُ إذَا كَانَ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً بِخِلَافِ الْأَجِيرِ مُيَاوَمَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ فَكَانَ الرَّدُّ إلَى يَدِ هَؤُلَاءِ كَالرَّدِّ إلَى يَدِ الْمَالِكِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ غُلَامِ نَفْسِهِ) قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ وَلَوْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ بِعَارِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ فَنَزَلَ عَنْهَا فِي السِّكَّةِ أَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلِّيَ فَخَلَّى عَنْهَا فَهَلَكَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْبَيْتَ وَتَرَكَهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْبَيْتِ فَقَدْ تَرَكَ الْحِفْظَ لَمَّا غَيَّبَهَا عَنْ عَيْنِهِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَرْبِطْهَا بِشَيْءٍ أَمَّا إذَا رَبَطَهَا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ وَنَزَلَ لِيُصَلِّيَ وَكَانَ يُمْسِكُهَا فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمْسَكَهَا لَمْ يَتْرُكْ حِفْظَهَا، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَبَعَثَ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ وَكِيلِهِ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا الْحِنْطَةَ فَحَمَلَ الْوَكِيلُ طَعَامًا لِنَفْسِهِ لَا يَضْمَنُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ خُصُومَةِ الْمُتَفَاوِضِينَ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ، ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى اسْتَعَارَ ثَوْرًا لِيَكْرُبَ أَرْضَهُ وَعَيَّنَ الْأَرْضَ وَكَرَبَ أَرْضًا أُخْرَى فَعَطِبَ الثَّوْرُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْأَرَاضِيَ تَخْتَلِفُ فِي الْكِرَابِ سُهُولَةً وَصُعُوبَةً بِخِلَافِ مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَذْهَبَ إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَذَهَبَ إلَى مَكَان آخَرَ بِتِلْكَ الْمَسَافَةِ كَانَ ضَامِنًا، وَكَذَا لَوْ أَمْسَكَ الثَّوْرَ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَكْرُبْ حَتَّى عَطِبَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِمْسَاكِ لِعَدَمِ الرِّضَا مِنْ الْمَالِكِ، وَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ إذَا أَمْسَكَ وَلَمْ يَذْهَبْ، ثُمَّ قَالَ الْمُسْتَعِيرُ إذَا وَضَعَ الْمُسْتَعَارُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنَامَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ هَذَا حِفْظٌ عَادَةً لَكِنْ هَذَا إذَا نَامَ جَالِسًا، أَمَّا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا يَضْمَنُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ هَذَا) أَيْ عَدَمُ الضَّمَانِ بِالرَّدِّ إلَى رَبِّ الدَّابَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ هَذِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ قَصْدًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ، وَقَدْ مَرَّ وَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ يُؤَوِّلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَيَقُولُ بِأَنَّ الْعَارِيَّةُ قَدْ انْتَهَتْ فَبَقِيَ مُودِعًا وَالْمُودِعُ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَكْتُبُ الْمُعَارُ) أَيْ الْمُعَارُ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْكِتَابَةُ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْلَى) أَيْ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَحَقُّ بِأَنْ تُرَادَ وَبِقَوْلِهِمَا أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الزِّرَاعَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَارِيَّةَ الْأَرْضِ قَدْ تَكُونُ لِلزِّرَاعَةِ، وَقَدْ تَكُونُ لِغَيْرِهَا مِنْ السُّكْنَى وَالْبِنَاءِ وَلَفْظُ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ مَعْنَاهُ أَذِنْت لَك أَنْ تَزْرَعَ فِيهَا لِتَأْكُلَ مِنْ غَلَّاتِهَا فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ يَكْتُبُ بِهَا لِتَزُولَ الشُّبْهَةُ وَيُعْلَمَ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الزِّرَاعَةِ خَاصَّةً دُونَ الْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى، وَلَفْظَةُ الْإِطْعَامِ وَإِنْ كَانَ مَجَازًا مَعْلُومٌ لِكَوْنِهِ مُتَعَارَفًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَعْلَمُ أَنَّ ذَاتَ الْأَرْضِ لَا تُؤْكَلُ فَكَانَ أَوْلَى بِالِاسْتِعْمَالِ لِتَبَيُّنِ الْمُرَادِ بِهَا. اهـ. .

[كتاب الهبة]

بَيَانِ الْمَنْفَعَةِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ فِي كُلِّ فَصْلٍ مَا هُوَ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ حَتَّى يَكْتُبَ فِي اسْتِعَارَةِ الْأَرْضِ أَنَّك أَطْعَمْتنِي أَرْضَ كَذَا لِأَزْرَعَهَا مَا أَشَاءُ مِنْ غَلَّةِ الشِّتَاءِ أَوْ الصَّيْفِ؛ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ وَأَبْعَدُ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (كِتَابُ الْهِبَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِلَا عِوَضٍ) هَذَا فِي الِاصْطِلَاحِ وَفِي اللُّغَةِ هِيَ التَّبَرُّعُ وَالتَّفَضُّلُ بِمَا يَنْفَعُ الْمَوْهُوبَ لَهُ مُطْلَقًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: 5]، وَقَالَ تَعَالَى {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49] الْآيَةَ وَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] وَالْبَشَرُ إذَا بَاشَرَهَا فَقَدْ اكْتَسَبَ مِنْ أَشْرَفِ الصِّفَاتِ لِمَا فِيهَا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْكَرَمِ وَإِزَالَةِ شُحِّ النَّفْسِ وَإِدْخَالِ السُّرُورِ فِي قَلْبِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِيرَاثِ الْمَوَدَّةِ وَالْمَحَبَّةِ بَيْنَهُمَا وَإِزَالَةِ الضَّغِينَةِ وَالْحَسَدِ، وَلِهَذَا مَنْ بَاشَرَهَا كَانَ مِنْ الْمُفْلِحِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْوَاهِبُ عَاقِلًا بَالِغًا حُرًّا وَالْمَوْهُوبُ لَهُ مُمَيِّزًا وَالْمَوْهُوبُ مَقْبُوضًا وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَحُكْمُهَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ بِإِيجَابٍ كَ) قَوْلِهِ (وَهَبْتُ وَنَحَلْتُ وَأَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ وَجَعَلْته لَك وَأَعْمَرْتُك هَذَا الشَّيْءَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ نَاوِيًا بِهِ الْهِبَةَ وَكَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ وَدَارِي لَك هِبَةً تَسْكُنُهَا لَا هِبَةَ سُكْنَى أَوْ سُكْنَى هِبَةٍ وَقَبُولٍ وَقَبْضٍ بِلَا إذْنٍ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ بِهِ فِي مَحُوزٍ مَقْسُومٍ وَمَشَاعٍ لَا يُقْسَمُ لَا فِيمَا يُقْسَمُ) أَيْ تَصِحُّ الْهِبَةُ بِإِيجَابٍ كَقَوْلِهِ وَهَبْت إلَخْ وَبِقَبُولٍ وَقَبْضٍ فِي الْمَجْلِسِ وَفِيمَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ يَمْلِكُهُ بِالْإِذْنِ صَرِيحًا لَا غَيْرُ، كُلُّ ذَلِكَ فِي مَحُوزٍ وَمَشَاعٍ لَا يُقْسَمُ. أَمَّا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَلِأَنَّهُ عَقْدٌ فَيَنْعَقِدُ بِهِمَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَأَمَّا الْقَبْضُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّدَقَةُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً» وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْمِلْكِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي مَرَضِهِ كُنْتُ نَحَلْتُك جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي بِالْعَالِيَةِ وَإِنَّك لَمْ تَكُونِي قَبَضْتِيهِ وَلَا حُزْتِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْوَرَثَةِ وَلَوْ كَانَتْ تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَكَانَ لَهَا ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْمُتَبَرِّعِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ كِتَابُ الْهِبَةِ] ِ) قَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْعَارِيَّةُ وَهُوَ التَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى وَلِأَنَّ الْعَارِيَّةُ كَالْمُفْرَدِ وَالْهِبَةُ كَالْمُرَكَّبِ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ مَعَ الْمَنْفَعَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا تَفْسِيرُهَا لُغَةً فَهِيَ إعْطَاءُ الشَّيْءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ مَالًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَالٍ قَالَ تَعَالَى {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49] أَطْلَقَ اسْمَ الْهِبَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا؛ لِأَنَّهُ أَعْطَانَا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَفِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهَا تَمْلِيكُ الْمَالِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الشَّرِيعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا شَرْطُ جَوَازِهَا فَالْقَبْضُ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عِنْدَنَا قَبْلَ الْقَبْضِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُمَا وَكَوْنُهَا غَيْرَ مَشَاعٍ إذَا كَانَتْ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ شَرْطُ الْجَوَازِ أَيْضًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هِبَةُ الْمَشَاعِ جَائِزَةٌ، وَكَذَا التَّصَرُّفُ بِالْمَشَاعِ وَكَوْنُ الْمَحَلِّ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْهِبَةُ مَالًا قَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ شَرْطُ الْجَوَازِ أَيْضًا حَتَّى إذَا وُهِبَ الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْ الْخَمْرُ لَا يَصِحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا رُكْنُهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ هُوَ مُجَرَّدُ إيجَابِ الْوَاهِبِ، وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا إذَا حَلَفَ لَا يَهَبُ فَوَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ عِنْدَنَا، وَقَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ وَالْعَقْدُ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ اهـ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا) إلَّا أَنْ يَحْصُلَ مَقْصُودُ الْوَاهِبِ مِنْ الْهِبَةِ كَصِلَةِ الرَّحِمِ لَكِنْ يُكْرَهُ الرُّجُوعُ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّنَاءَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَصِحُّ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) قَالَ الْكَاكِيُّ أَيْ تَصِحُّ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَفِي حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ يَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ فَصَارَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَكِنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ اهـ (قَوْلُهُ فَيَنْعَقِدُ بِهِمَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَلِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ وَالْعَقْدُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَأَمَّا الْقَبْضُ فَهُوَ شَرْطُ صِحَّةِ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى يُمْلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَنَا هَذَا فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَمَّا إذَا حَلَفَ، وَقَالَ لَا يَهَبُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَحْنَثُ بِلَا قَبُولٍ وَقَبْضٍ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا بِالْقَبُولِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَنَا أَنَّ الْهِبَةَ اسْمٌ لِإِيجَابِ مِلْكٍ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ يَتِمُّ بِالْمَالِكِ إلَّا أَنَّ الْقَبُولَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَا شَرْطَ وُجُودِ الْهِبَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُقِرُّ لَهُ بِشَيْءٍ أَوْ لَا يُوصِي لَهُ بِشَيْءٍ فَأَقَرَّ أَوْ أَوْصَى هُوَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ يَحْنَثُ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا كَذَا فِي الْحَصْرِ وَالْمُخْتَلِفِ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَثْبُتُ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. اهـ. (قَوْلُهُ نَحَلْتُك جِدَادَ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْجِيمِ مَعَ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْجِدَادُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ صِرَامُ النَّخْلِ وَهُوَ قَطْعُ ثَمَرَتِهَا يُقَالُ جَدَّ الثَّمَرَةَ يَجِدُّهَا جَدًّا وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنِّي كُنْت نَحَلْتُك جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا اهـ

فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَرِّعَ قَدْ مَاتَ وَالْوَرَثَةُ لَيْسُوا بِمُتَبَرِّعِينَ، وَلَوْ قَالَ وَهَبْتُك هَذَا الشَّيْءَ فَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ صَحَّ وَمَلَكَهُ لِوُجُودِ الْقَبْضِ وَقَوْلُهُ وَقَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ بِلَا إذْنِهِ أَيْ بِلَا إذْنِ الْوَاهِبِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَبْضَ كَالْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بِهَا قَبْلَهُ وَيُغْنِي عَنْ الْقَبُولِ كَمَا بَيَّنَّا وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْإِيجَابِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ تَسْلِيطًا لَهُ عَلَى الْقَبْضِ دَلَالَةً إذْ مِلْكُهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِهِ فَيَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْمَجْلِسِ كَالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَلَا تَعْمَلُ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا، وَلِهَذَا صَحَّ الْإِذْنُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ بِقَوْلِهِ وَهَبْت؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْهِبَةِ وَبِقَوْلِهِ نَحَلْت؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَكُلَّ أَوْلَادِك نَحَلْت مِثْلَ هَذَا» وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كُنْت نَحَلْتُك عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِقَوْلِهِ أَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا تُؤْكَلُ عَيْنُهُ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ الْهِبَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا لَا تُؤْكَلُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ مَا يُسْتَغَلُّ مِنْهَا فَأَمْكَنَ ذَلِكَ بِالْعَارِيَّةِ وَبِقَوْلِهِ جَعَلْته لَك؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّمْلِيكِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَلَّكْتُك هَذَا الثَّوْبَ، أَلَا تَرَى أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ بِعِوَضٍ كَانَ تَمْلِيكًا فَكَذَا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَبِقَوْلِهِ أَعَمَرْتُك لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلْمُعْمَرِ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ مِلْكَ الْوَاهِبِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بَاقٍ بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِعْتَاقِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ تَسْلِيطًا لَهُ عَلَى الْقَبْضِ) أَيْ اقْتِضَاءً اهـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فَأَمَّا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ بَعْدَ الْهِبَةِ بِأَنْ قَالَ لَهُ لَا تَقْبِضْ فَقَبَضَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ، أَمَّا بَعْدَ الْمَجْلِسِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ فَبَعْدَ الْمَجْلِسِ أَوْلَى وَإِنْ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ نَهْيَ الْوَاهِبِ الْمَوْهُوبَ لَهُ عَنْ الْقَبْضِ رُجُوعٌ عَنْ الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي بَابِ الْهِبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَالْبَائِعُ لَوْ نَهَى الْمُشْتَرِي عَنْ الْقَبُولِ بَعْدَ الْإِيجَابِ كَانَ ذَلِكَ رُجُوعًا مِنْهُ عَنْ الْإِيجَابِ دَلَالَةً فَكَذَلِكَ هَذَا، وَلَوْ رَجَعَ ثُمَّ قَبَضَ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ فَكَذَلِكَ هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْمَجْلِسِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْإِذْنُ صَرِيحًا بَيَانُهُ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِبَقَاءِ الْإِيجَابِ عَلَى الصِّحَّةِ مِنْ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مَتَى فَاتَ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَبْقَى الْإِيجَابُ صَحِيحًا، وَإِذَا كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ بَقَاءِ الْإِيجَابِ مِنْ الْوَاهِبِ عَلَى الصِّحَّةِ وُجُودُ الْقَبْضِ لَا مَحَالَةَ كَانَ الْإِقْدَامُ عَلَى الْإِيجَابِ إذْنًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْقَبْضِ اقْتِضَاءً كَمَا فِي الْبَيْعِ جَعَلْنَا إقْدَامَ الْبَائِعِ عَلَى الْإِيجَابِ إذْنًا لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ مُقْتَضَى بَقَاءِ الْإِيجَابِ عَلَى الصِّحَّةِ إلَّا أَنَّ مَا ثَبَتَ اقْتِضَاءً يَثْبُتُ ضَرُورَةً، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَالضَّرُورَةُ تَرْتَفِعُ بِثُبُوتِ الْإِذْنِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ يَبْقَى صَحِيحًا مَتَى قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ فَلَا يُعْتَبَرُ ثَابِتًا فِيمَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُثْبِتَ نَصًّا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ نَصًّا ثَابِتٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَثْبُتُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ وَالْجَوَابُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْهِبَةِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ الْمَوْهُوبُ حَاضِرًا فَقَالَ لَهُ الْوَاهِبُ قَدْ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَ الْهِبَةِ فَاقْبِضْهَا وَانْصَرَفَ الْوَاهِبُ فَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ إقْبَاضٌ مِنْهُ فَإِذَا قَبَضَ بِإِذْنِهِ تَمَّ الْعَقْدُ. قَالَ فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ نَزَلَ قَابِضًا وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْقَبْضَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَبْضَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى إخْرَاجِ نَفْسِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ إذَا أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا التَّخْلِيَةُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ فَإِذَا لَمْ يُسْلِمْهُ إلَيْهِ وَيُقْبِضْهُ لَا يُعَدُّ مُسَلِّمًا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَأَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَقْبِضْ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ قَبْلَ إيصَالِ الْقَبْضِ بِهَا فَصَحَّ رُجُوعُهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ فَقَبَضَ الْهِبَةَ بِحَضْرَةِ الْوَاهِبِ أَوْ بِغَيْرِ حَضَرَتْهُ جَازَ الْقَبْضُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ قَاضِيخَانْ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ وَهَبْت عَبْدِي هَذَا مِنْك وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ نَالَهُ فَقَالَ قَبَضَتْهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ جَازَتْ الْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ وَيَصِيرُ قَابِضًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِيرُ قَابِضًا مَا لَمْ يَقْبِضْ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا فَقَالَ وَهَبْت مِنْك عَبْدِي فُلَانًا فَاذْهَبْ وَاقْبِضْهُ فَقَبَضَهُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ قَبِلْت وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ كَلَامُ قَاضِيخَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّخْلِيَةِ لَا يَكُونُ قَبْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا بُدَّ عِنْدَهُ مِنْ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ فِي بَابِ قَبْضِ الْهِبَةِ مَا نَصُّهُ النَّوَادِرِ رَجُلٌ وُهِبَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا وَهُوَ حَاضِرٌ فَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبَضَتْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ صَارَ قَابِضًا؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ قَبْضِهِ فَأُقِيمَ تَمَكُّنُهُ مَقَامَ قَبْضِهِ كَالتَّخْلِيَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِيرُ قَابِضًا مَا لَمْ يَقْبِضْهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِضٍ حَقِيقَةً اهـ وَعَلَى هَذَا فَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَقَوْلُهُ الْحَقِيقِيُّ أَيْ وَهُوَ نَقْلُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا فِي تَقْرِيرِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يَطْعَمُ عَيْنُهُ يُرَادُ بِهِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ التَّمْلِيكُ لَا الْإِبَاحَةُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْإِطْعَامِ إطْعَامُ الطَّعَامِ وَالطَّعَامُ يُؤْكَلُ عَيْنُهُ فَكَانَ الْإِطْعَامُ فِي الْآيَةِ مُضَافًا إلَى مَا يَطْعَمُ عَيْنُهُ فَافْهَمْ اهـ

بَعْدِهِ» وَلِأَنَّ مَعْنَى الْعُمْرَى هُوَ التَّمْلِيكُ لِلْحَالِ وَاشْتِرَاطُ الِاسْتِرْدَادِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْمَرِ لَهُ فَصَحَّ التَّمْلِيكُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَبِقَوْلِهِ حَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ نَاوِيًا بِهِ الْهِبَةَ؛ لِأَنَّ الْإِرْكَابَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَنْفَعَةِ فَيَكُونُ عَارِيَّةً إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ فَتَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ يُقَالُ حَمَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا عَلَى الدَّابَّةِ يَعْنُونَ بِهِ التَّمْلِيكَ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ تَشْدِيدًا عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ؛ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] وَالْمُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَأَدَّى بِالْمَنَافِعِ، وَكَذَا يُقَالُ كَسَا فُلَانٌ فُلَانًا إذَا مَلَّكَهُ لَا إذَا أَعَارَهُ وَبِقَوْلِهِ دَارِي لَك هِبَةً تَسْكُنُهَا؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلتَّمْلِيكِ ظَاهِرًا، وَقَوْلُهُ تَسْكُنُهَا مَشُورَةٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى الْمَقْصُودِ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ هَذَا الطَّعَامُ لَك تَأْكُلُهُ أَوْ هَذَا الثَّوْبُ لَك تَلْبَسُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ دَارِي لَك هِبَةَ سُكْنَى أَوْ سُكْنَى هِبَةٍ حَيْثُ تَكُونُ عَارِيَّةً عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْعَارِيَّةُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا هِبَةَ سُكْنَى أَيْ لَا تَكُونُ تَمْلِيكًا بِقَوْلِهِ دَارِي لَك هِبَةَ سُكْنَى. وَقَوْلُهُ فِي مَحُوزٍ مَقْسُومٍ وَمَشَاعٍ لَا يُقْسَمُ لَا فِيمَا يُقْسَمُ أَيْ تَجُوزُ الْهِبَةُ فِي مَحُوزٍ مَقْسُومٍ وَفِي مَشَاعٍ لَا يُقْسَمُ وَلَا تَجُوزُ فِي مَشَاعٍ يُقْسَمُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مَحُوزٍ عَنْ الْمُتَّصِلِ كَالثَّمَرَةِ عَلَى الشَّجَرَةِ وَبِقَوْلِهِ مَقْسُومٍ عَلَى الْمَشَاعِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَجُوزُ هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَفِيمَا لَا يُقْسَمُ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ تَمْلِيكٍ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهُ فَأَشْبَهَتْ الْبَيْعَ وَكَوْنُهُ تَبَرُّعًا لَا يُنَافِي الْمِلْكَ فِي الشُّيُوعِ كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ وَتَسْلِيمُهُ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ أَوْ بِتَسْلِيمِ الْكُلِّ إلَيْهِ كَالْمَشَاعِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَلَنَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - شَرَطُوا الْقِسْمَةَ لِصِحَّةِ الْهِبَةِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ كَمَا فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لَمَّا كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عَلَى الْكَمَالِ حَتَّى لَوْ اسْتَقْبَلَ الْحَطِيمَ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ بِالسُّنَّةِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ ثَبَتَ مُطْلَقًا وَالْمُطْلَقُ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ وَالْكَامِلُ هُوَ الْمَوْجُودُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْقَبْضُ فِي الْمَشَاعِ مَوْجُودٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ فِي حَيِّزِ الْقَابِضِ وَالْمَشَاعُ لَيْسَ فِي حَيِّزِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَيِّزِ شَرِيكِهِ مِنْ وَجْهٍ وَتَمَامُهَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الْأَنْصِبَاءَ بِهَا تَتَمَيَّزُ وَتَجْتَمِعُ وَمَا لَمْ يَجْتَمِعْ لَا يَصِيرُ مُحْرَزًا أَوْ يَكُونُ إحْرَازًا نَاقِصًا فَلَا يَنْهَضُ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ أَصْلِ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ كَانَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ لِاحْتِمَالِ هَلَاكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ كَيْ لَا يَلْزَمُهُ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْلِيمِ وَهَذَا الْمَعْنَى هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْقِسْمَةِ فَيَصِيرُ عَقْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ) أَيْ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ لَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ) أَيْ وَأَلْفَاظُنَا تُحْمَلُ عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ أَلْفَاظِ الشَّرْعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ دَارِي لَك هِبَةً) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَشُورَةٌ) هِيَ بِتَسْكِينِ الشَّيْنِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَبِضَمِّ الشَّيْنِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بِمَعْنَى الشُّورَى وَهِيَ اسْتِخْرَاجُ رَأْيٍ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ قَالَ دَارِي لَك هِبَةً) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ. اهـ. (قَوْلُهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مَحُوزٍ عَلَى الْمُتَّصِلِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَوْلُهُ مَحُوزَةٍ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ مَشْغُولَةً بِمَا لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْهِبَةُ كَالثَّمَرِ فِي النَّخْلِ وَالزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ وَكَالظَّرْفِ فِيهِ مَتَاعٌ لِلْوَاهِبِ، وَقَوْلُهُ مَقْسُومَةٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْمَشَاعِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تَتِمُّ وَلَا تُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهَا تَامَّةٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالُوا إنَّهَا فَاسِدَةٌ وَالْأَصَحُّ مَا قُلْنَاهُ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يُقَالُ إنَّهَا فَاسِدَةٌ بَلْ غَيْرُ تَامَّةٍ كَذَا هَذَا، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ تَامَّةٌ كَذَا قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ، وَقَالَ فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالتَّخْلِيَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هِبَةَ الشَّائِعِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالتَّخْلِيَةِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ نَصِيبًا مُسَمًّى فِي دَارٍ غَيْرِ مَقْسُومٍ فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ أَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ جَمِيعَ الدَّارِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا إنْ وَهَبَ لَهُ نَصِيبًا فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ يُقْسَمُ وَكُلُّ شَيْءٍ يُقْسَمُ لَا يَجُوزُ وَهَذَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَنَعْنِي بِقَوْلِهِ إنَّهُ يُقْسَمُ أَنَّهُ يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعَ الْبَيْتِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ مُنْتَفَعًا بِهِ ذَلِكَ النَّوْعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ مِثْلَ الْحَمَّامِ الصَّغِيرِ إذَا قُسِمَ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ هِبَتُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ اتِّفَاقًا وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا إذَا وَهَبَ مَشَاعًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ وُهِبَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ مِنْ شَرِيكِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَمِنْ الشَّرِيكِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إنْ وُهِبَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ وُهِبَ مِنْ الشَّرِيكِ جَازَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا وُهِبَ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يُرِيدُونَ بِقَوْلِهِمْ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا إلَّا وَيَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِقَوْلِهِمْ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَفُوتُ أَصْلًا بِالْقِسْمَةِ وَالتَّجَزِّي كَمَا فِي الْعَبْدِ مَتَى قُسِّمَ وَجُزِّئَ تَفُوتُ الْمَنْفَعَةُ أَصْلًا أَوْ تَفُوتُ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ كَمَا فِي الْحَمَّامِ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ. إلَى هُنَا لَفْظُ خُوَاهَرْ زَادَهْ اهـ (قَوْلُهُ كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَكَذَلِكَ قَرْضُ الْمَشَاعِ فِي الَّذِي يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ صَحِيحٌ وَالْقَرْضُ تَبَرُّعٌ وَالتَّبَرُّعُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْقَبْضِ بَيَانُهُ أَنَّهُ نَصَّ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا نِصْفُهُ قَرْضًا وَنِصْفُهُ مُضَارَبَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ دَارِهِ شَائِعًا يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ) أَيْ هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَظَاهِرُهُ كَمَا تَرَى يُشْعِرُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَقَدْ قَدَّمْت لَك قَرِيبًا أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ غَيْرُ تَامَّةٍ لَا فَاسِدَةٍ كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

التَّبَرُّعِ مُوجِبًا لِضَمَانِ الْقِسْمَةِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ وَلِمُطَالَبَتِهِ بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَوْضُوعِ التَّبَرُّعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] بِخِلَافِ مَا لَا يُقْسَمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ فِيهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إلَّا بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ فَاكْتَفَى بِهِ وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبِرْنَا كَمَالَ الْقَبْضِ فِيهِ لَانْسَدَّ بَابُ الْهِبَةِ فِيهِ وَفِيمَا يُقْسَمُ لَا يَنْسَدُّ وَلَا يُقَالُ يَسْتَوْجِبُ الْمُهَيَّأَةَ فِيمَا لَا يُقْسَمُ وَهُوَ إيجَابٌ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْتَنِعَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُهَايَأَةُ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ وَالتَّبَرُّعُ وَقَعَ فِي الْعَيْنِ فَيَكُونُ إيجَابًا فِي غَيْرِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ فَلَا يُبَالِي، وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ الْإِيجَابُ فِي عَيْنِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ وَالْقَبْضُ فِي الْوَصِيَّةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهَا، وَكَذَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالسَّلَمُ وَالصَّرْفُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَدًا بِيَدٍ» الْمُرَادُ بِهِ التَّعْيِينُ غَيْرَ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي الثَّمَنَيْنِ يَكُونُ بِالْقَبْضِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ الصِّحَّةِ وَالْبَقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَلِأَنَّ هَذِهِ عُقُودُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يُبَالِي بِوُجُوبِ ضَمَانِ الْقِسْمَةِ أَوْ الْمُطَالَبَةِ وَالْقَرْضُ تَبَرُّعُ ابْتِدَاءٍ حَتَّى لَا يَمْلِكُهُ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ مُعَاوَضَةَ انْتِهَاءٍ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ فَلِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا مِنْ وَجْهٍ شَرَطْنَا الْقَبْضَ فِيهِ، وَلِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ وَجْهٍ لَمْ نَشْتَرِطْ الْقِسْمَةَ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ أَوْ الشَّبَهَيْنِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ الْكَمَالُ وَلَوْ وَهَبَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ شَرِيكِهِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الْكَامِلَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهِ وَالْحُكْمُ بِدُونِ عِلَّتِهِ لَا يُوجَدُ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ يُرَاعَى وُجُودُهَا لَا غَيْرُ فَيَدُورُ الْحُكْمُ وَهُوَ الْفَسَادُ عَلَى نَفْسِ الشُّيُوعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ صَحَّ) أَيْ وَلَوْ وَهَبَ مَشَاعًا، ثُمَّ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْهِبَةِ بِالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا شُيُوعَ فِيهِ، وَلَوْ سَلَّمَهُ شَائِعًا لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَيَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْوَاهِبِ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ رُسْتُمَ مِثْلُهُ وَذَكَرَ عِصَامٌ أَنَّهَا تُفِيدُ الْمِلْكَ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَهَبَ دَقِيقًا فِي بُرٍّ لَا وَإِنْ طَحَنَ وَسَلَّمَ) أَيْ لَوْ وَهَبَ الدَّقِيقَ فِي الْحِنْطَةِ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ، وَلَوْ طَحَنَهُ وَسَلَّمَ الدَّقِيقَ لَا تَعُودُ صَحِيحَةً (وَكَذَا الدُّهْنُ فِي السِّمْسِمِ وَالسَّمْنُ فِي اللَّبَنِ) لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَعْدُومٌ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَخْرَجَهُ الْغَاصِبُ مَلَكَهُ وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ فَلَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ بِالْعَقْدِ فَوَقَعَ بَاطِلًا فَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَهَذَا لِأَنَّ الْحِنْطَةَ اسْتَحَالَتْ وَصَارَتْ دَقِيقًا، وَكَذَا غَيْرُهَا وَبَعْدَ الِاسْتِحَالَةِ هُوَ عَيَّنَ أُخْرَى عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْغَصْبِ بِخِلَافِ الْمَشَاعِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ جَازَ، وَإِنَّمَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْدُومِ جَائِزَةٌ وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفُ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ وَالزَّرْعُ وَالنَّخْلُ فِي الْأَرْضِ وَالتَّمْرُ فِي النَّخِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشَاعِ؛ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ وَامْتِنَاعُ الْجَوَازِ لِلِاتِّصَالِ وَذَلِكَ يَعُودُ إلَى امْتِنَاعِ الْقَبْضِ كَالشَّائِعِ فَإِذَا فَصَلَهَا وَسَلَّمَ جَازَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ كَمَا فِي هِبَةِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ الْحَمْلَ وَسَلَّمَهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِ احْتِمَالًا فَصَارَ كَالْمَعْدُومِ. وَالدَّارُ الَّتِي فِيهَا الْمَتَاعُ وَالْجُوَالِقُ الَّذِي فِيهِ الدَّقِيقُ كَالْمَشَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَشْغُولٌ بِمَتَاعِ الْوَاهِبِ حَتَّى لَوْ نَزَعَ وَسَلَّمَ صَحَّ وَيُعْتَبَرُ الْإِذْنُ بِالْقَبْضِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَلَا يُعْتَدُّ بِالْإِذْنِ قَبْلَهُ كَمَا لَا يُعْتَدُّ بِالتَّسْلِيمِ قَبْلَهُ، وَلَوْ وَهَبَ الْمَتَاعَ الَّذِي فِي الدَّارِ وَسَلَّمَهَا مَعَهُ أَوْ الدَّقِيقَ فِي الْجُوَالِقِ وَسَلَّمَ الدَّقِيقَ مَعَ الْجُوَالِقِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَيْسَ بِمَشْغُولٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَاغِلٌ لِمِلْكِ الْوَاهِبِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ يَدًا لِلْوَاهِبِ عَلَى الْمَوْهُوبِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ يَدَ الْوَاهِبِ قَائِمَةٌ فِي الظَّرْفِ وَهُوَ آلَةٌ لِلْحِفْظِ فَيَكُونُ تَبَعًا فَثُبُوتُ الْيَدِ فِي التَّبَعِ لَا تُوجِبُ قِيَامَهُ فِي الْأَصْلِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ وَهَبَ الْجَارِيَةَ وَعَلَيْهَا حُلِيٌّ دُونَهُ صَحَّ وَبِالْعَكْسِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا نَزَعَهُ وَسَلَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ هِيَ الْمُسْتَعْمَلَةُ لَهُ فَكَانَ تَبَعًا كَالْجُوَالِقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَلَكَ بِلَا قَبْضٍ جَدِيدٍ لَوْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) يَعْنِي لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهَا) أَيْ بَلْ تَتِمُّ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَوْ وَهَبَ مَشَاعًا، ثُمَّ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ وَمَنْ وَهَبَ شَخْصًا مَشَاعًا فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَإِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ وَأَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ فِيمَا يُقْسَمُ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ فِيمَا لَا يُقْسَمُ صَحِيحَةٌ، وَلِهَذَا قَالَ الْكَرْخِيُّ وَإِنْ وَهَبَ لَهُ مَشَاعًا، ثُمَّ قَسَّمَ مَا وَهَبَ وَأَفْرَزَهُ، ثُمَّ سَلَّمَهُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ جَازَ، وَكَذَلِكَ إذَا وَهَبَ دَارًا فِيهَا طَعَامٌ لِلْوَاهِبِ أَوْ ثَمَرَةً مُعَلَّقَةً فِي نَخْلٍ أَوْ زَرْعًا فِي أَرْضٍ فَأَخْرَجَ الطَّعَامَ مِنْ الدَّارِ وَجَدَّ الثَّمَرَةَ مِنْ النَّخْلِ وَحَصَدَ الزَّرْعَ، ثُمَّ سَلَّمَ ذَلِكَ مَحُوزًا مُفْرَزًا جَازَ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى حَالِ الْقَبْضِ دُونَ حَالِ الْعَقْدِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ إنَّمَا فَسَدَتْ أَوْ لَمْ تَتِمَّ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ لِمَعْنَى الْإِشَاعَةِ فَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ نَحَلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا وَبَيَّنَ أَنَّهَا لَوْ حَازَتْهُ وَقَبَضَتْهُ جَازَ فَلَوْلَا أَنَّ الْعَقْدَ فِي الْمَشَاعِ وَقَعَ صَحِيحًا لَمْ تَمْلِكْهُ بِالْحِيَازَةِ وَالْقَبْضِ. اهـ. . (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ) فَإِنْ قِيلَ إنْ اسْتَقَامَ هَذَا فِي الصُّوفِ لَا يَسْتَقِيمُ فِي اللَّبَنِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ عَلَى خَطَرٍ قَدْ يَكُونُ لِلِانْتِفَاخِ بِسَبَبِ الرِّيحِ أَوْ بِسَبَبِ الدَّمِ أَوْ بِسَبَبِ اللَّبَنِ فَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي وُجُودِ اللَّبَنِ وَفِي وُجُودِ الْمَالِيَّةِ وَمَعَ هَذَا جَازَتْ الْمَالِيَّةُ اسْتِحْسَانًا مَتَى أَمَرَهُ بِالْقَبْضِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الِانْتِفَاخَ لِلرِّيحِ مُحْتَمَلٌ وَلِلَّبَنِ مُحْتَمَلٌ فَاسْتَوَى الْوُجُودُ مَعَ الْعَدَمِ، ثُمَّ تَرَجَّحَ جَانِبُ الْوُجُودِ؛ لِأَنَّ إمْكَانَ التَّصَرُّفِ فِي الْحَالِ فِي وُسْعِهِمَا بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ اسْتَوَيَا فِي الْوَلَدِ وَلَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْوُجُودِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَإِذَا لَمْ يَتَرَجَّحْ الْوُجُودُ لَمْ تَثْبُتْ الْمَحَلِّيَّةُ وَلَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مِنْ الْأَصْلِ بِالشَّكِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَلَكَ بِلَا قَبْضٍ جَدِيدٍ لَوْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) أَقُولُ مَحَلُّهُ مَا إذَا وَجَدَ الْقَبُولَ مِنْ

مَلَكَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهَا قَبْضًا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ ثَابِتٌ فِيهَا وَهُوَ الشَّرْطُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَمَانَةً وَمَضْمُونَةً؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ يَنُوبُ عَنْ مِثْلِهِ لَا عَنْ الْمَضْمُونِ وَالْمَضْمُونُ يَنُوبُ عَنْهُمَا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى تَجَانَسَ الْقَبْضَانِ نَابَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لِاتِّحَادِهِمَا جِنْسًا وَإِذَا اخْتَلَفَا نَابَ الْأَقْوَى عَنْ الْأَضْعَفِ دُونَ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ فِي الْأَقْوَى مِثْلَ الْأَدْنَى وَزِيَادَةً وَلَيْسَ فِي الْأَدْنَى مَا فِي الْأَقْوَى فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ فِي يَدِهِ مَضْمُونًا كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَرْهُونِ وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ لَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِمُجَرَّدِ قَبُولِ الْهِبَةِ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ عَارِيَّةٌ أَوْ إجَارَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا لِنَفْسِهِ وَيَدُهُ ثَابِتَةٌ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ بِطَرِيقِ الْوَدِيعَةِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْحِفْظِ وَقَبَضَهُ لِأَجْلِ الْمَالِكِ، فَكَيْفَ يَنُوبُ هَذَا الْقَبْضُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ؟ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا كَمَا لَوْ وَهَبَهُ وَهُوَ فِي يَدِ الْوَاهِبِ لَكِنْ لِلْمُودَعِ يَدٌ حَقِيقَةً فَبِاعْتِبَارِهَا نَزَلَ قَابِضًا؛ لِأَنَّا أَقَمْنَا يَدَهُ مَقَامَ يَدِ الْمَالِكِ حُكْمًا مَا دَامَ عَامِلًا لَهُ وَبَعْدَ الْهِبَةِ لَيْسَ بِعَامِلٍ لَهُ فَتُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِبَةُ الْأَبِ لِطِفْلِهِ تَتِمُّ بِالْعَقْدِ)؛ لِأَنَّهُ فِي قَبْضِ الْأَبِ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ مُودِعِهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِ الْمَالِكِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْهُوبِ لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَعَلَيْك بِمُرَاجَعَةِ الْحَاشِيَةِ الَّتِي أَوَّلُهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فَإِنَّك تَظْفَرُ بِالْمَقْصُودِ وَتَغْنَمُ بِفَوَائِدَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَهِيَ هَذِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِذَا وَهَبَ لَهُ وَدِيعَةً فِي يَدِهِ أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ مَا هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَقَبِلَ ذَلِكَ مَلَكَ الْهِبَةَ وَصَحَّ قَبْضُهُ بِهَذَا لِكَوْنِهَا فِي يَدِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِيَدِهِ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِمِثْلِهَا كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِغَيْرِهَا مِثْلَ الرَّهْنِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ أَوْ الْمَبِيعِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ فَيَهَبُ الْمَالِكُ ذَلِكَ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قَابِضًا بِكَوْنِ ذَلِكَ فِي يَدِهِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْضًا بَعْدَ عَقْدِ الْهِبَةِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ إذَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَمَانَةً كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةَ مَلَكَهَا بِعَقْدِ الْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ قَبْضٍ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ قَابِضًا حَتَّى يُخَلِّيَ بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَهَا. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ يَدَ الْمُودِعِ يَدُ الْمُودَعِ فَكَأَنَّهُ وَهَبَ لَهُ مَا فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَبْضٍ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْهِبَةَ تَقِفُ صِحَّتُهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْقَبْضِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَبْضٍ بِصِفَةٍ وَمُجَرَّدُ الْقَبْضِ مَوْجُودٌ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَصَحَّتْ الْهِبَةُ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا بَيْعَ الْوَدِيعَةِ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي قَبْضًا مَضْمُونًا وَقَبْضُ الْمُودِعِ عَقِيبَ الْعَقْدِ قُبِلَ أَمَانَةً فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ قَبْضٍ آخَرَ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَضْمُونَةً فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِمِثْلِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَقْبُوضَةِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ قَبْضٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْهِبَةُ قَدْ وُجِدَ وَزِيَادَةٌ وَهُوَ الضَّمَانُ وَذَلِكَ الضَّمَانُ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْغَاصِبَ مِنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ جَازَ وَسَقَطَ فَصَارَتْ الْهِبَةُ بَرَاءَةً مِنْ الضَّمَانِ فَبَقِيَ قَبْضٌ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ الْمَضْمُونِ بِالثَّمَنِ وَكَالرَّهْنِ الْمَضْمُونِ بِالدَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضٍ مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ عَقْدِ الْهِبَةِ وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ وَيَمْضِي وَقْتٌ يُتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ قَبْضِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَيْنَ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ مَضْمُونَةً إلَّا أَنَّ هَذَا الضَّمَانَ لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لَهُ فَلَمْ تَكُنْ الْهِبَةُ بَرَاءَةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْهِبَةِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَجْدِيدِ قَبْضٍ آخَرَ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْت رَجُلًا اسْتَوْدَعَ أَخَاهُ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا أَوْ مَتَاعًا أَوْ دَارًا أَوْ دَابَّةً، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ وَالدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ قَدْ وَهَبْتُ لَك الَّذِي اسْتَوْدَعْتُك وَهُوَ فِي يَدِ الْمُودَعِ أَيَجُوزُ ذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ إذَا قُبِلَتْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ قَدْ شَرَطَ الْقَبُولَ هُنَا وَذَكَرَ فِيمَا إذَا وَهَبَ عَبْدًا لِأَخِيهِ، ثُمَّ قَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَكَانَ أَمَرَهُ بِالْقَبْضِ نَصًّا أَنَّهُ يَصِحُّ وَلَمْ يَشْرَط الْقَبُولَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الْعَبْدُ لَيْسَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ حَالَةَ الْهِبَةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُحْتَاجًا إلَى إحْدَاثِ قَبْضٍ حَتَّى يَمْلِكَ الْهِبَةَ فَمَتَى أَقْدَمَ عَلَى الْقَبْضِ كَانَ ذَلِكَ إقْدَامًا عَلَى الْقَبُولِ وَرِضًا مِنْهُ بِوُقُوعِ الْمِلْكِ لَهُ فَمَلَكَهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْقَبُولُ مِنْهُ نَصًّا بَعْدَ إيجَابِ الْوَاهِبِ يَقَعُ الْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ بِغَيْرِ رِضَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْقَبْضِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَهُّمِ الضَّرَرِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَيْضًا فِي مَبْسُوطِهِ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ سَاكِنًا فِي دَارٍ بِأَجْرٍ أَوْ عَارِيَّةٍ قَالَ نَعَمْ هَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَدِيعَةِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ فَلَأَنْ يَنُوبَ قَبْضُ الْإِجَارَةِ وَفِي قَبْضِ الْإِجَارَةِ زِيَادَةُ ضَمَانٍ لَيْسَ فِي قَبْضِ الْوَدِيعَةِ أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ. اهـ. . (قَوْلُهُ أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي رَجُلٌ رَهْنَ عَبْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ وَهَبَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ لِتَمَامِ الْهِبَةِ، وَقَدْ فُقِدَ حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا يَدَ الْأَبِ فِيمَا يَهَبُهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ يَدِ الِابْنِ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً وَهَا هُنَا الْيَدُ لِلْمُرْتَهِنِ لَا لِلرَّاهِنِ فَتَعَذَّرَ جَعْلُهَا لِلِابْنِ فَانْعَدَمَ قَبْضُهَا الَّذِي هُوَ مُتَمِّمٌ لِلْهِبَةِ فَقُلْنَا بِالْفَسَادِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَوْهُوبُ غَصْبًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَوْ مَقْبُوضًا لِرَجُلٍ بِحُكْمِ شِرَاءٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْدَمُ الْيَدَ لِلْوَاهِبِ فَتَنْعَدِمُ يَدُ الصَّغِيرِ تَقْدِيرًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ هِبَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا تَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ أَمَّا هَلْ تَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ

حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ لِعَدَمِ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَابِضٌ لِنَفْسِهِ وَعَامِلٌ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ وَهَبَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ دَارًا وَالْأَبُ سَاكِنُهَا وَمَتَاعُهُ فِيهَا جَازَتْ الْهِبَةُ وَمَلَكَهَا الِابْنُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَهِبَتُهَا لَهُ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ وَسُكْنَاهُ وَمَتَاعُهُ فِيهَا لَا يُنَافِي يَدَهُ بَلْ يُقَرِّرُهَا فَتَكُونُ هِيَ فِي قَبْضِهِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ بِأَجْرٍ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَجْرٍ جَازَتْ الْهِبَةُ وَمَلَكَهَا الِابْنُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُنْتَقَى، وَكَذَا لَوْ وَهَبَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ فِي يَدِهَا وَالْأَبُ مَيِّتٌ وَلَيْسَ لَهُ وَصِيٌّ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَعُولُهُ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ نَفْعٌ مَحْضٌ وَلِمَنْ فِي يَدِهِ ضَرْبُ وِلَايَةٍ حَتَّى كَانَ لَهُ تَأْدِيبُهُ وَتَسْلِيمُهُ فِي صِنَاعَةٍ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ النَّافِعَ فَيَنْفَرِدُ بِتَمْلِيكِهِ وَيَمْلِكُهُ الصَّغِيرُ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْوَاهِبِ كَمَا فِي الْأَبِ وَالصَّدَقَةُ فِي هَذَا كُلِّهِ كَالْهِبَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَهَبَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ يَتِمُّ بِقَبْضِ وَلِيِّهِ)؛ لِأَنَّ لِلْوَلِيِّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَقَبْضُ الْهِبَةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ فِي حِجْرِهِ لِثُبُوتِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلِيِّ هُوَ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ وِلَايَةُ الْقَبْضِ إلَّا إذَا كَانَ فِي حِجْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُمِّهِ وَأَجْنَبِيٍّ لَوْ فِي حِجْرِهِمَا) أَيْ تَتِمُّ بِقَبْضِ أُمِّهِ وَبِقَبْضِ أَجْنَبِيٍّ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ النَّافِعِ لَهُ، وَتَحْصِيلُ الْمَالِ مِنْ أَوْفَرِ الْمَنَافِعِ فَكَانَ لَهُمْ ذَلِكَ لِثُبُوتِ يَدِهِمْ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَكَانُوا أَحَقَّ بِحِفْظِهِ وَتَحْصِيلُ الْمَالِ لَهُ مِنْ ضَرُورَاتِ حِفْظِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَادَةً إلَّا بِقَوْتٍ وَمَلْبُوسٍ فَقَامُوا فِي هَذَا مَقَامَ الْوَلِيِّ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ لِكَوْنِهِ نَفْعًا مَحْضًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِقَبْضِهِ إنْ عَقَلَ) أَيْ تَتِمُّ بِقَبْضِ الصَّبِيِّ نَفْسِهِ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا يَعْقِلُ التَّحْصِيلَ؛ لِأَنَّهُ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ أُلْحِقَ بِالْبَالِغِ الْعَاقِلِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِعَقْلِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ قَبْضُ غَيْرِهِ لَهُ حَتَّى الْأَجْنَبِيُّ إذَا كَانَ فِي عِيَالِهِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ بِعَقْلِهِ وَجُعِلَ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ لَمَا نَفَذَ عَلَيْهِ تَصَرُّفُ غَيْرِهِ وَلَا كَانَ لَهُ حَاجَةٌ إلَيْهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إنَّمَا لَا يُعْتَبَرُ عَقْلُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ بِهِ نَظَرُهُ فِي عَوَاقِبِ أُمُورِهِ لِعَدَمِ اعْتِدَالِ عَقْلِهِ فَإِذَا كَانَ التَّصَرُّفُ نَافِعًا مَحْضًا تَعَيَّنَ النَّظَرُ فِي نُفُوذِهِ فَيَنْفُذُ نَظَرًا لَهُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ فِي الضَّارِّ لِأَجْلِهِ وَالتَّوَقُّفُ فِي الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ لِأَجْلِهِ حَتَّى يُجِيزَهُ الْوَلِيُّ إنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً فَكَذَا وَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ النَّافِعُ نَظَرًا لَهُ، وَجَازَ تَصَرُّفُ الْوَلِيِّ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَظَرًا لَهُ أَيْضًا حَتَّى يَنْفَتِحَ لَهُ سَبَبُ تَحْصِيلِ النَّفْعِ بِطَرِيقَيْنِ وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ أَنْ تَثْبُتَ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ لِغَيْرِهِ نَظَرًا لَهُ ثُمَّ يُرَدُّ مِنْهُ مِثْلُ هَذَا النَّفْعِ الْمَحْضِ وَلَا مِنْ الْفِقْهِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ بِالتَّمْيِيزِ وَالِاخْتِيَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجُوزُ قَبْضُ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ مَا وَهَبَ لَهَا بَعْدَ الزِّفَافِ) لِأَنَّ الْأَبَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي حِفْظِهَا وَقَبَضَ الْهِبَةَ مِنْهُ، وَلَوْ قَبَضَهُ لِأَبٍ أَيْضًا صَحَّ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا مَلَكَهُ الزَّوْجُ مِنْ جِهَتِهِ بِتَمْلِيكِهِ، وَلِهَذَا مَلَكَهُ وَالْأَبُ حَاضِرٌ بِخِلَافِ الْأُمِّ وَالْأَجْنَبِيِّ حَيْثُ لَا يَمْلِكَانِهِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ غِيبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ كَانَ لِلضَّرُورَةِ لَا بِتَفْوِيضِ الْأَبِ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ حُضُورِهِ وَتَمْلِكُهُ هِيَ أَيْضًا إنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً لِمَا بَيَّنَّا وَاشْتَرَطَ الزِّفَافَ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَعُولُهَا وَذَلِكَ بَعْدَ الزِّفَافِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فِي الصَّحِيحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ وَهَبَ اثْنَانِ دَارًا لِوَاحِدٍ صَحَّ) لِأَنَّهُمَا سَلَّمَاهَا لَهُ جُمْلَةً وَهُوَ قَبَضَهَا مِنْهُمَا كَذَلِكَ فَلَا شُيُوعَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ عَكْسُهُ وَهُوَ أَنْ يَهَبَ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِبَةُ الْجُمْلَةِ مِنْهُمَا إذْ التَّمْلِيكُ وَاحِدٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الشُّيُوعُ فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الشُّيُوعِ فِي الرَّهْنِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْهِبَةِ حَتَّى امْتَنَعَ رَهْنُ الْمَشَاعِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ أَيْضًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَلِأَنَّ الشُّيُوعَ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَلَا يَفْسُدُ إذْ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامُ الْمُتَبَرِّعِ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ فَصَارَتْ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَهُ أَنَّهُ هِبَةُ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ فِيمَا لَا يُقْسَمُ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا جَازَ، وَلَوْلَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ لَمَا جَازَ فَيَنْصَرِفُ قَبْضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى نَصِيبِهِ فَقَطْ وَهُوَ شَائِعٌ فَيَكُونُ الْقَبْضُ نَاقِصًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي هِبَةِ نَصِيبِهِ لِشَرِيكِهِ أَوْ مَعْدُومًا إذْ قَبْضُ الشَّائِعِ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يُعْتَبَرُ جَانِبُ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ النَّاقِصَ هُوَ الْمَانِعُ عَلَى مَا بَيَّنَّا دُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي الْحَنْبَلِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَهَبْته لَهُ قَبِلْته وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا كَقَوْلِنَا، وَقَالَ مَالِكٌ لَوْ وَهَبَهُ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالْأَثْمَانِ لَمْ تَتِمَّ إلَّا أَنْ يَضَعَهَا عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَيُشْهَدْ عَلَيْهِ وَعِنْدَ الْقَاضِي لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَغَيْرِهَا قَالَهُ الْكَاكِيُّ اهـ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَهَبَ لِابْنِهِ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي يَدِهِ جَازَ ذَلِكَ، وَقَبْضُ الْأَبِ يَكْفِي بِلَا قَبُولِ الْأَبِ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ لِلِاحْتِيَاطِ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ جُحُودِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ إدْرَاكِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ تَصِحُّ الْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْأَبِ إذْ كُلُّ عَقْدٍ يَتَوَلَّاهُ الْوَاحِدُ يَكْفِي فِيهِ الْإِيجَابُ كَبَيْعِ الْأَبِ مَالَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَرْسَلَ غُلَامَهُ فِي حَاجَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ الْإِرْسَالِ وَهَبَهُ مِنْ وَلَدِهِ صَحَّتْ إذْ بَعْدَ الْإِرْسَالِ هُوَ فِي يَدِ مَوْلَاهُ حُكْمًا فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ الْعَبْدُ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ فَالْعَبْدُ لِلْوَلَدِ وَلَا يَصِيرُ مِيرَاثًا، وَكَذَا لَوْ وَهَبَ عَبْدًا آبِقًا لَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَمَا دَامَ مُتَرَدِّدًا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ تَجُوزُ الْهِبَةُ وَالْأَبُ قَابِضٌ لَهُ بِنَفْسِ الْهِبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَلَكَهَا الِابْنُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَهَبْتُهَا) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ. اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ وَلَوْ اتَّخَذَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ ثِيَابًا، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَلَدٍ آخَرَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ وَقْتَ الِاتِّخَاذِ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْبَابِ التَّعَارُفُ وَفِي التَّعَارُفِ يُرَادُ بِهَذَا الْبِرُّ وَالصِّلَةُ

[باب الرجوع في الهبة]

التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْحَبْسُ الدَّائِمُ وَقَدْ ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا فَلَا شُيُوعَ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا بَقِيَ كُلُّهُ فِي يَدِ الْآخَرِ وَلَا كَذَلِكَ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمِلْكُ إلَّا فِي النِّصْفِ فَكَانَ شَائِعًا ضَرُورَةً، وَقَوْلُهُمَا لَيْسَ فِيهِ إلْزَامُ الْمُتَبَرِّعِ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ قُلْنَا نُقْصَانُ الْقَبْضِ أَيْضًا مَانِعٌ فَلَا تَكُونُ الْعِلَّةُ مُنْحَصِرَةً بِهِ فَلَا يَدُلُّ عَدَمُهَا عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ وَهَبَا لِرَجُلَيْنِ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَنَصِيبَ الْآخَرِ لِلْآخَرِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ عَلَى الْوَاهِبَيْنِ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ جَوَازُ إجَارَةِ الدَّارِ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِيهَا عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالرَّدِّ إلَى صَاحِبِهَا فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ بِحُكْمِ الْمُهَايَأَةِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى إذَا آجَرَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤْجِرَهَا مِنْ شَرِيكِهِ لِعَدَمِ هَذَا الْمَعْنَى وَلَا تَجُوزُ الْهِبَةُ مِنْ شَرِيكِهِ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ تَصَدُّقُ عَشَرَةٍ وَهِبَتُهَا لِفَقِيرَيْنِ لَا لِغَنِيَّيْنِ) أَيْ لَوْ تَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى فَقِيرَيْنِ أَوْ وَهَبَهَا لَهُمَا جَازَ وَلَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَلَى غَنِيَّيْنِ وَلَا هِبَتُهَا لَهُمَا وَهَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدِ مِنْهُمَا مَجَازًا عَنْ الْآخَرِ حَيْثُ جَعَلَ الْهِبَةَ لِلْفَقِيرَيْنِ صَدَقَةً وَالصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيَّيْنِ هِبَةً، وَالِاتِّصَالُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فِي الْحُكْمِ حَتَّى أَجَازَ الصَّدَقَةَ عَلَى اثْنَيْنِ وَلَمْ يُجِزْ الْهِبَةَ لَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّدَقَةَ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ وَاحِدٌ وَالْفَقِيرُ نَائِبٌ عَنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الْهِبَةُ فَتَكُونُ تَمْلِيكًا مِنْ اثْنَيْنِ فَلَا يَجُوزُ، وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ صَحَّ وَإِنْ كَانُوا مَجْهُولِينَ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ لِأَغْنِيَاءٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ لَا يَجُوزُ وَفِي الْأَصْلِ سَوَّى بَيْنَهُمَا فَقَالَ عَقِيبَ ذِكْرِهِ الْهِبَةَ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ وَالشُّيُوعُ يَمْنَعُ الْقَبْضَ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ فِي الْبَابَيْنِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَكَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيَّيْنِ فَيَكُونُ مَجَازًا عَنْ الْهِبَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَعَلَى هَذَا لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْهِبَةُ مِنْ شَخْصَيْنِ جَائِزَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَالصَّدَقَةُ أَوْلَى فَلَا يَتَأَتَّى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا نُعِيدُهُ، وَلَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ دَارًا لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخِرِ الثُّلُثُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ قَبَضَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ إذَا قَبَضَهُ فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ مَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا هِبَةٌ مِنْ رَجُلَيْنِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ لَمْ يَنُصَّ وَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ النَّصُّ عَلَى الْبَعْضِ الشَّائِعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَصْدَهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ الشَّائِعِ فَلَا يَجُوزُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عَبْدًا عِنْدَ اثْنَيْنِ وَنَصَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَعْضِ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فَكَذَا الْهِبَةُ، وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفُهُ وَلِلْآخِرِ نِصْفُهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مُطْلَقُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَقْتَضِي التَّنْصِيفَ فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْمُوجَبِ فَيُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ فَلَا يَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَصَّ عَلَى التَّفَاوُتِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ لَا يَقْتَضِيهِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْ مُوجِبِهِ فَيَقْتَضِي شُيُوعًا فِي الْعَقْدِ ضَرُورَةً وَقِيلَ إنَّمَا جَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا أَجْمَلَ الْهِبَةَ لَهُمَا أَوَّلًا، ثُمَّ فَصَّلَ عَلَى التَّنْصِيفِ بِأَنْ قَالَ وَهَبْت لَكُمَا هَذِهِ الدَّارَ نِصْفُهَا لِهَذَا وَنِصْفُهَا لِهَذَا؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ لَمْ يُخَالِفْ مُوجَبَ الْإِجْمَالِ فَيَكُونُ لَغْوًا، وَأَمَّا إذَا فَصَّلَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ إجْمَالٍ بِأَنْ قَالَ وَهَبْت نِصْفَ هَذِهِ الدَّارِ لِهَذَا وَالنِّصْفَ الْآخَرِ لِهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ وَفِيمَا إذَا جَعَلَ نَصِيبَهُمَا مُتَفَاوِتًا لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ تَفْصِيلَهُ يَكُونُ مُغَيِّرًا إنْ تَقَدَّمَ الْإِجْمَالُ فَيُعْتَبَرُ فَيَكُونُ مُبْطِلًا لِلْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ إجْمَالٌ يَكُونُ هِبَةُ الْمَشَاعِ ابْتِدَاءً فَيَبْطُلُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْأَرْجَحُ وَالْأَظْهَرُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ الرُّجُوعُ فِيهَا) يَعْنِي إذَا وَهَبَ لِشَخْصٍ هِبَةً وَقَبَضَهَا وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ مِنْ زِيَادَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ جَوَازُ إجَارَةٍ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَلَا يَلْزَمُهُ جَوَازُ إجَارَةٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ) أَيْ فِي الْهِبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا جَعَلَ نَصِيبَهُمَا مُتَفَاوِتًا) أَيْ كَالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ [بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ] (بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) قَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْهِبَةِ أَنَّ حُكْمَ الْهِبَةِ وُقُوعُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مِلْكًا غَيْرَ لَازِمٍ وَفَائِدَتُهُ صِحَّةُ الرُّجُوعِ وَهَذَا بَابُ مَوَاضِعِ الرُّجُوعِ وَمَا يَمْنَعُ مِنْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ مِنْ زِيَادَةٍ) أَيْ زِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ لَا مُنْفَصِلَةٍ اهـ

وَمَوْتِ أَحَدهمَا وَعِوَضٍ وَخُرُوجٍ عَنْ الْمِلْكِ وَزَوْجِيَّةٍ وَقَرَابَةٍ مُحَرِّمَةٍ لِلنِّكَاحِ وَهَلَاكِ الْمَوْهُوبِ جَازَ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا إلَّا فِي الْوَلَدِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ» وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ كَالْبَيْعِ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ يُضَادُّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ لَا يَقْتَضِي ضِدَّهُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ جَوَازُ الرُّجُوعِ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَسْبُهُ أَوْ بَعْضَهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يَثِبْ مِنْهَا» أَيْ لَمْ يُعَوَّضْ وَالْمُرَادُ بِهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ هِبَةً حَقِيقَةً قَبْلَهُ وَإِضَافَتُهَا إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ كَمَا يُقَالُ أَكَلْنَا خُبْزَ فُلَانٍ وَإِنْ كَانَ الْآكِلُ قَدْ اشْتَرَاهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْهِبَةِ الْعِوَضُ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَيَادِيُّ قُرُوضٌ، وَتَأَيَّدَ ذَلِكَ أَيْضًا بِالشَّرْعِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» وَالتَّفَاعُلُ يَقْتَضِي الْفِعْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ صِفَةُ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ. وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ عَدَمُ الِانْفِرَادِ بِالرُّجُوعِ إلَّا الْوَالِدَ فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ بِهِ فَيَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ رِضًا وَلَا قَضَاءٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ أَمْوَالِهِ عَلَى مَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ فَكُلُوهُ هَنِيئًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ يُنَافِي الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ قُبْحِهِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُ لَا يَكْذِبُ»، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّانِي لَا يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» أَيْ لَا يَلِيقُ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ أَوْ يَزْنِيَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي صِفَةَ الْإِيمَانِ إنْ فَعَلَهُ بَلْ هُوَ قَبِيحٌ وَمَعَ الْإِيمَانِ أَقْبَحُ فَكَذَا هَذَا قَبِيحٌ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ»، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ» وَفِعْلُ الْكَلْبِ لَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ، وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالْقُبْحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنَعَ الرُّجُوعَ دَمْعٌ خَزَقَهُ) يَعْنِي الْمَوَانِعَ لِلرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ أَشْيَاءُ يَجْمَعُهَا هَذِهِ الْحُرُوفُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهَا أَخَذَهَا هُوَ مِنْ بَيْتِ شِعْرٍ قِيلَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَانِعٌ عَنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَهْ ... يَا صَاحِبِي حُرُوفُ دَمْعٍ خَزَقَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَالدَّالُ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ كَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَالسِّمَنِ) لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمَوْهُوبِ وَالزِّيَادَةُ لَيْسَتْ بِمَوْهُوبَةٍ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا وَالْفَصْلُ مُتَعَذِّرٌ لِيَرْجِعَ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ فَامْتَنَعَ أَصْلًا وَبَطَلَ حَقُّ الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ التَّمَلُّكِ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ، وَحَقُّ الْمَوْهُوبِ لَهُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فِيهِمَا فَكَانَ مُرَاعَاتُهُ أَوْلَى عِنْدَ تَعَذُّرِ الْفَصْلِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ فَبَطَلَ أَصْلًا أَطْلَقَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ لَا يَنْقَطِعُ الرُّجُوعُ وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ فِي قِطْعَةٍ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ الْأَرْضُ كَبِيرَةً بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مِثْلُهُ زِيَادَةً فِيهَا كُلِّهَا امْتَنَعَ فِي تِلْكَ الْقِطْعَةِ دُونَ غَيْرِهَا، وَقَوْلُهُ الْمُتَّصِلَةُ يَحْتَرِزُ مِنْ الْمُنْفَصِلَةِ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ لِإِمْكَانِ الْفَصْلِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ بِزِيَادَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَوْ رَدَّ الْأَصْلَ دُونَ الزِّيَادَةِ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا لِسَلَامَةِ الْوَلَدِ لَهُ مَجَّانًا وَرَدُّ الْوَلَدِ مَعَهَا لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ فَبَطَلَ أَصْلًا وَرَجَعَ بِالنُّقْصَانِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى لَا يَرْجِعُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَوْهُوبَةِ إذَا وَلَدَتْ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَلَدُهَا فَلَوْ حَبِلَتْ وَلَمْ تَلِدْ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ وَالْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ فِي نَفْسِ الْمَوْهُوبِ بِشَيْءٍ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْمَذْكُورِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَكَالْجَمَّالِ وَالْخِيَاطَةِ وَالصَّبْغِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ زَادَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ لَا زِيَادَةَ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَتَضَمَّنُ الرُّجُوعُ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ الْمَانِعُ، وَكَذَا إذَا زَادَ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقِيمَةِ كَمَا إذَا طَالَ الْغُلَامُ الْمَوْهُوبُ؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَلَوْ نَقَلَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان حَتَّى ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ وَاحْتَاجَ فِيهِ إلَى مُؤْنَةِ النَّقْلِ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ جَازَ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ) وَقَدْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ إذَا وَهَبَ لِزَوْجَتِهِ أَوْ لِفَقِيرٍ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ. كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يَثِبْ مِنْهَا») فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ لَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْعُ الرُّجُوعِ دَمْعٌ خَزَقَهُ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ الْمَوَانِعُ مِنْ الرُّجُوعِ تِسْعَةٌ الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لِلنِّكَاحِ، وَالزَّوْجِيَّةُ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ، وَمَوْتُ الْوَاهِبِ، وَمَوْتُ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَهَلَاكُ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ، وَخُرُوجُهُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَحُصُولُ الْعِوَضِ، وَالتَّغَيُّرُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ وَالتَّغَيُّرُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا التَّغَيُّرُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ فَمَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا التَّغْيِيرُ يَمْنَعُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ إذَا وُجِدَ مِنْ الْغَاصِبِ فَلَأَنْ يَقْطَعَ حَقَّ التَّمَلُّكِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْخِيَاطَةُ وَالصَّبْغُ وَنَحْوُ ذَلِكَ) وَإِنْ قَطَعَهُ وَلَمْ يَخِطْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الثَّوْبِ وَالنُّقْصَانُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَقَالَ أَيْضًا فِي الْكَافِي رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ أَرْضًا فَبَنَى الْمَوْهُوبُ لَهُ فِيهَا بِنَاءً، ثُمَّ أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فَخَاصَمَهُ إلَى الْقَاضِي فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي لَيْسَ لَك أَنْ تَرْجِعَ فِيهَا، ثُمَّ هَدَمَهَا الْمَوْهُ وبُ لَهُ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي لَمْ يَقَعْ قَضَاءً حَتَّى لَا يُنْقَضَ وَإِنَّمَا وَقَعَ فَتْوَى بِنَاءً عَلَى مَانِعٍ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَنْقَطِعُ الرُّجُوعُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْقَطِعُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي الْعَيْنِ فَصَارَ كَزِيَادَةِ السِّعْرِ وَلَهُمَا أَنَّ الرُّجُوعَ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْكِرَاءِ وَمُؤْنَةِ النَّقْلِ فَبَطَلَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بِبَدَلٍ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ وَالْمُؤْنَةُ بِلَا بَدَلٍ، وَلَوْ وَهَبَ عَبْدًا كَافِرًا فَأَسْلَمَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ فَعَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا يَرْجِعُ، وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَفَدَاهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَلَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ الْفِدَاءُ، وَلَوْ عَلَّمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَبْدَ الْمَوْهُوبَ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الصَّنْعَةَ لَمْ يَمْتَنِعْ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِزِيَادَةٍ فِي الْعَيْنِ فَأَشْبَهَتْ الزِّيَادَةَ فِي السِّعْرِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُرْوَى الْخِلَافَ بِالْعَكْسِ، وَلَوْ وَهَبَ وَصَيْفًا صَغِيرًا فَشَبَّ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَشَاخَ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْهِبَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ شَبَّ وَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ سَقَطَ الرُّجُوعُ فَلَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالنُّقْصَانِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمِيمُ مَوْتُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ)؛ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى وَرَثَتِهِ وَهُمْ لَا يَسْتَفِيدُوهُ مِنْ جِهَةِ الْوَاهِبِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ كَمَا إذَا انْتَقَلَ إلَيْهِمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَصَارَ كَعَيْنٍ أُخْرَى فَلَا يَكُونُ لَهُ فِيهَا سَبِيلٌ وَبِمَوْتِ الْوَاهِبِ يَبْطُلُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لَهُ وَهُوَ لَا يُورَثُ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ أَوْ هُوَ مُجَرَّدُ حَقٍّ وَهُوَ أَيْضًا لَا يُورَثُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ التَّعْيِينِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَهُ لِلْوَاهِبِ وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِوَاهِبٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَيْنُ الْعِوَضُ فَإِنْ قَالَ خُذْهُ عِوَضَ هِبَتِك أَوْ بَدَلَهَا أَوْ بِمُقَابَلَتِهَا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سَقَطَ الرُّجُوعُ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لِخَلَلٍ فِي مَقْصُودِهِ وَقَدْ زَالَ الْخَلَلُ فَصَارَ كَمَا إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ، ثُمَّ زَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنَّ الْمَدْفُوعَ عِوَضٌ عَنْ الْهِبَةِ بِأَنْ يَقُولَ خُذْ هَذَا بَدَلًا عَنْهَا أَوْ بِمُقَابَلَتِهَا أَوْ جَزَاءَهَا أَوْ ثَوَابَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُنْبِئُ أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ ثَابِتٌ لَهُ وَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِعِوَضٍ يَرْضَى بِهِ هُوَ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ بِدُونِ رِضَاهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْعِوَضِ شَرَائِطُ الْهِبَةِ وَمِنْ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ، وَلِهَذَا يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْ الْمَوْهُوبِ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ وَشَرْطُ الْعِوَضِ أَنْ لَا يَكُونَ بَعْضَ الْمَوْهُوبِ حَتَّى لَوْ عَوَّضَهُ بَعْضَ الْمَوْهُوبِ عَنْ الْبَعْضِ الْبَاقِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ ثَابِتًا فِي الْكُلِّ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ بَعْضُهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْبَاقِي وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ، وَهُوَ يَقُولُ إنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ مِلْكٌ بِالْقَبْضِ فَالْتَحَقَ بِسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا، وَلَوْ وَهَبَ لِلْوَاهِبِ شَيْئًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْهَا كَانَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ يَجُوزُ الْعِوَضُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ بِهَذَا الْعِوَضِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ سَالِمًا لَهُ مِنْ قَبْلُ فَيَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ كَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِ دُخُولُ مِلْكٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الصُّلْحِ ثُمَّ الْأَجْنَبِيُّ هُنَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ عَنْهُ شَيْئًا وَاجِبًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ حَيْثُ يَرْجِعُ الْأَجْنَبِيُّ عَنْ الْمَدِينِ إذَا قَضَى بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيُرْوَى الْخِلَافُ بِالْعَكْسِ) قَالَ فِي الْمُلْتَقَطَاتِ رَجُلٌ وَهَبَ لِإِنْسَانِ جَارِيَةً فَعَلَّمَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الْمَشْطَ لَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهَا ازْدَادَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ) أَيْ فِي زِيَادَةٍ غَيْرِ حَاصِلَةٍ بِصُنْعِ الْعَبْدِ كَالسَّمْنِ أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ اتِّفَاقًا اهـ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ) وَعِنْدَ زُفَرَ الْقَوْلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقَّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ اهـ كَاكِيٌّ وَلَوْ قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَنَيْت أَوْ صَبَغْت الثَّوْبَ وَأَنْكَرَ الْوَاهِبُ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ اتِّفَاقًا اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَجُوزُ إلَخْ) سَيَأْتِي هَذَا الْفَرْعُ أَيْضًا فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ مِنْ الشَّرْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا) أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهَذَا لِلْوَاهِبِ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ بِهِبَتِهِ مَا قَصَدَ تَحْصِيلَ دِرْهَمٍ مِنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَالِمًا لَهُ فَعُلِمَ أَنَّ قَصْدَهُ الْعِوَضُ الْآخَرُ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَجْنَبِيُّ هُنَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ) أَيْ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ صَرِيحًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ إلَّا إذَا قَالَ عِوَضٌ عَنِّي عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ إلَخْ) لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعَوِّضَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْهِبَةَ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالتَّبَرُّعِ عَلَى إنْسَانٍ فَتَبَرَّعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ هَاهُنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَإِذَا خَلَّصَهُ عَنْ هَذِهِ الْعُهْدَةِ بِأَمْرِهِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ صَارَ مُسْتَقْرِضًا ذَلِكَ الْقَدْرَ وَمُوَكِّلًا إيَّاهُ بِالصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَجْعَلْهُ كَذَلِكَ لَمْ يُتَصَوَّرْ فَرَاغُ ذِمَّتِهِ مِمَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَفْرُغُ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَلَا يَقَعُ الْفِعْلُ قَضَاءً إلَّا إذَا انْتَقَلَ فِي الْمُؤَدِّي إلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوَّلًا حَتَّى إذَا قَبَضَ رَبُّ الدَّيْنِ وَجَبَ لِلْمَدْيُونِ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا لَهُ عَلَيْهِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَهَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى فَرَاغِ ذِمَّتِهِ بِتَقْدِيرِ الِاسْتِقْرَاضِ فَافْتَرَقَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اهـ. (فَرْعٌ) اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إمَّا إنْ وَقَعَ عَلَى الْهِبَةِ أَوْ عَلَى الْعِوَضِ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ وَقَعَ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ عَلَى النِّصْفِ فَإِنْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْعِوَضِ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ ثَبَتَتْ بِلَا عِوَضٍ فَصَارَ

وَقَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُسْقِطَ مُطَالَبَتَهُ عَنْهُ فَيَكُونَ آمِرًا بِأَنْ يُمَلِّكَهُ مَا كَانَ لِلطَّالِبِ وَهُوَ الدَّيْنُ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُمَلِّكَهُ عَيْنًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ إلَّا لِيُسْلِمْ لَهُ الْمَوْهُوبَ كُلَّهُ فَإِذَا فَاتَ بَعْضُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعَكْسِهِ لَا حَتَّى يَرُدَّ مَا بَقِيَ) أَيْ إذَا اُسْتُحِقَّ بِعَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا اُسْتُحِقَّ نِصْفُ الْعِوَضِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَرُدَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِوَضٌ عَنْ الْآخَرِ فَكَمَا يَرْجِعُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِنِصْفِ الْعِوَضِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ نِصْفِ الْهِبَةِ فَكَذَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ أَيْضًا بِنِصْفِ الْهِبَةِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ نِصْفِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ إذْ هُوَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَلَنَا أَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْهُ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعَوِّضَهُ أَقَلَّ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ، وَلَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً لَمَا جَازَ لِلرِّبَا، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ مَالِكٌ لِلْهِبَةِ وَالْإِنْسَانُ لَا يُعْطِي بَدَلَ مِلْكِهِ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ لِيُسْقِط حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ وَمَا بَقِيَ يَصْلُحُ لِإِسْقَاطِ الرُّجُوعِ، وَلِهَذَا لَوْ عَوَّضَهُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الِابْتِدَاءِ سَقَطَ بِهِ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ إلَّا بِسَلَامَةِ كُلِّ الْعِوَضِ لَهُ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ كُلُّهُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْبَاقِيَ عَلَيْهِ وَرَجَعَ فِي الْهِبَةِ كَأَنَّهُ أَعْطَاهُ هَذَا الْقَدْرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلِأَنَّ لِلْعِوَضِ شَبَهَيْنِ يُشْبِهُ ابْتِدَاءَ الْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ بِاخْتِيَارِهِ وَيُشْبِهُ الْمُبَادَلَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَلَكَهُ بِمُقَابَلَةِ الْهِبَةِ فَوَفَّرْنَا عَلَيْهِ حَظَّهُ مِنْهُمَا فَجَعَلْنَاهُ كَالْمُعَاوَضَاتِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ كُلِّهِ حَتَّى يَرْجِعَ بِالْهِبَةِ أَوْ بَعْضِهِ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ الْخِيَارُ وَجَعَلْنَاهُ كَالْهِبَةِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِالْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ رَدِّ الْبَاقِي عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَوَّضَ النِّصْفَ رَجَعَ بِمَا لَمْ يُعَوَّضْ) يَعْنِي إذَا عَوَّضَهُ عَنْ نِصْفِ الْمَوْهُوبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ كَانَ فِي الْكُلِّ فَإِذَا عَوَّضَهُ عَنْ بَعْضِهِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ فِي حَقِّهِ وَبَقِيَ حَقُّهُ فِي الْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَاءُ خُرُوجُ الْهِبَةِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ عَنْ مِلْكِهِ وَتَمْلِيكَهُ لِغَيْرِهِ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْوَاهِبِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَلِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَصَارَ كَعَيْنٍ أُخْرَى فَلَا يَرْجِعُ فِيهَا، وَلَوْ وَهَبَ لِمُكَاتَبِ غَيْرِهِ هِبَةً، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يَرْجِعْ الْوَاهِبُ فِيهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِبَةٌ لِلْمُكَاتَبِ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا كَانَ الْقَبُولُ إلَيْهِ وَثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ فِيهَا فَيَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَبِالْعَجْزِ انْتَقَلَتْ إلَى مَوْلَاهُ فَصَارَ كَانْتِقَالِهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ فَبَطَلَ حَقُّ الرُّجُوعِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَقَعَتْ لِلْمُكَاتِبِ مِنْ وَجْهٍ وَلِمَوْلَاهُ مِنْ وَجْهٍ فَبِالْعِتْقِ تَصِيرُ مِلْكًا لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبِالْعَكْسِ تَصِيرُ مِلْكًا لِمَوْلَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، ثُمَّ إذَا عَتَقَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا فَكَذَا إذَا عَجَزَ وَكَانَ اعْتِبَارُ هَذَا الْجَانِبِ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَانِبِ الْآخَرِ كَيْ لَا يَلْزَمَ بِالشَّكِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِبَيْعِ نِصْفِهَا رَجَعَ فِي النِّصْفِ كَعَدَمِ بَيْعِ شَيْءٍ) يَعْنِي إذَا بِيعَ نِصْفُ الْهِبَةِ يَرْجِعُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي كَأَنْ لَمْ يُبَعْ مِنْهَا شَيْءٌ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُبَعْ مِنْهَا شَيْءٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي النِّصْفِ وَيَتْرُكَ النِّصْفَ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ فِي الْكُلِّ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَى نِصْفَهُ، وَكَذَا لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْكُلَّ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ النِّصْفَ فَكَذَا إذَا بِيعَ نِصْفُهَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهَا الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ لَمْ يُوجَدْ إلَّا فِي النِّصْفِ فَيَتَقَدَّرُ الِامْتِنَاعُ بِقَدْرِهِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَا جَازَ الرُّجُوعُ فِي النِّصْفِ مَعَ إمْكَانِ الرُّجُوعِ فِي الْكُلِّ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ عِنْدَ الْعَجْزِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالزَّايُ الزَّوْجِيَّةُ فَلَوْ وَهَبَ، ثُمَّ نَكَحَ رَجَعَ وَبِالْعَكْسِ لَا) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَأَنْ لَمْ يَكُنْ عَوَّضَهُ أَصْلًا وَإِنْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْهِبَةِ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِجَمِيعِ الْعِوَضِ لِعَدَمِ سَلَامَةِ مَقْصُودِهِ مِنْ الْعِوَضِ وَهُوَ تَأَكُّدُ مِلْكِهِ فِي الْهِبَةِ هَذَا إذَا كَانَ بَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ قَائِمًا فَأَمَّا إذَا كَانَ هَالِكًا يَفْتَرِقُ الْجَوَابُ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الْعِوَضِ وَالْهِبَةِ فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ وَالْهِبَةُ هَالِكَةٌ لَا يَرْجِعُ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْهِبَةِ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْهِبَةَ وَالْعِوَضُ هَالِكٌ يَرْجِعُ عَلَى الْوَاهِبِ بِقِيمَةِ الْعِوَضِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ وَبِمِثْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمُ لَهُ مَقْصُودُهُ مِنْ الْعِوَضِ وَهُوَ تَأَكُّدُ مِلْكِهِ فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ حِينَ عَوَّضَهُ هَذَا عِوَضُ هِبَتِك أَوْ بَدَلُ هِبَتِك فَصَارَ كَالْوَاهِبِ إذَا نَصَّ عَلَى الْعِوَضِ حَالَةَ الْهِبَةِ. إلَى هَذَا أَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَفِي تَقْرِيرِهِ بَسْطٌ فَأَمَّا إذَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَاهِبِ بِنِصْفِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ مَقْصُودَهُ مِنْ الْعِوَضِ فِي هَذَا الْقَدْرِ وَهَذَا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا فَأَمَّا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ مِنْ يَدِ الْوَاهِبِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ قَالَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ الْوَاهِبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ وَرَجَعَ بِجَمِيعِ الْهِبَةِ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ مَا بَقِيَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ زُفَرُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِنِصْفِ الْهِبَةِ وَيَمْسِكُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِي الْأَسْرَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا تَتِمُّ بَيْعًا وَمُبَادَلَةً فَيُوَزِّعُ الْبَدَلَ عَلَى الْمُبَدِّلِ، أَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَالسُّقُوطُ حُكْمٌ وَالْعِوَضُ عِلَّةٌ وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ بِالْعِلَّةِ وَلَا يَتَوَزَّعُ عَلَى الْعِلَلِ وَإِنْ كَثُرَتْ فَلَا يَبْطُلُ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ بِذَهَابِ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً إذَا بَقِيَ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً وَبِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعَوِّضَ مَا مَلَّكَهُ الْعِوَضَ إلَّا جَزَاءً فَيُعْتَبَرُ حُكْمُ الْمُقَابَلَةِ فِي حَقِّهِ أَمَّا الْوَاهِبُ فَمَلَكَ الْهِبَةَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَهُ شَيْءٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ وَهَذَا جَوَابُ قِيَاسِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ) أَيْ الْمَوْهُوبُ لَهُ. اهـ. .

لَوْ وَهَبَ لِأَجْنَبِيَّةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ وَبِالْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا وَهَبَ لِزَوْجَتِهِ، ثُمَّ أَبَانَهَا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ نَظِيرُ الْقَرَابَةِ حَتَّى يَجْرِيَ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا بِلَا حَاجِبٍ وَتَرُدُّ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ فِي هِبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ الصِّلَةَ وَالتَّوَادَّ دُونَ الْعِوَضِ كَمَا فِي الْقَرَابَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ فَقَدْ حَصَلَ فَلَا يَرْجِعُ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الْعِوَضُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عِنْدَ فَوَاتِهِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ حَالَةُ الْهِبَةِ فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً كَانَ مَقْصُودُهُ الْعِوَضَ فَثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّزَوُّجِ وَإِنْ كَانَتْ حَلِيلَةً لَهُ كَانَ مَقْصُودُهُ الصِّلَةَ دُونَ الْعِوَضِ وَقَدْ حَصَلَ فَسَقَطَ الرُّجُوعُ فَلَا يَعُودُ بِالْإِبَانَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَافُ الْقَرَابَةُ فَلَوْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا صِلَةُ الرَّحِمِ وَقَدْ حَصَلَ وَفِي الرُّجُوعِ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ فَلَا يَرْجِعُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا كَالْعِتْقِ بِالْمِلْكِ، وَلَوْ وَهَبَ لِعَبْدٍ أَخِيهِ أَوْ لِأَخِيهِ وَهُوَ عَبْدٌ لِأَجْنَبِيٍّ رَجَعَ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا يَرْجِعُ فِي الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَوْلَى فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمَوْلَى وَلَهُ أَنَّ الْهِبَةَ تَقَعُ لِلْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَلِلْعَبْدِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يَفْضُلْ عَنْ حَاجَتِهِ فَبِاعْتِبَارِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ يَلْزَمُ فِيهِمَا وَبِاعْتِبَارِ الْجَانِبِ الْآخَرِ لَا يَلْزَمُ فِيهِمَا فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ وَلِأَنَّ الصِّلَةَ قَاصِرَةٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى، وَالصِّلَةُ الْكَامِلَةُ هِيَ الْمَانِعَةُ مِنْ الرُّجُوعِ فَلَا تَتَعَدَّى إلَى الْقَاصِرَةِ، وَلَوْ كَانَا جَمِيعًا ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَاهِبِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ قِيَاسَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِلَةٌ كَامِلَةٌ، وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِأَيِّهِمَا وَقَعَتْ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَلَوْ وَهَبَ لِلْمُكَاتَبِ وَهُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَإِنْ عَتَقَ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ اسْتَقَرَّ لَهُ فَيَكُونُ صِلَةً فِي حَقِّهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ وَحُكْمِهِ وَإِنْ عَجَزَ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ الْعَجْزِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُكَاتَبِ الْأَجْنَبِيِّ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ يَظْهَرُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ وَقَعَتْ لِلْمَوْلَى مِنْ وَقْتِ الْهِبَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ أَجْنَبِيًّا وَمَوْلَاهُ قَرِيبُ الْوَاهِبِ فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَقَعَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ عَجَزَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ وَهَبَ لِعَبْدِ أَخِيهِ عَلَى مَا مَرَّ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْهَاءُ الْهَلَاكُ) يَعْنِي هَلَاكَ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ لِتَعَذُّرِهِ بَعْدَ الْهَلَاكِ إذْ هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ ادَّعَاهُ صُدِّقَ) أَيْ لَوْ ادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ هَلَاكَ الْهِبَةِ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْمُودِعَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنَّمَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ) لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِالرِّضَا أَوْ بِالْقَضَاءِ وَلِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَفِي أَصْلِهِ وَهًى وَفِي عَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ وَوُجُودِهِ خَفَاءٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ الْعِوَضَ الدُّنْيَوِيَّ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ الثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ أَوْ إظْهَارَ الْجُودِ وَالسَّمَاحَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَصْلِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا فَمَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي أَوْ يَفْسَخَاهَا بِالتَّرَاضِي مِلْكُ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ مِنْ عِتْقٍ وَبَيْعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْحَاكِمِ وَكَذَا لَوْ مَنَعَهُ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ أَوَانَ الْقَبْضِ كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ فَلَا يَنْقَلِبُ مَضْمُونًا بِالِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهِ وَإِنْ مَنَعَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ ضَمِنَ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ، ثُمَّ إذَا حَصَلَ الرُّجُوعُ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالتَّرَاضِي يَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرُّجُوعُ بِالتَّرَاضِي عَقْدٌ جَدِيدٌ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ الْمُبْتَدَأَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عَادَ إلَيْهِ بِتَرَاضِيهِمَا فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ، وَلِهَذَا لَوْ رَدَّهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِرِضَاهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَنَا أَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ انْعَقَدَ مُوجِبًا حَقَّ الْفَسْخِ لِلْوَاهِبِ وَهُوَ بِالْفَسْخِ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا حَقًّا ثَابِتًا لَهُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ غَيْرَ لَازِمٍ فَإِذَا رُفِعَ رَجَعَ إلَيْهِ عَيْنُ مِلْكِهِ كَالْعَارِيَّةِ فَيَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّ الْكُلِّ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَوْ وَهَبَ لِأَجْنَبِيَّةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَذَلِكَ مَا وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ لَا رُجُوعَ فِيمَا وَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ لِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي كِتَابِ الْآثَارِ قَالَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ الْقَرَابَةِ أَيُّهُمَا وَهَبَ لِصَاحِبِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ إلَخْ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْعِتْقِ بِالْمُلْكِ) يَعْنِي مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَافِرًا بِخِلَافِ النَّفَقَةِ حَيْثُ لَا تَثْبُتُ لِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ إذَا كَانَ كَافِرًا (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ) لَفْظَةُ الرُّجُوعِ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ) حَتَّى لَوْ اسْتَرَدَّهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا كَانَ غَاصِبًا فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ فِي فَسْخِ عَقْدٍ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا كَالْفَسْخِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ) أَيْ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ) أَيْ عِنْدَنَا يَرْجِعُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَرْجِعُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي أَصْلِهِ وَهًى) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي أَصْلِهِ وَهًى مَا نَصُّهُ وَهَاءٌ هَكَذَا وَقَعَ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ الْوَهَاءُ بِالْمَدِّ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ الْوَهَى وَالضَّمِيرُ فِي أَصْلِهِ لِلرُّجُوعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

[فصل وهب أمة إلا حملها]

فِيهِ قَبْضُ الْوَاهِبِ وَيَصِحُّ فِي الشَّائِعُ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهِ فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ لَا فِي الْفَسْخِ، وَلِهَذَا لَوْ زَالَ الْعَيْبُ امْتَنَعَ الرَّدُّ لِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ سَلِيمًا فَاتَ رِضَاهُ فَيَرْجِعُ بِالْعِوَضِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ فَسْخُ الْعَقْدِ ضَرُورَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتُ حَقُّهُ فِي الْفَسْخِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْفَسْخِ لَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ فَيَكُونُ مِلْكًا مُبْتَدَأً ضَرُورَةً غَيْرَ أَنَّهُ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالرَّدِّ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ تَسْلِيمِ حَقِّهِ جَعَلْنَاهُ فَسْخًا لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُتَعَاقِدَانِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا وِلَايَةَ لَهُمَا إلَّا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ رَدُّهُ فِي الْمَرَضِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُبْطِلَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنْ أَبْطَلَهُ رَدَّ عَلَيْهِ كَيْفَمَا كَانَ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَرُدَّ ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ تَلِفَتْ الْمَوْهُوبَةُ وَاسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ وَضَمِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ بِمَا ضَمِنَ)؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَهُوَ غَيْرُ عَامِلٍ لَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ السَّلَامَةَ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْغَرَرُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ عَامِلٌ لَهُ وَبِخِلَافِ الْمُعَاوَضَاتِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُعَاوَضَةِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُلْتَزِمًا لِوَصْفِ السَّلَامَةِ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ هِبَةٌ ابْتِدَاءً فَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِي الْعِوَضَيْنِ وَتَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ بَيْعَ انْتِهَاء فَتُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَتُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ)، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً؛ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِمَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ بِعِوَضٍ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ عَدَمِ الْبَرَاءَةِ كَفَالَةٌ وَهِبَةُ الدَّيْنِ لِمَنْ عَلَيْهِ إبْرَاءٌ وَبَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ وَهِبَةُ الْمَنْفَعَةِ بِالْعِوَضِ إجَارَةٌ وَالْإِعَارَةُ بِعِوَضٍ إجَارَةٌ وَلَنَا أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى جِهَتَيْنِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَا أَمْكَنَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ فَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مُعْتَبَرًا بِلَفْظِهِ فَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْهِبَةِ وَانْتِهَاؤُهُ مُعْتَبَرًا بِمَعْنَاهُ فَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ كَالْهِبَةِ فِي الْمَرَضِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ تَبَرُّعًا وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهُ بِلَفْظِهِ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِيهِ الْقَبْضُ وَيَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَيُوجِبُ الْمِلْكَ عِنْدَ الْقَبْضِ فِي الْحَالِ وَيُعْتَبَرُ انْتِهَاؤُهُ بِمَعْنَاهُ حَتَّى يَنْفُذَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ لَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهَا مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهَا وَقَدْ أَمْكَنَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَيْعِ قَدْ يَكُونُ مُتَرَاخِيًا بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِحُكْمِ الْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ تَأْخِيرُهُ إلَى الْقَبْضِ، وَالْهِبَةُ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً بِانْقِطَاعِ الرُّجُوعِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَوَانِعِ لِلرُّجُوعِ بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا فَإِنَّ الْعَمَلَ فِيهَا بِالْمَعْنَيَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلتَّضَادِّ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ فَتَعَيَّنَ إلْغَاءُ اللَّفْظِ وَالْعَمَلُ بِالْمَعْنَى، وَلَوْ وَهَبَ الْأَبُ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَهُوَ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ بِمَالِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعَ انْتِهَاءٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا. (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ أَوْ يُعْتِقَهَا أَوْ يَسْتَوْلِدَهَا أَوْ دَارًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَصِحُّ فِي الشَّائِعِ) أَيْ الَّذِي يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِأَنْ وَهَبَ دَارًا أَوْ نَحْوَهَا وَرَجَعَ فِي نِصْفِهَا وَلَوْ كَانَ الرُّجُوعُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً كَمَا قَالَ زُفَرُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ وَحَيْثُ صَحَّ عُلِمَ أَنَّهُ فَسْخٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ بِمَا ضَمِنَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا إذَا لَمْ يُعَوِّضْهُ فَإِذَا كَانَ ثَمَّةَ عِوَضٍ رَجَعَ بِكُلِّ الْعِوَضِ إذَا اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْهِبَةِ وَبِقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الْهِبَةِ إذَا اسْتَحَقَّ الْبَعْضَ. اهـ. . (قَوْلُهُ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ) كَالْإِقَالَةِ لَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَى مَعْنَى الْبَيْعِ وَالْفَسْخِ جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا، وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. اهـ. . [فَصْلٌ وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا] (فَصْلٌ) مَسَائِلُ هَذَا الْفَصْلِ بِمَنْزِلَةِ مَسَائِلَ شَتَّى تُذْكَرُ فِي آخَرِ الْكُتُبِ فَلِأَجْلِ هَذَا ذَكَرَهَا فِي آخِرِ كِتَابِ الْهِبَةِ فِي فَصْلِ عَلَى حِدَةٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَنْ وَهَبَ أَمَةً إلَخْ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ جَائِزٌ اسْتِثْنَاؤُهُ وَمَا لَا فَلَا، ثُمَّ الْحَمْلُ لَا يَجُوزُ هِبَتُهُ لِاحْتِمَالٍ فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَقَدْ مَرَّ الْأَصْلُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَةً وَيَسْتَثْنِيَ مِنْهَا أَرْطَالًا مَعْلُومَةً، وَمَرَّ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا فَسَدَ الْبَيْعُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ شَرْطًا فَاسِدًا فَبَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّتْ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِدَلِيلِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْطَلَ شَرْطَ الْمُعْمِرِ وَجَوَّزَ الْهِبَةَ» وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ هِبَةُ مَا فِي الْبَطْنِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْهِبَةِ مَالٌ قَائِمٌ مَمْلُوكٌ لِلْوَاهِبِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَفِي قِيَامِ الْوَلَدِ وَمَالِيَّتِهِ شَكٌّ وَقْتَ الْهِبَةِ لِاحْتِمَالِ الِانْتِفَاخِ مِنْ الرِّيحِ وَاحْتِمَالِ كَوْنِ الْجَنِينِ مَيِّتًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْوُجُودِ وَالْمَالِيَّةِ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْهِبَةِ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِمَا فِي الْبَطْنِ أَوْ الْخُلْعِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْدُومِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ جَائِزَةٌ كَمَا إذَا أَوْصَى بِمَا يُثْمِرُ نَخِيلُهُ الْعَامَ، وَالْخُلْعُ يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الْمَعْدُومِ كَمَا إذَا قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَيْسَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ وَيَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى مَا لَيْسَ بِمَالِ أَيْضًا كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إلَّا أَنَّهُ يَقَعُ مَجَّانًا، وَإِذَا جَازَ إضَافَتُهُ إلَى الْمَعْدُومِ وَإِلَى مَا لَيْسَ بِمَالِ يَتَعَيَّنُ فَكَذَا إذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي وُجُودِ الْمَحَلِّ وَمَالِيَّتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ، ثُمَّ لِمَا فِي الْبَطْنِ فِي الْعَقْدِ عَلَى مَا قَالَ فِي بَابِ الْمُصَرَّاةِ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مَرَاتِبُ ثَلَاثَةٌ: فِي وَجْهٍ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فَاسِدٌ، وَفِي وَجْهٍ الْعَقْدُ جَائِزٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فَاسِدٌ وَفِي وَجْهٍ الْعَقْدُ جَائِزٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ. أَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي فِيهِ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فَاسِدٌ فَهُوَ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْكِتَابَةُ

عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا صَحَّتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالشَّرْطُ) لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. أَلَا تَرَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ» وَهَذِهِ كُلُّهَا شُرُوطٌ فَاسِدَةٌ أَمَّا فِي غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ فَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ لَا يَعْمَلُ إلَّا فِيمَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ وَالْحَمْلُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفٌ لِلْجَارِيَةِ فَكَانَ تَبَعًا لَهَا فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْإِقْرَارِ فَانْقَلَبَ شَرْطًا فَاسِدًا وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْهِبَةِ فَيَصِحُّ وَيَدْخُلُ الْحَمْلُ تَبَعًا لَهَا وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ بِخِلَافِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهْيٌ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» وَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْهِبَةِ مُعَلَّقٌ بِفِعْلٍ حِسِّيٍّ وَهُوَ الْقَبْضُ وَالشُّرُوطُ تُفْسِدُ الْحُكْمِيَّ لَا الْحِسِّيَّ بَلْ الشُّرُوطُ نَفْسُهَا تَبْطُلُ، وَلَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ وَهَبَهَا جَازَتْ الْهِبَةُ فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ وَاشْتِغَالُ بَطْنِهَا بِهِ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ كَمَا إذَا وَهَبَ أَرْضَهُ وَفِيهَا ابْنُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا دَبَّرَ الْحَمْلَ، ثُمَّ وَهَبَهَا حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ بَاقٍ وَلَا يُمْكِنُ إدْخَالُهُ فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْهِبَةِ فِي الْأُمِّ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِهِ فَصَارَ نَظِيرَ هِبَةِ النَّخْلِ بِدُونِ الثَّمَرِ أَوْ الْجُوَالِقِ بِدُونِ الدَّقِيقِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْنَعُ الْقَبْضَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا فَصْلُ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَبِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ حَيْثُ تَجُوزُ فِي الْأُمِّ دُونَ الْحَمْلِ وَفِي الْحَمْلِ دُونَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ، وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا فِيهِ إشْكَالٌ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ بَطَلَ الشُّرُوطُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا شَيْئًا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالرَّهْنُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ تُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ فَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ إذَا أَعْتَقَ الْجَارِيَةَ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا صَحَّ الْعِتْقُ وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَجُوزُ كِلَاهُمَا الْوَصِيَّةُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَقَدْ جَعَلَ الْجَارِيَةَ وَصِيَّةً وَمَا فِي بَطْنِهَا مِيرَاثًا وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِيمَا فِي الْبَطْنِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ وَاسْتَثْنَى خِدْمَتَهَا أَوْ غَلَّتَهَا لِلْوَرَثَةِ فَالْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ وَالْغَلَّةَ لَا يَجْرِي فِيهِمَا الْمِيرَاثُ دُونَ الْأَصْلِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِخِدْمَتِهَا وَغَلَّتِهَا لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ فَإِنَّهُمَا يَعُودَانِ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي فَلَا تَكُونُ الْخِدْمَةُ وَالْغَلَّةُ مَوْرُوثَةً عَنْ الْمُوصَى لَهُ وَلَوْ أَوْصَى بِمَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مَوْرُوثًا عَنْ الْمُوصَى لَهُ، وَإِذَا أَوْصَى بِرَقَبَتِهَا لِإِنْسَانٍ وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْوَلَدِ عَادَ الْمِلْكُ إلَى وَارِثِهِ وَلَوْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهَا لِإِنْسَانٍ وَبِغَلَّتِهَا وَخِدْمَتِهَا لِآخَرَ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ عَادَ الْمِلْكُ إلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ دُونَ وَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ وَالْخِدْمَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ وَالْخِدْمَةِ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ رَدَّ وَصِيَّتَهُ، وَقَدْ أَوْصَى الْمُوصِي بِرَقَبَتِهَا لِآخَرَ فَإِنَّ الْغَلَّةَ وَالْخِدْمَةَ تَعُودُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ وَلَا تَكُونُ لِوَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ وَمِثْلُهُ لَوْ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْوَلَدِ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ وَلَكِنْ يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا فَلَوْ أَوْقَعَ الْعُقُودَ عَلَى مَا فِي الْبَطْنِ، أَمَّا عَقْدُ الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَبِلَتْ الْأُمُّ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ لَا تَجُوزُ وَإِنْ سَلَّمَ الْأُمَّ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهِ فَالتَّسْمِيَةُ بَاطِلَةٌ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ صَالَحَ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى مَا فِي الْبَطْنِ فَإِنَّ الصُّلْحَ صَحِيحٌ وَيَبْطُلُ الْقِصَاصُ وَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ وَيَكُونُ لِلْوَلِيِّ عَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ تَصِحُّ عَلَى مَا هُوَ مَالٌ وَالْوَلَدُ لَيْسَ بِمَالٍ مَا دَامَ فِي الْبَطْنِ وَلَوْ أَنَّهُ أَعْتَقَ مَا فِي الْبَطْنِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْعِتْقِ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُهُ وَقْتَ الْعِتْقِ فَلَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِوُجُودِ الْوَلَدِ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَتَاقِ وَإِنَّمَا جَازَ عِتْقُ مَا فِي الْبَطْنِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُنَافِي الرِّقَّ وَمَا فِي الْبَطْنِ مَوْقُوفٌ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِمَا فِي الْبَطْنِ تَصِحُّ إذَا عَلِمَ وُجُودَهُ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِيمَا فِي الْبَطْنِ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهَا فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ وَلِلزَّوْجِ الْوَلَدُ إذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْخُلْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا كَمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَلَا سَبِيلَ لِلزَّوْجِ عَلَى مَا فِي الْبَطْنِ وَلَكِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ قَالَتْ اخْلَعْنِي عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي وَلَمْ تَقُلْ مِنْ وَلَدٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَوْ قَالَتْ مِنْ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهَا غَرَّتْ الزَّوْجَ حِينَ قَالَتْ مِنْ وَلَدٍ، وَإِذَا لَمْ تَقُلْ مِنْ وَلَدٍ لَمْ تَغُرَّهُ وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي الْمَرْأَةِ كَمَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا اخْلَعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي أَوْ عَلَى مَا فِي صُنْدُوقِي هَذَا مِنْ شَيْءٍ أَوْ لَمْ تَذْكُرْ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ فَلِلزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ فَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَغُرَّهُ حَيْثُ لَمْ تُسَمِّ لَهُ مَالًا، فَأَمَّا إذَا قَالَتْ اخْلَعْنِي عَلَى مَا فِي صُنْدُوقِي هَذَا مِنْ مَتَاعٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَتَاعٍ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا سَاقَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا وَهَبَ أَرْضَهُ وَفِيهَا ابْنُهُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ وَهَبَ أَرْضًا وَفِيهَا ابْنُ الْوَاهِبِ وَاقِفٌ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ تَمَّتْ الْهِبَةُ فَهَذَا مِثْلُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِيهِ إشْكَالٌ) قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَمِنْ خَطِّهِ نُقِلَتْ. قُلْت لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَفْسُدُ أَيْ سَوَاءٌ عَبَّرَ بِهَذَا أَوْ بِهَذَا اهـ

الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَهُوَ لَك وَأَنْتَ مِنْهُ بَرِيءٌ أَوْ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ نِصْفَهُ فَلَكَ نِصْفُهُ أَوْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ الْبَاقِي فَهُوَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ فِيهِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ وَالْإِبْرَاءُ مِنْهُ إسْقَاطٌ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَالِ حَتَّى تَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ وَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِهِ مِنْ الْمَدِينِ وَوَصْفٌ مِنْ وَجْهٍ بِالنَّظَرِ إلَى الْحَالِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ لَا يَحْنَثُ وَمِنْ وَجْهٍ أَنَّهُ مَالٌ كَانَ تَمْلِيكًا فَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَمِنْ وَجْهٍ أَنَّهُ وَصْفٌ كَانَ إسْقَاطًا فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، وَالتَّعْلِيقُ بِالشُّرُوطِ يَخْتَصُّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَهَذَا تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَبَطَلَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ إلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الصُّلْحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ الْعُمْرَى لِلْمُعْمَرِ لَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لَهُ عُمْرَهُ فَإِذَا مَاتَ تُرَدُّ عَلَيْهِ لَا الرُّقْبَى أَيْ إنْ مِتُّ قَبْلك فَهِيَ لَك) وَهَذَا تَفْسِيرُ الرُّقْبَى أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِمُعْمِرِهِ مَحْيَاهُ وَمَمَاتُهُ لَا تُرْقِبُوا مَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا فَهُوَ سَبِيلُ الْمِيرَاثِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَفِي لَفْظِ «جَعَلَ الرُّقْبَى لِلَّذِي أَرْقَبَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلِأَنَّ مَعْنَى الْعُمْرَى هُوَ التَّمْلِيكُ فِي الْحَالِ وَيَجْعَلُهَا لَهُ مُدَّةَ عُمْرِهِ، ثُمَّ إذَا مَاتَ تَرْجِعُ إلَيْهِ فَصَحَّ التَّمْلِيكُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَمَعْنَى الرُّقْبَى أَنْ يُمَلِّكَهَا لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونَ تَمْلِيكًا مُضَافًا إلَى زَمَانٍ وَهُوَ مِنْ الِارْتِقَابِ وَهُوَ الِانْتِظَارُ كَأَنَّهُ يَنْتَظِرُ مَوْتَهُ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ فِي الْحَالِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَصِحُّ الرُّقْبَى أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَمْلِيكُ الْحَالِ وَاشْتِرَاطٌ لِلِاسْتِرْدَادِ بَعْد مَوْتَهُ عِنْدَهُ كَالْعُمْرَى كَأَنَّ الْوَاهِبَ يَنْتَظِرُ مَوْتَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أَعْمَرَهَا وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أَرْقَبَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ التَّمْلِيكُ فِي الْحَالِ وَاشْتِرَاطُ الرَّدِّ فِي الْمَآلِ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ بَلْ الشَّرْطُ يَبْطُلُ وَمَتَى كَانَ التَّمْلِيكُ مُضَافًا إلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبِلِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ مَبْنِيًّا عَلَى تَفْسِيرِ الرُّقْبَى فَمَنْ قَالَ إنَّهُ تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ أَجَازَهُ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُضَافٌ لَمْ يُجِزْهُ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ حَقِيقَةً وَمِثْلُ هَذَا تَقَدَّمَ فِي نِكَاحِ الصَّائِبَاتِ وَفِي فَسَادِ الصَّوْمِ بِالْإِقْطَارِ فِي الْإِحْلِيلِ وَفِي وُجُوبِ الدَّمِ إذَا غَسَلَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ وَبِلُبْسِ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِعُصْفُرٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ فَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الرُّقْبَى مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إبْطَالُ شَرْطِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ الِاسْتِرْدَادُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الْإِطْلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَمِثْلُهُ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ الْعُمْرَى أَيْضًا وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا تُعْمِرُوا وَلَا تُرْقِبُوا فَمَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا أَوْ أُرْقِبَهُ فَهُوَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَمَاتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَفِيهِمَا أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ بَعْضُهَا يَمْنَعُهُمَا وَبَعْضُهَا يُجِيزُهُمَا وَبِالْحَمْلِ عَلَى مَا حَمَلْنَاهُ حَصَلَ التَّوْفِيقُ فَلَا مُعَارَضَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَا فِي مَشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ)؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَيَلْزَمُ فِيهَا مَا يَلْزَمُ فِي الْهِبَةِ فَامْتَنَعَتْ بِدُونِ الْقَبْضِ كَالْهِبَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا رُجُوعَ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا هُوَ الثَّوَابُ دُونَ الْعِوَضِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَا رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ كَمَا لَا رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْفَقِيرِ، ثُمَّ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْهِبَةُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ الْعِوَضَ دُونَ الثَّوَابِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ جُعِلَتْ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ سَوَاءً فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ فَكَذَا فِي الصَّدَقَةِ، ثُمَّ قَالَ وَلَكِنَّا نَقُولُ فِي ذِكْرِ لَفْظَةِ الصَّدَقَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْعِوَضَ، وَمُرَاعَاةُ لَفْظِهِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ حَالِ الْمُتَمَلِّكِ، ثُمَّ التَّصَدُّقُ عَلَى الْغَنِيِّ يَكُونُ قُرْبَةً يَسْتَحِقُّ بِهِ الثَّوَابَ وَقَدْ يَكُونُ مَالِكًا لِلنِّصَابِ وَلَهُ عِيَالٌ كَثِيرٌ وَالنَّاسُ يَتَصَدَّقُونَ عَلَى مِثْلِ هَذَا لِنَيْلِ الثَّوَابِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْحَالِ يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا عِنْدَ الْعِلْمِ بِحَالِهِ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ هَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَحْضٌ) قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَكْرَارَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هِبَةٌ بِشَرْطِ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ دَلِيلُ الرُّجُوعِ وَالثَّانِي هِبَةُ شَيْءٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْهُ عِوَضًا عَنْ نَفْسِهِ اهـ (قَوْلُهُ فَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الرُّقْبَى إلَخْ) الرُّقْبَى قَدْ تَكُونُ مِنْ الْإِرْقَابِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ التَّرْقِيبِ فَحَيْثُ قَالَ أَجَازَ الرُّقْبَى يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ الْإِرْقَابِ بِأَنْ يَقُولَ أَرْقَبْتُ دَارِي لَك وَحَيْثُ قَالَ رُدَّ الرُّقْبَى يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ التَّرْقِيبِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أُرَاقِبُ مَوْتَك وَتُرَاقِبُ مَوْتِي فَإِنْ مِتُّ أَنَا فَهِيَ لَك وَإِنْ مِتَّ أَنْتَ فَهِيَ لِي فَيَكُونُ هُنَا تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ وَهُوَ مَوْتُ الْمُمَلِّكِ قَبْلَهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَمَّا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا وَالْمُلْكُ لِذِي الْيَدِ فِيهَا يَقِينًا فَلَا نُزِيلُهُ بِالشَّكِّ وَإِنَّمَا يَكُونُ قَوْلُهُ دَارِي لَك تَمْلِيكًا إذَا لَمْ يُفَسِّرْ هَذِهِ الْإِضَافَةَ بِشَيْءٍ، أَمَّا إذَا فَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ رُقْبَى أَوْ حَبِيسٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ كَمَا لَوْ قَالَ دَارِي لَك سُكْنَى يَكُونُ عَارِيَّةً وَهَذَا لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُبْهَمَ إذَا تَعَقَّبَهُ تَفْسِيرٌ فَالْحُكْمُ لِذَلِكَ التَّفْسِيرِ اهـ مَبْسُوطٌ السَّرَخْسِيُّ.

[كتاب الإجارة]

ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ التَّصَدُّقِ عَلَى غَنِيَّيْنِ يُنَافِي هَذَا؛ لِأَنَّهُمْ هُنَاكَ لَمْ يَعْتَبِرُوا فِيهِ وَفِي الْهِبَةِ إلَّا حَالَ الْمُتَمَلِّكِ حَتَّى أَجَازُوهُمَا لِفَقِيرَيْنِ وَمَنَعُوهُمَا لِغَنِيَّيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَقِيَاسُهُ أَنْ يَمْلِكَ الرُّجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ عَلَى الْفَقِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [كِتَابُ الْإِجَارَةِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ) وَقِيلَ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ الْإِجَارَةُ فِعَالَةٍ مِنْ أَجَرَ يَأْجُرُ مِنْ بَابَيْ طَلَبَ وَضَرَبَ فَهُوَ آجِرٌ وَذَاكَ مَأْجُورٌ أَيْ الْإِجَارَةُ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَهِيَ مَا أُعْطِيَ مِنْ كِرَاءِ الْأَجِيرِ وَقَدْ أَجَرَهُ إذَا أَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ وَالْأَجْرُ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ، وَلِهَذَا يُدْعَى بِهِ يُقَالُ أَجَرَك اللَّهُ وَأَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ آجَرْت مَمْلُوكِي أُوجِرَهُ إيجَارًا فَهُوَ مُؤَجَّرٌ وَفِي الْأَسَاسِ آجَرَنِي دَارِهِ فَاسْتَأْجَرْتُهَا وَهُوَ مُؤَجِّرٌ وَلَا نَقُلْ مُؤَاجِرٌ فَإِنَّهُ خَطَأٌ وَقَبِيحٌ قَالَ وَلَيْسَ آجِرٌ هَذَا فَاعِلٌ بَلْ هُوَ أَفْعَلُ وَهِيَ جَائِزَةٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا مَا لَمْ يَظْهَرْ النَّسْخُ لَا سِيَّمَا إذَا قَصَّ لَنَا لَا عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَتَيْنِ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَحُكْمُهَا وُقُوعُ الْمِلْكِ فِي الْبَدَلَيْنِ سَاعَةً فَسَاعَةً؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهِيَ الْمَنَافِعُ مَعْدُومَةٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ لِمَا فِيهَا مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مَا سَيُوجَدُ إلَّا أَنَّهَا أُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَهِيَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ وَالْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا لِيَرْتَبِطَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ، فَعَمَلُهُ يَظْهَرُ فِي الْمَنْفَعَةِ مِلْكًا وَاسْتِحْقَاقًا حَالَ وُجُودِهَا وَهَذَا كَالْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنَّ الذِّمَّةَ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْمُسْلَمِ فِيهِ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي حَقِّ جَوَازِ السَّلَمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُجْعَلُ الْمَنَافِعُ الْمَعْدُومَةُ مَوْجُودَةً حُكْمًا ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَسْتَدْعِي مَحَلًّا يَنْعَقِدُ فِيهِ إذْ الشَّرْعُ حَكَمَ بِالِانْعِقَادِ وَهُوَ وَصْفُ الْعَقْدِ الْمُنْعَقِدُ فَحَكَمْنَا بِوُجُودِ الْمَحَلِّ لِيَنْعَقِدَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ لَزِمَ وَاللُّزُومُ وَصْفٌ يَثْبُتُ بِالْعَقْدِ فَحَكَمْنَا بِوُجُودِ الْمَحَلِّ لِيَنْعَقِدَ الْعَقْدُ فِيهِ فَأَنْزَلْنَا الْمَعْدُومَ مَوْجُودًا لِذَلِكَ قُلْنَا ارْتِبَاطُ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ صِفَةُ الْكَلَامَيْنِ وَالْمَحَلُّ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْحُكْمِ، وَإِنَّمَا اشْتِرَاطُ وُجُودِ الْمَحَلِّ عِنْدَ الِارْتِبَاطِ؛ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ لِأَجْلِ الْحُكْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمَحَلِّ حَتَّى يَعْمَلَ الْعَقْدُ فِيهِ فَجَعَلَ الدَّارَ خَلَفًا عَنْ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَمَلُ هَذَا اللَّفْظِ يَتَرَاخَى إلَى حِينِ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ وَحُكْمِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمِلْكُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرُ أَمْرٍ حُكْمِيٍّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ قَلْبُ الْحَقَائِقِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ حَقِيقَةً وَالْمَنْفَعَةُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهَا فِي لَحْظَةٍ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا مَوْجُودَةً حُكْمًا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَرِدُ بِتَقْدِيرِ الْمُسْتَحِيلِ، وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمَنْفَعَةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى الْعَيْنِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابُ الْإِجَارَةِ) قَدَّمَ الْهِبَةَ عَلَى الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَلِأَنَّ فِيهَا عَدَمُ الْعِوَضِ وَالْعَدَمُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوُجُودِ وَوَصَلَهُ بِفَصْلِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ لَازِمَيْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ حَتَّى يَخْرُجَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يُبْطِلُهُ أَوْ يُقَالُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا لِاسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ التَّمْلِيكُ عَلَى ضَرْبَيْنِ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ وَتَمْلِيكُ عَيْنٍ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِبَدَلٍ أَوْ غَيْرِ بَدَلٍ فَتَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِبَدَلٍ هُوَ الْبَيْعُ وَتَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِغَيْرِ بَدَلٍ هِيَ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَأَمَّا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِبَدَلٍ فَهِيَ الْإِجَارَةُ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ بَدَلٍ هِيَ الْعَارِيَّةُ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ خَطَأٌ أَوْ قَبِيحٌ) أَمَّا خَطَؤُهُ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ أَفْعَلَ لَا مِنْ بَابِ فَاعَلَ، وَأَمَّا قُبْحُهُ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعِ الْقُبْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ) أَيْ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَصْلُحُ مَحَلًّا لِلْإِضَافَةِ؛ لِأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ لَيْسَتْ فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ اهـ بَزْدَوِيٌّ فِي الِاسْتِعَارَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَوْ قَالَ آجَرْتُك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَرِدُ عَلَى الْعَيْنِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَنْفَعَةِ عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا. اهـ. شَرْحُ مُغْنِي فِي بَابِ حُكْمِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ (قَوْلُهُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ) أَيْ لَا فِي حَقِّ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَتَأَخَّرُ إلَى حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ فَعَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَعَدَّ الشَّافِعِيُّ حَالَةَ الِانْعِقَادِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمَنْفَعَةِ لَا يَجُوزُ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْإِجَارَةُ إذَا أُضِيفَتْ إلَى مَنْفَعَةِ الدَّارِ تَصِحُّ فَإِنَّهُ نَصَّ فِي هِبَةِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْأَجَلِّ الزَّاهِدِ خُوَاهَرْ زَادَهْ إذَا قَالَ وَهَبْتُك مَنْفَعَةَ هَذِهِ الدَّارِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ يَكُونُ إجَارَةً فَهَذَا أَوْلَى اهـ اُنْظُرْ إلَى الْحَاشِيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ بِقَوْلِهِ نَاقِلًا عَنْ شَرْحِ الْمُغْنِي اهـ وَهَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ. اهـ.

فِيهِ إلَّا إقَامَةُ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ أَمْرٌ شَائِعٌ شَرْعًا كَإِقَامَةِ السَّفَرِ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ وَنَحْوِهِ فَكَانَ أَوْلَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا صَحَّ ثَمَنًا صَحَّ أُجْرَةً) لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ فَتُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَيْنًا جَازَ كُلُّ عَيْنٍ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً كَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ يَجُوزُ أَيْضًا كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا أَوْ مَبِيعًا فِي الذِّمَّةِ كَالْمُقَدَّرَاتِ وَالْمَذْرُوعَاتِ وَمَا لَا فَلَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيهِ، وَقَوْلُهُ مَا صَحَّ ثَمَنًا صَحَّ أُجْرَةً يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَا يُنَافِي الْعَكْسَ حَتَّى صَحَّ أُجْرَةً مَا لَا يَصِحُّ ثَمَنًا أَيْضًا كَالْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ ثَمَنًا وَتَصْلُحَ أُجْرَةً إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ كَاسْتِئْجَارِ سُكْنَى الدَّارِ بِزِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَإِنْ اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا لَا يَجُوزُ كَاسْتِئْجَارِ الدَّارِ لِلسُّكْنَى بِالسُّكْنَى وَكَاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ فَيَكُونُ بَيْعًا بِالنَّسِيئَةِ عَلَى مَا قَالُوا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونَ كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً بِخِلَافِ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ عَلَى مَا قَالُوا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَنْفَعَةُ تُعْلَمُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَالسُّكْنَى وَالزِّرَاعَةِ فَيَصِحُّ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيَّ مُدَّةٍ كَانَتْ) وَمِنْهُ الْأَجِيرُ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَجُوزُ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ تَأَخَّرَتْ بِأَنْ كَانَتْ مُضَافَةً أَوْ تَقَدَّمَتْ بِأَنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِوَقْتِ الْعَقْدِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقَدِّرُهُ بِسَنَةٍ فِي رِوَايَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا كَانَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى أَكْثَرَ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ يُقَدِّرُهُ بِثَلَاثِينَ سَنَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يُسْتَعْمَلُ بِالْأُجْرَةِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ تَجُوزُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَنَافِعِ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ فَجَازَ مُؤَبَّدًا. قُلْنَا كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ لَهَا كَوْنُهَا مَعْلُومَةً وَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهِ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ مَعْلُومَةً. أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] فَجَازَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَكُونُ مَعْلُومَةً إلَّا بِضَرْبِ الْمُدَّةِ لَهَا فَلَا تَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلَةً بِخِلَافِ بَيْعِ الْأَعْيَانِ فَإِنَّهَا مَعْلُومَةٌ بِدُونِهِ وَمِنْ شَرْطِهَا التَّأْبِيدُ أَيْضًا حَتَّى لَوْ ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا فَسَدَ الْبَيْعُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَضْرِبَ لَهَا أَجَلًا لَا يَعِيشُ إلَيْهِ مِثْلُهُ عَادَةً؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُتَحَقِّقِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ حَتَّى يُحْكَمَ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ عِنْدَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ فَصَارَ كَالتَّأْبِيدِ مَعْنًى فَلَا يَجُوزُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ التَّأْبِيدَ يُبْطِلُهَا وَبِهِ كَانَ يَقْضِي الْقَاضِي أَبُو عِصْمَةَ الْعَامِرِيُّ وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَ ذَلِكَ وَالْخَصَّافُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْخِيرَةَ فِي هَذَا الْكَلَامِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ وَأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّوْقِيتَ وَلَا يَقْتَضِي تَعْيِينَ الْوَقْتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُزَادُ فِي الْأَوْقَافِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ تُزَادَ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فِي الْأَوْقَافِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ خَوْفًا مِنْ دَعْوَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنَّهُ مِلْكُهُ إذَا تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْحِيلَةَ فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ أَنْ يَعْقِدَ عُقُودًا كُلُّ عَقْدٍ عَلَى سَنَةٍ وَيَكْتُبَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ اسْتَأْجَرَ الْوَقْفَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً بِكَذَا وَكَذَا عَقْدًا فِي كُلِّ عَقْدٍ سَنَةٌ وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْحِيلَةَ فِيهِ أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يُجِيزَهُ وَكَانَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْتِي بِالْجَوَازِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي الضِّيَاعِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْمَنْعِ وَفِي غَيْرِ الضِّيَاعِ كَانَ يُفْتِي بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِيمَا زَادَ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْجَوَازِ هَذَا إذَا لَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَى مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَإِنْ اشْتَرَطَ لِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الْمُدَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا شَرَطَ طَالَ أَوْ قَصُرَ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِ تُرَاعَى كَالنُّصُوصِ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ كَا لِاسْتِئْجَارِ عَلَى صَبْغِ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتِهِ) أَيْ الْمَنْفَعَةُ تُعْلَمُ بِالتَّسْمِيَةِ كَمَا فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَمِنْهُ اسْتِئْجَارُ الدَّابَّةِ لِلْحَمْلِ أَوْ لِلرُّكُوبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الْمَصْبُوغَ وَالصَّبْغَ وَقَدْرَ مَا يَصْبُغُ بِهِ وَجِنْسَهُ وَجِنْسَ الْخِيَاطَةِ وَالْمَخِيطِ وَمَنْ يَرْكَبُ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْقَدْرَ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا وَالْمَسَافَةَ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً بِلَا شُبْهَةٍ فَصَحَّ الْعَقْدُ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَمَلِ كَاسْتِئْجَارِ الْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ بِالْإِشَارَةِ كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَى نَقْلِ هَذَا الطَّعَامِ إلَى كَذَا) أَيْ تَكُونُ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً بِالْإِشَارَةِ كَمَا ذَكَرَهُ مِنْ نَقْلِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ الْمَنْقُولُ وَالْمَكَانُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ قَرِيبٌ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ بِشَرْطِهِ أَوْ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَنْفَعَةِ إلَخْ) لَمَّا ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ وَاقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَصِحُّ حَتَّى تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً شَرَعَ يَذْكُرُ كَيْفَ تُعْلَمُ الْمَنَافِعُ فَقَالَ وَالْمَنْفَعَةُ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُتَحَقِّقِ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَسْتَأْجِرَ مِائَتَيْ سَنَةٍ بِكَذَا فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشَ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ فَيَقَعُ بَعْضُهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَبَعْضُهُ بَعْدَ الْوَفَاةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ خَوْفًا مِنْ دَعْوَى الْمُسْتَأْجِرِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الْمُسْتَأْجِرِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ بِكَذَا، وَكَذَا عَقْدًا فِي كُلِّ عَقْدٍ إلَخْ) فَيَكُونُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ لَازِمًا وَالثَّانِي غَيْرَ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ) يَعْنِي الْمَنْفَعَةَ تَارَةً تُعْلَمُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِمُجَرَّدِ التَّسْمِيَةِ بِدُونِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الْمَصْبُوغَ) أَيْ الثَّوْبَ الَّذِي يُصْبَغُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّبْغُ) أَحْمَرُ أَوْ نَحْوُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْرَ مَا يَصْبُغُ بِهِ) أَيْ إذَا كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمَسَافَةُ) يَتَعَلَّقُ بِالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ جَمِيعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتُسْتَحَقُّ بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثٍ إمَّا بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ بِالتَّعْجِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ اهـ قَوْلُهُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ أَيْ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا وَتَسْلِيمُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ أَمَّا نَفْسُ الْوُجُوبِ فَثَابِتٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَكِنْ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً فَإِذَا كَانَتْ فَاسِدَةً لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْأَجْرِ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ الَّتِي تَحْدُثُ

أَيْ لَا تُمْلَكُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، وَإِنَّمَا تُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهِيَ الْمَنْفَعَةُ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَائِهِ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فِي الْمُدَّةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَيَجِبُ تَسْلِيمُهَا عِنْدَ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْبَدَلَيْنِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْدُومَةَ عِنْدَهُ جُعِلَتْ مَوْجُودَةً حُكْمًا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» وَلِلشَّارِعِ جَعْلُ الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً مَوْجُودًا حُكْمًا كَمَا جَعَلَ النُّطْفَةَ فِي الرَّحِمِ كَالْحَيِّ حُكْمًا فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالْإِرْثِ، وَكَذَا يَجْعَلُ الْمَوْجُودَ حَقِيقَةً كَالْمَعْدُومِ حُكْمًا كَمَا جَعَلَ الْمُرْتَدَّ الْمُلْتَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مَيِّتًا فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَالْإِرْثِ وَعِتْقِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ كَالْمَوْجُودِ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ كَانَ مَعْدُومًا وَلَمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَهُوَ حَرَامٌ شَرْعًا وَلَنَا أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ بِتَقَابُلِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمِلْكِ وَالتَّسْلِيمِ، وَأَحَدُ الْبَدَلَيْنِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ لَمْ تَصِرْ مَمْلُوكَةً بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمَعْدُومِ فَكَذَا فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ وَلَوْ مَلَكَ الْأُجْرَةَ لَمَلَكَهَا بِغَيْرِ بَدَلٍ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ فَتَأَخُّرُ الْمِلْكِ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَجَوَازُ الْعَقْدِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَعْدُومَ جُعِلَ مَوْجُودًا حُكْمًا وَكَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ وَالْمَوْجُودُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لَا يَقْبَلُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّهُ عَرْضٌ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّسْلِيمُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّسْلِيمُ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْعَقْدِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَفِي حَقِّ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ إذْ الْعَيْنُ هِيَ الَّتِي يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا دُونَ الْعَرْضِ فَانْعَقَدَ فِي حَقِّهَا فِي الْحَالِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا وَصَارَ الْعَقْدُ مُضَافًا غَيْرَ مُنْعَقِدٍ لِلْحَالِ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُتَصَوَّرُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ مُضَافًا إلَى وَقْتِ حُدُوثِهَا فَيَنْعَقِدُ الْعَقْدُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ عَلَى حَسَبِ وُجُودِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِي حُكْمِ عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، وَإِنَّمَا قَامَتْ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ فِي حَقِّ الِانْعِقَادِ وَالتَّسْلِيمِ ضَرُورَةَ عَدَمِ تَصَوُّرِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْمِلْكِ فِي الْبَدَلِ إذَا مَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَثْبُتُ بِقَدْرِهَا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ مِلْكِ الْبَدَلِ كَمَا لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ مُضَافًا إلَى وَقْتِ حُدُوثِهَا غَيْرَ مُنْعَقِدٍ لِلْحَالِ فِي حَقِّهِمَا وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ فِيهِ قَلْبَ الْحَقَائِقِ وَهُوَ جَعْلُ الْمَعْدُومِ مَوْجُودًا وَمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إقَامَةُ السَّبَبِ وَهُوَ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ وَهِيَ الْمَنْفَعَةُ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّغْيِيرِ مَعْهُودٌ فِي الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّارِعَ أَقَامَ السَّفَرَ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهَا وَأَقَامَ الْبُلُوغَ مَقَامَ اعْتِدَالِ الْعَقْلِ حَتَّى عَلَّقَ التَّكْلِيفَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ لَا تُحْصَى، وَإِنَّمَا جَازَ الِاسْتِئْجَارُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ فَلَمْ تَصِرْ الْمَنْفَعَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَجِبُ بَدَلُهَا أَيْضًا وَعِنْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهَا الْمَنَافِعُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لَا تَسْلِيمَ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ لَا يُتَصَوَّرُ فَقَامَ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ مَقَامَ تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ وَلَكِنْ يُعْتَبَرُ التَّسْلِيمُ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَقَدْ تَحَقَّقَ التَّسْلِيمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَمَتَى تَحَقَّقَ التَّسْلِيمُ الْمُسْتَحَقُّ وَجَبَ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعُ بِهَا كَمَا إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان مَعْلُومٍ لِيَرْكَبَهَا فَذَهَبَ بِهَا وَلَمْ يَرْكَبْهَا وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَيْهَا شَيْئًا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَجْرُ، وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا لِيَسْكُنَهَا فَسَلَّمَ الْمُؤَجِّرُ الْمِفْتَاحَ إلَيْهِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَجْرُ عَلَيْهِ سَكَنَ الدَّارَ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ إلَّا إذَا مَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ فَأَخْرَجَهُ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ عَنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ عَلَيْهِ. إلَى هُنَا لَفْظُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْكُوفَةِ فَسَلَّمَهَا الْمُؤَجِّرُ وَأَمْسَكَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ الْمَسِيرُ فِيهَا إلَى الْكُوفَةِ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَاقَهَا مَعَهُ إلَى الْكُوفَةِ وَلَمْ يَرْكَبْهَا وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ دَلِيلُنَا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَسَافَةٍ فَالتَّسْلِيمُ فِي غَيْرِهَا لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْبَدَلَ كَمَا لَوْ وَقَعَ عَلَى مُدَّةٍ فَسَلَّمَ فِي غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْبَدَلَ، فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَبَضَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ وَتَمَكَّنَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا فَوَجَبَ أَنْ تَسْتَقِرَّ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ. أَصْلُهُ إذَا اسْتَأْجَرَهَا شَهْرًا لِلرُّكُوبِ قِيلَ لَهُ التَّمَكُّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي غَيْرِ الْمُدَّةِ وَالْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمُدَّةِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا وَقَعَ عَلَى الْعَمَلِ وَفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ يَوْمًا لِلْخِيَاطَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَاهُنَا قُيُودًا لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ أَحَدُهَا التَّمَكُّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْمُدَّةِ حَتَّى إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ أَوْ تَمَكَّنَ فِي غَيْرِ الْمُدَّةِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ، وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى لَا يَجِبُ الْأَجْرُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ فِيهَا تَجِبُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَهُوَ أَنْ لَا يَثْبُتَ لِلْمُؤَجِّرِ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِهَا فِي الْحَالِ وَلَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَبْدًا وَهُوَ قَرِيبُهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ اهـ (قَوْلُهُ فَلَمْ تَصِرْ الْمَنْفَعَةُ دَيْنًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قِيلَ لَوْ لَمْ تُمْلَكْ الْمَنَافِعُ يَلْزَمُ الِافْتِرَاقُ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ قُلْنَا لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَزِمَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَمَّا جَازَ التَّفَرُّقُ مِنْ غَيْرِ تَقَابُضٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا بِدَيْنٍ بَطَلَ مَا قَالُوا، اهـ

وَهُوَ زَمَانُ حُدُوثِهَا تَصِيرُ هِيَ مَقْبُوضَةً فَلَا يَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ أَصْلًا، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ مُنْعَقِدًا فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ لَمَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ أَصْلًا كَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِهِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ الْمَعْدُومُ كَالْمُسْتَوْفَى لَجَازَ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ أَيْضًا كَمَا إذَا بَاعَ الْعَيْنَ بِالدَّيْنِ فَإِذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ وَإِنْ عَجَّلَهَا أَوْ اشْتَرَطَ تَعْجِيلَهَا فَقَدْ الْتَزَمَهُ بِنَفْسِهِ وَأَبْطَلَ الْمُسَاوَاةَ الَّتِي اقْتَضَاهَا الْعَقْدُ فَصَحَّ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ إلَى وَقْتٍ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ حَيْثُ يَكُونُ الشَّرْطُ بَاطِلًا وَلَا يَلْزَمُهُ لِلْحَالِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِيهِ لَيْسَ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ بَلْ بِالتَّصْرِيحِ بِالْإِضَافَةِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبِلِ وَالْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَتَغَيَّرُ هَذَا الْمَعْنَى بِالشَّرْطِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا لَا يَجِبُ لِاقْتِضَاءِ الْعَقْدِ الْمُسَاوَاةَ وَلَيْسَ بِمُضَافٍ صَرِيحًا فَيَبْطُلُ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالتَّصْرِيحِ عَلَى خِلَافِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ يَجِبُ فِي الْحَالِ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ حَتَّى يُسْلِمَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ، ثُمَّ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ تَأَخَّرَ بِالْقَصْدِ صَرِيحًا وَلَا يُقَالُ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْأُجْرَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا لَمَا صَحَّ، وَكَذَا يَصِحُّ الِارْتِهَانُ وَالْكَفَالَةُ بِهَا، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِسُكْنَى دَارِهِ سَنَةً وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَيْهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا فَلَوْ لَمْ تَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ وَلَمْ تَقْبِضْهَا لَمَنَعَتْ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِعَدَمِ وُجُوبِهِ كَالْمُضَافَةِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ وَالْجَوَابُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ فَجَازَ إبْرَاءُهُ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْقِصَاصِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ لِلْوَثِيقَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْوُجُوبِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا جَائِزَانِ بِالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ الْخِيَارُ وَبِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَجَازَتْ الْكَفَالَةُ بِالدَّرْكِ وَجَازَ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ فَكَذَا بِهَا الدَّيْنُ، أَمَّا جَوَازُ الْكَفَالَةِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِشُرُوطٍ مُلَائِمَةٍ فَهَذَا لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْهُ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِلدَّيْنِ حُكْمًا فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ فَلَوْ اسْتَوْفَى الْأُجْرَةَ هُنَا حَقِيقَةً جَازَ فَكَذَا حُكْمًا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا بَعْدَ تَسْلِيمِ الدَّارِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى مَا سَمَّى لَهَا بِرِضَاهَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِمِثْلِهِ عَادَةً عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَجَّلَتْ الْمَهْرَ كُلَّهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا قَبْلَ حُلُولِهِ فَكَذَا هَذَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَسَلَّمَتْ الدَّارَ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَقَوْلُهُ لِلشَّارِعِ جَعْلُ الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً مَوْجُودًا حُكْمًا إلَخْ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ عَهِدْنَا ذَلِكَ فِيمَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ وُجُودِهِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُقَدَّرُ حُكْمًا إذَا كَانَ يُمْكِنُ تَصَوُّرُهُ حَقِيقَةً كَمَا فِي الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ فَإِنَّ الْحَيَّ يُتَصَوَّرُ مَوْتُهُ، وَكَذَا بِالْعَكْسِ، وَأَمَّا الْمَنَافِعُ فَلَا تَقْبَلُ الْعَقْدَ أَصْلًا حَتَّى فِي حَالِ وُجُودِهَا عَلَى مَا بَيِّنَاهُ فَكَيْفَ يُقَدَّرُ وُجُودُهَا لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَلَيْسَ فِي وُجُودِهَا جَوَازُهُ بَلْ بُطْلَانُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا عَلَى أَنَّ مَا اعْتَبَرَهُ قَلْبٌ وَمَا اعْتَبَرْنَاهُ تَغْيِيرٌ فَكَانَ أَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ غُصِبَتْ مِنْهُ سَقَطَ الْأَجْرُ) أَيْ لَوْ غُصِبَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ سَقَطَ الْأَجْرُ كُلُّهُ فِيمَا إذَا غُصِبَتْ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ وَإِنْ غُصِبَتْ فِي بَعْضِهَا سَقَطَ بِحِسَابِهَا لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَهُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ لَا حَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ، وَهَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ؟ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَنْفَسِخُ، وَقَالَ الْقَاضِي فَخْرُ الدِّينِ فِي فَتَاوَاهُ وَالْفَتْوَى لَا تَنْتَقِضُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأَجْرِ كُلَّ يَوْمٍ وَلِلْجَمَّالِ كُلَّ مَرْحَلَةٍ وَلِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْإِجَارَةَ مُعَاوَضَةٌ وَالْمِلْكُ فِي الْمَنَافِعِ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ زَمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَذَا يَصِحُّ الِارْتِهَانُ وَالْكَفَالَةُ بِهَا) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ رَجُلٌ آجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلٍ سَنَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وُهِبْت مِنْك جَمِيعُ الْأَجْرِ أَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ الْأَجْرِ صَحَّ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَلَا يَصِحُّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ، وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ هَذَا الْأَجْرِ أَوْ قَالَ عَنْ تِسْعِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ صَحَّ وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِجَارَةِ أَبْرَأْتُك عَنْ الْأَجْرِ صَحَّ عَنْ الْكُلِّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ صَحَّ إبْرَاؤُهُ عَمَّا مَضَى وَلَا يَصِحُّ عَمَّا يُسْتَقْبَلُ وَلَوْ كَانَ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ شَرْطًا فِي الْإِجَارَةِ، ثُمَّ وُهِبَ مِنْهُ الْأَجْرُ أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْأَجْرِ صَحَّ فِي قَوْلِهِمْ وَلَوْ آجَرَ دَارِهِ، ثُمَّ وَهَبَ لَهُ أَجْرَ رَمَضَانَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ اسْتَأْجَرَهَا سَنَةً جَازَ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا مُشَاهَرَةً لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وُهِبَ مِنْهُ بَعْدَ مَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا الْجَوَابُ يُوَافِقُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ. وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ وُهِبَ بَعْضَ الْأُجْرَةِ أَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ جَازَ إجْمَاعًا أَمَّا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَجُوزُ عِنْدَهُ فِي الْجَمِيعِ فَكَذَا فِي الْبَعْضِ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَهِبَةُ الْبَعْضِ حَطٌّ تُلْحَقُ بِالْأَصْلِ فَيَصِيرُ كَالْمَوْجُودِ فِي حَالِ الْعَقْدِ وَهِبَةُ الْجَمِيعِ لَا تُلْحَقُ بِالْعَقْدِ فَتَثْبُتُ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ هُنَاكَ حَقٌّ وَاجِبٌ فَلَا يَصِحُّ، وَأَمَّا إذَا وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ وَهِيَ دَيْنٌ فَلَا بَأْسَ بِالْبَرَاءَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَاجِبٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ. اهـ. . (قَوْلُهُ سَقَطَ الْأَجْرُ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّعْجِيلُ إمَّا بِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ الِاسْتِيفَاءُ وَالتَّمَكُّنُ مِنْهُ أَصْلًا فَلَا تُسْتَحَقُّ الْأُجْرَةُ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأَجْرِ كُلَّ يَوْمٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُطَالِبُهُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَلَوْ كَانَتْ مِائَةَ سَنَةٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ) وَإِذَا اشْتَرَطَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ أَوْ تَأْخِيرَهُ فَهُوَ عَلَى مَا اشْتَرَطَهُ لِمَا أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ قَضِيَّةِ الْمُعَادَلَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، ثُمَّ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ فِي الْكُلِّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الْمَنْفَعَةِ وَالْعَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ وَالْعَمَلِ فَلَا يَتَوَزَّعُ الْأَجْرُ عَلَى أَجْزَائِهَا كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ وَالرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا فَقَالَ إنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْمُدَّةِ كَمَا فِي إجَارَةِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ أَوْ عَلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ كَمَا فِي كِرَاءِ الدَّابَّةِ يَجِبُ الْأَجْرُ بِحِصَّةِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنَافِعِ إذَا كَانَ لِلْمُسْتَوْفِي أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَفِي الدَّارِ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ وَفِي الْمَسَافَةِ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ بِحِسَابِهِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ إلَّا أَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حِصَّتَهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ وَلَا يَتَفَرَّغُ لِغَيْرِهِ فَرَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ مَعْلُومَةٌ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ مَقْصُودٌ فَيَجِبُ الْبَدَلُ بِحِصَّتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَمَلِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِمُقَابَلَتِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْعَمَلِ فَيَسْتَحِقَّ الْكُلَّ، وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْعَمَلِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ والتمرتاشي أَنَّهُ إذَا خَاطَ الْبَعْضَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ يَجِبُ الْأَجْرُ لَهُ بِحِسَابِهِ حَتَّى إذَا سُرِقَ الثَّوْبُ بَعْدَ مَا خَاطَ بَعْضَهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ وَاسْتَشْهَدَ فِي الْأَصْلِ عَلَى ذَلِكَ بِمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيَبْنِيَ لَهُ حَائِطًا فَبَنَى بَعْضَهُ، ثُمَّ انْهَدَمَ فَلَهُ أَجْرُ مَا بَنَى فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِبَعْضِ الْعَمَلِ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَفِي سُكْنَى الدَّارِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ فَصَارَ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ تَسْلِيمِ الدَّارِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ وَفِي الْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا لَا يَكُونُ مُسْلَمًا إلَيْهِ إلَّا إذَا سَلَّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ حَقِيقَةً فَفِي خِيَاطَتِهِ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ إذْ هُوَ فِي مَنْزِلِهِ وَالْمَنْزِلُ فِي يَدِهِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ فَيَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ، وَلِهَذَا إذَا فَرَغَهُ فِي مَنْزِلِهِ يَجِبُ الْأَجْرُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ إلَيْهِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا فِي سُكْنَى الدَّارِ أَوْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ رَوَى الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا عَنْهُ فِي الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَعَلَى مَا ذَكَرُوهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُلِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْخَبَّازِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُبْزِ مِنْ التَّنُّورِ) يَعْنِي لِلْخَبَّازِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْأَجْرِ إذَا أَخْرَجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَرَغَ فَيَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ كَالْخَيَّاطِ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ، هَذَا إذَا كَانَ يَخْبِزُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَإِنْ كَانَ فِي مَنْزِلِ الْخَبَّازِ لَمْ يَكُنْ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ مِنْ التَّنُّورِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَخْرَجَهُ فَاحْتَرَقَ فَلَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) يَعْنِي إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ التَّنُّورِ، ثُمَّ احْتَرَقَ هَذَا إذَا كَانَ يَخْبِزُ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ) أَيْ وَهِيَ لَمْ تَصِرْ مُسْلَمَةً إلَيْهِ فَلَا يُطَالِبُهُ بِبَدَلِهَا اهـ (قَوْلُهُ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ) وَكَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا فَخَاطَ بَعْضَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَيَّنَ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِكَذَا سَنَةً عَلَى أَنْ تُعْطِيَ الْأُجْرَةَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ وَلَنَا أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ بَدَلُهُ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا فِي كِرَاءِ الدَّابَّةِ) الْكِرَاءُ بِالْمَدِّ الْأُجْرَةُ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ فَفِي الدَّارِ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ) أَيْ لِأَنَّ الْيَوْمَ مَقْصُودٌ بِالِانْتِفَاعِ وَأَخْذُ الْبَدَلِ عَنْهُ لَا يُفْضِي إلَى الضَّرَرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي الْمَسَافَةِ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ) وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَفَرَّغُ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ كَمَا يَفْرُغُ مِنْ تَسْلِيمِ أُجْرَةِ سَاعَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ أُجْرَةِ سَاعَةٍ أُخْرَى عَلَى التَّوَالِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَبِزَرْعِ رُطَبَةٍ مَفْقُودٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ فَاحْتَرَقَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ قَفِيزًا مِنْ دَقِيقٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ حَتَّى يُخْرِجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَمَلِ بِالْإِخْرَاجِ فَلَوْ احْتَرَقَ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ لَا أَجْرَ لَهُ لِلْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا بِالْوَضْعِ فِي بَيْتِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْجِنَايَةُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بَعْدَ حَقِيقَةِ التَّسْلِيمِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ أَدْخَلَ رَجُلًا إلَى مَنْزِلِهِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ خُبْزًا فَلَمَّا أَخْرَجَهُ مِنْ التَّنُّورِ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ قَالُوا لَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا عَدَمُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ لَا بِصُنْعِهِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْأَجْرِ فَلِأَنَّهُ أَوْفَى عَمَلَهُ وَصَارَ الْخُبْزُ مُنْتَفَعًا بِهِ فَصَحَّ التَّسْلِيمُ اهـ قَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ عَدَمُ الضَّمَانِ عَلَى الْخَبَّازِ إذَا احْتَرَقَ الْخُبْزُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ أَقُولُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْلَقَ الْجَوَابَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرُوا الْخِلَافَ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَلْ قَالُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا فَعَنْ هَذَا قَالُوا الْجَوَابُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْلَكْ مِنْ صُنْعِهِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخِلَافَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ بِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ، وَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ التَّنُّورِ فَوَضَعَهُ وَهُوَ يَخْبِزُ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَقَدْ فَرَغَ فَإِنْ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَتِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ وَصَارَ مُسْلِمًا لَهُ

؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ صَارَ مُسْلَمًا إلَيْهِ إذْ الْمَنْزِلُ فِي يَدِهِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِوَضْعِهِ فِيهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَلَوْ احْتَرَقَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَاحْتَرَقَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لِهَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ لَا قِيمَةَ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا خَاطَ الثَّوْبَ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِ الثَّوْبِ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِخِيَاطَةِ بَعْضِهِ وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَهُ قِيمَةٌ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِالْإِخْرَاجِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ احْتَرَقَ فِي التَّنُّورِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةُ يَدِهِ وَإِنْ كَانَ الْخَبَّازُ يَخْبِزُ فِي مَخْبِزِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ التَّنُّورِ الْمُطَالَبَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ الْخُبْزُ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ مُسْلَمًا إلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ لَيْسَ فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا خَبَزَ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ هَلَكَ هُنَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ عِنْدَهُ فِي يَدِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ أَمَانَةٌ وَعِنْدَهُمَا مَضْمُونٌ، أَمَّا إذَا صَارَ ضَامِنًا فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْخُبْزِ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْحَطَبِ وَالْمِلْحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا قَبْلَ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَحِينَ مَا وَجَبَ الضَّمَانُ كَانَ رَمَادًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلطَّبَّاخِ بَعْدَ الْغَرْفِ) أَيْ لِلطَّبَّاخِ أَنْ يَطْلُب الْأُجْرَةَ بَعْدَ مَا غَرَفَ الطَّبِيخَ؛ لِأَنَّ الْغَرْفَ عَلَيْهِ هَذَا إذَا كَانَ يَطْبُخُ لِلْوَلِيمَةِ وَإِنْ كَانَ يَطْبُخُ قَدْرًا خَاصَّةً لِأَهْلِ الْبَيْتِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْغَرْفُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِهِ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْعَادَةُ فِي مَوْضِعٍ لَا نَصَّ فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْبَانِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ) أَيْ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَضْرِبَ لَهُ لَبِنًا فِي أَرْضِهِ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ إذَا أَقَامَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى يُشَرِّجَهُ؛ لِأَنَّ التَّشْرِيجَ مِنْ تَمَامِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الْفَسَادِ قَبْلَهُ فَصَارَ التَّشْرِيجُ كَإِخْرَاجِ الْخُبْزِ مِنْ التَّنُّورِ وَلِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ عَادَةً وَالْمُعْتَادُ كَالْمَشْرُوطِ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْعَمَلَ قَدْ تَمَّ بِالْإِقَامَةِ، وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مُمْكِنٌ وَالتَّشْرِيجُ عَمَلٌ زَائِدٌ عَلَيْهِ كَالنَّقْلِ إلَى مَوْضِعِ الْعِمَارَةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ طِينٌ مُنْتَشِرٌ وَبِخِلَافِ الْخُبْزِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِخْرَاجِهِ مِنْ التَّنُّورِ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهَلَاكُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ عِنْدَهُ فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لَهُ دَقِيقًا مِثْلَ الدَّقِيقِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْخُبْزِ مَخْبُوزًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ عِنْدَهُمَا مَضْمُونٌ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ بِوَضْعِهِ فِي مَنْزِلِ مَالِكِهِ كَمَا لَا يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِ الْمَغْصُوبِ بِذَلِكَ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ صَارَ صَاحِبُ الدَّقِيقِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا وَأَسْقَطَ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْلَمْ لَهُ الْعَمَلَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ خُبْزًا فَصَارَ الْعَمَلُ مُسْلَمًا لَهُ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ قَالَ وَلَا أُضَمِّنُهُ الْحَطَبَ وَالْمِلْحَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا قَبْلَ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا قِيمَةَ لَهُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَحْتَرِقَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي صُورَةِ الِاحْتِرَاقِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ التَّنُّورِ؛ لِأَنَّهُ إذَا احْتَرَقَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا. أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي بَابِ مِنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَعْمَلَ فِي بَيْتِهِ وَإِنْ احْتَرَقَ الْخُبْزُ فِي التَّنُّورِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ فِي هَذَا هُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا جَنَتْهُ يَدَاهُ بِتَقْصِيرِهِ بِالْقَلْعِ مِنْ التَّنُّورِ فَإِنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَخْبُوزًا أَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَإِنْ ضَمِنَهُ دَقِيقًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَخْبُوزًا فَقَدْ وَصَلَ الْعَمَلُ إلَيْهِ مَعْنًى لِوُصُولِ قِيمَتِهِ إلَيْهِ فَكَانَ لَهُ الْأَجْرُ، وَإِذَا ضَمَّنَهُ قِيمَةَ دَقِيقِهِ لَمْ يَصِلْ الْعَمَلُ إلَيْهِ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. إلَى هُنَا لَفْظُهُ فِي شَرْحِ الْكَافِي اهـ (قَوْلُهُ فَاحْتَرَقَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ) فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ ضَامِنٌ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ) أَيْ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّفْحَةِ الْمَاضِيَةِ مِنْ الشَّرْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ) أَيْ لِيَخْرُجَ مِنْ ضَمَانِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ هُنَا) أَيْ فِي مَنْزِلِ نَفْسِهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلطَّبَّاخِ بَعْدَ الْغَرْفِ) أَرَادَ بِالْغَرْفِ وَضْعَ الطَّعَامِ فِي الْقِصَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَ يَطْبُخُ لِلْوَلِيمَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْوَلِيمَةُ طَعَامُ الْعُرْسِ وَالْوَكِيرَةُ طَعَامُ الْبِنَاءِ وَالْخُرْسُ طَعَامُ الْوِلَادَةِ وَمَا تُطْعِمُهُ النُّفَسَاءُ نَفْسَهَا خُرْسَةٌ وَطَعَامُ الْخِتَانِ إعْذَارٌ وَطَعَامُ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرِهِ نَقِيعَةٌ وَكُلُّ طَعَامٍ صُنِعَ لِدَعْوَةٍ مَأْدُبَةٌ وَمَأْدُبَةٌ جَمِيعًا وَيُقَالُ فُلَانٌ يَدْعُو النَّقْرَى إذَا خَصَّ وَفُلَانٌ يَدْعُو الْجَفْلَى أَوْ الْأَجْفَلِيَّ إذَا عَمّ قَالَهُ الْقُتَبِيُّ وَغَيْرُهُ. (قَوْلُهُ إنَّ الْعَمَلَ قَدْ تَمَّ بِالْإِقَامَةِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَضْرِبَ لَهُ لَبِنًا فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي شَيْءٍ هُوَ فِي يَدِهِ فَإِنَّ رَبَّ اللَّبِنِ لَا يَكُونُ قَابِضًا حَتَّى يَجِفَّ اللَّبِنُ وَيَنْصِبَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا اخْتِلَافَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى يُشْرِجَهُ فَإِنْ هَلَكَ اللَّبِنُ قَبْلَ الْحَدِّ الَّذِي حَدَّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي قَوْلِهِ فَلَا أَجْرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ يَدِهِ وَلَا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَجْرُ حَتَّى يُسْلِمَهُ مَنْصُوبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُشْرَجًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالتَّسْلِيمُ هُوَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَبَيْنَ اللَّبِنِ وَلَكِنْ فِي أَيِّ وَقْتٍ يَصِحُّ التَّسْلِيمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَقَامَهُ وَعِنْدَهُمَا مَا لَمْ يُشْرِجْهُ لَمْ يَصِحَّ التَّسْلِيمُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ مَا لَمْ يُشْرِجْهُ وَتَشْرِيجُ اللَّبِنِ تَنْضِيدُهُ وَضَمُّ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مُمْكِنٌ إلَخْ). أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانُ فَيُبْنَى بِهِ فَصَارَ كَالْخُبْرِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَالنَّقْلِ إلَى مَوْضِعِ الْعِمَارَةِ) أَيْ فَإِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَوْلُهُمَا لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ

قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا فَسَدَ بِالْمَطَرِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ مَا أَقَامَهُ فَعِنْدَهُ يَجِبُ الْأَجْرُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّشْرِيجِ هَذَا إذَا لَبَّنَ فِي أَرْضِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِالْإِقَامَةِ أَوْ بِالتَّشْرِيجِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ وَإِنْ لَبَّنَ الْأَجِيرُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى يُسْلِمَهُ وَذَلِكَ بِالْعَدِّ بَعْدَ الْإِقَامَةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِالْعَدِّ بَعْدَ التَّشْرِيجِ وَقَدْ ذَكَرْنَا نَظِيرَهُ فِي الْخُبْزِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ يَحْبِسُهَا لِلْأَجْرِ) أَيْ يَحْبِسُ الْعَيْنَ لِلْأَجْرِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَصْفٌ فِي الْمَحَلِّ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْقَصَّارَ إذَا ظَهَرَ عَمَلُهُ بِاسْتِعْمَالِ النَّشَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ إلَّا إزَالَةُ الدَّرَنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ كَانَ مُسْتَتِرًا وَقَدْ ظَهَرَ بِفِعْلِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ هَالِكًا بِالِاسْتِتَارِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَحْدَثَهُ فِيهِ بِالْإِظْهَارِ وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ فِيمَا لِعَمَلِهِ أَثَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مُسْلَمًا إلَى صَاحِبِ الْعَيْنِ بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فَسَقَطَ حَقُّ الْحَبْسِ بِهِ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ بِمِلْكِهِ بِإِذْنِهِ فَصَارَ كَالْقَبْضِ بِيَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ شَخْصًا بِأَنْ يَزْرَعَ لَهُ أَرْضَهُ حِنْطَةً مِنْ عِنْدِهِ قَرْضًا فَزَرَعَهَا الْمَأْمُورُ صَارَ قَابِضًا بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا صَبَغَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ قُلْنَا اتِّصَالُ الْعَمَلِ بِالْمَحَلِّ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْعَمَلِ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهَذَا الِاتِّصَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَسْلِيمٌ بَلْ رِضَاهُ فِي تَحْقِيقِ عَمَلِ الصَّبْغِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَثَرِ فِي الْمَحَلِّ إذْ لَا وُجُودَ لِلْعَمَلِ إلَّا بِهِ فَكَانَ مُضْطَرًّا إلَيْهِ وَالرِّضَا لَا يَثْبُتُ إلَّا مَعَ الِاضْطِرَارِ كَصَاحِبِ الْعُلُوِّ إذَا بَنَى السُّفْلَ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا رَاضِيًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا كَصَبْغِهِ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ فِيهِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ لِقِيَامِ يَدِهِ عَلَى الْمَنْزِلِ وَيُمْكِنُ الْعَامِلُ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْهُ بِأَنْ يَعْمَلَ فِي مَنْزِلِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَيْهِ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِالتَّسْلِيمِ مَعَ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ، نَظِيرُهُ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ بِرِضَاهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ رِضَاهُ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَنَظِيرُ هَذَا الْخِلَافِ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى يُوفِيَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي نَقْدِهِ مِنْ عِنْدِهِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ يَدُ الْمُوَكِّلِ فَكَانَ فِي يَدِهِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ قُلْنَا إنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي هَذَا الْقَبْضِ فَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ عَلَى يَدِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ بِذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَبَسَ فَضَاعَ فَلَا ضَمَانَ وَلَا أَجْرَ) لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا بِالْأُجْرَةِ شَرْعًا فَلَا يَكُونُ بِهِ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِهِ وَلَا يَجِبُ لَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَذَلِكَ يُوجِبُ سُقُوطَ الْبَدَلِ كَالْمَبِيعِ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَبْسِ عِنْدَهُمَا فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِالْحَبْسِ، ثُمَّ لِصَاحِبِ الْعَيْنِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْعَيْنِ غَيْرَ مَعْمُولَةٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يَصِرْ مُسَلَّمًا إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا مَعْمُولَةً وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ وَهُوَ الْعَمَلُ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِتَسْلِيمِ بَدَلِهِ إلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ كَالْحَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ لَا يَحْبِسُ لِلْأَجْرِ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ وَهُوَ عَرْضٌ يَفْنَى وَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ وَلَا لَهُ أَثَرٌ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ بِخِلَافِ رَادِّ الْآبِقِ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ عَلَى الْجُعْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ فَأَحْيَاهُ بِالرَّدِّ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ مَوْلَاهُ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ، وَاخْتَلَفُوا فِي غَسْلِ الثَّوْبِ حَسَبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْقِصَارَةِ بِلَا نَشًا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَسْتَعْمِلُ غَيْرَهُ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ لَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ صَارَتْ مُنْتَفَعًا بِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ بِالطَّارِئِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْفَسَادِ كَمَا بَعْدَ التَّشْرِيجِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا يَعْنِي مِنْ الصَّبَّاغِ وَالْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ وَالصَّائِغِ وَالنَّجَّارِ وَالْإِسْكَافِ وَسَائِرِ الصُّنَّاعِ أَنْ يَحْبِسُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِمَّا لَهُمْ الْعَمَلُ فِيهِ أَوْ مِمَّا عَمِلُوا حَتَّى يَقْبِضُوا الْأَجْرَ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ قَبْضُ ذَلِكَ حَتَّى يَدْفَعَ الْأَجْرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ يَحْبِسُهُ الْبَائِعُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، وَأَمَّا الْحَمَّالُ وَالْجَمَّالُ وَالْمَلَّاحُ يُسْتَأْجَرُ عَلَى حَمْلِ شَيْءٍ فَلَيْسَ لَهُمْ حَبْسُ مَا حَمَلُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ لَهُمْ فِيهِ قَائِمٌ وَلَا تَأْثِيرَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فَإِنْ حَبَسَ الْحَمَّالُ الْمَتَاعَ فِي يَدِهِ فَهُوَ غَاصِبٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْحَمَّالِ يَطْلُبُ أُجْرَةً بَعْدَ مَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ قَبْلَ أَنْ يَضَعَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ إلَخْ) قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ، وَأَمَّا الْقَصَّارُ إذَا قَصَّرَ الثَّوْبَ هَلْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ؟ قَالُوا إنْ ظَهَرَ أَثَرُ عَمَلِهِ فِي الثَّوْبِ بِاسْتِعْمَالِ النَّشَاسْتَجَهْ أَوْ بِالدَّقِّ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَمَلُهُ إلَّا الْغَسْلَ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ كَانَ مَوْجُودًا فِي الثَّوْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الثَّوْبِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ مَسْتُورًا، وَقَدْ ظَهَرَ بِعَمَلِهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ كَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا إذَا كَانَ عَمَلُهُ فِي دُكَّانِهِ أَمَّا إذَا خَاطَ الْخَيَّاطُ أَوْ صَبَغَ الصَّبَّاغُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ كَذَا فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ كَالْحَمَّالِ) يُرْوَى قَوْلُهُ كَالْحَمَّالِ بِالْحَاءِ وَالْجِيمِ جَمِيعًا وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُمَا الْكَرْخِيُّ جَمِيعًا فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَدْ مَرَّ آنِفًا وَالْأَوْلَى أَنْ يُرْوَى هُنَا بِالْحَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَلَى الظَّهْرِ وَعَلَى الدَّابَّةِ فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ لَفْظِ الْجَمَّالِ بِالْجِيمِ فَكَانَ أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَسْتَعْمِلُ غَيْرَهُ إنْ شُرِطَ عَمَلَهُ بِنَفْسِهِ) وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ حَمِيدِ الدِّينِ الضَّرِيرِ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَالَ لِلْخَيَّاطِ

غَيْرَهُ إذَا شُرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامِهِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي الْخِدْمَةِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِلْمَنْفَعَةِ بِلَا عَقْدٍ لِتَعَيُّنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عَمَلٌ فِي ذِمَّتِهِ وَيُمْكِنُهُ الْإِيفَاءُ بِنَفْسِهِ وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَجِيءَ بِعِيَالِهِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَجَاءَ بِمَا بَقِيَ فَلَهُ أَجْرُهُ بِحِسَابِهِ) لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا كَانَ عِيَالُهُ مَعْلُومِينَ حَتَّى يَكُونَ الْأَجْرُ مُقَابَلًا بِجُمْلَتِهِمْ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَعْلُومِينَ يَجِبُ الْأَجْرُ كُلُّهُ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْفَضْلِيِّ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ فِي الْمِصْرِ لِيَحْمِلَ الْحِنْطَةَ مِنْ الْقَرْيَةِ فَذَهَبَ فَلَمْ يَجِدْ الْحِنْطَةَ فَعَادَ إنْ كَانَ قَالَ اسْتَأْجَرْتُ مِنْك مِنْ الْمِصْرِ حَتَّى أَحْمِلَ الْحِنْطَةَ مِنْ الْقَرْيَةِ يَجِبُ نِصْفُ الْأَجْرِ بِالذَّهَابِ وَإِنْ قَالَ اسْتَأْجَرْت مِنْك حَتَّى أَحْمِلَ مِنْ الْقَرْيَةِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةُ كَانَتْ بِشَرْطِ الْحَمْلِ لَا غَيْرُ وَفِي الْأُولَى كَانَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْئَيْنِ عَلَى الذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالْحَمْلِ مِنْهُ إلَى هَاهُنَا وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ فَاسْتَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ الْأَجْرُ بِحِصَّتِهِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِثْلَهُ فِي السَّفِينَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا أَجْرَ لِحَامِلِ الْكِتَابِ لِلْجَوَابِ وَلَا لِحَامِلِ الطَّعَامِ إنْ رَدَّهُ لِلْمَوْتِ) مَعْنَاهُ إنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَذْهَبَ بِطَعَامٍ إلَى فُلَانٍ بِمَكَّةَ مَثَلًا أَوْ لِيَذْهَبَ بِكِتَابِهِ إلَيْهِ وَيَجِيءَ بِجَوَابِهِ فَذَهَبَ فَوَجَدَ فُلَانًا مَيِّتًا فَرَدَّهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ الْأَجْرُ فِي الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ بِمُقَابَلَةِ حَمْلِ الطَّعَامِ إلَى مَكَّةَ وَقَدْ وَفَّى بِالْمَشْرُوطِ فَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ هُوَ بِرَدِّهِ جَانٍ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِهِ فِي الْأَجْرِ بِخِلَافِ نَقْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِيهِ لَا يُقَابِلُ الْحَمْلَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ لَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ الْأَجْرُ لِلذَّهَابِ فِي نَقْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ دُونَ حَمْلِ الْكِتَابِ لِخِفَّةِ مُؤْنَتِهِ بِخِلَافِ حَمْلِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِيهِ مُقَابَلٌ بِالْحَمْلِ دُونَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِ الطَّعَامِ مُؤْنَةً قُلْنَا الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالنَّقْلِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ وَضْعُ الطَّعَامِ هُنَاكَ وَعِلْمُ مَا فِي الْكِتَابِ فَإِذَا رَدَّهُ فَقَدْ نَقَضَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ كَمَا إذَا نَقَضَ الْخَيَّاطُ الْخِيَاطَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَلَوْ وَجَدَهُ غَائِبًا فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَ الْكِتَابَ هُنَاكَ لِيُوصَلَ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ فِي الذَّهَابِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَسُولًا لِيُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ إلَى فُلَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَثَلًا عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِنَفْسِك أَوْ بِيَدِك أَمَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فَهُوَ مُطْلَقٌ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعْتَادِ وَالْمُتَعَارَفِ فِيمَا لَمْ يُشْتَرَطْ وَالصُّنَّاعُ يَعْمَلُونَ فِي الْعَادَاتِ بِأَنْفُسِهِمْ وَبِأُجَرَائِهِمْ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ وَأَجِيرِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الْعَمَلِ فِي الذِّمَّةِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي فِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُوفِيَهُ بِاسْتِعَانَةِ غَيْرِهِ كَمَا فِي إيفَاءِ الدَّيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا أَجْرَ لِحَامِلِ الْكِتَابِ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْهَبَ بِكِتَابِهِ إلَى الْبَصْرَةِ إلَى فُلَانٍ وَيَجِيءَ بِجَوَابِهِ فَذَهَبَ فَوَجَدَ فُلَانًا قَدْ مَاتَ فَرَدَّ الْكِتَابَ قَالَ لَا أَجْرَ لَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ الْأَجْرُ فِي الذَّهَابِ. إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ فِي الْحَصْرِ وَالْمُخْتَلَفْ ذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْكِتَابَ ثَمَّةَ وَلَمْ يَرُدَّ إلَى الْمُرْسِلِ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الذَّهَابِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ إلَى الْبَصْرَةِ وَلَمْ يَحْمِلْ الْكِتَابَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَسُولًا لِيُبَلِّغَ الرِّسَالَةَ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ فَذَهَبَ وَلَمْ يَجِدْ فُلَانًا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ. إلَى هُنَا لَفْظُ قَاضِيخَانْ وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا انْتَقَضَ بَطَلَ الْأَجْرُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِإِيصَالِ الْكِتَابِ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَمْ مُقَابَلٌ بِحَمْلِ الْكِتَابِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ بِهِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّهُ مُقَابِلٌ بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ بِالْكِتَابِ لَا بِحَمْلِ الْكِتَابِ وَجَوَابِهِ إلَى الْكَاتِبِ؛ لِأَنَّ حَمْلَهُ يَسِيرٌ لَا يُقَابِلُ بِهِ الْبَدَلَ غَالِبًا لِخِفَّةِ مُؤْنَتِهِ، ثُمَّ قَطْعُ الْمَسَافَةِ وَقَعَ فِي الذَّهَابِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَوَجَبَ أَجْرُ الذَّهَابِ وَلَمْ يَقَعْ قَطْعُهَا فِي الْعَوْدِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَمْ يَجِبْ أَجْرُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ دُونَ الْبَعْضِ فَوَجَبَ الْأَجْرُ بِحِسَابِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى حَمْلِ طَعَامٍ إلَى الْبَصْرَةِ فَحَمَلَ بَعْضَهُ، وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى حَمْلِ كِتَابٍ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ هُوَ إيصَالُ الْكِتَابِ إلَيْهِ لَا حَمْلُهُ وَإِنَّمَا الْحَمْلُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ وَالْأَجْرُ يُقَابَلُ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَقْدِ دُونَ الْوَسِيلَةِ فَإِذَا رَدَّ الْكِتَابَ وَلَمْ يُوصِلْهُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَقَدْ أَبْطَلَ عَمَلَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَسْتَحِقُّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا فَخَاطَهُ، ثُمَّ فَتَّقَهُ لَا يَجِبُ لَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ عَمَلَهُ فَكَذَا هُنَا صَارَ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَمْلِ طَعَامٍ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ فَحَمَلَهُ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَى بَغْدَادَ فَلَا أَجْرَ لَهُ فَأَشْبَهَ مَا إذَا كَانَ الْمَكْتُوبُ لَهُ حَيًّا وَلَمْ يُوصِلْهُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ الْكِتَابَ ثَمَّةَ حَيْثُ يَجِبُ لَهُ أَجْرُ الذَّهَابِ وَمَا إذَا لَمْ يَنْقُضْ عَمَلَهُ بَلْ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ وَإِمْكَانِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا لِحَامِلِ الطَّعَامِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ أَيْ مَسْأَلَةُ حَمْلِ الطَّعَامِ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَسُولًا إلَخْ) قَالَ

[باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها]

بِبَغْدَادَ فَلَمْ يَجِدْ فُلَانًا وَعَادَ فَلَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي وُسْعِهِ، وَأَمَّا الْإِسْمَاعُ فَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يُقَابِلُهُ الْأَجْرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ إجَارَةُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ بِلَا بَيَانِ مَا يُعْمَلُ فِيهَا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا يُعْمَلُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ تَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَلِغَيْرِهَا، وَكَذَا الْحَوَانِيتُ تَصْلُحُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ مَا لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَعْمَلُ فِيهَا كَاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَالثِّيَابِ لِلُّبْسِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا السُّكْنَى، وَلِهَذَا تُسَمَّى مَسْكَنًا فَيَنْصَرِفُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ كَالْمَشْرُوطِ وَلِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ وَالْعَمَلِ فَجَازَ إجَارَتُهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْأَرْضِ وَالثِّيَابِ فَإِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ الْمَزْرُوعِ وَاللَّابِسِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ وَالْعَمَلِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا مَا شَاءَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ مَعَهُ أَوْ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ السُّكَّانِ لَا تَضُرُّ بِهَا بَلْ تَزِيدُ فِي عِمَارَتِهَا؛ لِأَنَّ خَرَابَ الْمَسْكَنِ بِتَرْكِ السَّكَنِ وَلَهُ أَنْ يَضَعَ فِيهَا مَا بَدَا لَهُ حَتَّى الْحَيَوَانَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ السُّكْنَى وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْعَمَلِ كَالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَكَسْرِ الْحَطَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ تَوَابِعِ السُّكْنَى وَبِهِ تَتِمُّ السُّكْنَى وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلَ الدَّوَابُّ فِي عُرْفِنَا؛ لِأَنَّ الْمَنَازِلَ بِبُخَارَى تَضِيقُ عَنْ سُكْنَى النَّاسِ فَكَيْفَ تَتَّسِعُ لِإِدْخَالِ الدَّوَابِّ، وَإِنَّمَا هَذَا الْجَوَابُ بِنَاءً عَلَى عُرْفِهِمْ فِي الْكُوفَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْكِنُ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا أَوْ طَحَّانًا) لِأَنَّ فِي نَصْبِ الرَّحَا وَاسْتِعْمَالِهَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ضَرَرًا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهَا تُوهِنُ الْبِنَاءَ فَيَتَقَيَّدُ الْعَقْدُ بِمَا وَرَاءَهَا دَلَالَةً وَالْمُرَادُ بِالرَّحَا رَحَا الْمَاءِ أَوْ رَحَا الثَّوْرِ، وَأَمَّا رَحَا الْيَدِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ النَّصْبِ فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ وَهُوَ مِنْ تَوَابِعِ السُّكْنَى عَادَةً فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا لَهُ تَكْسِيرُ الْحَطَبِ الْمُعْتَادِ لِلطَّبْخِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ وَإِنْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ بِحَيْثُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ الدَّارِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّقُّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ يَدُقَّ أَهْلُ كُلِّ دَارٍ ثِيَابَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَلَا يُوهِنُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْهُ الْبِنَاءَ فَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ أَوْ فِيهِ ضَرَرٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا وَكُلُّ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ جَارٍ لَهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَاسْتَحَقَّهُ بِهِ، وَلَوْ قَعَدَ الْحَدَّادُ وَانْهَدَمَ الْبِنَاءُ بِعَمَلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهَا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْأَجْرَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَإِنْ لَمْ يَنْهَدِمْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَمَلَ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الْعَقْدِ وَالْحَالُ فِيهِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ السُّكْنَى وَفِي الْحِدَادَةِ وَأَخَوَاتِهَا السُّكْنَى وَزِيَادَةٌ فَيَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَهُوَ نَظِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ فَذَهَبَ الرَّجُلُ فَلَمْ يَجِدْ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ أَوْ وَجَدَهُ لَكِنْ لَمْ يُبَلِّغْ الرِّسَالَةَ فَرَجَعَ فَلَهُ الْأَجْرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّسَالَةِ وَالْكِتَابِ أَنَّ الرِّسَالَةَ قَدْ تَكُونُ سِرًّا لَا يَرْضَى الْمُرْسِلُ بِأَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَمَّا الْكِتَابُ فَمَخْتُومٌ يَعْنِي لَوْ تَرَكَ الْكِتَابَ مَخْتُومًا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ لَا نُسَلَّمُ هَذَا الْفَصْلَ فَالرِّسَالَةِ وَالْكِتَابُ سَوَاءٌ فَأَمَّا فِي الطَّعَامِ إذَا رَجَعَ بِالطَّعَامِ وَهَلَكَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ. [بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا] (بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا) (قَوْلُهُ وَلِغَيْرِهَا) أَيْ كَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَكَسْرِ الْحَطَبِ) سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هَذَا الْجَوَابُ بِنَاءً عَلَى عُرْفِهِمْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ مَوْضِعٌ مُعَدٌّ لِرَبْطِ الدَّوَابِّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إفْسَادِ الدَّارِ إذْ رَبْطُ الدَّوَابَّ فِي مَوْضِعِ السُّكْنَى إفْسَادٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَسْكُنُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ الثَّلَاثِي الْمُجَرَّدِ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا انْتِصَابُ قَوْلِهِ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا أَوْ طَحَّانًا عَلَى الْحَالِ وَيُفْهَمُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ عَدَمُ إسْكَانِهِ غَيْرَهُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَيَجُوزُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَانْتِصَابِ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُفْهَمُ عَدَمُ سُكْنَاهُ بِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ وَفِي سُكْنَى نَفْسِهِ مُتَلَبِّسًا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ فَكَانَ فِي مَنْعِهِ عَنْ إسْكَانِهِ غَيْرُ إشَارَةٍ إلَى مَنْعِهِ عَنْ سُكْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْأَوَّلَ دَلَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْ السُّكْنَى بِنَفْسِهِ فَلَأَنْ لَا يُمَلِّكَهَا غَيْرُهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ بَيْتًا عَلَى أَنْ يُقْعِدَ فِيهِ قَصَّارًا فَأَرَادَ أَنْ يُقْعِدَ فِيهِ حَدَّادًا فَلَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ مَضَرَّتُهُمَا وَاحِدَةً أَوْ مَضَرَّةُ الْحَدَّادِ أَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ مِنْهُ ضَرَرٌ زَائِدٌ فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مَضَرَّةً لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الضَّرَرِ، وَكَذَلِكَ الرَّحَى، وَالْمُسْلِمُ وَالْحَرْبِيُّ وَالْمُسْتَأْمِنُ وَالْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ التَّاجِرُ وَالْمُكَاتَبُ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إقَامَةِ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَمْلِكُ إقَامَةَ مَصَالِحِ دُنْيَاهُ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تِجَارَةٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمْلِكُ التِّجَارَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ) وَفِي الذَّخِيرَةِ وَرَحَى الْيَدِ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ يُمْنَعُ عَنْهُ وَإِلَّا لَا هَكَذَا اخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْأَجْرَ لَا يَجْتَمِعَانِ) وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا فِعْلَهُ إتْلَافًا مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالْإِتْلَافُ لَا يُقَابَلُ بِالْأَجْرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ وَسُلِّمَتْ الدَّابَّةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ كَذَا هَذَا، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْإِجَارَةَ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ نَوْعًا مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ إنْ بَيَّنَ مَا يُزْرَعُ فِيهَا أَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ مَقْصُودَةٌ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِئْجَارِهَا لِلزِّرَاعَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا عَمَلًا غَيْرَ أَنَّ مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُتَفَاوِتٌ فَمِنْهُ مَا يُفْسِدُ الْأَرْضَ وَمِنْهُ مَا يُصْلِحُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا أَوْ يَقُولُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ كَيْ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَزْرَعُ فِيهَا وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا مَا شَاءَ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِلْجَهَالَةِ، وَلَوْ زَرَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَعُودُ صَحِيحَةً فِي الْقِيَاسِ كَمَا إذْ اشْتَرَى بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَيَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مَعْلُومًا بِالِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ وَالْفَسَادُ كَانَ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فِي وَقْتِ الزِّرَاعَةِ كَفَى وَصَارَ كَأَنَّ الْجَهَالَةَ لَمْ تَكُنْ فَعَادَتْ صَحِيحَةً، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا وَلَمْ يُبَيِّنْ اللَّابِسَ، ثُمَّ أَلْبَسَ شَخْصًا عَادَتْ صَحِيحَةً لِمَا ذَكَرْنَا وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ إلَّا بِهِمَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ دُونَ الِانْتِفَاعِ فِي الْحَالِ، وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ الْجَحْشِ وَالْأَرْضِ السَّبَخَةِ فَلَا يَدْخُلَانِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) أَيْ جَازَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ وَلِغَرْسِ الْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ تُقْصَدُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَادَةً فَتَصِحُّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّرَاعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَلَعَهُمَا وَسَلَّمَهَا فَارِغَةً) أَيْ إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَلَعَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَسَلَّمَ الْأَرْضَ إلَى الْمُؤَجِّرِ فَارِغَةً؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا إلَى صَاحِبِهَا غَيْرَ مَشْغُولَةٍ بِبِنَائِهِ وَغَرْسِهِ وَذَلِكَ بِقَلْعِهِمَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ لَهُمَا حَالَةٌ مُنْتَظَرَةٌ يَنْتَهِيَانِ إلَيْهَا وَفِي تَرْكِهِمَا عَلَى الدَّوَامِ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ يَتَضَرَّرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ فَيَتَعَيَّنُ الْقَلْعُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّرَاعَةِ فَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ حَيْثُ يُتْرَكُ الزَّرْعَ عَلَى حَالِهِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَأَمْكَنَ رِعَايَةُ الْجَانِبَيْنِ فِيهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُدَّةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ حَيْثُ يُتْرَكُ بِالْمُسَمَّى عَلَى حَالِهِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ وَإِنْ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ؛ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ نِهَايَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِذَا وَجَبَ تَرْكُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَانَ تَرْكُهُ بِالْمُسَمَّى وَإِبْقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ أَوْلَى إذْ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِ الْعَقْدِ وَإِعَادَتِهِ عَلَى مَا كَانَ بِخِلَافِ مَا إذَا غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَإِنْ كَانَ لَهُ نِهَايَةٌ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ وَقَعَ ظُلْمًا وَالظُّلْمُ يَجِبُ إعْدَامُهُ لَا تَقْرِيرُهُ وَالْمُسْتَعِيرُ كَالْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى إذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ يَبْقَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا وَرِعَايَةً لِحَقِّهِمَا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقْلَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ) أَيْ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ اسْتَأْجَرْتهَا لِلْحِدَادَةِ وَالْآجِرُ يَقُولُ لِلسُّكْنَى دُونَ الْحِدَادَةِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ إلَخْ) أَمَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ جَازَ الْعَقْدُ بِلَا بَيَانِ النَّوْعِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ كَانَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَإِذَا رَضِيَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي جَمِيعِهِ مَعْلُومَةٌ لَمَّا جَازَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَصَحَّ دَخَلَ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ بِالْأَرْضِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ فَيَدْخُلَانِ لِيَتَحَقَّقَ الِانْتِفَاعُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ أَوْ الْبَيْتَ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالشُّرْبُ إلَّا أَنْ يَقُولَ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ يَقُولُ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ هُوَ تَمْلِكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهَا، وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَحْشِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْأَرْضِ السَّبْخَةِ وَلَا يَجُوزُ إجَارَتُهُمَا لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْحُقُوقِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَانَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي بَلَدِنَا فَالشُّرْبُ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِجَارَةِ بِغَيْرِ شَرْطٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَمَوَّلُونَ بِالْمَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا إلَّا بِالشَّرْطِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَعْمَلُ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ مَا بَدَا لَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَرَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ) يَعْنِي نَوْعًا مِنْ الْأَنْوَاعِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَفِي الْقِيَاسِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى أَجْرَ الْمِثْلِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَلَا يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا) أَيْ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مَعْلُومًا بِالِاسْتِعْمَالِ لِمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْفَسَادُ كَانَ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ كَانَ الِارْتِفَاعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالِارْتِفَاعِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَيَعُودُ جَائِزًا، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُّبْسِ وَلَمْ يُعَيِّنْ اللَّابِسَ لَا يَجُوزُ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اللُّبْسِ فَإِنْ عَيَّنَ اللَّابِسَ بَعْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَجَامِعِ قَاضِيخَانْ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْلَعَ إلَخْ) وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَقِّ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ اتَّحَدَ الْجَوَابُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَهِيَ الْإِجَارَةُ وَالْعَارِيَّةَ وَالْغَصْبُ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَلْعُ وَالتَّسْلِيمُ فَارِغًا وَفِي الزَّرْعِ اخْتَلَفَ الْجَوَابُ، فَفِي الْغَصْبِ يَلْزَمُ الْقَلْعُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الزِّرَاعَةِ وَفِي الْإِجَارَةِ يُتْرَكُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ اسْتِحْسَانًا بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَفِي الْعَارِيَّةُ الْمُؤَقَّتَةِ وَغَيْرِ الْمُؤَقَّتَةِ لَا يَأْخُذُهَا صَاحِبُهَا إلَّا أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي الزِّرَاعَةِ بِجِهَةِ الْعَارِيَّةُ وَلِإِدْرَاكِ الزَّرْعِ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَيُتْرَكُ، قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ. الْكُلُّ مِنْ الْمَبْسُوطِ. اهـ. كَاكِيٌّ

فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ فَلَا تُؤَجَّرُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا فِي الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَبَيْنَ الزَّرْعِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَغْرَمَ لَهُ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا وَيَتَمَلَّكُهُ) يَعْنِي عِنْد مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ قَلْعُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ إلَّا أَنْ يَغْرَمَ لَهُ الْمُؤَجِّرُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَوْ قِيمَةَ الْغَرْسِ مَقْلُوعًا هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَإِذَا كَانَتْ أَرْضُهُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ تَضَرَّرَ بِهِ فَكَانَ لَهُ دَفْعُ هَذَا الضَّرَرِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيَنْفَرِدُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ إذْ الْكَلَامُ فِي مُسْتَحِقِّ الْقَلْعِ، وَالْقِيمَةُ تَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ وَأَرَادَ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ الْبِنَاءُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَعَدَمِ تَرَجُّحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِهِمَا فِي التَّرْكِ بِخِلَافِ الْقَلْعِ حَيْثُ يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ الْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْعَارِيَّةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِهِ وَيَكُونُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ لِهَذَا وَالْأَرْضُ لِهَذَا) لِأَنَّ الْحَقَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَإِذَا رَضِيَ بِاسْتِمْرَارِهِ عَلَى مَا كَانَ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرَّطْبَةُ كَالشَّجَرِ) لِأَنَّ الرَّطْبَةَ لَا نِهَايَةَ لَهَا كَالشَّجَرِ فَتُقْلَعُ عِنْدَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ كَمَا يُقْلَعُ الشَّجَرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالزَّرْعُ يُتْرَكُ بِأَجْرٍ لَا مِثْلٍ إلَى أَنْ يُدْرِكَ) أَيْ يُتْرَكُ الزَّرْعُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَنَظَائِرَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ آنِفًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالدَّابَّةُ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَالثَّوْبُ لِلُّبْسِ) يَعْنِي يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ لَهَا مَنَافِعَ مَعْلُومَةً وَيُعْتَادُ اسْتِئْجَارُهَا فَجَازَ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الْمَعْهُودَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَطْلَقَ أَرْكَبَ وَأَلْبَسَ مَنْ شَاءَ) أَيْ إنْ أَطْلَقَ لَهُ الرُّكُوبَ أَوْ اللُّبْسَ جَازَ أَنْ يُرْكِبَ الدَّابَّةَ وَيُلْبِسَ الثَّوْبَ وَالْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يُرْكِبَهَا مَنْ شَاءَ أَوْ يُلْبِسَ الثَّوْبَ مَنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الرَّاكِبِ وَاللَّابِسِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ أَوْ بِأَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الزِّرَاعَةِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخْتَلِفٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا لِأَنَّ الرُّكُوبَ وَالْحَمْلَ وَاللُّبْسَ يَخْتَلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَلِهَذَا لَوْ عَيَّنَّ لَهُ فِيهَا وَخَالَفَ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ الْعَيْنُ وَلَا أَجَرَ لَهُ كَمَا فِي الزِّرَاعَةِ وَذُكِرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْمُغْنِي وَذُكِرَ التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْكَافِي وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ وَلَمْ يَقُلْ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مَا يَشَاءُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِلْجَهَالَةِ فَلَوْ أَرْكَبَهَا أَوْ أَرْكَبَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَلْبَسَ أَوْ لَبِسَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُفْسِدَ وَهُوَ الْجَهَالَةُ الَّتِي تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ قَدْ زَالَ فَيَزُولُ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّا نَجْعَلُ التَّعْيِينَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالتَّعْيِينِ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا هَلَكَتْ الْعَيْنُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ سَوَاءٌ لَبِسَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَلْبَسَ غَيْرَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ لَهُ مَنْ يَلْبَسُ وَمَنْ يَرْكَبُ فَأَلْبَسَ أَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ حَيْثُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يُرْكِبَ أَوْ يُلْبِسَ مَنْ شَاءَ فَأَرْكَبَ غَيْرَهُ أَوْ رَكِبَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ أَوْ يُلْبِسَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَيَّدَ بِرَاكِبٍ وَلَابِسٍ فَخَالَفَ ضَمِنَ) لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَطْلَقَ أَرْكَبَ وَأَلْبَسَ مَنْ شَاءَ) اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ وَلَمْ يُسَمِّ مَنْ يَرْكَبُهَا لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا بِاللُّبْسِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ يَلْبَسُهُ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ قِدْرًا لِلطَّبْخِ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَطْبُخُ فِيهَا، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَزْرَعُ فِيهَا، وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ فَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ قَالَ الْقُدُورِيُّ هُنَا فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ قُلْت الْمُرَادُ مِنْ الْإِطْلَاقِ التَّعْمِيمُ فِي الْإِجَارَةِ بِدُونِ التَّقْيِيدِ بِرُكُوبِ شَخْصٍ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُكهَا عَلَى أَنْ تُرْكِبَ مَنْ شِئْت، وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ الرُّكُوبَ فَعَقْدُ الْإِجَارَةِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَصَارَ الرُّكُوبَانِ مِنْ شَخْصَيْنِ كَالْجِنْسَيْنِ فَيَكُونُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فَإِنْ قَالَ تُرْكِبُ مَنْ شِئْت صَحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ شَخْصًا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ صِحَّتِهِ لَمَّا لَحِقَ الْمَالِكُ الضَّرَرَ الَّذِي يَحْصُلُ فِي بَعْضِ الرُّكُوبِ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ صَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا فَجَازَ كَمَا فِي الْأَرْضِ إذَا قَالَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ، ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فِي إطْلَاقِ الرُّكُوبِ وَاسْتَعْمَلَهَا قَبْلَ الْفَسْخِ يَتَعَيَّنُ أَوَّلُ الرَّاكِبِ، وَكَذَا فِي الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِأَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ إلَخْ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ قَمِيصًا لِيَلْبَسَهُ إلَى اللَّيْلِ فَوَضَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ حَتَّى جَاءَ اللَّيْلُ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ كَامِلًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ مَكَّنَهُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الثَّوْبِ إلَيْهِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْبَسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْتَهَى بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَالْإِذْنُ فِي اللُّبْسِ كَانَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ. اهـ. بَدَائِعُ وَمِنْهَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعِ عَيْنِهِ فَرَكِبَهَا إلَى مَكَان آخَرَ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَقْرَبَ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا لِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ إلَى الْمَكَانِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ رَكِبَهَا إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَكِنْ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ يَنْظُرُ إنْ كَانَ النَّاسُ يَسْلُكُونَ ذَلِكَ الطَّرِيقَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا وَإِنْ كَانُوا لَا يَسْلُكُونَهُ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا غَاصِبًا بِسُلُوكِهِ وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ وَبَلَغَ الْمَوْضِعَ الْمَعْلُومَ، ثُمَّ رَجَعَ وَسَلَّمَ الدَّابَّةَ إلَى صَاحِبِهَا فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ) وَوُجُوبُ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَلَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ مَعَ فَسَادِ الْعَقْدِ اهـ

لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ فَيُعْتَبَرُ فَإِذَا خَالَفَ صَارَ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِثْلُهُ مَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ) أَيْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا كَانَ مُقَيَّدًا وَخَالَفَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ بَطَلَ تَقْيِيدُهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ سُكْنَى أَحَدٍ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ) يَعْنِي فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ كَالدُّورِ لِلسُّكْنَى لَا يُعْتَبَرُ تَقْيِيدُهُ حَتَّى إذَا شَرَطَ سُكْنَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فِي الدَّارِ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ لَا يُفِيدُ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ وَمَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ كَالْحِدَادَةِ وَنَحْوِهَا خَارِجٌ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ عَلَى مَا مَرَّ وَالْفُسْطَاطُ كَالدَّارِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لِلسُّكْنَى مِثْلُ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ كَاللُّبْسِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي نَصْبِهِ وَضَرْبِ أَوْتَادِهِ وَاخْتِيَارِ مَكَانِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَمَّى نَوْعًا وَقَدْرًا كَكُرِّ بُرٍّ لَهُ حَمْلُ مِثْلِهِ وَأَخَفَّ لَا أَضَرَّ كَالْمِلْحِ) يَعْنِي لَوْ سَمَّى نَوْعًا وَقَدْرًا يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِثْلَ كُرٍّ مِنْ بُرٍّ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا هُوَ مِثْلُهُ وَأَخَفُّ مِنْهُ فِي الضَّرَرِ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا هُوَ أَضَرَّ مِنْهُ كَالْمِلْحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِشَيْءٍ يَكُونُ رَاضِيًا بِكُلِّ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ دَلَالَةً دُونَ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ بِالْحَمْلِ عَلَيْهَا خِلَافَ الْجِنْسِ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْأَمْرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَوْ بَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّقْيِيدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ أَنْ لَوْ كَانَ مُفِيدًا وَلَا فَائِدَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَمَنْعِ كُرٍّ مِنْ شَعِيرٍ بَلْ الشَّعِيرُ أَخَفُّ مِنْهُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ حَتَّى لَوْ سَمَّى مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّعِيرِ مِثْلَ ذَلِكَ الْوَزْنِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا تَأْخُذُهُ الْحِنْطَةُ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ تِبْنًا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ، ثُمَّ قَالَ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا، وَقَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الشَّعِيرِ فِي حَقِّ الدَّابَّةِ عِنْدَ اسْتِوَائِهِمَا وَزْنًا أَخَفُّ مِنْ ضَرَرِ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا تَأْخُذُهُ الْحِنْطَةُ فَيَكُونُ أَخَفَّ عَلَيْهَا بِالِانْبِسَاطِ قَالَ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَلَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِ الْحِنْطَةِ حَدِيدًا أَوْ مِلْحًا أَوْ آجُرًّا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ مِنْ ظَهْرِهَا فَيَضُرُّهَا أَكْثَرَ، وَكَذَا إذَا حَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِ الْحِنْطَةِ قُطْنًا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَفِيهِ حَرَارَةٌ أَيْضًا فَكَانَ أَضَرَّ عَلَيْهَا مِنْ الْحِنْطَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَمَلَ عَلَيْهَا تِبْنًا أَوْ حَطَبًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّيْئَيْنِ مَتَى كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الرُّكُوبِ) أَيْ فِي الْعِلْمِ بِالرُّكُوبِ فَرُبَّ خَفِيفٍ يَكُونُ رُكُوبُهُ أَضَرَّ عَلَى الدَّابَّةِ لِجَهْلِهِ وَرُبَّ ثَقِيلٍ لَا يَضُرُّ رُكُوبُهُ بِالدَّابَّةِ لِعِلْمِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ) أَيْ إذَا عَطِبَ وَإِنْ سَلِمَ لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ أَيْضًا وَفِي الْحَانُوتِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْعِدَ فِيهِ الْقَصَّارَ وَالْحَدَّادَ وَالطَّحَّانَ وَلَوْ أَقْعَدَ صَارَ مُخَالِفًا وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إذَا عَطِبَ وَإِنْ سَلَّمَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَلِمَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يُوهِنُ الدَّارَ وَلَا يُشْبِهُ الدَّابَّةَ وَالثَّوْبَ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَإِنْ سَلِمَ تَجِبُ الْأُجْرَةُ أَيْ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ فِي الْوَرَقَةِ الْمَاضِيَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ كَاللُّبْسِ) فَلَوْ اسْتَأْجَرَ فُسْطَاطًا وَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ إجَارَةً أَوْ إعَارَةً فَنَصَبَهُ وَسَكَنَ فِيهِ فَهَلَكَ ضَمِنَهُ عِنْدَهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ) قَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ يَرْجِعُ قَوْلُهُ كَالشَّعِيرِ إلَى مِثْلِ الْحِنْطَةِ فِي الضَّرَرِ وَيَرْجِعُ قَوْلُهُ وَالسِّمْسِمِ إلَى قَوْلِهِ أَقَلَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ لَيْسَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ بَلْ أَخَفُّ مِنْهَا، وَلِهَذَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةَ رِطْلٍ مِنْ الشَّعِيرِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِائَةَ رِطْلٍ مِنْ الْحِنْطَةِ ضَمِنَ إذَا عَطِبَتْ فَلَوْ كَانَ مِثْلًا لَهَا لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ زَيْدٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ عَمْرٍو بِذَلِكَ الْكَيْلِ لَمْ يَضْمَنْ بَلْ قَوْلُهُ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ جَمِيعًا نَظِيرَ قَوْلِهِ أَقَلَّ، وَالْأَصْلُ هُنَا مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ مَنْفَعَةً مُتَعَدِّدَةً بِالْعَقْدِ فَاسْتَوْفَى تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ أَوْ مِثْلَهَا أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا جَازَ وَإِنْ اسْتَوْفَى أَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الْعُقُودِ يَجِبُ حُكْمُهُ إذَا كَانَ لَهُ فِيهِ فَائِدَةٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ فَائِدَةٌ سَقَطَ التَّعْيِينُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ حِنْطَةِ زَيْدٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا قَفِيرًا مِنْ حِنْطَةِ عَمْرٍو وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الصِّفَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ عَلَى الدَّابَّةِ وَاحِدٌ فَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا مَكِيلًا آخَرَ ثِقْلُهُ كَثِقْلِ الْحِنْطَةِ وَضَرَرُهُ كَضَرَرِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مِثْلَ مَا سَمَّاهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَ فِيهَا نَوْعًا سَمَّاهُ فَزَرَعَ غَيْرَهُ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الضَّرَرِ بِالْأَرْضِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ شَعِيرٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ أَقَلَّ لِخِفَّتِهِ فَقَدْ اسْتَوْفَى أَقَلَّ مِمَّا شَرَطَ وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَ فِيهَا نَوْعًا فَزَرَعَ نَوْعًا آخَرَ ضَرَرُهُ أَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ شَعِيرٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا قَفِيرًا مِنْ حِنْطَةٍ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا شَرَطَهُ وَاسْتِحْقَاقُ الْمَنْفَعَةِ اسْتِحْقَاقٌ لِمَا دُونَهَا وَلَيْسَ بِاسْتِحْقَاقٍ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا وَأَمَّا مَا تَخْتَلِفُ مَنْفَعَتُهُ لَا لِلثِّقَلِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةً مَنٍّ مِنْ قُطْنٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا أَوْ أَقَلَّ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ هَاهُنَا لَيْسَ لِلثِّقَلِ لَكِنْ لِلْجِنْسِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْقُطْنَ يَنْبَسِطُ عَلَى ظَهْرِهَا وَالْحَدِيدُ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا هُوَ فَرَكِبَهَا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الثِّقْلِ أَوْ أَخَفُّ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الرُّكُوبِ لَيْسَ هُوَ بِالثِّقْلِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْحِذْقِ فِي الرُّكُوبِ. أَلَا تَرَى أَنَّ ثَقِيلَ الْبَدَنِ الَّذِي يُحْسِنُ الرُّكُوبَ لَا يَضُرُّ بِالدَّابَّةِ وَالْخَفِيفَ الَّذِي لَا يُحْسِنُ الرُّكُوبَ يَضُرُّ بِهَا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَ أَضَرَّ إلَخْ) وَلَوْ خَالَفَ فِي الْقَدْرِ بِأَنْ قَالَ عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَخْتُومًا فَهَلَكَ يَضْمَنُ ثُلُثَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي مِقْدَارِ عَشَرَةِ مَخَاتِيمَ مُوَافِقٌ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ بِالْإِذْنِ وَفِيمَا زَادَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ فَيُعْتَبَرُ الْجُزْءُ بِالْكُلِّ وَيَتَوَزَّعُ الضَّمَانُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. دِرَايَةٌ

فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَرَرٌ فَوْقَ ضَرَرِ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْإِذْنِ فِي أَحَدِهِمَا الْإِذْنُ فِي الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَخَفَّ ضَرَرًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَطِبَتْ بِالْإِرْدَافِ ضَمِنَ النِّصْفَ) وَلَا مُعْتَبَرَ بِالثِّقَلِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ قَدْ يَعْقِرُهَا الرَّاكِبُ الْخَفِيفُ وَيَخِفُّ عَلَيْهَا رُكُوبُ الثَّقِيلِ لِعِلْمِهِ بِالْفُرُوسِيَّةِ وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ غَيْرُ مَوْزُونٍ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِالْوَزْنِ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْعَدَدِ كَالْجُنَاةِ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ بِحَيْثُ تُطِيقُ حَمْلَ الِاثْنَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُطِيقُ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الرَّدِيفُ يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ يَضْمَنُ بِقَدْرِ ثِقْلِهِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَقَوْلُهُ عَطِبَتْ بِالْإِرْدَافِ تَقْيِيدُهُ بِهِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا حَمَلَهُ الرَّاكِبُ عَلَى عَاتِقِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ ثِقْلَ الرَّاكِبِ مَعَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ يَجْتَمِعَانِ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَيَكُونُ أَشَقَّ عَلَى الدَّابَّةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ حَمْلَهُمَا، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَضْمَنُ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ مَا بَلَغَتْ مَقْصِدَهُ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ، ثُمَّ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّدِيفَ وَإِنْ شَاءَ الرَّاكِبَ فَالرَّاكِبُ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ وَالرَّدِيفُ يَرْجِعُ إنْ كَانَ مُسْتَأْجِرًا وَإِلَّا فَلَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى الْحِمْلِ الْمُسَمَّى مَا زَادَ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ عَطِبَتْ بِالْإِرْدَافِ ضَمِنَ النِّصْفَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَخَفَّ أَوْ أَثْقَلَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ كُلَّ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا بِنَفْسِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ كُلِّ الْقِيمَةِ وَهَا هُنَا وُجِدَ إرْكَابُ الْغَيْرِ مَعَ رُكُوبِ نَفْسِهِ فَرُكُوبُهُ بِنَفْسِهِ إنْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ زِيَادَةَ ضَمَانٍ عَلَى ضَمَانِ الْإِرْكَابِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوجِبَ نُقْصَانَ ضَمَانٍ مِنْهُ، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مَعَ الضَّمَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَهَا هُنَا يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الضَّمَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْأَجْرِ قُلْنَا إنَّمَا يَنْتَفِي الْأَجْرُ عِنْدَ وُجُودِ الضَّمَانِ إذَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ فِي مِلْكِهِ وَهَا هُنَا لَمْ يَمْلِكْ بِهَذَا الضَّمَانِ شَيْئًا مِمَّا شَغَلَهُ بِرُكُوبِ نَفْسِهِ وَجَمِيعُ الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مَا شَغَلَهُ غَيْرُهُ وَلَا أَجْرَ بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ لِيَسْقُطَ عَنْهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الضَّرَرَ فِي الدَّابَّةِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ ثِقْلِ الرَّاكِبِ وَخِفَّتِهِ فَلِهَذَا تَوَزَّعَ الضَّمَانُ نِصْفَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَمَّا سَأَلَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانُ نِصْفِ الْقِيمَةِ، وَقَدْ مَلَكَ نِصْفَ الدَّابَّةِ مِنْ حِينِ ضَمِنَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ نِصْفُ الْأَجْرِ، وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ يَجِبُ ضَمَانُ كُلِّ الْقِيمَةِ أَنَّهُ إذَا أَرْكَبَ غَيْرَهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ فِي الْكُلِّ، وَإِذَا رَكِبَهَا بِنَفْسِهِ فَهُوَ مُوَافِقٌ فِيمَا شَغَلَهُ بِنَفْسِهِ مُخَالِفٌ فِيمَا شَغَلَهُ بِغَيْرِهِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تَتْلَفُ بِالثِّقَلِ) بَلْ بِالْجَهْلِ بِالرُّكُوبِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْعَدَدِ) أَيْ عَدَدُ الرَّاكِبِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إلَّا أَنَّ رُكُوبَ أَحَدِهِمَا مَأْذُونٌ فِيهِ وَرُكُوبُ الْآخَرِ لَيْسَ بِمَأْذُونِ فِيهِ فَيَضْمَنُ النِّصْفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا حَمَلَ مَعَ نَفْسِهِ مَتَاعًا فَهَلَكَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ مِنْ الثِّقَلِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْأَمْتِعَةِ الثِّقَلُ فَيَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ مِنْ الثِّقَلِ وَلَيْسَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يُوزَنُ الرَّجُلُ وَالْمَحْمُولُ حَتَّى يُعْرَفَ قَدْرُ مَا زَادَ عَلَى رُكُوبِهِ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا تُعْرَفُ بِالْقَبَّانِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِي هَذَا الْبَابِ فَيُسْأَلُونَ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ بِأَيِّ قَدْرٍ يَزِيدُ عَلَى رُكُوبِهِ فِي الثِّقَلِ لَكِنْ هَذَا إذَا لَمْ يَرْكَبْ عَلَى الْحَمْلِ فَأَمَّا إذَا رَكِبَ عَلَى الْحِمْلَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ ثِقْلُ الْحَمْلِ وَالرَّاكِبِ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَيَصِيرُ أَدَقَّ لِلدَّابَّةِ اهـ (قَوْلُهُ كَالْجُنَاةِ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ) الْجُنَاةُ جَمْعُ الْجَانِي كَالْبُغَاةِ جَمْعُ الْبَاغِي وَالْقُضَاةُ جَمْعُ الْقَاضِي اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَيُعْتَبَرُ عَدَدُ الرَّاكِبِ وَلَا يُعْتَبَرُ الثِّقْلُ وَالْخِفَّةُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الْجِرَاحَةِ كَثْرَتُهَا وَقِلَّتُهَا بَلْ يُعْتَبَرُ عَدَدُ الْجُنَاةِ حَتَّى إذَا جَرَحَ أَحَدُهُمَا جِرَاحَةً وَاحِدَةً وَالْآخَرُ سَبْعَ جِرَاحَاتٍ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَنْصَافًا اهـ يَعْنِي إذَا جَرَحَ وَاحِدٌ إنْسَانًا جِرَاحَةً وَاحِدَةً خَطَأً وَالْآخَرُ جِرَاحَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ خَطَأً فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْ ذَلِكَ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا أَنْصَافًا فَكَذَلِكَ هُنَا يُعْتَبَرُ عَدَدُ مَنْ رَكِبَ لَا الثِّقَلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ إتْلَافَهَا اهـ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي) أَيْ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ اهـ (قَوْلُهُ إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ مَا بَلَغَتْ مَقْصِدَهُ) أَيْ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ وَجَبَ مُقَابَلًا بِالْمَنَافِعِ، وَقَدْ حَصَلَتْ مُسْتَوْفَاةً اهـ ق (قَوْلُهُ ثُمَّ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ إلَخْ) عَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ لِلذَّخِيرَةِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ مَا نَصُّهُ فِي التَّضْمِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَهَذَا إذَا أَرْدَفَهُ حَتَّى صَارَ الْأَجْنَبِيُّ كَالتَّابِعِ لَهُ فَأَمَّا إذَا أَقْعَدَهُ فِي السَّرْجِ صَارَ غَاصِبًا وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ يَدَهُ عَنْ الدَّابَّةِ وَأَوْقَعَهَا فِي يَدٍ مُتَعَدِّيَةٍ فَصَارَ ضَامِنًا وَالْأَجْرُ لَا يُجَامِعُ الضَّمَانَ إلَى هُنَا لَفْظُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَاءِ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ ق. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ الرَّاكِبُ) أَيْ وَهُوَ الْمُسْتَأْجِرُ اهـ (قَوْلُهُ وَالرَّدِيفُ يَرْجِعُ) أَيْ عَلَى الرَّاكِبِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ مُسْتَعِيرًا اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِالزِّيَادَةِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْكَافِي الَّذِي هُوَ مَبْسُوطُهُ فَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ حِنْطَةِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَتَفَاوَتُ فِي حَقِّ الْحَمْلِ وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشْرَ مَخْتُومًا مِنْ حِنْطَةٍ فَبَلَغَتْ الْمَكَانَ الَّذِي سَمَّاهُ، ثُمَّ عَطِبَتْ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ كَامِلًا وَعَلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ أَحَدَ عَشْرَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ بِقَدْرِ مَا زَادَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِ الْكُلِّ وَبَعْضُهُ مَأْذُونٌ وَبَعْضُهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فَيَسْقُطُ حِصَّةُ الْحَمْلِ الْمَأْذُونِ وَيَجِبُ حِصَّةُ الْبَاقِي وَلِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ

إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا شَيْئًا مُقَدَّرًا فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْهُ فَعَطِبَتْ يَضْمَنُ مَا زَادَ الثِّقْلُ؛ لِأَنَّهَا هَلَكَتْ بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ وَالسَّبَبُ الثِّقْلُ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا إلَّا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ لَا تُطِيقُ مِثْلَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قِيمَتِهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ فَيَكُونُ إهْلَاكًا أَوْجَبَ الضَّمَانَ هُنَا بِحِسَابِ الزِّيَادَةِ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ ذَلِكَ وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ الْمُسَمَّى أَوْجَبَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا لِطَحْنِ حِنْطَةٍ مُقَدَّرَةٍ فَزَادَ لَمْ يُوجِبْ بِحِسَابِ الزِّيَادَةِ بَلْ أَوْجَبَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ هَلَكَتْ بِغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فِيهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْقِيمَةِ وَفِيمَا إذَا زَادَ عَلَيْهَا مِنْ جِنْسِ الْمَأْذُونِ فِيهِ هَلَكَتْ بِالْمَجْمُوعِ فَتَسْقُطُ حِصَّةُ الْمَأْذُونِ وَيَجِبُ بِقَدْرِ مَا تَعَدَّى حَتَّى لَوْ حَمَّلَهَا الْمُسَمَّى وَحْدَهُ، ثُمَّ حَمَّلَهَا الزِّيَادَةَ وَحْدَهَا فَعَطِبَتْ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا هَلَكَتْ بِالزِّيَادَةِ وَحْدِهَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالضَّرْبِ وَالْكَبْحِ) أَيْ يَضْمَنُ بِهِمَا إذَا هَلَكَتْ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَضْمَنُ إذَا فَعَلَ فِعْلًا مُعْتَادًا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُطْلَقِ فَكَانَتْ هَالِكَةً بِالْمَأْذُونِ فِيهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ إذْ السَّوْقُ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ، وَإِنَّمَا يَضْرِبُ لِلْمُبَالَغَةِ فَصَارَ كَضَرْبِ الزَّوْجَةِ وَالْمُرُورِ عَلَى الطَّرِيقِ بِخِلَافِ ضَرْبِ الْقَاضِي الْحَدَّ أَوْ التَّعْزِيرَ أَوْ فَصْدِ الْفَصَّادِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ وَالتَّعْزِيرَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْفَصْدُ لِالْتِزَامِهِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالضَّمَانُ لَا يَجِبُ بِالْوَاجِبِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا ضَرَبَ الْعَبْدُ الْمُسْتَأْجَرَ حَيْثُ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْعُذْرُ لَهُمَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ وَيُنْهَى لِفَهْمِهِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الضَّرْبِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ ضَرْبُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ الصَّغِيرَ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ ضَرْبَ مِثْلِهِ لِلتَّأْدِيبِ حَتَّى تَجِبَ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ لِإِصْلَاحِ الصَّغِيرِ فَكَانَ مُعِينًا بِهِ إذْ مَنْفَعَتُهُ عَائِدَةٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَيْهِ فَصَارَ كَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ إيَّاهُ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّمَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الضَّرْبِ، وَإِنَّمَا يَسْتَفِيدُهُ مِنْهُ بِخِلَافِ الزَّوْجِ يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ لَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَصَارَ كَالرَّمْيِ إلَى الصَّيْدِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلَامَةُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْفَعَةَ الصَّغِيرِ كَالْوَاقِعِ لَهُ لِقِيَامِ الْبَعْضِيَّةِ بَيْنَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَتَهُ لَهُ جُعِلَتْ كَشَهَادَتِهِ لِنَفْسِهِ، وَوَضْعُ الزَّكَاةِ فِيهِ كَوَضْعِهِ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ بِإِذْنِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالضَّرْبِ صَحَّ مِنْ الْأَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ وِلَايَةِ ضَرْبِهِ تَأْدِيبًا وَإِذَا صَحَّ كَانَ الْمُعَلِّمُ مَعِينًا لِلْأَبِ إذْ لَا مَنْفَعَةَ لَلْمُعَلِّمِ فِيهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعِينِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَبِ أَيْضًا فِيمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَجْزَاءِ الثِّقَلِ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَصْلُحُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ صَارَ الْكُلُّ عِلَّةً وَاحِدَةً فَيَتَوَزَّعُ الضَّمَانُ عَلَى أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِانْفِرَادِهَا تَصْلُحُ عِلَّةً، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ صَاحِبَ الْعِلَّةِ وَصَاحِبَ الْعِلَلِ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ كَمَا لَوْ جَرَحَ أَحَدُهُمَا سَبْعَ جِرَاحَاتٍ وَجَرَحَ الْآخَرُ جِرَاحَةً وَاحِدَةً وَمَاتَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَنْصَافًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَلَيْهِ قِيمَتُهَا تَامًّا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى اسْتَكْرَى دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَجَعَلَ فِي الْجَوَالِقِ عِشْرِينَ مَخْتُومًا وَأَمَرَ الْمُكَارِيَ أَنْ يُحْمَلَ هُوَ عَلَيْهَا فَحُمِلَ هُوَ وَلَمْ يُشَارِكْهُ الْمُسْتَكْرِي فِي الْحَمْلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا هَلَكَتْ الدَّابَّةُ وَلَوْ حَمَلَاهُ جَمِيعًا يَعْنِي الْمُكَارِي وَالْمُسْتَكْرِي وَوَضَعَاهُ عَلَى الدَّابَّةِ يَضْمَنُ الْمُسْتَكْرِي رُبْعَ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ فِي الْجُوَالِقَيْنِ فَحَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُوَالِقًا وَوَضَعَاهُمَا عَلَى الدَّابَّةِ جَمِيعًا لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا وَيُجْعَلُ حِمْلُ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ، وَالثِّقَلُ بِكَسْرِ الثَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ خِلَافُ الْخِفَّةِ وَالثِّقْلُ بِكَسْرِ الثَّاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ الْحِمْلُ وَالثَّقَلُ بِفَتْحَتَيْنِ مَتَاعُ الْمُسَافِرِ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ الثَّقَلَانُ؛ لِأَنَّهُمَا قُطَّانُ الْأَرْضِ فَكَأَنَّهُمَا ثَقَّلَاهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَضْمَنُ إلَخْ) هَذَا إذَا حَمَلَ الْأَكْثَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَمَّا إذَا حَمَلَ الْمُسَمَّى، ثُمَّ حَمَلَ الزِّيَادَةَ فَهَلَكَتْ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الطَّحْنِ اهـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا أَيْ وَيُسْتَفَادُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهَا الْمُسَمَّى وَحْدَهُ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ مَا زَادَ الثِّقَلُ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَلَا أَجْرَ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا اُسْتُوْفِيَتْ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ مُقَدَّرَةٍ) أَيْ كَعَشَرَةِ مَخَاتِيمَ مَثَلًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَزَادَ) أَيْ بِأَنْ طَحَنَ أَحَدَ عَشَرَ مَخْتُومًا مَثَلًا. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ هَلَكَتْ إلَخْ) لِمَا أَنَّ الطَّحْنَ يَكُونُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَمَا طَحَنَ عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ انْتَهَى إذْنُ الْمَالِكِ فَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ فِي الطَّحْنِ مُخَالِفٌ فِي جَمِيعِ الدَّابَّةِ مُسْتَعْمِلٌ لَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا فَيَضْمَنُ جَمِيعَهَا أَمَّا الْحِمْلُ فَيَكُونُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَهُوَ فِي الْبَعْضِ مُسْتَعْمِلٌ بِالْإِذْنِ وَفِي الْبَعْضِ مُخَالِفٌ فَيَتَوَزَّعُ الضَّمَانُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْكَبْحِ) يُقَالُ كَبَحَهُ بِاللِّجَامِ إذَا رَدَّهُ بِهِ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ) أَيْ اسْتِحْسَانًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ مَا نَصُّهُ أَيْ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ. اهـ. كَاكِيٌّ، وَنَقَلَ فِي التَّتِمَّةِ عَنْ بَابِ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ مِنْ فَرَائِضِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ الْأَصَحُّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ إيَّاهُ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى مُعَلِّمٌ ضَرَبَ الصَّبِيَّ بِإِذْنِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ لَمْ يَضْمَنْ وَهُمَا لَوْ ضَرَبَا يَضْمَنَانِ فِي إجَارَةِ الْعُيُونِ وَفِي الْقُدُورِيِّ الْمُعَلِّمُ أَوْ الْأُسْتَاذُ إذَا ضَرَبَا الصَّبِيَّ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ ضَمِنَا وَلَوْ ضَرَبَا بِإِذْنِهِمَا لَا يَضْمَنَانِ وَالْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ إذَا ضَرَبَهُ لِلتَّأْدِيبِ فَمَاتَ ضَمِنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَيْضًا قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ إذَا ضَرَبَ ابْنَهُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَوْ الْأَدَبِ فَمَاتَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجِبُ الدِّيَةُ وَلَا يَرِثُهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا شَيْءَ وَيَرِثُهُ وَلَوْ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ عَلَى الْمَضْجَعِ فَمَاتَتْ يَضْمَنُ وَلَا يَرِثُهَا فِي قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ ضَرَبَهَا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ مَعَ الِابْنِ

ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ؛ لِأَنَّ مَا رَأَى مِنْ التَّأْدِيبِ لَمْ يَصِرْ مَنْقُولًا إلَيْهِ لَأَنْ يَصِحَّ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ وَالزَّائِدُ مِنْ الْمُعَلِّمِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ رَجَعَ شُهُودُ الزِّنَا بَعْدَ مَا جَرَحَتْهُ السِّيَاطُ لَا يَضْمَنُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ وَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ لَمْ يَجِبْ بِشَهَادَتِهِمْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَزْعِ السَّرْجِ وَالْإِيكَافِ أَوْ الْإِسْرَاجِ بِمَا لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ) مَعْنَاهُ لَوْ اكْتَرَى حِمَارًا بِسَرْجٍ فَنَزَعَ السَّرْجَ وَأَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ أَوْ أَوْكَفَهُ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْ مَا لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ وَلَا خِلَافَ فِي جِنْسِ السَّرْجِ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِالْإِسْرَاجِ وَالْإِكَافِ فَيَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ وَإِنْ أَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ تُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ قَدْ تَنَاوَلَهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ بِالْمُعَيَّنِ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا فِي الْوَزْنِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ بِحِسَابِهِ وَقَالَا الْإِكَافُ كَالسَّرْجِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ إذَا كَانَ بِمِثْلِهِ تُوكَفُ الْحُمُرُ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى السَّرْجِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ بِحِسَابِهِ كَمَا فِي السَّرْجِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ وَالسَّرْجُ سَوَاءٌ فَإِذَا رَضِيَ بِالسَّرْجِ يَكُونُ رَاضِيًا بِمِثْلِهِ مِنْ الْإِكَافِ، وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ الْإِكَافَ لِلْحِمْلِ وَالسَّرْجَ لِلرُّكُوبِ، وَكَذَا يَنْبَسِطُ أَحَدُهُمَا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ مَا لَا يَنْبِسَطُهُ الْآخَرُ فَصَارَ نَظِيرَ اخْتِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالْحَدِيدِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْإِجَارَاتِ فَقَالَ يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الْقِيمَةِ وَلَكِنَّهُ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ مَا يَضْمَنُ فَكَانَ الْمُطْلَقُ مَحْمُولًا عَلَى الْقَدْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْإِجَارَاتِ يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ وَفِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَتَكَلَّمُوا عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ بِحِسَابِهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْمَسَّاحَةِ حَتَّى إذَا كَانَ السَّرْجُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَدْرَ شِبْرَيْنِ وَالْإِكَافُ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْبَارٍ فَيَضْمَنُ بِحِسَابِهِ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُلُوكِ طَرِيقٍ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ وَتَفَاوَتَا) أَيْ يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا عَيَّنَ لِلْمُكَارِي طَرِيقًا وَسَلَكَ هُوَ غَيْرُهُ وَكَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بِأَنْ كَانَ الْمَسْلُوكُ أَوْعَرَ أَوْ أَبْعَدَ أَوْ أَخْوَفَ بِحَيْثُ لَا يُسْلَكُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا فَإِذَا خَالَفَ فَقَدْ تَعَدَّى فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إنْ هَلَكَ وَإِنْ لَمْ يَهْلَكْ وَبَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا لِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ وَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْأُجْرَةِ وَالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَالَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَامَةِ يَجِبُ الْأَجْرُ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّلَفِ يَجِبُ الضَّمَانُ، وَالْمَحْظُورُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَنَظِيرُهُ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ فَإِنْ تَلِفَ فِي الْعَمَلِ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الضَّمَانُ وَإِنْ سَلِمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَإِنْ كَانَ يَسْلُكُهُ النَّاسُ وَهَلَكَ الْمَتَاعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيمَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ عَدَمُ التَّفَاوُتِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الطَّرِيقِينَ تَفَاوُتٌ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّفَاوُتِ لَا يَصِحُّ التَّعْيِينُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَضْمَنُ لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ فَجَعَلَاهُ كَالطَّرِيقِ الَّذِي لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَمْلِهِ فِي الْبَحْرِ الْكُلَّ وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ) أَيْ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ بِحَمْلِهِ فِي الْبَحْرِ إنْ هَلَكَ الْقُمَاشُ وَإِنْ سَلِمَ فَلَهُ الْأَجْرُ، وَقَوْلُهُ الْكُلَّ عَائِدٌ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ كُلُّهَا مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ وَبِالضَّرْبِ وَالْكَبْحِ إلَى هُنَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي جَمِيعِهَا جَمِيعُ الْقِيمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي وَلَوْ تَكَارَى حِمَارًا عُرْيَانَا فَأَسْرَجَهُ وَرَكِبَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَوْ اكْتَرَى حِمَارًا عُرْيَانَا فَأَسْرَجَهُ، ثُمَّ رَكِبَهُ كَانَ ضَامِنًا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَهَذَا إذَا كَانَ حِمَارًا لَا يُسْرَجُ مِثْلُهُ عَادَةً، أَمَّا إذَا كَانَ يُسْرَجُ وَيُرْكَبُ بِالسَّرْجِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الرُّكُوبُ وَالسَّرْجُ آلَةٌ لَهُ فَلَا يَخْتَلِفُ بِوَضْعِ السَّرْجِ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، وَقَدْ فَصَّلَ أَصْحَابُنَا هَذَا وَقَالُوا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْكَبَ إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ لَا يُرْكَبُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ بِغَيْرِ سَرْجٍ وَلَا إكَافٍ فَلَمَّا آجَرَهُ كَذَلِكَ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَقَالُوا وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْكَبَهُ فِي الْمِصْرِ وَهُوَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ فَلَهُ أَنْ يُسْرِجَهُ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَرْكَبُ مِنْ غَيْرِ سَرْجٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَأَسْرَجَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يَرْكَبُ فِي الْبَلَدِ مِنْ غَيْرِ سَرْجٍ وَالسَّرْجُ أَثْقَلُ عَلَى الدَّابَّةِ، ثُمَّ إذَا ضَمِنَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ أَوْ بِقَدْرِ مَا زَادَ قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الضَّمَانَ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ صُورَةً وَمَعْنًى، أَمَّا صُورَةً فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا عُرْيَانَا، وَقَدْ رَكِبَ مَعَ السَّرْجِ، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الرُّكُوبَ عَلَى السَّرْجِ أَضَرُّ عَلَى الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ ثِقَلَ الرَّاكِبِ وَالسَّرْجِ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ ضَمَانُ قَدْرِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عُرْيَانَا فَأَسْرَجَهُ فَكَانَ السَّرْجُ كَالْحِمْلِ الزَّائِدِ عَلَى الرُّكُوبِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَرَكِبَ وَحَمَلَ مَعَهُ حِمْلًا يَضْمَنُ قَدْرَ الزِّيَادَةِ وَإِنْ عَطِبَتْ فَكَذَا هَذَا؛ لِأَنَّ السَّرْجَ صَارَ كَزِيَادَةِ الْحِمْلِ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ لِجَامٌ فَأَلْجَمَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يُلْجِمُ بِذَاتِ اللِّجَامِ، وَكَذَلِكَ إذَا بَدَّلَهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ لَا يَخْتَلِفُ بِاللِّجَامِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَتْلَفُ بِهِ فَلَمْ يَضْمَنُ بِإِلْجَامِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَا الْإِكَافُ كَالسَّرْجِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ إذَا كَانَ بِمِثْلِهِ تُوكَفُ الْحُمُرُ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا) كَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْعُيُونِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. حَقَائِقُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ) أَيْ حَتَّى إذَا كَانَ السَّرْجُ مَنَوَيْنِ وَالْإِكَافُ سِتَّةَ أَمْنَاءٍ يَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا اهـ حَقَائِقُ

[باب الإجارة الفاسدة]

وَإِنَّمَا ضَمِنَ فِيمَا إذَا حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ فَاحِشٌ، وَلِهَذَا لَيْسَ لِلْمُودِعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ سَلِمَ يَجِبُ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَارْتِفَاعِ الْخِلَافِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِزَرْعِ رُطَبَةٍ وَأَذِنَ بِالْبُرِّ مَا نَقَصَ) أَيْ إذَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ حِنْطَةً يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ نُقْصَانِ الْأَرْضِ بِزَرْعِ الرَّطْبَةِ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَةَ أَكْثَرُ ضَرَرًا بِالْأَرْضِ مِنْ الْحِنْطَةِ لِانْتِشَارِ عُرُوقِهَا فِيهَا وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى سَقْيِهَا فَكَانَ خِلَافًا إلَى شَرٍّ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ النُّقْصَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ أَوْ لِلْحَمْلِ فَأَرْدَفَ مَعَهُ غَيْرَهُ أَوْ زَادَ عَلَى الْمَحْمُولِ عَلَى قَدْرِ الْمُسَمَّى حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّمَانِ بِحِسَابِهِ؛ لِأَنَّهَا تَلْفِتُ بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا تَعَدَّى وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَشْرُوطَ وَزَادَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ الضَّمَانُ وَهُنَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا لِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ بِقَدْرِ زِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ، ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا حَدِيدًا أَوْ مِلْحًا مِثْلَ وَزْنِهِ يَضْمَنُ كُلَّ الْقِيمَةِ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ نَظِيرُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا أَجْرَ) أَيْ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ صَارَ غَاصِبًا وَاسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِالْغَصْبِ وَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِهِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالِاسْتِيفَاءِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مَأْذُونًا فِيهِ وَغَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَلِهَذَا لَا يَجْتَمِعُ الضَّمَانُ وَالْأُجْرَةُ وَإِنْ زَرَعَ فِيهَا مَا هُوَ أَقَلَّ ضَرَرًا مِنْ الْحِنْطَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ فَلَا يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِخِيَاطَةِ قَبَاءٍ وَأَمَرَ بِقَمِيصٍ قِيمَةَ ثَوْبِهِ وَلَهُ أَخْذُ الْقَبَاءِ وَدَفْعُ أَجْرِ مِثْلِهِ) مَعْنَاهُ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَخِيطَ لَهُ ثَوْبَهُ قَمِيصًا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ إذَا خَاطَهُ قَبَاءً وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقَبَاءَ وَدَفَعَ لَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ قِيلَ أَرَادَ بِالْقَبَاءِ الْقُرْطَقَ وَهُوَ الَّذِي يَلْبَسُهُ الْأَتْرَاكُ مَكَانَ الْقَمِيصِ وَهُوَ ذُو طَاقٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْقَمِيصُ إذَا قُدَّ مِنْ قُبُلٍ كَانَ قَبَاءَ طَاقٍ، وَقَبَاءُ طَاقٍ إذَا خِيطَ جَانِبَاهُ كَانَ قَمِيصًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْقُرْطَقِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَفِي غَيْرِهِ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَلْ يُضَمِّنُهُ الْقِيمَةَ حَتْمًا وَقِيلَ الْجَوَابُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ فِي الْكُلِّ وَإِطْلَاقُهُ يَدًا عَلَى ذَلِكَ وَجْهُهُ أَنَّ الْقَبَاءَ وَالْقَمِيصَ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَأَجْزَاؤُهُمَا وَاحِدٌ وَهِيَ الْكُمُّ وَالذَّيْلُ وَالدِّخْرِيصُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِرَبِّ الثَّوْبِ فِي الْكُلِّ بَلْ يُضَمِّنُهُ قِيمَةُ الثَّوْبِ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَبَاءَ جِنْسٌ آخَرُ غَيْرَ جِنْسِ الْقَمِيصِ فَصَارَ مُخَالِفًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَبَقِيَ غَاصِبًا مَحْضًا وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ قَمِيصٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ سَدُّهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ انْتِفَاعَ الْقَمِيصِ فَصَارَ مُوَافِقًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ مِنْ حَيْثُ التَّقْطِيعُ وَالْقَالَبُ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ فَإِنْ مَالَ إلَى الْخِلَافِ ضَمِنَهُ قِيمَتُهُ وَصَارَ الثَّوْبُ لِلْخَيَّاطِ وَإِنْ مَالَ إلَى الْوِفَاقِ يَأْخُذُ الْقَبَاءَ وَيُعْطِيهِ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ لَمْ يَرْضَ بِالْمُسَمَّى إلَّا مُقَابَلَا بِخِيَاطَةِ الْقَمِيصِ فَإِذَا خَالَفَ فَاتَ رِضَاهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى وَالْخَيَّاطُ لَمْ يَخِطْهُ مَجَّانًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ أَوْ شَبَهِهِ وَلَيْسَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى عَقْدٌ وَلَا شُبْهَةٌ فَلَا يَتَقَوَّمُ وَلَا يَجِبُ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا لَوْ خَاطَهُ قَمِيصًا مُخَالِفًا لِمَا وَصَفَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى، وَلَوْ خَاطَهُ سَرَاوِيلَ وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْقَبَاءِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْهَيْئَةِ وَقِيلَ يُخَيَّرُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِوُجُودِ الِاتِّحَادِ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ حَيْثُ السَّتْرُ وَدَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَلِوُجُودِ الْمُوَافَقَةِ فِي نَفْسِ الْخِيَاطَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ نُحَاسًا فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَضْرِبَ لَهُ شَبَهًا مِنْ الْأَوَانِي فَضَرَبَ لَهُ خِلَافَهُ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فَكَذَا هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا ضَمِنَ فِيمَا إذَا حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الشُّرُوطِ مِنْ مَبْسُوطِهِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِهِ بِنَفْسِهِ فَحَمَلَهُ عَلَى دَوَابِّهِ أَوْ عَبِيدِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِمْ وَذَهَبَ مَعَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَكَانَ لَهُ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَمْلُ الطَّعَامِ، وَقَدْ أَوْفَاهُ كَمَا الْتَزَمَ وَلَيْسَ هُوَ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّهُ مَا فَارَقَ الطَّعَامَ حِينَ ذَهَبَ مَعَهُ وَلَا أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطَ لَهُ طَرِيقًا فَحَمَلَهُ فِي طَرِيقٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَمْلُ الطَّعَامِ إلَى الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ فِي أَيِّ الطَّرِيقِينَ حَمَلَهُ وَإِنْ حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ ضَمِنَهُ إنْ غَرِقَ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَهُ لِلتَّلَفِ فَإِنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ رَاكِبِ الْبَحْرِ أَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ مَعَ مَا مَعَهُ وَإِنْ سَلِمَ فَلَهُ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا آمِنٌ وَالْآخَرُ مَخُوفٌ فَحَمَلَهُ فِي الطَّرِيقِ الْمَخُوفِ فَإِنْ تَلِفَ كَانَ ضَامِنًا وَإِنْ سَلِمَ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ اسْتِحْسَانًا فَكَذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْبَحْرَ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ الْمَخُوفِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُودِعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ فِي طَرِيقِ الْبَحْرِ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا فِي الطَّرِيقِ الْمَخُوفِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَنْ يَضْرِبَ لَهُ شَبَهًا) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الشَّبَهُ بِفَتْحَتَيْنِ مَا يُشْبِهُ الذَّهَبَ فِي لَوْنِهِ وَهُوَ نُحَاسٌ أَحْمَرُ يُضَافُ إلَيْهِ أَشْيَاءُ وَيُسْبَكُ مَعَهَا فَيَكْتَسِبُ لَوْنَ الذَّهَبِ وَالشَّبَهُ أَيْضًا وَالشَّبِيهُ مِثْلُ كَرِيمٍ وَالشَّبَهُ مِثْلُ حَمْلِ الْمُشَابِهِ. اهـ [بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

(بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ الشُّرُوطُ) لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ. أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقَالُ وَتُفْسَخُ فَتُفْسِدُهَا الشُّرُوطُ الَّتِي لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ كَالْبَيْعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بِالْعَقْدِ يَكُونُ لَهَا قِيمَةٌ وَتَصِيرُ بِهِ مَالًا فَتُعْتَبَرُ الْإِجَارَةُ بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ مَا سِوَاهَا مِنْ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَأَشْبَاهِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ كَانَ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ مَعْلُومًا وَبَعْضُهُ غَيْرَ مَعْلُومٍ مِثْلَ أَنْ يُسَمِّيَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ يَسْتَأْجِرَ الدَّارَ أَوْ الْحَمَّامَ عَلَى أُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يُعَمِّرَهَا أَوْ يُرَمِّمَهَا، وَقَالُوا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ سَكَنَهَا أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَقَوِّمَةً عِنْدَهُمَا فَتَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ الشُّرُوطُ) أَيْ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُوجَبِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَحَى مَاءٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ مَاؤُهُ فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ فَإِنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ أَنْ لَا يَجِبَ الْأَجْرُ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَكُلُّ شَرْطٍ مُخَالِفٍ لِمُوجَبِ الْعَقْدِ يُفْسِدُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بُنِيَتْ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ فَتَفْسُدُ بِالشَّرْطِ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ يَكُونُ سَبَبًا لِلْمُنَازَعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ لِمَا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ) أَيْ فَكُلُّ مَا أَفْسَدَ الْبَيْعَ أَفْسَدَهَا وَأَرَادَ بِالشُّرُوطِ شُرُوطًا لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ لَا كُلَّ شَرْطٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى بَغْدَادَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْأَجْرَ إذَا رَجَعَ مِنْ بَغْدَادَ صَحَّ، وَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَجْرِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَّا إذَا مَاتَ بِبَغْدَادَ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَجْرَ الذَّهَابِ. وَالشُّرُوطُ الَّتِي تُفْسِدُهَا كَاشْتِرَاطِ تَطْيِينِ الدَّارِ وَمَرَمَّتِهَا أَوْ تَعْلِيقِ بَابٍ عَلَيْهَا أَوْ إدْخَالِ جِذْعٍ فِي سَقْفِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَرْيِ نَهْرٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ ضَرْبِ مُسَنَّاةٍ عَلَيْهَا أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ فِيهَا أَوْ أَنْ يُسَرْقِنَهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ رَدِّ الْأَرْضِ مَكْرُوبَةً، كُلُّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْرِ وَأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَجَهَالَةُ بَعْضِ الْأَجْرِ تُوجِبُ جَهَالَةَ الْبَاقِي فَتَفْسُدُ بِهِ الْإِجَارَةُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ إذَا كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مَجْهُولًا فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي أَجْرِهِ أَوْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ فِي الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَكُلُّ جَهَالَةٍ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَتُفْسِدُهُ مِنْ جِهَةِ الْجَهَالَةِ فَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْإِجَارَةِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ حَذْفِ كَلَامٍ فِي الْبَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقَالُ) مِنْ الْإِقَالَةِ لَا مِنْ الْقَوْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ مِثْلَ أَنْ يُسَمِّيَ دَابَّةً) مِثَالٌ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يَسْتَأْجِرَ الدَّارَ) مِثَالٌ لِجَهَالَةِ بَعْضِ الْأُجْرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالُوا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَلَامِ عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي تُفْسِدُ الْإِجَارَةَ وَاَلَّتِي لَا تُفْسِدُ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ وَحْدَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِي السُّكْنَى فَسُكْنَى غَيْرِهِ لَا يَضُرُّ بِالدَّارِ وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي هَذَا الشَّرْطِ وَمِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُلْبَسَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ شَرْطًا يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُشْتَرِي فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَوَّلِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ مِمَّا لَا يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقَابِضُ وَحْدَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ سَكَنَهَا أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ) فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْإِجَارَةِ هُنَا لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ عَدَمُ السُّكْنَى لَا لِعَدَمِ تَسْمِيَةِ الْأُجْرَةِ وَكَلَامُ الْوَلْوَالِجِيِّ السَّابِقُ وَغَيْرِهِ يُفْصِحُ بِذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا نَصُّهُ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ يَنْزِلَهَا هُوَ وَأَهْلُهُ عَلَى أَنْ يَعْمُرَهَا وَيُعْطِيَ أَجْرَ حَارِسِهَا أَوْ نَوَائِبِهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا فِيمَا سَكَنَ بَالِغًا مَا بَلَغَ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّ ثَمَّةَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ الْمُسَمَّى مَعْلُومُ الْقَدْرِ فَأَمْكَنَنَا تَقْدِيرُ الْقِيمَةِ بِهَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْقِيمَةِ لِلْمَنَافِعِ ثَبَتَ بِالتَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ تَقْدِيرُهَا بِالتَّسْمِيَةِ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ، أَمَّا هَاهُنَا بَعْضُ الْمُسَمَّى مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْعِمَارَةِ وَإِلَى الْحَارِسِ وَلَمْ تَقَعْ نَائِبَةٌ لَا يَدْرِي أَيَّ قَدْرٍ يُعْطِيهِ فَكَانَ بَعْضُ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْقِيمَةِ لِجَمِيعِ الْمُسَمَّى فَتَجِبُ قِيمَتُهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا لَوْ كَانَ جَمِيعُ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا اهـ فَقَوْلُ الْوَلْوَالِجِيِّ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ إلَخْ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ بَالِغًا مَا بَلَغَ اهـ. (فَرْعٌ) وَفِي الْحَاصِلِ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ عِنْدَنَا وَأَحْمَدَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ كَالصَّحِيحِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَيْئًا ثُمَّ آجَرَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَقِيلَ يَجُوزُ فِي الْعَقَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ آجَرَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَيَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ الثَّانِيَةُ أَكْثَرَ لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ عِنْدَنَا وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَحْمَدَ، فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ يَطِيبُ لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَقُلْنَا هَذَا رِبْحٌ مَا لَمْ يَضْمَنْ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يُوجَدَ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ جِهَةِ الْآجِرِ، وَفِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ يَجِبُ الْأَجْرُ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُوجَدَ فِي الْمُدَّةِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَقْدُ وَتَمَامُهُ فِي مِنْ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ) أَيْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي الْكُلِّ) لَهُمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ فَتُعْتَبَرُ بِبَيْعِ الْأَعْيَانِ

تَعَذُّرِ إيجَابِ الْمُسَمَّى كَمَا فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ وَكَمَا إذَا كَانَ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْأَجْرِ أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْإِحْرَازِ وَمَا لَا بَقَاءَ لَهُ لَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ فَلَا يَتَقَوَّمُ وَإِنَّمَا تَقَوَّمَتْ بِالْعَقْدِ شَرْعًا لِلضَّرُورَةِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَإِذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَجَبَ أَنْ لَا تَجِبَ الْأُجْرَةُ لِعَدَمِ الْعَقْدِ وَالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْهَا كَافٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَاسِدِ مِنْهَا إلَّا أَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ كُلِّ عَقْدٍ مُلْحَقٌ بِصَحِيحِهِ لِكَوْنِهِ تَبَعًا لَهُ وَكَانَتْ الضَّرُورَةُ بَاقِيَةً مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَهْتَدِي إلَى الصَّحِيحِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إلْحَاقِهَا بِهِ فَيَكُونُ لَهَا قِيمَةٌ فِي قَدْرِ مَا وُجِدَ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَقْدِ وَهُوَ قَدْرُ الْمُسَمَّى فَيَجِبُ فِي الْمُسَمَّى بَالِغًا مَا بَلَغَ وَفِيمَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى لَمْ يُوجَدْ فِيهِ عَقْدٌ وَلَا شُبْهَتُهُ فَلَا يَتَقَوَّمُ وَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ بِنَفْسِهِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا نِهَايَةَ لِلْمَجْهُولِ وَلَا لِغَيْرِ الْمُسَمَّى فَيَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ آجَرَ دَارًا كُلُّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ فِي شَهْرٍ فَقَطْ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْكُلَّ) لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ إذَا دَخَلَتْ عَلَى مَجْهُولٍ وَأَفْرَادُهُ مَعْلُومَةٌ انْصَرَفَ إلَى الْوَاحِدِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا وَفَسَدَ الْبَاقِي لِلْجَهَالَةِ كَمَا إذَا بَاعَ صُبْرَةً مِنْ طَعَامٍ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَهُمَا وَافَقَاهُ فِي الشُّهُورِ وَأَجَازَا الْعَقْدَ فِي الْكُلِّ فِي الصُّبْرَةِ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الشُّهُورَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَلَا يُمْكِنُ رَفْعُ الْجَهَالَةِ فِيهَا وَالصُّبْرَةُ مُتَنَاهِيَةٌ فَتَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ بِالْكَيْلِ فَلِهَذَا أَجَازَاهُ فِي الْكُلِّ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ الْمُخَالِفَ لِلدَّلِيلِ لَا يُعْتَبَرُ ثُمَّ إذَا تَمَّ الشَّهْرُ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُ الْإِجَارَةِ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ حَاضِرًا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا إلَّا بِحَضْرَةِ الْآخَرِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ كَأَنَّهُ بُنِيَ عَلَى الْفَسْخِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ وَبِتَسْمِيَتِهِ جُمْلَةَ الشُّهُورِ تَصِيرُ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً فَتَصِحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ أَوَّلَهُ سَاعَةً) (صَحَّ فِيهِ) لِأَنَّهُ صَارَ مَعْلُومًا فَتَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ بِتَرَاضِيهِمَا فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا الِامْتِنَاعُ عَنْ الْمُضِيِّ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ وَيَوْمِهَا وَبِهِ يُفْتَى لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ السَّاعَةِ حَرَجًا عَظِيمًا وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْفَسْخُ فِي رَأْسِ الشُّهُورِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَيَوْمِهَا عُرْفًا أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَ فُلَانٍ رَأْسَ الشَّهْرِ فَقَضَاهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي يُهَلُّ فِيهَا الْهِلَالُ وَفِي يَوْمِهَا لَمْ يَحْنَثْ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ فَسَخَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ إذَا فَسَدَتْ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَكَذَا فِي بَيْعِ الْمَنَافِعِ وَهُوَ الْإِجَارَةُ إذَا فَسَدَ يُعْتَبَرُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِنَفْسِهَا) أَيْ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا بَقَاءَ لَهَا فَكَمَا تُوجَدُ تَتَلَاشَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَقَوَّمَتْ بِالْعَقْدِ شَرْعًا إلَخْ) وَإِذَا لَمْ تَتَقَوَّمْ فِي أَنْفُسِهَا وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا قُوِّمَ الْعَقْدُ بِهِ وَسَقَطَ مَا زَادَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِإِسْقَاطِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ تَبَعًا لَهُ) وَالتَّبَعُ يَثْبُتُ بِحَسَبِ ثُبُوتِ الْأَصْلِ وَهَذَا لِأَنَّ الْفَاسِدَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ لَمْ يُوجَدْ) أَيْ إذَا كَانَ الْمُسَمَّى أَقَلَّ يَجِبُ الْمُسَمَّى لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ فَقَدْ أَسْقَطَا الزِّيَادَةَ وَالْإِسْقَاطُ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِ التَّسْمِيَةِ لَكِنْ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِهَا لِرِضَاهُ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ وَعَدَمِ تَقَوُّمِ الْمَنَافِعِ فِي نَفْسِهَا فَلَمْ يَظْهَرْ التَّقَوُّمُ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا نَقَصَ أَجْرُ الْمِثْلِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ) أَيْ بَيْعًا فَاسِدًا. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ إلَخْ) هَكَذَا ذَكَرُوهُ فِي كُلِّ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِحُكْمِ سَنَةٍ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي نَفَقَاتِ الْخَانِيَّةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِشْهَادِ حَيْثُ قَالَ امْرَأَةٌ قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي أَبَدًا مَا كُنْت امْرَأَتَك إنْ لَمْ يَكُنْ فَرَضَ الْقَاضِي عَلَيْهِ النَّفَقَةَ كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بَاطِلَةً؛ لِأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي فَرَضَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ لِكُلِّ شَهْرٍ كَذَا فَقَالَتْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي أَبَدًا مَا كُنْت امْرَأَتَك صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ لَا غَيْرُ فَلَوْ أَبْرَأَتْهُ بَعْدَ مُضِيِّ أَشْهُرٍ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ عَمَّا مَضَى دُونَ مَا بَقِيَ كَمَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا أَوْ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا فَمَضَى بَعْضُ السَّنَةِ أَوْ بَعْضُ الشَّهْرِ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَعَنْ السَّنَةِ الْأُولَى. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ صَحَّ فِي شَهْرٍ فَقَطْ) أَيْ وَفَسَدَ فِي الْبَاقِي. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ) أَيْ جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَأَفْرَادُهُ مَعْلُومَةٌ) وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ صِفَةَ الْعَامَّةِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إجْرَاؤُهَا عَلَى الْعُمُومِ يُرَادُ بِهِ أَخَصُّ الْخُصُوصِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا) فَإِنْ قِيلَ كَمَا أَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ مَعْلُومٌ فَكَذَلِكَ الشَّهْرُ الثَّانِي مَعْلُومٌ فَلِمَ خَصَّصْتُمْ الْأَوَّلَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ؟ قُلْنَا إنَّمَا اُخْتُصَّ الْأَوَّلُ لِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْهُ وَحُصُولُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الشُّهُورِ حَتَّى إذَا سَكَنَ سَاعَةً مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ أَيْضًا وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ مِثْلُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَتَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ) فَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الدَّارِ حَلَفَ أَنْ يُؤَجِّرَهَا فَتَرَكَهَا فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ وَصَارَ يَتَقَاضَى الْأُجْرَةَ آخِرَ كُلِّ شَهْرٍ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ فَلَا يَكُونُ آجِرًا، وَلَوْ طَلَبَ أُجْرَةَ شَهْرٍ لَمْ يَسْكُنْهُ بَعْدُ يَحْنَثُ. اهـ. فَتَاوَى الطَّبَرِيِّ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ)؛ لِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي يُهَلُّ فِيهَا الْهِلَالُ فَإِذَا أُهِلَّ مَضَى رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْوَاقِعَاتِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْجَائِزَةِ بِعَلَامَةِ السِّينِ وَالصَّحِيحُ أَنْ يُفْسَخَ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَإِنَّ خِيَارَ الْفَسْخِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَأَوَّلُ الشَّهْرِ هَذَا.

يَنْفَسِخْ وَقِيلَ يَنْفَسِخُ بِهِ إذَا خَرَجَ الشَّهْرُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَوْقِيفُهُ إلَى وَقْتٍ يَمْلِكُ فِيهِ الْفَسْخَ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ مُحَمَّدٌ أَبُو نَصِيرِ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ، وَلَوْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَسَخْت رَأْسَ الشَّهْرِ يَنْفَسِخُ إذَا أَهَلَّ الشَّهْرُ بِلَا شُبْهَةٍ فَيَكُونُ فَسْخًا مُضَافًا إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ يَصِحُّ مُضَافًا فَكَذَا فَسْخُهُ، وَلَوْ قَدَّمَ أُجْرَةَ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ فَلَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ فِي قَدْرِ الْمُعَجَّلِ أُجْرَتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّقْدِيمِ زَالَتْ الْجَهَالَةُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ فَيَكُونُ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا سَنَةً صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ أُجْرَةَ كُلِّ شَهْرٍ) يَعْنِي بَعْدَ مَا سَمَّى الْأُجْرَةَ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً بِبَيَانِ الْمُدَّةِ وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةٌ فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَ قِسْطَ كُلِّ شَهْرٍ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ شَهْرًا وَلَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةَ كُلِّ يَوْمٍ فَإِذَا صَحَّ وَجَبَ أَنْ تُقَسَّمَ الْأُجْرَةُ عَلَى الْأَشْهُرِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَفَاوُتُ الْأَسْعَارِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ وَقْتُ الْعَقْدِ) يَعْنِي ابْتِدَاءَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي حُكْمِ الْإِجَارَةِ وَفِي مِثْلِهِ يَتَعَيَّنُ الزَّمَانُ الَّذِي يَلِي الْعَقْدَ كَالْأَجَلِ وَالْيَمِينِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا شَهْرًا أَوْ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَقِيبَهُ لِمُدَّتِهَا لَصَارَ مُنْكَرًا مَجْهُولًا وَبِهِ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَقْصِدَ الصَّحِيحَ فَتَعَيَّنَ عَقِيبَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ حَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ ابْتِدَاؤُهُ عَقِيبَ الْيَمِينِ وَلَا عَقِيبَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ فِي حَقِّهِ لَيْسَتْ بِسَوَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي اللَّيْلِ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِيهِ إلَّا بِالْعَزِيمَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَقِيبَ السَّبَبِ. هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ تَعَيَّنَ ذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَ حِينَ يُهَلُّ تُعْتَبَرُ الْأَهِلَّةُ وَإِلَّا فَالْأَيَّامُ) يَعْنِي إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ حِينَ يُهَلُّ الشَّهْرُ أَوْ كَانَ أَوَّلُهَا بِالتَّعْيِينِ كَذَلِكَ تُعْتَبَرُ شُهُورُ الْمُدَّةِ بِالْأَهِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ أَوَّلُهَا بَعْدَ مَا مَضَى شَيْءٌ مِنْ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْعَدَدِ وَهُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ ابْتِدَاؤُهَا فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ وَيُكَمَّلُ مِنْ الْأَخِيرِ وَيُعْتَبَرُ الْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْأَهِلَّةَ هِيَ الْأَصْلُ فِي الشُّهُورِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 189] وَالْأَيَّامُ بَدَلٌ عَنْ الْأَهِلَّةِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ الْهِلَالُ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَلَا يُصَارُ إلَى الْبَدَلِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَصْلِ وَلَا تَعَذُّرَ إلَّا فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الْأَخِيرِ فَيُكَمَّلُ، وَبَقِيَ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ وَلَهُ أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِالْهِلَالِ تَعَذَّرَ الْبَاقِي أَيْضًا بِالْأَهِلَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ يَجِبُ تَكْمِيلُهُ مِمَّا يَلِيهِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَجَمِيعُ الْأَشْهُرِ الَّتِي بَعْدَهُ قَبْلَ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُحَالٌ، فَإِذَا كَمُلَ مِنْ الثَّانِي انْتَقَصَ الْآخَرُ فَوَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الَّذِي يَلِيهِ، وَكَذَا كُلُّ شَهْرٍ إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ بِالْأَيَّامِ ضَرُورَةً وَنَظِيرُهُ الْعِدَّةُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الطَّلَاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَ الْحَمَّامَ فِي الْجُحْفَةِ» وَلِتَعَارُفِ النَّاسِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَرِهَ الْحَمَّامَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ قَالَ قَدِمْت عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَسَأَلَنِي عَنْ مَالِي فَأَخْبَرْته أَنَّ لِي غِلْمَانًا وَحَمَّامًا لَهُ غَلَّةٌ فَكَرِهَ لِي غَلَّةَ الْحَجَّامِينَ وَغَلَّةَ الْحَمَّامِ، وَقَالَ إنَّهُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَّ بَيْتٍ فَإِنَّهُ تُكْشَفُ فِيهِ الْعَوْرَاتُ وَتُصَبُّ فِيهِ الْغُسَالَاتُ وَالنَّجَاسَاتُ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ حَمَّامِ الرِّجَالِ وَحَمَّامِ النِّسَاءِ فَقَالُوا يُكْرَهُ اتِّخَاذُ حَمَّامِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ مَمْنُوعَاتٌ عَنْ الْخُرُوجِ، وَقَدْ أُمِرْنَ بِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ فَاجْتِمَاعُهُنَّ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ الْفِتَنِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ نِسَاءً دَخَلْنَ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ أَنْتُنَّ مِنْ اللَّاتِي يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ وَأَمَرَتْ بِإِخْرَاجِهِنَّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِبِنَاءِ الْحَمَّامَاتِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَحْتَجْنَ إلَيْهِ لِلِاغْتِسَالِ مِثْلَ الرِّجَالِ بَلْ حَاجَتُهُنَّ أَكْثَرُ لِكَثْرَةِ أَسْبَابِ الِاغْتِسَالِ فِي حَقِّهِنَّ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْجَنَابَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْبَارِدِ قَدْ يَضُرُّ، وَقَدْ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيعَابِ بِهِ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ مَقْصُودٌ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ وَكَرَاهَةُ عُثْمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ) أَيْ كَمَا إذَا آجَرَ دَارِهِ فِي رَمَضَانَ رَجُلًا وَهُمَا فِي رَجَبٍ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ غُرَّةِ رَمَضَانَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ كَانَ حِينَ يُهَلُّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ يُبْصَرُ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ بِقَوْلِهِ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ الشَّهْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ بَلْ هُوَ أَوَّلُ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَجُوزُ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ وَعَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ جَمِيعًا قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ هَلَّ الْهِلَالُ وَأُهِلَّ وَدَفَعَ الْأَصْمَعِيُّ هَلَّ وَقَالَ لَا يُقَالُ إلَّا أُهِلَّ وَأَهْلَلْنَا نَحْنُ إذَا رَأَيْنَا الْهِلَالَ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا) أَيْ فَالسَّنَةُ ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا اهـ وَلْيُعْلَمْ أَنِّي قَدْ كَتَبْت حَاشِيَةً نَافِعَةً مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْكَنْزِ فِي أَوَّلِ بَابِ الطَّلَاقِ وَفُرِّقَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ فَلْتُرَاجَعْ فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ الْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ) أَيْ فَيَكُونُ عِنْدَهُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ، وَالشَّهْرُ الْوَاحِدُ بِالْأَيَّامِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ) أَيْ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ يَدْفَعُونَ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ، وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْمَاءِ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ وَلَا مِقْدَارُ الْقُعُودِ فَدَلَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ لِوُرُودِهِ عَلَى إتْلَافِ الْعَيْنِ مَعَ الْجَهَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي إلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحَجَّامِ) أَيْ جَازَ أَخْذُ أَجْرِ الْحِجَامَةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احْتَجَمَ وَأَعْطَى أُجْرَتَهُ» وَلِأَنَّهُ جَرَى التَّعَارُفُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا فَانْعَقَدَ إجْمَاعًا عَمَلِيًّا، وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ لَا يَحِلُّ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ عَسْبِ التَّيْسِ وَكَسْبِ الْحَجَّامِ وَقَفِيزِ الطَّحَّانِ» قُلْنَا هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لَهُ رَجُلٌ إنَّ لِي عِيَالًا وَغُلَامًا حَجَّامًا أَفَأُطْعِمُ عِيَالِي مِنْ كَسْبِهِ قَالَ نَعَمْ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبُ التَّيْسِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ» وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِحْبَالُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ أَخْذُ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ الْمَاءِ وَهُوَ نَجَسٌ مَهِينٌ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْأَذَانِ وَالْحَجِّ وَالْإِمَامَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ فِي كُلِّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ وَكَوْنُهُ عِبَادَةً لَا يُنَافِي ذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَالْفِقْهِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ وَعَهِدَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَإِنْ اُتُّخِذْت مُؤَذِّنًا فَلَا تَأْخُذْ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا» وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ مَتَى وَقَعَتْ كَانَتْ لِلْعَامِلِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْرَ عَلَى عَمَلٍ وَقَعَ لَهُ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلِأَنَّ التَّعْلِيمَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُعَلِّمُ إلَّا بِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الْمُتَعَلِّمِ فَيَكُونُ مُلْتَزِمًا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَالْفِقْهِ فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْأَجِيرُ، وَكَذَا الْأَجْرُ يَكُونُ لِلْآمِرِ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ عَنْهُ نِيَابَةً، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْمَأْمُورِ فِيهِمَا بَلْ أَهْلِيَّةُ الْآمِرِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكَافِرَ فِيهِمَا وَلَا يَجُوزُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكَافِرَ عَلَيْهِ جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمَ وَمَا لَا فَلَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ وَقَالُوا بَنَى أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ الْجَوَابَ عَلَى مَا شَاهَدُوا مِنْ قِلَّةِ الْحُفَّاظِ وَرَغْبَةِ النَّاسِ فِيهِمْ وَكَانَ لَهُمْ عَطِيَّاتٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَافْتِقَادٌ مِنْ الْمُتَعَلِّمِينَ فِي مُجَازَاةِ الْإِحْسَانِ بِالْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ مُرُوءَةٍ يُعِينُونَهُمْ عَلَى مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ وَكَانُوا يُفْتُونَ بِوُجُوبِ التَّعْلِيمِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ الْقُرْآنِ وَتَحْرِيضًا عَلَى التَّعْلِيمِ حَتَّى يَنْهَضُوا لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ فَيَكْثُرَ حُفَّاظُ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَذَهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَاشْتَغَلَ الْحُفَّاظُ بِمَعَاشِهِمْ وَقَلَّ مَنْ يَعْلَمُ حِسْبَةً وَلَا يَتَفَرَّغُونَ لَهُ أَيْضًا فَإِنَّ حَاجَتَهُمْ تَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يُفْتَحْ لَهُمْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَجَّامِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْحَجَّامُ فَلِمَا رُوِيَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُسْنَدًا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْطَى الْحَجَّامَ»، وَلَوْ كَانَ فِيهِ كَرَاهِيَةٌ لَمْ يُعْطِهِ وَفِي رِوَايَةِ السُّنَنِ، وَلَوْ عَلِمَهُ خَبِيثًا لَمْ يُعْطِ، وَحَدَّثَ صَاحِبُ السُّنَنِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَالتِّجَارَةِ مُسْنِدًا إلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ «حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ» وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ مَعْلُومٌ أُبِيحَ اسْتِيفَاؤُهُ فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ فَإِنْ قُلْت حَدَّثَ صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ» فَمَا الْجَوَابُ عَنْهُ؟ قُلْت لَا شَكَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ فَلَوْ كَانَ خَبِيثًا لَمْ يُعْطِهِ الْأَجْرَ فَيُحْمَلُ حَدِيثُ الْخُبْثِ عَلَى الْكَرَاهَةِ طَبْعًا مِنْ حَيْثُ الْمَرْأَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُبْثِ وَالدَّنَاءَةِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ إنَّ رَاوِيَهُ لَيْسَ كَابْنِ عَبَّاسٍ فِي الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ وَالْفِقْهِ فَلَا يُعَارِضُ الْحَدِيثُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَيُعْمَلُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ دُونَهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبُ التَّيْسِ) الْمُرَادُ مِنْهُ اسْتِئْجَارُ التَّيْسِ لِيُنْزِيَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ النَّزْوُ إلَّا بِنَشَاطِ التَّيْسِ وَلَيْسَ فِي يَدِ الْعَبْدِ إحْدَاثُ النَّشَاطِ فَكَانَ اسْتِئْجَارًا عَلَى عَمَلٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ الْمُؤَجَّرُ اهـ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَفِيهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ. عَسْبُ الْفَحْلِ مَاؤُهُ فَرَسًا كَانَ أَوْ بَعِيرًا أَوْ غَيْرَهُمَا وَعَسْبُهُ أَيْضًا ضِرَابُهُ يُقَالُ عَسَبَ الْفَحْلُ النَّاقَةَ يَعْسِبُهَا عَسْبًا وَلَمْ يَنْهَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّهْيَ عَنْ الْكِرَاءِ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَيْهِ فَإِنْ إعَارَةَ الْفَحْلِ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَمِنْ حَقِّهَا إطْرَاقُ فَحْلِهَا وَوَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ كِرَاءِ عَسْبِ الْفَحْلِ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وَقِيلَ يُقَالُ لِكِرَاءِ الْفَحْلِ عَسْبٌ وَعَسَبَ فَحْلَهُ يَعْسِبُهُ أَيْ أَكْرَاهُ وَعَسَبْت الرَّجُلَ إذَا أَعْطَيْته كِرَاءَ ضِرَابِ فَحْلِهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِلْجَهَالَةِ الَّتِي فِيهِ وَلَا بُدَّ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ تَعْيِينِ الْعَمَلِ وَمَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُ فِي كُلِّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ) أَيْ حَتَّى لَوْ تَعَيَّنَ بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ أَوْ الْمُفْتِي وَاحِدًا لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ بِالْإِجْمَاعِ وَبِقَوْلِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْهُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو قِلَابَةَ وَنَصُّ أَحْمَدَ مِثْلُ قَوْلِنَا، وَبِقَوْلِنَا قَالَ عَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ وَالزُّهْرِيُّ وَالْحَسَنُ وَابْنِ سِيرِينَ وَطَاوُسٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَلَّ مَنْ يَعْلَمُ حِسْبَةً) وَذَكَرَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى: الِاسْتِئْجَارُ لِتَعْلِيمِ الْفِقْهِ لَا يَجُوزُ كَالِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي وَفِي الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْحِرَفِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ يَجُوزُ وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ لَا يَجُوزُ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّ مَشَايِخَ بَلْخٍ اخْتَارُوا قَوْلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْمُعَلِّمِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَنَحْنُ أَيْضًا نُفْتِي بِالْجَوَازِ. إلَى هُنَا لَفْظُ التَّتِمَّةِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيُعَلِّمَ غُلَامَهُ أَوْ وَلَدَهُ شِعْرًا أَوْ أَدَبًا أَوْ حِرْفَةً

الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِ ذَلِكَ لِذَلِكَ وَرَأَوْهُ حَسَنًا، وَقَالُوا الْأَحْكَامُ قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ. أَلَا تَرَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَخْرُجْنَ إلَى الْجَمَاعَاتِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى مَنَعَهُنَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَقُولُ يَجِبُ الْأَجْرُ وَيُحْبَسُ عَلَيْهَا، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُفْتَى بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ أَيْضًا فِي زَمَانِنَا ثُمَّ قَالَ وَفِي رَوْضَةِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ كَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ الْخَيْزَاخَزِيُّ يَقُولُ فِي زَمَانِنَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْمُعَلِّمِ أَخْذُ الْأَجْرِ قَالَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْمَلَاهِي) لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَحِقُّ هُوَ عَلَى الْأَجِيرِ شَيْئًا إذْ الْمُبَادَلَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِاسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ لِلْمَعْصِيَةِ لَكَانَ ذَلِكَ مُضَافًا إلَى الشَّارِعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرَعَ عَقْدًا مُوجِبًا لِلْمَعْصِيَةِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَلِأَنَّ الْأَجِيرَ وَالْمُسْتَأْجِرَ مُشْتَرَكَانِ فِي مَنْفَعَةِ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ وَاقِعَةً عَلَى عَمَلٍ هُوَ فِيهِ شَرِيكٌ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَقَبَضَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَفِي الْمُحِيطِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ يُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ الْمَالَ عَنْ طَوْعٍ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ رَجُلًا لِيَقْتُلَ لَهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْقَاضِي رَجُلًا لِيَقُومَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيُقِيمَ الْحُدُودَ جَازَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ جَازَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَسَدَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلَ الْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا فَالْكُلُّ سَوَاءٌ إنَّ بَيَّنَ الْمُدَّةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ شَهْرًا لِيُعَلِّمَهُ هَذَا الْعَمَلَ يَجُوزُ وَيَصِحُّ وَيَنْعَقِدُ الْعَقْدُ عَلَى الْمُدَّةِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ تَعَلَّمَ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّمْ إذَا سَلَّمَ الْأُسْتَاذُ نَفْسَهُ لِذَلِكَ، أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ فَيَنْعَقِدُ لَكِنْ فَاسِدًا حَتَّى لَوْ عَلَّمَ اسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا تَعْلِيمُ سَائِرِ الْأَعْمَالِ كَالْخَطِّ وَالْهِجَاءِ وَالْحِسَابِ عَلَى هَذَا، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُحَذِّقَهُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ التَّحْذِيقَ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُعَلِّمِ وَالْحَذَاقَةُ لِمَعْنًى فِي الْمُتَعَلِّمِ دُونَ الْمُعَلِّمِ وَلِأَنَّ الْحَذَاقَةَ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ تَنْتَهِي إلَيْهِ فَكَانَ مَجْهُولًا جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ عَبْدُ اللَّهِ الْخَيْزَاخَزِيُّ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ تَحْتِهَا وَفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْأَلِفِ وَفَتْحِ الْخَاء الثَّانِيَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ الثَّانِيَةِ نِسْبَةً إلَى قَرْيَةِ خَيْزَاخَزَ مِنْ قُرَى بُخَارَى. اهـ. جَوَاهِرُ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ وَشَيْءٍ مِنْ اللَّهْوِ وَلَا عَلَى الْحِدَاءِ وَقِرَاءَةِ الشِّعْرِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا أَجْرَ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَلَهْوٌ وَلَعِبٌ وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْمَعَاصِي وَاللَّعِبِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَقَدْ حَدَّثَ صَاحِبُ السُّنَنِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا سَلَامُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنْ شَيْخٍ شَهِدَ أَبَا وَائِلٍ فِي وَلِيمَةٍ فَجَعَلُوا يُغَنُّونَ فَحَلَّ أَبُو وَائِلٍ حَبْوَتَهُ وَقَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ» اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَلَاهِي) كَالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ وَغَيْرِهِمَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ يُكْرَهُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ، أَمَّا الِاسْتِئْجَارُ لِكَاتِبٍ يَكْتُبُ لَهُ غِنَاءً وَنَوْحًا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ وَلِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ الْخَمْرِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ كَالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ وَالطَّبْلُ إنَّمَا يَكُونُ مَنْهِيًّا إذَا كَانَ لِلَّهْوِ أَمَّا إذَا كَانَ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَطَبْلِ الْغُزَاةِ وَطَبْلِ الْعُرْسِ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ الْعُرْسِ دُفٌّ يُضْرَبُ بِهِ لِيُشْهَرَ ذَلِكَ وَيُعْلَنَ بِهِ النِّكَاحُ وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي كِتَابِ الْكَرَاهَةِ مِنْ فَتَاوَاهُ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَضْرِبَ لَهُ الطَّبْلَ إنْ كَانَ لِلَّهْوِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَإِنْ كَانَ لِلْغَزْوِ أَوْ الْقَافِلَةِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَسَدَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ) قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي جَامِعِهِ نَصَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا آجَرَ بَعْضَ مِلْكِهِ أَوْ آجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ فَاسِدٌ سَوَاءٌ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ. قُلْت صَحَّحَ فِي الْحَقَائِقِ أَنَّهُ فَاسِدٌ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضٍ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَهُوَ فِي نَظْمِ الْخِلَافِيَّاتِ وَقَالَ الْقَاضِي إجَارَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ فَاسِدَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِنْ آجَرَ مِنْ شَرِيكِهِ جَازَ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَوْ مِنْ ثَالِثٍ لَا يَجُوزُ فِي الْأَظْهَرِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَفِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ وَالْوَقْفِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى وَفِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ فِي الْحَقَائِقِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاعْتَمَدَهُ النَّسَفِيُّ وَبُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ الْمَحْبُوبِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلزَّيْلَعِيِّ وَفِي الْمُغْنِي إنَّ الْفَتْوَى الْيَوْمَ فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا. قُلْت شَاذٌّ مَجْهُولُ الْقَائِلِ فَلَا يُعَارِضُ مَا ذَكَرْنَا اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَفَسَدَ إلَخْ مَا نَصُّهُ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ إجَارَةَ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ وَلَمْ يُجَوِّزْ رَهْنَ الْمَشَاعِ وَلَا هِبَةَ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ. قُلْت إنَّهُمَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْقَبْضُ، وَالْإِشَاعَةُ تُؤَثِّرُ فِي الْقَبْضِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ صِحَّتَهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ بَيَانِ نَصِيبِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ نَصِيبَهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّحِيحِ لَهُمَا أَنَّ لِلْمَشَاعِ مَنْفَعَةً وَتَسْلِيمَهُ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ أَوْ بِالتَّهَايُؤِ، وَلِهَذَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عِنْدَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا آجَرَ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ رَجُلَيْنِ وَكَالشُّيُوعِ الطَّارِئِ بِأَنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ وَكَالْعَارِيَّةِ وَهِيَ أَقْرَبُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةُ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا إلَّا أَنَّهَا بِلَا عِوَضٍ فَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَمَا جَازَا عَارِيَّةً، فَإِذَا جَازَتْ إعَارَتُهُ فَأَوْلَى أَنْ تَجُوزَ إجَارَتُهُ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الشَّائِعِ فِي مَنْعِ التَّبَرُّعِ أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِهِ فِي مَنْعِ الْمُعَاوَضَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ هِبَةَ الشَّائِعِ لَا تَجُوزُ وَبَيْعُهُ يَجُوزُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِجَارَةِ الِانْتِفَاعُ وَالِانْتِفَاعُ بِالْمَشَاعِ لَا يُمْكِنُ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَسْلِيمُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الْمِلْكُ وَهُوَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَأَمْكَنَ فِيهِ فَيَجُوزُ وَالِانْتِفَاعُ حِسِّيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ بَيَانِ نَصِيبِهِ) الْمَذْكُورُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَدَائِعِ جَوَازُ إجَارَةِ النَّصِيبِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُسْتَأْجِرُ اهـ (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ لِلْمَشَاعِ مَنْفَعَةً) وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ جَوَازِهَا إقَامَةُ الْعَيْنِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فَصَارَتْ كَبَيْعِ الْعَيْنِ ثُمَّ بَيْعُ الْعَيْنِ يَصِحُّ فِي الشَّائِعِ وَغَيْرِهِ فَكَذَا بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ وَلِأَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي يُبْطِلُهَا الشُّيُوعُ يَسْتَوِي فِيهَا الشَّرِيكُ وَغَيْرُ الشَّرِيكِ كَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ حَتَّى لَوْ رَهَنَ الْمَشَاعَ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ غَيْرِ شَرِيكِهِ لَا يَجُوزُ فَهَا هُنَا لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ إجَارَةَ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ جَائِزَةٌ ثَبَتَ أَنَّ الشُّيُوعَ لَا يُبْطِلُ الْإِجَارَةَ فَوَجَبَ أَنْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ مَشَاعًا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الشَّرِيكِ وَكَمَا إذَا آجَرَ دَارِهِ مِنْ اثْنَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فُرُوعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَفِيمَا لَا يُقْسَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ شَرِيكًا فِي الْعَقَارِ فَيَسْتَأْجِرُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ أَوْ شُرَكَائِهِ كُلَّهُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رَجُلَيْنِ آجَرَا دَارًا لَهُمَا مِنْ رَجُلٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُؤَجِّرِينَ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِهِ، وَالْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ صَحِيحَةٌ عَلَى حَالِهَا وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ عَقَارٍ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَلَا مِنْ أَرْضٍ جَرِيبًا أَوْ جَرِيبَيْنِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إجَارَةُ الْمَشَاعِ مِنْ شَرِيكِهِ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ وَبَيْعُ الْمَشَاعِ يَجُوزُ مِنْ شَرِيكِهِ وَمِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَرَهْنُ الْمَشَاعِ مِنْ شَرِيكِهِ وَمِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ، وَهِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ جَائِزَةٌ وَفِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجُوزُ وَفَرْضُ الْمَشَاعِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا وَقْفُ الْمَشَاعِ فَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى الْوَقْفَ مَشَاعًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ الْوَقْفُ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقْفُ الْمَشَاعِ جَائِزٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَاطِلٌ، وَلَوْ آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَهَذَا لَا يَكُونُ مَشَاعًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ إذَا وَهَبَ دَارِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ الْعَقْدُ مَتَى حَصَلَ فِي غَيْرِ الْمَشَاعِ فَاعْتَرَضَ الشُّيُوعُ فِي الْبَعْضِ لَا يَبْطُلُ بِهِ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ لَمْ تُنْقَضْ الْإِجَارَةُ فِي حِصَّةِ الْحَيِّ، وَإِنْ بَقِيَتْ مَشَاعًا، وَكَذَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ ثُمَّ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ فِي حَقِّهِ وَبَقِيَ فِي الْحَيِّ كَمَا كَانَ جَائِزًا. إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَقَدْ صَرَّحَ أَنَّ إجَارَةَ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقُدُورِيَّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي اخْتِلَافِ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ الَّذِي رَوَاهُ مَا يُوجِبُ أَنْ لَا تَصِحَّ إجَارَةُ الْمَشَاعِ ثُمَّ قَالَ وَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ فَقَالَ وَأَمَّا إجَارَةُ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ فَقَدْ رَوَى زُفَرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ لَا يَجُوزُ مَعَ الشَّرِيكِ كَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ، وَقَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْقِسْمَةِ كَالدَّارِ وَغَيْرِهَا أَوْ غَيْرَ مُحْتَمِلٍ كَالدَّابَّةِ وَنَحْوِهَا وَقَالَ صَاحِبَاهُ وَالشَّافِعِيُّ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْمُسَمَّى عِنْدَ التَّسْلِيمِ وَالِانْتِفَاعُ عِنْدَهُ لَا يَجِبُ وَعِنْدَهُمْ يَجِبُ، وَهَلْ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؟ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا عَوَّلُوا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَالُوا إنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ يَجِبُ وَبَعْضُهُمْ عَوَّلُوا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَالُوا إنَّهَا فَاسِدَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْعَالِمِ فِي طَرِيقَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَقَرْضُ الْمَشَاعِ جَائِزُ الْإِجْمَاعِ مَرَّ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ قَرْضُ الْمَشَاعِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَشَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ آجَرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَكُلُّ عَقْدٍ لَا تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ فِيهِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَفْسُدُ كَإِجَارَةِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِجَارَةِ الْأَرْضِ السَّبْخَةِ الَّتِي لَا تُنْبِتُ لِلزِّرَاعَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّ الشَّائِعَ وَإِنْ كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِالتَّهَايُؤِ وَالتَّهَايُؤُ حُكْمٌ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى حُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِجَوَازِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ يَسْبِقُهُ أَوْ يَقْتَرِنُ بِهِ وَحُكْمُ الْعَقْدِ يَعْقُبُهُ فَلَا يَصِحُّ إجَارَةُ الْمَشَاعِ إذَنْ لِئَلَّا تَنْقَلِبَ الْحَقِيقَةُ وَلِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ وَهِيَ قِسْمَةُ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ عَقْدٌ فِي نَفْسِهِ فَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ وَذَلِكَ فَاسِدٌ فَتَفْسُدُ بِهِ الْإِجَارَةُ وَلِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِالنِّصْفِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ إلَّا بِالِانْتِفَاعِ بِالنِّصْفِ الَّذِي لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ فَصَارَ كَرَجُلٍ آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلٍ وَاشْتَرَطَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِدَارٍ أُخْرَى لِلْمُؤَاجِرِ فَذَاكَ فَاسِدٌ فَكَذَا هَذَا اهـ أَتْقَانِيٌّ.

فَلَا يُمْكِنُ بِمَشَاعٍ فَيَبْطُلُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْجَحْشِ دُونَ إجَارَتِهِ لِمَا قُلْنَا وَالتَّخْلِيَةُ اُعْتُبِرَتْ تَسْلِيمًا فِي مَحَلٍّ يُتَمَكَّنُ وَفِي الْمَشَاعِ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَا مِنْ الْقَبْضِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ تَسْلِيمًا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّهَايُؤِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ حُكْمًا لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْقِسْمَةِ بَعْدَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ يَعْقُبُهُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ يَسْبِقُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِثُبُوتِ كَوْنِهِ حُكْمًا فَفَسَدَ بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَهُ مِنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ لَا شُيُوعَ فِي حَقِّهِ إذْ الْكُلُّ فِي يَدِهِ غَيْرَ أَنَّ النِّصْفَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْحَاجَةِ. عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَتَنَاوَلُهَا الْعَقْدُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِغَيْرِهَا وَهُوَ مَنْفَعَةُ نَصِيبِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَحَدَ زَوْجَيْ الْمِقْرَاضِ لِقَرْضِ الثِّيَابِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أُضِيفَ إلَى الْكُلِّ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ وَإِنَّمَا الشُّيُوعُ يَظْهَرُ حُكْمًا لِتَفَرُّقِ الْمِلْكِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ طَارِئٌ، وَكَذَا إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي نَصِيبِ الْمَيِّتِ وَبَقِيَ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ شَائِعًا وَهُوَ طَارِئٌ فَلَا يَضُرُّ كَالشُّيُوعِ الطَّارِئِ فِي الْهِبَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الشُّيُوعَ إنَّمَا كَانَ مُفْسِدًا لِكَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ الْقَبْضِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَالْعَارِيَّةَ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ وَعِنْدَ التَّسْلِيمِ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِجَمِيعِهِ لِوُجُودِ إذْنِهِ فِي ذَلِكَ وَصَارَ كُلُّهُ عَارِيَّةً فَلَا شُيُوعَ وَالْحِيلَةُ فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكُلَّ ثُمَّ يَفْسَخَ فِي النِّصْفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يَفْسُدُ كَمَا فِي الْهِبَةِ أَوْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِجَوَازِهِ وَفِي الْمُغْنِي الْفَتْوَى فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا تَرِدُ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ وَهُوَ اللَّبَنُ فَصَارَ كَاسْتِئْجَارِ الْبَقَرَةِ أَوْ الشَّاةِ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا أَوْ الْبُسْتَانِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَقَدْ جَرَى التَّعَامُلُ بِهِ فِي الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ بَلْ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ حَضَانَةُ الصَّبِيِّ وَتَلْقِيمُهُ ثَدْيَهَا وَخِدْمَتُهُ وَتَرْبِيَتُهُ وَاللَّبَنُ تَابِعٌ وَإِنَّمَا لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إذَا أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ الشَّاةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِالْوَاجِبِ وَهُوَ الْإِرْضَاعُ وَتَلْقِيمُهُ ثَدْيَهَا وَالْعَيْنُ قَدْ تَدْخُلُ تَبَعًا لِلْمَنْفَعَةِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ لَهُ الثَّوْبَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَدْخُلُ الصَّبْغُ فِيهِ تَبَعًا وَالْعَقْدُ وَارِدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ فِعْلُ الصِّبَاغَةِ لَا عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِ الْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ عَقْدَ الْإِجَارَةِ وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ مَقْصُودًا فَافْتَرَقَا وَقِيلَ الْعَقْدُ يَرِدُ عَلَى اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ لِقِيَامِ مَصَالِحِ الصَّبِيِّ بِهِ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الثَّدْيِ وَمَنْفَعَةُ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ قَالَ اسْتِحْقَاقُ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَجَوَازُ بَيْعِ لَبَنِ الْأَنْعَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَلِهَذَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ الشَّاةِ فِي الْمُدَّةِ لَا تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْجَوَابَ عَمَّا إذَا أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ الْأَنْعَامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مَجْهُولَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِهِمَا لِلطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَلَهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْأَظْآرِ شَفَقَةً عَلَى الْأَوْلَادِ وَلَا يُشَاحِحُهَا بَلْ يُعْطِيهَا مَا طَلَبَتْ وَيُوَافِقُهَا عَلَى مُرَادِهَا، وَالْجَهَالَةُ إذَا لَمْ تُفِضْ إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةِ طَعَامٍ بِخِلَافِ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِجَرَيَانِ الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ فِيهَا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ شَرَطَتْ طَعَامَهَا وَكِسْوَتَهَا عِنْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَشَرَطَتْ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً عِنْدَ الْفِطَامِ وَلَمْ تُضِفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَازَ اسْتِحْسَانًا مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنْ سَمَّى الطَّعَامَ دَرَاهِمَ وَوَصَفَ جِنْسَ الْكِسْوَةِ وَأَجَلَهَا وَذَرْعَهَا جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ بُطْلَانَ الْعَقْدِ فِي الْجَمِيعِ يَعْنِي فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ وَالشُّيُوعِ الطَّارِئِ كَمَوْتِ أَحَدِ الْمُؤَجِّرَيْنِ أَوْ أَحَدِ الْمُسْتَأْجَرِينَ وَغَيْرِ الطَّارِئِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُفْسِدَ فِي الِابْتِدَاءِ وُجُوبُ الْمُهَايَأَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الثَّانِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ الْفَتْوَى فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا) بَلْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَفَسَدَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ فَلْتُرَاجَعْ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْعَقْدُ يَرِدُ عَلَى اللَّبَنِ) أَيْ وَالْخِدْمَةُ تَبَعُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ، وَإِنْ حَصَلَتْ الْخِدْمَةُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا) أَيْ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ لَهَا الْوَسَطُ مِنْهُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوَسَطُ إذَا لَمْ يُوصَفْ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ إذَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا وَجَبَ الْوَسَطُ مِنْهُ كَالْمَهْرِ وَالدِّيَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ الظِّئْرَ عَلَى طَعَامِهَا وَكَسَوْتهَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ جَازَ وَيَكُونُ لَهَا الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ الظِّئْرَ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا قَالَ جَائِزٌ أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَيَعْقُوبُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ سَمَّى الطَّعَامَ دَرَاهِمَ وَسَمَّى الْكِسْوَةَ فَوَصَفَ جِنْسَهَا وَضَرْبَهَا وَأَجَلَهَا وَذَرْعَهَا فَهُوَ جَائِزٌ. إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَنْ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ مَانِعَةٌ مِنْ الصِّحَّةِ كَمَا فِي سَائِرِ عُقُودِ الْإِجَارَاتِ وَالْمُعَاوَضَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ) أَيْ لَيْسَتْ بِمَانِعَةٍ لِذَاتِهَا بَلْ لِكَوْنِهَا مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْجَهَالَةِ غَايَةٌ

أَيْ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَالُوا مَعْنَى تَسْمِيَةِ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَدْفَعَ الطَّعَامَ مَكَانَهُ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنْ سَمَّى بَدَلَ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ حَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ لَكِنْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ أَعْطَى بَدَلَ الدَّرَاهِمِ طَعَامًا، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ سَمَّى بَدَلَ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ لَا غَيْرُ، وَلَوْ سَمَّى الطَّعَامَ وَبَيَّنَ قَدْرَهُ وَوَصْفَهُ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَأْجِيلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ الْمَوْصُوفَةَ فِي الذِّمَّةِ أَثْمَانٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا بَلْ يَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خِلَافًا لَهُمَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي السَّلَمِ وَفِي الْكِسْوَةِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْأَجَلِ أَيْضًا مَعَ بَيَانِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ إلَّا سَلَمًا فَيُشْتَرَطُ فِيهَا شَرَائِطُ السَّلَمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا) لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ إبْطَالِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الزَّوْجُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ يَشِينُهُ إجَارَتُهَا بِأَنْ كَانَ وَجِيهًا بَيْنَ النَّاسِ أَوْ لَمْ يَشِنْهُ فِي الْأَصَحِّ لِمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَأَنْ يَمْنَعَ الصَّبِيَّ الدُّخُولَ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَالسَّهَرَ بِاللَّيْلِ يُضْعِفُهَا وَيُذْهِبُ جَمَالَهَا فَكَانَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ، كَمَا يَمْنَعُهَا مِنْ الصِّيَامِ تَطَوُّعًا لَكِنْ إذَا ثَبَتَتْ الزَّوْجِيَّةُ بِإِقْرَارِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَنْكُوحَةُ الْمَجْهُولَةُ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ تَصِيرُ رَقِيقًا وَلَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ بُطْلَانِ النِّكَاحِ وَلَكِنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنْعُ زَوْجِهَا مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَرِضَتْ أَوْ حَبِلَتْ) (فَسَخَتْ) أَيْ إذَا حَبِلَتْ الْمُرْضِعَةُ أَوْ مَرِضَتْ تَفْسَخُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْحُبْلَى وَالْمَرِيضَةِ يَضُرُّ بِالصَّغِيرِ وَهِيَ يَضُرُّهَا أَيْضًا الرَّضَاعُ فَكَانَ لَهَا وَلَهُمْ الْخِيَارُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا وَعَنْ الصَّبِيِّ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ وَالْإِجَارَةُ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ، وَكَذَا لَوْ تَقَيَّأَ لَبَنَهَا لِأَهْلِهِ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ سَارِقَةً؛ لِأَنَّهُمْ يَخَافُونَ عَلَى مَتَاعِهِمْ وَعَلَى حُلِيِّ الصَّبِيِّ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ فَاجِرَةً بَائِنًا فُجُورُهَا؛ لِأَنَّهَا تَشْتَغِلُ عَنْهُ بِالْفُجُورِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً؛ لِأَنَّ كُفْرَهَا فِي اعْتِقَادِهَا وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِالصَّبِيِّ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ عَيْبُ الْفُجُورِ فِي هَذَا فَوْقَ عَيْبِ الْكُفْرِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ فِي نِسَاءِ بَعْضِ الرُّسُلِ كَامْرَأَتَيْ نُوحٍ وَلُوطٍ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَمَا بَلَغَتْ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ هَكَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَكَذَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَهَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ وَلِلظِّئْرِ أَيْضًا أَنْ تَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إذَا كَانَ يَحْصُلُ لَهَا الْأَذَى مِنْهُمْ، وَكَذَا إذَا لَمْ تَجْرِ لَهَا عَادَةٌ بِإِرْضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَا لَا تَعْرِفُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ مَا تُبْلَى بِهِ مِنْ الْمُقَاسَاةِ وَالسَّهَرِ، فَإِذَا جَرَّبَتْ ذَلِكَ وَعَرَفَتْ أَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِهِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ، وَكَذَا إذَا عَيَّرُوهَا بِهِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِهِ عَلَى مَا قِيلَ: تَجُوعُ الْحُرَّةِ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيِهَا، وَلَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ أَوْ الظِّئْرُ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَوْ مَاتَ أَبُو الصَّبِيِّ لَا تُنْتَقَضُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَاقِعَةٌ لِلصَّبِيِّ لَا لِلْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ تَجِبُ الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِهِ إذْ هِيَ كَالنَّفَقَةِ، وَلَوْ سَافَرَتْ الظِّئْرُ أَوْ أَهْلُ الصَّبِيِّ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ إلَّا إذَا خَرَجَ الْآخَرُ مَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ لِأَنَّ لَهُ حَمْلًا وَمُؤْنَةً اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَفِي الْكِسْوَةِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْأَجَلِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْكِسْوَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْأَجَلِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ ثَمَنًا بِكُلِّ حَالٍ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ رَضِيَ بِالْإِجَارَةِ فَأَرَادُوا مَنْعَهُ مِنْ غَشَيَانِهَا مَخَافَةَ الْحَبَلِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَرَرٌ مَوْهُومٌ وَالْمَنْعُ مِنْ الْوَطْءِ ضَرَرٌ مُحَقَّقٌ وَتَحَمُّلُ الضُّرِّ النَّاجِزِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مَوْهُومٍ أَمْرٌ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنْعُ زَوْجِهَا مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ) فَإِنْ لَقِيَهَا فِي مَنْزِلِهِ فَلَهُ غَشَيَانُهَا وَلَا يَسَعُ الظِّئْرَ أَنْ تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا وَلَا يَسَعُ أَهْلَ الصَّبِيِّ أَنْ يَمْنَعُوهَا مِنْ ذَلِكَ. اهـ. غَايَةٌ . (قَوْلُهُ إذَا حَبِلَتْ الْمُرْضِعَةُ أَوْ مَرِضَتْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَيْسَ لِلظِّئْرِ وَلَا لِلْمُسْتَرْضِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَلَهُمْ الْخِيَارُ) أَيْ لِأَهْلِ الصَّبِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ فَاجِرَةً) أَيْ زَانِيَةً اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَشْتَغِلُ عَنْهُ بِالْفُجُورِ) أَيْ عَنْ حِفْظِ الصَّبِيِّ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ عَيْبُ الْفُجُورِ إلَخْ) قَالَ فِي التَّيْسِيرِ وقَوْله تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ} [التحريم: 10] أَيْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْكَافِرِينَ تَنْبِيهًا أَنَّهُمْ لَا يَنْفَعُهُمْ الْوَصْلَةُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَفِيهِ نَوْعُ تَنْبِيهٍ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ وَصْلَتَهُنَّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُغْنِيهِنَّ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا إذَا عَصَيْنَ وَخَالَفْنَ الْأَمْرَ وقَوْله تَعَالَى {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ} [التحريم: 10] أَيْ فِي نِكَاحِ عَبْدَيْنِ صَالِحَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا اسْتَصْلَحْنَاهُمْ الِلنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ {فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم: 10] أَيْ فِي الدِّينِ أَيْ كَفَرَتَا وَلَمْ يُسْلِمَا وَلَمْ يَنْصَحَا لِلرَّسُولَيْنِ بِالْمُسَاعِدَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقِيلَ كَانَتَا مُنَافِقَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَخَانَتَاهُمَا بِالنِّفَاقِ وَلَمْ تَفْجُرْ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا لَمْ تَجْرِ لَهَا عَادَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَا يَسَعُ الظِّئْرَ أَنْ تُطْعِمَ أَحَدًا مِنْ طَعَامِهِمْ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهَا حَقُّ الْأَكْلِ دُونَ الْإِطْعَامِ فَإِنْ زَارَهَا أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهَا فَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ الْكَيْنُونَةِ عِنْدَهَا، وَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهَا مِنْ الزِّيَارَةِ إذَا كَانَتْ تَضُرُّ بِالصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهَا تُخِلُّ بِإِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ، وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ فَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهَا؛ لِأَنَّ صِلَةَ الْأَقَارِبِ وَاجِبَةٌ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا خَرَجَ الْآخَرُ مَعَهُ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْبِسُوا الظِّئْرَ فِي مَنْزِلِهِمْ إذَا لَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ عَلَيْهَا وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ إلَى مَنْزِلِهَا وَهِيَ مَأْمُونَةٌ عَلَيْهِ وَفِيمَا عَلَيْهِ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ كِسْوَةٍ إنْ سُرِقَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ تَضْمَنْهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَيْهَا إصْلَاحُ طَعَامِ الصَّبِيِّ)؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الصَّبِيِّ وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَهَذَا مِنْهُ عُرْفًا وَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَغَسْلُ ثِيَابِهِ مِنْهُ وَالطَّعَامُ وَالثِّيَابُ عَلَى الْوَالِدِ وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ الدُّهْنَ وَالرَّيْحَانَ عَلَى الظِّئْرِ فَهُوَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ) لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِالْعَمَلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا وَهُوَ الْإِرْضَاعُ، وَهَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ وَهُوَ غَيْرُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَأْجَرَ شَاةً لِتُرْضِعَ جَدْيًا أَوْ صَبِيًّا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لِلَبَنِ الْبَهَائِمِ قِيمَةً فَوَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ وَلَيْسَ لِلَبَنِ الْمَرْأَةِ قِيمَةٌ فَلَا تَقَعُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَقَعُ عَلَى فِعْلِ الْإِرْضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ وَالْحَضَانَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ دَفَعَ غَزْلًا لِيَنْسِجَهُ بِنِصْفِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ طَعَامَهُ بِقَفِيزٍ مِنْهُ أَوْ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ)؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ جَعَلَ الْأَجْرَ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَلَيْهَا إصْلَاحُ طَعَامِ الصَّبِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْكَرْخِيِّ فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَأْكُلُ الطَّعَامَ فَلَيْسَ عَلَى الظِّئْرِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ الطَّعَامَ وَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى أَهْلِهِ وَعَلَيْهَا أَنْ تُهَيِّئَهُ لَهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ ظِئْرًا تُرْضِعُ صَبِيًّا فِي بَيْتِهَا فَجَعَلَتْ تُوجِرُهُ بِلَبَنِ الْغَنَمِ وَتَغْذُوهُ بِكُلِّ مَا يُصْلِحُهُ حَتَّى اسْتَكْمَلَ الْحَوْلَيْنِ وَلَهَا لَبَنٌ لَمْ تُرْضِعْهُ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَوْ لَيْسَ لَهَا لَبَنٌ فَلَا أَجْرَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُرْضِعْهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِرْضَاعَ مَا يَقَعُ بِلَبَنِ الْآدَمِيِّ وَمَا وَرَاءَهُ يَكُونُ إطْعَامًا وَلَا يَكُونُ إرْضَاعًا فَلَمْ تَأْتِ بِالْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهَا فَلَا تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ، فَإِنْ جَحَدَتْ ذَلِكَ، وَقَالَتْ أَرْضَعْته فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَبْقَى إلَّا إذَا أُرْضِعَ بِلَبَنِ الْآدَمِيِّ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَيُؤْخَذُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى، وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ أُخِذَتْ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ اسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَتْ لَهُ ظِئْرًا، فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ كَانَ مِثْلَ هَذَا فِي الْقِيَاسِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَكُونَ لَهَا الْأَجْرُ. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إرْضَاعُهَا، وَقَدْ فُقِدَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِعْلُ الْإِرْضَاعِ فَإِذَا أَتَتْ بِهِ بِنَفْسِهَا أَوْ بِنَائِبِهَا تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ كَمَا فِي الْخِيَاطَةِ وَأَشْبَاهِهَا وَتَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ زِيَادَةً لَا عَلَى عَمَلٍ مِنْهَا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَقَعُ عَلَى فِعْلِ الْإِرْضَاعِ إلَخْ) قَالَ شَيْخِي صَاحِبُ النِّهَايَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ غَيْرَ مُسَلَّمٍ عَنْ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ، فَإِنْ قِيلَ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ ضَاعَ الصَّبِيُّ فِي يَدِهَا أَوْ وَقَعَ فَمَاتَ أَوْ سُرِقَ مِنْ حُلِيِّ الصَّغِيرِ أَوْ مِنْ مَتَاعِهِ أَوْ ثِيَابِهِ فِي يَدِهَا لَمْ تَضْمَنْ الظِّئْرُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ لِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِهَا فِي الْمُدَّةِ بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُضَمِّنُهُ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ آجَرَتْ الظِّئْرُ نَفْسَهَا مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ تُرْضِعُ صَبِيًّا لَهُمْ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أَهْلُهَا الْأَوَّلُونَ حَتَّى يَفْسَخُوهَا فَأَرْضَعَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفَرَغَتْ فَقَدْ أَثِمَتْ وَهَذِهِ جِنَايَةٌ مِنْهَا وَلَهَا الْأَجْرُ كَامِلًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ الْأَجْرُ كَامِلًا، وَلَوْ وَجَبَ الْأَجْرُ كَامِلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَأْثَمَ قُلْنَا الْوَجْهُ أَنَّ أَجِيرَ الْوَحَدِ فِي الرَّضَاعِ يُشْبِهُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُمْكِنُهُ إيفَاءُ الْعَمَلِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْخَيَّاطِ ثُمَّ لَوْ كَانَتْ أَجِيرَ وَحَدٍ حَقِيقَةً لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ كَامِلًا فَلِشَبَهِهَا بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ كَامِلًا وَلِشَبَهِهَا بِأَجِيرِ الْوَحَدِ تَأْثَمُ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخِي صَاحِبُ النِّهَايَةِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الظِّئْرُ إذَا اُسْتُؤْجِرَتْ لِلرَّضَاعِ هَلْ هِيَ أَجِيرٌ وَحَدٌ أَوْ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ؟ تَكَلَّمَ الْمَشَايِخُ فِيهَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي الَّذِي هُوَ مَبْسُوطُهُ وَالْمَسَائِلُ مُتَعَارِضَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ بَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي مَعْنَى أَجِيرِ الْوَحَدِ وَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ دُفِعَ الْوَلَدُ إلَيْهَا لِتُرْضِعَهُ فَهِيَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ، وَإِنْ حَمَلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ فَهِيَ أَجِيرٌ وَحَدٌ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالظِّئْرُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ الْأَوَّلِينَ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ دَفَعَ) بِلَا ضَمِيرٍ كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ، وَلَوْ دَفَعَهُ بِالضَّمِيرِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ دَفَعَ غَزْلًا إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ غَزْلًا إلَى حَائِكٍ يَحُوكُهُ ثَوْبًا عَلَى النِّصْفِ قَالَ هَذَا بَاطِلٌ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلٍ وَالثَّوْبُ لِصَاحِبِ الْغَزْلِ. إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ حِمَارًا أَوْ رَجُلًا يَحْمِلُ طَعَامًا بِقَفِيزٍ مِنْهُ مَحْمُولًا، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ طَحَّانًا يَطْحَنُ طَعَامًا بِقَفِيزِ دَقِيقٍ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَكَانَ مَشَايِخُ بَلْخٍ يُجِيزُونَ ذَلِكَ مِثْلَ نَصِيرِ بْنِ يَحْيَى وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى رَجُلٌ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَنْسِجَ لَهُ ثَوْبًا وَبَيَّنَ صِفَتَهُ عَلَى أَنَّ ثُلُثَهُ أَوْ رُبْعَهُ لِلْحَائِكِ أَجْرًا لِعَمَلِهِ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْتِي بِجَوَازِهِ بِنَسَفَ بِحُكْمِ الْعُرْفِ قَالَ وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْخُلَاصَةِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحَرْثِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ إبْرَاهِيمُ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَالْحَكَمُ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الثَّوْبَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَنَحْوِهِ، أَمَّا فَسَادُ الْإِجَارَةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَلِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَ الْأَجْرَ شَيْئًا مَعْدُومًا وَمَا هُوَ بَعْضُ الثَّوْبِ وَبَعْضُ الطَّعَامِ الْمَحْمُولِ وَالْأَجْرُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا فَكَانَ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَدْفَعَ حِنْطَةً إلَى طَحَّانٍ يَطْحَنُهَا بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقٍ هَذِهِ الْحِنْطَةُ، وَقَدْ رَوَيْنَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ عَنْ كِتَابِ الْآثَارِ مُسْنَدًا إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «مَرَّ بِحَائِطٍ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ لِمَنْ هَذَا فَقَالَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَأْجَرْته فَقَالَ لَا تَسْتَأْجِرْهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ». وَالثَّانِي أَنَّ الْعَمَلَ لِحُكْمِ هَذِهِ الْإِجَارَةِ إنْ صَادَفَتْ مَحَلًّا غَيْرَ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الِابْتِدَاءِ فَفِي

وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ لَهُ حِنْطَةً بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا يُعْرَفُ بِهِ فَسَادُ جِنْسِهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْأَجْرِ لِأَنَّهُ بَعْضُ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ بِغَيْرِهِ فَلَا يُعَدُّ قَادِرًا فَفَسَدَ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَجْرَ شَيْئًا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِعَمَلِ الْأَجِيرِ الْعَمَلَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَتَكُونُ الْقُدْرَةُ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الْعَقْدِ قَائِمَةً بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَتَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْعَقْدِ وَالشَّرْطُ لَا يَصْلُحُ حُكْمًا فَكَذَا لَا يَصْلُحُ قَائِمًا بِهِ، فَإِذَا نَسَجَ أَوْ حَمَلَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ نِصْفَ هَذَا الطَّعَامِ بِنِصْفِهِ الْآخَرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ لِأَنَّ الْأَجِيرَ فِيهِ مَلَكَ النِّصْفَ فِي الْحَالِّ بِالتَّعْجِيلِ فَصَارَ الطَّعَامُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِّ وَمَنْ حَمَلَ طَعَامًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا لِشَرِيكِهِ إلَّا وَيَقَعُ بَعْضُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ هَكَذَا قَالُوا، وَفِيهِ إشْكَالَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ وَالْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِالصَّحِيحَةِ مِنْهَا بِالْعَقْدِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فَكَيْفَ مَلَكَهُ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ وَمِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّعْجِيلِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ مَلَكَهُ فِي الْحَالِّ قَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ يُنَافِي فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إذَا مَلَكَهُ إلَّا بِطَرِيقِ الْأُجْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ وَبِأَيِّ سَبَبٍ يَمْلِكُهُ وَكَانَ مَشَايِخُ بَلْخٍ وَالنَّسَفِيُّ يُجِيزُونَ حَمْلَ الطَّعَامِ بِبَعْضِ الْمَحْمُولِ وَنَسْجَ الثَّوْبِ بِبَعْضِ الْمَنْسُوجِ لِتَعَامُلِ أَهْلِ بِلَادِهِمْ بِذَلِكَ، وَقَالُوا مَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ إنَّمَا لَمْ يُجَوِّزْهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَارُفِ، وَلَئِنْ قُلْنَا إنَّ النَّصَّ يَتَنَاوَلُهُ دَلَالَةً فَالنَّصُّ يَخْتَصُّ بِالتَّعَامُلِ أَلَا نَرَى أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ تُرِكَ الْقِيَاسُ فِيهِ وَخُصَّ عَنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ بِالتَّعَامُلِ وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَمْ يُجَوِّزُوا هَذَا التَّخْصِيصَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَامُلُ أَهْلِ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهِ لَا يُخَصُّ الْأَثَرُ بِخِلَافِ الِاسْتِصْنَاعِ فَإِنَّ التَّعَامُلَ بِهِ جَرَى فِي كُلِّ الْبِلَادِ وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ وَيُخَصُّ الْأَثَرُ، وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ قَفِيزًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ مِنْ الْمَحْمُولِ أَوْ مِنْ الْمَطْحُونِ فَيَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ يُعْطِيه مِنْهُ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى مَا جَعَلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَحْمُولَ كُلَّهُ لِنَفْسِهِ وَشَرَطَ لَهُ الْأَجْرَ مِنْ الْمَحْمُولِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، فَإِذَا عَمِلَ الْأَجِيرُ اسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْمَذْكُورَةِ وَمَتَى مَا جَعَلَ الْمَحْمُولَ بَعْضَهُ لَهُ وَالْبَعْضَ الْبَاقِيَ أُجْرَةً بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ وَإِنْ حَمَلَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّهُ مَلَكهُ بِالْعَقْدِ وَفِي الْأَوَّلِ لَمْ يَمْلِكْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَفِي الثَّالِثِ وَهُوَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ فَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِانْتِهَاءِ صَادَفَتْ مَحَلًّا مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ إذَا عَمِلَ صَارَ شَرِيكًا، وَلَوْ وَقَعَ الْعَمَلُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فِي مَحَلٍّ مُشْتَرَكٍ كَمَا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَمْلِ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ أَوْ لِطَحْنِ حِنْطَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّحَّانِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ أَصْلًا حَتَّى لَا يَجِبَ الْأَجْرُ فَإِذَا صَادَفَ مَحَلًّا غَيْرَ مُشْتَرَكٍ ابْتِدَاءً وَمُشْتَرَكًا انْتِهَاءً لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ وَيَمْتَنِعُ وَصْفُ الصِّحَّةِ ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ كَانَ لِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِعَمَلِهِ مَجَّانًا فَإِذَا سَلَّمَ عَمَلَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْمُسَمَّى كَانَ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَكِنْ لَا يُجَاوِزُ بِهِ قِيمَةَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ رَضِيَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الزِّيَادَةَ، وَفِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لَا يُزَادُ عَلَى قِيمَةِ الْمُسَمَّى إلَّا إذَا كَانَ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى بِأَنْ سَمَّى الْأَجْرَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا فَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَكَذَا إذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْأَجِيرِ كَمَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَعْمُرَهَا وَيُؤَدِّيَ نَوَائِبَهَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، فَإِنْ لَمْ يَعْمُرْهَا الْمُسْتَأْجِرُ، وَلَمْ يُؤَدِّ نَوَائِبَهَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْمُسَمَّى، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ لَا تَسْكُنَهَا فَسَدَتْ هَذِهِ الْإِجَارَةُ، فَإِنْ سَكَنَهَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ، وَهَذَا أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى جَهَالَةِ الْمُسَمَّى فِي الْحَقِيقَةِ. كَذَا قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ، وَإِنَّمَا كَانَ الثَّوْبُ لِصَاحِبِ الْغَزْلِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْأَصْلِ وَأَمَّا مَشَايِخُ بَلْخٍ فَإِنَّمَا جَوَّزُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوا بِذَلِكَ حَيْثُ احْتَاجُوا إلَيْهِ وَوَجَدُوا لَهُ نَظِيرًا وَهُوَ الْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا يُعْرَفُ بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ يُعْرَفُ بِهِ فَسَادُ كَثِيرٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ جَعْلُ الْأَجْرِ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ أَصْلٌ عَظِيمٌ يُعْرَفُ بِهِ حُكْمُ كَثِيرٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْصِرَ لَهُ قَفِيزَ سِمْسِمٍ بِمَنٍّ مِنْ دُهْنِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا دَفَعَ أَرْضَهُ لِيَغْرِسَ شَجَرًا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ وَالشَّجَرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الشَّجَرِ وَأَجْرُ مَا عَمِلَ كَذَا فِي الشَّامِلِ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَغْزِلَ هَذَا الْقُطْنَ أَوْ هَذَا الصُّوفَ بِرِطْلٍ مِنْ غَزْلِهِ، وَعَلَى هَذَا اجْتِنَاءُ الْقُطْنِ بِالنِّصْفِ وَدِيَاسُ الدُّخْنِ بِالنِّصْفِ وَحَصَادُ الْحِنْطَةِ بِالنِّصْفِ وَنَحْوُ ذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ اهـ. (قَوْلُهُ فَكَيْفَ مَلَكَهُ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ) الْفَرْضُ أَنَّهُ وُجِدَ التَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْحَمْلِ وُجِدَ التَّسْلِيمُ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ مَلَكَهُ فِي الْحَالِ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالنَّسَفِيُّ) هُوَ أَبُو عَلِيٍّ أُسْتَاذُ الْحَلْوَانِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ قَفِيزًا مُطْلَقًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ قَفِيزِ الطَّحَّانِ أَنْ يَشْتَرِطَ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ قَفِيزًا مِنْ الدَّقِيقِ الْجَيِّدِ وَلَا يَقُولُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّ الدَّقِيقَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُضَافًا إلَى حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ إذَا طَحَنَ يُعْطِيهِ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ مِنْ الدَّقِيقِ إنْ شَاءَ فَيَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الثَّالِثِ وَهُوَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ رَجُلًا يَعْمَلُ لَهُ عَمَلًا مَعْلُومًا الْيَوْمَ إلَى اللَّيْلِ بِدِرْهَمٍ خَيَّاطَةً أَوْ صِبَاغَةً أَوْ خُبْزًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُجِيزُهَا اسْتِحْسَانًا وَنَجْعَلُ الْإِجَارَةَ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْيَوْمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُخْتَلَفِ وَالْحَصْرِ

يُوجِبُ كَوْنَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ هِيَ الْمَنْفَعَةُ وَذِكْرُ الْعَمَلِ مَعَ تَقْدِيرِ الدَّقِيقِ يُوجِبُ كَوْنَ الْعَمَلِ هُوَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَنَفْعُ الْمُسْتَأْجَرِ فِي وُقُوعِهَا عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ لِكَوْنِهِ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا، وَنَفْعُ الْأَجِيرِ فِي وُقُوعِهَا عَلَى الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ فَفَسَدَ الْعَقْدُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا إنَّ الْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ ذَكَرَ قَوْلَهُمَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْيَوْمِ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُ نِصْفَ النَّهَارِ فَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا، وَإِنْ لَمْ يُفْرِغْهُ فِي الْيَوْمِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ فَكَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَيُرَجَّحُ بِكَوْنِ الْعَمَلِ مَقْصُودًا دُونَ الْوَقْتِ وَتَقْدِيرُ الْمَعْمُولِ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْمَنْفَعَةِ لَا تُقَدَّرُ بِالْعَمَلِ، وَإِنَّمَا تُقَدَّرُ بِالْوَقْتِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا سَمَّى عَمَلًا، وَقَالَ فِي الْيَوْمِ جَازَتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ لَا لِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ فَلَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ وَهُوَ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ مَا إذَا حُذِفَتْ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي الْغَدِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا مِنْ الدَّقِيقِ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ الْيَوْمَ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْيَوْمَ هُنَا لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا لِإِثْبَاتِ صِفَةٍ فِي الْعَمَلِ وَالصِّفَةُ تَابِعَةٌ لِلْمَوْصُوفِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِالْعَقْدِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ لَمْ تَكُنْ الْكِتَابَةُ وَالْخَبْزُ مَعْقُودًا عَلَيْهِمَا مَقْصُودًا حَتَّى لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ذَكَرَ الْيَوْمَ قَصْدًا كَالْعَمَلِ، وَقَدْ أُضِيفَ الْعَقْدُ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا فِي جَعْلِهِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ لِاخْتِلَافِ أَغْرَاضِ الْمُسْتَأْجِرِينَ وَرَغَبَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْوَقْتِ طَمَعًا فِي زِيَادَةِ الْعَمَلِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْعَمَلِ خَوْفًا مِنْ بَطَالَةِ الْعَامِلِ وَمُضِيِّ الْوَقْتِ بِلَا عَمَلٍ، وَقَدْ تَخْتَلِفُ أَغْرَاضُ الْأُجَرَاءِ أَيْضًا فَمِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْعَمَلِ كَيْ يَفْرُغَ مِنْهُ بِالْعَجَلَةِ وَيَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ أَوْ يَسْتَرِيحَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْوَقْتِ كَيْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَفَسَدَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْرُبَهَا وَيَزْرَعَهَا أَوْ يَسْقِيَهَا وَيَزْرَعَهَا صَحَّ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْعَقْدِ وَلَا تَتَأَتَّى الزِّرَاعَةُ إلَّا بِالسَّقْيِ وَالْكِرَابِ فَكَانَ الْعَقْدُ مُقْتَضِيًا لَهُ فَلَا يَفْسُدُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَثْنِيَهَا أَوْ يُكْرِيَ أَنْهَارَهَا أَوْ يُسَرْقِنَهَا أَوْ يَزْرَعَهَا بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى لَا كَإِجَارَةِ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى) لِأَنَّ أَثَرَ التَّثْنِيَةِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ وَالسَّرْقَنَةِ يَبْقَى بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَيَكُونُ فِيهِ نَفْعُ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَهُوَ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَيَفْسُدُ كَالْبَيْعِ وَلِأَنَّ مُؤَجِّرَ الْأَرْضِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا مَنَافِعَ الْأَجِيرِ عَلَى وَجْهٍ يَبْقَى بَعْدَ الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ مُفْسِدٌ أَيْضًا لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ حَتَّى لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِفِعْلِهِ أَثَرٌ بَعْدَ الْمُدَّةِ بِأَنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ طَوِيلَةً أَوْ كَانَ الرِّيعُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ لَا يَفْسُدُ اشْتِرَاطُهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَرَاضِي مَا لَا يَخْرُجُ الرِّيعُ إلَّا بِالْكِرَابِ مِرَارًا وَبِالسَّرْقَنَةِ، وَقَدْ يُحْتَاجُ إلَى كَرْيِ الْجَدَاوِلِ وَلَا يَبْقَى أَثَرُهُ الْقَابِلُ عَادَةً بِخِلَافِ كَرْيِ الْأَنْهَارِ؛ لِأَنَّ أَثَرَهُ يَبْقَى إلَى الْقَابِلِ عَادَةً وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ كَرْيُ الْأَنْهَارِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَتَنَاوَلُ الْأَنْهَارَ الْعِظَامَ دُونَ الْجَدَاوِلِ، وَاسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِيَزْرَعَهَا بِأَرْضٍ أُخْرَى لِيَزْرَعَهَا الْآخَرُ يَكُونُ بَيْعَ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَهُوَ حَرَامٌ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَذَا السُّكْنَى بِالسُّكْنَى أَوْ الرُّكُوبِ بِالرُّكُوبِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حِينَ كَتَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ لِمَ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ سُكْنَى دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ بِقَوْلِهِ فِي جَوَابِهِ لَهُ فِي الْكِتَابِ إنَّك أَطَلْت الْفِكْرَةَ وَأَصَابَتْك الْحَيْرَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مِنْ الْكُوفَةِ إلَى بَغْدَادَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَاف اِ هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَالَ اسْتَأْجَرْتُك لِهَذَا الْعَمَلِ هَذَا الْيَوْمَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ قَالَ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ هَذَا الْيَوْمَ جَعَلَ الْيَوْمَ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ وَإِذَا قَالَ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَمْ يَجْعَلْ الْيَوْمَ مُدَّةً وَلَكِنْ جَعَلَ الْيَوْمَ ظَرْفًا لِهَذَا الْعَمَلِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْرُبَهَا) كَرَبْت الْأَرْضَ أَكْرُبُهَا كَرْبًا وَكِرَابًا إذَا أَثَرْتهَا لِلزَّرْعِ وَفِي الْمَثَلِ الْكِرَابُ عَلَى الْبَقَرِ أَيْ لَا تُكْرَى الْأَرْضُ إلَّا بِالْبَقَرِ يَعْنُونَ أَنَّ مُمَارَسَةَ كُلِّ أَمْرٍ جُرِّبَ بِآلَتِهِ، وَفِي لَفْظِ الْمَثَلِ خِلَافٌ يُعْرَفُ فِي الْمُسْتَقْصَى وَكَرْيُ النَّهْرِ حَفْرُهُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَثَرَ التَّثْنِيَةِ وَكَرْيَ الْأَنْهَارِ إلَخْ) وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ مَا كَانَ مُلَائِمًا لِلْعَقْدِ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا لَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَقُولُ إنَّمَا تُسْتَأْجَرُ الْأَرَاضِي لِمَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجِرِ خَاصَّةً فَكُلُّ فِعْلٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ خَاصَّةً كَالْكِرَابِ وَالزِّرَاعَةِ وَالسَّقْيِ يَكُونُ مُلَائِمًا لِلْعَقْدِ وَكُلُّ فِعْلٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُؤَجِّرُ خَاصَّةً يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْعَقْدِ مُفْسِدًا لَهُ كَشَرْطِ إبْقَاءِ السِّرْقِينِ وَرَدِّ الْأَرْضِ مَكْرُوبَةً وَهُوَ أَحَدُ تَأْوِيلَيْ التَّثْنِيَةِ وَتَكْرَارِ الْكِرَابِ وَهُوَ التَّأْوِيلُ الْآخَرُ فِي التَّثْنِيَةِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا التَّثْنِيَةُ وَهِيَ أَنْ يَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً عِنْدَ الْبَعْضِ وَأَنْ يَكْرُبَهَا مَرَّتَيْنِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَصَارَ مُفْسِدًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ. (قَوْلُهُ لِمَ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ سُكْنَى دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ إلَخْ) قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي إجَارَةِ الدَّارِ بِمَنَافِعِ الْحَانُوتِ لَا تَجُوزُ اهـ

وَجَالَسْت الْحِنَّائِيَّ فَكَانَتْ مِنْك زَلَّةٌ، أَمَا عَلِمْت أَنَّ إجَارَةَ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً، وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا جَازَ بِخِلَافِ الْجِنْسِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ الْجِنْسِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْمَنَافِعِ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْقَاعِدَةِ فَقَبْلَ وُجُودِهَا لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْعَقْدُ، فَإِذَا وُجِدَتْ فَقَدْ اُسْتُوْفِيَتْ فَلَمْ يَبْقَ دَيْنًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِيهَا النَّسِيئَةُ؟. فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ غَيْرُ مُخَلِّصٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِجَارَةَ أُجِيزَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِئْجَارِ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي بِمَا عِنْدَهُ مِنْهَا فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا يَجُوزُ وَلَا كَذَلِكَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْمَنْفَعَةِ الَّتِي لَيْسَتْ عِنْدَهُ بَاقِيَةٌ، ثُمَّ لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا الْمَنْفَعَةَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْمَنْفَعَةِ بِالتَّسْمِيَةِ وَالْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ الْمُسْتَوْفَى مَنْفَعَةٌ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْأَجْرَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ جُعِلَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَهُ فَيَكُونُ بَيْعَ الْمَوْجُودِ بِالْمَوْجُودِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ طَعَامٍ بَيْنَهُمَا فَلَا أَجْرَ لَهُ كَرَاهِنٍ اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ) أَيْ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ لِحَمْلِ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى وَلَا أَجْرَ الْمِثْلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجُوزُ الْإِجَارَةُ وَلَهُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ فَتَجُوزُ فِي الشَّائِعِ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ خُصُوصًا عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَالْعَيْنِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِيَضَعَ فِيهَا الطَّعَامَ أَوْ عَبْدًا مُشْتَرَكًا لِيَخِيطَ لَهُ الثِّيَابَ وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ حَمْلُ النِّصْفِ شَائِعًا وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ فِي الشَّائِعِ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَضُرٌّ بِهَا؛ لِأَنَّهُمَا فِعْلَانِ حِسِّيَّانِ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُمَا فِي الشَّائِعِ، وَلَوْ تُصُوِّرَ لَمَا حَرُمَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ فَيُحْتَمَلُ وُرُودُهُ عَلَى الشَّائِعِ وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ أَصْلًا وَلِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ لَهُ وَإِلَّا وَهُوَ شَرِيكٌ فِيهِ فَيَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ يَمْنَعُ تَسْلِيمَ عَمَلِهِ إلَى غَيْرِهِ وَبِدُونِ التَّسْلِيمِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ الْمَنْفَعَةُ وَيَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُهَا بِدُونِ وَضْعِ الطَّعَامِ وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مِلْكُ نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ، وَبِخِلَافِ إجَارَةِ الْمَشَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ يَجِبُ فِيهِ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ فِيهِ لِعَجْزٍ عَنْ التَّسْلِيمِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَا لِانْعِدَامِ الِاسْتِيفَاءِ أَصْلًا، فَإِذَا تَحَقَّقَ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَجَبَ الْأَجْرُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَصْلًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَامِلًا لِغَيْرِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَقَوْلُهُ كَرَاهِنٍ اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ يَعْنِي لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الشَّرِيكِ هُنَا كَمَا لَا يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ اسْتِئْجَارُ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَالْمُرْتَهِنُ لَيْسَ بِمَالِكٍ حَتَّى يُؤَجِّرَهُ مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِجَارَةِ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ وَالْمُرْتَهِنُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَنَافِعِ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا إذْ التَّمْلِيكُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ مُحَالٌ وَالرَّاهِنُ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالِكٌ لَهُ إذْ الْمِلْكُ هُوَ الْمُطْلَقُ لِلتَّصَرُّفِ إلَّا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْهُ بِسَبَبِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا بَطَلَ حَقُّهُ بِالْإِيجَارِ لَهُ صَارَ مُنْتَفِعًا بِهِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَزْرَعُهَا أَوْ أَيَّ شَيْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَجَالَسْت الْحِنَّائِيَّ) الْحِنَّائِيُّ رَجُلٌ مُتَّهَمٌ فِي دِينِهِ كَذَا نُقِلَ مِنْ حَاشِيَةٍ بِخَطِّ الْأَتْقَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. (قَوْلُهُ الْحِنَّائِيُّ) اسْمُ رَجُلٍ مُحَدِّثٍ يُنْكِرُ الْخَوْضَ عَلَى ابْنِ سِمَاعَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ مُجَالَسَتَهُ إيَّاهُ زَلَّةً هَذَا كُلُّهُ شَطَبَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ الشِّلْبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْأَحْمَرِ وَهِيَ حَاشِيَةٌ كَتَبَهَا الشَّارِحُ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً) يَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسَاءً إنَّمَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ أَحَدَ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا كَافٍ لِحُرْمَةِ النَّسَاءِ وَهُوَ الْجِنْسُ فِي الْقُوهِيِّ فَكَذَا فِي الْمَنَافِعِ إذَا اتَّفَقَتْ وُجِدَ الْجِنْسُ فَيَحْرُمُ النَّسَاءُ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ إلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ، - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُمْلَكُ لِلْحَالِ بَلْ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا فَمَتَى تَحَقَّقَ التَّأْخِيرُ ثَبَتَ مَعْنَى النَّسَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ وَلَهُ الْمُسَمَّى) أَيْ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ فِي مَحَلٍّ هُوَ مِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَقَدْ أَرْضَاهُ الْأَجِيرُ فَيَجِبُ الْأَجْرُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ فِي الشَّائِعِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَازُ نَصِيبُ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ نَصِيبِ الْعَامِلِ وَكُلُّ جُزْءٍ فَرَضْته فِي الشَّائِعِ فَلِلْعَامِلِ فِيهِ نَصِيبٌ فَيَكُونُ عَامِلًا فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَأْجِرُ إنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ لَهُ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا أَجْرَ لِلْعَامِلِ لِنَفْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يُؤَاجِرُ الْأَرْضَ وَلَمْ يُسَمِّ أَنَّهُ يَزْرَعُ فِيهَا شَيْئًا قَالَ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا أَفْسَدَتْهَا، وَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْأَجْرُ الَّذِي سَمَّى. إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ الْقُدُورِيُّ وَهِيَ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ حَتَّى يُسَمِّيَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَا تُحْتَمَلُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى التَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَائِدَةٌ وَهِيَ قَوْلُهُ، وَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْأَجْرُ الَّذِي سَمَّى اهـ أَتْقَانِيٌّ

[باب ضمان الأجير]

يَزْرَعُهَا فَزَرَعَهَا فَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْمُسَمَّى) لِأَنَّ الْأَرْضَ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالْمَرَاحِ وَنَصْبِ الْخِيَمِ، وَكَذَا مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ فَبَعْضُهُ أَقَلُّ ضَرَرًا بِهَا مِنْ بَعْضٍ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ يَزْرَعُهَا وَيُبَيِّنَ جِنْسَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا فَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَهَالَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَيَنْقَلِبُ جَائِزًا كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ قَبْلَ مَجِيئِهِ وَالْخِيَارَ الزَّائِدَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ مَجِيءِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَى مَكَّةَ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ فَحَمَلَ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ فَنَفَقَ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ فَلَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَتَعَدَّ، فَإِذَا تَعَدَّى ضَمِنَ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَلَغَ مَكَّةَ فَلَهُ الْمُسَمَّى) لِأَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِجَهَالَةِ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا، فَإِذَا حَمَلَ شَيْئًا يُحْمَلُ عَلَى مِثْلِهَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ فَانْقَلَبَ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِلْفَسَادِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَشَاحَّا قَبْلَ الزَّرْعِ وَالْحَمْلِ نُقِضَتْ الْإِجَارَةُ دَفْعًا لِلْفَسَادِ) إذْ الْفَسَادُ بَاقٍ قَبْلَ أَنْ تَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ بِالتَّعْيِينِ بِالزَّرْعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَبِالْحَمْلِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً، ثُمَّ جَحَدَ الْإِجَارَةَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَجْرُ مَا رَكِبَ قَبْلَ الْإِنْكَارِ وَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ لِمَا بَعْدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ بِالْجُحُودِ صَارَ غَاصِبًا وَالْأَجْرُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ الْأَجْرُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ سَلِمَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ فَسَقَطَ الضَّمَانُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ) الْأُجَرَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَجِيرٌ خَاصٌّ وَأَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ) مَعْنَاهُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَصَّ بِوَاحِدٍ عَمِلَ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ (وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا لِغَيْرِ وَاحِدٍ بَلْ) إذَا عَمِلَ لِوَاحِدٍ أَيْضًا فَهُوَ مُشْتَرَكٌ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَكُونُ عَقْدُهُ وَارِدًا وَعَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِبَيَانِ مَحِلِّهِ لِيَسْلَمَ مِنْ النَّقْضِ، وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ مَنْ يَكُونُ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى مَنَافِعِهِ وَلَا تَصِيرُ مَنَافِعُهُ مَعْلُومَةً إلَّا بِذِكْرِ الْمُدَّةِ أَوْ بِذِكْرِ الْمَسَافَةِ وَمَنَافِعُهُ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ، فَإِذَا صَارَتْ مُسْتَحَقَّةٌ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لِإِنْسَانٍ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ إيجَابِهَا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِيهِ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْعَيْنِ بِعَمَلِهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ الْمُدَّةَ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَقَبُّلُ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّهُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ نَظِيرُ السَّلَمِ مَعَ بَيْعِ الْعَيْنِ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَمَّا كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ قَبُولُ السَّلَمِ مِنْ غَيْرِهِ وَالْبَيْعُ لَمَّا كَانَ يُلَاقِي الْعَيْنَ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ مَا بَاعَهُ فَلِهَذَا كَانَ مُشْتَرَكًا وَالْأَوَّلُ أَجِيرٌ وَاحِدٌ وَأَجِيرٌ خَاصٌّ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ بَاعَ شَيْئًا إلَى الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ ثُمَّ أَسْقَطَا الْأَجَلَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ أَوَانِ الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ انْقَلَبَ جَائِزًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَكَمَا فِي الصَّرْفِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَالْأَجَلِ إذَا أُسْقِطَ ذَلِكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ يَجُوزُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي الَّذِي هُوَ مَبْسُوطُهُ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْتَمِلُ عَلَيْهَا، فَإِنْ اخْتَصَمَا رَدَدْت الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحْمُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِيَصِيرَ الْعَمَلُ مَعْلُومًا فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَسَدَ الْعَقْدُ فَأَرَادَ الْإِجَارَةَ عِنْدَ اخْتِصَامِهِمَا، وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا أَوْ رَكِبَهَا إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَعَلَيْهِ مَا سَمَّاهُ مِنْ الْكِرَاءِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا التَّعْيِينَ بِالْفِعْلِ كَالتَّعْيِينِ بِالْقَوْلِ فِي حَالَةٍ لَهَا حُكْمُ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حَقِّ الْحُكْمِ يَنْعَقِدُ عِنْدَ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ عَيَّنَ فِي الِابْتِدَاءِ صَحَّ فَكَذَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا وَلَمْ يُسَمِّ مَا اسْتَأْجَرَهُ لَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ فَالْقَاضِي يَنْقُضُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ مَا لَمْ يَحْمِلْ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا بِاللُّبْسِ وَلَمْ يُعَيِّنْ اللَّابِسَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ، فَإِنْ عَيَّنَ اللَّابِسَ بَعْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ حَمَلَ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ وَأَرَادَ بِهِ الْحَمْلَ الْمُعْتَادَ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَمَلَ غَيْرَ الْمُعْتَادِ فَهَلَكَ الْحِمَارُ يَجِب أَنْ يَضْمَنَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ فِي الْحَمْلِ الْمُعْتَادِ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِذْنِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعْتَادِ وَلَمْ يَتَعَدَّ الْمُعْتَادَ وَالْعَيْنُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْخِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُ، وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الْفَاسِدِ يُوجَدُ مِنْ الصَّحِيحِ فَفِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْخِلَافُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فَكَيْفَ، وَقَدْ انْقَلَبَ الْعَقْدُ جَائِزًا بِالْحَمْلِ الْمُعْتَادِ اسْتِحْسَانًا اهـ أَتْقَانِيٌّ [بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ] (بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَالْأَجِيرُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ مِنْ بَابِ آجَرَ وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ مُؤَجِّرٌ لَا مُؤَاجِرٌ، وَقَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ اهـ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ صَحِيحِهَا وَفَاسِدِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَيُحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

فِي حَدِّهِمَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ مِنْ وَاحِدٍ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ الْمُشْتَرَكُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حَتَّى يَعْمَلَ وَالْخَاصُّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، وَهَذَا يَئُولُ إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَالْخَاصَّ وَحُكْمُهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ مِنْ أَشْخَاصٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ هُوَ الْعَمَلُ أَوْ أَثَرُهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَمْ تَصِرْ مُسْتَحَقَّةً لِوَاحِدٍ فَمِنْ هَذِهِ الْوَجْهِ سُمِّيَ مُشْتَرَكًا وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فِي الْمُدَّةِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالْمَنَافِعِ، وَلِهَذَا يَبْقَى الْأَجْرُ مُسْتَحَقًّا، وَإِنْ نَقَصَ الْعَمَلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حَتَّى يَعْمَلَ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ) يَعْنِي 45: الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا إذَا عَمِلَ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَتَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فَمَا لَمْ يُسَلِّمْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَا يُسَلَّمُ لَهُ الْعِوَضُ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ أَوْ أَثَرُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ) سَوَاءٌ هَلَكَ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ وَالْغَارَةِ الْمُكَابِرَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَقَالَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا هَلَكَ بِأَمْرٍ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا يُضَمِّنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ وَعَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ الْعَيْبِ فَيَكُونُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ حِفْظًا سَلِيمًا عَنْ الْعَيْبِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ إلَّا بِالْحِفْظِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ الْقَصَّارُ وَالصَّبَّاغُ وَالْخَيَّاطُ وَالصَّائِغُ وَكُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لِعَمَلِهِ دُونَ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ مَنْ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ بِالْوَقْتِ دُونَ الْعَمَلِ وَذَلِكَ كَرَجُلٍ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْدُمَهُ شَهْرًا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ لِيُقَصِّرَ مَعَهُ أَوْ لِيَخِيطَ مَعَهُ أَوْ لِيَعْمَلَ عَمَلًا مِنْ الْأَعْمَالِ سَمَّاهُ كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا كَذَا أَوْ كُلُّ يَوْمٍ بِكَذَا أَوْ كُلُّ سَنَةٍ بِكَذَا أَوْ كَذَا فَهَذَا هُوَ الْخَاصُّ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، وَأَجِيرُ الْوَحَدِ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ مِنْ الْوَاحِدِ، وَفِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ الْعَقْدُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَمَلِ لَا عَلَى تَسْلِيمِ النَّفْسِ وَالْعَقْدُ فِي أَجِيرِ الْوَحَدِ يَقَعُ عَلَى تَسْلِيمِ النَّفْسِ إلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ لَا عَلَى تَسْلِيمِ الْعَمَلِ. إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ عِنْدَنَا الْقَصَّارُ وَالْخَيَّاطُ وَالْإِسْكَافُ وَكُلُّ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ وَأَجِيرُ الرَّجُلِ وَحْدَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ لِيَخْدُمَهُ شَهْرًا أَوْ لِيَخْرُجَ مَعَهُ إلَى مَكَّةَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَنْتَهِي عَمَلُهُ بِانْتِهَاءِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَهُوَ أَجِيرٌ وَحَدٌ، وَكُلُّ مَنْ لَا يَنْتَهِي عَمَلُهُ بِانْتِهَاءِ مُدَّةٍ مُقَدَّرَةٍ فَهُوَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَهَى عَمَلُهُ بِمُدَّةٍ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا يَئُولُ إلَى الدَّوْرِ) الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ بِالْأَجَلِيِّ وَالْأَشْهَرُ أَوْ تَعْرِيفٌ لِمَا يُذْكَرُ بِمَا قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْأَجْرِ مَتَى يَسْتَحِقُّ بِقَوْلِهِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. اهـ. كَاكِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِذَا سَلَّمَ إلَيْهِ مَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ مَضِّ مُوَنٌ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ تَلِفَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ضَمِنَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ غَالِبٍ لَا يُتَحَفَّظُ مِنْ مِثْلِهِ مِثْلَ حَرِيقٍ غَالِبٍ أَوْ عَدُوٍّ مُكَابِرٍ أَوْ سَارِقٍ كَذَلِكَ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَدُ الْأَجِيرِ يَدُ أَمَانَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي قَوْلٍ آخَرَ عَنْهُ يَدُ ضَمَانٍ وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ أَنَّ يَدَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ يَدُ ضَمَانٍ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ لِلْعَمَلِ كَذَا فِي وَجِيزِهِمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا مَا رُوِيَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُضَمِّنُ الصُّنَّاعَ مَا أَفْسَدُوا مِنْ مَتَاعِ النَّاسِ أَوْ ضَاعَ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَرُوِيَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَيْضًا أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يُضَمِّنُ الْخَيَّاطَ وَالْقَصَّارَ وَمِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الصُّنَّاعِ احْتِيَاطًا لِلنَّاسِ أَنْ يُضَيِّعُوا أَمْوَالَهُمْ، وَهَذَا كَانَ مِنْ رَأْيِهِ بَدِيًّا ثُمَّ رَجَعَ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) اخْتَلَفَ الْأَجِيرُ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ فَقَالَ الْأَجِيرُ رَدَدْت وَأَنْكَرَ صَاحِبُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عِنْدَهُ فِي الْقَبْضِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْأَجْرِ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ قَدْ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ عِنْدَهُمَا فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ بَدَائِعُ. (فَرْعٌ آخَرُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ عِنْدَهُمَا إذَا ضَمَّنَهُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ مَقْصُورًا أَوْ أَعْطَاهُ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ الْعَمَلَ إلَى الْمَالِكِ وَحَدَثَتْ بِفِعْلِهِ زِيَادَةٌ فِي الثَّوْبِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَعَلَى الْأَجِيرِ ضَمَانُ الزِّيَادَةِ مَعَ الْأَصْلِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ وَلَمْ يَأْخُذْ أَجْرَ الْقِصَارَةِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ الْمَحَلُّ قَبْلَ وُصُولِ الْعَمَلِ إلَى يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَقِيقَةً فَأَشْبَهَ هَلَاكَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ مَتَى يَجِبُ الْأَجْرُ لِلْعَامِلِ، وَقَالَ أَيْضًا فِيهِ بَابُ مَا يَضْمَنُ فِيهِ الْأَجِيرُ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ هَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْقَصَّارِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُؤْتَمَنٌ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ، وَكَذَا لَوْ سُرِقَ، وَكَذَا جَمِيعُ الْعُمَّالِ لِانْعِدَامِ الْجِنَايَةِ مِنْهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ جِنَايَةٌ. اهـ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ ثُمَّ عِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ الْمَالِكُ ضَمَّنَهُ مَقْصُورًا وَأَعْطَى الْأُجْرَةَ، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مَقْصُورٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَ بِفِعْلِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ بِالِاتِّفَاقِ اهـ

فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ الْعَقْدِ فَيُضْمَنُ بِالْهَلَاكِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ إذَا كَانَتْ بِأَجْرٍ وَكَمَا إذَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّ الْقَبْضَ حَصَلَ بِإِذْنِهِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ الْعَارِيَّةُ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ االتَّحَرُّزُ عَنْهُ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ وَكَالْغَصْبِ مِنْ الْعَدُوِّ وَالْمُكَابَرَةِ وَلَوْ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لَمَا اخْتَلَفَ الْحَالُ بَلْ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ مُطْلَقًا كَالْغَصْبِ وَالْقَبْضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ أَوْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، عَكْسُهُ الْوَدِيعَةُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْحِفْظُ بَلْ الْعَمَلُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ تَبَعًا أَوْ اقْتِضَاءً لَا مَقْصُودًا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَتَأَتَّى بِدُونِ حَبْسِ الْعَيْنِ وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ إلَّا بِحَبْسِ الْعَيْنِ كَانَ لَهُ حَبْسُهُ، وَلِهَذَا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْحِفْظُ لَكَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الْأَجْرِ فَصَارَ كَأَجِيرِ الْوَحَدِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ بِأَجْرٍ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مَقْصُودًا بِبَدَلٍ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أُتْلِفَ بِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَمَلُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ سَلِيمًا ضَمِنَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَمِّنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِمَا فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مَوْجُودٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الزَّمَانِ بَلْ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحِفْظَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ وَهُوَ الْعَمَلُ إلَّا بِحِفْظِ الْعَيْنِ، وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ يَكُونُ وَاجِبًا كَوُجُوبِهِ فَكَانَ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ لَا يَكُونُ وَارِدًا عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى الْيَوْمَ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَبِهِ تَحْصُلُ صِيَانَةُ أَمْوَالِهِمْ، وَإِنْ شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْعَقْدِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا فَفَسَدَتْ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَعَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيهِ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُهُ فِيهِ مُفْسِدًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ وَزَلْقِ الْحَمَّالِ وَانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحِمْلُ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهَا مَضْمُونٌ)، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَلَا يُجَامِعُهُ الضَّمَانُ كَالْمُعِينِ لِلدَّقَّاقِ وَأَجِيرِ الْوَحَدِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ عَمِلَ مَا عَمِلَ بِأَمْرِهِ وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ يَنْتَظِمُ الْفِعْلَ بِنَوْعَيْهِ الْمَعِيبَ وَالسَّلِيمَ، وَالتَّخَرُّقُ لِضَعْفٍ فِي الثَّوْبِ وَلَئِنْ كَانَ لِمَعْنًى فِي فِعْلِهِ فَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ إذْ الدَّقُّ الْمُصْلِحُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَلَئِنْ كَانَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إلَّا بِحَرَجٍ عَظِيمٍ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَصَارَ كَالْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ تِلْمِيذُ الْقَصَّارِ وَهُوَ يَعْمَلُ بِالْأَجْرِ وَلَنَا أَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِعَمَلٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا كَمَا لَوْ دَقَّ الثَّوْبَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْإِذْنِ هُوَ الدَّاخِلُ تَحْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْعَمَلُ الْمُصْلِحُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ عَلَى التَّسْلِيمِ لِأَنَّ مُطْلَقَ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ الْعُيُوبِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ، فَإِذَا تَلِفَ كَانَ التَّلَفُ حَاصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَصَفَ لَهُ نَوْعًا مِنْ الدَّقِّ فَأَتَى بِنَوْعٍ آخَرَ بِخِلَافِ مُعِينِ الْقَصَّارِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَعَمَلُ الْمُتَبَرِّعِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالسَّلَامَةِ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ الْإِعَانَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ وَبِخِلَافِ الْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْعَمَلَ الْمُصْلِحَ؛ لِأَنَّ نَفْسَ ذَلِكَ الْعَمَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ إلَخْ) وَقَوْلُهُ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسٌ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَهَلَاكُ الْأَمَانَةِ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَوَجْهُهُ أَثَرُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. غَايَةٌ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ شُرَيْحًا لَمْ يُضَمِّنْ أَجِيرًا قَطُّ. إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْآثَارِ وَكَانَ حُكْمُ شُرَيْحٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ حَتَّى انْكَسَرَ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحَرْقِ الْغَالِبِ وَالْغَرَقِ الْغَالِبِ، وَلَوْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي زَحَمَ النَّاسَ حَتَّى انْكَسَرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ. إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَلَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ فَزَلَقَ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. بَدَائِعُ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا سَيَجِيءُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَجْمَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْعَمَلِ الَّذِي يَأْخُذُ عَلَيْهِ الْأَجْرَ فَيَضْمَنُ الْقَصَّارُ مَا تَخَرَّقَ مِنْ دَقِّهِ أَوْ مِنْ مَدِّهِ أَوْ مِنْ غَمْزِهِ أَوْ بَسْطِهِ، وَكَذَلِكَ الصَّبَّاغُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَضْمَنُ أَيْضًا فِي طَبْخِ الثَّوْبِ إنْ كَانَ مِمَّا يُطْبَخُ، وَكَذَلِكَ الْمَلَّاحُ يَضْمَنُ مَا كَانَ مِنْ مُرِّهِ أَوْ حَذْفِهِ أَوْ مَا تُعَالَجُ بِهِ السَّفِينَةُ لِلسَّيْرِ، وَكَذَلِكَ الْحَمَّالُ إذَا سَقَطَ مَا حَمَلَهُ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ عَثَرَ فَسَقَطَ مَا مَعَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْحَمَّالُ وَالْمُكَارَى إذَا كَانَ مِنْ سَوْقِهِ أَوْ قَوْدِهِ أَوْ انْقَطَعَ الْحَبْلُ الَّذِي شَدَّهُ عَلَى الْمَتَاعِ فَسَقَطَ الْمَتَاعُ وَفَسَدَ كُلُّ هَؤُلَاءِ يَضْمَنُونَ مَا يَفْسُدُ بِهِ الْمَتَاعُ مِنْ فَسَادٍ يَلْحَقُهُ مِنْهُ عِنْدَ حَمْلِهِ سَفِينَتَهُ أَوْ بِسَوْقِهِ لِدَابَّتِهِ أَوْ قَوْدِهِ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ هُوَ مُؤْتَمَنٌ فِي ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى كَمَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ إذَا تَعَدَّى وَلَا يَضْمَنُ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ عَمَلِهِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ يَضْمَنُ مَا جَنَتْ يَدَاهُ اسْتِحْسَانًا أَوْ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ بِأَجْرٍ فَدَقَّهُ دَقَّ الْمِثْلَ وَتَخَرَّقَ الثَّوْبُ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْعَالِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ كَالْمُعِينِ لِلدَّقَّاقِ) أَيْ فَإِنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ لِمَا سَيَجِيءُ اهـ

إفْسَادٌ، وَإِنَّمَا السَّلَامَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْ الْعَمَلِ لَا تُجَاوِزُ الْمُعْتَادَ وَبَعْدَ ذَلِكَ السِّرَايَةُ وَالِاقْتِصَارُ مَبْنِيَّانِ عَلَى قُوَّةِ الْمَحِلِّ فِي احْتِمَالِ الْأَلَمِ وَسَيَلَانِ الدَّمِ وَضَعْفِهِ عَنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ مَعْرِفَتُهُ وَالْخَارِجُ عَنْ الْوُسْعِ لَا يُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِحَالٍ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْ التَّخَرُّقِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ فِي وُسْعِ الْقَصَّارِ يَعْرِفُ بِالنَّظَرِ فِي الثَّوْبِ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الدَّقِّ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ فِيهِ وَهُوَ سَاقِطُ الْعِبْرَةِ فِيمَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ بِالْتِزَامِهِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى دَفْعًا لِلْحَرَجِ حَتَّى إذَا اجْتَهَدُوا وَأَخْطَأَ يَكُونُ مَعْذُورًا وَبِخِلَافِ أَجِيرِ الْوَحَدِ لِمَا نُبَيِّنُهُ وَبِخِلَافِ تِلْمِيذِهِ لِأَنَّهُ أَجِيرُ الْوَحَدِ عِنْدَ أُسْتَاذِهِ وَأَجِيرُ الْوَحَدِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ وَيَجِبُ عَلَى الْأُسْتَاذِ مَا أَفْسَدَهُ التِّلْمِيذُ بِعَمَلِهِ لِأَنَّ الْأُسْتَاذَ أَجِيرُ الْمُشْتَرَكِ دُونَ التِّلْمِيذِ، ثُمَّ صَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَمْ يُعْطِهِ الْأَجْرَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مَعْمُولًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُضَمِّنُ بِهِ بَنِي آدَمَ) يَعْنِي مِمَّنْ غَرَقَ فِي السَّفِينَةِ أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ، وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ وَقَوْدِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْآدَمِيِّ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ، وَلِهَذَا لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ إلَّا إذَا كَانَ بِالْجِنَايَةِ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ كَبِيرًا مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ وَيَرْكَبُ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَتَاعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ انْكَسَرَ دَنٌّ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ الْحَمَّالُ قِيمَتَهُ فِي مَكَانِ حَمْلِهِ وَلَا أَجْرَ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَأَجْرُهُ بِحِسَابِهِ) أَمَّا الضَّمَانُ فَلِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْعَقْدِ عَمَلٌ سَلِيمٌ وَالْمُفْسَدَ غَيْرُ دَاخِلٍ فَيَضْمَنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا الْخِيَارُ فَلِأَنَّهُ إذَا انْكَسَرَ فِي الطَّرِيقِ وَالْحِمْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ تَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَمْلِ حَصَلَ بِأَمْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا، وَإِنَّمَا صَارَ تَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ فَإِنْ مَالَ إلَى كَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ مَالَ إلَى كَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ فِي الِابْتِدَاءِ إنَّمَا صَارَ مُتَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ فِي مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَأَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ بِحِسَابِهِ. هَذَا إذَا كَانَ الْكَسْرُ بِصُنْعِهِ بِأَنْ زَلَقَ أَوْ عَثَرَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ بِأَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ فَانْكَسَرَ فَلَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَبِخِلَافِ تِلْمِيذِهِ؛ لِأَنَّ أَجِيرَ الْوَحَدِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ، وَلَوْ تَخَرَّقَ بِدَقِّ أَجِيرِ الْقَصَّارِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْأُسْتَاذِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا دَقَّ أَجِيرُ الْقَصَّارِ ثَوْبًا فَخَرَقَهُ فَضَمَانُهُ عَلَى الْأُسْتَاذِ دُونَ الْأَجِيرِ لِأَنَّا نَقَلْنَا فِعْلَهُ إلَى الْأُسْتَاذِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَطِئَ الْأَجِيرُ عَلَى ثَوْبِ الْقَصَّارِ مِمَّا لَا يُوطَأُ عَلَيْهِ فَخَرَقَهُ كَانَ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ فَاقْتَصَرَ الْإِتْلَافُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوطَأُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي وَطْئِهِ، وَلَوْ وَطِئَ الْقَصَّارُ ثَوْبًا وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَتَخَرَّقَ كَانَ ضَامِنًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوطَأُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ فِي بَسْطِهِ وَوَطْئِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِغَيْرِ أَمْرٍ فَيَضْمَنُ. كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْأُسْتَاذَ أَجِيرُ الْمُشْتَرَكِ بِالْإِضَافَةِ فَتَأَمَّلْ . (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ) وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْفَرْقِ هَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الرَّضِيعِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ انْكَسَرَ دَنٌّ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَسَرَهُ عَمْدًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَنَا. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقَيْدٌ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْكَسَرَ بَعْدَ مَا انْتَهَى إلَى الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ مِنْ جِنَايَةِ يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَهُ الْأَجْرُ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ صَاعِدٍ النَّيْسَابُورِيِّ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَضْمَنُهُ فِي مَوْضِعِ الْحَمْلِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ الضَّمَانِ ثُمَّ قُلْنَا لَمَّا انْكَسَرَ فِي الطَّرِيقِ وَالْحِمْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ حُكْمًا إذَا الْحِمْلُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَحْمُولًا إلَى مَوْضِعِ عَيْنِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ وَقَعَ تَعَدِّيًا ابْتِدَاءً وَفِي الْحَقِيقَةِ ابْتِدَاؤُهُ سَلِيمٌ، وَإِنَّمَا صَارَ تَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ، فَإِنْ مَالَ إلَى الْوَجْهِ الْحُكْمِيِّ فَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى مِنْ عَمَلِهِ أَصْلًا، وَإِنْ مَالَ إلَى الْوَجْهِ الْحَقِيقِيِّ فَلَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى، وَالْأَجْرُ وَالضَّمَانُ إنَّمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْحَالَةُ هَاهُنَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَهُ فِي مَكَانِ الْكَسْرِ فَقَدْ جَعَلَ الْمَتَاعَ أَمَانَةً عِنْدَهُ مِنْ حَيْثُ حُمِلَ إلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَالْأَجْرُ يَجِبُ فِي حَالَةِ الْأَمَانَةِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَضْمُونًا فِي حَالَةِ الْكَسْرِ وَهَذِهِ حَالَةٌ أُخْرَى. اهـ. كَاكِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْخِيَارُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا التَّخْيِيرُ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ جِهَتَا الضَّمَانِ الْقَبْضُ وَالْإِتْلَافُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِالْقَبْضِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِالْإِتْلَافِ يَوْمَ الْإِتْلَافِ أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الضَّمَانُ يَجِبُ بِالْإِتْلَافِ لَا بِالْقَبْضِ فَكَانَ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِتْلَافُ فَيَجِبُ أَنْ يَعْتَبِرَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ وَلَا خِيَارَ لَهُ عَلَى مَا يُرْوَى عَنْهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبَانِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ أَحَدُهُمَا الْإِتْلَافُ وَالثَّانِي الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ الْتَزَمَ الْوَفَاءَ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِالْعَمَلِ الْمُصْلِحِ، وَقَدْ خَالَفَ وَالْخِلَافُ مِنْ أَسْبَابِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْإِتْلَافِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ فِي الْقَدْرِ الْفَائِتِ فَقَدْ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ الصَّفْقَةُ فِي الْمَنَافِعِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَفَرُّقِهَا، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّخْيِيرِ. اهـ. (وَقَوْلُهُ وَأَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ بِحِسَابِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ عَمَلِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ عَمَلِهِ بِأَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ اهـ وَانْظُرْ فِي الصَّفْحَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ الْوَرَقَةِ عِنْدَ الْقَوْلَةِ

- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِأَنَّ الْمَتَاعَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ فِي مَوْضِعِ الْكَسْرِ؛ لِأَنَّهُ تَسَلَّمَ الْعَمَلَ بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فَيُعْطِيهِ أُجْرَتَهُ وَلَا يُخَيَّرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَضْمَنُ حَجَّامٌ أَوْ بَزَّاغٌ أَوْ فَصَّادٌ لَمْ يَعْتَدْ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ فَصَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَالْفِعْلُ الْوَاجِبُ لَا يُجَامِعُهُ الضَّمَانُ كَمَا إذَا حَدَّ الْقَاضِي أَوْ عَزَّرَ وَمَاتَ الْمَضْرُوبُ بِذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَدَقِّ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الثَّوْبِ وَرِقَّتَهُ يُعْرَفُ بِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الدَّقِّ بِالِاجْتِهَادِ فَأَمْكَنَ تَقْيِيدُهُ بِالسَّلِيمِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْفَصْدِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَبْتَنِي عَلَى قُوَّةِ الطِّبَاعِ وَضَعْفِهِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الْجَرْحِ فَلَا يُمْكِنُ تَقْيِيدُهُ بِالسَّلِيمِ وَهُوَ غَيْرُ السَّارِي فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ إلَّا إذَا جَاوَزَ الْمُعْتَادَ فَيَضْمَنُ الزَّائِدَ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَهْلَكْ، وَإِنْ هَلَكَ يَضْمَنُ نِصْفَ دِيَةِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَضْمَنُ بِحِسَابِهِ وَهُوَ النِّصْفُ، حَتَّى أَنَّ الْخَتَّانَ لَوْ قَطَعَ الْحَشَفَةَ وَبَرَأَ الْمَقْطُوعُ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ هُوَ الْحَشَفَةُ وَهُوَ عُضْوٌ كَامِلٌ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَإِنْ مَاتَ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَهِيَ مِنْ أَنْدَرِ الْمَسَائِلِ وَأَغْرَبِهَا حَيْثُ يَجِبُ الْأَكْثَرُ بِالْبُرْءِ وَبِالْهَلَاكِ أَقَلُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَاصُّ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ) أَيْ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْعَمَلِ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ سُمِّيَ أَجِيرًا خَاصًّا وَأَجِيرَ وَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ الْوَاحِدُ وَهُوَ الْمُسْتَأْجِرُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فِي الْمُدَّةِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ وَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِهَا فَيَسْتَحِقُّهُ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْعَمَلِ مَانِعٌ حِسِّيٌّ كَالْمَرَضِ وَالْمَطَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ التَّمَكُّنَ مِنْ الْعَمَلِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالْمَنَافِعِ، وَلِهَذَا يَبْقَى الْأَجْرُ مُسْتَحَقًّا، وَإِنْ نُقِضَ الْعَمَلُ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ نُقِضَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي خَيَّاطٍ خَاطَ ثَوْبَ رَجُلٍ بِأَجْرٍ فَفَتَقَهُ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ رَبُّ الثَّوْبِ فَلَا أَجْرَ لِلْخَيَّاطِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْعَمَلَ إلَى رَبِّ الثَّوْبِ وَلَا يُجْبَرُ الْخَيَّاطُ عَلَى أَنْ يُعِيدَ الْعَمَلَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ كَانَ يَجِبُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ الْعَقْدُ قَدْ انْتَهَى بِتَمَامِ الْعَمَلِ وَإِنْ كَانَ الْخَيَّاطُ هُوَ الَّذِي فَتَقَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْعَمَلَ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي نَقَضَ عَمَلَهُ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَخِطْ، وَكَذَلِكَ الْإِسْكَافُ وَالْمَلَّاحُ حَتَّى إذَا رَدَّ الْمَلَّاحُ السَّفِينَةَ أَوْ نَقَضَ الْإِسْكَافُ الْخِيَاطَةَ أُجْبِرَ عَلَى إعَادَتِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ أَجِيرَ وَحَدٍ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِرَعْيِ الْغَنَمِ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْعَى لِغَيْرِهِ أَوْ ذَكَرَ الْمُدَّةَ أَوْ لَا نَحْوُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَاعِيًا شَهْرًا لِيَرْعَى لَهُ غَنَمًا مُسَمَّاةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ أَجِيرَ الْوَحَدِ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْكَلَامَ عَلَى الْمُدَّةِ فِي أَوَّلِهِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِيَرْعَى الْغَنَمَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ فَيَصِيرَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ هُوَ الَّذِي يَقَعُ عَقْدُهُ عَلَى الْعَمَلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ نَوْعِ الْعَمَلِ الَّذِي يُسْتَحَقُّ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فِي الْمُدَّةِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْمُدَّةِ لَا تَصِحُّ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ نَوْعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَمَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ إلَخْ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْأَتْقَانِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالرَّاعِي بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إذَا كَانَ يَرْعَى لِلْعَامَّةِ فَمَا تَلِفَ مِنْ سَوْقِهِ وَضَرْبِهِ إيَّاهَا بِخِلَافِ الْعَادَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنَايَةِ يَدِهِ وَإِذَا سَاقَ الدَّوَابَّ عَلَى الشِّرْعَةِ فَازْدَحَمَتْ عَلَى الْقَنْطَرَةِ وَدَفَعَتْ بَعْضُهَا بَعْضًا فَسَقَطَتْ فِي الْمَاءِ وَعَطِبَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنَايَةِ يَدِهِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ اسْتَأْجَرْتُك لِتَرْعَى غَنَمِي خَاصَّةً مُدَّةً مَعْلُومَةً فَهَذَا أَجِيرُ الْوَحَدِ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الرَّاعِي إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَعْيُ الْأَوْلَادِ الَّتِي تَحْدُثُ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ يَجُوزُ وَفِي أَجِيرِ الْوَحَدِ يَجِبُ وَعَلَيْهِ رَعْيُ الْأَوْلَادِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَضْمَنُ حَجَّامٌ أَوْ بَزَّاغٌ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالتَّتِمَّةِ أَيْضًا إذَا شَرَطَ عَلَى الْحَجَّامِ وَالْبَزَّاغِ الْعَمَلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْرِي لَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ، وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْقَصَّارِ الْعَمَلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَخَرَّقُ صَحَّ؛ لِأَنَّ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ فَصَّادٌ) فَصَدَ الْفَصَّادُ مِنْ حَدِّ ضَرَبَ وَهُوَ فِي الْآدَمِيِّ وَبَزَغَ مِنْ حَدِّ فَتَحَ وَهُوَ فِي الْحَيَوَانِ يُقَالُ بَزَغَ الْبَيْطَارُ الدَّابَّةَ إذَا شَقَّهَا بِالْمِبْزَغِ وَهُوَ مِثْلُ مِشْرَطِ الْحَجَّامِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ قَالَهُ الْكَاكِيُّ، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْبَطْرُ الشَّقُّ فِي جِلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ يُقَالُ بَطَرْت الْجِلْدَ أَبْطُرُهُ وَأَبْطِرُهُ بَطْرًا وَهُوَ أَصْلُ بِنَاءِ الْبَيْطَارِ وَقَالُوا رَجُلٌ بَيْطَرٌ وَبِيَطْرٌ وَمُبَيْطِرٌ وَكُلُّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى ذَلِكَ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ اهـ. (قَوْلُهُ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ مِنْ عَمَلِ الْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَرْقِهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ؛ لِأَنَّ فِي وُسْعِهِ الْإِتْيَانَ بِالْعَمَلِ الْمُصْلِحِ دُونَ الْمُفْسِدِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفَسَادَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِخَرْقٍ فِي الْعَمَلِ بِالدَّقِّ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ الثَّوْبُ أَوْ لِخُشُونَةٍ فِي الْمِدَقَّةِ أَوْ لِخَلَلٍ فِي الثَّوْبِ بِأَنْ كَانَ فِيهِ حَصَاةٌ أَوْ فَسَادُ طَيٍّ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَالرَّجُلُ إذَا كَانَ بَصِيرًا فِي صَنْعَتِهِ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ ذَلِكَ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الْبَحْثِ عَنْ الْخَلَلِ وَالْمُرَاقَبَةِ فِي الدَّقِّ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا وَالْمُسْتَأْجِرُ مَا رَضِيَ إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ انْتَفَى الْإِذْنُ بِالْفَسَادِ ضَرُورَةً اهـ (قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ إلَخْ)؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ التَّقْصِيرُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوضَعَ ثَلَاثُ أَوْرَاقٍ وَيُقَالَ لِلْحَجَّامِ اضْرِبْ بِمِشْرَطِك عَلَى هَذِهِ الْأَوْرَاقِ وَانْفُذْهُ مِنْ الِاثْنَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ حَاذِقٌ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ. اهـ. بَاكِيرٌ. (قَوْلُهُ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) هَذَا نَقَلَهُ قَاضِيخَانْ فِي جِنَايَةِ فَتَاوَاهُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَطَرِ) حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِاِتِّخَاذِ الطِّينِ أَوْ غَيْرِهِ فِي الصَّحْرَاءِ فَمَطَرَ فِي الصَّحْرَاءِ ذَلِكَ بَعْدَ مَا خَرَجَ الْأَجِيرُ إلَى الصَّحْرَاءِ لَا أَجْرَ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ لَمْ يُوجَدْ لِمَكَانِ الْعُذْرِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْمَرْغِينَانِيُّ اهـ دِرَايَةٌ

الْعَمَلِ فَيَقُولُ اسْتَأْجَرْتُك شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلرَّعْيِ أَوْ لِلْحَصَادِ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِالِاحْتِمَالِ فَيَبْقَى أَجِيرَ وَحَدٍ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَوْ شَرَطَ حُكْمَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فَقَالَ عَلَى أَنْ تَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي مَعَ غَنَمِي أَوْ أَخَّرَ الْمُدَّةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى لَهُ غَنَمًا مُسَمَّاةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ شَهْرًا كَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا بِأَوَّلِ الْكَلَامِ بِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ فِي أَوَّلِهِ، وَقَوْلُهُ شَهْرًا فِي آخِرِ الْكَلَامِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ أَجِيرَ وَحَدٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِتَقْدِيرِ الْعَمَلِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَلَا يُغَيَّرُ أَوَّلُ كَلَامِهِ بِالِاحْتِمَالِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ بِعَمَلِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ كَانَ نَوْعَ اسْتِحْسَانٍ عِنْدَهُمَا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ مِنْ خَلْقٍ كَثِيرٍ رَغْبَةً فِي كَثْرَةِ الْأُجْرَةِ، وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا فَيَقْعُدُ عِنْدَهُ طَوِيلًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَتْ بِمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ حَتَّى لَا يَتَوَانَى فِي حِفْظِهِمَا وَأَجِيرُ الْوَحَدِ يَعْمَلُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ مِنْ غَيْرِهِ فَأَخَذَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِالصَّرْفِ إلَى مِلْكِهِ صَحَّ وَصَارَ نَائِبًا مِنَّا بِهِ فَصَارَ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَنْفَعَتُهُ وَهِيَ سَلِيمَةٌ، وَإِنَّمَا الْخَرْقُ فِي الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ تَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ سَلَامَتُهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ إلَّا إذَا تَعَمَّدَ الْفَسَادَ فَيَضْمَنُ لِلتَّعَدِّي كَالْمُودَعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ تَرْدِيدُ الْأَجْرِ بِتَرْدِيدِ الْعَمَلِ فِي الثَّوْبِ نَوْعًا وَزَمَانًا فِي الْأَوَّلِ وَفِي الدُّكَّانِ وَالْبَيْتِ وَالدَّابَّةِ مَسَافَةً وَحَمْلًا) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَجْرُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ تَسْمِيَتَيْنِ بِجَعْلِ الْعَمَلِ مُتَرَدِّدًا فِي الثَّوْبِ بَيْنَ نَوْعَيْ الْعَمَلِ بِأَنْ يُجْعَلَ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِمَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنَّ خَطَّتْهُ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خَطَّتْهُ رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِجَعْلِ الْعَمَلِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ زَمَانَيْنِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَزَمَانًا فِي الْأَوَّلِ أَيْ فِي الْمُتَرَدِّدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِالِاحْتِمَالِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَعْقُودًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَمَا يُولَدُ مِنْهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا إلَّا إذَا تَعَمَّدَ الْفَسَادَ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كَالْمُودَعِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ نَفْسَ الْعَمَلِ أَوْ وَصْفَ الْقِصَارَةِ؛ لِأَنَّا لَوْ فَعَلْنَا ذَلِكَ لَفَسَدَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ صُورَةَ أَجِيرِ الْوَحَدِ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَرُبَّمَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ هَذَا الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَرُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ وَرُبَّمَا يَتَأَتَّى مِنْهُ وَصْفُ الْقِصَارَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَرُبَّمَا لَا يَتَأَتَّى فَكَانَ فِيهِ جَهَالَةٌ وَغَرَرٌ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فَجَعَلْنَا الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِهَذَا الزَّمَانِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ الْمَنْفَعَةُ لَا وَصْفَ الْقِصَارَةِ وَفِي الْمُشْتَرَكِ وَصْفُ الْقِصَارَةِ الْأَحْكَامُ مِنْهَا أَنَّ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ إذَا سَلَّمَ النَّفْسَ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ الْمُسْتَأْجِرُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ وَفِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ وَصْفُ الْقِصَارَةِ وَمِنْهَا أَنَّ فِي الْخَاصِّ لَوْ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ مَنَافِعَ نَفْسِهِ وَفِي الْمُشْتَرَكِ يَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ وَصْفَ الْقِصَارَةِ وَمِنْهَا أَنَّ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ لَوْ خَاطَ ثُمَّ نَقَضَ الْخِيَاطَةَ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَنْفَعَةَ النَّفْسِ وَفِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْعَمَلَ إلَى الْمَالِكِ كَذَا قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ) كَمَا إذَا ضَاعَ أَوْ سُرِقَ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ اهـ ق. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بِعَمَلِهِ) كَالْفَسَادِ فِي الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَالتَّخْرِيقِ فِي الْغُسْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ ق (قَوْلُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ) أَرَادَ بِهِ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ اهـ. (قَوْلُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ) حَتَّى لَا يُقَصِّرَ فِي حِفْظِهَا أَوْ لَا يَأْخُذَ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَحْفَظُهُ اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَأَجِيرُ الْوَحَدِ يَعْمَلُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ وَلَا يَتَسَلَّمُ الْعَيْنَ فِي الْعَادَةِ بَلْ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ عَلَيْهِ سَلَامَةُ الْعَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَأَخَذَ فِيهِ بِالْقِيَاسِ) أَيْ وَهُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي) أَرَادَ بِهِ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ اهـ. (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ) فَفَسَدَ مِنْ عَمَلِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ) أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَيْبِ. اهـ. كَاكِيٌّ (وَقَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَنْفَعَتُهُ) يَعْنِي أَنَّ مَنْفَعَةَ أَجِيرِ الْوَحَدِ هِيَ الْمَبِيعَةُ وَهِيَ سَلِيمَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْمُودَعِ) وَعَلَى هَذَا أَجِيرُ الْقَصَّارِ وَسَائِرِ الصُّنَّاعِ؛ لِأَنَّ التِّلْمِيذَ أَجِيرٌ خَاصٌّ فَلَا يَضْمَنُ وَيَضْمَنُ الْأُسْتَاذُ وَلَا يَرْجِعُ الْأُسْتَاذُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى التِّلْمِيذِ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ. اهـ. كَاكِيٌّ . (قَوْلُهُ مَسَافَةً وَحَمْلًا) رَاجِعَانِ لِلدَّابَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَجْرَ مُتَرَدِّدًا إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْرًا مَعْلُومًا فَذَلِكَ جَائِزٌ كَرَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ قَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الْأُخْرَى بِعَشْرَةٍ أَوْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ فِي حَانُوتَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ دَابَّتَيْنِ أَوْ فِي مَسَافَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَقَالَ قَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى وَاسِطَ بِكَذَا أَوْ إلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ بِتَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ مَعْلُومٌ فِي حَالِ وُجُوبِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا فَقَالَ إنْ خِطْته فَارِسِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْته رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمَانِ أَوْ قَالَ لِلصَّبَّاغِ إنْ صَبَغْته بِعُصْفُرٍ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ صَبَغْته بِزَعْفَرَانٍ فَلَكَ دِرْهَمَانِ فَذَلِكَ أَيْضًا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ بِالْعَمَلِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ عَنْ صَاحِبِهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ خَيَّرَهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنْ ذَكَرَ أَرْبَعَةً لَمْ يَجُزْ اهـ أَتْقَانِيٌّ

بَيْنَ زَمَانَيْنِ يَجُوزُ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْ بِجَعْلِ الْمَنْفَعَةِ مُتَرَدِّدًا فِي دُكَّانٍ بِأَنْ قَالَ إنْ سَكَّنْته حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ وَإِنْ سَكَّنْته عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ أَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي بَيْتٍ أَوْ بِجَعْلِهِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ مَسَافَتَيْنِ فِي الدَّابَّةِ أَوْ بَيْنَ حِمْلَيْنِ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى بَغْدَادَ بِكَذَا وَإِلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا أَوْ بِأَنْ قَالَ لَهُ آجَرْتُكهَا عَلَى أَنَّك إنْ حَمَلْت عَلَيْهَا قِنْطَارًا مِنْ حِنْطَةٍ فَبِخَمْسَةٍ، وَإِنْ حَمَلْت عَلَيْهَا قِنْطَارًا مِنْ حَدِيدٍ فَبِعَشَرَةٍ، وَكَذَا لَوْ خَيَّرَهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ جَازَ، وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَبِيعُ، وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ هُنَا وَفِي الْبَيْعِ رِوَايَتَانِ وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّ الْأَجْرَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعَمَلِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَمَلُ مَعْلُومًا وَفِي الْبَيْعِ يَجِبُ الثَّمَنُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَتَتَحَقَّقُ الْجَهَالَةُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ فَإِذَا عُرِفَ هَذَا مُجْمَلًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَلَامِ فِيهِ مُفَصَّلًا لِيَهْتَدِيَ الطَّالِبُ إلَى مَعْرِفَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِعِلَّتِهَا فَنَقُولُ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إنْ خَطَّتْهُ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خَطَّتْهُ رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ فَإِنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى نَوْعَيْنِ مَعْلُومَيْنِ مِنْ الْعَمَلِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَلًا مَعْلُومًا فَيَجُوزُ كَمَا إذَا خَيَّرَهُ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ عَبْدَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي مَوْضِعِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْتَهُ غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَالْمَذْكُورُ هُنَا وَهُوَ جَوَازُ الْعَقْدِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الْيَوْمِ الثَّانِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَهُمَا الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا تَسْمِيَتَانِ فِي الْيَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِي غَدٍ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ أَيْضًا وَالْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْغَدِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَوْمَ وَالْغَدَ لِلتَّعْجِيلِ وَالتَّرْفِيهِ لَا غَيْرُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ خِطْ لِي هَذَا الثَّوْبَ غَدًا بِدِرْهَمٍ فَخَاطَهُ الْيَوْمَ اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ خِطْ لِي هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ الْيَوْمَ فَخَاطَهُ غَدًا يَسْتَحِقُّ الدِّرْهَمَ، فَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَمًّى فِي الْوَقْتَيْنِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ بِمُقَابَلَةِ مُبْدَلٍ وَاحِدٍ مُفْسِدٍ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ بِعْتُك حَالًّا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمُؤَجَّلًا بِأَلْفَيْنِ وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ، وَذِكْرَ الْغَدِ لِلْإِضَافَةِ فَهَذَا حَقِيقَتُهُ وَاسْتِعْمَالُهُمَا لِلتَّرْفِيهِ وَالتَّعْجِيلِ مَجَازٌ وَالْكَلَامُ لِحَقِيقَتِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ يُؤَدِّي إلَى الْفَسَادِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومٌ وَبَدَلُهُمَا مَعْلُومٌ فَصَارَ نَظِيرَ خِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ بِخِلَافِ حَالَةِ الِانْفِرَادِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى التَّأْقِيتِ لَفَسَدَ الْعَقْدُ إذْ تَعَيُّنُ الْعَمَلِ مَعَ تَعَيُّنِ الْوَقْتِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَصِرْنَا إلَى الْمَجَازِ بِدَلَالَةِ حَالِهِمَا إذْ مَقْصُودُهُمَا الصِّحَّةُ دُونَ الْفَسَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ وَالْغَدَ لِلْإِضَافَةِ وَالْكَلَامَ لِحَقِيقَتِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى مَجَازِهِ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ فِي ذِكْرِ الْيَوْمِ وَهُوَ التَّعْجِيلُ لِأَنَّ مُرَادَهُمَا الصِّحَّةُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَ الْعَمَلِ مَعَ التَّوْقِيتِ مُفْسِدٌ فَإِنَّ تَعَيُّنَ الْعَمَلِ يُوجِبُ كَوْنَهُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَتَعَيُّنَ الْوَقْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ بِجَعْلِهِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ مَسَافَتَيْنِ فِي الدَّابَّةِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْإِجَارَةِ رَجُلٌ اكْتَرَى دَابَّةً، وَقَالَ إنْ رَكِبْتهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَبِكَذَا، وَإِنْ رَكِبْتهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَبِكَذَا أَوْ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ مَوَاضِعَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِهَذَا أَصْلًا فَقَالَ الْإِجَارَةُ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ عَلَى أَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ أَجْرًا مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الْأُخْرَى بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الثَّالِثَةَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا أَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي الْبُيُوتِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْحَوَانِيتِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْأَعْبُدِ الثَّلَاثَةِ أَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي الْمَسَافَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى وَاسِطَ بِكَذَا أَوْ إلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا أَوْ إلَى بَغْدَادَ بِكَذَا أَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي أَنْوَاعِ الْخِيَاطَةِ إلَى الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ وَفِي الزِّيَادَةِ لَا يَجُوزُ وَفَرْقٌ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ إذَا بَاعَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْخَيَّاطُ فِي ذَلِكَ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي عَلَى مَا عُرِفَ وَفِي الْإِجَارَةِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ يَجْرِي فِيهَا مِنْ الْمُسَامَحَةِ مَا لَا يَجْرِي فِي الْبَيْعِ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ جَوَازُ الْعَقْدِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَخْ) قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ الْآخَرُ فَاسِدٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ) أَيْ فَإِنَّهُ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي الْغَدِ أَوْ بَعْدَ غَدٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُنْقَصُ عَنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ، كَذَا ذَكَرَ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، فَإِنْ خَاطَهُ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا تَسْمِيَتَانِ فِي الْيَوْمَيْنِ) بَيَانُهُ أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِتَأْقِيتِ الْإِجَارَةِ بِالْيَوْمِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَبْقَى التَّسْمِيَةُ الْأُولَى فِي الْغَدِ فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ يَجْتَمِعُ فِيهِ تَسْمِيَتَانِ وَذِكْرُ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ فَإِذَا كَانَ لِلتَّرْفِيهِ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ الْمُضَافَةُ إلَى الْغَدِ مَوْجُودَةً فِي الْيَوْمِ أَيْضًا فَيَجْتَمِعُ تَسْمِيَتَانِ أَيْضًا فِي الْيَوْمِ فَيَلْزَمُ الْبَدَلَانِ عَلَى الْبَدَلِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلٍ وَاحِدٍ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْيَوْمَيْنِ جَمِيعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَخَاطَهُ الْيَوْمَ اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ لَا لِلْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ فَاجْتَمَعَ فِي الْيَوْمِ تَسْمِيَتَانِ فَيَفْسُدُ لِجَهَالَةِ الْبَدَلِ اهـ. (قَوْلُهُ فَخَاطَهُ غَدًا يَسْتَحِقُّ الدِّرْهَمَ) أَيْ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُنْعَقِدَ فِي الْيَوْمِ بَاقٍ إلَى الْغَدِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِلتَّوْقِيتِ فَاجْتَمَعَ فِي الْغَدِ أَيْضًا تَسْمِيَتَانِ وَالْخِيَاطَةُ وَاحِدَةٌ فَيَجِبُ إحْدَى التَّسْمِيَتَيْنِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَهَذِهِ جَهَالَةٌ تُوقِعُهُمَا فِي الْمُنَازَعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى التَّأْقِيتِ لَفَسَدَ الْعَقْدُ) أَيْ وَمَتَى حُمِلَ عَلَى التَّعْجِيلِ أَوْ لِلتَّرْفِيهِ لَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ) أَيْ لَا لِلتَّوْقِيتِ لِلْإِجَارَةِ بِالْيَوْمِ وَلِهَذَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ كَانَ لِتَوْقِيتٍ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجْتَمِعُ الْوَقْتُ وَالْعَمَلُ. اهـ.

لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَلَا يَجْتَمِعَانِ فَيَفْسُدُ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ كَيْ لَا يَفْسُدَ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى التَّعْجِيلِ وَفِي الْغَدِ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ وَهُوَ التَّرْفِيهُ بَلْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْإِضَافَةُ وَالتَّعْلِيقُ فَتَرَكْنَاهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّرْفِيهِ يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي الْيَوْمِ تَسْمِيَتَانِ كَمَا قَالَ زُفَرُ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لِلْإِضَافَةِ كَمَا هُوَ حَقِيقَتُهُ وَنُقْصَانُ الْأَجْرِ فِي الْغَدِ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ لِلتَّرْفِيهِ لَا تَكُونُ أُجْرَتُهُ أَنْقَصَ، فَإِذَا كَانَ ذَكَرَ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ وَذَكَرَ الْغَدَ لِلتَّعْلِيقِ لَمْ يُوجَدْ فِي الْيَوْمِ إلَّا تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ يَفْسُدْ، فَإِذَا خَاطَهُ الْيَوْمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدِّرْهَمُ، فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ فَسَدَ لِوُجُودِ تَسْمِيَتَيْنِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ يَنْزِلُ بِمَجِيءِ الْغَدِ وَالتَّسْمِيَةُ الْأُولَى بَاقِيَةٌ فَيَفْسُدُ لِاجْتِمَاعِ تَسْمِيَتَيْنِ فِي عَمَلٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ خِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الْعَقْدَيْنِ مُوجَبٌ فِي الْعَمَلِ الْآخَرِ فَكَانَا عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَدَلٍ مُسَمًّى عَلَى الِانْفِرَادِ مَعْلُومٌ فَافْتَرَقَا، فَإِنْ خَاطَهُ فِيهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى فِيهِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَنْقُصُ عَنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى بَاقِيَةٌ فِي الْغَدِ فَتُعْتَبَرُ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ وَتُعْتَبَرُ الثَّانِيَةُ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ، وَلَوْ خَاطَهُ بَعْدَ غَدٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِهِ إلَى الْغَدِ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَرْضَى إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ وَالصَّحِيحُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يُنْقَصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إنْ سَكَّنْت هَذَا الدُّكَّانَ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ سَكَّنْته حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْإِجَارَةُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْقِسْمُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى بَغْدَادَ بِكَذَا وَإِلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا وَلَهُمَا أَنَّ الْأُجْرَةَ وَالْمَنْفَعَةَ مَجْهُولَانِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ يَجِبُ بِالتَّسْلِيمِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ وَلَا يُدْرَى أَيُّ الْعَمَلَيْنِ تَقَرَّرَ وَأَيُّ التَّسْمِيَتَيْنِ تَجِبُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ خِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ لَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا بِالْعَمَلِ وَبِهِ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ وَبِخِلَافِ التَّرْدِيدِ فِي الْيَوْمِ وَالْغَدِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمَا كَمَسْأَلَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ إلَّا بَعْدَ الْعَمَلِ فَعِنْدَ ذَلِكَ هُوَ مَعْلُومٌ فَهَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ لَهُمَا أَنَّ الْأَجْرَ مَتَى وَجَبَ بِالتَّسْلِيمِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ شَيْئَيْنِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا يَجِبُ وَالْإِجَارَةُ تَفْسُدُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُجْرَةً مَعْلُومَةً، فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ وَالْإِجَارَةُ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَوْفِي الْمَنَافِعَ وَعِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى الْإِيجَابِ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ يَجِبُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيُجْعَلُ التَّسْلِيمُ لَهُمَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ أَقَلُّ الْبَدَلَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ ضَرَرًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَقَلِّهِمَا ضَرَرًا، وَكَذَا يَجُوزُ إذَا خَيَّرَهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِمِائَةٍ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ بِمِائَتَيْنِ أَوْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِخَمْسِينَ أَوْ هَذَا الدُّكَّانَ بِعِشْرِينَ، وَكَذَا يَجُوزُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَالْمَعْنَى قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُسَافِرُ بِعَبْدٍ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ بِلَا شَرْطٍ) لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَتَنَاوَلُ الْخِدْمَةَ فِي الْحَضَرِ إذْ هُوَ الْأَعَمُّ الْأَغْلَبُ وَعَلَيْهِ عُرْفُ النَّاسِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ إذْ الْمُطْلَقُ يُقَيَّدُ بِمِثْلِ هَذَا مِنْ الْمُتَعَارَفِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى خِدْمَةِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ الْأَشَقُّ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ فَرَسًا لِلرُّكُوبِ وَعَيَّنَ الرَّاكِبَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ لِلتَّفَاوُتِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا لِلسُّكْنَى فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَكِّنَ فِيهِ حَدَّادًا؛ لِأَنَّهُ أَضَرُّ وَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَلِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمَوْلَى يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ فَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِإِذْنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ ذَكَرَ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَمَّا كَانَ ذَكَرَ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ بَقِيَتْ التَّسْمِيَةُ الْأُولَى بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْغَدِ فَاجْتَمَعَ تَسْمِيَتَانِ فِي الْغَدِ فَبَطَلَ الشَّرْطُ الثَّانِي لِهَذَا بِاعْتِبَارِ التَّزَاحُمِ وَفِي الْيَوْمِ لَمْ يَجْتَمِعْ تَسْمِيَتَانِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الثَّانِيَةَ مُضَافَةً إلَى الْغَدِ عَدَمٌ فِي الْحَالِ فَلَا جَرَمَ وَجَبَ الْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ وَأَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْغَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ فِي الصَّحِيحِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْقُدُورِيِّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) أَيْ وَالْأَصْلِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَدَّادًا) قَالَ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ فَعَلَ اسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ، فَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ قَالَ بَعْضُهُمْ يَسْتَحِقُّ الْأَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَبَعْضُهُمْ أَوْجَبُوا مِنْ كُلِّ مُسَمًّى نِصْفَهُ وَاخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، فَإِنْ أَمْسَكَ الدَّارَ وَلَمْ يَسْكُنْ فِيهَا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ فَعَلَيْهِ أَقَلُّ التَّسْمِيَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةٍ زَائِدَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَوَجَبَ بِالتَّخْلِيَةِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ . (قَوْلُهُ وَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَتَنَاوَلُهُ) تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مَتْنًا وَشَرْحًا أَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمُؤَجِّرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مُؤْنَةَ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ مِنْ الرَّجُلِ الرَّحَى فَيَحْمِلُهَا فَتَنْقَضِي الْإِجَارَةُ قَالَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ يَجِيءُ فَيَأْخُذُهَا

بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ حَيْثُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَضَرِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ الْعُرْفُ فِي حَقِّهِ وَلَا يُقَالُ لَمَّا مَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ مَنَافِعَهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمَوْلَى فِيهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُسَافِرَ بِهِ فَكَذَا لِهَذَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا مَلَكَ الْمَوْلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ لَا لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَ رَقَبَتَهُ وَأَنْ يُزَوِّجَهُ وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ ذَلِكَ فَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونَ وَقْتَ الْإِجَارَةِ مُتَهَيِّئًا لِلسَّفَرِ وَعُرِفَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُلْزِمٌ وَالْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ، وَلَوْ سَافَرَ بِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلَّمَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْأُجْرَةَ لَا يَجْتَمِعَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَأْخُذُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ عَبْدٍ مَحْجُورٍ أَجْرًا دَفَعَهُ إلَيْهِ لِعَمَلِهِ) مَعْنَاهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَمِلَ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَالْقِيَاسُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِعْمَالِ صَارَ غَاصِبًا لَهُ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ إذَا هَلَكَ وَمَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ لَا تُضْمَنُ عِنْدَنَا فَيَبْقَى الْمَدْفُوعُ عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّصَرُّفَ نَافِعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْفَرَاغِ سَالِمًا، ضَارٌّ عَلَى اعْتِبَارِ هَلَاكِ الْعَبْدِ وَالنَّافِعُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَيَجُوزُ فَتَخْرُجُ الْأُجْرَةُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ مَحْجُورٌ عَنْ تَصَرُّفٍ يَضُرُّ بِالْمَوْلَى لَا عَنْ تَصَرُّفٍ يَنْفَعُ الْمَوْلَى. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ قَبُولُهُ الْهِبَةَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لِكَوْنِهِ نَفْعًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَجَوَازُ الْإِجَارَةِ بَعْدَ مَا سَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ تَمَحَّضَ نَفْعًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا إذَا جَازَتْ يَحْصُلُ لِلْمَوْلَى الْأَجْرُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ، وَلَوْ لَمْ تَجُزْ ضَاعَ مَنَافِعُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ مَجَّانًا فَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ، فَإِذَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ صَحَّ قَبْضُ الْعَبْدِ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ وَقَبْضُ الْبَدَلِ إلَى الْعَاقِدِ وَمَتَى صَحَّ قَبْضُهُ لَا يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ قِيمَتُهُ وَإِذَا ضَمِنَ صَارَ مَالِكًا لَهُ مِنْ وَقْتِ الِاسْتِعْمَالِ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا مَنْفَعَةَ عَبْدِ نَفْسِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ، وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ وَسَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ كَانَ الْأَجْرُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَمَّا يَنْفَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ قَبُولَ الْهِبَةِ. وَجَوَازُ الْإِجَارَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ نَفْعٌ مَحْضٌ وَفِي النِّهَايَةِ الْأَجْرُ الَّذِي يَجِبُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَجْرُ الْمِثْلِ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ نَفَذَتْ الْإِجَارَةُ وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ فَأَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى وَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ آجَرَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ فَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ، فَإِنْ فَسَخَ الْإِجَارَةَ فَأَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى، وَإِنْ أَجَازَ فَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ وَالْقَبْضُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَضْمَنُ غَاصِبُ الْعَبْدِ مَا أَكَلَ مِنْ أَجْرِهِ) مَعْنَاهُ إذَا غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا فَآجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَأَخَذَ الْغَاصِبُ مِنْ يَدِ الْعَبْدِ الْأُجْرَةَ فَأَكَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا عَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا تَأْوِيلَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ إجَارَتَهُ نَفْسَهُ جَائِزَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَامَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَكَسْبُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِرَقَبَتِهِ فَيَكُونُ الْغَاصِبُ مُتَعَدِّيًا بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَالْإِتْلَافِ فَيَضْمَنُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالٍ مُحْرَزٍ مُتَقَوِّمٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَازَ يَكُونُ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ نَائِبِهِ، وَهَذَا الْمَالُ لَيْسَ فِي يَدِهِ وَلَا فِي يَدِ نَائِبِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ وَالْعَبْدَ لَيْسَ فِي يَدِ نَفْسِهِ بَلْ هُوَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَمَا فِي يَدِهِ يَكُونُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَيْضًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ وَأَنْ يَكُونَ مُحْرَزًا بِحِرْزِهِ إذْ هُوَ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ عَنْ الْغَاصِبِ فَكَيْفَ يُحْرِزُ مَا فِي يَدِهِ عَنْهُ، وَمَا لَمْ يَقَعْ فِي يَدِ الْمَوْلَى حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِالِاسْتِنَابَةِ لَا يَكُونُ مَعْصُومًا لَهُ فَصَارَ نَظِيرَ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ فِي يَدِ السَّارِقِ بَعْدَ الْقَطْعِ وَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَالْبَدَلُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمُبْدَلِ وَلَوْ أَتْلَفَ الْغَاصِبُ الْمَنْفَعَةَ لَا يَضْمَنُ فَكَذَا بَدَلُهَا وَلِأَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ آجَرَ الْعَبْدَ بِنَفْسِهِ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ وَأَكَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَكَذَا إذَا آجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِهِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ وَمِنْ وَجْهٍ كَفِعْلِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لِرَقَبَتِهِ وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ يُوَفِّرُ عَلَيْهِ حَظَّهُمَا فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَالِكِ عِنْدَ بَقَاءِ الْأَجْرِ فِي يَدِهِ فَقُلْنَا الْمَالِكُ أَحَقُّ بِهِ وَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْغَاصِبِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَقُلْنَا لَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا أَكَلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الْعَبْدُ فِي ضَمَانِهِ كَالْمَبِيعِ إذَا اُكْتُسِبَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَاسْتَهْلَكَ الْبَائِعُ كَسْبَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ضَمَانِهِ وَهُوَ الْمَبِيعُ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْصُوبِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَيْهِ) أَيْ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِلَا خِدْمَةٍ دُونَ الْوَارِثِ اهـ. (قَوْلُهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ الْأَجْرَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ) أَيْ بَعْدَ مَا سَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَسَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ) إلَّا أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الصَّبِيُّ مِنْ الْعَمَلِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ الدِّيَةُ وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ فِيمَا عَمِلَ قَبْلَ الْهَلَاكِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ إذَا هَلَكَ مِنْ الْعَمَلِ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ) أَيْ كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى قَبْضَ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ نَقْضُهَا بَعْدَ اخْتِيَارِ الْمُضِيِّ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ عَجَّلَ الْأُجْرَةَ كُلَّهَا لِلْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ شَيْئًا فِي أَوَّلِ الْإِجَارَةِ فَالْأُجْرَةُ كُلُّهَا لِلْمَوْلَى إذَا اخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَى الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ كَانَ مَلَكَ الْأُجْرَةَ قَبْلَ عِتْقِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ مِلْكُ الْمَوْلَى وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْكَسْبُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ الْمَوْلَى اهـ أَتْقَانِيٌّ

بِالْإِتْلَافِ مُتَعَدِّيًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَذْلِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ هُوَ جُزْءُ الْأُمِّ فَيَضْمَنُهُ عِنْدَ التَّعَدِّي كَالْأُمِّ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا الْغَاصِبُ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ، وَلَوْ آجَرَ الْعَبْدَ كَانَ الْأَجْرُ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ وَجَدَهُ رَبُّهُ أَخَذَهُ) أَيْ لَوْ وَجَدَ مَوْلَى الْعَبْدِ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ مِنْ الْأُجْرَةِ أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ التَّقَوُّمِ بُطْلَانُ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمَسْرُوقِ بَعْدَ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ يَبْقَ مُتَقَوِّمًا حَتَّى لَا يُضْمَنَ بِالْإِتْلَافِ وَيَبْقَى الْمِلْكُ فِيهِ حَتَّى يَأْخُذَهُ الْمَالِكُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ قَبْضُ الْعَبْدِ أَجْرَهُ) أَيْ وَلَوْ قَبَضَ الْعَبْدُ أُجْرَتَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ جَازَ قَبْضُهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ وَتَصَرُّفُهُ نَفْعٌ مَحْضٌ عَلَى مَا مَرَّ فِي عَبْدٍ غَيْرِ مَغْصُوبٍ فَصَحَّ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ آجَرَ عَبْدَهُ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ صَحَّ وَالْأَوَّلُ بِأَرْبَعَةٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَوَّلًا شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ انْصَرَفَ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ تَحَرِّيًا لِلصِّحَّةِ كَمَا لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ فِي حَقِّ الْإِجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَوْقَاتِ فِي حَقِّ الْيَمِينِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا لِأَنَّ تَنْكِيرَهَا مُفْسِدٌ فَيَتَعَيَّنُ عَقِيبَهَا، فَإِذَا انْصَرَفَ الْأَوَّلُ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ انْصَرَفَ الثَّانِي إلَى مَا يَلِي الشَّهْرَ الْأَوَّلَ وَتَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْأَوْقَاتِ إلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي إبَاقِ الْعَبْدِ وَمَرَضِهِ حُكِّمَ الْحَالُ) مَعْنَاهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرًا مَثَلًا، ثُمَّ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ أَبَقَ أَوْ مَرِضَ فِي الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى ذَلِكَ أَوْ أَنْكَرَ إسْنَادَهُ إلَى أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَقَالَ أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَنِي بِسَاعَةٍ يُحَكَّمُ الْحَالُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْحَالُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّعَاوَى قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، وَوُجُودُهُ فِي الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ فِي الْمَاضِي فَيَصْلُحُ الظَّاهِرُ مُرَجِّحًا، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا دَفْعُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ لِلْمُؤَجِّرِ فَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ يَشْهَدُ عَلَى بَقَائِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا بِمُجَرَّدِ الظَّاهِرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ أَقَرَّ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْإِنْكَارُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ مُتَعَرَّضًا لِنَفْيِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً وَلَهَا وَلَدٌ فَقَالَتْ أَعْتَقَنِي قَبْلَ وِلَادَتِهِ فَيَكُونُ حُرًّا تَبَعًا لِي، وَقَالَ الْمَوْلَى أَعْتَقْتُك بَعْدَهَا فَلَا يَعْتِقُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرٌ وَاخْتَلَفَا فِي بَيْعِ الثَّمَرِ مَعَهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ فِي يَدِهِ الثَّمَرُ، وَهَذَا كُلُّهُ تَحْكِيمٌ لِلْحَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ فِي الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَالْأَجْرِ وَعَدَمِهِ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ رَبُّ الثَّوْبِ وَالصَّانِعِ فِي الْمَخِيطِ بِأَنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَهُ قَبَاءً، وَقَالَ الْخَيَّاطُ قَمِيصًا أَوْ فِي لَوْنِ الصَّبْغِ بِأَنْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ أَحْمَرَ فَصَبَغْته أَصْفَرَ، وَقَالَ الصَّبَّاغُ بَلْ أَمَرْتنِي بِصَبْغِهِ أَصْفَرَ أَوْ فِي الْأُجْرَةِ بِأَنْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ عَمِلْته لِي بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَقَالَ الصَّبَّاغُ بِأَجْرٍ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ آجَرَ) أَيْ الْغَاصِبُ. اهـ. (قَوْلَهُ كَانَ الْأَجْرُ لَهُ) أَيْ لَا لِلْمَالِكِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْأَكْلِ بِالِاتِّفَاقِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ آجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ قَبْضُ الْعَبْدِ أَجْرَهُ) وَفَائِدَةُ هَذَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ خُرُوجِ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ عُهْدَةِ الْأَجْرِ فَإِنَّ الْخُرُوجَ مِنْ عُهْدَتِهِ يَحْصُلُ بِأَدَائِهِ إلَى الْعَبْدِ فِيمَا إذَا آجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَأَمَّا إذَا آجَرَهُ الْمَوْلَى فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ وِلَايَةُ قَبْضِ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَلَا بِوَكِيلٍ عَنْ الْعَاقِدِ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ اهـ مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ تَحَرِّيًا) أَيْ طَلَبًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَانْصَرَفَ الثَّانِي إلَى مَا يَلِي الشَّهْرَ الْأَوَّلَ) أَيْ لَوْ عَمِلَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي اسْتَحَقَّ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَلَوْ عَمِلَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ اسْتَحَقَّ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ) أَيْ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ شَهْرَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ فَالْأَوَّلَانِ بِدِرْهَمَيْنِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي إبَاقِ الْعَبْدِ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا لَهُ شَهْرًا بِدِرْهَمَيْنِ فَقَبَضَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ جَاءَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَهُوَ آبِقٌ أَوْ مَرِيضٌ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ أَبَقَ حِينَ أَخَذْتُهُ، وَقَالَ الْمُؤَاجِرُ مَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِسَاعَةٍ قَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ جَاءَ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ أَبَقَ حِينَ أَخَذْته أَوْ مَرِضَ حِينَ أَخَذْته وَكَذَّبَهُ الْمُؤَاجِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُؤَاجِرِ. إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُبَيْلَ بَابِ الِاخْتِلَافِ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَنَخْتِمُ الْبَابَ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ إجَارَةِ الرَّقِيقِ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي قَالَ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ عَبْدًا لِيَخْدُمَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِأَجْرٍ مُسَمًّى فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ الْمُعْتَادَةَ مَعْلُومَةٌ وَوَقْتَهَا مَعْلُومٌ فَصَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَلَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ مِنْ السَّحَرِ إلَى أَنْ يَنَامَ النَّاسُ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ، وَإِنَّمَا يَخْدُمُهُ كَمَا يَخْدُمُ النَّاسَ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي يَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ فِيهِ إلَى الْخِدْمَةِ هَذَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَنَامُونَ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَيَنْتَبِهُونَ قَرِيبًا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَحْتَاجُ الْأَجِيرُ إلَى أَنْ يَقُومَ قَبْلَهُ لِيُهَيِّئَ لَهُ أَسْبَابَ الْوُضُوءِ وَيُوقِدَ النَّارَ وَالسِّرَاجَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ قَيَّدْنَاهُ بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ بَاعَ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرٌ) أَيْ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ بِعْت الْأَشْجَارَ دُونَ الثِّمَارِ وَالْمُشْتَرِي يَقُولُ اشْتَرَيْتهَا مَعَ الثِّمَارِ قَالُوا يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الثِّمَارُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الصَّبَّاغُ بَلْ أَمَرْتنِي بِصَبْغِهِ أَصْفَرَ) أَيْ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ

[باب فسخ الإجارة]

الْقَوْلُ فِي الْكُلِّ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْخِيَاطَةِ وَالصَّبْغِ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الثَّوْبِ فَكَانَ أَعْلَمَ بِكَيْفِيَّتِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْإِذْنَ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ وَصْفَهُ إذْ الْوَصْفُ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ لَكِنَّهُ يَحْلِفُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ، فَإِذَا حَلَفَ فَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ أَوْ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ مِنْ جِهَةٍ وَهُوَ فِي أَصْلِ الْعَمَلِ مُخَالِفٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ فِي الصِّفَةِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَضْمَنَ لَهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبَّاغِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ فِي الصَّبْغِ، ثُمَّ رَبُّ الثَّوْبِ يَدَّعِي عَلَيْهِ خِلَافًا لِيُضَمِّنَهُ أَوْ لِيُثْبِتَ لِنَفْسِهِ الْخِيَارَ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَجْرِ فَلِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مُنْكِرٌ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ وَوُجُوبَ الْأَجْرِ عَلَيْهِ، وَالصَّانِعُ يَدَّعِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الصَّانِعُ حَرِيفًا لَهُ أَيْ مُعَامِلًا لَهُ بِأَنْ كَانَ يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا لِلْعَمَلِ وَيُقَاطِعُهُ عَلَيْهِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُمَا مِنْ الْمُقَاطَعَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِأَجْرٍ فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الِاشْتِرَاطِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِالدَّفْعِ لِلْعَمَلِ إلَى مَنْ يُخَالِطُهُ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْأَجْرِ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الصَّانِعُ مَعْرُوفًا بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأَجْرِ وَقِيَامِ حَالِهِ بِهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الدُّكَّانَ لِأَجْلِهِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِظَاهِرِ الْمُعْتَادِ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ الظَّاهِرِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ إذْ الظَّاهِرُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا غَيْرُ. أَلَا تَرَى أَنَّ ذَا الْيَدِ يَدْفَعُ الْمُدَّعَى بِالْيَدِ، ثُمَّ إذَا بِيعَتْ بِجَنْبِ مَا فِي يَدِهِ دَارٌ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ لِمَا قُلْنَا وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُفْسَخُ بِالْعَيْبِ) أَيْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلِ عَنْ الْعَيْبِ، فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ فَاتَ رِضَاهُ فَيُفْسَخُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ الْمَنَافِعُ وَهِيَ تَحْدُثُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَمَا وُجِدَ مِنْ الْعَيْبِ يَكُونُ حَادِثًا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي حَقِّ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَنَافِعِ فَيُوجِبُ الْخِيَارَ كَمَا إذَا حَدَثَ الْعَيْبُ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ مَعَ الْعَيْبِ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ فَعَلَ الْمُؤَجِّرُ مَا أَزَالَ بِهِ الْعَيْبَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلرَّدِّ قَدْ زَالَ قَبْلَ الْفَسْخِ وَالْعَقْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، فَإِنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ. اهـ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْخَيَّاطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالتَّتِمَّةِ. اهـ. [بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ] (بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ) ذَكَرَ الْفَسْخَ آخِرًا؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ بَعْدَ وُجُودِ الْعَقْدِ لَا مَحَالَةَ فَنَاسَبَ ذِكْرَهُ آخِرًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ثُمَّ إنَّمَا يَلِي الْمُسْتَأْجِرُ الْفَسْخَ إذَا كَانَ الْمُؤَاجِرُ حَاضِرًا، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَحَدَثَ بِالْمُسْتَأْجَرِ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِحُضُورِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهَا. اهـ. بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَدَلِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ عَبْدًا لِيَخْدُمَهُ أَوْ دَابَّةً لِيَرْكَبَهُ إلَى مَكَان مَعْلُومٍ أَوْ دَارًا فَحَدَثَ فِيهَا عَيْبٌ يَضُرُّ بِالِانْتِفَاعِ بِمَا اُسْتُؤْجِرَ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ، وَإِنْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ تَامًّا لَا يُنْقِصُ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْحَادِثُ سُقُوطَ بَيْتٍ مِنْهَا فَمَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ لَا يُنْقِصُ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مَا حَدَثَ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُ الِانْتِفَاعَ بِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَالْإِجَارَةُ لَهُ لَازِمَةٌ، فَإِنْ بَنَى الْمُؤَاجِرُ مَا سَقَطَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ، فَإِنْ كَانَ الْمُؤَاجِرُ غَائِبًا فَحَدَثَ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ، وَإِنْ سَقَطَتْ الدَّارُ كُلُّهَا فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ شَاهِدًا أَوْ غَائِبًا. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعَيْبَ إذَا حَدَثَ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَإِنَّ أَثَرَ ذَلِكَ فِي الْمَنَافِعِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ كَالْعَبْدِ إذَا مَرِضَ وَالدَّابَّةِ إذَا مَرِضَتْ وَالدَّارِ إذَا انْهَدَمَ بَعْضُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَحُدُوثُ عَيْبٍ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ الْخِيَارَ، وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الْمَنَافِعِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ لِلْخِدْمَةِ إذَا ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْخِدْمَةِ أَوْ سَقَطَ شَعْرُهُ وَكَالدَّارِ إذَا سَقَطَ مِنْهَا حَائِطٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي سُكْنَاهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، وَهَذَا النَّقْصُ حَصَلَ بِالْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَالنَّقْصُ بِغَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ ثُمَّ فِيمَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ كَامِلًا كَالْمُشْتَرِي إذَا رَضِيَ بِالْمَعِيبِ ثُمَّ إذَا حَدَثَ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ لَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إلَّا بِحُضُورِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ حُضُورَهُمَا أَوْ حُضُورَ نَائِبَيْهِمَا شَرْطُ الْفَسْخِ، فَإِنْ سَقَطَتْ الدَّارُ كُلُّهَا فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ شَاهِدًا كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ غَائِبًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

يَتَجَدَّدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهُ فَسَقَطَ خِيَارُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخَرَابِ الدَّارِ وَانْقِطَاعِ مَاءِ الضَّيْعَةِ وَالرَّحَى) أَيْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ الْمَخْصُوصَةُ قَدْ فَاتَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَصَارَ كَهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَوْتِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَنَافِعَ قَدْ فَاتَتْ عَلَى وَجْهٍ يُتَصَوَّرُ عَوْدُهَا فَأَشْبَهَ إبَاقَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرِ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ إنَّ الْإِجَارَةَ فِي الرَّحَى لَا تَنْفَسِخُ بِانْقِطَاعِ الْمَاءِ، وَقَدْ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا فَانْهَدَمَ فَبَنَاهُ الْمُؤَجِّرُ وَأَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَسْكُنَهُ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ وَلَكِنَّهُ يُفْسَخُ وَلِأَنَّ أَصْلَ الْمَوْضِعِ يُسْكَنُ بَعْدَ انْهِدَامِ الْبِنَاءِ وَيَتَأَتَّى فِيهِ السُّكْنَى بِنَصْبِ الْفُسْطَاطِ فَبَقِيَ الْعَقْدُ لَكِنْ لَا أَجْرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَهُ بِالِاسْتِئْجَارِ، وَلَوْ انْقَطَعَ مَاءُ الرَّحَا وَالْبَيْتِ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ لِغَيْرِ الطَّحْنِ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ لَزِمَتْهُ حِصَّتُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ كَالْأَعْيَانِ الْقَائِمَةِ فَكَمَا لَا تَبْطُلُ فِي الْعَيْنِ لَا تَبْطُلُ فِيهَا وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً بِحَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ فَالْمَنَافِعُ الَّتِي تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ هِيَ الَّتِي تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ، وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْعَيْنِ تَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ، وَالْمَنْفَعَةُ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ هُوَ عَاقِدًا وَلَا رَاضِيًا بِهِ وَإِذَا مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ فَلَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ إنَّمَا يَبْقَى عَلَى أَنْ يَخْلُفَهُ وَارِثُهُ وَالْمَنْفَعَةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا تُورَثُ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ لَا تَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمُسْتَعِيرُ تَبْطُلُ الْعَارِيَّةُ فَكَذَا الْإِجَارَةُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ أَحَدَهُمَا بِعِوَضٍ وَالْآخَرَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَذَلِكَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ كَالْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ إذْ الْوِرَاثَةُ خِلَافَةٌ وَلَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِيمَا يَبْقَى وَقْتَيْنِ لِيَكُونَ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ ثَابِتًا فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ وَيَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي وَيَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ بِعَيْنِهِ وَالْمَنْفَعَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ إلَخْ) وَلَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ وَاسْتَدَلَّ بِمَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا فَانْهَدَمَ ثُمَّ بَنَاهُ الْآجِرُ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبْضِ وَلَا لِلْآجِرِ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْفَسِخْ وَلَكِنَّهُ يُفْسَخُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ غَيْرُ فَائِتَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ أَصْلُ الْمَوْضِعِ يُسْكَنُ بَعْدَ انْهِدَامِ الْبِنَاءِ وَيَتَأَتَّى فِيهِ السُّكْنَى بِنَصْبِ فُسْطَاطٍ وَفِي انْقِطَاعِ الْمَاءِ لَوْ فَاتَتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكِنَّهَا تَحْتَمِلُ الْعَوْدَ فَأَشْبَهَ إبَاقَ الْعَبْدِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الِانْفِسَاخَ قَالَ وَاَلَّذِي يَنْفَسِخُ بِالِانْهِدَامِ يَعُودُ بِالْبِنَاءِ وَمِثْلُهُ جَائِزٌ كَمَا فِي الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ إذَا هَلَكَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ ثُمَّ إذَا دُبِغَ جِلْدُهَا يَعُودُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ فَكَذَا هَذَا، بِخِلَافِ السَّفِينَةِ إذَا نُقِضَتْ وَصَارَتْ أَلْوَاحًا ثُمَّ رُكِبَتْ وَأُعِيدَتْ سَفِينَةً لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَسْلِيمِهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ السَّفِينَةَ بَعْدَ النَّقْضِ إذَا أُعِيدَتْ صَارَتْ سَفِينَةً أُخْرَى أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ أَلْوَاحًا وَجَعَلَهَا سَفِينَةً يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ فَأَمَّا عَرْصَةُ الدَّارِ لَا تَتَغَيَّرُ بِالْبِنَاءِ عَلَيْهَا اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَنْفَسِخُ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَأَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي شَرْحِهِ وَاخْتِيَارُ خُوَاهَرْزَادَهْ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي إجَارَاتِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ كُلُّهَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لَكِنْ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ عَنْهُ فَسَخَ أَوْ لَمْ يَفْسَخْ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ إذَا مَاتَ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ مِنْهُ إلَى وَرَثَتِهِ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ اقْتَضَى اسْتِيفَاءَ الْمَنَافِعِ مِنْ مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ لَا مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَوْ بَقِيَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ يَلْزَمُ اسْتِيفَاءُ الْمَنَافِعِ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَقَدْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ لِنَفْسِهِ فَكُلُّ مَا لَهُ مِنْ الْمَالِ انْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ اقْتَضَى أَنْ تُسْتَحَقَّ الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ فَلَوْ بَقِيَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ تَكُونُ الْأُجْرَةُ مُسْتَحَقَّةً مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَتَعَيَّنَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ بَقَائِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ الْوَكِيلُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا فِي الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ فِي الْعَاقِدِ لِغَيْرِهِ وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ بَابِ إجَارَةِ الظِّئْرِ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبَقًا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَبِمَوْتِ الْوَكِيلِ لَا وَنُقِلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ إجَارَةِ الْأَصْلِ إذَا آجَرَ الْأَبُ أَرْضَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْوَصِيُّ وَمَاتَ لَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ، وَكَذَلِكَ لَا تَبْطُلُ إجَارَةُ الظِّئْرِ بِمَوْتِ وَالِدِ الصَّبِيِّ الَّذِي اسْتَأْجَرَهَا وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الصَّبِيِّ وَالْمُسْتَأْجَرَةِ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِنْ مَاتَتْ الظِّئْرُ قَبْلَ الْمُدَّةِ أَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ اُنْتُقِضَتْ الْإِجَارَةُ وَكَانَ لَهَا مِنْ الْأَجْرِ بِحَسَبِ مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ أَيْضًا لَوْ آجَرَ الْوَقْفَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ وَلَمْ يَذْكَرْ فِيهِ الْقِيَاسَ وَلَا الِاسْتِحْسَانَ، وَنَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ ثُمَّ نَقَلَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ، فَقَالَ الْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْإِجَارَةُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ حَجْرُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ آجَرَهُ لِغَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ آجَرَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ وَانْتَقَلَ إلَى مَصْرِفٍ آخَرَ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَرُجِعَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْأَجْرِ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ اهـ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الِانْتِقَاضِ هُوَ الْقِيَاسُ دُونَ الِاسْتِحْسَانِ وَالْعَمَلُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ

الْمَوْجُودَةُ فِي حَيَاةِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا تَبْقَى لِتُورَثَ وَاَلَّتِي تَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لَهُ لِيَخْلُفَهُ الْوَارِثُ فِيهَا فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ كَعَقْدِ النِّكَاحِ يَرْتَفِعُ بِالْمَوْتِ وَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ وَرَثَتُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ لَا كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ) لِبَقَاءِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحِقُّ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمَعْقُودُ لَهُ بَطَلَتْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ أَوْ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِهِ وَبَقِيَتْ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَبْطُلُ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ أَيْضًا لِأَنَّ الشُّيُوعَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ فَيَكُونُ كَالْمُقَارِنِ قُلْنَا الشُّرُوطُ يُرَاعَى وُجُودُهَا فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الْبَقَاءِ كَالْهِبَةِ وَكَالشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَفْسَخُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِكَمَالِهِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَلَفِ شَيْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ أَيْضًا عَلَى الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، وَلَيْسَ لَهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ رَدُّ جَمِيعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِيهِ إذْ الْمَبِيعُ عَيْنٌ تَبْقَى وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَلَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَيُحْتَمَلُ الْفَسْخُ بِالْإِقَالَةِ فَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ كَالْبَيْعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْخِيَارَ شَرَعَ فِي الْبَيْعِ لِلتَّرَوِّي حَتَّى إذَا كَانَ فِيهِ غَبْنٌ وَخَسَارَةٌ يُفْسَخُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَقَعُ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ تَأَمُّلٍ فَيُمْكِنُ أَنْ تُصَادِفَ غَيْرَ مُوَافِقٍ فَيُحْتَاجُ إلَى إزَالَتِهِ فَيَجُوزُ لَهُ اشْتِرَاطُهُ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بَغْتَةً بَلْ يَتَقَدَّمُهُ السَّوْمُ وَالتَّأَمُّلُ فِي الْمُوَافِقِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّرَوِّي بَعْدَهُ فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَلَا يُفِيدُ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِعُيُوبٍ مُضِرَّةٍ كَالْبَيْعِ وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ وَبِخِلَافِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ فِيهِمَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدُ فِيهِمَا مُوجِبٌ لِلْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ، فَكَذَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِلضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فَسْخُ الْبَيْعِ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ فَلَا ضَرُورَةَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلضَّرُورَةِ وَفِي الْبَيْعِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بَعْدَ هَلَاكِ بَعْضِهِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ هَلَاكَ بَعْضِ الْمَعْقُودِ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ الْفَسْخِ وَلَا الْمُضِيِّ فِيهَا وَلِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْمَنَافِعِ يَقَعُ مُتَفَرِّقًا؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَارَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَنْفَعَةِ مُسْتَحَقًّا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ إذْ هُوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا مُلِكَ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرُّؤْيَةِ) أَيْ تُفْسَخُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَيْضًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ مَا لَمْ يَرَهُ لِلْجَهَالَةِ قُلْنَا الْجَهَالَةُ إنَّمَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ إذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَيْهَا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِقْهُ يَرُدُّهُ فَلَا يَمْتَنِعُ الْجَوَازُ، ثُمَّ إذَا رَآهُ ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَلَا رِضَا بِدُونِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ» وَالْإِجَارَةُ شِرَاءُ الْمَنَافِعِ فَيَتَنَاوَلُهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لَفْظًا أَوْ دَلَالَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَ) تَنْفَسِخُ (بِالْعُذْرِ وَهُوَ عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجَبِهِ) أَيْ مُوجَبِ الْعَقْدِ (إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ) أَيْ بِالْعَقْدِ (كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَقْلَعَ ضِرْسَهُ فَسَكَنَ الْوَجَعُ أَوْ لِيَطْبُخَ لَهُ طَعَامَ الْوَلِيمَةِ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ أَوْ حَانُوتًا لِيَتَّجِرَ فَأَفْلَسَ أَوْ آجَرَهُ وَلَزِمَهُ دَيْنٌ بِعِيَانٍ أَوْ بِبَيَانٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِسَفَرٍ فَبَدَا لَهُ مِنْهُ لَا لِلْمُكَارِي)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِالْإِعْذَارِ إلَّا بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ وَمَذْهَبُ شُرَيْحٍ أَنَّ الْإِجَارَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا؛ لِأَنَّهَا أُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ كَالْعَارِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّ فَوَاتَ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ الرَّدَّ دُونَ الْإِجَارَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الْمَبِيعِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ اهـ. (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي فِي بَابِ إجَارَةِ الدُّورِ وَالْبُيُوتِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً فَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ حَتَّى مَضَى شَهْرٌ، وَقَدْ طُلِبَ إلَيْهِ التَّسْلِيمُ أَوْ لَمْ يُطْلَبْ ثُمَّ تَحَاكَمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبْضِ فِي بَاقِي السَّنَةِ وَلَا لِلْمُؤَاجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّسْلِيمِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ إذَا هَلَكَ بَعْضُهُ حَيْثُ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي الْبَاقِي، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ فَإِذَا هَلَكَ بَعْضُهُ تَعَيَّبَ الْبَاقِي أَمَّا هَاهُنَا فَالْعَقْدُ مُتَعَدِّدٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ فَانْفِسَاخُهُ فِيمَا مَضَى لَا يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ الْفَسْخِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَذْهَبُ شُرَيْحٍ أَنَّ الْإِجَارَةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تُفْسَخُ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَيْضًا كَذَا ذَكَرَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ شُرَيْحٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي. (فَرْعٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يَبِيعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ بَاعَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ حَقُّ الِانْتِفَاعِ فَلَوْ نَفَّذْنَا الْبَيْعَ أَبْطَلْنَا حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَحُبِسَ بِهِ فَبَاعَة فَهَذَا عُذْرٌ وَبَيْعُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ عَنْ عُهْدَةِ الدَّيْنِ إلَّا بِبَيْعِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الْكَافِي، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ آجَرَ دَارِهِ ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فِيهَا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا قَالَا لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنْعُ الْمُشْتَرِي فِيهَا وَنَقْضُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ فِيهَا، فَإِنْ نَقَضَهُ كَانَ مُنْتَقِضًا وَلَمْ يَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُضْهُ حَتَّى فَرَغَتْ الدَّارُ مِنْ الْإِجَارَةِ تَمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْبَيْعُ فِيهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْقَدِيمُ وَرَوَى عَنْهُ أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ قَالَ لَا سَبِيلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ إلَى نَقْضِ الْبَيْعِ فِيهَا وَالْإِجَارَةُ فِيهَا كَالْعَيْبِ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِهِ فَقَدْ بَرِئَ الْبَائِعُ مِنْهُ وَلِلْمُشْتَرِيَّ قَبْضُ

وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةِ اللُّزُومِ فَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْفَسْخِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالْعَارِيَّةِ قُلْنَا هِيَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَلْزَمُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْبَيْعِ وَكَوْنُهُ أُجِيزَ لِلْحَاجَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ السَّلَمَ أُجِيزَ لِلْحَاجَةِ وَيَلْزَمُ إذَا وَقَعَ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةُ فَإِنَّهَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، ثُمَّ الْمَنَافِعُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ فِي الْإِجَارَةِ فَصَارَ الْعُذْرُ فِيهَا كَالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَبِيعِ فَيَنْفَسِخُ بِهِ إذْ الْمَعْنَى يَجْمَعهُمَا وَهُوَ عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِهِ إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْعُذْرِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عُذْرٌ ظَاهِرٌ وَفِي الْمُضِيِّ فِيهَا ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَوْقَ ضَرَرِ الْعَيْبِ فَيَجُوزُ لَهُ الْفَسْخُ، وَهَذَا لِأَنَّ جَوَازَ هَذَا الْعَقْدِ لِلْحَاجَةِ وَلُزُومُهُ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الضَّرَرِ أَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ فَقُلْنَا الْعَقْدُ فِي حُكْمِ الْمُضَافِ فِي حَقِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْإِضَافَةُ فِي عُقُودِ التَّمْلِيكَاتِ تَمْنَعُ اللُّزُومَ فِي الْحَالِ كَالْوَصِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عُذْرٌ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهِ تَنْتَقِضُ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْفَرِدُ الْعَاقِدُ بِالْفَسْخِ، وَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْأَمْرَ يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَفْسَخَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَمِنْهُمْ مَنْ وَفَّقَ فَقَالَ إذَا كَانَ الْعُذْرُ ظَاهِرًا انْفَسَخَ وَإِلَّا فَيَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ قَاضِيخَانْ وَالْمَحْبُوبِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْعُذْرُ الظَّاهِرُ مِثْلُ اسْتِئْجَارِ الْحَدَّادِ لِقَلْعِ الضِّرْسِ، ثُمَّ سَكَنَ الْوَجَعُ، أَوْ الطَّبَّاخِ لِيَطْبُخَ لِلْوَلِيمَةِ ثُمَّ خَالَعَ الْمَرْأَةَ وَقَوْلُهُ أَوْ آجَرَهُ وَلَزِمَهُ دَيْنٌ أَيْ آجَرَ الدُّكَّانَ، ثُمَّ لَزِمَهُ دَيْنٌ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ إلَّا مِنْ ثَمَنِ مَا آجَرَ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ فَسْخِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَبِيعُ الدَّارَ أَوَّلًا فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ ضِمْنًا لِبَيْعِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ أَوَّلًا ثُمَّ يَبِيعُ. قَوْلُهُ وَلَزِمَهُ دَيْنٌ بِعِيَانٍ أَوْ بِبَيَانٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الدَّيْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ إذْ بِالْكُلِّ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْبَسُ بِهِ فَيَتَضَرَّرُ وَقَوْلُهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلسَّفَرِ فَبَدَا لَهُ مِنْهُ لِلْمُكَارِي أَيْ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يُسَافِرَ يُعْذَرُ، وَلَوْ بَدَا لِلْمُكَارِي لَا يُعْذَرُ؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ بِالسَّفَرِ يَلْزَمُهُ مَشَقَّةٌ وَضَرَرٌ وَرُبَّمَا يَفُوتُ مَا يُسَافِرُ لِأَجْلِهِ كَالْحَجِّ وَطَلَبِ الْغَرِيمِ، وَالْمُكَارِي لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الضَّرَرُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْعُدَ وَيَبْعَثَ عَلَى يَدِ تِلْمِيذِهِ أَوْ أَجِيرِهِ، وَكَذَا لَوْ مَرِضَ لِمَا ذَكَرْنَا وَرَوَى الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ عُذْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُشْفِقُ عَلَى دَابَّتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّارِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِذَلِكَ كَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ فِيهَا لِلْعَيْبِ الَّذِي وَجَدَهُ بِهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ وَاَلَّذِي يَرْوِيهِ مُحَمَّدٌ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ نَقْضُ الْبَيْعِ وَلَكِنَّهُ إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ كَانَ فِي ذَلِكَ إبْطَالُ مَا بَقِيَ مِنْ إجَارَتِهِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ إنَّمَا رَوَاهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ غَيْرُهُ. إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ آجَرَ دَارِهِ ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ فِيمَا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي حَتَّى أَنَّ الْمُدَّةَ لَوْ انْقَضَتْ كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْأَخْذِ إلَّا إذَا طَالَبَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَفَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ جَائِزًا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَجَازَ الْبَيْعَ جَازَ وَبَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ، وَلَوْ فَسَخَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا حَتَّى أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا انْقَضَتْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ فَإِذَا نَقَضَ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ نَقْضُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةُ فِيهَا كَالْعَيْبِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ بِالْإِجَارَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ وَقْتُ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَهُ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْإِقْرَارِ إذَا أَقَرَّ بِدَارِهِ لِرَجُلٍ بَعْدَ مَا آجَرَهَا فَإِنَّ إقْرَارَهُ يَصِحُّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْكَافِي رُجْحَانُ الْقَوْلِ السَّابِقِ عَلَى هَذَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجُمْلَةُ هَذَا مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ قَالَ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى بَغْدَادَ وَهِيَ بِعَيْنِهَا ثُمَّ بَدَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَقْعُدَ فَلَا يَخْرُجُ فَهَذَا عُذْرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَتَعَلَّقُ مَصْلَحَتُهُ بِالسَّفَرِ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَإِذَا وَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ انْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ بِدُونِهِ فَيَكُونُ عُذْرًا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الْخُرُوجَ فِي طَلَبِ غَرِيمٍ لَهُ أَوْ عَبْدٍ آبِقٍ فَرَجَعَ يَعْنِي الْغَرِيمُ أَوْ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْدَفَعَتْ، وَكَذَا لَوْ مَرِضَ أَوْ لَزِمَهُ غَرِيمٌ أَوْ خَافَ أَمْرًا أَوْ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ أَوْ أَصَابَهَا شَيْءٌ لَا يَسْتَطِيعُ الرُّكُوبَ مَعَهُ كَانَ هَذَا عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَحَلِّ الْمُسْتَأْجَرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرْت لَك وَأَرَادَ رَبُّ الدَّابَّةِ أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ، وَإِنْ عَرَضَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ مَرَضٌ لَا يَسْتَطِيعُ الشُّخُوصَ فِيهِ مَعَ دَابَّتِهِ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ رَسُولًا يَتْبَعُ الدَّابَّةَ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ غَرِيمُهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ يَقَعُ بِالدَّابَّةِ وَلَا مَانِعَ فِي حَقِّهَا، وَإِقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ مُمْكِنٌ فَانْتَفَى الضَّرَرُ فَبَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى مَا كَانَ، وَإِنْ عَطِبَتْ كَانَ هَذَا عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ يُعَجِّزُهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِعَيْنِهَا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ هَذَا عُذْرًا؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ تَسْلِيمِ دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا لَا يَكُونُ عَجْزًا عَنْ تَسْلِيمِ دَابَّةٍ مُطْلَقَةٍ فَيُؤْمَرُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِدَابَّةٍ يَحْمِلُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْعَمَلَ اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ) رَوَى الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ

مِثْلَهُ وَهُوَ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمْرَضْ وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَيْسَ بِعُذْرٍ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَحْرَقَ حَصَائِدَ أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ مُسْتَعَارَةٍ فَاحْتَرَقَ شَيْءٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ هَذَا تَسْبِيبٌ وَشَرْطُ الضَّمَانِ فِيهِ التَّعَدِّي وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَى سَهْمًا فِي مِلْكِهِ فَأَصَابَ إنْسَانًا حَيْثُ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ عِلَّةٌ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُهَا بِعُذْرٍ وَالتَّسَبُّبُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَدِّي لِيَلْتَحِقَ بِالْعِلَّةِ، وَإِحْرَاقُ الْحَصَائِدِ فِي مِثْلِهِ مُبَاحٌ فَلَا يُضَافُ التَّلَفُ إلَيْهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ هَادِيَةً حِينَ أَوْقَدَ النَّارَ، ثُمَّ تَحَرَّكَتْ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي تَحْرِيكِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ مُضْطَرِبَةً يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فَلَا يُعْذَرُ فَيَضْمَنُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ جَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ فَأَحْرَقَتْ شَيْئًا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْوَضْعِ، وَلَوْ رَفَعَتْهُ الرِّيحُ إلَى شَيْءٍ فَأَحْرَقَتْهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ نَسَخَتْ فِعْلَهُ، وَلَوْ أَخْرَجَ الْحَدَّادُ الْحَدِيدَ مِنْ الْكِيرِ فِي دُكَّانِهِ فَوَضَعَهُ عَلَى الْعَلَاةِ وَضَرَبَهُ بِمِطْرَقَةٍ وَخَرَجَ شَرَارُ النَّارِ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ وَأَحْرَقَ شَيْئًا ضَمِنَ، وَلَوْ لَمْ يَضْرِبْهُ وَلَكِنْ أَخْرَجَ الرِّيحُ شَيْئًا فَأَحْرَقَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا لَا تَحْتَمِلُهُ الْأَرْضُ فَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ جَارِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفِعًا فِيمَا فَعَلَ بَلْ كَانَ مُتَعَدِّيًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقْعَدَ خَيَّاطٌ أَوْ صَبَّاغٌ فِي حَانُوتِهِ مَنْ يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ صَحَّ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَبِّلَ لِلْعَمَلِ إنْ كَانَ صَاحِبَ الدُّكَّانِ فَالْعَامِلُ أَجِيرُهُ بِالنِّصْفِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَعْضُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْعَمَلِ فَصَارَ كَقَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَقَبِّلُ هُوَ الْعَامِلُ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِمَوْضِعِ جُلُوسِهِ مِنْ دُكَّانِهِ بِنِصْفِ مَا يَعْمَلُ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ أَيْضًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ وَلَيْسَتْ بِإِجَارَةٍ لِأَنَّ تَفْسِيرَ شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَتَوَلَّى الْعَمَلَ بِحَذَاقَتِهِ وَالْآخَرُ يَتَوَلَّى الْقَبُولَ بِوَجَاهَتِهِ وَإِذَا وَجَدْنَا لَهُ سَبِيلًا إلَى الْجَوَازِ وَهُوَ مُتَعَارَفٌ وَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ فَيَكُونُ الْعَمَلُ وَاجِبًا عَلَيْهِمَا وَالْقَبُولُ جَائِزًا لَهُمَا إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمَا إلَّا تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالتَّقَبُّلِ وَالْآخَرِ بِالْعَمَلِ وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا وَرَاءَهُ فَأَمْكَنَنَا إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ فِي التَّقَبُّلِ وَالْعَمَلِ اقْتِضَاءً، وَلَوْ صَرَّحَا بِشَرِكَةِ التَّقَبُّلِ فَعَمِلَ أَحَدُهُمَا مَا قَبِلَهُ صَاحِبُهُ أَوْ مَا قَبِلَهُ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ الْآخَرُ لِعُذْرٍ بِهِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ كَانَتْ الْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَكَذَا هُنَا، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ فَهَذَا بِوَجَاهَتِهِ يُقْبَلُ، وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ فِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ فَإِنَّ تَفْسِيرَ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا شَيْئًا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا وَلَيْسَ فِي هَذِهِ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ، وَإِنَّمَا هِيَ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَى مَكَّةَ صَحَّ وَلَهُ الْمَحْمَلُ الْمُعْتَادُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَحْمَلَ مَجْهُولٌ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الرَّاكِبُ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْمَحْمَلُ تَابِعٌ وَمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ يَزُولُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمُعْتَادِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَرَ الْوِطَاءَ وَهُوَ الْمِهَادُ، وَالدُّثُرَ وَهُوَ مَا يُلْقِيهِ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمُرَادُ مَا يُلْقِيهِ الرَّاكِبُ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرُؤْيَتُهُ أَحَبُّ) أَيْ رُؤْيَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ مَرِضَ الْمُؤَاجِرُ أَوْ أَصَابَ إبِلَهُ دَاءٌ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ إذَا كَانَتْ بِعَيْنِهَا اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَحْرَقَ حَصَائِدَ أَرْضٍ إلَخْ) مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ أَيْ نُثِرَتْ عَنْ أَمَاكِنِهَا وَذُكِرَتْ هُنَا تَلَافِيًا لِمَا فَاتَ اهـ وُجِدَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا بِخَطِّ الشَّيْخِ الشِّلْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ هَادِيَةً) هَادِيَةٌ وَهَادِئَةٌ بِالْهَمْزِ مَعْنَاهُمَا سَاكِنَةٌ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَوَضَعَهُ عَلَى الْعَلَاةِ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالْعَلَاةُ السِّنْدَانُ وَالْجَمْعُ الْعُلَا وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ عَلَاةٌ تُشَبَّهُ بِهَا فِي صَلَابَتِهَا يُقَالُ نَاقَةٌ عَلَاةُ الْخَلْقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَحْرَقَ شَيْئًا) أَيْ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ) وَالطَّحَاوِيُّ أَخَذَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْقِيَاسِ، وَقَالَ عِنْدِي الْقِيَاسُ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِحْسَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَالْعَامِلُ أَجِيرُهُ بِالنِّصْفِ) أَيْ بِنِصْفِ مَا يَتَقَبَّلُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (فَرْعٌ) وَفِي الْمُحِيطِ اشْتَرَطَ عُقْبَةً لِلْأَجِيرِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا اثْنَانِ يَنْزِلُ أَحَدُهُمَا وَيَرْكَبُ الْآخَرُ وَلَمْ يُبَيِّنَا مِقْدَارَ رُكُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ جَازَ لِلْعُرْفِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجُوزُ اكْتِرَاءُ الْعُقْبَةِ إلَّا مَضْمُونَةً فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ أَنْ يُبَيِّنَ مِقْدَارَ رُكُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالزَّمَانِ أَوْ الْفَرْسَخِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ اكْتِرَاءَ الْعُقْبَةِ أَيْ الظَّهْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ إذْ الْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ اسْتَأْجَرَ بَعِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا إلَى مَكَّةُ لِيَحْمِلَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَحْمَلًا فِيهِ رَجُلَانِ وَمَا لَهُمَا مِنْ الْوِطَاءِ وَالدُّثُرِ فَرَآهُمَا وَلَمْ يَرَ الْوِطَاءَ وَعَلَى الْآخَرِ زَامِلَةٌ عَلَيْهِ كَذَا مَخْتُومًا مِنْ السَّوِيقِ وَمَا يَكْفِي مِنْ الْمَاءِ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهُ وَمَا يَصْلُحُ مِنْ الْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَالْمَعَالِيقِ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَزْنَهُ أَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ مَكَّةَ مِنْ هَدَايَا مَكَّةَ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ فَهُوَ فَاسِدٌ قِيَاسًا لِجَهَالَةِ الْحَمْلِ، وَجَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ جَرَى بِهِ وَيَحْمِلُ قِرْبَتَيْنِ مِنْ مَاءٍ وَإِدَاوَتَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ. كَذَا فِي الشَّامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ وَجَازَ اسْتِحْسَانًا أَيْ لِلتَّعَارُفِ وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَحْمَلِ وَالْوِطَاءِ وَالدُّثُرِ وَالْمَعَالِيقِ وَتَقْدِيرِ الزَّادِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ قَالَهُ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ) أَيْ أَنَّ أَجْسَامَ النَّاسِ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْغَالِبِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ يَزُولُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمُعْتَادِ) أَيْ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يُرَ الْوِطَاءُ) يَعْنِي يَجُوزُ الْعَقْدُ اسْتِحْسَانًا. اهـ. وَالْوِطَاءُ الْفُرُشُ الْمَفْرُوشَةُ. اهـ. كَاكِيٌّ

الْمُكَارِي الْمَحْمَلَ أَجْوَدُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْجَهَالَةِ وَأَقْرَبُ إلَى الْعِلْمِ بِتَحَقُّقِ الرِّضَا مِنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِمِقْدَارٍ زَادَ فَأَكَلَ مِنْهُ رَدَّ عِوَضَهُ) أَيْ إنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مِقْدَارًا مِنْ الزَّادِ فَأَكَلَ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ رَدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ؛ لِأَنَّ عُرْفَ الْمُسَافِرِينَ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الزَّادَ وَلَا يَرُدُّونَ بَدَلَهُ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى التَّعَارُفِ بِخِلَافِ الْمَاءِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ إذَا نَفَذَ مَا عِنْدَهُ لِأَنَّ الْعُرْفَ بَيْنَهُمْ جَرَى بِرَدِّهِ عِنْدَ نَفَاذِهِ وَلَنَا أَنَّهُ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ حِمْلًا مُقَدَّرًا فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ وَصَارَ كَالْمَاءِ، وَالْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّ بَعْضَ الْمُسَافِرِينَ يَرُدُّونَ فَلَا يَلْزَمُنَا عُرْفُ الْبَعْضِ أَوْ يُحْمَلُ فِعْلُ مَنْ لَا يَرُدُّ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً، وَلِهَذَا يَرُدُّهُ بَعْضُهُمْ وَهُمْ الْمُحْتَاجُونَ إلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَفَسْخُهَا وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالْإِيصَاءُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِمَارَةُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَالْوَقْفُ مُضَافًا) أَيْ مُضَافًا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ وَالْمَنَافِعُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهَا فِي الْحَالِ فَتَكُونُ مُضَافَةً ضَرُورَةً، وَلِهَذَا قُلْنَا تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ وَحُدُوثِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ وَفَسْخُهَا مُعْتَبَرٌ بِهَا فَتَجُوزُ إضَافَتُهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا لَمْ يَجُزْ إضَافَتُهُ لَا يَجُوزُ إضَافَةُ فَسْخِهِ أَيْضًا إلَى الزَّمَانِ وَهُوَ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِهِ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ وَهِيَ الْمُسَاقَاةُ إجَارَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ يُجِيزُهُمَا يُجِيزُهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا إجَارَةٌ فَيَجُوزُ إضَافَتُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَالْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَجُوزُ إضَافَتُهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَالْكَفَالَةُ الْتِزَامٌ لِلْمَالِ ابْتِدَاءً فَيَجُوزُ إضَافَتُهَا وَتَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَالنَّذْرِ لَكِنْ فِيهَا تَمْلِيكُ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ بَلْ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا، وَالْإِيصَاءُ وَهُوَ إقَامَةُ الشَّخْصِ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ وَهِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَكُونَانِ إلَّا مُضَافَيْنِ إذْ الْإِيصَاءُ فِي الْحَالِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا جُعِلَ مَجَازًا عَنْ الْوَكَالَةِ وَالْقَضَاءُ وَالْإِمَارَةُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ وَإِضَافَتُهُمَا إلَى الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْلِيَةٌ وَتَفْوِيضٌ مَحْضٌ فَجَازَ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، ثُمَّ قَالَ إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْبَيْعُ وَإِجَازَتُهُ وَفَسْخُهُ وَالْقِسْمَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْهِبَةُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ وَإِبْرَاءُ الدَّيْنِ) يَعْنِي هَذِهِ الْأَشْيَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ رَدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ) أَيْ وَكَذَا غَيْرُ الزَّائِدِ مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَخْ)، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا أُطْلِقَ، أَمَّا إذَا شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ يُسْتَبْدَلُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ شَرَطَ عَدَمَ الِاسْتِبْدَالِ لَا يُسْتَبْدَلُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ سَرَقَ أَوْ هَلَكَ بِغَيْرِ أَكْلٍ أَوْ بِأَكْلٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ يُسْتَبْدَلُ بِلَا خِلَافٍ اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ). قُلْت وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ هُوَ الْمُرَادُ بِإِضَافَتِهَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إضَافَةُ الْعَقْدِ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ كَأَنْ يَقُولَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ غَدًا شَهْرًا بِكَذَا أَوْ يَقُولَ وَهُوَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ مَثَلًا آجَرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَنَةً بِعَشْرَةٍ أَوْ قَالَ وَهُوَ فِي رَجَبٍ أَوْ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ آجَرْتُك دَابَّتِي هَذِهِ رَأْسَ شَعْبَانَ شَهْرًا بِكَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ فَاخْتَارَ الشَّيْخُ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمُضَافَةَ لَا تَجُوزُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ إضَافَةُ الْإِجَارَةِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ جَائِزَةٌ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ الْمُخْتَارُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَكَذَا قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فَلَوْ أَرَادَ نَقْضَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ النَّقْضُ وَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ. وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقٌّ فِي هَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ بِالتَّعْجِيلِ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ فِيمَا بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَالْآجِرُ بِالنَّقْضِ يُرِيدُ إبْطَالَ الْعَقْدِ الْمُنْعَقِدِ حَقًّا لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ بِالتَّعْجِيلِ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ وَإِذَا بَاعَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ فِي الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ قَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي رَهْنِ الْجَامِعِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ الْمُضَافَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ الْمُضَافَةُ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ. اهـ. شَرْحُ الْوِقَايَةِ لِلشَّيْخِ قَاسِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - 1 - (قَوْلُهُ وَفَسْخُهَا مُعْتَبَرٌ بِهَا فَتَجُوزُ إضَافَتُهُ) قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ. قُلْت إذَا كَانَ الْمَعْنِيّ بِإِضَافَتِهَا أَنَّهَا تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى مَا ذُكِرَ فَلَا يَصِحُّ إذْ فَسْخُهَا يُعْتَبَرُ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. قُلْت وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا وَاَلَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ سَابِقًا، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَقُولُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ أَوَّلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَيْ مُضَافًا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا إلَى قَوْلِهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ إنَّمَا هُوَ اسْتِيضَاحٌ مِنْهُ لِصِحَّةِ إضَافَةِ الْإِجَارَةِ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ جَوَازِ الْإِجَارَةِ لِكَوْنِ الْمَنَافِعِ مَعْدُومَةً لَكِنْ اُسْتُحْسِنَ جَوَازُهَا وَصَارَ الْعَقْدُ مُضَافًا إلَى حُدُوثِ الْمَنَافِعِ فَيَنْعَقِدُ الْعَقْدُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلِذَا قَالُوا إنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِي حُكْمِ عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ كَمَا أَوْضَحَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِجَارَةَ فِي حُكْمِ عُقُودٍ لِانْعِقَادِهَا سَاعَةً فَسَاعَةً وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُضَافَةٌ فَلَا خَفَاءَ حِينَئِذٍ فِي جَوَازِ إضَافَتِهَا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ بَانَ لَك أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ الَّتِي أَرَادَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا كَيْفَ وَالشَّارِحُ يُصَرِّحُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِضَافَةُ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ فَافْهَمْ تَرْشُدْ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَقَاصِدَهُ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ.

[كتاب المكاتب]

لَا تَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَنْجِيزُهَا لِلْحَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِضَافَةِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَمَا شَاكَلَهَا لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ لِلْحَالِ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ، وَأَمَّا الْإِمَارَةُ وَالْقَضَاءُ فَمِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَالْكَفَالَةُ مِنْ بَابِ الِالْتِزَامِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (كِتَابُ الْمُكَاتَبِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْكِتَابَةُ تَحْرِيرُ الْمَمْلُوكِ يَدًا فِي الْحَالِ وَرَقَبَةً فِي الْمَآلِ) هَذَا فِي الشَّرْعِ، وَفِي اللُّغَةِ مَدَارُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى الْجَمْعِ وَمِنْهُ كَتَبَ النَّعْلَ وَالْقِرَبَ أَيْ خَرَزَهُمَا وَالْكُتَبُ الْخُرَزُ الْوَاحِدَةُ كُتْبَةٌ وَمِنْهُ كَتَبَ الْبَغْلَةَ إذَا جَمَعَ بَيْنَ شُفْرَيْهَا بِحَلْقَةٍ وَالْكَتِيبَةُ الطَّائِفَةُ مِنْ الْجَيْشِ مُجْتَمِعَةً، وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ كِتَابَةً وَمُكَاتَبَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَمَّ حُرِّيَّةِ الْيَدِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ أَوْ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا أَوْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكْتُبُ الْوَثِيقَةَ وَهُوَ أَظْهَرُ، ثُمَّ شَرْطُ الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ الرِّقُّ قَائِمًا بِالْمَحِلِّ وَأَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَسَبَبُهَا رَغْبَةُ الْمَوْلَى فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَاجِلًا وَفِي ثَوَابِ الْعِتْقِ آجِلًا وَرَغْبَةُ الْعَبْدِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَأَحْكَامِهَا حَالًا وَمَآلًا، وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَحُكْمُهَا مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فِكَاكُ الْحَجْرِ وَثُبُوتُ حُرِّيَّةِ الْيَدِ فِي الْحَالِ حَتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ أَخَصَّ بِنَفْسِهِ وَكَسْبِهِ وَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمَوْلَى بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ، وَثُبُوتُ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَلِهَذَا يُقَالُ الْمُكَاتَبُ طَارَ عَنْ ذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ وَلَمْ يَنْزِلْ فِي سَاحَةِ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كَالنَّعَامَةِ إنْ اُسْتُطِيرَ تَبَاعَرَ، وَإِنْ اُسْتُحْمِلَ تَطَايَرَ وَمِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى ثُبُوتُ وِلَايَةِ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ لِلْحَالِ وَثُبُوتُ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَأَلْفَاظُهَا أَنْ يَقُولَ كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَاتَبَ مَمْلُوكَهُ وَلَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُ بِمَالٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ أَوْ مُنَجَّمٍ وَقَبِلَ صَحَّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] الْآيَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ كِتَابُ الْمُكَاتَبِ] ِ) ذِكْرُ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ كَانَ أَنْسَبَ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي كِتَابَ الْمُكَاتَبِ وَكِتَابَ الْوَلَاءِ عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَآلُهَا الْعِتْقُ بِمَالٍ وَالْوَلَاءُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ أَيْضًا، وَقِيلَ فِي وَجْهٍ مُنَاسَبَةُ إيرَادِ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ كِتَابِ الْإِجَارَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ عَقْدٌ يُسْتَفَادُ بِهِ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى وَجْهِ مَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَقَوْلُنَا بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَقَوْلُنَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ احْتِرَازٌ عَنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ عَلَى مَالٍ فَإِنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِأَصْلٍ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَكَذَا فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَدَّمَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ التَّمْلِيكُ وَالشَّرَائِطُ وَجَرَيَانُهُ فِي غَيْرِ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ اهـ كَاكِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَجُوزُ قِيَاسًا لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ الدَّيْنِ لِلْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلَكِنْ جُوِّزَتْ اسْتِحْسَانًا بِدَلِيلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْمَمْلُوكِ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَاتَبَ مَمْلُوكَهُ، وَلَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُ بِمَالٍ حَالٍّ) وَفِي الْحَالِ كَمَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ يَعْنِي فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ بِلَا أَجَلٍ يُطَالِبُ الْوَلِيُّ الْعَبْدَ بِمَا قَبِلَ، فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ، وَإِنْ امْتَنَعَ عَنْ الْأَدَاءِ رُدَّ إلَى الرِّقِّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْفَسْخِ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ فَوَاتُ لُزُومِ الْعَقْدِ لِفَوَاتِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ وَلَكِنْ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ إلَّا بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَإِنْ قَالَ أَخِّرْنِي وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ يُرْجَى قُدُومُهُ أُخِّرَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً؛ لِأَنَّ الْإِيفَاءَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ تَعْجِيلٌ دُونَ تَأْخِيرٍ كَالْمَدْيُونِ إذَا قَالَ أَبِيعُ عَبْدِي هَذَا وَأَقْضِي حَقَّهُ لَا يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَيُؤَجِّلُهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَكَذَا هُنَا كَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي بَابِ مُكَاتَبَةِ الصَّغِيرِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدًا لَهُ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ جَازَ وَيَكُونُ كَالْعَبْدِ الْكَبِيرِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ وَلَا يَتَكَلَّمُ فَكَاتَبَهُ ثُمَّ أَدَّى عَنْهُ رَجُلٌ فَقَبِلَهَا الْمَوْلَى لَمْ يَعْتِقْ لِأَنِّي لَوْ أَجَزْت هَذَا لَأَجَزْت لَوْ كَاتَبَ رَجُلٌ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ فَجَاءَ رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَدَّى عَنْهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ فَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى صَاحِبِهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ يَعْتَمِدُ الْقَبُولَ وَاَلَّذِي لَا يَعْقِلُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَاَلَّذِي يَعْقِلُ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَيَكُونُ كَالْعَبْدِ الْكَبِيرِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَجَزْت هَذَا لَأَجَزْت لَوْ كَاتَبَ رَجُلٌ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَدَاءَ الْأَجْنَبِيِّ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا انْبَنَى عَلَى الْقَبُولِ وَلَمْ يُوجَدْ الْقَبُولُ لَا مِنْ الصَّبِيِّ وَلَا مِنْ نَائِبِهِ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ الْمَالُ إلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ لِمَقْصُودٍ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ الْقَصْدُ وَلِأَنَّهُ أَدَّاهُ بِسَبَبٍ بَاطِلٍ فَلَمْ يَصِحَّ أَدَاؤُهُ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا قَبِلَ عَنْهُ إنْسَانٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إدْرَاكِهِ، فَإِنْ أَدَّى هَذَا الْقَابِلُ عَتَقَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ} [النور: 33] وَالْكِتَابُ وَالْمُكَاتَبَةُ كَالْعِتَابِ وَالْمُعَاتَبَةِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ كَاتَبْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيَقُولُ الْعَبْدُ قَبِلْت، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْعَقْدُ كِتَابَةً لِمَا يُكْتَبُ فِيهِ مِنْ الْكِتَابِ عَلَى الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى وَعَلَى الْمَوْلَى لِلْعَبْدِ وَلَمْ يُسَمَّ بِهَذَا الِاسْمِ سَائِرُ الْعُقُودِ، وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِيهَا مَعْنَى الْكِتَابَةِ لِئَلَّا تَبْطُلَ التَّسْمِيَةُ كَالْقَارُورَةِ سُمِّيَتْ بِهَذَا الِاسْمِ لِقَرَارِ الْمَائِعِ فِيهَا وَلَا يُسَمَّى الْكُوزُ وَنَحْوُهُ قَارُورَةً، وَإِنْ كَانَ يُقِرُّ الْمَائِعَ لِئَلَّا تَبْطُلَ الْأَعْلَامُ اهـ أَتْقَانِيٌّ

مُطْلَقَةٌ فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَكُلُّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الطَّلَبُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ الصَّغِيرِ وَلَا الْكِتَابَةُ الْحَالَّةُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّصَرُّفِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْإِذْنِ لِلصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ نَافِعٌ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَشْهَدُ لَنَا أَنَّ الِابْتِغَاءَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ إذْ الْكَلَامُ فِي صَبِيٍّ يَعْقِلُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَفِي زَمَانٍ قَلِيلٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّحْصِيلُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مُنَجَّمًا وَأَقَلُّهُ نَجْمَانِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ إذْ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَجْزَ الطَّارِئَ يُبْطِلُهَا فَالْمُقَارِنُ أَوْلَى بِخِلَافِ السَّلَمِ الْحَالِّ حَيْثُ يَجُوزُ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّ الْعَاقِدَ فِيهِ أَهْلٌ لِلْمِلْكِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إيفَاءِ مَا الْتَزَمَ وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَيَجُوزُ وَلَنَا إطْلَاقُ مَا تَلَوْنَا فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ نَسْخٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ مَعْقُودٌ بِهِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ حَتَّى صَحَّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِنَا فَإِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَعْدُومِ فَجَعَلْنَا الْأَجَلَ عِوَضًا عَمَّا فَاتَ مِنْ الْقُدْرَةِ لِيُمْكِنَهُ التَّحْصِيلُ فِي الْمُدَّةِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُسَامِحُهُ وَلَا يُطَالِبُهُ لِلْحَالِ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ الطَّلَبُ إذَا تَوَجَّهَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ نَحْوَهُ وَفِي الْحَالِ وَلِأَنَّ إعْسَارَهُ فِي الْحَالِ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِهِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ فِي الْمَجْلِسِ أَضْعَافَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ فَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ الْجَوَازُ، وَلِأَنَّ عُقُودَ الْمُدَايَنَةِ يَعْتَمِدُ صِحَّتَهَا الْأَهْلِيَّةُ دُونَ الْقُدْرَةِ عَلَى قَضَائِهِ حَتَّى جَازَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا أَنْ يَشْتَرِيَ بِجُمْلَةٍ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَرْطٌ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مُعَيَّنًا إلَّا فِي السَّلَمِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ»، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ قَبُولُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَالُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلنَّدْبِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ، وَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ الْعَبْدُ ذَلِكَ وَعَلِمَ الْمَوْلَى فِيهِ الْخَيْرَ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَهُوَ لِلْإِبَاحَةِ وَاشْتِرَاطُهُ عِلْمَ الْخَيْرِ فِيهِمْ خَرَجَ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَاتِبُ إلَّا إذَا عَلِمَ فِيهِ الْخَيْرَ، وَقَدْ يَكُونُ الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] قُلْنَا الْأَمْرُ يَكُونُ لِلنَّدْبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ هُنَا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] فَإِنَّهُ لِلنَّدْبِ فَكَذَا الْكِتَابَةُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ عِنْدِي لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ جَائِزَةٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ الْخَيْرَ وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ مِثْلِهِ وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ أَصْلًا فَيَكُونُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ مُفِيدًا لِلنَّدْبِيَّةِ يَعْنِي يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ إذَا طَلَبَ الْعَبْدُ وَعَلِمَ الْمَوْلَى فِيهِ الْخَيْرَ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 25] الْآيَةَ فَإِنَّ تَعْلِيقَهُ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لِلنَّدَبِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ جَازَ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ هُوَ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ، وَلَوْ فَعَلَ جَازَ، وَقِيلَ الْوَفَاءُ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَالصَّلَاحُ وَقِيلَ الْمَالُ وَالْخَيْرُ يُرَادُ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] أَيْ مَالًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرِ أَيْ مَالٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كَسُوبَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ وَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ كُلِّ الْبَدَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَاقِدَ فِيهِ أَهْلٌ) أَيْ لِأَنَّ الْقَابِلَ لِلسَّلَمِ هُوَ الْحُرُّ وَالْحُرُّ قَادِرٌ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِلْأَشْيَاءِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ لِكَوْنِهِ عَاجِزًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ أَدَّيْت إلَيَّ قِيمَتَك فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّاهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ بِالْأَدَاءِ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَلَا يَكُونُ هَذَا كِتَابَةً، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ مَعْنَى الْكِتَابَةِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَاءَ بِالْبَدَلِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ أَيْ يَصِيرُ الْمَوْلَى قَابِضًا لَهُ بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا فِي الْكِتَابَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَوْلَى اسْتِحْسَانًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَبَيَانُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالْكِتَابَةِ فِي مَسَائِلَ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ هُنَا قَبْلَ الْأَدَاءِ وَتَرَكَ مَالًا فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْمَوْلَى وَلَا يُؤَدَّى عَنْهُ فَيَعْتِقُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَفِي يَدِ الْعَبْدِ كَسْبٌ فَالْعَبْدُ رَقِيقٌ يُورَثُ عَنْهُ مَعَ أَكْسَابِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ فَعَتَقَتْ يَعْتِقُ وَلَدُهَا، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى حُطَّ عَنِّي مِائَةً فَحَطَّ الْمَوْلَى عَنْهُ فَأَدَّى تِسْعَمِائَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمَوْلَى عَنْ الْأَلْفِ الْعَبْدَ لَمْ يَعْتِقْ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُكَاتَبُ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يَعْتِقُ، وَلَوْ بَاعَ هَذَا الْعَبْدَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَأَدَّى إلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا، فَإِنْ قَبِلَهَا عَتَقَ، وَكَذَا لَوْ رُدَّ إلَيْهِ بِخِيَارٍ أَوْ عَيْبٍ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ فَهُوَ خِلَافُ الْكِتَابَةِ وَخِلَافُ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ سَاعَتِهِ وَيَكُونُ الْبَدَلُ وَاجِبًا فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِعِوَضٍ فَمَتَى قَبِلَ يَزُولُ الْمُعَوَّضُ مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ عَلَى قِيمَةِ رَقَبَتِك وَقَبِلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا اهـ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكِتَابَةُ عَبْدِهِ أَنَّ الْعِتْقَ عَلَى مَالٍ فَوْقَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ وَالْكِتَابَةُ تَقْبَلُهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ إلَخْ) ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ مِنْ الْخَيْرِ الْمَذْكُورِ إقَامَةُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَأَدَاءُ الْفَرَائِضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ دِرْهَمٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشْرَ أُوقِيَّاتٍ فَهُوَ رَقِيقٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْعِوَضُ فَلَا يُسَلِّمْ لِلْعَبْدِ الْمُعَوَّضَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهِ فَمَذْهَبُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَعْتِقُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَبِهِ يَسْتَوِيَانِ فِيمَا يُسَلَّمُ لَهُمَا مِنْ الْبَدَلِ وَمَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ يَعْتِقُ إذَا أَدَّى قَدْرَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرَرُ عَنْ الْمَوْلَى وَالْبَاقِي دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَيَكُونُ الْبَدَلُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ كَأَنَّهُ جَعَلَ الْكِتَابَةَ وَارِدَةً عَلَى الذِّمَّةِ كَالْعِتْقِ وَمَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْكُلَّ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ لِمَا رَوَيْنَا، وَقَدْ ثَبَتَ لَهُ بَعْضُ أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ الْمَوْلَى إذَا أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَ فِيهَا إلَّا ضَرْبُ الْمَالِ عَلَى عَبْدِهِ مُنَجَّمًا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْعِتْقَ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ لِيَقَعَ الْعِتْقُ عِنْدَهُ قُلْنَا مُوجَبُ الْكِتَابَةِ هُوَ الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الْجَمْعِ وَهُوَ الْجَمْعُ لِحُرِّيَّةِ الْيَدِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ ضَمِّ نَجْمٍ إلَى نَجْمٍ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا عَلَى نُجُومٍ لَا يُسَمَّى مُكَاتَبًا وَلَا يَثْبُتُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ وَنَهْيُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ وَيَمْلِكُ أَخْذَ كَسْبِهِ بِلَا إذْنِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ فِي ثُبُوتِ أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ آخَرَ لَا يَثْبُتُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهَا، وَكَذَا إذَا عَلَّقَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ بِأَنْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ تَثْبُتُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ فَكَذَلِكَ الْعِتْقُ يَثْبُتُ بِهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَعْتِقَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ يَثْبُتُ عَقِيبَهُ لَكِنْ تَرَكْنَا ذَلِكَ بِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ لَوْ عَتَقَ كَانَ الْمَوْلَى يَتَضَرَّرُ بِخُرُوجِ عَبْدِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِعِوَضٍ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ وَنَظِيرُ مَا قُلْنَا فِي الْإِجَارَةِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ فِي الْحَالِ تَأَخَّرَ مِلْكُ الْبَدَلِ أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ عَلَيْهِ حَطُّ رُبْعِ الْبَدَلِ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ الْبَدَلَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِإِسْقَاطِهِ إذْ الْعَقْدُ لَا يَقْتَضِي شَيْئًا وَضِدُّهُ كَسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَوَجَبَ فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ فِي الْآيَةِ النَّدْبُ دُونَ الْحَتْمِ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لِلنَّدْبِ فَكَذَا هَذَا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْقُرْآنِ فِي النَّظْمِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] لِأَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ مُشْتَمِلَةٌ بِكَلِمَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ لَا ارْتِبَاطَ لِأَحَدِهِمَا بِالْأُخْرَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِحُكْمِ أَحَدِهِمَا عَلَى حُكْمِ الْأُخْرَى أَمَّا هُنَا فَالثَّانِيَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِالْأُولَى إذْ الْبَدَلُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الْأُولَى هُوَ الْبَدَلُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَعَنْ الْكَلْبِيِّ الْمُرَادُ بِالْإِيتَاءِ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِمْ رَوَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَفْظُ الْإِيتَاءِ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّمْلِيكِ لَا لِلْحَطِّ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ هُوَ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177] فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ دَفْعُ الصَّدَقَةِ بَعْدَ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ كُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ فِي الْآيَةِ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَالْقِرَانَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا إذَا قَالَ جَعَلْت عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهِ نُجُومًا أَوَّلَ النَّجْمُ كَذَا وَآخِرُهُ كَذَا، فَإِذَا أَدَّيْته فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِلَّا فَقِنٌّ) يَعْنِي يَكُونُ مُكَاتَبًا بِهَذَا الْقَوْلِ مِثْلَ مَا يَكُونُ مُكَاتَبًا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا الِاسْتِحْسَانُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَكُونَ مُكَاتَبًا بِهِ؛ لِأَنَّ النُّجُومَ فُصُولُ الْأَدَاءِ وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَ عَلَى عَبْدِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْمَالِ فِيمَا شَاءَ مِنْ الْمُدَّةِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ أَدَّيْته فَأَنْتَ حُرٌّ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْكِتَابَةَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ حَتَّى كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمُضَارِبِ قَرْضًا وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِرَبِّ الْمَالِ بِضَاعَةً، وَقَدْ أَتَى بِمَعْنَى الْكِتَابَةِ هُنَا مُفَسَّرًا فَيَنْعَقِدُ بِهِ كَمَا إذَا أَطْلَقَ الْكِتَابَةَ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُفَسَّرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ إلَى آخِرِ» الْحَدِيثِ) وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَم هـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَمَذْهَبُ زَيْدٍ إلَخْ) وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ مِثْلُ قَوْلِ زَيْدٍ كَذَا فِي شَرَحَ الْأَقْطَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ كَسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ اهـ. (قَوْلُهُ لَا ارْتِبَاطَ لِإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لَا ارْتِبَاطَ لِأَحَدِهِمَا فِي الْأُخْرَى (قَوْلُهُ وَعَنْ الْكَلْبِيِّ الْمُرَادُ بِالْإِيتَاءِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَا حُجَّةَ لِلْخَصْمِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]؛ لِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ مَالِ اللَّهِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى أَثْمَانِ الْبِيَاعَاتِ وَأُجْرَةِ الْإِجَارَاتِ، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ مَالُ اللَّهِ عَلَى أَمْوَالِ الْقُرَبِ كَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَالْعُشْرِ وَخُمْسِ الْغَنِيمَةِ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَنَا بِإِعْطَاءِ الْمُكَاتَبِينَ مِنْ صَدَقَاتِنَا لِيَسْتَعِينُوا بِذَلِكَ عَلَى أَدَاءِ الْكِتَابَةِ. اهـ.

أَقْوَى وَقَوْلُهُ إذَا أَدَّيْته فَأَنْتَ حُرٌّ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مُحْتَمَلٌ يَحْتَمِلُ الْكِتَابَةَ وَيَحْتَمِلُ الضَّرِيبَةَ وَبِهِ تَتَرَجَّحُ جِهَةُ الْكِتَابَةِ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَقِنٌّ أَيْ إنْ لَمْ تُؤَدِّهِ فَأَنْتَ رَقِيقٌ فَضْلَةٌ مِنْ الْكَلَامِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ كَمَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْكِتَابَةِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيمَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ إلَّا بِالْكِتَابَةِ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى الْكِتَابَةُ وَلِأَنَّ التَّقْسِيطَ لِلتَّخْفِيفِ وَالتَّخْفِيفُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْوُجُوبِ وَذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَيْسَتْ بِمُكَاتَبَةٍ بَلْ يَكُونُ إذْنًا اعْتِبَارًا بِالتَّعْلِيقِ بِالْأَدَاءِ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالتَّنْجِيمُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ الْكِتَابَةِ حَتَّى يُجْعَلَ تَفْسِيرًا لَهَا؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ، وَقَدْ تَخْلُو الْكِتَابَةُ عَنْهُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا تَخْتَصُّ بِهِ الْكِتَابَةُ فَلَا يَكُونُ مُكَاتَبًا وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ) أَيْ إذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ يَخْرُجُ الْمُكَاتَبُ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْكِتَابَةِ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ وَالسَّفَرِ، وَلَوْ شَرَطَ فِي الْكِتَابَةِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكِتَابَةِ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الْمَالِ بِالتَّكَسُّبِ، وَقَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ فَيُطْلَقُ لَهُ الْخُرُوجُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دُونَ مِلْكِهِ) أَيْ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَتَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَأَصْلُ الْبَدَلِ يَجِبُ لِلْمَوْلَى فِي ذِمَّتِهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَتِمُّ مِلْكُهُ فِيهِ إلَّا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ فِي ذِمَّتِهِ مَعَ الْمُنَافِي، إذْ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا، وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَيَثْبُتُ لِلْعَبْدِ بِمُقَابَلَتِهِ مَالِكِيَّةٌ ضَعِيفَةٌ أَيْضًا، فَإِذَا تَمَّ لِلْمَوْلَى الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ تَمَّ الْمَالِكِيَّةُ لِلْعَبْدِ أَيْضًا وَتَمَامُ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعِتْقِ فَيَعْتِقُ لِضَرُورَةِ الْمَالِكِيَّةِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى عَتَقَ بِعِتْقِهِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ وَسَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ مَجَّانًا، وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ مُقَابَلًا بِالْعِتْقِ، وَقَدْ حَصَلَ بِدُونِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَرِمَ إنْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ أَوْ جَنَى عَلَيْهَا أَوْ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ أَتْلَفَ مَالَهَا) لِأَنَّهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ خَرَجَتْ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَصَارَ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ فَصَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَكَسْبِهَا لِتَتَوَصَّلَ إلَى الْمَقْصُودِ بِالْكِتَابَةِ وَهِيَ حُصُولُ الْحُرِّيَّةِ لَهَا، وَالْبَدَلُ لِلْمَوْلَى بِنَاءً عَلَى كَوْنِهَا أَحَقَّ بِمَالِهَا وَنَفْسِهَا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَتْلَفَ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهَا الْغَرَضُ الْمُبْتَغَى بِالْكِتَابَةِ وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ مُلْحَقٌ بِالْإِجْزَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ عِوَضُهُ وَهُوَ الْعُقْرُ عِنْدَ إتْلَافِهِ بِالْوَطْءِ وَانْتَفَى الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ قِيمَتِهِ أَوْ عَيْنٍ لِغَيْرِهِ أَوْ مِائَةٍ لِيَرُدَّ سَيِّدُهُ عَلَيْهِ وَصَيْفًا فَسَدَ) أَمَّا الْكِتَابَةُ عَلَى الْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَا يَصْلُحُ عِوَضًا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَهَذَا لِأَنَّ تَسْمِيَةَ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ فِي عَقْدٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَسْمِيَةِ الْبَدَلِ لِصِحَّتِهِ تُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ حَيْثُ لَا يَفْسُدُ بِتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِصِحَّتِهِ إلَى تَسْمِيَةٍ حَتَّى يَجُوزَ النِّكَاحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَحْتَمِلُ الضَّرِيبَةَ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَالضَّرِيبَةُ وَاحِدَةُ الضَّرَائِبِ الَّتِي تُؤْخَذُ فِي الْأَرْصَادِ وَالْجِزْيَةِ وَنَحْوِهَا وَمِنْهُ ضَرِيبَةُ الْعَبْدِ وَهِيَ غَلَّتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي، وَإِنْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَقَبِلَتْ فَهَذَا مُكَاتَبَةٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا، وَإِنْ كَسَرَتْ شَهْرًا وَاحِدًا ثُمَّ أَدَّتْ إلَيْهِ ذَلِكَ الشَّهْرَ كَانَ جَائِزًا، وَلَوْ قَالَ لَهَا إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَلَمْ تُؤَدِّهِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ وَأَدَّتْهُ فِي غَيْرِهِ لَمْ تَعْتِقْ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ، وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ أَبِي يُوسُفَ وَوُجِدَتْ رِوَايَةُ أَبِي حَفْصٍ وَهِشَامٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي السِّيَاقِ وَالْجَوَابِ. قَالَ وَلَوْ قَالَ لَهَا إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَقَبِلَتْ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ هَذِهِ بِمُكَاتَبَةٍ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مَا لَمْ تُؤَدِّ، وَإِنْ كَسَرَتْ شَهْرًا وَاحِدًا وَأَدَّتْ إلَيْهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الشَّهْرِ لَمْ تَعْتِقْ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَلَمْ تُؤَدِّهَا فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ وَأَدَّتْهَا فِي غَيْرِهِ لَمْ تَعْتِقْ. إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي الْفَضْلِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الْمَرْوَزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ. أَرَادَ بِإِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا، وَبِالْأُخْرَى قَوْلَهُ فَإِنْ كَسَرَتْ شَهْرًا وَاحِدًا ثُمَّ أَدَّتْ إلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى الْكِتَابَةُ). وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ الْأَدَاءُ مُنَجَّمًا وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ الْكِتَابَةِ، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِصُورَتِهِ فَلَا يُغَيَّرُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ) أَيْ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لِضَعْفِهِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَقَدْ حَصَلَ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَغَرِمَ إنْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ أَوْ جَنَى عَلَيْهَا إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ عَلَى مَوْلَاهُ أَوْ رَقِيقِ مَوْلَاهُ أَوْ مَتَاعِهِ فَهُوَ هَدَرٌ كُلُّهُ، وَكَذَلِكَ إذَا جَنَى الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَجِنَايَتُهُ هَدَرٌ وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ، وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ فِي جِنَايَتِهَا عَلَى الْمَوْلَى وَجِنَايَةُ الْمَوْلَى عَلَيْهَا هَدَرٌ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَمَا جَنَى عَلَيْهَا فَأَرْشُ ذَلِكَ لِلْمَوْلَى وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَجِنَايَةُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ تَلْزَمُ الْمَوْلَى وَجِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ تَلْزَمُ الْمُكَاتَبُ، وَكَذَلِكَ جِنَايَةُ الْمَوْلَى عَلَى رَقِيقِ الْمُكَاتَبِ أَوْ مَالِهِ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا جَنَى عَلَى صَاحِبِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِفَايَتِهِ جِنَايَةُ الْمَوْلَى عَلَى مُكَاتَبِهِ عَمْدًا لَا تُوجِبُ الْقَوَدَ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ، وَلَوْ قَتَلَ الْمُكَاتَبُ مَوْلَاهُ عَمْدًا يَجِبُ الْقَوَدُ لِمَا عُرِفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابَةِ الْجَائِزَةِ وَالْفَاسِدَةِ أَنَّ فِي الْفَاسِدَةِ يَرُدُّهُ الْمَوْلَى فِي الرِّقِّ وَيَفْسَخُ الْكِتَابَةَ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَفِي الْجَائِزَةِ لَا يَفْسَخُ إلَّا بِرِضَا الْعَبْدِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَفْسَخَ فِي الْجَائِزِ وَالْفَاسِدِ جَمِيعًا بِغَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَمَعَ نَفْيِهِ فَكَذَا إذَا سَمَّى مَالًا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ وَأَمَّا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ فَلِأَنَّهَا مَجْهُولَةُ الْقَدْرِ إذْ هِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ، وَكَذَا جِنْسُهَا مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ وَهُوَ النَّقْدَانِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَفَسَدَ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ لِأَنَّ الثَّوْبَ وَالدَّابَّةَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَمَا هُوَ مَجْهُولُ الْجِنْسِ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ أَصْلًا حَتَّى فِي النِّكَاحِ وَلِأَنَّ مُوجَبَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ الْقِيمَةُ فَالتَّنْصِيصُ عَلَيْهَا تَنْصِيصٌ عَلَى مُوجَبِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَيَكُونُ فَاسِدًا، وَلَا يُقَالُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ يَجُوزُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ عَبْدٌ وَسَطٌ أَوْ قِيمَتُهُ حَتَّى لَوْ أَتَى بِقِيمَتِهِ يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى الْقِيمَةِ فَاسِدَةً لَمَا صَحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِيمَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَتْ قَصْدًا وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا قَصْدًا وَفِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ تَجِبُ حُكْمًا لَا قَصْدًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ حُكْمًا لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ قَصْدًا. أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ بِالْعِجْلِ لَا تَجُوزُ وَتَجُوزُ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَكَذَا بَيْعُ الْجَنِينِ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَأَمَّا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى عَيْنٍ لِغَيْرِهِ فَلِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ شَيْءٌ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ حَتَّى لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِعَيْنِهَا وَهِيَ لِغَيْرِهِ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي هِيَ مُعَاوَضَةٌ وَلَا فِي فَسَوْخِهَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ مِثْلُهَا فِي الذِّمَّةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى عَيْنِ الْغَيْرِ جَائِزَةٌ حَتَّى لَوْ مَلَكَهَا الْعَبْدُ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمَوْلَى عَتَقَ، وَإِنْ عَجَزَ رَدَّ فِي الرِّقِّ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ مَوْهُومَةٌ فَصَارَ كَالْمَهْرِ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَيْنَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مَعْقُودٌ عَلَيْهَا وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطُ الصِّحَّةِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَتَسْلِيمُ تِلْكَ الْعَيْنِ لَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ فَلَا تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ غَيْرَ عَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ بِهِ فَلَا تُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا جَوَّزْنَا الْكِتَابَةَ الْحَالَّةَ وَبِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ تَسْلِيمُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً رَضِيعَةً جَازَ فَعَلَى مَا هُوَ تَابِعٌ فِيهِ وَهُوَ الصَّدَاقُ أَوْلَى أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ الْقُدْرَةُ، وَلِهَذَا جَازَ مَعَ نَفْيِ الصَّدَاقِ أَيْضًا وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ شُرِعَتْ عَلَى وَجْهٍ يَخْتَصُّ الْمُكَاتَبُ بِمَكَاسِبِهِ فَيَثْبُتُ لَهُ حُرِّيَّةُ الْيَدِ فِي الْحَالِ وَتَتَرَاخَى حُرِّيَّةُ الرَّقَبَةِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ فَلَوْ جَازَ هَذَا لَثَبَتَتْ حُرِّيَّةُ الْيَدِ وَالرَّقَبَةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَا عَلَى وَجْهِ التَّعَاقُبِ فَيَكُونُ إعْتَاقًا بِبَدَلٍ وَلَا يَكُونُ كِتَابَةً؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ شُرِعَتْ لِإِثْبَاتِ الْحُرِّيَّتَيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلَا لَمْ تَنْعَقِدْ أَصْلًا؛ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا يَحْصُلُ فِيهِ مَقْصُودُهُ لَا يَنْعَقِدُ وَلِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ هَذِهِ الْكِتَابَةُ لَكَانَ الْأَدَاءُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى إذْ الْإِجَارَةُ تَسْتَنِدُ إلَى الْعَقْدِ فَتَصِيرُ الْعَيْنُ مِنْ أَكْسَابِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَكَسْبُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ مِلْكٌ لَهُ فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى مَالِ الْمَوْلَى لَا مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ الْعَبْدُ يَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْعَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى ضَرُورَةً، وَلَوْ أَجَازَ صَاحِبُ الْعَيْنِ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا يَجُوزُ بِالْإِجَارَةِ مَعَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ، فَالْكِتَابَةُ أَوْلَى أَنْ تَجُوزَ لِكَوْنِهَا مَبْنِيَّةً عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ لِلْمُكَاتَبِ مِلْكُ كَسْبِهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ لِحَاجَةٍ إلَى الْأَدَاءِ مِنْ الْمَكَاسِبِ وَلَا حَاجَةَ إذَا كَانَ الْبَدَلُ عَيْنًا؛ لِأَنَّهُ يَنْعَدِمُ بِهِ مَقْصُودُ الْكِتَابَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ أَجَازَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُجِزْ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ وَعِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ قِيمَةِ الْعَيْنِ كَمَا فِي النِّكَاحِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ مَلَكَ ذَلِكَ الْعَيْنَ فَأَدَّى لَمْ يَعْتِقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ تِلْكَ الْعَيْنَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ وَذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ كَذَلِكَ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَوَى صَاحِبُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ قَالَ لَهُ الْمَوْلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ مَعَ الْفَسَادِ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا مُتَقَوِّمًا، وَقَدْ وُجِدَ الْأَدَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَذَا جِنْسُهَا مَجْهُولٌ) قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ أَدَّاهَا عَتَقَ أَمَّا عَدَمُ الْجَوَازِ فَلِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ لَا تَصْلُحُ مَهْرًا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى قِيمَةِ هَذَا الْعَبْدِ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَمَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فِي بَابِ النِّكَاحِ لَا يَصْلُحُ بَدَلًا فِي بَابِ الْكِتَابَةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَأَمَّا الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَلِأَنَّ فِي الْكِتَابَةِ شَيْئَيْنِ مُعَاوَضَةً وَتَعْلِيقًا فَأَيُّ الْمَعْنَيَيْنِ اعْتَبَرْنَا يَعْتِقُ أَمَّا الْمُعَاوَضَةُ فَلِأَنَّ الْقِيمَةَ تَصِيرُ عِوَضًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ وَأَمَّا التَّعْلِيقُ فَلِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَعَلَّقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مَا سَمَّى لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فِي بَابِ النِّكَاحِ فَلَا يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْكِتَابَةِ، فَإِنْ أَدَّى لَمْ يَعْتِقْ بِأَدَاءِ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْمُعَاوَضَاتِ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةُ الْجِنْسِ وَتَصِيرُ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ إذَا أَدَّى أَقْصَى قِيمَتَهُ وَهِيَ مَلْفُوظَةٌ فَيَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِأَدَائِهَا كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ ثُمَّ قَالُوا يُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ مَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَلَا يَعْدُوهُمَا، وَكَذَا إذَا قَوَّمَ الْمُقَوِّمُونَ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُقَوِّمُونَ فِي الْقِيمَةِ يُعْتَبَرُ أَقْصَى الْقِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِيَقِينٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي، فَإِنْ كَاتَبَهَا عَلَى عَيْنٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا كُلُّ مَا عَيَّنَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ مِنْ عَرْضٍ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ، فَإِنْ قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفِ فُلَانٍ هَذِهِ جَازَتْ الْمُكَاتَبَةُ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ عَلَى مِثْلِهَا، فَإِنْ أَدَّتْ غَيْرَهَا عَتَقَتْ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ كَاتَبَنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أُعْطِيَهَا مِنْ مَالِ فُلَانٍ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

فَيَعْتِقُ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ فَأَدَّاهَا. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ لَمْ تَصِرْ بَدَلًا فِي هَذَا الْعَقْدِ بِتَسْمِيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ أَصْلًا فَيَعْتِقُ إنْ أَدَّى بِاعْتِبَارِ صَرِيحِ التَّعْلِيقِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ لَا يَعْتِقُ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ مَيْتَةٍ، وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى عَيْنٍ فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ مِنْ كَسْبِهِ بِأَنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى بَدَلٍ مَعْلُومٍ وَيَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى كَاتَبَهُ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ إذْ الْكَلَامُ فِي عَيْنٍ اكْتَسَبَهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ فِي يَدِ الْعَبْدِ يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ وَأَمَّا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ وَصِيفًا فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجُوزُ الْكِتَابَةُ وَتُقَسَّمُ الْمِائَةُ عَلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ وَعَلَى قِيمَةِ وَصِيفٍ وَسَطٍ فَمَا أَصَابَ الْوَصِيفَ عَنْهُ وَيَكُونُ مُكَاتَبًا بِمَا بَقِيَ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ وَتَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى وَصِيفٍ فَكَذَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِقَدْرِ جَهَالَةِ الْمُسْتَثْنَى وَجَهَالَةُ الْمُسْتَثْنَى هِيَ جَهَالَةُ وَصِيفٍ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فَكَذَا جَهَالَةُ الْبَاقِي لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ وَلَهُمَا أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَلَا تَصِحُّ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ الْوَصِيفِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيفَ لَا يُمْكِنُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَتَسْمِيَةُ الْقِيمَةِ تُفْسِدُ الْعَقْدَ كَمَا بَيَّنَّا فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُعْتَبَرٌ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَا يَصْلُحُ تَسْمِيَةً يَصْلُحُ اسْتِثْنَاءً وَمَا لَا فَلَا فَكَانَتْ الْجَهَالَةُ مُفْسِدَةً، وَلِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ اشْتَمَلَ عَلَى بَيْعٍ وَكِتَابَةٍ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الدَّنَانِيرِ بِإِزَاءِ الْوَصِيفِ الَّذِي رَدَّهُ الْمَوْلَى بَيْعٌ وَمَا كَانَ مِنْهَا بِإِزَاءِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ مُكَاتَبَةٌ فَتَبْطُلُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَكَذَا الْكِتَابَةُ وَلِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَجَازَتْ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَلِأَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ وَهِيَ بَيْعٌ فِي كِتَابَةٍ فَلَا تَجُوزُ لِلنَّهْيِ عَنْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ)؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُنْعَقِدٌ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ هُوَ الْقِيمَةُ فَيَعْتِقُ بِأَدَائِهِ وَلَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ مَا لَيْسَ بِبَدَلٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ صُورَةً وَيَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ مَعْنًى وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ، وَكَذَا الْخِنْزِيرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ أَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا قِيمَةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَانْعَقَدَ بِهِمَا الْعَقْدُ وَمُوجَبُ الِانْعِقَادِ الْعِتْقُ عِنْدَ أَدَاءِ الْبَدَلِ الْمَشْرُوطِ، وَأَمَّا الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ فَلَيْسَا بِمَالٍ أَصْلًا عِنْدَ أَحَدٍ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ بِهِمَا فَاعْتُبِرَ فِيهِمَا مَعْنَى الشَّرْطِ لَا غَيْرُ وَذَلِكَ بِالتَّعْلِيقِ صَرِيحًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَعَى فِي قِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِالْعِتْقِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْ الْمُسَمَّى وَزِيدَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ فَتَجِبُ فِيهِ قِيمَةٌ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدَ غَيْرَ أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ أَنْ يُعْتِقَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ الْمُسَمَّى وَالْعَبْدُ يَرْضَى بِالزِّيَادَةِ حَتَّى يَنَالَ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ فَيُزَادُ عَلَيْهِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الْمُسَمَّى وَفِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ فِي الْفَاسِدِ ذَكَرَهَا أَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعَقْدِ فِيهِ وَأَثَرُ الْجَهَالَةِ فِي الْفَسَادِ لَا فِي إبْطَالِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ حَيْثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ وَصِيفًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَيَّدَ بِهِ إذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُعَيَّنًا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لِجَوَازِ بَيْعِ الْمُعَيَّنِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَلِفِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ فِي الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ أَوْ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) هَذَا حُكْمُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخُصَّ أَبَا يُوسُفَ وَأَنْ لَا يُذْكَرَ بِكَلِمَةِ عَنْ. اهـ. كَاكِيٌّ وَبِمَعْنَاهُ فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ وَيَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ) أَيْ بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ اهـ اك (قَوْلُهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَالَ فِي الْعَقْدِ إنْ أَدَّيْت الْخَمْرَ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إنْ كَاتَبَهُ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ أَدَّى الْمَيْتَةَ أَوْ الدَّمَ لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالشَّرْطِ، وَقَالَ إذَا أَدَّيْت الْمَيْتَةَ أَوْ الدَّمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ لِأَجْلِ الْيَمِينِ لَا لِأَجْلِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِقَضِيَّةِ التَّعْلِيقِ لَا بِقَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ) أَيْ الْقِيمَةُ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ أَوْ ذَكَرَهُ بِتَذْكِيرِ الْخَبَرِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَقِيمَتُهُ تُعْرَفُ إمَّا بِتَصَادُقِهِمَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا كَضَمَانِ الْغَصْبِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَإِمَّا بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، ثُمَّ لَوْ اخْتَلَفَ الْمُقَوِّمُونَ فَإِنْ اتَّفَقَ الِاثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ يُجْعَلُ ذَلِكَ قِيمَةً لَهُمْ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ أَقْصَى الْقِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِيَقِينٍ اهـ دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ) أَيْ، وَكَذَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دَابَّةٍ. اهـ. كَاكِيٌّ

لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا لَا يُوقَفُ عَلَى مُرَادِ الْمَوْلَى فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بَاطِلَةً فَلَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ أَدَّى قِيمَتَهُ أَيْضًا لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِهِ قَصْدًا بِأَنْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ثَوْبًا فَأَنْتَ حُرٌّ، فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ صَرِيحٌ فَصَارَ مِنْ بَابِ الْأَيْمَانِ وَهِيَ تَنْعَقِدُ مَعَ الْجَهَالَةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الثَّوْبِ وَالْمُكَاتَبَةُ مُعَاوَضَةٌ فَتَمْتَنِعُ بِالْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ وَمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْيَمِينِ تَابِعٌ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَصْلًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْمُسَمَّى مَتَى كَانَ شَيْئًا لَا يَصْلُحُ عِوَضًا لِجَهَالَةِ الْقَدْرِ أَوْ لِجَهَالَةِ الْجِنْسِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْمُسَمَّى وَلَا بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ إذْ لَا يَنْعَقِدُ هَذَا الْعَقْدُ أَصْلًا لَا عَلَى الْمُسَمَّى وَلَا عَلَى الْقِيمَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ مُعَلَّقٌ بِأَدَاءِ الْعِوَضِ وَلَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بِمُطْلَقِ الْأَدَاءِ، فَإِذَا كَانَ الْمُسَمَّى لَا يَصْلُحُ عِوَضًا كَثَوْبٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ عِوَضًا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَالْقِيمَةِ فَإِنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَتَصِيرُ مَعْلُومَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عِنْدَ الْأَدَاءِ حَتَّى تَصِيرَ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، وَلِهَذَا صِيرَ إلَيْهَا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ وَضَمَانِ الْعُقُودِ إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ) أَيْ صَحَّ عَقْدُ الْكِتَابَةِ عَلَى حَيَوَانٍ إذَا بَيَّنَ جِنْسَهُ لَا نَوْعَهُ وَصِفَتَهُ كَالْعَبْدِ وَالْوَصِيفِ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَصْلٌ فَالْعَيْنُ أَصْلُ تَسْمِيَةٍ وَالْقِيمَةُ أَيْضًا أَصْلٌ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِهَا فَاسْتَوَيَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِيهِ مَجْهُولٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يُسَمِّ جِنْسَهُ بِأَنْ كَانَ كَاتَبَهُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ وَكَالْبَيْعِ، وَالْجَامِعُ كَوْنُهُمَا مُعَاوَضَةً لَا يَصِحَّانِ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَجَازَ الْكِتَابَةَ عَلَى الْوَصِيفِ وَلِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ فَلَا تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ بِالْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ فِي الْبَدَلِ كَالنِّكَاحِ وَصَارَ كَالْجَهَالَةِ فِي الْأَجَلِ فَإِنَّهُ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى الْعَطَاءِ وَنَحْوِهِ كَالْحَصَادِ صَحَّ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُضَايِقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ وَهُوَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْكِتَابَةُ مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ مَالٍ فِي الِابْتِدَاءِ إذْ الْبَدَلُ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ ابْتِدَاءً وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَفِي الِانْتِهَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ لِكَوْنِهِ يُقَابِلُ الرَّقَبَةَ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُ الْمِلْكَ عَنْهُ لِكَوْنِ الْعَبْدِ لَا يَمْلِكُ مَالِيَّةَ نَفْسِهِ فَشَابَهُ النِّكَاحَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فَاحِشَةٌ فِيهِ فَلَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ حَيْثُ يَفْسُدُ وَتَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْقِيمَةِ جَهَالَةٌ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالصُّوفِ فِي الْحَالِ، وَالْجَهَالَةُ فِي الْعَبْدِ جَهَالَةٌ فِي الْوَصْفِ دُونَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ فَخَفَّتْ الْجَهَالَةُ، وَلِهَذَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ عَبْدٍ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَعَلَى عَبْدٍ يَجُوزُ لِمَا بَيَّنَّا فَعُلِمَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ جَهَالَةَ الْوَصْفِ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ وَجَهَالَةُ جِنْسِ مَنْفَعَتِهِ لَا تَمْنَعُ فِي الْكُلِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ كَاتَبَ كَافِرٌ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَلَى خَمْرٍ) يَعْنِي صَحَّ هَذَا الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ كَالْعَصِيرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَتَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فَاسِدًا وَتَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى مُسْلِمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَيٌّ أَسْلَمَ فَلَهُ قِيمَةُ الْخَمْرِ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا وَفِي تَسْلِيمِ عَيْنِ الْخَمْرِ تَمْلِيكُهَا وَتَمَلُّكُهَا إذْ الْمَوْلَى لَمْ يَمْلِكْهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِهَا مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ وَالْقَبْضُ يَرِدُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَيَكُونُ غَيْرَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مِنْ الْعَبْدِ وَتَمَلُّكًا مِنْ الْمَوْلَى فِي الْحَالِ عِوَضًا عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْخَمْرِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى إيجَابِ قِيمَةِ الْخَمْرِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُسَمَّى وَتَكُونُ الْكِتَابَةُ بَاقِيَةً عَلَى حَالِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى مَا يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْجُمْلَةِ فَفِي الْكِتَابَةِ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ بَدَلًا فِي الْجُمْلَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى وَصِيفٍ أَوْ نَحْوِهِ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ فَكَأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى الْقِيمَةِ، وَلِهَذَا يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى الْقِيمَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَبْقَى بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْقِيمَةِ صَحِيحًا أَصْلًا فَكَذَا لَا يَبْقَى عَلَيْهَا أَصْلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَتَقَ بِقَبْضِهَا) أَيْ بِقَبْضِ قِيمَةِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَسَلَامَةُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِأَحَدِهِمَا تُوجِبُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا نَوْعَهُ) كَالتُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَصِفَتَهُ) جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ اهـ كَاكِيٌّ

[باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله]

الْآخَرِ لِلْآخَرِ وَإِذَا أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ أَيْضًا لِتَضَمُّنِ الْكِتَابَةِ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ إذْ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْعَقْدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ أَوْ قِيمَةِ نَفْسِهِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ فِي الْكَافِي هَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَالْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ الشِّيرَازِيِّ وَنَجْمِ الدِّينِ الْأَفْطَسِ وَالرَّحَبِيِّ وَالنَّيْسَابُورِيّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ والتمرتاشي، وَلَوْ أَدَّى الْخَمْرَ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ أَدَّى الْقِيمَةَ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْتَقَلَتْ إلَى الْقِيمَةِ وَلَمْ يَبْقَ الْخَمْرُ بَدَلًا فِي هَذَا الْعَقْدِ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ صَحِيحًا عَلَى الْخَمْرِ ابْتِدَاءً وَبَقِيَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلَى قِيمَتِهَا صَحِيحًا عَلَى حَالِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ صَحِيحًا عَلَى الْخَمْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَخَرَجَتْ الْخَمْرُ مِنْ أَنْ تَكُونَ بَدَلًا فِيهِ ضَرُورَةٌ وَبِأَدَاءِ غَيْرِ الْبَدَلِ لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ أَوْ كَاتَبَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ عَلَى خَمْرٍ حَيْثُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَيَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَيَعْتِقُ بِاعْتِبَارِهِ وَيَضْمَنُ لِمَوْلَاهُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ [بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ] (بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لِلْمُكَاتَبِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالسَّفَرُ) لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّيِّدِ مِنْ الْعَقْدِ الْوُصُولُ إلَى بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَمَقْصُودَ الْعَبْدِ مِنْهُ الْوُصُولُ إلَى الْحُرِّيَّةِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَقَدْ لَا يَتَّفِقَانِ فِي الْحَضَرِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ وَالسَّفَرِ وَيُمْلَكُ الْبَيْعُ بِالْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إظْهَارًا لِلْمُسَامَحَةِ وَاسْتِجْلَابًا لِقُلُوبِ النَّاسِ كَيْ يَكْثُرَ مُعَامِلُوهُ فَتَكْثُرَ بُيُوعُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ كُلُّهَا فَيْصَلُ إلَى مَقْصُودِهِ فِي أَدْنَى مُدَّةٍ وَقَدْ يُحَابِي فِي صَفْقَةٍ لِيَرْبَحَ فِي أُخْرَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ) هَذَا مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ أَيْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ، وَإِنْ شَرَطَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى عَقْدِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِبْدَادِ وَالِاخْتِصَاصِ بِنَفْسِهِ وَمَنَافِعِ نَفْسِهِ وَأَكْسَابِهِ وَأَنْ لَا يَتَحَكَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَتَحْصِيلَ الْمَالِ بِأَيِّ وَجْهٍ شَاءَ وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَصَرَّفَ كَيْفَمَا شَاءَ وَيَنْفَرِدَ بِهِ لِأَنَّ التَّحْصِيلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ خُصُوصًا فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ مَظِنَّةٌ التَّحْصِيلِ وَمَظِنَّةُ الرِّبْحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] فَكُلُّ شَرْطٍ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ خِلَافُ مُوجَبِ الْعَقْدِ وَمَقْصُودِهِ فَيَبْطُلُ هُوَ دُونَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إلَّا إذَا كَانَ دَاخِلًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَلِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَمُبَادَلَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ إذْ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِمَا حَظَّهُمَا، فَلِشَبَهِهَا بِالْبَيْعِ تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذَا تَمْكُنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَدَلِ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ خِدْمَتَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَلِشَبَهِهَا بِالنِّكَاحِ لَا تَبْطُلُ بِهِ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَاشْتِرَاطِهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ لَا يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ تُشْبِهُ الْإِعْتَاقَ، وَهَذَا الشَّرْطُ يَخْتَصُّ بِجَانِبِ الْعَبْدِ فَاعْتُبِرَ إعْتَاقًا فِي هَذَا الشَّرْطِ وَالْإِعْتَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيُمْلَكُ الْبَيْعُ بِالْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَيُمْلَكُ الْبَيْعُ بِالْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّار وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ الْبَيْعُ إلَّا عَلَى الْمَعْرُوفِ فِي قَوْلِهِمَا وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَيْفَمَا كَانَ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَقَالَا بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ تَصَرُّفَ الْمُكَاتَبِ لِنَفْسِهِ بِدَلَالَةِ أَنَّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدُّيُونِ لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى مَوْلَاهُ فَصَارَ كَالْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِأَمْرٍ مُطْلَقٍ كَالْوَكِيلِ عَلَى أَصْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّ النُّقْصَانَ الْكَثِيرَ تَبَرُّعٌ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ فِي حَالِ الْمَرَضِ مِنْ الثُّلُثِ وَتَبَرُّعُ الْمُكَاتَبِ لَا يَجُوزُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ) أَيْ اسْتِحْسَانًا اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى عَقْدِ الْكِتَابَةِ) أَيْ وَكُلُّ شَرْطٍ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بَاطِلٌ إلَّا أَنَّ الْكِتَابَةَ لَمْ تَبْطُلْ بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ الشَّرْطُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوْسِعَةِ وَلِهَذَا تَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا دَخَلَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ يَقَعَ فِي الْبَدَلِ أَوْ الْمُبْدَلِ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى بَدَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ بَدَلٍ حَرَامٍ أَوْ كَاتَبَ جَارِيَتَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَطَأَهَا مَا دَامَتْ مُكَاتَبَةً أَوْ تَخْدُمَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِلْخِدْمَةِ وَقْتًا أَوْ كَاتَبَهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ غَيْرِهِ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَسَدَتْ الْكِتَابَةُ، وَلَكِنَّهَا إذَا أَدَّتْ الْأَلْفَ عَتَقَتْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ إذَا وَطِئَهَا فِي مُدَّةِ الْكِتَابَةِ وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَا يُفْسِدُهَا كَمَا إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَّجِرَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ فِي صُلْبِ الْكِتَابَةِ فَالْكِتَابَةُ صَحِيحَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ) أَيْ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ كَالْبَيْعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ الْأَدَاءِ) أَيْ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ صِفَةَ الْبَدَلِ وَيَقَعَ عَلَى الْوَسَطِ كَالنِّكَاحِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ خِدْمَتَهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ كَمَا إذَا اشْتَرَطَ خِدْمَةً مَجْهُولَةً (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ تُشْبِهُ الْإِعْتَاقَ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ اهـ ق.

لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ سَائِبَةٌ يَكُونُ الشَّرْطُ بَاطِلًا وَالْإِعْتَاقُ صَحِيحٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَزْوِيجُ أَمَتِهِ) لِأَنَّهُ بَابُ الِاكْتِسَابِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَهْرَ وَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَقَدْ أَطْلَقَ لَهُ بَابَ الِاكْتِسَابِ فَيَمْلِكُهُ ضَرُورَةً بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْمُكَاتَبَةِ نَفْسَهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ اكْتِسَابٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى بَاقٍ فِيهَا فَيَمْنَعُهَا مِنْ الِاسْتِبْدَادِ بِنَفْسِهَا وَفِيهِ تَعْيِيبُهَا وَرُبَّمَا تَعْجِزُ فَيَبْقَى هَذَا الْعَيْبُ فَيَكُونُ عَلَى الْمَوْلَى ضَرَرٌ وَلَيْسَ مَقْصُودُهَا أَيْضًا بِتَزْوِيجِ نَفْسِهَا الْمَالَ، وَإِنَّمَا مَقْصُودُهَا التَّحْصِينُ وَالْإِعْفَافُ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ أَمَتِهَا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ كَسْبُ الْمَالِ فَيَجُوزُ لَهَا كَمَا يَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَالتَّزْوِيجُ لَيْسَ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُونَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكِتَابَةُ عَبْدِهِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْعِتْقِ وَهُوَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَلَى مَالٍ، وَكَذَا الْعَقْدُ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَا لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُضَارِبَ وَلَنَا أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ اكْتِسَابٍ لِلْمَالِ فَيَمْلِكُهَا كَمَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَرُبَّمَا تَكُونُ الْكِتَابَةُ أَنْفَعَ مِنْ الْبَيْعِ إذْ الْبَيْعُ يُزِيلُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ وَالْكِتَابَةُ لَا تُزِيلُهُ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ الْبَدَلِ إلَى يَدِهِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَهُوَ لَمْ يَمْلِكْهُ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي مِثْلَهُ، وَإِنَّمَا مَلَكَهُ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ بَيْعٌ مِنْ نَفْسِ الْعَبْدِ وَبَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ قَدْ يَكُونُ أَنْفَعَ مِنْ الْبَيْعِ لِغَيْرِهِ، فَإِذَا جَازَ الْبَيْعُ فَأَوْلَى أَنْ تَجُوزَ الْكِتَابَةُ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ لِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ لَجَازَتْ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ إذْ لَا طَرِيقَ لِجَوَازِهَا إلَّا هُوَ، وَبِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ لِأَنَّهُ يُوجِبُ لِغَيْرِهِ الْحُرِّيَّةَ مَقْصُودًا لِلْحَالِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الْمِلْكِ عَنْ الْعَبْدِ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي مَا هُوَ مِثْلُهُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ فَوْقَ الْكِتَابَةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَهُ وَكَذَا لَا يَمْلِكُ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ مَقْصُودًا وَلِأَنَّهُ فَوْقَ الْكِتَابَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ وَالْكِتَابَةُ تَقْبَلُهُ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ وَالِدَيْهِ وَلَا وَلَدَهُ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي كِتَابَتِهِ تَبَعًا وَالْمُكَاتَبُ لَا يُكَاتِبُ وَلِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَمْلُوكِينَ لِلْمَوْلَى حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ بَيْعُهُمْ وَيَنْفُذُ عِتْقُ الْمَوْلَى فِيهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَاءُ لَهُ إنْ أَدَّى بَعْدَ عِتْقِهِ) أَيْ الْوَلَاءُ لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ إنْ أَدَّى الثَّانِي الْكِتَابَةَ بَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَمُعْتِقُهُ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْوَلَاءِ عِنْدَ عِتْقِ الثَّانِي وَكَانَ مِلْكُهُ تَامًّا فِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ فَثَبَتَ الْوَلَاءُ لَهُ ضَرُورَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لِسَيِّدِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يُؤَدِّ الْمُكَاتَبُ الثَّانِي الْمَالَ إلَى الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ وَبَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ بَلْ أَدَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى لَا لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُ الْمُكَاتَبِ مُعْتَقًا لَهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْإِعْتَاقِ فَيَخْلُفُهُ فِيهِ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَهُوَ مَوْلَاهُ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَيَخْلُفُهُ فِيهِ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَوْعَ مِلْكٍ وَلِعِتْقِهِ ضَرْبَ اتِّصَالٍ إلَى تَصَرُّفِهِ لِاسْتِفَادَتِهِ بِسَبَبِهِ مِنْهُ فَجُعِلَ الْمُكَاتَبُ كَالنَّائِبِ عَنْ مَوْلَاهُ وَفِعْلُ النَّائِبِ يَنْتَقِلُ إلَى الْأَصْلِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ نَائِبِهِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ، وَلَوْ أَدَّى الْأَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى جُعِلَ مُعْتِقًا وَالْوَلَاءُ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْ الْمُعْتِقِ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ جَرِّ الْوَلَاءِ فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّ مَوْلَى الْجَارِيَةِ هُنَاكَ لَيْسَ بِمُعْتِقٍ مُبَاشَرَةً بَلْ تَسْبِيبًا بِاعْتِبَارِ إعْتَاقِ الْأَصْلِ وَهِيَ الْأُمُّ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِضَافَةِ إلَى الْعِلَّةِ وَالتَّعَذُّرِ عِنْدَ عَدَمِ عِتْقِ الْأَبِ، فَإِذَا عَتَقَ زَالَتْ الضَّرُورَةُ فَيَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ إلَى قَوْمِ الْأَبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا التَّزَوُّجُ بِلَا إذْنٍ) أَيْ لَا يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْيِيبَ نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ ذِمَّتِهِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَلَمْ يُطْلَقْ لَهُ إلَّا عُقُودٌ تُوَصِّلُهُ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ كُلُّ عَقْدٍ فِيهِ اكْتِسَابُ الْمَالِ وَفِي حَقِّ مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الْحَجْرِ وَحُكْمُهُ فِيهِ كَحُكْمِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ أَمَتِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ اكْتِسَابَ مَالٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَيَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِإِذْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَزْوِيجُ أَمَتِهِ) هَذَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ أَجْنَبِيًّا أَمَّا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اكْتِسَابُ الْمَالِ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ اهـ ق وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ الْمُكَاتَبُ تَزْوِيجَ ابْنَتِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَمْلِكُ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ ابْنَتَهُ مَمْلُوكَةٌ لِمَوْلَاهُ وَأَمَتُهُ لَا حَتَّى يَنْفُذَ عِتْقُ الْمَوْلَى فِي ابْنَتِهِ دُونَ أَمَتِهِ، وَلَوْ عَجَزَ وَحَاضَتْ ابْنَتُهُ حَيْضَةً هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى اسْتِبْرَاءٌ فِيهَا جَدِيدٌ وَيَلْزَمُهُ فِي أَمَتِهِ وَمُكَاتَبَتِهِ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهَا) وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ وَإِنَّا نَقُولُ الْمَهْرُ وَجَبَ فِي مُقَابَلَةِ الْمِلْكِ فِي الذَّاتِ لَا فِي الْمَنَافِعِ وَهُوَ حَقُّ السَّيِّدِ، فَإِنْ عَتَقَتْ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ النِّكَاحَ يَجُوزُ ذَلِكَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ النِّكَاحَ إنَّمَا كَانَ لَا يَجُوزُ بِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا عَتَقَتْ زَالَ حَقُّ الْمَوْلَى فَيَجُوزُ كَمَا قُلْنَا فِي الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ وَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا بَاشَرَتْ الْعِتْقَ بِرِضَاهَا وَنَفَذَ بَعْدَ الْعَتَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ) وَهُوَ الْقِيَاسُ. اهـ. هِدَايَةٌ بِالْمَعْنَى. (قَوْلُهُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ فَوْقَ الْكِتَابَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُعَاوَضَةٌ حَتَّى تُقَالَ وَتُفْسَخَ وَلَا يَعْتِقُ فِي الْحَالِ، أَمَّا فِي الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ يَعْتِقُ فِي الْحَالِ بِنَفْسِ قَبُولِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ إلَى أَدَاءِ الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُ الْإِقَالَةَ وَالْفَسْخَ، وَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ لِلْمُكَاتَبِ فَفِي تَجْوِيزِهِ إثْبَاتُ أَمْرٍ لِلْمُكَاتَبِ فَوْقَ حَالِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ، وَكَذَا لَا يَمْلِكُ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ بِأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْوَلَاءُ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْ الْمُعْتِقِ إلَى غَيْرِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ اهـ ق.

الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِأَجْلِهِ لِمَا أَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ فَجَازَ بِاتِّفَاقِهِمَا لَا غَيْرُ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا وَلِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي الرَّقَبَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْهِبَةُ وَالتَّصَدُّقُ إلَّا بِيَسِيرٍ) لِأَنَّهُ مَا تَبَرَّعَ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ إلَّا أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْهُ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ إذْ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ ضِيَافَةٍ وَإِعَارَةٍ لِيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الْمُجَاهِزُونَ وَهِيَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ فَيَمْلِكُ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ وَتَوَابِعِهِ لَا يَهَبُ بِعِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً فَلَا يَمْلِكُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّكَفُّلُ وَالْإِقْرَاضُ) لِأَنَّهُمَا تَبَرُّعٌ مَحْضٌ وَلَيْسَا مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ وَلَا مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَا فَرْقَ فِي الْكَفَالَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي الْمَالِ أَوْ فِي النَّفْسِ، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِالْأَمْرِ أَوْ بِغَيْرِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ تَبَرُّعٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِعْتَاقُ عَبْدِهِ وَلَوْ بِمَالٍ، وَبَيْعُ نَفْسِهِ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ فَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَلَوْ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ الْمِلْكِ عَنْ الْعَبْدِ بِمُقَابَلَةِ دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَبَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْوَكَالَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَزْوِيجُ عَبْدِهِ) أَيْ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ، وَكَذَا لَا يُوَكِّلُ بِهِ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ لَهُ وَنَقْصٌ لِمَالِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ شَاغِلًا لِرَقَبَتِهِ بِالْمَهْرِ وَلِكَسْبِهِ بِالنَّفَقَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالَأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ كَالْمُكَاتَبِ وَلَا يَمْلِكُ مُضَارِبٌ وَشَرِيكٌ شَيْئًا مِنْهُ) لِأَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَمْلِكَانِ الِاكْتِسَابَ كَالْمُكَاتَبِ فَيَمْلِكَانِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ مِنْ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ وَكِتَابَةِ مَمْلُوكِ الصَّغِيرِ، وَالْمُضَارِبُ وَشَرِيكَيْ الْعَنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا التِّجَارَةَ وَالتَّزْوِيجُ وَالْكِتَابَةُ لَيْسَا مِنْهَا، وَهَذَا لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْبُضْعُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَكَذَا الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ فِي الْحَالِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَمْلِكُونَهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْ الْمَنَافِعِ، وَلَوْلَا أَنَّهَا مَالٌ لَثَبَتَ، وَكَذَا الْمَنَافِعُ تَصْلُحُ مَهْرًا، وَلَوْلَا أَنَّهَا مَالٌ لَمَا صَلَحَتْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ بِالْمَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَلَمْ يُشَرِّعْهُ بِغَيْرِ الْمَالِ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ عَامًّا فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ وَالْكِتَابَةَ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْجَدِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْقَاضِي وَأَمِينِهِ وَكُلِّ مَنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ خَاصًّا فِي التِّجَارَةِ كَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ وَالْمَأْذُونِ لَهُ وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ وَالْكِتَابَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَلَا يَمْلِكُونَهُ وَجَعَلَ فِي النِّهَايَةِ شَرِيكَ الْمُفَاوَضَةِ كَالْمُكَاتَبِ وَجَعَلَهُ فِي الْكَافِي كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ، وَجَعْلُهُ كَالْمَأْذُونِ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُكَاتَبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْعِتْقِ فَيُجْعَلُ مُكَاتَبًا مَعَهُ تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ بِمَالِكٍ رَقَبَتَهُ وَالْعِتْقُ يَخْتَصُّ بِمَنْ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ»، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْإِعْتَاقُ صَارَ مُكَاتَبًا مِثْلَهُ لِلتَّعَذُّرِ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَلَا تَعَذُّرَ فِي حَقِّهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ أَهْلًا لِلْإِعْتَاقِ بِأَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا أَوْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّلَةَ وَهِيَ الْعِتْقُ تَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ فَلَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا أَوْ لَمْ يَكُنْ كَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ، ثُمَّ ذِكْرُ الْأَبِ وَالِابْنِ هُنَا وَقَعَ اتِّفَاقًا وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِهِمَا بَلْ جَمِيعُ مَنْ لَهُ قَرَابَةُ الْوِلَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَجَازَ بِاتِّفَاقِهِمَا)، وَإِنَّمَا شُرِطَ اتِّفَاقُهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَمِلْكُهُ فِي الرَّقَبَةِ بَاقٍ فَلَا يَنْفَرِدُ الْعَبْدُ أَيْضًا اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لِيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الْمُجَاهِزُونَ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ فِي الْجِيمِ مَعَ الْهَاءِ وَالزَّايِ وَالْمُجَاهِزُ عِنْدَ الْعَامَّةِ الْغَنِيُّ مِنْ التُّجَّارِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالتَّكَفُّلُ) وَحُكْمُ كَفَالَتِهِ فِي الْحَالِ كَكَفَالَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ تَصِحُّ فِي حَقِّهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا فِي الْحَالِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَيْسَا مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ إلَخْ) حَتَّى لَوْ أَقْرَضَ لَا يَطِيبُ لِلْمُسْتَقْرِضِ أَكْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ يَجُوزُ كَمَا نَقُولُ فِي قَرْضِ الْأَعْيَانِ أَنَّهُ لَا يَطِيبُ لِلْمُسْتَقْرِضِ أَكْلُهُ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَرْضِ الْفَاسِدِ اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِالْأَمْرِ أَوْ بِغَيْرِ الْأَمْرِ) أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ اهـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ، وَقَدْ قَالُوا لَوْ أَجَازَ الْمَوْلَى كَفَالَتَهُ أَوْ هِبَتَهُ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي مَالِهِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْغَرِيمِ إذَا أَجَازَ عِتْقَ الْوَارِثِ وَهِبَتَهُ لِمَالِ الْمَيِّتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْكَافِي وَلَا يَجُوزُ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ بِالْمَالِ وَلَا بِالْبَدَلِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَكَذَلِكَ قَبُولُ الْحَوَالَةِ، فَإِنْ كَفَلَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ عَجَزَ لَمْ تَلْزَمْهُ تِلْكَ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ كَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ أَدَّى فَعَتَقَ لَزِمَتْهُ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ وَكِتَابَةُ عَبْدِهِ اهـ وَأَفَادَ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ فَارْجِعْ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَزْوِيجُ عَبْدِهِ) وَلَوْ عَتَقَ عَبْدُهُ وَأَجَازَ التَّزْوِيجَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَاقَتْ عَقْدًا بَاطِلًا إذْ تَزْوِيجُ الْمُكَاتَبِ عَبْدَهُ بَاطِلٌ غَيْرُ مَوْقُوفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مُجِيزَ لَهُ، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ بَعْدَ عِتْقِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَهُ بِهِ وَقَعَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْعِتْقِ أَجَزْت تِلْكَ الْوَكَالَةَ يَكُونُ هَذَا تَوْكِيلًا ابْتِدَاءً. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ لَهُ وَنَقْصٌ لِمَالِيَّتِهِ) أَيْ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ ذَا زَوْجَةٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَذَا فِي الْأَوْضَحِ. اهـ. كَاكِيٌّ.

يَدْخُلُونَ فِي كِتَابَتِهِ تَبَعًا وَأَقْوَاهُمْ دُخُولًا الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ، ثُمَّ الْوَلَدُ الْمُشْتَرَى، ثُمَّ الْوَالِدَانِ وَعَنْ هَذَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ أَبِيهِ حَتَّى إذَا مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً يَسْعَى عَلَى نُجُومِ أَبِيهِ وَالْوَلَدُ الْمُشْتَرَى يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ حَالًا وَإِلَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ، وَالْوَالِدَانِ يُرَدَّانِ فِي الرِّقِّ كَمَا مَاتَ وَلَا يُؤَدِّيَانِ حَالًا وَلَا مُؤَجَّلًا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ تَبَعِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْمِلْكِ وَالْبَعْضِيَّةِ الثَّابِتَةِ حَقِيقَةً وَقْتَ الْعَقْدِ وَالْوَلَدُ الْمُشْتَرَى تَبَعِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْمِلْكِ وَبِالْبَعْضِيَّةِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا فِي حَقِّ الْعَقْدِ لَا حَقِيقَةً فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَعْضِيَّةَ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَالْوَالِدَانِ تَبَعِيَّتُهُمَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ لَا بِاعْتِبَارِ الْبَعْضِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِبَعْضٍ لَهُ فَاخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ لِذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَخَاهُ وَنَحْوَهُ لَا) أَيْ لَوْ اشْتَرَى أَخَاهُ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ مَحَارِمِهِ غَيْرِ الْوِلَادِ لَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ وُجُوبَ الصِّلَةِ يَشْمَلُ الْقَرَابَةَ الْمُحَرِّمَةَ لِلنِّكَاحِ، وَلِهَذَا يَعْتِقُ عَلَى الْحُرِّ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَهُ لَهُمْ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ إذَا سَرَقَ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ فَكَذَا هَذَا الْحُكْمُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ كَسْبًا وَلَيْسَ لَهُ مِلْكٌ حَقِيقَةً لِوُجُودِ مَا يُنَافِيهِ وَهُوَ الرِّقُّ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهُ وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ، وَلَوْ وَجَدَ كَنْزًا غَيْرَ أَنَّ الْكَسْبَ يَكْفِي لِلصِّلَةِ فِي الْوِلَادِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ يُخَاطَبُ بِنَفَقَةِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدُ لَا يَكْفِي فِي غَيْرِهَا حَتَّى لَا يُخَاطَبَ الْأَخُ بِنَفَقَةِ أَخِيهِ إلَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا وَالدُّخُولُ فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ فَيَخْتَصُّ الْوُجُوبُ بِمَحِلِّهِ وَلِأَنَّ هَذِهِ قَرَابَةً تُشْبِهُ بَنِي الْأَعْمَامِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَحِلِّ الْحَلِيلَةِ وَجَرَيَانِ الْقِصَاصِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَدَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِ، وَتُشْبِهُ الْوِلَادَ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الْمُنَاكَحَةِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَحُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي النِّكَاحِ فَأَلْحَقْنَاهَا بِالْوِلَادِ فِي الْعِتْقِ وَبِبَنِيَّ الْأَعْمَامِ فِي الْكِتَابَةِ تَوْفِيرًا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ عَلَى عَكْسِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَسْرَعُ نُفُوذًا مِنْ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ لَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُبْطِلَهُ، وَلَوْ كَاتَبَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ مَعَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا) أَيْ لَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أُمَّ وَلَدِهِ مَعَ وَلَدِهِ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ لِمَا ذُكِرَ فَتَتْبَعُهُ أُمُّهُ فِيهِ فَامْتَنَعَ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَلَا تَدْخُلُ فِي كِتَابَتِهِ حَتَّى لَا تَعْتِقَ بِعِتْقِهِ وَلَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا فَجَازَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا بِمِلْكِ النِّكَاحِ، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ إذَا اشْتَرَتْ زَوْجَهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَهَا أَنْ تَبِيعَهُ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ مِنْ جِهَتِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَوْ مَلَكَهَا بِدُونِ الْوَلَدِ جَازَ لَهُ بَيْعُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ فَصَارَ كَالْحُرِّ إذَا اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ وَحْدَهَا بِدُونِهِ لَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهَا، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ فَيَتَقَرَّرُ لَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَعْجِزَ فَيَتَقَرَّرُ لِلْمَوْلَى فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَهُوَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ إذْ لَوْ تَعَلَّقَ بِهِ لَكَانَ كَسْبُ الْمُكَاتَبِ غَيْرَ مُحْتَمِلٍ لِلْفَسْخِ أَوْ كَانَ الِاسْتِيلَادُ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ فَيَنْفَسِخُ بِانْفِسَاخِ الْمُكَاتَبَةِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّيْءُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْفَسْخِ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ أَقْوَى فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لِمَا هُوَ دُونَهُ وَمَالُ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مَا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ إلَّا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ بَيْعُهَا تَبَعًا لِوَلَدِهَا مِنْهُ وَمَا يَثْبُتُ تَبَعًا يَثْبُتُ بِشَرَائِطِ الْمَتْبُوعِ، وَلَوْ ثَبَتَ بِدُونِ الْوَلَدِ لَثَبَتَ ابْتِدَاءً وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وُلِدَ لَهُ مِنْ أَمَتِهِ وَلَدٌ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ وَكَسْبُهُ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ بِالدَّعْوَةِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَيَتْبَعُهُ فِي التَّكَاتُبِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَكَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ لِلْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَمْلُوكِهِ فَكَانَ كَسْبُهُ لَهُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ إذْ لَا يَنْقَطِعُ بِالدَّعْوَةِ اخْتِصَاصُهُ، وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَدًا دَخَلَ الْوَلَدُ فِي كِتَابَتِهَا لِأَنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ تَسْرِي إلَيْهِ الصِّفَاتُ الشَّرْعِيَّةُ الثَّابِتَةُ فِي الْأُمِّ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْمِلْكِ، فَإِذَا سَرَى إلَيْهِ صَارَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ أُمِّهِ فَكَانَتْ هِيَ أَحَقَّ بِهِ وَبِكَسْبِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا، وَقَدْ انْقَطَعَ حَقُّ الْمَوْلَى عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ وَكَاتَبَهُمَا فَوَلَدَتْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا وَكَسْبُهُ لَهَا) لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْأَوْصَافِ الْحُكْمِيَّةِ فَكَانَ مُكَاتَبًا تَبَعًا لَهَا فَكَانَتْ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ يَدْخُلُونَ فِي كِتَابَتِهِ تَبَعًا) أَيْ تَبَعًا لَهُ حَتَّى يُرَدُّونَ إلَى الرِّقِّ بِعَجْزِهِ فَلَوْ كَانَتْ كِتَابَتُهُمْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لَبَقِيَتْ كِتَابَتُهُمْ بَعْدَ عَجْزِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَجَدَ كَنْزًا) أَيْ وَلَا يَمْلِكُ الْهِبَةَ. اهـ. كَاكِيٌّ . (قَوْلُهُ فَيَتْبَعُهُ فِي التَّكَاتُبِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُكَاتَبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْعِتْقِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهِ مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالْمُغْنِي أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ التَّسَرِّيَ وَلَا يَمْلِكُ وَطْءَ أَمَتِهِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَتِهِ قُلْنَا نَعَمْ إلَّا أَنَّ لَهُ فِي مِلْكِ مُكَاتَبِهِ يَدًا بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ وَذَلِكَ يَكْفِي لِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ عِنْدَ الدَّعْوَةِ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهُ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَجَارِيَةِ الِابْنِ إذَا وَطِئَهَا الْأَبُ وَادَّعَى الْوَلَدَ. اهـ. دِرَايَةٌ

الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهَا حَتَّى يَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ، وَقَدْ انْقَطَعَ يَدُ الْمَوْلَى عَنْهَا بِالْعَقْدِ فَكَذَا عَنْ وَلَدِهَا فَكَانَتْ هِيَ أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا فَصَارَ كَنَفْسِهَا وَهِيَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلَوْ قُتِلَ هَذَا الْوَلَدُ تَكُونُ قِيمَتُهُ لِلْأُمِّ دُونَ الْأَبِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا أَحَقُّ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَبِلَا الْكِتَابَةَ عَنْ أَنْفُسِهِمَا وَعَنْ وَلَدٍ لَهُمَا صَغِيرٍ فَقُتِلَ الْوَلَدُ حَيْثُ تَكُونُ قِيمَتُهُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَكُونُ الْأُمُّ أَحَقَّ بِهَا؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ فِي الْكِتَابَةِ هُنَا بِالْقَبُولِ عَنْهُ وَالْقَبُولُ وُجِدَ مِنْهُمَا فَيَتْبَعُهُمَا فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَدْخُلْ بِالْقَبُولِ، وَإِنَّمَا دَخَلَ بِمُجَرَّدِ التَّبَعِيَّةِ وَفِيهَا الْأُمُّ أَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُكَاتَبٌ أَوْ مَأْذُونٌ نَكَحَ بِإِذْنِ حُرَّةٍ بِزَعْمِهَا فَوَلَدَتْ فَاسْتُحِقَّتْ فَوَلَدُهَا عَبْدٌ) يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَ مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ امْرَأَةً زَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَوَلَدَتْ مِنْهُ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْقِيمَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَدُهَا حُرٌّ بِالْقِيمَةِ يُعْطِيهَا لِلْمُسْتَحِقِّ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ التَّزَوُّجُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ يُعْطِيهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ بِمَا ضَمِنَ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْأَمَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَتْ هِيَ الْغَارَّةُ لَهُ، وَكَذَا إذَا غَرَّهُ عَبْدٌ مَأْذُونٌ أَوْ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مُكَاتَبٌ رَجَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ مَوْلَى الْغَارِّ، وَإِنْ غَرَّهُ حُرٌّ رَجَعَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغُرُورِ كَضَمَانِ الْكَفَالَةِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْحُرِّ فِي الْحَالِ وَعَلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَلَوْ كَانَ مُكَاتَبًا، وَكَذَا حُكْمُ الْمَهْرِ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ التَّزَوُّجُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَإِلَّا فَبَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَيْسَ لَهُ هُوَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَحَدٍ بِالْمَهْرِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَحُكْمُ الْغُرُورِ يَثْبُتُ بِالتَّزْوِيجِ دُونَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا رَغْبَةً فِي حُرِّيَّةِ الْأَوْلَادِ مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْلِهَا فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَصَارَ مَغْرُورًا كَالْحُرِّ فَتَكُونُ أَوْلَادُهُ أَحْرَارًا بِالْقِيمَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ كَالْحُرِّ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَوْلُودٌ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ فَيَكُونُ رَقِيقًا إذْ الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَتَرَكْنَا هَذَا فِي الْحُرِّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالْعَبْدُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْحُرِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى وَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ فِي الْحُرِّ مَجْبُورٌ بِقِيمَةٍ وَاجِبَةٍ فِي الْحَالِ وَفِي الْعَبْدِ بِقِيمَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ هَكَذَا ذَكَرُوا هُنَا، وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا فَإِنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ إذَا لَزِمَهُ بِسَبَبٍ أَذِنَ فِيهِ الْمَوْلَى يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَيُطَالَبُ بِهِ لِلْحَالِ وَالْمَوْضُوعُ هُنَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا إذَا كَانَ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الدَّيْنُ فِيهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَلَا قِيمَةُ الْوَلَدِ فِي الْحَالِ وَتَشْهَدُ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِهَذَا الْمَعْنَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَطِئَ أَمَةً بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ فَرَدَّتْ فَالْعُقْرُ فِي الْمُكَاتَبَةِ) أَيْ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَمَةً شِرَاءً فَاسِدًا فَوَطِئَهَا، ثُمَّ رَدَّهَا بِحُكْمِ الْفَسَادِ عَلَى الْبَائِعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ يَقَعُ صَحِيحًا تَارَةً وَيَقَعُ فَاسِدًا أُخْرَى، وَالْكِتَابَةُ وَالْإِذْنُ يَنْتَظِمَانِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِنَوْعَيْهِمَا فَكَانَا مَأْذُونَيْنِ فِيهِمَا كَالتَّوْكِيلِ بِهِمَا فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيُؤَاخَذَانِ بِهِ فِي الْحَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بِنِكَاحٍ أُخِذَ بِهِ مُذْ عَتَقَ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ امْرَأَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَوَطِئَهَا يُؤْخَذُ بِالْعُقْرِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ لَيْسَ مِنْ الِاكْتِسَابِ وَلَا مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَا يَنْتَظِمُهُ الْإِذْنُ بِالتِّجَارَةِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَالْكَفَالَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا وَطِئَهَا بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ تَنَاوَلَ الشِّرَاءَ الْفَاسِدَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَكُونُ ظَاهِرًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَبِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى أَمَةً فَوَطِئَهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ حَيْثُ يُؤَاخَذُ بِالْعُقْرِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فَيَتَنَاوَلُهُ الْإِذْنُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُسَلِّمُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ فَكَانَ هَذَا الْعُقْرُ مِنْ تَوَابِعِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الشِّرَاءُ لَمَا وَجَبَ، وَإِنَّمَا كَانَ يَجِبُ الْحَدُّ وَمَا يَجِبُ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ التِّجَارَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ حُكْمُ ضَمَانِ التِّجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ مُقَابَلًا بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَارِيَّةُ وَالْهَدِيَّةَ الْيَسِيرَةَ وَالضِّيَافَةَ الْيَسِيرَةَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ الْتَحَقَتْ بِالتِّجَارَةِ حَتَّى صَارَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِيهَا وَتَنَاوَلَهَا الْإِذْنُ بِتَنَاوُلِهِ التِّجَارَةَ، وَإِنْ كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ غَرَّهُ) أَيْ إذَا زَوَّجَهُ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ لَا إذَا أَخْبَرَهُ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ وَتَزَوَّجَهَا هُوَ بِنَفْسِهِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَاسْتُحِقَّتْ أَوْ بِشِرَاءٍ) هَذَا ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَلَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) هَذَا حَاشِيَةٌ بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ (قَوْلُهُ يُؤْخَذُ بِالْعُقْرِ بَعْدَ الْعِتْقِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْعُقْرِ فِي النِّكَاحِ بَعْدَ الْعِتْقِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ ثَيِّبًا، أَمَّا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَافْتَضَّهَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ قَدْ رَوَيْنَاهُ قَبْلَ هَذَا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَكَذَلِكَ الْعُقْرُ يُؤْخَذُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ ثَيِّبًا إذَا كَانَ الْمَوْلَى أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا أَيْضًا. اهـ.

[فصل ولدت مكاتبة من سيدها]

هِيَ فِي نَفْسِهَا تَبَرُّعًا وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَجَبَ الْعُقْرُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ وَلَا مِنْ الْكَسْبِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْإِذْنُ وَلَا عَقْدُ الْكِتَابَةِ فَيَتَأَخَّرُ مَا وَجَبَ فِيهِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْتِزَامِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ {فَصْلٌ} قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا أَوْ عَجَزَتْ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ مِنْ مَوْلَاهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَتَلْقَاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ عَاجِلَةٍ بِبَدَلٍ وَهِيَ الْكِتَابَةُ وَآجِلَةٍ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَهِيَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ فَتَخْتَارُ أَيَّتَهُمَا شَاءَتْ، وَنَسَبُ وَلَدِهَا ثَابِتٌ بِالدَّعْوَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ رَقَبَةً بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَتِهِ الْمُكَاتَبَةِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً فِي مِلْكِ الْمُكَاتَبَةِ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَصْدِيقِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَصْدِيقِ الِابْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالَ وَلَدِهِ لِلْحَاجَةِ فَيَتَمَلَّكُهَا قُبَيْلَ الِاسْتِيلَادِ شَرْطًا لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَصْدِيقِهِ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ إعْتَاقَ أَوْلَادِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَتَكَاتَبُونَ عَلَيْهَا وَلَا يَمْلِكُ بَيْعَهُمْ فَصَارَ حُكْمُهُمْ كَحُكْمِهَا وَإِذَا مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ عُقْرَهَا مِنْ سَيِّدِهَا لِكَوْنِهَا أَخَصَّ بِنَفْسِهَا وَأَكْسَابِهَا. وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا مَالُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا مَا الْتَزَمَتْ الْبَدَلَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا بِمُقَابَلَتِهِ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ فَإِذَا سَلِمَتْ لَهَا بِجِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَرْضَ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ مَجَّانًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا وَإِنْ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ مَالًا تُؤَدَّى كِتَابَتُهَا مِنْهُ وَمَا بَقِيَ مِيرَاثٌ لِوَلَدِهَا لِثُبُوتِ عِتْقِهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهَا وَإِنْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا فَلَا سِعَايَةَ عَلَى هَذَا الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إذَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْمَوْلَى وَطْؤُهَا وَإِنْ حَرُمَ فَلَا يَلْزَمُهُ حَتَّى إذَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَوَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ الْعُلُوقُ بَعْدَ التَّعْجِيزِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا إذَا نَفَاهُ صَرِيحًا كَسَائِرِ أَوْلَادِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْوَلَدَ الثَّانِيَ وَمَاتَتْ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ سَعَى هَذَا الْوَلَدُ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ تَبَعًا لَهَا، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَ وَبَطَلَ عَنْهُ السِّعَايَةُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذْ هُوَ وَلَدُهَا فَيَتْبَعُهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَهُ صَحَّ)؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَتْ أُمَّ الْوَلَدِ غَيْرَ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ يُرَدُّ عَلَى الْمَمْلُوكِ لِحَاجَتِهِ إلَى التَّوَصُّلِ إلَى مِلْكِ الْيَدِ وَالْمَكَاسِبِ فِي الْحَالِ وَإِلَى الْحُرِّيَّةِ فِي الْمَآلِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا كَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ يَدًا وَرَقَبَةً فَيَتَحَقَّقُ حُكْمُ الْكِتَابَةِ فِيهَا فَتَمْلِكُ مَا يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَكَسْبُهَا لِلْمَوْلَى فَيَصِحُّ مِنْهُ إثْبَاتُ هَذِهِ الْمَالِكِيَّةِ لَهَا بِالْبَدَلِ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا مُحْتَرَمٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَتَقَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ فَصْلٌ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا] فَصْلٌ} (قَوْلُهُ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ الْمَوْلَى وَمَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةُ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ عَلَى الْمَوْلَى بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ وَلَكِنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ وَوَلَدُهَا وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِ الدَّعْوَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ) اعْلَمْ أَنَّ كِتَابَةَ أُمِّ الْوَلَدِ جَائِزَةٌ كَكِتَابَةِ الْإِمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] بَيَانُهُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى وَالْمِلْكُ فِيهَا بَاقٍ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى وَطْؤُهَا وَإِجَارَتُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ بُطْلَانُ اسْتِحْقَاقِهَا الْحُرِّيَّةَ، فَلَمَّا كَانَ الْمِلْكُ فِيهَا بَاقِيًا جَازَ كِتَابَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِي الْآيَةِ بَيْنَ مَمْلُوكٍ وَمَمْلُوكٍ فَإِنْ قِيلَ رِقُّ أُمِّ الْوَلَدِ لَا قِيمَةَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِالْكِتَابَةِ، قِيلَ لِرِقِّهَا قِيمَةٌ فِي السِّعَايَةِ وَإِنَّمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فِي الْعُقُودِ وَالْبِيَاعَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ لَزِمَتْهَا السِّعَايَةُ لِهَذَا الْمَعْنَى، كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَلِأَنَّ فِي كِتَابَةِ أُمِّ الْوَلَدِ إيصَالَ حَقِّهَا إلَيْهَا مُعَجَّلًا فَجَازَتْ لِحَاجَتِهَا إلَى ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مُدَبَّرَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا جَازَ كِتَابَةُ الْمُدَبَّرِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَاسْتِحْقَاقُهَا مِنْ وَجْهٍ لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَجَازَتْ وَصُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ لَهُ مُدَبَّرٌ كَاتَبَهُ فِي صِحَّتِهِ عَلَى مِائَةٍ وَقِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى. قَالَ: إنْ شَاءَ الْعَبْدُ سَعَى فِي جَمِيعِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثِي قِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَ التَّدْبِيرُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ، إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا تَرَى فَلِأَجْلِ هَذَا اشْتَبَهَ الْحَالُ وَاحْتَاجَ إلَى التَّأْوِيلِ فَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْبَزْدَوِيِّ فِي شَرْحِهِ يُرِيدُ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْعَى فِي الَّذِي قَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَمِنْ ثُلُثَيْ كِتَابَتِهِ. وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي: وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ مُدَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَبَطَلَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُخَيَّرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَثُلُثَيْ الْمُكَاتَبَةِ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي الْفَضْلِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ اهـ كَلَامُ الْأَتْقَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

مَجَّانًا بِمَوْتِهِ) أَيْ عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى بِغَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهَا وَسَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِسَبَبِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَمِنْ حُكْمِهِ عِتْقُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ مَجَّانًا وَتُسَلَّمُ لَهَا الْأَوْلَادُ وَالْأَكْسَابُ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَمِلْكُهَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْغَيْرِ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلَئِنْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا بَقِيَتْ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لِلنَّظَرِ لَهَا وَالنَّظَرُ لَهَا فِي بَقَاءِ الْكِتَابَةِ لِيَتْبَعَهَا أَوْلَادُهَا فِي الْعِتْقِ وَتَسْلَمَ لَهَا أَكْسَابُهَا فَيُجْعَلَ كَأَنَّهَا عَتَقَتْ بِالْإِيفَاءِ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ وَلِأَنَّ دُخُولَ أَوْلَادِهَا فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَيَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا تَبَعًا لَهَا؛ لِأَنَّ لِلتَّبَعِ حُكْمُ الْمَتْبُوعِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِالطَّرِيقِ الَّذِي بَيَّنَّا وَهُوَ أَنْ تَنْفَسِخَ الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْبَدَلِ عَنْهَا فَقَطْ وَتَبْقَى فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ نَظَرًا لَهَا وَلَوْ أَدَّتْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالْكِتَابَةِ لِبَقَائِهَا إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَبِالْأَدَاءِ تَتَقَرَّرُ وَلَا تَبْطُلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَعَى الْمُدَبَّرُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ كُلِّ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ فَقِيرًا) أَيْ لَوْ مَاتَ بَعْدَ مَا كَاتَبَهُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَالْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ الْخِيَارُ وَالْمِقْدَارُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْمِقْدَارِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نَفْيِ الْخِيَارِ أَمَّا الْكَلَامُ فِي الْخِيَارِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِ التَّجَزِّي فَعِنْدَهُ لَمَّا كَانَ مُتَجَزِّيًا بَقِيَ مَا وَرَاءَ الثُّلُثِ عَبْدًا وَبَقِيَتْ الْكِتَابَةُ فِيهِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ عِتْقِ الثُّلُثِ فَتَوَجَّهَ لِعِتْقِهِ جِهَتَانِ كِتَابَةٌ مُؤَجَّلَةٌ وَسِعَايَةٌ مُعَجَّلَةٌ فَيُخَيَّرُ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ. وَفِي التَّخْيِيرِ فَائِدَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَدَاءُ أَكْثَرِ الْمَالَيْنِ أَيْسَرَ بِاعْتِبَارِ الْأَجَلِ وَأَقَلُّهُمَا أَعْسَرَ أَدَاءً لِكَوْنِهِ حَالًّا فَكَانَ فِي التَّخْيِيرِ فَائِدَةٌ وَإِنْ كَانَ جِنْسُ الْمَالِ مُتَّحِدًا وَعِنْدَهُمَا لَمَّا عَتَقَ كُلُّهُ بِعِتْقِ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَبَطَلَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِأَجْلِ الْكِتَابَةِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَصْلُ الدِّينِ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ؛ لِأَنَّ عِتْقَ بَعْضِهِ حَصَلَ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِ التَّدْبِيرِ وَصِيَّةً وَعِتْقُ بَعْضِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ بَدَلُ الْكِتَابَةِ حَالًّا أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ ثُلُثَا الْقِيمَةِ بِالتَّدْبِيرِ حَالًّا فَيَلْزَمُهُ أَقَلُّهُمَا مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ بِلَا خِيَارٍ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا هَذَا، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْبَدَلَيْنِ حَالٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ وَهُوَ الْمُتَيَقَّنُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّخْيِيرِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَحَدُهُمَا مُؤَجَّلٌ فَيُفِيدُ التَّخْيِيرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْمِقْدَارِ فَعِنْدَهُمَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ شَيْءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثُهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ صَادَفَتْ كُلَّهُ فَيَكُونُ الْبَدَلُ مُقَابَلًا بِالْكُلِّ، وَقَدْ عَتَقَ ثُلُثُهُ بِالتَّدْبِيرِ فَيَبْطُلُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْبَدَلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَتَقَ كُلُّهُ بِالتَّدْبِيرِ بِأَنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ عَنْهُ كُلُّ الْبَدَلِ فَكَذَا إذَا أَعْتَقَ ثُلُثَهُ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ ثُلُثُهُ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى كُلَّ الْبَدَلِ فِي حَيَاتِهِ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَلَوْ كَانَ ثُلُثُهُ مُسْتَحَقًّا بِالتَّدْبِيرِ وَلَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ عَقْدُ الْكِتَابَةِ لَمَا عَتَقَ كُلُّهُ بِالْأَدَاءِ وَصَارَ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَتْ الْكِتَابَةُ وَتَأَخَّرَ التَّدْبِيرُ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالَ قُوبِلَ بِمَا يَصِحُّ مُقَابَلَتُهُ بِهِ بِمَا لَا يَصِحُّ فَانْصَرَفَ كُلُّهُ إلَى مَا يَصِحُّ كَرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ لَزِمَ الْأَلْفُ كُلُّهُ مُقَابِلًا بِمَا بَقِيَ وَهِيَ الطَّلْقَةُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ ثُبُوتُ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لِلْمُكَاتَبِ وَالْبَدَلُ بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ لَا بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ ثَابِتٌ لَهُ وَالتَّدْبِيرُ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ ثُلُثِ رَقَبَتِهِ لَا مَحَالَةَ فَلَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْكِتَابَةِ لِيَكُونَ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَكَانَ الْبَدَلُ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ مَا وَرَاءَهُ ضَرُورَةً. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مُقَابَلٌ بِمَا وَرَاءَ الْمُسْتَحَقِّ بِالتَّدْبِيرِ وَلَمْ يَسْلَمْ شَيْءٌ مِنْهُ لِلْعَبْدِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ دَبَّرَ مُكَاتَبَهُ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ هُنَاكَ مُقَابَلٌ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ إذْ لَمْ يُسْتَحَقَّ شَيْءٌ مِنْ رَقَبَتِهِ عِنْدَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الرَّقَبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّدْبِيرِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَدَلَيْنِ حَالٌ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ) أَرَادَ بِمَسْأَلَةِ الْيَمِينِ قَوْلَهُ آنِفًا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا أَوْ أَلْفَيْنِ وَالشَّرْطُ يَمِينٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. اهـ.

بِقَدَرِهِ أَمَّا هُنَا فَالْكِتَابَةُ وَقَعَتْ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَمَالِيَّةُ الثُّلُثِ قَدْ سَقَطَتْ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ لَا يَضْمَنُ إلَّا قِيمَةَ الثُّلُثَيْنِ فَكَانَ الْبَدَلُ بِإِزَاءِ الثُّلُثَيْنِ ضَرُورَةً وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا أَدَّى فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الثُّلُثِ قَدْ بَطَلَ فَبَطَلَ التَّقْدِيرُ الَّذِي قُلْنَا، أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا كَاتَبَهَا ثُمَّ مَاتَ سَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ كُلُّهُ لِاسْتِحْقَاقِهَا الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَكَأَنَّ نَفْسَهَا كَانَتْ سَالِمَةً لَهَا بِتِلْكَ الْجِهَةِ وَلَوْ أَدَّتْ الْبَدَلَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ صَحَّ الْأَدَاءُ وَعَتَقَتْ بِهِ لِبُطْلَانِ اسْتِحْقَاقِهَا بِالْأَدَاءِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ دَبَّرَ مُكَاتَبَهُ صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ فِيهِ فَيَمْلِكُ التَّعْلِيقَ فِيهِ بِشَرْطِ الْمَوْتِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ وَهَذَا التَّصَرُّفُ نَافِعٌ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَعْتِقُ مَجَّانًا أَوْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَبْقَى لَهُ جِهَةُ الْحُرِّيَّةِ مُهْدَرَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَجَزَ بَقِيَ مُدَبَّرًا) لِوُجُودِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ مُعْسِرًا) أَيْ إنْ لَمْ يَعْجِزْ وَمَاتَ الْمَوْلَى مُعْسِرًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يَسْعَى فِي الْأَصْلِ مِنْهُمَا فَالْخِلَافُ فِي الْخِيَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِ تَجَزِّيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. أَمَّا الْمِقْدَارُ هُنَا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مُقَابَلٌ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ إذْ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْحُرِّيَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الرَّقَبَةِ مَجَّانًا بَعْدَ ذَلِكَ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّهُ سَلِمَ لَهُ بِالتَّدْبِيرِ الثُّلُثُ فَيَكُونُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مُقَابَلًا بِمَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ وَهُوَ الثُّلُثَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبَهُ عَتَقَ)؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَائِمٌ فِيهِ وَهُوَ الشَّرْطُ لِنُفُوذِ الْعِتْقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَقَطَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ)؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ وَقَدْ حَصَلَ بِدُونِهِ وَكَذَا الْمَوْلَى كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مُقَابَلًا بِالتَّحْرِيرِ وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِالْإِعْتَاقِ مَجَّانًا، وَالْكِتَابَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى لَكِنَّهَا تُفْسَخُ بِالتَّرَاضِي بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ وُجِدَ مِنْ الْمَوْلَى بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَمِنْ الْعَبْدِ بِحُصُولِ غَرَضِهِ بِلَا عِوَضٍ وَبِسَلَامَةِ أَكْسَابَهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَنْفَسِخُ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْبَدَلِ خَاصَّةً وَتَبْقَى فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ نَفْعًا مَحْضًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ فَصَالَحَهُ عَلَى نِصْفٍ حَالٍّ صَحَّ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالدَّيْنُ مَالٌ فَكَانَ رِبًا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الْحُرِّ وَمُكَاتَبِ الْغَيْرِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِهِ فَأَعْطَى لَهُ حُكْمَ الْمَالِ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَاعْتَدَلَا فَلَا رِبًا وَلِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ عَقْدٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ وَلِأَنَّهُ شُرِعَ مَعَ الْمُنَافِي؛ إذْ الْأَصْلُ أَنْ لَا يَجْرِيَ هَذَا الْعَقْدُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ إذْ الْعَبْدُ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ وَالْأَجَلُ أَيْضًا رِبًا مِنْ وَجْهٍ فَيَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْعَقْدِ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ رِبًا بِالْأَجَلِ فِيهِ شُبْهَةٌ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ أَمْكَنَ جَعْلُهُ فَسْخًا لِلْكِتَابَةِ السَّابِقَةِ وَتَجْدِيدُ الْعَقْدِ عَلَى خَمْسِمِائَةِ حَالَةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَاتَ مَرِيضٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ أَدَّى ثُلُثَيْ الْبَدَلِ حَالًّا وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ أَوْ رُدَّ رَقِيقًا) مَعْنَاهُ أَنَّ مَرِيضًا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْأَلْفَيْنِ حَالًّا وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ أَوْ يُرَدُّ رَقِيقًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْأَلْفِ حَالًّا وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ أَوْ يُرَدُّ رَقِيقًا لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الزِّيَادَةَ بِأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الزِّيَادَةَ وَهِيَ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَصَارَ كَمَا إذَا خَالَعَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ وَصَارَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِدُونِ الْمَالِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ كَانَ الْمَرِيضُ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَهُ أَصْلًا فَإِذَا تَمَلَّكَهُ مُؤَجَّلًا لَا يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ وَلَهُمَا أَنَّ جَمِيعَ الْمُسَمَّى بَدَلُ الرَّقَبَةِ حَتَّى أُجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِبْدَالِ مِنْ حَقِّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَجَرَيَانِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَحَقِّ الْحَبْسِ بِالْمُسَمَّى كُلِّهِ فِيمَا إذَا بَاعَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفَيْنِ. وَحَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُبْدَلِ فَكَذَا بِالْبَدَلِ وَالتَّأْجِيلُ إسْقَاطُ مَعْنًى فَيُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْجَمِيعِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِيهِ لَا يُقَابِلُ الْمَالَ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِالْمُبْدَلِ فَكَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَلِ وَأَصْلُهُ الْمَرِيضُ إذَا بَاعَ دَارًا قِيمَتُهَا أَلْفٌ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ إلَى سَنَةٍ ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَعِنْدَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ) أَيْ وَهُوَ الثُّلُثُ اهـ (قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بِالتَّدْبِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَفِي الْحِلْيَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ) كَأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْمُكَاتَبِ خَمْسَمِائَةٍ مُعَجَّلَةً بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَكَانَ رِبًا) أَيْ وَهُوَ حَرَامٌ بَيْنَ الْمَوْلَى وَسَيِّدِهِ وَلِهَذَا نَصَّ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَمْ يَجُزْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ) أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْحُرِّ أَوْ مُكَاتَبِ الْغَيْرِ مُؤَجَّلًا فَصَالَحَهُ عَلَى بَعْضِهِ مُعَجَّلًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هَذَا. اهـ. دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ) أَيْ التَّأْجِيلَ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ إلَّا فِي حَقِّ التَّأْجِيلِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ إذْ بِتَأْجِيلِ الْمَالِ أُخِّرَ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِ إجَازَتِهِمْ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ كَاكِيٌّ

يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تُعَجِّلَ ثُلُثَيْ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَالثُّلُثُ عَلَيْك إلَى أَجَلِهِ وَإِلَّا فَانْقُضْ الْبَيْعَ وَعِنْدَهُ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تُعَجِّلَ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَالْبَاقِي عَلَيْك إلَى أَجَلِهِ وَإِلَّا فَانْقُضْ الْبَيْعَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ بِالْأَجَلِ تُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِ الثَّمَنِ وَصِيَّةً مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ تَبَرُّعٌ مِنْ الْمَرِيضِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَارِثَ يَصِيرُ مَمْنُوعًا عَنْ الْمَالِ بِسَبَبِ التَّأْجِيلِ كَمَا يَصِيرُ مَمْنُوعًا بِنَفْسِ التَّبَرُّعِ وَتَبَرُّعُ الْمَرِيضِ يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ وَجَمِيعُ الثَّمَنِ هُنَا بَدَلُ الرَّقَبَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْإِبْدَالِ عِنْدَهُ الْأَجَلُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ يَصِحُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيُعْتَبَرُ فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَلَمْ يُجِيزُوا أَدَّى ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ حَالًّا أَوْ رُدَّ رَقِيقًا) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ هُنَا حَصَلَتْ فِي الْقَدْرِ وَالتَّأْخِيرِ فَاعْتُبِرَ الثُّلُثُ فِيهِمَا وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الْأُولَى أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْقِيمَةِ كَانَتْ حَقَّ الْمَرِيضِ فِي الْأُولَى حَتَّى كَانَ يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِأَنْ يَبِيعَهُ بِقِيمَتِهِ فَتَأْخِيرُهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ مِنْ الْإِسْقَاطِ، وَهُنَا وَقَعَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى أَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ مَا زَادَ عَلَى ثُلُثِ قِيمَتِهِ وَلَا تَأْجِيلَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِجَمِيعِهِ بِخِلَافِ الْأُولَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (حُرٌّ كَاتَبَ عَنْ عَبْدٍ بِأَلْفٍ وَأَدَّى عَتَقَ وَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ فَهُوَ مُكَاتَبٌ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ حُرٌّ لِمَوْلَى الْعَبْدِ: كَاتِبْ عَبْدَك فُلَانًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَكَاتَبَهُ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا الشَّرْطِ وَقَبِلَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَدَّى أَلْفًا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِأَدَائِهِ فَيَعْتِقُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْعَبْدِ وَإِجَازَتِهِ كَمَا إذَا عَلَّقَهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ وَإِذَا بَلَغَ الْعَبْدُ فَقَبِلَ صَارَ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَتِهِ وَقَبُولِهِ فَصَارَ إجَازَتُهُ فِي الِانْتِهَاءِ كَقَبُولِهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَوْ قَبِلَهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ وَكَّلَهُ بِهِ كَانَ يَنْفُذُ فَكَذَا إذَا أَجَازَهُ وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لَا أَقْبَلُهُ فَأَدَّى عَنْهُ الرَّجُلُ الَّذِي كَاتَبَ عَنْهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَدَّ بِرَدِّهِ وَلَوْ ضَمِنَ الرَّجُلُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا تَجُوزُ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَوْقُوفٌ وَالْمَوْقُوفُ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَمْ يُوجَدْ التَّعْلِيقُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ صَحِيحَةٌ نَافِذَةٌ فِيمَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ وَهُوَ أَنْ يَعْتِقَ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَشْرُوطِ مَوْقُوفَةً فِيمَا يَرْجِعُ إلَى وُجُوبِ الْبَدَلِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْعَبْدِ وَتَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. وَقِيلَ هَذِهِ هِيَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَلَوْ أَدَّى الْحُرُّ الْبَدَلَ عَنْهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ وَحَصَلَ لَهُ مَقْصُودُهُ وَهُوَ عِتْقُ الْعَبْدِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ تَبَرَّعَ أَدَاءَ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَقِيلَ: يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى وَيَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ إنْ أَدَّاهُ بِضَمَانٍ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ غَيْرَ الْوَاجِبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ الْمَالَ فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ فَأَدَّى يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى فَهَاهُنَا أَوْلَى، وَإِنْ أَدَّاهُ بِغَيْرِ ضَمَانٍ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِهِ لِيَحْصُلَ الْعِتْقُ لَهُ فَتَمَّ أَدَاؤُهُ هَذَا إذَا أَدَّى عَنْهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ كُلَّهُ وَإِنْ أَدَّى عَنْهُ بَعْضَهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ سَوَاءٌ أَدَّى بِضَمَانٍ أَوْ بِغَيْرِ ضَمَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ وَهُوَ الْعِتْقُ فَكَانَ حُكْمُ الْأَدَاءِ مَوْقُوفًا فَيَرْجِعُ كَمَا إذَا تَبَرَّعَ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ فِي بَيْعٍ مَوْقُوفٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْبَائِعِ لِهَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَبِلَ الْعَبْدُ الْكِتَابَةَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَبَرَّعَ عَنْهُ إنْسَانٌ بِبَعْضِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ بِذَلِكَ قَدْ حَصَلَ، وَهِيَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْعَبْدِ بِقَدْرِهِ مِنْ الْبَدَلِ وَهُنَا لَمْ يَكُنْ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ شَيْءٌ حَتَّى يَبْرَأَ بِأَدَائِهِ وَكَذَا لَوْ أَدَّاهُ قَبْلَ إجَازَةِ الْعَبْدِ الْعَقْدَ ثُمَّ أَجَازَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَدَّى سَوَاءٌ أَدَّى الْبَعْضَ أَوْ الْكُلَّ إلَّا إذَا أَدَّاهُ عَنْ ضَمَانٍ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بِالْإِجَارَةِ نَفَذَتْ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ الْأَدَاءُ مُبَرِّئًا لِلْمُكَاتَبِ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُ إلَّا أَنَّ الضَّمَانَ فَاسِدٌ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ فَسَادِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَ الْحَاضِرَ وَالْغَائِبَ وَقَبِلَ الْحَاضِرُ صَحَّ) أَيْ كَاتَبَهُمَا الْمَوْلَى وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ الْحَاضِرُ لِسَيِّدِهِ: كَاتِبْنِي عَنْ نَفْسِي وَعَنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَكَاتَبَهُمَا فَقَبِلَ الْحَاضِرُ جَازَتْ هَذِهِ الْكِتَابَةُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ إلَّا عَنْ نَفْسِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ كَمَنْ بَاعَ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي عَبْدِهِ لِوُجُودِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ دُونَ عَبْدِ غَيْرِهِ لِعَدَمِهَا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَوْلَى خَاطَبَ الْحَاضِرَ قَصْدًا وَجَعَلَ الْغَائِبَ تَبَعًا لَهُ وَالْكِتَابَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَشْرُوعَةٌ كَالْأَمَةِ إذَا كُوتِبَتْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا وَلَدُهَا الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ الْمُشْتَرَى فِيهَا أَوْ الْمَضْمُومُ إلَيْهَا فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لَهَا حَتَّى يَعْتِقُوا بِأَدَائِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ وَلِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[باب كتابة العبد المشترك]

بِأَدَاءِ الْحَاضِرِ وَالْمَوْلَى يَنْفَرِدُ بِهِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلَا قَبُولٍ مِنْ الْغَائِبِ كَمَا لَوْ كَاتَبَ الْحَاضِرُ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ إنْ أَدَّيْته إلَيَّ فَفُلَانٌ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْغَائِبِ فَكَذَا هَذَا فَإِذَا أَمْكَنَ جَعْلُ الْغَائِبِ تَبَعًا اسْتَغْنَى عَنْ شَرْطِ رِضَاهُ وَيَنْفَرِدُ بِهِ الْحَاضِرُ وَيُطَالَبُ الْحَاضِرُ بِكُلِّ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ كُلَّهُ عَلَيْهِ دُونَ الْغَائِبِ وَلَا تُعْتَبَرُ إجَازَةُ الْغَائِبِ وَلَا رَدُّهُ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ فِي حَقِّهِ وَلَا يُؤَاخَذُ الْغَائِبُ بِالْبَدَلِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنُ الْكِتَابَةِ أَصْلًا، وَلَوْ اكْتَسَبَ شَيْئًا لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ تَبَعًا، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى أَوْ وَهَبَهُ مَالَ الْكِتَابَةِ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْحَاضِرُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ عَتَقَا جَمِيعًا، وَلَوْ أَعْتَقَ الْغَائِبَ سَقَطَ عَنْ الْحَاضِرِ حِصَّتُهُ مِنْ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ مَقْصُودًا فَكَانَ الْبَدَلُ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِهِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْأُمِّ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ مَقْصُودًا وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا، وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَعًا لَهَا وَكَذَا وَلَدُهَا الْمُشْتَرَى، وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَاضِرَ لَمْ يُعْتِقْ الْغَائِبَ وَسَقَطَ حِصَّةُ الْحَاضِرِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَيُؤَدِّي الْغَائِبُ حِصَّتَهُ حَالًا وَإِلَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ حَيْثُ يَبْقَى عَلَى نُجُومِ وَالِدِهِ إذَا مَاتَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَيٌّ أَدَّى عَتَقَا) أَيْ أَيُّهُمَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَا لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِمَا وَهُوَ أَدَاءُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ أَمَّا إذَا دَفَعَ الْحَاضِرُ فَلِأَنَّ الْبَدَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَصْلٌ فِيهِ وَأَمَّا إذَا دَفَعَ الْغَائِبُ فَلِأَنَّهُ يَنَالُ بِهِ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ فَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا إلَيْهِ كَمَا إذَا أَدَّى وَلَدُ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ عَلَيْهِ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا دَفَعَ الدَّيْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ لِحَاجَتِهِ إلَى اسْتِخْلَاصِ عَيْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ) أَيْ لَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِمَا أَدَّى إلَى الْمَوْلَى مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَمَّا الْحَاضِرُ فَلِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ عَتَقَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ كَمَا إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْبَدَلَ وَعِنْدَهُ أَوْلَادُهُ وَآبَاؤُهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ وَإِنْ عَتَقُوا مَعَهُ لِكَوْنِهِمْ أَتْبَاعًا، وَأَمَّا الْغَائِبُ فَلِأَنَّهُ أَدَّى بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ فِيهِ مِنْ جِهَتِهِ بَلْ يَطْلُبُ نَفْعًا مُبْتَدَأً بِخِلَافِ مُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا أَدَّى الدَّيْنَ لَاسْتِخْلَاصِ عَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ مِنْ جِهَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُؤْخَذُ غَائِبٌ بِشَيْءٍ) أَيْ لَا يُطَالِبُ الْمَوْلَى الْغَائِبَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ شَيْئًا وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ تَبَعًا فَصَارَ نَظِيرَ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمَعَ هَذَا لَوْ أَدَّى الْبَدَلَ يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبُولُهُ لَغْوٌ) أَيْ قَبُولُ الْغَائِبِ لَغْوٌ لَا يُعْتَبَرُ وَكَذَا رَدُّهُ لَغْوٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ نَفَذَتْ وَتَمَّتْ مِنْ غَيْرِ قَبُولِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبُولُهُ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِرَدِّهِ كَمَنْ كَفَلَ بِدَيْنٍ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ فَإِجَازَتُهُ بَاطِلَةٌ وَلَا يُعْتَبَرُ حُكْمُهُ حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَتْ الْأَمَةُ عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ ابْنَيْنِ صَغِيرَيْنِ لَهَا صَحَّ وَأَيٌّ أَدَّى لَمْ يَرْجِعْ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِثْلُهَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِمَا أَنَّ الْأُمَّ أَوْ الْأَبَ الرَّقِيقَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ فَيَكُونُ دُخُولُ الْوَلَدِ فِي كِتَابَتِهَا بِالشَّرْطِ لَا بِالْوِلَايَةِ كَدُخُولِ الْغَائِبِ فِي كِتَابَةِ الْحَاضِرِ، وَأَيُّهُمْ أَدَّى يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ، وَقَبُولُ الْأَوْلَادِ الْكِتَابَةَ وَرَدُّهُمْ لَا يُعْتَبَرُ وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْأُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِحِصَّتِهِمْ يُؤَدُّونَهَا فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ الْمُشْتَرَى حَيْثُ يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا وَيُطَالِبُ الْمَوْلَى الْأُمَّ بِالْبَدَلِ دُونَهُمْ وَلَوْ أَعْتَقَهُمْ سَقَطَ عَنْهَا حِصَّتُهُمْ وَعَلَيْهَا الْبَاقِي عَلَى نُجُومِهَا وَلَوْ اكْتَسَبُوا شَيْئًا لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ وَلَوْ أَبْرَأَهُمْ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُمْ لَا يَصِحُّ وَلَهَا يَصِحُّ فَتَعْتِقُ وَيَعْتِقُونَ مَعَهَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابَةِ الْحَاضِرِ مَعَ الْغَائِبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ. [بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ] (بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ لَهُمَا أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُكَاتِبَ حَظَّهُ بِأَلْفٍ وَيَقْبِضَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَكَاتَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ فِيهِ) يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (بَابٌ كِتَابَةُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ كِتَابَةِ عَبْدٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ شَرَعَ فِي كِتَابَةِ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ أَوْ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ وَأَطْلَقَ كِتَابَةَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِكِتَابَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ بِكِتَابَتِهِمَا حَتَّى يَشْمَلَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَابَ لِبَيَانِهِمَا جَمِيعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

وَقَبَضَ بَعْضَهُ فَعَجَزَ فَالْمَقْبُوضُ لِلْقَابِضِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا هُوَ مُكَاتَبٌ بَيْنَهُمَا وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَتَجَزَّأُ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الْإِعْتَاقِ هَلْ يَتَجَزَّأُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِهِ إذْ هِيَ تُفِيدُ الْحُرِّيَّةَ فِي الْحَالِ يَدًا وَفِي الْمَآلِ رَقَبَةً فَيَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ عِنْدَهُ وَفَائِدَةُ الْإِذْنِ بِالْكِتَابَةِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا يَكُونُ لَهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ وَفَائِدَةُ إذْنِهِ بِالْقَبْضِ أَنْ يَنْقَطِعَ حَقُّهُ فِيمَا قَبَضَ بَلْ يَخْتَصُّ بِهِ الْقَابِضُ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ بِالْقَبْضِ إذْنٌ لِلْعَبْدِ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ مِنْهُ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِنَصِيبِهِ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَيَصِيرُ الْمُكَاتَبُ أَخَصَّ بِهِ، فَإِذَا قَضَى بِهِ دَيْنَهُ اخْتَصَّ بِهِ الْقَابِضُ وَسُلِّمَ لَهُ كُلُّهُ كَرَبِّ الْوَدِيعَةِ إذَا أَذِنَ لِلْمُودَعِ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ فَقَضَى لَمْ يَبْقَ لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، كَذَا هَذَا إلَّا إذَا نَهَاهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَيَصِحُّ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَمْ يَتِمَّ بَعْدُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ نِصْفُ كَسْبِهِ لَهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ فِيهِ أَحَدٌ لِكَوْنِ نِصْفِهِ مُكَاتَبًا وَالنِّصْفُ لَلشَّرِيك الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ قِنٌّ فَيَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ فَإِذَا أَذِنَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَصْرِفَهُ بِدَيْنِهِ صَحَّ إذْنُهُ وَتَمَّ بِالْقَضَاءِ دَيْنُهُ بِهِ فَلِهَذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ لِلْقَابِضِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَلَا يَرْجِعُ الْإِذْنُ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَرَّعَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَبْدُ وَلَوْ رَجَعَ لَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ، وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَبَرَّعَ شَخْصٌ بِقَضَاءِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ، أَوْ تَبَرَّعَ بِقَضَاءِ مَهْرٍ ثُمَّ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَةِ الْمُتَبَرِّعِ عَنْهُ حَيْثُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْبَائِعِ وَالْمَرْأَةِ مَحَلٌّ صَالِحٌ لِوُجُوبِ دَيْنِ الْمُتَبَرِّعِ عَلَيْهِمَا فَأَمْكَنَ الرُّجُوعُ، وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ الْآذِنُ مَرِيضًا وَأَدَّى مِنْ كَسْبِهِ بَعْدَ الْإِذْنِ صَحَّ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ أَدَّى مِنْ كَسْبِهِ قَبْلَهُ صَحَّ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِعَيْنِ مَالٍ وَفِي الْأَوَّلِ بِالْمَنَافِعِ إذْ لَمْ يَكُنْ الْمَالُ مَوْجُودًا حَالَةَ الْإِذْنِ فَالتَّبَرُّعُ بِالْمَنَافِعِ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ بَلْ يَنْفُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ. وَعِنْدَهُمَا الْكِتَابَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فَيَكُونُ الْإِذْنُ بِكِتَابَةِ نَصِيبِهِ إذْنًا بِكِتَابَةِ كُلِّهِ فَإِذَا كَاتَبَهُ صَارَ كُلُّهُ مُكَاتَبًا كَاتَبَ نَصِيبَهُ بِالْأَصَالَةِ وَنَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالْوَكَالَةِ فَيَكُونُ مُكَاتَبًا لَهُمَا وَيَكُونُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ بَيْنَهُمَا وَالْمَقْبُوضُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْعَجْزِ وَبَعْدَهُ، وَلَوْ كَاتَبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ صَارَ نَصِيبُهُ مُكَاتَبًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا صَارَ كُلُّهُ مُكَاتَبًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ لِلسَّاكِتِ أَنْ يَفْسَخَ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ نَصِيبَهُ حَيْثُ لَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ إذْ لَا يَخْرُجُ نَصِيبُهُ مِنْ يَدِهِ وَلَا يَئُولُ إلَى ذَلِكَ وَبِخِلَافِ الْعِتْقِ وَتَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِالشَّرْطِ حَيْثُ لَا يُفْسَخُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ، وَلَوْ أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ نَصِيبُهُ خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَلِلسَّاكِتِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الَّذِي كَاتَبَ نِصْفَ مَا أَخَذَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَاتَبَ كُلَّهُ بِأَلْفٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَخَذَهُ مِنْهُ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ بَدَلَ نَصِيبِهِ وَإِنْ كَاتَبَ نَصِيبَهُ فَقَطْ بِأَلْفٍ رَجَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِمَا أَخَذَ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ كَانَ بَدَلَ نَصِيبِهِ فَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ إلَّا بَعْضُهُ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ. وَعِنْدَهُمَا بِالْأَدَاءِ عَتَقَ كُلُّهُ وَيَرْجِعُ السَّاكِتُ عَلَى شَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِلَّا فَعَلَى الْعَبْدِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَكْسَابِ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ، وَلَوْ كَاتَبَهُ السَّاكِتُ بِمِائَةِ دِينَارٍ بَعْدَ الْأَوَّلِ صَارَ مُكَاتَبًا لَهُمَا أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ لَمْ يَتَكَاتَبْ مِنْ قَبْلُ فَصَحَّ كِتَابَتُهُ بَعْدَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَنَفَذَ كِتَابَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ السَّاكِتَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ فَإِذَا كَاتَبَهُ كَانَ فَسْخًا مِنْهُ فِي نَصِيبِهِ وَأَيُّهُمَا قَبَضَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ نَصِيبِهِ لَا يُشَارِكُهُ صَاحِبُهُ فِي ذَلِكَ، وَتَعَلَّقَ عِتْقُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ الْمُسَمَّى فِي كِتَابَةِ نَصِيبِهِ فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِمَا مَعًا فَالْوَلَاءُ لَهُمَا عِنْدَهُمْ وَإِنْ قَدَّمَ أَحَدَهُمَا صَارَ كَمُكَاتَبِهِمَا حَرَّرَهُ أَحَدُهُمَا يَعْتِقُ نِصْفُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَبْقَى نَصِيبُ صَاحِبِهِ مُكَاتَبًا، وَلَا ضَمَانَ وَلَا سِعَايَةَ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ الْمُكَاتَبُ فَيُخَيَّرُ السَّاكِتُ بَيْنَ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ وَالْإِعْتَاقِ وَاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَبَيْنَ الِاسْتِسْعَاءِ وَالْإِعْتَاقِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ نَصِيبِهِ وَمِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فِي الْيَسَارِ وَفِي الْإِعْسَارِ سَعَى فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَاتَبَاهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ وَيَعْتِقُ بِإِعْتَاقِهِ وَإِبْرَائِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَهِبَتِهِ نَصِيبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ قِبَلَهُ فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي التَّضْمِينِ وَالسِّعَايَةِ وَالْعِتْقِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا وَبِاسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ لَمْ يَبْرَأْ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ حَقُّهُمَا وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِهِ فَلَا يَعْتِقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْكُلَّ حُكْمُهُ ظَاهِرٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَمَةٌ بَيْنَهُمَا كَاتَبَاهَا فَوَطِئَهَا أَحَدُهُمَا فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ ثُمَّ وَطِئَهَا الْآخَرُ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ فَعَجَزَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا وَضَمِنَ شَرِيكُهُ عُقْرَهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ وَهُوَ ابْنُهُ، وَأَيٌّ دَفَعَ الْعُقْرَ إلَى الْمُكَاتَبَةِ صَحَّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ كُلُّهَا وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِشَرِيكِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ الْأَخِيرِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ بِالْقِيمَةِ وَيَغْرَمُ الْعُقْرَ لَهَا، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَجَزِّي اسْتِيلَادِ الْمُكَاتَبَةِ فَعِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَاسْتِيلَادُ الْقِنَّةِ لَا يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ وَاسْتِيلَادُ الْمُدَبَّرَةِ يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْوَلَدَ الْأَوَّلَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا وَلَهُ فِي نِصْفِهَا مِلْكٌ وَهُوَ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ وَصَارَ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَمْ يَتَمَلَّكْ نَصِيبَ صَاحِبِهِ وَبَقِيَ نَصِيبُ الْآخَرِ مُكَاتَبًا عَلَى حَالِهِ. وَقَالَا يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ وَصَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَجِبُ تَكْمِيلُهُ مَا أَمْكَنَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْلَدَ أَمَةً مُشْتَرَكَةً تَصِيرُ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُسْتَوْلَدِ لِإِمْكَانِ التَّكْمِيلِ بِالتَّمْلِيكِ لِكَوْنِهَا قَابِلَةً لِلنَّقْلِ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَحْتَمِلُهُ فَرَجَّحْنَا الِاسْتِيلَادَ فَكَمَّلْنَاهُ وَفَسَخْنَا الْكِتَابَةَ فِي حَقِّ التَّمْلِيكِ وَهِيَ لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ، وَالْكِتَابَةُ تَنْفَسِخُ فِيمَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبُ وَتَبْقَى فِيمَا وَرَاءَهُ وَلِهَذَا يَجُوزُ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَوْلَدَ مُدَبَّرَةً مُشْتَرَكَةً فَإِنَّهُ لَا يَكْمُلُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَكْمِيلُهَا؛ إذْ التَّدْبِيرُ يَمْنَعُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، وَلَا يُقَالُ لِمَ لَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ ضِمْنًا لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ؟ لِأَنَّا نَقُولُ فِي انْفِسَاخِهَا ضَرَرٌ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا فِي الْكِتَابَةِ وَالْكِتَابَةُ لَا تَنْفَسِخُ فِيمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَقْبَلُ التَّجَزِّيَ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلٍّ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالْمُدَبَّرَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَتَجَزَّأُ وَيَقْتَصِرُ الِاسْتِيلَادُ عَلَى نَصِيبِهِ. وَالْكِتَابَةُ لَازِمَةٌ كَالتَّدْبِيرِ فَلَا تَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَيَقْتَصِرُ الِاسْتِيلَادُ عَلَى نَصِيبِهِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ آخَرَ وَادَّعَاهُ الْآخَرُ فَقَدْ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ أَمَةٍ نِصْفُهَا مِلْكٌ لَهُ فَتَصِحُّ دَعْوَتُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، فَإِذَا عَجَزَتْ بَعْدَ ذَلِكَ جُعِلَ كَأَنَّ الْكِتَابَةَ لَمْ تَكُنْ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمَةَ كُلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلتَّكْمِيلِ قَائِمٌ وَالْمَانِعُ مِنْ التَّكْمِيلِ الْكِتَابَةُ وَقَدْ زَالَتْ فَيَعْمَلُ الْمُقْتَضَى عَمَلُهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ إذَا أَسْقَطَ الْخِيَارَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ فَيَضْمَنُ لِلْآخَرِ نِصْفَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَهُ لِتَكَامُلِ الِاسْتِيلَادِ وَنِصْفَ عُقْرِهَا وَضَمِنَ الْآخَرُ عُقْرَهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ وَالْوَلَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ قِيمَتِهَا الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَهُ مِنْهَا حِينَ عَجَزَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْعُقْرِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ مُكَاتَبَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ فَوَجَبَ الْعُقْرُ كُلُّهُ عَلَيْهِ فَصَارَ ذَلِكَ كَسْبًا لَهَا، ثُمَّ لَمَّا عَجَزَتْ كَانَ ذَلِكَ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا فَسَقَطَ عَنْهُ نَصِيبُهُ وَبَقِيَ نَصِيبُ صَاحِبِهِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ نِصْفُ الْعُقْرِ فَإِنْ كَانَ أَدَّى الْعُقْرَ إلَيْهَا قَبْلَ الْعَجْزِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُهَا وَأَمَّا الشَّرِيكُ السَّاكِتُ فَقَدْ أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَةٍ كُلُّهَا مِلْكُ الْأَوَّلِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَجْزِ فَيَغْرَمُ عُقْرًا كَامِلًا وَعَلَى اعْتِبَارِ الْكِتَابَةِ يَغْرَمُ عُقْرًا كَامِلًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ بَيْنَهُمَا وَوَطْءُ الرَّجُلِ مُكَاتَبَتَهُ يُوجِبُ الْعُقْرَ كَوَطْءِ مُكَاتَبَةِ الْغَيْرِ، وَإِنْ أَدَّى الْعُقْرُ إلَيْهَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُهَا وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ إلَيْهَا أَدَّى إلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الْعُقْرَ صَارَ كُلُّهُ حَقًّا لَهُ بِالْعَجْزِ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا تَكَامَلَ الِاسْتِيلَادُ لِلْأَوَّلِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الثَّانِي وَلَمْ يَغْرَمْ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَضَمِنَ عُقْرًا كَامِلًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوَطْءِ أُمِّ وَلَدِ الْغَيْرِ، وَلَكِنْ سَقَطَ الْحَدُّ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ وَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ وَطْءُ الْآخَرِ لَهَا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَاسْتِيلَادُ الْقِنَّةِ لَا يَتَجَزَّأُ) يَأْتِي تَعْلِيلُهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ فِي الشَّرْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاسْتِيلَادُ الْمُدَبَّرَةِ يَتَجَزَّأُ) يَأْتِي تَعْلِيلُهُ فِي هَذِهِ الصَّفْحَةِ مِنْ الشَّرْحِ اهـ (قَوْلُهُ وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَحْتَمِلُهُ) أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ وَكَذَا إذَا أَعْتَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْكِتَابَةِ تُنْتَقَضُ الْكِتَابَةُ، وَإِذَا انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ صَارَتْ قِنَّةً وَالِاسْتِيلَادُ فِي الْقِنَّةِ لَا يَتَجَزَّأُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا اسْتَوْلَدَ رَجُلٌ مُكَاتَبَةَ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا تَنْتَقِضُ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ نَقْضَ الْكِتَابَةِ فِي الْمُكَاتَبَةِ الْمُشْتَرَكَةِ لِلْحَاجَةِ إلَى تَكْمِيلِ الِاسْتِيلَادِ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّكْمِيلِ فِي مُكَاتَبَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ كَامِلٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْكِتَابَةُ تَنْفَسِخُ فِيمَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبُ) أَيْ فِي أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ لَهَا فِيهَا نَفْعًا حَيْثُ لَا تَبْقَى مَحَلًّا لِلِابْتِذَالِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَتَبْقَى) أَيْ الْكِتَابَةُ (فِيمَا وَرَاءَهُ) أَيْ فِي غَيْرِ مَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبُ يَعْنِي أَنَّ الْكِتَابَةَ تَنْفَسِخُ ضَرُورَةَ تَكَامُلِ الِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّ لَهَا فِيهِ نَفْعًا، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ الِانْفِسَاخِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ حَتَّى تَبْقَى مُكَاتَبَةً فِي غَيْرِهِ كَمَا كَانَتْ حَتَّى لَا يَسْقُطَ نِصْفُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بَلْ تَبْقَى مُكَاتَبَةً بِجَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَحَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْمُسْتَوْلَدِ الْأَوَّلِ قِيمَةُ النِّصْفِ قِنًّا بَلْ يَجِبُ قِيمَةُ النِّصْفِ مُكَاتَبًا وَحَتَّى لَا يَتَعَدَّى انْفِسَاخُ الْكِتَابَةِ إلَى نَصِيبِ الْمُسْتَوْلِدِ وَحَتَّى لَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ وَاطِئًا مُكَاتَبَتَهُ فَافْهَمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا تَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ) أَيْ بِسَائِرِ الْأَسْبَابِ فَكَذَا لَا تَقْبَلُهُ بِالِاسْتِيلَادِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَجِبُ الْقَوْلُ بِتَجَزِّيهِ إذَا عَارَضَهُ حَقٌّ لَازِمٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنِصْفُ عُقْرِهَا) أَيْ لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً اهـ هِدَايَةٌ

حُرٌّ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ وَظَهَرَ بِالْعَجْزِ وَبُطْلَانِ الْكِتَابَةِ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ لَكِنَّهُ وَطِئَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ فَلَزِمَهُ كَمَالُ الْعُقْرِ وَأَيُّهُمَا دَفَعَ الْعُقْرَ إلَى الْمُكَاتَبَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا حَالَ قِيَامِ الْكِتَابَةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا فَإِذَا عَجَزَتْ تَرُدُّهُ إلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ اخْتِصَاصُهُ بِهَا وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَهُمَا هِيَ أُمُّ وَلَدِ الْأَوَّلِ تَكْمِيلًا لِلِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُفْسَخُ فِيمَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبُ عَلَى مَا مَرَّ وَإِذَا صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَوَطِئَ الثَّانِي صَادَفَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ وَلَزِمَهُ كُلُّ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ الضَّمَانِ الْجَابِرِ أَوْ الْحَدِّ الزَّاجِرِ فَتَعَذَّرَ إيجَابُ الْحَدِّ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ، ثُمَّ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ عِنْدَهُمَا صَارَتْ كُلُّهَا مُكَاتَبَةً لِلْمُسْتَوْلِدِ بِنِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ فِيمَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ وَلَا تَتَضَرَّرُ بِسُقُوطِ نِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ لَهُ بِكُلِّ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ ضَرُورِيٌّ فَلَمْ يَظْهَرْ فِيمَا وَرَاءَ الضَّرُورَةِ وَهُوَ حُكْمُ التَّمَلُّكِ فَبَقِيَ الْكُلُّ لِلْأَوَّلِ كَمَا كَانَ. وَالْمُكَاتَبَةُ هِيَ الَّتِي تُعْطِي الْعُقْرَ لِاخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا وَبِأَبْدَالِ مَنَافِعَهَا وَلَوْ عَجَزَتْ وَرُدَّتْ فِي الرِّقِّ تَرُدُّ إلَى الْأَوَّلِ لِظُهُورِ اخْتِصَاصِهِ بِهَا ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مُكَاتَبَةً مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ التَّمَلُّكِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَجْزِ عَنْ الْأَدَاءِ وَفِي نِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَدَاءِ وَالْأَقَلُّ مُتَيَقِّنٌ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ دَبَّرَ الثَّانِي وَلَمْ يَطَأْهَا فَعَجَزَتْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْمُسْتَوْلِدَ يَمْلِكُهَا قَبْلَ الْعَجْزِ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ ظَهَرَ أَنَّ كُلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ لِمَا مَرَّ، وَالْمِلْكُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ بِخِلَافِ ثُبُوتِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ كَافٍ لِثُبُوتِ النَّسَبِ وَاسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ بِالْغُرُورِ وَلَا كَذَلِكَ التَّدْبِيرُ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَدَبَّرَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا هُوَ فَاسْتُحِقَّتْ لَمْ يَبْطُلْ النَّسَبُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا بِقِيمَتِهِ فَكَذَا هُنَا (وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ)؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ لِلْإِمْكَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا)؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَهَا بِالِاسْتِيلَادِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِصْفُ عُقْرِهَا)؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ بِحِسَابِهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ)؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ قَدْ صَحَّتْ عَلَى مَا مَرَّ وَهَذَا كُلُّهُ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَاهَا فَحَرَّرَهَا أَحَدُهُمَا مُوسِرًا فَعَجَزَتْ ضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَيْهَا وَيَسْتَسْعِيهَا السَّاكِتُ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَالْكِتَابَةُ لَا تَمْنَعُ الْعِتْقَ فَعَتَقَتْ كُلُّهَا لِلْحَالِ عِنْدَهُمَا وَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ ثُمَّ السَّاكِتُ يَضْمَنُ الْمُعْتِقَ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِإِعْتَاقِهِ وَهُوَ فِعْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهَا ضَمَانُ مَا لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ، وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ فَجَازَ إعْتَاقُ نِصْفِ الْمُكَاتَبَةِ وَلَا يُؤَثِّرُ الْفَسَادُ فِي نَصِيبِ السَّاكِتِ زِيَادَةً عَلَى مَا أَوْجَبَتْهُ الْكِتَابَةُ فَلَا يَظْهَرُ مَا دَامَتْ مُكَاتَبَةً؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ النِّصْفِ عِنْدَهُ يُؤَثِّرُ فِي جَعْلِ الْبَاقِي كَالْمُكَاتَبِ وَهِيَ كَانَتْ مُكَاتَبَةً قَبْلَ الْإِعْتَاقِ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ مُحَقَّقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ إذَا بَقِيَتْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ عِنْدَهُمَا لَمَّا صَارَ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الْعَجْزِ تَبْقَى مُكَاتَبَةً وَلَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ بِنِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِجَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَمَّا انْفَسَخَتْ فِي نَصِيبِ الثَّانِي سَقَطَ نِصْفُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَحَصَلَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ نِصْفِ الْبَدَلِ فَصَارَتْ مُكَاتَبَةً بِالنِّصْفِ فَصَارَ عِتْقُهَا مُعَلَّقًا بِأَدَاءِ النِّصْفِ وَالثَّانِي قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ انْفِسَاخَ الْكِتَابَةِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ ثَبَتَ فِي حَقِّ التَّمْلِيكِ ضَرُورَةَ تَكَامُلِ الِاسْتِيلَادِ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ أَعْنِي فِي حَقِّ سُقُوطِ نِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ الْأَوَّلُ كَمَا كَانَ، وَلِهَذَا جَعَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَمَلُّكِ الْمُكَاتَبَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَمِنْ نِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَاتَّفَقَا عَلَى قِيَامِ الْكِتَابَةِ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ يَعْنِي نِصْفَ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَكَذَلِكَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي مُكَاتَبٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ تَمَلَّكَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ حَتَّى صَارَ كُلُّهُ مُكَاتَبًا لَهُ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ مَا مَلَكَهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَتَاقِ أَتْلَفَهُ فَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا. اهـ. (قَوْلُهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً) لَمْ يَتَحَرَّرْ لَنَا مُقَدَّرًا قِيمَةُ الْمُكَاتَبَةِ اهـ اق (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بَطَلَ التَّدْبِيرُ) بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَ الثَّانِي لَمْ يُصَادِفْ مِلْكَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا اسْتَوْلَدَهَا صَارَ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَمُكَاتَبَةً لَهُ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَمَّا عَجَزَتْ ظَهَرَ أَنَّ كُلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَلِلثَّانِي قَبْلَ عَجْزِهَا فِيهَا ظَاهِرُ الْمِلْكِ لَا حَقِيقَتُهُ وَظَاهِرُ الْمِلْكِ كَافٍ لِثُبُوتِ النَّسَبِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَهَا بِالِاسْتِيلَادِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي تَعْلِيلِ الْقَوْلَيْنِ. اهـ. .

[باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى]

لِكِتَابَتِهَا فَلَا يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ قَبْلَ الْعَجْزِ لِعَدَمِ ظُهُورِ أَثَرِ الْإِعْتَاقِ فِيهَا فَإِذَا عَجَزَتْ ظَهَرَ أَثَرُ الْعِتْقِ فِيهَا فَكَانَ لِلسَّاكِتِ الْخِيَارَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْعَتَاقِ وَهِيَ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَلَهُ أَنْ يُعْتِقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ فَإِذَا ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ كَانَ لِلْمُعْتِقِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا كَانَ لَهُ خِيَارُ الْعِتْقِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْعَتَاقِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ دَبَّرَ الْمُكَاتَبَةَ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا فَعِنْدَهُ لَا يَظْهَرُ حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ وَلَا التَّدْبِيرُ إلَّا بَعْدَ عَجْزِهَا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَجَزَّآنِ عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرَانِ عَلَى نَصِيبِهِ وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ مُكَاتَبٌ عَلَى حَالِهِ وَكَذَا نَصِيبُهُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَالِاسْتِيلَادَ لَا يُنَافِيَانِ الْكِتَابَةَ ابْتِدَاءً وَلَا بَقَاءً فَبَقِيَا عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ لَا يَقْبَلُ الْكِتَابَةَ ابْتِدَاءً وَلَا بَقَاءً فَيَنْفَسِخُ فِي نَصِيبِهِ دُونَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، فَإِذَا عَجَزَتْ ظَهَرَ أَثَرُهُمَا فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّآنِ فَصَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَوْ مُدَبَّرَةً؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَمْنَعُ النَّقْلَ؛ لِأَنَّهَا تُفْسَخُ فِي حَقِّ مَا يَنْفَعُهَا ثُمَّ تَبْقَى مُكَاتَبَةً عَلَى حَالِهَا إذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا فِي الْحَالِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَيَضْمَنُ الْعُقْرَ فِي الِاسْتِيلَادِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ لَهُمَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ حَرَّرَهُ الْآخَرُ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَإِنْ حَرَّرَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ دَبَّرَهُ الْآخَرُ لَا يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَتَدْبِيرُ أَحَدِهِمَا يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ لَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ الْآخَرِ فَيَثْبُتُ لَهُ خِيَرَةُ الْإِعْتَاقِ وَالتَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ، فَإِذَا أَعْتَقَ لَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ وَإِعْتَاقُهُ يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَلَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ وَلَهُ خِيَارُ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فَإِذَا ضَمَّنَهُ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ صَادَفَهُ وَهُوَ مُدَبَّرٌ ثُمَّ قِيلَ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ تُعْرَفُ بِالتَّقْوِيمِ، وَقِيلَ يَجِبُ ثُلُثَا قِيمَتِهِ وَهُوَ قِنٌّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ الْبَيْعُ وَأَشْبَاهُهُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَأَمْثَالُهُ وَالْإِعْتَاقُ وَتَوَابِعُهُ وَلِلْفَائِتِ الْبَيْعُ فَيَسْقُطُ الثُّلُثُ. وَإِذَا ضَمَّنَهُ لَا يَتَمَلَّكُ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ كَمَا إذَا غَصَبَ مُدَبَّرًا أَوْ أَبَقَ وَضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ فَكَذَا هَذَا وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا كَانَ لِلْآخَرِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثُ عِنْدَهُ، فَإِذَا دَبَّرَهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَبَقِيَ خِيَارُ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يَعْتِقُ وَيَسْعَى، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَإِعْتَاقُ الْآخَرِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا؛ لِأَنَّهُ صَادَفَهُ التَّدْبِيرُ وَهُوَ قِنٌّ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا فَتَدْبِيرُ الْآخَرِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَعْتِقُ كُلُّهُ فَلَمْ يُصَادِفْ التَّدْبِيرُ الْمِلْكَ وَهُوَ يَعْتَمِدُهُ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ فَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ عِنْدَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - {بَابٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى} (مُكَاتَبٌ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ وَلَهُ مَالٌ سَيَصِلُ لَمْ يُعَجِّزْهُ الْحَاكِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) نَظَرًا إلَى الْجَانِبَيْنِ وَالثَّلَاثَةُ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ وَالْمَدِينِ لِلْقَضَاءِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا عَجَّزَهُ وَفَسَخَهَا أَوْ سَيِّدُهُ بِرِضَاهُ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سَيَصِلُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَسَخَ الْقَاضِي الْكِتَابَةَ أَوْ فَسَخَ الْمَوْلَى بِرِضَا الْمُكَاتَبِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعَجِّزُهُ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا تَوَالَى عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ رُدَّ فِي الرِّقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَتَدْبِيرُ أَحَدِهِمَا يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ) أَيْ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ كَانَ يَسْتَخْدِمُهُ فَبَعْدَ إعْتَاقِ الثَّانِي لَهُ الِاسْتِخْدَامُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَشْبَاهُهُ) كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمْثَالُهُ) كَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْوَطْءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْإِعْتَاقُ وَتَوَابِعُهُ) وَهِيَ الْكِتَابَةُ وَالِاسْتِيلَادُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَنَافِعُ الْمَمْلُوكِ ثَلَاثَةٌ الِاسْتِرْبَاحُ بِالْبَيْعِ وَالِاسْتِخْدَامُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالتَّدْبِيرِ تَفُوتُ مَنْفَعَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الِاسْتِرْبَاحُ وَبِالِاسْتِيلَادِ تَفُوتُ مَنْفَعَتَانِ قَضَاءُ الدَّيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالِاسْتِرْبَاحُ فَتُوَزَّعُ الْقِيمَةُ عَلَى ذَلِكَ فَتَكُونُ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ قِنًّا وَقِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثَ قِيمَتِهَا قِنَّةً. اهـ. . [بَابٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى] (بَابٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى) وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا الْبَابَ آخِرًا؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ وَالْعَجْزَ عَارِضَانِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَكَانَ التَّأْخِيرُ هُوَ الْمُنَاسِبَ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ بَعْدَ الْأَصْلِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مُكَاتَبٌ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُكَاتَبِ يَعْجِزُ فَيَقُولُ أَخِّرُونِي، قَالَ: إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَوْ مَالٌ غَائِبٌ يُرْجَى قُدُومُهُ أَخَّرْته يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لَا أَزِيدُهُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا أَرُدُّهُ فِي الرِّقِّ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ، إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْمُخْتَلَفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا بَلَاءٌ) أَيْ إظْهَارٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُعَجِّزُهُ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ) وَمَعْنَى النَّجْمِ هُوَ الطَّالِعُ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَقَلُّ

وَالْأَثَرُ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ كَالْخَبَرِ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ حَتَّى كَانَ التَّأْجِيلُ فِيهَا سَنَةً وَحَالَةُ الْوُجُوبِ بَعْدَ حُلُولِ نَجْمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْهَالِ مُدَّةٍ وَأَوْلَى الْمُدَدِ مَا تَوَافَقَ عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ وَلِأَنَّ الْفَسْخَ لِلْعَجْزِ وَالْعَجْزُ لَا يَثْبُتُ وَلَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الْحُلُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْهَالِ مُدَّةٍ فَكَانَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ أَوْلَى وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ مُكَاتَبًا لَهُ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ فَرَدَّهُ فِي الرِّقِّ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى تَعْيِينُ الْمُسَمَّى عِنْدَ انْقِضَاءِ النَّجْمِ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ قَدْ فَاتَ فَوَجَبَ تَخْيِيرُهُ، كَمَا لَوْ تَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَابِلَةٌ لِلْفَسْخِ وَالْإِخْلَالُ بِالنَّجْمِ الْوَاحِدِ إخْلَالٌ بِمَا هُوَ غَرَضُ الْمَوْلَى مِنْ الْكِتَابَةِ فَوَجَبَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ كَفَوَاتِ وَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى نَجْمٌ وَوَجَبَ عَلَيْهِ حِصَّتُهُ صَارَ كَأَنَّهُ كُوتِبَ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ حَالًا، وَفِيهِ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تُؤَدِّيَ الْمَالَ حَالًا وَإِلَّا رُدِدْت فِي الرِّقِّ فَكَذَا هَذَا وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُفِيدُ إثْبَاتَ الْفَسْخِ؛ إذْ تَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ فَلَا يَنْفِي ثُبُوتَ الْفَسْخِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ الْقَاعِدَةِ. وَالتَّأْخِيرُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ إمْضَاءِ مُوجِبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ لَا يُتَوَجَّهُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ النَّجْمِ وَلَا بُدَّ لِلْأَدَاءِ مِنْ زَمَانٍ فَاسْتَحْسَنَّا هَذَا الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّعْجِيلِ دُونَ التَّأْخِيرِ نَظَرًا لَهُمَا وَإِظْهَارًا لِلْعُذْرِ؛ إذْ هِيَ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِظْهَارِ الْأَعْذَارِ كَمَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَفِي قَصَصِ الْأَخْيَارِ وَإِمْهَالِ الْمُرْتَدِّ وَإِمْهَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلدَّفْعِ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَإِمْهَالِ الْمَدِينِ لِلْقَضَاءِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَمْهَلَ ثَلَاثًا يُمْهَلُ، وَقَوْلُهُ عَجَّزَهُ وَفَسَخَهَا يَعْنِي الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِعَجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ عِنْدَ طَلَبِ الْمَوْلَى ذَلِكَ وَلَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَيَفْسَخُ، وَقَوْلُهُ أَوْ سَيِّدُهُ بِرِضَاهُ يَعْنِي أَوْ يَفْسَخُهُ الْمَوْلَى بِرِضَا الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي بِلَا عُذْرٍ فَمَعَ الْعُذْرِ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْعَبْدُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ تَامٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقِيلَ يَنْفَرِدُ الْمَوْلَى بِالْفَسْخِ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُكَاتَبِ كَمَا إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَتِمُّ بِقَبْضِ الْمَوْلَى الْبَدَلَ فَمَا لَمْ يُقْبَضْ لَا تَتِمُّ فَيَفْسَخُهُ مُسْتَبِدًّا بِهِ إذَا فَاتَ غَرَضُهُ كَمَا يَسْتَبِدُّ الْمُشْتَرِي بِالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ قُلْنَا الْعَبْدُ بَعْدَ الْعَقْدِ صَارَ فِي يَدِهِ فَصَارَ هَذَا فَسْخًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَادَ أَحْكَامَ الرِّقِّ) أَيْ إذَا عَجَزَ عَادَ إلَى أَحْكَامِ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ انْفَسَخَتْ وَفَكُّ الْحَجْرِ كَانَ لِأَجْلِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَبْقَى بِدُونِ الْعَقْدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ)؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ إذْ هُوَ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْمَوْلَى عَلَى تَقْدِيرِ الْأَدَاءِ كَانَ لَهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْعَجْزِ كَانَ لِلْمَوْلَى وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ فَكَانَ لِمَوْلَاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ لَمْ يُفْسَخْ وَتُؤَدَّى كِتَابَتُهُ مِنْ مَالِهِ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) وَكَذَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ أَوْلَادِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِهِ وَيَمُوتُ عَبْدًا وَمَا تُرِكَ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ أَنَّ الْعَقْدَ لَوْ بَقِيَ لَبَقِيَ لِتَحْصِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّأْجِيلِ نَجْمَانِ أَيْ شَهْرَانِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ مِنْ الْوَظِيفَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَثَرُ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ كَالْخَبَرِ) وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ) أَيْ رِفْقٍ يُقَالُ رَفَقْت بِهِ وَأَرْفَقْت بِمَعْنًى كَذَا فِي الصِّحَاحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَحَالَةُ الْوُجُوبِ إلَخْ) يَعْنِي الْفَسْخَ لِلْعَجْزِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ إلَّا بِتَوَالِي نَجْمَيْنِ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ قَبْلَ دَلِيلِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى نَجْمٌ صَارَ حَالًّا وَالْعَجْزُ عَنْ الْبَدَلِ الْحَالِّ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الْإِمْهَالِ وَإِبْلَاءِ الْعُذْرِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَوْلَى الْمُدَدِ) أَيْ أَحَقُّ الْآجَالِ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ مَا تَوَافَقَ عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ) أَيْ وَهُوَ النَّجْمُ الثَّانِي فَإِذَا مَضَى الثَّانِي تَحَقَّقَ الْعَجْزُ فَوَجَبَ الْفَسْخُ اهـ كَاكِيٌّ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْبَزْدَوِيِّ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانٌ صَارَ إلَيْهِ تَيْسِيرًا عَلَى الْعَبْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَفِي قَصَصِ الْأَخْيَارِ) فَإِنَّ الْخَضِرَ قَالَ لِمُوسَى بَعْدَ الثَّلَاثَةِ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا اسْتَمْهَلَ ثَلَاثًا يُمْهَلُ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ بِهَذَا الْقَدْرِ مُمْتَنِعًا مِنْ الْأَدَاءِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ أَصْلًا حَيْثُ لَا يُنْتَظَرُ عَلَيْهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ عَجْزُهُ وَالْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِحِلِّيَّتِهِ إلَّا بِأَدَاءِ الْمَالِ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ مِنْ الْمُدَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ تَمَكَّنَ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ بِالْعَقْدِ صَارَ فِي يَدِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُكَاتَبِ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ تَمَكَّنَ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ بِالْأَدَاءِ فَصَارَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا مَاتَ عَاجِزًا مَاتَ عَبْدًا وَتُفْسَخُ الْكِتَابَةُ وَتَفْسِيرُ الْوَفَاءِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ وَلَدًا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِأَنْ يَسْعَى وَيُؤَدِّيَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَيُجْعَلَ أَدَاؤُهُ كَأَدَائِهِ وَيُحْكَمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَتَرَكَ مَالًا بِهِ وَفَاءٌ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْهُ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّة. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ أَوْلَادِهِ) أَيْ الْمَوْلُودِينَ أَوْ الْمُشْتَرَيْنَ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلٌ) أَيْ قَوْلُ عَلِيٍّ وا هـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمَا تَرَكَ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ) أَيْ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُهُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. ا. هـ كَاكِيٌّ

الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ فَبَطَلَ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَثْبُتَ الْعِتْقُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ بَعْدَهُ مُقْتَصِرًا أَوْ مُسْتَنِدًا لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَالشَّيْءُ لَا يَسْبِقُ شَرْطَهُ وَلَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِنُزُولِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إثْبَاتُ قُوَّةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ عَاقِدٌ وَالْعَقْدُ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا بِمَوْتِ الْعَاقِدِ، وَلِأَنَّ الْمَوْلَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَقًا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَبْدُ لَا يَصْلُحُ مُعْتَقًا بَعْدَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِك لَا يَصِحُّ وَلَا إلَى الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ فِي الْحَالِ تَعَذَّرَ اسْتِنَادُهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَثْبُتُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ وَلِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ إثْبَاتُ الْعِتْقِ قَبْلَ شَرْطِهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى فَإِنَّ الْعَقْدَ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَعْتِقُ لِكَوْنِ الْمَيِّتِ أَهْلًا لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا. وَلَنَا أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْمَوْلَى فَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْآخَرِ وَهُوَ الْعَبْدُ كَالْبَيْعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْمُعَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ فَإِذَا جَازَ بَقَاءُ الْعَقْدِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لِحَاجَتِهِ إلَى الْوَلَاءِ وَغَيْرِهِ حَازَ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ إلَى مَقْصُودِهِ وَهُوَ شَرَفُ الْحُرِّيَّةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْمَوْلَى قَبْلَهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ حَتَّى لَوْ عَجَّزَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ يَبْطُلُ، وَاَلَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ الْمَوْلَى لَازِمٌ حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يُبْطِلَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْمَوْتَ أَنْفَى لِلْمَالِكِيَّةِ مِنْهُ لِلْمَمْلُوكِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَجْزِ وَالْمَالِكِيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَالْمَوْتُ أَنْفَى لِلْقُدْرَةِ مِنْهُ لِلْعَجْزِ فَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ مَعَ أَقْوَى الْمُنَافِيَيْنِ فَمَعَ أَدْنَاهُمَا أَوْلَى، أَلَا تَرَى مَمْلُوكِيَّةَ الْعَبْدِ بَاقِيَةً بَعْدَ مَوْتِهِ لِحَاجَتِهِ حَتَّى وَجَبَ الْكَفَنُ عَلَى مَوْلَاهُ. فَكَذَا هُنَا أَيْضًا تَبْقَى الْمَمْلُوكِيَّةُ لِحَاجَتِهِ وَهِيَ أَشْرَفُ بَلْ أَوْلَى لِمَا فِيهَا مِنْ التَّعَدِّي لِلِاتِّبَاعِ كَالْأَوْلَادِ وَأُمَّهَاتِهِمْ أَوْ نَقُولُ لِلْمُكَاتَبِ يَثْبُتُ بِالْكِتَابَةِ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فِي مَكَاسِبِهِ وَبِهَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَتَبْقَى تِلْكَ الْمَالِكِيَّةُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى تَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهِ فَوْقَ حَاجَةِ الْمَوْلَى وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّرْدِيدِ قُلْنَا إنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَ الْبَعْضِ بِأَنْ يُقَدَّرَ حَيًّا قَابِلًا لِلْعِتْقِ كَمَا يُقَدَّرُ الْمَوْلَى حَيًّا مَالِكًا مُعْتِقًا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلِهَذَا يُقَدَّرُ الْمَيِّتُ حَيًّا فِي حَقِّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِ كَتَجْهِيزِهِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَتَنْفِيذِ وَصَايَاهُ وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ إنَّهُ يَعْتِقُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ إمَّا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْأَدَاءِ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْمَوْتِ فَيَسْتَنِدُ الْأَدَاءُ إلَيْهِ فَيَكُونُ أَدَاءً خَلْفَهُ كَأَدَائِهِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ الْأَدَاءُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَالْإِسْنَادُ يَكُونُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ قُلْنَا: نَعَمْ لَكِنْ فِعْلُ النَّائِبِ مُضَافٌ إلَى الْمَنُوبِ عَنْهُ وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ شَرْعِيَّةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ رَمَى صَيْدًا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ صَارَ مَالِكًا لَهُ حَتَّى يُورَثَ عَنْهُ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ وَلَكِنْ لَمَّا صَحَّ السَّبَبُ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ وَتَمَامُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ حِينِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ، فَكَذَا هُنَا لَمَّا كَانَ السَّبَبُ مُنْعَقِدًا وَهُوَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ وَالْعِتْقُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْأَدَاءِ، وَالْأَدَاءُ جَائِزٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْحُكْمُ وَهُوَ وُقُوعُ الْعِتْقِ مِمَّا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ كَالْمِلْكِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ حَكَمْنَا بِعِتْقِهِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِك لَا يَصِحُّ) أَيْ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ عَبْدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَصِحُّ وَيَكُونُ الْمَوْلَى هُوَ الْمُعْتِقَ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَثْبُتُ) أَيْ أَوَّلًا فِي الْحَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ) وَلَا إمْكَانَ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي حَالِ الْمَمَاتِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَكَيْفَ يَسْتَنِدُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ) أَيْ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ) وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْحَاجَةُ إلَى إبْقَاءِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ بِعَرْضِ أَنْ يَصِيرَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ فِي الْبَدَلِ بِعَرْضِ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ الْحَقُّ حَقِيقَةً عِنْدَ الْقَبْضِ، وَالْمُكَاتَبُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْعِتْقِ عَلَى وَجْهٍ يَصِيرُ ذَلِكَ حَقِيقَةً عِنْدَ الْأَدَاءِ ثُمَّ قَبْضُ خَلَفِ الْمَوْلَى يُجْعَلُ كَقَبْضِ نَفْسِهِ وَيُجْعَلُ الْمَوْلَى مُعْتِقًا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ لِحَاجَتِهِ فَكَذَلِكَ يُجْعَلُ أَدَاءُ خَلَفِ الْمَكَاتِبِ كَأَدَائِهِ وَيُجْعَلُ مُعْتِقًا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ لِحَاجَتِهِ بَلْ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ شُرِعَتْ نَظَرًا لِلْمُكَاتَبِ وَرِفْقًا حَتَّى كَانَتْ الْكِتَابَةُ لَازِمَةً مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْفَسْخِ وَشُرِعَتْ غَيْرَ لَازِمَةٍ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْفَسْخِ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ. فَلَمَّا وَجَبَ إبْقَاءُ الْكِتَابَةِ لِحَاجَةِ الْمَوْلَى فَلَأَنْ يَجِبَ إبْقَاؤُهَا لِحَاجَةِ الْمُكَاتَبِ أَوْلَى، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى جَعْلِ الْمَوْلَى مُعْتِقًا بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِهِ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى جَعْلِ الْمُكَاتَبِ مُعْتَقًا بَعْدَ مَوْتِهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فِعْلٌ وَكَوْنُهُ مُعْتِقًا وَصْفٌ وَلَيْسَ بِفِعْلٍ وَالْمَوْتُ يُنَافِي الْأَفْعَالَ وَلَا يُنَافِي الصِّفَاتِ وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ مُعْتِقًا أَنْ يَكُونَ مَالِكًا وَمِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ مُعْتَقًا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا وَالْمَوْتُ أَنْفَى لِلْمَالِكِيَّةِ مِنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَأَنْفَى لِكَوْنِهِ مُعْتِقًا مِنْ كَوْنِهِ مُعْتَقًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَمَادَاتِ تُوصَفُ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ وَلَا تُوصَفُ بِالْمَالِكِيَّةِ فَإِذَا جُعِلَ الْمَوْلَى مُعْتِقًا بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ جَعْلُ الْمُكَاتَبِ مُعْتَقًا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ قِبَلَهُ) أَيْ قِبَلَ الْمُكَاتَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْمَوْلَى بِمَوْتِهِ فَحَقُّ الْمُكَاتَبِ وَإِنَّهُ أَلْزَمُ أَوْلَى أَنْ لَا يَبْطُلَ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ نَقُولُ لِلْمُكَاتَبِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَلِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْأَدَاءِ) أَيْ وَهُوَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْإِسْنَادُ) إنَّمَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَمَاتَ) أَيْ الرَّامِي اهـ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَصَابَهُ) أَيْ ثُمَّ أَصَابَ السَّهْمُ الصَّيْدَ اهـ

آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَإِمَّا بِأَنْ يُقَامَ التَّرْكُ الْمَوْجُودُ مِنْهُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ مَقَامَ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَبَيْنَ الْمَوْلَى وَهُوَ الْأَدَاءُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ. - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا وُلِدَ فِي كِتَابَتِهِ لَا وَفَاءَ سَعَى كَأَبِيهِ عَلَى نُجُومِهَا وَإِذَا أَدَّى حُكِمَ بِعِتْقِهِ وَعِتْقِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ وَكَسْبُهُ كَكَسْبِهِ فَيَخْلُفُهُ فِي الْأَدَاءِ وَصَارَ أَدَاؤُهُ كَأَدَاءِ أَبِيهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً مَعَ الْوَلَدِ وَفِي الْكَافِي لَوْ كَاتَبَ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَوَلَدَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَمَاتَتْ وَبَقِيَ الْوَلَدُ بَقِيَ خِيَارُهُ وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَهَا، وَإِذَا أَجَازَ يَبْقَى الْوَلَدُ عَلَى نُجُومِ أُمِّهِ وَإِذَا أَدَّى عَتَقَتْ الْأُمُّ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهَا وَعَتَقَ وَلَدُهَا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَلَا تَصِحُّ إجَازَةُ الْمَوْلَى وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ الْوَالِدِ فِي الْكِتَابَةِ إذَا كَانَ وَلَدُ الْمُكَاتَبِ وَأُمُّهُ لَمْ تَصِرْ مُكَاتَبَةً بَعْدُ وَلَهُمَا أَنَّ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ فَائِدَةً بِأَنْ يُجِيزَهُ الْمَوْلَى وَيَقُومُ الْوَلَدُ مَقَامَهَا وَيَنْفُذُ الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْأُمِّ بِنَفَاذِهِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ ثُمَّ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الِانْعِقَادِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَرَكَ وَلَدًا مُشْتَرًى عَجَّلَ الْبَدَلَ حَالًّا أَوْ رُدَّ رَقِيقًا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يُؤَدِّيهِ عَلَى نُجُومِهِ؛ لِأَنَّهُ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ فَيَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ كَالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَتِهِ حَتَّى جَازَ لِلْمَوْلَى إعْتَاقُهُ كَمَا يَجُوزُ إعْتَاقُ الْمُكَاتَبِ نَفْسَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ أَكْسَابِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ إعْتَاقَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَجَلَ يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ تَحْتَ الْعَقْدِ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ إلَيْهِ الْعَقْدَ وَلَمْ يَسْرِ حُكْمُهُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُنْفَصِلًا عَنْهُ وَقْتَ الْكِتَابَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِفَوَاتِ الْمَتْبُوعِ، وَلَكِنْ إذَا عَجَّلَ وَأَعْطَى مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ كَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مَاؤُهُ بَعْدَ الْمُكَاتَبَةِ فَيَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ وَيَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى ابْنَهُ الْمَوْلُودَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ مِنْ امْرَأَةٍ لَهُ أَمَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَائِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فَمَاتَ وَتَرَك وَفَاءً وَرِثَهُ ابْنُهُ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ حُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيَتْبَعُهُ وَلَدُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونَانِ حُرَّيْنِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ مَاتَ حُرًّا عَنْ ابْنٍ حُرٍّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا لَوْ كَانَ هُوَ وَابْنُهُ مُكَاتَبَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً) يَعْنِي يَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِذَا حُكِمَ بِعِتْقِ أَحَدِهِمَا فِي وَقْتٍ حُكِمَ بِعِتْقِ الْآخَرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ضَرُورَةَ اتِّحَادِ الْعَقْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَصِيرُ حُرًّا مَاتَ عَنْ ابْنٍ حُرٍّ وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ حُرًّا وَمَوْلُودًا فِي الْكِتَابَةِ وَمُكَاتَبًا مَعَهُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَوَصِيًّا يَرِثُهُ أَوْلَادُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ الْعُرُوضِ دُونَ الْعَقَارِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعُرُوضِ مِنْ الْحِفْظِ دُونَ الْعَقَارِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَلَوْ مَاتَ الْحُرُّ قَبْلَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ لَا يَرِثَانِهِ؛ لِأَنَّ إرْثَهُ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ كِتَابَةِ أَبِيهِ فَلَا يَظْهَرُ الْإِسْنَادُ فِي حَقِّهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَرَكَ وَلَدًا مِنْ حُرَّةٍ وَدَيْنًا فِيهِ وَفَاءٌ بِمُكَاتَبَتِهِ فَجَنَى الْوَلَدُ فَقُضِيَ بِهِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مَقَامَ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَبَيْنَ الْمَوْلَى) فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ بَعْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فِي حَيَاتِهِ يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَلَوْ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ، قُلْنَا: ثَبَتَتْ الْحُرِّيَّةُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ لِضَرُورَةِ حَاجَتِهِ إلَيْهَا وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يُعَدُّ وَمَوْضِعُهَا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ إحْصَانِهِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ مَعَ أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَالْحُرِّيَّةُ هُنَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَمَا ثَبَتَ بِالِاسْتِنَادِ ثَبَتَ مِنْ وَجْهٍ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي لَوْ كَاتِبْ أَمَتَهُ إلَخْ) وُضِعَ فِي خِيَارِ الْمَوْلَى إذْ فِي خِيَارِ الْأَمَةِ مَوْتُهَا بِمَنْزِلَةِ قَبُولِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يُورَثُ مِنْ الْحُرِّ فَكَيْفَ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ لَكِنَّهَا كَمَا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ وَعَجَزَتْ عَنْ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ سَقَطَ خِيَارُهَا مِنْ الْحَقَائِقِ اهـ ابْنُ فِرِشْتَا. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ) أَيْ تَبَعًا اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي كِتَابَتِهِ) أَيْ عَلَى حُكْمِ أَبِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ حُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ) أَيْ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْإِعْتَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كِتَابَةٌ وَاحِدَةٌ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُكَاتَبَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ لَا يَرِثُهُ ابْنُهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْمَحْبُوبِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَقْصُودًا بِالْكِتَابَةِ فَإِنَّمَا يَعْتِقُ مِنْ وَقْتِ أَدَاءِ الْبَدَلِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْنَادَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهِ هَاهُنَا فَكَانَ عَبْدًا عِنْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَلَا يَرِثُهُ اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ تَرَكَ وَلَدًا مِنْ حُرَّةٍ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ وَتَرَكَ وَلَدًا حُرًّا فَهُوَ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ مَا لَمْ يَخْرُجْ الدَّيْنُ فَتُؤَدِّي الْمُكَاتَبَةُ، فَإِذَا أَدَّيْت رَجَعَ وَلَاءُ الْوَلَدِ إلَى مَوَالِي الْأَبِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ بِمَا عَقَلُوا عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّيْنِ فَاخْتَصَمَ مَوَالِي الْأَبِ وَمَوَالِي الْأُمِّ فِي مِيرَاثِهِ فَقَضَى بِهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فَإِنْ خَرَجَ الدَّيْنُ كَانَ مِيرَاثًا لِلْمَوْلَى عَنْ عَبْدِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَرَّرَ الْقَاضِي حُكْمَ الْكِتَابَةِ حَيْثُ قَضَى بِالْعَقْلِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ مِنْ مَوَالِي الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ بَعْدُ وَالْقَضَاءُ بِتَقْرِيرِ حُكْمِ الْكِتَابَةِ لَا يَكُونُ قَضَاءً بِفَسْخِهَا وَلَكِنْ إلْحَاقُ الْوَلَاءِ بِمَوَالِي الْأُمِّ لَا بِسَبِيلِ الِاسْتِقْرَارِ بَلْ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَعْتِقَ الْأَبُ فَيَجُرَّ الْوَلَاءَ إلَى مَوَالِيهِ. فَإِذَا خَرَجَ الدَّيْنُ وَأُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ انْتَقِلْ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ وَلَمْ يَرْجِعْ مَوَالِي الْأُمِّ بِمَا عَقَلُوا عَلَى مَوَالِي الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ وَأَمَّا إذَا مَاتَ الِابْنُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ فَاخْتَصَمَ مَوَالِي الْأَبِ وَمَوَالِي الْأُمِّ فِي مِيرَاثِهِ فَقَضَى الْقَاضِي بِالْوَلَاءِ لِمَوَالِي الْأُمِّ كَانَ ذَلِكَ قَضَاءً فَسْخًا لِلْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ خُصُومَتَهُمْ وَقَعَتْ فِي بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَانْتِقَاضِهَا وَلَا يَسْتَقِرُّ الْوَلَاءُ لِأَحَدِ الْمَوْلَيَيْنِ إلَّا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ إنْ بَقِيَتْ وَأُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ وَعَتَقَ الْأَبُ كَانَ الْوَلَاءُ لِمَوَالِيهِ وَإِنْ انْتَقَضَتْ كَانَ لِمَوَالِي الْأُمِّ فَمَوَالِي الْأُمِّ يَقُولُونَ انْتَقَضَتْ حَيْثُ

عَاقِلَةِ الْأُمِّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَضَاءً بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ اخْتَصَمَ مَوَالِي الْأُمِّ وَمَوَالِي الْأَبِ فِي وَلَائِهِ فَقَضَى بِهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ فَهُوَ قَضَاءٌ بِالْعَجْزِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ قَضِيَّةِ قِيَامِ الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ وَإِنْ تَرَكَ مَالًا وَهُوَ الدَّيْنُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ إلَّا عِنْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَكَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا قَضَى بِهَا الْقَاضِي عَلَيْهِمْ كَانَ الْقَضَاءُ تَقْرِيرًا لِلْكِتَابَةِ فَتَبْقَى الْكِتَابَةُ عَلَى حَالِهَا، فَإِذَا أَدَّى بَعْدَ ذَلِكَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَظَهَرَ لِلِابْنِ وَلَاءٌ فِي جَانِبِ الْأَبِ فَيَنْجَرُّ إلَيْهِ وَلَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ لَا يَثْبُتُ مِنْ قَوْمِ الْأُمِّ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ إثْبَاتِهِ مِنْ قَوْمِ الْأَبِ حَتَّى لَوْ ارْتَفَعَ الْمَانِعُ مِنْ إثْبَاتِهِ مِنْهُ بِأَنْ أَكْذَبَ الْمَلَاعِنُ نَفْسَهُ يَعُودُ النَّسَبُ إلَيْهِ، فَكَذَا الْوَلَاءُ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ فِي نَفْسِ الْوَلَاءِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِكَوْنِ الْوَلَاءِ لِمَوَالِي الْأُمِّ إذْ الْخُصُومَةُ وَقَعَتْ فِي الْوَلَاءِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْقَضَاءُ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ. وَإِنَّمَا يَتَعَذَّرُ إثْبَاتُهُ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ إذْ لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ مِنْ جَانِبِهِ بِالْأَدَاءِ وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْقَضَاءُ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْضِي بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى غَيْرِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَالْكَفِيلِ وَالْقَضَاءُ بِالْوَلَاءِ لِمَوَالِي الْأُمِّ يَتَضَمَّنُ الْقَضَاءُ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الْوِلَاءَانِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ فَسْخًا لَهَا يَلْزَمُ الْحُكْمُ بِحُرِّيَّتِهِ إذَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا صَارَ حُرًّا فِي آخِرِ حَيَاتِهِ انْتَقَلَ وَلَاءُ الْوَلَدِ إلَيْهِ وَانْتُقِضَ الْقَضَاءُ وَهُوَ يَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ النَّقْضِ فَلَا يُفْسَخُ إذَا صَادَفَ مَحَلًّا مُجْتَهَدًا فِيهِ، وَالْحُكْمُ بِالْإِرْثِ مِنْ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ كَالْحُكْمِ بِالْوَلَاءِ لَهُمْ حَتَّى تَنْفَسِخَ بِهِ الْكِتَابَةُ وَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ فَأَدَّيْت الْكِتَابَةُ أَوْ عَنْ وَلَدٍ فَأَدَّاهَا، وَأَمَّا إذَا مَاتَ لَا عَنْ وَفَاءٍ وَلَا عَنْ وَلَدٍ فَاخْتَلَفُوا فِي بَقَاءِ الْكِتَابَةِ، قَالَ الْإِسْكَافُ تَنْفَسِخُ حَتَّى لَوْ تَطَوَّعَ إنْسَانٌ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَنْفَسِخُ مَا لَمْ يُقْضَ بِعَجْزِهِ حَتَّى لَوْ تَطَوَّعَ بِهِ إنْسَانٌ عَنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ جَازَ وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَعَجَزَ طَابَ لِسَيِّدِهِ)؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَبَدَّلَ وَتَبَدُّلُ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَصَارَ كَعَيْنٍ آخَرَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ» وَلَنَا هَدِيَّةٌ قَالَ ذَلِكَ حِينَ أَهْدَتْ إلَيْهِ وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً وَصَارَ كَالْفَقِيرِ يَمُوتُ عَنْ صَدَقَةٍ أَخَذَهَا يَطِيبُ ذَلِكَ لِوَارِثِهِ الْغَنِيِّ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا إذَا اسْتَغْنَى الْفَقِيرُ يَطِيبُ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ حَالَةَ فَقْرِهِ وَكَذَا ابْنُ السَّبِيلِ إذَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ ثُمَّ وَصَلَ إلَى مَالِهِ وَفِي يَدِهِ الصَّدَقَةُ تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ عَلَى الْغَنِيِّ ابْتِدَاءً الْأَخْذِ لِمَا فِيهِ مِنْ الذُّلِّ فَلَا يُرَخَّصُ لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِذَا أَخَذَهُ فِي حَالَةِ الْفَقْرِ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الِاسْتِدَامَةُ فَيَطِيبُ لَهُ، وَلَوْ أَبَاحَ الْفَقِيرُ لِلْغَنِيِّ أَوْ الْهَاشِمِيِّ عَيْنَ مَا أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتَبَدَّلْ وَنَظِيرُهُ الْمُشْتَرِي إذَا اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا لَا يَطِيبُ بِالْإِبَاحَةِ. وَلَوْ مَلَكَهُ يَطِيبُ وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ الْأَدَاءِ إلَى الْمَوْلَى يَطِيبُ لِلْمَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِلَا إشْكَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عِنْدَهُ إذَا عَجَزَ يَمْلِكُ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ مِلْكًا مُبْتَدَأً حَتَّى تُنْتَقَضَ إجَارَتُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَطِيبُ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى أَكْسَابَهُ مِلْكًا مُبْتَدَأً وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ فِيهِ نَوْعُ مِلْكٍ فَيَتَأَكَّدُ بِالْعَجْزِ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ وَلِهَذَا لَا تُنْتَقَضُ إجَارَةُ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ بِالْعَجْزِ كَمَا فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطِيبُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ ابْتِدَاءُ الْأَخْذِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ ـــــــــــــــــــــــــــــQاعْتَقَدُوا أَنَّ الْمُكَاتَبَ مَاتَ عَبْدًا وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ وَمَوَالِي الْأَبِ يَقُولُونَ بَقِيَتْ حَيْثُ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمُكَاتَبَ مَاتَ حُرًّا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَانْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَيْنَا بِحُرِّيَّتِهِ ثُمَّ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْوَلَاءِ لِمَوَالِي الْأُمِّ وَقَعَ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ فَكَانَ الْقَضَاءُ تَعْجِيزًا ثُمَّ إذَا خَرَجَ الدَّيْنُ كَانَ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَوَالِي الْأَبِ فِي وَلَائِهِ) أَيْ فِي إرْثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ») وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْخَبَثَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ لَا لِعَيْنِ الْمَالِ فَكَانَ الْخَبَثُ فِي الْجِهَةِ فَلَمْ يَبْقَ مَعْنَى الْوَسَخِ بِتَبَدُّلِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَتَنَاوَلُهُ بِجِهَةٍ غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي تَنَاوَلَهُ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُهُ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ لَا عَلَى أَنَّهُ صَدَقَةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً) كَذَا هُوَ فِي عِبَارَةِ النِّهَايَةِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ كَانَتْ حُرَّةً حِينَئِذٍ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ وَالْحَلُّ بَعْدَ التَّبَدُّلِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ النَّبَوِيَّةُ إلَيْهِ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ مَعَ أَنَّ بَرِيرَةَ كَانَتْ مُكَاتَبَةً اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتَبَدَّلْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ يَتَنَاوَلُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ الْمُشْتَرِي إذَا اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا) أَيْ إذَا أَبَاحَهُ لِلْغَيْرِ اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَطِيبُ بِالْإِبَاحَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى طَعَامًا مَأْكُولًا بَيْعًا فَاسِدًا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ وَإِنْ أَبَاحَهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَحِلَّ لِلْمُبَاحِ لَهُ أَيْضًا، فَإِنْ بَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ وَهَبَهُ يَحِلُّ لِلثَّانِي لِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ فَكَذَا هَذَا قِيَاسًا عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَبْسُوطِ فَبِالْعَجْزِ لَمْ يَبْطُلْ الْأَدَاءُ السَّابِقُ فَلَمْ يَبْطُلْ مَا تَعَلَّقَ بِهِ أَيْضًا فَحَلَّ لِلْمَوْلَى تَنَاوُلُهُ هَذَا إذَا عَجَزَ بَعْدَ الْأَدَاءِ، فَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَفِي يَدِهِ صَدَقَاتٌ مِنْ الزَّكَاةِ هَلْ يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ لِلْمَوْلَى إذَا كَانَ غَنِيًّا أَوْ هَاشِمِيًّا لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ فِي آخَرِ ضَمَانِ الْمُكَاتَبِ مِنْ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ يَحِلُّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَتَّى تَنْتَقِضَ إجَارَتُهُ) أَيْ لَوْ آجَرَ شَيْئًا مِنْ أَكْسَابِهِ ثُمَّ عَجَزَ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِذَلِكَ أَوْجَبْت نَقْضَ الْإِجَازَةِ إذَا آجَرَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ ظِئْرًا ثُمَّ عَجَزَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَدَّى ثُمَّ عَجَزَ اهـ أَتْقَانِيٌّ

لِلْحَاجَةِ وَحَرُمَ عَلَى الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ فِيهِ وَكَذَا عَلَى الْهَاشِمِيِّ صِيَانَةً لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَوْلَى الْأَخْذُ فَصَارَ كَابْنِ السَّبِيلِ وَصَلَ إلَى مَالِهِ أَوْ فَقِيرٍ اسْتَغْنَى وَفِي يَدِهِ مَا أَخَذَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَذَا هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَنَى عَبْدٌ فَكَاتَبَهُ سَيِّدُهُ جَاهِلًا بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ (فَعَجَزَ دَفَعَ أَوْ فَدَى) يَعْنِي الْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدُ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَاتَبَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِالْمُكَاتَبَةِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَقَدْ امْتَنَعَ الدَّفْعُ بِفِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ أَوْ بَاعَهُ بَعْدَ مَا جَنَى مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَلَمْ يَنْتَقِلْ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مِنْ الْعَبْدِ إلَى الْقِيمَةِ، فَإِذَا عَجَزَ زَالَ الْمَانِعُ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ عَلَى الْقَاعِدَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا إنْ جَنَى مُكَاتَبٌ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ فَعَجَزَ) يَعْنِي حُكْمُهُ كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ صَارَ قِنًّا وَجِنَايَةُ الْقِنِّ يُخَيَّرُ فِيهِ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَبْلَ أَنْ يَعْجِزَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ مُتَعَذِّرٌ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ الْمَوْلَى وَمُوجِبُ الْجِنَايَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الدَّفْعِ يَجِبُ عَلَى مَنْ يَكُونُ لَهُ الْكَسْبُ، أَلَا تَرَى أَنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ تُوجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ لِمَا أَنَّهُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَضَى بِهِ عَلَيْهِ فِي كِتَابَتِهِ فَعَجَزَ فَهُوَ دَيْنٌ بِيعَ فِيهِ) أَيْ إنْ قَضَى بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ وَهُوَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ يُبَاعُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ. وَهَذَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا يُبَاعُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ مَوْجُودٌ وَقْتَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُوجَبَهُ الْقِيمَةَ وَلَا يَتَغَيَّرُ كَجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ الدَّفْعُ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الدَّفْعِ وَالْمَانِعُ هُنَا مُتَرَدِّدٌ لِاحْتِمَالِ انْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَثْبُتُ الِانْتِقَالُ عَنْ الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالصُّلْحِ عَنْ الرِّضَا أَوْ بِالْمَوْتِ عَنْ الْوَفَاءِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمَغْصُوبِ إذَا أَبَقَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ إلَّا بِالْقَضَاءِ حَتَّى إذَا رَجَعَ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَكُونُ لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ يَكُونُ لِلْغَاصِبِ، وَكَذَا الْمَبِيعُ إذَا أَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ إلَّا بِالْقَضَاءِ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَقُومُ مَقَامَهُ وَلِهَذَا يَبْقَى الْبَيْعُ إذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ الْفَسْخَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ)؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ كَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالدَّيْنِ وَكَالْأَجَلِ فِيهِ إذَا مَاتَ الطَّالِبُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤَدَّى الْمَالُ إلَى وَرَثَتِهِ عَلَى نُجُومِهِ)؛ لِأَنَّ النُّجُومَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّهُ أَجَلٌ وَهُوَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ فَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الطَّالِبِ كَالْأَجَلِ فِي الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمَطْلُوبُ حَيْثُ يَبْطُلُ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ خَرِبَتْ وَانْتَقَلَ الدَّيْنُ إلَى التَّرِكَةِ وَهِيَ عَيْنٌ، هَذَا إذَا كَاتَبَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَوْ كَاتَبَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَالِاخْتِلَافَ فِيهِ مِنْ قَبْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرُوهُ عَتَقَ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ عَتَقَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَعْتِقَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ بِسَائِرِ الْأَسْبَابِ فَكَذَا بِالْإِرْثِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِلْإِنَاثِ مِنْهُمْ الْوَلَاءُ فِيهِ، وَلَوْ مَلَكُوهُ لَكَانَ لَهُمْ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا يُجْعَلُ إبْرَاءً عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ حَقُّهُمْ وَقَدْ جَرَى فِيهِ الْإِرْثُ فَيَكُونُ الْإِعْتَاقُ مِنْهُمْ إبْرَاءً اقْتِضَاءً أَوْ إقْرَارًا بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَعْتِقُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كُلِّهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُعْتِقُوهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْضُهُمْ فِي مَجْلِسٍ وَأَعْتَقَهُ الْآخَرُونَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَمْ يَعْتِقْ، وَقِيلَ يَعْتِقُ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَاقُونَ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرَهُ بَعْضٌ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ لَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ إبْرَاءٌ وَلَا إقْرَارٌ بِالِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْبَعْضِ أَوْ اسْتِيفَاءَهُ لَا يُوجِبُ عِتْقَهُ لِتَعَذُّرِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ فَيَبْطُلُ الْمُقْتَضَى وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا اقْتِضَاءً فَإِذَا بَطَلَ الْمُقْتَضِي لِلْإِبْرَاءِ بَطَلَ الْمُقْتَضَى أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِهِ وَبُطْلَانُ الْمُقْتَضِي يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمُقْتَضَى بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ) أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِجِنَايَتِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا قَتَلَ) أَيْ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي إمْضَاءَ الْبَيْعِ. اهـ. .

[كتاب الولاء]

يُجْعَلَ عِبَارَةً عَمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْعِتْقُ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَلِ أَوْ الْإِقْرَارُ بِالِاسْتِيفَاءِ لِلْكُلِّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَبْرَءُوهُ جَمِيعًا أَوْ أَقَرُّوا بِالِاسْتِيفَاءِ عَتَقَ وَلَوْ أَبْرَأَهُ بَعْضُهُمْ أَوْ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ لَا يَعْتِقُ وَكَذَا لَوْ قَبَضَ نَصِيبَ الْكُلِّ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا أَجَازُوا قَبْضَهُ أَوْ قَبَضَهُ بِأَمْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ لَمْ يَبْرَأْ عَنْ نَصِيبِ غَيْرِ الْقَابِضِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوا الْمُكَاتَبَ بِهِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَوْلَى وَصِيٌّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لَا يَعْتِقُ بِقَبْضِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْقَبْضَ وَيَعْتِقُ بِقَبْضِ الْوَصِيِّ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَيَعْتِقُ بِقَبْضِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ أَوْصَى بِمَالِ الْكِتَابَةِ لِرَجُلٍ فَسَلَّمَهُ الْمُكَاتَبُ إلَيْهِ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [كِتَابُ الْوَلَاءِ] (كِتَابُ الْوَلَاءِ) هُوَ مِنْ الْوَلْيِ بِمَعْنَى الْقُرْبِ فَهِيَ قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ الْعِتْقِ أَوْ مِنْ الْمُوَالَاةِ هَذَا فِي اللُّغَةِ يُقَالُ وَلِيَ الشَّيْءُ الشَّيْءَ إذَا حَصَلَ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ سُمِّيَ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ وَالْمُوَالَاةِ بِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَهُوَ الْإِرْثُ يَقْرَبُ وَيَحْصُلُ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ أَوْ مِنْ الْمُوَالَاةِ وَهُوَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْوَلَايَةِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ النُّصْرَةُ وَالْمَحَبَّةُ إلَّا أَنَّهُ اخْتَصَّ فِي الشَّرْعِ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ التَّنَاصُرِ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ أَوْ بِوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَمِنْ آثَارِ التَّنَاصُرِ الْإِرْثُ وَالْعَقْلُ بِسَبَبِ هَذَا الْوَلَاءِ الْإِعْتَاقُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَالْأَصَحُّ أَنَّ سَبَبَهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ وَلَا يُقَالُ وَلَاءُ الْإِعْتَاقِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ بِالسَّبَبِيَّةِ وَلِأَنَّ مَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ كَانَ مَوْلًى وَلَا إعْتَاقَ مِنْ جِهَتِهِ وَالْحَدِيثُ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ عَلَى الْمِلْكِ هُوَ السَّبَبُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُوجَدُ عِنْدَ الْإِعْتَاقِ لَا مَحَالَةَ وَتَخْصِيصُهُ بِهِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَوْ بِتَدْبِيرٍ وَكِتَابَةٍ وَاسْتِيلَادٍ وَمُلْكٍ قَرِيبٍ) لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَلِأَنَّ الرَّقِيقَ هَالِكٌ حُكْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْإِحْيَاءِ نَحْوِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالْمِلْكِ فِي الْأَمْوَالِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ إحْيَاءً لَهُ لِثُبُوتِ أَحْكَامِ الْإِحْيَاءِ بِهِ كَالْإِحْيَاءِ بِالْإِيلَادِ فَيَرِثُ بِهِ كَمَا يَرِثُ الْأَبُ مِنْ وَلَدِهِ، وَلِهَذَا سُمِّيَ وَلَاءَ نِعْمَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَنْعَمَ عَلَيْهِ حَيْثُ أَحْيَاهُ حُكْمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] أَيْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْهُدَى وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ وَلِأَنَّهُ يَعْقِلُ عَنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَرِثَهُ؛ لِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا كَالرَّجُلِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْءٌ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ» الْحَدِيثَ. وَرُوِيَ «أَنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ أَعْتَقَتْ عَبْدًا لَهَا وَمَاتَ عَنْ بِنْتٍ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِصْفَ مَالِهِ لِبِنْتِهِ وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِبِنْتِ حَمْزَةَ» وَلِأَنَّهَا أَحْيَتْهُ حُكْمًا فَتَرِثُهُ كَالرَّجُلِ وَلَوْ أَعْتَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَلَّاهُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا خَرَجَا إلَيْنَا مُسْلِمَيْنِ لَا يَرِثُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ وَيَرِثُهُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابُ الْوَلَاءِ) إيرَادُ كِتَابِ الْوَلَاءِ عَقِيبَ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ ظَاهِرُ التَّنَاسُبِ لِمَا أَنَّ الْوَلَاءَ مِنْ آثَارِ التَّكَاتُبِ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ اخْتَصَّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي الشَّرِيعَةِ يُرَادُ بِهِ الْقَرَابَةُ الْحَاصِلَةُ بِسَبَبِ الْعِتْقِ أَوْ بِسَبَبِ الْمُوَالَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ») رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَائِشَةَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ التَّنَاصُرَ يَحْصُلُ بِالْإِعْتَاقِ وَلِهَذَا يَعْقِلُ عَنْ الْمُعْتَقِ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ عَاقِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلُ نُصْرَتِهِ. وَلِهَذَا لَوْ كَانَ قَوْمٌ يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِرْفَةِ كَانَ عَاقِلَتُهُمْ أَهْلَ الْحِرْفَةِ وَمَنْ لَا قَرَابَةَ لَهُ يَنْتَصِرُ بِمَوْلَاهُ وَبِعَصَبَةِ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ مَوَالِيهِ مَوْلَاهُ وَعَصَبَتُهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إحْيَاءٌ مَعْنَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الرِّقِّ الَّذِي هُوَ جَزَاءُ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ وَالْكُفْرُ مَوْتٌ مَعْنًى فَكَانَ فِي الْإِعْتَاقِ إزَالَةُ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الْمَعْنَوِيُّ فَيَكُونُ الْإِعْتَاقُ إحْيَاءً مَعْنَوِيًّا وَالنَّسَبُ إحْيَاءٌ حَقِيقِيٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا نَسَبَ لَهُ كَوَلَدِ الزِّنَا لَا يَبْقَى حَيًّا غَالِبًا لِعَدَمِ مَنْ يُرَبِّيهِ إذْ لَا أَبَ لَهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْأُمِّ قُوَّةُ التَّرْبِيَةِ لِضَعْفِ بِنْيَتِهَا فَكَانَ النَّسَبُ إحْيَاءً حَقِيقِيًّا ثُمَّ بِالنَّسَبِ الَّذِي هُوَ الْإِحْيَاءُ الْحَقِيقِيُّ كَالْوِلَادِ مَثَلًا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ أَصْلِ الْإِرْثِ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ بِالْإِحْيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي هُوَ الْإِعْتَاقُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» إلَّا أَنَّ الْإِرْثَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرَحَ الْكَافِي: وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ سَبَبُ هَذَا الْوَلَاءِ الْإِعْتَاقُ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ مَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ كَانَ مَوْلَى وَلَا إعْتَاقَ هَاهُنَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ سَبَبَهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى سَبَبِهِ يُقَالُ وَلَاءُ الْعَتَاقِ وَلَا يُقَالُ وَلَاءُ الْإِعْتَاقِ اهـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ عَلَى مِلْكِهِ أَيْ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ اهـ. (قَوْلُهُ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ) أَيْ وَهُوَ زَيْدٌ وَكَانَ عَبْدًا لِخَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَوَهَبَتْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَهُ اهـ أَتَّقَانِي (قَوْلُهُ وَلَوْ أَعْتَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَلَّاهُ) أَمَّا إذَا لَمْ يُخَلِّهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِهِ أَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَالْعَبْدُ عِنْدَهُ فَهُوَ مِلْكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ السِّيَرِ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ اهـ

بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى فَيَكُونُ لِعَصَبَتِهِ الذُّكُورِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْإِرْثِ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ أَوْ بِشِرَائِهِ وَأَعْتَقَهُ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَوْتِهِ لِانْتِقَالِ فِعْلِ الْوَصِيِّ إلَيْهِ وَكَذَا يَعْتِقُ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُمْ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَرْطُ السَّائِبَةِ لَغْوٌ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَرِثَهُ كَانَ الشَّرْطُ لَغْوًا لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرِثُهُ كَمَا فِي النَّسَبِ إذَا شَرَطَ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَعْتَقَ حَامِلًا مِنْ زَوْجِهَا الْقِنِّ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاءُ الْحَمْلِ عَنْ مَوْلَى الْأُمِّ أَبَدًا)؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ عَتَقَ بِعِتْقِ أُمِّهِ وَعَتَقَتْ أُمُّهُ مَقْصُودًا فَكَذَا هُوَ يَعْتِقُ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْأُمِّ وَالْمَوْلَى أَوْقَعَ الْإِعْتَاقَ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا مَقْصُودًا فَيَكُونُ لِلْجَنِينِ وَالْوَلَاءُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْمُعْتِقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَإِنَّمَا يُعْرَفُ كَوْنُ الْحَمْلِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعِتْقِ بِأَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ لِتَيَقُّنِنَا وَقْتَ الْعِتْقِ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرَ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَبَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعِتْقِ وَتَيَقَّنَّا أَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ حَمَلَتْ بِهِمَا جُمْلَةً لِعَدَمِ تَخَلُّلِ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا تَنَاوَلَ الْأَوَّلَ الْإِعْتَاقُ تَنَاوَلَ الْآخَرَ الْإِعْتَاقُ أَيْضًا ضَرُورَةً فَصَارَ مُعْتِقًا لَهُمَا وَالْوَلَاءُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْمُعْتِقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأُمِّ)؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْؤُهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَكَذَا فِي الْوَلَاءِ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهِ تَبَعًا لِلْأَبِ لِرِقِّهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ) وَهُوَ الْأَبُ (جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى مَوَالِيهِ)؛ لِأَنَّ مَوْلَى الْأُمِّ لَمْ يُعْتِقْ الْوَلَدَ هُنَا لِحُدُوثِهِ بَعْدَ إعْتَاقِهَا وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَيْهِ الْوَلَدُ تَبَعًا لِلْأُمِّ لِتَعَذُّرِ نِسْبَتِهِ إلَى الْأَبِ، فَإِذَا أَعْتَقَ الْأَبُ أَمْكَنَ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ فَجَعْلُهُ تَبَعًا لَهُ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ تَبَعًا لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَالنَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ فَكَذَا الْوَلَاءُ فَيَنْتَقِلُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ إذَا زَالَ الْمَانِعُ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ الْأُمِّ ثُمَّ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْأَبِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً، فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ إلَى مَوْلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ عِتْقِ الْأُمِّ لِثُبُوتِ نِسْبَةِ الْعُلُوقِ إلَى مَا قَبْلَ الْعِتْقِ بَلْ قَبْلَ الْفِرَاقِ وَلِهَذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ فَصَادَفَهُ الْإِعْتَاقُ ضَرُورَةً فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى مَوْلَى الْأَبِ. وَالْأَصْلُ فِي جَرِّ الْوَلَاءِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ فَوَلَدَتْ عَتَقَ الْوَلَدُ بِعِتْقِهَا فَإِذَا أُعْتِقَ أَبُوهُ جَرَّ الْوَلَاءَ وَمَا رُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ أَبْصَرَ فِتْيَةً لُعْسًا بِخَيْبَرَ فَأَعْجَبَهُ ظُرْفُهُمْ وَأُمُّهُمْ مَوْلَاةٌ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأَبُوهُمْ عَبْدٌ لِبَعْضِ الْحُرْقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ لِبَعْضِ أَشْجَعَ فَاشْتَرَى الزُّبَيْرُ أَبَاهُمْ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ قَالَ انْتَسِبُوا إلَيَّ وَقَالَ رَافِعٌ بَلْ هُمْ مُوَالِيَّ فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَضَى بِالْوَلَاءِ لِلزُّبَيْرِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ الْأُمِّ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَلَاءٌ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ وَلَاءٌ بِالْعِتْقِ جَرَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَيْهِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا تَزَوَّجَتْ مُعْتَقَةٌ بِعَبْدٍ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَجَنَى الْأَوْلَادُ فَعَقْلُهُمْ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُمْ عَتَقُوا تَبَعًا لِأُمِّهِمْ، وَلَا عَاقِلَةَ لِأَبِيهِمْ وَلَا مَوَالِيَ فَأُلْحِقُوا بِمَوَالِي الْأُمِّ ضَرُورَةً كَمَا فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ جَرَّ وَلَاءَ الْأَوْلَادِ إلَى نَفْسِهِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ بِمَا عَقَلُوا بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ إذَا عَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ الْأُمِّ ثُمَّ أَكْذَبَ الْمَلَاعِنُ نَفْسَهُ حَيْثُ يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ لَا مِنْ وَقْتِ الْإِكْذَابِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ وَلَدَ الشَّخْصِ فِي وَقْتٍ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ وَلَدًا لِغَيْرِهِ وَبِالْإِكْذَابِ يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ عَقْلَهُ كَانَ عَلَى قَوْمِ أَبِيهِ وَقَدْ أَجْبَرَ قَوْمٌ الْأُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَكُونُ لِعَصَبَتِهِ الذُّكُورِ) أَيْ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ كَمَا يَأْتِي فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْفَصْلِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشَرْطُ سَائِبَةٍ لَغْوٌ) قَالَ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بَعْدَ عِتْقِهَا) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُتُونِ. اهـ. . (قَوْلُهُ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ») لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هَكَذَا فِي الْأَصْلِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَسَّرَ فِي الْجَمْهَرَةِ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ اللُّحْمَةَ بِالْقَرَابَةِ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ أَيْ تَشَابُكٌ وَوُصْلَةٌ كَوُصْلَةِ النَّسَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي جَرِّ الْوَلَاءِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ إلَخْ) هَذَا الْأَثَرُ الَّذِي عَنْ عُمَرَ ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ فَقَالَ لِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ فَوَلَدَتْ عَنَقَ الْوَلَدُ بِعِتْقِهَا فَإِذَا أَعْتَقَ أَبُوهُمْ جَرَّ الْوَلَاءَ اهـ. (قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ) كَتَبَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي نُسْخَتِهِ عَلَى الْهَامِشِ بِإِزَاءِ قَوْلِهِ الْحُرَّةُ الْأَمَةُ وَكَتَبَ فَوْقَهَا ظَاءً وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ وَلَفْظُ عُمَرَ كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ الْحُرَّةُ كَمَا نَقَلْته فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ نَقْلًا عَنْ الْأَتْقَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَعَلَّ مَنْشَأَ تَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ الْأَمَةُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ عِتْقٍ بِعِتْقِهَا فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْأُمَّ حَدَثَ فِيهَا عِتْقٌ لَكِنَّا نَقُولُ لَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ تَابِعَةٌ لِحُرِّيَّةِ الْأُمِّ، فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ حُرَّةً كَانَ وَلَدُهَا كَذَلِكَ تَبَعًا لَهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْحُرَّةُ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ الْحُرَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا رُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ أَبْصَرَ) أَيْ بِحُنَيْنٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَبُوهُمْ عَبْدٌ لِبَعْضِ الْحُرَقَةَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْقَافِ لَقَبٌ لِبَطْنٍ مِنْ جُهَيْنَةَ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

عَلَى الْأَدَاءِ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ بِهِ وَفِي الْوَلَاءِ حِينَ عَقَلَ قَوْمُ الْأُمِّ كَانَ ثَابِتًا لَهُمْ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِقَوْمِ الْأَبِ مُقْتَصَرًا عَلَى زَمَانِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْعِتْقُ مُقْتَصَرٌ عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُونَ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَجَمِيٌّ تَزَوَّجَ مُعْتَقَةً فَوَلَدَتْ فَوَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوَالِيهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ وَلَاءُ الْمُعَاقَدَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حُكْمُ الْوَلَدِ حُكْمُ أَبِيهِ فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ فِيمَا إذَا وَالَى أَحَدًا أَوْ لَمْ يُوَالِ، وَلَا يَكُونُ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ إلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ أَشْرَفَ لِكَوْنِهِ أَقْوَى فَكَذَا الْوَلَاءُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ حُرٌّ لَهُ عَشِيرَةٌ وَمَوَالٍ فَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَى أُمِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ هَالِكٌ فَيُنْسَبُ إلَى قَوْمِ أُمِّهِ حَتَّى يَعْتِقَ لِلتَّعَذُّرِ فَصَارَ كَمَنْ لَا أَبَ لَهُ وَكَمَا إذَا تَزَوَّجَ عَجَمِيٌّ بِعَرَبِيَّةٍ فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا فَإِنَّهُ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ دُونَ قَوْمِ أُمِّهِ فَكَذَا إذَا كَانَتْ مُعْتَقَةً؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا عَرَبِيَّةً أَوْ مُعْتَقَةً وَكَعَرَبِيٍّ تَزَوَّجَ مُعْتَقَةً فَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْهَا يُنْسَبُ إلَى قَوْمِهِ دُونَهَا فَكَذَا الْعَجَمِيُّ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَرَبِيِّ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ. وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ مُعْتَبَرٌ لِقُوَّتِهِ فِي نَفْسِهِ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْكَفَاءَةُ فِيهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَالنَّسَبُ فِي حَقِّ الْعَجَمِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلِهَذَا لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِيهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ إذْ لَا يَفْتَخِرُونَ بِهِ أَصْلًا وَإِنَّمَا افْتِخَارُ هُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِعِمَارَةِ الدُّنْيَا وَبَعْدَهُ بِالدِّينِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ سَيِّدُنَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ قِيلَ لَهُ سَلْمَانُ ابْنُ مَنْ قَالَ سَلْمَانُ ابْنُ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الضَّعْفُ فِي جَانِبِ الْأَبِ كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ كَالْعَبْدِ، وَكَذَا إنْ كَانَ لِلْأَبِ مَوْلَى مُوَالَاةٍ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ ضَعِيفٌ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَكَذَا حُرِّيَّتُهُمْ ضَعِيفَةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بِالِاسْتِرْقَاقِ بِخِلَافِ الْعَرَبِيِّ فَإِنَّ لَهُ نَسَبًا مُعْتَبَرًا وَحُرِّيَّةً ثَابِتَةً فَامْتَنَعَ بِهِ نِسْبَةُ الْوَلَدِ إلَى مُعْتِقِ الْأُمِّ وَبِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ الْعَجَمِيُّ عَرَبِيَّةً؛ لِأَنَّ أَوْلَادَهُ مِنْهَا لَوْ نُسِبُوا إلَى قَوْمِ أُمِّهِمْ لَنُسِبُوا إلَيْهِمْ بِالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمِّ ضَعِيفٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِمْ وَلَا عُصُوبَةَ بَيْنَهُمْ وَأَوْلَادُ الْمُعْتَقَةِ يُنْسَبُونَ إلَى قَوْمِ أُمِّهِمْ وَهُمْ عَصَبَتُهُمْ. ثُمَّ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَضَعَ الْخِلَافَ فِي مُعْتَقَةِ الْعَرَبِ وَوَضَعَهُ هُنَا فِي مُطْلَقِ الْمُعْتَقَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا فَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ مِنْ الْعَرَبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَجِبُ فِي الْجَمِيعِ نِسْبَةُ أَوْلَادِ الْمُعْتَقَةِ إلَى الْمُعْتِقِ مَا لَمْ يَكُنْ أَبُوهُمْ عَرَبِيًّا عَلَى مَا قَالُوا، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا مَاتَ هَذَا الْوَلَدُ وَتَرَكَ عَمَّةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمُعْتِقَ أُمِّهِ أَوْ عَصَبَةَ مُعْتِقِهَا كَانَ الْمَالُ لِمُعْتِقِ أُمِّهِ أَوْ عَصَبَتِهِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أَبِيهِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُعْتَقَيْنِ أَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا وَالْأُمُّ مَوْلَى مُوَالَاةٍ أَوْ كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا وَالْأُمُّ مُعْتَقَةً كَانَ الْوَلَدُ تَبَعًا لِلْأَبِ وَكَذَا إذَا كَانَا، عَرَبِيَّيْنِ أَوْ عَجَمِيَّيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَجَمِيًّا وَالْآخَرُ عَرَبِيًّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُعْتِقُ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْعَصَبَةِ النِّسْبِيَّةِ) وَكَذَا هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّدِّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ وَهُوَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ إنَّهُ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِلْمُعْتِقِ فِي مُعْتَقِهِ وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ» شَرَطَ لِإِرْثِهِ أَنْ لَا يَدَعَ وَارِثًا وَذَوُو الْأَرْحَامِ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ وَكَذَا الرَّدُّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ يُسْتَحَقُّ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ فَوَجَبَ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْكُلِّ، وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِهِ وَمَا يُشْبِهُ الشَّيْءَ لَا يُزَاحِمُهُ وَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ بَلْ يَخْلُفُهُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ بِنْتِ حَمْزَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ لَهَا النِّصْفَ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِ بِنْتِ مُعْتِقِهَا حِينَ مَاتَ عَنْهَا وَعَنْ بِنْتٍ فَهَذَا هُوَ التَّعْصِيبُ حَقِيقَةً فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ بِهِ) يَعْنِي أَنَّ قَوْمَ الْأُمِّ كَانُوا مَجْبُورِينَ عَلَى أَدَاءِ الْعَقْلِ لَا مُتَبَرِّعِينَ؛ لِأَنَّهُمْ أُجْبِرُوا عَلَى الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَاقِلَةً حِينَئِذٍ ظَاهِرًا، فَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الْأَبِ بِالْإِكْذَابِ ثَبَتَ مِنْ زَمَانِ الْعُلُوقِ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْمَ الْأُمِّ قَضَوْا دَيْنًا عَلَى غَيْرِهِمْ بِحُكْمِ الْقَاضِي فَيَرْجِعُونَ بِذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فُرُوعٌ) ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْجَدَّ هَلْ يَجُرُّ الْوَلَاءَ أَمْ لَا قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَافِي قَالَ الشَّعْبِيُّ: إذَا أَعْتَقَ الْجَدُّ جَرَّ الْوَلَاءَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَجُرُّ الْجَدُّ الْوَلَاءَ وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْجَدِّ كَذَا فِي الْكَافِي بَيَانُهُ أَنَّ مُعْتَقَةً لِقَوْمٍ تَزَوَّجَهَا عَبْدٌ وَحَصَلَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَوَلَاءُ الْوَلَدِ يَكُونُ لِمَوْلَى أُمِّهِ بِلَا خِلَافٍ فَإِذَا أُعْتِقَ الْأَبُ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي أَبِيهِ فَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ الْأَبُ وَلَكِنَّهُ أَعْتَقَ الْجَدَّ لَمْ يَجُرَّ الْوَلَاءَ إلَى مَوَالِيهِ وَقَالَ الْإِمَامُ سِرَاجُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ لِفَرَائِضِهِ الْمَوْسُومِ بِالسِّرَاجِيِّ قَالَ شُرَيْحٌ وَسُفْيَانُ وَمَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ إنَّ الْجَدَّ يَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِ الِابْنِ مِنْ مَوَالِي أُمِّهِ إلَى مَوَالِي نَفْسِهِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَالَ زُفَرُ: إنْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا فَالْجَدُّ لَا يَجُرُّ الْوَلَاءَ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا يَجُرُّ الْوَلَاءَ، وَقَالَ فِي الْأَسْرَارِ وَشَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْجَدُّ يَجُرُّ الْوَلَاءَ لَهُمْ إنَّ الْوَلَاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ فَيَثْبُتُ مِنْ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي بَابِ النَّسَبِ وَلَنَا أَنَّ الْوَلَاءَ فَرْعُ النَّسَبِ وَتَابِعٌ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْجَدِّ بِدُونِ ثُبُوتِهِ مِنْ الْأَبِ وَلِهَذَا إذَا ادَّعَى الْجَدُّ وَنَفَى الْأَبُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَتِهِ وَبِدَعْوَةِ الْأَبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَمِنْ الْجَدِّ تَبَعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ) أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ. اهـ.

[فصل أسلم رجل على يد رجل ووالاه على أن يرثه]

«وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا» وَارِثٌ هُوَ عَصَبَةٌ، وَلَفْظَةُ الْعَصَبَةِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ» تَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَصَبَةَ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ مَا أَبْقَتْهُ الْفَرَائِضُ وَعِنْدَ الِانْفِرَادِ يَجُوزُ جَمِيعُ الْمَالِ، وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ تَعْصِيبٌ وَهُوَ لَا يَرِثُ مَعَ الْعَصَبَةِ النِّسْبِيَّةِ فَكَانَ مُؤَخَّرًا فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِيرَادِ مِنْ حَيْثُ الْمُزَاحِمَةُ لِلْوَارِثِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّشْبِيهَ يُوجِبُ التَّأْخِيرَ أَوْ التَّقْدِيمَ بَلْ يُثْبِتُ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا لَيْسَ إلَّا فَكَانَ الْأَقْرَبُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ تُوجِبُهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِمِثْلٍ لَهُ لَكِنْ أَخَّرْنَاهُ عَنْ الْعَصَبَةِ النِّسْبِيَّةِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] فَجَعَلْنَاهُ مِثْلَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ فَيَتَقَدَّمُ عَلَى مَنْ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْعَصَبَةُ وَيَتَأَخَّرُ عَمَّنْ تَتَأَخَّرُ عَنْهُ الْعَصَبَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى ثُمَّ الْمُعْتِقُ فَمِيرَاثُهُ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ الْمَوْلَى وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْءٌ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ أَوْ دَبَّرْنَ أَوْ دَبَّرَ مَنْ دَبَّرْنَ أَوْ جَرَّ وَلَاءَ مُعْتِقِهِنَّ أَوْ مُعْتِقِ مُعْتَقِهِنَّ» وَلِأَنَّ ثُبُوتَ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْقُوَّةُ لِلْمُعْتِقِ حَصَلَ مِنْ جِهَتِهَا فَكَانَتْ مُحْيِيَةً لَهُ فَيُنْسَبُ الْمُعْتَقُ بِالْوَلَاءِ إلَيْهَا وَيُنْسَبُ إلَيْهَا مَنْ يُنْسَبُ إلَى مَوْلَاهَا الَّذِي أَعْتَقَتْهُ وَيُنْسَبُ إلَيْهَا مَنْ يُنْسَبُ إلَى مُعْتَقِ مُعْتَقِهَا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى بِخِلَافِ النَّسَبِ حَيْثُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا الْأَوْلَادُ وَإِنَّمَا تُنْسَبُ إلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَصَاحِبُ الْفِرَاشِ، وَالْمَرْأَةُ مَمْلُوكَةٌ نِكَاحًا فَلَا تَكُونُ مَالِكَةً وَالنَّسَبُ فِي النِّكَاحِ بِالْفِرَاشِ وَالْمِلْكِ وَهِيَ لَا تُسَاوِي الرَّجُلَ فِيهِ وَفِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ لَيْسَ لَنَا إلَّا النِّسْبَةَ بِسَبَبِ إثْبَاتِ الْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ لِلْمُعْتِقِ وَهِيَ تُسَاوِي الرَّجُلَ فِيهِ لِمَا أَنَّهَا تُسَاوِيهِ فِي مِلْكِ الْمَالِ فَيُنْسَبُ إلَيْهَا كَمَا يُنْسَبُ إلَى الرَّجُلِ وَلِهَذَا جُعِلَتْ عَصَبَةً فِيهِ كَالرَّجُلِ. ثُمَّ أَثْبَتَ هُنَا الْوَلَاءَ لِلنِّسَاءِ فِيمَا أَعْتَقْنَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ وَنَفَاهُ عَنْهُنَّ فِيمَنْ أَعْتَقَهُ غَيْرُهُنَّ حَتَّى لَا يَرِثْنَ الْوَلَاءَ مِمَّنْ أَعْتَقَهُ مُوَرِّثُهُنَّ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْعَصَبَةِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ وَالْخِلَافَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِيمَنْ تَتَحَقَّقُ مِنْهُ النُّصْرَةُ وَالنُّصْرَةُ تَتَحَقَّقُ مِنْ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَدْخُلْنَ فِي الْعَاقِلَةِ لِيَتَحَمَّلْنَ الدِّيَةَ كَمَا يَتَحَمَّلُ الرِّجَالُ لِعَدَمِ النُّصْرَةِ مِنْهُنَّ فَإِذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ فَيَقُومُ مَقَامَهُ كَالْإِرْثِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَبَا مَوْلَاهُ وَابْنَ مَوْلَاهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ، وَلَوْ تَرَكَ جَدَّ مَوْلَاهُ وَأَخَا مَوْلَاهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فِي الْعُصُوبَةِ، وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يُعْطِي لِلْأَبِ السُّدُسَ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَفِي الثَّانِي خِلَافُ مَنْ يَرَى تَوْرِيثَ الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ، وَكَذَا الْوَلَاءُ لِابْنِ الْمُعْتَقَةِ دُونَ أَخِيهَا وَعَقْلُ جِنَايَتِهَا عَلَى أَخِيهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا وَجِنَايَةُ مُعْتَقِهَا كَجِنَايَتِهَا فَتَكُونُ عَلَيْهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُعْتَقِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ مَاتَ فَقَالَ عَلِيٌّ: هُوَ مَوْلَى عَمَّتِي فَأَنَا أَحَقُّ بِإِرْثِهِ؛ لِأَنِّي أَعْقِلُ عَنْهَا وَعَنْهُ وَقَالَ الزُّبَيْرُ: هُوَ مَوْلَى أُمِّي فَأَنَا أَرِثُهَا فَكَذَا أَرِثُ مُعْتِقَهَا فَقَضَى عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْوَلَاءِ لِلزُّبَيْرِ وَبِالْعَقْلِ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَلَوْ تَرَكَ الْمُعْتَقُ ابْنَ مَوْلَاهُ وَابْنَ ابْنِ مَوْلَاهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ دُونَ ابْنِ الِابْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ أَيْ لِأَكْبَرِ أَوْلَادِ الْمُعْتِقِ وَالْمُرَادُ أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا لَا أَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَلَوْ مَاتَ الْمُعْتَقُ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا ابْنَةَ الْمُعْتِقِ فَلَا شَيْءَ لِبِنْتِ الْمُعْتِقِ فِي ظَاهِرِ رِوَايَةِ أَصْحَابِنَا وَيُوضَعُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا كَانُوا يُفْتُونَ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهَا لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بَلْ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْمَيِّتِ فَكَانَتْ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ ذَكَرًا كَانَتْ تَسْتَحِقُّهُ وَلَيْسَ فِي زَمَانِنَا بَيْتُ مَالٍ وَلَوْ دَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ إلَى الْقَاضِي لَا يَصْرِفُهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ ظَاهِرًا وَعَلَى هَذَا مَا فَضَلَ عَنْ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُرَدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَلَا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَا الِابْنُ وَالْبِنْتُ مِنْ الرَّضَاعِ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَقْرَبُ مِنْهُمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي النِّهَايَةِ وَالذِّمِّيُّونَ يَتَوَارَثُونَ بِالْوَلَاءِ كَالْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَسْبَابِ الْإِرْثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ وَوَالَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِأَنَّ ثُبُوتَ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ إلَخْ) هَذَا دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ بَيَانُهُ أَنَّ بِالْعِتْقِ تَحْصُلُ الْقُوَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْعَبْدِ مِنْ جِهَةِ مُعْتِقِهِ، فَإِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ هِيَ الْمَرْأَةَ يُنْسَبُ مَنْ أَعْتَقَتْهُ الْمَرْأَةُ وَمَنْ أَعْتَقَهُ مَنْ أَعْتَقَتْهُ الْمَرْأَةُ إلَيْهَا بِالْوَلَاءِ حَيْثُ يُقَالُ مُعْتِقُ فُلَانَةَ وَمُعْتِقُ مُعْتِقِ فُلَانَةَ فَإِذَا ثَبَتَ نِسْبَتُهُمَا إلَى الْمَرْأَةِ بِالْوَلَاءِ وَرِثَتْهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ) وَلَا شَيْءَ لِلْأَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الِابْنَ أَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ وَالْوَلَاءُ بِالْعُصُوبَةِ وَلَا يَظْهَرُ عُصُوبَةُ الْأَبِ مَعَ الِابْنِ اهـ أَتَّقَانِي (قَوْلُهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْجَدِّ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَرِّثُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْجَدِّ وَعِنْدَهُمَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ كَأَحَدِهِمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ خَمْسَةَ بَنِي ابْنِ الْمُعْتِقِ وَابْنِ ابْنِ الْمُعْتِقِ مِنْ آخَرَ فَالْمِيرَاثُ أَسْدَاسًا؛ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالْعُصُوبَةِ وَعُصُوبَتُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. [فَصْلٌ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ] (قَوْلُهُ فَصْلٌ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَخَّرَ ذِكْرَ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ عَنْ ذِكْرِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ أَقْوَى لِثُبُوتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ خِلَافٌ وَلِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ يَقْبَلُهُ اهـ قَوْلُهُ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ يَقْبَلُهُ قَالَ الْكَاكِيُّ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ قَبْلَ الْعَقْلِ اهـ

صَحَّ وَعَقْلُهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَإِرْثُهُ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ وَهُوَ آخِرُ ذَوِي الْأَرْحَامِ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهَذَا الْوَلَاءِ أَصْلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] قِيلَ: إنَّهَا نَزَلَتْ نَاسِخَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ» وَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ وَارِثٍ آخَرَ وَقَالَ لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ «هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ تُوجَدَ مِنْهُ مُوَالَاةٌ أُخْرَى أَوْ لَمْ تُوجَدْ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ إذَا جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ فَأَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَإِنَّ وَلَاءَهُ لِمَنْ وَالَاهُ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ سَبَقَ لَهُ عَقْدٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَصَارَ تَبَعًا لَهُمْ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ كَالْمُعْتَقِ وَلَنَا إطْلَاقُ مَا تَلَوْنَا وَالْمُرَادُ بِهَا عَقْدُ الْمُوَالَاةِ نَقْلًا عَنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ. وَمَا رَوَاهُ لَيْثٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا جَدَّدُوا عَقْدَ الْمُوَالَاةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآيَةِ وَبَيْنَ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَمْرٍو وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - مِثْلَ مَذْهَبِنَا وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ غَيْرِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَضَعَ مَالَهُ حَيْثُ شَاءَ إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ أَحَدٍ مُعَيَّنٍ وَبَيْتُ الْمَالِ لَيْسَ بِوَارِثٍ وَلَا مُسْتَحِقٍّ وَإِنَّمَا يُوضَعُ فِيهِ مَالٌ ضَائِعٌ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا لِلْغَيْبِ فَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ صَاحِبُهُ كَانَ تَصَرُّفُهُ أَوْلَى مِنْ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ كَمَا فِي حَالِ حَضْرَتِهِ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] قُلْنَا: الَّذِي وَرَدَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ فِي حَقِّ التَّقْدِيمِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُقَدِّمُونَهُ بِالْبَعْضِ عَلَى أُولِي الْأَرْحَامِ فَنُسِخَ ذَلِكَ التَّقْدِيمُ وَفِي الْآيَةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ {أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] وَكَوْنُهُمْ أَوْلَى مِنْهُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ عِنْدَ عَدَمِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ مَوْجُودَةٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْوَرَثَةِ لَا سِيَّمَا فِي الْعَصَبَةِ ثُمَّ عِنْدَ عَدَمِ مَنْ هُوَ أَوْلَى يُوجِبُ سُقُوطَ الْآخَرِ وَمَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ» الْمُرَادُ بِهِ الْحِلْفُ الَّذِي كَانُوا يَتَعَاقَدُونَ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِمْ هَدْمِي هَدْمُك وَدَمِي دَمُك تَرِثُنِي وَأَرِثُك فَكَانَ ذَلِكَ لِلتَّنَاصُرِ عَلَى الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَلِتَقْدِيمِهِ بِالْإِرْثِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَخْ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ بَاطِلٌ لَهُ أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ الْفَرْضُ أَوْ التَّعْصِيبُ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ لَيْسَ هَذَا وَلَا ذَاكَ فَلَا يَجِبُ بِهِ الْإِرْثُ وَالْعَقْلُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ) وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ الْإِيصَاءُ بِجَمِيعِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَصْلًا لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي الثُّلُثِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ إلَخْ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَفِي الْمَبْسُوطِ الْإِسْلَامُ عَلَى يَدِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ وَكَذَا الْإِسْلَامُ عَلَى يَدِهِ لَيْسَ بِكَافٍ لِثُبُوتِ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الرَّوَافِضِ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِمَا رَوَى رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ فَهُوَ مَوْلَاهُ يَرِثُهُ» «. وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَا أَظُنُّهُ مُتَّصِلًا وَلِأَنَّهُ أَحْيَاهُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَالْمَوْتَى فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَحْيَاهُ بِالْعِتْقِ، وَعَلَى هَذَا زَعَمَتْ الرَّوَافِضُ أَنَّ النَّاسَ مَوْلَى عَلِيٍّ وَأَوْلَادِهِ فَإِنَّ السَّيْفَ بِيَدِهِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ أَسْلَمُوا مِنْ هَيْبَتِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَحْيَاهُ بِالْإِسْلَامِ وَمَنْ عَرَضَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا هُوَ نَائِبٌ عَنْ الشَّرْعِ فَيَكُونُ هُوَ كَغَيْرِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَأَيْنَ لَهُمْ هَذَا التَّحَكُّمُ فَإِنَّ عَلِيًّا كَانَ صَغِيرًا حِينَ أَسْلَمَ كِبَارُ الصَّحَابَةِ بَلْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَانَا مُقَدَّمَيْنِ عَلَيْهِ فِي أُمُورِ الْقِتَالِ وَلَكِنَّ الرَّوَافِضُ قَوْمٌ بُهُتٌ وَبِنَاءُ مَذْهَبِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَمَا رَوَوْا مِنْ الْأَحَادِيثِ ضَعِيفٌ وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ حِينَ سَأَلَ) السَّائِلُ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ) تَزْوِيجِهِ وَعَقْلِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَمَاتِهِ) الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَمِيرَاثِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ لَيْثٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقِيلَ حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَلِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُوَالُونَ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَخَذَ الْمِيرَاثَ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ، وَصُورَةُ عَقْدِ الْوَلَاءِ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ مَوْلَايَ جِنَايَتِي عَلَيْك وَجِنَايَتُك عَلَيَّ وَمِيرَاثِي لَك إنْ مِتّ، فَإِذَا مَاتَ كَانَ مِيرَاثُهُ لِلْأَعْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنْ الْأَعْلَى إلَّا إذَا شَرَطَ مِيرَاثَ الْأَعْلَى لِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَبِنَفْسِ الْإِسْلَامِ لَا يَنْعَقِدُ لَهُ الْوَلَاءُ وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ إنْ شَاءَ وَالَى مَعَ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَإِنْ شَاءَ وَالَى مَعَ غَيْرِهِ وَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ إلَّا إذَا كَانَ أَبُوهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ يَثْبُتُ وَلَاؤُهُ مِنْ مُعْتِقِهِ وَيَجُرُّ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَى نَفْسِهِ وَاللَّقِيطُ حُرٌّ وَجِنَايَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا أَدْرَكَ كَانَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَعَ مَنْ شَاءَ إلَّا إذَا عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ تَوْفِيقًا إلَخْ) فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ «تَمِيمًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِينِي فَيُسْلِمُ عَلَى يَدَيَّ وَيُوَالِينِي فَقَالَ هُوَ أَخُوك وَمَوْلَاك فَأَنْتَ أَحَقُّ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ» اهـ مِشْكَاةٌ (قَوْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ هَدْمِي هَدْمُك) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَالْهَدْمُ بِالسُّكُونِ وَبِالْفَتْحِ أَيْضًا هُوَ إهْدَارُ دَمِ الْقَتِيلِ يُقَالُ دِمَاؤُهُمْ بَيْنَهُمْ هَدْمٌ أَيْ مُهْدَرَةٌ وَالْمَعْنَى إنْ طُلِبَ دَمُك فَقَدْ طُلِبَ دَمِي وَإِنْ أُهْدِرَ دَمُك فَقَدْ أُهْدِرَ دَمِي

الْقَرِيبِ فَحَظَرَ الْإِسْلَامُ التَّنَاصُرَ عَلَى الْبَاطِلِ وَأَوْجَبَ التَّعَاوُنَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَقَدَّمَ الْقَرِيبَ عَلَيْهِ بِالْإِرْثِ ثُمَّ شَرَطَ صِحَّةَ هَذِهِ الْمُوَالَاةِ أَنْ يُشْتَرَطَ الْمِيرَاثُ وَالْعَقْلُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْعَقْدِ وَلَوْ شَرَطَ الْإِرْثَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ فَيَتَوَارَثَانِ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا الْأَعْلَى وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ النَّسَبِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَلَا وَلَاءُ مُوَالَاةٍ قَدْ عَقَلَ عَنْهُ وَأَنْ يَكُونَ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا وَحُكْمُهُ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ الْإِرْثُ إذَا مَاتَ وَأَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ إذَا جَنَى وَيُدْخِلُ فِيهِ أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَمَنْ يُولَدُ لَهُ بَعْدَ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ، وَلَوْ عَقَدَ مَعَ الصَّغِيرِ أَوْ مَعَ الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبِ وَالْمَوْلَى، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ النَّسَبِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَسْفَلُ عَرَبِيًّا؛ لِأَنَّ تَنَاصُرَ الْعَرَبُ بِالْقَبَائِلِ فَأَغْنَى عَنْ الْمُوَالَاةِ وَكَوْنُهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ)؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ كَالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِفَسْخِهِ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ غَائِبًا لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَمَّ بِهِمَا كَمَا فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ وَلَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَمُوتُ الْأَسْفَلُ فَيَأْخُذُ الْأَعْلَى مَالَهُ مِيرَاثًا فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ أَوْ يَعْتِقُ الْأَسْفَلُ عَبِيدًا عَلَى حُسْبَانِ أَنَّ عَقْلَ عَبِيدِهِ عَلَى الْمَوْلَى الْأَعْلَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الْفَسْخُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَاقَدَ الْأَسْفَلُ الْمُوَالَاةَ مَعَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ حَيْثُ يَصِحُّ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ إذَا ثَبَتَ مِنْ شَخْصٍ يُنَافِي فِي ثُبُوتِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَيَنْفَسِخُ ضَرُورَةً وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا كَالرَّجُلِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَقَلَ عَنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ لِتَأَكُّدِهِ بِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ وَلِأَنَّ وِلَايَةَ التَّحَوُّلِ قَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْقِيَامِ بِنُصْرَتِهِ وَعَقْلِ جِنَايَتِهِ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ صَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِاسْتِحْكَامِ الْأُلْفَةِ بَيْنَنَا وَهُوَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ لِلْعَرَبِ يَقُولُونَ دَمِي دَمُك وَهَدْمِي هَدْمُك وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُعَاهَدَةِ وَالنُّصْرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمِيرَاثَ وَالْعَقْلَ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ تَرِثُنِي إذَا مِتّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْت اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرَهِ قَبْلَ هَذَا. وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَافِي قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ وَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هَذَا لَفْظُ الْحَاكِمِ بِعَيْنِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ لَيْسَ بِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْمُوَالَاةِ بَلْ مُجَرَّدُ الْعَقْدِ كَافٍ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا وَالَيْتُك وَالْآخَرُ قَبِلْت؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَمْ يَذْكُرْ الْإِرْثَ وَالْعَقْلَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْمُوَالَاةِ بَلْ جَعَلَهُمَا حُكْمًا لَهَا بَعْدَ صِحَّتِهَا فَافْهَمْ وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا قَوْلُ الْقُدُورِيِّ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرَة بِقَوْلِهِ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَوَالَاهُ يُوَضِّحُهُ قَوْلُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ بِقَوْلِهِ وَتَفْسِيرُ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ وَقَالَ لَهُ أَنْتَ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إذَا مِتّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْت وَقَالَ الْآخَرُ قَبِلْت فَيَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَقْدُ الْمُوَالَاةِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَالَيْتُك وَقَالَ الْآخَرُ قَبِلْت، وَكَذَا إذَا عَقَدَ مَعَ رَجُلٍ غَيْرِ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ التُّحْفَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ) قَالَ فِي التَّيْسِيرِ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ أَيْ عَقَدِ الْمُوَالَاةِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْأَسْفَلِ نَسَبٌ وَلَا يَكُونُ مُعْتَقًا وَلَا يَكُونُ عَرَبِيًّا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا يُسْتَرَقُّونَ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ فَكَذَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنْ الْأَعْلَى إلَّا إذَا شَرَطَ مِيرَاثَ الْأَعْلَى لِنَفْسِهِ يَعْنِي فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْنَ الْعَرَبِيَّيْنِ وَلَا بَيْنَ الْعَرَبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ وَلَا مِنْ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ وَيَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ لِلْكَافِرِ. اهـ. حَيْدَرٌ قَوْلُهُ وَلَا بَيْنَ الْعَرَبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ أَيْ إذَا كَانَ الْعَرَبِيُّ الْأَسْفَلَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَسْفَلُ عَرَبِيًّا) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَافِي وَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِهِ وَوَالَاهُ لَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ وَلَكِنَّهُ يُنْسَبُ إلَى عَشِيرَتِهِ وَهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ وَيَرِثُونَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْعَجَمِيِّ الَّذِي لَا عَشِيرَةَ لَهُ فَأَمَّا مَنْ لَهُ عَشِيرَةٌ فَإِنَّهُمْ يَقُومُونَ بِمَصَالِحِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْوَلَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ) أَيْ فِي الصَّحِيحِ. اهـ. حَيْدَرٌ. (فَرْعٌ) اعْلَمْ أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يُخَالِفُ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ فِي الْمُوَالَاةِ يَتَوَارَثَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ، وَالثَّانِي: أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَاقَدَ الْأَسْفَلُ الْمُوَالَاةَ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَافِي رَجُلٌ وَالَى رَجُلًا فَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ بِحَضْرَتِهِ وَكَذَا لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ وَلَائِهِ أَيْضًا مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا نَقَضَ أَحَدُهُمَا الْمُوَالَاةَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ إلَّا أَنْ يُوَالِيَ الْأَسْفَلُ آخَرَ فَيَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ صَاحِبُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِالْوَلَاءِ إلَى غَيْرِهِ وَصَارَ الْعَقْدُ لَازِمًا إلَّا إنْ اتَّفَقَا عَلَى النَّقْضِ إلَى هُنَا لَفْظُ التُّحْفَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ عِنْدَنَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ أَنَّهُ حَقٌّ أَوْجَبَهُ بِفِعْلِهِ مُتَبَرِّعًا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِالْوَلَاءِ إلَى غَيْرِهِ

[كتاب الإكراه]

كَالْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ، وَكَذَا لَا يَتَحَوَّلُ وَلَدُهُ بَعْدَ مَا تَحَمَّلَ الْجِنَايَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَكَذَا إذَا عَقَلَ عَنْ وَلَدِهِ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي حُكْمِ الْوَلَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَيْسَ لِلْمُعْتِقِ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا)؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ فَلَا يَنْفَسِخُ وَلَا يَنْعَقِدُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ بِوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَخْصًا لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ مَوْلًى أَعْتَقَهُ وَمَوْلَى مُوَالَاةٍ كَانَ الْمَالُ لِلْمُعْتِقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ وَالَتْ امْرَأَةٌ فَوَلَدَتْ تَبِعَهَا فِيهِ) يَعْنِي وَلَدَتْ وَلَدًا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا مَوْلَاةُ فُلَانٍ وَمَعَهَا صَغِيرٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ صَحَّ إقْرَارُهَا عَلَى نَفْسِهَا وَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا وَيَصِيرَانِ مَوْلَى فُلَانٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا وِلَايَةَ لَهَا فِي مَالِهِ فَأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا فِي نَفْسِهِ أَوْلَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يُدْرَ لَهُ أَبٌ فَتَمْلِكُهُ الْأُمُّ كَقَبُولِ الْهِبَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ مُعْتَقُ فُلَانٍ فَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْوَلَاءِ أَصْلًا أَوْ قَالَ: لَا بَلْ وَالَيْتَنِي فَأَقَرَّ الْمُقِرُّ لِغَيْرِهِ بِالْوَلَاءِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بَطَلَ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ وَلَهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَلَا يَبْطُلُ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ كَمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِنَسَبٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ ادَّعَى الشَّاهِدُ أَنَّهُ وَلَدُهُ لَا يَصِحُّ فَكَذَا هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [كِتَابُ الْإِكْرَاهِ] (كِتَابُ الْإِكْرَاهِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ فَيَزُولُ بِهِ الرِّضَا) وَقِيلَ الْإِكْرَاهُ فِعْلٌ يُوجَدُ مِنْ الْمُكْرَهِ فَيُحْدِثُ فِي الْمَحَلِّ مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إلَى الْفِعْلِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ، وَهَذَا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ حَمْلُ الْمُكْرَهِ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ يُقَالُ أَكْرَهْته عَلَى كَذَا أَيْ حَمَلْته عَلَيْهِ وَهُوَ كَارِهٌ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِهُ قَادِرًا عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ وَأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْمُكْرَهِ أَنْ يُوقِعَ بِهِ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَحُكْمُهُ إذَا حَصَلَ بِهِ إتْلَافٌ أَنْ يُنْقَلَ الْفِعْلُ إلَى الْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى مَا يَجِيءُ تَفَاصِيلُهُ وَالْإِكْرَاهُ نَوْعَانِ مُلْجِئٌ وَغَيْرُ مُلْجِئٍ فَالْمُلْجِئُ هُوَ الْكَامِلُ وَهُوَ أَنْ يُكْرِهَهُ بِمَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى تَلَفِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَإِنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُوجِبُ الْإِلْجَاءَ وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَغَيْرُ الْمُلْجِئِ قَاصِرٌ وَهُوَ أَنْ يُكْرِهَهُ بِمَا لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى تَلَفِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ كَالْإِكْرَاهِ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ أَوْ الْقَيْدِ أَوْ الْحَبْسِ فَإِنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَا يُوجِبُ الْإِلْجَاءَ وَلَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ. وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْإِكْرَاهِ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي تَصَرُّفٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرِّضَا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِقْرَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْهَزْلَ يُؤَثِّرُ فِيهِ لِعَدَمِ الرِّضَا حَتَّى لَا يَنْفُذَ مَعَهُ فَكَذَا مَعَ هَذَا الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَدِمُ بِهِ الرِّضَا وَالْأَوَّلُ يُؤَثِّرُ فِي الْكُلِّ فَيُضَافُ فِعْلُهُ إلَى الْمُكْرِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ وَالْمُكْرَهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ كَإِتْلَافِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ اقْتَصَرَ الْفِعْلُ عَلَى الْمُكْرَهِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهِ أَحَدٍ وَذَلِكَ مِثْلُ الْإِقْرَارِ وَالْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ غَيْرِهِ وَلَا يَأْكُلُ بِفَمِ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مُضَافًا إلَى غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْآكِلِ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ إتْلَافٌ فَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ لِصَلَاحِيَّتِهِ آلَةً لَهُ فِيهِ حَتَّى إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْعِتْقِ يَقَعُ كَأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ وَيُضَافُ إلَى الْمُكْرَهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الطَّلَاقِ يَقَعُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِيهِ إتْلَافٌ بِأَنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ أَكْرَهَ الْمَرْأَةَ عَلَى قَبُولِ الطَّلَاقِ بِالْمَالِ فَقَبِلَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ لِعَدَمِ الرِّضَا؛ لِأَنَّ الرِّضَا فِي حَقِّ الْمَالِ شَرْطٌ دُونَ الطَّلَاقِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْمُكْرَهِ وَلَا يُوجِبُ وَضْعَ الْخِطَابِ عَنْهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ مُبْتَلًى وَالِابْتِلَاءُ يَتَحَقَّقُ بِالْخِطَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ أَفْعَالَهُ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَحَظْرٍ وَإِبَاحَةٍ وَرُخْصَةٍ وَيَأْثَمُ تَارَةً وَيُؤْجَرُ أُخْرَى كَسَائِرِ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ قَتْلُ النَّفْسِ وَقَطْعُ طَرَفِ الْغَيْرِ وَالزِّنَا وَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَيُثَابُ عَلَيْهِ إنْ امْتَنَعَ وَيُبَاحُ لَهُ بِالْإِكْرَاهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَيُرَخَّصُ لَهُ بِهِ إجْرَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابُ الْإِكْرَاهِ) قِيلَ فِي مُنَاسَبَةِ الْوَضْعِ: إنَّ الْوَلَاءَ لَمَّا كَانَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ وَالْعِتْقُ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ نَاسَبَ ذِكْرَ الْإِكْرَاهِ عَقِيبَ الْوَلَاءِ، وَلِأَنَّ فِي الْإِكْرَاهِ تَغَيَّرَ حَالُ الْمُخَاطَبِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِالْإِكْرَاهِ يُحِلُّ مُبَاشَرَةُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ فِي عَامَّةِ الْمَوَاضِعِ فَكَذَلِكَ بِالْمُوَالَاةِ يَتَغَيَّرُ حَالُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى عَنْ حُرْمَةِ تَنَاوُلِ مَالِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ إلَى الْحِلِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَحْدُثُ فِي الْمَحَلِّ إلَخْ) وَالْمَحَلُّ هُوَ الْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ) وَأَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ بِهِ مُتْلَفًا أَوْ مُزْمِنًا وَأَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ مُمْتَنِعًا عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ إمَّا لِحَقِّهِ أَوْ لِحَقِّ آدَمِيٍّ آخَرَ أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ اهـ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ فَالْمُلْجِئُ هُوَ الْكَامِلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْإِكْرَاهُ وَهُوَ حَمْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ بِحَيْثُ يَزُولُ مَعَهُ الرِّضَا عَلَى نَوْعَيْنِ كَمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ كَامِلٌ وَيُسَمَّى مُلْجِئًا وَهُوَ الَّذِي يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَقَاصِرٌ وَيُسَمَّى غَيْرَ مُلْجِئٍ وَهُوَ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَكِنْ لَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَالْمُلْجِئُ كَالتَّخْوِيفِ بِقَتْلِ النَّفْسِ وَقَطْعِ الْعُضْوِ وَالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ الْمُتَوَالِي الَّذِي يَخَافُ مِنْهُ التَّلَفَ وَغَيْرُ الْمُلْجِئِ كَالتَّخْوِيفِ بِالْحَبْسِ وَالْقَيْدِ وَالضَّرْبِ الْيَسِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ) أَيْ عَلَى أَيِّ طَرِيقٍ وُجِدَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْمُكْرَهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا بِالذِّمَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

كَلِمَةِ الْكُفْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَإِتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ وَإِفْسَادُ الصَّوْمِ وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَرْطُهُ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا وَخَوْفُ الْمُكْرَهِ وُقُوعَ مَا هَدَّدَ بِهِ)؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ الْقَادِرِ عِنْدَ خَوْفِ الْمُكْرَهِ تَحْقِيقَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّهْدِيدِ مِنْ الْقَادِرِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ يَصِيرُ مُلْجَأً طَبْعًا وَبِدُونِهِمَا لَا يَصِيرُ مُلْجَأً فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُهُ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَنَّ الْقُدْرَةَ وَالْمَنَعَةَ لَمْ تَكُنْ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ إلَّا لِلسُّلْطَانِ فَأَجَابَ عَلَى مَا شَاهَدَ، وَفِي زَمَانِهِمَا كَانَ لِكُلِّ مُفْسِدٍ مُتَلَصِّصٍ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ فَأَفْتَيَا عَلَى مَا شَاهَدَا وَبِهِ يُفْتَى إذْ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْحُجَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ إجَارَةٍ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ مَدِيدٍ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ أَوْ يَفْسَخَ)؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ وَغَيْرَ الْمُلْجِئِ يُعْدِمَانِ الرِّضَا وَالرِّضَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ هَذِهِ الْعُقُودِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَتَفْسُدُ عِنْدَ فَوَاتِ الرِّضَا بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ بِحَبْسِ يَوْمٍ أَوْ قَيْدِ يَوْمٍ أَوْ ضَرْبِ سَوْطٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِمِثْلِهِ عَادَةً فَلَا يُعْدَمُ الرِّضَا وَهُوَ شَرْطٌ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْإِكْرَاهِ إلَّا إذْ كَانَ الرَّجُلُ صَاحِبَ مَنْصِبٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَيَكُونُ مُكْرَهًا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ فَيَفُوتُ بِهِ الرِّضَا، وَكَذَا الْإِقْرَارُ جُعِلَ حُجَّةً حَالَةَ الِاخْتِيَارِ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ، وَعِنْدَ الْإِكْرَاهِ بِتَرْجِيحِ جَانِبِ الْكَذِبِ عَلَى جَانِبِ الصِّدْقِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْرُ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَبْسِ إكْرَاهًا مَا يَجِيءُ بِهِ الِاغْتِمَامُ الْبَيِّنُ وَمِنْ الضَّرْبِ مَا يَجِدُ مِنْهُ الْأَلَمَ الشَّدِيدَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ إلَّا بِضَرْبٍ شَدِيدٍ وَحَبْسٍ مَدِيدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَضَرَّرُ بِأَدْنَى شَيْءٍ كَالشُّرَفَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ يَتَضَرَّرُونَ بِضَرْبَةِ سَوْطٍ أَوْ بِعَرْكِ أُذُنِهِ لَا سِيَّمَا فِي مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْإِكْرَاهُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ هَوَانًا وَذُلًّا أَعْظَمُ مِنْ الْأَلَمِ وَالْإِكْرَاهِ بِحَبْسِ الْوَالِدَيْنِ أَوْ الْأَوْلَادِ لَا يُعَدُّ إكْرَاهًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْجِئٍ وَلَا يُعْدِمُ الرِّضَا بِخِلَافِ حَبْسِ نَفْسِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ لِلْفَسَادِ) أَيْ يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالشِّرَاءِ مُكْرَهًا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ فَاسِدًا كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَوْقُوفٌ وَلَيْسَ بِفَاسِدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ جَازَ، وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ وَلَا يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ بِهِ وَالْمَوْقُوفُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ وَالْفَسَادُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ) فَلَوْ كَانَ أَبُو حَنِيفَة فِي زَمَنِهِمَا لَأَفْتَى بِقَوْلِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ إقْرَارٍ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ قَالُوا لَهُ: لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتُقِرَّنَّ لِهَذَا الرَّجُلِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارُ مُكْرَهٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبَعْضِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْأَلْفِ إكْرَاهٌ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَإِنْ أَكْرَهُوهُ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَبَطَلَتْ عَنْهُ أَلْفٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَلْفِ مُكْرَهٌ وَفِي الْأَلْفِ الْأُخْرَى طَائِعٌ فَيَصِحُّ إقْرَارُ الطَّائِعِ لَا الْمُكْرَهُ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ قَوْلُهُمَا كَمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ أَحَدَهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى أَلْفٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِكْرَاهُ بِأَلْفٍ مِنْ كِيسٍ فَأَقَرَّ بِأَلْفَيْنِ فِي ذَلِكَ الْكِيسِ كَذَا ذَكَرَ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ، وَقِيلَ بَلْ هَذَا الْجَوَابُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْخِلَافَ. وَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى هَذَا بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الشَّهَادَةِ اتِّفَاقُ الشُّهُودِ فِي اللَّفْظِ الَّذِي لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَعْنَى وَالْأَلْفُ غَيْرُ الْأَلْفَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُكْرَهِ أَنْ يَتَخَلَّصَ وَيَفْعَلَ عَلَى إرَادَةِ الْمُكْرَهِ وَقَدْ اتَّفَقَا فِي الْأَلْفِ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: وَإِنْ أَقَرَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ إقْرَارُ طَائِعٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَلَا بِبَعْضٍ مِنْهُ بَلْ أَتَى بِجِنْسٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ حَقِيقَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ إلَخْ) إذَا بَاعَ مُكْرَهًا وَسَلَّمَ مُكْرَهًا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَنَا اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ طَائِعًا أَوْ أَجَازَ طَائِعًا يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده فِي مَبْسُوطِهِ وَهِبَةُ الْمُكْرَهِ بَعْدَ الْقَبْضِ تُفِيدُ الْمِلْكِ عِنْدَنَا بِالضَّمَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَبَاعَ وَسَلَّمَ مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَنَا مِلْكًا فَاسِدًا، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَمْلِكُهُ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْمُكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ. اهـ. (قَوْلُهُ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ) أَيْ وَهُوَ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ زَائِدٌ وَلَا يُخِلُّ بِالرُّكْنِ انْعِدَامُ شَرْطِ التَّصَرُّفِ وَلَا يُعْدِمُ الْحُكْمَ أَيْضًا وَلَكِنْ يُثْبِتُ وَصْفَ الْفَسَادِ وَكَانَ الْفَسَادُ ثَابِتًا مَا بَقِيَ حَقُّ الْعَبْدِ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ ارْتَفَعَ الْفَسَادُ اهـ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَمْ يُعَدَّ جَائِزًا أَبَدًا بِالْإِجَازَةِ كَمَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِأَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ وَلَوْ كَانَ جَائِزًا كَانَ يَنْبَغِي لِإِعَادَتِهِ جَائِزًا وَقْتٌ مَعْلُومٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ

وَهُوَ التَّرَاضِي وَفَوَاتُ الشَّرْطِ تَأْثِيرُهُ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ كَالْمُسَاوَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ فِيهَا لِجَوَازِ الْبَيْعِ وَفَوَاتُهَا يُوجِبُ الْفَسَادَ لَا التَّوَقُّفَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَجْعَلُ الْعَقْدَ فِي حَقِّ حُكْمِهِ كَالْمُتَعَلِّقِ بِالشَّرْطِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَوْ نَقُولُ لَمَّا وُجِدَ أَصْلُ الْبَيْعِ فِي مَحَلِّهِ لَمْ يَنْعَدِمْ ذَلِكَ بِالْإِكْرَاهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ كَالطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ شَرَطَ لِلْحِلِّ شَرْطًا زَائِدًا وَهُوَ التَّرَاضِي وَنَهَانَا عَنْ التِّجَارَةِ بِدُونِهِ فَكَانَ النَّهْيُ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَلَا يَصِيرُ بِهِ الْبَيْعُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ كَمَا نَهَانَا عَنْ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ إلَّا بِشَرْطِ الْمُمَاثَلَةِ وَأَنَّهُ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا يَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ فَكَانَ النَّهْيُ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَمْ يَصِرْ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بَلْ وَقَعَ فَاسِدًا لِعَدَمِ شَرْطِ الْجَوَازِ الزَّائِدِ شَرْعًا فَكَذَا هُنَا فَلَمْ يَبْقَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا النَّهْيِ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الرِّبَا إلَّا أَنَّ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُرْمَةُ هُنَاكَ اتَّصَلَ بِالْمَبِيعِ وَصْفًا، وَفِي مَسْأَلَتِنَا اتَّصَلَ بِالْعَاقِدِ وَهَكَذَا فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ كُلِّهَا يَتَعَلَّقُ النَّهْيُ بِالْوَصْفِ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ فَيُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ. فَكَذَا هَذَا حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ وَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَإِنَّمَا جَازَ بِالْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ يَرْتَفِعُ بِهَا وَهُوَ عَدَمُ التَّرَاضِي فَصَارَ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي بِخِلَافِ سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّهُ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ بِإِذْنِهِ أَمَّا هُنَا الرَّدُّ لِحَقِّ الْعَبْدِ وَهُمَا سَوَاءٌ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْأَوَّلِ لِحَقِّ الثَّانِي، وَمِنْ مَشَايِخِ بُخَارَى مَنْ جَعَلَ بَيْعَ الْوَفَاءِ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ وَالصَّدْرُ السَّعِيدُ تَاجُ الْإِسْلَامِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ بِدَيْنٍ لَك عَلَيَّ عَلَى أَنِّي مَتَى قَضَيْت الدَّيْنَ فَهُوَ لِي فَجَعَلُوهُ فَاسِدًا بِاعْتِبَارِ شَرْطِ الْفَسْخِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى إيفَاءِ الدَّيْنِ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ وَيُنْقَضُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الرِّضَا فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ بَيْعِ الْمُكْرَهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ رَهْنًا مِنْهُمْ السَّيِّدُ الْإِمَامُ أَبُو شُجَاعٍ وَالْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ وَالْإِمَامُ الْقَاضِي الْحَسَنُ الْمَاتُرِيدِيُّ قَالُوا لَمَّا شَرَطَ عَلَيْهِ أَخْذَهُ عِنْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَتَى بِمَعْنَى الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ عِنْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ حَتَّى جُعِلَتْ الْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةً وَبِالْعَكْسِ كَفَالَةً، وَالِاسْتِصْنَاعُ عِنْدَ ضَرْبِ الْأَجَلِ سَلَمًا، فَإِذَا كَانَ رَهْنًا لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَأَيُّ شَيْءٍ أَكَلَ مِنْ زَوَائِدِهِ يَضْمَنُ وَيَسْتَرِدُّهُ عِنْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ الْبَائِعُ لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ كَالرَّهْنِ إذَا اسْتَأْجَرَ الْمَرْهُونَ وَانْتَفَعَ بِهِ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ فَيَثْبُتُ فِيهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الرَّهْنِ وَمِنْ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ مَنْ جَعَلَهُ بَيْعًا جَائِزًا مُفِيدًا بَعْضَ أَحْكَامِهِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ فَقَالَ اتَّفَقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ عَلَى مَذْهَبِكُمْ وَهُنَا فِي أَيِّ وَقْتٍ أَجَازَهُ الْمُكْرَهُ يَعُودُ جَائِزًا عَلَى مَذْهَبِكُمْ فَصَارَ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ لَا كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ قُلْت إنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ لَهُ شَبَهٌ بِالْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ وَشَبَهٌ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ رِضَا الْمَالِكِ وَقَدْ خَلَا عَنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ فِيهِ شَرْطَ مَا يُفْسِدُهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ الْمَالِكِ وَلَكِنْ فَاتَ رِضَاهُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَالِكِ فَإِذَا كَانَ لَهُ شَبَهَانِ وَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا فَبِاعْتِبَارِ الشَّبَهِ الْأَوَّلِ عَادَ جَائِزًا فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَبِاعْتِبَارِ الشَّبَهِ الثَّانِي أَفَادَ الْمِلْكَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَمْ تُعْكَسْ؛ لِأَنَّا مَتَى أَظْهَرْنَا شَبَهَ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ وَلَمْ نُوجِبْ الْمِلْكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لَا يَبْقَى لِشَبَهِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَمَلٌ فِي حُكْمٍ مَا فَيَبْطُلُ الْعَمَلُ بِالشَّبَهَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ التَّرَاضِي) بِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ اهـ. (قَوْلُهُ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) أَيْ وَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ ذَكَرَهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَعْنِي أَنَّ فِي صُورَةِ الْإِكْرَاهِ لِلْمُكْرَهِ حَقُّ الْفَسْخِ بِجَمِيعِ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي إذَا كَانَ التَّصَرُّفُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَفِي صُورَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَنْقُضَ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي إلَّا الْإِجَارَةَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُهَا وَقَدْ مَرَّ الْبَيَانُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْمُكْرَهِ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مِنْ آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعُقُودَ كُلَّهَا وَأَيُّ عَقْدٍ أَجَازَهُ جَازَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ كُلَّهَا كَانَتْ نَافِذَةً إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ لِعَدَمِ الرِّضَا فَلَمَّا أَقْدَمَ عَلَى إجَازَةِ بَعْضِهَا نَفَذَتْ وَزَالَ الْإِكْرَاهُ فَجَازَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ فَجَازَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْغَصْبِ، وَهُوَ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا بَاعَ وَالْمُشْتَرِيَ بَاعَ مِنْ آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَتْ الْأَيْدِي فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَيَّ عَقْدٍ أَجَازَهُ جَازَ ذَلِكَ الْعَقْدُ خَاصَّةً وَلَوْ ضَمِنَ أَحَدُهُمْ جَازَتْ الْعُقُودُ الَّتِي بَعْدَهُ دُونَ مَا كَانَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ كُلَّهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ فَتَوَقَّفَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا عَلَى إجَازَتِهِ فَإِذَا أَجَازَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَازَ خَاصَّةً فَإِنْ لَمْ يَجُزْ وَلَكِنْ ضَمِنَ جَازَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا الَّتِي كَانَتْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ فِي التَّضْمِينِ تَمْلِيكًا فَيَسْتَنِدُ الضَّمَانُ إلَى وَقْتِ الْجِنَايَةِ فَيَمْلِكُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَجُوزُ الْعُقُودُ الَّتِي كَانَتْ بَعْدَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنْ مَشَايِخِ بُخَارَى مَنْ جَعَلَ بَيْعَ الْوَفَاءِ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ) أَيْ فَكَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ نَقْضِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي وَهِبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ اهـ غَايَةٌ (فَوُلِدَ مِنْهُمْ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ) أَيْ الْمَرْغِينَانِيُّ وَظَهِيرُ الدِّينِ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالصَّدْرُ السَّعِيدُ تَاجُ الْإِسْلَامِ) أَيْ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ اهـ

مَشَايِخُنَا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَجَعَلُوهُ بَيْعًا جَائِزًا مُفِيدًا، بَعْضُ أَحْكَامِهِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِهِ دُونَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْبَيْعُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ وَلِتَعَامُلِهِمْ فِيهِ، وَالْقَوَاعِدُ قَدْ تُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ وَجَوَّزَ الِاسْتِصْنَاعَ لِذَلِكَ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى: وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ جَعَلَهُ بَاطِلًا اعْتَبَرَهُ بِالْهَازِلِ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ رَهْنًا ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ ذَكَرَا شَرْطَ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ فَسَدَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ أَوْ تَلَفَّظَا بِالْبَيْعِ الْجَائِزِ، وَعِنْدَهُمَا هَذَا الْبَيْعُ عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعٍ غَيْرِ لَازِمٍ فَكَذَلِكَ وَإِنْ ذَكَرَ الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ ذَكَرَا الشَّرْطَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ جَازَ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِالْمِيعَادِ؛ لِأَنَّ الْمَوَاعِيدَ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعِدَةُ دَيْنٌ» فَيُجْعَلُ هَذَا الْمِيعَادُ لَازِمًا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ. وَقَالَ جَلَالُ الدِّينِ فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ: صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي لَوْ دَفَعْت إلَيْك ثَمَنَك تَدْفَعُ الْعَيْنَ إلَيَّ ثُمَّ قَالَ: وَيُسَمَّى هَذَا بَيْعَ الْوَفَاءِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْآخَرُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَضَى ذِكْرُهُ وَتَفْسِيرُهُ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِثْلَ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْبَيْعُ مَوْجُودٌ فِي الْمِصْرِ مُتَعَامَلٌ بِهِ وَهُمْ يُسَمُّونَهُ بَيْعَ الْأَمَانَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبْضُ الثَّمَنِ طَوْعًا إجَازَةٌ كَالتَّسْلِيمِ طَائِعًا) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ طَوْعًا كَانَ إجَازَةً كَمَا إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ طَائِعًا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ أَوْ التَّسْلِيمَ طَائِعًا دَلِيلُ الرِّضَا وَهُوَ الشَّرْطُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ دُونَ التَّسْلِيمِ وَسَلَّمَ حَيْثُ لَا يَكُونُ إجَازَةً وَإِنْ سَلَّمَ طَوْعًا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرَهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ لَا صُورَةُ الْعَقْدِ وَالِاسْتِحْقَاقُ فِي الْبَيْعِ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ الْإِكْرَاهُ بِهِ إكْرَاهًا بِالتَّسْلِيمِ فَيَكُونُ التَّسْلِيمُ أَوْ الْقَبْضُ عَنْ اخْتِيَارٍ دَلِيلَ الْإِجَازَةِ، وَفِي الْهِبَةِ يَقَعُ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْقَبْضِ لَا بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ فَيَكُونُ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهَا إكْرَاهًا بِالتَّسْلِيمِ نَظَرًا إلَى مَقْصُودِ الْمُكْرَهِ وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ وَإِزَالَةُ الْمِلْكِ لِيَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُكْرَهُ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ فِي الْإِكْرَاهِ لَا يُفِيدُهُ لِكَوْنِهِ فَاسِدًا. وَالْهِبَةُ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِأَصْلِ الْوَضْعِ وَتُفِيدُهُ بَعْدَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً فَيَنْصَرِفُ الْإِكْرَاهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مِنْهُ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ وَإِنْ قَبَضَهُ مُكْرَهًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِجَازَةٍ وَعَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِالْإِكْرَاهِ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي لَا عَلَى سَبِيلِ التَّمَلُّكِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ)؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ)؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِتْلَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آلَةً لَهُ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لِعَدَمِ الصَّلَاحِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ بِلِسَانِ الْغَيْرِ لَا يُمْكِنُ فَصَارَ كَأَنَّهُ دَفَعَ مَالَ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَيُضَمِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ كَالْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُكْرَهُ رَجَعَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَهُ فَقَامَ مَقَامَ الْمَالِكِ الْمُكْرَهِ فَيَكُونُ مَالِكًا لَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ بِالِاسْتِنَادِ، وَلَوْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ كَمَا لَا يَرْجِعُ غَاصِبُ الْغَاصِبِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَهُوَ مَبِيعٌ حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ غَيْرَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ نُفُوذُهُ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْمُكْرَهِ فِي الْفَسْخِ. فَإِذَا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ نَفَذَ مِلْكُهُ فِيهِ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ مِنْ آخَرَ وَبَاعَ الْآخَرُ مِنْ آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ الْبِيَاعَاتِ نَفَذَ الْكُلُّ بِتَضْمِينِ الْأَوَّلِ وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِينَ فَأَيُّهُمْ ضَمِنَهُ مَلَكَهُ وَجَازَتْ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي بَعْدَهُ وَبَطَلَ مَا قَبْلَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمُكْرَهُ أَحَدَ هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ حَيْثُ يَجُوزُ الْكُلُّ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَيَأْخُذُ هُوَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْجُودًا وَالْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ حَقُّهُ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ بِالْإِجَازَةِ فَجَازَ الْكُلُّ كَالرَّاهِنِ أَوْ الْآجِرِ إذَا بَاعَ الرَّهْنَ أَوْ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ لِأَجْلِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ، فَإِذَا أَجَازَ نَفَذَ الْبَيْعُ مِنْ جِهَةِ الْمُبَاشِرِ وَالْمُجِيزُ يَكُونُ مَسْقِطًا حَقَّهُ لَا أَنْ يَكُونَ مُمَلِّكًا بِإِجَازَتِهِ وَأَمَّا إذَا ضَمِنَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهُوَ الْبَيْعُ) أَيْ وَالْهِبَةُ مِنْ آخَرَ وَهُوَ الْمُعْتَادُ عِنْدَهُمْ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ فِي عُرْفِهِمْ لَا يَفْهَمُونَ لُزُومَ الْبَيْعِ بِهَذَا الْوَجْهِ بَلْ يُجَوِّزُونَهُ إلَى أَنْ يَرُدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي وَبَقِيَ الْمُشْتَرِي يَرُدُّ الْمَبِيعَ إلَى الْبَائِعِ أَيْضًا وَلَا يَمْتَنِعُ عَنْ الرَّدِّ فَلِهَذَا سَمَّوْهُ بَيْعَ الْوَفَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِمَا عَهِدَ مِنْ رَدِّ الْمَبِيعِ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ يُوجِبُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِشَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا الْبَيْعُ مَوْجُودٌ فِي مِصْرَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الْمِصْرِ. اهـ. . (قَوْلُهُ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّمَلُّكِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى قَبْضِهِ فَكَانَ أَمَانَةً اهـ.

حَقُّهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ فَتَبْطُلُ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي قَبْلَهُ وَلَا يَكُونُ أَخْذُ الثَّمَنِ اسْتِرْدَادًا لِلْمَبِيعِ بَلْ إجَازَةً فَافْتَرَقَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ أَحَدَ بُيُوعِ مَنْ بَاعَهُ الْفُضُولِيُّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا الَّذِي أَجَازَهُ الْمَالِكُ وَلَا يَجُوزُ مَا قَبْلَهُ وَلَا مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ فَعِنْدَ الْإِجَازَةِ يَمْلِكُ مَنْ أُجِيزَ شِرَاؤُهُ وَتَبْطُلُ الْبَقِيَّةُ لِوُرُودِ مِلْكٍ بَاتٍّ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى أَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَمَيْتَةٍ وَدَمٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ بِضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ وَحَلَّ بِقَتْلٍ وَقَطْعٍ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِمَا لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوِهِ كَالضَّرْبِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ وَبِمَا يَخَافُ يَسَعُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ، وَفِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحِلِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَالِاضْطِرَارِ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا فَظَهَرَ أَنَّ التَّحْرِيمَ مَخْصُوصٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ، وَفِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ مُبَاحٌ وَالِاضْطِرَارُ يَحْصُلُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَهُوَ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِضَرْبِ السَّوْطِ وَلَا بِالْحَبْسِ حَتَّى لَوْ خَافَ ذَلِكَ مِنْهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَدْنَى الْحَدِّ وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَوْطًا فَإِنْ هَدَّدَهُ بِهِ وَسِعَهُ وَإِنْ هَدَّدَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَسَعُهُ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ وَهُوَ يُقَامُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّ فِيهِ مَا يَكُونُ مُتْلِفًا، قُلْنَا: لَا وَجْهَ لِلتَّقْدِيرِ بِالرَّأْيِ، وَأَحْوَالُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ الشَّدِيدَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ بِالْأَدْنَى مِنْهُ فَلَا طَرِيقَ سِوَى الرُّجُوعِ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تَلَفَ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَسِعَهُ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَثِمَ بِصَبْرِهِ) أَيْ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَكْلِ وَصَبَرَ حَتَّى أَتْلَفَ أَثِمَ؛ لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُبَاحَةٌ عَلَى مَا قُلْنَا وَإِهْلَاكُ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُبَاحِ حَرَامٌ فَيَأْثَمُ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِبَاحَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْخُلَفَاءِ وَقَدْ دَخَلَهُ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ وَقَصَدَ فِي زَعْمِهِ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فَكَانَ مَعْذُورًا فَلَا يَأْثَمُ كَالْجَهْلِ بِالْخِطَابِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ فِيهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ إذْ الْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ فَيَكُونُ أَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ قُلْنَا حَالَةُ الِاضْطِرَارِ مُسْتَثْنَاةٌ بِالنَّصِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَكُونُ حَرَامًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَكُونُ الِامْتِنَاعُ عَزِيمَةً بَلْ مَعْصِيَةً، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الرُّخْصَةَ اسْتِبَاحَةُ الْمَحْظُورِ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُحَرِّمِ وَالْحُرْمَةِ أَيْ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ لَا أَنْ يَكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَخْ) وَأَمَّا إذَا أَجَازَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بَيْعًا مِنْ تِلْكَ الْبُيُوعِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مَا أَجَازَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ فَكُلُّ بَيْعٍ مِنْ هَذِهِ الْبُيُوعِ يُوقَفُ عَلَى إجَازَتِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ فَيَكُونُ إجَازَتُهُ أَحَدَ الْبُيُوعِ تَمْلِيكًا لِلْعَيْنِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ ذَلِكَ الْبَيْعِ وَلَا يَنْفُذُ مَا سِوَاهُ اهـ نِهَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَلَى أَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَصْلِ لَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ اللُّصُوصِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ الْمُتَأَوِّلِينَ أَوْ مِنْ لُصُوصِ أَهْلِ الذِّمَّةِ اجْتَمَعُوا فَغَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَمِيرًا فَأَخَذُوا رَجُلًا، وَقَالُوا لَهُ لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَشْرَبَنَّ هَذِهِ الْخَمْرَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ هَذِهِ الْمَيْتَةَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ لَحْمَ هَذَا الْخِنْزِيرِ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ تَنَاوُلِهِ بَلْ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ التَّنَاوُلُ إذَا كَانَ فِي غَالِبِ رَأْيِهِ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ قُتِلَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] وَقَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ} [المائدة: 3] إلَى أَنْ قَالَ {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3] وَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ {وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وَقَالَ فِي الْأَنْعَامِ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145]. وَقَالَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 115] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَى حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَالْمُسْتَثْنَى يَكُونُ حُكْمُهُ أَبَدًا عَلَى خِلَافِ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا مَحَالَةَ فَيَحِلُّ الْمُسْتَثْنَى وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الضَّرُورَةُ بِسَبَبِ الْمَخْمَصَةِ أَوْ الْإِكْرَاهِ فَتَنَاوَلَ النَّصُّ بِإِطْلَاقِهِ النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) ثُمَّ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهِ الْعَزِيمَةِ فِيهِ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَلَوْ امْتَنَعَ حَتَّى قُتِلَ يَأْثَمُ وَهِيَ شُرْبُ الْخَمْرِ وَتَنَاوُلُ الْمَيْتَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ وَفِي وَجْهٍ يُرَخَّصُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْعَزِيمَةَ هُوَ الِامْتِنَاعُ وَهُوَ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَسَبُّ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَا هُوَ كُفْرٌ أَوْ اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ حَتَّى لَوْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكْرَهٌ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ وَلَوْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ يَكُونُ مَأْجُورًا وَفِي وَجْهِ الْعَزِيمَةِ هُوَ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ وَلَا يُرَخَّصُ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ بِحَالٍ وَهِيَ قَتْلُ نَفْسِ مَعْصُومٍ مُحْتَرَمٍ أَوْ قَطْعُ عُضْوٍ مِنْهُ وَالزِّنَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ بِحَالٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَصَبَرَ حَتَّى أَتْلَفَ أَثِمَ) إلَّا إذَا كَانَ الرَّجُلُ جَاهِلًا بِالْإِبَاحَةِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ حَتَّى قُتِلَ قَالَ مُحَمَّدٌ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ؛ لِأَنَّ فِي انْكِشَافِ الْحُرْمَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ خَفَاءٌ فَعُذِرَ بِالْجَهْلِ حَيْثُ قَصَدَ التَّحَرُّزَ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْحَرَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

مُبَاحًا حَقِيقَةً، وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ الْجِنَايَةَ فِي الرُّخْصَةِ مَوْجُودَةٌ وَإِنَّمَا انْتَفَتْ الْعُقُوبَةُ فَقَطْ كَالْعَفْوِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْدِمُ الْجِنَايَةَ وَإِنَّمَا يُسْقِطُ الْمُؤَاخَذَةَ فَقَطْ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ صَبَرَ فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الْكُفْرِ وَإِتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ بِقَتْلٍ وَقَطْعٍ لَا بِغَيْرِهِمَا يُرَخَّصُ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَوْ إتْلَافِ مَالِ إنْسَانٍ بِشَيْءٍ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَعْضَائِهِ كَالْقَتْلِ وَقَطْعِ الْأَطْرَافِ يُرَخَّصُ لَهُ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] وَلِحَدِيثِ «عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ حِينَ اُبْتُلِيَ بِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: كَيْفَ وَجَدْت قَلْبَك؟ قَالَ: مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ، قَالَ: فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» أَيْ فَعُدْ إلَى الطُّمَأْنِينَةِ، وَفِيهِ نَزَلَتْ الْآيَةُ وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ لَا تَفُوتُ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ بِهِ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ مُفَوِّتًا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَعْنَى فَيُرَخَّصُ لَهُ إحْيَاءً لِنَفْسِهِ أَوْ طَرَفِهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْعُضْوِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَا يُرَخَّصُ لَهُ قَتْلُ النَّفْسِ لِيَأْكُلَ مِنْهُ وَلَا قَطْعُ عُضْوِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ يُرَخَّصُ لَهُ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ الْكَامِلِ وَهُوَ الْمُلْجِئُ، وَذَلِكَ مِثْلُ إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ وَإِفْسَادِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْكُفْرِ لَا تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْإِبَاحَةُ فِيهِ أَصْلًا وَغَيْرُهُ وَإِنْ احْتَمَلَهُ عَقْلًا لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ سَمْعًا فَالْتَحَقَ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَيَثْبُتُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ رُخْصَةً لَا إبَاحَةً مُطْلَقَةً وَلَا تَثْبُتُ بِغَيْرِ الْمُلْجِئِ كَالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْجِئٍ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ إكْرَاهًا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ فَكَيْفَ يَكُونُ إكْرَاهًا فِي الْكُفْرِ وَهُوَ أَعْظَمُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُثَابُ بِالصَّبْرِ) أَيْ يَكُونُ مَأْجُورًا إنْ صَبَرَ وَلَمْ يُظْهِرْ الْكُفْرَ حَتَّى قُتِلَ؛ لِأَنَّ خُبَيْبًا صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صُلِبَ وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ، وَقَالَ فِي مِثْلِهِ «هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَائِمَةٌ وَالِامْتِنَاعُ عَزِيمَةٌ، فَإِذَا بَذَلَ نَفْسَهُ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَلِإِقَامَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادِ كَانَ شَهِيدًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَاتَلَ دُونَ مَالِ غَيْرِهِ فَقُتِلَ كَانَ شَهِيدًا، وَلَا يُقَالُ الْكُفْرُ مُسْتَثْنًى فِي حَالَةِ الْإِكْرَاهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] كَمَا اسْتَثْنَى الْمَيْتَةَ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ فَكَيْفَ يَكُونُ حَرَامًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِثْنَاءُ هُنَا رَاجِعٌ إلَى الْعَذَابِ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ قَبْلَهُ فَيَنْتَفِي الْعَذَابُ دُونَ الْحُرْمَةِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَأَخَوَاتِهَا فَإِنَّ الْمَذْكُورَ هُنَاكَ فِيهِ الْحُرْمَةُ فَتَنْتَفِي فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَهُنَا لَا تَنْتِفِي فَتَبْقَى عَلَى حَالِهَا وَلَكِنْ لَوْ تَرَخَّصَ جَازَ لِمَا أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَفُوتُ بِهِ وَلَا حَقُّ الْعَبْدِ لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ وَوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُكْرَهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ)؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ لِمَالِهِ وَالْمُكْرَهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ بِقَتْلٍ لَا يُرَخَّصُ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ بِالْقَتْلِ لَا يُرَخَّصُ لَهُ الْقَتْلُ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الرُّخْصَةِ خَوْفُ التَّلَفِ وَالْمُكْرَهُ وَالْمُكْرَهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَسَقَطَ الْكُرْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَتَلَهُ أَثِمَ)؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَاقِيَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَأْثَمُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَلِأَنَّ الْإِثْمَ يَكُونُ بِدِينِهِ وَالْمُكْرَهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي حَقِّهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا يُرَخَّصُ لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَتْلَ النَّفْسِ بِالضَّيَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ وَلَدٌ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُرَبِّيهِ وَلِأَنَّ فِيهِ إفْسَادَ الْفِرَاشِ بِخِلَافِ جَانِبِ الْمَرْأَةِ حَيْثُ يُرَخَّصُ لَهَا بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ مِنْ جَانِبِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ، وَلِهَذَا أَوْجَبَ الْإِكْرَاهُ الْقَاصِرُ دَرْءَ الْحَدِّ فِي حَقِّهَا دُونَ الرَّجُلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْتَصُّ مِنْ الْمُكْرِهِ فَقَطْ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ دُونَ الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْقَاتِلُ هُوَ الْمُكْرَهُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ، وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ يَأْثَمُ بِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَقَدْ تَحَقَّقَ مِنْ الْمُكْرَهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَفْعَالِ أَنْ يُؤَاخَذَ بِهَا فَاعِلُهَا إلَّا إذَا سَقَطَ حُكْمُ فِعْلِهِ شَرْعًا وَأُضِيفَ إلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ سَقَطَ حُكْمُهُ وَهُوَ الْإِثْمُ عَنْ الْفَاعِلِ وَأُضِيفَ إلَى غَيْرِهِ وَهُنَا لَمْ يَسْقُطْ حُكْمُ فِعْلِهِ بَلْ قُرِّرَ حُكْمُ فِعْلِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ، وَإِثْمُ الْقَتْلِ يَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا أَمَّا الْمُكْرَهُ فَلِمَا قَالَهُ زُفَرُ وَأَمَّا الْمُكْرِهُ فَلِحُصُولِ التَّسْبِيبِ مِنْهُ إلَى الْقَتْلِ حَيْثُ أَحْدَثَ فِيهِ مَعْنًى حَامِلًا عَلَى الْقَتْلِ وَالسَّبَبُ التَّامُّ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُبَاشَرَةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ خُبَيْبًا) خُبَيْبِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيَّ الْأَوْسِيَّ شَهِدَ بَدْرًا. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُكْرَهُ وَالْمُكْرَهُ عَلَيْهِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْإِثْمَ يَكُونُ بِدَيْنِهِ) أَيْ بِالْجِنَايَةِ عَلَى دَيْنِهِ اهـ

الْقِصَاصِ عِنْدَهُ وَلِهَذَا حُكِمَ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى شُهُودِ الْقِصَاصِ إذَا رَجَعُوا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ وَالْقَتْلُ بِالْإِكْرَاهِ مِنْ الْمُتَغَلِّبَةِ غَالِبٌ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ لَأَدَّى إلَى الْفَسَادِ فَيُوجِبُ عَلَى الْكُلِّ حَسْمًا لِمَادَّتِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بَقِيَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُكْرَهِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى أَثِمَ إثْمَ الْقَتْلِ وَأُضِيفَ إلَى الْمُكْرِهِ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَمَلَ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ فَصَارَ مَدْفُوعًا إلَى الْقَتْلِ بِمُوجِبِ طَبْعِهِ وَلِأَنَّ الْمُكْرَهَ قَاتِلٌ حَقِيقَةً لَا حُكْمًا وَالْمُكْرِهُ بِالْعَكْسِ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ بِطَبْعِهِ إيثَارًا لِحَيَاتِهِ فَيَصِيرُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ وَهُوَ الْإِتْلَافُ دُونَ الْإِثْمِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْآلَةَ هِيَ الَّتِي تَعْمَلُ بِطَبْعِهَا كَالسَّيْفِ فَإِنَّ طَبْعَهُ الْقَطْعُ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ فِي مَحَلِّهِ وَكَالنَّارِ فَإِنَّ طَبْعَهَا الْإِحْرَاقُ وَكَالْمَاءِ فَإِنَّ طَبْعَهُ الْإِغْرَاقُ وَبِاسْتِعْمَالِ الْآلَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُسْتَعْمِلِ فَكَذَا هُنَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ هُوَ الْمُسْتَعْمِلُ لَهُ وَالْمَأْمُورُ جَارٍ عَلَى مُوجِبِ طَبْعِهِ أَنَّ ضَمَانَ الْمَالِ الْمُتْلَفِ يَجِبُ عَلَى الْآمِرِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ بِالِاسْتِعْمَالِ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْإِتْلَافَ مَنْسُوبٌ إلَى الْآمِرِ وَأَنَّ الْمَأْمُورَ آلَةٌ لَهُ إذْ لَا وَجْهَ لِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ فَكَأَنَّ الْآمِرَ مُبَاشِرٌ لِلْإِتْلَافِ لَا مُتَسَبِّبٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَسَبِّبًا لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنَّمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ وَالْمُتَسَبِّبَ إذَا اجْتَمَعَا عَلَى الْإِتْلَافِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُبَاشِرِ دُونَ الْمُتَسَبِّبِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ آلَةً لَهُ فِي إتْلَافِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ بِأَنْ يَأْخُذَهُ وَيُلْقِيَهُ فِي مَالِ إنْسَانٍ فَكَذَا فِي النَّفْسِ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ بِخِلَافِ الْإِثْمِ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى دِينِهِ وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى دِينِ غَيْرِهِ فَبَقِيَ بِالْفِعْلِ مَقْصُورًا فِي حَقِّهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَى الْآمِرِ فِي الْإِتْلَافِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَأْمُورِ مِنْ حَيْثُ التَّلَفُّظُ وَلَا يُجْعَلُ آلَةً لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلِسَانِ غَيْرِهِ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَأْمُورِ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ. وَلَوْ نُقِلَ إلَى الْآمِرِ لَمَا عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ، وَكَذَا قُلْنَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الطَّلَاقِ حَتَّى يَكُونَ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ فِي حَقِّ التَّلَفُّظِ دُونَ الْإِتْلَافِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَ مُسْلِمٌ مَجُوسِيًّا عَلَى ذَبْحِ شَاةٍ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَى الْمُسْلِمِ الْآمِرِ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا يَنْتَقِلُ فِي حَقِّ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ فِي الذَّبْحِ فِي الدِّينِ وَبِالْعَكْسِ يَحِلُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى عَتَاقٍ وَطَلَاقٍ فَفَعَلَ وَقَعَ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى عَتَاقٍ أَوْ طَلَاقٍ فَأَعْتَقَ أَوْ طَلَّقَ وَقَعَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَعَدَمُ صِحَّةِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْأَقَارِيرِ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى التَّصَرُّفِ وَهُوَ كَوْنُهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الرِّضَا وَمَعَ الْإِكْرَاهِ لَا يُوجَدُ الرِّضَا، وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرِّضَا فَيَقَعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَقَعَانِ مَعَ الْهَزْلِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الرِّضَا فِيهِمَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَإِخْوَانِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ وَنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ لَمْ يَطَأْهَا) يَعْنِي عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَالْمُكْرَهُ آلَةٌ لَهُ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ إذْ ضَمَانُ الْعُدْوَانِ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِلْخُرُوجِ إلَى الْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي مُعْتِقِ الْبَعْضِ أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ كَعِتْقِ الرَّاهِنِ الْمَرْهُونَ وَهُوَ مُعْسِرٌ أَوْ عِتْقِ الْمَرِيضِ عَبْدَهُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هُنَا وَلَا يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فِيهِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ كَالِارْتِدَادِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ فَكَانَ تَقْرِيرًا لِلْمَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيُضَافُ تَقْرِيرُهُ إلَى الْمُكْرَهِ وَالتَّقْرِيرُ كَالْإِيجَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْمُكْرِهِ الْآمِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ طَبْعَهُ الْإِغْرَاقُ) أَيْ فَفِي الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِ الطَّبْعِ مُشَابَهَةٌ بِالْآلَةِ وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْقَاتِلُ آلَتَهُ الَّتِي هِيَ السَّيْفُ فِي شَخْصٍ ظُلْمًا فَقَتَلَهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ فَكَذَا هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِالْعَكْسِ) أَيْ لَوْ أَكْرَهَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى الذَّبْحِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ إلَخْ) وَالْوَلَاءُ لِلْمُكْرَهِ دُونَ الْمُكْرِهِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ هَذَا الْكِتَابِ

فَكَانَ مُتْلِفًا لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَقَرَّرَ هُنَا بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ الْمُكْرِهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ خَطَرَ بِبَالِي الْإِخْبَارُ بِالْحُرِّيَّةِ فِيمَا مَضَى كَاذِبًا وَقَدْ أَرَدْت ذَلِكَ لَا إنْشَاءَ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ يَعْتِقُ الْعَبْدُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلَا يَعْتِقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَضْمَنُ الْمُكْرَهُ لَهُ شَيْئًا لِزَعْمِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْعَتَاقُ، وَلَوْ قَالَ: خَطَرَ بِبَالِي ذَلِكَ وَلَمْ أُرِدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَرَدْت بِهِ الْإِنْشَاءَ فِي الْحَالِ أَوْ لَمْ أُرِدْ بِهِ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي شَيْءٌ عَتَقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمُكْرِهِ وَعَلَى هَذِهِ التَّفَاصِيلِ الطَّلَاقُ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ أَوْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فَفَعَلَ رَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ كَانَ يَنْدَفِعُ بِالْأَقَلِّ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ أَوْقَعَ الْعِتْقَ فَهُوَ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَى إيقَاعِهِ؛ إذْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ وَيَتَخَلَّصَ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فَأَوْقَعَ التَّوْكِيلَ وَقَعَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْهَزْلِ فَكَذَا مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالْبَيْعِ وَأَمْثَالِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ وَلَكِنْ يُوجِبُ فَسَادَهُ فَكَذَا التَّوْكِيلُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْوَكَالَةِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ، فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ وَيَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِمَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرْجِعَ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ وَقَعَ عَلَى التَّوْكِيلِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْإِتْلَافُ وَإِنَّمَا يَتْلَفُ بِفِعْلِ الْوَكِيلِ بَعْدَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ وَقَدْ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ أَصْلًا فَلَا يُضَافُ التَّلَفُ إلَى التَّوْكِيلِ كَمَا فِي الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا قَدْ وَكَّلَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ الْوَكِيلُ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ غَرَضَ الْمُكْرَهِ زَوَالُ مِلْكِهِ إذَا بَاشَرَ الْوَكِيلُ فَكَانَ الزَّوَالُ مَقْصُودًا وَجَعَلَ مَا فَعَلَ طَرِيقًا إلَى الْإِزَالَةِ فَيَضْمَنُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِكْرَاهُ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى النَّذْرِ صَحَّ وَلَزِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَهُوَ مِنْ اللَّاتِي هَزْلُهُنَّ جِدٌّ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِمَا لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا فَلَا يُطَالِبُ هُوَ بِهِ فِيهَا؛ إذْ لَوْ كَانَ لَهُ الطَّلَبُ فِيهَا لَحُبِسَ فَيَكُونُ أَكْثَرَ مِمَّا أَوْجَبَ، وَكَذَا الْيَمِينُ وَالظِّهَارُ لَا يَعْمَلُ فِيهِمَا الْإِكْرَاهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ فَيَسْتَوِي فِيهِمَا الْجِدُّ وَالْهَزْلُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ «حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَخَذُوهُ وَاسْتَحْلَفُوهُ عَلَى أَنْ لَا يَنْصُرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ فَحَلَفَ مُكْرَهًا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَوْفِ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَحْنُ نَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ» وَلِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَوْجَبَ الشَّرْعُ بِهِ حُرْمَةً مُؤَقَّتَةً بِالْكَفَّارَةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ كَالطَّلَاقِ. وَكَذَا الرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ فِيهِ بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ فَكَانَتْ مُلْحَقَةً بِهِ وَالْإِيلَاءُ يَمِينٌ فِي الْحَالِ وَطَلَاقٌ فِي الْمَآلِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يَمْنَعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْفَيْءُ فِيهِ كَالرَّجْعَةِ فِي الِاسْتِدَامَةِ، وَلَوْ بَانَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا لَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْفَيْءِ فِي الْمُدَّةِ، وَكَذَا الْخُلْعُ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ أَوْ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ مُكْرَهَةٍ لَزِمَهَا الْبَدَلُ؛ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْهُ وَهِيَ طَائِعَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً لَا يَلْزَمُهَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَلْزَمُ بِدُونِ الرِّضَا، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ مَمْلُوكٍ يَمْلِكُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ حُرًّا فَفَعَلَ ثُمَّ مَلَكَ مَمْلُوكًا عَتَقَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَحْصُلُ بِاعْتِبَارِ صُنْعٍ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُعَلِّقَهُ بِفِعْلِهِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ إنْ صَلَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت ثُمَّ فَعَلَ الْمُكْرَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَغَرِمَ الْمُكْرِهُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ فَكَانَ مُلْجَأً، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَكْفُرَ فَفَعَلَ لَمْ يَرْجِعْ بِذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْخُرُوجِ عَنْ حَقٍّ لَزِمَهُ وَذَلِكَ حِسْبَةٌ مِنْهُ لَا إتْلَافُ شَيْءٍ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَفَعَلَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَعَلَى الْمُكْرَهُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا مُعَيَّنًا عَنْ كَفَّارَتِهِ فَصَارَ بِالْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ مُتَعَدِّيًا عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى النَّذْرِ صَحَّ وَلَزِمَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالنَّذْرُ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ وَلَوْ أَنَّ لِصًّا غَالِبًا أَكْرَهَ رَجُلًا حَتَّى جَعْلِ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةً أَوْ صَوْمًا أَوْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ غَزْوَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ بَدَنَةً أَوْ شَيْئًا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ، فَهَدَّدَهُ بِقَتْلٍ أَوْ تَلَفِ عُضْوٍ أَوْ غَيْرِهِ يَعْنِي بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ حَتَّى أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ أَرْبَعٌ مُقْفَلَاتٌ مُبْهَمَاتٌ لَيْسَ فِيهِنَّ رِدِّيدَى: الْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالنَّذْرُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مُبْهَمَاتٌ وُقُوعُهَا وَصِحَّتُهَا مُطْلَقَةً بِلَا قَيْدِ الرِّضَا وَالطَّوَاعِيَةِ وَالْجِدِّ إذَا صَدَرَتْ مِنْ مُكَلَّفٍ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ يَعْنِي أَنَّ حُرْمَةَ الْأُمِّ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالدُّخُولِ. وَالرِّدِّيدِى بِمَعْنَى الرَّدِّ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تَصَرُّفٌ لَا يُبْطِلُهُ الْهَزْلُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا نَذَرَ هَازِلًا يَلْزَمُهُ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُبْطِلُهُ الْهَزْلُ لَا يُبْطِلُهُ الْإِكْرَاهُ وَلِأَنَّ النَّذْرَ وَالْيَمِينَ لَا يَقْبَلَانِ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِمَا وَكُلُّ مَا لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَلَا يَرْجِعُ فِيهِ الْمُكْرَهُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمَنْذُورِ وَلِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا يُحْبَسُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْكَافِي لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَاءِ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُظَاهِرَ مِنْ امْرَأَتِهِ كَانَ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّحْرِيمِ فَأَشْبَهَ الْيَمِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ بِالْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ مُتَعَدِّيًا عَلَيْهِ) أَيْ وَلَا يُقَالُ بِأَنَّهُ إتْلَافٌ بِعِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ عَسَى يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِمَا دُونَ هَذَا فَصَارَ فِي الزِّيَادَةِ إتْلَافًا بِغَيْرِ

بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ إلَّا بِالْخُرُوجِ عَمَّا لَزِمَهُ وَلَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى إتْلَافِ مَالٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعِتْقِ بِعِوَضٍ، وَلَوْ قَالَ: أَنَا أُبْرِئُهُ مِنْ الْقِيمَةِ حَتَّى يُجْزِئَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ نَفَذَ غَيْرَ مُجْزِئٍ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْمَوْجُودُ بَعْدَ ذَلِكَ إبْرَاءٌ عَنْ الدَّيْنِ وَهُوَ لَا تَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْته حِينَ أَكْرَهَنِي وَأَنَا أُرِيدُ بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَمْ أُعْتِقْهُ لِإِكْرَاهِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ كُلَّهُ فَهُوَ مُخْتَارٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَمَا أَتَى بِهِ غَيْرُ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَلَا يَصِيرُ الْإِتْلَافُ بِهِ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُمِرَ أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ كُلَّهُ كَانَ بَاطِلًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْمُكْرِهُ قِيمَتَهُ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَالْإِكْرَاهُ عَلَى إعْتَاقِ النِّصْفِ إكْرَاهٌ عَلَى إعْتَاقِ الْكُلِّ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى إعْتَاقِ كُلِّهِ فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ يَضْمَنُ نِصْفَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ النِّصْفِ إعْتَاقٌ لِلْكُلِّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَقْتَصِرُ عَلَى النِّصْفِ فَيَكُونُ آتِيًا بِبَعْضِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِحِسَابِهِ. وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا فَزَنَى يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ وَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُهُ يَجِبُ، وَقَالَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلُ أَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ وَالِانْتِشَارُ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نِسْبَةُ الزِّنَا إلَى الْمُكْرِهِ لِكَوْنِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي الزِّنَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِآلَةِ غَيْرِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَكَانَ مُقْتَصَرًا عَلَى الْفَاعِلِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ دُونَ إحْصَانِ الْمُكْرَهِ فَكَذَا الْحَدُّ يَجِبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْفِعْلِ وَيَتَحَقَّقُ مِنْهَا الزِّنَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ مِنْهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا وَلَا تَشْعُرُ بِهِ وَبِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ آلَةً لَهُ فِيهِ فَيُنْسَبُ إلَى الْمُكْرَهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَجْهُ قَوْلِهِ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ أَنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا كَمَا فِي النَّائِمِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ إذَا وُجِدَ الْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْإِلْجَاءُ لَمَا فَعَلَ بِالْفِعْلِ دَفَعَ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ وَلِأَنَّ الْحَدَّ شُرِعَ لِلزَّجْرِ وَهُوَ مُنْزَجِرٌ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِكْرَاهِ لِمَا أَنَّ فِي الِامْتِنَاعِ إهْلَاكَهُ فَلَا يُفِيدُ شَرْعُ الْحَدِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الرِّدَّةِ لَمْ تَبِنْ امْرَأَتُهُ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الرِّدَّةِ وَأَجْرَى كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لَمْ تَبِنْ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ حَتَّى لَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ وَأَنْكَرَ هُوَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ الْكُفْرِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ بِهَا فَيَسْتَوِي فِيهَا الطَّائِعُ وَالْمُكْرَهُ كَلَفْظَةِ الطَّلَاقِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْفُرْقَةِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ الِاعْتِقَادِ وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِهِ فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ، وَلِهَذَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ مُكْرَهًا حَيْثُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ أَحَدَ الرُّكْنَيْنِ، وَفِي الرُّكْنِ الْآخَرِ احْتِمَالٌ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْوُجُودِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ «الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ» وَنَظِيرُهُ السَّكْرَانُ فَإِنَّ إسْلَامَهُ صَحِيحٌ وَكُفْرُهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ هَذَا لِبَيَانِ الْحُكْمِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ. وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى أَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْإِسْلَامِ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ كُفْرُهُ أَصْلِيًّا لِعَدَمِ صِحَّةِ إسْلَامِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُكْرَهُ نَوَيْت الْإِخْبَارَ بَاطِلًا وَلَمْ أَكُنْ فَعَلْت بَانَتْ امْرَأَتُهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُودِ الْمَخْلَصِ وَجَوَابُهُ مُطَابِقٌ لِلسُّؤَالِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا نَوَى بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَلَا يَصَّدَّقُ أَنَّهُ نَوَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ وَقَعَ جَوَابًا لِمَا طُلِبَ مِنْهُ ظَاهِرًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَجَابَ إلَيْهِ وَنَوَى مَا قَصَدَهُ الْمُكْرِهِ مَعَ إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُودِ الْمَخْلَصِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ عَدَلَ عَمَّا طَلَبُوهُ مِنْهُ بِالنِّيَّةِ فَيُجْعَلُ مُجِيبًا لَهُمْ طَائِعًا، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت مَا طُلِبَ مِنِّي وَقَدْ خَطَرَ بِبَالِي الْخَبَرُ عَنْ الْبَاطِلِ بَانَتْ دِيَانَةً وَقَضَاءً؛ لِأَنَّهُ كُفْرٌ حَقِيقَةً حَيْثُ أَجَابَ إلَى مَا طُلِبَ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الْمَخْلَصِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الصَّلِيبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِوَضٍ حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ أَخَسِّ الرِّقَابِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ دُونَ هَذَا مُجْزِيًا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا فَإِنْ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ قُلْنَا مَتَى ضَمِنَ بَعْضَهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَفَّارَةً فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ إتْلَافٌ بِلَا نَفْعٍ يُسْلَمُ لَهُ فَيَضْمَنُ كُلَّهُ وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى وَجَبَ الضَّمَانُ لِرَبِّهِ عَلَى الْمُكْرَهِ صَارَ إعْتَاقًا بِعِوَضٍ فَلَا يَصْلُحُ كَفَّارَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَنَا أُرِيدُ بِهِ) أَيْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَجْزَأَهُ) أَيْ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ طَائِعًا فَلَمْ يَكُنْ الضَّمَانُ بِهِ وَاجِبًا عَلَى الْمُكْرِهِ فَصَلَحَ كَفَّارَةً، وَإِنَّهُ أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ فَصَدَقَ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ طَائِعٌ، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْعِتْقَ عَنْ الظِّهَارِ كَمَا أَمَرَنِي وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي غَيْرُ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِأَمْرِهِ فَكَانَ مُكْرَهًا وَلَوْ أَكْرَهَهُ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَجْزَأَهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ نَقْلَ الْفِعْلِ إلَى غَيْرِهِ وَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ فَبَقِيَ إعْتَاقًا بِلَا عِوَضٍ فَيُسْلَمُ لَهُ فَيَصْلُحُ كَفَّارَةً اهـ الثَّانِي. (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) أَسِيرٌ خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ إنَّك ارْتَدَدْت فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْفُرْقَةِ وَإِنْ أَقَرَّ وَقَالَ تَكَلَّمْت بِذَلِكَ لَكِنْ مُكْرَهًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالرِّدَّةِ وَادَّعَى الْكُرْهَ وَالْمَرْأَةُ مُنْكِرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَالْقَاضِي لَا يُصَدِّقُهُمَا؛ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا فِي الْفَرْجِ لَا يَجُوزُ. اهـ. سِيَرٌ فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُكْرَهُ) أَيْ عَلَى الْإِسْلَامِ اهـ

[كتاب الحجر]

أَوْ عَلَى سَبِّ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ خَطَرَ بِبَالِي أَنْ أَسْجُدَ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ أَسُبَّ مُحَمَّدًا آخَرَ فَنَوَيْت السُّجُودَ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ سَبَبْت غَيْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَانَتْ امْرَأَتُهُ قَضَاءً لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ قَالَ نَوَيْت السُّجُودَ لِلصَّلِيبِ أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَرَ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ قَالَ: لَمْ يَخْطِرُ بِبَالِي شَيْءٌ وَنَوَيْت مَا طُلِبَ مِنِّي وَقَلْبِي مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لَا تَبِينُ امْرَأَتُهُ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُودِ الْمَخْلَصِ، وَإِجَابَةُ مَا طُلِبَ مِنْهُ فِي حَالَةِ الْإِكْرَاهِ مُرَخَّصٌ لَهُ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَحْوَالِ حَتَّى لَوْ خَطَرَ بِبَالِهِ أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَهُ الْعَدُوُّ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ لَأَجْرَاهَا عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ كَفَرَ مِنْ سَاعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ نَوَى أَنْ يَكْفُرَ فِي وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) وَحُرْمَةُ طَرَفِ الْإِنْسَانِ كَحُرْمَةِ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَطْعِ يَدِ غَيْرِهِ لَا يُرَخَّصُ لَهُ قَطْعُهَا كَمَا لَمْ يُرَخَّصْ لَهُ قَتْلُ نَفْسِهِ بِخِلَافِ إتْلَافِ مَالِهِ، وَلَوْ قَطَعَهَا يَأْثَمُ الْقَاطِعُ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ كَمَا قُلْنَا فِي النَّفْسِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَطْعِ طَرَفِ نَفْسِهِ حَلَّ لَهُ قَطْعُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الطَّرَفِ حَتَّى يَحِلَّ لَهُ قَطْعُهَا إذَا اسْتَأْكَلَتْ، وَلَوْ قَالَ لَهُ لِتُلْقِيَن نَفْسَك فِي النَّارِ أَوْ مِنْ الْجَبَلِ أَوْ لَأَقْتُلَنك وَكَانَ الْإِلْقَاءُ بِحَيْثُ لَا يَنْجُو مِنْهُ وَلَكِنْ فِيهِ نَوْعُ خِفَّةٍ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ وَصَبَرَ حَتَّى يُقْتَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ فَيَخْتَارُ مَا هُوَ الْأَهْوَنُ فِي زَعْمِهِ وَعِنْدَهُمَا يَصْبِرُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ سَعْيٌ فِي إهْلَاكِ نَفْسِهِ فَيَصْبِرُ تَحَامِيًا عَنْهُ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْحَرِيقَ إذَا وَقَعَ فِي سَفِينَةٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ صَبَرَ فِيهِ احْتَرَقَ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ غَرِقَ فَعِنْدَهُ يَخْتَارُ أَيَّهُمَا وَعِنْدَهُمَا يَصْبِرُ ثُمَّ إذَا أَلْقَى نَفْسَهُ فِي النَّارِ فَاحْتَرَقَ فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ. وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ يَدَ رَجُلٍ بِحَدِيدَةٍ فَقَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ رِجْلَهُ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ فَمَاتَ الْمَقْطُوعُ مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاطِعِ وَالْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا انْتَقَلَ إلَى الْمُكْرِهِ وَالْآخَرُ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَاطِعِ فَصَارَا قَاتِلَيْنِ لَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ فِي مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ فِي قَطْعِ الْيَدِ عَلَى الْمُكْرَهِ الدِّيَةُ عِنْدَهُ فَصَارَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا ضَرُورَةً. وَلَوْ قَالَ لَهُ لَتُلْقِيَن نَفْسَك مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ أَوْ لَأَقْتُلَنك بِالسَّيْفِ فَأَلْقَى نَفْسَهُ فَمَاتَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ بِالْمُثَقَّلِ بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْمُكْرَهِ فِي مَالِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ عِنْدَهُ وَعَلَى الْمُكْرَهِ الْقِصَاصُ عِنْدَهُ. وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ: اُقْتُلْنِي فَعَنْهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الصَّحِيحِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَجْرِي فِي النُّفُوسِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ كَمَا قَالَ زُفَرُ وَإِنَّمَا سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ بِاعْتِبَارِ الْإِذْنِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ حَقُّهُ فَصَارَ كَإِذْنِهِ بِإِتْلَافِ مَالِهِ وَثَمَّ لَا ضَمَانَ فَكَذَا هُنَا. وَإِذَا أُكْرِهَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ عَلَى التَّزْوِيجِ بِمَهْرٍ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ فَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَرْضَ الْوَلِيُّ فَلِلْوَلِيِّ الْفِرَاقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ التَّبْلِيغَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَعَيَّرُونَ بِالنُّقْصَانِ وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا حَتَّى تَمْلِكَ إسْقَاطَهُ وَهِبَتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْحَجْرِ] (كِتَابُ الْحَجْرِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ مَنْعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ قَوْلًا لَا فِعْلًا بِصِغَرٍ وَرِقٍّ وَجُنُونٍ) هَذَا فِي الشَّرْعِ، وَفِي اللُّغَةِ هُوَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا أَيَّ مَنْعٍ كَانَ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَطِيمُ حِجْرًا؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْكَعْبَةِ وَسُمِّيَ الْعَقْلُ حِجْرًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الْقَبَائِحِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5] أَيْ لِذِي عَقْلٍ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْبَشَرَ أَشْرَفَ خَلْقٍ وَجَعَلَهُمْ بِكَمَالِ حِكْمَتِهِ مُتَفَاوِتِينَ فِيمَا يَمْتَازُونَ بِهِ عَنْ الْأَنْعَامِ وَهُوَ الْعَقْلُ وَبِهِ يَسْعَدُ مَنْ سَعِدَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَكَّبَ فِي الْبَشَرِ الْعَقْلَ وَالْهَوَى وَرَكَّبَ فِي الْمَلَائِكَةِ الْعَقْلَ دُونَ الْهَوَى وَرَكَّبَ فِي الْبَهَائِمِ الْهَوَى دُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ فَصْلٌ حُرْمَةُ طَرَفِ الْإِنْسَانِ] (كِتَابُ الْحَجْرِ) أَوْرَدَ الْحَجْرَ بَعْدَ الْإِكْرَاهِ لِمَا أَنَّ بَيْنَهُمَا سَلْبَ الِاخْتِيَارِ إلَّا أَنَّ الْإِكْرَاهَ أَقْوَى؛ لِأَنَّ فِيهِ سَلْبَهُ عَمَّنْ لَهُ اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ وَوِلَايَةٌ كَامِلَةٌ بِخِلَافِ الْحَجْرِ فَكَانَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ وَمَحَاسِنُ الْحَجْرِ النَّظَرُ وَالشَّفَقَةُ عَلَى الْمَحْجُورِ وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ وَالشَّفَقَةُ لِغَيْرِهِ وَدَفْعُ الْأَذَى عَنْهُ كَمَا فِي حَجْرِ الْمَدْيُونِ وَالسَّفِيهِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَحَجْرِ الْمَرِيضِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَحَجْرِ الْعَبْدِ لِحَقِّ الْمَوْلَى. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ حَجْرٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْحَجْرُ الْحُكْمِيُّ الَّذِي لَا يَصِيرُ تَصَرُّفُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مُفِيدًا حَتَّى إذَا بَاعَ وَحَصَلَ الْقَبْضُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجْرِ وَالنَّهْيِ فَإِنَّ النَّهْيَ يُفِيدُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِصِغَرٍ وَرِقٍّ وَجُنُونٍ) وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ سَبَبٌ لِلْحَجْرِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِي أَنَّ السَّفَهَ وَالْفَلْسَ سَبَبٌ لِلْحَجْرِ اخْتِلَافٌ كَمَا سَيَجِيءُ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَلْحَقَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةً أُخَرَ وَهِيَ الْمُفْتِي الْمَاجِنُ وَالْمُتَطَبِّبُ الْجَاهِلُ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5] أَيْ لِذِي عَقْلٍ وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ لَا يَتَمَادَى فِي اتِّبَاعِ الْهَوَى ... إلَّا الَّذِي فِي عَقْلِهِ وَهْيُ فَالْعَقْلُ عَقْلٌ وَالْحِجَا حَاجِزٌ ... وَالْحِجْرُ حَجْرٌ وَالنُّهَى نَهْيُ

الْعَقْلَ فَمَنْ غَلَبَ مِنْ الْبَشَرِ عَقْلُهُ عَلَى هَوَاهُ كَانَ أَفْضَلَ خَلْقِهِ لِمَا يُقَاسِي مِنْ مُخَالَفَةِ الْهَوَى وَمُكَابَدَةِ النَّفْسِ وَمَنْ غَلَبَ هَوَاهُ عَلَى عَقْلِهِ كَانَ أَرْدَأَ مِنْ الْبَهَائِمِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الفرقان: 44] فَجَعَلَ بَعْضَهُمْ ذَوِي النُّهَى وَجَعَلَ مِنْهُمْ أَعْلَامَ الدِّينِ وَأَئِمَّةَ الْهُدَى وَمَصَابِيحَ الدُّجَى وَابْتَلَى بَعْضَهُمْ بِمَا شَاءَ مِنْ أَسْبَابِ الرَّدَى كَالْجُنُونِ الْمُوجِبِ لِعَدَمِ الْعَقْلِ وَالصِّغَرِ وَالْعَتَهِ الْمُوجِبَيْنِ لِنُقْصَانِهِ فَجَعَلَ تَصَرُّفَهُمَا غَيْرَ نَافِذٍ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِمَا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ مُعَامَلَتُهُمَا ضَرَرًا عَلَيْهِمَا بِأَنْ يَسْتَجِرُّ مَنْ يُعَامِلُهُمَا مَا لَهُمَا بِاحْتِيَالِهِ الْكَامِلِ وَجَعَلَ مَنْ يَنْظُرُ فِي مَالِهِمَا خَاصًّا وَعَامًّا وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ النَّظَرَ لَهُمَا وَجَعَلَ الصِّبَا وَالْجُنُونَ سَبَبًا لِلْحَجْرِ عَلَيْهِمَا كُلُّ ذَلِكَ رَحْمَةً مِنْهُ وَلُطْفًا وَالرِّقُّ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَجْرِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ كَامِلُ الرَّأْيِ كَالْحُرِّ غَيْرَ أَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِأَجْلِ حَقِّ الْمَوْلَى، وَالْإِنْسَانُ إذَا مُنِعَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَالْحُرِّ لَا يُقَالُ: إنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَلِهَذَا يُؤْخَذُ الْعَبْدُ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى وَلِعَدَمِ نُفُوذِهِ فِي الْحَالِ وَتَأَخُّرِهِ إلَى مَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ جَعَلَهُ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ دُونَ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فِي الْحُكْمِيَّاتِ دُونَ الْحِسِّيَّاتِ وَنُفُوذُ الْقَوْلِ حُكْمِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُرَدُّ وَيُقْبَلُ وَالْفِعْلُ حِسِّيٌّ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إذَا وَقَعَ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَجْرُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ هُوَ مَنْعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ قَوْلًا لَا فِعْلًا ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ بِلَا إذْنِ وَلِيٍّ وَسَيِّدٍ)؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ عَدِيمُ الْعَقْلِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَعَقْلُهُ نَاقِصٌ لِعَدَمِ الِاعْتِدَالِ وَهُوَ بِالْبُلُوغِ فَيَحْتَمِلُ فِيهِ الضَّرَرُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ وَمَنْعِ الْعَبْدِ لِحَقِّ الْمَوْلَى، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فَقَدْ زَالَ فَيَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّتِهِ إنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ كَالْحُرِّ الصَّغِيرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ بِحَالٍ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ أَصْلًا لَوْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْعِبَارَةِ بِالتَّمْيِيزِ وَهُوَ لَا تَمْيِيزَ لَهُ فَصَارَ كَبَيْعِ الطُّوطِيِّ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ تَارَةً وَيُفِيقُ أُخْرَى فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالْعَاقِلِ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ، وَفِي رَفْعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ وَهُوَ النَّاقِصُ الْعَقْلِ، وَقِيلَ هُوَ الْمَدْهُوشُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ هُوَ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ عَقَدَ مِنْهُمْ وَهُوَ يَعْقِلُهُ يُجِيزُهُ الْوَلِيُّ أَوْ يَفْسَخُهُ) أَيْ مَنْ عَقَدَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ وَهُوَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِأَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءُ جَالِبٌ لَهُ وَيَعْلَمَ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ مِنْ الْيَسِيرِ وَيَقْصِدَ بِهِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ وَالزِّيَادَةِ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَحْتَمِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كُلُّ ذَلِكَ رَحْمَةٌ مِنْهُ) ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا صَارَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْبُلُوغِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ أُحُدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالرِّقُّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقِيلَ الرِّقُّ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ تُوجِبُ الْحَجْرَ إلَخْ) حَتَّى يُؤَاخَذَ بِالْأَفْعَالِ حَتَّى إنَّ طِفْلَ يَوْمٍ لَوْ انْقَلَبَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ فَأَتْلَفَهُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يُفِيقُ إذَا مَزَّقَ ثَوْبَ إنْسَانٍ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ لَا تَقِفُ عَلَى الْقَصْدِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا تُوجَدُ حِسًّا وَمُشَاهَدَةً وَلَا إمْكَانَ لِرَدِّ مَا هُوَ ثَابِتٌ حِسًّا بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّ الصِّبَا وَالْجُنُونَ يُؤَثِّرَانِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ فَسَقَطَتْ عَنْهُمَا لِقُصُورٍ فِي فِعْلِهِمَا لِعَدَمِ الْقَصْدِ الصَّحِيحِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَيُحْتَمَلُ فِيهِ) أَيْ فِي تَصَرُّفِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ تَارَةً وَيُفِيقُ أُخْرَى) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَرَادَ بِالْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبَ الَّذِي يُجَنُّ وَلَا يُفِيقُ وَهُوَ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ وَهُوَ الْمَعْتُوهُ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ كَمَا سَيَجِيءُ بَعْدَ هَذَا اهـ. (قَوْلُهُ فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالْعَاقِلِ) يَقْتَضِي أَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ بَعْدَ ثَلَاثِ قَوْلَاتٍ فِي هَذَا الْمُجَرَّدِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إلَخْ فَانْظُرْهُ أَقُولُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الْحَقَّ التَّفْصِيلُ فَإِنْ كَانَ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَعَقَدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَالْحُكْمُ فِيهِ النَّفَاذُ كَالْعَاقِلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَعَقَدَ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ فَالْحُكْمُ فِيهِ الْوَقْفُ كَالصَّبِيِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْأَوَّلِ وَمَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الثَّانِي هَذَا مَا ظَهَرَ لِي حَالَ الْمُطَالَعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَعْتُوهَ الْبَالِغَ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِبَادَاتُ أَمْ لَا فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ مَالَ إلَى الْوُجُوبِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ مَالَ إلَى السُّقُوطِ. اهـ. سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْوَرَقَةِ الْآتِيَةِ فِي الشَّرْح أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ عَقَدَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ الثَّلَاثَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مِنْهُمْ مَا نَصُّهُ قَالَ خُوَاهَرْزَادَهْ أَيْ مِنْ الصَّغِيرِ وَالْعَبْدِ ذَكَرَ الْجَمِيعَ وَأَرَادَ التَّثْنِيَةَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] وَقَالَ فِي شَرْحِ النَّافِعِ أَرَادَ الصَّغِيرَ وَالْعَبْدَ وَالْمَجْنُونَ الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ لَا الَّذِي ذَهَبَ عَقْلُهُ فَإِنَّ تَصَرُّفَ مِثْلِ هَذَا لَا يَصِحُّ وَإِنْ لَحِقَهُ الْإِجَازَةُ وَلِهَذَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ يَعْقِلُهُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ يَفْسَخُهُ) يَعْنِي إذَا بَاعَ الصَّغِيرُ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَاهُ فَلَحِقَهُ الْإِجَازَةُ فَإِنْ عَقَلَ مَعْنَى الْعَقْدِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا الْعَبْدُ الصَّغِيرُ وَكَذَا الْمَجْنُونُ الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ إذَا عَقَدَ فَأَجَازَهُ الْوَلِيُّ جَازَ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَقْدُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ مَعْنَى الْبَيْعِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ أَنَّ مَا كَانَ فِيهِ نَفْعٌ يَشُوبُهُ ضَرَرٌ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ وَالْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِقْرَاضِ

[إقرار الصبي والمجنون في الحجر]

أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدِهِ مَصْلَحَةٌ فَيُجِيزُهُ الْوَلِيُّ أَوْ الْمَوْلَى إنْ رَأَى فِيهِ ذَلِكَ كَعَقْدِ الْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ الْفُضُولِيُّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا فِي الْبَيْعِ مُسْتَقِيمٌ، وَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَلَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي قُلْنَا إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ نَفَاذًا كَشِرَاءِ الْفُضُولِيِّ وَهُنَا لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ أَوْ لِتَضَرُّرِ الْمَوْلَى فَيُوقَفُ الْكُلُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَتْلَفُوا شَيْئًا ضَمِنُوا) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِمْ فِي حَقِّ الْأَفْعَالِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْقَتْلُ غَيْرَ الْقَتْلِ وَالْقَطْعُ غَيْرَ الْقَطْعِ فَاعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَوُجُودِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الذِّمَّةُ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ يُولَدُ وَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِوُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالْأَدَاءِ إلَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ كَالْمُعْسِرِ لَا يُطَالَبُ بِالدَّيْنِ إلَّا إذَا أَيْسَرَ وَكَالنَّائِمِ لَا يُؤْمَرُ بِالْأَدَاءِ إلَّا إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَنْفُذُ إقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ)؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَقْوَالِ بِالشَّرْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَقَبِلَ الشَّارِعُ شَهَادَةَ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَأَمْكَنَ رَدُّهُ فَيُرَدُّ نَظَرًا لَهُمَا بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ فَلَا مَرَدَّ لَهُ حَتَّى لَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَالْحَدِّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِعْلُهُ أَيْضًا إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْفُذُ إقْرَارُ الْعَبْدِ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ مَوْلَاهُ فَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَزِمَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ)؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَوْلَى لِمَا أَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى وَإِقْرَارُ الْمَرْءِ عَلَى غَيْرِهِ لَا يُقْبَلُ، فَإِذَا عَتَقَ زَالَ الْمَانِعُ فَيُتَّبَعُ بِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ عَنْ أَهْلِيَّةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَقَرَّ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ)؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ خَوَاصِّ الْإِنْسَانِيَّةِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى بِهِمَا عَلَيْهِ، فَإِذَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا هُوَ حَقُّهُ وَبُطْلَانُ حَقِّ الْمَوْلَى ضَمِنَ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَالْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ» يَقْتَضِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الْإِقْرَارَ بِالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ قُلْنَا لَمَّا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا يَكُونُ إقْرَارَ الْحُرِّ لَا إقْرَارَ الْعَبْدِ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14] يَقْتَضِي أَنْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فَيَنْفُذُ وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ خُصَّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْإِقْرَارُ بِالْمَالِ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّصُّ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُولٌ أَيْضًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ النَّصَّ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى الْحُرِّ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَيْنَا قُلْنَا يُحْمَلُ الْمَرْوِيُّ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِسَفَهٍ) أَيْ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ سَفَهٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ بِسَبَبِ السَّفَهِ وَالدَّيْنِ وَالْغَفْلَةِ وَالْفِسْقِ وَإِنْ كَانَ مُبَذِّرًا مُفْسِدًا يُتْلِفُ مَالَهُ فِيمَا لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ وَلَا مَصْلَحَةَ وَعِنْدَهُمَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ السَّفَهِ وَالدَّيْنِ فِي تَصَرُّفَاتٍ لَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهَا كَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِالْكُلِّ وَالسَّفَهِ هُوَ الْعَمَلُ بِخِلَافِ مُوجِبِ الشَّرْعِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى وَتَرْكُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحِجَا وَالسَّفِيهُ مِنْ عَادَتِهِ التَّبْذِيرُ وَالْإِسْرَافُ فِي النَّفَقَةِ وَأَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفًا لَا لِغَرَضٍ أَوْ لِغَرَضٍ لَا يَعُدُّهُ الْعُقَلَاءُ مِنْ أَهْلِ الدِّيَانَةِ غَرَضًا مِثْلُ دَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمُغَنِّي وَاللَّعَّابِ وَشِرَاءِ الْحَمَامِ الطَّيَّارَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ وَالْغَبَنِ الْفَاحِشِ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ غَيْرِ مَحْمَدَةٍ وَأَصْلُ الْمُسَامَحَاتِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالْبِرُّ وَالْإِحْسَانُ مَشْرُوعٌ وَالْإِسْرَافُ حَرَامٌ كَالْإِسْرَافِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5]. فَهَذَا نَصٌّ عَلَى إثْبَاتِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُ وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] وَهَذَا نَصٌّ عَلَى إثْبَاتِ الْوِلَايَةِ عَلَى السَّفِيهِ وَأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ كَانَ يُفْنِي مَالَهُ فِي الْجِهَادِ وَالضِّيَافَاتِ حَتَّى اشْتَرَى دَارًا لِلضِّيَافَةِ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَآتِيَن عُثْمَانَ وَلَأَسْأَلَنَّهُ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فَاهْتَمَّ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ وَجَاءَ إلَى الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ أَشْرِكْنِي فِيهَا فَأَشْرَكَهُ ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ إلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ إذَا تَصَرَّفَ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ أَوْ الْمَعْتُوهُ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ إذَا تَصَرَّفَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى حَتَّى يَرَى الْوَلِيُّ أَوْ الْمَوْلَى رَأْيَهُ فِيهِ إنْ رَأَى النَّفْعَ فِي النَّقْضِ نَقَضَ. اهـ. . [إقْرَار الصَّبِيّ وَالْمَجْنُون فِي الْحَجَر] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى إلَخْ) وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ إذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ يَلْزَمُ مِنْهُ إتْلَافُ مَالِ الْمَوْلَى فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَلَنَا أَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يُنَافِي مَالِكِيَّةَ غَيْرِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مَمْلُوكًا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ فِيهِ لَا بِاعْتِبَارِ الْآدَمِيَّةِ وَالْقِصَاصُ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ، وَكَذَا إيجَابُ الْحَدِّ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ سَفْكَ دَمِهِ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى بِدَمِهِ وَلِأَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ بِدَيْنٍ إنَّمَا لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِلتُّهْمَةِ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ وَلَيْسَ بِمُتَّهَمٍ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَوْلُ زُفَرَ مَنْقُوضٌ بِإِقْرَارِهِ بِالرِّدَّةِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَيُقْتَلُ وَإِنْ لَزِمَ إتْلَافُ مَالِ الْمَوْلَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْقُدُورِيِّ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ لَزِمَهُ فِيمَا إذَا كَانَ كَبِيرًا أَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِقَوْلِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ الصَّحِيحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

فَسَأَلَهُ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فَقَالَ كَيْفَ أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ شَرِيكُهُ الزُّبَيْرُ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْكِيَاسَةِ فِي التِّجَارَةِ فَاسْتَدَلَّ بِرَغْبَتِهِ أَنَّهُ لَا غَبْنَ فِي تَصَرُّفِهِ، وَهَذَا اتِّفَاقٌ مِنْهُمْ عَلَى جَوَازِ الْحَجْرِ بِهَذَا السَّبَبِ وَأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ تَتَصَدَّقُ بِمَالِهَا حَتَّى رُوِيَ أَنَّهَا كَانَ لَهَا رِبَاعٌ فَهَمَّتْ بِبَيْعِ رِبَاعِهَا لِلتَّصَدُّقِ بِالثَّمَنِ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَأَنْهَيَنَّ عَائِشَةَ عَنْ بَيْعِ رِبَاعِهَا لِلتَّصَدُّقِ أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ النَّظَرَ لَهُ وَاجِبٌ حَقًّا لِإِسْلَامِهِ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ لَا عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ وَالْحِكْمَةُ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ فَصَارَ كَالصَّبِيِّ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ إنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِتَوَهُّمِ التَّبْذِيرِ، وَهَذَا قَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ وَلِهَذَا يُمْنَعُ مَالُهُ فِي الِابْتِدَاءِ إجْمَاعًا بِطَرِيقِ النَّظَرِ لَهُ وَمَنْعُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ عَلَيْهِ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ مَا مُنِعَ مِنْ يَدِهِ يُتْلِفُهُ بِلِسَانِهِ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذُكِرَ لَهُ رَجُلٌ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ مَنْ بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا «قِيلَ لَهُ اُحْجُرْ عَلَيْهِ» وَلِأَنَّهُ عَاقِلٌ كَامِلُ الْعَقْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالرَّشِيدِ بِخِلَافِ الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ فَإِنَّهُمَا نَاقِصَا الْعَقْلِ وَلِهَذَا لَمْ يُكَلَّفَا فَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ كَانَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ لَكَانَ رَفْعُ التَّكْلِيفِ أَنْظَرَ لَهُ فَحَيْثُ كَلَّفَهُ الشَّارِعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ لَهُ فَكَيْفَ يَنْظُرُ لَهُ وَهُوَ كَامِلُ الْعَقْلِ وَالتَّقْصِيرُ مِنْ جِهَتِهِ بِسُوءِ اخْتِيَارِهِ وَقِلَّةِ تَدْبِيرِهِ مُكَابِرًا لِعَقْلِهِ وَمُتَابِعًا لِهَوَاهُ وَلِأَنَّ فِي حَجْرِهِ إلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَإِهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ، وَهُوَ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ التَّبْذِيرِ وَلَا يَتَحَمَّلُ الْأَعْلَى لِدَفْعِ الْأَدْنَى حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الْحَجْرِ دَفْعُ ضَرَرٍ عَامٍّ يُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ. وَذَلِكَ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُتَطَبِّبِ الْجَاهِلِ بِأَنْ يَسْقِيَهُمْ دَوَاءً مُهْلِكًا أَوْ إذَا قَوِيَ عَلَيْهِمْ الدَّوَاءُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ ضَرَرِهِ وَكَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْتِي الْمَاجِنِ وَهُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ الْعَوَامَّ الْحِيَلَ الْبَاطِلَةَ كَتَعْلِيمِ الِارْتِدَادِ لِتَبِينَ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ لِتَسْقُطَ عَنْهَا الزَّكَاةُ وَلَا يُبَالِي بِمَا يُفْعَلُ مِنْ تَحْلِيلِ الْحَرَامِ أَوْ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَكَالْحَجْرِ عَلَى الْمُكَارِي الْمُفْلِسِ وَهُوَ الَّذِي يَتَقَبَّلُ الْكِرَاءَ وَيُؤَجِّرُ الْجِمَالَ وَلَيْسَ لَهُ جَمَالٌ وَلَا ظُهْرٌ يَحْمِلُ عَلَيْهَا وَلَا لَهُ مَالٌ يَشْتَرِي بِهِ الدَّوَابَّ وَالنَّاسُ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ وَيَدْفَعُونَ الْكِرَاءَ إلَيْهِ وَيَصْرِفُ هُوَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُمْ فِي حَاجَتِهِ، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الْخُرُوجِ يَخْتَفِي فَتَذْهَبُ أَمْوَالُ النَّاسِ وَتَفُوتُ حَاجَتُهُمْ مِنْ الْغَزْوِ وَالْحَجِّ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْخَاصِّ وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى مَنْعِ الْمَالِ لِعَدَمِ الِاسْتِوَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ أَبْلَغُ فِي الْعُقُوبَةِ مِنْ مَنْعِ الْمَالِ وَمَنْعُ الْمَالِ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَتْلَفُ بِتَصَرُّفَاتِهِ بِأَنْ لَا يَهْتَدِيَ إلَيْهَا لِسَلَامَةِ قَلْبِهِ فَيُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ فَيَخْسَرُ أَوْ بِالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ أَوْ بِأَنْ يَجْمَعَ أَصْحَابَهُ مِنْ أَهْلِ الْفِسْقِ وَالشَّرِّ وَيُطْعِمَهُمْ وَيَسْقِيَهُمْ وَيُسْرِفَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا لَمْ يُسْلَمْ إلَيْهِ مَالُهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَالْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] أَمْوَالُنَا لَا أَمْوَالُ السُّفَهَاءِ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَنْ نُطْعِمَهُمْ وَنَكْسُوهُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا وَلَا نُسَلِّمُهُ إلَيْهِمْ وَالْمُرَادُ بِالسُّفَهَاءِ الذَّرَارِيِّ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ إذَا سُلِّمَ إلَيْهِمْ الْمَالُ ضَيَّعُوهُ. هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَشْهَدُ لِذَلِكَ حَيْثُ أُضِيفَ الْمَالُ إلَيْنَا لَا إلَى السُّفَهَاءِ وَلَئِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَمْوَالَهُمْ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسُّفَهَاءِ الصِّغَارَ وَالْمَجَانِينَ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: 6] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الصِّغَارَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ تُبَادِرُونَ كِبَرَهُمْ مَخَافَةَ أَنْ يَكْبَرُوا فَلَا يَكُونُ لِلْأَوْلِيَاءِ عَلَيْهِمْ وِلَايَةٌ بَعْدَ الْكِبَرِ وَهُوَ الْبُلُوغُ فَتُنْزَعُ الْأَمْوَالُ مِنْ أَيْدِيهِمْ بِالْكِبَرِ وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ بِالْكِبَرِ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا} [البقرة: 282] الْآيَةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الصِّبْيَانُ وَالْمَجَانِينُ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ هُوَ الْخَفِيفُ لُغَةً وَذَلِكَ بِنُقْصَانِ الْعَقْلِ كَالصَّبِيِّ أَوْ بِعَدَمِهِ كَالْمَجْنُونِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْكِتَابُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْمَعْقُولُ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَهُوَ أَنَّ السَّفِيهَ إذَا طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ تَزَوَّجَ تَصِحُّ مِنْهُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ تَصَرُّفَاتُهُ أَصْلًا لِسَلْبِ وِلَايَتِهِ، فَإِذَا صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِي النَّفْسِ وَهِيَ الْأَصْلُ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَالِ وَهُوَ التَّبَعُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَنَقُولُ هَذَا حُرٌّ مُخَاطَبٌ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ عَلَى وَجْهِ التَّنْفِيذِ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ حَقُّ أَحَدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ وَلَا يَنْحَجِرُ قِيَاسًا عَلَى الْمُصْلِحِ لِمَالِهِ وَعَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَعَلَى تَصَرُّفٍ يَتَّصِلُ بِنَفْسِهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حُرًّا مُخَاطَبًا دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ مَالِكًا قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفَاتِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ دَلِيلُ اعْتِبَارِ عَقْلِهِ وَالْعَقْلُ دَلِيلٌ (قَوْلُهُ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ) أَيْ لَا خِدَاعَ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ فَقُلْ «لَا خِيَابَةَ» بِالْيَاءِ كَأَنَّهَا لُثْغَةٌ مِنْ الرَّاوِي أَبْدَلَ اللَّامَ يَاءً. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَعْتُوهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَعْتُوهَ الْبَالِغَ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِبَادَاتُ أَمْ لَا فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ مَالَ إلَى الْوُجُوبِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ مَالَ إلَى السُّقُوطِ اهـ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْحَاشِيَةُ قَبْلَ هَذِهِ بِسِتَّةِ قَوْلَاتٍ فِي قَوْلِهِ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ إلَخْ فَانْظُرْهُ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى هَذِهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَكَالْحَجَرِ عَلَى الْمُفْتِي الْمَاجِنِ) ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ وَالْمُفْتِي الْجَاهِلُ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا عَامٌّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْمَاجِنِ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ مَجَنَ الشَّيْءُ يَمْجُنُ مُجُونًا إذَا صَلُبَ وَغَلُظَ وَقَوْلُهُمْ رَجُلٌ مَاجِنٌ كَأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ غِلَظِ الْوَجْهِ وَقِلَّةِ الْحَيَاءِ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

وَالصَّغِيرِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ تَمْيِيزٌ أَوْ نَقُولُ الْآيَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَنْفُذَ تَصَرُّفُ السَّفِيهِ فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ هُوَ الَّذِي لَزِمَهُ بِمُدَايَنَةِ نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: 282] ثُمَّ قَالَ {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة: 282] يَعْنِي الْحَقَّ الَّذِي لَزِمَهُ بِتِلْكَ الْمُدَايَنَةِ ثُمَّ قَالَ {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا} [البقرة: 282] أَيْ الْحَقُّ الَّذِي لَزِمَهُ بِمُدَايَنَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ} [البقرة: 282] وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لَزِمَهُ بِمُعَامَلَتِهِ، ثُمَّ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْإِمْلَالِ لِعَدَمِ هِدَايَتِهِ إلَى الْحِسَابِ أَوْ لِقِلَّةِ مُمَارَسَتِهِ بِالْإِمْلَالِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى فَصَاحَةٍ وَتَأْلِيفِ كَلَامٍ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُمِلَّ عَنْهُ غَيْرُهُ بِإِخْبَارِهِ هُوَ وَإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى هَذَا الْيَوْمَ فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ لَا يُؤَلِّفُ كَلَامًا يُمِلُّهُ وَإِنَّمَا يَعْلَمُ مَا عَلَيْهِ ثُمَّ يُؤَلِّفُ غَيْرَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ دَلِيلٌ لَنَا؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - امْتَنَعَ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مَعَ سُؤَالِ عَلِيٍّ وَكَلَامُ عَلِيٍّ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْوِيفِ لَهُ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - دَلِيلٌ لَنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا بَلَغَهَا قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ حَلَفَتْ أَنْ لَا تُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا فَلَوْ كَانَ الْحَجْرُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمَا اسْتَجَازَتْ هَذَا الْحَلِفَ مِنْ نَفْسِهَا مُجَازَاةً عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ ذَلِكَ كَرَاهَةَ أَنْ تُفْنِيَ مَالَهَا فَتُبْتَلَى بِالْفَقْرِ فَتَصِيرُ عِيَالًا عَلَى غَيْرِهَا وَالْمَصِيرُ إلَى هَذَا أَوْلَى لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنْ نِسْبَةِ السَّفَهِ وَالتَّبْذِيرِ إلَى الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - لَا سِيَّمَا مِثْلَ عَائِشَةَ وَهِيَ أَكْرَمُ أَهْلِ الْبَيْتِ الْمُطَهَّرِينَ مِنْ الرِّجْسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ التَّبْذِيرُ وَالْمُبَذِّرُونَ إخْوَانُ الشَّيَاطِينِ وَمَا الْقَائِلُ لِذَلِكَ إلَّا مُكَابِرٌ نَفْسَهُ وَجَاحِدٌ لِلنُّصُوصِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ وَالنُّصْحِ خَوْفًا عَلَيْهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَلَا تَرَى إلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ مَنْ بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ»، وَلَوْ كَانَ الْحَجْرُ مَشْرُوعًا وَاجِبًا أَوْ جَائِزًا لَحَجَرَ عَلَيْهِ، وَفِيمَا رَوَى أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «فَأَتَى أَهْلُهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اُحْجُرْ عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَبْتَاعُ، وَفِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ فَدَعَاهُ فَنَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنِّي لَا أَصْبِرُ عَنْ الْبَيْعِ فَقَالَ إنْ كُنْت غَيْرَ تَارِكٍ لِلْبَيْعِ فَقُلْ هَاءَ وَهَاءَ وَلَا خِلَابَةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ الْحَجْرَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَأَنَّ نَهْيَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ عَلَيْهِ إذْ لَوْ كَانَ عَزِيمَةً لَمَا وَسِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَصْبِرُ عَنْ الْبَيْعِ وَلَا كَانَتْ بِيَاعَاتُهُ تَلْزَمُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ مُنْقِذًا سُفِعَ فِي رَأْسِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَأْمُومَةً فَحَبَلَتْ لِسَانَهُ فَكَانَ إذَا بَايَعَ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَايِعْ وَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَسَمِعْته يُبَايِعُ وَيَقُولُ لَا خِلَابَةَ لَا خِدَابَةَ» رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَهُ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ هُوَ جَدِّي مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو وَكَانَ «رَجُلًا قَدْ أَصَابَتْهُ آمَّةٌ فِي رَأْسِهِ فَكَسَرَتْ لِسَانَهُ فَكَانَ لَا يَدَعُ عَلَى ذَلِكَ التِّجَارَةَ وَكَانَ لَا يَزَالُ يُغْبَنُ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إذَا أَنْتَ بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ إنْ رَضِيت فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْت فَارْدُدْهَا عَلَى صَاحِبِهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى. ثُمَّ لَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَرَفَعَ حَجْرَهُ وَأَطْلَقَ عَنْهُ جَازَ إطْلَاقُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ مِنْ الْأَوَّلِ فَتْوَى وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ بِالْقَضَاءِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَمْ يُوجَدْ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَلَوْ كَانَ قَضَاءً فَنَفْسُ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِمْضَاءِ يَعْنِي حَتَّى يَلْزَمَ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إذَا وَقَعَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ لَا يَلْزَمُ وَلَا يَصِيرُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَنْ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ مَوْجُودًا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَيَتَأَكَّدُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ بِالْقَضَاءِ فَلَا يُنْقَضُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَبِالْقَضَاءِ يَحْصُلُ الِاخْتِلَافُ فَلَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ آخَرَ لِيَصِيرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لِقَضَائِهِ بَعْدَ وُجُودِ الِاخْتِلَافِ وَهَذَا مَعْنَاهُ وَلَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ هُنَا؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَرَى حَجْرَهُ بِنَفْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْمُبَذِّرُونَ إخْوَانُ الشَّيَاطِينِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الشَّيْطَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْإِصَابَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْقِصَّةِ هَلْ وَقَعَتْ لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ أَوْ لِأَبِيهِ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِمْضَاءِ) أَيْ حَتَّى لَوْ رُفِعَ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ إلَى الْقَاضِي الْحَاجِرِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ فَقَضَى بِبُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ نَفَذَ إبْطَالُهُ لِاتِّصَالِ الْإِمْضَاءِ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ النَّقْضُ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَرَى حَجْرَهُ بِنَفْسِ السَّفَهِ) كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ مِنْ الشَّرْحِ اهـ قَالَ الصَّدْرُ الْكَبِيرُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْأَجَلُّ صَاحِبُ الْمُحِيطِ الْكَبِيرِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَهْلٍ الْمَعْرُوفِ بِمَازَهْ فِي طَرِيقَتِهِ الْمُطَوَّلَةِ: الْحَجْرُ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ لِمَالِهِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ ثُمَّ إنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ السَّفِيهَ إذَا بَلَغَ بَلَغَ مَحْجُورًا أَوْ مُطْلَقًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: بَلَغَ مَحْجُورًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَجْرِ الْقَاضِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْلُغُ مُطْلَقًا وَيَحْتَاجُ إلَى حَجْرِ الْقَاضِي وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُمْنَعُ عَنْهُ الْمَالُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُمْنَعُ عَنْهُ مَالُهُ بَعْدَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُمْنَعُ عَنْهُ مَا دَامَ السَّفَهُ قَائِمًا إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّرِيقَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

السَّفَهِ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ أَصْلًا فَيَصِيرُ الْقَضَاءُ بِهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ قَضَاءً بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَتَأَكَّدُ قَوْلُهُ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا فَعِنْدَنَا لَا يَنْفُذُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ فَيَحْصُلُ الِاخْتِلَافُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَرْتَفِعُ حَتَّى يُحْكَمَ بِجَوَازِ هَذَا الْقَضَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ وَيُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ إنْ بَلَغَ الْمُدَّةَ مُفْسِدًا) أَيْ إنْ بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً دَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ مَالَهُ أَبَدًا حَتَّى يُؤْنِسَ مِنْهُ الرُّشْدَ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ أَبَدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] نَهَانَا عَنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ مَا دَامَ سَفِيهًا وَأَمَرَنَا بِالدَّفْعِ إنْ وُجِدَ مِنْهُ الرُّشْدُ إذْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ قَبْلَ وُجُودِهِ وَلِأَنَّ مَنْعَ مَالِهِ لِعِلَّةِ السَّفَهِ فَيَبْقَى الْمَنْعُ مَا بَقِيَتْ الْعِلَّةُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} [النساء: 2] وَالْمُرَادُ بِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ سُمِّيَ يَتِيمًا لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَلِأَنَّ أَوَّلَ أَحْوَالِ الْبُلُوغِ قَدْ لَا يُفَارِقُهُ السَّفَهُ بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَا فَقَدَّرْنَاهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ حَالُ كَمَالِ لُبِّهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يَنْتَهِي لُبُّ الرَّجُلِ إذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَقَالَ أَهْلُ الطَّبَائِعِ مَنْ بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَ رُشْدَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ سِنًّا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ جَدًّا؛ لِأَنَّ أَدْنَى مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهِ الْغُلَامُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً فَيُولَدُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ الْوَلَدُ يَبْلُغُ فِي أَثْنَى عَشْرَةَ سَنَةً فَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ جَدًّا حَتَّى لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ مُبَذِّرًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ مَالُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِأَثَرِ الصِّبَا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي مَنْعِ الْمَالِ وَلِأَنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّأْدِيبِ عُقُوبَةً عَلَيْهِ وَالِاشْتِغَالُ بِالتَّأْدِيبِ عِنْدَ رَجَاءِ التَّأَدُّبِ، فَإِذَا بَلَغَ هَذَا السِّنَّ فَقَدْ انْقَطَعَ رَجَاءُ التَّأَدُّبِ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِ الْمَالِ بَعْدَهُ، وَالْمُرَادُ بِمَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَةِ الْأُولَى مَنْعُ أَمْوَالِنَا لَا أَمْوَالِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ فِيهَا تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ لَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ عَلَى أَصْلِنَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ لَا يَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْحَجْرَ فَعِنْدَهُمَا إذَا بَاعَ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَجْرِ عَدَمُ النُّفُوذِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مَوْقُوفٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ. فَإِذَا رَأَى الْحَاكِمُ فِيهِ مَصْلَحَةً أَجَازَهُ وَإِلَّا رَدَّهُ كَتَصَرُّفِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عَاقِلٌ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَضُرُّهُ كَالْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ، وَلَوْ بَاعَ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ السَّفَهَ لَيْسَ بِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالْغَبْنِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلسَّفَهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً مِنْهُ لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْمُجَاهِدِينَ، فَإِذَا تَرَدَّدَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْجُنُونِ وَالصِّغَرِ وَالْعَتَهِ وَلِأَنَّ الْحَجْرَ بِالسَّفَهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِالْقَضَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَلِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ؛ لِأَنَّ إهْدَارَ أَهْلِيَّتِهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَإِبْقَاءُ مِلْكِهِ نَظَرٌ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ لِيَتَرَجَّحَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحَجْرِ السَّفَهُ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَالِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَالصِّبَا وَالْجُنُونِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَتَّى يُحْكَمَ بِجَوَازِ هَذَا الْقَضَاءِ) أَيْ يَحْكُمُ بِجَوَازِهِ قَاضٍ آخَرُ. . اهـ. (قَوْلُهُ فَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ جَدًّا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا لَا يُمْنَعُ الْمَالُ عَنْهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْمَنْعَ بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ اهـ قَوْلُهُ لَا يُمْنَعُ الْمَالُ عَنْهُ أَيْ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا سَيَجِيءُ آخَرَ هَذِهِ الصَّفْحَةِ فِي الشَّرْحِ فِي قَوْلِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا بَلَغَ إلَخْ اهـ وَقَدْ تَأْتِي فِي هَذَا الْمُجَرَّدِ بَعْدَ ثَلَاثِ قَوْلَاتٍ. (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَرَادَ بِالتَّفْرِيعِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ فَإِذَا بَاعَ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمَّا لَمْ يَرَ الْحَجْرَ جَائِزًا نَفَذَ بَيْعُ السَّفِيهِ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ أَوْ لَا وَهُمَا لَمَّا رَأَيَا الْحَجْرَ جَائِزًا وَرَدَ التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِمَا فَانْعَقَدَ بَيْعُ السَّفِيهِ وَلَمْ يَنْفُذْ فَإِنْ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ نَفَذَ كَمَا فِي بَيْعِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنَّمَا يُجِيزُهُ إذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ مَنْفَعَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ مَنْفَعَةٌ بِأَنْ كَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ إلَّا أَنَّ الثَّمَنَ يَهْلَكُ فِي يَدِ الْمَحْجُورِ فَإِنَّهُ لَا يُجِيزُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمَحْجُورِ فِي إجَازَةِ هَذَا الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ يَحْصُلُ لَهُ وَقْتَ الْإِجَازَةِ كَمَا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَاعَ وَفِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ إلَّا أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَهُ يَهْلِكُ فِي يَدِهِ لَا يُجِيزُهُ الْقَاضِي وَلَا نَظَرَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَحْجُورِ فِي الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْزِ لَمْ يَضْمَنْ مَا هَلَكَ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي وَيَحْصُلُ لَهُ الْمَبِيعُ وَمَتَى أَجَازَ يَزُولُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ الثَّمَنُ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ ثُمَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِيرُ مَحْجُورًا بِدُونِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحَجْرِ السَّفَهُ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ سَفَهٍ وَرُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَابِرُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَلَكِنْ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى انْضِمَامِ الْقَضَاءِ إلَيْهِ، وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ حَجْرِ السَّفِيهِ حَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَبَيْنَ حَجْرِ الْمَدْيُونِ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي هُوَ أَنَّ حَجْرَ السَّفِيهِ لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ سُوءُ اخْتِيَارِهِ لَا لِحَقِّ الْغَيْرِ فَأَشْبَهَ الْجُنُونَ وَثَمَّةَ يَنْحَجِرُ بِنَفْسِ الْجُنُونِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَذَا هُنَا فَأَمَّا الْحَجْرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لِمَعْنًى فِيهِ بَلْ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ حَتَّى لَا يَتْلَفَ حَقُّهُمْ بِتَصَرُّفِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَيْهِ فَيَعْمَلُ حَجْرُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْجَاهِزِينَ) بِالزَّايِ اهـ

وَالْجَامِعُ أَنَّ الْحَجْرَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَالْقَضَاءُ يَكُونُ عِنْدَ الْخُصُومَةِ وَلَا خُصُومَةَ لِأَحَدٍ هُنَا بِخِلَافِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَ الْغَيْرَ حَتَّى لَا يَنْوِيَ مَالَ الْغُرَمَاءِ وَهُمْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْنَعُوهُ وَلِلْقَاضِي عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَائِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى طَلَبِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَطْلُبُوا ذَلِكَ أَوْ أَبْرَءُوهُ أَوْ أَوْفَاهُمْ حَقَّهُمْ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَتَقَ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَعْتِقُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي كَيْفِيَّةِ حَجْرِهِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ كَالْهَازِلِ فَإِنَّ الْهَازِلَ يَخْرُجُ كَلَامُهُ عَلَى غَيْرِ نَهْجِ الْعُقَلَاءِ لِقَصْدِ اللَّعِبِ دُونَ مَا وُضِعَ الْكَلَامُ لَهُ لَا لِنُقْصَانٍ فِي عَقْلِهِ فَكَذَا السَّفِيهُ يَخْرُجُ كَلَامُهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ عَلَى غَيْرِ نَهْجِ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ لِاتِّبَاعِ الْهَوَى وَمُكَابَرَةِ الْعَقْلِ لَا لِنُقْصَانٍ فِي عَقْلِهِ فَكُلُّ كَلَامٍ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ وَهُوَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ وَالْعِتْقُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَنْفُذُ مِنْ السَّفِيهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْحَجْرُ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِالرِّقِّ حَتَّى لَا يَنْفُذَ بَعْدَ الْحَجْرِ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ سِوَى الطَّلَاقِ كَالْعَبْدِ وَإِذَا نَفَذَ عِنْدَهُمَا فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمَرِيضِ فَإِنَّهُ لِأَجْلِ النَّظَرِ لِغُرَمَائِهِ وَوَرَثَتِهِ ثُمَّ هُنَاكَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ لِغُرَمَائِهِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ لِمَعْنَى النَّظَرِ وَتَعَذُّرِ رَدِّ عَيْنِهِ فَيَجِبُ نَقْضُهُ مَعْنَى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ فَكَذَا هُنَا، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ عَلَيْهِ سِعَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَعَى يَسْعَى لِمُعْتَقِهِ وَالْمُعْتَقُ لَا تَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ لِحَقِّ مُعْتِقِهِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ لِأَجْلِ غَيْرِهِ، وَلَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ جَازَ تَدْبِيرُهُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ لِلْمُدَبَّرِ فَيَعْتَبِرُ بِحَقِيقَةِ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ فِي التَّدْبِيرِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ مَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ صِحَّةِ التَّدْبِيرِ مَالٌ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فَيَسْتَخْدِمُهُ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ نُقْصَانِ التَّدْبِيرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا فَتَعَذَّرَ إيجَابُ النُّقْصَانِ عَلَيْهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ بِمَالٍ وَقَبِلَ الْعَبْدُ صَحَّ التَّدْبِيرُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَالُ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَ وَلِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي حَيَاتِهِ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَاقَاهُ مُدَبَّرًا كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَإِنْ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ فِي إلْحَاقِهِ بِالْمُصْلِحِ فِي حَقِّ الِاسْتِيلَادِ تَوْفِيرُ النَّظَرِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ لِإِبْقَاءِ نَسْلِهِ وَصِيَانَةِ مَائِهِ وَيَلْتَحِقُ فِي هَذَا الْحُكْمِ بِالْمَرِيضِ الْمَدْيُونُ إذَا ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ أَمَتِهِ كَانَ هُوَ فِي ذَلِكَ كَالصَّحِيحِ حَتَّى إنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ بِمَوْتِهِ وَلَا تَسْعَى هِيَ وَلَا وَلَدُهَا فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلَدَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَ: هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا، فَإِنْ مَاتَ سَعَتْ فِي كُلِّ قِيمَتِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ وَلَيْسَ مَعَهَا وَلَدٌ: هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ فَثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ لَهَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ. وَكَذَا فِي رَفْعِ حُكْمِ الْحَجْرِ فِي تَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ؛ لِأَنَّهَا لَا شَاهِدَ لَهَا فَإِقْرَارُهُ لَهَا بِحَقِّ الْعِتْقِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ لَهَا بِحَقِيقَةِ الْعِتْقِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَسْعَى فِي قِيمَتِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ، فَإِنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا جَازَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَبَطَلَ الْفَضْلُ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَمِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ النِّكَاحِ وُجُوبِ الْمَهْرِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ قَدْرُ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ صِحَّتِهِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ بِالتَّسْمِيَةِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْمَالِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ فِي مِقْدَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْحَجِرُ بِمُجَرَّدِ السَّفَهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْحَجِرُ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي. اهـ. غَايَةٌ. هَذِهِ الْقَوْلَةُ الَّتِي نَبَّهْنَا عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ جَدًّا وَذَلِكَ قَبْلَ ثَلَاثِ قَوْلَاتٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَتَقَ عِنْدَهُمَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا خَصَّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَلَى أَصْلِهِمَا لَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إعْتَاقُ السَّفِيهِ كَإِعْتَاقِ الْمُصْلِحِ لَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ الْمُكَلَّفِ بَاطِلٌ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا السِّعَايَةُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا فَلِهَذَا قَالَ نَفَذَ عِتْقُهُ عِنْدَهُمَا وَكَانَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَوُجُوبُ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ قَالَ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ الرُّجُوعَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّ الْعَبْدَ يَعْتِقُ مِنْ غَيْرِ سِعَايَةٍ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ) وَفِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا سِعَايَةَ مُوَافِقٌ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْكَاكِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ مَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ السِّعَايَةِ عَلَى عَبْدِهِ لَهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَعَى لَهُ سَعَى لَهُ مِنْ كَسْبِهِ وَكَسْبُهُ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا) أَيْ لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُعْتِقًا إيَّاهُ وَهُوَ مُدَبَّرٌ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا) أَيْ فِي غَيْرِ سِعَايَةٍ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَبَطَلَ الْفَضْلُ) وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَصَرُّفُ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَتَصَرُّفِ الْمُصْلِحِ فَلَا يَبْطُلُ الْفَضْلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

مَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ أَوْ تَزَوَّجَ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا وَتَخْرُجُ الزَّكَاةُ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَ وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْإِنْفَاقُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ حَقًّا لِقَرَابَتِهِ وَالسَّفَهُ لَا يُبْطِلُ حُقُوقَ النَّاسِ وَلَا حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَدْفَعُ إلَيْهِ قَدْرَ الزَّكَاةِ لِيُفَرِّقَهَا بِنَفْسِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِيتَاءُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ هُوَ عِبَادَةٌ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِنِيَّتِهِ وَيَدْفَعُ الْقَاضِي مَعَهُ أَمِينًا كَيْ لَا يَصْرِفَهَا إلَى غَيْرِ الْمَصْرِفِ وَيُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَى أَمِينِهِ لِيَصْرِفَهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ فَاكْتَفَى فِيهَا بِفِعْلِ الْأَمِينِ، وَلَوْ حَلَفَ وَحَنِثَ أَوْ نَذَرَ نَذْرًا مِنْ هَدْيٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَيُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَغَيْرَهَا بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَجِبُ بِفِعْلِهِ. وَلَوْ فُتِحَ لَهُ هَذَا الْبَابُ لِيَذَرَ أَمْوَالَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ بِخِلَافِ مَا يَجِبُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَإِنْ أَرَادَ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا صُنْعٌ، وَفِي الْفَرَائِضِ هُوَ مُلْحَقٌ بِالْمُصْلِحِ؛ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيهِ وَلَا يُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَيْهِ بَلْ يُسَلِّمُهَا إلَى ثِقَةٍ مِنْ الْحَاجِّ يُنْفِقُهَا عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ بِالْمَعْرُوفِ كَيْ لَا يُبَذِّرَ وَلَا يُسْرِفَ، وَلَوْ أَرَادَ عُمْرَةً وَاحِدَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يُمْنَعَ؛ لِأَنَّهَا تَطَوُّعٌ فَصَارَتْ كَالْحَجِّ تَطَوُّعًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَيُمْكِنُ مِنْهَا احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ إنْشَاءِ السَّفَرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ وَالْمُؤْنَةُ تَقِلُّ فِيهِ أَوْلَى وَأَحْرَى وَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَسُوقَ بَدَنَةً تَحَرُّزًا عَنْ مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يُجَوِّزُ إلَّا الْبَدَنَةَ وَإِنْ جَنَى فِي إحْرَامِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ تَزَوَّجَ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَبِهَذَا يَبْطُلُ مَذْهَبُهُمَا فَإِنَّهُ يَتَسَفَّهُ فِي هَذَا وَيُتَصَوَّرُ السَّفَهُ عَادَةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَحْجُرَانِ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّهُمَا يَقُولَانِ السَّفَهُ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ بِهَذَا الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ السَّفَهَ الْمُعْتَادَ مَا يَحْصُلُ بِهِ نَوْعُ غَرَضٍ صَحِيحًا كَانَ أَوْ فَاسِدًا وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْصُلُ إلَيْهِ لَذَّةٌ أَوْ رَاحَةُ غَرَضٍ وَبَعْدَ الدُّخُولِ إنْ تَحَقَّقَ غَرَضٌ لَكِنَّهُ مَحْصُورٌ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ الْمُجَاوَزَةُ عَنْ حَدِّهِ وَالسَّفَهُ مُجَاوَزَةٌ عَنْ الْحَدِّ فِي كُلِّ بَابٍ أَوْ يُقَالُ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِعُذْرِ السَّفَهِ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ رَدِّهِ أَنْ يُلْحِقَهُ بِالْهَازِلِ وَالْهَازِلُ وَالْجَادُّ فِي هَذَا سَوَاءٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إلَى السَّفِيهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَفْسُدُ ذَلِكَ وَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلَكِنْ يَدْفَعُهُ إلَى أَمِينِهِ ثُمَّ يَأْمُرُهُ الْمَحْجُورُ بِأَنْ يَصْرِفَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَتَأَدَّى مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ اهـ. (قَوْلُهُ يَبْعَثُ الْقَاضِي) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَيَدْفَعُ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ) أَيْ نَفَقَةَ وَلَدِ السَّفِيهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَغَيْرَهَا بِالصَّوْمِ) يَصُومُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ اهـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ عِنْدَهُمَا لَوْ ظَاهَرَ هَذَا الْمُفْسِدُ مِنْ امْرَأَتِهِ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ عَنْ مَالِهِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ ظِهَارٍ سَعَى الْغُلَامُ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافُ مَالِهِ وَاجِبُ النَّقْضِ ثُمَّ لَا يَجْزِيهِ عَنْ ظِهَارِهِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ إعْتَاقًا بِعِوَضٍ وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ بِالصَّوْمِ لِمَا قُلْنَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرِيضَ الْمُصْلِحَ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ مَاتَ فِي مَرَضِهِ سَعَى الْغُلَامُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِلسِّعَايَةِ الَّتِي وَجَبَتْ كَذَا هَذَا فَإِنْ صَامَ الْمُفْسِدُ أَحَدَ الشَّهْرَيْنِ ثُمَّ صَارَ مُصْلِحًا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الْعِتْقُ بِمَنْزِلَةِ مُعْسِرٍ أَيْسَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ عَنْهُ مَالُهُ حِينَئِذٍ فَصَارَ قَادِرًا عَلَى الْإِعْتَاقِ بِلَا سِعَايَةٍ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِمَا جُعِلَ خَلَفًا فِي الْكَفَّارَةِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْخَلَفِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ يُسَلِّمُهَا إلَى ثِقَةٍ) وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي زَكَاةِ الْمَالِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّفِيهِ إلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُعْطِيهِ الزَّكَاةَ حَتَّى يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ كَيْ لَا يَفْسُدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ ضَاعَ مِنِّي فَيُطْلَبُ آخَرُ ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى مَالِهِ وَلَكِنْ يَدْفَعُ إلَى أَمِينِهِ حَتَّى يُعْطِيَ الْفُقَرَاءَ بِأَمْرِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ لَا يُصَدَّقُ السَّفِيهُ فِي إقْرَارِهِ بِالنَّسَبِ إذَا كَانَ رَجُلًا إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ فِي الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَمَوْلَى الْعَتَاقِ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ وَالْمُصْلِحَ فِي حَقِّ إثْبَاتِ النَّسَبِ سَوَاءٌ وَالْمُصْلِحُ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ بِالنَّسَبِ فِي الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَكَذَا هَذَا وَإِنْ كَانَتْ الْمُفْسِدَةُ امْرَأَةً فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بِالْوَالِدِ وَالزَّوْجِ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَلَا تُصَدَّقُ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى غَيْرِهَا فِي الْوَلَدِ وَهِيَ وَالْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، ثُمَّ إذَا صُدِّقَ فِي إقْرَارِهِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ إنْ ثَبَتَ عُسْرُ هَؤُلَاءِ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ النَّفَقَةُ فِي مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُمْ بِالْبَيِّنَةِ وَلَكِنَّ السَّفِيهَ أَقَرَّ بِعُسْرِهِمْ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِالْقَرَابَةِ وَالْعُسْرِ فَيُضَافُ الِاسْتِحْقَاقُ إلَى آخِرِهِمَا ثُبُوتًا وَمَتَى كَانَ الْعُسْرُ ثَابِتًا وَآخِرُهُمَا ثُبُوتًا النَّسَبُ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِالنَّسَبِ لَا بِالْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ جَائِزٌ فَإِذَا أَقَرَّ بِالْعُسْرِ بَعْدَ النَّسَبِ يَكُونُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ مُضَافًا إلَى الْعُسْرِ وَإِذَا كَانَ مُضَافًا إلَيْهِ فَقَدْ جُعِلَ مُقِرًّا بِإِيجَابِ مَالٍ عَلَى نَفْسِهِ لَا بِالنَّسَبِ فَلَا يُصَدَّقُ. وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ لِلْمَرْأَةِ بِنَفَقَةِ مَا مَضَى لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَرْأَةِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا فِيمَا مَضَى إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا وَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ فَيَصِيرُ مُقِرًّا بِإِيجَابِ دَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ اهـ

يَنْظُرُ إنْ كَانَ جِنَايَةً يَجْزِي فِيهَا الصَّوْمُ كَقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقِ عَنْ أَذًى وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُمَكَّنُ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ بَلْ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ وَإِنْ كَانَ جِنَايَةً لَا يَجْزِي فِيهَا الصَّوْمُ كَالْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالتَّطَيُّبِ وَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَلَكِنْ لَا يُمَكَّنُ مِنْ التَّكْفِيرِ فِي الْحَالِ بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُصْلِحًا بِمَنْزِلَةِ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَجِدُ مَالًا أَوْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ، وَكَذَا لَوْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُصْلِحًا، وَإِنْ أَوْصَى بِوَصَايَا فِي الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ جَازَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ وَصِيَّتُهُ كَمَا فِي تَبَرُّعَاتِهِ حَالَ حَيَاتِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ كَيْ لَا يُتْلِفَ مَالَهُ وَيَبْقَى كَلًّا عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ فِيمَا يُتْلِفُ جَمِيعَ مَالِهِ لَا فِيمَا يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ وَفَاتِهِ حَالَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ مَالِهِ، وَفِيهَا مَا فِيهَا مِنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ وَالذِّكْرِ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِالْجَمِيلِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ مُوَافِقَةً لِوَصَايَا أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ نَحْوَ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْتَحْسِنُهُ الْمُسْلِمُونَ كَالْوَصِيَّةِ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَوْقَافِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ. وَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِوَصَايَا يَسْتَقْبِحُهُ الْمُسْلِمُونَ فَلَا يَنْفُذُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَحْجُورُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ جَائِزٌ، وَفِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بَاطِلٌ وَالثَّانِي أَنَّ إعْتَاقَ الْمَحْجُورِ وَتَدْبِيرَهُ وَطَلَاقَهُ وَنِكَاحَهُ جَائِزٌ وَمِنْ الصَّبِيِّ بَاطِلٌ وَالثَّالِثُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذَا أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَمِنْ الصَّبِيِّ لَا تَجُوزُ وَالرَّابِعُ جَارِيَةُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَمِنْ الصَّبِيِّ لَا يَثْبُتُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِسْقٍ) أَيْ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ فِسْقٍ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا بِسَفَهٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْفِسْقِ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً عَلَيْهِ كَالسَّفِيهِ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً عَلَى إسْرَافِهِ وَالْفَاسِقُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلْهُ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَعِنْدَهُمَا حَجْرُ السَّفِيهِ لِلنَّظَرِ لَهُ صِيَانَةً لِمَالِهِ وَالْفَاسِقُ مُصْلِحٌ لِمَالِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]؛ لِأَنَّ رُشْدًا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ فَتَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ؛ لِأَنَّ الرُّشْدَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ الْإِصْلَاحُ فِي الْمَالِ دُونَ الْإِصْلَاحِ فِي الدِّينِ وَالِاعْتِقَادِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَأَيُّ فِسْقٍ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ الْفِسْقُ مُوجِبًا لِلْحَجْرِ لَحَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ عَلَى الْكَافِرِ إذْ هُوَ أَعْظَمُ وُجُوهِ الْفِسْقِ وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَفْلَةٍ) أَيْ لَا يُحْجَرُ عَلَى الْغَافِلِ بِسَبَبِ غَفْلَةٍ وَهُوَ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَلَا يَقْصِدُهُ لَكِنَّهُ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفَاتِ الرَّابِحَةِ فَيُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ لِسَلَامَةِ قَلْبِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالسَّفِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ الْمَحْجُورُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَقَدْ اشْتَغَلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْحَجْرِ إلَى آخِرِ الْكِتَابِ بِالتَّفْرِيعِ عَلَى مَذْهَبِهِ فَقَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَأَجَازَهُ الْحَاكِمُ يَجُوزُ وَمَا لَا فَلَا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ لَيْسَتْ بِبَاطِلَةٍ بَلْ هِيَ مَوْقُوفَةٌ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا مَصْلَحَةً فَإِذَا رَأَى الْقَاضِي وُقُوعَهَا مَصْلَحَةً يُجِيزُهَا وَإِلَّا يَرُدُّهَا بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ إلَّا أَنَّهُ يُفَارِقُهُ فِي خِصَالٍ أَرْبَعَةٍ لَا يَجُوزُ لِوَصِيِّهِ وَلَا لِأَبِيهِ أَنْ يَبِيعَ عَلَيْهِ مَالَهُ وَلَا يَشْتَرِيَ لَهُ إلَّا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَفِي الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَصِيُّهُ وَأَبُوهُ وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَمْلِكُ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ التَّصَرُّفَ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْقَرِيبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِلْقَاضِي فَنَقُولُ إنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ عَلَى الْعَاجِزِ وَهَذَا قَادِرٌ وَلَكِنْ مَعَ قُدْرَتِهِ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ تَأْدِيبًا وَتَثْقِيفًا وَوِلَايَةُ التَّأْدِيبِ تَكُونُ لِلْقُضَاةِ وَالْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا جَازَ إعْتَاقُهُ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ. وَكَذَا لَوْ دَبَّرَهُ يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَلَوْ مَاتَ عَنْهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَإِعْتَاقُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ لَا يَصِحُّ أَصْلًا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ وَالْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ وَصَايَا الْغُلَامِ الَّذِي قَدْ بَلَغَ مُفْسِدًا مِنْ التَّدْبِيرِ وَغَيْرِهِ بَاطِلَةٌ قِيَاسًا وَلَكِنْ نَسْتَحْسِنُ أَنَّ مَا وَافَقَ الْحَقَّ مِنْهَا وَمَا تَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَكُونُ فِي غَيْرِ وَجْهِ الْفِسْقِ جَائِزٌ كَمَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ غَيْرِهِ وَمَا يَكُونُ سَفَهًا لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا وَصَايَا الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ لَا تَجُوزُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ فَسَادَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَفَسَادُ هَذَا لِسَفَهِهِ فَمَا وَافَقَ الْحَقَّ لَا يُوصَفُ بِالسَّفَهِ فَيَنْفُذُ وَمَا خَالَفَهُ يُرَدُّ، وَالْخَصْلَةُ الرَّابِعَةُ إذَا جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَكَانَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَإِنْ مَاتَتْ كَانَتْ حُرَّةً لَا سَبِيلَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِيلَادِ، كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فَأَمَّا شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ ذَكَرَ فِي مَبْسُوطِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْخِصَالِ الْأَرْبَعَةِ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ فَقَالَ: يَجُوزُ نِكَاحُ السَّفِيهِ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَيَجُوزُ طَلَاقُ السَّفِيهِ وَلَا يَجُوزُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَصَايَا وَادِّعَاءَ الْوَلَدِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْخِصَالُ الَّتِي افْتَرَقَ فِيهَا السَّفِيهُ وَالصَّبِيُّ سِتَّةً اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنْ الصَّبِيِّ لَا تَجُوزُ) قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَمِنْ خَطِّهِ نُقِلَتْ فِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ وَصِيَّتِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ مَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عِنْدَنَا كَمَا تَصِحُّ وَصَايَا الْمَحْجُورِ بِالسَّفَهِ تَجُوزُ وَصَايَا الصَّبِيِّ إذَا عَقَلَ مَا يَصْنَعُ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ وَلِوَصِيِّهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّ السَّفِيهِ الْبَالِغِ، وَثَانِيهَا أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُ السَّفِيهِ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ بِلَا إذْنٍ وَثَالِثُهَا أَنَّ طَلَاقَ السَّفِيهِ وَعَتَاقَهُ يَصِحُّ وَفِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لَا يَصِحُّ وَرَابِعُهَا يَصِحُّ لِلسَّفِيهِ تَدْبِيرُ عَبْدِهِ وَلِلصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لَا يَصِحُّ الْكُلُّ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَالْمُغْنِي. اهـ.

صِيَانَةً لِمَالِهِ وَنَظَرًا لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ مُنْقِذٍ طَلَبُوا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَجْرُ مَشْرُوعًا لَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ، قُلْنَا: الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لَنَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُجِبْهُمْ إلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ «قُلْ لَا خِلَابَةَ» الْحَدِيثَ، وَلَوْ كَانَ الْحَجْرُ مَشْرُوعًا لَأَجَابَهُمْ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُمْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ قُلْنَا: النَّفْيُ لَا يُحَاطُ بِالْعِلْمِ وَلَعَلَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا وَعَدَمُ النَّقْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ فَكَمْ مِنْ وَاقِعَاتٍ لَمْ تُنْقَلْ إلَيْنَا بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ وَمَا نُقِلَ إلَيْنَا مِنْ عَدَمِ إجَابَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لَهُمْ بِالْفِعْلِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَيْنٍ وَإِنْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ) أَيْ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ دَيْنٍ، وَلَوْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ فِي الْحَجْرِ إهْدَارَ أَهْلِيَّتِهِ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِهِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَاصٍّ وَلَا يَتَصَرَّفُ الْحَاكِمُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ حَجْرٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّرَاضِي بِالنَّصِّ فَيَكُونُ بَاطِلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُبِسَ لِيَبِيعَ مَالَهُ فِي دَيْنِهِ)؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَالْمُمَاطَلَةُ ظُلْمٌ فَيَحْبِسُهُ الْحَاكِمُ دَفْعًا لِظُلْمِهِ وَإِيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْرَاهًا عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَبْسِ الْحَمْلُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ إنْ شَاءَ بِبَيْعِ مَالِهِ وَإِنْ شَاءَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْرَاهًا عَلَى الْبَيْعِ عَيْنًا، وَقَالَا: إذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي وَبَاعَ مَالَهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ وَمَنَعَهُ مِنْ تَصَرُّفٍ يَضُرُّ بِالْغُرَمَاءِ كَالْإِقْرَارِ وَبَيْعُهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «مُعَاذًا رَكِبَهُ دَيْنٌ فَبَاعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالَهُ وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ» وَلِأَنَّ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْغُرَمَاءِ كَيْ لَا يَلْحَقَ بِهِمْ الضَّرَرُ بِالْإِقْرَارِ وَالتَّلْجِئَةِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ إنْسَانٍ عَظِيمٍ لَا يُمْكِنُ الِانْتِزَاعُ مِنْهُ أَوْ بِالْإِقْرَارِ لَهُ ثُمَّ يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى مَا كَانَ. وَلِأَنَّ الْبَيْعَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ حَتَّى يُحْبَسَ عَلَيْهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْإِبَاءِ عَنْ الْإِسْلَامِ قُلْنَا التَّلْجِئَةُ مَوْهُومَةٌ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَالْبَيْعُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ مُعَيَّنٍ لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْإِبَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، فَإِذَا امْتَنَعَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ تَعَيَّنَ الْآخَرُ وَالْبَيْعُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يَنُوبُ الْقَاضِي فِيهِ مَنَابَهُ كَالْمَدْيُونِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُؤَجِّرُهُ لِيَقْضِيَ مِنْ أُجْرَتِهِ الدَّيْنَ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ لَا يَتَزَوَّجُهَا لِيَقْضِيَ دَيْنَهَا مِنْ مَهْرِهَا وَالْحَبْسُ لِيَقْضِيَ الدَّيْنَ مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ شَاءَ مِنْ اسْتِقْرَاضٍ وَاتِّهَابٍ وَسُؤَالِ صَدَقَةٍ وَبَيْعِ مَالِهِ بِنَفْسِهِ لَا لِيَبِيعَ فَقَطْ وَلِأَنَّ بَيْعَ مَالِهِ لَوْ جَازَ لِلْقَاضِي لَمَا جَازَ لَهُ حَبْسُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِهِمَا بِتَعْذِيبِ الْمَدِينِ وَتَأْخِيرِ حَقِّ الطَّالِبِ بِلَا فَائِدَةٍ فَيَكُونُ ظَالِمًا وَبَيْعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالَ مُعَاذٌ كَانَ بِإِذْنِهِ اسْتَعَانَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ بَيْعَ مَالِهِ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَأْمُرَهُ وَيَأْبَى وَلَا يُظَنُّ بِمُعَاذٍ أَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاشَاهُ وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْبَيْعِ التَّرَاضِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَلَمْ يُوجَدْ الرِّضَا فَكَانَ فِعْلُ الْحَاكِمِ بَاطِلًا. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» وَنَفْسُهُ لَا تَطِيبُ بِفِعْلِ الْقَاضِي بِغَيْرِ رِضَاهُ فَصَارَ كَالْإِجَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَالُهُ وَدَيْنُهُ دَرَاهِمَ قَضَى بِلَا أَمْرِهِ)، وَكَذَا إذَا كَانَ كِلَاهُمَا دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِيَدِهِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَدِينِ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُعِينَهُ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ دَيْنُهُ دَرَاهِمُ وَلَهُ دَنَانِيرُ أَوْ بِالْعَكْسِ بِيعَ فِي دَيْنِهِ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى فَاسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْقَاضِي بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَصَارَ كَالْعُرُوضِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ جِنْسًا فِي الثَّمَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ، وَلِهَذَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ مُخْتَلِفَانِ فِي الصُّورَةِ وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهُ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا رِبَا الْفَضْلِ لِاخْتِلَافِهِمَا فَبِالنَّظَرِ إلَى الِاتِّحَادِ يَثْبُتُ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ وَبِالنَّظَرِ إلَى الِاخْتِلَافِ يُسْلَبُ عَنْ الدَّائِنِ وِلَايَةُ الْأَخْذِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَتَعَلَّقُ بِصُوَرِهَا وَأَعْيَانِهَا وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ) وَإِنْ كَانَ لَهُ عَقَارٌ حُبِسَ لِبَيْعِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَشْتَرِي إلَّا بِثَمَنٍ قَلِيلٍ. اهـ. قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا إذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ إلَخْ) وَلَا يَعْمَلُ الْحَجْرُ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَالِ بِخِلَافِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ السَّفَهِ حَيْثُ يَعُمُّ الْمَوْجُودَ وَالْحَادِثَ اهـ فَتَاوَى تُمُرْتَاشٍ فِي الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ) أَيْ بَيْعَ تَلْجِئَةٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: التَّلْجِئَةُ أَنْ يُلْجِئَك أَيْ يَضْطَرَّك وَيُكْرِهَك أَمْرٌ إلَى أَنْ تَأْتِيَ أَمْرًا بَاطِنُهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِبَعْضِهِمْ يُمْنَعُ غَرَضُهُ فِي مِلْكِهِ، وَأَمَّا النُّقُودُ فَوَسَائِلُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الْمَالِيَّةُ دُونَ الْعَيْنِ فَافْتَرَقَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُبَعْ عَرْضُهُ وَعَقَارُهُ) أَيْ لَا يَبِيعُ الْقَاضِي عَرْضَ الْمَدِينِ وَعَقَارَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ ثُمَّ عِنْدَهُمَا يَبْدَأُ الْقَاضِي بِبَيْعِ النُّقُودِ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلتَّقَلُّبِ وَلَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهَا فَيَكُونُ بَيْعُهَا أَهْوَنَ عَلَى الْمَدِينِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بَاعَ الْعُرُوضَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُعَدُّ لِلتَّقَلُّبِ وَالِاسْتِرْبَاحِ فَلَا يَلْحَقُهُ كَبِيرُ ضَرَرٍ فِي بَيْعِهَا فَإِنْ لَمْ يَفِ ثَمَنُهَا بِالدَّيْنِ بَاعَ الْعَقَارَ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُعَدُّ لِلِاقْتِنَاءِ فَيَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِبَيْعِهِ فَلَا يَبِيعُهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَهَذَا نَظِيرُ صَرْفِ الدَّيْنِ إلَى أَمْوَالِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ أَوَّلًا إلَى النَّقْدَيْنِ ثُمَّ إلَى الْعُرُوضِ ثُمَّ إلَى الْأَهْوَنِ فَالْأَهْوَنِ قَضَاءً وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَبْدَأُ الْقَاضِي بِبَيْعِ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى مِنْ عُرُوضِهِ ثُمَّ مَا لَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ مِنْهُ ثُمَّ يَبِيعُ الْعَقَارَ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ نَاظِرًا فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَدِينِ كَمَا يَنْظُرُ إلَى الدَّائِنِ فَيَبِيعَ مَا كَانَ أَنْظَرَ إلَيْهِ، وَبَيْعُ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ أَنْظَرُ لَهُ وَيُتْرَكُ عَلَيْهِ دَسْتُ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ وَيُبَاعُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ بِهِ كِفَايَةً، وَقِيلَ يُتْرَكُ لَهُ دَسْتَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ ثِيَابَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَلْبَسٍ وَقَالُوا إذَا كَانَ لِلْمَدِينِ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا وَيَكْتَفِي بِدُونِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبِيعُ ثِيَابَهُ وَيَقْضِي الدَّيْنَ بِبَعْضِ ثَمَنِهَا وَيَشْتَرِي بِمَا بَقِيَ ثَوْبًا يَلْبَسُهُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ فَرْضٌ عَلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّجَمُّلِ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْتَزِئَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ يَبِيعُ ذَلِكَ الْمَسْكَنَ وَيَقْضِي بِبَعْضِ ثَمَنِهِ الدَّيْنَ وَيَشْتَرِي بِالْبَاقِي مَسْكَنًا يَكْفِيهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَبِيعُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ حَتَّى يَبِيعَ اللِّبَدَ فِي الصَّيْفِ وَالنِّطَعَ فِي الشِّتَاءِ وَإِنْ أَقَرَّ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ بِمَالٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَالِ حَقُّ الْأَوَّلِينَ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِمْ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لِغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَهْلَكَ مَالًا لِغَيْرِهِمْ حَيْثُ يُزَاحِمُهُمْ صَاحِبُ الْمَالِ الْمُسْتَهْلَكِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَالْحَجْرُ لَا يَصِحُّ فِي الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ وَهُوَ مُشَاهَدٌ فَيُشَارِكُهُمْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ شَرْعِيٌّ فَأَمْكَنَ الْحَجْرُ فِيهِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُشَاهَدٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فَيُرَدُّ إقْرَارُهُ لِلتُّهْمَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ سَبَبُ وُجُوبِ الدَّيْنِ ثَابِتًا عِنْدَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ شَارَكَ الْغُرَمَاءَ. وَلَوْ اسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ بَعْدَ الْحَجْرِ نَفَذَ إقْرَارُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ لِصِيَانَةِ مَحَلِّ قَضَاءِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَحُقُّهُمْ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ الْقَائِمِ فِي يَدِهِ وَقْتَ الْحَجْرِ لَا بِالْمُسْتَفَادِ بَعْدَهُ وَيُنْفَقُ عَلَى الْمَدِينِ الْمَحْجُورِ وَعَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ الْأَصْلِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِفْلَاسٍ) أَيْ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْإِفْلَاسِ بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَظْهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحَبْسَ وَمَا يُحْبَسُ فِيهِ مِنْ الدُّيُونِ وَكَيْفِيَّةَ الْحَبْسِ وَقَدْرَهُ وَبِدَيْنِ مَنْ يُحْبَسُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، ثُمَّ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ لَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ بَلْ يُلَازِمُونَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَالْيَدِ وَاللِّسَانِ» أَرَادَ بِالْيَدِ الْمُلَازَمَةَ وَبِاللِّسَانِ التَّقَاضِي وَيَأْخُذُونَ فَضْلَ كَسْبِهِ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ لِاسْتِوَاءِ حُقُوقِهِمْ فِي الْقُوَّةِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ فِي الْقَضَاءِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ لِأَحَدٍ حَقٌّ فِي مَالِهِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي ذِمَّتِهِ فَلَهُ أَنْ يُؤْثِرَ مَنْ شَاءَ مِنْ غُرَمَائِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَذَاكَ إلَى فَتَاوَى النَّسَفِيِّ وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالسَّفَرِ حَالَةَ الْمُلَازَمَةِ وَلَا يُجْلِسُونَهُ فِي مَكَان؛ لِأَنَّهُ حَبْسٌ بَلْ يَدُورُ هُوَ حَيْثُ شَاءَ وَيَدُورُونَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّحْصِيلِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْحَبْسُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْهُ وَلَوْ دَخَلَ دَارِهِ لِحَاجَتِهِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا يَتْبَعُهُ بَلْ يَجْلِسُ عَلَى بَابِ دَارِهِ إلَى أَنْ يَخْرُجَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الدُّخُولِ يَحْبِسُهُ عَلَى بَابِ الدَّارِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ كَيْ لَا يَخْتَفِيَ أَوْ يَهْرُبَ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ فَيُفَوِّتَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُلَازَمَةِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَمْنَعَ الْمَلْزُومَ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَيْتِهِ لِغَائِطٍ أَوْ غَدَاءٍ إلَّا إذَا أَعْطَاهُ الْغَدَاءَ أَوْ أَعَدَّ لَهُ مَوْضِعًا آخَرَ لِأَجْلِ الْغَائِطِ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَهْرُبَ، وَفِيهِ إذَا كَانَ عَمَلُ الْمَلْزُومِ سَقْيَ الْمَاءِ وَنَحْوَهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ أَوْ يُلْزِمَهُ نَائِبَهُ أَوْ أَجِيرَهُ أَوْ غُلَامَهُ إلَّا إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيُتْرَكُ عَلَيْهِ دَسْتُ) أَيْ بَدْلَةٌ اهـ وَالدَّسْتُ لَفْظٌ فَارِسِيٌّ اسْتَعْمَلَهُ فُقَهَاءُ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ فِي كُتُبِهِمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُتْرَكُ لَهُ دَسْتَانِ) نَقَلَ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمُخْتَارُ أَنْ يُبْقَى لَهُ دَسْتَيْنِ مِنْ الثِّيَابِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتْرُكُ دَسْتًا مِنْ الثِّيَابِ وَيَبِيعُ الْبَاقِي وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتْرُكُ دَسْتَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدُّيُونِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ: وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَهْلَكَ) أَيْ الْمَحْجُورُ الدَّيْنَ. اهـ. . (قَوْلُهُ بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَظْهَرَ لِلْقَاضِي إلَخْ) وَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إفْلَاسِ الْمَحْبُوسِ لَا يُشْتَرَطُ لِسَمَاعِهَا حَضْرَةُ رَبِّ الدَّيْنِ لَكِنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا أَوْ وَكِيلُهُ فَالْقَاضِي يُطْلِقُهُ بِحَضْرَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ. اهـ. قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ بَلْ يُلَازِمُونَهُ إلَخْ) وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَا يُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ وَإِنْ قَرُبَ حُلُولُهُ اهـ مُشْتَمِلَةٌ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَلْزَمَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ قُضِيَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ لِإِنْسَانٍ فَأَمَرَ غُلَامَهُ أَنْ يُلَازِمَ الْغَرِيمَ فَقَالَ الْغَرِيمُ لَا أَجْلِسُ مَعَهُ بَلْ أَجْلِسُ مَعَ الْمُدَّعِي فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْضَى بِالْجُلُوسِ مَعَ الْعَبِيدِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ زِيَادَةُ ضَرَرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

كَفَاهُ نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ عِيَالِهِ وَأَعْطَاهُ فَحِينَئِذٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَلْزُومِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا أَفْلَسَهُ الْحَاكِمُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ مَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَقَدْ ثَبَتَتْ عُسْرَتُهُ فَوَجَبَ إنْظَارُهُ قُلْنَا دَيْنُهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ وَذَلِكَ يَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ وَالْآيَةُ تُوجِبُ الْإِنْظَارَ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ مَالٌ وَإِنَّمَا يُلَازِمُهُ لِيَأْخُذَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ عَادٍ وَرَائِحٌ فَيُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَفِي كُلِّ لَحْظَةٍ. وَالْمُلَازَمَةُ لَا تُنَافِي النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَلِأَنَّ وُقُوفَ الشُّهُودِ عَلَى عَدَمِ الْمَالِ لَا يَتَحَقَّقُ حَقِيقَةً إذْ الْعَدَمُ لَا يُحَاطُ بِالْعِلْمِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ قَدْ أَخْفَاهُ عَنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَتَزَيَّوْنَ بِزِيِّ الْفُقَرَاءِ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ فَيُلَازِمُونَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُمْ مَالُهُ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ مَالًا إشَارَةً عَلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْيَسَارِ تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا؛ لِأَنَّهَا تَشْهَدُ بِالْوُجُودِ وَالْأُخْرَى بِالنَّفْيِ فَالْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ أَوْلَى مِنْ النَّافِيَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ النَّافِيَةُ أَصْلًا لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنْ قُبِلَتْ اسْتِحْسَانًا بَعْدَ الْحَبْسِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ بِالِانْضِمَامِ إلَى الْحَبْسِ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ فَتُقْبَلُ فِيهِ احْتِيَاطًا. وَإِنْ قَالُوا إنَّهُ كَثِيرُ الْعِيَالِ ضَيِّقُ الْحَالِ كَانَ شَهَادَةً بِالْإِثْبَاتِ فَتُقْبَلُ بِلَا شُبْهَةٍ، وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْبِسَهُ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ وَإِنْ شَاءَ فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَطُوفُ بِهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالسِّكَكِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ لِلْمُدَّعِي، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَلْزَمَ مَدْيُونَهُ الْمُعْسِرَ حَيْثُ أَحَبَّ مِنْ الْمِصْرِ وَإِنْ كَانَ الْمَلْزُومُ لَا مَعِيشَةَ لَهُ إلَّا مِنْ كَدِيدِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الذَّهَابِ وَمِنْ أَنْ يَسْعَى فِي مِقْدَارِ قُوتِهِ يَوْمًا فَيَوْمًا، فَإِذَا اكْتَسَبَ ذَلِكَ فِي يَوْمِهِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ الذَّهَابِ فِي ذَلِكَ وَيَحْبِسَهُ. قَالَ هِشَامٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَأَلْت مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ رَجُلٍ أُخْرِجَ مِنْ الْحَبْسِ عَلَى تَفْلِيسٍ فَرَأَى مُحَمَّدٌ الْمُلَازَمَةَ مَعَ التَّفْلِيسِ وَأَشَارَ إلَى الْمَعْنَى فَقَالَ لَعَلَّ عِنْدَهُ شَيْئًا لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ فَقَالَ هِشَامٌ: قُلْت لَهُ: فَإِنْ كَانَتْ الْمُلَازَمَةُ تَضُرُّ بِعِيَالِهِ وَهُوَ مِمَّنْ يَكْتَسِبُ فِي سَقْيِ الْمَاءِ فِي طَوْفِهِ قَالَ: آمُرُ صَاحِبَ الْحَقِّ أَنْ يُوَكِّلَ غُلَامًا لَهُ يَكُونُ مَعَهُ وَلَا أَمْنَعُهُ عَنْ طَلَبِ قَدْرِ قُوتِ يَوْمِهِ وَلِعِيَالِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ يَعْمَلُ فِي سُوقِهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ اخْتَارَ الْمَطْلُوبُ الْحَبْسَ وَالطَّالِبُ الْمُلَازَمَةَ فَالْخِيَارُ إلَى الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ لِاخْتِيَارِهِ الْأَضْيَقَ وَالْأَشَقَّ عَلَيْهِ إلَّا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ بِالْمُلَازَمَةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِأَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ وَحْدَهُ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ يَسْتَقِيمُ قَبْلَ الْحَبْسِ وَبَعْدَهُ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ وَكَانَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يُلَازِمُهَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ لَكِنْ يَبْعَثُ امْرَأَةً أَمِينَةً تَلَازُمُهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَفْلَسَ مُبْتَاعُ عَيْنٍ فَبَائِعُهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى مَتَاعًا فَأَفْلَسَ وَالْمَتَاعُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ فَاَلَّذِي بَاعَهُ الْمَتَاعَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ مُرَادُهُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَتَاعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَتَاعَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، وَكَذَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَيَحْبِسَهُ بِالثَّمَنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ وَأَخْذُ مَتَاعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ أَوْ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ أَحَدِ بَدَلَيْ الْعَقْدِ وَهُوَ الثَّمَنُ فَيَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِالْإِبَاقِ وَنَحْوِهِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَكَالسَّلَمِ فَإِنَّهُ إذَا انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فِيهِ يَثْبُتُ لِرَبِّ السَّلَمِ خِيَارُ الْفَسْخِ وَكَوْنُ الثَّمَنِ مَعْقُودًا بِهِ لَا مَعْقُودًا عَلَيْهِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي مَنْعِ الْفَسْخِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ فَسْخِ الْكِتَابَةِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَعْقُودٌ بِهِ كَالثَّمَنِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] فَاسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ بِالْآيَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ قَبْلَهَا وَلَا فَسْخَ بِدُونِ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ صَارَ مُؤَجَّلًا إلَى الْمَيْسَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا مَعِيشَةَ لَهُ إلَّا مِنْ كَدِيدِهِ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ الْكَدُّ الْأَتْعَابُ يُقَالُ كَدَّ يَكُدُّ فِي عَمَلِهِ كَدًّا إذَا اسْتَعْجَلَ وَتَعِبَ. اهـ.

بِتَأْجِيلِ الشَّارِعِ وَبِالْعَجْزِ عَنْ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَجِبُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ فِي تَأْجِيلِ الشَّارِعِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ تَأْجِيلِهِمَا وَلِأَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ مِلْكَ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الدَّيْنُ وَذَلِكَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْعَجْزُ وَلَا يَتَغَيَّرُ عَلَيْهِ مُوجِبُ عَقْدِهِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ بَقَاءَ ذَلِكَ بِبَقَاءِ مَحَلِّهِ وَهُوَ الذِّمَّةُ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ مَلِيًّا وَهُوَ إذَا عَجَزَ إنَّمَا يَعْجِزُ عَنْ الْإِيفَاءِ وَالْإِيفَاءُ يَقَعُ بِعَيْنٍ بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ فِي الذِّمَّةِ فَيَكُونُ عَجْزًا عَنْ غَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَلَا يُوجِبُ فَسْخًا. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْضُهُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْمَقْبُوضُ عَيْنٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ إسْقَاطُهُ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ بِالِاسْتِبْدَالِ وَالْأَعْيَانُ لَا يَجُوزُ إسْقَاطُهَا وَلَا اسْتِبْدَالُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ عَيْنًا وَدَيْنًا؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ فَجُعِلَ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ مَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ حُكْمًا لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا فَكَانَ الْمَقْبُوضُ غَيْرَ الْوَاجِبِ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ الْعَجْزُ عَنْهُ عَجْزًا عَنْ مُوجِبِ الْعَقْدِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رَوَى؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ «مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ»، وَفِي الثَّانِي «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» وَالْمَبِيعُ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالِ الْبَائِعِ وَلَا مَتَاعَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْمُشْتَرِي؛ إذْ هُوَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَعَنْ ضَمَانِهِ بِالْبَيْعِ وَالْقَبْضِ وَإِنَّمَا مَالُهُ بِعَيْنِهِ يَقَعُ عَلَى الْمَغْصُوبِ وَالْعَوَارِيِّ وَالْوَدَائِعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فَذَلِكَ مَالُهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَالْحَدِيثُ وَرَدَ فِيهِ وَبِهِ نَقُولُ وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةً لَهُ أَنْ لَوْ قَالَ فَأَصَابَ رَجُلٌ عَيْنَ مَالٍ قَدْ كَانَ لَهُ فَبَاعَهُ مِنْ الَّذِي وَجَدَهُ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ مُفَسِّرًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ سُرِقَ لَهُ مَالٌ أَوْ ضَاعَ لَهُ مَتَاعٌ فَوَجَدَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِعَيْنِهِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ» رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ. فَهَذَا الْحَدِيثُ يُفِيدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا وُجِدَ فِي يَدِ الْمُفْلِسِ يُقْسَمُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ كَانَ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَإِنْ قِيلَ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ أُخَرَ فَإِنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى بِالسِّلْعَةِ يَبْتَاعُهَا الرَّجُلُ فَيُفْلِسُ وَهِيَ عِنْدَهُ بِعَيْنِهَا لَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا» فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْمَذْكُورِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا رَجُلٍ ابْتَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» فَتَبَيَّنَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْبَاعَةَ دُونَ غَيْرِهِمْ قُلْنَا: قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُنْقَطِعٌ فَلَا يَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ وَذَكَرَ أَنَّهُ مُضْطَرِبٌ أَيْضًا وَبَيَّنَ وَجْهَ اضْطِرَابِهِ فِي الْآثَارِ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبَيِّنًا لِلْمُرَادِ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي الْمَعْنَى، وَقَوْلُهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ قُلْنَا: يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْمِلْكِ وَهُوَ حَاصِلٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ فِي الْقَبْضِ فَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِالتَّأْجِيلِ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَلَا يَبْقَى لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَقَوْلُهُ كَالسَّلَمِ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا: الْمُسْلَمُ فِيهِ مَبِيعٌ فِيهِ وَالْعَجْزُ عَنْ الْمَبِيعِ يُوجِبُ خِيَارَ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ فَيَفُوتُ بِهِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَبِيعٌ عَدِمَ جِوَازِ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ فَصَارَ الْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ كَالْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ عَجْزٌ عَنْ تَسْلِيمِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْمَقْبُوضُ غَيْرُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى إيفَاءِ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً لِمَا ذَكَرْنَا؛ فَإِنْ قِيلَ إذَا اشْتَرَى بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ شَيْئًا كَانَتْ الْفُلُوسُ فِي ذِمَّتِهِ وَهِيَ ثَمَنٌ ثُمَّ إذَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهَا بِالْكَسَادِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ قُلْنَا إنَّ الْفُلُوسَ إذَا كَسَدَتْ تَغَيَّرَ مُوجِبُ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْعَقْدَ أَوْجَبَ مِلْكَ فُلُوسٍ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنٌ وَبَعْدَ الْكَسَادِ لَا يَبْقَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَبَطَلَ أَوْ نَقُولُ لَمَّا كَسَدَتْ صَارَتْ عُرُوضًا وَالْعُرُوضُ لَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا سَلَمًا فَبَطَلَ بِخِلَافِ الدَّيْنِ بَعْدَ الْإِفْلَاسِ وَالْمُكَاتَبُ إذَا عَجَزَ تَغَيَّرَ عَلَى الْمَوْلَى مُوجِبُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ مِلْكُ الْبَدَلِ لِلْمَوْلَى عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ بِالْقَبْضِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ وَالْمَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[فصل بلوغ الغلام بالاحتلام والإحبال والإنزال]

لَا يَسْتَوْجِبُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ عَبْدِهِ وَلِهَذَا لَوْ كَفَلَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ إنْسَانٌ لَا يَصِحُّ وَيَنْفَرِدُ الْعَبْدُ بِفَسْخِهِ، فَإِذَا عَجَزَ فَاتَ مُوجِبُ الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ لِلْمَوْلَى خِيَارُ الْفَسْخِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ فَإِنَّ الْعَقْدَ فِيهِ أَوْجَبَ مِلْكَ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ بِالْإِفْلَاسِ لَا يَنْعَدِمُ ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَلِيًّا [فَصْلٌ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ] (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ وَإِلَّا فَحَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَالْجَارِيَةُ بِالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ وَالْحَبْلِ وَإِلَّا فَحَتَّى يَتِمَّ لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَيُفْتَى بِالْبُلُوغِ فِيهِمَا بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَنْهُ فِي الْغُلَامِ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَطْعَنَ فِي التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً إلَّا وَيَطْعَنُ فِي التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ وَقِيلَ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَمَّا الِاحْتِلَامُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ حَفِظْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُتْمَ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْحَبَلُ وَالْإِحْبَالُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِنْزَالِ، وَكَذَا الْحَيْضُ يَكُونُ فِي أَوَانِ الْحَبَلِ عَادَةً فَجُعِلَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَامَةَ الْبُلُوغِ. وَأَمَّا السِّنُّ فَلَهُمْ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «عُرِضْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي» فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُجِزْهُ إلَّا؛ لِأَنَّهُ بَالِغٌ وَلَمْ يَرُدَّهُ إلَّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ؛ لِأَنَّ بُلُوغَهُمَا لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا عَادَةً وَهِيَ إحْدَى الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] الصَّبِيُّ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْقُتَبِيُّ وَقِيلَ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَفِي قَوْلِ عُمَرَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَأَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً فَوَجَبَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهِ لِلِاحْتِيَاطِ غَيْرَ أَنَّ الْإِنَاثَ نُشُوءُهُنَّ وَإِدْرَاكُهُنَّ أَسْرَعُ فَزِدْنَا فِي حَقِّ الْغُلَامِ سَنَةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي وَاحِدٌ مِنْهَا يُوَافِقُ الْمِزَاجَ لَا مَحَالَةَ فَيَقْوَى فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَدْنَى الْمُدَّةِ فِي حَقِّهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي حَقِّهَا تِسْعُ سِنِينَ) أَيْ أَدْنَى مُدَّةِ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ وَنَحْوِهِ فِي حَقِّ الْغُلَامِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي حَقِّ الْجَارِيَةِ تِسْعُ سِنِينَ هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا سَمَاعًا أَوْ بِالتَّتَبُّعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رَاهَقَا) أَيْ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ (وَقَالَا قَدْ بَلَغْنَا صُدِّقَا وَأَحْكَامُهُمَا أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ)؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمَا فَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُمَا كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا كَالْحَيْضِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [كِتَابُ الْمَأْذُونِ] (كِتَابُ الْمَأْذُونِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ فَلَا يَتَوَقَّتُ، وَلَا يَتَخَصَّصُ) هَذَا فِي الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ بَعْدَ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ كَلَامٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا لِصُدُورِهِ عَنْ تَمْيِيزٍ، وَمَحَلُّ التَّصَرُّفِ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِالْتِزَامِ الْحُقُوقِ، وَهُمَا لَا يَفُوتَانِ بِالرِّقِّ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ كَرَامَاتِ الْبَشَرِ، وَهُوَ بِالرِّقِّ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَشَرًا إلَّا أَنَّهُ حَجْرٌ عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ لِضَعْفِ ذِمَّتِهِ بِالرِّقِّ حَتَّى لَا يَجِبَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ إلَّا، وَهُوَ شَاغِلٌ لِرَقَبَتِهِ فَإِذَا أَذِنَ الْمَوْلَى فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَكَانَ الْعَبْدُ مُتَصَرِّفًا بِأَهْلِيَّتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( فَصْلٌ) بُلُوغُ الْغُلَامِ إلَخْ (فَرْعٌ) وَقَالَ أَصْحَابُنَا أَمَّا إنْبَاتُ الْعَانَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْبُلُوغِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ نَبَاتُ شَعْرٍ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْبُلُوغِ كَاللِّحْيَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَصَّلَ بِاللِّحْيَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْبُلُوغِ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ بِخِلَافِ الْعَانَةِ فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا أَوْ تُمَسَّ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ اللِّحْيَةُ دَلِيلَ الْبُلُوغِ فَالْعَانَةُ أَوْلَى وَمَا رُوِيَ عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ «عُرِضْت يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَبْصِرُوهُ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَنْبَتَ فَاقْتُلُوهُ فَنَظَرُوا إلَيَّ فَوَجَدُونِي مَا أَنْبَتّ فَجَعَلُونِي فِي السَّبْيِ» لَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْخَصْمِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَغَازِي ذَكَرُوا أَنَّ سَعْدًا حَكَمَ بِذَلِكَ فِيمَنْ أَنْبَتَ وَرُوِيَ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ اخْضَرَّ مِئْزَرُهُ وَهَذَا يَزِيدُ عَلَى الْإِنْبَاتِ؛ لِأَنَّ اخْضِرَارَ الْإِزَارِ يَكُونُ بِنَبَاتِ الشَّعْرِ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الْعَانَةِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي، وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ اُقْتُلُوا مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي وَهَذَا يَقْتَضِي تَكْرَارَ الْحَلْقِ بَعْدَ الْإِنْبَاتِ وَهُوَ خِلَافُ مَا يَعْتَبِرُهُ الْخَصْمُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَبِيلَ بَابِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ نَبَاتُ الْعَانَةِ، وَأَمَّا نُهُودُ الثَّدْيِ فَلَا يُحْكَمُ بِالْبُلُوغِ بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُحْكَمُ بِهِ وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النُّورِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَبِرُ الْقَامَةَ وَيُقَدِّرُهُ بِخَمْسَةِ أَشْبَارٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَرَزْدَقُ فِي قَوْلِهِ مَا زَالَ مُذْ عَقَدَتْ يَدَاهُ إزَارَهُ ... وَسَمَا فَأَدْرَكَ خَمْسَةَ الْأَشْبَارِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُفْتَى بِالْبُلُوغِ فِيهِمَا بِخَمْسَ عَشْرَةَ) أَيْ فَإِذَا تَمَّتْ جَازَ طَلَاقُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَمْ يُجِزْنِي) أَيْ فِي الْمُقَاتِلَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَأَجَازَنِي) أَيْ فِي الْمُقَاتِلَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ بُلُوغَهُمَا لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ. اهـ. . (كِتَابُ الْمَأْذُونِ)

الْأَصْلِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ، وَلَا يَتَوَقَّتُ بِزَمَانٍ، وَلَا مَكَان، وَلَا بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ كَالْمُكَاتَبِ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَوْكِيلٍ، وَإِنَابَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِلْمَوْلَى بِإِذْنِهِ وَالْمَانِعُ مِنْ التَّصَرُّفِ هُوَ الرِّقُّ، وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ الْإِذْنِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي صِحَّةِ التَّقْيِيدِ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُجَاوِزَ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا كَالْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِلْمُوَكِّلِ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا مَا أَطْلَقَ لَهُ، وَعِنْدَنَا يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَأَنَّمَا يَخْلُفُهُ الْمَوْلَى فِي الْمِلْكِ فَقَطْ لِتَعَذُّرِ ثُبُوتِهِ لَهُ، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ هُوَ كَالْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّ الْمَوْلَى، وَقَدْ أَسْقَطَهُ وَالْإِسْقَاطَاتُ لَا تَقْبَلُ التَّقْيِيدَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَكَمَا إذَا رَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ بِبَيْعِ عَبْدٍ مُسْتَأْجَرٍ مِنْ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ أَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ عَلَى أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ نَوْعًا مِنْ التَّصَرُّفِ دُونَ نَوْعٍ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَقْيِيدُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِ فَلَا يَقْبَلُ التَّقْيِيدَ بِخِلَافِ إذْنِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ ذَكَرَهُ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ، وَلَا يُقَالُ هُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ، وَهُوَ الْمِلْكُ فَكَيْفَ يَكُونُ أَهْلًا لِسَبَبِهِ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ، وَالسَّبَبُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لِذَاتِهِ بَلْ لِحُكْمِهِ فَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمُهُ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا كَطَلَاقِ الصَّبِيِّ، وَعَتَاقِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ حُكْمُهُ مِلْكُ الْيَدِ، وَهُوَ أَهْلٌ لَهُ كَالْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ فِيهِ حَاجَتُهُ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَنَفَقَتِهِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ إلَّا مَا فَضَلَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ مَا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا، وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ إسْقَاطًا لَمَا مَلَكَ نَهْيَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ فِي حَقِّ مَا لَمْ يُوجَدْ فَيَكُونُ النَّهْيُ امْتِنَاعًا عَنْ الْإِسْقَاطِ فِيمَا لَمْ يُوجَدْ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْإِعْلَامُ، وَمِنْهُ الْأَذَانُ، وَهُوَ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مِمَّنْ يَعْقِلُ التَّصَرُّفَ وَيَقْصِدُهُ وَالْآذِنُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بَيْعًا، وَإِجَارَةً وَرَهْنًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ حَتَّى جَازَ الْإِذْنُ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَالشَّرِيكِ مُفَاوَضَةً، وَعِنَانًا وَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي وَالْوَالِي وَحُكْمُهُ هُوَ التَّفْسِيرُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ فَكِّ الْحَجْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ إنْ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي) أَيْ يَثْبُتُ الْإِذْنُ لِلْعَبْدِ بِسُكُوتِ الْمَوْلَى عِنْدَمَا يَرَاهُ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ عَيْنًا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا هَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِكِ فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا، وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إذَا رَأَى الرَّاهِنَ يَبِيعُ الرَّهْنَ فَسَكَتَ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ رِضًا وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ، وَلَوْ أَمَرَهُ الْمَوْلَى بِبَيْعِ مَتَاعِ غَيْرِهِ يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ، وَلَوْ رَأَى عَبْدَهُ فِي حَانُوتِهِ يَبِيعُ فَسَكَتَ حَتَّى بَاعَ مَتَاعًا كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ إذْنًا، وَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمَوْلَى بَيْعُ الْعَبْدِ ذَلِكَ الْمَتَاعَ، وَلَوْ رَأَى الْمَوْلَى عَبْدَهُ يَشْتَرِي شَيْئًا بِدَرَاهِمِ الْمَوْلَى أَوْ دَنَانِيرِهِ فَلَمْ يَنْهَهُ يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ فَإِنْ كَانَ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِالِاسْتِرْدَادِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا دَفَعَ إلَى عَبْدِ رَجُلٍ مَتَاعًا لَهُ لِيَبِيعَهُ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَرَآهُ الْمَوْلَى، وَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ وَتَكَلَّمُوا فِي الْعُهْدَةِ قِيلَ تَرْجِعُ إلَى الْآمِرِ، وَقِيلَ إلَى الْعَبْدِ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ بِسُكُوتِ الْمَوْلَى عِنْدَمَا يَرَاهُ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ يَحْتَمِلُ الرِّضَا وَيَحْتَمِلُ السَّخَطَ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ؛ وَلِأَنَّ الْإِذْنَ إنَابَةٌ فَلَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ كَمَا إذَا رَأَى أَجْنَبِيًّا يَبِيعُ مَالَهُ فَسَكَتَ، وَلَمْ يَنْهَهُ وَلَا يَنْفُذُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِسُكُوتِهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ الْبَيْعُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَهُوَ السُّكُوتُ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ، وَكَذَا لَوْ رَأَى الْقَاضِي الصَّبِيَّ أَوْ الْمَعْتُوهَ أَوْ عَبْدَهُمَا يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ لَا يَكُونُ إذْنًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَعَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِلْيَتِيمِ وَالْمَعْتُوهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ وَلِعَبْدِهِمَا أَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِيٌّ وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِذْنِ لَهُ عِنْدَ طَلَبِهِ مِنْهُ ذَلِكَ، وَكَذَا سُكُوتُ الْمُرْتَهِنِ عِنْدَمَا يَرَى الرَّاهِنَ يَبِيعُ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ رِضًا فِي رِوَايَةٍ، وَكَذَا إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَتَزَوَّجُ أَوْ أَمَتَهُ تَتَزَوَّجُ فَسَكَتَ لَا يَكُونُ إذْنًا مِنْهُ بِالزَّوَاجِ، وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ وَصَاحِبُهُ يَقْشَعُ، وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَكُونُ إذْنًا مِنْهُ بِهِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالضَّمَانِ قُلْنَا إنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ، وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ مَنْ لَا يَرْضَى بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ يَنْهَاهُ عَنْهُ وَيُؤَدِّبَهُ عَلَيْهِ فَإِذَا سَكَتَ دَلَّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ فَصَارَ إذْنًا دَلَالَةً لِأَجْلِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ إطْلَاقًا مِنْهُ فَيُبَايِعُونَهُ حَمْلًا لِفِعْلِهِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ، وَلَا يَتَوَقَّتُ بِزَمَانٍ إلَخْ) حَتَّى لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ يَوْمًا كَانَ مَأْذُونًا أَبَدًا حَتَّى يُحْجَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَاتِ لَا تَتَوَقَّتُ. اهـ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْأَذَانُ إلَخْ) أَمَّا الْإِذْنُ فَهُوَ الْإِطْلَاقُ لُغَةً؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْحَجْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ فَكَانَ إطْلَاقًا عَنْ شَيْءٍ أَيِّ شَيْءٍ، وَفِي الشَّرْعِ الْإِطْلَاقُ فِي حَقِّ التِّجَارَةِ بِإِسْقَاطِ الْحَجْرِ عَنْهُ كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ، وَأَمَّا رُكْنُهُ فَقَوْلُ الرَّجُلِ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِهِ يُقَوَّمُ، وَرُكْنُ الشَّيْءِ مَا يُقَوَّمُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِذْنُ دَلَالَةً بِالسُّكُوتِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَحُكْمُهُ مِلْكُ الْمَأْذُونِ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ التِّجَارَةِ وَتَوَابِعِهَا وَضَرُورَاتِهَا، وَعَدَمِ مِلْكِهِ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ إلَى هَذَا أَشَارَ فِي التُّحْفَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا يَثْبُتُ بِالشَّيْءِ وَالثَّابِتُ بِالْإِذْنِ مَا قُلْنَا فَكَانَ حُكْمًا. اهـ.

مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ وَالْعُرْفُ فَصَارَ كَسُكُوتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَمْرٍ يُعَايِنُهُ عَنْ التَّغْيِيرِ وَالْإِنْكَارِ، وَكَسُكُوتِ الْبِكْرِ وَالشَّفِيعِ وَالْمَوْلَى الْقَدِيمِ عِنْدَمَا يَرَى مَالَهُ يُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا سَكَتَ عِنْدَمَا يَقْشَعُ الْأَجْنَبِيُّ بِبَيْعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ، وَالْوَكِيلُ يَتَصَرَّفُ لِلْمُوَكِّلِ لَا لِنَفْسِهِ وَالتَّوْكِيلُ لَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ، وَكَذَا الْعَبْدُ وَكِيلٌ فِي حَقِّ مَا بَاعَهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ، وَهُوَ الْمَوْلَى وَالتَّوْكِيلُ لَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ، وَكَذَا إذْنُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِ الْغَيْرِ حَتَّى يَكُونَ الْإِذْنُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ وَسُكُوتُ الْمُرْتَهِنِ إجَازَةٌ فِي رِوَايَةٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ عَلَى الْأُخْرَى أَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ إجَازَةً يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ بِخُرُوجِ الْعَيْنِ مِنْ يَدِهِ، وَإِقَامَةُ الثَّمَنِ مَقَامَهُ فِي جَعْلِهِ رَهْنًا، وَهُوَ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يُعْرَفُ هَلْ يَحْصُلُ أَوْ يُتْوَى عَلَيْهِ فَلَا يَلْحَقُهُ هَذَا الضَّرَرُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ مِنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ فِي تَزَوُّجِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، وَفِي إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى وَصَاحِبِ الْمَالِ فِيهِ ضَرَرًا مَحْضًا فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِ الْتِزَامِهِ صَرِيحًا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ فِي الْحَالِ، وَفِي الْمَالِ جَانِبُ النَّفْعِ رَاجِحٌ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدُّيُونِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِعِوَضٍ، وَجَانِبُ تَحْصِيلِ الرِّبْحِ أَرْجَحُ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ فِي النِّكَاحِ وَكِيلٌ عَنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَلِهَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ بِالتَّزَوُّجِ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ حَتَّى لَا يَمْلِكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا يَتَعَمَّمُ، وَلَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ عَامًّا لَا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي) يَعْنِي لَوْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ إذْنًا عَامًّا بِأَنْ قَالَ لَهُ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، وَلَا بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ، وَأَمَّا إذَا أَمَرَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ، وَلَوْ صَارَ مَأْذُونًا لَهُ لَانْسَدَّ عَلَى الْمَوْلَى بَابُ الِاسْتِخْدَامِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِبَيْعِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ آجِرْ نَفْسَك مِنْ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ اسْتِخْدَامًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ آجِرْ نَفْسَك مِنْ النَّاسِ أَوْ اُقْعُدْ صَبَّاغًا أَوْ خَيَّاطًا أَوْ قَصَّارًا أَوْ قَالَ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا، وَأَنْتَ حُرٌّ حَيْثُ يَكُونُ إذْنًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْإِذْنِ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ أَدِّ إلَيَّ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا أَوْ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى أَدَائِهِ إلَّا بِالتَّكَسُّبِ، وَذَلِكَ بِالتِّجَارَةِ لَا بِالتَّكَدِّي، وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ بِعُقُودٍ مُتَكَرِّرَةٍ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ كَقَوْلِهِ اشْتَرِ ثَوْبًا وَبِعْهُ أَوْ بِعْ ثَوْبِي هَذَا وَاشْتَرِ بِثَمَنِهِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ عَادَةً، وَقَوْلُهُ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا، وَأَنْتَ حُرٌّ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْته إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَوْ أَعْطَاهُ رَاوِيَةً وَبَغْلًا، وَقَالَ اسْتَقِ عَلَيْهِ وَبِعْ الْمَاءَ مِنْ النَّاسِ كَانَ إذْنًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالتَّكَسُّبِ، وَذَلِكَ بِالْإِذْنِ، وَلَوْ غَصَبَ الْعَبْدُ ثَوْبًا فَأَمَرَهُ مَوْلَاهُ بِبَيْعِهِ كَانَ إذْنًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِخْدَامِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَيَتَعَيَّنُ الْإِذْنُ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ كَانَ إذْنًا فِي الْجَمِيعِ، وَكَذَا إذَا قَيَّدَهُ بِوَقْتٍ أَوْ بِمُعَامَلَةِ شَخْصٍ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ عِنْدَنَا، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَوْكِيلٌ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَنَا إسْقَاطٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ عَامًّا إلَخْ) قَالَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ الْإِذْنُ نَوْعَانِ خَاصٌّ، وَعَامٌّ أَمَّا الْإِذْنُ الْخَاصُّ كَأَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ اشْتَرِ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا أَوْ اشْتَرِ كِسْوَةً لِنَفْسِك أَوْ لِفُلَانٍ فَاشْتَرَاهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ مَأْذُونًا فِي ذَلِكَ خَاصَّةً وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالتَّصَرُّفِ لَا يَتَجَزَّأُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا أَذِنَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ وَلَوْ تَعَدَّى الْإِذْنُ إلَى غَيْرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِ الْمَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَاتِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِخْدَامِ، وَأَمَّا الْإِذْنُ الْعَامُّ كَأَنْ يَقُولَ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَاتِ أَوْ فِي التِّجَارَةِ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي الْأَنْوَاعِ بِلَا خِلَافٍ. أَمَّا إذَا أَذِنَ فِي نَوْعٍ بِأَنْ قَالَ اتَّجِرْ فِي الْبَزِّ أَوْ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا سُمِّيَ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ اُقْعُدْ فِي الْخَزَّازَةِ أَوْ فِي الصِّيَاغَةِ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحِرَفِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَذِنْت لَك أَنْ تَتَّجِرَ شَهْرًا أَوْ سَنَةً يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ مَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ حَجْرًا عَامًّا، وَكَذَا إذَا قَالَ اتَّجِرْ فِي الْبَزِّ، وَلَا تَتَّجِرْ فِي الْخَزِّ لَا يَصِحُّ نَهْيُهُ وَيَعُمُّ الْإِذْنُ النَّوْعَيْنِ وَغَيْرَهُمَا. وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ أَنَّ الْإِذْنَ تَمْلِيكُ التَّصَرُّفِ أَوْ إسْقَاطُ الْحَقِّ، وَفَكُّ الْحَجْرِ إلَى هُنَا لَفْظُ التُّحْفَةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ الْأَجَلُّ الصَّدْرُ الْكَبِيرُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَهْلٍ الْمَعْرُوفُ بِمَازَهْ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ: الْمَأْذُونُ فِي نَوْعٍ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا إلَّا فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَمَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ وَصُورَتُهُ رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ تَصَرَّفْ فِي الْخَزِّ وَسَكَتَ أَوْ قَالَ تَصَرَّفْ فِي الْخَزِّ، وَلَا تَتَصَرَّفْ فِي الْبَزِّ عِنْدَنَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْخَزِّ وَالْبَزِّ جَمِيعًا، وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ إلَّا فِي الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ مَأْذُونًا)، وَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ فِي التِّجَارَةِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ خَصَّ، وَالتَّخْصِيصُ لَا يَعْمَلُ فِي الْإِذْنِ عِنْدَنَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الضَّرُورَةُ وَالضِّيقُ عَلَى النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ مَأْذُونًا لَهُ بِهَذَا الْقَدْرِ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ وَوَقَعُوا فِي حَرَجٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ بِالْإِذْنِ فِي شِرَاءِ جَمْدٍ أَوْ بَقْلٍ بِفَلْسٍ لَصَحَّ إقْرَارُهُ حِينَئِذٍ عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ عَظِيمٍ حَيْثُ يُتْوَى بِذَلِكَ رَقَبَتُهُ، وَكَسْبُهُ فَلَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى اسْتِخْدَامِ الْمَمْلُوكِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ فَتَتَعَطَّلُ مَصَالِحُهُمْ فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ لَمْ يَجْعَلْ الْإِذْنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ إذْنًا عَامًّا بَلْ جَعَلَ ذَلِكَ اسْتِخْدَامًا وَتَوْكِيلًا. اهـ. وَالْحَاصِل أَنَّهُ مَتَى فُرِضَ إلَيْهِ عُقُودًا مُكَرَّرَةً كَانَ ذَلِكَ إذْنًا فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَحْصُلُ بِالْعُقُودِ الْمُكَرَّرَةِ، وَإِنْ فَوَّضَ إلَيْهِ عَقْدًا وَاحِدًا لَا يَتَكَرَّرُ كَانَ اسْتِخْدَامًا، وَلَمْ يَكُنْ إذْنًا فِي التِّجَارَةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

ثُمَّ إذَا صَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا يَجُوزُ بِمُحَابَاةٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ جَارٍ مَجْرَى التَّبَرُّعِ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الْمَرِيضِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْقَاضِي مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، وَالتَّبَرُّعُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التِّجَارَةِ الِاسْتِرْبَاحُ، وَهَذَا ضِدُّهُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تِجَارَةٌ لَا تَبَرُّعٌ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي ضِمْنِ عَقْدِ التِّجَارَةِ وَالْوَاقِعُ فِي ضِمْنِ الشَّيْءِ كَانَ لَهُ حُكْمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَلِهَذَا تَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ فِي الْكُلِّ كَوُجُوبِ الشُّفْعَةِ وَجَوَازِ الْمُرَابَحَةِ، وَقَدْ فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فِي حَقِّ التِّجَارَةِ فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ كَفَكِّ الْحَجْرِ بِالْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ وَبِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْقَاضِي؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ مُقَيَّدٌ بِالْأَنْظَرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ مِنْ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْإِذْنِ أَنْ يَصِحَّ مِنْهُمْ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ أَيْضًا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْمُجَاهِزِينَ وَيَبِيعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فِي صَفْقَةٍ وَيَرْبَحُ فِي أُخْرَى، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَيْعُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا، وَلَوْ مَرِضَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ وَحَابَى فِيهِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَمِنْ جَمِيعِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ فِي الْحُرِّ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، وَلَا وَارِثَ لِلْعَبْدِ. وَلَا يُقَالُ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ بِالْإِذْنِ فَصَارَ كَالْوَارِثِ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ فَإِنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ يَنْفُذُ فِي الْكُلِّ بِخِلَافِ غُرَمَائِهِ عَلَى مَا يَجِيءُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْضَوْا بِسُقُوطِ حَقِّهِمْ فَلَا تَنْفُذُ مُحَابَاتُهُ فِي حَقِّهِمْ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَا فِي يَدِهِ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي أَدِّ جَمِيعَ الْمُحَابَاةِ، وَإِلَّا فَرُدَّ الْمَبِيعَ كَمَا فِي الْحُرِّ هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى صَحِيحًا، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى مَرِيضًا لَا تَصِحُّ مُحَابَاةُ الْعَبْدِ إلَّا مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَوْلَى كَتَصَرُّفَاتِ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِاسْتِدَامَةِ الْإِذْنِ بَعْدَ مَا مَرِضَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فَصَارَ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِهِ وَالْفَاحِشُ مِنْ الْمُحَابَاةِ وَغَيْرُ الْفَاحِشِ فِيهِ سَوَاءٌ حَتَّى لَا يَنْفُذَ الْكُلُّ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوَكِّلُ بِهِمَا) أَيْ يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فَلَعَلَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْكُلِّ فَيَحْتَاجُ إلَى الْمُعِينِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَرْهَنُ وَيَسْتَرْهِنُ)؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَيَتَقَرَّرُ ذَلِكَ بِالْهَلَاكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْتَأْجِرُ وَيُضَارِبُ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَيَجُوزُ لَهُ الْمُضَارَبَةُ أَخْذًا وَدَفْعًا، وَكَذَا الْإِجَارَةُ بِأَنْ يُؤَجِّرَ غِلْمَانَهُ أَوْ يَسْتَأْجِرَ أُجَرَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَأَمَّا إذَا بَاعَ بِالْمُحَابَاةِ الْفَاحِشَةِ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَهُ فَلَأَنْ يَمْلِكَ الْمَأْذُونُ لَهُ ذَلِكَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لَيْسَ بِسَبِيلِ النِّيَابَةِ بَلْ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى. اهـ. وَالْحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي قَالَ شِرَاءُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَبَيْعُهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَائِزٌ حَالًّا أَوْ آجِلًا أَوْ سَلَمًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ، وَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ، وَلَا صَدَقَتُهُ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ مِثْلُ الْمُكَاتَبِ وَالصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ يَأْذَنُ لَهُ أَبُوهُ فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ حَذْفٍ. قَالَ فِي الْحَقَائِقِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ فِي بَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: وَإِذَا بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْكَثِيرِ مِنْ الْمُحَابَاةِ لَا يَجُوزُ أَصْلًا عِنْدَهُمَا وَإِنْ بَلَّغَ الْأَجْنَبِيُّ الثَّمَنَ إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ وَبِالْيَسِيرِ يَجُوزُ فَلَا يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ عِنْدَهُمَا مِنْ الْمُحِيطِ وَالْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ مِنْ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْإِذْنِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَيَمْلِكُ كُلَّ مَا هُوَ مُسَمًّى بِهَذَا الِاسْمِ جَرْيًا عَلَى قَضِيَّةِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ، وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالْغَرَضِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ نَصِّ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ خُلُوَّهُ مِنْ الْغَرَضِ فَإِنَّ التَّاجِرَ فِي الْعَادَاتِ كَمَا يُبَاشِرُ الْعَقْدَ عَلَى وَجْهٍ لَا غَبْنَ فِيهِ يُبَاشِرُهُ عَلَى وَجْهٍ فِيهِ غَبْنٌ لِيَتَوَسَّلَ إلَى غَرَضٍ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا بِبَيْعِ مَا عِنْدَهُ، وَعَسَى لَا يَشْتَرِي مَا عِنْدَهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لِكَسَادِ السُّوقِ، وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ ثَمَنٌ مَا يُرِيدُ تَحْصِيلَهُ فَتَمَسُّ حَاجَتُهُ إلَى بَيْعِ مَا عِنْدَهُ بِوَضِيعَةٍ رَغْبَةً فِيمَا يُرِيدُ تَحْصِيلَهُ وَالِاسْتِرْبَاحُ عَلَيْهِ وَهَذَا مَعْهُودٌ بَيْنَ التُّجَّارِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَرِضَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ) أَيْ مَرَضَ الْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى صَحِيحًا) قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ هَذَا إذَا حَابَى الْمَأْذُونَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَالْمَوْلَى صَحِيحٌ أَمَّا إذَا حَابَى فِي مَرَضِ مَوْتِ الْمَوْلَى فَبَيَانُهُ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ: وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ مَرِضَ الْمَوْلَى فَبَاعَ الْعَبْدُ بَعْضَ مَا كَانَ مِنْ تِجَارَتِهِ أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَحَابَى فِي ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الْعَبْدِ، وَمَا فِي يَدِهِ فَجَمِيعُ مَا فَعَلَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَمَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِتَسْلِيطِ الْمَوْلَى، وَإِنَّهُ يُلَاقِي حَقَّ الْمَوْلَى فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مُحَابَاةً مِنْهُ، وَهُوَ مَرِيضٌ فَيُجْعَلُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِمَا فِيمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ وَبِمَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ حَالَ الْعَبْدِ لَمْ يَتَغَيَّرْ إنَّمَا تَغَيَّرَ حَالُ الْمَوْلَى فَكَانَ وَصِيَّةً مِنْهُ بَعْدَ الدَّيْنِ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ، وَبِمَا فِي يَدِهِ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ مِنْ مُحَابَاةِ الْمَوْلَى شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ الدَّيْنِ وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي فَانْقُضْ الْبَيْعَ، وَإِنْ شِئْت فَأَدِّ الْمُحَابَاةَ كُلَّهَا، وَلَوْ كَانَ الَّذِي حَابَاهُ الْعَبْدُ بَعْضَ وَرَثَةِ الْمَوْلَى كَانَتْ الْمُحَابَاةُ بَاطِلَةً فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصِيَّةٌ مِنْ الْمَوْلَى كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ أَتْقَانِيٌّ

وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذَهَا مُسَاقَاةً؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ التُّجَّارِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّارِعُ يُتَاجِرُ رَبَّهُ»، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ طَعَامًا وَيَزْرَعَهُ فِيهَا وَيَسْتَأْجِرَ الْبُيُوتَ وَالْحَوَانِيتَ وَيُؤَجِّرَهَا لِمَا فِيهَا مِنْ تَحْصِيلِ الْمَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُؤَجِّرُ نَفْسَهُ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَتَنَاوَلُ التَّصَرُّفَ فِي نَفْسِهِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ، وَلَا يَرْهَنَهَا فَكَذَا مَنَافِعُهُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ، وَلَنَا أَنَّ الْإِجَارَةَ تِجَارَةٌ، وَهُوَ تَصَرُّفٌ عَلَى غَيْرِ نَفْسِهِ إذْ هِيَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ دُونَ النَّفْسِ فَيَمْلِكُهُ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ الْإِذْنُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ يَنْحَجِرُ بِهِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ جَوَازِ بَيْعِ النَّفْسِ امْتِنَاعُ الْإِجَارَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ نَفْسِهِ وَيَمْلِكُ إجَارَتَهَا، وَأَقْرَبُ مِنْهُ الْمُكَاتَبُ بَلْ هُوَ نَظِيرُهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ إجَارَةَ نَفْسِهِ، وَلَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا وَالرَّهْنُ يُوجِبُ الْحَبْسَ عَلَى الدَّوَامِ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِغَيْرِ بَدَلٍ يُقَابِلُهُ فَيَفُوتُ بِهِ غَرَضُ الْمَوْلَى، وَهُوَ التَّحْصِيلُ فَلَا يَمْلِكُهُ وَيُشَارِكُ شَرِكَةَ عِنَانٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ مُفَاوَضَةً؛ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقِرُّ بِدَيْنٍ وَغَصْبٍ الْوَدِيعَةٍ)؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَمْ يُعَامِلْهُ أَحَدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ إقْرَارِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ، وَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ مِنْهُ، وَكَذَا بِالْغَصْبِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ بِالضَّمَانِ فَكَانَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ كَانَ شَرِيكُهُ مُطَالَبًا بِهِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا فَأَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ بِاعْتِبَارِ الشِّرَاءِ إذْ لَوْلَاهُ لَوَجَبَ الْحَدُّ دُونَ الْعُقْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِوَطْءِ جَارِيَةٍ بِالنِّكَاحِ حَيْثُ لَا يَظْهَرُ وُجُوبُ الْعُقْرِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لَمْ يَلْزَمْ شَرِيكَهُ، وَإِقْرَارُهُ الْوَدِيعَةِ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ فَكَانَ مِنْ تَوَابِعِهِ، وَلَوَازِمِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي صِحَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ قَدَّمَ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ كَمَا فِي حَقِّ الْحُرِّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ مِنْ دُيُونِهِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ، وَمَا لَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ إلَّا بِتَصْدِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَيَبْطُلُ إقْرَارُهُ لِلزَّوْجِ وَالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا، وَهُوَ كَالِاخْتِلَافِ فِي بَيْعِ الْوَكِيلِ مِنْ هَؤُلَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَتَزَوَّجُ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْمَوْلَى بِوُجُوبِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فِي رَقَبَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (، وَلَا يُزَوِّجُ مَمْلُوكَهُ)، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُزَوِّجُ الْأَمَةَ دُونَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ تَحْصِيلُ الْمَهْرِ وَسُقُوطُ النَّفَقَةِ فَأَشْبَهَ إجَارَتَهَا وَلِهَذَا جَازَ لِلْمُكَاتَبِ وَوَصِيِّ الْأَبِ وَالْأَبِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ تَنَاوَلَ التِّجَارَةَ وَالتَّزْوِيجُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ الِاكْتِسَابَ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالتِّجَارَةِ، وَكَذَا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْوَصِيُّ؛ وَلِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ مُقَيَّدٌ بِالْأَنْظَرِ لِلصَّغِيرِ وَتَزْوِيجُ الْأَمَةِ مِنْ الْأَنْظَرِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ الْمَأْذُونُ لَهُمَا وَالْمُضَارِبُ وَالشَّرِيكُ عِنَانًا، وَمُفَاوَضَةً وَجَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَهُوَ سَهْوٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بِنَفْسِهِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِثْلَ مَا ذَكَرْنَا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا خِلَافًا بَلْ جَعَلَهُمَا كَالْمُكَاتَبِ، وَكَذَا فِي عَامَّةِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا كَالْمَبْسُوطِ، وَمُخْتَصَرِ الْكَافِي وَالتَّتِمَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَلَا يُكَاتَبُ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذَهَا) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ الْكَبِيرِ: وَيَتَقَبَّلُ الْأَرْضَ وَيَأْخُذُهَا مُزَارَعَةً كَمَا يَأْخُذُ الْحُرُّ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْأَرْضِ مُزَارَعَةً إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ فَهُوَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَهُوَ إجَارَةُ نَفْسِهِ، وَإِنَّهُ يَمْلِكُ كِلَا الْوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ طَعَامًا إلَى رَجُلٍ لِيَزْرَعَهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي أَرْضِهِ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَصِيرُ قَرْضًا، وَلَيْسَ لَهُ الْقَرْضُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ تَبَرُّعٌ، وَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ، وَلَوْ فَعَلَ مَعَ هَذَا أَشَارَ هَهُنَا أَنَّ الْخَارِجَ يَكُونُ لِلْمُزَارِعِ حَيْثُ جَعَلَهُ قَرْضًا، وَلَوْ أَقْرَضَهُ تَنْصِيصًا فَالْجَوَابُ هَكَذَا أَنَّ الْخَارِجَ يَكُونُ لِلْمُزَارِعِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِحُكْمِ الْقَرْضِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُزَارَعَةِ أَنَّ الْحُرَّ لَوْ دَفَعَ بَذْرًا إلَى آخَرَ لِيَزْرَعَهُ فِي أَرْضِهِ بِالنِّصْفِ فَفَعَلَ يَكُونُ الْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَأَرْضِهِ قِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْمُزَارَعَةِ الْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَفِي رِوَايَةِ الْمَأْذُونِ الْخَارِجُ لِلْمُزَارِعِ وَدَفْعُ الْبَذْرِ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ الْإِقْرَاضَ وَاسْتِئْجَارَ الْعَامِلِ وَالْأَرْضِ إنْ دَفَعَ الْبَذْرَ لِيَزْرَعَهُ لَهُ فَقَدْ أَبْقَاهُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ الْعَامِلُ عَامِلًا لَهُ بِشَرْطِ النِّصْفِ فَيَكُونُ اسْتِئْجَارًا لَهُ وَلِأَرْضِهِ، وَإِنْ دَفَعَ الْبَذْرَ لِيَزْرَعَ الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ يَكُونُ إقْرَاضًا لَهُ فَفِي رِوَايَةٍ اُعْتُبِرَ الْقَرْضُ، وَفِي رِوَايَةٍ اُعْتُبِرَ الِاسْتِئْجَارُ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ دَفَعَ الْبَذْرَ إلَيْهِ، وَقَالَ لِتَزْرَعَ لِي أَوْ أَطْلَقَ يَكُونُ الْخَارِجُ لَهُ فَإِنْ قَالَ لِتَزْرَعَ لِنَفْسِك يَكُونُ الْخَارِجُ لِلْمُزَارِعِ فَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَمْ يُعَامِلْهُ أَحَدٌ) قَالَ الْكَرْخِيُّ، وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ عَلَى عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ بِمَهْرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ بِنِكَاحٍ جَائِزٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِشُبْهَةِ نِكَاحٍ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يَعْتَنِيَ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى جَازَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَجُزْ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ قَامَتْ عَلَى الْعَبْدِ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِإِذْنِ مَوْلَاهُ لَزِمَهُ الْمَهْرُ تَحَاصُّ بِهِ الْمَرْأَةُ الْغُرَمَاءَ إلَى هُنَا لَفْظُهُ. - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِوَطْءِ جَارِيَةٍ بِالنِّكَاحِ) أَيْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: كَالْمَبْسُوطِ، وَمُخْتَصَرِ الْكَافِي وَالتَّتِمَّةِ) أَيْ، وَأَحْكَامُ الصِّفَارِ، وَمَا ذَكَرَ فِي الْمُكَاتَبِ أَصَحُّ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِعَامَّةِ

إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَالْبَدَلُ فِي الْحَالِ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ؛ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ أَقْوَى مِنْ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُوجِبُ حُرِّيَّةَ الْيَدِ فِي الْحَالِ وَحُرِّيَّةَ الرَّقَبَةِ فِي الْمَآلِ، وَالْإِذْنُ لَا يُوجِبُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ إلَّا إذَا أَجَازَهُ الْمَوْلَى، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِ فَإِذَا أَجَازَهُ زَالَ الْمَانِعُ فَيَنْفُذُ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ مَوْقُوفٍ، وَلَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ يَجُوزُ بِإِجَازَتِهِ فَتَكُونُ الْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ ثُمَّ لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقْبِضَ الْبَدَلَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمَوْلَى كَالْوَكِيلِ فَكَانَ قَبْضُ الْبَدَلِ لِمَنْ نَفَذَ الْعَقْدُ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ، وَمُعَبِّرٌ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ كَالنِّكَاحِ بِخِلَافِ الْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ فَكِتَابَتُهُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ أَجَازَهَا الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ قِيَامَ الدَّيْنِ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الدَّيْنَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لِرَقَبَتِهِ وَلِمَا فِي يَدِهِ لَا يَمْنَعُ الدُّخُولَ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا حَتَّى جَازَ لِلْمَوْلَى عِتْقُ مَا فِي يَدِهِ فَكَيْفَ تُتَصَوَّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَتَأَتَّى هَذَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُسْتَغْرِقِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى، وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْنَعُ، وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْبَدَلَ إلَى الْمَوْلَى قَبْلَ الْإِجَازَةِ ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى لَا يُعْتَقُ وَسُلِّمَ الْمَقْبُوضُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (، وَلَا يُعْتَقُ)؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْكِتَابَةِ فَكَانَ أَوْلَى بِالِامْتِنَاعِ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ، وَكَانَ قَبْضُ الْعِوَضِ إلَيْهِ إنْ كَانَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرَقٌ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ أَمْ لَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يُقْرِضُ)؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً، وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَهَبُ)؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ وَسَوَاءٌ كَانَ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً أَوْ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُهْدِي طَعَامًا يَسِيرًا وَيُضَيِّفُ مَنْ يُطْعِمُهُ)؛ لِأَنَّ التُّجَّارَ مُحْتَاجُونَ إلَيْهِ لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْمُجَاهِزِينَ وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ» وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَأْذُونُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ الضِّيَافَةَ الْيَسِيرَةَ لِعَدَمِ الْإِذْنِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَوْلَى قُوتَ يَوْمِهِ فَدَعَا بَعْضَ رُفَقَائِهِ عَلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ قُوتَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَكَلُوهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَوْلَى، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ لِلضِّيَافَةِ تَقْدِيرٌ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ، وَقَالُوا فِي الْهَدِيَّةِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُهْدِيَ إلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْ الْمَأْكُولِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُهْدِيَ الدَّرَاهِمَ، وَلَا بَأْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِشَيْءٍ يَسِيرٍ كَرَغِيفٍ وَنَحْوِهِ بِدُونِ اسْتِطْلَاعِ رَأْيِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ «لَا تُخْرِجُ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا فَقِيلَ لَهُ وَالطَّعَامُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الطَّعَامُ أَفْضَلُ أَمْوَالِكُمْ» الْمُرَادُ بِهِ الْمُدَّخَرُ كَالْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُدَّخَرِ فَلَهَا أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكَانِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ مِنْ اتِّخَاذِ الضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ وَالصَّدَقَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ بِعَيْبٍ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَطُّ أَنْظَرَ لَهُ مِنْ قَبُولِ الْمَعِيبِ بِخِلَافِ الْحَطِّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ أَوْ الْحَطِّ أَكْثَرَ مِنْ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُحَابَاةِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ التَّاجِرُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّلَ فِي دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَاتِ التُّجَّارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّوَايَاتِ، وَفِي الْكَافِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْأَخْسَكْتِيُّ أَوْ يُحْمَلُ مَا أُطْلِقَ فِي الْمُكَاتَبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا أَوْ يُجْعَلُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَتَأَتَّى هَذَا) قُلْت يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ فَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحُطَّ صَحَّ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَحُطَّ الدَّيْنَ بِرَقَبَتِهِ وَبِمَا فِي يَدِهِ جَازَ عِتْقُهُ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَهُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُ فَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِكَسْبِهِ، وَفِي حَقِّ التَّعْلِيقِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي الرَّهْنِ. اهـ. لَكِنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ مَعَ عَدَمِ التَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَسَلَّمَ الْمَقْبُوضَ لِلْمَوْلَى) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ عَلَى مَالٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الْكِتَابَةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ الْإِعْتَاقَ عَلَى مَالٍ لِهَذَا الْمَعْنَى أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ ضَارٍّ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ فَلَعَلَّهُ يَحْصُلُ، وَلَعَلَّهُ لَا يَحْصُلُ، وَفِي الْكِتَابَةِ لَا يَزُولُ الْمِلْكُ مَا لَمْ يُوجَدْ أَدَاءُ جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَانَ قَبْضُ الْعِوَضِ إلَيْهِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَأْذُونَ يَفْعَلُ مَا كَانَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، وَمَا لَا فَلَا وَلِهَذَا لَا يَكْفُلُ بِنَفْسٍ، وَلَا مَالٍ، وَلَا يُقْرِضُ، وَلَا يُعْتِقُ عَلَى مَالٍ إلَّا إذَا أَجَازَهُ الْمَوْلَى، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْمَوْلَى وَيَضْمَنُ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ لِلضِّيَافَةِ تَقْدِيرٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي كِتَابِ شَرْحِ الْمَأْذُونِ الْكَبِيرِ مِنْ الْأَصْلِ لَمْ يُقَدِّرْ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ مِقْدَارَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الضِّيَافَةِ أَنَّهُ بِأَيِّ قَدْرٍ يُتَّخَذُ إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَالِ تِجَارَتِهِ مَثَلًا عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَاتَّخَذَ ضِيَافَةً عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَ يَسِيرًا. اهـ أَتْقَانِيٌّ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَاتِ الْيَسِيرَةَ حَتَّى يَمْلِكَ التَّبَرُّعَ بِمَا دُونَ الدِّرْهَمِ، وَلَا يَمْلِكَ التَّصَدُّقَ بِالدِّرْهَمِ وَيَمْلِكَ اتِّخَاذَ الضِّيَافَةِ وَالْإِهْدَاءَ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُقَدَّرٍ بِدِرْهَمٍ بَلْ مَا يَعُدُّهُ التُّجَّار سَرَفًا وَيَمْلِكَ الَّذِي لَا يَعُدُّونَهُ سَرَفًا فِي الْمَأْكُولَاتِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْإِهْدَاءَ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولَاتِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا) كَتَبَ الشَّيْخُ الشِّلْبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا مُلْحَقًا مَا نَصُّهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. اهـ نِهَايَةُ شَرْحِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّلَ فِي دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إلَخْ)

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَدَيْنُهُ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهِ وَيُبَاعُ فِيهِ إنْ لَمْ يَفْدِهِ سَيِّدُهُ)، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْكَسْبِ لَا بِالرَّقَبَةِ فَلَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ وَيُبَاعُ كَسْبُهُ بِالْإِجْمَاعِ لَهُمَا أَنَّ رَقَبَتَهُ لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا تُبَاعُ فِي دَيْنِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمَوْلَى، وَهَذَا؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الدَّيْنُ إلَّا بِتَعْلِيقِهِ؛ وَلِأَنَّ غَرَضَهُ بِالْإِذْنِ تَحْصِيلُ مَالٍ لَمْ يَكُنْ لَا تَفْوِيتُ مَالٍ كَانَ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا أَصْلًا، وَلَنَا أَنَّ هَذَا دَيْنٌ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ وَالْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ؛ وَلِأَنَّ بَيْعَهُ بِالدَّيْنِ كَانَ جَائِزًا حِينَ كَانَ يُبَاعُ الْحُرُّ بِالدَّيْنِ عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاعَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ سُرَّقٌ فِي دَيْنِهِ» فَانْتَسَخَ فِي حَقِّ الْحُرِّ فَيَبْقَى فِي حَقِّهِ عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَفِي تَعَلُّقِهِ بِرَقَبَتِهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ وَحَامِلٌ لَهُمْ عَلَى الْمُعَامَلَةِ، وَبِهِ يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُعْسِرَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَالٌ لَا يُعَامِلُهُ أَحَدٌ خَوْفًا مِنْ تَوْيِ مَالِهِمْ فَلَا يَحْصُلُ غَرَضُهُ، وَإِذَا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ يُعَامَلُ فَيَحْصُلُ غَرَضُهُ وَيَنْتَفِي الضَّرَرُ عَنْهُ بِدُخُولِ مَا اشْتَرَاهُ الْعَبْدُ فِي مِلْكِهِ وَتَعَلُّقُهُ بِالْكَسْبِ لَا يُنَافِي تَعَلُّقَهُ بِالرَّقَبَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا جَمِيعًا، وَيَبْدَأُ بِالْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ عَلَى الْمَوْلَى مَعَ إيفَاءِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَعِنْدَ انْعِدَامِهِ يُسْتَوْفَى مِنْ الرَّقَبَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْغُرَمَاءِ، وَلَا يُعَجِّلُ الْقَاضِي بِبَيْعِهِ بَلْ يَتَلَوَّمُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ أَوْ دَيْنٌ يَقْتَضِيهِ فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ التَّلَوُّمِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَجْهٌ بَاعَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ نَظَرَ لِلْمَوْلَى بِالتَّلَوُّمِ فَوَجَبَ النَّظَرُ لِلْغُرَمَاءِ بِالْبَيْعِ ثُمَّ بَيْعُ الْقَاضِي هَذَا الْعَبْدَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا غَيْرِ زُفَرَ، وَإِنْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَرَى بَيْعَ الْقَاضِي مَالَ الْمُفْلِسِ، وَلَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْمُكَلَّفِ. وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُ الْقَاضِي مَالَ الْمُفْلِسِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ يُؤَدِّي إلَى الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَرَى حَجْرَ الْمُكَلَّفِ فَامْتَنَعَ لِذَلِكَ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فَإِنَّ الْمَوْلَى مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ الدَّيْنُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَلَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِبَيْعِ الْقَاضِي وَلِهَذَا الْمَعْنَى يَبِيعُ الْقَاضِي كَسْبَ الْعَبْدِ أَيْضًا وَالْمُرَادُ بِالدَّيْنِ مَا ظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَأَمَّا مَا لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّهِ فَلَا يُبَاعُ الْعَبْدُ بِهِ، وَلَا يُطَالَبُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بِالْحِصَصِ) أَيْ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ دُيُونَهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ فَيَتَحَاصَصُونَ فِي الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْبَدَلِ كَمَا فِي التَّرِكَةِ، وَيُشْتَرَطُ لِبَيْعِ الْعَبْدِ نَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى حَاضِرًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْخَصْمُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ كَمَا إذَا ادَّعَى رَقَبَتَهُ إنْسَانٌ، وَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ فِيهِ خَصْمًا وَلِبَيْعِ كَسْبِهِ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَوْلَى وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الْخَصْمُ فِي كَسْبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا ادَّعَى كَسْبَهُ كَانَ هُوَ الْخَصْمَ فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَا بَقِيَ طُولِبَ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ) أَيْ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَمَا اقْتَسَمَ الْغُرَمَاءُ ثَمَنَهُ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَلَا يُطَالَبُ بِهِ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُمْ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَمْ يَسْتَوْفُوا الْكُلَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ لَمْ تَفِ بِهِ فَيَبْقَى دَيْنُهُمْ عَلَى حَالِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَيَسْتَوْفُونَهُ إذَا قَدَرَ عَلَى إيفَائِهِ، وَلَا يَقْدِرُ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ ثَانِيًا، وَلَا اسْتِسْعَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ ثَانِيًا أَوْ يُسْتَسْعَى يَمْتَنِعُ مِنْ شِرَائِهِ فَيُؤَدِّي إلَى امْتِنَاعِ الْبَيْعِ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَعُودُ الضَّرَرُ عَلَى غُرَمَائِهِ فَلَا يُشْرَعُ؛ وَلِأَنَّ الْغُرَمَاءَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا اسْتَسْعَوْا الْعَبْدَ، وَإِنْ شَاءُوا بَاعُوهُ فَإِذَا بَاعُوهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ تَعَلُّقٌ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ بَيْنَ أَشْيَاءَ فَاخْتَارَ أَحَدَهَا بَطَلَ خِيَارُهُ فِي غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْكُلِّ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَوْلَاهُ الَّذِي بَاعَهُ لِلْغُرَمَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ تَعَلُّقٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَ عَنْهُ بَعْضَهُ وَيَحُطَّ عَنْهُ بَعْضَهُ كَانَ الْحَطُّ بَاطِلًا وَالتَّأْخِيرُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ تَبَرُّعٌ، وَالتَّأْخِيرُ وَإِنْ كَانَ تَبَرُّعًا لَكِنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَأَشْبَهَ الضِّيَافَةَ وَالْهِبَةَ الْيَسِيرَةَ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ يُبَاعُ فِيهِ) لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ حَضْرَةِ الْمَوْلَى وَفِي بَيْعِ كَسْبِهِ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْعَبْدِ لَا الْمَوْلَى وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ. اهـ. مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الْمُقْرِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي الشَّرْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ إنْ لَمْ يَفْدِهِ سَيِّدُهُ) أَيْ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ. اهـ كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ إلَخْ) قَالَ فِي طَرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّقَبَةَ تُبَاعُ فِي دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ. (قَوْلُهُ: وَيُبَاعُ كَسْبُهُ) أَيْ فِي الدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ظَهَرَ وُجُوبُهُ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي حَقِّ الْمَوْلَى) أَيْ لِلْإِذْنِ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: سُرَّقٌ) قَالَ فِي الْإِصَابَةِ فِي حَرْفِ السِّينِ سُرَّقٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ وَضَبَطَهُ الْعَسْكَرِيُّ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ وِزَانُ عُدَرُ، وَعُمَرُ، وَأَنْكَرَ عَلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ تَشْدِيدَ الرَّاءِ وَيُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ أَسَدٍ صَحَابِيٌّ نَزَلَ مِصْرَ وَيُقَالُ كَانَ اسْمُهُ الْحُبَابَ فَغَيَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ رَأَيْت رَجُلًا شَيْخًا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ يُقَالُ لَهُ سُرَّقٌ فَقُلْت مَا هَذَا الِاسْمُ قَالَ سَمَّانِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. مَعَ حَذْفٍ. وَذَكَرَ فِي الْإِصَابَةِ فِي الْكُنَى فِي تَرْجَمَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقَيْنِيِّ مَا نَصُّهُ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ الْجِيلِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَيْنِيِّ «أَنَّ سُرَّقًا اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بَزَّا قَدِمَ بِهِ فَتَقَاصَّاهُ فَتَغَيَّبَ عَنْهُ ثُمَّ ظَفِرَ بِهِ فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ بِعْ سُرَّقًا قَالَ فَانْطَلَقْت بِهِ فَسَاوَمَنِي بِهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ بَدَا لِي فَأَعْتَقْته». اهـ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَسُرَّقٌ مِثَالٌ زَمِجٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ سُرَّقُ بْنُ أَسَدٍ كَانَ اسْمُهُ الْحُبَابَ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُرَّقًا. اهـ. وَفِي الْمَجْمَعِ بَابُ الْجِيمِ وَالزَّمْجُ مِثْلُ الْحَرْدِ اسْمُ طَائِرٍ يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ رِدّه براذران. اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ وَسُرَّقٌ عَلَى لَفْظٍ جَمْعُ سَارِقٍ اسْمُ رَجُلٍ، وَهُوَ الَّذِي بَاعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَيْنِهِ، وَهُوَ حُرٌّ. اهـ. (قَوْلُهُ: الَّذِي بَاعَهُ لِلْغُرَمَاءِ) أَيْ لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ. اهـ.

وَتَبَدُّلُ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ حُكْمًا فَصَارَ كَأَنَّهُ عَبْدٌ آخَرُ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَارُوا الْبَيْعَ بَطَلَ اخْتِيَارُ غَيْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ وَلِأَنَّهُمْ لَمَّا بَاعُوهُ مَلَكُوا السِّعَايَةَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِمَا أَخَذُوا مِنْهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَهُوَ مَلَكَهُ مِنْ الْمَوْلَى الْأَوَّلِ فَقَامَ مَقَامَهُ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَكُونُ لَهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ، وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ يُبَاعُ مِرَارًا كُلَّمَا نَفَذَتْ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَتَجَدَّدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَتَكُونُ دَيْنًا حَادِثًا بَعْدَ الْبَيْعِ وَيَتَعَلَّقُ دَيْنُ الْغُرَمَاءِ بِجَمِيعِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ الْمُكْتَسَبِ بَعْدَ الدَّيْنِ، وَقَبْلَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُهُ إلَّا بِمَا اكْتَسَبَهُ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا وُهِبَ لِلْعَبْدِ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ فَمَا كَانَ مِنْ كَسْبِ تِجَارَتِهِ يَتَعَلَّقُ بِهِ الدَّيْنُ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ كَسْبِ تِجَارَتِهِ فَهُوَ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمَوْلَى قُلْنَا حَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ كَسْبِهِ إلَّا الْفَاضِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى إلَّا بِشَرْطِ الْفَرَاغِ عَنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ فَيَخْلُفُهُ كَالْمَيِّتِ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ عَنْ حَاجَتِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُكْتَسَبًا بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا كَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَيُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى مَا أَخَذَهُ مِنْ الْعَبْدِ قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَخَذَهُ مِنْهُ كَانَ فَارِغًا عَنْ حَاجَتِهِ فَيَخْلُصُ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى يَأْخُذُ مِنْ الْعَبْدِ كُلَّ شَهْرٍ الْغَلَّةَ قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْدَ لُحُوقِهِ غَلَّةً مِثْلَهُ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُقَدَّمٌ فِي كَسْبِهِ عَلَى الْمَوْلَى. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي أَخْذِهِ الْغَلَّةَ مَنْفَعَةً لِلْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ يَتْرُكُهُ عَلَى حَالِهِ لِأَجْلِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْ يُحْجَرُ عَلَيْهِ فَيَنْسَدُّ عَلَيْهِمْ بَابُ الِاكْتِسَابِ فَكَانَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْغَلَّةِ كَتَحْصِيلِ الْكَسْبِ لَهُمْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ إلَّا إذَا أَخَذَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ غَلَّةِ مِثْلِهِ فَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مُكِّنَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُ الْغُرَمَاءِ فَلَمْ يَكُنْ فِي أَخْذِهِ فَائِدَةٌ لَهُمْ فَيُؤْخَذُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ فَيُمْنَعُ فَيُقَدَّمُ فِيهِ حَقُّهُمْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَتَحَجَّرُ بِحَجْرِهِ إنْ عَلِمَ بِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ سُوقِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَجْرُهُ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَعْلَمَ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْحَجْرِ أَنْ يَعْلَمَ الْعَبْدُ نَفْسُهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا يُشْتَرَطُ هُوَ يَقُولُ أَنَّ الْمَوْلَى تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَيَنْفُذُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ غَيْرِهِ، وَلَنَا أَنَّ حَجْرَهُ عَلَيْهِ لَوْ صَحَّ بِدُونِ عِلْمِهِمْ لَتَضَرَّرُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ اكْتَسَبَ شَيْئًا فَالْمَوْلَى يَأْخُذُهُ، وَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَيَتَأَخَّرُ حَقُّهُمْ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَهُوَ مَوْهُومٌ، وَلَيْسَ بِمُتَحَقِّقٍ لَا يَدْرِي أَيُعْتَقُ أَمْ لَا، وَمَتَى يُعْتَقُ فَيَكُونُ غَارًّا لَهُمْ فَلَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمُوا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ وَيُكْتَفَى بِعِلْمِ أَكْثَرِ أَهْلِ سُوقِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُكْتَفَى إلَّا بِعِلْمِ الْجَمِيعِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ إعْلَامَ الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ، وَفِيهِ حَرَجٌ، وَهُوَ مُنْدَفِعٌ فَيُكْتَفَى بِالْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِهَارَ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَلَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الْأَقَلِّ لَمْ يَصِرْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بَايَعَهُ مَنْ عَلِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ لَا يَتَعَلَّقُ إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَتِهِ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: رَقَبَةُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ تُبَاعُ بِدَيْنِ التِّجَارَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُبَاعُ ثُمَّ قَالَ فِيهَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَرْشُ يَدِ الْعَبْدِ، وَمَا اكْتَسَبَهُ الْعَبْدُ مِنْ الصَّيْدِ وَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ عِنْدَنَا يُصْرَفُ إلَى الدَّيْنِ، وَعِنْدَهُ لَا يُصْرَفُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي بَابِ الدَّيْنِ يَلْحَقُ الْمَأْذُونَ فِي التِّجَارَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ دَيْنٍ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ وَاسْتِئْجَارٍ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ أَوْ بِضَاعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ مَجْحُودَةٍ (قَوْلُهُ: وَيُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي شَرْحِ الْمَأْذُونِ الْكَبِيرِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَاكْتَسَبَ مَالًا فَأَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى رَدُّ مِثْلِهِ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ رَدُّ عَيْنِهِ إذَا لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ شَيْءٍ عَلَى الْعَبْدِ، وَإِنْ لَحِقَ الْعَبْدَ دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَقْتَ الْأَخْذِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ عَيْنَ مَا قَبَضَ إلَى الْعَبْدِ إنْ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ رَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا لَا يَمْلِكُ أَخْذَ كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ إذَا لَمْ يُعْطِ الْعَبْدَ بِإِزَاءِ مَا أَخَذَ عِوَضًا يَعْدِلُهُ فَأَمَّا إذَا أُعْطِيَ بِإِزَاءِ مَا أَخَذَ عِوَضًا يَعْدِلُهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ كَسْبِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ: غَلَّةُ الْمِثْلِ أَخَذَهَا بِعِوَضٍ، وَهُوَ مَا تُرِكَ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَ عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ غَلَّةَ الْمِثْلِ فَقَدْ تَرَكَ عَلَيْهِ الْخِدْمَةَ فَكَانَ آخِذًا مَا أَخَذَ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ فَصَحَّ أَخْذُهُ بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى غَلَّةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْمَوْلَى اسْتِخْدَامُ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ فِي هَذَا الْعَبْدِ حَقٌّ فَلِلْمَوْلَى فِيهِ مِلْكٌ فَإِذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْمَوْلَى فَإِذَا كَانَ مُجَرَّدُ حَقٍّ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَبْطُلَ حَقُّ الْمَوْلَى فِي الْخِدْمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ)، وَهَذَا فِي الْحَجْرِ الْقَصْدِيِّ أَمَّا إذَا ثَبَتَ الْحَجْرُ ضِمْنًا فَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ أَهْلِ سُوقِهِ كَمَا فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ حُكْمًا إذَا بَاعَ الْمَأْذُونَ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ رَجُلٍ فَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ يَنْحَجِرُ حُكْمًا، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ أَحَدٍ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الْأَقَلِّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَإِذَا بَاعَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَاشْتَرَى فَلَحِقَهُ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَلْحَقْهُ ثُمَّ أَرَادَ مَوْلَاهُ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ يَكُونُ الْحَجْرُ إلَّا فِي أَهْلِ سُوقِهِ، وَلَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ بَاعَ الْعَبْدُ أَوْ اشْتَرَى وَهُوَ قَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ

مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ جَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ صَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَوْ نَقُولُ إنَّ الْحَجْرَ لَا يَتَجَزَّأُ كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ الْإِذْنُ؛ لِأَنَّهُ ضِدَّهُ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْكَثْرَةِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا سِيَّمَا فِي مَوْضِعِ الِاشْتِهَارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَكْثَرِ يَحْصُلُ الِاشْتِهَارُ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ الْكُلَّ وَلِهَذَا اكْتَفَى بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ إلَى الْأَكْثَرِ حَتَّى لَا يُعْذَرَ أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْجَهْلِ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ بَلْ يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَمْ تَبْلُغْهُ كَدَارِ الْحَرْبِ، وَيَبْقَى الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ إلَى أَنْ يَعْلَمَ بِالْحَجْرِ كَمَا يَبْقَى الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى يَبْلُغَهُ الْعَزْلُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ انْحَجَرَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ لَتَضَرَّرَ بِتَصَرُّفِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَبِلُزُومِ قَضَاءِ مَا لَزِمَهُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ، وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْحَجْرُ شَائِعًا فِيمَا إذَا كَانَ الْإِذْنُ شَائِعًا، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ إلَّا الْعَبْدُ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ بِعِلْمِ الْعَبْدِ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْإِضْرَارِ بِأَحَدٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَبِمَوْتِ سَيِّدِهِ وَجُنُونِهِ وَلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) أَيْ يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلِمَ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَمَا لَا يَكُونُ لَازِمًا مِنْ التَّصَرُّفِ يُعْطَى لِدَوَامِهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ كَأَنَّهُ يَأْذَنُ لَهُ ابْتِدَاءً فِي كُلِّ سَاعَةٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَتَرْكُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ كَإِنْشَاءِ الْإِذْنِ فِيهِ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الْأَهْلِيَّةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَدْ زَالَتْ الْأَهْلِيَّةُ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ، وَكَذَا بِاللِّحَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَوْتٌ حُكْمًا حَتَّى يُعْتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي ضِمْنِ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُهُ، وَلَا عِلْمُ أَهْلِ سُوقِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ كَانْعِزَالِ الْوَكِيلِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَبِافْتِرَاقِ الشَّرِيكَيْنِ، وَكَمَا إذَا أَخْرَجَهُ الْمَوْلَى عَنْ مِلْكِهِ، وَكَالشَّرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ تَبْطُلُ بِمِلْكِ أَحَدِهِمَا مَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ وَتَصِيرُ عِنَانًا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهَا، وَالْمُرَادُ بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَكَالَةِ وَالِاخْتِلَافَ فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَبِالْإِبَاقِ) أَيْ وَبِالْإِبَاقِ أَيْضًا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حُكْمًا حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ أَنْ يَعْلَمَ أَهْلُ سُوقِهِ كَمَا فِي الْجُنُونِ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالْإِبَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءً الْإِذْنَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ الْآبِقِ صَحَّ وَجَازَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَّجِرَ إذَا بَلَغَهُ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ بَقَاءَهُ، وَهُوَ دُونَهُ أَوْلَى فَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِذْنِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمَوْلَى، وَقِيَامِ رَأْيِهِ، وَلَمْ يَخْتَلَّ ذَلِكَ بِإِبَاقِهِ فَكَيْفَ يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا جُنَّ الْمَوْلَى، وَأَخَوَاتُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَنَا أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ الْمُتَمَرِّدِ الْخَارِجِ عَنْ طَاعَتِهِ عَادَةً فَكَانَ حَجْرًا عَلَيْهِ دَلَالَةً وَالْحَجْرُ مِمَّا يَثْبُتُ بِالدَّلَالَةِ كَالْإِذْنِ، وَالْإِبَاقُ يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ عِنْدَنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَمَا يَبْقَى الْوَكِيلُ عَلَى، وَكَالَتِهِ إلَخْ)، وَلَوْ خَرَجَ الْعَبْدُ إلَى بَلَدٍ لِلتِّجَارَةِ فَأَتَى الْمَوْلَى أَهْلُ سُوقِهِ فَأَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ، وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَجْرًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِذْنِ وَالْحَجْرِ هُوَ الْعَبْدُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ حُكْمُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ تَبَعًا، وَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فَكَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَزْلِ فِي حَقِّهِ وَحُكْمُ الْعَزْلِ يَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ، وَإِذَا بَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ أَهْلَ سُوقِهِ أَوْ غَيْرَهُمْ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِذْنِ قَائِمٌ، وَإِنْ عَلِمَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْغُرُورِ فَيَنْفُذُ إذَا عَلِمَ بِمَنْزِلَةِ عَزْلِ الْوَكِيلِ، وَمَا اشْتَرَى، وَمَا بَاعَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَجْرِ مَقْصُورٌ عَلَى الْعِلْمِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَإِذَا أَشْهَدَ الْمَوْلَى أَهْلَ السُّوقِ أَنَّهُ قَدْ حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ، وَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ أَوْ أَخْبَرَهُ الرَّسُولُ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ وَقَعَ بِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ كَقَوْلِ الْمُرْسِلِ، وَكَذَلِكَ الْكِتَابُ مِنْ الْغَائِبِ كَالْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّسُولُ عَدْلًا أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ يَنْقُلُ كَلَامَ الْمُرْسِلِ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ رَجُلٌ لَمْ يُرْسِلْهُ مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ حَجْرًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْعَبْدُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ حَقًّا، وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى وَبَاعَ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَلَمْ يَعْلَمُ بِهِ أَحَدٌ فَهُوَ لَيْسَ بِمَأْذُونٍ، وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يُسَمَّى إذْنًا بِدُونِ الْعِلْمِ فَلَوْ أَمَرَ الْمَوْلَى قَوْمًا أَنْ يُبَايِعُوهُ فَبَايَعُوهُ وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِالْإِذْنِ كَانَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ جَائِزًا هَذَا رِوَايَةُ الْمَأْذُونِ، وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي بَابِ بَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ مِنْ زِيَادَاتِهِ رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلٍ بِعْ عَبْدِي هَذَا مِنْ ابْنِي فُلَانٍ بِكَذَا فَذَهَبَ فَبَاعَهُ فَإِنْ أَخْبَرَ الِابْنَ بِذَلِكَ صَارَ مَأْذُونًا وَصَحَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ حَتَّى بَاعَهُ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اذْهَبْ فَاشْتَرِ عَبْدَ ابْنِي مِنْهُ بِكَذَا، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ يَصِحُّ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ: وَإِذَا أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أَحَدٌ وَلَمْ يَبِعْ، وَلَمْ يَشْتَرِ حَتَّى حَجَرَ عَلَيْهِ بِعِلْمٍ مِنْهُ غَيْرَ مُحْضَرٍ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ فَهُوَ حَجْرٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا إذْنٌ خَاصٌّ وَرَدَ عَلَيْهِ حَجْرٌ خَاصٌّ فَعَمِلَ فِيهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا بِإِعْمَالِهِ فِيهِ لَا يُؤَدِّي إلَى الْغُرُورِ بِأَحَدٍ، وَلَوْ عَلِمُوا بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ حَجَرْت كَانَ الْحَجْرُ بَاطِلًا حَتَّى يَحْجُرَ فِي أَهْلِ سُوقِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَامًّا، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرُ الْعَبْدِ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ، وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَاشْتَرَى وَبَاعَ كَانَ مَأْذُونًا وَالْحَجْرُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَجْرِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِالْإِذْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَئِنْ سَلَّمْنَا إلَخْ) وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا جَوَّزُوا ابْتِدَاءً الْإِذْنَ لِلْآبِقِ، وَلَمْ يُجَوِّزُوا بَقَاءَ الْإِذْنِ فِيهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

فَالدَّلَالَةُ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهَا. وَأَمَّا الْغَصْبُ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ بِأَنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ أَوْ كَانَ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ وَيَنْتَزِعَ كَسْبَهُ فَيَجُوزَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً دَلَالَةً، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ بِأَنْ كَانَ الْغَاصِبُ جَاحِدًا، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ يَمْتَنِعُ الْإِذْنُ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِذْنَ لَا يَعُودُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالِاسْتِيلَادِ) أَيْ الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ لَهَا تَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِاسْتِيلَادِهَا الْمَوْلَى، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَذِنَ لِأُمِّ وَلَدِهِ ابْتِدَاءً يَجُوزُ فَكَذَا بَقَاءً. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِتَحْصِينِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِخُرُوجِهَا وَاخْتِلَاطِهَا بِالرِّجَالِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالتِّجَارَةِ وَدَلِيلُ الْحَجْرِ كَصَرِيحِهِ كَمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَ لِأُمِّ وَلَدِهِ صَرِيحًا؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَكَانَ أَوْلَى بِالْأَخْذِ بِهِ وَنَظِيرُهُ إذَا قَدَّمَ مَائِدَةً لِإِنْسَانٍ يَكُونُ إذْنًا مِنْهُ بِالْأَكْلِ حَتَّى حَلَّ لَهُ التَّنَاوُلُ ثُمَّ إذَا نَهَاهُ صَرِيحًا عَنْ الْأَكْلِ لَا تُعْتَبَرُ الدَّلَالَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا بِالتَّدْبِيرِ) يَعْنِي الْمَأْذُونَ لَهَا لَا تَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِتَحْصِينِ الْمُدَبَّرَةِ فَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الْحَجْرِ فَبَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ إذْ لَا تَنَافِي بَيْنَ حُكْمَيْ التَّدْبِيرِ وَالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّدْبِيرِ انْعِقَادُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَحَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْمَآلِ وَحُكْمُ الْإِذْنِ فَكُّ الْحَجْرِ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يَمْنَعُ فِكَاكَ الْحَجْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ بِهِمَا قِيمَتَهُمَا لِلْغُرَمَاءِ) أَيْ ضَمِنَ الْمَوْلَى بِالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ قِيمَتَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ مَحَلًّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُمَا وَبِالْبَيْعِ يُقْضَى حَقُّهُمْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ بَعْدَ حَجْرِهِ صَحَّ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَاءٌ أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ أَوْ غَصْبٌ أَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ فَيَقْضِيهِ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِإِقْرَارِهِ هُوَ الْإِذْنُ، وَقَدْ زَالَ بِالْحَجْرِ وَيَدُهُ عَلَى أَكْسَابِهِ قَدْ بَطَلَتْ بِالْحَجْرِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ بَعْدَ حَجْرِهِ عَلَيْهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ أَوْ ثَبَتَ حَجْرُهُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِمَا فِي يَدِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ فَأَقَرَّ بَعْدَ الْحَجْرِ بِدَيْنٍ آخَرَ أَوْ كَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ حَصَّلَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ بِالِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ رَقَبَتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ حَتَّى لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ بِالدَّيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا عَدَمُ أَخْذِ الْمَوْلَى مَا أَوْدَعَهُ عَبْدَهُ الْغَائِبَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْمَوْلَى مِنْ أَخْذِهِ هُنَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَسْبُ الْعَبْدِ حَتَّى إذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَسْبُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُصَحِّحَ لِلْإِقْرَارِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ هُوَ الْيَدُ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِيمَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى، وَالْيَدُ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً وَشَرْطُ بُطْلَانِهَا بِالْحَجْرِ حُكْمًا فَرَاغُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَكْسَابِ عَنْ حَاجَتِهِ، وَإِقْرَارُهُ دَلِيلٌ عَلَى تَحَقُّقِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَزَعَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ قَدْ زَالَتْ عَنْهُ وَيَدُ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ فِيهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا تَبْطُلُ بِإِقْرَارِهِ وَبِخِلَافِ إقْرَارِهِ بَعْدَمَا بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالدُّخُولِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ صَارَ كَعَيْنِ آخَرَ لِمَا عُرِفَ أَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَصَارَ إقْرَارُهُ كَإِقْرَارِ عَبْدٍ آخَرَ فَلَا يُقْبَلُ فِيمَا فِي يَدِهِ كَمَا لَا يُقْبَلُ فِيمَا أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِمَا فِي يَدِهِ وَقْتَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ أَصْحَابِ الدُّيُونِ تَعَلَّقَ بِمَا فِي يَدِهِ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي إبْطَالِ حَقِّهِمْ فَيُقَدَّمُونَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ كَالْمَرِيضِ يُقِرُّ بِدَيْنٍ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فِي صِحَّتِهِ فَإِنَّ إقْرَارَهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ غُرَمَائِهِ فَيُقَدَّمُونَ عَلَيْهِ وَبِخِلَافِ مَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ لِمَا أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِكَسْبِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَبِخِلَافِ رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي يَدِهِ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي الرَّقَبَةِ ثَابِتٌ حَتَّى يَنْفُذَ فِيهَا إعْتَاقُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَكْسَابِ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُهُ إذَا اسْتَغْرَقَهُ الدَّيْنُ وَيَدُ الْعَبْدِ فِيهِ ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً، وَلَوْ ارْتَفَعَتْ لَارْتَفَعَتْ حُكْمًا لِلْحَجْرِ. وَشَرْطُ ارْتِفَاعِهِ بِالْحَجْرِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى مَمْنُوعٌ عَنْ إبْطَالِ يَدِ الْعَبْدِ مَا دَامَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَتَّى يُوَفِّيَهُ، وَلَمَّا كَانَ شَرْطُ وِلَايَةِ إبْطَالِ يَدِ الْعَبْدِ عَدَمَ الدَّيْنِ لَا يُحْكَمُ بِنَفَاذِ الْحَجْرِ فِي حَقِّ زَوَالِ يَدِ الْعَبْدِ عَمَّا فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ عَدَمُ الدَّيْنِ بِدَلِيلِهِ، وَلَا يُكْتَفَى بِثُبُوتِ عَدَمِ الدَّيْنِ لِعَدَمِ دَلِيلِ وُجُودِهِ كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْيَوْمُ لَمْ يُعْتَقْ إذَا ادَّعَى الْمَوْلَى الدُّخُولَ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ الدُّخُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَيَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فَإِنْ بَايَعَهُ رَجُل ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمَوْلَى كَانَ آبِقًا، وَقَالَ الَّذِي بَايَعَهُ لَمْ يَكُنْ آبِقًا لَمْ يُصَدَّقْ الْمَوْلَى عَلَى إبَاقِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْحَجْرَ بَعْدَ الْإِذْنِ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَبِيدِ الِانْقِيَادُ وَالطَّاعَةُ دُونَ التَّمَرُّدِ فَإِنْ أَقَامَ الْمَوْلَى الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبَقَ مِنْهُ إلَى مَوْضِعِ كَذَا، وَأَقَامَ الَّذِي بَايَعَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَوْلَى أَرْسَلَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَشْتَرِيَ فِيهِ وَيَبِيعَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الَّذِي بَايَعَ الْعَبْدَ أَيْضًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعِي أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْآخَرِ، وَلَكِنْ نَقُولُ بِأَنَّ بَيِّنَةَ الَّذِي بَايَعَ الْعَبْدَ أَكْثَرَ إثْبَاتًا؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ طَاعَةَ الْعَبْدِ، وَكَوْنَهُ مَأْذُونًا ظَاهِرًا، وَفِي الْحَقِيقَةِ غَرَضُهُ إثْبَاتُ اسْتِحْقَاقِ رَقَبَتِهِ بِالدَّيْنِ وَالْمَوْلَى يُثْبِتُ الْإِبَاقَ ظَاهِرًا، وَفِي الْحَقِيقَةِ غَرَضُهُ نَفْيُ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْبَيِّنَاتُ حُجَّةٌ لِلْمُدَّعِينَ فَكَانَ قَبُولُ بَيِّنَةِ مَنْ هُوَ مُدَّعٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْلَى. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِذْنَ لَا يَعُودُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ زَالَ وِلَايَةُ الْبَيْعِ بِالْإِبَاقِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ زَالَ وِلَايَةُ الْبَيْعِ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَوْ زَالَ وِلَايَةُ بَيْعِ الْمَوْلَى بِزَوَالِ مِلْكِهِ ثُمَّ عَادَ الْعَبْدُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ لَا يَعُودُ مَأْذُونًا فَكَذَا هَذَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ

وَهُوَ ثَابِتٌ لِعَدَمِ دَلِيلِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ عَدَمَهُ لَمَّا جُعِلَ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ لَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ بِالْعَدَمِ الثَّابِتِ لِعَدَمِ دَلِيلِ الْوُجُودِ فَكَذَا هَذَا، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُهُ الْفُقَهَاءُ الظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ، وَهُوَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَجْرُ بِمِثْلِ هَذَا الْعَدَمِ فِي حَقِّ مَا فِي يَدِهِ بَقِيَ الْإِذْنُ عَلَى حَالِهِ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ مَا فِي يَدِهِ لَوْ أَحَاطَ دَيْنُهُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ فَبَطَلَ تَحْرِيرُهُ عَبْدًا مِنْ كَسْبِهِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي عَبْدِهِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَأْذُونَ لَهُ فَيَمْلِكُ كَسْبَهُ بِالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ كَسْبِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ أَصْلٌ، وَكَسْبَهُ فَرْعٌ وَاسْتِغْرَاقُهُمَا بِالدَّيْنِ لَا يُوجِبُ خُرُوجَ الْمَأْذُونِ لَهُ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ فِيهِ، وَمَلَكَ وَطْءَ الْمَأْذُونِ لَهَا فَكَذَا كَسْبُهُ الَّذِي فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أَصْلَهُ فَيَكُونُ مِثْلَهُ وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ اسْتِيفَاءٌ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي مِلْكِهِ، وَلَوْ أَوْجَبَ لَمَا حَلَّ وَطْءُ الْمَأْذُونِ لَهَا إذْ الْوَطْءُ لَا يَحِلُّ بِدُونِ كَمَالِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا فِي التَّرِكَةِ، وَهِيَ كُلُّهَا مَشْغُولَةٌ بِالدَّيْنِ حَيْثُ لَا يَنْفُذَ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَ الْمِلْكِ إلَى الْوَارِثِ عِنْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ نَظَرًا لَهُ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ فِي الْإِرْثِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْأَقْرَبِ أَنْفَعُ لَهُ فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَانَ النَّظَرُ لَهُ فِي الصَّرْفِ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ دُونَ النَّقْلِ إلَى الْوَرَثَةِ فَلَا يَمْلِكُونَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ خِلَافَهُ عَنْهُ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَتِهِ كَمِلْكِ الْوَارِثِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَالْمُحِيطُ بِهِ الدَّيْنُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ فَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ فَلَا يُعْتَقُ بِإِعْتَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ بِخِلَافِ رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَخْلُفُهُ فِي مِلْكِ رَقَبَتِهِ بَلْ كَانَ مَالِكًا لَهُ مِنْ قَبْلِ الْإِذْنِ فَبَقِيَ مِلْكُهُ بَعْدَ الدَّيْنِ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ حَتَّى يُعْتَقَ بِإِعْتَاقِهِ، وَلَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ أَكْسَابِهِ حَتَّى لَا يَنْفُذَ إعْتَاقُهُ فِيهِ فَإِذَا نَفَذَ عِتْقُهُ فِي رَقَبَةِ الْمَأْذُونِ لَهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا فِيهِ وَفِي كَسْبِهِ يَغْرَمُ الْمَوْلَى لِلْغُرَمَاءِ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِالْإِعْتَاقِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ، وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْعَبِيدِ يَضْمَنُ لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْحَالِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَإِنَّمَا ضَمِنَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ، وَعِنْدَهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَلَوْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَوْلَى لَمْ يُعْتَقْ عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ، وَلَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا، وَلَا يَضْمَنُ عُقْرَهَا، وَلَا قِيمَةَ وَلَدِهَا، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا مِلْكُهُ بَاقٍ حَقِيقَةً، وَعِنْدَهُ صَادَفَ حَقَّ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَلَوْ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى، وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ ثُمَّ وَطِئَهَا فَوَلَدَتْ عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ، وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لَهَا وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَوَقَّفَ عِنْدَهُ عَلَى أَنْ يَنْفُذَ عِنْدَ تَمَلُّكِ الْجَارِيَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى دَيْنَ الْغُرَمَاءِ أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ الْعَبْدَ عَنْ دُيُونِهِمْ حَتَّى مَلَكَ الْجَارِيَةَ نَفَذَ عِتْقُهُ فَكَذَا إذَا مَلَكَ الْجَارِيَةَ بِالِاسْتِيلَادِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَحُطَّ صَحَّ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَحُطَّ الدَّيْنَ بِرَقَبَتِهِ وَبِمَا فِي يَدِهِ جَازَ عِتْقُهُ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَهُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُ فَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِكَسْبِهِ، وَفِي حَقِّ التَّعَلُّقِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْفَرَاغُ وَبَعْضُهُ فَارِغٌ وَبَعْضُهُ مَشْغُولٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الْمِلْكَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ عَدَمِ الْمِلْكِ لَمْ يُوجَدْ فِي الْكُلِّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْكُلِّ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ دَيْنٍ، وَلَوْ جَعَلَ الْقَلِيلَ مَانِعًا لَانْسَدَّ بَابَ الِانْتِفَاعِ بِكَسْبِ عَبْدِهِ فَيَخْتَلُّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِذْنِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ اسْتِغْرَاقَ التَّرِكَةِ بِالدَّيْنِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَوَّلِ كَذَلِكَ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يَمْلِكُ الْوَارِثُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ تَقْرِيرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ مِنْ سَيِّدِهِ إلَّا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ)؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي الْبَيْعِ لَهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَيَجُوزُ وَبِأَقَلَّ مِنْهُ فِيهِ تُهْمَةٌ فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ) أَيْ إنْ كَانَ الْمَوْلَى مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُضَمِّنُوا الْعَبْدَ الْمُعْتَقَ، وَيَرْجِعُ هُوَ بِذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا يَجِيءُ تَقْرِيرُهُ مِنْ بَعْدُ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ. اهـ. تَقَدَّمَ فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ) اعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ إذَا بَاعَ مِنْ مَوْلَاهُ شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُفِيدٌ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَالتَّصَرُّفَ فِي الْكَسْبِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي الْكَسْبِ، وَالْبَيْعُ أَفَادَ الْمِلْكَ فِيهِ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ مِلْكَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ كَمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ فِي كَسْبِهِ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ يُضَمِّنُهُ لِلْعَبْدِ فَصَارَ كَبَيْعِ الْمُضَارِبِ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ التَّصَرُّفَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفِيدٍ؛ لِأَنَّهُ مَوْلَاهُ يَمْلِكُ، وَلَاءَهُ رَقَبَةً وَتَصَرُّفًا هَذَا إذَا بَاعَهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَمَّا إذَا بَاعَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِأَنْ حَابَى فِي الثَّمَنِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا أَطْلَقَ الْقُدُورِيُّ الْجَوَابَ فِي مُخْتَصَرِهِ بِلَا ذِكْرِ الْخِلَافِ فَقَالَ: وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي الشُّفْعَةِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْلَاهُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَالْحُرِّ بَيَانُهُ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا بَاعَ دَارًا بِجَنْبِ دَارٍ

حَابَى الْأَجْنَبِيَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ عَيْنًا مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ مَمْنُوعٌ عَنْ إيثَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَهُمْ أَغْرَاضٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَمْلِكُ إيثَارَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِهَا، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ مَمْنُوعٌ عَنْ إبْطَالِ الْمَالِيَّةِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ جَمِيعَ مَالِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَبِأَقَلَّ مِنْهُ إلَى ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُحَابِيَ بِقَدْرِ الثُّلُثِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِهِ وَبَعْدَ مَوْتِ الْمَرِيضِ الْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِالْمَالِيَّةِ وَالْوَرَثَةُ أَحَقُّ بِالْعَيْنِ حَتَّى كَانَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَخْلِصُوهَا بِالْقِيمَةِ وَكَذَا لِبَعْضِهِمْ إذَا سَلَّمَ الْبَعْضَ، وَهَذَا الْحَقُّ لَهُمْ فِي التَّرِكَةِ كَحَقِّ الْمَوْلَى فِي مَالِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ الْمَدْيُونِ حَتَّى كَانَ لَهُ اسْتِخْلَاصُهُ بِالْقِيمَةِ وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَمْ يَتَعَلَّقْ إلَّا بِالْمَالِيَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُمْ الِاسْتِخْلَاصُ بِالْقِيمَةِ أَصْلًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ بَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى جَازَ الْبَيْعُ فَاحِشًا كَانَ الْغَبْنُ أَوْ يَسِيرًا، وَلَكِنْ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُزِيلَ الْغَبْنَ وَبَيْنَ أَنْ يُنْقِضَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ فِي الْمُحَابَاةِ إبْطَالَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَالِيَّةِ فَيَتَضَرَّرُونَ بِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ حَيْثُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَلَا يُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِإِزَالَتِهِ وَالْمَوْلَى يُؤْمَرُ بِإِزَالَتِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْيَسِيرِ مِنْ الْغَبْنِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ التَّبَرُّعِ وَالْبَيْعِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَاعْتَبَرْنَاهُ تَبَرُّعًا فِي الْبَيْعِ مِنْ الْمَوْلَى لِلتُّهْمَةِ غَيْرَ تَبَرُّعٍ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ لِانْعِدَامِهَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْكَثِيرِ مِنْ الْمُحَابَاةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا عِنْدَهُمَا، وَمِنْ الْمَوْلَى يَجُوزُ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لَا تَجُوزُ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ عَلَى أَصْلِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَلَا إذْنَ فِي الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَهُوَ آذِنٌ فِيمَا يَشْتَرِيهِ بِنَفْسِهِ غَيْرَ أَنَّ إزَالَةَ الْمُحَابَاةِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِيلَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ رَدَّ هَذَا الْبَيْعِ لِلتُّهْمَةِ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ لَهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ عِنْدَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِسَبِيلٍ مِنْ تَخْلِيصِ كَسْبِهِ لِنَفْسِهِ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْبَيْعِ فَلَأَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْلَى فَصَارَ تَصَرُّفُهُ مَعَ مَوْلَاهُ كَتَصَرُّفِ الْمَرِيضِ الْمَدِينِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْغَبْنُ الْفَاحِشُ وَالْيَسِيرُ سَوَاءٌ عِنْدَهُ كَقَوْلِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ بَاعَ سَيِّدُهُ مِنْهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ صَحَّ)؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ عَنْ كَسْبِهِ عِنْدَهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَالْكَلَامُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ فَيَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ كَانَ لِمَوْلَاهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَخَذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْعَبْدُ دَارًا وَالْمَوْلَى شَفِيعُهَا إنْ كَانَ الْعَبْدُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِيعَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ الشُّفْعَةُ، وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ دَارًا وَالْمَوْلَى شَفِيعُهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالدَّارُ لِلْمَوْلَى وَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ. وَلَوْ أَنَّ الْمَوْلَى بَاعَ دَارًا مِنْ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا يَكُونُ بَيْعًا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ إنْ كَانَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَبْطَلَ الزِّيَادَةَ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِمَا سَلَّمَ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْبَيْعَ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَبَاعَ دَارًا مِنْ الْمَوْلَى إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ بِمِثْلِهَا جَازَ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا، وَعِنْدَهُمَا الْمُحَابَاةُ لَا تَجُوزُ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءَ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: حَتَّى كَانَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَخْلِصُوهَا بِالْقِيمَةِ) سَيَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْخُنْثَى أَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ التَّرِكَةَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَرَاجِعْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُزِيلَ الْغَبْنَ) أَيْ الْفَاحِشَ وَالْيَسِيرَ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ) فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ بَلَغَ الْمَوْلَى الثَّمَنُ إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ عِنْدَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُخْتَلَفِ، وَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِي بَيْعِ الْمَرِيضِ عَيْنًا مِنْ وَارِثِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَصْلًا، وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوز الْمُحَابَاةُ وَالْجَامِعُ التُّهْمَةُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي حُكْمٍ، وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ هَهُنَا يَجُوزُ، وَفِي الْمَرِيضِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْإِيثَارِ بِالْعَيْنِ فِيهِ تُهْمَةٌ وَالتُّهْمَةُ هَهُنَا فِي النُّقْصَانِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِسَبِيلٍ مِنْ تَخْلِيصِ كَسْبِهِ لِنَفْسِهِ بِالْقِيمَةِ بِدُونِ الْبَيْعِ فَلَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَخَذَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ وَتَمَامُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَتْمِيمِ الْقِيمَةِ وَبَيْنَ نَقْضِ الْبَيْعِ فَمَتَى اسْتَهْلَكَهُ تَعَذَّرَ نَقْضُهُ فَلَزِمَهُ تَتْمِيمُ الْقِيمَةِ. اهـ غَايَةٌ. قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي الْكَافِي فِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى إلَخْ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِسَبِيلٍ مِنْ تَخْلِيصِ كَسْبِهِ لِنَفْسِهِ بِالْقِيمَةِ بِدُونِ الْبَيْعِ فَلَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْلَى وَصَارَ الْعَبْدُ فِي تَصَرُّفِهِ مَعَ مَوْلَاهُ كَالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا أَيْضًا كَالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعَ الْمَوْلَى كَالْمَرِيضِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي مَبْسُوطِ الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَفِي النِّهَايَةِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى إلَخْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الْأَصَحِّ. اهـ.

مِلْكِهِ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْأَجْنَبِيِّ، وَعِنْدَهُمَا جَوَازُ الْبَيْعِ يَعْتَمِدُ الْفَائِدَةَ، وَقَدْ وُجِدَتْ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ أَخْذَ الثَّمَنِ وَالْعَبْدَ الْمَبِيعَ فَثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلَ ذَلِكَ فَأَفَادَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَبْطُلُ الثَّمَنُ لَوْ سُلِّمَ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ لَوْ سَلَّمَ الْمَوْلَى الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ بَطَلَ الثَّمَنُ فَلَا يُطَالَب الْعَبْدُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ بِتَسْلِيمِهِ الْمَبِيعَ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ، وَلَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ فَخَرَجَ مَجَّانًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا حَيْثُ يَكُونُ الْمَوْلَى أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ بِالْعَقْدِ فَمَلَكَهُ بِهِ عَبْدُهُ، وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِعَيْنِهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ إذْ هُوَ لَيْسَ بِدَيْنٍ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَيْنُ مِلْكِهِ فِي يَدِ عَبْدِهِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ. كَمَا لَوْ غَصَبَ الْعَبْدُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ أَوْ أَوْدَعَ مَالَهُ عِنْدَ عَبْدِهِ أَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ فَسَلَّمَ إلَيْهِ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ الْمَدْيُونِ دَيْنٌ عَلَى مَوْلَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ أَكْسَابِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ ضَمِنَ لِلْعَبْدِ هَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْعَبْدِ وَيَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْ الْعَيْنِ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ الثَّمَنُ، وَلَمْ يُسَلَّمْ فَبَقِيَ حَقُّهُ فِي الْعَيْنِ عَلَى حَالِهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِرْدَادِهِ مَا بَقِيَ الْعَيْنُ قَائِمًا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَيْنُ الْمَمْلُوكَةُ لِلْمَوْلَى فِي يَدِ عَبْدِهِ فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِلْكُ الْيَدِ فِيهِ، وَأَمَّا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ فَقَدْ صَارَ دَيْنًا فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ عَلَى عَبْدِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ) أَيْ لِلْمَوْلَى حَبْسُ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْيَدِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الثَّمَنُ فَيَبْقَى مِلْكُ الْيَدِ لِلْمَوْلَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ وَلِهَذَا كَانَ أَخَصَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ؛ وَلِأَنَّ لِلدَّيْنِ تَعَلُّقًا بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُقَابِلُهَا وَيَسْلَمُ بِسَلَامَتِهَا فَكَانَ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَيْنِ الْمُقَابِلِ لَهُ فَيَكُونُ لِلْمَوْلَى حَقٌّ فِيهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ وَلِهَذَا يَسْتَوْجِبُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِمَا أَنَّهُ مُقَابَلٌ بِرَقَبَتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ الْمَوْلَى الْمَبِيعَ أَوَّلًا حَيْثُ يَسْقُطُ دَيْنُهُ لِذَهَابِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ فَيَصِيرُ الثَّمَنُ دَيْنًا مُطْلَقًا فَيَسْقُطُ، وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ الْعَبْدِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ أَوْ نَقْضِ الْبَيْعِ قَلِيلَةً كَانَتْ الْمُحَابَاةُ أَوْ كَثِيرَةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ كَمَا بَيَّنَّا فِي جَانِبِ الْعَبْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى حَيْثُ يَجُوزُ بِالْيَسِيرِ مِنْ الْمُحَابَاةِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَالْمَعْنَى قَدْ بَيَّنَّاهُ، وَقَوْلُهُ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَقَعُ جَائِزًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا تَجُوزُ مُبَايَعَتُهُ مَعَ الْمَوْلَى لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَالُهُ، وَلَا حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَصَحَّ إعْتَاقُهُ) أَيْ جَازَ إعْتَاقُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ الْمُسْتَغْرَقَ بِالدَّيْنِ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَكْسَابِهِ بَعْدَ الِاسْتِغْرَاقِ بِالدَّيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ قِيمَتَهُ لِغُرَمَائِهِ) أَيْ الْمَوْلَى ضَمِنَ قِيمَةَ الْمُعْتَقِ لِغُرَمَائِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ بَيْعًا وَاسْتِيفَاءً مِنْ ثَمَنِهِ، وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَأَوْجَبْنَا الضَّمَانَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَأْذُونُ لَهُ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ حَيْثُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِإِعْتَاقِهِمَا لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِمَا اسْتِيفَاءً بِالْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُتْلِفًا حَقَّهُمْ فَلَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَ الدَّيْنَ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِمَالِيَّتِهِ فَيَضْمَنُهَا كَمَا إذَا أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ حَيْثُ لَا يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ هُنَاكَ بَدَلُ الْآدَمِيِّ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ، وَكَذَا هُنَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَا إذَا عَلِمَ الْمَوْلَى بِالدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْعَبْدِ الْجَانِي حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى جَمِيعُ الْأَرْشِ إنْ كَانَ إعْتَاقُهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا عَلَى الْمَوْلَى، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى)، وَهَذَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ عِنْدَهُمَا. اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لِلْمَوْلَى) أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ وَفِي رِوَايَةٍ إلَخْ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ الْعَبْدِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ أَوْ بِنَقْضِ الْبَيْعِ كَمَا بَيَّنَّا فِي جَانِبِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ إزَالَةِ الْمُحَابَاةِ إلَخْ فَصَاحِبُ الْكِتَابِ أَطْلَقَ لَفْظَ الْمُحَابَاةِ هُنَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ، وَهَذَا وَقَعَ عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ مِنْ الْأَصَحِّ كَمَا قَرَّرْنَا أَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْكِتَابِ، وَهُوَ رِوَايَةُ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ هَذَا الْبَيْعُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَرِدُ التَّخْيِيرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ مَعَ التَّخْيِيرِ، وَفِي الْكَافِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ فَاسِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ إعْتَاقُهُ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ جَازَ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ، وَالْغُرَمَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْعَبْدَ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْمَوْلَى بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ الدَّيْنِ سَوَاءً كَانَ عَالِمًا بِالدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا. اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا عَلَى الْمَوْلَى) أَيْ؛ لِأَنَّهُ عَاقِلَتَهُ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَتَخَلَّصُ مِنْهُ بِالدَّفْعِ فَبِالْعِتْقِ أَبْطَلَ حَقَّ الدَّفْعِ فَصَارَ مُخْتَارًا لِلدِّيَةِ إنْ كَانَ عَالِمًا فَأَمَّا فِي الدَّيْنِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُبَاعُ فِيهِ وَالْمَوْلَى أَبْطَلَ حَقَّ الْبَيْعِ وَلَوْ بِيعَ لَا يَكُونُ إلَّا قَدْرُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِي فِي الظَّاهِرِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فَلِذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَوْ اخْتَارُوا اتِّبَاعَ الْمَوْلَى لَا يَكُونُ إبْرَاءً لِلْعَبْدِ، وَلَوْ اخْتَارُوا اتِّبَاعَ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ فِي

الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَيَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِالْإِعْتَاقِ عَالِمًا، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ حَقِّهِمْ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْجَانِي مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ بِفِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا، وَهُنَا لَا يَجِبُ لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَطُولِبَ بِمَا بَقِيَ لِغُرَمَائِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ) أَيْ لِغُرَمَائِهِ أَنْ يُطَالِبُوهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ إنْ بَقِيَ مِنْ دِينِهِمْ شَيْءٌ، وَلَمْ تَفِ بِهِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُسْتَقِرٌّ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ وَالْمَوْلَى لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَدْرُ مَا أَتْلَفَ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَيْهِ كَمَا كَانَ فَيُرْجَعُ بِهِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَتْبَعُوا الْعَبْدَ بِالْكُلِّ وَيُبْرِئُوا الْمَوْلَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا اخْتَارُوا اتِّبَاعَ أَحَدِهِمَا لَا يَبْرَأُ الْآخَرُ كَالْكَفِيلِ مَعَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الضَّمَانُ وَاجِبٌ لَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَإِذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا بَرِئَ الْآخَرُ ضَرُورَةً، وَهُنَا وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ فَلَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوا مَوْلَاهُ الْقِيمَةَ، وَلَيْسَ هَذَا كَإِعْتَاقِ الرَّاهِنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَهُوَ مُعْسِرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ بِإِذْنِهِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ بِإِذْنِ الْغَرِيمِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ وَغَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي ضَمَّنَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعَ قِيمَتَهُ)؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِبَيْعِهِ وَتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ وَحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي الْعَبْدِ) أَيْ إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ بَعْدَمَا ضَمَّنَهُ الْغُرَمَاءُ قِيمَتَهُ رَجَعَ الْمَوْلَى بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَكَانَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ زَالَ، وَهُوَ الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ إذَا بَاعَ وَسَلَّمَ وَضَمِنَ الْقِيمَةَ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَغْصُوبَ عَلَى الْمَالِكِ وَيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ الَّتِي دَفَعَهَا إلَيْهِ هَذَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا أَوْ بَعْدَهُ بِقَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَكَذَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّرْطِ، وَإِنْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا لِلْمَوْلَى عَلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالتَّرَاضِي إقَالَةٌ، وَهِيَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ دَيْنِهِمْ شَيْءٌ رَجَعُوا بِهِ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أَوْ مُشْتَرِيَهُ) أَيْ أَوْ ضَمَّنُوا مُشْتَرِيَهُ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْبَائِعِ فَتَقْدِيرُهُ، وَإِنْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ وَغَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي ضَمَّنَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعَ، وَهُوَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ أَوْ ضَمَّنُوا مُشْتَرِي الْعَبْدِ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ، الْبَائِعُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَالْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ وَالتَّغْيِيبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أَوْ أَجَازُوا الْبَيْعَ، وَأَخَذُوا الثَّمَنَ) أَيْ الْغُرَمَاءُ إنْ شَاءُوا أَجَازُوا الْبَيْعَ، وَأَخَذُوا ثَمَنَ الْعَبْدِ، وَلَا يُضَمِّنُوا أَحَدًا الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَالْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ كَالْإِذْنِ السَّابِقِ كَمَا إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ ثُمَّ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ أَجَازَ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ، وَلَمْ يَتَوَقَّفْ نَفَاذُ الْكَفَالَةِ وَلُزُومُهَا عَلَى الْإِجَازَةِ بَلْ نَفَذَتْ عَلَى الْكَفِيلِ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً لَهُ، وَلَا كَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْغُرَمَاءَ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إجَازَةِ الْبَيْعِ وَتَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءُوا ثُمَّ إنْ ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِيَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ مِنْهُ كَأَخْذِ الْعَيْنِ، وَإِنْ ضَمَّنُوا الْبَائِعَ سَلَّمَ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي وَتَمَّ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَأَيُّهُمَا اخْتَارُوا تَضْمِينَهُ بَرِئَ الْآخَرُ حَتَّى لَا يَرْجِعُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ تُوِيَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَ الَّذِي اخْتَارُوهُ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ إبْرَاءٌ لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا انْقَطَعَ حَقُّهُ مِنْ الْآخَرِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هُنَاكَ وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فَإِذَا ضَمِنَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ مَلَكَهُ فَبَعْدَ التَّمْلِيكِ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ، وَأَمَّا هَهُنَا الدَّيْنُ وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا أَنَّهُ وَجَبَ عَلَى الْمَوْلَى عَلَى سَبِيلِ الْكَفَالَةِ إذْ لَيْسَ فِي هَذَا التَّضْمِينِ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ الْمَوْلَى فَثَبَتَ أَنَّهُ كَالْكَفِيلِ، وَمَنْ طَالَبَ الْكَفِيلَ أَوْ الْمَكْفُولَ عَنْهُ لَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ إبْرَاءٌ عَنْ الْآخَرِ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا، وَلَوْ اخْتَارَ بَعْضُهُمْ اتِّبَاعَ الْعَبْدِ وَبَعْضُهُمْ اتِّبَاعَ السَّيِّدِ فَاَلَّذِي يَتْبَعُ الْعَبْدَ يَأْخُذُهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي يَتْبَعُ الْمَوْلَى يَأْخُذُ مِنْهُ جَمِيعَ حَقِّهِ إذَا كَانَ حَقُّهُ مِثْلَ الْقِيمَةِ، وَمَا يَأْخُذُونَ مِنْ الْمَوْلَى يَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالشَّرِكَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الدَّيْنِ بِالشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ حَقُّهُمْ فِي الْقِيمَةِ فَصَارَ كَالْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمْ، وَمَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالشَّرِكَةِ إلَّا إذَا كَانَ أَصْلُ الدَّيْنِ بِالشَّرِكَةِ هَذَا إذَا أَعْتَقَهُ، وَلَوْ لَمْ يُعْتِقْهُ، وَلَكِنْ دَبَّرَهُ فَالْغُرَمَاءُ أَيْضًا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْمُدَبَّرَ بِدَيْنِهِمْ فَيَسْتَسْعَوْنَهُ فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْمَوْلَى بِقَدْرِ قِيمَتِهِ، وَفِي اخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا إبْرَاءٌ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يَكُونُ كَسْبُهُ لِلْمَوْلَى فَلَمْ يَكُنْ تَحْتَ التَّضْمِينِ تَمْلِيكٌ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا. وَفَرْقٌ آخَرُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الْمُدَبَّرِ يَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالشَّرِكَةِ، وَفِي الْعَتَاقِ لَا يَكُونُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذَا كَسْبُ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ غَرِيمًا دُونَ غَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا أُعْتِقَ صَارَ حُرًّا فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ غَرِيمًا دُونَ غَرِيمٍ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِالْإِعْتَاقِ عَالِمًا) أَيْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ إلَّا قَدْرُ الْقِيمَةِ لَا غَيْرُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالْغَاصِبِ إذَا بَاعَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالُوا هَذَا كَالْغَاصِبِ إذَا بَاعَ وَضَمِنَ أَنَّهُ يَنْفُذُ الْبَيْعُ حَتَّى لَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ سُلِّمَ لَهُ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ سَلِيمًا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ ثَبَتَ حَقُّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَاسْتِرْدَادِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا حُكْمُ الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ هَهُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: هَذَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ) الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا غَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ: رَدَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَجَازَ) أَيْ الْمَكْفُولُ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْغُرَمَاءَ مُخَيَّرُونَ إلَخْ)، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَتْنًا وَشَرْحًا. اهـ.

بَيْنَ شَيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْآخَرَ، وَلَوْ ظَهَرَ الْعَبْدُ بَعْدَمَا اخْتَارُوا تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ إنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى لَهُمْ بِالْقِيمَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ، وَإِنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ بِقَوْلِ الْخَصْمِ مَعَ يَمِينِهِ، وَقَدْ ادَّعَى الْغُرَمَاءُ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهُمْ بِالْخِيَارِ فِيهِ إنْ شَاءُوا رَضَوْا بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوهَا، وَأَخَذُوا الْعَبْدَ فَبِيعَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ كَمَالُ حَقِّهِمْ بِزَعْمِهِمْ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمَغْصُوبِ فِي ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ: الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَغْصُوبِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ تَظْهَرَ الْعَيْنُ، وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ هُنَا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَدَّعِيَ الْغُرَمَاءُ أَكْثَرَ مِمَّا ضَمِنَ، وَأَنَّ كَمَالَ حَقِّهِمْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ بِزَعْمِهِمْ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى قَدْ تَكُونُ غَيْرَ مُطَابِقٍ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِثْلَ مَا ضَمِنَ أَوْ أَقَلَّ فَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَارُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَارُ إذَا ظَهَرَ، وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ فَلَا يَكُونُ الْمَذْكُورُ هُنَا مُخَلَّصًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ، وَأَعْلَمَ بِالدَّيْنِ فَلِلْغُرَمَاءِ رَدُّ الْبَيْع)؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِهِ، وَهُوَ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ أَوْ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ رَقَبَتِهِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَائِدَةٌ فَالْأَوَّلُ تَامٌّ مُؤَخَّرٌ وَالثَّانِي نَاقِصٌ مُعَجَّلٌ وَبِالْبَيْعِ تَفُوتُ هَذِهِ الْخِيَرَةُ فَكَانَ لَهُمْ رَدُّهُ، وَفَائِدَةُ الْإِعْلَامِ بِالدَّيْنِ سُقُوطُ خِيَارِ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ بِعَيْبِ الدَّيْنِ حَتَّى يَلْزَمَ الْبَيْعُ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ هَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَكَانَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْغُرَمَاءِ وَالثَّمَنُ لَا يَفِي بِدَيْنِهِمْ فَأَمَّا إذَا كَانَ دَيْنُهُمْ مُؤَجَّلًا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَأَخِّرٌ بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ مِلْكَ الْيَدِ فِيهِ فَلَا يَقْدِرُ الْمَوْلَى عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَلَا يَدَ لِلْغُرَمَاءِ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَلَا فِي كَسْبِهِ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِمَالِيَّتِهِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ، وَذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ إلَى مَا بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِطَلَبِهِمْ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ لِأَجْلِهِمْ، وَإِذْنِهِمْ فِي الْبَيْعِ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ فَلَا يُنْقَضُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ يَفِي بِدَيْنِهِمْ وَدَفَعَهُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِمْ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالُوا تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ الثَّمَنُ فَإِنْ وَصَلَ، وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُمْ لَا يَكُونُ لَهُمْ خِيَارُ الْفَسْخِ عِنْدَ وُصُولِ الثَّمَنِ إلَيْهِمْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِحَقِّهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ ثَبَتَ لَهُمْ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَإِنْ وَفَّى الثَّمَنُ بِحَقِّهِمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَهُمْ خِيَارُ الْفَسْخِ إذَا لَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِحَقِّهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ لِأَجْلِ الِاسْتِسْعَاءِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ بِنَفْسِهِ قُبَيْلَهُ، وَلَا خِيَارَ لَهُمْ إنْ وَفَّى الثَّمَنُ بِحَقِّهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ، وَلَوْ قَالَ تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ لَا يَفِي بِدَيْنِهِمْ اسْتَقَامَ وَزَالَ الْإِشْكَالُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إذَا لَمْ يَفِ بِدَيْنِهِمْ لَهُمْ نَقْضُ الْبَيْعِ كَيْفَمَا كَانَ، وَإِذَا وَفَّى لَيْسَ لَهُمْ نَقْضُهُ كَيْفَمَا كَانَ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْجِيلِ الدَّيْنِ وَطَلَبِهِمْ الْبَيْعَ وَوَفَاءِ الثَّمَنِ بِالدَّيْنِ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَجُوزَ بِإِجَازَةِ الْغُرَمَاءِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَيَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ وَلِلْغُرَمَاءِ حَقُّ إبْطَالِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ فَاسِدٌ بِدَلِيلِ مَا قَالَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ دَبَّرَهُ صَحَّ ذَلِكَ وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ غَابَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي لَيْسَ بِخَصْمٍ لَهُمْ) أَيْ لَوْ بَاعَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَدِينَ، وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ غَابَ الْبَائِعُ لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي خَصْمًا لِلْغُرَمَاءِ إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الدَّيْنَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ الْمُشْتَرِي خَصْمًا وَيُقْضَى لَهُمْ بِدَيْنِهِمْ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اشْتَرَى دَارًا وَوَهَبَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ غَابَ الْمُشْتَرِي الْوَاهِبُ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَإِنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا يَكُونُ خَصْمًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، وَعَنْهُمَا مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الشُّفْعَةِ هُوَ يَقُولُ أَنَّ ذَا الْيَدِ يَدَّعِي الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي الْعَيْنِ فَيَكُونُ خَصْمًا لِكُلِّ مَنْ يُنَازِعُهُ فِيهَا كَمَا لَوْ ادَّعَوْا مِلْكَ الْعَبْدِ؛ لِأَنْفُسِهِمْ أَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ رَهْنٌ عِنْدَهُ، وَلَهُمَا أَنَّ الدَّعْوَى تَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْعَقْدِ، وَهُوَ قَائِمٌ بِالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْفَسْخُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ، وَالْحَاضِرُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ خَصْمًا لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يُجْعَلَ خَصْمًا فِي الِانْتِهَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: فَبِيعَ لَهُمْ) لَا يَتَعَيَّنُ الْبَيْعُ لَهُمْ بَلْ الْخِيَارُ لَهُمْ إنْ شَاءُوا بَاعُوهُ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَسْعَوْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ) لِمَا أَحَالَهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ كَانَ الشَّرْطُ فِيهَا شَرْطًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَارُ إلَخْ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُمْ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِمَّا ضَمِنَ بَلْ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا مَا أَخَذُوا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ مَا ضَمِنَ أَوْ أَقَلَّ؛ لِأَنَّ لَهُمْ فِيهِ فَائِدَةً، وَهُوَ حَقُّ اسْتِسْعَائِهِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ. اهـ. نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ

إذَا أَثْبَتُوا الدَّيْنَ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ بِدَيْنِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَهُوَ غَائِبٌ وَفِي بَيْعِهِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَوْا الْمِلْكَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ يَظْهَرُ فِي الِانْتِهَاءِ أَنَّهُ كَانَ غَاصِبًا مِنْهُمْ وَالْغَاصِبُ يَكُونُ خَصْمًا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَبِخِلَافِ دَعْوَى الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً إذْ الرَّهْنُ لَا يُبَاعُ، وَلَوْ صَدَّقَهُمْ الْمُشْتَرِي فِي الدَّيْنِ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَرُدُّوا الْبَيْعَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَيُفْسَخُ بَيْعُهُ إذَا لَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِدُيُونِهِمْ، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا وَالْمُشْتَرِي غَائِبًا فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَائِعِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالْيَدَ لِلْمُشْتَرِي، وَلَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُمَا، وَهُوَ غَائِبٌ فَمَا لَمْ يَبْطُلْ مِلْكُهُ لَا تَكُونُ الرَّقَبَةُ مَحَلًّا لِحَقِّهِمْ لَكِنْ لَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوا الْبَائِعَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُفَوِّتًا حَقَّهُمْ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَإِذَا ضَمَّنُوهُ الْقِيمَةَ جَازَ الْبَيْعُ فِيهِ، وَكَانَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ اخْتَارُوا إجَازَةَ الْبَيْعِ أَخَذُوا الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ السَّابِقِ ثُمَّ الْمَوْلَى بِبَيْعِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ الْمَدْيُونِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالدَّيْنِ لَمْ يُجْعَلْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِالْقِيمَةِ وَبِبَيْعِ الْعَبْدِ الْجَانِي بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ جُعِلَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هُنَا عَلَى الْعَبْدِ بِحَيْثُ لَا يَبْرَأُ بِالْعِتْقِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ، وَلَوْ اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ صَرِيحًا بِأَنْ قَالَ أَنَا أَقْضِي دَيْنَهُ كَانَ عِدَةً مِنْهُ تَبَرُّعًا فَلَا يَلْزَمُهُ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهَا عَلَى الْمَوْلَى خَاصَّةً دُونَ الْعَبْدِ فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الدَّفْعُ بِتَصَرُّفِهِ تَعَيَّنَ الْأَرْشُ عَلَيْهِ وَبَقِيَ وَاجِبًا عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ قَدِمَ مِصْرًا، وَقَالَ أَنَا عَبْدُ زَيْدٍ فَاشْتَرَى وَبَاعَ لَزِمَهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ التِّجَارَةِ، وَلَا يُبَاعُ حَتَّى يَحْضُرَ سَيِّدُهُ) أَيْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْإِذْنِ فِي حَقِّ كَسْبِهِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ كَسْبِهِ. وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُخْبِرَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَذِنَ لَهُ فَيُصَدَّقُ اسْتِحْسَانًا عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ إلَّا بِحُجَّةٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي»، وَكَذَا الْقِيَاسُ أَنْ تُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ فِي الْمُخْبِرِ؛ لِأَنَّ جَانِبَ الصِّدْقِ بِهَا يَتَرَجَّحُ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النَّاسَ يُعَامِلُوهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ حُجَّةٌ يُخَصُّ بِهِ الْأَثَرُ وَيُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً وَبَلْوَى فَإِنَّ الْإِذْنَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ، وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ عِنْدَ كُلِّ عَقْدٍ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَمَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ أَمْرُهُ اتَّسَعَ حُكْمُهُ، وَمَا عَمَّتْ بَلِيَّتُهُ سَقَطَتْ قَضِيَّتُهُ، وَكَذَا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ دَعْوَى الْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْبِضَاعَةِ، وَمَا أَشْبَهَهَا وَالثَّانِي أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ، وَلَا يُخْبِرُ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْإِذْنُ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مُحْتَمَلٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ وَدِينَهُ يَمْنَعَانِهِ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ حَمْلِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ مَا أَمْكَنَ فَالْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْعِبَادِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِخْبَارُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ بَلْ يُكْتَفَى بِظَاهِرِ حَالِهِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ بِظَاهِرِ حَالِهِ صَحَّتْ تَصَرُّفَاتُهُ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ ذَلِكَ، وَلَزِمَتْهُ الدُّيُونُ فَيُسْتَوْفَى مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الْكَسْبُ بِالدَّيْنِ لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي الرَّقَبَةِ ثَابِتٌ فَلَا يَصْدُقُ إقْرَارُهُ عَلَى مَوْلَاهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ أَنْ يُبَاعَ بِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ لَا يُبَاعَانِ بِالدَّيْنِ بِخِلَافِ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُهُ مَا دَامَ مَشْغُولًا بِحَاجَةِ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يَخْلُفُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا يُبَاعُ حَتَّى يَحْضُرَ سَيِّدُهُ) سَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ) أَيْ الْعَبْدُ وَلَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ بِقَوْلِهِ حَتَّى لَا يَحِلَّ لِلْبَائِعِ الْمُبَايَعَةُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ إقْرَارِهِ يَلْزَمُ مَوْلَاهُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُصَدَّقُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ أَلَا تَرَى أَنَّ وَاحِدًا إذَا قَالَ أَنَا وَكِيلُ فُلَانٍ أَوْ مُضَارِبُ فُلَانٍ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ أَحَدٌ يُكَذِّبُهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ، وَلَا يُكَذَّبُ فَكَذَا هُنَا؛ لِأَنَّ فِي التِّجَارَةِ مَنْفَعَةً لِمَوْلَاهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَجْرُ؛ وَلِأَنَّ لِلنَّاسِ حَاجَةً إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْآحَادِ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَبْعَثُ عَبْدَهُ إلَى الْآفَاقِ لِيَتَّجِرَ أَوْ يَبْعَثَ مُضَارِبَهُ أَوْ وَكِيلَهُ فَلَوْ قُلْنَا: إنَّ قَوْلَهُمْ لَا يُقْبَلُ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْتَاجُ الْعَبْدُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَوْلَاهُ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَأَطْرَافَ النَّهَارِ أَوْ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى الْإِذْنِ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ وَالْمُضَارِبُ، وَمَا ضَاقَ أَمْرُهُ اتَّسَعَ حُكْمُهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مُحْتَمَلٌ) أَيْ فَلَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ بِالشَّكِّ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَحْجُورٌ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَزِمَتْهُ الدُّيُونُ إلَخْ) ثُمَّ إذَا لَحِقَهُ دَيْنٌ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُبَاعَ مَا فِي يَدِهِ حَتَّى يَحْضُرَ مَوْلَاهُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُبَاعُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ فَيَكُونُ فِي بَيْعِهِ قَضَاءٌ عَلَى مَوْلَاهُ، وَهُوَ غَائِبٌ فَلَا يَجُوزُ؛ وَلِهَذَا لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ تِجَارَتِهِ، وَالْعَبْدُ فِي تِجَارَتِهِ كَالْحُرِّ فَإِذَا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي التِّجَارَةِ قُبِلَ فِيمَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهَا، وَلَيْسَ الْكَسْبُ كَالرَّقَبَةِ لَيْسَتْ مِنْ تِجَارَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى فِي يَدِ الْمَوْلَى، كَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ: وَلَوْ أَنَّ الْغُرَمَاءَ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْعَبْدَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَالْعَبْدُ يَجْحَدُ وَالْمَوْلَى غَائِبٌ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُمْ حَتَّى لَا تُبَاعُ وَرَقَبَةُ الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى غَائِبٍ، وَلَيْسَ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي حَقِّ رَقَبَتِهِ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَوْلَى لِمَنْ يَدَّعِي حَقًّا فِي رَقَبَتِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِالدَّيْنِ فَبَاعَ الْقَاضِي أَكْسَابَهُ، وَقَضَى دَيْنَ الْغُرَمَاءِ ثُمَّ جَاءَ الْمَوْلَى، وَأَنْكَرَ الْإِذْنَ كَلَّفَ الْقَاضِي الْغُرَمَاءَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِذْنِ فَإِنْ أَقَامُوهَا، وَإِلَّا رَدُّوا عَلَى الْمَوْلَى جَمِيعَ مَا قَبَضُوا مِنْ ثَمَنِ أَكْسَابِ الْعَبْدِ فَلَا تُنْقَضُ الْبُيُوعُ الَّتِي جَرَتْ مِنْ الْقَاضِي فِي كَسْبِهِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ بَيْعِ مَالِ الْغَائِبِ، وَتُؤَخَّرُ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ إلَى أَنْ يُعْتَقَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَثْبُتْ لَمَّا أَنْكَرَ الْمَوْلَى فَكَانَ مَحْجُورًا وَالْمَحْجُورُ لَا يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْأَقْوَالِ لِلْحَالِ، وَإِنَّمَا يَتْبَعُ بَعْدَ الْعِتْقِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

فِي الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ حَضَرُوا أَقَرَّ بِإِذْنِهِ بِيعَ، وَإِلَّا فَلَا) أَيْ لَوْ حَضَرَ الْمَوْلَى فَأَقَرَّ بِالْإِذْنِ بِيعَ بِالدَّيْنِ لِظُهُورِ الدَّيْنِ فِي حَقِّهِ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ قَالَ هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِتَمَسُّكِهِ بِالظَّاهِرِ فَلَا يُبَاعُ إلَّا إذَا أَثْبَتَ الْغُرَمَاءُ الْإِذْنَ مِنْهُ بِالْبَيِّنَةِ فَحِينَئِذٍ يُبَاعُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا إذْ هِيَ مُبَيِّنَةٌ كَاسْمِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ أَذِنَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاء وَلِيُّهُ فَهُوَ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ) يَعْنِي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ دُونَ نَوْعٍ وَيَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ الْوَلِيِّ حِينَ مَا يَرَاهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْعَبْدِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ يَعْقِلُ الْبَيْعَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ لَهُ، وَأَنْ يَقْصِدَ بِهِ الرِّبْحَ وَيَعْرِفَ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْفَاحِشِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي أَنَّ عِبَارَتَهُ صَالِحَةٌ لِلْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَنَا فِيمَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ أَوْ النَّفْعِ الْمَحْضِ، وَعِنْدَهُ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلْعُقُودِ حَتَّى لَوْ تَوَكَّلَ بِالتَّصَرُّفِ جَازَ، وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] وقَوْله تَعَالَى {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] شَرَطَ الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ لِلدَّفْعِ إلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَنَهَى عَنْ الدَّفْعِ إلَى السُّفَهَاءِ فِي الْأُولَى، وَهُمَا سَفِيهَانِ، وَلَيْسَا بِبَالِغَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُمَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِمَا لِأَجْلِ أَنْفُسِهِمَا شَرْعًا، وَعِلَّةُ الْحَجْرِ قَائِمَةٌ بِهِمَا فَلَا تَزُولُ بِالْإِذْنِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَوْلَى، وَقَدْ زَالَ بِالْإِذْنِ؛ وَلِأَنَّهُمَا مُوَلًّى عَلَيْهِمَا فِي هَذَا التَّصَرُّفِ حَتَّى يَمْلِكَهُ الْوَلِيُّ وَيَمْلِكُ حَجْرَهُمَا فَلَا يَصْلُحَانِ أَنْ يَكُونَا وَلِيَّيْنِ لِلتَّنَافِي؛ لِأَنَّ كَوْنَهُمَا مُولَيًا عَلَيْهِمَا سَبَبُهُ الْعَجْزُ، وَكَوْنُهُمَا وَلِيَّيْنِ سَبَبُهُ الْقُدْرَةُ، وَالْعَجْزُ وَالْقُدْرَةُ لَا يَجْتَمِعَانِ فَصَارَ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْوَصِيَّةِ. وَاخْتِيَارُ الصَّبِيِّ أَحَدَ أَبَوَيْهِ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَتَوَلَّى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَلَا يَكُونُ مُولَيًا عَلَيْهِ فِيهَا فَلَا تَنَافِي فَتَصِحُّ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لِعَدَمِ إمْكَانِ تَحْصِيلِهِ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ فَقُلْنَا بِصِحَّتِهَا مِنْهُ كَيْ لَا تَفُوتَهُ هَذِهِ الْمَصَالِحُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] أُمِرْنَا بِالِابْتِلَاءِ، وَهُوَ الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ هَلْ هُوَ رَشِيدٌ أَمْ لَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الصَّغِيرَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ، وَأَنَّ تَصَرُّفَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ حَقِيقَةً اسْمٌ لِلصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُتْمَ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ وقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2]، وَهَذَا أَمْرٌ بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمْ إلَيْهِمْ فَلَوْلَا أَنَّ تَصَرُّفَهُ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا لَمَا أَمَرَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِمْ تَمْكِينٌ لَهُمْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْمَشْرُوعَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِنَفَاذِهِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَلَا خَفَاءَ فِي شَرْعِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَالْمَحَلِّيَّةِ. وَكَذَا فِي الْأَهْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ لِلتَّصَرُّفِ بِالتَّكَلُّمِ عَنْ تَمْيِيزٍ وَبَيَانٍ لَا عَنْ تَلْقِينٍ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ، وَالْكَلَامُ فِي مِثْلِهِ فَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ هِدَايَتِهِ إلَى التَّصَرُّفِ لَا لِذَاتِهِ وَبِإِذْنِ الْوَلِيِّ يُسْتَدَلُّ عَلَى ثُبُوتِ هِدَايَتِهِ إلَى التَّصَرُّفِ إذْ لَا يَأْذَنُ لَهُ ظَاهِرًا إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ هِدَايَتِهِ وَبَقَاءُ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ لِأَجْلِ النَّظَرِ لَهُ لِتَتَّسِعَ لَهُ طُرُقُ التَّحْصِيلِ فَيَحْصُلُ بِطَرِيقَيْنِ بِمُبَاشَرَتِهِ، وَمُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ وَيُمَكَّنُ الْوَلِيُّ مِنْ حَجْرِهِ لِاحْتِمَالِ تَبَدُّلِ حَالِهِ، وَمَتَى جَعَلْنَاهُ وَلِيًّا بِاعْتِبَارِ الْأَهْلِيَّةِ لَمْ نَجْعَلْهُ مُولَيًا عَلَيْهِ، وَمَتَى جَعَلْنَاهُ مُولَيًا عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ قُصُورِ الْوِلَايَةِ لَمْ تَجْعَلْهُ وَلِيًّا فِيهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْمَصَالِحَ وَيَبْعُدُ مِنْ الْمَضَارِّ، وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلنَّظَرِ، وَمَصُونٌ عَنْ الضَّرَرِ، وَفِي اعْتِبَارِ كَلَامِهِ ذَلِكَ، وَفِي عَدَمِ اعْتِبَارِهِ إهْدَارُ آدَمِيَّتِهِ، وَإِلْحَاقُهُ بِالْبَهَائِمِ، وَهُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ فَلَمْ يُؤَهَّلْ لَهُ، وَلَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَالنَّافِعُ الْمَحْضُ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يُؤَهَّلُ لَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ وَيَمْلِكُهُ وَالْمُتَرَدِّدُ بَيْنَهُمَا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا يُؤَهَّلُ لَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ وَيَمْلِكُهُ، وَلَا يَمْلِكُهُ قَبْلَهُ لِلِاحْتِمَالِ مَعَ أَنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ لِمَا ذَكَرْنَا حَتَّى لَوْ بَاشَرَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ حَتَّى إذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً أَجَازَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْبَالِغَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَاقِلٌ مُمَيِّزٌ وَيُشْبِهُ الْمَجْنُونَ وَالطِّفْلَ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الْخِطَابُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَذِنَ لِلصَّبِيِّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ إذْنِ الْعَبْدِ شَرَعَ مِنْ بَيَانِ إذْنِ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ وَالْمَعْتُوهِ، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ بِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ؛ وَلِأَنَّ إذْنَ الْعَبْدِ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ إذْنِ الصَّبِيِّ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْخِلَافِ فَقَدَّمَ الْمُجْمَعَ لِكَوْنِهِ أَصْلًا. اهـ. (قَوْلُهُ: دُونَ نَوْعٍ) فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ يَكُونُ مَأْذُونًا فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ الْوَلِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ لَا فِي الْقَاضِي أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّ الْقَاضِي إذَا رَأَى الصَّغِيرَ أَوْ الْمَعْتُوهَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ مَأْذُونِ خُوَاهَرْ زَادَهْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَعْرِفُ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْفَاحِشِ)، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَ الْعِبَارَةِ فَإِنَّهُ مَا مِنْ صَبِيٍّ لُقِّنَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ إلَّا وَيَتَلَقَّنُهُمَا كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذْنُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ بَاطِلٌ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذْنُ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ وَكِتَابَتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يُقَرِّبُ الْمَصَالِحَ وَيَبْعُدُ) وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْمَصَالِحَ وَيَبْعُدُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَقَبُولِ الْهِبَةِ) أَيْ وَالْإِسْلَامِ. اهـ.

وَفِي عَقْلِهِ قُصُورٌ وَلِلْغَيْرِ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَأَلْحَقْنَاهُ بِالْبَالِغِ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ وَبِالْمَجْنُونِ فِي الضَّارِّ، وَفِي الْمُتَرَدِّدِ بِالْمَجْنُونِ قَبْلَ الْإِذْنِ وَبِالْبَالِغِ بَعْدَهُ، وَلَا يُقَالُ قَدْ يَقَعُ الْبَيْعُ أَيْضًا نَفْعًا مَحْضًا بِأَنْ بَاعَ شَيْئًا بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ فَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ بِغَيْرِ إجَازَةِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِأَصْلِ وَضْعِهِ دُونَ مَا يَعْرِضُ لَهُ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ. وَالْبَيْعُ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ مُتَرَدِّدٌ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا ضَرَرٌ مَحْضٌ، وَقَبُولُهَا نَفْعٌ مَحْضٌ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْوَلِيِّ فِيهِمَا، وَالْمَنْهِيُّ عَنْ الدَّفْعِ فِي الْآيَةِ أَمْوَالُنَا، وَكَلَامُنَا وَقَعَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَالْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ عِنْدَ الْبُلُوغِ، وَعِنْدَ إينَاسِ الرُّشْدِ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ لَا يَنْفِي الدَّفْعَ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالَةِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ سَفِيهٌ بَلْ هُوَ رَشِيدٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَنْ عُلِمَ رُشْدُهُ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ وَلِيٌّ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ، وَهُوَ أَبُوهُ ثُمَّ وَصِيُّ الْأَبِ ثُمَّ جَدُّهُ أَبُو أَبِيهِ ثُمَّ وَصِيُّ جَدِّهِ ثُمَّ الْوَالِي ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ وَصِيُّ الْقَاضِي. وَأَمَّا مَا عَدَا الْأُصُولَ مِنْ الْعَصَبَةِ كَالْعَمِّ وَالْأَخِ أَوْ غَيْرِهِمْ كَالْأُمِّ وَوَصِيِّهَا وَصَاحِبِ الشُّرْطَةِ، وَلَا يَصِحُّ إذْنُهُمْ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتَصَرَّفُوا فِي مَالِهِ تِجَارَةً فَكَذَا لَا يَمْلِكُونَ الْإِذْنَ لَهُ فِيهَا وَالْأَوَّلُونَ يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ فَكَذَا يَمْلِكُونَ الْإِذْنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَكَذَا لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ تِجَارَةٌ مَعْنًى، وَلَيْسَ لِابْنِ الْمَعْتُوهِ أَنْ يَأْذَنَ لِأَبِيهِ الْمَعْتُوهِ، وَلَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْأَبُ مَجْنُونًا؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْقَرِيبِ لَا تَثْبُتُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُتَصَرِّفُ كَامِلَ الرَّأْيِ وَافِرَ الشَّفَقَةِ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ وُفُورُ الشَّفَقَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَإِنَّهُمَا وَافِرَا الشَّفَقَةِ كَامِلَا الرَّأْيِ فَيَمْلِكَانِهِ وَوَصِيُّهُمَا قَائِمٌ مَقَامَهُمَا فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِهِمَا فَيَمْلِكُ الْإِذْنَ لِلصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ الَّذِي بَلَغَ مَعْتُوهًا وَلِعَبْدِهِمَا كَمَا يَمْلِكَانِهِ، وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ عَتِهَ كَانَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ لَا يَصِحُّ الْإِذْنُ لَهُ قِيَاسًا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَصِحُّ اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَا، وَلَا يُزَوِّجَا مَمَالِيكَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُمَا الْوَلِيُّ بِالتَّزَوُّجِ أَوْ بِتَزْوِيجِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَيَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إلَيْهِمَا، وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ فَلَا يَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ فَيَمْلِكُ الْعَبْدَ أَيْضًا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ صَرِيحًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْإِذْنِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَعْتُوهَ الْمَأْذُونَ لَهُمَا كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِمَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ، وَلَا يَقْبَلُ إقْرَارَهُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ بِخِلَافِ الْمَوْلَى وَالْفَرْقُ أَنَّ إقْرَارَ الْوَلِيِّ عَلَيْهِمَا شَهَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَدَيْنُهُمَا غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَالِهِمَا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا حُرَّانِ فَكَانَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بَعْدَ الدَّيْنِ كَمَا كَانَ لَهُ قَبْلَهُ فَإِنْ قِيلَ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الْوَلِيُّ الْإِقْرَارَ عَلَيْهِمَا فَكَيْفَ يَمْلِكَانِهِ وَوِلَايَتُهُمَا مُسْتَفَادَةٌ مِنْهُ قُلْنَا لَمَّا انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُمَا صَارَ كَمَا إذَا انْفَكَّ بِالْبُلُوغِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِخِلَافِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَصَاحِبُ الشُّرْطَةِ لَا يَصِحُّ إلَخْ)، وَإِذْنُ أَمِيرِ الشُّرْطَةِ وَلَمْ يُوَلَّ الْقَضَاءَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُقِيمَ لِأَمْرٍ خَاصٍّ فَلَا يَلِي التَّصَرُّفَاتِ عَلَى النَّاسِ وَالشُّرْطَةُ خِيَارُ الْجُنْدِ، وَالْجَمْعُ شُرَطٌ وَصَاحِبُ الشُّرْطَةِ يُرَادُ بِهِ أَمِيرُ الْبَلْدَةِ، وَإِنَّمَا سُمُّوا الشُّرَطَ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْرَطُوا أَيْ أَعْلَمُوا؛ لِأَنْفُسِهِمْ عَلَامَةً يُعْرَفُونَ بِهَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ) فِي الْهِدَايَةِ، وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَلَا كِتَابَتَهُ قَالَ السَّيِّدُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْهَا مَعَ أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَمْلِكَانِهَا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ فَيَتَحَقَّقُ فِي الْكِتَابَةِ النَّظَرُ، وَأَمَّا تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْإِذْنِ مُقَيَّدٌ بِالتِّجَارَةِ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ. اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ، وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ قَالَ السَّيِّدُ فِيهِ إجْمَاعٌ، وَفِي تَزْوِيجِ أَمَتِهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ إنَّمَا قُيِّدَ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ مِنْ عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ مِنْ عَبْدِ نَفْسِهِ وَبِهِ صَرَّحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ. اهـ. (فَرْعٌ) وَلَوْ أَذِنَ الْمَعْتُوهُ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي التِّجَارَةِ لِابْنِهِ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ مُوَلَّى عَلَيْهِ فَلَا يَلِي غَيْرَهُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَمَوْتُ الْأَبِ أَوْ وَصِيِّهِ حَجْرٌ عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَتِهِمَا وَرَأْيِهِمَا، وَقَدْ زَالَتْ وِلَايَتُهُمَا وَرَأْيُهُمَا بِمَوْتِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي أَذِنَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ عُزِلَ الْقَاضِي لَا يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ بَلْ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةِ الْخَلِيفَةِ أَوْ وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَائِمٌ أَلَا تَرَى أَنَّ إذْنَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ مِنْهُ وَسَائِرُ أَحْكَامِهِ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، وَعَزْلُهُ فَكَذَلِكَ هَذَا، وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ إذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ جَدٌّ أَبُو الْأَبِ فَرَأَى الْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّبِيِّ أَوْ لِلْمَعْتُوهِ فِي التِّجَارَةِ فَأَذِنَ لَهُ، وَأَبَى أَبُوهُ فَإِذْنُهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ وِلَايَةُ الْقَاضِي عَلَى الصَّغِيرِ مُؤَخَّرَةً عَنْ وِلَايَةِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ حَقُّ الصَّبِيِّ قَبْلَ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَهْتَدِي بِذَلِكَ إلَى التِّجَارَاتِ فَإِذَا طَلَبَ مِنْ الْأَبِ، وَأَبَى صَارَ الْأَبُ عَاضِلًا لَهُ فَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الْقَاضِي كَالْوَلِيِّ فِي بَابِ النِّكَاحِ إذَا عَضَلَ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ بِسَبَبِ الْعَضَلِ إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْإِنْكَاحَ مِنْ الْكُفْءِ حَقُّ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْوَلِيِّ فَإِذَا امْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ الْإِيفَاءِ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الْقَاضِي فَكَذَا هَذَا فَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَحَجْرُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فَسْخُ الْإِذْنِ، وَالْإِذْنُ صَحَّ مِنْ الْقَاضِي فَلَا يَبْطُلُ بِحَجْرِ غَيْرِ الْقَاضِي، وَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ هَذَا الْقَاضِي بَعْدَمَا عُزِلَ لَا يَعْمَلُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ مِنْهُ الْحَجْرُ بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ الْحَجْرِ، وَإِنْ حَجَرَ الْقَاضِي الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ عَمِلَ حَجْرُهُ؛ لِأَنَّ

[فصل غير الأب والجد لا يتولى طرفي عقد المعاوضة المالية]

فَلَا يُقْبَلُ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ وَلِأَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُمَا يَمْتَنِعُ النَّاسُ مِنْ مُعَامَلَتِهِمَا فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالْإِذْنِ فَأَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَى قَبُولِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِيهَا حَتَّى لَوْ أَقَرَّا بِعَيْنٍ مَوْرُوثَةٍ فِي مِلْكِهِمَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُمَا فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُقْبَلُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ انْفِكَاكَ حَجْرِهِ بِالْإِذْنِ كَانْفِكَاكِهِ بِالْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْأَمْوَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ فَيَصِيرُ الْوَاحِدُ مُطَالِبًا، وَمُطَالَبًا مُسَلِّمًا وَمُتَسَلِّمًا، وَهُوَ مُحَالٌ، وَكَذَا الْأَبُ وَالْجَدُّ قِيَاسًا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ قَامَ مَقَامَ شَخْصَيْنِ، وَعِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ وَرَأْيُهُ مَقَامَ رَأْيَيْنِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ، وَهُوَ بَالِغٌ ثُمَّ تُحْمَلُ الْحُقُوقُ بِحَقِّ الْأُبُوَّةِ لَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ نِيَابَةً عَنْهُ حَتَّى إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الصَّغِيرِ، وَفِيمَا إذَا بَاعَ مَالَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَبَلَغَ الصَّغِيرُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الْأَبِ فَإِذَا كَانَتْ الْعُهْدَةُ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ لَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ لَا يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِحَالَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْهُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ صَحَّ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ بِعْته مِنْهُ أَوْ اشْتَرَيْته لَهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ قَامَ مَقَامَ كَلَامَيْنِ؛ وَلِأَنَّ نَفْسَ الْقَبُولِ لَا يُعْتَبَرُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الرِّضَا وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ، وَقَدْ وُجِدَتْ دَلَالَةُ الرِّضَا. وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يَشْتَرِيَ عَبْدَهُ لَهُ فَفَعَلَ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ كَمَالِ هَذِهِ الشَّفَقَةِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْأَبِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ إلَّا إذَا كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا، وَقَبِلَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ مِنْ جَانِبِ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ، وَمِنْ جَانِبِ الْأَبِ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ لِنَفْسِهِ مُبَاحٌ وَلِلصَّغِيرِ فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّظَرِ فَيُجْعَلُ الْأَبُ مُتَصَرِّفًا لِلصَّغِيرِ تَحْقِيقًا لِلنَّظَرِ، وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ مَالِ وَلَدِهِ فَبَاعَ مِنْ مُوَكِّلِهِ أَوْ بَاعَ الْأَبُ مَالَ أَحَدِ وَلَدَيْهِ بِمَالِ الْآخَرِ أَوْ أَذِنَ لَهُمَا فِيهِ أَوْ لِعَبْدَيْهِمَا أَوْ جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا أَوْ وَصِيًّا صَحَّ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُمَا أَوْ لِعَبْدَيْهِمَا أَوْ وَصِيَّيْهِمَا فَتَبَايَعَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَفَادَا وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ بِنَفْسِهِ فَكَذَا الصِّبْيَانُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ الْأَبُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ صَحَّ فَكَذَا إذَا فَعَلَ بِإِذْنِهِ وَصَحَّ بَيْعُ الْوَصِيِّ مَالَهُ مِنْ الصَّبِيِّ أَوْ شِرَاؤُهُ مِنْهُ بِشَرْطِ نَفْعٍ ظَاهِرٍ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ، وَقِيلَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِثَمَانِمِائَةٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لِمَا مَرَّ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ، وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّ مُخْتَارُ الْأَبِ، وَلَكِنَّهُ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَعِنْدَ حَقِيقَةِ النَّظَرِ يُلْحَقُ بِالْأَبِ وَيُرْوَى رُجُوعُ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (كِتَابُ الْغَصْبِ) الْغَصْبُ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ مَالًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَالٍ حَتَّى يُطْلَقَ عَلَى أَخْذِ الْحُرِّ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُتَقَوَّمُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ اسْمُ الْغَصْبِ، وَقَدْ زِيدَ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِيَ نَائِبٌ عَنْ الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ فَكَمَا يَصِحُّ الْحَجْرُ مِنْ الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ يَصِحُّ مِنْ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْقَبُولِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَكَذَا إذَا أَقَرَّ يَعْنِي الصَّبِيَّ بِشَيْءٍ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ لِإِنْسَانٍ صَحَّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إقْرَارَهُ إنَّمَا يَصِحُّ بِشَيْءٍ مِنْ تِجَارَتِهِ، أَمَّا بِشَيْءٍ لَيْسَ مِنْ تِجَارَتِهِ لَا يَصِحُّ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي: وَإِقْرَارُ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ بِالدَّيْنِ وَالْغَصْبِ وَاسْتِهْلَاكِ الْمَالِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مَتَى مَلَكَ التِّجَارَةَ مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهَا، وَمِلْكُ الْإِقْرَارِ بِالدُّيُونِ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ الْمُبَايَعَةِ مَعَهُ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ أَمْوَالِهِمْ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ مَعَهُ فَيُؤَدِّي إلَى انْقِطَاعِ تِجَارَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَ ضَرُورَةَ مَالِكِيَّتِهِ التِّجَارَةَ، وَهَذَا فِي دُيُونِ التِّجَارَةِ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى دُيُونِ التِّجَارَةِ فَإِذَا أَقَرَّ بِغَصْبٍ أَوْ اسْتِهْلَاكِ مَالٍ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى دَيْنِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ يَلْزَمُهُ بِعِوَضٍ يُسَلَّمُ لَهُ اهـ. [فَصْلٌ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَذِنَ) أَيْ الْوَكِيلُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ. اهـ [كِتَابُ الْغَصْبِ] (كِتَابُ الْغَصْبِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ عِنْدِي أَنَّ الْمَأْذُونَ يَتَصَرَّفُ فِي الشَّيْءِ بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ، وَالْغَاصِبَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ لَا بِإِذْنٍ شَرْعِيٍّ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةُ الْمُقَابَلَةِ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ كِتَابَ الْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ إقْرَارَ الْمَأْذُونِ يَصِحُّ بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ كَمَا يَصِحُّ بِمَا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ فَجَرَّ الْكَلَامَ إلَى ذِكْرِ الْغَصْبِ عَقِيبَ الْإِذْنِ فَذِكْرُهُ يُبَيِّنُ فِيهِ أَحْكَامَهُ. اهـ. وَالْغَصْبُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَأْثَمُ، وَهُوَ مَا وَقَعَ عَلَى الْعِلْمِ وَالثَّانِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَأْثَمُ، وَهُوَ مَا وَقَعَ عَلَى الْجَهْلِ كَمَنْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَهُ وَالضَّمَانُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الضَّمَانِ يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ فِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَأْثَمُ، وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَأْثَمُ، وَأَمَّا الْمَأْثَمُ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» مَعْنَاهُ رُفِعَ مَأْثَمُ الْخَطَأِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: فَذِكْرُهُ يُبَيِّنُ فِيهِ أَحْكَامَهُ أَوْ مَا دَامَ الْغَصْبُ قَائِمًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَا يَمْلِكُهُ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِرَقَبَةِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ. اهـ مِعْرَاجٌ

(هُوَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ) فِي مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَتْ بِغَيْرِ تَعَدٍّ لِعَدَمِ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ، وَلَا مَا صَارَ مَعَ الْمَغْصُوبِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَمَا إذَا غَصَبَ دَابَّةً فَتَبِعَتْهَا أُخْرَى أَوْ وَلَدُهَا لَا يَضْمَنُ التَّابِعَ لِعَدَمِ الصُّنْعِ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ حَبَسَ الْمَالِكَ عَنْ مَوَاشِيهِ حَتَّى ضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِعَدَمِ إثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ، وَكَذَا لَا يَضْمَنُ غَيْرَ الْمُتَقَوِّمِ كَالْخَمْرِ أَوْ غَيْرَ الْمُحْتَرَمِ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَا مَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالْعَقَارِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْغَصْبُ هُوَ تَفْوِيتُ يَدِ الْمَالِكِ لَا غَيْرُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ لَا غَيْرُ حَتَّى يَضْمَنَ الْعَقَارَ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُمَا لِوُجُودِ تَفْوِيتِ الْيَدِ فِيهِ وَإِثْبَاتُهَا، وَلَا يَضْمَنُ زَوَائِدَ الْغَصْبِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِعَدَمِ تَفْوِيتِ يَدِ الْمَالِكِ فِيهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُهَا لِوُجُودِ إثْبَاتِ الْيَدِ فِيهَا وَسَنُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَالِاسْتِخْدَامُ وَالْحَمْلُ عَلَى الدَّابَّةِ غَصْبٌ لَا الْجُلُوسُ عَلَى الْبِسَاطِ)؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِخْدَامِ عَبْدِ الْغَيْرِ أَوْ الْحَمْلِ عَلَى دَابَّةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ أَثْبَتَ فِيهِ الْيَدَ الْمُتَصَرِّفَةَ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ يَدِهِ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهُ فَتَحَقَّقَ الْغَصْبُ فَيَضْمَنُ بِخِلَافِ الْجُلُوسِ عَلَى بِسَاطِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ وَلِهَذَا لَا يُرَجَّحُ بِهِ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فَلَمْ يَصِرْ فِي يَدِهِ، وَالْبَسْطُ فِعْلُ الْمَالِكِ فَتَبْقَى يَدُ الْمَالِكِ فِيهِ مَا بَقِيَ أَثَرُ فِعْلِهِ لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهَا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ، ثُمَّ حُكْمُ الْغَصْبِ الْمَأْثَمُ إنْ تَعَمَّدَهُ وَالْمَغْرَمُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَغْصُوبُ مَالًا مُتَقَوِّمًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَجِبُ رَدُّ عَيْنِهِ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا، وَإِنْ أَخَذَهُ فَلْيَرُدَّهُ عَلَيْهِ»؛ وَلِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْيَدَ، وَهِيَ مَقْصُودَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ بِهَا يَتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ ثَمَرَاتِ الْمِلْكِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا شُرِعَتْ الْكِتَابَةُ وَالْإِذْنُ مَعَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ سِوَى الْيَدِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَسْخُ فِعْلِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ فَيَعُودُ إلَى مَا كَانَ، وَأَتَمُّ وُجُوهِهِ رَدُّ عَيْنِهِ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَلِهَذَا تَتَفَاوَتُ الْقِيمَةُ بِهِ وَرَدُّ الْعَيْنِ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ، وَأَكْمَلُ فِي رَدِّ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَرَدُّ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ مُخَلِّصٌ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ، وَلِهَذَا يُطَالَبُ بِرَدِّ الْعَيْنِ قَبْلَ الْهَلَاكِ، وَلَوْ أَتَى بِالْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِكَوْنِهِ قَاصِرًا، وَكَذَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمَالِكِ بِأَنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ بِجِهَةٍ أُخْرَى كَمَا إذَا، وَهَبَهُ لَهُ أَوْ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ فَأَكَلَهُ وَالْمَالِكُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مَلَكَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ تَسْلِيمٍ بِإِيدَاعٍ أَوْ شِرَاءٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ لَمَا بَرِئَ إلَّا إذَا عَلِمَ، وَقَبَضَهُ عَنْهُ كَمَا فِي قَبْضِ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ، وَقِيلَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الضَّمَانِ حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ يَصِحُّ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ، وَكَذَا الْكَفَالَةُ بِالْمَغْصُوبِ تَصِحُّ مَعَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِالْعَيْنِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلْغَاصِبِ نِصَابٌ يُنْتَقَصُ بِهِ كَمَا يُنْتَقَصُ بِالدَّيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ، وَكَوْنُهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّ الْعَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِأَصْلٍ كَالظُّهْرِ مَعَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ الظُّهْرَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْجُمُعَةَ خَلَفٌ عَنْهُ، وَلَا يُصَارُ إلَيْهِ لَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَتِهَا. وَإِنَّمَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمَالِكِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ لِتَعَيُّنِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْعَيْنِ فَصَارَ كَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْرَأُ بِرَدِّهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْمَقْبُوضِ بَلْ حَقُّهُ فِي مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ مِنْ أَيِّ عَيْنٍ كَانَ، وَذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي مَعْرِفَةِ الْأَمْثَالِ وَالْقِيَمِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعَيْنُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِيهَا فَبِأَيِّ طَرِيقٍ وَصَلَ إلَيْهِ نَابَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَلَغَا مَا عَيَّنَهُ مِنْ الْجِهَةِ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ لَمَّا كَانَ الْوَقْتُ مُتَعَيِّنًا لَهُ صَارَ عَنْهُ، وَلَغَا مَا عَيَّنَهُ مِنْ الْجِهَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ حَيْثُ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالتَّعْيِينِ لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِأَكْلِ الْمَالِكِ الطَّعَامَ الْمَغْصُوبَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِرَدٍّ بَلْ هُوَ خَدْعَةٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَرْغَبُ فِي أَكْلِ مَالِ غَيْرِهِ مَا لَا يَرْغَبُ فِي أَكْلِ مَالِ نَفْسِهِ، وَلَوْ عَلِمَ لِمَا أَكَلَ فَلَمْ يَكُنْ رَادًّا بِتَقْدِيمِهِ لَهُ لِلْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ قُلْنَا هَذِهِ الْعَادَةُ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا فَلَا تُعْتَبَرُ، وَلَا تَمْنَعُ وُقُوعَهُ عَنْ الْوَاجِبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ هُوَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ)، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ يَكْفِي فِيهِ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ، وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ الْمَسَائِلُ غَيْرَ أَنَّ إزَالَةَ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ. اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ) لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ مَسْأَلَةً تُخَالِفُ هَذَا الْأَصْلَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ غَصَبَ عُجُولًا فَاسْتَهْلَكَهُ حَتَّى يَبِسَ لَبَنُ أُمِّهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْعُجُولِ وَنُقْصَانَ الْأُمِّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فِي الْأُمِّ شَيْئًا. اهـ. كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِالرَّحْمَةِ. قَوْلُهُ: وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ إلَخْ أَخَذَهُ مِنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ وَلَدُهَا) قَالَ الْكَاكِيُّ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ حِمَارًا وَسَاقَهُ فَانْسَاقَ جَحْشُهُ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ لَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ إنْ لَمْ يَسُقْ الْجَحْشَ مَعَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَالِ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَهُ الْمُسْلِمُ لَا يُسَمَّى غَصْبًا. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ إثْبَاتِ الْيَدِ فِيهَا)، وَلَوْ جَاءَ الْمَالِكُ وَطَلَبَ الزَّوَائِدَ فَمَنَعَهَا عَنْ التَّسْلِيمِ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لَا الْجُلُوسُ عَلَى الْبِسَاطِ) قَالَ الْكَاكِيُّ، وَلَوْ جَلَسَ عَلَى بِسَاطِ غَيْرِهِ أَوْ فِرَاشِهِ أَوْ رَكِبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُزِلْهُ مِنْ مَكَانِهِ لَمْ يَكُنْ غَاصِبًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَغْرَمُ) أَيْ سَوَاءٌ تَعَمَّدَهُ أَوْ لَا. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْعُقُودُ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ) أَيْ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلْغَاصِبِ نِصَابٌ يُنْتَقَصُ بِهِ) أَيْ بِضَمَانِ الْمَغْصُوبِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ. اهـ. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أَوْ مِثْلُهُ إنْ هَلَكَ، وَهُوَ مِثْلِيٌّ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَهَلَكَ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ ثَابِتٌ فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى، وَقَدْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُمَا بِإِيجَابِ الْمِثْلِ فَكَانَ أَعْدَلَ، وَأَتَمَّ فِي جَبْرِ الْفَائِتِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ الْقِيمَةِ وَاسْمُهُ يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمِثْلَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ إيجَابُهُ أَعْدَلَ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ الظَّاهِرِيَّةِ إنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ، وَهِيَ الْقِيمَةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَعْدَلُ وَتَسْمِيَتُهُ فِي الْآيَةِ اعْتِدَاءً مَجَازٌ لِلْمُقَابَلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَالْجَزَاءُ لَيْسَ بِسَيِّئَةٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا مَجَازًا كَذَا هُنَا الثَّانِي لَيْسَ بِاعْتِدَاءٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ انْصَرَمَ الْمِثْلِيُّ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ) أَيْ إنْ انْقَطَعَ الْمِثْلِيُّ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَوْمَ الْغَصْبِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَوْمَ الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ هُوَ الْوَاجِبُ بِغَصْبِ ذَاتِ الْمِثْلِ فَلَا يُنْتَقَلُ إلَى الْقِيمَةِ إلَّا بِالْعَجْزِ عَنْهُ وَالْعَجْزُ عَنْهُ يَحْصُلُ بِالِانْقِطَاعِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ أَعْدَلُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِقُصُورِهَا فَلَا تَجِبُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الْمِثْلِ لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا خَلَفٌ عَنْهُ، وَلَا يَبْقَى وُجُوبُ الْمِثْلِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ لِلْعَجْزِ عَنْهُ فَتَعَيَّنَ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمِثْلِيَّ لَمَّا انْقَطَعَ الْتَحَقَ بِذَوَاتِ الْقِيَمِ، وَفِيهَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْغَصْبِ فَكَذَا فِيمَا الْتَحَقَ بِهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ خَلَفٌ عَنْ الْمِثْلِ حَتَّى لَا يُصَارَ إلَيْهَا إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ، وَالْخَلَفُ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَصْلُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا بِالْغَصْبِ كَالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ، وَكَالْقِيمَةِ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمِثْلَ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْغَصْبِ، وَهُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ وَلِهَذَا لَوْ صَبَرَ إلَى أَنْ يَعُودَ الْمِثْلُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى الْمِثْلِ بِوُجُودِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ الِانْتِقَالِ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ) أَيْ مَا لَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَهُوَ الْكَامِلُ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْمِثْلِ مَعْنًى، وَهُوَ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهُ وَيَحْصُلُ بِهَا مِثْلُهُ وَاسْمُهَا يُنْبِئُ عَنْهُ، وَقَالَ مَالِكٌ يُضْمَنُ مِثْلُهُ صُورَةً لِمَا تَلَوْنَا وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ «أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كُنْت فِي حُجْرَةِ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ فَأُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ مِنْ عِنْدِ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَضَرَبَتْ عَائِشَةُ الْقَصْعَةَ بِيَدِهَا فَانْكَسَرَتْ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ مِنْ الْأَرْضِ وَيَقُولُ غَارَتْ أُمُّكُمْ غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ جَاءَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِقَصْعَةٍ مِثْلِ تِلْكَ الْقَصْعَةِ فَرَدَّتْهَا وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ يَفُكُّ الْغُلَامَ بِالْغُلَامِ وَالْجَارِيَةَ بِالْجَارِيَةِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ»، وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ حَيْثُ أَوْجَبَهَا عَلَى الْمُعْتِقِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَعَلَى الْعَبْدِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْمُرُوءَةِ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ لَا عَلَى طَرِيقِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ إذْ كَانَتْ الْقَصْعَتَانِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعْنَى قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَفُكُّ الْغُلَامَ بِالْغُلَامِ أَيْ بِقِيمَةِ الْغُلَامِ حَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ أَيْ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَضَيَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ بِالْقِيمَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْآيَةُ لَا تُنَافِي مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا الْمِثْلُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْقِيمَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَانَتْ الْآيَةُ شَاهِدَةً لَنَا، وَهَذَا الْمِثْلُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ لَا الْمِثْلُ صُورَةً بِلَا مَعْنًى؛ وَلِهَذَا قَالَ شُرَيْحٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ كَسَرَ عَصًا فَهِيَ لَهُ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَمَا قَالَ ذَلِكَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ فَهِمَهُ مِنْ الْآيَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِيِّ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ مِثْلُهُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ حَتَّى يُضْمَنَ مِثْلُهُ عَدَدًا خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ إنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْمَعْدُودِ لَمْ تَثْبُتْ بِالنَّصِّ بِالِاجْتِهَادِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فَلَا يُقْطَعُ بِكَوْنِ الْمَضْمُونِ مِثْلًا لِلْمُتْلَفِ فَيُصَارُ إلَى قِيمَتِهِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ مِثْلِهِ قَطْعًا بِخِلَافِ الْمَكِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَهُوَ مِثْلِيٌّ) مِثْلُ الْمَكِيلِ وَالْمُوزِنِ وَالْمَعْدُودِ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: إنَّ الْمَغْصُوبَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَنْقُولٍ كَالْحَانُوتِ وَالدَّارِ وَالْأَرْضِ وَالْكَرْمِ وَغَيْرِهَا أَوْ يَكُونُ مَنْقُولًا وَالْمَنْقُولُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ الَّذِي لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهِ مَضَرَّةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَحْنُ نَأْخُذُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ إلَخْ) وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ مَا لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْمَالِيَّةِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُضْمَنَ مِثْلُهُ عَدَدًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا الْمَعْدُودَاتُ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ فَعَلَى مُسْتَهْلِكِهَا مِثْلُهَا عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ قِيمَتُهَا وَهَذَا فَرْعٌ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ. اهـ.

وَالْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِيهِ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ». وَكَذَا قَالَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَهُمَا مَوْزُونَانِ وَالْحِنْطَةُ مَكِيلٌ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِمَا لِلْعِلْمِ بِهَا قَطْعًا وَالْجَوْدَةُ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعَدَدِيُّ قُلْنَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمَالِيَّةِ، وَمَالِيَّةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُتَسَاوِيَةٌ فَإِنَّ الْفَلْسَ يُمَاثِلُ الْفَلْسَ فِي الْمَالِيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ وَالْبَيْضُ وَلِهَذَا لَا تَتَفَاوَتُ قِيمَةُ آحَادِهِ عُرْفًا فَكَانَتْ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ أَتَمَّ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَوَجَبَ جَبْرُ الْفَائِتِ بِجِنْسِهِ لِكَوْنِهِ مِثْلًا لَهُ صُورَةً وَمَعْنًى، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: الْمُمَاثَلَةُ تَثْبُتُ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ أَيْضًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْجِنْسِ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الصِّفَةِ كَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ، وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ، وَأَوْضَحُ مِنْهُ أَنَّ الْقِيمَةَ أَيْضًا لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالِاجْتِهَادِ فَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي الْكُلِّ، وَالْمُرَادُ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ غَيْرُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْمِثْلِيِّ الْمَخْلُوطِ بِخِلَافِ جِنْسِهِ كَالْحِنْطَةِ الْمَخْلُوطَةِ بِالشَّعِيرِ وَالْخَلِّ الْمَخْلُوطِ بِالزَّيْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْمَوْزُونُ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ كَالْأَوَانِي الْمَصُوغَةِ نَحْوِ الْقُمْقُمِ وَالطَّسْتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ ادَّعَى هَلَاكَهُ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَأَظْهَرَهُ ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِبَدَلِهِ)؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا يَقُولُ كَمَا إذَا ادَّعَى الْمَدِينُ الْإِفْلَاسَ، وَلَيْسَ لِحَبْسِهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ بَلْ هُوَ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي كَحَبْسِ الْغَرِيمِ فِي الدَّيْنِ، وَلَوْ ادَّعَى الْغَاصِبُ الْهَلَاكَ عِنْدَ صَاحِبِهِ بَعْدَ الرَّدِّ، وَعَكْسُ الْمَالِكِ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْغَاصِبِ أَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الرَّدَّ، وَهُوَ عَارِضٌ وَالْبَيِّنَةُ لِمَنْ يَدَّعِي الْعَوَارِضَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيِّنَةُ الْمَالِكِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ وُجُوبَ الضَّمَانِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُ وَالْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا بِاتِّفَاقِهِمَا لَكِنَّ حَاصِلَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا يَئُولُ إلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَعَدَمِهِ فَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ لِمَنْ يُثْبِتُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ)؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ يَدِهِ، وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي الْمَنْقُولِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ غَصَبَ عَقَارًا، وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ)، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَضْمَنُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ يَتَحَقَّقُ بِوَصْفَيْنِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ، وَإِزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدَيْنِ الْمُتَدَافَعَتَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يُمْكِنُ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ فَإِذَا ثَبَتَتْ الْيَدُ الْعَادِيَةُ لِلْغَاصِبِ انْتَفَتْ الْيَدُ الْمُحِقَّةُ لِلْمَالِكِ ضَرُورَةً، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَيْسَتْ هِيَ إلَّا عِبَارَةً عَنْ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَعَدَمُ الْيَدِ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ فَكَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ضَرُورَةٌ، وَمِنْ ضَرُورَتِهَا انْتِفَاءُ يَدِ الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ بِهِ كَمَا يَضْمَنُ الْمَنْقُولَ بِذَلِكَ، وَكَمَا يَضْمَنُ الْعَقَارَ الْمُودَعُ بِالْجُحُودِ وَبِالْإِقْرَارِ بِهِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ وَبِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْغَصْبُ، وَلَنَا أَنَّ الْغَصْبَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَغْصُوبِ بِإِثْبَاتِ يَدِهِ، وَإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالنَّقْلِ وَالْعَقَارِ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ، وَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ فِيهِ إخْرَاجُ الْمَالِكِ عَنْهُ، وَذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِكِ لَا فِي الْعَقَارِ فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا إذَا أَبْعَدَ الْمَالِكُ عَنْ الْمَوَاشِي عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ. وَمَسْأَلَةُ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَصَحِّ فَلَا تَلْزَمُ، وَلَئِنْ سَلَّمَ فَالضَّمَانُ فِيهَا بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْمُلْتَزَمِ بِالْجُحُودِ، وَالشُّهُودُ إنَّمَا يَضْمَنُونَ الْعَقَارَ بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الشَّاهِدُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ ذَلِكَ الْعَقَارَ لَهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ كَانَ غَصْبًا لَقُبِلَتْ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الْجَزَاءُ فِي الْآخِرَةِ، وَكَلَامُنَا فِي الضَّمَانِ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ جَمِيعُ جَزَائِهِ، وَلَوْ كَانَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لَبَيَّنَهُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ أَمَسُّ وَزِيَادَةُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ تَكُونُ نَسْخًا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالرَّأْيِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْغَصْبِ عَلَيْهِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ غَصْبِ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ كَإِطْلَاقِ لَفْظِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ الْحُرِّ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ بَاعَ حُرًّا الْحَدِيثَ، لَا يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ بَيْعِ الْحُرِّ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا. وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ بَاعَ الْعَقَارَ بَعْدَ الْغَصْبِ، وَأَقَرَّ الْغَاصِبُ بِذَلِكَ، وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ، وَأَقَرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْمِثْلِيُّ الْمَخْلُوطُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ مَعْنَاهُ الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَفَاوِتَةُ أَيْ مَعْنَى مَا لَا مِثْلَ لَهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَهَذَا تَفْسِيرٌ عَجِيبٌ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْكُلِّيِّ بِالْجُزْئِيِّ؛ لِأَنَّ مَا لَا مِثْلَ لَهُ يَشْمَلُ الْحَيَوَانَاتِ وَالذَّرْعِيَّاتِ، وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَفَاوِتُ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالْوَزْنِيُّ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ مَضَرَّةٌ، وَهُوَ الْمَصُوغُ مِنْهُ. اهـ

بِذَلِكَ، وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ ظَاهِرًا، وَلَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهُ، وَإِنَّمَا التَّلَفُ مُضَافٌ إلَى عَجْزِ الْمَالِكِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَا نَقَصَ بِسُكْنَاهُ وَزِرَاعَتِهِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ كَمَا فِي النَّقْلِيِّ)، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِفِعْلِهِ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِضَمَانِ الْإِتْلَافِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ يُضْمَنُ بِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْغَصْبِ حَيْثُ لَا يُضْمَنُ إلَّا بِالْحُصُولِ فِي الْيَدِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ رَكِبَ دَابَّةَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَمْ يُسَيِّرْهَا حَتَّى نَزَلَ ثُمَّ هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ لِعَدَمِ النَّقْلِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِرُكُوبِهِ يَضْمَنُ لِوُجُودِ الْإِتْلَافِ بِفِعْلِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَعَدَ عَلَى بِسَاطِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ النُّقْصَانِ، قَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى: إنَّهُ يُنْظَرُ بِكَمْ تُسْتَأْجَرُ هَذِهِ الْأَرْضُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالُ وَبَعْدَهُ فَيَضْمَنُ مَا تَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا مِنْ النُّقْصَانِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِالشِّرَاءِ يَعْنِي أَنَّهُ يُنْظَرُ بِكَمْ تُبَاعُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ وَبِكَمْ تُبَاعُ بَعْدَهُ فَنُقْصَانُهَا مَا تَفَاوَتَ مِنْ ذَلِكَ فَيَضْمَنُهُ، وَهُوَ الْأَقْيَسُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِقِيمَةِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ نُصَيْرٍ ثُمَّ يَأْخُذُ الْغَاصِبُ رَأْسَ مَالِهِ، وَهُوَ الْبَذْرُ، وَمَا غَرِمَ مِنْ النُّقْصَانِ، وَمَا أَنْفَقَ عَلَى الزَّرْعِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَتَّى إذَا غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا كُرَّيْنِ فَأَخْرَجَتْ ثَمَانِيَةَ أَكْرَارٍ، وَلَحِقَهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ قَدْرُ كُرٍّ وَنَقَصَهَا قَدْرَ كُرٍّ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَكْرَارٍ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ وَمِلْكِهِ؛ لِأَنَّ مَا ضَمِنَ مِنْ الْفَائِتِ يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَالْمَضْمُونَاتُ تُمْلَكُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ عِنْدَنَا مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ، وَهُوَ الْغَصْبُ هُنَا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ إذْ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْقُصْهَا لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ لِعَدَمِ الضَّمَانِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ كُلِّهِ فَإِذَا ضَمِنَ كُلَّهُ مَلَكَ كُلَّهُ، وَكَذَا الْبَعْضُ، وَلَهُمَا أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَيَكُونُ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ إذْ الْفَرْعُ يَحْصُلُ عَلَى وَصْفِ الْأَصْلِ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَنْقُصْ بِالِاسْتِعْمَالِ؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُسْتَنِدَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَكَانَ نَاقِصًا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ انْعِدَامِ الْخُبْثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ اسْتَغَلَّهُ تَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ) أَيْ إنْ اسْتَغَلَّ الْمَغْصُوبَ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا مَثَلًا فَآجَرَهُ فَنَقَصَهُ بِالِاسْتِغْلَالِ وَضَمِنَ النُّقْصَانَ تَصَدَّقَ الْغَاصِبُ بِالْغَلَّةِ كَمَا يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ فِيمَا إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ بِأَنْ بَاعَهُ وَرَبِحَ فِيهِ أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ الِاسْتِغْلَالُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا زَادَ عَلَى مَا ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لَا بِالْغَلَّةِ كُلِّهَا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ثُمَّ إنَّمَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ النُّقْصَانَ إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فِي الْعَيْنِ، وَكَانَ غَيْرَ رِبَوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ فِي ضَمَانِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَةِ مَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مِنْ أَجْزَائِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا بِخِلَافِ الْمَبِيعِ حَيْثُ لَا يُوجِبُ النُّقْصَانَ الْحَادِثَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا الْخِيَارَ، وَلَا يُوجِبُ حَطَّ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ وَتُضْمَنُ بِالْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ لِتَرَاجُعِ السِّعْرِ لَا يُضْمَنُ بَعْدَ أَنْ رَدَّهُ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فِيهِ لَا لِنُقْصَانٍ فِي الْعَيْنِ بِفَوْتِ الْجُزْءِ، وَإِنْ كَانَ رِبَوِيًّا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا إذْ الْجَوْدَةُ لَا قِيمَةَ لَهَا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَيُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَاسْتِغْلَالُ الْعَبْدِ الْمُسْتَعَارِ بِالْإِيجَارِ كَاسْتِغْلَالِ الْمَغْصُوبِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْوَجْهُ قَدْ بَيَّنَّاهُ، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَمَا اسْتَغَلَّهُ فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ كَانَ لِأَجْلِ الْمَالِكِ فَإِذَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ لَا يَظْهَرُ الْخُبْثُ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا لَوْ سَلَّمَ الْغَلَّةَ إلَيْهِ مَعَ الْعَبْدِ يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ فَيَزُولُ الْخُبْثُ بِالتَّسْلِيمِ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ عَنْ الْقِيمَةِ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ الْغَاصِبُ بَعْدَ مَا اسْتَغَلَّهُ، وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَضَمَّنَ الْمَالِكُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ كَانَ لِحَقِّ الْمَالِكِ وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ بِمَالِكٍ فَلَا يَزُولُ الْخُبْثُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ فَلَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ فَتَرَجَّحَ هُوَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَلَكَهُ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ كَمَا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ اللُّقَطَةَ عَلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا ثُمَّ إذَا أَصَابَ مَالًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ إذَا كَانَ غَنِيًّا وَقْتَ الِاسْتِغْلَالِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَرَجُّحِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ. وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْعُرُوضِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ كَالنَّقْدَيْنِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ قَبْلَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ وَبَعْدَهُ يَحِلُّ إلَّا فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ الرِّبْحُ الْمَذْكُورُ هُنَا فَإِنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ حَتَّى يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَتَمَكَّنَ الْخُبْثُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ فَقَدْ قَالَ الْكَرْخِيُّ: إنَّهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ أَشَارَ إلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ أَطْلَقَ إطْلَاقًا وَنَقَدَ مِنْهُ أَوْ أَشَارَ إلَى غَيْرِهِ وَنَقَدَ مِنْهُ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يَطِيبُ لَهُ إلَّا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ لَا تُفِيدُ التَّعْيِينَ فَيَسْتَوِي وُجُودُهَا، وَعَدَمُهَا إلَّا إذَا تَأَكَّدَ بِالنَّقْدِ مِنْهَا وَقَالَ مَشَايِخُنَا: - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَا يَطِيبُ بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَ وَبَعْدَ الضَّمَانِ لَا يَطِيبُ الرِّبْحُ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعَيْنِ وَالْمُضَارَبَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بِالنَّقْدِ مِنْهُ اسْتَفَادَ سَلَامَةَ الْمُشْتَرِي وَبِالْإِشَارَةِ اسْتَفَادَ جَوَازَ الْعَقْدِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِهِ فِي حَقِّ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ فَتَثْبُتُ فِيهِ شُبْهَةُ الْحُرْمَةِ لِمِلْكِهِ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْحَرَامِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّا. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا صَارَ بِالتَّقَلُّبِ مِنْ جِنْسِ مَا ضَمِنَ بِأَنْ ضَمِنَ دَرَاهِمَ مَثَلًا وَصَارَ فِي يَدِهِ مِنْ بَدَلِ الْمَضْمُونِ دَرَاهِمُ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ بَدَلِهِ خِلَافُ جِنْسِ مَا ضَمِنَ بِأَنْ ضَمِنَ دَرَاهِمَ، وَفِي يَدِهِ مِنْ بَدَلِهِ طَعَامٌ أَوْ عُرُوضٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَمَا لَمْ يَصِرْ بِالتَّقَلُّبِ مِنْ جِنْسِ مَا ضَمِنَ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمِلْكٌ بِلَا حِلِّ انْتِفَاعٍ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ بِشَيٍّ وَطَبْخٍ وَطَحْنٍ وَزَرْعٍ وَاِتِّخَاذِ سَيْفٍ، وَإِنَاءِ غَيْرِ الْحَجَرَيْنِ وَبِنَاءٍ عَلَى سَاجَةٍ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ بِذَلِكَ لَلَحِقَهُ ضَرَرٌ، وَكَانَ ظُلْمًا وَالظَّالِمُ لَا يُظْلَمُ بَلْ يُنْصَفُ ثُمَّ الضَّابِطُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى تَغَيَّرَتْ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا، وَمُعْظَمُ مَنَافِعِهَا أَوْ اخْتَلَطَتْ بِمِلْكِ الْغَاصِبِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهَا أَصْلًا أَوْ إلَّا بِحَرَجٍ زَالَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْهَا، وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ وَضَمِنَهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ شَيِّ اللَّحْمِ وَطَبْخِهِ وَطَبْخِ الْحِنْطَةِ أَوْ طَحْنِهَا وَزَرْعِهَا وَاِتِّخَاذِ الْحَدِيدِ سَيْفًا أَوْ إنَاءً وَاِتِّخَاذِ غَيْرِهِ مِثْلِ الصُّفْرِ إنَاءً وَالْبِنَاءِ عَلَى السَّاجَةِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَيَمْلِكُهَا الْغَاصِبُ إلَّا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمَا بِاِتِّخَاذِهِ أَوَانِيَ أَوْ بِضَرْبِهِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ غَيْرِ الْحَجَرَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْ الْعَيْنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرَ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ الْعَيْنِ لَا يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ عِنْدَهُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الرِّبَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُضَمِّنُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْ الْعَيْنِ، وَيَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ لَكِنَّهُ يُبَاعُ فَيُوَفَّى بِهِ دَيْنُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ يَعْنِي مَا وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ مِنْ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ، وَإِنْ مَاتَ الْغَاصِبُ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ وَالْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَجَعَلَ الْآبِقَ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ فَصَارَ كَالْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ إيفَاءِ الثَّمَنِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْيَدِ بِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَبْطُلَ بِهِ حَقُّ الْمِلْكِ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُهُ فَيَبْقَى مِلْكُهُ مَا بَقِيَتْ الْعَيْنُ وَيَتْبَعُهَا وَصْفُهَا إذْ هُوَ قَائِمٌ بِهَا فَيَتَرَجَّحُ هُوَ لِكَوْنِهِ صَاحِبَ أَصْلٍ؛ وَلِأَنَّ الدَّقِيقَ حِنْطَةٌ فُرِّقَتْ أَجْزَاؤُهَا، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْخُرُوجَ عَنْ مِلْكِهِ كَالْقَطْعِ فِي الثَّوْبِ وَالذَّبْحِ وَالسَّلْخِ وَالتَّأْرِيبِ فِي الشَّاةِ؛ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ مَحْظُورٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ إذْ الْمَحْظُورُ لَا يُنَاطُ بِهِ نِعْمَةُ الْمِلْكِ عَلَى أَصْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِعْلُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا وَقَعَتْ الْحِنْطَةُ فِي الطَّاحُونَةِ وَانْطَحَنَتْ بِفِعْلِ الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ. وَلَنَا أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ مِنْ وَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقَاصِدَ قَدْ فَاتَ بَعْضُهَا، وَكَذَا الذَّاتُ قَدْ فَاتَ، وَمِنْ وَجْهٍ بِالِاسْتِحَالَةِ حَتَّى صَارَ لَهُ اسْمٌ آخَرُ، وَقَدْ أَحْدَثَ فِيهَا الصَّنْعَةَ، وَهِيَ حَقٌّ لِلْغَاصِبِ، وَهِيَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَرَجَّحَتْ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ وَصْفًا عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَبِنَاءٌ عَلَى سَاجَةٍ) فِي الْمُغْرِبِ السَّاجَةُ بِالْجِيمِ الْخَشَبَةُ الْعَظِيمَةُ أَيْ الْخَشَبَةُ الْمَنْحُوتَةُ الْمُهَيَّأَةُ لِلْأَسَاسِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ السَّاحَةِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَتَجِيءُ. اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِفِعْلِ الْغَاصِبِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ لَا بِفِعْلِ الْغَاصِبِ بِأَنْ صَارَ الْعِنَبُ زَبِيبًا وَالْخَمْرُ خَلًّا بِنَفْسِهِ وَالْحَلِيبُ جُبْنًا وَالرُّطَبُ تَمْرًا فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمِنَهُ، وَلَوْ صَارَ الْعِنَبُ زَبِيبًا يَجْعَلُهُ مِلْكَهُ كَذَا فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ. اهـ دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالتَّأْرِيبُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: تَأْرِيبُ الشَّاةِ جَعْلُهَا إرَبًا إرَبًا أَيْ عُضْوًا عُضْوًا. اهـ

هُوَ فَائِتٌ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ فِي الْعَيْنِ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ فَكَانَتْ كَسْبًا لَهُ، وَالْكَاسِبُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ لَا إلَى الْمَحَلِّ، وَذَاتُ حَقِّهِ قَائِمٌ فَكَانَ التَّرْجِيحُ بِهِ تَرْجِيحًا بِالذَّاتِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى التَّرْجِيحِ بِالْحَالِ، وَهُوَ الْبَقَاءُ، وَهَذَا تَرْجِيحٌ بِالذَّاتِ، وَهُوَ الْوُجُودُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ التَّرْجِيحُ بِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَالَ قَائِمَةٌ بِالذَّاتِ وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ. أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ تَجُوزُ وَتَكُونُ سَبَبًا لِحُصُولِ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ فَمَا ظَنُّك بِالْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ لَا يُفَوِّتُ اسْمَ الشَّاةِ يُقَالُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ وَشَاةٌ حَيَّةٌ وَالسَّلْخُ وَالتَّأْرِيبُ لَا يَفُوتُ بِهِ الْمَقْصُودُ بِالذَّبْحِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ تَبْدِيلُ الْعَيْنِ فَبَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَبَدَّلَتْ وَتَجَدَّدَ لَهَا اسْمٌ آخَرُ فَصَارَتْ كَعَيْنٍ أُخْرَى حَصَّلَهَا بِكَسْبِهِ فَيَمْلِكُهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الضَّمَانَ كَيْ لَا يَلْزَمَ مِنْهُ فَتْحُ بَابِ الْغُصُوبِ، وَفِي مَنْعِهِ حَسْمُ مَادَّتِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا بَعْدَ الطَّبْخِ أَطْعِمُوهَا الْأُسَارَى»، وَلَوْ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ لَمَا قَالَ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجُوزَ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْحَسَنِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِوُجُودِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ كَالتَّمْلِيكِ لِغَيْرِهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّاهُ، وَنَفَاذُ تَصَرُّفِهِ فِيهِ لِوُجُودِ الْمِلْكِ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شِرَاءً فَاسِدًا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ ثُمَّ إذَا دَفَعَ الْقِيمَةَ إلَيْهِ، وَأَخَذَهُ أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْقِيمَةِ أَوْ تَرَاضَيَا عَلَى مِقْدَارٍ حَلَّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ فِعْلُ الْغَصْبِ عُدْوَانٌ مَحْضٌ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِنِعْمَةِ الْمِلْكِ قُلْنَا لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لَهُ قَصْدًا، وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ سَبَبًا عِنْدَ تَقَرُّرِ الضَّمَانِ بِالِاسْتِهْلَاكِ فِي ضِمْنِ حُكْمِ الضَّمَانِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَالضَّمَانُ حُكْمٌ وَاجِبٌ مَشْرُوعٌ حَسَنٌ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَ مَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِهِ أَيْضًا حَسَنًا؛ لِأَنَّهُ يُرَاعَى صَلَاحِيَّةُ السَّبَبِ فِي الْأَصْلِ لَا فِي التَّبَعِ. تَحْقِيقُ الْكَلَامِ أَنَّ فِعْلَ الْغَاصِبِ الَّذِي هُوَ الزِّرَاعَةُ مَثَلًا لَيْسَ بِمَحْظُورٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحْدَثَ الزَّرْعَ، وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ كَوْنُهُ غَصْبًا، وَهُوَ إزَالَةُ شَيْءٍ عَنْ يَدِ الْمَالِكِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إحْدَاثٌ صَلُحَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ فَصَارَ قَوْلُنَا زَرْعُ حِنْطَةٍ مَغْصُوبَةٍ إشَارَةٌ إلَى إحْدَاثِ شَيْءٍ بِآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ بِمَنْزِلَةِ الِاصْطِيَادِ بِقَوْسِ الْغَيْرِ وَالِاحْتِطَابِ بِقَدُومِ الْغَيْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَحْصُلُ بِهِ تَبْدِيلُ الْعَيْنِ) فِي الْخُلَاصَةِ: غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا وَسَلَخَهَا وَجَعَلَهَا إرَبًا إرَبًا مَلَكَهَا، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا حَيَّةً أَوْ غَصَبَ حِمَارًا أَوْ بَغْلًا فَقَطَعَ يَدَهُمَا أَوْ رِجْلَهُمَا مَلَكَهُمَا، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا. اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ بَعْدَ الْغَصْبِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالُوا بِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِالذَّبْحِ كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ فَنَمْنَعُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ لَا تَصِيرُ مُسْتَهْلَكَةً بِمُجَرَّدِ الذَّبْحِ لِبَقَاءِ الِاسْمِ وَلِهَذَا يُقَالُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ فَإِذَا أَرَّبَهَا عُضْوًا عُضْوًا بَعْضُهُمْ قَالُوا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا بِزَوَالِ التَّرْكِيبِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ أَيْضًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِالذَّبْحِ لَمَّا لَمْ تَصِرْ الشَّاةُ مُسْتَهْلَكَةً صَارَ كَأَنَّهُ غَصَبَ شَاةً مَذْبُوحَةً فَقَطَّعَهَا إرَبًا إرَبًا فَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهَا لَمْ تَفُتْ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُقْصَدُ لِلْأَكْلِ، وَبَعْدَ الْقَطْعِ لَمْ يَبْطُلْ هَذَا الْمَعْنَى. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ حَكَى الزَّاهِدِيُّ فِيهِ خِلَافًا. اهـ. (قَوْلُهُ: فَبَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ) كَذَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ) أَيْ لِلْغَاصِبِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ) أَيْ كَمَا قَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجُوزَ الِانْتِفَاعُ بِهِ) أَيْ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَأَصْلُ هَذَا الْبَابِ الَّذِي عَمِلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا الْحَدِيثُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَاحْتَجَّ بِهِ وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ وَاحْتَجَّ بِهِ وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي كِتَابِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ الْجَرْمِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَارَ قَوْمًا فَذَبَحُوا لَهُ شَاةً فَجَعَلَ يَمْضُغُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَسِيغُهُ فَسَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا شَاةٌ لِفُلَانِ ذَبَحْنَاهَا حَتَّى يَأْتِيَ فَنُرْضِيَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْعِمُوهَا الْأُسَارَى» فَلَوْلَا أَنَّ مِلْكَ الْغَاصِبِ زَالَ عَنْهَا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا بَلْ أَمَرَ بِبَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا عَلَى الْغَائِبِ، وَعَلَى هَذَا بَنَى أَبُو حَنِيفَةَ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِ الْغَصْبِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي بِالْأَسْرَى الْمُحْتَبَسِينَ كَذَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَالْمَعْقُولُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْغَاصِبَ غَصَبَ الْحِنْطَةَ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهَا بِالطَّحْنِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا لَا مَحَالَةَ فَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَأَحْرَقَهُ فَصَارَ رَمَادًا فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَكَذَا هَذَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ أَنَّ اسْمَ الْحِنْطَةِ زَالَ عَنْهَا بَعْدَ الطَّحْنِ، وَكَذَلِكَ زَالَتْ صُورَتُهَا، وَمَعْنَاهَا فَدَلَّ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ أَمَّا إذَا زَالَ الِاسْمُ فَلِأَنَّهَا كَانَتْ تُسَمَّى حِنْطَةً وَالْآنَ تُسَمَّى دَقِيقًا. وَأَمَّا زَوَالُ الصُّورَةِ فَلِأَنَّ صُورَتَهَا هِيَ الْحَبَّةُ السَّمْرَاءُ وَالْمَشْقُوقَةُ الْبَطْنِ، وَلَمْ تَبْقَ تِلْكَ الصُّورَةُ بَعْدَ الطَّحْنِ، وَأَمَّا مَعْنَاهَا فَلِأَنَّهَا كَانَتْ تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَالْقَلْيِ وَلِطِبْخِ الْهَرِيسَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْآنَ لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ فَإِذَا ثَبَتَ التَّغَايُرُ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ كَانَ الدَّقِيقُ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ الْحِنْطَةِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ سَبِيلٌ فِي الدَّقِيقِ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْحِنْطَةَ لَا الدَّقِيقَ فَإِذَا كَانَ عَيْنُهَا مُسْتَهْلَكًا يَلْزَمُهُ مِثْلُهَا، وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ إذَا غَصَبَهَا فَزَرَعَهَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ غَيْرُ الْحِنْطَةِ بِدَلِيلِ تَغَايُرِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى الْمَطْلُوبِ فَصَارَ الْحَادِثُ غَيْرَ مَا كَانَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِطَلَبِهِ فَحَصَلَتْ الْمُبَادَلَةُ بِالتَّرَاضِي. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحِنْطَةِ الْمَزْرُوعَةِ وَالنَّوَاةِ الْمَزْرُوعَةِ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ عِنْدَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُهُمَا الْغَاصِبُ بِضَرْبِهِمَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ أَوَانِيَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي غَيْرِهِمَا، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ الصَّنْعَةَ الْمُتَقَوَّمَةَ، وَفَوَّتَ بَعْضَ مَقَاصِدِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَمْ تَهْلَكْ مِنْ وَجْهٍ مَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَمَعْنَاهُ الثَّمَنِيَّةُ، وَهُوَ أَيْضًا بَاقٍ، وَكَذَا كَوْنُهُ مَوْزُونًا بَاقٍ أَيْضًا حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الرِّبَا بِاعْتِبَارِهِ، وَكَذَا الصَّنْعَةُ فِيهِمَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ أَيْضًا مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إنَّمَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْ السَّاجَةِ إذَا بَنَى حَوْلَهَا، وَأَمَّا إذَا بَنَى عَلَيْهَا فَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْبِنَاءِ عَلَيْهَا، وَالسَّاجَةُ مِنْ وَجْهٍ كَالْأَصْلِ لِهَذَا الْبِنَاءِ فَيُهْدَمُ لِلرَّدِّ كَمَا إذَا بَنَى فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ كَيْفَمَا كَانَ فَيُهْدَمُ الْبِنَاءُ وَيَأْخُذُ سَاجَتَهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ بِالنَّصِّ، وَعِنْدَنَا انْقَطَعَ حَقُّهُ مُطْلَقًا فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ فِي قَلْعِهِ ضَرَرًا بِالْغَاصِبِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَضَرَرُ الْمِلْكِ مَجْبُورٌ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا فَصَارَ كَمَا إذَا خَاطَ بِالْخَيْطِ الْمَغْصُوبِ بَطْنَ آدَمِيٍّ أَوْ أَدْخَلَ لَوْحًا مَغْصُوبًا فِي السَّفِينَةِ، وَكَانَتْ فِي لُجَجِ الْبَحْرِ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السَّاجَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاجَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا فَاحِشًا ضَمِنَ الْقِيمَةَ وَسَلَّمَ الْمَغْصُوبَ إلَيْهِ أَوْ ضَمِنَ النُّقْصَانَ)، وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ الْجَزُورَ، وَقَطَعَ الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ كَالذَّبْحِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ فَوْتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ مِنْ الْحَمْلِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَفَوَاتِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ فِي الثَّوْبِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ تَضْمِينِ جَمِيعِ قِيمَتِهِ وَتَرْكِهِ لَهُ وَبَيْنَ تَضْمِينِ نُقْصَانِهِ، وَأَخْذِهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ إذَا أَخَذَ اللَّحْمَ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَالسَّلْخَ زِيَادَةٌ فِيهَا لِانْقِطَاعِ احْتِمَالِ الْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهَا، وَأَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِلَحْمِهَا بِيَقِينٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا، وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ يَضْمَنُ قَاطِعُ الطَّرَفِ جَمِيعَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ قَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ حَيْثُ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَعَ أَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا أَوْ نَوَاةً فَغَرَسَهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِالْمَغْصُوبِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ خِلَافًا لِزُفَرَ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ وَقَبْلَ أَنْ يَرْضَى صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْحَبَّةَ صَارَتْ قَصِيلًا وَالنَّوَاةَ صَارَتْ نَخْلًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ غَصْبِ الشَّاةِ، وَذَبْحِهَا وَطَبْخِهَا وَغَصْبِ الْحِنْطَةِ وَطَحْنِهَا حَيْثُ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ قَبْلَ إرْضَاءِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الشَّاةِ وَالْحِنْطَةِ بَاقِيَةٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِقِيَامِ الْعَيْنِ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَوَانِي) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي، وَإِنْ غَصَبَ فِضَّةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ صَاغَهَا إنَاءً قَالَ يَأْخُذُهَا، وَلَا أَجْرَ لِلْغَاصِبِ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْحَدِيدَ وَالصُّفْرَ؛ لِأَنَّهُ فِضَّةٌ بِعَيْنِهَا لَا يَخْرُجُ مِنْ الْوَزْنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُعْطِيهِ مِثْلَ قِيمَتِهِ، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ زُفَرُ: يُنْقَضُ الْبِنَاءُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ الْجَزُورَ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا الْجَزُورُ. اهـ. يَعْنِي إذَا غَصَبَ الْجَزُورَ، وَهِيَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلذَّبْحِ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ الْجَزْرِ، وَهُوَ الْقَطْعُ ثُمَّ ذَبَحَهَا فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا فِي غَصْبِ الشَّاةِ إذَا ذَبَحَهَا إمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْعَيْنَ مَعَ نُقْصَانِ الذَّبْحِ، وَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَ الْعَيْنَ وَضَمِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْجَزُورَ دَفْعًا لِوَهْمِ مُتَوَهِّمٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَتْ الْجَزُورُ مُعَدَّةً لِلذَّبْحِ لَمْ يَكُنْ مَعْنَى الدَّرِّ وَالنَّسْلِ فِيهَا مَطْلُوبًا فَكَيْفَ يَلْزَمُ النُّقْصَانُ بَلْ الذَّبْحُ زِيَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ لِأَجْلِهِ الْعِوَضُ فَأَجَابَ عَنْهُ، وَقَالَ لَا يَتَفَاوَتُ الْحُكْمُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مُعَدًّا لِلذَّبْحِ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ فِي الْحَيَوَانِ نَقْصٌ مِنْ حَيْثُ تَفْوِيتُ الْحَيَاةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَطْعُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ كَالذَّبْحِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ يَدَهُمَا أَيْ يَدَ الشَّاةِ وَالْجَزُورِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: أَيْ حُكْمُ قَطْعِ يَدِ الشَّاةِ وَالْجَزُورِ كَحُكْمِ ذَبْحِهِمَا يَعْنِي أَنَّ لِلْمَالِكِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَيْنَ مَعَ نُقْصَانِ الْقَطْعِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الْعَيْنَ لِلْغَاصِبِ وَضَمَّنَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَصْحَابِنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ تَضْمِينَ جَمِيعِ الْقِيمَةِ بِلَا خِيَارٍ. أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي، وَأَمَّا الدَّابَّةُ إذَا غَصَبَهَا فَقَطَعَ يَدَهَا أَوْ رِجْلَهَا فَلَا يُشْبِهُ أَيْ لَا يُشْبِهُ الْخَرْقَ الْكَثِيرَ فِي الثَّوْبِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا، وَلَيْسَ يَنْتَفِعُ صَاحِبُهَا بِمَا بَقِيَ وَالْغَاصِبُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الدَّابَّةِ، وَهِيَ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً أَوْ جَزُورًا فَذَبَحَهَا أَوْ قَطَعَ يَدَهَا أَوْ رِجْلَهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَدُهَا أَوْ رِجْلُهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا انْتِفَاعَ الدَّوَابِّ فَصَارَتْ هَالِكَةً فَإِذَا صَارَتْ هَالِكَةً فَالْغَاصِبُ مُسْتَهْلِكٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَتَكُونُ الدَّابَّةُ لَهُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّ الثَّوْبَ بِالْخَرْقِ الْفَاحِشِ لَا يَكُونُ هَالِكًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ انْتِفَاعَ الثِّيَابِ فَلَا يُضَمِّنُهُ الْقِيمَةَ بِلَا خِيَارٍ بَلْ يَكُونُ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فِي قَطْعِ الطَّرَفِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَضْمِينِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ فِيهِمَا بِلَا خِيَارٍ

مُنْتَفَعٌ بِهِ بَعْدَ قَطْعِ الطَّرَفِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ صَالِحٌ لِجَمِيعِ مَا كَانَ صَالِحًا لَهُ قَبْلَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ. وَلَا كَذَلِكَ الدَّابَّةُ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ، وَلَا لِلرُّكُوبِ بَعْدَ الْقَطْعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَفِي الْخَرْقِ الْيَسِيرِ ضَمِنَ نُقْصَانَهُ) يَعْنِي مَعَ أَخْذِ عَيْنِهِ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَنَقَصَ لِذَلِكَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْخَرْقِ الْيَسِيرِ وَالْكَبِيرِ قِيلَ مَا يُوجِبُ نُقْصَانَ رُبْعِ الْقِيمَةِ فَاحِشٌ، وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ، وَقِيلَ الْفَاحِشُ مَا يَنْقُصُ بِهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِاسْتِوَاءِ الْهَالِكِ وَالْقَائِمِ فَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَنْ يَمِيلَ إلَى الْهَالِكِ أَوْ الْقَائِمِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ نُقْصَانٌ فِي الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ الْمُطْلَقَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عِبَارَةٌ عَنْ إتْلَافِ جَمِيعِ الْمَنْفَعَةِ وَالِاسْتِهْلَاكُ مِنْ وَجْهٍ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْوِيتِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ وَالنُّقْصَانُ عِبَارَةٌ عَنْ تَعْيِيبِ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَائِهَا، وَهُوَ تَفْوِيتُ الْجَوْدَةِ لَا غَيْرُ، وَلَا عِبْرَةَ بِقِيَامِ أَكْثَرِ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ الرُّجْحَانَ إنَّمَا يُطْلَبُ إذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا، وَمَتَى أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا لَا يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ، وَهُنَا أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الِاسْتِهْلَاكِ وَالنُّقْصَانِ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ الرَّاجِحُ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْفَاحِشَ هُوَ الْمُسْتَأْصِلُ لِلثَّوْبِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الثَّوْبَ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْخِرَقِ، وَلَا يُرْغَبُ فِي شِرَائِهِ، وَعَزَاهُ إلَى الْحَلْوَانِيِّ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْخَرْقِ فِي الثَّوْبِ مِنْ تَخْيِيرِ الْمَالِكِ إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَيْنٍ مِنْ الْأَعْيَانِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَإِنَّ التَّعْيِيبَ هُنَاكَ فَاحِشًا كَانَ أَوْ يَسِيرًا كَانَ لِصَاحِبِهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ الْعَيْنَ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ الْعَيْنَ وَيُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا هَذَا إذَا قَطَعَ الثَّوْبَ، وَلَمْ يُجَدِّدْ فِيهِ صَنْعَةً، وَأَمَّا إذَا جَدَّدَ فِيهِ صَنْعَةً بِأَنْ خَاطَهُ قَمِيصًا مَثَلًا فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهُ عِنْدَنَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى فِي أَرْضِ الْغَيْرِ قُلِعَا وَرُدَّتْ) أَيْ قُلِعَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَرُدَّتْ الْأَرْضُ إلَى صَاحِبِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» أَيْ لَيْسَ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ وَصَفَ الْعِرْقَ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ، وَهُوَ الظُّلْمُ، وَهُوَ مِنْ الْمَجَازِ كَمَا يُقَالُ صَامَ نَهَارَهُ، وَقَامَ لَيْلَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4]؛ وَلِأَنَّ الْأَرْضَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ إذْ لَمْ تَصِرْ مُسْتَهْلَكَةً، وَلَا مَغْصُوبَةً حَقِيقَةً، وَلَا وُجِدَ فِيهَا شَيْءٌ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْغَاصِبِ فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهَا وَرَدِّهَا إلَى مَالِكِهَا كَمَا إذَا أَشْغَلَ ظَرْفَ غَيْرِهِ بِالطَّعَامِ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَةَ السَّاحَةِ فَيَأْخُذُهَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةً يُنْظَرُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ قِيمَةً فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَ وَيَضْمَنَ قِيمَةَ الْآخَرِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَدْخَلَ فَصِيلُ غَيْرِهِ فِي دَارِهِ، وَكَبِرَ فِيهَا، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِهَدْمِ الْجِدَارِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَدْخَلَ الْبَقَرُ رَأْسَهُ فِي قِدْرٍ مِنْ النُّحَاسِ فَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِالْقَلْعِ ضَمِنَ لَهُ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مَقْلُوعًا وَيَكُونُ لَهُ) أَيْ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تُنْتَقَصُ بِالْقَلْعِ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَضْمَنَ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ مَقْلُوعًا وَيَكُونَانِ لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَعَيَّنَ فِيهِ النَّظَرُ لَهُمَا، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْقَلْعِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ فِيهَا فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَقْلُوعًا، وَكَيْفِيَّةُ مَعْرِفَتِهَا أَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ وَبِهَا بِنَاءٌ أَوْ شَجَرٌ اُسْتُحِقَّ قَلْعُهُ أَيْ أُمِرَ بِقَلْعِهِ وَتُقَوَّمُ وَحْدَهَا لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ، وَلَا غَرْسٌ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا كَذَا قَالُوا، وَهَذَا لَيْسَ بِضَمَانٍ لِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا بَلْ هُوَ ضَمَانٌ لِقِيمَتِهِ قَائِمًا مُسْتَحَقُّ الْقَلْعِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ضَمَانًا لِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا أَنْ لَوْ قُوِّمَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ مَقْلُوعًا مَوْضُوعًا فِي الْأَرْضِ بِأَنْ يُقَدَّرَ الْغَرْسُ حَطَبًا وَالْبِنَاءُ آجُرًّا أَوْ لَبِنًا أَوْ حِجَارَةً مُكَوَّمَةً عَلَى الْأَرْضِ فَيُقَوَّمُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَمَّ إلَى الْأَرْضِ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ الْحَطَبِ وَالْحِجَارَةِ الْمُكَوَّمَةِ دُونَ الْمَبْنِيَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ صَبَغَ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ، وَمِثْلُ السَّوِيقِ أَوْ أَخَذَهُمَا وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ) يَعْنِي إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَمِثْلُ السَّوِيقِ، وَإِنْ شَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q، وَقَدْ مَرَّ قَبْلَ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ صَالِحٌ لِجَمِيعِ مَا كَانَ صَالِحًا لَهُ) فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ بَعْدَ قَطْعِ طَرَفِهِ فِي بَعْضِ الْمَنَافِعِ. اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَامَ لَيْلَهُ) وَصَفَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالْأَمْرُ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ. اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَمِثْلُ السَّوِيقِ) قَالَ فِي الْكَنْزِ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ قَصَّرَهُ أَوْ حَمَلَهُ بِمَالِهِ، وَقِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِيمَا أَنْفَقَ، وَإِنْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ فَهُوَ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَلَا يَضْمَنُ. اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ قَصَّرَ يَضِيعُ مَالُهُ، وَلَوْ صَبَغَ لَا يَضِيعُ فَهَهُنَا أَوْلَى وَلِهَذَا لَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ مَجَّانًا بَلْ يَتَخَيَّرُ رَبُّ الثَّوْبِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ، وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لَا يَوْمَ الِاتِّصَالِ بِثَوْبِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ جَمِيعَ قِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ يَوْمَ صَبْغِهِ وَتَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا يَكُونُ شَرِيكًا بِقَدْرِ مَالِهِ. اهـ. وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَأَفْيَدَ. اهـ. قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ هَهُنَا أَيْ الْمُضَارِبُ. اهـ. وَقَوْلُهُ يَكُونُ شَرِيكًا بِقَدْرِ مَالِهِ أَيْ كَالْغَاصِبِ. اهـ.

[فصل غيب المغصوب]

أَخَذَ الْمَصْبُوغَ وَالْمَلْتُوتَ وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الثَّوْبِ: يُؤْمَرُ الْغَاصِبُ بِقَلْعِ الصَّبْغِ بِالْغَسْلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَيُسَلِّمُهُ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ انْتَقَصَ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مُتَعَدٍّ فَلَمْ يَكُنْ لِفِعْلِهِ عِبْرَةٌ وَالتَّمْيِيزُ مُمْكِنٌ فَصَارَ نَظِيرُ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ بِخِلَافِ السَّمْنِ فِي السَّوِيقِ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ، وَلَنَا أَنَّ الصَّبْغَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالثَّوْبِ وَبِجِنَايَتِهِ لَا يَسْقُطُ تَقَوُّمُ مَالِهِ فَيَجِبُ صِيَانَةُ حَقِّهِمَا مَا أَمْكَنَ، وَكَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَوْلَى بِالتَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْآخَرُ صَاحِبُ وَصْفٍ، وَهُوَ قَائِمٌ بِالْأَصْلِ، وَكَذَا السَّوِيقُ أَصْلٌ وَالسَّمْنُ تَبَعٌ أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ سَوِيقٌ مَلْتُوتٌ فَيُخَيَّرُ صَاحِبُهُ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ مُمْكِنٌ فِيهِ بِالنَّقْضِ، وَلَهُ وُجُودٌ بَعْدَ النَّقْضِ فَأَمْكَنَ إيصَالُ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَيْهِ وَالصَّبْغُ يَتَلَاشَى بِالْغَسْلِ فَلَا يُمْكِنُ إيصَالُهُ إلَى صَاحِبِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا انْصَبَغَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ كَإِلْقَاءِ الرِّيحِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ لِرَبِّ الثَّوْبِ الْخِيَارُ بَلْ يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِدَفْعِ قِيمَةِ الصَّبْغِ إلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْ صَاحِبِ الصَّبْغِ حَتَّى يَضْمَنَ الثَّوْبَ بَلْ يَتَمَلَّكُ صَاحِبُ الثَّوْبِ الصَّبْغَ بِقِيمَتِهِ. وَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ: إنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ بَاعَ الثَّوْبَ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ مَالِهِ، وَهَذَا طَرِيقٌ حَسَنٌ أَيْضًا لِإِمْكَانِ وُصُولِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِ إلَى صَاحِبِهِ وَيَتَأَتَّى هَذَا فِيمَا إذَا انْصَبَغَ الثَّوْبُ بِنَفْسِهِ أَيْضًا. وَالْجَوَابُ فِي اللَّتِّ كَالْجَوَابِ فِي الصَّبْغِ غَيْرَ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِيهِ مِثْلَ السَّوِيقِ، وَفِي الصَّبْغِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ السَّوِيقَ وَالسَّمْنَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِخِلَافِ الصَّبْغِ وَالثَّوْبِ، وَفِي الْكَافِي قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يَضْمَنُ قِيمَةَ سَوِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْقَلْيِ فَلَمْ يَبْقَ مِثْلِيًّا كَالْخُبْزِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ أَسْوَدَ فَهُوَ نُقْصَانٌ، وَعِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَإِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ فِي زَمَانِهِ كَانُوا يَمْتَنِعُونَ عَنْ لُبْسِ السَّوَادِ، وَفِي زَمَانِهِمَا بَنُو الْعَبَّاسِ كَانُوا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ فَأَجَابَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْمُخْتَصَرِ لِذِكْرِ هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَلَا لِلَوْنِ الصَّبْغِ؛ لِأَنَّ مِنْ الثِّيَابِ مَا يَزْدَادُ بِالسَّوَادِ وَمِنْهَا مَا يُنْتَقَصُ، وَكَذَا مِنْ الثِّيَابِ مَا يَزْدَادُ بِالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ، وَمِنْهَا مَا يُنْتَقَصُ فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْيِيدِ بِلَوْنٍ دُونَ لَوْنٍ بَلْ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إلَّا الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ حَقِيقَةً، وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا يُنْقِصُهُ الصَّبْغُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا فَتَرَاجَعَتْ بِالصَّبْغِ إلَى عِشْرِينَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُنْظَرُ إلَى ثَوْبٍ يَزِيدُ فِيهِ ذَلِكَ الصَّبْغُ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَمْسَةً يَأْخُذُ رَبُّ الثَّوْبِ ثَوْبَهُ وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ نُقْصَانِ قِيمَةِ ثَوْبِهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ لِلْغَاصِبِ قِيمَةُ صَبْغِهِ خَمْسَةٌ فَالْخَمْسَةُ بِالْخَمْسَةِ قِصَاصٌ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ النُّقْصَانِ، وَهُوَ خَمْسَةٌ رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْمَغْصُوبُ كُلُّهُ، وَإِنَّمَا وَصَلَ إلَيْهِ بَعْضُهُ، وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُطَالَبَ هُوَ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ فَكَيْفَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ، وَهُوَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالصَّبْغِ شَيْئًا، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِهِ إلَّا تَلَفُ مَالِهِ، وَكَيْفَ يَسْقُطُ عَنْ الْغَاصِبِ بَعْضُ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بِالْإِتْلَافِ وَالْإِتْلَافُ مُقَرِّرٌ لِوُجُوبِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ، وَكَيْف صَارَ مُسْقِطًا لَهُ هُنَا. (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ مَلَكَهُ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ مَحْظُورٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَرْغُوبٌ فِيهِ، وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ الْمَحْظُورُ سَبَبًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْغِيبُ النَّاسِ فِيهِ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ مَرْغُوبٌ فِيهِ لَهُمْ، وَلَا يَجُوزُ إضَافَةُ مِثْلِهِ إلَى الشَّارِعِ فَوَجَبَ أَدْنَى دَرَجَاتِ السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا كَيْ لَا يَلْزَمَ التَّرْغِيبُ فِي تَحْصِيلِ الْحَرَامِ؛ وَلِأَنَّهُ قَبِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29] وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ عَنْ تَرَاضٍ فَكَانَ بَاطِلًا وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ مَحْضٌ، وَلَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ كَالْقَتْلِ فَكَيْفَ يُسْتَفَادُ الْمِلْكَ بِالْجِنَايَةِ الْمَحْضَةِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَالِكَ مَلَكَ بَدَلَ الْمَغْصُوبِ رَقَبَةً وَيَدًا فَوَجَبَ أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ عَنْ الْمُبْدَلِ إذَا كَانَ يَقْبَلُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْغَاصِبِ وَتَحْقِيقًا لِلْعَدْلِ أَوْ ضَرُورَةً حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ فَصْلٌ غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ] فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ) أَيْ إذَا غُصِبَ وَغَيَّبَهُ الْغَاصِبُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ) أَيْ أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبًا إذْ هَذَا الْمُلْحَقُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَصْحِيحِ كَلَامِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَأَمَّلْ. اهـ.

لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ مُسْتَحِيلٌ وَاسْمُهُ يُنْبِئُك عَنْهُ فَإِنَّ الْبَدَلَ اسْمٌ لِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْفَائِتِ لَا لِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَائِمِ فَإِذَا ثَبَتَ مِلْكُهُ فِيهِ عَلَى الْكَمَالِ وَجَبَ أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ فِي الْمُبْدَلِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى هَذَا الِاسْمِ، وَكَذَا لَفْظُ الْجُبْرَانِ يُنْبِئُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ الْفَائِتِ كَالْبَدَلِ، وَلَا يُقَالُ هَذَا بَدَلٌ عَمَّا فَاتَ، وَهُوَ الْيَدُ لَا الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ هُوَ الْيَدُ دُونَ الْمِلْكِ إذْ مِلْكُهُ قَائِمٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ وَلِهَذَا قُلْتُمْ لَوْ كَسَرَ قَلْبَ غَيْرِهِ فَقَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي بِقِيمَتِهِ، وَأَخَذَ الْقَلْبَ ثُمَّ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ، وَلَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ لَبَطَلَ لِكَوْنِهِ صَرْفًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ بَدَلًا عَمَّا فَاتَ مِنْ الْيَدِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ فِي مِلْكِهِ لَكَانَ إجْحَافًا بِالْغَاصِبِ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْبَدَلِ، وَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِمُقَابَلَةِ عَيْنٍ فِي مِلْكِهِ مَعَ إمْكَانِ تَحْقِيقِ الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا خَلَفٌ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْهَا لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْبَدَلِ وَالْجُبْرَانِ فَكَانَ ثُبُوتُ الْمُبَادَلَةِ ضَرُورِيًّا، وَمَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا يَكُونُ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْبُطْلَانِ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّقَابُضِ ثَبَتَ فِيمَا هُوَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ مَقْصُودًا فَلَا يَتَعَدَّاهُ. وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ فَنَقُولُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ ضَرُورَةً وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَظْهَرْ الْمُدَبَّرُ وَظَهَرَ لَهُ كَسْبٌ كَانَ لِلْغَاصِبِ إلَّا أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ الْمُدَبَّرُ يُعَادُ إلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُدَبَّرِ أَوْ نَقُولُ الْمُدَبَّرُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ فَيُجْعَلُ الضَّمَانُ بَدَلًا عَنْ الْيَدِ الَّتِي فَاتَتْ بِفِعْلِهِ لِلضَّرُورَةِ أَوْ عَنْ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ كَمَا فِي ضَمَانِ الْعِتْقِ عِنْدَهُمَا، وَلَا يُقَالُ الْمُدَبَّرُ يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ نَفَذَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَنْفَسِخُ التَّدْبِيرُ بِالْقَضَاءِ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ قِنًّا بَعْدَ انْفِسَاخِهِ. وَالْجَوَابُ عَمَّا تَلَا أَنَّ رِضَاهُ قَدْ وُجِدَ بِطَلَبِ الْقِيمَةِ مِنْهُ وَنَحْنُ لَا نَجْعَلُ الْغَصْبَ الْقَبِيحَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ بَلْ الْغَصْبُ مُوجِبٌ لِرَدِّ الْعَيْنِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَلِرَدِّ الْقِيمَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ، وَهَذَا الْحُكْمُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا السَّبَبِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ لِلْغَاصِبِ شَرْطًا لِلْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ لَا حُكْمًا ثَابِتًا بِالْغَصْبِ مَقْصُودًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْوَلَدُ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ إذْ الْكَسْبُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُنْفَصِلُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ أَوْ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ حَيْثُ يَمْلِكُ بِهِ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ فَيَسْتَنِدُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ لِلْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمَالِكِ)؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مُنْكِرٌ وَالْمَالِكُ مُدَّعٍ، وَلَوْ أَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا تَنْفِي الزِّيَادَةَ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ: قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَةُ الْغَاصِبِ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ، وَقَدْ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ثُمَّ قَالَ، وَكَانَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُدَّتْ مُشْكِلَةً، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ ظَهَرَ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ، وَقَدْ ضَمَّنَهُ بِقَوْلِ الْمَالِكِ أَوْ بِبَيِّنَتِهِ أَوْ بِنُكُولِ الْغَاصِبِ فَهُوَ لِلْغَاصِبِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ)؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ وَتَمَّ مِلْكُهُ بِرِضَاهُ حَيْثُ سَلَّمَ لَهُ مَا أَعَادَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ ضَمَّنَهُ بِيَمِينِ الْغَاصِبِ فَالْمَالِكُ يُمْضِي الضَّمَانَ أَوْ يَأْخُذُ الْمَغْصُوبَ وَيَرُدُّ الْعِوَضَ) لِعَدَمِ تَمَامِ رِضَاهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الضَّمَانِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ دُونَ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ لَا لِلرِّضَا بِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ الْمَغْصُوبُ، وَقِيمَتُهُ مِثْلُ مَا ضَمَّنَهُ أَوْ أَقَلُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهِيَ مَا إذَا ضَمَّنَهُ بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَوَفَّرَ عَلَيْهِ مَالِيَّةُ مِلْكِهِ بِكَمَالِهِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِفَوَاتِ الرِّضَا، وَقَدْ فَاتَ هُنَا حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا يَدَّعِيهِ، وَلَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ مَالَهُ إلَّا بِثَمَنٍ يَخْتَارُهُ وَيَرْضَى بِهِ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ ثُمَّ إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ أَخْذَ الْعَيْنِ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ حَتَّى يَأْخُذَ الْقِيمَةَ الَّتِي دَفَعَهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِالْعَيْنِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَابَلٍ بِهِ بَلْ بِمَا فَاتَ مِنْ الْيَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ بَاعَ الْمَغْصُوبَ فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ نَفَذَ بَيْعُهُ، وَإِنْ حَرَّرَهُ ثُمَّ ضَمَّنَهُ لَا) أَيْ لَوْ بَاعَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهُ نَفَذَ بَيْعُهُ، وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مِلْكَ الْغَاصِبِ نَاقِصٌ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا أَوْ ضَرُورَةً وَكُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَا يَظْهَرُ الْمِلْكُ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ أَصْلٌ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ نَقُولُ الْمُدَبَّرُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ) أَيْ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَلِهَذَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْغَاصِبُ بِالضَّمَانِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَيَرُدُّ الْعِوَضَ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ بِدَانَقٍ. اهـ. عِمَادِيَّةٌ فِي آخِرِ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ

وَجْهٍ تَبَعٌ مِنْ وَجْهٍ قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَبَعْدَهُ أَصْلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْكَسْبُ تَبَعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ بَدَلَ الْمَنْفَعَةِ، وَهِيَ تَبَعٌ مَحْضٌ، وَالْمِلْكُ النَّاقِصُ يَكْفِي لِنُفُوذِ الْبَيْعِ دُونَ الْعِتْقِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفُذُ مِنْ الْمُكَاتَبِ بَلْ مِنْ الْمَأْذُونِ دُونَ عِتْقِهِ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا عِتْقَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ حَيْثُ يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْمَالِكِ الْبَيْعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَكَذَا بِضَمَانِ الْغَاصِبِ الْقِيمَةَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ تَرَتَّبَ عَلَى سَبَبِ مِلْكٍ تَامٍّ بِنَفْسِهِ مَوْضُوعٍ لَهُ فَيَنْفُذُ الْعِتْقُ بِنُفُوذِ السَّبَبِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَامٌّ أَنَّ الْإِشْهَادَ يُشْتَرَطُ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَامًّا لَاشْتُرِطَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَلِهَذَا لَوْ تَصَارَفَ الْغَاصِبَانِ وَتَقَابَضَا وَافْتَرَقَا، وَأَجَازَا لِمَا كَانَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ جَازَ الصَّرْفُ، وَكَذَا الْمَبِيعُ يُمْلَكُ عِنْد الْإِجَازَةَ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَامًّا بِنَفْسِهِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ أَمَانَةٌ فَتُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي أَوْ بِالْمَنْعِ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - هِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً أَوْ كَانَتْ بِالسِّعْرِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً مِثْلَهَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْأَوْصَافَ الشَّرْعِيَّةَ تَسْرِي مِنْ الْأَصْلِ إلَى مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَالْقِنَّةَ وَالْحُرَّةَ يَسْرِي إلَيْهِ حُكْمُ أَمَةٍ حَتَّى يَكُونَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ أُمِّهِ، وَكَذَا وَلَدُ الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَرَمِ يَسْرِي إلَيْهِ حُكْمُ أُمِّهِ؛ وَلِأَنَّ الْغَصْبَ هُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مِلْكِ الْغَيْر بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فِي الزَّوَائِدِ بِحَسَبِ تَحَقُّقِهِ فِي الْأَصْلِ فَكَانَ مَضْمُونًا كَالْأَصْلِ وَصَارَ كَوَلَدِ الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَرَمِ، وَلَنَا أَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الزَّوَائِدِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ الْمَالِكِ حَتَّى يُزِيلَهَا عَنْهُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ تَفْوِيتُ الْيَدِ فَلَا يَصِيرُ غَصْبًا فَلَا يُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي أَوْ بِالْمَنْعِ عِنْدَ طَلَبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ تَعَدٍّ، وَإِنَّمَا يُضْمَنُ وَلَدُ الظَّبْيَةِ عِنْدَهُ لِوُجُودِ الْمَنْعِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ إلَى الْحَرَمِ حَقُّ الشَّرْعِ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ كَمَا أَخْرَجَهَا فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الرَّدِّ حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ رَدِّهِ إلَى الْحَرَمِ لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ الْمَنْعِ عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الضَّمَانِ مُطْلَقًا تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَهُوَ ضَمَانُ إتْلَافٍ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ كَانَ فِي الْحَرَمِ آمِنًا بِبُعْدِهِ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ، وَقَدْ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِإِثْبَاتِهِ الْيَدَ عَلَيْهِ فَتَحَقَّقَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ أَخْرَجَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحْرِمِينَ صَيْدًا وَاحِدًا مِنْ الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ كَامِلٌ لِتَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ مِنْهُمْ، وَلَوْ كَانَ مِنْ بَابِ الْغَصْبِ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْإِعَانَةِ وَالْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ لِإِزَالَةِ الْأَمْنِ فَلَأَنْ يَجِبَ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَهُوَ فَوْقَهَا جِنَايَةٌ أَوْلَى وَأَحْرَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ مَضْمُونٌ وَيُجْبَرُ بِوَلَدِهَا) أَيْ إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ وَلَدًا وَنَقَصَتْ بِالْوِلَادَةِ كَانَ النُّقْصَانُ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءٌ بِهِ جُبِرَ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ وَيَسْقُطُ ضَمَانُهُ عَنْ الْغَاصِبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَفَاءٌ بِهِ يَسْقُطُ بِحِسَابِهِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُجْبَرُ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُهُ فَكَيْفَ يُجْبَرُ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ فَصَارَ كَوَلَدِ الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَرَمِ، وَكَمَا لَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ أَوْ هَلَكَتْ الْأُمُّ بِالْوِلَادَةِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَكَمَا لَوْ جَزَّ صُوفَ شَاةِ غَيْرِهِ أَوْ قَطَعَ قَوَائِمَ شَجَرِ غَيْرِهِ فَنَبَتَ مَكَانَهُ غَيْرُهُ أَوْ خَصَى عَبْدَ غَيْرِهِ فَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ بِهِ أَوْ عَلَّمَهُ فَأَضْنَاهُ التَّعْلِيمُ وَازْدَادَتْ بِهِ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجُزْءَ الْفَائِتَ، وَلَا يُجْبَرُ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ مُتَّحِدًا، وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْوِلَادَةُ؛ لِأَنَّهَا أَوْجَبَتْ فَوَاتَ جُزْءٍ مِنْ مَالِيَّةِ الْأُمِّ وَحُدُوثِ مَالِيَّةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا صَارَ مَالًا بِالِانْفِصَالِ، وَقَبْلَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بَيْعًا، وَهِبَةً وَنَحْوَهُ فَإِذَا صَارَ مَالًا بِهِ انْعَدَمَ ظُهُورُ النُّقْصَانِ بِهِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِالْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ لَا يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْلَفُوا بِالشَّهَادَةِ قَدْرَ مَا أَتْلَفُوا بِهَا فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا لِاتِّحَادِ السَّبَبِ كَذَا هَذَا، وَكَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَرَدَّهُ مَعَ أَرْشِ الْيَدِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ نُقْصَانُهُ بِالْأَرْشِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ اتِّحَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً) كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُنْفَصِلَةً) كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَالْعُقْرِ وَاللَّبَنِ وَالْكَسْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِيرُ غَصْبًا) أَيْ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ حَدُّ الْغَصْبِ فِي الزِّيَادَةِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بِإِيجَادِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا صُنْعَ لِلْغَاصِبِ فِي إحْدَاثِ الْوَلَدِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ فَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الصُّنْعُ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ وَاجِبَ الرَّدِّ إلَى مَالِكِ الْأَصْلِ حَتَّى إذَا فَوَّتَ الرَّدَّ بِالتَّعَدِّي كَالْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ بِالْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ يَكُونُ ضَامِنًا. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا)، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَالْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ أَنَّ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ عِنْدَنَا أَمَانَةٌ مُتَّصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُنْفَصِلَةً، وَعِنْدَهُ مَضْمُونَةٌ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ مَضْمُونًا عِنْدَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْجَبِرَ بِهِ نُقْصَانُ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِضَمَانِ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ ضَمَانَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَتَأَدَّى بِهِ ضَمَانَانِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ فِي وَلَدِ الظَّبْيَةِ إذَا أُخْرِجَتْ مِنْ الْحَرَمِ وَانْتَقَصَتْ بِالْوِلَادَةِ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَابِرًا نُقْصَانَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ ضَمَانَ غَيْرِهِ فَأَمَّا زُفَرُ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ أَنَّ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ أَمَانَةٌ، وَلَكِنَّهُ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ النُّقْصَانُ مُنْجَبِرًا بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ جَابِرًا لِمِلْكِهِ. اهـ. .

السَّبَبِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْوَاحِدَ لَمَّا أَثَّرَ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَلَفًا عَنْ النُّقْصَانِ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ أَنْ يَرُدَّ مَا غَصَبَ، وَمَالِيَّتَهُ كَمَا غَصَبَهُ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ جَارِيَةً سَمِينَةً فَمَرِضَتْ عِنْدَهُ، وَهَزَلَتْ ثُمَّ تَعَافَتْ وَسَمِنَتْ حَتَّى عَادَتْ مِثْلَ مَا كَانَتْ فَرَدَّهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ مُطْلَقُ الْفَوَاتِ يُوجِبُ الضَّمَانَ لَضَمِنَ، وَكَذَا إذَا سَقَطَ سِنُّهَا أَوْ قَلَعَهُ الْغَاصِبُ فَنَبَتَ مَكَانَهُ أُخْرَى فَرَدَّهَا سَقَطَ ضَمَانُهَا عَنْهُ، وَقَوْلُهُمَا: كَيْفَ يُجْبَرُ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ قُلْنَا لَيْسَ هَذَا بِجَبْرٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ اعْتِبَارٌ لِمِلْكِهِ مُنْفَصِلًا بَعْضَهُ عَنْ بَعْضٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُتَّحِدًا كَمَا إذَا غَصَبَ نُقْرَةَ فِضَّةٍ فَقَطَعَهَا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُمَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمَا إذَا لَمْ تَنْقُصْ بِالْقَطْعِ وَوَلَدُ الظَّبْيَةِ مَمْنُوعَةٌ فَإِنَّ نُقْصَانَهَا يُجْبَرُ بِوَلَدِهَا عِنْدَنَا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا، وَكَذَا إذَا مَاتَتْ الْأُمُّ مَمْنُوعَةً فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْأُمَّ إذَا مَاتَتْ، وَفِي الْوَلَدِ وَفَاءٌ بِقِيمَتِهَا بَرِئَ الْغَاصِبُ بِرَدِّهِ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ بِالْوَلَدِ قَدْرُ نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ وَيَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْغَصْبِ وَتَخْرِيجُهُ أَنَّ الْوِلَادَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِمَوْتِ الْأُمِّ إذْ لَا تُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا فَيَكُونُ مَوْتُهَا بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ مِنْ الْعَوَارِضِ، وَهِيَ تَرَادُفُ الْآلَامِ وَكِبَرُ الْوَلَدِ وَضِيقُ الْمَخْرَجِ فَلَمْ يَتَّحِدْ سَبَبُ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ، وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا اتَّحَدَ. وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمَالِكِ مَالِيَّةُ الْمَغْصُوبِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِبَرَاءَةِ الْغَاصِبِ وَالْخِصَاءُ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ غَرَضُ بَعْضِ الْفَسَقَةِ وَلِهَذَا لَوْ غَصَبَ الْعَبْدَ الْخَصِيَّ، وَهَلَكَ عِنْدَهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ خَصِيًّا، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ غَيْرَ خَصِيٍّ، وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ الْغَاصِبُ بَعْدَمَا خَصَاهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَالِكِ بِمَا زَادَ الْخِصَاءُ، وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُعْتَبَرَةً لَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ كَمَا يَرْجِعُ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ هَكَذَا ذَكَرُوهُ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ بِالْخِصَاءِ مَعَ رَدِّهِ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْغَاصِبَ إذَا خَصَاهُ وَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ بِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا فَاتَ بِالْخِصَاءِ مَعَ رَدِّ الْمَخْصِيِّ بَلْ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ وَتَرَكَ الْمَخْصِيَّ لِلْغَاصِبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التَّتِمَّةِ وَقَاضِي خَانْ فَكَانَ الْأَقْرَبُ هُنَا أَنْ يُمْنَعَ فَلَا يَلْزَمُنَا، وَلَا اتِّحَادَ فِي السَّبَبِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النُّقْصَانِ الْقَطْعُ وَالْجَزُّ، وَسَبَبَ الزِّيَادَةِ النُّمُوُّ، وَسَبَبَ النُّقْصَانِ التَّعْلِيمُ، وَسَبَبَ الزِّيَادَةِ الْفِطْنَةُ مِنْ الْعَبْدِ وَفَهْمُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ زَنَى بِمَغْصُوبَةٍ فَرُدَّتْ فَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَلَا تُضْمَنُ الْحُرَّةُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا تُضْمَنُ الْأَمَةُ أَيْضًا إلَّا نُقْصَانَ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ صَحَّ مَعَ الْحَبَلِ، وَلَكِنَّهَا مَعِيبَةٌ بِالْحَبَلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نُقْصَانُ الْعَيْبِ ثُمَّ هَلَاكُهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَصَلَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الرَّدُّ، وَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ إلَّا النُّقْصَانَ كَمَا إذَا حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا، وَمَاتَتْ مِنْ تِلْكَ الْحُمَّى أَوْ زَنَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا وَجُلِدَتْ بَعْدَ الرَّدِّ عِنْدَ الْمَالِكِ، وَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا نُقْصَانَ عَيْبِ الزِّنَا، وَكَذَا الْمَبِيعَةُ إذَا سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي، وَهِيَ حُبْلَى، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْحَبَلِ، وَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ اتِّفَاقًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا كَمَا أَخَذَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا، وَلَمْ يَنْعَقِدْ فِيهَا سَبَبُ التَّلَفِ وَرَدَّهَا، وَفِيهَا ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ فَصَارَ كَمَا إذَا جَنَتْ جِنَايَةً فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَقُتِلَتْ بِهَا أَوْ دُفِعَتْ بِهَا بَعْدَ الرَّدِّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا عَلَى الْغَاصِبِ كَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ حَتَّى نَقُولَ يَبْقَى ضَمَانُ الْغَصْبِ وَيَفْسُدُ بِهِ الرَّدُّ، وَلَا يَجِبُ رَدُّهَا أَصْلًا فَافْتَرَقَا، وَفِي فَصْلِ الشِّرَاءِ لَا يَجِبُ الرَّدُّ بَلْ ابْتِدَاءُ التَّسْلِيمِ كَمَا، وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ إنْ كَانَ وَقْتَ الْعَقْدِ سَلِيمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ السَّلِيمِ، وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْمَعِيبِ وَبِمَوْتِهَا بِالْوِلَادَةِ لَا يَنْعَدِمُ التَّسْلِيمُ، وَفِي الْغَصْبِ السَّلَامَةُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الرَّدِّ فَمَا لَمْ يَرُدَّ مِثْلُ مَا أَخَذَهَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَافْتَرَقَا عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ كَالِاسْتِحْقَاقِ، وَفِي فَصْلِ الْحُمَّى الْمَوْتُ يَحْصُلُ بِزَوَالِ الْقُوَى، وَأَنَّهَا تَزُولُ بِتَرَادُفِ الْآلَامِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ حَاصِلًا بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قَدْرِ مَا كَانَ عِنْدَهُ دُونَ الزِّيَادَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنَافِعُ الْغَصْبِ وَخَمْرُ الْمُسْلِمِ وَخِنْزِيرُهُ بِالْإِتْلَافِ) أَيْ لَا تُضْمَنُ مَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ) أَيْ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْحَبَلِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَالْجَوَابُ عَنْ الْمَسَائِلِ، أَمَّا مَسْأَلَةُ الشِّرَاءِ مَنَعَهَا بَعْضُ مَشَايِخِنَا فَقَالَ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَلَّمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَفَرَّقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ، وَمَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ فَقَالَ فِي الْغَصْبِ الْوَاجِبُ نَسْخُ فِعْلِهِ بِالرَّدِّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُخِذَ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ حَيْثُ هَلَكَتْ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَلَا جَرَمَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَفِي الشِّرَاءِ الْوَاجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ لَا الرَّدُّ، وَالتَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَى التَّلَفِ أَمْ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّدِّ، وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْمَبِيعَ كَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَهُوَ أَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَبِمَوْتِهَا فِي النِّفَاسِ لَا يَنْعَدِمُ التَّسْلِيمُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُ الثَّمَنَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ السَّلِيمِ) يُنَافِي قَوْلَهُمْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ السَّلَامَةُ وَلِهَذَا يَرْجِعُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بَعْدَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ لَا بِصُنْعِهِ. اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنَافِعُ الْغَصْبِ) قَالَ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ: الْمَنَافِعُ لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ سَوَاءٌ صَرَفَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ عَطَّلَهَا عَلَى الْمَالِكِ. صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: رَجُلٌ غَصَبَ عَبْدًا فَأَمْسَكَهُ شَهْرًا حَتَّى صَارَ غَاصِبًا لِلْمَنَافِعِ أَوْ اسْتَعْمَلَهُ حَتَّى صَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهَا عِنْدَنَا لَا تُضْمَنُ هَذِهِ الْمَنَافِعُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُضْمَنُ وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَيْسَ عَلَى الْغَاصِبِ فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ

وَخَمْرُ الْمُسْلِمِ وَخِنْزِيرُهُ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْحُرَّةِ فِي قَوْلِهِ، وَلَا تُضْمَنُ الْحُرَّةُ أَمَّا مَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ فَالْمَذْكُورُ مَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مَضْمُونَةٌ بِالْعُقُودِ كَالْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ اسْمٌ لِمَا تَمِيلُ إلَيْهِ النَّفْسُ مَخْلُوقٌ لِمَصَالِحِنَا، وَالْمَنَافِعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصْلُحُ صَدَاقًا، وَلَمْ يُشْرَعْ ابْتِغَاءُ النِّكَاحِ إلَّا بِالْمَالِ بِالنَّصِّ، وَلَوْلَا أَنَّهَا مَالٌ لَمَا صَحَّتْ صَدَاقًا وَلِهَذَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ الْعَبْدِ التَّاجِرِ، وَلَوْلَا أَنَّهَا مَالٌ لَمَا مَلَكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ بِغَيْرِ الْمَالِ، وَأَوْضَحُ مِنْهُ أَنَّ الْأَعْيَانَ إنَّمَا تَصِيرُ مَالًا بِاعْتِبَارِ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَمَالًا يُنْتَفَعُ بِهِ فَلَيْسَ بِمَالٍ فَإِذَا لَمْ تَصِرْ الْأَعْيَانُ مَالًا إلَّا بِاعْتِبَارِهَا فَكَيْفَ تَنْعَدِمُ الْمَالِيَّةُ فِيهَا، وَهِيَ مُتَقَوِّمَةٌ بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِزَّةِ، وَهِيَ عَزِيزَةٌ بِنَفْسِهَا عِنْدَ النَّاسِ وَلِهَذَا يُبَدِّلُونَ الْأَعْيَانَ لِأَجْلِهَا بَلْ تُقَوَّمُ الْأَعْيَانُ بِاعْتِبَارِهَا فَيَسْتَحِيلُ أَنْ لَا تَكُونَ هِيَ مُتَقَوِّمَةٌ وَلَنَا أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَكَمَا بِوُجُوبِ قِيمَةِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ وَحُرِّيَّتِهِ وَرَدِّ الْجَارِيَةِ مَعَ عُقْرِهَا عَلَى الْمَالِكِ، وَلَمْ يَحْكُمَا بِوُجُوبِ أَجْرِ مَنَافِعِ الْجَارِيَةِ وَالْأَوْلَادِ مَعَ عِلْمِهِمَا أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَطْلُبُ جَمِيعَ حَقِّهِ، وَأَنَّ الْمَغْرُورَ كَانَ يَسْتَخْدِمُهَا مَعَ أَوْلَادِهَا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا لَهُ لَمَا سَكَتَا عَنْ بَيَانِهِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِمَا؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ حَدَثَتْ بِفِعْلِهِ، وَكَسْبِهِ، وَالْكَسْبُ لِلْمَكَاسِبِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ النَّاسِ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ» فَلَا يَضْمَنُ مِلْكَهُ؛ وَلِأَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ فَيَسْتَحِيلُ غَصْبُهَا، وَكَذَا إتْلَافُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَمَّا أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهَا الْإِتْلَافُ قَبْلَ وُجُودِهَا أَوْ حَالَ وُجُودِهَا أَوْ بَعْدَ وُجُودِهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ أَمَّا قَبْلَ وُجُودِهَا فَلِأَنَّ إتْلَافَ الْمَعْدُومِ لَا يُمْكِنُ، وَأَمَّا حَالَ وُجُودِهَا فَلِأَنَّ الْإِتْلَافَ إذَا طَرَأَ عَلَى الْوُجُودِ رَفَعَهُ فَإِذَا قَارَنَهُ مَنَعَهُ وَأَمَّا بَعْدَ وُجُودِهَا فَلِأَنَّهَا تَنْعَدِمُ كَمَا وُجِدَتْ فَلَا يُتَصَوَّرُ إتْلَافُ الْمَعْدُومِ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَمْوَالًا مَضْمُونَةً لَضُمِنَتْ بِالْمَنَافِعِ لِكَوْنِهَا مَثَلًا لَهَا، وَهُوَ أَعْدَلُ فَإِذَا لَمْ تُضْمَنْ بِهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ تُضْمَنَ بِالْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ الْأَعْرَاضَ لَيْسَتْ بِمِثْلٍ لِلْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَبْقَى لَا يَكُونُ مِثْلًا لِمَا يَبْقَى، وَضَمَانُ الْعُدْوَانِ مَشْرُوطٌ بِالْمُمَاثَلَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَالْإِجَارَةُ أُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ أَوْ لِكَوْنِهَا بِرِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الشَّيْءِ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَبَطَلَتْ الْمُقَايَسَةُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَنْفَعَةِ مِثْلٌ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِبَدَلِهَا فَيُؤَخَّرُ إلَى دَارِ الْجَزَاءِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ لَهُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ لِلْعَجْزِ لَا لِعَدَمِ الْحَقِّ، وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَبِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ لَكْمَةٍ لَا أَرْشَ لَهَا فِي الدُّنْيَا أَوْ إيذَاءٍ حَصَلَ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لَا يُسَلَّمُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ عِبَارَةٌ عَنْ إحْرَازِ الشَّيْءِ وَادِّخَارِهِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ فِي نَوَائِبِ الدَّهْرِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَنَافِعِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُقَالُ فُلَانٌ مُتَمَوِّلٌ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ مَوْجُودٌ مُحَرَّزٌ مُدَّخَرٌ، وَلَا يُقَالُ فُلَانٌ مُتَمَوِّلٌ، وَلَا مَالَ لَهُ بِالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَبِكُلِّ مَا يَسْتَعْمِلُهُ وَلِهَذَا لَا تُعْتَبَرُ الْمَنَافِعُ مِنْ الثُّلُثِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ حَتَّى جَازَ لَهُ إعَارَةُ جَمِيعِ مَالِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مَالًا لَمَا جَازَ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ وَجَوَازُهَا مَهْرًا بِاتِّفَاقِهِمَا؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مَالًا بِالتَّرَاضِي وَلِهَذَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ الْعَبْدِ التَّاجِرِ، وَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَالْمُضَارِبِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ، وَقَوْلُهُ الْمَالُ مَخْلُوقٌ لِمَصَالِحِنَا إلَخْ قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ بِصِفَةِ الْإِحْرَازِ سُمِّيَ مَالًا وَالْمَنَافِعُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا ذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ بَقَائِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا خَمْرُ الْمُسْلِمِ وَخِنْزِيرُهُ فَلِعَدَمِ تَقَوُّمِهِمَا فِي حَقِّهِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَضَمِنَ لَوْ كَانَا لِذِمِّيٍّ) أَيْ ضَمِنَ مُتْلِفُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إنْ كَانَا لِذِمِّيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسُكْنَى الدَّارِ أَجْرٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ الْأَجْرُ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَرْكَبْهَا، وَلَا سَكَنَهَا، وَلَكِنْ حَبَسَهَا أَيَّامًا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ. قَالَ مَشَايِخُنَا: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ فَإِنْ كَانَ مُعَدًّا يَضْمَنُ الْمَنَافِعَ بِالْغَصْبِ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى مَنَافِعُ الْعَقَارِ الْمَوْقُوفَةِ مَضْمُونَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ لَا نَظَرًا لِلْوَقْفِ، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَأَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ يُفْتُونَ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُسْتَغَلَّاتِ وَالْأَوْقَافِ، وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيُوجِبُونَ أَجْرَ مَنَافِعِهَا عَلَى الْغَصَبَةِ. اهـ مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا حَكَمَا بِوُجُوبِ قِيمَةِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ) أَيْ الَّذِي وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ نِكَاحٍ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَضُمِنَتْ بِالْمَنَافِعِ) أَيْ، وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا يُمْكِنُ أَنْ تُضْمَنَ بِالْأَعْيَانِ) أَيْ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بِالنَّصِّ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَضَمِنَ لَوْ كَانَا لِذِمِّيٍّ) قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي: نَصْرَانِيٌّ غَصَبَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ خَمْرًا فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ يَضْمَنُ مِثْلَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَقْرَضَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ يَصِحُّ وَيَجِبُ مِثْلُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَ خِنْزِيرًا عَلَى ذِمِّيٍّ ذِمِّيٌّ مِثْلُهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خِنْزِيرًا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ غَصَبَ مُسْلِمٌ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا، وَلَا يَضْمَنُ مِثْلَهَا، وَلَوْ أَتْلَفَ مُسْلِمٌ عَلَى ذِمِّيٍّ خِنْزِيرًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ: فَلَا ضَمَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا تَقَوُّمٌ عِنْدَهُ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ إذَا أَتْلَفَهُ الْمُسْلِمُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ كَالْخَمْرِ فَيَضْمَنُهُ كَمَا يَضْمَنُ الْخَمْرَ إلَّا أَنَّ فِي الْخَمْرِ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ فَوَجَبَتْ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَضْمَنُهُمَا لِذِمِّيٍّ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَتْلَفَهُمَا ذِمِّيٌّ لَهُ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَيْنِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَا فِي حَقِّهِمْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لَنَا فِي الْأَحْكَامِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَإِذَا قَبِلُوا عَقْدًا لِذِمَّةٍ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ»، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ حَقٍّ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ لَا أَنَّ حَقَّهُمْ يَزِيدُ عَلَى حَقِّ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فَيَثْبُتُ بِهِ مَا يَثْبُتُ بِالْإِسْلَامِ إذْ الْخَلَفُ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ فَيَسْقُطُ تَقَوُّمُهُمَا فِي حَقِّهِمْ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا كَمَا لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَلَنَا أَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ، وَمَا يَدِينُونَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ سَأَلَ عَمَّا لَهُ مَاذَا تَصْنَعُونَ بِمَا يَمُرُّ بِهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ الْخُمُورِ فَقَالُوا نُعَشِّرُهَا فَقَالَ لَا تَفْعَلُوا وَوَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا فَلَوْلَا أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ وَبَيْعُهَا جَائِزٌ لَهُمْ لَمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالِاجْتِنَابِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] يَتَنَاوَلُ الْمُسْلِمَ فَانْتَسَخَ فِي حَقِّهِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ عَلَى مَا يُعْتَقَدُ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ وَالْمُحَاجَّةَ مَوْضُوعَانِ عَنْهُمْ فَتَعَذَّرَ الْإِلْزَامُ بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْتَقِدُ تَمَوُّلَهُمَا وَبِخِلَافِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى عَنْ عُقُودِهِمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ»؛ وَلِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161]. وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدُّ يَكُونُ لِلذِّمِّيِّ فَإِنَّا نَقْتُلُهُ؛ لِأَنَّا مَا ضَمِنَّا لَهُمْ تَرْكَ التَّعَرُّضِ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ وَبِخِلَافِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا إذَا كَانَ لِمَنْ يُبِيحُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمُحَاجَّةِ وَالسَّيْفِ ثَابِتَةٌ فَيُمْكِنُ إلْزَامُهُ فَلَا يَجِبُ لَهُ عَلَى مُتْلِفِهِ الضَّمَانُ، وَلَا عَلَى مَنْ اشْتَرَاهُ الثَّمَنُ، وَلَا يَنْعَقِدُ صَحِيحًا ثُمَّ الْمُسْلِمُ إذَا أَتْلَفَ خَمْرَ الذِّمِّيِّ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِهِ وَتَمَلُّكِهِ إيَّاهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إعْزَازِهَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ إذَا اسْتَهْلَكَ خَمْرَ الذِّمِّيِّ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَمْلِيكِهَا وَتَمَلُّكِهَا فَلَا يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ أَعْدَلُ، وَلَوْ أَسْلَمَ الطَّالِبُ بَعْدَ مَا قُضِيَ لَهُ بِمِثْلِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ فِي حَقِّهِ لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ فَكَانَ بِإِسْلَامِهِ مُبْرِئًا لَهُ عَمَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْخَمْرِ، وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَا؛ لِأَنَّ فِي إسْلَامِهِمَا إسْلَامَ الطَّالِبِ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْمَطْلُوبُ وَحْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ أَسْلَمَ الطَّالِبُ بَعْدَهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخَمْرِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ الطَّارِئَ بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ كَالْإِسْلَامِ الْمُقَارِنِ لِلسَّبَبِ، وَهُوَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ قِيمَةِ الْخَمْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَذَا الطَّارِئُ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ قَبْضَ الْخَمْرِ الْمُسْتَحَقَّةِ فِي الذِّمَّةِ قَدْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهَا بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ قِيمَتِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَجِبَ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ السَّبَبِ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ أَوْجَبَ عَيْنَ الْخَمْرِ دُونَ الْقِيمَةِ، وَلَمْ تَكُنْ الْقِيمَةُ وَاجِبَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ تَجِبُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الْخَمْرِ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِيمَةُ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قِيمَةَ الْحَيَوَانِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيَوَانِ حَتَّى إذَا جَاءَ بِقِيمَتِهِ بَعْدَ الْإِتْلَافِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا إذَا جَاءَ بِالْحَيَوَانِ فَيَكُونُ أَدَاءُ قِيمَةِ الْخِنْزِيرِ كَتَسْلِيمِ الْخِنْزِيرِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَمْلِكُ تَسْلِيمَ الْخِنْزِيرِ فَلَا يَمْلِكُ تَسْلِيمَ قِيمَتِهِ أَيْضًا بِخِلَافِ قِيمَةِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مِنْ جُمْلَةِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَقِيمَةُ مَالِهِ مِثْلٌ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى عَيْنِهِ شَرْعًا فَلَا يَكُونُ أَدَاءُ الْقِيمَةِ كَتَمْلِيكِ الْخَمْرِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ فِي إتْلَافِ الْمُسْلِمِ الْخِنْزِيرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَفِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اسْتَهْلَكَ الْمُسْلِمُ خَمْرًا عَلَى ذِمِّيٍّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَكَذَلِكَ الْخِنْزِيرُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ قُبَيْلَ بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ ذِمِّيَّةً عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهَا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ إذَا كَانَا عَيْنَيْنِ، وَإِنْ كَانَا دَيْنَيْنِ فَالْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي الْخَمْرِ تَجِبُ الْقِيمَةُ، وَفِي الْخِنْزِيرِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَضْمَنُهُمَا لِذِمِّيٍّ أَيْضًا) احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] أَيْ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى حُرْمَةُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَيَجِبُ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ بِحُرْمَتِهِمَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ) وَلَكِنْ هَذَا فِي الْمَيْتَةِ الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا؛ لِأَنَّ ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِيِّ، وَمَخْنُوقَتَهُ، وَمَوْقُوذَتَهُ مَالٌ يَجُوزُ بَيْعُهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي الْمُخْتَلِفِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الضَّمَانُ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ التَّقْرِيبِ: وَذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنْ كَافِرٍ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ لَنَا أَنَّهُ مَالٌ لَهُمْ أُقِرُّوا عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ كَالْخَمْرِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ مَيْتَةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161] وَرَوَى أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ فِي عُهُودِهِمْ، وَمَنْ أَرْبَى فَلَا عَهْدَ لَهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَمْلِيكِهَا وَتَمَلُّكِهَا) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ فِيمَنْ أَتْلَفَ صَلِيبًا عَلَى نَصْرَانِيٍّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ صَلِيبًا؛ لِأَنَّا أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ فَصَارَ كَالْخَمْرِ الَّتِي هُمْ الْمُقَرُّونَ عَلَيْهَا، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ الذِّمِّيَّ يُمْنَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُمْنَعُ مِنْهُ الْمُسْلِمُ إلَّا شُرْبَ الْخَمْرِ، وَأَكْلَ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّا اسْتَثْنَيْنَاهُ بِالْأَمَانِ وَلَوْ غَنُّوا وَضَرَبُوا بِالْعِيدَانِ مَنَعْنَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا نَمْنَعُ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَثْنَ بِعَقْدِ الْأَمَانِ، كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ.

مِنْ شَرْطِ الْبَدَلِيَّةِ تَمْلِيكَ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَالذِّمِّيُّ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمْلِيكِ الْخَمْرِ مِنْ الْمُسْلِمِ كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا فَلِانْعِدَامِ الشَّرْطِ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِيمَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ كَسَرَ قَلْبَ غَيْرِهِ ثُمَّ تَلِفَ الْمَكْسُورُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْكَاسِرَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ تَضْمِينِ قِيمَتِهِ تَمْلِيكُ الْمَكْسُورِ مِنْهُ، وَذَلِكَ قَدْ فَاتَ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ الْمُقَارِنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ السَّبَبِ، وَهُوَ الْغَصْبُ وَالِاسْتِهْلَاكُ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ كَمَا فِي غَصْبِ الْمُدَبَّرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ غَصَبَ خَمْرًا مِنْ مُسْلِمٍ فَخَلَّلَ أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَ فَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُمَا وَرَدُّ مَا زَادَ الدِّبَاغُ) أَيْ يَأْخُذُ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَالْجِلْدَ الْمَدْبُوغَ يَأْخُذُهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ إذَا خَلَّلَهَا بِالنَّقْلِ مِنْ الشَّمْسِ إلَى الظِّلِّ، وَمِنْ الظِّلِّ إلَى الشَّمْسِ، وَبِالثَّانِي إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ كَالْعَفْصِ وَالْقَرَظِ بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّخْلِيلَ تَطْهِيرٌ لَهَا بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ النَّجِسِ فَتَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ بِفِعْلِهِ وَبِهَذَا الدِّبَاغِ اتَّصَلَ بِالْجِلْدِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ فَلِهَذَا يَأْخُذُ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَأْخُذُ الْجِلْدَ وَيُعْطَى مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الْجِلْدِ ذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ، وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كَحَقِّ الْحَبْسِ فِي الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ وَالرَّهْنِ بِالدَّيْنِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ بِالْجُعْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ أَتْلَفَهُمَا ضَمِنَ الْخَلَّ فَقَطْ) أَيْ إنْ أَتْلَفَ الْغَاصِبُ الْخَلَّ وَالْجِلْدَ الْمَدْبُوغَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُمَا إلَى صَاحِبِهِمَا ضَمِنَ الْخَلَّ، وَلَا يَضْمَنُ الْجِلْدَ الْمَدْبُوغَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: يَضْمَنُ قِيمَةَ الْجِلْدِ أَيْضًا مَدْبُوغًا وَيُعْطَى مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ وَلِهَذَا يَأْخُذُهُ، وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَيَضْمَنُهُ لَهُ مَدْبُوغًا بِالِاسْتِهْلَاكِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخَلِّ ثُمَّ يُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ فَإِنَّ الْغَاصِبَ فِيهِ يَضْمَنُ قِيمَةَ الثَّوْبِ مَصْبُوغًا وَيُعْطِيهِ الْمَالِكُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الرَّدِّ عَلَيْهِ فَإِذَا فَوَّتَهُ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ خَلَفًا عَنْهُ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَعَارِ بِخِلَافِ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّفْوِيتُ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ لَا يُنَافِي وُجُوبَ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ وَالِاسْتِهْلَاكُ جِنَايَةٌ فَيَضْمَنُهُ بِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمُسْتَأْجَرَةِ. وَكَذَا لَوْ دَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَا قِيمَةَ لَهُ يَضْمَنُهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاكِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْهَلَاكَ يُفَارِقُ الِاسْتِهْلَاكَ، وَقَوْلُهُمَا يُعْطَى مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِأَنْ قُضِيَ لِأَحَدِهِمَا بِالدَّرَاهِمِ وَلِلْآخَرِ بِالدَّنَانِيرِ، وَأَمَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَيُحَطُّ عَنْ الْغَاصِبِ قَدْرُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْبَاقِي لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ ثُمَّ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَالِيَّتَهُ وَتَقَوُّمَهُ حَصَلَ بِفِعْلِ الْغَاصِبُ، وَفِعْلُهُ مُتَقَوِّمٌ لِاسْتِعْمَالِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِيهِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ فَكَانَ حَقًّا لَهُ وَالْجِلْدُ تَبَعٌ لِصَنْعَةِ الْغَاصِبِ فِي حَقِّ التَّقَوُّمِ ثُمَّ الْأَصْلُ، وَهُوَ الصَّنْعَةُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِالْإِتْلَافِ فَكَذَا التَّبَعُ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ بِخِلَافِ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ حَالَ قِيَامِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْمِلْكَ وَالْجِلْدُ غَيْرُ تَابِعٍ لِلصَّنْعَةِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ لِثُبُوتِهِ قَبْلَهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ بِخِلَافِ مَا إذَا دَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَا قِيمَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهِ لَمْ تَبْقَ حَقًّا لِلْغَاصِبِ بَعْدَ الِاتِّصَالِ بِالْجِلْدِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُ حَبْسُهُ، وَلَا الرُّجُوعُ بِبَدَلِهَا وَبِخِلَافِ الذَّكِيِّ وَالثَّوْبِ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ فِيهِمَا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الدَّبْغِ وَالصَّبْغِ فَلَمْ يَكُنْ تَابِعًا لِلصَّبْغِ وَبِخِلَافِ الْمُسْتَعَارِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ لَهُ بِهِ حَقٌّ بِالْكُلِّيَّةِ فَضْلًا أَنْ تَكُونَ الْمَالِيَّةُ حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ وَغَيْرُ الْمَضْمُونِ إنَّمَا يُضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَفَادًا مِنْ جِهَةِ الْجَانِي بِعِوَضٍ يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَفَادًا مِنْ جِهَتِهِ بِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا كَانَ مَالِكًا لِلْمَبِيعِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ بِثَمَنٍ يَجِبُ عَلَيْهِ لَهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الضَّمَانُ بِاسْتِهْلَاكِ الْمَبِيعِ، وَهُنَا مَالِيَّةُ الْمَغْصُوبِ وَتَقَوُّمُهُ حَصَلَ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ بِعِوَضٍ يَجِبُ لَهُ عَلَى الْمَالِكِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ الْمَالِيَّةُ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَسْتَحِقُّهَا عَلَيْهِ يَضْمَنُهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْهَلَاكِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْلَكْ بِفِعْلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ جِنَايَةٌ كَذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَهُمَا قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَضْمَنُ الْخَلَّ، وَلَا يَضْمَنُ الْجِلْدَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَضْمَنُ الْجِلْدَ مَدْبُوغًا وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ أَمَّا مَسْأَلَةُ الْخَلِّ فَالْمُرَادُ مِنْهَا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ وُجُوهِ التَّخْلِيلِ، وَهُوَ مَا إذَا خَلَّلَهَا مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَالَتْ مَالًا عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ مَالٍ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَهَا الْغَاصِبُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ الْغَصْبُ ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَاذَا يَضْمَنُ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمِثْلَ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعٍ لَا يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَنَصَّ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى وُجُوبِ الْمِثْلِ فَقَالَ فِي رَجُلٍ غَصَبَ مُسْلِمًا خَمْرًا فَجَعَلَهَا خَلًّا فَاسْتَهْلَكَهَا فَقَالَ عَلَيْهِ خَلٌّ مِثْلُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ لَا يُنَافِي إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَعَارَ وَاجِبُ الرَّدِّ فَإِذَا فَوَّتَ الْمُسْتَعِيرُ الرَّدَّ بِاسْتِهْلَاكِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ، وَإِنْ فَاتَ فَلَا فَكَذَا هُنَا الْجِلْدُ وَاجِبُ الرَّدِّ فَإِذَا فَوَّتَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَإِذَا هَلَكَ فَلَا. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَالِيَّتَهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا فَلَا فَائِدَةَ أَنْ يَضْمَنَ الْغَاصِبُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَيُعْطِيهِ خَمْسَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ) أَيْ لَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِثُبُوتِهِ قَبْلَهَا) أَيْ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الصَّنْعَةِ. اهـ.

كَمَا فِي مَسْأَلَةِ تَخْلِيلِ الْخَمْرِ وَالدَّبْغِ بِشَيْءٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ، وَلَوْ كَانَ قَائِمًا فَأَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ فِيمَا إذَا دَبَغَهُ بِشَيْءٍ مُتَقَوِّمٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ بِخِلَافِ صَبْغِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ لِلثَّوْبِ قِيمَةً، وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ فَيُضَمِّنَهُ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ صَارَ عَاجِزًا عَنْ الرَّدِّ بِتَرْكِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالِاسْتِهْلَاكِ، وَفِيهِ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ عِنْدَهُمَا ثُمَّ قِيلَ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا فِي الِاسْتِهْلَاكِ، وَقِيلَ قِيمَةَ جِلْدٍ ذَكِيٍّ غَيْرِ مَدْبُوغٍ. وَلَوْ دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالتُّرَابِ وَالشَّمْسِ فَهُوَ لِمَالِكِهِ مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْغَاصِبُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا، وَقِيلَ طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الدِّبَاغَةِ هُوَ الَّذِي حَصَّلَهُ فَلَا يَضْمَنُهُ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ صِفَةَ الدِّبَاغَةِ تَابِعَةٌ لِلْجِلْدِ، وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ مُنْفَرِدَةٌ عَنْ الْجِلْدِ وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمَالِكِ عِنْدَ دَفْعِ الْجِلْدِ إلَيْهِ فَإِذَا صَارَ الْجِلْدُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَكَذَا تَبِعَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا دَبَغَهُ بِشَيْءٍ مُتَقَوِّمٍ، وَلَوْ جَعَلَ الْغَاصِبُ الْجِلْدَ فَرْوًا أَوْ جِرَابًا أَوْ زِقًّا لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَدَّلَ الِاسْمُ وَالْمَعْنَى بِفِعْلِ الْغَاصِبِ وَبِهِ يَمْلِكُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ثُمَّ إنْ كَانَ الْجِلْدُ ذَكِيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَإِنْ كَانَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَلَا خِلَافٍ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ وَالذَّخِيرَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِهْلَاكِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مَعْنًى. وَلَوْ خَلَّلَ الْخَمْرَ بِإِلْقَاءِ الْمِلْحِ فِيهِ قِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَارَ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْخَلْطِ بِمَالِهِ اسْتَهْلَكَهُ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَصَارَ كَالْجِلْدِ إذَا اسْتَهْلَكَهُ بَعْدَ الدِّبَاغِ بِاِتِّخَاذِهِ الْفَرْوَ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَعِنْدَهُمَا أَخَذَهُ الْمَالِك، وَأَعْطَاهُ مَا زَادَ الْمِلْحُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ دَبْغِ الْجِلْدِ وَصَبْغِ الثَّوْبِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِثْلَ وَزْنِ الْمِلْحِ مِنْ الْخَلِّ هَكَذَا ذَكَرُوهُ كَأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الْمِلْحَ مَائِعًا؛ لِأَنَّهُ يَذُوبُ فَيَكُونُ اخْتِلَاطُ الْمَائِعِ بِالْمَائِعِ فَيَشْتَرِكَانِ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ تَرْكَهُ عَلَيْهِ وَتَضْمِينَهُ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي دَبْغِ الْجِلْدِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَا يَضْمَنُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي دَبْغِ الْجِلْدِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ خَلَّلَهَا بِصَبِّ الْخَلِّ فِيهَا قِيلَ تَكُونُ لِلْغَاصِبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَاءٌ صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهَا أَوْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ عِنْدَهُ وَاسْتِهْلَاكُ الْخَمْرِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَعِنْدَهُمَا إنْ صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهَا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ، وَإِنْ صَارَتْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ كَانَ الْخَلُّ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا كَيْلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَهْلِكْ الْخَمْرَ فَيَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ خَلَطَ الْخَلَّ بِالْخَلِّ وَالْخَلْطُ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَهْلِكُ بِجِنْسِهِ، وَقِيلَ ظَاهِرُ الْجَوَابِ فِيهَا أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا سَوَاءٌ صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهَا أَوْ بَعْدَ حِينٍ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ إنَّمَا يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ إذَا كَانَ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَهُنَا قَدْ تَعَذَّرَ وُجُوبُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ خَمْرَ الْمُسْلِمِ لَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ. فَصَارَ كَمَا إذَا اخْتَلَطَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْغَاصِبُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَتَبَقَّى أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إجْمَاعًا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى قَاضِيخَانْ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ كَسَرَ مِعْزَفًا أَوْ أَرَاقَ سَكَرًا أَوْ مُنَصَّفًا ضَمِنَ وَصَحَّ بَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا يَضْمَنُهَا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلْمَعْصِيَةِ فَيَسْقُطُ تَقَوُّمُهَا كَالْخَمْرِ؛ وَلِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بُعِثْت بِكَسْرِ الْمَزَامِيرِ، وَقَتْلِ الْخَنَازِيرِ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُنْكِرْ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ لِلثَّوْبِ قِيمَةً) أَيْ حَتَّى لَوْ غَصَبَهُ جِلْدًا ذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ كَانَ لِصَاحِبِ الْجِلْدِ أَنْ يُضَمِّنَهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ لِلثَّوْبِ قِيمَةً مَا نَصُّهُ أَيْ قَبْلَ الصَّبْغِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، وَهَذَا إذَا أَخَذَ الْمَيْتَةَ مِنْ مَنْزِلِ صَاحِبِهَا فَدَبَغَ جِلْدَهَا فَأَمَّا إذَا أَلْقَى صَاحِبُ الْمَيْتَةِ الْمَيْتَةَ فِي الطَّرِيقِ فَأَخَذَ رَجُلٌ جِلْدَهَا فَدَبَغَهُ فَقَدْ قَالُوا إنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْجِلْدِ لِأَنَّ إلْقَاءَهَا إبَاحَةٌ لِأَخْذِهَا فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ كَإِلْقَاءِ النَّوَى. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْغَاصِبُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ. اهـ أَتْقَانِيٌّ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَلَّلَ الْخَمْرَ بِإِلْقَاءِ الْمِلْحِ فِيهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَأَمَّا إذَا خَلَّلَهَا بِمِلْحٍ أَلْقَاهُ فِيهَا، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ وَيُعْطِيهِ الْغَاصِبُ مَا زَادَ الْمِلْحُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ دِبَاغِ الْجِلْدِ وَصَبْغِ الثَّوْبِ، وَإِنْ أَرَادَ تَرْكَهُ وَتَضْمِينَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى جِلْدِ الْمَيْتَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَعْدَ هَذَا، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ ذَلِكَ صَارَ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ وَافَقَهُ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ جَعَلَ الْجَوَابَ فِي الْمِلْحِ عَلَى التَّفْصِيلِ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا قِيمَةَ لَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ التَّخْلِيلِ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَالتَّشْمِيسِ، وَإِنْ أَلْقَى فِيهَا مِلْحًا كَثِيرًا يَأْخُذُهَا الْمَالِكُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَيُعْطِي الْغَاصِبُ مَا زَادَ الْمِلْحُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ دَبْغِ الْجِلْدِ وَصَبْغِ الثَّوْبِ كَذَا ذَكَرَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ) أَيْ اسْتَهْلَكَ الْخَمْرَ الَّذِي جَعَلَهُ خَلًّا بِإِلْقَاءِ الْمِلْحِ فِيهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ ظَاهِرُ الْجَوَابِ إلَخْ) قَائِلُهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ صَرَّحَ بِهِ الْأَتْقَانِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَا لَا يَضْمَنُهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ. اهـ.

فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» وَالْكَسْرُ هُوَ الْإِنْكَارُ بِالْيَدِ وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَهُ بِأَمْرِ أُولِي الْأَمْرِ كَالْإِمَامِ لَا يَضْمَنُ فَبِأَمْرِ الشَّرْعِ أَوْلَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ سِوَى اللَّهْوِ فَلَا تَبْطُلُ قِيمَتُهُ لِأَجْلِ اللَّهْوِ كَاسْتِهْلَاكِ الْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ مُضَافٌ إلَى فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَجَوَازُ الْبَيْعِ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْمَالِيَّةِ. وَقَدْ وُجِدَ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ بِالْيَدِ إلَى أُولِي الْأَمْرِ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ إلَّا بِاللِّسَانِ عَلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ بِدُونِ الْإِتْلَافِ بِالْمَنْعِ بِالْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا صَالِحَةً لِغَيْرِ اللَّهْوِ كَمَا فِي الْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ وَالدِّيكِ الْمُقَاتِلِ وَالْعَبْدِ الْخَصِيِّ وَتَجِبُ قِيمَةُ السَّكَرِ وَالْمُنَصَّفِ لَا الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمَلُّكِ عَيْنِهِ، وَإِنْ جَازَ فِعْلُهُ بِخِلَافِ الصَّلِيبِ حَيْثُ يَضْمَنَ قِيمَتَهُ صَلِيبًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ، ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِي الدُّفِّ وَالطَّبْلِ اللَّذَيْنِ يُضْرَبَانِ لِلَّهْوِ، وَأَمَّا الدُّفُّ وَالطَّبْلُ اللَّذَانِ يُضْرَبَانِ فِي الْعُرْسِ أَوْ الْغَزْوِ فَيَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ شَقَّ زِقًّا فِيهِ خَمْرٌ يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا لِإِمْكَانِ الْإِرَاقَةِ بِدُونِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَيَسَّرُ الْإِرَاقَةُ إلَّا بِهِ. وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الدِّنَانَ لَا تُضْمَنُ بِالْكَسْرِ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا عَلَى قَوْلِهِمَا لِكَثْرَةِ الْفَسَادِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ، وَفِي النِّهَايَةِ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي بَابِ الْعَدْوَى وَالْأَعْدَاءِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي رِوَايَةً عَنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُهْدَمُ الْبَيْتُ عَلَى مَنْ اعْتَادَ الْفِسْقَ، وَأَنْوَاعَ الْفَسَادِ حَتَّى قَالُوا أَيْضًا لَا بَأْسَ بِالْهُجُومِ عَلَى بَيْتِ الْمُفْسِدِينَ، وَقِيلَ يُرَاقُ الْعَصِيرُ أَيْضًا قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ وَيَقْذِفَ بِالزَّبَدِ عَلَى مَنْ اعْتَادَ الْفِسْقَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَحْرَقَ الْبَيْتَ عَلَى الثَّقَفِيِّ حِينَ سَمِعَ شَرَابًا فِي بَيْتِهِ، وَقَدْ هَجَمَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى نَائِحَةٍ فِي مَنْزِلِهَا ثُمَّ ضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ حَتَّى سَقَطَ خِمَارُهَا فَقِيلَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ سَقَطَ خِمَارُهَا فَقَالَ: إنَّهَا لَا حُرْمَةَ لَهَا وَتَكَلَّمُوا فِي قَوْلِهِ لَا حُرْمَةَ لَهَا قِيلَ مَعْنَاهُ إنَّهَا لَمَّا اشْتَغَلَتْ بِمَا لَا يَحِلُّ فِي الشَّرْعِ فَقَدْ أَسْقَطَتْ بِمَا صَنَعَتْ حُرْمَتَهَا وَالْتَحَقَتْ بِالْإِمَاءِ، وَرُوِيَ أَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا بَكْرٍ الْبَلْخِيّ خَرَجَ عَلَى بَعْضِ نَهْرٍ، وَكَانَ النِّسَاءُ عَلَى شَطِّهِ كَاشِفَاتِ الرُّءُوسِ وَالذِّرَاعِ فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ تَفْعَلُ هَذَا فَقَالَ لَا حُرْمَةَ لَهُنَّ إنَّمَا الشَّكُّ فِي إيمَانِهِنَّ كَأَنَّهُنَّ حَرْبِيَّاتٌ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَوَّلُ لِلْأُمَرَاءِ وَالثَّانِي لِلْعُلَمَاءِ وَالثَّالِثُ لِلْعَوَامِّ. اهـ. اُنْظُرْ مَا يَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي الشَّرْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا إلَخْ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَسَرَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بَرْبَطًا أَوْ طَبْلًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ خَشَبًا مَنْحُوتًا، وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ خَشَبًا مُخَلَّعًا إنَّمَا الَّذِي يَحْرُمُ مِنْهُ التَّأْلِيفُ، وَقَالَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: كَانُوا يَقُولُونَ إنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ أَنْ لَوْ اُشْتُرِيَ لِشَيْءٍ آخَرَ سِوَى اللَّهْوِ فَيُنْظَرُ لَوْ أَنَّ إنْسَانًا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِيَجْعَلَهُ وِعَاءً لِلْمِلْحِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ بِكَمْ يَشْتَرِي فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا صَالِحَةً لِغَيْرِ الْمَعْصِيَةِ فَفِي الدُّفِّ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ دُفًّا يُوضَعُ الْقُطْنُ فِيهِ، وَفِي الْبَرْبَطِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ قَصْعَةً يُجْعَلُ فِيهَا الثَّرِيدُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الصَّلِيبِ) أَيْ الَّذِي لِلنَّصْرَانِيِّ إذَا أَتْلَفَهُ الْمُسْلِمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الدُّفُّ وَالطَّبْلُ اللَّذَانِ يُضْرَبَانِ إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَوْ كَانَ طَبْلُ الْغُزَاةِ أَوْ طَبْلُ الصَّيْدِ أَوْ دُفٌّ يَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَةُ فِي الْبَيْتِ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ حَكَى عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَيْهِ فِي طُنْبُورٍ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِمَا حَتَّى قَامَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَوْ كُنْت أَنَا لَقَضَيْت بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ خُصُومَتُهُمَا فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي أَيْدِيهِمَا كَسَرْتُهُ، وَعَزَّرْتُهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ خُصُومَتُهُمَا بِأَنَّ أَحَدَهُمَا كَسَرَهُ وَالْآخَرُ يَطْلُبُ الضَّمَانَ جَزَيْتُ الَّذِي كَسَرَ أَجْرًا وَعَزَّرْتُ الْآخَرَ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ بَعْضِ النَّاسِ شَيْئًا مِنْ الْمَعَازِفِ فَكَسَرَهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَهَذَا الَّذِي حُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا قَالَا إنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الدُّفِّ وَالطَّبْلِ إذَا كَانَ لِلَّهْوِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ طَبْلُ الْغُزَاةِ أَوْ الصَّيَّادِينَ يَنْبَغِي أَنْ يُضْمَنَ، وَكَذَلِكَ الدُّفُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلَّهْوِ يَنْبَغِي أَنْ يُضْمَنَ إذَا كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ يَجُوزُ ضَرْبُهُ فِي الْعُرْسِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا أَحْرَقَ الرَّجُلُ بَابًا مَنْحُوتًا عَلَيْهِ تَمَاثِيلُ مَنْقُوشَةٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَنْقُوشٍ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ قَطَعَ رُءُوسَ التَّمَاثِيلِ قَبْلَ ذَلِكَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَنْقُوشًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَقْشَ التَّمَاثِيلِ مَعْصِيَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَقَوَّمَ فِي الضَّمَانِ كَمَا لَا يَتَقَوَّمُ الْغِنَاءُ فِي الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ فَإِذَا قَطَعَ رُءُوسَ التَّمَاثِيلِ فَذَلِكَ نَقْشٌ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ فَيُقَوَّمُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَقَالَ فِيمَنْ أَحْرَقَ بِسَاطًا فِيهِ تَصَاوِيرُ رِجَالٍ ضَمَّنْته مُصَوَّرًا لِأَنَّ التَّمَاثِيلَ فِي الْبِسَاطِ لَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبِسَاطَ يُوطَأُ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً ضَمَّنْتهَا، وَقَالَ فِيمَنْ هَدَمَ بَيْتًا مُصَوَّرًا بِالْأَصْبَاغِ تَمَاثِيلُ ضَمَّنْته قِيمَةَ الْبَيْتِ، وَأَصْبَاغَهُ غَيْرَ مُصَوَّرٍ؛ لِأَنَّ التَّمَاثِيلَ فِي الْبَيْتِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ) يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ بِالْيَدِ لِلْأُمَرَاءِ لَمْ يَلْزَمْ الضَّمَانُ عَلَى الْكَاسِرِ بِإِذْنِهِمْ. اهـ غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ عَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ إلَى الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي آخِرِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ) اُنْظُرْ الصَّفْحَةَ السَّابِقَةَ فِي الشَّرْحِ. اهـ

[كتاب الشفعة]

فَرْضٌ إنْ كَانَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَا يَسَعُهُ تَرْكُهُ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يُهَانُ بِذَلِكَ أَوْ يُضْرَبُ، وَهُوَ لَا يَصْبِرُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ تَقَعُ الْفِتَنُ فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصْبِرُ عَلَى الضَّرْبِ وَالضَّرَرِ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى غَيْرِهِ بِذَلِكَ ضَرَرٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ مُجَاهِدٌ بِذَلِكَ، وَلَوْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ، وَلَا يَخَافُ مِنْهُمْ ضَرْبًا، وَلَا شَتْمًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ، وَالْأَمْرُ أَفْضَلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ غَصَبَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً فَمَاتَتْ ضَمِنَ قِيمَةَ الْمُدَبَّرَةِ لَا أُمَّ الْوَلَدِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَضْمَنُ أُمَّ الْوَلَدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا كَالْمُدَبَّرَةِ، وَعِنْدَهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَوَجْهُهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (كِتَابُ الشُّفْعَةِ) وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ، وَهُوَ الضَّمُّ ضِدُّ الْوِتْرِ، وَمِنْهُ شَفَاعَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُذْنِبِينَ؛ لِأَنَّهُ يَضُمُّهُمْ بِهَا إلَى الْفَائِزِينَ يُقَالُ شَفَعَ الرَّجُلُ شَفْعًا إذَا كَانَ فَرْدًا فَصَارَ لَهُ ثَانٍ، وَالشَّفِيعُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يُضَمُّ الْمَأْخُوذُ إلَى مِلْكِهِ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ شُفْعَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هِيَ تَمَلُّكُ الْبُقْعَةِ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا قَامَ عَلَيْهِ) هَذَا فِي الشَّرْعِ، وَمَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ مَوْجُودٌ فِيهِ، وَهُوَ الضَّمُّ وَزِيدَ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ مِنْ التَّمَلُّكِ لِلْبُقْعَةِ عَلَى وَجْهِ الْجَبْرِ وَسَبَبُهَا اتِّصَالُ مِلْكِ الشَّفِيعِ بِالْمُشْتَرَى؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الدَّخِيلِ عَنْهُ عَلَى الدَّوَامِ بِسَبَبِ سُوءِ الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُعَامَلَةِ مِنْ حَيْثُ إعْلَاءُ الْجِدَارِ، وَإِيقَادُ النَّارِ، وَمَنْعُ ضَوْءِ النَّهَارِ، وَإِثَارَةُ الْغُبَارِ، وَإِيقَافُ الدَّوَابِّ وَالصِّغَارِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ يُضَادُّهُ كَمَا قِيلَ أَضْيَقُ السُّجُونِ مُعَاشَرَةً الْأَضْدَادُ. وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ عَقَارًا سُفْلًا كَانَ أَوْ عُلْوًا احْتَمَلَ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا، وَأَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ مَالٌ بِمَالٍ. وَرُكْنُهَا أَخْذُ الشَّفِيعِ مِنْ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهَا. وَشَرْطُهَا وَحُكْمُهَا جَوَازُ الطَّلَبِ عِنْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ. وَصِفَتُهَا أَنَّ الْأَخْذَ بِهَا بِمَنْزِلَةِ شِرَاءٍ مُبْتَدَأٍ حَتَّى يَثْبُتَ بِهَا مَا يَثْبُتُ بِالشِّرَاءِ نَحْوُ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتَجِبُ لِلْخَلِيطِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ ثُمَّ لِلْخَلِيطِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ إنْ كَانَ خَاصًّا ثُمَّ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكُهُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَإِنْ بَاعَهُ، وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرَضِينَ وَالدُّورِ» رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يَنْتَظِرُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَأَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ مِنْ غَيْرِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا كَانَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ مُرَتَّبَةً عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ كِتَابُ الشُّفْعَةِ] ِ) ذَكَرَ كِتَابَ الشُّفْعَةِ بَعْدَ كِتَابِ الْغَصْبِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمَلُّكُ مَالِ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَفَرْقُهُمَا أَنَّ الشُّفْعَةَ مَشْرُوعٌ وَالْغَصْبَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بَلْ هُوَ عُدْوَانٌ مَحْضٌ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُقَدِّمَ كِتَابَ الشُّفْعَةِ لِشَرْعِيَّتِهَا، وَلَكِنْ قَدَّمَ الْغَصْبَ لِكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا فِي الْمُعَامَلَاتِ كَالْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالشَّرِكَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْمُزَارَعَاتِ وَغَيْرِهَا لَا سِيَّمَا هَذَا الزَّمَانُ فَإِنَّهُ زَمَانُ الظُّلْمِ وَالْحَيْفِ وَالتَّعَدِّي، وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ الظُّلْمُ فِي خُلُقِ النُّفُوسِ فَإِنْ تَجِدْ ... ذَا عِفَّةٍ فَلَعَلَّهُ لَا يَظْلِمُ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ هِيَ تَمَلُّكُ الْبُقْعَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الشُّفْعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ حَقِّ التَّمَلُّكِ فِي الْعَقَارِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَسَبَبُهَا اتِّصَالُ مِلْكِ الشَّفِيعِ إلَخْ)، وَقِيلَ سَبَبُهَا الْبَيْعُ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ. اهـ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَسَبَبُ الشُّفْعَةِ أَحَدُ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ الشَّرِكَةُ فِي الْبُقْعَةِ وَالشَّرِكَةُ فِي الْحُقُوقِ وَالْجِوَارُ عَلَى سَبِيلِ الْمُلَاصَقَةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْجِوَارِ وَسَيَجِيءُ بَيَانُ الْخِلَافِ. اهـ. وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَالسَّبَبُ فِيهَا أَصْلُ الشَّرِكَةِ لَا قَدْرُهَا، وَأَصْلُ الْجِوَارِ لَا قَدْرُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ لِلدَّارِ شَرِيكٌ وَاحِدٌ أَوْ جَارٌ وَاحِدٌ أَخَذَ كُلَّ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ كَثُرَ شَرِيكُهُ وَجِوَارُهُ أَوْ قَلَّ. اهـ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: وَإِيقَافُ الدَّوَابِّ وَالصِّغَارِ) فَإِنْ قَلَّتْ فِي الْمَمْلُوكِ بِالْإِرْثِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ لَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فَتُنْتَقَضُ عِلَّتُكُمْ قُلْنَا إنَّمَا لَا تَثْبُتُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ لَا يَكْثُرُ وُجُودُهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَكْثُرُ وُجُودُهُ وَالثَّانِي لَوْ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا أَنْ تَثْبُتَ بِعِوَضٍ أَوْ لَا بِعِوَضٍ وَالثَّانِي لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فِي الشُّفْعَةِ وَالْأَوَّلُ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ إنَّمَا ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ بِالتَّمَلُّكِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ أَوْ بِقِيمَتِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ يَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، وَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَمْ يَمْلِكْ الدَّارَ بِثَمَنٍ فَكَيْفَ يَأْخُذُهَا بِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخُلْطَةَ سَبَبُ الشُّفْعَةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَعَ هَذَا لَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ بِالْخَلْطِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: سُفْلًا كَانَ أَوْ عُلُوًّا) إذْ الشُّفْعَةُ لَا تَجِبُ فِي الْمَنْقُولَاتِ قَصْدًا بَلْ تَثْبُتُ تَبَعًا لِلْعَقَارِ. اهـ مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ) أَيْ، وَمِنْ شَرْطِهَا طَلَبُ الشَّفِيعِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ إلَخْ) وَالسَّقَبُ الْقُرْبُ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الشُّفْعَةُ وَتَجُوزُ كِتَابَتُهُ بِالسِّينِ وَالصَّادِ جَمِيعًا

؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الدَّائِمِ الَّذِي يَلْحَقُهُ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكُلُّ مَا كَانَ أَكْثَرَ اتِّصَالًا كَانَ أَخَصَّ بِالضَّرَرِ، وَأَشَدَّ تَعَبًا مَعَهُ فَكَانَ أَحَقَّ بِهَا لِقُوَّةِ الْمُوجِبِ لَهَا فَلَيْسَ لِلْأَضْعَفِ أَنْ يَأْخُذَ مَعَ وُجُودِ الْأَقْوَى إلَّا إذَا تَرَكَ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ إذَا أَشْهَدَ بِأَنَّهُ يَطْلُبُهَا عِنْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ ذَلِكَ سَقَطَ حَقُّهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ، وَإِنْ تَرَكَ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ بِهِ قُلْنَا تَحَقُّقُ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ لِقُوَّتِهِ فَإِذَا تَرَكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ، وَهُوَ نَظِيرُ دَيْنِ الصِّحَّةِ مَعَ دَيْنِ الْمَرَضِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ لِقَوْلِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قُسِمَتْ الدَّارُ وَحُدِّدَتْ فَلَا شُفْعَةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِمَعْنَاهُ؛ وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَيْ لَا يَلْزَمَهُ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْجَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَاسِمُ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عِنْدَهُ فِي الْمُشْتَرَكِ إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْبِئْرِ وَالْحَمَّامِ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ مِنْ لُزُومِ الْمُؤْنَةِ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ لِلْجَارِ بِقِسْمَةِ الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ مِنْهُ وَحَقُّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَقِّهِمْ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشُّفْعَةَ وَجَبَتْ لِدَفْعِ أُجْرَةِ الْقِسْمَةِ، وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ وَأُجْرَةُ الْقِسْمَةِ مَشْرُوعَةٌ، وَكَيْفَ يَجُوزُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْمُشْتَرِي بِأَخْذِ مَالِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِدَفْعِ حُكْمٍ مَشْرُوعٍ، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ دَفْعُ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ بِسُوءِ الْعِشْرَةِ عَلَى الدَّوَامِ، وَلَوْ كَانَ لِدَفْعِ أُجْرَةِ الْقِسْمَةِ لَوَجَبَتْ فِي الْمَنْقُولِ، وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ خَاصًّا أَيْ الشِّرْبُ أَوْ الطَّرِيقُ إنْ كَانَ خَاصًّا يَسْتَحِقُّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَاصًّا لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ وَالطَّرِيقُ الْخَاصُّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ نَافِذٍ، وَإِنْ كَانَ نَافِذًا فَلَيْسَ بِخَاصٍّ، وَإِنْ كَانَتْ سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ تَتَشَعَّبُ مِنْهَا سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ فَبِيعَتْ دَارٌ فِي السُّفْلَى فَلِأَهْلِهَا الشُّفْعَةُ دُونَ أَهْلِ الْعُلْيَا. وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ فِي الْعُلْيَا فَلِأَهْلِ السِّكَّتَيْنِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ فِي الْعُلْيَا حَقًّا لِأَهْلِ السِّكَّتَيْنِ حَتَّى كَانَ لَهُمْ كُلِّهِمْ أَنْ يَمُرُّوا فِيهَا، وَلَيْسَ فِي السُّفْلَى حَقٌّ لِأَهْلِ الْعُلْيَا حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُمْ أَنْ يَمُرُّوا فِيهَا، وَلَا لَهُمْ فَتْحُ الْبَابِ إلَيْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ. وَالشِّرْبُ الْخَاصُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا صَغِيرًا لَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا بِحَيْثُ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ فَلَيْسَ بِخَاصٍّ فَإِذَا بِيعَ أَرْضٌ مِنْ الْأَرَاضِي الَّتِي يُسْقَى مِنْهَا لَا يَسْتَحِقُّ أَهْلُ النَّهْرِ الشُّفْعَةَ بِسَبَبِهِ، وَالْجَارُ أَحَقُّ مِنْهُمْ بِخِلَافِ النَّهْرِ الصَّغِيرِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ أَهْلُهُ لَا يُحْصَوْنَ فَهُوَ كَبِيرٌ، وَإِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَهُوَ صَغِيرٌ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ مَا يُحْصَى، وَمَا لَا يُحْصَى فَبَعْضُهُمْ قَدَّرَ مَا لَا يُحْصَى بِخَمْسِمِائَةٍ وَبَعْضُهُمْ بِأَرْبَعِينَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخَاصُّ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ قَرَاحَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَامٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالصِّرَاطِ يُقَالُ دَارُ فُلَانٍ بِسَقَبِ دَارِ فُلَانٍ أَيْ بِقُرْبٍ مِنْهَا وَأَبْيَاتُ الْقَوْمِ مُتَسَاقِبَةٌ أَيْ مُتَقَارِبَةٌ وَسَقِبْت الدَّارَ، وَأَسْقَبْت لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ وَالْمَنْزِلُ سَقَبٌ، وَمُسْقَبٌ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ إلَخْ)، وَعِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِثْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَمَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ مِثْلُ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْجَارَ لَهُ شُفْعَةٌ كَذَا ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ) أَيْ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ لَا يُعْقَلُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعَانِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ الشُّفْعَةُ تُسْتَحَقُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا بِثَلَاثَةِ مَعَانٍ بِالشَّرِكَةِ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْبَيْعِ أَوْ بِالشَّرِكَةِ فِي حُقُوقِ ذَلِكَ أَوْ بِالْجِوَارِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ: دَارٌ بَيْنَ قَوْمٍ فِيهَا مَنَازِلُ لَهُمْ فِيهَا شَرِكَةٌ بَيْنَ بَعْضِهِمْ، وَفِيهَا مَا هِيَ مُفْرَدَةٌ لِبَعْضِهِمْ وَسَاحَةُ الدَّارِ مَوْضُوعَةٌ بَيْنَهُمْ يَتَطَرَّقُونَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ فِيهَا وَبَابُ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الْمَنَازِلُ فِي زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَبَاعَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي الْمَنْزِلِ نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ بِحُقُوقِهِ مِنْ الطُّرُقِ فِي السَّاحَةِ وَغَيْرِهَا فَالشَّرِيكُ فِي الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الشَّرِيكِ فِي السَّاحَةِ، وَمِنْ الشَّرِيكِ فِي الزُّقَاقِ الَّذِي فِيهِ بَابُ الدَّارِ فَإِنْ سَلَّمَ الشَّرِيكُ فِي الْمَنْزِلِ الشُّفْعَةَ فَالشَّرِيكُ فِي السَّاحَةِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ سَلَّمَ الشَّرِيكُ فِي السَّاحَةِ فَالشَّرِيكُ فِي الزُّقَاقِ الَّذِي لَا مَنْفَذَ لَهُ الَّذِي يُشْرَعُ فِيهِ بَابُ الدَّارِ أَحَقُّ بَعْدَهُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْجَارِ الْمُلَاصِقِ وَجَمِيعُ أَهْلِ الزُّقَاقِ الَّذِينَ طَرِيقُهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ فِي الشُّفْعَةِ مَنْ كَانَ فِي أَدْنَاهُ، وَأَقْصَاهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَإِنْ سَلَّمَ الشُّرَكَاءُ فِي الزُّقَاقِ فَالْجَارُ الْمُلَاصِقُ مِمَّنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي الزُّقَاقِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْمُلَاصِقِ مِنْ الْجِيرَانِ شُفْعَةٌ مِمَّنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي الزُّقَاقِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي دَارٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلِرَجُلٍ فِيهَا طَرِيقٌ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ فَشَرِيكُهُ فِي الدَّارِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ الطَّرِيقِ قَالَ: وَقَالَ وَكَذَلِكَ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا حَائِطٌ فِي الدَّارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ يَعْنِي بِأَرْضِهِ فَبَاعَ الَّذِي لَهُ شِرْكٌ فِي الْحَائِطِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ وَالْحَائِطِ قَالَ فَالشَّرِيكُ فِي الدَّارِ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ الدَّارِ وَلَا شُفْعَةَ لِلشَّرِيكِ فِي الْحَائِطِ فِي الدَّارِ، وَلَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْحَائِطِ وَأَرْضِهِ، وَكَذَلِكَ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا بِئْرٌ فِي الدَّارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ فَبَاعَ الَّذِي لَهُ الشِّرْكُ فِي الْبِئْرِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ وَالْبِئْرِ فَالشَّرِيكُ فِي الدَّارِ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ الدَّارِ، وَلَا شُفْعَةَ لِلشَّرِيكِ فِي الْبِئْرِ فِي الدَّارِ، وَلَهُ شُفْعَةٌ فِي الْبِئْرِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: قَرَاحَانِ) الْقَرَاحُ الْأَرْضُ الْبَارِزَةُ الَّتِي لَمْ يَخْتَلِطْ بِهَا شَيْءٌ وَالْمَاءُ

وَقِيلَ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي كُلِّ عَصْرٍ إنْ رَأَوْهُمْ كَثِيرًا كَانُوا كَثِيرًا، وَإِنْ رَأَوْهُمْ قَلِيلًا كَانُوا قَلِيلًا، وَهُوَ أَشْبَهُ الْأَقَاوِيلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالشَّرِيكُ فِي خَشَبَةٍ عَلَى الْحَائِطِ وَوَاضِعُ الْجُذُوعِ عَلَى الْحَائِطِ جَارٌ)، وَلَا يَكُونُ شَرِيكًا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ الشَّرِكَةُ فِي الْعَقَارِ لَا فِي الْمَنْقُولِ، وَالْخَشَبَةُ مَنْقُولَةٌ، وَبِوَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَى الْحَائِطِ لَا يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الدَّارِ، وَكَذَا بِالشَّرِكَةِ فِي الْجُذُوعِ لَا يَكُونُ شَرِيكًا فِيهَا لَكِنَّهُ جَارٌ مُلَازِقٌ لِوُجُودِ اتِّصَالِ بُقْعَةِ أَحَدِهِمَا بِبُقْعَةِ الْآخَرِ فَيَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ عَلَى أَنَّهُ جَارٌ مُلَاصِقٌ، وَلَا يَتَرَجَّحُ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ، وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُ الْجِيرَانِ شَرِيكًا فِي الْجِدَارِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْبِنَاءِ الْمُجَرَّدِ بِدُونِ الْأَرْضِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الشُّفْعَةَ، وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ، وَالْمَكَانُ الَّذِي عَلَيْهِ الْبِنَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَانَ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ وَيَتَأَتَّى ذَلِكَ بِأَنْ يَبْنِيَ الشَّرِيكَانِ فِي الْمُشْتَرَكِ ثُمَّ يَقْتَسِمَا الْأَرْضَ غَيْرَ مَوْضِعِ الْبِنَاءِ فَيَبْقَى الْبِنَاءُ، وَمَوْضِعُهُ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ وَالشَّرِيكُ أَوْلَى أَمَّا فِي مَوْضِعِ الْبِنَاءِ فَظَاهِرٌ لِكَوْنِهِ شَرِيكًا فِيهِ، وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ أَخَصُّ بِهِ حَيْثُ كَانَ شَرِيكًا فِي الْبَعْضِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْجَارِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ هُوَ وَالْجَارُ سَوَاءٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجِدَارِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الشُّفْعَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجِدَارِ بِالْجِوَارِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ يُسَاوُونَهُ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُ الْجِيرَانِ شَرِيكًا فِي مَنْزِلٍ مِنْ الدَّارِ أَوْ بَيْتٍ مِنْهَا فَبِيعَتْ الدَّارُ كَانَ هُوَ أَحَقَّ بِالْمَنْزِلِ لِمَا ذَكَرْنَا وَاسْتَوَوْا فِي الْبَقِيَّةِ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّهُمْ جِيرَانٌ فِي حَقِّ الْبَقِيَّةِ. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا فِيهَا بِئْرٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ غَيْرِ شَرِيكِهِ فِي الدَّارِ فَبَاعَهَا كَانَ الشَّرِيكُ فِي الدَّارِ أَوْلَى بِشُفْعَةِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِيهَا وَالْآخَرُ جَارٌ وَالشَّرِيكُ فِي الْبِئْرِ أَوْلَى بِالْبِئْرِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِيهَا وَالْآخَرُ جَارٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ سُفْلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِ عُلُوٌّ لِأَحَدِهِمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَبَاعَ هُوَ السُّفْلَ وَالْعُلُوَّ كَانَ الْعُلُوُّ لِشَرِيكِهِ فِي الْعُلُوِّ وَالسُّفْلُ لِشَرِيكِهِ فِي السُّفْلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرِيكٌ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ فِي حَقِّهِ وَجَارٌ فِي حَقِّ الْآخَرِ أَوْ شَرِيكٌ فِي الْحَقِّ إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ بِالْبَيْعِ) أَيْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِالْبَيْعِ وَتُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ إذَا كَانُوا كَثِيرِينَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مِقْدَارِ الْأَنْصِبَاءِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ فَأَشْبَهَ الْغَلَّةَ وَالرِّبْحَ وَالْوَلَدَ وَالثَّمَرَةَ، وَلَنَا أَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ لِوُجُودِ عِلَّةِ اسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلِهَذَا لَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ أَخَذَ الْكُلَّ وَالِاسْتِوَاءُ فِي الْعِلَّةِ يُوجِبُ الِاسْتِوَاءَ فِي الْحُكْمِ، وَلَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ بَلْ بِقُوَّةٍ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً فَهُمَا سَوَاءٌ، وَكَذَا صَاحِبُ الْجِرَاحَاتِ مَعَ صَاحِبِ جِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْحَزِّ مَعَ الْجُرْحِ فَإِنَّ الْحَزَّ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْمَوْتُ فَكَانَ أَوْلَى بِإِضَافَةِ الْمَوْتِ إلَيْهِ. وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْمِلْكِ فَيُسْتَحَقُّ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَتَمَلُّكُ مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْ مِلْكِهِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مِنْ ثَمَرَاتِهِ بَلْ الْعِلَّةُ أَصْلُ الْمِلْكِ لَا قَدْرُهُ وَالْحُكْمُ لَا يُزَادُ بِزِيَادَةِ الْعِلَّةِ، وَلَوْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَهُمْ كَانَ لِمَنْ بَقِيَ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لِاسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ قَدْ وُجِدَ وَتَقَرَّرَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَالتَّشْقِيصُ لِلْمُزَاحَمَةِ، وَقَدْ زَالَتْ، وَنَظِيرُهُ الرَّهْنُ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ بِكُلِّ الدَّيْنِ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَوْفَى الْبَعْضَ أَوْ كَانَ رَهْنًا عِنْدَ رَجُلَيْنِ فَقُضِيَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ التَّارِكِ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ قَطَعَ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا يَقْضِي بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَطْلُبَ فَلَا يُؤَخَّرُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ غَائِبًا فَطَلَبَ الْحَاضِرُ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إذَا حَضَرَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ قُضِيَ لَهُ بِهَا لِتَحَقُّقِ طَلَبِهِ غَيْرَ أَنَّ الْغَائِبَ إذَا كَانَ يُقَاسِمُهُ الْحَاضِرُ لَا يُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ إذَا أَسْقَطَ الْحَاضِرُ حَقَّهُ لِتَحَقُّقِ انْقِطَاعِ حَقِّهِ عَنْ الْبَاقِي بِالْقَضَاءِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قُضِيَ لَلشَّرِيك ثُمَّ تُرِكَ لَيْسَ لِلْجَارِ أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ لَلشَّرِيك انْقَطَعَ حَقُّهُ وَبَطَلَ؛ لِأَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَعْضَ وَيَتْرُكَ الْبَعْضَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَرَاحُ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِطْ بِهِ شَيْءٌ كَذَا فِي تَهْذِيبِ الدِّيوَانِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِوَاءُ إلَخْ) لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَارًا مُلَاصِقًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَالْآخَرُ مُلَاصِقٌ مِنْ ثَلَاثَةِ جَوَانِبَ فَهُمَا سَوَاءٌ. اهـ شَرْحِ مُغْنِي لِلَّقَانِيِّ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحَزِّ) أَيْ حَزِّ الرَّقَبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ) أَيْ لِمَنْ بَقِيَ. اهـ.

[باب طلب الشفعة]

يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَعَلَ بَعْضُ الشُّفَعَاءِ نَصِيبَهُ لِبَعْضٍ لَا يَصِحُّ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ بِهِ لِإِعْرَاضِهِ وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْبَاقِينَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ. وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ حَاضِرًا وَالْآخَرُ غَائِبًا فَطَلَبَ الْحَاضِرُ الشُّفْعَةَ فِي النِّصْفِ عَلَى حِسَابِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ فِي النِّصْفِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ وَالْقِسْمَةُ لِلْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا تُرِكَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وُجِدَ الْإِعْرَاضُ فِيهِ فَسَقَطَ فِي الْكُلِّ لِكَوْنِهِ لَا يَتَجَزَّأُ، وَكَذَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فَطَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُمَا، وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْكُلَّ وَالْآخَرُ النِّصْفَ بَطَلَ حَقُّ مَنْ طَلَبَ النِّصْفَ وَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالْبَيْعِ تَتَعَلَّقُ بِتَجِبُ فِي قَوْلِهِ تَجِبُ لِلْخَلِيطِ مَعْنَاهُ تَجِبُ لَهُ الشُّفْعَةُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ أَيْ بَعْدَهُ لَا أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الِاتِّصَالُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالشَّرْطُ رَغْبَةُ الْمَالِكِ عَنْهَا حَتَّى إذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ لِوُجُودِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا، وَقِيلَ الْبَيْعُ هُوَ السَّبَبُ بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ أَسْقَطَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الشِّرَاءِ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ إسْقَاطًا قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ، وَهُوَ الْبَيْعُ، وَلَوْ كَانَ السَّبَبُ الِاتِّصَالَ لَصَحَّ لِكَوْنِهِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ الْإِسْقَاطُ قَبْلَهُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ)؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لِلِاسْتِقْرَارِ كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ، وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَ كَمَا سُمِعَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا»، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ»؛ وَلِأَنَّ رَغْبَتَهُ فِيهَا بِذَلِكَ تُعْلَمُ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِشْهَادِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ بِالتَّرَاضِي أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي) أَيْ تُمْلَكُ الدَّارُ الْمَشْفُوعَةُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي بِرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي قَدْ تَمَّ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى الشَّفِيعِ إلَّا بِرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةً عَامَّةً فَيَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فِي ضِمْنِ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَوِلَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَوْقَ وِلَايَةِ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَنَظِيرُهُ الْهِبَةُ لَمَّا تَمَّ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ إلَّا أَنَّ أَخْذَ الشُّفْعَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَحْوَطُ حَتَّى كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْأَخْذِ إذَا سَلَّمَ الْمُشْتَرِي لَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّ فِي الْقَضَاءِ زِيَادَةَ فَائِدَةٍ، وَهِيَ صَيْرُورَةُ الْحَادِثَةِ مَعْلُومَةً لِلْقَاضِي وَتَبَيَّنَ سَبَبُ مِلْكِهِ لَهُ فَإِذَا كَانَتْ الْمَشْفُوعَةُ تُمْلَكُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَقَبْلَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا لَا يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمِلْكِ حَتَّى لَا تُورَثُ عَنْهُ إذَا مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ إذَا بَاعَ دَارِهِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا، وَلَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَسْتَحِقُّهَا بِالشُّفْعَةِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ فِيهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ عَلَى الطَّلَبِ ثُمَّ عَلَى الْبَائِعِ لَوْ فِي يَدِهِ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ فَهَذَانِ طَلَبَانِ فَالْأَوَّلُ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَالثَّانِي طَلَبُ التَّقْرِيرِ، وَفِيهِ طَلَبٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى، وَالشَّرْطُ أَنْ يَطْلُبَ كَمَا عَلِمَ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، وَلَا سُكُوتٍ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ يَدُلُّ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: حَتَّى إذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ) أَيْ وَجَحَدَ الْمُشْتَرِي. اهـ. (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ: وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِرَغْبَةِ الْبَائِعِ عَنْ مِلْكِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ دَارِهِ مِنْ زَيْدٍ فَجَحَدَ زَيْدٌ ذَلِكَ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِأَجْلِ اعْتِرَافِهِ بِخُرُوجِ الشَّيْءِ عَنْ مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ سَبَبُ الشُّفْعَةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَلَا يَمْلِكُ الشَّفِيعُ الدَّارَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَإِنْ أَثْبَتَ شُفْعَتَهُ بِطَلَبَيْنِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ وَطَلَبِ التَّقْرِيرِ حَتَّى أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ كَرْمًا فَأَكَلَ الْمُشْتَرِي ثِمَارَهُ سِنِينَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَلَا يُطْرَحُ عَنْ الشَّفِيعِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِمَا أَكَلَ مِنْ ثِمَارِهِ إذَا كَانَتْ الثِّمَارُ حَدَثَتْ بَعْدَ مَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْكَرْمَ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا إنَّهُ يَمْلِكُ بِالْأَخْذِ لَا بِالطَّلَبِ عَلَى الِانْفِرَادِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. . [بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ] (بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ) (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ عَلَى الطَّلَبِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِشْهَادُ فِيهِ أَيْ فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ قَالَ الْكَاكِيُّ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا شَرَطَ هَذَا الطَّلَبَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ الشُّفْعَةِ حَتَّى يُمْكِنَهُ الْحَلِفُ حِينَ طَلَبَ الْمُشْتَرِي حَلِفَهُ أَنَّهُ طَلَبَهَا كَمَا سَمِعَ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْإِشْهَادَ عِنْدَ الطَّلَبِ لَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةِ هَذَا الطَّلَبِ بَلْ لِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي عِنْدَ إنْكَارِهِ الطَّلَبَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْأَوَّلُ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ) وَسُمِّيَ الطَّلَبُ الْأَوَّلُ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» أَيْ طَلَبَهَا عَلَى وَجْهِ السُّرْعَةِ، وَالْمُبَادَرَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْوُثُوبِ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَثِبُ هُوَ الَّذِي يُسْرِعُ فِي طَيِّ الْأَرْضِ بِمَشْيِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالشَّرْطُ أَنْ يَطْلُبَ كَمَا عُلِمَ) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ إنْسَانٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَفِي كِتَابِ الْأَجْنَاسِ نُقِلَ عَنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ لِمُوسَى بْنِ نَصْرٍ صَاحِبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ يَحْتَاجُ الشَّفِيعُ أَنْ يَطْلُبَهَا سَاعَةَ بَلَغَهُ الْبَيْعُ وَيَتَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ بِالطَّلَبِ حَضَرَهُ الشُّهُودُ أَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مِنْ قَوْلِ نَفْسِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالطَّلَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

رِضَاهُ بِجِوَارِ الْجَارِ الْحَادِثِ، وَمُعَاشَرَتِهِ فَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِهِ، وَلَوْ أُخْبِرَ بِكِتَابٍ، وَالشُّفْعَةُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ فَقَرَأَ الْكِتَابَ إلَى آخِرِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ عِلْمِ الْمُشْتَرِي وَالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلُ الرِّضَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِمَا كَالْبِكْرِ لَا يَكُون سُكُوتُهَا رِضًا إلَّا إذَا كَانَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالزَّوْجِ ثُمَّ إذَا أُخْبِرَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ يُشْهِدُهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ يَطْلُبُ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الطَّلَبَ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ، وَالْإِشْهَادُ لِمَخَافَةِ الْجُحُودِ، وَالطَّلَبُ لَا بُدَّ مِنْهُ كَيْ لَا يَسْقُطَ حَقُّهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِيُمْكِنَهُ الْحَلِفُ إذَا حَلَفَ وَلِئَلَّا يَكُونَ مُعْرِضًا عَنْهَا وَرَاضِيًا بِجِوَارِ الدَّخِيلِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِعِلْمِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَنْهُ أَنَّ لَهُ التَّأَمُّلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ كَالْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّأَمُّلِ فِيهِ كَسَائِرِ التَّمَلُّكَاتِ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَا بَلَغَهُ الْبَيْعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَمْدٌ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْ جِوَارِهِ وَالثَّانِي تَعَجُّبٌ مِنْهُ لِقَصْدِ الْإِضْرَارِ بِهِ وَالثَّالِثُ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ بِهِ، وَلَا يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَكَذَا إذَا قَالَ مَنْ ابْتَاعَهَا وَبِكَمْ بِيعَتْ؛ لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِيهَا بِثَمَنٍ دُونَ ثَمَنٍ وَيَرْغَبُ عَنْ مُجَاوَرَةِ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ خَلَّصَنِي اللَّهُ وَيَصِحُّ الطَّلَبُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ فِي الْحَالِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ حَتَّى يُخْبِرَهُ بِهِ رَجُلَانِ غَيْرُ عَدْلَيْنِ أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَالَةُ أَوْ الْعَدَدُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ مَعَ أَخَوَاتِهَا، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ إذَا أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا إذَا كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا، وَإِذَا لَمْ يُشْهِدْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِالْإِجْمَاعِ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ، وَالْعَدَالَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْخُصُومِ. وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ طَلَبُ التَّقْرِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِعِلْمِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ) يَعْنِي أَنَّ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَإِذَا بِيعَتْ الدَّارُ، وَلَهَا شَفِيعٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ الشَّفِيعَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي الْأَصْلِ إنْ لَمْ يَطْلُبْ مَكَانَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الطَّلَبَ عَلَى الْمَجْلِسِ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ، وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ يَطْلُبْ حِينَ بَلَغَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ سَاعَتَئِذٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الطَّلَبَ عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا بَلَغَتْ الشُّفْعَةُ صَاحِبَهَا فَسَكَتَ فَهُوَ رِضًا، وَهُوَ تَرْكٌ لِلشُّفْعَةِ. قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ: وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ إذَا بَلَغَهُ فَكَسَتْ هُنَيْهَةً ثُمَّ ادَّعَاهَا مِنْ سَاعَتِهِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ. قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَهَذَا يُفِيدُ الْمَجْلِسَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إنْ تَرَكَ الطَّلَبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ إنْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ، وَقَالَ شَرِيكٌ لَا تَبْطُلُ أَبَدًا حَتَّى يُبْطِلَهَا بِقَوْلِهِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْفَوْرِ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا»، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الشُّفْعَةُ كَنَشِطَةِ عِقَالٍ إنْ قَيَّدَهَا ثَبَتَتْ وَإِلَّا ذَهَبَتْ». وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَجْلِسِ أَنَّهُ خِيَارُ تَمَلُّكٍ كَخِيَارِ الْقَبُولِ وَالْمُخَيَّرَةِ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَرَوَّى لِيَنْظُرَ هَلْ يَصْلُحُ لَهُ الْأَخْذُ أَمْ لَا يَصْلُحُ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا عَلَى الْمَجْلِسِ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ كَانَ عَلَى شُفْعَتِهِ مَا لَمْ يَقُمْ أَوْ يَتَشَاغَلْ بِغَيْرِ الطَّلَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْهُ أَنَّ لَهُ التَّأَمُّلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) أَيْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ لِلشَّفِيعِ مَجْلِسَ الْعِلْمِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ فِيهِ رِوَايَاتِ الْأَصْلِ وَالنَّوَادِرِ: وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي اخْتِلَافًا فِي رِوَايَةٍ، وَلَا مَعْنًى؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعِبَارَاتِ إنَّمَا أُرِيدَ بِهَا أَنْ لَا يَكُونَ الطَّلَبُ مُتَرَاخِيًا عَنْ الْحَالِ تَرَاخِيًا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْمُطَالَبَةِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ الْإِعْرَاضِ عَنْهَا، وَهُوَ عِنْدِي عَلَى مِثَالِ مَا قَالُوا فِي الْمُخَيَّرَةِ فِي الطَّلَاقِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك، وَكَخِيَارِ الْمُشْتَرِي إذَا أَوْجَبَ لَهُ الْبَائِعُ الْبَيْعَ قَالَ قَدْ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرَّدِّ أَوْ الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الْجَوَابِ وَالتَّرْكِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ) يَعْنِي الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ، وَعَنْهُ إلَخْ، وَهِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا الْكَرْخِيُّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ قِيلَ لَهُ إنَّ فُلَانًا بَاعَ دَارِهِ، وَهُوَ شَفِيعُهَا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ قَدْ ادَّعَيْت شُفْعَتَهَا أَوْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ قَدْ ادَّعَيْت شُفْعَتَهَا أَوْ لَقِيَ صَاحِبَهُ الَّذِي يَدَّعِي الشُّفْعَةَ قَبْلَهُ فَبَدَأَهُ بِالسَّلَامِ قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ ادَّعَاهَا أَوْ قَالَ حِينَ أُخْبِرَ بِالْبَيْعِ مَنْ اشْتَرَاهَا أَوْ بِكَمْ بَاعَهَا أَوْ عَطَسَ صَاحِبُهُ فَشَمَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ ادَّعَاهَا قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ فِي هَذَا كُلِّهِ عَلَى شُفْعَتِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ فِي النَّوَازِلِ سَأَلَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ عَنْ الشَّفِيعِ إذَا سَلَّمَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ مَعَ أَخَوَاتِهَا) أَيْ فِي آخِرِ فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا) وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْمُعَامَلَاتِ فَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْوَاحِدِ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ كَسَائِرِ أَخْبَارِ الْمُعَامَلَاتِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخْبَرَهُ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت دَارَ فُلَانٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ طَلَبُ التَّقْرِيرِ) أَيْ وَالْإِشْهَادُ. اهـ هِدَايَةٌ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى الشَّفِيعُ إذَا عَلِمَ بِاللَّيْلِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخُرُوجِ وَالْإِشْهَادِ فَإِنْ أَشْهَدَ حِينَ أَصْبَحَ صَحَّ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِثْبَاتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَيَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْإِشْهَادِ لِلتَّقْرِيرِ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَأَشْهَدَ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بِأَنْ بَلَغَهُ الْبَيْعُ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعُ حَاضِرٌ أَوْ كَانَ عِنْدَ الْعَقَارِ يَكْفِيهِ وَيَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ الطَّلَبَيْنِ، ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. وَكَيْفِيَّةُ هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَنْهَضَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي سَمِعَ فِيهِ وَيُشْهِدَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَقَرَّتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنَّمَا صَحَّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَالْبَائِعَ خَصْمٌ فِيهِ بِالْمِلْكِ أَوْ بِالْيَدِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْعَقَارِ فَلِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ، وَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ خَصْمًا بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ فَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَالنَّاطِفِيُّ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا، وَمُدَّةُ هَذَا الطَّلَبِ مُقَدَّرَةٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَحَدِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ، وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ قَصَدَ الْأَبْعَدَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَتَرَكَ الْأَقْرَبَ فَإِنْ كَانُوا جَمِيعًا فِي مِصْرِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ نَوَاحِيَ الْمِصْرِ جُعِلَتْ كَنَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ حُكْمًا كَأَنَّهُمْ فِي مَكَان وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ فِيهِ، وَالْبَعْضُ فِي مِصْرٍ آخَرَ أَوْ فِي الرُّسْتَاقِ فَقَصَدَ الْأَبْعَدَ وَتَرَكَ الَّذِي فِي مِصْرِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِتَبَايُنِ الْمَكَانَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا يَطْلُبُ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ حِينَ يَعْلَمُ ثُمَّ يُعْذَرُ فِي تَأْخِيرِ طَلَبِ التَّقْرِيرِ بِقَدْرِ الْمَسَافَةِ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. وَصُورَةُ هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ، وَأَنَا شَفِيعُهَا، وَقَدْ كُنْت طَلَبْت الشُّفْعَةَ، وَأَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَبِيعِ وَتَحْدِيدُهُ؛ لِأَنَّ مُطَالَبَةَ غَيْرِ مَعْلُومٍ لَا تَصِحُّ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمَطْلُوبَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُطَالَبَةِ اخْتِصَاصٌ بِالْمَبِيعِ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمَطْلُوبَ، وَأَمَّا الثَّالِثُ، وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ بِدُونِ طَلَبِهِ، وَنُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ هَذَا الطَّلَبِ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ثُمَّ لَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ) أَيْ لَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِتَأْخِيرِ هَذَا الطَّلَبِ، وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ بَعْدَمَا اسْتَقَرَّتْ شُفْعَتُهُ بِالْإِشْهَادِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْمُخَاصَمَةَ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَالتَّسْلِيمِ كَمَا فِي تَأْخِيرِ الطَّلَبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ أَخَّرَ هَذَا الطَّلَبَ إلَى شَهْرٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَسْقُطْ بِتَأْخِيرِهِ لَلَحِقَ الْمُشْتَرِيَ ضَرَرٌ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ خَشْيَةَ أَنْ يُنْقَضَ تَصَرُّفُهُ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» ثُمَّ قَدَّرَ تِلْكَ الْمُدَّةَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ وَالْمَدِينِ لِلْقَضَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ قَدَّرَهَا بِشَهْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ آجِلٌ، وَمَا دُونَهُ عَاجِلٌ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْأَيْمَانِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْإِشْهَادِ فَلَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الضَّرَرِ يُمْكِنُهُ إزَالَتُهُ بِأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَيَأْمُرَهُ بِالْأَخْذِ أَوْ بِالتَّرْكِ عَلَى أَنَّهُ مُشْكِلٌ بِمَا إذَا كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا حَيْثُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ، وَلَوْ كَانَ ضَرَرُهُ مُرَاعًى لَسَقَطَتْ إذْ لَا فَرْقَ فِي لُزُومِ الضَّرَرِ فِي حَقِّهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ عَدَمِ قَاضٍ يَرَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ فِي بَلَدِهِ لَا تَسْقُطُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ لِكَوْنِهِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي مِصْرِهِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَخَّرَ شَهْرًا سَقَطَتْ الشُّفْعَةُ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي قَصْدِ الْإِضْرَارِ بِالْغَيْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ طَلَبَ عِنْدَ الْقَاضِي سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِمِلْكِ مَا يَشْفَعُ بِهِ أَوْ نَكَلَ أَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ سَأَلَهُ عَنْ الشِّرَاءِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَوْ نَكَلَ أَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ قَضَى بِهَا) أَيْ إذَا تَقَدَّمَ الشَّفِيعُ وَادَّعَى الشِّرَاءَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ عِنْدَ الْقَاضِي سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي عَنْ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا الشَّفِيعُ هَلْ هِيَ مِلْكُ الشَّفِيعِ أَمْ لَا فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ أَوْ أَنْكَرَ وَنَكَلَ عَنْ الْعَيْنِ أَوْ أَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ سَأَلَ الْقَاضِي الْمُشْتَرِيَ عَنْ الشِّرَاءِ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ اشْتَرَيْت أَمْ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْكَافِي ثُمَّ يَذْهَبُ عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ إلَى الدَّارِ أَوْ إلَى الْبَائِعِ أَوْ إلَى الْمُشْتَرِي فَيَطْلُبُ الشُّفْعَةَ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ وَيُسَمَّى هَذَا طَلَبَ التَّقْرِيرِ، وَلَوْ تَرَكَ هَذَا أَوْ أَخَّرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَيَأْخُذُ الشُّفْعَةَ مِنْهُ. اهـ دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ حَصَلَ عَلَى الْعَاقِدِ فَيَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ عَلَى الْمُشْتَرِي. اهـ دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّالِثُ) أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ) وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ طَلَبَ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ الْأَتْقَانِيَّ سَمَّاهُ فِي شَرْحِ الْكَافِي طَلَبَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَ الشَّفِيعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيُثْبِتُ حَقَّهُ عِنْدَهُ بِالْحُجَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) أَيْ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) أَيْ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. اهـ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ) أَيْ وَقَاضِي خَانْ فِي جَامِعِهِ وَصَاحِبُ الْمَنَافِعِ وَالْخُلَاصَةِ. اهـ كَاكِيٌّ قَالَ الْكَاكِيُّ: فَكَانَ مَا اخْتَارَهُ فِي الْكِتَابِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ هَذِهِ الْكِتَابِ. اهـ

فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اشْتَرَى أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ أَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِثُبُوتِهِ عِنْدَهُ. وَهَذَا هُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ الْمَوْعُودِ بِهِ فَذَكَرَ هُنَا سُؤَالَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ أَوَّلًا عَقِيبَ طَلَبِ الشَّفِيعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقَاضِي يَسْأَلُ الْمُدَّعِي أَوَّلًا قَبْلَ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ مَوْضِعِ الدَّارِ مِنْ مِصْرٍ، وَمَحَلَّةٍ وَحُدُودِهَا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى فِيهَا حَقًّا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى مِلْكَ رَقَبَتِهَا فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ هَلْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَحْضُرَ الْبَائِعُ فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ شُفْعَتِهِ وَحُدُودِ مَا يَشْفَعُ بِهَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَلَعَلَّهُ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ صَالِحٍ أَوْ يَكُونُ هُوَ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ فَإِذَا بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا، وَلَمْ يَكُنْ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ سَأَلَهُ أَنَّهُ مَتَى عَلِمَ، وَكَيْفَ صَنَعَ حِينَ عَلِمَ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِطُولِ الزَّمَانِ وَبِالْإِعْرَاضِ وَبِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَشْفِ ذَلِكَ فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ التَّقْرِيرِ كَيْفَ كَانَ؟ وَعِنْدَ مَنْ أَشْهَدَ؟، وَهَلْ كَانَ الَّذِي أَشْهَدَ عِنْدَهُ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ غَيْرِهِ أَمْ لَا؟. عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَلَمْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ شُرُوطِهِ ثُمَّ دَعْوَاهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا هَلْ هِيَ مِلْكُ الشَّفِيعِ أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ فِي يَدِ الشَّفِيعِ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِهِ بِحُجَّةٍ لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ فَيَسْأَلُهُ عَنْهُ فَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لَهُ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا مِلْكُك فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ يَمِينَهُ اسْتَحْلَفَ الْمُشْتَرِيَ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكٌ لِلَّذِي ذَكَرَهُ مِمَّا يَشْفَعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ ثُمَّ هُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ بِهَذَا السَّبَبِ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْمِلْكَ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ فَإِنْ نَكَلَ أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ ثَبَتَ مِلْكُ الشَّفِيعِ فِي الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا وَثَبَتَ السَّبَبُ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ اشْتَرَيْت أَمْ لَا فَإِنْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ قَالَ لِلشَّفِيعِ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِالشِّرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْحُجَّةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُشْتَرِي اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَى أَوْ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ شُفْعَةً مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى الْحَاصِلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالْأَوَّلُ عَلَى السَّبَبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الدَّعْوَى. وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَعَلَى مَا فِي يَدِهِ أَصَالَةً، وَفِي مِثْلِهِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِنْ نَكَلَ أَوْ أَقَرَّ أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ قَضَى بِهَا لِظُهُورِ الْحَقِّ بِالْحُجَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَلْزَمُ الشَّفِيعَ إحْضَارُ الثَّمَنِ وَقْتَ الدَّعْوَى بَلْ بَعْدَ الْقَضَاءِ) بَلْ يَجُوزُ لَهُ الْمُنَازَعَةُ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الثَّمَنَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ لَزِمَهُ إحْضَارُ الثَّمَنِ، وَهَذَا ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يُحْضِرَ الثَّمَنَ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ احْتِرَازًا عَنْ تَوْيِ الثَّمَنِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الثَّمَنَ قَبْلَ الْقَضَاءِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَلَا يُطَالَبُ بِأَدَائِهِ وَالْإِحْضَارِ لِلتَّسْلِيمِ، وَلَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَلَا مَعْنَى لِإِحْضَارِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ ثُمَّ إذَا قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ إحْضَارِ الثَّمَنِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْعَقَارَ عَنْهُ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا نُزِّلَا مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ. وَلَوْ أَخَّرَ دَفْعَ الثَّمَنِ بَعْد مَا قَالَ ادْفَعْ الثَّمَنَ إلَيْهِ لَا تَبْطُلُ بِالْإِجْمَاعِ لِتَأَكُّدِهَا بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ تَبْطُلُ لِعَدَمِ التَّأَكُّدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَخَاصَمَ الْبَائِعَ لَوْ فِي يَدِهِ) أَيْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ يَدًا مُحِقَّةً أَصَالَةً فَكَانَ خَصْمًا كَالْمَالِكِ بِخِلَافِ الْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ شُفْعَتِهِ وَحُدُودِ مَا يَشْفَعُ بِهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَشَرَطَ فِي الْفَتَاوَى بَيَانَ حُدُودِ دَارِ الشَّفِيعِ الَّتِي طَلَبَ الشُّفْعَةَ بِهَا بِأَنَّ قَالَ أَنَا شَفِيعُهَا بِالْجِوَارِ بِدَارِي الَّتِي أَحُدُّ حُدُودَهَا كَذَا وَالثَّانِي كَذَا وَالثَّالِثُ كَذَا وَالرَّابِعُ كَذَا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَحْدِيدُ دَارِ الشَّفِيعِ عَلَى مَا قَالَ الْخَصَّافُ بَلْ إذَا قَالَ أَنَا شَفِيعُ الدَّارِ الَّتِي اشْتَرَاهَا فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ، وَهِيَ فِي بَلْدَةِ كَذَا فِي مَحَلَّةِ كَذَا فِي سِكَّةِ كَذَا وَبَيَّنَ حُدُودَهَا بِدَارِي الَّتِي تُلَازِقُهَا كَفَى، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حُدُودَ دَارِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَأَمَّا الطَّلَبُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ أَشْتَرِي هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي أَحَدُّ حُدُودِهَا كَذَا وَالثَّانِي كَذَا وَالثَّالِثُ كَذَا وَالرَّابِعُ كَذَا، وَأَنَا شَفِيعُهَا بِالْجِوَارِ بِدَارِي الَّتِي أَحَدُّ حُدُودِهَا كَذَا وَالثَّانِي كَذَا وَالثَّالِثُ كَذَا وَالرَّابِعُ كَذَا طَلَبْت أَخْذَهَا بِشُفْعَتِي فَمُرْهُ بِتَسْلِيمِهَا لِي بِشُفْعَتِي هَذِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: يَقُولُ لِلْمُدَّعِي إلَخْ) وَقَالَ زُفَرُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلٌ عَلَى الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشُّهُودَ يَشْهَدُونَ بِالْمِلْكِ بِمُشَاهَدَةِ الْيَدِ فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِالشُّفْعَةِ لِأَجْلِهَا، وَلَنَا أَنَّ الْيَدَ ظَاهِرٌ فِي الْمِلْكِ، وَالظَّاهِرُ يُدْفَعُ بِهِ الدَّعْوَى، وَلَا يُسْتَحَقُّ بِهِ عَلَى الْغَيْرِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَطَلَبَ) أَيْ الشَّفِيعُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَام فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَنْ تَوْيِ الثَّمَنِ) أَيْ إذْ لَوْ قَضَى الْقَاضِي قَبْلَ إحْضَارِ الثَّمَنِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ الشَّفِيعُ مُفْلِسًا فَيَتَعَجَّلُ مِلْكَ الدَّارِ وَيَتَأَخَّرُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ بِرِضَا الْبَائِعِ فَلِذَلِكَ اسْتَوَى مَا فِيهِ ضَرَرٌ، وَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ يَدَهُمْ لَيْسَتْ بِأَصَالَةٍ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي فَيُفْسَخَ الْبَيْعُ بِمَشْهَدِهِ وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْبَائِعِ)؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمِلْكَ وَالْيَدَ فَيَقْضِي الْقَاضِي بِهِمَا لَهُ فَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لِلْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا بِهِمَا؛ لِأَنَّ لِأَحَدِهِمَا يَدًا وَلِلْآخَرِ مِلْكًا فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ؛ وَلِأَنَّ أَخْذَهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ يُوجِبُ فَوَاتَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفَوَاتُهُ قَبْلَهُ يُوجِبُ الْفَسْخَ لِكَوْنِهِ قَبْلَ تَمَامِهِ كَمَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْسَخَ عَلَيْهِمَا إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَيْهِمَا بِالْفَسْخِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْتَهَى بِالتَّسْلِيمِ فَصَارَ الْبَائِعُ أَجْنَبِيًّا عَنْهُمَا. ثُمَّ وَجْهُ هَذَا الْفَسْخِ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنْ يُجْعَلَ فَسْخًا فِي حَقِّ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ فَاتَ بِالْأَخْذِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ يُوجِبُ الْفَسْخَ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ انْفَسَخَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُشْتَرِي وَبَقِيَ أَصْلُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ انْفِسَاخَهُ يُوجِبُ سُقُوطَ الشُّفْعَةِ، وَهِيَ إنَّمَا تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ فَيُجْعَلُ الْعَقْدُ مُضَافًا إلَى الشَّفِيعِ قَائِمًا مَقَامَ الْمُشْتَرِي كَأَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ لَهُ وَخَاطَبَهُ بِالْإِيجَابِ فَجُعِلَ الْعَقْدُ مُتَحَوِّلًا إلَى الشَّفِيعِ فَلَمْ يَنْفَسِخْ أَصْلُهُ، وَإِنَّمَا انْفَسَخَ إضَافَتُهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَنَظِيرُهُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ مَنْ رَمَى سَهْمًا إلَى شَخْصٍ فَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ فَأَصَابَهُ فَالرَّمْيُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُنْتَقَضْ وَالتَّوَجُّهُ إلَى الْأَوَّلِ قَدْ انْتَقَضَ بِتَخَلُّلِ الثَّانِي وَتَوَجَّهَ إلَيْهِ فَكَذَا هُنَا تَحَوَّلَتْ الصَّفْقَةُ إلَى الشَّفِيعِ كَأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَقَعَ مَعَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ خَصْمٌ لِلشَّفِيعِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْمُوَكِّلِ)؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ فِيهَا مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَهِيَ إلَى الْعَاقِدِ أَصِيلًا كَانَ أَوْ وَكِيلًا وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلًا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُخَاصِمَهُ وَيَأْخُذَهَا مِنْهُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي كَمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمَالِكُ عَلَى مَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّهُ إذَا سَلَّمَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَدِ لِلْوَكِيلِ، وَلَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا بَعْدَهُ فَصَارَ كَالْبَائِعِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ خَصْمًا مَا لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا سَلَّمَهَا لَمْ تَبْقَ يَدٌ، وَلَا مِلْكٌ لَهُ فَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا، وَهَذَا مِثْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْقَضَاءِ حُضُورُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ بِاخْتِيَارِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ فَكَانَ حُضُورُهُ كَحُضُورِ الْمُوَكِّلِ، وَلَا كَذَلِكَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْمُشْتَرِي فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْمُشْتَرِي لِلْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَالْأَبُ وَوَصِيُّهُ كَالْوَكِيلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلِلشَّفِيعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِذَا صَحَّ الْإِشْهَادُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَأَرَادَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالدَّارِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لَمْ تُقْبَضْ أَحْضَرَ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا، وَلَا يُقْضَى لَهُ حَتَّى يَحْضُرَا جَمِيعًا فَإِنْ أَحْضَرَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ قَدْ قُبِضَتْ فَالْخَصْمُ هُوَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَإِذَا أَحْضَرَ حُكِمَ عَلَيْهِ فَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالشُّفْعَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَالدَّارُ فِي يَدِ الْبَائِعِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ الَّذِي كَانَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَيُسَلِّمُ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ، وَكَانَتْ عُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَيَرْجِعُ الشَّفِيعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إذَا كَانَ نَقَدَهُ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِهِ: فَإِذَا أَخَذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَيَدْفَعُ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي، وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ انْتَقَلَ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ فَسْخُ بَيْعِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ، وَأَوْرَدَ الْقُدُورِيُّ هُنَا سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي شَرْحِهِ فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ الشَّفِيعُ يَسْتَحِقُّ بِسَبَبٍ سَابِقٍ لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا أَخَذَ الشَّيْءَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي انْفَسَخَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي كَمَا يَنْفَسِخُ إذَا أَخَذَ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ أَصْلُهُ الْمُسْتَحَقَّ إذَا أَخَذَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي. وَالْجَوَابُ إنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي لَوْ كَانَ فَسْخًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْضِيَ إلَّا بِحُضُورِ الْبَائِعِ فَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي عَلَى الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْبَائِعِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ لَيْسَ بِفَسْخٍ وَيُفَارِقُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا، وَإِنَّمَا فَسَخْنَا الْبَيْعَ إذَا أُخِذَ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ لِسُقُوطِ الْقَبْضِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ إذَا أُخِذَ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا قُلْنَا إنْ كَانَتْ الدَّارُ أُخِذَتْ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعُهْدَةَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْبَائِعُ هُوَ الْقَابِضُ لِلثَّمَنِ، وَكَانَ رَدُّهُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ انْفَسَخَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَانْتَقَلَ الْمَبِيعُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَكَانَتْ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إذَا أُخِذَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْعُهْدَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَابِضُ لِلثَّمَنِ؛ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ انْتَقَلَ مِنْ مِلْكِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ زُفَرُ عُهْدَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ فِي الْوَجْهَيْنِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ خَصْمٌ إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَمَنْ اشْتَرَى دَارَ الرَّجُلِ بِأَمْرِهِ، وَقَبَضَهَا ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ فَطَلَبَ الشُّفْعَةَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْوَكِيلُ لَمْ يُسَلِّمْ الدَّارَ إلَى الْمُوَكِّلِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ مِنْهُ وَيَكْتُبَ عُهْدَتَهُ عَلَيْهِ وَيَنْقُدَ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَيَدْفَعَهُ الْوَكِيلُ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ سَلَّمَ الدَّارَ إلَى الْمُوَكِّلِ أَخَذَهَا مِنْهُ وَيَنْقُدُ الثَّمَنَ إيَّاهُ وَيَكْتُبُ الْعُهْدَةَ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَأْخُذُ مِنْ يَدِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ لِلْمُوَكِّلِ، وَهُوَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِيهَا، وَلَكِنْ يُقَالُ سَلَّمَ الدَّارَ إلَى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ مِنْهُ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْ يَدِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ رَاجِعَةٌ إلَى الْعَاقِدِ فَيَكُونُ فِي حُقُوقِ عَقْدِهِ كَالْمَالِكِ، وَالشُّفْعَةُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالْأَبُ وَوَصِيُّهُ كَالْوَكِيلِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَصِيًّا لِمَيِّتٍ فِيمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: يَعْنِي يَكُونُ الْوَصِيُّ هُوَ الْخَصْمَ لِلشَّفِيعِ إذَا بَاعَ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ. بَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ كِبَارًا حُضُورًا، وَلَا دَيْنَ، وَلَا وَصِيَّةَ فَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْكِبَارِ فَإِنْ كَانَ الْكِبَارُ غُيَّبًا فَلَهُ بَيْعُ الْعُرُوضِ دُونَ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْحِفْظِ، وَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا فَلَهُ بَيْعُ الْكُلِّ

وَالْعَيْبِ، وَإِنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْبَرَاءَةَ مِنْهُ)؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْأَخْذُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَشِرَاءٌ مِنْ الْبَائِعِ لِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارَانِ فِيهِ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُمَا بِاخْتِيَارِهِمَا، وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِرُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي، وَلَا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الشَّفِيعِ فَلَا يَعْمَلُ شَرْطُهُ وَرُؤْيَتُهُ فِي حَقِّهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الْأَخْذِ عِنْدَ نَقْدِ الْأَقَلِّ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ ذَلِكَ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ عُرِفَ بِالنَّصِّ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْإِنْكَارُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالدَّعْوَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي عَلَى الشَّفِيعِ شَيْئًا فَلَا يَكُونُ الشَّفِيعُ مُنْكِرًا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلشَّفِيعِ) أَيْ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَالْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ مَعَ الْمُوَكِّلِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ مَعَ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ فِي ثَمَنِ الْعَبْدِ الْمَأْسُورِ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَإِنَّ بَيِّنَةَ الْبَائِعِ وَالْوَكِيلِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ أَوْلَى لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ، وَلَهُمَا أَنَّ بَيِّنَةَ الشَّفِيعِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ لِلْمُشْتَرِي وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لَيْسَتْ بِمُلْزِمَةٍ لِلشَّفِيعِ لِتَخَيُّرِهِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِمَا بِأَنْ يَثْبُتَ الْعَقْدَانِ فَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي بِأَيِّهِمَا شَاءَ فَلَا يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتَّرْجِيحِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا. وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى مَعَ عَبْدِهِ فَقَالَ الْمَوْلَى قُلْت لَك إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَقَالَ الْعَبْدُ قُلْت لِي إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ إمَّا؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَا تُنَافِي فَيَثْبُتُ التَّعْلِيقَانِ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ بِأَدَاءِ أَيِّ الْمَالَيْنِ شَاءَ بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا أَمَّا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مُلْزِمَةٌ حَتَّى يُخَيَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَأْخُذَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِي يَكُونُ فَسْخًا لِلْأَوَّلِ فِي حَقِّهِمَا فَلَا يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي إلَّا بِالثَّانِي فَإِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ صِرْنَا إلَى التَّرْجِيحِ بِالزِّيَادَةِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي فِي حَقِّ الشَّفِيعِ فَيَأْخُذُ بِأَيِّ الْعَقْدَيْنِ شَاءَ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ بِالْأَوَّلِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمُوَكِّلِ فَلَا يُرَدُّ. وَالْفَرْقُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَكِيلَ مَعَ الْمُوَكِّلِ كَالْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي لِوُقُوعِ الْمُبَادَلَةِ الْحُكْمِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا فَكَانَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُلْزِمَةً، وَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا فَصِرْنَا إلَى التَّرْجِيحِ بِالزِّيَادَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الشَّفِيعُ مَعَ الْمُشْتَرِي وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَأَمَّا الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ فَقَدْ ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ بَيِّنَتَهُ مُلْزِمَةٌ وَبَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ غَيْرُ مُلْزِمَةٍ لِتَخَيُّرِ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ فَصَارَ كَالشَّفِيعِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَفِيهَا الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي حَقِّ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ يَنْفَسِخُ بِالثَّانِي فَوُجِدَ التَّعَارُضُ فَصِرْنَا إلَى التَّرْجِيحِ بِالزِّيَادَةِ، وَفِي حَقِّ الشَّفِيعِ لَا يَنْفَسِخُ فَلَمْ يُوجَدْ التَّعَارُضُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى بَائِعُهُ أَقَلَّ مِنْهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ)؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ إنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ، وَلَوْ كَانُوا صِغَارًا وَكِبَارًا فَلَهُ بَيْعُ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ مِنْ نَصِيبِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَهُ بَيْعُ نَصِيبِ الصِّغَارِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ دُونَ نَصِيبِ الْكِبَارِ الْحُضُورِ فَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا بَاعَ عُرُوضَهُمْ لَا عَقَارَهُمْ كَذَا فِي الْمُخْتَلَفِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَلَا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ) قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَمَلُّكٌ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ وَاسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَسْتَوِيَ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَعَدَمُ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا، وَعَدَمُ الرِّضَا، وَلَوْ بَطَلَ يَبْطُلُ لَا إلَى خَلَفٍ حَتَّى لَا يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ ضَامِنًا لَهُ سَلَامَةَ الْبِنَاءِ وَنَحْوَهُ. مِثَالُهُ إذَا أَخَذَ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَوْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً أَوْ غَرَسَ غَرْسًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ وَالْعَقَارُ وَأَمَرَ بِقَلْعِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ بِالثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ سَلَامَةَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ إنْ أَخَذَهُ بِقَضَاءٍ وَكَذَا إذَا أَخَذَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي عَيْنَ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ بِحَقٍّ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الدَّخِيلِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْقَضَاءُ وَغَيْرُ الْقَضَاءِ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لَمَّا كَانَ الرَّاجِعُ أَخَذَ عَيْنَ حَقِّهِ بِحَقٍّ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْهِبَةِ يَسْتَوِي الْقَضَاءُ وَالرِّضَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي) أَيْ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ الْمَبِيعِ وَتَرْكِهِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي إذَا تَرَكَ الدَّعْوَى لَا يَتْرُكُ وَالشَّفِيعُ إذَا تَرَكَ الدَّعْوَى يَتْرُكُ فَلَمْ يَكُنْ اخْتِلَافُهُمَا فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» فَلَا جَرَمَ لَمْ يَجِبْ التَّحَالُفُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ) أَيْ الْحَرْبِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِمَا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِأَلْفٍ، وَمَرَّةً بِأَلْفَيْنِ فَأَمْكَنَ تَصْدِيقُ الْبَيِّنَتَيْنِ. اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَئِنْ سَلَّمْنَا) أَيْ أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي أَوْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ) أَيْ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

كَمَا قَالَهُ الْبَائِعُ فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَهُ الْمُشْتَرِي يَكُونُ حَطًّا عَنْ الْمُشْتَرِي بِدَعْوَاهُ الْأَقَلَّ وَحَطُّ الْبَعْضِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ فَيَأْخُذُهُ بِهِ؛ وَلِأَنَّ تَمَلُّكَ الْمُشْتَرِي بِإِيجَابِ الْبَائِعِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ مَا دَامَتْ مُطَالَبَتُهُ بَاقِيَةً فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي تَحَالَفَا، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَا يَقُولُهُ الْآخَرُ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ كَالْإِقْرَارِ بِمَا يَدَّعِيهِ خَصْمُهُ، وَإِنْ حَلَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِمَا يَقُولُهُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ فَلَا يَقْدِرَانِ عَلَى إبْطَالِهِ بِالْفَسْخِ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّارَ إذَا رُدَّتْ عَلَى الْبَائِعِ بِعَيْبٍ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ، وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ قَبَضَ أَخَذَهَا بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي) أَيْ لَوْ كَانَ الْبَائِعُ قَبَضَ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِيَمِينِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ خَرَجَ مِنْ الْبَيِّنِ وَالْتَحَقَ بِالْأَجَانِبِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الْعَقْدِ بِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ فَبَقِيَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى حَالِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ قَبْضُ الثَّمَنِ غَيْرَ ظَاهِرٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت الدَّارَ بِأَلْفٍ، وَقَبَضْت الثَّمَنَ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ تَعَلَّقَتْ الشُّفْعَةُ بِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ صَحِيحٌ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَبَعْدَهُ لَا يَصِحُّ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ فَيَبْقَى حَتَّى يُوجَدَ مَا يُبْطِلُهُ وَبِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَبَضْت الثَّمَنَ يُرِيدُ إبْطَالَ حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ يَخْرُجُ مِنْ الْبَيْنِ فَيَكُونُ أَجْنَبِيًّا فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ قَبَضْت فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ أَجْنَبِيًّا حَتَّى لَا يُقْبَلَ إقْرَارُهُ بِمِقْدَارِهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ فَيَأْخُذُهَا الْمُشْتَرِي بِأَلْفٍ، وَلَوْ بَدَأَ بِقَبْضِ الثَّمَنِ قَبْلَ بَيَانِ الْقَدْرِ بِأَنْ قَالَ بِعْت الدَّارَ، وَقَبَضْت الثَّمَنَ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ أَوَّلًا خَرَجَ بِهِ مِنْ الْبَيِّنِ فَصَارَ أَجْنَبِيًّا فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: نَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ الْوَصِيُّ اسْتَوْفَيْت جَمِيعَ مَا لِلْمَيِّتِ عَلَى غَرِيمِهِ فُلَانٍ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَقَالَ الْغَرِيمُ بَلْ كَانَ عَلَيَّ أَلْفَا دِرْهَمٍ قَدْ أَوْفَيْتُك جَمِيعَ ذَلِكَ فَالْوَصِيُّ ضَامِنٌ لِلْأَلْفِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ، وَلَوْ قَالَ اسْتَوْفَيْت مِنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَهُوَ جَمِيعُ مَا لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ فَقَالَ فُلَانٌ كَانَ عَلَيَّ أَلْفَا دِرْهَمٍ، وَقَدْ أَوْفَيْتُك الْكُلَّ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ قَبْضَ الْجَمِيعِ صَارَ أَجْنَبِيًّا فَلَا يُقْبَلُ بَيَانُ قَدْرِهِ بَعْدَهُ، وَمَا لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ قَبَضَ الْجَمِيعَ لَا يَكُونُ أَجْنَبِيًّا فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي بَيَانِ قَدْرِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِخَصْمِهِ لِإِنْكَارِهِ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَطُّ الْبَعْضِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لَا حَطُّ الْكُلِّ وَالزِّيَادَةُ) أَيْ حَطُّ بَعْضِ الثَّمَنِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ حَتَّى يَأْخُذَهُ بِمَا بَقِيَ، وَلَا يَظْهَرُ حَطُّ الْكُلِّ فِي حَقِّهِ، وَلَا الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَنِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ حَتَّى لَا تَلْزَمَهُ الزِّيَادَةُ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيَأْخُذُهُ بِجَمِيعِ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ لَمَّا الْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ صَارَ الْبَاقِي هُوَ الثَّمَنُ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَطُّ قَبْلَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ بَعْدَهُ لِوُجُودِ الِالْتِحَاقِ فِي الصُّورَتَيْنِ فَيَرْجِعُ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ إنْ كَانَ أَوْفَاهُ الثَّمَنَ، وَلَوْ حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ الشُّفْعَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الثَّمَنَ أَقَلُّ فَلَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ بِخِلَافِ حَطِّ الْكُلِّ حَيْثُ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ الْتَحَقَ لَكَانَ هِبَةً أَوْ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ، وَهُوَ فَاسِدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَبَضْت الثَّمَنَ) أَيْ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِأَلْفَيْنِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ) أَيْ مُؤَاخَذَةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِإِقْرَارِهِ تَأَمَّلْ تَدْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَأْخُذَهُ بِمَا بَقِيَ) هَذَا إذَا حَطَّ الْبَائِعُ أَمَّا إذَا حَطَّ وَكِيلُ الْبَائِعِ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ صَحَّ حَطُّهُ وَيَضْمَنُ قَدْرَهُ لِلْبَائِعِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حَطًّا عَنْ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ حَطَّ الْوَكِيلِ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ. اهـ فَتَاوَى قَاضِيخَانْ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ: وَإِنْ زَادَ الْبَائِعُ فِي الثَّمَنِ زِيَادَةً بَعْدَ الْعَقْدِ أَخَذَ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُمَا فِي حَقِّهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي بِمَا بَقِيَ لَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ تَعَلَّقَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِقَضِيَّةِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَمَتَى انْتَقَضَ الْعَقْدُ الثَّانِي لَمْ يُسَلِّمْ لِلْمُشْتَرِي الدَّارَ فَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ بَعْضُهُ مِنْ يَدِ الشَّفِيعِ فَيَرْجِعُ بِالْبَقِيَّةِ عَلَى بَائِعِهِ إنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ، وَلَوْ أَخَذَهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ تَسْلِيمًا لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ يَصْلُحُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ كَالْبَيْعِ الْأَوَّلِ، وَمَتَى أَخَذَهُ بِالشِّرَاءِ الثَّانِي مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ تَمَامُ حَقِّهِ وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَهَا الْمُشْتَرِي وَسَلَّمَهَا أَوْ رَهَنَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا امْرَأَةً كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُبْطِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تُبْطِلُ حَقَّهُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ لِيُعِيدَهَا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَيَأْخُذَ بِالْحَقِّ الَّذِي لَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا تَصَرَّفَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ حَقُّ النَّقْضِ، وَإِنْ كَانَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ ثَابِتًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِتَسْلِيطِهِ فَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْر بِهِ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ عَلَى الشَّفِيعِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إنَّمَا الثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ، وَقَعَ عَلَيْهِ وَلَا يَأْخُذُ الدَّارَ حَتَّى يَنْقُدَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ تَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ فَلَا يَكُونُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَخْذِهِ حَتَّى يَصِلَ الثَّمَنُ إلَى بَائِعِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

فَلَا شُفْعَةَ فِيهِمَا، وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ أَخْذَهَا بِالْمُسَمَّى قَبْلَ الزِّيَادَةِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِ الثَّابِتِ لَهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ بِتَجْدِيدِهِمَا الْعَقْدَ لِمَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ دُونَ الشَّفِيعِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ حَيْثُ تَصِحُّ الزِّيَادَةُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا حَتَّى جَازَ بِنَاؤُهُمَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ أَحَدٌ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ فَيَلْتَحِقُ فِي حَقِّهِمَا بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ وَبَيَّنَّا الْحُجَجَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَرَضٍ أَوْ عَقَارٍ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ وَبِمِثْلِهِ لَوْ مِثْلِيًّا)؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَلَّكُهَا بِمِثْلِ مَا تَمَلَّكَهَا الْمُشْتَرِي بِهِ ثُمَّ الْمِثْلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلًا لَهُ صُورَةً، وَمَعْنًى كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ أَوْ مَعْنًى لَا صُورَةً، وَهُوَ مَا عَدَا ذَلِكَ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْمِثْلُ كَمَا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَيَأْخُذُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ لَهَا وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِعَقَارٍ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ الْآخَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَبِحَالٍّ لَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ يَصْبِرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ فَيَأْخُذَهَا) أَيْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ حَالٍّ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا أَوْ يَصْبِرَ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ فَيَأْخُذَهَا عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي الْحَالِّ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلشَّفِيعِ حَقَّ الْأَخْذِ بِالثَّمَنِ الَّذِي يَمْلِكُ بِهِ الْمُشْتَرِي بِصِفَتِهِ وَالْأَجَلُ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَدَيْنٌ حَالٌّ، وَلَنَا أَنَّ الْأَجَلَ يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ، وَلَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْعَقْدِ فَاشْتِرَاطُهُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ اشْتِرَاطًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ كَالْخِيَارِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ وَرِضَاهُ بِهِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لَا يَدُلُّنَا عَلَى رِضَاهُ بِهِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِيهِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ وَصْفٌ لِلدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ، وَالدَّيْنُ حَقُّ الطَّالِبِ، وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لَهُ لَاسْتَحَقَّهُ الطَّالِبُ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَلَوْ كَانَ صِفَةً لَهُ لَثَبَتَ ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا مِنْ الْبَائِعِ بِثَمَنٍ حَالٍّ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي لِتَحَوُّلٍ الصَّفْقَةِ إلَى الشَّفِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَرَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الشَّفِيعِ بِثَمَنٍ حَالٍّ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ ثَبَتَ بِالشَّرْطِ فَلَا يَبْطُلُ بِأَخْذِهِ الشَّفِيعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِبَيْعِهِ الْمُشْتَرَى بِثَمَنٍ حَالٍّ، وَإِنْ اخْتَارَ الِانْتِظَارَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الضَّرَرَ الزَّائِدَ. وَقَوْلُهُ: أَوْ يَصْبِرَ أَيْ عَنْ الْأَخْذِ أَمَّا الطَّلَبُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْحَالِ حَتَّى لَوْ سَكَتَ، وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، وَقَالَ: لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِذَاتِهِ بَلْ لِلْأَخْذِ، وَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ فِي الْحَالِّ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَلَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِهِ فِي الْحَالِّ فَلَا يَكُونُ سُكُوتُهُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ، وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ قَدْ ثَبَتَ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ، وَلَوْلَا أَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ لَمَا كَانَ لَهُ الْأَخْذُ فِي الْحَالِّ، وَالسُّكُوتُ عَنْ الطَّلَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَبِمِثْلِ الْخَمْرِ، وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ إنْ كَانَ الشَّفِيعُ ذِمِّيًّا وَبِقِيمَتِهَا لَوْ مُسْلِمًا) أَيْ لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ عَقَارًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنْ كَانَ شَفِيعُهُ ذِمِّيًّا أَخَذَهُ بِمِثْلِ الْخَمْرِ، وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ يُقْضَى بِصِحَّتِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَإِذَا صَحَّ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ وُجُوبُ الشُّفْعَةِ بِهِ فَيَسْتَحِقُّهُ ذِمِّيًّا كَانَ الشَّفِيعُ أَوْ مُسْلِمًا غَيْرَ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْخَمْرِ فَيَأْخُذُهُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ) وَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَقْتَ الشِّرَاءِ لَا، وَقْتَ الْأَخْذِ. اهـ مَنَافِعُ. (قَوْلُهُ: يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ الْآخَرِ) أَيْ يَأْخُذُ شَفِيعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْفُوعَهُ بِقِيمَةِ الْآخَرِ. اهـ مَنَافِعُ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَبِحَالٍ لَوْ مُؤَجَّلًا)، وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا أَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولًا كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّفِيعُ أَنَا أُعَجِّلُ الثَّمَنَ وَآخُذُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِالْأَجَلِ الْمَجْهُولِ فَاسِدٌ، وَحَقُّ الشَّفِيعِ لَا يَثْبُتُ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالشَّافِعِيُّ) أَيْ فِي الْقَدِيمِ. اهـ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَبِمِثْلِ الْخَمْرِ، وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَالْعَبِيدُ الْمَأْذُونُ لَهُمْ فِي التِّجَارَةِ، وَالْأَحْرَارُ وَالْمُكَاتَبُونَ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ فِي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ لَهُمْ، وَعَلَيْهِمْ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فِيمَا وَجَبَ لَهُمْ أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَالْخُصَمَاءُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الصِّبْيَانِ آبَاؤُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَأَوْصِيَاءُ الْآبَاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَالْأَجْدَادُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَأَوْصِيَاءُ الْأَجْدَادِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَالْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ يُقِيمُ لَهُمْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُمْ فِيهِ، وَأَهْلُ الْعَدْلِ، وَأَهْلُ الْبَغْيِ فِي الشُّفْعَةِ أَيْضًا سَوَاءٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ لَا شُفْعَةَ لِلْكَافِرِ، وَقَالَ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى لِذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ بِالشُّفْعَةِ فَكَتَبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَجَازَهُ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْبَيْعِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. اهـ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ثُمَّ قَيَّدَ شِرَاءَهُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ احْتِرَازًا عَمَّا اشْتَرَاهُ بِالْمَيْتَةِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ. اهـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ: بِالْمَيْتَةِ أَوْ دَمٍ. اهـ أَتْقَانِيٌّ، وَقَوْلُهُ: وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ أَيْ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ بِالْبَيْعِ الْبَاطِلِ. اهـ. (فَرْعٌ) الْمُسْلِمُ إذَا اشْتَرَى فِي دَارِ الْحَرْبِ دَارًا وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ لَا شُفْعَةَ فِيهَا، وَإِنْ أَسْلَمَ أَهْلُهَا؛ لِأَنَّ أَحْكَامَنَا غَيْرُ جَارِيَةٍ فِيهَا فَلَا شُفْعَةَ حَالَ الْبَيْعِ كَذَا فِي الشَّامِلِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

الْأَمْثَالِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ تَمْلِيكِهَا وَتَمَلُّكِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا كَمَا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ، وَالْخِنْزِيرُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا قِيمَتُهُ، وَلَا يُقَالُ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ تَقُومُ مَقَامَ عَيْنِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ عَلَى الْمُسْلِمِ تَمْلِيكُهُ بِخِلَافِ قِيمَةِ الْخَمْرِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ بَدَلًا عَنْ الْخِنْزِيرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَحْرُمُ، وَهُنَا بَدَلٌ عَنْ الدَّارِ لَا عَنْ الْخِنْزِيرِ، وَإِنَّمَا الْخِنْزِيرُ يُقَدَّرُ بِقِيمَتِهِ بَدَلَ الدَّارِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا بَلْ يَمْلِكُهَا بِأَنْ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ، وَلَوْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا وَذِمِّيًّا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قِيمَةِ الْخَمْرِ أَوْ مِثْلَهَا اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَلَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ صَارَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمُسْلِمِ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ كَمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا بِقِيمَتِهِ لِلتَّعَذُّرِ، كَذَا هَذَا، وَالْمُسْتَأْمِنُ كَالذِّمِّيِّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِالْتِزَامِهِ أَحْكَامَنَا مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي دَارِنَا فَصَارَ كَالذِّمِّيِّ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى دَارًا أَوْ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الذِّمِّيِّ فِيهَا ثَابِتٌ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ بِجَعْلِهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَزُولُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِإِقْدَامِهِ عَلَى بَيْعِهَا صَارَ مُعْتَقِدًا جَوَازَ بَيْعِهَا وَالذِّمِّيُّ إذَا دَانَ بِدِينِنَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى مُقْتَضَى دِينِنَا، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِمْ لَا يَجُوزُ وَلِهَذَا إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِأَحْكَامِنَا. وَالْمُرْتَدُّ لَا شُفْعَةَ لَهُ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِالرُّجُوعِ إلَى ذِمِّيٍّ أَسْلَمَ أَوْ فَاسِقٍ تَابَ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْخَمْرُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ انْتَقَضَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ قَبْضَهَا، وَلَكِنْ لَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْبَيْعِ فَلَا تَبْطُلُ بِانْتِقَاضِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ فَهَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ بِهَلَاكِهِ، وَلَكِنْ لَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَبِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ أَوْ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُمَا) أَيْ إذَا بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ فِي الْأَرْضِ الْمَشْفُوعَةِ ثُمَّ قَضَى لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ، وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا، وَإِنْ شَاءَ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُمَا فَيَأْخُذُ الْأَرْضَ فَارِغَةً. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُهُ بِالْقَلْعِ، وَلَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ، وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِيهِ بِالشِّرَاءِ فَلَا يُعَامَلُ بِأَحْكَامِ الْعُدْوَانِ فَصَارَ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا، وَكَمَا إذَا زَرَعَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ لِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ فَكَذَا الْمُشْتَرِي فِي الْمَشْفُوعَةِ وَلِهَذَا لَا يُكَلَّفُ قَلْعَ الزَّرْعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الشَّفِيعِ بِإِلْزَامِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَهْوَنُ مِنْ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَحْصُلُ لَهُ بِمُقَابَلَةِ الْقِيمَةِ عِوَضٌ، وَهُوَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا، وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْمُشْتَرِي بِمُقَابَلَةِ الْقَلْعِ شَيْءٌ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَهْوَنَ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ. وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بَنَى فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لِلْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَيُنْقَضُ كَالرَّاهِنِ إذَا بَنَى فِي الْمَرْهُونِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَلِهَذَا تُنْقَضُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي حَتَّى الْوَقْفُ وَالْمَسْجِدُ وَالْمَقْبَرَةُ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ، وَلَا تَسْلِيطَ مِنْ الشَّفِيعِ هُنَا؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ ضَعِيفٌ وَلِهَذَا لَا يُنْقَضُ تَصَرُّفُهُمَا فَلَا يَبْقَى بَعْدَ الْبِنَاءِ وَحَقُّ الشَّفِيعِ قَوِيٌّ فَيَبْقَى بَعْدَهُ كَمَا يَقْلَعُ الْمُسْتَحِقُّ بِنَاءَ الْمَغْرُورِ وَغَرْسَهُ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا كَالْمُسْتَحِقِّ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ حَتَّى يُرَجَّحَ بِزِيَادَةِ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا، وَذِمِّيًّا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِذَا اشْتَرَاهَا بِخَمْرٍ وَشَفِيعُهَا كَافِرٌ، وَمُسْلِمٌ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي عِلَّتِهِ وَيَأْخُذُ الْمُسْلِمُ نِصْفَهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْكَافِرُ نِصْفَهَا بِمِثْلِ نِصْفِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْمِثْلِ يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِمُبْطِلٍ لِلْحُقُوقِ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ كَالْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ سَوَاءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَأْمِنُ كَالذِّمِّيِّ) أَيْ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرْتَدُّ لَا شُفْعَةَ لَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ أَيْ فِي الشَّامِلِ بَاعَ الْمُرْتَدُّ دَارًا ثُمَّ قُتِلَ لَا شُفْعَةَ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَصَرُّفُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَرِيضٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ تَصَرُّفُهُ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ هَذَا فَلَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ اللِّحَاقِ جَازَ بَيْعُهُ وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا عُرِفَ، وَقَالَ أَيْضًا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ دَارًا وَالْمُرْتَدُّ شَفِيعُهَا فَقُتِلَ لَا شُفْعَةَ لَهُ، وَلَا لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَتْلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ مَنْ زَالَ مِلْكُهُ فِي وَقْتِ الْمَبِيعِ، وَلَا لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ بِثَابِتٍ لَهُمْ حَقِيقَةً، وَقَالَ أَيْضًا اشْتَرَى الْمُرْتَدُّ ثُمَّ قُتِلَ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَةُ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ شُفْعَتَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْخُرُوجِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَقَدْ خَرَجَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْخَمْرُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ) أَيْ وَالدَّارُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ أَوْ مَقْبُوضَةٍ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا تَبْطُلُ بِانْتِقَاضِهِ) أَيْ ثُمَّ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مُسْلِمًا. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: حَتَّى الْوَقْفَ إلَخْ) سَيَأْتِي أَيْضًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَابِ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَبِمَوْتِ الشَّفِيعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَسْجِدُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ جَعَلَهَا الْمُشْتَرِي مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً تُدْفَنُ فِيهَا الْمَوْتَى أَوْ رِبَاطًا ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ كَانَ لَهُ أَخْذُهَا، وَإِبْطَالُ كُلِّ مَا صَنَعَ الْمُشْتَرِي فِيهَا. اهـ.

عِنْدَ التَّسَاوِي وَرُبَّمَا لَا يُوَافِقُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى قَلْعِهِ فَيَلْحَقُهُ ضَرَرٌ زَائِدٌ، وَفِي الزَّرْعِ الْقِيَاسُ أَنْ يُقْلِعَ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَا، وَقُلْنَا لَا يُقْلَعُ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي بِالْقَلْعِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَلَيْسَ عَلَى الشَّفِيعِ كَبِيرُ ضَرَرٍ بِالتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُتْرَكُ بِأَجْرٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ فَعَلَهُمَا الشَّفِيعُ فَاسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ فَقَطْ) مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ أَخَذَ الْأَرْضَ بِالشُّفْعَةِ فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَكَلَّفَ الْمُسْتَحِقُّ الشَّفِيعَ بِالْقَلْعِ فَقَلَعَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ رَجَعَ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَخَذَ الثَّمَنَ مِنْ الشَّفِيعِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ الثَّمَنَ، وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَا عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ أَخَذَهَا مِنْهُ، وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ مَعْنَاهُ لَا يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ بِالْقَلْعِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَلِّكٌ عَلَيْهِ فَكَانَ كَالْمُشْتَرِي. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ، وَمُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا غُرُورَ، وَلَا تَسْلِيطَ لِلشَّفِيعِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ أَخَذَهَا مِنْهُ جَبْرًا وَنَظِيرُهُ الْجَارِيَةُ الْمَأْسُورَةُ إذَا أَخَذَهَا الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مِنْ مَالِكِهَا الْجَدِيدِ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِالثَّمَنِ فَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ وَضَمِنَ قِيمَةَ الْوَلَدِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ، وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُشْتَرِيًا حَيْثُ يَرْجِعُ بِهِمَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَبِكُلِّ الثَّمَنِ إنْ خَرِبَتْ الدَّارُ أَوْ جَفَّ الشَّجَرُ)، وَمَعْنَاهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ غَرْسٌ فَانْهَدَمَ الْبِنَاءُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ، وَلَا يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلْأَرْضِ حَتَّى يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَلَا يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلِهَذَا يَبِيعُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَ بَعْضُ الْأَرْضِ بِغَرَقٍ حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ بَعْضُ الْأَصْلِ هَذَا إذَا انْهَدَمَ الْبِنَاءُ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ نَقْضٌ، وَلَا مِنْ الشَّجَرِ شَيْءٌ مِنْ حَطَبٍ أَوْ خَشَبٍ، وَأَمَّا إذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَأَخَذَهُ الْمُشْتَرِي لِانْفِصَالِهِ مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ تَبَعًا لِلْأَرْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ سُقُوطِ بَعْضِ الثَّمَنِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ بَقِيَ مُحْتَبِسًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الدَّارِ يَوْمَ الْعَقْدِ، وَعَلَى قِيمَةِ النَّقْضِ يَوْمَ الْأَخْذِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَبِحِصَّةِ الْعَرْصَةِ إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ) أَيْ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْعَرْصَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ، وَالتَّبَعُ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِهِ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ فِيهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَإِذَا كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ يَوْمَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ مَا إذَا انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ النَّقْضُ بَاقِيًا حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهَا قِيمَةُ النَّقْضِ يَوْمَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ قِيمَةٌ بِالْحَبْسِ، وَنَقْضُ الْأَجْنَبِيِّ الْبِنَاءَ كَنَقْضِ الْمُشْتَرِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالنَّقْضُ لَهُ) أَيْ النَّقْضُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا كَانَ يَأْخُذُهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْعَرْصَةِ، وَقَدْ زَالَتْ بِالِانْفِصَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَبِثَمَرِهَا إنْ ابْتَاعَ أَرْضًا وَنَخْلًا وَثَمَرًا أَوْ أَثْمَرَ فِي يَدِهِ) أَيْ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ مَعَ ثَمَرِهَا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى الْأَرْضَ مَعَ ثَمَرِهَا بِأَنْ شَرَطَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ أَثْمَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَبَعٍ بِخِلَافِ النَّخْلِ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَخْذُ الثَّمَرِ لِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِيهَا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ بِالِاتِّصَالِ خِلْقَةً صَارَ تَبَعًا مِنْ وَجْهٍ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْبَيْعِ فَيَسْرِي إلَيْهِ الْحَقُّ الثَّابِتُ فِي الْأَصْلِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْأَخْذِ كَالْمَبِيعَةِ إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الْوَلَدَ تَبَعًا لِلْأُمِّ كَذَا هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ جَدَّهُ الْمُشْتَرِي سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ) أَيْ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَاهَا بِثَمَرِهَا بِالشَّرْطِ فَكَانَ لَهُ فَيَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ، وَإِنْ هَلَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَفِي الزَّرْعِ الْقِيَاسُ أَنْ يُقْلَعَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَرَعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَكِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ ثُمَّ يُقْضَى لِلشَّفِيعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ فَعَلَهُمَا الشَّفِيعُ فَاسْتُحِقَّتْ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَا عَلَى الْبَائِعِ إنْ أَخَذَ مِنْهُ، وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ مُتَمَلِّكٌ عَلَيْهِ فَنُزِّلَا مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَالْفَرْقُ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ، وَمُسَلَّطٌ عَلَيْهِ، وَلَا غُرُورَ، وَلَا تَسْلِيطَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ. اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارًا فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ فَبَنَاهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَأْخُذُ الدَّارَ وَيُقَالُ لِلشَّفِيعِ اهْدِمْ بِنَاءَك وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ إنْ كَانَ أَخَذَ الدَّارَ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَغْرُورٍ، وَهُوَ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَأَجْبَرَ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ عَلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ إلَيْهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ فِي الْأُصُولِ، وَلَمْ يَحْكِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا خِلَافًا وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ سَأَلَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى دَارًا، وَأَخَذَهَا رَجُلٌ بِالشُّفْعَةِ فَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ مِنْ يَدِهِ، وَقَدْ بَنَى فِيهَا عَلَى مَنْ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ قَالَ عَلَى الَّذِي قَبَضَ الثَّمَنَ، وَكَذَلِكَ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشَّفِيعَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَ بَعْضُهَا بِتَبَعٍ لِبَعْضٍ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لِلشَّفِيعِ سَقَطَتْ حِصَّتُهَا بِكُلِّ حَالٍ، وَالْبِنَاءُ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فَإِذَا سُلِّمَ لِلْمُشْتَرِي سَقَطَ حِصَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ لَمْ يَسْقُطْ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ سَمِعْنَا أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي رَجُلٍ

[باب ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب]

بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بِالتَّسْمِيَةِ صَارَ أَصْلًا فَيَسْقُطُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِفَوَاتِهِ، وَأَمَّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَيَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَدْخُلُ عِنْدَ الْأَخْذِ فِي الْمَبِيعِ إلَّا تَبَعًا فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ أَوَّلًا يُحَطُّ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ حَالَ الْمُشْتَرِي مَعَ الشَّفِيعِ كَحَالِ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ أَكَلَ الْبَائِعُ الثَّمَرَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْعَقْدِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَكَذَا هُنَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِمَا قَامَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهُوَ قَامَ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ بِدُونِ الثَّمَرِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَيَأْخُذُهُ بِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ مِنْ الثَّمَرِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ قَصْدًا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ الْحَادِثَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِوُرُودِ الْقَبْضِ عَلَيْهَا أَوْ بِالِاسْتِهْلَاكِ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَرَ بَعْدَ الْجِدَادِ فِي الْفَصْلَيْنِ لِزَوَالِ التَّبَعِيَّةِ بِالِانْفِصَالِ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنَّمَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي عَقَارٍ مُلِّكَ بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ) قَوْلُهُ " فِي عَقَارٍ " يَتَنَاوَلُ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَجِبُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ كَالْبِئْرِ وَالرَّحَا وَالْحَمَّامِ وَالنَّهْرِ وَالطَّرِيقِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ لِدَفْعِ أُجْرَةِ الْقَسَّامِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لِدَفْعِ ضَرَرِ سُوءِ الْعِشْرَةِ عَلَى الدَّوَامِ فَبَنَى كُلٌّ عَلَى قَاعِدَتِهِ وَالنُّصُوصُ تَشْهَدُ لَنَا لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ فَتَتَنَاوَلُ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " بِعِوَضٍ " عَمَّا إذَا مُلِّكَ بِالْهِبَةِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ فِيهَا وَبِقَوْلِهِ هُوَ مَالٌ عَمَّا إذَا مُلِّكَ بِعِوَضٍ هُوَ غَيْرُ مَالٍ كَالْمَهْرِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا فِي عَرَضٍ وَفُلْكٍ) أَيْ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي عَرَضٍ وَسَفِينَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ فِي السَّفِينَةِ لِأَنَّهَا تُسْكَنُ كَالْعَقَارِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي دَارِ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ» وَلِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الْعَقَارِ فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ الْمَنْقُولِ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْعَقَارِ وَهَذَا لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ سُوءِ الْجِوَارِ عَلَى الدَّوَامِ وَمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ لَا يَدُومُ فَلَا يَدُومُ الضَّرَرُ فِيهِ كَمَا يَدُومُ فِي الْعَقَارِ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ يُشْتَرَطُ لِلْبَيْعِ وَلِمَصْلَحَةِ الْمَعَاشِ، ثُمَّ يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ إذَا قَضَى وَطَرَهُ وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِنَاءٍ وَنَخْلٍ بَيْعًا بِلَا عَرْصَةٍ) لِأَنَّهُمَا مَنْقُولَانِ فَلَا تَجِبُ فِيهِمَا إذَا بِيعَا بِلَا أَرْضٍ، وَإِنْ بِيعَا مَعَ الْأَرْضِ تَجِبُ فِيهِمَا الشُّفْعَةُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِخِلَافِ الْعُلُوِّ حَيْثُ يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاشْتَرَى دَارًا فَهَدَمَ بِنَاءَهَا فَبَاعَهُ ثُمَّ جَاءَ شَفِيعُهَا فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا، وَعَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ فَمَا أَصَابَ الْأَرْضَ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَزَعَ بَابًا مِنْ الدَّارِ فَبَاعَهُ، وَلَوْ احْتَرَقَ الْبِنَاءُ حَتَّى ذَهَبَ أَوْ غَرِقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ حَتَّى ذَهَبَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ فِي ذَلِكَ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يَتْرُكُ فَإِنْ انْهَدَمَ الْبِنَاءُ فَكَانَ عَلَى الْأَرْضِ مَهْدُومًا فَإِنَّ الثَّمَنَ يُقْسَمُ عَلَى قِيمَةِ الْبِنَاءِ مَهْدُومًا، وَعَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْأَرْضَ بِمَا أَصَابَهَا، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْبِنَاءِ إذَا زَايَلَ الْأَرْضَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ: أَمَّا وُجُوبُ الشُّفْعَةِ فِي الْبِنَاءِ الْمُتَّصِلِ فَلِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْ الْعَرْصَةِ بِدَلَالَةِ دُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ، وَأَمَّا إذَا هَدَمَهُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ عِنْدَنَا، وَمِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَنْ قَالَ يَأْخُذُهُ مَعَ الدَّارِ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَمَّا تَعَلَّقَتْ بِهِ الشُّفْعَةُ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ كَالثَّمَرِ، وَأَمَّا إذَا هَدَمَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ هَدَمَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَهْلَكْ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الْأَرْضَ بِحِصَّتِهَا فَإِنْ احْتَرَقَ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَأْخُذُهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا بِالْحِصَّةِ فِي الْجَمِيعِ أَمَّا إذَا احْتَرَقَ الْبِنَاءُ فَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ مَعَ الْمُشْتَرِي كَحَقِّ الْمُشْتَرِي مَعَ الْبَائِعِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبِنَاءَ إذَا احْتَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَ فَكَذَلِكَ هَذَا؛ وَلِأَنَّهُ نَقْصٌ دَخَلَ فِي الْمَبِيعِ بِغَيْرِ فِعْلِ آدَمِيٍّ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَهَى الْبِنَاءُ أَوْ تَشَقَّقَ الْحَائِطُ وَأَمَّا إذَا هَدَمَ الْمُشْتَرِي فَالِاتِّبَاعُ لَا حِصَّةَ لَهَا بِالْعَقْدِ، وَلَهَا حِصَّةٌ بِالْقَبْضِ وَلِهَذَا لَوْ هَدَمَ الْبَائِعُ الْبِنَاءَ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ إذَا هَدَمَهُ أَجْنَبِيٌّ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ يُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَهْلَكْ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ سَقَطَتْ عَنْهُ، وَهُوَ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ شَيْءٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُشْتَرِي إذَا هَدَمَهُ أَوْ هَدَمَهُ أَجْنَبِيٌّ أَنَّ الثَّمَنَ يُقْسَمُ عَلَى قِيمَتِهِ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْإِتْلَافِ، وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَأَمَّا إذَا انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ أَحَدِهِمَا فَاعْتَبَرَ قِيمَتَهُ عَلَى حَالِهِ مَهْدُومًا. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي) أَيْ، وَهُوَ مَا إذَا أَثْمَرَ فِي يَدِهِ. اهـ. [بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ] (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعُلُوِّ) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي الْبِنَاءِ بِخِلَافِ الْعُلُوِّ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ فِيهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِنْ بِيعَ سُفْلُ عَقَارٍ دُونَ عُلُوِّهِ أَوْ عُلُوُّهُ دُونَ سُفْلِهِ أَوْ هُمَا وَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ بِيعَا جَمِيعًا أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ فِي

وَيُسْتَحَقُّ بِهِ السُّفْلُ عَلَى أَنَّهُ مُجَاوِرُهُ وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقُهُ طَرِيقَ السُّفْلِ، وَإِنْ كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا يَسْتَحِقُّ بِالطَّرِيقِ الشُّفْعَةَ عَلَى أَنَّهُ خَلِيطٌ فِي الْحُقُوقِ وَهُوَ الطَّرِيقُ لِأَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ وَهُوَ غَيْرُ مَنْقُولٍ فَتُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ كَالْعَقَارِ وَلَا كَذَلِكَ الْبِنَاءُ وَالنَّخْلُ فَلَا تُسْتَحَقُّ بِهِمَا الشُّفْعَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَارٍ جُعِلَتْ مَهْرًا أَوْ أُجْرَةً، أَوْ بَدَلَ خُلْعٍ أَوْ بَدَلَ صُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ، أَوْ عِوَضِ عِتْقٍ أَوْ وُهِبَتْ بِلَا عِوَضٍ مَشْرُوطٍ) لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَشْرَعْ التَّمَلُّكَ بِالشُّفْعَةِ إلَّا بِمَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي صُورَةً وَمَعْنًى أَوْ مَعْنًى بِلَا صُورَةٍ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إذَا تَمَلَّكَ الْعَقَارَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ وَلَا مِثْلَ لَهَا حَتَّى يَأْخُذَهُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِهَا فَلَا يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ شَرْطِ الشَّرْعِ فِيهِ وَهُوَ التَّمَلُّكُ بِمَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْوَاضَ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُ فَيُؤْخَذُ بِقِيمَتِهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَخْذِ بِمِثْلِهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِعِوَضٍ أَلَا تَرَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِهَا شَرْعًا وَالضَّمَانُ يَكُونُ بِالْقِيمَةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ قِيمَةً لَهَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ بِلَا عِوَضٍ لِتَعَذُّرِ الْأَخْذِ بِلَا عِوَضٍ إذْ هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَقَوْلُهُ يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الْعَقَارِ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ عِنْدَهُ إلَّا لِلشُّرَكَاءِ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهَذِهِ الْعُقُودِ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَلَا هِيَ مِثْلُ الْمَالِ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَلَمْ يَصْلُحْ الْمَالُ قِيمَةً لَهَا؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ لِاتِّحَادِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ وَلَا اتِّحَادَ فِي الْمَقْصُودِ بَيْنَ الْمَالِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا تَكُونُ قِيمَةً لَهَا، غَيْرَ أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهَا مَضْمُونَةً بِالْمَالِ إمَّا لِخَطَرِهَا أَوْ لِلضَّرُورَةِ فَلَا تَتَعَدَّى مَوْضِعَهَا لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَقْتَصِرُ عَلَيْهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فَلَا تَكُونُ مُتَقَوِّمَةً فِي حَقِّهِ فَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ بِمُقَابَلَتِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَوْهُوبِ بِلَا عِوَضٍ وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَلَّكُ بِمَا يَتَمَلَّكُ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْ السَّبَبِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُنَا لَوْ أَخَذَهُ كَانَ يَأْخُذُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ نِكَاحٌ أَوْ إجَارَةٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِبَيْعٍ أَصْلًا وَلَوْ أَخَذَهُ لَكَانَ بَيْعًا وَفِيهِ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا تَتَحَوَّلُ الصَّفْقَةُ إلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفِي هَذِهِ الْعُقُودِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ الشُّفْعَةُ فِيهَا مَشْرُوعَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْرِدِ النَّصِّ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ، ثُمَّ فَرَضَ لَهَا عَقَارًا مَهْرًا لَمْ تَكُنْ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ تَعْيِينٌ لِمَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ مُقَابَلٌ بِالْبُضْعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا الْعَقَارَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، أَوْ بِالْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ حَيْثُ تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ مَا أَعْطَاهَا مِنْ الْعَقَارِ بَدَلٌ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَا شُفْعَةَ فِي جَمِيعِ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: تَجِبُ فِي حِصَّةِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ مَالِيَّةٌ فِي حَقِّهِ وَهُوَ يَقُولُ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ تَابِعٌ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَلَا يَفْسُدُ بِشَرْطِ النِّكَاحِ فِيهِ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْأَصْلِ فَكَذَا فِي التَّبَعِ وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ شُرِعَتْ فِي الْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ الْمَقْصُودَةِ دُونَ التَّبَعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا بَاعَ دَارًا وَفِيهَا رِبْحٌ لَا يَسْتَحِقُّ رَبُّ الْمَالِ الشُّفْعَةَ فِي حِصَّةِ الرِّبْحِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ بِيعَتْ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ) لِأَنَّ خِيَارَهُ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ، وَبَقَاءَ مِلْكِهِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِهِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مِلْكِهِ فَإِنْ أُسْقِطَ الْخِيَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّفْلِ وَالْعُلُوِّ اسْتِحْسَانٌ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ سِمَاعَةَ وَبِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَمَّا إذَا بِيعَا جَمِيعًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ بَاعَ الْعَرْصَةَ بِحُقُوقِهَا فَتَتَعَلَّقُ الشُّفْعَةُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا بَاعَ السُّفْلَ دُونَ الْعُلُوِّ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ» وَلِأَنَّ التَّأَذِّي يُخَافُ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، وَأَمَّا الْعُلُوُّ فَلِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْبُقْعَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَهُوَ كَنَفْسِ الْبُقْعَةِ وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ إنَّمَا هُوَ الْعُلُوُّ إذْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجِبَ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنُوا لِأَنَّ حَقَّ الْوَضْعِ مُتَأَبِّدٌ فَهُوَ كَالْعَرْصَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ عُلُوٌّ فِي دَارٍ وَطَرِيقُهُ فِي دَارٍ أُخْرَى إلَى جَنْبِهَا فَبَاعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ عُلُوَّهُ فَأَصْحَابُ الدَّارِ الَّذِي فِيهِ الطَّرِيقُ أَوْلَى بِالشُّفْعَةِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الْعُلُوُّ جَارٌ وَالشَّرِيكُ فِي الطَّرِيقِ أَوْلَى مِنْ الْجَارِ وَلَوْ تَرَكَ صَاحِبُ الطَّرِيقِ الشُّفْعَةَ وَلِلْعُلُوِّ جَارٌ مُلَاصِقٌ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ مَعَ صَاحِبِ السُّفْلِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَارٌ لِلْعُلُوِّ وَالتَّسَاوِي فِي الْجِوَارِ يُوجِبُ التَّسَاوِيَ فِي الشُّفْعَةِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ مَهْرٍ، ثُمَّ فَرَضَ لَهَا دَارًا مَهْرًا أَوْ صَالَحَهَا عَلَى أَنْ جَعَلَهَا لَهَا مَهْرًا أَوْ أَعْطَاهَا إيَّاهَا مَهْرًا لَمْ يَكُنْ فِيهَا شُفْعَةٌ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا تَكُونُ الدَّارُ عِوَضًا إذْ الصُّلْحُ وَالْعِوَضُ يَكُونُ تَقْدِيرًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا بَاعَ دَارًا) أَيْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعُهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ بَاعَ الْمُضَارِبُ دَارًا مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ بِدَارٍ لَهُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَتَكُونُ لَهُ خَاصَّةً لِأَنَّهُ جَارٌ بِدَارِ الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ بَاعَ رَبُّ الْمَالِ دَارًا لَهُ خَاصَّةً وَالْمُضَارِبُ شَفِيعُهَا بِدَارِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا رِبْحٌ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ جَارٌ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رِبْحٌ لَمْ يَأْخُذْهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ تَابِعًا) وَلَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ رَأْسِ الْمَالِ شُفْعَةٌ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ وَكِيلُ رَبِّ الْمَالِ فِي الْبَيْعِ وَكُلُّ مَنْ بِيعَ لَهُ لَا تَجِبُ لَهُ الشُّفْعَةُ فَكَذَا لَا تَجِبُ فِي التَّبَعِ اهـ. (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي رَأْسِ الْمَالِ. اهـ. . . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ بِيعَتْ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ) اُنْظُرْ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِيمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ أَوْ ضَمِنَ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ اهـ.

وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِيهِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ، ثُمَّ فِي الْأَصَحِّ يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا صَارَ سَبَبًا لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَوُجُوبُ الشُّفْعَةِ يَبْتَنِي عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْمَالِكِ بِالْبَيْعِ وَهُوَ يَنْقَطِعُ بِهِ عِنْدَهُ، وَإِنْ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُهَا، وَإِمَّا عِنْدَهُ فَلِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَوُجُوبُ الشُّفْعَةِ يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي تَجِبُ الشُّفْعَةُ، ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فِي الثَّلَاثِ لَزِمَ الْبَيْعُ لِعَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ الرَّدِّ وَلَا خِيَارَ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ، وَاسْمُهُ يُنْبِئُ عَنْهُ وَالشَّرْطُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ وَإِذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا وَالْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا كَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُخْرِجْ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِهِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَيَسْقُطَ خِيَارُهُ وَيَنْفَسِخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ نَقْضٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الِاسْتِيفَاءَ؛ إذْ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ إلَّا لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَلَى الدَّوَامِ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُمَا إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْأَخْذِ مُخْتَارًا لِلْبَيْعِ فَيَصِيرُ إجَازَةً فَيَلْزَمُ وَيَمْلِكُ بِهِ الْمَبِيعَ وَلِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِالْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ كَالْمَأْذُونِ لَهُ وَالْمُكَاتَبِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ دَارِهِمَا وَكَذَا إذَا اشْتَرَى دَارًا وَلَمْ يَرَهَا فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا قَبْلَ أَنْ يَرَى الْأُولَى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا ثَابِتٌ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ كَمَا يَسْتَحِقُّ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ، أَوْ بَاعَ لَكِنَّهُ هُنَا إذَا أَخَذَ الْمَشْفُوعَةَ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ فَبِدَلَالَتِهِ أَوْلَى، ثُمَّ إذَا حَضَرَ شَفِيعُ الدَّارِ الْأُولَى وَهِيَ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ هُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي لِمَا عُرِفَ أَنَّ الشَّفِيعَ أَوْلَى مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ الَّتِي أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِهِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الشُّفْعَةِ فِي حَقِّهَا، وَاتِّصَالُهَا بِالْمَشْفُوعَةِ لَا يُفِيدُهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ فِيهَا وَقْتَ بَيْعِ الْأُخْرَى، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهَا بِالشُّفْعَةِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالشِّرَاءِ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ بَلْ كُلُّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا وَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا كَانَ لَهُ هُوَ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ إذَا جَاءَ شَفِيعُ الْأُولَى بَعْدَ مَا أَخَذَ الْمُشْتَرِي الثَّانِيَةَ بِالشُّفْعَةِ كَانَ لِهَذَا الَّذِي جَاءَ أَنْ يَأْخُذَ الْأُولَى بِالشُّفْعَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِيَةَ بِالشُّفْعَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ بِيعَتْ فَاسِدًا مَا لَمْ يَسْقُطْ الْفَسْخُ بِالْبِنَاءِ) أَيْ لَا شُفْعَةَ فِي دَارٍ بِيعَتْ بَيْعًا فَاسِدًا حَتَّى يَسْقُطَ حَقُّ الْفَسْخِ بِشَيْءٍ يُسْقِطُهُ كَالْبِنَاءِ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي فَيَكُونُ مِلْكُ الْبَائِعِ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ فِيهِ حَقٌّ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ يُفِيدُهُ لَكِنَّ حَقَّ الْبَائِعِ بَاقٍ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَاجِبُ الرَّفْعِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهَا وَفِي إثْبَاتِ الْحَقِّ لَهُ تَقْرِيرُهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَتَحَوَّلَ ذَلِكَ الْفَسَادُ بِعَيْنِهِ إلَى الشَّفِيعِ بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي حَيْثُ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ وَلِهَذَا جَازَ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، ثُمَّ إذَا سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْخِيَارُ الْمَشْرُوطُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَالشُّفْعَةُ إنَّمَا تَجِبُ بِرَغْبَةِ الْبَائِعِ عَنْ مِلْكِهِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ دَارِهِ مِنْ زَيْدٍ فَجَحَدَ زَيْدٌ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِأَجْلِ اعْتِرَافِهِ بِخُرُوجِ الشَّيْءِ عَنْ مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ فَلَا يَمْنَعُ الشُّفْعَةَ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ خُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ سَبَبُ الشُّفْعَةِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا جَمِيعًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا لِأَجْلِ خِيَارِ الْبَائِعِ وَلَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ صَارَ كَأَنَّهُ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَإِنْ أَجَازَ الشَّفِيعُ الْبَيْعَ جَازَ وَبَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ قَدْ تَمَّ وَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ وَإِنْ فَسَخَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ لَمْ يَزُلْ وَلَكِنَّ الْحِيلَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يُجِيزَ وَلَا يَفْسَخَ حَتَّى يُجِيزَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ أَوْ يَجُوزَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَحِينَئِذٍ لَهُ الشُّفْعَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ دَارِهِ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ حَاضِرٌ فَضَمِنَ جَازَ الْبَيْعُ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ قَدْ تَمَّ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى الْمُشْتَرِي الدَّارَ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الشَّفِيعُ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ وَالشَّفِيعُ حَاضِرٌ فَضَمِنَ جَازَ الْبَيْعُ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَمَّ بِضَمَانِهِ فَلَا شُفْعَةَ لِأَنَّهُ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَى دَارًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَانَ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لَهُ كَاشْتِرَاطِهِ لِلْمُشْتَرِي وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فِي الثَّلَاثِ) أَيْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ الَّتِي هِيَ الثَّلَاثُ وَقَيَّدَ بِالثَّلَاثِ لِتَكُونَ الْمَسْأَلَةُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ أَبْطَلْت خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ قَبْلَ وُجُودِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى وُجُودِ الرُّؤْيَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِهِ) أَيْ مِلْكٍ لَهُ آخَرَ غَيْرِ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي إثْبَاتِ الْحَقِّ لَهُ) أَيْ لِلشَّفِيعِ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فَإِنْ سَقَطَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي النَّقْضِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ مَا مَلَكَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ عِنْدَنَا يُمْلَكُ الْمَبِيعُ فِيهِ

فَتَجِبُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْفَسْخِ بِالْبِنَاءِ أَيْ بِنَاءِ الْمُشْتَرِي فِيهَا لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ يَنْقَطِعُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْقَطِعُ بِهِ فَلَا تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَتَخْصِيصُهُ بِالْبِنَاءِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ أَنْ يَنْقَطِعَ حَقُّ الْبَائِعِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْبِنَاءِ بَلْ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْبَائِعِ بِإِخْرَاجِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِالْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِأَيِّ الْبَيْعَيْنِ شَاءَ لِانْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ فَإِنْ أَخَذَهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ صَحِيحٌ وَالْوَاجِبَ فِيهِ الثَّمَنُ فَيَأْخُذُهُ بِهِ، وَإِنْ أَخَذَهَا بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ أَخَذَهَا بِقِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ وَلَا يَعُودُ حَقُّ الْبَائِعِ بِنَقْضِ الْبَيْعِ الثَّانِي لِيَأْخُذَهَا الشَّفِيعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ كَانَ صَحِيحًا مُفِيدًا لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا فُسِخَ لِحَقِّ الشَّفِيعِ وَلَوْ عَادَ حَقُّ الْبَائِعِ لَبَطَلَ حَقُّ الشَّفِيعِ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَبْطُلَ حَقُّهُ بِالْفَسْخِ لِأَجْلِهِ لِأَنَّ مَا يَكُونُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ حَقِّ شَخْصٍ لَا يَثْبُتُ عَلَى وَجْهٍ يُبْطِلُ حَقَّهُ وَكَذَا إنْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ كَالْهِبَةِ، أَوْ جَعَلَهُ مَهْرًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ نَقَضَ تَصَرُّفَهُ وَأَخَذَهُ بِقِيمَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْبَائِعِ الشُّفْعَةُ فِي الْمَبِيعَةِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهَا، وَإِنْ سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَهُوَ شَفِيعُهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَلَا يُؤَدِّي أَخْذُهَا إلَى تَقْرِيرِ الْفَسَادِ لِأَنَّ الْفَسْخَ مُمْكِنٌ بَعْدَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَلَا فَسَادَ فِي الْمَأْخُوذَةِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا بِالشُّفْعَةِ يُؤَدِّي إلَى تَقْرِيرِ الْفَسَادِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، ثُمَّ إنْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ كَمَا إذَا بَاعَهَا قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ سَلَّمَهَا بَعْدَ الْحُكْمِ لَهُ بِهَا لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْمَشْفُوعَةِ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْحُكْمِ فَلَا يَبْطُلُ بِإِخْرَاجِ الْأُولَى عَنْ مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الدَّارَ الْمَبِيعَةَ بِجَنْبِهَا بِالشُّفْعَةِ إذَا كَانَ بَيْعُهَا بَعْدَ قَبْضِهِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِالْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لَهُ قَبْلَهُ، وَإِنْ بِيعَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَاسْتَرَدَّهَا الْبَائِعُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَهَا قَبْلَهُ، وَإِنْ اسْتَرَدَّهَا بَعْدَ الْحُكْمِ لَهُ بِهَا بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ) أَيْ لَوْ قُسِمَتْ الدَّارُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِجَارِهِمْ بِالْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ، وَالشُّفْعَةُ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا فِي الْمُبَادَلَةِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ الْمُبَادَلَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ سُلِّمَتْ شُفْعَتُهُ ثُمَّ رُدَّتْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ، أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ) أَيْ إذَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ رُدَّتْ إلَى الْبَائِعِ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقَبْضِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِثُبُوتِ حَقِّ الْفَسْخِ فَإِذَا سَقَطَ الْفَسْخُ إمَّا لِاتِّصَالِ الْمَبِيعِ بِزِيَادَةٍ أَوْ لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ زَالَ الْمَعْنَى الْمَانِعُ مِنْ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَوَجَبَتْ الشُّفْعَةُ كَالْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ إذَا سَقَطَ خِيَارُهُ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا يَجِبُ فِيهِ الْمُسَمَّى، وَإِنَّمَا يُمْلَكُ بِالْقِيمَةِ وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِمِثْلِ الْعِوَضِ الَّذِي لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْكَافِي لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَاءِ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا فَقَبَضَهَا وَبَنَاهَا فَإِنَّ لِلْبَائِعِ قِيمَتَهَا فَإِذَا جَاءَ الشَّفِيعُ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَهْدِمُ الْمُشْتَرِي بِنَاءَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَرُدُّ الدَّارَ عَلَى الْبَائِعِ وَيَهْدِمُ الْمُشْتَرِي بِنَاءَهُ وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا. أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَنَى فِي الدَّارِ بِنَاءً يَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَتَى انْقَطَعَ لَزِمَ الْبَيْعُ فَيَظْهَرُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ قِيَامُ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْبَائِعِ وَقَدْ بَطَلَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فَيَكُونُ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْمُرَ الْمُشْتَرِيَ بِهَدْمِ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ بَنَاهُ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ يَكُونُ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ فَإِذَا بَنَاهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ: نَقَضَ) أَيْ الشَّفِيعُ اهـ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْكَافِي: فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَهَا فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الدَّارَ بِالْقَبْضِ فَصَارَ جَارًا عِنْدَ وُقُوعِ الْبَيْعِ فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ رُدَّتْ الدَّارُ لِفَسَادِ الْبَيْعِ لَمْ تَبْطُلْ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ صَحَّ فَلَا يَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ فِي دَارِهِ لِأَنَّ بَقَاءَ الْجِوَارِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا حَتَّى رَدَّ الدَّارَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّ قِيَامَ الْجِوَارِ عِنْدَ الْقَضَاءِ بِالِاسْتِحْقَاقِ شَرْطٌ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَا شُفْعَةَ لِلْبَائِعِ أَيْضًا فِيهَا لِأَنَّ جِوَارَهُ حَادِثٌ بَعْدَ الْبَيْعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ وَهُوَ أَنَّ بَقَاءَ مِلْكِهِ فِي الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا بَعْدَ الْحُكْمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَهُوَ قَوْلُهُ: لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْمَشْفُوعَةِ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْحُكْمِ إلَخْ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ) أَيْ وَهُوَ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ وَتَعْدِيلُ الْأَنْصِبَاءِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ) أَيْ وَفِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. . (قَوْلُهُ: ثُمَّ رُدَّتْ إلَى الْبَائِعِ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ) لَمْ تَتَجَدَّدْ شُفْعَةُ الشَّفِيعِ لِأَنَّ هَذَا فَسْخٌ يَثْبُتُ شَاءَ الْبَائِعُ أَوْ أَبَى فَلَا يَثْبُتُ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ دَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي الدَّارَ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ بِخِيَارِ شَرْطٍ قَبْلَ قَبْضِ الدَّارِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالرَّدِّ بِالشُّفْعَةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَخَذَهَا بِهَذَا الرَّدِّ، وَإِنْ كَانَ بِقَضَاءٍ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي الرَّدِّ وَجُمْلَةُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ عَادَ الْمَبِيعُ إلَى الْبَائِعِ عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ بِالْعَوْدِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ شُفْعَتَهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَوْدِ سَبَبٍ آخَرَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ عَادَ إلَى الْبَائِعِ بِحُكْمِ مِلْكٍ مُبْتَدَأٍ كَانَ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا

أَوْ شَرْطٍ كَيْفَمَا كَانَ، أَوْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهَا لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عَقْدًا جَدِيدًا فَعَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ فِي الْإِنْشَاءِ لَا فِي الِاسْتِمْرَارِ وَالْبَقَاءِ عَلَى مَا كَانَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ بَعْدَهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا شُفْعَةَ فِي قِسْمَةٍ وَلَا خِيَارِ رُؤْيَةٍ بِالْجَرِّ مَعْنَاهُ لَا شُفْعَةَ بِسَبَبِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا تَصِحُّ الرِّوَايَةُ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَصِيرُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ فِي الْقِسْمَةِ فَيَفْسُدُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارَ الشَّرْطِ يَثْبُتَانِ فِي الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُمَا لِخَلَلٍ فِي الرِّضَا فِي الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَنْعَقِدُ لَازِمَةً إلَّا بِالرِّضَا وَالْقِسْمَةِ مِنْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَالْمُبَادَلَةُ أَغْلَبُ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَيَجُوزُ فِيهَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيهِمَا هُوَ الْغَالِبُ وَلِهَذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِإِعَادَةِ الْقِسْمَةِ يَأْخُذُ نَصِيبَهُ أَوْ مِثْلَهُ بِلَا تَفَاوُتٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ لِأَنَّهُ إذَا أَصَابَهُ غَيْرُ مَا أَصَابَهُ فِي الْأَوَّلِ قَدْ يَحْصُلُ غَرَضُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْقِسْمَةِ تَثْبُتُ بِضَرْبٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ نَصِيبَ غَيْرِهِ أَحْسَنُ فَتُفِيدُ الْإِعَادَةَ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَصَحَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرِّوَايَةَ بِالنَّصْبِ وَقَالَ: لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الْقِسْمَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءٍ، أَوْ بِرِضًا وَبِهِ قَالَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَجِبُ لَوْ رُدَّتْ بِلَا قَضَاءٍ أَوْ تَقَايَلَا) أَيْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ إنْ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ شُفْعَتَهُ قَدْ بَطَلَتْ بِالتَّسْلِيمِ، وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ إقَالَةٌ وَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ لِقَصْدِهِمَا ذَلِكَ وَالْعِبْرَةُ لِقَصْدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قُلْنَا الْإِقَالَةُ مُثْبِتَةٌ لِلْمِلْكِ بِتَرَاضِيهِمَا كَالْبَيْعِ، غَيْرَ أَنَّهُمَا قَصَدَا الْفَسْخَ فَيَصِحُّ فِيمَا لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَيَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا وَلَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا فَيَكُونُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِوُجُودِ الْبَيْعِ فِيهَا وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِتَرَاضِيهِمَا فَيَتَجَدَّدُ لَهُ بِهَا حَقُّ الشُّفْعَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَمُرَادُهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ عِنْدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ فَلَا يُمْكِنُهُ حَمْلُهُ عَلَى الْبَيْعِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَمَا الْمَانِعُ لَهُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالرَّدُّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطُ يُوجِبُ عَوْدَ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَأَمَّا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَخْتَلِفُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَغَيْرُ الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ وَعَادَ عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ رَدَّهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ الشَّيْءَ عَادَ بِمِلْكِهِ بِقَوْلِهِ وَرِضَاهُ فَصَارَ كَشِرَاءٍ مُبْتَدَأٍ فَتَعَلَّقَتْ بِهِ الشُّفْعَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: كَيْفَمَا كَانَ) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ " وَلَا خِيَارِ رُؤْيَةٍ " اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَائِدَةٌ يُرْوَى بِكَسْرِ الرَّاءِ عَطْفًا عَلَى الْقِسْمَةِ أَيْ لَا شُفْعَةَ فِي الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ كَمَا لَا شُفْعَةَ فِي الْقِسْمَةِ وَيُرْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا عَطْفًا عَلَى الشُّفْعَةِ وَعَلَى الْمَحَلِّ: أَمَّا رِوَايَةُ الْكَسْرِ فَظَاهِرٌ حَيْثُ لَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَثْبَتَهَا الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ مَعْنَاهُ لَا شُفْعَةَ فِي قِسْمَةٍ وَلَا خِيَارَ رُؤْيَةٍ فِي الْقِسْمَةِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي الْقِسْمَةِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي رَدِّهِ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْقِسْمَةَ مِنْ سَاعَتِهِ فَلَا يَكُونَ فِي الرَّدِّ فَائِدَةٌ وَأَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ كَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ لَا شُفْعَةَ فِي قِسْمَةٍ وَلَا خِيَارِ رُؤْيَةٍ أَمَّا الشُّفْعَةُ فِي الْقِسْمَةِ فَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ بِبَيْعٍ مَحْضٍ بَلْ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُمْتَنِعَ عَنْهَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ، وَالشُّفْعَةُ إنَّمَا شُرِعَتْ فِي الْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ إثْبَاتُهَا فِي الَّذِي يُخَالِفُهُ كَمَا لَمْ تَجِبْ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ " وَلَا خِيَارِ رُؤْيَةٍ " فَإِنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَا شُفْعَةَ فِي الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَثْبُتَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الْقِسْمَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنْ يَثْبُتَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الْقِسْمَةِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ يَثْبُتُ فِي ذَلِكَ بِلَا إشْكَالٍ كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَحَمَلَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رِوَايَةَ الْفَتْحِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَاقْتَسَمُوا لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْقِسْمَةَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ يُحْتَاجُ إلَى الْقِسْمَةِ مَرَّةً أُخْرَى فَيَقَعُ فِي نَصِيبِهِ عَيْنُ مَا وَقَعَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى أَوْ مِثْلُهُ فَلَا يُفِيدُهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ أَمَّا لَوْ كَانَتْ عَقَارًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ يُفِيدُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَإِذَا اقْتَسَمُوا ثَانِيًا رُبَّمَا يَقَعُ فِي نَصِيبِهِ الطَّرَفُ الَّذِي يُوَافِقُهُ فَيَكُونُ مُفِيدًا اهـ مَعَ حَذْفٍ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ هَلْ يَثْبُتَانِ فِي الْقِسْمَةِ رَدَّهَا بِعَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ رَدَّهَا بِعَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقَضَاءٍ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ رَدَّهَا بِعَيْبٍ بَعْدَ الْقَبْضِ بِلَا قَضَاءٍ تَجِبُ الشُّفْعَةُ رَدَّهَا بِعَيْبٍ بَعْدَ الْقَبْضِ بِقَضَاءٍ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ فَسْخٌ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ قَالَ الْمَشَايِخُ) فِي الْكَافِي وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ. اهـ. . . (قَوْلُهُ: إنْ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ) أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ) أَيْ مُرَادُ الْقُدُورِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ إلَخْ) الرَّدُّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْكُلِّ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ

[باب ما تبطل به الشفعة]

الْبَيْعِ وَهَذَا لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ إقَالَةٌ، وَالْإِقَالَةَ بَيْعٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُطْلَقًا مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ جَعْلُهُ بَيْعًا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا لَكِنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ بَيْعًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (بَابُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ بِتَرْكِ الْمُوَاثَبَةِ أَوْ التَّقْرِيرِ) أَيْ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِتَرْكِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ أَوْ طَلَبِ التَّقْرِيرِ حِينَ عَلِمَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَسُدَّ أَحَدٌ فَمَهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ وَتَرْكِ الطَّلَبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالصُّلْحِ عَنْ الشُّفْعَةِ عَلَى عِوَضٍ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ) أَيْ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ إذَا صَالَحَ الْمُشْتَرِي الشَّفِيعَ عَلَى عِوَضٍ وَعَلَى الشَّفِيعِ رَدُّ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِمُتَقَرِّرٍ فِي الْمَحَلِّ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ كَمَا إذَا قَالَ الشَّفِيعُ أَسْقَطْت شُفْعَتِي فِيمَا اشْتَرَيْت عَلَى أَنْ تُسْقِطَ شُفْعَتَك فِيمَا اشْتَرَيْت، أَوْ عَلَى أَنْ لَا تَطْلُبَ الثَّمَنَ مِنِّي لِكَوْنِهِ مُلَائِمًا حَتَّى لَوْ تَرَاضَيَا سَقَطَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَعَ هَذَا لَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ بِهَذَا الشَّرْطِ بَلْ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ " أَسْقَطْتُ " بِدُونِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ فَلَأَنْ لَا يَتَعَلَّقَ سُقُوطُهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَهُوَ شَرْطُ الِاعْتِيَاضِ عَنْ حَقٍّ لَيْسَ بِمَالٍ بَلْ هُوَ رِشْوَةٌ مَحْضٌ أَوْلَى فَيَصِحُّ الْإِسْقَاطُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ شُفْعَتَهُ بِمَالٍ لِمَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكُ مَالٍ بِمَالٍ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ فَكَانَ عِبَارَةً عَنْ الْإِسْقَاطِ فَقَطْ مَجَازًا كَبَيْعِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ مِنْ نَفْسِهَا بِخِلَافِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَمِلْكِ النِّكَاحِ، وَإِسْقَاطِ الرِّقِّ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُتَقَرِّرٌ فِي الْمَحَلِّ وَلِهَذَا يَسْتَوْفِيهِ وَيَنْفَرِدُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَهُ قِصَاصًا بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَعُلِمَ أَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ فِي حَقِّ الْقَتْلِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا تَمَكَّنَ مِنْ الْقَتْلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَنَظِيرُ مَا نَحْنُ فِيهِ مَا إذَا قَالَ لِلْمُخَيَّرَةِ اخْتَارِينِي بِأَلْفٍ أَوْ قَالَ الْعِنِّينُ لِامْرَأَتِهِ: اخْتَارِي تَرْكَ الْفَسْخِ بِأَلْفٍ فَاخْتَارَتْ سَقَطَ الْخِيَارُ وَلَا يَثْبُتُ الْعِوَضُ وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَقِيلَ فِي الشُّفْعَةِ كَذَلِكَ حَتَّى لَا يَجِبَ الْمَالُ وَلَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ وَقِيلَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي الْكَفَالَةِ خَاصَّةً، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ دُونَ الْكَفَالَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكَفَالَةَ وَالشُّفْعَةَ يَسْقُطَانِ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَأَمَّا قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ لَا يَصِحُّ وَبَعْدَهُ يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ عَلِمَ بِالسُّقُوطِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ بِالْأَحْكَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقٍّ وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الدَّارِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ يَجُوزُ وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَخْذِ بَيْتٍ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ وَلَا تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ، غَيْرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ عِنْدَ الْأَخْذِ وَمِثْلُهُ مِنْ الْجَهَالَةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ ابْتِدَاءً وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بَيْعٌ مِنْ الشَّفِيعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَوْتِ الشَّفِيعِ لَا الْمُشْتَرِي) أَيْ بِمَوْتِ الشَّفِيعِ قَبْلَ الْأَخْذِ بَعْدَ الطَّلَبِ، أَوْ قَبْلَهُ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ وَلَا تُورَثُ عَنْهُ وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الشَّفِيعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ مُعْتَبَرٌ فِي الشَّرْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَبَطَلَ بَحْثُ الشَّرْحِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ. [بَابُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ] (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَبِالصُّلْحِ عَنْ الشُّفْعَةِ عَلَى عِوَضٍ) رَاجِعْ الْفَصْلَ الَّذِي فِي كِتَابِ الصُّلْحِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى اهـ أَيْ لَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُ حَقِّ الشُّفْعَةِ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ وَهُوَ مَا لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ مَالٍ فَبِالْفَاسِدِ مِنْ الشَّرْطِ أَوْلَى أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ وَهُوَ مَا فِيهِ ذِكْرُ مَالٍ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ إسْقَاطَ حَقِّ الشُّفْعَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ قَالَ الشَّفِيعُ سَلَّمْت شُفْعَةَ هَذِهِ الدَّارِ إنْ كُنْت اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِك وَقَدْ اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ أَوْ قَالَ لِلْبَائِعِ سَلَّمْتهَا لَك إنْ كُنْت بِعْتهَا لِنَفْسِك وَقَدْ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّفِيعَ عَلَّقَ التَّسْلِيمَ بِشَرْطٍ وَصَحَّ هَذَا التَّعْلِيقُ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَمَا كَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَمَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَلَا يَنْزِلُ التَّسْلِيمُ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إذَا أَسْقَطَهَا بِعِوَضٍ فَقَالَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ وَالْعِوَضُ بَاطِلٌ وَسَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْحَقِّ فِيهَا لَا يَقِفُ عَلَى عِوَضٍ فَبُطْلَانُ الْعِوَضِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ لَا يَمْنَعُ مِنْ بُطْلَانِهَا وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا تَسْقُطُ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا حَقٌّ أَقْوَى مِنْ الشُّفْعَةِ بِدَلَالَةِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ وَالْإِعْرَاضِ مَا لَمْ يَرْضَ بِإِسْقَاطِهَا فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْعِوَضَ لَمْ تَسْقُطْ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الشَّفِيعِ أَيْضًا) أَيْ وَتَنْتَقِلُ الشُّفْعَةُ إلَى وَرَثَتِهِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا مَاتَ الشَّفِيعُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ لَهُ فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ لِوَرَثَتِهِ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ صُورَتُهُ أَنَّ دَارًا بِيعَتْ وَلَا شَفِيعَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ فَأَثْبَتَهَا بِالطَّلَبَيْنِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ

كَالْقِصَاصِ وَحَقِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَنَا أَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقٍّ وَهُوَ حَقُّ التَّمَلُّكِ وَأَنَّهُ مُجَرَّدُ رَأْيٍ وَهُوَ صِفَتُهُ فَلَا يُورَثُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ صَارَ كَالْمَمْلُوكِ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ وَلِهَذَا جَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، وَمِلْكُ الْعَيْنِ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ فَأَمْكَنَ إرْثُهُ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ حَقٍّ إذْ هِيَ مُجَرَّدُ الرَّأْيِ وَالْمَشِيئَةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا وَكَذَا لَا يُمْكِنُ إرْثُهَا وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْمَوْتِ عَنْ دَارِهِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا لِلْوَارِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَقِيَامُ مِلْكِ الشَّفِيعِ فِي الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ إلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ شَرْطٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَقْتَ الْأَخْذِ وَلَا فِي حَقِّ الْوَارِثِ وَقْتَ الْبَيْعِ فَبَطَلَتْ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِالْمِلْكِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَا بِالْمِلْكِ الزَّائِلِ وَقْتَ الْأَخْذِ، وَإِنَّمَا لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاقٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ سَبَبُ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ الِانْتِقَالُ إلَى الْوَرَثَةِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ وَذَلِكَ حَقُّهُ كَمَا إذَا انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَيَنْقُضُهُ وَيَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ كَمَا يَنْقُضُ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِهِ حَتَّى الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالْوَقْفِ وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا الْقَاضِي بَعْدَ مَوْتِهِ، أَوْ بَاعَهَا وَصِيُّهُ كَانَ لَهُ نَقْضُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِبَيْعِ مَا يَشْفَعُ بِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ) أَيْ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِبَيْعِ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِ قَدْ زَالَ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا وَقْتَ بَيْعِ دَارِهِ بِشِرَاءِ الْمَشْفُوعَةِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فِي الْحَالَيْنِ فَصَارَ كَالتَّسْلِيمِ الصَّرِيحِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمْ بَيْعَهَا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَكَذَا إبْرَاءُ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إسْقَاطٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُشْتَرِي وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ حَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ وَلَوْ بَاعَ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ لِبَقَاءِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا الشَّفِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّهُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي أَعْرَضَ عَنْ الطَّلَبِ وَبِهِ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ وَلِمَنْ هُوَ بَعْدَهُ مِنْ الشُّفَعَاءِ أَوْ مِثْلُهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْعَقْدِ الثَّانِي، أَمَّا إعْرَاضُهُ عَنْ الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا عَنْ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ بِاشْتِغَالِهِ بِهِ مَعَ إمْكَانِ أَخْذِهِ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ جُعِلَ مُعْرِضًا عَنْ الْأَخْذِ بِسَبَبِهِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ بِهِ حَقٌّ؛ لِأَنَّهُ إعْرَاضٌ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ هُنَاكَ لَمْ يَتَضَمَّنْ إعْرَاضًا لِأَنَّهُ مُقْبِلٌ عَلَى التَّمَلُّكِ وَهُوَ مَعْنَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَاهَا بِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ أَخْذِهَا بِطَرِيقٍ آخَرَ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَأْجَرَ الشَّفِيعُ الدَّارَ الْمَشْفُوعَةَ أَوْ سَاوَمَهَا، أَوْ طَلَبَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَنْ يُوَلِّيَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَهُ) أَيْ بِالْوَكَالَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَرَادَ وَرَثَتُهُ أَخْذَهَا فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الشَّفِيعُ مَلَكَهَا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ تَكُونُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا الْقَاضِي بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ بَاعَهَا وَصِيُّهُ كَانَ لَهُ نَقْضُهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي أَوْ الْوَصِيُّ فِي دَيْنِ الْمُشْتَرِي فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يُبْطِلَ الْبَيْعَ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ تَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ فَيُفْسَخُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى الْمُشْتَرِي فِيهِ بِوَصِيَّةٍ كَانَ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهَا وَأَخْذُهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إبْرَاءُ الْغَرِيمِ) أَيْ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إسْقَاطٌ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي رَجُلٌ بَاعَ دَارًا وَرَضِيَ الشَّفِيعُ ثُمَّ جَاءَ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ حَدَّهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا أَقْرَبُ أَوْ أَبْعَدُ وَيَدَّعِي شُفْعَتَهُ حِينَ عَلِمَ قَالَ لَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ لَا تَقِفُ عَلَى كَوْنِ الدَّارِ مَعْلُومَةً كَصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ فِي الدُّيُونِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِمِقْدَارِهَا فَمَتَى صَحَّ التَّسْلِيمُ كَانَ هَذَا دَعْوَى بَعْدَ التَّسْلِيمِ فَلَا يُسْمَعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكِيلُ الْبَائِعِ إذَا بَاعَ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَوَكِيلُ الْمُشْتَرِي إذَا ابْتَاعَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ إلَخْ) هَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ لَوْ وَكَّلَ شَفِيعَ الدَّارِ بِالْبَيْعِ فَبَاعَهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَاعَ وَلَوْ أَنَّ مُضَارِبًا لِرَجُلٍ بَاعَ دَارًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعُهَا بِدَارٍ لَهُ أُخْرَى فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّهُ بِيعَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَكَّلَ شَفِيعَ الدَّارِ بِشِرَائِهَا فَاشْتَرَاهَا لَهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَارًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ الشَّفِيعُ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ حَتَّى لَوْ جَاءَ شَفِيعٌ مِثْلُهُ أَخَذَ نِصْفَ الدَّارِ مِنْهُ وَلَوْ جَاءَ شَفِيعٌ دُونَهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ دَارًا وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعُهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لَهُ وَمَنْ اشْتَرَى أَوْ اشْتَرَى لَهُ فَلَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: رَجُلٌ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنْ يَضْمَنَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي أَوْ ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي الدَّرَكَ أَوْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ فَأَمْضَى الْبَيْعَ فَهَذَا كُلُّهُ تَسْلِيمٌ لِلشُّفْعَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَمَّا إذَا بَاعَ فَضَمِنَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ حَاضِرٌ فَقَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ الْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَأَمَّا لَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فَلِأَنَّ الشَّفِيعَ صَارَ كَالْبَائِعِ مِنْ وَجْهٍ وَكَالْمُشْتَرِي مِنْ وَجْهٍ، أَمَّا كَالْبَائِعِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ بِهِ وَكَذَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ حَتَّى يُخَلِّصَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ مَتَى كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ كَمَا لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِأَدَاءِ الثَّمَنِ وَأَمَّا كَالْمُشْتَرِي مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يَتِمُّ بِهِ وَكَذَا الْبَائِعُ يُطَالِبُهُ بِالثَّمَنِ كَمَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ فَوَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ فَلَا يَثْبُتُ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَتَى دَارَ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَثْبُتَ لَا يَثْبُتُ فَإِنْ قِيلَ الْبَائِعُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إنَّمَا لَمْ تَكُنْ لَهُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ إيجَابَ الشُّفْعَةِ لَهُ يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ لِأَنَّ الْبَيْعَ لِتَمْلِيكِ الْمَبِيعِ

أَنَّ مَنْ بَاعَ، أَوْ بِيعَ لَهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ وَمَنْ اشْتَرَى، أَوْ اُشْتُرِيَ لَهُ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فِي الْأَوَّلِ يَلْزَمُ مِنْهُ نَقْضُ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكٌ، وَالْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ تَمَلُّكٌ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَكَذَا الْبَيْعُ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ، وَالْأَخْذُ يُنَافِيهِ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ بِهِ التَّسْلِيمُ، وَفِي الثَّانِي لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَقْرِيرُهُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِثْلُ الشِّرَاءِ وَلَا فَرْقَ فِيمَنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا، أَوْ أَصِيلًا حَتَّى لَا تَكُونَ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْأَوَّلِ وَلَا لِمُوَكِّلِهِ إنْ كَانَ وَكِيلًا، وَفِي الثَّانِي لَهُ الشُّفْعَةُ إنْ كَانَ أَصِيلًا وَلِمُوَكِّلِهِ إنْ كَانَ وَكِيلًا حَتَّى إذَا بَاعَ الْمُضَارِبُ أَوْ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ الْعَقَارَ لَيْسَ لَهُ وَلَا لِرَبِّ الْمَالِ حَقُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ كَانَ لَهُ وَلِرَبِّ الْمَالِ الشُّفْعَةُ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لِلْمَوْلَى إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ، وَالْمُجِيزُ لِلْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ الْفُضُولِيُّ كَالْمُوَكِّلِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ ثُمَّ فَائِدَةُ قَوْلِنَا إنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ أَنْ يُشَارِكَ غَيْرَهُ مِنْ الشُّفَعَاءِ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمُوا عَلَيْهِ وَأَنْ يَتَقَدَّمَ هُوَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الشُّفَعَاءِ وَأَنْ يُسَلِّمَ لَهُ عِنْدَ تَرْكِ غَيْرِهِ مِنْ الشُّفَعَاءِ، وَالْبَائِعُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْمَبِيعَةَ بِالشُّفْعَةِ بِدَارٍ أُخْرَى غَيْرِهَا بِلِزْقِهَا لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهَا رَغِبَ عَنْهَا، وَالْأَخْذُ رَغْبَةٌ فِيهَا فَتَنَافَيَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وَلَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِثَالِثٍ فَأَجَازَ فَهُوَ كَالْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ فَأَجَازَ كَانَ كَالْمُشْتَرِي وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ ضَمِنَ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ) يَعْنِي إذَا ضَمِنَ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ وَهُوَ شَفِيعٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ إنَّمَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْعِ إلَّا بِضَمَانِهِ فَلَمَّا ضَمِنَ تَمَّ بِهِ الْعَقْدُ فَلَا يَكُونُ لَهُ نَقْضُ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبَائِعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ ابْتَاعَ، أَوْ اُبْتِيعَ لَهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ)؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى بِفُرُوعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قِيلَ لِلشَّفِيعِ إنَّهَا بِيعَتْ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ، أَوْ بِبُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ كَانَ لِاسْتِكْثَارِ الثَّمَنِ أَوْ لِتَعَذُّرِ الْجِنْسِ ظَاهِرًا فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ لِلتَّيْسِيرِ، وَعَدَمِ الرِّضَا، عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي الْأَخْذِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ قَدْرًا وَجِنْسًا فَإِذَا سَلَّمَ عَلَى بَعْضِ وُجُوهِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّسْلِيمُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَكَذَا كُلُّ مَوْزُونٍ، أَوْ مَكِيلٍ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِعَرَضٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ وَهِيَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ فَلَا يَظْهَرُ فِيهِ التَّيْسِيرُ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْأَخْذُ وَكَذَا لَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الثَّمَنَ عُرُوضٌ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ، أَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ مِنْ الْمَكِيلِ، أَوْ الْمَوْزُونِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ جِنْسٌ آخَرُ مِنْ الْعُرُوضِ قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ الَّذِي بَلَغَهُ، أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ ذَهَبٌ، أَوْ فِضَّةٌ قَدْرُهُ مِثْلُ قِيمَةِ ذَلِكَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ فَلَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ قَالَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالشُّفْعَةُ لِتَمَلُّكِ الْمَبِيعِ وَبَيْنَهُمَا تَضَادٌّ وَهُنَا لَا يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَبِيعِ هَهُنَا مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ. قِيلَ: لَهُ الشَّفِيعُ إذَا كَانَ كَفِيلًا عَنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ كَانَ بِمَعْنَى الْبَائِعِ مِنْ وَجْهٍ لِمَا قُلْنَا فَإِيجَابُ الشُّفْعَةِ لَهُ يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ مِنْ وَجْهٍ فِي التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ، فَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ مِنْ وَجْهٍ فِي التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ أَدَّى إلَى التَّضَادِّ فِي حَقِّ ضَمَانِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ الْتَزَمَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ وَمَتَى بَقِيَ شَفِيعًا كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَلْتَزِمَ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَيَبْرَأُ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ فَيَبْرَأُ هُوَ عَنْ ضَمَانِ الْكَفَالَةِ وَأَمَّا إذَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي بِالدَّرَكِ فَجَوَازُ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ إذَا كَانَ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ وَقِيلَ فِي الْمَجْلِسِ اسْتِحْسَانٌ أَيْضًا أَمَّا لَا شُفْعَةَ لَهُ فَلِأَنَّهُ بَائِعٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِهِ وَكَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُشْتَرَى كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالدَّرَكِ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لَهُ فَأَمْضَى الْبَيْعَ فَلِأَنَّهُ بَائِعٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْبَيْعَ بِاعْتِبَارِ إثْبَاتِ الْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْبَيْعِ وَلَوْ اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي خِيَارَ الشَّفِيعِ فَأَمْضَى الشَّفِيعُ الْبَيْعَ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ يُرِيدُ بِهِ إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ الْمُشْتَرِي فِي الْإِجَازَةِ عَلَى مَا عُلِمَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ فَكَذَا الْمُشْتَرِي مِنْ وَجْهٍ فَإِنْ قِيلَ الْمُشْتَرِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إنَّمَا كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ إيجَابَ الشُّفْعَةِ لَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ تَمَلُّكٌ أَيْضًا فَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَضَادٌّ فَأَمَّا هُنَا لَوْ وَجَبَ الشُّفْعَةُ لِهَذَا الْمُشْتَرِي مِنْ وَجْهٍ بَعْدَ الْإِجَازَةِ أَدَّى إلَى التَّضَادِّ لِأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ أَوْجَبَ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَمَتَى أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ لَا يَبْقَى الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَصَارَ كَالسَّاعِي فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ لِلْمُشْتَرِي فَيُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ. قِيلَ: لَهُ هَذَا هَكَذَا أَنْ لَوْ وَجَبَ الشُّفْعَةُ لَهُ بِإِجَازَتِهِ وَالشُّفْعَةُ لَمْ تَجِبْ لَهُ بِإِجَازَتِهِ الشِّرَاءَ بَلْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ بِبَيْعِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَجَبَ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ أَجَازَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ أَمْ فَسَخَ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ زَوَالَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَثُبُوتُ حَقِّ الشَّفِيعِ يَعْتَمِدُ زَوَالَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَمَتَى وَجَبَ الشُّفْعَةُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَلَوْ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ مَا أَجَازَ لَا يَكُونُ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ مَا وَجَبَ بِإِجَازَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَنَّ مَنْ بَاعَ) أَيْ وَهُوَ وَكِيلُ الْبَائِعِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِيعَ لَهُ) أَيْ وَهُوَ الْمُوَكِّلُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ ضَمِنَ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ) اُنْظُرْ الْحَاشِيَةَ الَّتِي كَتَبْتهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَوْ بِيعَتْ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ) أَيْ لِأَنَّ الْعَرَضَ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِمِثْلِهِ وَإِنَّمَا تَجِبُ بِقِيمَتِهِ وَالْقِيمَةُ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ اهـ. (فَرْعٌ) مِمَّا يُحْفَظُ مِنْ الْحِيَلِ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ أَنْ يَعْقِدَ الْبَيْعَ بِثَمَنٍ مَجْهُولِ الْمِقْدَارِ كَحَفْنَةِ قُرَاضَةٍ أَوْ

- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَانَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلِهَذَا جَازَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ وَكَذَا لَوْ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِالدَّرَاهِمِ فَأَقَرَّ بِالدَّنَانِيرِ كَانَ مُخْتَارًا غَيْرَ مُكْرَهٍ وَلَوْ كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا لَمَا صَارَ مُخْتَارًا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ فِي الثَّمَنِيَّةِ، وَكَلَامُنَا فِيهِ وَلِهَذَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قِيلَ لَهُ إنَّ الْمُشْتَرِيَ فُلَانٌ فَسَلَّمَ فَبَانَ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْأَخْلَاقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُرْغَبُ فِي مُعَاشَرَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُجْتَنَبُ مَخَافَةَ شَرِّهِ فَالتَّسْلِيمُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ مَعَ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ غَيْرِهِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ. وَلَوْ بَلَغَهُ شِرَاءُ النِّصْفِ فَسَلَّمَ، ثُمَّ بَلَغَهُ شِرَاءُ الْكُلِّ فَلَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ سَلَّمَ النِّصْفَ وَكَانَ حَقُّهُ فِي أَخْذِ الْكُلِّ وَالْكُلُّ غَيْرُ النِّصْفِ فَلَا يَكُونُ إسْقَاطُهُ إسْقَاطًا لِلْكُلِّ وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ لِخَوْفِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَلَا شَرِكَةَ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَسْتَقِيمُ فِي الْجَارِ دُونَ الشَّرِيكِ، وَالْأَوَّلُ يَسْتَقِيمُ فِيهِمَا، وَفِي عَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا أُخْبِرَ بِشِرَاءِ الْكُلِّ فَسَلَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ شِرَاءُ النِّصْفِ لَا شُفْعَةَ لَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْكُلِّ تَسْلِيمٌ فِي أَبْعَاضِهِ كُلِّهَا وَلِأَنَّ رَغَبَاتِ النَّاسِ فِي الْكُلِّ أَكْثَرُ عَادَةً مِنْ رَغَبَاتِهِمْ فِي الْأَشْقَاصِ لِخُلُوِّ الْكُلِّ عَنْ عَيْبِ التَّشْقِيصِ فَإِذَا لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَرْغَبَ فِي التَّشْقِيصِ وَقِيلَ: لَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ ثَمَنِ الْجَمِيعِ وَقَدْ تَكُونُ حَاجَتُهُ إلَى النِّصْفِ لِيُتِمَّ بِهِ مَرَافِقَ مِلْكِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَمِيعِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ مَالَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَحُمِلَ مَا ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَمَنُ النِّصْفِ مِثْلَ ثَمَنِ الْكُلِّ أَمَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ثَمَنَ النِّصْفِ مِثْلُ نِصْفِ ثَمَنِ الْكُلِّ فَلَهُ الشُّفْعَةُ وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَاعَهَا إلَّا ذِرَاعًا فِي جَانِبِ الشَّفِيعِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) مَعْنَاهُ إذَا بَاعَ الْعَقَارَ إلَّا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْجِوَارِ وَلَمْ يُوجَدْ الِاتِّصَالُ بِالْمَبِيعِ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ هَذَا الْقَدْرَ لِلْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الِالْتِزَاقِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ابْتَاعَ مِنْهَا سَهْمًا بِثَمَنٍ ثُمَّ ابْتَاعَ بَقِيَّتَهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ) لِأَنَّ الشَّفِيعَ جَارٍ فِي السَّهْمَيْنِ وَالْمُشْتَرِي شَرِيكٌ فِي السَّهْمِ الثَّانِي وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ وَلَوْ أَرَادَ الْحِيلَةَ اشْتَرَى السَّهْمَ الْأَوَّلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا وَالْبَاقِيَ بِالدِّرْهَمِ فَلَا يَرْغَبُ الْجَارُ فِي أَخْذِ السَّهْمِ الْأَوَّلِ لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ السَّهْمُ الْأَوَّلُ جُزْءًا قَلِيلًا كَالْعُشْرِ مَثَلًا، أَوْ أَقَلَّ وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَتَأَتَّى مِثْلُ هَذِهِ الْحِيلَةِ بِأَنْ يَبِيعَ قَدْرَ الذِّرَاعِ أَوْ أَقَلَّ فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا، ثُمَّ يَشْتَرِي الْبَاقِيَ بِدِرْهَمٍ فَإِنْ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ أَخَذَ قَدْرَ الذِّرَاعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ لَهُ فَأَيُّهُمَا خَافَ أَنْ لَا يُوَفِّيَ صَاحِبُهُ شَرْطَ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ خَافَا شَرَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يُجِيزَانِ مَعًا، وَإِنْ خَافَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا أَجَازَ أَنْ لَا يُجِيزَ صَاحِبُهُ وَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيزَ بِشَرْطِ أَنْ يُجِيزَ صَاحِبُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ابْتَاعَهَا بِثَمَنٍ ثُمَّ دَفَعَ ثَوْبًا عَنْهُ فَالشُّفْعَةُ بِالثَّمَنِ لَا بِالثَّوْبِ) لِأَنَّ الثَّوْبَ عِوَضٌ عَمَّا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْبَائِعُ مُشْتَرِيًا لِلثَّوْبِ بِعَقْدٍ آخَرَ غَيْرِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ تَعُمُّ الْجِوَارَ وَالشَّرِكَةَ لِأَنَّهُ يَبْتَاعُ الْعَقَارَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَيُعْطِيهِ بِهَا ثَوْبًا قِيمَتُهُ قَدْرُ قِيمَةِ الْعَقَارِ غَيْرَ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَوْهَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ أَوْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَفٍّ مِنْ الْفُلُوسِ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ اهـ مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالشَّرِكَةِ أَوْ بِالْجِوَارِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ وَهَبَ هَذَا الْقَدْرَ لِلْمُشْتَرِي) أَيْ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ ابْتَاعَ مِنْهَا) لَفْظُ " مِنْهَا " لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَرَادَ الْحِيلَةَ اشْتَرَى السَّهْمَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ أَوَّلًا مِنْ الدَّارِ وَمِنْ الْكَرْمِ عُشْرَهَا مُشَاعًا بِأَكْثَرِ الثَّمَنِ ثُمَّ يَبِيعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ حَتَّى إنَّ الشَّفِيعَ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ إلَّا فِي عُشْرِهَا بِثَمَنِهِ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَ اشْتَرَى تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا كَانَ شَرِيكًا فِيهَا بِالْعُشْرِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ إنَّمَا تَكُونُ لِلْجَارِ أَوْ لِلْخَلِيطِ لِأَنَّ الشَّرِيكَ أَوْلَى مِنْهُمَا وَلَا يُحْتَالُ بِهَا لِلشَّرِيكِ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إذَا كَانَ شَرِيكًا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ أَيْضًا بِقَلِيلِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لِلصَّغِيرِ فَإِنَّ بَيْعَ الْعُشْرِ مِنْهَا بِكَثِيرِ الثَّمَنِ جَائِزٌ وَبَيْعَ تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ بِقَلِيلِ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ بَيْعَ مَالِ الصَّغِيرِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ قَدْرِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْحِيلَةِ مَضَرَّةٌ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْعُشْرُ وَلَا يَجُوزُ فِي تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَحْتَالَ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ فِي دَارِ الصَّغِيرِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ دَارِهِ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ أَوْ يَبِيعَ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، ثُمَّ يَبِيعَ بَقِيَّةَ الدَّارِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً وَهَذِهِ الْحِيلَةُ لِلْجَارِ وَالْخَلِيطِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الشَّفِيعُ شَرِيكًا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ نِصْفَ الْبَقِيَّةِ بِنِصْفِ ثَمَنِهَا. اهـ. غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ تَرْجِعُ إلَى تَقْلِيلِ رَغْبَةِ الشَّفِيعِ، وَالْأُولَى إلَى الْإِبْطَالِ لِأَنَّ فِي الْأُولَى لَيْسَ لِلْجَارِ أَنْ يَأْخُذَ لِأَنَّ مِقْدَارَ ذِرَاعٍ فِي طُولِ حَدِّ الشَّفِيعِ لَمْ يُبَعْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: قَدْرُ قِيمَةِ الْعَقَارِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِقَوْلِهِ: وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يَبِيعَ الدَّارَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا، نَحْوُ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفَيْنِ وَيَنْقُدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَبِيعَ بِأَلْفٍ وَعَشَرَةٍ عَرَضًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَحَصَلَتْ الدَّارُ لِلْمُشْتَرِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي الْحَاصِلِ وَلَكِنَّ الشَّفِيعَ لَا يَأْخُذُهَا إلَّا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَالْأَفْضَلُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَ الْعَرَضِ دِينَارًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ هَذَا هُوَ الْأَحْوَطُ حَتَّى إنَّ الدَّارَ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ

يَخَافُ أَنْ يَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ تَبْقَى الدَّرَاهِمُ كُلُّهَا فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي ثُمَّ بَرَاءَتُهُ كَانَتْ حَصَلَتْ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ بِثَمَنِ الْعَقَارِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَمَنُ الْعَقَارِ وَبَطَلَتْ الْمُقَاصَّةُ فَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الثَّمَنُ كُلُّهُ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بَدَلَ الدَّرَاهِمِ الثَّمَنِ الدَّنَانِيرَ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَقَارِ فَيَكُونُ صَرْفًا بِمَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، ثُمَّ إذَا اُسْتُحِقَّ الْعَقَارُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَبْطُلُ الصَّرْفُ لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَجِبُ رَدُّ الدَّنَانِيرِ لَا غَيْرُ وَالْحِيلَةُ الْأُولَى تَخْتَصُّ بِالْجَارِ وَهَذِهِ لَا، وَحِيلَةٌ أُخْرَى تَعُمُّ الْجَارَ وَالشَّرِيكَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ يُوَفِّيَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ قَدْرَ قِيمَةِ الْعَقَارِ إلَّا قَدْرَ قِيمَةِ الدِّينَارِ مَثَلًا فَيُعْطِيَهُ الدِّينَارَ بِالْبَاقِي فَيَصِيرَ صَرْفًا فِيهِ، ثُمَّ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَشْفُوعُ يَرُدُّ مَا قَبَضَ كُلَّهُ فَغَيْرُ الدِّينَارِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْعَقَارِ الْمُسْتَحَقِّ وَالدِّينَارِ لِبُطْلَانِ الصَّرْفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ وَالزَّكَاةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ وَجَبَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَهُوَ وَاجِبٌ، وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ حَرَامٌ فَكَانَتْ مَكْرُوهَةً ضَرُورَةً وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَحْتَالُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْحِيلَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ مَشْرُوعَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يَتَضَرَّرُ فِي ضِمْنِهِ، ثُمَّ قِيلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْوُجُوبِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَمَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْقَائِلُ لِهَذَا الْقَوْلِ قَاسَهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَبْلَ الْوُجُوبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُكْرَهُ وَقِيلَ: لَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي فَصْلِ الزَّكَاةِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الِاشْتِغَالُ بِالْحِيَلِ بِإِبْطَالِ حَقِّ الشُّفْعَةِ لَا بَأْسَ بِهِ أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْوُجُوبِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُشْتَرِي الْإِضْرَارَ بِهِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الدَّفْعَ عَنْ مِلْكِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتُكْرَهُ عَلَى قِيَاسِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الزَّكَاةِ، ثُمَّ الْحِيَلُ الَّتِي تُسْقِطُ الْوُجُوبَ هِيَ أَنْ يُعَوِّضَهُ فَيُسْقِطَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فَتَسْقُطَ شُفْعَتُهُ وَلَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْعِوَضُ أَوْ يَقُولَ لَهُ أَنَا أَبِيعُك إيَّاهُ، أَوْ يَقُولَ لَهُ الْمُشْتَرِي: اشْتَرِهِ مِنِّي فَيَقُولَ الشَّفِيعُ نَعَمْ فَتَسْقُطَ بِهِ شُفْعَتُهُ وَكَذَا إذَا آجَرَهُ مِنْ الشَّفِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمِنْ الْحِيَلِ الَّتِي تَمْنَعُ الْوُجُوبَ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِبَيْعِهَا، أَوْ يُضَمِّنَهُ الدَّرَكَ، أَوْ يَجْعَلَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ إلَيْهِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحِيَلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ، وَمِنْ الْحِيَلِ أَنْ يُؤْجِرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ شَيْئًا بِبَعْضِ الْعَقَارِ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهُ كَالثَّوْبِ مَثَلًا يُؤْجِرُهُ لِيَلْبَسَهُ الْبَائِعُ يَوْمًا بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الْعَقَارِ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَّكَهُ مِنْهُ جُزْءًا شَائِعًا صَارَ شَرِيكًا لَهُ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ فِيهِ شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ بِالْإِجَارَةِ وَلَا فِيمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ أَوْلَى وَهَذِهِ الْحِيلَةُ لَا تَدْفَعُ إلَّا الْجَارَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَخَذَ حَظُّ الْبَعْضِ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي لَا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا تَعَدَّدَ بِأَنْ اشْتَرَوْا جَمَاعَةٌ عَقَارًا وَالْبَائِعُ وَاحِدٌ يَتَعَدَّدُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِتَعَدُّدِهِمْ حَتَّى كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ وَيَتْرُكَ الْبَاقِيَ، وَإِنْ تَعَدَّدَ الْبَائِعُ بِأَنْ بَاعَ جَمَاعَةٌ عَقَارًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدٌ لَا يَتَعَدَّدُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِتَعَدُّدِهِمْ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّفِيعَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَخْذِ نَصِيبِ بَعْضِهِمْ تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ الضَّرَرِ بِالْأَخْذِ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِمِثْلِ مَا أَعْطَاهُ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ لِجَمِيعِ الشُّفَعَاءِ وَلَوْ كَانَ بَاعَ بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ عَرَضًا سِوَى الذَّهَبِ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَمَا ذَكَرْنَا فَعِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَيَكُونُ فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى الْبَائِعِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي) أَيْ وَهُوَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ مِنْ الْبَائِعِ بِثَمَنٍ قَدْرِ ثَمَنِ الْعَقَارِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْمُشْتَرِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَطَلَتْ الْمُقَاصَّةُ) أَيْ فَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ بَطَلَ الصَّرْفُ وَيَرُدُّ الدِّينَارَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: دَنَانِيرَ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ الدَّنَانِيرَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْحِيلَةُ الْأُولَى تَخْتَصُّ بِالْجَارِ وَهَذِهِ لَا) تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ الْحِيلَةُ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ كَانَتْ بَعْدَ الثُّبُوتِ أَوْ قَبْلَ الثُّبُوتِ. فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ اشْتَرِهِ مِنِّي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقٍّ وَاجِبٍ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا بَأْسَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّفِيعُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِبْطَالٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُكْرَهُ) وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الشُّفْعَةَ سَبَبًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّفِيعِ فَلَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْحِيلَةَ بِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ لَوْ جَازَتْ لَمْ تُثْبِتْ شُفْعَةً أَبَدًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْوُجُوبِ) أَيْ قَبْلَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ يَعْنِي قَبْلَ الْبَيْعِ إذْ هِيَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْبَيْعِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ) قِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الشُّفْعَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الزَّكَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ بِهِ) قَالَ الْخَصَّافُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحِيَلِ: لَا بَأْسَ بِالْحِيَلِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَجُوزُ، وَإِنَّمَا الْحِيلَةُ شَيْءٌ يَتَخَلَّصُ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ الْحَرَامِ وَيَخْرُجُ بِهِ إلَى الْحَلَالِ فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَالَ الرَّجُلُ فِي حَقٍّ لِرَجُلٍ حَتَّى يُبْطِلَهُ أَوْ يَحْتَالَ فِي بَاطِلٍ حَتَّى يُمَوِّهَهُ أَوْ يَحْتَالَ فِي شَيْءٍ حَتَّى يُدْخِلَ فِيهِ شُبْهَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْحِيَلُ الَّتِي تُسْقِطُ الْوُجُوبَ هِيَ أَنْ يُعَوِّضَهُ) كَأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ صَالَحْتُك عَلَى كَذَا كَذَا دِرْهَمًا عَلَى أَنْ تُسَلِّمَ لِي شُفْعَتَك فَإِذَا قَبِلَ الشَّفِيعُ الصُّلْحَ وَسَلَّمَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَلَا يَجِبُ لَهُ الْمَالُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ اشْتَرَى جَمَاعَةٌ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ بَاعُوا جَمَاعَةٌ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ

وَبِعَيْبِ الشَّرِكَةِ وَهِيَ شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّفِيعِ فَلَا تُشْرَعُ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُشْتَرِي ضَرَرًا زَائِدًا سِوَى الْأَخْذِ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَقُومُ الشَّفِيعُ مَقَامَ أَحَدِهِمْ فَلَا تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى أَحَدٍ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ بَعْدَهُ فِي الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ إذَا نَقَدَ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى يَنْقُدَ الْجَمِيعَ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِينَ أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَكَمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا فَنَقَدَ الْبَعْضَ مِنْ الثَّمَنِ وَسَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ بَعْضٍ ثَمَنًا أَوْ سَمَّى لِلْكُلِّ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ لَا لِاتِّحَادِ الثَّمَنِ وَاخْتِلَافِهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّعَدُّدِ وَالِاتِّحَادِ الْعَاقِدُ دُونَ الْمَالِكِ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً بِالشِّرَاءِ فَاشْتَرَوْا لَهُ عَقَارًا وَاحِدًا بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مُتَعَدِّدَةٍ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ وَلَوْ وَكَّلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا بِهِ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَهُوَ أَصِيلٌ فِيهِ فَيَتَّحِدُ بِاتِّحَادِهِ وَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِ، ثُمَّ فِي الصَّحِيحِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ فَصَّلَ فَقَالَ إنْ أَخَذَ قَبْلَ الْقَبْضِ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الْبَعْضِ مِنْهُ بِتَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَبَعْدَهُ لَا يَتَضَرَّرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ وَجَوَابُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْجَمِيعَ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الثَّمَنِ - عَلَى مَا بَيَّنَّا - فَلَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ غَيْرَ مَقْسُومٍ أَخَذَ الشَّفِيعُ حَظَّ الْمُشْتَرِي بِقِسْمَتِهِ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ غَيْرَ مَقْسُومٍ فَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أَخَذَ نَصِيبَ الْمُشْتَرِي الَّذِي حَصَلَ لَهُ بِقِسْمَتِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِحُكْمٍ، أَوْ بِالتَّرَاضِي؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْمِيلِ الِانْتِفَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْهِبَةَ تَتِمُّ بِهَا حَتَّى صَحَّتْ بِالْقِسْمَةِ وَالتَّسْلِيمِ بَعْدَ أَنْ وَقَعَتْ فَاسِدَةً لِلشُّيُوعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ قَبْضَهُ نَاقِصٌ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَالشَّفِيعُ لَا يَنْقُضُ الْقَبْضَ لِيَجْعَلَ الْعُهْدَةَ عَلَى الْبَائِعِ فَكَذَا مَا يُتِمُّ الْقَبْضَ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَبْضَ بِجِهَةِ الْبَيْعِ لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ فَكَمَا لَا يَمْلِكُ نَقْضَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ الْقَبْضِ الْمَوْجُودِ بِجِهَتِهِ وَلَا يُقَالُ الْقِسْمَةُ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَالشَّفِيعُ يَمْلِكُ نَقْضَ تَصَرُّفَاتِهِ فَكَذَا نَقْضُ قِسْمَتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ وَمُبَادَلَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ مِنْ رَدٍّ بِعَيْبٍ، أَوْ خِيَارِ رُؤْيَةٍ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا إفْرَازٌ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا إلَّا الْقَبْضُ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مُبَادَلَةٌ تُمَلَّكُ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهَا إفْرَازٌ لَا تُمَلَّكُ فَلَا تُمَلَّكُ بِالشَّكِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَنْقُضَ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ لِصُدُورِهَا عَنْ مَالِكٍ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ، أَوْ آجَرَهُ يَطِيبُ لَهُ الثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ فِيهِ مِلْكٌ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ تَصَرُّفَاتِهِ غَيْرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ تَصَرُّفَاتٍ تُبْطِلُ حَقَّهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا ضَرَرَ فِي الْقِسْمَةِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَفِي حَقِّ مَالِهِ حُكْمُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَبْضُ بِجِهَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ وَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ حَيْثُ يَكُونُ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ مِنْ الَّذِي قَاسَمَ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَنْقُضُهُ الشَّفِيعُ كَمَا يَنْقُضُ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ نَقْضُ قِسْمَتِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ الْمُشْتَرِي فِي أَيِّ جَانِبٍ كَانَ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِالشِّرَاءِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِ حَقِّهِ فَيَأْخُذُهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الدَّارَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) قَالَ الْكَرْخِيُّ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَجَاءَ شَفِيعٌ لَهُمَا جَمِيعًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ زُفَرَ الشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الدَّارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَتَعَلَّقَ حَقُّ الشَّفِيعِ بِهِمَا فَلَمْ يَمْلِكْ أَنْ يُفْرِدَ بِالْأَخْذِ بَعْضَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ دُونَ بَعْضٍ كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ الْمُتَلَاصِقَتَيْنِ وَالْمُتَفَارِقَتَيْنِ وَذَكَرَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا إذَا كَانَتَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ مِصْرَيْنِ فَهُوَ سَوَاءٌ، وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ أَخْذَ إحْدَى الدَّارَيْنِ لَا يُؤَدِّي إلَى إضْرَارٍ بِالْمُشْتَرِي بِالشَّرِكَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ شَفِيعًا لِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَإِذَا كَانَ الشَّفِيعُ شَفِيعًا لِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَوَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي مَالِكٍ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الَّتِي تُجَاوِرُهُ بِالْحِصَّةِ وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَكَذَلِكَ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى دَارَيْنِ مُتَلَاصِقَتَيْنِ وَلَهُ جَارٌ يَلِي إحْدَاهُمَا قَالَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الَّتِي تَلِيهِ بِالشُّفْعَةِ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي الْأُخْرَى قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ تَعَلَّقَ بِإِحْدَى الدَّارَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى، وَالصَّفْقَةُ إذَا جَمَعَتْ بَيْنَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَبَيْنَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الشُّفْعَةُ أَخَذَ الشَّفِيعُ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ بِالْحِصَّةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا وَسَيْفًا صَفْقَةً وَاحِدَةً. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ) أَيْ دُونَ الْمَعْقُودِ لَهُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِالتَّرَاضِي) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِسْمَةَ إذَا كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ وَإِذَا كَانَتْ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ. اهـ. غَايَةٌ.

عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِطْلَاقُ الْكِتَابُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ إذَا وَقَعَ فِي جَانِبِ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى جَارًا فِيمَا يَقَعُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْعَبْدِ الْمَدْيُونِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ سَيِّدِهِ كَعَكْسِهِ) مَعْنَاهُ إذَا بَاعَ رَجُلٌ دَارًا وَلِلْبَائِعِ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ وَكَذَا عَكْسُهُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْبَائِعَ فَلِمَوْلَاهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَشِرَاءُ أَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ جَائِزٌ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الْيَدِ لِلْعَبْدِ لِكَوْنِ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ، أَوْ لِكَوْنِ الْعَبْدِ أَحَقَّ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْعَبْدُ بَائِعٌ لِأَنَّ بَيْعَهُ لِمَوْلَاهُ وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ بِيعَ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى لِأَنَّهُ اُبْتِيعَ لَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ أَوْ اُبْتِيعَ لَهُ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ، أَوْ بَلَغَ الْخَبَرُ الْمُوَكِّلَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بُطْلَانُ الشُّفْعَةِ بِسُكُوتِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالشِّرَاءِ لِزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْأَبِ وَالْوَصِيِّ أَنَّ هَذَا إبْطَالٌ لِحَقِّ الصَّبِيِّ فَلَا يَصِحُّ كَالْعَفْوِ عَنْ قَوَدِهِ، وَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ، وَإِبْرَاءِ غَرِيمِهِ وَلِأَنَّ وِلَايَةَ تَصَرُّفِهِمَا نَظَرِيَّةٌ وَالنَّظَرُ فِي الْأَخْذِ مُتَعَيَّنٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَكَانَ فِي إبْطَالِهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ بَلْ عَيْنُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَتَرْكُ الْأَخْذِ بِهَا تَرْكُ التِّجَارَةِ فَيَمْلِكُهُ كَمَا يَمْلِكُ تَرْكَ التِّجَارَةِ بِرَدِّ الْبَيْعِ عِنْدَمَا يُقَالُ لِلْأَبِ بِعْتُك هَذَا الْمَالَ لِابْنِك الصَّغِيرِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ جَازَ فَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَفِي الْأَوَّلِ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ دَائِرٌ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ فَيُحْمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّرْكُ أَنْفَعَ بِإِبْقَاءِ الثَّمَنِ عَلَى مِلْكِ الصَّغِيرِ فَيَمْلِكُهُ كَالْأَخْذِ بِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الْقَوَدِ وَأُخْتَيْهِ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ غَيْرُ مُتَرَدِّدٍ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُنَا بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ وَهُوَ الثَّمَنُ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا وَسُكُوتُهُمَا كَإِبْطَالِهِمَا لِأَنَّ السُّكُوتَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَهَذَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا، وَإِنْ بِيعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ قِيلَ جَازَ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ مُتَعَيَّنٌ فِيهِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ فَلَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا بِمُحَابَاةٍ كَثِيرَةٍ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَصِحُّ تَسْلِيمُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْكَافِي قَالَ: ذُكِرَ فِي الْحَصْرِ وَالْمُخْتَلَفِ إذَا سَلَّمَ الْأَبُ شُفْعَةَ الصَّغِيرِ - وَالشِّرَاءُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِكَثِيرٍ - فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ إدْخَالِهِ فِي مِلْكِهِ لَا إزَالَةٌ عَنْ مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَبَرُّعًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّعِ بِمَالِهِ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ التَّسْلِيمُ مِنْهُمَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ تَسْلِيمَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ شُفْعَةَ الصَّغِيرِ جَائِزًا فِيمَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ فِيمَا إذَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْلَى وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْأَبَ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ عَلَى الصَّغِيرِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى لِابْنِهِ الصَّغِيرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ عَلَى الصَّغِيرِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ، وَفِي الشِّرَاءِ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ غَبْنٌ فَكَذَا فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي هَذَا إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ لِلصَّغِيرِ نَفْعٌ ظَاهِرٌ حَتَّى إذَا كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ فِي الْأَبِ، وَالْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الشِّرَاءِ، وَفِي الْبَيْعِ أَقَلَّ وَفِي الْأَبِ يَجُوزُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فِيهِمَا فَكَذَا الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ كَيْفِيَّةُ طَلَبِهِ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت وَأَخَذْت بِالشُّفْعَةِ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ وَلَوْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكَ الصَّغِيرِ، أَوْ مِلْكَ نَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلِلْعَبْدِ الْمَدْيُونِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَإِذَا بَاعَ الْمَوْلَى دَارًا وَمُكَاتَبُهُ شَفِيعُهَا فَلَهُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْأَجَانِبِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ، فَكَانَ أَخْذُهُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ مُفِيدًا اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُهَا لِمَوْلَاهُ بَلْ لِنَفْسِهِ فَكَانَ مُفِيدًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِكَوْنِ الْعَبْدِ أَحَقَّ بِهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ. ". (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا) لَعَلَّهُ " وِلَايَتَهُمَا (قَوْلُهُ: جَازَ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ بِلَا خِلَافِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لِتَمَحُّضِهِ ضَرَرًا لِلصَّبِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ) فَبَقِيَ الصَّبِيُّ عَلَى حَقِّهِ إذَا بَلَغَ وَصَارَ الْوَلِيُّ كَالْأَجْنَبِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ) لَفْظُ " ذَكَرَ " لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ) أَيْ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ اهـ

[كتاب القسمة]

بِالشُّفْعَةِ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِلصَّغِيرِ لِمَا ذُكِرَ أَنَّ مَنْ بَاعَ، أَوْ بِيعَ لَهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَلِلصَّغِيرِ أَنْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ إذَا بَلَغَ فِيمَا إذَا بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ لَا مَالَ الصَّغِيرِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الشِّرَاءِ غَبْنٌ كَانَ لِلصَّغِيرِ أَنْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ إذَا بَلَغَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِلصَّغِيرِ فَلَا تَبْطُلَ شُفْعَةُ الصَّغِيرِ بِسُكُوتِهِ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ لِمَالِ الصَّغِيرِ وَصِيَّ الْقَاضِي كَانَ لِوَصِيِّ الْمَيِّتِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَائِعٍ فَلَا يَمْتَنِعُ وَأَمَّا الْوَكِيلُ فَالْمُرَادُ بِهِ هَهُنَا الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَتَسْلِيمُهُ الشُّفْعَةَ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا سُكُوتُهُ إعْرَاضٌ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ إنَّمَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِضِدِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ فَأَبْرَأَهُ الْوَكِيلُ عَنْ الدَّيْنِ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا شِرَاءٌ، وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَهُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ فَكَذَا هَذَا لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الشُّفْعَةَ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ هُوَ وَكِيلٌ مُطْلَقًا فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ مُطْلَقًا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّ الْوَكِيلَ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ وَلَا تُعْتَبَرُ الْخُصُومَةُ إلَّا فِي مَجْلِسِهِ فَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَهَذَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا هُوَ نَظِيرُ الْخِلَافِ فِي إقْرَارِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَلَوْ أَقَرَّ هَذَا الْوَكِيلُ وَهُوَ الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِأَنَّهُ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْخُصُومَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَهِيَ مَسْأَلَةُ إقْرَارِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ وَمَوْضِعُهَا كِتَابُ الْوَكَالَةِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (كِتَابُ الْقِسْمَةِ) وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلِاقْتِسَامِ كَالْقُدْوَةِ لِلِاقْتِدَاءِ وَالْأُسْوَةِ لِلِائْتِسَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ جَمْعُ نَصِيبٍ شَائِعٍ فِي مُعَيَّنٍ) وَهَذَا فِي الشَّرِيعَةِ وَسَبَبُهَا طَلَبُ الشُّرَكَاءِ أَوْ بَعْضِهِمْ الِانْتِفَاعَ بِمِلْكِهِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ مُنْتَفِعٌ بِنَصِيبِ غَيْرِهِ فَالطَّالِبُ لِلْقِسْمَةِ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَيَمْنَعَ غَيْرَهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ فَيَجِبَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُجِيبَهُ إلَيْهِ، وَرُكْنُهَا هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِفْرَازُ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ كَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْعَدِّ وَالذَّرْعِ وَشَرْطُهَا أَنْ لَا تَفُوتَ الْمَنْفَعَةُ بِالْقِسْمَةِ فَإِذَا كَانَتْ تَفُوتُ بِهَا مَنْفَعَتُهُ لَا يُقْسَمُ جَبْرًا كَالْبِئْرِ وَالرَّحَا وَالْحَمَّامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْمَطْلُوبَ مِنْهَا تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ فَإِذَا أَدَّتْ إلَى فَوَاتِهَا لَمْ يُجْبَرْ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28] وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] وَبِالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاشَرَهَا فِي الْغَنَائِمِ وَالْمَوَارِيثِ» وَعَلَى جَوَازِهَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَلِأَنَّ فِيهِ إنْصَافَ الشُّرَكَاءِ، وَإِظْهَارَ الْعَدْلِ بِإِيصَالِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَكَانَ وَاجِبًا وَحُكْمُهَا تَعْيِينُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَعَلُّقٌ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَشْتَمِلُ عَلَى الْإِفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمِثْلِيِّ فَيَأْخُذُ حَظَّهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَهِيَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَأْخُذُ) أَيْ الْقِسْمَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ وَالْمُبَادَلَةِ: وَالتَّمْيِيزُ هُوَ الظَّاهِرُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ حَتَّى كَانَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَالْمُبَادَلَةُ هِيَ الظَّاهِرُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ كَالثِّيَابِ وَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ حَتَّى لَا يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ عَلَى النَّصِيبَيْنِ فَكَانَ نِصْفُهُ مِلْكَهُ وَلَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ فَكَانَ إفْرَازًا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ عِوَضًا عَمَّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ مِنْ نَصِيبِهِ فَكَانَ مُبَادَلَةً ضَرُورَةً إلَّا أَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَالتَّمْيِيزِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ أَظْهَرُ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَبْعَاضِهِ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِثْلُ حَقِّهِ صُورَةً وَمَعْنًى فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ عَيْنَ حَقِّهِ وَلِهَذَا جُعِلَ عَيْنَ حَقِّهِ فِي الْقَرْضِ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَمَا صَحَّ فِي الْقَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ كِتَابُ الْقِسْمَةِ] (كِتَابُ الْقِسْمَةِ) مُنَاسَبَةُ الْقِسْمَةِ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ نَتَائِجِ النَّصِيبِ الشَّائِعِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَقْوَى أَسْبَابِ الشُّفْعَةِ الشَّرِكَةُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ، وَتَقْدِيمُ الشُّفْعَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ لِمَا أَنَّ التَّمَلُّكَ بِالشُّفْعَةِ رُبَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْقِسْمَةِ وَالسَّبَبُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُسَبَّبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] وَإِنَّمَا يُعْلَمُ الْخُمُسُ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بِالْقِسْمَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. [مَا تَشْتَمِل عَلَيْهِ الْقِسْمَة] (قَوْلُهُ: فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ عَيْنَ حَقِّهِ) أَيْ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي تَعَلُّقِ الْمَصَالِحِ وَالْأَغْرَاضِ بِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

[الإجبار على القسمة]

لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَلَا فِي السَّلَمِ وَالصَّرْفِ لِحُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ فِيهِمَا وَكَذَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ جُعِلَ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ حَقِّهِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الْجَبْرُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَهُ لَمَا جَرَى إذْ لَا يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَكَذَا جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَلَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَمَا جَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَا اشْتَرَيَاهُ جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَمَا جَازَ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ أَظْهَرُ لِلتَّفَاوُتِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ أَخَذَ عَيْنَ حَقِّهِ لِعَدَمِ الْمُعَادَلَةِ بَيْنَهُمَا بِيَقِينٍ فَلَا يُمْكِنُ إجْرَاءُ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْمِثْلِيِّ إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أُجْبِرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ بِطَلَبِ بَعْضِهِمْ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَفِيهَا تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَقَاصِدُ مُتَقَارِبَةٌ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَجَازَ الْإِجْبَارُ عَلَيْهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ، وَالْمُبَادَلَةُ قَدْ يَجْرِي فِيهَا الْإِجْبَارُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ كَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ عَيْنَ الدَّيْنِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْهُ وَهَذَا لِأَنَّ الطَّالِبَ لِلْقِسْمَةِ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَأَنْ يَمْنَعَ الْغَيْرَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجِيبَهُ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْإِفْرَازِ فِيهَا فَكَانَتْ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا جَبْرَ فِيهَا مَعَ إمْكَانِ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ، وَلَوْ تَرَاضَوْا عَلَيْهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُجْبَرُ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لَا فِي غَيْرِهِ) أَيْ إذَا طَلَبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ يُجْبَرُ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، أَوْ لَا وَلَا يُجْبَرُ فِي غَيْرِ مُتَّحِدِ الْجِنْسِ كَالْغَنَمِ مَعَ الْإِبِلِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ نَصْبُ قَاسِمٍ - رِزْقُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ - لِيَقْسِمَ بِلَا أَجْرٍ)؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتِمُّ بِهِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ فَأَشْبَهَ رِزْقَ الْقَاضِي وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَى الْعَامَّةِ كَمَنْفَعَةِ الْقُضَاةِ وَالْمُقَاتِلَةِ وَالْمُفْتِينَ فَتَكُونُ كِفَايَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِمَصَالِحِهِمْ كَنَفَقَةِ هَؤُلَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا نُصِبَ قَاسِمٌ يَقْسِمُ بِأَجْرٍ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ) أَيْ إنْ لَمْ يُنْصَبْ قَاسِمٌ رِزْقُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ نُصِبَ قَاسِمٌ يَقْسِمُ بِأَجْرٍ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ لِأَنَّ النَّفْعَ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ حَقِيقَةً حَتَّى جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ عَلَى الْقَضَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَمُبَاشَرَةُ الْقَضَاءِ فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَيُقَدِّرُ لَهُ الْقَاضِي أَجْرَ مِثْلِهِ كَيْ لَا يَطْمَعَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَيَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُرْزَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَرْوَجُ وَأَرْفَقُ بِالْعَامَّةِ وَأَبْعَدُ عَنْ تُهْمَةِ مُوَاضَعَةِ الْقَاضِي مَعَ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُهُ " بِعَدَدِ الرُّءُوسِ " أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأُجْرَةُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَلَا تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا أَمِينًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ) لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ وَذَلِكَ بِالْأَمَانَةِ وَالْعِلْمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَعَيَّنُ قَاسِمٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ لَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُجْبِرُهُمْ الْحَاكِمُ أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَهِيَ تُشْبِهُ الْقَضَاءَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا جَبْرَ فِيهِمَا وَلَوْ اصْطَلَحُوا فَاقْتَسَمُوا جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَهِيَ تُشْبِهُ الْقَضَاءَ فَتَجُوزُ بِالتَّرَاضِي كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ وَالتَّحْكِيمِ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لَا يَنْفُذُ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَشْتَرِكُ الْقُسَّامُ) أَيْ يَمْنَعُهُمْ الْقَاضِي مِنْ الِاشْتِرَاكِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ النَّاسُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَصِيرُ بِذَلِكَ غَالِيَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَا اشْتَرَيَاهُ) أَيْ ثُمَّ اقْتَسَمَاهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً) أَيْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. [الْإِجْبَار عَلَى الْقِسْمَة] (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ لَا) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْقِسْمَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ قِسْمَةٌ لَا يُجْبَرُ الْآبِي كَقِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ الْآبِي فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَالْخِيَارَاتُ ثَلَاثَةٌ خِيَارُ شَرْطٍ وَخِيَارُ عَيْبٍ وَخِيَارُ رُؤْيَةٍ فَفِي قِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ أَجْمَعَ وَفِي قِسْمَةِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ، وَفِي قِسْمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ وَهَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يَثْبُتُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَا يَثْبُتُ اهـ أَتْقَانِيٌّ، قَوْلُهُ: يَثْبُتُ الْخِيَارُ أَجْمَعَ أَقُولُ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَقَوْلُهُ: فِي الْقِسْمَةِ الثَّانِيَةِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ أَقُولُ إنَّمَا ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِهِمَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ وَفِي قِسْمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ بِالِاتِّفَاقِ وَيَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ قُلْت وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ بِخِلَافِ قِسْمَةِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَإِنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ غَالِبٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَأَبْعَدُ عَنْ تُهْمَةٍ مُوَاضَعَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَأَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ اهـ أَيْ تُهْمَةِ الْمَيْلِ إلَى أَحَدِ الْمُتَقَاسِمَيْنِ لِسَبَبِ مَا يُعْطِيهِ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ زِيَادَةً قَالَهُ السَّيِّدُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَلَوْ اصْطَلَحُوا فَاقْتَسَمُوا) أَيْ بِلَا قَاسِمِ الْقَاضِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: جَازَ) أَيْ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ) أَيْ فَلَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ حِينَئِذٍ بِتَرَاضِيهِمْ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى الصَّغِيرِ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَأْمُرَ مَنْ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَحْتَ قَوْلِهِ: صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ غَائِبٌ. اهـ.

؛ لِأَنَّهُمْ إذَا اشْتَرَكُوا يَتَوَاكَلُونَ وَعِنْدَ عَدَمِ الشَّرِكَةِ يَتَبَادَرُونَ إلَيْهَا خَشْيَةَ الْفَوْتِ فَيَرْخُصُ الْأَجْرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ ثُمَّ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكِ وَحَمْلِ الطَّعَامِ الْمُشْتَرَكِ وَغَسْلِ الثَّوْبِ الْمُشْتَرَكِ وَنَفَقَةِ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَكِ وَكَبِنَاءِ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ وَتَطْيِينِ السَّطْحِ الْمُشْتَرَكِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ أَنْ يَتَوَصَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَمَنْفَعَةُ نَصِيبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ وَهَذَا نَظِيرُ زَوَائِدِ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ لَمَّا كَانَ مَا يَحْصُلُ مِنْهَا لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرَ كَانَتْ مُؤْنَةُ الْعَيْنِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ، وَإِنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ وَرُبَّمَا يَصْعُبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ بِاعْتِبَارِ كُسُورٍ فِيهِ فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَمْيِيزُ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ إلَّا بِمَا يَفْعَلُهُ فِيهِمَا فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْإِفْرَازِ وَاقِعٌ لَهُمَا جُمْلَةً بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِنَقْلِ التُّرَابِ - وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ - وَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ إنْ كَانَ لِلْقِسْمَةِ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فَلَا يُرَدُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ فَالْأُجْرَةُ مُقَابَلَةٌ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لَا بِالتَّمْيِيزِ، وَعَمَلُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ يَتَفَاوَتُ وَلَوْ أَطْلَقْنَا الْجَوَابَ وَلَمْ نُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ لِلْقِسْمَةِ، أَوْ لِغَيْرِهِ وَأَوْجَبْنَا فِي الْكُلِّ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ كَانَ الْعُذْرُ لَهُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَمَالَ بَعْضُهُمْ إلَى الْأَوَّلِ فَأَوْجَبَ الْأَجْرَ عَلَى السَّوَاءِ إنْ كَانَ لِلْقِسْمَةِ، وَإِلَّا فَعَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ وَفِي الْحَمْلِ الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالنَّقْلِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ بِخِلَافِ التَّمْيِيزِ، وَفِي الْغَسْلِ مُقَابَلٌ بِالتَّنْظِيفِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ وَبِخِلَافِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لِإِبْقَاءِ الْمِلْكِ فَتَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهِ وَفِي الْبِنَاءِ وَالتَّطْيِينِ الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِنَفْسِ الْبِنَاءِ وَالتَّطْيِينِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِالْمَكَانِ بِخِلَافِ التَّمْيِيزِ، وَالزَّوَائِدُ تَتَوَلَّدُ مِنْ الْمِلْكِ فَتُسْتَحَقُّ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الطَّالِبِ لِلْقِسْمَةِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِالْقِسْمَةِ دُونَ الْآخَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقْسَمُ الْعَقَارُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِإِقْرَارِهِمْ حَتَّى يُبَرْهِنُوا عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَا يُقْسَمُ بِاعْتِرَافِهِمْ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَالْإِقْرَارُ دَلِيلُ الصِّدْقِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْمَوْرُوثُ مَنْقُولًا أَوْ كَانَ الْعَقَارُ مُشْتَرًى وَهَذَا لِأَنَّهُمْ لَا مُنْكِرَ لَهُمْ وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا عَلَى الْمُنْكِرِ فَلَا تُفِيدُ الْبَيِّنَةُ بِلَا إنْكَارٍ لَكِنَّهُ يَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهُ بِاعْتِرَافِهِمْ لِيَقْتَصِرَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَعَدَّاهُمْ حَتَّى لَا يَعْتِقَ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَلَا مُدَبَّرُوهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ مَوْتِهِ فِي حَقِّهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِبَيِّنَةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ؛ إذْ التَّرِكَةُ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ مِنْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ تَنْفُذُ وَصَايَاهُ فِيهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَإِذَا كَانَ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فَالْإِقْرَارُ مِنْهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِجَعْلِ أَحَدِهِمْ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ نَائِبٌ عَنْهُ، وَإِقْرَارُ الْخَصْمِ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ إذَا كَانَ فِي قَبُولِهَا فَائِدَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى مَيِّتٍ دَيْنًا فَأَقَرَّ الْوَارِثُ بِذَلِكَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الدَّيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَى الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ وَيُزَاحِمَ الْغُرَمَاءَ وَلَا كَذَلِكَ إذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي حَقِّهِ خَاصَّةً وَكَذَا الْجَوَابُ لَوْ كَانَ مَكَانَ الْوَارِثِ وَصِيٌّ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ فِيهِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَفِي الْقِسْمَةِ حِفْظُهُ وَجَعْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ إذَا اشْتَرَكُوا يَتَوَاكَلُونَ) التَّوَاكُلُ أَنْ يَكِلَ بَعْضُهُمْ الْأَمْرَ إلَى الْبَعْضِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَوْلُ مَالِكٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْجَلَّابِ الْبَصْرِيُّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَقَالَا عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْبَغُ الْمَالِكِيُّ. اهـ. عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَالُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ سُدُسُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ نِصْفُهُ فَأُجْرَةُ الْقَسَّامِ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَسْدَاسًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ كُسُورٍ فِيهِ) فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ لِأَنَّ فِي صُعُوبَةِ كُلٍّ خَفَاءً فَاعْتُبِرَ أَصْلُ التَّمْيِيزِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ كَمَا فِي السَّفَرِ لَمَّا كَانَ فِي الْمَشَقَّةِ خَفَاءٌ أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى نَفْسِ السَّفَرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُهُ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أُجْرَةُ الْقَسَّامِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَنْصِبَاءِ إلَّا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى عَدَدِ الْأَنْصِبَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ مِنْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ إلَخْ) وَتُقْضَى مِنْهَا الدُّيُونُ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ ثُمَّ زَادَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَمْ يُسَلَّمْ كُلُّهُ لَهُ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَيِّتِ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى كَانَتْ الزِّيَادَةُ لِمَنْ وَقَعَ فِي قَسْمِهِ فَإِذَا تَعَدَّى التَّصَرُّفُ إلَى الْمَيِّتِ بِقَطْعِ حَقِّهِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الْمَوْرُوثِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ فِي قِسْمَتِهِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ لِحِفْظِ مَالِهِ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا هَلَاكَ فِي الْعَقَارِ. اهـ. غَايَةٌ. (فَرْعٌ) التَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ لَكِنَّهَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ مِنْ وَجْهٍ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ وَرَقَةٍ فِي الشَّرْحِ اهـ. (فَرْعٌ آخَرُ) الزَّوَائِدُ الْحَادِثَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ شَجَرَةً فَأَثْمَرَتْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَهُ حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ. اهـ. بَدَائِعُ فِي الْقِسْمَةِ. (قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ مَكَانَ الْوَارِثِ وَصِيٌّ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ الْوَصِيُّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ يَدَّعِيهِ إنْسَانٌ يُكَلَّفُ الْمُدَّعِي إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ وَيَكُونُ الْوَصِيُّ خَصْمًا لَهُ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا اهـ.

مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ فَتَعَيَّنَتْ الْقِسْمَةُ إذْ الْقَاضِي نَصَبَ نَاظِرًا وَالْعَقَارُ مُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْقَبْضِ عَنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ ثُبُوتٍ وَبِخِلَافِ الْعَقَارِ الْمُشْتَرَى؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ زَالَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً عَلَى الْغَيْرِ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْعَقَارَ الْمُشْتَرَى أَيْضًا لَا يُقْسَمُ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الْقِسْمَةِ فَسَوَّى فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْمُشْتَرَى وَالْمَوْرُوثِ وَالْفَرْقُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ الْقِسْمَةَ تَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَوْرُوثِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ وَلَا تَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْبَائِعِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْسَمُ فِي الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى وَدَعْوَى الْمِلْكِ) أَيْ يُقْسَمُ فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى وَفِيمَا إذَا ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفِيَّةَ انْتِقَالِهِ إلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَمَّا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى فَلِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَالْفَرْقِ وَأَمَّا فِيمَا إذَا ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِسْمَةِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِمْ فَيَجُوزَ وَهَذَا رِوَايَةُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَرْضٌ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا وَأَرَادَا الْقِسْمَةَ لَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِمَا، ثُمَّ قِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا تَكُونُ إمَّا لِحَقِّ الْمِلْكِ تَتْمِيمًا لِلْمَنْفَعَةِ، أَوْ لِحَقِّ الْيَدِ تَتْمِيمًا لِلْحِفْظِ فَالْأَوَّلُ مُمْتَنِعٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالثَّانِي غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِكَوْنِهَا مُحَصَّنَةً بِنَفْسِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَرْهَنَا أَنَّ الْعَقَارَ فِي أَيْدِيهِمَا لَمْ يُقْسَمْ حَتَّى يُبَرْهِنَا أَنَّهُ لَهُمَا) أَيْ لَوْ أَقَامَ رَجُلَانِ بَيِّنَةً أَنَّ الْعَقَارَ فِي أَيْدِيهِمَا وَطَلَبَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَهُمَا لَا يَقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْعَقَارَ مِلْكُهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُوَ لِغَيْرِهِمَا وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِعَيْنِهَا قُبَيْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِيهَا أَنْ يَدَّعُوا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُمْ - وَهُوَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ - وَشَرَطَ هَهُنَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَذَا وَفِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ كَذَا؛ لِأَنَّ الصُّوَرَ مُتَّحِدَةٌ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا رَأَيْت، وَفِي مِثْلِهِ تُبَيَّنُ الرِّوَايَتَانِ وَلَا يَذْكُرُونَ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوهِمُ بِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلِيقُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ إلَّا ذِكْرُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَرْهَنَا عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ، وَالدَّارُ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ، أَوْ صَبِيٌّ قُسِمَ وَنُصِبَ وَكِيلٌ أَوْ وَصِيٌّ يَقْبِضُ نَصِيبَهُ) أَيْ وَكِيلٌ يَقْبِضُ نَصِيبَ الْغَائِبِ أَوْ وَصِيٌّ يَقْبِضُ نَصِيبَ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ فِي نَصْبِهِ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَالْغَائِبِ وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ بِقَوْلِهِمْ عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ هُنَا، وَيُشْهِدُ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِاعْتِرَافِ الْحَاضِرِينَ فَإِنَّ الصَّغِيرَ أَوْ الْغَائِبَ عَلَى حُجَّتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانُوا مُشْتَرِينَ وَغَابَ أَحَدُهُمْ، أَوْ كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ أَوْ حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ لَمْ يُقْسَمْ) أَيْ لَمْ يُقْسَمْ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ مَعَ غَيْبَةِ بَعْضِهِمْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا أَمَّا إذَا كَانُوا مُشْتَرِينَ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ مِلْكٌ جَدِيدٌ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِ بَائِعِهِ فَلَا يَصْلُحُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِهِ مِلْكُ خِلَافَةٍ حَتَّى يُرَدَّ بِالْعَيْبِ فِيمَا اشْتَرَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيُقْسَمُ فِي الْمَنْقُولِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقْسِمَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَقَارِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ اشْتَرَوْهُ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ أَيْضًا قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَيْسَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فِيهِ حَقٌّ مُلِّكَ فَقُسِمَ بِقَوْلِهِمْ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُمْ اعْتَرَفُوا بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ وَادَّعَوْا انْتِقَالَهُ إلَيْهِمْ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا لَوْ ادَّعَوْا الْمِيرَاثَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قِسْمَةَ الْمِيرَاثِ تَقْتَضِي الْحُكْمَ بِالْمَوْتِ وَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حُلُولُ الدَّيْنِ وَعِتْقُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْمُدَبَّرِينَ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِقَوْلِ الْوَارِثِ فَلِهَذَا لَمْ يُحْكَمْ فِي الْمِيرَاثِ بِقَوْلِهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشِّرَاءُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ) يَعْنِي لَمْ يُذْكَرْ سَبَبُ الِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ مِنْ الشِّرَاءِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِهِمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَهُ فَقُبِلَ قَوْلُهُمْ فِي الْقِسْمَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا رِوَايَةُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ) أَيْ مِنْ الْمَبْسُوطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ هُوَ إلَخْ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً لَا قَوْلُهُ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمِيرَاثِ لَا يُقْسَمُ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ وَهَذَا الْعَقَارُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا وَغَيْرَ مَوْرُوثٍ فَلَا يُقْسَمُ احْتِيَاطًا وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ فِي الْمَوْرُوثِ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ فَهَهُنَا أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ بَرْهَنَا عَلَى الْمَوْتِ إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّارُ فِي يَدِ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهَا فَإِذَا كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لَمْ يَقْسِمْهَا وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

الْمُوَرِّثُ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ فِيمَا بَاعَهُ هُوَ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوَرِّثِ فَانْتَصَبَ أَحَدُهُمَا خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَتْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً بِحَضْرَةِ الْمُتَخَاصِمِينَ وَصَحَّ الْقَضَاءُ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَفِي الشِّرَاءِ قَامَتْ عَلَى خَصْمٍ غَائِبٍ فَلَا تُقْبَلُ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ فَلِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِإِخْرَاجِ الشَّيْءِ مِنْ يَدِهِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُ وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ فِي يَدِهِ وَالْبَاقِي فِي يَدِ الْحَاضِرِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ مُودَعِهِ أَوْ فِي يَدِ الصَّغِيرِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ، أَوْ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَمِينَ أَوْ الصَّغِيرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهَا فِي الصَّحِيحِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ يُقْسَمُ إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُونَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ لِإِثْبَاتِ وِلَايَةِ الْقَاضِي فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ فَتُقْبَلُ وَلِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَنْتَصِبُونَ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَيَنْتَصِبُ بَعْضُهُمْ خَصْمًا عَنْ بَعْضٍ وَقَلَّمَا يَكُونُ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ حُضُورًا فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ لَتَضَرَّرُوا وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا إذَا حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ فَلِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُخَاصِمًا وَمُخَاصَمًا فَكَذَا لَا يَصْلُحُ مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ شَخْصَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ بِخَصْمٍ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ خَصْمًا عَنْهُمَا فَلَيْسَ أَحَدٌ يُخَاصِمُهُ عَنْ نَفْسِهِ لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فَتَعَذَّرَ الْحُكْمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ اثْنَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقَاضِيَ يُنْصَبُ عَنْ الْغَائِبِ خَصْمًا وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَيَقْسِمُ الدَّارَ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ التَّرِكَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُبْقَاةً عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ صَارَتْ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي نَصِيبِهِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَالِبًا لِلِارْتِفَاقِ فِي نَصِيبِهِ فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُ وَلَئِنْ جَازَ لِلْقَاضِي نَصْبُ الْوَصِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَعْوَى عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ لَهُ نَصْبُ الْوَصِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَعْوَى عَلَى شُرَكَائِهِ الْغُيَّبِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ نَصْبُ الْوَصِيِّ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَجْنَبِيٌّ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ نَصْبُ الْوَصِيِّ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ الْأَوْصِيَاءَ عَنْ الْمَوْتَى لَا عَنْ الْأَحْيَاءِ وَإِذَا تَعَذَّرَ نَصْبُ الْوَصِيِّ وَالْوَاحِدُ لَا يَصْلُحُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ سَائِرِ الشُّرَكَاءِ وَأَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ تَعَذَّرَ قَبُولُ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ وَلَوْ كَانَ الْحَاضِرُ صَغِيرًا وَكَبِيرًا نَصَبَ الْقَاضِي عَنْ الصَّغِيرِ وَصِيًّا وَقَسَمَ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ الدَّعْوَى عَلَى الصَّبِيِّ الْحَاضِرِ صَحِيحَةٌ كَالْكَبِيرِ الْحَاضِرِ إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْجَوَابِ فَيَنْصِبُ الْقَاضِي عَنْهُ وَصِيًّا لِيُجِيبَ عَنْهُ خَصْمَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الصَّغِيرُ غَائِبًا لِأَنَّ الدَّعْوَى عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَالْكَبِيرِ الْغَائِبِ وَكَذَا إذَا حَضَرَ وَارِثٌ كَبِيرٌ وَمُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ فِي الدَّارِ وَطَلَبَا الْقِسْمَةَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ يُقْسَمُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكٌ فِي الدَّارِ فَصَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ فَانْتَصَبَ هُوَ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ، وَالْوَارِثُ عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَضَرَ وَارِثَانِ وَلَوْ حَضَرَ الْمُوصَى لَهُ وَحْدَهُ وَادَّعَى لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يُقْسَمُ لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْ الْمَيِّتِ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقُسِمَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ لَوْ انْتَفَعَ كُلٌّ بِنَصِيبِهِ) لِأَنَّ فِيهَا تَكْمِيلَ الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ حَقًّا لَهُمْ فَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَضَرَّرَ الْكُلُّ لَمْ يُقْسَمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ) وَذَلِكَ مِثْلُ الْبِئْرِ وَالرَّحَا وَالْحَائِطِ وَالْحَمَّامِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَفِي هَذَا تَفْوِيتُهَا فَيَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ وَهَذَا لِأَنَّ الطَّالِبَ لِلْقِسْمَةِ مُتَعَنِّتٌ وَهُوَ يُرِيدُ إدْخَالَ الضَّرَرِ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ ذَلِكَ فَلَا يُجِيبُهُ الْحَاكِمُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ بَلْ بِمَا يَضُرُّ وَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَهُمْ أَعْرَفُ بِحَاجَتِهِمْ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُبَاشِرُ ذَلِكَ، وَإِنْ طَلَبُوا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَشْتَغِلُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ إضْرَارٌ أَوْ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْنَعُ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ فِي الْحُكْمِ وَهَذَا مِنْ جُمْلَتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ انْتَفَعَ الْبَعْضُ وَتَضَرَّرَ الْبَعْضُ لِقِلَّةِ حَظِّهِ قُسِمَ بِطَلَبِ ذِي الْكَثِيرِ فَقَطْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ) أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ. (قَوْلُهُ: إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُونَ الْبَيِّنَةَ إلَخْ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْغَائِبِ أَوْ فِي يَدِ الصَّغِيرِ أَوْ فِي أَيْدِيهِمَا مِنْهَا شَيْءٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْسَمُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِيرَاثِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. غَايَةٌ.

أَيْ صَاحِبِ الْكَثِيرِ كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ وَيَمْنَعَ غَيْرَهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ وَهَذَا مِنْهُ طَلَبُ الْحَقِّ وَالْإِنْصَافِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجِيبَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ لِإِيصَالِ الْحُقُوقِ إلَى أَهْلِهَا وَدَفْعِ الْمَظَالِمِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَضَرُّرُ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَحِقَهُ بِالْمَنْعِ ضَرَرٌ وَلَوْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لَا يُجِيبُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَبِ الضَّرَرِ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يُفِيدُ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ عَلَى عَكْسِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يُرِيدُ الْإِضْرَارَ بِغَيْرِهِ، وَالْآخَرَ رَاضٍ بِضَرَرِ نَفْسِهِ فَيُجِيبُهُ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّ أَيَّهُمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ إنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ الْقِسْمَةَ فَقَدْ رَضِيَ بِضَرَرِ نَفْسِهِ، وَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُ الْكَثِيرِ فَقَدْ طَلَبَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَصِيبِهِ فَيُجِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَجِبُ عَلَيْهِ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَفِي طَلَبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُجِيبَهُمْ إلَى إضْرَارِ أَنْفُسِهِمْ، وَفِي طَلَبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَقْسِمُ بِطَلَبِ الْبَعْضِ إلَّا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ وَتَحْصِيلُهَا لَا تَفْوِيتُهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا الْمُعَادَلَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَإِذَا أَدَّتْ الْقِسْمَةُ إلَى الْإِضْرَارِ بِالْبَعْضِ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً لِأَنَّهَا تَقَعُ عَلَى ضَرَرٍ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ كُلُّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ وَكَمَا إذَا طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ قُلْنَا إنَّ طَالِبَ الْقِسْمَةِ يَطْلُبُ حَقَّهُ وَأَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِهِ وَيُمْنَعَ غَيْرُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إيصَالُ حَقِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالضَّرَرُ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِمَنْعِ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا يُعَدُّ ضَرَرًا فَلَا يُبَالَى بِهِ وَلَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِالْعَدْلِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الضَّرَرِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ لَمَا وَصَلَ أَحَدٌ إلَى حَقِّهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْسَمُ الْعُرُوض مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْمَالِيَّةِ مُمْكِنٌ عَنْ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ فِيهِ فَيَقَعُ تَمْيِيزًا فَيَمْلِكُ الْقَاضِي الْإِجْبَارَ عَلَيْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقْسَمُ جِنْسَانِ وَالْجَوَاهِرُ وَالرَّقِيقُ وَالْحَمَّامُ وَالْبِئْرُ وَالرَّحَا إلَّا بِرِضَاهُمْ) أَمَّا الْجِنْسَانِ فَلِعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَهُمَا فَلَا تَقَعُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً فَيُعْتَمَدُ التَّرَاضِي دُونَ جَبْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ إجْبَارَهُ عَلَيْهَا عَلَى اعْتِبَارِ التَّمْيِيزِ وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ فَلِأَنَّ جَهَالَتَهَا مُتَفَاحِشَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا يَصْلُحُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مِنْهَا عِوَضًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَقِيلَ لَا تُقْسَمُ الْكِبَارُ مِنْهَا لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ وَتُقْسَمُ الصِّغَارُ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ وَقِيلَ إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُهَا لَا تُقْسَمُ، وَإِنْ اتَّحَدَ تُقْسَمُ كَسَائِرِ الْأَجْنَاسِ. وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَجُوزُ قِسْمَةُ الرَّقِيقِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَا يَمْنَعُ الْقِسْمَةَ كَمَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَلِهَذَا يُقْسَمُ الرَّقِيقُ فِي الْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَصَحَّ تَسْمِيَتُهُ فِي النِّكَاحِ مَهْرًا وَنَحْوَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الرَّقِيقِ فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَالذِّهْنِ وَالْكِيَاسَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعَبِيدِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْأَمَانَةِ وَيُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ وَيُحْسِنُ التِّجَارَةَ وَغَيْرَهَا مِنْ الصَّنَائِعِ كَالْكِتَابَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْهَا فَلَا يُمْكِنُ جَمْعُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَاحِدٍ فَتَعَذَّرَ الْإِفْرَازُ وَالتَّمْيِيزُ فَلَا تَكُونُ قِسْمَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ مُبَادَلَةٌ وَلَا جَبْرَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا لَا يَخْتَلِفُ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا وَذَلِكَ مُغْتَفَرٌ فِي الْقِسْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانِ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدَيْنِ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَتَبَيَّنْ الرِّبْحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ) يَعْنِي فِي أَدَبِ الْقَاضِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَصَحُّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ الْأَوَّلُ أَيْ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ هُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ إلَّا إذَا طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَا عَنْ تَعَنُّتٍ، وَالتَّعَنُّتُ طَلَبُ الْعَنَتِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَبْلَ هَذَا مَا نَصُّهُ: وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ طَلَبَا الْقِسْمَةَ جَمِيعًا وَتَرَاضَيَا بِذَلِكَ وَلَيْسَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْسِمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمَا وَقَدْ تَرَاضَيَا بِهَذَا الضَّرَرِ، وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ لَمْ يَقْسِمْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الطَّالِبَ مُتَعَنِّتٌ مُضِرٌّ بِالْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ يَدْخُلُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَ نَصِيبُهُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَنَصِيبُ الْآخَرِ كَثِيرٌ يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَطَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ فَالْقَاضِي يَقْسِمُ، وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ وَأَبَى الْآخَرُ لَا يَقْسِمُ هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ يَعْنِي فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ عَلَى عَكْسِ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ أَصَحُّ وَذَكَرَ فِي قِسْمَةِ الْوَاقِعَاتِ: دَارٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لِأَحَدِهِمَا كَثِيرٌ وَالْآخَرِ قَلِيلٌ لَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ الْقِسْمَةَ وَأَبَى صَاحِبُ الْقَلِيلِ قُسِمَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمَا بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ وَأَبَى صَاحِبُ الْكَثِيرِ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا يُقْسَمُ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَجَعَلَ هَذَا قَوْلَ أَصْحَابِنَا وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ يُقْسَمُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي، إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْحَاكِمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا أَمْنَعُ الْقِسْمَةَ إذَا كَانَ الضَّرَرُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ قَسَمْته أَيُّهُمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ. اهـ. غَايَةٌ.

وَلَوْ كَانَ الرَّقِيقُ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَتَبَيَّنَ كَالثَّوْبَيْنِ وَالْفَرَسَيْنِ. وَقِسْمَةُ الْغَنَائِمِ تَجْرِي فِي الْأَجْنَاسِ فَلَا تَلْزَمُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبِيعَ الْغَنَائِمَ وَيَقْسِمَ الثَّمَنَ بَيْنَهُمْ وَفِي غَيْرِ الْغَنَائِمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِلْكَ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَامْتَنَعَ الْقِسْمَةُ فِيهِ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةٌ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ وَحْدَهُمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ الْعُرُوضِ وَهُمْ ذُكُورٌ فَقَطْ أَوْ إنَاثٌ فَقَطْ وَأَمَّا إذَا كَانُوا مُخْتَلِطِينَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لَا يُقْسَمْ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ عَلَى مَا عُرِفَ وَلَا يُقْسَمُ الْجِنْسَانِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الرَّقِيقِ شَيْءٌ آخَرُ مِمَّا يُقْسَمُ جَازَتْ الْقِسْمَةُ فِي الرَّقِيقِ تَبَعًا لِغَيْرِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ وَيُجْبِرُهُمْ الْقَاضِي بِطَلَبِ الْبَعْضِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَدْخُلُ تَبَعًا، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ دُخُولُهُ قَصْدًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ تَبَعًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ وَأَمَّا الْحَمَّامُ وَالْبِئْرُ وَالرَّحَا فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إلْحَاقِ الْإِضْرَارِ بِالْكُلِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ، أَوْ دَارٌ وَضِيعَةٌ، أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ قُسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ) أَمَّا الدُّورُ الْمُشْتَرَكَةُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تُقْسَمُ الدُّورُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ إذَا كَانَتْ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ وَكَانَتْ الْقِسْمَةُ أَصْلَحَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الدُّورَ جِنْسٌ وَاحِدٌ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَأَصْلُ السُّكْنَى أَجْنَاسٌ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَتَفَاوُتِ مَنْفَعَةِ السُّكْنَى بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فَكَانَ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِسْمَةِ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمُعَادَلَةِ فِيهَا وَفِي الْمَالِيَّةِ، وَالْمَقْصُودُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الشُّرَكَاءِ، وَإِذَا قُسِمَ كُلُّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ رُبَّمَا يَتَضَرَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِتَفَرُّقِ نَصِيبِهِ، وَإِذَا قُسِمَ الْكُلُّ قِسْمَةً وَاحِدَةً يَجْتَمِعُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَيَنْتَفِعُ بِذَلِكَ وَالْقَاضِي نُصِبَ نَاظِرًا فَكَانَ الرَّأْيُ إلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الدُّورَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ وَالْجِيرَانِ وَالْقُرْبِ إلَى الْمَسْجِدِ وَالْمَاءِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ فَلَا يَجُوزُ جَمْعُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي دَارٍ إلَّا بِالتَّرَاضِي أَلَا تَرَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِشِرَاءِ دَارٍ لَا يَجُوزُ وَكَذَا التَّزَوُّجُ بِهَا كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ وَفِي التَّزَوُّجِ عَلَى ثَوْبٍ وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ لِامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ. وَلَا تَجُوزُ إلَّا فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ فَيُقْسَمُ كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ مُتَقَارِبٍ كَالْقَمْحِ يُقْسَمُ بِانْفِرَادِهِ وَكَذَا الشَّعِيرُ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْقِسْمَةِ إلَّا بِتَرَاضِيهِمْ وَكَذَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ يُقْسَمُ كُلُّ جِنْسٍ مِنْهُ بِانْفِرَادِهِ وَلَا يُجْمَعُ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا الثِّيَابُ الْهَرَوِيَّةُ وَالْمَرْوِيَّةُ وَتِبْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْأَوَانِي مِنْهَا يُقْسَمُ كُلُّ جِنْسٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ لِمَا ذَكَرْنَا وَاخْتِلَافُ بُيُوتِ دَارٍ وَاحِدَةٍ لَا يَمْنَعُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ فِي قِسْمَةِ كُلِّ بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ ضَرَرًا وَكَذَا إذَا كَانَتْ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ مَحَالَّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الضَّرَرِ، وَالتَّفَاوُتُ أَيْضًا يَسِيرٌ بِخِلَافِ الدُّورِ وَالْمَنَازِلِ الْمُتَلَازِقَةِ كَالْبُيُوتِ وَالْمُتَبَايِنَةِ كَالدُّورِ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ فَأَخَذَ شَبَهًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالدُّورُ فِي مِصْرَيْنِ لَا تُقْسَمُ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا رَوَاهُ هِلَالٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تُقْسَمُ وَأَمَّا الدُّورُ وَالضَّيْعَةُ أَوْ الدُّورُ وَالْحَانُوتُ فَلِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي إجَارَةِ الْأَصْلِ إنَّ إجَارَةَ الدَّارِ بِمَنَافِعِ الْحَانُوتِ لَا تَجُوزُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، أَوْ تُبْنَى حُرْمَةُ الرِّبَا فِيهَا عَلَى شُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُصَوِّرُ الْقَاسِمُ مَا يَقْسِمُهُ) أَيْ عَلَى قِرْطَاسٍ لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَعْدِلُهُ) أَيْ يُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ، وَيُرْوَى وَيَعْزِلُهُ أَيْ يَقْطَعُهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَذْرَعُهُ وَيُقَوِّمُ الْبِنَاءَ)؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمِسَاحَةِ يُعْرَفُ بِالذَّرْعِ، وَالْمَالِيَّةِ بِالتَّقْوِيمِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِمَا لِيُمْكِنَهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْوِيمِ الْأَرْضِ وَذَرْعِ الْبِنَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُفْرِزُ كُلَّ نَصِيبٍ بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَبِهِ تَكْمُلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُفْرِزْ يَبْقَى لِنَصِيبِ بَعْضِهِمْ تَعَلُّقٌ بِنَصِيبِ الْآخَرِ فَلَمْ يَحْصُلُ الِانْفِصَالُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ فَإِنْ لَمْ يُفْرِزْهُ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْ جَازَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُلَقِّبُ الْأَنْصِبَاءَ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ إنَاثٌ فَقَطْ) فَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا لَا يُقْسَمُ فِي قَوْلِهِمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ اهـ قَاضِيخَانْ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ) قَالَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي إنْ كَانَتْ دَارٌ وَأَرْضٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ لَمْ يُجْمَعْ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فِي أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ وَقُسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى حِدَتِهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْخَصَّافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا خُصَّ الْخَصَّافُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَمْ تُذْكَرْ فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ وَلَا ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرَيْهِمَا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ) أَيْ فَإِذَا كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا يُقْسَمَانِ قِسْمَةً وَاحِدَةً. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيُلَقِّبُ الْأَنْصِبَاءَ بِالْأَوَّلِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ حَافِظُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ مُؤَلِّفُ الْمَتْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ النَّافِعِ الْمُسَمَّى بِالْمُسْتَصْفَى مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الدِّينِ الْكَرْدَرِيُّ صُورَتُهُ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ نِصْفٌ وَلِلْآخَرِ ثُلُثٌ وَلِلثَّالِثِ سُدُسٌ يُلَقِّبُ النِّصْفَ بِالْأَوَّلِ وَالثُّلُثَ بِالثَّانِي وَالسُّدُسَ بِالثَّالِثِ فَإِنْ خَرَجَ السُّدُسُ أَوَّلًا يُدْفَعُ مِنْ السَّهْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ النِّصْفُ فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَهُ النِّصْفُ يُضَمُّ إلَى مَا يَلِيهِ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ النِّصْفُ وَيُدْفَعَ إلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ وَثُمَّ إلَخْ اهـ فَقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا خَرَجَ أَوَّلًا اسْمُ صَاحِبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ النِّصْفُ فِي هَذَا الْمِثَالِ أَمَّا إذَا خَرَجَ أَوَّلًا اسْمُ صَاحِبِ الثَّانِي وَهُوَ الثُّلُثُ أَوْ الثَّالِثِ وَهُوَ السُّدُسُ فَلَيْسَ لَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ بَلْ لَهُ مِنْ السَّهْمِ الْأَوَّلِ لَا كُلُّهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ.

وَالثَّالِثِ وَيَكْتُبُ أَسَامِيَهُمْ وَيُقْرِعُ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي) فَالْقُرْعَةُ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِمْ حَتَّى لَوْ قَسَمَ الْإِمَامُ بِلَا قُرْعَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ فَيَمْلِكُ الْإِلْزَامَ، وَلَقَّبَ الْأَنْصِبَاءَ لَيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِلْزَامِ عِنْدَ خُرُوجِ قُرْعَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ فَيُقَدِّرَ بِهِ أَجْزَاءَ السِّهَامِ حَتَّى إذَا كَانَ الْعَقَارُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِلْآخَرِ السُّدُسُ جَعَلَهُ أَسْدَاسًا لِأَنَّهُ أَقَلُّ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَسْدَاسٍ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سُدُسَانِ وَلِلثَّالِثِ السُّدُسُ يُلَقِّبُ النَّصِيبَ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ شَاءَ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ بِالثَّانِي ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ بِالثَّالِثِ، ثُمَّ يَكْتُبُ أَسَامِيَ الشُّرَكَاءِ بِبِطَاقَاتٍ فَيَطْوِي كُلَّ بِطَاقَةٍ وَيَجْعَلُهَا شِبْهَ الْبُنْدُقَةِ وَيُدْخِلُهَا فِي طِينٍ ثُمَّ يُخْرِجُهَا حَتَّى إذَا نَشِفَتْ وَهِيَ مِثْلُ الْبُنْدُقَةِ يَدْلُكُهَا ثُمَّ يَجْعَلُهَا فِي وِعَاءٍ أَوْ كُمِّهِ، ثُمَّ يُخْرِجُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْأَخِيرِ فَإِنْ خَرَجَ أَوَّلًا فِي الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ اسْمُ صَاحِبِ النِّصْفِ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْدَاسٍ مِنْ الْجَانِبِ الْمُلَقَّبِ بِالْأَوَّلِ وَإِنْ خَرَجَ ثَانِيًا كَانَ لَهُ كَذَلِكَ مِنْ الَّذِي يَلِي الْأَوَّلَ، وَإِنْ خَرَجَ ثَالِثًا كَانَ لَهُ كَذَلِكَ مِنْ الَّذِي يَلِي الثَّانِيَ وَعَلَى هَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا يُقَالُ: تَعْلِيقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْقُرْعَةِ قِمَارٌ، وَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَحْصُلُ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَهُ وَكَانَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ إلْزَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ النَّصِيبَ، وَإِنَّمَا صَيَّرَ إلَيْهِ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِمْ وَهَذَا لَيْسَ بِقِمَارٍ، وَإِنَّمَا الْقِمَارُ عَلَى زَعْمِهِمْ اسْمٌ لِمَا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَبْلُ لَا مِثْلُ هَذِهِ فَإِنَّ هَذِهِ مَشْرُوعَةٌ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يُونُسَ وَزَكَرِيَّا - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْقِمَارُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ الدَّرَاهِمُ إلَّا بِرِضَاهُمْ)؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فِيهَا وَيَفُوتُ بِهِ التَّعْدِيلُ أَيْضًا فِي الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَصِلُ إلَى عَيْنِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْحَالِ، وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ فِي الذِّمَّةِ فَيُخْشَى عَلَيْهَا التَّوَى وَلِأَنَّ الْجِنْسَيْنِ الْمُشْتَرَكَيْنِ لَا يُقْسَمُ فَمَا ظَنُّك عِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ. وَإِذَا كَانَ أَرْضٌ وَبِنَاءٌ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقْسَمُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّعْدِيلِ فِيهِ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ؛ لِأَنَّ تَعْدِيلَ الْبِنَاءِ لَا يُمْكِنُ بِالْمِسَاحَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَرْضَ تُقْسَمُ بِالْمِسَاحَةِ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْمَمْسُوحَاتِ ثُمَّ يَرُدُّ مَنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ الْبِنَاءُ أَوْ مَنْ كَانَ نَصِيبُهُ أَجْوَدَ دَرَاهِمَ عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يُسَاوِيَهُ فَتَدْخُلَ الدَّرَاهِمُ فِي الْقِسْمَةِ ضَرُورَةً كَالْأَخِ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْمَالِ، ثُمَّ يَمْلِكُ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّزْوِيجِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى شَرِيكِهِ بِمُقَابَلَةِ الْبِنَاءِ مَا يُسَاوِيهِ مِنْ الْعَرْصَةِ فَإِذَا بَقِيَ فَضْلٌ وَلَمْ يُمْكِنْ تَحْقِيقُ التَّسْوِيَةِ بِأَنْ لَمْ تَفِ الْعَرْصَةُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ فَحِينَئِذٍ يَرُدُّ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي هَذَا الْقَدْرِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ وَهُوَ الْقِسْمَةُ بِالْمِسَاحَةِ إلَّا بِالضَّرُورَةِ وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْأَصْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَسَمَ وَلِأَحَدِهِمْ مَسِيلٌ أَوْ طَرِيقٌ فِي مِلْكِ الْآخَرِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْقِسْمَةِ صَرْفٌ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فُسِخَتْ الْقِسْمَةُ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِسْمَةِ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ بِاخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمْ بِنَصِيبِهِ وَقَطْعِ أَسْبَابِ تَعَلُّقِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَصِيبِ غَيْرِهِ فَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُهُ حَصَلَ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ مُخْتَلَّةً فَتَعَيَّنَ الْفَسْخُ وَالِاسْتِئْنَافُ لِنَفْيِ ضَرَرِ الِاخْتِلَاطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يُفْسَخُ وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ، أَوْ مِنْ تَسْيِيلِ الْمَاءِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ تَمَلُّكُ الْعَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ وَلَا كَذَلِكَ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهَا لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِهِمَا وَلَوْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا أَمْكَنَ صَرْفُهُ عَنْ الْآخَرِ بِأَنْ قَالَ هَذَا لَك بِحُقُوقِهِ كَانَ الْجَوَابُ فِيهِ مِثْلَ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهِ فَيُصْرَفُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِلتَّمْيِيزِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَتَعَلَّقَ حَقُّ بَعْضِهِمْ بِنَصِيبِ غَيْرِهِ وَقَدْ أَمْكَنَ تَحْقِيقُهُ بِصَرْفِهِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَيُصْرَفُ عَنْهُ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ خُذْ هَذَا بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ وَمَسِيلِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يُصْرَفُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أُثْبِتَ لَهُ بِأَبْلَغِ وُجُوهِ الْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذَا ذَكَرَ فِيهِ الْحُقُوقَ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهِ مَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ مَعَ بَقَاءِ هَذَا التَّعَلُّقِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنُ صَرْفُ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ عَنْهُ يَدْخُلُ الطَّرِيقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْسَمُ) أَيْ كُلُّ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَرُدُّ مَنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ الْبِنَاءُ) أَيْ دَرَاهِمَ عَلَى الْآخَرِ بِقَدْرِ فَضْلِ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ الْعَرْصَةِ غَالِبًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ كَانَ نَصِيبُهُ أَجْوَدَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الَّذِي أَصَابَهُ الْبِنَاءُ أَوْ أَصَابَهُ الْعَرْصَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْمَالِ) أَيْ مَالِ الْيَتِيمِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ) أَيْ كَمَنْ اشْتَرَى جَحْشًا أَوْ مُهْرًا صَغِيرًا أَوْ أَرْضًا سَبِخَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ اهـ.

وَالْمَسِيلُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ بِالطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ فَيَدْخُلُ عِنْدَ التَّنْصِيصِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَكْمِيلُ وَفِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَذَلِكَ بِانْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ فَبِاعْتِبَارِهِ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهَا بِدُونِ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمَقْصُودِ فِيهَا الِانْتِفَاعُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِدُخُولِ الْحُقُوقِ فَيَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ. وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي إدْخَالِ الطَّرِيقِ فِي الْقِسْمَةِ بِأَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُقْسَمُ الطَّرِيقُ بَلْ يَبْقَى مُشْتَرَكًا مِثْلَ مَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ نَظَرَ فِيهِ الْحَاكِمُ فَإِنْ كَانَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يَفْتَحَ كُلٌّ فِي نَصِيبِهِ قَسَمَ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ يُرْفَعُ لِجَمَاعَتِهِمْ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ وَتَحْقِيقًا لِلْإِفْرَازِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ رَفَعَ طَرِيقًا بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ لِيَتَحَقَّقَ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا وَرَاءَ الطَّرِيقِ وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ عَرْضِهِ يُجْعَلُ عَلَى قَدْرِ عَرْضِ بَابِ الدَّارِ بِطُولِهِ أَيْ ارْتِفَاعِهِ حَتَّى يَخْرُجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَنَاحًا فِي نَصِيبِهِ إنْ كَانَ فَوْقَ الْبَابِ لَا فِيمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ بَابَ الدَّارِ طَرِيقٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ يُرَدُّ إلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ كِفَايَةً فِي الدُّخُولِ فَكَذَا فِي السُّلُوكِ فَيَبْقَى مِلْكُهُمْ فِي الطَّرِيقِ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ مِنْ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَقَعَتْ فِيمَا وَرَاءَهُ وَلَمْ تَقَعْ فِيهِ فَبَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ كَمَا كَانَ وَلَوْ شَرَطُوا أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ فِي الدَّارِ عَلَى التَّفَاوُتِ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ سِهَامُهُمْ فِي الدَّارِ مُتَسَاوِيَةً؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى التَّفَاوُتِ بِالتَّرَاضِي فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ جَائِزَةٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَرْضًا يَرْفَعُ قَدْرَ مَا يَمُرُّ فِيهِ ثَوْرٌ لِوُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِهِ فِي الْمُرُورِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ وَسُفْلٌ مُجَرَّدٌ وَعُلُوٌّ مُجَرَّدٌ قُوِّمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ وَقُسِمَ بِالْقِيمَةِ) وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يُقْسَمُ بِالذَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالذَّرْعِ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْمَذْرُوعِ وَالْكَلَامُ فِيهِ وَالْمُعْتَبَرُ التَّسْوِيَةُ فِي أَصْلِ السُّكْنَى لَا فِي الْمَرَافِقِ وَلِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلُوُّ كَالْبِئْرِ وَالسِّرْدَابِ وَالْإِصْطَبْلِ وَغَيْرِهِ فَصَارَ كَالْجِنْسَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذِرَاعٌ مِنْ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلُوٍّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ قِيلَ أَجَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي اخْتِيَارِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ وَأَبُو يُوسُفَ أَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ بَغْدَادَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ فِي مَنْفَعَةِ السُّكْنَى وَمُحَمَّدٌ أَجَابَ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ اخْتِلَافِ الْعَادَةِ فِي الْبُلْدَانِ وَقِيلَ هُوَ اخْتِلَافُ حُجَّةٍ بَيْنَهُمْ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: لِصَاحِبِ السُّفْلِ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَهِيَ تَبْقَى أَيْضًا بَعْدَ انْهِدَامِ الْعُلُوِّ وَالْعُلُوُّ لَا يَبْقَى بَعْدَ انْهِدَامِ السُّفْلِ فَكَانَتْ مَنْفَعَتُهُ ضِعْفَ الْعُلُوِّ وَلِصَاحِبِ الْعُلُوِّ مَنْفَعَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَنْفَعَةُ السُّكْنَى وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ هُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الِانْتِفَاعِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَضُرُّ بِالْآخَرِ حَتَّى كَانَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِصَاحِبِ السُّفْلِ وَلِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَحْفِرَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِصَاحِبِ الْعُلُوِّ فَاسْتَوَيَا فِي الِانْتِفَاعِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْقِسْمَةِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ بِنَاءٌ، وَالْمُعَادَلَةُ فِي قِسْمَةِ الْبِنَاءِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ قِيمَةَ الْعُلُوِّ أَكْثَرُ كَمَا فِي مَكَّةَ وَمِصْرَ، وَفِي بَعْضِهَا قِيمَةَ السُّفْلِ أَكْثَرُ كَمَا فِي الْكُوفَةِ وَقِيلَ فِي مَوْضِعٍ تَكْثُرُ النَّدَاوَةُ فِيهِ وَالسَّبَخُ يُخْتَارُ الْعُلُوُّ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَشْتَدُّ الْبَرْدُ وَيَكْثُرُ الرِّيحُ فِيهِ يُخْتَارُ السُّفْلُ وَرُبَّمَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ أَيْضًا بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ كَالصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ فِيهِمَا إلَّا بِالْقِيمَةِ ثُمَّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّفْسِيرِ، وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ ثُلُثِهِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ لِأَنَّ السُّفْلَ عِنْدَهُ ضِعْفُ الْعُلُوِّ فَيُقَابِلُ السُّفْلُ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ ثُلُثَيْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ فَبَقِيَ الْعُلُوُّ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ يُقَابِلُ الْبَاقِيَ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ وَهُوَ الثُّلُثُ فَاسْتَوَيَا وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ ثُلُثَيْهِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ؛ لِأَنَّ السُّفْلَ مِنْهُ مِثْلُ السُّفْلِ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ فَلَا يَتَفَاوَتَانِ فَبَقِيَ الثُّلُثُ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ يُقَابِلُ الْعُلُوَّ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ، وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ نِصْفِهِ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ لِأَنَّ السُّفْلَ يُقَابِلُ ضِعْفَهُ مِنْ الْعُلُوِّ وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهَا بِدُونِ ذِكْرِهِ) أَيْ ذِكْرِ الْحُقُوقِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ الْعُلُوِّ) أَيْ بِأَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثَا ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ لِأَنَّ الذِّرَاعَ الْوَاحِدَ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِمُقَابَلَةِ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ فَإِذَا ضُرِبَتْ الثَّلَاثَةُ فِي ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثِ ذِرَاعٍ يَكُونُ مِائَةً فَيَسْتَوِي الثَّلَاثَةُ وَالثَّلَاثُونَ وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ مَعَ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيُقَابِلُ السُّفْلُ) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ ثُلُثَيْ الْعُلُوِّ وَهُوَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَبَقِيَ الْعُلُوُّ مِنْ الْبَيْتِ) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ اهـ. (قَوْلُهُ: يُقَابِلُ الْبَاقِيَ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ اهـ. (قَوْلُهُ: فَاسْتَوَيَا إلَخْ) فَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ ذِرَاعًا وَثُلُثَا ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ) أَيْ وَهُوَ مِائَةُ ذِرَاعٍ اهـ. (قَوْلُهُ: قَدْرُ ثُلُثَيْهِ) أَيْ وَهُوَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ السُّفْلَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْكَامِلِ. (قَوْلُهُ: فَبَقِيَ الثُّلُثُ) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْعُلُوَّ وَالسُّفْلَ سَوَاءً فَيَكُونُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ أَوْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ اهـ.

السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ، أَوْ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ نِصْفِهِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ فَيُقَابِلُ نِصْفُهُ الْعُلُوُّ نِصْفَهُ الْآخَرَ السُّفْلَ لِاسْتِوَاءِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ عِنْدَهُ وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ قَدْرُهُ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاسِمِينَ إنْ اخْتَلَفُوا) أَيْ إذَا أَنْكَرَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ اسْتِيفَاءَ نَصِيبِهِ فَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تُقْبَلُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَ الْخَصَّافُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِهِمَا لِمُحَمَّدٍ إنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِهِمَا فَلَا يُقْبَلُ كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَشَهِدَ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى الِاسْتِيفَاءِ وَالْقَبْضِ وَهُوَ فِعْلُ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا التَّمْيِيزُ لَا غَيْرُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَشْهُودًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِالْقَبْضِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ فِعْلُ غَيْرِهِمَا فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قَسَمَا بِأَجْرٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ إيفَاءَ عَمَلٍ اُسْتُؤْجِرَا عَلَيْهِ فَكَانَتْ شَهَادَةً صُورَةً وَدَعْوَى مَعْنًى فَلَا تُقْبَلُ، قُلْنَا: هُمَا لَا يَجُرَّانِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مَغْنَمًا إلَى أَنْفُسِهِمَا؛ لِأَنَّ الْخُصُومَ تُوَافِقُهُمَا عَلَى إيفَائِهِمَا الْعَمَلَ الْمُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ وَلَوْ شَهِدَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عَلَى الْغَيْرِ وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي أَمِينَهُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى آخَرَ يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي إلْزَامِ الْآخَرِ إذَا كَانَ مُنْكِرًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّ مِنْ نَصِيبِهِ شَيْئًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ)؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، وَالْمُدَّعِي لِلْغَلَطِ يَدَّعِي حَقَّ الْفَسْخِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ تَمَامِهَا فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً اُسْتُحْلِفَ الشُّرَكَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ لَزِمَهُمْ فَإِذَا أَنْكَرُوهُ حَلَفُوا عَلَيْهِ وَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ جَمَعَ نَصِيبَهُ مَعَ نَصِيبِ الْمُدَّعِي فَيُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ كَإِقْرَارِهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مِنْ بَعْدُ حَيْثُ شَرَطَ لِلتَّحَالُفِ أَنْ لَا يُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ لَمْ تَصِحَّ لِلتَّنَاقُضِ فَإِذَا مُنِعَ التَّحَالُفُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِلتَّنَاقُضِ فَكَذَا هُنَا لِأَنَّهُ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ اسْتَوْفَيْت وَأَخَذْت بَعْضَهُ صُدِّقَ خَصْمُهُ بِحَلِفِهِ) أَيْ لَوْ قَالَ اسْتَوْفَيْت حَقِّي وَأَخَذْت بَعْضَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ خَصْمِهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ وَادَّعَى أَنَّ ذَا حَظُّهُ وَلَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيمَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ظَهَرَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فِي الْقِسْمَةِ تُفْسَخُ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَظَاهِرٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ وَالنَّظَرِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِالتَّرَاضِي فَقَدْ قِيلَ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ مَنْ يَدَّعِيهِ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْغَبْنِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي وَقِيلَ تُفْسَخُ هُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا تَصِحُّ هَذِهِ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِمَعْنَى الْبَيْعِ فَلَا تُنْقَضُ لِظُهُورِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فِيهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَإِذَا وَقَعَتْ بِالْقَضَاءِ يَجِبُ نَقْضُهَا بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ فَصَارَ كَبَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ يُنْقَضُ بِالْغَبْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِهِمَا) أَيْ فَكَانَا مُتَّهَمَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ) أَيْ بِكَلَامِ رَجُلَيْنِ فَشَهِدَا أَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَشْهُودًا بِهِ) أَيْ لِأَنَّ فِعْلَ أَنْفُسِهِمَا الَّذِي هُوَ التَّمْيِيزُ لَا يَصْلُحُ مَشْهُودًا بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ) أَيْ لِصِحَّةِ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. (قَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ) وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلِذَا أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ. اهـ. عَيْنِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي أَمِينَهُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى آخَرَ) أَيْ فَقَالَ دَفَعْتُهُ وَأَنْكَرَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ) أَيْ فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لَهُ بِتَمَامِ حَقِّهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا لِتَنَاقُضِهِ يَعْنِي أَنَّ الْبَيِّنَةَ تَتَرَتَّبُ عَلَى الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَالدَّعْوَى لَا تَصِحُّ مَعَ التَّنَاقُضِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ وَاعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا وَقَالَ التَّنَاقُضُ عَفْوٌ فِي مَوْضِعِ الْخُلَفَاءِ كَالْعَبْدِ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ بَعْدَ إقْرَارِهِ أَنَّهُ رَقِيقٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ دَارًا وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَاقْتَسَمَا الدَّارَ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ وَأَشْهَدَا عَلَى الْقِسْمَةِ وَالْقَبْضِ وَالْوَفَاءِ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقِرَّ صَاحِبُهُ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنْ لَا تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِيفَاءِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا إذَا أَشْهَدَا عَلَى الْوَفَاءِ فَقَدْ أَقَرَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ بِجِهَةِ التَّمَامِ فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ لَمْ يُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْبَيْعِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْأَصْلِ: دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ بِأَنْ يَقُولَ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَأَنْتُمْ قَوَّمْتُمُوهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَهَذِهِ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَدَعْوَى الْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ هَكَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الشَّافِي قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْبَلْخِيّ: إنَّ هَذَا غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ قِيلَ تُسْمَعُ فَلَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِ الْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ قِيلَ لَا تُسْمَعُ فَلَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ

الْفَاحِشِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَصِحُّ هَذِهِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ لِتَقَعَ الْقِسْمَةُ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَادَلَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ فَإِذَا ظَهَرَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فِي الْقِيمَةِ فَقَدْ فَاتَ شَرْطُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْمُعَادَلَةُ فَيَجِبُ نَقْضُهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى الْمُعَادَلَةِ فِي الْقِيمَةِ وَلَوْ اقْتَسَمَا دَارًا أَوْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً فَادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ الْآخَرِ أَنَّهُ مِمَّا أَصَابَهُ بِالْقِسْمَةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالِاعْتِبَارُ لِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ خَارِجٌ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِشْهَادِ عَلَى الْقَبْضِ تَحَالَفَا وَتُفْسَخُ الْقِسْمَةُ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْحُدُودِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْجُزْءِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ فِيهِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى، وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ لَهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ مِنْ حَظِّهِ رَجَعَ بِقِسْطِهِ فِي حَظِّ شَرِيكِهِ وَلَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ هَكَذَا ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ فِي الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الشَّائِعِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ لَا يُفْسَخُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ يُفْسَخُ بِالْإِجْمَاعِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا حَكَاهُ أَبُو حَفْصٍ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا حَكَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ شَرِيكٌ آخَرُ وَالْقِسْمَةُ بِدُونِهِ لَا تَصِحُّ فَصَارَ كَمَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ يُحَقِّقُهُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ جُزْءٍ شَائِعٍ يَنْعَدِمُ بِهِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْإِفْرَازُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِحِصَّتِهِ فِي نَصِيبِ غَيْرِهِ شَائِعًا كَاسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ شَائِعًا بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَ الْمُسْتَحَقِّ بَقِيَ مُفْرَزًا عَلَى حَالِهِ لَيْسَ لِلْغَيْرِ فِيهِ حَقٌّ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ التَّمْيِيزُ وَالْإِفْرَازُ وَلَا يَنْعَدِمُ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ نَصِيبِ الْوَاحِدِ وَلِهَذَا جَازَتْ الْقِسْمَةُ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِأَنْ كَانَ الْبَعْضُ الْمُقَدَّمُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَالْبَعْضُ الْمُؤَخَّرُ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ فَاقْتَسَمَ الِاثْنَانِ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ وَلِلْآخَرِ الْمُؤَخَّرُ أَوْ اقْتَسَمَاهُ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ وَبَعْضُ الْمُؤَخَّرِ مُفْرَزًا يَجُوزُ فَكَذَا هَذَا وَصَارَ كَاسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ الشَّائِعِ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَالتَّمْيِيزِ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَعَ بَقَاءِ نَصِيبِ الْبَعْضِ فِي الْكُلِّ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ ابْتِدَاءً عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَكَذَا بَقَاءً؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ لَتَضَرَّرَ الْمُسْتَحِقُّ بِتَفَرُّقِ نَصِيبِهِ فِي الْأَنْصِبَاءِ وَلَا ضَرَرَ بِالْمُسْتَحِقِّ هُنَا فَوَضَحَ الْفَرْقُ فَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ الْقِسْمَةُ يَرْجِعُ بِحِسَابِهِ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ كُلُّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الشُّرَكَاءِ فَكَذَا إذَا اُسْتُحِقَّ الْبَعْضُ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ إنْ شَاءَ دَفْعًا لِعَيْبِ التَّشْقِيصِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ عَلَى الشُّرَكَاءِ بِحِسَابِهِ يَتَفَرَّقُ نَصِيبُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَوْ بَاعَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ نَصِيبِهِ شَائِعًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ مَا بَقِيَ شَائِعًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الشُّرَكَاءِ بِحِسَابِهِ وَسَقَطَ خِيَارُ الْفَسْخِ بِبَيْعِ الْبَعْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ زَادَ هَكَذَا فِي نُسْخَتِهِ وَلَمْ يُرَجِّحْ أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْقِسْمَةِ بِالتَّرَاضِي فَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَهُ الْفَسْخُ. وَالثَّانِي لَوْ قَالَ: نَصِيبِي النِّصْفُ وَمَا وَصَلَ إلَيَّ إلَّا الثُّلُثُ وَالْبَاقِي فِي يَدِك وَأَنْكَرَ الْآخَرُ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا كَالْبَيْعِ. وَالثَّالِثُ ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ نَصِيبِهِ شَيْئًا بَعْدَ الْقِسْمَةِ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَلَفَ الْآخَرُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُقِرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ أَمَّا إذَا أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْحُدُودِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ: هَذَا الْحَدُّ لِي قَدْ دَخَلَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَقَالَ الْآخَرُ لَا بَلْ هَذَا الْحَدُّ قَدْ دَخَلَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الشَّائِعِ) أَيْ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ) أَيْ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ كَانَتْ مِائَةُ شَاةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ نِصْفَيْنِ مِيرَاثًا أَوْ شِرَاءً فَاقْتَسَمَاهَا وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا أَرْبَعِينَ شَاةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ وَأَخَذَ الْآخَرُ سِتِّينَ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَاسْتُحِقَّتْ شَاةٌ مِنْ الْأَرْبَعِينَ تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فِي السِّتِّينَ شَاةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَيْضًا فَتَكُونُ السِّتُّونَ شَاةً بَيْنَهُمَا يَضْرِبُ فِيهَا هَذَا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَيَضْرِبُ فِيهِ الْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُنَا لَا تَنْتَقِضُ الْقِسْمَةُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا وَرَدَ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ وَقَدْ وَرَدَ عَلَى شَاةٍ بِعَيْنِهَا فَيُوجِبُ الرُّجُوعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِتَحَقُّقِ الْمُعَادَلَةِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ بَيْنَهُمَا أَلْفًا إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَدْ وَصَلَ إلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ خَمْسُمِائَةٍ، وَإِلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَتِسْعُونَ وَبَقِيَ لَهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ فَيَضْرِبُ فِي السِّتِّينَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَشَرِيكُهُ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَتِسْعِينَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ فِي أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا لَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ شَائِعٍ فِي النَّصِيبَيْنِ تَنْتَقِضُ الْقِسْمَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ الْبَعْضُ الْمُقَدَّمُ إلَخْ) أَيْ فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا مَا لَهُمَا مِنْ النِّصْفِ الْمُقَدَّمِ وَهُوَ نِصْفُ النِّصْفِ وَرُبُعُ الْمُؤَخَّرِ وَيَأْخُذُ الْآخَرُ مَا بَقِيَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ مِنْ النِّصْفِ الْمُؤَخَّرِ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ جَمِيعِ الدَّارِ لِأَنَّ حَقَّهُمَا بَعْدَ نَصِيبِ الثَّالِثِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ جَمِيعِ الدَّارِ وَمَا لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْقِسْمَةِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى اهـ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ بِحِسَابِهِ وَيَضْمَنُ حِصَّتَهُمْ مِمَّا بَاعَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَنْقَلِبُ فَاسِدَةً عِنْدَهُ وَالْمَقْبُوضُ بِالْفَاسِدِ مَمْلُوكٌ فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَيَضْمَنُ لَهُمْ وَلَوْ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ التَّرِكَةَ، ثُمَّ ظَهَرَ فِيهَا دَيْنٌ مُحِيطٌ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ: اقْضُوا دَيْنَ الْمَيِّتِ فَإِنْ قَضَوْهُ صَحَّتْ الْقِسْمَةُ، وَإِلَّا فُسِخَتْ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ فَيَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لَهُمْ فِيهَا إلَّا إذَا قَضَوْا الدَّيْنَ، أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ قِسْمَتُهُمْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالتَّرِكَةِ إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ مَا يَفِي بِالدَّيْنِ فَحِينَئِذٍ لَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ لِلتَّرِكَةِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ صَحَّ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ؛ إذْ الدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى وَالْقِسْمَةُ تُصَادِفُ الصُّورَةَ وَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقِسْمَةِ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْمَقْسُومَ مُشْتَرَكٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَهَايَآ فِي سُكْنَى دَارٍ، أَوْ دَارَيْنِ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ، أَوْ غَلَّةِ دَارٍ أَوْ دَارَيْنِ صَحَّ) التَّهَايُؤُ اعْلَمْ أَنَّ الْمُهَايَأَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْهَيْئَةِ وَهِيَ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ لِلْمُتَهَيِّئِ لِلشَّيْءِ، وَالتَّهَايُؤُ تَفَاعُلٌ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَتَوَاضَعُوا عَلَى أَمْرٍ فَيَتَرَاضَوْا بِهِ وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَرْضَى بِهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَخْتَارُهَا وَهِيَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَنْتَفِعُ فِي نَوْبَتِهِ بِمِلْكِ شَرِيكِهِ عِوَضًا عَنْ انْتِفَاعِ شَرِيكِهِ بِمِلْكِهِ فِي نَوْبَتِهِ، وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ: أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] وَهَذَا هُوَ الْمُهَايَأَةُ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَسَمَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ كُلَّ بَعِيرٍ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَكَانُوا يَتَهَايَئُونَ فِي الرُّكُوبِ» وَمَا رُوِيَ أَنَّ «الرَّجُلَ الَّذِي خَطَبَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صَدَاقٌ إلَّا نِصْفَ إزَارِهِ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ» أَيْ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْمُهَايَأَةِ وَعَلَى جَوَازِهَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَلِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ يُصَارُ إلَيْهَا لِتَكْمِيلِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لِتَعَذُّرِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا فَكَانَتْ الْمُهَايَأَةُ جَمْعًا لِلْمَنَافِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ كَالْقِسْمَةِ جَمْعِ النَّصِيبِ الشَّائِعِ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ فَجَرَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الْمَنَافِعِ مَجْرَى الْقِسْمَةِ فِي الْأَعْيَانِ وَلَوْ لَمْ تَجُزْ الْمُهَايَأَةُ لَأَدَّى إلَى تَعْطِيلِ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا، وَإِنَّهُ قَبِيحٌ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ خُلِقَتْ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا وَهُوَ يُنَافِيهِ فَتَجُوزُ ضَرُورَةً كَقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ فَيَجْرِي جَبْرُ الْقَاضِي فِيهَا كَمَا يَجْرِي فِي قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ إلَّا أَنَّ الْقِسْمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَلَوْ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ التَّرِكَةَ إلَخْ) فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَطَلَبُوا مِنْ الْقَاضِي الْقِسْمَةَ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ غَائِبٌ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لَا يَقْسِمُ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ وَقَالَ قَلَّ مَا تَخْلُو تَرِكَةٌ عَنْ دَيْنٍ يَسِيرٍ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقِفَ عَشَرَةَ آلَافٍ بِدَيْنِ عَشَرَةٍ فَيَنْظُرُ لِلْفَرِيقَيْنِ وَيُوقَفُ قَدْرُ الدَّيْنِ وَلَا يَأْخُذُ كَفِيلًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَأْخُذُ كَفِيلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي سَأَلَهُمْ فَإِنْ قَالُوا: لَا الْقَوْلُ قَوْلُهُمْ وَيَقْسِمُ لِتَمَسُّكِهِمْ بِالْأَصْلِ وَهُوَ فَرَاغُ الذِّمَّةِ فَلَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ نَقَضَ الْقِسْمَةَ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقِسْمَةَ قَبْلَ أَوَانِهَا فَإِنَّ أَوَانَهَا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ إلَخْ) وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ ظَهَرَ وَارِثٌ آخَرُ أَوْ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ رُدَّتْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ شَرِيكًا آخَرَ قَدْ اقْتَسَمُوا دُونَهُ وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ الْمُرْسَلَةِ إلَّا إذَا قَالَتْ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نَقْضِي حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ الْمُرْسَلَةِ أَمَّا فِي الْوَارِثِ الْآخَرِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ الْآخَرِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى مَالٍ آخَرَ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَحَقُّ الْغَرِيمِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ الْمُرْسَلَةِ فِي الْمَالِ لَا فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ، وَفِي ذَلِكَ مَالُ الْوَارِثِ وَالتَّرِكَةُ سَوَاءٌ وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ كَانَ مَالٌ آخَرُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْقِسْمَةِ لَيْسَ لِلْغَرِيمِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ نَقْضُ الْقِسْمَةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ إلَخْ) وَتَحْرِيرُ هَذَا يَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ. اهـ. . . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ تَهَايَآ فِي سُكْنَى دَارٍ إلَخْ) شَرَعَ فِي الْمُهَايَأَةِ وَهِيَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ بَعْدَ بَيَانِ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَقَدَّمَ الْأَعْيَانَ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَصْلٌ لِكَوْنِهِ قَائِمًا بِنَفْسِهِ، وَالْمَنَافِعُ أَعْرَاضٌ لَا تُقْسَمُ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيَخْتَارُهَا) يَعْنِي: الشَّرِيكُ يَنْتَفِعُ بِالْعَيْنِ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي انْتَفَعَ بِهَا الْآخَرُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ) أَيْ وَالْمَعْقُولِ اهـ. (قَوْلُهُ: {وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] أَخْبَرَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بَيْنَ قَوْمِ صَالِحٍ وَبَيْنَ النَّاقَةِ عَلَى التَّنَاوُبِ وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا تَلْزَمُنَا عَلَى أَنَّهُ شَرِيعَتُنَا مَا لَمْ يَرِدْ النَّسْخُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى جَوَازِهَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ) وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ الْأَعْيَانَ خُلِقَتْ لِلِانْتِفَاعِ فَمَتَى كَانَ الْمِلْكُ مُشْتَرَكًا كَانَ حَقُّ الِانْتِفَاعِ مُشْتَرَكًا أَيْضًا وَالْمَحَلُّ الْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِفَاعَ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ فَيُحْتَاجُ إلَى التَّهَايُؤِ تَكْمِيلًا لِلِانْتِفَاعِ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِلْكٌ مُشْتَرَكٌ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ فِي الْعُقُودِ فَجَازَ وُقُوعُ الْقِسْمَةِ فِيهَا كَالْأَعْيَانِ، فَإِنْ قِيلَ: الْمُهَايَأَةُ تَمْلِيكُ مَنَافِعَ بِمَنَافِعَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهِيَ إجَارَةٌ وَلَا يُكْرِهُ الْقَاضِي عَلَى الْإِجَارَةِ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إجَارَةٌ لِأَنَّهُ مُسْتَوْفٍ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ بَلْ هِيَ قِسْمَةُ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ، ثُمَّ التَّهَايُؤُ قَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ الْكَبِيرَةِ يَسْكُنُ أَحَدُهُمَا نَاحِيَةً مِنْهَا وَالْآخَرُ نَاحِيَةً أُخْرَى وَقَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ بِأَنْ يَنْتَفِعَ أَحَدُهُمَا بِالْعَيْنِ مُدَّةً وَالْآخَرُ مُدَّةً كَالدَّارِ وَالْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَأَمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالدَّابَّةِ الْوَاحِدَةِ وَالْعَبْدِ الْوَاحِدِ لَا تَتَأَتَّى الْقِسْمَةُ إلَّا مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ. اهـ. غَايَةٌ.

أَقْوَى مِنْهُ فِي اسْتِكْمَالِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ الْمَنَافِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَالتَّهَايُؤُ جَمْعٌ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلِهَذَا لَوْ طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْقِسْمَةَ وَالْآخَرُ الْمُهَايَأَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّكْمِيلِ وَلَوْ وَقَعَتْ الْمُهَايَأَةُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ وَتَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَلَا تَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَطَلَتْ لَاسْتَأْنَفَهَا الْحَاكِمُ وَلَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِئْنَافِ ثُمَّ لَوْ تَهَايَآ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَحَدُهُمَا بَعْضَهَا وَالْآخَرُ الْبَعْضَ أَوْ أَحَدُهُمَا الْعُلُوَّ وَالْآخَرُ السُّفْلَ جَازَتْ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزَةٌ فَكَذَا الْمُهَايَأَةُ وَالتَّهَايُؤُ فِي هَذَا الْوَجْهِ إفْرَازٌ لِجَمِيعِ الْأَنْصِبَاءِ لَا مُبَادَلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ نَسِيئَةً لِلرِّبَا وَقِيلَ هُوَ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ عَارِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ خَشْيَةَ الرِّبَا، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتْرُكُ مَالَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ بِعِوَضٍ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ إفْرَازًا لِلْكُلِّ أَوْ عَارِيَّةً فِي الْبَعْضِ وَالْعَارِيَّةُ أَيْضًا غَيْرُ لَازِمَةٍ وَالْمُهَايَأَةُ لَازِمَةٌ وَقِيلَ: هُوَ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ، مُبَادَلَةٌ مِنْ وَجْهٍ كَقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا إفْرَازٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الْمُهَايَأَةِ فِي الْمَكَانِ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّأْقِيتُ وَجَازَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ بِالْمُهَايَأَةِ عَلَى الظَّاهِرِ، شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ لِحُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ وَالْإِجَارَةُ وَفِي الْمُهَايَأَةِ فِي الزَّمَانِ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ وَيُجْعَلُ كَالْمُسْتَقْرِضِ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَكَانَ مُبَادَلَةً مِنْ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمُهَايَأَةِ فِي الْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ وَكَذَا لَوْ تَهَايَآ فِي الزَّمَانِ فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ جَازَ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَيَّنَةٌ فِيهِ لِتَعَذُّرِ التَّهَايُؤِ فِي الْمَكَانِ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ كَالْعَبْدِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُهُمَا يَأْمُرُهُمَا الْقَاضِي بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْمَكَانِ أَعْدَلُ - لِاسْتِوَائِهِمَا فِي زَمَانِ الِانْتِفَاعِ وَلَيْسَ فِيهِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَكَانَ أَعْدَلَ - وَفِي الزَّمَانِ أَكْمَلُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَنْتَفِعُ فِي نَوْبَتِهِ بِجَمِيعِ الدَّارِ فَكَانَ أَكْمَلَ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاتِّفَاقِ فَإِنْ اخْتَارَاهُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ يُقْرَعُ فِي الْبِدَايَةِ بَيْنَهُمَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمَا وَنَفْيًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ تَهَايَآ فِي عَبْدَيْنِ عَلَى الْخِدْمَةِ جَازَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الرَّقِيقِ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمَا فَكَذَا الْمَنْفَعَةُ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّرَاضِي؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الرَّقِيقِ لَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ عِنْدَهُ فَكَذَا مَنْفَعَتُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَاضِيَ يُهَايِئُ بَيْنَهُمَا جَبْرًا بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةُ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ بِخِلَافِ أَعْيَانِ الرَّقِيقِ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ تَهَايَآ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ عَبْدٍ عَلَى مَنْ يَأْخُذُهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْمُسَامَحَةِ فِي طَعَامِ الْمَمَالِيكِ فَلَا تُفْضِي الْجَهَالَةُ إلَى النِّزَاعِ، وَنَظِيرُهُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ لِأَجْلِ الْوَلَدِ بِخِلَافِ كِسْوَةِ الْمَمَالِيكِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَسَامُحَ فِيهَا عَادَةً وَلَوْ تَهَايَآ فِي دَارَيْنِ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارًا جَازَ، وَيُجْبِرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ عِنْدَهُمَا كَدَارٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يَجْرِيَ الْجَبْرُ عَلَى قِسْمَتِهِمَا وَكَذَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِيهِمَا لَا تَتَفَاوَتُ فَيَجُوزُ وَيُجْبَرُ الْآبِي مِنْهُمَا وَيُعْتَبَرُ إفْرَازًا كَالْأَعْيَانِ الْمُتَقَارِبَةِ بِخِلَافِ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي أَعْيَانِهِمَا فَاحِشٌ فَالْتَحَقَتْ بِالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ وَصَارَتْ مُبَادَلَةً وَقِيلَ عِنْدَهُ يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي وَلَا يُجْبَرُ اعْتِبَارًا بِالْقِسْمَةِ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ فِيهِ أَصْلًا لَا بِالْجَبْرِ وَلَا بِالتَّرَاضِي؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ الْمَنَافِعِ بِالْمَنَافِعِ مِنْ جِنْسِهِ نَسِيئَةً وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ بِخِلَافِ قِسْمَةِ رَقَبَتِهِمَا حَيْثُ تَجُوزُ بِالتَّرَاضِي لِأَنَّ بَيْعَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى جَائِزٌ، وَفِي الظَّاهِرِ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِهِمَا، وَفِي الدَّابَّتَيْنِ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ عَلَى الرُّكُوبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَبْلَغُ) أَيْ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْعَيْنِ أَبْلَغُ مِنْ قِسْمَةِ الْمَنْفَعَةِ فِي تَكْمِيلِ الِانْتِفَاعِ لِاجْتِمَاعِ الْمَنَافِعِ فِي الزَّمَانِ الْوَاحِدِ وَفِي التَّهَايُؤِ يَحْصُلُ ذَلِكَ عَلَى التَّعَاقُبِ قَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الشَّامِلِ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ نَقْضُ الْمُهَايَأَةِ بِلَا عُذْرٍ إذَا لَمْ يُرِدْ التَّعَنُّتَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الْعَيْنِ بَعْدَ الْمُهَايَأَةِ قَسَمَ الْحَاكِمُ وَفَسَخَ الْمُهَايَأَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْقِسْمَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: جَازَتْ) أَيْ سَوَاءٌ ذَكَرَ الْمُدَّةَ أَوْ لَا اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لَا مُبَادَلَةٌ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْمُدَّةِ فَلَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَاشْتُرِطَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ كَالْإِجَارَةِ وَيُشْتَرَطُ التَّأْقِيتُ فِي الْإِجَارَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: عَارِيَّةً إلَخْ) الْعَارِيَّةُ مَا يَكُونُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُنَا بِعِوَضٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ تَهَايَآ فِي الزَّمَانِ فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ) أَيْ عَلَى أَنْ يَخْدُمَ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا اهـ. (قَوْلُهُ: بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ عَلَى أَحَدِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَهَايَآ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ كُلٍّ إلَخْ) قَالَ فِي الشَّامِلِ تَهَايَآ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَ كُلُّ وَاحِدٍ أَحَدَهُمَا، وَطَعَامُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ يُسْتَقْبَحُ أَنْ يَخْدُمَهُ وَيُؤْتَى بِطَعَامِهِ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ وَلَوْ تَهَايَآ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كِسْوَةُ مَا فِي يَدَيْهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ كِسْوَتَهُمَا عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مُشْتَرِيًا نِصْفَ الْكِسْوَةِ مِنْ صَاحِبِهِ بِنِصْفِ كِسْوَةِ الَّذِي فِي يَدَيْهِ، وَإِنَّهُ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ) قَائِلُهُ الْكَرْخِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُجْبَرُ اعْتِبَارًا بِالْقِسْمَةِ) أَيْ لِأَنَّ عِنْدَهُ قِسْمَةَ الْجَبْرِ لَا تَجُوزُ فِي الدُّورِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (فَرْعٌ) مِمَّا يُحْفَظُ فِي الذَّخِيرَةِ: أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ خَافَ كُلٌّ صَاحِبَهُ عَلَيْهَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا عِنْدَك يَوْمًا وَعِنْدِي يَوْمًا وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ نَضَعُهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، تُجْعَلُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَوْمًا وَلَا تُوضَعُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ قَالَ مَشَايِخُنَا يُحْتَاطُ فِي بَابِ الْفُرُوجِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ إلَّا فِي هَذِهِ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاطُ لِحِشْمَةِ مِلْكِهِ. اهـ. مِعْرَاجٌ.

يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الرَّاكِبِينَ فَإِنَّهُمْ بَيْنَ حَاذِقٍ وَأَخْرَقَ، وَالتَّهَايُؤُ فِي الرُّكُوبِ فِي دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَخْدُمُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَتَحَمَّلُ الزِّيَادَةَ عَلَى طَاقَتِهِ وَالدَّابَّةُ تَتَحَمَّلُهَا وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فِي الْغَلَّةِ فَنَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ، أَوْ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ، أَوْ رَكُوبِ بَغْلٍ، أَوْ بَغْلَيْنِ أَوْ ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ، أَوْ لَبَنِ شَاةٍ لَا) أَيْ لَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ التَّهَايُؤُ أَمَّا التَّهَايُؤُ فِي غَلَّةِ عَبْدٍ وَاحِدٍ أَوْ بَغْلٍ وَاحِدٍ فَلِأَنَّ النَّصِيبَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَالظَّاهِرُ التَّغَيُّرُ فِي الْحَيَوَانِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ بِخِلَافِ التَّهَايُؤِ فِي اسْتِغْلَالِ دَارٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ فِي الْعَقَارِ فَافْتَرَقَا وَلَوْ زَادَ غَلَّةُ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْغَلَّةِ فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ يَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ تَحْقِيقًا لِلتَّعْدِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّهَايُؤُ فِي الْمَنَافِعِ فَاسْتَغَلَّ أَحَدُهُمَا فِي نَوْبَتِهِ زِيَادَةً؛ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ وَقَعَ فِي الْمَنَافِعِ هُنَاكَ فَتَجِبُ مُرَاعَاةُ الْمُعَادَلَةِ فِيهَا وَبِالتَّفَاوُتِ فِي الْغَلَّةِ لَا يَتَبَيَّنُ فَوْتُ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنَافِعِ فَإِنَّ الشَّيْئَيْنِ قَدْ يَسْتَوِيَانِ ثُمَّ يَخْتَلِفَانِ فِي الْبَدَلِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَهَايَآ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فِي الدَّارَيْنِ وَفَضَلَتْ غَلَّةُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ رَاجِحٌ فِي الدَّارَيْنِ لِاتِّحَادِ زَمَانِ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِلُ إلَى الْغَلَّةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهَا صَاحِبُهُ، وَفِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ يَتَعَاقَبُ الْوُصُولُ فَاعْتُبِرَ قَرْضًا كَأَنَّهُ أَقْرَضَ نَصِيبَهُ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الشَّهْرِ عَلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ نَصِيبِهِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، وَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي إيجَارِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَإِذَا اسْتَوْفَى قَدْرَ الْقَرْضِ كَانَ الْبَاقِي مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فِي اسْتِغْلَالِ عَبْدَيْنِ أَوْ بَغْلَيْنِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُعَادَلَةَ تُمْكِنُ بَيْنَهُمَا لِاتِّحَادِ وَقْتِهِمَا وَكَذَا تَجُوزُ قِسْمَةُ رَقَبَتِهِمَا عِنْدَهُمَا فَكَذَا مَنَافِعُهُمَا وَبَدَلُهُمَا فَصَارَ كَالدَّارَيْنِ بِخِلَافِ التَّهَايُؤِ فِي غَلَّةِ عَبْدٍ وَاحِدٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي زَمَانَيْنِ فَيُتَوَهَّمُ تَغَيُّرُهُ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الِاسْتِغْلَالِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالِاسْتِقْصَاءِ فِيهِ فَيَتَغَيَّرُ مِنْ التَّعَبِ بِخِلَافِ التَّهَايُؤِ فِي خِدْمَةِ عَبْدٍ وَاحِدٍ حَيْثُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ الْخِدْمَةَ يَجْرِي فِيهَا التَّسَامُحُ عَادَةً فَلَا يَلْحَقُهُ تَعَبٌ كَمَا يَلْحَقُهُ فِي الِاسْتِغْلَالِ فَلَا يَتَغَيَّرُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ قِسْمَتِهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا لِأَنَّ الْغَلَّةَ عَيْنُ مَالٍ وَلِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِالِاسْتِغْلَالِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَيَحْصُلُ التَّفَاوُتُ بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ فِي الْعَقَارِ وَلِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الِاسْتِغْلَالِ يَمْتَنِعُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ بِأَنْ وَقَعَ مُتَعَاقِبًا فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ فَلَأَنْ يَمْتَنِعَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَحَلِّ أَوْلَى وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مَسَائِلَ التَّهَايُؤِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فَفِي اسْتِخْدَامِ عَبْدٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا فِي اسْتِخْدَامِ الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ وَكَذَا التَّهَايُؤُ فِي اسْتِغْلَالِ عَبْدٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ، وَالتَّهَايُؤُ فِي سُكْنَى دَارٍ وَاحِدَةٍ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا فِي غَلَّتِهَا وَكَذَا فِي سُكْنَى دَارَيْنِ وَفِي غَلَّتِهِمَا خِلَافٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، وَرُكُوبُ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ وَلَا يَجُوزُ فِي اسْتِغْلَالِ بَغْلٍ وَاحِدٍ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي بَغْلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فِي ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ، أَوْ لَبَنِ غَنَمٍ فَلِأَنَّهَا أَعْيَانٌ بَاقِيَةٌ تَرِدُ عَلَيْهَا الْقِسْمَةُ عِنْدَ حُصُولِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّهَايُؤِ؛ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْمَنَافِعِ ضَرُورَةَ أَنَّهَا لَا تَبْقَى فَبِتَعَذُّرِ قِسْمَتِهَا بِخِلَافِ لَبَنِ ابْنِ آدَمَ حَيْثُ تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ فِيهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ جَارِيَتَانِ مُشْتَرَكَتَانِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَتَهَايَآ أَنْ تُرْضِعَ إحْدَاهُمَا وَلَدَ أَحَدِهِمَا، وَالْأُخْرَى وَلَدَ الْآخَرِ جَازَ لِأَنَّ لَبَنَ ابْنِ آدَمَ لَا قِيمَةَ لَهُ فَجَرَى مَجْرَى الْمَنَافِعِ، وَالْحِيلَةُ فِي الثِّمَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَ غَلَّةُ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ فِي نَوْبَةِ إلَخْ) وَلَوْ تَهَايَآ فِي نَخْلٍ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَلَّةَ بَعْضِهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ غَلَّةَ النَّخِيلِ قَبْلَ وُجُودِهَا مَعْدُومَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِأَنَّهَا لَمْ تُجْعَلْ مَوْجُودَةً حُكْمًا فِي حَقِّ التَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ حَتَّى تُعْتَبَرَ مَوْجُودَةً حُكْمًا فِي حَقِّ الْقِسْمَةِ وَقِسْمَةُ الْمَعْدُومِ لَا تَتَحَقَّقُ لِأَنَّهُ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ، مُبَادَلَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ لَا يَتَحَقَّقَانِ قَبْلَ الْوُجُودِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ فِي الصُّلْحِ. (قَوْلُهُ: أَنَّ مَسَائِلَ التَّهَايُؤِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً) أَيْ غَيْرُ الثَّمَرِ وَاللَّبَنِ اهـ مس. (قَوْلُهُ: وَالْحِيلَةُ) أَيْ فِي جَوَازِ التَّهَايُؤِ اهـ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ التَّهَايُؤِ أَنْ يَبِيعَ حِصَّةً مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ يَشْتَرِيَ كُلَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ اسْتِقْرَاضًا لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ يَعْنِي: يَبِيعُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الْغَنَمِ مِنْ صَاحِبِهِ ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْ صَاحِبِهِ بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ جَمِيعَ الشَّجَرِ أَوْ الْغَنَمِ فَيَحِلُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَنَاوَلَهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ اللَّبَنُ أَوْ الثَّمَرُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَنْتَفِعُ بِاللَّبَنِ اسْتِقْرَاضًا لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ الْحَلِيبِ كُلَّ يَوْمٍ أَيْ مُدَّةً مَعْلُومَةً ثُمَّ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ يَنْتَفِعُ صَاحِبُهُ بِاللَّبَنِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، بَعْضُهُ مِنْ نَصِيبِ نَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَبَعْضُهُ مِمَّا أَقْرَضَهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَزِنَ اللَّبَنَ أَوْ يَكِيلَهُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى تَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَكُونُ الرِّبَا لِأَنَّ اللَّبَنَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ فِي الْحَلْبِ وَقَالَ فِي قِسْمِ الشَّامِلِ مِنْ الْمَبْسُوطِ تَهَايَآ فِي أَغْنَامٍ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُهَا عِنْدَ هَذَا وَالنِّصْفُ عِنْدَ الْآخَرِ يَعْلِفُ وَيَشْرَبُ لَبَنَهَا وَيَجُزُّ صُوفَهَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّبَنَ بَيْنَهُمَا وَالْعَلَفَ عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرِيًا لَبَنَ صَاحِبِهِ بِنِصْفِ الْعَلَفِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَاللَّبَنُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَالْعَلَفُ مِثْلُهُ فَيَكُونُ التَّفَاوُتُ فَاحِشًا فَيَكُونُ مُبَادَلَةً مَحْضَةً فَكَانَ بَيْعُ لَبَنٍ بِلَبَنٍ وَصُوفٍ بِصُوفٍ مُجَازَفَةً فَلَا يَجُوزُ بَعْدَ الْحَلْبِ وَالْجَزِّ فَقَبْلَهُمَا أَوْلَى وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: بَقَرَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَحْلُبُ لَبَنَهَا فَهَذِهِ مُهَايَأَةٌ بَاطِلَةٌ وَلَا يَحِلُّ فَضْلُ اللَّبَنِ عَلَيْهِمَا وَإِنْ جُعِلَا فِي حِلٍّ إلَّا أَنْ يَسْتَهْلِكَ صَاحِبُ الْفَضْلِ

[كتاب المزارعة]

وَنَحْوِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ ثُمَّ يَبِيعَ كُلَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ الْمُقَدَّرِ بِطَرِيقِ الْقَرْضِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ إذْ قَرْضُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ) وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ فِي اللُّغَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ) وَهَذَا فِي الشَّرِيعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ بِشَرْطِ صَلَاحِيَةِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَأَهْلِيَّةِ الْعَاقِدَيْنِ وَبَيَانِ الْمُدَّةِ وَرَبِّ الْبَذْرِ وَجِنْسِهِ وَحَظِّ الْآخَرِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ وَالشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ لِآخَرَ، أَوْ تَكُونَ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ أَوْ يَكُونَ الْعَمَلُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ، لَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ» وَلِأَنَّهَا عَقْدُ شَرِكَةٍ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَعَمَلٍ مِنْ الْآخَرِ فَيَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدْ لَا يَهْتَدِي إلَى الْعَمَلِ وَالْمُهْتَدِيَ إلَيْهِ قَدْ لَا يَجِدُ الْمَالَ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى انْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ دَفْعِ الْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَدُودِ الْقَزِّ مُعَامَلَةً بِنِصْفِ الزَّوَائِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ فِيهَا فِي حُصُولِ الزِّيَادَةِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الشَّرِكَةُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عُرْفٌ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ عَمَلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالصَّالِحِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِلَا نَكِيرٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ، فَقِيلَ: مَا الْمُخَابَرَةُ قَالَ: الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ» وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ، أَوْ مَعْدُومٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ، وَمُعَامَلَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ بِطَرِيقِ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ وَالصُّلْحِ وَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ نَوْعَانِ: خَرَاجُ وَظِيفَةٍ وَهُوَ أَنْ يُوَظِّفَ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ كُلَّ سَنَةٍ وَيَضَعَ عَلَيْهِمْ مَا تُطِيقُ أَرْضُهُمْ وَالثَّانِي خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ جُزْءًا شَائِعًا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ الْمُدَّةَ وَلَوْ كَانَتْ مُزَارَعَةً لَبَيَّنَهَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ لَا تَجُوزُ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهَا إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ سَأَلَتْهُ الْيَهُودُ أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ يَكْفُوهُ عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرَةِ فَقَالَ لَهُمْ نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهَا كَانَتْ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ وَأَنَّهُمْ كَانُوا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَالذِّمِّيُّ إذَا أُقِرَّ عَلَى أَرْضِهِ بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَرَاضِيهِ خَرَاجٌ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ «أَعْطَى خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا» وَالِاعْتِبَارُ بِالْمُضَارَبَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّرِكَةِ فِيهَا أَغْلَبُ حَتَّى صَحَّتْ بِدُونِ ضَرْبِ الْمُدَّةِ وَلَا تَنْعَقِدُ لَازِمَةً أَصْلًا فَيَكُونُ الرِّبْحُ مُتَوَلِّدًا مِنْ الْعَمَلِ وَالْمَالِ جَمِيعًا، وَعَقْدُ الشَّرِكَةِ قَدْ يُعْقَدُ عَلَى الْعَمَلِ خَاصَّةً كَمَا فِي شَرِكَةِ الْأَعْمَالِ فَمَا ظَنُّك إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ الْمَالُ وَلَا كَذَلِكَ الْمُزَارَعَةُ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ، حَتَّى يُشْتَرَطَ لَهَا ضَرْبُ الْمُدَّةِ وَتَنْعَقِدُ لَازِمَةً، وَإِنَّمَا كَانَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ أَنْ يَفْسَخَ لِلْعُذْرِ، وَالْإِجَارَةُ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ بَعْدَ مَا بَذَرَ فِي الْأَرْضِ فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا وَالْحِيلَةُ لِلْجَوَازِ عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَضْلَهُ، ثُمَّ جَعَلَهُ صَاحِبُهُ فِي حِلٍّ فَحِينَئِذٍ يَحِلُّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَلَمْ يَجُزْ وَالثَّانِي هِبَةُ الدَّيْنِ، وَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مُشَاعًا وَنَقَلَهُ عَنْ قِسْمَةِ الْوَاقِعَاتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ الْمُقَدَّرِ) أَيْ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ. [كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ] (كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ) لَمَّا كَانَ الْخَارِجُ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يَقَعُ فِيهِ الْقِسْمَةُ ذَكَرَ الْمُزَارَعَةَ عَقِيبَ الْقِسْمَةِ وَلِأَنَّ الْأَرْضَ بَعْضُ مَا يَجْرِي فِيهِ الْقِسْمَةُ ثُمَّ بَعْدَ قِسْمَةِ الْأَرْضِ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الزِّرَاعَةِ فِيهَا فَذَكَرَ الْمُزَارَعَةَ عَقِبَهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ) أَيْ مِنْ زَارَعَ مِنْ الزَّرْعِ وَهُوَ إلْقَاءُ الْحَبِّ وَنَحْوِهِ فِي الْأَرْضِ اهـ ع. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ فِيهَا) أَيْ لَمْ يَرِدْ الْأَثَرُ فِي دَفْعِ الْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَدُودِ الْقَزِّ مُعَامَلَةً بِنِصْفِ الزَّوَائِدِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ) وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ» وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلًا حَتَّى يَطْحَنَ لَهُ كُرًّا مِنْ حِنْطَةٍ بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ اسْتِئْجَارُ الْعَامِلِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَكَذَا الْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ أَوْ مَعْدُومٌ إلَخْ) وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَوْ الشَّجَرَ إمَّا أَنْ تُخْرِجَ شَيْئًا أَوْ لَا فَإِنْ أَخْرَجَتْ فَالْأُجْرَةُ مَجْهُولَةٌ لِأَنَّ قَدْرَ الثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ لَا يُعْلَمُ كَمْ هُوَ، وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ فَالْأُجْرَةُ مَعْدُومَةٌ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بِطَرِيقِ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ) يَعْنِي أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ بَلْ كَانَتْ بِطَرِيقِ الْخَرَاجِ عَلَى الْمَنِّ عَلَيْهِمْ وَالصُّلْحِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَلَكَهَا غَنِيمَةً فَلَوْ كَانَ أَخَذَهَا كُلَّهَا جَازَ. (قَوْلُهُ: وَتَنْعَقِدُ لَازِمَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي أَوَّلِ الْمُزَارَعَةِ ثُمَّ لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ رُكْنُهُمَا، وَشَرَائِطُ جَوَازِهِمَا، وَحُكْمُهُمَا، وَصِفَتُهُمَا فَأَمَّا رُكْنُهُمَا فَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ثُمَّ ذَكَرَ شَرَائِطَ الْجَوَازِ، ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِهِمَا فَنَقُولُ: لَهُمَا حُكْمَانِ أَحَدُهُمَا يَثْبُتُ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْمِلْكُ فِي مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ - إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْمُزَارِعِ - أَوْ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْأَرْضِ وَفِي الْمُعَامَلَةِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ، وَالْحُكْمُ الْآخَرُ يَثْبُتُ فِي الثَّانِي وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ وَأَمَّا بَيَانُ صِفَتِهَا فَتَقُولُ الْمُعَامَلَةُ لَازِمَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْحَالِ حَتَّى إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ

[شروط صحة المزارعة]

أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلُ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ يُعْطِيهِ بَعْضَ الْخَارِجِ عَمَّا وَجَبَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِ الْبَذْرِ فَيَجُوزَ ذَلِكَ بِتَرَاضِيهِمَا كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ إذَا أَعْطَاهُ خِلَافَ جِنْسِهِ ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ عِنْدَهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ أَجْرُ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ، أَوْ لِلْأَرْضِ وَالْغَلَّةُ لَهُ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ وَقَالُوا: الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِهِمَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا وَلِتَعَامُلِهِمْ وَالْقِيَاسُ قَدْ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ وَالضَّرُورَةِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ، ثُمَّ شَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِجَوَازِهَا عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهَا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِ وَأَنْ يَكُونَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعُ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ، وَأَنْ يُبَيِّنَ الْمُدَّةَ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ وَهِيَ تُعْرَفُ بِالْمُدَّةِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ قَدْرَ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الزِّرَاعَةِ، أَوْ أَكْثَرَ وَأَنْ لَا تَكُونَ قَدْرَ مَا لَا يَعِيشُ إلَيْهِ مِثْلُهُمَا، أَوْ مِثْلُ أَحَدِهِمَا غَالِبًا وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ: لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ وَتَقَعُ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ. وَأَنْ يُبَيِّنَ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ - وَهُوَ مَنَافِعُ الْعَامِلِ أَوْ مَنَافِعُ الْأَرْضِ - لَا يُعْرَفُ إلَّا بِبَيَانِ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ لِأَنَّهُ الْمُسْتَأْجِرُ فَبِبَيَانِهِ يُعْرَفُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مِنْ مَنَافِعِ الْعَامِلِ، أَوْ مَنَافِعِ الْأَرْضِ. وَأَنْ يُبَيِّنَ جِنْسَ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مِنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِ الْأُجْرَةِ. وَأَنْ يُبَيِّنَ نَصِيبَ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَحَظِّ الْآخَرِ "؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ أَوْ أَرْضِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِعَقْدٍ وَالْمُزَارَعَةُ لَازِمَةٌ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ جِهَتِهِ - حَتَّى لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ إلَّا بِعُذْرٍ - غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْبَذْرُ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى يَمْلِكَ الْفَسْخَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَبَعْدَ مَا أَلْقَى الْبَذْرَ فِي الْأَرْضِ تَصِيرُ لَازِمَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِعُذْرٍ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ عِنْدَهُ) أَيْ فَسَدَ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ سَقَى الْأَرْضَ وَكَرَبَهَا وَلَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ كَانَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لَهُ وَيَطِيبُ لَهُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْمُزَارِعِ وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْأَرْضَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَمَا كَانَ مِنْ الْخَارِجِ بِإِزَاءِ الْبَذْرِ وَالْمُؤْنَةِ يَطِيبُ لَهُ وَمَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِنْ حَصَلَ مِنْ الْخَارِجِ شَيْءٌ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَلَا عَلَى الْمُزَارِعِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعُ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ) أَيْ وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ لِأَنَّ عَقْدًا مَا، لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَعَقْدُ الْمُزَارَعَةِ قَدْ يَكُونُ اسْتِئْجَارَ الشَّخْصِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ كَمَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ وَقَدْ يَكُونُ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ كَمَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ. اهـ. غَايَةٌ. [شُرُوط صِحَّة الْمُزَارَعَة] (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْمُدَّةِ جَائِزَةٌ أَيْضًا وَيَقَعُ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ يَعْنِي عَلَى زَرْعٍ وَاحِدٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ اهـ قَوْلُهُ: جَائِزَةٌ أَيْضًا يَعْنِي كَالْمُعَامَلَةِ وَانْظُرْ إلَى الْحَاشِيَةِ الَّتِي كَتَبْتهَا فِي أَوَّلِ الْمُسَاقَاةِ فَهَذِهِ تَتِمَّتُهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَحُكِيَ عَنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ أَنَّ بَيَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ أَنَّ الْبَذْرَ عَلَى مَنْ يَكُونُ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ بَيْنَهُمْ عُرْفٌ ظَاهِرٌ أَنَّ الْبَذْرَ يَكُونُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ إذْ الْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ كَمَا فِي نَقْدِ الْبَلَدِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِ الْأُجْرَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَوَّلَ الْمُزَارَعَةِ: وَمِنْ الشَّرَائِطِ بَيَانُ مَا يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ وَهَذَا قِيَاسٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ بَيَانُ مَا يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَوَّضَ الرَّأْيَ إلَى الْمُزَارِعِ أَوْ لَمْ يُفَوِّضْ بَعْدَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى الْمُزَارَعَةِ هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْمُزَارَعَةِ، ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بَعْدَ أَوْرَاقٍ مَا نَصُّهُ: وَالثَّامِنُ بَيَانُ جِنْسِ الْبَذْرِ لِيَصِيرَ الْأَجْرُ مَعْلُومًا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَجْرَ بَعْضُ الْخَارِجِ، وَإِعْلَامُ جِنْسِ الْأَجْرِ شَرْطٌ وَهَذَا قِيَاسٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ مَرَّ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أَرْضًا مُزَارَعَةً وَلَمْ يُسَمِّ مَا يُزْرَعُ فِيهَا فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ فُسِخَتْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَصِمَا فِيهَا حَتَّى زُرِعَتْ وَحَصَدَ زَرْعَهَا وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ جَازَ لِرَبِّ الْأَرْضِ الَّتِي وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ، لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي تَعْلِيلِهِ: لِأَنَّ الْأَرْضَ مِمَّا يُخْتَلَفُ بِاخْتِلَافِ الزَّرْعِ فَرُبَّ زَرْعٍ يَنْقُصُ الْأَرْضَ نُقْصَانًا كَثِيرًا وَرُبَّ زَرْعٍ يَنْقُصُهَا نُقْصَانًا قَلِيلًا وَرُبَّ زَرْعٍ يَزِيدُ فِي الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْإِجَارَةِ وَلَوْ زَرَعَ الْمُسْتَأْجِرُ فِيهَا شَيْئًا قَبْلَ الْفَسْخِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ لِلْعَقْدِ وَلِلْمُؤَجِّرِ الْمُسَمَّى مِنْ الْأُجْرَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا أَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ يَلْبَسُهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ قِدْرًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يُطْبَخُ فِيهَا وَقَالَ أَيْضًا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا دَفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَزْرَعَ شَيْئًا مَعْلُومًا فَزَرَعَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا سَوَاءٌ أَضَرَّ بِالْأَرْضِ أَوْ لَمْ يُضِرَّ بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ أَرْضَهُ بِدَرَاهِمَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأُجْرَةَ هُنَا بَعْضُ الْخَارِجِ وَالْخَارِجُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّرْعِ فَإِذَا شَرَطَ الْحِنْطَةَ فَقَدْ رَضِيَ أَنْ تَكُونَ أُجْرَتُهَا حِنْطَةً فَإِذَا زَرَعَ الشَّعِيرَ صَارَ مُخَالِفًا وَلَا كَذَلِكَ الْإِجَارَةُ بِدَرَاهِمَ لِأَنَّ هُنَاكَ الْإِجَارَةَ دَرَاهِمُ كُلَّهَا فَلَوْ بَطَلَ الْعَقْدُ إنَّمَا يَبْطُلُ لِأَجْلِ الْمَضَرَّةِ فَإِنْ كَانَ مَا زُرِعَ فِيهَا يَكُونُ فِي الْمَضَرَّةِ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ لَمْ يُوجَدْ الْخِلَافُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ مُخَالِفًا. اهـ. .

مَعْلُومًا. وَأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْعَمَلِ فَصَارَ نَظِيرَ الْمُضَارَبَةِ لَا تَصِحُّ حَتَّى يُسَلِّمَ الْمَالَ إلَيْهِ حَتَّى إذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا تَفُوتُ بِهِ التَّخْلِيَةُ وَهُوَ عَمَلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ الْعَامِلِ لَا يَصِحُّ. وَأَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا فَتَنْعَقِدُ إجَارَةً فِي الِابْتِدَاءِ وَتَتِمُّ شَرِكَةً فِي الِانْتِهَاءِ وَلِهَذَا لَوْ شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانٌ مُسَمَّاةٌ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْبَعْضِ الْمُسَمَّى، أَوْ فِي الْكُلِّ إذَا لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا شُرِطَ أَنْ يَرْفَعَ قَدْرَ بَذْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا شُرِطَ أَنْ يَرْفَعَ عُشْرَ الْخَارِجِ أَوْ ثُلُثَهُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ وَهُوَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً لِلْوُصُولِ إلَى رَفْعِ الْبَذْرِ. وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ لِآخَرَ أَوْ تَكُونُ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ أَوْ يَكُونَ الْعَمَلُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ وَهَذِهِ الْجُمَلُ مِنْ جُمْلَةِ شُرُوطِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ جَوَّزَهَا إنَّمَا جَوَّزَهَا عَلَى أَنَّهَا إجَارَةٌ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى يَكُونُ صَاحِبُ الْبَذْرِ وَالْأَرْضِ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ، وَبَقَرُهُ تَبَعٌ لَهُ لِاتِّحَادِ مَنْفَعَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ آلَةٌ لَهُ فَصَارَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ بِإِبْرَتِهِ أَوْ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ لَهُ ثَوْبًا بِصِبْغٍ مِنْ عِنْدِهِ وَالْأَجْرُ يُقَابِلُ عَمَلَهُ دُونَ الْآلَةِ فَيَجُوزُ وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ فَتُخَرَّجُ الْمَسَائِلُ عَلَى هَذَا كَمَا رَأَيْت وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ صَاحِبُ الْبَذْرِ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ وَفِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ يَكُونُ صَاحِبُ الْبَذْرِ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ وَحْدَهُ بِلَا بَقَرٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الْخَارِجِ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ قَمِيصًا بِإِبْرَةٍ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الثَّوْبِ أَوْ طَيَّانًا لِيُطَيِّنَ لَهُ بِمَرٍّ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَذْرُ لِآخَرَ، أَوْ كَانَ الْبَذْرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْبَاقِي لِآخَرَ، أَوْ كَانَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ، أَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً أَوْ مَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَالسَّوَاقِي، أَوْ أَنْ يَرْفَعَ رَبُّ الْبَذْرِ بَذْرَهُ، أَوْ أَنْ يَرْفَعَ الْخَرَاجَ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا فَسَدَتْ فَيَكُونُ الْخَارِجُ لِرَبِّ الْبَذْرِ وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، أَوْ أَرْضِهِ وَلَمْ يُزَدْ عَلَى مَا شَرَطَ) وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا بَيَّنَ شُرُوطَ جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ بَيَّنَ أَيْضًا الشُّرُوطَ الْمُفْسِدَةَ لَهَا وَبَيَّنَ أَنَّ الْخَارِجَ فِي الْفَاسِدَةِ مِنْهَا لِصَاحِبِ الْبَذْرِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَأَنَّ لِلْآخَرِ أَجْرَ الْمِثْلِ، وَلَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَالْآخَرَ هُوَ الْأَجِيرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى عَلَى مَا عُرِفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَقِيلَ الْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَيَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْبَذْرِ قَابِضًا لَهُ بِاتِّصَالِهِ بِأَرْضِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، ثُمَّ قِيلَ إنْ كَانَ الْبَذْرُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ لَا يَطِيبُ لَهُ فَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى الْبَذْرِ وَأَجْرِ الْأَرْضِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الَّتِي عَدَّهَا مُفْسِدَةً لِلْإِجَارَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَذْرُ لِآخَرَ فَلِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ، وَاشْتِرَاطُ الْبَقَرِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ مُفْسِدٌ لِلْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا شَرَطَ أَنْ يَرْفَعَ قَدْرَ بَذْرِهِ) أَيْ وَيَكُونَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَالْأُجْرَةُ تُقَابِلُ عَمَلَهُ دُونَ الْآلَةِ) يَعْنِي لَا يَكُونُ الْأَجْرُ بِمُقَابَلَةِ الْبَقَرِ بَلْ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ صَاحِبُ الْبَذْرِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: آجَرْتُك أَرْضِي هَذِهِ سَنَةً بِالثُّلُثِ أَوْ بِالرُّبُعِ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْبَذْرُ عَلَى الْمُزَارِعِ وَلَوْ قَالَ دَفَعْت إلَيْك أَرْضِي أَوْ قَالَ أَعْطَيْتُك أَرْضِي مُزَارَعَةً بِالثُّلُثِ فَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ، وَإِنَّهُ شَرْطٌ وَلَا كَذَلِكَ الصُّورَةُ الْأُولَى لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا مَحَالَةَ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْبَقَرُ غَيْرُ مُسْتَأْجَرَةٍ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَهَا فِي عَمَلِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَالسَّوَاقِي) الْمَاذِيَانُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ أَصْغَرُ مِنْ النَّهْرِ وَأَعْظَمُ مِنْ الْجَدْوَلِ وَالسَّوَاقِي جَمْعُ السَّاقِيَةِ وَهِيَ فَوْقَ الْجَدْوَلِ دُونَ النَّهْرِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَاذِيَانُ وَالسَّاقِيَةُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ وَفَرَّقَ صَاحِبُ الْغَرِيبَيْنِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: وَفِي حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «كُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ بِمَا عَلَى الْمَاذِيَانِ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «بِمَا عَلَى السَّوَاقِي» أَيْ بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الْأَنْهَارِ الْكِبَارِ وَالْعَجَمُ يُسَمُّونَهَا الْمَاذِيَانَ وَلَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ وَلَكِنَّهَا سَوَادِيَّةٌ وَالسَّوَاقِي دُونَ الْمَاذِيَانَاتِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْغَرِيبَيْنِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَنِ وَالْمَاذِيَانَاتُ الْأَنْهَارُ مُعَرَّبَةٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الرَّازِيّ فِي فَوَائِدِهِ لِمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ الْمَاذِيَانَاتُ مُعَرَّبَةٌ وَهِيَ الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا الْأَنْهَارُ الصِّغَارُ وَالسَّوَاقِي الْأَنْهَارُ الصِّغَارُ لِأَنَّهَا كَالسِّقَايَاتِ وَالرَّبِيعُ النَّهْرُ الصَّغِيرُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ صَاحِبُ الْبُذُورِ - وَهُوَ الْعَامِلُ - مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ وَالْبَقَرِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ فَيَكُونُ الْبَعْضُ بِمُقَابَلَةِ الْبَقَرِ مَقْصُودًا وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَجَعَلَ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ تَبَعًا لِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ كَمَا جُعِلَتْ تَبَعًا لِمَنْفَعَةِ الْعَامِلِ فَإِنَّ الْبَقَرَ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فِي الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ وَقْفُ الْبَقَرِ مَعَ الْأَرْضِ وَلَا يَصِحُّ مَقْصُودًا اهـ قَوْلُهُ: وَفِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ أَيْ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ وَالْأَرْضُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَذْرُ مِنْ آخَرَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعَمَلُ وَالْبَذْرُ لِآخَرَ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ وَشُرِطَ الْبَقَرُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فَإِنَّ الْمُزَارَعَةَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ آجَرَ الْبَقَرَ بِبَعْضِ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ غَيْرَ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا

مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا الْإِنْبَاتُ، وَمَنْفَعَةَ الْبَقَرِ الشَّقُّ وَبَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ، وَشَرْطُ التَّبَعِيَّةِ الِاتِّحَادُ فَصَارَ شَرْطًا مُفْسِدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَقَرُ مَعَ الْعَامِلِ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ أَمْكَنَ جَعْلُهُ تَبَعًا لِاتِّحَادِ مَنْفَعَتِهِمَا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ صَلَاحِيَةٌ يُقَامُ بِهَا الْعَمَلُ كَإِبْرَةِ الْخَيَّاطِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلتَّعَامُلِ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِهِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ وَهُوَ الْعَمَلُ وَالْبَقَرُ وَالْأَرْضُ فَلِأَنَّ الْعَامِلَ أَجِيرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلُ الْأَرْضُ تَبَعًا لَهُ لِاخْتِلَافِ مَنْفَعَتِهِمَا فَصَارَ نَظِيرُ الْبَقَرِ وَالْأَرْضِ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي مِنْ الْآخَرِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلتَّعَامُلِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ، وَهُوَ الْعَمَلُ وَالْأَرْضُ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَرْضَ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا تَبَعًا لِعَمَلِهِ لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ فَفَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ، وَهُنَا وَجْهٌ آخَرُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي مِنْ آخَرَ قَالُوا هُوَ فَاسِدٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْعَامِلِ وَحْدَهُ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ وَحْدَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْبَقَرَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلَ أَوْ الْأَرْضَ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُزَارَعَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ الِاسْتِئْجَارِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا تَرَكْنَا ذَلِكَ بِالْأَثَرِ، وَالْأَثَرُ وَرَدَ فِي اسْتِئْجَارِ الْعَامِلِ، أَوْ الْأَرْضِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ إذْ اسْتِئْجَارُ شَيْءٍ بِأُجْرَةٍ غَيْرِ مُشَارٍ إلَيْهِ وَلَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ، أَوْ الْعَامِلِ فِي الْمُزَارَعَةِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً، أَوْ مَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَالسَّوَاقِي، أَوْ أَنْ يَرْفَعَ رَبُّ الْبَذْرِ بَذْرَهُ، أَوْ أَنْ يَرْفَعَ الْخَرَاجَ فَلِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْبَعْضِ الْمُسَمَّى، أَوْ فِي الْكُلِّ، وَشَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ بِالْخَرَاجِ هُنَا هُوَ الْمُوَظَّفُ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ عَلَى الْأَرْضِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً، أَوْ قُفْزَانًا مُسَمَّاةً، أَوْ مِنْهُمَا وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخَرَاجُ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ عَلَيْهَا نِصْفَ الْخَارِجِ، أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْجُزْءِ الشَّائِعِ فَلَا يَفْسُدُ اشْتِرَاطُ رَفْعِهِ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَهُوَ الْحِيلَةُ لِرَفْعِ قَدْرِ بَذْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَكَذَا إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا التِّبْنَ وَلِلْآخَرِ الْحَبَّ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تُصِيبَهُ آفَةٌ فَلَا يَنْعَقِدَ الْحَبُّ وَلَا يَخْرُجَ إلَّا التِّبْنُ وَكَذَا إذَا شَرَطَا التِّبْنَ نِصْفَيْنِ وَالْحَبَّ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْحَبُّ وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِذِكْرِ التِّبْنِ صَحَّتْ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ، ثُمَّ التِّبْنُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَفِي حَقِّهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّرْطِ كَنَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا الْإِنْبَاتُ) أَيْ بِخَلْقِ اللَّهِ إيَّاهَا كَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الطَّبِيعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَنْفَعَةُ الْبَقَرِ الشَّقُّ) أَيْ وَهُوَ إقَامَةُ عَمَلِ الزِّرَاعَةِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَالْبَاقِي لِآخَرَ) فَهَذِهِ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ وَالْبَقَرِ وَالْعَامِلِ جَمِيعًا بِالْبَذْرِ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ) أَيْ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارُ الْعَامِلِ وَالْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. . (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَمَلُ وَالْأَرْضُ) فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالْبَاقِي مِنْ آخَرَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْبَقَرُ وَحْدَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْبَاقِي مِنْ الْآخَرِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ كَذَا فِي تَجْرِيدِ الْمُحِيطِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ مُلَّا مِسْكِينٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَهَذَا لِأَنَّ مَا يَقُومُ بِهِ الْمُزَارَعَةُ أَرْبَعَةٌ: وَهِيَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ بِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالثَّلَاثَةُ مِنْ الْآخَرِ وَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ أَوْ الْعَمَلُ أَوْ الْبَذْرُ أَوْ الْبَقَرُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْبَاقِي مِنْ الْآخَرِ: الْأَوَّلَانِ جَائِزَانِ وَالثَّالِثُ غَيْرُ جَائِزٍ وَالرَّابِعُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ أَيْضًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اثْنَانِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَاثْنَانِ مِنْ الْآخَرِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَعَ الْبَذْرِ أَوْ مَعَ الْبَقَرِ أَوْ مَعَ الْعَمَلِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْبَاقِيَانِ مِنْ الْآخَرِ وَالْأَوَّلُ جَائِزٌ دُونَ الْآخَرَيْنِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْخَرَاجِ هُنَا هُوَ الْمُوَظَّفُ) أَيْ لِأَنَّ جَوَازَ الْمُزَارَعَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْأَثَرِ وَذَلِكَ وَرَدَ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مُشْتَرَكًا وَمَا سِوَاهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ مَتَى شَرَطَ شَرْطًا يُوهِمُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ عَنْ الْخَارِجِ يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا انْعَقَدَ لِيَصِيرَ شَرِكَةً فِي الِانْتِهَاءِ وَمَتَى انْقَطَعَ احْتِمَالُ الشَّرِكَةِ بَقِيَ إجَارَةً مَحْضَةً بِأَجْرٍ مَعْدُومٍ وَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا) أَيْ تَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِلْآخَرِ الْحَبُّ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (فَرْعٌ) إذَا شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْحَبُّ وَالتِّبْنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ وَيَكُونُ التِّبْنُ وَالْحَبُّ بَيْنَهُمَا كَمَا شَرَطَ وَكَذَا إذَا شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا أَوْ الزَّرْعُ أَوْ الرِّيعُ بَيْنَهُمَا جَازَ وَيَكُونُ الْحَبُّ وَالتِّبْنُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ اسْمَ الْخَارِجِ يَتَنَاوَلُهُمَا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِذِكْرِ التِّبْنِ إلَخْ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ وَيَكُونُ التِّبْنُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ التِّبْنَ مَقْصُودٌ كَمَا أَنَّ الْحَبَّ مَقْصُودٌ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَنْ لَا بَذْرَ لَهُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ وَلَمْ يُوجَدْ فَبَقِيَ التِّبْنُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْحَبُّ بَيْنَهُمَا وَالتِّبْنُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَذَلِكَ جَائِزٌ لِمَا ذَكَرْنَا. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ شَرَطَا التِّبْنَ بَيْنَهُمَا وَسَكَتَا عَنْ الْحَبِّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْحَبُّ فَالسُّكُوتُ عَنْ الْمَقْصُودِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ السُّكُوتِ عَنْهُمَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اهـ أَتْقَانِيٌّ

فِي الْمُضَارَبَةِ وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ: التِّبْنُ أَيْضًا بَيْنَهُمَا اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْحَبِّ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَالتِّبْنَ لِرَبِّ الْبَذْرِ صَحَّتْ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُخَالِفُ مُوجَبَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ وَلَوْ شَرَطَا التِّبْنَ لِلْعَامِلِ فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَرُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بِأَنْ تُصِيبَهُ آفَةٌ فَلَا يَنْعَقِدَ الْحَبُّ وَلَا يَخْرُجَ إلَّا التِّبْنُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ صَحَّتْ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ) لِصِحَّةِ الِالْتِزَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ) لِأَنَّهَا إمَّا إجَارَةٌ، أَوْ شَرِكَةٌ فَإِنْ كَانَتْ إجَارَةً فَالْوَاجِبُ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ مِنْهَا الْمُسَمَّى وَهُوَ مَعْدُومٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَتْ شَرِكَةً فَالشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ وَلَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا حَيْثُ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ، وَعَدَمُ الْخُرُوجِ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِهِ فِي الذِّمَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَبَى عَنْ الْمُضِيِّ أُجْبِرَ إلَّا رَبَّ الْبَذْرِ) لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ إجَارَةً، وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ، غَيْرَ أَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ فَإِنْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ عَنْ الْمُضِيِّ فِيهَا كَانَ مَعْذُورًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ إلَّا بِإِتْلَافِ مَالِهِ وَهُوَ إلْقَاءُ الْبَذْرِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَدْرِي هَلْ يَخْرُجُ أَمْ لَا؟ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَهْدِمَ دَارِهِ ثُمَّ امْتَنَعَ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْعَامِلُ أُجْبِرَ عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ فَلَا يَفْسَخُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، ثُمَّ إذَا امْتَنَعَ رَبُّ الْبَذْرِ وَالْأَرْضِ مِنْ قَبْلِهِ بَعْدَ مَا كَرَبَ الْمُزَارِعُ الْأَرْضَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي عَمَلِ الْكِرَابِ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ إنَّمَا يُتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَقَدْ قَوَّمَهُ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ وَلَا خَارِجَ وَيَلْزَمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعْطِيَهُ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ كَيْ لَا يَكُونَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ فَيُفْتَى بِإِرْضَائِهِ بِأَنْ يُوَفِّيَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا)؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَهِيَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إذَا عَقَدَاهَا لِأَنْفُسِهِمَا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْإِجَارَةِ وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ هُوَ جَوَابُ الْقِيَاسِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وَقَدْ نَبَتَ الزَّرْعُ يَبْقَى عَقْدُ الْإِجَارَةِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ ذَلِكَ الزَّرْعُ ثُمَّ يَبْطُلُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ مُرَاعَاةَ الْحَقَّيْنِ فَيَعْمَلُ الْعَامِلُ أَوْ وَرَثَتُهُ عَلَى حَالِهِ فَإِذَا حُصِدَ يُقْسَمُ عَلَى مَا شَرَطَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْبَاقِي فَتَبْطُلُ وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ بَعْدَ مَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ انْتَقَضَتْ الْمُزَارَعَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إتْلَافُ مَالٍ عَلَى الْمُزَارِعِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ يُقَوَّمُ بِالْخَارِجِ وَلَا خَارِجَ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ يُفْتَى بِإِرْضَائِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ بِالِامْتِنَاعِ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بِدُونِ اخْتِيَارِهِ، وَإِذَا كَانَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ دَيْنٌ فَادِحٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَضَائِهِ إلَّا بِبَيْعِ الْأَرْضِ فُسِخَتْ الْمُزَارَعَةُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ وَبِيعَتْ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَهَذَا عُذْرٌ، وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَتَقْوِيمُهَا وَقَعَ بِالْخَارِجِ فَإِذَا انْعَدَمَ الْخَارِجُ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ وَلَوْ نَبَتَ الزَّرْعُ وَلَمْ يَسْتَحْصِدْ لَمْ تُبَعْ الْأَرْضُ بِالدَّيْنِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُزَارِعِ، وَالتَّأْخِيرُ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ وَيُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ الْحَبْسِ إنْ كَانَ حَبَسَهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ بَيْعُ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ هُوَ مُمَاطِلًا فَلَمْ يَكُنْ ظَالِمًا وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ بِالْمُمَاطَلَةِ وَلَا كَذَلِكَ لَوْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَلَمْ تُنْبِتْ بَعْدُ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَالتِّبْنَ لِرَبِّ الْبَذْرِ صَحَّتْ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تُخْرِجَ الْحَبَّ، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِجَوَازِ الْمُعَامَلَةِ وَأَنَّهُ شَرِكَةٌ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ الثَّمَرُ دُونَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْغِرَاسُ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ مِثْلِهَا مِنْ الْمُزَارَعَةِ اهـ غَايَةٌ قَوْلُهُ: وَهُوَ الْغِرَاسُ الْأَصْلُ هُوَ التِّبْنُ وَالْغِرَاسُ، وَالْفَرْعُ هُوَ الْحَبُّ وَالثَّمَرُ لِأَنَّهُ مُتَوَلَّدٌ مِنْهُمَا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ شَرَطَا الْحَبَّ بَيْنَهُمَا وَالتِّبْنَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَإِنْ شَرَطَاهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ جَازَ وَلَوْ شَرَطَاهُ لِلْآخَرِ فَسَدَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطَا التِّبْنَ لِلْعَامِلِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا شَرَطَا أَنَّ الْحَبَّ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ) الظَّاهِرُ بَعْدَ قَوْلِهِ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُفْسَخُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) أَيْ عُذْرٍ تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عُذْرٌ مِمَّا تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ فَيَكُونَ لَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَيُفْتَى) هَذَا إذَا امْتَنَعَ رَبُّ الْأَرْضِ أَمَّا لَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ بِمُقَابَلَةِ كِرَابِهِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَوْ دَفَعَ الْأَرْضَ إلَيْهِ سِنِينَ، ثُمَّ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ مِنْهَا بَعْدَ مَا نَبَتَ الزَّرْعُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ أَخْذُ الْأَرْضِ اسْتِحْسَانًا حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُمْ حَقُّ الْأَخْذِ لِأَنَّهُ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِمَوْتِ الْعَاقِدِ إلَّا أَنَّا بَقَّيْنَاهُ اسْتِحْسَانًا لِأَجْلِ الْعُذْرِ، وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ جُوِّزَ لِلْعُذْرِ فَلَأَنْ يَبْقَى لِلْعُذْرِ كَانَ أَوْلَى وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً فَلَمَّا تَوَجَّهَ لُجَّةَ الْبَحْرِ انْتَهَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَدَّرْنَا عَقْدَ إجَارَةٍ مُبْتَدَأٍ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِمَكَانِ الْعُذْرِ فَإِذَا قَدَّرْنَا عَقْدًا مُبْتَدَأً لِأَجْلِ الْعُذْرِ فَلَأَنْ يَبْقَى الْمُزَارِعُ وَالْوَرَثَةُ عَلَى الشَّرْطِ أَوْلَى وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي السِّنِينَ الْبَاقِيَةِ. (قَوْلُهُ: فَادِحٌ) الْفَادِحُ الثَّقِيلُ يُقَالُ فَدَحَهُ الْأَمْرُ أَثْقَلَهُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَالْفَادِحُ بِالْفَاءِ. اهـ. مُغْرِبٌ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا كَرَبَ الْأَرْضَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي: وَالْأَعْذَارُ ثَلَاثَةٌ الْمَرَضُ الَّذِي يُقْعِدُ الْعَامِلَ عَنْ الْعَمَلِ، وَخِيَانَةُ الْعَامِلِ وَالدَّيْنُ الَّذِي لَا وَفَاءَ بِهِ عِنْدَهُ سِوَى بَيْعِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ حُصُولُ الْغَرَضِ مَعَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ غَالِبًا فَلَمْ يَكُنْ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ فَائِدَةٌ فَكَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَا كَذَلِكَ لَوْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَلَمْ تُنْبِتْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا إذَا أَلْقَى الْبَذْرَ فِي الْأَرْضِ وَلَمْ تُنْبِتْ بَعْدُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأَرْضَ لِأَنَّهُ بَعْدُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّ الْمُزَارِعِ وَيَضْمَنُ لَهُ بَذْرَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ

[مات المزارع قبل الزرع]

لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ اسْتِهْلَاكٌ وَلِهَذَا لَوْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ عَنْ الْمُزَارَعَةِ كَانَ عُذْرًا لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ الِاسْتِهْلَاكِ فَصَارَ الْمَزْرُوعُ مُسْتَهْلَكًا وَالْمُسْتَهْلَكُ لَيْسَ بِمَالٍ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَيْنٌ فِيهَا تُبَاعُ فِي الْحَالِ فِي الدَّيْنِ كَمَا تُبَاعُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فِي الْحَالِ وَقِيلَ لَا تُبَاعُ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ كَمَا لَا تُبَاعُ بَعْدَ النَّبَاتِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِنْمَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَمْلِكَانِ زِرَاعَةَ مَالِ الصَّغِيرِ وَلَوْ كَانَ اسْتِهْلَاكًا لَمَا مَلَكَاهُ فَكَانَ الْبَذْرُ فِيهَا عَيْنَ مَالٍ فَلَا تُبَاعُ كَمَا لَا تُبَاعُ بَعْدَ النَّبَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ فَعَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ حَتَّى يُدْرِكَ) أَيْ يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِ الْآخَرِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْتَهَى بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إلَّا أَنَّ فِي قَلْعِهِ ضَرَرًا فَبَقَّيْنَاهُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ فَيَجِبُ عَلَى غَيْرِ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ حَيْثُ يُتْرَكُ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُزَارِعِ شَيْءٌ لِأَنَّا بَقَّيْنَا عَقْدَ الْإِجَارَةِ هُنَاكَ اسْتِحْسَانًا لِبَقَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَأَمْكَنَ اسْتِمْرَارُ الْعَامِلِ، أَوْ وَارِثِهِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ أَمَّا هُنَا فَلَا يُمْكِنُ لِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَتَعَيَّنَ إيجَابُ أَجْرِ الْمِثْلِ بِالْإِبْقَاءِ، وَكَانَ الْعَمَلُ وَنَفَقَةُ الزَّرْعِ وَمُؤْنَةُ الْحِفْظِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَى الْعَامِلِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ فِي الْمُدَّةِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ انْتَهَى الْعَقْدُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا مُؤْنَتُهُ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْإِدْرَاكِ حَيْثُ يَكُونُ الْكُلُّ عَلَى الْعَامِلِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. ، وَإِنْ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا عَلَى الزَّرْعِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي وَبِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنْفِقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَصَارَ نَظِيرَ تَرْمِيمِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ. وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ الزَّرْعَ بَقْلًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْآخَرِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُزَارِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ بَقْلًا قِيلَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ: اقْلَعْ الزَّرْعَ إنْ شِئْت فَيَكُونَ بَيْنَكُمَا، أَوْ أَعْطِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ أَوْ أَنْفِقْ أَنْتَ عَلَى الزَّرْعِ فَارْجِعْ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَتْ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ. وَلَوْ مَاتَ الْمُزَارِعُ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَعْمَلُوا مَكَانَهُ نَظَرًا لَهُمْ وَلَا أَجْرَ لَهُمْ؛ لِأَنَّا بَقَّيْنَا الْعَقْدَ نَظَرًا لَهُمْ فَقَامُوا مَقَامَهُ وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ فِي الْمُدَّةِ فَكَذَا هُمْ، وَإِنْ أَرَادُوا قَلْعَ الزَّرْعِ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّا بَقَّيْنَا الْعَقْدَ نَظَرًا لَهُمْ، وَإِذَا تَرَكُوا النَّظَرَ لِأَنْفُسِهِمْ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ وَكَانَ لِلْآخَرِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثَةُ نَظَرًا لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَفَقَةُ الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ حُقُوقِهِمَا كَأُجْرَةِ الْحَصَادِ وَالرَّفَاعِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا نَفَقَةُ الزَّرْعِ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا أُجْرَةُ الْحَصَادِ وَالرَّفَاعِ وَالدِّيَاسَةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ، أَمَّا نَفَقَةُ الزَّرْعِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا وُجُوبُ الْحَصَادِ وَالرَّفَاعِ وَالدِّيَاسَةِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا فَلِأَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ يُوجِبُ عَلَى الْعَامِلِ عَمَلًا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إلَى انْتِهَاءِ الزَّرْعِ لِيَزْدَادَ الزَّرْعُ بِذَلِكَ فَيَتَنَاهَى وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَيْهِ بِتَنَاهِي الزَّرْعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فَيَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ مَالًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَتَجِبُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ شَرْطَاهُ عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ) أَيْ شَرَطَا الْعَمَلَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ انْتِهَاءِ الزَّرْعِ كَالْحَصَادِ وَالرَّفَاعِ وَالتَّذْرِيَةِ وَالدِّيَاسِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا فَيَفْسُدُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي عَمَلَ الْمُزَارَعَةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ الْمُزَارَعَةِ فَكَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَيَكُونُ شَرْطُهَا مُفْسِدًا كَشَرْطِ الْحَمْلِ وَالطَّحْنِ عَلَى الْعَامِلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ مَعَ شَرْطِ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ جَائِزَةٌ، وَمَشَايِخُ بَلْخٍ كَانُوا يُفْتُونَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَيَزِيدُونَ عَلَى هَذَا، وَيَقُولُونَ يَجُوزُ شَرْطُ التَّنْقِيَةِ وَالْحَمْلِ إلَى مَنْزِلِهِ عَلَى الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ مُتَعَامَلٌ بَيْنَ النَّاسِ وَيَجُوزُ تَرْكُ الْقِيَاسِ بِالتَّعَامُلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ يَجُوزُ لِلتَّعَامُلِ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ هُوَ الْأَصَحُّ فِي دِيَارِنَا وَلَوْ شَرَطَا الْجِدَادَ عَلَى الْعَامِلِ أَوْ الْحَصَادَ عَلَى غَيْرِ الْعَامِلِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ التَّعَامُلِ وَلَوْ أَرَادَا فَصْلَ الْقَصِيلِ، أَوْ جِدَادَ التَّمْرِ بُسْرًا، أَوْ الْتِقَاطَ الرُّطَبِ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا أَنْهَيَاهُ لَمَّا عَزَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحَمَّدٌ: تُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَبْذُورَةً وَغَيْرَ مَبْذُورَةٍ وَيَضْمَنُ مَا زَادَ الْبَذْرُ فِيهَا لِأَنَّا نَحْتَاجُ إلَى قَطْعِ حَقِّهِ عَنْهُ لِلْحَالِ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ لِلْحَالِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا عَلَى الزَّرْعِ) أَيْ فِيمَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُزَارَعَةِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَعْطِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ) أَيْ نَابِتًا اهـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَيَكُونُ الزَّرْعُ كُلُّهُ لَك اهـ. (قَوْلُهُ: فَارْجِعْ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقْت) اعْلَمْ أَنَّ فِي الرُّجُوعِ فِي حِصَّةِ الْمُزَارِعِ إشْكَالًا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْمُسَاقَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. اهـ. . [مَاتَ الْمَزَارِع قَبْل الزَّرْع] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَنَفَقَةُ الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ حُقُوقِهِمَا إلَخْ) حَاصِلُ الْكَلَامِ هُنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ مَا كَانَ قَبْلَ بُلُوغِ الزَّرْعِ مَا يَصْلُحُ بِهِ الزَّرْعُ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ وَمَا كَانَ بَعْدَ مَا تَنَاهَى الزَّرْعُ فَهُوَ عَلَيْهِمَا وَمَا كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً دُونَ صَاحِبِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الزَّرْعُ قَبْلَ بُلُوغِ الزَّرْعِ مِمَّا يَصْلُحُ بِهِ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلُ الْمُزَارَعَةِ، وَهُوَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمُزَارِعِ فَيَخْتَصُّ بِهِ، وَكُلُّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ تَنَاهِي الزَّرْعِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا فَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ وَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ تَمَيَّزَ فَيَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمَا خَاصَّةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَرَادَا فَصْلَ الْقَصِيلِ إلَخْ) الْقَصِيلُ اسْمٌ لِكُلِّ زَرْعٍ بَعْدَ النَّبَاتِ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ قَالُوا لَوْ شَرَطَ فِي الْمُزَارَعَةِ عَمَلَهُمَا جَمِيعًا فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ الْبَذْرَ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ

[كتاب المساقاة]

عَلَى الْقَصِيلِ وَالْجِدَادِ بُسْرًا فَصَارَ كَالْحَصَادِ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ) وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ السَّقْيِ لُغَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ مُعَاقَدَةُ دَفْعِ الْأَشْجَارِ إلَى مَنْ يَعْمَلُ فِيهَا عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي فِي الْعُرْفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ كَالْمُزَارَعَةِ) حَتَّى لَا تَجُوزَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْمُزَارَعَةِ وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ وَشُرُوطُهَا عِنْدَهُمَا شُرُوطُ الْمُزَارَعَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُضِيِّ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ حَيْثُ لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْبَذْرِ إذَا امْتَنَعَ، وَالثَّانِي إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ يُتْرَكُ بِلَا أَجْرٍ وَيَعْمَلُ بِلَا أَجْرِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِأَجْرٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالثَّالِثُ إذَا اُسْتُحِقَّ النَّخِيلُ يَرْجِعُ الْعَامِلُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ وَالْمُزَارِعُ بِقِيمَةِ الزَّرْعِ، وَالرَّابِعُ فِي بَيَانِ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا الْمُدَّةَ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ وَقْتَ إدْرَاكِ الثَّمَرِ مَعْلُومٌ، وَقَلَّ مَا يَتَفَاوَتُ فِيهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ، وَإِدْرَاكُ الْبَذْرِ فِي أُصُولِ الرَّطْبَةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ الثِّمَارِ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ يَخْتَلِفُ، وَالِانْتِهَاءُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَتَدْخُلُهُ الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ غَرْسًا قَدْ نَبَتَ وَلَمْ يُثْمِرْ بَعْدَ مُعَامَلَةٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِقُوَّةِ الْأَرَاضِي وَضَعْفِهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَلَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ مِنْهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ نَخِيلًا، أَوْ أُصُولَ رَطْبَةٍ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا حَتَّى تَذْهَبَ أُصُولُهَا وَنَبْتُهَا لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مَتَى يَنْقَطِعُ النَّخِيلُ أَوْ الرَّطَبَاتُ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَةَ تَنْمُو مَا دَامَتْ مُتَرَكِّبَةً فِي الْأَرْضِ فَتَكُونُ الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً فَتَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ فِي الرَّطْبَةِ، وَلَمْ يَزِدْ، قَوْلَهُ " حَتَّى تَذْهَبَ " بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ فِي النَّخِيلِ حَيْثُ يَجُوزُ وَيَنْصَرِفُ إلَى أَوَّلِ ثَمَرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ ثَمَرَ النَّخِيلِ لِإِدْرَاكِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ فِي الرَّطْبَةِ أَوَّلُ جِزَّةٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مَتَى يُجَزُّ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعْرُوفًا جَازَ لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ فَصَارَ كَبَذْرِهِ وَثِمَارِ النَّخْلِ وَلَوْ أَطْلَقَ فِي النَّخِيلِ وَلَمْ يُثْمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ انْقَضَتْ الْمُعَامَلَةُ فِيهَا لِانْتِهَاءِ مُدَّتِهَا فَإِنْ سَمَّيَا فِيهَا مُدَّةً يُعْلَمُ أَنَّ الثَّمَرَ لَا يَخْرُجُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَسَدَتْ الْمُعَامَلَةُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الثِّمَارِ، وَإِنْ ذَكَرَا مُدَّةً مُحْتَمِلَةً لِطُلُوعِ الثَّمَرِ فِيهَا جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ، ثُمَّ إنْ خَرَجَ فِي الْوَقْتِ الْمُسَمَّى فَهُوَ عَلَى الشَّرِكَةِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي الْمُدَّةِ الْمُسَمَّاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الذَّهَابَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ كَانَ فَاسِدًا فَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا وَلَا شَيْءَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ فِي الشَّجَرِ وَالْكَرْمِ وَالرِّطَابِ وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: لَا تَجُوزُ إلَّا فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَلَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ إلَّا تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُمَا لِمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُزَارَعَةِ: وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُمَا بِالْأَثَرِ وَهُوَ حَدِيثُ خَيْبَرَ وَقَدْ خَصَّهُمَا وَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ الْمُضَارَبَةُ وَالْمُسَاقَاةُ أَشْبَهُ بِهَا مِنْ الْمُزَارَعَةِ فَإِنَّ فِيهَا الشَّرِكَةَ فِي الزِّيَادَةِ دُونَ الْأَصْلِ - وَهُوَ النَّخِيلُ - كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَفِي الْمُزَارَعَةِ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْأَرْضِ فَإِذَا شَرَطَ عَمَلَ صَاحِبِهِ لَمْ يُسَلَّمْ مَا آجَرَ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ وَاشْتَرَطَ عَمَلَهُ فَلَمْ يُخَلِّ بَيْنَ الْمُزَارِعِ وَالْأَرْضِ وَمِنْ شَرْطِ الْمُزَارَعَةِ التَّخْلِيَةُ وَصَارَ كَالْمُضَارَبَةِ إذَا شُرِطَ فِيهَا عَمَلُ رَبِّ الْمَالِ أَنَّهَا تَفْسُدُ فَكَذَلِكَ الْمُزَارَعَةُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. . [كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ] (كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْمُسَاقَاةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُعَامَلَةِ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ لُغَاتٌ يَخْتَصُّونَ بِهَا فَيَقُولُونَ لِلْمُزَارَعَةِ: مُخَابَرَةً وَلِلْإِجَارَةِ بَيْعًا وَلِلْمُضَارَبَةِ مُقَارَضَةً وَلِلصَّلَاةِ سَجْدَةً، ثُمَّ قَالَ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ فَإِذَا اشْتَرَطَ فَسَدَتْ الْمُعَامَلَةُ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ لَمْ تُوجَدْ وَلَوْ اشْتَرَطَ شَيْئًا عَلَى الْمُسَاقِي مِمَّا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ وَرَاءَ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، نَحْوُ إلْقَاءِ السِّرْقِينِ وَنَصْبِ الْعَرَائِشِ وَتَقْلِيبِ أَرْضِ الْغِرَاسِ وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُعَامَلَةَ فَاسِدَةٌ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَطَ قَطْفَ الْعِنَبِ عَلَى الْعَامِلِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْمُعَامَلَةَ فَإِذَا فَسَدَتْ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالرَّابِعُ فِي بَيَانِ الْمُدَّةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي أَوَّلِ الْمُزَارَعَةِ وَفِيمَا إذَا دَفَعَ الْأَرْضَ مُعَامَلَةً فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْمُدَّةِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَعَلَى جَوَازِ الِاسْتِحْسَانِ فَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فَأَوْقَعَ الْمُعَامَلَةَ عَلَى ثَمَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا أَوْقَعَ الْمُزَارَعَةَ عَلَى زَرْعٍ وَاحِدٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِدْرَاكُ الْبَذْرِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْبَذْرُ بِالذَّالِ مَا يُبْذَرُ وَالْبَزْرُ بِالزَّايِ بَزْرُ الْبَقْلِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الدِّيوَانِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ وَقَعَ سَمَاعُنَا هَذَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِالذَّالِ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى تَذْهَبَ أُصُولُهَا) أَيْ فَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهُوَ فَاسِدٌ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَنَبْتُهَا) أَيْ يَنْقَطِعَ نَبْتُهَا اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ) إلَّا إنْ بَيَّنَا الْمُدَّةَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ فِي الرَّطْبَةِ) يَعْنِي لَمْ يُبَيِّنْ مُدَّةً اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَزِدْ قَوْلَهُ حَتَّى تَذْهَبَ) أَيْ فَإِنَّ الْمُسَاقَاةَ فَاسِدَةٌ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لِلرَّطْبَةِ جِزَّةٌ مَعْلُومَةٌ، وَإِذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً جَازَتْ كَمَا سَيَجِيءُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. [مَا تَصِحّ فِيهِ الْمُسَاقَاة] (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ لَا تَجُوزُ إلَخْ) وَفِي الْقَدِيمِ تَجُوزُ فِي كُلِّ شَجَرَةٍ لَهَا ثَمَرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

شَرْطَ رَفْعِ الْبَذْرِ مُفْسِدٌ إجْمَاعًا فَجَوَّزْنَا الْمُعَامَلَةَ مَقْصُودًا وَلَمْ نُجَوِّزْ الْمُزَارَعَةَ إلَّا تَبَعًا فِي ضِمْنِ الْمُعَامَلَةِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ تَبَعًا لِبَيْعِ الْأَرْضِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَهَذَا مُطْلَقٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِبَعْضِ الْأَشْجَارِ دُونَ بَعْضٍ وَلَا تَكُونُ الْمُزَارَعَةُ تَبَعًا لِلْمُعَامَلَةِ بِالرَّأْيِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ كُلُّهَا مُطْلَقَةٌ فَوَجَبَ إجْرَاؤُهَا عَلَى إطْلَاقِهَا، وَيَحْكِي نَصًّا أَنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي الْأَشْجَارِ وَالرِّطَابِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ أَنْ تَكُونَ مَعْلُولَةً فَجَازَ تَعْدِيَتُهَا إلَى مَا لَا نَصَّ فِيهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْخَصْمِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ مَعْلُولٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ دَفَعَ نَخْلًا فِيهِ ثَمَرَةٌ مُسَاقَاةً وَالثَّمَرَةُ تَزِيدُ بِالْعَمَلِ صَحَّتْ، وَإِنْ انْتَهَتْ لَا كَالْمُزَارَعَةِ) لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْعَمَلِ وَلَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ بَعْدَ التَّنَاهِي فَلَوْ جَازَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَاسْتَحَقَّ بِلَا عَمَلٍ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِمَا قَبْلَ التَّنَاهِي؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ قَبْلَ التَّنَاهِي لِلْحَاجَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا حَاجَةَ إلَى مِثْلِهِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَكَذَا عَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ الزَّرْعَ وَهُوَ بَقْلٌ جَازَ، وَإِنْ اسْتَحْصَدَ وَأَدْرَكَ لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَالْمُزَارَعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا فَسَدَتْ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ)؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ كَالْمُزَارَعَةِ إذَا فَسَدَتْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ (كَالْمُزَارَعَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيهَا) فَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْخَارِجُ بُسْرٌ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يَقُومُ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الثَّمَرُ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ لِأَنَّ فِي مَنْعِهِ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِهِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَوْ الْتَزَمَ الْعَامِلُ الضَّرَرَ يَتَخَيَّرُ وَرَثَةُ الْآخَرِ بَيْنَ أَنْ يَقْتَسِمُوا الْبُسْرَ عَلَى الشَّرْطِ وَبَيْنَ أَنْ يُعْطُوهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْ الْبُسْرِ وَبَيْنَ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَى الْبُسْرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَفِي رُجُوعِهِمْ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ إشْكَالٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ بِجَمِيعِهِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ وَكَانَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ أَوْ لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهُ كَانَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَيْهِ فَلَوْ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ فَقَطْ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْعَمَلَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمُؤْنَةَ بِحِصَّتِهِ فَقَطْ وَهَذَا خُلْفٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِحْقَاقِ الْعَامِلِ بِلَا عَمَلٍ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ وَكَذَا هَذَا الْإِشْكَالُ وَارِدٌ فِي الْمُزَارَعَةِ أَيْضًا وَلَوْ مَاتَ الْعَامِلُ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَصْرِمُوهُ بُسْرًا كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَيْنَ الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَالْإِشْكَالُ الْوَارِدُ فِي الرُّجُوعِ بِحِصَّتِهِ وَأَرَادَ هُنَا أَيْضًا وَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا فَالْخِيَارُ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ وَهَذَا خِلَافَةٌ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ الشَّافِعِيُّ بِأَنْ يَكُونَ الْأَثَرُ خَصَّ النَّخْلَ وَالْكَرْمَ وَلَكِنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ الْمُعَامَلَةُ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ وَالْعِلَّةُ عَامَّةٌ فِي غَيْرِهِمَا فَتَجُوزُ فِي الرِّطَابِ وَالْبَاذِنْجَانِ أَيْضًا لِوُجُودِ الْحَاجَةِ فِيهِمَا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ دَفَعَ نَخْلًا فِيهِ ثَمَرَةٌ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ نَخْلًا فِيهِ طَلْعٌ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا شَيْئًا فَهُوَ عَلَى الْمُعَامَلَةِ حَتَّى يَبْلُغَ فَإِذَا بَلَغَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَقَدْ صَارَ بُسْرًا أَخْضَرَ وَكَذَا لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَقَدْ صَارَ أَحْمَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهُ فَهَذِهِ مُعَامَلَةٌ جَائِزَةٌ وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَإِذَا دَفَعَهُ وَقَدْ انْتَهَى عِظَمُهُ وَلَيْسَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْطُبْ فَالْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ وَحَفِظَهُ حَتَّى صَارَ تَمْرًا فَجَمِيعُ التَّمْرِ لِصَاحِبِ النَّخْلِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ وَجَمِيعُ الْفَاكِهَةِ فِي الْأَشْجَارِ يَدْفَعُهَا فَهُوَ كَمَا وَصَفْت لَك مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الِاسْتِحْصَادَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مَنْ يَقُومُ عَلَيْهِ بِبَعْضِهِ وَالْجَوَابُ فِيهِ مِثْلُ الْأَوَّلِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي بَابِ الْعُذْرِ فِي الْمُعَامَلَةِ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ نَخْلًا مُعَامَلَةً فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَقَامَ عَلَيْهِ وَلَقَّحَهُ حَتَّى إذَا صَارَ أَخْضَرَ مَاتَ صَاحِبُ الْأَرْضِ انْتَقَضَتْ الْمُعَامَلَةُ وَكَانَ الْبُسْرُ بَيْنَ وَرَثَةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَبَيْنَ الْعَامِلِ نِصْفَيْنِ فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْتَقِضُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ لَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ أَنْ نُقِيمَ وَرَثَةَ صَاحِبِ الْأَرْضِ مَقَامَهُ وَيَبْقَى الْعَقْدُ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَالَ الْعَامِلُ أَنَا آخُذُ نِصْفَ الْبُسْرِ فَالْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا صَرَمُوا الْبُسْرَ وَاقْتَسَمُوهُ وَإِنْ شَاءُوا أَعْطَوْهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْبُسْرِ وَإِنْ شَاءُوا أَنْفَقُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ، وَيَرْجِعُونَ بِنِصْفِ نَفَقَتِهِمْ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرِ وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِيهِ فِي الْمُزَارَعَةِ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي الْمُسَاقَاةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ الْتَزَمَ الْعَامِلُ الضَّرَرَ) أَيْ وَقَالَ أَنَا آخُذُ نِصْفَ الْبُسْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي رُجُوعِهِمْ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ) لَمْ يَقُلْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لِيَرُدَّ مَا ذَكَرَ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ بِجَمِيعِ مَا غَرِمُوا فِي نَصِيبِ الْمُزَارِعِ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ وَالشَّارِحُ اعْتَقَدَ أَنَّ مَعْنَاهُ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِمِقْدَارِ حِصَّتِهِ مِمَّا غَرِمُوا أَيْ يَكُونُ جَمِيعُ مَا غَرِمُوا عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ فَيَرْجِعُونَ بِمَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: إشْكَالٌ) فِي هَذَا الْإِشْكَالِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَا إشْكَالَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَصْلًا إنَّمَا الْإِشْكَالُ فِيمَا فَهِمَهُ هَذَا الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ عِبَارَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي حِصَّتِهِ أَيْ يَرْجِعُونَ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ بِجَمِيعِ مَا أَنْفَقُوا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَرْجِعُونَ بِحِصَّتِهِ اهـ كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ الْبُرْهَانِ الطَّرَابُلُسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا خِلَافَةٌ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ)

[كتاب الذبائح]

وَهُوَ تَرْكُ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ لَا أَنْ يَكُونَ وَارِثَهُ فِي الْخِيَارِ فَيُورَثَ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنْ أَبَى وَرَثَةُ الْعَامِلِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ كَانَ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ لِوَرَثَةِ رَبِّ الْأَرْضِ عَلَى مَا وَصَفْنَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُعَامَلَةِ وَالْخَارِجُ بُسْرٌ أَخْضَرُ فَهُوَ كَالْمُزَارَعَةِ إذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهَا فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ الثِّمَارُ كَمَا كَانَ ذَلِكَ لِلْمُزَارِعِ لَكِنْ هُنَا لَا يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ حِصَّتِهِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الزَّرْعُ لِأَنَّ الْأَرْضَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ هَهُنَا وَفِي الْمُزَارَعَةِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ لِلْأَرْضِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ فِي الْمُزَارَعَةِ لَا يُسْتَحَقُّ الْعَمَلُ عَلَيْهِ كَمَا يُسْتَحَقُّ قَبْلَ انْتِهَائِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُفْسَخُ بِالْعُذْرِ كَالْمُزَارَعَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ سَارِقًا أَوْ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ، وَكَوْنُهُ سَارِقًا عُذْرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ بِسَرِقَةِ الثَّمَرِ، أَوْ السَّعَفِ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا وَكَذَا مَرَضُ الْعَامِلِ إذَا كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِإِلْزَامِهِ اسْتِئْجَارَ الْأُجَرَاءِ وَلَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَرْكَ الْعَمَلِ لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ فِي الصَّحِيحِ وَقِيلَ: يُمَكَّنُ، وَقَالُوا: لَا يُمَكَّنُ بِالِاتِّفَاقِ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُمَكَّنُ أَنْ لَوْ شُرِطَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ عُذْرًا مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ. وَمَنْ دَفَعَ أَرْضًا بَيْضَاءَ إلَى رَجُلٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً يَغْرِسُ فِيهَا شَجَرًا أَوْ كَرْمًا، أَوْ نَخْلًا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْغَارِسِ نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ لِاشْتِرَاطِ الشَّرِكَةِ فِيمَا كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الشَّرِكَةِ لَا بِعَمَلِهِ وَهِيَ الْأَرْضُ أَوْ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَجْعَلَ أَرْضَهُ بُسْتَانًا بِآلَاتِ الْأَجِيرِ عَلَى أَنْ تَكُونَ أُجْرَتُهُ نِصْفَ الْبُسْتَانِ الَّذِي يَظْهَرُ بِعَمَلِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ فَيَفْسُدُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ لَهُ ثَوْبًا بِصِبْغِ نَفْسِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ الْمَصْبُوغِ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنِصْفِ الْغِرَاسِ مِنْ الْعَامِلِ بِنِصْفِ الْأَرْضِ وَالْغِرَاسُ مَجْهُولٌ وَمَعْدُومٌ وَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فِي نَصِيبِهِ فِي الْمُدَّةِ أَيْضًا وَكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْفَسَادَ ثُمَّ جَمِيعُ الثَّمَرِ وَالْغَرْسِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلِلْعَامِلِ قِيمَةُ غَرْسِهِ وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الشَّجَرِ لَمَّا كَانَ فَاسِدًا وَقَدْ غَرَسَهُ الْعَامِلُ بِأَمْرِهِ فِي أَرْضِهِ صَارَ كَأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ قَابِضًا لِلْغَرْسِ بِاتِّصَالِهِ بِأَرْضِهِ مُسْتَهْلِكًا لَهُ بِالْعُلُوقِ فِيهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ أَشْجَارِهِ وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ ابْتَغَى لِعَمَلِهِ أَجْرًا وَهُوَ نِصْفُ الْأَرْضِ، أَوْ نِصْفُ الْخَارِجِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [كِتَابُ الذَّبَائِحِ] (كِتَابُ الذَّبَائِحِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ) أَيْ الذَّبَائِحُ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَالذَّبِيحَةُ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمَذْبُوحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَالْمُرَادُ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالْأَوْدَاجِ تَغْلِيبًا وَبِهِ يَحِلُّ الْمَذْبُوحُ وَهُوَ شَرْطٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَلِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَبِالذَّبْحِ يَقَعُ الْمَيْزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ فَيَطْهُرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْكُولٍ وَلَفْظَةُ الذَّكَاةِ تُنْبِئُ عَنْ الطَّهَارَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» أَيْ طَهَارَتُهَا وَأَصْلُ تَرْكِيبِ التَّذْكِيَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّمَامِ وَمِنْهُ ذَكَاءُ السِّنِّ بِالْمَدِّ لِنِهَايَةِ الشَّبَابِ، وَذَكَا النَّارِ بِالْقَصْرِ لِتَمَامِ اشْتِعَالِهَا وَهِيَ اخْتِيَارِيَّةٌ وَاضْطِرَارِيَّةٌ فَالْأَوْلَى الْجَرْحُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ وَالثَّانِيَةُ الْجَرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْبَدَنِ وَهَذَا كَالْبَدَلِ عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ وَهُوَ آيَةُ الْبَدَلِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَبْلَغُ فِي إخْرَاجِ الدَّمِ مِنْ الثَّانِي فَلَا يُتْرَكُ إلَّا بِالْعَجْزِ عَنْهُ وَيُكْتَفَى بِالثَّانِي لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ صَاحِبَ مِلَّةٍ سَمَاوِيَّةٍ ثَابِتَةٍ حَقِيقَةً، أَوْ دَعْوَى كَالْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الْخِيَارُ الثَّابِتُ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ، وَإِنَّمَا قَالَهُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ خِيَارُ الشَّرْطِ لَا يُورَثُ عِنْدَكُمْ لِأَنَّهُ عِوَضٌ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ فَكَيْفَ يَثْبُتُ هَذَا الْخِيَارُ لَهُمْ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ تَوْرِيثِ الْخِيَارِ بَلْ هَذَا خِلَافَةٌ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ وَهُوَ تَرْكُ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ إلَى أَنْ تُدْرِكَ فَجَازَ اهـ أَتْقَانِيٌّ. [تفسخ الْمُسَاقَاة بِالْعُذْرِ] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتُفْسَخُ بِالْعُذْرِ) ثُمَّ هَلْ يَنْفَرِدُ صَاحِبُ الْعُذْرِ بِالْفَسْخِ أَمْ يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فِيهِ رِوَايَتَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي الْمُزَارَعَةِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُمَا مُسْتَقْصًى فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فِي بَابِ فَسْخِ الْإِجَارَةِ أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ. (كِتَابُ الذَّبَائِحِ) الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ إتْلَافٌ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ تَبْذِيرُ الْبَذْرِ لِتَحْصِيلِ النَّفْعِ فِي الْمَالِ مِنْ الْخَارِجِ فَكَذَا الذَّبْحُ إتْلَافُ الْمَوْجُودِ فِي الْحَالِ لِيُنْتَفَعَ بِاللَّحْمِ فِي الْمَآلِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ سَبَبٌ لِحُصُولِ أَقْوَاتِ الْأَنَاسِيِّ وَالْبَهَائِمِ وَهَذَا سَبَبٌ لِحُصُولِ غِذَاءِ بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ وَكَذَا الْمُسَاقَاةُ لِتَحْصِيلِ الثَّمَرَاتِ كَمَا أَنَّ الذَّبَائِحَ لِتَحْصِيلِ اللَّحْمِ. اهـ. مِسْكِينٌ. (قَوْلُهُ: أَفْرِ الْأَوْدَاجَ) بِالْفَاءِ مِنْ أُفْرِيَتْ إذَا قُطِعَتْ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ لَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَائِقِ وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ إذَا يَبِسَتْ مِنْ رُطُوبَةِ النَّجَاسَةِ فَذَاكَ تَطْهِيرُهَا كَمَا أَنَّ الذَّكَاةَ تُطَهِّرُ الذَّبِيحَةَ وَتُطَيِّبُهَا ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ الذَّكَاةُ الْحَيَاةُ مِنْ ذَكَتْ النَّارُ إذَا حَيِيَتْ وَاشْتَعَلَتْ فَكَأَنَّ الْأَرْضَ إذَا نَجِسَتْ مَاتَتْ، وَإِذَا طَهُرَتْ حَيِيَتْ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَائِقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ) اللَّبَّةُ رَأْسُ الصَّدْرِ وَاللَّحْيَانِ الذَّقَنُ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) وَأَمَّا شَرْطُ وُقُوعِ الذَّكَاةِ ذَكَاةً أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: آلَةٌ جَارِحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لِحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ «إذَا خَزَقَ الْمِعْرَاضُ فَكُلْ، وَإِنْ لَمْ يَخْزِقْ فَلَا تَأْكُلْ» وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ

وَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الصَّيْدِ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا وَأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ وَكِتَابِيٍّ) لِمَا تَلَوْنَا فَإِنَّهُ عَامٌّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُمْ بِدَلِيلٍ، وَهُوَ الْمُشْرِكُ وَالْمُحْرِمُ فِي حَقِّ الصَّيْدِ وَالْمُرْتَدُّ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَالْمُرَادُ بِهِ مُذَكَّاهُمْ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الطَّعَامِ غَيْرُ الْمُزَكَّى يَحِلُّ مِنْ أَيِّ كَافِرٍ كَانَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا فَرْقَ فِي الْكِتَابِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُذْكَرَ فِيهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَوْ ذَكَرَ الْكِتَابِيُّ الْمَسِيحَ، أَوْ عُزَيْرًا لَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173] وَهُوَ كَالْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَحِلُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَأَخْرَسَ وَأَقْلَفَ) وَالْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ هُوَ الَّذِي يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطُ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ وَلَمْ يَضْبِطْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَذَلِكَ بِالْقَصْدِ وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِالْمَعْرِفَةِ وَالضَّبْطِ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ شَرَائِطَ الذَّبْحِ مِنْ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَالتَّسْمِيَةِ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ إذَا كَانَ ضَابِطًا وَهُوَ الشَّرْطُ وَالْقُلْفَةُ وَالْأُنُوثَةُ لَا تُخِلُّ بِهِ فَيَحِلُّ وَالْأَخْرَسُ عَاجِزٌ عَنْ الذِّكْرِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا وَتَقُومُ الْمِلَّةُ مَقَامَهُ كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا مَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَمُحْرِمٍ وَتَارِكِ اسْمِ اللَّهِ عَمْدًا) أَيْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ هَؤُلَاءِ أَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ فَانْعَدَمَ التَّوْحِيدُ اعْتِقَادًا وَدَعْوَى، وَالْوَثَنِيُّ كَالْمَجُوسِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ مُشْرِكٌ مِثْلُهُ وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلِأَنَّهُ لَا مِلَّةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ بِخِلَافِ الْيَهُودِيِّ إذَا تَنَصَّرَ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ تَنَصَّرَ الْمَجُوسِيُّ أَوْ تَهَوَّدَ؛ لِأَنَّهُ يُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ عِنْدَنَا فَيُعْتَبَرُ مَا هُوَ عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ فَحَسْبُ لَا مَا قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ تَمَجَّسَ الْيَهُودِيُّ لَا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ لِمَا تَلَوْنَا وَالْمُتَوَلَّدُ بَيْنَ الْكِتَابِيِّ وَالْمُشْرِكِ يُعْتَبَرُ الْكِتَابِيُّ لِأَنَّ الْمُشْرِكَ شَرٌّ فَيُعْتَبَرُ الْأَخَفُّ وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَالْمُرَادُ بِهِ فِي حَقِّ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ ذَبِيحَتَهُ فِي غَيْرِ الصَّيْدِ تُؤْكَلُ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِيهِ مَشْرُوعٌ بِخِلَافِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِيهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَكَذَا الْحَلَالُ فِي حَقِّ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا وَكَذَا الْكِتَابِيُّ لَوْ ذَبَحَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ وَأَمَّا تَارِكُ اسْمِ اللَّهِ عَمْدًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدِيٍّ إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ» الْحَدِيثَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَالْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ وَكَذَا إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الرَّمْيِ، وَإِرْسَالِ الْجَارِحِ تُؤْكَلُ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى سَمَّى، أَوْ لَمْ يُسَمِّ» وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْأَعْرَابَ يَأْتُونَنَا بِلَحْمٍ فَلَا نَدْرِي أَسَمُّوا عَلَيْهَا، أَوْ لَمْ يُسَمُّوا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا» وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لَمَا أَمَرَهَا بِالْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ وَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِمَا سَقَطَتْ بِالنِّسْيَانِ كَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا قَامَتْ الْمِلَّةُ مَقَامَهَا كَمَا فِي النَّاسِي وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَعَلَى حُرْمَةِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عُدَّ خَرْقًا لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا فَمِنْ مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَحْرُمُ وَمِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَحِلُّ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْمَشَايِخُ: إنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQالذَّابِحُ مِمَّنْ لَهُ مِلَّةُ التَّوْحِيدِ وَهُوَ حَلَالٌ فِي الْحِلِّ إمَّا دَعْوَى وَاعْتِقَادًا كَالْمُسْلِمِ أَوْ دَعْوَى كَالْكِتَابِيِّ فَإِنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ صَاحِبُ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ بِخِلَافِ الْمَجُوسِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِلَّةُ التَّوْحِيدِ لَا دَعْوَى وَلَا اعْتِقَادًا لِأَنَّهُ يَقُولُ بِصَانِعَيْنِ أَحَدُهُمَا خَالِقُ الْخَيْرِ وَثَانِيهِمَا خَالِقُ الشَّرِّ فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَالْمُحْرِمُ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَكَذَا الْحَلَالُ إذَا كَانَ فِي الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ لِلصَّيْدِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ إمَّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَأْكُولِ اللَّحْمِ أَوْ مِنْ وَجْهٍ عِنْدَنَا بِأَنْ كَانَ مِمَّا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَالرَّابِعُ التَّسْمِيَةُ وَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ: يُعْتَبَرُ فِي حُصُولِ الذَّكَاةِ أَرْبَعُ شَرَائِطُ أَحَدُهَا صِفَةٌ فِي الْفَاعِلِ بِأَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدًا لِكِتَابٍ مُنَزَّلٍ فِي دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي صِفَةٌ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ وُجُودُ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْمُذَكِّي، وَالثَّالِثُ صِفَةُ الْآلَةِ بِأَنْ يَكُونَ مَا يَقْطَعُ لَهُ حِدَّةٌ، وَالرَّابِعُ صِفَةُ الْمُوقَعِ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ، وَالْأَوْدَاجُ أَرْبَعَةُ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَجْنَاسِ، وَحُكْمُ الذَّكَاةِ حِلُّ أَكْلِ الْمَذْبُوحِ فِيمَا يُؤْكَلُ وَطَهَارَةُ جِلْدِهِ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إلَّا الْآدَمِيَّ وَالْخِنْزِيرَ فَإِنَّهُ لَا تَلْحَقُهُمَا الذَّكَاةُ وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الذَّكَاةِ مَا يَثْبُتُ بِهِ وَاَلَّذِي ثَبَتَ بِالذَّكَاةِ هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَأَخْرَسَ وَأَقْلَفَ) بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ مُعَلَّقٌ بِالتَّسْمِيَةِ، وَشَرَائِطِ الذَّبْحِ، وَيَقْدِرُوا عَلَى فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَيُحْسِنُوا الْقِيَامَ بِهِ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَذَلِكَ بِالْقَصْدِ، وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِمَا ذَكَرْنَا قَالَهُ بَاكِيرٌ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَيَحِلُّ إذَا كَانَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ أَيْ يَعْلَمُ أَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا. وَالذِّبْحَةُ أَيْ شَرَائِطُ الذَّبْحِ مِنْ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَنَحْوِهِ، وَيَضْبِطُ أَيْ يَقْدِرُ عَلَى فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَيُحْسِنُ الْقِيَامَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ أَخْرَسَ أَوْ أَقْلَفَ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذِّبْحَةِ وَلَا يَضْبِطُ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ شَرْطٌ لِمَا يَأْتِي بَعْدَهُ وَذَا بِالْقَصْدِ وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِمَا ذَكَرْنَا. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُحْرِمُ إلَخْ) وَفِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ مَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ لَا يُؤْكَلُ وَكَذَا مَا ذَبَحَهُ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ لَا يُؤْكَلُ وَفِي الْمُلْتَقَطَاتِ الْحَلَالُ إذَا ذَبَحَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَا يُؤْكَلُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ بِهِ فِي حَقِّ الصَّيْدِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِعَدِيٍّ) أَيْ ابْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ اهـ.

[التسمية عند الذبح]

لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَمَا رَوَاهُ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَكَانَ مَرْدُودًا أَوْ نَقُولُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ النِّسْيَانِ وَالثَّانِي دَلِيلٌ لَنَا؛ لِأَنَّهَا سَأَلَتْ عَنْ الْأَكْلِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّكِّ فِي التَّسْمِيَةِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُونَهُ إلَّا إذَا سُمِّيَ عَلَيْهِ وَهِيَ شَرْطٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهَا بِالْأَكْلِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ ظَاهِرًا كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّهُ مِلْكُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ لَوْ نَاسِيًا) أَيْ حَلَّ الْمُذَكَّى إنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ نَاسِيًا وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْأَدِلَّةِ إذْ لَا فَضْلَ فِيهَا قُلْنَا النِّسْيَانُ مَرْفُوعٌ حُكْمُهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ حَرَجًا بَيِّنًا وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَثِيرُ النِّسْيَانِ فَيُعْذَرُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا مُذَكِّرَ لَهَا مِنْ جِهَةِ حَالِهِ كَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ وَتَرْكِ التَّرْتِيبِ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ الصَّلَوَاتِ بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ فِي الصَّلَاةِ وَالْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ حَيْثُ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِي وَالْعَامِدِ لِأَنَّهُ حَالَةٌ مُذَكِّرَةٌ وَالنَّصُّ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقًا لَجَرَتْ الْمُحَاجَّةُ بَيْنَ السَّلَفِ وَظَهَرَ الِانْقِيَادُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ، وَإِقَامَةُ الْمِلَّةِ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ فِي حَقِّ النَّاسِي - وَهُوَ مَعْذُورٌ - لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي حَقِّ الْعَامِدِ وَلَا عُذْرَ لَهُ وَالنَّاسِي لَيْسَ بِمَخْصُوصٍ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَيُخَصَّ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ ذَاكِرٌ وَمُسَمٍّ تَقْدِيرًا لِقِيَامِ الْمِلَّةِ مَقَامَهَا وَلَا يُقَالُ إنَّ الْآيَةَ مُجْمَلَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى هَلْ أُرِيدَ بِهَا حَالُ الذَّبْحِ، أَوْ الطَّبْخِ أَوْ حَالَةُ الْأَكْلِ لِأَنَّا نَقُولُ أَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا حَالَةُ الذَّبْحِ فَتَكُونُ مُفَسَّرَةً فَتَمَّ الِاحْتِجَاجُ بِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِيِّ لَا تُؤْكَلُ وَذَبِيحَةَ الْكِتَابِيِّ تُؤْكَلُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ يُعْقَلُ إلَّا أَنَّ الْكِتَابِيَّ يُسَمِّي عِنْدَ الذَّبْحِ دُونَ الْمَجُوسِيِّ. ثُمَّ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ الذَّبْحِ قَاصِدًا التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَلَوْ سَمَّى وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةَ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْمِيَةِ وَظَاهِرُ حَالِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ فَيَقَعُ عَنْهَا وَلَوْ سَمَّى وَأَرَادَ بِهِ التَّسْمِيَةَ لِابْتِدَاءِ الْفِعْلِ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ لَا يَحِلُّ كَمَنْ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَأَرَادَ بِهِ مُتَابَعَةَ الْمُؤَذِّنِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ. وَتُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ حَالَةَ الذَّبْحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] وَهِيَ حَالَةُ النَّحْرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَذْبَحَ عَقِيبَ التَّسْمِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ حَتَّى إذَا سَمَّى وَاشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ مِنْ كَلَامٍ قَلِيلٍ أَوْ شُرْبِ مَاءٍ، أَوْ أَكْلِ لُقْمَةٍ، أَوْ تَحْدِيدِ شَفْرَةٍ، ثُمَّ ذَبَحَ تَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا تَحِلُّ؛ لِأَنَّ إيقَاعَ الذَّبْحِ مُتَّصِلًا بِالتَّسْمِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِحَرَجٍ عَظِيمٍ فَأُقِيمَ الْمَجْلِسُ مَقَامَ الِاتِّصَالِ، وَالْعَمَلُ الْقَلِيلُ لَا يَقْطَعُ الْمَجْلِسَ وَالْكَثِيرُ يَقْطَعُ وَهِيَ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَفِي الصَّيْدِ يُشْتَرَطُ عِنْدَ إرْسَالِ الْجَارِحِ أَوْ الرَّمْيِ وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَاَلَّذِي فِي وُسْعِهِ فِي الْأَوَّلِ الذَّبْحُ، وَفِي الثَّانِي الرَّمْيُ وَالْإِرْسَالُ دُونَ الْإِصَابَةِ فَيُشْتَرَطُ عِنْدَ فِعْلٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى ثُمَّ تَرَكَهَا وَذَبَحَ غَيْرَهَا بِالسِّكِّينِ الَّذِي كَانَ مَعَهُ وَلَمْ يُسَمِّ عَلَيْهَا لَا يَحِلُّ وَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ حَلَّ وَكَذَا إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى صَيْدٍ فَتَرَكَ الْكَلْبُ ذَلِكَ الصَّيْدَ فَأَخَذَ غَيْرَهُ حَلَّ لِتَعَلُّقِ التَّسْمِيَةِ بِالْآلَةِ وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى وَطَرَحَ السِّكِّينَ وَأَخَذَ سِكِّينًا آخَرَ فَذَبَحَهَا بِهِ وَلَمْ يُسَمِّ حَلَّتْ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَذْبُوحِ وَلَوْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ فَتَرَكَهُ وَأَخَذَ غَيْرَهُ فَرَمَى بِهِ لَمْ يُؤْكَلْ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ سَمَّى فَذَبَحَ شَاتَيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ حَلَّتْ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَلَوْ أَضْجَعَ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى فَذَبَحَهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً بِسِكِّينٍ وَاحِدَةٍ وَتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ حَلَّ أَكْلُهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ غَيْرَهُ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ، وَإِنْ قَالَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَالْإِضْجَاعِ جَازَ) وَهَذَا النَّوْعُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَذْكُرَهُ مَوْصُولًا مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ فَيُكْرَهُ وَلَا تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الرَّسُولِ غَيْرُ مَذْكُورٍ عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالنَّصُّ) أَيْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْعُمُومَ ظَاهِرًا وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا وَلَمْ يَحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِحُرْمَتِهِ بِالْآيَةِ فَلَوْ جَرَتْ الْمُحَاجَّةُ بِهَا لَارْتَفَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيهِ وَظَهَرَ انْقِيَادُ مَنْ قَالَ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا، وَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ وَحَيْثُ لَمْ تَجْرِ الْمُحَاجَّةُ وَلَمْ يَرْتَفِعْ الْخِلَافُ عُلِمَ أَنَّ الْآيَةَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ النِّسْيَانَ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ الْعَمْدُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِقَامَةُ الْمِلَّةِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ يَقُولُ أُقِيمَتْ الْمِلَّةُ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ فِي حَقِّ النَّاسِي فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَامَ الْمِلَّةُ مَقَامَهَا أَيْضًا فِي حَقِّ الْعَامِدِ فَقَالَ النَّاسِي مَعْذُورٌ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَأَقَامَ الْمِلَّةَ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ فَجَعَلَهُ عَفْوًا وَالْعَامِدُ لَيْسَ بِمَعْذُورٍ فَلَا يُقَاسُ عَلَى النَّاسِي لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ. اهـ. . [التَّسْمِيَة عِنْد الذَّبْح] (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ التَّسْمِيَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: ثُمَّ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَهُوَ عَلَى الْمَذْبُوحِ، وَفِي الصَّيْدِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: أَيْ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ تَقَعُ عَلَى الذَّبِيحِ، وَفِي الصَّيْدِ تَقَعُ عَلَى الْآلَةِ وَهِيَ النُّشَّابُ وَالْكَلْبُ وَفَائِدَةُ هَذَا تَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ ذَكَرَهَا بَعْدَ هَذَا. (قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ) أَيْ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ عَلَى الْحَزِّ نَفْسِهِ وَلَيْسَ عَلَى أَخْذِ السِّكِّينِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَذْبُوحِ) أَيْ وَهُوَ لَمْ يَتَبَدَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُؤْكَلْ) أَيْ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الْآلَةِ وَقَدْ تَبَدَّلَتْ. اهـ. .

لَكِنْ يُكْرَهُ لِوُجُودِ الْوَصْلِ صُورَةً، وَإِنْ قَالَ بِالْخَفْضِ لَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ فِي النَّوَازِلِ وَقَالَ: بَعْضُهُمْ هَذَا إذَا كَانَ يَعْرِفُ النَّحْوَ وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الْإِعْرَابُ بَلْ يَحْرُمُ مُطْلَقًا بِالْعَطْفِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ الْيَوْمَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تُوجَدْ وَلَمْ يَكُنْ الذَّبْحُ وَاقِعًا عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِمَا ذَكَرْنَا. وَالثَّانِي: أَنْ يُذْكَرَ مَوْصُولًا عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ وَالشَّرِكَةِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ وَفُلَانٍ أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِالْجَرِّ فَتَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ؛ لِأَنَّهُ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَوْطِنَانِ لَا أُذْكَرُ فِيهِمَا عِنْدَ الْعُطَاسِ وَعِنْدَ الذَّبْحِ» وَلَوْ رَفَعَ الْمَعْطُوفَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَاخْتَلَفُوا فِي النَّصْبِ وَيُكْرَهُ فِيهِمَا بِالِاتِّفَاقِ لِوُجُودِ الْوَصْلِ صُورَةً. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ مَفْصُولًا عَنْهُ صُورَةً وَمَعْنًى بِأَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ يُضْجِعَ الشَّاةَ، أَوْ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ، أَوْ بَعْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذَا مِنِّي أَوْ مِنْ فُلَانٍ وَهَذَا لَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بَعْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذَا عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِمَّنْ شَهِدَ لَك بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِي بِالْبَلَاغِ» وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ «إذَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَلَك، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ ذَبَحَ» وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَالشَّرْطُ هُوَ الذِّكْرُ الْخَالِصُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ حَتَّى لَوْ قَالَ عِنْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاكْتَفَى بِهِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَسُؤَالٌ وَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ يُرِيدُ بِهِ التَّسْمِيَةَ حَلَّ وَلَوْ عَطَسَ عِنْدَ الذَّبْحِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَحِلُّ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ يُرِيدُ الْحَمْدَ عَلَى النِّعْمَةِ دُونَ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ حَيْثُ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَفِي الذَّبِيحَةِ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الذِّكْرُ عَلَى الْمَذْبُوحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] وَمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَنْهِيٌّ عَنْ أَكْلِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]، وَمَا تَدَاوَلَتْهُ الْأَلْسُنُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَهُوَ قَوْلُهُ: بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ بِلَا وَاوٍ وَبِالْوَاوِ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ فَوْرَ التَّسْمِيَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ) وَفِي الْجَامِعِ لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ وَسَطِهِ وَأَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي فِجَاجِ مِنًى أَلَا إنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ مَجْرَى النَّفَسِ وَمَجْرَى الطَّعَامِ، وَمَجْمَعُ الْعُرُوقِ فَيَحْصُلُ بِقَطْعِهِ الْمَقْصُودُ عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بَلْ يَحْرُمُ مُطْلَقًا بِالْعَطْفِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ النُّسَخِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَطْفٌ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ بَلْ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا بِدُونِ الْعَطْفِ فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَوْطِنَانِ لَا أُذْكَرُ فِيهِمَا» إلَخْ) فَإِذَا قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَارَ الذِّبْحُ مَيْتَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي النَّصْبِ)، وَفِي رَوْضَةِ الزندويستي النَّصْبُ كَالْخَفْضِ لَا يَحِلُّ وَلَوْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ يَحِلُّ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَلَوْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ مَعَ الْوَاوِ يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَلَوْ ذَبَحَ وَلَمْ يُظْهِرْ الْهَاءَ فِي بِسْمِ اللَّهِ إنْ قَصَدَ ذِكْرَ اللَّهِ يَحِلُّ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَقَصَدَ تَرْكَ الْهَاءِ لَا يَحِلُّ كَذَا فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ) عِنْدَ الذَّبْحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ) أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ اهـ. (قَوْلُهُ: يُرِيدُ بِهِ التَّسْمِيَةَ حَلَّ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَوْ قَالَ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ يُرِيدُ بِهِ التَّسْمِيَةَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ أَرَادَ التَّحْمِيدَ وَلَمْ يُرِدْ التَّسْمِيَةَ لَمْ يَحِلَّ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَيْسَتْ بِصَرِيحَةٍ فِي بَابِ التَّسْمِيَةِ إنَّمَا الصَّرِيحُ بِاسْمِ اللَّهِ فَكَأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كِنَايَةٌ وَالْكِنَايَةُ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الصَّرِيحِ بِالنِّيَّةِ كَمَا فِي بَابِ الطَّلَاقِ حَتَّى إذَا عَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ يُرِيدُ التَّحْمِيدَ عَلَى الْعُطَاسِ وَذَبَحَ لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا ذَبَحَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَبِيحَتِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ قَالَ إنْ كَانَ يُرِيدُ بِذَلِكَ التَّسْمِيَةَ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي شَرْحِهِ: وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَيْسَتْ بِصَرِيحٍ فِي بَابِ التَّسْمِيَةِ وَالصَّرِيحُ فِي بَابِ التَّسْمِيَةِ اسْمُ اللَّهِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ صَرِيحَةً فِي الْبَابِ كَانَتْ كِنَايَةً وَالْكِنَايَةُ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الصَّرِيحِ بِالنِّيَّةِ كَمَا فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا، وَإِلَّا فَلَا فَكَذَا هَذَا وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَمَّى عَلَى ذَبِيحَتِهِ أَوْ الرَّمْيَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَا يُحْسِنُهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ مِنْ التَّسْمِيَةِ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ: التَّهْلِيلُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّسْبِيحُ بِمَنْزِلَةِ التَّسْمِيَةِ لِلْجَاهِلِ بِالسُّنَّةِ وَالْعَالِمِ بِهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ ذِكْرُ اللَّهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي تَكْبِيرِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ ثُمَّ تُكَبِّرُ» وَقَالَ فِي الذَّكَاةِ «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَك وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» فَظَهَرَ الْفَرْقُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَقْطَعُ فَوْرَ التَّسْمِيَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَمَا تَدَاوَلَتْهُ الْأَلْسُنُ عِنْدَ الذَّبْحِ مَا نَصُّهُ وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ قَالَ الْبَقَّالِيُّ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ يَعْنِي بِالْوَاوِ، ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ بِدُونِ الْوَاوِ لِأَنَّ الْوَاوَ تَقْطَعُ فَوْرَ التَّسْمِيَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قُلْت إنْ كَانَ الْمَنْقُولُ بِالْوَاوِ فَلَا يُكْرَهُ. اهـ.

[موضع الذبح]

وَهُوَ إنْهَارُ الدَّمِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ، أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ يَحْرُمُ لِأَنَّهُ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ ذَكَرَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا عَنْ الْإِمَامِ الرُّسْتُغْفَنِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ سُئِلَ عَمَّنْ ذَبَحَ شَاةً فَبَقِيَتْ عُقْدَةُ الْحُلْقُومِ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ تَبْقَى مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ أَتُؤْكَلُ أَمْ لَا قَالَ هَذَا قَوْلُ الْعَوَامّ مِنْ النَّاسِ وَلَيْسَ هَذَا بِمُعْتَبَرٍ وَيَجُوزُ أَكْلُهَا سَوَاءٌ بَقِيَتْ الْعُقْدَةُ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ، أَوْ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَنَا قَطْعُ أَكْثَرِ الْأَوْدَاجِ وَقَدْ وُجِدَ، ثُمَّ حَكَى أَنَّ شَيْخَهُ كَانَ يُفْتِي بِهِ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَلَا الْمَرِيءِ وَأَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَإِنْ اشْتَرَطُوا قَطْعَ الْأَكْثَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ عُقْدَةِ الْحُلْقُومِ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ لَمْ يَحْصُلْ قَطْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُؤْكَلْ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَوْ قَطَعَ الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلَ، ثُمَّ عَلِمَ فَقَطَعَ مَرَّةً أُخْرَى الْحُلْقُومَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِالْأَوَّلِ يُنْظَرُ: فَإِنْ كَانَ قُطِعَ بِتَمَامِهِ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِالْأَوَّلِ أَسْرَعُ مِنْهُ بِالْقَطْعِ الثَّانِي، وَإِلَّا حَلَّ وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ: قَصَّابٌ ذَبَحَ الشَّاةَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَقَطَعَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ يَحْرُمُ أَكْلُهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَذْبَحُ الْمَرِيءُ وَالْحُلْقُومُ وَالْوَدَجَانِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَهِيَ عُرُوقُ الْحَلْقِ فِي الْمَذْبَحِ، وَالْمَرِيءُ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ وَالْمُرَادُ بِالْأَوْدَاجِ كُلُّهَا، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ تَغْلِيبًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِقَطْعِهِنَّ وَهُوَ التَّوْحِيَةُ، وَإِخْرَاجُ الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ بِقَطْعِ الْمَرِيءِ وَالْحُلْقُومِ يَحْصُلُ التَّوْحِيَةُ وَبِقَطْعِ الْوَدَجَيْنِ يَحْصُلُ إنْهَارُ الدَّمِ وَلَوْ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ وَهِيَ الْعُرُوقُ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ الْمَرِيءِ وَالْحُلْقُومِ لَا يَمُوتُ فَضْلًا عَنْ التَّوْحِيَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمَا، أَوْ قَطْعِ أَحَدِهِمَا لِيَحْصُلَ التَّوْحِيَةُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا لِيَحْصُلَ إنْهَارُ الدَّمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَطْعُ الثَّلَاثِ كَافٍ وَلَوْ بِظُفُرٍ وَقَرْنٍ وَعَظْمٍ وَسِنٍّ مَنْزُوعٍ وَلِيطَةٍ وَمَرْوَةِ وَمَا أَنْهَرَ الدَّمَ إلَّا سِنًّا وَظُفُرًا قَائِمَيْنِ) وَهَذَا الِاكْتِفَاءُ بِالثَّلَاثِ مُطْلَقًا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَطْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ مَوْضِع الذَّبْح] قَوْلُهُ: مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ) يَعْنِي أَنَّ الذَّبْحَ وَقَعَ فَوْقَ الْعُقْدَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ حَكَى) أَيْ صَاحِبُ النِّهَايَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا مُشْكِلٌ إلَخْ) قَالَ الْجَلَالُ الْخَبَّازِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ الذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ يَعْنِي مَحَلُّهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَعْلَى الْحَلْقِ وَوَسَطَهُ وَأَسْفَلَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنَّ رِوَايَةَ الْجَامِعِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّبْحَ فَوْقَ الْحَلْقِ قَبْلَ الْعُقْدَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْحَلْقَ مَحَلًّا لِلذَّبْحِ وَإِنَّهُ يَنْتَهِي بِالْعُقْدَةِ وَهَكَذَا رَوَى فِي الْفَتَاوَى وَوَضْعُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي الْحِلَّ لِأَنَّهُ بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ الْعُقْدَةِ إلَّا أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ فَسَّرَ رِوَايَةَ الْأَصْلِ عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ فَكَانَ الْمُرَادُ بِمَا أُطْلِقَ فِي الْأَصْلِ الْمُقَيَّدَ فِي الْجَامِعِ اهـ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُؤْكَلُ بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ حِكَايَةِ قَوْلِ الرُّسْتُغْفَنِيُّ وَيَجُوزُ أَكْلُهَا سَوَاءٌ بَقِيَتْ الْعُقْدَةُ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ أَوْ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ عِنْدَنَا قَطْعُ أَكْثَرِ الْأَوْدَاجِ مَا نَصُّهُ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِكَوْنِ الْعُقْدَةِ مِنْ فَوْقُ أَوْ مِنْ تَحْتُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ أَسْفَلِ الْحَلْقِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ أَعْلَاهُ فَإِذَا ذَبَحَ فِي الْأَعْلَى لَا بُدَّ أَنْ تَبْقَى الْعُقْدَةُ مِنْ تَحْتُ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الْعُقْدَةِ لَا فِي كَلَامِ اللَّهِ وَلَا فِي كَلَامِ رَسُولِهِ بَلْ الذَّكَاةُ بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ بِالْحَدِيثِ وَقَدْ حَصَلَتْ لَا سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِالثَّلَاثِ مِنْ الْأَرْبَعِ أَيَّ ثَلَاثٍ كَانَتْ وَيَجُوزُ تَرْكُ الْحُلْقُومِ أَصْلًا فَبِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ يَحِلَّ الذَّبِيحُ إذَا قُطِعَ الْحُلْقُومُ وَبَقِيَتْ الْعُقْدَةُ إلَى أَسْفَلِ الْحُلْقُومِ وَبَلَغَنَا أَنَّ وَاحِدًا مِمَّنْ يَتَسَمَّى فَقِيهًا فِي زَعْمِ الْعَوَامّ وَقَدْ كَانَ مُشْتَهِرًا بَيْنَهُمْ أَمْرُ رَمْيِ الذَّبِيحِ إلَى الْكِلَابِ حَيْثُ بَقِيَتْ الْعُقْدَةُ إلَى الصَّدْرِ لَا إلَى مَا يَلِي الرَّأْسَ فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مِمَّنْ أَخَذَ هَذَا أَمِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا أَثَرَ لَهُ فِيهِ أَوْ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ فِيهِ نَبَأٌ أَوْ مِنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَوْ مِنْ إمَامِهِ الَّذِي هُوَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ ذَلِكَ أَصْلًا بَلْ الْمَنْقُولُ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ ارْتَكَبَ الرَّجُلُ هَوَاهُ فَضَلَّ وَأَضَلَّ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26] أَوْ اسْتَحَى عَنْ الرُّجُوعِ عَنْ الْبَاطِلِ إلَى الْحَقِّ وَخَجِلَ مِنْ الْعَوَامّ كَيْ لَا يُفْسِدَ اعْتِقَادَهُمْ فِيهِ إذَا عَمِلَ بِخِلَافِ مَا أَفْتَى أَوَّلًا فَالرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مُخَالَفَةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ قَصَّابٌ ذَبَحَ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ مِسْكِينٌ، وَفِي ذَبَائِحِ الذَّخِيرَةِ فَإِنَّ الذَّبْحَ إذَا وَقَعَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ لَا يَحِلُّ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّوْحِيَةُ) هِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ تَفْعِلَةٌ مِنْ وَحَاهُ إذَا عَجَّلَهُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ بِظُفُرٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَذْبَحُ الشَّاةَ بِظُفُرٍ مَنْزُوعٍ أَوْ بِقَرْنٍ أَوْ عَظْمٍ أَوْ سِنٍّ مَنْزُوعَةٍ فَيُنْهِرُ الدَّمَ وَيَفْرِي الْأَوْدَاجَ قَالَ أَكْرَهُ هَذَا، وَإِنْ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالذَّكَاةُ فِي اللَّبَّةِ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ أَيْ اللَّحْيَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ أَسْفَلِ الْحَلْقِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ أَعْلَاهُ فَإِذَا كَانَتْ الذَّكَاةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَصَفْنَا مَقْدُورًا عَلَيْهَا وَهِيَ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ وَالْأَوْدَاجُ أَرْبَعَةٌ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْعِرْقَانِ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا

[حد الشفرة قبل الذبح]

الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ أَكْثَرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقَطْعِ الْأَكْثَرِ مِنْ هَذِهِ الْعُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ غَيْرَ أَنَّ مُحَمَّدًا اعْتَبَرَ أَكْثَرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلِوُرُودِ الْأَمْرِ بِفَرْيِهِ فَيُعْتَبَرُ أَكْثَرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ إنْهَارُ الدَّمِ فَيَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْرَى الدَّمِ فَأَمَّا الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ فَمُخَالِفَانِ لِلْأَوْدَاجِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُخَالِفُ الْآخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ وَأَيُّ ثَلَاثٍ مِنْهَا قُطِعَ فَقَدْ قُطِعَ الْأَكْثَرُ وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ يَحْصُلُ بِهِ وَهُوَ إنْهَارُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، وَالتَّوْحِيَةُ فِي إخْرَاجِ الرُّوحِ لِأَنَّهُ لَا يَحْيَا بَعْدَ قَطْعِ الْمَرِيءِ وَالْحُلْقُومِ وَيَخْرُجُ الدَّمُ بِقَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ فَيُكْتَفَى بِالْأَكْثَرِ أَيَّهَا كَانَتْ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ قَطْعِ الْمُعَيَّنِ مِنْهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْتَفَى بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَيْنَا فَإِنَّ فِيهِ ذِكْرَ الْأَوْدَاجِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالثَّلَاثَةُ جَمْعٌ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْكُلِّ وَلَا لِلِاقْتِصَارِ عَلَى مَا دُونَ الثَّلَاثِ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِظُفُرٍ وَقَرْنٍ وَسِنٍّ مَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَذْبُوحُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ مَا خَلَا الظُّفُرَ وَالسِّنَّ فَإِنَّهَا مُدَى الْحَبَشَةِ» وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً كَمَا إذَا ذَبَحَ بِغَيْرِ الْمَنْزُوعِ وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْهَرَ الدَّمَ» وَيُرْوَى «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمَنْزُوعِ فَإِنَّ الْحَبَشَةَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إظْهَارًا لِلْجَلَدِ وَلِأَنَّهَا آلَةٌ جَارِحَةٌ فَيَحْصُلُ بِهَا مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ فَصَارَ كَالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَنْزُوعِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ بِالثِّقَلِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَوْقُوذَةِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْأَلَمِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا بِضِدِّهِ وَقَوْلُهُ " وَلِيطَةٍ وَمَرْوَةِ وَمَا أَنْهَرَ الدَّمَ " لِمَا رُوِيَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَصِيبُ الصَّيْدَ فَلَا نَجِدُ سِكِّينًا إلَّا الظِّرَارَ، أَوْ شِقَّةَ الْعَصَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت وَاذْكُرْ اللَّهَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا الظُّفُرُ الْقَائِمُ وَالسِّنُّ الْقَائِمُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا مَا لَمْ يَكُنْ سِنًّا، أَوْ ظُفُرًا وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَتَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ قَائِمًا عَلَى مَا بَيَّنَّا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» وَهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَ بِالْقَائِمِ مِنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ حَدُّ الشَّفْرَةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَيُكْرَهُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ فَإِذَا فَرَى الْمُذَكِّي ذَلِكَ أَجْمَعَ فَقَدْ أَكْمَلَ الذَّكَاةَ وَأَصَابَ الذَّكَاةَ الْمَأْمُورَ بِهَا عَلَى تَمَامِهَا وَسُنَّتِهَا فَإِنْ قَصَرَ عَنْ ذَلِكَ فَفَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ ثَلَاثَةً فَإِنَّ بِشْرَ بْنَ الْوَلِيدِ رَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ إذَا قَطَعَ أَكْثَرَ الْأَوْدَاجِ أُكِلَ إذَا قَطَعَ ثَلَاثَةً مِنْهَا مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: لَا تَأْكُلْ حَتَّى تَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ وَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالصَّيْدِ وَكُلِّ ذَبِيحَةٍ، قَالَ وَكَذَلِكَ النَّاقَةُ يَنْحَرُهَا الرَّجُلُ فَهِيَ كَذَلِكَ فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَطَعَ أَكْثَرَ الْأَوْدَاجِ أُكِلَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَقَدْ ذَكَرَ فِي إمْلَائِهِ رِوَايَةَ أَبِي سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيَّ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ وَنِصْفَ الْآخَرِ لِأَنَّ الْوَدَجَيْنِ كَأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَقَدْ قَطَعَ الْأَكْثَرَ مِنْهُمَا فَأُكِلَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ لَوْ قَطَعَ مِنْ الْحُلْقُومِ أَكْثَرَهُ وَمِنْ الْمَرِيءِ أَكْثَرَهُ وَمِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَدَجَيْنِ أَكْثَرَهُ أُكِلَ وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ أَخِيرًا لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَجْنَاسِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَطَعَ ثَلَاثًا مِنْهَا أَيَّ ثَلَاثٍ كَانَتْ حَلَّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ اُشْتُرِطَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ مَعَ آخَرَيْنِ وَالثَّالِثَةُ اُشْتُرِطَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ أَكْثَرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ كَذَا فِي الْمُخْتَلَفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (فَرْعٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَشِبْهُ الْعَمْدِ إلَخْ أَنَّ النَّارَ يَقَعُ بِهَا الذَّكَاةُ لَوْ جُعِلَتْ عَلَى مَوْضِعِ الذَّبْحِ فَقَطَعَتْ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ حَلَّ الْأَكْلُ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَعَلَى الْهَامِشِ حَاشِيَةٌ مَنْقُولَةٌ مِنْ خَطِّهِ نَصُّهَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ خِلَافُ مَا ذُكِرَ فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَأُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَقَعُ بِالنَّارِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ دَلَالَةِ النَّصِّ اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ حِينَ سُئِلَ عَنْ أَمْرِ الذَّبْحِ. (قَوْلُهُ: «كُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ») أَنْهَرَ الدَّمَ أَيْ سَيَّلَهُ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ أَيْ قَطَعَهَا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا مُدَى الْحَبَشَةِ) لِأَنَّهُمْ لَا يُقَلِّمُونَ الْأَظْفَارَ وَيُحَدِّدُونَ الْأَسْنَانَ، وَيُقَاتِلُونَ بِالْخَدْشِ وَالْعَضِّ. اهـ. غَايَةٌ وَالْمُدَى جَمْعُ مُدْيَةٍ وَهِيَ السِّكِّينُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الظُّفُرُ الْقَائِمُ وَالسِّنُّ الْقَائِمُ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَا يَحِلُّ كُلُّ ذَبْحٍ بِسِنٍّ أَوْ ظُفُرٍ غَيْرِ مَنْزُوعٍ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ وَلَيْسَ بِذَابِحٍ اهـ. [حَدّ الشَّفْرَة قَبْل الذَّبْح] (قَوْلُهُ: «وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ») أَيْ لِيُعْطِهَا الرَّاحَةَ بِالْإِسْرَاعِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالشَّفْرَةُ السِّكِّينُ الْعَظِيمَةُ. اهـ. .

[النخع وقطع الرأس والذبح من القفا]

يُضْجِعَهَا، ثُمَّ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ فَقَالَ لَهُ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ هَلَّا حَدَدْتَهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ النَّخْعُ وَقَطْعُ الرَّأْسِ وَالذَّبْحُ مِنْ الْقَفَا) وَالنَّخْعُ هُوَ أَنْ يَصِلَ إلَى النِّخَاعِ وَهُوَ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ نَخْعِ الشَّاةِ إذَا ذُبِحَتْ» وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ: أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهَا حَتَّى يَظْهَرَ مَذْبَحُهَا وَقِيلَ: أَنْ يَكْسِرَ رَقَبَتَهَا قَبْلَ أَنْ تَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَفِي قَطْعِ الرَّأْسِ زِيَادَةَ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُرَّ مَا يُرِيدُ ذَبْحَهُ إلَى الْمَذْبَحِ وَأَنْ يَسْلُخَ قَبْلَ أَنْ يَبْرُدَ لِمَا ذَكَرْنَا وَتُؤْكَلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِمَعْنًى زَائِدٍ وَهِيَ زِيَادَةُ الْأَلَمِ فَلَا تُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَكَذَا لَوْ ذَبَحَهَا مُتَوَجِّهَةً لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ يُكْرَهُ وَتُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الذَّبْحِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهَا الْقِبْلَةَ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ فِي أُضْحِيَّتِهِ الْقِبْلَةَ لَمَّا أَرَادَ ذَبْحَهَا» وَفِي الذَّبْحِ مِنْ الْقَفَا زِيَادَةُ أَلَمٍ فَيُكْرَهُ وَتَحِلُّ إذَا بَقِيَتْ حَيَّةً حَتَّى تُقْطَعَ الْعُرُوقُ لِتَحَقُّقِ الْمَوْتِ بِمَا هُوَ ذَكَاةٌ، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ لَا تُؤْكَلُ لِوُجُودِ الْمَوْتِ بِمَا لَيْسَ بِذَكَاةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَذَبْحُ صَيْدٍ اسْتَأْنَسَ وَجَرْحُ نَعَمٍ تَوَحَّشَ، أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ) لِأَنَّ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْعَجْزُ فِيمَا اسْتَأْنَسَ مِنْ الصَّيْدِ وَتَحَقَّقَ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ وَكَذَا فِيمَا تَرَدَّى فِي بِئْرٍ وَوَقَعَ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاتِهِ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ مِنْ الْجَرْحِ وَعَلِمَ ذَلِكَ يُؤْكَلُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ الْجَرْحِ لَا يُؤْكَلُ، وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ أُكِلَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَوْتَ مِنْهُ وَكَذَا الدَّجَاجَةُ إذَا تَعَلَّقَتْ عَلَى شَجَرَةٍ وَخِيفَ فَوْتُهَا صَارَ ذَكَاتُهَا الْجَرْحُ وَفِي الْكِتَابِ أَطْلَقَ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ وَكَذَا فِيمَا تَرَدَّى وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّاةَ إذَا نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ بِالْعَقْرِ لِأَنَّهَا لَا تَدْفَعُ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ النَّخْع وَقَطَعَ الرأس وَالذَّبْح مِنْ الْقَفَا] قَوْلُهُ: هُوَ أَنْ يَصِلَ إلَى النِّخَاعِ) قَالَ الْأَكْمَلُ وَالنِّخَاعُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، وَالضَّمُّ لُغَةٌ فِيهَا فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَنَسَبَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ إلَى السَّهْوِ وَقَالَ هُوَ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ يَمْتَدُّ إلَى الصُّلْبِ، وَرُدَّ بِأَنَّ بَدَنَ الْحَيَوَانِ مُرَكَّبٌ مِنْ عِظَامٍ وَأَعْصَابٍ وَعُرُوقٍ وَأَوْتَارٍ وَمَا ثَمَّةَ شَيْءٌ يُسَمَّى بِالْخَيْطِ أَصْلًا اهـ قَوْلُهُ: فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُرَّ مَا يُرِيدُ ذَبْحَهُ إلَى الْمَذْبَحِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَذْبَحَ الذَّبِيحَةَ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَجُرَّهَا بِجِلْدِهَا إلَى الْمَذْبَحِ أَوْ أَنْ يُضْجِعَهَا، ثُمَّ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ إلَى هُنَا لَفْظُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَرَّ زِيَادَةُ أَلَمٍ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الذَّكَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ ذَبَحَهَا مُتَوَجِّهَةً لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَذْبَحُ وَيُسَمِّي وَيُوَجِّهُ ذَبِيحَتَهُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مُتَعَمِّدًا أَوْ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ أَمَّا الْحِلُّ فَلِأَنَّ الْإِبَاحَةَ شَرْعًا مُتَعَلِّقَةٌ بِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَالتَّسْمِيَةِ وَقَدْ وُجِدَ وَتَوْجِيهُ الْقِبْلَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِأَنَّهُ تَوَارَثَهُ النَّاسُ وَتَرْكُ السُّنَّةِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَفِي الذَّبْحِ مِنْ الْقَفَا زِيَادَةُ أَلَمٍ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ ضَرَبَ عُنُقَ جَزُورٍ بِسَيْفٍ فَأَبَانَهَا وَسَمَّى فَإِنْ كَانَ ضَرْبًا مِنْ قِبَلِ الْحُلْقُومِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَقَدْ أَسَاءَ، وَإِنْ كَانَ ضَرْبًا مِنْ قِبَلِ الظَّهْرِ فَإِنْ كَانَ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْأَوْدَاجَ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ أُكِلَ وَقَدْ أَسَاءَ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الشَّاةِ وَكُلِّ ذَبِيحَةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قَطَعَ رَأْسَ الشَّاةِ فِي الذَّبِيحَةِ أُكِلَ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ فِي التَّعَمُّدِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا ضَرَبَهَا مِنْ قِبَلِ الْحُلْقُومِ فَقَدْ قَطَعَ الْعُرُوقَ الْمَشْرُوطَةَ فِي الذَّكَاةِ وَزَادَ فِي أَلَمِهَا زِيَادَةً لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الذَّكَاةِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُ الْأَكْلَ كَمَا لَوْ جَرَحَهَا فَأَمَّا إذَا ضَرَبَهَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهَا فَإِنْ هِيَ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ لَمْ تُؤْكَلْ لِأَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَ الذَّكَاةِ، وَإِنْ قَطَعَ الْعُرُوقَ قَبْلَ مَوْتِهَا فَقَدْ فَعَلَ الشَّرْطَ إلَّا أَنَّهُ زَادَ فِي أَلَمِهَا وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَقَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي: قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ كَانَتْ تَعِيشُ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ حَتَّى تَحِلَّ بِقَطْعِ الْعُرُوقِ، فَيَكُونَ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَعِيشُ إلَّا كَمَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَى الْفِعْلِ السَّابِقِ فَلَا يَحِلُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، ثُمَّ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ إذَا وُجِدَ مِنْهُمَا التَّوَحُّشُ فَإِنَّهُمَا يَحِلَّانِ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ سَوَاءٌ كَانَا فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ فَرَّقُوا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الشَّاةِ وَقَالُوا فِي الشَّاةِ إذَا نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ، وَفِي خَارِجِ الْمِصْرِ يَحِلُّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ، وَإِنْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ فَقَدْ لَا يُقْدَرُ عَلَى ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ فِيهِمَا لِأَنَّ الْإِبِلَ تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا بِمِشْفَرِهَا وَنَابِهَا، وَالْبَقَرُ بِقَرْنِهِ، وَيُخَافُ الْقَتْلُ مِنْهُمَا فَيَقَعُ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ فِيهِمَا، وَإِنْ حَصَلَ التَّوَحُّشُ مِنْهُمَا فِي الْمِصْرِ فَأَمَّا فِي الشَّاةِ فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ خَارِجَ الْمِصْرِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهَا فَأَمَّا فِي الْمِصْرِ فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا وَلَا يُخَافُ مِنْ جِهَتِهَا الْقَتْلُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ وَقَالَ فِي الْعُيُونِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ رَمَى حَمَامَةً أَهْلِيَّةً فِي الصَّحْرَاءِ وَسَمَّى فَلَا تُؤْكَلُ لِأَنَّهُ يَأْوِي إلَى الْمَنْزِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَمَامَةً لَا تَهْتَدِي إلَى مَنْزِلِهَا ابْنُ سِمَاعَةَ فِي الْبَعِيرِ أَوْ الثَّوْرِ يَنِدُّ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ قَالَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ لَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ فَلَهُ أَنْ يَرْمِيَهُ وَأَمَّا الشَّاةُ فَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ فِي الْمِصْرِ لِأَنَّ الْبَعِيرَ يَنِدُّ وَيَصُولُ وَيَمْتَنِعُ، وَالثَّوْرَ يَنْطَحُ فَيَمْتَنِعُ كَذَا فِي الْعُيُونِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْت إنْ أَصَابَ قَرْنَ الْبَقَرِ أَوْ الظِّلْفَ فَقَتَلَهَا هَلْ تُؤْكَلُ قَالَ: إنْ أَدْمَى حَلَّ، وَإِنْ لَمْ يُدْمِ لَا يَحِلَّ لِأَنَّهُ مَتَى أَدْمَى عَلِمْنَا أَنَّ الْجَرْحَ وَصَلَ إلَى اللَّحْمِ، وَشَرْطُ الْإِبَاحَةِ حُصُولُ الْجَرْحِ فِي اللَّحْمِ وَقَدْ وُجِدَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُدْمِ فَالْجِرَاحَةُ لَمْ تَصِلْ إلَى اللَّحْمِ فَلَا تَحِلُّ وَهَذَا لِأَنَّ الذَّكَاةَ تَصَرُّفٌ فِي الْحَيَوَانِ فَمَتَى خَلَصَ الْجَرْحُ إلَى مَوْضِعٍ فِيهِ حَيَاةٌ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي شَرْحِ خُوَاهَرْ زَادَهْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: نَدَّتْ) أَيْ نَفَرَتْ. اهـ. غَايَةٌ.

نَفْسِهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا، وَإِنْ نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ تَحِلُّ بِالْعَقْرِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْمِصْرِ فَتَحِلُّ بِالْعَقْرِ وَالصِّيَالِ كَالنُّدُودِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُرِيدُ ذَكَاتَهُ وَسَمَّى حَلَّ أَكْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ النَّعَمُ الْأَهْلِيُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ فِيهِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ نَادِرٌ وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَنَدَّ بَعِيرٌ مِنْ إبِلِ الْقَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَقِيقَةُ الْعَجْزِ وَقَدْ تَحَقَّقَ فَيُصَارُ إلَى الْبَدَلِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ نُدْرَتَهُ بَلْ هُوَ غَالِبٌ، وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ أَنَّ بَقَرَةً لَوْ تَعَسَّرَتْ عَلَيْهَا الْوِلَادَةُ فَأَدْخَلَ صَاحِبُهَا يَدَهُ وَذَبَحَ الْوَلَدَ حَلَّ أَكْلُهُ، وَإِنْ جَرَحَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الذَّبْحِ إنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَذْبَحِهِ يَحِلُّ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ لَا يَحِلُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّ نَحْرُ الْإِبِلِ وَذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَكُرِهَ عَكْسُهُ وَحَلَّ) وَإِنَّمَا كَانَتْ السُّنَّةُ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ لِمُوَافَقَتِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وَقَالَ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَقَالَ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَيْ انْحَرْ الْجَزُورَ وَلِأَنَّ النَّحْرَ أَيْسَرُ فِي الْإِبِلِ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ أَيْسَرُ فَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّنَّةُ مَا هُوَ الْأَيْسَرُ فِيهِ وَإِنْ نَحَرَ الْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَذَبَحَ الْإِبِلَ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَسْيِيلُ الدَّمِ وَكُرِهَ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَكُرِهَ عَكْسُهُ وَحَلَّ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ وَالنَّحْرُ قَطْعُ الْعُرُوقِ فِي أَسْفَلِ الْعُنُقِ عِنْدَ الصَّدْرِ، وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْعُرُوقِ فِي أَعْلَى الْعُنُقِ تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَتَذَكَّ جَنِينٌ بِذَكَاةِ أُمِّهِ) أَيْ لَا يَصِيرُ الْجَنِينُ مُذَكًّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ حَتَّى لَا يَحِلَّ أَكْلُهُ بِذَكَاتِهَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ: إذَا تَمَّ خَلْقُهُ حَلَّ أَكْلُهُ بِذَكَاتِهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ، أَوْ الشَّاةَ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينُ أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ فَقَالَ كُلُوا إنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} [الأنعام: 142] قِيلَ: الْفَرْشُ الصِّغَارُ مِنْ الْأَجِنَّةِ وَالْحَمُولَةُ الْكِبَارُ فَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِإِبَاحَةِ أَكْلِهِ لَنَا وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ حَقِيقَةً لِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِهَا حَتَّى يُفْصَلَ بِالْمِقْرَاضِ، وَيَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَتَنَفَّسُ بِنَفَسِهَا وَكَذَا حُكْمًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْأَحْكَامِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْأُمِّ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ فَإِذَا كَانَ جُزْءًا لَهَا فَيَكُونُ جَرْحُ الْأُمِّ ذَكَاةً لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا فِي الصَّيْدِ وَالْجَامِعُ أَنَّهُ عَجَزَ فِي الِاثْنَيْنِ عَنْ ذَكَاتِهِمَا اخْتِيَارِيَّةً فَانْتَقَلَ إلَى مَا هُوَ فِي وُسْعِهِ وَهُوَ الْجَرْحُ فِي الصَّيْدِ وَذَبْحِ الْأُمِّ فِي الْجَنِينِ فَصَارَ مِثْلَهُ بَلْ فَوْقَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمُوتُ بِهِ قَطْعًا وَالْغَالِبُ فِي الصَّيْدِ الْمَجْرُوحِ السَّلَامَةُ لَا سِيَّمَا إذَا وَقَعَ الْجَرْحُ فِي أَطْرَافِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَهُوَ اسْمٌ لِحَيَوَانٍ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: حَلَّ أَكْلُهُ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَحَكَى فِي الْمُنْتَقَى فِي الْبَعِيرِ إذَا صَالَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الذَّكَاةَ حَلَّ أَكْلُهُ إنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ فَجَعَلَ الصُّولَ بِمَنْزِلَةِ النَّدِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ) يَعْنِي أَنَّ لَهَا تَوَحُّشًا كَتَوَحُّشِ الْوَحْشِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: يَحِلُّ أَيْضًا) لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا وَجْهُ الْكَرَاهَةِ فَلِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي أَلَمِهَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الذَّكَاةِ كَمَا لَوْ جَرَحَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ اهـ. (قَوْلُهُ: تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ) أَيْ فِي الْحُلْقُومِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَمْ يَتَذَكَّ جَنِينٌ بِذَكَاةِ أُمِّهِ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْعُيُونِ وَلَوْ أَنَّ شَاةً ذُبِحَتْ فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا وَلَدٌ مَيِّتٌ فَإِنَّ ذَكَاةَ الشَّاةِ لَا تَكُونُ ذَكَاةَ الْجَنِينِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ، وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا وَبَقِيَ مِقْدَارَ مَا يُقْدَرُ عَلَى ذَبْحِهِ لَا آكُلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِقْدَارَ مَا يُذْبَحُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا قَالَ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ إذَا تَمَّ خَلْقُهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ الْجَنِينُ لَا يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ الْأُمِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إنَّهُ يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ الْأُمِّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ إذَا تَمَّ خَلْقُهُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الشَّاةَ أَوْ النَّاقَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ إذَا ذُبِحَتْ وَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ مَيِّتٌ أَوْ حَيٌّ إلَّا أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَبْحِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَيَحِلُّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ خُوَاهَرْ زَادَهْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: «فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُفْصَلَ) أَيْ عَنْ أُمِّهِ بِقَطْعِ سُرَّتِهِ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ لَا تَكُونُ ذَكَاةٌ ذَكَاةَ نَفْسَيْنِ يَعْنِي: الْجَنِينُ إذَا ذُبِحَتْ أُمُّهُ لَمْ يُؤْكَلْ حَتَّى تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ وَلِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَى ذَكَاتِهِ أَوْ مِنْ جِنْسِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُقْدَرُ عَلَى ذَكَاتِهِ فَفِي الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ الذَّبْحُ وَفِي الثَّانِي يُشْتَرَطُ الْجَرْحُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْجَنِينِ لَا ذَبْحٌ وَلَا جَرْحٌ فَلَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ اهـ. (فَرْعٌ) رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ شَاةً حَامِلًا لَهُ إنْ تَقَارَبَتْ الْوِلَادَةُ يُكْرَهُ الذَّبْحُ لِأَنَّهُ يُضَيِّعُ مَا فِي بَطْنِهَا وَهَذَا التَّفْرِيعُ بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ عِنْدَهُ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ.

[فصل فيما يحل أكله وما لا يحل]

أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ التَّذْكِيَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَحَرَّمَ الْمُنْخَنِقَةَ، وَالْجَنِينُ مَاتَ خَنْقًا فَيَحْرُمُ بِالْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْحَيَاةِ حَتَّى يُتَصَوَّرَ حَيَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ فَوَجَبَ إفْرَادُهُ بِالذَّكَاةِ لِيَخْرُجَ الدَّمُ عَنْهُ فَيَحِلَّ بِهِ، وَلَا يَحِلَّ بِذَكَاةِ غَيْرِهِ إذْ الْمَقْصُودُ بِالذَّكَاةِ إخْرَاجُ دَمِهِ لِيَتَمَيَّزَ مِنْ اللَّحْمِ فَيَطِيبَ وَلَا يَكُونَ تَبَعًا لَهَا وَلِهَذَا تَفَرَّدَ بِإِيجَابِ الْغُرَّةِ، وَيَقْبَلُ الْعِتْقَ وَحْدَهُ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ وَبِهِ مُنْفَرِدًا فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَبَعًا لِأُمِّهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَهُوَ إخْرَاجُ دَمِهِ بِخِلَافِ جَرْحِ الصَّيْدِ لِأَنَّهُ مُخْرِجٌ لِلدَّمِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَيَقُومُ مَقَامَ الذَّبْحِ عِنْدَ الْعَجْزِ يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ جُزْءًا لِلْأُمِّ لَحَلَّ أَكْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْأُمِّ مَأْكُولٌ فَلَمَّا لَمْ يُؤْكَلْ قَبْلَ تَمَامِهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِجُزْءٍ لَهَا وَمَا رَوَوْهُ لَا يُعَارِضُ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ، أَوْ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ - إنْ صَحَّ التَّشْبِيهُ - أَيْ ذَكَاةُ الْجَنِينِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ وَالتَّشْبِيهُ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ فَاشٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [آل عمران: 133] وَيُقَالُ زَيْدٌ أَسَدٌ أَيْ زَيْدٌ كَأَسَدٍ قَالَ الشَّاعِرُ: فَعَيْنَاكِ عَيْنَاهَا وَجِيدُكِ جِيدُهَا ... وَلَكِنَّ عَظْمَ السَّاقِ مِنْكِ دَقِيقُ أَيْ كَعَيْنَيْهَا فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِذَكَاةِ الْأُمِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُرْوَى " ذَكَاةَ أُمِّهِ " بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ يُذَكَّى ذَكَاةً مِثْلَ ذَكَاةِ أُمِّهِ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّفْعِ التَّشْبِيهُ، وَإِلَّا لَفَسَدَ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ هُوَ ذَكَاةٌ لِلْأُمِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ وَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ ذَكَاةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " ذَكَاةُ الْجَنِينِ " مُبْتَدَأٌ وَذَكَاةُ أُمِّهِ خَبَرٌ فَيَفْسُدُ الْمَعْنَى لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ تُغْنِي عَنْ ذَكَاةِ الْأُمِّ وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: كَلَامُ زَيْدٍ كَلَامُ الْقَوْمِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى كَلَامِهِمْ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ إذَا كَانَا مَعْرِفَتَيْنِ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْمُبْتَدَأِ وَتَأْخِيرُ الْخَبَرِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ هُوَ الْمُبْتَدَأُ وَالْمُتَأَخِّرَ الْخَبَرُ وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَيَخْرُجُ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ مَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] أَيْ اذْبَحُوهُ وَكُلُوهُ وَهَذَا مِثْلُ مَا يُرْوَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَذِنَ فِي أَكْلِ لَحْمِ الْخَيْلِ» أَيْ إذَا ذُبِحَ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا عُرِفَ شُرُوطُهُ وَذُكِرَ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ} [الإسراء: 78] أَيْ بِشُرُوطِهَا، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْجَنِينُ فِي الْبَيْعِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِاسْتِثْنَائِهِ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ بِإِعْتَاقِهَا كَيْ لَا يَنْفَصِلَ مِنْ الْحُرَّةِ وَلَدٌ رَقِيقٌ وَلَا يُقَالُ لَوْ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ لَمَا حَلَّ ذَبْحُ أُمِّهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْوَلَدِ «وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» لِأَنَّا نَقُولُ مَوْتُهُ لَا يُتَيَقَّنُ بِهِ بَلْ يُتَوَهَّمُ إدْرَاكُهُ حَيًّا فَيُذْبَحُ فَلَا يَحْرُمُ، أَوْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَحْمُ الْأُمِّ فَلَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِهِ فَكَانَ قَتْلُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِينَ لِلتَّوَصُّلِ إلَى الْمَقْصُودِ كَمَا إذَا تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِالْمُسْلِمِينَ فَمَا ظَنُّكَ بِالْأَجِنَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ وَمَا لَا يَحِلُّ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يُؤْكَلُ ذُو نَابٍ وَمِخْلَبٍ مِنْ سَبُعٍ وَطَيْرٍ) أَيْ لَا يَحِلُّ أَكْلُ ذِي نَابٍ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالسِّبَاعُ جَمْعُ سَبُعٍ وَهُوَ كُلُّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادٍ عَادَةً وَالْمُرَادُ بِذِي مِخْلَبٍ مَا لَهُ مِخْلَبٌ هُوَ سِلَاحٌ وَهُوَ مَفْعَلُ مِنْ الْخَلْبِ وَهُوَ مَزْقُ الْجِلْدِ وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذِي مِخْلَبٍ هُوَ سِبَاعُ الطَّيْرِ لَا كُلُّ مَا لَهُ مِخْلَبٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إنْ صَحَّ التَّشْبِيهُ) قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ فِي هَذَا بُعْدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّقْدِيرِ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ الْمَحْفُوظَةِ فَذَكَاةُ الْجَنِينِ خَبَرٌ لِمَا بَعْدَهُ أَيْ ذَكَاةُ أُمِّ الْجَنِينِ ذَكَاةٌ لَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ» وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ إنْ ثَبَتَ فَبِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ كَمَا فِي: جِئْتُك طُلُوعَ الشَّمْسِ أَيْ وَقْتَ طُلُوعِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ حَاصِلَةٌ وَقْتَ ذَكَاةِ أُمِّهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَعْنَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ الَّذِي ذَكَرْنَا. اهـ. مُجْتَبَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّشْبِيهُ بِحَذْفِ حَرْفِ التَّشْبِيهِ وَهُوَ أَبْلَغُ وُجُوهِ التَّشْبِيهِ كَقَوْلِك زَيْدٌ أَسَدٌ أَيْ ذَكَاةُ الْحَنِينِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ كَقَوْلِهِمْ صَوْتُهُ صَوْتُ الْأَسَدِ وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ. [فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ] (فَصْلٌ: فِيمَا يَحِلُّ وَمَا لَا يَحِلُّ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامِ الذَّبَائِحِ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِ الْمَأْكُولِ مِنْهَا وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ؛ إذْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ شَرْعِيَّةِ الذَّبْحِ التَّوَصُّلُ إلَى الْأَكْلِ وَقَدَّمَ الذَّبْحَ لِأَنَّهُ شَرْطُ الْمَأْكُولِ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ قَالَهُ الْكَاكِيُّ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا كَانَ لِلذَّكَاةِ حُكْمَانِ فِي الْمَذْبُوحِ: حِلُّ الذَّبِيحَةِ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَحُصُولُ الطَّهَارَةِ فِي اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ فِيمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا الْآدَمِيَّ وَالْخِنْزِيرَ - فَإِنَّهُ لَا تَلْحَقُ الذَّكَاةُ بِهِمَا - ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ وَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَذْكُرَ مَسَائِلَ هَذَا الْفَصْلِ جَمِيعَهَا فِي كِتَابِ الصَّيْدِ لِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الصَّيْدِ إلَّا الْفَرَسَ وَالْبَغْلَ وَالْحِمَارَ اهـ. (قَوْلُهُ: «نَهَى عَنْ أَكَلَ كُلِّ ذِي نَابٍ» إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي السِّنْجَابِ وَالْفَنَكِ وَالسَّمُّورِ وَالدَّلَقِ: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا سَبُعٌ مِثْلُ الثَّعْلَبِ وَابْنِ عِرْسٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ النَّابِ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ كُلُّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ) وَالِاخْتِطَافُ بِمَعْنَى الْخَطْفِ وَالِانْتِهَابُ بِمَعْنَى النَّهْبِ قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاخْتِطَافَ مِنْ فِعْلِ الطَّيْرِ وَالِانْتِهَابَ مِنْ فِعْلِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فَلَمَّا كَانَ السَّبُعُ شَامِلًا لِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فُسِّرَ السَّبُعُ بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ، وَالْعَادِي مِنْ عَدَا عَلَيْهِ عُدْوَانًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: هُوَ سِلَاحٌ) وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ كُلَّ صَيْدٍ لَا يَخْلُو عَنْ مِخْلَبٍ اهـ اق.

[أكل الأرنب]

وَهُوَ الظُّفُرُ كَمَا أُرِيدُ فِي ذِي نَابٍ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ لَا كُلُّ مَا لَهُ نَابٌ وَلِأَنَّ طَبِيعَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا فَيُخْشَى أَنْ يَتَوَلَّدَ مِنْ لَحْمِهَا شَيْءٌ مِنْ طِبَاعِهَا فَيَحْرُمُ إكْرَامًا لِبَنِي آدَمَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا تُرْضِعُ لَكُمْ الْحَمْقَاءُ فَإِنَّ اللَّبَنَ يُعْدِي» وَيَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ لِأَنَّ لَهُمَا نَابًا وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبَاحَ أَكْلَهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفِيلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ وَالْيَرْبُوعُ وَابْنُ عِرْسٍ مِنْ سِبَاعِ الْهَوَامِّ وَكَرِهُوا أَكْلَ الرَّخَمِ وَالْبُغَاثِ لِأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ الْجِيَفَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ غُرَابُ الزَّرْعِ)؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَبَّ وَلَيْسَ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَلَا مِنْ الْخَبَائِثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْأَبْقَعُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَالضَّبُعُ وَالضَّبُّ وَالزُّنْبُورُ وَالسُّلَحْفَاةُ وَالْحَشَرَاتُ وَالْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ وَالْبَغْلُ) أَيْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تُؤْكَلُ أَمَّا الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ فَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَصَارَ كَسِبَاعِ الطَّيْرِ، وَالْغُرَابُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَحَسْبُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَنَوْعٌ يَأْكُلُ الْحَبَّ فَقَطْ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَنَوْعٌ يَخْلِطُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَيْضًا يُؤْكَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْعَقْعَقُ؛ لِأَنَّهُ كَالدَّجَاجِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ غَالِبَ مَأْكُولِهِ الْجِيَفُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ الْخُفَّاشَ يُؤْكَلُ وَذُكِرَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَلِأَنَّ لَهُ نَابًا وَأَمَّا الضَّبُعُ فَلِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا وَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَيَكُونُ لَحْمُهُ نَابِتًا مِنْهُ فَيَكُونُ خَبِيثًا وَأَمَّا الضَّبُّ وَالزُّنْبُورُ وَالسُّلَحْفَاةُ وَالْحَشَرَاتُ فَلِأَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَخْبِثُهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبَاحَ أَكْلَهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ ثُمَّ حَرَّمَ الْخَبَائِثَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الِابْتِدَاءِ حَرَامٌ إلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] ثُمَّ حَرَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْيَاءَ لَا تُحْصَى وَالشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُ أَكْلُ الضَّبُعِ وَالضَّبِّ وَمَالِكٌ جَمِيعَ السِّبَاعِ وَالْحَشَرَاتِ اسْتِدْلَالًا بِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَمَّا الْبَغْلُ فَلِأَنَّهُ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ فَكَانَ كَأَصْلِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ أُمُّهُ فَرَسًا كَانَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ الْأُمُّ فِيمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ الْأَرْنَبُ)؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَأْكُلُوهُ حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ مَشْوِيًّا» رَوَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ الظُّفُرُ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى فَإِنَّ الْحَمَامَةَ لَهَا مِخْلَبٌ، وَالْبَعِيرَ لَهُ نَابٌ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا كُلُّ مَا لَهُ نَابٌ) أَيْ فَإِنَّ الْبَعِيرَ لَهُ نَابٌ وَالْبَقَرُ كَذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ طَبِيعَةَ) بَيَانٌ لِحِكْمَةِ النَّهْيِ عَنْ تَحْرِيمِ أَكْلِ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ وَنَابٍ مِنْ السِّبَاعِ اهـ. (قَوْلُهُ: هَذِهِ الْأَشْيَاءُ) وَهِيَ الِاخْتِطَافُ وَالِانْتِهَابُ وَالْقَتْلُ اهـ. (قَوْلُهُ: إكْرَامًا لِبَنِي آدَمَ) أَيْ كَمَا كَانَتْ الْإِبَاحَةُ فِيمَا يُؤْكَلُ كَرَامَةً لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِمَا لِمَا رُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ فَقَالَ تِلْكَ نَعْجَةٌ سَمِينَةٌ» وَعَنْ «جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هُوَ فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ أَسَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ نَعَمْ» وَالْمَعْنَى مَا حُكِيَ عَنْ الْمُزَنِيّ أَنَّ السَّبُعَ مَا يَعْدُو عَلَى النَّاسِ وَعَلَى حُقُوقِهِمْ وَهُمَا لَا يَعْدُوَانِ فَلَا يَكُونَانِ مِنْ السِّبَاعِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ «نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» وَهُمَا مِنْ السِّبَاعِ لِوُجُودِ مَعْنَى السَّبُعِ فِيهِمَا وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْخَصْمِ أَنَّ مَا رَوَيْنَاهُ يَدُلُّ عَلَى الْحُرْمَةِ وَمَا رَوَاهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالتَّارِيخُ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ فَيُجْعَلُ مَا فِيهِ تَحْرِيمٌ مُتَأَخِّرًا تَعْلِيلًا لِلنَّسْخِ وَقَوْلُهُ: لَا يَعْدُوَانِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ بَلْ يَعْدُوَانِ لِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ السِّبَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي التَّحْرِيمِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْيَرْبُوعُ وَابْنُ عِرْسٍ مِنْ سِبَاعِ الْهَوَامِّ) وَالْهَوَامُّ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ جَمْعُ الْهَامَّةِ وَهِيَ الدَّابَّةُ مِنْ دَوَابِّ الْأَرْضِ، وَجَمِيعُ الْهَوَامِّ نَحْوُ الْيَرْبُوعِ وَابْنِ عِرْسٍ وَالْقُنْفُذِ مِمَّا يَكُونُ سُكْنَاهُ الْأَرْضَ وَالْجُدُرَ مَكْرُوهٌ أَكْلُهُ لِأَنَّ الْهَوَامَّ مُسْتَخْبَثَةٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَلِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ النَّجَاسَاتِ فِي الْغَالِبِ وَذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْكَرَاهَةِ وَكَذَا جَمِيعُ مَا لَا دَمَ لَهُ، فَأَكْلُهُ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ كُلُّهُ مُسْتَخْبَثٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] إلَّا الْجَرَادَ فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْحَدِيثِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا الْأَبْقَعُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَكَذَا الْغُدَافُ أَيْ لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ غُرَابُ الْغَيْطِ الْكَبِيرُ مِنْ الْغِرْبَانِ وَافِي الْجَنَاحَيْنِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِ الْغُرَابِ الْأَبْقَعِ وَالْغُدَافِ مَا رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ «سُئِلَ عَنْ أَكْلِ الْغُرَابِ فَقَالَ مَنْ يَأْكُلُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسِقًا يَعْنِي قَوْلَهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسٌ مِنْ الْفَوَاسِقِ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَالدَّجَاجِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَخْلِطُ أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَذُكِرَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ) قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ وَلَا يُؤْكَلُ الْخُفَّاشُ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كُلَّ ذِي نَابٍ لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ إذَا كَانَ لَا يَصْطَادُ بِنَابِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ وَنَصَّ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ لَهُ نَابًا) الْوَاوُ ثَابِتَةٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَيَنْبَغِي حَذْفُهَا اهـ. (قَوْلُهُ: كَانَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ) وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ بَقَرَةً يُؤْكَلُ بِلَا خِلَافٍ اهـ ع. [أَكُلّ الْأَرْنَب] (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَحَلَّ الْأَرْنَبُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْأَرْنَبُ أُنْثَى وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَفِي لُغَةٍ يُؤَنَّثُ بِالْهَاءِ فَيُقَالُ أَرْنَبَةٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَيْضًا وَالْجَمْعُ أَرَانِبُ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَمْ يَرَوْا جَمِيعًا بَأْسًا بِأَكْلِ الْأَرْنَبِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَمَّا الْوَبْرُ فَلَا أَحْفَظُ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ شَيْئًا وَهُوَ عِنْدِي مِثْلُ الْأَرْنَبِ وَهُوَ

[ذبح ما لا يؤكل لحمه يطهر لحمه]

أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا مِنْ أَكْلَةِ الْجِيَفِ فَأَشْبَهَ الظَّبْيَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُطَهِّرُ لَحْمَهُ وَجِلْدَهُ إلَّا الْآدَمِيَّ وَالْخِنْزِيرَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الذَّكَاةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الذَّكَاةِ فِي إبَاحَةِ اللَّحْمِ أَصْلٌ وَفِي طَهَارَتِهِ وَطَهَارَةِ الْجِلْدِ تَبَعٌ وَلَا تَبَعَ بِدُونِ الْأَصْلِ فَصَارَ كَذَبْحِ الْمَجُوسِيِّ وَلَنَا أَنَّ الذَّكَاةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَةِ النَّجِسَةِ فَإِذَا زَالَتْ طَهُرَتْ كَمَا فِي الدِّبَاغِ وَهَذَا الْحُكْمُ مَقْصُودٌ فِي الْجِلْدِ كَالتَّنَاوُلِ فِي اللَّحْمِ، وَفِعْلُ الْمَجُوسِيِّ قَتْلٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّبَاغِ وَكَمَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ يَطْهُرُ شَحْمُهُ أَيْضًا حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ وَهَلْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِغَيْرِ الْأَكْلِ قِيلَ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْأَكْلِ وَقِيلَ يَجُوزُ كَالزَّيْتِ إذَا خَالَطَهُ شَحْمُ الْمَيْتَةِ وَالزَّيْتُ غَالِبٌ فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ، وَالْخِنْزِيرُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الدِّبَاغُ لِنَجَاسَتِهِ، وَالْآدَمِيُّ لِكَرَامَتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ لَحْمُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالْجِلْدُ يَطْهُرُ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُؤْكَلُ مَائِيٌّ إلَّا السَّمَكَ غَيْرَ طَافٍ) وَقَالَ مَالِكٌ يُؤْكَلُ جَمِيعُ حَيَوَانِ الْمَاءِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْخِنْزِيرَ وَالسِّبَاعَ وَالْكَلْبَ وَالْإِنْسَانَ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ كُلَّهُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْخِلَافُ فِي الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَاحِدٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِطَهَارَتِهِ لَهُمْ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَلِأَنَّهُ لَا دَمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذْ الدَّمَوِيُّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءُ وَالْمُحَرَّمُ هُوَ الدَّمُ فَأَشْبَهَ السَّمَكَ وَرَوَى جَابِرٌ «أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي الْغَزْوِ فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ قَالَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ إنْ كَانَ مَعَكُمْ أَطْعِمُونَا» الْحَدِيثَ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَمَا سِوَى السَّمَكِ خَبِيثٌ «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّدَاوِي بِدَوَاءٍ اُتُّخِذَ فِيهِ الضِّفْدَعُ وَنَهَى عَنْ بَيْعِ السَّرَطَانِ» وَالصَّيْدُ الْمَذْكُورُ فِيمَا نَلِي مَحْمُولٌ عَلَى الِاصْطِيَادِ وَهُوَ مُبَاحٌ فِيمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَالْمَيْتَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا رُوِيَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَكِ وَهُوَ حَلَالٌ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ أَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» وَحَدِيثُ جَابِرٍ لَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِمْ لِأَنَّهُ قَالَ «فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ يُرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْتَلِفُ الْبُقُولَ وَالنَّبْتَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ الْوَبْرُ الْوَبْرُ دُوَيْبَّةٌ مِثْلُ الْهِرَّةِ غَبْرَاءُ اللَّوْنِ كَحْلَاءُ لَا ذَنَبَ لَهَا وَالْجَمْعُ، وِبَارٌ مِثْلُ سَهْمٍ وَسِهَامٍ وَالْأُنْثَى وَبْرَةٌ قِيلَ هِيَ مِنْ جِنْسِ بَنَاتِ عِرْسٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ السِّبَاعِ) لَا سِبَاعِ الطَّيْرِ وَلَا سِبَاعِ الْوَحْشِ. اهـ. . [ذبح مَا لَا يُؤْكَل لحمه يَطْهُر لحمه] (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُطَهِّرُ لَحْمَهُ وَجِلْدَهُ) قَالَ فِي بَابِ الْمِيَاهِ مِنْ النِّهَايَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ نَوْعُ ضَعْفٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ اللَّحْمَ لَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَكَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَثَرَ الذَّكَاةِ فِي إبَاحَةِ اللَّحْمِ إلَخْ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي الْحِمَارِ إذَا ذُبِحَ أَنَّ لَحْمَهُ طَاهِرٌ وَأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ فِي الْكَرَاهِيَةِ. (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّبَاغِ) أَيْ لِيَحْصُلَ طَهَارَةُ الْجِلْدِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ) يَعْنِي فِي الِاسْتِصْبَاحِ وَدَهْنِ الْجِلْدِ وَنَحْوِهِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ) أَيْ فِي سُؤْرِ مَا لَا يُؤْكَلُ. اهـ. . [مَا يَحِلّ مِنْ حَيَوَان الْمَاء] (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُبَاحٌ فِيمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) أَيْ لِمَنَافِعَ أُخَرَ سِوَى الْأَكْلِ اهـ اق. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ») رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. دَمِيرِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» وَرَدَ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] قُلْنَا هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ فَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ، وَلِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ إنَّمَا تُصْرَفُ إلَى الْجِنْسِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَعْهُودٌ وَالْمَيْتَةُ مِنْ الدَّمَوِيَّاتِ كَانَتْ مَعْهُودَةً عِنْدَهُمْ وَكَذَا الدَّمُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ وَهُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَلِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُؤَيَّدٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِمِثْلِهِ عَلَى أَنَّ حِلَّ السَّمَكِ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] وقَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] سَمَّاهُ لَحْمًا وَطَعَامًا وَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ حِلُّهُ عَلَى الذَّبْحِ، وَالْكَبِدُ صَارَ حَلَالًا بِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الْآيَةَ. اهـ. مُسْتَصْفًى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا كَرَاهَةُ الطَّافِي لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْجِرِّيثِ وَالْمَارْمَاهِيِّ وَأَنْوَاعِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ بِلَا ذَكَاةٍ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَالْجِرِّيثُ الْجَرِّيُّ مِنْ أَنْوَاعِ السَّمَكِ إنَّمَا أُحِلَّ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَوْذَبٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ أَبِي طُبَيْخٍ قَالَتْ خَرَجَتْ مَعَ وَلِيدَةٍ لَنَا فَاشْتَرَيْنَا جِرِّيثَةً بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ فَوَضَعْنَاهَا فِي زِنْبِيلٍ فَخَرَجَ رَأْسُهَا مِنْ جَانِبٍ وَذَنَبُهَا مِنْ جَانِبٍ فَمَرَّ بِنَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ بِكَمْ أَخَذْت قَالَتْ فَأَخْبَرْته فَقَالَ مَا أَطْيَبَهُ وَأَرْخَصَهُ وَأَوْسَعَهُ لِلْعِيَالِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِرِّيثَ يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ السَّمَكِ فَيَحِلُّ كَسَائِرِ الْأَنْوَاعِ وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لَنَا عَلَى بَعْضِ الرَّوَافِضِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ يَكْرَهُونَ أَكْلَ الْجِرِّيثِ وَيَقُولُونَ: إنَّهُ كَانَ دَيُّوثًا يَدْعُو النَّاسَ إلَى حَلِيلَتِهِ فَمُسِخَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَذَا قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي شَرْحِهِ وَرَوَى مُحَمَّدٌ أَيْضًا فِي الْأَصْلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْجِرِّيثِ فَقَالَ أَمَّا نَحْنُ فَلَا نَرَى بِهِ بَأْسًا وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَيَكْرَهُونَهُ فَإِذَا صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ إبَاحَةُ الْجِرِّيثِ وَلَمْ يَرِدْ عَنْ غَيْرِهِمَا خِلَافُ ذَلِكَ حَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ وَكَذَا الْجَرَادُ حَلَالٌ سَوَاءٌ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ قَتَلَهُ الْآخِذُ اهـ.

[ما يحل بلا ذكاة]

مِثْلُهُ يُقَالُ لَهُ عَنْبَرٌ» الْحَدِيثَ هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ سَمَكًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَكًا فَهُوَ فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ وَفِيهَا تَحِلُّ الْمَيْتَةُ وَالْخَنَازِيرُ فَمَا ظَنُّك بِصَيْدِ الْبَحْرِ وَهُوَ طَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالنُّصُوصُ عَلَى تَحْرِيمِ الْخِنْزِيرِ وَالسِّبَاعِ مُطْلَقَةٌ فَيَتَنَاوَلُ الْبَرِّيَّ وَالْبَحْرِيَّ وَأَمَّا الطَّافِي فَيُكْرَهُ أَكْلُهُ لِقَوْلِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَكُلُوا وَمَا طَفَا فَلَا تَأْكُلُوا» وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُهُ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَتِهِمَا الطَّافِيَ وَلَا دَلِيلَ لَهُمَا فِيمَا رَوَيَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَيْتَةِ الْبَحْرِ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ حَتَّى يَكُونَ مَوْتُهُ مُضَافًا إلَى الْبَحْرِ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا مَاتَ فِيهِ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى عُرِفَ سَبَبُ مَوْتِهِ كَلَفْظَةِ الْبَحْرِ، أَوْ بِحَبْسِهِ فِي مَكَان كَالْحَظِيرَةِ الصَّغِيرَةِ الضَّيِّقَةِ الْمُتْلَفَةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ، أَوْ بِابْتِلَاعِ سَمَكَةٍ، أَوْ بِقَتْلِ طَيْرِ الْمَاءِ إيَّاهَا أَوْ بِانْجِمَادِ الْمَاءِ عَلَيْهَا فَمَاتَتْ حَلَّ أَكْلُهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ مَوْتِهَا مَعْلُومٌ وَلَوْ مَاتَتْ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الْمَاءِ، أَوْ بَرْدِهِ قِيلَ تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ لِمَوْتِهَا سَبَبًا مَعْلُومًا وَقِيلَ لَا تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَقْتُلُ السَّمَكَ حَارًّا كَانَ أَوْ بَارِدًا، وَإِنْ انْحَسَرَ الْمَاءُ عَنْ بَعْضِهِ وَمَاتَ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْمَاءِ لَا يُؤْكَلُ، وَإِنْ كَانَ ذَنَبُهُ فِي الْمَاءِ وَرَأْسُهُ انْحَسَرَ عَنْهُ الْمَاءُ أُكِلَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ رَأْسِهِ عَنْ الْمَاءِ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ فَكَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ مَعْلُومًا بِخِلَافِ خُرُوجِ ذَنَبِهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ أَنْ يَعْلَمَ بِأَيِّ سَبَبٍ مَاتَ حَتَّى لَوْ أَبَانَ عُضْوَهُ بِضَرْبٍ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَيُؤْكَلُ الْعُضْوُ أَيْضًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ بِلَا ذَكَاةٍ كَالْجَرَادِ) أَيْ حَلَّ السَّمَكُ بِلَا ذَكَاةٍ كَالْجَرَادِ رَوَيْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً فَتَحَرَّكَتْ، أَوْ خَرَجَ الدَّمُ حَلَّ، وَإِلَّا لَا إنْ لَمْ يَدْرِ حَيَاتَهُ، وَإِنْ عَلِمَ حَلَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ) لِأَنَّ الْحَرَكَةَ وَخُرُوجَ الدَّمِ لَا يَكُونَانِ إلَّا مِنْ الْحَيِّ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَتَحَرَّكُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ فَيَكُونُ وُجُودُهُمَا أَوْ وُجُودُ أَحَدِهِمَا عَلَامَةَ الْحَيَاةِ فَيَحِلُّ، وَعَدَمُهُمَا عَلَامَةُ الْمَوْتِ فَلَا يَحِلُّ إلَّا إذَا عَلِمَ حَيَاتَهَا عِنْدَ الذَّبْحِ فَيَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ فَلَا يُحْكَمُ بِزَوَالِ الْحَيَاةِ بِالشَّكِّ، وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ إنْ خَرَجَ الدَّمُ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَنْجَمِدُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَيَجُوزُ خُرُوجُ الدَّمِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا يَتَأَتَّى فِي الْمُنْخَنِقَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَاَلَّتِي بَقَرَ الذِّئْبُ بَطْنَهَا؛ لِأَنَّ ذَكَاةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تُحَلِّلُ، وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهَا خَفِيَّةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا إنَّمَا تَحِلُّ إذَا كَانَتْ بِحَالٍ تَعِيشُ يَوْمًا لَوْلَا الذَّكَاةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ مِثْلُهُ لَا يَحِلُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ بِحَالٍ يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ يَحِلُّ، وَإِلَّا فَلَا وَسَنُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَلَوْ ذُبِحَتْ شَاةٌ مَرِيضَةٌ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ مِنْهَا إلَّا فُوهَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ فَتَحَتْ فَاهَا لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ ضَمَّتْ عَيْنَهَا أُكِلَتْ، وَإِنْ مَدَّتْ رِجْلَهَا لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ قَبَضَتْ رِجْلَهَا أُكِلَتْ، وَإِنْ نَامَ شَعْرُهَا لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ قَامَ شَعْرُهَا أُكِلَتْ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يَسْتَرْخِي بِالْمَوْتِ فَفَتْحُ الْفَمِ وَالْعَيْنِ وَمَدُّ الرِّجْلِ وَنَوْمُ الشَّعْرِ عَلَامَةُ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا اسْتِرْخَاءٌ، وَضَمُّ الْفَمِ وَتَغْمِيضُ الْعَيْنِ وَقَبْضُ الرِّجْلِ وَقِيَامُ الشَّعْرِ لَيْسَتْ بِاسْتِرْخَاءٍ بَلْ هِيَ حَرَكَاتٌ تَخْتَصُّ بِالْحَيِّ فَتَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ وَقَالَ قَاضِيخَانْ: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُ وَقْتَ الذَّبْحِ، وَإِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ وَقْتَ الذَّبْحِ أُكِلَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مَا نَضَبَ) النُّضُوبُ ذَهَابُ الْمَاءِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلزَّاهِدِيِّ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي السَّمَكِ عِنْدَنَا إذَا مَاتَ بِآفَةٍ يَحِلُّ كَالْمَأْخُوذِ وَالْمَيِّتِ بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالِانْخِنَاقِ تَحْتَ الْجَمَدِ أَوْ إبَانَةِ بَعْضِهِ أَوْ اصْطِيَادِ غَيْرِهِ وَنَحْوِهَا، وَإِذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ لَا يَحِلُّ كَالطَّافِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُؤْكَلُ الْعُضْوُ أَيْضًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَنَا فِي السَّمَكِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ بِآفَةٍ يَحِلُّ كَالْمَأْخُوذِ، وَإِذَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ لَا يَحِلُّ كَالطَّافِي وَتَنْسَحِبُ عَلَيْهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مِنْهَا إذَا ضَرَبَهَا رَجُلٌ فَقَطَعَ بَعْضَهَا يَحِلُّ الْمُبَانُ وَالْمُبَانُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَاتَ بِآفَةٍ ظَاهِرَةٍ وَالْمُبَانُ مِنْ الْحَيِّ، وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً لَكِنْ حَلَّ الْمُبَانُ هُنَاكَ لِأَنَّ مَيْتَةَ السَّمَكِ حَلَالٌ بِالْحَدِيثِ وَمِنْهَا إنْ وَجَدَ فِي بَطْنِهَا سَمَكَةً أُخْرَى أَوْ قَتَلَهَا طَيْرٌ لِمَاءٍ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا لِأَنَّ الْمَوْتَ مُحَالٌ إلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ ابْتِلَاعُ السَّمَكَةِ أَوْ قَتْلُ الطَّيْرِ. اهـ. . [مَا يَحِلّ بِلَا ذكاة] (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً فَتَحَرَّكَتْ أَوْ خَرَجَ الدَّمُ) اُنْظُرْ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أَكَلَ الصَّيْدَ وَالْعُضْوَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ رَجُلٌ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً فَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ تَحَرَّكَ بَعْدَ الذَّبْحِ وَخَرَجَ مِنْهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ أَوْ تَحَرَّكَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ فَفِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ يَحِلُّ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَلَامَةَ الْحَيَاةِ وَعَلَامَةُ الْحَيَاةِ أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الدَّمُ الْمَسْفُوحُ أَوْ الْحَرَكَةُ، وَفِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَلَامَةُ الْحَيَاةِ وَلَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُ وَقْتَ الذَّبْحِ فَإِنْ عَلِمَ حَلَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ دَمٌ أَصْلًا اهـ. (قَوْلُهُ: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُ وَقْتَ الذَّبْحِ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بُدّ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ يَعِيشُ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ ذُبِحَ وَهُوَ حَيٌّ حَلَّ أَكْلُهُ وَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَوْلُهُ: حَلَّ أَكْلُهُ أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ اهـ.

[كتاب الأضحية]

(كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ)، وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُضَحَّى بِهِ كَالْأُرْوِيَّةِ، وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْوُعُولِ، وَتُجْمَعُ عَلَى أَضَاحِيَّ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى أَفَاعِيلَ كَالْأَرَاوِيِّ فِي جَمْعِ الْأُرْوِيَّةِ، وَيُقَالُ ضَحِيَّةٌ وَضَحَايَا كَهَدِيَّةٍ، وَهَدَايَا، وَيُقَالُ أَضْحَاةٌ، وَتُجْمَعُ عَلَى أَضْحَى كَأَرْطَاةٍ، وَأَرْطَى، وَهِيَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِحَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ يُذْبَحُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ فِي يَوْمٍ مَخْصُوصٍ عِنْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهَا وَسَبَبِهَا: وَشَرَائِطُهَا الْإِسْلَامُ وَالْوَقْتُ وَالْيَسَارُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَرُكْنُهَا ذَبْحُ مَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ، اعْلَمْ أَنَّ الْقُرْبَةَ الْمَالِيَّةَ نَوْعَانِ نَوْعٌ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ كَالصَّدَقَاتِ وَنَوْعٌ بِطَرِيقِ الْإِتْلَافِ كَالْإِعْتَاقِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَفِي الْأُضْحِيَّةِ اجْتَمَعَ الْمَعْنَيَانِ فَإِنَّهَا تَقَرُّبٌ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ، وَهُوَ إتْلَافٌ ثُمَّ بِالتَّصَرُّفِ فِي اللَّحْمِ يَكُونُ تَمْلِيكًا وَإِبَاحَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (تَجِبُ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مُوسِرٍ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ طِفْلِهِ، شَاةٌ أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى آخِرِ أَيَّامِهِ)، وَفِي الْجَوَامِعِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ أَيْضًا. وَوَجْهُ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ، وَأَظْفَارِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ أُخْرَى وَالتَّعْلِيقُ بِالْإِرَادَةِ يُنَافِي الْوُجُوبَ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْمُقِيمِ لَوَجَبَتْ عَلَى الْمُسَافِرِ كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ فَصَارَ كَالْعَتِيرَةِ. وَوَجْهُ الْوُجُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ] [سَبَب الْأُضْحِيَّة وَشَرَائِطهَا] (كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ) أَوْرَدَ الْأُضْحِيَّةَ بَعْدَ الذَّبْحِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ الذَّبْحِ إلَّا أَنَّ الذَّبْحَ أَعَمُّ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْخُصُوصُ يَكُونُ بَعْدَ الْعُمُومِ. اهـ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ وَالْأُضْحِيَّةُ فِيهَا لُغَاتٌ ضَمُّ الْهَمْزَةِ فِي الْأَكْثَرِ، وَهِيَ فِي تَقْدِيرِ أُفْعُولَةٍ، وَكَسْرُهَا اتِّبَاعًا لِكِسْرَةِ الْحَاءِ وَالْجَمْعُ أَضَاحِيَّ وَالثَّالِثَةُ ضَحِيَّةٌ وَالْجَمْعُ ضَحَايَا مِثْلُ عَطِيَّةٍ، وَعَطَايَا وَالرَّابِعَةُ أَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْجَمْعُ أَضْحَى مِثْلُ أَرْطَاةَ، وَأَرْطَى، وَمِنْهُ عِيدُ الْأَضْحَى وَالْأَضْحَى مُؤَنَّثَةٌ، وَقَدْ تُذَكَّرُ ذَهَابًا إلَى الْيَوْمِ قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَضَحَّى تَضْحِيَةً إذَا ذَبَحَ الْأُضْحِيَّةَ وَقْتَ الضُّحَى هَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ ضَحَّى فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيَتَعَدَّى بِالْحَرْفِ فَيُقَالُ ضَحَّيْتُ بِشَاةٍ. اهـ. وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ، وَيُقَالُ ضَحَّى بِكَبْشٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا ذَبَحَهُ وَقْتَ الضُّحَى مِنْ أَيَّامِ الْأَضَاحِيّ ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ، وَلَوْ ذَبَحَ آخِرَ النَّهَارِ، وَمَنْ قَالَ هِيَ مِنْ التَّضْحِيَةِ بِمَعْنَى الرِّفْقِ فَقَدْ أَبْعَدَ اهـ قَوْلُهُ: وَهِيَ فِي تَقْدِيرِ أُفْعُولَةٍ قَالَ الْعَيْنِيُّ، وَهِيَ عَلَى وَزْنِ أَفْعِلَةٍ. اهـ. يَعْنِي وَزْنَهَا الْآنَ أَفْعِلَةٍ وَوَزْنُهَا الْأَصْلُ أُفْعُولَةٌ كَمَا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ فَأُعِلَّ، وَإِعْلَالُهُ ظَاهِرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْوُعُولِ) الْوَعْلُ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ هُوَ ذَكَرُ الْأُرْوِيَّةِ، وَهُوَ الشَّاةُ الْجَبَلِيَّةُ. اهـ مِصْبَاحٌ. [مِنْ تجب عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّة] (قَوْلُهُ: وَفِي الْجَوَامِعِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَامِعُ اسْمُ كِتَابٍ فِي الْفِقْهِ صَنَّفَهُ أَبُو يُوسُفَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالْعَتِيرَةِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْعِتَرُ أَيْضًا الْعَتِيرَةُ، وَهِيَ شَاةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي رَجَبٍ لِآلِهَتِهِمْ مِثَالُ ذَبْحٍ، وَذَبِيحَةٍ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يُلْحَقُ بِتَرْكِ غَيْرِ الْوَاجِبِ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِإِعَادَتِهَا بِقَوْلِهِ «مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَوْلَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَمَا وَجَبَ إعَادَتُهَا؛ وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ يُضَافُ إلَيْهَا، وَقْتُهَا يُقَالُ يَوْمُ الْأَضْحَى، وَذَلِكَ يُؤْذِنُ بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ، وَيَحْصُلُ الِاخْتِصَاصُ بِالْوُجُودِ وَالْوُجُوبُ هُوَ الْمُفْضِي إلَى الْوُجُودِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى جِنْسِ الْمُكَلَّفِينَ لِجَوَازِ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى تَرْكِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَا يَجْتَمِعُوا عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَلَا تَصِحُّ الْإِضَافَةُ بِاعْتِبَارِ جَوَازِ الْأَدَاءِ فِيهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّوْمَ يَجُوزُ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ وَالْمُسَمَّى بِشَهْرِ الصَّوْمِ رَمَضَانُ وَحْدَهُ، وَكَذَا الْجَمَاعَةُ تَجُوزُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَالْمُسَمَّى بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ وَاحِدٌ؛ وَلِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْوَقْتِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِيهِ بِلَا شَكٍّ، وَلَا تَكُونُ مَوْجُودَةً فِيهِ بِيَقِينٍ إلَّا إذَا كَانَتْ وَاجِبَةً، وَإِنَّمَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهَا يَخْتَصُّ بِأَسْبَابٍ تَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ، وَتَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ كَالْجُمُعَةِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّهُمَا لَا يَفُوتَانِ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلَا يُحْرَجُ. وَالْمُرَادُ بِالْإِرَادَةِ فِيمَا رُوِيَ مَا هُوَ ضِدُّ السَّهْوِ لَا التَّخْيِيرُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَيَّرٍ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ يَقَعُ فِي الْمُبَاحِ، وَالْعَتِيرَةُ مَنْسُوخَةٌ، وَهِيَ شَاةٌ كَانَتْ تُذْبَحُ فِي رَجَبٍ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، وَالْأُضْحِيَّةُ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ فِيهَا الْحُرِّيَّةُ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَالِيَّةٌ فَلَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالْمِلْكِ، وَالْمَالِكُ هُوَ الْحُرُّ وَالْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ لَا تَتَأَدَّى إلَّا مِنْ الْمُسْلِمِ، وَالْإِقَامَةُ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْيَسَارُ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْقَادِرِ، وَهُوَ الْغَنِيُّ دُونَ الْفَقِيرِ، وَمِقْدَارُهُ مَا يَجِبُ فِيهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْوَقْتُ، وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا فَأَيْسَرَ فِيهَا تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ، وَقْتَهَا، وَهُوَ غَنِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي بَعْضِ الْوَقْتِ كَالْمَوْجُودِ فِي أَوَّلِهِ، وَقِيلَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْفَقِيرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَجَعَلَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ نَظِيرَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَقَوْلُهُ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ لَا عَنْ طِفْلِهِ أَيْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ عَنْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْعِبَادَاتِ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَى أَحَدٍ بِسَبَبِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ، وَالسَّبَبُ فِيهَا رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ، وَيَلِي عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْوَلَدِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ دُونَ الْأُضْحِيَّةِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ عَبْدِهِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ تَجِبُ عَلَيْهِ عَنْهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ تَجِبُ عَلَيْهِ عَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ فَيُلْحَقُ بِهِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ ثُمَّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْيَسَارِ فِيهَا وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ، وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ يُضَحِّي عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يُضَحِّي عَنْهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَالْخِلَافُ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَالْخِلَافِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَقِيلَ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِرَاقَةِ، وَالصَّدَقَةُ بَعْدَهُ تَطَوُّعٌ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ وَلِأَنَّ الْإِرَاقَةَ إتْلَافٌ وَالْأَبُ لَا يَمْلِكُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ كَالْإِعْتَاقِ، وَكَذَا التَّصَدُّقُ بِهِ، وَلَا يُمْكِنُ الصَّغِيرُ أَنْ يَأْكُلَ اللَّحْمَ كُلَّهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُضَحِّي مِنْ مَالِهِ، وَيَأْكُلُ مِنْهُ مَا أَمْكَنَ، وَيَبْتَاعُ بِمَا بَقِيَ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ، كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَفِي الْكَافِي الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ مَالِهِ أَيْ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، وَقَوْلُهُ شَاةٌ أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ بَيَانٌ لِلْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْبَدَنَةُ كُلُّهَا إلَّا عَنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ قُرْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ «جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ»، وَلَا نَصَّ فِي الشَّاةِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، وَتَجُوزُ عَنْ سِتَّةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ عَنْ السَّبْعَةِ فَعَمَّنْ دُونَهُ أَوْلَى، وَلَا تَجُوزُ عَنْ ثَمَانِيَةٍ لِعَدَمِ النَّقْلِ فِيهِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَكَذَا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ أَقَلَّ مِنْ السُّبْعِ، وَلَا يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ إذَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً يَخْرُجُ كُلُّهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ عَتَرَ الرَّجُلُ يَعْتِرُ عَتْرًا بِالْفَتْحِ إذَا ذَبَحَ الْعَتِيرَةَ يُقَالُ هَذِهِ أَيَّامُ تَرْجِيبٍ، وَتِعْتَارٍ وَرُبَّمَا كَانَ الرَّجُلُ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ يُنْذِرُ نَذْرًا إنْ رَأَى مَا يُحِبُّ يَذْبَحُ كَذَا، وَكَذَا مِنْ غَنَمِهِ فَإِذَا وَجَبَ ضَاقَتْ نَفْسُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيَعْتِرُ بَدَلَ الْغَنَمِ ظِبَاءً. اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمُغْرِبِ وَالْعَتِيرَةُ ذَبِيحَةٌ كَانَتْ تُذْبَحُ فِي رَجَبٍ يَتَقَرَّبُ بِهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُسْلِمُونَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ فَنُسِخَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَخْتَصُّ بِأَسْبَابٍ تَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ) مِثْلُ تَحْصِيلِ شَاةٍ تَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَرِعَايَةِ فَرَاغِ الْإِمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَيَّرٍ إجْمَاعًا) فَلَمْ يَدُلَّ الْقَصْدُ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» أَيْ مَنْ قَصَدَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّخْيِيرَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ) فَإِنْ فَعَلَ الْأَبُ لَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَيَضْمَنُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَإِنْ فَعَلَ الْوَصِيُّ يَضْمَنُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُ كَمَا لَا يَضْمَنُ الْأَبُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَأْكُلُ لَا يَضْمَنُ، وَإِلَّا يَضْمَنُ. اهـ قَاضِيخَانْ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْوَصِيِّ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ بَعْضُهُمْ قَالُوا إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَأْكُلُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَأْكُلُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ أَقَلَّ مِنْ السُّبْعِ) أَيْ لَا تَجُوزُ مِنْ صَاحِبِ الْكَثِيرِ كَمَا لَا تَجُوزُ مِنْ صَاحِبِ الْقَلِيلِ كَمَا إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَخَلَّفَ امْرَأَةً وَابْنًا، وَتَرَكَ بَقَرَةً فَضَحَّيَا

عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْهَدْيِ، وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ الْوَاحِدَةُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ، وَلَا تَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتَيْنِ، وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ» قُلْنَا الْمُرَادُ مِنْهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَيِّمُ أَهْلِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الْيَسَارَ لَهُ حَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ. يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ»، وَلَوْ كَانَتْ الْبَدَنَةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ نِصْفَانِ يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ نِصْفَ السُّبْعِ يَكُونُ تَبَعًا لِثَلَاثَةِ الْأَسْبَاعِ، وَإِذَا جَازَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَقِسْمَةُ اللَّحْمِ بِالْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ، وَلَوْ اقْتَسَمُوهُ جُزَافًا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَكَارِعِ وَالْجِلْدِ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ اشْتَرَكَ مَعَهُ سِتَّةٌ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِلْقُرْبَةِ فَيُمْنَعُ عَنْ بَيْعِهَا تَمَوُّلًا، وَفِي الِاشْتِرَاكِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَقَرَةً سَمِينَةً، وَقَدْ لَا يَظْفَرُ بِالشُّرَكَاءِ، وَقْتَ الشِّرَاءِ فَيَشْتَرِيهَا ثُمَّ يَطْلُبُ الشُّرَكَاءَ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَحَرَجُوا، وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ، وَلَا يَشْتَرِي حَتَّى يَجْتَمِعُوا قَدْرَ مَا يُرِيدُ مِنْ الشُّرَكَاءِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ، وَعَنْ صُورَةِ الرُّجُوعِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ زُفَرَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَذْبَحُ مِصْرِيٌّ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَذَبَحَ غَيْرُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمِصْرِ أَنْ يَذْبَحُوا الْأُضْحِيَّةَ قَبْلَ أَنْ يُصَلُّوا صَلَاةَ الْعِيدِ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَذَبْحُ غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِصْرِ يَجُوزُ لَهُمْ ذَبْحُهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعِيدِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ». وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الصَّلَاةُ ثُمَّ الْأُضْحِيَّةُ» قَالَ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِيدِ كَيْ لَا يَشْتَغِلَ بِهَا عَنْهَا فَلَا مَعْنَى لِلتَّأْخِيرِ عَنْ الْقَرَوِيِّ إذْ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي نَفْيِهِمَا الْجَوَازَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ نَحْرِ الْإِمَامِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي السَّوَادِ وَالْمُضَحِّي فِي الْمِصْرِ يَجُوزُ كَمَا انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَفِي الْعَكْسِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَحِيلَةُ الْمِصْرِيِّ إذَا أَرَادَ التَّعْجِيلَ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ فِيهِ فَيُضَحِّي فِيهِ كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ؛ لِأَنَّ، وَقْتَهَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَإِنَّمَا أُخِّرَتْ إلَى مَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْمِصْرِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الزَّكَاةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ فَيُعْتَبَرُ فِي الْأَدَاءِ مَكَانُ الْمَحَلِّ، وَهُوَ الْمَالُ لِإِمْكَانِ الْفَاعِلِ اعْتِبَارًا بِهَا بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَكَانُ الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ فِي الذِّمَّةِ، وَالْمَالُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهَا وَلِهَذَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَهْلُ الْجَبَّانَةِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى لَوْ اكْتَفَوْا بِهَا أَجْزَأَتْهُمْ فَيَكُونُ الذَّبْحُ عَقِيبَ صَلَاةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَعَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ، وَقِيلَ يَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ الْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ فَكَانَ أَصْلًا وَالْآخَرُ كَالْخَلَفِ عَنْهُ، وَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِلْحَسَنِ، وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ الْعِيدَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَخَّرُوا التَّضْحِيَةَ إلَى الزَّوَالِ ثُمَّ ذَبَحُوا، وَلَا تُجْزِئُهُمْ التَّضْحِيَةُ مَا لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ الْعِيدَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِخُرُوجِ وَقْتِهَا، وَكَذَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَا يُجْزِئُهُمْ قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا إذَا كَانُوا لَا يَرْجُونَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ فَحِينَئِذٍ تُجْزِئُهُمْ قَبْلَ الزَّوَالِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ التَّضْحِيَةَ فِي الْغَدِ أَوْ بَعْدَ الْغَدِ تَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ، وَقْتُ الصَّلَاةِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَالصَّلَاةُ فِي الْغَدِ تَقَعُ قَضَاءً لَا أَدَاءً فَلَا يَظْهَرُ هَذَا فِي حَقِّ التَّضْحِيَةِ، وَقَالَ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ تُعَادُ الصَّلَاةُ دُونَ الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ إلَّا الْإِمَامُ وَحْدَهُ فَكَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا فَجَعَلْنَاهُ عُذْرًا فِي جَوَازِ التَّضْحِيَةِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَصِيَانَةً لِأَضَاحِيِّهِمْ عَنْ الْفَسَادِ، وَلَوْ وَقَعَتْ فِي الْبَلَدِ فِتْنَةٌ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا وَالٍ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ الْعِيدَ فَضَحَّوْا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُمْ؛ لِأَنَّ الْبَلْدَةَ صَارَتْ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَالسَّوَادِ، وَلَوْ شَهِدُوا عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ فَصَلَّى ثُمَّ انْكَشَفَ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ أَجْزَأَتْهُمْ الصَّلَاةُ وَالتَّضْحِيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْخَطَأِ فَيُحْكَمُ بِالْجَوَازِ صِيَانَةً لِجَمْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ تَجُزْ عَنْهُمَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمَرْأَةِ أَقَلُّ مِنْ السُّبْعِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: يَكُونُ تَبَعًا لِثَلَاثَةِ الْأَسْبَاعِ)، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ وَنِصْفُ سُبْعٍ، وَنِصْفُ السُّبْعِ لَا يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَإِذَا صَارَ لَحْمًا صَارَ الْبَاقِي لَحْمًا. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَلَا يَذْبَحُ مِصْرِيٌّ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ شَرْحَ قَوْلِهِ فَجْرَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى آخِرِ أَيَّامِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ) أَيْ لَا مَكَانُ الْمَالِكِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِحْسَانِ) أَيْ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ إلَخْ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ فَإِذَا ذَبَحَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ جَازَ. اهـ

[ما يضحى به]

الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى بِغَيْرِ شَهَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ التَّحَرُّزُ عَنْ مِثْلِهِ، وَوَقْتُهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوَّلُهَا أَفْضَلُهَا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ، وَهُوَ كَالْمَرْفُوعِ فِي مِثْلِهِ مِنْ الْمَقَادِيرِ؛ لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا يُهْتَدَى إلَيْهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ أَوَّلُهَا أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ، وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي لَيَالِيِهَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي الظُّلْمَةِ، وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيْضًا ثَلَاثَةٌ وَالْكُلُّ يَمْضِي بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوَّلُهَا نَحْرٌ لَا غَيْرُ وَآخِرُهَا تَشْرِيقٌ لَا غَيْرُ وَالْمُتَوَسِّطَانِ نَحْرٌ، وَتَشْرِيقٌ وَالتَّضْحِيَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ وَاجِبَةً إنْ كَانَ غَنِيًّا وَسُنَّةً إنْ كَانَ فَقِيرًا، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَسُنَّةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالتَّصَدُّقُ بِالثَّمَنِ تَطَوُّعٌ مَحْضٌ فَكَانَتْ هِيَ أَفْضَلَ؛ وَلِأَنَّهَا تَفُوتُ بِفَوَاتِ، وَقْتِهَا، وَالتَّصَدُّقُ لَا يَفُوتُ فَكَانَتْ أَفْضَلَ وَنَظِيرُهُ الطَّوَافُ لِلْآفَاقِيِّ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ بِالرُّجُوعِ يَفُوتُ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهَا خَيْرُ مَا وُضِعَ، وَلَوْ لَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ، وَكَانَ غَنِيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْقِيمَةِ سَوَاءٌ كَانَ اشْتَرَى أَوْ لَمْ يَشْتَرِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ إلَّا بِالْأَدَاءِ كَالْجُمُعَةِ تُقْضَى ظُهْرًا، وَالصَّوْمُ بَعْدَ الْعَجْزِ فِدْيَةً وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى الْأُضْحِيَّةَ أَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ الَّذِي أَوْجَبَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ بِالشِّرَاءِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ بِالنَّذْرِ فَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا إلَّا إذَا كَانَ قَدْرُ قِيمَتِهَا بِخِلَافِ الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهِ فَيُجْزِئُهُ التَّصَدُّقُ بِالشَّاةِ عَنْهُ أَوْ بِقِيمَتِهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا إذَا الْتَزَمَ التَّضْحِيَةَ بِالنَّذْرِ، وَعَنَى بِهِ غَيْرَ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْمَنْذُورِ كَمَا بَيَّنَّا فِي حَقِّ الْفَقِيرِ مَعَ الْوَاجِبِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ، وَهِيَ الشَّاةُ الَّتِي وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْيَسَارِ، وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ النَّذْرَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مَعَهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْوَاجِبَ بِسَبَبِ الْغِنَى لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ إيجَابٌ وَالْإِيجَابُ يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ ظَاهِرًا، وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ الصَّرْفَ إلَى الْوَاجِبِ تَأْكِيدًا لَهُ، وَنَظِيرُهُ النَّذْرُ بِالْحَجِّ، وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أُخْرَى إلَّا إذَا عَنَى بِهِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُضَحِّي بِالْجَمَّاءِ)، وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَقْصُودٌ، وَكَذَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ بَلْ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْخَصِيُّ)، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَطْيَبُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ» الْأَمْلَحُ الَّذِي فِيهِ مُلْحَةٌ، وَهُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَشُقُّهُ شُعَيْرَاتٌ سُودٌ، وَهِيَ مِنْ لَوْنِ الْمِلْحِ وَالْمَوْجُوءُ الْمَخْصِيُّ الْوِجَاءُ هُوَ أَنْ يَضْرِبَ عُرُوقَ الْخُصْيَةِ بِشَيْءٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالثَّوْلَاءِ)، وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ إذَا كَانَتْ تُعْتَلَفُ بِأَنْ كَانَتْ سَمِينَةً، وَلَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ السَّوْمِ وَالرَّعْيِ، وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُهَا مِنْهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَالْجَرْبَاءُ إنْ كَانَتْ سَمِينَةً، وَلَمْ يُتْلَفْ جِلْدُهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا بِالْعَمْيَاءِ وَالْعَوْرَاءِ وَالْعَجْفَاءِ وَالْعَرْجَاءِ) أَيْ الَّتِي لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسَكِ أَيْ الْمَذْبَحِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْكَبِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَقْطُوعِ أَكْثَرِ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ الْأَلْيَةِ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ، وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ، وَلَا مُدَابَرَةٍ وَلَا شَرْقَاءَ، وَلَا خَرْقَاءَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ الْمُقَابَلَةُ قَطْعٌ مِنْ مُقَدَّمِ أُذُنِهَا وَالْمُدَابَرَةُ قَطْعٌ مِنْ مُؤَخَّرِ أُذُنِهَا وَالشَّرْقَاءُ أَنْ يَكُونَ الْخَرْقُ فِي أُذُنِهَا طُولًا وَالْخَرْقَاءُ أَنْ يَكُونَ عَرْضًا، وَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ الْأُذُنِ جَازَ، وَكَذَا أَكْثَرُ الذَّنَبِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي لَيَالِيِهَا)، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ فِي اللَّيْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ الصَّرْفَ إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ، وَإِذَا اشْتَرَى شَاةً يُرِيدُ أُضْحِيَّةً فِي ضَمِيرِهِ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً حَتَّى يُوجِبَهَا بِلِسَانِهِ لَكِنْ الْمَذْهَبُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنْ يَنْظُرَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَنِيًّا لَا يَصِيرُ وَاجِبًا فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ أَنْ يَتَعَيَّنَ بِالْعَقْدِ فَإِنْ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَنَوَى بِقَلْبِهِ لَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعَيُّنِ فِي الْإِيجَابِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الشَّاةُ عِنْدَهُ فَأَضْمَرَ بِقَلْبِهِ الْأُضْحِيَّةَ لَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَصِيرُ أُضْحِيَّةً لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيعَهَا؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَا تُبَاعُ فَإِنْ بَاعَهَا قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّهَا نَفَذَ الْبَيْعُ، وَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ، وَلَا الْهِبَة بَلْ يَتَصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَهُ إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَهُ، وَهِيَ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ حَجَّهُ وَعُمْرَتَهُ فَكَذَا هُنَا. اهـ. [مَا يُضَحَّى بِهِ] (قَوْلُهُ: يَشُقُّهُ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْمُغْرِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَوْجُوءُ الْمَخْصِيُّ) سَيَجِيءُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْكَرَاهِيَةِ أَيْضًا أَنَّ الْمَوْجُوءَ هُوَ الْمَخْصِيُّ (قَوْلُهُ: هُوَ أَنْ يَضْرِبَ عُرُوقَ الْخُصْيَةِ بِشَيْءٍ) قُلْت الْمَخْصِيُّ مَنْزُوعُ الْخُصْيَتَيْنِ وَالْمَوْجُوءُ الَّذِي يَلْوِي عُرُوقَ الْخُصْيَةِ فَيَصِيرُ كَالْخَصِيِّ. اهـ عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لَا بِالْعَمْيَاءِ وَالْعَوْرَاءِ وَالْعَجْفَاءِ إلَخْ)، وَلَا الْجَدْعَاءِ، وَهِيَ مَقْطُوعَةُ الْأَنْفِ. اهـ. مَنَاسِكُ الْكَرْمَانِيِّ (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ، وَلَا مُدَابَرَةٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُقَابَلَةُ عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ الشَّاةُ الَّتِي قُطِعَ مِنْ أُذُنِهَا قِطْعَةٌ، وَلَا تَبِينُ، وَتَبْقَى مُعَلَّقَةً مِنْ قُدُمٍ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أُخُرٍ فَهِيَ الْمُدَابَرَةُ، وَقُدُمٌ بِضَمَّتَيْنِ بِمَعْنَى الْمُقَدَّمِ وَأُخُرٌ بِضَمَّتَيْنِ أَيْضًا بِمَعْنَى الْمُؤْخِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا شَرْقَاءَ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ، وَتَجُوزُ الشَّرْقَاءُ، وَهِيَ مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ طُولًا، وَكَذَا الْمُقَابَلَةُ، وَهِيَ الَّتِي شُقَّتْ أُذُنَاهَا مِنْ قِبَلِ وَجْهِهَا، وَهِيَ مُتَدَلِّيَةٌ، وَكَذَا الْمُدَابَرَةُ، وَهِيَ الَّتِي شُقَّتْ أُذُنَاهَا مِنْ خَلْفِهَا، وَكَذَا الَّتِي عَلَى أُذُنِهَا كَيٌّ أَوْ سِمَةٌ. اهـ

حُكْمُ الْكُلِّ بَقَاءً وَذَهَابًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ الْيَسِيرَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَجُعِلَ عَفْوًا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الثُّلُثَ إذَا ذَهَبَ وَبَقِيَ الثُّلُثَانِ يَجُوزُ، وَإِنْ ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ يَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَاعْتُبِرَ قَلِيلًا، وَفِيمَا زَادَ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِرِضَاهُمْ فَاعْتُبِرَ كَثِيرًا، وَيُرْوَى عَنْهُ الرُّبُعُ؛ لِأَنَّهُ يُحْكَى حِكَايَةَ الْكُلِّ، وَيُرْوَى أَنَّ ذَهَابَ الثُّلُثِ مَانِعٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْوَصِيَّةِ «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ»، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي اللَّيْثِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَخْبَرْت بِقَوْلِي أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ قَوْلِي قَوْلُك قِيلَ هُوَ رُجُوعٌ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ قَوْلِي قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِك، وَفِي كَوْنِ النِّصْفِ مَانِعًا رِوَايَتَانِ عَنْهُمَا. وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيْنَا إذَا كَانَ بَعْضُ الْأُذُنِ مَقْطُوعًا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الشَّقِّ مِنْ غَيْرِ ذَهَابِ شَيْءٍ مِنْ الْأُذُنِ لَا يَمْنَعُ ثُمَّ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ الذَّاهِبِ وَالْبَاقِي مُتَيَسِّرٌ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ، وَفِي الْعَيْنِ قَالُوا يَشُدُّ عَيْنَهَا الْمَعِيبَةَ بَعْدَ أَنْ جَاعَتْ ثُمَّ يُقَرِّبُ الْعَلَفَ إلَيْهَا قَلِيلًا قَلِيلًا فَإِذَا رَأَتْهُ فِي مَوْضِعٍ عَلَّمَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ ثُمَّ يَشُدُّ عَيْنَهَا الصَّحِيحَةَ، وَيُقَرِّبُ الْعَلَفَ إلَيْهَا شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى إذَا رَأَتْهُ مِنْ مَكَان عَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَنْظُرُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ فَإِنْ كَانَ نِصْفًا أَوْ ثُلُثًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالذَّاهِبُ هُوَ ذَلِكَ الْقَدْرُ، وَالْهَتْمَاءُ لَا تَجُوزُ، وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي الْأَسْنَانِ الْكَثْرَةَ وَالْقِلَّةَ كَالْأُذُنِ وَالذَّنَبِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ مَا يُمْكِنُ الِاعْتِلَافُ بِهِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَالسَّكَّاءُ، وَهِيَ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا خِلْقَةً لَا تَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا يَجُوزُ، وَلَا تَجُوزُ الْجَلَّالَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ، وَلَا تَأْكُلُ غَيْرَهَا، وَلَا الْجَذَّاءُ، وَهِيَ الْمَقْطُوعَةُ ضَرْعُهَا، وَلَا الْمُصَرَّمَةُ، وَهِيَ الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرْضِعَ فَصِيلَهَا، وَلَا الْجَدَّاءُ، وَهِيَ الَّتِي يَبِسَ ضَرْعُهَا، وَلَوْ اشْتَرَاهَا سَلِيمَةً ثُمَّ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ مَانِعٍ مِنْ التَّضْحِيَةِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهَا مَقَامَهَا إنْ كَانَ غَنِيًّا، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْغَنِيِّ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا بِالشِّرَاءِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِالشِّرَاءِ. وَالْفَقِيرُ لَيْسَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ شَرْعًا فَتَعَيَّنَتْ بِشِرَائِهِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ نُقْصَانِهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَتْ نِصَابَ الزَّكَاةِ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ «اشْتَرَيْت كَبْشًا أُضَحِّي بِهِ فَعَدَا الذِّئْبُ فَأَخَذَ الْأَلْيَةَ قَالَ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ ضَحِّ بِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ لَا يُجْزِئُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ، وَقَطْعُ رُبُعِهَا أَوْ ثُلُثِهَا أَوْ الزَّائِدِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى النِّصْفِ وَبِهِ قَالَا مَانِعٌ. اهـ. قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا يَضُرُّ الشَّقُّ فِي الْأُذُنِ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ بِالشَّقِّ ثُلُثٌ أَوْ أَقَلُّ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الْجَوَازِ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْأُذُنَ أَوْ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ أَوْ الْأَلْيَةَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إذَا فَاتَ كُلُّهُ لَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ، وَإِذَا فَاتَ بَعْضُهُ إنْ كَانَ الْفَائِتُ كَثِيرًا لَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ الْفَائِتُ قَلِيلًا تَجُوزُ تَكَلَّمُوا فِي حَدِّ الْكَثِيرِ فَالزِّيَادَةُ عَلَى النِّصْفِ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا النِّصْفُ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ رِوَايَتَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا أَنَّهُ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ لَكِنْ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ اتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَإِنْ كَانَ الْفَائِتُ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ اتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ الرُّبُعَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَإِنْ كَانَ الْفَائِتُ الثُّلُثَ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَلَا فِقْهَ فِيهِ سِوَى أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ كَثِيرًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ الْمَالِ قَالَ «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» هَذَا فِي الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَالْأَلْيَةِ وَالضَّرْعِ. اهـ. وَقَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ، وَلَا تَجُوزُ الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَلَا الَّتِي يَبِسَ ضَرْعُهَا أَوْ قُطِعَ ضَرْعُهَا فَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُ ضَرْعِهَا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ وَالْأَلْيَةِ إذَا كَانَ الذَّاهِبُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَأَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا كَانَ الذَّاهِبُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ جَازَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ نِصْفًا فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الثُّلُثَ، وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ. اهـ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ فَإِنْ كَانَ الْفَائِتُ مِنْ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الْأُذُنِ الْوَاحِدَةِ الثُّلُثَ أَوْ الْأَقَلَّ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْهَتْمَاءُ لَا تَجُوزُ، وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا) أَيْ سَوَاءٌ اعْتَلَفَتْ أَوْ لَمْ تُعْتَلَفْ؛ لِأَنَّ الْأَسْنَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأُذُنَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَفِي رِوَايَةٍ تَجُوزُ إذَا كَانَتْ تُعْتَلَفُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحَةِ كَذَا فِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ، وَفِي الْمَجْمَعِ، وَيُضَحِّي بِالْجَمَّاءِ وَالْخَصِيِّ وَالثَّوْلَاءِ وَالْهَتْمَاءِ الَّتِي تُعْتَلَفُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالسَّكَّاءُ، وَهِيَ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا إلَخْ)؛ لِأَنَّهُ فَاتَ عَنْهُ عُضْوٌ كَامِلٌ. اهـ. مَنَاسِكُ الْكَرْمَانِيِّ (قَوْلُهُ: وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ، وَلَا تَأْكُلُ غَيْرَهَا)، وَيَجِيءُ مِنْهُ رِيحٌ مُنْتِنٌ، وَلَا يُشْرَبُ لَبَنُهَا، وَلَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا بَلْ تُحْبَسُ حَتَّى يَطِيبَ، وَيَذْهَبَ نَتْنُهَا. اهـ. كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا الْجِدَاءُ) الْجِدَاءُ بِالْجِيمِ مَا لَا لَبَنَ لَهَا مِنْ كُلِّ حَلُوبَةٍ لِآفَةٍ أَيْبَسَتْ ضَرْعَهَا وَالْجِدَاءُ مِنْ النِّسَاءِ صَغِيرَةُ الثَّدْيِ. اهـ نِهَايَةُ ابْنِ الْأَثِيرِ. فَرْعٌ وَلَا يُضَحِّي بِالْخُنْثَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إنْضَاجُ لَحْمِهَا هَكَذَا كَانَ يَحْكِي وَالِدِي عَنْ الشَّيْخِ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ يَذْكُرُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَصْلًا، وَيَقُولُ كُلُّ عَيْبٍ يُزِيلُ الْمَنْفَعَةَ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ يَمْنَعُ، وَمَا لَا يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَمْنَعُ. اهـ ظَهِيرِيَّةٌ.

[مما تكون الأضحية]

لِوُجُوبِهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْفَقِيرُ؛ لِأَنَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَتْ بِالشِّرَاءِ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَوْ أَوْجَبَ الْفَقِيرُ أُضْحِيَّةً عَلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَاشْتَرَى أُضْحِيَّةً صَحِيحَةً ثُمَّ تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ فَضَحَّى بِهَا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أُضْحِيَّةٌ كَامِلَةٌ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ كَالْمُوسِرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً وَقْتَ الشِّرَاءِ جَازَ ذَبْحُهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ إذَا مَاتَتْ الْمُشْتَرَاةُ لِلتَّضْحِيَةِ عَلَى الْمُوسِرِ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَقِيرِ، وَلَوْ ضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ فَاشْتَرَى أُخْرَى ثُمَّ ظَهَرَتْ الْأُولَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ عَلَى الْمُوسِرِ ذَبْحُ إحْدَاهُمَا، وَعَلَى الْمُعْسِرِ ذَبْحُهُمَا، وَذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ، وَأَوْجَبَهَا أُضْحِيَّةً فَضَلَّتْ مِنْهُ ثُمَّ اشْتَرَى مِثْلَهَا، وَأَوْجَبَهَا أُضْحِيَّةً ثُمَّ وُجِدَتْ الْأُولَى فَإِنْ أَوْجَبَ الثَّانِيَةَ إيجَابًا مُسْتَأْنَفًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِمَا. وَإِنْ أَوْجَبَهَا بَدَلًا عَنْ الْأُولَى فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ أَيَّهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ مُتَّحِدٍ فَاتَّحَدَ الْوَاجِبُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْفَقِيرَ إذَا اشْتَرَى شَاةً بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ لَا تَتَعَيَّنُ لَهَا عِنْدَهُ حَتَّى يَجْعَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِلْأُضْحِيَّةِ بِالْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَمْ يُوضَعْ لِلْإِيجَابِ، وَلَا يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ عَنْهُ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَوْضُوعٌ لِاسْتِجْلَابِ الْمِلْكِ، وَالنَّذْرَ بِالْأُضْحِيَّةِ مَوْضُوعٌ لِلْإِزَالَةِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُضَادَّةٌ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَتَعَيَّنُ لِلْأُضْحِيَّةِ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْفَقِيرِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ النَّذْرِ عُرْفًا، وَعَادَةً؛ لِأَنَّا لَا نَجِدُ فِي الْعُرْفِ فَقِيرًا اشْتَرَى شَيْئًا لِلْأُضْحِيَّةِ إلَّا وَيُضَحِّي بِهَا لَا مَحَالَةَ فَكَانَ بِهَا مُلْتَزِمًا، وَلَوْ أَضْجَعَهَا لِيَذْبَحَهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَاضْطَرَبَتْ فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا فَذُبِحَتْ أَجْزَأَتْهُ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الذَّبْحِ وَمُقَدِّمَاتِهِ مُلْحَقٌ بِالذَّبْحِ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَعَيَّبَ بِالذَّبْحِ حُكْمًا، وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَانْفَلَتَتْ ثُمَّ أُخِذَتْ مِنْ فَوْرِهَا، وَكَذَا بَعْدَ فَوْرِهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمُقَدَّمَاتِ الذَّبْحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْأُضْحِيَّةُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ)؛ لِأَنَّ جَوَازَ التَّضْحِيَةِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عُرِفَ شَرْعًا بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا، وَيَجُوزُ بِالْجَامُوسِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْبَقَرِ بِخِلَافِ بَقَرِ الْوَحْشِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهِ؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا عُرِفَ بِالشَّرْعِ فِي الْبَقَرِ الْأَهْلِيِّ دُونَ الْوَحْشِيِّ، وَالْقِيَاسُ مُمْتَنِعٌ، وَفِي الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُمَا تُعْتَبَرُ الْأُمُّ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْحِلِّ تُعْتَبَرُ الْأُمُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَجَازَ الثَّنِيُّ مِنْ الْكُلِّ وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أُضْحِيَّةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الْجَذَعُ عَظِيمًا بِحَيْثُ لَوْ خُلِطَ بِالثَّنِيَّاتِ يُشْتَبَهُ عَلَى النَّاظِرِ مِنْ بُعْدٍ، وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَا تَمَّتْ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ أَنَّهُ ابْنُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَالثَّنِيُّ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ ابْنُ سَنَةٍ، وَمِنْ الْبَقَرِ ابْنُ سَنَتَيْنِ، وَمِنْ الْإِبِلِ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْجَذَعُ مِنْ الْبَهَائِمِ قَبْلَ الثَّنِيِّ لَا أَنَّهُ مِنْ الْإِبِلِ قَبْلَ السَّنَةِ الْخَامِسَةِ، وَمِنْ الْبَقَرِ وَالشَّاةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَمِنْ الْخَيْلِ فِي الرَّابِعَةِ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ لِسَنَةٍ، وَمِنْ الضَّأْنِ لِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ السَّبْعَةِ، وَقَالَ الْوَرَثَةُ: اذْبَحُوا عَنْهُ، وَعَنْكُمْ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ شَرِيكُ السِّتَّةِ نَصْرَانِيًّا أَوْ مُرِيدًا لِلَّحْمِ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَقَرَةَ تَجُوزُ عَنْ سَبْعَةٍ بِشَرْطِ قَصْدِ الْكُلِّ الْقُرْبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ مِمَّا تَكُون الْأُضْحِيَّة] قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ بِالْجَامُوسِ)، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَالْجَامُوسُ يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا اسْتِحْسَانًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُمَا تُعْتَبَرُ الْأُمُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى، وَلَوْ نَزَا كَلْبٌ عَلَى شَاةٍ فَوَلَدَتْ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْخَيْزَاخَزِيُّ إنْ كَانَ يُشْبِهُ الْأُمَّ يَجُوزُ، وَلَوْ نَزَا شَاةٌ عَلَى ظَبْيٍ قَالَ الْإِمَامُ الْخَيْزَاخَزِيُّ إنْ كَانَ يُشْبِهُ الْأَبَ يَجُوزُ، وَلَوْ نَزَا ظَبْيٌ عَلَى شَاةٍ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ يَجُوزُ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْخَيْزَاخَزِيُّ الْعِبْرَةُ لِلْمُشَابَهَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَإِنْ كَانَتْ أَهْلِيَّةً يَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا حَتَّى لَوْ أَنَّ بَقَرَةً أَهْلِيَّةً نَزَا عَلَيْهَا ثَوْرُ وَحْشٍ فَوَلَدَتْ، وَلَدًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْبَقَرَةُ وَحْشِيَّةً وَالثَّوْرُ أَهْلِيًّا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُتَوَلِّدِ الْأُمُّ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ عَنْ الْأُمِّ، وَهُوَ حَيَوَانٌ مُتَقَوِّمٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ، وَلَيْسَ يَنْفَصِلُ مِنْ الْأَبِ إلَّا مَاءً مَهِينًا لَا خَطَرَ لَهُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ، وَقِيلَ إذَا نَزَا ظَبْيٌ عَلَى شَاةٍ أَهْلِيَّةٍ فَأَوْلَدَتْ شَاةً يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا، وَإِنْ وَلَدَتْ ظَبْيًا لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ إنْ وَلَدَتْ الرَّمَكَةُ مِنْ حِمَارِ وَحْشٍ حِمَارًا لَا يُؤْكَلُ، وَإِنْ وَلَدَتْ فَرَسًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْفَرَسِ. اهـ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَذْبَحُوا إلَخْ) رَوَاهُ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ صَاحِبِ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى جَابِرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَبْحِ الْمُسِنَّةِ وَالثَّنِيُّ مُسِنَّةٌ فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَأَمَّا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ فَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا مِنْ الضَّأْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَذَعَةٌ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ وَرَوَى أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ» وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ يُضَحَّى بِهِ قَالَ يُجْزِئُ وَالثَّنِيُّ أَفْضَلُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الْجَذَعُ إلَخْ)، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةَ الْجُثَّةِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَتِمَّ لَهَا سَنَةٌ وَطَعَنَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا الْبَقَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَا تَمَّتْ لَهَا سَنَتَانِ وَطَعَنَتْ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَظِيمَةَ الْجُثَّةِ أَوْ صَغِيرَةَ الْجُثَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْفُقَهَاءِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْجَذَعُ مِنْ الشَّاةِ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ. اهـ.

[كيفية التصرف في لحم الأضحية]

وَاخْتِلَافُ الْجِهَاتِ فِيهَا لَا يَضُرُّ كَالْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الْقُرْبَةُ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ عَنْ الْغَيْرِ عُرِفَتْ قُرْبَةً؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ، وَلَمْ تُوجَدْ الْقُرْبَةُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَكَذَا قَصْدُ اللَّحْمِ مِنْ الْمُسْلِمِ يُنَافِيهَا، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْبَعْضُ قُرْبَةً خَرَجَ الْكُلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَا تَتَجَزَّأُ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يُنْزَعُ بِالْإِتْلَافِ فَلَا يَجُوزُ عَنْ غَيْرِهِ كَالْإِعْتَاقِ عَنْ الْمَيِّتِ قُلْنَا الْقُرْبَةُ تَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ كَالتَّصَدُّقِ لِمَا رَوَيْنَا بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ صَغِيرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ بِأَنْ ضَحَّى عَنْ الصَّغِيرِ أَبُوهُ، وَعَنْ أُمِّ الْوَلَدِ مَوْلَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا جَازَ؛ لِأَنَّ كُلَّهَا وَقَعَتْ قُرْبَةً، وَلَوْ ذَبَحُوهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ فِيمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ لَا يُجْزِئُهُمْ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِوُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ الْوَرَثَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ، وَيُؤَكِّلُ غَنِيًّا، وَيَدَّخِرُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ كُلُوا، وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ الِادِّخَارِ «كُلُوا، وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا» الْحَدِيثَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ، وَأَحْمَدُ وَالنُّصُوصُ فِيهِ كَثِيرَةٌ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ هُوَ، وَهُوَ غَنِيٌّ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لَهُ إطْعَامُ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنُدِبَ أَنْ لَا يَنْقُصَ الصَّدَقَةَ مِنْ الثُّلُثِ)؛ لِأَنَّ الْجِهَاتِ ثَلَاثَةٌ الْإِطْعَامُ وَالْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] أَيْ السَّائِلَ وَالْمُعْتَرِضَ لِلسُّؤَالِ فَانْقَسَمَ عَلَيْهَا أَثْلَاثًا، وَهَذَا فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ وَالسُّنَّةِ سَوَاءٌ إذَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً بِالنَّذْرِ، وَإِنْ وَجَبَتْ بِالنَّذْرِ فَلَيْسَ لِصِحَابِهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا شَيْئًا، وَلَا أَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ سَوَاءٌ كَانَ النَّاذِرُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا؛ لِأَنَّ سَبِيلَهَا التَّصَدُّقُ، وَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ صَدَقَتِهِ، وَلَا أَنْ يُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا أَوْ يَعْمَلُ مِنْهُ نَحْوَ غِرْبَالٍ وَجِرَابٍ)؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَكَانَ لَهُ التَّصَدُّقُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَهَا، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ مَعَ بَقَائِهِ اسْتِحْسَانًا، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ لِلْبَدَلِ حُكْمَ الْمُبْدَلِ، وَلَا يَشْتَرِي بِهِ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ نَحْوَ اللَّحْمِ وَالطَّعَامِ، وَلَا يَبِيعُهُ بِالدَّرَاهِمِ لِيُنْفِقَ الدَّرَاهِمَ عَلَى نَفْسِهِ، وَعِيَالِهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ، وَاللَّحْمُ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ فِي الصَّحِيحِ حَتَّى لَا يَبِيعَهُ بِمَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَالْقِرَانِ إلَخْ)، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْعَقِيقَةَ عَنْ وَلَدٍ وُلِدَ لَهُ مِنْ قَبْلُ جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جِهَةُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ بِالشُّكْرِ عَلَى مَا أَنْعَمَ مِنْ الْوَلَدِ كَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ الضَّحَايَا، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْوَلِيمَةَ، وَهِيَ ضِيَافَةُ التَّزْوِيجِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقَامُ شُكْرًا عَلَى نِعْمَةِ النِّكَاحِ، وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». اهـ. بَدَائِعُ فَرْعٌ: فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ أَرَادُوا الْقُرْبَةَ بِالْأُضْحِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْقُرَبِ أَجْزَأَهُمْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقُرْبَةُ وَاجِبَةً أَوْ تَطَوُّعًا أَوْ وَجَبَ عَلَى الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ جِهَاتُ الْقُرْبَةِ أَوْ اخْتَلَفَتْ بِأَنْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْأُضْحِيَّةَ وَبَعْضُهُمْ جَزَاءَ الصَّيْدِ وَبَعْضُهُمْ هَدْيَ الْإِحْصَارِ وَبَعْضُهُمْ هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَبَعْضُهُمْ دَمَ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اتَّفَقَتْ جِهَاتُ الْقُرْبَةِ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى الِاشْتِرَاكَ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ فِعْلٌ وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقَعَ بَعْضُهُ عَنْ جِهَةٍ وَبَعْضُهُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَا بَعْضَ لَهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الِاتِّحَادِ جُعِلَتْ الْجِهَاتُ كَجِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ لَا يُمْكِنُ فَبَقِيَ الْأَمْرُ فِيهِ مَرْدُودًا إلَى الْقِيَاسِ، وَلَنَا أَنَّ الْجِهَاتِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صُورَةً فَهِيَ فِي الْمَعْنَى وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكُلِّ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْعَقِيقَةَ عَنْ وَلَدٍ وُلِدَ لَهُ مِنْ قَبْلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جِهَةُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالشُّكْرِ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَلَدِ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نَوَادِرِ الضَّحَايَا، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْوَلِيمَةَ، وَهِيَ ضِيَافَةُ التَّزَوُّجِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقَامُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ النِّكَاحِ، وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَوْلِمْ، وَلَوْ بِشَاةٍ» فَإِذَا أَرَادَ بِهَا الشُّكْرَ أَوْ إقَامَةَ السُّنَّةِ فَقَدْ أَرَادَ بِهَا التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرِهَ الِاشْتِرَاكَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ هَذَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَهَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ صَغِيرًا إلَخْ)، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ عَبْدًا أَوْ مُدَبَّرًا، وَهُوَ يُرِيدُ الْأُضْحِيَّةَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقُرْبَةِ. اهـ بَدَائِعُ. [كَيْفِيَّة التَّصَرُّف فِي لَحْم الْأُضْحِيَّة] (قَوْلُهُ: كُلُوا، وَتَزَوَّدُوا إلَخْ) رَوَى الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ إلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصَبِّحْنَ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ، وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا الْعَامَ الْمَاضِي قَالَ كُلُوا، وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْت أَنْ تُعِينُوا فِيهَا» قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الدِّمَاءِ إلَّا مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَدَمِ الْمُتْعَةِ وَدَمِ الْقِرَانِ وَدَمِ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ مَحَلَّهُ، وَهُوَ الْحَرَمُ يَعْنِي لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ، وَهَدْيِ الْإِحْصَارِ، وَهَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَحَلَّهُ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْقَانِعُ السَّائِلُ مِنْ قَنَعْت إلَيْهِ إذَا خَضَعْت لَهُ وَسَأَلْته قَنُوعًا وَالْمُعْتَرُّ الْمُتَعَرِّضُ بِغَيْرِ سُؤَالٍ أَوْ الْقَانِعُ الرَّاضِي بِمَا عِنْدَهُ وَبِمَا يُعْطَى بِغَيْرِ سُؤَالٍ مِنْ قَنَعْت قَنَعًا، وَقَنَاعَةً وَالْمُعْتَرُّ الْمُتَعَرِّضُ لِلسُّؤَالِ كَذَا فِي الْكَشَّافِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي نَصَائِحِهِ الْكِبَارِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ اقْنَعْ مِنْ الْقَنَاعَةِ لَا مِنْ الْقُنُوعِ تَسْتَغْنِ عَنْ كُلِّ مِعْطَاءٍ، وَمَنُوعٍ. اهـ.

[التصدق بجلد الأضحية]

الِاسْتِهْلَاكِ، وَلَوْ بَاعَهُمَا بِالدَّرَاهِمِ لِيَتَصَدَّقَ بِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ كَالتَّصَدُّقِ بِالْجِلْدِ وَاللَّحْمِ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» يُفِيدُ كَرَاهِيَةَ الْبَيْعِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَجَائِزٌ لِوُجُودِ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلَا يُعْطِ أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «تَصَدَّقْ بِجَلَالِهَا وَخِطَامِهَا، وَلَا تُعْطِ أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا» وَالنَّهْيُ عَنْهُ نَهْيٌ عَنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فَصَارَ مُعَاوَضَةً كَالْبَيْعِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُزَّ صُوفَهَا قَبْلَ الذَّبْحِ فَيَنْتَفِعَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إقَامَةَ الْقُرْبَةِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ قَدْ أُقِيمَتْ بِهَا وَالِانْتِفَاعُ بَعْدَهَا مُطْلَقٌ لَهُ، وَيُكْرَهُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِلَبَنِهَا كَمَا فِي الصُّوفِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَجَازَ الِانْتِفَاعَ لِلْغَنِيِّ بِلَبَنِهَا وَصُوفِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي حَقِّهِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنُدِبَ أَنْ يَذْبَحَ بِيَدِهِ إنْ عَلِمَ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى فِي الْقُرَبِ أَنْ يَتَوَلَّاهَا الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ أَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةً فَنَحَرَ مِنْهَا بِيَدِهِ نَيِّفًا وَسِتِّينَ ثُمَّ أَعْطَى الْمُدْيَةَ عَلِيًّا فَنَحَرَ الْبَاقِيَ»، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ ذَلِكَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ كَيْ لَا يَجْعَلَهَا مَيْتَةً، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَهَا بِنَفْسِهِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكِ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكُرِهَ ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ)؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَوْ أَمَرَهُ فَذَبَحَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، وَالْقُرْبَةُ أُقِيمَتْ بِإِنَابَتِهِ وَنِيَّتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ الْمَجُوسِيَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ فَكَانَ إفْسَادًا لَا تَقَرُّبًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ غَلِطَا، وَذَبَحَ كُلٌّ أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ صَحَّ، وَلَا يَضْمَنَانِ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْأُضْحِيَّةُ، وَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالذَّبْحِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَضْمَنُ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً اشْتَرَاهَا الْقَصَّابُ، وَالتَّضْحِيَةُ قُرْبَةٌ فَلَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ غَيْرِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ لِتَعَيُّنِهَا لِلْأُضْحِيَّةِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُبْدِلَ بِهَا غَيْرَهَا فَصَارَ الْمَالِكُ مُسْتَعِينًا بِمَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِلذَّبْحِ فَصَارَ مَأْذُونًا لَهُ دَلَالَةً؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَيَخَافُ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ إقَامَتِهَا لِعَارِضٍ يَعْتَرِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً شَدَّ الْقَصَّابُ رِجْلَهَا، وَكَيْفَ لَا يَأْذَنُ لَهُ، وَفِيهِ مُسَارَعَةٌ إلَى الْخَيْرِ، وَتَحْقِيقُ مَا عَيَّنَهُ، وَلَا يُبَالِي بِفَوَاتِ مُبَاشَرَتِهِ وَشُهُودِهِ لِحُصُولِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا بَيَّنَّاهُ فَيَصِيرُ إذْنًا دَلَالَةً، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ، وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَسَائِلُ اسْتِحْسَانِيَّةٌ لِأَصْحَابِنَا ذَكَرْنَاهَا فِي الْإِحْرَامِ عَنْ الْغَيْرِ ثُمَّ إذَا جَازَ ذَلِكَ عَنْهُمَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّتَهُ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، وَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكَلَ مَا ذَبَحَهُ يُحَلِّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَيُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَهُ الْكُلَّ فِي الِابْتِدَاءِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَكَذَا لَهُ أَنْ يُحْلِلَهُ فِي الِانْتِهَاءِ، وَإِنْ تَشَاحَّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَمَّا وَقَعَتْ عَنْ الْمَالِكِ كَانَ اللَّحْمُ لَهُ. وَمَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ التَّصَدُّق بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّة] قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَهُمَا) أَيْ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْطِ أُجْرَةَ الْجَزَّارِ إلَخْ) أَمَّا لَوْ أَعْطَاهُ لِفَقْرِهِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْهَدِيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. [يذبح المضحي بِيَدِهِ] (قَوْلُهُ: فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ إلَخْ)؛ وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَالِيَّةٌ وَالنِّيَابَةُ فِي الْمَالِيَّاتِ جَائِزَةٌ كَمَا فِي الزَّكَاةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ) «قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً فَإِنَّهُمْ أَهْلٌ لِمَا خُصُّوا بِهِ مِنْ خَيْرٍ أَمْ لِآلِ مُحَمَّدٍ وَالْمُسْلِمِينَ عَامَّةً قَالَ لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَالْمُسْلِمِينَ عَامَّةً». اهـ. أَتْقَانِيٌّ. [ذبح الْكِتَابِيّ لِلْأُضْحِيَّةِ] (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَكُرِهَ ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ)، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَهَا إلَّا مُسْلِمٌ، وَهَكَذَا حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا يَذْبَحُ ضَحَايَاكُمْ إلَّا طَاهِرٌ»، وَقَالَ جَابِرٌ لَا يَذْبَحُ النُّسُكَ إلَّا مُسْلِمٌ، وَلَنَا أَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ ذَبْحُ غَيْرِ الْأُضْحِيَّةِ جَازَ لَهُ ذَبْحُ الْأُضْحِيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الْكَافِرُ مَا كَانَ قُرْبَةً لِمُسْلِمٍ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ. اهـ. [أَخْطِئَا وَذَبَحَ كُلٌّ أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ غَلَطَا إلَخْ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ قَوْلُهُ: غَلَطَا هَذَا شَرْطٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ تَعَمَّدَ الرَّجُلُ فَذَبَحَ أُضْحِيَّةَ رَجُلٍ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ عَنْ صَاحِبِ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَا يُشْبِهُ الْعَمْدُ الْغَلَطَ، وَفِي الْغَلَطِ جَازَ عَنْ صَاحِبِهِ، وَفِي الْعَمْدِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ الْأُضْحِيَّةِ ضَمَّنَ الذَّابِحَ قِيمَةَ الْأُضْحِيَّةِ فِي الْعَمْدِ جَازَتْ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ الذَّابِحِ كَذَا فِي الْغَايَةِ وَسَيَجِيءُ هَذَا الْفَرْعُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ آخِرَ الْبَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) أَيْ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي أَيَّامِ النَّحْرِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ فَقِيرًا وَاشْتَرَاهَا بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُبْدِلَ بِهَا غَيْرَهَا) أَيْ إذَا كَانَ غَنِيًّا، وَلَكِنْ يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَرْعٌ: فِي الْبَدَائِعِ غَصَبَ شَاةَ إنْسَانٍ فَضَحَّى بِهَا عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَلَا عَنْ صَاحِبِهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا صَاحِبُهَا مَذْبُوحَةً وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ فَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ عَنْهُمَا، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَحِّيَ بِأُخْرَى لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ ضَمَّنَهُ صَاحِبُهَا قِيمَتَهَا حَيَّةً فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ الذَّابِحِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَصَارَ ذَابِحًا شَاةً هِيَ مِلْكُهُ فَيُجْزِئُهُ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ وَقَعَ مَحْظُورًا فَتَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تُجْزِئُ عَنْ الذَّابِحِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ بِالضَّمَانِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تُمْلَكُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ، وَكَذَا إذَا غَصَبَ شَاةَ إنْسَانٍ كَانَ اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ فَضَحَّى بِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الشَّاةِ الْمُسْتَحَقَّةِ. اهـ. فَرْعٌ آخَرُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَجُلٌ ضَحَّى شَاةَ نَفْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ عَنْهُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ فِي الشَّاةِ، وَلَنْ يَثْبُتَ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَمْ يُوجَدْ قَبْضُ الْأَمْرِ لَا بِنَفْسِهِ، وَلَا بِنَائِبِهِ. اهـ

[كتاب الكراهية]

أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ فَقَالَ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِلَا أَمْرِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ لَا يَتَوَلَّى صَاحِبُ الْأُضْحِيَّةِ ذَبْحَهَا بِنَفْسِهِ بَلْ يُفَوِّضُ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ مَأْذُونًا لَهُ دَلَالَةً كَالْقَصَّابِ إذَا شَدَّ رِجْلَ شَاتِهِ لِلذَّبْحِ فَذَبَحَهَا إنْسَانٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهَا غَيْرَهَا فَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَنْقَصَ مِنْ الْأَوَّلِ تَصَدَّقَ بِمَا فَضْلَ، وَمَنْ غَصَبَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَجَازَ عَنْ أُضْحِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْغَصْبِ السَّابِقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ وَدِيعَةً فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا بِالذَّبْحِ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَهُ، وَلَوْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا تَجُوزُ عَنْ الذَّابِحِ دُونَ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْإِرَاقَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَغْصُوبَةِ، وَإِنْ أَخَذَهَا مَذْبُوحَةً أَجْزَأَتْ الْمَالِكَ عَنْ التَّضْحِيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَاهَا فَلَا يَضُرُّهُ ذَبْحُهَا غَيْرُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ) هِيَ ضِدُّ الْإِرَادَةِ وَالرِّضَا فِي اللُّغَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الْمَكْرُوهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ، وَنَصَّ مُحَمَّدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ)، وَإِنَّمَا لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ لَفْظُ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ لَقَّبَهُ بِبَابِ الْكَرَاهِيَةِ، وَفِيهِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّ بَيَانَ الْمَكْرُوهِ أَهَمُّ لِوُجُوبِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَالْقُدُورِيُّ لَقَّبَهُ بِالْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ الْمَنْعُ وَالْإِبَاحَةَ الْإِطْلَاقُ، وَفِيهِ بَيَانُ مَا أَبَاحَ الشَّرْعُ، وَمَا مَنَعَ، وَلَقَّبَهُ بَعْضُهُمْ بِالِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ وَقَبَّحَهُ، وَلَفْظُ الِاسْتِحْسَانِ أَحْسَنُ فَلُقِّبَ بِهِ أَوْ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَسَائِلِهِ اسْتِحْسَانٌ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا وَبَعْضُهُمْ لَقَّبَهُ بِكِتَابِ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِهِ أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ وَالزُّهْدُ وَالْوَرَعُ تَرَكَهَا. وَهَذَا الْكِتَابُ يَشْتَمِلُ عَلَى فُصُولٍ. (فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (كُرِهَ لَبَنُ الْأَتَانِ)؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ فَصَارَ مِثْلَهُ، وَكَذَا لَبَنُ الْخَيْلِ يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَحْمِهِ عِنْدَهُ ذَكَرَهُ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ، وَلَا تُؤْكَلُ الْجَلَّالَةُ، وَلَا يُشْرَبُ لَبَنُهَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ أَكْلِهَا وَشُرْبِ لَبَنِهَا» وَالْجَلَّالَةُ هِيَ الَّتِي تَعْتَادُ أَكْلَ الْجِيَفِ وَالنَّجَاسَاتِ، وَلَا تَخْلِطُ فَيَتَغَيَّرُ لَحْمُهَا فَيَكُونُ مُنْتِنًا، وَلَوْ حُبِسَتْ حَتَّى يَزُولَ النَّتْنُ حَلَّتْ، وَلَمْ تُقَدَّرْ لِذَلِكَ مُدَّةٌ فِي الْأَصْلِ، وَقَدَّرَهُ فِي النَّوَادِرِ بِشَهْرٍ، وَقِيلَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي الْإِبِلِ وَبِعِشْرِينَ يَوْمًا فِي الْبَقَرِ وَبِعَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي الشَّاةِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الدَّجَاجَةِ أَمَّا الَّتِي تَخْلِطُ بِأَنْ تَتَنَاوَلَ النَّجَاسَةَ وَالْجِيَفَ، وَتَتَنَاوَلَ غَيْرَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي لَحْمِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلِهَذَا يَحِلُّ أَكْلُ لَحْمِ جَدْيٍ غُذِّيَ بِلَبَنِ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ لَا يَتَغَيَّرُ، وَمَا غُذِّيَ بِهِ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الدَّجَاجِ؛ لِأَنَّهُ يَخْلِطُ، وَلَا يَتَغَيَّرُ لَحْمُهُ وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْكُلُ الدَّجَاجَ»، وَمَا رُوِيَ أَنَّ الدَّجَاجَ يُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يُذْبَحُ فَذَاكَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّهِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ، وَلَوْ سُقِيَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ خَمْرًا فَذُبِحَ مِنْ سَاعَتِهِ حَلَّ أَكْلُهُ، وَيُكْرَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْإِدْهَانُ وَالتَّطَيُّبُ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ، وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ مُطْلَقًا)، وَقَدْ ذَكَرَ فِي إمْلَاءِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ الرَّازِيّ قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ ذَبَحَ الْأُضْحِيَّةَ مُتَعَمِّدًا عَنْ صَاحِبِهَا يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ أَجْزَأَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا هُيِّئَتْ لِلذَّبْحِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. اهـ غَايَةٌ. [كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ] (كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ) الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ وَكِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ تُوجَدُ فِي عَامَّةِ مَسَائِلِ الْأُضْحِيَّةِ أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّ التَّضْحِيَةَ فِي لَيَالِي أَيَّامِ النَّحْرِ مَكْرُوهَةٌ، وَكَذَا جَزُّ صُوفِهَا وَحَلْبُ لَبَنِهَا، وَإِبْدَالُ غَيْرِهَا مَكَانَهَا، وَكَذَلِكَ ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ ثُمَّ عِبَارَاتُ الْكُتُبِ اخْتَلَفَتْ فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ، وَقَدْ سَمَّاهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ كِتَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَعَلَيْهِ كَتَبَ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا كَمُخْتَصَرِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَسَمَّاهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِاسْمِ الْكَرَاهِيَةِ، وَعَلَيْهِ وَضَعَ الطَّحَاوِيُّ مُخْتَصَرَهُ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ سَمَّاهُ فِي مُخْتَصَرِهِ كِتَابَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَتَبِعَهُ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ كِتَابُ الِاسْتِحْسَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَسْتَحْسِنُهَا الْعَقْلُ وَالشَّرْعُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ) (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ كُرِهَ لَبَنُ الْأَتَانِ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ لُحُومُ الْأُتُنِ وَأَلْبَانُهَا، وَأَبْوَالُ الْإِبِلِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَبَنُ الْخَيْلِ يُكْرَهُ) وَجَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ شُرْبَهُ حَلَالًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَشْرِبَةِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالتَّطَيُّبُ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ إلَخْ)، وَأَمَّا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ فَسَيَجِيءُ مَتْنًا وَشَرْحًا فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) إلَخْ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا غَسْلُ قَلْبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلَّمَ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ أَوْ يُقَالُ التَّحْرِيمُ فِي اسْتِعْمَالِ ذَهَبِ الدُّنْيَا لَا ذَهَبِ الْجَنَّةِ أَوْ يُقَالُ اسْتِعْمَالُهُ حَرَامٌ عَلَى الْبَشَرِ لَا عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْمُسْتَعْمِلُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ فِضَّةٍ كَأَنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشُّرْبِ فِي إنَاءِ الْفِضَّةِ فَإِنَّهُ مَنْ شَرِبَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْ فِيهَا فِي الْآخِرَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الشُّرْبِ وَالْأَكْلِ فَكَذَا فِي التَّطَيُّبِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَيَكُونُ الْوَارِدُ فِيهِمَا وَارِدًا فِيمَا هُوَ بِمَعْنَاهَا دَلَالَةً لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ؛ وَلِأَنَّهُ تَنَعُّمٌ بِتَنَعُّمِ الْمُتْرَفِينَ وَالْمُشْرِفِينَ، وَتَشَبُّهٌ بِهِمْ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20]. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كُرِهَ التَّحْرِيمُ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَكَذَا الْأَكْلُ بِمِلْعَقَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالِاكْتِحَالُ بِمِيلِهِمَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ، وَمَعْنَى يُجَرْجِرُ يُرَدِّدُ مِنْ جَرْجَرَ الْفَحْلُ إذَا رَدَّدَ صَوْتَهُ فِي حَنْجَرَتِهِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: قِيلَ صُورَةُ الْإِدْهَانِ الْمُحَرَّمِ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَيَصُبَّ الدُّهْنَ عَلَى الرَّأْسِ أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، وَأَخَذَ الدُّهْنَ ثُمَّ صَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الْيَدِ لَا يُكْرَهُ قَالَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا مِنْ رَصَاصٍ وَزُجَاجٍ وَبَلُّورٍ وَعَقِيقٍ) أَيْ لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ الْأَوَانِي مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي التَّفَاخُرِ بِهِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ، وَلَئِنْ كَانَتْ عَادَتُهُمْ جَارِيَةً بِالتَّفَاخُرِ فِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي مَعْنَاهُمَا فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ بِهِمَا، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْأَوَانِي مِنْ الصُّفْرِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى إبَاحَةِ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ بَلْ عَيْنُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ الشُّرْبُ مِنْ إنَاءٍ مُفَضَّضٍ وَالرُّكُوبُ عَلَى سَرْجٍ مُفَضَّضٍ وَالْجُلُوسُ عَلَى كُرْسِيٍّ مُفَضَّضٍ، وَيَتَّقِي مَوْضِعَ الْفِضَّةِ) أَيْ يَتَّقِي مَوْضِعَهَا بِالْفَمِ، وَقِيلَ بِالْفَمِ وَالْيَدِ فِي الْأَخْذِ، وَفِي الشُّرْبِ، وَفِي السَّرِيرِ وَالسَّرْجِ وَالْكُرْسِيِّ مَوْضِعَ الْجُلُوسِ، وَكَذَا الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْكُرْسِيُّ الْمُضَبَّبُ بِهِمَا، وَكَذَا لَوْ جَعَلَ ذَلِكَ فِي نَصْلِ السَّيْفِ وَالسِّكِّينِ أَوْ فِي قَبْضَتِهِمَا، وَلَمْ يَضَعْ يَدَهُ فِي مَوْضِعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَكَذَا إذَا جَعَلَ ذَلِكَ فِي الْمِشْحَذِ أَوْ فِي حَلْقَةِ الْمِرْآةِ أَوْ جَعَلَ الْمُصْحَفَ مُذَهَّبًا أَوْ مُفَضَّضًا، وَكَذَا الْمُفَضَّضُ مِنْ اللِّجَامِ وَالرِّكَابِ وَالثَّفْرِ لَا يُكْرَهُ، وَكَذَا الثَّوْبُ إذَا كَانَ فِيهِ كِتَابَةٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِمْ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَخْلُصُ، وَأَمَّا التَّمْوِيهُ الَّذِي لَا يَخْلُصُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ فَلَا عِبْرَةَ بِبَقَائِهِ لَوْنًا لِأَبِي يُوسُفَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ شَرِبَ فِي إنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ؛ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ إنَاءً كَانَ مُسْتَعْمِلًا لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَيُكْرَهُ كَمَا إذَا اسْتَعْمَلَ مَوْضِعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ «قَدَحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْكَسَرَ فَاِتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ رَأَيْت عِنْدَ أَنَسٍ قَدَحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ ضَبَّةُ فِضَّةٍ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ قَصْدًا لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِيهِ الْعُضْوُ، وَمَا سِوَاهُ تَبَعٌ لَهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَلَا يُكْرَهُ فَصَارَ كَالْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ، وَمِسْمَارُ الذَّهَبِ فِي فَصِّ الْخَاتَمِ، وَكَالْعِمَامَةِ الْمُعَلَّمَةِ بِالذَّهَبِ وَرُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَتْ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّوَانِيقِيِّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَئِمَّةُ عَصْرِهِ حَاضِرُونَ فَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ يُكْرَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ سَاكِتٌ فَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ فَقَالَ إنْ وَضَعَ فَاهُ فِي مَوْضِعِ الْفِضَّةِ يُكْرَهُ، وَإِلَّا فَلَا فَقِيلَ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك فَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمُ فِضَّةٍ فَشَرِبَ مِنْ كَفِّهِ أَيُكْرَهُ ذَلِكَ فَوَقَفَ الْكُلُّ، وَتَعَجَّبَ أَبُو جَعْفَرٍ مِنْ جَوَابِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُقْبَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: الْمُتْرَفِينَ) أَيْ الْمُتَنَعِّمِينَ يُقَالُ أَتْرَفَهُ أَيْ نَعَّمَهُ، وَأَتْرَفَتْهُ النِّعْمَةُ أَيْ أَطْغَتْهُ كَذَا فِي الدِّيوَانِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) أَيْ كَالْمُكْحُلَةِ وَالْمِرْآةِ وَالْمِجْمَرَةِ (قَوْلُهُ: فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ) التَّوْرُ إنَاءٌ صَغِيرٌ يُشْرَبُ فِيهِ، وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ. اهـ. مُغْرِبٌ.

قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ)، وَهَذَا سَهْوٌ؛ وَلِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ مِنْ الدِّيَانَاتِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الدِّيَانَاتِ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ خَاصَّةً لِلضَّرُورَةِ؛ وَلِأَنَّ خَبَرَهُ صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ يَعْتَقِدُ فِيهِ حُرْمَةَ الْكَذِبِ، وَالْحَاجَةُ مَاسَةٌ إلَى قَبُولِ قَوْلِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْمُعَامَلَاتِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَّا إذَا كَانَ قَبُولُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ يَتَضَمَّنُ قَبُولَهُ فِي الدِّيَانَاتِ فَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ الدِّيَانَاتُ فِي ضَمِنَ الْمُعَامَلَاتِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهَا ضَرُورَةً، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ ضِمْنًا، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قَصْدًا أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الشُّرْبِ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ، وَتَبَعًا لِلْأَرْضِ يَجُوزُ فَكَذَا هُنَا يَدْخُلُ حَتَّى إذَا كَانَ لَهُ خَادِمٌ أَوْ أَجِيرٌ مَجُوسِيٌّ فَأَرْسَلَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ لَحْمًا فَقَالَ اشْتَرَيْته مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ وَسِعَهُ أَكْلُهُ، وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْته مِنْ مَجُوسِيٍّ لَا يَسَعُهُ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَ فِي حَقِّ الشِّرَاءِ مِنْهُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ ضَرُورَةً لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ قَصْدًا بِأَنْ قَالَ هَذَا حَلَالٌ، وَهَذَا حَرَامٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْمَمْلُوكِ وَالصَّبِيُّ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ وَالْفَاسِقِ فِي الْمُعَامَلَاتِ) أَيْ خَبَرُ هَؤُلَاءِ يُقْبَلُ فِيمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ يُقْبَلُ فِيهَا خَبَرُ كُلِّ مُمَيِّزٍ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا لِعُمُومِ الضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى سُقُوطِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَجِدُ الْمُسْتَجْمِعَ لِشَرَائِطِ الْعَدَالَةِ لِيُعَامِلَهُ أَوْ يَسْتَخْدِمَهُ، وَيَبْعَثَهُ إلَى وُكَلَائِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا دَلِيلَ مَعَ السَّامِعِ يَعْمَلُ بِهِ سِوَى الْخَبَرِ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ لَامْتَنَعَ بَابُ الْمُعَامَلَاتِ وَوَقَعُوا فِي حَرَجٍ عَظِيمٍ وَبَابُهُ مَفْتُوحٌ؛ وَلِأَنَّ الْمُعَامَلَاتِ لَيْسَ فِيهَا إلْزَامٌ وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ لِلْإِلْزَامِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهَا فِيهَا؛ لِأَنَّ الْحَالَ فِيهَا حَالُ مُسَالَمَةٍ لَا حَالُ مُنَازَعَةٍ حَتَّى يُخَافُ فِيهَا التَّزْوِيرُ وَالِاشْتِغَالُ بِالْأَبَاطِيلِ؛ وَلِأَنَّ الْمُعَامَلَاتِ أَكْثَرُ وُقُوعًا فَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِيهَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا التَّمْيِيزُ لَا غَيْرُ فَإِذَا قُبِلَ فِيهَا قَوْلُ الْمُمَيِّزِ، وَكَانَ فِي ضِمْنِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِيهَا قَبُولُهُ فِي الدِّيَانَاتِ، يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الدِّيَانَاتِ ضِمْنًا لِمَا ذَكَرْنَا حَتَّى إذَا قَالَ مُمَيِّزٌ هَذَا أَهْدَى إلَيْك فُلَانٌ أَوْ قَالَتْ جَارِيَةٌ لِرَجُلٍ بَعَثَنِي مَوْلَايَ إلَيْك هَدِيَّةً وَسِعَهُ الْأَخْذُ، وَالِاسْتِعْمَالُ حَتَّى جَازَ لَهُ الْوَطْءُ بِذَلِكَ الْخَبَرِ. ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الدِّيَانَاتِ صَارَتْ تَبَعًا لِلْمُعَامَلَاتِ فَيَثْبُتُ بِثُبُوتِ الْمُعَامَلَاتِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مُعَامَلَةٍ لَا تَخْلُو عَنْ دِيَانَةٍ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ فِيهَا فِي ضِمْنِ الْمُعَامَلَاتِ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ، وَكَانَ يَنْسَدُّ بَابُ الْمُعَامَلَاتِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهُوَ مَفْتُوحٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُمَيِّزِ فِيهَا ضَرُورَةً بِخِلَافِ الدِّيَانَاتِ الْمَقْصُودَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا كَالْمُعَامَلَاتِ فَلَا حَرَجَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهَا، وَكَذَا الْكَافِرُ وَالصَّغِيرُ مُتَّهَمَانِ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَا يَلْتَزِمَانِ الْحُكْمَ فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُلْزِمَا غَيْرَهُمَا بِخِلَافِ الْمُعَامَلَةِ؛ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ مَعَهُمَا، وَمِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِهَا مَعَهُمَا قَبُولُ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَهَيَّأُ إلَّا بِقَبُولِ قَوْلِهِمَا، وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ قَوْلُ الْمَسْتُورِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاحَ كَانَ غَالِبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَكَذَا الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ) أَيْ الْمَشْدُودُ بِهِ يُقَالُ بَابٌ مُضَبَّبٌ أَيْ مَشْدُودٌ بِالضَّبَّاتِ جَمْعُ ضَبَّةٍ، وَهِيَ حَدِيدَتُهُ الْعَارِضَةُ الَّتِي يُضَبَّبُ بِهَا. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ، وَمِنْهُ ضَبَّبَ أَسْنَانَهُ إذَا شَدَّهَا بِالْفِضَّةِ. اهـ.، وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالضَّبَّةُ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ صُفْرٍ أَوْ نَحْوِهِ يُشَعَّبُ بِهَا الْإِنَاءُ وَجَمْعُهَا ضَبَّاتٌ مِثْلُ جَنَّةٍ وَجَنَّاتٍ وَضَبَّبْتُهُ بِالتَّثْقِيلِ عَمِلْت لَهُ ضَبَّةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالثَّفْرِ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مِنْ بَابِ الرَّاءِ وَالثَّفْرُ بِالتَّحْرِيكِ ثَفَرُ الدَّابَّةِ، وَقَدْ أَثْفَرْتهَا أَيْ شَدَدْت عَلَيْهَا الثَّفْرَ وَدَابَّةٌ مِثْفَارٌ يُرْمَى بِسَرْجِهِ إلَى مُؤَخَّرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ)، وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ إذَا جَعَلَ ذَلِكَ فِي السَّقْفِ جَازَ عِنْدَهُ، وَكَرِهَهُ أَبُو يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ) فَصَارَ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ قَصْدًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا تَابِعٌ فَلَا يُكْرَهُ كَالْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ وَشَبَّهَ ذَلِكَ بِالشُّرْبِ مِنْ الْكَفِّ عَلَى خِنْصَرِهِ خَاتَمُ فِضَّةٍ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَصَارَ مِنْ جِنْسِ التَّحَمُّلِ، وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ، وَقَالَ الْخَاتَمُ لَمْ يَصِرْ جُزْءًا مِنْ الْكَفِّ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَكَلَامُ أَبِي يُوسُفَ بَاطِلٌ بِالْمِسْمَارِ. اهـ. فَرْعٌ: قَالَ فِي سَيْرِ الْعُيُونِ قَالَ مُحَمَّدٌ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيبَاجِ، وَفُرُشِ الدِّيبَاجِ لَا يَقْعُدُ عَلَيْهَا، وَلَا يَنَامُ، وَأَوَانِي الذَّهَبِ لِلتَّجَمُّلِ لَا يَشْرَبُ فِيهِ. اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي الْمُعَامَلَاتِ خَاصَّةً لِلضَّرُورَةِ) قُلْت هَذَا لَيْسَ بِسَهْوٍ، وَهَذَا الْمِقْدَارُ لَا يَخْفَى عَلَى مِثْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْحِلِّ الْحِلَّ الضِّمْنِيَّ وَبِالْحُرْمَةِ الْحُرْمَةَ الضِّمْنِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ حَاصِلَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَمَنْ أَرْسَلَ أَجِيرًا لَهُ مَجُوسِيًّا أَوْ خَادِمًا فَاشْتَرَى لَحْمًا فَقَالَ اشْتَرَيْته مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ وَسِعَهُ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْكَافِرِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ يَعْتَقِدُ فِيهِ حُرْمَةَ الْكَذِبِ وَالْحَاجَةُ مَاسَةٌ إلَى قَبُولِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْمُعَامَلَاتِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَسْعَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ ذَبِيحَةَ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ: فِي الْحِلِّ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ، وَمُرَادُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ هُوَ هَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ: فِي الْحِلِّ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ فَافْهَمْ. اهـ عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَكَذَا هُنَا يَدْخُلُ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ كَانَ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلَّمَ عَبِيدٌ مِنْ الْعُلُوجِ، وَكَانُوا يُسْتَعْلَمُونَهُمْ، وَيُصَدِّقُونَهُمْ عَلَى مَقَالَتِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ فِي حَقِّ الشِّرَاءِ مِنْهُ) وَالشِّرَاءُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَأَصْلُهُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ حُجَّةٌ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ خَبَرَ الْوَاحِدِ حُجَّةً فِي كِتَابِهِ قَالَ تَعَالَى {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس: 20]، وَقَالَ تَعَالَى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19]، وَقَدْ تَوَارَثْنَا السُّنَّةَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْبَلَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا تَرَكُوا الْقِيَاسَ لِلْعَادَةِ الْجَارِيَةِ أَنَّهُمْ يَقْبَلُونَ قَوْلَهُمَا فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ اعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ خَبَرَ الْحُرِّ الْبَالِغِ لَشَقَّ عَلَى النَّاسِ فَجُوِّزَ لِذَلِكَ، وَقَدْ قَالُوا يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ فِي ذَلِكَ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ مِنْ السَّامِعِ مِنْ صِفَةِ الْمُخْبِرِ فَإِذَا رَأَى الْعَبْدَ يَبِيعُ شَيْئًا لَمْ يَشْتَرِ مِنْهُ حَتَّى يَسْأَلَهُ فَإِذَا ذَكَرَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ ثِقَةً فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ هَذَا أَهْدَاهُ إلَيْك مَوْلَايَ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِه

فِيهِ وَلِهَذَا جَازَ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْفَاسِقِ حَتَّى يُعْتَبَرَ فِي خَبَرِهِ فِي الدِّيَانَاتِ أَكْبَرُ الرَّأْيِ كَمَا فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ لِظُهُورِ الْفَسَادِ فِي زَمَانِنَا. وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ إذَا كَانُوا عُدُولًا لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ كَخَبَرِ الْحُرِّ إذَا كَانَ عَدْلًا، وَمِنْ الْمُعَامَلَاتِ التَّوْكِيلُ وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ، وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَى النِّزَاعِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَمِنْ الدِّيَانَاتِ الْإِخْبَارُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ حَتَّى إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّهُ نَجَسٌ تَيَمَّمَ، وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ فَاسِقًا تَحَرَّى فِيهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَسْتُورًا فِي الصَّحِيحِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَادِقٌ تَيَمَّمَ، وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَإِنْ أَرَاقَهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ كَانَ أَحْوَطَ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ مُجَرَّدُ ظَنٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فِيهِ بِخِلَافِ خَبَرِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِرَاقَةِ مَعَهُ، وَلَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَلَا يَتَيَمَّمُ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْكَذِبِ، وَهَذَا جَوَابُ الْحُكْمِ. وَأَمَّا الِاحْتِيَاطُ فَأَنْ يَتَيَمَّمَ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ مُجَرَّدُ ظَنٍّ فَلَا يَمْنَعُ احْتِمَالَ ضِدِّهِ، وَمِنْ الدِّيَانَةِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ الْمَقْصُودَانِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمَا زَوَالُ الْمِلْكِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخَبَرِ أَنْوَاعٌ أَحَدُهُمَا خَبَرُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا لَيْسَ فِيهِ عُقُوبَةٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ لَا غَيْرُ وَالثَّانِي خَبَرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا فِيهِ عُقُوبَةٌ فَهُوَ كَالْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْجَصَّاصِ خِلَافًا لِأَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّوَاتُرُ عِنْدَهُ وَشَهْرُ رَمَضَانَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالثَّالِثُ: حُقُوقُ الْعِبَادِ فِيمَا فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَالْعَدَدُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ، وَالرَّابِعُ حُقُوقُ الْعِبَادِ: فِيمَا فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا حَيْثُ يُقْبَلُ فِيهَا عِنْدَهُمَا خَبَرُ كُلِّ مُمَيِّزٍ، وَالْخَامِسُ الْمُعَامَلَاتُ فَيُقْبَلُ فِيهَا خَبَرُ كُلِّ مُمَيِّزٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَمْثِلَةَ كُلِّ قِسْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ، وَمِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَالشَّهَادَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ وَثَمَّةَ لَعِبٌ وَغِنَاءٌ يَقْعُدُ، وَيَأْكُلُ) أَيْ إذَا حَدَثَ اللَّعِبُ وَالْغِنَاءُ هُنَاكَ بَعْدَ حُضُورِهِ يَقْعُدُ وَيَأْكُلُ، وَلَا يَتْرُكُ، وَلَا يَخْرُجُ؛ لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَلَا يَتْرُكُهَا لِمَا اقْتَرَنَتْ الْبِدْعَةُ مِنْ غَيْرِهِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَا يَتْرُكُهَا لِأَجْلِ النَّائِحَةِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ مَنَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يَصْبِرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ اُبْتُلِيتُ بِهَذَا مَرَّةً هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى بِهِ فَإِنْ كَانَ مُقْتَدًى بِهِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ يَخْرُجُ، وَلَا يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ شَيْنَ الدِّينِ، وَفَتْحَ بَابِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمَائِدَةِ فَلَا يَقْعُدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَعِبٌ وَغِنَاءٌ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَهَا فَلَا يَحْضُرُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ. «، وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَنَعْتُ طَعَامًا فَدَعَوْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ تَصَاوِيرَ فَرَجَعَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَطْعَمَيْنِ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ، وَأَنْ يَأْكُلَ وَهُوَ مُنْبَطِحٌ» رَوَاهُ دَاوُد وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ حَتَّى التَّغَنِّي بِضَرْبِ الْقَضِيبِ، وَكَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اُبْتُلِيتُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ يَكُونُ بِالْمُحَرَّمِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْحِرَ وَالْمَعَازِفَ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمَا زَوَالٌ) أَيْ كَإِخْبَارِ الْعَدْلِ الزَّوْجَيْنِ بِأَنَّهُمَا ارْتَضَعَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَشَهْرُ رَمَضَانَ) أَيْ الشَّهَادَةُ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَتْرُكُهَا لِأَجْلِ النَّائِحَةِ) لَا يُقَالُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةٌ فَلَا يَدُلُّ عَدَمُ تَرْكِهَا لِاقْتِرَانِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى عَدَمِ تَرْكِ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ لِاقْتِرَانِ الْمَعْصِيَةِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ، وَهِيَ أَضْعَفُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَإِنْ كَانَتْ سُنَّةً إلَّا أَنَّهَا فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ لِمَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا» وَرُوِيَ فِي السُّنَنِ أَيْضًا مُسْنَدًا إلَى ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ» وَرُوِيَ فِي السُّنَنِ أَيْضًا مُسْنَدًا إلَى جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ دُعِيَ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ»، ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ) أَيْ حَالَ شَبَابِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمَائِدَةِ فَلَا يَقْعُدُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ فَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ الدُّخُولِ إنْ كَانَ مُحْتَرَمًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ يَتْرُكُونَ ذَلِكَ احْتِرَامًا لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْمَعْصِيَةِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ لَا يَتْرُكُونَ فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ قَالَ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ امْرَأَةٌ سَأَلَتْ أَبَا يُوسُفَ عَنْ الدُّفِّ أَتَكْرَهُهُ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ مِثْلُ الْمَرْأَةِ فِي مَنْزِلِهَا وَالصَّبِيِّ قَالَ فَلَا أَكْرَهُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَجِيءُ مِنْهُ اللَّعِبُ الْفَاحِشُ وَالْغِنَاءُ فَإِنِّي أَكْرَهُهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

[فصل في اللبس]

الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّغَنِّي الْمُجَرَّدِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَالِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ مَعْصِيَةٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَوْ سَمِعَ بَغْتَةً فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَغَنَّى لِيَسْتَفِيدَ بِهِ فَهْمَ الْقَوَافِي وَالْفَصَاحَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجُوزُ التَّغَنِّي لِدَفْعِ الْوَحْشَةِ إذَا كَانَ وَحْدَهُ، وَلَا يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -، وَلَوْ كَانَ فِي الشِّعْرِ حِكَمٌ أَوْ عِبَرٌ أَوْ فِقْهٌ لَا يُكْرَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ امْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً، وَهِيَ مَيِّتَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً يُكْرَهُ. (فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (حَرُمَ لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ الْحَرِيرِ إلَّا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ) أَيْ حَرُمَ عَلَى الرَّجُلِ لَا عَلَى الْمَرْأَةِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَاللَّامُ تَأْتِي بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أَيْ فَعَلَيْهَا، وَإِنَّمَا حَرُمَ لُبْسُ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَحَلَّ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ لِلْإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِهِ وَحَرَّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ»، وَعَنْ أَنَسٍ مِثْلُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ إلَّا أَنَّ الْيَسِيرَ عَفْوٌ مِقْدَارُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ كَمَا ذَكَرَ هُنَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا هَكَذَا وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى وَضَمَّهُمَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ «نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَجَمَاعَةٌ آخَرُونَ، وَعَنْ «أَسْمَاءَ أَنَّهَا أَخْرَجَتْ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ عَلَيْهَا لِبْنَةُ شِبْرٍ مِنْ دِيبَاجٍ كِسْرَوَانِيٍّ وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِهِ فَقَالَتْ هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَلَمَّا قُبِضَتْ عَائِشَةُ قَبَضْتَهَا إلَيَّ فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرِيضِ فَيُسْتَشْفَى بِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَةَ الشِّبْرِ، وَعَنْ مُعَاوِيَةَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رُكُوبِ النِّمَارِ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مُقَطَّعًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَكَذَا الثَّوْبُ الْمَنْسُوجُ بِالذَّهَبِ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يُكْرَهُ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَكَذَا تِكَّةُ الْحَرِيرِ وَلِبْنَتُهُ، وَهُوَ الْقَبُّ لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ تَامٌّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَلَّ تَوَسُّدُهُ وَافْتِرَاشُهُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَانَا أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْمَيَاثِرِ» وَالْمَيَاثِرُ شَيْءٌ كَانَتْ تَصْنَعُهُ النِّسَاءُ لِبُعُولَتِهِنَّ عَلَى الرَّحْلِ كَالْقَطَائِفِ مِنْ الْأُرْجُوَانِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: لَأَنْ أَتَّكِئَ عَلَى جَمْرِ الْغَضَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَّكِئَ عَلَى مَرَافِقِ الْحَرِيرِ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِدَابَّةٍ عَلَى سَرْجِهَا حَرِيرٌ فَقَالَ هَذَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ؛ وَلِأَنَّ التَّنَعُّمَ بِالتَّوَسُّدِ وَالِافْتِرَاشِ مِثْلُ التَّنَعُّمِ بِاللُّبْسِ، وَهُوَ زِيُّ الْأَكَاسِرَةِ وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ حَرَامٌ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إيَّاكُمْ وَزِيَّ الْأَعَاجِمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ عَلَى مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ»؛ وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْمَلْبُوسِ مُبَاحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ] (فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ) (قَوْلُهُ: كِسْرَوَانِيَّةٍ) مَنْسُوبٌ إلَى كِسْرَى، وَهُوَ لَقَبُ مُلُوكِ الْفَرَسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا مُقَطَّعًا) أَيْ الْيَسِيرَ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ)، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَنْ نَوَادِرِ هِشَامٍ أَنَّ مُحَمَّدًا كَرِهَ تِكَّةَ الدِّيبَاجِ وَالْإِبْرَيْسَمَ، وَقَالَ فِي فَتَاوَى الصُّغْرَى، وَلَا بَأْسَ بِتِكَّةِ الْحَرِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) أَيْ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَتَبِعَهُ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِافْتِرَاشِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهِمَا، وَكَرِهَ ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَقَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَفْعَلَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي سُتَرِ الْحَرِيرِ، وَتَعْلِيقِهِ عَلَى الْأَبْوَابِ يَعْنِي لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُمَا الْعُمُومَاتُ فِي تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ، وَهِيَ تَشْمَلُ اللُّبْسَ وَالتَّوَسُّدَ جَمِيعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ) أَيْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: كَالْقَطَائِفِ مِنْ الْأُرْجُوَانِ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِيهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ مِيْثَرَةِ الْأُرْجُوَانِ الْمِيثَرَةُ بِالْكَسْرِ مِفْعَلَةٌ مِنْ الْوَثَارَةِ يُقَالُ وَثُرَ وَثَارَةً فَهُوَ وَثِيرٌ أَيْ وَطِيءٌ لَيِّنٌ، وَأَصِلُهَا مِوْثَرَةٌ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِكِسْرَةِ الْمِيمِ، وَهِيَ مِنْ مَرَاكِبِ الْعَجَمِ تُعْمَلُ مِنْ حَرِيرٍ أَوْ دِيبَاجٍ وَالْأُرْجُوَانُ صِبْغٌ أَحْمَرُ وَيُتَّخَذُ كَالْفِرَاشِ الصَّغِيرِ، وَيُحْشَى بِقُطْنٍ أَوْ صُوفٍ يَجْعَلُهَا الرَّاكِبُ تَحْتَهُ عَلَى الرِّحَالِ فَوْقَ الْجِمَالِ، وَيَدْخُلُ مَيَاثِرُ السُّرُوجِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَشْمَلُ كُلَّ مِيْثَرَةٍ حَمْرَاءَ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى رَحْلٍ أَوْ سَرْجٍ. اهـ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْوَاوِ مَعَ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ زِيُّ الْأَكَاسِرَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْمَلْبُوسِ حَلَالٌ، وَهُوَ الْعَلَمُ فَكَذَا الْقَلِيلُ مِنْ اللُّبْسِ، وَهُوَ التَّوَسُّدُ وَالِافْتِرَاشُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِعْمَالٍ كَامِلٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّوَسُّدَ وَالِافْتِرَاشَ وَالنَّوْمَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالٌ، وَهُوَ مَعَ كُلٍّ امْتِهَانٌ فَقَصُرَ مَعْنَى الِاسْتِعْمَالِ وَالتَّزَيُّنِ بِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُكْمُ التَّحْرِيمِ مِنْ اللُّبْسِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْكَامِلُ إلَيْهِ فَلَمْ يُحَرَّمْ بَلْ كَانَ ذَلِكَ تَقْلِيلًا لِلُّبْسِ وَنَمُوذَجًا، وَتَرْغِيبًا فِي نَعِيمِ الْآخِرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمِرْفَقَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وِسَادَةُ الِاتِّكَاءِ. اهـ.

كَالْأَعْلَامِ فَكَذَا الْقَلِيلُ مِنْ اللُّبْسِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَمُوذَجًا وَنَظِيرُهُ انْكِشَافُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَا يُفْسِدُ فَكَذَا الْكَثِيرُ فِي زَمَنٍ قَلِيلٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ كُرْسِيِّ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْعُدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ تَامٌّ فِي حَقِّهِ إذْ هُمَا لَا يُلْبَسَانِ فَلَا يَكُونُ نَمُوذَجًا؛ لِأَنَّ عَيْنَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ نَمُوذَجًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ نَمُوذَجًا إذَا كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلُبْسُ مَا سَدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ قُطْنٌ أَوْ خَزٌّ)؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَزَّ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُسْدَى بِالْحَرِيرِ؛ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يَصِيرُ ثَوْبًا إلَّا بِالنَّسْجِ وَالنَّسْجُ بِاللُّحْمَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَبَرَةَ أَوْ نَقُولُ لَا يَكُونُ ثَوْبًا إلَّا بِهِمَا فَتَكُونُ الْعِلَّةُ ذَاتَ وَجْهَيْنِ فَيُعْتَبَرُ آخِرُهُمَا، وَهُوَ اللُّحْمَةُ؛ وَلِأَنَّ اللُّحْمَةَ هِيَ الَّتِي تَظْهَرُ فِي الْمَنْظَرِ فَيَكُونُ الْعِبْرَةُ لِمَا يَظْهَرُ دُونَ مَا يَخْفَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَعَكْسُهُ حَلَّ فِي الْحَرْبِ فَقَطْ) أَرَادَ بِهِ عَكْسَ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ لُحْمَتُهُ حَرِيرًا وَسَدَاهُ غَيْرَهُ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْحَرْبِ فَقَطْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلُّحْمَةِ غَيْرَ أَنَّ فِي الْحَرْبِ ضَرُورَةً، وَلَا يَجُوزُ لُبْسُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ فِي الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَخَّصَ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ»؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً فَإِنَّ الْخَالِصَ مِنْهُ أَدْفَعُ لِمَعَرَّةِ السِّلَاحِ، وَأَهْيَبُ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ لِبَرِيقِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إطْلَاقُ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيهَا بَيْنَ حَالٍ وَحَالٍ وَالضَّرُورَةُ انْدَفَعَتْ بِالْمَخْلُوطِ الَّذِي لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْخَالِصِ مِنْهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إمَّا حَرِيرٌ خَالِصٌ أَوْ مَخْلُوطٌ، وَهُوَ نَوْعَانِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَرِيرُ سُدًى أَوْ لُحْمَةً، وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَكْرَهُ ثَوْبَ الْقَزِّ يَكُونُ بَيْنَ الظِّهَارَةِ وَالْبِطَانَةِ، وَلَا أَرَى بِحَشْوِ الْقَزِّ بَأْسًا؛ لِأَنَّ الْحَشْوَ غَيْرُ مَلْبُوسٍ فَلَا يَكُونُ ثَوْبًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَتَحَلَّى الرَّجُلُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَّا بِالْخَاتَمِ وَالْمِنْطَقَةِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ) لِمَا رَوَيْنَا غَيْرَ أَنَّ الْخَاتَمَ وَالْمِنْطَقَةَ وَحِلْيَةَ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ مُسْتَثْنَى تَحْقِيقًا لِمَعْنَى النَّمُوذَجِ وَالْفِضَّةُ أَغْنَتْ عَنْ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ وَرَدَ آثَارٌ فِي جَوَازِ التَّخَتُّمِ بِالْفِضَّةِ، وَكَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمُ فِضَّةٍ، وَكَانَ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ عُمَرَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ إلَى أَنْ وَقَعَ مِنْ يَدِهِ فِي الْبِئْرِ فَأَنْفَقَ فِي طَلَبِهِ مَالًا عَظِيمًا فَلَمْ يَجِدْهُ وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ وَالتَّشْوِيشُ بَيْنَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى أَنْ اُسْتُشْهِدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَا يَتَخَتَّمُ بِغَيْرِ الْفِضَّةِ كَالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَأَى عَلَى رَجُلٍ خَاتَمَ صُفْرٍ فَقَالَ مَا لِي أَجِدُ مِنْك رَائِحَةَ الْأَصْنَامِ وَرَأَى عَلَى آخَرَ خَاتَمَ حَدِيدٍ فَقَالَ مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ «رَجُلًا جَلَسَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقَامَ ثُمَّ عَادَ، وَعَلَيْهِ خَاتَمُ حَدِيدٍ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا شَرٌّ مِنْهُ هَذِهِ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ». وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَطْلَقَ التَّخَتُّمَ بِحَجَرٍ يُقَالُ لَهُ يَشْبٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَجَرٍ إذْ لَيْسَ لَهُ ثِقَلُ الْحَجَرِ وَالتَّخَتُّمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: نَمُوذَجًا) النَّمُوذَجُ بِالْفَتْحِ وَالْأُنْمُوذَجُ بِالضَّمِّ تَعْرِيبُ نموده، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ لَذَّةَ مَا وُعِدَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْهُ، وَيَرْغَبُ فِي سَبَبٍ يُوَصِّلُهُ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذْ هُمَا لَا يُلْبَسَانِ) أَيْ، وَإِنَّمَا يُتَّخَذُ مِنْهُمَا الْكُرْسِيُّ وَنَحْوُهُ فَلَا يَكُونُ الْجُلُوسُ عَلَى الْكُرْسِيِّ أُنْمُوذَجًا إلَى الْكَامِلِ فِي الْآخِرَةِ قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ أَيْ الْكُرْسِيُّ فِي الدُّنْيَا. اهـ. . (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلُبْسُ مَا سَدَاه حَرِيرٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ السَّدَى وَزَّانُ الْحَصَى مِنْ الثَّوْبِ خِلَافُ اللُّحْمَةِ، وَهُوَ مَا يُمَدُّ طُولًا فِي النَّسْجِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلُحْمَتُهُ قُطْنٌ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالْمُلْحَمُ مِنْ الثِّيَابِ مَا سَدَاه إبْرَيْسَمٌ وَلُحْمَتُهُ غَيْرُ إبْرَيْسَمٍ، وَمِنْهُ الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ أَيْ تَشَابُكٌ وَوُصْلَةٌ كَوُصْلَتِهِ. اهـ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَلُحْمَةُ الثَّوْبِ مَا يُنْسَجُ عَرْضًا بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ لُغَةً، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ثَعْلَبٌ وَاللُّحْمَةُ بِالضَّمِّ الْقَرَابَةُ وَالْفَتْحُ لُغَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: الْخَزَّ) الْخَزُّ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَتَشْدِيدِ الزَّايِ، وَهُوَ اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ سُمِّيَ الْمُتَّخِذُ مِنْ وَبَرِهِ خَزًّا. اهـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ نَقُولُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ إنَّمَا يَصِيرُ ثَوْبًا بِالنَّسْجِ، وَهُوَ تَرْكِيبُ السَّدَى بِاللُّحْمَةِ فَكَانَ صَيْرُورَتُهُ ثَوْبًا مُضَافًا إلَيَّ اللُّحْمَةِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا تَعَلَّقَ وُجُودُهُ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا فَهَذِهِ النُّكْتَةُ تَقْتَضِي إبَاحَةَ الْعَتَّابِيِّ وَنَحْوِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ اللُّحْمَةَ هِيَ الَّتِي تَظْهَرُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذِهِ النُّكْتَةُ تَقْتَضِي أَنَّ السَّدَى لَوْ كَانَ ظَاهِرًا كَالْعَتَّابِيِّ يُكْرَهُ لُبْسُهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: لِمَعَرَّةِ السِّلَاحِ) أَيْ شِدَّتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْقَزِّ) الْقَزُّ مُعَرَّبٌ قَالَ اللَّيْثُ هُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ الْإِبْرَيْسَمُ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْقَزُّ وَالْإِبْرَيْسَمُ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ. اهـ. مِصْبَاحٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْفِضَّةِ) قَيْدٌ لِلْمَذْكُورِ جَمِيعِهِ. اهـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَعَ مِنْ يَدِهِ فِي الْبِئْرِ) فِي بِئْرِ أَرِيسٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَنْ النَّاسِ إلَخْ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ لَا يُتَخَتَّمُ إلَّا بِالْفِضَّةِ، وَكَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْفَصِّ يَكُونُ فِيهِ الْحَجَرُ فِيهِ مِسْمَارُ ذَهَبٍ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهِيَ مِنْ الْخَوَاصِّ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْحَجَرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ يَشْبٌ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ النَّهْيَ حَيْثُ قَالَ لَا يُتَخَتَّمُ إلَّا بِالْقَضَّةِ، وَمَنْ النَّاسِ مَنْ أَبَاحَ التَّخَتُّمَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالصُّفْرِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ جُمْلَتِهَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ لِظَاهِرِ لَفْظِ الْكِتَابِ كَرِهَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا التَّخَتُّمَ بِالْيَشْبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَأَنَّ مُرَادَهُ كَرَاهَةُ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ أَنَّهُ زِيُّ أَهْلِ النَّارِ فَأَمَّا الْيَشْبُ وَنَحْوُهُ فَلَا بَأْسَ بِالتَّخَتُّمِ بِهِ كَالْعَقِيقِ فَقَدْ وَرَدَ الْأَثَرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَخَتَّمُ بِالْعَقِيقِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) نَقَلَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ لَا بَأْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَّخِذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فَصُّهُ مِنْهُ، وَإِنْ جَعَلَ فَصَّهُ مِنْ جَزْعٍ أَوْ عَقِيقٍ

بِالذَّهَبِ حَرَامٌ لِمَا رَوَيْنَا، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ»؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ ضَرُورَةُ التَّخَتُّمِ وَالنَّمُوذَجِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْأَدْنَى، وَهِيَ الْفِضَّةُ وَالْحَلْقَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ؛ لِأَنَّ قِوَامَ الْخَاتَمِ بِهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْفَصِّ حَتَّى يَجُوزَ مِنْ الْحَجَرِ، وَيُجْعَلُ الْفَصُّ إلَى بَاطِنِ كَفِّهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ لِلزِّنْيَةِ فِي حَقِّهَا وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَخَتَّمَ إذَا كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْقَاضِي وَالسُّلْطَانِ يَخْتِمُ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ فِضَّةٍ، وَلَا بَأْسَ بِمِسْمَارِ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي حَجَرِ الْفَصِّ أَيْ فِي ثُقْبِهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ كَالْعَلَمِ فَلَا يُعَدُّ لَابِسًا لَهُ، وَلَا يَزِيدُ وَزْنُهُ عَلَى مِثْقَالٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اتَّخِذْهُ مِنْ الْوَرِقِ، وَلَا تُزِدْهُ عَلَى مِثْقَالٍ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي تَرْكُ التَّخَتُّمِ وَحَرُمَ التَّخَتُّمُ بِالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالذَّهَبِ وَحَلَّ مِسْمَارُ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي حَجَرِ الْفَصِّ)، وَقَدْ بَيَّنَّا جَمِيعَ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَشَدُّ السِّنِّ بِالْفِضَّةِ) أَيْ يَحِلُّ شَدُّ السِّنِّ الْمُتَحَرِّكُ بِالْفِضَّةِ، وَلَا يَحِلُّ بِالذَّهَبِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحِلُّ بِالذَّهَبِ أَيْضًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ «عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ كِلَابٍ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ»؛ وَلِأَنَّ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَالْأَصْلُ الْحُرْمَةُ فِيهِمَا فَإِذَا حَلَّ التَّضْبِيبُ بِأَحَدِهِمَا حَلَّ بِالْآخِرِ. وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنَّ اسْتِعْمَالَهُمَا حَرَامٌ إلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَقَدْ زَالَتْ بِالْأَدْنَى، وَهُوَ الْفِضَّةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَعْلَى فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْحُرْمَةُ وَالضَّرُورَةُ فِيمَا رُوِيَ لَمْ تَنْدَفِعْ بِالْفِضَّةِ حَيْثُ أَنْتَنَتْ؛ وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِي السِّنِّ وَالْمَرْوِيَّ فِي الْأَنْفِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْإِغْنَاءِ فِي الْأَنْفِ عَدَمُ الْإِغْنَاءِ فِي السِّنِّ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّخَتُّمَ جَازَ لِأَجْلِ الْخَتْمِ ثُمَّ لَمَّا، وَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ بِالْأَدْنَى لَا يُصَارُ إلَى الْأَعْلَى، وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُهُ عَلَى الْأَنْفِ فَكَذَا هُنَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَصَّ عَرْفَجَةَ بِذَلِكَ كَمَا خَصَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ لِأَجْلِ الْحَكَّةِ فِي جِسْمِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكُرِهَ إلْبَاسُ ذَهَبٍ وَحَرِيرٍ صَبِيًّا)؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمَّا ثَبَتَ فِي حَقِّ الذُّكُورِ وَحَرُمَ اللُّبْسُ حَرُمَ الْإِلْبَاسُ أَيْضًا كَالْخَمْرِ لَمَّا حَرُمَ شُرْبُهَا حَرُمَ سَقْيُهَا الصَّبِيَّ، وَكَذَا الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا الْخِرْقَةُ لِوُضُوءٍ، وَمُخَاطٍ وَالرَّتَمُ) أَيْ لَا تُكْرَهُ الْخِرْقَةُ لِوُضُوءٍ، وَلَا الرَّتَمُ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُكْرَهُ حَمْلُ الْخِرْقَةِ الَّتِي يَمْسَحُ بِهَا الْعَرَقَ؛ لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ، وَتَشَبُّهٌ بِزِيِّ الْأَعَاجِمِ، وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَمْسَحُونَ بِأَطْرَافِ أَرْدِيَتِهِمْ، وَفِيهَا نَوْعُ تَجَبُّرٍ، وَتَكَبُّرٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ، وَلَا الرَّتَمُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ اسْتَعْمَلُوا فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ مَنَادِيلَ الْوُضُوءِ وَالْخِرَقَ لِمَسْحِ الْمُخَاطِ وَالْعَرَقِ وَلِحَمْلِ شَيْءٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ لَوْ حَمَلَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ يُكْرَهُ كَالتَّرَبُّعِ وَالِاتِّكَاءِ فَإِنَّهُمَا لَا يُكْرَهَا إذَا كَانَا لِحَاجَةٍ، وَيُكْرَهَانِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَالرَّتَمُ هِيَ الرَّتِيمَةُ، وَهِيَ خَيْطُ التَّذَكُّرِ يُعْقَدُ فِي الْأُصْبُعِ، وَكَذَلِكَ الرَّتَمَةُ قَالَ الشَّاعِرُ. إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَاتُنَا فِي نُفُوسِكُمْ ... فَلَيْسَ بِمُغْنٍ عَنْك عَقْدُ الرَّتَائِمِ ، وَقِيلَ الرَّتَمُ ضَرْبٌ مِنْ الشَّجَرِ، وَأَنْشَدَ ابْنُ السِّكِّيتِ هَلْ يَنْفَعَنْكَ الْيَوْمَ إنْ هَمَّتْ بِهِمْ ... كَثْرَةُ مَا تُوصِي وَتَعْقَادُ الرَّتَمْ وَقَالَ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إذَا خَرَجَ إلَى سَفَرٍ عَمَدَ إلَى هَذَا الشَّجَرِ فَشَدَّ بَعْضَ أَغْصَانِهِ بِبَعْضٍ فَإِذَا رَجَعَ، وَأَصَابَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ قَالَ لَمْ تَخُنِّي امْرَأَتِي، وَإِذَا أَصَابَهُ قَدْ انْحَلَّ قَالَ خَانَتْنِي هَكَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ الثِّقَاتِ إلَّا أَنَّ اللَّيْثَ ذَكَرَ الرَّتَمَ بِمَعْنَى الرَّتِيمَةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ ثُمَّ الرَّتِيمَةُ قَدْ تُشْتَبَهُ بِالتَّمِيمَةِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ، وَهِيَ خَيْطٌ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ فَيْرُوزَجَ أَوْ يَاقُوتٍ أَوْ زُمُرُّدٍ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ نَقَشَ عَلَيْهِ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ أَوْ مَا بَدَا لَهُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ رَبِّي اللَّهُ أَوْ نِعْمَ الْقَادِرُ اللَّهُ فَلَا بَأْسَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (فَرْعٌ آخَرُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ، وَفِي الْأَجْنَاسِ، وَيَلْبَسُ خَاتَمَهُ فِي خِنْصَرِهِ الْيُسْرَى، وَلَا يَلْبَسُهُ فِي الْيُمْنَى، وَلَا فِي غَيْرِ خِنْصَرِهِ الْيُسْرَى مِنْ أَصَابِعِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَسَوَّى الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ إلَخْ) قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ التَّخَتُّمُ إنَّمَا يَكُونُ سُنَّةً إذَا كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى التَّخَتُّمِ بِأَنْ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ قَاضِيًا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَى التَّخَتُّمِ فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَخْ) وَالشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ أَخَذَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي شَرْحِ الْآثَارِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: كِلَابٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِالْكَافِ، وَتَخْفِيفِ اللَّامِ اسْمُ وَادٍ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ كَانَتْ بِهِ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْعَرَبِ فِي حَدِيثِهَا طُولٌ وَلِلْعَرَبِ فِيهَا أَشْعَارٌ. اهـ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْكُلَابُ وِزَانُ غُرَابٍ مَاءٌ لِبَنِي تَمِيمٍ، وَكَانَ بِهِ، وَقْعَةٌ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ الْعَرَبِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَهُوَ عَنْ الْيَمَامَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَكَرِهَ إلَخْ)، وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ لَا يُكْرَهُ. اهـ. ع (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ تَكَبُّرًا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَبِدْعَةٌ، وَمَنْ فَعَلَ لِحَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ لَمْ يُكْرَهْ وَنَظِيرُهُ التَّرَبُّعُ فِي الْجُلُوسِ وَالِاتِّكَاءُ قَدْ يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ نَخْوَةً، وَتَكَبُّرًا، وَقَدْ يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ فَلَا يُكْرَهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَتَعْقَادُ الرَّتَمِ) وَالتِّعْقَادُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْعَقْدِ عَلَى وَزْنِ التِّفْعَالِ كَالتَّلْعَابِ وَالتَّهْذَارِ وَالْبَيْتُ بِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ هَلْ يَنْفَعَنك بِلَفْظِ هَلْ، وَهُوَ الْقِيَاسُ بِكَلَامِ الْعَرَبِ وَالْفُقَهَاءُ رَوَوْهُ فِي كُتُبِهِمْ لَا يَنْفَعَنك بِحَرْفِ النَّفْيِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقِيَاسٍ؛ لِأَنَّ حَرْفَ التَّوْكِيدِ لَا يَدْخُلُ فِي النَّفْيِ إلَّا نَادِرًا فِي الشِّعْرِ، وَقَوْلُهُ: هَمَّتْ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ، وَهِيَ

[فصل في النظر والمس]

يُرْبَطُ فِي الْعُنُقِ أَوْ فِي الْيَدِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ عَلَى زَعْمِهِمْ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَذَكَرَ فِي حُدُودِ الْإِيمَانِ أَنَّهُ كُفْرٌ وَالرَّتِيمَةُ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهَا تُرْبَطُ لِلتَّذَكُّرِ عِنْدَ النِّسْيَانِ، وَلَيْسَتْ كَالتَّمِيمَةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِهَا»، وَتَعَلَّقَ بِهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ فَلَا يُكْرَهُ بِخِلَافِ التَّمِيمَةِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِيهَا إنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ، وَتَأْوِيلُ الرُّقَى فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ عِنْدَ ذِكْرِ التَّدَاوِي بِالْحُقْنَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا يُنْظَرُ إلَى غَيْرِ وَجْهِ الْحُرَّةِ وَكَفَّيْهَا)، وَهَذَا كَلَامٌ فِيهِ خَلَلٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إلَّا إلَى وَجْهِ الْحُرَّةِ، وَكَفَّيْهَا فَيَكُونُ تَحْرِيضًا عَلَى النَّظَرِ إلَى هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ، وَإِلَى تَرْكِ النَّظَرِ إلَى كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُمَا، وَلَيْسَ هَذَا بِمَقْصُودٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ فِيهَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ لَا أَنَّهُ لَا يَكُفُّهُمَا، وَإِنَّمَا جَازَ النَّظَرُ إلَيْهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ مَا ظَهَرَ مِنْهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَالْمُرَادُ بِهِ مَوْضِعُهُمَا، وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفُّ كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] مَوَاضِعُهَا؛ وَلِأَنَّ فِي إبْدَائِهِمَا ضَرُورَةً لِحَاجَتِهَا إلَى الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ وَالْإِعْطَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُخَالَطَةِ فِيهَا ضَرُورَةً كَالْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَجُوزَ النَّظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ» إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ، وَهُمَا الْعُضْوَانِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَدَمَ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِي تَغْطِيَتِهِ بَعْضَ الْحَرَجِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى ذِرَاعِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَبْدُو مِنْهَا عَادَةً، وَمَا عَدَا مَا اسْتَثْنَى مِنْ الْأَعْضَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ صُبَّ فِي عَيْنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالُوا، وَلَا بَأْسَ بِالتَّأَمُّلِ فِي جَسَدِهَا، وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ مَا لَمْ يَكُنْ ثَوْبٌ يَبِينُ حَجْمُهَا فِيهِ فَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَأَمَّلَ خَلْقَ امْرَأَةٍ وَرَاءَ ثِيَابِهَا حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ حَجْمُ عِظَامِهَا لَمْ يُرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ»؛ وَلِأَنَّهُ مَتَى لَمْ تَصِفْ ثِيَابُهَا مَا تَحْتَهَا مِنْ جَسَدِهَا يَكُونُ نَاظِرًا إلَى ثِيَابِهَا، وَقَامَتِهَا دُونَ أَعْضَائِهَا فَصَارَ كَمَا إذَا نَظَرَ إلَى خَيْمَةٍ فِيهَا امْرَأَةٌ، وَمَتَى كَانَ يَصِفُ يَكُونُ نَاظِرًا إلَى أَعْضَائِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَنْظُرُ مَنْ اشْتَهَى إلَى وَجْهِهَا إلَّا الْحَاكِمُ وَالشَّاهِدُ، وَيَنْظُرُ الطَّبِيبُ إلَى مَوْضِعِ مَرَضِهَا) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ مَعَ الشَّهْوَةِ لِمَا رَوَيْنَا إلَّا لِلضَّرُورَةِ إذَا تَيَقَّنَ بِالشَّهْوَةِ أَوْ شَكَّ فِيهَا، وَفِي نَظَرِ الْقَاضِي إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهَا أَوْ الشَّاهِدِ إذَا أَرَادَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ، وَفِي نَظَرِ الطَّبِيبِ إلَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ ضَرُورَةٌ فَيُرَخَّصُ لَهُمْ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ وَدَفْعًا لِحَاجَتِهِمْ فَصَارَ كَنَظَرِ الْخَتَّانِ وَالْخَافِضَةِ، وَكَذَا يَنْظُرُ إلَى مَوْضِعِ الِاحْتِقَانِ لِلْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُ مُدَاوَاةٌ، وَكَذَا لِلْهُزَالِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الْمَرَضِ، وَيَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْقَاضِي أَنْ يَقْصِدَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمَ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ تَحَرُّزًا عَنْ الْقَبِيحِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ هَذَا وَقْتَ الْأَدَاءِ، وَأَمَّا وَقْتَ التَّحَمُّلِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا مَعَ الشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مَنْ لَا يَشْتَهِي فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَيَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً إنْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ أَخَفُّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَتَرَ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهَا سِوَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ ثُمَّ يَنْظُرُ، وَيَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَا اسْتَطَاعَ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQرِوَايَةُ الثِّقَاتِ وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَمْتَ بِتَاءِ الْخِطَابِ لِمُذَكَّرٍ عَلَى حَذْفِ إحْدَى الْمِيمَيْنِ، وَذَلِكَ ضَعِيفٌ وَجَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَحْسِنْ بِهِ فَهُنَّ إلَيْهِ شُوسٌ. اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَالتَّمَائِمُ) التَّمَائِمُ جَمْعُ تَمِيمَةٍ، وَهِيَ خَرَزَاتٌ كَانَتْ الْعَرَبُ تُعَلِّقُهَا عَلَى أَوْلَادِهِمْ يَتَّقُونَ بِهَا الْعَيْنَ فِي زَعْمِهِمْ فَأَبْطَلَهُ الْإِسْلَامُ، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ» كَأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا تَمَامُ الدَّوَاءِ وَالشِّفَاءِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهَا شِرْكًا؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَا دَفْعَ الْمَقَادِيرِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَيْهِمْ وَطَلَبُوا دَفْعَ الْأَذَى مِنْ غَيْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ دَافِعُهُ. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ. [فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ] (فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ) قَوْلُهُ: (لَا أَنَّهُ لَا يَكُفُّهُمَا) قُلْت مَعْنَى كَلَامِهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ أَعْضَاءِ الْحُرَّةِ إلَى غَيْرِ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَالْمَقْصُودُ نَفْيُ جَوَازِ النَّظَرِ إلَى غَيْرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ إلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيضِ عَلَى النَّظَرِ إلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ، وَلَا يَدُلُّ التَّرْكِيبُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ مَوَاضِعُهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَذَكَرَ الزِّينَةَ، وَأَرَادَ مَوْضِعَهَا لِلْمُبَالَغَةِ فِي السَّتْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا يُفِيدُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَعَنْ أَصْحَابِنَا رِوَايَتَانِ فِي الْقَدَمِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهَا، وَلَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَقَدَمَيْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ) ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ بِضَمِّ الْيَاءِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ، وَفِيهِ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً لَمْ يُرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ أَيْ لَمْ يَشُمَّ رِيحَهَا يُقَالُ رَاحَ يُرِيحُ وَرَاحَ يَرَاحُ، وَأَرَاحَ يُرِيحُ إذَا وَجَدَ رَائِحَةَ الشَّيْءِ وَالثَّلَاثَةُ قَدْ رُوِيَ بِهَا الْحَدِيثُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الْمَرَضِ) أَيْ؛ لِأَنَّ آخِرَهُ الدَّقُّ وَالسُّلُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: تَحَرُّزًا عَنْ الْقَبِيحِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَأَمَّا الْإِشْهَادُ وَالْقَضَاءُ فَلِأَنَّ الْإِشْهَادَ لَا يَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْوَجْهِ وَالْقَضَاءُ كَذَلِكَ فَكَانَ فِيهِمَا الضِّرْوَةُ وَلِلضَّرُورَةِ الْمَاسَةِ أَثَرُ إبَاحَةِ الْمُحَرَّمِ كَضَرُورَةِ الْمَخْمَصَةِ يُبَاحُ بِهَا تَنَاوُلُ الْمَيْتَةِ بِخِلَافِ صُورَةِ الْمُعَامَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ مَعَ الْمَجْهُولَةِ الْوَجْهِ جَائِزَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرُورَةٌ مَاسَةٌ، وَفِيهِ حَرَجٌ فَأَبَحْنَا النَّظَرَ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ لِلْمُعَامَلَةِ، وَلَمْ يُبَحْ حَالَ الشَّهْوَةِ، وَأَمَّا حَالُ إرَادَةِ النِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ فَلِأَنَّ النَّظَرَ بِشَهْوَةٍ مَا حُرِّمَ لَعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ سَبَبًا لِلْوُقُوعِ فِي الزِّنَا وَالنَّظَرُ عِنْدَ إرَادَةِ النِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ يَصِيرُ سَبَبًا لِلْوَطْءِ الْحَلَالِ لَا لِلزِّنَا. اهـ.

لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا، وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ حِينَ خَطَبَ امْرَأَةً «اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا؛ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ إقَامَةُ السُّنَّةِ لَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَهَا، وَلَا كَفَّيْهَا، وَإِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ لِوُجُودِ الْمُحَرِّمِ وَانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وَهَذَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا، وَمَسِّ يَدِهَا لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَدْخُلُ عَلَى بَعْضِ الْقَبَائِلِ الَّتِي كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِيهِمْ، وَكَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَأْجَرَ عَجُوزًا لِتُمَرِّضَهُ، وَكَانَتْ تَكْبِسُ رِجْلَيْهِ، وَتَفْلِي رَأْسَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ شَيْخًا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ مُصَافَحَتُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْفِتْنَةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْمَسِّ أَنْ يَكُونَا كَبِيرَيْنِ مَأْمُونَيْنِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ يُكْتَفَى بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا مَأْمُونًا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا كَانَ لَا يُشْتَهَى لَا يَكُونُ الْمَسُّ سَبَبًا لِلْوُقُوعِ فِي الْفِتْنَةِ كَالصَّغِيرَةِ. وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّ الشَّابَّ إذَا كَانَ لَا يَشْتَهِي بِمَسِّ الْعَجُوزِ فَالْعَجُوزُ تَشْتَهِي بِمَسِّ الشَّابِّ؛ لِأَنَّهَا عَلِمَتْ بِمَلَاذِ الْجِمَاعِ فَيُؤَدِّي إلَى الِاشْتِهَاءِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَهُوَ حَرَامٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الِاشْتِهَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ كَمَا لَا يَشْتَهِي بِمَسِّ الصَّغِيرِ لَا يَشْتَهِي الصَّغِيرُ أَيْضًا بِمَسِّهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ صَغِيرٌ أَوْ صَغِيرَةٌ يُغَسِّلُهُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ إلَّا الْعَوْرَةَ)، وَهِيَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يُبَيِّنْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعَوْرَةَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاكْتَفَى بِذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَّا الدَّلِيلَ هُنَاكَ ثُمَّ حُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ، وَفِي الْفَخِذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السَّوْأَةِ حَتَّى يُنْكِرَ عَلَيْهِ فِي كَشْفِ الرُّكْبَةِ بِرِفْقٍ، وَفِي الْفَخِذِ بِعُنْفٍ، وَفِي السَّوْأَةِ بِضَرْبٍ إنْ لَجَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْمَرْأَةُ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلُ كَالرَّجُلِ لِلرَّجُلِ)، وَمَعْنَاهُ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ لِلرَّجُلِ أَيْ نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ حَتَّى يَجُوزَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْهُمَا إلَى مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ إذَا أُمِنَتْ الشَّهْوَةُ وَالْفِتْنَةُ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْهُ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهَا شَهْوَةٌ أَوْ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهَا أَنَّهَا تَشْتَهِي أَوْ شَكَّتْ فِي ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا، وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ هُوَ النَّاظِرَ إلَى مَا يَجُوزُ لَهُ مِنْهَا كَالْوَجْهِ وَالْكَفِّ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ حَتْمًا مَعَ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ نَظَرِهَا وَنَظَرِهِ أَنَّ الشَّهْوَةَ عَلَيْهِنَّ غَالِبَةٌ، وَهِيَ كَالْمُتَحَقِّقِ حُكْمًا فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مَوْجُودَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِذَا اشْتَهَتْ هِيَ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مِنْهَا فَكَانَتْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَالْمَوْجُودُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَقْوَى فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْوُقُوعِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى مَا جَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ لِلْمُجَانَسَةِ وَانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ غَالِبًا كَمَا فِي نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ، وَكَذَا الضَّرُورَةُ قَدْ تَحَقَّقَتْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ نَظَرِهَا إلَى الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ يَحْتَاجُونَ إلَى زِيَادَةِ الِانْكِشَافِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَجُوزُ، وَهِيَ الْأَصَحُّ، وَمَا جَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ جَازَ مَسُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَلَا يُخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى فَرْجِ أَمَتِهِ وَزَوْجَتِهِ) مَعْنَاهُ عَنْ شَهْوَةٍ وَغَيْرِ شَهْوَةٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ غُضَّ بَصَرَك إلَّا عَنْ زَوْجِك، وَأَمَتِك»، وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ»، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ النَّظَرُ مُبَاحًا لَمَا تَجَرَّدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِهِ؛ وَلِأَنَّ مَا فَوْقَ النَّظَرِ، وَهُوَ الْمَسُّ وَالْغَشَيَانُ مُبَاحٌ فَالنَّظَرُ أَوْلَى إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ مَا اسْتَطَاعَ، وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْعِيرِ»؛ وَلِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ يُورِثُ النِّسْيَانَ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ أَكْثَرَ النَّظَرَ إلَى سَوْأَتِهِ عُوقِبَ بِالنِّسْيَانِ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ وَقْتَ الْوِقَاعِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ) أَيْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ مِنْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِتُمَرِّضَهُ) يُقَالُ مَرَّضَهُ أَيْ قَامَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَتَفْلِي رَأْسَهُ) مِنْ بَابِ رَمَى. اهـ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ فَلَيْت رَأْسِي فَلْيًا مِنْ بَابِ رَمَى نَقَّيْته مِنْ الْقَمْلِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: بِرِفْقٍ)، وَلَا يُنَازِعُهُ إنْ لَجَّ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِي الْفَخِذِ بِعُنْفٍ)، وَلَا يَضْرِبُهُ إنْ لَجَّ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ نَظَرِهِ وَنَظَرِهَا) حَيْثُ كَانَ نَظَرُ الرَّجُلِ حَرَامًا وَغَضُّ بَصَرِهَا مُسْتَحَبًّا. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَحْتَاجُ إلَى دُخُولِ الْحَمَّامِ، وَإِلَى أَنْ تَعْمَلَ فِي بَيْتِهَا مُتَجَرِّدَةً وَالنِّسَاءُ تَدْخُلُ عَلَيْهَا فَلَوْ لَمْ نُجَوِّزْ النَّظَرَ أَدَّى ذَلِكَ إلَى تَضْيِيقِ الْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ فَقُلْنَا بِالْجَوَازِ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَشْتَهِي الْمَرْأَةَ غَالِبًا كَمَا لَا يَشْتَهِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَإِذَا جَازَ النَّظَرُ إلَى الرَّجُلِ كَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ النَّظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ لِانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ غَالِبًا وَوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ كَمَا فِي نَظَرِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ يَحْتَاجُونَ إلَخْ)؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَعْمَلُ مُتَجَرِّدًا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَيَغْلِبُ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ نُجَوِّزْ لَهَا النَّظَرَ إلَيْهِ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ) أَيْ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَرَ مِنِّي، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ»، وَهَذَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ النَّظَرِ لِمَا قُلْنَا. اهـ غَايَةٌ.

فِي تَحْصِيلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ فَرْجَ امْرَأَتِهِ أَوْ تَمَسُّ هِيَ فَرْجَهُ لِيَتَحَرَّك عَلَيْهِ هَلْ تَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا قَالَ لَا إنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ يَعْظُمَ الْأَجْرُ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمَةِ هُنَا هِيَ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَحِلُّ لَهُ كَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْمُشْرِكَةِ أَوْ كَانَتْ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتَهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَوَجْهِ مَحْرَمِهِ وَرَأْسِهَا وَصَدْرِهَا وَسَاقِهَا، وَعَضُدِهَا لَا إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا، وَفَخِذِهَا) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِ مَحْرَمِهِ إلَى آخَرِ مَا ذَكَرَ، وَلَا يَجُوزُ إلَى ظَهْرِهَا إلَخْ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْسَ الزِّينَةِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى عَيْنِ الزِّينَةِ مُبَاحٌ مُطْلَقًا، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ مَوْضِعُ الزِّينَةِ فَالرَّأْسُ مَوْضِعُ التَّاجِ وَالشَّعْرِ، وَالْوَجْهُ مَوْضِعُ الْكُحْلِ، وَالْعُنُقُ وَالصَّدْرُ مَوْضِعَا الْقِلَادَةِ وَالْأُذُنُ مَوْضِعُ الْقُرْطِ وَالْعَضُدُ مَوْضِعُ الدُّمْلُوجِ وَالسَّاعِدُ مَوْضِعُ السِّوَارِ وَالْكَفُّ مَوْضِعُ الْخَاتَمِ وَالْخِضَابِ، وَالسَّاقُ مَوْضِعُ الْخَلْخَالِ وَالْقَدَمُ مَوْضِعُ الْخِضَابِ بِخِلَافِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَخِذِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوَاضِعِ الزِّينَةِ؛ وَلِأَنَّ الْبَعْضَ يَدْخُلُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، وَلَا احْتِشَامٍ، وَالْمَرْأَةُ تَكُونُ فِي بَيْتِهَا بِثِيَابِ مِهْنَتِهَا عَادَةً، وَلَا تَكُونُ مُسْتَتِرَةً فَلَوْ أُمِرَتْ بِالسَّتْرِ عَنْ مَحَارِمِهَا لَحَرَجَتْ حَرَجًا عَظِيمًا؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْمُؤَبَّدَةَ تُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ وَالشَّهْوَةَ فِيهَا بَلْ تُعْدِمُهُ بِخِلَافِ الْأَجَانِبِ وَالْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ، وَإِنْ كَانَ بِزِنًا، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِالزِّنَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَّا إلَى وَجْهِهَا، وَكَفِّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ فِيهِ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ عَلَى الزَّانِي لَا بِطَرِيقِ النِّعْمَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ سُقُوطِ حُرْمَةِ النَّظَرِ فَيَبْقَى حَرَامًا عَلَى مَا كَانَ؛ وَلِأَنَّ خِيَانَتَهُ قَدْ ظَهَرَتْ مَرَّةً فَلَا يُؤْتَمَنُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْفَاحِشَةِ بِأَنْ يُقَالَ هِيَ بِنْتُ مَنْ زَنَى بِهَا أَوْ أُمُّهَا وَالسَّتْرُ وَاجِبٌ، وَهُوَ بِالْحُرْمَةِ وَالْحَرَجُ أَيْضًا مُنْتَفٍ لِعَدَمِ الْمُخَالَطَةِ عَادَةً بِسَبَبِ السِّفَاحِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُرْمَةَ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ بَلْ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ظَهْرِ مَحَارِمِهِ وَبَطْنِهَا فَجَعَلَ حَالَهَا كَحَالِ الْجِنْسِ فِي النَّظَرِ قُلْنَا لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ لَمَا ثَبَتَ حُكْمُ الظِّهَارِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ صُورَةَ الظِّهَارِ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ظَهْرُهَا مُحَرَّمًا عَلَيْهِ لَمَا وَقَعَ تَشْبِيهًا بِالْمُحَرَّمِ فَلَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فَلَمْ يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الظِّهَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَمَسُّ مَا حَلَّ النَّظَرُ إلَيْهِ) أَيْ مِنْ مَحَارِمِهِ أَوْ مِنْ الرَّجُلِ لَا مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي الْمُسَافَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ «، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُقَبِّلُ رَأْسَ فَاطِمَةَ، وَيَقُولُ أَجِدُ مِنْهَا رِيحَ الْجَنَّةِ»، وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِهَا فَقَبَّلَهَا وَعَانَقَهَا، وَقَالَ مَنْ قَبَّلَ رِجْلَ أُمِّهِ فَكَأَنَّمَا قَبَّلَ عَتَبَةَ الْجَنَّةِ، وَلَا بَأْسَ بِالْخَلْوَةِ مَعَهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ»، وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ تَكُنْ مَحْرَمًا؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ بِسَبِيلٍ مِنْهَا إلَّا إذَا خَافَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِ الشَّهْوَةَ فَحِينَئِذٍ لَا يَمَسُّهَا، وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا، وَلَا يَخْلُو بِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ يُكَذِّبُهُ» فَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا نَوْعُ زِنَا. وَالزِّنَا مُحَرَّمٌ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ وَحُرْمَةُ الزِّنَا بِالْمَحَارِمِ أَشَدُّ، وَأَغْلَظُ فَيُجْتَنَبُ الْكُلُّ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُسَافَرَةِ بِهِنَّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَيَالِيِهَا إلَّا، وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا»، وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّهَا مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا، وَيَأْخُذَ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا دُونَ مَا تَحْتَهَا إذَا أَمِنَا الشَّهْوَةَ، وَإِذَا خَافَهَا عَلَيْهَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ ظَنَّا أَوْ شَكَّا فَلْيَجْتَنِبْ ذَلِكَ بِجَهْدِهِ ثُمَّ إنْ أَمْكَنَهَا الرُّكُوبُ بِنَفْسِهَا يَمْتَنِعُ عَنْ ذَلِكَ أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا تَتَلَفَّفُ بِالثِّيَابِ كَيْ لَا تَصِلَ حَرَارَةُ عُضْوِهَا إلَى عُضْوِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الثِّيَابَ فَلْيَدْفَعْ عَنْ نَفْسِهِ الشَّهْوَةَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَأَمَةُ غَيْرِهِ كَمَحْرَمِهِ)؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لِحَوَائِجِ مَوْلَاهَا فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا وَحَالُهَا مَعَ جَمِيعِ الرِّجَالِ كَحَالِ الْمَرْأَةِ مَعَ مَحَارِمِهَا، وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا رَأَى أَمَةً مُتَقَنِّعَةً عَلَاهَا بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ أَلْقِ عَنْكِ الْخِمَارَ يَا دَفَارِ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا كَالْمَحَارِمِ خِلَافًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْعَضُدُ مَوْضِعُ الدُّمْلُوجِ) الدُّمْلُوجُ وَزَّانُ عُصْفُورٍ مَعْرُوفٌ وَالدُّمْلُجُ مَقْصُورٌ مِنْهُ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ) أَيْ فَيُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ. اهـ. خَانْ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَأَمَةُ غَيْرِهِ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْحُكْمُ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ وَالْحَمْلِ وَالْإِنْزَالِ مَعَ أَمَةِ غَيْرِهِ كَالْحُكْمِ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ مَعَ الْمَحَارِمِ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَاءِ ضَرُورَةً فِي إبْدَاءِ مَوَاضِعِ زِينَتِهَا الْبَاطِنَةِ مِنْ الْأَجَانِبِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ إنَّمَا تُشْتَرَى لِأَجْلِ خِدْمَةٍ دَاخِلِ الْبَيْتِ وَخَارِجَ الْبَيْتِ فَتَكُونُ مُتَشَمِّرَةً لِلْأَعْمَالِ مُتَجَرِّدَةً دَاخِلَ الْبَيْتِ وَخَارِجَ الْبَيْتِ فَتَكُونُ مَكْشُوفَةً فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَخَارِجَهُ فَلَوْ حَرُمَ عَلَيْهَا إبْدَاءُ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مِنْ الْأَجَانِبِ وَحَرُمَ عَلَى الْأَجَانِبِ النَّظَرُ إلَيْهَا لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ، وَمَا ضَاقَ أَمْرُهُ اتَّسَعَ حُكْمُهُ كَمَا فِي الْمَحَارِمِ، وَكَذَا فِي الْمَسِّ ضَرُورَةٌ؛ لِأَنَّ أَمَةَ امْرَأَةِ الرَّجُلِ تَحْتَاجُ أَنْ تَخْدُمَ زَوْجَ مَوْلَاتِهَا، وَتَغْمِزَ رِجْلَهُ، وَكَذَا أَمَةُ الِابْنِ تَحْتَاجُ أَنْ تَخْدُمَ أَبَا الِابْنِ فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى الْإِبَاحَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَمَسَّ شَيْئًا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ لَا مَكْشُوفًا، وَلَا غَيْرَ مَكْشُوفٍ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَى حَمْلِهَا وَالنُّزُولِ بِهَا فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ بِأَنْ يَأْخُذَ بَطْنَهَا أَوْ ظَهْرَهَا كَمَا فِي الْمَحَارِمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَاهَا بِالدِّرَّةِ) أَيْ ضَرَبَ عِلَاوَتَهَا أَيْ رَأْسَهَا. اهـ غَايَةٌ.

لِمُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ فَإِنَّهُ يَسْتَدِلُّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَلْيَنْظُرْ إلَيْهَا إلَّا مَوْضِعَ الْمِئْزَرِ قُلْنَا لَا ضَرُورَةَ إلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ كَمَا فِي حَقِّ الْمَحَارِمِ بَلْ أَوْلَى لِكَمَالِ الشَّهْوَةِ فِيهَا، وَقِلَّتِهَا فِي الْمَحَارِمِ؛ وَلِأَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ النَّظَرَ إلَى ظَهْرِهَا لَا يَجُوزُ لِابْنِهَا لِصِحَّةِ ظِهَارِهِ مِنْ امْرَأَتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَهَذَا خُلْفٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَهُ مَسُّ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ الشِّرَاءَ، وَإِنْ اشْتَهَى) أَيْ جَازَ لَهُ أَنْ يَمَسَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ كَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَالذِّرَاعِ وَالرَّأْسِ، وَتَقْلِيبِ شَعْرِهَا، وَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ فَيَجُوزُ مَسُّهُ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ كَمَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ إذَا أَمِنَ الشَّهْوَةَ، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ لَا يَجُوزُ كَالنَّظَرِ إلَّا إذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ لِلضَّرُورَةِ، وَتَحِلُّ الْخَلْوَةُ وَالْمُسَافَرَةُ بِهَا كَمَا فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَالِجَهَا فِي الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْعَوْرَةِ، وَإِنْ عُدِمَ بِالسُّتْرَةِ فَمَعْنَى الشَّهْوَةِ بَاقٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا أَمِنَ الشَّهْوَةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ يَبْعَثُهَا فِي حَاجَةٍ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ، وَلَا يَجِدُ مَحْرَمًا يَخْرُجُ مَعَهَا، وَهِيَ تَحْتَاجُ إلَى مَنْ يُرْكِبُهَا، وَيُنْزِلُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ أَمَةَ الْمَرْأَةِ قَدْ تَكْبِسُ رِجْلَ زَوْجِهَا، وَتَخْلُو بِهِ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ كَالْأَمَةِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِنَّ وَوُجُودُ الْحَاجَةِ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا عُرِفَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا تُعْرَضُ الْأَمَةُ إذَا بَلَغَتْ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) وَالْمُرَادُ بِالْإِزَارِ مَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا عَوْرَةٌ فَلَا يَجُوزُ كَشْفُهُمَا وَاَلَّتِي بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَهِيَ كَالْبَالِغَةِ لَا تُعْرَضُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِوُجُودِ الِاشْتِهَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَالْمُخَنَّثُ كَالْفَحْلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]، وَهُمْ ذُكُورٌ مُؤْمِنُونَ فَيَدْخُلُونَ تَحْتَ هَذَا الْخِطَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ النُّصُوصِ الْعَامَّةِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْخِصَاءُ مُثْلَةٌ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخَصِيَّ ذَكَرٌ يَشْتَهِي، وَيُجَامِعُ، وَقِيلَ هُوَ أَشَدُّ جِمَاعًا؛ لِأَنَّ آلَتَهُ لَا تَفْتُرُ فَصَارَ كَالْفَحْلِ، وَكَذَا الْمَجْبُوبُ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَهِي، وَيُسْحِقُ، وَيُنْزِلُ وَحُكْمُهُ كَأَحْكَامِ الرِّجَالِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَقَطْعُ تِلْكَ الْآلَةِ كَقَطْعِ عُضْوٍ آخَرَ مِنْهُ فَلَا يُبِيحُ شَيْئًا كَانَ حَرَامًا، وَإِنْ كَانَ الْمَجْبُوبُ قَدْ جَفَّ مَاؤُهُ فَقَدْ رَخَّصَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الِاخْتِلَاطَ مَعَ النِّسَاءِ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ مِنْ الْفِتْنَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: 31] فَقِيلَ هُوَ الْمَجْبُوبُ الَّذِي جَفَّ مَاؤُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ لِعُمُومِ النُّصُوصِ، وَكَذَا الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ لَا يَحِلُّ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الرِّجَالِ بَلْ هُوَ مِنْ الْفُسَّاقِ فَيُبْعَدُ عَنْ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُخَنَّثًا لِتَكَسُّرٍ وَلِينٍ فِي أَعْضَائِهِ وَلِسَانِهِ، وَلَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ فَقَدْ رَخَّصَ لَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي الِاخْتِلَاطِ بِالنِّسَاءِ، وَهُوَ أَحَدُ تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ} [النور: 31]، وَقِيلَ الْأَبْلَهُ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَعْمَلُ بِالنِّسَاءِ، وَإِنَّمَا هَمُّهُ بَطْنُهُ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْآيَةَ مِنْ الْمُتَشَابِهِ، وقَوْله تَعَالَى {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] مُحْكَمٌ فَنَأْخُذُ بِهِ وَنَقُولُ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ الرِّجَالِ لَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ الْبَاطِنَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31]. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَعَبْدُهَا كَالْأَجْنَبِيِّ) أَيْ عَبْدُ الْمَرْأَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْ الرِّجَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهَا أَنْ تُبْدِيَ مِنْ زِينَتِهَا إلَّا مَا يَجُوزُ أَنْ تُبْدِيَهُ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ سَيِّدَتِهِ إلَّا مَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ نَظَرُهُ إلَيْهَا كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31]، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّهُنَّ دَخَلْنَ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31]؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْ سَيِّدَتِهَا إلَى مَا تَنْظُرُ إلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَيْهَا لَا يُفِيدُ زِيَادَةَ الْجَوَازِ فِي حَقِّهَا، وَفِي حَقِّ الْعَبْدِ يُفِيدُ فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْجَوَازَ فِي الْمَحَارِمِ لِحَاجَةِ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَحِشْمَةٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ بَيْنَهُمَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ كَالْمَحْرَمِ لَهَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ بَلْ هُوَ مَحْرَمٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَلَنَا أَنَّهُ فَحْلٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ، وَلَا زَوْجٍ وَالشَّهْوَةُ مُتَحَقِّقَةٌ وَالْحَاجَةُ قَاصِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ خَارِجَ الْبَيْتِ وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ الْإِمَاءُ دُونَ الْعَبِيدِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ لَا تَغُرَّنَّكُمْ سُورَةُ النُّورِ فَإِنَّهَا فِي الْإِنَاثِ لَا فِي الذُّكُورِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَوْضِعَ لَا يُشْكِلُ بَلْ هُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ لِلضَّرُورَةِ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ لِلشَّابِّ مَسَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِالنَّظَرِ كِفَايَةً، وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ بِذَلِكَ بَأْسًا لِضَرُورَةِ الْعِلْمِ بِبَشَرَتِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَلَا تُعْرَضُ الْأَمَةُ إذَا بَلَغَتْ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) يَعْنِي لَا تُعْرَضُ عَلَى الْبَيْعِ كَذَلِكَ. اهـ غَايَةٌ

[فصل في الاستبراء وغيره]

{أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] الْحَرَائِرُ، وَلَمْ تَدْخُلْ الْإِمَاءُ فِيهَا فَبَيَّنَ حُكْمَهُنَّ كَمَا بَيَّنَ حُكْمَ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ الْحُكْمَ إلَّا مِنْ الشَّارِعِ، وَهُنَّ لَمْ يُذْكَرْنَ فِي هَذَا الْمَعْنَى إلَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَكَانَتْ بَيَانًا لِحُكْمِهِنَّ، وَكَذَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَحْرَمٌ لَهَا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا مُؤَقَّتَةٌ فَصَارَتْ كَالْمُزَوَّجَةِ بِالْغَيْرِ أَوْ أُخْتِ زَوْجَتِهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ، وَلَوْ كَانَ مَحْرَمًا لَجَازَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ بِلَا إذْنِهَا، وَعَنْ زَوْجَتِهِ بِإِذْنِهَا)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْعَزْلِ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَقَالَ لِمَوْلَى أَمَةٍ اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت؛ وَلِأَنَّ الْحُرَّةَ لَهَا حَقٌّ فِي الْوَطْءِ حَتَّى كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ قَضَاءً لِلشَّهْوَةِ، وَتَحْصِيلًا لِلْوَلَدِ وَلِهَذَا تُخَيَّرُ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، وَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ فِي الْوَطْءِ وَالْعَزْلُ يُخِلُّ بِمَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ فَلَا يَمْلِكُ تَنْقِيصَ حَقِّ الْحُرَّةِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَيَنْفَرِدُ بِهِ فِي حَقِّ الْأَمَةِ، وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةُ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ الْعَزْلُ إلَّا بِإِذْنِهَا؛ لِأَنَّهُ تَكْمِيلٌ لِحَقِّهَا وَالْوَطْءُ حَقُّ الزَّوْجَةِ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِذْنُ إلَى مَوْلَاهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ مَلَكَ أَمَةً حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا، وَلَمْسُهَا وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحُبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» هَذَا يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ بِسَبَبِ اسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ وَالْوَلَدِ عَنْ الْهَلَاكِ، وَذَلِكَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّغْلِ أَوْ تَوَهُّمِهِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لَا يُدَّعَى الْوَلَدُ فَيَهْلِكُ مَعْنًى إذْ مَنْ لَا نَسَبَ لَهُ هَالِكٌ مَعْنًى أَوْ لِعَدَمِ مَنْ يُرَبِّيهِ، وَيُثَقِّفُهُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ إرَادَةُ الْوَطْءِ وَالْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي يُرِيدُهُ دُونَ الْبَائِعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْإِرَادَةَ أَمْرٌ مَبْطَنٌ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِهَا، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ وَالتَّمَكُّنُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ فَانْتَصَبَ سَبَبًا وَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ تَيْسِيرًا فَكَانَ السَّبَبُ اسْتِحْدَاثُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ الْمُؤَكَّدِ بِالْيَدِ، وَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكِ، وَمِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا الِاسْتِبْرَاءُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمُشْتَرَاةُ بِكْرًا لَمْ تُوطَأْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَإِدَارَةِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ، وَهِيَ فَرَاغُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةُ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مَنْكُوحَةً فَالْإِذْنُ إلَى الْمَوْلَى فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ مِنْهُمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي كِتَابِ الْآثَارِ أَيْضًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْعَزْلِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ حَقُّهَا لَا حَقُّ مَوْلَاهَا. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَلَدَ حَقُّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ فَكَانَ الْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ إلَيْهِ كَالْحُرَّةِ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ يَعْزِلُ عَنْ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا خَوْفًا مِنْ الْوَلَدِ السُّوءِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي آخِرِ الْكَرَاهِيَةِ. اهـ. [فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ] (قَوْلُهُ: فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ)، وَهُوَ طَلَبُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ عَنْ الْحَمْلِ، وَهُوَ نَوْعَانِ مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ أَنَّ الْبَائِعَ يَسْتَبْرِئُهَا إذَا أَرَادَ بَيْعَهَا وَوَاجِبٌ، وَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْبَائِعِ صِيَانَةً لِمَائِهِ إذْ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا عَلَقَتْ مِنْهُ، وَلَنَا أَنَّهَا مِلْكُ الْبَائِعِ وَحَقُّهُ قَائِمٌ فِي الْوَطْءِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَمَا قَالَهُ مِنْ الصِّيَانَةِ يَحْصُلُ بِاسْتِبْرَاءِ الْمُشْتَرِي. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْطَاسٍ) مَوْضِعٌ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُسْتَبْرَأْنَ) بِالْهَمْزِ لَا غَيْرُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ)، وَقَالَ النَّخَعِيّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الصِّيَانَةَ كَمَا تَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي تَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ، وَقَالَ الْبَتِّيُّ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لِصِيَانَةِ مَاءِ الْبَائِعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ. اهـ كَيْ (قَوْلُهُ: كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ) أَيْ وَالصَّدَقَةِ وَالْقِسْمَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ. اهـ. خَانْ (قَوْلُهُ: وَالْكِتَابَةِ) أَيْ بِأَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى جَارِيَةٍ لَا يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْءُ الْجَارِيَةِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ كَمَا إذَا تَصَدَّقَ عَلَى الْفَقِيرِ بِجَارِيَةٍ يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ الْفَقِيرِ، وَكَذَا إذَا آجَرَ دَارِهِ إلَى سَنَةٍ عَلَى جَارِيَةٍ لَا يَحِلُّ وَطْءُ الْمُؤَجِّرِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ كَالدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ) أَيْ بِأَنْ بَاعَهَا أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَمْلُوكُ) أَيْ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا اشْتَرَى الْجَارِيَةَ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ اسْتِحْسَانًا بَيَانُهُ فِيمَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ عَبْدِهِ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يُجْزِئَ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْ عِنْدَ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ رَقَبَتَهُ، وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَبْدَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَكَاسِبَ مُكَاتَبِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَمِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا) أَيْ كَأُخْتِ الْبَائِعِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ جَارِيَةٍ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ، وَأَبُوهُ اسْتَمْتَعَ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ تُوطَأْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ) أَيْ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَا اسْتِبْرَاءَ فِي الْبِكْرِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِدَارَةُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْحِكَمِ) هِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ جَمْعُ حِكْمَةٍ يَعْنِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي وُجُوبِ

الرَّحِمِ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا لِخَفَاءِ الشَّغْلِ فَيُعْتَبَرُ تَحَقُّقُ السَّبَبِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الشَّغْلِ، وَلَا يَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا أَثْنَائِهَا، وَلَا بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا بِالْوِلَادَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَ الْأَسْبَابِ قَبْلَ الْقَبْضِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ السَّبَبَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ، وَقَبْلَ وُجُودِ الِاثْنَيْنِ لَا يَعْتَدُّ بِهِ إذَا الْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ سَبَبَهُ، وَكَذَا لَا يَعْتَدُّ بِالْحَاصِلِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَلَا بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا صَحِيحًا لِمَا بَيَّنَّا، وَيَجِبُ إذَا اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَمَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى تَمَامِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ آخِرُ الْأَوْصَافِ، وَيُجْتَزَأُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا، وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ بِأَنْ كَاتَبَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ أَوْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ لِوُجُودِهَا بَعْدَ السَّبَبِ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ، وَهُوَ مُقْتَضٍ لِلْحِلِّ وَالْحُرْمَةُ لِمَانِعٍ، وَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا رَجَعَتْ الْآبِقَةُ وَرُدَّتْ الْمَغْصُوبَةُ وَالْمُسْتَأْجَرَةُ أَوْ فُكَّتْ الْمَرْهُونَةُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ، وَهُوَ سَبَبٌ مُتَعَيِّنٌ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وُجُودًا وَعَدَمًا. وَلَوْ أَقَالَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا يَقُولُ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهَا زَالَتْ عَنْ مِلْكِهِ وَالْآنَ مَلَكَهَا ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ لَا يَجِبُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ بَعْدَمَا حَاضَتْ عِنْدَ الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ يَجْتَزِأُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى وُجُودِ مِلْكِ الْمَوْلَى وَعَدَمِهِ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ، وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَبْطَلَ الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ لِعَدَمِ خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَلَوْ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ، وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَطَأْهَا، وَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ، وَلَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ زَوَّجَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجِبُ، وَإِذَا حَرُمَ الْوَطْءُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ حَرُمَ الدَّوَاعِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْوَطْءِ أَوْ يَحْتَمِلُ وُقُوعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِبْرَاءِ اسْتِحْدَاثُ مِلْكِ الْيَمِينِ وَالْيَدِ وَالْحِكْمَةُ تَعَرُّفُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَقَدْ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَيْ فِي الْمُشْتَرَاةِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ، وَفِي الْمُشْتَرَاةِ الْبِكْرِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ مَعَهَا أَيْضًا، وَهُوَ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْحِكْمَةُ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا مَاءَ لَهُ وَالْمَرْأَةُ لَا تُوطَأُ وَالْبِكْرُ لَيْسَتْ بِمَوْطُوءَةٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ، وَلَا يَدُورُ مَعَ الْحِكْمَةِ فَاعْتُبِرَ تَحَقُّقُ السَّبَبِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الشَّغْلِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةُ الشَّغْلِ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَوَهُّمُ الشَّغْلِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ قُلْت يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ جَارِيَةُ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَرْأَةُ مَوْطُوءَةً بِشُبْهَةٍ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْوَاطِئِ فَيَثْبُتُ تَوَهُّمُ الشَّغْلِ، وَأَمَّا الْبِكْرُ فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُجَامِعُهَا فَيَسْبِقُ الْمَاءُ فَتَحْبَلُ مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ فَيَثْبُتُ تَوَهُّمُ الشَّغْلِ أَيْضًا بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَا بِالْوِلَادَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَ الْأَسْبَابِ إلَخْ) قَالَ قَاضِيخَانْ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ نِفَاسِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ يُجْتَزَأُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ 1 - (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الْأَصْلِ عِلَّةُ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ اسْتِحْدَاثُ حِلِّ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي فَرْجٍ فَارِغٍ مِنْ جِهَةِ الْغَيْرِ، وَشَرْطُهُ تَوَهُّمُ شَغْلِ الرَّحِمِ وَالْحِكْمَةُ صِيَانَةُ الْوَلَدِ. رَجُلٌ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً هِيَ بِكْرٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَى الْبَائِعِ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ أَوْ اشْتَرَى جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِنْ الْجَارِيَةِ أَوْ يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ بِالْإِرْثِ أَوْ الْخُلْعِ أَوْ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ. اهـ. فَقَوْلُهُ: أَوْ اشْتَرَى جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ أَيْ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ الْجُزْءُ مُكَمِّلًا لِلْمِلْكِ فِي جَمِيعِ الْأَمَةِ أَمَّا لَوْ مَلَكَ ابْتِدَاءً جُزْءًا مِنْ أَمَةٍ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ قَلِيلًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ كَثِيرًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتِمَّ حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَعْتَدُّ بِالْحَاصِلِ) أَيْ بِالِاسْتِبْرَاءِ الْحَاصِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي) أَيْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ) أَيْ بَعْدَمَا اسْتَبْرَأَهَا وَحَاضَتْ فِي حَالِ مَجُوسِيَّتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا رَجَعَتْ الْآبِقَةُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَفِي الْآبِقِ تَفْصِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ أَبْقَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى صَاحِبِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهَا، وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا، وَلَوْ أَخَذُوهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ آبِقَةٌ، وَأَحْرَزُوهَا فِي دَارِهِمْ مَلَكُوهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فَإِذَا عَادَتْ إلَى مَوْلَاهَا فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْآبِقَةِ فِي الْمَتْنِ هِيَ الَّتِي أَبْقَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يُحْرِزْهَا الْعَدُوُّ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى مَوْلَاهَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا حَرُمَ الْوَطْءُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ حَرُمَ الدَّوَاعِي أَيْضًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ وَحَرُمَ الْوَطْءُ حَرُمَ دَوَاعِي الْوَطْءِ أَيْضًا مِنْ اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رُوِيَ عَنْ أَبِي مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالْقُبْلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ بَأْسًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ إنَّمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ، وَلَيْسَ فِي الْقُبْلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ هَذَا الْمَعْنَى. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الدَّاعِيَ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُحْتَمَلُ وُقُوعُهُ) أَيْ وُقُوعُ الدَّاعِي. اهـ

فِي غَيْرِ الْمِلْكِ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَبَلِ وَدَعْوَةِ الْبَائِعِ بِخِلَافِ الْحَائِضِ حَيْثُ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي فِيهَا؛ لِأَنَّ زَمَنَ الْحَيْضِ زَمَنُ نَفْرَةٍ فَلَا يَكُونُ دَاعِيًا إلَى الْوَطْءِ، وَكَذَا لَا يَحْتَمِلُ وُقُوعُهُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَفِي الْمُشْتَرَاةِ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، وَيُفْضِي إلَى الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ رَغْبَتَهُ فِيهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَكُونُ أَصْدَقُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي فِي الْمَسْبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ وُقُوعَهُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَالِاسْتِبْرَاءُ فِي الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِمَا رَوَيْنَا، وَفِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ بِالشَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ فِي حَقِّهِنَّ مَقَامَ الْحَيْضِ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ، وَإِذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ بَطَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بِالشَّهْرِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ دُونَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، وَإِنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا تَرَكَهَا حَتَّى إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَاقَعَهَا، وَلَيْسَ فِيهَا تَقْدِيرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ يَتَبَيَّنُ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَعَنْهُ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِعِدَّةِ الْحُرَّةِ أَوْ الْأَمَةِ فِي الْوَفَاةِ، وَعَنْ زُفَرَ سَنَتَانِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ فِي إسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْمَأْخُوذُ بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي طُهْرِهَا ذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا قَرَبَهَا، وَالْحِيلَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا، وَيَقْبِضَهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَهَذَا لَا يُفِيدُ إذَا كَانَ الْقَبْضُ بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فَيَجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: عَلَى اعْتِبَارِ الْحَبَلِ وَدَعْوَةِ الْبَائِعِ) أَيْ الْوَلَدِ الْمُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحَائِضِ حَيْثُ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي فِيهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا حَرُمَ فِي الْحَيْضِ لِمَعْنَى الْأَذَى، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الدَّوَاعِي. اهـ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً فَحَاضَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَيْضَةً ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا لَمْ يَقْرَبْهَا الْبَائِعُ حَتَّى تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً، وَكَذَا الْإِقَالَةُ. اهـ. قَالَ قَاضِيخَانْ رَجُلٌ بَاعَ جَارِيَةً وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ إقَالَةِ كَانَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ، وَلَوْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِهَذِهِ الْأَسْبَابِ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ، وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَقَايَلَا فِي الْمَجْلِسِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا تَقَايَلَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَا يَجِبُ. اهـ 1 - (فَرْعٌ) وَإِذَا زَنَتْ أَمَةٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ صِيَانَةُ الْمَاءِ عَنْ الْخَلْطِ إذَا كَانَ مُحْتَرَمًا، وَلَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزَّانِي فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الزِّنَا لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَرَبَهَا صَارَ سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» لَكِنْ قَبْلَ ظُهُورِ الْحَبَلِ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ عِبَارَةٌ عَنْ الْحَبِّ النَّابِتِ، وَلَا نَبَاتَ قَبْلَ الْحَبَلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا) أَيْ بِإِيَاسٍ. اهـ. قَالَ قَاضِيخَانْ وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً، وَقَدْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يَسْتَبِينَ أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ، وَلَمْ يُؤَقِّتْ لِذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَقْرَبُهَا سَنَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَقْرَبُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَفِي رِوَايَةٍ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ أَوَّلًا لَا يَقْرَبُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ وَالْمَشَايِخُ أَخَذُوا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَأْخُوذُ بِهِ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً وَاحْتَالَ فِي إسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ وَطِئَهَا ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْتَالَ لِلْإِسْقَاطِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِرَجُلَيْنِ يُؤْمِنَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ»، وَإِنْ بَاعَهَا الْبَائِعُ بَعْدَ أَنْ حَاضَتْ عِنْدَهُ وَطَهُرَتْ، وَلَمْ يَقْرَبْهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْتَالَ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ لِانْعِدَامِ هَذَا النَّهْيِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْحِيلَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي إلَخْ)، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ فَالْحِيلَةُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يُزَوِّجُهَا الْبَائِعُ مِنْ رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ ثُمَّ يَبِيعُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَيَقْبِضُهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ طَلَاقُ الزَّوْجِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا إذَا قَبَضَهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فَإِذَا قَبَضَهَا وَالْقَبْضُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهِيَ لَيْسَتْ فِي نِكَاحٍ، وَلَا عِدَّةٍ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ التَّزْوِيجِ، وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ، وَلَا يُسَلِّمُ الْجَارِيَةَ إلَيَّ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يُزَوِّجُهَا الْمُشْتَرِي مِنْ عَبْدِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ يَقْبِضُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ فِي هَذَا النَّوْعِ شُبْهَةً فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا اشْتَرَاهَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَأَكَّدُ عِنْدَ الْقَبْضِ فَالتَّزْوِيجُ عِنْدَ الشِّرَاءِ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَجَبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ إلَّا أَنْ تَحِيضَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَيْضَةً قَبْلَ الطَّلَاقِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي قَوْلِهِمْ وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْجَارِيَةَ يَتَزَوَّجُهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الشِّرَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ حُرَّةٌ ثُمَّ يُسَلِّمُهَا إلَيْهِ الْمَوْلَى ثُمَّ يَشْتَرِي فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ الْجَارِيَةِ إلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَيْ لَا يُوجَدَ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ ظَهِيرُ الدِّينِ عِنْدِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَدْخُلَ الزَّوْجُ بِهَا بِحُكْمِ النِّكَاحِ قَبْلَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ النِّكَاحَ يَفْسُدُ عِنْدَ الشِّرَاءِ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ ضَرُورَةَ أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يُجَامِعُ مِلْكَ الْيَمِينِ فَإِذَا كَانَ فَسَادُ النِّكَاحِ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ لَمْ تَكُنْ عِنْدَ الشِّرَاءِ مَنْكُوحَةً، وَلَا مُعْتَدَّةً أَمَّا إذَا دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَإِذَا فَسَدَ النِّكَاحُ تَصِيرُ مُعْتَدَّةً قَبْلَ الشِّرَاءِ فَلَا يَلْزَمُ الِاسْتِبْرَاءُ. اهـ قَاضِيخَانْ (قَوْلُهُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ) لَيْسَ فِي الْهِدَايَةِ، وَيَقْبِضُهَا بَلْ قَالَ يَتَزَوَّجُهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا. اهـ. مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

الِاسْتِبْرَاءُ بِالْقَبْضِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ أَنْ لَوْ كَانَ الْقَبْضُ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَيْ لَا يُوجَدَ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ، وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ عِنْدِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَدْخُلَ قَبْلَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ يَفْسُدُ عِنْدَ الشِّرَاءِ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ ضَرُورَةَ أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يُجَامِعُ مِلْكَ الْيَمِينِ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَ الشِّرَاءِ مَنْكُوحَةً، وَلَا مُعْتَدَّةً بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُعْتَدَّةً مِنْهُ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ بِهِ ذَكَرَهُ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ يُزَوِّجُهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا بِيَدِهِ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا، وَيَقْبِضُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ، وَإِنْ حَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَانُ وُجُودِ السَّبَبِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْمُظَاهِرُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الدَّوَاعِي كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، وَكَالْمُحْرِمِ وَالْمُعْتَكِفِ بِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيْضِ وَالصَّوْمِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ سَبَبَ الْحَرَامِ حَرَامٌ إلَّا أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي حَالَةِ الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ، وَفِيهِ بَعْضُ الْحَرَجِ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْتَدَّانِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُقَبِّلُ، وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُضَاجِعُ نِسَاءَهُ، وَهُنَّ حُيَّضٌ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَهُ أَمَتَانِ أُخْتَانِ قَبَّلَهُمَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَدَوَاعِيهِ حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ الْأُخْرَى بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ عِتْقٍ)، وَلَوْ قَالَ حُرِّمَتَا حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ إحْدَاهُمَا كَانَ الْأَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُمَا يَحْرُمَانِ عَلَيْهِ لَا إحْدَاهُمَا فَحَسْبُ، وَإِنَّمَا حُرِّمَتَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا أَوْ وَطْئًا لَا يَجُوزُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَالْمُرَادُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَطْئًا، وَعَقْدًا؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ وَطْئًا، وَعَقْدًا، وَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3]؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لِلْمُحَرَّمِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ سُئِلَ عَنْهُمَا فَقَالَ حَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَأَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ فَتَلَا الْآيَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ الْحُكْمُ لِلْمُحَرَّمِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الدَّوَاعِي؛ لِأَنَّ الدَّوَاعِيَ إلَى الْوَطْءِ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ أَوْ؛ لِأَنَّ النَّصَّ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُهُ الْوَطْءُ فَصَارَ كَأَنَّهُ وَطِئَهُمَا فَعِنْدَ ذَلِكَ تَحْرُمَانِ فَكَذَا هَذَا، وَمَسُّهُمَا بِشَهْوَةٍ أَوْ النَّظَرُ إلَى فَرْجِهِمَا كَتَقْبِيلِهِمَا حَتَّى يَحْرُمَا عَلَيْهِ إلَّا إذَا حَرُمَ فَرْجُ إحْدَاهُمَا بِمَا ذُكِرَ لِزَوَالِ الْجَمْعِ بِتَحْرِيمِ فَرْجِ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِ. وَتَمْلِيكُ الْبَعْضِ كَتَمْلِيكِ الْكُلِّ، وَكَذَا إعْتَاقُ الْبَعْضِ كَإِعْتَاقِ الْكُلِّ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ يَتَجَزَّأُ لَكِنَّهُ يَحْرُمُ بِهِ الْفَرْجُ؛ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَكِتَابَةُ إحْدَاهُمَا كَإِعْتَاقِهَا؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا يَحْرُمُ بِالْكِتَابَةِ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ وَبِرَهْنِ إحْدَاهُمَا وَإِجَارَتِهَا، وَتَدْبِيرِهَا لَا تَحِلُّ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا لَا يَحْرُمُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَقَوْلُهُ حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ الْأُخْرَى بِمِلْكٍ أَرَادَ بِهِ التَّمْلِيكَ بِأَنْ يَمْلِكَ رَقَبَتَهَا مِنْ إنْسَانٍ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَكَالصُّلْحِ وَالْخُلْعِ وَالْمَهْرِ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ نِكَاحٍ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ أَمَّا إذَا زَوَّجَ إحْدَاهُمَا نِكَاحًا فَاسِدًا لَا تَحِلُّ لَهُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا لَمْ يَصِرْ حَرَامًا عَلَيْهِ بِهَذَا الْعَقْدِ الْمُجَرَّدِ إلَّا إذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَحِينَئِذٍ تَحِلُّ لَهُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ عَلَيْهَا بِالدُّخُولِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمَوْلَى فَرْجُهَا فَلَمْ يَصِرْ جَامِعًا، وَلَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا دُونِ الْأُخْرَى حَلَّ لَهُ وَطْءُ الْمَوْطُوءَةِ دُونَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بِوَطْءِ الْأُخْرَى لَا بِوَطْءِ الْمَوْطُوءَةِ وَكُلُّ امْرَأَتَيْنِ لَا يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ يُزَوِّجُهَا الْبَائِعُ غَيْرَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا هُوَ، وَيَقْبِضُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ أَوْ يَشْتَرِيهَا أَوَّلًا ثُمَّ يُزَوِّجُهَا مِنْ رَجُلٍ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا ثُمَّ يَقْبِضَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ، وَإِنْ خَافَ الْبَائِعُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي، وَلَا يَشْتَرِيهَا، وَلَا يُطَلِّقُهَا فَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ زَوَّجْتُهَا مِنْك عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِي فِي التَّطْلِيقَتَيْنِ أُطَلِّقُهَا مَتَى شِئْتَ أَوْ يَقُولَ زَوَّجْتهَا مِنْك عَلَى أَنَّك إنْ لَمْ تَشْتَرِهَا مِنِّي الْيَوْمَ بِكَذَا فَهِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي النِّكَاحَ، وَكَذَا الْحِيلَةُ إذَا خِيفَ عَلَى الْمُحَلِّلِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ) تَقَدَّمَ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجِبُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اشْتَرَى جَارِيَةً، وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ عِدَّةَ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا يَوْمٌ أَوْ بَعْضُ يَوْمٍ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِالِاسْتِبْرَاءِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي تِلْكَ الْحَالَةِ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُعْتَدَّةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيْضِ) تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا يَمْتَدَّانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالصَّوْمُ قَدْ يَمْتَدُّ فِي الْفَرْضِ إلَى شَهْرٍ فَلَوْ حَرُمَ الدَّوَاعِي لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا وَالنَّفَلُ تَابِعٌ لِلْفَرْضِ فَأُعْطِيَ حُكْمُهُ. اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْزِلَ عَنْ فِرَاشِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ فِعْلَ الْيَهُودِ، وَقَدْ نُهِينَا عَنْ التَّشَبُّهِ. اهـ ذَكَرَهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الدَّوَاعِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَوْ قَبَّلَهُمَا جَمِيعًا بِشَهْوَةٍ فَقَدْ بَاشَرَ حَرَامًا وَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ وَطْئِهِمَا. اهـ. ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَطْئًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَالْأَصْلُ فِي الْأَبْضَاعِ الْحِلُّ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْحِلِّ، وَقَدْ وُجِدَ، وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ، وَأَرَادَ بِآيَةِ الْإِحْلَالِ قَوْله تَعَالَى {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6]، وَأَرَادَ بِآيَةِ التَّحْرِيمِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ مَعَ الْمُبِيحِ إذَا اجْتَمَعَا فَالْمُحَرَّمُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ يَجِبُ تَرْكُهُ وَالْمُبَاحَ لَا يَجِبُ فِعْلُهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا فَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأُخْتَيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكُرِهَ تَقْبِيلُ الرَّجُلِ، وَمُعَانَقَتُهُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَاحِدٌ جَازَ كَالْمُصَافَحَةِ)، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلُ فَمَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ يُعَانِقَهُ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَانَقَ جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ، وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ، وَقَالَ لَا أَدْرِي بِمَاذَا أُسَرُّ بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ، وَعَانَقَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ»، وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَفِي الْكَافِي كَانَ الْأَعْرَابُ يُقَبِّلُونَ أَطْرَافَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَنْ عَطَاءٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ الْمُعَانَقَةِ فَقَالَ أَوَّلُ مَنْ عَانَقَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ بِمَكَّةَ فَأَقْبَلَ إلَيْهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ فَلَمَّا كَانَ بِالْأَبْطَحِ قِيلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَرْكَبَ بِبَلْدَةٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَمَشَى إلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ وَاعْتَنَقَهُ فَكَانَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ عَانَقَ، وَلَهُمَا مَا رَوَى أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَنْحَنِي بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ لَا قُلْنَا أَيُعَانِقُ بَعْضُنَا بَعْضًا قَالَ لَا قُلْنَا أَيُصَافِحُ بَعْضُنَا بَعْضًا قَالَ نَعَمْ» وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْمُكَامَعَةِ، وَهِيَ الْمُعَانَقَةُ». وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْمُكَاعَمَةِ، وَهِيَ التَّقْبِيلُ»، وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِهِ، وَقَالُوا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا غَيْرُ الْإِزَارِ، وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِمَا قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفَّقَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ الْمَكْرُوهُ مِنْ الْمُعَانَقَةِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، وَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ فَجَائِزٌ وَرَخَّصَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَقْبِيلَ يَدِ الْعَالِمِ أَوْ الْمُتَوَرِّعِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ، وَقَبَّلَ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَ عَيْنَيْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا قُبِضَ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ أَوْ يَدِ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ سُنَّةٌ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، وَمَا يَفْعَلُهُ الْجُهَّالُ مِنْ تَقْبِيلِ يَدِ نَفْسِهِ إذَا لَقِيَ الْغَيْرَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ فَلَا رُخْصَةَ فِيهِ، وَمَا يَفْعَلُونَ مِنْ تَقْبِيلِ الْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْ الْعُلَمَاءِ فَحَرَامٌ وَالْفَاعِلُ وَالرَّاضِي بِهِ آثِمَانِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الْوَثَنِ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِهَذَا السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ التَّحِيَّةَ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - السُّجُودُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ كُفْرٌ، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ التَّقْبِيلَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ قُبْلَةِ الرَّحْمَةِ كَقُبْلَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَقَبَّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقُبْلَةِ التَّحِيَّةِ كَقُبْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَقُبْلَةِ الشَّفَقَةِ كَقُبْلَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدَيْهِ، وَقُبْلَةِ الْمَوَدَّةِ كَقُبْلَةِ الرَّجُلِ أَخَاهُ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَقُبْلَةِ الشَّهْوَةِ كَقُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ قُبْلَةَ الدِّيَانَةِ، وَهِيَ قُبْلَةُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ. وَأَمَّا الْقِيَامُ لِلْغَيْرِ فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَرَجَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا فَقُمْنَا لَهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ الْأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا»، وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَكْرَهُ الْقِيَامَ، وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ يَقُومُ لَهُ، وَلَا يَقُومُ لِلْفُقَرَاءِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنَّ الْأَغْنِيَاءَ يَتَوَقَّعُونَ مِنِّي التَّعْظِيمَ فَلَوْ تَرَكْت تَعْظِيمَهُمْ تَضَرَّرُوا وَالْفُقَرَاءُ وَطَلَبَةُ الْعِلْمِ لَا يَطْمَعُونَ مِنِّي فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَطْمَعُونَ فِي جَوَابِ السَّلَامِ وَالتَّكَلُّمِ مَعَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَتَضَرَّرُونَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ لَهُمْ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهَا سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ مُتَوَارَثَةٌ فِي الْبَيْعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَافَحَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَحَرَّكَ يَدَهُ فِي يَدِهِ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ»، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ الْآثَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُكَامَعَةِ) فِيهِ أَنَّهُ نَهَى الْمُكَامَعَةِ هُوَ أَنْ يُضَاجِعَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَا حَاجِزَ بَيْنَهُمَا وَالْكَمِيعُ الضَّجِيعُ وَزَوْجُ الْمَرْأَةِ كَمِيعُهَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ. اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَتَفْسِيرُ الْمُكَامَعَةِ بِالْمُعَانَقَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ وَغَيْرِهِ كَامَعَ امْرَأَتَهُ ضَاجَعَهَا، وَكَاعَمَ الْمَرْأَةَ قَبَّلَهَا، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُكَاعَمَةِ وَالْمُكَامَعَةِ أَيْ عَنْ مُلَاثَمَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ، وَمُضَاجَعَتِهِ إيَّاهُ لَا سِتْرَ بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَدِ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ سُنَّةٌ) قُلْت كَذَلِكَ يَجُوزُ تَقْبِيلُ يَدِ الْوَالِدَيْنِ وَالشَّيْخِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ. اهـ عَيْنِيٌّ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ) أَيْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقُبْلَةِ الشَّفَقَةِ كَقُبْلَةِ الْوَلَدِ وَالِدَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّأْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقُبْلَةِ الْمَوَدَّةِ كَقُبْلَةِ الرَّجُلِ أَخَاهُ) أَيْ أَوْ أُخْتَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: عَلَى الْجَبْهَةِ) عَلَى الْخَدِّ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقُبْلَةِ الشَّهْوَةِ كَقُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ) أَيْ عَلَى الْفَمِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْقِيَامُ لِلْغَيْرِ إلَخْ)، وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ أَوْ وَاحِدٌ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ الْأَشْرَافِ قَالُوا إنْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَالِمٌ أَوْ أَبُوهُ أَوْ أُسْتَاذُهُ جَازَ أَنْ يَقُومَ لِأَجْلِهِ، وَفِي سِوَى ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ) أَيْ الْحَكِيمِ السَّمَرْقَنْدِيِّ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَحَرَّكَ يَدَهُ فِي يَدِهِ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ) الَّذِي وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي غَالِبِ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ وَحَرَّكَ فِي يَدِهِ تَنَاثَرَتْ إلَخْ وَوَقَفْت عَلَى نُسْخَةٍ كَمَا أَصْلَحْت هُنَا فَلْيُرَاجَعْ لَفْظُ الْحَدِيثِ. اهـ. وَاَلَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ بِخَطِّهِ وَحَرَّكَ فِي يَدِهِ تَنَاثَرَتْ. اهـ. قَوْلُهُ: فِي غَالِبِ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ أَيْ، وَفِي الْكَافِي لِلنَّسَفِيِّ وَحَرَّكَ يَدَهُ تَنَاثَرَتْ. اهـ

[فصل في البيع]

(فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (كُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ لَا السِّرْقِينِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّرْقِينِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ فَلَا يَكُونُ مَالًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْعَذِرَةِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدَّبْغِ، وَلَنَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَمَوَّلُوا السِّرْقِينَ وَانْتَفَعُوا بِهِ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَالْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَإِنَّهُمْ يُلْقُونَهُ فِي الْأَرَاضِي لِاسْتِكْثَارِ الرَّيْعِ بِخِلَافِ الْعَذِرَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا، وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهَا مَخْلُوطَةً بِرَمَادٍ، وَتُرَابٍ غَالِبٍ عَلَيْهَا بِالْإِلْقَاءِ فِي الْأَرْضِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَذِرَةِ الْخَاصَّةِ جَائِزٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَهُ شِرَاءُ أَمَةٍ قَالَ بَكْرٌ وَكَّلَنِي زَيْدٌ بِبَيْعِهَا) مَعْنَاهُ أَنَّ جَارِيَةً لِإِنْسَانٍ فَرَأَى آخَرَ يَبِيعُهَا فَقَالَ الْبَائِعُ وَكَّلَنِي مَوْلَاهَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، وَيَطَأَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَكَذَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ أَوْ، وَهَبَنِي إيَّاهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيَّ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَهُوَ الْفُرُوجُ بِأَنْ زُفِّتَ إلَيْهِ امْرَأَةٌ، وَقَالَ النِّسَاءُ هِيَ امْرَأَتُك حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ غَيْرَ ثِقَةٍ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْمِلْكَ أَوْ غَيْرَهُ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ وَسِعَهُ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ لَا تُشْتَرَطُ لِلْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَتَعَرَّضُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْبَرَ الرَّأْيِ يَقُومُ مَقَامَ الْيَقِينِ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ صَاحِبُ الْيَدِ بِشَيْءٍ مِنْ الْوَكَالَةِ أَوْ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ عَرَفَهَا أَنَّهَا لِغَيْرِهِ لَا يَشْتَرِيهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ إلَيْهِ أَوْ وَكَّلَهُ؛ لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ أَنَّهَا لِلْأَوَّلِ وَسِعَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، وَإِنْ كَانَ ذُو الْيَدِ فَاسِقًا؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ عِنْدَ وُجُودِ دَلِيلٍ ظَاهِرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَا يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَزَّهَ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مَعَ ذَلِكَ صَحَّ لِاعْتِمَادِهِ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَتَاهُ بِهَا عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ لَمْ يَقْبَلْهَا، وَلَمْ يَشْتَرِهَا حَتَّى يَسْأَلَ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا مِلْكَ لَهُ فَيَعْلَمُ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لِغَيْرِهِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَوْلَاهَا أَذِنَ لَهُ، وَهُوَ ثِقَةٌ قَبِلَ قَوْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً يُعْتَبَرُ فِيهِ أَكْبَرُ الرَّأْيِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ لَمْ يَشْتَرِهَا لِقِيَامِ الْمَانِعِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ. وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا رَجُلٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَكَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ أَوْ أَتَاهَا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا بِطَلَاقٍ، وَلَا تَدْرِي أَنَّهُ كِتَابُهُ أَمْ لَا إلَّا أَنَّهُ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ بَعْدَمَا تَحَرَّتْ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَعْتَدَّ ثُمَّ تَتَزَوَّجَ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارَ فَلَا مُنَازِعَ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ النِّكَاحِ لَا تَمْنَعُ مَا يَطْرَأُ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ لِرَجُلٍ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَكَذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ الثَّلَاثُ إذَا قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي، وَتَزَوَّجْت بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِي ثُمَّ طَلَّقَنِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجُهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ الْجَارِيَةُ كُنْتُ أَمَةً لِفُلَانٍ فَأَعْتَقَنِي حَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ أَخْبَرَهَا مُخْبِرٌ أَنْ أَصْلَ النِّكَاحِ كَانَ فَاسِدًا أَوْ كَانَ الزَّوْجُ حِينَ تَزَوَّجَهَا مُرْتَدًّا أَوْ أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِذَلِكَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَكَذَا إذَا أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ أَنَّك ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ] (فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ) (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَمَوَّلُوا السِّرْقِينَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَنَا أَنَّ السِّرْقِينَ مَالٌ فَجَازَ بَيْعُهُ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مَالٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَيُتَمَوَّلُ أَيْ يُدَّخَرُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، وَقَدْ تَمَوَّلَ الْمُسْلِمُونَ السِّرْقِينَ وَانْتَفَعُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَمَا كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ كَانَ مَالًا فَجَازَ بَيْعُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِرَمَادٍ وَتُرَابٍ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا) وَنَجَاسَةُ الْعَيْنِ تَمْنَعُ الْأَكْلَ، وَلَا تَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ فَجَازَ بَيْعُ ذَلِكَ اهـ غَايَةٌ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْعَذِرَةِ رِوَايَتَانِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يُكْرَهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يُكْرَهُ فَعَلَى قِيَاسِ الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا يُكْرَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَخْلُوطِ لَا بِغَيْرِ الْمَخْلُوطِ فِي الصَّحِيحِ. اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ: لَا بِغَيْرِ الْمَخْلُوطِ فِي الصَّحِيحِ احْتَرَزَ بِالصَّحِيحِ عَنْ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَذِرَةِ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَخْلُوطَةً وَالرِّوَايَتَانِ نَقَلَهُمَا الْفَقِيهُ قَبْلَ هَذَا. اهـ. قَوْلُهُ: فِي الْهِدَايَةِ أَيْ، وَفِي الْكَافِي مِثْلُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَا يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ كَكِتَابٍ فِي يَدِ جَاهِلٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَكَدِرَةٍ فِي يَدِ فَقِيرٍ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِاعْتِمَادِهِ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ) أَيْ، وَهُوَ أَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالتَّنَزُّهُ أَفْضَلُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِهَا حَتَّى يَسْأَلَ) أَيْ إذَا أَتَاهُ عَبْدٌ أَوْ جَارِيَةٌ بِجَارِيَةٍ فَأَرَادَ بَيْعَ الْجَارِيَةِ فَلَا يَشْتَرِ قَبْلَ السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّ مَوْلَاهُ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ، وَقَبُولِهِ مِنْهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَوْلَاهَا أَذِنَ لَهُ، وَهُوَ ثِقَةٌ إلَخْ) فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ وَقَبُولِهِ مِنْهُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَمْلُوكِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَافٍ لِلْمِلْكِ، وَإِذَا أَخْبَرَ أَنَّ مَوْلَاهُ قَدْ أَذِنَ فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَهُوَ إخْبَارٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْمُنَازَعَةِ فَيُقْبَلُ. اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِقِيَامِ الْمَانِعِ) أَيْ، وَهُوَ الرِّقُّ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ عَنْ التَّصَرُّفِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا رَجُلٌ ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا إلَخْ) فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَعْتَدَّ ثُمَّ تَتَزَوَّجَ)، وَهَذَا فِي الْإِخْبَارِ، وَأَمَّا فِي الشَّهَادَةِ فَلَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ فُصُولِهِ إذَا شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى الطَّلَاقِ وَالزَّوْجُ غَائِبٌ لَا يُقْبَلُ لِعَدَمِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَصْمِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا يُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ دَعْوَى الْمَرْأَةِ بِطَرِيقِ الْحِسْبَةِ، وَهَذَا فِي الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي أَمَّا إذَا قَالُوا لِامْرَأَةِ الْغَائِبِ إنَّ زَوْجَك طَلَّقَك أَوْ أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ وَاحِدٌ عَدْلٌ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ آخَرَ كَذَا فِي الْفُصُولِ. هـ أَتْقَانِيٌّ

تَزَوَّجَتْهَا، وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ أَوْ أُخْتُك مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِأُخْتِهَا، وَلَا بِأَرْبَعٍ سِوَاهَا حَتَّى يَشْهَدَ بِذَلِكَ عَدْلَانِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِفَسَادٍ مُقَارَنٍ وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَإِنْكَارِ فَسَادِهِ فَيَثْبُتُ الْمُنَازَعُ بِالظَّاهِرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ صَغِيرَةً فَأُخْبَرَ الزَّوْجُ أَنَّهَا ارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ حَيْثُ يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارَ وَالْإِقْدَامُ الْأَوَّلُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْعِدَامِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمُنَازِعُ فَافْتَرَقَا، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَدُورُ الْفَرْقُ، وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً صَغِيرَةً لَا تُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهَا فِي يَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهَا لَهُ فَلَمَّا كَبُرَتْ لَقِيَهَا رَجُلٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَقَالَتْ أَنَا حُرَّةُ الْأَصْلِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِتَحَقُّقِ الْمُنَازِعِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمُنَافِي طَارِئًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَخْذُ ثَمَنِ خَمْرٍ بَاعَهَا مُسْلِمٌ لَا كَافِرٌ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ لِشَخْصٍ مُسْلِمٍ دَيْنٌ عَلَى مُسْلِمٍ فَبَاعَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ خَمْرًا، وَأَخَذَ ثَمَنَهَا، وَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ لَا يَحِلُّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ الْخَمْرِ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ كَافِرًا جَازَ لَهُ أَخْذُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَبَقِيَ الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ، وَمَلَكَهُ الْبَائِعُ فَيَحِلُّ الْأَخْذُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ هَذَا إذَا كَانَ الْقَضَاءُ وَالِاقْتِضَاءُ بِالتَّرَاضِي فَإِنْ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِأَنْ قَضَى عَلَيْهِ بِهَذَا الثَّمَنِ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِكَوْنِهِ ثَمَنَ الْخَمْرِ يَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ بِقَضَائِهِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ فَكَيْفَ يَطِيبُ لَهُ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا لَا يَرَى نُفُوذَ قَضَاءِ الْقَاضِي بَاطِنًا، وَإِنَّمَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا فَقَطْ عِنْدَهُ، وَعَلَى هَذَا إذَا مَاتَ مُسْلِمٌ، وَتَرَكَ ثَمَنَ خَمْرٍ بَاعَهَا هُوَ لَا يَحِلُّ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا كَسْبُ الْمُغَنِّيَةِ كَالْمَغْصُوبِ لَمْ يَحِلَّ أَخْذُهُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ، وَكَسْبُهُ مِنْ بَيْعِ الْبَاذَقِ أَوْ الظُّلْمِ أَوْ أَخْذِ الرِّشْوَةِ يَتَوَرَّعُ الْوَرَثَةُ، وَلَا يَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا، وَهُوَ أَوْلَى لَهُمْ، وَيَرُدُّونَهَا عَلَى أَرْبَابِهَا إنْ عَرَفُوهُمْ، وَإِلَّا تَصَدَّقُوا بِهَا؛ لِأَنَّ سَبِيلَ الْكَسْبِ الْخَبِيثِ التَّصَدُّقُ إذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ عَلَى صَاحِبِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاحْتِكَارُ قُوتِ الْآدَمِيِّ وَالْبَهِيمَةِ فِي بَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ) أَيْ يُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ فِي الْقُوتِ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ»؛ وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ، وَفِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ، وَتَضْيِيقُ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ فَيُكْرَهُ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ صَغِيرَةً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَنْ كَانَ الْمِصْرُ كَبِيرًا؛ لِأَنَّهُ حَابِسٌ مِلْكَهُ عَنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِغَيْرِهِ، وَتَلَقِّي الْجَلْبِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ. وَتَخْصِيصُ الِاحْتِكَارِ بِالْأَقْوَاتِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كُلّ مَا ضَرَّ بِالْعَامَّةِ حَبْسُهُ فَهُوَ احْتِكَارٌ، وَإِنْ كَانَ ثِيَابًا أَوْ دَرَاهِمَ وَنَحْوَ ذَلِكَ اعْتِبَارًا لِحَقِيقَةِ الضَّرَرِ إذْ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْكَرَاهَةِ، وَهُمَا اعْتَبَرَا الضَّرَرَ الْمُتَعَارَفَ الْمَعْهُودَ ثُمَّ الْمُدَّةُ إذَا قَصُرَتْ لَا تَكُونُ احْتِكَارًا لِعَدَمِ الضَّرَرِ، وَإِذَا طَالَتْ تَكُونُ احْتِكَارًا مَكْرُوهًا لِتَحَقُّقِ الضَّرَرِ ثُمَّ قِيلَ هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: حَيْثُ يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الدَّيَّانَةِ فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَدُورُ الْفَرْقُ) أَيْ بَيْنَ قَبُولِ قَوْلِ الْوَاحِدِ، وَعَدَمِ قَبُولِهِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْإِخْبَارُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْمُنَازَعَةِ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ، وَإِذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ الْمُنَازَعَةِ لَا يُقْبَلُ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَقَالَتْ) وَلَوْ قَالَتْ إنَّ سَيِّدِي قَدْ أَعْتَقَنِي حَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِتَحْقِيقِ الْمُنَازَعِ) أَيْ، وَهُوَ ذُو الْيَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الِاحْتِكَارُ فِي كُلِّ مَا يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ احْتِكَارُهُ، وَقَالَ الِاحْتِكَارُ أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَهُ أَكْثَرَ السَّنَةِ فَإِنْ حَبَسَهُ عِنْدَهُ شَهْرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِثْمُهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَحْبِسُهُ، وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ الْحُكْرَةُ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ الَّذِي هُوَ قُوتُ النَّاسِ وَالْقَتُّ الَّذِي هُوَ قُوتُ الْبَهَائِمِ، وَلَيْسَ فِي الثِّيَابِ حُكْرَةٌ، وَلَا فِي الْأُرْزِ، وَلَا فِي الْعَسَلِ، وَلَا فِي السَّمْنِ، وَلَا فِي الزَّيْتِ حُكْرَةٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الزَّيْتِ حُكْرَةٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عُمُومُ النَّهْيِ عَنْ الْحُكْرَةِ بِلَا فَصْلٍ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُ بِحُكْرَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَالْحِنْطَةِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْأَدْهَانَ وَالْعَسَلَ لَيْسَ بِهَا قِوَامُ الْأَبْدَانِ فَلَا يَضُرُّ عَدَمُهَا كَمَا فِي سِوَاهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ اللَّازِمَةَ الدَّائِمَةَ فِي الْأَقْوَاتِ دُونَ غَيْرِهَا فَلَا يُكْرَهُ حَبْسُ غَيْرِ الْأَقْوَاتِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّ حَبْسَ الْأُرْزِ لَيْسَ بِاحْتِكَارٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْبِلَادِ الَّتِي لَا يَتَقَوَّتُونَ بِهِ، وَأَمَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ قُوتُهُمْ مِثْلُ طَبَرِسْتَانَ فَهُوَ احْتِكَارٌ، وَأَمَّا الثِّيَابُ فَلِأَنَّ قِوَامَ الْأَبْدَانِ وَبَقَاءَ الْحَيَاةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا، قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ. 1 - (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» قَالَ الْفَقِيهُ إنَّمَا أَرَادَ بِالْجَالِبِ الَّذِي يَشْتَرِي الطَّعَامَ لِلْبَيْعِ فَيَجْلِبُهُ إلَى بَلَدِهِ فَيَبِيعُهُ فَهُوَ مَرْزُوقٌ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ فَيَنَالُهُ بَرَكَةُ دُعَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُحْتَكِرُ يَشْتَرِي الطَّعَامَ لِلْمَنْعِ، وَيَضُرُّ بِالنَّاسِ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَجُزْ وَلِهَذَا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَلَقِّي الْجَلْبِ، وَعَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ». اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قِيلَ اللَّعْنُ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدِهِمَا الطَّرْدُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْكَافِرِ وَالثَّانِي الْإِلْقَاءُ عَنْ دَرَجَةِ الْأَبْرَارِ، وَمَقَامِ الصَّالِحِينَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُؤْمِنُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِيمَانِ بِارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ هِيَ) أَيْ مُدَّةُ الِاحْتِكَارِ الَّتِي يُمْنَعُ مِنْهَا. اهـ. غَايَةٌ

«مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ»، وَقِيلَ بِالشَّهْرِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ قَلِيلٌ عَاجِلٌ وَالشَّهْرُ، وَمَا فَوْقَهُ كَثِيرٌ آجِلٌ، وَقَدْ مَرَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَيَقَعُ التَّفَاوُتُ فِي الْمَأْثَمِ بَيْنَ أَنْ يَتَرَبَّصَ الْعِزَّةَ وَبَيْنَ أَنْ يَتَرَبَّصَ الْقَحْطَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، وَقِيلَ الْمُدَّةُ لِلْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْإِثْمُ فَيَحْصُلُ، وَإِنْ قَلَّتْ الْمُدَّةُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التِّجَارَةَ فِي الطَّعَامِ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا غَلَّةَ ضَيْعَتِهِ، وَمَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ) أَيْ لَا يُكْرَهُ احْتِكَارُ غَلَّةِ أَرْضِهِ أَوْ احْتِكَارُ مَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ فَلَا يَكُونُ احْتِكَارًا أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَزْرَعَ، وَلَا يَجْلِبَ فَكَذَا لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ، وَهَذَا فِي الْمَجْلُوبِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ يَتَعَلَّقُ بِمَا جُلِبَ وَجُمِعَ فِي الْمِصْرِ أَوْ فِي فِنَائِهِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُمْ بِمَا فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِذَا نَقَلَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ كَانَ لَهُ حَبْسُهُ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ فَصَارَ كَغَلَّةِ ضَيْعَتِهِ وَالْجَامِعُ عَدَمُ تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ إذْ كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَنْقُلَ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَزْرَعَ فَكَذَا لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُكْرَهُ لَهُ حَبْسُ مَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْعَامَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ حُصُولُهُ لَهُمْ بِأَنْ يَجْلِبَهُ غَيْرُهُ لَهُمْ أَوْ يَجْلِبُوهُ هُمْ؛ لِأَنْفُسِهِمْ كَمَا نَقَلَهُ هُوَ وَجَلَبَهُ فَكَانَ بِحَبْسِهِ مُبْطِلًا حَقَّهُمْ فِي النَّقْلِ وَالْجَلْبِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَبَسَ الْمَجْلُوبَ إلَى الْمِصْرِ أَوْ فِنَائِهِ بِخِلَافِ مَا زَرَعَهُ فِي ضَيْعَتِهِ لِانْعِدَامِ هَذَا الْمَعْنَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ نَقَلَهُ مِنْ مَوْضِعٍ يُجْلَبُ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ فِي الْغَالِبِ يُكْرَهُ حَبْسُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ تَعَلَّقَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ فِنَاءِ الْمِصْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ يُنْقَلُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ هُوَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَقَلَهُ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدِ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْحَمْلِ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّهُمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْهِمْ فَصَارَ كَغَلَّةِ ضَيْعَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُسَعِّرُ السُّلْطَانُ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَرْبَابُ الطَّعَامِ عَنْ الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَعِّرُوا فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ»؛ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّ الْبَائِعِ فَكَانَ إلَيْهِ تَقْدِيرُهُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِحَقِّهِ إلَّا إذَا كَانَ أَرْبَابُ الطَّعَامِ يَتَحَكَّمُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيَتَعَدُّونَ تَعَدِّيًا فَاحِشًا، وَعَجَزَ السُّلْطَانُ عَنْ صِيَانَةِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِالتَّسْعِيرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالنَّظَرِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ فَتَعَدَّى عَنْ ذَلِكَ فَبَاعَهُ بِثَمَنٍ فَوْقَهُ أَجَازَهُ الْقَاضِي، وَهَذَا لَا يُشْكِلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَجْرُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى قَوْمٍ بِعَيْنِهِمْ لَا يَكُونُ حَجْرًا بَلْ يَكُونُ فَتْوَى فِي ذَلِكَ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانِ أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِعُقُوبَتِهِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا الْأَمْرُ، وَلَا بِالتَّسْعِيرِ يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَبِيعَ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ، وَقُوتِ أَهْلِهِ عَلَى اعْتِبَارِ السَّعَةِ، وَيَنْهَاهُ عَنْ الِاحْتِكَارِ، وَيَعِظُهُ، وَيَزْجُرُهُ عَنْهُ فَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ ثَانِيًا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ وَهَدَّدَهُ، وَإِنْ رُفِعَ إلَيْهِ ثَالِثًا حَبَسَهُ، وَعَزَّرَهُ حَتَّى يَمْتَنِعَ عَنْهُ، وَيَزُولَ الضَّرَرُ عَنْ النَّاسِ، وَلَا يُسَعِّرُ إلَّا إذَا أَبَوْا أَنْ يَبِيعُوهُ إلَّا بِغَبَنٍ فَاحِشٍ ضِعْفِ الْقِيمَةِ، وَعَجَزَ عَنْ صِيَانَةِ حُقُوقِهِمْ إلَّا بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ بِالْكُلِّيَّةِ. قِيلَ لَا يَبِيعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَهُمَا يَرَيَانِهِ كَمَا فِي بَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ، وَقِيلَ يَبِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَرَى الْحَجْرَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَامٍّ كَمَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ، وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ بِمَا قَدَّرَهُ الْإِمَامُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْبَيْعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ الْبَائِعَ إنْ كَانَ يَخَافُ إذَا نَقَصَ أَنْ يَضُرَّ بِهِ الْإِمَامُ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُكْرَهِ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَعْنِي بِمَا تُحِبُّ فَحِينَئِذٍ بِأَيِّ شَيْءٍ بَاعَهُ يَحِلُّ، وَلَوْ اصْطَلَحَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى سِعْرِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَشَاعَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَاشْتَرَى رَجُلٌ مِنْهُمْ خُبْزًا بِدِرْهَمٍ أَوْ لَحْمًا فَأَعْطَاهُ الْبَائِعُ نَاقِصًا وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ إذَا عَرَفَ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ فِي الْخُبْزِ دُونَ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ سِعْرَ الْخُبْزِ يَظْهَرُ عَادَةً فِي الْبُلْدَانِ وَسِعْرَ اللَّحْمِ لَا يَظْهَرُ إلَّا نَادِرًا فَيَكُونُ شَارِطًا فِي الْخُبْزِ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ دُونَ اللَّحْمِ. وَلَوْ خَافَ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ الْهَلَاكَ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ الْمُحْتَكَرِينَ، وَفَرَّقَهُ فَإِذَا وَجَدُوا رَدُّوا مِثْلَهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْحَجْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُمْ كَمَا فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَجَازَ بَيْعُ الْعَصِيرِ مِنْ خَمَّارٍ)؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَقُومُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَمَا فَوْقَهُ كَثِيرٌ آجِلٌ)، وَقَدْ رَوَيْنَا قَبْلُ عَنْ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَدَّرَ مُدَّةَ الِاحْتِكَارِ بِأَكْثَرَ السَّنَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيَقَعُ التَّفَاوُتُ فِي الْمَأْثَمِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ إثْمَ مَنْ تَرَبَّصَ الْقَحْطَ أَعْظَمُ مِنْ إثْمِ مَنْ تَرَبَّصَ عِزَّةَ الطَّعَامِ، وَهِيَ الْغَلَاءُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمُدَّةُ لِلْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا) يَعْنِي أَنَّ تَقْدِيرَ مُدَّةِ الِاحْتِكَارِ لِلْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُعَزِّرَ الْإِمَامُ الْمُحْتَكِرَ، وَيُهَدِّدَهُ أَمَّا الْإِثْمُ فَيَحْصُلُ، وَإِنْ قَلَّتْ مُدَّةُ الِاحْتِكَارِ. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مَحْمُودَةٍ) أَيْ بِطَرِيقِ الِاحْتِكَارِ، وَأَمَّا الِاسْتِرْبَاحُ فِيهِ بِلَا احْتِكَارٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الشَّاهِيَةِ. اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يُسَعِّرُ السُّلْطَانُ إلَخْ)، وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ التَّسْعِيرُ عَلَى الْوَالِي دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْعَامَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقُوتِ أَهْلِهِ عَلَى اعْتِبَارِ السَّعَةِ) أَيْ فِي قُوتِهِ، وَقُوتِ أَهْلِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: قِيلَ لَا يَبِيعُ) أَيْ الْقَاضِي عَلَى الْمُحْتَكِرِ طَعَامَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي بَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ) أَيْ الْمُفْلِسِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْبَيْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَبِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقِيلَ يَبِيعُهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ قَالَ، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَافَ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ الْهَلَاكَ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ الْمُحْتَكِرِينَ، وَفَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا وَجَدُوا رَدُّوا مِثْلَهُ، وَلَيْسَ هَذَا حَجْرًا، وَإِنَّمَا هُوَ لِلضَّرُورَةِ، وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى مَالِ غَيْرِهِ وَخَافَ الْهَلَاكَ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَا لَا يَنْبَغِي) أَيْ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ. اهـ

بِعَيْنِهِ بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ بِخِلَافِ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَقُومُ بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ إعَانَةً لَهُمْ، وَتَسْبِيبًا، وَقَدْ نُهِينَا عَنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْعُدْوَانِ وَالْمَعْصِيَةِ؛ وَلِأَنَّ الْعَصِيرَ يُصْلِحُ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا جَائِزٌ شَرْعًا فَيَكُونُ الْفَسَادُ إلَى اخْتِيَارِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِجَارَةُ بَيْتٍ لِيَتَّخِذَهُ بَيْتَ نَارٍ أَوْ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ يُبَاعُ فِيهِ خَمْرٌ بِالسَّوَادِ) أَيْ جَازَ إجَارَةُ الْبَيْتِ لِيَتَّخِذَهُ مَعْبَدًا لِلْكُفَّارِ وَالْمُرَادُ بِبَيْتِ النَّارِ مَعْبَدُ الْمَجُوسِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْرِيَهُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وَلَهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ وَلِهَذَا يَجِبُ الْأَجْرُ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ، وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَهُوَ مُخْتَارٌ فِيهِ لِقَطْعِ نِسْبَتِهِ عَنْهُ فَصَارَ كَبَيْعِ الْجَارِيَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَبْرِئُهَا أَوْ يَأْتِيهَا مِنْ دُبُرِهَا أَوْ بَيْعِ الْغُلَامِ مِنْ لُوطِيٍّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ آجَرَهُ لِلسُّكْنَى جَازَ، وَهُوَ لَا بُدَّ لَهُ فِيهِ مِنْ عِبَادَتِهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالسَّوَادِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إحْدَاثِ الْمَعْبَدِ، وَإِظْهَارِ بَيْعِ الْخُمُورِ وَالْخَنَازِيرِ فِي الْأَمْصَارِ لِظُهُورِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فِيهَا فَلَا يُعَارَضُ بِإِظْهَارِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ بِخِلَافِ السَّوَادِ قَالُوا هَذَا فِي سَوَادِ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَهْلِهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ، وَأَمَّا فِي سَوَادِ غَيْرِهَا فِيهِ شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ ظَاهِرَةٌ فَلَا يُمَكَّنُونَ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَمْلُ خَمْرٍ لِذِمِّيٍّ بِأَجْرٍ) أَيْ جَازَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا هُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً، وَعَدَّ مِنْهَا حَامِلَهَا، وَلَهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْحَمْلِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَلَا تَسَبُّبٍ لَهَا، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَلَيْسَ الشُّرْبُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا قَدْ يَكُونُ لِلْإِرَاقَةِ أَوْ التَّخْلِيلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِعَصْرِ الْعِنَبِ أَوْ قَطْفِهِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَمْلِ الْمَقْرُونِ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا آجَرَهُ دَابَّةً لِيَنْقُلَ عَلَيْهَا الْخَمْرَ أَوْ آجَرَهُ نَفْسَهُ لِيَرْعَى لَهُ الْخَنَازِيرَ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ الزَّنَانِيرِ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَالْقَلَنْسُوَةِ مِنْ الْمَجُوسِيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إذْلَالٌ لَهُمَا وَبَيْعُ الْمُكَعَّبِ الْمُفَضَّضِ لِلرِّجَالِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِيَلْبَسَهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى لُبْسِ الْحَرَامِ، وَلَوْ أَنَّ إسْكَافًا أَمَرَهُ إنْسَانٌ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ خُفًّا عَلَى زِيِّ الْمَجُوسِ أَوْ الْفَسَقَةِ أَوْ خَيَّاطًا أَمَرَهُ إنْسَانٌ أَنْ يَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا عَلَى زِيِّ الْفُسَّاقِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَسْبِيبٌ فِي التَّشَبُّهِ بِالْمَجُوسِ وَالْفَسَقَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَبَيْعُ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ، وَأَرَاضِيِهَا) يَعْنِي يَجُوزُ أَمَّا الْبِنَاءُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِمَنْ بَنَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَنَى فِي الْمُسْتَأْجَرِ أَوْ الْوَقْفِ صَارَ الْبِنَاءُ مِلْكًا لَهُ وَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ، وَأَمَّا أَرْضُهَا فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ أَرَاضِيَهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا لِظُهُورِ آثَارِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَهُوَ اخْتِصَاصُهُمْ بِهَا شَرْعًا، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رَبْعٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَرَاضِيَهَا تُمْلَكُ، وَتَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، وَقَدْ تَعَارَفَ النَّاسُ بَيْعَ أَرَاضِيِهَا وَالدُّورِ الَّتِي فِيهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَرَاضِيِهَا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَحَرَامٌ بَيْعُ رِبَاعِهَا، وَلَا تُؤَجَّرُ بُيُوتُهَا»؛ وَلِأَنَّ الْحَرَمَ وَقْفُ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَيُكْرَهُ إجَارَةُ أَرْضِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَكَلَ أُجُورَ أَرْضِ مَكَّةَ فَكَأَنَّمَا أَكَلَ الرِّبَا»؛ وَلِأَنَّ أَرَاضِيَ مَكَّةَ كَانَتْ تُدْعَى فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَمَنِ الْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ السَّوَائِبُ مَنْ احْتَاجَ إلَيْهَا سَكَنَهَا، وَمَنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا أَسْكَنَ غَيْرَهُ فِيهَا، وَمَنْ وَضَعَ دِرْهَمًا عِنْدَ بَقَّالٍ يَأْخُذُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِقَطْعِ نِسْبَتِهِ عَنْهُ) قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِهِ أَصْلُ هَذَا إذَا بَاعَ الْعَصِيرَ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ، وَلَا يُكْرَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ بَيْعُ الْغُلَامِ مِنْ لُوطِيٍّ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي بُيُوعِ فَتَاوَاهُ رَجُلٌ لَهُ عَبْدٌ أَمْرَدُ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ فَاسِقٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْصِي اللَّهَ فِيهِ غَالِبًا يُكْرَهُ هَذَا الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. اهـ. غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ بُيُوعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ الْمُحِيطِ الْمُسْلِمُ الْفَاسِقُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا أَمْرَدَ، وَكَانَ مِمَّنْ يَعْتَادُ اتِّبَاعَ الْأَمْرَدِ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَا هُوَ مَكْرُوهٌ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسٌ، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ. اهـ. غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَيُكْرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعَدَّ مِنْهَا حَامِلَهَا)، وَإِنَّمَا لُعِنَ الْحَامِلُ لِإِعَانَتِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: الْمُقِرُّونَ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ) أَيْ، وَهُوَ شُرْبُ الْخَمْرِ، وَلَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ وَضَعَ دِرْهَمًا عِنْدَ بَقَّالٍ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَكُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً لَا يَجُوزُ مِثْلَ أَنْ يُقْرِضَ دَرَاهِمَ غَلَّةٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ صِحَاحًا أَوْ يُقْرِضَ قَرْضًا عَلَى أَنْ يَبِيعَ بِهِ بَيْعًا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ كُلَّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا، وَتَأْوِيلُ هَذَا عِنْدَنَا أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُوجِبَةً بِعَقْدِ الْقَرْضِ مَشْرُوطَةً فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَشْرُوطَةٍ فِيهِ فَاسْتَقْرَضَ غَلَّةً فَقَضَاهُ صِحَاحًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا، وَلَمْ يَكُنْ شَرَطَ الْبَيْعَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ جَازَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ تَمْلِيكُ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ فَإِذَا جَرَّ نَفْعًا صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَزَادَ فِيهِ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ؛ وَلِأَنَّ الْقَرْضَ تَبَرُّعٌ وَجَرُّ الْمَنْفَعَةِ يُخْرِجُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فِيهِ يَكُونُ الْمُقْتَرِضُ مُتَبَرِّعًا بِهَا فَصَارَ كَالرُّجْحَانِ الَّذِي دَفَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَدَلِ الْقَرْضِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَقْرِضُ فَإِذَا خَرَجَ عَطَاؤُهُ أَعْطَاهُ أَجْوَدَ مِمَّا أَخَذَ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَاَلَّذِي حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَقْرَضَ رَجُلًا مَالًا ثُمَّ جَاءَ لِيَقْبِضَهُ فَلَمْ يَقِفْ فِي ظِلِّ حَائِطِهِ وَوَقَفَ فِي الشَّمْسِ حَتَّى خَرَجَ

مَا شَاءَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَّكَهُ الدِّرْهَمَ فَقَدْ أَقْرَضَهُ إيَّاهُ، وَقَدْ شَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا يُرِيدُ مِنْ التَّوَابِلِ وَالْبُقُولِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلَهُ فِي ذَلِكَ نَفْعٌ، وَهُوَ بَقَاءُ دِرْهَمِهِ وَكِفَايَتُهُ لِلْحَاجَاتِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ لَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَلَمْ يَبْقَ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُودِعَهُ إيَّاهُ ثُمَّ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَإِنْ ضَاعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتَعْشِيرُ الْمُصْحَفِ وَنَقْطُهُ)؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ وَالْآيَ تَوْقِيفِيَّةٌ لَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهَا مَدْخَلٌ فَبِالتَّعْشِيرِ حُفِظَ الْآيُ وَبِالنَّقْطِ حُفِظَ الْإِعْرَابُ فَكَانَا حَسَنَيْنِ؛ وَلِأَنَّ الْعَجَمِيَّ الَّذِي يَحْفَظُ الْقُرْآنَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ إلَّا بِالنَّقْطِ فَكَانَ حَسَنًا، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ جَرِّدُوا الْقُرْآنَ فَذَاكَ فِي زَمَنِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْقُلُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أُنْزِلَ، وَكَانَتْ الْقِرَاءَةُ سَهْلَةً عَلَيْهِمْ، وَكَانُوا يَرَوْنَ النَّقْطَ مُخِلًّا بِحِفْظِ الْإِعْرَابِ وَالتَّعْشِيرَ بِحِفْظِ الْآيِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعَجَمِيُّ فِي زَمَانِنَا فَيُسْتَحْسَنُ لِعَجْزِ الْعَجَمِيِّ عَنْ التَّعَلُّمِ إلَّا بِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا بَأْسَ بِكِتَابَةِ أَسَامِي السُّوَرِ، وَعَدِّ الْآيِ فَهُوَ، وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا فَمُسْتَحْسَنٌ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتَحْلِيَتُهُ) أَيْ يَجُوزُ تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِهِ كَمَا فِي نَقْشِ الْمَسْجِدِ، وَتَزْيِينِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ إذَا كَانَتْ التَّحْلِيَةُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ غَيْرِ مُمَوَّهٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَدُخُولُ ذِمِّيٍّ مَسْجِدًا) أَيْ جَازَ إدْخَالُ الذِّمِّيِّ جَمِيعَ الْمَسَاجِدِ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28]؛ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَخْلُو عَنْ الْجَنَابَةِ فَوَجَبَ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْهُ، وَعَدَّى مَالِكٌ إلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ، وَهِيَ النَّجَاسَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّهَا تُنَزَّهُ عَنْهَا، وَلَنَا أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْزَلَ وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي الْمَسْجِدِ وَضَرَبَ لَهُمْ خَيْمَةً فِيهِ فَقَالَتْ الصَّحَابَةُ الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَجَاسَتِهِمْ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا نَجَاسَتُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ» وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ دَخَلَ فِي حَالِ كُفْرِهِ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّجَاسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ هِيَ الْخُبْثُ فِي اعْتِقَادِهِمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ قَبِيحٍ رِجْسٌ، وَهُوَ النَّجَسُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَزْلَامَ وَالْمَيْسِرَ سُمِّيَتْ فِي الْقُرْآنِ رِجْسًا لِقُبْحِهَا وَالْمُرَادُ بِالْمَنْعِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ عَنْ قُرْبَانِهِمْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مَنْعُهُمْ عَنْ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ، وَكَانَ الْحُكْمُ لَهُمْ فَيَفْعَلُونَ مَا أَرَادُوا، وَلَمَّا أَعْلَى اللَّهُ تَعَالَى كَلِمَتَهُ وَنَصَرَ دِينَهُ، وَفَتَحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْفَتْحِ نُهُوا عَنْ ذَلِكَ، وَمُنِعُوا مِنْ دُخُولِهِ لِقَصْدِ الطَّوَافِ بِالْكُلِّيَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَعِيَادَتُهُ) أَيْ تَجُوزُ عِيَادَةُ الذِّمِّيِّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «يَهُودِيًّا مَرِضَ بِجِوَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ قُومُوا بِنَا نَعُودُ جَارَنَا الْيَهُودِيَّ فَعَادَهُ، وَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَقَالَ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَنَظَرَ الْمَرِيضُ إلَى أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ أَجِبْهُ فَأَجَابَهُ وَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ مَاتَ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَ بِي نَسَمَةً مِنْ النَّارِ»؛ وَلِأَنَّ الْعِيَادَةَ نَوْعٌ مِنْ الْبِرِّ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8]، وَلَا بَأْسَ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ، وَعَلَيْكُمْ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَزِدْ حِينَ رَدَّ عَلَى الْيَهُودِيِّ، وَلَا يَبْدَؤُهُ بِالسَّلَامِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَهُ، وَتَكْرِيمَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةً إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِبُدَاءَتِهِ بِهِ، وَلَا يَدْعُو لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ. وَلَوْ دَعَا لَهُ بِالْهُدَى جَازَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ اللَّهُمَّ أَهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، وَلَوْ دَعَا لَهُ بِطُولِ الْعُمُرِ قِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ التَّمَادِيَ عَلَى الْكُفْرِ، وَقِيلَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِي طُولِ عُمُرِهِ نَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَيَكُونُ دُعَاءً لَهُمْ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْعَافِيَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا قِيلَ لَا يَعُودُهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقِيلَ يَعُودُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ، وَتَرْغِيبَهُ فِيهِ وَتَأْلِيفَهُ، وَقَدْ نُدِبْنَا إلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي عِيَادَةِ الْفَاسِقِ أَيْضًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَالْعِيَادَةُ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا مَاتَ الْكَافِرُ قَالَ لِوَالِدِهِ أَوْ قَرِيبِهِ فِي تَعْزِيَتِهِ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك خَيْرًا مِنْهُ، وَأَصْلَحَك أَيْ أَصْلَحَك ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِ فَلَا أَصْلَ لَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَفْقَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ تَحْتَ الْحَائِطِ لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ تُمْلَكُ، وَلَا أَوْجَبَهَا الْقَرْضُ، وَلَوْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لَمُنِعَ مِنْ الْجُلُوسِ فِي سِرَاجِهِ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِهِ، وَهَذَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَهُ) أَيْ لِلْمُقْرِضِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا لَا بَأْسَ بِكِتَابَةِ أَسَامِي السُّوَرِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ يَقُولُ لَا يُكْرَهُ مَا يُكْتَبُ فِي تَرَاجِمِ السُّوَرِ حَسْبَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إبَانَةً عَنْ مَعْنَى السُّورَةِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كِتَابَةِ التَّسْمِيَةِ فِي أَوَائِلِهَا لِلْفَصْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْمَنْعِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْآيَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنْ يُمْنَعُوا مِنْ تَوَلِّي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ، وَيُعْزَلُونَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ عَلَى طَوَافِهِمْ عُرَاةً كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَمَرَ اللَّهُ بِتَنْزِيهِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَنْ ذَلِكَ لَا أَنَّ نَفْسَ الدُّخُولِ مَمْنُوعٌ يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا حَدَّثَ الْبُخَارِيُّ فِي جَامِعِهِ الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ إلَى حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنْ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ أَلَا لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَمْدُ اللَّهِ إلَخْ) قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهِ نَأْخُذُ لَا نَرَى بِعِيَادَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس بَأْسًا كَذَا فِي كِتَابِ الْآثَارِ لِمُحَمَّدٍ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْمَجُوسِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِعِيَادَتِهِ، وَلَكِنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِيهِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْإِسْلَامِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِ وَنِكَاحُهُمْ بِخِلَافِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. اهـ أَتْقَانِيٌّ

بِالْإِسْلَامِ وَرَزَقَك وَلَدًا مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْخَيْرِيَّةَ بِهِ تَظْهَرُ، وَيَقُولُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَرَحِمَ مَيِّتَك، وَكَثَّرَ عَدَدَك قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَخِصَاءُ الْبَهَائِمِ) أَيْ جَازَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ وَالْمَوْجُوءُ هُوَ الْخَصِيُّ؛ وَلِأَنَّ لَحْمَهُ يَطِيبُ بِهِ، وَيَتْرُكُ النِّطَاحَ فَكَانَ حَسَنًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَكِبَ الْبَغْلَ وَاقْتَنَاهُ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَمَا فَعَلَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَتْحَ بَابِهِ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ النَّهْيِ كَانَ لِأَجْلِ تَكْثِيرِ الْخَيْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبُولُ هَدِيَّةِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ، وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِ وَاسْتِعَارَةُ دَابَّتِهِ وَكُرِهَ كِسْوَتُهُ الثَّوْبَ، وَهَدِيَّتُهُ النَّقْدَيْنِ) يَعْنِي الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْكُلُّ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لَكِنْ جُوِّزَ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ لِلضَّرُورَةِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ كَالضِّيَافَةِ لِيَجْتَمِعَ إلَيْهِ الْمُجَاهِزُونَ، وَيَجْلِبَ قُلُوبَ الْمُعَامِلِينَ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ، وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ «سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّةً قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ فَقَبِلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، وَقَبِلَ هَدِيَّةَ بَرِيرَةَ فَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، وَعَلَى هَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيد أَنَّهُ قَالَ دَعَوْت رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ أَبُو ذَرٍّ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَقَدَّمُونِي، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ عَبْدٌ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الشَّيْءِ الْكَثِيرِ كَالدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَاسْتِخْدَامُ الْخَصِيِّ) أَيْ يُكْرَهُ اسْتِخْدَامُ الْخَصِيِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الْخِصَاءِ، وَهُوَ مُثْلَةٌ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْهَا فَتَحْرُمُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالدُّعَاءُ بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك وَلِلْمَسْأَلَةِ عِبَارَتَانِ بِمَعْقِدِ وَبِمَقْعَدِ فَالْأُولَى مِنْ الْعَقْدِ وَالثَّانِيَةُ مِنْ الْقُعُودِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَلَا شَكَّ فِي كَرَاهِيَةِ الثَّانِيَةِ لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَاهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ عِزَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَرْشِ وَالْعَرْشُ حَادِثٌ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ يَكُونُ حَادِثًا ضَرُورَةً وَاَللَّهُ مُتَعَالٍ عَنْ تَعَلُّقِ عِزِّهِ بِالْحَادِثِ بَلْ عِزُّهُ قَدِيمٌ؛ لِأَنَّهُ صِفَتُهُ وَجَمِيعُ صِفَاتِهِ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهَا فِي الْأَزَلِ، وَلَنْ يَزَالَ فِي الْأَبَدِ، وَلَمْ يَزْدَدْ شَيْئًا مِنْ الْكَمَالِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْأَزَلِ بِحُدُوثِ الْعَرْشِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مِنْ دُعَائِهِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك، وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِك وَبِاسْمِك الْأَعْظَمِ وَجَدِّك الْأَعْلَى، وَكَلِمَاتِك التَّامَّةِ» وَالْأَحْوَطُ الِامْتِنَاعُ لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ فِيمَا يُخَالِفُ الْقَطْعِيَّ إذْ الْمُتَشَابِهُ يَثْبُتُ بِالْقَطْعِيِّ، وَلَوْ جُعِلَ الْعِزُّ صِفَةً لِلْعَرْشِ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْعَرْشَ مَوْصُوفٌ فِي الْقُرْآنِ بِالْمَجْدِ وَالْكَرَمِ فَكَذَا بِالْعِزِّ، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ مَوْضِعُ الْهَيْبَةِ، وَإِظْهَارُ كَمَالِ الْقُدْرَةِ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَبِحَقِّ فُلَانٍ) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ بِحَقِّ فُلَانٍ، وَكَذَا بِحَقِّ أَنْبِيَائِك، وَأَوْلِيَائِك أَوْ بِحَقِّ رُسُلِك أَوْ بِحَقِّ الْبَيْتِ أَوْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَخُصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِغَيْرِهِ بِحَقِّ اللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَاللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَكُلِّ لَهْوٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ لَعِبِ ابْنِ آدَمَ حَرَامٌ إلَّا ثَلَاثَةً مُلَاعَبَةَ الرَّجُلِ أَهْلَهُ، وَتَأْدِيبَهُ لِفَرَسِهِ، وَمُنَاضَلَتَهُ بِقَوْسِهِ» ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) قَالَ فِي الْمَصَابِيحِ، وَعَزَّيْته تَعْزِيَةً قُلْت لَهُ أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَك أَيْ رَزَقَك اللَّهُ الصَّبْرَ الْحَسَنَ وَالْعَزَاءُ مِثْلُ سَلَامٍ اسْمٌ مِنْ ذَلِكَ مِثْلَ سَلَّمَ سَلَامًا، وَكَلَّمَ كَلَامًا، وَتَعَزَّى هُوَ تَصَبَّرَ وَشِعَارُهُ أَنْ يَقُولَ إنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَوْجُوءُ هُوَ الْخَصِيُّ) فِيهِ نَظَرٌ تَقَدَّمَ فِي الْأُضْحِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَانَ لِأَجْلِ تَكْثِيرِ الْخَيْلِ)، وَكَانَتْ الْخَيْلُ فِي بَنِي هَاشِمٍ قَلِيلَةً فَأَحَبَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَكْثُرَ فِيهِمْ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَقَبُولُ هَدِيَّةِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ لَوْ أَهْدَى الْمَأْذُونُ هَدِيَّةً أَوْ دَعَا رَجُلًا إلَى مَنْزِلِهِ فَغَدَّاهُ أَوْ أَعَارَ رَجُلًا دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا أَوْ ثَوْبًا لِيَلْبَسَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّجُلِ الْحُرِّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ تَحْتَهُ أَوْ تَخَرَّقَ الثَّوْبُ مِنْ لُبْسِهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ. اهـ. وَبَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعَبْدِ يَتَصَدَّقُ بِالشَّيْءِ قَالَ بِالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ، وَلَا بَأْسَ بِصَدَقَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالطَّعَامِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَنْ يَهَبَ دِرْهَمًا، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَلَا يَكْسُو ثَوْبًا، وَإِنَّمَا أَسْتَحْسِنُ مِنْ ذَلِكَ فِي الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيد أَنَّهُ قَالَ) أَيْ قَالَ أَعْرَسْت، وَأَنَا عَبْدٌ فَدَعَوْت إلَخْ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَاهَا عَلَى اللَّهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا هُوَ بَاطِلٌ، وَهُوَ الْقُعُودُ، وَهُوَ التَّمَكُّنُ عَلَى الْعَرْشِ، وَذَلِكَ قَوْلُ الْمُجَسِّمَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا أَكْرَهُ هَذَا أَوْ أَكْرَهُ بِحَقِّ فُلَانٍ وَبِحَقِّ أَنْبِيَائِك وَرُسُلِك وَبِحَقِّ الْبَيْتِ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَهَذَا النَّحْوِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ) وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ. اهـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَاللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ إلَخْ) أَمَّا النَّرْدُ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الشِّطْرَنْجُ فَإِنْ قَامَرَ بِهِ فَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْقِمَارَ، وَإِنْ لَمْ يُقَامِرْ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ

وَأَبَاحَ الشَّافِعِيُّ الشِّطْرَنْجَ مِنْ غَيْرِ قِمَارٍ، وَلَا إخْلَالٍ بِحِفْظِ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَشْحِيذَ الْخَاطِرِ، وَتَذْكِيَةَ نَارِ الْإِفْهَامِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا، وَمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ الشِّطْرَنْجَ فَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ؛ وَلِأَنَّهُ لَعِبٌ يَصُدُّ صَاحِبَهُ عَنْ الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَعَنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَالِبًا فَيَكُونُ حَرَامًا كَالنَّرْدَشِيرِ وَالنَّرْدِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا، وَأَمَّا مَنْفَعَتُهُ الَّتِي ذَكَرَهَا فَمَغْلُوبَةٌ تَابِعَةٌ وَالْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ فِي التَّحْرِيمِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219] فَاعْتَبَرَ الْغَالِبَ فِي التَّحْرِيمِ، وَهَلْ رُئِيَ مَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ يُصَلِّي فَضْلًا عَنْ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ صَلَّى فَقَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَكَانَ فِي إبَاحَتِهِ إعَانَةُ الشَّيْطَانِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ ثُمَّ إنْ كَانَ يُقَامِرُ بِهِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُقَامِرْ، وَكَانَ مُتَأَوِّلًا، وَلَمْ يَصُدَّهُ ذَلِكَ عَنْ الصَّلَاةِ لَمْ تَسْقُطْ عَدَالَتُهُ، وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ بَأْسًا لِيُشْغِلَهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ، وَكَرِهَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَحْقِيرًا لَهُمْ، وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ كَيْفَ أُسَلِّمُ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ وَرُوِيَ أَنَّهُ ضَرَبَ عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُسَابَقَةِ فِي الرَّمْيِ وَالْفَرَسِ وَالْإِبِلِ إنْ شُرِطَ الْمَالُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ سَبَقَتْنِي فَلَكَ كَذَا، وَإِنْ سَبَقْتُك فَلَا شَيْءَ لِي لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَحَرُمَ لَوْ شُرِطَ الْمَالُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك أَعْطَيْتُك كَذَا، وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي فَاعْطِنِي كَذَا إلَّا إذَا أَدْخَلَا ثَالِثًا بَيْنَهُمَا، وَقَالَا لِلثَّالِثِ إنْ سَبَقْتنَا فَالْمَالَانِ لَك، وَإِنْ سَبَقْنَاك فَلَا شَيْءَ لَنَا عَلَيْك، وَلَكِنْ أَيُّهُمَا سَبَقَ صَاحِبَهُ أَخَذَ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ، وَكَذَا الْمُتَفَقِّهَةُ إذَا شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا الَّذِي مَعَهُ الصَّوَابُ صَحَّ، وَإِنْ شَرْطَاهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْمُسَابَقَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَجَعْلُ الرَّايَةِ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ) أَيْ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى اللَّهْوِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُجْعَلُ فِي عُنُقِهِ طَوْقٌ مُسَمَّرٌ بِمِسْمَارٍ عَظِيمٍ يَمْنَعُهُ مِنْ تَحْرِيكِ رَأْسِهِ، وَهُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ الظَّلَمَةِ، وَأَنَّهُ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةُ الْكُفَّارِ فَيَحْرُمُ كَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ»، وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ عَلَامَةٌ بِأَنَّهُ آبِقٌ، وَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ خُصُوصًا فِي الْهُنُودِ، وَكَانَ فِي زَمَانِهِمْ مَكْرُوهًا لِقِلَّةِ الْإِبَاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَلُّ قَيْدِهِ) أَيْ جَازَ قَيْدُ الْعَبْدِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِبَاقِ وَالتَّمَرُّدِ، وَهُوَ سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفُسَّاقِ بِخِلَافِ الرَّايَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مُحْدَثٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْحُقْنَةُ) أَيْ جَازَتْ الْحُقْنَةُ لِلتَّدَاوِي وَجَازَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِلضَّرُورَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، وَإِذَا أَصَابَ الدَّوَاءُ الدَّاءَ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ وَرُوِيَ أَنَّ «الْأَعْرَابَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَدَاوَى قَالَ نَعَمْ عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً أَوْ دَوَاءً إلَّا دَاءً وَاحِدًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ قَالَ الْهَرَمُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَ التَّدَاوِيَ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرِقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنِّي أُبَرْسَمُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ إنْ شِئْتِ صَبَرْت، وَلَك الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْت اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَافِيَك فَقَالَتْ أَصْبِرُ فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا» رَوَاهُ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، وَأَحْمَدُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى دَاءً إلَّا أَنْزَلَ شِفَاءً» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَدَاوَى وَاحْتَجَمَ. وَقَالَ جَابِرٌ إنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَوَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي أَكْحَلِهِ مَرَّتَيْنِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ، وَلَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ تَدَاوَى إذَا كَانَ يَرَى أَنَّ الشَّافِيَ هُوَ اللَّهُ دُونَ الدَّوَاءِ، وَأَنَّ الدَّوَاءَ جَعَلَهُ سَبَبًا لِذَلِكَ وَالْمُعَافِي فِي ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: كَالنَّرْدَشِيرِ وَالنَّرْدِ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالنَّرْدُ هُوَ النَّرْدَشِيرُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ النَّرْدُ مَعْرُوفٌ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ هُوَ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ». اهـ.، وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ النَّرْدُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَشِيرُ بِمَعْنَى حُلْوٍ. اهـ. وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَالنَّرْدُ مَعْرُوفٌ شَيْءٌ يُلْعَبُ بِهِ، وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ، وَهُوَ النَّرْدَشِيرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ بَأْسًا إلَخْ)، وَأَوْرَدَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ إذَا لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعَلُّمَ الْحَرْبِ قِيلَ لَهُ يَكُونُ وِزْرُهُ أَشَدَّ؛ لِأَنَّهُ اتَّخَذَ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا؛ لِأَنَّهُ يَرْتَكِبُ الْمَعْصِيَةَ، وَيُظْهِرُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ الطَّاعَةَ. اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِالْمُسَابَقَةِ إلَخْ) تَرْجَمَ الشَّيْخُ الشِّلْبِيُّ هُنَا فَقَالَ (فَصْلٌ فِي الْمُسَابَقَةِ) (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْمُسَابَقَةِ) وَسَيَأْتِي أَحْكَامُ الْمُسَابَقَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: صُورَتُهُ أَنْ يُجْعَلَ فِي عُنُقِهِ طَوْقٌ) أَيْ مِنْ حَدِيدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَفِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ بِخَطِّهِ طَوْقٌ مِنْ خَشَبٍ. اهـ. قَوْلُهُ: مِنْ حَدِيدٍ، وَكَذَا فِي شَرْحِ مُنْلَا مِسْكِينٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَحَلُّ قَيْدِهِ) وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَحَلُّ عَقْدِهِ. اهـ.

الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ، وَمَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الْأَخْبَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ التَّدَاوِي فَذَاكَ إذَا كَانَ يَرَى الشِّفَاءَ مِنْ الدَّوَاءِ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَالَجْ لَمَا سَلِمَ وَنَحْنُ نَقُولُ لَا يَجُوزُ لِمِثْلِ هَذَا التَّدَاوِي، وَلَا فَرْقَ فِي الْحُقْنَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ، وَلَا يَجُوزُ بِالنَّجَسِ كَالْخَمْرِ، وَكَذَا كُلُّ تَدَاوٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالطَّاهِرِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا، وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْعِظَامِ كُلِّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الذَّكِيَّةِ أَوْ مِنْ الْمَيْتَةِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ مِنْ الْمَيْتَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَتْ يَابِسَةً لَيْسَ فِيهَا دُسُومَةً، وَمِنْ الذَّكِيَّةِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ إلَّا عَظْمَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ الْخِنْزِيرُ لِنَجَاسَتِهِ وَالْآدَمِيُّ لِكَرَامَتِهِ إذْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِأَجْزَائِهِ، وَلَا بَأْسَ بِالرُّقَى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَحْمُولٌ عَلَى رُقَى الْجَاهِلِيَّةِ إذْ كَانُوا يَرْقُونَ بِكَلِمَاتِ كُفْرٍ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ «عُرْوَةَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَرْقِي فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ اعْرِضُوا عَلَى رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إنَّ «الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتُّوَلَةُ ضَرْبٌ مِنْ السَّحَرِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ هُوَ تَحْبِيبُ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا، وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرُّقَى فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنْ الْعَقْرَبِ فَإِنَّك نَهَيْت عَنْ الرُّقَى قَالَ فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ مَا أَرَى بَأْسًا مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ الْمُعَوِّذَاتِ فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلْت أَنْفُثُ عَلَيْهِ، وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ يَدِي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ وَالتَّدَاوِي لَا يَمْنَعُ التَّوَكُّلَ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ بِالدَّوَاءِ فَلَمْ يَتَدَاوَ حَتَّى مَاتَ لَا يَأْثَمُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَاعَ، وَلَمْ يَأْكُلْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ حَيْثُ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْجُوعِ بِالْأَكْلِ مُتَيَقَّنٌ بِهِ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ فَإِنَّ اللَّهَ أَجْرَى الْعَادَةَ بِإِزَالَةِ الْجُوعِ، وَخَلْقُ الشِّبَعِ عِنْدَ الْأَكْلِ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمَرَضِ عِنْدَ التَّدَاوِي فَإِنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ كَالْخَمْرِ وَالْبَوْلِ إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ مِنْ الْمُبَاحِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَالْحُرْمَةُ تَرْتَفِعُ لِلضَّرُورَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَدَاوِيًا بِالْحَرَامِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَهُ فِي دَاءٍ عُرِفَ لَهُ دَوَاءٌ غَيْرُ الْمُحَرَّمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَرِزْقُ الْقَاضِي) أَيْ حَلَّ رِزْقُ الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أُعِدَّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالْقَاضِي مَحْبُوسٌ لِمَصَالِحِهِمْ وَالْحَبْسُ مِنْ أَسْبَابِ النَّفَقَةِ فَكَانَ رِزْقُهُ فِيهِ كَرِزْقِ الْمُقَاتِلَةِ وَالزَّوْجَةِ يُعْطَى مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ، وَأَهْلَهُ عَلَى هَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ «وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ إلَى مَكَّةَ، وَفَرَضَ لَهُ وَبَعَثَ عَلِيًّا، وَمُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، وَفَرَضَ لَهُمَا»، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَالْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ يَأْخُذُونَ كِفَايَتَهُمْ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَهَذَا إذَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ حَلَالًا جُمِعَ بِحَقٍّ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا بِأَنْ جُمِعَ بِبَاطِلٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ فَيَجِبُ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَاضِي مُحْتَاجًا فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَلْ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى إقَامَةِ مَا عَلَيْهِ إلَّا بِهِ إذْ اشْتِغَالُهُ بِالْكَسْبِ يَمْنَعُهُ عَنْ إقَامَةِ مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَكَذَلِكَ يَأْخُذُ مِنْهُ كِفَايَتَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ مَالَهُ يَفْرُغُ بِالنَّفَقَةِ الدَّائِمَةِ، وَفِيهِ صِيَانَةٌ لِلْحُكْمِ عَنْ أَنْ يَهُونَ عِنْدَ الْمُلُوكِ وَنَظَرًا لِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُ مِنْ الْمُحْتَاجِينَ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ زَمَانًا يَتَعَذَّرُ رَدُّهُ عِنْدَ تَوْلِيَةِ الْمُحْتَاجِ هَذَا إذَا أَعْطَوْهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَمُعَاقَدَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بِالنَّجَسِ إلَخْ) إذَا سَالَ الدَّمُ مِنْ أَنْفِ إنْسَانٍ فَيَكْتُبُ بِالدَّمِ عَلَى جَبْهَتِهِ، وَأَنْفِهِ يَجُوزُ لِلِاسْتِشْفَاءِ وَالْمُعَالَجَةِ، وَلَوْ كَتَبَ بِالْبَوْلِ إنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً لَا بَأْسَ بِهِ لَكِنْ لَمْ يُنْقَلْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْقُطُ عِنْدَ الِاسْتِشْفَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَطْشَانَ يَجُوزُ لَهُ شُرْبُ الْخَمْرِ وَالْجَائِعَ يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ. اهـ وَلْوَالِجِيٌّ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْكَرَاهِيَةِ، وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ مِنْ الْكَرَاهِيَةِ مَا نَصُّهُ التَّدَاوِي بِلَبَنِ الْأَتَانِ إذَا أَشَارُوا إلَيْهِ لَا بَأْسَ بِهِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْأَتَانِ حَرَامٌ وَالِاسْتِشْفَاءَ بِالْمُحَرَّمِ حَرَامٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا كُلُّ تَدَاوٍ إلَخْ) ذَكَرَ الشَّارِحُ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَعِشْرُونَ دَلْوًا أَنَّ التَّدَاوِيَ بِالطَّاهِرِ الْحَرَامِ كَلَبَنِ الْأَتَانِ لَا يَجُوزُ فَمَا ظَنُّك بِالنَّجَسِ. اهـ.، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْمَقَالَةِ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ إلَخْ)، وَهَذَا إذَا فَعَلَ الْحُقْنَةَ لِلدَّوَاءِ فَإِنْ فَعَلَ لِأَجْلِ السَّمْنِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْهُزَالَ إذَا تَنَاهَى بِهِ يُورِثُ السُّلَّ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالتُّوَلَةُ) كَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالتَّدَاوِي لَا يَمْنَعُ التَّوَكُّلَ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَغَيْرُهُ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى أَنَّ التَّوَكُّلَ الْمَأْمُورَ بِهِ بَعْدَ كَسْبِ الْأَسْبَابِ ثُمَّ التَّوَكُّلُ بَعْدَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى دُونَ الْأَسْبَابِ يَعْنِي أَنَّ التَّوَكُّلَ مَعَ مُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ لَا مَعَ قَطْعِ الْأَسْبَابِ لَكِنْ بَعْدَ مُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ يَعْتَمِدُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا عَلَى الْأَسْبَابِ، وَالْحُقْنَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ إلَخْ) هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ النِّهَايَةِ نَقَلَهُ عَنْهَا أَيْضًا فِي الْأَشْرِبَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ عَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفَرَضَ لَهُ) أَيْ كُلَّ سَنَةٍ بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةٍ. اهـ. غَايَةٌ

[كتاب إحياء الموات]

كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ بِشَرْطٍ، وَمُعَاقَدَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ طَاعَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الطَّاعَاتِ، وَتَسْمِيَتُهُ رِزْقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مُقَدَّرٌ بِالْكِفَايَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَجْرٍ، وَقَدْ جَرَى الرَّسْمُ بِإِعْطَائِهِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ كَانَ يُؤْخَذُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ، وَهُوَ يُعْطَى مِنْهُ، وَفِي زَمَانِنَا يُؤْخَذُ الْخَرَاجُ فِي آخِرِ السَّنَةِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْخَرَاجِ خَرَاجُ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ فِي الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ أَخَذَ الرِّزْقَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ قِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ حِصَّةِ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ، وَقِيلَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الزَّوْجَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَفَرُ الْأَمَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِلَا مَحْرَمٍ) أَيْ يَجُوزُ لَهُمَا السَّفَرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحْرَمِ لِعَامَّةِ الرِّجَالِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ وَالْمَسِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَكَمَا يَجُوزُ لِلْحُرَّةِ أَنْ تُسَافِرَ مَعَ الْمَحْرَمِ فَكَذَا هِيَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَأُمُّ الْوَلَدِ أَمَةٌ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهَا، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ؛ لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَةٌ رَقَبَةً، وَكَذَا مُعْتَقَةُ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهَا كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَهُ، وَفِي الْكَافِي قَالُوا هَذَا فِي زَمَانِهِمْ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الصَّلَاحِ فِيهِ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا، لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ فِيهِ، وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَشِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ وَبَيْعُهُ لِلْعَمِّ وَالْأُمِّ وَالْمُلْتَقِطِ لَوْ فِي حِجْرِهِمْ) أَيْ يَجُوزُ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَشْتَرُوا لِلصَّغِيرِ، وَيَبِيعُوا مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ فِي حِجْرِهِمْ، وَذَلِكَ مِثْلُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ لَتَضَرَّرَ الصَّغِيرُ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ، وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّصَرُّفَ عَلَى الصَّغِيرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ نَوْعٍ هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ فَيَمْلِكُهُ كُلُّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَلِيًّا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَيَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا. وَنَوْعٍ هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ فَلَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَنَوْعٍ هُوَ مُتَرَدِّدٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَفْعًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَرَرًا، وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُمَا، وَيَمْلِكُونَهُ سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ فِي أَيْدِيهِمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَاسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ نَوْعٌ رَابِعٌ، وَهُوَ الْإِنْكَاحُ فَيَجُوزُ مِنْ كُلِّ عَصَبَةٍ، وَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ عَدَمِهِمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتُؤَجِّرُهُ أُمُّهُ فَقَطْ) مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يُؤَجِّرُهُ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ إلَّا الْأُمُّ فَإِنَّهَا تُؤَجِّرُهُ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهَا، وَلَا يُؤَجِّرُهُ الْأَخُ، وَلَا الْعَمُّ، وَلَا الْمُلْتَقِطُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأُمَّ تَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِأَنْ تَسْتَخْدِمَهُ، وَلَا يَمْلِكُهُ هَؤُلَاءِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْمُلْتَقِطُ، وَيُسَلِّمَهُ فِي صِنَاعَةٍ فَجَعَلَهُ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً وَنَفْعًا مَحْضًا لِلصَّغِيرِ، وَلَوْ آجَرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِالضَّرَرِ إلَّا إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ نَفْعًا بَعْدَ الْفَرَاغِ فَيَجِبُ الْمُسَمَّى، وَهُوَ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي يَدِ الْعَمِّ فَآجَرَتْهُ أُمُّهُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحِفْظِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ. (كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هِيَ أَرْضٌ تَعَذَّرَ زَرْعُهَا لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهَا أَوْ لِغَلَبَتِهِ عَلَيْهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ بَعِيدَةٌ مِنْ الْعَامِرِ) هَذَا تَفْسِيرُ الْمَوَاتِ مِنْ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مَوَاتًا إذَا كَانَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِبُطْلَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا تَشْبِيهًا لَهَا بِالْحَيَوَانِ إذَا مَاتَ وَبَطَلَ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْحَيَاةِ فَظَاهِرٌ وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَيَاةِ هُنَا الْحَيَاةُ النَّامِيَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [فاطر: 9] وَقَوْلُهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ أَيْ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَكَمَالُهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ كَانَ مِلْكُهُ بَاقِيًا فِيهَا لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ فَلَا تَكُونُ مَوَاتًا ثُمَّ إنْ عُرِفَ الْمَالِكُ فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كَانَتْ لُقَطَةً يَتَصَرَّفُ فِيهَا الْإِمَامُ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي جَمِيعِ اللُّقَطَاتِ وَالْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ، وَلَوْ ظَهَرَ لَهَا مَالِكٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَهَا وَضَمِنَ لَهُ مَنْ زَرَعَهَا إنْ نَقَصَتْ بِالزِّرَاعَةِ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَمَا كَانَ مِنْهَا عَادِيًا أَوْ كَانَ مَمْلُوكًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ إلَخْ) إذَا اسْتَعْجَلَتْ نَفَقَةَ السَّنَةِ فَمَاتَ الزَّوْجُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ رَدَّتْ مَا بَقِيَ مِنْ النَّفَقَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْخَصَّافُ فِي نَفَقَاتِهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ كَذَا ذَكَرَ الشَّهِيدُ وَفَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ. اهـ. غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَجِبُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ. اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَيْعِ إلَخْ) سَيَجِيءُ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَتَّجِرُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْمُزَارَعَةِ أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَمْلِكَانِ زِرَاعَةَ مَالِ الصَّغِيرِ. اهـ. وَأَمَّا إقْرَاضُ مَالِ الْيَتِيمِ فَمَذْكُورٌ فِي مَسَائِلَ شَتَّى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ آجَرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ لَا يَصِحُّ) أَيْ لَا يَلْزَمُ. اهـ نِهَايَةٌ. [كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] (كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) مُنَاسَبَةُ هَذَا الْكِتَابِ بِكِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي مَسَائِلَ هَذَا الْكِتَابِ مَا يُكْرَهُ، وَمَا لَا يُكْرَهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ لِغَلَبَتِهِ عَلَيْهَا) أَيْ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بِأَنْ تَصِيرَ الْأَرْضُ سَبْخَةً أَوْ يَغْلِبَ عَلَيْهَا الرِّمَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) أَيْ صَارَتْ خَرَابًا وَانْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْهَا وَارْتِفَاقُ النَّاسِ بِهَا مِنْ حَيْثُ الْمَرْعَى وَالِاحْتِطَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا) أَيْ حَتَّى لَا يَمْلِكَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ عُرِفَ الْمَالِكُ فَهِيَ لَهُ) أَيْ أَوْ لِوَارِثِهِ إنْ عُرِفَ. اهـ.

فِي الْإِسْلَامِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ فَمُرَادُهُ بِالْعَادِيِّ مَا قَدِمَ خَرَابُهُ كَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى عَادٍ لِخَرَابِهِ مِنْ عَهْدِهِمْ وَجَعَلَ الْمَمْلُوكَ فِي الْإِسْلَامِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهُ مِنْ الْمَوَاتِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْمَوَاتِ حَيْثُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْإِمَامُ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَوَاتِ لَا؛ لِأَنَّهُ مَوَاتٌ حَقِيقَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَقَوْلُهُ: بَعِيدَةٌ مِنْ الْعَامِرِ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَدُّ الْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان بِحَيْثُ لَوْ، وَقَفَ إنْسَانٌ فِي أَقْصَى الْعَامِرِ فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَوَاتٌ، وَإِنْ كَانَ يُسْمَعُ فَلَيْسَ بِمَوَاتٍ؛ لِأَنَّهُ فِنَاءُ الْعَامِرِ فَيَنْتَفِعُونَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ لِرَعْيِ مَوَاشِيهِمْ وَطَرْحِ حَصَائِدِهِمْ فَلَمْ يَكُنْ انْتِفَاعُهُمْ مُنْقَطِعًا عَنْهُ ظَاهِرًا فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَبَرُ حَقِيقَةٌ الِانْتِفَاعِ حَتَّى لَا يَجُوزَ إحْيَاءُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا، وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْعَامِرِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ اعْتَمَدَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ مَلَكَهُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَمْلِكُهُ مَنْ أَحْيَاهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إذْنُ الْإِمَامِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ؛ وَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ كَالْمَاءِ وَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ وَالرِّكَازِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ»؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَرَاضِيَ كَانَتْ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ ثُمَّ صَارَتْ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَصَارَتْ فَيْئًا، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْفَيْءِ أَحَدٌ دُونَ رَأْيِ الْإِمَامِ كَالْغَنَائِمِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ مِنْ الصَّيْدِ، وَأَمْثَالِهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ فَلَمْ تَكُنْ فِي حُكْمِ الْفَيْءِ، وَمَرْوِيُّهُمَا كَانَ إذْنًا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا نَصْبَ شَرْعٍ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فَإِنَّهُ تَحْرِيضٌ مِنْهُ بِالسَّلَبِ لَا نَصْبُ شَرْعٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ إذَا أَحْيَاهَا فَهَلْ هِيَ خَرَاجِيَّةٌ أَوْ عُشْرِيَّةٍ فَهِيَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي السِّيَرِ وَبَيَّنَّا الِاخْتِلَافَ فِيهِ، وَلَوْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْإِحْيَاءِ وَزَرَعَهَا غَيْرُهُ قِيلَ الثَّانِي أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَلَكَ اسْتِغْلَالَهَا دُونَ رَقَبَتِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهَا بِالْإِحْيَاءِ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّرْكِ، وَلَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً ثُمَّ أُحِيطَ الْإِحْيَاءُ بِجَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَلَى التَّعَاقُبِ تَعَيَّنَ طَرِيقُ الْأَوَّلِ فِي الْأَرْضِ الرَّابِعَةِ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْيَا الْجَوَانِبَ الثَّلَاثَةَ تَعَيَّنَ الْجَانِبُ الرَّابِعُ لِلِاسْتِطْرَاقِ، وَيَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ كَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ حَجَّرَ لَا) أَيْ إنْ حَجَّرَ الْأَرْضَ لَا يَمْلِكُهَا بِالتَّحْجِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ جَعْلُهَا صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَالتَّحْجِيرُ لِلْإِعْلَامِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَجْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ لِلْغَيْرِ بِوَضْعِ عَلَامَةٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ بِحَصَادِ مَا فِيهَا مِنْ الْحَشِيشِ وَالشَّوْكِ وَنَفْيِهِ عَنْهَا وَجَعْلِهِ حَوْلَهَا أَوْ بِإِحْرَاقِ مَا فِيهَا مِنْ الشَّوْكِ وَغَيْرِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فَبَقِيَتْ مُبَاحَةً عَلَى حَالِهَا لَكِنَّهُ هُوَ أَوْلَى بِهَا، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فَإِذَا لَمْ يُعَمِّرْهَا فِيهَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ دَفَعَهَا إلَيْهِ لِيُعَمِّرَهَا فَيَحْصُلُ لِلْمُسْلِمِينَ مَنْفَعَةُ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَرْكِهَا فِي يَدِهِ، وَإِنَّمَا قَدَّرَ بِثَلَاثِ سِنِينَ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْسَ لِمُتَحَجِّرِ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ؛ وَلِأَنَّ مُدَّةَ الِانْتِظَارِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَامَّةً حَتَّى تَشْمَلَ جَمِيعَ الْمُتَحَجِّرِينَ، وَذَلِكَ بِالتَّقْدِيرِ بِثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْمُتَحَجِّرَ لَهُ أَنْ يَحْتَجِرَ أَيَّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَقْصَى دَارِ الْإِسْلَامِ يُقْطَعُ فِي سَنَةِ فَيُقَدَّرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ سَنَةٍ لِلذَّهَابِ وَسَنَةٍ لِلْإِيَابِ وَسَنَةٍ لِتَدْبِيرِ مَصَالِحِهِ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ سِنِينَ، وَهَذَا مِنْ طَرِيقِ الدِّيَانَةِ، وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ فَإِذَا أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّهَا مَلَكَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِخَرَابِهِ مِنْ عَهْدِهِمْ) أَيْ لَا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَى عَادٍ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ أَرَاضِي الْمَوَاتِ لَمْ تَكُنْ لِعَادٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَوْ، وَقَفَ إنْسَانٌ) أَيْ جَهْوَرِيُّ الصَّوْتِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ) أَيْ الْقَرِيبُ عَلَى مَذْهَبِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ اعْتَمَدَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ) يَعْنِي أَخَذَ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ لَا يَكُونُ مَوَاتًا، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَمَنْ أَحْيَاهُ) أَيْ بِأَنْ كَرِيهَ وَسَقَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)، وَقَدْ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَا يَمْلِكُهُ مَنْ أَحْيَاهُ إلَخْ) وَالشَّافِعِيُّ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: كَانَ إذْنًا مِنْهُ) أَيْ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا نَصْبَ شَرْعٍ) حَتَّى يَكُونَ عَامًّا. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ: حَتَّى يَكُونَ عِلْمًا أَيْ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ. اهـ. غَايَةٌ كُلُّ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّارِعِ عَلَى وَجْهَيْنِ شَرْعٍ، وَإِذْنٍ بِشَرْعٍ فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ، وَأَنَّهُ كَثِيرُ النَّظِيرِ وَالثَّانِي قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ»؛ لِأَنَّ السَّلَبَ لَيْسَ لِلْقَاتِلِ عِنْدَنَا مَا لَمْ يَقُلْ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ ثُمَّ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» عِنْدَهُمَا شَرْعٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذْنٌ بِالشَّرْعِ. اهـ. مُشْكِلَاتُ خُوَاهَرْزَادَهْ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ حَجَّرَ) بِالتَّشْدِيدِ، وَيَجُوزُ فِيهِ التَّخْفِيفُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْعُ الْغَيْرِ مِنْ الْإِحْيَاءِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ اشْتِقَاقُ الْكَلِمَةِ مِنْ الْحَجْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعْلَمَ فِي مَوْضِعِ الْمَوَاتِ عَلَامَةً فَكَأَنَّهُ مَنَعَ الْغَيْرَ مِنْ إحْيَاءِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَسُمِّيَ فِعْلُهُ تَحْجِيرًا. اهـ. مُجْتَبَيْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَنْعُ) أَيْ لَا مِنْ الْحَجْرِ بِفَتْحِ الْجِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. اهـ. مُجْتَبَيْ

لِتَحَقُّقِ سَبَبِ الْمِلْكِ مِنْهُ دُونَ الْأَوَّلِ. وَنَظِيرُهُ الِاسْتِيَامُ وَحَفْرُ الْمَعْدِنِ، وَإِنْ حَفَرَ لَهَا بِئْرًا فَهُوَ تَحْجِيرٌ، وَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ، وَكَذَا إذَا جَعَلَ الشَّوْكَ حَوْلَهَا، وَلَوْ كَرَبَهَا أَوْ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْمُسَنَّاةَ أَوْ شَقَّ لَهَا نَهْرًا فَهُوَ إحْيَاءٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ كَرَبَهَا وَسَقَاهَا فَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إحْيَاءٌ، وَلَوْ فَعَلَ أَحَدَهُمَا يَكُونُ تَحْجِيرًا، وَلَوْ سَقَاهَا مَعَ حَفْرِ الْأَنْهَارِ كَانَ إحْيَاءً لِوُجُودِ الْفِعْلَيْنِ، وَلَوْ حَوَّطَهَا وَسَنَّمَهَا بِحَيْثُ يَعْصِمُ الْمَاءَ يَكُونُ إحْيَاءً؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْبِنَاءِ، وَكَذَا إذَا بَذَرَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ) لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَارَ كَالنَّهْرِ وَالطَّرِيقِ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مَا لَا غِنَى لِلْمُسْلِمِينَ عَنْهُ كَالْمِلْحِ وَالْآبَارِ الَّتِي يُسْتَقَى مِنْهَا الْمَاءُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مَا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا»؛ وَلِأَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْبِئْرِ إلَّا بِمَا حَوْلَهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَقِفَ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ لِيَسْتَقِيَ الْمَاءَ، وَإِلَى أَنْ يَبْنِيَ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ مَا يُرَكِّبُ عَلَيْهِ الْبَكَرَةَ، وَإِلَى أَنْ يَبْنِيَ حَوْضًا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ، وَإِلَى مَوْضِعٍ تَقِفُ فِيهِ مَوَاشِيهِ حَالَةَ الشُّرْبِ وَبَعْدَهُ فَقَدَّرَهُ الشَّرْعُ بِأَرْبَعِينَ ذِرَاعًا ثُمَّ قِيلَ الْأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَجْمَعُ الْجَوَانِبَ الْأَرْبَعَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُ كَيْ لَا يَحْفِرَ آخَرُ بِئْرًا بِجَانِبِهَا فَيَتَحَوَّلُ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ، وَلَا يَنْدَفِعُ هَذَا الضَّرَرُ بِعَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. فَيُقَدَّرُ بِأَرْبَعِينَ كَيْ لَا تَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ الْمَصَالِحُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبِئْرُ لِلْعَطَنِ أَوْ لِلنَّاضِحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ لِلْعَطَنِ فَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا. وَإِنْ كَانَتْ لِلنَّاضِحِ فَحَرِيمُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَحَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَحَرِيمُ بِئْرِ النَّاضِحِ سِتُّونَ ذِرَاعًا»؛ وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَحَاجَةُ بِئْرِ النَّاضِحِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَوْضِعٍ يَسِيرُ فِيهِ النَّاضِحُ، وَهُوَ الْبَعِيرُ، وَقَدْ يَطُولُ الرِّشَاءُ، وَفِي بِئْرِ الْعَطَنِ يَسْتَقِي بِيَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَلَهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْعَامَّ الْمُتَّفَقَ عَلَى قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ يُرَجَّحُ عَلَى الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَلِهَذَا رَجَحَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ فَفِيهِ الْعُشْرُ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»، وَعَلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَرَجَّحَ أَصْحَابُنَا كُلُّهُمْ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ عَلَى خَبَرِ الْعَرَايَا». وَلَا يُقَالُ الْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ الْبِئْرُ لِلْعَطَنِ بِدَلِيلِ سِيَاقِهِ عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذِكْرُ الْعَطَنِ فِيهِ لِلتَّغْلِيبِ لَا لِلتَّقْيِيدِ بِهِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} [البقرة: 275] يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الِاشْتِغَالِ وَالْمَنَافِعِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْبَيْعِ أَوْ الْأَكْلِ لِكَوْنِهِ غَالِبًا؛ وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِاعْتِبَارِ عَمَلِهِ، وَعَمَلُهُ فِي مَوْضِعِ الْبِئْرِ خَاصَّةً فَلَا يَسْتَحِقُّ فِيمَا وَرَاءَهُ، وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالنَّصِّ فَبِقَدْرِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْآثَارُ يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالشَّكِّ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْتَقِي مِنْ بِئْرِ الْعَطَنِ بِالنَّاضِحِ، وَمِنْ بِئْرِ النَّاضِحِ بِالْيَدِ فَاسْتَوَتْ الْحَاجَةُ فِيهِمَا؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُدِيرَ الْبَعِيرَ حَوْلَ الْبِئْرِ، وَلَا يَحْتَاجَ إلَى الزِّيَادَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةٍ) أَيْ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ الْعَيْنَ تُسْتَخْرَجُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَوْضِعٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ، وَمِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي إلَيْهِ، وَمِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي مِنْهُ إلَى الْمَزْرَعَةِ فَقَدَّرَهُ الشَّارِعُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَلَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي الْمَقَادِيرِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ قِيلَ هُوَ خَمْسُمِائَةٍ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ، وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَنَظِيرُهُ الِاسْتِيَامُ) أَيْ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ، وَلَوْ فَعَلَ يَجُوزُ الْعَقْدُ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْمُسَنَّاةَ) وَالْمُسَنَّاةُ مَا تُبْنَى لِلسَّيْلِ لِتَرُدَّ الْمَاءَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا) التَّحْقِيقُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ أَوَّلَ الْبَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا قَالُوا إلَخْ) هَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَالتَّقْدِيرُ بِأَرْبَعِينَ فِي دِيَارِهِمْ؛ لِأَنَّ أَرَاضِيَهُمْ صَلْبَةٌ أَمَّا أَرَاضِيُنَا رَخْوَةٌ فَيُزَادُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ مَتَى احْتَاجَ إلَيْهِ حَتَّى لَا تَتَعَطَّلَ مَنْفَعَةُ بِئْرِهِ لَعَلَّ يُحْيِيَ آخَرَ فَيُحْيِيَ بِئْرًا فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ فَيَتَحَوَّلُ الْمَاءُ إلَيْهِ لِرِخْوِهِ. اهـ.، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا لِلْعَطَنِ فِي أَرْضٍ مَيِّتَةٍ فَمِلْكُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي يَمْلِكُهَا فَلَهُ حَرِيمُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَبْلُ يَتَجَاوَزُ أَرْبَعِينَ فَيَكُونُ لَهُ إلَى مَا يَتَنَاهَى إلَيْهِ الْحَبْلُ، وَإِنْ كَانَ بِئْرٌ نَاضِحٌ فَحَرِيمُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَبْلُ يَتَجَاوَزُ السِّتِّينَ فَيَكُونُ لَهُ إلَى مُنْتَهَى حَبْلِهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ. اهـ.، وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَهُ حَرِيمُهَا مَا نَصُّهُ حَرِيمُ الْبِئْرِ نَوَاحِيهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مَا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا) عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْعَطَنُ وَالْمَعْطَنُ مُنَاخُ الْإِبِلِ، وَمَبْرَكُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: شَفِيرُ الْبِئْرِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَشَفِيرُ الْبِئْرِ أَوْ النَّهْرِ حَرْفُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبِئْرُ لِلْعَطَنِ أَوْ لِلنَّاضِحِ) وَالْمُرَادُ مِنْ بِئْرِ الْعَطَنِ الَّتِي يُسْتَقَى مِنْهَا بِالْيَدِ، وَمِنْ بِئْرِ النَّاضِحِ الَّتِي يُسْتَقَى مِنْهَا بِالْبَعِيرِ كَذَا قَالُوا. اهـ غَايَةٌ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ قَرِيبًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. اهـ

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَالذِّرَاعُ هِيَ الْمُكَسَّرَةُ، وَهُوَ سِتُّ قَبَضَاتٍ، وَكَانَ ذِرَاعُ الْمِلْكِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَكُسِرَ مِنْهُ قَبْضَةٌ، وَفِي الْكَافِي قِيلَ إنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ بِمَا ذَكَرْنَا لِصَلَابَتِهَا، وَفِي أَرَاضِيِنَا يُزَادُ لِرَخَاوَتِهَا لِئَلَّا يَتَحَوَّلَ الْمَاءُ إلَى الثَّانِيَةِ فَتَتَعَطَّلُ الْأُولَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَمَنْ حَفَرَ فِي حَرِيمِهَا مُنِعَ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْبِئْرِ ضَرُورَةَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَكَانَ الْحَافِرُ مُتَعَدِّيًا بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِذَا حَفَرَ رَجُلٌ فِي حَرِيمِهِ كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَكْبِسَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَيُزِيلَ تَعَدِّيَهُ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِي بِحَفْرِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَهُ بِالْحَفْرِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يُؤَاخِذُهُ بِهِ قِيلَ بِكَبْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ تَعَدِّيهِ كَمَا إذَا وَضَعَ شَيْئًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَقِيلَ يُضَمِّنَّهُ النُّقْصَانَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْكَبْسَ بَلْ يَكْبِسُهُ بِنَفْسِهِ كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُؤَاخِذَهُ بِقِيمَتِهِ لَا بِبِنَاءِ الْجِدَارِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمَا عَطِبَ فِي الْبِئْرِ الْأُولَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي حَفْرِهَا أَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَيَجْعَلُ الْحَفْرَ تَحْجِيرًا، وَلَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَمَا عَطِبَ فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِحَفْرِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَوْ حَفَرَ الثَّانِي بِئْرًا فِي مُنْتَهَى حَرِيمِ الْبِئْرِ الْأُولَى بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَذَهَبَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى، وَتَحَوَّلَ إلَى الثَّانِيَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي فِعْلِهِ وَالْمَاءُ تَحْتَ الْأَرْضِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْمُخَاصَمَةُ بِسَبَبِهِ كَمَنْ بَنَى حَانُوتًا بِجَنْبِ حَانُوتِ غَيْرِهِ فَكَسَدَ الْأَوَّلُ بِسَبَبِهِ وَلِلثَّانِي الْحَرِيمُ مِنْ الْجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ دُونَ الْجَانِبِ الْأَوَّلِ لِسَبْقِ مِلْكِ الْأَوَّلِ فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلِلْقَنَاةِ حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ) الْقَنَاةُ مَجْرَى الْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ، وَلَمْ يُقَدَّرْ حَرِيمُهُ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالذِّرَاعُ هِيَ الْمُكَسَّرَةُ) أَيْ، وَهِيَ ذِرَاعُ الْعَامَّةِ، وَهِيَ ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ أَقْصَرُ مِنْ ذِرَاعِ الْمِسَاحَةِ الَّتِي هِيَ ذِرَاعُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ ذِرَاعَ الْمِسَاحَةِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ مَعَ ارْتِفَاعِ الْإِبْهَامِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَذِرَاعَ الْكِرْبَاسِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ بِدُونِ ارْتِفَاعِ الْإِبْهَامِ، وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ خُوَاهَرْزَادَهْ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارَ ذِرَاعَ الْمِسَاحَةِ؛ لِأَنَّهَا أَلْيَقُ بِالْمَمْسُوحَاتِ هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا ذِرَاعَ الْمِسَاحَةِ، وَلَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْمِسَاحَةِ ذَكَرُوا فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ الذِّرَاعَ هِيَ الْهَاشِمِيَّةُ، وَهِيَ ثَمَانُ قَبَضَاتٍ وَالْقَبْضَةُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شُعَيْرَاتِ بُطُونُ بَعْضِهَا مُلَاصِقَةٌ لِظُهُورِ بَعْضٍ وَالشُّعَيْرَةُ سِتُّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ الْأَرْبَعِينَ فِي الْبِئْرِ وَالْخَمْسِمِائَةِ فِي الْعَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا حَفَرَ رَجُلٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَوْ احْتَفَرَ آخَرُ بِئْرًا فِي حَرِيمِ الْأَوَّلِ فَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَكْبِسَهَا تَبَرُّعًا، وَيُصْلِحَ مَا أَفْسَدَ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَوْ أَرَادَ مُؤَاخَذَةَ الثَّانِي بِذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ لَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ يُؤْمَرُ الْحَافِرُ الثَّانِي بِكَبْسِ بِئْرٍ حَفَرَهَا إزَالَةً لِجِنَايَةِ حَفْرِهِ كَمَا إذَا أَلْقَى كُنَاسَةً فِي أَرْضِ غَيْرِهِ تَعَدِّيًا يُؤْمَرُ بِرَفْعِهَا، وَقِيلَ يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ كَمَا يَكْبِسُهُ بِنَفْسِهِ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ بِلَا حَفْرٍ، وَمَعَ الْحَفْرِ فَيُضَمِّنُهُ نُقْصَانَ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ حَيْثُ يُضَمِّنُهُ نُقْصَانَ الْهَدْمِ ثُمَّ يَبْنِيهِ بِنَفْسِهِ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي، وَلَفْظُ الْخَصَّافِ فِي الْبَابِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ حَفَرَ فِي أَرْضِهِ حُفْرَةً أَضَرَّ ذَلِكَ بِحَفْرِهِ أَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ النُّقْصَانُ فِي ذَلِكَ، وَيَسْتَحْلِفُهُ الْقَاضِي عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك الَّذِي ادَّعَاهُ، وَهُوَ كَذَا وَكَذَا، وَلَا يُحَلِّفُهُ عَلَى السَّبَبِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْخَصَّافِ ثُمَّ لَا ضَمَانَ فِيمَا عَطِبَ فِي الْبِئْرِ الْأُولَى سَوَاءٌ أَحْيَاهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَهَذَا لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ وَلِهَذَا مَلَكَ الْبِئْرَ فِي الْحَالَيْنِ فَإِذَا كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْحَفْرِ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْ حَفْرِهِ كَمَا لَوْ حَفَرَ فِي دَارِهِ، وَكَذَلِكَ لَا إشْكَالَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ حَفَرَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا كَانَ حَفَرَهَا بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ فَفِيهِ إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِهِ وَحَلُّهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْجِيرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْإِحْيَاءُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيُجْعَلُ حَفْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ تَحْجِيرًا لَا إحْيَاءً فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، وَمَا عَطِبَ فِي الْبِئْرِ الثَّانِي يَضْمَنُهُ هُوَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا الْحَفْرِ فَإِنَّهُ حَفَرَ فِي مِلْكِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَفَرَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَمَ لِبُرْهَانِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ فَيُقَوَّمُ جِدَارُهُ مَعَ جُدْرَانِهَا، وَيُقَوَّمُ بِدُونِ هَذَا الْجِدَارِ فَيَضْمَنُ فَصْلَ مَا بَيْنَهُمَا ثُمَّ رَقَمَ لِلْأَجْنَاسِ، وَقَالَ هَدَمَ حَائِطَ مَسْجِدٍ يُؤْمَرُ بِتَسْوِيَتِهِ، وَإِصْلَاحِهِ، وَفِي حَائِطِ الدَّارِ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ إنْ هَدَمَ حَائِطًا مُتَّخَذًا مِنْ خَشَبٍ أَوْ عَتِيقًا مِنْ رَهْصٍ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ كَانَ حَدِيثًا يُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهِ كَمَا كَانَ وَفِي دُرَرِ الْفِقْهِ يُؤَاخَذُ فِي هَدْمِ الْحَائِطِ بِالْبِنَاءِ لَا بِالنُّقْصَانِ ثُمَّ رَقَمَ لِلْمُحِيطِ، وَقَالَ يُؤَاخَذُ بِالْقِيمَةِ، وَقِيلَ بِالْبِنَاءِ. اهـ. قَالَ الْإِمَامُ قَاضِيخَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كُتُبِ الْحَظْرِ مِنْ فَتَاوَاهُ رَجُلٌ حَفَرَ بِئْرًا فِي فِنَاءِ قَوْمٍ رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِتَسْوِيَتِهِ، وَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَلَوْ هَدَمَ حَائِطَ الْمَسْجِدِ كَذَلِكَ أُمِرَ بِتَسْوِيَتِهِ، وَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَلَوْ هَدَمَ حَائِطًا لِدَارِ رَجُلٍ مِلْكًا لَهُ أَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْوِيَةِ، وَلَا بِبِنَاءِ الْحَائِطِ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ وَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْحَائِطِ وَالنَّقْضُ لِلضَّامِنِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ النَّقْضَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنْ كَانَ الْحَائِطُ جَدِيدًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ كَانَ خَلَقًا عَتِيقًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَهُ لَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْأَوَّلِ وَضَمَانُ الْعُدْوَانِ مُقَيَّدٌ بِالْمِثْلِ. اهـ أُسْرُوشَنِيٌّ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلِلْقَنَاةِ حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ) يَعْنِي إذَا أَخْرَجَ قَنَاةً فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبِئْرِ فَلَهَا مِنْ الْحَرِيمِ مَا لِلْبِئْرِ كَذَا قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ الْقَنَاةُ لَهَا حَرِيمٌ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي الشَّرْعِ، وَقَالَ الْمَشَايِخُ هَذَا

الْبِئْرِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ، وَقِيلَ هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا حَرِيمَ لَهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا نَهْرٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَتُعْتَبَرُ بِالنَّهْرِ قَالُوا عِنْدَ ظُهُورِ الْمَاءِ بِمَنْزِلَةِ عَيْنٍ فَوَّارَةٍ فَيُقَدَّرُ حَرِيمُهَا بِخَمْسِمِائَةِ ذِرَاعٍ وَحَرِيمُ شَجَرٍ يُغْرَسُ فِي الْأَرْضِ الْمَوَاتِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ حَتَّى لَا يَمْلِكَ غَيْرُهُ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرًا فِي حَرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْحَرِيمِ لِجُذَاذِ ثَمَرِهِ وَلِلْوَضْعِ فِيهِ وَرُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا غَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضٍ فَلَاةٍ فَجَاءَ آخَرُ فَأَرَادَ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرَةً أُخْرَى بِجَنْبِهَا فَاخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْحَرِيمِ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ، وَأَطْلَقَ لِلْآخَرِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَا عَدَلَ عَنْهُ الْفُرَاتُ، وَلَمْ يَحْتَمِلْ عَوْدَهُ إلَيْهِ فَهُوَ مَوَاتٌ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ وَجَازَ إحْيَاؤُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَرِيمًا لِعَامِرٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ احْتَمَلَ عَوْدَهُ إلَيْهِ إلَيْهِ لَا يَكُونُ مَوَاتًا) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَامَّةِ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ رُجُوعِ الْمَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ حَقُّهُمْ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَهُ حَرِيمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ لِلْحَاجَةِ وَصَاحِبُ النَّهْرِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَصَاحِبِ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْمَشْيِ عَلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ لِيُجْرِيَ الْمَاءَ إذَا احْتَبَسَ بِشَيْءٍ وَقَعَ فِيهِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِي وَسَطِ الْمَاءِ وَكَذَا يَحْتَاجُ إلَى مَوْضِعٍ يُلْقِي عَلَيْهِ الطِّينَ عِنْدَ الْكَرْيِ كَمَا فِي النَّقْلِ إلَى أَسْفَلِهِ، وَفِيهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى، وَلَهُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ ثَبَتَ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُلْحِقُ بِهِمَا مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِمَا مُتَحَقَّقَةٌ فِي الْحَالِ إذْ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا لَا يَتَأَتَّى بِدُونِ الْحَرِيمِ، وَفِي النَّهْرِ مَوْهُومَةٌ بِاعْتِبَارِ الْكَرْيِ فَلَعَلَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَصْلًا نَعَمْ يَلْحَقُهُ بَعْضُ الْحَرَجِ فِي نَقْلِ الطِّينِ وَالْمَشْيِ فِي وَسَطِ النَّهْرِ إلَى أَسْفَلِهِ لَكِنَّهُ دُونَ الْحَرَجِ فِيهِمَا فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِهِمَا إذْ شَرْطُ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ نَظِيرَ الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بَنَى قَصْرًا فِي الصَّحْرَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ لِذَلِكَ حَرِيمًا، وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِلْقَاءِ الْكُنَاسَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِالْقَصْرِ بِدُونِ الْحَرِيمِ، وَلَا يُقَاسُ عَلَى الْبِئْرِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَيْهِ دُونَ حَاجَةِ صَاحِبِ الْبِئْرِ إلَى الْحَرِيمِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ فَإِنْ تَنَازَعَ فِي الْحَرِيمِ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَصَاحِبُ النَّهْرِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقُولُ حَرِيمُ النَّهْرِ مِلْكِي كَانَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَرِيمٌ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ، وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ فِي الْحَرِيمِ، وَعَدَمِ ثُبُوتِهَا فِيهِ فَمَنْ كَانَتْ يَدُهُ ثَابِتَةً فِيهِ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةً مُبْتَدَأَةً فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ مُسْتَعْمِلٌ لِلْحَرِيمِ لِاسْتِمْسَاكِ مَائِهِ بِهِ وَالِاسْتِعْمَالُ يَدٌ فِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي ثَوْبٍ، وَأَحَدُهُمَا لَابِسُهُ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ بِالِاسْتِعْمَالِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْحَرِيمَ أَشْبَهَ بِالْأَرْضِ صُورَةً، وَمَعْنًى لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ فِيهِمَا وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ فِي يَدِهِ مَا هُوَ أَشْبَهَ بِهِ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي مِصْرَاعِ بَابٍ لَيْسَ هُوَ فِي يَدِهِمَا وَالْمِصْرَاعُ الْآخَرُ مُرَكَّبٌ عَلَى بَابِ دَارِ أَحَدِهِمَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ النَّهْرِ مُسْتَعْمِلًا لَهُ بِإِمْسَاكِ مَائِهِ بِهِ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَيْضًا مُسْتَعْمِلًا لَهُ بِدَفْعِ الْمَاءِ بِهِ عَنْ أَرْضِهِ فَاسْتَوَيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَتَرَجَّحَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فَكَانَ الْحَرِيمُ لَهُ فَيَغْرِسُ مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْأَشْجَارِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ تَعَلَّقَ لَهُ بِهِ حَقٌّ حَيْثُ يُسْتَمْسَكُ مَاؤُهُ بِذَلِكَ فَلَا يَكُونُ لَهُ إبْطَالُهُ كَمَا إذَا كَانَ حَائِطٌ لِرَجُلٍ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ جُذُوعٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَ حَائِطَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَهْرٌ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ مُسَنَّاةٌ، وَأَرْضٌ لِآخَرَ خَلْفَ الْمُسَنَّاةِ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ غَرْسٌ، وَلَا طِينٌ مُلْقًى لِصَاحِبِ النَّهْرِ فَادَّعَى صَاحِبُ الْأَرْضِ الْمُسَنَّاةَ وَادَّعَاهَا صَاحِبُ النَّهْرِ أَيْضًا فَهِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَا لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَرِيمٌ لِمَلْقَى طِينِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْكَشِفُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَوْضِعُ الْخِلَافِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَرِيمُ مُوَازِيًا لِلْأَرْضِ لَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْحَرِيمُ مَشْغُولًا بِحَقِّ أَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا مَعْلُومًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَشْجَارٌ، وَلَا يَدْرِي مَنْ غَرَسَهَا فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَيْضًا، وَكَذَا قِيلَ إلْقَاءُ الطِّينِ عَلَى الْخِلَافِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ مَا لَمْ يَفْحُشْ ثُمَّ إذَا كَانَ الْحَرِيمُ لِأَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ لَا يَمْنَعُ الْآخَرَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُبْطِلُ حَقَّ مَالِكِهِ كَالْمُرُورِ فِيهِ، وَإِلْقَاءِ الطِّينِ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا حَرِيمَ لَهَا. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ) كَذَا هُوَ فِي الْكَافِي، وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ فَتَأَمَّلْ. اهـ (قَوْلُهُ: وَقَالَا) هِيَ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ: هِيَ أَيْ الْمُسَنَّاةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ) إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَامِعِ اهـ.

[مسائل الشرب]

وَلَا يَغْرِسُ فِيهِ إلَّا الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّهُ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ آخُذُهُ بِقَوْلِهِ فِي الْغَرْسِ وَبِقَوْلِهِمَا فِي إلْقَاءِ الطِّينِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَرِيمُهُ قَدْرُ نِصْفِ بَطْنِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِقْدَارُ بَطْنِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ، وَذَكَرَ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْكَرْيِ فِي كُلِّ حِينٍ أَمَّا الْأَنْهَارُ الصِّغَارُ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى كَرْيِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَهَا حَرِيمٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسَائِلُ الشِّرْبِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ نَصِيبُ الْمَاءِ) أَيْ الشِّرْبُ بِالْكَسْرِ نَصِيبُ الْمَاءِ وَالصَّوَابُ نَصِيبٌ مِنْ الْمَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] أَيْ نَصِيبٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ كَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَلِكُلٍّ أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ، وَيَتَوَضَّأَ بِهِ، وَيَشْرَبَهُ وَيَنْصِبَ الرَّحَى عَلَيْهِ، وَيُكْرِيَ نَهْرًا مِنْهَا إلَى أَرْضِهِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ) أَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهَا غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَنْهَارَ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا يَدٌ عَلَى الْخُصُوصِ؛ لِأَنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مُحْرِزًا وَالْمِلْكُ بِالْإِحْرَازِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ كَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَالْمُرَادُ بِالْمَاءِ مَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ فَإِذَا أُحْرِزَ فَقَدْ مُلِكَ فَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا كَالصَّيْدِ إذَا أُحْرِزَ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَشَرَطَ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ بِأَنْ يَمِيلَهُ بِالْكَرْيِ أَوْ نَصْبِ الرَّحَى فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُبَاحِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ كَالِانْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْهَوَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْكَلَأِ الْحَشِيشُ الَّذِي يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْبِتَهُ أَحَدٌ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَزْرَعَهُ، وَيَسْقِيَهُ فَيَمْلِكُهُ مَنْ قَطَعَهُ، وَأَحْرَزَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّارِ الِاسْتِضَاءَةُ بِضَوْئِهَا، وَالِاصْطِلَاءُ بِهَا، وَأَلَّا يُقَادَ مِنْ لَهَبِهَا، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ فِي الصَّحْرَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرَادَ غَيْرُهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمْرَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَكَانَ لَهُ مَنْعُهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَفِي الْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ وَالْآبَارِ وَالْحِيَاضِ لِكُلٍّ شُرْبُهُ وَسَقْيُ دَوَابِّهِ لَا أَرْضِهِ، وَإِنْ خِيفَ تَخْرِيبُ النَّهْرِ لِكَثْرَةِ الْبَقَرِ يَمْنَعُ)، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ حَقُّ الشُّرْبِ وَسَقْيِ الدَّابَّةِ فِيهِ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ الْأَنْهَارَ وَالْآبَارَ وَالْحِيَاضَ لَمْ تُوضَعْ لِلْإِحْرَازِ وَالْمُبَاحُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ فَصَارَ كَالصَّيْدِ إذَا تَكَنَّسَ فِي أَرْضِ إنْسَانٍ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْمَاءِ تَتَجَدَّدُ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَمَنْ سَافَرَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَا يَكْفِيهِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ مِنْ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى طَرِيقِهِ لِنَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ، وَصَاحِبُهُ لَا يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَوْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لَحِقَهُ حَرَجٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا بِخِلَافِ سَقْيِ الْأَرَاضِي حَيْثُ يَمْنَعُ صَاحِبُ الْمَاءِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ضَرَرٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا أَرْضِهِ؛ لِأَنَّ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ إبْطَالَ حَقِّ صَاحِبِهِ إذْ لَا نِهَايَةَ لِذَلِكَ فَيَذْهَبُ بِهِ مَنْفَعَتُهُ فَيَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ، وَلَا كَذَلِكَ شُرْبُهُ وَسَقْيُ دَابَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِمِثْلِهِ ضَرَرٌ عَادَةً حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَ فِيهِ الضَّرَرُ بِكَسْرِ ضِفَّتِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ الْمَنْعُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ خِيفَ تَخْرِيبُ النَّهْرِ لِكَثْرَةِ الْبَقَرِ يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِصَاحِبِهِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا حَقَّ الشُّرْبِ لِغَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُهُ إذْ بِهِ تَبْطُلُ مَنْفَعَتُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْمُحَرَّزُ فِي الْكُوزِ وَالْجُبِّ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ)؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِحْرَازِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ مَسَائِلُ الشِّرْبِ] (مَسَائِلُ الشِّرْبِ) (قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ إلَخْ) أَقُولُ كَانَ الشَّارِحُ سَامَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَوَهَّمَ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى اللَّامِ كَغُلَامِ زَيْدٍ وَنَصِيبِ زَيْدٍ فَبَادَرَ إلَى تَخْطِئَةِ الْمُصَنِّفِ لِعَدَمِ ظُهُورِ اسْتِقَامَتِهِ حِينَئِذٍ إذْ الْمَاءُ لَا نَصِيبَ لَهُ، وَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ الشَّارِحِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَيْسَتْ بِمَعْنَى اللَّامِ بَلْ بِمَعْنَى مِنْ لِصِدْقِ تَعْرِيفِهَا عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ بَعْضًا مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَصَالِحًا لِحَمْلِهِ عَلَيْهِ كَخَاتَمِ حَدِيدٍ وَبَابِ سَاجٍ فَالْخَاتَمُ بَعْضُ الْحَدِيدِ وَالْبَابُ بَعْضُ السَّاجِ وَالنَّصِيبُ بَعْضُ الْمَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ الْمُضَافِ، وَهُوَ الْحَدِيدُ وَالسَّاجُ وَالْمَاءُ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ فَيُقَالُ الْخَاتَمُ حَدِيدٌ وَالْبَابُ سَاجٌ وَالنَّصِيبُ مَاءٌ فَظَهَرَ لَك أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الصَّوَابُ، وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْخَطَأِ الْعُجَابِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ» إلَخْ) شَرِكَةُ إبَاحَةٍ لَا شَرِكَةُ مِلْكٍ فَمَنْ سَبَقَ إلَى أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي وِعَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَحْرَزَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَهُوَ مِلْكٌ لَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ يَجُوزُ لَهُ تَمْلِيكُهُ بِجَمِيعِ وُجُوهِ التَّمْلِيكِ، وَهُوَ مَوْرُوثٌ عَنْهُ، وَيَجُوزُ فِيهِ وَصَايَاهُ كَمَا يَجُوزُ فِي أَمْلَاكِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالنَّارِ الِاسْتِضَاءَةُ وَالِاصْطِلَاءُ بِهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا الشَّرِكَةُ فِي النَّارِ فَبَيَانُهُ مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي شَرْحِ كِتَابِ الشِّرْبِ، وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَوْقَدَ نَارًا فِي مَفَازَةٍ فَإِنَّ هَذِهِ النَّارَ تَكُونُ شَرِكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ أَجْمَعَ حَتَّى لَوْ جَاءَ إنْسَانٌ، وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَضِيءَ بِضَوْءِ هَذِهِ النَّارِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَخِيطَ ثَوْبًا لَهُ حَوْلَ النَّارِ أَوْ يَصْطَلِيَ بِهَا فِي زَمَانِ الْبَرْدِ أَوْ يَتَّخِذَ مِنْهُ سِرَاجًا لَا يَكُونُ لِصَاحِبِ النَّارِ مَنْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَوْقَدَ النَّارَ فِي مَوْضِعٍ مَمْلُوكٍ لَهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ لَا بِالنَّارِ فَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ فَتِيلَةِ سِرَاجِهِ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْجَمْرَةِ فَإِنَّ لِصَاحِبِ النَّارِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَلَوْ أَطْلَقْنَاهُ لِلنَّاسِ لَمْ يَبْقَ لَهُ نَارٌ يَصْطَلِي بِهَا، وَيَخْبِزُ بِهَا، وَهَذَا الْأَوْجَهُ لَهُ. اهـ. حُكْمُ الْكَلَأِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْمَرَاعِي، وَإِجَارَتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: بِكَسْرِ ضِفَّتِهِ) أَيْ ضِفَّةِ النَّهْرِ، وَهِيَ حَافَّتُهُ وَرَوَاهَا

فَكَانَ أَخَصَّ بِهِ كَالصَّيْدِ إذَا أَخَذَهُ لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ الشَّرِكَةِ لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَا فَيَعْمَلُ فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ حَتَّى لَوْ سَرَقَهُ فِي مَوْضِعٍ يَعِزُّ الْمَاءُ فِيهِ، وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابًا لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ، وَلَا كَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] حَيْثُ لَا يُورِثُ شُبْهَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ بِلَفْظِ الشُّرَكَاءِ فَلَمْ يَمْنَعْ اخْتِصَاصَ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ هَذَا الْمَالُ لِأَهْلِ بَلَدِ كَذَا، وَإِنْ كَانَ يَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَالِهِ، وَلَا يُقَالُ هُمْ شُرَكَاءُ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَ هُوَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ، وَلَا يَخْتَصُّ بَعْضُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَوْرَثَ مِثْلُهُ شُبْهَةً لَانْسَدَّ بَابُ إقَامَةِ الْحُدُودِ كُلِّهَا حَتَّى حَدُّ الزِّنَا، وَلَوْ كَانَتْ الْبِئْرُ أَوْ الْحَوْضُ أَوْ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ الشَّفَةَ مِنْ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ يَجِدُ مَاءً بِقُرْبِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تُخْرِجَ الْمَاءَ إلَيْهِ أَوْ تَتْرُكَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكْسِرَ ضِفَّتَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الشَّفَةِ فِي الْمَاءِ الَّذِي فِي حَوْضِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ قِيلَ هَذَا إذَا احْتَفَرَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ أَمَّا إذَا احْتَفَرَ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ كَانَ حَقًّا لِلْكُلِّ وَالْإِحْيَاءَ لِحَقٍّ مُشْتَرَكٍ، وَهُوَ الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ فَلَا يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ. وَحُكْمُ الْكَلَأِ حُكْمُ الْمَاءِ حَتَّى إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ قِيلَ لِلْمَالِكِ إمَّا أَنْ تَقْطَعَ، وَتَدْفَعَ إلَيْهِ، وَإِلَّا تَتْرُكَهُ لِيَأْخُذَ قَدْرَ مَا يُرِيدُ مِنْهُ، وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَاءَ، وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ الْعَطَشَ كَانَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ لِأَثَرِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وَلِأَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَهُ بِمَنْعِ الشَّفَةِ، وَهُوَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْبِئْرِ وَالنَّهْرِ وَنَحْوِهِمَا مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُحَرَّزًا فِي الْأَوَانِي فَلَيْسَ لِلَّذِي يَخَافُ الْهَلَاكَ مِنْ الْعَطَشِ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ، وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ إذَا كَانَ فِيهِ فَضْلٌ مِنْ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِحْرَازِ فَصَارَ نَظِيرَ الطَّعَامِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ. وَفِي الْكَافِي قِيلَ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا الْأَوْلَى أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَصَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْزِيرِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِسِلَاحٍ حَيْثُ جَعَلَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ بِهِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا ذَكَرْنَا وَالشَّفَةُ إذَا كَانَتْ تَأْتِي عَلَى الْمَاءِ كُلِّهِ بِأَنْ كَانَ جَدْوَلًا صَغِيرًا وَفِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوَاشِي كَثْرَةٌ يَنْقَطِعُ الْمَاءُ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ كَسَقْيِ الْأَرْضِ، وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَاءَ مِنْهُ لِلْوُضُوءِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَوَضَّأُ فِي النَّهْرِ، وَيَغْسِلُ الثِّيَابَ فِيهِ قُلْنَا فِي ذَلِكَ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَيُدْفَعُ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ شَجَرًا أَوْ خَضِرًا فِي دَارِهِ وَحَمَلَ الْمَاءَ إلَيْهِ بِالْجَرَّةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخٍ لَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ النَّهْرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَوَسَّعُونَ فِيهِ، وَيَعُدُّونَ الْمَنْعَ مِنْهُ مِنْ الدَّنَاءَةِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيُبْغِضُ سَفْسَافَهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ نَخِيلَهُ، وَأَرْضَهُ وَشَجَرَهُ مِنْ نَهْرِ غَيْرِهِ وَبِئْرِهِ، وَقَنَاتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ نَصًّا. وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَمَّا دَخَلَ فِي الْمُقَاسَمَةِ انْقَطَعَتْ شَرِكَةُ الشُّرْبِ بِالْكُلِّيَّةِ إذْ لَوْ بَقِيَتْ لَانْقَطَعَ شُرْبُ صَاحِبِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَحَفَرَ نَهْرًا إلَى أَرْضِهِ فَيُفْضِي إلَى كَسْرِ ضِفَّتِهِ، وَإِلَى الْحَفْرِ فِي حَرِيمِ بِئْرِهِ لِتَسْيِيلِ الْمَاءِ إلَى أَرْضِهِ، وَيَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَيَمْنَعُ مِنْهُ أَصْلًا فَصَارَ فِي الْحَاصِلِ الْمِيَاهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ الْأَنْهُرُ الْعِظَامُ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِ أَحَدٍ وَالْأَنْهَارُ الَّتِي هِيَ مَمْلُوكَةٌ، وَمَا صَارَ فِي الْأَوَانِي فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكَرْيُ نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ مِنْ بَيْت الْمَالِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لَهَا فَكَانَ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ يُجْبِرُ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ أَجْبَرَ الْإِمَامُ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ نُصِبَ نَاظِرًا، وَفِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ عَلَى النَّاسِ، وَقَلَّمَا يَنْفُقُ الْعَوَامُّ عَلَى الْمَصَالِحِ بِاخْتِيَارِهِمْ فَيُجْبِرُهُمْ عَلَيْهِ، وَفِي نَظِيرِهِ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ تَرَكْتُمْ لَبِعْتُمْ أَوْلَادَكُمْ إلَّا أَنَّهُ يُخْرِجُ لَهُ مَنْ كَانَ يُطِيقُهُ، وَيَجْعَلُ مُؤْنَتَهُ عَلَى الْمَيَاسِيرِ الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ كَمَا فِي تَجْهِيزِ الْجُيُوشِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكَرْيُ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ عَلَى أَهْلِهِ، وَيُجْبَرُ الْآبِي عَلَى كَرْيِهِ)؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ، وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ يُجْبَرُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ إنْ كَانَ خَاصًّا لَا يُجْبَرُ وَالْفَاصِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبُ الْمُغْرِبِ بِكَسْرِ الضَّادِ، وَفَتْحِهَا جَمِيعًا، وَفِي الدِّيوَانِ بِالْكَسْرِ جَانِبُ النَّهْرِ وَبِالْفَتْحِ جَمَاعَةُ النَّاسِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ) نَقُولُ إنْ كَانَ يَجِدُ الْمَرِيدُ لِلْكَلَأِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يُقَالُ لَهُ خُذْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ لَمْ يَصِرْ مِلْكًا لِمَالِكِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إحْرَازٌ فَبَقِيَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ النَّاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَوَضَّأُ إلَخْ) وَاخْتَلَفُوا فِي التَّوَضُّؤِ بِمَاءِ السَّاقِيَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا يَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا كُلُّ مَا أُعِدَّ لِلشُّرْبِ حَتَّى قَالُوا فِي الْحِيَاضِ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلشُّرْبِ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّوَضُّؤُ، وَيُمْنَعُ مِنْهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ مَاءَ السِّقَايَةِ إلَى بَيْتِهِ لِلشُّرْبِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَيُبْغِضُ سَفْسَافَهَا) السَّفْسَافُ الْأَمْرُ الْحَقِيرُ وَالرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ ضِدُّ الْمَعَالِي وَالْمَكَارِمِ، وَأَصْلُهُ مَا يَطِيرُ مِنْ غُبَارِ الدَّقِيقِ إذَا نُخِلَ وَالتُّرَابِ إذَا أُثِيرَ. اهـ ابْنُ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ: وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجَعَلَ مُحَمَّدٌ الْحَدَّ الْفَاصِلَ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ فَقَالَ الْخَاصُّ مِنْ النَّهْرِ مَا لَوْ بِيعَتْ أَرْضٌ عَلَى هَذَا النَّهْرِ كَانَ لِجَمِيعِ أَهْلِ النَّهْرِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَذْكُرَ الْحَدَّ الْفَاصِلَ بَيْنَ الشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ فِي الشُّفْعَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَحْدِيدِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ مِنْ التَّحْدِيدِ هُوَ أَنَّ الشُّرَكَاءَ فِي النَّهْرِ إنْ كَانُوا مَا دُونَ الْمِائَةِ فَالشَّرِكَةُ خَاصَّةٌ تُسْتَحَقُّ بِهَا الشُّفْعَةُ، وَإِنْ كَانُوا مِائَةً فَصَاعِدًا فَالشَّرِكَةُ عَامَّةٌ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْكُلِّ، وَإِنَّمَا تَكُونُ لِلْجَارِ. اهـ

بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ أَنَّ مَا تُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ خَاصٌّ، وَمَا لَا تُسْتَحَقُّ بِهِ عَامٌّ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الْعَامِّ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ، وَهُوَ ضَرَرُ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ، وَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ بِإِلْزَامِ الضَّرَرِ الْخَاصِّ بَلْ وَاجِبٌ إذَا تَعَيَّنَ مِدْفَعًا فَبِدُونِ الضَّرَرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْآبِيَ لَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ بَلْ يَحْصُلُ لَهُ نَفْعٌ بِمُقَابَلَتِهِ فَأَمْكَنَ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَاصًّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَفْعُ ضَرَرٍ عَامٍّ، وَإِنَّمَا فِيهِ دَفْعُ ضَرَرٍ خَاصٍّ، وَهُوَ ضَرَرُ شُرَكَائِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْخَاصِّ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا، وَيُمْكِنُ دَفْعُ ضَرَرِ شُرَكَائِهَا بِدُونِ ذَلِكَ بِأَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُؤْنَةِ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَامًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ لِكَثْرَتِهِمْ وَرُبَّمَا لَا تُقْبَلُ الْمُؤْنَةُ الْقِسْمَةَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَدْرِي حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَا يُقَالُ فِي كَرْيِ النَّهْرِ الْخَاصِّ إحْيَاءُ حُقُوقِ أَهْلِ الشَّفَةِ فَيَكُونُ فِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ عَامٌّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا جَبْرَ لِأَجْلِ حَقِّ أَهْلِ الشَّفَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الشُّرْبِ كُلَّهُمْ لَوْ امْتَنَعُوا عَنْ الْكَرْيِ لَا يُجْبِرُهُمْ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُمْ امْتَنَعُوا عَنْ عِمَارَةِ أَرَاضِيهِمْ، وَلَوْ كَانَ حَقُّ الشَّفَةِ مُعْتَبَرًا لَأُجْبِرُوا لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُؤْنَةُ كَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْلَاهُ فَإِنْ جَاوَزَ أَرْضَ رَجُلٍ بَرِيءٍ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا مُؤْنَةُ الْكَرْيِ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ إلَى آخِرِهِ بِالْحِصَصِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِالْأَسْفَلِ كَمَا يَنْتَفِعُ بِالْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَسْيِيلِ الْفَاضِلِ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّهُ إذَا سَدَّ عَلَيْهِ فَاضَ الْمَاءُ عَلَى أَرْضِهِ، وَأَفْسَدَ زَرْعَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِالنَّهْرِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ فَلِهَذَا يَسْتَوُونَ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ بِهِ فَإِذَا اسْتَوَوْا فِي الْغُنْمِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوُوا فِي الْغُرْمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مُؤْنَةَ الْكَرْيِ عَلَى مَنْ يَنْتَفِعُ بِالنَّهْرِ، وَيَسْقِي الْأَرَاضِيَ مِنْهُمْ فَإِذَا جَاوَزَ الْكَرْيُ أَرْضَ رَجُلٍ فَلَيْسَ لَهُ فِي كَرْيِ مَا بَقِيَ مَنْفَعَةٌ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ مُؤْنَتِهِ وَبِانْتِفَاعِهِ فِي أَسْفَلَ مِنْ حَيْثُ إجْرَاءُ مَا فَضَلَ مِنْ الْمَاءِ فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ عِمَارَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَهُ حَقُّ تَسْيِيلِ مَاءِ سَطْحِهِ عَلَى سَطْحِ جَارِهِ لَا يَلْزَمُهُ عِمَارَةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِاعْتِبَارِ تَسْيِيلِ الْمَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الْمَاءِ عَنْهُ بِسَدِّ فُوَّهَةِ النَّهْرِ مِنْ أَعْلَاهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَرْيِ مِنْ أَسْفَلَ وَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكَرْيَ إذَا انْتَهَى إلَى فُوَّهَةِ أَرْضِهِ مِنْ النَّهْرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمُؤْنَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ إلَى أَنْ يُجَاوِزَ حَدَّ أَرْضِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ الْفُوَّهَةَ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ أَرْضِهِ إنْ شَاءَ مِنْ أَعْلَى، وَإِنْ شَاءَ مِنْ أَسْفَلَ فَكَانَ مُنْتَفِعًا بِالْكَرْيِ انْتِفَاعَ سَقْيِ الْأَرْضِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ حَدَّ أَرْضِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا كَرْيَ عَلَى أَهْلِ الشَّفَةِ)؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ إذْ أَهْلُ الدُّنْيَا كُلُّهُمْ لَهُمْ حَقُّ الشَّفَةِ، وَمُؤْنَةُ الْكَرْيِ لَا تَجِبُ عَلَى قَوْمٍ لَا يُحْصَوْنَ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حَفْرِ الْأَنْهَارِ وَنَحْوِهَا سَقْيُ الْأَرَاضِي، وَأَهْلُ الشَّفَةِ أَتْبَاعٌ وَالْمُؤْنَةُ تَجِبُ عَلَى الْأُصُولِ دُونَ الْأَتْبَاعِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ الشُّفْعَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتَصِحُّ دَعْوَى الشِّرْبِ بِغَيْرِ أَرْضٍ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الدَّعْوَى إعْلَامُ الْمُدَّعَى فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَالشُّرْبُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً لَا تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ؛ وَلِأَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالْمِلْكِ فِي الْمُدَّعَى إذَا ثَبَتَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ وَالشُّرْبُ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِدُونِ أَرْضٍ فَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي فِيهِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةَ كَالْخَمْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الشُّرْبَ مَرْغُوبٌ فِيهِ مُنْتَفَعٌ بِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُمْلَكَ بِغَيْرِ أَرْضٍ بِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، وَقَدْ يَبِيعُ الْأَرْضَ دُونَ الشُّرْبِ فَيَبْقَى لَهُ الشُّرْبُ وَحْدَهُ فَإِذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الظُّلْمَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِثْبَاتِ حَقِّهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ أَرْضٌ وَلِآخَرَ فِيهَا نَهْرٌ فَأَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ لَا يُجْرِيَ النَّهْرَ فِي أَرْضِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَيُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ النَّهْرِ مِنْهَا فِي يَدِ رَبِّ النَّهْرِ مُسْتَعْمِلٌ لَهُ بِإِجْرَاءِ مَائِهِ فِيهِ فَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا فِيهَا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ هَذَا النَّهْرَ لَهُ، وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ مَجْرَاهُ فِي هَذَا النَّهْرِ يَسُوقُهُ إلَى أَرْضِهِ لِيَسْقِيَهَا فَيَقْضِيَ لَهُ لِإِثْبَاتِهِ بِالْحُجَّةِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ إذَا كَانَ الدَّعْوَى فِيهِ أَوْ حَقُّ الْإِجْرَاءِ بِإِثْبَاتِ الْمَجْرَى مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْمِلْكِ، وَعَلَى هَذَا الْمَصَبُّ فِي نَهْرٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ أَوْ الْمِيزَابُ أَوْ الْمَمْشَى فِي دَارِ غَيْرِهِ فَحُكْمُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ نَظِيرُهُ فِي الشُّرْبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ اخْتَصَمُوا فِي الشُّرْبِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيِهِمْ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالشُّرْبِ سَقْيُ الْأَرَاضِيِ وَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْأَرَاضِي، وَكَثْرَتِهَا وَالظَّاهِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)، وَفِي الْخَانِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ. اهـ ابْنُ فِرِشْتَا. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَلَا كَرْيَ عَلَى أَهْلِ الشَّفَةِ) أَصْلُ الشَّفَةِ شَفَهَةٌ وَلِهَذَا تَقُولُ فِي تَصْغِيرِهَا شُفَيْهَةٌ، وَفِي جَمْعِهَا شِفَاهُ، وَالتَّصْغِيرُ وَالتَّكْثِيرُ يَرُدَّانِ الْأَشْيَاءَ إلَى أَصْلِهَا وَحُذِفَتْ الْهَاءُ تَخْفِيفًا يُقَالُ هُمْ أَهْلُ الشَّفَةِ أَيْ لَهُمْ حَقُّ الشُّرْبُ بِشَفَاهُمْ، وَأَنْ يَسْقُوا بَهَائِمَهُمْ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ تَخْتَلِفُ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَإِذَا كَانَ النَّهْرُ بَيْنَ قَوْمٍ لَهُمْ عَلَيْهِ أَرْضُونَ، وَلَا يُعْرَفُ كَيْفَ أَصْلُهُ بَيْنَهُمْ فَاخْتَلَفُوا وَاخْتَصَمُوا فِي الشُّرْبِ فَالشُّرْبُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيِهِمْ قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ صَاحِبِ كِتَابِ الْحَيْضِ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ عَشَرَةُ أَجْرِبَةٍ وَلِلْآخَرِ عَشَرَةٌ إلَّا أَنَّ أَرْضَهُ لَا تَكْتَفِي لِلزِّرَاعَةِ بِقَدْرِ الْمَاءِ يَأْخُذُهُ فَعَلَى مَا قَالَهُ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ نِصْفَانِ، وَعَلَى قَوْلِ الدَّقَّاقِ لَهُ أَخْذُ الْمَاءِ زِيَادَةً. اهـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ: وَلَا يُعْرَفُ كَيْفَ أَصْلُهُ إلَخْ فَأَمَّا إذَا عُلِمَ يُقْسَمُ عَلَى مَا كَانَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

أَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الشُّرْبِ بِقَدْرِ أَرْضِهِ وَبِقَدْرِ حَاجَتِهِ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ إذَا اخْتَلَفَ فِيهِ الشُّرَكَاءُ حَيْثُ يَسْتَوُونَ فِي مِلْكِ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ سَعَةُ الدَّارِ وَضِيقُهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الِاسْتِطْرَاقُ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ، وَلَا يُقَالُ قَدْ اسْتَوَوْا فِي إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى النَّهْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوُوا فِي الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَاءُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً إذْ لَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِانْتِفَاعَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْأَرَاضِي فَيَتَفَاوَتُ الْإِحْرَازُ الَّذِي هُوَ فِي ضِمْنِ الِانْتِفَاعِ فَيَكُونُ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُسَكِّرَ النَّهْرَ عَلَى الْأَسْفَلِ، وَلَكِنَّهُ يَشْرَبُ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ فِي السَّكْرِ إحْدَاثَ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ فِي وَسَطِ النَّهْرِ وَرَقَبَةُ النَّهْرِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمْ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ بِدُونِ إذْنِ الشُّرَكَاءِ فَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَى أَنَّ الْأَعْلَى يُسَكِّرُ النَّهْرَ حَتَّى يَشْرَبَ بِحِصَّتِهِ أَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يُسَكِّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَوْبَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّهُمْ، وَقَدْ زَالَ بِتَرَاضِيهِمْ، وَلَكِنْ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُسَكِّرَ بِلَوْحٍ أَوْ بَابٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَكِّرَ بِالطِّينِ وَالتُّرَابِ لِئَلَّا يَنْكَبِسَ النَّهْرُ بِهِ، وَفِيهِ إضْرَارٌ بِالشُّرَكَاءِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي النَّهْرِ بِحَيْثُ لَا يَجْرِي إلَى أَرْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا بِالسَّكْرِ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِأَهْلِ الْأَسْفَلِ حَتَّى يَرْوُوا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْأَعْلَى أَنْ يُسَكِّرُوا، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُسَكِّرُوا قَبْلَهُمْ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَهْلُ أَسْفَلِ النَّهْرِ أُمَرَاءُ عَلَى أَهْلِ الْأَعْلَى حَتَّى يَرْوُوا، وَهَذَا يُوجِبُ بُدَاءَةَ أَهْلِ الْأَسْفَلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَشُقَّ مِنْهُ نَهْرًا أَوْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحًى أَوْ دَالِيَةً أَوْ جِسْرًا أَوْ يُوَسِّعَ فَمَ النَّهْرِ أَوْ يَقْسِمَ بِالْأَيَّامِ، وَقَدْ وَقَعَ الْقِسْمَةُ بِالْكُوَى أَوْ يَسُوقَ نَصِيبَهُ إلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى لَيْسَ لَهَا فِيهِ شِرْبٌ بِلَا رِضَاهُمْ)؛ لِأَنَّ فِي شَقِّ النَّهْرِ وَنَصْبِ الرَّحَى كَسْرَ ضِفَّةِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَشَغْلَ الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ بِالْبِنَاءِ، وَفِي الْكَسْرِ تَغْيِيرُ الْمَاءِ عَنْ سُنَنِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الرَّحَى لَا تَضُرُّ بِالنَّهْرِ، وَلَا بِالْمَاءِ، وَيَكُونُ مَوْضِعُهَا فِي أَرْضِ صَاحِبِهَا فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْبِنَاءِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَبِسَبَبِ الرَّحَى لَا يَنْقُصُ الْمَاءُ، وَمَعْنَى الضَّرَرِ بِالنَّهْرِ كَسْرُ ضِفَّتِهِ وَبِالْمَاءِ أَنْ يَتَغَيَّرَ عَنْ سُنَنِهِ أَوْ يَنْقُصَ، وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ، وَالْمَانِعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى حَالِهِ مُتَعَنِّتٌ قَاصِدٌ إلَى الْإِضْرَارِ بِغَيْرِهِ لَا دَافِعٌ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَلْتَفِتُ إلَى تَعَنُّتِهِ. وَالدَّالِيَةُ وَالسَّانِيَةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّحَى، وَفِي الْقَنْطَرَةِ وَالْجِسْرِ إشْغَالُ الْمَوْضِعِ الْمُشْتَرَكِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ إلَّا بِرِضَاهُمْ الدَّالِيَةُ جِذْعٌ طَوِيلٌ يُرَكَّبُ تَرْكِيبَ مَدَاقِّ الْأُرْزِ فِي رَأْسِهِ مِغْرَفَةٌ كَبِيرَةٌ لِيَسْتَقِيَ بِهَا، وَقِيلَ هُوَ الدُّولَابُ وَالسَّانِيَةُ الْبَعِيرُ يُسْتَقَى عَلَيْهِ مِنْ الْبِئْرِ وَالْجِسْرُ اسْمٌ لِمَا يُوضَعُ، وَيُرْفَعُ مِمَّا يَكُونُ مُتَّخَذًا مِنْ الْأَلْوَاحِ وَالْخَشَبِ، وَالْقَنْطَرَةُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْآجُرِّ وَالْحَجَرِ يَكُونُ مَوْضُوعًا، وَلَا يُرْفَعُ، وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ خَالِصٌ لِرَجُلٍ يَأْخُذُ مِنْ نَهْرٍ خَاصٍّ بَيْنَ قَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يُقَنْطِرَ عَلَيْهِ، وَيَسُدَّهُ مِنْ جَانِبَيْهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ مُقَنْطَرًا مَسْدُودًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَأَرَادَ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَزِيدُ فِي أَخْذِ الْمَاءِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ بِنَاءً هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ وَمِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ يَزِيدُ فِي أَخْذِ الْمَاءِ مُنِعَ مِنْهُ لِحَقِّ الشُّرَكَاءِ، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُوَسِّعَ فَمَ النَّهْرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ ضِفَّتِهِ، وَيَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ فِي أَخْذِ الْمَاءِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ بِالْكُوَى. وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِالْكُوَى؛ لِأَنَّهُ إذَا وَسَّعَ فَمَ النَّهْرِ يَحْبِسُ الْمَاءَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَدْخُلُ فِي كُوَّتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَدْخُلُ قَبْلَهُ، وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَ فَمَ النَّهْرِ فَيَجْعَلُهَا فِي أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ مِنْ فَمِ النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يَحْبِسُ الْمَاءَ فِيهِ فَيَزْدَادُ دُخُولُ الْمَاءِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُسْفِلَ كُوَاهُ أَوْ يَرْفَعَهُ مِنْ حَيْثُ الْعُمْقُ فِي مَكَان حَيْثُ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْمَاءِ فِي الْأَصْلِ وَقَعَ بِاعْتِبَارِ سَعَةِ الْكُوَّةِ وَضِيقِهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ التَّسَفُّلِ، وَالتَّرَفُّعُ فِي الْعُمْقِ هُوَ الْعَادَةُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَغْيِيرِ مَوْضِعِ الْقِسْمَةِ فَلَا يُمْنَعُ، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ بِالْأَيَّامِ بَعْدَمَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ بِالْكُوَى؛ لِأَنَّ الْقَدِيمَ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ لِظُهُورِ الْحَقِّ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كُوًى مُسَمَّاةٌ فِي نَهْرٍ خَاصٍّ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَزِيدَ كُوَّةً، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ خَاصَّةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْكُوَى فِي النَّهْرِ الْأَعْظَمِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَشُقَّ نَهْرًا مِنْهُ ابْتِدَاءً فَكَانَ الْكُوَى بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسُوقَ شِرْبَهُ إلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى لَيْسَ لَهُ فِيهَا شَرْبٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ يَخْشَى أَنْ يَدَّعِيَ حَقَّ الشِّرْبِ لَهَا مِنْ هَذَا النَّهْرِ مَعَ الْأُولَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: حَيْثُ يَسْتَوُونَ فِي مِلْكِ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ) يَعْنِي يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ) أَيْ؛ لِأَنَّ التَّسْفِيلَ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ فَأَمَّا فِي تَوْسِيعِ فَمِ النَّهْرِ يَتَصَرَّفُ فِي حَافَّتَيْ النَّهْرِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ الْمَاءَ، وَأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَيَضُرُّ بِشُرَكَائِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِتَوْسِيعِ فَمِ النَّهْرِ يَأْخُذُ مِنْ الْمَاءِ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فَيَصِيرُ غَاصِبًا شَيْئًا مِنْ مَاءِ أَصْحَابِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: هَذَا النَّهْرُ مَعَ الْأُولَى) أَيْ الْأَرْضِ الْأُولَى. اهـ.

إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ، وَيَسْتَدِلُّ عَلَى ذَلِكَ بِالْمَحْفُورِ لِإِجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهِ إلَيْهَا، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَسُوقَ شِرْبَهُ فِي أَرْضِهِ الْأُولَى حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ إذْ الْأَرْضُ الْأُولَى تُنَشِّفُ بَعْضَ الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ تَسْقِيَ الْأُخْرَى، وَهُوَ نَظِيرُ طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ بَابًا إلَى دَارٍ أُخْرَى سَاكِنُهَا غَيْرُ سَاكِنِ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي مِفْتَحُهَا فِي هَذَا الطَّرِيقِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَاكِنُ الدَّارَيْنِ وَاحِدًا حَيْثُ لَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْمَارَّةَ لَا تَزْدَادُ، وَلَهُ حَقُّ الْمُرُورِ، وَيَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، وَهُوَ الْجِدَارُ بِالرَّفْعِ، وَلَوْ أَرَادَ الْأَعْلَى مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي النَّهْرِ الْخَاصِّ، وَفِيهِ كُوًى بَيْنَهُمَا أَنْ يَسُدَّ بَعْضَهَا دَفْعًا لِفَيْضِ الْمَاءِ عَنْ أَرْضِهِ كَيْ لَا تَنِزَّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْآخَرِ، وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْسِمَ النَّهْرَ مُنَاصَفَةً؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالْكُوَى تَقَدَّمَتْ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَبَعْدَ التَّرَاضِي لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ، وَكَذَا لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ؛ لِأَنَّهُ إعَارَةُ الشِّرْبِ لَا مُبَادَلَةٌ؛ لِأَنَّ مُبَادَلَةَ الشِّرْبِ بِالشِّرْبِ بَاطِلَةٌ، وَكَذَا إجَارَةُ الشِّرْبِ لَا تَجُوزُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَتَعَيَّنَتْ الْإِعَارَةُ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالْكُوَى قَدْ تَمَّتْ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْقُضَ تِلْكَ الْقِسْمَةَ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعِيرًا نَصِيبَهُ لِصَاحِبِهِ فَيَرْجِعُ فِيهَا هُوَ أَوْ وَرَثَتُهُ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ؛ وَلِأَنَّ الْعَارِيَّةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُورَثُ الشِّرْبُ، وَيُوصَى بِالِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ، وَلَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَرَثَةَ خُلَفَاءُ الْمَيِّتِ فَيَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي حُقُوقِ الْمَيِّتِ وَأَمْلَاكِهِ، وَجَازَ أَنْ يَقُومُوا مَقَامَهُ فِيمَا لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ بِالْمُعَاوَضَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ كَالدَّيْنِ وَالْقِصَاصِ وَالْخَمْرِ فَكَذَا الشِّرْبُ وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ فَكَانَتْ مِثْلَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ أَوْ الْجَهَالَةِ أَوْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْحَالِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ شِرْبَ إنْسَانٍ بِأَنْ سَقَى أَرْضَهُ مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَكَذَا لَا يَضْمَنُ بِعَقْدٍ وَالْوَصِيَّةُ بِبَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ مِثْلُ بَيْعِهِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَكَذَا لَا يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ، وَلَا فِي الْخُلْعِ، وَلَا فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ أَوْ عَنْ دَعْوَى لَكِنْ هَذِهِ الْعُقُودُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَلَا يَمْلِكُ الشِّرْبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِسَائِرِ الْأَسْبَابِ فَكَذَا بِهَذَا السَّبَبِ، وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ رَدُّ مَا أَخَذَتْ مِنْ الْمَهْرِ، وَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى دَعْوَاهُ لِبُطْلَانِ الْمُسَمَّى، وَلَوْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لَا يُبَاعُ الشِّرْبُ بِدُونِ الْأَرْضِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْضٌ قِيلَ يَجْمَعُ الْمَاءَ فِي كُلِّ نَوْبَتِهِ فِي حَوْضٍ فَيُبَاعُ الْمَاءُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ يَنْظُرُ الْإِمَامُ إلَى أَرْضٍ لَا شِرْبَ لَهَا فَيَضُمُّ هَذَا الشِّرْبَ إلَيْهَا فَيَبِيعُهُمَا بِرِضَا صَاحِبِهَا ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ بِدُونِ الشِّرْبِ، وَإِلَى قِيمَتِهَا مَعَهُ فَيَصْرِفُ تَفَاوُتَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ إلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَالسَّبِيلُ فِي مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الشِّرْبِ إذَا أَرَادَ قِسْمَةَ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَتِهِمَا أَنْ يُقَوَّمَ الشِّرْبُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَوْ كَانَ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْعُقْرِ الْوَاجِبِ بِشُبْهَةٍ يَنْظُرُ إلَى مِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِكَمْ كَانَتْ تُسْتَأْجَرُ عَلَى الزِّنَا فَذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ عُقْرُهَا فِي الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ اشْتَرَى عَلَى تَرْكَةِ هَذَا الْمَيِّتِ أَرْضًا بِغَيْرِ شِرْبٍ ثُمَّ ضَمَّ هَذَا الشِّرْبَ إلَيْهَا وَبَاعَهُمَا فَيُؤَدِّي مِنْ الثَّمَنِ ثَمَنَ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَاةِ، وَالْفَاضِلُ لِلْغُرَمَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ مَلَأَ أَرْضَهُ مَاءً فَنَزَتْ أَرْضُ جَارِهِ أَوْ غَرِقَتْ لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ، وَلَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي التَّسَبُّبِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي أَرْضِهِ لَا يَضْمَنُ مَا عَطِبَ فِيهَا لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ حَفَرَ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَدٍ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْلَأَ أَرْضَهُ مَاءً، وَيَسْقِيَهَا قَالُوا هَذَا إذَا سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا مُعْتَادًا بِأَنْ سَقَاهَا قَدْرَ مَا تَحْتَمِلُهُ عَادَةً، وَأَمَّا إذَا سَقَاهَا سَقْيًا لَا تَحْتَمِلُهُ أَرْضُهُ فَيَضْمَنُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ أَوْقَدَ نَارًا فِي دَارِهِ فَاحْتَرَقَ دَارُ جَارِهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ أَوْقَدَ مِثْلَ الْعَادَةِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ الْعَادَةِ يَضْمَنُ، وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ إسْمَاعِيلُ يَقُولُ إنَّمَا لَا يَضْمَنُ بِالسَّقْيِ الْمُعْتَادِ إذَا كَانَ مُحِقًّا فِيهِ بِأَنْ سَقَى أَرْضَهُ فِي نَوْبَتِهِ مِقْدَارَ حَقِّهِ، وَأَمَّا إذَا سَقَاهَا فِي غَيْرِ نَوْبَتِهِ أَوْ فِي نَوْبَتِهِ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ فَيَضْمَنُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي فِي السَّبَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إذْ الْأَرْضُ الْأُولَى تُنَشِّفُ بَعْضَ الْمَاءِ) أَيْ تَتَشَرَّبُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْوَصِيَّةُ بِبَيْعِهِ، وَهِبَتِهِ) أَيْ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ شِرْبُهُ مِنْ فُلَانٍ أَوْ يُوهَبَ لَهُ أَوْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ. اهـ.

[كتاب الأشربة]

[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشَّرَابُ مَا يُسْكِرُ) يَعْنِي فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُشْرَبُ مِنْ الْمَائِعَاتِ، وَالْأَشْرِبَةِ جَمْعُ شَرَابٍ وَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا مَا حَرُمَ شُرْبُهُ وَكَانَ مُسْكِرًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُحَرَّمُ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ الْخَمْرُ، وَهِيَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ وَحَرُمَ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا) وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَفِي لَفْظٍ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ الْحِنْطَةِ خَمْرًا وَإِنْ مِنْ الشَّعِيرِ خَمْرًا وَمِنْ الزَّبِيبِ خَمْرًا وَمِنْ التَّمْرِ خَمْرًا وَمِنْ الْعَسَلِ خَمْرًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ؛ وَلِأَنَّهَا سُمِّيَتْ خَمْرًا لِمُخَامَرَتِهَا الْعَقْلَ وَالسُّكْرُ يُوجَدُ بِشُرْبِ غَيْرِهَا فَكَانَ خَمْرًا وَلَنَا أَنَّ الْخَمْرَ حَقِيقَةً اسْمٌ لِلنِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ الْمُسْكِرِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُ يُسَمَّى مُثَلَّثًا أَوْ بَاذِقًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَائِهِ وَتَسْمِيَةُ غَيْرِهَا خَمْرًا مَجَازٌ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ أَوْ عَلَى بَيَانِ الْحُكْمِ إنْ ثَبَتَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُعِثَ لَهُ لَا لِبَيَانِ الْحَقَائِقِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا سُمِّيَتْ خَمْرًا لِمُخَامَرَتِهَا الْعَقْلَ بَلْ لِتَخَمُّرِهَا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِالْخَمْرِ لِمُخَامَرَتِهَا الْعَقْلَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يُسَمَّى غَيْرُهَا بِالْخَمْرِ قِيَاسًا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لِإِثْبَاتِ الْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَعَدِّي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبُرْجَ سُمِّيَ بُرْجًا لِتَبَرُّجِهِ، وَهُوَ الظُّهُورُ وَكَذَا النَّجْمُ سُمِّيَ نَجْمًا لِظُهُورِهِ ثُمَّ لَا يُسَمَّى كُلُّ ظَاهِرٍ بُرْجًا وَلَا نَجْمًا وَكَذَا يُقَالُ لِلْفَرَسِ أَبْلَقَ لِأَجْلِ لَوْنٍ مَخْصُوصٍ ثُمَّ لَا يُسَمَّى الثَّوْبُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذَلِكَ اللَّوْنُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ حَدِّ الْخَمْرِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا إذَا اشْتَدَّ صَارَ خَمْرًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ؛ لِأَنَّ اللَّذَّةَ الْمُطْرِبَةَ وَالْقُوَّةَ الْمُسْكِرَةَ تَحْصُلُ بِهِ، وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالصَّدِّ عَنْ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ وَصْفٌ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إحْدَاثِ صِفَةِ السُّكْرِ، وَلَهُ أَنَّ الْغَلَيَانَ بِدَايَةُ الشِّدَّةِ وَكَمَالُهُ بِقَذْفِ الزَّبَدِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَيَّزُ بِهِ الصَّافِي عَنْ الْكَدِرِ وَأَحْكَامُ الشَّرْعِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا قَطْعِيَّةٌ كَالْحَدِّ وَإِكْفَارِ مُسْتَحِلِّهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ فَتُنَاطُ بِالنِّهَايَةِ بِهِ وَقِيلَ يُؤْخَذُ فِي حُرْمَةِ الشُّرْبِ بِمُجَرَّدِ الِاشْتِدَادِ وَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الشَّارِبِ بِقَذْفِ الزَّبَدِ احْتِيَاطًا وَالْكَلَامُ فِيهَا فِي مَوَاضِعَ أَحَدُهَا فِي بَيَانِ مَاهِيَّتِهَا وَالثَّانِي فِي وَقْتِ ثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ لَهَا وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا وَالثَّالِثُ أَنَّ عَيْنَهَا حَرَامٌ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالسُّكْرِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ، فَإِنَّ حُرْمَتَهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى السُّكْرِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ غَيْرُ الْمُسْكِرِ مِنْهَا لَيْسَ بِحَرَامٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَا يَحْصُلُ بِهِ، وَهَذَا كُفْرٌ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ؛ وَلِأَنَّ قَلِيلَهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ، وَهُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْخَمْرِ بِأَنْ تَزْدَادَ اللَّذَّةُ بِاسْتِكْثَارِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَشْرُوبَاتِ وَجَازَ أَنْ تُحَرَّمَ لِأَجْلِ لَذَّتِهَا أَيْضًا بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِمَا فِي التَّلَذُّذِ بِهَا مِنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ الْخَيْرَاتِ وَالتَّشَبُّهِ بِالْمُتْرَفِينَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا، وَهَذَا مُطْلَقٌ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالسُّكْرِ فَيَتَنَاوَلُهَا مُطْلَقًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الَّتِي فِي الْآخِرَةِ غَيْرُ مُسْكِرَةٍ وَالتَّنَعُّمُ بِهَا فِي الدُّنْيَا هُوَ الَّذِي يُوجِبُ حِرْمَانَهَا فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20] وَنَظِيرُهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ، فَإِنَّ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَا يَلْبَسُهُ فِي الْآخِرَةِ لِأَجْلِ التَّنَعُّمِ بِهِ لَا غَيْرُ، وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعَدِّي الْحُكْمَ أَوْ الِاسْمَ إلَى غَيْرِهَا، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِتَحْرِيمِهَا لِذَاتِهَا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» وَلَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ مَعَ النَّصِّ عَلَى عَدَمِ التَّعْلِيلِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ لِتَعْدِيَةِ الِاسْمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالرَّابِعُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً كَالْبَوْلِ لِثُبُوتِ حُرْمَتِهَا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَالْخَامِسُ أَنَّ مُسْتَحِلَّهَا يَكْفُرُ لِإِنْكَارِهِ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ وَالسَّادِسُ سُقُوطُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابُ الْأَشْرِبَةِ} ذَكَرَ كِتَابَ الْأَشْرِبَةِ بَعْدَ الشُّرْبِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الِاشْتِقَاقِ، وَهُوَ اشْتِرَاكُ اللَّفْظَيْنِ فِي الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَالْحُرُوفِ الْأُصُولِ وَلَكِنْ قَدَّمَ الشُّرْبَ؛ لِأَنَّهُ حَلَالٌ وَالْأَشْرِبَةُ فِيهَا حَرَامٌ كَالْخَمْرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَشْرِبَةُ جَمْعُ شَرَابٍ) اسْمٌ لِمَا يُشْرَبُ كَالطَّعَامِ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ أَيْ يُؤْكَلُ، وَإِنَّمَا سَمَّى مُحَمَّدٌ هَذَا الْكِتَابَ كِتَابَ الْأَشْرِبَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِهَا كَمَا سَمَّى كِتَابَ الْحُدُودِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْحُدُودِ وَكَمَا سَمَّى كِتَابَ الْبُيُوعِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ)، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِمُخَامَرَتِهَا الْعَقْلَ) أَيْ لِمُخَالَطَتِهَا الْعَقْلَ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى بَيَانِ الْحُكْمِ) أَيْ، وَهُوَ الْحُرْمَةُ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ بَلْ لِتَخَمُّرِهَا) أَيْ لِكَوْنِهَا خَمْرًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ) وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ اهـ ع (قَوْلُهُ وَالْكَلَامُ فِيهَا فِي مَوَاضِعَ) أَيْ عَشَرَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ أَحَدُهَا فِي بَيَانِ مَاهِيَّتِهَا) وَالْمَائِيَّةُ بِمَعْنَى الْمَاهِيَّةِ وَمَاهِيَّةُ الشَّيْءِ هُوَ هُوَ كَمَاهِيَّةِ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَهُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْخَمْرِ) سَيَجِيءُ فِي آخِرِ الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الطِّلَاءِ أَنَّهُ رَقِيقٌ مُلِذٌّ مُطْرِبٌ يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ اهـ وَعَلَى هَذَا فَفِي قَوْلِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْخَمْرِ نَظَرٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الطِّلَاءُ مُلْحَقٌ بِالْخَمْرِ فِي هَذَا الْمَعْنَى يُرْشِدُ إلَى هَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ فِيمَا سَيَأْتِي وَلَنَا أَنَّهُ كَالْخَمْرِ إلَخْ اهـ

تَقَوُّمِهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ غَاصِبُهَا وَمُتْلِفُهَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا حَرَّمَهَا فَقَدْ أَهَانَهَا وَالتَّقَوُّمُ يُشْعِرُ بِعِزَّتِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ مَالِيَّتِهَا وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مَالٌ؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ تَمِيلُ إلَيْهَا وَتَضِنُّ بِهَا وَالسَّابِعُ حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجِسِ حَرَامٌ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِاجْتِنَابِهَا وَفِي الِانْتِفَاعِ بِهَا اقْتِرَابُهَا وَالثَّامِنُ أَنْ يُحَدَّ شَارِبُهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ مِنْهُ شَيْئًا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَالتَّاسِعُ أَنَّ الطَّبْخَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا لِأَنَّهُ لِلْمَنْعِ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ لَا لِرَفْعِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِيهِ مَا لَمْ يَسْكَرْ مِنْهُ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ فِي النِّيءِ خَاصَّةً لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْمَطْبُوخِ وَالْعَاشِرُ جَوَازُ تَخْلِيلِهَا عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالطِّلَاءُ، وَهُوَ الْعَصِيرُ إنْ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ) وَهُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: الطِّلَاءُ اسْمٌ لِلْمُثَلَّثِ، وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَصَارَ مُسْكِرًا، وَهُوَ الصَّوَابُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ الطِّلَاءِ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ طِلَاءً لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا أَشْبَهُ هَذَا بِطِلَاءِ الْبَعِيرِ وَهُوَ الْقَطْرَانُ الَّذِي يُطْلَى بِهِ الْبَعِيرُ إذَا كَانَ بِهِ جَرَبٌ، وَهُوَ يُشْبِهُهُ، وَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ الَّذِي طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ وَيُسَمَّى الْبَاذَقَ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ الذَّاهِبُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْهِ وَالْمُنَصَّفُ مِنْهُ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ وَبَقِيَ النِّصْفُ وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ عِنْدَنَا إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ، وَإِذَا اشْتَدَّ وَلَمْ يَقْذِفْ بِالزَّبَدِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنَّهُ مُبَاحٌ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوبٌ طَيِّبٌ وَلَيْسَ بِخَمْرٍ وَلَنَا أَنَّهُ كَالْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ مُلِذٌّ مُطْرِبٌ يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ، وَلِهَذَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْفُسَّاقُ فَيَحْرُمُ شُرْبُهُ دَفْعًا لِلْفَسَادِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ كَالْخَمْرِ بِخِلَافِ الْمُثَلَّثِ، فَإِنَّهُ ثَخِينٌ وَلَيْسَ بِرَقِيقٍ فَلَا يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسَّكَرُ، وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ)، وَهُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ سَكَرَتْ الرِّيحُ إذَا سَكَنَتْ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ إذَا اشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ وَقَبْلَهُ حَلَالٌ وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: هُوَ مُبَاحٌ، وَإِنْ قَذَفَ بِالزَّبَدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67] امْتَنَّ عَلَيْنَا بِهِ وَالِامْتِنَانُ لَا يَتَحَقَّقُ بِالْمُحَرَّمِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَتْ الْأَشْرِبَةُ مُبَاحَةً وَقِيلَ أُرِيدَ بِهَا التَّوْبِيخُ مَعْنَاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَتَدْعُونَهُ رِزْقًا حَسَنًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ، وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ)، وَهُوَ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ إذَا اشْتَدَّ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُنْقَعُ لَهُ الزَّبِيبُ فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ إلَى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى الْخَدَمَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ «فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ أَهْرَقَهُ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَأُهْرِيقَ» وَشَرْطُ حُرْمَتِهِ أَنْ يَقْذِفَ بِالزَّبَدِ بَعْدَ الْغَلَيَانِ وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ الْأَوْزَاعِيِّ كَمَا فِي الْبَاذَقِ وَالْوَجْهُ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِيهِ ثُمَّ حُرْمَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ حَتَّى لَا يَكْفُرَ مُسْتَحِلُّهَا، وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِشُرْبِهَا حَتَّى يَسْكَرَ وَنَجَاسَتُهَا خَفِيفَةٌ فِي رِوَايَةٍ، وَيَجُوزُ بَيْعُهَا وَيَضْمَنُ مُتْلِفُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْغَصْبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا إذَا كَانَ الذَّاهِبُ بِالطَّبْخِ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا قَطْعِيَّةٌ فَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا وَيُحَدُّ شَارِبُهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ وَلَوْ قَطْرَةً وَنَجَاسَتُهَا غَلِيظَةٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهَا وَحُرْمَةُ غَيْرِهَا مِنْ الْأَشْرِبَةِ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ فَلَا يَكُونُ مِثْلُهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكُلُّ حَرَامٌ إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَحُرْمَتُهَا دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ) فَلَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهَا وَأَحْكَامَهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحَلَالُ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ نَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إنْ طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ، وَإِنْ اشْتَدَّ إذَا شَرِبَ مَا لَا يُسْكِرُهُ بِلَا لَهْوٍ وَطَرَبٍ وَالْخَلِيطَانِ وَنَبِيذُ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ طُبِخَ أَوَّلًا وَالْمُثَلَّثُ الْعِنَبِيُّ) أَمَّا الْأَوَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَتَّى لَا يَضْمَنَ غَاصِبُهَا وَمُتْلِفُهَا) ثُمَّ هَلْ يُبَاحُ إتْلَافُ الْخَمْرِ نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ مَجْدِ الدِّينِ الشرخلتي أَنَّهُ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الْإِتْلَافُ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَمَا إذَا كَانَتْ عِنْدَ فَاسِقٍ يَشْرَبُهَا غَالِبًا لَوْ تُرِكَتْ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ عِنْدَ صَالِحٍ لَا يُبَاحُ الْإِتْلَافُ، فَإِنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَفِي بَقَائِهَا فَائِدَةٌ، وَهِيَ التَّخْلِيلُ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مَالٌ) وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ لِمَا قُلْنَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَتَضِنُّ بِهَا) مِنْ الضِّنِّ، وَهُوَ مَا تَخْتَصُّهُ وَتَضَنُّ بِهِ أَيْ تَبْخَلُ لِمَكَانِهِ مِنْك وَمَوْقِعِهِ عِنْدَك وَمِنْهُ سَاعَةُ الْجُمُعَةِ فَقُلْت: أَخْبِرْنِي بِهَا وَلَا تَضْنَنْ بِهَا عَلَيَّ أَيْ لَا تَبْخَلْ يُقَالُ ضَنِنْت أَضَنُّ وَضَنِنْت أَضِنُّ. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ، وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ، وَهُوَ مَا إذَا طُبِخَ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ) أَيْ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْمُثَلَّثِ الْعِنَبِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ طِلَاءً إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطِّلَاءُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ الشَّرَابُ الْمَطْبُوخُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ، وَهُوَ الرُّبُّ وَأَصْلُهُ الْقَطِرَانُ الْخَاثِرُ الَّذِي يُطْلَى بِهِ الْإِبِلُ اهـ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَالطِّلَاءُ كُلُّ مَا يُطْلَى بِهِ مِنْ قَطِرَانٍ أَوْ نَحْوِهِ وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ مَا أَشْبَهَ هَذَا بِطِلَاءِ الْإِبِلِ وَيُقَالُ لِكُلِّ مَا خَثَرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ طِلَاءٌ عَلَى التَّشْبِيهِ حَتَّى سُمِّيَ الْمُثَلَّثُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ) أَيْ السَّابِقِ فِي الْخَمْرِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ، وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ) اُنْظُرْ الْهِدَايَةَ وَشَرْحَ الْأَتْقَانِيِّ اهـ (قَوْلُهُ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ إذَا اشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ كَالْخَمْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرِزْقًا حَسَنًا) كَالدِّبْسِ وَالْخَلِّ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ حُرْمَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) أَيْ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الطِّلَاءُ وَالسَّكَرُ وَنَقِيعُ الرُّطَبِ اهـ.

وَهُوَ نَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إنْ طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ، وَهُوَ أَنْ يُطْبَخَ إلَى أَنْ يَنْضَجَ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَنْتَبِذُوا الزَّهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا وَلَا تَنْتَبِذُوا الرُّطَبَ وَالزَّبِيبَ جَمِيعًا لَكِنْ انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَذَكَرَ التَّمْرَ بَدَلَ الرُّطَبِ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَاحٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا فِي الِانْتِبَاذِ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ مَنْ شَرِبَهُ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا أَوْ تَمْرًا فَرْدًا أَوْ بُسْرًا فَرْدًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَقَدْ وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْخَلِيطَيْنِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ كُلُّهَا صِحَاحٌ، وَكُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ يَحِلُّ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمَطْبُوخِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَطْبُوخِ مِنْهُ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ وَالْخَمْرُ يَوْمَئِذٍ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ فَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْمَطْبُوخِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْخَمْرِ؛ فَلِهَذَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْخَمْرِ وَقَدْ وَرَدَ فِي حُرْمَةِ الْمُتَّخَذِ مِنْ التَّمْرِ أَحَادِيثُ كُلُّهَا صِحَاحٌ فَإِذَا حُمِلَ الْمُحَرَّمُ عَلَى النِّيءِ وَالْمُحَلَّلُ عَلَى الْمَطْبُوخِ فَقَدْ حَصَلَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَانْدَفَعَ التَّعَارُضُ، وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ الْخَلِيطَانِ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كُنَّا نَنْتَبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سِقَاءٍ فَنَأْخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ فَنَطْرَحُهُمَا فِيهِ ثُمَّ نَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَنَنْتَبِذُهُ غَدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً وَنَنْتَبِذُهُ عَشِيَّةً فَيَشْرَبُهُ غَدْوَةً» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ زِيَادٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ سَقَانِي ابْنُ عُمَرَ شَرْبَةً مَا كِدْت أَهْتَدِي إلَى أَهْلِي فَغَدَوْت إلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَأَخْبَرْته بِذَلِكَ فَقَالَ مَا زِدْنَاك عَلَى عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَطْبُوخِ؛ لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ حُرْمَةُ نَقِيعِ الزَّبِيبِ النِّيءِ مِنْهُ وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْخَلِيطِ فِيمَا رَوَيْنَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْقَحْطِ وَالْعَوَزِ لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ النِّعْمَتَيْنِ وَجَارُهُ مُحْتَاجٌ بَلْ يُؤْثِرُ بِإِحْدَاهُمَا جَارَهُ وَالْإِبَاحَةُ كَانَتْ فِي حَالَةِ السَّعَةِ وَالْحَمْلُ مَأْثُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَمَّا الثَّالِثُ، وَهُوَ نَبِيذُ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ فَلِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا خَصَّ التَّحْرِيمَ بِهِمَا وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُكْمِ أَيْ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ لَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسَمَّى خَمْرًا حَقِيقَةً وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّبْخُ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ لَا يُفْضِي إلَى كَثِيرِهِ كَيْفَمَا كَانَ، وَأَمَّا الرَّابِعُ، وَهُوَ الْمُثَلَّثُ، وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ وَيَبْقَى الثُّلُثُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ الطِّلَاءِ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ الثُّلُثُ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَلَهُ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: رَأْيُ عُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٍ شُرْبُ الطِّلَاءِ عَلَى الثُّلُثِ، وَشَرِبَ الْبَرَاءُ وَأَبُو جُحَيْفَةَ عَلَى النِّصْفِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ شُرْبِ الطِّلَاءِ إذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ قُلْت إنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّهُ يُسْكِرُ فَقَالَ لَا يُسْكِرُ لَوْ كَانَ يُسْكِرُ لَمَا أَحَلَّهُ عُمَرُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَسَادُ مِنْ الصَّدِّ وَإِلْقَاءِ الْعَدَاوَةِ بِالشُّرْبِ الْقَلِيلِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهَا حُرِّمَتْ لِعَيْنِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا السُّكْرُ؛ وَلِأَنَّ قَلِيلَهَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا كَذَلِكَ الْمُثَلَّثُ؛ لِأَنَّهُ لِغِلَظِهِ لَا يَدْعُو إلَى الْكَثِيرِ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ غِذَاءٌ فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كُلُّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبِتْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا تَنْتَبِذُوا الزَّهْوَ) وَالزَّهْوُ الْمُلَوَّنُ مِنْ الْبُسْرِ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ مُبَاحٌ) أَيْ عَلَى الِانْفِرَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي سِقَايَةٍ) السِّقَايَةُ إنَاءٌ يُشْرَبُ مِنْهُ. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَوْ سُقَاةٍ اهـ يُرَاجَعُ لَفْظُ الْحَدِيثِ فِي ابْنِ مَاجَهْ. اهـ. (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ النِّعْمَتَيْنِ وَجَارُهُ مُحْتَاجٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ النِّعْمَتَيْنِ يَجُوزُ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا تَابِعًا لِلْآخَرِ قَالُوا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالزَّبِيبِ وَالرُّطَبِ وَالرُّطَبِ وَالْبُسْرِ» قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي شَرْحِهِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ كَانَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ شِدَّةٌ وَضِيقٌ فِي أَمْرِ الطَّعَامِ يَعْنِي إنَّمَا نَهَى عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ النِّعْمَتَيْنِ حَتَّى لَا يَشْبَعَ هُوَ وَجَارُهُ جَائِعٌ بَلْ يَأْكُلُ إحْدَاهُمَا وَيُؤْثِرُ بِالْأُخْرَى جَارَهُ ثُمَّ لَمَّا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ النِّعْمَةَ أَبَاحَ الْجَمْعَ بَيْنَ النِّعْمَتَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْجَمْعِ وَالْإِفْرَادِ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَهُ مِثْلُهُ إلَخْ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ أُعْطِيت الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا لَا أُفْتِي بِحُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْسِيقَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَلَوْ أُعْطِيت الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا مَا شَرِبْته؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ، وَهَذَا غَايَةُ تَقْوَاهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَسَادُ مِنْ الصَّدِّ) أَيْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْخَمْرِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] إلَى قَوْلِهِ {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ} [المائدة: 91] الْآيَةَ فَبَيَّنَ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَهِيَ عَنْ الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَاتِّبَاعِ الْعَدَاوَةِ (قَوْلُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) هَذَا إذَا طُبِخَ عَصِيرُ الْعِنَبِ وَأَمَّا إذَا طُبِخَ الْعِنَبُ كَمَا هُوَ فَقَدْ حَكَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَصِيرِ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الزَّبِيبِ حَتَّى لَوْ طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ يَحِلُّ بِمَنْزِلَةِ الزَّبِيبِ اهـ بَدَائِعُ سَيَأْتِي مَعْنَى هَذِهِ الْحَاشِيَةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَحَلَّ الِانْتِبَاذُ فِي الدُّبَّاءِ اهـ

وَهُوَ نَبِيذُ الْعَسَلِ وَكَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَشْرَبُونَهُ فَقَالَ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قُلْت «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي شَرَابَيْنِ كُنَّا نَصْنَعُهُمَا بِالْيَمَنِ الْبِتْعِ، وَهُوَ مِنْ الْعَسَلِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ وَالْمِزْرِ، وَهُوَ مِنْ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ بِخَوَاتِيمِهِ فَقَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ وَفِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مَا لَا يُحْصَى وَلَهُمَا مَا رَوَيْنَا مِنْ إطْلَاقِ الِانْتِبَاذِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَالْخَلِيطِ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْكِرَ هُوَ الْقَدَحُ الْأَخِيرُ حَقِيقَةً فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ إذْ الْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ عِلَّةٍ ذَاتِ أَوْجُهٍ فَتَقْتَصِرُ الْحُرْمَةُ عَلَيْهِ وَنَظِيرُهُ الْإِسْرَافُ فِي الْأَكْلِ فَإِنَّ الزَّائِدَ عَلَى الشِّبَعِ هُوَ الْحَرَامُ لَا غَيْرُ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّقَوِّي دُونَ التَّلَهِّي، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّلَهِّيَ فَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ قَوْلِهِمَا وَعَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ فَإِذَا كَانَ مُبَاحًا عِنْدَهُمَا فَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ، وَإِنْ سَكِرَ مِنْهُ وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ وَذَاهِبِ الْعَقْلِ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحَدُّ إذَا سَكِرَ مِنْهُ وَيَقَعُ طَلَاقُهُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهُوَ سَكْرَانُ مِنْهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا يَقُولُ مَا كَانَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ بَعْدَ مَا بَلَغَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَفْسُدُ فَإِنِّي أَكْرَهُهُ وَكَانَ قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهَذَا الشَّرْطِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَفْسُدُ لَا يَحْمُضُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْسُدَ دَلِيلُ قُوَّتِهِ وَشِدَّتِهِ فَكَانَ آيَةَ حُرْمَتِهِ وَمِثْلُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَاعْتَبَرَ حَقِيقَةَ الشِّدَّةِ كَمَا يَعْتَبِرُهَا أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ذَكَرْنَا فِيمَا يَحْرُمُ شُرْبُهُ أَصْلًا كَالْخَمْرِ وَالثَّلَاثَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَفِيمَا يَحْرُمُ السُّكْرُ مِنْهُ وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى يُحَدَّ مَنْ سَكِرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ وَاللَّبَنِ وَالتِّينِ؛ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ فِي زَمَانِنَا وَيَقْصِدُونَ السُّكْرَ وَاللَّهْوَ بِشُرْبِهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُتَّخَذُ مِنْ لَبَنِ الرِّمَاكِ لَا يَحِلُّ اعْتِبَارًا بِلَحْمِهِ إذْ هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحِلُّ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ كَرَاهِيَةَ لَحْمِهِ لِاحْتِرَامِهِ أَوْ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى قَطْعِ مَادَّةِ الْجِهَادِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى لَبَنِهِ وَالْمُثَلَّثُ إذَا صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَطُبِخَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُثَلَّثِ؛ لِأَنَّ صَبَّ الْمَاءِ فِيهِ لَا يَزِيدُهُ إلَّا ضَعْفًا بِخِلَافِ مَا إذَا صُبَّ الْمَاءُ عَلَى الْعَصِيرِ ثُمَّ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَا ثُلُثَا الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَذْهَبُ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ أَوْ يَذْهَبُ مِنْهُمَا وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا ذَهَبَ أَكْثَرُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الذَّاهِبُ مِنْ الْعَصِيرِ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثَيْهِ وَلَوْ طُبِخَ الْعِنَبُ قَبْلَ الْعَصْرِ اكْتَفَى بِأَدْنَى طَبْخَةٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَحِلُّ مَا لَا يَذْهَبُ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ مَوْجُودٌ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ طُبِخَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّبِيبِ فَطَبَخَ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ؛ لِأَنَّ التَّمْرَ أَوْ الزَّبِيبَ إنْ كَانَ يُكْتَفَى فِيهِ بِأَدْنَى طَبْخَةٍ فَعَصِيرُ الْعِنَبِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ فَيُعْتَبَرُ جَانِبُ الْعِنَبِ احْتِيَاطًا لِلْحُرْمَةِ وَكَذَا إذَا جُمِعَ بَيْنَ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَقِيعِ التَّمْرِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ طُبِخَ نَقِيعُ التَّمْرِ أَوْ نَقِيعُ الزَّبِيبِ أَدْنَى طَبْخَةٍ ثُمَّ نُقِعَ فِيهِ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ إنْ كَانَ مَا نُقِعَ فِيهِ شَيْئًا يَسِيرًا لَا يُتَّخَذُ النَّبِيذُ مِنْ مِثْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ يُتَّخَذُ النَّبِيذُ مِنْ مِثْلِهِ لَا يَحِلُّ كَمَا إذَا صُبَّ فِي الْمَطْبُوخِ قَدَحٌ مِنْ نَقِيعٍ وَالْمَعْنَى تَغْلِيبُ جِهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الْبِتْعُ) الْبِتْعُ بِكَسْرِ الْبَاءِ شَرَابٌ مُسْكِرٌ يُتَّخَذُ مِنْ الْعَسَلِ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ) وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَوْ شَرِبَ تِسْعَةَ أَقْدَاحٍ مِنْ النَّبِيذِ وَلَمْ يَسْكَرْ فَأَوْجَرَ الْعَاشِرَ وَسَكِرَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ أَوْجَرَ التِّسْعَةَ وَشَرِبَ الْعَاشِرَ بِاخْتِيَارِهِ وَسَكِرَ حُدَّ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّقَوِّي) عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ أَوْ اسْتِمْرَاءَ الطَّعَامِ أَوْ التَّدَاوِيَ فَأَمَّا السُّكْرُ مِنْهُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ) أَيْ لِتَعَارُضِ الْآثَارِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَهِيَ الْخَمْرُ وَالسَّكَرُ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ وَالْعَصِيرُ الَّذِي ذَهَبَ بِالطَّبْخِ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى هَذَا الْعُمُومِ فِي الْبَيَانِ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي هَذَا الْكِتَابِ ثُمَّ قَالَ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ، وَإِنْ سَكِرَ مِنْهُ فِي قَوْلِهِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ يَجِبُ الْحَدُّ بِالسُّكْرِ مِنْهُ وَكَذَلِكَ السَّكْرَانُ مِنْهُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَقَعْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ طَلَاقِ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ بِمَنْزِلَةِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ هِشَامٌ وَكَانَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبِهِ مِمَّا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ أَكْثَرُ مِنْ مِقْدَارِ الدِّرْهَمِ أَعَادَ الصَّلَاةَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَهَذَا أَجْوَدُ وَكَذَلِكَ كَانَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي عِمْرَانَ اهـ (قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ) كَذَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَالنَّوَازِلِ وَغَيْرِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحِلُّ عِنْدَهُ) وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالُوا هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ شَارِبُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَحِلُّ) فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ قَالَ فِي الشَّامِلِ، فَأَمَّا الْعِنَبُ إذَا طُبِخَ فَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ عَصِيرٌ لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ يَحِلُّ بِأَدْنَى طَبْخَةٍ كَطَبِيخِ الزَّبِيبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - {فَرْعٌ} قَالَ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَخْلِطُ الْخَمْرَ بِعَيْنِهَا مَعَ النَّبِيذِ ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْهُ جَمِيعًا وَلَا يَسْكَرُ أَيَجِبُ الْحَدُّ

الْحُرْمَةِ وَلَا حَدَّ فِي شُرْبِهِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِلِاحْتِيَاطِ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْحَدِّ فِي دَرْئِهِ وَلَوْ طُبِخَ الْخَمْرُ أَوْ غَيْرُهُ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَدْ تَقَرَّرَتْ فَلَا تَرْتَفِعُ بِالطَّبْخِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ الِانْتِبَاذُ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَشْرِبَةِ فِي ظُرُوفِ الْأُدْمِ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا، وَفِي رِوَايَةٍ «نَهَيْتُكُمْ عَنْ الظُّرُوفِ وَإِنَّ ظَرْفًا لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَكَانَ الِانْتِبَاذُ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ حَرَامًا قَالَ ابْنُ عُمَرَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَنْتَمَةِ، وَهِيَ الْجَرَّةُ وَنَهَى عَنْ الدُّبَّاءِ، وَهِيَ الْقَرْعَةُ وَنَهَى عَنْ النَّقِيرِ، وَهِيَ أَصْلُ النَّخْلِ يُنْقَرُ نَقْرًا أَوْ يُنْسَجُ نَسْجًا وَنَهَى عَنْ الْمُزَفَّتِ وَهِيَ الْقِيرُ» الْحَدِيثَ ثُمَّ نُسِخَ بِمَا رَوَيْنَا وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَنْتَمُ الْجِرَارُ الْخُضْرُ وَفَسَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّقِيرَ بِالْجِذْعِ يُنْقَرُ وَسَطُهُ وَقِيلَ الْحَنْتَمُ الْجِرَارُ الْحُمْرُ ثُمَّ إنْ انْتَبَذَ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْخَمْرِ فَلَا إشْكَالَ فِي حِلِّهِ وَطَهَارَتِهِ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَ فِيهَا الْخَمْرَ ثُمَّ انْتَبَذَ فِيهَا يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْوِعَاءُ عَتِيقًا يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا لَا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِتَشَرُّبِ الْخَمْرِ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَتِيقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ غَسْلِ مَا لَا يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ، وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْلَأُ مَاءً مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى إذَا خَرَجَ الْمَاءُ صَافِيًا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رَائِحَةً حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخَلُّ الْخَمْرِ سَوَاءٌ خُلِّلَتْ أَوْ تَخَلَّلَتْ) أَيْ حَلَّ خَلُّ الْخَمْرِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ تَخَلَّلَتْ هِيَ أَوْ خُلِّلَتْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ خَلَّلَهَا بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهَا كَالْمِلْحِ وَالْخَلِّ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ الْخَلُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهَا بِأَنْ كَانَ بِالنَّقْلِ مِنْ الظِّلِّ إلَى الشَّمْسِ أَوْ إيقَادِ النَّارِ بِالْقُرْبِ مِنْهَا فَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ الْفِعْلُ، وَإِنْ صَارَ بِذَلِكَ خَلًّا فَلَهُ فِيهِ قَوْلَانِ لَهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلًّا فَقَالَ لَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ «سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ أَهْرِقُوهَا قَالَ أَفَلَا نَجْعَلُهَا خَلًّا قَالَ لَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّا أُمِرْنَا بِاجْتِنَابِ الْخَمْرِ وَفِي التَّخْلِيلِ اقْتِرَابٌ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ التَّمَوُّلِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُضَادُّ النَّهْيَ؛ وَلِأَنَّ مَا يُلْقَى فِي الْخَمْرِ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ وَمَا يَكُونُ نَجِسًا لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ تَنَجُّسُ شَيْءٍ بِالْمُلَاقَاةِ وَالِاقْتِرَابُ حَرَامٌ، وَهُوَ نَظِيرُ قَتْلِ الْمُوَرِّثِ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ الْإِرْثَ لِمُبَاشَرَتِهِ الْحَرَامَ، وَإِنْ مَاتَ بِنَفْسِهِ وَرِثَهُ وَكَذَا صَيْدُ الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ لَهُ إذَا أَخْرَجَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَيْهِ، وَإِنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ حَلَّ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ» مُطْلَقًا فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ صُوَرِهَا؛ وَلِأَنَّ بِالتَّخْلِيلِ إزَالَةَ الْوَصْفِ الْمُفْسِدِ وَإِثْبَاتَ صِفَةِ الصَّلَاحِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ تَسْكِينُ الصَّفْرَاءِ وَكَسْرُ الشَّهْوَةِ وَالتَّغَذِّي بِهِ وَالْإِصْلَاحُ مُبَاحٌ كَالدِّبَاغِ، وَكَذَا الصَّالِحُ لِمَصَالِحَ مُبَاحٌ وَالِاقْتِرَابُ لِإِعْدَامِ الْفَسَادِ فَأَشْبَهَ الْإِرَاقَةَ وَالتَّخْلِيلُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إحْرَازِ مَالٍ يَصِيرُ حَلَالًا فِي الْمَآلِ فَيَخْتَارُهُ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ بِمَا رُوِيَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْخَمْرُ اسْتِعْمَالَ الْخَلِّ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا انْتِفَاعَهُ كَالِائْتِدَامِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ تَحْلِيلِ الْحَرَامِ وَتَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَأَنْ يُتَّخَذَ الدَّوَابُّ كَرَاسِيَّ» وَالْمُرَادُ الِاسْتِعْمَالُ وَفِي التَّنْزِيلِ {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] قَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ مَا عَبَدْنَاهُمْ قَطُّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَيْسَ كَانُوا يَأْمُرُونَ وَيَنْهَوْنَ وَتُطِيعُونَهُمْ قَالَ نَعَمْ قَالَ هُوَ ذَلِكَ» فَقَدْ فَسَّرَ الِاتِّخَاذَ بِالِاسْتِعْمَالِ أَوْ نَقُولُ لَيْسَ فِيمَا رُوِيَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ لَا تَطْهُرُ بِالتَّخْلِيلِ وَلَا لَهُ تَعَرُّضٌ لِذَلِكَ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْفِعْلِ، وَهُوَ التَّخْلِيلُ لَا غَيْرُ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ حُصُولَ الطَّهَارَةِ إذَا وُجِدَ أَلَا تَرَى أَنَّا نُهِينَا عَنْ التَّوَضُّؤِ بِمَاءٍ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ بِدُونِ رِضَاهُ وَعَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ ثُمَّ إذَا فُعِلَ ذَلِكَ تَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ وَكَذَا الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْبَيْعُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ثُمَّ إذَا فُعِلَ ذَلِكَ يُفِيدُ حُكْمُهُ مَعَ حُرْمَتِهِ وَتَنَجُّسُ الشَّيْءِ الْمُلْقَى فِيهَا لِلْمُجَاوَرَةِ فَإِذَا صَارَتْ هِيَ خَلًّا طَهُرَتْ بِالِاسْتِحَالَةِ وَلَمْ يَبْقَ مُجَاوِرًا لِلنَّجَاسَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ ظَرْفَهَا طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ تَنَجُّسَهُ بِنَجَاسَتِهَا فَإِذَا طَهُرَ بِالتَّخْلِيلِ جَمِيعُ أَجْزَائِهَا لَمْ يُوجَدْ الْمُنَجِّسُ وَلَيْسَ فِيهِ تَصَرُّفٌ فِي الْخَمْرِ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ بَلْ هُوَ إتْلَافٌ لِصِفَةِ الْخَمْرِيَّةِ وَلَا كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا خُلِطَ بِالْمَاءِ إنْ كَانَ الْخَمْرُ غَالِبًا وَجَبَ الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيذُ غَالِبًا لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَسْكَرْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَكَانَ الِانْتِبَاذُ إلَخْ) قَالُوا، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ عَلَى الْخُصُوصِ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِذَةَ تَشْتَدُّ فِي هَذِهِ الظُّرُوفِ أَكْثَرَ مِمَّا تَشْتَدُّ فِي غَيْرِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَنَهَى عَنْ الدُّبَّاءِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالدُّبَّاءُ الْقَرْعُ جَمْعُ دُبَّاءَةٍ اهـ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ، وَهُوَ الْقَرْعُ اهـ. (قَوْلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ إلَخْ) فِي طَرِيقِهِ السُّدِّيَّ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ بِمَا رُوِيَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ فَنَقُولُ إنَّمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِرَاقَةِ قَلْعًا وَقَمْعًا لَهُمْ عَنْ أَنْ يَحُومُوا حَوْلَ الْخُمُورِ وَيَعْتَادُوا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لَمْ يَأْمَنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنْ يَشْرَبُوهَا إذَا لَمْ يُرِيقُوهَا فَأَمَرَ بِالْإِرَاقَةِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ كَمَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ ثُمَّ لَمَّا حَصَلَ لَهُمْ الْفِطَامُ عَنْ الْمُسْكِرَاتِ رَخَّصَ لَهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَوْعِيَةِ اهـ

[فصل في طبخ العصير]

إخْرَاجُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَقَتْلُ الْمُوَرِّثِ فَافْتَرَقَا ثُمَّ إذَا صَارَتْ الْخَمْرُ خَلًّا يَطْهُرُ مَا يُوَازِيهَا مِنْ الْإِنَاءِ، فَأَمَّا أَعْلَاهُ، وَهُوَ الَّذِي انْتَقَصَ مِنْهُ الْخَمْرُ فَقَدْ قِيلَ يَطْهُرُ تَبَعًا وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ تَنَجَّسَ بِإِصَابَةِ الْخَمْرِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ طَهَارَتَهُ فَيَبْقَى نَجِسًا عَلَى مَا كَانَ وَلَوْ غَسَلَ بِالْخَلِّ فَتَخَلَّلَ مِنْ سَاعَتِهِ طَهُرَ لِلِاسْتِحَالَةِ، وَكَذَا إذَا صُبَّ مِنْهُ الْخَمْرُ ثُمَّ مُلِئَ خَلًّا يَطْهُرُ فِي الْحَالِ لِمَا قُلْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَالِامْتِشَاطُ بِهِ)؛ لِأَنَّ فِيهِ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ فَكَانَ حَرَامًا نَجِسًا وَالِانْتِفَاعُ بِمِثْلِهِ حَرَامٌ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُدَاوِيَ بِهِ جُرْحًا وَلَا أَنْ يَسْقِيَ ذِمِّيًّا وَلَا صَبِيًّا وَالْوَبَالُ لِمَنْ سَقَاهُ وَكَذَا لَا يَسْقِيهَا الدَّوَابَّ وَقِيلَ لَا تُحْمَلُ الْخَمْرُ إلَيْهَا أَمَّا إذَا قِيدَتْ إلَى الْخَمْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الْكَلْبِ وَالْمَيْتَةِ وَلَوْ أُلْقِيَ الدُّرْدِيُّ فِي الْخَلِّ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ خَلًّا لَكِنْ يُبَاحُ حَمْلُ الْخَلِّ إلَيْهِ دُونَ عَكْسِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ) أَيْ شَارِبُ الدُّرْدِيِّ (إلَّا إذَا سَكِرَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحَدُّ شَارِبُهُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ مِنْ الْخَمْرِ وَفِي الدُّرْدِيِّ قَطَرَاتٌ مِنْهَا، وَلَنَا أَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ لِلزَّجْرِ وَالزَّاجِرُ يُشْرَعُ فِيمَا تَمِيلُ الطِّبَاعُ إلَيْهِ وَلَا تَمِيلُ الطِّبَاعُ إلَى شُرْبِ الدُّرْدِيِّ بَلْ تَعَافُهُ وَتَنْفِرُ مِنْهُ فَكَانَ نَاقِصًا فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَلَا حَدَّ فِيهَا إلَّا بِالسُّكْرِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَمِيلُ إلَيْهَا وَقَلِيلُهَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا وَلَا كَذَلِكَ الدُّرْدِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الثُّفْلُ فَأَشْبَهَ غَالِبَ الْمَاءِ، وَلَوْ جُعِلَتْ الْخَمْرُ فِي مَرَقَةٍ فَطُبِخَتْ لَا تُؤْكَلُ لِلتَّنَجُّسِ وَالطَّبْخُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْخَمْرِ وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ لَا يُحَدُّ إلَّا إذَا سَكِرَ لِغَلَبَةِ غَيْرِهَا عَلَيْهَا أَوْ لِكَوْنِهَا مَطْبُوخَةً وَكَذَا إذَا عُجِنَ الدَّقِيقُ بِهَا وَيُكْرَهُ الِاحْتِقَانُ بِالْخَمْرِ وَإِقْطَارُهَا فِي الْإِحْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالنَّجِسِ الْمُحَرَّمِ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ لِعَدَمِ الشُّرْبِ، وَهُوَ السَّبَبُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الِاسْتِشْفَاءَ بِالْحَرَامِ جَائِزٌ إذَا عُلِمَ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً، وَلَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ آخَرُ غَيْرُهُ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ. {فَصْلٌ فِي طَبْخِ الْعَصِيرِ} الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا ذَهَبَ بِغَلَيَانِهِ بِالنَّارِ وَقَذْفِهِ بِالزَّبَدِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ حَتَّى يُعْتَبَرَ ذَهَابُ ثُلُثَيْ مَا بَقِيَ فَيَحِلُّ الثُّلُثُ الْبَاقِي بَعْدَهُ وَلَوْ صُبَّ فِيهِ الْمَاءُ قَبْلَ الطَّبْخِ ثُمَّ طُبِخَ بِمَائِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَاءُ أَسْرَعَ ذَهَابًا لِلَطَافَتِهِ وَرِقَّتِهِ يُعْتَبَرُ ذَهَابُ ثُلُثَيْ الْعَصِيرِ بَعْدَ ذَهَابِ الْمَاءِ الَّذِي صُبَّ فِيهِ كُلِّهِ وَبَعْدَ ذَهَابِ الزَّبَدِ فَيَحِلُّ الثُّلُثُ الْبَاقِي مِنْ الْعَصِيرِ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَاءُ وَالزَّبَدُ وَالْبَاقِي هُوَ الْعَصِيرُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَهَابِ ثُلُثَيْهِ، وَإِنْ كَانَا يَذْهَبَانِ مَعًا فَيُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا الْمَجْمُوعِ بَعْدَ ذَهَابِ الزَّبَدِ فَيَحِلُّ الثُّلُثُ الْبَاقِي بِذَهَابِ الثُّلُثَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ، وَهُوَ الَّذِي انْتَقَصَ مِنْ الْخَمْرِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْحَاكِمِ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَوَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إنَّ مَا يُوَازِي الْإِنَاءَ مِنْ الْخَلِّ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ مَا يُوَازِي الْخَلَّ مِنْ الْإِنَاءِ فِيهِ أَجْزَاءُ الْخَلِّ وَأَنَّهُ طَاهِرٌ، وَأَمَّا أَعْلَى الْحُبِّ الَّذِي انْتَقَصَ مِنْ الْخَمْرِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ خَلًّا، فَإِنَّهُ يَكُونُ نَجِسًا؛ لِأَنَّ مَا يُدَاخِلُ أَجْزَاءَ الْحُبِّ مِنْ الْخَمْرِ لَمْ يَصِرْ خَلًّا بَلْ يَبْقَى فِيهِ كَذَلِكَ خَمْرًا فَيَكُونُ نَجِسًا فَيَجِبُ أَنْ يُغْسَلَ أَعْلَاهُ بِالْخَلِّ حَتَّى يَطْهُرَ الْكُلُّ؛ لِأَنَّ غَسْلَ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِمَا سِوَى الْخَمْرِ مِنْ الْمَائِعَاتِ الَّتِي تُزِيلُ النَّجَاسَةَ جَائِزٌ عِنْدَنَا فَإِذَا غَسَلَ أَعْلَى الْحُبِّ بِالْخَلِّ صَارَ مَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْخَمْرِ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهِ فَيَطْهُرُ الْحُبُّ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَفْعَلْ هَكَذَا حَتَّى مُلِئَ مِنْ الْعَصِيرِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ الْعَصِيرَ وَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِأَنَّهُ عَصِيرٌ خَالَطَهُ خَمْرٌ إلَّا أَنْ يَصِيرَ خَلًّا كَذَا قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُرِهَ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَالِامْتِشَاطُ بِهِ) الِامْتِشَاطُ بِهِ يَصْنَعُهُ بَعْضُ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي بَرِيقِ الشَّعْرِ وَكَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَنْهَى النِّسَاءَ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ. اهـ. رَازِيٌّ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا خَصَّ الِامْتِشَاطَ بِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي تَحْسِينِ الشَّعْرِ وَدُرْدِيُّ الزَّيْتِ وَغَيْرِهِ ثُفْلُهُ، وَهُوَ مَا يَبْقَى فِي أَسْفَلِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَكْرَهُ دُرْدِيَّ الْخَمْرِ أَنْ تَمْتَشِطَ بِهِ الْمَرْأَةُ. اهـ. صَلَاةٌ جَلَبِي (قَوْلُهُ وَلَا أَنْ يَسْقِيَ ذِمِّيًّا) قَالَ فِي الْأَصْلِ أَفَتَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْقِيَ الذِّمِّيَّ خَمْرًا أَوْ مُسْكِرًا؟ قَالَ نَعَمْ؛ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ مِنْ الْمُسْلِمِ فِي الْخَمْرِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّطْهِيرِ فَلَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا أَفَتَكْرَهُ أَنْ يَسْقِيَ الدَّوَابَّ الْخَمْرَ قَالَ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْخَمْرِ، وَهُوَ حَرَامٌ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا حَمَلَ الْخَمْرَ إلَى الدَّوَابِّ فَإِذَا حَمَلَ الدَّوَابَّ إلَى الْخَمْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ قِيَاسًا عَلَى الْمَيْتَةِ تُحْمَلُ إلَى الْكِلَابِ يُكْرَهُ وَإِذَا دُعِيَتْ الْكِلَابُ إلَيْهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يَسْقِيهَا الدَّوَابَّ) كَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يَحْكِي عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْإِنْسَانِ النَّظَرُ إلَى الْخَمْرِ عَلَى وَجْهِ التَّلَهِّي وَلَا أَنْ يَبُلَّ بِهَا الطِّينَ وَلَا أَنْ يَسْقِيَهَا لِلْحَيَوَانِ وَكَذَلِكَ الْمَيْتَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَهَا كِلَابَهُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ انْتِفَاعًا وَاَللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ ذَلِكَ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا مُعَلَّقًا بِأَعْيَانِهَا وَسُئِلَ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الزَّيْتِ تَمُوتُ فِيهِ الْفَأْرَةُ وَبَيْنَ الْخَمْرِ فِي جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالزَّيْتِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْأَكْلِ وَامْتِنَاعِ الِانْتِفَاعِ بِالْخَمْرِ مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ فَكَانَ يَحْتَجُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْخَمْرَ مُحَرَّمَةُ الْعَيْنِ وَأَنَّ الزَّيْتَ غَيْرُ مُحَرَّمِ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ أَكْلَهُ لِمُجَاوَرَتِهِ الْمَيْتَةَ. اهـ. شَامِلٌ شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ (قَوْلُهُ لَكِنْ يُبَاحُ حَمْلُ الْخَلِّ إلَيْهِ دُونَ عَكْسِهِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ قَالُوا يَجِبُ أَنْ تُحْمَلَ الْخَلُّ إلَى الْخَمْرِ وَلَا تُحْمَلُ الْخَمْرُ إلَى الْخَلِّ كَيْ لَا يَصِيرَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالُوا فِي الْمَيْتَةِ أَنْ تَدْعُوَ الْكِلَابَ إلَى الْمَيْتَةِ وَلَا تَحْمِلَ الْمَيْتَةَ إلَى الْكِلَابِ وَكَذَلِكَ قَالُوا فِيمَنْ لَهُ أَبٌ نَصْرَانِيٌّ أَعْمَى، وَهُوَ مُسْلِمٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقُودَهُ مِنْ الْبِيعَةِ إلَى الْمَنْزِلِ وَلَا يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَقُودَهُ مِنْ الْمَنْزِلِ إلَى الْبِيعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُحَدُّ شَارِبُهُ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ ع (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الِاسْتِشْفَاءَ بِالْحَرَامِ جَائِزٌ إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي الْكَرَاهِيَةِ مَا يُخَالِفُهُ اهـ. [فَصْلٌ فِي طَبْخِ الْعَصِيرِ] (قَوْلُهُ فَصْلٌ فِي طَبْخِ الْعَصِيرِ) يُنْظَرُ فِي الْمُحِيطِ اهـ

[كتاب الصيد]

وَبَقَاءُ الثُّلُثِ مَاءً وَعَصِيرًا، وَلَوْ طُبِخَ الْعَصِيرُ فَذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ أُهْرِيقَ بَعْضُهُ لَا يَحِلُّ الْبَاقِي حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ، وَطُرُقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ تَأْخُذَ ثُلُثَ الْجَمِيعِ فَتَضْرِبَهُ فِي الْبَاقِي بَعْدَ الْأَنْصَاب ثُمَّ تَقْسِمَ الْخَارِجَ مِنْ الضَّرْبِ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَهَابِ مَا ذَهَبَ بِالطَّبْخِ قَبْلَ أَنْ يَنْصَبَّ مِنْهُ شَيْءٌ فَمَا أَصَابَ الْوَاحِدَ بِالْقِسْمَةِ فَذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الْحَلَالُ فَيُطْبَخُ الْبَاقِي إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُهُ فَيَحِلُّ، مِثَالُهُ اثْنَا عَشَرَ رِطْلًا مِنْ الْعَصِيرِ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ ثُمَّ أُهْرِيقَ رِطْلَانِ يَأْخُذُ ثُلُثَ الْعَصِيرِ كُلَّهُ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَيَضْرِبُهُ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ الِانْصِبَابِ، وَهُوَ سِتَّةٌ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَيَقْسِمُهُ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَهَابِ مَا ذَهَبَ مِنْهُ بِالطَّبْخِ قَبْلَ أَنْ يُهْرَاقَ مِنْهُ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَيُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الْحَلَالُ فَيُطْبَخُ الْبَاقِي إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُهُ فَيَحِلُّ، وَإِنْ شِئْت قَسَمْت مَا ذَهَبَ بِالطَّبْخِ عَلَى الْمُنْصَبِّ وَعَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ الِانْصِبَابِ فَمَا أَصَابَ الْمُنْصَبُّ يُجْعَلُ مَعَ الْمُنْصَبِّ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَكَأَنَّ جَمِيعَ الْعَصِيرِ هُوَ الْبَاقِي وَمَا أَصَابَهُ مِنْ الذَّاهِبِ بِالطَّبْخِ وَقَدْ ذَهَبَ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ فَيُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ شِئْت قُلْت إنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الطَّبْخِ قَبْلَ الِانْصِبَابِ بَعْضُهُ حَلَالٌ، وَهُوَ قَدْرُ ثُلُثِ الْجَمِيعِ فَإِذَا أُهْرِيقَ بَعْضُهُ أُهْرِيقَ مِنْ الْحَلَالِ بِحِسَابِهِ فَيُطْبَخُ الْبَاقِي حَتَّى يَبْقَى قَدْرُ مَا فِيهِ مِنْ الْحَلَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {كِتَابُ الصَّيْدِ} قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ الِاصْطِيَادُ) أَيْ الصَّيْدُ هُوَ الِاصْطِيَادُ فِي اللُّغَةِ يُقَالُ صَادَ يَصِيدُ صَيْدًا وَسُمِّيَ بِهِ الْمَصِيدُ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ فَصَارَ اسْمًا لِكُلِّ حَيَوَانٍ مُتَوَحِّشٍ مُمْتَنِعٍ عَنْ الْآدَمِيِّ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ وَالِاصْطِيَادُ مُبَاحٌ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ وَكَذَا الْمَصِيدُ إنْ كَانَ مَأْكُولًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْك فَأَدْرَكْته حَيًّا فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْته قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ وَانْتِفَاعٍ بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لِذَلِكَ فَكَانَ مُبَاحًا كَالِاحْتِطَابِ لِيَتَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ مِنْ إقَامَةِ التَّكَالِيفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَحِلُّ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ) أَيْ يَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجَوَارِحِ كَالشَّاهِينَ وَالْبَاشِقِ وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَّمْته مِنْ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ وَلَا خَيْرَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُدْرِكَ ذَكَاتَهُ فَتُذَكِّيهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] أَيْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الطَّيِّبَاتِ وَالْجَوَارِحُ الْكَوَاسِبُ وَالْجَرْحُ الْكَسْبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60] أَيْ كَسَبْتُمْ، وَقِيلَ هِيَ أَنْ تَكُونَ جَارِحَةً بِنَابِهَا وَمِخْلَبِهَا حَقِيقَةً وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ فَتُشْتَرَطُ الْجِرَاحَةُ حَقِيقَةً عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الْجُرْحِ مِنْ الْكَوَاسِبِ عَمَلًا بِالْمُتَيَقَّنِ بِهِ، وَالْمُكَلَّبُ الْمُعَلَّمُ مِنْ الْكِلَابِ وَمُؤَدِّبُهَا ثُمَّ عَمَّ فِي كُلِّ مَا أُدِّبَ جَارِحَةً بَهِيمَةً كَانَتْ أَوْ طَائِرًا وَمَعْنَى قَوْلِهِ مُكَلِّبِينَ مُعَلَّمِينَ الِاصْطِيَادَ تُعَلِّمُونَهُنَّ تُؤَدِّبُوهُنَّ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا عُلِّمَ مِنْ الْجَوَارِحِ دَلَّ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكَلْبِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ سَبُعٍ حَتَّى الْأَسَدِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْأَسَدَ وَالدُّبَّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ لِغَيْرِهِمَا الْأَسَدُ لِعُلُوِّ هِمَّتِهِ وَالدُّبُّ لِخَسَاسَتِهِ كَذَا ذَكَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَبَقَاءُ الثُّلُثِ مَاءً وَعَصِيرًا)؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ ثُلُثَاهُ مَاءٌ وَثُلُثُهُ عَصِيرٌ وَقَدْ رَدَّ الْعَصِيرَ إلَى الثُّلُثِ فَحَلَّ. اهـ. (قَوْلُهُ قَبْلَ الِانْصِبَابِ)، وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ قَدْرُ ثُلُثِ الْجَمِيعِ) أَيْ أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا أُهْرِيقَ بَعْضُهُ) أَيْ بَعْضُ الْبَاقِي، وَهُوَ رُبْعُهُ رِطْلَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ أُهْرِيقَ مِنْ الْحَلَالِ بِحِسَابِهِ) أَيْ، وَهُوَ رُبْعُهُ وَاحِدٌ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى يَبْقَى قَدْرُ مَا فِيهِ مِنْ الْحَلَالِ) أَيْ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ اهـ. [كِتَابُ الصَّيْدِ] {كِتَابُ الصَّيْدِ} ثُمَّ الِاصْطِيَادُ لَا يَقَعُ إلَّا بِآلَةٍ وَالْآلَةُ تَنْقَسِمُ عَلَى قِسْمَيْنِ حَيَوَانٌ وَجَمَادٌ فَالْجَمَادُ مِثْلُ السَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالشَّبَكَةِ وَالْمِعْرَاضِ وَالنُّشَّابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَالْحَيَوَانُ مِثْلُ الْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالْفَهْدِ وَالْكَلْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ) وَالِاصْطِيَادُ مُبَاحٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ فَمَا حَلَّ أَكْلُهُ فَصَيْدُهُ لِلْأَكْلِ وَمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَصَيْدُهُ لِغَرَضٍ آخَرَ إمَّا الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ لِدَفْعِ أَذِيَّتِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِيَتَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ مِنْ إقَامَةِ التَّكَالِيفِ) أَيْ مِنْ إقَامَةِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ اهـ. [الِاصْطِيَاد بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّم وَالْفَهْد وَالْبَازِي] (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اسْتَثْنَى إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ: فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّيْدِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ قَالَ هِشَامٌ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ صَيْدِ ابْنِ الْعِرْسِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ إذَا عُلِّمَ فَتَعَلَّمَ فَكُلْ مَا صَادَ قَالَ مُحَمَّدٌ: مَا كَانَ لَهُ مِخْلَبٌ أَوْ نَابٌ فَصَيْدُهُ يُؤْكَلُ يَعْنِي إذَا عُلِّمَ قَالَ هِشَامٌ: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ الذِّئْبِ إذَا عُلِّمَ فَصَادَ فَقَالَ هَذَا أَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ فَإِنْ كَانَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ قَالُوا فِي الْأَسَدِ وَالذِّئْبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصَّيْدُ بِهِمَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِمَعْنًى يَعُودُ إلَى عَيْنِهِمَا إنَّمَا هُوَ لِفَقْدِ التَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ مِنْ عَادَتِهِمَا أَنْ يَمْسِكَا صَيْدَهُمَا وَلَا يَأْكُلَاهُ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى التَّعْلِيمِ بِتَرْكِ الْأَكْلِ فَإِنْ تُصُوِّرَ التَّعْلِيمُ فِيهِمَا جَازَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ الذِّئْبَ بَدَلَ الدُّبِّ وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَلَّمَانِ عَادَةً؛ وَلِأَنَّ التَّعْلِيمَ يُعْرَفُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ وَهُمَا لَا يَأْكُلَانِ الصَّيْدَ فِي الْحَالِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِتَرْكِ الْأَكْلِ عَلَى التَّعَلُّمِ حَتَّى لَوْ تُصَوِّرَ التَّعَلُّمُ مِنْهُمَا وَعُرِفَ ذَلِكَ جَازَ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ الْحِدَأَةَ بِهِمَا لِخَسَاسَتِهَا وَالْخِنْزِيرَ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْلِيمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ} [المائدة: 4] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي ثَعْلَبَةَ «مَا صِدْت بِكَلْبِك الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَمَا صِدْت بِكَلْبِك غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْت ذَكَاتَهُ فَكُلْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَكَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرْسِلُ أَهْلًا لِلذَّكَاةِ بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا، وَهُوَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الذَّبَائِحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَذَا بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثًا فِي الْكَلْبِ وَبِالرُّجُوعِ إذَا دَعَوْته فِي الْبَازِي) أَيْ التَّعْلِيمُ فِي الْكَلْبِ يَكُونُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِي الْبَازِي بِالرُّجُوعِ إذَا دُعِيَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ وَلِأَنَّ بَدَنَ الْكَلْبِ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ فَيُمْكِنُ ضَرْبُهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْأَكْلَ وَبَدَنُ الْبَازِي لَا يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ فَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ هَذَا الشَّرْطِ فِيهِ فَاكْتَفَى بِغَيْرِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّعَلُّمِ؛ وَلِأَنَّ آيَةَ التَّعَلُّمِ تَرْكُ مَا هُوَ مَأْلُوفُهُ عَادَةً وَعَادَةُ الْبَازِي التَّوَحُّشُ وَالِاسْتِنْفَارُ وَعَادَةُ الْكَلْبِ الِانْتِهَابُ وَالِاسْتِلَابُ لِإِلْفِهِ بِالنَّاسِ فَإِذَا تَرَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْلُوفَهُ دَلَّ عَلَى تَعَلُّمِهِ وَانْتِهَاءِ عَمَلِهِ، وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْكَلْبِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَلُوفُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَلُوفٍ وَالْفَرْقُ الْأَوَّلُ يَتَأَتَّى فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ بَدَنَ كُلِّ ذِي نَابٍ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ فَأَمْكَنَ تَعْلِيمُهُ بِالضَّرْبِ إلَى أَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ، وَإِنَّمَا شَرْطُ تَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَرِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ يُعْرَفُ بِتَكْرَارِ التَّجَارِبِ وَالِامْتِحَانِ، وَهِيَ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِذَلِكَ كَمَا فِي قِصَّةِ مُوسَى مَعَ مُعَلِّمِهِ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَمُدَّةِ الْخِيَارِ لِاخْتِبَارِ حَالِ الْمَبِيعِ وَكَذَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ» وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا لَمْ يَرْبَحْ أَحَدُكُمْ فِي التِّجَارَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلْيَتَحَوَّلْ إلَى غَيْرِهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الَّذِي يَقَعُ دَلَالَةً عَلَى التَّعَلُّمِ دُونَ الْقَلِيلِ وَالْجَمْعُ كَثِيرٌ وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّلَاثَةُ رَكْبٌ» فَقُدِّرَ بِهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَثْبُتُ التَّعَلُّمُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ تَعَلَّمَ وَلَا يُقَدَّرُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ تُعْرَفُ بِالنَّصِّ لَا بِالِاجْتِهَادِ وَلَا نَصَّ هُنَا فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي مِثْلِهِ كَحَبْسِ الْغَرِيمِ وَالنَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْأَعْمَالِ الْمُفْسِدَةِ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي الْأَصْلِ وَتَرْكُ الْأَكْلِ قَدْ يَكُونُ لِلْخَوْفِ مِنْ الضَّرْبِ فَلَا يَقَعُ دَلَالَةً عَلَى التَّعَلُّمِ؛ وَلِأَنَّ مُدَّةَ التَّعَلُّمِ تَخْتَلِفُ بِالْحَذَاقَةِ وَالْبَلَادَةِ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا ثُمَّ إذَا تُرِكَ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ الْأُولَى وَلَا الثَّانِيَةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالثَّلَاثِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَذَا الثَّالِثُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُعَلَّمًا إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ وَقَبْلَهُ غَيْرُ مُعَلَّمٍ فَكَانَ الثَّالِثُ صَيْدَ كَلْبٍ جَاهِلٍ فَصَارَ كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مَالَ الْمَوْلَى بِعِلْمِ الْمَوْلَى، وَهُوَ سَاكِتٌ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْبَيْعُ حَتَّى كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَنْقُضَهُ إنْ شَاءَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَحِلُّ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ عِنْدَ الثَّالِثِ آيَةُ تَعَلُّمِهِ فَصَارَ هَذَا صَيْدَ كَلْبٍ عَالِمٍ؛ لِأَنَّا إنَّمَا حَكَمْنَا بِكَوْنِهِ عَالِمًا بِطَرِيقِ أَنَّ إمْسَاكَهُ عَلَى صَاحِبِهِ قَدْ تَعَيَّنَ وَتَحَقَّقَ، وَكَيْفَ يَحْرُمُ وَقَدْ أَخَذَهُ لَهُ بَعْدَ إرْسَالِهِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مَالَ الْمَوْلَى لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى وَالْمَوْلَى يَرَاهُ سَاكِتًا صَارَ مَأْذُونًا لَهُ وَجَازَ شِرَاؤُهُ وَلَزِمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَازِي بِكَمْ إجَابَةً يَصِيرُ مُعَلَّمًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكَلْبِ وَلَوْ قِيلَ يَصِيرُ مُعَلَّمًا بِإِجَابَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ يُنَفِّرُهُ بِخِلَافِ الْكَلْبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنْ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَمِنْ الْجُرْحِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ) أَيْ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَمِنْ الْجُرْحِ فِي أَيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ الذِّئْبَ بَدَلَ الدُّبِّ) وَفِي الِاخْتِيَارِ ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ) أَيْ الِاصْطِيَادُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي ثَعْلَبَةَ) أَيْ: الْخُشَنِيِّ. اهـ. قَالَ فِي الْإِصَابَةِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ بِكُنْيَتِهِ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى بَنِي خُشَيْنٍ، وَهُوَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَضَرَبَ سَهْمَهُ فِي خَيْبَرَ وَأَرْسَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى قَوْمِهِ فَأَسْلَمُوا وَكَانَ لَا يَأْتِي عَلَيْهِ لَيْلَةٌ إلَّا خَرَجَ يَنْظُرُ إلَى السَّمَاءِ فَيَنْظُرُ كَيْفَ هِيَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَسْجُدُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو ثَعْلَبَةَ إنِّي لَأَرْجُو اللَّهَ أَنْ لَا يَخْنُقَنِي كَمَا أَرَاكُمْ تُخْنَقُونَ عِنْدَ الْمَوْتِ فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي جَوْفَ اللَّيْلِ قُبِضَ، وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَأَتْ ابْنَتُهُ فِي النَّوْمِ أَنَّ أَبَاهَا قَدْ مَاتَ فَاسْتَيْقَظَتْ فَزِعَةً فَنَادَتْ أَيْنَ أَبِي قِيلَ لَهَا فِي مُصَلَّاهُ فَنَادَتْهُ فَلَمْ يُجِبْهَا فَأَتَتْهُ فَوَجَدَتْهُ سَاجِدًا فَأَنْبَهَتْهُ فَحَرَّكَتْهُ فَسَقَطَ مَيِّتًا مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ اهـ بِاخْتِصَارٍ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَذَا بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثًا) فِي الْكَلْبِ وَالتَّعْلِيمِ عِنْدَنَا أَنْ يُرْسَلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَدَنُ الْبَازِي لَا يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ) قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ بِأَنَّ الْبَازِيَ وَسَائِرَ طُيُورِ الْوَحْشِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ لَا يُؤْكَلُ كَمَا فِي الْكَلْبِ وَالْفَهْدِ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِمَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَازِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ فَيَأْكُلُ مِنْهُ فَقَالَ كُلْ وَقَالَ تَعْلِيمُ الْبَازِي أَنْ تَدْعُوَهُ فَيُجِيبُك وَلَا تَسْتَطِيعُ ضَرْبَهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْأَكْلَ، وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْهُ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَقْرَانِهِ خِلَافُهُ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ) أَيْ وَهُوَ الصَّائِدُ. اهـ. غَايَةٌ

[التسمية عند الإرسال للصيد]

مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ أَعْضَائِهِ أَمَّا التَّسْمِيَةُ فَلِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ وَالْمُرَادُ بِهِ مَعَ التَّذَكُّرِ، وَأَمَّا إذَا نَسِيَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الْإِرْسَالِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الذَّبَائِحِ، وَأَمَّا الْجُرْحُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْجُرْحِ فَمَنْ شَرَطَهُ فَقَدْ زَادَ عَلَى النَّصِّ، وَهُوَ نَسْخٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَكَذَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ وَثَعْلَبَةَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَإِلَّا لَزِمَ نَسْخُهُ بِالرَّأْيِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إخْرَاجُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، وَهُوَ يَخْرُجُ بِالْجُرْحِ عَادَةً وَلَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ إلَّا نَادِرًا فَأُقِيمَ الْجُرْحُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَالرَّمْيِ بِالسَّهْمِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْرَحْهُ صَارَ مَوْقُوذَةً، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ بِالنَّصِّ وَمَا تُلِيَ مُطْلَقٌ وَكَذَا مَا رُوِيَ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْوَاقِعَةِ، وَإِنَّمَا لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَتْ الْحَوَادِثُ أَوْ كَانَ التَّقْيِيدُ وَالْإِطْلَاقُ مِنْ جِهَةِ السَّبَبِ أَمَّا إذَا كَانَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ وَالْحَادِثَةُ وَاحِدَةٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي أُكِلَ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ لَا) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْقَدِيمِ يُؤْكَلُ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ كَالْبَازِي لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ قَالَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا فَقَالَ إنْ كَانَتْ لَك كِلَابٌ مُكَلَّبَةٌ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْك الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ هُوَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ» ؛ وَلِأَنَّ فِعْلَ الْكَلْبِ إنَّمَا صَارَ ذَكَاةً لِعِلْمِهِ وَبِالْأَكْلِ لَا يَعُودُ جَاهِلًا فَصَارَ كَالْبَازِي وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقَوْله تَعَالَى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُ «إذَا أَرْسَلْت كِلَابَك الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْك إلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ فَأَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا أَرْسَلْته فَقَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمَرْوِيُّهُمَا غَرِيبٌ فَلَا يُعَارِضُ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُحَرِّمُ أَوْلَى عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَازِي وَالْكَلْبِ قَدْ بَيَّنَّاهُ وَلَوْ صَادَ الْكَلْبُ صَيُودًا وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا ثُمَّ أَكَلَ مِنْ صَيْدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ مِنْ الَّذِي أَكَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَكْلَهُ عَلَامَةُ جَهْلِهِ وَلَا مَا يَصِيدُهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَصِيرَ مُعَلَّمًا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَأَمَّا الصُّيُودُ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ قَبْلُ فَمَا أَكَلَ مِنْهَا لَا تَظْهَرُ الْحُرْمَةُ فِيهِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَمَا لَيْسَ بِمُحَرَّزٍ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بَعْدَ تَثَبُّتِ الْحُرْمَةِ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ وَمَا هُوَ مُحَرَّزٌ فِي الْبَيْتِ يَحْرُمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ قَدْ تُنْسَى وَقَدْ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ الْجُوعُ فَيَأْكُلُ مَعَ عِلْمِهِ؛ وَلِأَنَّ مَا أَحْرَزَهُ قَدْ أَمْضَى الْحُكْمَ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يَنْقُضُ بِاجْتِهَادِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحَرَّزِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَاءِ الصَّيْدِيَّةِ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَيَحْرُمُ احْتِيَاطًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أَكْلَهُ آيَةُ جَهْلِهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ لَا يُنْسَى أَصْلُهَا فَبِالْأَكْلِ تَبَيَّنَ أَنَّ تَرْكَهُ الْأَكْلَ كَانَ بِسَبَبِ الشِّبَعِ لَا لِلتَّعَلُّمِ وَقَدْ تَبَدَّلَ الِاجْتِهَادُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ فَصَارَ كَتَبَدُّلِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ وَلِأَنَّ عِلْمَهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا ظَاهِرًا فَبَقِيَ جَهْلُهُ مَوْهُومًا وَالْمَوْهُومُ فِي بَابِ الصَّيْدِ يَلْحَقُ بِالْمُتَحَقِّقِ احْتِيَاطًا مَا أَمْكَنَ وَالْإِمْكَانُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ جَمِيعًا دُونَ الْغَائِبِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّمَا تَحْرُمُ تِلْكَ الصُّيُودُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا أَمَّا إذَا تَطَاوَلَ الْعَهْدُ بِأَنْ أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ أَوْ أَكْثَرُ وَصَاحِبُهُ قَدْ قَدَّدَ تِلْكَ الصُّيُودُ لَا تَحْرُمُ تِلْكَ الصُّيُودُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ يَتَحَقَّقُ النِّسْيَانُ فَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا فِي الْمَاضِي مِنْ الزَّمَانِ وَفِي الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ لَا يَتَحَقَّقُ النِّسْيَانُ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا حِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ التَّسْمِيَة عِنْد الإرسال للصيد] قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مَعَ التَّذَكُّرِ) قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَكَذَلِكَ إذَا أَرْسَلَهُ فِي صَيْدٍ كَثِيرٍ وَسَمَّى مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى الْإِرْسَالِ، فَإِنَّهُ إذَا قَتَلَ الْكُلَّ يَحِلُّ الْكُلُّ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي شَرْحِهِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا ذَبَحَ شَاتَيْنِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الذَّبْحَ فِي بَابِ الْكَلْبِ يَحْصُلُ بِالْإِرْسَالِ؛ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ وَقْتَ الْإِرْسَالِ، وَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ وَاحِدًا تَكْفِيهِ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ حَصَلَ بِهِ ذَبْحُ صُيُودٍ كَثِيرَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً ثُمَّ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ صَارَ مَذْبُوحًا بِفِعْلٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةٍ أُخْرَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَتَأْتِي هَذِهِ الْحَاشِيَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ إلَخْ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إخْرَاجُ الدَّمِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي شَرْحِ كِتَابِ الصَّيْدِ إنَّمَا يُؤْكَلُ مِنْ صَيْدِ الْكَلْبِ إذَا أَمْسَكَهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَقَتَلَهُ إذَا حَصَلَ الْقَتْلُ بِالْجُرْحِ وَالْعَقْرِ فَأَمَّا إذَا قَتَلَهُ صَدْمًا أَوْ جَثْمًا أَوْ خَنْقًا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ، وَإِنْ أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَالْكَسْرُ كَالْخَنْقِ صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ أَوْ خَنَقَهُ الْكَلْبُ فَانْظُرْهُ وَمَا عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي فِي هَذَا الْمُجَرَّدِ وَالْكَسْرُ كَالْخَنْقِ بَعْدَ سَبْعِ قَوْلَاتٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَخْرُجُ بِالْجُرْحِ عَادَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِالْحِلِّ عَلَى مَا صَادَهُ إذَا جَرَحَهُ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ يُعْتَبَرُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي مَجْمُوعِ الْعُرُوقِ فِي مَوْضِعِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْفَصْلِ وَاكْتَفَى بِأَصْلِ الْجُرْحِ فِي مَوْضِعِ الِاضْطِرَارِ اهـ

اصْطِيَادِ تِلْكَ الصُّيُودِ فَتَحْرُمُ تِلْكَ الصُّيُودُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَوْ أَنَّ صَقْرًا فَرَّ مِنْ صَاحِبِهِ فَمَكَثَ حِينًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى صَاحِبِهِ فَأَرْسَلَهُ فَصَادَ لَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَا صَارَ بِهِ عَالِمًا فَيُحْكَمُ بِجَهْلِهِ كَالْكَلْبِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكَلْبِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا أُكِلَ؛ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ غَايَةِ عِلْمِهِ حَيْثُ شَرِبَ مَا لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِهِ وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَلَوْ أَخَذَ الصَّائِدُ الصَّيْدَ مِنْ الْكَلْبِ وَقَطَعَ لَهُ مِنْهُ قِطْعَةً وَأَلْقَاهَا إلَيْهِ فَأَكَلَهَا يُؤْكَلُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَأَكْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا أَلْقَى إلَيْهِ صَاحِبُهُ لَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الصَّيْدِ، وَهُوَ عَادَةُ الصَّيَّادِينَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَى إلَيْهِ طَعَامًا آخَرَ، وَكَذَا إذَا خَطَفَ الْكَلْبُ مِنْهُ وَأَكَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الصَّيْدِ إذْ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالشَّرْطُ تَرْكُ الْأَكْلِ مِنْ الصَّيْدِ وَقَدْ وُجِدَ فَصَارَ كَمَا إذَا افْتَرَسَ شَاتَه بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحَرِّزَهُ الْمَالِكُ لِبَقَاءِ جِهَةِ الصَّيْدِيَّةِ فِيهِ وَلَوْ نَهَشَ الصَّيْدَ فَقَطَعَ مِنْهُ بَضْعَةً فَأَكَلَهَا ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ كَلْبٍ جَاهِلٍ حَيْثُ أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ وَلَوْ أَلْقَى مَا نَهَشَهُ وَاتَّبَعَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حَتَّى أَخَذَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى تِلْكَ الْبَضْعَةِ فَأَكَلَهَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ مِنْ نَفْسِ الصَّيْدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَضُرُّهُ فَإِذَا أَكَلَ مَا بَانَ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ فِي حَالَةِ الِاصْطِيَادِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاهِلٌ مُمْسِكٌ عَلَى نَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّ نَهْشَ الْبَضْعَةِ قَدْ يَكُونُ لِيَأْكُلَهَا وَقَدْ يَكُونُ حِيلَةً فِي الِاصْطِيَادِ لِيُضْعِفَهُ بِالْقَطْعِ مِنْهُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْهُ فَإِنَّ أَكْلَهَا قَبْلَ الْأَخْذِ يَدُلُّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَبَعْدَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْك فَأَدْرَكْته حَيًّا فَاذْبَحْهُ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّهُ قَدِرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ إذْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْحِلُّ وَلَا يَثْبُتُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ، وَالْبَازِي وَالسَّهْمُ كَالْكَلْبِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْكُلَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ أَوْ خَنَقَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ أَوْ شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبٌ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَمْدًا حَرُمَ) أَمَّا إذَا لَمْ يُذَكَّ؛ فَلِأَنَّهُ لَمَّا أَدْرَكَهُ حَيًّا صَارَ ذَكَاتُهُ ذَكَاةَ الِاخْتِيَارِ لِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى فَبِتَرْكِهِ يَصِيرُ مَيْتَةً، وَهَذَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ أَمَّا إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ قَدْرُ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ بِأَنْ بَقَرَ بَطْنَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُضْطَرِبًا اضْطِرَابَ الْمَذْبُوحِ فَحَلَالٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ لَا يُعْتَبَرُ فَكَانَ مَيِّتًا حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ، وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْرُمُ كَمَا إذَا وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلذَّكَاةِ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ هَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحِلُّ إلَّا إذَا ذَكَّاهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ الْخَفِيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ حَتَّى حَلَّتْ الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَنَحْوُهَا بِالذَّكَاةِ إذَا كَانَ فِيهَا حَيَاةٌ وَإِنْ كَانَتْ خَفِيَّةً عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَحِلُّ إلَّا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهَا بَيِّنَةً، وَذَلِكَ بِأَنْ تَبْقَى فَوْقَ مَا يَبْقَى الْمَذْبُوحُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ تَكُونَ بِحَالٍ يَعِيشُ مِثْلُهَا لِيَكُونَ مَوْتُهَا مُضَافًا إلَى الذَّكَاةِ وَالسَّهْمُ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ فَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَلَا يُؤْكَلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ حُكْمًا لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ إذْ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الذَّبْحِ نَفْسِهِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْكِيَاسَةِ وَالْهِدَايَةِ فِي أَمْرِ الذَّبْحِ فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشَاهَدُ الْمُعَايَنُ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا بِالذَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَيَاتُهُ خَفِيَّةً أَوْ بَيِّنَةً بِجُرْحِ الْمُعَلَّمِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ السِّبَاعِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] اسْتَثْنَاهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ حَيٍّ مُطْلَقًا، وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ «فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْك فَأَدْرَكْته حَيًّا فَاذْبَحْهُ» مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ حَيٍّ مُطْلَقًا وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَفَصَّلَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَفْصِيلًا آخَرَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا فَقَالَ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الذَّبْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَنَّ صَقْرًا فَرَّ مِنْ صَاحِبِهِ) أَيْ وَقَدْ كَانَ عَالِمًا بِهِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ مَا صَارَ بِهِ عَالِمًا)، وَهُوَ إجَابَتُهُ إلَى صَاحِبِهِ دَاعِيًا وَمُرْسِلًا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ)؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ اسْمٌ لِمُتَوَحِّشٍ غَيْرِ مُحَرَّزٍ وَقَدْ زَالَ التَّوَحُّشُ بِالْقَتْلِ وَزَالَ كَوْنُهُ غَيْرَ مُحَرَّزٍ بِالْإِحْرَازِ فَالْتَحَقَ بِالشَّاةِ وَلَوْ تَنَاوَلَ مِنْ الشَّاةِ لَا يُحْكَمُ بِجَهْلِهِ فَكَذَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا أَصْلًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ) أَيْ حَتَّى مَاتَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَيْ عَلَى حَدِّ الْأَكْلِ إذَا ذَكَّى الصَّيْدَ وَفِيهِ حَيَاةٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ غَايَةٌ

لِفَقْدِ الْآلَةِ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِضِيقِ الْوَقْتِ أُكِلَ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا، وَأَمَّا إذَا خَنَقَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ فَلِمَا بَيَّنَّا عِنْدَ قَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْلِيمِ وَالتَّسْمِيَةِ وَالْجُرْحِ وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَالْكَسْرُ كَالْخَنْقِ حَتَّى لَا يُعْتَدَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى خُرُوجِ الدَّمِ، وَأَمَّا إذَا شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبٌ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَمْدًا فَلِمَا رَوَيْنَا عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي وَأُسَمِّي فَقَالَ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك وَسَمَّيْت فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَكُلْ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ قُلْت إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَهُ فَقَالَ لَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ وَجَدْت مَعَ كَلْبِك كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ» رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَهَذَا صَحِيحٌ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ إنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِأَكْلِ الْكَلْبِ الصَّيْدَ وَعَلَى الشَّافِعِيِّ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَيْضًا؛ وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرَّمُ فَيُغَلَّبُ فِيهِ جِهَةُ الْحُرْمَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ»؛ وَلِأَنَّ الْحَرَامَ وَاجِبُ التَّرْكِ وَالْحَلَالَ جَائِزُ التَّرْكِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي التَّرْكِ وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ الْكَلْبُ الثَّانِي وَلَمْ يَجْرَحْهُ مَعَهُ وَمَاتَ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ يُكْرَهُ أَكْلُهُ لِوُجُودِ الْمُعَاوَنَةِ فِي الْأَخْذِ وَفَقْدِهَا فِي الْجُرْحِ ثُمَّ قِيلَ الْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا تَفَرَّدَ بِالْجُرْحِ وَالْأَخْذِ غَلَبَ جَانِبُ الْحِلِّ، فَصَارَ حَلَالًا وَأَوْجَبَتْ إعَانَةُ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ الْكَرَاهَةَ دُونَ الْحُرْمَةِ، وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَلْوَانِيِّ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ الْمَجُوسِيُّ بِنَفْسِهِ حَيْثُ لَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكِلَابِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُشَارَكَةُ أَصْلًا وَفِعْلُ الْكَلْبِ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكَلْبِ فَتَحَقَّقَتْ الْمُشَارَكَةُ مِنْ وَجْهٍ وَلَوْ لَمْ يَرُدَّ الْكَلْبُ الثَّانِي عَلَيْهِ لَكِنْ اشْتَدَّ عَلَى الْأَوَّلِ فَاشْتَدَّ الْأَوَّلُ عَلَى الصَّيْدِ بِسَبَبِهِ، فَأَخَذَهُ فَقَتَلَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الثَّانِي أَثَّرَ فِي الْكَلْبِ الْأَوَّلِ حَتَّى ازْدَادَ طَلَبًا، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الصَّيْدِ، فَكَانَ تَبَعًا لِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى التَّبَعِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ تَبَعًا فَيُضَافُ إلَيْهِمَا وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ سَبُعٌ أَوْ ذُو مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّمَ فَيُصَادُ بِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَدَّهُ الْكَلْبُ عَلَيْهِ فِيمَا ذَكَرْنَا لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ فِي الْفِعْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّ عَلَيْهِ مَا لَا يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِهِ كَالْجَمَلِ وَالْبَقَرِ وَالْبَازِي فِي ذَلِكَ كَالْكَلْبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ حَلَّ وَلَوْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ حَرُمَ) وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ التَّهْيِيجُ أَيْ هَيَّجَهُ فَهَاجَ بِأَنْ صَاحَ عَلَيْهِ فَازْدَادَ فِي الْعَدْوِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ فِي الْأَوَّلِ وَيَحْرُمُ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ دُونَ الْإِرْسَالِ لِكَوْنِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ، فَلَا يَنْتَسِخُ بِهِ الْإِرْسَالُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِمِثْلِهِ أَوْ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ وَلَا يَرْتَفِعُ بِمَا هُوَ دُونَهُ كَنَسْخِ الْآيِ فَلَا يَرْتَفِعُ إرْسَالُ الْمُسْلِمِ بِزَجْرِ الْمَجُوسِيِّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَا إرْسَالُ الْمَجُوسِيِّ بِزَجْرِ الْمُسْلِمِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي فَبَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِالزَّجْرِ وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ ذَكَاتُهُ كَالْمُحْرِمِ وَالْمُرْتَدِّ وَالْوَثَنِيِّ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِيِّ غَيْرَ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِالزَّجْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِالدَّلَالَةِ، وَهُوَ دُونَهُ فَبِالزَّجْرِ أَوْلَى، وَهُوَ فَوْقَهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ فِي حَقِّ لُزُومِ الْجَزَاءِ اعْتِبَارُهُ فِي حَقِّ انْتِسَاخِ الْفِعْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ حَلَّ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحِلَّ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ جُعِلَ ذَكَاةً عِنْدَ الِاضْطِرَارِ لِلضَّرُورَةِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْإِرْسَالُ انْعَدَمَ الذَّكَاةُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا يَحِلُّ وَالزَّجْرُ بِنَاءً عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الزَّجْرَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِرْسَالِ يُجْعَلُ إرْسَالًا؛ لِأَنَّ انْزِجَارَهُ عَقِيبَ زَجْرِهِ دَلِيلُ طَاعَتِهِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ فَيَحِلُّ إذْ لَيْسَ فِي اعْتِبَارِهِ إبْطَالُ السَّبَبِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَلَا يُقَالُ الزَّجْرُ دُونَ الِانْفِلَاتِ لِكَوْنِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ فَلَا يَرْتَفِعُ الِانْفِلَاتُ فَصَارَ مِثْلَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَالْجَامِعُ أَنَّ الزَّجْرَ فِيهِمَا بِنَاءٌ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الزَّجْرُ إنْ كَانَ دُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْكَسْرُ كَالْخَنْقِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجْرَحْهُ وَلَمْ يَخْنُقْهُ وَلَكِنَّهُ كَسَرَ عُضْوًا مِنْهُ فَمَاتَ فَإِنَّ أَبَا الْحَسَنِ الْكَرْخِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ شَيْئًا مُصَرِّحًا وَقَدْ حَكَى مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ الْمَسْأَلَةَ وَأَجَابَ فِيهَا جَوَابًا مُطْلَقًا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْرَحْ لَمْ يُؤْكَلْ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ فَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي إثْرِ حِكَايَتِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ إنْ قَتَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْرَحَهُ بِنَابٍ وَلَا مِخْلَبٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَكَذَلِكَ لَوْ صَدَمَهُ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَكْسِرْ وَلَمْ يَجْرَحْ فَإِنْ جَرَحَ بِنَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ أَوْ كَسَرَ عُضْوًا فَقَتَلَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّ الْجُرْحَ كَالْكَسْرِ وَجْهُهُ أَنَّ الْكَسْرَ جِرَاحَةٌ بَاطِنَةٌ فِيهِ فَهِيَ كَالْجِرَاحَةِ الظَّاهِرَةِ وَوَجْهُ مَا حَكَاهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْجُرْحَ يَقَعُ بِإِنْهَارِ الدَّمِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ بِالْكَسْرِ فَصَارَ كَالْخَنْقِ كَذَا فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنْ اشْتَدَّ) أَيْ اشْتَدَّ الْكَلْبُ الثَّانِي عَلَى أَثَرِ الْكَلْبِ الْأَوَّلِ الْمُعَلَّمِ يَعْنِي عَدَا خَلْفَهُ وَاتَّبَعَهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى عَدَا الْكَلْبُ الْأَوَّلُ عَلَى الصَّيْدِ فَأَخَذَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ عَدَا كَذَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ) أَيْ رَدَّ الْمَجُوسِيُّ الصَّيْدَ عَلَى الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ الْإِغْرَاءُ بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْكَلْبِ وَبِالِانْزِجَارِ إظْهَارُ زِيَادَةِ الطَّلَبِ أَيْ طَلَبِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

الِانْفِلَاتِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ فَوْقَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ فَاسْتَوَيَا فَنُسِخَ الِانْفِلَاتُ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْمِثْلَيْنِ يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ كَمَا فِي نَسْخِ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ لَا يُسَاوِي الْإِرْسَالَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَالزَّجْرُ بِنَاءً عَلَى الْإِرْسَالِ، فَكَانَ دُونَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَرْتَفِعُ بِهِ وَالْبَازِي كَالْكَلْبِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ مُعَيَّنٍ فَأَخَذَ غَيْرَهُ، وَهُوَ عَلَى سَنَنِهِ حَلَّ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إرْسَالٍ إذْ الْإِرْسَالُ مُخْتَصٌّ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَالتَّسْمِيَةُ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَلَا تَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى عَلَيْهَا وَخَلَّاهَا فَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَعَيَّنُ الصَّيْدُ بِالتَّعْيِينِ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى لَا يَحِلَّ غَيْرُهُ بِذَلِكَ الْإِرْسَالِ وَلَوْ أَرْسَلَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ يَحِلُّ مَا أَصَابَهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَكِنْ إذَا عَيَّنَ يَتَعَيَّنُ وَعِنْدَنَا التَّعْيِينُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ وَلَا يُكَلَّفُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي فِي وُسْعِهِ إيجَادُ الْإِرْسَالِ دُونَ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَلِّمَ الْبَازِيَ وَالْكَلْبَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَأْخُذُ إلَّا مَا يُعَيِّنُهُ لَهُ؛ وَلِأَنَّ التَّعْيِينَ غَيْرُ مُفِيدٍ فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّ الْكَلْبِ، فَإِنَّ الصُّيُودَ كُلَّهَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ سَوَاءٌ وَكَذَا فِي حَقِّ الْكَلْبِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ إلَى أَخْذِ كُلِّ صَيْدٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الشَّاةِ مُمْكِنٌ وَكَذَا غَرَضُهُ مُتَعَلِّقٌ بِمُعَيَّنٍ فَتَتَعَلَّقُ التَّسْمِيَةُ هُنَاكَ بِالْمَضْجَعِ لِلذَّبْحِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِالْآلَةِ وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صُيُودٍ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ حَالَةَ الْإِرْسَالِ فَقَتَلَ الْكُلَّ حَلَّ الْجَمِيعُ لِأَنَّ الذَّبْحَ يَقَعُ بِالْإِرْسَالِ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ، وَالْفِعْلُ وَهُوَ الْإِرْسَالُ وَاحِدٌ فَيَكْتَفِي بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَضْجَعَ شَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى فَذَبَحَهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى التَّعَاقُبِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُتَعَدِّدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِ التَّسْمِيَةِ وَمَنْ أَرْسَلَ فَهْدًا فَكَمَنَ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّيْدِ ثُمَّ أَخَذَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةٌ لَهُ يَحْتَالُ لِأَخْذِهِ لَا اسْتِرَاحَةٌ فَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ فَوْرُ الْإِرْسَالِ، وَكَيْفَ يَنْقَطِعُ وَقَصْدُ صَاحِبِهِ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ وَعُدَّ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ لِلْفَهْدِ خِصَالٌ حَمِيدَةٌ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ، مِنْهَا أَنْ يَكْمُنَ لِلصَّيْدِ حَتَّى يَسْتَمْكِنَ مِنْهُ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُجَاهِرَ عَدُوَّهُ بِالْخِلَافِ وَلَكِنْ يَطْلُبُ الْفُرْصَةَ حَتَّى يَسْتَمْكِنَ مِنْهُ فَيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ مِنْ غَيْرِ إتْعَابِ نَفْسِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَعْدُو خَلْفَ صَاحِبِهِ حَتَّى يُرْكِبَهُ خَلْفَهُ، وَهُوَ يَقُولُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيَّ، فَلَا أَذِلُّ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَذِلَّ نَفْسَهُ فِيمَا يَفْعَلُ لِغَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّمُ بِالضَّرْبِ وَلَكِنْ يُضْرَبُ الْكَلْبُ بَيْنَ يَدَيْهِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَتَعَلَّمُ بِذَلِكَ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَّعِظَ بِغَيْرِهِ كَمَا قِيلَ السَّعِيدُ مَنْ اتَّعَظَ بِغَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْخَبِيثَ مِنْ اللَّحْمِ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْ صَاحِبِهِ اللَّحْمَ الطَّيِّبَ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ إلَّا الطَّيِّبَ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَثِبُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَخْذِهِ تَرَكَهُ وَيَقُولُ لَا أَقْتُلُ نَفْسِي فِيمَا أَعْمَلُ لِغَيْرِي، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ، وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا اعْتَادَ الِاخْتِفَاءَ لَا يَقْطَعُ فَوْرَ الْإِرْسَالِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْفَهْدِ، وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ فَأَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ آخَرَ فَقَتَلَهُ أُكِلَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ قَائِمٌ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَغَيْرَهُ وَلَوْ جَثَمَ عَلَى الْأَوَّلِ طَوِيلًا ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ الثَّانِي لِانْقِطَاعِ الْإِرْسَالِ بِمُكْثِهِ طَوِيلًا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيلَةً مِنْهُ لِلْأَخْذِ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِرَاحَةٌ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ إلَخْ) سَاقَ الْخِلَافَ فِي الْمَجْمَعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَ غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُدُولٍ وَلَا مُكْثٍ يُحِلُّهُ قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا قَيَّدَ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْصَرَفَ عَنْ طَرِيقِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا أَوْ مَكَثَ لَا يَحِلُّ اتِّفَاقًا وَسَاقَ الْأَتْقَانِيُّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَالِكٍ فَقَطْ كَمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ فَقَالَ قَالَ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يُرْسِلُ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَيَأْخُذُ صَيْدًا غَيْرَهُ فِي وَجْهِهِ ذَلِكَ أَيُؤْكَلُ قَالَ نَعَمْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ، وَهَذَا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا وَقَالَ مَالِكٌ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ انْحَرَفَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَأَخَذَ صَيْدًا وَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي، وَإِذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ إلَى صَيْدٍ فَأَخَذَ ذَلِكَ الصَّيْدَ أَوْ أَخَذَ غَيْرَهُ أَوْ أَخَذَ عَدَدًا مِنْ الصَّيْدِ فَهُوَ كُلُّهُ حَلَالٌ مَا دَامَ فِي وَجْهِ إرْسَالِهِ فَإِنْ قَتَلَ وَاحِدًا أَوْ جَثَمَ عَلَيْهِ طَوِيلًا ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَأَخَذَهُ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حَالِ الْإِرْسَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي اهـ (قَوْلُهُ فَكَمَنَ) أَيْ اسْتَتَرَ اهـ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ كَمَنَ كُمُونًا مِنْ بَابِ قَعَدَ تَوَارَى وَاسْتَخْفَى. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ أَيْ السَّرَخْسِيُّ) نَاقِلًا عَنْ شَيْخِهِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي شَرْحِهِ يُقَالُ إنَّ فِي الْفَهْدِ خِصَالًا لَوْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي بَنِي آدَمَ لَكَانَ مِنْ أَشْرَفِ النَّاسِ اهـ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ) أَيْ لَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذَّكِيَّةَ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ الْخَبِيثَ، وَإِنَّمَا يَأْكُلُ الطَّيِّبَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكَلْبُ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَكَذَلِكَ الْكَلْبُ إذَا أَرْسَلَهُ الرَّجُلُ فَصَنَعَ كَمَا يَصْنَعُ الْفَهْدُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا صَادَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُكْثَ سَاعَةً حِيلَةٌ مِنْهُ لِلِاصْطِيَادِ لَا لِلِاسْتِرَاحَةِ فَيُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ حَذَاقَةِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَكُونُ قَاطِعًا لِلْإِرْسَالِ بَلْ يَكُونُ مِنْ أَسْبَابِ الِاصْطِيَادِ كَالْوُثُوبِ وَالْعَدْوِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَأَدْرَكَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ فَوَقَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ ثَانِيًا فَقَتَلَهُ أُكِلَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ عَلَى صَيْدٍ فَضَرَبَهُ أَحَدُهُمَا فَوَقَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ كَلْبُهُ الْآخَرُ فَقَتَلَهُ أُكِلَ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ مِنْ فِعْلِ الْكَلْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَلَّمَ تَرْكَ الْجُرْحِ بَعْدَ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَمَا لَا يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ فَكَانَ قَتْلُهُ بِجُرْحٍ وَاحِدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

أَرْسَلَ بَازِيَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ فَوَقَعَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ اتَّبَعَ الصَّيْدَ، فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ يُؤْكَلُ إذْ لَمْ يَمْكُثْ زَمَانًا طَوِيلًا لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَإِنَّمَا مَكَثَ سَاعَةً لِلْكَمِينِ وَلَوْ أَنَّ بَازِيًا مُعَلَّمًا أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ وَلَا يُدْرَى أَرْسَلَهُ إنْسَانٌ أَوْ لَا لَا يُؤْكَلُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْإِرْسَالِ وَلَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ بِدُونِهِ وَلَئِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ مَالُ الْغَيْرِ فَلَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ فَجَرَحَهُ ثُمَّ جَرَحَهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ أُكِلَ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ فَجَرَحَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَهُ الْآخَرُ أُكِلَ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْجُرْحِ بَعْدَ الْجُرْحِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّعْلِيمِ فَجُعِلَ عَفْوًا مَا لَمْ يَكُنْ إرْسَالُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ مَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ وَلَوْ أَرْسَلَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلْبًا فَجَرَحَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ أُكِلَ إذَا كَانَ إرْسَالُ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ الْأَوَّلُ لِمَا بَيَّنَّا وَالْمِلْكُ لِصَاحِبِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ أَثْخَنَهُ قَبْلَ أَنْ يَجْرَحَهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ حَدِّ الصَّيْدِيَّةِ فَمَلَكَهُ بِهِ وَلَا يَحْرُمُ بِجُرْحِ الثَّانِي بَعْدَ مَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ الثَّانِيَ حَصَلَ إلَى الصَّيْدِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ حَالَةُ الْإِرْسَالِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِامْتِنَاعِ وَلَا تُعْتَبَرُ بَعْدَهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَمَى وَسَمَّى وَجَرَحَ أُكِلَ) أَيْ رَمَى إلَى الصَّيْدِ فَأَصَابَهُ يُؤْكَلُ إذَا جَرَحَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ «إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدْته قَدْ قَتَلَ فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَمْ سَهْمُك» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَشَرَطَ الْجُرْحَ لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَمَيْت فَسَمَّيْت فَخَزَقْت فَكُلْ وَإِنْ لَمْ تَخْزِقْ فَلَا تَأْكُلْ وَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْمِعْرَاضِ إلَّا مَا ذَكَّيْت وَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْبُنْدُقَةِ إلَّا مَا ذَكَّيْت» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُصِيبَ الرَّمِيَّ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الصَّيْدِ كَمَا فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَفِي إطْلَاقِ قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ رَمَى وَسَمَّى وَجَرَحَ أَكَلَ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنْ الْمَرْمِيَّ وَلَا الْمُصَابَ حَتَّى يَدْخُلَ تَحْتَهُ مَا إذَا سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّهُ صَيْدًا فَرَمَاهُ فَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ يَحِلُّ أَكْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الصَّيْدُ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ مَأْكُولًا أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْمُصَابُ مَأْكُولًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ اصْطِيَادًا مَعَ قَصْدِهِ ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ الْخِنْزِيرَ لِتَغَلُّظِ حُرْمَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ السِّبَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي جِلْدِهِ وَزُفَرُ خَصَّ مِنْهَا مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ لَا يُفِيدُ الْإِبَاحَةَ فِيهِ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ اسْمَ الِاصْطِيَادِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَأْكُولِ فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] فَكَانَ اصْطِيَادُهُ مُبَاحًا وَإِبَاحَةُ التَّنَاوُلِ تَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَيَثْبُتُ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُهَا لَحْمًا أَوْ جِلْدًا وَقَدْ لَا يَثْبُتُ بِالْكُلِّيَّةِ إذَا لَمْ يَقْبَلْهَا الْمَحَلُّ، وَإِذَا وَقَعَ اصْطِيَادًا صَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ جَرَادٍ أَوْ سَمَكٍ، ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُغْنِي أَنَّ الْمُصَابَ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَقَعُ عَلَيْهِمَا فَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ ذَكَاةً وَأَوْرَدَهُ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ حَلَّ الْمُصَابُ فَقَالَ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُقَالَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ يَحْتَاجُ فِي حِلِّ أَكْلِهِ إلَى الذَّبْحِ أَوْ الْجُرْحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَوْ رَمَى إلَى سَمَكَةٍ أَوْ جَرَادَةٍ فَأَصَابَ صَيْدًا يَحِلُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَكَاةَ فِيهِمَا فَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَرَّجَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى رِوَايَةِ الْحِلِّ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ وَجَدْته قَدْ قَتَلَ) أَيْ جَرَحَ اهـ. (قَوْلُهُ إذَا رَمَيْت فَسَمَّيْت فَخَزَقْت فَكُلْ) وَفِي حَدِيثِ عَدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَرْمِ بِالْمِعْرَاضِ فَيَخْزِقُ قَالَ إنْ خَزَقَ فَكُلْ وَإِنْ أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَا خَزَقْتُمْ فَكُلُوهُ إذَا ذَكَرْتُمْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» وَالسِّينُ لُغَةٌ وَالرَّاءُ تَصْحِيفٌ قَالَهُ فِي الْمُغْرِبِ فِي الْخَاءِ مَعَ الزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الصَّيْدُ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ إلَخْ) يَعْنِي رَمَى الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ صَيْدٌ فَأَصَابَ سَهْمُهُ صَيْدًا غَيْرَ الْمَسْمُوعِ حِسُّهُ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ كَانَ صَيْدًا لَا آدَمِيًّا وَلَا شَاةً وَلَا نَحْوَ ذَلِكَ حَلَّ مَا أَصَابَهُ سَهْمُهُ إذَا كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الِاصْطِيَادَ بِالرَّمْيِ وَكَذَلِكَ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَجُمْلَةُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنْ سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّهُ صَيْدًا فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمِهِ فَأَصَابَ صَيْدًا وَبَانَ أَنَّ الْحِسَّ الَّذِي سَمِعَهُ لَمْ يَكُنْ حِسَّ صَيْدٍ، وَإِنَّمَا كَانَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ آدَمِيًّا لَمْ يُؤْكَلْ الصَّيْدُ الَّذِي أَصَابَهُ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى غَيْرِ صَيْدٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى آدَمِيٍّ يَعْلَمُ بِهِ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْحِسُّ حِسَّ صَيْدٍ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ فَإِنْ أَصَابَ صَيْدًا مَأْكُولًا أَكَلَ وَقَالَ زُفَرُ إنْ كَانَ حِسَّ صَيْدٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالسِّبَاعِ وَمَا أَشْبَهَهَا لَمْ يُؤْكَلْ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ حِسَّ سَبُعٍ أُكِلَ الصَّيْدُ، وَإِنْ كَانَ حِسَّ خِنْزِيرٍ لَمْ يُؤْكَلْ الصَّيْدُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَزُفَرُ خَصَّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسْمُوعِ حِسُّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ) أَيْ يَثْبُتُ التَّنَاوُلُ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُ الْمَحَلُّ يَعْنِي إنْ كَانَ يَقْبَلُ الْمَحَلُّ التَّنَاوُلَ مِنْ حَيْثُ اللَّحْمُ يَثْبُتُ تَنَاوُلُ اللَّحْمِ، وَإِنْ كَانَ يَقْبَلُ تَنَاوُلَ الْجِلْدِ لَا اللَّحْمِ يَثْبُتُ ذَلِكَ فَيَنْتَفِعُ بِجِلْدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ تَنَاوُلَهُمَا جَمِيعًا كَمَا فِي الْخِنْزِيرِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الِاصْطِيَادُ لِدَفْعِ أَذِيَّتِهِ فَإِذَا كَانَ الِاصْطِيَادُ مُبَاحًا حَلَّ الْمُصَابُ إذَا كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ وَإِنْ كَانَ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُهَا لَحْمًا أَوْ جِلْدًا) أَيْ أَوْ شَعْرًا أَوْ رِيشًا أَوْ دَفْعَ أَذِيَّتِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ صَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ) أَيْ مَأْكُولٍ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ) أَيْ، وَإِنْ كَانَ لَا ذَكَاةَ لَهُ. اهـ. غَايَةٌ

الْقَيْدِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ لَوْ رَمَى إلَى جَرَادٍ أَوْ سَمَكَةٍ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ فَأَصَابَ طَائِرًا أَوْ صَيْدًا آخَرَ فَقَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُؤْكَلُ، وَهَذَا أَوْضَحُ مِنْ الْكُلِّ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ آدَمِيٌّ أَوْ حَيَوَانٌ أَهْلِيٌّ أَوْ ظَبْيٌ مُسْتَأْنَسٌ أَوْ مُوثَقٌ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَقَعْ اصْطِيَادًا فَلَا يَقُومُ مَقَامَ الذَّكَاةِ وَلَوْ رَمَى إلَى طَائِرٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ مِنْ الصُّيُودِ وَفَرَّ الطَّائِرُ وَلَا يَدْرِي أَهُوَ وَحْشِيٌّ أَمْ لَا حَلَّ الْمُصَابُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ التَّوَحُّشُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَى إلَى بَعِيرٍ فَأَصَابَ صَيْدًا وَلَا يَدْرِي أَهُوَ نَادٌّ أَمْ لَا حَيْثُ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الِاسْتِئْنَاسُ فَيُحْكَمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِظَاهِرِ حَالِهِ وَلَوْ أَصَابَ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ وَقَدْ ظَنَّهُ آدَمِيًّا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَيْدٌ حَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ مَعَ تَعَيُّنِهِ صَيْدًا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى: إذَا سَمِعَ حِسًّا بِاللَّيْلِ فَظَنَّ أَنَّهُ إنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ حَيَّةٌ فَرَمَاهُ فَإِذَا ذَلِكَ الَّذِي سَمِعَ حِسَّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ سَهْمُهُ ذَلِكَ الصَّيْدَ الَّذِي سَمِعَ حِسَّهُ أَوْ أَصَابَ صَيْدًا آخَرَ وَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ رَمَاهُ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ الصَّيْدَ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَحِلُّ الصَّيْدُ إلَّا بِوَجْهَيْنِ أَنْ يَرْمِيَهُ، وَهُوَ يُرِيدُ الصَّيْدَ وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي أَرَادَهُ وَسَمِعَ حِسَّهُ وَرَمَى إلَيْهِ صَيْدًا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ لَا، وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ إلَى الْآدَمِيِّ وَنَحْوِهِ لَيْسَ بِاصْطِيَادٍ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ وَلَوْ أَصَابَ صَيْدًا. وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ آدَمِيٍّ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ وَعَلَى اقْتِضَاءِ مَا ذَكَرَهُ هُنَا أَنْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّ الْمُصَابَ صَيْدٌ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ أَيْضًا فِيهَا صَيْدٌ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي النِّهَايَةِ بِفَرْقٍ غَيْرِ مُخْلِصٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ وَقَالَ فِيهِ لَوْ رَمَى إلَى آدَمِيٍّ أَوْ بَقَرٍ أَوْ نَحْوِهِ وَسَمَّى فَأَصَابَ صَيْدًا مَأْكُولًا لَا رِوَايَةَ لِهَذَا فِي الْأَصْلِ وَلِأَبِي يُوسُفَ فِيهِ قَوْلَانِ فِي قَوْلٍ يَحِلُّ وَفِي قَوْلٍ لَا يَحِلُّ فَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فَيَسْتَقِيمُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ، وَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ صَاحِبَ الْحِسِّ مَا هُوَ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُ مَا أَصَابَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ غَيْرَ صَيْدٍ فَلَا يَحِلُّ الْمُصَابُ بِالشَّكِّ وَالْبَازِي وَالْفَهْدُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْكَلْبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ، وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ حَرُمَ) لِمَا رَوَيْنَا فِي الْكَلْبِ مِنْ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَاةُ اضْطِرَارٍ فَيَكُونُ الْوَارِدُ فِي أَحَدِهِمَا وَارِدًا فِي الْآخَرِ دَلَالَةً لِاسْتِوَائِهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ وَقَعَ سَهْمٌ بِصَيْدٍ فَتَحَامَلَ وَغَابَ وَهُوَ فِي طَلَبِهِ حَلَّ، وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ مَيِّتًا لَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي ثَعْلَبَةَ «إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَغَابَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَدْرَكْته فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَرِهَ أَكْلَ الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْ الرَّامِي وَقَالَ لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» فَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَيُعْتَبَرُ فِيمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَوْهُومَ فِي الْحُرُمَاتِ كَالْمُتَحَقَّقِ وَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الِاصْطِيَادِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ يَكُونُ فِي الصَّحْرَاءِ بَيْنَ الْأَشْجَارِ عَادَةً وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتُلَهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ وَتَوَارٍ عَنْ عَيْنِهِ غَالِبًا فَيُعْذَرُ مَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ وَلَا يُعْذَرُ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ مِثْلِهِ مُمْكِنٌ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَيَحْرُمُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِلضَّرُورَةِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فِيمَا يُمْكِنُ وَجَعَلَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ شَرْطِ حِلِّ الصَّيْدِ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ فَقَالَ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ رُبَّمَا يَكُونُ مَوْتُ الصَّيْدِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَحِلُّ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كُلْ مَا أَصَمَيْت وَدَعْ مَا أَنْمَيْت وَالْإِصْمَاءُ مَا رَأَيْته وَالْإِنْمَاءُ مَا تَوَارَى عَنْك، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ يَحْرُمُ بِالتَّوَارِي، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِي رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ إنَّ مَا تَوَارَى عَنْك إذَا لَمْ يَبِتْ لَيْلَةً يَحِلُّ فَإِذَا بَاتَ لَيْلَةً لَا يَحِلُّ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا تَوَارَى عَنْهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِذَا وَقَعَ السَّهْمُ بِالصَّيْدِ فَتَحَامَلَ حَتَّى غَابَ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أَكَلَ، وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ فَبَنَى الْأَمْرَ عَلَى الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ لَا عَلَى التَّوَارِي وَعَدَمِهِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ كُتُبِ فُقَهَاءِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَلَوْ حَمَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ، وَإِنْ تَبَيَّنَ إلَخْ) قَالُوا وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى طَيْرٍ مُوثَقٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّ الْمُوثَقَ لَا يَجُوزُ صَيْدُهُ بِالْكَلْبِ، وَهُوَ كَالشَّاةِ وَلَوْ أَرْسَلَ بَازَهُ عَلَى ظَبْيٍ، وَهُوَ لَا يَصِيدُ الظِّبَاءَ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ هَذَا الْإِرْسَالَ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الِاصْطِيَادُ فَصَارَ كَمَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى فِيلٍ فَأَصَابَ صَيْدًا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَلَّ الْمُصَابُ)، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الطَّيْرَ الدَّاجِنَ إذَا رُئِيَ فِي الصَّحْرَاءِ لَمْ يَحِلَّ بِالْعَقْرِ؛ لِأَنَّهُ يَأْوِي الْبُيُوتَ فَتَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا رَمَى إلَى طَيْرٍ ثُمَّ شَكَّ فِيهِ فَالْأَصْلُ فِي الطَّيْرِ التَّوَحُّشُ حَتَّى يُعَلَّمَ الِاسْتِئْنَاسَ فَيَتَعَلَّقُ بِرَمْيِهِ الْإِبَاحَةُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُنْتَقَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفَهْدُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْكَلْبِ) لَفْظُ كَالْكَلْبِ هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ بَدَلُ كَالْكَلْبِ كَالسَّهْمِ فَلْيُتَأَمَّلْ

مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ كَانَ يَسْتَقِيمُ وَلَمْ يَتَنَاقَضْ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ يُبِيحُ مَا غَابَ عَنْهُ وَبَاتَ لَيَالِيَ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنْ وَجَدَ بِهِ جِرَاحَةً سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ لَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ «إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ غَابَ عَنْك يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إلَّا أَثَرَ سَهْمِك فَكُلْ إنْ شِئْت، وَإِنْ وَجَدْته غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ «إذَا وَجَدْت سَهْمَك وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِهِ وَعَلِمْت أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ فَكُلْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عَدِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْمِي فِي الصَّيْدِ فَأَجِدُ فِيهِ سَهْمِي مِنْ الْغَدِ قَالَ «إذَا عَلِمْت أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ وَلَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ فَكُلْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ؛ وَلِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ تَحَقَّقَتْ فِيهِ الْأَمَارَةُ فَيَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِلَا أَمَارَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَحُكْمُ إرْسَالِ الْكَلْبِ وَالْبَازِي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَالرَّمْيِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ حَرُمَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة: 3] وَلِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ «إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ وَجَدْته قَدْ قَتَلَ فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُك» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ «إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَكُلْ وَإِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّهُ احْتَمَلَ مَوْتَهُ بِغَيْرِهِ إذْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُهْلِكَةٌ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا فَيَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ فِي الْمُحْتَمَلِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ مُضَافٌ إلَى غَيْرِ الرَّمْيِ وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَرَّ ذِكْرُهُ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً حَلَّ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ كَيْ لَا يَنْسَدَّ بَابُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِهِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَأَمْكَنَ تَرْجِيحُ الْمُحَرَّمِ عِنْد التَّعَارُضِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ آجُرَّةٍ مَوْضُوعَةٍ فَاسْتَقَرَّ وَلَمْ يَتَرَدَّ حَلَّ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَوُقُوعِهِ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ عَلَى شَجَرٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ آجُرَّةٍ ثُمَّ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ رَمَاهُ وَهُوَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ أَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ عَلَى رُمْحٍ مَنْصُوبٍ أَوْ قَصَبَةٍ قَائِمَةٍ أَوْ عَلَى حَرْفِ آجُرَّةٍ حَيْثُ يَحْرُمُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَتَلَهُ بِحَدِّهِ أَوْ بِتَرَدِّيهِ، وَهُوَ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْفَلَقَ رَأْسُهُ أَوْ انْشَقَّ بَطْنُهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا خِلَافُ إطْلَاقِ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ فِيمَا عَدَا هَذَا الْمُفَسَّرِ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْمَوْتِ بِانْفِلَاقِ الرَّأْسِ وَانْشِقَاقِ الْبَطْنِ ظَاهِرٌ وَبِالرَّمْيِ مَوْهُومٌ مُتَرَدِّدٌ فَالظَّاهِرُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْمَوْهُومِ فَيَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْشَقَّ وَلَمْ يَنْفَلِقْ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِالرَّمْيِ هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا يَحْرُمُ فَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْأَصْلِ عَلَيْهِ وَحَمَلَ السَّرَخْسِيُّ مَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى عَلَى مَا إذَا أَصَابَهُ حَدُّ الصَّخْرَةِ فَانْشَقَّ لِذَلِكَ وَحَمَلَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُصِبْهُ مِنْ الصَّخْرَةِ إلَّا مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَحَلَّ لِذَلِكَ فَكِلَا التَّأْوِيلَيْنِ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْمِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا إذَا مَاتَ بِالرَّمْيِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى عَلَى مَا إذَا مَاتَ بِغَيْرِهِ وَفِي لَفْظِ الْمُنْتَقَى إشَارَةٌ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ أَيْ غَيْرِ الرَّمْيِ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى فَلَا يُبَالَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَرْمِيُّ مَائِيًّا فَإِنْ لَمْ تَنْغَمِسْ الْجِرَاحَةُ فِي الْمَاءِ أُكِلَ، وَإِنْ انْغَمَسَتْ لَا يُؤْكَلُ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِهِ دُونَ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّ تَشَرُّبَ الْجُرْحِ الْمَاءَ سَبَبٌ لِزِيَادَةِ الْأَلَمِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَصَابَهُ السَّهْمُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا قَتَلَهُ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ أَوْ الْبُنْدُقَةُ حَرُمَ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ «قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي أَرْمِي الصَّيْدَ بِالْمِعْرَاضِ فَأُصِيبُ فَقَالَ إذَا رَمَيْت بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْخَذْفِ وَقَالَ إنَّهَا لَا تَصِيدُ وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ» رَوَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ) أَيْ مَوْتُهُ بِجِرَاحَةٍ سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْبَازِي) فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَالرَّمْيِ يَعْنِي إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ أَوْ الْبَازِيَ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ فَجَرَحَهُ فَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ حَلَّ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ جِرَاحَةٌ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ أَوْ كَانَ بِهِ جِرَاحَةٌ أُخْرَى لَمْ يَحِلَّ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْوُقُوعُ فِي الْمَاءِ مِمَّا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَقَعُ فِي الْمَاءِ بِخِلَافِ السُّقُوطِ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا قَتَلَهُ الْمِعْرَاضُ) وَالْمِعْرَاضُ سَهْمٌ بِلَا رِيشٍ وَلَا نَصْلٍ يَمْضِي عَرْضًا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَخَزَقَ) بِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَبِالرَّاءِ تَصْحِيفٌ. اهـ. مُغْرِبٌ يُقَالُ خَزَقَ الْمِعْرَاضُ بِالزَّايِ أَيْ نَفَذَ وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ فِي الثَّوْبِ اهـ.

[رمى صيدا فقطع عضو منه]

الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّ الْجُرْحَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَالْبُنْدُقَةُ لَا تَجْرَحُ وَكَذَا عَرْضُ الْمِعْرَاضِ، وَإِنْ رَمَاهُ بِالسِّكِّينِ أَوْ السَّيْفِ فَإِنْ أَصَابَهُ بِحَدِّهِ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَإِنْ كَانَ ثَقِيلًا لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ جَرَحَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقْلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ خَفِيفًا وَبِهِ حِدَّةٌ وَجَرَحَ يَحِلُّ لِتَعَيُّنِ الْمَوْتِ بِالْجُرْحِ وَلَوْ جَعَلَ الْحَجَرَ طَوِيلًا كَالسَّهْمِ وَهُوَ خَفِيفٌ وَبِهِ حِدَّةٌ فَرَمَى بِهِ صَيْدًا فَإِنْ جَرَحَ حَلَّ لِقَتْلِهِ بِجُرْحِهِ وَلَوْ رَمَاهُ بِمَرْوَةَ حَدِيدَةٍ وَلَمْ تَبْضِعْ بَضْعًا لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا وَكَذَا إذَا رَمَاهُ بِهَا فَأَبَانَ رَأْسَهُ أَوْ قَطَعَ أَوْدَاجَهُ أَوْ أَبَانَ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّ الْعُرُوقَ قَدْ تَنْقَطِعُ بِالثِّقْلِ فَوَقَعَ الشَّكُّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَلَوْ رَمَاهُ بِعُودٍ مِثْلِ الْعَصَا وَنَحْوِهِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ ثِقْلًا لَا جُرْحًا إلَّا إذَا كَانَ لَهُ حَدٌّ فَبَضَعَ بَضْعًا فَيَكُونُ كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَوْتَ إذَا حَصَلَ بِالْجُرْحِ بِيَقِينٍ حَلَّ، وَإِنْ حَصَلَ بِالثِّقْلِ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَلَا يَحِلُّ حَتْمًا أَوْ احْتِيَاطًا، وَإِنْ جَرَحَهُ فَمَاتَ وَكَانَ الْجُرْحُ مُدْمِيًا حَلَّ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدْمٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا يَحِلُّ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الذَّكَاةِ، وَهُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ النَّجِسِ وَشَرَطَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إخْرَاجَ الدَّمِ بِقَوْلِهِ «انْهَرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَقِيلَ يَحِلُّ لِإِتْيَانِ مَا فِي وُسْعِهِ، وَهُوَ الْجُرْحُ وَإِخْرَاجُ الدَّمِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِهِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَنْحَبِسُ لِغِلَظِهِ أَوْ لِضِيقِ الْمَنْفَذِ بَيْنَ الْعُرُوقِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ كَبِيرَةً حَلَّ بِدُونِ الْإِدْمَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْإِدْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ إنَّمَا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا الدَّمُ لِعَدَمِهِ وَالصَّغِيرَةَ لِضِيقِ الْمَخْرَجِ ظَاهِرًا فَيَكُونُ التَّقْصِيرُ مِنْهُ وَإِنْ ذَبَحَ الشَّاةَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الدَّمُ قِيلَ يَحِلُّ أَكْلُهَا وَقِيلَ لَا يَحِلُّ فَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَالثَّانِي قَوْلُ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَإِذَا أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَ الصَّيْدِ أَوْ قَرْنَهُ فَإِنْ أَدْمَاهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ يَشْتَرِطُ خُرُوجَ الدَّمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أَكَلَ الصَّيْدَ لَا الْعُضْوَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أُكِلَا إنْ مَاتَ الصَّيْدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَانٌ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فَيَحِلُّ كَالْمُبَانِ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمُتْ لِأَنَّهُ مَا أُبِينَ بِالذَّكَاةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا قُطِعَ مِنْ بَهِيمَةٍ، وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَا قُطِعَ مِنْهَا فَهُوَ مَيْتَةٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ذَكَرَ الْحَيَّ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَالْعُضْوُ الْمُبَانُ مِنْهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ حَقِيقَةً لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ يَتَوَهَّمُ سَلَامَتَهُ بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْحَيَاةِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَفِيهِ قَدْرُ هَذَا مِنْ الْحَيَاةِ يَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُبِينَ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ مَيِّتٌ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي الْمَاءِ أَوْ تَرَدَّى مِنْ الْجَبَلِ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ حَصَلَ بِالْإِبَانَةِ حُكْمًا فَلَا يُضَافُ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ حَصَلَ بِذَلِكَ حَقِيقَةً، وَقَوْلُهُ أُبِينَ بِالذَّكَاةِ قُلْنَا حَالَ وُقُوعِهِ لَمْ يَقَعْ ذَكَاةً لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِي الْبَاقِي حَقِيقَةً وَحُكْمًا عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَكَاةً عِنْدَ مَوْتِهِ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَظْهَرُ فِي الْمُبَانِ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَلَا تَبَعِيَّةَ لِزَوَالِهِ بِالِانْفِصَالِ فَصَارَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمُبَانَ مِنْ الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا يَحِلُّ وَالْمُبَانَ مِنْ الْحَيِّ صُورَةً لَا حُكْمًا يَحِلُّ بِأَنْ يَبْقَى فِي الْمُبَانِ مِنْهُ حَيَاةٌ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ فَإِنَّهُ حَيٌّ صُورَةً لَا حُكْمًا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وُقُوعُهُ فِي الْبِئْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكَذَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْإِيلَامِ بِقَطْعِ لَحْمِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُبَانُ مِنْهُ بِالِاصْطِيَادِ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا حَتَّى لَا يَثْبُتَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ قَطَعَهُ أَثْلَاثًا وَالْأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ أُكِلَ كُلُّهُ)؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ صُورَةً لَا حُكْمًا إذْ لَا يُتَوَهَّمُ سَلَامَتُهُ وَبَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ فَوَقَعَ ذَكَاةً فِي الْحَالِ فَحَلَّ كُلُّهُ كَمَا إذَا أُبِينَ رَأْسُهُ فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَكَذَا إذَا قُدَّ نِصْفَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ فَخِذًا أَوْ ثُلُثَهُ مِمَّا يَلِي الْقَوَائِمَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ حَيْثُ يَحْرُمُ الْمُبَانُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ ضَرَبَ عُنُقَ شَاةٍ فَأَبَانَ رَأْسَهَا تَحِلُّ لِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَيُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْأَلَمِ بِإِبْلَاغِهِ النُّخَاعَ، وَإِنْ ضَرَبَهَا مِنْ قِبَلِ الْقَفَا إنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ لَا تَحِلُّ، وَإِنْ لَمْ تَمُتْ حَتَّى قَطَعَ الْأَوْدَاجَ حَلَّتْ وَلَوْ ضَرَبَ صَيْدًا فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ وَلَمْ يَنْفَصِلْ ثُمَّ مَاتَ إنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ الْتِئَامُهُ وَانْدِمَالُهُ حَلَّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَجْزَائِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَوَهَّمُ بِأَنْ بَقِيَ مُتَعَلِّقًا بِجِلْدِهِ حَلَّ مَا سِوَاهُ دُونَهُ لِوُجُودِ الْإِبَانَةِ مَعْنًى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ رَمَاهُ بِمَرْوَةَ حَدِيدَةٍ) أَيْ حَادَّةٍ، وَهِيَ صِفَةٌ لِمَرْوَةَ، وَهِيَ الْحَجَرُ الْأَبْيَضُ الرَّقِيقُ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَبْضِعْ) الْبَضْعُ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ قِيلَ لَا يَحِلُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلْ» فَشَرَطَ الْإِنْهَارَ، وَهَذَا ضَعِيفٌ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ كَمَا شَرَطَ الْإِنْهَارَ شَرَطَ فَرْيَ الْأَوْدَاجِ أَيْضًا وَفِي ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ لَمْ يَشْتَرِطْ فَرْيَ الْأَوْدَاجِ فَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْإِنْهَارُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَحِلُّ) أَيْ صَغِيرَةً كَانَتْ الْجِرَاحَةُ أَوْ كَبِيرَةً، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْجُرْحِ كَافٍ فِي ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِهِ) كَمَا إذَا عَلَفَهُ وَرَقَ الْعُنَّابِ فَاحْتَبَسَ دَمُهُ وَخُرُوجُ الدَّمِ حَالَ عَدَمِهِ فِيمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْإِبَاحَةِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ ذَبَحَ شَاةً وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا دَمٌ إلَخْ) اُنْظُرْ عِبَارَةَ الْمَتْنِ فِي آخِرِ الذَّبَائِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِذَا أَصَابَ السَّهْمُ إلَخْ) ذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ عَقِيبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِبَارَةَ الْوَلْوَالِجِيِّ الَّتِي نَقَلْتهَا فِيمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلٍ فِيمَا يَحِلُّ وَمَا لَا يَحِلُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً فَتَحَرَّكَتْ إلَخْ عَلَى قَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إلَخْ اهـ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْو مِنْهُ] (قَوْلُهُ لِمَا فِيهَا) وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لِمَا فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ ضَرَبَ عُنُقَ شَاةٍ) أَيْ بِسَيْفٍ وَسَمَّى. اهـ. هِدَايَةٌ.

[صيد المجوسي والوثني]

وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَرُمَ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ)؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ فَكَذَا فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ وَكَذَا الْمُحْرِمُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ فِي حَقِّ الصَّيْدِ فَكَذَا لَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فِيهِ وَيُؤْكَلُ صَيْدُ الْكِتَابِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ اخْتِيَارًا فَكَذَا اضْطِرَارًا. [صَيْد الْمَجُوسِيّ وَالْوَثَنِيّ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَلَمْ يُثْخِنْهُ فَرَمَاهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلثَّانِي وَحَلَّ)؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْآخِذُ لَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ»، وَإِنَّمَا حَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ بِالْأَوَّلِ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ كَانَ ذَكَاتُهُ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ وَهُوَ الْجُرْحُ أَيَّ مَوْضِعٍ كَانَ، وَقَدْ وُجِدَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ أَثْخَنَهُ فَلِلْأَوَّلِ وَحَرُمَ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ وَصَارَ قَادِرًا عَلَى ذَكَاتِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ذَكَاتُهُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَمْ يُذَكِّهِ وَصَارَ الثَّانِي قَاتِلًا لَهُ فَيَحْرُمُ، وَهُوَ لَوْ تَرَكَ ذَكَاتَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَحْرُمُ فَبِالْقَتْلِ أَوْلَى أَنْ يَحْرُمَ بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا إذَا كَانَ بِحَالٍ يَسْلَمُ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُضَافُ إلَى الثَّانِي أَمَّا إذَا كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الصَّيْدُ بِأَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ كَمَا إذَا أَبَانَ رَأْسَهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُضَافُ إلَى الرَّمْيِ الثَّانِي فَلَا اعْتِبَارَ بِوُجُودِهِ لِكَوْنِهِ مَيِّتًا حُكْمًا؛ وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْرُمُ كَوُقُوعِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ مِنْهُ الصَّيْدُ لَكِنَّ حَيَاتَهُ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ بِأَنْ كَانَ يَبْقَى يَوْمًا أَوْ دُونَهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحْرُمُ بِالرَّمْيَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ فَصَارَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ مَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ يَسْلَمُ مِنْهُ فَلَا يَحِلُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ) أَيْ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَةِ الصَّيْدِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَةُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ صَيْدًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِثْخَانِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَتْلَفَ وَقِيمَتُهُ وَقْتَ إتْلَافِهِ كَانَ نَاقِصًا بِجِرَاحَةِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُتْلَفِ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْإِتْلَافِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ عَبْدًا مَرِيضًا أَوْ شَاةً مَجْرُوحَةً، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ مَنْقُوصًا بِالْمَرَضِ أَوْ الْجُرْحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ تَأْوِيلُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِالثَّانِي بِأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَسْلَمُ مِنْهُ وَالثَّانِي بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ لِيَكُونَ الْقَتْلُ كُلُّهُ مُضَافًا إلَى الثَّانِي، وَقَدْ قَتَلَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْأَوَّلِ مَنْقُوصًا بِالْجِرَاحَةِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَمَلًا كَمَا إذَا قَتَلَ عَبْدًا مَرِيضًا، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يَدْرِي قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ يَضْمَنُ الثَّانِي مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ لَحْمِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ ضَمَانُ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ؛ فَلِأَنَّهُ جَرَحَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ، وَقَدْ نَقَصَهُ فَيَضْمَنُهُ أَوَّلًا، وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ ضَمَانُ نِصْفِ قِيمَتِهِ حَيًّا؛ فَلِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِالْجِرَاحَتَيْنِ فَيَكُونُ هُوَ مُتْلِفًا نِصْفَهُ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجِرَاحَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى مَا كَانَتْ بِصُنْعِهِ يَعْنِي الْجِرَاحَةَ الْأُولَى مَا كَانَتْ بِصُنْعِ الثَّانِي فَلَا يَضْمَنُهَا وَالثَّانِيَةُ ضَمِنَهَا مَرَّةً فَلَا يَضْمَنُهَا ثَانِيًا أَيْ الْجِرَاحَةُ الثَّانِيَةُ وَمُرَادُهُ مَا نَقَصَ بِجِرَاحَتِهِ ضَمِنَهَا مَرَّةً، وَهُوَ مَا ضَمِنَهُ مِنْ النُّقْصَانِ بِجِرَاحَتِهِ أَوَّلًا، وَأَمَّا الثَّالِثُ، وَهُوَ ضَمَانُ نِصْفِ اللَّحْمِ فَلِأَنَّ بِالرَّمْيَةِ الْأُولَى صَارَ بِحَالٍ يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَوْلَا رَمْيُ الثَّانِي، فَهَذَا بِالرَّمْيِ الثَّانِي أَفْسَدَ عَلَيْهِ نِصْفَ اللَّحْمِ فَيَضْمَنُهُ وَلَا يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ مَرَّةً حَيْثُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ حَيًّا فَدَخَلَ ضَمَانُ اللَّحْمِ فِيهِ وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقًا أَعْنِي بَيْنَ مَا إذَا حَصَلَ الْقَتْلُ بِالثَّانِي وَحْدَهُ أَوْ بِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَضْمَنُ الثَّانِي جَمِيعَ قِيمَتِهِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَةُ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَمِيعَ الْحَاصِلِ وَفِي الثَّانِيَةِ بَيَّنَ طَرِيقَ الضَّمَانِ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ قَاضِيخَانْ أَيْ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بَيَانُهُ أَنَّ الرَّامِيَ الْأَوَّلَ إذَا رَمَى صَيْدًا يُسَاوِي عَشَرَةً فَنَقَصَهُ دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي فَنَقَصَهُ دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى يَضْمَنُ الثَّانِي ثَمَانِيَةً وَيَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَلِفَ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ يَضْمَنُ دِرْهَمَيْنِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ النُّقْصَانِ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الزِّيَادَاتِ يَضْمَنُ الثَّانِي مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ سِتَّةٌ فَيَضْمَنُ نِصْفَهَا، وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ يَعْنِي بِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ حَيًّا ثُمَّ إذَا مَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَرُمَ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ) وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ سَمَكَةٍ يَصِيدُهَا مَجُوسِيٌّ؛ لِأَنَّهَا تَحِلُّ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَخَذَ سَمَكَةً وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَلَيْهَا تَحِلُّ وَمَا يَحِلُّ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ فَالْمَجُوسِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ اهـ نِهَايَةٌ فِي الذَّبَائِحِ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ حَرُمَ اهـ

يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ اللَّحْمَ فَلَا يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ تَفْوِيتُ اللَّحْمِ فِيهِ مَوْجُودًا بِقَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ ذَلِكَ النِّصْفَ حَيَاةً فَلَوْ ضَمِنَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ يَتَكَرَّرَ الضَّمَانُ بِأَنْ ضَمِنَ قِيمَتَهُ حَيًّا ثُمَّ يَضْمَنُ قِيمَةَ لَحْمِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ بَيِّنَةً عِنْدَ رَمْيِ الثَّانِي وَكَانَ الرَّمْيُ الثَّانِي بَعْدَ مَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ أَمَّا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ خَفِيَّةً بِقَدْرِ الْمَذْبُوحِ فَلَا يَضْمَنُ الثَّانِي وَيُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُضَافُ إلَى الثَّانِي؛ وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْرُمُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَعَنْهُ وَقَعَ الِاحْتِرَازُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يَدْرِي، وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَأَصَابَهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الْآخَرُ أَوْ رَمَاهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَ مَا أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ فَأَصَابَهُ الْأَوَّلُ وَأَثْخَنَهُ أَوْ أَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَيُؤْكَلُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ حَالَةَ إصَابَةِ الثَّانِي غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَلَا يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَمَاهُ الثَّانِي بَعْدَ مَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ قُلْنَا عِنْدَ رَمْيِ الثَّانِي هُوَ صَيْدٌ مُمْتَنِعٌ فَوَقَعَ رَمْيُهُ ذَكَاةً؛ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الرَّمْيِ فَكَذَا الِامْتِنَاعُ يُعْتَبَرُ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ سَهْمَهُ أَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَمَلَكَهُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَّصِلَ سَهْمُ الثَّانِي بِهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالضَّمَانِ وَقْتُ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ إلَى صَيْدٍ مُبَاحٍ فَلَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ ذَكَاةٌ فَيَحِلُّ الْمُصَابُ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ وَفِعْلُهُ هُوَ الرَّمْيُ وَالْإِرْسَالُ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُهُ، وَفِي حَقِّ الْمِلْكِ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِثْخَانِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَزُفَرُ يَعْتَبِرُ وَقْتَ الْإِثْخَانِ فِيهِمَا وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا وَأَصَابَاهُ فَمَاتَ مِنْهُمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ وَالْبَازِي وَالْكَلْبُ فِي هَذَا كَالسَّهْمِ حَتَّى يَمْلِكَهُ بِإِثْخَانِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إمْسَاكُهُ بِدُونِ الْإِثْخَانِ حَتَّى لَوْ أَرْسَلَ بَازِيَهُ فَأَمْسَكَ الصَّيْدَ بِمِخْلَبِهِ وَلَمْ يُثْخِنْهُ فَأَرْسَلَ آخَرُ بَازِيَهُ فَقَتَلَ ذَلِكَ الصَّيْدَ كَانَ الصَّيْدُ لِلثَّانِي وَحَلَّ لِأَنَّ يَدَ الْبَازِي الْأَوَّلِ لَيْسَتْ بِيَدٍ حَافِظَةٍ لِتُقَامَ مَقَامَ يَدِ الْمَالِكِ أَمَّا الْقَتْلُ فَهُوَ إتْلَافٌ وَالْبَازِي مِنْ أَهْلِ الْإِتْلَافِ فَيُنْقَلُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ رَمَى سَهْمًا فَأَصَابَ الصَّيْدَ فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ رَمَاهُ ثَانِيًا فَقَتَلَهُ حَرُمَ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ رَمَى سَهْمًا فَأَصَابَ سَهْمًا مَوْضُوعًا عَلَى حَائِطٍ فَدَفَعَهُ وَمَضَى السَّهْمُ الثَّانِي وَأَصَابَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ حَلَّ؛ لِأَنَّ انْدِفَاعَ السَّهْمِ الثَّانِي بِوَاسِطَةِ الْأَوَّلِ فَأُضِيفَ إلَى رَامِيهِ كَأَنَّهُ رَمَاهُ بِهِ وَلَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ وَرَمَى رَجُلٌ آخَرُ إلَى ذَلِكَ الصَّيْدِ أَوْ غَيْرِهِ فَأَصَابَ السَّهْمُ الثَّانِي السَّهْمَ الْأَوَّلَ وَأَمْضَاهُ حَتَّى أَصَابَ الصَّيْدَ وَقَتَلَهُ جَرْحًا يُنْظَرُ إنْ كَانَ السَّهْمُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ إلَى الصَّيْدِ بِدُونِ دَفْعِ الثَّانِي فَالصَّيْدُ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ هُوَ الْآخِذُ لَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الثَّانِي مَجُوسِيًّا أَوْ مُحْرِمًا لَا يَحِلُّ وَإِنْ كَانَ السَّهْمُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَبْلُغُ الصَّيْدَ بِدُونِ السَّهْمِ الثَّانِي فَالصَّيْدُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّابِقُ فِي الْأَخْذِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مَجُوسِيًّا أَوْ مُحْرِمًا لَا يَحِلُّ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ زِيَادَةَ قُوَّةٍ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ فَأَوْجَبَ الْحُرْمَةَ احْتِيَاطًا مَجُوسِيٌّ رَمَى صَيْدًا أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ فَأَقْبَلَ الصَّيْدُ هَارِبًا مِنْ سَهْمِهِ أَوْ كَلْبِهِ فَرَمَاهُ مُسْلِمٌ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ قَبْلَ وُقُوعِ سَهْمِ الْمَجُوسِيِّ عَلَى الْأَرْضِ وَقَبْلَ رُجُوعِ كَلْبِهِ كُرِهَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ إعَانَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا فِعْلُهُ لَمَا قَدَرَ الْمُسْلِمُ عَلَى قَتْلِهِ بِهَذَا الرَّمْيِ وَالشَّرِكَةُ تُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَالْإِعَانَةُ تُوجِبُ الْكَرَاهَةَ أَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ وُقُوعِ سَهْمِ الْمَجُوسِيِّ فِي الْأَرْضِ أَوْ بَعْدَ رُجُوعِ كَلْبِهِ فَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ لَمْ يَبْقَ حَالَ رَمْيِ الْمُسْلِمِ وَإِرْسَالِهِ وَلَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَصَرَفَتْهُ الرِّيحُ عَنْ سَنَنِهِ حَلَّ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَصَابَ السَّهْمُ حَائِطًا أَوْ صَخْرَةً فَارْتَدَّ وَأَصَابَ صَيْدًا حَيْثُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ قَدْ انْقَطَعَ بِالِارْتِدَادِ إلَى وَرَاءَ وَكَذَا إذَا رَدَّتْهُ الرِّيحُ إلَى وَرَاءَ لَا يَحِلُّ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ إلَى وَرَاءَ بِضَرْبِ رَجُلٍ آخَرَ بِسَهْمِهِ حَيْثُ يَحِلُّ إذَا كَانَ يَرْمِيهِ بِقَصْدِ الِاصْطِيَادِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ انْقَطَعَ فَكَانَ مُضَافًا إلَى الثَّانِي فَيَحِلُّ وَلَوْ انْحَرَفَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً بِإِصَابَةِ الْحَائِطِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى وَرَاءَ حَلَّ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الرِّيحِ؛ وَلِأَنَّ قُوَّةَ الرَّمْيِ لَمْ تَنْقَطِعْ فَيُضَافُ إلَى الرَّامِي وَلَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَضَرَبَتْ السَّهْمَ فَزَادَتْ فِي ذَهَابِهِ فَأَصَابَ الصَّيْدَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الرِّيحِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الرَّامِي فَلَمْ يَتَحَقَّقْ بِهَذِهِ الْإِعَانَةِ شُبْهَةُ الشَّرِكَةِ فَبَقِيَتْ الْإِصَابَةُ مُضَافَةً إلَى الرَّمْيِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ اصْطِيَادُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ أَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الثَّانِي) لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِثْخَانِ، وَهُوَ شَرْطٌ لِلْحِلِّ اهـ.

[كتاب الرهن]

قَيْدٍ بِالْمَأْكُولِ إذْ الصَّيْدُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَأْكُولِ قَالَ الشَّاعِرُ صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبٌ وَثَعَالِبٌ ... وَإِذَا رَكِبْتُ فَصَيْدِي الْأَبْطَالُ ؛ وَلِأَنَّ اصْطِيَادَهُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ أَوْ رِيشِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ لِاسْتِدْفَاعِ شَرِّهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الرَّهْنِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ حَبْسُ شَيْءٍ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ كَالدَّيْنِ) هَذَا حَدُّهُ فِي الشَّرْعِ، وَهَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ وَالدَّوَامِ وَيُطْلَقُ الرَّهْنُ عَلَى الْمَرْهُونِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ يُقَالُ رَهَنْتُ الرَّجُلَ شَيْئًا وَرَهَنْتُهُ عِنْدَهُ وَأَرْهَنْتُهُ لُغَةٌ فِيهِ وَالْجَمْعُ رِهَانٌ وَرُهُونٌ وَرُهُنٌ وَالرَّهْنُ فِي اللُّغَةِ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِوَبَالِ مَا كَسَبَتْ مِنْ الْمَعَاصِي وَقَالَ الشَّاعِرُ وَفَارَقَتْك بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ ... يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهْنُ قَدْ غَلَقَا أَيْ ارْتَهَنَتْ وَحَبَسَتْ قَلْبَهُ فَذَهَبَتْ بِهِ يَوْمَ التَّوْدِيعِ وَانْحَبَسَ قَلْبُ الْمُحِبِّ عِنْدَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ فِكَاكُهُ وَقَوْلُهُ كَالدَّيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ الْمُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مَضْمُونَةً بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهَا الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ، وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ دَيْنٌ وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ قِيمَتِهِ وَيَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فِي مَالِهِ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الْعَيْنُ لَمَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَعِنْدَ الْبَعْضِ، وَإِنْ كَانَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ رَدُّ الْعَيْنِ وَرَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصًا وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ إلَّا بَعْدَ الْهَلَاكِ لَكِنْ يَجِبُ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ، وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ رَهْنًا بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهِ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ كَالْأَمَانَاتِ أَوْ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَا لِعَدَمِ وُجُوبِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَوَالَةَ الْمُقَيَّدَةَ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا لَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا وَالْمُقَيَّدَةَ بِغَيْرِ الْمَضْمُونَةِ بِأَعْيَانِهَا تَبْطُلُ بِهِ وَلَوْلَا أَنَّ الْوُجُوبَ أَوْ شُبْهَتَهُ لِوُجُودِ سَبَبِهِ ثَابِتٌ لَبَطَلَتْ وَالرَّهْنُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ فِي جَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيَجُوزُ كَمَا تَجُوزُ الْوَثِيقَةُ فِي جَانِبِ الْوُجُوبِ وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابُ الرَّهْنِ} مُنَاسَبَةُ الرَّهْنِ بِالصَّيْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّهْنِ وَالِاصْطِيَادِ سَبَبٌ مُبَاحٌ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ حَبْسُ شَيْءٍ بِحَقٍّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ كَمَا يَصِحُّ بِالدَّيْنِ يَصِحُّ بِالْغَصْبِ وَالْحَقُّ يَشْمَلُهُمَا وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: فِي شَرْحِهِ الرَّهْنُ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدِ وَثِيقَةٍ بِمَالٍ وَبِذَلِكَ يَنْفَصِلُ مِنْ الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدُ وَثِيقَةٍ بِذِمَّةٍ وَيَنْفَصِلُ مِنْ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ، وَلَيْسَ بِعَقْدٍ عَلَى وَثِيقَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَرْهَنْتُهُ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ رَهَنْته الشَّيْءَ وَأَرْهَنْتُهُ الشَّيْءَ بِمَعْنًى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجَمْعُ) أَيْ جَمْعُ الرَّهْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرُهُنٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّ رُهُنًا جَمْعُ رَهْنٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ الشَّارِحِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالرَّهْنُ الْمَرْهُونُ وَالْجَمْعُ رُهُونٌ وَرِهَانٌ وَرُهُنٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالرِّهَانُ جَمْعُ الرَّهْنِ كَالْعِبَادِ وَالزِّنَادِ فِي جَمْعِ الْعَبْدِ وَالزَّنْدِ وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، وَهِيَ جَمْعُ الْجَمْعِ اهـ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الرَّهْنُ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ رِهَانٌ مِثْلُ حَبْلٍ وَحِبَالٍ وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ رُهُنٌ بِضَمِّ الْهَاءِ قَالَ الْأَخْفَشُ، وَهِيَ قَبِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ فِعْلٌ عَلَى فُعُلٍ إلَّا قَلِيلًا شَاذًّا قَالَ وَذَكَرَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ سَقْفٌ وَسُقُفٌ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ رُهُنٌ جَمْعًا لِلرِّهَانِ كَأَنَّهُ يُجْمَعُ رَهْنٌ عَلَى رِهَانٍ ثُمَّ يُجْمَعُ رِهَانٌ عَلَى رُهُنٍ مِثْلُ فِرَاشٍ وَفُرُشٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ) يَعْنِي مَعْنَاهُ لُغَةً مُطْلَقُ الْحَبْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَمَا رَوَى) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ) فِيهِ فَوَائِدُ إحْدَاهَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ نَسِيئَةً وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ طُولِ الْأَمَلِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أُسَامَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ نَسِيئَةً فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أُسَامَةَ لَطَوِيلُ الْأَمَلِ وَاَللَّهِ لَا أَفْتَحُ عَيْنَيَّ إلَّا وَأَخْشَى عَلَى نَفْسِي الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ أَرُدَّهُمَا» وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ نَسِيئَةً اسْتِدَانَةٌ وَكَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُشَدِّدُ فِي أَمْرِ الدَّيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ثُمَّ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ وَوَعَدَ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَعْدًا جَمِيلًا وَكَانَ يَقُولُ «إنَّ اللَّهَ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ يُرِيدُ قَضَاءَهُ» وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَسَارَعَ قَضَاءَهُ لِئَلَّا يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ، وَهُوَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا حَائِلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالْعَبْدِ بَعْدَ الْكُفْرِ إلَّا الدَّيْنُ إلَّا أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَيُرْضِي خُصَمَاءَهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرَاءِ وَالْمُعَامَلَةِ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ الْوَثِيقَةُ) بَيَانُهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَهُ طَرَفَانِ طَرَفُ الْوُجُوبِ وَطَرَفُ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَوَّلًا فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يُسْتَوْفَى الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ الْوَثِيقَةُ بِطَرَفِ الْوُجُوبِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالذِّمَّةِ، وَهِيَ الْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ فَكَانَتْ الْوَثِيقَةُ الَّتِي بِطَرَفِ الْوُجُوبِ

الْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالْجَامِعُ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوَثِيقَةِ مَاسَّةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّ الْمُسْتَدِينَ قَلَّمَا يَجِدُ مَنْ يُدَيِّنُهُ بِلَا رَهْنٍ وَالدَّائِنُ يَأْمَنُ بِالرَّهْنِ مِنْ التَّوَى بِالْجُحُودِ أَوْ بِإِسْرَافِ الْمَدِينِ فِي مَالِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ بِمُحَاصَّةِ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَكَانَ فِيهِ نَفْعٌ لَهُمَا كَمَا فِي الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ فَشُرِعَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَيَتِمُّ بِقَبْضِهِ مَحُوزًا مُفَرَّغًا مُمَيَّزًا)، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الرَّهْنَ لَا يَلْزَمُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ فَيَلْزَمُ بِهِ قَالَ مَالِكٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْتَصُّ بِالْمَالِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ فَأَشْبَهَ الْكَفَالَةَ فَيَلْزَمُ بِالْقَبُولِ وَالْخِلَافُ مَعَهُ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَالْمَصْدَرُ الْمَقْرُونُ بِحَرْفِ الْفَاءِ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ الْمَوْصُوفِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَصْفُ شَرْطًا فِيهِ إذْ الْمَشْرُوعُ بِصِفَةٍ لَا يُوجَدُ بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ نَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] أَيْ فَلْيُحَرِّرْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ لِمَا أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَسْتَوْجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا؛ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِمْضَاءِ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْإِمْضَاءُ يَكُونُ بِالْقَبْضِ وَقَوْلُهُ مَحُوزًا مُفَرَّغًا مُمَيَّزًا احْتَرَزَ بِالْأَوَّلِ عَنْ الْمُشَاعِ وَبِالثَّانِي عَنْ الْمَشْغُولِ وَبِالثَّالِثِ عَنْ الْمُتَّصِلِ فَإِذَا قَبَضَهُ كَذَلِكَ تَمَّ لِوُجُودِ الْقَبْضِ عَلَى الْكَمَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّخْلِيَةُ فِيهِ وَفِي الْبَيْعِ قَبْضٌ) وَالصَّوَابُ أَنَّ التَّخْلِيَةَ تَسْلِيمٌ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَوَانِعِ مِنْ الْقَبْضِ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُسَلِّمِ دُونَ الْمُتَسَلِّمِ وَالْقَبْضُ فِعْلُ الْمُتَسَلِّمِ، وَإِنَّمَا يُكْتَفَى بِالتَّخْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ فِي غَايَةِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَالْقَبْضُ فِعْلُ غَيْرِهِ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الرَّهْنَ فِي الْمَنْقُولِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنَّقْلِ لِأَنَّهُ قَبْضٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ ابْتِدَاءً إذْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَضْمُونًا عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبْضِ حَقِيقَةً كَالْغَصْبِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِ نَاقِلٌ لِلضَّمَانِ مِنْ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ ذَلِكَ إلَى الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْقِيَاسُ عَلَى الْغَصْبِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ مَشْرُوعٌ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَلَا حَاجَةَ لِثُبُوتِهِ بِدُونِ قَبْضٍ حَقِيقَةً، وَهُوَ النَّقْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ) أَيْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) فَلَوْ هَلَكَ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ دَيْنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي يَخْتَصُّ بِالْمَالِ جَائِزَةً أَيْضًا اعْتِبَارًا بِطَرَفِ الْوُجُوبِ بَلْ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مَقْصُودٌ وَالْوُجُوبُ وَسِيلَةٌ لِهَذَا الْمَقْصُودِ فَلَمَّا شُرِعَتْ الْوَثِيقَةُ فِي حَقِّ الْوَسِيلَةِ فَلَأَنْ تُشْرَعَ فِي حَقِّ الْمَقْصُودِ أَوْلَى كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ وَالْوَثِيقَةُ مَا يُوَثَّقُ بِهِ الشَّيْءُ وَيُؤَكَّدُ بِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ قَالُوا الرُّكْنُ مُجَرَّدُ الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ كَالْهِبَةِ، وَأَمَّا الْقَبُولُ فَشَرْطٌ وَفِي الْمُحِيطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ، وَأَمَّا الْقَبْضُ فَشَرْطُ اللُّزُومِ اهـ قَوْلُهُ الرُّكْنُ مُجَرَّدُ الْإِيجَابِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَبُولِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ شَرْطٌ قَالَهُ مِسْكِينٌ وَقَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ قَالَ الشَّيْخُ مِسْكِينٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمُحِيطِ وَالْمُنْتَقَى أَنَّهُ رُكْنٌ حَتَّى لَا يَحْنَثَ مَنْ حَلَفَ لَا يَرْهَنُ بِدُونِ الْقَبُولِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ إلَخْ وَفِي نُسْخَةٍ وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَقَبْضِهِ، وَعَلَيْهَا فَلَا سَهْوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّيْخِ بَاكِيرٍ كَمَا شَاهَدْت ذَلِكَ فِي خَطِّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا) قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا سَهْوٌ مِنْ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ الْإِيجَابُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، وَهُوَ يَتِمُّ بِالرَّاهِنِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ اهـ قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ هُوَ عَقْدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ شَطْرَيْهِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ رُكْنٌ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 283] إلَخْ) وَصَفَ الرَّهْنَ بِكَوْنِهَا مَقْبُوضَةً وَالنَّكِرَةُ إذَا وُصِفَتْ عَمَّتْ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ إلَّا رَجُلًا كُوفِيًّا فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ الرَّهْنِ مَشْرُوعًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى) أَيْ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وقَوْله تَعَالَى. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ:؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِدَلَالَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ إلَّا بِمَعْنًى يَنْضَمُّ إلَيْهِ كَالْوَصِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ تُجْبَرْ وَرَثَتُهُ عَلَى الْقَبْضِ فَلَوْ تَعَلَّقَ الِاسْتِحْقَاقُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لَزِمَ وَرَثَتَهُ كَالْبَيْعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ) أَيْ الرَّاهِنُ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَقْدِ الرَّهْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ احْتَرَزَ بِالْأَوَّلِ عَنْ الْمَشَاعِ إلَخْ) يَعْنِي فَإِنْ رَهَنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَكِنْ هَلْ رَهْنُهَا بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ يُنْظَرُ فِي الْبَابِ الْآتِي فَإِنَّ الْكَلَامَ هُنَا مُجْمَلٌ. اهـ. وَسَيَأْتِي مُفَصَّلًا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالتَّخْلِيَةُ فِيهِ) يُرِيدُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْقَبْضِ حَتَّى تَتِمَّ بِهِ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَهُ فِي الرَّهْنِ وَلَا الْبَيْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقَبْضُ فِعْلُ الْمُتَسَلِّمِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى اعْتِرَاضَ الشَّارِحِ قُلْت إذَا كَانَتْ التَّخْلِيَةُ تَسْلِيمًا فَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُكْمُ بِالْقَبْضِ سَوَاءٌ وُجِدَ الْقَبْضُ حَقِيقَةً أَوْ لَا فَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْغَايَةَ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا الْحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ اهـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ: يَعْنِي أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا خَلَّى بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَرْهُونِ يُعْتَبَرُ قَابِضًا كَمَا إذَا فَعَلَ الْبَائِعُ مِثْلَ ذَلِكَ بِالْمَبِيعِ وَالْمُشْتَرِي، وَهَذَا؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضٌ وَاجِبٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ مَشْرُوعٍ فَكَانَ كَقَبْضِ الْمَبِيعِ فَثَمَّةَ يُكْتَفَى بِالتَّخْلِيَةِ فَكَذَا هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنَّقْلِ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ اهـ ع (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) أَيْ حَيْثُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالتَّخْلِيَةِ اهـ.

صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ فَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ وَبِقَدْرِ الدَّيْنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِهِ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرَّهْنُ كُلُّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ بِهَلَاكِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ مَعْنَاهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَهُ غُنْمُهُ أَيْ لِلرَّاهِنِ الزَّوَائِدُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ أَيْ لَوْ هَلَكَ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الرَّاهِنِ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ اعْتِبَارًا بِهَلَاكِ الصَّكِّ وَالشُّهُودِ وَبِهَلَاكِ الْوَثِيقَةِ فِي جَانِبِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَثِيقَةَ يُرَادُ بِهَا مَعْنَى الصِّيَانَةِ وَسُقُوطُ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ يُضَادُّ الصِّيَانَةَ إذَا لَحِقَ بِهِ يَصِيرُ بِعَرْضِيَّةِ الْهَلَاكِ، وَهُوَ ضِدُّ الصِّيَانَةِ فَصَارَ أَمَانَةً ضَرُورَةً أَلَا تَرَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَالْقَبْضُ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ فَلَا يَثْبُتُ الضَّمَانُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَلَنَا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ مَا نَفَقَ الْفَرَسُ الرَّهْنُ عِنْدَهُ ذَهَبَ حَقُّك» وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الْحَقِّ فِي الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُعِثَ لِبَيَانِ الْأَحْكَامِ لَا لِبَيَانِ الْحَقَائِقِ؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ ذُكِرَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ فَيَعُودُ إلَى الْمَذْكُورِ أَوَّلًا وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا عُمِّيَ الرَّهْنُ، فَهُوَ بِمَا فِيهِ» مَعْنَاهُ عَلَى مَا قَالُوا إذَا اشْتَبَهَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ بَعْدَ مَا هَلَكَ بِأَنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا أَدْرِي كَمْ كَانَ قِيمَتُهُ فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِمَا فِيهِ مِنْ الدَّيْنِ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ فَمَذْهَبُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ وَقَالَ الْحَسَنُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ بَقَاءِ الرَّهْنِ إذَا اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْفَضْلَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ مَذْهَبِنَا وَعِنْدَ شُرَيْحٍ الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِمَا فِيهِ قَلَّتْ قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ حَتَّى لَا يَرْجِعَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَعْدَ هَلَاكِهِ بِشَيْءٍ مُطْلَقًا، وَهَذَا اخْتِلَافُ السَّلَفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَإِحْدَاثُ قَوْلٍ رَابِعٍ خُرُوجٌ عَنْ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ؛ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ، وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَالْحَبْسُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يُنْبِئُ عَنْ الْحَبْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَثْبُتُ عَلَى وَفْقِ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا لَهُ إلَيْهِ وَيَثْبُتُ ذَلِكَ بِمِلْكِ الْيَدِ وَالْحَبْسِ لِيَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الْجُحُودِ مَخَافَةَ جُحُودِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ وَلِيَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَيَتَسَارَعُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ لِضَجَرِهِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْمَعْنَى ثَبَتَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ وَجْهٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ فَلَوْ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ بَعْدَهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ اسْتِيفَاءً ثَانِيًا وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَوَّلِ يَنْتَقِضُ بِالرَّدِّ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَتَكَرَّرُ وَلَا يُقَالُ إنَّمَا صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِمِلْكِ الْيَدِ لَا بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَقَدْ بَقِيَ حَقُّهُ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ كَامِلًا أَوْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِالْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ فَيَكُونُ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ ثَانِيًا لِيَأْخُذَ حَقَّهُ فِي الْعَيْنِ كَامِلًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا وَجْهَ إلَى اسْتِيفَاءِ الْبَاقِي، وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ بِدُونِ مِلْكِ الْيَدِ أَوْ مِلْكُ الْعَيْنِ بِدُونِ مِلْكِ الْمَالِيَّةِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فَيَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا إذَا اسْتَوْفَى زُيُوفًا مَكَانَ الْجِيَادِ، فَإِنَّ حَقَّهُ فِي الْجَوْدَةِ يَبْطُلُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ اسْتِيفَاءِ الْجَوْدَةِ وَحْدَهَا بِدُونِ الْعَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ الْعَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ السَّابِقِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ لَا يَغْلَقُ) مِنْ بَابِ عَلِمَ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ الشَّافِعِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهُوَ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ) إذْ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ فَكَذَا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الْحَقِّ إلَخْ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ ذَهَبَ حَقُّك مِنْ الْإِمْسَاكِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعْلَمُ مُشَاهَدَةً وَلَا مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِرَهْنٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ ذَهَبَ حَقُّك مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أَخْبَرَنَا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ «أَنَّ رَجُلًا ارْتَهَنَ فَرَسًا فَمَاتَ الْفَرَسُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ حَقُّك» فَدَلَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بُطْلَانِ الدَّيْنِ بِضَيَاعِ الْمُرْتَهَنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ وَلَوْ كَانَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كَأَنَّهُ جَعَلَ الدَّيْنَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ: فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُؤْخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ يُنَافِي مَعْنَى الْوَثِيقَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِحْدَاثُ قَوْلٍ رَابِعٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّ الرَّهْنَ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بَلْ هُمْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ مَضْمُونٌ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ فَعِنْدَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هِيَ أَمَانَةٌ، وَقَوْلُ الْخَصْمِ إنَّهُ أَمَانَةٌ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ فَلَا يُسْمَعُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِدُونِ مِلْكِ الْيَدِ) يَعْنِي إذَا رَدَّ الرَّهْنَ إلَى صَاحِبِهِ يَفُوتُ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ الْمُرْتَهِنِ وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالِاسْتِيفَاءِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمُرْتَهِنِ دَيْنَهُ مِنْ الرَّهْنِ بِدُونِ مِلْكِ الْيَدِ لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِيفَاءُ وَطُولِبَ الرَّاهِنُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ لَا يَلْزَمُ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ الِاسْتِيفَاءُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِذَا) أَيْ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَقَعُ بِالْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ بَقِيَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِي هَذَا الْكَلَامِ خَلَلٌ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ

بَقِيَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فِيهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ حَيًّا وَكَفَنُهُ مَيِّتًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا مُؤْنَةُ الْمِلْكِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَنُوبُ قَبْضُ الرَّهْنِ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ فَلَا يَنُوبُ قَبْضُهُ عَنْ قَبْضِ الْمَضْمُونِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِصَاحِبِهِ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» قُلْنَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الصَّاحِبُ هُوَ الْمُرْتَهِنُ كَمَا يُقَالُ لِلْمُضَارِبِ صَاحِبُ الْمَالِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْفَضْلَ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ لِرَبِّ الرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا وَلَا يَغْلَقُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ تَقُولُ رَجَعَ الرَّهْنُ إلَى رَبِّهِ فَيَكُونُ غُنْمُهُ لَهُ وَيَرْجِعُ رَبُّ الْحَقِّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ غُرْمُهُ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ مُؤَوَّلًا لَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» عَلَى مَا قَالُوا الِاحْتِبَاسُ الْكُلِّيُّ بِأَنْ يَصِيرَ مَمْلُوكًا لَهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ السَّلَفِ وَعَنْ النَّخَعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ رَهْنًا وَأَخَذَ مِنْهُ دِرْهَمًا فَقَالَ إنْ جِئْتُك بِحَقِّك إلَى كَذَا وَكَذَا وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَك فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ فَجَعَلَهُ جَوَابًا لِلْمَسْأَلَةِ وَمُوجِبُ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَهَذَا يُحَقِّقُ الصِّيَانَةَ، وَإِنْ كَانَ فَرَاغُ الذِّمَّةِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ بِخِلَافِ الصَّكِّ وَالشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِيفَاءَ فِيهِمَا حَتَّى يَسْقُطَ دَيْنُهُ بِالْهَلَاكِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ عِنْدَنَا صَيْرُورَةُ الرَّهْنِ مُحْتَبَسًا بِدَيْنِهِ بِإِثْبَاتِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِالْعَيْنِ اسْتِيفَاءً مِنْهُ عَيْنًا بِالْبَيْعِ وَجَعَلَهُ أَوْلَى بِهِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَيَخْرُجُ عَلَى الْأَصْلَيْنِ عِدَّةُ مَسَائِلَ كُلُّهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا مِنْهَا أَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ مُوجِبَهُ، وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ وَعِنْدَهُ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي مُوجِبَهُ، وَهُوَ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ وَمِنْهَا أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ عِنْدَنَا فَيُحْبَسُ مَعَ الْأَصْلِ وَعِنْدَهُ لَا يَسْرِي؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْحَادِثَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ يَكُونُ لِلْمُسْتَوْفِي فَكَذَا فِي الِاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ وَعِنْدَهُ لَمَّا كَانَ حُكْمُ الرَّهْنِ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ فَتَعَيُّنُ عَيْنِ الْمَبِيعِ لَا يُوجِبُ تَعَيُّنَ عَيْنٍ أُخْرَى لَهُ. وَمِنْهَا أَنَّ رَهْنَ الْمُشَاعِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ، وَهُوَ الْحَبْسُ الدَّائِمُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ ثُمَّ كَيْفِيَّةُ الضَّمَانِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَالَ زُفَرُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرَّهْنُ كُلُّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ حَتَّى إذَا كَانَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ضَمَانُ الْفَضْلِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ فِي الرَّهْنِ وَالتَّرَادُّ يَكُونُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْفَضْلِ عِنْدَ الْهَلَاكِ؛ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الدَّيْنِ مَرْهُونَةٌ؛ لِكَوْنِهَا مَحْبُوسَةً بِهِ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً كَمَا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ وَلِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ فَلَا تُوجِبُ الضَّمَانَ إلَّا بِقَدْرِ الْمُسْتَوْفَى كَمَا فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ بِأَنْ أَوْفَاهُ دَرَاهِمَ فِي كِيسٍ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ وَالزِّيَادَةُ مَرْهُونَةٌ ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ حَبْسِ الْأَصْلِ بِدُونِهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَالْمُرَادُ بِالتَّرَادِّ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَالَةَ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ وَرَوَى ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْهُ أَنَّهُ مِثْلُ مَذْهَبِنَا فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ حُجَّةٌ وَكَيْفِيَّةُ الضَّمَانِ فِيمَا إذَا كَانَ مَرْهُونًا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ، وَقَدْ هَلَكَ الرَّهْنُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ سَلِّمْ الْعَيْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَخُذْ مِنْهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا إذْ الْعَيْنُ الْمَرْهُونُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ بِهِ، فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمُرْتَهِنِ الْعَيْنُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ قَدْرَ الْمَضْمُونِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِ أَمَانَةٌ، وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ بَقِيَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فِيهِ أَمَانَةً) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالِاسْتِيفَاءُ يَقَعُ بِالْمَالِيَّةِ أَمَّا الْعَيْنُ أَمَانَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ بِأَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ لِلدَّيْنِ مِنْ وَجْهٍ فَلَوْ كَانَ اسْتِيفَاءً لِلدَّيْنِ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ اسْتِيفَاءً لِعَيْنِ الدَّيْنِ أَوْ اسْتِيفَاءً لِبَدَلِ الدَّيْنِ وَلَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ جِنْسِهِ، وَلَا وَجْهَ إلَى الثَّانِي لِإِجْمَاعِنَا أَنَّ الرَّهْنَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَبَدَلِ الصَّرْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ مَعَ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ بِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ فَأَجَابَ عَنْهُ بِهَذَا فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ؛ لِأَنَّ الْمُجَانَسَةَ ثَابِتَةٌ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ فَكَانَ الْعَيْنُ كَالْكِيسِ فَلَوْ كَانَ أَوْفَى حَقَّهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي الْكِيسِ يَكُونُ مَا فِي الْكِيسِ مَضْمُونًا دُونَ الْكِيسِ فَكَذَا هُنَا مَا فِي الْعَيْنِ مِنْ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ مَضْمُونٌ دُونَ الْعَيْنِ فَإِنَّهَا أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ الرَّاهِنِ وَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ») أَيْ لَا يُمْلَكُ بِالدَّيْنِ (قَوْلُهُ «لَهُ غُنْمُهُ») أَيْ زَوَائِدُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ أَيْ نَفَقَتُهُ وَكَفَنُهُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْفَائِقِ يُقَالُ غَلَقَ الرَّهْنُ غُلُوقًا إذَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهِ وَكَانَ مِنْ أَفَاعِيلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا لَمْ يَرُدَّ مَا عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الْمُؤَقَّتِ مَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَصِيرَ مَمْلُوكًا لَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْهَا أَنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَعِنْدَنَا يَسْقُطُ وَمِنْهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ، وَهُوَ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ) أَيْ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ عِنْدَنَا)؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ لِلْأُمِّ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّ رَهْنَ الْمَشَاعِ إلَخْ) وَمِنْهَا أَنَّ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْمَرْهُونِ وَيَشْرَبَ لَبَنَهَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَعِنْدَنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ مِلْكِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَمِنْهَا أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ بَطَلَ إعْتَاقُهُ وَعِنْدَنَا يَنْفُذُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ) أَيْ وَاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ. اهـ. غَايَةٌ وَرَوَى ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ الرَّهْنُ بِأَكْثَرَ مِمَّا رَهَنَ بِهِ فَهَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ، وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِمَّا رَهَنَ بِهِ رَدَّ الرَّاهِنُ الْفَضْلَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

هَلَكَتْ الْعَيْنُ الْمَرْهُونُ بِهَا قَبْلَ الرَّهْنِ فَالرَّهْنُ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ بِقِيمَةِ تِلْكَ الْعَيْنِ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالزَّائِدِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَيْنِ أَكْثَرَ، وَلَا يَرْجِعُ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ مِنْ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ كَمَا إذَا كَانَ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ وَفِيهِ فَضْلٌ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ لَا يَصِحُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهَا الْقِيمَةُ، وَهِيَ دَيْنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَوَصْفُ الدَّيْنِ بِكَوْنِهِ مَضْمُونًا وَصْفٌ ضَائِعٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَكُونُ إلَّا مَضْمُونًا، وَذَكَرَ قَاضِيخَانْ فِي فَتْوَاهُ وَصَاحِبُ الْمَبْسُوطِ إذَا أَخَذَ الْمَوْلَى بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْ مُكَاتَبِهِ رَهْنًا جَازَ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَخَذَ الْكَفِيلُ بِهِ وَفِي الْمُحِيطِ الْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ فِي الرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ وَالِارْتِهَانَ اسْتِيفَاءٌ، وَهُوَ يَمْلِكُهُمَا وَلَوْ رَهَنَ بِمُكَاتَبِهِ عَبْدًا فَأَبَقَ الْعَبْدُ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ، وَإِنْ رَجَعَ الْآبِقُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ رَهْنًا بِمُكَاتَبَتِهِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ كَالْمُكَاتَبِ حَتَّى يَمْلِكَ الرَّهْنَ وَالِارْتِهَانَ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ وَيَحْبِسَهُ بِهِ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ وَيَحْبِسَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ لِزِيَادَةِ الصِّيَانَةِ فَلَا تَمْتَنِعُ بِهِ الْمُطَالَبَةُ وَكَذَا لَا يَمْتَنِعُ بِهِ الْحَبْسُ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ، وَهُوَ الْمُمَاطَلَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقَضَاءِ مُفَصَّلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤْمَرُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ رَهْنِهِ وَالرَّاهِنُ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ أَوَّلًا) أَيْ إذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ أَوَّلًا لِيُعْلَمَ أَنَّهُ بَاقٍ؛ وَلِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ مَالَهُ مَعَ قِيَامِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَكْرَارِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَإِذَا أَحْضَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ أَوَّلًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالرَّاهِنُ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ يُحْضِرُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ ثُمَّ يُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ أَوَّلًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ طَالَبَهُ بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ؛ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيهِ فِي بَابِ السَّلَمِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ نَقْلٌ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِالتَّخْلِيَةِ دُونَ النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ ضَرَرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْعَقْدِ، وَلَوْ بِيعَ الرَّهْنُ لَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ إحْضَارَ ثَمَنِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ) وَقَيَّدَ الدَّيْنَ بِالْمَضْمُونِ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الدُّيُونِ مَضْمُونَةٌ كَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَقِيلَ أُرِيدَ بِالدَّيْنِ الْمَضْمُونِ مَا كَانَ وَاجِبًا لِلْحَالِ أَيْ لَا يَصِحُّ إلَّا بِدَيْنٍ وَاجِبٍ لِلْحَالِ لَا بِدَيْنٍ سَيَجِبُ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الرَّهْنِ بِالدَّرَكِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمَانِ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ وَقِيلَ احْتِرَازٌ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ هُوَ الَّذِي لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِتَعْجِيزِ النَّفْسِ وَفِي الْفَتَاوَى يَجُوزُ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ الرَّهْنَ فِي دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا يَبِيعُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنَّ الْحَاكِمَ يَحْبِسُ الرَّهْنَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ أَوْ يَبِيعَ هُوَ الرَّهْنَ فَيُؤَدِّيَ دَيْنَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَهَذَا فَرْعٌ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْحَجْرِ بِالْفَلَسِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَبِيعُ مَالَ الْمُفْلِسِ وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَبِيعَهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ بَاعَ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ) أَيْ يُؤْمَرُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ أَوَّلًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ) أَيْ وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ بِاَللَّهِ مَا هَلَكَ الرَّهْنُ إنْ طَلَبَهُ الرَّاهِنُ؛ لِأَنَّهُ غَائِبٌ فَيَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ فَيَبْطُلُ أَيْضًا الدَّيْنُ فَإِذَا حَلَفَ اقْتَضَى دَيْنَهُ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِذَا طَالَبَ الْمُرْتَهِنُ بِالدَّيْنِ أُمِرَ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَلَوْ أَمَرَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ إحْضَارِ الرَّهْنِ فَرُبَّمَا يَهْلِكُ الرَّهْنُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ هَالِكًا قَبْلَ ذَلِكَ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مَرَّتَيْنِ فَإِذَا أَحْضَرَهُ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ دَيْنِهِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهُ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ كَمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ يُحْضِرُ الْمَبِيعَ ثُمَّ يُسَلِّمُ الثَّمَنَ أَوَّلًا وَكَذَا إنْ طَالَبَهُ بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الرَّهْنِ وَلَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا كَمَكَانِ الْعَقْدِ فِيمَا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِي السَّلَمِ بِالْإِجْمَاعِ فَيُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَأْخُذُ دَيْنَهُ وَلَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى إحْضَارِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ عَاجِزٌ عَنْ الْإِحْضَارِ، وَالتَّسْلِيمُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي بَلَدٍ لَمْ يُجْرَ فِيهِ الْعَقْدُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا نَقْلٌ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ لَا النَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ وَلَكِنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا هَلَكَ اهـ قُلْت وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا طَالَبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ عَقْدُ الرَّهْنِ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَمَرَ الْمُرْتَهِنَ أَوَّلًا بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ أَوْ لَا فَإِذَا أَحْضَرَهُ أَمَرَ الرَّاهِنَ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا فَكَذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَأْخُذُ دَيْنَهُ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بِيعَ الرَّهْنُ لَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لَا يُكَلَّفُ الْمُشْتَرِي فَلْيُتَأَمَّلْ وَانْظُرْ عِبَارَةَ الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا يَظْهَرُ لَك مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ إحْضَارَ ثَمَنِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ

بَيْعَهُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ فَصَحَّ وَصَارَ الرَّهْنُ دَيْنًا فَصَارَ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ الرَّاهِنُ، وَهُوَ دَيْنٌ، وَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْمُبْدَلِ، وَاَلَّذِي يَقْبِضُ الثَّمَنَ هُوَ الْبَائِعُ مُرْتَهِنًا كَانَ أَوْ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ وَكَمَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّاهِنِ بِاسْتِيفَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ يُكَلَّفُ لِاسْتِيفَاءِ نَجْمٍ قَدْ حَلَّ إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ لِاحْتِمَالِ الْهَلَاكِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إحْضَارِهِ مَعَ إقْرَارِهِ بِبَقَائِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ خَطَأً الْعَبْدَ الرَّهْنَ حَتَّى قَضَى بِالْقِيمَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ حَيْثُ لَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ حَتَّى يُحْضِرَ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ دَيْنًا بِفِعْلِ الرَّاهِنِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ صَارَ دَيْنًا بِفِعْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ لِكَوْنِهَا بَدَلًا عَنْهَا وَلَوْ وُضِعَ الرَّهْنُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ وَأُذِنَ بِالْإِيدَاعِ فَفَعَلَ ثُمَّ جَاءَ الْمُرْتَهِنُ فَطَلَبَ دَيْنَهُ لَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ حَيْثُ وُضِعَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَسْلِيمُهُ فِي قُدْرَتِهِ وَكَذَا لَوْ وَضَعَهُ الْعَدْلُ فِي يَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَغَابَ وَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ وَاَلَّذِي فِي يَدِهِ يَفِرُّ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْعَدْلِ وَيَقُولُ لَا أَدْرِي لِمَنْ هُوَ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ إحْضَارَ الرَّهْنِ لَيْسَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ وَكَذَا إذَا غَابَ الْعَدْلُ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا جَحَدَ الَّذِي أَوْدَعَهُ الْعَدْلُ الرَّهْنَ بِأَنْ قَالَ هُوَ مَالِي حَيْثُ لَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ حَتَّى يُثْبِتَ أَنَّهُ رَهْنٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَ فَقَدْ تَوَى الْمَالُ وَالتَّوَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَيَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْبَيْعِ حَتَّى يَقْضِيَهُ الدَّيْنَ) أَيْ لَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ لِكَيْ يَقْضِيَ بِثَمَنِهِ الدَّيْنَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ لَا الْقَضَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَلَوْ قَضَاهُ الْبَعْضَ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ كَمَا فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِذَا قَضَى سَلَّمَ الرَّهْنَ) أَيْ إذَا قَضَى الرَّاهِنُ جَمِيعَ الدَّيْنِ سَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ إلَيْهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ التَّسْلِيمِ بِوُصُولِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ إلَيْهِ فَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَى الرَّاهِنِ اسْتَرَدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْهَلَاكِ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ السَّابِقِ فَكَانَ الثَّانِي اسْتِيفَاءً بَعْدَ اسْتِيفَاءٍ فَيَجِبُ رَدُّهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ لَا يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى حَالِهِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ يُبْرِئْهُ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الدَّيْنِ وَكَذَا لَوْ فَسَخَا الرَّهْنَ لَا يَنْفَسِخُ مَا دَامَ فِي يَدِهِ حَتَّى كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ الْفَسْخِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ وَلَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْفَسْخِ يَكُونُ كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَهُ فَيَكُونُ هَالِكًا بِدَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ رَهْنًا؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ رَهْنًا بِأَمْرَيْنِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْقَ رَهْنًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَنْتَفِعُ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ اسْتِخْدَامًا وَسُكْنَى وَلُبْسًا وَإِجَارَةً وَإِعَارَةً)؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَقْتَضِي الْحَبْسَ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ دُونَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ، وَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِالتَّعَدِّي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَحْفَظُهُ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ) مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ أَيْضًا فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ وَأَجِيرُهُ الْخَاصُّ كَوَلَدِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاكَنَةُ وَلَا عِبْرَةَ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى لَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَفَعَتْهُ إلَى زَوْجِهَا لَا تَضْمَنُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ بِحِفْظِهِ بِغَيْرِهِمْ وَبِإِيدَاعِهِ وَتَعَدِّيهِ قِيمَتَهُ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عَيْنَهُ وَدِيعَةٌ الْوَدِيعَةُ تُضْمَنُ بِالْهَلَاكِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا بِهَا فَيَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَهَلْ يَضْمَنُ الْمُودَعُ الثَّانِي فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي مُودَعِ الْمُودَعِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ إنْ قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا فَلَا يُطَالِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ إلَّا بِالْفَضْلِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ أَصْلِهِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَانَ الضَّمَانُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَقْضِيَهُ دَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ وَلَوْ رَهَنَهُ خَاتَمًا فَجَعَلَهُ فِي خِنْصَرِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الرَّهْنَ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِهِ وَالْيُمْنَى وَالْيُسْرَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ وَلَوْ جَعَلَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَصَابِعِ كَانَ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْبَسُ كَذَلِكَ عَادَةً، فَكَانَ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ دَيْنًا بِفِعْلِ الرَّاهِنِ) أَيْ بَلْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَنَّ امْرَأَةً إلَخْ) لَفْظَةُ لَوْ ثَابِتَةٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا بِهَا) فَصَارَ غَاصِبًا. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْمَغْصُوبِ)؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ) يَعْنِي أَنَّ فِي تَضْمِينِ الْمُودَعِ الثَّانِي خِلَافًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَالْأَوَّلِ. اهـ. غَايَةٌ

[باب ما يجوز ارتهانه والارتهان به وما لا يجوز]

لَا مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ امْرَأَةً فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَلْبَسْنَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ، وَكَذَا الطَّيْلَسَانُ إنْ لَبِسَهُ مُعْتَادًا ضَمِنَ، وَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ رَهَنَهُ سَيْفَيْنِ فَتَقَلَّدَهُمَا ضَمِنَ وَفِي الثَّلَاثَةِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ الشُّجْعَانِ بِتَقَلُّدِ السَّيْفَيْنِ فِي الْحَرْبِ دُونَ الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ رَهَنَهُ خَاتَمَيْنِ فَلَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَجَمَّلُ بِلُبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ حَافِظٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُجْرَةُ بَيْتٍ حَفِظَهُ وَحَافِظُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَأُجْرَةُ رَاعِيهِ وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ وَالْخَرَاجِ عَلَى الرَّاهِنِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ بِنَفْسِهِ وَتَبْقِيَتِهِ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَكَذَا مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَيَكُونُ أَصْلًا وَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ لَمَّا أَنَّهُ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ النَّفَقَةِ مِنْ مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ وَأُجْرَةُ الرَّاعِي مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَفَ الْبَهَائِمَ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ كُسْوَةُ الرَّقِيقِ وَأُجْرَةُ ظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ وَكَرْيُ النَّهْرِ وَسَقْيُ الْبُسْتَانِ وَتَلْقِيحُ نَخِيلِهِ وَجُذَاذُهُ وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ لِحِفْظِهِ أَوْ لِرَدِّهِ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ لِرَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَمُدَاوَاةِ الْجُرْحِ فَهُوَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مِثْلُ أُجْرَةِ الْحَافِظِ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ حَقٌّ لَهُ وَالْحِفْظَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْبَيْتِ الَّذِي يَحْفَظُ فِيهِ الرَّهْنَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أُجْرَةَ الْمَأْوَى عَلَى الرَّاهِنِ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ سَعَى فِي تَبْقِيَتِهِ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ جَعْلُ الْآبِقِ إذَا كَانَ كُلَّهُ مَضْمُونًا؛ لِأَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَى الْمَحَلِّ وَيَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِيَرُدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ فَكَانَتْ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ فَتَكُونُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً فَيُقَدَّرُ الْمَضْمُونُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَحِصَّةُ الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لِإِعَادَةِ الْيَدِ وَيَدُهُ فِي الزِّيَادَةِ يَدُ الْمَالِكِ إذْ هُوَ كَالْمُودَعِ فِيهَا فَتَكُونُ عَلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْبَيْتِ الَّذِي يَحْفَظُ فِيهِ الرَّهْنَ فَإِنَّ كُلَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِأَجْلِ الْحَبْسِ وَحَقُّ الْحَبْسِ ثَابِتٌ لَهُ فِي الْكُلِّ، وَأَمَّا الْجُعْلُ فَلِأَجْلِ الضَّمَانِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَالْمُدَاوَاةُ وَالْفِدَاءُ مِنْ الْجِنَايَةِ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةُ، وَالْخَرَاجُ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْمَالِكِ وَالْعُشْرَ فِيمَا يَخْرُجُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِهِ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي مِلْكَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْخَارِجَ كُلَّهُ فِي غَيْرِ الرَّهْنِ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُشْرِ يَجُوزُ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَ بَدَلَ الْعُشْرِ مِنْ مَالٍ آخَرَ، وَإِذَا كَانَ مِلْكُهُ ثَابِتًا فِيهِ بَقِيَ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الرَّهْنِ حَيْثُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَدْرَ الْمُسْتَحَقِّ فَكَانَ الرَّهْنُ شَائِعًا مِنْ الِابْتِدَاءِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الرَّهْنَ كَانَ بَاطِلًا وَلَا كَذَلِكَ وُجُوبُ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي مِلْكَ الرَّاهِنِ لَا فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ ثُمَّ إذَا خَرَجَ مِنْهُ الْعُشْرَ خَرَجَ ذَلِكَ الْجُزْءُ عَنْ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يُوجِبْ شُيُوعًا فِي الْبَاقِي لَا طَارِئًا وَلَا مُقَارِنًا وَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ كَمَا إذَا قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَجَعَلَهُ دَيْنًا عَلَى الْآخَرِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَبِمُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِجَعْلِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا فِي اللُّقَطَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيَأْمُرُ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَرْجِعُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلِي عَلَى الْحَاضِرِ وَلَا يَنْفُذُ أَمْرُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ أَمْرُهُ عَلَيْهِ لَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ حَجْرَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْلِكُ فَيَنْفُذُ أَمْرُهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ} قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ عِنْدَهُ اسْتِحْقَاقُ بَيْعِهِ وَتَعَيُّنُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ، وَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَا يَضْمَنُ) ثُمَّ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِيمَا يُعَدُّ حِفْظًا وَاسْتِعْمَالًا أَنْ لَا يَضْمَنَ ضَمَانَ الْغَصْبِ لَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ بِمَا هُوَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ كَالْخَاتَمِ إذَا جَعَلَهُ فِي إصْبَعٍ لَا يَتَخَتَّمُ بِهِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَكَالثَّوْبِ إذَا أَلْقَاهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ) أَيْ عَلَى الدَّيْنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ) أَيْ الْقِسْمِ الَّذِي يَجِبُ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ اهـ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ كُلَّهُ مَضْمُونًا) أَيْ بِأَنْ كَانَ قِيمَةُ الرَّهْنِ وَالدَّيْنِ سَوَاءً اهـ. [بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ] {بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ} لَمَّا ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا مُقَدِّمَاتِ الرَّهْنِ شَرَعَ يُفَصِّلُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بَعْدَ الْإِجْمَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمَشَاعِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَعِبَارَاتُ أَصْحَابِنَا فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ بَاطِلٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَاسِدٌ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي اهـ وَقَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ ذَكَرَ عَدَمَ جَوَازِ رَهْنِ الْمَشَاعِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ وَفِي الْمُغْنِي وَالذَّخِيرَةِ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ حَيْثُ قَالَ وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ مَضْمُونٌ فِي الصَّحِيحِ وَفِي الرَّهْنِ الْبَاطِلِ لَا لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا، فَكَانَ كَالْبَيْعِ الْبَاطِلِ، وَالْفَاسِدُ يَنْعَقِدُ فَكَانَ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَشَرْطُ انْعِقَادِ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ مَالًا وَالْمُقَابَلُ بِهِ مَالًا مَضْمُونًا، فَإِذَا وُجِدَتْ شَرَائِطُ الْجَوَازِ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا، وَإِذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ جَوَازِهِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَابِلُ

لَهُ وَالْمُشَاعُ يَقْبَلُ ذَلِكَ وَلَئِنْ كَانَ اسْتِيفَاءً فَالِاسْتِيفَاءُ الْحَقِيقِيُّ لَا يَمْتَنِعُ بِالشُّيُوعِ فَكَذَا الْحُكْمِيُّ وَلَنَا أَنَّ مُوجِبَهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَاسْتِحْقَاقُ الْحَبْسِ الدَّائِمِ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا شَرَطَ فِي النَّصِّ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا بِخِلَافِ حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهَا مِلْكُ الْعَيْنِ الْمُسْتَوْفَاةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ وَالْمِلْكَ يُتَصَوَّرُ فِي الْمُشَاعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَبْسُ الدَّائِمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْمُهَايَأَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ حَيْثُ تَجُوزُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهَا الْمِلْكُ، وَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ بِالشُّيُوعِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُهَا لُزُومُ غَرَامَةِ الْقِسْمَةِ وَذَلِكَ فِيمَا يُقْسَمُ لَا غَيْرُ وَلَا يَجُوزُ مِنْ شَرِيكِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ فِي الْمُشَاعِ لَا يُتَصَوَّرُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَأَمْسَكَهُ يَوْمًا بِحُكْمِ الرَّهْنِ وَيَوْمًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ تَجُوزُ فِي الْمُشَاعِ مِنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ لَا الْحَبْسُ وَالشَّرِيكُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ بِخِلَافِ غَيْرِ الشَّرِيكِ وَالشُّيُوعُ الطَّارِئُ يَمْنَعُ بَقَاءَ الرَّهْنِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَوِي الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ لَا يَمْنَعُ حُكْمَهَا وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْمَنْعُ فِي الِابْتِدَاءِ لِنَفْيِ الْغَرَامَةِ عَلَى مَا عُرِفَ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَلِهَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي بَعْضِ الْمَوْهُوبِ وَلَا يَصِحُّ الْفَسْخُ فِي بَعْضِ الْمَرْهُونِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا الثَّمَرَةِ عَلَى النَّخْلِ دُونَهَا وَلَا زَرْعٍ فِي الْأَرْضِ دُونَهَا وَلَا نَخْلٍ فِي الْأَرْضِ دُونَهَا)؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الرَّهْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمُتَّصِلِ بِغَيْرِهِ وَحْدَهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْمُشَاعِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ رَهْنَ الْأَرْضِ بِدُونِ الشَّجَرِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ اسْمٌ لِلنَّابِتِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً لِلْأَشْجَارِ بِمَوَاضِعِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الدَّارَ دُونَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ اسْمٌ لِلْمَبْنَى فَتَكُونُ الْأَرْضُ جَمِيعُهَا رَهْنًا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ وَلَوْ رَهَنَ النَّخِيلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا مِنْ النَّخِيلِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَمُجَاوَرَةُ مَا لَيْسَ بِرَهْنٍ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَيَدْخُلُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ النَّخْلُ وَالثَّمَرُ عَلَى النَّخْلِ وَالزَّرْعُ وَالرُّطَبَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَضْمُونًا لَا يَكُونُ الرَّهْنُ مُنْعَقِدًا اهـ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ رَهْنَ الْمَشَاعِ بَاطِلٌ فِي مَسْأَلَةِ لَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهَا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الرَّهْنَ وَقَعَ بَاطِلًا اهـ وَذَكَرَ أَنَّ رَهْنَ الْمَشْغُولِ بَاطِلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا) أَيْ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا اهـ (قَوْلُهُ إنَّ مُوجِبَهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ) وَالْمُرَادُ مِنْهُ اخْتِصَاصُ الْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ حَبْسًا إلَى أَنْ يَقْضِيَ الرَّاهِنُ دَيْنَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَشَاعِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ حَقِيقَةً إلَّا عَلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَكَأَنَّهُ قَالَ رَهَنْتُك يَوْمًا وَيَوْمًا لَا وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ، فَكَذَا هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ فِي الْمَشَاعِ لَا يُتَصَوَّرُ) هَذَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ إلَخْ) هَذَا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَالشُّيُوعُ الطَّارِئُ يَمْنَعُ بَقَاءَ الرَّهْنِ) وَصُورَتُهَا أَنْ يُوَكِّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ كَيْفَ رَأَى مُجْتَمِعًا وَمُتَفَرِّقًا فَيَبِيعُ بَعْضَ الْعَيْنِ أَوْ يَرْهَنُ قَلْبًا فِيهِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فِضَّةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَيَنْكَسِرُ فَيَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ نِصْفَ الْقَلْبِ، وَهِيَ حِصَّةُ الْمَضْمُونِ وَتَبْقَى حِصَّةُ الْأَمَانَةِ رَهْنًا فَيَقْطَعُ حَتَّى لَا يَكُونَ مَشَاعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِي الذَّخِيرَةِ صُورَتُهُ أَنْ يَرْهَنَ جَمِيعَ الرَّهْنِ ثُمَّ تَفَاسَخَا الْعَقْدَ فِي النِّصْفِ وَرَدَّهُ الْمُرْتَهِنُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ) فَإِنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَوِي الِابْتِدَاءُ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ مِنْ مُكَاتَبِهِ جَازَ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِمَوْتِ الْأَبِ وَلَوْ تَزَوَّجَتْ مُكَاتَبَهَا ابْتِدَاءً لَا يَجُوزُ قُلْنَا إنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَكَذَا بِالْوِرَاثَةِ، وَإِذَا تَزَوَّجَتْ مُكَاتَبَهَا ابْتِدَاءً إنَّمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ لَهَا مِنْ وَجْهٍ وَنِكَاحُ الْمَمْلُوكِ مِنْ وَجْهٍ لَا يَجُوزُ اهـ مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْمَشَاعِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَذَا إذَا رَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ النَّخِيلِ أَوْ دُونَ الزَّرْعِ أَوْ النَّخِيلَ دُونَ الثَّمَرِ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَرْهُونَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اهـ (قَوْلُهُ فَتَكُونُ الْأَرْضُ جَمِيعُهَا رَهْنًا إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ ثَمَرَةٍ فِي نَخْلٍ وَلَا كَرْمٍ وَلَا شَجَرٍ حَتَّى يَحُوزَهُ وَيُسَلِّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا رَهْنُ ذَلِكَ دُونَ ثَمَرَتِهِ وَلَا رَهْنُهَا دُونَ الْأَرْضِ وَلَا رَهْنُ نَخْلٍ وَلَا كَرْمٍ وَلَا شَجَرٍ فِي أَرْضٍ دُونَ الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ إنْ رَهَنَ زَرْعًا فِي أَرْضٍ دُونَ الْأَرْضِ أَوْ رَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ الزَّرْعِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْأَرْضِ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ كَرْمٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِغَيْرِهِ لَا يُمْكِنُ حَبْسُهُ دُونَهُ فَكَانَ فِي مَعْنَى رَهْنِ الْمُشَاعِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْقَبْضُ فِيهِ وَحْدَهُ فَكَذَا هَذَا لِهَذَا الْمَعْنَى اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا إذَا رَهَنَ الْأَرْضَ وَاسْتَثْنَى النَّخْلَ بِمَوَاضِعِهِ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ مَا سِوَاهُ وَذَلِكَ بُقْعَةٌ مَحُوزَةٌ مُجَاوِرَةٌ لِمَكَانِ النَّخْلِ فَيَصِحُّ فِيهَا الرَّهْنُ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ اهـ (قَوْلُهُ، وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ) أَيْ وَهُوَ الْبِنَاءُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمُجَاوَرَةُ مَا لَيْسَ بِرَهْنٍ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِنْ قَالَ رَهَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ إطْلَاقًا وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ دَخَلَ الْبِنَاءُ وَالنَّخْلُ وَالشَّجَرُ وَالْكَرْمُ الَّذِي فِي الْأَرْضِ فِي الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالرُّطَبَةُ فِي الرَّهْنِ وَلَا يُشْبِهُ الرَّهْنُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ بِعَقْدِ الرَّهْنِ، وَخَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ، وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ

وَالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِاتِّصَالِهِ فَيَدْخُلُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ سِوَى النَّخْلِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ بِدُونِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَائِزٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِهَا فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَبِخِلَافِ الْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِيهَا حَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعٍ بِوَجْهٍ مَا؛ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهَا بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا لَا يَدْخُلُ الْمَتَاعُ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَدْخُلُ وَكَذَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي رَهْنِ الدَّارِ وَالْقَرْيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ إنْ كَانَ الْبَاقِي يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ جَازَ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ مَوْضِعًا مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّ رَهْنَهُ ابْتِدَاءً يَجُوزُ فَكَذَا بَقَاءً، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً الرَّهْنِ عَلَيْهِ بِأَنْ اسْتَحَقَّ جُزْءًا شَائِعًا أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الشَّائِعِ كَالثَّمَرِ وَنَحْوِهِ بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الرَّهْنَ وَقَعَ بَاطِلًا، وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ حَتَّى إذَا رَهَنَ دَارِهِ، وَهُوَ فِيهَا وَقَالَ سَلَّمْتهَا إلَيْك لَا يَتِمُّ الرَّهْنُ حَتَّى يَقُولَ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ الدَّارِ سَلَّمْتهَا إلَيْك؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ فِيهَا وَقَعَ بَاطِلًا لِشَغْلِهَا بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا كَمَا إذَا سَلَّمَهَا وَمَتَاعُهُ فِيهَا وَيَمْنَعُ تَسْلِيمَ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ الْحِمْلُ الَّذِي عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ حَتَّى يُلْقِيَ الْحِمْلَ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْحِمْلَ دُونَهَا حَيْثُ يَكُونُ رَهْنًا تَامًّا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ مَشْغُولَةٌ، فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ مَتَاعًا فِي دَارٍ أَوْ وِعَاءً دُونَ الدَّارِ وَالْوِعَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ مَعَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ لِلنَّخِيلِ حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِي رَهْنِ الدَّابَّةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ)؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ مُتَعَذِّرٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ الْحُرِّيَّةَ فَصَارُوا كَالْحُرِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا بِالْأَمَانَاتِ وَبِالدَّرَكِ وَالْمَبِيعِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا بِالْأَمَانَاتِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ؛ فَلِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ بِمَا رَهَنَ بِهِ؛ لِكَوْنِهِ اسْتِيفَاءً لَا بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمَانِ الْمَرْهُونِ بِهِ لِيَقَعَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا بِهِ وَيُسْتَحَقُّ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ وَالْأَمَانَاتُ لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الرَّهْنِ لِتَعَيُّنِهَا حَالَ بَقَائِهَا وَعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ بَعْدَ هَلَاكِهَا فَصَارَتْ كَالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالشُّفْعَةِ فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهَا لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الضَّمَانِ فَإِنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمَوْلَى وَالشُّفْعَةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ كَالْمَغْصُوبِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ حَيْثُ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهَا مُتَقَرِّرٌ إذْ الْوَاجِبُ فِيهَا الْقِيمَةُ، وَالْعَيْنُ مُخَلِّصٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَوْ لِلْقِيمَةِ شُبْهَةُ الْوُجُوبِ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ فَتَكُونُ رَهْنًا بِمَا تَقَرَّرَ وُجُوبُهُ أَوْ سَبَبُهُ، وَأَمَّا الدَّرَكُ فَلِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ وَلَا اسْتِيفَاءَ قَبْلَ الْوُجُوبِ لِأَنَّ مَعْنَى الدَّرَكِ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ فَمَا لَمْ يُسْتَحَقَّ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ وَكَذَا بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ تَفْتَقِرْ صِحَّةُ الْبَيْعِ إلَى دُخُولِهِ فَلَأَنْ يَدْخُلَ فِي الرَّهْنِ وَصِحَّتُهُ تَقِفُ عَلَى دُخُولِهِ أَوْلَى فَأَمَّا الزَّرْعُ وَالرُّطَبَةُ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَتَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الثَّمَرَةِ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَصِحُّ دُونَ ذَلِكَ وَدُخُولُهُ فِيهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ؛ فَلِذَلِكَ دَخَلَ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ سِوَى النَّخْلِ) يَعْنِي وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا مِمَّا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْمَبِيعِ اتِّصَالَ قَرَارٍ كَالْبِنَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرٍ وَلَمَّا كَانَ حُكْمُ النَّخْلِ وَسَائِرِ الْأَشْجَارِ وَالْبِنَاءِ فِي الْبَيْعِ سَوَاءً لِلْمَعْنَى الْجَامِعِ فِيهَا، وَهُوَ الِاتِّصَالُ قَرَارًا اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى اسْتِثْنَاءِ النَّخْلِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى آحَادِ الطَّلَبَةِ فَضْلًا عَنْ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا نَظَرَ فِي كَلَامِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ كَاتِبُهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ: فَإِنْ رَهَنَ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا أَوْ الدَّارَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الرَّهْنِ نَظَرْت إلَى مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الرَّهْنِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ بَطَلَ الرَّهْنُ كُلُّهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْنِي إنْ كَانَ الْبَاقِي مُفْرَزًا بَقِيَ الرَّهْنُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ شَائِعًا بَطَلَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ فَصَارَ رَهْنًا لِمَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَ مُفْرَزًا جَازَ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الرَّهْنِ بَعْدَ صِحَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ وُرُودِ الِاسْتِحْقَاقِ بِمَحَلِّ أَنْ يَجُوزَ الرَّهْنُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، فَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِيهِ وَيَكُونُ الْبَاقِي مَحْبُوسًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ مَحْبُوسًا بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ إنْ قَسَمَ الدَّيْنَ عَلَى قِيمَتِهِ وَقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْبَاقِي يَهْلِكُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ لَا يَذْهَبُ جَمِيعُ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْبَاقِيَ بِالدَّيْنِ ابْتِدَاءً وَفِيهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ وُرُودِ الِاسْتِحْقَاقِ مِمَّا لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ إلَخْ) وَكَذَا مَتَاعُهُ فِي الْوِعَاءِ الْمَرْهُونِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ سَلَّمْتهَا إلَيْك) فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ قَدْ قَبِلْت. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَتِمُّ حَتَّى يُلْقِيَ الْحِمْلَ) أَيْ عَنْهَا وَيَدْفَعَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ)؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ بِمَشْغُولٍ بِغَيْرِهِ وَلَا تَابِعًا لَهُ فَصَارَ كَرَهْنِ مَتَاعٍ فِي دَارٍ إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَتَّى قَالُوا) أَيْ قَالُوا رَهَنَهُ دَابَّةً عَلَيْهَا سَرْجٌ وَلِجَامٌ وَرَسَنٌ وَذَلِكَ لِلرَّاهِنِ دَخَلَ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ فَلَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالرَّهْنِ دُونَهَا اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ مُتَعَذَّرٌ) أَمَّا الْحُرُّ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ، وَأَمَّا الْبَاقُونَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ سَبَبُهُ) أَيْ سَبَبُ وُجُوبِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ اهـ

الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى يُحْكَمَ بِرَدِّ الثَّمَنِ وَيُفْسَخَ الْبَيْعُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجِيزَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِهِ حَيْثُ تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ، وَالْتِزَامُ الْأَفْعَالِ مُعَلَّقًا أَوْ مُضَافًا إلَى الْمَالِ جَائِزٌ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ، فَإِنَّهُ اسْتِيفَاءٌ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا وَالتَّمْلِيكَاتُ بِأَسْرِهَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا وَلَا إضَافَتُهَا فَافْتَرَقَا، وَلَوْ قَبَضَ الرَّهْنَ بِالدَّرَكِ قَبْلَ الْوُجُوبِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ حَيْثُ وَقَعَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ رَهَنْتُك هَذَا بِأَلْفٍ لِتُقْرِضَنِيهِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ يَهْلِكُ بِمَا سُمِّيَ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَوْعُودَ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ بَلْ جُعِلَ مَوْجُودًا اقْتِضَاءً؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ وَالِاسْتِيفَاءُ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ بَلْ يَتْلُوهُ فَلَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ الْوُجُوبِ لِيَكُونَ الِاسْتِيفَاءُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الرَّهْنِ الَّذِي يَصِحُّ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِهِ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِمَّا سُمِّيَ وَمِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ إذَا سُمِّيَ قَدْرُ الْمَوْعُودِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ قَدْرَهُ بِأَنْ رَهَنَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ يُعْطِي الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا فَيَكُونُ بَيَانُهُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ بِخِلَافِ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْقَابِضِ جَمِيعُ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَغْصُوبِ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِغَيْرِهِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ الدَّيْنُ، فَيَكُونُ مُقَدَّرًا بِهِ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجِبُ قِيمَةُ الرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَأَمَّا بِالْمَبِيعِ فَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ حَتَّى إذَا هَلَكَ ذَهَبَ بِالثَّمَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ وَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا وَلَا يَجُوزُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمَبِيعِ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْبَاطِلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِدَيْنٍ وَلَوْ مَوْعُودًا) أَيْ الرَّهْنُ يَصِحُّ بِدَيْنٍ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مَوْعُودًا وَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ، وَهُوَ أَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ وَالِاسْتِيفَاءُ فِي الْوَاجِبِ، وَهُوَ الدَّيْنُ ثُمَّ وُجُوبُ الدَّيْنِ ظَاهِرًا يَكْفِي لِصِحَّةِ الرَّهْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُوبُهُ حَقِيقَةً حَتَّى لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا أَلْفَ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَلَى الْإِنْكَارِ فَأَعْطَاهُ بِهَا رَهْنًا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ خَمْسَمِائَةٍ لِلرَّاهِنِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَرَهَنَ بِالثَّمَنِ، فَهَلَكَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ أَوْ مُسْتَحَقٌّ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَضْمَنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ ثَابِتًا ظَاهِرًا فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ تُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ شَاةً ذَكِيَّةً أَوْ خَلًّا فَرَهَنَهُ بِثَمَنِهِ ثَوْبًا ثُمَّ ظَهَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ) أَيْ لَوْ نَذَرَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ بِالْقَوْلِ فَكَذَا الْكَفَالَةُ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ لَا الْتِزَامُ الدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ وَقَعَ بَاطِلًا) وَكَذَا بَعْدَ حُلُولِ الدَّرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ لِوُقُوعِهِ بَاطِلًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ حَبْسَهُ قَالَ الْكَاكِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُعْطِي الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ مَا شَاءَ) فَإِنْ قَالَ أَنَا أُعْطِيك فَلْسًا قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ. اهـ. خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا)، وَهِيَ الَّتِي يَجِبُ مِثْلُهَا عِنْدَ هَلَاكِهَا إنْ كَانَ لَهَا مِثْلٌ أَوْ الْقِيمَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلٌ كَالْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَالْمَهْرِ فِي يَدِ الزَّوْجِ وَبَدَلُ الْخُلْعِ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ إلَخْ) كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ اهـ (قَوْلُهُ: وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ وَيَذْهَبُ الرَّهْنُ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَلَوْ أَعْطَاهُ الْمُؤَجِّرُ رَهْنًا بِعَبْدِ الْإِجَارَةِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا هَلَكَ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْبَاطِلِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَالثَّانِي الرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ هَذَا قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا خِلَافُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ: رَجُلٌ اشْتَرَى سَيْفًا فَأَخَذَ بِهِ رَهْنًا فَهَلَكَ الرَّهْنُ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ السَّيْفِ اهـ وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ أَمَّا الْمَضْمُونُ بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهِ، فَإِنْ أَخَذَ بِهِ رَهْنًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ ضَمِنَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِالْمَبِيعِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ هَلَكَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَلَا يَصِيرُ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ بِهَلَاكِهِ اهـ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ بَعْدَ تَقْرِيرِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ: إنَّ الرَّهْنَ بِالْمَبِيعِ بَاطِلٌ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا مَا نَصُّهُ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ الْمُشْتَرِي إذَا أَخَذَ رَهْنًا مِنْ الْبَائِعِ بِالْمَبِيعِ فَإِنَّ الرَّهْنَ بَاطِلٌ فَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ يَهْلِكُ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْمَبِيعِ إذْ الْمَرْهُونُ مَالٌ اهـ مَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ قُلْت فَقَدْ صَرَّحَ فِي هَذَا بِكَوْنِ الرَّهْنِ بِالْمَبِيعِ بَاطِلًا وَجَعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ الرَّهْنِ الصَّحِيحِ فِي كَوْنِهِ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْمَبِيعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ وَسَائِرُ الْمُتُونِ أَنَّ الرَّهْنَ بِالْمَبِيعِ بَاطِلٌ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَالْمُعَوَّلُ عَلَى مَا فِي الْمُتُونِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ.

أَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ وَالشَّاةَ مَيِّتَةٌ وَالْخَلَّ خَمْرٌ كَانَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ) أَيْ يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِالِاسْتِبْدَالِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَالِاسْتِبْدَالُ حَرَامٌ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَلَنَا أَنَّهُ اسْتِيثَاقٌ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالْعَيْنِ؛ وَلِهَذَا تَكُونُ عَيْنُهُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ حَتَّى تَجِبَ نَفَقَتُهُ حَيًّا وَكَفَنُهُ مَيِّتًا عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَوْفِيًا بِهِ لَوَجَبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَجُوزُ اسْتِيفَاءً لَا مُبَادَلَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ هَلَكَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا) لِوُجُودِ الْقَبْضِ وَاتِّحَادِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَهُوَ الْمَضْمُونُ فِيهِ هَذَا إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ بَطَلَ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا هَذَا إذَا كَانَ رَهْنًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ أَوْ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَإِنْ كَانَ رَهْنًا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لَا يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَا يَجِبُ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ إنْ هَلَكَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ فَتَمَّ السَّلَمُ كَمَا إذَا كَانَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَهَلَكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ حُكْمًا فَيَتِمُّ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَلَوْ تَفَاسَخَا السَّلَمَ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ اسْتِحْسَانًا حَتَّى يَحْبِسَهُ بِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحْبِسَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ آخَرُ وَجَبَ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَهُوَ الْقَبْضُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ بِأَحَدِهِمَا رَهْنًا بِالْآخَرِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنَانِ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَبِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَقَضَاهُ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ بِالدَّيْنِ الْآخَرِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ ارْتَهَنَ بِحَقِّهِ الْوَاجِبَ بِسَبَبِ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِ الْفَسْخِ، وَرَأْسُ الْمَالِ عِنْدَ الْفَسْخِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ فَقَامَ مَقَامَهُ إذْ الرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ رَهْنًا بِبَدَلِهِ كَمَا إذَا ارْتَهَنَ بِالْمَغْصُوبِ فَهَلَكَ الْمَغْصُوبُ صَارَ رَهْنًا بِقِيمَتِهِ وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ التَّفَاسُخِ يَهْلِكُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّ رَهْنَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِأَخْذِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الثَّمَنِ وَلَوْ هَلَكَ الْمَرْهُونُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَرْهُونٌ بِهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا وَأَدَّى ثَمَنَهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ عِنْدَ الْفَسْخِ لِيَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ ثُمَّ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ يَهْلِكُ بِقِيمَتِهِ فَكَذَا هَذَا ثُمَّ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فِي مَسْأَلَتِنَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَ الْمُسْلَمِ فِيهِ إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيَأْخُذَ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِهِ، وَقَدْ بَقِيَ حُكْمُ الرَّهْنِ إلَى أَنْ يَهْلِكَ فَصَارَ رَبُّ السَّلَمِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً ثُمَّ تَقَايَلَا أَوْ اسْتَوْفَاهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَزِمَهُ رَدُّ الْمُسْتَوْفَى وَاسْتِرْدَادُ رَأْسِ الْمَالِ فَكَذَا هَذِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهَا فَبِهَلَاكِ الرَّهْنِ لَا تَبْطُلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْأَبِ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ عَبْدًا لِطِفْلِهِ) أَيْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إيدَاعَهُ، وَهَذَا أَنْظَرُ مِنْهُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمُرْتَهِنِ بِحِفْظِهِ أَبْلَغُ، مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَالْوَصِيُّ فِي هَذَا كَالْأَبِ لِمَا بَيَّنَّا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ حُكْمًا فَلَا يَمْلِكَانِهِ كَالْإِيفَاءِ حَقِيقَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ فِي حَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ إزَالَةَ مِلْكِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ فِي الْحَالِ، وَفِي الرَّهْنِ نُصِبَ حَافِظٌ لِمَالِ الصَّغِيرِ فِي الْحَالِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ فَافْتَرَقَا، وَإِذَا جَازَ الرَّهْنُ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ عِنْدَ هَلَاكِهِ حُكْمًا، وَيَصِيرُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ مُوفِيًا لَهُ بِهِ وَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ الْقَدْرَ لِلصَّغِيرِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ، وَهُوَ إلَى اللَّآلِئِ أَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَضْمَنُ الْأَبُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيُّ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِ الصَّبِيِّ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ وَقَالَ لَا يَضْمَنَانِ الْفَضْلَ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ، وَهُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَلَهُمَا وِلَايَةُ الْإِيدَاعِ، وَكَذَا لَوْ سَلَّطَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ عَلَى بَيْعِهِ، وَهُمَا يَمْلِكَانِهِ ثُمَّ إذَا أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ بِدَيْنِهِ وَجَبَ عَلَيْهِمَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُمَا أَوْفَيَا دَيْنَهُمَا بِمَالِهِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْبَيْعُ فَإِنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ إذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ غَرِيمِ نَفْسِهِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ وَيَضْمَنُهُ لِلصَّبِيِّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ فَيَأْخُذُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِلصَّغِيرِ وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي دَيْنَهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَهُ مِنْ غَرِيمِ نَفْسِهِ تَقَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَانَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا لِمَا ذَكَرْنَا) وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ يَهْلِكُ الرَّهْنُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِنَفْسِهِ وَالْقَبْضَ لَمْ يَتِمَّ فِي الْمُشَاعِ وَالْمَشْغُولِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْخَمْرِ وَالْحُرِّ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ ابْتِدَاءً وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. اهـ. اخْتِيَارٌ (قَوْلُهُ يَهْلِكُ الرَّهْنُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ) أَعْنِي مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي رَهْنِ الْمُشَاعِ وَرَهْنِ الْمَشْغُولِ بِحَقِّ الْغَيْرِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إلَخْ) قَالَ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ إذَا أَخَذَ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَرَأْسِ الْمَالِ فِي بَابِ السَّلَمِ رَهْنًا فَهَلَكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ تَمَّ الْقَبْضُ اسْتِحْسَانًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ) أَيْ هَلَاكِ الرَّهْنِ اهـ (قَوْلُهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ)، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا كَانَ فِي الرَّهْنِ وَفَاءٌ بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ الرَّهْنُ أَقَلَّ مِنْهُ فَلَا أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي بَابِ السَّلَمِ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَفِي الزِّيَادَةِ يَكُونُ أَمِينًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِذَلِكَ الْقَدْرِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْبَاقِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَيَأْخُذُ الْبَائِعُ)، وَهُوَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ اهـ

الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ عِنْدَهُمَا، وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ وَعِنْدَهُ لَا تَقَعُ، وَإِذَا كَانَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَضَاءَ دَيْنِ نَفْسِهِ بِمَالِ الصَّبِيِّ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ بِطَرِيقِ الرَّهْنِ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا مَلَكَ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ مَلَكَ بِطَرِيقِ الرَّهْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ نَظِيرُ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ وُجُودُ الْمُبَادَلَةِ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَوُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِذَا كَانَ لِلْأَبِ أَوْ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ لِعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ فَرَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ مِنْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ وَأُقِيمَتْ عِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ كَمَا فِي بَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ وَلَوْ فَعَلَ الْوَصِيُّ ذَلِكَ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الرَّهْنِ كَمَا فِي الْبَيْعِ لَكِنَّا تَرَكْنَا ذَلِكَ فِي الْأَبِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَيْسَ الْوَصِيُّ كَالْأَبِ فَإِنَّ شَفَقَتَهُ قَاصِرَةٌ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالرَّهْنُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَمِنْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ وَأَبِيهِ وَعَبْدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ حَيْثُ يَجُوزُ رَهْنُهُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمْ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ وَلَا تُهْمَةَ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمًا وَاحِدًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ عِنْدَ الْأَجْنَبِيِّ بِتِجَارَةٍ بَاشَرَهَا أَوْ رَهَنَ لِلْيَتِيمِ بِدَيْنٍ لَزِمَهُ بِالتِّجَارَةِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلَحَ لَهُ التِّجَارَةُ تَثْمِيرًا لِمَالِهِ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ، فَأَدْرَكَ الِابْنُ وَمَاتَ الْأَبُ، فَلَيْسَ لِلِابْنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ عَلَيْهِ نَافِذٌ لَازِمٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ فَرَهَنَ بِهِ مَالَ الصَّغِيرِ فَقَضَاهُ الِابْنُ بَعْدَ الْبُلُوغِ رَجَعَ بِهِ فِي مَالِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لِحَاجَتِهِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمَالِهِ فَأَشْبَهَ مُعِيرَ الرَّهْنِ وَكَذَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَكَّهُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَصِيرُ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِهِ وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَالَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَبِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ ثُمَّ حُكْمُهُ فِي حِصَّةِ دَيْنِ الْأَبِ كَحُكْمِهِ فِيمَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ رَهْنًا بِدَيْنِ الْأَبِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَالْجَدُّ أَبُ الْأَبِ وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ فِي دَيْنٍ اسْتَدَانَهُ عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ اسْتَعَارَهُ الْوَصِيُّ لِحَاجَةِ الْيَتِيمِ فَضَاعَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعَارَ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ، فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِذَلِكَ وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ بِالِاسْتِرْدَادِ، وَالْوَصِيُّ هُوَ الَّذِي يُطَالِبُ بِهِ عَلَى مَا كَانَ وَلَوْ اسْتَعَارَهُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ ضَمِنَهُ لِلصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ، وَلَوْ غَصَبَهُ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَا رَهَنَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَفِي حَقِّ الصَّبِيِّ بِالِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ فَيَقْضِي بِالضَّمَانِ الدَّيْنَ إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْيَتِيمِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالدَّيْنِ يَقْضِي مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ بِقَدْرِ مَا تَعَدَّى فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، فَالْقِيمَةُ رَهْنٌ فَإِذَا حَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَرَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ إلَخْ) يَعْنِي ارْتَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ لِلْأَبِ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَنْ بَاعَ الْأَبُ مَالَهُ مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ أَحَدِ ابْنَيْهِ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا دَيْنٌ عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ بَاعَ الْأَبُ مَالَ أَحَدِ الِابْنَيْنِ مِنْ الْآخَرِ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا بِعْتُ عَبْدَ ابْنِي فُلَانٍ مِنْ ابْنِي فُلَانٍ، أَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ مِنْ عَبْدٍ تَاجِرٍ لِلْأَبِ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ بِأَنْ اشْتَرَى الْأَبُ مَتَاعَ عَبْدِهِ التَّاجِرِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، فَصَارَ لِلْعَبْدِ دَيْنٌ عَلَى الصَّغِيرِ فَرَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِهِ عِنْدَ الْأَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ فَعَلَ الْوَصِيُّ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ لَوْ ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ لِلْوَصِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ أَوْ ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ عَلَى الصَّغِيرِ الْيَتِيمِ أَوْ ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِ عَبْدِ الْوَصِيِّ التَّاجِرِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ عَلَى الْيَتِيمِ أَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ عَيْنًا لِلْوَصِيِّ بِدَيْنٍ لِلْيَتِيمِ عَلَى الْوَصِيِّ، فَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي: وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْهَنَ مَتَاعَ الْيَتِيمِ مِنْ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ وَلَا مِنْ عَبْدٍ لَهُ تَاجِرٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مِنْهُمَا كَالرَّهْنِ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَوْ رَهَنَ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عَاقِدًا مِنْ جَانِبَيْنِ فِي عُقُودٍ تَتَضَمَّنُ عُقُودًا مُتَبَايِنَةً، وَهَذَا هَكَذَا وَلَوْ رَهَنَ مِنْ ابْنٍ لَهُ كَبِيرٍ أَوْ رَهَنَ مِنْ أَبِيهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ مِنْ عَبْدٍ تَاجِرٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَيْسَ كَالْعَقْدِ مِنْ نَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْ هَؤُلَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَصِحُّ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ حَتَّى لَوْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ بِأَنْ بِيعَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ يَصِحُّ وَلَا تَدْخُلُ التُّهْمَةُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا فَكَانَ الْعَقْدُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ سَوَاءً فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ تُهْمَةٌ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. غَايَةٌ مَعَ تَغْيِيرٍ فِي بَعْضِ عِبَارَتِهِ (قَوْلُهُ، وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ إلَخْ)، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ رَهْنَ الْأَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ رَهَنَهُ بِدَيْنِ نَفْسِهِ أَوْ بِدَيْنِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا رَهَنَ مَتَاعَ الصَّغِيرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ بَعْدَ الْبُلُوغِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ) أَيْ الرَّهْنُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ) رَهْنِ الْأَبِ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ وَبِدَيْنِ الصَّغِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ) إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ أَوْ وَصِيُّ الْأَبِ اهـ هِدَايَةٌ.

كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ أَنَّهُ غَصَبَهُ وَاسْتَعْمَلَهُ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ ضَمِنَهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لَا لِحَقِّ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي حَاجَةِ الصَّغِيرِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا الْأَخْذُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ أَخْذِ مَالِ الْيَتِيمِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ بِغَصْبِ مَالِ الصَّغِيرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَصْبُهُ لِمَالِ الْيَتِيمِ لِمَا أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْأَخْذِ، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ يَضْمَنُهُ لِلْمُرْتَهِنِ فَيَأْخُذُهُ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ، وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بَلْ هُوَ عَامِلٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ يَأْخُذُهُ بِهِ، وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّبِيِّ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ رَهْنُ الْحَجَرَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) وَالْمُرَادُ بِالْحَجَرَيْنِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَإِنَّمَا جَازَ رَهْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا فَكَانَتْ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رُهِنَتْ بِجِنْسِهَا وَهَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْجَوْدَةِ)؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَهُ إذَا هَلَكَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ قَلَّتْ قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِبَارِ الْوَزْنِ إضْرَارٌ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ وَزْنِهِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِيَنْتَقِضَ قَبْضُ الرَّهْنِ ثُمَّ يَجْعَلُ الضَّمَانَ رَهْنًا مَكَانَهُ وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْهَالِكَ بِالضَّمَانِ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْوَزْنَ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ صِفَتِهِ مِنْ جَوْدَةٍ أَوْ رَدَاءَةٍ وَأَسْقَطْنَا الْقِيمَةَ فِيهِ أَضْرَرْنَا بِأَحَدِهِمَا، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ وَجَعَلْنَاهُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِهَا أَدَّى إلَى الرِّبَا فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّ الْجَوْدَةَ سَاقِطَةٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْحَبْسِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ وَاسْتِيفَاءُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ أَوْ بِالْعَكْسِ جَائِزٌ عِنْدَ التَّرَاضِي بِهِ هُنَا؛ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْضِهِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ بِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ؛ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَضْمَنُ مِلْكَ نَفْسِهِ، فَتَعَذَّرَ التَّضْمِينُ بِتَعَذُّرِ النَّقْضِ وَقِيلَ هَذِهِ فُرَيْعَةُ مَا إذَا اسْتَوْفَى زُيُوفًا مَكَانَ الْجِيَادِ ثُمَّ عَلِمَ بِالزِّيَافَةِ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا فِيهَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَفِي هَذِهِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ قَاضِيخَانْ: إنَّ الْبِنَاءَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ عِيسَى بْنَ أَبَانَ قَالَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخِرًا كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَئِنْ كَانَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الزُّيُوفَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَبَضَهُ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ وَقَدْ تَمَّ بِهَلَاكِهِ وَالرَّهْنُ قَبَضَهُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الْقَبْضِ وَقَدْ أَمْكَنَ بِالتَّضْمِينِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ دُونَ الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ أَصْلٌ وَالْجَوْدَةَ وَصْفٌ فَلَا يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْوَصَايَا وَالتَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِ الصِّغَارِ، وَعِنْدَ الِانْكِسَارِ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مَصُوغًا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَةَ الْمَضْمُونِ مِنْهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَضْمَنُ حِصَّةَ الْأَمَانَةِ إنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً، وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ بِقَدْرِ مَا ضَمِنَ وَخَرَجَ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا، وَجُعِلَ الضَّمَانُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يَفْتَكَّ الْمُنْكَسِرَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصِّيَاغَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِنَفْسِهَا غَيْرُ تَابِعَةٍ لِلْوَزْنِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ حَقًّا لِلْعَبْدِ وَلَا تُجْعَلُ تَبَعًا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الرِّبَا كَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْوَصَايَا، وَفِي مَالِ الصَّغِيرِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْجَوْدَةِ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ أَنْ يَبِيعَهُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَقِيمَتُهُ أَنْقَصُ مِنْهُ، فَإِذَا اُعْتُبِرَتْ الْجَوْدَةُ صَارَتْ كَأَنَّهَا عَيْنٌ فَتَنْضَمُّ إلَى الْوَزْنِ فَبِقَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَجْمُوعِ صَارَ مَضْمُونًا وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ، ثُمَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا أَوْ الرِّبَا فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ الْمَضْمُونَ مِنْهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَجُعِلَ رَهْنًا مَكَانَهُ وَمَلَكَ الرَّهْنَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَعِنْدَ الِانْكِسَارِ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الرَّهْنِ كُلَّهَا إنْ كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً يُضَمِّنُهُ قَدْرَ الْمَضْمُونِ مِنْهُ وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّهْنِ بِحِسَابِهِ وَتَكُونُ الْأَمَانَةُ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ مَعَ الضَّمَانِ وَتُفْصَلُ الْأَمَانَةُ مِنْهُ كَيْ لَا يَلْزَمَ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْمُنْكَسِرَ بِالدَّيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ إلَخْ) فَإِنَّ فِي اعْتِبَارِ الْوَزْنِ إضْرَارًا بِالرَّاهِنِ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَفِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ إضْرَارٌ بِالْمُرْتَهِنِ فِي اعْتِبَارِ وَزْنِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَبِالْعَكْسِ جَائِزٌ عِنْدَ التَّرَاضِي بِهِ) هَذَا وَقَدْ وَقَعَ الِاسْتِيفَاءُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَقَدْ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْضِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْمُطَالِبِ) وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَتَعَذَّرَ التَّضْمِينُ بِتَعَذُّرِ النَّقْضِ)؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْقَضُ اسْتِيفَاؤُهُ إذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى قَبَضَ الرَّهْنَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ فَقَدْ رَضِيَ بِوُقُوعِهِ اسْتِيفَاءً بِدُونِ صِفَةِ الْجَوْدَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَوْفَى الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ، وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذِهِ فُرَيْعَةُ مَا إذَا اسْتَوْفَى زُيُوفًا مَكَانَ الْجِيَادِ) أَيْ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ وَهَلَكَتْ الزُّيُوفُ عِنْدَهُ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِيفَاءِ الزُّيُوفِ مَكَانَ الْجِيَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَبَضَهُ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ) أَيْ مِنْ عَيْنِهَا وَالزِّيَافَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِيفَاءِ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ وَجَعَلَ الضَّمَانَ رَهْنًا مَكَانَهُ) وَالْبَاقِي مِنْ الْمُنْكَسِرِ الَّذِي لَمْ يُضْمَنْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ وَيُفْصَلُ كَيْ لَا يَلْزَمَ رَهْنُ الْمَشَاعِ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. ك كَقَوْلِهِ كَيْ لَا يَلْزَمَ رَهْنُ الْمَشَاعِ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالشُّيُوعِ الْمُقَارِنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ

وَالْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصِّيَاغَةَ تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ، وَهُوَ الْوَزْنُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُعَامَلَاتِ إذَا لَاقَتْ جِنْسَهَا وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَضْمُونَاتِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي الْوَزْنِ وَقِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةٌ يُصْرَفُ الدَّيْنُ إلَى الْوَزْنِ وَالْأَمَانَةُ إلَى الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَزْنِ وَفَاءٌ وَفِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِهِ صُرِفَ مِنْ قِيمَتِهِ إلَى الْوَزْنِ إلَى تَمَامِ الدَّيْنِ فَيُجْعَلُ مَضْمُونًا وَالزَّائِدُ أَمَانَةٌ ثُمَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا وَلَا إلَى الرِّبَا، فَإِنْ أَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قَدْرَ الْمَضْمُونِ مِنْهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ وَيَمْلِكُ الْمَضْمُونَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ الِانْكِسَارِ كَانَ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا أَوْ إلَى الرِّبَا فَيَعْتَبِرُ حَالَةَ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ ثُمَّ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِثْلَ وَزْنِ الدَّيْنِ، وَقِسْمٌ فِيمَا إذَا كَانَ وَزْنُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، وَقِسْمٌ فِيمَا إذَا كَانَ وَزْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ، وَكُلُّ قِسْمٍ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ إلَى حَالَةِ هَلَاكِ الرَّهْنِ وَإِلَى حَالَةِ انْكِسَارِهِ وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مِثْلَ الْوَزْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَيَنْقَسِمُ كُلُّ قِسْمٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فَصَارَ الْكُلُّ سِتَّةً وَعِشْرِينَ قِسْمًا. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ رَهَنَ قَلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ هَلَكَ بِالدَّيْنِ اتِّفَاقًا اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ أَوْ لِعَدَمِ الضَّرَرِ بِأَحَدٍ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَعِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَجَعَلَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَمَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ فَهَلَكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا؛ لِأَنَّ فِي اسْتِيفَائِهِ ضَرَرًا بِالْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَمَلَكَ الْمَضْمُونَ وَجَعَلَ الضَّمَانَ رَهْنًا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَتَضَرَّرُ بِهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَهَلَكَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِالْإِجْمَاعِ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ عِنْدَهُ وَصَرْفًا لِلْأَمَانَةِ إلَى الْجَوْدَةِ وَالْمَضْمُونِ إلَى الْوَزْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ يَصْرِفُ الضَّمَانَ وَالْأَمَانَةَ إلَى الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ لَكِنْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْهُمَا وَالْبَاقِي مِنْهُمَا أَمَانَةٌ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ وَزْنَهُ كُلَّهُ مَضْمُونٌ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ وَجَعَلَ الضَّمَانَ رَهْنًا وَمَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْهُ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ حَتَّى إذَا كَانَ يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ضَمِنَ ثُلُثَيْهِ عَشَرَةً فَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ ثُلُثَيْ الْعَيْنِ وَثُلُثُ الْعَيْنِ أَمَانَةٌ يَكُونُ رَهْنًا مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يَمْنَعُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّمْيِيزِ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ وَكُلُّ قِسْمٍ إلَخْ) فَصَارَتْ الْأَقْسَامُ سِتَّةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَيْ بِقِسْمَيْهِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِثْلَ وَزْنِ الدَّيْنِ حَالَةَ هَلَاكِ الرَّهْنِ وَحَالَةَ انْكِسَارِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ إلَخْ) فَصَارَتْ أَقْسَامُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ سِتَّةً مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي اثْنَتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْقَسِمُ كُلُّ قِسْمٍ إلَخْ) فَصَارَتْ أَقْسَامُ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ عِشْرِينَ مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةٍ هِيَ مَا إذَا كَانَ وَزْنُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ حَالَةَ هَلَاكِ الرَّهْنِ أَوْ انْكِسَارِهِ فِي خَمْسَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ فَعِنْدَهُمَا) أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ) أَيْ نَاقِصًا اهـ (قَوْلُهُ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ الرِّبَا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَمَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ) أَيْ بِالضَّمَانِ وَلَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ؛ لِأَنَّهُ إنْ ذَهَبَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِذَهَابِ الْجَوْدَةِ يَصِيرُ قَابِضًا دَيْنَهُ بِالْجَوْدَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَالْجَوْدَةُ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْفِكَاكَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْهَبَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ مَعَ النُّقْصَانِ حَقِيقَةً لَتَضَرَّرَ الرَّاهِنُ لِفَوَاتِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ فَخَيَّرْنَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ افْتَكَّهُ) أَيْ نَاقِصًا. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ) فَيَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ. لَهُ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ بِالْإِجْمَاعِ لَوْ هَلَكَ فَكَذَا إذَا انْكَسَرَ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْفِكَاكُ مَجَّانًا لِمَا بَيَّنَّا صَارَ فِي مَعْنَى الْهَالِكِ فَيُعْتَبَرُ بِالْهَالِكِ الْحَقِيقِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْقَبْضِ صَارَ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى وَجْهٍ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِضَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. قُلْنَا طَرِيقُ صَيْرُورَتِهِ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ أَنْ يُجْعَلَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ اسْتِيفَاءٍ وَسُقُوطُ الدَّيْنِ فِي الِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ بِاعْتِبَارِ أَنْ يُجْعَلَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَ مَا لَهُ وَبَيْنَ مَا عَلَيْهِ فَكَذَا فِي الِاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ وَجَعْلُهُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ فِي حَالِ قِيَامِهِ يُؤَدِّي إلَى إغْلَاقِ الرَّهْنِ وَأَنَّهُ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ فِي الشَّرْعِ فَصِرْنَا إلَى التَّضْمِينِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْإِغْلَاقِ لِانْتِقَالِ حُكْمِ الرَّهْنِ إلَى مِثْلِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَتَضَرَّرُ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَدْوَنُ مِنْ حَقِّهِ اهـ (قَوْلُهُ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ فِي حَالَةِ الِانْكِسَارِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ وَالْعِبْرَةُ لِلْوَزْنِ عِنْدَهُ لَا لِلْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِي هَذَا الْبَابِ؛ فَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ كُلِّهِ مَضْمُونًا كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فَبَعْضُهُ وَجَمِيعُ الْوَزْنِ مَضْمُونٌ فَتَتْبَعُهُ الْجَوْدَةُ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلذَّاتِ وَمَتَى صَارَ الذَّاتُ مَضْمُونًا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ التَّبَعَ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَالْوَزْنُ كَذَلِكَ اهـ

الضَّمَانِ وَيُفْصَلُ كَيْ لَا يَكُونَ الرَّهْنُ مُشَاعًا، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ كَمَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ وَزْنُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ رَهَنَ بِعَشَرَةٍ قَلْبًا وَزْنُهُ ثَمَانِيَةٌ مَثَلًا فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ ثَمَانِيَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ تِسْعَةً أَوْ مِثْلَ الدَّيْنِ عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ بِقَدْرِ وَزْنِهِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَذْهَبُ ثَمَانِيَةٌ مِنْ دَيْنِهِ وَيَرْجِعُ بِدِرْهَمَيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُ لِلْوَزْنِ دُونَ الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ وَعِنْدَ الِانْكِسَارِ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ رِبًا فَيَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَوَزْنُهُ جَمِيعُهُ مَضْمُونٌ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَلَوْ بَلَغَتْ أُلُوفًا، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ كُلِّهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْجَوْدَةِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ فَهَلَكَ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ وَزْنِهِ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمَا فِيهِ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ انْكَسَرَ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ التَّضْمِينِ وَالِافْتِكَاكِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ بَيْنَ تَرْكِهِ بِالدَّيْنِ بِقَدْرِهِ وَبَيْنَ الِافْتِكَاكِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ وَلَا يُجْعَلُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ قَدْرُ وَزْنِهِ، وَإِنْ ذَهَبَ قَدْرُ قِيمَتِهِ يَلْزَمُ الرِّبَا إلَّا إذَا رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِذَهَابِ حَقِّهِ قَدْرَ وَزْنِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَفْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ جِنْسِهِ رَدِيئًا وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُرْتَهِنِ كَمَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ تِسْعَةً فَعِنْدَ الْهَلَاكِ خُيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ جِنْسِهِ جَيِّدًا قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ وَزْنِهِ يَتَضَرَّرُ الرَّاهِنُ وَإِنْ ذَهَبَ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ لَزِمَ الرِّبَا فَتَعَيَّنَ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ انْكَسَرَ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ الِافْتِكَاكِ، وَبَيْنَ تَضْمِينِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ يَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا عِنْدَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ عَشَرَةً لِمَا بَيَّنَّا مِنْ مَذْهَبِهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَإِنْ هَلَكَ غَرِمَ الْمُرْتَهِنُ ثُلُثَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَجَعَ بِدَيْنِهِ وَيَمْلِكُهُ الْمُرْتَهِنُ وَثُلُثُهُ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ يُفْصَلُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصِّيَاغَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُ كَالْعَيْنِ، وَكَذَا إذَا انْكَسَرَ عِنْدَهُ لِمَا بَيَّنَّا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ هَلَكَ ضَمِنَ قَدْرَ الدَّيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ، وَإِنْ انْكَسَرَ يَنْظُرُ إنْ نَقَصَ بِالِانْكِسَارِ قَدْرَ الزِّيَادَةَ عَلَى الدَّيْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ أَصْلِهِ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ أَكْثَرَ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الدَّيْنِ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ افْتِكَاكِهِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ تَضْمِينِ الْمُرْتَهِنِ قَدْرَ الدَّيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ وَزْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ رَهَنَ قَلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: أَمَّا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ وَأَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ ثُلُثَاهُ مَضْمُونًا وَثُلُثُهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَيْفَمَا كَانَتْ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْهَلَاكِ إلَّا الْوَزْنَ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي بَعْدَ أَنْ صَوَّرَهَا فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ اثْنَا عَشَرَ وَانْكَسَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ انْتَقَصَ بِالِانْكِسَارِ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ انْتَقَصَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ فَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْوَزْنِ وَالْأَمَانَةَ فِي الْجَوْدَةِ وَالصَّنْعَةِ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصَّنْعَةَ تَابِعَةٌ لِلْوَزْنِ وَالْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ عَلَى الْأَصَالَةِ هُوَ الْمَضْمُونِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ ضَمَانٍ وَاسْتِيفَاءٍ وَصِفَةُ الْأَمَانَةِ فِي الْمَرْهُونِ تَابِعَةٌ فَيُجْعَلُ الْأَصْلُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ وَالتَّبَعُ بِمُقَابَلَةِ التَّبَعِ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ شَيْءٌ مِنْ الضَّمَانِ فَحِينَئِذٍ يُصْرَفُ إلَى الْجَوْدَةِ ضَرُورَةً اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مَحَلُّ هَذَا التَّخْيِيرِ مَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ بِالِانْكِسَارِ أَكْثَرَ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الدَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَى الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ فَلَا كَمَا عُلِمَ مِنْ الْحَاشِيَةِ الَّتِي هِيَ أَعْلَاهَا نَقْلًا عَنْ الْكَافِي وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ أَيْضًا اهـ. ك (قَوْلُهُ، وَإِنْ انْكَسَرَ خَيَّرَ الرَّاهِنُ إلَخْ)، وَهَذَا التَّخْيِيرُ بِالِاتِّفَاقِ مِنْ الثَّلَاثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ خَيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الِافْتِكَاكَ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَالصَّوَابُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّضْمِينِ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ، وَإِنْ انْكَسَرَ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ الِافْتِكَاكِ إلَخْ)، وَهَذَا التَّخْيِيرُ أَيْضًا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ عَشَرَةً) يَعْنِي حُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ فِي حَالَتَيْ الِانْكِسَارِ وَالْهَلَاكِ حُكْمُ الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ. اهـ. ك (قَوْلُهُ وَيَمْلِكُهُ الْمُرْتَهِنُ) إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى تَقْدِيرِ الِانْكِسَارِ لَا غَيْرُ. اهـ. (قَوْلُهُ يُفْصَلُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ) الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ يُفْصَلُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ زَائِدٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ) وَلَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِكُلِّ الدَّيْنِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ) أَيْ الرَّهْنُ كُلُّهُ اهـ

إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ إلَّا الْوَزْنَ، فَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ كُلُّهُ مَضْمُونًا ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فَبَعْضُهُ، وَيَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا، وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ قَدْرَ مَا ضَمِنَ مِنْ الرَّهْنِ، وَهُوَ الثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ أَمَانَةٌ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ، وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ وَيُفْصَلُ كَيْ لَا يَلْزَمَ رَهْنُ الْمُشَاعِ. وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يَذْهَبُ بِالدَّيْنِ ثُلُثُهُ أَمَانَةً وَثُلُثَاهُ مَضْمُونًا، وَإِنْ انْكَسَرَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خُيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ، وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْبَاقِي عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ جَعَلَ ثُلُثَيْهِ بِالدَّيْنِ وَأَخَذَ ثُلُثَهُ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ عِشْرِينَ، فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ مَضْمُونًا وَأَمَانَةً، وَإِنْ انْكَسَرَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قَدْرَ الدَّيْنِ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ يَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ وَيُفْصَلُ لِمَا بَيَّنَّا وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْمَضْمُونَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ نَقَصَ بِالِانْكِسَارِ قَدْرَ الزَّائِدِ عَلَى الْوَزْنِ أَوْ أَقَلَّ لَا يُعْتَبَرُ النُّقْصَانُ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ تُصْرَفُ إلَيْهِ عِنْدَهُ فَيُجْبَرُ عَلَى الْفِكَاكِ وَإِنْ زَادَ النُّقْصَانُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ خُيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ تَرَكَ ثُلُثَيْهِ بِالدَّيْنِ، وَأَخَذَ الثُّلُثَ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ وَأَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ اثْنَيْ عَشَرَ، فَإِنْ هَلَكَ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قَدْرَ الدَّيْنِ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ قِيمَةِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُمَا لِلْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ جَمِيعًا، وَبِالْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةٌ وَالْمَضْمُونُ مِنْ الرَّهْنِ عَشَرَةٌ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمَّنَهُ بِحِصَّتِهِ، وَهُوَ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ، إنْ هَلَكَ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ أَوْ الْقِيمَةِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ بِتَخَيُّرٍ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا مَعَ الْوَزْنِ وَلَا وَفَاءَ بِالْقِيمَةِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْ الرَّهْنِ، وَهِيَ عَشَرَةٌ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرَّهْنِ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ الدَّيْنِ فَيَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ جَعَلَهُ هَالِكًا بِمَا فِيهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ عَشَرَةً مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ وَدَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا مَعَ الْوَزْنِ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَيَتْرُكُ جَمِيعَ الْقَلْبِ عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ ثَمَانِيَةً إنْ هَلَكَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَرَجَعَ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَهَا عِبْرَةٌ مَعَ الْوَزْنِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ وُجِدَ الْوَفَاءُ فِي الْوَزْنِ لَمْ يُوجَدْ فِي الْقِيمَةِ فَيَتَخَيَّرُ وَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ الْقَلْبِ ثَمَانِيَةً وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ لِمَا عُرِفَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَامْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ وَلِلْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا أَوْ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا الْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ إذَا بَاعَهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَقَبِلَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا وَمِثْلُهُ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لِلِاسْتِيثَاقِ وَكَذَا الْكَفَالَةُ، وَالِاسْتِيثَاقُ يُلَائِمُ الْعَقْدَ فَإِذَا كَانَ الْكَفِيلُ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ، وَقَبِلَ اُعْتُبِرَ الْمَعْنَى، وَهُوَ الْمُلَاءَمَةُ فَصَحَّ الْعَقْدُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ وَلَا الْكَفِيلُ مُعَيَّنًا أَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا حَتَّى افْتَرَقَا لَمْ يَبْقَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ لِلْجَهَالَةِ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِعَيْنِهِ فَيَفْسُدُ، وَلَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا فَحَضَرَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبِلَ صَحَّ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا فَاتَّفَقَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ نَقَدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا جَازَ الْبَيْعُ وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُهُ فَامْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ أَيْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَقَالَ زُفَرُ: يُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالشَّرْطِ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ قُلْنَا عَقْدُ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ وَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ كَالْوَاهِبِ غَيْرَ أَنَّ لِلْبَائِعِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَرْكِ الرَّهْنِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَفَوَاتُهُ يُوجِبُ الْخِيَارَ كَسَلَامَةِ الْمَبِيعِ عَنْ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ أَوْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ يَحْصُلُ بِقِيمَتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ قَالَ لِلْبَائِعِ أَمْسِكْ هَذَا الثَّوْبَ حَتَّى أُعْطِيَك الثَّمَنَ فَهُوَ رَهْنٌ) وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ خُيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ تَرَكَ ثُلُثَيْهِ) أَيْ لِالْتِحَاقِ الِانْكِسَارِ بِالْهَلَاكِ عِنْدَهُ وَصَيْرُورَتِهِ مُسْتَوْفِيًا بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ) أَيْ وَأَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ وَزْنَ الْعَشَرَةِ الْمَضْمُونَةِ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بِالِانْكِسَارِ اهـ (قَوْلُهُ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ)؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ وَبِهَا وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ مُسْتَوْفِيًا إلَخْ) لِئَلَّا يَلْزَمَ الضَّرَرُ بِالرَّاهِنِ بِفَوْتِ بَقِيَّةِ وَزْنِ الرَّهْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ) تُنْظَرُ عِبَارَةُ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا) لِئَلَّا يَلْزَمَ الرِّبَا فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرَّهْنِ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ الدَّيْنِ) أَيْ بِثَلَاثَةٍ وَثُلُثٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ) لَعَلَّهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ وُجِدَ الْوَفَاءُ فِي الْوَزْنِ إلَخْ) هَذَا الْمَحَلُّ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَتَحْرِيرٍ اهـ. (قَوْلُهُ قُلْنَا عَقْدُ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ) أَيْ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ قَالَ) أَيْ الْمُشْتَرِي اهـ

زُفَرَ لَا يَكُونُ رَهْنًا وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْسِكْ يَحْتَمِلُ الرَّهْنَ وَيَحْتَمِلُ الْإِيدَاعَ وَالثَّانِي أَقَلُّهُمَا فَيَقْضِي بِثُبُوتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْسِكْهُ بِدَيْنِك أَوْ بِمَالِك عَلَيَّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَابَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ عَيَّنَ جِهَةَ الرَّهْنِ قُلْنَا إنَّهُ أَتَى بِمَا يُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى الرَّهْنِ، وَهُوَ الْحَبْسُ إلَى إيفَاءِ الثَّمَنِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي حَيْثُ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةً وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ كَفَالَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَلَّكْتُك هَذَا بِكَذَا يَكُونُ بَيْعًا لِلتَّصْرِيحِ بِمُوجِبِ الْبَيْعِ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُك بِكَذَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الثَّوْبُ هُوَ الْمُشْتَرَى أَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِثَمَنِهِ حَتَّى يَثْبُتَ فِيهِ حُكْمُ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِالثَّمَنِ وَضَمَانُهُ يُخَالِفُ ضَمَانَ الرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِضَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ أَمْسِكْ الْمَبِيعَ حَتَّى أُعْطِيَك الثَّمَنَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلَكَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئًا يَفْسُدُ بِالْمُكْثِ كَاللَّحْمِ وَالْجَمَدِ فَأَبْطَأَ الْمُشْتَرِي وَخَافَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ التَّلَفَ جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَهُ وَوَسِعَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيَتَصَدَّقَ الْبَائِعُ بِالزَّائِدِ إنْ بَاعَهُ بِأَزْيَدَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ لَا يَأْخُذُ أَحَدَهُمَا بِقَضَاءِ حِصَّتِهِ كَالْبَيْعِ)؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ مَحْبُوسٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّيْنِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ، وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِيفَاءِ، فَصَارَ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي رَهَنَهُ بِهِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُتَّحِدٌ فَلَا يَتَفَرَّقُ بِالتَّسْمِيَةِ كَالْمَبِيعِ وَفِي الزِّيَادَاتِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ أَحَدَهُمَا إذَا أَدَّى مَا سُمِّيَ لَهُ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ يَثْبُتُ فِي الرَّهْنِ بِتَسْمِيَةِ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ شَرْطًا لِحِصَّةِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ حَتَّى إذَا قَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا صَحَّ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ لَا يَتَعَدَّدُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَلِهَذَا لَوْ قَبِلَ الْبَيْعَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَتَضَرَّرُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِضَمِّ الرَّدِيءِ إلَى الْجَيِّدِ فِي الْبَيْعِ فَيَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِالتَّفْرِيقِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَتَضَرَّرُ بِالتَّفْرِيقِ؛ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْأَصَحُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَلَوْ رَهَنَ عَيْنًا عِنْدَ رَجُلَيْنِ صَحَّ) سَوَاءٌ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَكُونَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئًا يَفْسُدُ بِالْمُكْثِ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَوَّلَ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْبُيُوعِ رَجُلٌ اشْتَرَى لَحْمًا أَوْ سَمَكًا فَذَهَبَ لِيَجِيءَ بِالثَّمَنِ فَأَبْطَأَ فَخَافَ الْبَائِعُ أَنْ يَفْسُدَ يَسَعُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَيَسَعُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَإِنْ عَلِمَ بِالْقَضِيَّةِ، أَمَّا الْبَائِعُ فَلِأَنَّهُ يَكُونُ رَاضِيًا بِالِانْفِسَاخِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلْبَائِعِ حَلَّ لِلْمُشْتَرِي الشِّرَاءُ، فَإِنْ بَاعَ بِزِيَادَةٍ يَتَصَدَّقُ بِهَا، وَإِنْ بَاعَ بِنُقْصَانٍ فَالنُّقْصَانُ مَوْضُوعٌ عَنْ الْمُشْتَرِي وَهَذَا نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ اهـ قَوْلُهُ فَالنُّقْصَانُ مَوْضُوعٌ عَنْ الْمُشْتَرِي كَذَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ. (قَوْلُهُ حَتَّى إذَا قَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا صَحَّ) يَعْنِي إذَا قَالَ رَهَنْتُك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ الْمُرْتَهِنُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ صَحَّ بِمَا سُمِّيَ لَهُ مِنْ الْحِصَّةِ فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ يَحْتَمِلُ التَّفْرِيقَ، وَفِي الْبَيْعِ لَوْ قَبِلَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ التَّفْرِيقُ فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْأَصَحُّ) أَيْ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ الْمُقَابَلَةُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَلَكِنْ عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ الْوَثِيقَةُ بِالْجُمْلَةِ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ بِسَبِيلٍ مِنْ اسْتِرْدَادِ الْبَعْضِ عِنْدَ قَضَاءِ بَعْضِ الْمَالِ لَبَطَلَ مَعْنَى الْوَثِيقَةِ وَالضَّجَرُ الْحَاصِلُ بِحَبْسِ الْكُلِّ وَقَدْ مَرَّ تَمَامُ الْبَيَانِ مَرَّةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الرَّهْنِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْبَيْعِ حَتَّى يَقْضِيَهُ الدَّيْنَ وَيُنْظَرُ ثَمَّةَ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِذَا رَهَنَهُ عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ أَوْ كُرَّ شَعِيرٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ جَعَلَهُ رَهْنًا بِهِ فَسَبِيلُ ذَلِكَ أَنْ يَقْسِمَ الدَّيْنَ عَلَى قِيمَةِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ فَمَا صَابَ كُلَّ عَبْدٍ أَوْ كُلَّ ثَوْبٍ أَوْ كُلَّ كُرٍّ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ تِلْكَ الْحِصَّةِ الَّتِي حِصَّتُهُ بِالْقِسْمَةِ وَمِنْ قِيمَةِ نَفْسِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الرَّهْنِ وَالضَّمَانُ مُنْقَسِمٌ وَجَبَ أَنْ يَنْقَسِمَ عَلَى الْمُتَّفِقِينَ بِالْأَجْزَاءِ وَعَلَى الْمُخْتَلِفِينَ بِالْقِيمَةِ كَمَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى الْمَبِيعِ بِالْقِيمَةِ، وَأَمَّا إنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّةً مِنْ الدَّيْنِ لَمْ تُعْتَبَرْ الْقِيمَةُ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سُمِّيَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ فِي مُقَابَلَتِهِ مِقْدَارَ التَّسْمِيَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِالْقِيمَةِ كَالْمَبِيعَيْنِ إذَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَلَوْ رَهَنَهُ شَاتَيْنِ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا إحْدَاهُمَا بِعِشْرِينَ وَالْأُخْرَى بِعَشَرَةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُقَابِلَ بِالْعَشَرَةِ مِنْ الْأُخْرَى فَصَارَ الْمَرْهُونُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ مَجْهُولًا، وَهِيَ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ هَلَاكِ إحْدَاهُمَا فَأَوْجَبَ فَسَادَ الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ وَلَوْ سَمَّى كَانَ جَائِزًا وَأَيُّهُمَا هَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمَا فِيهَا وَالْأُخْرَى رَهْنٌ بِمَا سَمَّى لَهَا اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ رَهَنَ عَيْنًا عِنْدَ رَجُلَيْنِ صَحَّ) هَذَا إذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْأَبْعَاضِ، فَإِنْ نَصَّ الرَّاهِنُ عَلَى الْأَبْعَاضِ وَقَالَ رَهَنْتُ مِنْكُمَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَهَا لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَذَكَرَ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عَيْنًا وَاحِدَةً عِنْدَ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَانِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ

شَرِيكَيْنِ فِيهِ وَيَكُونُ جَمِيعُ الْعَيْنِ رَهْنًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى كُلِّ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَكُونُ شَائِعًا بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ جَعَلَهُ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي فَصَارَ كُلُّهُ مَحْبُوسًا بِدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ لَا تَضَايُقَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَبْسِ؛ وَلِهَذَا الرَّهْنُ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الدَّيْنِ بَلْ يَكُونُ كُلُّهُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ الدَّيْنِ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ فَكَذَا هُنَا يَكُونُ مَحْبُوسًا بِدَيْنِهِمَا وَبِدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ دَيْنِهِمَا فَلَا شُيُوعَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْكُلِّ فَيَثْبُتُ الشُّيُوعُ ضَرُورَةً، فَإِنْ تَهَايَآ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَوْبَتِهِ كَالْعِدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَجَزَّأُ وَجَبَ أَنْ يَحْبِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ، فَإِنْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ إلَى الْآخَرِ وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ الدَّافِعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةُ فِيمَا إذَا أَوْدَعَ عِنْدَ رَجُلَيْنِ شَيْئًا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ فَدَفَعَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ إلَى الْآخَرِ فَإِنَّ الدَّافِعَ يَضْمَنُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَضْمُونُ عَلَى كُلٍّ حِصَّةُ دَيْنِهِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَقْسِمُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا فَالْكُلُّ رَهْنٌ عِنْدَ الْآخَرِ)؛ لِأَنَّ كُلَّهُ مَحْبُوسٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ لَهُ اسْتِرْدَادُ شَيْءٍ مِنْهُ مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بَاقِيًا كَمَا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ وَاحِدًا وَكَالْمَبِيعِ إذَا أَدَّى أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ حِصَّتَهُ أَوْ مُشْتَرٍ وَاحِدٌ أَدَّى حِصَّةَ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَإِذَا رَهَنَ رَجُلَانِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا رَجُلًا رَهْنًا وَاحِدًا فَهُوَ جَائِزٌ وَالرَّهْنُ رَهْنٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْسِكَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ يَحْصُلُ فِي الْكُلِّ مِنْ غَيْرِ شُيُوعٍ فَصَارَ هُوَ نَظِيرَ الْبَائِعِ وَهُمَا نَظِيرَ الْمُشْتَرِيَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ وَقَبَضَهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَأَقَامَ رَجُلَانِ بَيِّنَةً أَنَّهُ رَهَنَهُ الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ بَيِّنَتَهُ أَنَّهُ رَهَنَهُ كُلَّ الْعَبْدِ فَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْوَاحِدَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ رَهْنًا لِهَذَا وَكُلُّهُ رَهْنًا لِهَذَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ بِهِ لِأَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا وَجْهَ إلَى الْقَضَاءِ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ فَتَهَاتَرَتَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ كَأَنَّهُمَا ارْتَهَنَاهُ مَعًا اسْتِحْسَانًا لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَضَتْهُ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَثْبَتَ بَيِّنَتَهُ حَبْسًا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى تَمَلُّكِ كُلِّ الْعَبْدِ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَبِالْقَضَاءِ يَثْبُتُ حَبْسٌ يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى تَمَلُّكِ شَطْرِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَكُونُ عَمَلًا عَلَى وَفْقِ الْحُجَّةِ فَكَانَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ أَوْلَى لِقُوَّةِ أَثَرِهِ الْمُسْتَتِرِ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُثْبِتُ الْحَقَّ بِبَيِّنَةٍ عَلَى حِدَّةٍ وَلَمْ يَرْضَ بِمُزَاحَمَةِ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا ارْتَهَنَا جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ وَاحِدٌ وَهُنَا يُثْبِتُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدًا آخَرَ وَالرَّهْنُ بِعَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَا يَجُوزُ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ الْفَرْقِ، فَإِذَا وَقَعَ بَاطِلًا فَإِذَا هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا حُكْمَ لَهُ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا، فَإِذَا أَرَّخَا كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِهِ كَدَعْوَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ أَوْ شِرَاءِ عَبْدٍ مِنْ وَاحِدٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ مَاتَ رَاهِنُهُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا فَبَرْهَنَ كُلٌّ عَلَى مَا وَصَفْنَا كَانَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ رَهْنًا بِحَقِّهِ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي الْقِيَاسِ هَذَا بَاطِلٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الْحَبْسُ لِلِاسْتِيفَاءِ، وَهُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ لِعَقْدِ الرَّهْنِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِهِ حُكْمًا بِعَقْدِ الرَّهْنِ إذْ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِ عِلَّتِهِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ لِلشُّيُوعِ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يُرَادُ لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ لِحُكْمِهِ، وَحُكْمُهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ الْحَبْسُ وَالشَّائِعُ لَا يَقْبَلُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ الِاسْتِيفَاءُ بِالْبَيْعِ مِنْ ثَمَنِهِ وَالشَّائِعُ يَقْبَلُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى رَجُلَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ أَوْ ادَّعَتْ أُخْتَانِ أَوْ خَمْسُ نِسْوَةٍ النِّكَاحَ عَلَى رَجُلٍ فَإِنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ تَهَاتَرَتَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَقَبِلْنَاهَا بَعْدَ الْمَمَاتِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ ثُبُوتُ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ وَلَا الشَّرِكَةَ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ ثُبُوتُ مِلْكِ الْمَالِ بِالْإِرْثِ، وَهُوَ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ وَالِانْقِسَامَ وَقَوْلُهُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ تَهَايَآ إلَخْ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ فَإِذَا تَهَايَآ فَأَمْسَكَ هَذَا يَوْمًا وَالْآخَرُ يَوْمًا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَمْسِكُ كَالْعِدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ إذَا هَلَكَ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا فَالْكُلُّ رَهْنٌ عِنْدَ الْآخَرِ) قَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَوْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ لَمَا عُرِفَ أَنَّهُ رَهْنٌ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ بِتَمَامِهِ فَإِنْ هَلَكَ عِنْدَهُ بَعْدَ مَا قَضَى دَيْنَهُ يَسْتَرِدُّ مَا أَعْطَاهُ كَمَا لَوْ كَانَ وَاحِدًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَإِذَا رَهَنَ رَجُلَانِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي الْجَامِعِ (قَوْلُهُ فَالْبَيِّنَتَانِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَإِنَّ الْبَيِّنَتَانِ اهـ.

[باب الرهن يوضع على يد عدل]

الْعَبْدُ فِي أَيْدِيهمَا وَأَثْبَتَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ الرَّهْنَ وَالْقَبْضَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلِهَذَا لَمْ تُذْكَرْ الْيَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى {بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ} قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَعَا الرَّهْنَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ صَحَّ) وَقَالَ زُفَرُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ يَدُ الْمَالِكِ، وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا اُسْتُحِقَّ الرَّهْنُ بَعْدَ الْهَلَاكِ وَبَعْدَ مَا ضَمِنَ الْعَدْلُ قِيمَتَهُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُسْتَحِقِّ فَانْعَدَمَ الْقَبْضُ. وَلَنَا أَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ فِي الْحِفْظِ لِكَوْنِ الْعَيْنِ أَمَانَةً وَفِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ وَالْمَضْمُونُ هُوَ الْمَالِيَّةُ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ لِيَتَحَقَّقَ مَا قَصَدَاهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا آمِرُهُ فَصَارَتْ يَدُهُ كَيَدِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ عَلَى الْخُصُوصِ، وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْخُصُوصِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْيَدَ الْوَاحِدَةَ فِي حُكْمِ يَدَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّاعِيَ يَدُهُ جُعِلَتْ كَيَدِ الْفَقِيرِ وَيَدِ صَاحِبِ الْمَالِ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ الزَّكَاةُ فِي يَدِهِ أَجْزَأَتْهُ، وَلَوْ قَدَّمَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ فَانْتَقَصَ الْمَالُ وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى النَّاقِصِ يَتِمُّ النِّصَابُ بِمَا فِي يَدِ السَّاعِي كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا يَمْلِكُ اسْتِرْدَادَهُ، وَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمَالِكِ لَمْ يَتِمَّ بِهِ النِّصَابُ وَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ يَدُهُ كَيَدِ الْفَقِيرِ لَمَلَكِ اسْتِرْدَادَهُ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الْمَالِكِ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ ضَمَانُ الْغَصْبِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ وَوُجِدَ ذَلِكَ مِنْ الْعَدْلِ وَالرَّاهِنِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى وَضْعِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ عَدْلٍ حَيْثُ يَكُونُ يَدُهُ يَدَ الْبَائِعِ فَحَسْبُ؛ لِأَنَّ فِي جَعْلِهِ نَائِبًا عَنْ الْمُشْتَرِي تَغْيِيرَ مُوجِبِ الْعَقْدِ فَإِنَّ مُوجِبَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ تَكُونَ يَدُ الْبَائِعِ عَلَى الْمَبِيعِ يَدَ نَفْسِهِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْمُشْتَرِي بِوَجْهٍ مَا وَمَتَى قَبَضَ الْمُشْتَرِي كَانَتْ يَدُهُ يَدَ نَفْسِهِ وَلَا تَكُونُ يَدَ الْبَائِعِ بِوَجْهٍ مَا بَلْ هِيَ يَدُ الْمُشْتَرِي فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ فَإِذَا كَانَ فِي جَعْلِهِ نَائِبًا عَنْهُمَا تَغْيِيرُ حُكْمِ الْبَيْعِ اُعْتُبِرَ نَائِبًا عَنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لَهُ فِي الْأَصْلِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بَلْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا وَالْمَالِيَّةُ فِيهِ هِيَ الْمَضْمُونَةُ، وَهِيَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَأَمْكَنَ أَنْ يَقُومَ شَخْصٌ وَاحِدٌ مَقَامَهُمَا لِاخْتِلَافِ حَقِّهِمَا فِيهِ وَعَدَمِ تَغْيِيرِ مُوجِبِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَأْخُذُهُ أَحَدُهُمَا مِنْهُ) أَيْ مِنْ يَدِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الرَّاهِنِ تَعَلَّقَ فِي الْحِفْظِ بِيَدِهِ وَأَمَانَتِهِ وَحَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَهْلِكُ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ)؛ لِأَنَّ يَدَهُ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَالِيَّةُ هِيَ الْمَضْمُونَةُ، وَلَوْ دَفَعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ إلَى أَحَدِهِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودَعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ وَالْمُودَعُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَإِذَا ضَمِنَ الْعَدْلُ قِيمَةَ الرَّهْنِ بِالتَّعَدِّي فِيهِ إمَّا بِإِتْلَافِهِ أَوْ بِدَفْعِهِ إلَى أَحَدِهِمَا وَأَتْلَفَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ لَا يَقْدِرُ الْعَدْلُ أَنْ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ رَهْنًا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ وَاجِبَةٌ فَلَوْ جَعَلَهَا رَهْنًا فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ وَلَكِنْ يَأْخُذَانِهَا مِنْهُ وَيَجْعَلَانِهَا عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا يَرْفَعُ أَحَدُهُمَا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْعَلَ ذَلِكَ فَإِذَا جُعِلَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا بِرَأْيِهِمَا أَوْ بِرَأْيِ الْقَاضِي عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ] ٍ} لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الرَّهْنِ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ذَكَرَ حُكْمَهُ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْعَدْلِ، وَهُوَ الَّذِي يَثِقُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمُرْتَهِنِ وَالنَّائِبُ يَقْفُو الْمَنُوبَ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ إلَخْ) مَا أَحْسَنَ قَوْلَهُ فِي الْكَافِي؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ نَائِبٌ عَنْ الرَّاهِنِ لَا عَنْ الْمُرْتَهِنِ وَلِهَذَا لَوْ لَحِقَهُ ضَمَانٌ بِأَنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ وَالرَّهْنُ لَا يَتِمُّ بِقَبْضِ الرَّاهِنِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَكَذَا بِقَبْضِ الْعَدْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِمَا ضَمِنَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَبْلُ يَرْجِعُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَهْلِكُ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي: وَقَبْضُ الْعَدْلِ الرَّهْنَ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ فِي حُكْمِ صِحَّتِهِ وَضَمَانِهِ بِالدَّيْنِ إذَا هَلَكَ بَلَغَنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْعَدْلِ لَمْ يَبْطُلْ الدَّيْنُ وَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ فَقَدْ بَطَلَ الرَّهْنُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّهْنَ هَلْ يَنْعَقِدُ بِوَصْفِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ بِقَبْضِ الْعَدْلِ عِنْدَنَا يَنْعَقِدُ، وَعِنْدَهُ لَا يَنْعَقِدُ هُوَ يَقُولُ وُجُودُ الرَّهْنِ بِقَبْضِ الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ يُوجَدْ لَا حَقِيقَةً وَلَا تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ نَائِبٌ عَنْ الرَّاهِنِ لَا عَنْ الْمُرْتَهِنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَأَتْلَفَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ) أَوْ أُتْلِفَ فِي يَدِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ يَصِيرُ قَاضِيًا) أَيْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِلتَّنَافِي بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ مُسَلِّمًا وَمُتَسَلِّمًا اهـ (قَوْلُهُ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ) أَيْ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْعَدْلِ بِالضَّمَانِ مِنْهُ ثُمَّ يَضَعُهُ عِنْدَهُ رَهْنًا اهـ فَرْعٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ رَجُلَيْنِ وَالرَّهْنُ مِمَّا لَا يُقْسَمُ فَوَضَعَاهُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا كَانَ جَائِزًا وَلَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِالْحِفْظِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ حِفْظَهُمَا لَا يَأْتِي فِي مِثْلِ هَذَا إلَّا بِالتَّهَايُؤِ زَمَانًا؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمَا اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى حِفْظِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَكَانَ الْحِفْظُ الْمُمْكِنُ مِنْهُمَا عَادَةً هَذَا وَقَدْ أَتَيَا بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْسَمُ فَاقْتَسَمَاهُ كَانَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْحِفْظَ إلَيْهِمَا اقْتَضَى هَذَا انْقِسَامَ الْحِفْظِ عَلَيْهِمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ احْفَظَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا طَائِفَةً مِنْ الْعَيْنِ فَإِنْ وَضَعَاهُ عِنْدَ

الْعَدْلِ الْأَوَّلِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ، فَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالدَّفْعِ إلَى الرَّاهِنِ فَالْقِيمَةُ سَالِمَةٌ لِلْعَدْلِ يَأْخُذُهَا مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ إنْ كَانَتْ عِنْدَ غَيْرِهِ أَوْ عِنْدَهُ لِوُصُولِ الْمَرْهُونِ إلَى الرَّاهِنِ بِالتَّسْلِيمِ الْأَوَّلِ إلَيْهِ وَوُصُولُ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَفْعِ الرَّاهِنِ إلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ اجْتِمَاعُ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ أَخَذَهُ الرَّاهِنُ لَاجْتَمَعَا فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ ضَمِنَ الرَّهْنَ بِالدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالرَّاهِنُ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ مِنْ الْعَدْلِ إنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَتْ عِنْدَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً أَخَذَهَا مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ إذَا أَدَّى الدَّيْنَ فَكَذَلِكَ يَأْخُذُ مَا قَامَ مَقَامَهَا، وَلَا جَمْعَ فِيهِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ هَلْ لِلْعَدْلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِذَلِكَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْوَدِيعَةِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَرْجِعُ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَعَارَ أَوْ أَوْدَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ وَلَا الْمُودَعُ إلَّا بِالتَّعَدِّي وَكَذَا إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ بِحَقِّهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ خُذْهُ بِحَقِّك أَوْ احْبِسْهُ بِدَيْنِك؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وَكَّلَ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ أَوْ غَيْرَهُمَا بِبَيْعِهِ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ صَحَّ)؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَالِكٌ فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْأَهْلِ بِبَيْعِ مَالِهِ مُعَلَّقًا أَوْ مُنَجَّزًا؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ حَقُّ الْمَالِكِ وَبِالتَّسْلِيطِ عَلَى بَيْعِهِ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَالْإِسْقَاطَاتُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشُّرُوطِ، وَلَوْ أَمَرَ بِبَيْعِهِ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ فَبَاعَهُ بَعْدَ مَا بَلَغَ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَصِحُّ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَقْتَ الِامْتِثَالِ، وَهُوَ يَقُولُ إنَّ أَمْرَهُ وَقَعَ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ وَقْتَ الْأَمْرِ فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ شُرِطَتْ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ لَمْ يَنْعَزِلْ بِعَزْلِهِ وَبِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ)؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمَّا شُرِطَتْ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ صَارَتْ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهِ وَحَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لِزِيَادَةِ الْوَثِيقَةِ فَتَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ؛ وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَفِي الْعَزْلِ إبْطَالُ حَقِّهِ وَصَارَ كَالْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا حَتَّى مَلَكَ الْبَيْعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ بِالنَّسِيئَةِ لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِأَصْلِهِ فَكَذَا بِوَصْفِهِ وَكَذَا لَا يَنْعَزِلُ بِالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ كَمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَارْتِدَادِهِ وَلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، وَلَوْ بَطَلَ إنَّمَا كَانَ يَبْطُلُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ كَمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الرَّاهِنِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ حَيْثُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَهَذِهِ الْوَكَالَةُ تُخَالِفُ الْمُفْرَدَةَ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا فِيمَا ذَكَرْنَا وَمِنْهَا أَنَّ الْوَكِيلَ هُنَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ، وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا يَبِيعُ الْوَلَدَ وَالْأَرْشَ بِخِلَافِ الْمُفْرَدَةِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ بِخِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى جِنْسِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْمُفْرَدَةِ، وَمِنْهَا أَنَّ الرَّهْنَ إذَا كَانَ عَبْدًا وَقَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً فَدُفِعَ الْقَاتِلُ بِالْجِنَايَةِ كَانَ لِهَذَا الْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ بِخِلَافِ الْمُفْرَدَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْعَزِلْ بِعَزْلِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ فَكَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَكَالَةِ، وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدِهِمَا ضَمِنَ الَّذِي وَضَعَ حِصَّتَهُ عِنْدَ صَاحِبِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ أَنَّهُمَا هَلْ يَمْلِكَانِ التَّهَايُؤَ فِي الْحِفْظِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَمْلِكَانِ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكَانِ، وَالدَّلَائِلُ ذُكِرَتْ ثَمَّةَ وَلَكِنْ يَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا دَفَعَ لَا بِمَا أَخَذَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُودَعُ الْمُودَعِ فِيمَا أَخَذَ وَمُودَعُ الْمُودَعِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ سَلَامَتِهَا لِلْعَدْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا جَمْعَ فِيهِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ إلَخْ)؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ زَالَتْ عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ إلَى الْعَدْلِ وَبِهَذَا يُحْتَرَزُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ هُنَاكَ لَمَّا قَضَى الرَّاهِنُ دَيْنَهُ لَوْ أَخَذَ الْقِيمَةَ مِنْ الْعَدْلِ كَانَ جَامِعًا بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ، وَهُوَ الرَّهْنُ، وَأَمَّا هُنَا فَلَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ هَلَكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ يَنْعَزِلْ بِعَزْلِهِ) أَيْ بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ جَازَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمَّا شُرِطَتْ إلَخْ) سَيَأْتِي أَنَّ الْوَكَالَةَ غَيْرَ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ كَالْمَشْرُوطَةِ فِيهِ اهـ (قَوْلُهُ صَارَتْ وَصْفًا) وَالْحُقُوقُ الْحَبْسُ وَالِاسْتِيفَاءُ وَالْوَكَالَةُ، وَالْأَوْصَافُ اللُّزُومُ وَجَبْرُ الْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ إذَا أَبَى وَالْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ وَحَقُّ بَيْعِ الْوَلَدِ وَحَقُّ صَرْفِ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَتَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ) أَيْ، وَهُوَ الرَّهْنُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّبَعِ لَا يُفَارِقُ حُكْمَ الْأَصْلِ وَالرَّهْنُ لَازِمٌ فَكَذَا مَا هُوَ تَبَعٌ لَهُ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ وَصَارَ كَالْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ) أَيْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي)، فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُدَّعِي اهـ كَافِي (قَوْلُهُ فَكَذَا بِوَصْفِهِ)، وَهُوَ الْإِطْلَاقُ حَيْثُ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالنَّقْدِ بِالنَّهْيِ عَنْ النَّسِيئَةِ (قَوْلُهُ كَمَوْتِ الْمُوَكِّلِ)، وَهُوَ الرَّاهِنُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْكَافِي، وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مَتَى صَارَ لَازِمًا تَبَعًا لِلرَّهْنِ لَمْ يَنْعَزِلْ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَلَا بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ وَلَا بِمَوْتِهِمَا كَمَا لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْوَكَالَةُ تُخَالِفُ الْمُفْرَدَةَ)، وَهِيَ الَّتِي لَمْ تُشْرَطْ فِي الْعَقْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى جِنْسِ الدَّيْنِ) وَالْوَكِيلُ الْمُفْرَدُ إذَا بَاعَ لَا يَصْرِفُهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَمْلِكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، وَجَعْلُ الثَّمَنِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ مِنْ ضَرُورَاتِ قَضَاءِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ الْمُفْرَدِ فَإِنَّهُ كَمَا بَاعَ انْتَهَتْ الْوَكَالَةُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَانَ لِهَذَا الْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ) وَكَذَا إذَا قُتِلَ الرَّهْنُ فَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ الرَّهْنُ مَا دُفِعَ عَنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَهُ فَتَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْحَقِّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ. اهـ. غَايَةٌ

إذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ لَا يَنْعَزِلُ فَبِعَزْلِ غَيْرِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَنْعَزِلَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْوَكِيلِ بَيْعُهُ بِغَيْبَةِ وَرَثَةِ الرَّاهِنِ) كَمَا كَانَ لَهُ حَالَ حَيَاتِهِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ حُضُورِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ) حَتَّى لَا يَقُومَ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْإِرْثُ؛ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ وَصِيَّ الْوَكِيلِ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَازِمَةٌ هُنَا فَيَمْلِكُ الْوَصِيُّ كَالْمُضَارِبِ إذَا مَاتَ وَالْمَالُ عُرُوضٌ يَمْلِكُ وَصِيُّ الْمُضَارِبِ بَيْعَهَا لِمَا أَنَّهُ لَازِمٌ بَعْدَ مَا صَارَ عُرُوضًا. قُلْنَا الْوَكَالَةُ حَقٌّ عَلَى الْوَكِيلِ فَلَا يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي حَقٍّ لَهُ لَا فِي حَقٍّ عَلَيْهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِهَا بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الْمُضَارِبِ فَيُورَثُ عَنْهُ فَيَقُومُ الْوَرَثَةُ مَقَامَهُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَهُ وِلَايَةُ التَّوْكِيلِ فِي حَيَاتِهِ، فَجَازَ أَنْ يَقُومَ وَصِيُّهُ مَقَامَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَالْأَبِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَالْوَكِيلُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّوْكِيلِ فِي حَيَاتِهِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِبَيْعِهِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا إذَا كَانَ مَشْرُوطًا لَهُ فِي الْوَكَالَةِ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِوَصْفِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَبِيعُهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الرَّاهِنُ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ حَقٌّ فِيهِ أَمَّا الرَّاهِنُ فَمِلْكُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ، وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ؛ فَلِأَنَّهُ أَحَقُّ بِمَالِيَّتِهِ مِنْ الرَّاهِنِ فَلَا يَقْدِرُ الرَّاهِنُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِالْبَيْعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَغَابَ الرَّاهِنُ أُجْبِرَ الْوَكِيلُ عَلَى بَيْعِهِ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَطْلُوبِ إذَا غَابَ مُوَكِّلُهُ أُجْبِرَ عَلَيْهَا)؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِالشَّرْطِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ صَارَتْ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِ الرَّهْنِ فَلَزِمَتْ كَلُزُومِهِ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ تَعَلَّقَ بِالْبَيْعِ، وَفِي الِامْتِنَاعِ إبْطَالُ حَقِّهِ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا غَابَ مُوَكِّلُهُ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الِامْتِنَاعِ فِيهِمَا إبْطَالَ حَقِّهِمَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَبِيعُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ، أَمَّا الْمُدَّعِي فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ. وَكَيْفِيَّةُ الْإِجْبَارِ أَنْ يَحْبِسَهُ الْقَاضِي أَيَّامًا لِيَبِيعَ فَإِنْ لَحَّ بَعْدَ الْحَبْسِ أَيَّامًا فَالْقَاضِي يَبِيعُهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ جِهَةٌ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ هُنَا؛ وَلِأَنَّ بَيْعَ الرَّهْنِ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَوَاضِعِ، وَقِيلَ لَا يَبِيعُ الْقَاضِي عِنْدَهُ كَمَا لَا يَبِيعُ مَالَ الْمَدْيُونِ عِنْدَهُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، ثُمَّ إذَا أَجْبَرَهُ عَلَى الْبَيْعِ، وَبَاعَ لَا يَفْسُدُ هَذَا الْبَيْعُ بِهَذَا الْإِجْبَارِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِجْبَارَ وَقَعَ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِأَيِّ طَرِيقٍ شَاءَ حَتَّى لَوْ قَضَاهُ بِغَيْرِهِ صَحَّ وَإِنَّمَا الْبَيْعُ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إجْبَارٌ بِحَقٍّ وَبِمِثْلِهِ لَا يَكُونُ مُكْرَهًا فَلَا يَفْسُدُ اخْتِيَارُهُ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّوْكِيلُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا شَرَطَاهَا بَعْدَهُ قِيلَ لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَمْ يَصِرْ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِ الرَّهْنِ، فَكَانَتْ مُفْرَدَةً كَسَائِرِ الْوَكَالَاتِ، وَقِيلَ يُجْبَرُ كَيْ لَا يَتْوَى حَقُّهُ، وَهَذَا أَصَحُّ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ فِي أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ نَصًّا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلُ الْإِجْبَارُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ مَشْرُوطَةً فِي عَقْدِ الرَّهْنِ أَوْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فِيهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ بَاعَ الْعَدْلُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا وَالثَّمَنُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ بَعْدُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا بِجِهَةِ الرَّهْنِ، وَإِذَا تَوَى كَانَ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ فِي الثَّمَنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَبِيعِ الْمَرْهُونِ وَكَذَلِكَ إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ وَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ بَدَلَ الدَّمِ فَأَخَذَ حُكْمَ ضَمَانِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحَقِّ فَبَقِيَ عَقْدُ الرَّهْنِ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ عَبْدٌ فَدُفِعَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا فَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَاعَهُ الْعَدْلُ وَأَوْفَى مُرْتَهِنُهُ ثَمَنَهُ فَاسْتُحِقَّ الرَّهْنُ وَضَمِنَ فَالْعَدْلُ يُضَمِّنُ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ أَوْ الْمُرْتَهِنَ ثَمَنَهُ) وَكَشَفَ هَذَا أَنَّ الْمَرْهُونَ الْمَبِيعَ إذَا اُسْتُحِقَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ هَالِكًا أَوْ قَائِمًا فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمِنَ الرَّاهِنَ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي حَقِّهِ بِالْأَخْذِ وَالتَّسْلِيمِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْعَدْلَ؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْوَكِيلِ بَيْعُهُ إلَخْ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَتْ وَكَالَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يُشْتَرَطْ حَضْرَةُ وَرَثَتِهِ وَرِضَاهُمْ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ) وَلَكِنَّ الرَّهْنَ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ عَلَى الْبَيْعِ أَمْرٌ زَائِدٌ فِيهِ فَلَا يَبْطُلُ بِبُطْلَانِهِ الرَّهْنُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ مَشْرُوطًا لَهُ فِي الْوَكَالَةِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ فِي أَصْلِ الْوَكَالَةِ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ الرَّهْنِ وَأَجَزْتُ لَكَ مَا صَنَعْتَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِوَصِيِّهِ بَيْعُهُ، وَلَا يَجُوزُ لِوَصِيِّهِ أَنْ يُوصِيَ بِهِ إلَى ثَالِثٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ بِمَعْنَاهُ اهـ. (قَوْلُهُ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ) وَكَذَلِكَ رَجُلَانِ بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ فَوَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجُلًا بِخُصُومَتِهِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي فَغَابَ الْمُوَكِّلُ وَأَبَى الْوَكِيلُ أَنْ يُخَاصِمَهُ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إنَّمَا خَلَّى سَبِيلَ الْخَصْمِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ وَكِيلَهُ يُخَاصِمُهُ، فَلَا يَكُونُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ وَيُلْحِقَ الضَّرَرَ بِالْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ) أَيْ لَا يُجْبَرُ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْبَيْعِ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُوَكِّلُ. اهـ. كَافِي وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي: وَلَيْسَ لِلْعَدْلِ بَيْعُ الرَّهْنِ مَا لَمْ يُسَلَّطْ عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ فَحَسْبُ، وَإِنْ كَانَ رَهَنَ عَلَى أَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى بَيْعِهِ فَأَبَى أَنْ يَبِيعَهُ فَرَفَعَهُ الْمُرْتَهِنُ إلَى الْقَاضِي جَبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى بَيْعِهِ بَعْدَ أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى خِلَافِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْوُكَلَاءِ بِالْبَيْعِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ لَوْ امْتَنَعَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُعِينٌ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذِهِ الْإِعَانَةِ حَقٌّ أَمَّا هَذَا فَإِنَّهُ مُعِينٌ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ بِهِ فَجَازَ أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ إيفَاءً لِحَقِّ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ قَدْ الْتَزَمَ ذَلِكَ وَصَارَ نَظِيرَ الْكَفَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ) أَيْ لَوْ امْتَنَعَ الْعَدْلُ عَنْ بَيْعِهِ اهـ

مُتَعَدٍّ مِثْلَهُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَصَارَ غَاصِبًا بِذَلِكَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ نَفَذَ الْبَيْعُ وَصَحَّ الِاقْتِضَاءُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِ مِلْكِ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الْعَدْلَ، وَهُوَ الْبَائِعُ نَفَذَ الْبَيْعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ بِالْغُرُورِ مِنْ جِهَتِهِ وَنَفَذَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَضَمِنَهُ مَلَكَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِ مِلْكِهِ فَصَحَّ اقْتِضَاءُ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ الْعَدْلُ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ مَلَكَ الْعَبْدَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَاسْتَقَرَّ مِلْكُهُ فِيهِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الرَّاهِنِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضَمِنَ وَنَفَذَ بَيْعُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ فَصَارَ الثَّمَنُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَى حُسْبَانِ أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَدْلِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ، وَهَذَا مِنْ حُقُوقِهِ حَيْثُ وَجَبَ بِالْبَيْعِ وَإِنَّمَا دَفَعَهُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ ثُمَّ إذَا ضَمِنَ الْعَدْلُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي كَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ، وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ صَحَّ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ وَسَلِمَ لَهُ الْمَقْبُوضُ وَبَرِيءَ الرَّاهِنُ عَنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ الْعَدْلُ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ انْتَقَضَ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَبَطَلَ الثَّمَنُ وَقَدْ قَبَضَهُ ثَمَنًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَنَقَضَ قَبْضُهُ ضَرُورَةً فَإِذَا دَفَعَهُ إلَى الْعَدْلِ عَادَ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ كَمَا كَانَ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ سَلَّمَ الثَّمَنَ بِنَفْسِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَدْلِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْبَيْعِ عَامِلٌ لِلرَّاهِنِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَ وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا فَبَقِيَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالدَّيْنُ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى حَالِهِ، وَلَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ غَيْرَ مَشْرُوطٍ فِي الْعَقْدِ فَمَا لَحِقَ الْعَدْلَ مِنْ الْعُهْدَةِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذَا التَّوْكِيلِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ عَنْ الرَّهْنِ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى مَنْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ لَحِقَهُ عُهْدَةٌ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُقْتَضِي بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ لِحَقِّهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ لَا يَرَى جَبْرَ هَذَا الْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ رِضَا الْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ بِدُونِ التَّوْكِيلِ قَدْ تَمَّ فَكَانَ التَّوْكِيلُ مُسْتَأْنَفًا لَا فِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ فَكَانَ مُنْفَصِلًا عَنْهُ ضَرُورَةً إلَّا أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ وَشَيْخَ الْإِسْلَامِ قَالَا: قَوْلُ مَنْ يَرَى جَبْرَ هَذَا الْوَكِيلِ أَصَحُّ لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَتَكُونُ الْوَكَالَةُ غَيْرَ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ كَالْمَشْرُوطَةِ فِيهِ فِي حَقِّ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ هُنَاكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ مَاتَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَاسْتُحِقَّ وَضَمِنَ الرَّاهِنُ قِيمَتَهُ مَاتَ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ وَبِدَيْنِهِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ الرَّاهِنُ بِالْأَخْذِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْمُرْتَهِنُ بِالْقَبْضِ وَالتَّسَلُّمِ فَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ ثُمَّ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ وَبِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ أَمَّا بِالْقِيمَةِ فَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ وَأَمَّا بِالدَّيْنِ فَلِأَنَّهُ انْتَقَضَ اقْتِضَاؤُهُ فَيَعُودُ حَقُّهُ كَمَا كَانَ، فَإِنْ قِيلَ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ بِرُجُوعِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ وَالْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ يَثْبُتُ لِمَنْ عَلَيْهِ قَرَارُ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا كَانَ إذَا ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ ابْتِدَاءً قُلْنَا هَذَا طَعْنُ أَبِي خَازِمٍ الْقَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَصَحَّ الِاقْتِضَاءُ) أَيْ اقْتِضَاءُ الْمُرْتَهِنِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ اسْتِيفَاءُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ بِدَيْنِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ)، وَإِذَا رَجَعَ بَطَلَ الِاقْتِضَاءُ فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ شَارِحِيهَا: الْمُرَادُ بِالْقِيمَةِ الثَّمَنُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِالْقِيمَةِ مَا نَصَّهُ بِالثَّمَنِ اهـ كَافِي. (قَوْلُهُ فَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ) فَإِنَّهُ رَهَنَهُ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ وَفِي قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ مَنْفَعَةٌ لِلرَّاهِنِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ وَالْمَغْرُورُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ لِمَا لَحِقَهُ مِنْ الضَّمَانِ كَمَا يَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَالْمُودَعُ عَلَى الْمُودِعِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ قُلْنَا هَذَا طَعْنُ أَبِي خَازِمٍ الْقَاضِي) أَيْ هَذَا السُّؤَالُ طَعَنَ بِهِ أَبُو خَازِمٍ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَبُو خَازِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَهُوَ. أَبُو خَازِمٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ أَصْلُهُ مِنْ الْبَصْرَةِ وَسَكَنَ بَغْدَادَ وَكَانَ ثِقَةً دَيِّنًا وَرِعًا عَالِمًا بِمَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْفَرَائِضِ وَالْحِسَابِ وَالْقِسْمَةِ حَسَنَ الْعِلْمِ بِالْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ وَحِسَابِ الدُّورِ وَغَامِضِ الْوَصَايَا وَالْمُنَاسَخَاتِ قُدْوَةً فِي الْعِلْمِ، وَكَانَ أَحْذَقَ النَّاسِ بِعَمَلِ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ وَكَانَ أَحَدَ فُقَهَاءِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَمَا كَانَ يَعْلَمُ أَحَدٌ رَآهُ أَنَّهُ رَأَى أَعْقَلَ مِنْهُ وَقَدْ أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَحْيَى وَهُوَ هِلَالُ الرَّأْيِ الْبَصْرِيِّ وَهِلَالٌ أَخَذَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ وَكَانَ أَبُو خَازِمٍ أُسْتَاذَ أَبِي طَالِبٍ الدَّبَّاسِ وَأَقْرَانِهِ وَكَانَ أَبُو حَازِمٍ وَلِيَ الْقَضَاءِ بِالشَّامِ وَالْكُوفَةِ وَالْكَرْخِ مِنْ مَدِينَةِ السَّلَامِ ثُمَّ اسْتَقْضَاهُ الْخَلِيفَةُ الْمُعْتَضِدُ بِاَللَّهِ عَلَى الشَّرْقِيَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَتُوُفِّيَ أَبُو خَازِمٍ فِي جُمَادَى الْأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعَةٍ وَمِائَتَيْنِ اهـ غَايَةٌ.

[باب التصرف في الرهن والجناية عليه وجنايته على غيره]

وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ وَالْغُرُورُ حَصَلَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَيَمْلِكُ الرَّاهِنُ الْعَيْنَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعَقْدُ الرَّهْنِ كَانَ سَابِقًا عَلَيْهِ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ بَلْ مِلْكَ غَيْرَهُ فَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا بِمِلْكِ الْغَيْرِ؛ وَلِأَنَّ الرَّاهِنَ يَمْلِكُ الرَّهْنَ بِالتَّلَقِّي مِنْ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَوَّلًا يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الرَّاهِنِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ كَأَنَّ الْمُرْتَهِنُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الرَّاهِنِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ غَاصِبٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ فَإِذَا ضَمِنَ تَمَلَّكَ الْمَضْمُونَ ضَرُورَةً كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ وَالْمُرْتَهِنُ مُتَعَدٍّ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ صَارَ غَاصِبًا فَيَسْتَنِدُ مِلْكُهُ إلَيْهِ ثُمَّ الرَّاهِنُ يَتَلَقَّاهُ مِنْهُ فَيَكُونُ مِلْكُهُ بَعْدَهُ وَعَقْدُ الرَّهْنِ سَابِقٌ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ مَا إذَا ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ يُضَمِّنُهُ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى الرَّهْنِ فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ إلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِهِ. (بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوقَفُ بَيْعُ الرَّاهِنِ عَلَى إجَازَةِ مُرْتَهِنِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَنْفُذُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ فَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَفِي الْبَيْعُ إبْطَالُ حَقِّهِ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَتِهِ لِرِضَاهُ أَوْ بِقَضَاءِ الرَّاهِنِ دَيْنَهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَكَوْنُهُ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِهِ لَا يَمْنَعُ التَّوَقُّفَ لِحَقِّ غَيْرِهِ كَمَنْ بَاعَ مَالَهُ لِوَارِثِهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْإِعْتَاقِ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الرَّدَّ وَلَا الْفَسْخَ فَكَذَا التَّوَقُّفُ، فَإِذَا نَفَذَ الْبَيْعُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ انْتَقَلَ حَقُّهُ إلَى الثَّمَنِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ رَهْنًا عِنْدَ الْإِجَازَةُ كَانَ رَهْنًا وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ نَفَذَ الْبَيْعُ وَمَلَكَ الرَّاهِنُ الثَّمَنَ وَأَنَّهُ مَالٌ آخَرُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، فَلَا يَصِيرُ رَهْنًا إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَا إذَا آجَرَهُ الرَّاهِنُ وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْإِجَارَةَ لَا تَصِيرُ الْأُجْرَةُ رَهْنًا إلَّا بِالشَّرْطِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الثَّمَنَ قَائِمٌ مَقَامَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ، وَهُوَ بَدَلُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ وَمَحَلٌّ لِحَقِّهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ وَلِلْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ فَوَجَبَ انْتِقَالُ حَقِّهِ إلَيْهِ كَالْعَبْدِ الْمَدِينِ إذَا بِيعَ بِرِضَا الْغُرَمَاءِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى الْبَدَلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لِمَا ذَكَرْنَا. وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ لِعَدَمِ رِضَاهُمْ بِذَلِكَ ظَاهِرًا وَالرِّضَا بِالْبَيْعِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِسُقُوطِ الْحَقِّ رَأْسًا فَيَبْقَى الْحَقُّ عَلَى حَالِهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ لَيْسَتْ بِبَدَلِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْعَيْنِ، وَهِيَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَلَا يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَيْهَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَالِكُ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ فَأَجَازَ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَيْعَ حَيْثُ لَا يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْعَيْنِ وَحَقُّهُ إلَى الْمَنْفَعَةِ فَافْتَرَقَا، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ وَفَسَخَهُ انْفَسَخَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى إذَا افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ لَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمَالِكِ فَلَهُ أَنْ يُجِيزَ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ، وَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِهِ وَفِي الْمُخْتَصَرِ هَاهُنَا إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ يُوقَفُ عَلَى إجَازَةِ مُرْتَهِنِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ جَعِلَ الْإِجَازَةَ إلَيْهِ دُونَ الْفَسْخِ وَجَعَلَهُ مُتَوَقِّفًا عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَسْخَهُ لَا يَنْفُذُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ وَالتَّوَقُّفُ لَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْحَبْسِ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الِانْعِقَادِ مِنْ غَيْرِ نُفُوذٍ فَبَقِيَ مُتَوَقِّفًا ثُمَّ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَفْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ إذْ الْعَجْزُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَلِلْقَاضِي أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْفَسْخِ لَهُ لَا إلَى الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ، وَهُوَ الرَّاهِنُ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ إذَا أَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَرْجِعَ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي، وَالْإِجَارَةُ مِثْلُ الرَّهْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ] (بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ) لَمَّا كَانَ التَّصَرُّفُ فِي الرَّهْنِ بَعْدَ ثُبُوتِ الرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ الْجِنَايَةُ عَلَى الرَّهْنِ وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى غَيْرِهِ ذَكَرَهُ عَقِيبَ مَسَائِلِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ تَرْتِيبٍ يَجِبُ طَبْعًا يَجِبُ وَضْعًا لِلْمُنَاسَبَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ) وَالْمُقْتَضِي مَوْجُودٌ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ الصَّادِرُ مِنْ الْمَحَلِّ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ) هُوَ الصَّحِيحُ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ عَنْ رِوَايَةِ الْقَاضِي إلَخْ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ) وَحَاصِلُ الْكَلَامِ هُنَا أَنَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي عَيْنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَأَجَازَ صَاحِبُ الْحَقِّ تَصَرُّفَهُ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِبَدَلِهِ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ مَا وَجَبَ مِنْ الْبَدَلِ بَدَلًا عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِالْبَدَلِ، وَإِنْ كَانَ مَا وَجَبَ مِنْ الْبَدَلِ بَدَلًا عَمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّهُ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِالْبَدَلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي) أَيْ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ. اهـ. غَايَةٌ

حَتَّى لَا يَنْفُذُ بَيْعُ الْمُؤَجَّرِ، وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْمُرْتَهِنُ فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ أَيْضًا عَلَى إجَازَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْفُذْ وَالْمَوْقُوفُ لَا يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الثَّانِي، فَأَيَّهُمَا أَجَازَ لَزِمَ ذَلِكَ وَبَطَلَ الْآخَرُ وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ ثُمَّ أَجَرَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْإِجَارَةَ أَوْ الرَّهْنَ أَوْ الْهِبَةَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ دُونَ هَذِهِ الْعُقُودِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَهُ مَنْفَعَةٌ فِي الْبَيْعِ. ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ يَتَحَوَّلُ إلَى الثَّمَنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ الْبَيْعَيْنِ أَنْفَعَ مِنْ الْآخَرِ فَيُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُ لِتَعَلُّقِ الْفَائِدَةِ بِهِ أَمَّا هَذِهِ الْعُقُودُ فَلَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْأُجْرَةِ عَلَى التَّعَاقُبِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا بَدَلَ لَهُ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ فَأَجَازَ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَيْعَ الثَّانِيَ نَفَذَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ لَهُ فِي الْبَيْعِ إذْ لَا يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى الْبَدَلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَنَفَذَ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَفَذَ عِتْقُهُ) أَيْ نَفَذَ إعْتَاقُ الرَّاهِنِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلٍ لَهُ لَا يَنْفُذُ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لَهُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ مَرْدُودًا كَالْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ أَسْرَعُ نَفَاذًا مِنْ الْعِتْقِ حَتَّى يَنْفُذُ مِنْ الْمُكَاتَبِ دُونَ الْإِعْتَاقِ فَكَانَ أَوْلَى بِالِامْتِنَاعِ بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَبْقَى مُدَّتَهَا إذْ الْحُرُّ يَقْبَلُهَا وَلَا يَقْبَلُ الرَّهْنَ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي التَّضْمِينِ، وَلَنَا أَنَّ الْعِتْقَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ، وَهُوَ مِلْكُهُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِنَفَاذِهِ وَلَا يَلْغُو تَصَرُّفُهُ لِعَدَمِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ الْآبِقَ أَوْ الْمَغْصُوبَ، ثُمَّ إذَا زَالَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فِي الرَّقَبَةِ بِإِعْتَاقِهِ يَزُولُ مِلْكُ الْيَدِ لِلْمُرْتَهِنِ بِنَاءً عَلَيْهِ كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَدِ، فَإِذَا لَمْ يَمْتَنِعْ الْأَعْلَى فَالْأَدْنَى أَوْلَى أَنْ لَا يَمْتَنِعَ وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْعِتْقِ؛ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ لِتَعَدِّيهِ حُكْمَ الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ دُونَ تَغَيُّرِهِ وَحُكْمُ الْأَصْلِ هُنَا وَقْفُ مَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ قَبْلَ تَمَامِهِ، وَيَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِهِ، وَهُوَ فِي الْفَرْعِ يُبْطِلُ أَصْلًا مَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْفَسْخَ وَالرَّدَّ، فَفَسَدَ الْقِيَاسُ وَلَا يَلْزَمُنَا إعْتَاقُ الْوَارِثِ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ مَعَ أَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْحَالِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُؤَخَّرُ إلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي إعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَمْ يَكُنْ عَتَاقُهُ لَغْوًا، وَهُوَ هُنَا جَعَلَهُ لَغْوًا وَلَا يُقَالُ الْمَرْهُونُ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَتْلَفَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ فَكَذَا لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ كَأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَتْلَفَ الْمَالِيَّةَ الْمَشْغُولَةَ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ كَالْمَوْلَى يُتْلِفُ عَبْدُهُ الْمَأْذُونُ لَهُ الْمَدِينَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ وَلِهَذَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ فِيهِ وَنَفَاذُ الْبَيْعِ مِنْ الْمُكَاتَبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى التِّجَارَةِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ لَا؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ وَعَدَمُ نَفَاذِ عِتْقِهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطُولِبَ بِدَيْنِهِ لَوْ حَالًّا) أَيْ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا طُولِبَ الرَّاهِنُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالدَّيْنِ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَتَّى لَا يَنْفُذُ بَيْعُ الْمُؤَجَّرِ) بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ رِوَايَةً وَاحِدَةً كَذَا ذَكَرَ قَاضِيخَانْ فِي آخِرِ بَابِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ مِنْ فَتَاوَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَيُّهُمَا أَجَازَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَيَّهُمَا أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ نَفَذَ ذَلِكَ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ اَ هـ (قَوْلُهُ أَمَّا هَذِهِ الْعُقُودُ فَلَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهَا) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ: شَرْطٌ فِي فَصْلِ الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ تَسْلِيمُهُ الْعَيْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ الثَّانِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ لَا عِبْرَةَ بِهِمَا بِدُونِ الْقَبْضِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ مَعَ الْإِجَارَةِ فِي فَصْلِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ مُعْتَبَرٌ بِدُونِ الْقَبْضِ مُفِيدٌ كَالْبَيْعِ سَوَاءٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَبْقَى مُدَّتَهَا) بِالنَّصْبِ أَيْ تَبْقَى الْإِجَارَةُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا أَعْتَقَ) أَيْ الْمُشْتَرِي. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ أَوْ الْآبِقَ أَوْ الْمَغْصُوبَ)، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ حَقُّ الْبَيْعِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُنَافِي مِلْكَ الْعَيْنِ فَتَبْقَى الْعَيْنُ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ وَالْإِعْتَاقُ يَعْتَمِدُ مِلْكَ الْعَيْنِ دُونَ الْيَدِ، فَإِنْ قِيلَ فِي تَنْفِيذِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَنْفُذُ كَالْمَبِيعِ قُلْنَا الثَّابِتُ لِلرَّاهِنِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَالثَّابِتُ لِلْمُرْتَهِنِ حَقٌّ فَقَضِيَّةُ الْحَقِيقَةِ يَسْتَدْعِي النَّفَاذَ، وَقَضِيَّةُ الْحَقِّ يَسْتَدْعِي عَدَمَ النَّفَاذِ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْحَقِيقَةِ عَلَى الْحَقِّ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى اهـ كَافِي (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ. اهـ. كَافِي بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَطُولِبَ بِدَيْنِهِ لَوْ حَالًّا) قَالَ فِي الْكَافِي ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا وَالدَّيْنُ حَالًّا طُولِبَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَلَا يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَضْمِينِ الْقِيمَةِ مَعَ حُلُولِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ لَوَقَعَ فِعْلُهُ اسْتِيفَاءً فَلَمْ يَكُنْ فِي التَّضْمِينِ وَأَنَّهُ يَقَعُ اسْتِيفَاءً لِعَيْنِ حَقِّهِ فَائِدَةٌ إلَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْقِيمَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ، وَإِنْ أَعْسَرَ الرَّاهِنُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ سِعَايَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ يَوْمَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ مُعْسِرًا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِدَيْنِهِ إنْ شَاءَ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ فَاسْتَسْعَاهُ. اهـ. غَايَةٌ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ بِأَلْفٍ هِيَ عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ أَوْ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَالْعَبْدُ حُرٌّ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ، وَإِنْ أَعْسَرَ الرَّاهِنُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ سِعَايَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ يَوْمَ

لَوْ طُولِبَ بِالرَّهْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِدَيْنِهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَيَكُونُ إيفَاءً وَاسْتِيفَاءً فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مُؤَجَّلًا أَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ الْعَبَدِ وَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ) أَيْ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُعْتِقِ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَتُجْعَلُ رَهْنًا مَكَانَ الْعَبْدِ يَعْنِي إذَا كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ وَفِي التَّضْمِينِ فَائِدَةٌ، وَهِيَ حُصُولُ الِاسْتِيثَاقِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فَيَحْبِسُهَا إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ، فَإِذَا حَلَّ اقْتَضَاهُ بِحَقِّهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ رَدَّهُ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الرَّهْنِ بِالِاسْتِيفَاءِ. وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ)؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَسُلِّمَتْ لَهُ رَقَبَتُهُ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُعْتِقِ لِعُسْرَتِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهَذَا الْعِتْقِ كَمَا فِي عِتْقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ إذْ الضَّمَانُ بِالْخَرَاجِ وَالْغُرْمُ بِالْغُنْمِ ثُمَّ يَقْضِي بِالسِّعَايَةِ الدَّيْنَ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ صُرِفَ بِجِنْسِهِ فَيَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا كَانَتْ السِّعَايَةُ رَهْنًا عِنْدَهُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ قُضِيَ بِهِ الدَّيْنُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْحَالِّ، وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعِتْقِ وَإِلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الرَّهْنِ وَإِلَى الدَّيْنِ فَيُسْتَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى سَيِّدِهِ) أَيْ يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِالسِّعَايَةِ عَلَى مَوْلَاهُ إذَا أَيْسَرَ. ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْمُسْتَسْعَى فِي الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي ضَمَانًا وَاجِبًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِتَكْمِيلِهِ عِنْدَهُمَا وَهُنَا يَسْعَى فِي ضَمَانٍ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَ تَمَامِ إعْتَاقِهِ فَافْتَرَقَا؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الرَّقَبَةِ كَانَ ثَابِتًا، فَإِذَا حَصَلَتْ الرَّقَبَةُ لِلْعَبْدِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِ بَدَلِهَا مِنْ الرَّاهِنِ ضَمِنَهَا الْعَبْدُ كَالْمَرِيضِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ كَذَا هَذَا، ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْجَبَ السِّعَايَةَ فِي الْمُسْتَسْعَى الْمُشْتَرَكِ فِي حَالَتَيْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَفِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ شَرَطَ الْإِعْسَارَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْمِلْكِ وَالثَّابِتَ لَلشَّرِيكِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَحَقُّ الْمِلْكِ أَدْنَى مِنْ حَقِيقَتِهِ فَوَجَبَتْ السِّعَايَةُ فِيهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ حَالَةُ الضَّرُورَةِ، وَفِي الْأَعْلَى فِي الْحَالَتَيْنِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْمَبِيعِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ لَا يَسْعَى لِلْبَائِعِ فِي الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ، وَفِي الْمَرْهُونِ يَسْعَى لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ ضَعِيفٌ. ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَسْتَوْفِي مِنْ عَيْنِهِ، وَكَذَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ بِالْإِعَارَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمُرْتَهِنُ يَنْقَلِبُ حَقُّهُ مِلْكًا وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالْإِعَارَةِ مِنْ الرَّاهِنِ حَيْثُ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ فَلَوْ أَوْجَبْنَا السِّعَايَةَ فِيهَا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى بِرَهْنِ عَبْدِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ رَهَنْتُك عِنْدَ فُلَانٍ وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ تَجِبُ السِّعَايَةُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَنَحْنُ نَقُولُ أَقَرَّ بِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِي حَالَةِ تَمَلُّكِ التَّعْلِيقِ بِأَدَاءِ السِّعَايَةِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فَيَصِحُّ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ انْقِطَاعِ الْوَلَايَةِ، وَلَوْ دَبَّرَ الرَّاهِنُ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ وَكَذَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَمْنَعُ مَا هُوَ حُكْمُ الرَّهْنِ عِنْدَهُ، وَهُوَ الْبَيْعُ وَكَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا صَحَّ الِاسْتِيلَادُ بِالِاتِّفَاقِ. ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَثْبُتُ بِثُبُوتِ حَقِّ التَّمَلُّكِ كَمَا فِي جَارِيَةِ الِابْنِ وَبِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ أَوْلَى ثُمَّ إذَا صَحَّا خَرَجَا عَنْ الرَّهْنِ لِبُطْلَانِ الْمَحَلِّيَّةِ إذْ لَا يَصِحُّ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُمَا ثُمَّ إنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعْتَقَ الْعَبْدَ مُعْسِرًا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِدَيْنِهِ إنْ شَاءَ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ فَاسْتَسْعَاهُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ سَعَى فِي قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ سَعَى فِي الدَّيْنِ وَكُلُّ شَيْءٍ سَعَى فِيهِ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَدَّاهُ عَنْهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّمَا ضَمِنَ الْأَقَلَّ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ إلَّا فِيهِ، وَإِذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ الْأَقَلَّ لَمْ يَسْلَمْ لِلْعَبْدِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ) يَعْنِي أَنَّ الرَّاهِنَ بِالِاسْتِعَارَةِ إذَا عَجَزَ عَنْ فِكَاكِ الرَّهْنِ فَافْتَكَّهُ الْمُعِيرُ رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ مُضْطَرًّا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَسْعَى) يَعْنِي الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَاسْتَسْعَاهُ السَّاكِتُ لَا يَرْجِعُ بِمَا سَمَّى عَلَى الْمُعْتِقِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَسْعَى لِلْبَائِعِ) فِي الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِلْبَائِعِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي كَالْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَالْمُرْتَهِنُ يَنْقَلِبُ حَقُّهُ مِلْكًا) كَمَا إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ يَهْلِكُ بِدَيْنِهِ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ فَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مَالِكًا لِذَلِكَ الْأَقَلِّ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ)، وَهُوَ أَنَّ التَّدْبِيرَ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ لَهُ، وَإِذَا كَانَ لَا يَمْتَنِعُ حَقِّيَّةَ الْعِتْقِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَحَقُّ الْعِتْقِ أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا صَحَّا) أَيْ التَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ خَرَجَا أَيْ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَأَمَّا السِّعَايَةُ فِي الْمُدَبَّرِ فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلسِّعَايَةِ فِي الْمُعْتَقِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَسْعَى مَعَ يَسَارِ الْمَوْلَى لِكَوْنِ أَكْسَابِهِ عَلَى مِلْكِهِ فَجَازَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا كَمَا جَازَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِ الرَّاهِنِ وَالثَّانِي أَنْ يَسْعَى فِي الدَّيْنِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. لِأَنَّ إكْسَابَهُ مِلْكٌ لِمَوْلَاهُ وَدَيْنُ الْإِنْسَان إذَا قُضِيَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يُقْضَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُعْتَقُ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ أَنْ يَسْعَى فِي قَدْرِ مَا سَلِمَ لَهُ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَرْجِعُ عَلَى مَوْلَاهُ وَالْمُعْتَقُ يَرْجِعُ. اهـ. غَايَةٌ

الرَّاهِنُ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْإِعْتَاقِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَاهُمَا الْمُرْتَهِنُ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا مَالُ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمُعْتَقِ حَيْثُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ حَقُّ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَحْبِسْ عِنْدَهُ إلَّا قَدْرَ الْقِيمَةِ، فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ وَلَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا أَدَّيَاهُ بَعْدَ يَسَارِهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَاهُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى وَالْمُعْتَقُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَقِيلَ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا يَسْعَيَانِ فِي قِيمَتِهِمَا قِنًّا؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الرَّهْنِ حَتَّى يُحْبَسُ مَكَانَهُ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمُعَوَّضِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاهِنَ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا لَا يَضْمَنُ فِيمَا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا مِلْكُ الْمَوْلَى وَقَدْ قَدَرَ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ بِكَسْبِهِمَا وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَائِهِ بِمَالٍ آخَرَ أُمِرَ بِقَضَائِهِ كُلِّهِ مِنْهُ فَكَذَا إذَا قَدَرَ بِكَسْبِهِمَا، وَلَوْ أَعْتَقَهُمَا الرَّاهِنُ لَمْ يَسْعَيَا إلَّا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا بَعْدَ الْعِتْقِ مِلْكُهُمَا وَمَا أَدَّيَاهُ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يَرْجِعَانِ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى. ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْمَوْلَى وَلَوْ أَقَرَّ عَلَى عَبْدِهِ بِدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ مُنْذُ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ لَا وَلَايَةَ لَهُ عَلَى مَالِيَّتِهِ فَيَصِحُّ بِقَدْرِ الْمَالِيَّةِ وَلَوْ قَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدُفِعَ بِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ سَعَى فِي مِائَةٍ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَوَّلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِتْلَافُ الرَّاهِنِ كَإِعْتَاقِهِ) أَيْ إذَا أَتْلَفَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ حَتَّى يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْإِتْلَافِ ثُمَّ الضَّمَانُ يَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْعَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْمُرْتَهِنُ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ قِيمَتَهُ ثُمَّ تَكُونُ الْقِيمَةُ رَهْنًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِعَيْنِ الرَّهْنِ حَالَ قِيَامِهِ، فَكَذَا فِي اسْتِرْدَادِ مَا قَامَ مَقَامَهُ وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَهْلِكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ بِاسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ خَمْسَمِائَةٍ وَيَوْمَ الِارْتِهَانِ أَلْفًا غَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ، وَكَانَتْ رَهْنًا وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ يَوْمُ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْهَلَاكِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ، وَكَانَتْ رَهْنًا فِي يَدِهِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْعَيْنِ، فَأَخَذَ حُكْمَهُ وَلَوْ حَلَّ الدَّيْنُ وَالْمَضْمُونُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ مِنْهُ دَيْنَهُ وَرَدَّ الْفَضْلَ عَلَى الرَّاهِنِ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ رَجَعَ بِالْفَضْلِ، وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا وَجَبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسُمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ كَالْهَالِكِ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَاقِي بِالْإِتْلَافِ، وَهُوَ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ النُّقْصَانَ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَا مُعْتَبَرًا فَكَيْفَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ سِوَى مَا ضَمِنَ بِالْإِتْلَافِ وَكَيْفَ يَكُونُ مَا انْتَقَصَ بِهِ كَالْهَالِكِ حَتَّى سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ، وَهُوَ لَمْ يُنْتَقَصْ إلَّا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ، وَهُوَ لَا يُعْتَبَرُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخَرَجَ مِنْ ضَمَانِهِ بِإِعَارَتِهِ مِنْ رَاهِنِهِ) أَيْ بِإِعَارَةِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ مِنْ رَاهِنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِهِ) أَيْ بِالسِّعَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا) أَيْ بِالسِّعَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ يُنْكِرُهُ) أَيْ ثُمَّ أَعْتَقَهُ، وَهُوَ مُعْسِرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ؛ لِأَنَّ لَهُ وَلَايَةَ مَالِيَّتِهِ فَيَصِحُّ بِقَدْرِ الْمَالِيَّةِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ) أَيْ فَيَصِحُّ إقْرَارُ السَّيِّدِ فِيمَا لَا وَلَايَةَ لِلْعَبْدِ فِيهِ وَالْوَلَايَةُ لِلسَّيِّدِ فِي الْمَالِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَهُ) أَيْ الْعَبْدُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ الْمُرْتَهِنُ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ قِيمَتَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَهْلِكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ أَيْ الْوَاجِبُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ الْأَجْنَبِيِّ قِيمَةُ الرَّهْنِ يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ لَا قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِ الرَّهْنِ وَاحْتَرَزَ بِهَذَا عَنْ اسْتِهْلَاكِ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبَضَ، وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ بِدُونِ الِاسْتِهْلَاكِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ لَا يَوْمَ الْهَلَاكِ (قَوْلُهُ، فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ) وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْهَلَاكُ وَالِاسْتِهْلَاكُ اهـ (قَوْلُهُ يَوْمُ قَبْضِهِ) بِالرَّفْعِ خَبَرُ أَنَّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَانَتْ رَهْنًا فِي يَدِهِ حَتَّى يَحِلَّ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا جَمِيعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ) أَيْ الَّذِي انْتَقَصَ مِنْ الرَّهْنِ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِقَبْضِ الرَّهْنِ الَّذِي سَبَقَ الِاسْتِهْلَاكَ وَلَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ فَلِذَلِكَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ النَّاقِصِ، وَهَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ سَقَطَ الدَّيْنُ بِقَدْرِ النَّاقِصِ كَانَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ، وَلَيْسَ لِتَرَاجُعِ السِّعْرِ أَثَرٌ فِي إسْقَاطِ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا إذَا رَدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ بَعْدَ انْتِقَاصِ قِيمَتِهِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ فَأَجَابَ عَنْهُ، وَقَالَ: إنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ وَتَحْقِيقُ الْجَوَابِ مَا قَالَ الْقُدُورِيُّ وَقَدْ مَرَّ آنِفًا اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ) صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يَقُولُ هُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ فَكَيْفَ يَسْتَشْكِلُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ النُّقْصَانَ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا إلَخْ) يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ أَمَّا حَالَ الْإِتْلَافِ فَهُوَ مَضْمُونٌ؛ لِأَنَّ بِهِ يَمْلِكُ الْعَيْنَ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ قَالَ الْقُدُورِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ مَا نَصُّهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ فِي الرَّهْنِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِ الرَّهْنِ، فَأَمَّا إذَا أَتْلَفَ الْعَيْنَ فَالضَّمَانُ مُتَعَلِّقٌ بِقَبْضِهَا كَأَنَّهُ

يَخْرُجُ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ كَانَ بِاعْتِبَارِ قَبْضِهِ، وَقَدْ انْتَقَصَ بِالرَّدِّ إلَى صَاحِبِهِ فَارْتَفَعَ الضَّمَانُ لِارْتِفَاعِ الْمُقْتَضِي لَهُ وَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِرْدَادَ بِإِذْنِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ هَلَكَ مَجَّانًا) لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِرُجُوعِهِ عَادَ ضَمَانُهُ) أَيْ بِرُجُوعِ الرَّهْنِ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَادَ الضَّمَانُ حَتَّى يَذْهَبُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ لِعَوْدِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ إلَى يَدِهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ بَاقٍ إلَّا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ غُرَمَائِهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَارِيَّةُ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَالضَّمَانُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الرَّهْنِ رَهْنٌ، وَلَيْسَ بِمَضْمُونٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا بِإِذْنِ الْآخَرِ سَقَطَ الضَّمَانُ) لِمَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِكُلٍّ أَنْ يَرُدَّهُ رَهْنًا) لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ حَقًّا مُحْتَرَمًا إذْ هُوَ بَاقٍ عَلَى الرَّهْنِيَّةِ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إذَا بَاشَرَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْرُجُ عَلَى الرَّهْنِ ثُمَّ لَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ مُبْتَدَأٍ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ ثَانِيًا كَانَ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ لَازِمٌ لِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الرَّهْنِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لَازِمٌ وَالْإِيدَاعُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ كَالْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ كَالْعَارِيَّةِ وَالرَّهْنَ كَالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ وَبَيْعُ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ وَإِجَارَتُهُ وَهِبَتُهُ مِنْ الرَّاهِنِ كَالْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تَلْزَمُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ فَتَبْطُلُ بِهِ هَذِهِ الْعُقُودُ وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالِاسْتِعْمَالِ أَوْ أَعَارَهُ لِلْعَمَلِ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ هَلَكَ بِالدَّيْنِ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ وَالْيَدِ وَالضَّمَانِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ لِارْتِفَاعِ يَدِ الْأَمَانَةِ بِالْفَرَاغِ، وَلَوْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ هَلَكَ أَمَانَةً لِثُبُوتِ يَدِ الْعَارِيَّةُ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِيَدِ الرَّهْنِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الْهَلَاكِ فَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ حَالَةَ الْعَمَلِ، وَادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْعَمَلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَعَارَ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَدِ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّبَرُّعِ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ، وَهُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ بِمَالِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ ثُبُوتًا لِلْمُرْتَهِنِ كَمَا يَنْفَصِلُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ زَوَالًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُزِيلُ الْمِلْكَ دُونَ الْيَدِ ثُمَّ يَكُونُ رَهْنًا بِمَا رَهَنَهُ بِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ خُصُوصًا فِي الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا غَيْرُ مُفْسِدَةٍ لِكَوْنِهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَيَّنَ قَدْرًا أَوْ جِنْسًا أَوْ بَلَدًا فَخَالَفَ ضَمَّنَ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ) أَيْ لَوْ عَيَّنَ الْمُعِيرِ قَدْرَ مَا يَرْهَنُهُ بِهِ أَوْ جِنْسَهُ أَوْ الْبَلَدَ الَّذِي يَرْهَنُهُ فِيهِ فَخَالَفَ كَانَ لِلْمُعِيرِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ. لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ فَصَارَ الرَّاهِنُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتَوْفَى مِقْدَارَ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْقَبْضِ اهـ وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ كَاتِبُهُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ حَالَ بَقَاءِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى قِيمَتِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْهَلَاكِ فَهُوَ فِي ضَمَانِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ)؛ وَلِأَنَّهُ تَلِفَ فِي يَدِ مَالِكِهِ فَلَا يَجِبُ ضَمَانُهُ عَلَى غَيْرِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا) قَيَّدَ بِالْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَارَهُ لِلرَّاهِنِ أَوْ أَجَرَهُ مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ وَغَيْرِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ) يَعْنِي إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَجَرَهُ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ صَحَّ وَيَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ بِذَلِكَ وَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، وَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَقَدْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ مَا نَصُّهُ: وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ إذَا جَدَّدَ الْقَبْضَ لِلْإِجَارَةِ وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا وَلَمْ يَحْبِسْهُ عَنْ الرَّاهِنِ هَلَكَ أَمَانَةً وَلَا يَذْهَبُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَلَوْ حَبَسَهُ مِنْ الرَّاهِنِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ صَارَ غَاصِبًا اهـ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ جَوَازِ إجَارَةِ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَلَوْ أَجَرَهُ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ كَانَتْ الْإِجَارَةُ بَاطِلَةً، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعَارَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ وَفِي الْإِيضَاحِ أَجَرَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَلَمْ يَعُدْ إلَى الرَّهْنِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ فَإِذَا لَزِمَ الْعَقْدُ انْتَفَى الرَّهْنُ اهـ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ أَجَرَ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إلَّا بَعْدَ انْتِقَاضِ الرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ الرَّاهِنُ إذَا آجَرَهُ مِنْ إنْسَانٍ آخَرَ وَأَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ أَجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ فَأَجَازَهُ الرَّاهِنُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ إلَخْ) يَعْنِي فِيمَا إذَا بَاشَرَ أَحَدُهُمَا الْإِجَارَةَ أَوْ الْبَيْعَ أَوْ الْهِبَةَ وَمَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ وُصُولِ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَازِمَةٌ فَبَطَلَ بِهَا عَقْدُ الرَّهْنِ فَكَانَ الْمُرْتَهِنُ وَسَائِرُ الْغُرَمَاءِ سَوَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ فَمَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ الرَّدِّ إلَى الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَخَصَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ لَازِمٍ فَلَمْ يَبْطُلْ بِهَا الرَّهْنُ، وَإِذَا بَطَلَ الرَّهْنُ بِالْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ انْفَسَخَتْ لَمْ يَعُدْ الرَّهْنُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَقَبْضٍ؛ لِأَنَّهُ انْفَسَخَ بِطَرَيَانِ مَا يُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا إلَخْ) كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهُوَ قَضَاءٌ الدَّيْنِ بِمَالِهِ) أَيْ بِمَالِ غَيْرِ الْمَدْيُونِ وَهُوَ الشَّخْصُ الْمُتَبَرِّعِ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ اهـ (قَوْلُهُ لَوْ عَيْنُ الْمُعِيرِ إلَخْ) كَانَ ضَامِنًا قِيمَةَ الثَّوْبِ الْمُسْتَعَارِ لِلرَّهْنِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ فَصَارَ

كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ، وَهُوَ يَنْفِي الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الِاحْتِبَاسُ بِمَا تَيَسَّرَ أَدَاؤُهُ، وَيَنْفِي النُّقْصَانَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ أَنْ يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَكْثَرِ بِمُقَابَلَتِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْكَثِيرِ وَالنُّقْصَانُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ إلَّا إذَا عَيَّنَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَرَهَنَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِالْكَثِيرِ حَاصِلٌ بِذَلِكَ مَعَ تَيَسُّرِ أَدَائِهِ. لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِهِ فَتَعْيِينُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ غَيْرُ مُفِيدٍ فِي حَقِّهِ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ لِتَعَسُّرِ أَدَائِهِ، وَكَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِالْجِنْسِ وَالشَّخْصِ وَالْبَلَدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُفِيدٌ لِتَيَسُّرِ بَعْضِ الْأَجْنَاسِ فِي التَّحْصِيلِ دُونَ بَعْضٍ وَتَفَاوُتِ الْأَشْخَاصِ وَالْبُلْدَانِ فِي الْحِفْظِ وَالْأَمَانَةِ فَيَضْمَنُ بِالْمُخَالَفَةِ ثُمَّ إنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ تَمَّ عَقْدُ الرَّهْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِمَا ضَمِنَ وَبِالدِّينِ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَافَقَ وَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَوَجَبَ مِثْلُهُ لِلْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ وَبِالْهَلَاكِ يَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ. فَسَقَطَ الدَّيْنُ عَنْ الرَّاهِنِ وَيَضْمَنُ لِلْمُعِيرِ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ دَيْنَهُ إنْ كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا، وَإِلَّا يَضْمَنُ قَدْرَ الْمَضْمُونِ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَكَذَا لَوْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ بِعَيْبٍ أَصَابَهُ يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ، وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ بِذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ افْتَكَّهُ الْمُعِيرُ لَا يَمْتَنِعُ الْمُرْتَهِنُ إنْ قَضَى دَيْنَهُ)؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ مِلْكِهِ؛ وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ فَصَارَ أَدَاؤُهُ كَأَدَاءِ الرَّاهِنِ فَيُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْقَبُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى الْأَجْنَبِيُّ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ إذْ لَا يَسْعَى فِي تَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَلَا فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَكَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ. بَلْ هُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ إذَا افْتَكَّهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَرْهُونُ بِهِ أَكْثَرَ لَا يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ عَلَى قِيمَتِهِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ تَخْلِيصَ الرَّهْنِ لَا يَحْصُلُ بِإِيفَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ، فَكَانَ مُضْطَرًّا وَبِاعْتِبَارِ الِاضْطِرَارِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ مَعَ بَقَاءِ الِاضْطِرَارِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ تَخْلِيصُهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِأَدَاءِ الدَّيْنِ كُلِّهِ إذْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْكُلَّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ الْمُسْتَعَارُ عِنْدَ الرَّاهِنِ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ أَوْ بَعْدَ مَا افْتَكَّهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِهِ، وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْإِيفَاءَ بِمَالِهِ وَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْإِيفَاءِ عَنْهُ. وَلَا يُقَالُ الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِلْمُعِيرِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ وُجِدَ بِالرَّهْنِ وَالرَّاهِنُ يَدَّعِي فَسْخَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الرَّهْنُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِنَّمَا يُوجِبُهُ الْإِيفَاءُ بِهِ؛ وَلِهَذَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ يُوجِبُهُ لَضَمِنَ كُلَّهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا أَمَرَهُ بِالرَّهْنِ بِهِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْأَصْلَ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَكَذَا فِي إنْكَارِهِ الْوَصْفَ وَلَوْ رَهَنَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِدَيْنٍ مَوْعُودٍ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ الْإِقْرَاضِ وَقِيمَتُهُ وَالْمُسَمَّى سَوَاءٌ ضَمِنَ قَدْرَ الْمَوْعُودِ لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ كَالْمَوْجُودِ وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ كَسَلَامَةِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُعِيرُ جَازَ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الرَّقَبَةِ ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعِيرَ قِيمَتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَاصِبًا قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَيَفْسَخَ الرَّهْنَ فِيهِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ عَارِيَّةٌ مِنْ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي هَذَا الرَّهْنِ صَارَ كَأَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ. اهـ. غَايَةٌ فَرْعٌ كَثِيرُ الْوُقُوعِ: قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا عِنْدَهُ اهـ، وَإِنْ بَاعَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَ ضَامِنًا. اهـ. قَاضِيخَانْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ) أَيْ تَقْيِيدَ الْمُعِيرِ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِمَا تَيَسَّرَ أَدَاؤُهُ) أَيْ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَى فِكَاكِهِ اهـ (قَوْلُهُ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ اهـ (قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ) أَيْ الزِّيَادَةَ عَلَى الْقِيمَةِ اهـ (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ ثُمَّ عَقَدَ الرَّهْنَ إلَخْ) لِي فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ إذْ الْقَبْضُ كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَإِنَّمَا يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْمُخَالَفَةِ، وَهُوَ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَعَقْدُ الرَّهْنِ كَانَ قَبْلَهُ فَيَقْتَصِرُ مِلْكُهُ عَلَى وَقْتِ التَّسْلِيمِ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ وَافَقَ وَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي، وَإِذَا اسْتَعَارَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ بِعَشْرَةٍ فَرَهَنَهُ بِعَشْرَةٍ وَقِيمَةُ الثَّوْبِ عَشْرَةٌ أَوْ أَكْثَرُ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الْمَالُ عَنْ الرَّاهِنِ وَوَجَبَ مِثْلُهَا لِرَبِّ الثَّوْبِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ اقْتِضَاءِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ الْمُعِيرُ مُقْرِضًا مِثْلَهُ مِنْ الرَّاهِنِ وَيَرْجِعُ بِمِثْلِهِ عَلَيْهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ) أَيْ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْعَيْبِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ عَلَى قِيمَتِهِ) بَيَانُهُ إذَا أَعَارَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِمِائَتَيْنِ فَافْتَكَّهُ الْمُعِيرُ بِمِائَتَيْنِ رَجَعَ بِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِهَذَا الْقَدْرِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَكَذَا إذَا قَضَى بِنَفْسِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي الزِّيَادَةِ الَّتِي قَضَاهَا وَلَا يُقَالُ إنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى خَلَاصِ عَبْدِهِ إلَّا بِقَضَاءِ الْجَمِيعِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمُرْتَهِنِ بِالْهَلَاكِ كَاسْتِيفَائِهِ بِالْمُبَاشَرَةِ فَلَا يَرْجِعُ الْمُعِيرُ إذَا وَفَّى بِالْمُبَاشَرَةِ إلَّا بِمَا يَرْجِعُ بِهِ إذَا وَفَّى مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ) يَعْنِي قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ هَلَكَ قَبْلَ الْفِكَاكِ وَقَالَ الرَّاهِنُ هَلَكَ بَعْدَ الْفِكَاكِ. اهـ.

لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ أَتْلَفَهُ بِالْإِعْتَاقِ. فَتَكُونُ الْقِيمَةُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ دَيْنَهُ، فَيَرُدَّ إلَى الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْعَيْنِ، فَأَخَذَتْ حُكْمَ الْعَيْنِ، وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً لِيَرْهَنَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ ثُمَّ قَضَى الْمَالَ، فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ بِهِ وَرَدَّ عَلَى الرَّاهِنِ مَا قَبَضَهُ لِحُصُولِ الِاسْتِيفَاءِ بِالرَّهْنِ وَضَمِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُعِيرِ قَدْرَ مَا صَارَ بِهِ مُوفِيًا دَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَهَنَهُ أَزَالَ التَّعَدِّيَ، وَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ عَنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ، فَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الرَّهْنِ. وَلَوْ هَلَكَ عِنْدَ الرَّاهِنِ بَعْدَ الِاسْتِرْدَادِ لَا يَضْمَنُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَادَ إلَى حُكْمِ الرَّهْنِ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ بَعْدَ الِاسْتِرْدَادِ ثُمَّ تَرَكَهُ ثُمَّ هَلَكَ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَمِينٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَدِيعَةِ عِنْدَهُ لَا حُكْمُ الْعَارِيَّةُ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الْعَارِيَّةُ بِالْفِكَاكِ فَصَارَتْ يَدُهُ يَدَ الْمَالِكِ لِكَوْنِهِ عَامِلًا لِلْمَالِكِ بِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الرُّجُوعُ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ نَفْسِهِ فَإِذَا تَعَدَّى لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إلَى يَدِ الْمَالِكِ عَلَى هَذَا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: يَبْرَأُ الْمُسْتَعِيرُ إذَا زَالَ التَّعَدِّي كَالْوَدِيعَةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ هُوَ بِمَسْأَلَةِ الْمُسْتَعِيرِ لِلرَّهْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ فَلَا يَبْقَى حُجَّةٌ لَهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَلَوْ مَاتَ مُسْتَعِيرُ الرَّهْنِ مُفْلِسًا فَالرَّهْنُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ. وَلَا يُبَاعُ إلَّا بِرِضَا الْمُعِيرِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَوْ أَرَادَ الْمُعِيرُ الْبَيْعَ وَأَبَى الْمُرْتَهِنُ مِنْ بَيْعِهِ بِيعَ بِغَيْرِ رِضَاهُ إذَا كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَقَدْ حَصَلَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ لَمْ يُبَعْ إلَّا بِرِضَاهُ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الْحَبْسِ مَنْفَعَةً فَلَعَلَّ الْمُعِيرَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الرَّهْنِ فَيُخَلِّصُهُ بِالْإِيفَاءِ أَوْ تَزْدَادُ قِيمَتُهُ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ فَيَسْتَوْفِي مِنْهُ حَقَّهُ، وَلَوْ مَاتَ الْمُعِيرُ مُفْلِسًا، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِقَضَاءِ دَيْنِ نَفْسِهِ، وَيَرُدُّ الرَّهْنَ لِيَصِلَ كُلُّ ذِي حَقٍّ إلَى حَقِّهِ، وَإِنْ عَجَزَ لِفَقْرِهِ فَالرَّهْنُ عَلَى حَالِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُعِيرُ حَيًّا، وَلِوَرَثَتِهِ أَخْذُهُ إنْ قَضَوْا دَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُوَرِّثِ، فَإِنْ طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُعِيرِ وَوَرَثَتُهُ بَيْعَهُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِيعَ، وَإِلَّا فَلَا يُبَاعُ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ كَمَا مَرَّ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ كَانَ الْفَاضِلُ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَفِ بِدَيْنِ غُرَمَاءِ الْمُعِيرِ لَا يُبَاعُ إلَّا بِرِضَاهُمْ. وَإِنْ كَانَ يَفِي بِيعَ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ مَاتَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ)؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَرَمٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَالِكٌ، وَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ فَيَضْمَنُهُ وَالْمُرْتَهِنُ حَقُّهُ لَازِمٌ مُحْتَرَمٌ وَتَعَلُّقُ مِثْلِهِ بِالْمَالِ يَجْعَلُ الْمَالِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ إذَا أَتْلَفَهُ الْوَرَثَةُ ضَمِنُوا قِيمَتَهُ لِيُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ؛ وَلِهَذَا يُمْنَعُ الْمَرِيضُ مِنْ التَّبَرُّعِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ يَأْخُذُ الضَّمَانَ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا يَحْبِسُهُ بِالدَّيْنِ، فَإِذَا حَلَّ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَإِلَّا حَبَسَهُ بِدَيْنِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجِنَايَتُهُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَالِهِمَا هَدَرٌ) أَيْ جِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، وَعَلَى مَالِهِمَا هَدَرٌ أَطْلَقَ الْجَوَابَ وَالْمُرَادُ بِهِ جِنَايَةٌ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُهُ فَمُعْتَبَرَةٌ حَتَّى يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَمَّا لِلْمُرْتَهِنِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ وَكَذَا الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ فِي حَقِّ الدَّمِ إذْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ أَلَا تَرَى أَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ بَاطِلٌ وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ بِهَا جَائِزٌ، وَالْإِقْرَارُ بِمَا يُوجِبُ الْمَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْمُرْتَهِنُ حَقُّهُ لَازِمٌ إلَخْ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ تَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِهَا اهـ وَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ رَاجِعٌ إلَى الرَّهْنِ وَفِي دَيْنِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَفِي بِقَدْرِهَا إلَى الْجِنَايَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ وَمَنْ أَتْلَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ، وَإِذَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ وَكَانَ الدَّيْنُ قَدْ حَلَّ سَقَطَ مِنْ الضَّمَانِ بِقَدْرِهِ وَلَزِمَهُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ كَانَ أَمَانَةً، وَإِنَّمَا ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ لَا بِعَقْدِ الرَّهْنِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ إذَا أَتْلَفَهَا الْمُودَعُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَجَنَى عَلَى الرَّاهِنِ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا فَهُوَ هَدَرٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ فَحُكْمُ جِنَايَةِ الْخَطَأِ حُكْمُ الدَّيْنِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ أَنْ يُقِرَّ عَلَيْهِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَلَا يَقْبَلُ إقْرَارَ الْعَبْدِ بِهِمَا فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَثْبُتْ الْآخَرُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ جِنَايَةُ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ وَلَا تَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَصَارَ الْمَوْلَى مَعَهُ فِيهَا كَالْأَجْنَبِيِّ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ جِنَايَتُهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّهِ جَعَلَ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ فَلَا فَائِدَةَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ وَلَيْسَ هَذَا كَجِنَايَةِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مَضْمُونٌ ضَمَانًا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّمْلِيكُ فَصَارَ كَعَقْدِ الْغَاصِبِ وَالرَّهْنُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْكَافِي: قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ جِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. فَأَشْبَهَ الْغَاصِبَ ثُمَّ جِنَايَةُ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ فَهَذَا كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ مُطْلَقٍ بَلْ هُوَ مَضْمُونٌ لِغَيْرِهِ وَعَيْنُهُ أَمَانَةٌ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْأَمَانَةِ وَقَضِيَّةُ وَصْفِ الْأَمَانَةِ أَنْ تَكُونَ جِنَايَةً هَدَرًا وَلِهَذَا كَانَ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ هَدَرًا، وَإِنْ كَانَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ فَهَذَا كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ جِنَايَةٌ عَلَى مَمْلُوكِهِ وَمَتَاعِهِ، وَأَمَّا إذَا جَنَى الرَّهْنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ هَدَرٌ وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: جِنَايَتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ثَابِتَةٌ إذَا كَانَتْ فِي بَنِي آدَمَ فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَبْطَلَا الرَّهْنَ وَدَفَعَاهُ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ قَالَ لَا أَطْلُبُ الْجِنَايَةَ فَيَكُونُ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. اهـ. غَايَةٌ

عَلَى عَكْسِهِ، فَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ صَارَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ فَأَفَادَ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا يُوجِبُ الْمَالَ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى وَمُسْتَحَقٌّ لِلْمُرْتَهِنِ فَلَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِهَا إذْ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ حَيْثُ تُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ يَثْبُتُ لِلْغَاصِبِ مُسْتَنِدًا حَتَّى يَكُونُ الْكَفَنُ عَلَيْهِ، فَكَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى غَيْرِ مَالِكِهِ فَاعْتُبِرَتْ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا كَانَتْ جِنَايَةُ الرَّهْنِ مُوجِبَةً لِلدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ لَا دَفْعَ الرَّقَبَةِ بِأَنْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الْآدَمِيِّ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِدَفْعِ الرَّقَبَةِ بِأَنْ كَانَتْ عَلَى الْآدَمِيِّ فِي النَّفْسِ خَطَأً أَوْ فِيمَا دُونَهَا، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا إنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَمُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهَا فَائِدَةَ تَمَلُّكِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَالْمُرْتَهِنُ غَيْرُ مَالِكٍ حَقِيقَةً، فَكَانَتْ جِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ جِنَايَةً عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ غَيْرَ أَنَّهَا سَقَطَتْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ دَفْعَ الْعَبْدِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا أَفَادَتْ مِلْكَ رَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ يَسْقُطُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَارُ مِلْكَ رَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ بَقَاءُ الدَّيْنِ أَنْفَعَ لَهُ فَيَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ ثُمَّ إذَا اخْتَارَ أَخْذَهُ وَوَافَقَهُ الرَّاهِنُ عَلَى ذَلِكَ أَبْطَلَا الرَّهْنَ لِسُقُوطِ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ بِالْجِنَايَةِ يُوجِبُ هَلَاكَهُ عَلَى الرَّاهِنِ فَيَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ؛ وَلِهَذَا لَوْ جَنَى عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، فَدَفَعَ بِهَا سَقَطَ الدَّيْنُ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْجِنَايَةَ، فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ اعْتَبَرْنَاهَا لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ عَلَيْهِ التَّطْهِيرُ مِنْ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَلَا يُفِيدُ وُجُوبَ الضَّمَانِ مَعَ وُجُوبِ التَّخْلِيصِ عَلَيْهِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْغَاصِبِ لَا تُعْتَبَرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تُعْتَبَرُ وَمَا ذَكَرَا مِنْ الْفَائِدَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَا يَسْتَبِدُّ بِأَخْذِهِ وَقَدْ لَا يَخْتَارُ هُوَ الدَّفْعَ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْفِدَاءِ عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ أَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةٌ بِحِسَابِهَا؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ أَمَانَةٌ فَصَارَ كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمُودَعِ، وَلَوْ جَنَى الرَّهْنُ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ عَلَى ابْنِ الْمُرْتَهِنِ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الصَّحِيحِ حَتَّى يُدْفَعَ بِهَا أَوْ يُفْدَا، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَالِ يُبَاعُ كَمَا إذَا جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ إذْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ فَرَجَعَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ وَغَرِمَ مِائَةً وَحَلَّ الْأَجَلُ فَالْمُرْتَهِنُ يَقْبِضُ الْمِائَةَ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ) وَأَصْلُهُ أَنَّ النُّقْصَانَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ عِنْدَنَا حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ عِنْدَ رَدِّهِ نَاقِصًا بِالسِّعْرِ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ إنَّ الْمَالِيَّةَ قَدْ انْتَقَصَتْ فَأَشْبَهَ انْتِقَاصَ الْعَيْنِ وَلَنَا أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ عِبَارَةٌ عَنْ فُتُورِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْبَيْعِ إذَا حَصَلَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَتَّى لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَلَا فِي الْغَصْبِ حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ بِالسِّعْرِ عِنْدَ رَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ. لِأَنَّهُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْهُ يَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ إذْ الْيَدُ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ، وَإِذَا لَمْ يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِنُقْصَانِ السِّعْرِ بَقِيَ مَرْهُونًا بِكُلِّ الدَّيْنِ فَإِذَا قَتَلَهُ حُرٌّ غَرِمَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي ضَمَانِ الْإِتْلَافِ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّ الْجَابِرَ بِقَدْرِ الْفَائِتِ وَأَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ، وَإِنْ كَانَ مُقَابَلًا بِالدَّمِ عَلَى أَصْلِنَا حَتَّى لَا يُزَادُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى اسْتَحَقَّهُ بِسَبَبِ الْمَالِيَّةِ، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ، فَكَذَا فِيمَا قَامَ مَقَامَهُ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَبِالْهَلَاكِ يَتَقَرَّرُ وَقِيمَتُهُ كَانَتْ فِي الِابْتِدَاءِ أَلْفًا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ أَوْ نَقُولُ: لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَلْفِ بِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِمِائَةٍ وَبَقِيَ تِسْعُمِائَةٍ فِي الْعَيْنِ. فَإِذَا هَلَكَتْ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِتِسْعِمِائَةٍ بِالْهَلَاكِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ قَتْلِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْكُلِّ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَلْفِ بِمِائَةٍ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَجَعَلْنَاهُ مُسْتَوْفِيًا لِتِسْعِمِائَةٍ بِالْعَبْدِ الْهَالِكِ، وَهُوَ الْمَقْتُولُ وَالْمِائَةُ بِالْمِائَةِ قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ بِأَمْرِهِ قَبَضَ الْمِائَةَ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ، وَرَجَعَ بِتِسْعِمِائَةٍ) أَيْ لَوْ بَاعَ الْمُرْتَهِنُ الْعَبْدَ الَّذِي يُسَاوِي أَلْفًا بِمِائَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ إذَا اخْتَارَ) التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ جَنَى الرَّهْنُ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ ابْنِ الْمُرْتَهِنِ يَعْنِي أَنَّ جِنَايَةَ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ هَدَرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ جِنَايَتِهِ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ ابْنِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ)، وَإِذَا انْتَقَصَ مِنْ عَيْنِهِ شَيْءٌ ذَهَبَ قِسْطُهُ مِنْ الدَّيْنِ بِالِاتِّفَاقِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

بِأَمْرِ الرَّاهِنِ، وَكَانَ رَهْنًا بِأَلْفٍ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ تِلْكَ الْمِائَةَ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ قَضَاءً لِحَقِّهِ، وَرَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِتِسْعِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ. وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ الرَّهْنُ وَبَقِيَ الدَّيْنُ إلَّا بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى فَكَذَا هُنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَدُفِعَ بِهِ افْتَكَّهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ)، وَهُوَ الْأَلْفُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ رَهْنًا بِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ، وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ إلَّا أَنَّهُ أَخْلَفَ بَدَلًا بِقَدْرِ الْعَشْرِ فَيَبْقَى الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ قُلْنَا إنَّ الْعَبْدَ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ قَائِمًا وَانْتَقَصَ بِالسِّعْرِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ، وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَرْهُونَ تَغَيَّرَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَيُخَيَّرُ الرَّاهِنُ كَالْمَبِيعِ وَالْمَغْصُوبِ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا وَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْقَاتِلَ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ وَرَجَعَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِقِيمَتِهِ، وَلَهُمَا أَنَّ التَّغَيُّرَ لَمْ يَظْهَرْ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ لِقِيَامِ الثَّانِي مَقَامِ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا كَمَا ذَكَرْنَا مَعَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَيْنُ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ عِنْدَنَا فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ رِضَاهُ. ؛ وَلِأَنَّ جَعْلَ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ وَأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ» الْحَدِيثَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْغَصْبِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ الْفَسْخُ، وَفِي الْغَصْبِ تَمْلِيكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَهُمَا مَشْرُوعَانِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَرَاجَعَ سِعْرُهُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي مِائَةً ثُمَّ قَتَلَهُ عَبْدٌ يُسَاوِي مِائَةً فَدُفِعَ بِهِ، وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ قَتِيلًا خَطَأً فَضَمَانُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَمْلِكُ الدَّفْعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ، وَلَوْ فَدَاهُ طَهُرَ الْمَحَلُّ وَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ مِنْ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ، وَلَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَ قِيلَ لِلرَّاهِنِ ادْفَعْ الْعَبْدَ أَوْ افْدِهِ. لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَأَيَّهُمَا فَعَلَ سَقَطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ هَلَكَ بِالدَّفْعِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَكَذَا بِالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَالْحَاصِلِ لَهُ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ وَلَدِ الرَّهْنِ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا حَيْثُ يُخَاطَبُ الرَّاهِنُ ابْتِدَاءً بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا دَفَعَ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَلَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ هَلَكَ ابْتِدَاءً فَإِنْ فِدَاهُ فَهُوَ رَهْنٌ مَعَ أُمِّهِ عَلَى حَالِهِمَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ مَالًا يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ، فَإِنْ أَدَّاهُ الْمُرْتَهِنُ فَدَيْنُ نَفْسِهِ عَلَى حَالِهِ كَمَا فِي الْفِدَاءِ، وَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلرَّاهِنِ بِعْهُ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ فَإِنْ أَدَّى بَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْفِدَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَبِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ يَأْخُذُ صَاحِبُ دَيْنِ الْعَبْدِ دِينَهُ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَعَلَى حَقِّ الْمَوْلَى. لِأَنَّ حَقَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى، وَكَذَا عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا يُقَدَّمُ دَيْنُ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي مِلْكِ الْعَيْنِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ وَدَيْنُ غَرِيمِ الْعَبْدِ مِثْلُ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَكْثَرُ فَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ اُسْتُحِقَّتْ بِمَعْنًى هُوَ فِي ضَمَانِهِ فَأَشْبَهَ الْهَلَاكَ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْعَبْدِ أَقَلَّ مِنْهُ سَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِهِ وَمَا فَضَلَ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ يَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ ثُمَّ إنْ كَانَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ قَدْ حَلَّ أَخْذُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَحِلَّ ثُمَّ يَأْخُذُهُ إذَا حَلَّ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ لَا يَفِي بِدَيْنِ الْغَرِيمِ أَخَذَ الثَّمَنَ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَعْتِقَ الْعَبْدُ. ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ اُسْتُوْفِيَتْ فَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ إذَا أَدَّى الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ هَذَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ، وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً قِيلَ لَهُمَا افْدِيَاهُ أَوْ ادْفَعَاهُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ مَضْمُونٌ وَالْبَعْضُ أَمَانَةٌ وَالْفِدَاءُ فِي الْمَضْمُونِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَفِي الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ فَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى الدَّفْعِ دَفَعَاهُ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ وَالدَّفْعُ لَا يَجُوزُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنَّمَا لَهُ التَّخْلِيصُ بِالْفِدَاءِ؛ وَلِهَذَا يُطْلَبُ رِضَاهُ فِي الدَّفْعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَخْتَارَ الْفِدَاءَ، وَإِنْ تَشَاحَّا فَالْقَوْلُ لِمَنْ قَالَ أَنَا أَفْدِي أَيَّهُمَا كَانَ أَمَّا إذَا كَانَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ؛ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْفِدَاءِ الَّذِي يَخْتَارُهُ إبْطَالُ حَقِّ الرَّاهِنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ فَدَاهُ طَهُرَ) طَهُرَ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الْمَحَلُّ)، وَهُوَ الْعَبْدُ عَنْ الْجِنَايَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ) فَلَوْ أَنَّهُ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ لَرَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ يَأْخُذُ صَاحِبُ) أَيْ الَّذِي اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ مَالَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا يُقَدَّمُ دَيْنُ الْعَبْدِ إلَخْ) أَيْ قِيمَةُ الْمُسْتَهْلَكِ اهـ قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَحَقَّ وَلِيِّ دَيْنِ الْعَبْدِ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَوْلَى اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ) يَعْنِي إنْ كَانَ مَا أَخَذَهُ غَرِيمُ الْعَبْدِ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ مِثْلَ مَا لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ أَكْثَرَ بَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ بَطَلَ قَدْرُ ذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ، وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا فَضَلَ) أَيْ وَمَا فَضَلَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ مِنْ دَيْنِهِ يَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ اهـ (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ لَا يَفِي بِدَيْنِ الْغَرِيمِ) أَيْ الَّذِي اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ مَالَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَيْنِ، وَهُوَ رَهْنٌ بِأَلْفٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ تَشَاحَّا) أَيْ فِي الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ. اهـ.

[فصل رهن عصيرا قيمته عشرة بعشرة فتخمر ثم تخلل]

وَفِي الدَّفْعِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّاهِنُ إبْطَالُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ فِي الْفِدَاءِ مُتَطَوِّعًا فِي حِصَّةِ الْأَمَانَةِ حَتَّى لَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِذَلِكَ. لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَخْتَارَهُ فَيُخَاطِبُ الرَّاهِنَ فَلَمَّا الْتَزَمَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ مُتَبَرِّعًا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَائِبًا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ خِطَابُهُ وَالْمُرْتَهِنُ مُحْتَاجٌ إلَى إصْلَاحِ الْمَضْمُونِ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِصْلَاحِ الْأَمَانَةِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الْمُرْتَهِنُ مُتَطَوِّعٌ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فَدَى مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُخْتَارُ لِلْفِدَاءِ هُوَ الرَّاهِنُ؛ فَلِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَيْسَ لَهُ وَلَايَةُ الدَّفْعِ فَكَيْفَ يَخْتَارُهُ. وَلِأَنَّ فِي الدَّفْعِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْمُرْتَهِنُ تَفْوِيتَ حَقِّ الرَّاهِنِ فِي الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ تَحْصُلُ لَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ يَسْقُطُ بِالدَّفْعِ كَمَا يَسْقُطُ بِفِدَاءِ الرَّاهِنِ ثُمَّ إذَا أَفْدَاهُ الرَّاهِنُ يُحْتَسَبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ حِصَّةُ الْمَضْمُونِ مِنْ الْفِدَاءِ مِنْ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ أَمْرٌ لَازِمٌ دُفِعَ أَوْ فُدِيَ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ صَارَ هَالِكًا فَإِذَا فَدَاهُ صَارَ كَأَنَّهُ حَصَّلَهُ بِالْفِدَاءِ، فَلَمْ يُجْعَلْ الرَّاهِنُ فِي الْفِدَاءِ مُتَطَوِّعًا ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ حِصَّةُ الْمَضْمُونِ مِنْ الْفِدَاءِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بَطَلَ الدَّيْنُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ، وَكَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ فِي حِصَّةِ الْأَمَانَةِ كَانَ عَلَيْهِ، وَفِي حِصَّةِ الْمَضْمُونِ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا أَدَّاهُ الرَّاهِنُ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَطَوِّعٍ فِيهِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ كَأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَهُ فَيَبْقَى الْعَبْدُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ بِخِلَافِ مَا إذَا فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ حَيْثُ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي حَالِ حَضْرَةِ الرَّاهِنِ لَا فِي حَالِ غَيْبَتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَعَنْ زُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى عَكْسِهِ بِأَنَّ الرَّاهِنَ إذَا كَانَ حَاضِرًا، فَالْمُرْتَهِنُ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي الْفِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا كَانَ مُتَطَوِّعًا فِيهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَا يُخَاطِبُ الْمُرْتَهِنَ فِي حَالِ غَيْبَةِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الدَّفْعِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ الْعَبْدِ مِنْهُ مَا لَمْ يَحْضُرْ الرَّاهِنُ، فَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَى الْفِدَاءِ، فَإِذَا فَدَاهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا وَأَمَّا فِي حَالَةِ حَضْرَتِهِ فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ يُخَاطِبُهُمَا بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَا يَتَوَصَّلُ الْمُرْتَهِنُ إلَى اسْتِدَامَةِ يَدِهِ إلَّا بِالْفِدَاءِ، فَكَانَ مُضْطَرًّا إلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا كَمُعِيرِ الرَّهْنِ وَصَاحِبِ الْعُلُوِّ إذَا بَنَى السُّفْلَ ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِ عُلُوَّهُ وَكَذَا فِي جِنَايَةِ وَلَدِ الرَّهْنِ إذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَنَا أَفْدِي كَانَ لَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ يَخْتَارُ الدَّفْعَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، فَهُوَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ، وَلَهُ فِي الْفِدَاءِ غَرَضٌ صَحِيحٌ مِنْ زِيَادَةِ الِاسْتِيثَاقِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الرَّاهِنِ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ بَاعَ وَصِيُّهُ الرَّهْنَ وَقَضَى الدَّيْنَ)؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي، وَلَوْ كَانَ الْمُوصِي حَيًّا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ، فَكَذَا الْوَصِيَّةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ نَصَّبَ لَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا وَأَمَرَ بِبَيْعِهِ) وَفِعْلُ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ نَاظِرًا لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَجَزُوا عَنْ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمْ، وَقَدْ تَعَيَّنَ النَّظَرُ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَيَسْتَوْفِيَ حُقُوقَهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَرَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ عِنْدَ غَرِيمٍ لَهُ مِنْ غُرَمَائِهِ لَمْ يَجُزْ وَلِلْآخَرِينَ أَنْ يَرُدُّوهُ؛ لِأَنَّهُ إيثَارٌ لِبَعْضِ الْغُرَمَاءِ بِالْإِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ فَأَشْبَهَ الْإِيثَارَ بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَالْجَامِعُ مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ إبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَيِّتَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُ، وَإِنْ قَضَى دَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَرُدُّوهُ جَازَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ غَرِيمٌ آخَرُ جَازَ الرَّهْنُ اعْتِبَارًا بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَبِيعَ فِي دَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ فِيهِ قَبْلَ الرَّهْنِ، فَكَذَا بَعْدَهُ، وَإِذَا ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ جَازَ. ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ فَيَمْلِكُهُ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ إنْ وَكَّلَ وَإِلَّا فَلَا إلَّا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَكَذَا لَوْ ارْتَهَنَ الْمُوصِي وَمَاتَ قَامَ الْوَصِيُّ مَقَامَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (رَهَنَ عَصِيرًا قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ بِعَشْرَةٍ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ، وَهُوَ يُسَاوِي عَشْرَةً فَهُوَ رَهْنٌ بِعَشْرَةٍ)؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ بَقَاءً يَكُونُ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ بَقَاءً كَمَا أَنَّ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ ابْتِدَاءً يَكُونُ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ ابْتِدَاءً وَالْخَمْرُ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ بَقَاءً أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى الْعَقْدُ فِيهَا إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَخَيَّرُ فِي الْبَيْعِ لِتَغَيُّرِ وَصْفِ الْمَبِيعِ كَمَا إذَا تَعَيَّبَ، فَكَذَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ بَقَاءً. وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا فَإِذَا تَخَمَّرَ، فَقَدْ فَسَدَ لَكِنْ بِالتَّخَلُّلِ يَعُودُ الْعَقْدُ صَحِيحًا لِعَوْدِ الْمَالِيَّةِ الْمُتَقَوِّمَةِ فِيهَا وَزَوَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَنْ رَهَنَ عِنْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِيعَ فِي دَيْنِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ اهـ. [فَصْلٌ رَهَنَ عَصِيرًا قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ بِعَشْرَةٍ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ] (فَصْلٌ) هَذَا الْفَصْلُ بِمَنْزِلَةِ فَصْلِ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي آخِرِ الْكُتُبِ فَلِذَلِكَ أَخَّرَهُ اسْتِدْرَاكًا لِمَا فَاتَ فِيمَا سَبَقَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا أَنَّ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ:؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ عَقْدُ تَمْلِيكٍ يَدًا، فَإِذَا مَلَكَ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ رَقَبَةً وَيَدًا أَوْلَى أَنْ يَمْلِكَهُ يَدًا اهـ ذَكَرَهُ فِي الرَّهْنِ (قَوْلُهُ لِعَوْدِ الْمَالِيَّةِ الْمُتَقَوِّمَةِ فِيهَا إلَخْ) فَكَانَ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ، وَلَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَنْتَقِصْ مِنْ مِقْدَارِهِ بِالتَّخَمُّرِ وَالْغَالِبُ النُّقْصَانُ، فَإِذَا انْتَقَصَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْن بِقَدْرِهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِنُقْصَانِ الْمِقْدَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَصَ سِعْرُهُ لَا مِقْدَارُهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ لَكِنَّ الرَّاهِنَ يَتَخَيَّرُ كَمَا إذَا انْكَسَرَ الْقُلْبُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ رَهْنًا عِنْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ كَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَإِنْ لَمْ تُنْتَقَصْ قِيمَتُهُ لَا يُخَيَّرُ فِيهِ فَيَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي الْجَبْرِ عَلَى الْفِكَاكِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

الْمُفْسِدِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَخَلَّلَ وَهُوَ وَيُسَاوِي عَشْرَةً يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ الْقِيمَةُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ وَالْخَلَّ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ، وَفِيهِمَا نُقْصَانُ الْقِيمَةِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا مَرَّ فِي انْكِسَارِ الْقَلْبِ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْخِيَارَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ الْفَائِتَ فِيهِ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ وَفَوَاتُ شَيْءٍ مِنْ الْوَصْفِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ نَقَصَ شَيْءٌ مِنْ الْقَدْرِ سَقَطَ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَهَنَ شَاةً قِيمَتُهَا عَشْرَةٌ فَمَاتَتْ فَدُبِغَ جِلْدُهَا، وَهُوَ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ) لِأَنَّ الرَّهْنَ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ، وَإِذَا جَنَى بَعْضُ الْمَحَلِّ يَعُودُ الْحُكْمُ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدُبِغَ جِلْدُهَا حَيْثُ لَا يَعُودُ الْبَيْعُ بِقَدْرِهِ. لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْمَفْسُوخُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَيَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ يَقُولُ يَعُودُ الْبَيْعُ صَحِيحًا، وَقَوْلُهُ فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْجِلْدِ يَوْمَ الرَّهْنِ دِرْهَمًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمئِذٍ دِرْهَمَيْنِ كَانَ الْجِلْدُ رَهْنًا بِدِرْهَمَيْنِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّقْوِيمِ بِأَنْ تُقَوَّمَ الشَّاةُ الْمَرْهُونَةُ غَيْرَ مَسْلُوخَةٍ ثُمَّ تُقَوَّمُ مَسْلُوخَةً، فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا هُوَ قِيمَةُ الْجِلْدِ هَذَا إذَا كَانَتْ الشَّاةُ كُلُّهَا مَضْمُونَةً، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَمَانَةً بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَكُونُ الْجِلْدُ أَيْضًا بَعْضُهُ أَمَانَةٌ بِحِسَابِهِ فَيَكُونُ رَهْنًا بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ قَالُوا هَذَا إذَا دَبَغَهُ الْمُرْتَهِنُ بِشَيْءٍ لَا قِيمَةَ لَهُ. وَإِنْ دَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ ثَبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ حَبْسِهِ بِمَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَدَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ ثُمَّ قِيلَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِيهِ حَتَّى إذَا أَدَّى الرَّاهِنُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ أَخَذَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَدَثَ الدَّيْنُ الثَّانِي وَصَارَ بِهِ مَحْبُوسًا حُكْمًا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِالْأَوَّلِ حُكْمًا، فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَهُ حَقِيقَةً بِأَنْ رَهَنَ الرَّهْنَ بِدَيْنٍ آخَرَ غَيْرَ مَا كَانَ مَحْبُوسًا بِهِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ رَهْنًا بِالثَّانِي فَكَذَا هَذَا، وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ. ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَبْطُلُ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِمَا هُوَ دُونَهُ كَالْمَبِيعِ بِأَلْفٍ إذَا بَاعَهُ ثَانِيًا مِنْهُ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّهُ دُونَهُ وَالرَّهْنُ بِالثَّانِي هُنَا دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ حَبْسَ الْجِلْدِ بِالْمَالِيَّةِ الَّتِي اتَّصَلَتْ بِالْجِلْدِ بِحُكْمِ الدِّبَاغِ وَتِلْكَ الْمَالِيَّةُ تَبَعٌ لِلْجِلْدِ؛ لِأَنَّهَا وَصْفٌ لَهُ وَالْوَصْفُ دَائِمًا تَبَعٌ لِلْأَصْلِ، وَالرَّهْنُ الْأَوَّلُ رَهْنٌ بِمَا هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ بِتَبَعٍ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الدَّيْنُ، فَيَكُونُ أَقْوَى مِنْ الثَّانِي فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي وَيَثْبُتُ الثَّانِي أَيْضًا. ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَدْ تَحَقَّقَ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّ رَدَّهُمَا مُمْكِنٌ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِهِمَا، وَلَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ وَجُعِلَ بِالدَّيْنِ ثُمَّ عَادَ يَعُودُ الدَّيْنُ وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَعُودُ بَلْ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ مَلَكَهُ كَالْمَغْصُوبِ يَعُودُ بَعْدَ الضَّمَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ قُلْنَا إنَّ الرَّهْنَ لَا يُمْلَكُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنَّمَا يَقَعُ بِقَبْضِهِ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ وَجْهٍ وَيَتِمُّ ذَلِكَ بِالْهَلَاكِ فَإِذَا عَادَ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ فَبَقِيَ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِهِ الْعَيْنُ أَنَّ كَفَنَهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَمَاءُ الرَّهْنِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ لِلرَّاهِنِ)؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مِلْكِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ رَهْنٌ مَعَ الْأَصْلِ)؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ، وَالرَّهْنُ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لَازِمٌ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ وَلَدِ الْجَارِيَةِ الْجَانِيَةِ حَيْثُ لَا يَسْرِي حُكْمُ الْجِنَايَةِ إلَى الْوَلَدِ وَلَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ حَتَّى يَنْفَرِدُ الْمَالِكُ بِإِبْطَالِهِ بِالْفِدَاءِ وَبِخِلَافِ وَلَدِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْكَفِيلَةِ وَالْمَغْصُوبَةِ وَوَلَدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ حَقُّهُ فِي الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ وَفِي الْكَفَالَةِ الْحَقُّ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَالْوَلَدُ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الذِّمَّةِ وَفِي الْغَصْبِ السَّبَبُ إثْبَاتُ يَدِ الْعَادِيَةِ بِإِزَالَةِ يَدِ الْمُحِقَّةِ وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي الْوَلَدِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فِيهِ تَبَعًا؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَالتَّبَعِيَّةُ تَجْرِي فِي الْأَوْصَافِ الشَّرْعِيَّةِ، وَفِي الْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهَا الْمُسْتَحَقُّ لَهُ الْخِدْمَةُ، وَهِيَ مَنْفَعَةٌ وَالْوَلَدُ غَيْرُ صَالِحٍ لَهَا قَبْلَ الِانْفِصَالِ، فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهَا وَبَعْدَهُ لَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا أَيْضًا بَعْدَ أَنْ انْعَقَدَ غَيْرَ مُوجِبٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَهْلِكُ مَجَّانًا) أَيْ إذَا هَلَكَ النَّمَاءُ يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ لَا قِسْطَ لَهَا مِمَّا يُقَابَلُ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلَ تَحْتَ الْعَقْدِ مَقْصُودًا إذْ اللَّفْظُ لَا يَتَنَاوَلُهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ فُكَّ بِحِصَّتِهِ) أَيْ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ، وَبَقِيَ النَّمَاءُ يُفَكُّ الْوَلَدُ بِحِصَّتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ حَكَى قَوْلَ الشَّارِحِ قُلْت الْقِيمَةُ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ بِازْدِيَادِ الْقَدْرِ وَنُقْصَانِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ)؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الشَّاةِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ، وَبِالِاسْتِيفَاءِ تَأَكَّدَ عَقْدُ الرَّهْنِ، فَإِذَا عَادَتْ الْمَالِيَّةُ بِالدِّبَاغِ صَادَفَتْ عَقْدًا قَائِمًا فَيَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهُ بِقِسْطِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ قَالُوا فِي الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ إذَا مَاتَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ دُبِغَ جِلْدُهَا، فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَعُودُ وَلَا نَصَّ فِيهِ كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْحَاصِلُ هُنَا مَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْكَافِي أَنَّ لِعُلَمَائِنَا فِيهِ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَطَلَ أَصْلًا لِانْعِدَامِ مَحَلِّيَّةِ الرَّهْنِ بِهَلَاكِ الشَّاةِ ثُمَّ عَادَ حُكْمُ الرَّهْنِ بِقَدْرِ الْجِلْدِ؛ لِأَنَّهُ حَيِيَ هَذَا الْقَدْرَ وَلَوْ حَيِيَ كُلُّهُ يَعُودُ كُلُّ الرَّهْنِ فَإِذَا حَيِيَ بَعْضَهُ يَعُودُ بِقَدْرِهِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ فِي قَدْرِ الْجِلْدِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَحَلِّيَّةِ قَائِمٌ فِي هَذَا الْقَدْرِ فَكَانَ فِي بَقَاءِ الرَّهْنِ فَائِدَةٌ فَيَتَوَقَّفُ فِيهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَعُودُ الْبَيْعُ) وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعُودُ لِمَا بَيَّنَّا. اهـ. كَافِي

مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْفِكَاكِ وَالتَّبَعُ إذَا صَارَ مَقْصُودًا يَكُونُ لَهُ قِسْطٌ كَوَلَدِ الْمَبِيعِ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْقَبْضِ صَارَ لَهُ حِصَّةٌ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الْأُمُّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَقِيَ الْوَلَدُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْفِكَاكِ وَقِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ حِصَّةُ الْأَصْلِ وَفَكَّ النَّمَاءَ بِحِصَّتِهِ)؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ صَارَ لَهُ حِصَّةٌ بِالْفِكَاكِ وَالْأُمُّ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِ اعْتِبَارِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ بَعْدَ هَلَاكِ أُمِّهِ قَبْلَ الْفِكَاكِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا عِنْدَ الْفِكَاكِ، وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي أَكْلِ زَوَائِدِ الرَّهْنِ بِأَنْ قَالَ مَهْمَا زَادَ فَكُلْهُ فَأَكَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَهَذِهِ إبَاحَةٌ وَالْإِطْلَاقُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَالْخَطَرِ بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّ الرَّهْنَ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قَسَّمَ الدَّيْنَ عَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ الَّتِي أَكَلَهَا الْمُرْتَهِنُ، وَعَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ الزِّيَادَةَ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَلِفَتْ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ بِفِعْلِ الْمُرْتَهِنِ بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ، فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ أَخَذَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، فَكَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الدَّيْنِ فَبَقِيَ حِصَّتُهُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَفَتَاوَى قَاضِيخَانْ وَالْمُحِيطِ وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ لَا فِي الدَّيْنِ) مَعْنَاهُ لَا يَصِيرُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ الْمَزِيدِ وَصُورَةُ الزِّيَادَةِ فِي الرَّهْنِ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ رَهْنًا عَلَى الرَّهْنِ الْأَوَّلِ فَيَكُونَانِ رَهْنًا بِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا صُورَةُ الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ فَهُوَ أَنْ يَزِيدَ دَيْنًا عَلَى الدَّيْنِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ رَهْنًا بِالدَّيْنَيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِرٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلرَّهْنِ الثَّانِي مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الدَّيْنِ فَيَخْرُجُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ بِقَدْرِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا أَوْ مَضْمُونًا، وَذَلِكَ شَائِعٌ وَالشُّيُوعُ مُفْسِدٌ لِلرَّهْنِ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الدَّيْنَ فِي بَابِ الرَّهْنِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنُ كَالثَّمَنِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِلْحَاجَةِ، وَإِمْكَانُ الْإِلْحَاقِ فِيهِمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِي الرَّهْنِ. ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ تُثْبِتُ فِيهِ ضَمَانَ الدَّيْنِ الثَّانِي فَيَكُونُ بَعْضُ الرَّهْنِ مَضْمُونًا بِهِ وَبَعْضُهُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ الْبَعْضُ مُشَاعٌ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ تَحَوُّلَ بَعْضِ الدَّيْنِ إلَى الرَّهْنِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا فَصَارَ الشُّيُوعُ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الرَّهْنِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعِ صِحَّةِ الرَّهْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ شَيْئًا بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيْهِ جَازَ، وَلَوْ كَانَ الشُّيُوعُ فِي الدَّيْنِ يُمْنَعُ لَمَا جَازَ وَالِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي طَرَفِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ مَعْقُودٌ بِهِ بَلْ وُجُودُهُ سَابِقٌ عَلَى الرَّهْنِ؛ وَلِهَذَا يَبْقَى الدَّيْنُ بَعْدَ فَسْخِ الرَّهْنِ وَالزِّيَادَةُ تَكُونُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْمَبِيعِ أَوْ فِي الْمَعْقُودِ بِهِ كَالثَّمَنِ لَا فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَحَدِ الْبَدَلَيْنِ. وَالزِّيَادَةُ تَخْتَصُّ بِهِمَا ثُمَّ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ إنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ لَا تَصِحُّ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ رَهْنًا بِالزِّيَادَةِ، وَأَمَّا نَفْسُ زِيَادَةِ الدَّيْنِ عَلَى الدَّيْنِ فَصَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ جَائِزٌ إجْمَاعًا ثُمَّ إذَا صَحَّتْ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ وَتُسَمَّى هَذِهِ زِيَادَةَ قَصْدِيَّةِ قُسِّمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبْضِهَا وَعَلَى قِيمَةِ الْأَوَّلِ يَوْمَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ الرَّاهِنُ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ أُمِّهِ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَذَهَبَتْ الْأُمُّ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا حِصَّةَ لِلْوَلَدِ قَبْلَ الْفِكَاكِ فَإِذَا مَاتَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَيُحْكَمُ بِأَنَّ الْأُمَّ هَلَكَتْ بِالدَّيْنِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ فُرُوعًا جَمَّةً فَلْتُنْظَرْ ثَمَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ إلَخْ) مِثَالُهُ مَا قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا شَاةً تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةٍ وَأَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْتَلِبَ لَبَنَهَا وَيَشْرَبَ مِنْهُ وَيَأْكُلَ فَفَعَلَ صَحَّ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمِلْكِ قَدْ رَضِيَ فَإِذَا حَضَرَ الرَّاهِنُ افْتَكَّ الشَّاةَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَا أَتْلَفَهُ الْمُرْتَهِنُ فَكَأَنَّ الرَّاهِنَ اسْتَرَدَّهُ وَلَوْ هَلَكَتْ الشَّاةُ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ الرَّاهِنُ ثُمَّ حَضَرَ، فَإِنَّ الدَّيْنَ يُقْسَمُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ وَقِيمَةِ اللَّبَنِ فَتُقْضَى حِصَّةُ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُرْتَهِنِ نُقِلَ إلَى الرَّاهِنِ فَصَارَ الرَّاهِنُ مُسْتَرِدًّا فَصَارَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ اللَّبَنِ خَمْسَةٌ صَارَ بِإِزَائِهِ ثُلُثُ الدَّيْنِ فَيَسْقُطُ ثُلُثَا الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الشَّاةِ، وَيُؤَدِّي ثُلُثَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَأَمَّا صُورَةُ الزِّيَادَةِ إلَخْ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَهُوَ أَنْ يَرْهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ اسْتَقْرَضَ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَلْفًا أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِهِمَا جَمِيعًا فَإِنَّهُ يَكُونُ رَهْنًا بِالْأُولَى خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَلَوْ هَلَكَ هَلَكَ بِالْأَلْفِ الْأُولَى وَلَا يَهْلِكُ بِالْأَلْفَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ وَلَوْ قَضَى الرَّاهِنُ أَلْفًا وَقَالَ إنَّمَا قَضَيْتهَا مِنْ الْأَلْفِ الْأُولَى فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ إلَخْ)، وَهُوَ الْقِيَاسُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَخْ)، وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ الْبَعْضُ مُشَاعٌ) وَلَوْ رَهَنَهُ ابْتِدَاءً نِصْفَ الْعَبْدِ بِدَيْنٍ وَنِصْفَهُ بِدَيْنٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اهـ (قَوْلُهُ وَتُسَمَّى هَذِهِ زِيَادَةً قَصْدِيَّةً)، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الزِّيَادَةِ الضِّمْنِيَّةِ، وَهِيَ زِيَادَةُ النَّمَاءِ وَثَمَّةَ يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَعَلَى قِيمَةِ النَّمَاءِ يَوْمَ الْفِكَاكِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَلَى قِيمَةِ الْأَوَّلِ يَوْمَ قَبْضِهِ) حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قَبْضِهَا خَمْسَمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا وَالدَّيْنُ أَلْفٌ يُقْسَمُ الدَّيْنُ أَثْلَاثًا فِي الزِّيَادَةِ ثُلُثُ الدَّيْنِ وَفِي الْأَصْلِ ثُلُثَا الدَّيْنِ اهـ هِدَايَةٌ

الْمُرْتَهِنِ يَوْمَ قَبْضِهِ، فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ، وَإِذَا وَلَدَتْ الْمَرْهُونَةُ وَلَدًا ثُمَّ إنَّ الرَّاهِنَ زَادَ مَعَ الْوَلَدِ عَبْدًا وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَالدَّيْنُ أَلْفٌ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ مَعَ الْوَلَدِ خَاصَّةً يُقْسَمُ مَا فِي الْوَلَدِ عَلَيْهِ يَوْمَ فِكَاكِهِ وَعَلَى الْعَبْدِ الَّذِي زِيدَ عَلَيْهِ. ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ زِيَادَةً مَعَ الْوَلَدِ دُونَ الْأُمِّ وَالْوَلَدُ لَا حِصَّةَ لَهُ إلَّا وَقْتَ الْفِكَاكِ فَمَا أَصَابَ الْوَلَدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قُسِمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْعَبْدِ الزِّيَادَةُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ ذَلِكَ الْوَلَدُ تَبَعٌ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ قَبْلَ الْفِكَاكِ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا هَلَكَ خَرَجَ مِنْ الْعَقْدِ، فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَبَطَلَ الْحُكْمُ فِي الزِّيَادَةِ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ فِكَاكِ الْوَلَدِ هَلَكَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ، وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَعَ الْأُمِّ قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبْضِهَا، وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قَبْضِهَا لِمَا ذَكَرْنَا فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ قُسِمَ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا إذَا هَلَكَتْ فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ ذَهَبَ وَسَقَطَ وَمَا أَصَابَ الْوَلَدَ افْتَكَّ بِهِ الرَّاهِنُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ دَخَلَتْ عَلَى الْأُمِّ فَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَيْهَا وَعَلَى الزِّيَادَةِ أَوَّلًا. ثُمَّ مَا أَصَابَ الْأُمَّ قُسِمَ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا إذَا هَلَكَتْ وَبَقِيَ الْوَلَدُ إلَى الْفِكَاكِ، وَلَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ بَعْدَ هَلَاكِهَا قَبْلَ الْفِكَاكِ أَوْ هَلَكَ هُوَ وَحْدَهُ دُونَهَا ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا حِصَّةَ لَهُ إلَّا وَقْتَ الْفِكَاكِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَصْلًا فَبَقِيَ حِصَّةُ الْأُمِّ كُلُّهَا عَلَيْهَا تَذْهَبُ بِهَلَاكِهَا وَحِصَّةُ الزِّيَادَةِ أَيْضًا تَذْهَبُ بِذَهَابِ الزِّيَادَةِ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّهْنَ فِي الْأُمِّ وَحْدَهَا، وَزَادَ الْعَبْدُ عَلَيْهَا فَأَيُّهُمَا هَلَكَ هَلَكَ بِحِصَّتِهِ وَافْتَكَّ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمَا بِحِصَّتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفٍ فَدَفَعَ عَبْدًا آخَرَ رَهْنًا مَكَانَ الْأَوَّلِ وَقِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ فَالْأَوَّلُ رَهْنٌ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنُ فِي الْآخِرِ أَمِينٌ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَكَانَ الْأَوَّلِ)؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ مَا دَامَا بَاقِيَيْنِ إلَّا بِنَقْضِ الْقَبْضِ، فَإِذَا كَانَ الْأَوَّلُ فِي ضَمَانِهِ لَا يَدْخُلُ الثَّانِي فِي ضَمَانه؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا فِيهِ لَا بِدُخُولِهِمَا فِيهِ فَإِذَا رَدَّ الْأَوَّلَ دَخَلَ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ، ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ فِيهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الثَّانِي يَدُ أَمَانَةٍ وَيَدُ الرَّاهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ وَضَمَانٍ فَلَا تَنُوبُ عَنْهُ كَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ جِيَادٌ فَاسْتَوْفَى زُيُوفًا يَظُنُّهَا جِيَادًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا زُيُوفٌ وَطَالَبَهُ بِالْجِيَادِ وَأَخَذَهَا. فَإِنَّ الْجِيَادَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَرُدَّ الزُّيُوفَ وَيُجَدِّدَ الْقَبْضَ فِي الْجِيَادِ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَعَيْنُهُ أَمَانَةٌ عَلَى مَا عُرِفَ وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْأَمَانَةِ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ وَالْقَبْضُ يُرَدُّ عَلَى الْعَيْنِ فَيَنُوبُ قَبْضُ الْأَمَانَةِ عَنْ قَبْضِ الْعَيْنِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ أَوْ بِجِهَتِهِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الْوُجُودِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ، وَلَمْ يَبْقَ الدَّيْنُ بِالْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ وَلَا جِهَتِهِ لِسُقُوطِهِ إلَّا إذَا مَنَعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ، فَيَصِيرُ غَاصِبًا بِالْمَنْعِ وَكَذَا إذَا ارْتَهَنَتْ الْمَرْأَةُ بِصَدَاقِهَا رَهْنًا فَأَبْرَأَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ أَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَيْهِ أَوْ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهَا يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِسُقُوطِ الدَّيْنِ. وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ بِإِيفَاءِ مُتَطَوِّعٍ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مَا اسْتَوْفَى إلَى مَنْ اسْتَوْفَى مِنْهُ وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوْ الْمُتَطَوِّعُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ أَصْلًا وَبِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَسْقُطُ لِقِيَامِ الْمُوجِبِ، وَهُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلدَّيْنِ لَكِنْ يَكُونُ الْمَقْبُوضُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ دَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي مُطَالَبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ اسْتِيفَاءٍ يُوجَدُ يَعْقُبُ مُطَالَبَةً مِثْلَهُ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ فَتُرِكَ الطَّلَبُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَأَمَّا الدَّيْنُ نَفْسُهُ فَثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ يَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ بِقَبْضِ الرَّهْنِ وَيُنْتَقَضُ الِاسْتِيفَاءُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ صَالَحَ عَنْ الدَّيْنِ عَلَى عَيْنٍ. وَكَذَا إذَا أَحَالَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِالدَّيْنِ عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ، وَهَلَكَ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَرَاءَةِ بِطَرِيقِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِالْحَوَالَةِ عَنْ مِلْكِ الْمُحِيلِ مِثْلَ مَا كَانَ لَهُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ أَوْ مِثْلَ مَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ، وَكَذَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ لِتَوَهُّمِ وُجُوبِ الدَّيْنِ بِالتَّصَادُقِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِسُقُوطِ الدَّيْنِ) كَمَا فِي الْإِبْرَاءِ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَوْ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ رَدَّ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ عَنْ الْغَرِيمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ وَلِهَذَا صَحَّتْ الْهِبَةُ، وَإِذَا بَقِيَ أَصْلُ الدَّيْنِ بَقِيَ الرَّهْنُ فَبَقِيَ الضَّمَانُ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى) أَيْ الْمُرْتَهِنُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالدَّيْنِ عَيْنًا) أَيْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ صَالَحَ عَنْ الدَّيْنِ عَلَى عَيْنٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ. اهـ. هِدَايَةٌ أَيْ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الدَّيْنِ عَلَى الْعَيْنِ اسْتِيفَاءٌ لِلدَّيْنِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ) أَعْنِي أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ عَنْ الْمُحِيلِ فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا بَرَاءَةٌ وَقَعَتْ بِطَرِيقِ الْأَدَاءِ فَلَا يَخْرُجُ الرَّهْنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا، فَإِذَا هَلَكَ بِالدَّيْنِ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ حُكْمُ الِاسْتِيفَاءِ عِنْدَ الْهَلَاكِ إلَى الْقَبْضِ السَّابِقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَحَالَ بِالدَّيْنِ وَلَا دَيْنَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَلَوْ ارْتَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يُسَاوِيهَا ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ مَاتَ الْعَبْدُ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِهِ الَّذِي هُوَ مَبْسُوطُهُ: وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ عَلَى ظَاهِرِ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ دُونَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الْقَرْضِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ حَقِيقَةً بِمَا سَاوَمَهُ، وَلَمْ يُحَقِّقْهُ فَكَذَا الْمَقْبُوضُ عَلَى ظَاهِرِ الدَّيْنِ. اهـ. غَايَةٌ

[كتاب الجنايات]

قِيَامِهِ فَتَكُونُ الْجِهَةُ بَاقِيَةً بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ وَقَالَ فِي الْكَافِي: ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَبْسُوطِ إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ إذَا كَانَ تَصَادُقُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا ظَاهِرًا حِينَ هَلَكَ الرَّهْنُ. وَوُجُوبُ الدَّيْنِ ظَاهِرًا يَكْفِي لِضَمَانِ الرَّهْنِ فَصُيِّرَ مُسْتَوْفِيًا، وَأَمَّا إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ وَالرَّهْنُ قَائِمٌ ثُمَّ هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ بِتَصَادُقِهِمَا يَنْتَفِي الدَّيْنُ مِنْ الْأَصْلِ وَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا يَبْقَى بِدُونِ الدَّيْنِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَهْلِكُ مَضْمُونًا رَجُلٌ دَفَعَ مَهْرَ غَيْرِهِ تَطَوُّعًا فَطَلُقَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْوَطْءِ رَجَعَ الْمُتَطَوِّعُ بِنِصْفِ مَا أَدَّى، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَتَطَوَّعَ رَجُلٌ بِأَدَاءِ ثَمَنِهِ ثُمَّ رَدَّ الْعَبْدَ بِعَيْبٍ رَجَعَ الْمُتَطَوِّعُ بِمَا أَدَّى وَقَالَ زُفَرُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَرْجِعُ الزَّوْجُ وَالْمُشْتَرِي بِذَلِكَ عَلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّ الْمُتَطَوِّعَ أَدَّى عَنْهُمَا، فَصَارَ كَأَدَائِهِمَا بِإِذْنِهِمَا قُلْنَا إنَّهُ إذَا قَضَى عَنْهُمَا بِأَمْرِهِمَا رَجَعَ عَلَيْهِمَا بِمَا أَدَّى فَمَلَكَاهُ بِالضَّمَانِ وَهُنَا لَمْ يَمْلِكَاهُ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْمُتَطَوِّعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (كِتَابُ الْجِنَايَاتِ)، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يَجْنِيهِ الْمَرْءُ مِنْ شَرٍّ اكْتَسَبَهُ تَسْمِيَةً لِلْمَصْدَرِ مِنْ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا، وَهُوَ عَامٌّ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ وَأَصْلُهُ مِنْ جَنْيِ الثَّمَرِ، وَهُوَ أَخْذُهُ مِنْ الشَّجَرِ، وَهِيَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي مَالٍ أَوْ نَفْسٍ لَكِنْ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ يُرَادُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْجِنَايَةِ الْفِعْلُ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ، ثُمَّ الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ وَالْقَتْلِ بِسَبَبٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ قَتْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانِ الْإِرْثِ وَالْإِثْمِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا تَقْسِيمُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ. وَخَطَأٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُوجَبُ الْقَتْلِ عَمْدًا، وَهُوَ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ وَنَحْوِهِ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ كَالْمُحَدَّدِ مِنْ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ وَاللِّيطَةِ وَالنَّارِ الْإِثْمُ وَالْقَوَدُ عَيْنًا) أَيْ الْقَتْلُ الْمَوْصُوفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُوجِبُ الْإِثْمَ وَالْقِصَاصَ مُتَعَيِّنًا أَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ كِتَابُ الْجِنَايَاتِ] (كِتَابُ الْجِنَايَات) مُنَاسَبَةُ الْجِنَايَاتِ بِالرَّهْنِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ هُوَ صِيَانَةُ الدَّيْنِ عَنْ التَّوَى وَالتَّلَفِ بِوَثِيقَةِ الرَّهْنِ فَكَذَا حُكْمُ الْجِنَايَةِ صِيَانَةُ النَّفْسِ عَنْ هَلَاكِهَا أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وَلَكِنْ قَدَّمَ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهَا مَحْظُورَةٌ؛ وَلِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّا لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ وَكُلُّ مَا لَيْسَ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ قَتْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ إلَخْ) أَيْ الْمُرَادُ الْقَتْلُ الَّذِي هُوَ جِنَايَةٌ، وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ، فَإِنَّ الْقَتْلَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَالْقَتْلِ رَجْمًا وَالْقَتْلِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا ثُمَّ الْقَتْلُ عِبَارَةٌ عَنْ إزْهَاقِ الرُّوحِ بِفِعْلِ شَخْصٍ، وَإِنْ كَانَ انْزِهَاقُ الرُّوحِ بِلَا فِعْلٍ مَخْلُوقٍ يُسَمَّى ذَلِكَ مَوْتًا. اهـ. (قَوْلُهُ هَذَا تَقْسِيمُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ) وَتَبِعَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي تَقْسِيمِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ اهـ. (قَوْلُهُ عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ وَخَطَأٍ) وَصَاحِبُ النَّافِعِ قَالَ الْقَتْلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ عَمْدٍ وَشِبْهٍ عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَالْقَتْلِ بِالتَّسْبِيبِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْخَطَأِ فَلَمْ يُفْرِدْ لَهُ نَوْعًا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ اهـ قُلْت وَلَعَلَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّوْعَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَهُمَا الْقَتْلُ بِسَبَبٍ وَمَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ بَيَانُ أَحْكَامِ الْقَتْلِ الَّذِي فِيهِ مُبَاشَرَةٌ وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ لَيْسَ فِيهِ مُبَاشَرَةٌ، وَأَمَّا مَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُبَاشَرَةٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْخَطَأِ لَمْ يَذْكُرْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ كَالْمُحَدَّدِ مِنْ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَالْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِالْحَدِيدِ كَالسِّكِّينِ وَالسَّيْفِ أَوْ مَا كَانَ كَالْحَدِيدِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حِدَةٌ يَبْضَعُ بَضْعًا أَوْ لَيْسَ لَهُ حِدَةٌ وَلَكِنْ يَرُضُّ رَضًّا كَالْعَمُودِ وَسَنْجَاةِ الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ طَعْنٌ بِالرُّمْحِ أَوْ الْإِبْرَةِ أَوْ الْأَشْفَى بَعْدَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَدِيدِ سَوَاءٌ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ أَوْ لَمْ يَكُنْ. لِأَنَّ الْحَدِيدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسِّلَاحِ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالْحَدِيدِ» وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْحَدِيدِ مِثْلَ الصُّفْرِ وَالرَّصَاصِ وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالنُّحَاسِ وَالْآنُكِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ بَضْعًا أَوْ رَضًّا وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْحَدِيدِ إنْ عَمِلَ عَمَلَ الْحَدِيدِ فَهُوَ عَمْدٌ وَإِلَّا فَلَا كَمَا إذَا أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ فَهُوَ عَمْدٌ؛ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَهُ؛ لِأَنَّهَا تَشُقُّ الْجِلْدَ وَكَذَلِكَ مَا لَهُ حَدٌّ يَعْمَلُ عَمَلَ السَّيْفِ كَالزُّجَاجِ وَلِيطَةِ الْقَصَبِ وَحَجَرٍ لَهُ حَدٌّ مِمَّا يَبْضَعُ بَضْعًا أَوْ يَطْعَنُ كَخَشَبٍ لَهُ حَدٌّ يَجْرَحُ فَهَذَا يَعْمَلُ عَمَلَ الْحَدِيدِ فَهُوَ عَمْدٌ إلَى هُنَا شَرْحُ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُ الْحَدِيدَ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ لَا يُشْتَرَطُ الْجُرْحُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ: ذَكَرَ فِي الشُّرُوطِ الْكَبِيرِ لِأَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الْعَمُودِ مِنْ الْحَدِيدِ لِأَنَّهُ لَا يَجْرَحُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا قَاسِمٌ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ: فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْعِبْرَةُ لِلْحَدِيدِ نَفْسِهِ سَوَاءٌ جَرَحَ أَوْ لَا وَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ الْعِبْرَةُ لِلْجُرْحِ نَفْسِهِ حَدِيدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ اهـ وَظَاهِرُ صَنِيعِ الزَّيْلَعِيِّ اخْتِيَارُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَجُلٌ ضَرَبَ رَجُلًا بِإِبْرَةٍ وَمَا أَشْبَهَهُ فَمَاتَ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ

اشْتِرَاطُ الْعَمْدِيَّةِ فَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَتَحَقَّقُ دُونَهَا وَلَا بُدَّ مِنْهَا لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْعُقُوبَةُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» الْحَدِيثَ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ السِّلَاحِ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى السِّلَاحِ؛ فَلِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ، وَهُوَ فِعْلُ الْقَلْبِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إذْ هُوَ أَمْرٌ مُبْطَنٌ فَأُقِيمَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ غَالِبًا مَقَامَهُ تَيْسِيرًا كَمَا أُقِيمَ السَّفَرُ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ. وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا مَقَامَ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَالْبُلُوغُ مَقَامَ اعْتِدَالِ الْعَقْلِ تَيْسِيرًا وَالْآلَةُ الْقَاتِلَةُ غَالِبًا هِيَ الْمُحَدَّدَةُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُعَدَّةُ لِلْقَتْلِ، وَمَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ، فَلَيْسَ بِمُعَدٍّ لَهُ حَتَّى لَوْ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ كَبِيرٍ أَوْ خَشَبَةٍ كَبِيرَةٍ أَوْ بِصَنْجَةِ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا يَجِيءُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَذَكَرَ قَاضِيخَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجُرْحَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُ الْحَدِيدَ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْمَأْثَمِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] الْآيَةَ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سِبَابُ الْمُؤْمِنِ فِسْقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِصَاصِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وقَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ الْعَمْدُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الدِّيَةَ فِي الْقَتْلِ خَطَأً بِقَوْلِهِ {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ»؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ قِصَاصًا نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ فَلَا يُشْرَعُ إلَّا إذَا تَنَاهَتْ الْجِنَايَةُ، وَلَا تَتَنَاهَى إلَّا بِالْعَمْدِ. لِأَنَّ الْخَطَأَ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَمْدِ، فَلَا يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ الْمُتَنَاهِيَةَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يُعْفَى) أَيْ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ فَيَسْقُطَ الْقِصَاصُ بِعَفْوِهِمْ، فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ إنْ كَانَ الْعَفْوُ بِغَيْرِ بَدَلٍ، وَإِنْ كَانَ بِبَدَلٍ يَجِبُ الْمَشْرُوطُ بِالصُّلْحِ لَا بِالْقَتْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيِّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِ الْوَلِيِّ وَفِي قَوْلٍ عَنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقَوَدُ عَيْنًا لَكِنْ لِلْوَلِيِّ حَقُّ الْعُدُولِ إلَى الْمَالِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْقَاتِلِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يَقْتُلَ وَإِمَّا أَنْ يُودِيَ» وَقَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا». وَهَذَا نَصٌّ عَلَى التَّخْيِيرِ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ شُرِعَ جَابِرًا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعُ جَبْرٍ فَيَتَخَيَّرُ فِي تَعْيِينِ الْوَاجِبِ كَالْكَفَّارَاتِ أَوْ فِي الْعُدُولِ إلَى الْمَالِ بَعْدَ الْوُجُوبِ كَالْمِثْلِيِّ الْمُنْقَطِعِ، فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى رِضَاهُ لِتَعَيُّنِهِ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ، وَهُوَ بِامْتِنَاعِهِ مُتَعَنِّتٌ وَمُلْقٍ نَفْسَهُ فِي التَّهْلُكَةِ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالْمُضْطَرِّ إذَا وَجَدَ مَالَ الْغَيْرِ، وَمَعَهُ ثَمَنُهُ، فَإِنَّهُ يَتَعَرَّضُ لَهُ شَرْعًا وَالْآدَمِيُّ قَدْ يَضْمَنُ بِالْمَالِ كَمَا فِي الْخَطَأِ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا، وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ الْعَمْدُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» لِلْجِنْسِ لِعَدَمِ الْعَهْدِ فَيَقْتَضِي أَنَّ جِنْسَ الْعَمْدِ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ لَا الْمَالِ وَمَنْ جَعَلَهُ مُوجِبًا لِلْمَالِ فَقَدْ زَادَ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِقَوْلِهِ الْعَمْدُ قَوَدٌ لَا مَالَ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ لَا يَصْلُحُ مُوجَبًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآدَمِيِّ صُورَةً وَمَعْنًى إذْ الْآدَمِيُّ خُلِقَ مُكَرَّمًا لِيَتَحَمَّلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلَ هَذَا لَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ عَادَةً هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْعُيُونِ فَقَتْلُ الْعَمْدِ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» أَيْ مُوجَبُ قَتْلِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَقَتْلُ الْعَمْدِ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى السِّلَاحِ كَالْآلَةِ الَّتِي تَقْطَعُ وَتَجْرَحُ كَلِيطَةِ قَصَبٍ وَحَجَرٍ لَهُ حِدَةٌ لِصِحَابِهَا وَعَمُودِ حَدِيدٍ وَسَنْجَةِ حَدِيدٍ الصَّحِيحُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا يَجْرَحُ اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ: عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِمَرٍّ فَقَتَلَهُ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَسَنَجَاتُ الْمِيزَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ الْجُرْحُ أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَةَ الْأَتْقَانِيِّ بِتَمَامِهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْكَنْزِ وَمَنْ قَتَلَهُ بِمَرٍّ فَارْجِعْ إلَيْهَا إنْ شِئْت وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ قَوْلُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا هُمَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وقَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [المائدة: 45] إلَى آخِرِ الْآيَةِ) وقَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وَشَرَائِعُ مَنْ قَبْلَنَا تَلْزَمُنَا عَلَى أَنَّهُ شَرِيعَةُ رَسُولِنَا مَا لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهَا وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَالسُّلْطَانُ الْقَتْلُ بِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِالْعَمْدِ، وَإِنْ كَانَتْ النُّصُوصُ مُطْلَقَةً؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا أَيْضًا جِنَايَةً مَحْضَةً، وَهُوَ الْعَمْدُ. وَهَذَا لِأَنَّ الْخَطَأَ فِيهِ مَعْنَى الْإِبَاحَةِ أَوْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» أَيْ حُكْمُ الْعَمْدِ قَوَدٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (فَرْعٌ) ثُمَّ إنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ بِأَنْ كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا مُخَاطَبًا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا وَالْمَقْتُولُ مَعْصُومُ الدَّمِ عِصْمَةً أَبَدِيَّةً وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا شُبْهَة مِلْكٍ وَلَا شُبْهَةَ الْوِلَادَةِ أَيْ لَا يَكُونُ وَلَدَهُ وَإِنْ سَفَلَ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَمْلُوكَهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ وَيَقْتَصُّ بِالسَّيْفِ وَلَا يُقْتَلُ بِمَا قَتَلَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْقِصَاصِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَلُ بِمَا قَتَلَ بِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يُعْفَى) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ مَتْنًا وَشَرْحًا أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا لَا وَلِيَّ لَهُ أَوْ حَرْبِيًّا جَاءَنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ يَنْظُرُ فِيهِمَا الْإِمَامُ فَأَيَّهُمَا رَأَى أَصْلَحَ فَعَلَ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ مَجَّانًا اهـ فَلْيُرَاجَعْ ذَلِكَ اهـ قَوْلُهُ أَوْ الدِّيَةُ أَيْ إذَا رَضِيَ بِهَا الْقَاتِلُ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْمِثْلِيِّ الْمُنْقَطِعِ) يَعْنِي إذَا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ مِثْلِيٌّ بِغَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فَإِنَّ الطَّالِبَ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ عَدَلَ إلَى الْقِيمَةِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ إلَى أَنْ يَجِيءَ الْمِثْلُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ وَمَا رَوَيْنَا)، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» اهـ

التَّكَالِيفَ وَيَشْتَغِلَ بِالطَّاعَةِ وَلِيَكُونَ خَلِيفَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ وَالْمَالُ خُلِقَ لِإِقَامَةِ مَصَالِحِهِ وَمُبْتَذَلًا لَهُ فِي حَوَائِجِهِ فَلَا يَصْلُحُ جَابِرًا وَقَائِمًا مَقَامَهُ وَالْقِصَاصُ يَصْلُحُ لِلتَّمَاثُلِ صُورَةً؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِقَتْلٍ وَكَذَا مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقَتْلِ الِانْتِقَامُ. وَالثَّانِي فِيهِ كَالْأَوَّلِ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ قِصَاصًا وَبِهِ يَحْصُلُ مَنْفَعَةُ الْإِحْيَاءِ لِكَوْنِهِ زَاجِرًا لَا يَأْخُذُ الْمَالَ فَتَعَيَّنَ مُوجَبًا لَا الْمَالَ؛ وَلِهَذَا يُضَافُ مَا وَجَبَ مِنْ الْمَالِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ إلَى الصُّلْحِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا»، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا مُوجِبًا لِلْمَالِ لَمَا أَضَافَهُ إلَى الصُّلْحِ، وَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِهِ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا يُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِيهِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَفِي الصُّلْحِ مَا يُمْكِنُ فِي النَّفْسِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ يَسْتَقِيمُ، وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْوَلِيِّ عِنْدَ إعْطَاءِ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ وَتَخْيِيرُهُ لَا يُنَافِي رِضَا الْآخَرِ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ. وَهَذَا كَمَا يُقَالُ لِلدَّائِنِ خُذْ بِدَيْنِك إنْ شِئْت دَرَاهِمَ، وَإِنْ شِئْت دَنَانِيرَ، وَإِنْ شِئْت عُرُوضًا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ غَيْرَ حَقِّهِ إلَّا بِرِضَا الْمَدِينِ، وَهَذَا سَائِغٌ فِي الْكَلَامِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِكِ» أَيْ لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك عِنْدَ الْمُضِيِّ فِي الْعَقْدِ وَلَا تَأْخُذْ إلَّا رَأْسَ مَالِكِ عِنْدَ التَّفَاسُخِ فَخَيَّرَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا، فَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ ذَلِكَ أَوْ احْتَمَلَهُ لَا تَبْقَى حُجَّةٌ لَهُ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ كَانَ الْقِصَاصُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَمْ تَكُنْ الدِّيَةُ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] إلَى قَوْلِهِ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] وَالْعَفْوُ فِي أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ مِمَّا كَانَ كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. فَأَخْبَرَ أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ تَكُنْ فِيهِمْ دِيَةٌ أَيْ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ أَخْذُهُ عِوَضًا عَنْ الدَّمِ أَوْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى يَسْفِكُوا الدِّمَاءَ فَخَفَّفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَنَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الْآيَةَ وَنَبَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ بَلْ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ الَّتِي أُبِيحَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَجَعَلَ لَهُمْ أَخْذَهَا إذَا أُعْطُوهَا» وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ عَمَّتَهُ الرُّبَيِّعُ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ اخْتَصَمُوا إلَيْهِ كِتَابُ اللَّهُ الْقِصَاصُ» وَلَمْ يُخَيِّرْ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ وَاجِبًا بِهِ لَخَيَّرَ إذْ مَنْ وَجَبَ لَهُ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ عَلَى الْخِيَارِ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِأَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا. وَإِنَّمَا يُحْكَمُ لَهُ بِأَنْ يَخْتَارَ أَيُّهُمَا شَاءَ وَاَلَّذِي يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ الْقِصَاصَ صَحَّ عَفْوُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ لَمَا صَحَّ عَفْوُهُ قَبْلَ تَعَيُّنِهِ بِاخْتِيَارِهِ إذْ الْعَفْوُ عَنْ الشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ بَاطِلٌ فَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ هُوَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ لَا يَنْفَرِدُ الْوَلِيُّ بِالْعُدُولِ عَنْهُ إلَى الْمَالِ بَدَلًا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَلَا يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ بِمَالٍ آخَرَ غَيْرِ الدِّيَةِ كَالدَّارِ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ لَا يُجْبَرُ الْقَاتِلُ عَلَى الدَّفْعِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إحْيَاءُ نَفْسِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُضْطَرَّ الَّذِي ذَكَرَهُ يُجْبَرُ عَلَى الشِّرَاءِ بِحَيْثُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَإِنَّمَا نَقُولُ يَأْثَمُ إذَا تَرَكَ الشِّرَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَمَاتَ وَكَذَا نَقُولُ هُنَا أَيْضًا يَأْثَمُ إذَا لَمْ تَخْلُصْ نَفْسُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ وَالْآدَمِيُّ قَدْ يَضْمَنُ بِالْمَالِ كَمَا فِي الْخَطَأِ قُلْنَا وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي الْخَطَأِ ضَرُورَةُ صَوْنِ الدَّمِ عَنْ الْإِهْدَارِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِثْلٌ لَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْعُقُوبَةُ، وَهُوَ الْقِصَاصُ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ صِيرَ إلَيْهِ لِصَوْنِ الدَّمِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَخَاطَأَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، وَأَدَّى إلَى الْتَفَّانِي؛ وَلِأَنَّ النَّفْسَ مُحْتَرَمَةٌ فَلَا تَسْقُطُ حُرْمَتُهَا بِعُذْرِ التَّخَاطُؤِ كَمَا فِي الْمَالِ فَيَجِبُ الْمَالُ صِيَانَةً لَهَا عَنْ الْإِهْدَارِ وَلَا يُقَالُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَالَ وَلَا الْعُدُولَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْجَانِي أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَيَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءُ فَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ الشَّلَّاءَ وَكَذَا لَوْ عَفَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ بَطَلَ حَقُّ الْبَاقِينَ فِي الْقِصَاصِ. وَوَجَبَ لَهُمْ الدِّيَةُ وَلَوْلَا أَنَّهُ وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ لَمَا وَجَبَ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِمْ كَامِلًا وَكَلَامُنَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَلْزَمُنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْكَفَّارَةُ) أَيْ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ اعْتِبَارًا بِالْخَطَأِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِمَحْوِ الْإِثْمِ، وَهُوَ فِي الْعَمْدِ أَكْبَرُ، فَكَانَ أَدْعَى إلَى إيجَابِهَا وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الْكَفَّارَةُ) وَلَوْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ نِصْفِ الْقِصَاصِ يَسْقُطُ الْكُلُّ وَلَا يَنْقَلِبُ الْبَاقِي مَالًا. اهـ. قُنْيَةٌ

بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبْيِهَا أَيْضًا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِتَعَلُّقِ الْعِبَادَةِ بِالْمُبَاحِ وَالْعُقُوبَةِ بِالْمَحْظُورِ، وَقَتْلُ الْعَمْدِ كَبِيرَةٌ مَحْضٌ فَلَا تُنَاطُ بِهِ كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ مِثْلِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالرِّبَا. وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَى الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ فِي الْإِثْمِ فَشَرْعُهُ لِدَفْعِ الْأَدْنَى لَا يَدُلُّ عَلَى دَفْعِ الْأَعْلَى؛ وَلِأَنَّ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ وَعِيدًا مُحْكَمًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ مَعَ وُجُودِ التَّشْدِيدِ فِي الْوَعِيدِ بِنَصٍّ قَاطِعٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَمَنْ ادَّعَى غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ تَحَكُّمًا مِنْهُ بِلَا دَلِيلٍ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ؛ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] الْآيَةَ كُلُّ مُوجِبَةٍ هُوَ مَذْكُورٌ فِي سِيَاقِ الْجَزَاءِ لِلشَّرْطِ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ نَسْخًا وَلَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشِبْهُهُ، وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ، الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ وَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْقَوَدُ) أَيْ مُوجَبُ الْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَقَوْلُهُ، وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ أَيْ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ فِي الْعَمْدِ، وَاَلَّذِي ذُكِرَ فِي الْعَمْدِ هُوَ الْمُحَدَّدُ وَغَيْرُهُ هُوَ الَّذِي لَا حَدَّ لَهُ مِنْ الْآلَةِ كَالْحَجَرِ وَالْعَصَا وَكُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا إذَا ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ عَظِيمٍ أَوْ بِخَشَبَةٍ عَظِيمَةٍ فَهُوَ عَمْدٌ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ بِهِ غَالِبًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ بِشِبْهِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَصْدَ الْفِعْلِ لَا الْقَتْلَ، فَكَانَ عَمْدًا بِاعْتِبَارِ نَفْسِ الْفِعْلِ وَخَطَأً بِاعْتِبَارِ الْقَتْلِ. لَهُمْ أَنَّ مَعْنَى الْعَمْدِيَّةِ يَتَقَاصَرُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةٍ لَا تَقْتُلُ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ التَّأْدِيبُ أَوْ إتْلَافَ الْعُضْوِ لَا الْقَتْلُ، فَكَانَ شِبْهَ عَمْدٍ وَلَا يَتَقَاصَرُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةٍ لَا تَلْبَثُ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ الْقَتْلُ كَالسَّيْفِ، فَكَانَ عَمْدًا فَيَجِبُ الْقَوَدُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ رَأْسَ يَهُودِيٍّ رَضَّ رَأْسَ صَبِيٍّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ وَكَذَا قَتَلَ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَتَلَتْ امْرَأَةً بِمِسْطَحٍ، وَهُوَ عَمُودُ الْفُسْطَاطِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ وَفِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» وَبِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْعَصَا الْكَبِيرَةَ وَالْكَلَامُ فِي مِثْلِهَا؛ وَلِأَنَّ قَصْدَ الْقَتْلِ أَمْرٌ مُبْطَنٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِدَلِيلِهِ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ الْمَوْضُوعَةِ لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهَذِهِ الْآلَةُ لَا تَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى قَصْدِ الْقَتْلِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لَهُ وَلَا مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ إذْ لَا يُمْكِنُ الْقَتْلُ بِهَا عَلَى غَفْلَةٍ مِنْهُ وَلَا يَقَعُ الْقَتْلُ بِهَا غَالِبًا فَقُصِرَتْ الْعَمْدِيَّةُ لِذَلِكَ فَصَارَ كَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَهُوَ الْآلَةُ الْمُحَدَّدَةُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الصَّغِيرِ مِنْهَا وَالْكَبِيرِ. لِأَنَّ الْكُلَّ صَالِحٌ لِلْقَتْلِ بِتَخْرِيبِ الْبِنْيَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَكَذَا مَا لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ بَيْنَ الصَّغِيرِ مِنْهُ وَالْكَبِيرِ حَتَّى لَا يُوجِبُ الْكُلُّ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَدٍّ لِلْقَتْلِ وَلَا صَالِحٍ لَهُ لِعَدَمِ نَقْصِ الْبِنْيَةِ ظَاهِرًا، فَكَانَ فِي قَصْدِهِ الْقَتْلَ شَكٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ قُصُورٍ وَالْقِصَاصُ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَلَا يَجِبُ مَعَ الشَّكِّ وَمَا رَوَوْهُ مِنْ رَضِّ الْيَهُودِيِّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلِمَ أَنَّ الْيَهُودِيَّ كَانَ قَاطِعَ الطَّرِيقِ فَإِنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلَ بِعَصَا أَوْ بِسَوْطٍ أَوْ غَيْرِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُقْتَلُ بِهِ حَدًّا أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ جَعَلَهُ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَقَتَلَهُ حَدًّا كَمَا يُقْتَلُ قَاطِعُ الطَّرِيقِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْمَرْأَةِ فَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ فَضِيلَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ ضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ فَقَتَلَتْهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّيَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ وَقَضَى فِيمَا فِي بَطْنِهَا بِغُرَّةٍ. فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ أُغَرَّمُ مَنْ لَا طَعِمَ وَلَا شَرِبَ وَلَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْأَعْرَابِيِّ» وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا رَوَوْهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الرَّاوِيَ لِذَلِكَ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى زَعْمِهِمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا «قَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ كُنْت بَيْنَ بَيْتَيْ امْرَأَتَيْنِ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمِسْطَحٍ فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشِبْهِهِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْأَصْلِ شِبْهُ الْعَمْدِ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ فِي الْعَصَا أَوْ السَّوْطِ أَوْ الْحَجَرِ أَوْ الْيَدِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا بِعَصًا فَقَتَلَهُ إنَّ ذَلِكَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَكَذَا لَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَشَجَّهُ وَكَذَا لَوْ ضَرَبَهُ بِصَخْرَةٍ أَوْ عُودٍ وَكَذَا لَوْ وَكَزَهُ أَوْ وَجَأَهُ فَمَاتَ مِنْ وَجْأَتِهِ أَيْ عَضَّهُ فَمَاتَ مِنْ عَضَّتِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فِي الْإِبِلِ إذَا فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِيهَا فَأَمَّا غَيْرُ الْإِبِلِ فَلَا يُغَلَّظُ فِيهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا يَجْرِي مَجْرَى السِّلَاحِ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِآلَةٍ لَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهَا فِي الْغَالِبِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ فَهُوَ أَنْ يَضْرِبَ بِشَيْءٍ الْغَالِبُ فِيهِ الْهَلَاكُ كَمِدَقَّةِ الْقَصَّارِينَ وَالْحَجَرِ الْكَبِيرِ وَالْعَصَا الْكَبِيرَةِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا قَتَلَهُ بِهِ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ عَمْدٌ فَأَمَّا إذَا تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِعَصًا صَغِيرَةٍ أَوْ بِحَجَرٍ صَغِيرٍ أَوْ بِلِيطَةٍ وَكَانَ مَا لَا يَكُونُ الْغَالِبُ فِيهِ الْهَلَاكُ كَالسَّوْطِ وَنَحْوِهِ فَهَذَا شِبْهُ الْعَمْدِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِذَا تَابَعَ الضَّرْبَ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ عَمْدٌ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ) سَيَجِيءُ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا يَقْتَصُّ بِالسَّيْفِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ يُقْتَلُ بِأَيٍّ شَيْءٍ رَآهُ الْإِمَامُ اهـ (قَوْلُهُ فَضِيلَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخٍ بِالْفَاءِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ نُضَيْلَةَ فَلْيُحَرَّرْ اهـ (قَوْلُهُ كَسَجْعِ الْأَعْرَابِيِّ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْأَعْرَابِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ

جَنِينِهَا بِغُرَّةٍ وَأَنْ تُقْتَلَ بِهَا» هَكَذَا رَوَوْهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَوَرِثَهَا وَلَدُهَا فَقَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ»، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ. فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِحَّ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ، ثُمَّ لَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَبَيْنَ أَنْ يُوَالِيَ عَلَيْهِ ضَرَبَاتٍ حَتَّى مَاتَ كُلُّ ذَلِكَ شِبْهُ عَمْدٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْمُوَالَاةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ عَمْدًا بِهَا فَيُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَلَوْ أَلْقَاهُ مِنْ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ غُرْفَةٍ فِي الْمَاءِ أَوْ خَنَقَهُ حَتَّى مَاتَ كُلُّ ذَلِكَ شِبْهُ عَمْدٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَمْدٌ، وَإِنَّمَا كَانَ إثْمًا يُشْبِهُ الْعَمْدَ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مُحَرَّمَ دِينِهِ قَاصِدًا لَهُ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ عَلَى الْخَطَأِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْإِيضَاحِ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ وَجَدْت فِي كُتُبِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنْ لَا كَفَّارَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ الْإِثْمَ كَامِلٌ مُتَنَاهٍ وَتَنَاهَيْهِ يَمْنَعُ شَرْعِيَّةَ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّخْفِيفِ وَجَوَابُهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنْ نَقُولَ إنَّهُ آثِمٌ إثْمَ الضَّرْبِ. ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَهُ لَا إثْمَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِالْقَتْلِ، وَهُوَ فِيهِ مُخْطِئٌ وَلَا تَجِبُ بِالضَّرْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِالضَّرْبِ بِدُونِ الْقَتْلِ وَبِعَكْسِهِ تَجِبُ فَكَذَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى الْقَتْلِ دُونَ الضَّرْبِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ بِهِ، فَلِمَا رَوَيْنَا، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَيَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ لِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْخَطَأِ وَلِهَذَا أَوْجَبَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقَتْلِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ كَالْخَطَأِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْمُجَازَاةِ لِوُجُودِ الْقَصْدِ مِنْهُ إلَى الْفِعْلِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَالْخَطَأِ إلَّا فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَصِفَةِ التَّغْلِيظِ فِي الدِّيَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَطَأُ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَة) أَيْ مُوجَبُ قَتْلِ الْخَطَأِ وَمُوجَبُ مَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَوْلُهُ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخَصًا إلَخْ تَفْسِيرٌ لِنَفْسِ الْخَطَأِ، فَإِنَّهُ عَلَى نَوْعَيْنِ: خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّوْعَيْنِ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ تَفْسِيرٌ لِلْخَطَأِ فِي الْقَصْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ فِي الْفِعْلِ حَيْثُ أَصَابَ مَا قَصَدَ رَمْيَهُ، وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِي الْقَصْدِ أَيْ فِي الظَّنِّ حَيْثُ ظَنَّ الْحَرْبِيَّ مُسْلِمًا وَالْآدَمِيَّ صَيْدًا، وَقَوْلُهُ أَوْ غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا أَيْ أَوْ رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا، وَهَذَا بَيَانٌ لِلْخَطَأِ فِي الْفِعْلِ دُونَ الْقَصْدِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا إذَا اخْتَلَفَ الْمَحَلُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَمَّدَ بِالضَّرْبِ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ فَأَصَابَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْهُ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَمْ يَخْتَلِفْ لِوُجُودِ قَصْدِ الْفِعْلِ مِنْهُ وَالْقَتْلِ إذْ جَمِيعُ الْبَدَنِ مِنْهُ كَمَحَلِّ وَاحِدٍ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ فَلَا يُعْذَرُ، وَإِنَّمَا صَارَ الْخَطَأُ نَوْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَصَرَّفُ بِفِعْلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ فَيَتَحَمَّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخَطَأَ عَلَى الِانْفِرَادِ كَمَا ذَكَرَ أَوْ عَلَى الِاجْتِمَاعِ بِأَنْ رَمَى آدَمِيًّا يَظُنُّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ مِنْ النَّاسِ، وَقَوْلُهُ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى رَجُلٍ بَيَانٌ لِمَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخَطَأٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ قَصْدِ النَّائِمِ إلَى شَيْءٍ حَتَّى يَصِيرَ مُخْطِئًا لِمَقْصُودِهِ وَلَمَّا وُجِدَ فِعْلُهُ حَقِيقَةً وَجَبَ عَلَيْهِ مَا أَتْلَفَهُ كَفِعْلِ الطِّفْلِ فَجُعِلَ كَالْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَالْمُخْطِئِ، وَإِنَّمَا كَانَ حُكْمُ الْمُخْطِئِ مَا ذَكَرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَقَدْ قَضَى بِهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَصَارَ إجْمَاعًا وَقَدْرُ الدِّيَةِ وَصِفَتُهَا وَمَا يَجُوزُ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ نَذْكُرُهُ فِي الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَتْلِ لَا يَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إثْمَ تَرْكِ التَّحَرُّزِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّثَبُّتِ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْمُبَاحَةَ لَا تَجُوزُ مُبَاشَرَتُهَا إلَّا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا فَإِذَا آذَى أَحَدًا فَقَدْ تَحَقَّقَ تَرْكُ التَّحَرُّزِ فَيَأْثَمُ وَلَفْظَةُ الْكَفَّارَةِ تُنْبِئ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا سِتَارَةٌ وَلَا سِتْرَ بِدُونِ الْإِثْمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَحَافِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ غَرَّقَهُ فِي الْمَاءِ أَوْ خَنَقَهُ) سَيَأْتِي حُكْمُ الْخَنْقِ وَالتَّغْرِيقِ فِي الْمَتْنِ فِي الْبَابِ الْآتِي وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ طَرَحَهُ فِي بِئْرٍ أَوْ مِنْ ظَهْرِ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِحَيْثُ يُقْتَلُ غَالِبًا يَجِب الْقِصَاصُ وَيَكُونُ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْتَلُ غَالِبًا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَيَكُونُ خَطَأَ الْعَمْدِ اهـ. (فَرْعٌ) فِي مَسْأَلَةِ السُّمِّ وَلَوْ سَقَاهُ سُمًّا حَتَّى مَاتَ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ دَفَعَ إلَيْهِ السُّمَّ حَتَّى أَكَلَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَمَاتَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الدِّيَةُ وَيُحْبَسُ وَيُعَزَّرُ، وَلَوْ أَوْجَرَهُ إيجَارًا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ دُفِعَ إلَيْهِ فِي شُرْبِهِ فَشَرِبَ وَمَاتَ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ بِاخْتِيَارِهِ إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ خُدْعَةٌ فَلَا يَجِبُ إلَّا التَّعْزِيرُ وَالِاسْتِغْفَارُ. اهـ. قَاضِيخَانْ وَفِي الْمُجَرَّدِ لَوْ قَمَطَ رَجُلًا وَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ فَرَسَبَ وَغَرِقَ كَمَا أَلْقَاهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ سَبَحَ سَاعَةً ثُمَّ غَرِقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَرِقَ بِعَجْزِهِ وَفِي الْأَوَّلِ بِطَرْحِهِ فِي الْمَاءِ اهـ قَاضِيخَانْ قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الدِّيَةُ أَيْ وَيَرِثُهُ. اهـ. ظَهِيرِيَّةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْخَطَأِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَأَمَّا قَتْلُ الْخَطَأِ فَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ مُبَاحًا فَيُصِيبُ مَحْظُورًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَمَّدَ بِالضَّرْبِ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ إلَخْ) فِي الذَّخِيرَةِ قَصَدَ أَنْ يَضْرِبَ يَدَ رَجُلٍ فَأَصَابَ عُنُقَهُ فَهُوَ عَمْدٌ، وَفِيهِ الْقَوَدُ، وَلَوْ أَصَابَ عُنُقَ غَيْرِهِ فَهُوَ خَطَأٌ قَالَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَصْدَ الْقَتْلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِكَوْنِهِ عَمْدًا. اهـ. كَاكِيٌّ

[باب ما يوجب القود وما لا يوجبه]

الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْكَفَّارَةُ) أَيْ مُوجَبُ الْقَتْلِ بِسَبَبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْكَفَّارَةِ أَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ بِهِ فَلِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالْحَفْرِ فَجُعِلَ كَالدَّافِعِ لِلْمُلْقَى فِيهِ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ صِيَانَةً لِلْأَنْفُسِ فَتَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِهَذَا الطَّرِيقِ دُونَ الْقَتْلِ بِالْخَطَأِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا عَنْهُ كَمَا فِي الْخَطَأِ بَلْ أَوْلَى لِعَدَمِ الْقَتْلِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً؛ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكُلُّ يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إلَّا هَذَا) أَيْ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إلَّا الْقَتْلَ بِسَبَبٍ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ كَمَا لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ مُلْحَقٌ بِالْخَطَأِ فِي أَحْكَامِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشِبْهُ الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ عَمْدٌ فِيمَا سِوَاهَا)؛ لِأَنَّ إتْلَافَ مَا دُونَ النَّفْسِ لَا يَخْتَصُّ بِآلَةٍ دُونَ آلَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ شِبْهُ الْعَمْدِ بِخِلَافِ النَّفْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ عَمَّتَهُ الرُّبَيِّعُ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَطَلَبُوا إلَيْهِمْ الْعَفْوَ فَأَبَوْا وَالْأَرْشَ فَأَبَوْا إلَّا الْقِصَاصَ فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِصَاصِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ قَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَنَّا عَلِمْنَا أَنَّ اللَّطْمَةَ لَوْ أَتَتْ عَلَى النَّفْسِ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَرَأَيْنَاهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَدْ أَوْجَبَتْهُ بِحُكْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ فِي النَّفْسِ شِبْهَ عَمْدٍ هُوَ عَمْدٌ فِيمَا دُونَهَا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شِبْهُ عَمْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ عَمْدًا) لِمَا بَيَّنَّا وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ لِتَنْتَفِي شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَيَسْتَدْعِي الْكَمَالَ فِي الْجِنَايَةِ، فَلَا يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ الْمُسْتَأْمِنِ؛ لِأَنَّ دَمَهُ غَيْرُ مَحْقُونٍ عَلَى التَّأْبِيدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَبِالْعَبْدِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] فَهَذَا يَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْمُقَابَلَةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا إذْ الْحُرُّ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ مَمْلُوكٌ وَالْمَالِكِيَّةُ أَمَارَةُ الْقُدْرَةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ لَطَمْتُ جَارِيَةً) أَيْ مِنْ الْأَنْصَارِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ) أَيْ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ اهـ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي أَوَّلِ بَابِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. اهـ. [بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ] (بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ) لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْقَتْلِ: وَهِيَ خَمْسَةٌ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْعَمْدُ وَقَدْ يُوجِبُ الْعَمْدُ الْقِصَاصَ وَقَدْ لَا يُوجِبُهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ الْقِصَاصِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] السُّلْطَانُ الْقَتْلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] وَقَالَ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وَقَالَ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَلَا يُقَالُ يَرِدُ قَتْلُ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا إشْكَالًا عَلَى الْكُلِّيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مُوجَبُ ذَلِكَ الْقِصَاصُ أَيْضًا وَلَكِنْ سَقَطَ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ، وَذَلِكَ عَارِضٌ وَالْكَلَامُ فِي الْأُصُولِ لَا فِي الْعَوَارِضِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الِابْنُ شَهِيدًا، وَإِنْ كَانَ تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ مَالًا لِلشُّبْهَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ كَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَحْقُونِ الدَّم حَقْنُ الدَّمِ مَنْعُهُ مِنْ أَنْ يُسْفَكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَبِالْعَبْدِ) قَالَ قَاضِيخَانْ: عَبْدٌ قُتِلَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَيَكُونُ الِاسْتِيفَاءُ إلَى الْمَوْلَى وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَوَلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ لَهُمْ جَمِيعًا لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمْ بِهِ فَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمْ يَنْقَلِبُ حَقُّ الْبَاقِينَ مَالًا إلَى الْقِيمَةِ كَمَا يَنْقَلِبُ فِي الْحُرِّ إلَى الدِّيَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَتْلِ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى وَالْأُنْثَى بِالذَّكَرِ وَعَلَى قَتْلِ الْعَبْدِ بِالْحُرِّ وَذَلِكَ عِنْدَنَا بِقَوْلِهِ وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَالسُّلْطَانُ الْقَوَدُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ. فَرْعٌ قَالَ فِي الْمَنَارِ وَالْقِصَاصُ لَا يُضْمَنُ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا يَعْنِي مَنْ قَتَلَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَا يَضْمَنُ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ عِنْدَنَا وَيَضْمَنُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ اهـ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي لِلسِّرَاجِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِأَنَّ قَاتِلَ الْقَاتِلِ لَا يَضْمَنُ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ لِوَلِيِّ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ إنْ خَطَأً وَيُقْتَصُّ مِنْهُ إنْ كَانَ عَمْدًا كَذَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْعِصْمَةِ)؛ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ نَفْسًا مَعْصُومَةً عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ اهـ

أَمَارَةُ الْعَجْزِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] فَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا. ؛ وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ وَالرِّقَّ مَوْتٌ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى مُعْتِقِهِ بِالْوَلَاءِ حَتَّى يَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْيَاهُ بِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ طَرَفُ الْحُرِّ بِطَرَفِ الْعَبْدِ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّ الطَّرَفَ أَهْوَنُ وَأَقَلُّ حُرْمَةً لِكَوْنِهِ تَبَعًا لِلنَّفْسِ، فَلَأَنْ لَا يَجِبَ فِي النَّفْسِ، وَهِيَ أَعْظَمُ حُرْمَةً أَوْلَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ تَفَاوُتٌ إلَى نُقْصَانٍ فَلَا يَمْتَنِعُ كَمَا فِي الْمُسْلَمِ وَالْمُسْتَأْمِنِ؛ وَلِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ فَيُوجِبُ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ كَحَقِيقَةِ الْكُفْرِ، فَصَارَ كَالْمُسْتَأْمِنِ وَلَنَا الْعُمُومَاتُ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وقَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَلَا يُعَارَضُ بِمَا تَلَا؛ لِأَنَّ فِيهِ مُقَابَلَةً مُقَيَّدَةً. وَفِيمَا تَلَوْنَا مُقَابَلَةٌ مُطْلَقَةٌ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَلَى أَنَّ مُقَابَلَةَ الْحُرِّ بِالْحُرِّ لَا تُنَافِي مُقَابَلَةَ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا ذِكْرُ بَعْضِ مَا شَمَلَهُ الْعُمُومُ عَلَى مُوَافَقَةِ حُكْمِهِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ مَا بَقِيَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَابَلَ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى وَالذَّكَرَ بِالذَّكَرِ ثُمَّ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مُقَابَلَةُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى وَكَذَا لَا يَمْنَعُ مُقَابَلَةُ الْعَبْدَ بِالْحُرِّ حَتَّى يُقْتَلُ بِهِ الْعَبْدُ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَذَا بِالْعَكْسِ إذْ لَوْ مُنِعَ ذَلِكَ لَمُنِعَ الْعَكْسُ أَيْضًا وَفِي مُقَابَلَةِ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى دَلِيلٌ عَلَى جَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ فِي الْآيَةِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَتْ بَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ مُقَاتَلَةٌ، فَكَانَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أَقَلَّ مِنْهُمْ عَدَدًا، وَكَانَتْ بَنُو النَّضِيرِ أَشْرَفَ عِنْدَهُمْ فَتَوَاضَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ بِمُقَابَلَةِ الْحُرِّ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالْأُنْثَى مِنْهُمْ بِمُقَابَلَةِ الذَّكَرِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ رَدًّا عَلَيْهِمْ وَبَيَانًا أَنَّ الْجِنْسَ يُقْتَلُ بِجِنْسِهِ عَلَى خِلَافِ مُوَاضَعَتِهِمْ مِنْ الْقَبِيلَتَيْنِ جَمِيعًا، فَكَانَتْ اللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ لَا لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ. وَلِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْعِصْمَةِ إذْ هِيَ بِالدِّينِ عِنْدَهُ وَبِالدَّارِ عِنْدَنَا، وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَتَحْقِيقًا لِمَعْنَى الزَّجْرِ وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الْمُسَاوَاةُ فِي غَيْرِ الْعِصْمَةِ لَمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْقِصَاصُ يَجِبُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آدَمِيٌّ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْمِلْكِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بَلْ هُوَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَكَذَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَلَوْ كَانَ مَالًا لَمَا قُتِلَ وَكَذَا عَجْزُهُ وَمَوْتُهُ وَبَقَاءُ أَثَرِ كُفْرِهِ حُكْمِيٌّ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي سُقُوطِ الْعِصْمَةِ، وَلَا يُورِثُ شُبْهَةً، وَلَوْ أَوْرَثَ شُبْهَةً لَمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَ الْعَبِيدِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْجُزْءِ الْمُبَانِ بَعْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِصْمَةِ؛ وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ، وَفِي النَّفْسِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ حَتَّى يُقْتَلُ الصَّحِيحُ بِالزَّمِنِ وَبِالْمَفْلُوجِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ أَطْرَافِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ إلَّا فِي الْعِصْمَةِ فَأَظْهَرْنَا أَثَرَ الرِّقِّ فِيهَا دُونَ النَّفْسِ لِمَا أَنَّ الْعَبْدَ مِنْ حَيْثُ النَّفْسُ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ خُلِقَ مَعْصُومًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُقْتَلُ بِهِ لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ «جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْت عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِلْمٌ غَيْرُ الْقُرْآنِ قَالَ وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِوَى الْقُرْآنِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قُلْت وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادُ قَالَ: «انْطَلَقْت أَنَا وَالْأَشْتَرُ إلَى عَلِيٍّ فَقُلْنَا هَلْ عَهِدَ إلَيْك رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهْدًا لَمْ يَعْهَدْهُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً قَالَ لَا إلَّا مَا كَانَ فِي كِتَابِي هَذَا فَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ فَإِذَا فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» الْحَدِيثَ؛ وَلِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20]؛ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ يُوجِبُ النُّقْصَانَ وَالْكَافِرُ كَالْمَيِّتِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمَيِّتِ مِنْ وَجْهٍ، وَبَيْنَ الْحَيِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ حَيْثُ يُقْتَلُ بِهِ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ وَقْتَ الْقَتْلِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ؛ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ فِي الْجُمْلَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً كَالْمِلْكِ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ هُوَ يُورِثُ شُبْهَةً فِي الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ حَتَّى لَا يُحَدُّ إذَا وَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا مِنْ الْكِتَابِ وَمَا رَوَيْنَا مِنْ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُهُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَتَّى يُقْتَلُ الصَّحِيحُ بِالزَّمِنِ وَبِالْمَفْلُوجِ) أَيْ وَالْبَصِيرُ بِالْأَعْمَى وَالْعَالِمُ بِالْجَاهِلِ وَالشَّرِيفُ بِالْخَامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ الذِّمِّيِّ الَّذِي يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ غَيْرِ ذِمِّيٍّ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمِنًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ عَهْدٌ أَوْ مِيثَاقٌ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ دَارِ الْحَرْبِ لَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ جُحَيْفَةَ) كَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَكَذَا هُوَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي بِخَطِّ شَمْسِ الدِّينِ الزَّرَاتِيتِيِّ الْمُقَابَلَةِ عَلَى نُسْخَةِ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ عَلَى وَفْقَ الصَّوَابِ الْأَتْقَانِيُّ وَأَبُو جُحَيْفَةَ هَذَا هُوَ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّوَائِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الْكُنَى وَذَكَرَهُ بِكُنْيَتِهِ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَقَدْ قَلَّدَ الْعَيْنِيُّ الشَّارِحَ فَقَالَ لَمَّا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ جُحَيْفَةَ وَالصَّوَابُ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ «أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْت عَلِيًّا هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» اهـ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْقَيْسِيِّ الضُّبَعِيِّ اهـ إصَابَةٌ (قَوْلُهُ حَيْثُ يُقْتَلُ بِهِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ اهـ

الْمُسْلِمِينَ قَدْ قَتَلَ مُعَاهِدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ عُنُقُهُ. وَقَالَ أَنَا أَوْلَى مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ» ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْعَبْدِ وَقَدْ وُجِدَتْ نَظَرًا إلَى الدَّارِ، وَإِلَى التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ الْقُدْرَةُ عَلَى مَا كُلِّفَ بِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ مَا كُلِّفَ بِهِ إلَّا بِدَفْعِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ عَنْهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مُحَرَّمَ التَّعَرُّضِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ بِنَفْسِهِ بَلْ بِوَاسِطَةِ الْحِرَابِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَا يُقَاتِلُ مِنْهُمْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ كَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالذَّرَارِيِّ، وَقَدْ انْدَفَعَ الْقَتْلُ عَنْهُمْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ، فَكَانَ مَعْصُومًا بِلَا شُبْهَةٍ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ، وَلَوْ كَانَ فِي عِصْمَتِهِ خَلَلٌ لَمَا قُتِلَ الذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ كَمَا لَا يُقْتَلُ الْمُسْتَأْمِنُ بِالْمُسْتَأْمِنِ وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ مَعْصُومَةً بِلَا شُبْهَةٍ كَالْمُسْلِمِ؛ وَلِهَذَا يُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِسَرِقَةِ مَالِ الذِّمِّيِّ، وَلَوْ كَانَ فِي عِصْمَتِهِ شُبْهَةٌ لَمَا قُطِعَ كَمَا لَا يُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ مَالِ الْمُسْتَأْمِنِ. ؛ لِأَنَّ الْمَالَ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ وَأَمْرُ الْمَالِ أَهْوَنُ مِنْ النَّفْسِ فَلَمَّا قُطِعَ بِسَرِقَتِهِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُقْتَلَ بِقَتْلِهِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ مَوْلَاهُ وَيُقْتَلُ بِقَتْلِ مَوْلَاهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ قَتَلَ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ قُتِلَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا قَتْلُ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ فَلَوْلَا أَنَّ الْمُسْلِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِقَتْلِ الذِّمِّيِّ ابْتِدَاءً لَمَا دَامَ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْبَقَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا مُعْتَبَرَةٌ بِالِابْتِدَاءِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُسْلِمًا لَوْ جَرَحَ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَبِعَكْسِهِ لَوْ جَرَحَ مُرْتَدٌّ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِمَا ذَكَرْنَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرِ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» أَيْ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ. وَلِهَذَا عَطَفَ {ذُو الْعَهْدِ}، وَهُوَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْمُسْلِمِ تَقْدِيرُهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَا ذُو عَهْدٍ بِكَافِرٍ حَرْبِي؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا قَتَلَ ذِمِّيًّا قُتِلَ بِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَرْبِيُّ إذْ هُوَ لَا يُقْتَلُ بِهِ مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ وَلَا يُقَالُ مَعْنَاهُ لَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ مُطْلَقًا أَيْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ فَيَكُونُ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ " ذُو عَهْدٍ " مُفْرَدٌ وَقَدْ عُطِفَ عَلَى الْجُمْلَةِ فَيَأْخُذُ الْحُكْمَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ النَّاقِصَ بِأَخْذُ الْحُكْمَ مِنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ التَّامِّ كَمَا يُقَالُ قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَيُقَالُ قُتِلَ زَيْدٌ بِعَمْرٍو وَخَالِدٍ أَيْ كِلَاهُمَا قَامَ أَوْ قُتِلَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ لَهُ خَبَرٌ آخَرُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمَعْنَى يَأْبَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِسَوْقِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ نَفْيُ الْقَتْلِ قِصَاصًا لَا نَفْيُ مُطْلَقِ الْقَتْلِ، فَكَذَا الثَّانِي تَحْقِيقًا لِلْعَطْفِ إذْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ فِي الْمُفْرَدِ، وَلَا يُقَالُ مَعْنَاهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا بِذِي عَهْدٍ أَيْ لَا يُقْتَلُ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ وَلَا بِذِمِّيٍّ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَكَانَ لَحْنًا إذْ لَا يَجُوزُ عَطْفُ الْمَرْفُوعِ عَلَى الْمَجْرُورِ، فَلَا تَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ أَفْصَحُ الْعَرَبِ وَلَا يُقَالُ رُوِيَ " ذِي عَهْدٍ " بِالْجَرِّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْكَافِرِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْتُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنْ صَحَّ ذَلِكَ هُوَ جَرٌّ لِلْمُجَاوَرَةِ لَا لِلْعَطْفِ عَلَيْهِ حَتَّى يُشَارِكَهُ فِي الْحُكْمِ وَمِثْلُهُ جَائِزٌ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] بِالْجَرِّ لِلْمُجَاوَرَةِ، وَإِنْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي الْحُكْمِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ، وَكَذَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ الْمُرَادُ بِهِ الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ حِينَ قُتِلَ عُمَرُ مَرَرْت عَلَى أَبِي لُؤْلُؤَةَ وَمَعَهُ الْهُرْمُزَانُ فَلَمَّا بَعَثَهُمْ ثَارُوا فَسَقَطَ مِنْ بَيْنَهُمْ خَنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ مُمْسَكُهُ فِي وَسَطِهِ فَانْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَعَهُ السَّيْفُ حَتَّى دَعَا الْهُرْمُزَانَ فَلَمَّا خَرَجَ إلَيْهِ قَالَ انْطَلِقْ حَتَّى نَنْظُرَ إلَى فَرَسٍ لِي ثُمَّ تَأَخَّرَ عَنْهُ حَتَّى إذَا مَضَى بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَاهُ بِالسَّيْفِ فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ السَّيْفِ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ ثُمَّ دَعَوْت جُفَيْنَةَ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَلَمَّا خَرَجَ إلَيَّ عَلَوْته بِالسَّيْفِ فَصُلِبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ انْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَتَلَ ابْنَةَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ صَغِيرَةً فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَعَا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ. فَقَالَ أَشِيرُوا إلَيَّ فِي قَتْلِ هَذَا الرَّجُلِ فَتَقَ فِي الدِّينِ مَا فَتَقَ فَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فِيهِ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَأْمُرُونَهُ بِالشِّدَّةِ عَلَيْهِ وَيَحْثُونَهُ عَلَى قَتْلِهِ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِعُثْمَانَ لَقَدْ عَفَاك اللَّهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَعْدَمَا بُويِعَتْ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَك عَلَى النَّاسِ سُلْطَانٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَلَى خُطْبَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَالْهُرْمُزَانِ وَجُفَيْنَةَ كَانَا كَافِرَيْنِ وَأَشَارَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى قَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَقَالَ أَنَا أَوْلَى مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ) قَالَ فِي الْفَائِقِ التَّكَافُؤُ التَّسَاوِي أَيْ تَتَسَاوَى فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ لَا فَضْلَ فِيهَا لِشَرِيفٍ عَلَى وَضِيعٍ وَالذِّمَّةُ الْأَمَانُ وَمِنْهَا سُمِّيَ الْمُعَاهِدُ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّهُ أُومِنَ عَلَى مَالِهِ وَدَمِهِ لِلْجِزْيَةِ أَيْ إذَا أَعْطَى أَدْنَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَمَانًا فَلَيْسَ لِلْبَاقِينَ إخْفَاؤُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَشِيرُوا إلَيَّ فِي قَتْلِ هَذَا الرَّجُلِ) يَعْنِي عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَتَقَ فِي الدِّينِ) لَفْظَةُ فِي لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ فَلْيُرَاجَعْ الْحَدِيثَ. اهـ. (قَوْلُهُ مَا فَتَقَ) فَتَنَ الدَّيْنَ مَا فَتَنَ اهـ مِنْ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ) أَيْ قَتْلُ الْهُرْمُزَانِ وَجُفَيْنَةَ وَابْنَةِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ. اهـ.

بِهِمَا فَمُحَالٌ أَنْ يُرِيدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْكَافِرِ الذِّمِّيَّ ثُمَّ يُشِيرُ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى قَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِالذِّمِّيِّ وَعَلِيٌّ فِيهِمْ، وَهُوَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَرْبِيُّ وَلَا يُقَالُ لَعَلَّ عُثْمَانَ أَرَادَ قَتْلَهُ بِبِنْتِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ لَا بِجُفَيْنَةَ وَالْهُرْمُزَانِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِهَا لَا بِهِمَا لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَبْعَدَهُمَا اللَّهُ فَمُحَالٌ أَنْ لَا يُبَيِّنَ ذَلِكَ مَعَ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ النَّاسِ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْمُسَاوَاةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا تُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ بَلْ تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْعِصْمَةِ وقَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] أَيْ فِي الْفَوْزِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 20] وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الِاسْتِوَاءِ فِي الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ لَا عُمُومَ لَهُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر: 19] أَنَّ الْمَنْفِيَّ الِاسْتِوَاءُ فِي الْعَمَى وَالْبَصَرِ لَا فِي كُلِّ وَصْفٌ؛ وَلِهَذَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْعِصْمَةِ وَكَذَا نُقْصَانُ حَالِ الْكَافِرِ بِكُفْرِهِ لَا يُزِيلُ عِصْمَتَهُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ كَسَائِرِ الْأَوْصَافِ النَّاقِصَةِ كَالْجَهْلِ وَالْفِسْقِ وَالْأُنُوثَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُفْرَهُ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ بَلْ حِرَابُهُ هُوَ الْمُبِيحُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمِلْكِ فِي الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ، فَإِنَّهُ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ. وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي الْأُخْتِ الْمَذْكُورَةِ بِعَارِضٍ فَأَوْرَثَتْ شُبْهَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقْتَلَانِ بِمُسْتَأْمِنٍ) أَيْ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَلَا الذِّمِّيُّ بِحَرْبِيٍّ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ؛ لِأَنَّ دَمَهُ غَيْرُ مَحْقُونٍ عَلَى التَّأْبِيدِ فَانْعَدَمَتْ الْمُسَاوَاةُ وَكَذَا كُفْرُهُ بَاعِثٌ عَلَى الْحِرَابِ لِقَصْدِهِ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمِنُ بِالْمُسْتَأْمِنِ قِيَاسًا لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الْمُبِيحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَبِالزَّمِنِ وَنَاقِصِ الْأَطْرَافِ وَبِالْمَجْنُونِ) يَعْنِي يُقْتَلُ الرَّجُلُ الصَّحِيحُ بِهَؤُلَاءِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَيُقْتَلُ الْحَرُّ بِالْحُرِّ إلَخْ لَا عَلَى مَا يَلِيهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُقْتَلَانِ بِمُسْتَأْمِنٍ، وَإِنَّمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمْ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمْ فِي الْعِصْمَةِ وَالْمُسَاوَاةُ فِيهَا هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الْمُسَاوَاةُ فِيمَا وَرَاءَهَا لَانْسَدَّ بَابُ الْقِصَاصِ وَلَظَهَرَ الْفِتَنُ وَالتَّفَانِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ) لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا مِنْ الْعُمُومَاتِ وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعَانِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْوَلَدِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ»؛ وَلِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يَقْتُلُ وَلَدَهُ غَالِبًا لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ؛ وَلِأَنَّ الْأَبَ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ لِإِحْيَائِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ سَبَبًا لِإِفْنَائِهِ وَلِهَذَا لَا يَقْتُلُهُ إذَا وَجَدَهُ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ مُقَاتِلًا أَوْ زَانِيًا، وَهُوَ مُحْصَنٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُ بِسَبَبٍ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ خِلَافُهُ، وَلَوْ قُتِلَ بِهِ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الِابْنَ بِنَائِبَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأُمُّ وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ كَالْأَبِ) سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُمْ فَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْأَبِ يَكُونُ وَارِدًا فِيهِمْ دَلَالَةً، فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ شَامِلَةً لِلْجَمِيعِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْقَتْلِ وَقَالَ مَالِكٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ قَتَلَهُ ضَرْبًا بِالسَّيْفِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَصَدَ تَأْدِيبَهُ وَإِنْ ذَبَحَهُ ذَبْحًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَا تَأْوِيلٌ بَلْ جِنَايَةُ الْأَبِ أَغْلَظُ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ الرَّحِمِ فَصَارَ كَمَنْ زَنَى بِابْنَتِهِ حَيْثُ يُحَدُّ كَمَنْ زَنَى بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى، وَلَيْسَ هَذَا كَالزِّنَا بِبِنْتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ يَتَجَنَّبُ مَا يَضُرُّ وَلَدَهُ بَلْ يَتَحَمَّلُ الضَّرَرَ عَنْهُ حَتَّى يَسْلَمَ وَلَدُهُ فَهَذَا هُوَ الْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَقْصِدُ قَتْلَ وَلَدِهِ فَإِنْ وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِذَلِكَ الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّفَرَ لَمَّا كَانَ فِيهِ الْمَشَقَّةُ غَالِبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِينَ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِمَا يُتَّفَقُ لِبَعْضِهِمْ فِيهِ مِنْ الرَّاحَةِ وَلَا كَذَلِكَ الزِّنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَبِمُكَاتَبِهِ وَبِعَبْدِ وَلَدِهِ وَبِعَبْدٍ مَلَكَ بَعْضَهُ) لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ لَوَجَبَ لَهُ كَمَا إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ عُقُوبَةٌ وَكَذَا لَا يَسْتَوْجِبُ وَلَدُهُ الْقِصَاصَ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْقِصَاصُ لَا يَتَجَزَّأُ، فَإِذَا سَقَطَ فِي الْبَعْضِ لِأَجَلِ أَنَّهُ مَلَكَ الْبَعْضَ سَقَطَ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزِّي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ دَمَهُ غَيْرُ مَحْقُونٍ عَلَى التَّأْبِيدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا مَضَتْ أَخْرَجْنَاهُ وَلَا نُمَكِّنُهُ مِنْ الْمَقَامِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِذَا وَصَلَ إلَى مَأْمَنِهِ صَارَ مُبَاحَ الدَّمِ وَالْمُسْلِمُ مَحْقُونُ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِصَاصِ التَّسَاوِي فِي حَقْنِ الدَّمِ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْوَلَدِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلَا جَدٌّ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَلَا مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، وَإِنْ عَلَا بِوَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا جَدَّةٌ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَلَا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ عَلَتْ أَوْ سَفَلَتْ، وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ وَقَتْلُ الْوَلَدِ بِالْوَالِدِ إجْمَاعٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: مَنْ قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ وَلَكِنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ يُؤَدِّي فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثَ مِنْ الدِّيَةِ وَلَا يَرِثُ مِنْ وَالِدَيْهِ وَلَا مِنْ مَالِ ابْنِهِ شَيْئًا وَيَرِثُ أَقْرَبُ النَّاسِ مِنْ الِابْنِ بَعْدَ الْأَبِ وَلَا يَحْجُبُ الْأَبُ عَنْ الْمِيرَاثِ أَحَدًا وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْآثَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَارْجِعْ إلَى الْحَاشِيَةِ الَّتِي فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ إلَخْ اهـ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَلَا وَالِدٌ وَإِنْ عَلَا بِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَمْ يَقْتَصُّوا مِنْهُ لَوْ ذَبَحَهُ وَنُوجِبُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا فِي الْحَالِ اهـ وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ فِي الدِّيَاتِ مَا نَصُّهُ وَكُلُّ عَمْدٍ سَقَطَ قَوَدُهُ بِشُبْهَةٍ كَقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا فَدِيَتُهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِعَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَبِمُكَاتَبِهِ)، وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ فَمِلْكُهُ بَاقٍ فِيهِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ لَوَجَبَ لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ سَقَطَ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزِّي) أَيْ كَالدَّمِ إذَا كَانَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا. اهـ.

أَبِيهِ سَقَطَ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِابْنَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ عَلَى أَبِيهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ أَخ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ فَإِنَّ ابْنَهَا مِنْهُ يَرِثُ الْقِصَاصَ الَّذِي لَهَا عَلَى أَبِيهِ فَسَقَطَ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا إذَا قَتَلَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ لِابْنِهِ مِنْهَا أَنْ يَقْتُلَهُ فَيَسْقُطُ الْقِصَاص قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنَّمَا يُقْتَصُّ بِالسَّيْفِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَرَّةِ إنْ قَتَلَهُ بِفِعْلٍ مَشْرُوعٍ ثُمَّ إنْ مَاتَ بِذَلِكَ فَبِهَا، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ حَزَّ رَقَبَتَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ وَلِهَذَا سُمِّيَ قِصَاصًا، وَإِنْ قَتَلَهُ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ كَاللِّوَاطِ وَسَقْيِ الْخَمْرِ اخْتَلَفَتْ مَشَايِخُهُمْ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُتَّخَذُ لَهُ مِثْلُ آلَتِهِ مِنْ الْخَشَبِ فِي اللِّوَاطَةِ وَيُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ وَيُسْقَى الْمَاءَ فِي سَقْيِ الْخَمْرِ وَيُمْهَلُ قَدْرُ تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا حَزَّ رَقَبَتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْمُمَاثَلَةُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُحَزُّ رَقَبَتُهُ وَلَا يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِخِلَافِ الْقَتْلِ بِالْحَجَرِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجْمَ مَشْرُوعٌ، وَهُوَ بِالْحَجَرِ وَكَذَا قِتَالُ الْكُفَّارِ وَهُوَ بِالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ. وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ صَبِيٍّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ» لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَحْقِيقَ الْقِصَاصِ الَّذِي يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ فَيَجِبُ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ ذَاتًا وَوَصْفًا وَلَنَا مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النُّعْمَانِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ لَا وُجُوبُ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ إذَا قُتِلَ بِغَيْرِهِ كَالنَّارِ إجْمَاعًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ وَاجِبٌ فَيُسْتَوْفَى بِالسَّيْفِ كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ الْمُسْتَحَقَّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِمَا لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْمَوْتُ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ لَا يَمُوتُ إلَّا بِالسِّرَايَةِ. وَهِيَ مَوْهُومَةٌ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا؛ وَلِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأُحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيَحُدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَأَنْ يُرِيحُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ ذَبْحَهُ مِنْ الْأَنْعَامِ فَمَا ظَنَّك بِالْآدَمِيِّ الْمُكَرَّمِ الْمُحْتَرَمِ؛ وَلِأَنَّ جَابِرًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُسْتَقَادُ مِنْ الْجُرْحِ حَتَّى يَبْرَأَ»، وَلَوْ كَانَ يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِينَاءِ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بَرِئَ أَوْ سَرَى فَلَمَّا ثَبَتَ الِاسْتِينَاءُ لِيُنْظَرَ مَا تَئُولُ إلَيْهِ الْجِنَايَةُ عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ مَا تَئُولُ إلَيْهِ الْجِنَايَةُ إنْ سَرَتْ صَارَتْ قَتْلًا وَلَا يُعْتَبَرُ الطَّرَفُ مَعَهُ فَيُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ عَنْ النَّفْسِ فَقَطْ كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً، فَإِنَّهُ يُسْتَأْنَى وَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ فِي الْحَالِ ثُمَّ إذَا سَرَتْ وَمَاتَ مِنْهَا يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةُ النَّفْسِ لَا غَيْرُ لِكَوْنِ الْأَطْرَافِ تَبَعًا لَهَا فَهَذَا يَكْشِفُ لَك مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى. وَمَا رَوَاهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا ثُمَّ نُسِخَ كَمَا نُسِخَتْ الْمُثْلَةُ، أَوْ يَكُونُ الْيَهُودِيُّ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُقْتَلُ كَمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ لِيَكُونَ أَرْدَعَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ وَلِأَنَّ قَصْدَ الْيَهُودِيِّ كَانَ أَخْذَ الْمَالِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى فِي الْخَبَرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «عَدَا يَهُودِيٌّ عَلَى جَارِيَةٍ فَأَخَذَ أَوْضَاحًا كَانَتْ عَلَيْهَا» الْحَدِيثَ، وَهَذَا شَأْنُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَهُوَ يُقْتَلُ بِأَيِّ شَيْءٍ شَاءَ الْإِمَامُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَتَلَ الْيَهُودِيَّ بِخِلَافِ مَا كَانَ قَتَلَ بِهِ الْجَارِيَةَ فَإِنَّهُ رَوَى أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ رَضَخَ رَأْسَ جَارِيَةٍ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرْجَمَ حَتَّى قُتِلَ» وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ مَا قُتِلَ إلَّا بِقَوْلِ الْجَارِيَةِ إنَّهُ قَتَلَنِي وَبِمِثْلِهِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا بِالسَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَالْمُرَادُ بِمَا تَلَا نَفْيُ الزِّيَادَةِ مِنْ جِهَةِ عَلِيٍّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ «لَمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ وَمُثِّلَ بِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَئِنْ ظَفِرْت بِهِمْ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ} [النحل: 126] الْآيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ نَصْبِرُ فَصَبَرَ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ» وَهَذِهِ مُثْلَةٌ أَيْضًا، وَهِيَ أَيْضًا مَنْسُوخَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُكَاتَبٌ قُتِلَ عَمْدًا وَتَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثُهُ سَيِّدُهُ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ يَقْتَصُّ) أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا إذَا تَرَكَ وَفَاءً وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُ الْمَوْلَى فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ هُنَا قَدْ اخْتَلَفَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ) ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَوْلُ زُفَرَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. غَايَةٌ

؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّهُ بِالْوَلَاءِ إنْ مَاتَ حُرًّا وَبِالْمِلْكِ إنْ مَاتَ عَبْدًا فَاشْتَبَهَ الْحَالُ فَلَا يَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ كَاخْتِلَافِ الْمُسْتَحِقِّ فَيَسْقُطُ أَصْلًا كَمَا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرَ الْمَوْلَى فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْتنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِكَذَا وَقَالَ الْمَوْلَى زَوَّجْتهَا مِنْك لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْقِصَاصِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ بِيَقِينٍ، وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْحُكْمُ أَيْضًا مُتَّحِدٌ مَعْلُومٌ فَلَا يُفْضِي اخْتِلَافُ السَّبَبِ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ حُكْمٍ فَلَا يَضُرُّ مُجَرَّدُ اخْتِلَافِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يُرَادُ لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ لِحُكْمِهِ وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ لِاخْتِلَافِ حُكْمِ السَّبَبَيْنِ فَلَا يُدْرَى بِأَيِّهِمَا يُحْكَمُ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِ تَعَيُّنِ السَّبَبِ، وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرَ الْمَوْلَى؛ فَلِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ لِمَوْتِهِ لَا عَنْ وَفَاءٍ فَظَهَرَ أَنَّهُ قَتَلَ عَبْدًا عَمْدًا فَيَكُونُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا قَتَلَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ عَاجِزًا وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ ظَاهِرٌ فَاشْتَبَهَ الْمُسْتَحِقُّ فَأَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ عَنْ وَفَاءٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ اشْتِرَاطُ الْوَارِثِ وَقَعَ اتِّفَاقًا، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَيْضًا الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِمَوْتِهِ رَقِيقًا، أَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثًا لَا) أَيْ لَا يُقْتَصُّ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ اجْتَمَعَ الْمَوْلَى وَالْوَارِثُ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ حَقٌّ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ حُرًّا كَمَا قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَالْقِصَاصُ لِلْوَارِثِ، وَإِنْ مَاتَ عَبْدًا كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَالْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قُتِلَ عَبْدُ الرَّهْنِ لَا يُقْتَصُّ حَتَّى يَجْتَمِعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ)؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَلِيهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَكَذَا الرَّاهِنُ لَا يَلِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ لِهَلَاكِ الرَّهْنِ بِلَا بَدَلٍ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفًا فَيُؤَدِّيَ إلَى بُطْلَانِ حَقِّ الْغَيْرِ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ اجْتَمَعَا فَجَعَلَاهُ كَالْمُكَاتَبِ الَّذِي تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثًا وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا وَلَاءَ فَلَمْ يَشْتَبِهْ مَنْ لَهُ الْحَقُّ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْقِصَاصُ لِلْمُشْتَرِي إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ، وَإِنْ نَقَضَ فَلِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ ارْتَفَعَ وَظَهَرَ أَنَّهُ الْمَالِكُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَذَلِكَ إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ لِمَا بَيَّنَّا. وَإِنْ فَسَخَ فَلَا قِصَاصَ لِلْبَائِعِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لَهُ وَوَجَبَتْ لَهُ الْقِيمَةُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِاشْتِبَاهِ الْمُسْتَحِقِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ الْقَوَدُ وَالصُّلْحُ لَا الْعَفْوُ بِقَتْلِ وَلِيِّهِ) أَيْ إذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ فَلِأَبِيهِ أَنْ يَقْتُلَ قِصَاصًا وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى مَالٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ، أَمَّا الْقَتْلُ فَلِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ وَكُلُّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى النَّفْسِ وَلِأَبِيهِ وَلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ بِخِلَافِ الْأَخِ وَأَمْثَالِهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَا يُفْضِي اخْتِلَافُ السَّبَبِ إلَى الْمُنَازَعَةِ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَا مِنْ قَرْضٍ يَجِبُ الْأَلْفُ عَلَى الْمُقِرِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِ تَعَيُّنِ الثَّمَنِ) يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِمُتَّحِدٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مِلْكِ الْيَمِينِ يُغَايِرُ حُكْمَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ فِي النِّكَاحِ مَقْصُودٌ وَفِي مِلْكِ الْيَمِينِ تَبَعٌ لَا مَقْصُودَ فَلَمَّا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ الْحِلُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ بِإِجْمَاعِ عُلَمَائِنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ وَقَعَتْ وَالْمُسْتَحِقُّ الْمَوْلَى لِبَقَاءِ الرِّقِّ وَحَصَلَ الْمَوْتُ وَالْمُسْتَحِقُّ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَمَّا تَغَيَّرَ الْمُسْتَحِقُّ صَارَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَالْقِصَاصُ إلَخْ) فَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ أَوْرَثَ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الْعَفْوُ بِقَتْلِ وَلِيِّهِ) أَرَادَ بِوَلِيِّ الْمَعْتُوهِ قَرِيبُهُ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ مَثَلًا وَصُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَعْتُوهِ يَكُونُ لَهُ أَبٌ فَيَقْتُلُ رَجُلٌ وَلِيَّ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا قَالَ لِلْأَبِ أَنْ يَقْتُلَ وَأَنْ يُصَالِحَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَّا الْقَتْلَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَحَاصِلُ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الرِّوَايَاتِ اتَّفَقَتْ فِي الْأَبِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَأَنَّهُ يُصَالِحُ فِي الْبَابَيْنِ جَمِيعًا وَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ فِي الْبَابَيْنِ جَمِيعًا وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْوَصِيِّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ النَّفْسِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ مَا دُونَهَا وَأَنَّهُ يَمْلِكُ الصُّلْحَ فِيمَا دُونَهَا وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ فِي الْبَابَيْنِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْوَصِيِّ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ. وَهُوَ صُلْحُهُ فِي النَّفْسِ عَلَى مَالٍ فَقَالَ هَاهُنَا أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَصِحُّ صُلْحُهُ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ لَا يَصِحُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْكَاحَ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فَإِنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ وَلَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فَأَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ كَالْأَبِ وَالِابْنِ وَكَذَلِكَ مِلْكُ النِّكَاحِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَلِيٌّ أَقْرَبَ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ ثَمَّةَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الدَّمَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مَالَ الْمَقْتُولِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ حَتَّى الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ اهـ قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت وَلِلْأَتْقَانِيِّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ هُنَا اعْتِرَاضٌ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ اهـ مَا كَتَبَهُ عَلَى هَامِشِ شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ اهـ.

وَلَايَةُ اسْتِيفَاءِ قِصَاصٍ وَجَبَ لِلْمَعْتُوهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ جُعِلَ التَّشَفِّيَ الْحَاصِلُ لَهُ كَالْحَاصِلِ لِلِابْنِ؛ وَلِهَذَا يُعَدُّ ضَرَرُ وَلَدِهِ ضَرَرًا عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْأَخِ وَالْعَمِّ، وَأَمَّا الصُّلْحُ فَلِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ الْقَوَدِ فَلَمَّا مَلَكَ الْقَوَدَ كَانَ الصُّلْحُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ. وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ لَا يَصِحُّ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَأَمَّا الْعَفْوُ فَلِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقِّهِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ فَلَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا لِمَا بَيَّنَّا وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي الْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْ بَابِ الْوَلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ حَتَّى لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ وَيَدْخُلَ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الصُّلْحُ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ إذْ لَمْ يُسْتَثْنَ إلَّا الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ هُنَا، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّلْحِ الْمَالُ وَالْوَصِيُّ يَتَوَلَّى التَّصَرُّفَ فِيهِ كَمَا يَتَوَلَّى الْأَبُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّشَفِّي، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَبِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِبْطَالِ بَلْ أَوْلَى. وَقَالُوا الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ التَّصَرُّفَ فِي الطَّرَفِ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ، وَهُوَ التَّشَفِّي وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ، فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهُ بِمَنْزِلَةِ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ فِي الصَّحِيحِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ يَسْتَوْفِيهِ السُّلْطَانُ وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَتِهِ فِيهِ، وَهَذَا لَا وَلِيَّ لَهُ وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ فِيهِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَاضِي كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ يُصَالِحُ فَقَطْ وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ) وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْكِبَارِ الْقَوَدُ قَبْلَ كِبَرِ الصِّغَارِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْقِصَاصُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ بِأَنْ قُتِلَ لَهُمْ وَلِيٌّ جَازَ لِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتُلُوا الْقَاتِلَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الصِّغَارُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ الصِّغَارُ. لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْكِبَارَ لَا وَلَايَةَ لَهُمْ عَلَى الصِّغَارِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا حَقَّهُمْ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْبَعْضِ لِعَدَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى مِثْلِ الدِّيَةِ أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ الْحَطُّ وَإِنْ قَلَّ وَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقٌ حَيْثُ جَوَّزَ صُلْحَ أَبِي الْمَعْتُوهِ عَنْ دَمِ قَرِيبِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِقَدْرِ الدِّيَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الصُّلْحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ صُلْحُهُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ مِنْ الْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ فَإِذَا جَازَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فَالصُّلْحُ أَوْلَى وَالنَّفْعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَرْخِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِذَا وَجَبَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا فَصَالَحَ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَلِيلًا كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا كَانَ ذَلِكَ دُونَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَرْشِ الْجِرَاحَةِ أَوْ أَكْثَرَ، وَهُوَ حَالٌ فِي مَالِ الْجَانِي وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ. وَقَدْ كَتَبَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَلَى هَامِشِ الزَّيْلَعِيِّ حَاشِيَةً عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ لَا يَصِحُّ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَنَصُّ الْحَاشِيَةِ وَكَذَا اعْتِرَاضُ الْأَتْقَانِيِّ هُنَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَهْمٌ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ) فِي الصَّحِيحِ يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ لَهُ وَلَايَةً فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِي رَجُلٍ قُتِلَ عَمْدًا وَلَا وَلِيَّ لَهُ أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْتُلَ قَاتِلَهُ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ وَكَذَلِكَ إذَا قُتِلَ اللَّقِيطُ فِي قَوْلِهِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا إذَا أُدْرِكَ مَعْتُوهًا، وَأَمَّا إذَا أُدْرِكَ عَاقِلًا ثُمَّ لَحِقَهُ الْعَتَهُ فَفِي قَوْلِ زُفَرَ لَا وَلَايَةَ لِلْوَصِيِّ فِي مَالِهِ وَلَا فِي نَفْسِهِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حُكْمُهُ وَحُكْمُ الَّذِي أُدْرِكَ مَعْتُوهًا سَوَاءٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْوَصِيُّ يُصَالِحُ فَقَطْ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَبَ يُصَالِحُ عَنْهُ، وَهُوَ النَّفْسُ أَمَّا اسْتِيفَاءُ الْأَبِ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ وَالصُّلْحُ عَنْهُ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكَنْزِ. وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْوَافِي فَقَالَ فِيهِ مَا نَصُّهُ لِأَبِي الْمَعْتُوهِ قَوَدٌ وَصُلْحٌ لَا عَفْوٌ بِقَتْلِ وَلِيِّهِ وَقَطْعِ الْمَعْتُوهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ حُكْمَ الْوَصِيِّ وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ الْكَافِي فَقَالَ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا الْقَتْلَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْوَلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَلَيْسَ لَهُ الْوَلَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الصُّلْحُ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْتَثْنَ إلَّا الْقَتْلُ اهـ قُلْت وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا الصُّلْحُ عَنْ الطَّرَفِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ لِظُهُورِهِ وَلَمَّا كَانَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَنْزِ اقْتَصَرَ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْأَبِ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَالصُّلْحِ عَنْهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْتِيفَاءَ الْأَبِ الطَّرَفَ وَالصُّلْحَ عَنْهُ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ لِمَا بَيَّنَّا. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ قَوْلَهُ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي الْقَتْلِ إلَخْ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْكَافِي وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ هُوَ قَوْلُهُ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَبِ الطَّرَفَ وَالصُّلْحَ عَنْهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْكَنْزِ كَمَا قَدَّمْنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ قَوْلُ الشَّارِحِ إذْ لَمْ يُسْتَثْنَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لَا لِلْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُوهِمُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي يُسْتَثْنَ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْكَنْزِ وَلَا فِي أَصْلِهِ الْوَافِي نَعَمْ هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَكَأَنَّ الْبَدْرَ الْعَيْنِيَّ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ أَنَّ الْمُرَادَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَنْزِ فَقَالَ ثُمَّ إطْلَاقُ قَوْلِهِ يَشْمَلُ الصُّلْحَ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْكَنْزَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اسْتِيفَاءَ الطَّرَفِ فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ مِنْ الشُّمُولِ فَتَنَبَّهْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ اهـ

التَّجَزِّي وَلَا الْكُلُّ لِعَدَمِ الْوَلَايَةِ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَحْصُلُ لَهُمْ فَتَعَيَّنَ التَّأْخِيرُ إلَى إدْرَاكِهِمْ كَمَا إذَا كَانَ مَعَهُمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ وَأَحَدُهُمَا صَغِيرٌ بِخِلَافِ مَا إذَا عَفَا الْكَبِيرُ حَيْثُ يَصِحُّ، وَإِنْ بَطَلَ بِذَلِكَ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَهُ بِعِوَضٍ فَيُجْعَلُ كَلَا بُطْلَانٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجِمٍ حِينَ قَتَلَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قُتِلَ بِهِ وَقَدْ كَانَ فِي أَوْلَادِ عَلِيٍّ صِغَارٌ وَلَمْ يُنْتَظَرْ بُلُوغُهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فَثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كُلًّا كَمَا فِي وَلَايَةِ الْإِنْكَاحِ. وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِلْقَاتِلِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَتْلُهُ لَضَمِنَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا لِلْبَاقِينَ وَكَذَا لِلصِّغَارِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَعَهُمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَسْتَوْفِيهِ بَعْضُهُمْ فِيهِ مَعَ غَيْبَةِ شَرِيكِهِ الْكَبِيرِ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ وَفِي الصِّغَارِ احْتِمَالُ الْعَفْوِ مُنْقَطِعٌ فِي الْحَالِ فَافْتَرَقَا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ وَأَحَدُهُمَا صَغِيرٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهِ الْمِلْكُ أَوْ الْوَلَاءُ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَكَامِلٍ وَفِي مَسْأَلَتِنَا السَّبَبُ الْقَرَابَةُ، وَهِيَ مُتَكَامِلَةٌ؛ وَلِهَذَا لَا يُزَوِّجُ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُمَا أَوْ الْمُعْتَقَةَ لَهُمَا وَفِي الْقَرَابَةِ يُزَوِّجُ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَيَنْفَرِدُ بِهِ. وَلَوْ كَانَ الْكَبِيرُ وَلِيًّا لِلصَّغِيرِ مِمَّنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ يَسْتَوْفِيهِ الْكَبِيرُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الصَّغِيرُ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَلَايَةُ لَهُمَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِالْقَرَابَةِ، وَإِنْ كَانَ وَلِيًّا لِلصَّغِيرِ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ فَعَلَى الْخِلَافِ، فَإِنْ كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ لَا يَمْلِكُ الْكَبِيرُ الِاسْتِيفَاءَ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَمْلِكُ الْكَبِيرُ الِاسْتِيفَاءَ فِي الْكُلِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَتَلَهُ بِمَرٍّ يَقْتَصُّ إنْ أَصَابَهُ الْحَدِيدُ وَإِلَّا لَا كَالْخَنْقِ وَالتَّغْرِيقِ) هَذَا إذَا أَصَابَهُ بِحَدِّ الْحَدِيدَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِهَا أَوْ بِالْعُودِ أَوْ بِالْخَنْقِ أَوْ بِالتَّغْرِيقِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الدَّلَائِلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ هُنَاكَ فَلَا نُعِيدُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا عَمْدًا وَصَارَ ذَا فِرَاشٍ وَمَاتَ يُقْتَصُّ)؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ الْمَوْتُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهُ كَحَزِّ الرَّقَبَةِ أَوْ الْبُرْءِ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَزَيْدٍ وَأَسَدٍ وَحَيَّةٍ ضَمِنَ زَيْدٌ ثُلُثَ الدِّيَةِ)؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِعْلُهُ بِنَفْسِهِ جِنْسٌ آخَرَ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرًا فِي الْآخِرَةِ حَتَّى يَأْثَمَ بِهِ وَفِعْلُ زَيْدٍ مُعْتَبَرٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَصَارَ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ هَدَرٌ مُطْلَقًا وَمُعْتَبَرٌ مُطْلَقًا وَهَدَرٌ مِنْ وَجْهِ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ التَّالِفُ بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةً فَيَجِبُ عَلَى زَيْدٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ ثُمَّ إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ، وَإِنْ بَطَلَ بِذَلِكَ حَقُّهُ) أَيْ حَقُّ الصَّغِيرِ اهـ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ إلَخْ) رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا أَصَابَهُ ابْنُ مُلْجِمٍ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ أَمَّا أَنْتَ يَا حَسَنُ فَإِنْ شِئْت أَنْ تَعْفُوَ فَاعْفُ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْتَصَّ فَاقْتَصَّ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِيَّاكَ وَالْمُثْلَةَ فَلَمَّا مَاتَ عَلِيٌّ قُتِلَ بِهِ وَفِي وَرَثَةِ عَلِيٍّ صِغَارٌ مِنْهُمْ الْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ وَكَانَ لَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي كِتَابِ الطَّبَقَاتِ الْكَبِيرِ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ يَوْمَئِذٍ صَغِيرٌ فَلَمْ يَسْتَأْنِ بِهِ بُلُوغَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَعَلَى الْخِلَافِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْكَبِيرِ الِاسْتِيفَاءُ وَعِنْدَهُمَا لَا حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ قَتَلَهُ بِمَرٍّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِمَرٍّ فَقَتَلَهُ فَإِنْ أَصَابَهُ الْحَدِيدُ قُتِلَ وَإِنْ أَصَابَهُ الْعُودُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَهَذِهِ بِعَيْنِهَا مِنْ الْخَوَاصِّ أَطْلَقَ الرِّوَايَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُفَصِّلْ فَإِنْ أَصَابَهُ بِحَدِّ الْحَدِيدِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِوُجُودِ الْقَتْلِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِ الْحَدِيدِ فَقَتَلَهُ دَقًّا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِوُجُودِ الْقَتْلِ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيدَ سِلَاحٌ كُلُّهُ حِدَّة وَعَرْضُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَهُوَ سِلَاحٌ كُلُّهُ فِي الْعَادَةِ وَالشَّرِيعَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد: 25] وَقَالَ تَعَالَى {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج: 21] وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْجُرْحُ إنْ قَتَلَهُ جَرْحًا بِأَيِّ آلَةٍ كَانَتْ يَجِبُ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ كَانَتْ حَدِيدًا أَوْ لَمْ تَكُنْ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ آلَةً يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ عَادَةً لِوُجُودِ الْقَتْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِتَخْرِيبِ الْحَيَاةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِصِفَةِ التَّعَمُّدِ، وَإِنْ قَتَلَهُ دَقًّا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْآلَةُ حَدِيدًا أَوْ لَمْ تَكُنْ لِعَدَمِ إفْسَادِ الظَّاهِرِ فَلَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ حَاصِلًا بِصِفَةِ الْكَمَالِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَسَنَجَاتُ الْمِيزَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ الْجُرْحُ أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ أَصَابَهُ بِالْعُودِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَكِنَّهُ إنْ كَانَ عَظِيمًا لَا يَلْبَثُ كَانَ كَالسَّيْفِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ كَالسَّوْطِ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ، احْتَجَّا بِأَنَّ مَا لَا يَلْبَثُ يَعْمَلُ عَمَلَ السَّيْفِ وَزِيَادَةً فَوَجَبَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ هَذَا قَتْلٌ تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الْخَطَأِ فَلَا يَجِبُ الْقَوَدُ كَالْقَتْلِ بِالسَّوْطِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْقَتْلِ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ فَيَصِيرُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِمَا لَهُ أَثَرٌ فِيهِمَا نَاقِصًا اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يُغْرِقُ الصَّبِيَّ أَوْ الرَّجُلَ فِي الْبَحْرِ قَالَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا وَلَكِنْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالتَّغْرِيقِ وَعِنْدَهُمَا بِالسَّيْفِ (قَوْلُهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِهَا) فَإِنْ جَرَحَهُ فَكَذَلِكَ إجْمَاعًا، وَإِنْ لَمْ يَجْرَحْهُ فَكَذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِاعْتِبَارِهِ الْحَدِيدَ دُونَ الْجُرْحِ وَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لَا قَوَدَ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. زَاهِدِيٌّ

كَانَ فِعْلُ زَيْدٍ عَمْدًا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا وَجَبَ قَتْلُهُ وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَقَدْ أَبْطَلَ دَمَهُ»؛ وَلِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ وَاجِبٌ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ قَتْلُهُ إذْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بَاغِيًا بِذَلِكَ وَكَذَا إذَا شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ دَفْعًا عَنْهُ فَلَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ، وَإِنْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصَا فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا خَارِجَ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ بِاللَّيْلِ وَلَا فِي خَارِجِ الْمِصْرِ، فَكَانَ لَهُ دَفْعُهُ بِالْقَتْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ عَصَا لَا يَلْبَثُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ السِّلَاحِ عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ قَتْلُهُ فِي الْمِصْرِ نَهَارًا كَمَا فِي السَّيْفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصَا لَيْلًا فِي مِصْرٍ أَوْ نَهَارًا فِي غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَهَرَ عَصًا نَهَارًا فِي مِصْرٍ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ قُتِلَ بِهِ)؛ لِأَنَّ الْعَصَا تَلْبَثُ وَالْغَوْثَ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ فِي الْمِصْرِ، فَكَانَ بِالْقَتْلِ مُتَعَدِّيًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالسِّلَاحِ عِنْدَهُ وَقِيلَ عِنْدَهُمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ كَالسِّلَاحِ عِنْدَهُمَا حَتَّى يَجِبُ الْقِصَاصُ بِالْقَتْلِ بِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَهَرَ الْمَجْنُونُ عَلَى غَيْرِهِ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا تَجِبُ الدِّيَةُ وَعَلَى هَذَا الصَّبِيُّ وَالدَّابَّةُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ. وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَحْمُولًا عَلَى قَتْلِهِ بِفِعْلِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك وَكَوْنُ الدَّابَّةِ مَمْلُوكَةً لِلْغَيْرِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ كَالْعَبْدِ إذَا شَهَرَ سَيْفًا عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، فَكَذَا هَذَا فَصَارَ كَالصَّيْدِ إذَا صَالَ عَلَى الْمُحْرِمِ فَقَتَلَهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِعْلَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مُعْتَبَرٌ فِي الْجُمْلَةِ وَلِهَذَا إذَا أَتْلَفَا مَالًا أَوْ نَفْسًا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ بِخِلَافِ فِعْلِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا حَتَّى لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْعَجْمَاءَ جُبَارٌ وَكَذَا عِصْمَتُهُمَا بِحَقِّهِمَا وَعِصْمَةُ الدَّابَّةِ لِحَقِّ الْمَالِكِ، فَكَانَ فِعْلُهُمَا مُسْقِطًا لِعِصْمَتِهِمَا فَلَا يَضْمَنَانِ وَيَضْمَنُ الدَّابَّةَ بِخِلَافِ الصَّيْدِ إذَا صَالَ عَلَى الْمُحْرِمِ أَوْ صَيْدِ الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ. ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَذِنَ فِي قَتْلِهِ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْنَا تَحَمُّلَ أَذَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَمْسَ الْفَوَاسِقَ أَبَاحَ قَتْلَهَا مُطْلَقًا لِتَوَهُّمِ الْإِيذَاءِ مِنْهَا فَمَا ظَنُّك عِنْدَ تَحَقُّقِ الْإِيذَاءِ وَمَالِكُ الدَّابَّةِ لَمْ يَأْذَنْ فَيَجِبُ الضَّمَانُ بِهِ وَكَذَا عِصْمَةُ عَبْدِ الْغَيْرِ لِحَقِّ نَفْسِهِ وَفِعْلُهُ مَحْظُورٌ فَيَسْقُطُ بِهِ عِصْمَتُهُ وَلَنَا أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ مُتَّصِفٍ بِالْحُرْمَةِ فَلَمْ يَقَعْ بَغْيًا فَلَا تَسْقُطُ الْعِصْمَةُ بِهِ لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ الصَّحِيحِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِقَتْلِهِمَا وَلَا الضَّمَانُ بِفِعْلِ الدَّابَّةِ فَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ كَانَ قَضِيَّتُهُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ، وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ فَتَجِبُ الدِّيَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ضَرَبَهُ الشَّاهِرُ فَانْصَرَفَ فَقَتَلَهُ الْآخَرُ قُتِلَ بِهِ الْقَاتِلُ) مَعْنَاهُ إذَا شَهَرَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا فَضَرَبَهُ الشَّاهِرُ فَانْصَرَفَ ثُمَّ إنَّ الْمَضْرُوبَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ ضَرَبَ الضَّارِبَ وَهُوَ الشَّاهِرُ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ. لِأَنَّ الشَّاهِرَ لَمَّا انْصَرَفَ بَعْدَ الضَّرْبِ عَادَ مَعْصُومًا مِثْلَ مَا كَانَ؛ لِأَنَّ حِلَّ دَمِهِ كَانَ بِاعْتِبَارِ شَهْرِهِ وَضَرْبِهِ فَإِذَا انْكَفَّ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرِيدُ ضَرْبَهُ ثَانِيًا انْدَفَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ صُورَتُهَا فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا قَالَ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَهَرَ عَلَيْهِمْ السَّيْفَ وَقَصَدَ قَتْلَهُمْ صَارَ حَرْبًا عَلَيْهِمْ فَكَانَ كَالْبَاغِي فَبَطَلَتْ عِصْمَةُ دَمِهِ لِلْمُحَارِبَةِ قَالَ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] فَجَازَ لِلْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ شَهَرَ عَلَيْهِمْ السَّيْفَ أَنْ يَقْتُلُوهُ وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ دَفْعًا لِلشَّرِّ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّ دَفْعَ الشَّرِّ وَاجِبٌ وَجَازَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يُعِينُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَدْفَعُوا الشَّرَّ عَنْهُمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» يَعْنِي إذَا كَانَ ظَالِمًا تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ، وَإِذَا كَانَ مَظْلُومًا تَمْنَعُ الظُّلْمَ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ) مِنْ اللُّبْثِ الْإِبْطَاءِ وَالتَّأَخُّرِ. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ شَهَرَ عَصًا نَهَارًا فِي مِصْرٍ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ قُتِلَ بِهِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْمَجْمَعِ قُبَيْلَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَجْنُونُ بِقَتْلِهِمَا) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الْفَاعِلِ اهـ. (فَرْعٌ) وَمَنْ نَظَرَ فِي بَيْتِ إنْسَانٍ مِنْ ثُقْبٍ أَوْ شَقِّ بَابٍ أَوْ نَحْوِهِ فَطَعَنَهُ صَاحِبُ الدَّارِ بِخَشَبَةٍ أَوْ رَمَاهُ بِحَصَاةٍ فَقَلَعَ عَيْنَهُ يَضْمَنُهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لَا يَضْمَنُهَا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَوْ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيْك بِغَيْرِ إذْنِ فَحَذَفْته بِحَصَاةٍ وَفَقَأَتْ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك جُنَاحٌ» وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سُفْيَانَ «أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحُكُّ رَأْسَهُ وَمُدَارَةٌ فِي يَدِهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَوْ عَلِمْت أَنَّك تَنْظُرُنِي لَطَعَنْت بِهَا فِي عَيْنِك» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْعَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ»، وَهُوَ عَامٌّ؛ وَلِأَنَّ مُجَرَّدَ النَّظَرِ لَا يُبِيحُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَظَرَ مِنْ الْبَابِ الْمَفْتُوحِ وَكَمَا لَوْ دَخَلَ فِي بَيْتِهِ وَنَظَرَ فِيهِ وَنَالَ مِنْ امْرَأَتِهِ مَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَجُزْ قَلْعُ عَيْنِهِ؛ وَلِأَنَّ

[باب القصاص فيما دون النفس]

شَرُّهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَتْلِهِ لِانْدِفَاعِ شَرِّهِ بِدُونِهِ فَعَادَتْ عِصْمَتُهُ فَإِذَا قَتَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ قَتَلَ شَخْصًا مَعْصُومًا ظُلْمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَيْلًا فَأَخْرَجَ السَّرِقَةَ فَاتَّبَعَهُ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَاتِلْ دُونَ مَالِك» أَيْ لِأَجْلِ مَالِك؛ وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً فَكَذَا لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ بِهِ انْتِهَاءً إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ إلَّا بِهِ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ صَاحَ عَلَيْهِ يَطْرَحُ مَالَهُ فَقَتَلَهُ مَعَ ذَلِكَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا قَتَلَ الْغَاصِبَ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْقَاضِي فَلَا تَسْقُطُ عِصْمَتُهُ بِخِلَافِ السَّارِقِ وَاَلَّذِي لَا يَنْدَفِعُ بِالصِّيَاحِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ] (بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يُقْتَصُّ بِقَطْعِ الْيَدِ مِنْ الْمِفْصَلِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ أَكْبَرَ وَكَذَا الرِّجْلُ وَمَارِنُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنُ وَالْعَيْن إنْ ذَهَبَ ضَوْءُهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ، وَإِنْ قَلَعَهَا لَا وَالسِّنُّ وَإِنْ تَفَاوَتَا وَكُلُّ شَجَّةٍ تَتَحَقَّقُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] أَيْ ذُو قِصَاصٍ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] وَالْقِصَاصُ يُبْنَى عَلَى الْمُمَاثَلَةِ فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَمَا لَا فَلَا، وَقَدْ أَمْكَنَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِكِبَرِ الْعُضْوِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الْمَنْفَعَةِ وَيُمْكِنُ رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْعَيْنِ إذَا ضُرِبَتْ وَذَهَبَ ضَوْءُهَا، وَهِيَ قَائِمَةٌ بِأَنْ تُحْمَى لَهَا الْمِرْآةُ وَيُجْعَلَ عَلَى وَجْهِهِ قُطْنٌ رَطْبٌ وَتُسَدَّ عَيْنُهُ الْأُخْرَى ثُمَّ تُقَرَّبَ الْمِرْآةُ مِنْ عَيْنِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا انْقَلَعَتْ حَيْثُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ يَجِبُ الْقِصَاصُ فَبَيَّنَ إمْكَانَ الِاسْتِيفَاءِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ هُنَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْكِبَرُ وَالصِّغَرُ فِي الْعُضْوِ حَتَّى أُجْرِيَ الْقِصَاصُ فِي الْكُلِّ بِاسْتِيفَاءِ الْكُلِّ وَاعْتَبَرَهُ بِالشَّجَّةِ فِي الرَّأْسِ إذَا كَانَتْ اسْتَوْعَبَتْ رَأْسَ الْمَشْجُوجِ، وَهِيَ لَا تَسْتَوْعِبُ رَأْسَ الشَّاجِّ فَأَثْبَتَ لِلْمَشْجُوجِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ، وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَأَخَذَ بِقَدْرِ شَجَّتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الشَّيْنِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الشَّجَّةَ الْمُسْتَوْعِبَةَ لِمَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ أَكْثَرُ شَيْنًا مِنْ الشَّجَّةِ الَّتِي لَا تَسْتَوْعِبُ بَيْنَ قَرْنَيْهِ، بِخِلَافِ قَطْعِ الْعُضْوِ فَإِنَّ الشَّيْنَ فِيهِ لَا يَخْتَلِفُ وَكَذَا مَنْفَعَتُهُ لَا تَخْتَلِفُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ» وَقَالَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ وَبِوَضْعِ صَاحِبِ الْكِتَابِ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يُبْنَى عَلَى الْمُسَاوَاة وَقَدْ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهَا فِي غَيْرِ السِّنِّ وَاخْتَلَفَ الْأَطِبَّاءُ فِي السِّنِّ هَلْ هُوَ عَظْمٌ أَوْ طَرَفُ عَصَبٍ يَابِسٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ أَنَّهُ عَظْمٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ وَيَنْمُو بَعْدَ تَمَامِ الْخِلْقَةِ وَيَلِينُ بِالْخَلِّ فَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعِظَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَظْمٍ فَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ تَرَكَ السِّنَّ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الِاسْمِ وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ لَمْ يَسْتَثْنِهِ وَلَئِنْ قُلْنَا إنَّهُ عَظْمٌ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعِظَامِ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهِ مُمْكِنٌ بِأَنْ يُبْرَدَ بِالْمِبْرَدِ بِقَدْرِ مَا كُسِرَ مِنْهُ وَكَذَا إنْ قُلِعَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْلَعُ سِنُّهُ قِصَاصًا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ فَرُبَّمَا تَفْسُدُ لَهَاتُهُ وَلَكِنْ يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إلَى مَوْضِعِ أَصْلِ السِّنِّ كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) لَمَّا ذَكَرَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ شَرَعَ فِي الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَهَا؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ يَتْبَعُ الْكُلَّ اهـ (قَوْلُهُ وَمَارِنُ الْأَنْفِ)، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْمَارِنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُطِعَ قَصَبَةُ الْأَنْفِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ عَظْمٌ وَلَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ سِوَى السِّنِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأُذُنُ)، وَأَمَّا الْأُذُن إذَا قُطِعَ كُلُّهَا فَفِيهَا الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ لِأَنَّهَا لَا تَنْقَبِضُ وَلَا تَنْبَسِطُ، وَإِنْ قُطِعَ بَعْضُهَا وَلِلْقَطْعِ حَدٌّ مَعْرُوفٌ أَمْكَنَتْ الْمُمَاثَلَةُ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفَ سَقَطَ الْقِصَاصُ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ) فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِمَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ) أَيْ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ. اهـ. (قَوْلُهُ الَّتِي لَا يَسْتَوْعِبُ بَيْنَ قَرْنَيْهِ) أَيْ قَرْنَيْ الشَّاجِّ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا مَنْفَعَتُهُ لَا تَخْتَلِفُ) أَيْ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ تَرَكَ السِّنَّ) أَيْ اسْتَثْنَى السِّنَّ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمِ السِّنِّ إلَّا فِي السِّنِّ اسْتَثْنَاهُ فِي أَثَرِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ السَّابِقِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَرُبَّمَا تَفْسُدُ لَهَاتُهُ) كَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَنُسْخَةِ الزَّرَاتِيِتيِّ الْمُقَابَلَةِ عَلَى خَطِّ الشَّارِحِ وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ لَهَاتُهُ مَا نَصُّهُ هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ صَوَابُهُ لِثَاتَهُ؛ لِأَنَّ اللِّثَةَ بِالتَّخْفِيفِ كَمَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ هِيَ مَا حَوْلَ الْأَسْنَانِ وَأَصْلُهَا لَثِيَ وَالْهَاءُ عِوَضٌ عَنْ الْيَاءِ وَجَمْعُهَا لِثَاتٌ وَلِثَى اهـ، وَأَمَّا اللَّهَاةُ فَهِيَ كَمَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ اللَّهَاةُ هِيَ الْهَنَةُ الْمُطْبَقَةُ فِي أَقْصَى سَقْفِ الْفَمِ وَالْجَمْعُ اللُّهَى وَاللَّهَوَاتُ وَاللَّهَيَاتُ أَيْضًا اهـ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ اللَّهَاةُ لَحْمَةٌ مُشْرِفَةٌ عَلَى الْحَلْقِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ مَنْ تَسَحَّرَ بِسَوِيقٍ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَلَهَاتِهِ شَيْءٌ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفُ لِثَاتِهِ، وَهِيَ لَحْمَاتُ أُصُولِ الْأَسْنَانِ اهـ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ اللِّثَةُ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ عُمُورُ الْأَسْنَانِ، وَهِيَ مَغَارِزُهَا ثُمَّ قَالَ وَفِي حَدِيثِ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ فَمَا زِلْت أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهَوَاتُ جَمْعُ لَهَاةٍ وَهِيَ اللَّحْمَاتُ فِي سَقْفِ أَقْصَى الْفَمِ اهـ

الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَرَفَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَحُرٍّ وَعَبْدٍ وَعَبْدَيْنِ) أَيْ لَا قِصَاصَ فِي الطَّرَفِ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَلَا بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَلَا بَيْنَ عَبْدَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا فِي الْحُرِّ يَقْطَعُ طَرَفَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لِلْأَنْفُسِ وَشُرِعَ الْقِصَاصُ فِيهَا لِلْإِلْحَاقِ بِالْأَنْفُسِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجْرِي الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ يَجْرِي فِي الْأَطْرَافِ وَمَا لَا فَلَا وَلَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا وِقَايَةُ الْأَنْفُسِ كَالْأَمْوَالِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ طَرَفِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي الْقِيمَةِ بِتَقْوِيمِ الشَّارِعِ وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ وَإِنْ تَسَاوَيَا فِيهِمَا فَذَلِكَ بِالْحِرْزِ وَالظَّنِّ، وَلَيْسَ بِيَقِينٍ فَصَارَ شُبْهَةً فَامْتَنَعَ الْقِصَاصُ بِخِلَافِ طَرَفِ الْحُرَّيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا مُتَيَقَّنٌ بِهِ بِتَقْوِيمِ الشَّرْعِ وَبِخِلَافِ الْأَنْفُسِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيهَا يَتَعَلَّقُ بِإِزْهَاقِ الرُّوحِ، وَلَا تَفَاوُتَ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَرَفُ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ سِيَّانَ) أَيْ مِثْلَانِ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا لِلتَّسَاوِي فِي الْأَرْشِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجْرِي لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَصْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَطْعُ يَدٍ مِنْ نِصْفِ سَاعِدٍ وَجَائِفَةٌ بُرِئَ مِنْهَا وَلِسَانٌ وَذَكَرٌ إلَّا أَنْ يَقْطَعَ الْحَشَفَةَ) أَيْ لَا قِصَاصَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّ فِي الْقَطْعِ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ كَسْرُ الْعَظْمِ وَيَتَعَذَّرُ التَّسَاوِي فِيهِ إذْ لَا ضَابِطَ لَهُ، وَفِي الْجَائِفَةِ الْبُرْءُ نَادِرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْرَحَ الثَّانِي جَائِفَةً عَلَى وَجْهٍ يَبْرَأُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ إهْلَاكًا فَلَا يَجُوزُ، وَالذَّكَرُ وَاللِّسَانُ يَنْقَبِضَانِ وَيَنْبَسِطَانِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يَقْطَعَ مِنْ الْحَشَفَةِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مَعْلُومٌ فَصَارَ كَالْمِفْصَلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا قَطَعَ مِنْ أَصْلِهِمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا بَيَّنَّاهُ، وَلَوْ قَطَعَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ أَوْ بَعْضَ الذَّكَرِ أَوْ بَعْضَ اللِّسَانِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِجَهَالَةِ مِقْدَارِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ كُلَّ الْأُذُنِ أَوْ بَعْضَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ وَلَهُ حَدٌّ مَعْلُومٌ فَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ، وَالشَّفَةُ إنْ اسْتَقْصَاهَا بِالْقَطْعِ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ بَعْضَهَا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخُيِّرَ بَيْنَ الْأَرْشِ وَالْقَوَدِ إنْ كَانَ الْقَاطِعُ أَشَلَّ أَوْ نَاقِصَ الْأَصَابِعِ أَوْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ) أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ وَيَدُ الْمَقْطُوعِ صَحِيحَةً كَامِلَةَ الْأَصَابِعِ؛ فَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ بِكَمَالِهِ مُتَعَذِّرٌ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِدُونِ حَقِّهِ فِي الْقَطْعِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ كَامِلًا كَمَنْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا لِإِنْسَانٍ فَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا رَدِيئًا، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْجُودَ نَاقِصًا وَبَيْنَ أَنْ يَعْدِلَ إلَى الْقِيمَةِ ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ سَقَطَ فِي الزِّيَادَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ فَيَسْتَوْفِي مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَمَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ يُضَمِّنُهُ، وَلَنَا أَنَّ الْبَاقِيَ وَصْفٌ فَلَا يَضْمَنُ بِانْفِرَادِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَجَوَّزَ بِالرَّدِيءِ مَكَانَ الْجَيِّدِ، وَلَوْ سَقَطَتْ يَدُهُ الْمَعِيبَةُ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَطَلَ حَقُّهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ. لِأَنَّ حَقَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ سَلَّمْنَا وُجُودَ التَّفَاوُتِ فِي الْبَدَلِ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ لَكِنَّ الْمَعْقُولَ مِنْهُ مَنْعُ اسْتِيفَاءِ الْأَكْمَلِ بِالْأَنْقَصِ دُونَ الْعَكْسِ فَإِنَّ الشَّلَّاءَ تُقْطَعُ بِالصَّحِيحَةِ، وَأَنْتُمْ لَا تَقْطَعُونَ يَدَ الْمَرْأَةِ بِيَدِ الرَّجُلِ فَالْجَوَابُ إنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّفَاوُتُ الْمَالِيُّ مَانِعًا مُطْلَقًا وَالشَّلَلُ لَيْسَ مِنْهُ فَيَعْتَبِرُ مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ تَفَاوُتًا مَالِيًّا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا سُلِكَ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُوجِبُ تَفَاوُتًا فِي الْمَنْفَعَةِ تَنْتَفِي بِهِ الْمُمَاثَلَةُ يَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ فَقُلْنَا تُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ بَاذِلًا لِلزِّيَادَةِ فِي الْأَطْرَافِ وَلَا تُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَنْقَصِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ جَائِزٌ دُونَ الْبَدَلِ بِالْأَطْرَافِ اهـ أَكْمَلَ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَإِنْ قِيلَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ صَحِيحٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ قَطْعِ الصَّحِيحِ بِالْأَشَلِّ وَالْحُرِّ بِالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ بِالْأُنْثَى فَهَلَّا أَجَزْتُمْ أَنْ تُقْطَعَ الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ كَمَا يُقْطَعُ الْأَشَلُّ بِالصَّحِيحِ قِيلَ النَّقْصُ عَلَى ضَرْبَيْنِ نَقْصٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ فَيَمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْكَامِلِ بِالنَّاقِصِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَاءِ النَّاقِصِ بِالْكَامِلِ كَالشَّلَلِ، وَنَقْصٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَيَمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ كَالْيَسَارِ بِالْيَمِينِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ نَقْصٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْحُرِّ يَقْطَعُ طَرَفَ الْعَبْدِ)، فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ عَلَى الْحُرِّ عِنْدَهُ أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي الْجَائِفَةِ الْبُرْءُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَأَمَّا الْجَائِفَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الْبَطْنِ مِنْ الصَّدْرِ أَوْ الظَّهْرِ أَوْ الْبَطْنِ إذَا بَرَأَتْ لَا يَكُونُ فِيهَا الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْجَائِفَةَ الْمُقْتَصُّ بِهَا نَادِرٌ بُرْؤُهَا إذْ الْهَلَاكُ فِيهَا غَالِبٌ، فَإِذَا أَفْضَتْ إلَى الْهَلَاكِ غَالِبًا لَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الثَّانِيَةِ وَالْأُولَى لِوُجُودِ الْبُرْءِ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْقِصَاصِ بَلْ يَجِبُ ثُلُثُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَلَا تَكُونُ الْجَائِفَةُ إلَّا فِيمَا يَصِلُ إلَى الْبَطْنِ وَلَا تَكُونُ فِي الرَّقَبَةِ وَلَا فِي الْحَلْقِ وَلَا فِي الْيَدَيْنِ وَلَا فِي الرِّجْلَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي الْأُنْثَيَيْنِ وَالدُّبُرِ فَهِيَ جَائِفَةٌ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ) وَقَدْ قَالُوا جَمِيعًا لَوْ قُطِعَ بَعْضُ اللِّسَانِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مِفْصَلٌ يُوقَعُ فِيهِ الْقِصَاصُ فَلَا تُعْلَمُ الْمُمَاثَلَةُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَقَطَتْ يَدُهُ الْمَعِيبَةُ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَقْطَعَهَا رَجُلٌ ظُلْمًا أَوْ تَتْلَفُ بِآفَةٍ مِنْ السَّمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَطَلَ حَقُّهُ إلَخْ) وَلَا يُقَالُ إنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا فِي الْيَدِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ هَذَا الْحَقِّ إلَى بَدَلِهِ فَإِذَا تَلِفَ لَمْ تَجُزْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْبَدَلِ عَنْهُ مَعَ تَلَفِهِ كَذَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

[فصل صولح على مال وجب حالا وسقط القود]

مُتَعَيِّنٌ فِي الْقِصَاصِ عِنْدَنَا لِمَا مَرَّ أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ عَيْنًا وَحَقُّهُ ثَابِتٌ فِيهِ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ الْمَالَ كَمَا إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً فَإِذَا فَاتَ الْمَحَلُّ بَطَلَ الْحَقُّ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ بِقَوَدٍ أَوْ سَرِقَةٍ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْيَدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ الْأَرْشُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ عِنْدَهُ أَصْلِيٌّ كَالْقَوَدِ فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ تَعَيَّنَ الْمَالُ وَلَنَا أَنَّ الْقَوَدَ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَفُوتُ بِفَوَاتِ الْمَحَلِّ كَمَا إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ بِقِصَاصٍ أَوْ سَرِقَةٍ قَدْ أَوْفَى بِهَا حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَسَلِمَتْ لَهُ مَعْنًى فَيَغْرَمُ لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ النَّفْسِ إذَا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ لِغَيْرِهِ فَقُتِلَ بِهِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ. لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمَالِ فَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ، وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ بِأَنْ كَانَتْ الشَّجَّةُ اسْتَوْعَبَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ، وَهِيَ لَا تَسْتَوْعِبُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ؛ فَلِأَنَّ الشَّجَّةَ إنَّمَا كَانَتْ مُوجِبَةً لِكَوْنِهَا مُشِينَةً فَيَزْدَادُ الشَّيْنُ بِزِيَادَتِهَا، وَفِي اسْتِيفَاءِ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فَعَلَ وَبِاسْتِيفَاءِ قَدْرِ حَقِّهِ لَا يَلْحَقُ الشَّاجَّ مِنْ الشَّيْنِ مِثْلُ مَا يَلْحَقُ الْمَشْجُوجَ فَيُخَيَّرُ كَمَا فِي الشَّلَّاءِ وَالصَّحِيحَةِ ثُمَّ لَوْ اخْتَارَ الْقَوَدَ يَبْدَأُ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ وَفِي عَكْسِهِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَشْجُوجِ أَكْبَرَ يَتَخَيَّرُ أَيْضًا لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ كَمَلًا لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الشَّيْنِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الشَّجَّةُ فِي طُولِ الرَّأْسِ، وَهِيَ تَأْخُذُ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا إلَى قَفَاهُ وَلَا تَأْخُذُ إلَى قَفَا الْآخَرِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ لِمَا ذَكَرْنَا وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ الرَّازِيّ الْكَبِيرِ أَنَّ لَهُ الِاقْتِصَاصَ وَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَحَلِّ فَلَا يُنْظَرُ إلَى الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ كَالْيَدِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقِصَاصَ فِي الشَّجَّةِ لِأَجْلِ الشَّيْنِ، وَهُوَ يَتَفَاوَتُ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَفِي قَطْعِ الْيَدِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ، وَهِيَ لَا تَتَفَاوَتُ وَلَعَلَّ الصَّغِيرَةَ أَنْفَعُ مِنْ الْكَبِيرَةِ فَافْتَرَقَا (فَصْلٌ). قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ صُولِحَ عَلَى مَالٍ وَجَبَ حَالًّا وَسَقَطَ الْقَوَدُ) أَيْ إذَا صُولِحَ الْقَاتِلُ عَلَى مَالٍ عَنْ الْقِصَاصِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ الْمَالُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ حَالًّا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178]، الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي الصُّلْحِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَالَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا» وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَخْذُ الْمَالِ بِرِضَا الْقَاتِلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لَهُ يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ مَجَّانًا فَكَذَا تَعْوِيضًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ مِنْ إحْسَانِ الْوَلِيِّ وَإِحْيَاءِ الْقَاتِلِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ فَكَذَا التَّعْوِيضُ وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ فَيُفَوَّضُ إلَى اصْطِلَاحِهِمَا كَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً حَيْثُ لَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، فَيَكُونُ أَخْذُ أَكْثَرَ مِنْهُ رِبًا وَإِنَّمَا وَجَبَ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَالْأَصْلُ فِي مِثْلِهِ الْحَوْلُ كَالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبُ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِبَذْلِ الْمَالِ إلَّا مُقَابَلًا بِهِ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ مَقْصُودَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَنَصَّفُ إنْ أَمَرَ الْحُرُّ الْقَاتِلُ وَسَيِّدُ الْقَاتِلِ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفٍ فَفَعَلَ) مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا وَعَبْدًا فَأَمَرَ الْحُرُّ الْقَاتِلُ وَمَوْلَى الْعَبْدِ الْقَاتِلِ رَجُلًا بِأَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ الْمَأْمُورُ فَالْأَلْفُ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَوْلَى نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْقِصَاصِ وَهُوَ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيَنْقَسِمُ بَدَلُهُ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْأَلْفَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَيْهِمَا فَيَنْتَصِفُ مُوجِبُهُ وَهُوَ الْأَلْفُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ حَظِّهِ عَلَى عِوَضٍ أَوْ عَفَا فَلِمَنْ بَقِيَ حَظُّهُ مِنْ الدِّيَةِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِهِ اسْتِيفَاءً وَإِسْقَاطًا بِالْعَفْوِ أَوْ بِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَيَنْفُذُ عَفْوُهُ وَصُلْحُهُ فَيَسْقُطُ بِهِ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ أَيْضًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا فَكَذَا سُقُوطًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَعَفَا أَوْلِيَاءُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ يَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ الْآخَرِ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قِصَاصَانِ لِاخْتِلَافِ الْقَتْلِ وَالْمَقْتُولِ فَبِسُقُوطِ أَحَدِهِمَا لَا يَسْقُطُ الْآخَرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ ثُبُوتًا هَكَذَا بَقَاءً بِخِلَافِ مَا نَحْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يَبْدَأُ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ) حَتَّى يَبْلُغَ مِقْدَارَهَا فِي طُولِهَا إلَى حَيْثُ يَبْلُغُ ثُمَّ يَكُفُّ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ إنَّ لَهُ الِاقْتِصَاصَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَهُ الِاقْتِصَاصُ. اهـ [فَصْلٌ صُولِحَ عَلَى مَالٍ وَجَبَ حَالًّا وَسَقَطَ الْقَوَدُ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الْآيَةَ) أَيْ مِنْ جِهَةِ أَخِيهِ الْمَقْتُولِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ أَوَّلَ كِتَابِ الْجِنَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً إلَخْ) إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ مَا اُفْتُرِضَتْ فِيهِ الدِّيَةُ، وَإِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى خِلَافِ الْجِنْسِ يَجُوزُ وَإِنْ زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَرْخِيُّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ) أَيْ سُقُوطَ الْقَوَدِ. اهـ. .

فِيهِ، فَإِذَا سَقَطَ انْقَلَبَ نَصِيبُ مَنْ لَمْ يَعْفُ مَالًا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ لِمَعْنًى فِي الْقَتْلِ وَهُوَ ثُبُوتُ عِصْمَةِ الْقَاتِلِ بِعَفْوِ الْبَعْضِ عَنْ الْقِصَاصِ فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَإِ فَإِنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ فِيهِ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُخْطِئًا فَلَا يَجِبُ لِلْعَافِي شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ الْمُتَعَيِّنَ بِفِعْلِهِ وَرِضَاهُ بِلَا عِوَضٍ بِخِلَافِ شُرَكَائِهِ لِعَدَمِ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُمْ مَالًا وَالْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا حَقَّ لِلزَّوْجَيْنِ فِي الْقِصَاصِ وَلَا فِي الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَهِيَ بِالنَّسَبِ دُونَ السَّبَبِ لِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَثْبُتُ حَقُّهُمَا فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْعَقْدُ، وَالْقِصَاصُ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقٌّ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِصَاصِ التَّشَفِّي وَالِانْتِقَامُ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِهِ الْأَقَارِبُ الَّذِينَ يَنْصُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلِهَذَا لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا عَاقِلَةَ الْآخَرِ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ مَالًا أَوْ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كُلًّا فَعَلَيَّ وَالْقِصَاصُ حَقُّهُ»، فَيَكُونُ لِجَمِيعِهِمْ كَالْمَالِ «وَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَوْرِيثِ امْرَأَةِ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا أَشْيَمَ»؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ حَتَّى إنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ الصُّلْبِيِّ وَبَيْنَ ابْنِ الِابْنِ فَثَبَتَ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ وَالزَّوْجِيَّةُ تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَوْ يَثْبُتُ الْإِرْثُ مُسْتَنِدًا إلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الْجُرْحُ وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُقَسِّمُ الدِّيَةَ عَلَى مَنْ أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ وَالدِّيَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ تَدْخُلُ الدِّيَةُ فِيهِ وَالْقِصَاصُ بَدَلُ النَّفْسِ كَالدِّيَةِ فَيُورَثُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ مَالًا تُقْضَى بِهِ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ فِيهِ وَصَايَاهُ وَاسْتِحْقَاقُ الْإِرْثِ بِالزَّوْجِيَّةِ كَاسْتِحْقَاقِهِ بِالْقَرَابَةِ لَا بِالْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَيْسَ بِالْعَقْدِ، بَلْ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ التَّنَاصُرِ وَالْعَقْلِ عَدَمُ الْإِرْثِ لِلْقِصَاصِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّغِيرَ وَالنِّسَاءَ مِنْ الْأَقَارِبِ لَا يَعْقِلْنَ وَيَرِثْنَ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَعْقِلُ عَنْهَا أَبْنَاؤُهَا الْكِبَارُ وَيَرِثُونَهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا حَظَّ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْأَقَارِبِ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَلَهُنَّ حَقُّ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقَتْلِ لِضَعْفِهَا وَلِهَذَا لَا تُقْتَلُ الْكَافِرَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَلَا تُوضَعُ عَلَيْهَا الْجِزْيَةُ الْوَاجِبَةُ مَكَانَ الْقَتْلِ فَصَارَتْ فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ كَالصَّغِيرِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقَتْلِ قُلْنَا إنَّهَا إنْ لَمْ تَقْدِرْ تُوَكِّلْ فَإِنَّهَا مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْتَلُ الْجَمِيعُ بِالْفَرْدِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْتَلَ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ، وَلَكِنْ تَرَكْنَاهُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَرُوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا وَاحِدًا فَقَتَلَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهِ، وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ التَّغَالُبِ غَالِبٌ، وَالْقِصَاصُ شُرِعَ لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالْمُنْفَرِدِ بِهِ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْإِحْيَاءِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَلَزِمَ سَدُّ بَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَإِ إلَخْ) وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ دَمًا بَيْنَ شَرِيكَيْنِ عَفَا عَنْهُ أَحَدُهُمَا فَاسْتَشَارَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَرَى هَذَا قَدْ أَحْيَاهُ فَلَا يَمْلِكُ الْآخَرُ أَنْ يُمِيتَ مَا أَحْيَاهُ حَمَلَ عُمَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ سُقُوطِ الْقِصَاصِ بِعَفْوِ أَحَدِ شَرِيكَيْ الدَّمِ مَذْهَبُنَا، وَقَالَ مَالِكٌ لِلْآخَرِ أَنْ يَقْتُلَهُ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَتْلِ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَضِيَّةُ عُمَرَ، وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ قَضِيَّتَهُ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَيْضًا الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ تَصِيرُ مِيرَاثًا لِكُلِّ الْوَرَثَةِ عِنْدَنَا بِالسَّبَبِ وَالنَّسَبِ جَمِيعًا اهـ. (قَوْلُهُ وَالْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقِصَاصَ يَسْتَحِقُّهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَالَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ مَوْرُوثَةٌ بَيْنَهُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِصَاصَ أَحَدُ بَدَلَيْ النَّفْسِ فَيَنْقَسِمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ كَالدِّيَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ مَالٌ لِلْمَيِّتِ تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، ثُمَّ إذَا ثَبَتَ الْقِصَاصُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ نَصِيبِهِ أَوْ يُصَالِحَ عَنْهُ وَيَبْطُلُ بِذَلِكَ الْقِصَاصُ وَكَانَ عَلَى الْقَاتِلِ حَقُّ مَنْ لَمْ يَعْفُ عَنْ الدِّيَةِ، وَلَيْسَ لِلْعَافِي مِنْ الدِّيَةِ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَوْرِيثِ امْرَأَةِ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلَابِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَرَدَ عَلَى كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ «وَرَّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ الدِّيَةُ بَيْنَ مَنْ أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ؛ وَلِأَنَّهَا مَالٌ لِلْمَيِّتِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي دَمِ عَمْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ عَفَا أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَقَالَ زُفَرُ فِي سَنَتَيْنِ لَنَا أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الدِّيَةِ فَيَسْقُطُ فِي السِّنِينَ الثَّلَاثِ كَمَا لَزِمَ بَعْضَ الْعَاقِلَةِ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ نِصْفَ الدِّيَةِ لَمْ تَلْزَمْ مِنْ أَجْزَاءِ دِيَةٍ وَاجِبَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ جُمْلَةُ الْوَاجِبِ فَصَارَ كَمَا يَجِبُ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ بِقَطْعِ الْيَدِ خَطَأً اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الضِّبَابِيُّ مَا نَصُّهُ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالضِّبَابُ بَطْنٌ مِنْ الْعَرَبِ ذَكَرَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي جَمْهَرَةِ اللُّغَةِ وَأَشْيَمَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَكَانَ قَتَلَهُ خَطَأً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيُقْتَلُ الْجَمْعُ بِالْفَرْدِ) بِشَرْطِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ الْكُلِّ بِأَنْ جَرَحَ كُلُّ وَاحِدٍ جُرْحًا سَارِيًا. اهـ. خُوَاهَرْ زَادَهْ (قَوْلُهُ: تَمَالَأَ) أَصْلُهُ الْمُعَاوَنَةُ فِي مِلْءِ الدَّلْوِ، ثُمَّ عَمَّ فَقَالُوا تَمَالَئُوا أَيْ تَعَاوَنُوا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

الْقِصَاصِ وَفَتْحُ بَابِ التَّفَانِي إذْ لَا يُوجَدُ الْقَتْلُ مِنْ وَاحِدٍ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ يُقَاوِمُهُ الْوَاحِدُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَحْصُلْ إلَّا نَادِرًا وَالزَّاجِرُ يُشْرَعُ فِيمَا يَغْلِبُ لَا فِيمَا يَنْدُرُ؛ وَلِأَنَّ زَهُوقَ الرُّوحِ لَا يَتَجَزَّأُ وَاشْتِرَاكُ الْجَمَاعَةِ فِيمَا لَا يَتَجَزَّأُ يُوجِبُ التَّكَامُلَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَلًا كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فِي بَابِ النِّكَاحِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفَرْدُ بِالْجَمْعِ اكْتِفَاءً) أَيْ يُقْتَلُ الْفَرْدُ إذَا قَتَلَ جَمَاعَةً وَيُكْتَفَى بِذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمْ إنْ قَتَلَهُمْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَيُقْضَى بِالدِّيَةِ لِمَنْ بَعْدَهُ فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَإِنْ قَتَلَهُمْ جَمِيعًا مَعًا أَوْ لَمْ يُعْرَفْ الْأَوَّلُ مِنْهُمْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَيُقْضَى بِالْقَوَدِ لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ وَبِالدِّيَةِ لِلْبَاقِينَ وَفِي قَوْلٍ قُتِلَ لَهُمْ جَمِيعًا وَتُقْسَمُ الدِّيَاتُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُ قَتْلَاتٌ وَمَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ قَتْلٌ وَاحِدٌ فَلَا تَمَاثُلُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا ذَكَرْنَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فَحَصَلَ التَّمَاثُلُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا الْقِصَاصُ، وَلَوْلَا أَنَّ التَّمَاثُلَ ثَابِتٌ لَمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمِثْلَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ فَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ مِثْلًا لِلْآخَرِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ مِثْلًا لَهُ كَاسْمِ الْأَخِ وَالزَّوْجِ فَوُجُوبُ الْقِصَاصِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِثْلٌ لَهُ إذْ هُوَ لَا يَجِبُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ كَكَسْرِ الْعَظْمِ أَوْ يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ كَالْجَائِفَةِ فَإِنَّ الثَّانِيَ لَمَّا تَوَهَّمَ مَوْتَهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ امْتَنَعَ الْقِصَاصُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ قَتَلَ لَهُ وَسَقَطَ حَقُّ الْبَقِيَّةِ كَمَوْتِ الْقَاتِلِ) أَيْ إذَا حَضَرَ أَوْلِيَاءُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَقْتُولِينَ قَتَلَ لَهُمْ وَسَقَطَ حَقُّ أَوْلِيَاءِ بَقِيَّةِ الْمَقْتُولِينَ كَمَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْقَاتِلِ حَتْفَ أَنْفِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُقْطَعُ يَدُ رَجُلَيْنِ بِيَدٍ) مَعْنَاهُ إذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَ رَجُلٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُقْطَعُ أَيْدِيهِمَا وَالْمَفْرُوضُ إذَا أَخَذَا سِكِّينًا وَاحِدًا مِنْ جَانِبٍ وَأَمَرَّاهَا عَلَى يَدِهِ حَتَّى انْفَصَلَتْ هُوَ يَعْتَبِرُهَا بِالْأَنْفُسِ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لَهَا وَمُلْحَقَةٌ بِهَا فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَّ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ مِنْ جَانِبٍ وَالْآخَرُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ حَتَّى الْتَقَى السِّكِّينَانِ فِي الْوَسَطِ وَبَانَتْ الْيَدُ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمْرَارُ السِّلَاحِ إلَّا عَلَى بَعْضِ الْعُضْوِ وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْبَعْضِ؛ لِأَنَّ مَا انْقَطَعَ بِقُوَّةِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِقُوَّةِ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ الْكُلُّ بِالْبَعْضِ وَالِاثْنَتَانِ بِالْوَاحِدَةِ لِانْعِدَامِ الْمُسَاوَاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبٍ بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِيهَا الْمُسَاوَاةُ فِي الْعِصْمَةِ لَا غَيْرُ وَفِي الطَّرَفِ تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي النَّفْعِ وَالْقِيمَةِ وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ وَالنَّفْسُ السَّالِمَةُ عَنْ الْعُيُوبِ تُقْتَلُ بِالْمَفْلُوجِ وَالْمَشْلُولِ فَكَذَا الِاثْنَانِ بِالْوَاحِدَةِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى النَّفْسِ؛ وَلِأَنَّ زُهُوقَ الرُّوحِ لَا يَتَجَزَّأُ فَأُضِيفَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَمَلًا وَقَطْعُ الْعُضْوِ يَتَجَزَّأُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقْطَعَ الْبَعْضُ وَيُتْرَكَ الْبَاقِي وَفِي الْقَتْلِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَّ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ عَلَى قَفَاهُ وَالْآخَرُ عَلَى حَلْقِهِ حَتَّى الْتَقَيَا فِي الْوَسَطِ وَمَاتَ مِنْهُمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَفِي الْيَدِ لَا يَجِبُ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ الِاجْتِمَاعِ غَالِبٌ مَخَافَةَ الْغَوْثِ لَا فِي الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَاتٍ بَطِيئَةٍ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ بِسَبَبِهَا كَالشَّدِّ أَوْ نَقُولُ ثَبَتَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ بِالْأَثَرِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَفِي قَوْلٍ قُتِلَ لَهُمْ جَمِيعًا) قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا الْوَاحِدُ يُقْتَلُ بِالْجَمَاعَةِ قِصَاصًا عَلَى سَبِيلِ الِاكْتِفَاءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُقْتَلُ اكْتِفَاءً غَيْرَ أَنَّهُ إنْ قَتَلَهُمْ عَلَى التَّعَاقُبِ يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ اكْتِفَاءً وَتَجِبُ دِيَاتُ الْبَاقِينَ وَإِنْ قَتَلَهُمْ عَلَى الْمُقَارَنَةِ لَهُ فِيهِ قَوْلَانِ فِي قَوْلٍ يُقْتَلُ بِالْوَاحِدِ غَيْرُ عَيْنٍ وَتَجِبُ دِيَاتُ الْبَاقِينَ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ وَفِي قَوْلٍ يُقْرَعُ فَيُقْتَلُ لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَتَجِبُ الدِّيَاتُ لِلْبَاقِينَ إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّرِيقَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ اهـ. (فَرْعٌ). فَإِنْ قُلْت فَمَا الْجَوَابُ عَنْ أَنَّ الْيَدَ الْوَاحِدَةَ لَا تُقْطَعُ بِالْأَيْدِي اكْتِفَاءً، بَلْ تُقْطَعُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا وَيَنْتَقِلُ حَقُّ الْبَاقِينَ إلَى الْمَالِ قُلْت الطَّرَفُ مُتَبَعِّضٌ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى اسْتِيفَائِهِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُسْتَوْفِيًا لِجُزْءِ حَقِّهِ وَيَنْتَقِلُ فِي الْبَاقِي إلَى الْمَالِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ فَوَجَدُوا قَفِيزًا وَاحِدًا فَإِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَهُ وَيَنْتَقِلُونَ فِي الْبَاقِي إلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَعِّضٌ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمُتَبَعِّضٍ فَثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَلًا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَطْعِ الْيَدِ وَحَزِّ الرَّقَبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْبَعْضِ) وَلَنَا أَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ الْجَمَاعَةِ يَسْتَدْعِي التجزي لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَصَلَ مِنْهُ بَعْضُ الْقَطْعِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ يَسْتَدْعِي التجزي؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ وَهُوَ الْيَدُ يَقْبَلُ التجزي فَإِذَا حَصَلَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْضُ الْقَطْعِ لَمْ يَجُزْ إضَافَةُ الْقَطْعِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَلًا فَلَمْ يَجُزْ قَطْعُ الْأَيْدِي بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بِخِلَافِ قَتْلِ الْأَنْفُسِ بِالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ يُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَلًا فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلًا عَلَى الْكَمَالِ فَحَصَلَ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْأَنْفُسِ وَالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ وَالِاعْتِدَاءُ مُقَيَّدٌ بِالْمُمَاثَلَةِ قَالَ تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، وَقَالَ تَعَالَى {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا} [غافر: 40] وَقَطْعُ الْيَدِ مُتَجَزِّئٌ فَلَا تَجُوزُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْأَيْدِي وَالْيَدِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ لِلْيَدِ نِصْفًا وَرُبُعًا وَثُمُنًا وَنَحْوُ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

وَالطَّرَفُ لَيْسَ مِثْلَهَا فَلَا يَلْحَقُ بِهَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَا دِيَتَهَا) أَيْ ضَمِنَ الْقَاطِعَانِ دِيَةَ الْمَقْطُوعَةِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبُعُ فَيَجِبُ مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَطَعَ وَاحِدٌ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ فَلَهُمَا قَطْعُ يَمِينِهِ وَنِصْفُ الدِّيَةِ) يَعْنِي إذَا حَضَرَا مَعًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ جُمْلَةً وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ قَطَعَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ يُقْطَعُ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَيَغْرَمُ أَرْشَ الْيَدِ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ يَدَهُ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ قِصَاصًا فَمَنَعَ اسْتِحْقَاقَهَا الثَّانِي بِالْقَطْعِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ شَيْئًا مِنْ إنْسَانٍ، ثُمَّ رَهَنَهُ مِنْ آخَرَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ قَطَعَهُمَا مَعًا يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ الْقِصَاصُ لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ وَالْأَرْشُ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ الْوَاحِدَةَ لَا تَفِي بِالْحَقَّيْنِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهَا مِنْ الْآخَرِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْقُرْعَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ تُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي التَّرِكَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ الْيَدِ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ الْقَطْعُ وَكَوْنُهُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُ تَقَرُّرَ السَّبَبِ فِي حَقِّ الثَّانِي وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ لَهُمَا عَبْدًا اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ رَقَبَتِهِ، وَلَوْ كَانَ يَمْتَنِعُ بِالْأَوَّلِ لَمَا شَارَكَهُ الثَّانِي بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ حُكْمًا فَلَا يَثْبُتُ لِلثَّانِي بَعْدَ مَا ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ كَالِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً؛ وَلِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ حَقُّهُ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ حَتَّى يَحْسِبَهُ بِحَقِّهِ وَيَكُونُ خَصْمًا فِيهِ إذَا اُسْتُهْلِكَ وَيَقْبِضُ بَدَلَهُ، فَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَا كَذَلِكَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُ فِي الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِيهِ تَصَرُّفًا يُفْضِي إلَى قَطْعِ الْيَدِ، وَالْمَحَلُّ خَالٍ عَنْ حَقِّهِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَلِهَذَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ لَا يُطَالَبُ الْقَاطِعُ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ حَقُّهُ ثَابِتًا فِيهَا لَطَالَبَهُ بِهِ كَالْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الْأَوَّلُ ثُبُوتَ حَقِّ الثَّانِي فِيهَا اسْتَوَيَا فِيهَا فَيُقْطَعُ لَهُمَا إذَا حَضَرَا مَعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَيُقْضَى لَهُمَا بِنِصْفِ الدِّيَةِ يَقْتَسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ حَيْثُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَتْلِ لَهُمَا وَلَا يُقْضَى لَهُمَا بِالدِّيَةِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْفَرْقِ فِيمَا تَقَدَّمَ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ فَقُطِعَ يَدُهُ لَهُ فَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ)؛ لِأَنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ لِثُبُوتِ حَقِّهِ بِيَقِينٍ، وَحَقُّ الْآخَرِ مُتَرَدِّدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَطْلُبَ أَوْ يَعْفُوَ مَجَّانًا أَوْ صُلْحًا فَصَارَ كَأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ إذَا حَضَرَ وَالْآخَرُ غَائِبٌ حَيْثُ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ فِي الْكُلِّ لِمَا قُلْنَا، ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْآخَرُ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَدُهُ لِلْحَاضِرِ وَطَلَبَ يُقْضَى لَهُ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ أَوْفَى بِهَا حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَيَضْمَنُهَا لِسَلَامَتِهَا لَهُ، وَلَوْ قُضِيَ بِالْقِصَاصِ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الدِّيَةِ فَلِلْآخَرِ الْقَوَدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ بِالْقَضَاءِ أَثْبَتَ الشِّرْكَةَ بَيْنَهُمَا فَعَادَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْبَعْضِ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْآخَرُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْعُقُوبَاتِ فَالْعَفْوُ قَبْلَهُ كَالْعَفْوِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلَوْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَ الْقَاطِعِ مِنْ الْمِرْفَقِ سَقَطَ الْقِصَاصُ لِذَهَابِ الْيَدِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ بِالْقَطْعِ ظُلْمًا وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا كَمَا إذَا قَطَعَهَا أَجْنَبِيٌّ أَوْ سَقَطَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَلَهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ قَطْعِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ ظُلْمًا، ثُمَّ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ ذِرَاعَ الْقَاطِعِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دِيَةَ الْيَدِ وَحُكُومَةَ عَدْلٍ فِي قَطْعِ الذِّرَاعِ إلَى الْمِرْفَقِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْقَاطِعِ كَانَتْ مَقْطُوعَةً مِنْ الْكَفِّ حِينَ قَطَعَ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمِرْفَقِ فَكَانَتْ كَالشَّلَّاءِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَاحِدًا فَقُطِعَ الْقَاطِعُ مِنْ الْمِرْفَقِ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَلِلْمَقْطُوعِ مِنْ الْمِرْفَقِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ قَطَعَ مِنْ الْمِرْفَقِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ لِمَا ذَكَرْنَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِقَتْلِ عَمْدٍ يُقْتَصُّ بِهِ)، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ خَطَأً أَوْ بِالْمَالِ وَلَنَا أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي مِثْلِهِ لِكَوْنِهِ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِهِ فَيَصِحُّ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ عَمَلًا بِالْآدَمِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ إقْرَارَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا يَجُوزُ، فَإِذَا صَحَّ لَزِمَ مِنْهُ بُطْلَانُ حَقِّ الْمُوَلَّى ضَرُورَةً وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ ضِمْنًا وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ قَصْدًا بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالطَّرَفُ لَيْسَ مِثْلَهَا فَلَا يَلْحَقُ بِهَا) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ كَمَا تُقْتَلُ الْأَنْفُسُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَأَنْ نَقُولَ الْقِيَاسُ كَذَلِكَ لَكِنْ تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ وَالْمَخْصُوصُ عَنْ الْقِيَاسِ لَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَطْعُ الطَّرَفِ لَيْسَ فِي مَعْنَى قَتْلِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بالتجزي؛ لِأَنَّهُ إبَانَةُ الْعُضْوِ فَجَازَ أَنْ يُقْطَعَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ، وَأَمَّا الْقَتْلُ إزْهَاقُ الرُّوحِ وَأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ لَا يُطَالِبُ) بِأَنْ قَطَعَهَا شَخْصٌ آخَرُ لَا يَكُونُ لِلْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ مُطَالَبَةُ مَنْ قَطَعَ يَدَ قَاطِعِهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ إلَخْ) وَقَوْلُ زُفَرَ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا ارْتَدَّ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ مَعَ وُجُودِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ. اهـ. غَايَةٌ

[فصل قطع يد رجل ثم قتله]

الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْمُوَلَّى بِإِبْطَالِ حَقِّهِ قَصْدًا؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ بَيْعُ الْعَبْدِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ، وَكَذَا إقْرَارُهُ بِالْقَتْلِ خَطَأً؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ دَفْعُ الْعَبْدِ أَوْ الْفِدَاءُ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ فَلَا يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ، فَيَكُونُ بَاطِلًا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَمَى رَجُلًا عَمْدًا فَنَفَذَ السَّهْمُ مِنْهُ إلَى آخَرَ يُقْتَصُّ لِلْأَوَّلِ وَلِلثَّانِي الدِّيَةُ)؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَمْدٌ وَالثَّانِيَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَأِ وَهُوَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ فَكَأَنَّهُ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ فَأَصَابَ مُسْلِمًا وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَثَرِهِ. [فَصْلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ] (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ، ثُمَّ قَتَلَهُ أُخِذَ بِالْأَمْرَيْنِ لَوْ عَمْدَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ خَطَأَيْنِ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ أَوْ لَا إلَّا فِي خَطَأَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَنْ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرَأَ مِنْ تِسْعِينَ وَمَاتَ مِنْ عَشَرَةٍ) مَعْنَى هَذَا إذَا قَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبُ الْقَتْلِ وَمُوجِبُ الْقَطْعِ إذَا كَانَا عَمْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً أَوْ كَانَا خَطَأَيْنِ وَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ لَا فِي خَطَأَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَتَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكُلَّ لَا يَتَدَاخَلَانِ إلَّا الْخَطَأَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ فَيَجِبُ فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ لَا يَتَدَاخَلَانِ، أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَا عَمْدَيْنِ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعِنْدَهُمَا يَتَدَاخَلَانِ فَيُقْتَلُ حُرًّا وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ لِتَجَانُسِ الْفِعْلَيْنِ وَعَدَمِ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ بَيْنَهُمَا فَصَارَا كَالْخَطَأَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجِرَاحَاتِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَقَعُ بِضَرَبَاتٍ غَالِبًا وَاعْتِبَارُ كُلِّ ضَرْبَةٍ عَلَى حِدَتِهَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَيُجْمَعُ تَيْسِيرًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ بِأَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ الْفِعْلَيْنِ كَالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ أَوْ يَتَخَلَّلُ الْبُرْءُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْبُرْءَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الثَّانِي تَتْمِيمًا لِلْأَوَّلِ فَيُعْتَبَرُ عَلَى حِيَالِهِ وَأَمْكَنَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبُرْءِ فَصَارَ كَسِرَايَةِ الْأَوَّلِ وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّ حَزَّ الرَّقَبَةِ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْقَطْعِ كَالْبُرْءِ حَتَّى لَوْ صَدَرَا مِنْ شَخْصَيْنِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ فَكَذَا إذَا كَانَا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَقْطَعُ الْأَوْلِيَاءُ يَدَهُ، ثُمَّ يَقْتُلُونَهُ إنْ شَاءُوا وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) (قَوْلُهُ: وَمُوجِبُ الْقَطْعِ إذَا كَانَا عَمْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً) هَذِهِ حَالَةٌ تَتَقَسَّمُ إلَى حَالَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا، ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً وَالْأُخْرَى قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً، ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ بَعْدَهُ فَصَارَتْ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَالْحَالَتَانِ الْأُخْرَيَانِ كَذَلِكَ تُتَصَوَّرُ أَرْبَعُ صُوَرٍ فَيَصِيرُ الْمَجْمُوعُ ثَمَانِيَةَ صُوَرٍ فِي سِتٍّ مِنْهَا لَا يَتَدَاخَلَانِ اتِّفَاقًا وَفِي وَاحِدَةٍ يَتَدَاخَلَانِ اتِّفَاقًا فَتَجِبُ دِيَةٌ فَقَطْ وَالثَّامِنَةُ خِلَافِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَدَاخَلَانِ، وَعِنْدَهُمَا يَتَدَاخَلَانِ اهـ. (فُرُوعٌ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَقْطَعُ يَدَ الرَّجُلِ عَمْدًا، ثُمَّ يَقْتُلُهُ خَطَأً قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ الْيَدُ أَوْ يَقْطَعُ يَدَهُ خَطَأً، ثُمَّ يَقْتُلُهُ عَمْدًا قَبْلَ الْبُرْءِ. قَالَ يُؤْخَذُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا بِالْيَدِ وَالنَّفْسِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمَا يُشَاكِلُهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ عَمْدًا، ثُمَّ يَقْتُلُهُ عَمْدًا أَوْ يَقْطَعُ يَدَهُ خَطَأً، ثُمَّ يَقْتُلُهُ خَطَأً أَوْ يَقْطَعُ يَدَهُ عَمْدًا، ثُمَّ يَقْتُلُهُ خَطَأً أَوْ يَقْطَعُ يَدَهُ خَطَأً، ثُمَّ يَقْتُلُهُ عَمْدًا، ثُمَّ كُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَبْرَأَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَوْ لَا يَبْرَأَ فَصَارَتْ فِي الْحَاصِلِ ثَمَانِيَ مَسَائِلَ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ الْقَطْعُ عَمْدًا وَالْقَتْلُ خَطَأً أَوْ الْقَطْعُ خَطَأً وَالْقَتْلُ عَمْدًا. وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ بَعْدَ الْبُرْءِ فَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا بَعْدَ الْبُرْءِ يُجْمَعُ بَيْنَ الْمُوجِبَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ قَدْ انْتَهَى، فَيَكُونُ الْقَتْلُ بَعْدَهُ فِعْلًا ابْتِدَاءً فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى لَوْ كَانَا عَمْدَيْنِ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ يَقْتُلَهُ، وَلَوْ كَانَا خَطَأَيْنِ أَخَذَ دِيَةَ الطَّرَفِ وَدِيَةَ النَّفْسِ جَمِيعًا، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَطَأً وَالْآخَرُ عَمْدًا يُقْتَصُّ فِيمَا هُوَ عَمْدٌ وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ فِيمَا هُوَ خَطَأٌ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَإِنْ كَانَا خَطَأً يُكْتَفَى بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ مَا فَوَّتَ إلَّا نَفْسًا وَاحِدَةً فَلَا يَجِبُ بِهِ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَطَأً وَالْآخَرُ عَمْدًا اُقْتُصَّ فِيمَا هُوَ عَمْدٌ وَأُخِذَ بِالدِّيَةِ فِيمَا هُوَ خَطَأٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَتَدَاخَلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ لِاخْتِلَافِهِمَا فَأَمَّا إنْ كَانَا عَمْدَيْنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ قَطَعَ، ثُمَّ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِالْقَتْلِ، وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ إلَّا الْقَتْلُ هُمَا يَقُولَانِ إنَّهُ مَا فَوَّتَ بِالْفِعْلِ إلَّا النَّفْسَ فَحَسْبُ كَمَا إذَا كَانَا خَطَأً فَثَمَّةَ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا لَا يَجِبُ هُنَا إلَّا قِصَاصٌ وَاحِدٌ إذَا كَانَا عَمْدًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَتَى بِجِنَايَتَيْنِ قَطْعٍ وَقَتْلٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ). اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ مِنْ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ أَوْ لَا فَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ يُعْتَبَرُ كُلُّ فِعْلٍ وَيُؤْخَذُ بِمُوجِبِ الْفِعْلَيْنِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْأَوَّلِ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْبُرْءِ فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ حَتَّى لَوْ كَانَا عَمْدَيْنِ فَلِلْوَلِيِّ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ وَإِنْ كَانَا خَطَأَيْنِ تَجِبُ دِيَةٌ وَنِصْفُ دِيَةٍ. وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا وَالْقَتْلُ خَطَأً يَجِبُ فِي الْيَدِ الْقَوَدُ وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً وَالْقَتْلُ عَمْدًا يَجِبُ فِي الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي النَّفْسِ الْقَوَدُ وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً يُعْتَبَرُ كُلُّ فِعْلٍ عَلَى حِدَةٍ فَيَجِبُ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ وَفِي الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَإِنْ كَانَا خَطَأَيْنِ يُعْتَبَرُ الْكُلُّ جِنَايَةً وَاحِدَةً اتِّفَاقًا فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَا عَمْدَيْنِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُقْطَعُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْوَلِيِّ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ قَطَعَ وَقَتَلَ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ اهـ حِصَارِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا يَتَدَاخَلَانِ) أَيْ إذَا كَانَ الْقَتْلُ قَبْلَ الْبُرْءِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ وَعَدَمُ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ) وَمَعْنَى الْجَمْعِ هُنَا الِاكْتِفَاءُ بِالْقَتْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ) أَيْ بِقَطْعِ يَدِ الْقَاطِعِ وَبِقَتْلِ الْقَاتِلِ اهـ

الْمُسَاوَاةَ فِي الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعُ بِالْقَطْعِ وَاسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ بِالْقَتْلِ مُتَعَذِّرٌ لِاخْتِلَافِهِمَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ وَلِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ صُورَةً وَمَعْنًى تَكُونُ بِاسْتِيفَائِهِمَا وَبِالِاكْتِفَاءِ بِالْقَتْلِ لَمْ تُوجَدْ الْمُمَاثَلَةُ إلَّا مَعْنًى فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ صُورَةً وَمَعْنًى فَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مِنْ السِّرَايَةِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فِيهِ الدِّيَةُ وَهِيَ بَدَلُ الْمَحَلِّ وَالْمَقْتُولُ وَاحِدٌ فَيَجِبُ بَدَلٌ وَاحِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ عَشَرَةً لَوْ قَتَلُوا وَاحِدًا خَطَأً يَجِبُ عَلَيْهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْفِعْلُ، وَلَوْ قَتَلُوهُ عَمْدًا قُتِلُوا بِهِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ جَزَاءُ الْفِعْلِ وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ؛ وَلِأَنَّ أَرْشَ الْيَدِ لَوْ وَجَبَ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَزِّ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَجِبُ دِيَةُ النَّفْسِ بِالْحَزِّ فَيَجْتَمِعُ وُجُوبُ بَدَلِ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ، وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ لَوَجَبَ بِقَتْلِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ دِيَاتٌ كَثِيرَةٌ لِلْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّهَا تَتْلَفُ بِتَلَفِ النَّفْسِ، أَمَّا الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ فَقِصَاصَانِ فَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَ وَسَرَى حَيْثُ يُكْتَفَى بِالْقَتْلِ لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَطَأً وَالْآخَرُ عَمْدًا وَالثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ وَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَلِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِيهِمَا لِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ فِي الْأَوَّلِ وَلِتَخَلُّلِ الْبُرْءِ فِي الثَّانِي وَهُوَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ فَيُعْطَى لِكُلِّ فِعْلٍ حُكْمُ نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ لَا فِي خَطَأَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَتَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ هَذَا إخْرَاجٌ عَنْ قَوْلِهِ أُخِذَ بِالْأَمْرَيْنِ أَيْ بِمُوجِبَيْ فِعْلِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ وَلَا يُؤْخَذُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَتَجِبُ فِيهِ دِيَةُ النَّفْسِ لَا غَيْرُ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ فِي أَثْنَاءِ الْبَحْثِ، وَقَوْلُهُ كَمَنْ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرَأَ مِنْ تِسْعِينَ وَمَاتَ مِنْ عَشَرَةٍ يَعْنِي يَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا إذَا كَانَ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ خَطَأَيْنِ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الضَّرَبَاتِ الَّتِي بَرَأَ مِنْهَا وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ سَقَطَ أَرْشُهَا لِزَوَالِ الشَّيْنِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَدْوِيَةِ وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا فِي فَصْلِ الشِّجَاجِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ بَقِيَ لَهَا أَثَرٌ بَعْدَ الْبُرْءِ يَجِبُ مُوجِبُهُ مَعَ دِيَةِ النَّفْسِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الشَّيْنِ فِي النَّفْسِ وَهُوَ بِبَقَاءِ الْأَثَرِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَفَا الْمَقْطُوعُ عَنْ الْقَطْعِ فَمَاتَ ضَمِنَ الْقَاطِعُ الدِّيَةَ، وَلَوْ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَنْ الْجِنَايَةِ لَا فَالْخَطَأُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْعَمْدُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقَطْعِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا عَفَا عَنْ الْقَطْعِ أَوْ عَنْ الشَّجَّةِ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ أَيْضًا حَتَّى إذَا مَاتَ بَعْدَ الْعَفْوِ بِالسِّرَايَةِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ إذَا أُضِيفَ إلَى الْفِعْلِ كَالْقَطْعِ وَالشَّجَّةِ يُرَادُ بِهِ مُوجِبُهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْفِعْلِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ وَمُوجِبُهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ ضَمَانُ الطَّرَفِ إنْ اقْتَصَرَ وَضَمَانُ النَّفْسِ إنْ سَرَى فَيَتَنَاوَلُهُمَا فَصَارَ كَالْعَفْوِ عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَنْ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّ اسْمَ الْقَطْعِ وَالشَّجَّةِ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَ وَالْمُقْتَصِرَ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ جِنْسٌ وَهُمَا نَوْعَانِ فَصَارَتْ السِّرَايَةُ وَالِاقْتِصَارُ صِفَةً لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَمَرَ إنْسَانًا بِقَطْعِ يَدِهِ فَقَطَعَهَا وَسَرَى إلَى النَّفْسِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ بِالْقَطْعِ يَتَنَاوَلُهُ فَكَذَا الْعَفْوُ عَنْهُ يَتَنَاوَلُ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمُسَبَّبُ وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ عَنْ الْغَصْبِ كَانَ ذَلِكَ إبْرَاءٌ عَنْ مُوجِبِ الْغَصْبِ وَهُوَ رَدُّ الْعَيْنِ عِنْدَ قِيَامِهَا وَرَدُّ الْقِيمَةِ بَعْدَ هَلَاكِهَا، وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ كَانَ ذَلِكَ إبْرَاءٌ عَنْ مُوجِبِ الْعَيْبِ وَهُوَ الرَّدُّ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَالرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الْقَتْلِ دُونَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ قَتْلًا مِنْ الِابْتِدَاءِ فَعَفْوُهُ عَنْ الْقَطْعِ يَكُونُ عَفْوًا عَنْ غَيْرِ حَقِّهِ فَيَبْطُلُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ: لَا قَطْعَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ لَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ يَتَنَاوَلُهُ كَمَا قَالَا لَاقْتَضَى بَرَاءَتَهُ عَنْهُ فَكَذَا الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَفْوَ عَنْ الْقَتْلِ لِكَوْنِهِمَا غَيْرَيْنِ فَلَمْ يُصَادِفْ الْعَفْوُ مَحَلَّ حَقِّهِ فَيَبْطُلُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مِنْ السِّرَايَةِ) أَيْ إذَا قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ فَقَطْ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا فِي خَطَأَيْنِ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَنُسْخَةِ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ الزَّرَاتِيتِيِّ الْمُقَابَلَةِ عَلَى خَطِّ الشَّارِحِ وَغَالِبُ نُسَخِ الْمَتْنِ إلَّا بِأَدَاةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الْعَيْنِيِّ وَالرَّازِيِّ وَغَيْرِهِمَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ) جَعَلَ كَأَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ فِي حَقِّ التَّعْزِيرِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَضْرِبْهُ إلَّا عَشَرَةً فَمَاتَ مِنْهَا فَلَا تَجِبُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي كُلِّ جِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ اهـ أَتْقَانِيٌّ

مَعْصُومَةً بِغَيْرِ حَقٍّ عَمْدًا إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فِي سُقُوطِهِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعَفْوَ إلَى حَقِّهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَذَلِكَ يَكْفِي لِدَرْءِ الْقِصَاصِ لَا لِسُقُوطِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّارِيَ نَوْعٌ مِنْ الْقَطْعِ وَأَنَّ السِّرَايَةَ صِفَةٌ لَهُ، بَلْ السَّارِي قَتْلٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ بِالسِّرَايَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْجِنَايَاتِ مَآلُهَا لِمَا أَنَّ أَصْلَ الْفِعْلِ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، ثُمَّ يَصِيرُ مُوجِبًا لَهُ بِالسِّرَايَةِ، وَقَدْ يَكُونُ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ، ثُمَّ يَصِيرُ غَيْرَ مُوجِبٍ لَهُ كَمَا إذَا قَطَعَ يَدَهُ مِنْ الْمِفْصَلِ فَسَرَى إلَى نِصْفِ السَّاعِدِ وَبِاعْتِبَارِ الْمَآلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْيَدِ وَلِهَذَا لَوْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الْيَدِ بَعْدَ السِّرَايَةِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ كَانَ السَّارِي نَوْعًا لَهُ لَصَحَّ لِإِمْكَانِ الصَّرْفِ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ الْأَوَّلَ لَا يُوجِبُ قَطْعًا سَارِيًا وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ فَقَطْ إنْ كَانَ مُقْتَصِرًا أَوْ الْقَتْلَ فَقَطْ إنْ كَانَ سَارِيًا فَلَا مُوجِبَ لِلْقَطْعِ السَّارِي فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَيْسَ بِاسْمٍ لِلْقَتْلِ وَلَا هُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ السَّارِي عَلَى الْجَانِي حَتَّى يُسْتَعَارَ لَهُ فَلَغَا بِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَنْ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ اسْمُ جِنْسٍ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَ وَالْمُقْتَصِرَ وَالْقَتْلَ ابْتِدَاءً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا جِنَايَةَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ أَوْجَبَ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْكُلِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَا قَطْعَ لِي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَنْ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا صَرِيحٌ فِي الْعَفْوِ عَنْ السِّرَايَةِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْإِذْنِ بِالْقَطْعِ فَإِنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْ الْقَاطِعِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَطَعَهُ بِأَمْرِهِ انْتَقَلَ الْفِعْلُ إلَيْهِ فَصَارَ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَ نَفْسِهِ فَمَاتَ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَ لَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْقَاطِعِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ فَكَأَنَّ هَذَا شَاهِدٌ لِأَبِي حَنِيفَة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا تَرَاهُ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْغَصْبِ فَلِأَنَّ الْغَصْبَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ رَدِّ الْمَغْصُوبِ أَوْ قِيمَتِهِ فَجَازَ اسْتِعَارَتُهُ عَلَى الْمُسَبَّبِ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْقَطْعِ عَلَى عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمَقْطُوعُ حَيْثُ لَا يُنْتَقَضُ الصُّلْحُ، وَلَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْ السَّارِيَ لَانْتَقَضَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا أَعْتَقَهُ صَارَ مُخْتَارًا لِلْإِمْضَاءِ فَتَضَمَّنَ إعْتَاقُهُ نَقْضَ الصُّلْحِ الْأَوَّلِ وَالتَّحَوُّلَ إلَى الصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً فَهُوَ كَالْعَمْدِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ حَتَّى إذَا أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ: عَفَوْت عَنْ الْيَدِ كَانَ عَفْوًا عَنْ دِيَةِ النَّفْسِ عِنْدَهُمَا، وَعَنْ دِيَةِ الْيَدِ فَقَطْ عِنْدَهُ، وَلَوْ قَالَ عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ كَانَ عَفْوًا عَنْ دِيَةِ النَّفْسِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى إذَا مَاتَ مِنْهُ يَسْقُطُ كُلُّ الدِّيَةِ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْمَالُ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَمْدًا حَيْثُ يَصِحُّ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَعَارَ أَرْضَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَانْتَفَعَ بِهَا الْمُسْتَعِيرُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعِيرُ حَيْثُ يُنَفَّذُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا تَصِيرُ مَالًا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِهَا فِي الْمَرَضِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَالْخَطَأُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْعَمْدُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَطَعَتْ امْرَأَةٌ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى يَدِهِ، ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالدِّيَةُ فِي مَالِهَا وَعَلَى عَاقِلَتِهَا لَوْ خَطَأً)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ لَا يَكُونُ عَفْوًا عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ فَكَذَا التَّزَوُّجُ عَلَى الْيَدِ أَوْ عَلَى الْقَطْعِ لَا يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا فَهَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِيفَاءِ وَعَلَى تَقْدِيرِ السُّقُوطِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ مِنْ نَفْسِهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَالًا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا يُقَالُ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الطَّرَفِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لِلْعَمْدِ الْقِصَاصُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَإِنَّمَا سَقَطَ لِلتَّعَذُّرِ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهَا الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ تَضَمَّنَ الْعَفْوَ لَكِنْ عَنْ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ، فَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتْلٌ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَفْوِ عَنْ النَّفْسِ وَذَلِكَ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ عَمْدًا وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَوْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الْيَدِ) أَيْ قَطَعَ يَدَهُ فَمَاتَ فَعَفَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَنْ مُوجِبِ الْيَدِ لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَجَازَ اسْتِعَارَتُهُ عَلَى الْمُسَبَّبِ) يَعْنِي لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ) وَيَكُونُ هَذَا وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا لَا يُشْكِلُ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ الْقَاتِلَ وَاحِدًا مِنْ الْعَاقِلَةِ، أَمَّا مَنْ جَعَلَهُ وَاحِدًا مِنْ جُمْلَتِهِمْ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِلْقَاتِلِ فَلَا تَصِحُّ قَالُوا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَصِحُّ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَإِنْ حَصَلَتْ لِلْقَاتِلِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَصِحَّ فِي الِابْتِدَاءِ صَحَّتْ فِي الِانْتِهَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَطَلَتْ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ كُلُّهَا وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَوْصَى لِمَنْ تَصِحُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَلِمَنْ لَا تَصِحُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ صَارَ كُلُّهَا لِمَنْ تَصِحُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ كَمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْحَيِّ تَصْحِيحًا لِلْوَصِيَّةِ فَهُنَا إذَا لَمْ تَصِحَّ لِلْقَاتِلِ تَعُودُ إلَى الْعَاقِلَةِ فَتَسْقُطُ عَنْ الْعَاقِلَةِ فِي الِابْتِدَاءِ قَصْرًا لِلْمَسَافَةِ. اهـ. غَايَةٌ سَيَأْتِي مَعْنَى هَذِهِ الْحَاشِيَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ لَكِنَّنِي بَادَرْت بِكِتَابَتِهَا ظَنًّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ) وَإِنَّمَا يُحْجَرُ مَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ فَالصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ وَالْقَاتِلُ وَغَيْرُ الْقَاتِلِ فِيهِ سَوَاءٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

فِي النَّفْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَإِذَا وَجَبَ لَهُ الدِّيَةُ وَلَهَا الْمَهْرُ تَقَاصَّا إنْ اسْتَوَيَا قَدْرًا وَوَصْفًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ رَجَعَ صَاحِبُهُ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى أَرْشِ الْيَدِ، وَإِذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْيَدِ وَأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْدُومٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَلَا شَيْءَ فِيهَا وَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ بِنَفْسِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ وَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَيْهَا وَالْمَهْرَ عَلَى الزَّوْجِ فَلَا فَائِدَةَ فِي اسْتِيفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّهُ فَيَتَقَاصَّانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ فَمَاتَ مِنْهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا)؛ لِأَنَّ هَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الْقِصَاصِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصِحُّ مَهْرًا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لَوْ عَمْدًا)؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ مَهْرًا وَهُوَ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَسَقَطَ أَصْلًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْقِصَاصَ بِشَرْطِ أَنْ يَصِيرَ مَالًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مَجَّانًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ خَطَأً رُفِعَ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَهُمْ ثُلُثُ مَا تَرَكَ وَصِيَّةً)؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ تَزَوُّجٌ عَلَى مُوجِبِهَا وَمُوجِبُهَا الدِّيَةُ هُنَا وَهِيَ تَصْلُحُ مَهْرًا فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ إلَّا أَنَّهُ بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُحَابَاةٌ وَالْمَرِيضُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَيَنْفُذُ قَدْرُ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَقَدْ صَارَتْ مَهْرًا فَتَسْقُطُ كُلُّهَا عَنْهُمْ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَمَّلُونَ عَنْهَا بِسَبَبِ جِنَايَتِهَا، فَإِذَا صَارَ ذَلِكَ مِلْكًا لَهَا سَقَطَ عَنْهُمْ فَلَا يَغْرَمُونَ لَهَا وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ سَقَطَ عَنْهُمْ قَدْرُ مَهْرِ مِثْلِهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يُنْظَرُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ عَنْهُمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لَهُمْ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمْ أَجَانِبُ وَإِنْ كَانَ لَا يُخْرَجُ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ عَنْهُمْ قَدْرُ الثُّلُثِ وَأَدَّوْا الزِّيَادَةَ إلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا نَفَاذَ لَهَا إلَّا مِنْ الثُّلُثِ، ثُمَّ قِيلَ لَا يَسْقُطُ قَدْرُ نَصِيبِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ لَا تَصِحُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لِمَنْ تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَلِمَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ، فَيَكُونُ الْكُلُّ لِمَنْ تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ كَمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ كُلَّهَا تَكُونُ لِلْحَيِّ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ نَصِيبُهُ لَكَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ فَتَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ عَنْهُ فَيُقْسَمُ عَلَيْهِمْ فَمَا أَصَابَ الْعَاقِلَةَ يَسْقُطُ لِمَا ذَكَرْنَا وَمَا أَصَابَ الْقَاتِلَ يَكُونُ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ فَيُقْسَمُ أَيْضًا فَيَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْهُ أَيْضًا، ثُمَّ هَكَذَا وَهَكَذَا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ فَلَوْ أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ فِي حِصَّتِهِ ابْتِدَاءً لَزِمَنَا تَصْحِيحُهَا انْتِهَاءً فَصَحَّحَاهَا ابْتِدَاءً قَصْرًا لِلْمَسَافَةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ عَفْوٌ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُمَا فَصَارَ الْجَوَابُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدًا عِنْدَهُمَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَاقْتَصَّ لَهُ فَمَاتَ الْأَوَّلُ قُتِلَ بِهِ) أَيْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَاقْتُصَّ لَهُ فَمَاتَ الْمَقْطُوعُ الْأَوَّلُ قُتِلَ الْمَقْطُوعُ الثَّانِي بِهِ وَهُوَ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ قِصَاصًا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ قَتْلًا عَمْدًا وَحَقُّ الْمُقْتَصِّ لَهُ فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إذَا قَطَعَ طَرَفَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، ثُمَّ قَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرُ الْإِسَاءَةِ، فَإِذَا بَقِيَ لَهُ فِيهِ الْقِصَاصُ فَوَارِثُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْقَطْعِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ غَيْرِهِ قُلْنَا إنَّمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَقُّهُ لَا حَقَّ لَهُ غَيْرُهُ وَبَعْدَ السِّرَايَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَوَدِ فَلَمْ يَكُنْ مُبَرِّئًا عَنْهُ بِدُونِ عِلْمِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ وَهُوَ الْمَقْطُوعُ قِصَاصًا مِنْ الْقَطْعِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُقْتَصِّ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ الْقَطْعُ فَيَسْقُطُ حُكْمُ السِّرَايَةِ إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ السِّرَايَةِ خَارِجٌ عَنْ وُسْعِهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَيْ لَا يَنْسَدَّ بَابُ الْقِصَاصِ فَصَارَ كَالْإِمَامِ إذَا قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ فَسَرَى إلَى النَّفْسِ فَمَاتَ وَكَالْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ وَكَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا وَمَاتَ وَهَذَا لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَبَعٌ لِابْتِدَاءِ الْجَنَابَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ غَيْرَ مَضْمُونٍ وَسَرَايَتُهُ مَضْمُونَةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَطْعِ وَالْمَوْجُودُ قَتْلٌ حَتَّى لَوْ قَطَعَ ظُلْمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[باب الشهادة في القتل]

كَانَ قَتْلًا فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ فَيَضْمَنُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوا مِنْ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ، وَكَذَا الْفِعْلُ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ بِالْعَقْدِ، وَإِقَامَةُ الْوَاجِبِ لَا تَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ، بَلْ الْعَفْوُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ كَالْمُرُورِ عَلَى الطَّرِيقِ وَكَضَرْبِ الزَّوْجَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَطَعَ يَدَ الْقَاتِلِ وَعَفَا ضَمِنَ الْقَاطِعُ دِيَةَ الْيَدِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مِنْ نَفْسٍ لَوْ أَتْلَفَهَا لَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ، ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ سَرَى، وَهَذَا لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ إتْلَافَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ إذْ الْأَجْزَاءُ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ فَبَطَلَ حَقُّهُ بِالْعَفْوِ فِيمَا بَقِيَ لَا فِيمَا اسْتَوْفَى وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَعْفُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْيَدِ، وَكَذَا إذَا عَفَا، ثُمَّ سَرَى لَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَالْقَطْعُ السَّارِي أَفْحَشُ مِنْ الْمُقْتَصِرِ أَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَمَا سَرَى، ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ بَعْدَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ قِصَاصٌ فِي الْيَدِ فَقَطَعَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ عَفَا عَنْ الْيَدِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَرْشَ الْأَصَابِعِ مِنْ الْكَفِّ كَالْأَطْرَافِ مِنْ النَّفْسِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ فَيَضْمَنُ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَتْلِ لَا فِي الْقَطْعِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ إذْ كَانَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ الطَّرَفَ تَبَعًا لِلنَّفْسِ، وَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الْحَالِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَصِيرَ قَتْلًا بِالسِّرَايَةِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَحَقُّهُ فِي الطَّرَفِ ثَبَتَ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ حَقِّ الْقَتْلِ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَا قَبْلَهُ، فَإِذَا وُجِدَ الِاسْتِيفَاءُ ظَهَرَ حَقُّهُ فِي الطَّرَفِ تَبَعًا، وَإِذَا لَمْ يَسْتَوْفِ لَمْ يَظْهَرْ حَقُّهُ فِي الطَّرَفِ لَا أَصْلًا وَلَا تَبَعًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْفُ فَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ لِمَانِعٍ وَهُوَ قِيَامُ الْحَقِّ فِي النَّفْسِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَمْلِكَ قَتْلَهُ وَتَكُونَ أَطْرَافُهُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِالْعَفْوِ ظَهَرَ حُكْمُ السَّبَبِ، وَإِذَا سَرَى فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ لِلْقَتْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْعَفْوَ كَانَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَبَرَأَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ، وَلَوْ قَطَعَ، ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ انْعَقَدَ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ السِّرَايَةَ فَكَانَ حَزُّ الرَّقَبَةِ تَتْمِيمًا لِمَا انْعَقَدَ لَهُ الْقَطْعُ فَلَا يَضْمَنُ حَتَّى لَوْ حَزَّ رَقَبَتَهُ بَعْدَ الْبُرْءِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ ظُهُورَ حَقِّهِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ فِي التَّوَابِعِ وَإِنَّمَا دَخَلَتْ فِي النَّفْسِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ إتْلَافِهَا وَالْأَصَابِعُ تَابِعَةٌ قِيَامًا وَالْكَفُّ تَابِعٌ لَهَا عَرَضًا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ تَقُومُ بِالْأَصَابِعِ بِخِلَافِ الطَّرَفِ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقَيَّدُ حَاضِرٌ بِحُجَّتِهِ إذَا أَخُوهُ غَابَ عَنْ خُصُومَتِهِ فَإِنْ يَعُدْ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهِ لَيَقْتُلَا، وَلَوْ خَطَأً أَوْ دَيْنًا لَا) أَيْ إذَا قَتَلَ شَخْصٌ وَلَهُ وَلِيَّانِ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ فَأَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَتْلِ لَا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ قِصَاصًا فَإِنْ عَادَ الْغَائِبُ، فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَقْتُلَاهُ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، بَلْ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ إعَادَةِ تِلْكَ الْبَيِّنَةِ لِيَقْتُلَاهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا يُعِيدُ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً أَوْ دَيْنًا لَا يُعِيدُهَا بِالْإِجْمَاعِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ يُحْبَسُ إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْقَتْلِ وَالْمُتَّهَمُ يُحْبَسُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالْقِصَاصِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْغَائِبُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِصَاصِ الِاسْتِيفَاءُ وَالْحَاضِرُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَطَأً أَوْ دَيْنًا؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ مَتَى أَقَامَهَا مَنْ لَهُ الْخُصُومَةُ تَكُونُ مُعْتَبَرَةً مُلْزَمَةً فَلَمْ يَجِبْ إعَادَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْ شُرَكَائِهِ فِيمَا يَدَّعِي لِلْمَيِّتِ وَعَلَى الْمَيِّتِ كَمَا فِي دَعْوَى الْخَطَأِ وَدَعْوَى الْمَالِ وَالْقِصَاصِ مَوْرُوثٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِنْ قَطَعَ) أَيْ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْقَطْعُ السَّارِي أَفْحَشُ مِنْ الْمُقْتَصِرِ) فَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ السَّارِيَ لَا يَضْمَنُ الْمُقْتَصِرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الْحَالِ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ الْمَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ فِي الْحَالِ وَلَا يَتَوَقَّفَ عَلَى الْبُرْءِ كَمَا فِي الْجِنَايَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ)؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْبُرْءِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ بِغَيْرِ حَقٍّ. اهـ. [بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ] (بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ). لَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ بِالْقَتْلِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْقَتْلِ أَوْرَدَهَا عَقِيبَ حُكْمِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ صَارَ كَالتَّابِعِ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً إلَخْ) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ، وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَى فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ بِالدِّيَةِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ، وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يُكَلَّفُ إعَادَةَ بَيِّنَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْقِصَاصُ مَوْرُوثٌ) أَيْ يُثْبِتُ مِلْكَ الْقَوَدِ لِلْمُوَرِّثِ، ثُمَّ لِلْوَارِثِ اهـ. (فَرْعٌ). قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ لِلْأَبِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُمَا، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الصُّلْحِ عَنْ النَّفْسِ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَذَكَرَ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْقَاضِي ذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ لِلصَّغِيرِ لَا فِي النَّفْسِ وَلَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا أَنْ يُصَالِحَ، وَذَكَرَ فِي الصُّلْحِ إذَا قَتَلَ رَجُلًا لَا وَلِيَّ لَهُ عَمْدًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يُصَالِحَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ وَيَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِيرَاثَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، وَكَذَا الدِّيَةُ اهـ. وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ؛ وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْقِصَاصِ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَالَ الْقَتِيلِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، وَكَذَا الدِّيَةُ اهـ.

عَنْ الْمَيِّتِ حَتَّى تَجْرِيَ فِيهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ وَيَصِحَّ عَفْوُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَتُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهُ إذَا انْقَلَبَ مَالًا، وَكَذَا تُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْهُ كَمَا فِي الدِّيَةِ، فَإِذَا لَمْ تَجِبْ إعَادَةُ الْبَيِّنَةِ فِي أَحَدِ بَدَلَيْ الدَّمِ وَهُوَ الدِّيَةُ فَكَذَا فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ بِسَبَبٍ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ أَيْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فَيَسْتَحِقُّونَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمَيِّتِ كَالْعَبْدِ يَقْبَلُ الْهِبَةَ يَقَعُ الْمِلْكُ فِيهِمَا لِلْمَوْلَى ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِلْكُ الْفِعْلِ فِي الْمَحَلِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مِنْ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا صَحَّ عَفْوُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَإِنَّمَا صَحَّ الْمَجْرُوحُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ انْعَقَدَ لَهُ وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33]، نَصَّ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الدِّيَةِ وَالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَهْلٌ لِمِلْكِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ يَمْلِكُهُ وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ حَقُّ الْوَرَثَةِ عِنْدَهُ وَحَقُّ الْمَيِّتِ عِنْدَهُمَا، فَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ يَثْبُتُ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ عِنْدَهُ ابْتِدَاءً لَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْآخَرِينَ فِي إثْبَاتِ حَقِّهِمْ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ مِنْهُ فَبِإِقَامَةِ الْحَاضِرِ الْبَيِّنَةَ لَا يَثْبُتُ الْقِصَاصُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فَيُعِيدُهَا بَعْدَ حُضُورِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنَّ الْقِصَاصَ إذَا انْقَلَبَ مَالًا يَصِيرُ حَقًّا لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْقَلَبَ مَالًا صَارَ صَالِحًا لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِ فَصَارَ مُفِيدًا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِصِحَّةِ عَفْوِ الْمُوَرِّثِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُوَ مُعَارَضٌ بِعَفْوِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ بَعْدَ الْجَرْحِ اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ السَّبَبِ فَلَوْلَا أَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ لَهُ ابْتِدَاءً لَمَا صَحَّ عَفْوُهُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَثْبَتَ الْقَاتِلُ عَفْوَ الْغَائِبِ لَمْ يُقَدْ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا كَانَ الْحَاضِرُ خَصْمًا وَسَقَطَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى حَقًّا عَلَى الْحَاضِرِ وَهُوَ سُقُوطُ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ وَانْقِلَابُ نَصِيبِهِ مَالًا وَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ فَانْتَصَبَ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِذَا قُضِيَ عَلَيْهِ صَارَ الْغَائِبُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا لَوْ قُتِلَ عَبْدُهُمَا وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ) أَيْ لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقُتِلَ عَمْدًا وَأَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ غَائِبٌ فَحُكْمُهُ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْوَلِيَّيْنِ حَتَّى لَا يُقْتَلَ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْحَاضِرُ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ بَعْدَ عَوْدِ الْغَائِبِ، وَلَوْ أَقَامَ الْقَاتِلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا فَالشَّاهِدُ خَصْمٌ وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ لِمَا بَيَّنَّا فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِثْلُ الْأُولَى فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَا يَكُونُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا فِي الْكُلِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْخَطَأِ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ عَنْ الْبَاقِينَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا كَذَلِكَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَهِدَ وَلِيَّانِ بِعَفْوِ ثَالِثِهِمَا لَغَتْ) أَيْ إذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى الثَّالِثِ أَنَّهُ عَفَا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا وَهُوَ انْقِلَابُ الْقَوَدِ مَالًا وَهُوَ عَفْوٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ وَزَعْمُهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ فَالدِّيَةُ لَهُمْ أَثْلَاثًا) أَيْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ دُونَ الْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ إيَّاهُمَا أَقَرَّ لَهُمَا بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ فَيَلْزَمُهُ لَكِنْ يَزْعُمُونَ كُلُّهُمْ أَنَّ نَصِيبَ الْوَلِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيَصِحُّ عَفْوُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي الْوَصَايَا جَرِيحٌ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُعْفَى عَنْ قَاتِلِهِ وَالْقَتْلُ عَمْدٌ كَانَ بَاطِلًا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْمَيِّتِ مِنْ وَجْهٍ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً مِنْ وَجْهٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ، وَهَذَا حَقٌّ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ حَقُّ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا إذَا انْقَلَبَ مَالًا تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ، وَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ مِنْ وَجْهٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَصِبَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْوَارِثِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ حَقَّ نَفْسِهِ لَا حَقَّ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ وَلِيٍّ آخَرَ، فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْمَيِّتِ مِنْ وَجْهٍ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ مِنْ وَجْهٍ ثَبَتَ الْقَتْلُ مِنْ وَجْهٍ أَيْضًا وَالثُّبُوتُ مِنْ وَجْهٍ أَوْرَثَ الشُّبْهَةَ وَالْمُتَّهَمُ يُحْبَسُ بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّهُ حَقُّ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا فَجَازَ أَنْ يَنْتَصِبَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَالشَّاهِدُ خَصْمٌ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَاضِرُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَكَذَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ اهـ فَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. . 1 - (فَرْعٌ). اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى الثَّالِثِ بِالْعَفْوِ فَلَا يَخْلُو الْحَالُ مِنْ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ لَا زَائِدَ عَلَيْهَا الْأَوَّلُ أَنْ يُصَدِّقَهُمَا الْقَاتِلُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، الثَّانِي أَنْ يُكَذِّبَهُمَا الْقَاتِلُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، الثَّالِثُ أَنْ يُصَدِّقَهُمَا الْقَاتِلُ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، الرَّابِعُ عَكْسُهُ وَهُوَ أَنْ يُكَذِّبَهُمَا الْقَاتِلُ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، فَالثَّانِي وَالثَّالِثُ حُكْمُهُمَا مَعْلُومٌ مِنْ الْمَتْنِ وَالرَّابِعُ ذَكَرَ حُكْمَهُ الشَّارِحُ وَالْأَوَّلُ الْحُكْمُ فِيهِ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ نَصِيبُ الشَّاهِدَيْنِ مَالًا وَيَبْطُلُ حَقُّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اهـ. وَهَذَا التَّقْسِيمُ مِمَّا ظَهَرَ لِي حَالَ الْمُطَالَعَةِ، ثُمَّ رَأَيْت الْأَتْقَانِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ اهـ. (فَرْعٌ آخَرُ). قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ، وَقَالَ الْآخَرُ إنَّهُ طَعَنَهُ بِرُمْحٍ أَوْ شَهِدَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ رَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ الْقَتْلِ أَوْ وَقْتِهِ أَوْ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ مِنْ بَدَنِهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ اهـ

الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ سَقَطَ بِعَفْوِهِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ عَلَيْهِ وَيُحَوَّلُ نَصِيبُهُ أَيْضًا مَالًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) أَيْ إنْ كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ أَيْضًا بَعْدَ أَنْ كَذَّبَهُمَا الْوَلِيُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ فَلَا شَيْءَ لِلْوَلِيَّيْنِ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ أَقَرَّا بِبُطْلَانِ حَقِّهِمَا فِي الْقِصَاصِ فَصَحَّ إقْرَارُهُمَا فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا وَادَّعَيَا انْقِلَابَهُ مَالًا فَلَا يُصَدَّقُ دَعْوَاهُمَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلِلْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا الْعَفْوَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَفْوِ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ مُضَافٌ إلَيْهِمَا وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْوَلِيُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ دُونَ الْقَاتِلِ ضَمِنَ الْقَاتِلُ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِلْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ الثُّلُثُ وَهُوَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْئًا بِدَعْوَاهُ الْعَفْوَ قُلْنَا ارْتَدَّ إقْرَارُهُ بِتَكْذِيبِ الْقَاتِلِ إيَّاهُ فَوَجَبَ لَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَانَ هَذَا الثُّلُثُ لِلشَّاهِدَيْنِ لَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ عَفَا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلِلشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْقَاتِلِ ثُلُثَا الدِّيَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَاَلَّذِي فِي يَدِهِ وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ مَالُ الْقَاتِلِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمَا فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا لِإِقْرَارِهِ لَهُمَا بِذَلِكَ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ لِفُلَانٍ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْقَاتِلَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِإِنْكَارِهِ وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ بَطَلَ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَفْوِ لِكَوْنِهِ تَكْذِيبًا لَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَاتِلَ بِتَكْذِيبِهِ الشَّاهِدَيْنِ قَدْ أَقَرَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ بِشَهَادَتِهِمَا كَمَا إذَا عَفَيَا وَالْمُقَرُّ لَهُ مَا كَذَّبَ الْقَاتِلَ حَقِيقَةً، بَلْ أَضَافَ الْوُجُوبَ إلَى غَيْرِهِ بِجَعْلِ الْوَاجِبِ لِلشَّاهِدَيْنِ وَفِي مِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ الْإِقْرَارُ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي وَلَكِنَّهُ لِفُلَانٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ ضَرَبَهُ فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يَقْتَصُّ)؛ لِأَنَّهُ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَفِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا عُرِفَ وَالشَّهَادَةُ عَلَى قَتْلِ الْعَمْدِ تَتَحَقَّقُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُخْطِئًا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يُطْلِقُوهُ، بَلْ يَقُولُونَ قَصَدَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ بِسَبَبِ الضَّرْبِ إنَّمَا يُعْرَفُ إذَا صَارَ بِالضَّرْبِ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَدَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ وَتَأْوِيلُهُ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِشَيْءٍ جَارِحٍ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَتْلِ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ فِيمَا وَقَعَ بِهِ الْقَتْلُ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِعَصًا، وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ أَدْرِ بِمَاذَا قَتَلَهُ بَطَلَتْ)؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَكَرَّرُ فَالْقَتْلُ فِي زَمَانٍ أَوْ فِي مَكَان غَيْرُ الْقَتْلِ فِي مَكَان آخَرَ أَوْ زَمَانٍ آخَرَ، وَكَذَا الْقَتْلُ بِآلَةٍ غَيْرِ الْقَتْلِ بِآلَةٍ أُخْرَى وَتَخْتَلِفُ الْأَحْكَامُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَكَانَ عَلَى كُلِّ قَتْلٍ شَهَادَةُ فَرْدٍ فَلَمْ يُقْبَلْ؛ وَلِأَنَّ اتِّفَاقَ الشَّاهِدَيْنِ شَرْطٌ لِلْقَبُولِ فَلَمْ يُوجَدْ؛ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِكَذِبِ أَحَدِهِمَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ مَا ذَكَرْنَا فَلَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهِ، وَكَذَا لَوْ كَمُلَ النِّصَابُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَتَيَقَّنَ الْقَاضِي بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَعَدَمُ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْقَبُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَمُلَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ حَيْثُ يُقْبَلُ الْكَمَالُ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ، وَأَمَّا إذَا بَيَّنَ أَحَدُهُمَا الْآلَةَ، وَقَالَ الْآخَرُ لَا أَدْرِي بِمَاذَا قَتَلَهُ فَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُغَايِرُ الْمُقَيَّدَ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَالْمُقَيَّدُ مَوْجُودٌ فَاخْتَلَفَا، وَكَذَا أَيْضًا حُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ فَإِنَّ مَنْ قَالَ قَتَلَهُ بِعَصَا يُوجِبُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَنْ قَالَ لَا أَعْلَمُ عَلَى الْقَاتِلِ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ فَبَطَلَتْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِعَصَا، وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ أُرِدْ بِمَاذَا قَتَلَهُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ مُعَايَنَةً وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِذَلِكَ كَانَ بَاطِلًا لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا فِعْلٌ وَالْآخَرَ قَوْلٌ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَقَالَا لَا نَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ وَجَبَ فِيهِ الدِّيَةُ) فِي مَالِهِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِقَتْلِ مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ إذَا جُهِلَتْ فَقَدْ جُهِلَ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ، فَيَكُونُ هَذَا غَفْلَةً مِنْ الشُّهُودِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ بِمُحْمَلٍ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِ فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجِبَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَلَا يُحْمَلُ قَوْلُهُمَا لَا نَدْرِي عَلَى الْغَفْلَةِ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمَا سَعَيَا لِلدَّرْءِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ فِي الْعُقُوبَاتِ إحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهِمَا وَمِثْلُ ذَلِكَ سَائِغٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَطْلَقَ الْكَذِبَ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ عَلَى مَا. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْآخَرُ قَوْلُ) الَّذِي فِي نُسْخَةِ الْعَلَّامَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَنُسْخَةِ الزراتيني الْمُقَابَلَةِ عَلَى نُسْخَةِ الشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْآخَرُ قَوْلُ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ إلَخْ، وَلَيْسَ فِيهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ.

[باب في اعتبار حالة القتل]

«لَيْسَ بِكَذَّابٍ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَا خَيْرًا» فَهَذَا مِثْلُهُ أَوْ أَحَقُّ مِنْهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ جَهْلُهُمَا أَوْ اخْتِلَافُهُمَا بِالشَّكِّ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْكَامِلِ فَلَا يَثْبُتُ الْخَطَأُ بِالشَّكِّ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا لَهُ قَتْلُهُمَا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْإِقْرَارِ شَهَادَةٌ لَغَتْ) أَيْ إذَا أَقَرَّ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا فَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمَا وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا وَشَهِدَ آخَرَانِ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْإِقْرَارِ شَهَادَةٌ لَغَتْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ يُنْبِئُ أَنَّ كُلَّ الْقَتْلِ وُجِدَ مِنْ الْمُقِرِّ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنَا قَتَلْته انْفَرَدْت بِقَتْلِهِ، وَكَذَا قَوْلُ الشُّهُودِ قَتَلَهُ فُلَانٌ يُوجِبُ انْفِرَادَهُ بِالْقَتْلِ وَقَوْلُ الْوَلِيِّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا تَكْذِيبٌ لِبَعْضِهِ حَيْثُ ادَّعَى اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْقَتْلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِقَتْلِهِ، بَلْ شَارَكَهُ آخَرُ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّكْذِيبِ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِادِّعَائِهِ فِسْقَهُمْ بِهِ دُونَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ فِسْقَ الْمُقِرِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ قَالَ فِي الْإِقْرَارِ صَدَقْتُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَكْذِيبٌ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الِانْفِرَادَ بِالْقَتْلِ فَتَصْدِيقُهُ يُوجِبُ ذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَتَلْته وَحْدَك وَلَمْ يُشَارِكْ فِيهِ أَحَدٌ كَمَا تَقُولُ، فَيَكُونُ مُقِرًّا بِأَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَقْتُلْهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ قَتَلْتُمَاهُ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ لَهُمَا فَيَقْتُلُهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا، وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلَهُ كِلَاهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُقِرَّ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِبَعْضِ مُوجِبِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِأَحَدِ الْمُقِرِّينَ صَدَقْت أَنْتَ قَتَلْته وَحْدَك كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَحَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا أَنْتَ قَتَلْته كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ لِعَدَمِ تَكْذِيبِ شُهُودِهِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَذَّبَ الْآخَرَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْخَطَأِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ] (بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ)؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ فِعْلُ الرَّامِي وَلَا فِعْلَ لَهُ بَعْدَهُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ حَالَةٍ فِي حَقِّ الْحَلِّ وَالضَّمَانِ عِنْدَ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَتَجِبُ الدِّيَةُ بِرَدِّهِ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ قَبْلَ الْوُصُولِ) أَيْ إذَا رَمَى رَجُلٌ رَجُلًا مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قَبْلَ وُصُولِ السَّهْمِ إلَيْهِ، ثُمَّ وَقَعَ السَّهْمُ بِهِ يَجِبُ عَلَى الرَّامِي الدِّيَةُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي مَحَلٍّ لَا عِصْمَةَ لَهُ وَإِتْلَافُ غَيْرِ الْمَعْصُومِ هَدَرٌ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِارْتِدَادِهِ أَسْقَطَ تَقَوُّمَ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلرَّامِي عَنْ مُوجِبِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ إخْرَاجَ نَفْيِهِ عَنْ التَّقْوِيمِ كَالْإِبْرَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ بُرِّئَ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ إذْ هُوَ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ دُونَ الْإِصَابَةِ وَلَا فِعْلَ لَهُ أَصْلًا بَعْدَهُ فَيَصِيرُ قَاتِلًا بِالرَّمْيِ وَالْمَرْمِيُّ إلَيْهِ مُتَقَوِّمٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَأَصَابَ السَّهْمُ الصَّيْدَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَجُرِحَ الصَّيْدُ وَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ، وَكَذَا لَوْ كَفَّرَ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ جَازَ تَكْفِيرُهُ فَكَانَ الْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الرَّمْيِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَكِنْ فِيهِ شُبْهَةٌ لِسُقُوطِ الْعِصْمَةِ فِي حَالَةِ التَّلَفِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِإِسْلَامِهِ) أَيْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِإِسْلَامِ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ بِأَنْ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَهَذَا مِثْلُهُ أَوْ أَحَقُّ مِنْهُ)؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ مَنْدُوبٌ إلَى السَّتْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ)؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ الْمُطْلَقَ فِي الْأَصْلِ عَمْدٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالشَّكِّ. اهـ. غَايَةٌ (بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ). (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَتَجِبُ الدِّيَةُ إلَخْ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ رَمَى رَجُلًا وَالْمَرْمِيُّ مُسْلِمٌ، ثُمَّ ارْتَدَّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِهِ السَّهْمُ، ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السَّهْمُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَمَاتَ قَالَ الدِّيَةُ عَلَى الرَّامِي لِوَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي وَإِنْ رُمِيَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَوَقَعَ بِهِ السَّهْمُ بَعْدَمَا أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّامِي شَيْءٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذِهِ مِنْ الْخَوَاصِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ حَقِّهِ، ثُمَّ أَصَابَ السَّهْمُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَجَرَحَ الصَّيْدَ وَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ) وَيُعْتَبَرُ قَاتِلًا مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ، وَلَوْ كَانَ مَجُوسِيًّا فَرَمَى إلَى صَيْدٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، ثُمَّ أَصَابَهُ وَجَرَحَهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الرَّمْيِ وَوَقْتَ الرَّمْيِ كَانَ مَجُوسِيًّا، وَكَذَلِكَ إرْسَالُ الْكَلْبِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ) أَيْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً وا هـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا بِإِسْلَامِهِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَالَةُ الرَّمْيِ وَوَقْتَ الرَّمْيِ لَمْ يَكُنْ الْمَرْمِيُّ مُتَقَوِّمًا لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ بِكَوْنِهِ مُرْتَدًّا أَوْ حَرْبِيًّا فَكَانَ تَلَفُهُ هَدَرًا، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ فِعْلَهُ وَقْتَ الرَّمْيِ وَقَعَ هَدَرًا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُعْتَبَرًا؛ وَلِأَنَّ قَتْلَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَوْ اعْتَبَرْنَا حَالَةَ الْإِصَابَةِ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ قَتْلِهِمْ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ وَقْتِ الْإِصَابَةِ فِي حَقِّهِمْ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا وَقْتَ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ ثَمَّةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، ثُمَّ أَصَابَهُ بَعْدَمَا أَسْلَمَ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لِعَدَمِ تَقَوُّمِ الْمَحَلِّ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا بِصَيْرُورَتِهِ مُتَقَوِّمًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ يَشْهَدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقِيمَةُ بِعِتْقِهِ) أَيْ تَجِبُ الْقِيمَةُ بِعِتْقِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ رَجُلًا لَوْ رَمَى إلَى عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، ثُمَّ أَصَابَهُ فَمَاتَ مِنْهُ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَرْمِيًّا إلَى غَيْرِ مَرْمِيٍّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ، وَإِذَا انْقَطَعَتْ يَبْقَى مُجَرَّدُ الرَّمْيِ وَهُوَ جِنَايَةٌ يَنْتَقِصُ بِهَا قِيمَةُ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا قَبْلَ الرَّمْيِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَبْلَ الرَّمْيِ وَثَمَانِمِائَةٍ بَعْدَهُ لَزِمَهُ مِائَتَانِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ، ثُمَّ مَاتَ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا أَرْشُ الْيَدِ مَعَ النُّقْصَانِ الَّذِي نَقَصَهُ الْقَطْعُ إلَى الْعِتْقِ وَهُوَ بِنَفْسِ الرَّمْيِ صَارَ جَانِيًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ النُّقْصَانَ كَالْقَطْعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الرَّامِيَ يَصِيرُ قَاتِلًا لَهُ مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْتَحَقُّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالْجَرْحِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إتْلَافٌ لِبَعْضِ الْمَحَلِّ وَالْإِتْلَافُ يُوجِبُ الضَّمَانَ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ، ثُمَّ إذَا سَرَى لَا يُوجِبُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَ شَيْئًا لَوَجَبَ لِلْعَبْدِ لِانْقِطَاعِ حَقِّ الْمَوْلَى عَنْهُ وَظُهُورِ حَقِّهِ فِيهِ فَتَصِيرُ النِّهَايَةُ مُخَالِفَةً لِلْبِدَايَةِ فَصَارَ ذَلِكَ كَتَبَدُّلِ الْمَحَلِّ، وَعِنْدَ تَبَدُّلِ الْمَحَلِّ لَا تَتَبَدَّلُ السِّرَايَةُ فَكَذَا هُنَا، أَمَّا الرَّمْيُ فَقَبْلَ الْإِصَابَةِ لَيْسَ بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا قَلَّتْ فِيهِ الرَّغَبَاتُ فَلَا يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ قَبْلَ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ، وَلَكِنْ انْعَقَدَ الرَّمْيُ عِلَّةً تَامَّةً لِإِيجَابِ الضَّمَانِ عِنْدَ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ، وَعِنْدَ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ يَسْتَنِدُ الْوُجُوبُ إلَى وَقْتِ الِانْعِقَادِ فَلَا تُخَالِفُ النِّهَايَةُ الْبِدَايَةَ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ إنَّمَا صَارَ عِلَّةً عِنْدَ الْإِصَابَةِ إذْ الْإِتْلَافُ لَا يَصِيرُ عِلَّةً مِنْ غَيْرِ تَلَفٍ يَتَّصِلُ بِهِ وَوَقْتُ التَّلَفِ الْمُتْلَفُ حُرٌّ فَتَجِبُ دِيَتُهُ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الِارْتِدَادِ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى الرَّمْيِ مَا يُبْطِلُ عِصْمَةَ الْمَحَلِّ فِيمَا تَقَدَّمَ فَجَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَاءِ، أَمَّا هُنَا اعْتَرَضَ عَلَى الرَّمْيِ مَا يُؤَكِّدُ عِصْمَةَ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْجِنَايَةُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَضْمَنُ الرَّامِي بِرُجُوعِ شَاهِدِ الرَّجْمِ بَعْدَ الرَّمْيِ) مَعْنَاهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِرَجْمِ رَجُلٍ فَرَمَاهُ رَجُلٌ، ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِ الْحَجَرُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي لِمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةَ الرَّمْيِ وَهُوَ مُبَاحُ الدَّمِ فِيهَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ الصَّيْدُ بِرِدَّةِ الرَّامِي لَا بِإِسْلَامِهِ) مَعْنَاهُ إذَا رَمَى مُسْلِمٌ صَيْدًا فَارْتَدَّ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ بِالصَّيْدِ حَلَّ أَكْلُهُ، وَلَوْ رَمَاهُ وَهُوَ مَجُوسِيٌّ فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْوُقُوعِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ إذْ الرَّمْيُ هُوَ الذَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُهُ وَيَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ لَا الْإِصَابَةِ فَتُعْتَبَرُ الْأَهْلِيَّةُ وَعَدَمُهَا عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَخْ) قَالُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ يُنْظَرُ بِكَمْ يُشْتَرَى لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الرَّمْيُ وَبِكَمْ يُشْتَرَى فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَجِبُ فَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ تَوَجُّهَ السَّهْمِ إلَيْهِ يُوجِبُ إشْرَافَهُ عَلَى الْهَلَاكِ فَصَارَ ذَلِكَ كَالْجَرْحِ الْوَاقِعِ بِهِ، وَلَوْ جَرَحَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ تَنْقَطِعُ السِّرَايَةُ فَلَا يَضْمَنُ الدِّيَةَ وَلَا الْقِيمَةَ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ يُبْطِلُ سِرَايَةَ الْجِنَايَةِ مَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِهِ إنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِ إنْسَانٍ خَطَأً، ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ، ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قِيمَةُ النَّفْسِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْيَدِ مَعَ النُّقْصَانِ الَّذِي نَقَصَهُ الْقَطْعُ إلَى أَنْ عَتَقَ دَلَّ أَنَّ الْعِتْقَ يُبْطِلُ سِرَايَةَ الْجِنَايَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرَّامِيَ جُعِلَ قَاتِلًا بِفِعْلِهِ الَّذِي هُوَ الرَّمْيُ. وَصَارَ كَأَنَّهُ أَصَابَهُ السَّهْمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَحِينَ إذَا كَانَ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ عَبْدًا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الرَّمْيِ لِلْمَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ كَانَ مَوْلًى لِرَجُلٍ بِالْمُوَالَاةِ فَرَمَى رَجُلًا، ثُمَّ تَحَوَّلَ وَلَاؤُهُ إلَى غَيْرِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى مَوْلَاهُ الْأَوَّلِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَكَذَلِكَ مُسْلِمٌ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، ثُمَّ وَقَعَ السَّهْمُ بِهِ فَقَتَلَهُ حَلَّ الصَّيْدُ فَكَذَا هَاهُنَا، وَلَيْسَ الرَّمْيُ كَالْجَرْحِ الَّذِي قَاسَهُ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ لِوُجُودِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْجَرْحَ يَحْصُلُ بِهِ تَلَفُ بَعْضِ الْمَحَلِّ وَحِينَ إذْ كَانَ الْمَحَلُّ لِلْمَوْلَى فَيَجِبُ الضَّمَانُ لِلْمَوْلَى أَيْضًا، ثُمَّ بَعْدَ سِرَايَةِ الْجَرْحِ إلَى النَّفْسِ لَوْ وَجَبَ الضَّمَانُ لَوَجَبَ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَقٌ حِينَئِذٍ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ لِكَوْنِ الِانْتِهَاءِ مُخَالِفًا لِلِابْتِدَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ تَبَدُّلِ الْمَحَلِّ حَقِيقَةً، وَعِنْدَ تَبَدُّلِ الْمَحَلِّ لَا تَتَحَقَّقُ السِّرَايَةُ. وَأَمَّا الرَّمْيُ قَبْلَ اتِّصَالِ السَّهْمِ بِالْمَحَلِّ فَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ إتْلَافٌ أَصْلًا فَلَمْ يَجِبْ حِينَ وُجُودِهِ ضَمَانٌ فَلَمْ يَلْزَمْ مُخَالَفَةُ الِانْتِهَاءِ الِابْتِدَاءَ وَإِنَّمَا انْقَلَبَ الرَّمْيُ عِلَّةَ الْإِتْلَافِ عِنْدَ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ بِطَرِيقِ اسْتِنَادِ الْحُكْمِ إلَى وَقْتِ الرَّمْيِ فَكَأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ تَلْزَمْ الْمُخَالَفَةُ فَلَمْ يَكُنْ الْعِتْقُ قَاطِعًا لِسِرَايَةِ الرَّمْيِ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ اهـ (قَوْلُهُ: إلَى الْعِتْقِ) مَثَلًا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عِنْدَ الْقَطْعِ مِائَةً، وَعِنْدَ الْعِتْقِ سَبْعِينَ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُونَ مَعَ أَرْشِ الْيَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْجِنَايَةُ) إلَّا أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ وَقَعَ مُوجِبًا ضَمَانَ الْقِيمَةِ وَاعْتِبَارُهُ وَقْتَ الْإِصَابَةِ يُوجِبُ الدِّيَةَ فَلَا تَلْزَمُ الزِّيَادَةُ بِالشَّكِّ، وَقَدْ ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ بَعْدَ الرَّمْيِ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُبَاحُ الدَّمِ فِيهَا)، وَلَكِنْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاجِعِ إنْ رَجَعُوا جَمِيعًا فَعَلَيْهِمْ الدِّيَةُ وَإِنْ رَجَعَ وَاحِدٌ فَعَلَيْهِ رُبْعُ الدِّيَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

[كتاب الديات]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَجَبَ الْجَزَاءُ بِحِلِّهِ لَا بِإِحْرَامِهِ) أَيْ لَوْ رَمَى الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَحَلَّ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، ثُمَّ أَصَابَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَإِنْ رَمَاهُ وَهُوَ حَلَالٌ فَأَحْرَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ فَوَقَعَ عَلَى الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَجِبُ بِالتَّعَدِّي وَهُوَ الرَّمْيُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَوُجِدَ ذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَالْأَصْلُ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الرَّمْيِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا عَدَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ فِيمَا إذَا رَمَى إلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ الْإِصَابَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [كِتَابُ الدِّيَاتِ] (كِتَابُ الدِّيَاتِ). الدِّيَةُ اسْمُ الْمَالِ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ وَهُوَ مَصْدَرٌ يُقَالُ وَدَى الْقَاتِلُ الْمَقْتُولَ إذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ ذَلِكَ سُمِّيَ ذَلِكَ الْمَالُ بِالدِّيَةِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دِيَةُ شَبَهِ الْعَمْدِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ إلَى جَذَعَةٍ) أَيْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَّا أَنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ وَفِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا مِنْ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلٍ عَامُّهَا كُلُّهُنَّ خَلِفَةٌ»؛ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ التَّغْلِيظَ فِيهِ وَاجِبٌ لِشَبَهِهِ بِالْعَمْدِ وَمَعْنَى التَّغْلِيظِ يَتَحَقَّقُ بِإِيجَابِ سِنٍّ لَا يَجِبُ فِي الْخَطَأِ وَلَهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى فِي الدِّيَةِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الْخَطَأُ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ أَخْمَاسًا فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شَبَهُ الْعَمْدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ الدِّيَةَ مُقَدَّرَةٌ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْخَلِفَاتِ لَزَادَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمِائَةِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ مَا تَحْمِلُ حَيَوَانٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَهُ عُرْضِيَّةُ الِانْفِصَالِ فَصَارَ ذَلِكَ إيجَابُ الزِّيَادَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ وَمَا رَوَيَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ فَمَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْبَاعًا مِثْلُ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَثْلَاثًا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ خَلِفَةً وَمَذْهَبُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَجِبُ أَثْلَاثًا مِنْ كُلِّ جِنْسٍ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَمَذْهَبُ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْمُغِيرَةِ وَأَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَثْلَاثًا كَمَذْهَبِهِمَا وَلَمْ تَجْرِ الْمُحَاجَّةِ بِهِ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَجَرَتْ وَلَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمْ وَلَا يُعَارِضُونَا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ كَانَ الْأَخْذُ بِالْمُتَيَقَّنِ بِهِ وَهُوَ الْأَدْنَى أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ عِوَضُ النَّفْسِ وَالْحَامِلُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُسْتَحَقَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الزِّيَادَةِ وَالثَّانِي أَنَّ صِفَةَ الْحَمْلِ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْحَمْلِ؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ مِنْهُمْ لِلْقَاتِلِ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَاتِ وَالشَّرْعُ نَهَانَا عَنْ أَخْذِ الْحَامِلِ فِي الصَّدَقَاتِ لِكَوْنِهَا مِنْ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ فَكَذَا فِي الدِّيَاتِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَتَغَلَّظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ)؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَالْمُقَدَّرَاتُ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا إذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهَا فَلَمْ تَتَغَلَّظْ بِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ فِي التَّقْدِيرِ بِغَيْرِ الْإِبِلِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَطَأُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا ابْنُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ) أَيْ دِيَةُ الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا ابْنُ مَخَاضٍ إلَخْ أَيْ خُمُسُهُ ابْنُ مَخَاضٍ وَخُمُسُهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَخُمُسُهُ بِنْتُ لَبُونٍ وَخُمُسُهُ حِقَّةٌ وَخُمُسُهُ جَذَعَةٌ، فَإِذَا كَانَ أَخْمَاسًا يَكُونُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ عِشْرُونَ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابُ الدِّيَاتِ). ذَكَرَ مَسَائِلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ بَعْدَ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ أَحَدُ مُوجِبِي الْجِنَايَةِ فِي الْآدَمِيِّ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْقِصَاصُ أَعْلَاهُمَا وَأَقْوَاهُمَا قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِحْيَاءِ وَالصِّيَانَةِ فِيهِ أَكْثَرُ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ فِيمَا كَانَ مِنْ الْعَوَارِضِ كَالْخَطَأِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعَارِضِ فَقُدِّمَ الْقِصَاصُ عَلَى الدِّيَةِ، وَلِهَذَا وَهَذَا وَضَعَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَدَّمَ كِتَابَ الدِّيَاتِ عَلَى كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَالطَّحَاوِيُّ قَدَّمَ الْقِصَاصَ عَلَى الدِّيَاتِ حَيْثُ تَرْجَمَ الْكِتَابَ بِقَوْلِهِ كِتَابُ الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ أَحْكَامَ الْجِنَايَاتِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَلَمْ يُسَمِّ كِتَابَ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ أَحْكَامِهَا الدِّيَاتُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ وَالدِّيَةُ تَجِبُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَفِي الْخَطَإِ وَفِي الْعَمْدِ أَيْضًا عِنْدَ تَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ) بِنْتَ مَخَاضٍ بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ مُمَيَّزَ أَحَدَ عَشَرَ إلَى تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ يَجِيءُ مَنْصُوبًا، وَقَدْ عُلِمَ فِي النَّحْوِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مِنْ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلٍ عَامَّهَا) الثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ مَا اسْتَكْمَلَ السَّنَةَ الْخَامِسَةَ وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ وَالْبَازِلُ مِنْ الْإِبِلِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: كُلُّهُنَّ خَلِفَةٌ) الْخَلِفَةُ الْحَامِلُ مِنْ النُّوقِ. اهـ. خُوَاهَرْ زَادَهْ (قَوْلُهُ: وَلَا يُعَارِضُونَا بِمِثْلِهِ) أَيْ لَا يُقَالُ لَوْ صَحَّ حَدِيثُكُمْ أَيْضًا لَرَجَعُوا إلَيْهِ وَلَمَا اخْتَلَفُوا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ) إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. . (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ) فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ اهـ

قَالَ «فِي دِيَةِ الْخَطَأِ عِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ ذَكَرٍ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَالشَّافِعِيُّ أَخَذَ بِمَذْهَبِنَا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ عِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ أَخَفُّ لِإِقَامَةِ ابْنِ مَخَاضٍ مَقَامَ ابْنِ لَبُونٍ فَكَانَ أَلْيَقُ بِحَالِ الْمُخْطِئِ؛ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ ابْنَ اللَّبُونِ بِمَنْزِلَةِ بِنْتِ الْمَخَاضِ فِي الزَّكَاةِ حَيْثُ أَخَذَهُ مَكَانَهَا فَإِيجَابُ عِشْرِينَ مِنْهُ مَعَ الْعِشْرِينَ مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ كَإِيجَابِ أَرْبَعِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ، بَلْ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّغَايُرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُرِدْ بِتَغَيُّرِ أَسْنَانِ الْإِبِلِ إلَّا التَّخْفِيفَ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّخْفِيفُ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ) أَيْ الدِّيَةُ مِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَمِنْ الْوَرِقِ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الدِّيَةُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ أَلْفُ دِينَارٍ وَكَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى بِالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ» وَمَا قُلْنَا أَوْلَى لِلتَّيَقُّنِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ أَوْ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ عَلَى وَزْنِ خَمْسَةٍ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ وَهَكَذَا كَانَتْ دَرَاهِمُهُمْ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى زَمَانِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا حَكَاهُ الْخَبَّازِيُّ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ قَالَ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةً الْوَاحِدُ مِنْهَا وَزْنُ عَشَرَةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهُ وَزْنُ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَهُوَ قَدْرُ الدِّينَارِ وَالثَّانِي وَزْنُ سِتَّةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهُ وَزْنُ سِتَّةِ دَنَانِيرَ وَالثَّالِثُ وَزْنُ خَمْسَةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهُ وَزْنُ خَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَجَمَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فَخَلَطَهُ فَجَعَلَهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَصَارَ ثُلُثُ الْمَجْمُوعِ دِرْهَمًا فَكَشَفَ هَذَا أَنَّ الدِّينَارَ عِشْرُونَ قِيرَاطًا فَوَزْنُ الْعَشَرَةِ يَكُونُ مِثْلَهُ عِشْرِينَ قِيرَاطًا ضَرُورَةَ اسْتِوَائِهِمَا وَوَزْنُ السِّتَّةِ يَكُونُ نِصْفَ الدِّينَارِ وَعَشَرَةً، فَيَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا وَوَزْنُ الْخَمْسَةِ يَكُونُ نِصْفَ الدِّينَارِ، فَيَكُونُ عَشَرَةُ قَرَارِيطَ، فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ قِيرَاطًا، فَإِذَا جَعَلْتهَا أَثْلَاثًا صَارَ كُلُّ ثُلُثٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ دِرْهَمُهُمْ، فَإِذَا حُمِلَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى وَزْنِ خَمْسَةٍ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ اسْتَوَيَا وَاَلَّذِي يُرَجِّحُ مَذْهَبَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجَنِينِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهُوَ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَعِنْدَنَا عُشْرُ دِيَةِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى وَنِصْفُ الْعُشْرِ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ دِيَةَ الْأُمِّ خَمْسَةُ آلَافٍ وَدِيَةَ الرَّجُلِ ضَعْفُ ذَلِكَ وَهُوَ عَشَرَةُ آلَافٍ؛ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا أَنَّهَا مِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَالدِّينَارُ مُقَوَّمٌ فِي الشَّرْعِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَلَا تَرَى أَنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ مُقَدَّرٌ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَنِصَابَ الذَّهَبِ فِيهَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا، فَيَكُونُ غَنِيًّا بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ الزَّكَاةُ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْغَنِيِّ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّ الدِّينَارَ مُقَوَّمٌ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ الْخِيَارُ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ إلَّا الْقَاتِلَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَجِبُ مِنْهَا وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَرَضَ فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْضِي بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَالٍ مِمَّا ذَكَرْنَا وَكُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ هُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي النِّهَايَةِ قِيلَ فِي زَمَانِنَا قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَلَهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ بِشَيْءٍ مَعْلُومِ الْمَالِيَّةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَجْهُولَةُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يُقَدَّرُ بِهَا ضَمَانُ الْمُتْلَفَاتِ وَالتَّقْدِيرُ بِالْإِبِلِ عُرِفَ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا فَلَا يُعْدَلُ عَنْ الْقِيَاسِ وَالْآثَارِ الَّتِي وَرَدَتْ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقَضَاءَ بِهَا بِطَرِيقِ الصُّلْحِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً، وَذَكَرَ فِي الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مِائَتَيْ حُلَّةٍ أَوْ عَلَى مِائَتَيْ بَقَرَةٍ لَا يَجُوزُ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ قَوْلُهُمَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفَّارَتُهُمَا مَا ذُكِرَ فِي النَّصِّ) أَيْ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ خَطَأً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَجَمَعَ عُمَرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ) أَيْ أَخَذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ دِرْهَمًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْمَعَاقِلِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَا نَصُّهُ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَقِيلَ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ حُلَّةٍ فَالْفَضْلُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْلَا أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ، وَلَوْ صَالَحَ مَعَ الْعَاقِلَةِ أَوْ مَعَ الْقَاتِلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ قَوْلُهُمَا) أَيْ تَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ إذْ عِنْدَهُ يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ اهـ

وَشِبْهَ عَمْدٍ هُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَالصَّوْمُ عَلَى التَّرْتِيبِ مُتَتَابِعًا كَمَا ذُكِرَ فِي النَّصِّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَشِبْهُ الْعَمْدِ خَطَأً فِي الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فِي حَقِّ الضَّرْبِ فَتَتَنَاوَلُهُمَا الْآيَةُ وَلَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ لِعَدَمِ النَّقْلِ بِالِاخْتِلَافِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ حَيْثُ تَجِبُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةً لِوُجُودِ التَّوْقِيفِ فِي التَّغْلِيظِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ دُونَ الْخَطَأِ وَالْمَقَادِيرُ لَا تَجِبُ إلَّا سَمَاعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَجُوزُ الْإِطْعَامُ وَالْجَنِينُ)؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَالْمَقَادِيرُ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا؛ وَلِأَنَّ الْمَذْكُورَ كُلُّ الْوَاجِبِ لِلْفَاءِ فِي الْجَوَابِ أَوْ لِكَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ وَالْجَنِينُ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ فَلَمْ يَجُزْ؛ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ النَّصِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجُوزُ الرَّضِيعُ لَوْ أَحَدَ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا)؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهُ وَالظَّاهِرُ سَلَامَةُ أَطْرَافِهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجِبِلَّةُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ اكْتَفَى هُنَا بِالظَّاهِرِ فِي سَلَامَةِ أَطْرَافِهِ حَتَّى جَازَ التَّكْفِيرُ بِهِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِإِتْلَافِ أَطْرَافِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَاجَةُ فِي التَّكْفِيرِ إلَى دَفْعِ الْوَاجِبِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ وَالْحَاجَةُ فِي الْإِتْلَافِ إلَى إلْزَامِ الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ يُظْهِرُ حَالَ الْأَطْرَافِ فِيمَا بَعْدُ فِي التَّكْفِيرِ إذَا عَاشَ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْإِتْلَافِ فَافْتَرَقَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الثُّلُثُ وَمَا دُونَ الثُّلُثِ لَا يَتَنَصَّفُ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ السُّنَّةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السُّنَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ، وَلَوْ كَانَ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا خَالَفُوهُ، وَقَوْلُهُ سُنَّةً مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةُ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ إلَّا عَنْهُ مَوْقُوفًا؛ وَلِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى الْمُحَالِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ أَلَمُهَا أَشَدَّ وَمُصَابُهَا أَكْثَرَ أَنْ يَقِلَّ أَرْشُهَا بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ أُصْبُعٌ مِنْهَا يَجِبُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَلَوْ قُطِعَ أُصْبُعَانِ يَجِبُ عِشْرُونَ، وَإِذَا قُطِعَ ثَلَاثٌ يَجِبُ ثَلَاثُونَ؛ لِأَنَّهَا تُسَاوِي الرِّجْلَ فِيهِ عَلَى زَعْمِهِ لِكَوْنِهِ مَا دُونَ الثُّلُثِ، وَلَوْ قُطِعَ أَرْبَعَةٌ يَجِبُ عِشْرُونَ لِلتَّنْصِيفِ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَقَطْعُ الرَّابِعَةِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا، بَلْ يَسْقُطُ مَا وَجَبَ بِقَطْعِ الثَّالِثَةِ وَحِكْمَةُ الشَّارِعِ تُنَافِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ لَا تُوجِبُ شَيْئًا شَرْعًا وَأَقْبَحُ مِنْهُ أَنْ تُسْقِطَ مَا وَجَبَ بِغَيْرِهَا هَذَا مِمَّا يُحِيلُهُ الْعُقَلَاءُ بِالْبَدِيهَةِ؛ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَبِرُ الْأَطْرَافَ بِالْأَنْفُسِ وَتَرَكَهُ هُنَا حَيْثُ نَصَّفَ دِيَةَ النَّفْسِ وَلَمْ يُنَصِّفْ دِيَةَ الْأَطْرَافِ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدِيَةُ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْلِمِ سَوَاءٌ)، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ» وَالْكُلُّ عِنْدَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَعَلَ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ» وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَدَى الْعَامِرِيِّينَ اللَّذَيْنِ كَانَ لَهُمَا عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ»، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا يَجْعَلَانِ دِيَةَ الذِّمِّيِّ مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَفِي ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] دَلَالَةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ ظَاهِرًا مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92]؛ وَلِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مُتَقَوِّمُونَ لِإِحْرَازِهِمْ أَنْفُسَهُمْ بِالدَّارِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا مُلْحَقِينَ بِالْمُسْلِمِينَ فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ بِقَتْلِهِمْ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِمْ أَنْ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ أَمْوَالَهُمْ لَمَّا كَانَتْ مَعْصُومَةً مُتَقَوِّمَةً يَجِبُ بِإِتْلَافِهَا مَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي أَمْوَالِهِمْ فَمَا ظَنُّك ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِلْفَاءِ فِي الْجَوَابِ)؛ لِأَنَّ بِدُخُولِ الْفَاءِ يُعْلَمُ أَنَّهُ جَزَاءُ الشَّرْطِ قَبْلَهُ وَجَزَاءُ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ جَزَاءً إلَّا إذَا كَانَ كَامِلًا فِي كَوْنِهِ جَزَاءً أَلَا تَرَى أَنَّا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يُجْعَلُ قَوْلُهُ: فَأَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءً كَامِلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ وَزَيْنَبُ طَالِقٌ أَيْضًا أَوْ وَعَبْدِي حُرٌّ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالرَّضِيعُ فِي الْعَادَةِ هُوَ الَّذِي لَمْ تَتَبَيَّنْ سَلَامَةُ أَعْضَائِهِ حَتَّى جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَقَّدِ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي مَوْلُودٍ يُولَدُ فَقَطَعَ رَجُلٌ ذَكَرَهُ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الذَّكَرُ قَدْ تَحَرَّكَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَطَعَ لِسَانَهُ، وَقَدْ اسْتَهَلَّ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَكَلَّمَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَكَذَلِكَ بَصَرُهُ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْصَرَ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ سَلِيمِ الْأَطْرَافِ وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّ سَلَامَةَ الْأَطْرَافِ لَمْ تَثْبُتْ بِالدَّلِيلِ وَالْقَطْعُ يَحْسِمُ بَابَ حُدُوثِ السَّلَامَةِ فَصَارَ النُّقْصَانُ لَازِمًا فَوَجَبَ حُكُومَةُ الْعَدْلِ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَلَا يَحْسِمُ بَابَ السَّلَامَةِ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَعْتَقَ، ثُمَّ عَاشَ حَتَّى ظَهَرَتْ سَلَامَةُ أَعْضَائِهِ وَأَطْرَافِهِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ لَمْ تَتَأَدَّ بِهِ الْكَفَّارَةُ كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: الْعَامِرِيِّينَ) كَذَا بِخَطِّهِ فَلْيُرَاجَعْ الْحَدِيثُ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ) صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ لَهُ أَحَادِيثُ رَوَى عَنْهُ أَوْلَادُهُ جَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَالْفَضْلُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ أَسْلَمَ حِينَ انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أُحُدٍ وَكَانَ شُجَاعًا وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى النَّجَاشِيِّ فِي زَوَاجِ أُمِّ حَبِيبَةَ وَإِلَى مَكَّةَ فَحَمَلَ خُبَيْبًا مِنْ خَشَبَتِهِ وَكَانَ مِنْ رِجَالِ الْعَرَبِ نَجْدَةً وَعَاشَ إلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ. اهـ. إصَابَةً لِابْنِ حَجَرٍ

[فصل في النفس والمارن واللسان]

فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ نَقْصَ الْكُفْرِ فَوْقَ نَقْصِ الْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ فَوَجَبَ أَنْ تُنْتَقَصَ دِيَتُهُ بِهِ كَمَا تُنْتَقَصُ بِالْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ؛ وَلِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ، فَإِذَا انْتَقَصَ بِأَثَرِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُنْتَقَصَ بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نُقْصَانُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لَا بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ، بَلْ بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ بِالنِّكَاحِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ وَالْحُرُّ الذَّكَرُ يَمْلِكُهُمَا فَلِهَذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا وَالْكَافِرُ يُسَاوِي الْمُسْلِمَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَدَلُهُ كَبَدَلِهِ وَالْمُسْتَأْمِنُ دِيَتُهُ مِثْلُ دِيَةِ الذِّمِّيِّ فِي الصَّحِيحِ لِمَا رَوَيْنَا (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي النَّفْسِ وَالْمَارِنِ وَاللِّسَانِ وَالذَّكَرِ وَالْحَشَفَةِ وَالْعَقْلِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللِّحْيَةِ إنْ لَمْ تَنْبُتْ وَشَعْرِ الرَّأْسِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهَا رُبْعُهَا وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ عُشْرُهَا وَمَا فِيهَا مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَنِصْفُهَا لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ» وَمِثْلُهُ ذُكِرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْبَعْضِ يَكُونُ وَارِدًا فِي الْبَاقِي دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَالْأَصْلُ فِي الْأَعْضَاءِ أَنَّهُ إذَا فَوَّتَ جِنْسَ مَنْفَعَةٍ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ أَزَالَ جَمَالًا مَقْصُودًا فِي الْآدَمِيِّ عَلَى الْكَمَالِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ إذْ النَّفْسُ لَا تَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَإِتْلَافُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ مُلْحَقٌ بِالْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الْآدَمِيِّ تَعْظِيمًا لَهُ دَلِيلُهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ وَالْأَعْضَاءُ عَلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ فَمِنْهَا مَا هُوَ أَفْرَادٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُزْدَوَجٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ أَرْبَاعٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ أَعْشَارٌ وَمِنْهَا مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَفْرَادِ تَجِبُ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمُزْدَوَجِ وَالْأَرْبَاعِ وَالْأَعْشَارِ كَذَلِكَ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ فِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ مَقْصُودٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قُطِعَ الْمَارِنُ وَهُوَ مَا دُونَ قَصَبَةِ الْأَنْفِ وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ أَوْ قَطَعَ الْأَرْنَبَةَ وَهُوَ طَرَفُ الْأَنْفِ أَوْ قَطَعَ الْمَارِنَ مَعَ الْقَصَبَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إزَالَةِ الْجَمَالِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ عُضْوٌ وَاحِدٌ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْأَنْفِ أَنْ تَجْتَمِعَ الرَّوَائِحُ فِي قَصَبَةِ الْأَنْفِ لِتَعْلُوَ إلَى الدِّمَاغِ وَذَلِكَ يَفُوتُ بِقَطْعِ الْمَارِنِ، وَكَذَا إذَا قُطِعَ اللِّسَانُ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ وَهُوَ النُّطْقُ فَإِنَّ الْآدَمِيَّ يَمْتَازُ بِهِ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَبِهِ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِقَوْلِهِ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ مَصَالِحِهِ إلَّا بِإِفْهَامِ غَيْرِهِ أَغْرَاضَهُ وَذَلِكَ يَفُوتُ بِقَطْعِهِ، وَكَذَا تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَطْعِ بَعْضِهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ لِتَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ لَا لِتَفْوِيتِ صُورَةِ الْآلَةِ، وَقَدْ حَصَلَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْكَلَامِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ دُونَ الْبَعْضِ تُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ، وَقِيلَ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ وَهِيَ التَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ وَالْيَاءُ فَمَا أَصَابَ الْفَائِتَ يَلْزَمُهُ وَلَا مَدْخَلَ لِلْحُرُوفِ الْحَلْقِيَّةِ فِيهِ وَهِيَ الْهَمْزَةُ وَالْهَاءُ وَالْعَيْنُ وَالْغَيْنُ وَالْحَاءُ وَالْخَاءُ وَلَا الشَّفَوِيَّةِ وَهِيَ الْبَاءُ وَالْمِيمُ وَالْوَاوُ، وَقِيلَ إنْ قَدَرَ عَلَى أَكْثَرِهَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ مَعَ الِاخْتِلَالِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ تَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْإِفْهَامُ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَسَّمَ الدِّيَةَ عَلَى الْحُرُوفِ فَمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُرُوفِ أُسْقِطَ بِحِسَابِهِ مِنْ الدِّيَةِ وَمَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ أَلْزَمَهُ بِحِسَابِهِ مِنْهَا، وَكَذَا الذَّكَرُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةٍ جَمَّةٍ مِنْ الْوَطْءِ وَالْإِيلَادِ وَاسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ وَالرَّمْيِ بِهِ وَدَفْقِ الْمَاءِ وَالْإِيلَاجِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْأَعْلَاقِ عَادَةً، وَكَذَا فِي الْحَشَفَةِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي مَنْفَعَةِ الْإِيلَاجِ وَالدَّفْقُ وَالْقَصَبَةُ كَالتَّابِعِ لَهُ، وَكَذَا فِي الْعَقْلِ الدِّيَةُ إذَا ذَهَبَ بِالضَّرْبِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ بِهِ يَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبِهِ يَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالذَّوْقِ وَالشَّمِّ كَمَالُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ عَلَى رَأْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِالنِّكَاحِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ إسْقَاطُ الْبَاءِ [فَصْلٌ فِي النَّفْسِ وَالْمَارِنِ وَاللِّسَانِ] (فَصْلٌ). (قَوْلُهُ: وَالْيَدَيْنِ) مِنْ قَوْلِهِ وَالْيَدَيْنِ إلَى قَوْلِهِ وَالرِّجْلَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأَعْضَاءُ الَّتِي يَجِبُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا دِيَةٌ هِيَ ثَلَاثَةُ أَعْضَاءٍ اللِّسَانُ وَالْأَنْفُ وَالذَّكَرُ فَإِذَا اُسْتُوْعِبَ الْأَنْفُ جَدْعًا أَوْ قُطِعَ الْمَارِنُ مِنْهُ وَحْدَهُ وَهُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ عَنْ الْعَظْمِ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَكَذَا إذَا اُسْتُوْعِبَ اللِّسَانُ أَوْ قُطِعَ مِنْهُ مَا يَذْهَبُ بِالْكَلَامِ كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ الذَّكَرُ إذَا اُسْتُوْعِبَ أَوْ قُطِعَتْ الْحَشَفَةُ كُلُّهَا فَفِيهِ الدِّيَةُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ اهـ

ذَهَبَ بِهَا عَقْلُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَكَلَامُهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُعْرَفُ الذَّهَابُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، وَقِيلَ ذَهَابُ الْبَصَرِ يَعْرِفُهُ الِاطِّبَاءُ، فَيَكُونُ قَوْلُ رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ عَدْلَيْنِ حُجَّةً فِيهِ، وَقِيلَ يَسْتَقْبِلُ بِهِ الشَّمْسَ مَفْتُوحَ الْعَيْنِ فَإِنْ دَمَعَتْ عَيْنُهُ عُلِمَ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ يُلْقَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَيَّةٌ فَإِنْ هَرَبَ مِنْهَا عُلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَذْهَبْ وَإِنْ لَمْ يَهْرُبْ فَهِيَ ذَاهِبَةٌ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ السَّمْعِ أَنْ يُغَافَلَ، ثُمَّ يُنَادَى، فَإِذَا أَجَابَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ وَإِلَّا فَهُوَ ذَاهِبٌ وَرُوِيَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادٍ أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ أَنَّهَا لَا تَسْمَعُ وَتَطَارَشَتْ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فَاشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا فَجْأَةً غَطِّي عَوْرَتَك فَاضْطَرَبَتْ وَتَسَارَعَتْ إلَى جَمْعِ ثِيَابِهَا فَظَهَرَ كَذِبُهَا، وَكَذَا فِي اللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ الدِّيَةُ إذَا حُلِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْآدَمِيِّينَ وَلِهَذَا يَنْمُو بَعْدَ كَمَالِ الْخِلْقَةِ وَلِهَذَا يَحْلِقُ الرَّأْسَ وَاللِّحْيَةَ بَعْضُهَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الدِّيَةُ كَشَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْفَعَةٌ وَلِهَذَا يَجِبُ فِي شَعْرِ الْعَبْدِ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرَّأْسِ إذَا حُلِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَالْمَوْقُوفُ فِي هَذَا كَالْمَرْفُوعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَقَادِيرِ فَلَا يَهْتَدِي إلَيْهِ الرَّأْيُ؛ وَلِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ فِي أَوَانِهَا جَمَالٌ، وَكَذَا شَعْرُ الرَّأْسِ جَمَالٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَصْلَعَ يَتَكَلَّفُ فِي سَتْرِهِ فَيَلْزَمُهُ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْأُذُنَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ جَمَالٌ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً تَسْبِيحُهُمْ سُبْحَانَ مَنْ زَيَّنَ الرِّجَالَ بِاللِّحَى وَالنِّسَاءَ بِالْقُرُونِ وَالذَّوَائِبِ» بِخِلَافِ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَمَالُ، وَأَمَّا لِحْيَةُ الْعَبْدِ فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ فَلَا يَلْزَمُنَا وَالْجَوَابُ عَنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ دُونَ الْجَمَالِ وَهُوَ لَا يَفُوتُ بِالْحَلْقِ بِخِلَافِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فِي حَقِّهِ الْجَمَالُ فَيَجِبُ بِفَوَاتِهِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي الشَّارِبِ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلِّحْيَةِ فَصَارَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِ اللِّحْيَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي لِحْيَةِ الْكَوْسَجِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى ذَقَنِهِ شَعَرَاتٌ مَعْدُودَةٌ، فَلَيْسَ فِي حَقِّهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ وُجُودَهَا يَشِينُهُ وَلَا يُزَيِّنُهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْخَدِّ وَالذَّقَنِ جَمِيعًا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ وَفِي لِحْيَتِهِ جَمَالٌ كَامِلٌ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا فَسَدَتْ الْمَنْبَتُ فَإِنْ نَبَتَ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِفِعْلِ الْجَانِي أَثَرٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبَةِ الَّتِي لَا يَبْقَى أَثَرُهَا فِي الْبَدَنِ وَلَكِنَّهُ يُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ الْمُحَرَّمَ، فَإِذَا نَبَتَ أَبْيَضَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْجَمَالَ يُزَادُ بِبَيَاضِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ يَشِينُهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَتَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ بِاعْتِبَارِهِ وَفِي الْعَبْدِ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَقَصُ بِهِ قِيمَتُهُ وَيَسْتَوِي الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي حَلْقِ الشَّعْرِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ فَلَا يَثْبُتُ قِيَاسًا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً فَالنَّصُّ إنَّمَا وَرَدَ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحَاتِ، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَلَّمُ بِهِ وَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ السِّرَايَةُ بِخِلَافِ النَّفْسِ وَالْجِرَاحَاتِ وَيُؤَجَّلُ فِيهِ سَنَةً فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ فِيهَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ وَلَمْ يَنْبُتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ مُزْدَوَجًا مِنْ الْأَعْضَاءِ كَالْعَيْنَيْنِ وَالْيَدَيْنِ فَفِي قَطْعِهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي قَطْعِ أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ»؛ وَلِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ اثْنَتَيْنِ مِنْهَا تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ تَفْوِيتَ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ فَتَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ وَفِي تَفْوِيتِ إحْدَاهُمَا تَفْوِيتُ نِصْفِ الْمَنْفَعَةِ فَيَجِبُ النِّصْفُ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الْعَيْنَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْإِبْصَارِ وَالْبَطْشِ وَإِمْسَاكِ الطَّعَامِ عِنْدَ الْأَكْلِ، وَمَنْفَعَةُ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ وَفِي تَفْوِيتِ الرِّجْلَيْنِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ وَفِي الْأُذُنَيْنِ تَفْوِيتُ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ، وَقَدْ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأُذُنَيْنِ بِالدِّيَةِ» وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْإِمْنَاءِ وَالنَّسْلِ وَفِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ تَفْوِيتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَهْرُبْ فَهِيَ ذَاهِبَةٌ)، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَا ذَكَرْنَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ وَالْقَوْلُ لِلْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّهُ هَذَا يَمِينٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ إذْهَابُ بَصَرِ غَيْرِهِ. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ: قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً تَسْبِيحُهُمْ سُبْحَانَ مَنْ زَيَّنَ الرِّجَالَ بِاللِّحَى») قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ اللِّحْيَةُ الشَّعْرُ النَّازِلُ عَلَى الذَّقَنِ وَالْجَمْعُ لِحَى مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدْرٍ وَتُضَمُّ اللَّامُ أَيْضًا مِثْلُ حِلْيَةٍ وَحُلَى اهـ

مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ بِخِلَافِ ثَدْيَيْ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ وَلَا الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ فَيَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي حَلَمَتَيْ الْمَرْأَةِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ وَإِمْسَاكِ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِثَدْيِهَا حَلَمَةٌ يَتَعَذَّرُ عَلَى الصَّبِيِّ الِالْتِقَامُ عِنْدَ الِارْتِضَاعِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ فِي الْحَاجِبَيْنِ حُكُومَةُ عَدْلٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ وُجُوبَ الدِّيَةِ فِي الشَّعْرِ، وَعِنْدَنَا يَجِبُ فِيهِمَا الدِّيَةُ لِتَفْوِيتِ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَرْبَاعًا فَهِيَ أَشْفَارُ الْعَيْنَيْنِ فَفِيهَا الدِّيَةُ إذَا قَلَعَهَا وَلَمْ تَنْبُتْ وَفِي أَحَدِهَا رُبْعُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ وَيَتَعَلَّقُ بِهَا دَفْعُ الْأَذَى وَالْقَذَى مِنْ الْعَيْنِ وَتَفْوِيتُ ذَلِكَ يُنْقِصُ الْبَصَرَ وَيُورِثُ الْعَمَى، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْكُلِّ الدِّيَةُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَجَبَ فِي الْوَاحِدِ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ وَفِي الِاثْنَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْأَشْفَارِ حُرُوفَ الْعَيْنَيْنِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْأَهْدَابَ وَسَمَّاهَا أَشْفَارًا تَسْمِيَةً لِلْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحَلِّ وَمِثْلُهُ سَائِغٌ لُغَةً كَمَا يُقَالُ سَالَ الْمِيزَابُ وَسَالَ الْوَادِي وَهُوَ لَا يَسِيلُ وَإِنَّمَا الْمَاءُ هُوَ الَّذِي يَسِيلُ فِيهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةً إذَا لَمْ تَنْبُتْ فَأَرَادَ بِهِ الشَّعْرَ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ هُوَ الَّذِي يَنْبُتُ دُونَ الْجُفُونِ وَأَيُّهُمَا أُرِيدَ كَانَ مُسْتَقِيمًا؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّعْرِ وَمَنَابِتِهِ دِيَةً كَامِلَةً فَلَا يَخْتَلُّ الْمَعْنَى، وَلَوْ قَطَعَ الْجُفُونَ بِأَهْدَابِهَا تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَشْفَارَ مَعَ الْجُفُونِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ وَالْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَعْشَارًا كَالْأَصَابِعِ فَفِي قَطْعِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ كُلُّ الدِّيَةِ وَفِي قَطْعِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عُشْرُ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ»؛ وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْكُلِّ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ أَوْ الْبَطْشِ وَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهِيَ عَشَرَةٌ فَتُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَيْهَا وَالْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ فِيهَا كَالْأَسْنَانِ وَالْيَدِ الْيُمْنَى مَعَ الْيُسْرَى وَكُلُّ أُصْبُعٍ فِيهَا ثَلَاثَةُ مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ؛ لِأَنَّهُ ثُلُثَهَا وَمَا فِيهَا مِفْصَلَانِ كَالْإِبْهَامِ فَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ؛ لِأَنَّهُ نِصْفُهَا وَهُوَ نَظِيرُ انْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمَا فِيهَا مَفَاصِلُ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَنِصْفُهَا لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ، وَأَمَّا مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فَالْأَسْنَانُ فَفِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَهِيَ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ؛ وَلِأَنَّ الْكُلَّ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ سَوَاءٌ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ فِيهِ كَالْأَيْدِي وَالْأَصَابِعِ وَلَئِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ فَفِي الْآخَرِ زِيَادَةُ الْجَمَالِ فَاسْتَوَيَا فَتُزَادُ دِيَةُ هَذَا الطَّرَفِ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا عِشْرُونَ ضِرْسًا وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَأَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ ضَوَاحِكَ، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْوَاحِدَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ يَجِبُ فِي الْكُلِّ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ هَذَا إذَا كَانَ خَطَأً وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ فَفِيهِ دِيَةٌ كَيَدٍ شُلَّتْ وَعَيْنٍ ذَهَبَ ضَوْءُهَا) أَيْ إذَا ضَرَبَ عُضْوًا فَذَهَبَ نَفْعُهُ بِضَرْبِهِ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَمَا إذَا ضَرَبَ يَدَهُ فَشُلَّتْ بِهِ أَوْ عَيْنَهُ فَذَهَبَ ضَوْءُهَا بِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ يَتَعَلَّقُ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا زَالَتْ مَنْفَعَتُهُ كُلُّهَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ كُلُّهُ وَلَا عِبْرَةَ لِلصُّورَةِ بِدُونِ الْمَنْفَعَةِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فَلَا يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْأَرْشِ إلَّا إذَا تَجَرَّدَتْ عِنْدَ الْإِتْلَافِ بِأَنْ أَتْلَفَ عُضْوًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إذَا لَمْ تَنْبُتْ) ضَبَطَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ مِنْ الْإِنْبَاتِ أَيْ إذَا لَمْ تَنْبُتُ الْأَشْفَارُ الْأَهْدَابُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا) فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِي كُلِّ سِنٍّ رُبْعُ ثُمْنِ الدِّيَةِ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي وُجُوبِ نِصْفِ الْعُشْرِ فَيَخْطِرُ بِبَالِي أَنَّ عَدَدَ الْأَسْنَانِ وَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ سِنًّا فَالْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ أَسْنَانُ الْحُلُمِ قَدْ لَا تَنْبُتُ لِبَعْضِ النَّاسِ، وَقَدْ يَنْبُتُ لِبَعْضِ النَّاسِ بَعْضُهَا وَلِلْبَعْضِ كُلُّهَا فَالْعَدَدُ الْأَوْسَطُ لِلْأَسْنَانِ ثَلَاثُونَ، ثُمَّ لِلْأَسْنَانِ مَنْفَعَتَانِ الزِّينَةُ وَالْمَضْغُ فَإِذَا سَقَطَ سِنٌّ تَبْطُلُ مَنْفَعَتُهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَنِصْفُ مَنْفَعَةِ السِّنِّ الَّتِي تُقَابِلُهَا وَهِيَ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ الْآخَرُ وَهُوَ الزِّينَةُ بَاقِيًا، وَإِذَا كَانَ الْعَدَدُ الْأَوْسَطُ ثَلَاثِينَ فَمَنْفَعَةُ السِّنِّ الْوَاحِدَةِ ثُلُثُ الْعُشْرِ وَنِصْفُ مَنْفَعَةِ السِّنِّ الْأُخْرَى الَّتِي تُقَابِلُهَا سُدُسُ الْعُشْرِ وَمَجْمُوعُهُمَا نِصْفُ الْعُشْرِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَقِيقَةِ اهـ. شَرْحُ وِقَايَةٍ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الدِّينِ قَاسِمٌ فِي كِتَابِ التَّصْحِيحِ أَخَذَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي الْأَسْنَانِ كُلِّهَا دِيَةً وَاحِدَةً كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَهُوَ غَلَطٌ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَفِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا حَتَّى سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ كُلُّهَا وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ كَانَ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي السَّنَةِ الْأُولَى ثُلُثَا الدِّيَةِ ثُلُثٌ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ وَثُلُثٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَمَا بَقِيَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ اهـ، وَذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ وَالْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ، وَقَالَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَأَسْنَانُ الْكَوْسَجِ قَالُوا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَهَذَا غَيْرُ جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ فِي الْأَعْضَاءِ إلَّا أَنَّ الْمَرْجِعَ النَّصُّ. اهـ.

[فصل في الشجاج]

ذَهَبَ مَنْفَعَتُهُ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جَمَالٌ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ أَوْ أَرْشُهُ كَامِلًا إنْ كَانَ فِيهِ جَمَالٌ كَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْجَمَالِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ أَعْتِبَارُهُمَا مَعَهَا، بَلْ يَكُونُ تَبَعًا لَهَا، فَيَكُونُ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هِيَ الْمَنْفَعَةُ فَقَطْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ، ثُمَّ إذَا انْفَرَدَ بِالْإِتْلَافِ يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تَبَعٌ لِلنَّفْسِ فَلَا يَكُونُ لَهَا أَرْشٌ إذَا تَلِفَتْ مَعَهَا، وَإِذَا انْفَرَدَتْ بِالْإِتْلَافِ كَانَ لَهَا أَرْشٌ، وَمَنْ ضَرَبَ صُلْبَ رَجُلٍ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةٍ كَامِلَةٍ وَهِيَ مَنْفَعَةُ النَّسْلِ، وَكَذَا لَوْ أَحْدَبَهُ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ جَمَالَ الْآدَمِيِّ فِي كَوْنِهِ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ، وَقِيلَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]، وَلَوْ زَالَتْ الْحَدَبَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِزَوَالِهَا لَا عَنْ أَثَرٍ، وَلَوْ بَقِيَ أَثَرُ الضَّرْبَةِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِبَقَاءِ الشَّيْنِ بِبَقَاءِ أَثَرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ] (فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ) الشِّجَاجُ عَشَرَةٌ الْحَارِصَةُ وَهِيَ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ أَيْ تَخْدِشُهُ وَلَا تُخْرِجُ الدَّمَ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ حَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ أَيْ شَقَّهُ فِي الدَّقِّ، وَالدَّامِعَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ وَلَا تُسَيِّلُهُ كَالدَّمْعِ فِي الْعَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ الدَّمْعِ فَسُمِّيَتْ بِهَا؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّمْعِ مِنْ الْمُقْلَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ عَيْنَهُ تَدْمَعُ بِسَبَبِ أَلَمٍ يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ وَفِي الْمُحِيطِ الدَّامِعَةُ هِيَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يُشْبِهُ الدَّمْعَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ دَمْعِ الْعَيْنَيْنِ وَالدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي تُسَيِّلُ الدَّمَ، وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ الدَّامِيَةَ هِيَ الَّتِي تُدْمِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا دَمٌ هُوَ الصَّحِيحُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَالدَّامِعَةُ هِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ كَدَمْعِ الْعَيْنِ، وَمَنْ قَالَ إنَّ صَاحِبَهَا تَدْمَعُ عَيْنَاهُ مِنْ الْأَلَمِ فَقَدْ أَبْعَدَ وَالْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ الْجِلْدَ أَيْ تَقْطَعُهُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَضْعِ وَهُوَ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ وَمِنْهُ مِبْضَعُ الْفَصَّادِ وَالْمُتَلَاحِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ فَتَقْطَعُهُ كُلَّهُ، ثُمَّ يَتَلَاحَمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ يَلْتَئِمُ وَيَتَلَاصَقُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَفَاؤُلًا عَلَى مَا تَؤُولُ إلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُتَلَاحِمَةَ قَبْلَ الْبَاضِعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَلَاحِمَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ الْتَحَمَ الشَّيْئَانِ إذَا اتَّصَلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَالْمُتَلَاحِمَةُ مَا تُظْهِرُ اللَّحْمَ وَلَا تُقَطِّعُهُ وَالْبَاضِعَةُ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا تُقَطِّعُهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمُتَلَاحِمَةُ تَعْمَلُ فِي قَطْعِ أَكْثَرِ اللَّحْمِ وَهِيَ بَعْدَ الْبَاضِعَةِ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ الْمُتَلَاحِمَةُ أَيْ الْقَاطِعَةُ لِلَّحْمِ وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي وُجِدَ فِي الشِّجَاجِ رَاجِعٌ إلَى مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ لَا إلَى الْحُكْمِ وَالسِّمْحَاقُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى السِّمْحَاقِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَعَظْمِ الرَّأْسِ وَالْمُوضِحَةُ وَهِيَ الَّتِي تُوَضِّحُ الْعَظْمَ أَيْ تُبَيِّنُهُ وَالْهَاشِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَكْسِرُ الْعَظْمَ وَالْمُنَقِّلَةُ وَهِيَ الَّتِي تَنْقُلُ الْعَظْمَ بَعْدَ الْكَسْرِ أَيْ تُحَوِّلُهُ وَالْآمَّةُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَأُمُّ الدِّمَاغِ هِيَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ وَبَعْدَ الْآمَّةِ شَجَّةٌ تُسَمَّى الدَّامِغَةَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَبْقَى بَعْدَهَا عَادَةً، فَيَكُونُ قَتْلًا وَلَا يَكُونُ مِنْ الشِّجَاجِ وَالْكَلَامِ فِي الشِّجَاجِ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَارِصَةَ وَالدَّامِعَةَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَبْقَى لَهُمَا فِي الْغَالِبِ أَثَرٌ وَهَذِهِ الشِّجَاجُ تَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ لُغَةً وَمَا كَانَ فِي غَيْرِهِمَا يُسَمَّى جِرَاحَةً فَهَذَا هُوَ حَقِيقَتُهُ وَالْحُكْمُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا يَجِبُ بِالْجِرَاحَةِ مَا يَجِبُ بِالشَّجَّةِ مِنْ الْمُقَدَّرِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالنَّقْلِ وَهُوَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الشِّجَاجِ وَهُوَ يَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فَيَخْتَصُّ الْحُكْمُ الْمُقَدَّرُ بِهَا وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ الْجِرَاحَةِ بِهَا دَلَالَةً وَلَا قِيَاسًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا فِي الشَّيْنِ؛ لِأَنَّ شِجَاجَ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ يَظْهَرَانِ فِي الْغَالِبِ وَغَيْرُهُمَا مَسْتُورٌ غَالِبًا فَلَا يَظْهَرُ وَاخْتَلَفُوا فِي اللَّحْيَيْنِ فَعِنْدَنَا هُمَا مِنْ الْوَجْهِ فَيَتَحَقَّقُ الشِّجَاجُ فِيهِمَا فَيَجِبُ فِيهِمَا مُوجِبُهَا خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ إنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ لَا تَقَعُ بِهِمَا وَنَحْنُ نَقُولُ هُمَا يَتَّصِلَانِ بِالْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُوَاجَهَةِ فَصَارَا كَالذَّقَنِ؛ لِأَنَّهُمَا تَحْتَهُ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ أَنْ يُفْتَرَضَ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْوَجْهِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُمَا لِلْإِجْمَاعِ وَلَا إجْمَاعَ هُنَا فَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلْحَقِيقَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَفِي الْهَاشِمَةِ عُشْرُهَا وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ وَفِي الْآمَّةِ وَالْجَائِفَةِ ثُلُثُهَا فَإِنْ نَفَذَتْ الْجَائِفَةُ فَثُلُثَاهَا) لِمَا رُوِيَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ). (قَوْلُهُ: فَيَخْتَصُّ الْحُكْمُ الْمُقَدَّرُ بِهَا) أَيْ بِالشِّجَاجِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

قَالَ «فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَفِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَفِي الْآمَّةِ وَيُرْوَى الْمَأْمُومَةُ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ»، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حَكَمَ فِي جَائِفَةٍ نَفَذَتْ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ؛ وَلِأَنَّهَا إذَا نَفَذَتْ صَارَتْ جَائِفَتَيْنِ فَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الثُّلُثُ وَهِيَ تَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَالْبَطْنِ بِخِلَافِ سَائِرِ الشِّجَاجِ حَيْثُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَقِيلَ لَا تَتَحَقَّقُ الْجَائِفَةُ فِيمَا فَوْقَ الْحَلْقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْحَارِصَةِ وَالدَّامِعَةِ وَالدَّامِيَةِ وَالْبَاضِعَةِ وَالْمُتَلَاحِمَةِ وَالسِّمْحَاقِ حُكُومَةُ عَدْلٍ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَلَا يُمْكِنُ إهْدَارُهَا فَتَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْحُكُومَةِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَفْسِيرُهَا أَنْ يَقُومَ مَمْلُوكًا بِدُونِ هَذَا الْأَثَرِ، ثُمَّ يَقُومُ وَبِهِ هَذَا الْأَثَرُ، ثُمَّ يُنْتَظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ ثُلُثَ عُشْرِ الْقِيمَةِ مَثَلًا يَجِبُ ثُلُثُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ رُبْعَ عُشْرِ الْقِيمَةِ يَجِبُ رُبْعُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُنْظَرُ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَيَجِبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ يُرَدُّ إلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَكَانَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الطَّرِيقُ فَرُبَّمَا يَكُونُ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يُوجِبَ فِي هَذِهِ الشِّجَاجِ وَهُوَ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ فِي الْمُوضِحَةِ وَأَنَّهُ مُحَالٌ، بَلْ الصَّحِيحُ الِاعْتِبَارُ بِالْمِقْدَارِ، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْظُرُ الْمُفْتِي فِي هَذَا إنْ أَمْكَنَهُ الْفَتْوَى بِالثَّانِي بِأَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ يُفْتِي بِالثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ يُفْتِي بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ. قَالَ وَكَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْتِي بِهِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُنْظَرُ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ أَقَلِّ شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَإِنْ كَانَ مِقْدَارُهُ مِثْلَ نِصْفِ شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ أَوْ ثُلُثَهَا وَجَبَ نِصْفُ أَوْ ثُلُثُ أَرْشِ تِلْكَ الشَّجَّةِ وَإِنْ كَانَ رُبْعًا فَرُبْعٌ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ قَوْلًا ثَالِثًا وَإِلَّا شُبِّهَ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِقَوْلِ الْكَرْخِيُّ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اعْتَبَرَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ فِيمَنْ قُطِعَ طَرَفُ لِسَانِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قِصَاصَ فِي غَيْرِ الْمُوضِحَةِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ السِّكِّينُ وَمَا فَوْقَهَا كَسْرُ الْعَظْمِ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ»، وَهَذَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ كَسْرُ الْعَظْمِ وَلَا خَوْفُ التَّلَفِ كَالْجَائِفَةِ فَيُسْبَرُ غَوْرُهَا بِمِسْبَارٍ، ثُمَّ يُتَّخَذُ حَدِيدَةٌ بِقَدْرِ ذَلِكَ فَيُقْطَعُ بِهَا مِقْدَارُ مَا قُطِعَ فَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِذَلِكَ وَفِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِالْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ»؛ وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهَا مُمْكِنَةٌ بِإِنْهَاءِ السِّكِّينِ إلَى الْعَظْمِ فَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ) أَيْ أَصَابِعُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ لِمَا رَوَيْنَا، فَيَكُونُ فِي الْخَمْسَةِ خَمْسُونَ ضَرُورَةً وَهُوَ النِّصْفُ؛ وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَعَ الْكَفِّ) هَذَا مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ أَيْ فِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ الْكَفِّ وَلَا يَزِيدُ الْأَرْشُ بِسَبَبِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ فِي حَقِّ الْبَطْشِ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الْبَطْشِ بِهَا، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ» وَالْيَدُ اسْمٌ لِجَارِحَةٍ يَقَعُ بِهَا الْبَطْشُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ، وَالْبَطْشُ يَقَعُ بِالْأَصَابِعِ وَالْكَفِّ فَيَجِبُ فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَيَكُونُ الْكَفُّ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَعَ نِصْفِ سَاعِدٍ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ) أَيْ إذَا قُطِعَ الْكَفُّ مَعَ نِصْفِ السَّاعِدِ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ وَالْحُكُومَةُ فِي نِصْفِ السَّاعِدِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَرِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْأَصَابِعِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) كَذَا فِي الْكَافِي. اهـ.

الْيَدِ وَالرِّجْلِ إلَى الْمَنْكِبِ وَأَصْلُ الْفَخِذِ هُوَ تَبَعٌ فَلَا تَزِيدُ بِهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ فِي الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا نِصْفَ الدِّيَةِ وَالْيَدُ اسْمٌ لِهَذِهِ الْجَارِحَةِ إلَى الْمَنْكِبِ وَالرِّجْلُ إلَى أَصْلِ الْفَخِذِ فَلَا يُزَادُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْعِ؛ وَلِأَنَّ السَّاعِدَ لَيْسَ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا، فَيَكُونُ تَبَعًا لِمَا لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِيهِ كَالْكَفِّ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِآلَةٍ بَاطِشَةٍ وَوُجُوبُ الْأَرْشِ بِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَقُوَّةُ الْبَطْشِ تَتَعَلَّقُ بِالْأَصَابِعِ وَالْكَفُّ تَبَعٌ لَهَا فِي الْبَطْشِ فَكَذَا فِي الْأَرْشِ وَلَا يَقَعُ الْبَطْشُ بِالسَّاعِدِ أَصْلًا وَلَا تَبَعًا فَلَا يَدْخُلُ فِي أَرْشِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ تَبَعًا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ أَوْ لِلْكَفِّ وَلَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِالْكَفِّ وَلَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْكَفَّ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ وَلَا تَبَعَ لِلتَّبَعِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِهَذِهِ الْجَارِحَةِ إلَى الْمَنْكِبِ، بَلْ هِيَ اسْمٌ إلَى الزَّنْدِ إذَا ذُكِرَتْ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ بِدَلِيلِ آيَةِ السَّرِقَةِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي قَطْعِ الْكَفِّ وَفِيهَا أُصْبُعٌ أَوْ أُصْبُعَانِ عُشْرُهَا أَوْ خُمْسُهَا وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ) أَيْ إذَا كَانَ فِي الْكَفِّ أُصْبُعٌ أَوْ أُصْبُعَانِ فَقَطَعَهَا يَجِبُ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي الْأُصْبُعِ الْوَاحِدَةِ وَخُمْسُهَا فِي أُصْبُعَيْنِ وَلَا يَجِبُ فِي الْكَفِّ شَيْءٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَا يُنْظَرُ إلَى أَرْشِ الْكَفِّ وَإِلَى أَرْشِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَصَابِعِ فَيَجِبُ أَكْثَرُهُمَا وَيَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَرْشَيْنِ مُتَعَذِّرٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ إذْ ضَمَانُ الْأُصْبُعِ هُوَ ضَمَانُ الْكَفِّ وَضَمَانُ الْكَفِّ هُوَ ضَمَانُ الْأُصْبُعِ، وَكَذَا إهْدَارُ أَحَدِهِمَا مُتَعَذِّرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ، أَمَّا الْكَفُّ فَلِأَنَّ الْأَصَابِعَ قَائِمَةٌ بِهِ، وَأَمَّا الْأَصَابِعُ فَلِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ، فَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ رَجَّحْنَا بِالْكَثْرَةِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ شَجَّ رَأْسَ إنْسَانٍ وَتَنَاثَرَ بَعْضُ شَعْرِهِ يَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْأَصَابِعَ أَصْلٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْيَدِ وَهِيَ الْبَطْشُ وَالْقَبْضُ وَالْبَسْطُ قَائِمَةٌ بِهَا، وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ الدِّيَةَ بِمُقَابَلَةِ الْأَصَابِعِ حَيْثُ أَوْجَبَ فِي الْيَدِ نِصْفَ الدِّيَةِ، ثُمَّ جَعَلَ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ وَمِنْ ضَرُورَتُهُ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا بِمُقَابَلَةِ الْأَصَابِعِ دُونَ الْكَفِّ وَالْأَصْلُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ وَإِنْ قَلَّ وَلَا يَظْهَرُ التَّابِعُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ فَلَا يَتَعَارَضُ حَتَّى يُصَارَ إلَى التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ وَلَئِنْ تَعَارَضَا فَالتَّرْجِيحُ بِالْأَصْلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصِّغَارَ إذَا اخْتَلَطَتْ مَعَ الْمَسَانِّ يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ تَبَعًا وَإِنْ كَانَتْ الصِّغَارُ أَكْثَرَ تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الشَّجَّةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلْآخَرِ؛ وَلِأَنَّ أَرْشَ الْأُصْبُعِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَلَيْسَ لِلْكَفِّ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَلَوْ ثَبَتَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِإِبْطَالِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ لِعَدَمِ النَّقْلِ أَوْ شُبْهَتِهِ فَكَيْفَ يُصَارُ إلَيْهِ هُنَا مَعَ وُجُودِهِ، بَلْ لِإِبْطَالِهِ، وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ فِي الْكَفِّ مِفْصَلٌ وَاحِدٌ مِنْ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ يَجِبُ أَرْشُ الْمِفْصَلِ عَلَى الظَّاهِرِ عِنْدَهُ وَلَا يَجِبُ فِي الْكَفِّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ أَرْشَ ذَلِكَ الْمِفْصَلِ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَمَا بَقِيَ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ أَوْلَى كَمَا قَالَ فِي الْقَسَامَةِ إنَّ أَهْلَ الْخُطَّةِ أَوْلَى بِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ قَلُّوا لِكَوْنِهَا أَصْلًا وَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ التَّبَعِ مَعَهُ وَإِنْ كَثُرَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّ الْبَاقِيَ إذَا كَانَ دُونَ أُصْبُعٍ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُهُمَا أَرْشًا؛ لِأَنَّ أَرْشَ مَا دُونَ الْأُصْبُعِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ اعْتِبَارُهُ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِنَوْعِ اجْتِهَادٍ وَكَوْنِهِ أَصْلًا بِاعْتِبَارِ النَّصِّ، فَإِذَا لَمْ يَرِدْ النَّصُّ فِي أَرْشِ مِفْصَلٍ وَلَا مِفْصَلَيْنِ اعْتَبَرْنَا فِيهِ الْأَكْثَرَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ أَرْشَهُ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ كَالنَّصِّ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْكَفِّ أُصْبُعٌ وَلَا بَعْضُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لَا يَبْلُغُ بِهَا أَرْشَ أُصْبُعٍ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ التَّبَعِ لَا تَبْلُغُ قِيمَةَ الْمَتْبُوعِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْكَفِّ ثَلَاثُ أَصَابِعَ يَجِبُ أَرْشُ الْأَصَابِعِ وَلَا يَجِبُ فِي الْكَفِّ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ أَصْلٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَاسْتَتْبَعَتْ الْكَفَّ كَمَا إذَا كَانَتْ كُلُّهَا قَائِمَةً . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَعَيْنِ الصَّبِيِّ وَذَكَرِهِ وَلِسَانِهِ إنْ لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ بِنَظَرٍ وَحَرَكَةٍ وَكِلَامٍ حُكُومَةُ عَدْلٍ)، أَمَّا الْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ فَلِأَنَّهَا جُزْءُ الْآدَمِيِّ فَيَجِبُ الْأَرْشُ فِيهَا تَشْرِيفًا لِلْآدَمِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَفْعٌ وَلَا زِينَةٌ كَمَا فِي السِّنِّ الزَّائِدَةِ وَلَا يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ لِلْقَاطِعِ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَلَمْ يُعْلَمْ تَسَاوِيهِمَا إلَّا بِالظَّنِّ فَصَارَ كَالْعَبْدِ يَقْطَعُ طَرَفَ الْعَبْدِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ وَجَبَ أَرْشُهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِي الشَّرْعِ فَيَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ بِخِلَافِ لِحْيَةِ الْكَوْسَجِ حَيْثُ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ لَا يَبْقَى فِيهَا أَثَرُ الْحَلْقِ فَلَا يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ بِالْحَلْقِ، بَلْ بِبَقَاءِ الشُّعَيْرَاتِ يَلْحَقُهُ ذَلِكَ، فَيَكُونُ نَظِيرَ مَنْ قَلَّمَ ظُفْرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَفِي قَطْعِ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ يَبْقَى أَثَرُهُ فَيَشِينُهُ ذَلِكَ فَيَجِبُ الْأَرْشُ، وَأَمَّا عَيْنُ الصَّبِيِّ وَذَكَرُهُ وَلِسَانُهُ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَنْفَعَةُ، فَإِذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهَا لَا يَجِبُ أَرْشُهَا كَامِلًا بِالشَّكِّ بِخِلَافِ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الْجَمَالُ، وَقَدْ فَوَّتَهُ عَلَى الْكَمَالِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ صَوْتٍ وَمَعْرِفَةُ الصِّحَّةِ فِيهِ بِالْكَلَامِ وَفِي الذَّكَرِ بِالْحَرَكَةِ وَفِي الْعَيْنِ بِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ بِنَظَرٍ وَحَرَكَةٍ وَكَلَامٍ، فَيَكُونُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ صِحَّةِ ذَلِكَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَالِغِ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْجَانِي وَإِنْ أَنْكَرَ وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي، وَكَذَا إذَا قَالَ لَا أَعْرِفُ صِحَّتَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً كَيْفَمَا كَانَ إلَّا إذَا عُرِفَتْ أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الصِّحَّةُ فَأَشْبَهَ الْأُذُنَ وَالْمَارِنَ قُلْنَا الظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَإِنَّمَا يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَحَاجَتُنَا إلَى الِاسْتِحْقَاقِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَبَيْنَ الْأُذُنِ وَالْأَنْفِ وَفِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَيْفًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلَنَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ وَهُوَ الْإِيلَاجُ وَالْإِنْزَالُ وَالْإِحْبَالُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ مِنْ هَذَا الْعُضْوِ، فَإِذَا عَدِمَتْ لَا يَجِبُ فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ بِلَا ضَوْءٍ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالرِّجْلِ الشَّلَّاءِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ)؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْعَقْلِ يُبْطِلُ مَنْفَعَةَ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا بِدُونِهِ فَصَارَ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ كَالنَّفْسِ فَيَدْخُلُ أَرْشُهَا كَمَا فِي النَّفْسِ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ نَبَتَ يَسْقُطُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ بِفَوَاتِ كُلِّ الشَّعْرِ، وَقَدْ تَعَلَّقَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فَوَاتُ الشَّعْرِ فَيَدْخُلُ الْجُزْءُ فِي الْجُمْلَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ يَدُهُ كُلُّهَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ فَأَتْلَفَتْ شَيْئَيْنِ وَأَرْشُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِيهِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُضْوَيْنِ لَا يَدْخُلُ وَيَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْشُهُ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ لِلْأَوَّلِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ عَمْدًا وَأَمْكَنَ الِاسْتِيفَاءُ وَإِلَّا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْأَعْضَاءِ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلَامُهُ لَا) أَيْ لَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِهَا لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي أَرْشِ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي دِيَةِ السَّمْعِ وَالْكَلَامِ وَلَا يَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْبَصَرِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فَلَا يَلْحَقُ بِالْعَقْلِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَأَمَّا السَّمْعُ وَالْكَلَامُ فَلِأَنَّهُمَا مَبْطَنَانِ فَيَلْحَقَانِ بِالْعَقْلِ فَيَدْخُلُ فِيهِمَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ كَمَا يَدْخُلُ فِي أَرْشِ الْعَقْلِ وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَنَافِعِ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا فَيَتَعَدَّدُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ بِتَعَدُّدِهَا وَلَا يَدْخُلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِتَعَدُّدِ أَثَرِ الْفِعْلِ لَا لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَى كُلِّ الْأَعْضَاءِ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِالْأَعْضَاءِ بِدُونِهِ فَصَارَ كَالنَّفْسِ أَوْ نَقُولُ ذَهَابُ الْعَقْلِ فِي مَعْنَى تَبْدِيلِ النَّفْسِ وَإِلْحَاقِهِ بِالْبَهَائِمِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ وَلَا كَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ لَهُ مَوْضِعٌ يُشَارُ إلَيْهِ فَصَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا شَجَّ رَجُلًا فَذَهَبَ مِنْ ذَلِكَ بَصَرُهُ أَوْ سَمْعُهُ أَوْ كَلَامُهُ أَوْ شَعْرُهُ فَلَمْ يَنْبُتْ أَوْ عَقْلُهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي ذَهَابِ شَعْرِهِ وَعَقْلِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْمُوضِحَةِ يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ وَيَكُونُ فِي السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ أَوْ الْكَلَامِ أَيُّهَا ذَهَبَ بِالشَّجَّةِ أَرْشُ الشَّجَّةِ وَالدِّيَةُ، وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْأُولَى رَوَى ذَلِكَ فِي الْإِمْلَاءِ عَنْهُ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَرَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّ الشَّجَّةَ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ السَّمْعِ، وَقَالَ فِي الْجَوَامِعِ تَدْخُلُ فِي السَّمْعِ وَالْكَلَامِ وَلَا تَدْخُلُ فِي الْبَصَرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْبَصَرَ ظَاهِرٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَرْشُ الشَّجَّةِ إلَّا فِي الشَّعْرِ خَاصَّةً، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الشَّجَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَعْرٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَعَلَّقَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ) وَهُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى الرَّأْسِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ) كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ اهـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ، وَهَذَا الْفَرْقُ الَّذِي قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ يَبْطُلُ بِالشَّعْرِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ أَوْجَبْتُمْ بِالسَّمْعِ دِيَةً وَبِالْبَصَرِ دِيَةً وَبِالْكَلَامِ دِيَةً، وَلَوْ أَدَّتْ الشَّجَّةُ إلَى الْمَوْتِ لَمْ يَجِبْ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَوْتُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ قِيلَ الْمَوْتُ فَوَاتُ الْجُمْلَةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَبَعٌ لِلْجُمْلَةِ فَيَدْخُلُ التَّبَعُ فِي الْمَتْبُوعِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَمُتْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي غَيْرُ تَابِعٍ لِلْآخَرِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي أَرْشِهِ قَالَ الْقُدُورِيُّ مِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ إذْهَابُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ قِيلَ لَهُ يُعْرَفُ ذَلِكَ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي وَتَصْدِيقِهِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ مَرَّ فِي أَوَّلِ فَصْلٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

كَالرُّوحِ لِلْجَسَدِ، وَقَالَ الْحَسَنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرْشُ الْمُوضِحَةِ لَا يَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْعَقْلِ أَيْضًا لِاخْتِلَافِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ مَحَلَّ الْعَقْلِ غَيْرُ مَحَلِّ الْمُوضِحَةِ بِخِلَافِ الْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ لِاتِّحَادِ سَبَبِهِمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ أَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ أُخْرَى أَوْ قَطَعَ الْمِفْصَلَ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ أَوْ كُلُّ الْيَدِ أَوْ كَسَرَ نِصْفَ سِنَّةٍ فَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ فَلَا قَوَدَ)، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُطْلَقًا، وَقَالَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ وَالدِّيَةُ فِي الْعَيْنِ فِيمَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ أُخْرَى بِجَنْبِهَا يُقْتَصُّ لِلْأُولَى وَيَجِبُ الْأَرْشُ لِلْأُخْرَى، وَعِنْدَهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِي الْعُضْوَيْنِ يَجِبُ أَرْشُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا وَإِنْ كَانَ عُضْوًا وَاحِدًا بِأَنْ قَطَعَ الْأُصْبُعَ مِنْ الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا يُكْتَفَى بِأَرْشٍ وَاحِدٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِعُ بِمَا بَقِيَ وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ يَجِبُ دِيَةُ الْمَقْطُوعِ وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الْبَاقِي بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا إذَا كَسَرَ نِصْفَ السِّنِّ وَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ أَوْ اصْفَرَّ أَوْ احْمَرَّ تَجِبُ دِيَةُ السِّنِّ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ قَالَ أَقْطَعُ الْمِفْصَلَ الْأَعْلَى وَأَتْرُكُ مَا يَبِسَ أَوْ أَكْسِرُ الْقَدْرَ الْمَكْسُورَ مِنْ السِّنِّ وَأَتْرُكُ الْبَاقِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي نَفْسِهِ مَا وَقَعَ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ فَصَارَ كَمَا إذَا شَجَّهُ مُنَقِّلَةً فَقَالَ أَشُجُّهُ مُوضِحَةً وَأَتْرُكُ الْبَاقِيَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ إذَا أَوْجَبَ مَالًا فِي الْبَعْضِ سَقَطَ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ كَانَا عُضْوَيْنِ أَوْ عُضْوًا وَاحِدًا، وَعِنْدَهُمَا فِي الْعُضْوَيْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ مَعَ وُجُوبِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ عُضْوًا وَاحِدًا لَا يَجِبُ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْفِعْلَ فِي مَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَيَكُونُ جِنَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَثَرِهِ فَصَارَ كَجِنَايَتَيْنِ مُبْتَدَأَتَيْنِ وَالشُّبْهَةُ فِي إحْدَاهُمَا لَا يَتَعَدَّى إلَى الْأُخْرَى كَمَنْ رَمَى إلَى رَجُلٍ فَأَصَابَهُ وَنَفَذَ السَّهْمُ إلَى غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ فَيَجِبُ الْقَوَدُ فِي الْأَوَّلِ وَالدِّيَةُ فِي الثَّانِي وَكَمَنْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَاضْطَرَبَ السِّكِّينُ فَأَصَابَ أُصْبُعًا أُخْرَى خَطَأً فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ كَسْرِ نِصْفِ السِّنِّ إذَا اسْوَدَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا أَوْ قَطَعَ الْأُصْبُعَ مِنْ الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا أَوْ شُلَّتْ الْيَدُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَفِعْلَيْنِ مُبْتَدَأَيْنِ لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ وَالْمَحَلِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْجَزَاءَ بِالْمِثْلِ، وَالْجُرْحُ الْأَوَّلُ سَارَ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ السَّارِي فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَيَجِبُ الْمَالُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ سِرَايَةٌ أَنَّ فِعْلَهُ أَثَرٌ فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَالسِّرَايَةُ عِبَارَةٌ عَنْ آلَامٍ تَتَعَاقَبُ مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَى الْبَدَنِ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهَا كَمَا يَتَحَقَّقُ فِي الطَّرَفِ مَعَ النَّفْسِ بِأَنْ مَاتَ مِنْ الْجِنَايَةِ بِخِلَافِ نَفْسَيْنِ فَإِنَّ الْفِعْلَ فِي النَّفْسِ الثَّانِيَةِ مُبَاشَرَةٌ عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ بِسِرَايَةِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى إذْ لَا يُتَصَوَّرُ السِّرَايَةُ مِنْ نَفْسٍ إلَى نَفْسٍ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ فِعْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَفِي النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ نَجْعَلَهُ كَفِعْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ حَقِيقَةً وَالسِّرَايَةُ فِيهَا مُتَصَوَّرٌ فَأَوْرَثَتْ نِهَايَتُهُ شُبْهَةَ الْخَطَأِ فِي الْبِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا صَارَ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِعَاقِبَتِهِ أَثَرُ ذَلِكَ فِي بِدَايَتِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا اضْطَرَبَ السِّكِّينُ فَقَطَعَ أُصْبُعًا أُخْرَى حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي الْأُخْرَى لَيْسَ بِالْفِعْلِ الْأَوَّلِ وَلَا بِأَثَرِهِ، بَلْ بِفِعْلٍ آخَرَ مَقْصُودٍ فَيُفْرَدُ بِحُكْمِهِ أَوْ نَقُولُ إنَّ ذَهَابَ الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ حَصَلَ بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ فَإِنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ بَاقٍ عَلَى اسْمِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَالْأَصْلُ فِي سِرَايَةِ الْأَفْعَالِ أَنْ لَا يَبْقَى الْأَوَّلُ بَعْدَ مَا حَدَثَتْ السِّرَايَةُ كَالْقَطْعِ إذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ صَارَ قَتْلًا فَلَمْ يَبْقَ قَطْعًا وَهَا هُنَا الشَّجَّةُ أَوْ الْقَطْعُ لَمْ يَنْعَدِمْ بِذَهَابِ الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ فَكَانَ الْفِعْلُ الْأَوَّلُ تَسْبِيبًا إلَى فَوَاتِ الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ بِمَنْزِلَةِ حَفْرِ الْبِئْرِ وَالتَّسْبِيبُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ بَصَرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِمَا. رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ سِرَايَةَ الْفِعْلِ تُنْسَبُ إلَى الْفِعْلِ شَرْعًا حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّعْرُ وَالْمُوضِحَةُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فَوَاتُ الْجَمَالِ بِسَبَبِ الشَّعْرِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ) لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الشَّجَّةِ وَدِيَةُ الْعَيْنَيْنِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ دِيَةُ الْعَيْنَيْنِ وَالْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ، أَمَّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ هَذِهِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى إنْسَانٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ صَارَ بَعْضُ تِلْكَ الْجِنَايَةِ مَالًا؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ فِي الْعَيْنَيْنِ يَجِبُ الْأَرْشُ فَإِذَا صَارَ بَعْضُ الْجِنَايَةِ مَالًا صَارَ كُلُّهُ مَالًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَشُلَّ مَا بَقِيَ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَتَجِبُ دِيَةُ الْيَدِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَأَمَّا مَذْهَبُهُمَا فَلِأَنَّ هَذِهِ جِنَايَتَانِ فِي مَكَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَا مَدْخَلَ لِأَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ مَآلًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَا قَوَدَ) أَيْ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأُولَى مِنْ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَع مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ، الثَّانِيَةُ مَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ أُخْرَى، الثَّالِثَةُ مَا إذَا قَطَعَ الْمِفْصَلَ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ أَوْ كُلُّ الْيَدِ، الرَّابِعَةُ مَا إذَا كَسَرَ نِصْفَ سِنَّةٍ فَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ فَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ لَا خِلَافَ فِيهِمَا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَالْأُولَى وَالثَّانِيَةُ خِلَافِيَّتَانِ، وَقَدْ مَشَى الْمُصَنِّفُ فِيهِمَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ اهـ قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَجِبُ أَرْشُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا) فَيَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ وَدِيَةُ الْعَيْنَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَيَجِبُ دِيَةُ الْأُصْبُعَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَزَاءَ) أَيْ الْجَزَاءَ مُقَيَّدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالتَّسْبِيبُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ سَمِعْت مُحَمَّدًا اقَالَ فِي رَجُلٍ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً عَمْدًا بِحَدِيدَةٍ أَوْ عَصًا فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ بِذَلِكَ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ، وَقَدْ ذَهَبَ الضَّوْءُ قَالَ اُقْتُصَّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا عَمْدٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ

يُجْعَلَ الْفَاعِلُ مُبَاشِرًا لِلسِّرَايَةِ فَيُؤْخَذُ بِهِ كَمَا لَوْ سَرَى إلَى النَّفْسِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَيُعْتَبَرُ قَتْلًا بِطَرِيقِ الْمُبَاشَرَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ بِجَنْبِهَا أُخْرَى أَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ بِهَا سَمْعُهُ أَوْ كَلَامُهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الشَّلَّاءِ وَالسَّمْعِ وَالْكَلَامِ وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي الْمَقْطُوعَةِ وَالْمُوضِحَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الشَّلَلِ وَالسَّمْعِ وَالْكَلَامِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَفِي الْبَصَرِ يَجِبُ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَذْهَبَهُ وَحْدَهُ بِفِعْلٍ مَقْصُودٍ مِنْهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْبَصَرِ دُونَ الشَّلَلِ وَالسَّمْعِ وَالْكَلَامِ فَافْتَرَقَا، وَلَوْ كَسَرَ بَعْضَ السِّنِّ فَسَقَطَتْ فَفِيهَا الْقِصَاصُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ لَا قِصَاصَ فِيهَا، وَلَوْ شَجَّهُ فَأَوْضَحَهُ، ثُمَّ شَجَّهُ أُخْرَى فَأَوْضَحَهُ فَتَأَكَّلَتَا حَتَّى صَارَتَا شَيْئًا وَاحِدًا فَلَا قِصَاصَ فِيهَا فِي الْمَشْهُورِ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالْوَجْهُ فِيهِمَا مَا بَيَّنَّاهُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَلَعَ سِنَّةً فَنَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى سَقَطَ الْأَرْشُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَا عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ مُوجِبَةً لَهُ وَاَلَّذِي نَبَتَ نِعْمَةً مُبْتَدَأَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ فَحَصَلَ لِلْمُتْلَفِ عَلَيْهِ مَالٌ آخَرُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ زَالَتْ مَعْنًى وَلِهَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّ صَبِيٍّ فَنَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى فَلَمْ تَفُتْ الْمَنْفَعَةُ بِهِ وَلَا الزِّينَةُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِوُجُودِ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ هَذَا إذَا نَبَتَتْ مِثْلُ الْأُولَى وَإِنْ نَبَتَتْ مُعْوَجَّةً فَعَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَوْ نَبَتَتْ إلَى النِّصْفِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأَرْشِ، وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ غَيْرِهِ فَرَدَّهَا صَاحِبُهَا مَكَانَهَا وَنَبَتَ عَلَيْهَا اللَّحْمُ فَعَلَى الْقَالِعِ كَمَالُ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ إذْ الْعُرُوقُ لَا تَعُودُ وَفِي النِّهَايَةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا لَمْ تَعُدْ إلَى حَالِهَا الْأُولَى بَعْدَ النَّبَاتِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ، وَأَمَّا إذَا عَادَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَبَتَتْ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَلْصَقَهَا فَالْتَحَمَتْ يَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ أَرْشُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أُقِيدَ فَنَبَتَتْ سِنُّ الْأَوَّلِ يَجِبُ) مَعْنَاهُ إذَا قَلَعَ رَجُلٌ سِنَّ رَجُلٍ فَأُقِيدَ أَيْ اُقْتُصَّ مِنْ الْقَالِعِ، ثُمَّ نَبَتَتْ سِنُّ الْأَوَّلِ الْمُقْتَصِّ لَهُ يَجِبُ عَلَى الْمُقْتَصِّ لَهُ أَرْشُ سِنِّ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى فَانْعَدَمَتْ الْجَنَابَةُ وَلِهَذَا يُسْتَأْنَى حَوْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَظِرَ الْيَأْسَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْقِصَاصِ خَوْفًا مِنْ مِثْلِهِ إلَّا أَنَّ اعْتِبَارَ ذَلِكَ تَضْيِيعُ الْحُقُوقِ فَاكْتَفَيْنَا بِالْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ فِيهِ ظَاهِرًا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْفَسَادِ، فَإِذَا مَضَى الْحَوْلُ وَلَمْ تَنْبُتْ قَضَيْنَا بِالْقِصَاصِ، ثُمَّ إذَا نَبَتَ تَبَيَّنَ أَنَّا أَخْطَأْنَا فِيهِ وَكَانَ الِاسْتِيفَاءُ بِغَيْرِ حَقٍّ غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ الْقِصَاص لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْمَالُ وَفِي النِّهَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَأْنَى فِي سِنِّ الْبَالِغِ حَتَّى يَبْرَأَ؛ لِأَنَّ نَبَاتَهُ نَادِرٌ وَلَا يُفِيدُ تَأْجِيلُهُ إلَى سَنَةٍ فَيُؤَخَّرُ إلَى الْبُرْءِ لِيُعْلَمَ عَاقِبَتُهُ وَعَزَاهُ إلَى التَّتِمَّةِ، وَلَوْ ضَرَبَ سِنَّ إنْسَانٍ فَتَحَرَّكَتْ يُسْتَأْتَى حَوْلًا لِيَظْهَرَ أَثَرُ فِعْلِهِ، وَلَوْ سَقَطَ سِنُّهُ وَاخْتَلَفَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ لِيُفِيدَ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً، ثُمَّ جَاءَ، وَقَدْ صَارَتْ مُنَقِّلَةً حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ؛ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ لَا تُورِثُ الْمُنَقِّلَةَ وَالتَّحْرِيكُ يُورِثُ السُّقُوطَ لَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ الَّذِي ضُرِبَ لِلتَّبْيِينِ، وَلَوْ لَمْ تَسْقُطْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الضَّارِبِ، وَلَوْ اسْوَدَّتْ بِالضَّرْبِ أَوْ احْمَرَّتْ أَوْ اخْضَرَّتْ يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ لِزَوَالِ الْجَمَالِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِتَعَذُّرِ الْإِمْكَانِ، وَكَذَا إذَا كَسَرَ بَعْضَهُ وَاسْوَدَّ الْبَاقِي أَوْ احْمَرَّ أَوْ اخْضَرَّ يَجِبُ فِيهِ الْأَرْشُ كَامِلًا وَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِمَا قُلْنَا فَأَوْجَبَ فِي الِاسْوِدَادِ وَنَحْوِهِ كَمَالَ الْأَرْشِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ سِنٍّ وَسِنٍّ وَقَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ الْأَضْرَاسِ الَّتِي لَا تُرَى وَبَيْنَ الْعَوَارِضِ الَّتِي تُرَى فَيَجِبُ فِي الْأَوَّلِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إنْ لَمْ يَفُتْ بِهِ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ وَإِنْ فَاتَ يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ وَفِي الثَّانِي يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ كَيْفَمَا كَانَ لِفَوَاتِ الْجَمَالِ وَإِنْ اصْفَرَّتْ يَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ فِيهَا أَرْشُ السِّنِّ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ تُؤَثِّرُ فِي تَفْوِيتِ الْجَمَالِ كَالسَّوَادِ وَلَنَا أَنَّ الصُّفْرَةَ لَا تُوجِبُ تَفْوِيتَ الْجَمَالِ وَلَا تَفْوِيتَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الصُّفْرَةَ لَوْنُ السِّنِّ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ فِي بَعْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ إلَخْ)، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ غُصْنًا لِرَجُلٍ فَنَبَتَ مَكَانَهُ آخَرُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَكَذَا لَوْ حَصَدَ زَرْعًا أَوْ بَقْلًا فَنَبَتَ مَكَانَهُ آخَرُ لَا يَبْرَأُ عَنْ ضَمَانِ الْمَحْصُودِ وَالْمَقْلُوعِ. اهـ. عِمَادِيٌّ فِي (32) (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَقَطَتْ سِنُّهُ وَاخْتَلَفَا قَبْلَ الْحَوْلِ) أَيْ فِيمَا سَقَطَ بِضَرْبِهِ أَيْ اخْتَلَفَا فِي سَبَبِ السُّقُوطِ قَالَ الضَّارِبُ سَقَطَتْ بِضَرْبَةِ غَيْرِي، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، بَلْ بِضَرْبَتِك. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ: فَأَوْجَبَ) أَيْ مُحَمَّدٌ. اهـ.

النَّاسِ وَلَا كَذَلِكَ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَالْخُضْرَةُ إلَّا أَنَّ كَمَالَ الْجَمَالِ فِي الْبَيَاضِ فَيَجِبُ فِي الصُّفْرَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الصُّفْرَةَ فِي الْحُرِّ لَا تُوجِبُ شَيْئًا وَفِي الْعَبْدِ تُوجِبُ حُكُومَةَ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ مِنْ أَلْوَانِ السِّنِّ وَالْمَقْصُودُ مِنْ السِّنِّ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَالصُّفْرَةُ لَا تُخِلُّ بِهِ غَيْرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمَمْلُوكِ الْمَالِيَّةُ وَهِيَ قَدْ تُنْتَقَصُ بِالصُّفْرَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي حُصُولِ الِاسْوِدَادِ بِضَرْبَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّارِبِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الضَّرْبِ الِاسْوِدَادُ فَصَارَ إنْكَارُهُ لَهُ كَإِنْكَارِهِ أَصْلَ الْفِعْلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَضْرُوبِ؛ لِأَنَّ مَا يَظْهَرُ عَقِيبَ فِعْلٍ مِنْ الْأَثَرِ يُحَالُ عَلَى الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الضَّارِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بِغَيْرِهِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَجَّ رَجُلًا فَالْتَحَمَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ أَوْ ضَرَبَ فَجَرَحَ فَبَرَأَ وَذَهَبَ أَثَرُهُ فَلَا أَرْشَ)، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ وَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْنَ الْمُوجِبَ إنْ زَالَ فَالْأَلَمُ الْحَاصِلُ لَمْ يَزُلْ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ وَأَعْطَاهُ لِلطَّبِيبِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَسَّرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ بِأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالْمُدَاوَاةِ فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الشَّيْنُ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِفِعْلِهِ وَزَوَالُ مَنْفَعَتِهِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِزَوَالِ أَثَرِهِ وَالْمَنَافِعُ لَا تُتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ كَالْإِجَارَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَتَيْنِ أَوْ بِشَبَهِ الْعَقْدِ كَالْفَاسِدَةِ مِنْهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْجَانِي فَلَا تَلْزَمُهُ الْغَرَامَةُ، وَكَذَا مُجَرَّدُ الْأَلَمِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِمُجَرَّدِ الْأَلَمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ضَرَبَ إنْسَانًا ضَرْبًا مُؤْلِمًا مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْشِ، وَكَذَا لَوْ شَتَمَهُ شَتْمًا يُؤْلِمُ قَلْبَهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قَوَدَ بِجَرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ قَدْ تَحَقَّقَ فَلَا يُؤَخَّرُ كَمَا فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ؛ وَلِأَنَّ الْجِرَاحَاتِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَآلُهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَسْرِيَ إلَى النَّفْسِ فَيَظْهَرَ أَنَّهُ قُتِلَ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ جُرْحٌ إلَّا بِالْبُرْءِ فَيَسْتَقِرُّ بِهِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ عَمْدٍ سَقَطَ فِيهِ قَوَدُهُ لِشُبْهَةٍ كَقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا فَدِيَتُهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَكَذَا مَا وَجَبَ صُلْحًا أَوْ اعْتِرَافًا أَوْ لَمْ يَكُنْ نِصْفَ الْعُشْرِ) أَيْ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا»؛ وَلِأَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ عَنْ الْقَاتِلِ تَخْفِيفًا عَنْهُ وَذَلِكَ يَلِيقُ بِالْمُخْطِئِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ دُونَ الْمُتَعَمِّدِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ التَّغْلِيظَ وَاَلَّذِي وَجَبَ بِالصُّلْحِ إنَّمَا وَجَبَ بِعَقْدِهِ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا تَتَحَمَّلُ مَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ، وَكَذَا مَا لَزِمَهُ بِالْإِقْرَارِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ فَيَلْزَمُهُ دُونَهُمْ وَإِنَّمَا لَا تَتَحَمَّلُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْإِجْحَافِ وَالِاسْتِئْصَالِ بِالْجَانِي وَالتَّحْمِيلُ تَحَرُّزًا عَنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، ثُمَّ الْكُلُّ يَجِبُ مُؤَجَّلًا إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ إلَّا مَا وَجَبَ بِالصُّلْحِ فَإِنَّهُ يَجِبُ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، فَيَكُونُ حَالًّا بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَمَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ فِي سَنَةٍ؛ لِأَنَّ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَالثُّلُثُ وَمَا دُونَهُ يَجِبُ فِي سَنَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا وَجَبَ بِقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ يَجِبُ حَالًّا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ شَرْعًا إلَى بَدَلٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَدَلُ حَالًّا كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ وَالتَّأْجِيلُ فِي دِيَةِ الْقَتْلِ خَطَأً ثَبَتَ شَرْعًا تَخْفِيفًا؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلَا كَذَلِكَ الْعَامِدُ فَلَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ فَتَجِبُ حَالًا أَلَا تَرَى أَنَّ تَحْمِيلَ الْعَاقِلَةِ لَمَّا كَانَ تَخْفِيفًا عَنْهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَكَذَا هَذَا التَّخْفِيفُ؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلُ الْمَقْتُولِ وَحَقُّهُ فِي نَفْسِهِ حَالٌّ فَكَذَا فِي الْبَدَلِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْجَبْرِ وَلَنَا أَنَّ هَذَا مَالٌ وَجَبَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ، فَيَكُونُ مُؤَجَّلًا كَمَا إذَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ بِالِاعْتِرَافِ بِخِلَافِ مَا وَجَبَ بِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالْعَقْدِ ابْتِدَاءً فَلَا يَتَأَجَّلُ إلَّا بِالشَّرْطِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُتْلَفَ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يُضْمَنُ بِالْمَالِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقِيمَةٍ لَهُ إذْ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنَّمَا عَرَفْنَا تَقَوُّمَهُ بِالْمَالِ بِالشَّرْعِ وَالشَّرْعُ إنَّمَا قَوَّمَهُ بِدِيَةٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَإِيجَابُ الْمَالِ حَالًّا زِيَادَةٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[فصل في الجنين]

مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ وَصْفًا فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ إيجَابُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ قَدْرًا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ وَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا تَكْفِيرَ فِيهِ وَلَا حِرْمَانَ عَنْ الْمِيرَاثِ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمْدُهُ عَمْدٌ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ وَهُوَ ضِدُّ الْخَطَأِ فَمَنْ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْخَطَأُ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْعَمْدُ وَلِهَذَا يُؤَدَّبُ وَيُعَزَّرُ وَالتَّعْزِيرُ يَكُونُ عَلَى فِعْلٍ يَقَعُ عَمْدًا لَا خَطَأً وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ مُوجِبُهُ الْآخَرُ وَهُوَ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلٌ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ فَصَارَ نَظِيرَ السَّرِقَةِ فَإِنَّهُمْ إذَا سَرَقُوا لَا تُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ الْمَالِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ لِمَا قُلْنَا وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلٌ لِلْغَرَامَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ الصَّوْمِ لِعَدَمِ الْخِطَابِ، وَكَذَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ عِنْدَهُ بِالْقَتْلِ وَلَنَا أَنَّ مَجْنُونًا صَالَ عَلَى رَجُلٍ بِسَيْفٍ فَضَرَبَهُ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَجَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ؛ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا، فَلَيْسَ مِنَّا» وَالْعَاقِلُ الْمُخْطِئُ لَمَّا اسْتَحَقَّ التَّخْفِيفَ حَتَّى وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَهَؤُلَاءِ وَهُمْ أَغْرَارٌ أَوْلَى بِهَذَا التَّخْفِيفِ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ قَدْرَ نِصْفِ الْعُشْرِ أَوْ أَكْثَرَ بِخِلَافِ مَا دُونَهُ فَلَا يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ كَمَا فِي الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَلَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ الْعَمْدِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَصْدِ وَهُوَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعِلْمُ بِالْعَقْلِ وَهُمْ عَدِيمُو الْعَقْلِ أَوْ قَاصِرُوهُ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ الْقَصْدُ وَصَارُوا كَالنَّائِمِ وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ عُقُوبَةٌ وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا وَالْكَفَّارَةُ كَاسْمِهَا سِتَارَةٌ وَلَا ذَنْبَ لَهُمْ لِتَسَتُّرِهِ؛ وَلِأَنَّهُمْ مَرْفُوعُو الْقَلَمِ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ بِمَعْنَى أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ عِبَادَةٌ وَلَا عُقُوبَةٌ، وَكَذَا سَبَبُ الْكَفَّارَةِ يَكُونُ دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِتَكُونَ الْعُقُوبَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْحَظْرِ وَفِعْلُهُمْ لَا يُوصَفُ بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِفِعْلٍ مَحْظُورٍ وَكُلُّ ذَلِكَ يَبْتَنِي عَلَى الْخِطَابِ وَهُمْ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ فَكَيْفَ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ [فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ] (فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا تَجِبُ غُرَّةٌ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) الْغُرَّةُ الْخِيَارُ غُرَّةُ الْمَالِ خِيَارُهُ كَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ النَّجِيبِ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الْفَارِهَةِ، وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ مَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مُقَدَّرٍ ظَهَرَ فِي بَابِ الدِّيَةِ وَغُرَّةُ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ كَمَا سُمِّيَ أَوَّلُ الشَّهْرِ غُرَّةً وَسُمِّيَ وَجْهُ الْإِنْسَانِ غُرَّةً؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ يَظْهَرُ مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ دِيَةُ الرَّجُلِ، وَلَوْ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا وَفِي الْأُنْثَى عُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِهَذَا لَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فَالْعُشْرُ مِنْ دِيَتِهَا قَدْرُ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ فِي الْجَنِينِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَيَقَّنْ بِحَيَاتِهِ وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إلَّا نُقْصَانُ الْأُمِّ إنْ نَقَصَتْ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ كَمَالُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ بِضَرْبِهِ مَنَعَ حُدُوثَ الْحَيَاةِ فِيهِ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ كَالْمُزْهِقِ لِلرُّوحِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى وَجَبَ قِيمَةُ وَلَدِ الْمَغْرُورِ فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْ حُدُوثِ الرِّقِّ فِيهِ، وَكَذَا وَجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ قِيمَةُ بَيْضِ الصَّيْدِ بِكَسْرِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّ «امْرَأَةً مِنْ هُذَيْلٍ ضَرَبَتْ بَطْنَ امْرَأَةٍ بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْجُزْءِ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ»؛ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دُوهُ، وَالدِّيَةُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ فِي الْجَنِينِ). لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْقَتْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْآدَمِيِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا فِي الْآدَمِيِّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ الْجَنِينُ بَيَانُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ الْجَنِينُ مَا دَامَ مُجْتَنًّا فِي الْبَطْنِ لَيْسَتْ لَهُ ذِمَّةٌ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْأُمِّ وَلَكِنَّهُ مُتَفَرِّدٌ بِالْحَيَاةِ مُعَدٌّ لِيَكُونَ نَفْسًا لَهُ ذِمَّةٌ فَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ أَهْلًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ لَهُ مِنْ عِتْقٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَلِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ أَهْلًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهِ فَأَمَّا بَعْدَمَا يُولَدُ فَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ فَأَتْلَفَهُ صَارَ ضَامِنًا وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ امْرَأَتِهِ بِعَقْدِ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْجَنِينُ وَالْجَنِينُ هُوَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِ الْأُمِّ سُمِّيَ بِهِ لِاجْتِنَانِهِ أَيْ لِاسْتِتَارِهِ فِي الْبَطْنِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ مَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِنَّمَا سَمَّى الْغُرَّةَ غُرَّةً؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْمَقَادِيرِ فِي الدِّيَاتِ وَأَقَلُّ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ فِي الْوُجُودِ وَسُمِّيَ غُرَّةً لِمَعْنَى الْأَوَّلِيَّةِ وَلِهَذَا سُمِّيَ أَوَّلُ الشَّهْرِ غُرَّةً؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَبْدُو عِنْدَ النَّظَرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ فِي الْجَنِينِ)؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي أَجِنَّةِ الْبَهَائِمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ضَرَبَ شَاةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا كَانَ عَلَيْهِ نُقْصَانُهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْجَنِينِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ) أَيْ لِلْإِلْزَامِ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُعْتَبَرُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلْزَامُ الْغَيْرِ كَمَا فِي رَضِيعٍ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ جَازَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ سَلَامَةُ الْأَعْضَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ وَلِيدَةٍ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ الْوَلِيدُ هُوَ الطِّفْلُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ثُمَّ قَالَ وَالْجَمْعُ وِلْدَانٌ وَالْأُنْثَى وَلِيدَةٌ وَالْجَمْعُ الْوَلَائِدُ، وَقَدْ تُطْلَقُ الْوَلِيدَةُ عَلَى الْجَارِيَةِ وَالْأَمَةِ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا)؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْعَاقِلَةُ تَعْقِلُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَا تَعْقِلُ مَا دُونَهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْغُرَّةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَوْجَبْنَا الْغُرَّةَ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ

بَدَلُ النَّفْسِ وَتَجِبُ فِي سَنَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُورَثُ وَبَدَلُ الْعُضْوِ وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْعُضْوِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ»؛ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَدَلَ النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَفْسٌ عَلَى حِدَةٍ فَهُوَ بَدَلُ الْعُضْوِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الِاتِّصَالُ بِالْأُمِّ فَعَلِمْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْأَوَّلِ فِي حَقِّ التَّوْرِيثِ وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأُمِّ نُقْصَانٌ وَبِالثَّانِي فِي حَقِّ التَّأْجِيلِ إلَى سَنَةٍ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْعُضْوِ إذَا كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ يَجِبُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الدِّيَةِ حَيْثُ يَجِبُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ عَشَرَةُ أَنْفُسٍ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ الدِّيَةِ وَيَسْتَوِي فِي الْجَنِينِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْإِحْيَاءِ إنَّمَا ثَبَتَ لِتَفَاوُتِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ فِي الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ الذَّكَرَ يَمْلِكُ الْمَالَ وَالنِّكَاحَ وَالْأُنْثَى لَا تَمْلِكُ سِوَى الْمَالِ فَكَانَ الذَّكَرُ أَزْيَدَ فِيمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الْجَنِينِ مَعْدُومٌ إذْ لَا يَمْلِكُ وَلَا يَسْتَحِقُّ سِوَى الْإِعْتَاقَ وَتَوَابِعَهُ، وَالنَّسَبُ وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ إلَّا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ فَيَسْتَوِي الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهَا؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يُعْرَفُ الذَّكَرُ مِنْ الْأُنْثَى فَيَتَقَدَّرُ الْكُلُّ بِمِقْدَارٍ وَاحِدٍ تَيْسِيرًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ فَدِيَةٌ) أَيْ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ آدَمِيًّا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَمَاتَتْ الْأُمُّ فَدِيَةٌ وَغُرَّةٌ) لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُمَا، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَثَرِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَمَى فَأَصَابَ شَخْصًا وَنَفَذَ مِنْهُ إلَى آخَرَ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ إنْ كَانَا خَطَأً وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَتْ فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَدِيَةٌ فَقَطْ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الْغُرَّةُ مَعَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ مَاتَ بِضَرْبِهِ ظَاهِرًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَهِيَ بِالْحَيَاةِ وَلَنَا أَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ بِحَيَاتِهَا وَتَنَفُّسَهُ بِنَفَسِهَا فَيَتَحَقَّقُ بِمَوْتِهَا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ إذْ الِاحْتِمَالُ فِيهِ أَقَلُّ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا بَعْدَمَا مَاتَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ دِيَةُ الْأُمِّ وَدِيَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُمَا فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا وَمَاتَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا يَجِبُ فِيهِ يُورَثُ عَنْهُ وَلَا يَرِثُ الضَّارِبُ فَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَأَلْقَتْ ابْنَهُ مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ غُرَّةٌ وَلَا يَرِثُ مِنْهَا) وَإِنَّمَا يُورَثُ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْغُرَّةُ بَدَلُهُ فَيَرِثُهَا وَرَثَتُهُ وَلَا يَرِثُ الضَّارِبُ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ مُبَاشَرَةً ظُلْمًا وَلَا مِيرَاثَ لِلْقَاتِلِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ لَوْ ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ أُنْثَى)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ وَجْهٍ وَضَمَانُ الْأَجْزَاءِ يُؤْخَذُ مِقْدَارُهَا مِنْ الْأَصْلِ وَلِهَذَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْغُرَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى فِي الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ كَيْفَ أُغَرَّمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هُوَ مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ» ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَيْضًا أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اسْتَبَّتَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينًا فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ» قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهَذَا نَأْخُذُ إذَا ضُرِبَ بَطْنُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ خَمْسُونَ دِينَارًا أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ أُخِذَ مِنْهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغَنَمِ أُخِذَ مِنْهُ مِائَةٌ مِنْ الشَّاءِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي مُوَطَّئِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَسْتَوِي فِي الْجَنِينِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْوَاجِبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ خَمْسُمِائَةٍ سَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَا يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى فِي إيجَابِ الْغُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِاسْمِ الْجَنِينِ مُطْلَقًا وَمُطْلَقُهُ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَنَا أَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا وَجَبَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَصْلًا فِي نَفْسِهِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ جُزْءًا فَإِنَّ ضَمَانَ الْجُزْءِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ ظُهُورِ النُّقْصَانِ فِي الْأَصْلِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ، وَإِذَا كَانَ بَدَلَ نَفْسِهِ فَكَانَ تَقْدِيرُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ جَبْرًا لِلْفَائِتِ وَالْمَقْتُولُ هُوَ الْجَنِينُ فَكَانَ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ قِيمَةِ أُمِّهِ غَيْرَ أَنَّا أَوْجَبْنَا عُشْرَ الْقِيمَةِ أَوْ نِصْفَ عُشْرِ الْقِيمَةِ اعْتِبَارًا بِجَنِينِ الْحُرَّةِ فَإِنَّهُ ثَمَّ يَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ إنْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ عُشْرُ الدِّيَةِ إنْ كَانَ أُنْثَى وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَالْقِيمَةُ فِي الْمَمَالِيكِ كَالدِّيَةِ فِي الْأَحْرَارِ. فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الدِّيَةِ بِالْقِيمَةِ فَيُؤَدِّي إلَى هَذَا ضَرُورَةً فَإِنْ قِيلَ فِيهِ تَفْضِيلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ؛ لِأَنَّ عُشْرَ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ أُنْثَى أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ ذَكَرًا وَفِي الدِّيَاتِ يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى وَلَا يُفَضَّلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ قُلْنَا هَذَا تَسْوِيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَالتَّسْوِيَةُ جَائِزَةٌ بَيْنَنَا بِالِاتِّفَاقِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ هُنَا كَالدِّيَةِ وَدِيَةُ الْأُنْثَى عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الذَّكَرِ فَصَارَ الْعُشْرُ مِنْ هَذَا مِثْلُ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ الذَّكَرِ وَالتَّفْضِيلُ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ تَفَاوُتِ الْحَالِ بِتَفَاوُتِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهَذَا يَكُونُ فِي الْمُنْفَصِلِ لَا فِي الْأَجِنَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكِيَّةٌ فِي الْجَنِينِ وَإِنَّمَا يَجِبُ ضَمَانُ الْجَنِينِ بِاعْتِبَارِ قَطْعِ النُّشُوِّ وَالْأُنْثَى فِي مَعْنَى النُّشُوِّ تُسَاوِي الذَّكَرَ وَرُبَّمَا تَكُونُ الْأُنْثَى أَسْرَعَ نُشُوًّا كَمَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ. فَلِهَذَا جَوَّزْنَا تَفْضِيلَ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ لَوْ تُصُوِّرَ اهـ. وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي جَنِينِ الْمَمْلُوكِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى وَهُمَا فِي الْمِقْدَارِ سَوَاءٌ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ لِقِيَامِ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَامَ الدِّيَةِ فَحِينَئِذٍ لَا مُعْتَبَرَ بِالتَّفَاوُتِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابَةِ الْمُسَمَّى بِمُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ إنْ كَانَ ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ

وَلَنَا أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ فَلَا يُقَدَّرُ بِغَيْرِهِ إذْ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ نُقْصَانُ الْأَصْلِ، وَلَوْ كَانَ ضَمَانَ الطَّرَفِ لَمَا وَجَبَ إلَّا عِنْدَ نُقْصَانِ الْأَصْلِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ مَوْرُوثٌ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الطَّرَفِ لَمَا وُرِثَ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي ضَمَانِ الطَّرَفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ، وَلَوْ كَانَ ضَمَانَ الطَّرَفِ لَمَا وُرِثَ فِي الْحُرِّ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ ضَمَانُ النَّفْسِ كَانَ دِيَتُهُ مُقَدَّرَةً بِنَفْسِ الْجَنِينِ لَا بِنَفْسِ غَيْرِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَضْمُونَاتِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْغُرَّةَ مُقَدَّرَةٌ بِدِيَةِ الْأُمِّ، بَلْ بِدِيَةِ نَفْسِ الْجَنِينِ أَنْ لَوْ كَانَ حَيًّا فَيَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ دِيَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى فَكَذَا فِي جَنِينِ الْأَمَةِ تَجِبُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُقَدَّرًا مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَهُوَ مُقَدَّرٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَيَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُ نُقْصَانِ الْأُمِّ إنْ انْتَقَصَتْ بِذَلِكَ اعْتِبَارًا بِجَنِينِ الْبَهَائِمِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِي قَتْلِ الرَّقِيقِ ضَمَانُ مَالٍ عِنْدَهُ مُطْلَقًا وَلِهَذَا يُجَاوِزُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ عِنْدَهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ اعْتِبَارًا بِالْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لِلصِّيَانَةِ وَهُمَا فِي الْحَاجَةِ إلَيْهَا سَوَاءٌ هَذَا إذَا كَانَ الْجَنِينُ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا وَمِنْ غَيْرِ الْمَغْرُورِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ الْغُرَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ حَرَّرَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ ضَرْبِهِ فَأَلْقَتْهُ فَمَاتَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ حَيًّا وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْعِتْقِ)؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالضَّرْبِ وَالضَّرْبُ صَادَفَهُ وَهُوَ رَقِيقٌ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا لَهُ وَهُوَ حَيٌّ فَاعْتَبَرْنَا حَالَتَيْ السَّبَبِ وَالتَّلَفِ فَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقِيمَةَ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ السَّبَبِ وَهُوَ الضَّرْبُ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ حِينَئِذٍ وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ جَمِيعَ قِيمَتِهِ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ التَّلَفِ كَأَنَّهُ ضَرَبَهُ فِي الْحَالِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ مَا نَقَصَ بِضَرْبِهِ إلَى أَنْ يُوجَدَ الْعِتْقُ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ أَوْ جَرَحَهُ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى، ثُمَّ مَاتَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْيَدِ وَالْجَرْحِ وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ إلَى الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ لَكِنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْحَالَتَانِ فَجُعِلَ كَأَنَّ الضَّرْبَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْجَنِينِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالضَّرْبِ الْأُمُّ وَأَوْجَبَ الْقِيمَةَ دُونَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا لَهُ بِالضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَمَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْوَلِيُّ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِ السَّهْمُ فَمَاتَ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْمَحَلِّ فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ بِدُونِ الِاتِّصَالِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالْجَرْحِ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ فِي الْحَالِ وَالْعِتْقُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ وَمَعَ هَذَا تَجِبُ الْقِيمَةُ دُونَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاتِلًا لَهُ مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ الْفِعْلُ الْمَمْلُوكُ لَهُ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَعْنَى قَوْلِهِ ضَمِنَ أَيْ الدِّيَةَ، وَقَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ لَيْسَ هُوَ مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الضَّرْبَ وَقَعَ عَلَى الْأُمِّ فَلَمْ يُعْتَبَرْ جِنَايَةً فِي حَقِّ الْجَنِينِ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ حَيًّا وَلِذَلِكَ لَمْ تَنْقَطِعْ سِرَايَتُهُ بِخِلَافِ مَنْ جَرَحَ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَمَّتْ مِنْهُ لَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْجَنِينِ مَقْصُودًا إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَأَشْبَهَ الرَّمْيَ الَّذِي تَمَّ مِنْ الرَّامِي وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْإِصَابَةِ، وَقِيلَ هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَتُهُ مَا بَيْنَ كَوْنِهِ مَضْرُوبًا إلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْجَنِينِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ فَتَجِبُ احْتِيَاطًا لِمَا فِيهَا مِنْ الْعِبَادَةِ وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ زَاجِرَةً وَفِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَقَدْ عُرِفَ وُجُوبُهَا فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا يَتَعَدَّاهَا؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْقِيَاسُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مُتَنَاقِضٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْتَبِرُهُ جُزْءًا حَتَّى أَوْجَبَ عَلَيْهِ عُشْرَ قِيمَةِ الْأُمِّ وَهُنَا اعْتَبَرَهُ نَفْسًا حَتَّى أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَنَحْنُ اعْتَبَرْنَاهُ جُزْءًا مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ كُلُّ الْبَدَلِ فَكَذَا لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الْأَعْضَاءَ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا إلَّا إذَا تَبَرَّعَ بِهَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا، فَإِذَا تَقَرَّبَ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ أُنْثَى اعْتِبَارًا بِالْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْغُرَّةَ فِيهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الذَّكَرِ وَعُشْرُ دِيَةِ الْأُنْثَى إلَّا أَنَّ الدِّيَةَ مُقَدَّرَةٌ وَالْقِيمَةُ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ. فَتَتَفَاوَتُ غُرَّةُ جَنِينِ الْأَمَةِ بِتَفَاوُتِ الْقِيمَةِ اهـ وَقَالَ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ الْمُسَمَّى بِالْغُرَرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَنِصْفُ قِيمَتِهِ حَيًّا وَعُشْرُهَا أُنْثَى؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ لَمَّا وَرَدَ فِي جَنِينٍ حُرٍّ بِعُشْرِ دِيَةِ حُرَّةٍ وَلَمْ يَرِدْ فِي جَنِينِ رَقِيقٍ وَجَبَ التَّقْدِيرُ فِيهِ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْمَمْلُوكِ كَالدِّيَةِ فَفَرَّقُوا فِيهِ بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى بِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ نَفْيًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ غُرَّتَيْهِمَا إذْ فِي الْعَادَةِ قِيمَةُ الذَّكَرِ أَزْيَدُ مِنْ قِيمَتِهَا بِكَثِيرٍ، وَإِذَا اشْتَبَهَ ذُكُورَتُهُ وَأُنُوثَتُهُ أُخِذَ بِالْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ حَالُ الْوِلَادَةِ وَتُصْرَفُ إلَى سَيِّدِهِ اهـ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَخْ) وَجَنِينُ الْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ سَوَاءٌ وَبِهِ صُرِّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ) أَيْ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرَحَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ). قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْقِيمَةَ تَكُونُ لِلْمَوْلَى أَوْ تَكُونُ مِيرَاثًا مِنْ الْمَضْرُوبِ. فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مِيرَاثًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا أَعْتَقَهُ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّ نَفْسِهِ فَصَارَ فِي الْمِيرَاثِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقِيمَةَ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ الْقِيمَةُ صَارَ كَأَنَّ الرَّجُلَ قَتَلَ مَمْلُوكَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ اسْتَنَدَ إلَى الضَّرْبِ وَوَقْتَ الضَّرْبِ كَانَ مَمْلُوكًا كَذَا قَالَ الْفَقِيهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ: فَصَارَ فِي الْمِيرَاثِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ كَاكِيٌّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَى الضَّارِبِ فَلِأَنَّ الْقَتْلَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ لِجَوَازِ أَنَّ الْحَيَاةَ لَمْ تُخْلَقْ فِيهِ وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَجِبُ

[باب ما يحدثه الرجل في الطريق]

كَانَ أَفْضَلَ لَهُ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِمَّا صَنَعَ مِنْ الْجَرِيمَةِ الْعَظِيمَةِ وَالْجَنِينُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ كَالتَّامِّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ وَلَدٌ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِهِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكَذَا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّهُ بِهِ يَتَمَيَّزُ مِنْ الْعَلَقَةِ وَالدَّمِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتَطْرَحَهُ أَوْ عَالَجَتْ فَرْجَهَا حَتَّى أَسْقَطَتْهُ ضَمِنَ عَاقِلَتُهَا الْغُرَّةَ إنْ فَعَلَتْ بِلَا إذْنٍ)؛ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْهُ مُتَعَدِّيَةً فَيَجِبُ عَلَيْهَا ضَمَانُهُ وَتَتَحَمَّلُ عَنْهَا الْعَاقِلَةُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا تَرِثُ هِيَ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْقَاتِلُ لَا يَرِثُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ حَيْثُ لَا تَجِبُ الْغُرَّةُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، وَلَوْ فَعَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ ذَلِكَ بِنَفْسِهَا حَتَّى أَسْقَطَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا مَا لَمْ تَسْتَحِقَّ لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَمْلُوكِ لِسَيِّدِهِ، وَلَوْ اسْتَحَقَّتْ وَجَبَ لِلْمَوْلَى غُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لَهَا وَأَنَّهُ مَغْرُورٌ وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرُّ الْأَصْلِ وَهِيَ مُتَعَدِّيَةٌ بِذَلِكَ الْفِعْلِ فَصَارَتْ قَاتِلَةً لِلْجَنِينِ فَتَجِبُ الْغُرَّةُ لَهُ وَيُقَالُ لِلْمُسْتَحِقِّ إنْ شِئْت سَلِّمْ الْجَارِيَةَ وَإِنْ شِئْت افْدِهَا؛ لِأَنَّهُ الْحُكْمُ فِي جَنَابَةِ الْمَمْلُوكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ). قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَخْرَجَ إلَى الطَّرِيقِ الْعَامَّةِ كَنِيفًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ جُرْصُنًا أَوْ دُكَّانًا فَلِكُلٍّ نَزْعُهُ) أَيْ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ مُطَالَبَتُهُ بِالنَّقْضِ كَالْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْحُرِّ أَوْ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ الْمُرُورَ بِنَفْسِهِ وَبِدَوَابِّهِ، فَيَكُونُ لَهُ الْخُصُومَةُ بِنَقْضِهِ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالْهَدْمِ بِمُطَالَبَتِهِمْ؛ لِأَنَّ خُصُومَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَا تُعْتَبَرُ فِي مَالِهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ هَذَا إذَا بَنَى لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا بَنَى لِلْمُسْلِمِينَ كَالْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُنْقَضُ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ إنَّمَا يُنْقَضُ بِخُصُومَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلُهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى خُصُومَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِهِ إزَالَةَ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ لَبَدَأَ بِنَفْسِهِ وَحَيْثُ لَمْ يَزُلْ مَا فِي قُدْرَتِهِ عُلِمَ أَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ، ثُمَّ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، أَحَدُهُمَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَحِلُّ لَهُ إحْدَاثُهُ فِي الطَّرِيقِ أَمْ لَا، وَالثَّانِي فِي الْخُصُومَةِ فِي مَنْعِهِ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِيهِ وَرَفْعِهِ بَعْدَهُ، وَالثَّالِثُ فِي ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، أَمَّا الْإِحْدَاثُ فَقَدْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الْإِحْدَاثُ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ لِسَعَةِ الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ إحْدَاثُهُ فِيهِ مَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ فِي الطَّرِيقِ بِالْمُرُورِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ جَائِزٌ فَكَذَا مَا هُوَ مِثْلُهُ فَيَلْحَقُ بِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، وَإِذَا أَضَرَّ بِالْمَارَّةِ لَا يَحِلُّ لَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ»، وَهَذَا نَظِيرُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهُ التَّأْخِيرُ إذَا طَالَبَهُ صَاحِبُهُ، وَلَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ جَازَ لَهُ تَأْخِيرُهُ وَعَلَى هَذَا الْقُعُودُ فِي الطَّرِيقِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ وَإِنْ أَضَرَّ لَمْ يَجُزْ لِمَا قُلْنَا، وَأَمَّا الْخُصُومَةُ فِيهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ وَأَنْ يُكَلِّفَهُ الرَّفْعَ بَعْدَ الْوَضْعِ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إذَا وَضَعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى رَأْيِهِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ إلَى الْإِمَامِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَحَقُّقِ الْقَتْلِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَضَى بِالْغُرَّةِ لَمْ يَذْكُرْ الْكَفَّارَةَ، وَلَوْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لَذَكَرَهَا اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ وُلِدَ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ) أَيْ إذَا ادَّعَاهُ الْمَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتَطْرَحَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمَرْأَةُ إذَا ضَرَبَتْ بَطْنَ نَفْسِهَا مُتَعَمِّدَةً أَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتُسْقِطَ وَلَدَهَا فَسَقَطَ يَضْمَنُ عَاقِلَتُهَا الْغُرَّةَ وَنَقَلَهُ عَنْ الزِّيَادَاتِ، وَقَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ فِي بَابِ الدِّيَاتِ امْرَأَةٌ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتُسْقِطَ وَلَدَهَا عَمْدًا فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى عَاقِلَتِهَا الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إنْ كَانَ لَهَا عَاقِلَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَذَلِكَ فِي مَالِهَا وَلَا تَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا وَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا تَجِبُ الْغُرَّةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ كَانَ الشُّرْبُ لِإِصْلَاحِ الْبَدَنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَلَا تَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ [بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ] (بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ). لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ بِالْمُبَاشَرَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ بِطَرِيقِ التَّسَبُّبِ وَالضَّرْبُ عَلَى بَطْنِ الْمَرْأَةِ مُبَاشَرَةٌ فِي قَتْلِ الْجَنِينِ وَقَدَّمَ الْمُبَاشَرَةَ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِلَا وَاسِطَةٍ وَالتَّسْبِيبُ بِالْوَاسِطَةِ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِالْمُبَاشَرَةِ أَكْثَرُ وُقُوعًا فَكَانَ أَمَسَّ حَاجَةٍ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِلَا وَاسِطَةٍ أَيْ فَكَانَ أَصْلًا اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ جُرْصُنًا) الْجُرْصُنُ جِذْعٌ يُخْرِجُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْحَائِطِ إلَى الطَّرِيقِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ وَفَسَّرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِالْبُرْجِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحَائِطِ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْبُرْجُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَجْرَى مَاءٍ مُرَكَّبٌ فِي الْحَائِطِ نَاتِئٌ فَكَيْفَمَا كَانَ فَهُوَ يَشْغَلُ حَقَّ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ إذْ لَيْسَ فِي الْعَرَبِيَّةِ كَلَامٌ عَلَى هَذَا التَّرْكِيبِ أَعْنِي الْجِيمَ وَالرَّاءَ وَالصَّادَ، بَلْ مُهْمَلٌ فِي كَلَامِهِمْ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ) أَيْ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ حَقَّ النَّقْضِ فِيمَا أَحْدَثَهُ غَيْرُهُ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ خُصُومَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إلَخْ) فَكَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ نَاقِلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ») الْحَدِيثَ كَمَا أَثْبَتَ فِي الْفِرْدَوْسِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» أَيْ لَا يَضُرُّ الرَّجُلُ أَخَاهُ ابْتِدَاءً وَلَا جَزَاءً؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِمَعْنَى الضُّرِّ وَهُوَ يَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ وَالضِّرَارُ مِنْ اثْنَيْنِ بِمَعْنَى الْمُضَارَّةِ وَهُوَ أَنْ تَضُرَّ مَنْ ضَرَّك. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ) وَفِي الْجَمْهَرَةِ ضَرَبْت عُرْضَ الْحَائِطِ وَعُرْضَ الْجَبَلِ

- رَحِمَهُ اللَّهُ - لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ قَبْلَ الْوَضْعِ لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْوَضْعِ صَارَ فِي يَدِهِ خَاصَّةً وَاَلَّذِي يُخَاصِمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدُ إبْطَالَ يَدِهِ الْخَاصَّةِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ ضَرَرٍ عَنْ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مُتَعَنِّتًا وَلَا كَذَلِكَ قَبْلَ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ يَدِهِ الْخَاصَّةِ وَلِكُلِّ أَحَدٍ يَدٌ فِيهِ وَاَلَّذِي يُرِيدُ الْإِحْدَاثَ يَقْصِدُ إبْطَالَ أَيْدِيهِمْ الْعَامَّةِ وَإِدْخَالَهُ فِي يَدِهِ الْخَاصَّةِ فَكَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ قَبْلَ الْوَضْعِ وَلَا بَعْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِالنَّاسِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي إحْدَاثِهِ شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ وَالْمَانِعُ مِنْهُ مُتَعَنِّتٌ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ إذْنَ الشَّارِعِ أَحْرَى وَوِلَايَتَهُ أَقْوَى فَصَارَ كَالْمُرُورِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا انْتِفَاعٌ بِمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ الطَّرِيقُ فَكَانَ لَهُمْ مَنْعُهُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُرُورِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمَا وُضِعَ لَهُ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي النَّافِذِ إلَّا إذَا أَضَرَّ) أَيْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِإِحْدَاثِ الْجُرْصُنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَالْخِلَافَ الَّذِي فِيهِ فَلَا نُعِيدُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي غَيْرِهِ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِإِذْنِهِمْ) أَيْ فِي غَيْرِ النَّافِذِ مِنْ الطُّرُقِ لَا يَتَصَرَّفُ أَحَدٌ بِإِحْدَاثِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الطُّرُقَ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَافِذَةٍ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا فَهُمْ فِيهَا شُرَكَاءُ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الشُّفْعَةَ وَالتَّصَرُّفَ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي لَمْ يُوضَعْ لَهُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِإِذْنِ الْكُلِّ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ بِخِلَافِ النَّافِذِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ مِلْكٌ فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ نَافِذًا كَانَ حَقَّ الْعَامَّةِ فَيَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى إذْنِ الْكُلِّ فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ وَحْدَهُ فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ النَّافِذِ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى إرْضَائِهِمْ مُمْكِنٌ فَبَقِيَ عَلَى الشِّرْكَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ بِسُقُوطِهَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ) أَيْ إذَا مَاتَ إنْسَانٌ بِسُقُوطِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَنِيفٍ أَوْ مِيزَابٍ أَوْ جَرْصَنٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ أَخْرَجَهُ إلَى الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ لِهَلَاكِهِ مُتَعَدٍّ فِي إحْدَاثِ مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَارَّةُ بِإِشْغَالِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ بِهِ أَوْ بِإِحْدَاثِ مَا يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ، وَكَذَا إذَا عَثَرَ بِنَقْضِهِ إنْسَانٌ، وَلَوْ عَثَرَ بِمَا أَحْدَثَهُ هُوَ رَجُلٌ فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ أَحْدَثَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ كَالْمَدْفُوعِ عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ سَقَطَ الْمِيزَابُ فَأَصَابَ مَا كَانَ فِي الدَّاخِلِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِيهِ وَإِنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ وَضَعَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِشَغْلِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ وَعَلِمَ ذَلِكَ وَجَبَ النِّصْفُ وَهُدِرَ النِّصْفُ فَصَارَ كَمَا إذَا جَرَحَهُ إنْسَانٌ وَسَبُعٌ وَمَاتَ مِنْهُمَا، وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّ طَرَفٍ أَصَابَهُ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ خَارِجًا يَضْمَنُ وَإِنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ دَاخِلًا لَا يَضْمَنُ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّ فَرَاغَ ذِمَّتِهِ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ وَفِي الشَّغْلِ شَكٌّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالٍ يَضْمَنُ الْكُلَّ وَفِي حَالٍ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا فَيَضْمَنُ النِّصْفَ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ فِي حَالٍ النِّصْفَ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ فَيَتَنَصَّفُ، فَيَكُونُ مَعَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْإِصَابَةِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَتَعَدَّدُ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهَا بِخِلَافِ حَالَةِ الْحِرْمَانِ، وَلَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا إلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ بَاعَ الْكُلَّ فَأَصَابَ الْجَنَاحُ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِي الطَّرِيقِ، ثُمَّ بَاعَ الْخَشَبَةَ وَتَرَكَهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى عَطِبَ بِهَا إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَمْ يُنْسَخْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ بِخِلَافِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ إذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَقَطَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَلَى إنْسَانٍ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ وَفِي حَقِّ الْبَائِعِ قَدْ بَطَلَ الْإِشْهَادُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِشْهَادِ فَيَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ مِلْكِ الْغَيْرِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا يَضْمَنُ بِإِشْغَالِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَالْإِشْغَالُ بَاقٍ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَضْمَنُ أَلَا تَرَى أَنَّ ذَلِكَ الْإِشْغَالَ لَوْ حَصَلَ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ كَالْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْغَاصِبِ يَضْمَنُ وَفِي الْحَائِطِ لَا يَضْمَنُ غَيْرُ الْمَالِكِ، وَلَوْ وَضَعَ فِي الطَّرِيقِ جَمْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَلِكَ عُرْضَ النَّهْرِ أَيْ نَاحِيَتَهُ وَأَرَادَ بِهِ هُنَا أَضْعَفَ النَّاسِ وَأَرْذَلَهُمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إلَخْ) وَفِي الْعِمَادِيَّةِ حَكَى الْخِلَافَ بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ عَلَى عَكْسِ هَذَا اهـ (قَوْلُهُ: وَالْمَانِعُ مِنْهُ مُتَعَنِّتٌ) وَالْمُتَعَنِّتُ هُوَ الَّذِي يُخَاصِمُ فِيمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا يَمْلِكُ إلَّا بِإِذْنِ الْكُلِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ إلَّا أَنْ يَأْذَنُوا لَهُ وَهُمْ كُلُّهُمْ بَالِغُونَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ بِسُقُوطِهَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي أَثْنَائِهَا وَآخِرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاقِعَ كَالْمَدْفُوعِ عَلَى الْآخَرِ) يَعْنِي يَصِيرُ الْمُحْدِثُ فِي الطَّرِيقِ كَالدَّافِعِ لِلْعَاثِرِ عَلَى الَّذِي سَقَطَ الْعَاثِرُ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَحْوَالَ إلَخْ) جَوَابٌ لَا يُقَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَاعَ الْخَشَبَةَ) وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهَا. اهـ. هِدَايَةٌ

فَاحْتَرَقَ بِهِ شَيْءٌ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ، وَلَوْ حَرَّكَتْ الرِّيحُ عَيْنَ الْجَمْرِ فَحَوَّلَتْهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَأَحْرَقَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ لِنَسْخِ الرِّيحِ فِعْلَهُ بِالتَّحْوِيلِ وَإِنْ حَرَّكَتْ الشَّرَارَ يَضْمَنُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ فَلَمْ يُنْسَخْ فِعْلُهُ فَكَانَتْ الْجِنَايَةُ بَاقِيَةً، وَقِيلَ إذَا كَانَ الْيَوْمُ رِيحًا يَضْمَنُ وَإِنْ حَوَّلَتْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِعَاقِبَتِهِ، وَقَدْ أَفْضَى إلَيْهَا فَيَضْمَنُ كَمُبَاشَرَتِهِ أَوْ بِمَنْزِلَةِ دَابَّةٍ جَالَتْ فِي رِبَاطِهَا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ لِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الظُّلَّةِ فَوَقَعَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الْعَمَلِ فَقَتَلَ إنْسَانًا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِفِعْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يَكُنْ مُسَلَّمًا إلَى رَبِّ الدَّارِ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ مِنْهُ فَانْقَلَبَ فِعْلُهُمْ قَتْلًا حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ وَيُحْرَمُونَ مِنْ الْإِرْثِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ مِنْ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الْمِيزَابِ أَوْ الْكَنِيفِ إلَى الطَّرِيقِ فَقَتَلَ إنْسَانًا بِسُقُوطِهِ حَيْثُ لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ؛ لِأَنَّهُ تَسْبِيبٌ وَهُنَا مُبَاشَرَةٌ وَالْقَتْلُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عَقْدِهِ فَلَمْ يَسْتَنِدْ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عَلَى وُجُوهٍ، أَمَّا إنْ قَالَ لَهُمْ ابْنُوا لِي جَنَاحًا عَلَى فِنَاءِ دَارِي فَإِنَّهُ مِلْكِي أَوْ لِي فِيهِ حَقُّ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ مِنْ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَعْلَمُوا الْفَعَلَةُ، ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِ مَا قَالَ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَصَابَ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ وَيَرْجِعُونَ بِالضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا سَوَاءٌ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ بِأَمْرِ الْآمِرِ فَكَأَنَّهُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِيَذْبَحَ لَهُ شَاةً، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الشَّاةُ بَعْدَ الذَّبْحِ كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الذَّابِحَ وَيَرْجِعَ الذَّابِحُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ فَكَذَا هَذَا، وَأَمَّا إنْ قَالَ لَهُمْ أَشْرِعُوا لِي جَنَاحًا عَلَى فِنَاءِ دَارِي وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْإِشْرَاعِ فِي الْقَدِيمِ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُمْ حَتَّى بَنَوْا، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا إنْ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَكَذَا فِي جَوَابِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَمَرَهُمْ بِمَا لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ عَلِمُوا فَسَادَ أَمْرِهِ فَلَمْ يُحْكَمْ بِالضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْبَحَ شَاةَ جَارٍ لَهُ وَأَعْلَمَهُ فَذَبَحَ، ثُمَّ ضَمِنَ الذَّابِحُ لِلْجَارِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْآمِرِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُمْ لِيَبْنُوا لَهُ بَيْتًا فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِنَاءُ دَارِهِ مَمْلُوكٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لَكِنْ غَيْرُ صَحِيحٍ وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ صَحِيحٌ يَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَاسِدٌ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْعَامِلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ عَمَلًا بِهِمَا وَإِظْهَارُ شَبَهِ الصِّحَّةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْلَى مِنْ إظْهَارِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْآمِرِ إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ أَيْ الْقَتْلِ بِسُقُوطِ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ كَالْقَتْلِ بِحَفْرِ الْبِئْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ فِي الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَتْلٌ بِسَبَبٍ حَتَّى لَا تَجِبَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمَ الْمِيرَاثَ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَهِيمَةً فَضَمَانُهَا فِي مَالِهِ) أَيْ لَوْ كَانَ الْهَالِكُ فِي الْبِئْرِ أَوْ بِسُقُوطِ الْجُرْصُنِ بَهِيمَةً يَكُونُ ضَمَانُهَا فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْمَالِ، وَإِلْقَاءُ التُّرَابِ وَاِتِّخَاذُ الطِّينِ فِي الطَّرِيقِ بِمَنْزِلَةِ إلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْخَشَبَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَسْبِيبٌ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَنَسَ الطَّرِيقَ فَعَطِبَ بِمَوْضِعِ كَنْسِهِ إنْسَانٌ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ شَيْئًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَأَحْرَقَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ)، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ وَضَعَهُ فِي الطَّرِيقِ فَتَغَيَّرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى أَثَرُ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَوْضُوعًا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَا اعْتِرَاضَ فِعْلٍ آخَرَ عَلَيْهِ فَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إذَا كَانَ الْيَوْمُ رِيحًا يَضْمَنُ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الرِّيحُ مُتَحَرِّكَةً حِينَ وَضَعَ الْجَمْرَ عَلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ حَرَّكَتْ الرِّيحُ الْجَمْرَ عَنْ مَكَانِهِ فَأَحْرَقَ شَيْئًا يَضْمَنُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَكَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ لَا يَقُولُ بِالضَّمَانِ إذَا حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ عَنْ مَكَانِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ رِيحًا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَرَاحَ الْيَوْمُ يَرَاحُ إذَا اشْتَدَّ رِيحُهُ وَيَوْمٌ رَاحٍ شَدِيدُ الرِّيحِ فَإِذَا كَانَ طَيِّبَ الرِّيحِ قَالُوا رَيِّحٌ بِالتَّشْدِيدِ وَمَكَانٌ رَيِّحٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ) الْفَعَلَةَ جَمْعُ فَاعِلٍ كَالْقَتَلَةِ جَمْعُ قَاتِلٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ) إذَا اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ يَحْفِرُونَ لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ أَوْ فِي فِنَائِهِ يُنْظَرُ حُكْمُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَمَنْ جَعَلَ بَالُوعَةً إلَخْ فَرَاجِعْهُ اهـ وَسَيَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ فِنَاءَ حَانُوتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَسْبِيبٌ) وَالْكَفَّارَةُ وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ يَثْبُتَانِ بِالْقَتْلِ حَقِيقَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَرَقَةِ الْآتِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَمَنْ جَعَلَ بَالُوعَةً إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ الذَّابِحُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ) أَيْ لِأَنَّ الذَّابِحَ مُبَاشِرٌ وَالْآمِرَ مُسَبِّبٌ وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُبَاشَرَةِ فَيَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ الْمَغْرُورُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اهـ (قَوْلُهُ: عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ) أَيْ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَطَبِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَالرُّكُوبِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ قَالَهُ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ، وَمَنْ جَعَلَ بَالُوعَةً إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْمَالِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ غَيْرَ الْآدَمِيِّ كَالدُّيُونِ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَمَا كَانَ مِنْ جِنَايَةٍ بِذَلِكَ فِي بَنِي آدَمَ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا بَلَغَ الْقَدْرَ الَّذِي عَرَّفْتُك أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهُ وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي مَالِهِ وَمَا كَانَ مِنْ جِنَايَةٍ عَلَى غَيْرِ بَنِي آدَمَ فَهُوَ فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ اهـ

وَإِنَّمَا قَصَدَ إمَاطَةَ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ حَتَّى لَوْ جَمَعَ الْكُنَاسَةَ فِي الطَّرِيقِ وَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ لِوُجُودِ التَّعَدِّي بِشَغْلِهِ الطَّرِيقَ، وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَنَحَّاهُ غَيْرُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ فَتَلِفَتْ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ كَانَ ضَمَانُهُ عَلَى مَنْ نَحَّاهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَسَخَ، وَكَذَا إذَا صَبَّ الْمَاءَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ رَشَّ أَوْ تَوَضَّأَ فَعَطِبَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ قَعَدَ فِيهِ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً أَوْ مَتَاعَهُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى كَمَا فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بِخِلَافِ الْحَفْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى فَيَضْمَنُ مَا عَطِبَ بِهِ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي السِّكَّةِ مَا نَقَصَ بِالْحَفْرِ وَفِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ لِشَرِيكِهِ مِلْكًا حَقِيقَةً فِي الدَّارِ حَتَّى يَبِيعَ نَصِيبَهُ وَيُقَسَّمَ بِخِلَافِ السِّكَّةِ قَالُوا هَذَا إذَا رَشَّ مَاءً كَثِيرًا بِحَيْثُ يُزْلَقُ فِيهِ عَادَةً، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمُعْتَادَ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ فِي مَوْضِعِ الصَّبِّ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لَا يَضْمَنُ الرَّاشُّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَاطَرَ بِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَنْ وَثَبَ فِي الْبِئْرِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ فَوَقَعَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ بِأَنْ كَانَ لَيْلًا أَوْ أَعْمَى، وَقِيلَ يَضْمَنُ مَعَ الْعِلْمِ أَيْضًا إذَا رَشَّ جَمِيعَ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْمُرُورِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْخَشَبَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الطَّرِيقِ وَفِي أَخْذِهَا جَمِيعَ الطَّرِيقِ أَوْ بَعْضَهُ، وَلَوْ رَشَّ فِنَاءَ حَانُوتٍ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَضَمَانُ مَا عَطِبَ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ فَأَصَابَ إنْسَانًا فَمَاتَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِهِ يَجِبُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ بَنَى فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ لِفَسَادِ الْأَمْرِ وَإِنْ حَفَرَ بَالُوعَةً فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ يَضْمَنُ مَا عَطِبَ فِيهَا لِوُجُودِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَكَذَا الْجَوَابُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي جَمِيعِ مَا فُعِلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ مِمَّا ذَكَرْنَا وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ وَفِنَاءُ دَارِهِ كَدَارِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ مَا عَطِبَ بِمَا حَفَرَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ دَارِهِ وَالْفِنَاءُ فِي تَصَرُّفِهِ، وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْفِنَاءُ مَمْلُوكًا أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ بِأَنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ، أَمَّا إذَا كَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُشْتَرَكًا بِأَنْ كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ فِيهِ، وَهَذَا صَحِيحٌ، وَلَوْ وَقَعَ رَجُلٌ فِي الْبِئْرِ الْمَحْفُورِ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَمَاتَ فِيهِ جُوعًا أَوْ عَطَشًا أَوْ غَمًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا مَاتَ مِنْ الْوُقُوعِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجُوعِ كَذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ غَمًّا يَجِبُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِلْغَمِّ سِوَى الْوُقُوعِ فِيهِ، أَمَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْبِئْرِ، وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ ضَامِنٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَنَاوَلَ الْخُبْزَ وَالْمَاءَ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ جَعَلَ بَالُوعَةً فِي طَرِيقٍ بِأَمْرِ سُلْطَانٍ أَوْ فِي مِلْكِهِ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِيهَا) أَيْ فِي الطَّرِيقِ (أَوْ قَنْطَرَةً بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ فَتَعَمَّدَ رَجُلٌ الْمُرُورَ عَلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّ حَفْرَ الْبَالُوعَةِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ فِي مِلْكِهِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ وَوَضْعُ الْخَشَبَةِ وَالْقَنْطَرَةِ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ وَإِنْ وُجِدَ التَّعَدِّي مِنْهُ فِيهِمَا لَكِنْ تَعَمُّدُهُ بِالْمُرُورِ عَلَيْهِمَا يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَى الْوَاضِعِ؛ لِأَنَّ الْوَاضِعَ مُسَبِّبٌ وَالْمَارُّ مُبَاشِرٌ فَصَارَ هُوَ صَاحِبَ عِلَّةٍ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّسْبِيبُ مَعَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَأَمْثَالَهُ فِيمَا مَضَى وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ يَحْفِرُونَ لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ فَضَمَانُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأُجَرَاءِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهَا فِي غَيْرِ فِنَائِهِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ قَدْ صَحَّ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَنُقِلَ فِعْلُهُمْ إلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُمْ مَغْرُورُونَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَ آخَرَ بِذَبْحِ هَذِهِ الشَّاةِ فَذَبَحَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشَّاةَ لِغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّاةِ يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ لِكَوْنِهِ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ وَهُنَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَبِّبٌ وَالْأَجِيرُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَالْمُسْتَأْجِرُ مُتَعَدٍّ فَتَرَجَّحَ جَانِبُهُ فَإِنْ عَلِمُوا بِذَلِكَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَلَا غُرُورَ مِنْ جِهَتِهِ لِعِلْمِهِمْ بِذَلِكَ فَبَقِيَ الْفِعْلُ مُضَافًا إلَيْهِمْ، وَلَوْ قَالَ لَهُمْ هَذَا فِنَائِي، وَلَيْسَ لِي حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ فَحَفَرُوا فَمَاتَ فِيهِ إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَلَمْ يَغُرَّهُمْ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِنَاءً لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَسَخَ)؛ لِأَنَّ هَذَا شَغْلٌ جَدِيدٌ حَصَلَ بِفِعْلِ الَّذِي نَحَّاهُ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ اهـ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فَإِنْ قَالُوا هَذَا مُحْتَسِبٌ فِيمَا يَفْعَلُ حَيْثُ أَمَاطَ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ قُلْنَا بَلَى، وَلَكِنْ أَخْطَأَ الْحِسْبَةَ حَيْثُ شَغَلَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْ الطَّرِيقِ وَالْحِسْبَةُ التَّامَّةُ أَنْ يَطْرَحَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ مَمَرًّا أَوْ يَطْرَحَهُ فِي حُفْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ عَلَى وَجْهٍ تَمْتَلِئُ الْحَفِيرَةُ فَيَصِيرُ مُحْتَسِبًا مِنْ وَجْهَيْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ لِانْطِلَاقِ يَدِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَطَبِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَالرُّكُوبِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ فَكَانَ أَمْرًا بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَلِذَا يُنْقَلُ إلَيْهِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَعْرُوفًا أَنَّهُ لِلْعَامَّةِ ضَمِنُوا سَوَاءٌ قَالَ لَهُمْ إنَّهُ لِي أَوْ لَمْ يَقُلْ لِعِلْمِهِمْ بِفَسَادِ أَمْرِهِ قَبْلُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ ضَمِنَ) سَوَاءٌ تَلِفَ بِالْوُقُوعِ أَوْ بِالْعَثْرَةِ بِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الْمَتَاعِ فِي الطَّرِيقِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ مُبَاحٌ لَهُ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ إلَى الْهَدَفِ أَوْ إلَى الصَّيْدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانَ رِدَاءٌ قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ لَا) أَيْ لَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ رِدَاءً قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ بِهِ لَا يَضْمَنُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْءِ الْمَحْمُولِ أَنَّ حَامِلَ الشَّيْءِ يَقْصِدُ حِفْظَهُ فَلَا يَخْرُجُ بِالتَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ وَاللَّابِسُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَ مَا يَلْبَسُهُ فَيَخْرُجُ بِالتَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ فَجُعِلَ فِي حَقِّهِ مُبَاحًا مُطْلَقًا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا لَبِسَ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ أَوْ مَا لَا يُلْبَسُ عَادَةً كَاللِّبَدِ وَالْجُوَالِقِ وَالدِّرْعِ مِنْ الْحَدِيدِ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى لُبْسِهِ وَسُقُوطُ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِهَا لِعُمُومِ الْبَلْوَى . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَسْجِدٌ لِعَشِيرَةٍ فَعَلَّقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ قِنْدِيلًا أَوْ جَعَلَ فِيهِ بَوَارِي أَوْ حَصَاةً فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ ضَمِنَ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا الْفَاعِلُ فَصَارَ كَأَهْلِ الْمَسْجِدِ وَكَمَا لَوْ كَانَ بِإِذْنِهِمْ وَهَذَا لِأَنَّ بَسْطَ الْحَصِيرِ وَتَعْلِيقَ الْقِنْدِيلِ مِنْ بَابِ التَّمْكِينِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَيَسْتَوِي فِيهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَغَيْرُهُمْ وَلَهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ لِأَهْلِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَنَصْبِ الْإِمَامِ وَاخْتِيَارِ الْمُتَوَلِّي وَفَتْحِ بَابِهِ وَإِغْلَاقِهِ وَتَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ حَتَّى لَا يُعْتَدَّ بِمَنْ سَبَقَهُمْ فِي حَقِّ الْكَرَاهِيَةِ وَبَعْدَهُمْ يُكْرَهُ فَكَانَ فِعْلُهُمْ مُبَاحًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِعْلُ غَيْرِهِمْ مُقَيَّدٌ بِهَا وَقَصْدُ الْقُرْبَةِ لَا يُنَافِي الْغَرَامَةَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ كَمَا إذَا تَفَرَّدَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَكَمَا إذَا وَقَفَ عَلَى الطَّرِيقِ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى أَوْ لِدَفْعِ الظُّلْمِ فَعَثَرَ بِهِ غَيْرُهُ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ وَيَغْرَمُ وَالطَّرِيقُ فِيهِ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَهْلِهِ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِقَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَعَنْ ابْنِ سَلَّامٍ بَانِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى بِالْعِمَارَةِ وَالْقَوْمُ أَوْلَى بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ، وَعَنْ الْإِسْكَافِ الْبَانِي أَحَقُّ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِ نَأْخُذُ إلَّا أَنْ يُنَصِّبَ وَالْقَوْمُ يَرَوْنَ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَلَسَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ (رَجُلٌ مِنْهُمْ فَعَطِبَ بِهِ أَحَدٌ ضَمِنَ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا لَا)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ كَانَ جَالِسًا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ لِلصَّلَاةِ أَوْ نَامَ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا أَوْ مَرَّ فِيهِ أَوْ قَعَدَ فِيهِ لِلْحَدِيثِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَأَمَّا الْمُعْتَكِفُ فَقَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ بِلَا خِلَافٍ وَصَلَاةُ التَّطَوُّعِ كَالْفَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ لَهُمَا أَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36]، وَقَالَ تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]، فَإِذَا بُنِيَتْ لَهُمَا لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِانْتِظَارِهَا فَكَانَ الْجُلُوسُ فِيهِ مِنْ ضَرُورَاتِهَا فَيُبَاحُ لَهُ؛ وَلِأَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا» وَتَعْلِيمُ الْفِقْهِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِبَادَةٌ كَالذِّكْرِ فَيَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ دَلَالَةً وَلَهُ أَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْعِبَادَةِ تَبَعٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا ضَاقَ عَلَى الْمُصَلِّي كَانَ لَهُ أَنْ يُزْعِجَ الْقَاعِدَ عَنْ مَوْضِعِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْقَاعِدُ مُشْتَغِلًا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ التَّدْرِيسِ أَوْ مُعْتَكِفًا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُزْعِجَ الْمُصَلِّيَ عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي سَبَقَ إلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ بُنِيَ لَهَا وَاسْمُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ اسْمٌ لِمَوْضِعِ السُّجُودِ وَفِي الْعَادَةِ أَيْضًا لَا يُعْرَفُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ إلَّا لِلصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فَكَانَ الْكَوْنُ فِيهِ حَقُّ الصَّلَاةِ مُبَاحًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِيَظْهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَبَيْنَ التَّبَعِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ قُرْبَةً مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ فِي الطَّرِيقِ لِإِصْلَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[فصل في الحائط المائل]

ذَاتِ الْبَيْنِ كَانَ قُرْبَةً فِي نَفْسِهِ وَمَعَ هَذَا يَضْمَنُ إذَا تَلِفَ بِهِ شَيْءٌ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فِي الصَّحِيحِ، وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَالَاهُ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ مِنْ ضَرُورَاتِ الصَّلَاةِ، فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهَا؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً لِلشَّيْءِ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجَالِسَ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ لَا يَضْمَنُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عَمَلٍ لَا يَكُونُ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْمَسْجِدِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدُرُوسِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ إنْ جَلَسَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ مُعْتَكِفًا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ إنْ جَلَسَ لِلْحَدِيثِ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ إذَا قَعَدَ فِيهِ لِحَدِيثٍ أَوْ نَامَ أَوْ قَامَ فِيهِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ مَرَّ فِيهِ مَارًّا ضَمِنَ عِنْدَهُ، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ قَعَدَ لِلْعِبَادَةِ كَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ أَوْ الِاعْتِكَافِ أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّدْرِيسِ أَوْ لِلذِّكْرِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قَوْلِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَضْمَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ حَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ فِي النِّهَايَةِ [فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ] (فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَائِطٌ مَائِلٌ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ ضَمِنَ رَبُّهُ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ إنْ طَالَبَ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ هُوَ تَعَدٍّ لَا مُبَاشَرَةُ عِلَّةٍ وَلَا مُبَاشَرَةُ شَرْطٍ أَوْ سَبَبٍ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ كَانَ فِي مِلْكِهِ مُسْتَقِيمًا وَالْمَيَلَانُ وَشَغْلُ الْهَوَاءِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ فَلَا يَضْمَنُ كَمَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ؛ وَلِأَنَّ الْحَائِطَ لَمَّا مَالَ فَقَدْ أَشْغَلَ هَوَاءَ الطَّرِيقِ بِمِلْكِهِ وَرَفْعُهُ فِي قُدْرَتِهِ، فَإِذَا تُقُدِّمَ إلَيْهِ وَطُولِبَ بِتَفْرِيغِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، فَإِذَا امْتَنَعَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَقَعَ ثَوْبُ إنْسَانٍ فِي حَجْرِهِ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا بِالِامْتِنَاعِ عَنْ التَّسْلِيمِ إذَا طُولِبَ بِهِ حَتَّى يَضْمَنَ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ هَلَاكِ الثَّوْبِ قَبْلَ الطَّلَبِ؛ وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّفْرِيغِ فَتَنْقَطِعُ الْمَارَّةُ حَذَارِ الْوُقُوعِ عَلَيْهِمْ فَيَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ وَدَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَاجِبٌ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَائِطِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَتَعَيَّنَ لِدَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ وَكَمْ مِنْ ضَرَرٍ خَاصٍّ يَجِبُ تَحَمُّلُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ كَالرَّمْيِ إلَى الْكُفَّارِ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِصِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ وَكَقَطْعِ الْيَدِ الْمُسْتَأْكَلَةِ، ثُمَّ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ النُّفُوسِ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّهَا تَتَحَمَّلُ تَخْفِيفًا عَنْهُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الِاسْتِئْصَالِ فَهُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ دُونَ الْخَطَأِ، فَيَكُونُ أَدْعَى إلَى التَّخْفِيفِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى التَّقَدُّمِ إلَيْهِ فِي النَّقْضِ وَعَلَى أَنَّهُ مَاتَ بِالسُّقُوطِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ بِظَاهِرِ الْيَدِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَمَا تَلِفَ بِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ وَالشَّرْطُ طَلَبُ النَّقْضِ مِنْهُ دُونَ الْإِشْهَادِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِشْهَادَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إثْبَاتِهِ عِنْدَ جُحُودِهِ أَوْ جُحُودِ عَاقِلَتِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ كَالْإِشْهَادِ عَلَى طَلَبِ الشُّفْعَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ لِصِحَّةِ الطَّلَبِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ وَيَصِحُّ الطَّلَبُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ النَّقْضِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنَّ حَائِطَك هَذَا مَخُوفٌ أَوْ مَائِلٌ فَاهْدِمْهُ حَتَّى لَا يَسْقُطَ فَيُتْلِفَ شَيْئًا أَوْ اهْدِمْهُ فَإِنَّهُ مَائِلٌ صَحَّ الطَّلَبُ وَصَارَ إشْهَادًا إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي تَقَدَّمْت إلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي هَدْمِ حَائِطِهِ هَذَا صَحَّ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ لَهُ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَهْدِمَهُ فَهَذَا لَيْسَ بِطَلَبٍ وَلَا إشْهَادٍ، بَلْ هُوَ مَشْهُورَةٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ التَّقَدُّمُ إلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّفْرِيغِ كَالْمَالِكِ وَالْوَصِيِّ فِي مِلْكِ الصَّغِيرِ أَوْ الْجَدِّ أَوْ الْعَبْدِ التَّاجِرِ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَالتَّالِفُ بِهِ يَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ إنْ كَانَ مَالًا وَالنَّفْسُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَإِلَى الرَّاهِنِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ؛ لِأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى الْهَدْمِ وَإِلَى الْمُكَاتَبِ، ثُمَّ إنْ أَتْلَفَ حَالَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ). لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْقَتْلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِمُبَاشَرَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ تَسْبِيبِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقَتْلِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْجَمَادِ الَّذِي لَا اخْتِيَارَ لَهُ أَصْلًا وَهُوَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ، وَذَكَرَ مَسَائِلَهُ بِلَفْظِ الْفَصْلِ فِي أَوَّلِهَا لَا بِلَفْظِ الْبَابِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا فِي هَذَا الْفَصْلِ نَوْعٌ مِمَّا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مِنْ حَقِّ هَذَا الْفَصْلِ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْ مَسَائِلِ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ؛ لِأَنَّهُ جَمَادٌ وَالْجَمَادُ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْحَيَوَانِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ هُنَا لِمُنَاسَبَةٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَائِطَ تُنَاسِبُ الْجُرْصُنَ وَالرَّوْشَنَ وَغَيْرَهُ فَلِهَذَا أَلْحَقَهُ بِهَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِذَا تُقُدِّمَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ مِنْ مَاضِي التَّقَدُّمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكَقَطْعِ الْيَدِ الْمُسْتَأْكَلَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَطْعُ الْيَدِ لِلْأَكْلَةِ عِنْدَ خَوْفِ هَلَاكِ النَّفْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ النُّفُوسِ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ) وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاشِرٍ فِيمَا أَصَابَ الْحَائِطُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَلَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِذَا أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ، وَلَوْ أَقَرَّ صَاحِبُ الدَّارِ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَزِمَهُ فِي مَالِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ) حَتَّى لَوْ اعْتَرَفَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ طُولِبَ بِنَقْضِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَى الْمُكَاتَبِ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ مُكَاتَبٌ لَهُ حَائِطٌ مَائِلٌ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ إنْسَانًا فَعَلَى الْمُكَاتَبِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ دِيَةِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ إنْسَانًا فَفِيهِ دِيَةُ الْقَتِيلِ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَ جَنَاحًا أَوْ كَنِيفًا، ثُمَّ عَتَقَ، ثُمَّ وَقَعَ وَقَتَلَ إنْسَانًا كَانَ عَلَيْهِ

لِتَعَذُّرِ الدَّفْعِ وَبَعْدَ عِتْقِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَبَعْدَ الْعَجْزِ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمُكَاتَبِ وَعَدَمِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْمَوْلَى، وَلَوْ تَقَدَّمَ إلَى مَنْ يَسْكُنُهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ إلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُودَعِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ وَأَتْلَفَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ السَّاكِنُ وَلَا الْمَالِكُ وَيُشْتَرَطُ دَوَامُ تِلْكَ الْوِلَايَةِ إلَى وَقْتِ السُّقُوطِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّقْضِ وَيُشْتَرَطُ لِلضَّمَانِ أَنْ تَمْضِ مُدَّةٌ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ النَّقْضِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ حَتَّى إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ فَسَقَطَ مِنْ سَاعَتِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ نَقْضِهِ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّقْضِ وَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ قَبْلَ أَنْ يَهِيَ الْحَائِطُ لِانْعِدَامِ التَّعَدِّي ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى التَّقَدُّمِ لَا عَلَى الْقَتْلِ وَسَوَّى فِي الْمُخْتَصَرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُطَالِبُ بِالنَّقْضِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْمُرُورِ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ مِنْ أَيٍّ مَنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا أَوْ مُكَاتَبًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبَةُ حَقٍّ فَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ مِنْ الْأَهْلِ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلٍ لِمُطَالَبَةِ حَقِّهِمْ فَكَذَا لِحَقِّ الْعَامَّةِ إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُمْ الْمَوْلَى أَوْ الْوَلِيُّ فِي الْخُصُومَةِ فَحِينَئِذٍ جَازَ طَلَبُهُمْ وَإِشْهَادُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِالْإِذْنِ الْتَحَقُوا بِالْحُرِّ الْبَالِغِ، ثُمَّ بَعْدَ الْإِشْهَادِ تَكُونُ الْخُصُومَةُ عَنْ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْخُصُومَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا ابْتِدَاءً ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ بِلَا طَلَبٍ)؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِالْبِنَاءِ فَصَارَ كَإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَالَ إلَى دَارِ رَجُلٍ فَالطَّلَبُ إلَى رَبِّهَا)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ عَلَى الْخُصُوصِ وَإِنْ كَانَ يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ الدَّارَ فَكَذَا بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ هَوَاءَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَجَّلَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ صَحَّ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ) أَيْ إنْ أَجَّلَهُ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ أَبْرَأَهُ جَازَ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ حَتَّى لَوْ سَقَطَ فِي الْإِبْرَاءِ أَوْ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فِي التَّأْجِيلِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ الْعَامِّ فَأَجَّلَهُ الْقَاضِي أَوْ مَنْ أُشْهِدَ عَلَيْهِ أَوْ أَبْرَأَهُ حَيْثُ لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ وَالْإِبْرَاءُ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ، وَالسَّاكِنُ فِي الدَّارِ كَالْمَالِكِ فِيهِ حَتَّى يَصِحَّ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ لِمَا ذَكَرْنَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَائِطٌ بَيْنَ خَمْسَةٍ أُشْهِدَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَسَقَطَ عَلَى رَجُلٍ ضَمِنَ خُمْسَ الدِّيَةِ، دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ حَفَرَ أَحَدُهُمَا فِيهَا بِئْرًا أَوْ بَنَى حَائِطًا فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ ضَمِنَ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِنَصِيبِ مَنْ أُشْهِدَ عَلَيْهِ مُعْتَبَرٌ وَبِنَصِيبِ مَنْ لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ هَدَرٌ وَفِي الْحَفْرِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَبِاعْتِبَارِ مِلْكِ شَرِيكِهِ مُتَعَدٍّ فَكَانَا قِسْمَيْنِ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ كَمَا إذَا هَلَكَ بِجَرْحِ الرَّجُلِ وَنَهْشِ الْحَيَّةِ وَعَقْرِ الْأَسَدِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الثِّقَلُ الْمُقَدَّرُ وَالْعُمْقُ الْمُقَدَّرُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَهُوَ الْقَلِيلُ مِنْهُ حَتَّى يُعْتَبَرَ كُلُّ جُزْءٍ عِلَّةً عَلَى حِدَةٍ فَتَجْتَمِعُ الْعِلَلُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُضَافُ التَّلَفُ إلَى الْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ، ثُمَّ تُقَسَّمُ عَلَى أَرْبَابِهَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جِرَاحَةٍ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لِلتَّلَفِ صَغُرَتْ الْجِرَاحَةُ أَمْ كَبِرَتْ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ إلَّا أَنَّ التَّلَفَ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ يُضَافُ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ الْوَاحِدُ مِنْ الشُّرَكَاءِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَهْدِمَ شَيْئًا مِنْ الْحَائِطِ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ قُلْنَا إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ هَدْمِ نَصِيبِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ إصْلَاحِهِ بِطَرِيقِهِ وَهُوَ الْمُرَافَعَةُ إلَى الْحُكَّامِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْغَرَضُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الضَّرَرِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ وَلَا تَتَعَيَّنُ بِالْهَدْمِ، وَلَوْ وَقَعَ الْحَائِطُ عَلَى الطَّرِيقِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَعَثَرَ إنْسَانٌ بِنَقْضِهِ فَمَاتَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ مِلْكُهُ، فَيَكُونُ التَّفْرِيغُ إلَيْهِ وَالْإِشْهَادُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ، وَالْفَرْقُ مَا قُلْنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْحَائِطِ كَالْمُبْتَدِئِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَكَأَنَّهُ قَتَلَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ قَتِيلًا ابْتِدَاءً فَأَمَّا إخْرَاجُ الْجَنَاحِ وَالْكَنِيفِ فَجِنَايَةٌ وَاقِعَةٌ فَلَمْ تُجْعَلْ مُبْتَدَأً بَعْدَ الْعِتْقِ، بَلْ كَانَ مُضَافًا إلَى حَالِ الرِّقِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ إلَخْ) وَلَا يَتَفَاوَتُ الْحُكْمُ إذَا سَقَطَ الْحَائِطُ بَعْدَمَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ بَعْدَمَا مَلَكَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَ فَقَدْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَمْلِكُ فِيهَا النَّقْضَ وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِتَرْكِ النَّقْضِ فَإِذًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ أَشْرَعَ جَنَاحًا إلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ بَاعَ الدَّارَ وَبَاعَ الْجَنَاحَ فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ ضَمِنَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْوَضْعِ جِنَايَةٌ فَزَوَالُ مِلْكِهِ عَنْهُ لَا يُغَيِّرُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْحَائِطِ لَمْ يَكُنْ جِنَايَةً وَإِنَّمَا الْجِنَايَةُ تَرْكُ النَّقْضِ، وَإِذَا صَارَ بِحَالٍ لَا يَمْلِكُ النَّقْضَ فِي حَالِ الْوُقُوعِ خَرَجَ فِعْلُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ جِنَايَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا عَلَى الْقَتْلِ) يَعْنِي لَوْ كَانَتْ شَهَادَةً عَلَى الْقَتْلِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِشُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ عَلَيْهِ، بَلْ هِيَ شَهَادَةٌ عَلَى مَيَلَانِ الْحَائِطِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِالْبِنَاءِ) أَيْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَوَاءَ الْبُقْعَةِ فِي حُكْمِهَا، وَلَوْ بَنَى فِي مِلْكِ غَيْرِهِ كَانَ مُتَعَدِّيًا كَذَلِكَ إذَا بَنَى فِي هَوَاءِ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ قَاضِيخَانْ فِي بَابِ الصُّلْحِ مَا نَصُّهُ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَ مَا تَحْتَهَا إلَى الثَّرَى وَمَا فَوْقَهَا إلَى السَّمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ كَانَ فِيهَا سُكَّانٌ فَالْمُطَالَبَةُ إلَيْهِمْ وَذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُعِيرُ اهـ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الثِّقَلُ) أَيْ فِي الْحَائِطِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْمُقَدَّرُ) أَيْ الْمُهْلِكُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعُمْقُ) أَيْ فِي الْبِئْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْمُقَدَّرُ) أَيْ الْمُهْلِكُ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَعَ الْحَائِطُ عَلَى الطَّرِيقِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَ فَتَعَقَّلَ بِنَقْضِهِ أَوْ مِيزَابِهِ إنْسَانٌ فَهَلَكَ يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ

[باب جناية البهيمة والجناية عليها وغير ذلك]

عَلَى الْحَائِطِ إشْهَادٌ عَلَى النَّقْضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الشَّغْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَقَطَ الْحَائِطُ عَلَى إنْسَانٍ وَمَاتَ فَعَثَرَ بِالْقَتِيلِ غَيْرُهُ فَمَاتَ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ مِنْهُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لَا إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْحَائِطِ إشْهَادًا عَلَى الْقَتِيلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْحَائِطِ جَنَاحٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَيْثُ يُضْمَنُ الْقَتِيلُ الثَّانِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْجَنَاحِ جِنَايَةٌ إذْ الْوَضْعُ فِعْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَلْقَاهُ عَلَيْهِ بِيَدِهِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الثَّانِي مُضَافًا إلَيْهِ كَالْأَوَّلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَفْرِيغُ الطَّرِيقِ عَنْ الْقَتِيلِ أَيْضًا، فَإِذَا لَمْ يَفْرُغْ صَارَ جَانِيًا وَفِي الْحَائِطِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِعْلُ وَإِنَّمَا جُعِلَ كَالْفَاعِلِ بِتَرْكِ النَّقْضِ اسْتِحْسَانًا فَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَلَمْ يَكُنْ سُقُوطُ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ الثَّانِي بِفِعْلِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّفْرِيغُ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْحَائِطَ أَوْ النَّقْضَ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ، وَلَوْ كَانَ بِفِعْلِهِ لَمَا بَرِئَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْجَنَاحَ، وَلَوْ عَطِبَ بِجَرَّةٍ كَانَتْ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَتْ بِسُقُوطِهِ وَهِيَ مِلْكُهُ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَى مَالِكِهَا وَحْدَهُ، وَلَوْ سَقَطَتْ الْجَرَّةُ وَحْدَهَا لَا يَضْمَنُ مَا عَطِبَ بِسُقُوطِهَا؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهَا فِي مِلْكِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ضَمِنَ الرَّاكِبُ مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ رَأْسٍ أَوْ كَدَمَتْ أَوْ خَبَطَتْ لَا مَا نَفَحَتْ بِرِجْلٍ أَوْ ذَنَبٍ إلَّا إذَا أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ،) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُرُورَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كُلِّ النَّاسِ فَقُلْنَا بِالْإِبَاحَةِ مُقَيَّدًا بِالسَّلَامَةِ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِهَا مُطْلَقًا يُؤَدِّي إلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ وَسَدُّ بَابِهِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْإِيطَاءِ وَالصَّدْمِ وَالْكَدْمِ وَالْخَبْطِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ فَقَيَّدْنَاهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ النَّفْحَةِ بِالرِّجْلِ وَالذَّنَبِ مَعَ السَّيْرِ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَمْ نُقَيِّدْهُ بِهَا وَإِنْ أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ النَّفْحَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْإِيقَافِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْ النَّفْحَةِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالْإِيقَافِ وَشَغْلِ الطَّرِيقِ بِهِ فَيَضْمَنُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَّا إذَا أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الطَّرِيقَ يُشْبِهُ مِلْكَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُرُورَ فِيهِ مُبَاحٌ لَهُ وَيُشْبِهُ مِلْكَ الْغَيْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ يُطْلَقُ لَهُ التَّصَرُّفُ فَوَفَّرْنَا حَظَّ الشَّبَهَيْنِ فَجَعَلْنَاهُ كَمِلْكِ غَيْرِهِ فِي حَقِّ مَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَكَمِلْكِهِ فِي حَقِّ مَا لَا يُمْكِنُ كَيْ لَا يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِي الطَّرِيقِ وَفِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْإِيطَاءَ وَهُوَ رَاكِبُهَا؛ لِأَنَّ الْإِيطَاءَ مُبَاشَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ حَتَّى يُحْرَمَ الْمِيرَاثَ وَيَجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِهِ وَغَيْرُهُ تَسْبِيبٌ وَفِيهِ يُشْتَرَطُ التَّعَدِّي فَصَارَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي مِلْكِهِ وَفِي الْمُبَاشَرَةِ لَا يُشْتَرَطُ وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ مَالِكِهِ فَهُوَ وَكَمَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ دَخَلَتْ هِيَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَهَا هُوَ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ مَعَهَا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَإِنْ أَدْخَلَهَا هُوَ ضَمِنَ الْجَمِيعَ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لِوُجُودِ التَّعَدِّي بِالْإِدْخَالِ، وَالْمِلْكُ الْمُشْتَرَكُ كَمِلْكِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ السَّيْرَ وَالْإِيقَافَ فِيهِ وَبَابُ الْمَسْجِدِ كَالطَّرِيقِ فِي الْإِيقَافِ، وَلَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ مَوْضِعًا لِوُقُوفِ الدَّوَابِّ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَلَا ضَمَانَ فِيمَا حَدَثَ مِنْ الْوُقُوفِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إيقَافُ الدَّابَّةِ فِي سُوقِ الدَّوَابِّ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ، وَكَذَلِكَ الْفَلَاةُ وَطَرِيقُ مَكَّةَ إذَا وَقَفَ فِي غَيْرِ الْمَحَجَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِذْنِ، أَمَّا الْمَحَجَّةُ فَهِيَ كَالطَّرِيقِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةً أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَفَقَأَ عَيْنًا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ كَبِيرًا ضَمِنَ)؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ الْحِجَارَةِ الصِّغَارِ وَالْغُبَارِ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ لَا يَخْلُو عَنْهُ، وَعَنْ الْكِبَارِ مِنْ الْحِجَارَةِ مُمْكِنٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَادَةً مِنْ قِلَّةِ هِدَايَةِ الرَّاكِبِ فَيَضْمَنُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ فِي طَرِيقٍ لَمْ يَضْمَنْ مَنْ عَطِبَ بِهِ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ ضَمِنَ)؛ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ لَا يَخْلُو عَنْ رَوْثٍ وَبَوْلٍ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ فِيمَا إذَا رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ وَهِيَ تَسِيرُ، وَكَذَا إذَا أَوْقَفَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا تَلِفَ بِالنَّقْضِ لَا يَضْمَنُهُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى النَّقْضِ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْحَائِطِ لَا يَكُونُ إشْهَادًا عَلَى النَّقْضِ، وَلَوْ لَمْ يَتَعَقَّلْ بِالنَّقْضِ، وَلَكِنْ تَعَقَّلَ بِمَيِّتٍ هَلَكَ بِالْحَائِطِ لَمْ يَضْمَنْ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَيِّتِ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ وَلَكِنَّ رَفْعَ النَّقْضِ إلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. [بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ] (بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ). (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: ضَمِنَ الرَّاكِبُ مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي، وَإِذَا سَارَ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّةٍ، أَيَّ الدَّوَابِّ كَانَتْ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَأَوْطَأَتْ إنْسَانًا بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ وَهِيَ تَسِيرُ فَقَتَلَتْهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّاكِبِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِلدَّابَّةِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَهِيَ مَجْبُورَةٌ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَتْ جِنَايَتُهَا بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ خَاطِئٌ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ حَقِيقَةً وَلَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْ بِرِجْلِهَا وَهِيَ تَسِيرُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمِلٍ لَهَا فِي النَّفْحَةِ فَلَا يَصِيرُ بِهَا قَاتِلًا حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا تَسْيِيرُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَمَا حَدَثَ هَذَا الْأَمْرُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي التَّسْيِيرِ فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّبَبُ الْمَحْضُ إنَّمَا يَلْحَقُ بِالْمُبَاشَرَةِ بِوَصْفِ التَّعَدِّي، وَقَدْ عَدِمَ فَلَا يُؤْخَذُ بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُبَاشَرَةِ لَا يُشْتَرَطُ) أَيْ التَّعَدِّي. اهـ. (قَوْلُهُ: الْمَحَجَّةُ) الْمَحَجَّةُ مُعْظَمُ الطَّرِيقِ وَوَسَطُهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَعَنْ الْكِبَارِ مِنْ الْحِجَارَةِ مُمْكِنٌ) فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ هَذَا مِنْ قِبَلِ عُنْفِهِ فِي أَمْرِ السُّوقِ فَيُوصَفُ بِالتَّعَدِّي فَيُؤْخَذُ بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ الدَّوَابِّ مَا لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا وَاقِفًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ فَبَالَتْ أَوْ رَاثَتْ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْإِيقَافِ إذْ لَيْسَ هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ وَهُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا أَيْضًا مِنْ السَّيْرِ لِكَوْنِهِ أَدْوَمَ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ ضَمِنَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا ضَمِنَهُ الرَّاكِبُ ضَمِنَهُ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ) أَيْ كُلُّ شَيْءٍ يَضْمَنُهُ الرَّاكِبُ يَضْمَنَانِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مُسَبِّبَانِ كَالرَّاكِبِ فِي غَيْرِ الْإِيطَاءِ فَيَجِبُ فِيهِمَا الضَّمَانُ بِالتَّعَدِّي فِيهِ كَالرَّاكِبِ، وَقَوْلُهُ وَمَا ضَمِنَهُ الرَّاكِبُ ضَمِنَهُ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ يَطَّرِدُ وَيَنْعَكِسُ فِي الصَّحِيحِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ السَّائِقَ يَضْمَنُ النَّفْحَةَ بِالرِّجْلِ؛ لِأَنَّهَا بِمَرْأَى عَيْنِهِ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا مَعَ السَّيْرِ وَغَائِبَةٌ عَنْ بَصَرِ الرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ فَلَا يُمْكِنُهُمَا التَّحَرُّزُ عَنْهَا وَعَلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَجْهُ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَنَّ السَّائِقَ لَيْسَ لَهُ عَلَى رِجْلِهَا شَيْءٌ يَمْنَعُهَا بِهِ عَنْ النَّفْحَةِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِخِلَافِ الْكَدْمِ وَالصَّدْمِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُونَ كُلُّهُمْ النَّفْحَةَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرِّجْلُ جُبَارٌ» وَمَعْنَاهُ النَّفْحَةُ بِالرِّجْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الرَّاكِبِ الْكَفَّارَةُ لَا عَلَيْهِمَا) أَيْ لَا عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ وَمُرَادُهُ فِي الْإِيطَاءِ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِثِقَلِهِ وَثِقَلُ الدَّابَّةِ تَبَعٌ لَهُ فَإِنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ وَهِيَ آلَةٌ لَهُ وَهُمَا مُسَبِّبَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ مِنْهُمَا شَيْءٌ بِالْمَحَلِّ، وَكَذَلِكَ الرَّاكِبُ فِي غَيْرِ الْإِيطَاءِ وَالْكَفَّارَةُ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ لَا حُكْمُ التَّسْبِيبِ، وَكَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِيطَاءِ فِي حَقِّ الرَّاكِبِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ دُونَ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَلَوْ كَانَ سَائِقٌ وَرَاكِبٌ قِيلَ لَا يَضْمَنُ السَّائِقُ مَا وَطِئَتْ الدَّابَّةُ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالسَّائِقُ مُسَبِّبٌ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى، وَقِيلَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَبَبُ الضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الرَّاكِبَ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا فَنَخَسَ الْمَأْمُورُ الدَّابَّةَ وَوَطِئَتْ إنْسَانًا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فَاشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ فَالنَّاخِسُ سَائِقٌ وَالْآمِرُ رَاكِبٌ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْمُسَبِّبَ إنَّمَا لَا يَضْمَنُ مَعَ الْمُبَاشِرِ إذَا كَانَ السَّبَبُ شَيْئًا لَا يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ فِي الْإِتْلَافِ كَمَا فِي الْحَفْرِ مَعَ الْإِلْقَاءِ فَإِنَّ الْحَفْرَ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا بِدُونِ الْإِلْقَاءِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ فَيَشْتَرِكَانِ، وَهَذَا مِنْهُ فَإِنَّ السَّوْقَ مُتْلِفٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّابَّةِ رَاكِبٌ بِخِلَافِ الْحَفْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتْلِفٍ بِلَا إلْقَاءٍ، وَعِنْدَ الْإِلْقَاءِ وُجِدَ التَّلَفُ بِهِمَا فَأُضِيفَ إلَى آخِرِهِمَا كَمَسْأَلَةِ الْقُفَّةِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَعْمَلُ فَيَشْتَرِكَانِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اصْطَدَمَ فَارِسَانِ أَوْ مَاشِيَانِ فَمَاتَا ضَمِنَ عَاقِلَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةَ الْآخَرِ)، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ رَوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ فَيُعْتَبَرُ نِصْفُهُ وَيُهْدَرُ النِّصْفُ كَمَا إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا أَوْ جَرَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ أَوْ حَفَرَا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ بِئْرًا فَانْهَارَ عَلَيْهِمَا أَوْ وَقَعَا فِيهِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ فَكَذَا هَذَا وَلَنَا أَنَّ مَوْتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُضَافٌ إلَى فِعْلِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مُطْلَقًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ لَوَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا وَقَعَ فِي بِئْرٍ فِي قَارِعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ فَبَالَتْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا وُقُوفُ الدَّابَّةِ لِأَمْرٍ آخَرَ، فَلَيْسَ مِمَّا وُضِعَ لَهُ الطَّرِيقُ فَكَانَ تَعَدِّيًا فَلَمْ يُجْعَلْ مَا اتَّصَلَ بِهِ عَفْوًا مِنْ التَّلَفِ وَإِنْ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا ضَمِنَ سِرَايَتَهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ) وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُ النَّفْحَةُ بِالرِّجْلِ) بَيَانُهُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ بِالرِّجْلِ أَوْ النَّفْحَةِ وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بِمُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجُبَارٍ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي وَإِلَّا يَلْزَمُ الْإِلْغَاءُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الرَّاكِبُ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ عَلَى الرَّاكِبِ فِي غَيْرِ الْإِيطَاءِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ مُحَمَّدًا إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فَإِنْ كَانَ سَائِقٌ وَرَاكِبٌ أَوْ سَائِقٌ وَقَائِدٌ أَوْ رَاكِبٌ وَقَائِدٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا غَيْرَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى الرَّاكِبِ وَحْدَهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: كَمَسْأَلَةِ الْقُفَّةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ كَمَا قَالُوا فِي سَفِينَةٍ مَمْلُوءَةٍ بِالطَّعَامِ إذَا جَاءَ رَجُلٌ وَطَرَحَ فِيهَا مَنًّا زَائِدًا فَغَرِقَتْ السَّفِينَةُ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الَّذِي وَضَعَ الْمَنَّ الزَّائِدَ. اهـ. . (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا) أَيْ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ اهـ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي مَقَالَةِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ فِي الْمُصْطَدِمَيْنِ هَلَكَا نِصْفُ الضَّمَانِ سَاقِطٌ إذْ شُرِكَا قَالَ فِي الْمُصَفَّى، وَهَذَا إذَا كَانَا جَرَيْنَ وَكَانَ الِاصْطِدَامُ خَطَأً، أَمَّا فِي الْعَمْدِ فَقَوْلُنَا كَقَوْلِهِ اهـ أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ عِبَارَةُ الْعَيْنِيِّ وَمُلَّا مِسْكِينٍ فِي شَرْحَيْهِمَا تُفِيدُ وُجُوبَ الدِّيَةِ عِنْدَنَا فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْحُرَّيْنِ، وَلَيْسَ بِصَوَابٍ لِمَا عَلِمْت وَلَعَلَّ الَّذِي أَوْقَعَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ هُوَ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْحُرَّيْنِ وَلَمْ يَتَفَطَّنْ لِقَوْلِهِ هُنَا فِي دَلِيلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ كَمَا إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا فَإِنَّ هَذَا مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُتَّفِقِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْخَطَأِ وَأَنَّ الْعَمْدَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي آخِرِ دَلِيلِنَا وَمَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الِاصْطِدَامِ عَمْدًا إلَخْ يُفْصِحُ عَنْ أَنَّ الِاصْطِدَامَ الْعَمْدَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَسَاغَ لِلشَّارِحِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ فِي الْحُرَّيْنِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ وَقَعَا فِيهِ) عِبَارَةُ الشَّارِحِ بِالْوَاوِ اهـ

الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا مَشْيُهُ وَثِقَلُهُ فِي نَفْسِهِ لَمَا هَوَى فِي الْبِئْرِ وَفِعْلُ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ عِنْدَ وُجُودِ التَّلَفِ بِهِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَوْجَبَ كُلَّ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ فَرَجَّحْنَا بِمَا ذَكَرْنَا أَوْ يُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْجَبَ النِّصْفَ عَلَى أَنَّهُمَا تَعَمَّدَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ فِي الْعَمْدِ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْجَبَ كُلَّ الدِّيَةِ عَلَى الْخَطَأِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا وَمَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الِاصْطِدَامِ عَمْدًا وَجَرْحِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ وَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْظُورٌ مُطْلَقًا فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَيْضًا، فَيَكُونُ قَاتِلًا لِنَفْسِهِ، وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْحُرَّيْنِ، وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ يُهْدَرُ الدَّمُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا وَفِدَاءً، وَقَدْ فَاتَتْ لَا إلَى خُلْفٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ يَصِيرُ الْمَوْلَى بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ عَبْدًا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ قِيمَةُ الْعَبْدِ كُلُّهَا فِي الْخَطَأِ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ فِي الْعَمْدِ وَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ وَيَبْطُلُ حَقُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نِصْفِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ عَلَى رَقَبَةِ الْعَبْدِ فَيَبْطُلُ بِمَوْتِهِ إلَّا قَدْرَ مَا أَخْلَفَ وَهُوَ الْقِيمَةُ أَوْ نِصْفُهَا فَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ وَيَبْطُلُ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْخُلْفِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى أَصْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ، وَإِذَا تَجَاذَبَ رَجُلَانِ حَبْلًا فَانْقَطَعَ الْحَبْلُ فَسَقَطَا وَمَاتَا يُنْظَرُ فَإِنْ وَقَعَا عَلَى الْقَفَا لَا تَجِبُ لَهُمَا دِيَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ وَإِنْ وَقَعَا عَلَى الْوَجْهِ وَجَبَ دِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ وَإِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْقَفَا وَالْآخَرُ عَلَى الْوَجْهِ فَاَلَّذِي وَقَعَ عَلَى الْقَفَا لَا دِيَةَ لَهُ وَاَلَّذِي وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ وَإِنْ قَطَعَ إنْسَانٌ الْحَبْلَ بَيْنَهُمَا فَوَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْقَفَا فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَاقَ دَابَّةً فَوَقَعَ السَّرْجُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ)، وَكَذَا عَلَى هَذَا سَائِرُ أَدَوَاتِهِ كَاللِّجَامِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسْبِيبِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَهُوَ تَرْكُ الشَّدِّ أَوْ الْإِحْكَامُ فِي الشَّدِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَلْقَاهُ عَلَى الطَّرِيقِ بِيَدِهِ بِخِلَافِ الرِّدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَهُ عَادَةً فَلَا يُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ؛ وَلِأَنَّ اللِّبَاسَ تَبَعٌ لِلَّابِسِ وَهُوَ لَوْ وَقَعَ فِي الطَّرِيقِ وَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فَكَذَا إذَا عَثَرَ بِلِبَاسِهِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَادَ قِطَارًا فَوَطِئَ بَعِيرٌ إنْسَانًا ضَمِنَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ الدِّيَةَ)؛ لِأَنَّ الْقَائِدَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْقِطَارِ كَالسَّائِقِ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ فِيهِ وَالتَّسْبِيبُ بِوَصْفِ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِلضَّمَانِ غَيْرَ أَنَّ ضَمَانَ النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَضَمَانَ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ فَعَلَيْهِمَا) أَيْ إذَا كَانَ مَعَ الْقَائِدِ سَائِقٌ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا الضَّمَانُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّسْبِيبِ؛ لِأَنَّ قَائِدَ الْوَاحِدِ قَائِدٌ لِلْكُلِّ، وَكَذَا سَائِقُهُ لِاتِّصَالِ الْأَزِمَّةِ هَذَا إذَا كَانَ السَّائِقُ فِي جَانِبٍ مِنْ الْإِبِلِ، أَمَّا إذَا تَوَسَّطَهَا وَأَخَذَ بِزِمَامِ وَاحِدٍ يَضْمَنُ هُوَ وَحْدَهُ مَا عَطِبَ بِمَا هُوَ خَلْفَهُ وَيَضْمَنَانِ مَا تَلِفَ بِمَا هُوَ قُدَّامَهُ؛ لِأَنَّ الْقَائِدَ لَا يَقُودُ مَا خَلْفَ السَّائِقِ لِانْفِصَامِ الزِّمَامِ وَالسَّائِقُ يَسُوقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) إلَّا أَنَّ الْعَمْدَ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الْخَطَإِ؛ لِأَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ إذْ هُوَ تَعَمَّدَ الِاصْطِدَامَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ وَلِذَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إلَخْ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُصْطَدِمَانِ حُرَّيْنِ، وَقَدْ تَعَمَّدَا ذَلِكَ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ إلَخْ) يَعْنِي إذَا اصْطَدَمَ الْعَبْدَانِ خَطَأً فَمَاتَا هُدِرَ الدَّمُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَلِهَذَا يُدْفَعُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى، فَلَمَّا مَاتَ فَاتَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ بِلَا خُلْفٍ وَلَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى شَيْئًا؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا مِنْهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ فَكَانَ كَالْخَطَأِ فَهُدِرَ الدَّمُ حَيْثُ لَمْ يُخَلِّفْ الْعَبْدُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا مَالَ لَهُ يُقَالُ هُدِرَ دَمُهُ أَيْ بَطَلَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْحُرِّ)؛ لِأَنَّهُ فِي الْخَطَإِ مَاتَ بِفِعْلِ صَاحِبِهِ وَفِي الْعَمْدِ مَاتَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ فَسَقَطَ النِّصْفُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ)، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَوَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْقَفَا) فِي الِاخْتِيَارِ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْقَفَا فَانْظُرْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ) أَيْ وَضَمِنَ الْحَبْلَ فَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ إنْ وَقَعَا عَلَى وَجْهِهِمَا إذَا قُطِعَ الْحَبْلُ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ قَطْعِ الْحَبْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ ضَمِنَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ الدِّيَةَ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِطَارَ بِيَدِهِ يَسِيرُ بِسَوْقِهِ وَيَقِفُ بِإِيقَافِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ صِيَانَتُهُ فَمَا حَدَثَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيُضَافُ إلَيْهِ مَا حَدَثَ مِنْ الْقِطَارِ لِتَسْبِيبِهِ فَيَصِيرُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ وَأَوْرَدَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ لَوْ أَنَّ إنْسَانًا قَادَ أَعْمَى فَأَوْطَأَ الْأَعْمَى إنْسَانًا فَقَتَلَهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَائِدِ الضَّمَانُ قِيلَ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى بِنَفْسِهِ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَفِعْلُهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ خَاصَّةً، وَأَمَّا فِعْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ لَا عِبْرَةَ لَهُ فِي حُكْمِ نَفْسِهِ فَفِعْلُهَا يُنْسَبُ إلَى الْقَائِدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَانَ السَّائِقُ فِي جَانِبٍ مِنْ الْإِبِلِ) أَيْ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ جَمِيعًا فِيمَا إذَا كَانَ السَّائِقُ يَسُوقُ الْإِبِلَ غَيْرَ آخِذٍ بِزِمَامِ الْبَعِيرِ، أَمَّا إذَا أَخَذَ الزِّمَامَ، فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فِي الَّذِي هَلَكَ خَلْفَهُ لَا عَلَى الْقَائِدِ الْمُقَدَّمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الزِّمَامُ عَنْ الْقِطَارِ لَمْ يَكُنْ الْقَائِدُ الْمُقَدَّمُ قَائِدًا لِمَا خَلْفَ السَّائِقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

مَا هُوَ قُدَّامَهُ، وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ رَاكِبًا عَلَى بَعِيرٍ وَسَطَ الْقِطَارِ وَلَا يَسُوقُ مِنْهَا شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ مَا أَصَابَتْ الْإِبِلُ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَائِقٍ لَهَا، وَكَذَا مَا أَصَابَ الْإِبِلُ الَّتِي خَلْفَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَائِدٍ لَهَا إلَّا إذَا كَانَ أَخَذَ بِزِمَامِ مَا خَلْفَهُ، أَمَّا الْبَعِيرُ الَّذِي هُوَ رَاكِبُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَائِدِ غَيْرُ مَا أَصَابَهُ بِالْإِيطَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ ضَمَانُهُ عَلَى الرَّاكِبِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ فِيهِ مُبَاشِرًا حَتَّى تَجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُبَاشِرِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَبَطَ بَعِيرًا عَلَى قِطَارٍ رَجَعَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ بِدِيَةِ مَا أَتْلَفَ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ) أَيْ إذَا رَبَطَ رَجُلٌ بَعِيرًا عَلَى قِطَارٍ وَالْقَائِدُ لِذَلِكَ الْقِطَارِ لَا يَعْلَمُ فَوَطِئَ الْبَعِيرُ الْمَرْبُوطُ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ دِيَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصُونَ قِطَارَهُ عَنْ رَبْطِ غَيْرِهِ بِهِ، فَإِذَا تَرَكَ الصِّيَانَةَ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ وَهُوَ تَسْبِيبٌ وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِيهِ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْقَائِدِ وَالرَّابِطِ ابْتِدَاءً مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَبِّبٌ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاشَرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّبْطِ لِاتِّصَالِ التَّلَفِ بِهِ دُونَ الرَّبْطِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَحْدَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ قَالُوا هَذَا إذَا رَبَطَ وَالْقِطَارُ يَسِيرُ؛ لِأَنَّ الرَّابِطَ آمِرٌ بِالْقَوَدِ دَلَالَةً، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ عَنْهُ وَلَكِنَّ جَهْلَهُ لَا يَنْفِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِتَحَقُّقِ الْإِتْلَافِ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَنْفِي الْإِثْمَ، فَيَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّبْطِ، وَأَمَّا إذَا رَبَطَ وَالْإِبِلُ وَاقِفَةٌ ضَمِنَهَا عَاقِلَةُ الْقَائِدِ وَلَا يَرْجِعُونَ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ؛ لِأَنَّهُ قَادَ بَعِيرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً فَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ عَلَى أَحَدٍ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالرَّبْطِ وَالْإِيقَافِ عَلَى الطَّرِيقِ لَكِنْ زَالَ ذَلِكَ بِالْقَوَدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَضَعَ حَجَرًا وَحَوَّلَهُ غَيْرُهُ، وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَائِدُ بِالرَّبْطِ لَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ بِمَا لَحِقَهُمْ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْقَائِدَ رَضِيَ بِذَلِكَ وَالتَّلَفُ قَدْ اتَّصَلَ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ لَا يُنَافِي التَّسْبِيبَ وَلَا الضَّمَانَ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فِي الرُّجُوعِ لِمَا ذَكَرْنَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً وَكَانَ لَهَا سَائِقًا فَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا ضَمِنَ)؛ لِأَنَّهُ الْحَامِلُ لَهَا فَأُضِيفَ فِعْلُهَا إلَيْهِ كَمَا يُضَافُ فِعْلُ الْمُكْرَهِ إلَى الْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ وَالْمُرَادُ بِالسَّوْقِ أَنْ يَمْشِيَ خَلْفَهَا مَعَهَا وَإِنْ لَمْ يَمْشِ خَلْفَهَا فَمَا دَامَتْ فِي فَوْرِهَا فَهُوَ سَائِقٌ لَهَا فِي الْحُكْمِ فَيَلْحَقُ بِالسَّوْقِ وَإِنْ تَرَاخَى انْقَطَعَ السَّوْقُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَهِيمَةِ الْكَلْبُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَرْسَلَ طَيْرًا أَوْ كَلْبًا وَلَمْ يَكُ سَائِقًا لَهُ أَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ فَأَصَابَتْ مَالًا أَوْ آدَمِيًّا نَهَارًا أَوْ لَيْلًا لَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا، أَمَّا الطَّيْرُ فَلِأَنَّ بَدَنَهُ لَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَصَارَ وُجُودُ السَّوْقِ وَعَدَمُهُ سَوَاءً فَلَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ فَإِنَّ بَدَنَهَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا السَّوْقُ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ أَرْسَلَ بَازِيًا فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَ لَا يَضْمَنُ الْمُرْسِلُ، وَأَمَّا الْكَلْبُ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ السَّوْقَ لَكِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ السَّوْقُ حَقِيقَةً بِأَنْ يَمْشِيَ خَلْفَهُ وَلَا حُكْمًا بِأَنْ يُصِيبَ عَلَى فَوْرِ الْإِرْسَالِ، وَالتَّعَدِّي يَكُونُ بِالسَّوْقِ فَلَا يَضْمَنُ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ يُضَافُ إلَى فَاعِلِهِ وَلَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا ذَلِكَ فِي فِعْلِ الْبَهِيمَةِ إذَا وُجِدَ مِنْهُ السَّوْقُ فَأَضَفْنَاهُ إلَيْهِ اسْتِحْسَانًا صِيَانَةً لِلْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ السَّوْقُ بَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَلَا تَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْفِعْلِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً وَتَسْبِيبًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ إلَى صَيْدٍ حَيْثُ يُؤْكَلُ مَا أَصَابَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ مَسَّتْ إلَى الِاصْطِيَادِ بِهِ فَأُضِيفَ إلَى الْمُرْسِلِ مَا دَامَ الْكَلْبُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ وَلَمْ يُفَتَّرْ عَنْهَا إذْ لَا طَرِيقَ إلَى الِاصْطِيَادِ سِوَاهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ بِهِ مَشْرُوعٌ، وَلَوْ شَرَطَ السَّوْقَ لَا نَسُدُّ بَابَهُ وَهُوَ مَفْتُوحٌ فَأُضِيفَ إلَيْهِ وَإِنْ غَابَ عَنْ بَصَرِهِ مَعَ الصَّيْدِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي حَقِّ ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فَكَانَ مُضَافًا إلَى الْكَلْبِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي فِعْلِهِ وَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْ الْمُرْسِلِ فَلَا يُضَافُ فِعْلُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَرْسَلَ دَابَّةً فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَمَا أَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا فَالْمُرْسِلُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهِ مَا دَامَتْ تَسِيرُ عَلَى سُنَّتِهَا، وَلَوْ انْعَطَفَتْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً انْقَطَعَ حُكْمُ الْإِرْسَالِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ سِوَاهُ، وَكَذَا إذَا وَقَفَتْ، ثُمَّ سَارَتْ أَيْ يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْإِرْسَالِ بِالْوَقْفَةِ أَيْضًا كَمَا يَنْقَطِعُ بِالْعَطْفَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ الْكَلْبُ بَعْدَ الْإِرْسَالِ فِي الِاصْطِيَادِ، ثُمَّ سَارَ فَأَخَذَ الصَّيْدَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْوَقْفَةَ تُحَقِّقُ مَقْصُودَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا رَبَطَ وَالْإِبِلُ وَاقِفَةٌ) أَيْ ثُمَّ قَادَ صَاحِبُ الْقِطَارِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالرَّبْطِ أَوَّلًا اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً إلَخْ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يُرْسِلُ الْبَهِيمَةَ وَيَكُونُ سَائِقًا لَهَا فَتُصِيبُ فِي فَوْرِهَا قَالَ هُوَ ضَامِنٌ، وَقَالَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا فِي رَجُلٍ أَرْسَلَ طَائِرًا فَأَصَابَ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الَّذِي يُرْسِلُ كَلْبَهُ وَلَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ فَأَصَابَ فِي فَوْرِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ أَرَادَ بِالْبَهِيمَةِ الْكَلْبَ وَأَرَادَ بِكَوْنِهِ سَائِقًا أَنْ يَكُونَ خَلْفَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهِ مَا دَامَتْ تَسِيرُ عَلَى سُنَنِهَا) قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَعِنْدَ مَالِكٍ فِعْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَقَدْ مَرَّ. اهـ. مِعْرَاجٌ

[باب جناية المملوك والجناية عليه]

الْمُرْسِلِ؛ لِأَنَّهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الصَّيْدِ وَهَذِهِ تُنَافِي مَقْصُودَ الْمُرْسِلِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ السَّيْرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ حُكْمُ الْإِرْسَالِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ نَفْسًا أَوْ مَالًا فِي فَوْرِهِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ مِنْ إرْسَالِهِ وَفِي إرْسَالِ الْبَهِيمَةِ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ شَغْلَ الطَّرِيقِ تَعَدٍّ فَيَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، وَأَمَّا الْإِرْسَالُ لِلِاصْطِيَادِ فَمُبَاحٌ وَلَا تَسْبِيبَ بِوَصْفِ التَّعَدِّي كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَذَكَرَ قَاضِيخَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً وَكَانَ سَائِقًا لَهَا ضَمِنَ مَا أَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا، وَكَذَا أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ وَكَانَ سَائِقًا لَهُ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَا لَوْ أَشْلَى كَلْبَهُ عَلَى رَجُلٍ فَعَقَرَهُ أَوْ مَزَّقَ ثِيَابَهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَسُوقَهُ، وَقِيلَ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ وَهُوَ لَا يَمْشِي خَلْفَهُ فَعَقَرَ إنْسَانًا أَوْ أَتْلَفَ غَيْرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَلَّمِ يَذْهَبُ بِطَبْعِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ مُعَلَّمًا ضَمِنَ إنْ مَرَّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرْسَلَهُ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِإِرْسَالِ صَاحِبِهِ، أَمَّا إذَا أَخَذَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَالَ عَنْ سُنَنِ الْإِرْسَالِ انْقَطَعَ حُكْمُ الْإِرْسَالِ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ قَالُوا هَذَا فِي الْبَهِيمَةِ، وَأَمَّا فِي الْكَلْبِ فَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ ذَهَبَ عَلَى سُنَنِ الْإِرْسَالِ إلَّا إذَا كَانَ خَلْفَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهَا دُونَ الْكَلْبِ عَادَةً، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ كَلْبٌ عَقُورٌ يُؤْذِي مَنْ مَرَّ بِهِ فَلِأَهْلِ الْبَلَدِ أَنْ يَقْتُلُوهُ وَإِنْ أَتْلَفَ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ الضَّمَانُ إنْ كَانَ تَقَدَّمَ إلَيْهِ قَبْلَ الْإِتْلَافِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْحَائِطِ الْمَائِلِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا طَرَحَ رَجُلًا قُدَّامَ سَبُعٍ فَقَتَلَهُ السَّبُعُ، فَلَيْسَ عَلَى الطَّارِحِ شَيْءٌ إلَّا التَّعْزِيرُ وَالْحَبْسُ حَتَّى يَتُوبَ، وَأَمَّا انْفِلَاتُ الْبَهِيمَةِ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» أَيْ فِعْلُ الْعَجْمَاءِ هَدَرٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هِيَ الْمُنْفَلِتَةُ، وَهَذَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْكُوبَةَ وَالْمَسُوقَةَ وَالْمَقُودَةَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ الْمُرْسَلَةِ فِي الطَّرِيقِ فِعْلُهَا مُعْتَبَرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ مُقْتَصِرٌ عَلَيْهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَى صَاحِبِهَا لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ النِّسْبَةَ إلَيْهِ مِنْ الرُّكُوبِ وَأَخَوَاتِهِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي فَقْءِ عَيْنِ شَاةِ الْقَصَّابِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشَّاةِ اللَّحْمُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا إلَّا النُّقْصَانُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي عَيْنِ بَدَنَةِ الْجَزَّارِ وَالْحِمَارِ وَالْفَرَسِ رُبُعُ الْقِيمَةِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا النُّقْصَانُ أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالشَّاةِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبُعِ الْقِيمَةِ» وَهَكَذَا قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا؛ وَلِأَنَّ فِيهَا مَقَاصِدَ سِوَى اللَّحْمِ كَالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَالْحَمْلِ وَالْعَمَلِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْبِهُ الْآدَمِيَّ، وَقَدْ تَمَسَّكَ لِغَيْرِهِ كَالْأَكْلِ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْبِهُ الْمَأْكُولَاتِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِشَبَهِ الْآدَمِيِّ فِي إيجَابِ الرُّبُعِ وَبِالشَّبَهِ الْآخَرِ فِي نَفْيِ النِّصْفِ؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَا الْمُسْتَعْمِلِ لَهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا ذَاتُ أَعْيُنٍ أَرْبَعٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ فَقَأَ عَيْنَيْهَا فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَى الْفَاقِئِ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ كَامِلَةً وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّ الْمَعْمُولَ بِهِ النَّصُّ وَهُوَ وَرَدَ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ) اخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ قِيلَ مُوجِبُهَا الْأَرْشُ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ مُطْلَقَةٌ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَّا أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ بِالدَّفْعِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ، وَقِيلَ الدَّفْعُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ بِالْفِدَاءِ وَلِهَذَا يُبَرَّأُ الْمَوْلَى بِهَلَاكِهِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ غَيْرَهُ لَمَا بَرِئَ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ وَلِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ الدَّفْعُ لَا الْفِدَاءُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (جِنَايَاتُ الْمَمْلُوكِ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعًا وَاحِدًا لَوْ مَحَلًّا لَهُ وَإِلَّا فَقِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعَ رَقَبَتِهِ إذَا كَانَ مَحَلًّا لِلدَّفْعِ بِأَنْ كَانَ قِنًّا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ كَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالْكِتَابَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعَ رَقَبَتِهِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ مُوجِبَةً لِلْمَالِ وَإِلَّا فَقِيمَةٌ وَاحِدَةٌ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلدَّفْعِ بِأَنْ انْعَقَدَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا تُوجِبُ جِنَايَتُهُ قِيمَةً وَاحِدَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَلَا تَسْبِيبَ بِوَصْفِ التَّعَدِّي) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَفِي فَقْءِ عَيْنِ شَاةِ الْقَصَّابِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَرْذَوِيِّ مُحَمَّدٍ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَاةِ الْقَصَّابِ وَبَقَرَةِ الْجَزَّارِ وَجَزُورِ الْجَزَّارِ يَفْقَأُ عَيْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قَالَ فِي الشَّاةِ مَا نَقَصَهَا وَفِي الْبَقَرَةِ رُبْعُ قِيمَتِهَا وَفِي الْبَعِيرِ رُبْعُ قِيمَتِهِ وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْكُلَّ وَإِنْ كُنَّ لِلَّحْمِ فَإِنَّ الْجَوَابَ مَعَ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ وَالْفَرَسُ وَالْحِمَارُ وَالْبَغْلُ مِثْلُ الْبَقَرِ وَالْبَعِيرِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْجَوَابُ وَالْفَتْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَفَعَهُ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّاةَ لَا تَعْمَلُ، بَلْ يُنْتَفَعُ بِهَا كَمَا يُنْتَفَعُ بِالْأَمَةِ فَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ فَأَمَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْبَهَائِمِ فَإِنَّهَا عَامِلَةٌ كَبَنِي آدَمَ لَكِنَّهَا لَا تَعْمَلُ إلَّا بِغَيْرِهَا فَأَشْبَهَ الْإِنْسَانَ مِنْ وَجْهٍ وَالشَّاةَ مِنْ وَجْهٍ فَوَجَبَ تَنْصِيفُ التَّقْدِيرِ الْوَاجِبِ فِي الْإِنْسَانِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ؛ وَلِأَنَّهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تَعْمَلُ إلَّا بِأَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَا مَنْ يَسْتَعْمِلُهَا فَصَارَ لِعَيْنِهَا حُكْمُ الرُّبْعِ وَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَكَذَا قَضَى عُمَرُ أَيْضًا) فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِهَذِهِ الْآثَارِ فِي الْجَزُورِ وَأَخَذْنَا بِالْقِيَاسِ فِي الشَّاةِ. اهـ. غَايَةٌ. [بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ] (بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ). لَمَّا فَرَغَ مِنْ جِنَايَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْحُرُّ شَرَعَ فِي جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَأَخَّرَ ذِكْرَهَا لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْمَمْلُوكِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الدَّفْعُ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَإِنْ تَكَرَّرَتْ الْجِنَايَةُ وَفِي الْقِنِّ إذَا جَنَى بَعْدَ الْفِدَاءِ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ كَالْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَكَذَا كُلَّمَا جَنَى بَعْدَ الْفِدَاءِ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُخْتَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (جَنَى عَبْدُهُ خَطَأً دَفَعَهُ بِالْجِنَايَةِ فَيَمْلِكُهُ أَوْ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا) أَيْ إذَا جَنَى الْعَبْدُ خَطَأً فَمَوْلَاهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، فَإِذَا دَفَعَهُ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا، وَقَوْلُهُ خَطَأً يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ الْعَمْدِ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ إنَّمَا يُفِيدُ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ عَمْدًا تُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَطْرَافِ لَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِهِ إذْ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهَا بَيْنَ الْعَبِيدِ وَلَا بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جِنَايَةُ الْعَبْدِ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى الْأَرْشَ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي إتْبَاعِ الْجَانِي عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا لَا يَتْبَعُ لَا فِي حَالَةِ الرِّقِّ وَلَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ مَذْهَبِنَا، وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِثْلُ مَذْهَبِهِ لَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي مُوجِبِ الْجِنَايَةِ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَدِّي. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] إلَّا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ عَنْهُ وَلَا عَاقِلَةَ لِلْعَبْدِ فَيَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا فِي الذِّمِّيِّ وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَيُبَاعُ فِيهِ كَمَا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النُّفُوسِ نَفْسُ الْجَانِي إذَا أَمْكَنَ إلَّا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّفْسِ قَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْإِتْلَافِ عُقُوبَةً، وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ التَّمَلُّكِ جَبْرًا وَالْحُرُّ مَنْ أُهِّلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ نَفْسَهُ عُقُوبَةً لَا بِطَرِيقِ التَّمَلُّكِ وَالْعَبْدُ مَنْ أُهِّلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ نَفْسَهُ بِالطَّرِيقَيْنِ فَتَصِيرُ نَفْسُهُ مُسْتَحَقَّةً لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ صِيَانَةً عَنْ الْهَدَرِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ، فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، بَلْ مَقْصُودُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ يَحْصُلُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ إتْلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ نَفْسَ الْجَانِي أَبَدًا؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مُوجِبِ الْجِنَايَةِ خَطَأً أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنْ الْجَانِي لِكَوْنِهِ مَعْذُورًا وَلِكَوْنِ الْخَطَأِ مَرْفُوعًا شَرْعًا وَيَتَعَلَّقُ بِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ تَخْفِيفًا عَنْ الْمُخْطِئِ وَتَوَقِّيًا عَنْ الْإِجْحَافِ بِهِ إلَّا أَنَّ عَاقِلَةَ الْعَبْدِ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَنْصِرُ بِهِ وَبِاعْتِبَارِ النُّصْرَةِ تَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ حَتَّى تَجِبَ الدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ فَيَجِبُ ضَمَانُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَنَاصَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا عَاقِلَةَ لَهُمْ فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدَرِ وَبِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ وَفِي إثْبَاتِ الْخِيَرَةِ نَوْعُ تَخْفِيفٍ فِي حَقِّهِ كَيْ لَا يُسْتَأْصَلَ فَيُخَيَّرَ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ مُفِيدٌ وَالْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الدَّفْعُ فِي الصَّحِيحِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ الْجَانِي قَبْلَ الِاخْتِيَارِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْلِ إلَى الْفِدَاءِ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ وَلَهُ النَّقْلُ إلَى الْقِيمَةِ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْجَانِي الْحُرِّ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الْمُوجِبُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوَاجِبُ اسْتِيفَاءً فَصَارَ كَالْعَبْدِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَإِذَا اخْتَارَ الدَّفْعَ يَلْزَمُهُ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ وَلَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ فِي الْأَعْيَانِ، وَكَذَا إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ يَجِبُ عَلَيْهِ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْعَيْنِ وَهُوَ الْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُتْلِفُ وَلِهَذَا سُمِّيَ فِدَاءً وَأَيُّهُمَا اخْتَارَ الْمَوْلَى وَفَعَلَهُ فَلَا شَيْءَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ غَيْرُهُ، أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، فَإِذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّقَبَةِ سَقَطَ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ عَنْهُ، وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا الْأَرْشُ، فَإِذَا أَوْفَاهُ حَقَّهُ سَلَّمَ الْعَبْدَ لَهُ، وَكَذَا إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يَفْعَلْ أَوْ فَعَلَ وَلَمْ يَخْتَرْهُ قَوْلًا سَقَطَ حَقُّ الْوَلِيِّ فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْيِينُ الْمَحَلِّ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَالتَّعْيِينُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ حَيْثُ لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْفِعْلُ وَالْمَحَلُّ تَابِعٌ ضَرُورَةَ وُجُودِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى قَادِرًا عَلَى الْأَرْشِ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَ أَصْلَ حَقِّهِمْ فَبَطَلَ حَقُّهُمْ فِي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّعْيِينِ لِلْمَوْلَى لَا لِلْأَوْلِيَاءِ، وَقَالَا لَا يَصِحُّ اخْتِيَارُهُ الْفِدَاءَ إذَا كَانَ مُفْلِسًا إلَّا بِرِضَا الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ حَقًّا لِلْأَوْلِيَاءِ حَتَّى يَضْمَنَهُ الْمَوْلَى بِالْإِتْلَافِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ أَوْ بِوُصُولِ الْبَدَلِ إلَيْهِمْ وَهُوَ الدِّيَةُ وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حَقِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي إتْبَاعِ الْجَانِي) أَيْ بَعْدَ الْعِتْقِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْوَاجِبَ) أَيْ الْأَصْلِيَّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ) أَيْ الْمَالِكِ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَى الْقِيمَةِ) وَالْأَدَاءُ مِنْ مَالِ الْآخَرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا اخْتَارَ) أَيْ الْمَوْلَى اهـ

بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ حَيْثُ لَمْ يُبَرَّأْ الْمَوْلَى لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى ذِمَّتِهِ، وَلَوْ فَدَاهُ الْمَوْلَى، ثُمَّ عَادَ فَجَنَى كَانَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ كَحُكْمِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَهُرَ عَنْ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِالْفِدَاءِ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ مِنْ قَبْلُ وَهَذِهِ ابْتِدَاءُ جِنَايَةٍ، وَلَوْ جَنَى قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ فِي الْأُولَى شَيْئًا أَوْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ جِنَايَاتٍ قِيلَ لِمَوْلَاهُ إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ بِالْكُلِّ أَوْ تَفْدِيَهُ بِأَرْشِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الثَّانِيَةِ بِهَا كَالدُّيُونِ الْمُتَلَاحِقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الْجِنَايَةِ فَحَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْلَى أَنْ لَا يُمْنَعَ بِخِلَافِ الرَّهْنِ حَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ حُكْمًا فَصَارَ كَالِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً، وَأَمَّا الْجِنَايَةُ، فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا تَعَلُّقُ الْحَقِّ لِوَلِيِّ الْأُولَى وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ حَقٍّ آخَرَ بِهِ، ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِمْ اقْتَسَمُوهُ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ وَحَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَ مِنْ بَعْضِهِمْ وَيَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ صَارَتْ مُخْتَلِفَةً بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا وَهِيَ الْجِنَايَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ وَاحِدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ أَوْ أَوْلِيَاءُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ مِنْ الْبَعْضِ وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ إلَى الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ مُتَّحِدٌ لِاتِّحَادِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْجِنَايَةُ الْمُتَّحِدَةُ، وَكَذَا الْمُسْتَحَقُّ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَجِبُ لِلْمَقْتُولِ، ثُمَّ لِلْوَارِثِ خِلَافَةٌ فَلَا يَمْلِكُ التَّفْرِيقَ فِي مُوجِبِهَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَعْتَقَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ، وَلَوْ عَالِمًا بِهَا لَزِمَهُ الْأَرْشُ كَبَيْعِهِ وَتَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِقَتْلِ فُلَانٍ وَرَمْيِهِ وَشَجِّهِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ) مَعْنَاهُ إذَا جَنَى عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى أَحْدَثَ فِيهِ تَصَرُّفًا يُعْجِزُهُ عَنْ الدَّفْعِ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَإِلَّا فَلَا، فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ جِئْنَا إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ إلَخْ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ فَوَّتَ حَقَّهُ فِي أَقَلِّهِمَا فَيَضْمَنُهُ وَلَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِهَذَا الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ بِدُونِ الْعِلْمِ لَا يَتَحَقَّقُ وَفِي الثَّانِي صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَمْنَعُهُ مِنْ الدَّفْعِ فَالْأَقْدَامُ عَلَيْهِ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْفِدَاءِ وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا وَإِنْ بَاعَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَبَيْعِهِ يَعْنِي كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْهِبَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُمْنَعُ مِنْ الدَّفْعِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَالتَّمْلِيكِ بِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ بِالْعَبْدِ الْجَانِي عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ مُخَاطَبٌ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ وَإِنَّمَا هُوَ إظْهَارُ الْحَقِّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا بِذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لَا يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ وَتَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَمْ تَنْدَفِعْ فَيُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تَفْدِيَةَ أَوْ تَدْفَعَهُ فَإِنْ فَدَاهُ صَارَ مُتَطَوِّعًا بِالْفِدَاءِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ إذَا حَضَرَ وَصَدَّقَهُ أَنَّهُ لَهُ وَإِنْ دَفَعَهُ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْخِيَارِ إذَا حَضَرَ إنْ شَاءَ أَجَازَ دَفْعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ وَأَلْحَقَهُ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالتَّمْلِيكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُقِرِّ ظَاهِرًا فَيَسْتَحِقُّهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْإِقْرَارِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ أَوْ فِي الْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مُوجِبٌ لِلدَّفْعِ فَلَا يَخْتَلِفُ، وَكَذَا لَا فَرْقَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَاتًّا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِيَارُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُزِيلُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، ثُمَّ نَقَضَهُ أَوْ الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَزُلْ بِهِ وَلَا يُقَالُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْإِجَازَةِ بِهِ فَوَجَبَ هُنَا أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي مُخْتَارًا لَلَزِمَ مِنْهُ بَيْعُ مِلْكِ غَيْرِهِ وَهُنَا لَا يَلْزَمُ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْبَيْعِ الْغَرَرِ وَهُنَا لَا يَلْزَمُ، وَلَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ حَتَّى يُسَلِّمَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَزُولُ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ حَيْثُ يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَفَكِّ الْحَجْرِ عَنْ الْعَبْدِ فِي الْحَالِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِنَفْسِ الْكِتَابَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ صَحِيحَةً، ثُمَّ عَجَزَ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِالْجِنَايَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَبَعْدَهَا لَا يَدْفَعُهُ لِتَقَرُّرِ الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ بَاعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرُ الْمُرْتَهِنِ اهـ.

مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَانَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ وَإِعْتَاقُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِ الْمَوْلَى فِيمَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ فِيهِ يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ، وَلَوْ ضَرَبَهُ فَنَقَصَهُ كَانَ مُخْتَارًا بَعْدَ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ جُزْءًا مِنْهُ إلَّا إذَا زَالَ النُّقْصَانُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ الدَّفْعِ قَبْلَ تَقَرُّرِ الْقِيمَةِ وَبِوَطْءِ الْبِكْرِ يَكُونُ مُخْتَارًا بِخِلَافِ وَطْءِ الثَّيِّبِ مِنْ غَيْرِ إعْلَاقٍ وَالتَّزْوِيجِ وَالِاسْتِخْدَامِ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ تَعْيِيبٌ حُكْمِيٌّ إذْ لَا يُعْجِزُهُ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ إمْسَاكُ شَيْءٍ مِنْهُ وَالِاسْتِخْدَامُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَطَعَنَ عِيسَى فِي التَّزْوِيجِ فَقَالَ إنَّهُ تَعْيِيبٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا بِهِ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا وَفِي الْوَطْءِ خِلَافُ زُفَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُهُ أَنَّهُ دَلِيلُ الْإِمْسَاكِ فَصَارَ كَوَطْءِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ قُلْنَا لَوْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلُ الْإِمْسَاكِ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَكَانَ وَاطِئًا مِلْكَ غَيْرِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا، ثُمَّ يَدْفَعَهَا بِالْجِنَايَةِ إذْ لَا يَتَبَيَّنُ بِالدَّفْعِ أَنَّ الْوَطْءَ وَقَعَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ بِزَوَائِدِهِ، وَمَنْ لَهُ الْخِيَارُ يَسْتَحِقُّهُ بِزَوَائِدِهِ وَيَصِيرُ مُخْتَارًا بِالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُمَا لَازِمَانِ، فَيَكُونُ مُحْدِثًا فِيهِ مَا يُعْجِزُهُ عَنْ الدَّفْعِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِهِمَا لِلْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْجِزْهُ عَنْ الدَّفْعِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ وَالرَّهْنَ لِحَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِ الْعَبْدِ سَابِقًا عَلَى حَقِّهِمَا فَيُفْسَخَانِ صَوْنًا لِحَقِّهِ عَنْ الْبُطْلَانِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الْمَوْلَى بِجِهَةِ الْمِلْكِ فَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي مِلْكٌ صَحِيحٌ وَالْمِلْكُ أَقْوَى مِنْ الْحَقِّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِهِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ تَعَلَّقَا بِالْعَيْنِ فَيُرَجَّحُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالسَّبْقِ، وَكَذَا لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ رَكِبَهُ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يُفَوِّتُ الدَّفْعَ وَلَا يُنْقِصُ الرَّقَبَةَ إلَّا أَنَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى بَعْدَمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ فَيَلْزَمُ الْمَوْلَى قِيمَتُهُ، وَلَوْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَعَلِمَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ صَارَ مُخْتَارًا فِيمَا عَلِمَ وَفِيمَا لَمْ يَعْلَمْ يَلْزَمُهُ حِصَّتُهُ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ قَتَلْت فُلَانًا أَوْ رَمَيْته أَوْ شَجَجْته فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ إنْ فَعَلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَبَيْعِهِ وَتَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِقَتْلِ فُلَانٍ وَرَمْيِهِ وَشَجِّهِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَيْ كَمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِبَيْعِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا وَبِتَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْقَتْلِ وَالرَّمْيِ وَالشَّجِّ يَصِيرُ مُخْتَارًا بِالْإِعْتَاقِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِالتَّعْلِيقِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ أَوَانَ تَكَلُّمَهُ بِهِ لَا جِنَايَةَ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا عِلْمَ لِلْمَوْلَى بِمَا سَيُوجَدُ بَعْدُ وَبَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ بِالشَّرْطِ، ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ أَوْ لَا يُعْتِقَ، ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَثَبَتَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ فِي يَمِينِهِ تِلْكَ فَكَذَا هَذَا وَلَنَا أَنَّهُ عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ بِالْجِنَايَةِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك يَصِيرُ ابْتِدَاءُ الْإِيلَاءِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا إذَا مَرِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَرِضَ حَتَّى طَلُقَتْ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ يَصِيرُ فَارًّا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُطَلِّقًا بَعْدَ وُجُودِ الْمَرَضِ بِخِلَافِ مَا أَوْرَدَهُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ طَلَاقٌ أَوْ إعْتَاقٌ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ إذْ الْيَمِينُ لِلْمَنْعِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ حَرَّضَهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ بِتَعْلِيقِ أَقْوَى الدَّوَاعِي إلَى الْقَتْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ، وَهَذَا دَلَالَةُ الِاخْتِيَارِ هَذَا إذَا عَلَّقَهُ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ كَالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ وَإِنْ عَلَّقَهُ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَنْ قَالَ لَهُ إنْ ضَرَبْته بِالسَّيْفِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فِي الْقِصَاصِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُفَوِّتًا حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِالْعِتْقِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ عَمْدًا وَدَفَعَ إلَيْهِ فَحَرَّرَهُ فَمَاتَ مِنْ الْيَدِ فَالْعَبْدُ صُلْحٌ بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ لَمْ يُحَرِّرْهُ رُدَّ عَلَى سَيِّدِهِ وَيُقَادُ)؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ وَسَرَى ظَهَرَ أَنَّ الصُّلْحَ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ الْعَبْدُ عَنْ دِيَةِ الْيَدِ إذْ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي الْأَطْرَافِ وَبِالسِّرَايَةِ ظَهَرَ أَنَّ دِيَةَ الْيَدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقَوَدُ فَصَارَ الصُّلْحُ بَاطِلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُصَالَحٍ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ الْمَالُ وَلَمْ يُوجَدْ فَبَطَلَ الصُّلْحُ وَالْبَاطِلُ لَا يُورِثُ شُبْهَةً كَمَا لَوْ وَطِئَ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا فِي عِدَّتِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ فَكَذَا هَذَا فَوَجَبَ الْقِصَاصُ، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ فَقَدْ قَصَدَ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَقْصِدُ تَصْحِيحَ تَصَرُّفِهِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِالصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ابْتِدَاءً وَلِهَذَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ وَرَضِيَ بِهِ جَازَ فَكَانَ مُصَالِحًا عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ابْتِدَاءً عَلَى الْعَبْدِ مُقْتَضَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَالْمَوْلَى أَيْضًا مُصَالِحٌ مَعَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ رَاضٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِكَوْنِ الْعَبْدِ عِوَضًا عَنْ الْقَلِيلِ كَانَ أَرْضَى بِكَوْنِهِ عِوَضًا عَنْ الْكَثِيرِ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ صَحَّ الصُّلْحُ فِي ضِمْنِ الْإِعْتَاقِ ابْتِدَاءً، وَإِذَا لَمْ يُعْتِقْهُ لَمْ يُوجَدْ الصُّلْحُ ابْتِدَاءً وَالصُّلْحُ الْأَوَّلُ وَقَعَ بَاطِلًا فَيُرَدُّ الْعَبْدُ إلَى الْمَوْلَى وَالْأَوْلِيَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَصَالَحَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ عَلَى عَبْدٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَأَعْتَقَهُ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالْعَبْدُ صُلْحٌ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ رُدَّ عَلَى مَوْلَاهُ، وَقِيلَ لِلْأَوْلِيَاءِ إمَّا أَنْ تَقْتُلُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ فَاتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالْعِلَّةُ وَاخْتَلَفَا صُورَةً، ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ تَرُدُّ إشْكَالًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا إذَا عُفِيَ عَنْ الْيَدِ، ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ حَيْثُ يَبْطُلُ الْعَفْوُ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ هُنَالِكَ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْتِقْ الْعَبْدَ وَإِنْ أَعْتَقَهُ فَالصُّلْحُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ فَالْجَوَابُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ فَقَدْ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ جَوَابُ الْقِيَاسِ وَمَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَفْوِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، فَيَكُونَانِ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْجِنَايَةِ عَلَى مَالٍ يُقَرِّرُ الْجِنَايَةَ وَلَا يُبْطِلُهَا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْجِنَايَةِ اسْتِيفَاءٌ لِلْجِنَايَةِ مَعْنًى لِاسْتِيفَاءِ بَدَلِهَا، وَإِذَا بَقِيَتْ الْجِنَايَةُ يَتَوَفَّرُ عَلَيْهِ عُقُوبَتُهَا وَهُوَ الْقِصَاصُ، وَأَمَّا الْعَفْوُ فَهُوَ مُعْدِمٌ لِلْجِنَايَةِ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ وَإِنْ بَطَلَ بِالسِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ لَكِنْ بَقِيَتْ شُبْهَةٌ لِوُجُودِ صُورَةِ الْعَفْوِ وَهِيَ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحَدِّ، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ فَجَوَابُهُ هُوَ الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْعِتْقَ يُجْعَلُ صُلْحًا ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الْعَفْوِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا أَيْضًا يَرِدُ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَجْعَلَانِ الْعَفْوَ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوًا عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ وَفِي الصُّلْحِ لَمْ يَجْعَلَا كَذَلِكَ، بَلْ أَوْجَبَا الْقِصَاصَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ وَجَعَلَاهُ صُلْحًا مُبْتَدَأً إذَا أَعْتَقَهُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (جَنَى مَأْذُونٌ لَهُ مَدْيُونٌ خَطَأً فَحَرَّرَهُ سَيِّدُهُ بِلَا عِلْمٍ عَلَيْهِ قِيمَةً لِرَبِّ الدَّيْنِ وَقِيمَةً لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ)؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِكُلِّ الْقِيمَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ الدَّفْعُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَالْبَيْعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ إيفَاءً مِنْ الرَّقَبَةِ الْوَاحِدَةِ بِأَنْ يُدْفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ يُبَاعَ لِلْغُرَمَاءِ فَيَضْمَنُهُمَا بِالتَّفْوِيتِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْمَوْلَى بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا يَظْهَرُ حَقُّ الْفَرِيقَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مِلْكِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْمِلْكِ فَصَارَ كَأَنْ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ، ثُمَّ الْغَرِيمُ أَحَقُّ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا مَالِيَّةُ الْعَبْدِ وَالْغَرِيمُ مُقَدَّمٌ فِي الْمَالِيَّةِ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ، ثُمَّ يُبَاعَ لِلْغَرِيمِ فَكَانَ مُقَدَّمًا مَعْنًى وَالْقِيمَةُ هِيَ الْمَعْنَى فَتُسَلَّمُ إلَيْهِ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ كَانَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فَيَظْهَرَانِ فَيَضْمَنُهُمَا وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى جِنَايَةً وَعَلَيْهِ دَيْنٌ خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَالْفِدَاءِ فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ دُفِعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، ثُمَّ بِيعَ فِي الدَّيْنِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَهُوَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنَّمَا بُدِئَ بِالدَّفْعِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ بَيْعُهُ بَعْدَ الدَّفْعِ، وَلَوْ بُدِئَ بِبَيْعِهِ فِي الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي جِنَايَةٌ وَلَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي الدَّفْعِ إذَا كَانَ يُبَاعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ فَائِدَتُهُ ثُبُوتُ اسْتِخْلَاصِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الِاسْتِخْلَاصِ وَلِلْإِنْسَانِ أَغْرَاضٌ فِي الْعَيْنِ، فَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الدَّفْعُ فَلَوْ أَنَّ الْمَوْلَى دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي وَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِوُجُودِ التَّمْلِيكِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ، وَلَوْ دَفَعَهُ إلَى أَصْحَابِ الدُّيُونِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ بِالْجِنَايَةِ أَوَّلًا، وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ بَاعَهُ فِي الدَّيْنِ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ حَضَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: الدَّفْعُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ) يَعْنِي أَتْلَفَ الدَّفْعَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَأَتْلَفَ الْبَيْعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يَفْضُلْ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ سَقَطَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ فِيمَا فَعَلَ، وَلَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ وَدُفِعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لَاحْتِيجَ إلَى بَيْعِهِ ثَانِيًا لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا فَائِدَةَ فِي الْفَسْخِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَأْذُونَةٌ مَدْيُونَةٌ وَلَدَتْ بِيعَتْ مَعَ وَلَدِهَا لِلدَّيْنِ وَإِنْ جَنَتْ فَوَلَدَتْ لَمْ يُدْفَعْ الْوَلَدُ لَهُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهَا وَهُوَ وَصْفٌ لَهَا حُكْمِيٌّ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةَ الثَّابِتَةَ فِي الْأَصْلِ تَسْرِي إلَى الْفَرْعِ كَالْمِلْكِ وَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَأَمَّا الدَّفْعُ بِالْجِنَايَةِ فَوَاجِبٌ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى لَا فِي ذِمَّتِهَا وَإِنَّمَا يُلَاقِيهَا أَثَرُ الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الدَّفْعُ فَقَبْلَ الدَّفْعِ كَانَتْ رَقَبَتُهَا خَالِيَةً عَنْ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَلِذَلِكَ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ عَلَى الْأَوْلَادِ وَلَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُمَا فِعْلَانِ مَحْسُوسَانِ كَالدَّفْعِ وَلَا تَبَعِيَّةَ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهَا فَلِمَاذَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى إذْ أَعْتَقَهَا وَالْإِنْسَانُ إذَا أَتْلَفَ الْمَدْيُونَ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا قُلْنَا وُجُوبُ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ اسْتِيفَاءٌ لَا بِاعْتِبَارِ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ لَا غَيْرُ، وَلَوْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ لَضَمِنَ كُلَّ الدَّيْنِ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ وَلِهَذَا يَتْبَعُ الْغَرِيمُ بِالْفَاضِلِ الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى لَمَّا اتَّبَعَ كَالْعَبْدِ الْجَانِي وَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا وُجُوبُ دَفْعِ الْأَرْشِ مَعَهَا إذَا جَنَى عَلَيْهَا قَبْلَ الدَّفْعِ وَأَخَذَ الْمَوْلَى الْأَرْشَ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلُ جُزْئِهَا وَحَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، فَإِذَا فَاتَ جُزْءٌ مِنْهَا وَأَخْلَفَ بَدَلًا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ كَمَا إذَا قُتِلَتْ وَأَخْلَفَتْ بَدَلًا اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ بِخِلَافِ الْوَلَدِ، وَقَوْلُهُ مَأْذُونَةٌ مَدْيُونَةٌ وَلَدَتْ شَرْطٌ لِلسِّرَايَةِ إلَى الْوَلَدِ أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ، ثُمَّ لَحِقَهَا الدَّيْنُ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْوَلَدِ بِخِلَافِ الْأَكْسَابِ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَا كَسَبَتْ قَبْلَ الدَّيْنِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ لَهَا يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي الْكَسْبِ حَتَّى لَوْ نَازَعَهَا أَحَدٌ فِيهِ كَانَتْ هِيَ الْخَصْمَ فِيهِ فَبِاعْتِبَارِ الْيَدِ كَانَتْ هِيَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَيِّدِهَا لِقَضَاءِ دَيْنِهَا بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ إنَّمَا اُسْتُحِقَّ بِالسِّرَايَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لَا بَعْدَهُ كَوَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَكَوَلَدِ الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ مُسْتَقِرَّةٌ فِي الرَّقَبَةِ حَتَّى صَارَ صَاحِبُهَا مَمْنُوعًا عَنْ التَّصَرُّفِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ زَعَمَ رَجُلٌ أَنَّ سَيِّدَهُ حَرَّرَهُ فَقَتَلَ وَلِيَّهُ خَطَأً لَا شَيْءَ لَهُ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ فَزَعَمَ رَجُلٌ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَتَلَ الْعَبْدُ خَطَأً وَلِيَّ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي زَعَمَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعَ الْعَبْدِ وَلَا الْفِدَاءِ بِالْأَرْشِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ عَلَيْهِمَا وَعَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ فَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيَسْقُطُ الدَّفْعُ وَالْفِدَاءُ عَنْ الْمَوْلَى وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً، ثُمَّ أَقَرَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ حُرٌّ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَجَعَلَ فِي الْكِتَابِ الْإِقْرَارَ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَهُمَا لَا يَتَفَاوَتَانِ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَعْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالدَّفْعِ، وَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِحُرِّيَّتِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ وَصَارَ نَظِيرَ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا، ثُمَّ أَقَرَّ بِتَحْرِيرِ مَوْلَاهُ قَبْلَ الْبَيْعِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ مُعْتَقٌ لِرَجُلٍ قَتَلْت أَخَاك خَطَأً وَأَنَا عَبْدٌ، وَقَالَ الرَّجُلُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ) مَعْنَاهُ إذَا عَتَقَ الْعَبْدُ، ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ بَعْدَ الْعِتْقِ قَتَلْت أَخَاك خَطَأً وَأَنَا عَبْدٌ، وَقَالَ الرَّجُلُ، بَلْ قَتَلْته وَأَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ لِمَا أَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ رِقُّهُ مَعْرُوفًا وَالْوُجُوبُ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعًا أَوْ فِدَاءً فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ طَلَّقْت امْرَأَتِي وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ بِعْت دَارِي وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ قَالَ طَلَّقْت امْرَأَتِي وَأَنَا مَجْنُونٌ، وَقَدْ كَانَ جُنُونُهُ مَعْرُوفًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِمَا ذَكَرْنَا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ لَهَا قَطَعْت يَدَك وَأَنْتِ أَمَتِي، وَقَالَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَكَذَا كُلُّ مَا أَخَذَ مِنْهَا إلَّا الْجِمَاعَ وَالْغَلَّةَ) مَعْنَاهُ إذَا أَعْتَقَ رَجُلٌ جَارِيَةً، ثُمَّ قَالَ لَهَا قَطَعْت يَدَك وَأَنْتِ أَمَتِي فَقَالَتْ هِيَ بَلْ قَطَعْتهَا وَأَنَا حُرَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَكَذَا الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي كُلِّ مَا أَخَذَ مِنْهَا إلَّا الْجِمَاعَ وَالْغَلَّةَ اسْتِحْسَانًا وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَضْمَنُ إلَّا شَيْئًا قَائِمًا بِعَيْنِهِ يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُجُوبَ الضَّمَانِ لِإِسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَكَمَا فِي الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ وَفِي الْقَائِمِ أَقَرَّ بِيَدِهَا حَيْثُ اعْتَرَفَ بِالْأَخْذِ مِنْهَا، ثُمَّ ادَّعَى التَّمْلِيكَ عَلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْوَلَدِ) أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ عَنْهَا وَلَا عَنْ جُزْئِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ: دَفْعًا أَوْ فِدَاءً) وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ فِي حَالِ رَقِّهِ. اهـ.

وَهِيَ تُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَيْهَا وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَذْهَبْت ضَوْءَ عَيْنِك الْيُمْنَى وَعَيْنِي الْيُمْنَى صَحِيحَةٌ، ثُمَّ فُقِئَتْ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَا بَلْ أَذْهَبْتهَا وَعَيْنُك الْيُمْنَى مَفْقُوءَةٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ يَدَهَا إذَا قَطَعَهَا وَهِيَ مَدْيُونَةٌ بِخِلَافِ الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ الْمَدْيُونَةَ لَا يُوجِبُ الْعُقْرَ، وَكَذَا أَخْذُهُ مِنْ غَلَّتِهَا وَإِنْ كَانَتْ مَدْيُونَةً لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ فَحَصَلَ الْإِسْنَادُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فِي حَقِّهِمَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ حَرْبِيٍّ أَسْلَمَ أَخَذْت مَالَك وَأَنْتَ حَرْبِيٌّ فَقَالَ بَلْ أَخَذْته بَعْدَمَا أَسْلَمْت . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ مَحْجُورٌ أَمَرَ صَبِيًّا حُرًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ)؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ وَعَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ فَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ الْآمِرِ، وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا كَانَ الْآمِرُ لِلصَّبِيِّ صَبِيًّا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُؤَاخَذَانِ بِأَقْوَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ فِيهَا بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُهُمَا وَلَا رُجُوعَ لِعَاقِلَةِ الصَّبِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ الْآمِرِ أَبَدًا وَيَرْجِعُونَ عَلَى الْعَبْدِ الْآمِرِ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الِاعْتِبَارِ كَانَ لِحَقِّ الْمَوْلَى لَا لِنُقْصَانِ أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ، وَقَدْ زَالَ حَقُّ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَاصِرُ الْأَهْلِيَّةِ وَفِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِلْإِمَامِ الْعَتَّابِيِّ لَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْعَبْدِ أَيْضًا أَبَدًا؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ وَهُوَ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى الْعَبْدِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُهُ عَلَى الْمَوْلَى لِمَكَانِ الْحَجْرِ، وَهَذَا أَوْفَقُ لِلْقَوَاعِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالْقَتْلِ قِبَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِكَوْنِهِ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قُبَيْلَ هَذَا وَلِهَذَا لَوْ حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَهَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا تُوجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ مَاتَ فِيهَا أَلْفُ نَفْسٍ فَيَقْتَسِمُونَهَا بِالْحِصَصِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا إنْ أَمَرَ عَبْدًا) مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ عَبْدًا وَالْمَأْمُورُ أَيْضًا عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِمَا فَيُخَاطَبُ مَوْلَى الْقَاتِلِ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْآمِرِ فِي الْحَالِ وَيَرْجِعُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْفِدَاءِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً، وَكَذَا إذَا كَانَ عَمْدًا وَالْعَبْدُ الْقَاتِلُ صَغِيرًا؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ خَطَأٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا إذَا كَانَ كَبِيرًا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ، وَلَوْ أَمَرَ رَجُلٌ حُرٌّ صَبِيًّا حُرًّا فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، ثُمَّ تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُسَبِّبُ إذْ لَوْلَا أَمْرُهُ لَمَا قَتَلَ لِضَعْفٍ فِيهِ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ تَعْقِلُ عَاقِلَةُ الرَّجُلِ مَا لَزِمَ بِسَبَبِ الْقَوْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا قَوْلٌ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ وَهُوَ تَسْبِيبٌ فَتَعْقِلُهُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ فَلَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَأَيُّهُمَا اخْتَارَ يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ عَلَى الْآمِرِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ صَارَ غَاصِبًا لِلْعَبْدِ بِالْأَمْرِ كَمَا إذَا اسْتَخْدَمَهُ وَضَمَانُ الْغَصْبِ فِي مَالِهِ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لِكَوْنِ الْمَأْمُورِ حُرًّا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْغَصْبُ، فَيَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَلَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْآمِرِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَا يَأْتَمِرُ هُوَ أَيْضًا بِأَمْرِ مِثْلِهِ لَا سِيَّمَا فِي الدَّمِ وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا وَالْمَأْمُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ يُخَيَّرُ مَوْلَى الْمَأْمُورِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَأَيُّهُمَا فَعَلَ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ غَصْبٍ وَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ ضَمَانِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَمَلُّكِ الْمَضْمُونِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَالْمَأْذُونُ لَهُ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ حُرًّا حَيْثُ لَا تَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْمَأْمُورِ عَلَى الْآمِرِ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ لِعَدَمِ تَحْقِيقِ الْغَصْبِ فِي الْحُرِّ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ صَبِيًّا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ حَتَّى يَرْجِعَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ عَبْدًا لِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِيهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَمَانِ جِنَايَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ ضَمَانُ تِجَارَةٍ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ حُرًّا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْغَصْبِ فِيهِ فَصَارَ الصَّبِيُّ الْآمِرُ فِي حَقِّهِ كَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ مُكَاتَبًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فِي حَقِّهِمَا) أَيْ فِي حَقِّ الْغَلَّةِ وَالْوَطْءِ اهـ

وَالْمَأْمُورُ صَبِيٌّ حُرٌّ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ وَتَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ بِخِلَافِ الْقِنِّ فَإِنَّ حُكْمَ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا سَقَطَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَمَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ تُبَاعُ رَقَبَتُهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَ الْمَوْلَى بِدَيْنِهِمْ وَهُوَ الْقِيمَةُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَبْطُلَ حُكْمُ جِنَايَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ صَارَ قِنًّا وَأَمْرُهُ لَا يَصِحُّ وَلَكِنَّهُمَا يَقُولَانِ لَمَّا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَتَقَرَّرَ فَلَا يَسْقُطُ حَتَّى لَوْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ بَطَلَ حُكْمُ جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ جِنَايَتِهِ إنَّمَا يَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَمَا أَدَّى كُلَّ الْقِيمَةِ لَا يَبْطُلُ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَا يَسْتَرِدَّ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ، وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ، ثُمَّ عَجَزَ سُلِّمَ مَا أَدَّاهُ لَهُمْ وَبَطَلَ الْبَاقِي عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ عَبْدًا تَخَيَّرَ مَوْلَاهُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقِيمَةِ الْمَأْمُورِ إلَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ فَتَنْقُصُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بَقِيَ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا ضَمَانُ الْغَصْبِ فَفِيهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَكَيْفَ نَقَصَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ كَضَمَانِ الْجِنَايَةِ فَجَوَابُهُ هَذَا ضَمَانُ الْغَصْبِ لَكِنْ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَبِاعْتِبَارِ الْغَصْبِ وَجَبَ قِيمَةُ الْمَأْمُورِ وَبِاعْتِبَارِ السَّبَبِ رَوْعِي التَّقْدِيرُ لِوُجُوبِهِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَاعْتُبِرَ بِهَا فِي حَقِّ التَّقْدِيرِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَمَوْلَى الْمَأْمُورِ يُطَالِبُ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ بِبَيْعِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ لَا يَسْقُطُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَ فَمَوْلَى الْمَأْمُورِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِجَمِيعِ قِيمَةِ الْمَأْمُورِ عَلَى الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ غَصْبٍ فَلَا يَبْطُلُ بِالْإِعْتَاقِ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمَوْلَى بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمُعْتَقِ وَبِالْفَضْلِ عَلَى الْمُعْتِقِ إلَى تَمَامِ قِيمَةِ الْمَأْمُورِ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مُكَاتَبًا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ ضَمَانُ قِيمَةِ نَفْسِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ هَذَا أَنْ يُجْعَلَ ضَمَانَ غَصْبٍ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ حُرٌّ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْغَصْبِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا كَالْحُرِّ وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ بِحُكْمِ الْجِنَايَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْ الْآمِرِ لِكَوْنِ الْمَأْمُورِ كَبِيرًا حُكْمًا سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ الصَّغِيرَ مُلْحَقٌ بِالْكَبِيرِ فَصَارَ كَالْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ إذَا كَانَ مَأْمُورًا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ قَتَلَ رَجُلَيْنِ عَمْدًا وَلِكُلٍّ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ كُلٍّ مِنْهُمَا دَفَعَ سَيِّدُهُ نِصْفَهُ إلَى الْآخَرَيْنِ أَوْ فَدَاهُ بِالدِّيَةِ) أَيْ لِلْمَوْلَى الْخِيَارُ إنْ شَاءَ دَفَعَ نِصْفَ الْعَبْدِ إلَى اللَّذَيْنِ لَمْ يَعْفُوا مِنْ وَلِيِّ الْقَتِيلَيْنِ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِدِيَةٍ كَامِلَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ فِي الْكُلِّ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ السَّاكِتَيْنِ مَالًا وَهُوَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَتِيلَيْنِ يَجِبُ لَهُ قِصَاصٌ كَامِلٌ عَلَى حِدَةٍ، فَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصَانِ وَجَبَ أَنْ يَنْقَلِبَ كُلُّهُ مَالًا وَذَلِكَ دِيَتَانِ فَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى عِشْرُونَ أَلْفًا أَوْ دَفَعَ الْعَبْدَ غَيْرَ أَنَّ نَصِيبَ الْعَافِيَيْنِ سَقَطَ مَجَّانًا فَانْقَلَبَ نَصِيبُ السَّاكِتَيْنِ مَالًا وَذَلِكَ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ أَوْ دَفَعَ نِصْفَ الْعَبْدِ لَهُمَا فَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَتَلَ أَحَدَهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرَ خَطَأً فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فَدَى بِالدِّيَةِ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ وَبِنِصْفِهَا لِأَحَدِ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ أَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أَثْلَاثًا)؛ لِأَنَّ وَلِيَّيْ الْخَطَأِ حَقُّهُمَا فِي الدِّيَةِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَحَقُّ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فِي الْقِصَاصِ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا وَهُوَ نِصْفُ الدِّيَةِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَإِذَا فَدَى فَدَاهُ بَخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ وَخَمْسَةُ آلَافٍ لِغَيْرِ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ وَإِنْ دَفَعَهُ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أَثْلَاثًا ثُلُثَيْهِ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ وَثُلُثَهُ لِلسَّاكِتِ مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الدِّيَةِ كَذَلِكَ فَيَضْرِبُ وَلِيَّا الْخَطَأِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَيَضْرِبُ غَيْرُ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَدْفَعُهُ أَرْبَاعًا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ وَرُبْعَهُ لِغَيْرِ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ سُلِّمَ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمْ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيَتَنَصَّفُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ لِلْمَوْلَى رُبْعُ الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ نَصِيبُ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ وَيُدْفَعُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ إلَيْهِمْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ كَمَا سُلِّمَ لَهُ النِّصْفُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ نَصِيبُ الْعَافِينَ قُلْنَا لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ وَلِيَّيْ الْخَطَأِ اسْتَحَقَّاهُ كُلَّهُ وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ حَقِّهِمَا شَيْءٌ وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ تَعَلَّقَ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَأَمْرُهُ لَا يَصِحُّ) أَيْ أَمْرُ الْقِنِّ بِالْقَتْلِ لَا يَصِحُّ. اهـ.

[فصل قتل عبد خطأ]

لَمَّا عَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ كُلِّ قَتِيلٍ سَقَطَ حَقُّ الْعَافِيَيْنِ عَنْ الرَّقَبَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَخَلَا نَصِيبُهُمَا مِنْهُ عَنْ حَقِّهِمَا وَصَارَ ذَلِكَ لِلْمَوْلَى وَهُوَ النِّصْفُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ حَقَّ وَلِيَّيْ الْخَطَأِ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ عَلَى حَالِهِ فَكَانَتْ الرَّقَبَةُ كُلُّهَا مُسْتَحَقَّةً لَهُمَا وَالنِّصْفُ لِغَيْرِ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا فَيَقْتَسِمُونَ كُلَّهُ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ فِيهِ أَوْ الْمُنَازَعَةِ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ وَأَضْدَادُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ بِأُصُولِهَا الَّتِي نَشَأَ مِنْهَا الْخِلَافُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا نُعِيدُهُ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدُهُمَا قَتَلَ قَرِيبَهُمَا فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْكُلُّ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَتَلَ قَرِيبًا لَهُمَا كَأَبِيهِمَا أَوْ أَخِيهِمَا فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْجَمِيعُ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرُ الْعَافِي مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الْعَبْدِ غَيْرَ نَصِيبِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ مِنْ قَبْلُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ لِقَرِيبٍ لَهُمَا أَوْ لِمُعْتِقِهِمَا فَقَتَلَ مَوْلَاهُ فَوَرِثَاهُ بَطَلَ الْكُلُّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدْفَعُ الَّذِي عَفَا نِصْفَ نَصِيبِهِ إلَى الْآخَرِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِرُبْعِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ ثَبَتَ لَهُمَا فِي الْعَبْدِ عَلَى الشُّيُوعِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ لِلْمَوْلَى، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ وَهُوَ النِّصْفُ مَالًا غَيْرَ أَنَّهُ شَائِعٌ فِي كُلِّ الْعَبْدِ، فَيَكُونُ نِصْفُهُ فِي نَصِيبِهِ وَنِصْفُهُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَمَا أَصَابَ نَصِيبَهُ سَقَطَ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا وَمَا أَصَابَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ ثَبَتَ وَهُوَ نِصْفُ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبْعُ فَيَدْفَعُ نِصْفَ نَصِيبِهِ أَوْ يَفْدِيهِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ حَقَّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ دَمِهِ وَلِهَذَا تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ، ثُمَّ الْوَرَثَةُ يَخْلُفُونَهُ فِيهِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ حَاجَتِهِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا فَلَا يَخْلُفُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ لَمَّا صَارَ مَالًا صَارَ بِمَعْنَى الْخَطَأِ وَفِيهِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فَكَذَا مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ قُتِلَ عَبْدٌ خَطَأً] (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قُتِلَ عَبْدٌ خَطَأً تَجِبُ قِيمَتُهُ وَنَقَصَ عَشَرَةٌ لَوْ كَانَتْ عَشَرَةَ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ وَفِي الْأَمَةِ عَشَرَةٌ مِنْ خَمْسَةِ آلَافٍ وَالْمَغْصُوبُ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَفِي الْغَصْبِ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ بِالْإِجْمَاعِ لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا فِي قَتْلِ الْعَبْدِ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ وَلِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الدَّمِ لَكَانَ لِلْعَبْدِ إذْ هُوَ فِي حَقِّ الدَّمِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا لَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى عَقْدُ الْبَيْعِ وَبَقَاؤُهُ بِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ أَصْلًا أَوْ بَدَلًا فِي حَالِ قِيَامِهِ أَوْ هَلَاكِهِ فَصَارَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَكَقَلِيلِ الْقِيمَةِ وَالْغَصْبِ؛ وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْمَالِ بِالْمَالِ أَصْلٌ، وَضَمَانُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ بِالْمَالِ خِلَافُ الْأَصْلِ وَمَهْمَا أَمْكَنَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى مُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ لَا يُصَارُ إلَى إيجَابِهِ بِخِلَافِ الْأَصْلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَوْله تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] أَوْجَبَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ آدَمِيٌّ فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ حُكْمَانِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَالْعَبْدُ دَاخِلٌ فِيهَا فِي حَقِّ الْكَفَّارَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا فَكَذَا فِي حَقِّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ). لَمَّا فَرَغَ مِنْ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى غَيْرِهِ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَفْعُولِ وُجُودًا فَوَجَبَ تَرْتِيبُهُ كَذَلِكَ لِلْمُنَاسَبَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: قُتِلَ عَبْدٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَنْ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لَا تُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ قُضِيَ لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً وَفِي الْأَمَةِ إذَا ازْدَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى الدِّيَةِ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ وَذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ كَضَمَانِ الْأَمْوَالِ كَذَا ذَكَرَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ قِيمَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قِيمَتُهُ عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا تَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ مِنْهَا شَيْئًا إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ وَأَجْمَعُوا فِي الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَ عِنْدَ الْغَاصِبِ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ رُوِيَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُبْلَغُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ فِيهِ الْقِيمَةُ بَالِغًا مَا بَلَغَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَبْدَ مَضْمُونٌ بِالْقَتْلِ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنَّهُ مَضْمُونٌ عِنْدَنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ إلَخْ) مَسْأَلَةُ مَا إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ الْقَوَدُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَوْله تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ} [النساء: 92] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ تَعَالَى سَمَّى الْوَاجِبَ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً دِيَةً وَالْعَبْدُ مُؤْمِنٌ قُتِلَ خَطَأً فَيَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِمَا يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيِّ لَا بِمُقَابَلَةِ الْمَالِ وَمَا يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِ يُسَمَّى قِيمَةً وَضَمَانًا وَهُوَ الْعُرْفُ فَثَبَتَ بِدَلَالَةِ الْآيَةِ أَنَّ الْعَبْدَ مَضْمُونٌ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيِّ وَلَا يُزَادُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْعِ فِي الدِّيَةِ وَيُنْقَصُ عَنْهَا بِأَثَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لِنُقْصَانِ الرِّقِّ فِيهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ كَامِلِ الْحَالِ وَنَاقِصِ الْحَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ رَاجِحٌ فِيهِ أَنَّ أَكْثَرَ تَكَالِيفِ الشَّرْعِ مُتَوَجِّهَةٌ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ حَيْثُ الْآدَمِيَّةُ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا مِنْ

وَلِهَذَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَكُونُ مُكَلَّفًا، وَلَوْلَا أَنَّهُ آدَمِيٌّ لَمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَلَا كُلِّفَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ اعْتِبَارَ الْآدَمِيَّةِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ وَالْآدَمِيَّةِ وَجَبَ اعْتِبَارُ أَعْلَاهُمَا وَهِيَ الْآدَمِيَّةُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِإِهْدَارِ الْأَدْنَى وَهِيَ الْمَالِيَّةُ؛ وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّةَ أَسْبَقُ وَالرِّقُّ عَارِضٌ بِوَاسِطَةِ الِاسْتِنْكَافِ فَكَانَ اعْتِبَارُ مَا هُوَ الْأَصْلُ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ بِقَتْلِهِ عَمْدًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَالْمُتْلَفُ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَاحِدٌ، فَإِذَا اُعْتُبِرَ فِي إحْدَى حَالَتَيْ الْقَتْلِ آدَمِيًّا وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى كَذَلِكَ إذْ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَتَبَدَّلُ جِنْسُهُ بِاخْتِلَافِ حَالَةِ إتْلَافِهِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ فِي الْعَكْسِ إهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَالْجَمَادِ وَمَا رَوَيَا مِنْ الْأَثَرِ مُعَارَضٌ بِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَصْبِ، وَضَمَانُ الْغَصْبِ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهَا إذْ الْغَصْبُ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى الْمَالِ وَبَقَاءُ الْعَقْدِ لَا يَعْتَمِدُ الْمَالِيَّةَ وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُ الْفَائِدَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ قَتْلِهِ عَمْدًا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقِصَاصُ مَالًا وَلَا بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ وَفِي قَلِيلِ الْقِيمَةِ الْوَاجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ فِيهِ فَقَدَّرْنَاهُ بِقِيمَتِهِ رَأْيًا بِخِلَافِ كَثِيرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُبْلَغُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ وَيُنْقَصُ مِنْهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَالْأَثَرُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ كَالْخَبَرِ إذْ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا؛ وَلِأَنَّ آدَمِيَّتَهُ أَنْقَصُ، فَيَكُونُ بَدَلُهَا أَقَلَّ كَالْمَرْأَةِ وَالْجَنِينِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَنْقَصَ تَنَصَّفَتْ النِّعَمُ وَالْعُقُوبَاتُ فِي حَقِّهِ إظْهَارًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ فَكَذَا فِي هَذَا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْأَمَةِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا خَمْسَةً؛ لِأَنَّ دِيَةَ الْأُنْثَى نِصْفُ دِيَةِ الذَّكَرِ، فَيَكُونُ النَّاقِصُ عَنْ دِيَةِ الْأُنْثَى نِصْفَ النَّاقِصِ عَنْ دِيَةِ الذَّكَرِ كَمَا فِي الْأَطْرَافِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَالٍ لَهُ خَطَرٌ فِي الشَّرْعِ عَشَرَةٌ كَنِصَابِ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ وَمَا دُونَهُ لَا يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ الدِّيَةِ فَيُنْقَصُ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ بِحِسَابِهِ، وَلَوْ نَقَصَ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ عَشَرَةٌ لَمَا وَجَبَ أَصْلًا. قَالَ (وَمَا قُدِّرَ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ قُدِّرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ)؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعَبْدِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ إذْ هُوَ بَدَلُ الدَّمِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَيَكُونُ فِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَا يُزَادُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيُعْتَبَرُ بِكُلِّهِ وَيُنْقَصُ هَذَا الْمِقْدَارُ إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ، وَقِيلَ يَضْمَنُ فِي الْأَطْرَافِ بِحِسَابِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَمْرٍ شَنِيعٍ وَهُوَ أَنَّ مَا يَجِبُ فِي الْأَطْرَافِ أَكْثَرُ مِمَّا يَجِبُ فِي النُّفُوسِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مَثَلًا مِائَةَ أَلْفٍ فَإِنَّهُ بِقَطْعِ يَدِهِ يَجِبُ خَمْسُونَ أَلْفًا وَبِقَتْلِهِ عَشَرَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً وَفِي لِحْيَتِهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ يَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الْخِدْمَةُ لَا الْجَمَالُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَجِبُ كَمَالُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمَالَ فِي حَقِّهِ مَقْصُودٌ أَيْضًا . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَحَرَّرَهُ سَيِّدُهُ فَمَاتَ مِنْهُ وَلَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُهُ لَا يُقْتَصُّ وَإِلَّا اُقْتُصَّ مِنْهُ) وَإِنَّمَا لَا يُقْتَصُّ فِي الْأَوَّلِ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْجَرْحِ فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةَ الْجَرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى وَعَلَى اعْتِبَارِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ فَيَتَحَقَّقُ الِاشْتِبَاهُ فَيَتَعَذَّرُ فَلَا يَجِبُ عَلَى وَجْهٍ يُسْتَوْفَى إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْعَبْدِ وَرَثَةٌ أُخَرُ سِوَى الْمَوْلَى وَاجْتِمَاعُهُمَا لَا يُزِيلُ الِاشْتِبَاهَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ عَلَى الدَّوَامِ فِيهِمَا فَلَا يَكُونُ الِاجْتِمَاعُ مُفِيدًا وَلَا يُقَالُ يَأْذَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْآذِنُ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ) يَتَمَشَّى مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِيمَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ عَبْدًا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَا رَوَيَا مِنْ الْأَثَرِ مُعَارَضٌ بِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ) وَأَثَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا دِيَةُ الْحُرِّ فَتُنْقَصُ مِنْهَا عَشَرَةٌ كَمَا تُنْقَصُ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُ خَمْسَةَ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ فِي الْيَدِ جُزْءٌ مِمَّا يَجِبُ فِي الْجُمْلَةِ فَقُدِّرَ بِنِصْفِهَا وَمَا يَجِبُ فِي الْأُنْثَى لَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْ دِيَةِ الذَّكَرِ وَإِنَّمَا هِيَ دِيَةٌ فِي نَفْسِهَا فَلِذَلِكَ قُدِّرَ النَّقْصُ فِيهَا بِعَشَرَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَتْلِ الْأَمَةِ خَطَأً إذَا زَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى دِيَةِ الْحُرَّةِ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا خَمْسَةً قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي كِتَابِ الْعُيُونِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ هُوَ الْقِيَاسُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَا وَجَبَ أَصْلًا) أَيْ فِي جِرَاحَةٍ يُسَاوِي أَرْشُهَا عَشَرَةً فَمَا دُونَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَالْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحَيْهِ وَالِاخْتِيَارِ وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَالْمُنْتَقَى وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْمُحِيطِ نُقْصَانُ الْخَمْسَةِ هُنَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ بِخِلَافِ فَصْلِ الْأَمَةِ اهـ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا تُزَادُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَفِي الْمَبْسُوطِ يَجِبُ نِصْفُ قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ فِي قَطْعِ يَدِهِ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْعَبْدَ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِحَالٍ وَلَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْقَوْلُ بِهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَجِبَ بِقَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ فَوْقَ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ أَلْفًا يَضْمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ وَحَكَاهُ الْأَكْمَلُ عَنْ النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ مَشَى عِزُّ الدِّينِ يُوسُفُ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ. اهـ.

الْعَبْدِ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَائِمٌ فَصَارَا بِمَنْزِلَةِ الشَّرِيكَيْنِ فِيهِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا فِيهِ دُونَ الْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْآخَرِ فَيُقْتَلُ بِاجْتِمَاعِهِمَا لِلرِّضَا بِبُطْلَانِ حَقِّهِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ قَدْ اخْتَلَفَ؛ لِأَنَّهُ الْمِلْكُ عَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجَرْحِ وَالْوِرَاثَةُ بِالْوَلَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ فَنُزِّلَ اخْتِلَافُ السَّبَبِ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ أَوْ فِيمَا يُحْتَاطُ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِآخَرَ بِعْتنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ، وَقَالَ لَا بَلْ زَوَّجْتهَا مِنْك لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْقَرْضِ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ؛ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ وَبِانْقِطَاعِهَا يَبْقَى الْجَرْحُ بِلَا سِرَايَةٍ وَالسِّرَايَةُ بِلَا قَطْعٍ فَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْمَوْلَى فَيَسْتَوْفِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُقْضَى لَهُ مَعْلُومٌ وَالْحُكْمُ مُتَّحِدٌ فَأَمْكَنَ الْإِيجَابُ وَالِاسْتِيفَاءُ لِاتِّحَادِ الْمُسْتَوْفِي وَالْمُسْتَوْفَى وَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَسْأَلَةِ الْإِقْرَاضِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُقْضَى لَهُ مَجْهُولٌ وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ إذْ مِلْكُ الْيَمِينِ يُغَايِرُ مِلْكَ النِّكَاحِ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُثْبِتُ الْحِلَّ مَقْصُودًا وَمِلْكُ الْيَمِينِ لَا يُثْبِتُهُ مَقْصُودًا، وَقَدْ لَا يُثْبِتُ الْحِلَّ أَصْلًا؛ وَلِأَنَّ مَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ السَّبَبِ لِلْحِلِّ انْتَفَى بِإِنْكَارِ الْآخَرِ فَبَقِيَ بِلَا سَبَبٍ فَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ بِدُونِهِ إذْ لَا يَجْرِي فِيهِ الْبَدَلُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مَوْجُودٌ بِيَقِينٍ وَلَا مُنْكِرَ لَهُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ وَلَا مَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ فَأَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ وَالْإِعْتَاقُ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ لِذَاتِهِ، بَلْ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ غَيْرُ الْمَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّا أَوْ فِي الطَّرَفِ أَوْ فِي الْقَتْلِ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصْلُحُ مَالِكًا لِلْمَالِ فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجَرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى وَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ أَوْ زِيَادَةِ الْجَرْحِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ لِلْعَبْدِ لِحُرِّيَّتِهِ حَتَّى تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذَ وَصَايَاهُ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ فِيمَنْ لَهُ الْحَقُّ فَيَسْقُطُ مَا حَدَثَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْجَرْحِ، وَأَمَّا الْقَتْلُ عَمْدًا فَمُوجِبُهُ الْقِصَاصُ فَلَا اشْتِبَاهَ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِلْعَبْدِ فَالْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ فَلَا اشْتِبَاهَ فِيمَنْ لَهُ الْحَقُّ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا فِي الْخَطَأِ وَفِي الْعَمْدِ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ فَلَا يَجِبُ إلَّا أَرْشُ الْقَطْعِ وَمَا يَنْقُصُ بِذَلِكَ إلَى الْإِعْتَاقِ وَتَسْقُطُ الدِّيَةُ وَالْقِصَاصُ، وَكَذَا فِي الْقَطْعِ إذَا لَمْ يَمُتْ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سِوَى أَرْشُ الْقَطْعِ وَمَا نَقَصَهُ إلَى الْإِعْتَاقِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا حَدَثَ مِنْ النُّقْصَانِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ بِالْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ يَجِبُ فِيهِ أَرْشُ الْقَطْعِ وَمَا نَقَصَهُ إلَى الْإِعْتَاقِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَلَا مَا نَقَصَ مِنْهُ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَشُجَّا فَبَيَّنَ فِي أَحَدِهِمَا فَأَرْشُهُمَا لِلسَّيِّدِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ، ثُمَّ شُجَّا فَبَيَّنَ الْعِتْقَ فِي أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ الشَّجِّ فَأَرْشُهُمَا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ نَازِلٍ فِي الْمُعَيَّنِ وَالشَّجَّةُ تُصَادِقُ الْمُعَيَّنَ فَبَقِيَا مَمْلُوكَيْنِ فِي حَقِّ الشَّجَّةِ، وَلَوْ قَتَلَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مَعًا تَجِبُ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِظْهَارٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا عُرِفَ وَبَعْدَ الشَّجَّةِ بَقِيَ مَحَلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إنْشَاءً فِي حَقِّ الْمَحَلِّ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إظْهَارًا مَحْضًا، فَإِذَا قَتَلَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ مَعًا وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ، فَيَكُونُ الْكُلُّ نِصْفَيْنِ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهَا يَجِبُ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَدِيَةُ حُرٍّ فَيُقْسَمُ مِثْلُ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِلْأَوَّلِ لِمَوْلَاهُ وَالدِّيَةُ لِلثَّانِي لِوَرَثَتِهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلٌ مَعًا حَيْثُ تَجِبُ قِيمَةُ الْمَمْلُوكَيْنِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِقَتْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُرًّا وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُنْكِرُ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى ثُبُوتَ الْعِتْقِ فِي الْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ وَإِنَّمَا صَحَّحْنَاهُ ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَأَثْبَتنَا لَهُ وِلَايَةَ النَّقْلِ مِنْ الْمَجْهُولِ إلَى الْمَعْلُومِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَدْ لَا يَثْبُتُ الْحِلُّ أَصْلًا) أَيْ كَمَا إذَا مَلَكَ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ. اهـ. .

وَهِيَ النَّفْسُ دُونَ الْأَطْرَافِ وَالدِّيَةِ فَبَقِيَ مَمْلُوكًا فِي حَقِّهِمَا فَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِيهِمَا فَتَكُونُ نِصْفَيْنِ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ فَيَأْخُذُ هُوَ نِصْفَ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَتْرُكُ النِّصْفَ لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعِتْقِ ثَابِتٌ فِي أَحَدِهِمَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَسْتَحِقُّ بَدَلَهُ فَيُوَزَّعُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ قَتَلَاهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَعَلَى الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى لِتَعَيُّنِهِ لِلرِّقِّ وَعَلَى الْقَاتِلِ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا قُتِلَ أَوَّلًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَتُهُ وَلِلْمَوْلَى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْقِيمَةِ كَالْأَوَّلِ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا بِالتَّقَدُّمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ دَفَعَ سَيِّدُهُ عَبْدَهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ أَوْ أَمْسَكَهُ وَلَا يَأْخُذُ النُّقْصَانَ) أَيْ إذَا فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَيْ عَبْدٍ فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدَ الْمَفْقُوءَ إلَى الْفَاقِئِ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ كَامِلًا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا إنْ شَاءَ أَمْسَكَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ مَا نَقَصَهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُضَمِّنُهُ كُلَّ الْقِيمَةِ وَيُمْسِكُ الْجُثَّةَ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الضَّمَانَ مُقَابَلًا بِالْفَائِتِ فَبَقِيَ الْبَاقِي حِينَئِذٍ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا إذَا قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ وَفَقَأَ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَنَحْنُ نَقُولُ الْمَالِيَّةُ قَائِمَةٌ فِي الذَّاتِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَالِيَّةِ فِي الذَّاتِ دُونَ الْأَطْرَافِ سَاقِطٌ، بَلْ الْمَالِيَّةُ تُعْتَبَرُ فِي الْأَطْرَافِ أَيْضًا، بَلْ اعْتِبَارُ الْمَالِيَّةِ فِي الْأَطْرَافِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ، فَإِذَا كَانَتْ الْمَالِيَّةُ مُعْتَبَرَةً، وَقَدْ وُجِدَ أَيْضًا إتْلَافُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، وَهَذَا الضَّمَانُ مُقَدَّرٌ بِقِيمَةِ الْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْجُثَّةَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَرِعَايَةً لِلْمُمَاثَلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَقَأَ عَيْنَيْ حُرٍّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ وَبِخِلَافِ عَيْنَيْ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَفِي قَطْعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَفَقْءِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ لَمْ يُوجَدْ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا جِئْنَا إلَى تَعْلِيلِ مَذْهَبِ الْفَرِيقَيْنِ لَهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْقَوَدُ فِيهَا وَلَا تَتَحَمَّلَهَا الْعَاقِلَةُ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَكَانَ مُعْتَبَرًا بِالْمَالِ، فَإِذَا كَانَ مُعْتَبَرًا بِهِ وَجَبَ تَخْيِيرُ الْمَوْلَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَاهُ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَإِنْ خَرَقَ ثَوْبَ الْغَيْرِ خَرْقًا فَاحِشًا يُوجِبُ تَخْيِيرَ الْمَالِكِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ وَلَهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الذَّاتِ فَالْآدَمِيَّةُ أَيْضًا غَيْرُ مُهْدَرَةٍ فِيهِ وَفِي الْأَطْرَافِ أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدًا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ آخَرَ يُؤْمَرُ مَوْلَاهُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ، وَهَذَا مِنْ أَحْكَامِ الْآدَمِيَّةِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ أَنْ تُبَاعَ رَقَبَتُهُ فِيهَا، ثُمَّ مِنْ أَحْكَامِ الْآدَمِيَّةِ أَنْ لَا يَنْقَسِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَالْقَائِمِ، بَلْ يَكُونُ بِإِزَاءِ الْفَائِتِ لَا غَيْرُ وَلَا يَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ وَمِنْ أَحْكَامِ الْمَالِيَّةِ أَنْ يَنْقَسِمَ عَلَى الْجُزْءُ الْفَائِتِ وَالْقَائِمِ وَيَتَمَلَّكَ الْجُثَّةَ فَوَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا فَقُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَنْقَسِمُ اعْتِبَارًا لِلْآدَمِيَّةِ وَيَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ اعْتِبَارًا لِلْمَالِيَّةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قَالَاهُ؛ لِأَنَّ فِيمَا قَالَاهُ اعْتِبَارَ جَانِبِ الْمَالِيَّةِ فَقَطْ وَهُوَ أَدْنَى، وَإِهْدَارُ جَانِبِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ أَعْلَى وَمِمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ اعْتِبَارَ الْآدَمِيَّةِ فَقَطْ وَالشَّيْءُ إذَا أَشْبَهَ شَيْئَيْنِ يُوَفِّرُ حَظَّهُمَا عَلَيْهِ . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (جَنَى مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ ضَمِنَ السَّيِّدُ الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْأَرْشِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى الْمَوْلَى بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَكَانَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرًا بِالشَّامِ فَكَانَ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى صَارَ مَانِعًا بِالتَّدْبِيرِ تَسْلِيمَهُ فِي الْجِنَايَةِ، وَكَذَا بِالِاسْتِيلَادِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا يَحْدُثُ فَصَارَ كَمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَلَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى فِي أَكْثَرَ مِنْ الْعَيْنِ وَقِيمَتُهَا تَقُومُ مَقَامَهَا وَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ لِاخْتِيَارِهِ الْأَقَلَّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْجَانِي قِنًّا حَيْثُ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَلَا يَجِبُ الْأَقَلُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَخْتَارُ دَفْعَ الْعَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ دَفْعَ النَّقْدِ عَلَى مَا هُوَ الْأَيْسَرُ عِنْدَهُ أَوْ يُبْقِي مَا يَخْتَارُهُ عَلَى مِلْكِهِ وَيُخْرِجُ الْآخَرَ عَنْ مِلْكِهِ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرِ لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَإِنْ كَثُرَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْهُ إلَّا رَقَبَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك]

وَاحِدَةً؛ وَلِأَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ فِيهِ كَدَفْعِ الْعَيْنِ فِي الْقِنِّ وَدَفْعُ الْعَيْنِ لَا يَتَكَرَّرُ فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهَا وَيَتَضَارَبُونَ بِالْحِصَصِ فِي الْقِيمَةِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي حَالَةِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى إذَا قَتَلَ رَجُلًا وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ، ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ، ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى أَلْفَا دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى الْأَوْسَطِ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ، فَيَكُونُ لِوَلِيِّ الْأَوْسَطِ أَلْفٌ مِنْهَا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ وَلِيَّ الْأَوَّلِ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ جَنَى عَلَى وَلِيِّهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَكَذَا الثَّالِثُ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ يُعْطَى خَمْسَمِائَةٍ فَيُقَسَّمُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْأَوْسَطِ يُضْرَبُ الْأَوَّلُ بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَهُوَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَيُضْرَبُ الْأَوْسَطُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ وَهُوَ تِسْعَةُ آلَافٍ لِوُصُولِ الْأَلْفِ إلَيْهِ فَبَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ خَمْسُمِائَةٍ تُقَسَّمُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لِاسْتِوَائِهِمْ فِيهَا فَيَضْرِبُ الثَّالِثُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَيَضْرِبُ الْأَوَّلُ بِعَشَرَةٍ إلَّا مَا أَخَذَ فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ وَيَضْرِبُ الْأَوْسَطُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا مَا أَخَذَ فِي الْمَرَّتَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ دَفَعَ الْقِيمَةَ بِقَضَاءٍ فَجَنَى أُخْرَى يُشَارِكُ الثَّانِي الْأَوَّلَ) أَيْ إذَا دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِقَضَاءِ الْقَاضِي، ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ جِنَايَاتِهِ كُلَّهَا لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَلَا تَعَدِّيَ مِنْ الْمَوْلَى بِدَفْعِهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ فَيَتْبَعُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَلِيَّ الْأُولَى فَيُشَارِكُهُ فِيهَا وَيَقْتَسِمَانِهَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ اتَّبَعَ السَّيِّدَ أَوْ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ) أَيْ لَوْ دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى كَانَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي وَلَا تَعَدِّيَ مِنْهُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ دَفَعَ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَلَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ مَوْجُودَةً وَلَا عِلْمَ لَهُ بِمَا يَحْدُثُ حَتَّى يُجْعَلَ مُتَعَدِّيًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرَةِ تُوجِبُ قِيمَةً وَاحِدَةً فَهُمْ شُرَكَاءُ فِيهَا وَالْجِنَايَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ كَالْمُقَارِنَةِ حُكْمًا وَلِهَذَا يَشْتَرِكُونَ فِيهَا كُلُّهُمْ، ثُمَّ إذَا دَفَعَهَا إلَى الْأَوَّلِ بِاخْتِيَارِهِ مُتَعَدِّيًا فِي حَقِّ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْفُذَ هَذَا الدَّفْعُ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَيْهِ فَيَنْفُذُ، فَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ دَفَعَ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الثَّانِي فَالثَّانِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ حَقَّهُ ظُلْمًا فَصَارَ بِهِ ضَامِنًا فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ حَقَّهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ لِلثَّانِي وَهُوَ حِصَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ؛ وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يُشَارِكَ وَمُتَأَخِّرَةٌ مِنْ وَجْهٍ فِي حَقِّ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَتُعْتَبَرُ مُقَارِنَةً فِي حَقِّ التَّضْمِينِ أَيْضًا كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّ وَلِيِّ الثَّانِيَةِ، وَإِذَا أَعْتَقَ الْمُدَبَّرَ، وَقَدْ جَنَى جِنَايَاتٍ لَمْ يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَسَوَاءٌ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَبْدِ فَلَمْ يَكُنْ مُفَوِّتًا بِالْإِعْتَاقِ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْمُدَبَّرِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِامْتِنَاعِ الدَّفْعِ كَالْمُدَبَّرِ، وَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى نَفْسِهِ وَإِقْرَارُهُ عَلَى الْمَوْلَى غَيْرُ نَافِذٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْقَوَدِ بِأَنْ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ عَمْدًا حَيْثُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فَيُقْتَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ] َ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ فَغَصَبَهُ رَجُلٌ وَمَاتَ مِنْهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ أَقْطَعَ وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَمَاتَ مِنْهُ بَرِئَ) لِأَنَّ الْغَصْبَ يُوجِبُ ضَمَانَ مَا غُصِبَ وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ عَنْ الضَّمَانِ بِاسْتِرْدَادِ الْمَغْصُوبِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمَّا قَطَعَهُ الْمَوْلَى فِي يَدِهِ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ فَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ وَفِي الثَّانِيَةِ حِينَ قَطَعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ صَارَ مُسْتَرِدًّا لَهُ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِهِ لِوُصُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ) تَرْجَمَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِبَابِ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّرْجَمَةِ الصَّبِيَّ وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ فِي الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ لَمَّا ذَكَرَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ جِنَايَتِهِمَا مَعَ غَصْبِهِمَا لِأَنَّ الْمُفْرَدَ قَبْلَ الْمُرَكَّبِ ثُمَّ جَرَّ كَلَامَهُ إلَى بَيَانِ غَصْبِ الصَّبِيِّ اهـ

مِلْكِهِ إلَى يَدِهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إنَّ الْغَصْبَ قَاطِعٌ لِلسَّرَايَةِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ وَلَمْ يُوجَدْ الْقَاطِعُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَكَانَتْ السِّرَايَةُ مُضَافَةً إلَى الْبِدَايَةِ فَصَارَ الْمَوْلَى مُتْلِفًا فَيَصِيرُ مُسْتَرِدًّا وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بِاعْتِبَارِ تَبَدُّلِ الْمِلْكِ لِاخْتِلَافِ الْمُسْتَحَقِّينَ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْمِلْكِ وَضْعًا وَالْغَاصِبُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ضَرُورَةً كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ مِلْكِ الْمَوْلَى الْبَدَلَ وَلَمْ يُوجَدْ تَحْقِيقُهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ أَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ التَّلَفِ بِالسِّرَايَةِ يَكُونُ هَدَرًا إلَّا أَنْ يُنْسَبَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِ الْجَانِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (غَصَبَ مَحْجُورٌ مِثْلَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ) أَيْ إذَا غَصَبَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَمَاتَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ضَمِنَ الْغَاصِبُ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ وَهَذَا مِنْ أَفْعَالِهِ فَيَضْمَنُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُدَبَّرٌ جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ ثُمَّ عِنْدَ سَيِّدِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لَهُمَا) أَيْ إذَا غَصَبَ رَجُلٌ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى ضَمِنَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْجَزَ نَفْسَهُ عَنْ الدَّفْعِ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ كَمَا فِي الْقِنِّ إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) أَيْ رَجَعَ الْمَوْلَى بِنِصْفِ مَا ضَمِنَ مِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَهَا بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بِسَبَبٍ وُجِدَ عِنْدَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لِأَنَّ رَدَّ الْمُسْتَحِقَّ بِسَبَبٍ وُجِدَ عِنْدَ الْغَاصِبِ كَلَا رَدٍّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ دَفَعَ الْمَوْلَى نِصْفَ الْقِيمَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ الْغَاصِبِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِ لِأَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ إنَّمَا رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَكَيْ لَا يَتَكَرَّرَ الِاسْتِحْقَاقُ وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى عَلَيْهِ لَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ فَيَسْتَحِقُّ كُلَّهُ، وَإِنَّمَا انْتَقَصَ بِاعْتِبَارِ مُزَاحَمَةِ الثَّانِي فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَارِغًا عَنْ الْحَقِّ أَخَذَهُ لِيُتِمَّ حَقَّهُ. وَقَوْلُهُ عِوَضُ مَا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَالْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ الْغَاصِبِ عِوَضُ الْمَدْفُوعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ عِوَضٌ مَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ، وَمِثْلُهُ جَائِزٌ كَالذِّمِّيِّ إذَا بَاعَ خَمْرًا وَقَضَى بِثَمَنِهَا دَيْنَ مُسْلِمٍ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ ثَمَنُ الْخَمْرِ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ بَدَلُ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) أَيْ رَجَعَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ الَّذِي دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثَانِيًا عَلَى الْغَاصِبِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الْغَصْبَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدٌ إلَى أَوَّلِ الْغَصْبِ فَلَمَّا كَانَ سَبَبُ الْمِلْكِ كَانَ تَخَلُّلُ الْغَصْبِ بَيْنَ الْجِنَايَةِ وَالسِّرَايَةِ قَاطِعًا لِلسَّرَايَةِ كَمَا لَوْ تَخَلَّلَ الْبَيْعُ وَإِذَا بَطَلَ حُكْمُ السِّرَايَةِ صَارَ كَأَنَّهُ غَصَبَ عَبْدًا أَقْطَعَ الْيَدِ وَمَاتَ عِنْدَهُ وَأَوْرَدَ أَبُو اللَّيْثِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ إذَا مَاتَ مِنْ جِرَاحَةِ الْمَوْلَى فَلِمَ لَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ الْغَصْبُ صَارَ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْهَلَاكِ فَلَا يَسْتَنِدُ الْهَلَاكُ إلَى الْقَطْعِ فَصَارَ فِي حَقِّ الْغَاصِبِ كَأَنَّ الْعَبْدَ مَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ مَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ) أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ فَمَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ قَبْضَ الْمُشْتَرِي صَارَ فَاصِلًا بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْهَلَاكِ فَكَذَا هَذَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ غَصَبَ مَحْجُورٌ مِثْلَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ) وَهَذَا إذَا كَانَ الْغَصْبُ ظَاهِرًا فَيَضْمَنُ فِي الْحَالِ يُبَاعُ فِيهِ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرَةٌ وَلَوْ كَانَ الْغَصْبُ ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعِتْقِ كَذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرِّقَّ يُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ دُونَ الْأَفْعَالِ وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ مُبْقًى فِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مُدَبَّرٌ جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوب عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُدَبَّرٍ لِرَجُلٍ غَصَبَهُ رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْمَوْلَى فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى قَالَ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ نِصْفَانِ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَأْخُذُهُ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ أَيْضًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فَيُسَلِّمُ لَهُ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى أَحَدٍ وَإِذَا كَانَ جَنَى عِنْدَ الْمَوْلَى أَوَّلًا ثُمَّ غَصَبَهُ رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً قَالَ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ نِصْفَيْنِ بَيْنَ وَلِيَّيْ الْجِنَايَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فَيَدْفَعُهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَلَا يَرْجِعُ بِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَوْلَى إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ لِأَنَّ حُكْمَ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ أَنْ يَلْزَمَ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا عَلَى الْمَوْلَى فَنَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ بَيْنَ وَلِيَّيْ الْجِنَايَتَيْنِ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ) فَيَصِيرُ مُبْطِلًا حَقَّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ فِيهِ وَلَمْ يَمْنَعْ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً فَلَا يُزَادُ عَلَى قِيمَتِهَا. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا وَجَدَ) أَيْ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى. اهـ. (قَوْلُهُ لِيُتِمَّ حَقَّهُ) لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَى الْوَلِيِّ. اهـ.

مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ وَلَمْ يَضْمَنْ لَهُ شَيْئًا إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ بَدَلِهِ فِي يَدِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعَكْسِهِ لَا يَرْجِعُ بِهِ ثَانِيًا) أَيْ بِعَكْسِ مَا ذَكَرَ لَا يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ ثَانِيًا، وَصُورَتُهُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ جَنَى عِنْدَ مَوْلَاهُ أَوَّلًا فَغَصَبَهُ رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِمَا بَيَّنَّا وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّمَا امْتَنَعَ الدَّفْعُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُنَا لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا دَفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى لَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَفِي الْأُولَى يَجْتَمِعُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ مَا أَخَذَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَبِعَكْسِهِ لَا يَرْجِعُ بِهِ ثَانِيًا أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عِنْدَهُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا لَمْ يَدْفَعْ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى سَلَّمَ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ فَلَمْ يُتَصَوَّرْ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ وَهُنَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَمَعَ هَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْإِجْمَاعِ بِمَا دَفَعَ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الَّذِي دَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثَانِيًا هُنَا بِسَبَبِ جِنَايَةٍ وُجِدَتْ عِنْدَهُ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْمَوْلَى ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فِيهَا بِسَبَبِ جِنَايَةٍ وُجِدَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقِنُّ كَالْمُدَبَّرِ غَيْرَ أَنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ الْعَبْدَ هُنَا وَثَمَّةَ الْقِيمَةَ) أَيْ الْعَبْدَ الْقِنَّ فِيمَا ذَكَرْنَا كَالْمُدَبَّرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ الْقِنَّ وَفِي الْمُدَبَّرِ الْقِيمَةَ حَتَّى إذَا غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا قِنًّا فَجَنَى فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى فَإِنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَدْفَعُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى الْأُولَى بَلْ يُسَلِّمُ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ ثَانِيًا عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمُدَبَّرِ وَإِنْ جَنَى عِنْدَ الْمَوْلَى أَوَّلًا ثُمَّ غَصَبَهُ فَجَنَى فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْمَوْلَى دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى وَلَا يَرْجِعُ بِهِ ثَانِيًا عَلَى الْغَاصِبِ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُدَبَّرٌ جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ فَرَدَّهُ فَغَصَبَهُ فَجَنَى عِنْدَهُ عَلَى سَيِّدِهِ قِيمَتُهُ لَهُمَا) مَعْنَاهُ إذَا غَصَبَ رَجُلٌ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً فَرَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى ثُمَّ غَصَبَهُ ثَانِيًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ بِالتَّدْبِيرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ)؛ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ كَانَتَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَاسْتَحَقَّ كُلَّهُ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْكُلِّ بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُ هُنَاكَ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَهُ وَالنِّصْفَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَيَرْجِعُ بِالنِّصْفِ لِذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَفَعَ نِصْفَهَا إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ دَفَعَ الْمَوْلَى نِصْفَ الْقِيمَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْغَاصِبِ ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ عِنْدَ وُجُودِ جِنَايَتِهِ، وَإِنَّمَا انْتَقَصَ حَقَّهُ بِحُكْمِ الْمُزَاحِمَةِ مِنْ بَعْدُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَجَعَ بِذَلِكَ النِّصْفَ عَلَى الْغَاصِبِ) أَيْ رَجَعَ الْمَوْلَى بِالنِّصْفِ الَّذِي دَفَعَهُ ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا النِّصْفِ ثَانِيًا بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَلَا إلَى وَلِيِّ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي النِّصْفِ لِسَبْقِ حَقِّ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ وَقَدْ وَصَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا النِّصْفَ لِوُجُودِ الْمُزَاحِمِ وَقْتَ وُجُودِ جِنَايَتِهِ وَالْمُزَاحِمَةُ مَوْجُودَةٌ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ بِخِلَافِ وَلِيِّ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْكُلَّ وَقْتَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا رَجَعَ حَقُّهُ إلَى النِّصْفِ لِلْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ أَخَذَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ ثُمَّ قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْخِلَافِ كَالْأُولَى وَقِيلَ عَلَى الِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عِوَضُ مَا سَلَّمَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ كَانَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَانِيًا يَتَكَرَّرُ الِاسْتِحْقَاقُ أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ ثَانِيًا) مُتَعَلِّقٌ بِدَفَعَ لَا بِالْمَأْخُوذَةِ اهـ (قَوْلُهُ كَالْأُولَى) يَعْنِي قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ أَيْضًا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَتَّى يُسَلِّمَ لِلْمَوْلَى مَا رَجَعَ بِهِ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَا يَأْخُذُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بَاقِيَ حَقِّهِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ عَلَى الِاتِّفَاقِ) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا اذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَا خِلَافٍ وَهَكَذَا قَرَّرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِلَا خِلَافِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ) أَيْ لَوْ قِيلَ بِالرُّجُوعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ) أَيْ عَمَّا أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ غَصَبَ صَبِيًّا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَرَادَ بِغَصْبِ الصَّبِيِّ أَخْذَهُ بِسَبِيلِ التَّعَدِّي لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْغَصْبِ وَهُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِسَبِيلِ التَّعَدِّي لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَالِ لَا فِي غَيْرِهِ اهـ

لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ مَاتَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ نَهْشَةِ حَيَّةٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ فِي الْحُرِّ لَا يَتَحَقَّقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لِكَوْنِهِ حُرًّا يَدًا مَعَ أَنَّهُ رَقِيقٌ رَقَبَةً فَالْحُرُّ يَدًا وَرَقَبَةً أَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنَ بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا ضَمَانُ إتْلَافٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ، وَالصَّبِيُّ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَهَذَا لِأَنَّ نَقْلَهُ إلَى أَرْضِ مَسْبَعَةٍ أَوْ إلَى مَكَانِ الصَّوَاعِقِ إتْلَافٌ مِنْهُ تَسْبِيبًا وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِتَفْوِيتِ يَدِ الْحَافِظِ وَهُوَ الْوَلِيُّ فَيَضْمَنُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعَ وَالصَّوَاعِقَ لَا تَكُونُ فِي كُلِّ مَكَان فَأَمْكَنَ حِفْظُهُ عَنْهُ فَإِذَا نَقَلَهُ إلَيْهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَقَدْ أَزَالَ حِفْظَ الْوَلِيِّ عَنْهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا فَيُضَافُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِلَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ إذَا كَانَ تَعَدِّيًا كَالْحَفْرِ فِي الطَّرِيقِ بِخِلَافِ الْمَوْتِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَكَان يَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى وَالْأَمْرَاضُ نَقُولُ إنَّهُ يَضْمَنُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِكَوْنِهِ قَتْلًا تَسْبِيبًا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْكَبِيرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ إلَّا بِرِضَاهُ كَالْحُرِّ الْبَالِغِ، وَالْحُرُّ الصَّغِيرُ يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهُ بِدُونِ رِضَاهُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ فَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِ الْوَلِيِّ فَمَاتَ مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يَضْمَنُ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ كَالْحُرِّ الْكَبِيرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ مِنْ حِفْظِ نَفْسِهِ بِمَا صَنَعَ بِهِ مِنْ قَيْدٍ وَنَحْوِهِ يَضْمَنُ الْمُكَاتَبُ وَالْحُرُّ الْكَبِيرُ أَيْضًا كَمَا يَضْمَنُ الصَّغِيرُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى الْغَاصِبِ بِتَقْصِيرِ حِفْظِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَصَبِيٍّ أُودِعَ عَبْدًا فَقَتَلَهُ) أَيْ يَضْمَنُ عَاقِلَهُ الْغَاصِبِ كَمَا يَضْمَنُ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ إذَا قَتَلَ عَبْدًا أُودِعَ عِنْدَهُ وَإِنْ أُودِعَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَبْدِ الْمُودَعِ وَالطَّعَامِ الْمُودَعِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ يَضْمَنُ الصَّبِيَّ الْمُودَعَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أُودِعَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ مَالًا فَاسْتَهْلَكَهُ لَا يُؤَاخِذُ بِالضَّمَانِ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَاضُ فِي الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ، وَكَذَا الْإِعَارَةُ فِيهِمَا ثُمَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ عَاقِلًا وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي صَبِيٍّ عُمُرُهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَاقِلِ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مُتَقَوِّمًا مَعْصُومًا حَقًّا لِلْمَالِكِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا أَوْ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ فِي الْحِفْظِ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ وَكَمَا إذَا أَتْلَفَهُ غَيْرُهُ فِي يَدِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا لَمَا ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي سُلِّطَ الْغَيْرُ فِيهِ عَلَى اسْتِهْلَاكِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاحِ حَتَّى لَا يَضْمَنَهُ مَنْ اسْتَهْلَكَهُ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الِاسْتِهْلَاكِ فِيهِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَلَا يُؤَاخِذُ بِضَمَانِهِ كَمَا إذَا أَتْلَفَهُ بِإِذْنِهِ وَرِضَاهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ ثَبَتَتْ حَقًّا لَهُ وَقَدْ فَوَّتَهَا عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ وَضَعَهُ فِي يَدٍ غَيْرِ مَانِعَةٍ فَلَمْ تَبْقَ مَعْصُومَةً إلَّا إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَصْبَ فِي الْحُرِّ لَا يَتَحَقَّقُ) فَلَا يَضْمَنُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ مَاتَ بِحُمَّى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِتَفْوِيتِ يَدِ الْحَافِظِ) أَيْ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَكَان يَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى وَالْأَمْرَاضُ) قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْدَعَ الْعَبْدُ إلَخْ) قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَمَنْ أَوْدَعَ عِنْدَ صَبِيٍّ مَالًا فَهَلَكَ عِنْدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الصَّبِيُّ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ضَمِنَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ قَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ. وَإِنْ كَانَ قَبِلَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا لِلْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ ضَمِنَ لِلْحَالِ وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ الصَّبِيُّ كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَانَ أَرْشُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ عَبْدٍ وَدِيعَةً فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ قَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ لَا يَضْمَنُ فِي الْحَالِ وَلَكِنْ يَضْمَنُ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ بَالِغًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ. وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ مِنْ غَيْرِ إيدَاعٍ ضَمِنَ وَأَجْمَعُوا إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا فَجَنَى عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يُؤَاخَذُ بِهِ وَيُطَالِبُ مَوْلَاهُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ اهـ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَاضُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِعَارَةِ وَالْقَرْضِ وَالْبَيْعِ وَكُلِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَاحِدٌ كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ إلَخْ) وَصُورَةُ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَجُلٍ قَدْ أَوْدَعَ صَبِيًّا قَدْ عَقَلَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَوْدَعَ غُلَامًا مَا فَقَتَلَهُ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ اهـ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ فَأَمَّا الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَيَجِبُ أَنْ يَضْمَنَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ تَسْلِيطَهُ هَدَرٌ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إلَخْ) وَالْغَالِبُ مِمَّنْ بَلَغَ هَذَا السِّنَّ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا اهـ. (قَوْلُهُ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ مَذْهَبُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا لَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ.

[باب القسامة]

أَقَامَ غَيْرَهُ مُقَامَ نَفْسِهِ فِي الْحِفْظِ وَلَا إقَامَةَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الصَّبِيِّ حَتَّى يَلْزَمَهُ وَلَا لِلصَّبِيِّ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَلْتَزِمَ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ كَالْبَالِغِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ إذْ هُوَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ فَكَانَتْ عِصْمَتُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِكِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِيمَا لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِهْلَاكِ حَتَّى يُمَكَّنَ غَيْرُهُ مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ بِالتَّسْلِيطِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ اسْتِهْلَاكِ عَبْدِهِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُمَكَّنَ غَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ تَسْلِيطُهُ فَيَضْمَنُهُ الصَّبِيُّ بِاسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (بَابُ الْقَسَامَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَتِيلٌ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ لَمْ يُدْرَ قَاتِلُهُ حَلَفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا) هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ عَنْ الْجَمْعِ وَأَمَّا عِنْدَ الْحَلِفِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا لِجَوَازِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَحْدَهُ فَيَجْتَرِئُ عَلَى يَمِينِهِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا يَعْنِي جَمِيعًا وَلَا يَعْكِسُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ كَانَ قَاتِلًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اُسْتُحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُقْضَى لَهُمْ بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ خَطَأً وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْضَى بِالْقَوَدِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاللَّوْثُ عِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ يَشْهَدَ عَدْلٌ أَوْ جَمَاعَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ لَوْثٌ يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ حَلَفُوا لَا دِيَةَ لَهُمْ وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا اُسْتُحْلِفَ الْمُدَّعُونَ وَاسْتَحَقُّوا مَا ادَّعَوْا. لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وُجِدَ قَتِيلًا فِي قَلِيبٍ مِنْ قُلُبِ خَيْبَرَ فَقَالَ عَمُّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا وَجَدْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا فِي قَلِيبٍ مِنْ قُلُبِ خَيْبَرَ وَذَكَرَ عَدَاوَةَ يَهُودٍ لَهُمْ فَقَالَ أَفَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلُوهُ قَالَ قُلْت فَكَيْفَ نَرْضَى بِأَيْمَانِهِمْ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قَالَ فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ قَالُوا كَيْفَ نُقْسِمُ عَلَى مَا لَمْ نَرَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ»، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ «أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ قَاتِلِكُمْ أَوْ صَاحِبِكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ»، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ إلَخْ) وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الصَّبِيِّ فِي يَدِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ سَقَطَتْ الْعِصْمَةُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الصَّبِيِّ دُونَ غَيْرِهِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ دُونَ غَيْرِهِ كَمَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ تَسْقُطُ عِصْمَةُ دَمِهِ فِي حَقِّ مَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فَحَسْبُ حَتَّى بَقِيَ مَعْصُومَ الدَّمِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. اهـ. غَايَةٌ. [بَابُ الْقَسَامَةِ] (بَابُ الْقَسَامَةِ) لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْقَتْلِ يَئُولُ إلَى الْقَسَامَةِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ ثُمَّ الْقَسَامَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَيْمَانِ الَّتِي تُعْرَضُ عَلَى خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ الدَّارِ إذَا وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الرِّجَالُ خَمْسِينَ رَجُلًا تَكَرَّرَ الْيَمِينُ إلَى أَنْ تَتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا وَسَبَبُهَا وُجُودُ قَتِيلٍ لَا يُدْرَى قَاتِلُهُ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَقْرَبُ إلَى الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْهُ وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَقْسِمُ رَجُلًا عَاقِلًا بَالِغًا حُرًّا لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ بِالْمَيِّتِ أَثَرُ الْقَتْلِ نَحْوَ الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَالْجِرَاحَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْأَثَرُ مَوْجُودًا فَهُوَ مَيِّتٌ لَا قَتِيلٌ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ وَمِنْ شَرْطِهَا أَيْضًا تَكْمِيلُ خَمْسِينَ يَمِينًا كَمَا بَيَّنَّا وَرُكْنُهَا أَنْ يَقُولَ مَنْ يَقْسِمُ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَا قِيَامَ لِلْقَسَامَةِ إلَّا بِهَا. وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عِنْدَنَا وَشَرْعِيَّتُهَا ثَبَتَتْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَبِالْإِجْمَاعِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ قَتِيلٌ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ وَبِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ سَمِعْنَا أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فِي الْمَحَلَّةِ أَوْ فِي دَارِ رَجُلٍ فِي الْمِصْرِ فَإِنْ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَتْ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ أَثَرُ خَنْقٍ فَإِنَّ هَذَا قَتِيلٌ وَفِيهِ الْقَسَامَةُ عَلَى عَاقِلَةِ رَبِّ الدَّارِ إذَا وُجِدَ فِي الْمَحَلَّةِ يَقْسِمُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ يَغْرَمُونَ الدِّيَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثُ وَاَلَّذِينَ يَحْلِفُونَ خَمْسُونَ رَجُلًا يَتَخَيَّرُهُمْ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَلِيُّ الدَّمِ فَإِنْ نَقَصُوا عَنْ الْخَمْسِينَ كُرِّرَتْ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ حَتَّى تَكْمُلَ خَمْسِينَ يَمِينًا. وَلَيْسَ يَحْلِفُ فِيهِمْ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا جِرَاحَةٌ فَلَيْسَ فِي هَذَا قَسَامَةٌ وَلَا دِيَةٌ هَذَا مَيِّتٌ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فِيهِمْ الْفَاسِقُ وَالصَّالِحُ فَالْخِيَارُ فِي اسْتِحْلَافِهِمْ إلَى الْوَرَثَةِ يَخْتَارُونَ أَهْلَ الصَّلَاحِ إنْ أَحَبُّوا حَتَّى يَسْتَحْلِفُوهُمْ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الصَّلَاحِ لَا يُتِمُّونَ خَمْسِينَ وَأَرَادُوا أَنْ يَرُدُّوا عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانَ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَهُمْ أَنْ يَتَخَيَّرُوا مِنْ الْبَاقِينَ تَمَامَ خَمْسِينَ رَجُلًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ) بِدَلِيلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي لِأَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْمُسْتَمِعِ وَالرَّائِي أَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ وَلَكِنَّ هَذِهِ دَلَالَةٌ فِيهَا شُبْهَةٌ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِالشُّبْهَةِ فِي الْجَدِيدِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

الْيَدِ فَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَلِيِّ يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ وَرَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي أَصْلٌ لَهُ كَمَا فِي النُّكُولِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ دَلَالَةٌ فِيهَا نَوْعُ شُبْهَةٍ وَالْقِصَاصُ لَا يُجَامِعُهَا. وَالْمَالُ يَجِبُ مَعَهَا فَتَجِبُ الدِّيَةُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْ أُعْطِي النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَسَوَّى فِي ذَلِكَ بَيْنَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَحَكَمَ فِيهِمَا بِحُكْمٍ وَاحِدٍ وَرَوَى ابْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِالْيَهُودِ فِي الْقَسَامَةِ وَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ الْمَالَ الْمُبْتَذَلَ فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفْسَ الْمُحْتَرَمَةَ. وَمَا رَوَيَاهُ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَلَئِنْ ثَبَتَ إنَّمَا قَالَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ إنْكَارًا عَلَيْهِمْ لَمَّا لَمْ يَرْضَوْا بِأَيْمَانِهِمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ إنَّ الْيَهُودَ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيمَا تَدَّعُونَ عَلَيْهِمْ غَيْرُ أَيْمَانِهِمْ. وَكَمَا لَا تُقْبَلُ مِنْكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ أَيْمَانَكُمْ فَتَسْتَحِقُّونَ بِهَا كَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْيَهُودِ بِدَعْوَاكُمْ عَلَيْهِمْ غَيْرُ أَيْمَانِهِمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ حُكْمُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَصَارَ إجْمَاعًا وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَلَا يُخْبِرُونَهُ بِهِ إذْ قَالَ لِوَادِعَةَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ وَادِعَةَ وَحَيٍّ آخَرَ يَحْلِفُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْكُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ قَالَ اغْرَمُوا فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ نَحْلِفُ وَتُغَرِّمُنَا فَقَالَ نَعَمْ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى مَا قُلْنَا. وَقَوْلُهُ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ إلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْتَارُ مَنْ يَتَّهِمُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ أَهْلَ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ أَوْ صَالِحِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِمَا أَنَّ تَحَرُّزَهُمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَبْلَغُ فَيَظْهَرُ الْقَاتِلُ وَلَوْ اخْتَارُوا أَعْمًى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ جَازَ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَلَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ بِخِلَافِ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ شَهَادَةٌ فَلَا تَلَاعُنَ بَيْنَ الْمَحْدُودِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ إذْ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِذَا حَلَفُوا فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الدِّيَةُ وَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ). وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْلِفُ الْوَلِيُّ بَعْدَمَا حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فَإِذَا حَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ قَضَى لَهُمْ بِالدِّيَةِ فَلَا تَجِبُ بِمُجَرَّدِ يَمِينِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تُبَرِّئُكُمْ الْيَهُودُ بِأَيْمَانِهَا»، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ عَهْدٌ فِي الشَّرْعِ مُبَرِّئًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا مُلْزِمًا كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ وَالْأَثَرِ «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تُبَرِّئُكُمْ الْيَهُودُ» مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبْرَاءِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْحَبْسِ وَالْيَمِينِ مَشْرُوعَةٌ لِتَعْيِينِ الْقَاتِلِ لَا لِتَجِبَ الدِّيَةُ عِنْدَ نُكُولِهِمْ حَتَّى تَنْتَفِيَ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ الْمَوْجُودِ مِنْهُمْ ظَاهِرًا أَوْ لِتَقْصِيرِهِمْ عَنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْقَتْلِ خَطَأً وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ الْيَمِينَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ فِيهِ لِذَاتِهِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ وَلِهَذَا يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ بِخِلَافِ النُّكُولِ فِي الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ عَنْ أَصْلِ حَقِّهِ. وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِبَذْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَالَ الْمُدَّعَى وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَسْقُطُ بِبَذْلِهِ الدِّيَةَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ لَا بِأَعْيَانِهِمْ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ لَا يَتَمَيَّزُونَ عَنْ الْبَاقِي وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ بِأَعْيَانِهِمْ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ. وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ تَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَيُقَالُ لِلْوَلِيِّ أَلَك بَيِّنَةٌ فَإِنْ قَالَ لَا يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً. وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِثْلَهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا عُرِفَ بِالنَّصِّ إذَا كَانَ فِي مَكَان يُنْسَبُ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَفِيمَا وَرَاءَهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، وَلِأَنَّ دَعْوَاهُ إبْرَاءٌ لَهُمْ حَيْثُ ادَّعَى مَعْرِفَةَ مَنْ قَتَلَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إذْ قَالَ) أَيْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَادِعَةَ) حَيٌّ مِنْ هَمْدَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحَيٍّ آخَرَ) وَالْقَتِيلُ إلَى وَادِعَةَ أَقْرَبُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ اغْرَمُوا) حَتَّى قَالُوا لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ لَا أَيْمَانُنَا تَدْفَعُ عَنْ أَمْوَالِنَا وَلَا أَمْوَالُنَا تَدْفَعُ عَنْ أَيْمَانِنَا فَقَالَ عُمَرُ أَمَّا أَيْمَانُكُمْ فَلِحَقْنِ دِمَائِكُمْ وَأَمَّا أَمْوَالُكُمْ فَلِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً) أَيْ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ جَمِيعًا أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ لَا بِأَعْيَانِهِمْ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْعَمْدِ أَوْ فِي الْخَطَأِ لِأَنَّ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى الْجَمِيعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ بِأَعْيَانِهِمْ) سَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي الْمَتْنِ آخِرَ الْبَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ) يَعْنِي تَجِبُ الْقَسَامَةِ (قَوْلُهُ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ أَيْ فِي كِتَابِ الْقُدُورِيِّ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَ بِقَوْلِهِ وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلَّةٍ لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ اُسْتُحْلِفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ إلَخْ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ وُجُوبَ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الدَّعْوَى بِالْوُقُوعِ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ عَلَى الْبَعْضِ لَا بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ بِأَعْيَانِهِمْ وَأَجَابَ فِي الْمَبْسُوطِ كَذَلِكَ أَعْنِي أَوْجَبَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى الْبَعْضِ بِعَيْنِهِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ قَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ بِحَالِهَا اهـ (قَوْلُهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ) أَيْ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا عُرِفَ) أَيْ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا كَانَ) أَيْ الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. اهـ. غَايَة (قَوْلُهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ) فَلَمْ تَجِبْ الْقَسَامَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِهِمْ) أَيْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ فِيهِ اهـ.

وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِي إطْلَاقِ النُّصُوصِ بَيْنَ دَعْوَى وَدَعْوَى فَيَجِبَانِ بِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ لَا بِالْقِيَاسِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ. ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ فَلَوْ أَوْجَبْنَاهُمَا لَأَوْجَبْنَاهُمَا بِالْقِيَاسِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ ثُمَّ حُكْمُ ذَلِكَ أَنْ يَثْبُتَ مَا ادَّعَاهُ إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ اسْتَحْلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَسَامَةٍ لِانْعِدَامِ النَّصِّ وَامْتِنَاعِ الْقِيَاسِ ثُمَّ إنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ فَفِي دَعْوَى الْمَالِ يَثْبُتُ وَفِي دَعْوَى الْقِصَاصِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَتِمُّ الْعَدَدُ كَرَّرَ الْحَلِفَ عَلَيْهِمْ لِيَتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا)؛ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ فَيَجِبُ إتْمَامُهَا مَا أَمْكَنَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوُقُوفُ عَلَى الْفَائِدَةِ فِيمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قَضَى بِالْقَسَامَةِ وَافَى عِنْدَهُ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا فَكَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ حَتَّى تَمَّتْ خَمْسِينَ ثُمَّ قَضَى بِالدِّيَةِ وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ فِيهِ اسْتِعْظَامًا لِأَمْرِ الدَّمِ فَيُكْمِلُ، وَتَكْرَارُ الْيَمِينِ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ مُمْكِنٌ شَرْعًا كَمَا فِي كَلِمَاتِ اللِّعَانِ وَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ كَامِلًا فَأَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يُكَرِّرَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى التَّكْرَارِ ضَرُورَةَ الْإِكْمَالِ وَقَدْ كَمُلَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ)؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ، وَإِنَّمَا هُمْ أَتْبَاعٌ وَالنُّصْرَةُ لَا تَقُومُ بِالِاتِّبَاعِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ، وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَالْيَمِينُ قَوْلٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِي مَيِّتٍ لَا أَثَرَ بِهِ أَوْ يَسِيلُ دَمٌ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ بِخِلَافِ عَيْنِهِ وَأُذُنِهِ)؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ فِي الْقَتِيلِ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَتِيلٍ، وَإِنَّمَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَا قَسَامَةَ وَلَا غَرَامَةَ؛ لِأَنَّ الْغَرَامَةَ تَتْبَعُ فِعْلَ الْعَبْدِ وَالْقَسَامَةِ لِاحْتِمَالِ الْقَتْلِ مِنْهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ أَثَرٍ يَكُونُ بِالْمَيِّتِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَتِيلٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَثَرِ لَا يَكُونُ بِفِعْلِ الْبَشَرِ فَلَا يَكُونُ قَتِيلًا، وَكَذَا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ فِيهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ دُبُرِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَخَارِقَ يَخْرُجُ مِنْهَا الدَّمُ عَادَةً فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَتِيلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَادَةً إلَّا مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ فَيَكُونُ قَتِيلًا ظَاهِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ إلَخْ) فِيمَا إذَا كَانَ الدَّعْوَى عَلَى الْبَعْضِ بِعَيْنِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إلَخْ) بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبِيهِ بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى قِصَاصًا عَلَى غَيْرِهِ فَجَحَدَا اُسْتُحْلِفَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْأَرْشُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مَعْنَى النُّكُولِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَذْلِ مَا دُونَ النَّفْسِ يَصِحُّ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَذِنَ لِرَجُلٍ فِي قَطْعِ يَدِهِ فَفَعَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ قِصَاصٌ وَلَا ضَمَانَ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ بِحَقٍّ فَإِذَا صَحَّ بَذْلُهُ جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالنُّكُولِ كَالْأَمْوَالِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا النُّكُولُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ بِدَلِيلِ افْتِقَارِهِ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ وَالْإِقْرَارُ حُكْمُهُ ثَابِتٌ بِنَفْسِهِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَثْبُتُ بِمَا قَامَ مَقَامَ الْغَيْرِ وَمَتَى تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ وَجَبَ الْمَالُ كَدَمِ الْعَمْدِ الْمُشْتَرَكِ إذْ عَفَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يَقْرَأَ وَيَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ جُوعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ كَمَا فِي النُّكُولِ فِي الطَّرَفِ وَقَدْ كَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ لِمَا مَرَّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَإِنَّمَا اُسْتُحْسِنَ فِي إسْقَاطِ الْقِصَاصِ اسْتِعْظَامًا لِحُرْمَةِ النَّفْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِغَيْرِهَا مِنْ تَكْرَارِ الْأَيْمَانِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا وَإِنَّمَا قَالَ يُحْبَسُ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ تَكُونُ نَفْسَ الْحَقِّ بِدَلِيلِ اجْتِمَاعِ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ فِي الْقَتِيلِ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمَحَلَّةِ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ نَفْسَ الْحَقِّ فَمَتَى امْتَنَعَ مِنْ إيفَائِهَا وَتَعَذَّرَ الْحُكْمُ بِمُوجِبِ نُكُولِهِ وَجَبَ أَنْ يُحْبَسَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ وَجَبَ الْمَالُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ كَرَّرَ الْحَلِفَ عَلَيْهِمْ إلَخْ) وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فِيهِمْ الْفَاسِقُ وَالصَّالِحُ فَالْخِيَارُ فِي اسْتِحْلَافِهِمْ إلَى الْوَرَثَةِ يَخْتَارُونَ أَهْلَ الصَّلَاحِ إنْ أَحَبُّوا حَتَّى يَسْتَحْلِفُوهُمْ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الصَّلَاحِ لَا يُتِمُّونَ خَمْسِينَ وَأَرَادُوا أَنْ يَرُدُّوا عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانَ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَهُمْ أَنْ يَتَخَيَّرُوا مِنْ الْبَاقِي تَمَامَ خَمْسِينَ رَجُلًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِيُتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَفِي غَالِبِ نُسَخِ الْمَتْنِ خَمْسُونَ بِالرَّفْعِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِي مَيِّتٍ لَا أَثَرَ بِهِ إلَخْ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ وَدَلَالَةُ الْقَتْلِ جِرَاحَةٌ تُوجَدُ أَوْ دَمٌ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ يَصْعَدُ مِنْ جَوْفِهِ إلَى فِيهِ فَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ يَنْزِلُ مِنْ رَأْسِهِ إلَى فِيهِ فَلَيْسَ يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْقَتْلِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ الْفَمِ عَلَى التَّفْصِيلِ اهـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْقَتِيلَ اسْمٌ لِمَيِّتٍ مَاتَ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ حَيٌّ عَادَةً فَإِذَا وُجِدَ فِي الْمَحَلِّ سَبَبٌ قَاتِلٌ عَادَةً يُوجَدُ مِنْ الْعِبَادِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَتِيلٌ وَإِلَّا فَلَا وَخُرُوجُ الدَّمِ مِنْ مَوْضِعٍ يَخْرُجُ مِنْهُ عَادَةً مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ لَا يَكُونُ أَثَرُ الْقَتْلِ كَمَا إذَا خَرَجَ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ فَمِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ رُعَافٍ فَلَمْ يَصْلُحْ دَلِيلًا عَلَى وُجُودِ سَبَبٍ فِي الْمَحَلِّ، وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الْقَتْلِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِعِلَّةٍ فِي الْبَاطِنِ وَقَدْ يَكُونُ لِأَكْلِ شَيْءٍ غَيْرِ مُوَافِقٍ، وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ مِنْ الْإِحْلِيلِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الْقَتْلِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِعِرْقٍ انْفَجَرَ فِي الْبَاطِنِ أَوْ لِضَعْفِ الْكُلَى أَوْ لِضَعْفِ الْكَبِدِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ أَيْضًا وَأَمَّا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ أُذُنِهِ أَوْ عَيْنِهِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ الْقَتْلِ ظَاهِرًا لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا عَادَةً إلَّا بِضَرْبٍ حَادِثٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَرَامَةَ) أَرَادَ بِهَا الدِّيَةَ اهـ.

فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ عَيْنِهِ وَأُذُنِهِ. أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ وَلَوْ وُجِدَ بَدَنُ الْقَتِيلِ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ أَوْ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فِي مَحَلَّةٍ فَعَلَى أَهْلِهَا الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَإِنْ وُجِدَ نِصْفُهُ مَشْقُوقًا بِالطُّولِ أَوْ وُجِدَ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ كَانَ مَعَهُ الرَّأْسُ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ عُرِفَ بِالنَّصِّ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ فِي الْبَدَنِ وَلَكِنْ أَعْطَيْنَا لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَأَجْرَيْنَا عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ وَالْأَقَلُّ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَاهُ لَاجْتَمَعَتْ الدِّيَاتُ وَالْقَسَامَاتُ بِمُقَابَلَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ بِأَنْ تُوجَدَ أَطْرَافُهُ فِي الْقُرَى مُتَفَرِّقَةً وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَنْتَفِي مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ فَيَجْرِيَانِ فِي الْأَكْثَرِ أَوْ النِّصْفِ مَعَ الرَّأْسِ لَا غَيْرُ احْتِرَازًا عَنْ التَّكْرَارِ وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَرَّرُ كَالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ. وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ جَنِينٌ أَوْ سِقْطٌ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوقُ الْكَبِيرَ حَالًا وَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَهُوَ تَامُّ الْخَلْقِ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا وَإِنْ كَانَ نَاقِصَ الْخَلْقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ مَيِّتًا ظَاهِرًا، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فِي تَامِّ الْخَلْقِ بِالظَّاهِرِ وَلَمْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَذَكَرَهُ بِالظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ أَقَلُّ خَطَرًا وَلِهَذَا يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَلَا تَجِبُ فِيمَا لَمْ تُعْلَمْ سَلَامَتُهُ يَقِينًا بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّ خَطَرَهَا عَظِيمٌ فَيَجِبُ بَدَلُهَا بِالظَّاهِرِ وَلِهَذَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ الْقَتْلِ مِنْهُمْ بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ، وَلِأَنَّ الْجَنِينَ نَفْسٌ فَاعْتَبَرْنَا جِهَةَ النَّفْسِ إنْ انْفَصَلَ حَيًّا فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِتَمَامِ الْخَلْقِ وَعُضْوٍ مِنْ وَجْهٍ فَاعْتَبَرْنَا جِهَةَ الْعُضْوِ إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ الْخَلْقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَتِيلٌ عَلَى دَابَّةٍ مَعَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ رَاكِبٌ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ)؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي دَارِهِ وَإِنْ اجْتَمَعَ فِيهَا السَّائِقُ وَالْقَائِدُ وَالرَّاكِبُ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْقَتِيلَ فِي أَيْدِيهِمْ دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا وُجِدَ فِي دَارِهِمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لِلدَّابَّةِ بِخِلَافِ الدَّارِ وَالْفَرْقُ أَنَّ تَدْبِيرَ الدَّابَّةِ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لَهَا وَتَدْبِيرُ الدَّارِ إلَى مَالِكِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِيهَا وَقِيلَ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَالِك الدَّابَّةِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّارِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى السَّائِقِ إلَّا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا مُخْتَفِيًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَنْقُلُ قَرِيبَهُ الْمَيِّتِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان لِلدَّفْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الدَّابَّةِ أَحَدٌ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّذِينَ وُجِدَ فِيهِمْ الْقَتِيلُ عَلَى الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ عَلَى الدَّابَّةِ كَوُجُودِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الدَّابَّةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَرَّتْ دَابَّةٌ عَلَيْهَا قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ بِأَنْ يُذْرَعَ فَوُجِدَ إلَى أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ، وَكَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ وَادِعَةَ وَأَرْحَبَ فَوُجِدَ إلَى وَادِعَةَ أَقْرَبَ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ وَقِيلَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانُوا بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ. وَأَمَّا إذَا كَانُوا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ يُمْكِنُهُمْ الْغَوْثُ فَيُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فِي النُّصْرَةِ وَإِذَا كَانُوا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ لَا يُمْكِنُهُمْ الْغَوْثُ فَلَا يُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فِي النُّصْرَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ)؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ وَيَنْتَصِرُ بِعَاقِلَتِهِ وَلَا تَدْخُلُ السُّكَّانُ فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْمُلَّاكِ عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ) أَيْ تَكْرَارُ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ اهـ (قَوْلُهُ فَيَجْرِيَانِ) أَيْ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ) أَيْ لَوْ وُجِدَ فِي الْمَحَلَّةِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ فِيهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ بِلَفْظِ الْعُقَلَاءِ بِتَأْوِيلِ إرَادَةِ الْقَوْمِ أَوْ الْجَمَاعَةِ أَوْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا) فَيَكُونُ قَتِيلًا ظَاهِرًا لِوُجُودِ دَلِيلِ الْقَتْلِ وَهُوَ الْأَثَرُ وَلَا يُقَالُ الظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَلِسَانِهِ وَذَكَرِهِ إذَا لَمْ تَعْلَمْ صِحَّتَهُ سِوَى حُكُومَةِ الْعَدْلِ وَلَمْ يَجِبْ مَا وَجَبَ فِي التَّسْلِيمِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ سَلَامَتَهَا لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي الْأَطْرَافِ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ الصِّحَّةَ مَا يَجِبُ فِي السَّلِيمِ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَلَيْسَ لَهَا تَعْظِيمُ النُّفُوسِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالصِّحَّةِ شَيْءٌ مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ بِخِلَافِ الْجَنِينِ فَإِنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ وَعُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَإِذَا انْفَصَلَ تَامَّ الْخَلْقِ وَبِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَجَبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ تَعْظِيمًا لِلنُّفُوسِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَتِيلٌ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الْقَتْلِ وَهُوَ الْأَثَرُ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ تَامِّ الْخَلْقِ أَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا وَأَمَّا إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ لَا يَفُوقُ حَالَ الْكَبِيرِ فَإِذَا وُجِدَ الْكَبِيرُ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ فَكَذَا هُنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ حَيًّا اهـ (قَوْلُهُ فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ الْخَلْقِ) فَكَانَ الظَّاهِرُ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الْقَتْلِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَحَلَّةِ وَبِهِ أَثَرُ الْجِرَاحَةِ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ لَا بِسَبَبِ الْجِرَاحَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَنْقُلُ قَرِيبَهُ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَا يَجِبُ عَلَى السَّائِقِ وَقَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَجِبُ عَلَى السَّائِقِ فَفَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ السَّائِقُ يَسُوقُهَا مُخْتَفِيًا يَجِبُ عَلَيْهِ وَعِلَّتُهُ تُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ إلَخْ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَادِعَةَ وَأَرْحَبَ) هُمَا حَيَّانِ مِنْ هَمْدَانَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالُوا وَهَذَا إذَا كَانَ بِحَالٍ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فِي النُّصْرَةِ) فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَى أَحَدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْيَهُودِ وَكَانُوا سُكَّانًا بِخَيْبَرَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ قَسَّمَ خَيْبَرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُلَّاكَ هُمْ الْمُخْتَصُّونَ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ عَادَةً دُونَ السُّكَّانِ، وَلِأَنَّ سُكْنَى الْمُلَّاكِ أَلْزَمُ وَقَرَارُهُمْ أَدْوَمُ فَكَانَتْ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ فَيَتَحَقَّقُ التَّقْصِيرُ مِنْهُمْ وَأَمَّا أَهْلُ خَيْبَرَ فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْخَرَاجِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ السُّكَّانِ وَالْمُشْتَرِينَ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَأَهْلُ الْخُطَّةِ هُمْ الَّذِينَ خَطَّ لَهُمْ الْإِمَامُ وَقَسَّمَ الْأَرَاضِيَ بِخَطِّهِ لِيُمَيِّزَ أَنْصِبَاءَهُمْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكُلُّ مُشْتَرِكُونَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَلِهَذَا جُعِلُوا مُقَصِّرِينَ جُنَاةُ الْوِلَايَةِ أَيْ وِلَايَةُ الْحِفْظِ بِاعْتِبَارِ الْكَوْنِ فِيهِ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ فَصَارَ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ لِلْخُطَّةِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقْدِيمِ لَمَا شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ فِي الْعُرْفِ فَيَخْتَصُّ بِعُهْدَتِهَا؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ وَالْقَسَامَةَ تَجِبَانِ بِسَبَبِهَا، وَلِأَنَّ أَهْلَ الْخُطَّةِ أَصِيلٌ وَالْمُشْتَرِي دَخِيلٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَى الْأَصِيلِ وَفِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَى الْمَالِكِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْقَرْيَةِ وَالْمَحَلَّةِ وَقِيلَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَنَى ذَلِكَ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ) أَيْ إنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ لِزَوَالِ مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَلَصَتْ لَهُمْ الْوِلَايَةُ لِزَوَالِ مَنْ يُزَاحِمُهُمْ ثُمَّ إذَا وُجِدَ فِي دَارِ إنْسَانٍ تَدْخُلُ الْعَاقِلَةُ فِي الْقَسَامَةِ فِي الْقَسَامَةِ إنْ كَانُوا حَاضِرِينَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَدْخُلُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ أَخَصُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهَا كَأَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا يُشَارِكُهُمْ عَوَاقِلُهُمْ فِيهَا فَصَارُوا كَمَا إذَا كَانُوا غَائِبِينَ وَلَهُمَا أَنَّهُمْ بِالْحُضُورِ لَزِمَتْهُمْ نُصْرَةُ الْبُقْعَةِ كَمَا تَلْزَمُ صَاحِبَ الدَّارِ فَيُشَارِكُونَهُ فِي الْقَسَامَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ عَلَى التَّفَاوُتِ فَهِيَ عَلَى الرُّءُوسِ) أَيْ إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ أَنْصِبَاؤُهُمْ فِيهَا مُتَفَاضِلَةٌ بِأَنْ كَانَتْ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ مَثَلًا لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِلثَّالِثِ السُّدُسُ تَنْقَسِمُ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ يُزَاحِمُ صَاحِبَ الْكَثِيرِ فِي التَّدْبِيرِ فَكَانُوا سَوَاءً فِي الْحِفْظِ وَالتَّقْصِيرِ فَيَكُونُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بِيعَ وَلَمْ يَقْبِضْ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَفِي الْخِيَارِ عَلَى ذِي الْيَدِ) أَيْ إذَا بِيعَتْ الدَّارُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ فَعَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُزِّلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ وَدِيعَةً تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ دُونَ الْمُودِعِ وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ وَفِي الَّذِي شَرَطَ فِيهِ الْخِيَارَ يُعْتَبَرُ قَرَارُ الْمِلْكِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ لَا بِالْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَا يَقْدِرُ بِالْمِلْكِ بِدُونِ الْيَدِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَفِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ الْيَدُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَا فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْبَاتِّ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ فَهُوَ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ تَصَرُّفًا وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَهُوَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَالْمَغْصُوبِ فَتُعْتَبَرُ يَدُهُ إذْ بِهَا يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ لَا عَلَى الضَّامِنِ، وَهَذِهِ ضَمَانُ جِنَايَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ عَلَيْهِمْ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ هُوَ عَلَيْهِمْ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ السُّكَّانِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ يَعْقُوبُ وَإِنَّمَا قَسَامَةُ الْقَتِيلِ ... عَلَى ذَوِي الْخُطَّةِ وَالدَّخِيلِ قَالَ فِي الْحَصْرِ مَا نَصُّهُ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَحَلَّةِ أَصْحَابُ الْخُطَطِ وَالْمُشْتَرُونَ وَالسُّكَّانُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ كُرِّرَ عَلَيْهِ خَمْسُونَ يَمِينًا وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ مَبْنَى هَذَا الْأَمْرِ عَلَى التَّدْبِيرِ وَالرَّأْيِ وَالنِّسْبَةِ، وَذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي دَارٍ فَهُوَ عَلَى مَالِكِهَا دُونَ خَدَمِهِ وَأُجَرَائِهِ وَإِذَا وُجِدَ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ فَعَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى أَهْلُ الْخُطَّةِ وَالْمُشْتَرُونَ وَالسُّكَّانُ سَوَاءٌ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ لِأَنَّ وُجُوبَهَا عَلَيْهِمْ لِالْتِزَامِهِمْ الْحِفْظَ أَوْ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَهُمْ وَالْكُلُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ اهـ مَا قَالَهُ فِي الْحَصْرِ وَقَالَ فِي الْمُصَفَّى فِي شَرْحِ هَذَا الْبَيْتِ مَا نَصُّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَحَلَّةِ أَصْحَابُ الْخُطَطِ وَالْمُشْتَرُونَ وَالسُّكَّانُ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ وَقَالَا عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ كُرِّرَ عَلَيْهِ خَمْسُونَ يَمِينًا وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ بِأَنْ بَاعُوا كُلُّهُمْ فَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِينَ فَإِنْ قُلْت هَلْ فِي الْبَيْتِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ الدَّخِيلِ قُلْت نَعَمْ لِأَنَّهُ لَا جَائِزَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَسَامَةِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَجِبَ عَلَى الدَّخِيلِ لِأَنَّ فِيهِ قَلْبَ الْمَعْقُولِ وَنَقْضَ الْأُصُولِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَذْهَبُ الْخِلَافُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَجِبَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ فَحَسْبُ وَالدَّخِيلُ فَعِيلٌ مِنْ دَخَلَ وَأَرَادَ بِهِ الْمُشْتَرِينَ وَالسُّكَّانَ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ كَانُوا حَاضِرِينَ عِنْدَهُمَا) وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ تَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ. اهـ. غَايَةٌ

فَتَجِبُ عَلَى الضَّامِنِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْمِلْكُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَلَا مِلْكَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ ضَمَانُ تَرْكِ الْحِفْظِ وَهُوَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحِفْظِ وَهُوَ مَنْ لَهُ يَدٌ أَصَالَةً لَا يَدٌ نِيَابَةً وَيَدُ الْمُودِعِ يَدُ نِيَابَةٍ، وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُرْتَهِنُ، وَكَذَا الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَنَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَعْقِلُ عَاقِلَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِذِي الْيَدِ) أَيْ إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَا تَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ صَاحِبِ الْيَدِ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى تَعْقِلَهُ عَاقِلَتُهُ عَنْهُ وَالْيَدُ وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَلَكِنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ فَلَا تَكْفِي لِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا لَا تَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالظَّاهِرِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ الْمَوْجُودُ فِيهَا هُوَ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ غَيْرُهُ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْفُلْكِ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الرُّكَّابِ وَالْمَلَّاحِينَ)؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ فَيَسْتَوِي الْمَالِكُ وَغَيْرُهُ فِيهِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي فِي الدَّارِ بَيْنَ السُّكَّانِ وَالْمُلَّاكِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْفُلْكَ تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ فَتَكُونُ فِي الْيَدِ حَقِيقَةً فَتُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَدُ دُونَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الدَّابَّةِ بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ عَلَى أَهْلِهَا وَفِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ لَا قَسَامَةَ وَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ)؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ إلَيْهِمْ وَالْجَامِعُ وَالشَّارِعُ لِلْعَامَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالْقَسَامَةُ لِنَفْيِ تُهْمَةِ الْقَتْلِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَدِيَتُهُ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْعَامَّةِ، وَكَذَلِكَ الْجُسُورُ الْعَامَّةُ وَالْأَسْوَاقُ الْعَامَّةُ الَّتِي فِي الشَّوَارِعِ، وَكَذَا لَوْ وُجِدَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ يَكُونُ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي السُّوقِ الَّتِي هِيَ لِلْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي مِثْلِ هَذَا كُلِّهِ إلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ لَا إلَى أَهْلِ هَذِهِ السُّوقِ بِخِلَافِ الْأَسْوَاقِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَهْلِهَا أَوْ الَّتِي فِي الْمَحَالِّ وَالْمَسَاجِدِ الَّتِي فِيهَا حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِيهَا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ عَلَى الْمُلَّاكِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا؛ لِأَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ بِحِفْظِ أَرْبَابِهَا أَوْ بِحِفْظِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي صَفٍّ مِنْ السُّوقِ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الصَّفِّ يَبِيتُونَ فِي حَوَانِيتِهِمْ فَدِيَةُ الْقَتِيلِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا لَا يَبِيتُونَ فِيهَا فَالدِّيَةُ عَلَى الَّذِينَ لَهُمْ مِلْكُ الْحَوَانِيتِ وَلَوْ وُجِدَ فِي السِّجْنِ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَهْلِهِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ السُّكَّانِ وَالْمُلَّاكِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُهْدَرُ لَوْ فِي بَرِيَّةٍ أَوْ وَسْطِ الْفُرَاتِ)؛ لِأَنَّ الْفُرَاتَ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ وَلَا فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ يَمُرُّ بِهِ الْمَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ النَّهْرُ صَغِيرًا بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ حَيْثُ يَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَى أَهْلِهِ لِقِيَامِ يَدِهِمْ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْبَرِيَّةُ لَا يَدَ لِأَحَدٍ فِيهَا وَلَا مِلْكَ فَيُهْدَرُ مَا وُجِدَ فِيهَا مِنْ الْقَتِيلِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْبَرِيَّةُ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ أَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ وَعَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ لِمَا بَيَّنَّا. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ النَّهْرَ الْعَظِيمَ إذَا كَانَ مَوْضِعَ انْبِعَاثِ مَائِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَوْضِعَ انْبِعَاثِ مَائِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَتِيلَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَيُهْدَرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مُحْتَبِسًا بِالشَّاطِئِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى) أَيْ لَوْ كَانَ الْقَتِيلُ مُحْتَبِسًا فِي شَاطِئِ النَّهْرِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ الشَّطَّ فِي أَيْدِيهِمْ يَسْتَقُونَ مِنْهُ وَيُورِدُونَ دَوَابَّهُمْ فَكَانُوا أَخَصَّ بِنُصْرَتِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَكُونُ ضَمَانُ الْمُحْتَبِسِ فِيهِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَوْضُوعِ بِالشَّطِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ تُسْقِطُ الْقَسَامَةَ عَنْهُمْ وَعَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ لَا) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مَعَ تَشَعُّبِهِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ وَالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِيهِ فَلَا نُعِيدُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ فَأَجْلَوْا عَنْ قَتِيلٍ فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ عَلَى أُولَئِكَ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ)؛ لِأَنَّ الْقَتِيلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْحِفْظُ عَلَيْهِمْ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ إلَّا إذَا أَبْرَأَهُمْ الْوَلِيُّ بِدَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى أُولَئِكَ كُلِّهِمْ أَوْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ فَيَبْرَأُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَلَا يَثْبُتُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِحُجَّةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ أَهْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِهِ يُرِيدُ بِهِ إذَا أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ لَهُ وَقَالُوا هِيَ وَدِيعَةٌ فِي يَدِك فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الْمِلْكِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَ فِي السِّجْنِ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ أَهْلَ السِّجْنِ مَقْهُورُونَ فَلَا يَتَنَاصَرُونَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مَا يَجِبُ لِأَجْلِ النُّصْرَةِ، وَلِأَنَّهُ بُنِيَ لِاسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا كَانَ غُنْمُهُ يَعُودُ إلَيْهِمْ فَغُرْمُهُ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَهْلِهِ) لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَتْلَ مِنْهُمْ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ السُّكَّانِ وَالْمُلَّاكِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهَا فِي الْوَرَقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ اهـ (قَوْلُهُ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ) يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْ الْقُرَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَأَجْلَوْا) أَيْ انْكَشَفُوا وَانْفَرَجُوا يَعْنِي ذَهَبُوا وَتَرَكُوا قَتِيلًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَبْرَأَهُمْ الْوَلِيُّ بِدَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى أُولَئِكَ) أَيْ الَّذِينَ الْتَقَوْا بِالسُّيُوفِ اهـ.

الْمَحَلَّةِ يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ يُبَرَّءُونَ بِدَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْرَءُونَ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ فَلَا يَسْتَقِيمُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الَّذِينَ الْتَقَوْا بِالسُّيُوفِ يَسْتَقِيمُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ هَذَا إذَا كَانَ الْفَرِيقَانِ غَيْرَ مُتَأَوِّلَيْنِ اقْتَتَلُوا عَصَبِيَّةً وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ أَوْ خَوَارِجَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَيَجْعَلُ ذَلِكَ مِمَّنْ أَصَابَهُ الْعَدُوُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحْلِفُ قَتَلَهُ زَيْدٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ زَيْدٍ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ صَارَ مُسْتَثْنًى عَنْ الْيَمِينِ وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ سِوَاهُ عَلَى حَالِهِ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُسْتَحْلِفِ أَنَّهُ قَتَلَهُ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَيَحْلِفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ الْقَاتِلَ وَاعْتَرَفَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ يَجُوزُ أَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ لَهُ قَاتِلًا آخَرَ مَعَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ شَهَادَةُ بَعْضِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِمْ أَوْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمَّا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ تَبَيَّنَّ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِخُصَمَاءَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرُوا خُصَمَاءَ وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَلَهُ أَنَّهُمْ خُصَمَاءُ بِإِنْزَالِهِمْ قَاتِلِينَ لِلتَّقْصِيرِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ الْخُصُومَةِ كَالْوَصِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْوِصَايَةِ بَعْدَمَا قَبِلَهَا ثُمَّ شَهِدَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا وَمَنْ كَانَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَلَمْ يَنْتَصِبْ خَصْمًا بَعْدُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَهَذَانِ الْأَصْلَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا غَيْرَ أَنَّهُمَا يَجْعَلَانِ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ مِمَّنْ لَهُ عَرْضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَهُوَ يَجْعَلُهُمْ مِمَّنْ انْتَصَبَ خَصْمًا وَعَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ يَتَخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ فَمِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إذَا خَاصَمَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ عُزِلَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَالشَّفِيعُ إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَرَكَهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْبَيْعِ وَمِنْ جِنْسِ الثَّانِي أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا لَمْ يُخَاصِمْ وَالشَّفِيعُ إذَا لَمْ يَطْلُبْ وَشَهِدَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِهَا عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ وَالشَّاهِدُ يَقْطَعُهَا عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ. وَلَوْ وُجِدَ الرَّجُلُ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ حِينَ وُجِدَ الْجُرْحُ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَيَكُونُ هَدَرًا وَلَهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْقَتْلِ فِي مِلْكِهِ وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الدِّيَةِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ وَحَالَ ظُهُورِ الْقَتْلِ الدَّارُ لِلْوَرَثَةِ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي مِلْكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَا يَسْتَقِيمُ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. . (قَوْلُهُ وَهُوَ يَجْعَلُهُمْ مِمَّنْ انْتَصَبَ خَصْمًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ وَهِيَ مَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ عِنْدَ دَعْوَى الْوَلِيِّ الْقَتْلَ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ شَهِدَا بِأَنَّهُ قَتَلَهُ جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَهَادَتَهُمَا شَهَادَةَ مَنْ انْتَصَبَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا فَشَهِدَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ نَفْسَ وُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ جَعَلَهُمَا خَصْمًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَجَعَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ شَهَادَتَهُمَا هَذِهِ شَهَادَةَ رَجُلٍ لَهُ عَرَضِيَّةٌ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا ثُمَّ لَمْ يَصِرْ خَصْمًا فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُونَ خَصْمًا لَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَيْهِمْ فَإِذَا ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِمْ زَالَتْ هَذِهِ الْعَرْضِيَّةُ. وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا خُصَمَاءَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ أَصْلًا فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ فِيهَا كَالشَّفِيعِ إذَا شَهِدَ بِالْبَيْعِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ صَارُوا خُصَمَاءَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَمَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْخُصُومَةِ كَالْوَكِيلِ إذَا خُوصِمَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ ثُمَّ عُزِلَ وَشَهِدَ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ وُجُودُ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ كَمَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا أُغَرِّمُكُمْ الدِّيَةَ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَبِدَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ خَرَجُوا مِنْ الْخُصُومَةِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا إلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ اهـ وَإِنَّمَا نَقَلْت هَذَا لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ)، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ عَنْ الْيَتِيمِ خَصْمٌ فِي حُقُوقِهِ وَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْيَتِيمِ شَرْعًا فِي حُقُوقِهِ. ثُمَّ لَوْ بَلَغَ الْيَتِيمُ فَشَهِدَ الْوَصِيُّ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ جِنْسِ الثَّانِي) أَيْ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَرَضِيَّةٌ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَشَهِدَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا)، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلَانِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَا قَبْلَ الْخُصُومَةِ ثُمَّ شَهِدَا بِذَلِكَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ إنَّمَا يَصِيرُ خَصْمًا لِمَكَانِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ فَصَارَتْ الْوَكَالَةُ مُقَيَّدَةً بِالْمَكَانِ فَلَا تَثْبُتُ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ وَقَّتَ بِالزَّمَانِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ فَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَظْهَرُ وَمَا قَالَاهُ أَحَقُّ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا اهـ نِهَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَيْ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ لِوَرَثَتِهِ اهـ. فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَا) أَيْ وَزُفَرُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ) أَيْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ لِلْوَرَثَةِ هَذَا إذَا اخْتَلَفَ الْعَوَاقِلُ أَمَّا إذَا اتَّحَدَتْ عَاقِلَةُ الْمَقْتُولِ مَعَ عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَقْتُولِ لِلْوَرَثَةِ فَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عَلَى مَا إذَا اتَّحَدَ

[كتاب المعاقل]

حُكْمًا وَقْتَ ظُهُورِ الْقَتْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَهَدَرَ دَمَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ. فَيَبْقَى مِلْكُهُ كَذَلِكَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا فِي بَيْتٍ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ وَوُجِدَ أَحَدُهُمَا مَذْبُوحًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ الْآخَرُ الدِّيَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَتَلَهُ الْآخَرُ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ فَكَانَ تَوَهُّمُ ذَلِكَ سَاقِطًا فَصَارَ كَمَا إذَا وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ الْقَسَامَةُ عَلَيْهَا وَتُكَرَّرُ عَلَيْهَا الْأَيْمَانُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَسَامَةُ أَيْضًا عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا فَأَشْبَهَتْ الصَّبِيَّ وَلَهُمَا أَنَّ الْقَسَامَةَ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ وَتُهْمَةُ الْقَتْلِ مِنْ الْمَرْأَةِ مُتَحَقِّقَةٌ ثُمَّ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْمَرْأَةَ تَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي التَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّا أَنْزَلْنَاهَا قَاتِلَةً فَتُشَارِكُ الْعَاقِلَةَ فَتَجِبُ عَلَيْهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِيهَا وَفِيمَا إذَا بَاشَرَتْ الْقَتْلَ بِنَفْسِهَا وَمَنْ جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ فَنُقِلَ إلَى أَهْلِهِ فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى تِلْكَ الْقَبِيلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا ضَمَانَ فِيهِ وَلَا قَسَامَةَ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ فِي تِلْكَ الْقَبِيلَةِ مَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ. وَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ فِرَاشٍ وَلَهُ أَنَّ الْجُرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ صَارَ قَتْلًا وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ فَإِنْ لَمْ يَزَلْ صَاحِبُ فِرَاشٍ أُضِيفَ الْمَوْتُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ مِنْ غَيْرِ الْجُرْحِ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَعَهُ جَرِيحٌ بِهِ رَمَقٌ فَحَمَلَهُ إنْسَانٌ إلَى أَهْلِهِ فَمَكَثَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْ الَّذِي حَمَلَهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ فَوُجُودُهُ جَرِيحًا فِي يَدِهِ كَوُجُودِهِ جَرِيحًا فِي الْمَحَلَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ أَوْ دَارٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَرْبَابِهَا. ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسْجِدِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ وَلَوْ وُجِدَ فِي مُعَسْكَرٍ نَزَلُوا فِي فَلَاةٍ مُبَاحَةٍ لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ فَإِنْ وُجِدَ فِي خَيْمَةٍ أَوْ فُسْطَاطٍ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَنْ يَسْكُنُهَا؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ كَمَا فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا يُنْظَرُ فَإِنْ كَانُوا قَبَائِلَ مُتَفَرِّقِينَ فَعَلَى الْقَبِيلَةِ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْقَتِيلُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا قَبَائِلَ قَبَائِلَ فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَالِّ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْمِصْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يُزْعِجَهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَلَوْ وُجِدَ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا وَإِنْ اسْتَوَوْا فَعَلَيْهِمَا كَمَا إذَا وُجِدَ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ أَوْ بَيْنَ الْمَحَلَّتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْفُسْطَاطِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْأَخْبِيَةِ اعْتِبَارًا لِلْيَدِ عِنْدَ انْعِدَامِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانُوا نَزَلُوا جُمْلَةً مُخْتَلَطِينَ فَعَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ كُلِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا جُمْلَةً صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ كُلُّهَا بِمَنْزِلَةِ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ فَتَكُونُ مَنْسُوبَةً إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ فَتَجِبُ غَرَامَةُ مَا وُجِدَ خَارِجَ الْخِيَامِ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ وَإِنْ كَانَ لِلْأَرْضِ مَالِكٌ يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ فَلَا يُزَاحِمُونَ الْمَالَ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحَلَّةِ أَوْ الدَّارِ أَنَّ الْعَسْكَرَ نَزَلُوا فِيهِ لِلِانْتِقَالِ وَالِارْتِحَالِ لَا لِلْقَرَارِ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الدَّارِ وَالْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُمْ يَسْكُنُونَ فِيهِ لِلْقَرَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ. وَإِنْ كَانُوا لَقُوا عَدُوَّهُمْ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَتِيلُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (كِتَابُ الْمَعَاقِلِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ وَهِيَ الدِّيَةُ) أَيْ الْمَعَاقِلُ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ بِالضَّمِّ وَالْمَعْقُلَةُ الدِّيَةُ وَتُسَمَّى عَقْلًا؛ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ أَيْ تُمْسِكَهُ يُقَالُ عَقَلَ الْبَعِيرُ عَقْلًا شَدَّهُ بِالْعِقَالِ وَمِنْهُ الْعَقْلُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ عَنْ الْقَبَائِحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَالْعَاقِلَةُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ الْعَقْلَ وَهُوَ الدِّيَةُ يُقَالُ عَقَلْت الْقَتِيلَ أَيْ أَعْطَيْت دِيَتَهُ وَعَقَلْت عَنْ الْقَاتِلِ أَيْ أَدَّيْت عَنْهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَوَاقِلُ وَالِاتِّحَادُ هُوَ الْغَالِبُ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنْ تَعْقِلَ عَاقِلَةُ الْوَرَثَةِ لِلْوَرَثَةِ وَلَيْسَ بِمَعْقُولٍ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ قُلْت الْعَاقِلَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَرَثَةً أَوْ غَيْرَ وَرَثَةٍ فَمَا وَجَبَ عَلَى غَيْرِ الْوَرَثَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ يَجِبُ لِلْوَرَثَةِ مِنْهُمْ وَهَذَا لِأَنَّ عَاقِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلُ دِيوَانِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَقْرِبَاؤُهُ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ إنَّ الْمَرْأَةَ تَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي التَّحَمُّلِ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. كَافِي وَهِدَايَةٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَوَاقِلِ فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي الْمَعَاقِلِ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ عَقْلٌ. اهـ. . [كِتَابُ الْمَعَاقِلِ] (كِتَابُ الْمَعَاقِلِ) لَمَّا كَانَ مُوجَبُ الْقَتْلِ خَطَأً وَمَا فِي مَعْنَاهُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَسُمِّيَتْ الدِّيَةُ عَقْلًا وَمَعْقُلَةً لِأَنَّ إبِلَ الدِّيَاتِ كَانَتْ تُعْقَلُ بِفِنَاءِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ ثُمَّ عَمَّ هَذَا الِاسْمُ فَسُمِّيَتْ الدِّيَةُ مَعْقَلَةً وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِالْمَعْقَلَةِ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ عَنْ أَنْ تُسْفَكَ وَمَعَاقِلُ الْجِبَالِ الْمَوَاضِعُ الْمَنِيعَةُ فِيهَا وَيُقَالُ عَقَلَ الدَّوَاءُ بَطْنَهُ يَعْقِلُهُ عَقْلًا إذَا أَمْسَكَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الْقَافِ كَمَكْرُمَةٍ قَالَ الشَّارِحُ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ بِالضَّمِّ قُلْت هَذَا لَيْسَ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِالضَّمِّ يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلَى ضَمِّ الْمِيمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الضَّمُّ لِلْقَافِ وَالْفَتْحُ لِلْمِيمِ اهـ.

[من تجب عليه الدية في المعاقل]

الدِّيَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الدِّيَةَ وَأَنْوَاعَهَا فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَأَمَّا وُجُوبُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ فَالْأَصْلُ فِيهِ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ الْمَقْتُولَةِ وَدِيَةِ جَنِينِهَا عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ فَقَالَ أَبُو الْقَاتِلَةِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَلَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا مِنْ الْكُهَّانِ»، وَلِأَنَّ النَّفْسَ مُحْتَرَمَةٌ فَلَا وَجْهَ إلَى إهْدَارِهَا وَلَا إيجَابَ لِلْعُقُوبَةِ عَلَى الْمُخْطِئِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَمَرْفُوعٌ عَنْهُ الْخَطَأُ وَفِي إيجَابِ الْكُلِّ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إجْحَافِهِ وَاسْتِئْصَالِهِ فَيُضَمُّ إلَيْهِ الْعَاقِلَةُ تَحْقِيقًا لِلتَّخْفِيفِ، وَإِنَّمَا كَانُوا أَخَصَّ بِالضَّمِّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَصِّرُ فِي الِاحْتِرَازِ لِقُوَّةٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا لَا يَحْتَرِزُ فِي أَفْعَالِهِ إذَا كَانَ قَوِيًّا فَكَأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِأَحَدٍ وَتِلْكَ الْقُوَّةُ تَحْصُلُ بِأَنْصَارِهِ غَالِبًا وَهُمْ أَخْطَئُوا بِنُصْرَتِهِمْ لَهُ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِلْإِقْدَامِ عَلَى التَّعَدِّي فَقَصَّرُوا بِهَا عَنْ حِفْظِهِ فَكَانُوا أَوْلَى بِالضَّمِّ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا يَنْقَلِبُ مَالًا بِالصُّلْحِ أَوْ بِالشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْعَمْدَ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ فَلَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ فَلَا تَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ أَهْلُ الدِّيوَانِ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْهُمْ تُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) وَأَهْلُ الدِّيوَانِ أَهْلُ الرَّايَاتِ وَهُمْ الْجَيْشُ الَّذِينَ كُتِبَتْ أَسَامِيهِمْ فِي الدِّيوَانِ، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَهْلِ الْعَشِيرَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَكَانَ كَذَلِكَ إلَى أَيَّامِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا نَسْخَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ، وَلِأَنَّهَا صِلَةٌ فَالْأَقَارِبُ بِهَا أَوْلَى كَالْإِرْثِ وَالنَّفَقَاتِ وَلَنَا قَضِيَّةُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَسْخٍ بَلْ هُوَ تَقْرِيرُ مَعْنَى الْعَقْلِ كَانَ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ وَقَدْ كَانَتْ بِأَنْوَاعٍ بِالْحَلِفِ وَالْوَلَاءِ وَالْعَدِّ وَهُوَ أَنْ يُعَدُّ الرَّجُلُ مِنْ قَبِيلَةٍ وَفِي عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ صَارَتْ بِالدِّيوَانِ فَجَعَلَهَا عَلَى أَهْلِهِ اتِّبَاعًا لِلْمَعْنَى وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ كَانَ الْيَوْمَ قَوْمٌ يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِرَفِ فَعَاقِلَتُهُمْ أَهْلُ الْحِرْفَةِ وَإِنْ كَانُوا بِالْحَلِفِ فَأَهْلُهُ وَالدِّيَةُ صِلَةٌ كَمَا قَالَ لَكِنَّ إيجَابَهَا فِيمَا هُوَ صِلَةٌ وَهُوَ الْعَطَاءُ أَوْلَى مِنْ إيجَابِهِمَا فِي أُصُولِ أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَمَا تَحَمَّلَتْ الْعَاقِلَةُ إلَّا لِلتَّخْفِيفِ وَالتَّقْدِيرِ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْعَطَاءِ لِلتَّخْفِيفِ وَهُوَ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ أَوْ أَقَلَّ أُخِذَ مِنْهَا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّخْفِيفُ وَقَدْ حَصَلَ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعَطَايَا لِلسِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ وَلَوْ خَرَجَتْ عَطَايَا ثَلَاثَ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ إذْ الْوُجُوبُ بِالْقَضَاءِ وَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ وَهُوَ التَّخْفِيفُ وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ يَجِبُ فِي سَنَةٍ وَإِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ يَجِبُ فِي سَنَتَيْنِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ يَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَكَوْنُ كُلِّ ثُلُثٍ فِي سَنَةٍ ضَرُورَةً وَالْوَاجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ كَالْوَاجِبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى يَجِبَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَبِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا أَوْ انْقَلَبَ الْقِصَاصُ بِالشُّبْهَةِ مَالًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَأَمَّا وُجُوبُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الدِّيَةُ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَبِالسُّنَّةِ، نَحْوُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ إجْمَاعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا مُنْكِرَ لِمَشْرُوعِيَّتِهِ أَصْلًا وَوُجُوبُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ بِحَدِيثِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُ مُسْنَدًا إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدِيَةِ جَنِينِهَا عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَوَرِثَهَا وَلَدُهَا وَمَنْ مَعَهُمْ وَقَالَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ» مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ الْمَفْتُوحَيْنِ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ أَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بِلَادِ قَوْمِهِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الْبَصْرَةِ وَابْتَنَى بِهَا دَارًا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ، وَكَذَا الَّذِي بَاشَرَ شِبْهَ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْآلَةَ لَيْسَتْ بِمَوْضُوعَةٍ لِلْقَتْلِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْخَطَأِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إجْحَافِهِ) أَيْ إجْحَافِ الْخَاطِئِ أَيْ إهْلَاكِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ) أَيْ ابْتِدَاءً وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي ثَانِي الْحَالِ لَا ابْتِدَاءً كَمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ حَيْثُ يَكُونُ مُوجَبُ الْقَتْلِ الْقِصَاصَ ابْتِدَاءً وَلَكِنَّهُ يَسْقُطُ ذَلِكَ إلَى الدِّيَةِ لِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْأَبِ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَكَذَا إذَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ صُلْحًا عَنْ الْعَمْدِ يَجِبُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةً إلَّا إذَا اشْتَرَطَ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِ مَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اهـ أَتْقَانِيٌّ. [مِنْ تجب عَلَيْهِ الدِّيَة فِي الْمَعَاقِلِ] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهِيَ أَهْلُ الدِّيوَانِ) اُنْظُرْ كَلَامَ الشَّارِحِ فِي الْمَقَالَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَفِيهَا مَا يُنَاسِبُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَفَوَائِدُ جَلِيلَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ بِالْحِلْفِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْعَهْدُ وَالْمُرَادُ بِهِ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يُعَدَّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْ الْعَدِّ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلَتِهِمْ يُقَالُ فُلَانٌ عَدِيدُ بَنِي فُلَانٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَجَعَلَهَا) أَيْ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِمْ التَّنَاصُرُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ إلَخْ) أَنَّهُ جَعَلَ دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

فِي مَالِهِ يَكُونُ حَالًّا؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِلتَّخْفِيفِ لِتَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ فَلَا يُلْتَحَقُ بِهِ الْعَمْدُ الْمَحْضُ وَلَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى إيجَابَ الْمَالِ بِمُقَابِلَةِ النَّفْسِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهِ إذَا كَانَ خَطَأً فَلَا يَتَعَدَّاهُ فَيَجِبُ مُؤَجَّلًا وَلَوْ قَتَلَ عَشْرَةٌ رَجُلًا وَاحِدًا خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَهُوَ بَدَلُ النَّفْسِ فَيُؤَجَّلُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَأَوَّلُ الْمُدَّةِ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْمِثْلُ وَالنَّقْلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِهِ وَنَظِيرُهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ فَإِنَّ قِيمَتَهُ لَا تَجِبُ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دِيوَانِيًّا فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْبَابِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى أَرْبَعَةٍ) وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُزَادُ الْوَاحِدُ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَيَنْقُصُ مِنْهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَإِنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ كَمَا ذَكَرَ هُنَا؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّخْفِيفِ مُرَاعًى فِيهِ وَلَوْ أَخَذَ مِنْهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَرْبَعَةً يَكُونُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اثْنَا عَشْرَ دِرْهَمًا فَيَخْرُجُ مِنْ حَدِّ التَّخْفِيفِ لِبُلُوغِهِ حَدَّ الْجِزْيَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ نَسَبًا عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ) لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى التَّخْفِيفِ وَاخْتَلَفُوا فِي آبَاءِ الْقَاتِلِ وَأَبْنَائِهِ قِيلَ يَدْخُلُونَ لِقُرْبِهِمْ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُونَ؛ لِأَنَّ الضَّمَّ لِنَفْيِ الْحَرَجِ حَتَّى لَا يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْكَثْرَةِ وَالْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ لَا يَكْثُرُونَ قَالُوا هَذَا فِي حَقِّ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ حَفِظُوا أَنْسَابَهُمْ فَأَمْكَنَ إيجَابُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ وَأَمَّا الْعَجَمُ فَقَدْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ فَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُ الْمَحَالَّ وَالْقُرَى الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ الْبَاقِي فِي مَالِ الْجَانِي وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الرَّايَاتِ إذَا لَمْ تَتَّسِعْ لِذَلِكَ أَهْلُ رَايَةٍ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الرَّايَاتِ أَيْ أَقْرَبُهُمْ نُصْرَةً إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ يُفَوَّضُ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَالِمُ بِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِينَارٍ فَيَسْتَوِي بَيْنَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ صِلَةٌ فَيَعْتَبِرُ بِالزَّكَاةِ وَأَدْنَاهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَهُمْ نِصْفُ دِينَارٍ وَلَكِنَّا نَقُولُ هِيَ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ الزَّكَاةِ، أَلَا تَرَى لَا يُؤْخَذُ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ فَيَنْقُصُ مِنْهَا تَحْقِيقًا لِزِيَادَةِ التَّخْفِيفِ وَلَوْ كَانَتْ عَاقِلَتُهُ أَصْحَابَ الرِّزْقِ يَقْضِي بِالدِّيَةِ فِي أَرْزَاقِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ الرِّزْقَ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَطَايَا فَأُقِيمَ مَقَامَهَا إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا صِلَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ أَرْزَاقُهُمْ تَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ يُؤْخَذُ كُلَّمَا خَرَجَ رِزْقُ ثُلُثِ الدِّيَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَطَايَا وَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ سُدُسُ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَبِحِسَابِهِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَعْطِيَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَرْزَاقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِي الْأَعْطِيَةِ دُونَ الْأَرْزَاقِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْأَعْطِيَةِ أَصْلٌ وَمِنْ الْأَرْزَاقِ خَلَفٌ فَلَا يُعْتَبَرُ الْخَلَفُ مَعَ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْأَعْطِيَةِ أَيْسَرُ لَهُمْ، وَالْأَخْذُ مِنْ الْأَرْزَاقِ يُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِهِمْ إذْ الْأَرْزَاقُ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ وَيَتَضَرَّرُونَ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ وَالْأَعْطِيَةُ لِيَكُونُوا مُؤْتَلِفِينَ فِي الدِّيوَانِ قَائِمِينَ بِالنُّصْرَةِ فَيَتَيَسَّرُ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ مِنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ) أَيْ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْمِثْلُ) أَيْ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي الضَّمَانِ هُوَ الْمِثْلُ الْفَائِتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ الصَّالِحِ لِلْكَرَامَاتِ كَالْوِلَايَاتِ وَالشَّهَادَاتِ وَبَيْنَ الْمَالِ، وَالتَّحَوُّلُ مِنْ الْمِثْلِ الَّذِي هُوَ الْآدَمِيُّ إلَى قِيمَةِ الْآدَمِيِّ الْفَائِتِ ثَبَتَ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا تَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ فَاعْتُبِرَ ابْتِدَاءً مُدَّةَ وُجُوبِ الْقِيمَةِ مِنْ يَوْمِ الْقَضَاءِ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ سَيَأْتِي فِي مَقْلُوبِ الْوَرَقَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ إلَخْ مَا يُؤَكِّدُهُ فَانْظُرْهُ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ الْقَاتِلُ. اهـ. مِسْكِينٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَمَنْ جَنَى مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَأَهْلِ الْيَمَنِ الَّذِينَ لَا دِيوَانَ لَهُمْ فُرِضَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ عَلَى الْإِخْوَةِ ثُمَّ بَنِي الْإِخْوَةِ ثُمَّ الْأَعْمَامِ ثُمَّ بَنِي الْأَعْمَامِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ وَهَلْ يُدْخِلُ الْبَنُونَ وَالْآبَاءُ بَعْضَهُمْ قَالُوا يُدْخِلُونَ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يُدْخِلُونَ لِأَنَّ الِانْتِصَارَ غَيْرُ مُعْتَادٍ مِنْ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبُعُ دِينَارٍ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَعْطِيَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّزْقِ وَالْعَطِيَّةِ أَنَّ الرِّزْقَ مَا يُفْرَضُ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ وَالْعَطِيَّةُ مَا تُفْرَضُ لِيَكُونُوا قَائِمِينَ بِالنُّصْرَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ الْعَطِيَّةُ مَا يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلِ وَالرِّزْقُ مَا يُجْعَلُ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلَةً وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مُحَمَّدًا اقَالَ إذَا كَانَ لَهُمْ أَرْزَاقٌ وَأَعْطِيَاتٌ فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ دُونَ أَرْزَاقِهِمْ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الرِّزْقَ يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلَةِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ) تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْوَرَقَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ فِي كَلَامِ الشَّرْحِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ) حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَقْلِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا حُرًّا صَحِيحَ الْعَقْلِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَاقِلَةٌ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ كَاللَّقِيطِ وَالْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ إذَا أَسْلَمَ فَعَاقِلَتُهُ بَيْتُ الْمَالِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ فِي مَالِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ هَذَا إذَا أَسْلَمَ وَلَمْ يُوَالِ أَحَدًا فَأَمَّا إذَا عَاقَدَ أَحَدًا عَقْدَ الْوَلَاءِ فَجِنَايَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى الَّذِي وَالَاهُ

[وعاقلة المعتق قبيلة مولاه]

؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ وَمُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِ بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكُلُّ فَكَذَا الْبَعْضُ إذْ الْجُزْءُ لَا يُخَالِفُ الْكُلَّ قُلْنَا إيجَابُ الْكُلِّ إجْحَافٌ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْبَعْضُ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ لِلنُّصْرَةِ وَهُوَ يَنْصُرُ نَفْسَهُ، مِثْلُ مَا يَنْصُرُهُ غَيْرُهُ بَلْ أَشَدُّ فَكَانَ أَوْلَى بِإِيجَابٍ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الْمُخْطِئُ مَعْذُورًا فَالْبَرِيءُ مِنْهُ أَوْلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَعَدَمُ وُجُوبِ الْكُلِّ لَا يَنْفِي وُجُوبَ الْبَعْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَوَاقِلِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكُلُّ وَمَعَ هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَعْضُ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ اعْتِبَارَ الْجُزْءِ بِالْكُلِّ بَاطِلٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ)؛ لِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ وَاسْمُهُ يُنْبِئُ عَنْهَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَعْقِلُ عَنْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ) وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ هُوَ الْحِلْفُ فَيَعْقِلُ عَنْهُ مَوْلَاهُ الَّذِي عَاقَدَهُ وَعَاقِلَةُ مَوْلَاهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقَبِيلَتُهُ أَيْ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ الَّذِي عَاقَدَهُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَتَنَاصَرُ بِهِ فَأَشْبَهَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَلَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَعْقِلُ عَاقِلَةٌ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَالْعَمْدَ وَلَا مَا لَزِمَ صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ لَا يُتَنَاصَرُ بِالْعَبْدِ وَالْإِقْرَارُ وَالصُّلْحُ لَا يَلْزَمَانِ الْعَاقِلَةَ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَنْهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ) فِي الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ إقْرَارٌ مِنْهُمْ فَيَلْزَمُهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ؛ لِأَنَّ لَهُمْ وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَالِامْتِنَاعُ كَانَ لِحَقِّهِمْ وَقَدْ زَالَ أَوْ تَقُومُ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالْمُشَاهَدِ؛ لِأَنَّهَا كَاسْمِهَا مُبَيِّنَةٌ وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ هُنَا مَعَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْتَبَرُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ثُمَّ مَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ يَجِبُ مُؤَجَّلًا وَمَا ثَبَتَ بِالصُّلْحِ حَالٌّ إلَّا إذَا اشْتَرَطَ التَّأْجِيلَ فِي الصُّلْحِ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ أَقَرَّهُ بِالْقَتْلِ خَطَأً فَلَمْ يَرْتَفِعُوا إلَى الْحَاكِمِ إلَّا بَعْدَ سِنِينَ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَانَ أَوَّلُ الْمُدَّةِ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ فِي الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فَكَذَا فِي الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ، وَلَوْ تَصَادَقَ الْقَاتِلُ وَأَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ عَلَى أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَكَذَّبَتْهُمَا الْعَاقِلَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ بِتَصَادُقِهِمَا تَقَرَّرَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْقَضَاءِ وَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا حِصَّتُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ حَيْثُ يَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّصْدِيقُ مِنْ الْوَلِيِّ بِالْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَدْ وُجِدَ هُنَا فَافْتَرَقَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَنَى حُرٌّ عَلَى عَبْدٍ خَطَأً فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ) يَعْنِي إذَا قَتَلَهُ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ أَطْرَافَ الْعَبْدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَتَحَمَّلَ النَّفْسُ أَيْضًا بَلْ تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِ وَفِي الْحَدِيثِ «لَا تَعْقِلْ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا» وَلَنَا أَنَّهُ آدَمِيٌّ فَتَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ كَالْحُرِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ وَهِيَ بَدَلُ الْآدَمِيِّ لَا الْمَالُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فَكَانَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ مَا دُونَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ جِنَايَتُهُ أَيْ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ عَمْدٍ وَلَا جِنَايَةَ عَبْدٍ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ تُوجِبُ دَفْعَهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ مِمَّنْ لَهُ حَظٌّ فِي الدِّيوَانِ عَقْلٌ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَعْقِلُ مَعَ الْعَوَاقِلِ صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ، وَلِأَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ لِتَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ وَالنَّاسُ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ جُزْءٍ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَحَدُ الْعَوَاقِلِ؛ لِأَنَّهُ يَنْصُرُ نَفْسَهُ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ مِنْهُمَا وَالْفَرْضُ لَهُمَا مِنْ الْعَطَايَا لِلْمَعُونَةِ لَا لِلنُّصْرَةِ كَفَرْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِيمَا إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُمَا وَأَمَّا إذَا بَاشَرَا الْقَتْلَ أَنْفُسُهُمَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يُشَارِكَانِ الْعَاقِلَةَ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا قَتَلَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكُونُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ. وَلَا يَعْقِلُ أَهْلُ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ إذَا كَانَ لِأَهْلِ كُلِّ مِصْرٍ دِيوَانٌ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ التَّنَاصُرَ بِالدِّيوَانِ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَلَوْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ فِي السُّكْنَى فَأَهْلُ مِصْرِهِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ وَيَعْقِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُوَالِ أَحَدًا حَتَّى عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ سَيَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ هَذَا بِقَلِيلٍ وَأَمَّا إذَا بَاشَرَا الْقَتْلَ بِأَنْفُسِهِمَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يُشَارِكَانِ الْعَاقِلَةَ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا قَتَلَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكُونُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ. اهـ. [وَعَاقِلَة المعتق قَبِيلَة مَوْلَاهُ] (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَرَادَ بِهِ مَا إذَا أَقَرَّ بِقَتْلٍ خَطَأً حَيْثُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَيَدَّعِي وَلِيُّ الْقَتِيلِ عَلَيْهِ أَيْضًا وَهُنَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَدَّعِي وَلِيُّ الْقَتِيلِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَصَادَقَ مَعَ الْقَاتِلِ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَدْ قَضَى بِهَا الْقَاضِي عَلَيْهِمْ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ جَنَى حُرٌّ عَلَى عَبْدٍ خَطَأً فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ عِنْدَهُ ذَكَرَ هَذَا الشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي مَسْأَلَةِ الِاصْطِدَامِ اهـ (قَوْلُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ) الذُّرِّيَّةُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَأَرَادَ هُنَا الصِّبْيَانَ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الذَّرِّ وَهِيَ صِغَارُ النَّمْلِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْفَرْضُ لَهُمَا) أَيْ لِلصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِلْمَعُونَةِ) أَيْ لِمَعُونَةِ الْجُنْدِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ بِالطَّبْخِ وَالْخِيَاطَةِ وَحِفْظِ الْمَنْزِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. اهـ. غَايَةٌ

[لا يعقل أهل مصر عن أهل مصر آخر]

أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ سَوَادِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لِأَهْلِ الْمِصْرِ فَإِنَّهُمْ إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ اسْتَنْصَرُوا بِهِمْ فَيَعْقِلُونَهُمْ أَهْلُ الْمِصْرِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي الْقُرْبِ وَالنُّصْرَةِ وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِالْبَصْرَةِ وَدِيوَانُهُ بِالْكُوفَةِ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَنْصِرُ بِأَهْلِ دِيوَانِهِ لَا بِجِيرَانِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِنْصَارَ بِالدِّيوَانِ أَظْهَرُ فَلَا يَظْهَرُ مَعَهُ حُكْمُ الْبَصْرَةِ بِالْقَرَابَةِ وَالْوَلَاءِ وَقُرْبِ السُّكْنَى وَالْعَدِّ وَالْحِلْفِ وَبَعْدَ الدِّيوَانِ النُّصْرَةِ بِالنَّسَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْمَعَاقِلُ مِنْهَا أَخَوَانِ دِيوَانُ أَحَدِهِمَا بِالْبَصْرَةِ وَدِيوَانُ الْآخَرِ بِالْكُوفَةِ لَا يَعْقِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا يَعْقِلُ عَنْهُ أَهْلُ دِيوَانِهِ وَمَنْ جَنَى جِنَايَةً مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَلَيْسَ لَهُ فِي أَهْلِ الدِّيوَانِ عَطَاءٌ وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ أَقْرَبُ إلَيْهِ نَسَبًا وَمَسْكَنُهُ الْمِصْرُ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ الدِّيوَانِ مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الدِّيوَانِ قَرَابَةٌ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الدِّيوَانِ هُمْ الَّذِينَ يَذُبُّونَ عَنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَيَقُومُونَ بِنُصْرَتِهِمْ وَيَدْفَعُونَ عَنْهُمْ وَلَا يَخُصُّونَ بِالنُّصْرَةِ أَهْلَ الْعَطَاءِ فَقَطْ بَلْ يَنْصُرُونَ أَهْلَ الْمِصْرِ كُلَّهُمْ. وَقِيلَ إذَا لَمْ يَكُونُوا قَرِيبًا لَهُ لَا يَعْقِلُونَهُ، وَإِنَّمَا يَعْقِلُونَهُ إذَا كَانُوا قَرِيبًا لَهُ وَفِي الْبَادِيَة أَقْرَبُ مِنْهُمْ نَسَبًا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِحُكْمِ الْقَرَابَةِ وَأَهْلُ الْمِصْرِ أَقْرَبُ مِنْهُمْ مَكَانًا فَكَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى النُّصْرَةِ لَهُمْ وَصَارَ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ فِي الْإِنْكَاحِ، وَلَوْ كَانَ الْبَدْوِيُّ نَازِلًا فِي الْمِصْرِ لَا مَسْكَنَ لَهُ فِيهِ لَا يَعْقِلُهُ أَهْلُ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَطَاءِ لَا يَنْصُرُونَ مَنْ لَا مَسْكَنَ لَهُ فِيهِ كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ لَا يَعْقِلُونَ عَنْ أَهْلِ الْمِصْرِ النَّازِلِ فِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَنْصِرُونَ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ عَوَاقِلُ مَعْرُوفَةٌ يَتَعَاقَلُونَ بِهَا فَقَتَلَ أَحَدُهُمْ قَتِيلًا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِي الْمُعَامَلَاتِ لَا سِيَّمَا فِي الْمَعَانِي الْعَاصِمَةِ عَنْ الْأَضْرَارِ وَمَعْنَى التَّنَاصُرِ مَوْجُودٌ فِي حَقِّهِمْ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَاقِلَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَدِيَتُهُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى بِهَا عَلَيْهِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ إلَى الْعَاقِلَةِ أَنْ لَوْ وُجِدَتْ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ مُسْلِمَيْنِ تَاجِرَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ يُقْضَى بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَعْقِلُونَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَتْلِ لَيْسَ بِنُصْرَتِهِمْ. وَلَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ وَلَا مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ وَالْكُفَّارُ يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُعَادَاةُ بَيْنَهُمْ ظَاهِرَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْقِلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِانْقِطَاعِ التَّنَاصُرِ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَلَهُ بِهَا عَطَاءٌ وَحَوَّلَ دِيوَانَهُ إلَى الْبَصْرَةِ ثُمَّ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْضِي عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ الْكُوفَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الْجِنَايَةُ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ وَعَاقِلَتُهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَوَّلَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَلَنَا أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ. وَبِالْقَضَاءِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَالِ، وَكَذَا الْوُجُوبُ عَلَى الْقَاتِلِ وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ مَنْ يَكُونُ عَاقِلَتُهُ عِنْدَ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَوَّلَ بَعْدَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَنْتَقِلُ بَعْدَ ذَلِكَ لَكِنَّ حِصَّةَ الْقَاتِلِ تُؤْخَذُ مِنْ عَطَائِهِ بِالْبَصْرَةِ؛ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْعَطَاءِ وَعَطَاؤُهُ بِالْبَصْرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَت الْعَاقِلَةُ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ يَضُمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبَ الْقَبَائِلِ فِي النَّسَبِ؛ لِأَنَّ فِي النَّقْلِ إبْطَالَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ وَفِي الضَّمِّ تَكْثِيرُ الْمُتَحَمِّلِينَ فِيمَا قَضَى بِهِ عَلَيْهِمْ فَكَانَ فِيهِ تَقْرِيرُ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ لَا إبْطَالُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مَسْكَنُهُ بِالْكُوفَةِ وَلَيْسَ لَهُ عَطَاءٌ فَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ حَتَّى اسْتَوْطَنَ الْبَصْرَةَ قَضَى عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِالدِّيَةِ. وَلَوْ كَانَ قَضَى بِهَا عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهُمْ، وَكَذَا الْبَدْوِيُّ إذْ أُلْحِقَ بِالدِّيوَانِ بَعْدَ الْقَتْلِ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ وَبَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْبَادِيَةِ لَا تَتَحَوَّلُ عَنْهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ فِي أَمْوَالِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ثُمَّ جَعَلَهُمْ الْإِمَامُ فِي الْعَطَاءِ حَيْثُ تَصِيرُ الدِّيَةُ فِي عَطَائِهِمْ، وَلَوْ كَانَ قَضَى بِهَا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَقْضَ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِهَا فِي أَمْوَالِهِمْ وَعَطَاؤُهُمْ أَمْوَالُهُمْ غَيْرَ أَنَّ الدِّيَةَ تُقْضَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ لَا يَعْقِل أَهْل مِصْر عَنْ أَهْل مِصْر آخِر] قَوْلُهُ وَقِيلَ إذَا لَمْ يَكُونُوا قَرِيبًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَبَعْضُهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ الْجَانِي قَرِيبًا لِأَهْلِ الدِّيوَانِ بَلْ قَالُوا عُقِلَ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا لَهُمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ صَارَ كَالْعَدِيدِ وَالْحَلِيفِ لَهُمْ وَبَعْضُهُمْ اشْتَرَطُوا ذَلِكَ وَقَالُوا عُقِلَ عَنْهُ إذَا كَانَ قَرِيبًا لَهُمْ وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَعْقِلُونَهُ إذَا كَانُوا قَرِيبًا لَهُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ) وَهَذَا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ أَمَّا الْمُسْلِمُ إذَا جَنَى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَعَاقِلَتُهُ بَيْتُ الْمَالِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَسَيَجِيءُ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَقْضِي بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ) وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الْقَتْلَ لِيَشْمَلَ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ فِي مَالِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ جِنَايَةً وَقَعَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي كِتَابِ السِّيَرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. [لَا يَعْقِل كَافِر عَنْ مُسْلِم] (قَوْلُهُ لَكِنَّ حِصَّةَ الْقَاتِلِ إلَخْ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَوَّلَ بَعْدَ الْقَضَاءِ. اهـ.

[كتاب الوصايا]

مِنْ أَيْسَرِ الْأَمْوَالِ أَدَاءً وَالْأَدَاءُ مِنْ الْعَطَاءِ أَيْسَرُ إذَا صَارُوا مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَالُ الْعَطَاءِ مِنْ جِنْسِ مَا قَضَى بِهِ عَلَيْهِمْ بِأَنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْإِبِلِ وَالْعَطَاءُ دَرَاهِمَ فَحِينَئِذٍ لَا يَتَحَوَّلُ إلَى الدَّرَاهِمِ أَبَدًا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ لَكِنْ يَقْضِي بِالْإِبِلِ مِنْ مَالِ الْعَطَاءِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إنَّ الْقَاتِلَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ هُمْ أَهْلُ نُصْرَتِهِ وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَخَصَّ مِنْ بَعْضٍ بِذَلِكَ وَلِهَذَا إذَا مَاتَ كَانَ مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْغَرَامَةِ يَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ أَنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِهِ، وَوَجْهُهَا أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى الْجَانِي وَهُوَ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمُتْلَفِ وَالْإِتْلَافُ مِنْهُ إلَّا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُهَا تَحْقِيقًا لِلتَّخْفِيفِ عَلَى مَا عُرِفَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ. وَابْنُ الْمُلَاعَنَةِ يَعْقِلُهُ عَاقِلَةُ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ مِنْهَا دُونَ الْأَبِ فَإِذَا عَقَلُوا عَنْهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْأَبُ رَجَعَتْ عَاقِلَةُ الْأُمِّ بِمَا أَدَّتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ قَضَى لَهُمْ بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدِّيَةَ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِكْذَابِ ظَهَرَ أَنَّ النَّسَبَ كَانَ ثَابِتًا مِنْ الْأَبِ حَيْثُ بَطَلَ اللِّعَانُ بِالْإِكْذَابِ وَمَتَى ظَهَرَ أَنَّ النَّسَبَ كَانَ ثَابِتًا مِنْهُ مِنْ الْأَصْلِ فَقَوْمُ الْأُمِّ تَحَمَّلُوا مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى قَوْمِ الْأَبِ فَيَرْجِعُونَ بِهَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ وَلَدٌ مُسْلِمٌ حُرٌّ فَلَمْ تُؤَدَّ كِتَابَتُهُ حَتَّى جَنَى ابْنُهُ جِنَايَةً وَعَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ أُمِّهِ ثُمَّ أُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ تَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ عِنْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يَتَحَوَّلُ وَلَاؤُهُ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ مِنْ وَقْتِ ثَبَتَتْ الْحُرِّيَّةُ لِلْأَبِ وَهُوَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْمَ الْأُمِّ عَقَلُوا عَنْهُمْ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ. ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ أَمَرَ صَبِيًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ الدِّيَةَ رَجَعَتْ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَفِي مَالِ الْآمِرِ إنْ كَانَ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي بِهَا عَلَى الْآمِرِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ مُؤَجَّلَةً بِطَرِيقِ التَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ فَكَذَا الرُّجُوعُ بِهَا تَحْقِيقًا لِلْمُمَاثِلَةِ ثُمَّ مَسَائِلُ الْمَعَاقِلِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ كَثِيرَةٌ وَأَجْوِبَتُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَالضَّابِطُ الَّذِي يَرُدُّ كُلَّ جِنْسٍ إلَى أَصْلِهِ أَنْ يُقَالَ أَنَّ حَالَ الْقَاتِلِ إنْ تَبَدَّلَ حُكْمًا بِسَبَبِ حَادِثٍ فَانْتَقَلَ مِنْ وَلَاءٍ إلَى وَلَاءٍ لَمْ تَنْتَقِلْ جِنَايَتُهُ عَنْ الْأُولَى قَضَى بِهَا أَوْ لَمْ يَقْضِ، وَذَلِكَ كَالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ بَيْنَ حُرَّةٍ وَعَبْدٍ إذَا جَنَى ثُمَّ أَعْتَقَ الْأَبُ يَجُرُّ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَى قَوْمِهِ وَلَا تَتَحَوَّلُ الْجِنَايَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ قَضَى بِهَا أَوْ لَمْ يَقْضِ، وَكَذَا لَوْ حَفَرَ هَذَا الْغُلَامُ بِئْرًا ثُمَّ أَعْتَقَ أَبُوهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِحَالَةِ الْحَفْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَبَاعَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ بَعْدَ الْحَفْرِ وَلَمْ يَبِعْهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا. وَمِنْ نَظِيرِهِ حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ وَوَالَى رَجُلًا فَجَنَى جِنَايَةً ثُمَّ أَعْتَقَ أَبُوهُ جَرَّ وَلَاءَهُ؛ لِأَنَّ الْعَتَاقَةَ أَقْوَى وَجِنَايَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ وَالَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِوَقْتِ الْجِنَايَةِ وَتَحَوُّلِ الْوَلَاءِ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ تِلْكَ الْجِنَايَةِ فَلَا تَبَدُّلَ وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ حَالُ الْقَاتِلِ وَلَكِنْ ظَهَرَتْ حَالَةٌ خَفِيَّةٌ فِيهِ تَحَوَّلَتْ الْجِنَايَةُ إلَى الْأُخْرَى وَقَعَ الْقَضَاءُ بِهَا أَوْ لَمْ يَقَعْ، وَذَلِكَ مِثْلُ دَعْوَةِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ وَأَمَرَ الرَّجُلُ الصَّبِيَّ بِالْجِنَايَةِ، وَلَوْ لَمْ يَتَبَدَّلْ حَالُ الْجَانِي وَلَمْ تَظْهَرْ فِيهِ الْحَالَةُ الْخَفِيَّةُ وَلَكِنَّ الْعَاقِلَةَ تَبَدَّلَتْ كَانَ الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ لِوَقْتِ الْقَضَاءِ لَا غَيْرُ فَإِنْ قَضَى بِهَا عَلَى الْأُولَى لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى الثَّانِيَةِ وَإِلَّا قَضَى بِهَا عَلَى الثَّانِيَةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ دِيوَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثُمَّ جُعِلَ مِنْ دِيوَانِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا وَلَكِنْ لَحِقَ الْعَاقِلَةَ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ اشْتَرَكُوا فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبَعْدَهُ إلَّا فِيمَا سَبَقَ أَدَاؤُهُ فَمَنْ أَحْكَمَ هَذَا الْأَصْلَ وَتَأَمَّلَ فِيهِ أَمْكَنَهُ تَخْرِيجُ الْمَسَائِلِ وَرَدُّ كُلِّ وَاقِعَةٍ مِنْ النَّظَائِرِ وَالْأَضْدَادِ إلَى أَصْلِهَا، وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى الرَّشَادِ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِلْعِبَادِ وَيَشْرَحُ صُدُورَهُمْ لِلسَّدَادِ. [كِتَابُ الْوَصَايَا] (كِتَابُ الْوَصَايَا) الْإِيصَاءُ لُغَةً طَلَبُ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ عَلَى غَيْبٍ مِنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَفِي الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ فِي. ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَة فَعَلَى مِنْ تجب الدِّيَة] قَوْلُهُ قَضَى بِهَا أَوْ لَمْ يَقْضِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مَوْلًى لِقَوْمِ أَبِيهِ عِنْدَ عِتْقِ أَبِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ الْأَبُ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ يَوْمَئِذٍ وَالْجِنَايَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ إلْزَامُهَا عَلَى قَوْمِ الْأَبِ وَلَمْ يَكُنْ مَوْلًى لَهُمْ وَقْتَ الْجِنَايَةِ. اهـ. غَايَةٌ (كِتَابُ الْوَصَايَا).

الْمُخْتَصَرِ فَقَالَ (الْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ) يَعْنِي بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ) أَيْ الْوَصِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ كَالزَّكَاةِ أَوْ الصِّيَامِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الصَّلَاةِ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا فَهِيَ وَاجِبَةٌ وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهَا؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى حَالِ زَوَالِ الْمِلْكِ، وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى حَالِ قِيَامِهِ بِأَنْ قَالَ مَلَّكْتُك غَدًا كَانَ بَاطِلًا فَهَذَا أَوْلَى إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَجَازَهَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَغْرُورٌ بِأَمَلِهِ مُقَصِّرٌ فِي عَمَلِهِ فَإِذَا عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ وَخَافَ الْهَلَاكَ يَحْتَاجُ إلَى تَلَافِي مَا فَاتَهُ مِنْ التَّقْصِيرِ بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَوْ تَحَقَّقَ مَا كَانَ يَخَافُهُ يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ الْمَآلِيّ، وَلَوْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَأَحْوَجَهُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ صَرَفَهُ إلَى حَاجَتِهِ الْحَالِيِّ فَشَرَعَهَا الشَّارِعُ تَمْكِينًا مِنْهُ جَلَّ وَعَلَا مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَقَضَاءً لِحَاجَتِهِ عِنْدَ احْتِيَاجِهِ إلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ، وَمِثْلُهُ الْإِجَارَةُ لَا تَجُوزُ قِيَاسًا لِمَا فِيهَا مِنْ إضَافَةِ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ إلَى مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الزَّمَانِ وَأَجَازَهَا الشَّارِعُ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ يَبْقَى الْمِلْكُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ كَمَا بَقِيَ فِي قَدْرِ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ وَقَدْ نَطَقَ بِهَا الْكِتَابُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] وَالسُّنَّةُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ زِيَادَةً فِي حَسَنَاتِكُمْ لِيَجْعَلَهَا لَكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ. ثُمَّ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْأَجْنَبِيِّ بِالثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْوَارِثِ وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ لَا قُلْت فَالشَّطْرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا قُلْت فَالثُّلُثَ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ إنَّكَ إنْ تَذَرْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»، وَلِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الزَّوَالِ إلَيْهِمْ وَهُوَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ الْمَالِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُظْهِرْهُ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لِيَتَدَارَكَ تَقْصِيرَهُ وَأَظْهَرُهُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِمْ تَحَرُّزًا عَمَّا يَتَّفِقُ لَهُمْ مِنْ التَّأَذِّي بِالْإِيثَارِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ» وَفَسَّرُوهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَبِالْوَصِيَّةِ لِلْوَرَثَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَصِحُّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَا لِقَاتِلِهِ وَوَارِثِهِ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا بَيَّنَّا وَأَمَّا الثَّانِي فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْقَاتِلَ مُبَاشَرَةً عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً بِخِلَافِ التَّسْبِيبِ؛ لِأَنَّ التَّسْبِيبَ لَيْسَ بِقَتْلٍ حَقِيقَةً فَلَا يَتَنَاوَلُهُ، وَلِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ فَيُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ كَالْمِيرَاثِ سَوَاءٌ أَوْصَى لَهُ قَبْلَ الْقَتْلِ ثُمَّ قَتَلَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بَعْدَ الْجُرْحِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَاهُ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»، وَلِأَنَّ الْبَعْضَ يَتَأَذَّى بِإِيثَارِ الْبَعْضِ فَفِي تَجْوِيزِهِ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ. وَلِأَنَّهُ حَيْفٌ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتَ التَّمْلِيكِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَهُوَ وَارِثٌ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ وَعَكْسُهُ لَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ مِنْ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ فِي هَذَا نَظِيرُ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ حُكْمًا حَتَّى يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ عَلَى عَكْسِهِ فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ عِنْدَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْحَالِ فَيُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ وَهُوَ لَيْسَ بِوَارِثٍ لَهُ جَازَ الْإِقْرَارُ لَهُ. وَإِنْ صَارَ وَارِثًا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ لِابْنِهِ وَهُوَ عَبْدٌ ثُمَّ أُعْتِقَ قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ جَازَ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ إرْثَهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ، وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا يَبْطُلُ إقْرَارُهُ لَهَا وَأَمَّا إذَا وَرِثَ بِسَبَبٍ قَائِمٍ عِنْدَ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يَرِثُنِي) أَيْ بِالْفَرْضِ وَإِلَّا فَلَهُ عَصَبَةٌ كَثِيرَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْت فَالشَّطْرَ) الشَّطْرُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ أَفَأُوصِي بِالشَّطْرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَضْبُوطٌ بِالْجَرِّ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ إذْ هُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ الثُّلُثُ) قَالَ النَّوَوِيُّ يَجُوزُ رَفْعُ الثُّلُثِ وَنَصْبُهُ فَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ أَيْ يَكْفِيك الثُّلُثُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ أَوْ عَكْسُهُ وَالنَّصْبُ عَلَى الْإِغْرَاءِ أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ أَعْطِ الثُّلُثَ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ تَذَرْ) مُبْتَدَأٌ وَخَيْرٌ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إنَّ مِنْ إنَّكَ فَالتَّقْدِيرُ تَرْكُك أَوْلَادَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّسْبِيبِ) أَيْ كَمَا فِي حَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) مُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَصِحُّ لِلْوَارِثِ بِالثُّلُثِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي آخِرِ الْمَقَالَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ إلَخْ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ بِالثُّلُثِ وَبِغَيْرِهِ وَقَدْ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوَاهُ مَا نَصُّهُ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَنْ تُجِيزَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَمَّا عَدَمُ الْجَوَازِ عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ «سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ لَا قَالَ بِنِصْفِهِ قَالَ لَا قَالَ بِثُلُثِهِ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» أَمَّا الْجَوَازُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلِأَنَّ الْمَنْعَ كَائِنٌ لِحَقِّهِمْ وَقَدْ أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ فَيَزُولُ الْمَنْعُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِوَارِثِهِ وَإِنْ قَلَّ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَ أَصْحَابُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي أَمَّا عَدَمُ الْجَوَازِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَأَمَّا الْجَوَازُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لِمَا قُلْنَا اهـ.

[وصية المسلم للذمي والذمي للمسلم]

لِأَخِيهِ الْمَحْجُوبِ بِابْنِهِ ثُمَّ مَاتَ ابْنُهُ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ رَاجِعٌ إلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ الْوَصِيَّةُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلِلْقَاتِلِ وَلِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْكُلِّ لِحَقِّهِمْ فَتَجُوزُ بِإِجَازَتِهِمْ. أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ تَشَاءَ الْوَرَثَةُ» وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ تُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ» وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُجِيزُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا وَإِنْ أَجَازَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ تَجُوزُ عَلَى الْمُجِيزِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ دُونَ غَيْرِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِجَازَتِهِمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ إذْ الْحَقُّ يَثْبُتُ لَهُمْ فَكَانَ لَهُمْ بِالْمَوْتِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ الْإِجَازَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَيَرُدُّوا تِلْكَ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ سَاقِطَةً لِعَدَمِ مُصَادِفَتِهَا الْمَحَلَّ وَكُلُّ سَاقِطٍ فِي نَفْسِهِ مُضْمَحِلٌّ مُتَلَاشٍ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ. وَلَا يُقَالُ كَيْفَ تَكُونُ تِلْكَ الْإِجَازَةُ سَاقِطَةً مَعَ ثُبُوتِ حَقِّ الْوَرَثَةِ فِي مَالِهِ مِنْ أَوَّلِ مَا مَرَضَ بِدَلِيلِ مَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّهِمْ لَكِنْ ذَلِكَ الثُّبُوتَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ فَإِذَا مَاتَ ظَهَرَ أَنَّ حَقَّهُمْ كَانَ ثَابِتًا مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ وَأَنَّ الْإِجَازَةَ صَادَفَتْ مَحَلَّهَا لِاسْتِنَادِ حَقِّهِمْ إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ فَصَارَ كَإِجَازَتِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِنَادُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ فَإِجَازَتُهُمْ حِينَ وَقَعَتْ فِي حَيَاتِهِ وَقَعَتْ بَاطِلَةً وَمَا وَقَعَ بَاطِلًا لَا يَكُونُ قَائِمًا بِنَفْسِهِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ الِاسْتِنَادِ، وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ لِلْوَرَثَةِ تَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَهُ يَثْبُتُ لَهُمْ مُجَرَّدُ الْحَقِّ فَلَوْ اسْتَنَدَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَانْقَلَبَ الْحَقُّ حَقِيقَةً قَبْلَ مَوْتِهِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ حَقِيقَةً فَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ بَقِيَ حَقًّا عَلَى حَالِهِ لَا حَقِيقَةً وَالرِّضَا بِبُطْلَانِ ذَلِكَ الْحَقِّ لَا يَكُونُ رِضًا بِبُطْلَانِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ الَّذِي يَحْدُثُ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازُوهَا بَعْدَ مَوْتِهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْهَا. لِأَنَّهَا وَقَعَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ حَقِيقَةً فَتَلْزَمُ ثُمَّ إذَا صَحَّتْ الْإِجَازَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَتَمَلَّكُهُ الْمَجَازُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا حَتَّى يُجْبَرَ الْوَارِثُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْعِتْقَ كَانَ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمَيِّتِ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ مُتَزَوِّجًا بِجَارِيَةِ الْمُورِثِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَأَوْصَى بِهَا لِغَيْرِهِ فَأَجَازَ الْوَارِثُ وَهُوَ الزَّوْجُ الْوَصِيَّةَ لَا يَبْطُلُ نِكَاحُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُجِيزِ حَتَّى لَا يُجْبَرَ عَلَى التَّسْلِيمِ عِنْدَهُ وَيَكُونُ لَهُ ثُلُثَا الْوَلَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي الثُّلُثِ وَلِهَذَا لَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَيُبْطِلُهَا الْوَارِثُ فَيَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى الثُّلُثِ مِلْكًا لِلْوَارِثِ حَقِيقَةً. فَإِذَا أَجَازَ صَارَ مُمَلِّكًا لَهُ مِنْ جِهَتِهِ ضَرُورَةً وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ صَدَرَتْ مِنْ الْمُوصِي وَصَادَفَتْ مِلْكَهُ حَالًا وَمَآلًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَالِهِ مَمْلُوكٌ لَهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ هُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ وَلِهَذَا يَبْدَأُ بِحَوَائِجِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ كَتَجْهِيزِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَلَا يَمْلِكُ مَا كَانَ مَشْغُولًا بِحَاجَتِهِ مِنْ مَالٍ فَإِذَا أَوْصَى صَارَ مَشْغُولًا بِهَا لَكِنَّ لِلْوَرَثَةِ نَقْضَهَا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِمْ فَإِذَا أَجَازُوا الْوَصِيَّةَ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُنْتَقِلًا إلَى مِلْكِهِمْ وَسَقَطَ حَقُّهُمْ وَنَفَذَ الْعَقْدُ السَّابِقُ كَالْمُرْتَهِنِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الرَّاهِنِ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْوَارِثُ مَرِيضًا فَأَجَازَ يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إسْقَاطُ الْحَقِّ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَإِجَازَتِهِ الْعِتْقَ وَالْبَيْعَ الَّذِي فِيهِ مُحَابَاةٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ مِنْ جِهَتِهِ فَكَذَا هَذَا وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا ذَكَرْنَا وَفِي تَمَلُّكِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا يَتَمَلَّكُ وَفِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ حَيْثُ تَجُوزُ الْإِجَازَةُ فِيهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا تَجُوزُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ لَا تَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهَا لِلْجِنَايَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَلَهُمَا أَنَّ امْتِنَاعَهَا لِحَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ نَفْعَ بُطْلَانِهَا يَعُودُ إلَيْهِمْ كَنَفْعِ بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَرَثَةِ، وَلِأَنَّهُمْ لَا يَرْضَوْنَهَا لِلْقَاتِلِ كَمَا لَا يَرْضَوْنَهَا لِأَحَدِهِمْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوصِي الْمُسْلِمُ لِلذِّمِّيِّ وَبِالْعَكْسِ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ وَالْكَافِرُ لِلْمُسْلِمِ فَالْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ} [الممتحنة: 8] الْآيَةَ وَالثَّانِي؛ لِأَنَّهُمْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ اُلْتُحِقُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا جَازَ التَّبَرُّعُ الْمُنَجَّزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنْ أَجَازَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يُجِزْ الْبَعْضُ فَفِي حَقِّ الَّذِي أَجَازَ كَأَنَّ كُلَّهُمْ أَجَازُوا وَفِي حَقِّ الَّذِي لَمْ يُجِزْ كَأَنَّ كُلَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا وَبَيَانُ ذَلِكَ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَأَوْصَى الرَّجُلُ بِنِصْفِ مَالِهِ فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا لِلْمُوصَى لَهُ رُبُعَانِ وَهُوَ النِّصْفُ وَرُبُعَانِ لِلِابْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبُعُ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يُجِيزُوا فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَالثُّلُثَانِ لِلِابْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الْمَالِ وَلَوْ أَجَازَ وَاحِدٌ وَلَمْ يُجِزْ الْآخَرُ جَازَ فِي حَقِّ الَّذِي أَجَازَ كَأَنَّهُمَا أَجَازَا وَيُعْطَى لَهُ رُبُعُ الْمَالِ وَفِي حَقِّ الَّذِي لَمْ يُجِزْ كَأَنَّهُمَا لَمْ يُجِيزَا يُعْطَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَالْبَاقِي يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ فَيَجْعَلُ الْمَالَ عَلَى اثْنَيْ عَشْرَ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، فَالرُّبُعُ لِلَّذِي أَجَازَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَالثُّلُثُ لِلَّذِي لَمْ يُجِزْ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَبَقِيَ خَمْسَةٌ فَهِيَ لِلْمُوصَى لَهُ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا يَكُونُ رِضًا بِبُطْلَانِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ إلَخْ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ يَعْنِي أَنَّ إجَازَةَ الْوَرَثَةِ لِلْوَصِيَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ إلَخْ) قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ ثَبَتَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَإِذَا مَاتَ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَسْقَطُوا حَقَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَصَحَّ اهـ أَتْقَانِيٌّ. [وَصِيَّة الْمُسْلِم لِلذِّمِّيِّ والذمي لِلْمُسْلِمِ] . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُوصِي الْمُسْلِمُ لِلذِّمِّيِّ إلَخْ) يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُوصِيَ لِفُقَرَاءِ النَّصَارَى لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْبِيعَةِ. اهـ. قَاضِيخَانْ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلِأَنَّ مَنْ جَازَ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لَهُ جَازَ وَصِيَّتُهُ لِلْمُسْلِمِ كَالْمُسْلِمِ اهـ.

فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَذَا الْمُضَافُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَمَاتِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ بَاطِلَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُمْ ثُمَّ قَالَ، وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوصِيَ لَهُمْ وَإِنْ فَعَلَ ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ وَالْمُسْتَأْمِنُ كَالذِّمِّيِّ فِي حَقِّ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهُ الْمَالَ حَالَ حَيَاتِهِ فَكَذَا مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ مَمَاتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبُولُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَبَطَلَ رَدُّهَا وَقَبُولُهَا فِي حَيَاتِهِ) أَيْ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ حُكْمِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَبُولُهُ وَلَا رَدُّهُ قَبْلَهُ كَمَا لَا يُعْتَبَرَانِ قَبْلَ عَقْدِ الْوَصِيَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ غَدًا فَإِنَّ رَدَّهَا وَقَبُولَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا رَدَّ الْوَصِيَّةَ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي لَمْ يَجُزْ قَبُولُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ إيجَابَهُ كَانَ فِي حَيَاتِهِ وَقَدْ رَدَّهُ فَبَطَلَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَدَبَ النَّقْصُ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصِيَ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ؛ لِأَنَّ فِي التَّنْقِيصِ صِلَةَ الْقَرِيبِ بِتَرْكِ مَالِهِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَكْمَلَ الثُّلُثَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ عَلَى التَّمَامِ فَتَفُوتُهُ الصِّلَةُ عَلَى الْقَرِيبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِقَوْلِهِمَا لَأَنْ يُوصَى بِالْخُمُسِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ يُوصَى بِالرُّبُعِ وَلَأَنْ يُوصَى بِالرُّبُعِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ يُوصَى بِالثُّلُثِ وَتَرْكُ الْوَصِيَّةِ أَفْضَلُ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ لَا يَسْتَغْنُونَ بِمَا يَرِثُونَ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ وَالصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ»، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنْ تَدَعْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ فُقَرَاءَ» الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ الْجَانِبَيْنِ الْفَقْرُ وَالْقَرَابَةُ وَالْوَصِيَّةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْهِبَةِ مِنْ الْقَرِيبِ وَقِيلَ الْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَبْتَغِي بِهَا رِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَبِالْهِبَةِ رِضَاهُمْ وَقِيلَ يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى فَضِيلَةٍ وَهِيَ الصَّدَقَةُ أَوْ الصِّلَةُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ أَحَدَهُمَا أَيَّهُمَا شَاءَ أَوْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَلَكَ بِقَبُولِهِ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُ بِالْقَبُولِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَمْلِكُ بِدُونِ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهَا خِلَافَةٌ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى الْقَبُولِ كَالْمِيرَاثِ وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ إثْبَاتُ مِلْكٍ جَدِيدٍ وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهَا خِلَافَةٌ حَتَّى تَثْبُتَ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فَتَثْبُتُ جَبْرًا مِنْ الشَّارِعِ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِدُونِ قَبُولِهِ لَتَضَرَّرَ بِهِ بِأَنْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ أَعْمَى أَوْ دِنَانٍ مُكَسَّرَةٍ أَوْ بِزِبْلٍ مُجْتَمَعٍ فِي دَارِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْعَبْدِ وَنَقْلُ الْمُكَسَّرِ وَالزِّبْلِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ عَنْ مِلْكِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ قَبُولِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِدُونِ الْقَبُولِ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبُولِ بَعْدَ إيجَابِ الْبَائِعِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ جَانِبِ الْمُوصِي قَدْ تَمَّتْ بِمَوْتِهِ تَمَامًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَإِذَا مَاتَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ ثُمَّ مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ) أَمَّا وَصِيَّةُ الْحَرْبِيِّ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ فِي بَابِ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ إذَا أَوْصَى الْمُسْلِمُ لِلْحَرْبِيِّ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّارِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ، وَلِأَنَّ فِي دَفْعِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِمْ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى حَرْبِنَا فِي تَكْثِيرِ مَا لَهُمْ إضْرَارٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِالسِّلَاحِ وَبِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لَا تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ وَلَا تَصِحُّ لِلْحَرْبِيِّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلثَّلَاثَةِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَبُولُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ قَبُولَ الْمُوصَى لَهُ شَرْطٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ لِلْمُوصَى لَهُ حَتَّى لَا يَمْلِكَ قَبْلَ الْقَبُولِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ سَيَجِيءُ بَيَانُهَا بَعْدَ هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَبُولُ الْمُوصَى لَهُ وَرَدُّهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَا يُنْظَرُ إلَى رَدِّهِ وَلَا إلَى إجَازَتِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَإِذَا قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي مِلْكَ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ إذَا كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْوَصِيَّةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى قَبُولِهِ لَا تَصِيرُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَقْبَلَ وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ لَيْسَتْ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ وَلَا فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ حَتَّى يَقْبَلَ أَوْ يَمُوتَ فَيَكُونَ مَا أَوْصَى لَهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَمَوْتِهِ كَقَبُولِهِ عِنْدَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَجَعَلُوا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ إذَا كَانَ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّلَاثِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ وَتَكُونُ السِّلْعَةُ مَوْرُوثَةً عَنْ الْمُشْتَرِي إلَى هُنَا لَفْظُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ الْكَاشِحِ) الْكَاشِحُ الَّذِي يُخْفِي عَدَاوَتَهُ فِي كَشْحِهِ وَالْكَشْحُ مَا بَيْنَ الْخَاصِرَةِ إلَى الضِّلْعِ وَقِيلَ الْكَاشِحُ الَّذِي أَعْرَضَ وَوَلَّاك كَشْحَهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ النَّفْسِ وَقَهْرِهَا وَلَا كَذَلِكَ فِي ذِي الرَّحِمِ الصَّدِيقِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْأُولَى) أَيْ الصَّدَقَةُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَلَكَ بِقَبُولِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْقَبُولُ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عَلَى ضَرْبَيْنِ: قَبُولٌ بِالصَّرِيحِ وَقَبُولٌ بِالدَّلِيلِ فَالصَّرِيحُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبِلْت وَالدَّلِيلُ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَكُونَ مَوْتُهُ قَبُولًا لِوَصِيَّتِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

[وصية المديون]

قَبْلَ الْإِجَازَةِ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى لِلْجَنِينِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ اسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبَلَ عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمَدْيُونِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَا لَهُ)؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ لِكَوْنِهِ فَرْضًا وَالْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ الْوَاجِبِ تَبَرُّعٌ وَبِالْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا لَكِنَّ حَقَّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ وَحَقُّ الشَّارِعِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهِ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِهِ كَالتَّبَرُّعِ، وَقَالَ «عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصَّبِيُّ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ إذَا كَانَ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَجَازَ وَصِيَّةَ يَافِعٍ وَهُوَ الَّذِي رَاهَقَ الْحُلُمَ، وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُ بِتَحْصِيلِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ لَمْ يَنْفُذْ يَبْقَى مِلْكًا لِغَيْرِهِ وَلَا نَظَرَ لَهُ فِيهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّبَرُّعِ حَالَ حَيَاتِهِ لِلنَّظَرِ لَهُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِمَالِهِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يَنْعَكِسُ النَّظَرُ فَتَنْفُذُ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالصَّبِيُّ فِي الْإِرْثِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْبَالِغِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ وَلَنَا أَنَّهَا تَبَرُّعٌ فَلَا تَصِحُّ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ عَقْلِهِ فِي النَّفْعِ وَالضُّرِّ بِاعْتِبَارِ أَوْضَاعِ التَّصَرُّفَاتِ لَا بِاعْتِبَارِ مَا يُتَّفَقُ بِحُكْمِ الْحَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّ طَلَاقَهُ لَا يَقَعُ وَإِنْ تَضَمَّنَ نَفْعًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ وَتَصْحِيحَ وَصِيَّتِهِ يُؤَدِّي إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ مُلْزِمٍ وَالْأَثَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْبُلُوغِ فَسُمِّيَ يَافِعًا مَجَازًا وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَفْسِرْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ وَصِيَّتَهُ كَانَتْ فِي الْقُرْبِ أَوْ غَيْرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ كَانَتْ فِي تَجْهِيزِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَهُوَ يُحْرِزُ الثَّوَابَ بِالتَّرْكِ عَلَى وَرَثَتِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهَا النَّفْعُ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَمْ تَجُزْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الْمُبَاشَرَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إذَا أَدْرَكْت فَثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَصِيَّةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِقَوْلٍ مُلْزِمٍ فَلَا يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُمَا كَامِلَةٌ، وَإِنَّمَا مُنِعَا لِحَقِّ الْمَوْلَى فَتَصِحُّ إضَافَتُهُمَا إلَى حَالِ سُقُوطِ حَقِّ الْمَوْلَى بِأَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ أُعْتِقْت فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُكَاتَبُ) أَيْ لَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ وَصِيَّةَ الْمُكَاتَبِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً فَلَا تَصِحُّ كَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِ غَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهُ، وَلَوْ أَجَازَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ جَازَتْ عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ إنْشَاءٌ لِلْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ بِلَفْظَةِ الْإِجَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَجَازَ الْعِتْقَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَجُوزُ بِلَفْظَةِ الْإِجَازَةِ وَقِسْمٌ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مَا إذَا أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِأَنْ قَالَ إذَا أُعْتِقْت فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ أَوْ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لَهُ حَتَّى لَوْ عَتَقَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً لَمْ يُوجَدْ إذْ لَمْ تَثْبُتْ الْحُرِّيَّةُ لَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ عَتَقَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا جَائِزَةٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ نَوْعَيْ مِلْكٍ: حَقِيقِيٌّ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَمَجَازِيٌّ وَهُوَ مَا قَبْلَ الْعِتْقِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْصَرِفُ إلَى الْمُجَازِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ عَلَى الْعَدَمِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اللَّفْظُ وَعِنْدُهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ؛ لِأَنَّهُ الْقَابِلُ لِهَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ أَوْ يَتَنَاوَلُ النَّوْعَيْنِ فَتَصِحُّ فِيمَا يُقْبَلُ وَلَا تَصِحُّ فِيمَا لَا يُقْبَلُ. كَمَا إذَا قَالَ الْحُرُّ كُلُّ عَبْدٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فَيَعْتِقُ مَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَعْتِقُ الْآخَرُ وَتَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ حَتَّى إذَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَعْتِقُ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ قَالَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِثْلَ مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ الْحِنْثِ فِي مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ مِنْ أَيْمَانِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا إذَا أُعْتِقْت فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ يَصِحُّ وَيَعْتِقُ إذَا مَلَكَ عَبْدَ الْعِتْقِ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَأُعْتِقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ وَصِيَّة الْمَدْيُون] قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمَدْيُونِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَا لَهُ) إلَّا أَنْ يُبَرِّئَ الْغُرَمَاءُ الْمُوصِيَ مِنْ الدَّيْنِ فَحِينَئِذٍ تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ فِي الثُّلُثِ أَوْ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ أَوْ عَدَمِهَا لِعَدَمِ الْمَانِعِ وَهُوَ الدَّيْنُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةً عَلَيْهِ فِي الذِّكْرِ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ) أَيْ يَقُولُ الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا ثُمَّ هُمَا جَمِيعًا مُقَدَّمَانِ عَلَى الْمِيرَاثِ اهـ قَالَ فِي الْكَشَّافِ فَإِنْ قُلْت لِمَ قُدِّمَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا فِي الشَّرِيعَةِ قُلْت لَمَّا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُشْبِهَةً لِلْمِيرَاثِ فِي كَوْنِهَا مَأْخُوذَةً مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ كَانَ إخْرَاجُهَا مِمَّا يَشُقُّ عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ بِهَا فَكَانَ أَدَاؤُهَا مَظِنَّةً لِلتَّفْرِيطِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّ النُّفُوسَ مُطْمَئِنَّةٌ إلَى أَدَائِهِ فَلِذَلِكَ قُدِّمَتْ عَلَى الدَّيْنِ بَعْثًا عَلَى الْمُسَارَعَةِ إلَى إخْرَاجِهَا مَعَ الدَّيْنِ وَلِذَلِكَ جِيءَ بِكَلِمَةِ أَوْ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْوُجُوبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. [وَصِيَّة الصَّبِيّ] (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهَا تَبَرُّعٌ) مَحْضٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ) أَيْ إذَا قَالَ إنْ أُعْتِقْت ثُمَّ مِتّ فَثُلُثِي لِفُلَانٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَقُولَ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ اهـ

[الرجوع عن الوصية]

ثُمَّ مَلَكَ عَبْدًا لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْلِكُهُ يَتَنَاوَلُ الْحَالَ وَهُوَ غَيْرُ قَابِلٍ لَهُ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ فَهُوَ حُرٌّ يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مِلْكٍ قَابِلٍ لَهُ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الظَّاهِرِ. وَهُوَ مَا قَبْلَ الْعِتْقِ كَمَا إذَا قَالَ لِلْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّلَاقِ فِي هَذَا النِّكَاحِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَالَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ وَفِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ جَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الِاسْتِقْبَالِ، وَهَذَا ظَاهِرُهُ تَنَاقُضٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رِوَايَتَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ وَكَيْفَ يَخْتَلِفَانِ فِي الْجَوَابِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِهِ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلِّ مُدَّتِهِ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي بَعْضِ مَالِهِ وَالْجَنِينُ يَصْلُحُ خَلِيفَةً فِي الْإِرْثِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ إذْ هِيَ أُخْتُهُ غَيْرَ أَنَّهَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مَحْضٌ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَتَّى يُمَلِّكَهُ شَيْئًا وَلَا يُقَالُ الْوَصِيَّةُ شَرْطُهَا الْقَبُولُ وَالْجَنِينُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَكَيْفَ تَصِحُّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْوَصِيَّةُ تُشْبِهُ الْهِبَةَ وَتُشْبِهُ الْمِيرَاثَ فَلِشَبَهِهَا بِالْهِبَةِ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ إذَا أَمْكَنَ وَلِشَبَهِهَا بِالْمِيرَاثِ يَسْقُطُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِالْحَمْلِ فَلِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ فَتَجْرِي فِيهِ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ ثُمَّ شَرَطَ فِي الْهِدَايَةِ أَنْ يُولَدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِيهِمَا، مِثْلُ مَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ إذَا وُضِعَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَيْ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي لَا مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَوْصَى لَهُ يَعْتَبِرُ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ أَوْصَى بِهِ يَعْتَبِرُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ لَهُ) أَيْ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مِنْ شَرْطِهَا الْقَبُولُ وَالْقَبْضُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْ الْجَنِينِ وَلَا يَلِي عَلَيْهِ أَحَدٌ حَتَّى يَقْبِضَ عَنْهُ فَصَارَ كَالْبَيْعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى بِأَمَةٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ)؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْجَارِيَةِ لَفْظًا، وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْإِطْلَاقِ تَبَعًا فَإِذَا أَفْرَدَ الْأُمَّ بِالْوَصِيَّةِ صَحَّ إفْرَادُهُ، وَلِأَنَّ الْحَمْلَ يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْوَصِيَّةِ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَازَ إخْرَاجُهُ مِنْ الْعَقْدِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا بِمَعْنَى لَكِنْ إذْ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اللَّفْظِ. [الرُّجُوع عَنْ الْوَصِيَّة] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ قَوْلًا وَفِعْلًا بِأَنْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ)؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ فَجَازَ الرُّجُوعُ عَنْهَا مُطْلَقًا كَمَا فِي الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلِأَنَّ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَجَازَ الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ الرُّجُوعُ قَدْ يَثْبُتُ صَرِيحًا بِأَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَنْ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ قَوْلًا وَقَدْ يَثْبُتُ دَلَالَةً بِأَنْ يَفْعَلَ بِالشَّيْءِ الْمُوصَى بِهِ فِعْلًا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَفِعْلًا بِأَنْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ، وَنَظِيرُهُ الْبَيْعُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الشِّرَاءُ بِهِ فَإِنَّ الْفَسْخَ أَوْ الْإِجَازَةَ تَكُونُ بِالصَّرِيحِ وَبِالدَّلَالَةِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَوْ فَعَلَهُ الْإِنْسَانُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فَإِذَا فَعَلَهُ الْمُوصِي بِالْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا كَانَ رُجُوعًا. كَمَا إذَا اتَّخَذَ الْحَدِيدَ سَيْفًا أَوْ الصُّفْرَ آنِيَةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثَّرَ فِي قَطْعِ مِلْكِ الْمَالِكِ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي الْمَنْعِ أَوْلَى. وَكَذَا كُلُّ فِعْلٍ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْمُوصَى بِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا إلَّا بِهِ فَهُوَ رُجُوعٌ إذَا فَعَلَهُ فِيهِ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ أَوْجَبَ زَوَالَ الْمِلْكِ فَهُوَ رُجُوعٌ، وَكَذَا إذَا خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا أَوْصَى بِثَوْبٍ ثُمَّ قَطَعَهُ وَخَاطَهُ أَوْ بِقُطْنٍ ثُمَّ غَزَلَهُ أَوْ بِغَزْلٍ فَنَسَجَهُ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ إذَا وَجَدَ ذَلِكَ مِنْ الْغَاصِبِ فَتَبْطُلُ بِهِ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ تَبَدَّلَ اسْمُهُ وَصَارَ عَيْنًا آخَرَ غَيْرَ الْمُوصَى بِهِ، وَكَذَا أَوْصَى بِسَوِيقٍ فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ بِدَارٍ فَبَنَى فِيهَا أَوْ بِقُطْنٍ فَحَشَا بِهِ أَوْ بِبِطَانَةٍ فَبَطَّنَ بِهَا أَوْ بِظِهَارَةٍ فَظَهَّرَ بِهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمُوصَى بِهِ وَحْدَهُ لِلِاخْتِلَاطِ بِغَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا أَوْ وَهَبَهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ حَتَّى لَوْ مَلَكَهَا بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ لَا تَعُودُ الْوَصِيَّةُ وَذَبْحُ الشَّاةِ الْمُوصَى بِهَا اسْتِهْلَاكٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ وَصِيَّة الْمُكَاتَب] (قَوْلُهُ وَهَذَا ظَاهِرُهُ إلَخْ) لَا تَنَاقُضَ لِأَنَّ وَضْعَ الْوَصِيَّةِ لِلِاسْتِقْبَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ اهـ. [الْوَصِيَّة لِلْحَمْلِ] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِهِ إنْ وَلَدَتْ إلَخْ) هَذَا إذَا كَانَ زَوْجُ الْحَامِلِ حَيًّا فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَالشَّرْطُ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَهُوَ حَيٌّ وَإِنْ أَتَتْ بِهِ مَيِّتًا لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهُ إذَا أَتَتْ بِهِ حَيًّا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ حُكْمًا لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْ الزَّوْجِ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ الْعُلُوقِ قَبْلَ الْمَوْتِ لَا بِاعْتِبَارِ الْعُلُوقِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَمَّا حَكَمْنَا بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الزَّوْجِ فَقَدْ حَكَمْنَا بِوُجُودِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ بَعْدَ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ حَيًّا فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ مَوْتِ الْمُوصِي لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْوَطْءَ إذَا كَانَ حَلَالًا وَالزَّوْجُ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْوَطْءِ فَإِنَّمَا يُحَالُ بِالْعُلُوقِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَإِذَا أُحِيلَ بِالْعُلُوقِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لَا يَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ الْحَبَلِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي إلَّا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَيِّتًا فَإِنَّهُ يُحَالُ بِالْعُلُوقِ إلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ. اهـ. مُحِيطٌ. (قَوْلُهُ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِسَوِيقٍ) فِي الْهِدَايَةِ جَعَلَ هَذَا نَظِيرَ فِعْلٍ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْمُوصَى بِهِ وَجَعَلَ فِي الْكِفَايَةِ هَذَا نَظِيرَ الْخَلْطِ بِغَيْرِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَذَبْحُ الشَّاةِ الْمُوصَى بِهَا اسْتِهْلَاكٌ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْغَاصِبُ لَا يَمْلِكُ الشَّاةَ بِالذَّبْحِ فَقَطْ وَجَعَلَ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ أَنْوَاعِ الرُّجُوعِ دَلَالَةَ مَا إذَا نَقَصَ الْمُوصِي الْمُوصَى بِهِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ هَيْئَةِ الِادِّخَارِ وَالْبَقَاءِ

[باب الوصية بثلث المال]

فَتَبْطُلُ بِهِ الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ تَجْصِيصِ الدَّارِ الْمُوصَى بِهَا وَهَدْمِ بِنَائِهَا وَغَسْلِ الثَّوْبِ الْمُوصَى بِهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا. ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي التَّبَعِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ ثَوْبَهُ غَيْرَهُ يَغْسِلُهُ عَادَةً فَكَانَ تَقْرِيرًا مَعْنًى، وَلَوْ أَوْصَى بِرُطَبٍ فَصَارَ تَمْرًا لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِعِنَبٍ فَصَارَ زَبِيبًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلِهَذَا جَازَ اسْتِيفَاءُ أَحَدِهِمَا مَكَانَ الْآخَرِ فِي السَّلَمِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِالْكُفُرَّى فَصَارَ رُطَبًا حَيْثُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ لِلتَّبَدُّلِ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى بِبِيضٍ فَصَارَ فَرْخًا، وَلَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ بَعْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجُحُودُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا) كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ رُجُوعٌ قِيلَ مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ كَانَ فِي حَضْرَةِ الْمُوصَى لَهُ وَمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ فِي غَيْبَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْهُمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الرُّجُوعِ إذْ هُوَ نَفْيٌ فِي الْحَالِ فَقَطْ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا وَلِهَذَا كَانَ جُحُودُ التَّوْكِيلِ عَزْلًا وَجُحُودُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْبَيْعَ إقَالَةً وَلِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْمَاضِي كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ فَكَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا، وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ إثْبَاتٌ فِي الْمَاضِي وَنَفْيٌ فِي الْحَالِ وَالْجُحُودُ نَفْيٌ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَيَلْزَمُ مِنْهُ الِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَخَصَّ مِنْ الْآخَرِ مَعَ اخْتِلَافِ حَقِيقَتِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَكُونُ جُحُودُ النِّكَاحِ طَلَاقًا، وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْت بِهَا لِفُلَانٍ فَهُوَ حَرَامٌ أَوْ رِبًا لَا يَكُونُ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ يَسْتَدْعِي بَقَاءَ الْأَصْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ الذَّاهِبَ الْمُتَلَاشِيَ، وَلَوْ قَالَ أَخَّرْتهَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ لِلسُّقُوطِ كَتَأْخِيرِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ تَرَكْت؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ كَانَ رُجُوعًا. ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لَهَا، وَكَذَا إذَا قَالَ فَهُوَ لِفُلَانٍ وَإِرْثِي يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إنْ أَجَازَتْهُ الْوَرَثَةُ، وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ الْآخَرُ مَيِّتًا حِينَ أَوْصَى فَالْوَصِيَّةُ الْأُولَى عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى إنَّمَا تُبْطِلُ ضَرُورَةَ كَوْنِهَا لِلثَّانِي وَلَمْ تَكُنْ فَبَقِيَ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ، وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ حِينَ قَالَ ذَلِكَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّتَيْنِ الْأُولَى بِالرُّجُوعِ وَالثَّانِيَةِ بِالْمَوْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْصَى لِذَا بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْهُ الْوَرَثَةُ فَثُلُثُهُ لَهُمَا) أَيْ إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ ثُلُثَ الْمَالِ يَضِيقُ عَنْ حَقِّهِمَا إذْ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ، وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْمَحَلُّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْأُولَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ حَيْثُ يَكُونُ الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلثَّانِي لِوُجُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْأُولَى عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى لِآخَرَ بِسُدُسِ مَالِهِ فَالثُّلُثُ بَيْنُهُمَا أَثْلَاثًا) مَعْنَاهُ مَعَ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى وَهِيَ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ شَرْعًا وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ حَقِّهِمَا إذْ لَا مَزِيدَ لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الثُّلُثِ فَيَقْتَسِمَانِ الثُّلُثَ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا فَيَجْعَلُ السُّدُسَ سَهْمًا؛ لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ السُّدُسِ سَهْمٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْهُ فَثُلُثُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى يَوْمِ الْمَوْتِ وَمَثَّلَ لَهُ بِذَبْحِ الشَّاةِ وَقَالَ الْأَقْطَعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْوَصِيَّةِ يَقَعُ بِالْمَوْتِ وَالشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ لَا تَبْقَى إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَدَلَّ عَلَى الرُّجُوعِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ إلَخْ) وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ ثُمَّ قَالَ لَمْ أُوصِ لَهُ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَلَوْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي لَا أُوصِي لَهُ فَهُوَ رُجُوعٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أُوَكِّلْهُ فَهُوَ كَذِبٌ وَهُوَ وَكِيلٌ وَإِنْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي لَا أُوَكِّلُهُ بِبَيْعِ الْعَبْدِ فَهُوَ عَزْلٌ. اهـ. أَجْنَاسٌ فِي الْغَصْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُحُودَ إلَخْ) فِي النِّهَايَةِ تَأْخِيرُ الْمُصَنِّفِ دَلِيلَ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْأَصَحُّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَجَعَلَ فِي الْمَجْمَعِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مُخْتَارًا لِلْفَتْوَى. اهـ. [بَابُ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ] (بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ). (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ تُجِزْ) قَيَّدَ بِعَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَ الْوَرَثَةُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ خَمْسَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ رُبُعُهُ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْقِسْمَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْوَصَايَا فِي الْعَيْنِ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَوْ بِكُلٍّ وَثُلُثٍ فَالْكُلُّ مَقْسُومٌ أَسْدَاسًا مَعَ الْإِجَازَةِ وَالثُّلُثُ مَعَ عَدَمِهَا نِصْفَيْنِ وَقَالَا أَرْبَاعًا فِيهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَثُلُثُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ). قَالَ فِي الْمُصَفَّى إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ عِنْدَهُ نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَلَا يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ وَالسِّعَايَةِ وَالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ) عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا سَهْمٌ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ فَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ شَيْئَيْنِ الِاسْتِحْقَاقَ وَالتَّفْضِيلَ وَامْتَنَعَ الِاسْتِحْقَاقُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّفْضِيلِ فَيَثْبُتُ كَمَا فِي السِّعَايَةِ وَأُخْتَيْهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَقَعَتْ بِغَيْرِ مَشْرُوعٍ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ مِنْ الْوَرَثَةِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ نَفَاذُهَا بِحَالٍ فَتَبْطُلُ أَصْلًا وَلَا يُعْتَبَرُ الْبَاطِلُ وَالتَّفْضِيلُ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الِاسْتِحْقَاقِ كَالْمُحَابَاةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ تَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ وَأُخْتَيْهَا؛ لِأَنَّ لَهَا نَفَاذًا فِي الْجُمْلَةِ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَالِ سَعَةٌ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا التَّفَاضُلُ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَصِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى جَمِيعِ حَقِّهِ بِأَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ فَيَخْرُجَ الْكُلُّ مِنْ الثُّلُثِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ تَرِكَتِهِ قِيمَتُهَا تَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَزِيدَ الْمَالُ فَيَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْحَقُّ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ وَاسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَفِي الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ لَوْ هَلَكَتْ التَّرِكَةُ تَنْفُذُ فِيمَا يُسْتَفَادُ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ، وَهَذَا يُنْتَقَضُ بِالْمُحَابَاةِ فَإِنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ مِثْلَهُ وَمَعَ هَذَا يَضْرِبُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِنَصِيبِ ابْنِهِ بَطَلَ وَبِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ صَحَّ) أَيْ الْوَصِيَّةُ بِنَصِيبِ ابْنِهِ بَاطِلَةٌ وَالْوَصِيَّةُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ صَحِيحَةٌ، وَقَالَ زُفَرُ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَالُهُ فِي الْحَالِ، وَذَكَرَ نَصِيبَ الِابْنِ لِلتَّقْدِيرِ بِهِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ حَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَقَوْلُهُ أَوْصَيْت بِنَصِيبِ ابْنِي أَيْ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ، وَمِثْلُهُ سَائِغٌ لُغَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا وَلَنَا أَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ مَا يُصِيبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ وَصِيَّةً بِمَالِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ حَذْفُ الْمُضَافِ إذَا كَانَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ يَدُلُّ عَلَى الْمَسْئُولِ وَهُمْ الْأَهْلُ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَحْذُوفِ فَلَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَلَهُ الثُّلُثُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَنَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِالثُّلُثِ فَصَارَا سَوَاءً وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ لَيْسَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا نَصٌّ وَاخْتَلَفُوا فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقَسَّمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَسْدَاسًا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ وَالسُّدُسُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، وَوَجْهُهُ أَنْ نَقُولَ لَا مُنَازَعَةَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَيُدْفَعُ الثُّلُثَانِ إلَى صَاحِبِ الْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهَا فِي الثُّلُثِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَيُصِيبُ صَاحِبُ الثُّلُثِ السُّدُسَ وَصَاحِبُ الْجَمِيعِ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ قَبِيحٌ فَإِنَّهُ يُصِيبُ الْمُوصَى لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ نِصْفُ الثُّلُثِ وَالْآنَ كَذَلِكَ لِأَنَّ السُّدُسَ نِصْفُ الثُّلُثِ بَلْ يَجِبُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ رُبُعُ الْمَالِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَوَجْهُهُ أَنْ يُقَسَّمَ الثُّلُثُ أَوَّلًا بَيْنَهُمَا. لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ ثُمَّ يُقَسَّمُ الثُّلُثَانِ فَنَقُولُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ ثُمَّ الثُّلُثُ وَهُوَ سَهْمٌ وَاحِدٌ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أَوَّلًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهِ فَانْكَسَرَ بِالنِّصْفِ فَضَرَبْنَا مَخْرَجَ النِّصْفِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةً فَصَارَتْ سِتَّةً وَصَارَ الثُّلُثُ سَهْمَيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمٌ وَبَقِيَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي كُلَّهُ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يَدَّعِي سَهْمًا وَاحِدًا لِيَصِيرَ مَعَ السَّهْمِ الْمَأْخُوذِ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ فَسَلَّمَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَقَدْ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي السَّهْمِ الْآخَرِ فَيَنْتَصِفُ فَحَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ وَنِصْفٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ وَلَمَّا انْكَسَرَ بِالنِّصْفِ ضَرَبْنَا مَخْرَجَ النِّصْفِ اثْنَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ سِتَّةٍ فَيَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ فَيَصِيرُ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ ضِعْفَ مَا كَانَ وَقَدْ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفَانِ ضَعَّفْنَاهُ فَصَارَ تِسْعَةً وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَدْ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ وَنِصْفٌ ضَعَّفْنَاهُ فَصَارَ ثَلَاثَةً وَهِيَ رُبُعُ جَمِيعِ الْمَالِ. أَوْ نَقُولُ إذَا صَارَ الْمَالُ اثْنَيْ عَشَرَ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ أَوَّلًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمَانِ بَقِيَ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةَ أَسْهُمٍ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي جَمِيعَهُ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ لَا يَدَّعِي إلَّا سَهْمَيْنِ فَإِنَّهُ يَقُولُ حَقِّي فِي الثُّلُثِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَقَدْ وَصَلَ إلَيَّ سَهْمَانِ بَقِيَ حَقِّي فِي سَهْمَيْنِ فَلَا مُنَازَعَةَ لَهُ فِيمَا وَرَاءَ السَّهْمَيْنِ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ مُعْطًى لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَبَقِيَ سَهْمَانِ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِمَا فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ سَهْمٌ فَصَارَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ رُبُعُ الْمَالِ فَأَفَادَتْ الْإِجَازَةُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الثُّلُثِ فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَقَوْلِهِمَا لَكِنَّ التَّخْرِيجَ مُخْتَلِفٌ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَعِنْدَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ، وَوَجْهُ تَخْرِيجِهِمَا أَنْ نَقُولَ اجْتَمَعَ هُنَا وَصِيَّةٌ بِالْكُلِّ وَوَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ فَجَعَلْنَا أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ فَالْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ يَدَّعِي كُلَّهُ ثَلَاثَةً وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَدَّعِي ثُلُثَهُ سَهْمًا فَتَعُولُ إلَى أَرْبَعَةٍ: رُبُعُهُ وَهُوَ سَهْمٌ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ اهـ مُصَفَّى. (قَوْلُهُ وَهَذَا يُنْتَقَضُ بِالْمُحَابَاةِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الْبُرْهَانُ الطَّرَابُلُسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا انْتِقَاضَ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ وَصِيَّةٌ بِالثَّمَنِ لِتَمَلُّكِهِ الْعَيْنَ بِعَقْدِ الْبَيْعِ فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ صَحَّ) وَيَكُونُ ذَلِكَ وَصِيَّةً بِنِصْفِ الْمَالِ إذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ وَإِلَّا كَانَ لَهُ الثُّلُثُ اهـ غَايَةٌ

النِّصْفُ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُ مِثْلَ ابْنِهِ لَا أَنْ يَزِيدَ نَصِيبُهُ عَلَى نَصِيبِ ابْنِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُوصَى لَهُ كَأَحَدِهِمْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِسَهْمٍ أَوْ جُزْءٍ مِنْ مَالِهِ فَالْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَةِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِسَهْمٍ أَوْ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ كَانَ بَيَانُ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ فَيُقَالُ لَهُمْ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَمْتَنِعُ بِالْجَهَالَةِ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُوصِي فَكَانَ إلَيْهِمْ بَيَانُهُ سَوَّى هُنَا بَيْنَ السَّهْمِ وَالْجُزْءِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السَّهْمَ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ السُّدُسِ فَحِينَئِذٍ يُعْطَى لَهُ السُّدُسُ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ جَعَلَ السُّدُسَ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَجَعَلَهُ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ فِي الْأَصْلِ وَلَا يَمْنَعُ النُّقْصَانَ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ثُمَّ قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّدُسُ وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ فَيُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْهُمَا فَهَذَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ فَقَطْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ يُرَادُ بِهِ نَصِيبُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ عُرْفًا لَا سِيَّمَا فِي الْوَصِيَّةِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ، وَهَذَا فِي عُرْفُهُمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ ثُلُثُ مَالِي لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ)؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ يَتَضَمَّنُ السُّدُسَ فَيَدْخُلُ فِيهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ سُدُسُ مَالِي لَهُ السُّدُسُ) يَعْنِي سُدُسًا وَاحِدًا سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجْلِسَيْنِ؛ لِأَنَّ السُّدُسَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ وَالْمُعَرَّفُ إذَا أُعِيدَ مُعَرَّفًا كَانَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ غَنَمِهِ وَهَلَكَ ثُلُثَاهُ لَهُ مَا بَقِيَ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ بِثُلُثِ غَنَمِهِ وَهَلَكَ ثُلُثَا ذَلِكَ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَهُوَ يُخْرِجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْغَنَمِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ يَهْلِكُ مَا هَلَكَ مِنْهُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى الْبَاقِي كَذَلِكَ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْمُوصَى بِهِ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً وَلَنَا أَنَّ حَقَّ بَعْضِهِمْ يُمْكِنُ جَمْعُهُ فِي الْبَعْضِ الْمُتَعَيَّنِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ عَلَى الْقِسْمَةِ وَفِيهِ جَمْعٌ وَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ فَجَمَعْنَاهَا فِي الْبَعْضِ الْبَاقِي فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِدِرْهَمٍ أَوْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ بِعَشَرَةِ أَرْؤُسٍ مِنْ الْغَنَمِ فَهَلَكَ ذَلِكَ الْجِنْسُ كُلُّهُ إلَّا الْقَدْرَ الْمُسَمَّى فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ إذَا كَانَ يُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِ بَقِيَّةِ مَالِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِيهَا جَبْرًا فَكَذَا تَقْدِيمًا وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ إنَّمَا يَهْلِكُ الْهَالِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ أَنْ لَوْ اسْتَوَى الْحَقَّانِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُقَدَّمًا عَلَى الْآخَرِ فَالْهَالِكُ يُصْرَفُ إلَى الْمُؤَخَّرِ كَمَا إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دُيُونٌ وَوَصَايَا وَرَثَةٍ ثُمَّ هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ فَإِنَّ الْهَلَاكَ يُصْرَفُ إلَى الْمُؤَخَّرِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ وَالْإِرْثُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمَا وَهُنَا الْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] فَيُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى الْإِرْثِ تَقْدِيمًا لِلْوَصِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُنْقِصُ حَقَّ الْوَرَثَةِ عَنْ الثُّلُثَيْنِ مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ إذْ لَا يَسْلَمُ لِلْمُوصَى لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَسْلَمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ الْبَعْضُ فِي الْمُضَارَبَةِ يُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَقِيقًا أَوْ ثِيَابًا أَوْ دُورًا لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ رَقِيقِهِ أَوْ ثِيَابِهِ أَوْ بِثُلُثِ دُورِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَا ذَلِكَ وَبَقِيَ الثُّلُثُ وَهُوَ يُخْرِجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ كَانَ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي كَمَا قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ فَلَا يُمْكِنُ جَمْعُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالُوا هَذَا إذَا كَانَتْ الثِّيَابُ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ، وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ كَالدَّرَاهِمِ لِمَا بَيَّنَّا وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرَّقِيقِ وَالدُّورِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْجَبْرَ عَلَى الْمُقَاسَمَةِ فِيهِمَا وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَنْ اجْتِهَادٍ عِنْدَهُمَا وَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْقَضَاءِ بَلْ يَتَعَذَّرُ وَلَا قَضَاءَ هُنَا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ إجْمَاعًا وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَمْكَنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلَ السُّدُسِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ فَيُعْطَى لَهُ الثُّلُثُ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ) أَيْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ) عِبَارَةُ الشَّارِحِ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً) بِأَنْ كَانَ لَهُ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ فَأَوْصَى بِثُلُثِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ لِرَجُلٍ فَهَلَكَ صِنْفَانِ وَبَقِيَ صِنْفٌ وَاحِدٌ أَعْنِي بَقِيَ الْإِبِلُ أَوْ بَقِيَ الْبَقَرُ أَوْ بَقِيَ الْغَنَمُ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ) أَيْ عَلَى قِسْمَةِ التَّرِكَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ كَالدَّرَاهِمِ) فَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الْبَاقِي. اهـ.

جَمْعُهُ جَبْرًا بِالْقَضَاءِ أَمْكَنَ جَمْعُهُ تَقْدِيرًا، وَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ فِي هَذَا الْبَابِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِدُونِ الْقَضَاءِ عِنْدَهُمَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْغَنَمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَلْفٍ وَلَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دُفِعَ إلَيْهِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دُفِعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ إيفَاءَ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مُمْكِنٌ مِنْ غَيْرِ بَخْسٍ بِأَحَدٍ فَيُصَارُ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَثُلُثُ الْعَيْنِ وَكُلَّمَا خَرَجَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ لَهُ ثُلُثُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَلْفَ) أَيْ إنْ لَمْ يَخْرُجْ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دَفَعَ إلَى الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ الْعَيْنِ ثُمَّ كُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ دَفَعَ إلَيْهِ ثُلُثَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَهُوَ الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فِي الْحَقِيقَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَسْلَمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهُ وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالْعَيْنِ بَخْسٌ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ لِلْعَيْنِ مَزِيَّةً عَلَى الدَّيْنِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي مُطْلَقِ الْحَالِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَالًا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَبِاعْتِبَارِهِ تَنَاوَلَتْهُ الْوَصِيَّةُ فَيَعْتَدِلُ النَّظَرُ بِقِسْمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ أَثْلَاثًا فَيُصَارُ إلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَهُوَ مَيِّتٌ لِزَيْدٍ كُلُّهُ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبِثُلُثِ مَالِهِ وَعَمْرٌو مَيِّتٌ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ الَّذِي هُوَ أَهْلٌ لَهَا كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَجِدَارٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ كَانَ لَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عِنْدَهُ صَحِيحَةٌ لِعَمْرٍو فَلَمْ يَرْضَ لِلْحَيِّ إلَّا بِنِصْفِ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِعَمْرٍو لَغْوٌ فَكَانَ رَاضِيًا بِكُلِّ الثُّلُثِ لِلْحَيِّ هَذَا إذَا كَانَ الْمُزَاحِمُ مَعْدُومًا مِنْ الْأَصْلِ أَمَّا إذَا خَرَجَ الْمُزَاحِمُ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ يَخْرُجُ بِحِصَّتِهِ وَلَا يَسْلَمُ لِلْآخَرِ كُلُّ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحَّتْ لَهُمَا وَثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فَبُطْلَانُ حَقِّ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ زِيَادَةً عَلَى حَقِّ الْآخَرِ مِثَالُهُ إذَا قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِفُلَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنْ مِتّ وَهُوَ فَقِيرٌ فَمَاتَ الْمُوصِي وَفُلَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ غَنِيٌّ كَانَ لِفُلَانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَكَذَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِعَبْدِ اللَّهِ إنْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَمْ يَكُنْ عَبْدُ اللَّهِ فِي الْبَيْتِ كَانَ لِفُلَانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ اسْتِحْقَاقِهِ لِفَقْدِ الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّ الْآخَرِ فَكَانَ الْحَرْفُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ ثُمَّ خَرَجَ لِفَقْدِ شَرْطِهِ لَا يُوجِبُ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّ الْآخَرِ وَمَتَى لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ كَانَ الْكُلُّ لِلْآخَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو لِزَيْدٍ نِصْفُهُ) أَيْ إذَا قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَعَمْرٌو مَيِّتٌ كَانَ لِزَيْدٍ نِصْفُ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ بَيْنَ تُوجِبُ التَّنْصِيفَ فَلَا يَتَكَامَلُ لِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَيِّتٌ حَيْثُ يَكُونُ لِلْحَيِّ كُلُّ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى كَلَامٌ يَقْتَضِي الِاخْتِصَاصَ بِالْحُكْمِ إلَّا أَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الشَّرِكَةَ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَالْمَذْكُورُ وَصِيَّةٌ بِكُلِّ الثُّلُثِ وَالتَّصْنِيفُ بِحُكْمِ الْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ يَتَكَامَلُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَسَكَتَ كَانَ لَهُ جَمِيعُ الثُّلُثِ، وَلَوْ قَالَ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَسَكَتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الثُّلُثَ كُلَّهُ بَلْ نِصْفَهُ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28] اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ بِدَلِيلِ {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155]. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثُلُثِهِ وَلَا مَالَ لَهُ لَهُ ثُلُثُ مَا يَمْلِكُ عِنْدَ مَوْتِهِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِشَخْصٍ وَلَا مَالَ لَهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ كَانَ لَهُ ثُلُثُ مَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدُ اسْتِخْلَافٍ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بَعْدَهُ فَيَشْتَرِطُ وُجُودَ الْمَالِ عِنْدَ الْمَوْتِ سَوَاءٌ كَانَ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ الْمُوصَى بِهِ عَيْنًا أَوْ نَوْعًا مُعَيَّنًا. وَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِعَيْنٍ أَوْ بِنَوْعٍ مِنْ مَالِهِ كَثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ فَتَبْطُلُ بِفَوَاتِهَا قَبْلَ الْمَوْتِ حَتَّى لَوْ اكْتَسَبَ غَنَمًا آخَرَ أَوْ عَيْنًا آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ فَاسْتَفَادَهَا ثُمَّ مَاتَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِلَفْظِ الْمَالِ تَصِحُّ فَكَذَا إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ نَوْعِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا غَيْرُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ شَاةٌ مِنْ مَالِي وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ يُعْطَى قِيمَةَ شَاةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الشَّاةَ إلَى الْمَالِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِيَّةِ الشَّاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إذْ مَالِيَّتُهَا تُوجَدُ فِي مُطْلَقِ الْمَالِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ» وَعَيْنُ الشَّاةِ لَا تُوجَدُ فِي الْإِبِلِ، وَإِنَّمَا تُوجَدُ مَالِيَّتُهَا فِيهَا، وَلَوْ أَوْصَى بِشَاةٍ وَلَمْ يُضِفْهَا إلَى مَالِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ قِيلَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ إضَافَتُهَا إلَى الْمَالِ وَبِدُونِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ تُعْتَبَرُ صُورَةُ الشَّاةِ وَمَعْنَاهَا وَقِيلَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشَّاةَ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ شَاةٌ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَالِيَّةُ، وَلَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهَا إلَى الْغَنَمِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ عَيْنُ الشَّاةِ حَيْثُ جَعَلَهَا جُزْءًا مِنْ الْغَنَمِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَافَهَا إلَى الْمَالِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ كَالْبَقَرِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثُلُثِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ ثَلَاثٌ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَهُنَّ ثَلَاثَةٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَسَهْمٌ لِلْفُقَرَاءِ وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ ثَلَاثٌ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ أَخْمَاسًا فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ سَهْمٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقَسَّمُ أَسْبَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ لَفْظُ الْجَمْعِ وَأَدْنَاهُ فِي الْمِيرَاثِ اثْنَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11]، وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِالْآيَتَيْنِ اثْنَانِ فَكَانَ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ اثْنَانِ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ ثَلَاثَةٌ فَكَانَ الْمَجْمُوعُ سَبْعَةً فَيُقَسَّمُ أَسْبَاعًا وَلَهُمَا أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَالْمُفْرَدِ الْمُحَلَّى بِهِمَا الْجِنْسُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَعْهُودٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52]، وَقَالَ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30] وَلَا يَحْتَمِلُ مَا بَيْنَهُمَا فَتَعَيَّنَ الْأَدْنَى لِتَعَذُّرِ إرَادَةِ الْكُلِّ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ يَحْنَثُ بِالْوَاحِدَةِ فَيُتَنَاوَلُ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ وَاحِدٌ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ ثَلَاثٌ فَتَبْلُغُ السِّهَامُ خَمْسَةً وَلَيْسَ فِيمَا تَلِي دَلَالَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَتَيْنِ نَكِرَةٌ وَكَلَامُنَا فِي الْمَعْرِفَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُنَكَّرًا قُلْنَا كَمَا قَالَ ثُمَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ تَكُونُ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ اللَّاتِي يَعْتِقْنَ بِمَوْتِهِ أَوْ اللَّاتِي عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ غَيْرُهُنَّ فَإِنْ كَانَ لَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ يَعْتِقْنَ بِمَوْتِهِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلَّاتِي يَعْتِقْنَ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَهُنَّ فِي الْعُرْفِ وَاَللَّاتِي عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ مَوَالٍ لَا أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ، وَإِنَّمَا تُصْرَفُ إلَيْهِنَّ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ عَدَمِ أُولَئِكَ لِعَدَمِ مَنْ يَكُونُ أَوْلَى مِنْهُنَّ بِهَذَا الِاسْمِ وَلَا يُقَالُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِمَمْلُوكِهِ بِالْمَالِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ لِكَوْنِهِ عِتْقًا فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ اللَّاتِي لَمْ يَعْتِقْنَ حَالَ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ لَهُنَّ لَمَلَكْنَهُ حَالَ نُزُولِ الْعِتْقِ بِهِنَّ لِكَوْنِ الْعِتْقِ وَالتَّمْلِيكِ مُعَلَّقَيْنِ بِالْمَوْتِ وَالْعِتْقُ يَنْزِلُ عَلَيْهِنَّ وَهُنَّ إمَاءٌ فَكَذَا تَمَلُّكُهُنَّ يَقَعُ وَهُنَّ إمَاءٌ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُضَافَةٌ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهِنَّ لَا حَالَ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهِنَّ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَمْلِيكَهُنَّ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ فَصُرِفَ إلَيْهِ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْمَسَاكِينِ لِزَيْدٍ نِصْفُهُ وَلَهُمْ نِصْفُهُ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَالْمَسَاكِينِ كَانَ لِزَيْدٍ النِّصْفُ مِنْهُ وَلِلْمَسَاكِينِ النِّصْفُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُلُثُهُ لِزَيْدٍ وَثُلُثَاهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَأْخَذَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، وَلَوْ أَوْصَى لِلْمَسَاكِينِ كَانَ لَهُ صَرْفُهُ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصْرِفُهُ إلَى أَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمِائَةٍ لِرَجُلٍ وَبِمِائَةٍ لِآخَرَ فَقَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا لَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ وَبِأَرْبَعِمِائَةٍ لَهُ وَبِمِائَتَيْنِ لِآخَرَ فَقَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا لَهُ نِصْفُ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا كَانَ لَهُ نِصْفُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لِلْمُسَاوَاةِ لُغَةً وَلِهَذَا حُمِلَ قَوْله تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] عَلَى الْمُسَاوَاةِ، وَقَدْ أَمْكَنَ إثْبَاتُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْكُلِّ فِي الْأُولَى لِاسْتِوَاءِ الْمَالَيْنِ فَيَأْخُذُ هُوَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الْمِائَةِ فَتَمَّ لَهُ ثُلُثَا الْمِائَةِ وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَيْ الْمِائَةِ وَلَا يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْكُلِّ فِي الثَّانِيَةِ لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاةِ الثَّالِثِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا سَمَّاهُ لَهُ فَيَأْخُذُ النِّصْفَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ وَلِآخَرَ بِجَارِيَةٍ أُخْرَى ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ مُتَفَاوِتَةً كَانَ لَهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَلَهُ الثُّلُثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ فَيَكُونَانِ كَجِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَهُمَا يَرَيَانِهَا فَصَارَتَا كَالدَّرَاهِمِ الْمُتَسَاوِيَةِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك أَوْ أَدْخَلْتُك مَعَهُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ لِوَرَثَتِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدَّقُوهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالْبَيَانِ وَقَوْلُهُ فَصَدَّقُوهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَيَتَعَذَّرُ جَعْلُهُ إقْرَارًا مُطْلَقًا فَلَا يُعْتَبَرُ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ قَالَ كُلُّ مَنْ ادَّعَى عَلَيَّ شَيْئًا فَاعْطُوهُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ رَأَى الْوَصِيُّ أَنْ يُعْطِيَهُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ مِنْ الثُّلُثِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ قَصْدَهُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَنْفِيذُ قَصْدِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ يَعْلَمُ بِأَصْلِ الْحَقِّ عَلَيْهِ دُونَ مِقْدَارِهِ فَيَسْعَى فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَيَجْعَلُهُ وَصِيَّةً جَعَلَ التَّقْدِيرَ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ إذَا جَاءَكُمْ فُلَانٌ وَادَّعَى شَيْئًا فَاعْطُوهُ مِنْ مَالِي مَا شَاءَ فَهَذِهِ مُعْتَبَرَةٌ فَكَذَا هَذَا فَيُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَوْصَى بِوَصَايَا) أَيْ مَعَ ذَلِكَ (عَزَلَ الثُّلُثَ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ وَقِيلَ لِكُلٍّ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ وَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ فَلِلْوَصَايَا) أَيْ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا عَزَلَ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَانِ؛ لِأَنَّ الْوَصَايَا حُقُوقٌ مَعْلُومَةٌ فِي الثُّلُثِ وَالْمِيرَاثُ مَعْلُومٌ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَهَذَا لَيْسَ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ وَلَا وَصِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَلَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ فَقَدَّمْنَا عَزْلَ الْمَعْلُومِ وَفِي الْإِفْرَازِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ قَدْ يَكُونُ أَعْرَفَ بِمِقْدَارِ هَذَا الْحَقِّ وَأَبْصَرَ بِهِ وَالْآخَرُ أَلَدُّ وَأَلَجُّ وَرُبَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْفَضْلِ إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ فَإِذَا أَفْرَزْنَا ثُلُثًا عَلِمْنَا أَنَّ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا شَائِعًا فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ فَيُؤْمَرُ أَصْحَابُ الْوَصَايَا وَالْوَرَثَةِ بِبَيَانِهِ فَإِذَا بَيَّنُوا شَيْئًا أَخَذَ أَصْحَابُ الْوَصَايَا بِثُلُثِ مَا أَقَرُّوا بِهِ وَالْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْ مَا أَقَرُّوا بِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ كُلِّ فَرِيقٍ نَافِذٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيَلْزَمُهُ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ ادَّعَى الْمُقِرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَلَفَ كُلُّ فَرِيقٍ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ الْكَرِيمِ هَذَا مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَرَثَةَ كَانُوا يُصَدِّقُونَهُ إلَى الثُّلُثِ وَلَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَهُنَا أَلْزَمَهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْوَصَايَا أَخَذُوا الثُّلُثَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْوَصَايَا تَسْتَغْرِقَ الثُّلُثَ كُلَّهُ وَلَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمْ تَصْدِيقُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِأَجْنَبِيٍّ وَوَارِثِهِ لَهُ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَبَطَلَ وَصِيَّتُهُ لِلْوَارِثِ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ وَوَارِثِهِ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَمْلِكُ وَبِمَا لَا يَمْلِكُ فَصَحَّ فِيمَا يَمْلِكُ وَبَطَلَ فِي الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ حَيْثُ يَكُونُ الْكُلُّ لِلْحَيِّ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا وَالْوَارِثُ مِنْ أَهْلِهَا وَلِهَذَا تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَافْتَرَقَا وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى لِلْقَاتِلِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ وَهُوَ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ لَهُمَا وَالشَّرِكَةُ تُثْبِتُ حُكْمًا لِلتَّمْلِيكِ فَيَصِحُّ فِي حَقِّ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ التَّمْلِيكِ لِأَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّمْلِيكِ مِنْ الْآخَرِ، أَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ كَائِنٍ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِوَصْفِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَاضِي وَلَا وَجْهَ إلَى إثْبَاتِهِ بِدُونِ هَذَا الْوَصْفِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَلَا إلَى إثْبَاتِ هَذَا الْوَصْفِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْوَارِثُ فِيهِ شَرِيكًا، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ الْأَجْنَبِيُّ شَيْئًا كَانَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ فَيَبْطُلَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ ثُمَّ لَا يَزَالُ يَقْبِضُ الْأَجْنَبِيُّ شَيْئًا وَيُشَارِكُهُ الْوَارِثُ فِيهِ فَيَبْطُلُ حَتَّى يَبْطُلَ الْكُلُّ فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا وَفِي الْإِنْشَاءِ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا مُمْتَازَةٌ عَنْ حِصَّةِ الْآخَرِ بَقَاءً وَبُطْلَانًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ هَذَا إذَا تَصَادَقَا، أَمَّا إذَا أَنْكَرَ الْأَجْنَبِيُّ شَرِكَةَ الْوَارِثِ أَوْ أَنْكَرَ الْوَارِثُ شَرِكَةَ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حِصَّةِ الْأَجْنَبِيِّ عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فَأَعْطُوهُ مِنْ مَالِي مَا شَاءَ) وَلَوْ قَالَ هَكَذَا صَحَّ كَلَامُهُ وَيَكُونُ إنْفَاذُهُ مِنْ الثُّلُثِ لَا غَيْرُ فَكَذَا هَذَا لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ جَوَازُهَا مِنْ الثُّلُثِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا لَيْسَ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ وَلَا وَصِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ) فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا مَجْهُولٌ أَيْ قَوْلُهُ فَصَدَّقُوهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ وَلَا وَصِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَلَكِنَّهُ دَيْنٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَصِيَّةٌ فِي حَقِّ التَّنْفِيذِ فَلَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ اهـ (قَوْلُهُ حَلَفَ كُلُّ فَرِيقٍ) أَيْ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ) لَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ. اهـ.

مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ مُقِرٌّ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ وَبُطْلَانِ حَقِّ شَرِيكِهِ فَيَبْطُلُ فِي حَقِّهِ وَيَثْبُتُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ لَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْ حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَبْطُلُ كَمَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثِيَابٍ مُتَفَاوِتَةٍ لِثَلَاثَةٍ فَضَاعَ ثَوْبٌ وَلَمْ يَدْرِ أَيًّا وَالْوَارِثُ يَقُولُ لِكُلٍّ هَلَكَ حَقُّك بَطَلَتْ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثَلَاثَةِ ثِيَابٍ مُتَفَاوِتَةٍ جَيِّدٍ وَوَسَطٍ وَرَدِيءٍ لِثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِثَوْبٍ فَضَاعَ مِنْهَا ثَوْبٌ وَلَا يَدْرِي أَيُّهَا هُوَ وَالْوَارِثُ يَجْحَدُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هَلَكَ حَقُّك أَوْ حَقُّ أَحَدِكُمْ وَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ فَلَا أَدْفَعُ إلَيْكُمْ شَيْئًا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مَجْهُولٌ وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ وَتَحْصِيلَ غَرَضِ الْمُوصِي فَتَبْطُلُ كَمَا إذَا أَوْصَى لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يُسَلِّمُوا مَا بَقِيَ) أَيْ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْوَرَثَةُ مَا بَقِيَ مِنْ الثِّيَابِ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَحِيحَةً فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا بَطَلَتْ لِجَهَالَةٍ طَارِئَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ التَّسْلِيمِ فَإِذَا سَلَّمُوا الْبَاقِيَ زَالَ الْمَانِعُ فَعَادَتْ صَحِيحَةً عَلَى مَا كَانَتْ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلِذِي الْجَيِّدِ ثُلُثَاهُ وَلِذِي الرَّدِيءِ ثُلُثَاهُ وَلِذِي الْوَسَطِ ثُلُثُ كُلٍّ) أَيْ لِصَاحِبِ الْجَيِّدِ يُعْطَى ثُلُثَا الثَّوْبِ الْجَيِّدِ وَلِصَاحِبِ الرَّدِيءِ يُعْطَى ثُلُثَا الثَّوْبِ الرَّدِيءِ وَلِصَاحِبِ الْوَسَطِ ثُلُثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَا ثَوْبٍ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ إذَا قُسِّمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الثُّلُثَانِ، وَإِنَّمَا أُعْطِيَ صَاحِبُ الْوَسَطِ ثُلُثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْآخَرَانِ الثُّلُثَيْنِ مِنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَيِّدِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّدِيءِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّدِيءُ الْأَصْلِيُّ أَوْ الْوَسَطُ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْوَسَطُ أَوْ الرَّدِيءُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْجَيِّدُ وَصَاحِبُ الرَّدِيءِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْجَيِّدِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْجَيِّدُ الْأَصْلِيُّ أَوْ الْوَسَطُ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْجَيِّدُ أَوْ الْوَسَطُ وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الرَّدِيءُ وَصَاحِبُ الْوَسَطِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ أَجْوَدَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ يَكُونَ الْهَالِكُ أَرْدَأَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِيهِمَا حَقٌّ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْوَسَطُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقَّهُ مِنْ مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ لَهُ؛ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ بِإِيصَالِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَيْهِ وَاجِبَةٌ وَهُمْ فِي احْتِمَالِ بَقَاءِ حَقِّهِ وَبُطْلَانِهِ سَوَاءٌ وَفِيمَا قُلْنَا إيصَالُ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَتَحْصِيلُ غَرَضِ الْمُوصِي مِنْ التَّفْضِيلِ فَكَانَ مُتَعَيِّنًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِبَيْتِ عَيْنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ وَقُسِّمَ وَوَقَعَ فِي حَظِّهِ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِلَّا مِثْلُ ذَرْعِهِ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَوْصَى أَحَدُهُمَا بِبَيْتٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ فَإِنَّ الدَّارَ تُقَسَّمُ فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَلِلْمُوصَى لَهُ مِثْلُ ذَرْعِ الْبَيْتِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ نِصْفُ الْبَيْتِ إنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ كَانَ لَهُ مِثْلُ ذَرْعِ نِصْفِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمِلْكِهِ وَبِمِلْكِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا مُشْتَرَكَةٌ فَتَنْفُذُ فِي مِلْكِهِ وَيَتَوَقَّفُ الْبَاقِي عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِهِ ثُمَّ إذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ الَّتِي هِيَ مُبَادَلَةٌ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ السَّابِقَةُ كَمَا إذَا أَوْصَى بِمِلْكِ الْغَيْرِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ إذَا أَصَابَهُ بِالْقِسْمَةِ عَيْنُ الْبَيْتِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ نِصْفُهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا أَوْصَى بِهِ وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَنْفِيذُهَا فِي الْبَدَلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَنْفِيذِهَا فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ كَالْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِهَا إذَا قُتِلَتْ تَنْفِيذًا لِوَصِيَّةٍ فِي بَدَلٍ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا بِيعَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِهِ حَيْثُ لَا تَتَعَلَّقُ الْوَصِيَّةُ بِثَمَنِهِ. ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْمَبِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي مَسَائِلِ الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَلَا تَبْطُلُ بِالْقِسْمَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ فِيهِ بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الْإِيصَاءَ بِمَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَلَى الْكَمَالِ ظَاهِرًا، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُشَاعِ قَاصِرٌ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ فِي جَمِيعِ الْبَيْتِ إذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيهِ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي الْقِسْمَةِ تَابِعٌ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْإِفْرَازُ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهِ وَلَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إذَا وَقَعَ الْبَيْتُ كُلَّهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَلَوْ كَانَتْ مُبَادَلَةً لَبَطَلَتْ كَمَا لَوْ بَاعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَضَاعَ ثَوْبٌ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَيِّدِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّدِيءِ) أَيْ مِنْ الثَّوْبَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الرَّدِيءَ مِنْ الثَّوْبَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ) أَيْ مِنْ الثَّوْبَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْجَيِّدَ مِنْ الثَّوْبَيْنِ اهـ

الْمُوصَى بِهِ فَعَلَى اعْتِبَارِ الْإِفْرَازِ صَارَ كَأَنَّ الْبَيْتَ مِلْكُهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ. وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ تَنْفِيذٌ فِي قَدْرِ ذُرْعَانِ الْبَيْتِ جَمِيعِهِ مِنْ الَّذِي وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ عَوَّضَهُ، وَلِأَنَّ مُرَادَ الْمُوصِي مِنْ ذِكْرِ الْبَيْتِ تَقْدِيرُهُ بِهِ غَيْرَ أَنَّا نَقُولُ يَتَعَيَّنُ الْبَيْتُ إذَا وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ التَّقْدِيرِ وَالتَّمْلِيكِ وَإِذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ عَمِلْنَا بِالتَّقْدِيرِ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ أَرَادَ التَّقْدِيرَ عَلَى اعْتِبَارِ وُقُوعِ الْبَيْتِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَأَرَادَ التَّمْلِيكَ عَلَى اعْتِبَارِ وُقُوعِهِ فِي نَصِيبِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِكَلَامٍ وَاحِدٍ جِهَتَانِ بِاعْتِبَارَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَلَّقَ بِأَوَّلِ وَلَدٍ تَلِدُهُ أَمَتُهُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ وَعِتْقَ ذَلِكَ الْوَلَدُ تَقَيَّدَ فِي حَقِّ الْعِتْقِ بِالْوَلَدِ الْحَيِّ لَا فِي حَقِّ الطَّلَاقِ ثُمَّ إذَا وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ غَيْرِ الْمُوصِي وَالدَّارُ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَالْبَيْتُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ يُقَسَّمُ نَصِيبُ الْمُوصِي بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ. وَالْوَرَثَةُ عَلَى عَشْرَةِ أَسْهُمٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تِسْعَةٌ لِلْوَرَثَةِ وَسَهْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ فَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِنِصْفِ الْبَيْتِ وَهُوَ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ وَهُمْ بِنِصْفِ الدَّارِ إلَّا نِصْفَ الْبَيْتِ الَّذِي صَارَ لَهُ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَنَصِيبُ الْمَيِّتِ مِنْ الدَّارِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا فَتُجْعَلُ كُلُّ خَمْسَةٍ مِنْهَا سَهْمًا فَصَارَ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ وَعِنْدَهُمَا يُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ وَهُوَ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ وَهُمْ بِنَصِيبِهِ كُلِّهِ إلَّا الْبَيْتَ الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا فَيَجْعَلُ كُلَّ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ سَهْمًا فَصَارَ الْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ وَأَرْبَعَةٌ لَهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِقْرَارُ مِثْلُهَا) أَيْ الْإِقْرَارُ بِبَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ، مِثْلُ الْوَصِيَّةِ بِهِ حَتَّى يُؤْمَرَ بِتَسْلِيمِ كُلِّهِ إنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ عِنْدَهُمَا وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ مِثْلِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ النِّصْفِ أَوْ قَدْرِ النِّصْفِ. وَقِيلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَهُمَا فِي الْإِقْرَارِ وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ حَتَّى إنْ أَقَرَّ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقِرِّ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا تَصِحُّ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ثُمَّ مَاتَ لَا تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَلْفِ عَيْنٍ مِنْ مَالٍ آخَرَ فَأَجَازَ رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَدَفَعَهُ صَحَّ وَلَهُ الْمَنْعُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ) أَيْ إذَا أَوْصَى رَجُلٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ فَأَجَازَ صَاحِبُ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَدَفَعَهُ إلَيْهِ جَازَ وَلَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالِ الْغَيْرِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِهِ فَإِذَا أَجَازَ كَانَ مِنْهُ هَذَا ابْتِدَاءَ تَبَرُّعٍ فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّسْلِيمِ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ لِلْقَاتِلِ أَوْ لِلْوَارِثِ فَأَجَازَتْهَا الْوَرَثَةُ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ لِمُصَادَفَتِهَا مِلْكَهُ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِذَا أَجَازُوهَا سَقَطَ حَقُّهُمْ فَيَنْفُذُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ إقْرَارُ أَحَدِ الِابْنَيْنِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِوَصِيَّةِ أَبِيهِ فِي ثُلُثِ نَصِيبِهِ) مَعْنَاهُ إذَا اقْتَسَمَ الِابْنَانِ تَرِكَةَ أَبِيهِمَا وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُعْطِيهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالثُّلُثِ لَهُ تَضَمَّنَ إقْرَارَهُ بِمُسَاوَاتِهِ إيَّاهُ وَالتَّسْوِيَةُ فِي إعْطَاءِ النِّصْفِ لِيَبْقَى لَهُ النِّصْفُ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ ثَالِثٍ لَهُمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الْمُنْكِرُ كَالْهَالِكِ فَيَهْلِكُ عَلَيْهِمَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمَا فَيَكُونُ مُقِرًّا لَهُ بِثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ وَبِثُلُثِ مَا فِي يَدِ أَخِيهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ أَخِيهِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ فَيُعْطِيهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ أَدَّى إلَى مَحْظُورٍ وَهُوَ أَنَّ الِابْنَ الْآخَرَ بِمَا يُقِرُّ بِهِ فَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ فَيَأْخُذُ نِصْفَ التَّرِكَةِ فَيَزْدَادُ نَصِيبُهُ عَلَى الثُّلُثِ وَهُوَ خَلَفٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِالدَّيْنِ عَلَى أَبِيهِمَا حَيْثُ يَأْخُذُ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْمُقِرُّ لَهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ إنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا إذَا سَلَّمَ لِلْوَارِثِ ضِعْفَ ذَلِكَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْمُسَاوَاةِ بَلْ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثِ التَّرِكَةِ، وَإِنَّمَا حَصَلَتْ الْمُسَاوَاةُ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَهُمَا) قَالَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِهِمَا اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى إنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمِلْكٍ إلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْفَرْعُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَزْدَادُ نَصِيبُهُ عَلَى الثُّلُثِ) فِيهِ نَظَرٌ اهـ كَذَا بِخَطِّ قَارِئٍ الْهِدَايَةِ اهـ. (فَرْعٌ لَطِيفٌ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرِكَةٌ فِيهَا دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ فَقَسَّمَهُ الْوَرَثَةُ ثُمَّ جَاءَ الْغَرِيمُ فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الدَّيْنِ بِمَا يَخُصُّهُ فِي ثُلُثِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَالتَّرِكَةُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَانْقَسَمَتْ بَيْنَ ثَلَاثَةِ بَنِينَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَ الْأَلْفِ وَهَذَا إذَا أَخَذَهُمْ عِنْدَ الْقَاضِي جُمْلَةً أَمَّا إذَا ظَفَرَ بِأَحَدِهِمْ يَأْخُذُ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا سَلَّمَ لِلْوَارِثِ ضِعْفَ ذَلِكَ) وَلَوْ كَانَ الْبَنُونَ ثَلَاثَةً وَالتَّرِكَةُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَاقْتَسَمُوهَا فَجَاءَ رَجُلٌ فَادَّعَى أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَصَدَّقَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ عِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ مَا فِي يَدِهِ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّ ثُلُثَ كُلِّ التَّرِكَةِ لَهُ وَالثُّلُثَيْنِ بَيْنَ الْبَنِينَ أَثْلَاثًا فَنَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثٌ وَلِثُلُثِهِ ثُلُثٌ وَأَقَلُّهُ تِسْعَةُ ثُلُثِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَالْبَاقِي وَهُوَ سِتَّةٌ بَيْنَ الْبَنِينَ أَثْلَاثًا لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، وَلِلْمُقِرِّ سَهْمَانِ فَيُقَسَّمُ مَا فِي يَدِهِ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ السِّهَامِ فَصَارَ خَمْسَةً لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثَلَاثَةً وَلَهُ اثْنَانِ وَعِنْدَنَا يُعْطِيهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ لِمَا مَرَّ قَالَهُ الْعَلَّامَةُ حَافِظُ الدِّينِ فِي كَافِيهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا ابْنُ السَّاعَاتِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَجْمَعِ

أَخٌ فَأَقَرَّ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ لَا يَزِيدُ حَقُّهُ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا لَهُ بِالْمُسَاوَاةِ لَسَاوَاهُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِأَخٍ ثَالِثٍ، وَكَذَّبَهُ أَخُوهُ حَيْثُ يَكُونُ مَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْمُسَاوَاةِ فَيُسَاوِيهِ مُطْلَقًا وَلِهَذَا لَوْ كَانَ وَحْدَهُ أَيْضًا سَاوَاهُ فَيَكُونُ مَا أَخَذَهُ الْمُنْكِرُ هَالِكًا عَلَيْهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَخَرَجَا مِنْ ثُلُثِهِ فَهُمَا لَهُ وَإِلَّا أَخَذَ مِنْهَا ثُمَّ مِنْهُ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَدًا وَكِلَاهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ فَهُمَا لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ دَخَلَتْ فِي الْوَصِيَّةِ أَصَالَةً وَالْوَلَدَ تَبَعًا حِينَ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا فَإِذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالتَّرِكَةُ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ قَبْلَهَا حَتَّى تَقْضِيَ بِهِ دُيُونَهُ، وَتُنَفِّذَ مِنْهُ وَصَايَاهُ دَخَلَ الْوَلَدُ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَكُونَانِ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ ضَرَبَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَأَخَذَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأُمِّ أَوَّلًا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَهُ مِنْ الْوَلَدِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَا يَأْخُذُ مَا يَخُصُّهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ تَبَعًا حَالَ اتِّصَالِهِ بِهَا فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالِانْفِصَالِ. كَمَا إذَا أَوْصَى بِبَيْعِهَا مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا مِنْ الثَّمَنِ أَوْ عَتَقَهَا فَوَلَدَتْ وَكَمَا إذَا وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ حَتَّى يُبَاعَ أَوْ يَعْتِقَ مَعَهَا وَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا فِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ الْأُمِّ كَأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِهِمَا جَمِيعًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ وَالْوَلَدَ تَبَعٌ فِي الْوَصِيَّةِ وَالتَّبَعُ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ فَلَوْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِيهِمَا جَمِيعًا تُنْتَقَضُ الْوَصِيَّةُ فِي بَعْضِ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَهُ فِي التَّبَعِ لَا يُؤَدِّي إلَى نَقْضِهِ فِي الْأَصْلِ بَلْ يَبْقَى تَامًّا صَحِيحًا فِيهِ غَيْرَ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ لَا يُقَابِلُ الْأَصْلَ بَلْ بَعْضَهُ ضَرُورَةَ مُقَابِلَتِهِ بِالْوَلَدِ إذَا بِيعَا بِالثَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُوصِي أَوْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي غَيْرِ الْوَصِيَّةِ. وَقُبِضَ الْوَلَدُ مَعَ الْأُمِّ، وَذَلِكَ لَا يُبَالَى بِهِ وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي النَّقْضِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَابِعٌ فِي الْبَيْعِ حَتَّى يَنْعَقِدَ الْبَيْعُ بِدُونِ ذِكْرِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُوصِي مُحَابَاةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ هَذَا إذَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَهُمَا فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ خَالِصًا لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيهِ بَعْدَهُمَا وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْقَبُولِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُوصًى بِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَالُوا يَصِيرُ مُوصًى بِهِ حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا إذَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ كَيْفَمَا كَانَ وَالْكَسْبُ كَالْوَلَدِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ الرَّقِيقِ فِي مَرَضِهِ فَأَسْلَمَ أَوْ عَتَقَ بَطَلَ كَهِبَتِهِ وَإِقْرَارِهِ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ لِابْنِهِ الرَّقِيقِ فِي مَرَضِهِ فَأَسْلَمَ الِابْنُ أَوْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَمَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ لَهُ وَالْإِقْرَارُ لَهُ بِالدَّيْنِ أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا حَالَةُ الْمَوْتِ وَهُوَ وَارِثٌ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَالْهِبَةُ حُكْمُهَا مِثْلُ الْوَصِيَّةِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ كَافِرًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَقَعَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ وَارِثٌ بِسَبَبٍ كَانَ ثَابِتًا عِنْدَ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ فَيَمْتَنِعُ لِمَا فِيهِ مِنْ تُهْمَةِ إيثَارِ الْبَعْضِ فَكَانَ كَالْوَصِيَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ وَأَقَرَّ لِأَخِيهِ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ أَبِيهِ الْمُقِرِّ وَوَرِثَهُ أَخُوهُ الْمُقِرُّ لَهُ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لَهُ يَكُونُ بَاطِلًا لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِامْرَأَةٍ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَارِثَةً بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَالْإِقْرَارُ مُلْزِمٌ بِنَفْسِهِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ حَالَ صُدُورِهِ فَيَلْزَمُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ وَيُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَهَا؛ لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ عِنْدَهُ فَلِهَذَا اتَّحَدَ الْحُكْمُ فِيهِمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَافْتَرَقَ فِي الْإِقْرَارِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةً عِنْدَ الْإِقْرَارِ وَهِيَ غَيْرُ وَارِثَةٍ بِأَنْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ أَعْتَقَتْ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا لِقِيَامِ السَّبَبِ حَالَ صُدُورِهِ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَقَعَ لَهُ وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَبْطُلُ كَالْوَصِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِلْمَوْلَى إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ وَقِيلَ الْهِبَةُ لَهُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ فَيَقَعُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ فَيَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[باب العتق في المرض]

وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَهُ فَيَمْتَنِعُ وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ هِيَ فِي الْمَرَضِ كَالْوَصِيَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُنَجَّزَةً صُورَةً فَهِيَ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْمَوْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْهِبَةَ تَقَعُ لَهُ وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا تَجُوزُ كَالْوَصِيَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ وَالْأَشَلُّ وَالْمَسْلُولُ إنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَخَفْ مِنْهُ الْمَوْتَ فَهِبَتُهُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ صَارَ طَبْعًا مِنْ طِبَاعِهِ كَالْعَمَى وَالْعَرَجِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ مَرَضُ الْمَوْتِ وَمَرَضُ الْمَوْتِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ غَالِبًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ غَالِبًا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَزْدَادُ حَالًا فَحَالًا إلَى أَنْ يَكُونَ آخِرُهُ الْمَوْتَ. وَأَمَّا إذَا اسْتَحْكَمَ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَزْدَادُ وَلَا يَخَافُ مِنْهُ الْمَوْتَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ كَالْعَمَى وَنَحْوِهِ إذْ لَا يَخَافُ مِنْهُ وَلِهَذَا لَا يُشْتَغَلُ بِالتَّدَاوِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ) أَيْ إنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ يُعْتَبَرُ تَصَرُّفُهُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَمَاتَ مِنْهُ فِي أَيَّامِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ابْتِدَائِهِ يَخَافُ مِنْهُ الْمَوْتَ وَلِهَذَا يَتَدَاوَى فَيَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ وَإِنْ صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ بَعْدَ التَّطَاوُلِ فَهُوَ كَمَرَضٍ حَادِثٍ بِهِ حَتَّى تُعْتَبَرَ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ] (بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَحْرِيرُهُ فِي مَرَضِهِ وَمُحَابَاتُهُ وَهِبَتُهُ وَصِيَّةٌ) أَيْ حُكْمُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ كَحُكْمِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَمُزَاحَمَةُ أَصْحَابِ الْوَصَايَا فِي الضَّرْبِ لَا حَقِيقَةِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مُنْجَزَةٌ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ فَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي حَقِّ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ ابْتَدَأَ الْمَرِيضُ إيجَابَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَالضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَكُلُّ مَا أَوْجَبَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ أَوْجَبَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ إذَا الْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الْإِضَافَةِ لَا حَالَةُ الْعَقْدِ وَمَا نَفَّذَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ حَالَةُ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ وَكُلُّ مَرَضٍ بَرَأَ مِنْهُ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِحَالِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ إلَّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَبِالْبُرْءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ فَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَسْعَ إنْ أُجِيزَ) أَيْ إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَهِيَ تَجُوزُ بِأَزْيَدَ مِنْ الثُّلُثِ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحِقَهُمْ فَيَسْقُطُ بِالْإِجَازَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ حَابَى فَحَرَّرَ فَهِيَ أَحَقُّ وَبِعَكْسِهِ اسْتَوَيَا) أَيْ إذَا حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى وَإِنْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى فَهُمَا سَوَاءٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِعَكْسِهِ اسْتَوَيَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْوَصَايَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْوَصَايَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ فِي الثُّلُثِ لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا الْعِتْقَ الْمُوقَعَ فِي الْمَرَضِ وَالْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِمَوْتِ الْمُوصِي كَالتَّدْبِيرِ الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا وَالْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ مُنَفَّذًا عَقِيبَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى التَّنْفِيذِ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى أَسْبَقُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى تَنْفِيذِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالتَّرْجِيحُ يَقَعُ بِالسَّبْقِ. لِأَنَّ مَا يَنْفُذُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيذٍ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الدُّيُونِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ يَنْفَرِدُ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ إذَا ظَفَرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ وَفِي هَذِهِ الْأَشْيَاءُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِنَفْسِ الْمَوْتِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَكَذَا الْحَقُّ الَّذِي فِي مَعْنَاهُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْوَصَايَا قَدْ تَسَاوَتْ فِي السَّبَبِ وَالتَّسَاوِي فِيهِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمُحَابَاةُ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّقْدِيمَ فِي الثُّبُوتِ إلَّا إذَا اتَّحَدَ الْمُسْتَحَقُّ وَاسْتَوَتْ الْحُقُوقُ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ إنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ) لَمَّا كَانَ الْإِعْتَاقُ فِي الْمَرَضِ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِوُقُوعِهِ تَبَرُّعًا فِي زَمَانِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا وَلَكِنْ أَخَّرَهُ عَمَّا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِ الصَّرِيحِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الدَّلَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ) لِمَا أَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي إيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا يُتَّهَمُ فِي الْهِبَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَا هُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) تَبِعَهُ فِيهِ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ وَقَالَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَفِي أَثْنَاءِ كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ أَوْلَى عِنْدَهُمَا فَقَالَ فِي أَوَاخِرِ هَذِهِ الصَّفْحَةِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى وَقَالَ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْكُلِّ فَتَنَبَّهْ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ صَوَابُهُ وَقَالَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا) أَيْ فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ) مِثْلَ أَنْ يُوصِيَ بِالرُّبُعِ وَالسُّدُسِ لَا يُقَدِّمُ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئٍ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَالْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ) أَيْ الْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَرَضِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاسْتَوَتْ الْحُقُوقُ) كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْقُرْبِ وَأَبْوَابُ الْخَيْرِ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا إذَا اسْتَوَتْ يُقَدِّمُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي لِلِاسْتِوَاءِ وَاتِّحَادِ الْمُسْتَحَقِّ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ.

الْمُحَابَاةَ أَقْوَى؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَكَانَتْ تَبَرُّعًا بِمَعْنَاهَا لَا بِصِيغَتِهَا حَتَّى يَأْخُذَ الشَّفِيعُ وَيَمْلِكَهُ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُمَا وَالْإِعْتَاقُ تَبَرُّعٌ صِيغَةً وَمَعْنًى فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُحَابَاةُ أَوَّلًا دَفَعَتْ الْأَضْعَفَ وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ أَوَّلًا وَثَبَتَ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الدَّفْعَ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ الْمُزَاحَمَةُ وَعَلَى هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُحَابَاتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا ثُمَّ مَا أَصَابَ الْمُحَابَاةَ الْأَخِيرَةَ قُسِّمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا فَيَسْتَوِيَانِ، وَلَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الْمُحَابَاةِ وَمَا أَصَابَ الْعِتْقَ قُسِّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ الثَّانِي وَلَا يُقَالُ إنَّ صَاحِبَ الْمُحَابَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَصَابَ الْعِتْقَ الَّذِي بَعْدَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِكَوْنِهِ أَوْلَى مِنْهُ. لِأَنَّا نَقُولُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الدَّوْرُ بَيَانُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْمُحَابَاةِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَوْ اسْتَرَدَّ مِنْ الْمُعْتِقِ لِكَوْنِهِ أَوْلَى لَاسْتَرَدَّ مِنْهُ صَاحِبُ الْمُحَابَاةِ الثَّانِي لِاسْتِوَائِهِمَا ثُمَّ اسْتَرَدَّ الْمُعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ يُسَاوِي صَاحِبَ الْمُحَابَاةِ الثَّانِي وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَوْ اسْتَرَدَّ صَاحِبُ الْمُحَابَاةِ مَا أَصَابَ الْمُعْتِقُ الثَّانِي لَاسْتَرَدَّ مِنْهُ الْمُعْتِقُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ يُسَاوِيهِ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ صَاحِبُ الْمُحَابَاةِ وَهَكَذَا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَالسَّبِيلُ فِي الدَّوْرِ قَطْعُهُ وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْكُلِّ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ عَلَيْهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ عَبْدٌ فَهَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ لَمْ تَنْفُذْ بِخِلَافِ الْحَجِّ)، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعِتْقِ، وَقَالَا يُعْتَقُ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِنَوْعِ قُرْبَةٍ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ وَلَهُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ لِعَبْدٍ يَشْتَرِي بِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ وَتَنْفِيذُهَا فِيمَنْ يَشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْهُ تَنْفِيذٌ فِي غَيْرِ الْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُسْتَحَقُّ لَمْ يَتَبَدَّلْ وَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ فَهَلَكَ بَعْضُهَا يَدْفَعُ إلَيْهِ الْبَاقِيَ وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمَا حَتَّى تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَلَمْ يَتَبَدَّلْ الْمُسْتَحَقُّ وَعِنْدَهُ حَقُّ الْعَبْدِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ فِيهِ الشَّهَادَةُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَاخْتَلَفَ الْمُسْتَحَقُّ، وَهَذَا الْبِنَاءُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ ثَابِتٌ مَعْرُوفٌ وَلَا سَبِيلَ لِإِنْكَارِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَهُوَ أَلْفٌ عَبْدٌ فَيُعْتَقَ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَئِنْ كَانَ قَوْلَ الْكُلِّ فَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ هُنَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي صِحَّتِهَا فَلَا تَصِحُّ بِالشَّكِّ وَلَا كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَحِيحَةً فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّكِّ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى بِكُلِّ مَالِهِ عَبْدٌ فَيَعْتِقُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعِتْقِ عَبْدِهِ فَمَاتَ فَجَنَى وَدَفَعَ بَطَلَتْ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَمَاتَ الْوَلِيُّ فَجَنَى الْعَبْدُ وَدَفَعَ بِالْجِنَايَةِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ قَدْ صَحَّ؛ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُوصِي فَكَذَا عَلَى حَقِّ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ الْعَبْدُ نَفْسُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي وَمِلْكُ الْمُوصِي بَاقٍ إلَى أَنْ يَدْفَعَ وَبِهِ يَزُولُ مِلْكُهُ فَإِذَا خَرَجَ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالدَّيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ فَدَى لَا) أَيْ لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إنْ فَدَاهُ الْوَرَثَةُ وَكَانَ الْفِدَاءُ فِي أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ الْتَزَمُوهُ وَجَازَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ طَهُرَ عَنْ الْجِنَايَةِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَجْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَتَرَكَ عَبْدًا فَادَّعَى زَيْدٌ عِتْقَهُ فِي صِحَّتِهِ وَالْوَارِثُ فِي مَرَضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْوَارِثِ وَلَا شَيْءَ لِزَيْدٍ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ ثُلُثِهِ شَيْءٌ أَوْ يُبَرْهِنَ عَلَى دَعْوَاهُ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَلَهُ عَبْدٌ وَأَقَرَّ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثُ أَنَّ الْمَيِّتَ أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ الْمُوصَى لَهُ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ، وَقَالَ الْوَارِثُ أَعْتَقَهُ فِي الْمَرَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ أَوْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ كَانَ فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ ثُلُثِ مَالِهِ سِوَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ فَيَنْفُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْوَارِثُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَهُ ثُلُثَ مَالِهِ غَيْرَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْوَصَايَا فَذَهَبَ الثُّلُثُ بِالْعِتْقِ فَبَطَلَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَكَانَ مُنْكِرًا لِاسْتِحْقَاقِهِ، وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ حَادِثٌ وَالْحَوَادِثُ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِلتَّيَقُّنِ بِهَا فَكَانَ الظَّاهِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَتَّى يَأْخُذَ الشَّفِيعُ) أَيْ بِالشُّفْعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَمْلِكَهُ) أَيْ الْبَيْعَ بِالْمُحَابَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ لِعَبْدٍ يُشْتَرَى بِمِائَةٍ لِأَنَّ الْمُوصِيَ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَصَارَ الْمُوصَى لَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ لَا أَقَلُّ مِنْ مِائَةٍ فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ الْمِائَةِ فَأُعْتِقَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صَرْفُ وَصِيَّتِهِ لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِكُلِّ مَالِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى بِكُلِّ مَالِهِ عَبْدٌ فَيَعْتِقَ فَلَمْ يُجِيزُوا فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَقَالَا يُشْتَرَى بِالثُّلُثِ. اهـ. . (قَوْلُهُ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى جِنَايَةً خَطَأً فَحُكْمُهُ الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ ثُمَّ الْعَبْدُ الْمُوصَى لَهُ بِعِتْقِهِ إذَا جَنَى جِنَايَةً بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ الْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا دَفَعُوهُ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ شَاءُوا فَدَوْهُ فَإِنْ دَفَعُوهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الدَّفْعَ يُبْطِلُ حَقَّ الْمَالِكِ لَوْ كَانَ حَيًّا فَكَذَلِكَ يُبْطِلُ حَقَّ مَنْ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوصِيَ لَوْ بَاعَ أَوْ بِيعَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا صَحَّ الْإِبْطَالُ لِأَنَّ حَقَّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ فَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ مَنْ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ الْمَالِكِ وَإِنْ اخْتَارُوا الْفِدَاءَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ فِي مَالِهِمْ لِالْتِزَامِهِمْ وَجَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِطَهَارَةِ الْعَبْدِ بِالْفِدَاءِ عَنْ الْجِنَايَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ طَهُرَ) بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الطَّهَارَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

شَاهِدًا لِلْوَرَثَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مَعَ الْيَمِينِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ فِيهِ فَيَسْلَمُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ تَقُومُ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ فِي الصِّحَّةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ سِوَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَالْمُوصَى لَهُ خَصْمٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ حَقَّهُ، وَكَذَا الْعَبْدُ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ فَيَكُونُ خَصْمًا فِيهِ لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ بِذَلِكَ خَصْمًا وَهُوَ نَظِيرُ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ وَفِيهِ الْمَقْذُوفُ فَيَكُونُ خَصْمًا بِذَلِكَ، وَكَذَا السَّرِقَةُ الْحَدُّ فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِرْدَادُ الْمَالِ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ خُصُومَتِهِ حَتَّى يُقْطَعَ السَّارِقُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا) أَيْ عَلَى الْمَيِّتِ (وَالْعَبْدُ عِتْقًا) أَيْ فِي الصِّحَّةِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ (فَصَدَّقَهُمَا الْوَارِثُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ وَتُدْفَعُ إلَى الْغَرِيمِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَعْتِقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَالْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ ظَهَرَا مَعًا بِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا وُجِدَا مَعًا أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَالْعِتْقُ فِي الصِّحَّةِ لَا يُوجِبُ السِّعَايَةَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ دَيْنٌ وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَبِالْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ وَالْأَقْوَى يَدْفَعُ الْأَدْنَى فَصَارَ كَإِقْرَارِ الْمُوَرِّثِ نَفْسِهِ بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ دَيْنًا وَعَبْدُهُ عِتْقًا فِي صِحَّتِهِ فَقَالَ فِي مَرَضِهِ صَدَّقْتُمَا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَيُسْعَى فِي قِيمَتِهِ فَكَذَا هَذَا وَقَضِيَّةُ الدَّفْعِ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ أَصْلًا إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ فَيُدْفَعُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ أَسْبَقُ فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ الِاسْتِنَادِ إلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِنَادُ الْعِتْقِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الْعِتْقَ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ مَجَّانًا فَتَجِبُ السِّعَايَةُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ، وَقَالَ آخَرُ هَذَا الْأَلْفُ لِي كَانَ لِي عِنْدَهُ وَدِيعَةً فَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا هُمَا سَوَاءٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْكَيْسَانِيُّ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ عَكْسُ مَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ، وَذَكَرَ فِي الْمَنْظُومَةِ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْكَيْسَانِيُّ فَقَالَ لَوْ تَرَكَهُ أَلْفًا وَهَذَا يَدَّعِي ... دَيْنًا وَذَاكَ قَالَ هَذَا مُودَعِي وَالِابْنُ قَدْ صَدَّقَ هَذَيْنِ مَعًا ... اسْتَوَيَا وَأُعْطِيَا مَنْ أَوْدَعَا وَجْهُ قَوْلِ مَنْ يُقَدِّمُ الْوَدِيعَةَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ ثَبَتَتْ فِي عَيْنِ الْأَلْفِ وَالدَّيْنُ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ أَوَّلًا يَنْتَقِلُ إلَى الْعَيْنِ فَكَانَتْ الْوَدِيعَةُ أَسْبَقَ فَكَانَ صَاحِبُهَا أَحَقَّ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُورَثُ حَيًّا فَقَالَ صَدَّقْتُمَا، وَوَجْهُ قَوْلِ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَمْ تَظْهَرْ إلَّا مَعَ الدَّيْنِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ فَيَتَحَاصَّانِ فِيهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمُورَثِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَبِالْوَدِيعَةِ يَتَنَاوَلُ الْعَيْنَ فَيَكُونُ صَاحِبُهَا أَوْلَى لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَا وَإِقْرَارُ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ يَتَنَاوَلُ عَيْنَ التَّرِكَةِ كَإِقْرَارِهِ الْوَدِيعَةِ يَتَنَاوَلُ الْعَيْنَ فَافْتَرَقَا وَصَاحِبُ الْكَافِي ضَعَّفَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَجَعَلَ الْأَصَحَّ خِلَافَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ وَإِنْ أَخَّرَهَا كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ)؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَهَمُّ مِنْ النَّفْلِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبِدَايَةُ بِالْأَهَمِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْقُوَّةِ بُدِئَ بِمَا بَدَأَ بِهِ)؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمَرْءِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ وَالثَّابِتُ بِالظَّاهِرِ كَالثَّابِتِ نَصًّا فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى تَقْدِيمِهِ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ فَتُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْحَجَّ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يُقَامُ بِالْمَالِ وَالْبَدَنِ وَالزَّكَاةُ بِالْمَالِ فَقَطْ فَكَانَ الْحَجُّ أَقْوَى وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُمَا يُقَدَّمَانِ عَلَى الْكَفَّارَةِ لِرُجْحَانِهِمَا عَلَيْهَا. ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ الْوَعِيدُ فِيهِمَا مَا لَمْ يَأْتِ فِي غَيْرِهِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] وَقَالَ تَعَالَى {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ} [التوبة: 35]، وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] مَكَانَ قَوْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ الْحَجَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهِمَا وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مَعَ الْيَمِينِ) فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ وَأَعْتَقَهُ فِي الْمَرَضِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ

مُقَدَّمَةٌ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ وُجُوبُهَا بِالْكِتَابِ دُونَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهَا دُونَ الْأُضْحِيَّةِ. وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى حَتَّى تُقَدَّمَ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى وَأَكْثَرُ تَغْلِيظًا مِنْهُمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي التَّحْرِيرِ عَنْهَا دُونَهُمَا ثُمَّ تُقَدَّمُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَجَبَتْ بِإِيجَابِ حُرْمَةٍ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَتْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ أَغْلَظَ وَأَقْوَى دُونَهَا وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ قُدِّمَ مِنْهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي لِمَا بَيَّنَّا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْوَصَايَا إذَا اجْتَمَعَتْ لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا الْعِتْقَ وَالْمُحَابَاةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيمِ وَلَا بِالتَّأْخِيرِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِجَمَاعَةٍ عَلَى التَّعَاقُبِ يَسْتَوُونَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ غَيْرَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ إذَا اتَّحَدَ وَلَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَصَايَا كُلِّهَا يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُوصِيَ يَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ عَادَةً فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ قَضَاءً مِنْ صَلَاةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ صَوْمٍ لَا يَشْتَغِلُ بِالنَّفْلِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَيَتْرُكُ الْقَضَاءَ. عَادَةً، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ نُسِبَ إلَى الْخِفَّةِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ أَوْصَى لِآدَمِيٍّ مَعَ الْوَصَايَا بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ الْآدَمِيُّ مُعَيَّنًا قُسِّمَ الثُّلُثُ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا مَا كَانَ لِلَّهِ وَمَا كَانَ لِلْعَبْدِ فَمَا أَصَابَ الْقُرْبُ صُرِفَ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَيُقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ الْقُرْبِ وَلَا يُجْعَلُ الْجَمِيعُ كَوَصِيَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِجَمِيعِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي نَفْسِهَا مَقْصُودَةٌ فَتَنْفَرِدُ كَمَا تَنْفَرِدُ وَصَايَا الْآدَمِيِّينَ فَتَكُونُ كُلُّ جِهَةٍ مِنْهَا مُسْتَحَقَّةً بِانْفِرَادِهَا ثُمَّ تُجْمَعُ فَيُقَدَّمُ فِيهَا الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ الْآدَمِيُّ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ أَوْصَى بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَلَا يُقَسَّمُ بَلْ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يَبْقَى حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُسْتَحَقٌّ مُعَيَّنٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ يَحُجُّ رَاكِبًا) أَيْ إذَا أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ يَحُجُّ عَنْهُ رَاكِبًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ بَلَدِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ كَمَا وَجَبَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأَدَاءِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَزِمَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ) أَيْ إنْ لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثُ النَّفَقَةَ إذَا أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحُجَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِالْحَجِّ عَلَى صِفَةٍ، وَقَدْ عُدِمَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ فِيهِ وَلَكِنْ جَازَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ وَلَا يُمْكِنُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَيُؤْتَى بِهَا عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ، وَقَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى عَبْدٌ بِمَالٍ قَدَّرَهُ فَضَاعَ بَعْضُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ حَاجًّا فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ) وَإِنْ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ بَلَدِهِ إلَى مَكَّةَ ضَمِنُوا النَّفَقَةَ وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يُحَصِّلُوا مَقْصُودَهُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَفِي الثَّانِي حَصَّلُوا مَقْصُودَهُ وَزِيَادَةً، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً وَسَقَطَ فَرْضُ قَطْعِ الْمَسَافَةِ بِقَدْرِهِ، وَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 100] الْآيَةَ وَلَمْ يَنْقَطِعْ سَفَرُهُ بِمَوْتِهِ بَلْ يُكْتَبُ لَهُ حَجٌّ مَبْرُورٌ فَيَبْدَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ وَعَمَلُهُ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ وَالْمُرَاد بِالْمَتْلُوِّ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ مِنْ الثَّوَابِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ لَهُ وَطَنٌ. وَأَمَّا مَنْ لَا وَطَنَ لَهُ فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ إنَّمَا كَانَ يَتَجَهَّزُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَكَذَا إذَا حَجَّ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ حَيْثُ حَلَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ مِثْلُهُ) أَيْ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ فَحَجَّ عَنْهُ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاجِّ عَنْ نَفْسِهِ إذَا مَاتَ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى يُحَجَّ عَنْهُ ثَانِيًا مِنْ وَطَنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يَجْعَلُ الْجَمِيعَ كَوَصِيَّةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ بِأَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَلِزَيْدٍ يُقَسَّمُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ لِأَنَّ كُلَّ جِهَةٍ غَيْرُ الْأُخْرَى وَلَا يُقَدَّمُ الْفَرْضُ عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ إلَيْهِ ثُمَّ إنَّمَا يُصْرَفُ الثُّلُثُ إلَى الْحَجِّ الْفَرْضِ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ إذَا أَوْصَى بِهَا فَأَمَّا بِدُونِ الْوَصِيَّةِ فَلَا يُصْرَفُ الثُّلُثُ إلَيْهَا بَلْ تَسْقُطُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى مَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ وَإِذَا أَوْصَى يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ) وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ إنْسَانًا قَالَ أَنَا أَحُجُّ مِنْ مَنْزِله بِهَذَا الْمَالِ مَاشِيًا لَا يُعْطَى لَهُ ذَلِكَ وَيَحُجُّ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ رَاكِبًا لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا فَالْوَصِيَّةُ انْصَرَفَتْ إلَى الْحَجِّ الْمَعْرُوفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ) لَفْظَةُ مِنْ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ عَمَلِ إلَخْ) الْحَدِيثَ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ» وَالْخُرُوجُ لِلْحَجِّ لَيْسَ مِنْ الثَّلَاثِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

[باب الوصية للأقارب وغيرهم]

[بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ] (بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (جِيرَانُهُ مُلَاصِقُوهُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ وَهِيَ الْمُلَاصَقَةُ وَلِهَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ الشُّفْعَةَ غَيْرُ الْمُلَاصِقِ بِالْجِوَارِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ صَرْفُهُ إلَى الْجَمِيعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ جَارُ الْمَحَلَّةِ وَجَارُ الْأَرَاضِيِ وَجَارُ الْقَرْيَةِ وَجَبَ صَرْفُهُ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الْمُلَاصِقُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا جَارُ الرَّجُلِ مَنْ يَسْكُنُ مَحَلَّتَهُ وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمُّونَ جَارًا عُرْفًا وَشَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» فَفُسِّرَ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوَصِيَّةِ لِلْجِيرَانِ أَنْ يَبَرَّهُمْ وَيُحْسِنَ إلَيْهِمْ وَاسْتِحْبَابُهُ يَنْتَظِمُ الْمُلَاصِقِينَ وَغَيْرَهُمْ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِلَاطِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الِاسْمِ وَالِاخْتِلَاطُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجَارُ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَقُّ الْجَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا» هَكَذَا وَهَكَذَا قُلْنَا هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَيَسْتَوِي فِي الْجَارِ السَّاكِنِ وَالْمَالِكِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ هَذَا الِاسْمِ يَتَنَاوَلُهُ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِجَارٍ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَا فِي يَدِهِ وَالِاخْتِصَاصَ بِهِ ثَبَتَ لَهُ وَلَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى إلَّا بِالتَّمْلِيكِ مِنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَنِيًّا بِخِلَافِ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْأَرْمَلَةِ تَدْخُلُ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا مُضَافٌ إلَيْهَا وَلَا تَدْخُلُ الَّتِي لَهَا بَعْلٌ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهَا، وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ فَلَمْ تَكُنْ جَارًا حَقِيقَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَصْهَارُهُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي الصِّحَاحِ الْأَصْهَارُ أَهْلُ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَحْرَمِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54] النَّسَبُ مَا لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ وَالصِّهْرُ الَّذِي يَحِلُّ نِكَاحُهُ كَبَنَاتِ الْعَمِّ وَالْخَالِ وَأَشْبَاهِهِنَّ مِنْ الْقَرَابَةِ الَّتِي يَحِلُّ تَزْوِيجُهَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ النَّسَبِ سَبْعًا {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] إلَى قَوْلِهِ {وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] وَمِنْ الصِّهْرِ سَبْعًا {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] إلَى قَوْلِهِ {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] قَالَ فِي الْمُغْرِبِ عَقِيبَ ذِكْرِهِ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لَا ارْتِيَابَ فِيهِ هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ وَزَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ أَصْهَارٌ وَشَرْطُهُ أَنْ يَمُوتَ وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا مِنْ بَائِنٍ سَوَاءٌ وَرِثَتْ بِأَنْ أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ أَوْ لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ وَالْبَائِنَ يَقْطَعُهُ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْأَصْهَارُ فِي عُرْفِهِمْ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ نِسَائِهِ الَّتِي يَمُوتُ هُوَ وَهُنَّ نِسَاؤُهُ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ وَفِي عُرْفِنَا أَبُو الْمَرْأَةِ وَأُمُّهَا وَلَا يُسَمَّى غَيْرُهُمَا صِهْرًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَخْتَانُهُ زَوْجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَأَزْوَاجِ الْبَنَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ)؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى خَتَنًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ جِيرَانُهُ مُلَاصِقُوهُ) قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا أَوْصَى فَقَالَ ثُلُثُ مَالِي لِجِيرَانِي الْمُلَاصِقِينَ لِدَارِهِ فَكُلُّ دَارٍ كَانَتْ تَلْزَقُهُ فَالْوَصِيَّةُ لِجَمِيعِ مَنْ فِيهَا مِنْ الْمَكَانِ وَغَيْرِهِمْ عَبِيدًا كَانُوا أَوْ أَحْرَارًا نِسَاءً كَانُوا أَوْ رِجَالًا بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ذِمَّةً كَانُوا أَوْ مُسْلِمِينَ بِالسَّوِيَّةِ قَرُبَتْ الْأَبْوَابُ أَوْ بَعُدَتْ إنْ كَانُوا مُلَازِقِينَ الدَّارَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الثُّلُثُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ الْجِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ مِمَّنْ يَضُمُّهُمْ مَسْجِدٌ وَاحِدٌ وَجَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ وَدَعْوَةٌ وَاحِدَةٌ فَهَؤُلَاءِ جِيرَانُهُ فِي كَلَامِ النَّاسِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ الْأُنْثَى وَالذَّكَرُ سَوَاءٌ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سَوَاءٌ وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَوْصَى الرَّجُلُ بِثُلُثِ مَالِهِ لِجِيرَانِهِ فَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ لِلسُّكَّانِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَسْكُنُ تِلْكَ الدُّورِ الَّتِي يَجِبُ لِأَهْلِهَا الشُّفْعَةُ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَهُ دَارٌ مِنْ تِلْكَ الدُّورِ وَلَيْسَ بِسَاكِنٍ فِيهَا فَلَيْسَ مِنْ جِيرَانِهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَوْلُ زُفَرَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَفُسِّرَ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ وَقَدْ قَالَ هِلَالٌ الرَّأْيُ أَنَّ الْجَارَ مَنْ أَسْمَعَهُ الْمُنَادِي لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ وَمَنْ جَارُ الْمَسْجِدِ؟ قَالَ مَنْ أَسْمَعَهُ الْمُنَادِي قَالَ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ اعْتِبَارُ الْوَصِيَّةِ بِهَذَا لَجَازَ فِي الشُّفْعَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي وَجِيزِهِمْ إذَا أَوْصَى لِجِيرَانِهِ أُعْطِي أَرْبَعُونَ جَارًا مِنْ أَرْبَعَةِ جَوَانِبَ أَيْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعُونَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَقُّ الْجَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا») الْحَدِيثَ وَقَوْلُهُ هَكَذَا وَهَكَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ خَبَرٌ لَا يُعْرَفُ وَرَاوِيهِ مَطْعُونٌ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ صَفِيَّةُ) صَوَابُهُ جَوَيْرِيَةَ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَخْتَانُهُ إلَخْ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي إمْلَائِهِ إذَا قَالَ قَدْ أَوْصَيْت لِأَخْتَانِي بِثُلُثِ مَالِي فَأَخْتَانُهُ زَوْجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الزَّوْجِ فَهَؤُلَاءِ أَخْتَانُهُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ أُخْتٌ وَبِنْتُ أُخْتٍ وَخَالَةٌ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ زَوْجٌ وَلِزَوْجِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَرْحَامٌ فَكُلُّهُمْ جَمِيعًا أَخْتَانُهُ وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ الْأُنْثَى وَالذَّكَرُ فِيهِ سَوَاءٌ أُمُّ الزَّوْجِ وَجَدَّتُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ سَوَاءٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

وَكَذَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ أَخْتَانًا وَقِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِنَا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا أَزْوَاجَ الْمَحَارِمِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَهْلُهُ زَوْجَتُهُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ يَعُولُهُمْ وَتَضُمُّهُمْ نَفَقَتُهُ غَيْرَ مَمَالِيكِهِ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ وَهُوَ مُؤَبَّدٌ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93]، وَقَالَ تَعَالَى {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ} [الأعراف: 83] وَالْمُرَادُ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الِاسْمَ حَقِيقَةً لِلزَّوْجَةِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ النَّصُّ وَالْعُرْفُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] {فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا} [طه: 10] وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةِ كَذَا وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَآلُهُ أَهْلُ بَيْتِهِ)؛ لِأَنَّ الْآلُ الْقَبِيلَةُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ قَرَابَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَى أَبِيهِ، وَإِنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ فَكَانُوا مِنْ جِنْسٍ آخَرَ وَمِنْ أَهْلِ بَيْتٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُعْتَبَرُ مِنْ الْآبَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجِنْسُهُ أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ)؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ فَصَارَ كَآلِهِ بِخِلَافِ قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهِ جِهَةُ الْأَبِ وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّوْنَ قَرَابَةً فَلَا يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ مِنْهُمْ، وَكَذَا أَهْلُ بَيْتِهِ وَأَهْلُ نَسَبِهِ كَآلِهِ وَجِنْسِهِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَبُ وَالْجَدُّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَصْلُ النَّسَبِ وَالْجَدَّ أَصْلُ نَسَبِ أَبِيهِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي لَوْ كَانَ الْأَبُ الْأَكْبَرُ حَيًّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمُضَافِ لَا لِلْمُضَافِ إلَيْهِ، وَلَوْ أَوْصَتْ الْمَرْأَةُ لِجِنْسِهَا أَوْ لِأَهْلِ بَيْتِهَا لَا يَدْخُلُ وَلَدُهَا؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ لَا إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ وَلِذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِأَرْحَامِهِ أَوْ لِأَنْسَابِهِ فَهِيَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَلَا يَدْخُلُ الْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ وَالْوَارِثُ وَتَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مِثْلِ أَبِي طَالِبٍ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَقْرِبَاءِ أَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِ عَلِيٍّ فَمَنْ اكْتَفَى بِإِدْرَاكِ الْإِسْلَامِ صَرَفَهُ إلَى أَوْلَادِ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ شَرَطَ إسْلَامَهُ صَرَفَهُ إلَى أَوْلَادِ عَلِيٍّ لَا غَيْرُ وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ الْإِسْلَامَ لَهُمَا أَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ. ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْقَرِيبِ حَقِيقَةً لِلْكُلِّ إذْ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْقَرَابَةِ فَيَكُونُ اسْمًا لِكُلِّ مَنْ قَامَتْ بِهِ فَيَتَنَاوَلُ مَوَاضِعَ الْخِلَافِ ضَرُورَةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَفِي الْمِيرَاثِ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَكَذَا فِي أُخْتِهِ؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ لَا تُخَالِفُ الْأُخْتَ فِي الْأَحْكَامِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ تَلَافِي مَا فَرَّطَ فِي إقَامَةِ الْوَاجِبِ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ وَالْوُجُوبُ مُخْتَصٌّ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَيَّدَهُ بِمَا ذَكَرَهُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَيَّدَهُ بِالْأَبِ الْأَدْنَى وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ قَرَابَةُ الْوِلَادِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُسَمَّوْنَ أَقْرِبَاءَ عَادَةً وَمَنْ سَمَّى وَالِدَهُ قَرِيبًا كَانَ مِنْهُ عُقُوقًا إذْ الْقَرِيبُ فِي عُرْفِ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ يَتَقَرَّبُ إلَى غَيْرِهِ بِوَاسِطَةِ غَيْرِهِ وَتَقَرُّبُ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ وَلِهَذَا عَطَفَ الْقَرِيبَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ. وَلَوْ كَانَا مِنْهُمْ لَمَا عُطِفُوا عَلَيْهِمَا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ وَقِيلَ مَا ذَكَرَاهُ مِنْ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ حِينَ لَمْ يَكُنْ فِي أَقْرِبَاءِ الْإِنْسَانِ الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ كَثْرَةٌ، فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَفِيهِمْ كَثْرَةٌ لَا يُمْكِنُ إحْصَاؤُهُمْ فَتُصْرَفُ الْوَصِيَّةُ إلَى أَوْلَادِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدِّ أَبِيهِ وَأَوْلَادِ أُمِّهِ وَجَدَّتِهِ وَجَدَّةِ أُمِّهِ وَلَا تُصْرَفُ إلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ وَيَسْتَوِي الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا عِنْدَهُ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَفِي الْمِيرَاثِ يُرَادُ بِالْجَمْعِ الْمَثْنَى فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْأَقَارِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ) وَهُوَ أَوَّلُ أَبٍ أَسْلَمَ أَوْ أَوَّلُ أَبٍ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ أَوْلَادِ عَلِيٍّ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى عَلَوِيٌّ لِأَقْرِبَائِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ) لِأَنَّ الْجَدَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ وَوَلَدَ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ. اهـ. غَايَةٌ.

[باب الوصية بالخدمة والسكنى والثمرة]

وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا فِي الْأَنْسَابِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ نَسَبٍ وَفِيهِ لَا تَدْخُلُ قَرَابَتُهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَكَيْفَ دَخَلُوا فِيهِ هُنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ فَهِيَ لِعَمَّيْهِ)؛ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ كَمَا فِي الْإِرْثِ وَلَفْظُ الْجَمْعِ يُرَادُ بِهِ الْمُثَنَّى فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيُكْتَفَى بِهِمَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَكُونُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْتَبِرَانِ الْأَقْرَبَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَمٌّ وَخَالَانِ كَانَ لَهُ النِّصْفُ وَلَهُمَا النِّصْفُ) أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ كَانَ لِلْعَمِّ نِصْفُ مَا أَوْصَى بِهِ وَلِلْخَالَيْنِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَمْعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمْعِ فِيهِ وَهُوَ الِاثْنَانِ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيُضَمُّ إلَى الْعَمِّ الْخَالَانِ لِيَصِيرَ جَمْعًا فَيَأْخُذَ هُوَ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ. وَيَأْخُذَانِ النِّصْفَ لِعَدَمِ مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ جَمِيعُ الْوَصِيَّةِ لِلْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُفْرَدٌ فَيَحْرُزُ الْوَاحِدُ جَمِيعَ الْوَصِيَّةِ إذْ هُوَ الْأَقْرَبُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَاحِدٌ لَا غَيْرُ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمْعِ فِيهِ وَيَرُدُّ النِّصْفَ إلَى الْوَرَثَةِ لِعَدَمِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَمْعٌ وَأَدْنَاهُ اثْنَانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ فَلِهَذَا يُعْطَى لَهُ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يُرَدُّ إلَى الْوَرَثَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَمٌّ وَعَمَّةٌ اسْتَوَيَا)؛ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَتَانِ وَمَعْنَى الْجَمْعِ قَدْ تَحَقَّقَ بِهِمَا فَاسْتَحَقُّوا حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَخْوَالٌ مَعَهُمَا لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الضَّمِّ إلَيْهِمَا لِكَمَالِ النِّصَابِ بِهِمَا، وَلَوْ انْعَدَمَ الْمَحْرَمُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِهَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْطُلُ وَلَا يَخْتَصُّ الْأَعْمَامُ بِالْوَصِيَّةِ دُونَ الْأَخْوَالِ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِوَلَدِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى السَّوَاءِ) أَيْ لَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى السَّوَاءِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ شَيْءٌ يَقْتَضِي التَّفْضِيلَ فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِوَرَثَةِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوِرَاثَةِ وَهِيَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ أَوْ إخْوَتِهِ كَذَلِكَ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ، وَلِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَتَرَتَّبُ عَلَى مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ فَكَانَتْ هِيَ الْعِلَّةَ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَصَّ عَلَى الْوِرَاثَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] تَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا حَتَّى وَجَبَتْ النَّفَقَةُ بِقَدْرِهَا ثُمَّ شَرْطُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي لِوَرَثَتِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصَى حَتَّى تَعْرِفَ وَرَثَتُهُ مَنْ هُوَ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُوصَى قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لِوَرَثَتِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِوَلَدِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعَ الْوَرَثَةِ مُوصًى لَهُ آخَرُ قُسِّمَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ ثُمَّ مَا أَصَابَ الْوَرَثَةُ جُمِعَ وَقُسِّمَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ] (بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَأَبَدًا)؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ بِبَدَلٍ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ لِحَاجَتِهِ كَمَا فِي الْأَعْيَانِ وَيَكُونُ مَحْبُوسًا عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى يَتَمَلَّكَهَا الْمُوصَى لَهُ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا يَسْتَوْفِي الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَنَافِعَ الْوَقْفِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَيَجُوزُ مُؤَقَّتًا وَمُؤَبَّدًا كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ عَلَى أَصْلِنَا بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ خِلَافَةٌ فِيمَا يَتَمَلَّكُهُ الْمُوَرِّثُ وَتَفْسِيرُهَا أَنْ يَقُومَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِيمَا كَانَ لَهُ. وَذَلِكَ فِي عَيْنٍ تَبْقَى وَالْمَنْفَعَةُ عَرَضٌ يَفْنَى، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمُجَوِّزُ لِلْوَصِيَّةِ بِهَا الْحَاجَةُ وَهِيَ تَشْمَلُ الْكُلَّ إذْ الْمُوصِي مُحْتَاجٌ إلَى التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمُوصَى لَهُ مُحْتَاجٌ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَكَيْفَ دَخَلُوا فِيهِ هُنَا) وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَنْسَابِهِ حَقِيقَةً النِّسْبَةُ وَهِيَ ثَابِتَةٌ مِنْ الْأُمِّ كَالْأَبِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نِسْبَةِ الْوَلَدِ إلَى أَبِيهِ بِالدَّعْوَةِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِهِ انْقِطَاعُهَا عَنْ الْأُمِّ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَوْ أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَمْعُ لِاسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ فَكُلُّهُ لِلْعَمِّ عِنْدَهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْفَرْدِ فَيُحْرِزُ الْعَمُّ كُلَّهَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَةٌ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَتَانِ. اهـ. (بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْوَصَايَا الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْأَعْيَانِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْوَصَايَا الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْمَنَافِعِ وَهِيَ الْأَعْرَاضُ وَأَخَّرَهَا عَنْ الْأَعْيَانِ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ هِيَ الْأَصْلُ لِكَوْنِ الْعَيْنِ قَائِمَةً بِذَاتِهَا دُونَ الْعَرْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ إلَخْ) وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَخْرُجَ الْعَبْدُ مِنْ الْكُوفَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ فَيُخْرِجَهُ إلَى أَهْلِهِ لِلْخِدْمَةِ هُنَالِكَ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ. اهـ. هِدَايَةٌ يَعْنِي إذَا أَوْصَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِزَيْدٍ مَثَلًا فَلَيْسَ لِزَيْدٍ أَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِيَسْتَخْدِمَهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ عَلَى حَسَبِ مَا يُعْرَفُ مِنْ مَقْصُودِ الْمُوصِي فَإِذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي مِصْرِ الْمُوصِي فَمَقْصُودُ الْمُوصِي أَنْ يَخْدُمَهُ الْعَبْدُ فِي الْمِصْرِ بِدُونِ أَنْ تَلْزَمَهُ مَشَقَّةُ السَّفَرِ وَإِذَا كَانُوا فِي غَيْرِ مِصْرِ الْمُوصِي فَمَقْصُودُهُ أَنْ يَحْمِلَ الْعَبْدَ إلَى أَهْلِهِ لِيَخْدُمَهُ عِنْدَهُمْ وَهَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَلَوْ أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَخْدُمَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ بِالْإِفْصَاحِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى أَهْلِهِ فَكَذَا إذَا عُلِمَ عِنْدَ أَهْلِهِ بِالدَّلَالَةِ لِأَنَّ

كَانَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ ثُلُثِهِ سُلِّمَ إلَيْهِ لِيَخْدُمَهُ)؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ لَا تُزَاحِمُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ (خَدَمَ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا). لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الثُّلُثِ وَحَقَّهُمْ فِي الثُّلُثَيْنِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْعَبْدِ أَجْزَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فَصِرْنَا إلَى الْمُهَايَأَةِ فَيَخْدُمُهُمْ أَثْلَاثًا هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ كَالسَّنَةِ مَثَلًا فَإِنْ كَانَتْ السَّنَةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا إلَى أَنْ يَمْضِيَ ثَلَاثُ سِنِينَ فَإِذَا مَضَتْ سُلِّمَ إلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَإِنْ مَضَتْ السَّنَةُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّهَا يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ تِلْكَ السَّنَةُ. فَإِذَا مَضَتْ سُلِّمَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ مَاتَ الْمُوصِي بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِهَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِسُكْنَى الدَّارِ إذَا كَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ حَيْثُ يُقَسَّمُ عَيْنُ الدَّارِ أَثْلَاثًا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا لِإِمْكَانِ قِسْمَةِ عَيْنِ الدَّارِ أَجْزَاءً وَهُوَ أَعْدَلُ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا زَمَانًا وَذَاتًا وَفِي الْمُهَايَأَةِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا زَمَانًا، وَلَوْ اقْتَسَمُوا الدَّارَ مُهَايَأَةً مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَعْدَلَ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ ثُلُثَيْ الدَّارِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ ثَابِتٌ فِي سُكْنَى جَمِيعِ الدَّارِ ظَاهِرًا بِأَنْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ وَتَخْرُجُ الدَّارُ مِنْ الثُّلُثِ، وَكَذَا لَهُ حَقُّ الْمُزَاحَمَةِ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ إذَا خَرِبَ مَا فِي يَدِهِ وَالْبَيْعُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ ذَلِكَ فَيُمْنَعُونَ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَوْتِهِ يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي) أَيْ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ يَعُودُ الْعَبْدُ أَوْ الدَّارُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِ الْمُوصَى لَهُ اسْتَحَقَّهَا ابْتِدَاءً مِنْ مِلْكِ الْمُوصِي بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَاتَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتْ) أَيْ لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَفِي الْحَالِ مِلْكُ الْمُوصِي ثَابِتٌ فِيهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَمَلُّكُ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَبَطَلَتْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَمَاتَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَإِنْ زَادَ أَبَدًا لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَمَا يُسْتَقْبَلُ كَغَلَّةِ بُسْتَانِهِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ ثُمَّ مَاتَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ كَانَ لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَحْدَهَا وَإِنْ قَالَ لَهُ ثَمَرَةُ بُسْتَانِي أَبَدًا كَانَ لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَثَمَرَتُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مَا عَاشَ وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الْغَلَّةُ الْقَائِمَةُ وَغَلَّتُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِالْغَلَّةِ اسْتَحَقَّهُ دَائِمًا وَبِالثَّمَرَةِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْقَائِمَ إلَّا إذَا زَادَ أَبَدًا فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ كَالْغَلَّةِ فَيَسْتَحِقُّهُ دَائِمًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ زَادَ أَبَدًا لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَمَا يُسْتَقْبَلُ كَغَلَّةِ بُسْتَانِهِ أَيْ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّابِتَ بِالدَّلَالَةِ كَالثَّابِتِ بِالصَّرِيحِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الثُّلُثِ) وَكَانَ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَخْدُمُهُمْ أَثْلَاثًا) فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمُوصِي بِخِدْمَتِهِ وَكِسْوَتِهِ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِمَا عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مُؤْنَةٌ فَتَجِبُ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَلِهَذَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَيْهِ وَقُلْنَا الْعَبْدُ لَا يَقْوَى عَلَى الْخِدْمَةِ إلَّا بِالنَّفَقَةِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى مَنْ يَخْدُمُهُ كَالْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى الْمُسْتَعَارِ وَيَنْتَفِعُ وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدٍ صَغِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخِدْمَةِ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ فَنَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ حَتَّى يُدْرِكَ الْخِدْمَةَ فَإِذَا اشْتَغَلَ بِالْخِدْمَةِ صَارَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ لِأَنَّ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ فِي حَالِ الصِّغَرِ تَنْمُو الْعَيْنُ وَالْمَنْفَعَةُ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ إذْ الْأَصْلُ أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ إلَّا أَنْ يَصِيرَ مُعَدًّا لِانْتِفَاعِ الْغَيْرِ كَالْأَمَةِ إذَا زَوَّجَهَا وَبَوَّأَهَا فَنَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يُبَوِّئْهَا فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَوْلَى. 1 - (فَرْعٌ) أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ هَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ بِنَفْسِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ فَأَرَادَ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ بِنَفْسِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ لَا بِالْخِدْمَةِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا فَلَوْ كَانَ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ الدَّارِ فَأَرَادَ أَنْ يَسْكُنَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ هَذَا الْفَصْلَ لَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَصْحَابِهِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ ذُكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ وَكَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ يَقُولُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَمَّا مَنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ غَيْرَهُ يَسْكُنُ لَهُ وَلِأَجْلِهِ فَإِذَا سَكَنَ بِنَفْسِهِ جَازَ أَيْضًا. وَأَمَّا مَنْ قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَوْ آجَرَهُ وَأَخَذَ الْغَلَّةَ فَلَوْ ظَهَرَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يَقْضِي الدَّيْنَ مِنْ تِلْكَ الْغَلَّةِ وَلَوْ سَكَنَ هُوَ بِنَفْسِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْضِيَ مِنْ السُّكْنَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِسُكْنَى الدَّارِ وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ أَنْ يُؤَاجِرَهُمَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدٍ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَتَمَلُّكِ الْمَنْفَعَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلَوْ تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِالِاسْتِئْجَارِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مَلَكَ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إذَا تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالْعَيْنِ وَفِي الْعَيْنِ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ سَوَاءٌ تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِبَدَلٍ أَوْ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْمَنْفَعَةِ إذَا تَمَلَّكَهَا وَلَنَا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا مِنْ الْغَيْرِ بِعِوَضٍ كَالْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ فَكَذَا هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ هُنَا عَلَى قَوْلِهِ وَكَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ يَقُولُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْغَلَّةَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِمَا حَصَلَتْ وَهُوَ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ وَهُمَا غَيْرَانِ مُتَفَاوِتَانِ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ لَوْ ظَهَرَ عَلَى الْمُوصِي دَيْنٌ أَمْكَنَهُمْ اسْتِرْدَادُ الْغَلَّةِ وَإِيفَاءُ الدَّيْنِ وَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِرْدَادُ الْمَنْفَعَةِ بَعْدَ اسْتِيفَائِهَا فَكَانَ هَذَا أَوْلَى. اهـ.

[باب وصية الذمي للذمي]

زَادَ فِي الثَّمَرَةِ لَفْظَةَ أَبَدًا صَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمَوْجُودَ وَمَا سَيُوجَدُ فِيهِمَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ، مِثْلُ التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبَدِ إذْ لَا يَتَأَبَّدُ إلَّا بِتَنَاوُلِ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومُ مَذْكُورٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا أَمَّا الْغَلَّةُ فَتَنْتَظِمُ الْمَوْجُودَ وَمَا يَكُونُ بِعَرَضِ الْوُجُودِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عُرْفًا يُقَالُ فُلَانٌ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَمِنْ غَلَّةِ أَرْضِهِ وَدَارِهِ فَإِذَا أُطْلِقَتْ تَنَاوَلَ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى دَلَالَةٍ أُخْرَى. وَأَمَّا الثَّمَرَةُ فَإِذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا الْمَوْجُودُ وَلَا تَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلِيلٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ فِي تَنَاوُلِهَا الثَّمَرَةَ الْمَعْدُومَةَ مَا عَاشَ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ حَقِيقَةً وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا مَجَازًا فَإِذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَمَرَةٌ يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ لَفْظَ الْأَبَدِ تَنَاوَلَهُمَا عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ لَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِصُوفِ غَنَمِهِ وَوَلَدِهَا وَلَبَنِهَا لَهُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَا) أَيْ إذَا أَوْصَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَ لَهُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا سَيَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ لَكِنْ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ وَالثَّمَرَةِ الْمَعْدُومَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّهَا تُسْتَحَقُّ بِغَيْرِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْعُقُودِ كَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فَلَأَنْ تُسْتَحَقَّ بِالْوَصِيَّةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ بَابًا مِنْ غَيْرِهَا، وَكَذَا الصُّوفُ عَلَى الظَّهْرِ وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَالْوَلَدُ الْمَوْجُودُ فِي الْبَطْنِ يُسْتَحَقُّ بِجَمِيعِ الْعُقُودِ تَبَعًا وَبِالْخُلْعِ مَقْصُودًا فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْمَعْدُومُ مِنْهَا فَلَا يُسْتَحَقُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ ثُمَّ مَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ إنْ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالْغَلَّةِ وَالثَّمَرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَرَةِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَالْوَصِيَّةِ بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ وَالْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ إنْ ذَكَرَ الْأَبَدَ وَإِلَّا فَعَلَى الْمَوْجُودِ فَقَطْ كَالْوَصِيَّةِ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ذِمِّيٌّ جَعَلَ دَارِهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ فَمَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ)؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ لَا يَلْزَمُ فَيُورَثُ فَكَذَا هَذَا. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ هَذَا مَعْصِيَةٌ فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ قُرْبَةً فِي مُعْتَقَدِهِمْ بَقِيَ إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ أَنَّ هَذَا عِنْدَهُمْ كَالْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمَسْجِدَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الذِّمِّيُّ فِيهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ عِنْدَهُ يُتْرَكُونَ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ مُحَرَّرٌ عَنْ حُقُوقِ النَّاسِ وَصَارَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا كَذَلِكَ الْبِيعَةُ فِي مُعْتَقَدِهِمْ فَإِنَّهَا لِمَنَافِعِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْكُنُونَ فِيهَا وَيَدْفِنُونَ فِيهَا مَوْتَاهُمْ فَلَمْ تَصِرْ مُحَرَّرَةً عَنْ حُقُوقِهِمْ فَكَانَ مِلْكُهُ فِيهَا ثَابِتًا وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُورَثُ الْمَسْجِدُ أَيْضًا عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ لِقَوْمٍ مُسَمَّيْنَ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِأَنْ تُبْنَى دَارُهُ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً لِنَاسٍ مُعَيَّنِينَ فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا تَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلِيلٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ أَوْ بِثَمَرَةِ أَرْضِهِ يُنْظَرُ إنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْأَبَدِ وَقَعَ عَلَى الْحَادِثِ وَالْمَوْجُودِ جَمِيعًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَبَدَ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ثَمَرَةٌ مَوْجُودَةٌ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى تِلْكَ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ثَمَرَةٌ مَوْجُودَةٌ فَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَالْوَلَدِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقَعُ عَلَى الْحَادِثِ وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ ذَكَرَ الْأَبَدَ وَالْمُوصَى لَهُ مَا دَامَ حَيًّا فَمَا يَحْدُثُ مِنْ الثِّمَارِ يَكُونُ لَهُ وَإِذَا مَاتَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ وَعَادَ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَالثِّمَارُ الْقَائِمَةُ تَكُونُ مَوْرُوثَةً عَنْهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِصُوفِ غَنَمِهِ إلَخْ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَلَوْ أَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ إذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ فَكَذَلِكَ تَجُوزُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ أَوْصَى بِالصُّوفِ الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ الصُّوفُ وَاللَّبَنُ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. [بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ] (بَابُ وَصِيَّةُ الذِّمِّيِّ) لَمَّا ذَكَرَ وَصِيَّةَ الْمُسْلِمِ ذَكَرَ وَصِيَّةَ الذِّمِّيِّ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُلْحَقُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي أَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ذِمِّيٌّ جَعَلَ دَارِهِ إلَخْ) مَعْنَاهُ جَعَلَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ لَهُمْ إحْدَاثُ الْبِيَعِ فِيهِ كَالْقُرَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا صَنَعَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَلَكِنْ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْمَذْهَبَيْنِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ مُسْلِمًا لَوْ وَقَفَ أَرْضًا فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ صَارَ مِيرَاثًا فَكَذَلِكَ هَذَا لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ بِلَازِمٍ حَالَ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُضَافًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنَّمَا يُورَثُ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ بِمَا لَا يَكُونُ قُرْبَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ لِنَاسٍ مُعَيَّنِينَ) أَيْ يُحْصَى عَدَدُهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَهُوَ جَائِزٌ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ اهـ غَايَةٌ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ آخِرَ الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ اهـ.

فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِخْلَافِ وَمَعْنَى التَّمْلِيكِ فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهَا عَلَى اعْتِبَارِ الْمَعْنَيَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِدَارِهِ كَنِيسَةً لِقَوْمٍ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ صَحَّتْ كَوَصِيَّةِ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمِنٍ بِكُلِّ مَالِهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِدَارِهِ أَنْ تُبْنَى كَنِيسَةً لِقَوْمٍ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ صَحَّتْ كَمَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ حَرْبِيٍّ إلَخْ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ تُبْنَى دَارُهُ كَنِيسَةً لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَهُمَا الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْصِيَةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فِي مُعْتَقَدِهِمْ قُرْبَةً وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَعْصِيَةِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهَا تَقْرِيرَ الْمَعْصِيَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذِهِ قُرْبَةٌ فِي مُعْتَقَدِهِمْ وَنَحْنُ أَمَرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ، فَيَجُوزُ بِنَاءً عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ حَقِيقَةً وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فِي مُعْتَقَدِهِمْ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ فَكَذَا عَكْسُهُ ثُمَّ الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ بِنَائِهَا وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِهَا أَنَّ الْبِنَاءَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِزَوَالِ الْمِلْكِ. وَإِنَّمَا يَزُولُ مِلْكُ الْبَانِي بِأَنْ يَصِيرَ مُحَرَّرًا خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكَنِيسَةُ لَمْ تَصِرْ مُحَرَّرَةً لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَتُوَرَّثَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ غَيْرَ أَنَّ ثُبُوتَ مُقْتَضَى الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الْمِلْكُ امْتَنَعَ فِيمَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَهُمْ فَيَبْقَى فِيمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ عَلَى مُقْتَضَاهُ فَيَزُولُ مِلْكُهُ فَلَا يُوَرَّثُ قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - هَذَا إذَا أَوْصَى بِبِنَائِهَا فِي الْقُرَى. وَأَمَّا فِي الْمِصْرِ فَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إحْدَاثِ الْبِيعَةِ فِي الْأَمْصَارِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ تُذْبَحَ خَنَازِيرُهُ وَيُطْعَمَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَحَاصِلُهُ أَنَّ وَصَايَا الذِّمِّيِّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا هُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَمَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُسْرَجَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ بِأَنْ تُغْزَى التُّرْكُ وَهُوَ مِنْ الرُّومِ سَوَاءٌ كَانَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ وَفِي مُعْتَقَدِهِمْ أَيْضًا قُرْبَةٌ. وَمِنْهَا مَا هُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَهُمْ كَمَا إذَا أَوْصَى لِلْمُغَنِّيَاتِ وَالنَّائِحَاتِ أَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَهُمْ كَمَا إذَا أَوْصَى بِالْحَجِّ أَوْ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ بِأَنْ تُسْرَجَ مَسَاجِدُهُمْ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ عِنْدَهُمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَتَصِحَّ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا كَبِنَاءِ الْكَنِيسَةِ لِقَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا النَّوْعَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ تَجُوزُ فِي الْكُلِّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَهُمْ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجِهَةِ مِنْ تَسْرِيجِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهِ خَرَجَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُمْ أَنْ يَصْرِفُوهُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا هُوَ بَلْ يَفْعَلُونَ بِهِ مَا شَاءُوا. ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا صَحَّتْ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ لَهُمْ وَصَاحِبُ الْهَوَى إذَا كَانَ لَا يَكْفُرُ فَهُوَ فِي حَقِّ الْوَصِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ يَكْفُرُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْمُرْتَدَّةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ تَصِحُّ وَصَايَاهَا؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُسْلِمُ فَجَعَلَهَا كَالذِّمِّيَّةِ، وَقَالَ السِّغْنَاقِيُّ فِي النِّهَايَةِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ فِي الزِّيَادَاتِ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى لَا تَصِحَّ مِنْهَا وَصِيَّةٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الذِّمِّيَّةِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا. وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا. قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ الْأَشْبَهُ أَنْ تَكُونَ كَالذِّمِّيَّةِ فَتَجُوزُ وَصِيَّتُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَلِهَذَا يَجُوزُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهَا فَكَذَا الْوَصِيَّةُ كَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ صَاحِبُ الْكِتَابِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ، وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ فَحُكْمُ وَصَايَاهُ حُكْمُ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ فَمَا صَحَّ مِنْهُمْ صَحَّ مِنْهُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَصِيَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ وَوَصَايَا الْمُرْتَدَّةُ نَافِذَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا، وَقَالَ قَاضِي خَانْ الْمُرْتَدَّةُ الصَّحِيحُ أَنَّهَا كَالذِّمِّيَّةِ فَيَجُوزُ مِنْهَا مَا جَازَ مِنْ الذِّمِّيَّةِ وَمَا لَا فَلَا. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى الْحَرْبِيُّ لِمُسْلِمٍ فَلِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّمْلِيكِ مُنَجَّزًا كَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا فَكَذَا مُضَافًا، وَلَوْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ بِمَالِهِ كُلِّهِ جَازَ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[باب الوصي]

الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ مَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّنَا، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَمَانِ وَالْأَمَانُ كَانَ لِحَقِّهِ لَا لِحَقِّ وَرَثَتِهِ، وَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَيَجُوزُ وَقِيلَ إذَا كَانَ وَرَثَتُهُ مَعَهُ لَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بِإِجَازَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَمَانِ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا فَصَارَ كَالذِّمِّيِّ، وَلَوْ أَوْصَى بِبَعْضِ مَالِهِ أُخِذَتْ الْوَصِيَّةُ وَرُدَّ الْبَاقِي إلَى وَرَثَتِهِ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى إلَى مُسْتَأْمِنٍ مِثْلِهِ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ دَبَّرَهُ جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالثُّلُثِ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِوَصِيَّةٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَالذِّمِّيِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا تَصِحُّ عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ مِنْهُ وَتَبَرُّعَاتُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِلْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمِنِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ فِي دَارِهِمْ حُكْمًا حَتَّى يُمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا فَصَارَتْ كَالْإِرْثِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ وَالْعَبْدِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ، وَلَوْ أَوْصَى الذِّمِّيُّ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لِوَارِثِهِ لَا يَجُوزُ كَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ، وَلَوْ أَوْصَى لِخِلَافِ مِلَّتِهِ جَازَ اعْتِبَارًا بِالْإِرْثِ إذْ الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ. وَلَوْ أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ مُمْتَنِعٌ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَالْمُسْلِمِ، وَلَوْ أَوْصَى لِمُسْتَأْمِنٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْمُسْلِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الْوَصِيِّ] (بَابُ الْوَصِيِّ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقِبَل عِنْدَهُ وَرَدَّ عِنْدَهُ يَرْتَدُّ) أَيْ عِنْدَ الْمُوصِي لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ، وَلَا غُرُورَ فِيهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَرُدَّ عِنْدَهُ بَلْ رَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ لَا يَرْتَدُّ لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ لَصَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيُرَدُّ رَدُّهُ فَيَبْقَى وَصِيًّا عَلَى مَا كَانَ كَالْوَكِيلِ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ، وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ فَبَقِيَ مُخَيَّرًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْعُهُ التَّرِكَةَ كَقَبُولِهِ) أَيْ بَيْعُ الْوَصِيِّ التَّرِكَةَ قَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ كَقَبُولِهِ نَصًّا لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ فَصَارَ قَبُولًا، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ مِنْ الْوَصِيِّ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْإِيصَاءِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ لَا يَكُونُ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ قَبُولًا لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ لِثُبُوتِهِ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَةِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ كَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ، وَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِ أَنْ يُخْبِرَهُ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَمَّا الْإِيصَاءُ فَخِلَافُهُ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِحَالِ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمَيِّتِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوِرَاثَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ فَقَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَبِلَ صَحَّ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ قَاضٍ مُذْ قَالَ لَا أَقْبَلُ) أَيْ الْمُوصَى إلَيْهِ إنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَقَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَالَ أَقْبَلُ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لَا يُبْطِلُ الْإِيصَاءَ لِأَنَّ فِيهِ مَضَرَّةً بِالْمَيِّتِ، وَضَرَرُ الْوَصِيِّ فِي الْإِبْقَاءِ مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَعْلَى أَوْلَى إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ يَصِحُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَكَانَ لَهُ إخْرَاجُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ كَمَا أَنَّ لَهُ إخْرَاجَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ أَوْ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا فَإِذَا رَأَى غَيْرَهُ أَصْلَحَ كَانَ لَهُ عَزْلُهُ، وَنَصَّبَ غَيْرَهُ، وَرُبَّمَا عَجَزَ هُوَ عَنْ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ بِبَقَاءِ الْوَصِيَّةِ فَيَدْفَعُ الْقَاضِي الضَّرَرَ عَنْهُ، وَيُنَصِّبُ حَافِظًا لِمَالِ الْمَيِّتِ مُتَصَرِّفًا فِيهِ فَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ قَالَ أَقْبَلُ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبِلَ بَعْدَ مَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِإِخْرَاجِ الْقَاضِي إيَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَى عَبْدٍ وَكَافِرٍ وَفَاسِقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( بَابُ الْوَصِيِّ) (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ إلَخْ) وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ قَبُولَ الْوَصِيِّ يَصِحُّ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ يَقَعُ لِمَنْفَعَةِ الْمُوصِي فَلَوْ وَقَفَ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ عَلَى الْمَوْتِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي وَلَمْ يُسْنِدْ وَصِيَّتَهُ إلَى أَحَدٍ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ إضْرَارٌ بِهِ فَلِذَلِكَ جَوَّزُوا وَالْقَبُولُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا قَبُولَ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَاكَ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى تَقْدِيمِ الْقَبُولِ عَلَى الْمَوْتِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَقَبُولِهِ نَصًّا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ وَلَا يَكُونَ وَصِيًّا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ كَذَا قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَلَوْ أَنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْوَصِيُّ حَتَّى بَاعَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ كَانَ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ لِلْوِصَايَةِ لِأَنَّ الْقَبُولَ يَكُونُ مَرَّةً بِالدَّلَالَةِ وَمَرَّةً يَكُونُ بِالْإِفْصَاحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْإِيصَاءِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) قَالَ فِي الْمَتْنِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَةِ وَمَنْ أُوصِيَ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ فَهُوَ وَصِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا أَقْبَلُ) مِنْ بَعْدِ هَذَا إلَى آخِرِ قَوْلِهِ فِي الشَّرْحِ فَكَانَ لَهُ إخْرَاجُهُ، مُلْحَقٌ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَضَرَرُ الْوَصِيِّ فِي الْإِبْقَاءِ إلَخْ) هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ كَمَا يَلْزَمُ الضَّرَرُ بِالْمَيِّتِ فِي بُطْلَانِ الْإِيصَاءِ بِقَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ يَلْزَمُ الضَّرَرُ بِالْوَصِيِّ فِي بَقَاءِ الْإِيصَاءِ وَلُزُومِهِ لِأَنَّهُ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِذَلِكَ فَلِمَ تَحَمَّلْتُمْ ضَرَرَ الْوَصِيِّ دُونَ ضَرَرِ الْمُوصِي حَيْثُ قُلْتُمْ لَا يَبْطُلُ الْإِيصَاءُ بِقَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ فَقَالَ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ الضَّرَرَيْنِ جَمِيعًا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَحَمَّلَ أَدْنَى الضَّرَرَيْنِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْأَعْلَى وَالْأَعْلَى هُنَا ضَرَرُ الْمَيِّتِ لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَيْسَ بِمَجْبُورٍ بِشَيْءٍ وَضَرَرَ الْوَصِيِّ مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ فَتَحَمَّلَ الْأَدْنَى لِدَفْعِ الْأَعْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَى عَبْدٍ) الْمُرَادُ مِنْهُ الْوَصِيَّةُ إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ تَجِيءُ بَعْدَ هَذَا اهـ غَايَةٌ

بَدَلَ بِغَيْرِهِمْ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي، وَيَسْتَبْدِلُ غَيْرَهُمْ مَكَانَهُمْ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُمْ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ قِيلَ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ، وَقِيلَ فِي الْعَبْدِ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِي غَيْرِهِ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ، وَقِيلَ فِي الْكَافِرِ بَاطِلَةٌ أَيْضًا لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَوَجْهُ الصِّحَّةِ ثُمَّ الْإِخْرَاجِ أَنَّ أَصْلَ النَّظَرِ ثَابِتٌ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ حَقِيقَةً، وَوِلَايَةِ الْفَاسِقِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا، وَوِلَايَةِ الْكَافِرِ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ النَّظَرُ لِتَوَقُّفِ وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى إجَازَةِ مَوْلَاهُ، وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْحَجْرِ بَعْدَهَا، وَالْمُعَادَاةُ الدِّينِيَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَاتِّهَامِ الْفَاسِقِ بِالْخِيَانَةِ فَيُخْرِجُهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَيُقِيمُ غَيْرَهُمْ مَقَامَهُمْ إتْمَامًا لِلنَّظَرِ، وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ مَخُوفًا مِنْهُ عَلَى الْمَالِ لِأَنَّهُ يَكُونُ عُذْرًا فِي إخْرَاجِهِ، وَتَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ مُكَاتَبِ غَيْرِهِ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي مَنَافِعِهِ كَالْحُرِّ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْقِنِّ، وَالصَّبِيُّ كَالْقِنِّ فَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَعَتَقَ الْعَبْدُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ لَمْ يُخْرِجْهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَى عَبْدِهِ، وَوَرَثَتُهُ صِغَارٌ صَحَّ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ، وَوَرَثَتُهُ صِغَارٌ جَازَ الْإِيصَاء إلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُنْعَدِمَةٌ لِمَا أَنَّ الرِّقَّ يُنَافِيهَا، وَلِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذَا قَلْبُ الْمَشْرُوعِ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ الصَّادِرَةَ مِنْ الْأَبِ لَا تَتَجَزَّأُ، وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ تَجْزِئَتُهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَوْضُوعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوِصَايَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ النَّظَرِ فَلَا مُنَافَاةَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ أَوْ الْإِيصَاءُ إلَى عَبْدِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِدُّ بِالتَّصَرُّفِ إذْ كَانَ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي وَلَا لِلصِّغَارِ مَنْعُهُ بَعْدَ مَا ثَبَتَ الْإِيصَاءُ إلَيْهِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ، وَإِيصَاءُ الْمَوْلَى إلَيْهِ يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ نَاظِرًا لَهُمْ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْوِصَايَةُ قَدْ تَتَجَزَّأُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَمَا إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَكُونُ فِي الدَّيْنِ، وَالْآخَرُ فِي الْعَيْنِ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا فِيمَا أُوصِيَ إلَيْهِ خَاصَّةً أَوْ نَقُولُ يُصَارُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ أَصْلِهِ، وَتَغْيِيرُ الْوَصْفِ بِإِبْطَالِ عُمُومِ الْوِلَايَةِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ أَصْلِ الْإِيصَاءِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ مُضْطَرِبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقِيلَ فِي الْعَبْدِ بَاطِلَةٌ إلَخْ) ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُسْلِمِ يُوصِي إلَى الذِّمِّيِّ قَالَ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَجَازَ مَوْلَاهُ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَإِذَا أَوْصَى الْمُسْلِمُ إلَى ذِمِّيٍّ أَوْ إلَى حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ أَوْ غَيْرِ مُسْتَأْمَنٍ فَهُوَ بَاطِلٌ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَلَوْ أَوْصَى إلَى فَاسِقٍ مُتَّهَمٍ مَخُوفٍ عَلَى مَالِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي مَعْنَى الْبُطْلَانِ أَنَّهُ بَاطِلٌ أَصْلًا أَمْ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَفِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ بَاطِلٌ أَصْلًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وِلَايَةٌ وَالرِّقَّ مُنَافٍ لِلْوِلَايَةِ وَلِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوصِي لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لِمَوْلَاهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّبَرُّعِ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ إجَازَتِهِ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِعَارَةِ مِنْهُ لِلْعَبْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ فَإِذَا رَجَعَ عَنْهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْ التَّصَرُّفِ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ إلَى الْكَافِرِ فَلِأَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْوَصِيِّ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ وَلَا وِلَايَةَ لِلذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَيْضًا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَجُوزُ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُ عَنْ الْوِصَايَةِ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ إلَيْهِ لَا تُتِمُّ مَعْنَى النَّظَرِ وَهَذَا لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِرْثِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوَصِيَّةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ وِلَايَةَ الْوَصِيِّ مِثْلُ وِلَايَةِ الْمُوصِي لِكَوْنِ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ مُسْتَفَادَةً مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي ثُمَّ وِلَايَةُ الْمُوصِي وَهُوَ الْأَبُ لَيْسَتْ بِمُتَجَزِّئَةٍ حَيْثُ لَا يُقَالُ إنَّ وِلَايَتَهُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَوِلَايَةُ الْعَبْدِ مُتَجَزِّئَةٌ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَ التَّرِكَاتِ وَلَا يَمْلِكُ بَيْعَ نَفْسِهِ وَهَذَا نَقَضَ الْمَوْضُوعَ فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَفِي اعْتِبَارِهِ تَجْزِئَتُهَا أَيْ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَهِيَ الْوَصِيَّةُ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ وَالْوَرَثَةُ صِغَارٌ تَجْزِئَةُ الْوِلَايَةِ وَفِيهَا تَجْزِئَةُ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَلِي بَيْعَ نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي بَيْعِ نَفْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ) احْتَرَزَ بِالْمُخَاطَبِ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّ الْإِيصَاءَ إلَيْهِمَا لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْخِطَابِ وَاحْتَرَزَ بِالْمُسْتَبِدِّ عَنْ الْإِيصَاءِ إلَى عَبْدِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ لَا اسْتِبْدَادَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ وَعَنْ عَبْدِ نَفْسِهِ أَيْضًا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كَبِيرٌ لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَحْجُرَهُ وَيَبِيعَ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَلَا يَبْقَى الِاسْتِبْدَادُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْوِصَايَةُ قَدْ تَتَجَزَّأُ) هَذَا جَوَابٌ عَلَى سَبِيلِ الْمَنْعِ عَنْ قَوْلِهِ وَفِي اعْتِبَارِهِ تَجْزِئَتُهَا وَقَوْلُهُ أَوْ نَقُولُ إلَخْ يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْوِصَايَةَ لَا تَتَجَزَّأُ لَكِنْ إنَّمَا صِرْنَا إلَى التَّجَزِّي كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْصَى إلَيْهِ خَاصَّةً) وَالظَّاهِرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمُ التَّجَزِّي فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَصِيًّا فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٌ فِيهِ مُضْطَرِبٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ فِيهِ يُرْوَى مَرَّةً مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَارَةً مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَلَنَا فِي هَذَا الْقِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكِبَارَ الثِّقَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ

يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا بِأَنْ كَانَ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ كِبَارًا لَا يَجُوزُ الْإِيصَاءُ إلَيْهِ لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَمْنَعَهُ أَوْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ فَيَمْنَعَهُ الْمُشْتَرِي فَيَعْجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ فَلَا يُفِيدُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا ضَمَّ إلَيْهِ غَيْرَهُ) لِأَنَّ فِي الضَّمِّ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْمُوصِي، وَحَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ يَتِمُّ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ، وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ لِلْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا اسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرَهُ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ، وَهُوَ أَمِينٌ فِيهِ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ، وَلَوْ اخْتَارَ غَيْرَهُ كَانَ دُونَهُ فَكَانَ إبْقَاؤُهُ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ قُدِّمَ عَلَى أَبِ الْمَيِّتِ مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا إذَا شَكَتْ الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْمُوصَى إلَيْهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمَيِّتِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ فَأَتَتْ الْأَمَانَةُ، وَالْمَيِّتُ إنَّمَا اخْتَارَهُ لِأَجْلِهَا، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إبْقَاؤُهُ بَعْدَ فَوَاتِهَا، وَهُوَ لَوْ كَانَ حَيًّا لَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ عِنْدَ عَجْزِهِ، وَيُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ مَاتَ، وَلَا وَصِيَّ لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ فِعْلُ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ. وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَيْسَانِيُّ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الصَّفَّارِ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبِهِ نَأْخُذُ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ بِخِلَافِ الْوَكِيلَيْنِ إذَا وَكَّلَهُمَا مُتَفَرِّقًا حَيْثُ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِالْإِجْمَاعِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَمَّ الثَّانِي فِي الْإِيصَاءِ دَلِيلٌ عَلَى عَجْزِ الْأَوَّلِ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ وَحْدَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إلَى الثَّانِي يُقْصَدُ بِهِ الْإِشْرَاكُ مَعَ الْأَوَّلِ. وَهُوَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ إلَى الْأَوَّلِ فَيَمْلِكُ إشْرَاكَ الثَّانِي مَعَهُ، وَقَدْ يُوصِي الْإِنْسَانُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إتْمَامِ مَقْصُودِهِ وَحْدَهُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ عَجْزُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيَضُمُّ إلَيْهِ غَيْرَهُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْإِيصَاءِ إلَيْهِمَا مَعًا، وَلَا كَذَلِكَ الْوَكَالَةُ فَإِنَّ رَأْيَ الْمُوَكِّلِ قَائِمٌ، وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ عَاجِزًا لَبَاشَرَ بِنَفْسِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَلَمَّا وَكَّلَ عَلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَثْبُتُ لَهُمَا مَعًا بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُتَعَاقِبَةِ فَإِذًا ثَبَتَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا مَعًا فَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّ الْوِصَايَةَ سَبِيلُهَا الْوِلَايَةُ، وَهِيَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا يَتَجَزَّأُ فَتَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَمَلًا كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ لِلْأَخَوَيْنِ. وَهَذَا لِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ الْخِلَافَةُ إذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُوصِي، وَقَدْ كَانَتْ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ اخْتِيَارَ الْمُوصِي إيَّاهُمَا يُؤْذِنُ بِاخْتِصَاصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّفَقَةِ فَصَارَ كَمَوَاضِعِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ بِالتَّفْوِيضِ فَيُرَاعَى وَصْفُ التَّفْوِيضِ، وَهُوَ وَصْفُ الِاجْتِمَاعِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُفِيدٌ إذْ رَأْيُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلَّهُمْ ذَكَرُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ بِلَا اضْطِرَابٍ كَالطَّحَاوِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَأَبِي اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَالْقُدُورِيِّ فِي التَّقْرِيبِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِهِ لِلْكَافِي وَصَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ فِيهَا وَفِي شَرْحِهَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ فِي الْأَصْلِ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ وَإِذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِهِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ إلَيْهِ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَى عَبْدِهِ أَرَأَيْت لَوْ كَبِرَ الصِّغَارُ أَمَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الْكَافِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَقَوْلُهُمَا هُوَ الْقِيَاسُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَيْهِ ذَلِكَ) أَيْ عَجْزَهُ عَنْ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْوَصِيَّةِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْأَوْصِيَاءُ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ فَوَصِيٌّ مَأْمُونٌ عَلَى مَا أُوصِيَ بِهِ إلَيْهِ مُضْطَلِعٌ لِلْقِيَامِ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ، وَوَصِيٌّ مَأْمُونٌ غَيْرُ مُضْطَلِعٍ لِلْقِيَامِ بِهِ أَيَّدَهُ الْحَاكِمُ بِهِ وَوَصِيٌّ مَخُوفٌ عَلَى مَا أُوصِيَ بِهِ إلَيْهِ فَيُخْرِجُهُ الْحَاكِمُ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَيُقِيمُ فِيهَا مَنْ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَأَوْلَى أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ) وَهُوَ وَصِيُّ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إبْقَاؤُهُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ فِي إبْقَائِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ) أَيْ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْدُودَةٍ سَتَأْتِي قَرِيبًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ) أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ) وَكَانَ أَبُو مُوسَى الرَّازِيّ يَقُولُ هَكَذَا وَكَانَ يَسْتَدِلُّ بِمَسْأَلَةٍ فِي كِتَابِ الزِّيَادَاتِ أَنَّ جَارِيَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا فَهُوَ ابْنُهُمَا فَإِنْ أَوْصَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ إلَى رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَا جَمِيعًا فَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ دُونَ الْآخَرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلِ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافَ وَإِنْ كَانَ أَوْصَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى رَجُلٍ عَلَى حِدَةٍ قَالَ فَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَإِذًا ثَبَتَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا مَعًا) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

كَرَأْيِ الْمُثَنَّى، وَلَمْ يَرْضَ الْمُوصِي إلَّا بِالْمُثَنَّى فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي هَذَا السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ شَطْرِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ فَكَانَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي الْإِنْكَاحِ. لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ الْقَرَابَةُ، وَقَدْ قَامَتْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. كَمَلًا، وَلِأَنَّ الْإِنْكَاحَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ حَتَّى لَوْ طَالَبَتْهُ بِإِنْكَاحِهَا مِنْ كُفْءٍ يَخْطُبُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَهَا هُنَا حَقُّ التَّصَرُّفِ لِلْوَصِيِّ، وَلِهَذَا بَقِيَ مُخَيَّرًا فِي التَّصَرُّفِ فَفِي الْوَلِيَّيْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا حَقًّا عَلَى صَاحِبِهِ، وَفِي الْوَصِيَّيْنِ اسْتَوْفَى حَقًّا لِصَاحِبِهِ فَلَا يَصِحُّ نَظِيرُ الْأَوَّلِ إيفَاءُ دَيْنٍ عَلَيْهِمَا، وَنَظِيرُ الثَّانِي اسْتِيفَاءُ دَيْنٍ لَهُمَا حَيْثُ يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي بِخِلَافِ مَوَاضِعِ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ لَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ. وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ دَائِمًا، وَهُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ. وَأَخَوَاتُهَا فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي غَيْرِ التَّجْهِيزِ وَشِرَاءِ الْكَفَنِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْجِيرَانُ أَيْضًا فِي الْحَضَرِ، وَالرُّفْقَةُ فِي السَّفَرِ (وَحَاجَةِ الصِّغَارِ وَالِاتِّهَابِ لَهُمْ) لِأَنَّهُ يُخَافُ هَلَاكُهُمْ مِنْ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ، وَانْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ إحْيَاءٌ لِلصِّغَارِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ كُلُّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ (وَرَدِّ وَدِيعَةِ عَيْنٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يَمْلِكُهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ بِخِلَافِ اقْتِضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا جَمِيعًا فِي الْقَبْضِ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ حَقِيقَةُ الْمُبَادَلَةِ، وَرَدُّ الْمَغْصُوبِ، وَرَدُّ الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. وَكَذَا حِفْظُ الْمَالِ كُلُّ ذَلِكَ يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا بِدُونِ صَاحِبِهِ (وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَعِتْقِ عَبْدٍ عُيِّنَ) لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ (وَالْخُصُومَةِ فِي حُقُوقِ الْمَيِّتِ) لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهِ مُتَعَذَّرٌ، وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهَا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ أَيْضًا، وَمِنْ أَخَوَاتِهَا بَيْعُ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى مِنْ الْمَالِ، وَجَمِيعُ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خِيفَةَ الْفَوَاتِ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ لَا تَخْفَى، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ كُلُّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا جَعَلَ الْقَاضِي مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْهُمَا عَاجِزٌ عَنْ الِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ وَصِيًّا نَظَرًا لِلْمَيِّتِ عِنْدَ عَجْزِ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّ الْحَيَّ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَالْمُوصِي قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَهُ وَصِيَّانِ مُتَصَرِّفَانِ فِي حُقُوقِهِ، وَذَلِكَ مُمْكِنُ التَّحْقِيقُ بِنَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ مَكَانَ الْأَوَّلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَصَّى الْوَصِيُّ وَصِيَّ التَّرِكَتَيْنِ) أَيْ إذَا مَاتَ الْوَصِيُّ، وَأَوْصَى إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ، وَلَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ، وَلِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ فَصَارَ كَوَصِيِّ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَصِيًّا فِي مَالِ الْوَكِيلِ خَاصَّةً دُونَ مَالِ الْمُوَكِّلِ، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي مِثْلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ، وَلَا لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُضَارِبَ فَكَذَا الْوَصِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ فِي مَالِ الْمُوصَى إلَيْهِ، وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ كَالْجَدِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ إلَى الْوَصِيِّ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ، وَلَوْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ لَمَّا لَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ بَلْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ الْجَدُّ، وَيَنْعَزِلُ هُوَ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا فَإِذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ مَلَكَ الْإِيصَاءَ، وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ إلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ، وَإِلَى الْوَصِيِّ فِي الْمَالِ ثُمَّ الْجَدُّ قَامَ مَقَامَ الْأَبِ فِيمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ حَتَّى مَلَكَ الْإِيصَاءَ فِيهِ فَكَذَا الْوَصِيُّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ فِيمَا لَهُ وِلَايَةٌ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي التَّرِكَتَيْنِ فَيُنَزَّلُ الثَّانِي مَنْزِلَتَهُ فِي التَّرِكَتَيْنِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْوَصِيُّ بَلْ وَجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَقَالَ فِي غَيْرِ التَّجْهِيزِ وَشِرَاءِ الْكَفَنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَثَّلَ شِرَاءَ الْكَفَنِ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَا يُبْتَنَى عَلَى الْوِلَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُمَّ تَمْلِكُهُ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ وَمَعَهُ مَالٌ فَكَفَّنُوهُ وَدَفَنُوهُ مِنْ مَالِهِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وِلَايَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالِاتِّهَابُ لَهُمْ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خِيفَةَ الْفَوَاتِ وَلِأَنَّهُ تَمْلِكُهُ الْأُمُّ وَاَلَّذِي فِي حِجْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَوْ جُنَّ أَوْ وُجِدَ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ وَصِيٌّ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا إذَا أَوْصَى الْوَصِيُّ إلَى الثَّانِي فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْأَوَّلِ فَالثَّانِي وَصِيُّهُمَا جَمِيعًا وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى الثَّانِي وَلَمْ يَذْكُرْ تَرِكَةَ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا صَارَ الثَّانِي أَيْضًا وَصِيَّهُمَا وَفِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَكُونُ لِلثَّانِي خَاصَّةً وَلَا يَكُونُ وَصِيًّا لِلْأَوَّلِ فَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْأَوَّلِ جَازَ ذَلِكَ وَهُوَ طَرِيقُ الِاسْتِحْسَانِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ الْوَصِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ فِي مَالِ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يُؤْمَرْ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا أَوْصَى إلَيْهِ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَعِيشُ أَبَدًا وَلَمْ يُحِبَّ أَنْ تَكُونَ أُمُورُهُ ضَائِعَةً فَصَارَ كَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِأَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ. وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْإِفْصَاحِ فَلَوْ كَانَ أَذِنَ لَهُ بِالْإِفْصَاحِ جَازَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُ بِالدَّلَالَةِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَصِحُّ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ) أَيْ مِنْ الْمَيِّتِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ (قَوْلُهُ تَنْتَقِلُ إلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ) حَتَّى كَانَ لَهُ تَزْوِيجُ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي التَّرِكَتَيْنِ) مَالُ نَفْسِهِ الَّذِي يَتْرُكُهُ وَتَرِكَةُ مُوصِيهِ اهـ

اسْتَعَانَ بِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ تَعْتَرِيهِ الْمَنِيَّةُ صَارَ رَاضِيًا بِإِيصَائِهِ إلَى غَيْرِهِ لَا سِيَّمَا عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِ الْمَوْتِ قَبْلَ تَتْمِيمِ مَقْصُودِهِ، وَهُوَ تَلَافِي مَا فَرَّطَ فِيهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ حَيٌّ يُمْكِنُهُ أَنْ يُحَصِّلَ مَقْصُودَهُ بِنَفْسِهِ فَلَمْ تُوجَدْ دَلَالَةُ الرِّضَا بِالتَّفْوِيضِ إلَى غَيْرِهِ بِتَوْكِيلٍ أَوْ إيصَاءٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ قِسْمَتُهُ عَنْ الْوَرَثَةِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ، وَلَوْ عَكَسَ لَا) أَيْ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ عَنْ الْوَرَثَةِ جَائِزَةٌ، وَعَكْسُهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَا إذَا قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ عَنْ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ حَتَّى يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَيَرُدّ عَلَيْهِ بِهِ وَيَصِيرَ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمَوْرُوثِ، وَالْوَصِيُّ أَيْضًا خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ خَصْمًا عَنْ الْوَارِثِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَنَفَذَتْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ، وَقَدْ هَلَكَ مَا فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَيْسَ لَهُ، أَنْ يُشَارِكَ الْمُوصَى لَهُ أَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ، وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوصِي فَلَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ مَا أُفْرِزَ لَهُ عِنْدَ الْوَصِيِّ كَانَ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَنْفُذْ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي التَّرِكَةِ كَمَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَيَتْوَى مَا تَوَى مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَيَبْقَى مَا بَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْوَرَثَةُ كِبَارًا أَوْ صِغَارًا لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْبَيْعِ فِي مَالِ الصِّغَارِ، وَالْقِسْمَةُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْكِبَارِ فَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ لِلْحِفْظِ إلَّا الْعَقَارَ فَإِنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، وَهَذَا فِي مَعْنَى الْبَيْع فَلَا يَضْمَنُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَاسَمَ الْوَرَثَةَ، وَأَخَذَ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ فَضَاعَ رَجَعَ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) أَيْ لَوْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ، وَأَخَذَ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ فَضَاعَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ رَجَعَ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فَيَرْجِعُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى مَا فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فَيَأْخُذُ ثُلُثَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي أَيْدِيهِمْ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُمْ قَدْرَ ثُلُثِ مَا قَبَضُوا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَصِيَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَالْوَرَثَةَ بِالْقَبْضِ فَيُضَمِّنُ أَيَّهمَا شَاءَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِحَجَّةٍ فَقَاسَمَ الْوَرَثَةَ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِهِ أَوْ دَفَعَ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِ الْوَصِيِّ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ فَضَاعَ مَا دَفَعَ إلَيْهِ يَحُجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ الْبَاقِي، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الْمُفْرَزُ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَلَمْ يَحُجَّ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ ثُلُثِ الْجَمِيعِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحُجُّ عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْمَنَاسِكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ قِسْمَةُ الْقَاضِي وَأَخْذُهُ حَظِّ الْمُوصَى لَهُ إنْ غَابَ) أَيْ إنْ غَابَ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ تَصِيرُ الْوَصِيَّةُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، وَالْقَاضِي نَاظِرٌ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ، وَإِفْرَازُ نَصِيبِ الْغَائِبِ، وَقَبْضُهُ مِنْ النَّظَرِ فَنَفَذَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَصَحَّ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَقَدْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ سَبِيلٌ، وَلَا عَلَى الْقَاضِي، وَهَذَا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ عَنْ الْوَرَثَةِ جَائِزَةٌ) أَيْ إذَا كَانُوا صِغَارًا أَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ كَبِيرًا غَائِبًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا إذَا قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ عَنْ الْمُوصَى لَهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فِي الْعَقَارِ أَوْ فِي الْعُرُوضِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمَوْرُوثِ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً ثُمَّ مَاتَ وَاسْتَوْلَدَهَا وَارِثُهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ وَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ خَلِيفَةَ الْمَيِّتِ لَمَا ثَبَتَتْ لَهُ وِلَايَةُ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ بَاعَهَا الْمُوَرِّثُ مِنْ آخَرَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِ بَائِعِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ بَائِعِهِ حَتَّى يَكُونَ غُرُورُهُ كَغُرُورِهِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ مَعَ مُوَرِّثِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ قَاسَمَ الْوَرَثَةَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا الْوَرَثَةُ إلَى الْقَاضِي فَقَسَمَهُمَا وَالْمُوصَى لَهُ غَائِبٌ فَقِسْمَتُهُ جَائِزَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا جَازَتْ قِسْمَةُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ خُصُوصًا فِي حَقِّ الْأَمْوَاتِ وَالْغُيَّبِ لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّصَرُّفِ بِأَنْفُسِهِمْ وَمِنْ النَّظَرِ أَنْ يُفْرِزَ نَصِيبَ الْغَائِبِ فَإِنْ هَلَكَ نَصِيبُهُ فِي يَدِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِشَيْءٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاضِي حَيْثُ جَازَتْ مُقَاسَمَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيِّ حَيْثُ لَا تَجُوزُ مُقَاسَمَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَى الْغَائِبِ فِيمَا يَنْفَعُهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُ بَيْعَ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ فَكَانَ قِسْمَتُهُ كَقِسْمَةِ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُوصَى لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ أَصْلًا فَلَمْ تَنْفُذْ قِسْمَتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِحَجَّةٍ إلَخْ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ أَعْتِقُوا عَنِّي نَسَمَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَوْهَا فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَعْتِقَ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْتِقُوا مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِمَّا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فِي أَيْدِيهِمْ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ قِسْمَةُ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ مَيَّزَ الثُّلُثَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ شَيْئًا حَتَّى هَلَكَ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ هَلَكَ مِنْ الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الْقَاضِي إذَا دَفَعَ إلَى أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ نَصِيبَهُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَى أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ نَصِيبَهُ لَمْ تَتَكَامَلْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ وَلَا يَصْلُحُ هُوَ أَنْ يَكُونَ بِنَفْسِهِ مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْوَصِيَّةُ لِلْغَائِبِ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ قَبُولَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ إفْرَازٌ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِيهِ تَابِعٌ حَتَّى جَازَ أَخْذُهُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ، وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِ مُرَابَحَةً وَأَمَّا مَا لَا يُكَالُ، وَلَا يُوزَنُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهِ مُبَادَلَةٌ كَالْبَيْعِ، وَبَيْعُ مَالِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا الْقِسْمَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ بِغَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ) أَيْ صَحَّ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَبْدًا لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي، وَلَوْ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ حَالَ حَيَاتِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَكَذَا الْوَصِيُّ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ، وَالْبَيْعُ لَا يُبْطِلُ الْمَالِيَّةَ لِفَوَاتِهَا إلَى خَلَفٍ، وَهُوَ الثَّمَنُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُ لِأَنَّ لِغُرَمَائِهِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ الْوَصِيُّ إنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْصَى بِبَيْعِهِ وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ إنْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ بَعْدَ هَلَاكِ ثَمَنِهِ عِنْدَهُ) مَعْنَاهُ إذَا أَوْصَى بِبَيْعِ عَبْدِهِ وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبَاعَهُ الْوَصِيُّ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْهَلَاكِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُخْتَصَرِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَ الْوَصِيُّ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ عُهْدَةٌ لِأَنَّ الْمُشْتَرَى مِنْهُ لَمْ يَرْضَ بِبَذْلِ الثَّمَنِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ، وَلَمْ يُسَلَّمْ فَقَدْ أَخَذَ الْبَائِعُ، وَهُوَ الْوَصِيُّ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرْجِعُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ أَوَّلًا لَا يَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ فَلَمْ يَكُنْ عَامِلًا لِلْوَرَثَةِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذُكِرَ هُنَا، وَيَرْجِعُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الثُّلُثِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَأَخَذَ حُكْمَهَا، وَمَحِلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ، وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ بَلْ بِحُكْمِ الْغُرُورِ، وَذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَالدَّيْنُ يُقْضَى مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ بِخِلَافِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ إذَا تَوَلَّى الْبَيْعَ حَيْثُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهَا الْقَاضِيَ تَعْطِيلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّقَلُّدِ بِهَذِهِ الْأَمَانَةِ خَشْيَةَ لُزُومِ الضَّمَانِ فَتَتَعَطَّلُ مَصْلَحَةُ الْعَامَّةِ، وَأَمِينُهُ سَفِيرٌ عَنْهُ كَالرَّسُولِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ، وَقَدْ مَرَّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ هَلَكَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا وَفَاءٌ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ كَمَا فِي سَائِرِ دُيُونِ الْمَيِّتِ، وَفِي الْمُنْتَقَى لَا يَرْجِعُ الْوَصِيُّ فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ غُنْمَهُ لَهُمْ فَكَانَ غُرْمُهُ عَلَيْهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي مَالِ الطِّفْلِ إنْ بَاعَ عَبْدَهُ، وَاسْتَحَقَّ وَهَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ) أَيْ إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ مَالَ الصَّغِيرِ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ، وَاسْتُحِقَّ الْمَالُ الْمَبِيعُ رَجَعَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي حِصَّتِهِ) أَيْ الصَّبِيُّ يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ لِانْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ بِاسْتِحْقَاقِ مَا أَصَابَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ احْتِيَالُهُ بِمَالِهِ لَوْ خَيْرًا لَهُ) أَيْ يَجُوزُ احْتِيَالُ الْوَصِيِّ بِمَالِ الْيَتِيمِ إذْ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ بِأَنْ يَكُونَ الثَّانِي أَمْلَأَ إذْ الْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَحْكُمَ بِسُقُوطِهِ حَاكِمٌ يَرَى سُقُوطَ الدَّيْنِ إذَا مَاتَ الثَّانِي مُفْلِسًا أَوْ جَحَدَ الْحَوَالَةَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَلَا يَرَى رُجُوعَ الدَّيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِمَا يَتَغَابَنُ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ أَوْ شِرَاؤُهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ، وَلَا نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَفِي اعْتِبَارِهِ انْسِدَادُ بَابِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ وَالْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ، وَالْوَصِيُّ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ نَظَرًا فَيَتَقَيَّدُ بِمَوْضِعِ النَّظَرِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ تَبَرُّعٌ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ، وَهَذَا إذَا تَبَايَعَ الْوَصِيُّ لِلصَّغِيرِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا كَانَ لِلْيَتِيمِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ لِلصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْيَتِيمِ فَلَا يَجُوزُ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ صَحَّ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَبْدًا لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ) صُورَتُهُ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَيَتْرُكُ عَبْدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَيَبِيعُ الْوَصِيُّ الْعَبْدَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ قَالَ بَيْعُهُ جَائِزٌ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الدَّيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ لَا عَلَى الْعَبْدِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لِغُرَمَائِهِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ) حَتَّى يَأْخُذُوا كَسْبَهُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَيَكُونُ الْبَيْعُ مُبْطِلًا لِحَقِّهِمْ فَلَهُمْ أَنْ يُبْطِلُوا الْبَيْعَ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ) أَيْ فِي تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ اهـ (قَوْلُهُ بَلْ بِحُكْمِ الْغُرُورِ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمَّا أَمَرَ بِبَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهِ كَأَنَّهُ قَالَ إنَّ هَذَا الْعَبْدَ مِلْكِي اهـ

- رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَظْهَر الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، هَذَا فِي وَصِيِّ الْأَبِ، وَأَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ، وَلِلْأَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ، وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ عَقَارِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ يَرْغَبَ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِضِعْفِ الثَّمَنِ أَوْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ حَاجَةٌ إلَى الثَّمَنِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَبِهِ يُفْتَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْعُهُ عَلَى الْكَبِيرِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ) أَيْ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْعَقَارِ لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي مَا سِوَى الْعَقَارِ، وَلَا يَلِيهِ فَكَذَا وَصِيُّهُ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا، وَلَا الْأَبُ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْكَبِيرِ الْحَاضِرِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ حِفْظُ مَالِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا فِيمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ لِأَنَّ حِفْظَ ثَمَنِهِ أَيْسَرُ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ فَكَذَا وَصِيُّهُ، وَأَمَّا الْعَقَارُ فَمَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَاعَ الْعَقَارَ ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ كُلَّهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَازَ لَهُ بَيْعُهُ كُلُّهُ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ فَإِذَا ثَبَتَتْ فِي الْبَعْضِ ثَبَتَتْ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ، وَلَوْ خِيفَ هَلَاكُهُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ حِفْظًا كَالْمَنْقُولِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَّجِرُ فِي مَالِهِ) أَيْ الْوَصِيُّ لَا يَتَّجِرُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ يَرْغَبُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِضِعْفِ الثَّمَنِ) الْمُرَادُ بِالثَّمَنِ الْقِيمَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يَكُونُ لِلصَّغِيرِ حَاجَةٌ إلَى الثَّمَنِ) هَذَا حُكْمُ الْوَصِيِّ وَأَمَّا الْأَبُ إذَا بَاعَ عَقَارَ الصَّغِيرِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَحْمُودًا عِنْدَ النَّاسِ أَوْ مَسْتُورًا يَجُوزُ حَتَّى لَوْ بَلَغَ الِابْنُ لَمْ يَنْقَضِ الْبَيْعَ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ فَاسِقًا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ حَتَّى لَوْ بَلَغَ الِابْنُ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَتَّجِرُ فِي مَالِهِ) أَيْ لِنَفْسِهِ أَمَّا إذَا اتَّجَرَ لِلصَّغِيرِ يَجُوزُ قَالَ قَاضِيخَانْ يَتَّجِرُ بِمَالِ الْيَتِيمِ لِلْيَتِيمِ وَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى هَذَا تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ يُضَارِبُ فِي مَالِهِ وَيَدْفَعُهُ مُضَارَبَةً وَقَدْ صَرَّحَ الشَّارِحُ فِي الرَّهْنِ بِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ رَهَنَ مَالَ الْيَتِيمِ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ بِتِجَارَةٍ بَاشَرَهَا لِلْيَتِيمِ صَحَّ لِأَنَّ الْأَصْلَحَ لَهُ التِّجَارَةُ تَثْمِيرًا لِمَالِهِ اهـ وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا قُلْنَا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَفِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَكَذَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْيَتِيمِ أَوْ الْمَيِّتِ. فَإِنْ فَعَلَ وَرَبِحَ يَضْمَنُ رَأْسَ الْمَالِ وَيَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُسَلَّمُ لَهُ الرِّبْحُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَلَهُ أَخْذُهُ مُضَارَبَةً اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعِمَادِيُّ ذُكِرَ فِي بَابِ الْمُصَرَّاةِ مِنْ بُيُوعِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْوِلَايَةَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إلَى الْأَبِ وَوَصِيِّهِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّ وَصِيِّهِ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ فَالْوِلَايَةُ إلَى أَبِ الْأَبِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّهِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّ وَصِيِّهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْقَاضِي وَمَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي وَلِهَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وِلَايَةُ التِّجَارَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَلَهُمْ وِلَايَةُ الْإِجَارَةِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ الْعِمَادِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَأَنْ يَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً وَأَنْ يَعْمَلَ بِهِ مُضَارَبَةً وَأَنْ يُبْضِعَ وَيُشَارِكَ، وَإِذَا لَمْ يُشْهِدْ الْوَصِيُّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ مُضَارَبَةً كَانَ مَا اشْتَرَى كُلُّهُ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ بَعْضِ الرِّبْحِ مِنْ مَالِ الْوَرَثَةِ لِنَفْسِهِ. وَلَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ إلَّا بِالشَّرْطِ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يُعْطَى لَهُ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ اهـ وَقَالَ قَاضِيخَانْ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُودَعَ مَالَ الْيَتِيمِ وَيُبْضِعَ وَيَتَّجِرَ بِمَالِ الْيَتِيمِ وَيَدْفَعَ مُضَارَبَةً وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَكَذَا الْأَبُ اهـ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ الصَّبِيِّ مُضَارَبَةً وَبِضَاعَةً وَأَنْ يُشَارِكَ بِهِ غَيْرَهُ وَفِي الْمُنْتَقَى الْوَصِيُّ يَأْخُذُ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً اهـ وَقَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَيَدْفَعُ مَالَهُ أَيْ الْوَصِيُّ مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً وَشَرِكَةً وَبِضَاعَةً وَيَحْتَالُ عَلَى الْأَمْلِيَاءِ لَا عَلَى الْأَعْسَرِ وَلَا يُقْرِضُ وَيَبِيعُ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ إلَّا الْعَقَارَ وَلَا يَتَّجِرُ فِي مَالِهِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي مَالِهِ رَاجِعٌ لِلْكَبِيرِ لِقُرْبِهِ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الشُّمُنِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْ مَالِ الصَّغِيرِ وَهُوَ فِي هَذَا تَابِعٌ لِلْفَخْرِ الزَّيْلَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْعَقَارِ لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي مَا سِوَاهُ وَلَا يَلِيهِ فَكَذَا وَصِيُّهُ فِيهِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْكَبِيرِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّاهُ لِمَا أَنَّهُ حِفْظٌ لِتَسَارُعِ الْفَسَادِ إلَيْهِ وَحِفْظُ الثَّمَنِ أَيْسَرُ وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ أَمَّا الْعَقَارُ فَمُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ قَالَ وَلَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التِّجَارَةِ اهـ. وَظَاهِرُ السِّيَاقِ كَمَا تَرَى يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَلَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ رَاجِعًا إلَى مَالِ الْكَبِيرِ وَقَدْ أَفْصَحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ فِي شَرْحِهِ قَوْلُهُ قَالَ وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْعَقَارِ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَيُوصِي إلَى رَجُلٍ وَيَتْرُكُ ابْنًا غَائِبًا قَالَ كُلُّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْوَصِيُّ فَهُوَ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبِيعُ الْعَقَارَ وَلَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ وَالْأَبُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْعَقَارِ عَلَى وَلَدِهِ الْكَبِيرِ فَكَذَلِكَ مَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ وِلَايَةُ الْأَبِ وَهُوَ الْوَصِيُّ. وَإِنَّمَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْعُرُوضِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْعُرُوضِ عَلَى وَلَدِهِ الْكَبِيرِ فَكَذَلِكَ وَصِيُّهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ التَّرِكَةِ حَتَّى لَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَقْضِي مِنْ ذَلِكَ وَيَبِيعُ الْمَنْقُولَ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ مِمَّا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَقَدْ يَكُونُ حِفْظُ الثَّمَنِ أَيْسَرَ بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ مُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ مَحْفُوظٌ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَمَنْ أَرَادَ تَحْصِينَ مَالِهِ وَحِفْظَهُ صَرَفَهُ فِي شِرَاءِ الْعَقَارِ، وَالْعُرُوضُ يُسْرِعُ إلَيْهَا التَّلَفُ وَحِفْظُ بَدَلِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ

[فصل في شهادة الوصيان]

الْحِفْظُ دُونَ التِّجَارَةِ، وَوَصِيُّ الْأَخِ أَوْ الْعَمِّ أَوْ الْأُمِّ فِي مَالٍ تَرَكَهَا مِيرَاثًا لِلصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ وَصِيِّ الْأَبِ فِي الْكَبِيرِ الْغَائِبِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي، وَكَانَ لِلْمُوصِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَكَذَا لِوَصِيِّهِ أَنْ يَبِيعَهُ لِلْحِفْظِ بِخِلَافِ مَالٍ آخَرَ لِلصَّغِيرِ غَيْرَ مَا تَرَكَهُ الْمُوصِي حَيْثُ لَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَكَذَا الْوَصِيُّ بِخِلَافِ وَصِيِّ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ أَبِ الْأَبِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا تَرَكَهُ مِيرَاثًا لَهُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي، وَلِلْأَبِ أَوْ الْجَدِّ التَّصَرُّفُ فِي جَمِيعِ مَالِهِ فَكَذَا لِوَصِيِّهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَصِيُّ الْأَبِ أَحَقُّ بِمَالِ الطِّفْلِ مِنْ الْجَدِّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجَدُّ أَحَقُّ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَهُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ حَتَّى أَحْرَزَ مِيرَاثَهُ فَيَتَقَدَّمُ عَلَى وَصِيِّهِ، وَلَنَا أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْإِيصَاءِ فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ قَائِمَةً مَعْنًى فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَالْأَبِ نَفْسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ الْوَصِيَّ مَعَ عِلْمِهِ بِوُجُودِ الْجَدِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ أَنْظَرُ لِأَوْلَادِهِ مِنْ تَصَرُّفِ الْجَدِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يُوصِ الْأَبُ فَالْجَدُّ كَالْأَبِ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَأَشْفَقُهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى مَلَكَ الْإِنْكَاحَ دُونَ الْوَصِيِّ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَوْصَى الْأَبُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْوَصِيُّ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ لِمَا بَيَّنَّا دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ. [فَصْلٌ فِي شَّهَادَةِ الْوَصِيَّانِ] (فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى زَيْدٍ مَعَهُمَا لَغَتْ) أَيْ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ نَفْعًا لِأَنْفُسِهِمَا بِإِثْبَاتِ الْمُعَيَّنِ لَهُمَا فَتُرَدُّ لِلتُّهْمَةِ فَإِذَا رُدَّتْ ضَمَّ الْقَاضِي إلَيْهِمَا ثَالِثًا لِأَنَّ فِي ضِمْنِ شَهَادَتِهِمَا إقْرَارًا مِنْهُمَا بِوَصِيٍّ آخَرَ مَعَهُمَا لِلْمَيِّتِ، وَإِقْرَارُهُمَا حُجَّةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ بَعْدَ ذَلِكَ بِدُونِهِ فَصَارَ فِي حَقِّهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَوْصِيَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَجَازَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي مَعَ وُجُودِ الْوَصِيِّ لِامْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِمَا بِدُونِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ مَاتَ، وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ فَيَضُمُّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا لِيُمْكِنَهُمْ التَّصَرُّفُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ زَيْدٌ) أَيْ يَدَّعِي أَنَّهُ وَصِيٌّ مَعَهُمَا فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ كَالْأَوَّلِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا فَيَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ فَيَكُونُ وَصِيًّا مَعَهُمَا بِنَصْبِ الْقَاضِي إيَّاهُ كَمَا إذَا مَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَصِيًّا فَإِنَّهُ يَنْصِبُ وَصِيًّا ابْتِدَاءً فَهَذَا أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا الِابْنَانِ) أَيْ إذَا شَهِدَ الِابْنَانِ بِأَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ، وَهُوَ يُنْكِرُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ نَفْعًا إلَى أَنْفُسِهِمَا بِنَصْبِ حَافِظٍ لِلتَّرِكَةِ فَكَانَا مُتَّهَمَيْنِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِقَوْلِ شُرَيْحٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا أَقْبَلُ شَهَادَةَ خَصْمٍ وَلَا مُرِيبٍ أَيْ مُتَّهَمٍ، وَإِذَا ادَّعَى الْمَشْهُودُ لَهُ الْوِصَايَةَ يُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا عَلَى أَنَّهُ نُصِبَ وَصِيٌّ ابْتِدَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي شَهَادَةِ الْوَصِيَّيْنِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِقَبْضِ دُيُونِهِ بِالْكُوفَةِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ سَوَاءٌ ادَّعَى الرَّجُلُ الْوَكَالَةَ أَوْ لَمْ يَدَّعِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْحَيِّ بِطَلَبِهِمَا ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا لَوْ شَهِدَا لِوَارِثٍ صَغِيرٍ بِمَالٍ) أَيْ لَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ لِوَارِثٍ صَغِيرٍ بِمَالٍ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لِأَنْفُسِهِمَا فِي ذَلِكَ الْمَالِ فَصَارَا مُتَّهَمَيْنِ أَوْ خَصْمَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ لِكَبِيرٍ بِمَالِ الْمَيِّتِ) أَيْ لَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ لِوَارِثٍ كَبِيرٍ بِمَالِ الْمَيِّتِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا أَيْضًا لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ وَوِلَايَةَ بَيْعِ الْمَنْقُولِ لِأَنْفُسِهِمَا عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا لِلْكَبِيرِ فِي غَيْرِ التَّرِكَةِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَتِهِمَا عَنْهُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْسَرُ وَأَبْعَدُ مِنْ التَّوَى وَالتَّلَفِ وَالْفَسَادِ وَقَالُوا لَوْ خِيفَ هَلَاكُ الْعَقَارِ أَوْ هَلَاكُ بِنَائِهِ يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَهُ أَيْضًا عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ. لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ حِفْظًا وَلَا يَتَّجِرُ الْوَصِيُّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ التِّجَارَةَ يُبْتَغَى بِهَا الرِّبْحُ دُونَ الْحِفْظِ فَلَا يَمْلِكُ اهـ وَفِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ مَا يُخَالِفُهُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: وَلَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ أَيْ فِي مَالِ الصَّغِيرِ هَكَذَا فِي الْأَوْضَحِ اهـ وَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا إذَا اتَّجَرَ لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْيَتِيمِ وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَإِنْ اسْتَدَانَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ فِي كِسْوَتِهِ وَطَعَامِهِ فَرَهَنَ بِهِ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ جَازَ ثُمَّ قَالَ وَكَذَا لَوْ اتَّجَرَ لِلْيَتِيمِ فَارْتَهَنَ أَوْ رَهَنَ لِأَنَّ الْأَوْلَى لَهُ التِّجَارَةُ تَثْمِيرًا لِمَالِ الْيَتِيمِ. فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ الِارْتِهَانِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ اهـ وَفِي الْكَافِي فِي بَابِ الرَّهْنِ مِثْلُهُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي إذَا اتَّجَرَ الْوَصِيُّ لِأَجْلِ الْيَتِيمِ فَبَاعَ مَتَاعَهُ فَأَخَذَ رَهْنًا أَوْ اشْتَرَى لِأَجْلِ الْيَتِيمِ فَرَهَنَ مَتَاعَ الْيَتِيمِ جَازَ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ لِأَجْلِ الْيَتِيمِ تَثْمِيرًا لِمَالِهِ وَالتِّجَارَةُ بَيْعٌ وَشِرَاءٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الِارْتِهَانِ وَالرَّهْنِ لِلِاسْتِيفَاءِ وَالْإِيفَاءِ اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ بُرْهَانِ الْأَئِمَّةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مازه الْمَعْرُوفِ بِالْحُسَامِ الشَّهِيدِ مَا نَصُّهُ: وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الْعَقَارَ وَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ التِّجَارَةَ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي، وَالْمُوصِي وَهُوَ الْأَبُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ إلَّا بِطَرِيقِ الْحِفْظِ نَظَرًا لَهُ فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ وَالْإِجَارَةُ أَمَّا التِّجَارَةُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَبَيْعُ الْعَقَارِ لَيْسَ مِنْ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ وَلَوْ خِيفَ هَلَاكُ الْعَقَارِ أَوْ هَلَاكُ بِنَاءِ الْعَقَارِ هَلْ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لَوْ قِيلَ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لَا يَبْعُدُ. لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْحِفْظِ اهـ وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى نُسْخَةٍ مِنْ الْكَنْزِ مُحَشَّاةٍ بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ جَلَالِ الدِّينِ التُّبَّانِيِّ وَكَتَبَ تَحْتَ قَوْلِهِ فِي مَالِهِ أَيْ فِي مَالِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ وَجَعَلَ رَابِطَةً تَحْتَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ فِي مَالِهِ رَاجِعَةً لِلْكَبِيرِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي مَالٍ تَرَكَهُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي مَالٍ تَرَكَهَا. اهـ. (فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ) (قَوْلُهُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ) إذْ حِفْظُ مَالِ الْيَتِيمِ إلَيْهِمَا فِي حَقِّ الْكَبِيرِ إذَا غَابَ وَيُتَوَهَّمُ

[كتاب الخنثى]

أَقَامَهُمَا مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَرِكَتِهِ لَا فِي غَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَارِثُ صَغِيرًا وَالْمُوصِي أَبًا حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِي الْكُلِّ لِأَنَّ لِوَصِيِّ الْأَبِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ جَمِيعِهِ فَيَكُونَانِ مُتَّهَمَيْنِ فَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَالِ الْمَوْرُوثِ مِنْهُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ، وَقَيَّدَهُ بِهِ فِي الْكَبِيرِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا إذَا شَهِدَا لِوَاِرثٍ كَبِيرٍ يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ فِيمَا تَرَكَهُ الْمُوصِي وَغَيْرُهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لَا تَثْبُتُ لَهُمَا فِي مَالِ الْمَيِّتِ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا فَعَرِيَتْ عَنْ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ صَغِيرًا عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ عَلَى مَيِّتٍ بِدَيْنٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّ لِلْأَوَّلَيْنِ بِمِثْلِهِ تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ بِوَصِيَّةِ أَلْفٍ لَا) وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُقْبَلُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا، وَيُرْوَى أَبُو حَنِيفَةَ مَعَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُمْ إذَا جَاءُوا مَعًا، وَشَهِدُوا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ لِاثْنَيْنِ فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا ثُمَّ ادَّعَى الشَّاهِدَانِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمَيِّتِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ لَهُمَا الْغَرِيمَانِ الْأَوَّلَانِ تُقْبَلُ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَهِيَ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ فِيهِ إذَا لَمْ يَجِبْ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، وَلِهَذَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِمَا قَبَضَ، وَلَا يَكُونُ لِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ، وَلَا يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى التَّرِكَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّرِكَةَ لَوْ هَلَكَتْ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ، وَأَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ التَّرِكَةَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَلَا تَتَمَكَّنُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ الْفَرِيقَانِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى بَعْدَ هَلَاكِ التَّرِكَةِ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ التَّرِكَةَ وَيُعْطِيَهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ، وَلَوْ قَبَضَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ شَيْئًا كَانَ لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ فَكَانَ كُلُّ فَرِيقٍ مُثْبِتًا لِنَفْسِهِ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّرِكَةِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمَا وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الدَّيْنَ بِالْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ لِخَرَابِ الذِّمَّةِ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا لِلْوَارِثِ، وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا إذَا كَانَتْ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ فَشَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ تُلَاقِي مَحِلًّا مُشْتَرَكًا فَصَارَ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ فَلَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ بِبَقَائِهَا لَا فِي الْمَالِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُمَا إذَا جَاءَا مَعًا كَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَتَتَفَاحَشُ التُّهْمَةُ فَتُرَدُّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا عَلَى التَّعَاقُبِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ مَضَى وَثَبَتَ بِهِ الْحَقُّ بِلَا تُهْمَةٍ، وَالثَّانِي لَا يُزَاحِمُهُ الْأَوَّلُ عِنْدَ صُدُورِهِ فَصَارَ كَالْأَوَّلِ، وَالْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالْوَصِيَّةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ فِيهَا شَهَادَةُ الْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الشَّرِكَةَ، وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ بِعَيْنٍ كَالْعَبْدِ، وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُثْبِتَةٌ لِلشَّرِكَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِعَيْنٍ، وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِعَيْنٍ آخَرَ حَيْثُ تُقْبَلُ الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فَلَا تُهْمَةَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَوَّابِ. (كِتَابُ الْخُنْثَى) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ مَنْ لَهُ فَرْجٌ وَذَكَرٌ) أَيْ الْخُنْثَى مَنْ لَهُ فَرْجُ الْمَرْأَةِ، وَذَكَرُ الرَّجُلِ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ عَرِيَ عَنْ الْآلَتَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّكَسُّرِ وَاللِّينِ، وَمِنْهُ يُقَالُ تَخَنَّثَ فِي كَلَامِهِ إذَا لَانَ وَتَكَسَّرَ. اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْبَشَرَ ذَكَرًا وَأُنْثَى كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49] وَقَدْ بَيَّنَ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ مَنْ هُوَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الْوَصْفَانِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ فَكَيْفَ يَجْتَمِعَانِ، وَهُمَا مُتَضَادَّانِ. وَقَدْ جَعَلَ عَلَامَةَ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا الْآلَةَ ثُمَّ قَدْ يَقَعُ الِاشْتِبَاهُ بِأَنْ يُوجَدَ الْآلَتَانِ، وَلَا يُوجَدَ التَّمْيِيزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَالَ مِنْ الذَّكَرِ فَغُلَامٌ، وَإِنْ بَالَ مِنْ الْفَرْجِ فَأُنْثَى) لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْهُ كَيْفَ يُوَرَّثُ فَقَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQعَوْدُ الْوِلَايَةِ بِالْجُنُونِ فَكَانَا مُتَّهَمَيْنِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّرِكَةَ لَوْ هَلَكَتْ إلَخْ) وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ فَأَرَادَ الْوَارِثُ اسْتِخْلَاصَ التَّرِكَةِ وَنَقْدَ الْمَالِ يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْقَبُولِ لِأَنَّ عِنْدَ اسْتِغْرَاقِ التَّرِكَةِ بِالدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا مِلْكَ لَهُمْ وَلَكِنْ لَهُمْ حَقُّ اسْتِخْلَاصِ التَّرِكَةِ أَمَّا لَوْ قَالُوا نَحْنُ نُؤَدِّي الدَّيْنَ وَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ نَقْدًا كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ التَّرِكَةَ وَيَقْضِيَ حَقَّ الْغُرَمَاءِ، وَالْأَجْنَبِيُّ لَوْ نَقَدَ الدَّيْنَ لَا يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْقَبُولِ. لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ اسْتِخْلَاصِ التَّرِكَةِ بِخِلَافِ الْوَرَثَةِ وَالدَّيْنُ إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى التَّرِكَةِ فَلِلْوَرَثَةِ وِلَايَةُ اسْتِخْلَاصِ التَّرِكَةِ بِأَدَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ لَا بِقَدْرِ التَّرِكَةِ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا فَدَاهُ الْمَوْلَى فَدَاهُ بِأَرْشِهِ اهـ فُصُولُ الْعِمَادِيِّ [كِتَابُ الْخُنْثَى] (كِتَابُ الْخُنْثَى) (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ هِيَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ عَرِيَ عَنْ الْآلَتَيْنِ جَمِيعًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ يَقَعُ الِاشْتِبَاهُ بِعَدَمِ آلَةِ التَّمْيِيزِ أَصْلًا بِأَنْ يُولَدَ وَلَدٌ لَيْسَ لَهُ آلَةُ الذَّكَرِ وَلَا آلَةُ الْأُنْثَى وَهَذَا أَبْلَغُ وَجْهَيْ الِاشْتِبَاهِ وَلِهَذَا بَدَأَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِتَابَ الْخُنْثَى بِهِ اهـ وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَوْلُودٍ وُلِدَ لَيْسَ بِذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى وَلَيْسَ لَهُ مَا لِلْأُنْثَى وَلَيْسَ لَهُ مَا لِلذَّكَرِ يَخْرُجُ مِنْ سُرَّتِهِ كَهَيْئَةِ الْبَوْلِ الْغَلِيظِ فَسُئِلَ عَنْ مِيرَاثِهِ فَقَالَ عَامِرٌ لَهُ نِصْفُ حَظِّ الْأُنْثَى وَنِصْفُ حَظِّ الذَّكَرِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا عِنْدَنَا

[لبس الخنثى للحرير والحلي]

وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُهُ، وَرُوِيَ أَنَّ قَاضِيًا مِنْ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّة رُفِعَ إلَيْهِ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ فَجَعَلَ يَقُولُ هُوَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَاسْتَبْعَدَ قَوْمُهُ ذَلِكَ فَتَحَيَّرَ، وَدَخَلَ بَيْتَهُ فَجَعَلَ يَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ، وَلَا يَأْخُذُهُ النَّوْمُ لِتَحَيُّرِهِ، وَكَانَتْ لَهُ بُنَيَّةٌ تَغْمِزُ رِجْلَيْهِ فَسَأَلَتْهُ عَنْ تَفَكُّرِهِ فَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ دَعْ الْمُحَالَ، وَأَتْبِعْ الْحُكْمَ الْمَبَالَ. فَخَرَجَ إلَى قَوْمِهِ فَحَكَى لَهُمْ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنُوهُ فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ، وَلِأَنَّ الْبَوْلَ مِنْ أَيٍّ عُضْوٍ كَانَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ الصَّحِيحُ، وَالْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَقَعُ بِهِ الْفَصْلِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ تِلْكَ الْآلَةِ خُرُوجُ الْبَوْلِ مِنْهَا، وَذَلِكَ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ أُمِّهِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ يَحْدُثُ بَعْدَهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الْأَصْلِيُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا فَالْحُكْمُ لِلْأَسْبَقِ) لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ، وَلِأَنَّهُ كَمَا خَرَجَ الْبَوْلُ حُكِمَ بِمُوجَبِهِ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ تَامَّةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ مِنْ الْآلَةِ الْأُخْرَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ اسْتَوَيَا) أَيْ فِي السَّبْقِ (فَمُشْكِلٌ) لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا عِبْرَةَ بِالْكَثْرَةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُنْسَبُ إلَى أَكْثَرِهِمَا بَوْلًا لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ. ، وَلِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ فَيَتَرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ، وَلَهُ أَنَّ كَثْرَةَ مَا يَخْرُجُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى الْقُوَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِاتِّسَاعِ الْمَخْرَجِ وَضِيقِهِ لَا لِأَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ، وَلِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ دَلِيلٌ بِنَفْسِهِ فَالْكَثْرَةُ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ كَالشَّاهِدَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ اسْتَقْبَحَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اعْتِبَارَ ذَلِكَ فَقَالَ وَهَلْ رَأَيْت قَاضِيًا يَكِيلُ الْبَوْلَ بِالْأَوَاقِيِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَلَغَ وَخَرَجَتْ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ وَصَلَ إلَى النِّسَاءِ فَرَجُلٌ وَكَذَا إذَا احْتَلَمَ مِنْ الذَّكَرِ) لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ عَلَامَاتِ الذَّكَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ ثَدْيٌ أَوْ لَبَنٌ أَوْ حَاضَ أَوْ حَبِلَ أَوْ أَمْكَنَ وَطْؤُهُ فَامْرَأَةٌ) لِأَنَّ هَذِهِ عَلَامَاتُ النِّسَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ عَلَامَةٌ أَوْ تَعَارَضَتْ فَمُشْكِلٌ) لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ التَّرْجِيحَ، وَعَنْ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ تُعَدُّ أَضْلَاعُهُ فَإِنَّ ضِلْعَ الرَّجُلِ يَزِيدُ عَلَى ضِلْعِ الْمَرْأَةِ بِوَاحِدٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيَقِفُ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى. فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالْوُقُوفِ فِي صَفِّ النِّسَاءِ، وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يُحَاذِيهِ إنْ كَانَ أُنْثَى فَلَا يَتَخَلَّلُ الرِّجَالَ وَلَا النِّسَاءَ، وَإِنْ وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَإِنْ كَانَ بَالِغًا يُعِيدُ صَلَاتَهُ حَتْمًا، وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ، وَالْأَصْلُ فِي أَحْكَامِهِ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْأَحْوَطِ فَالْأَحْوَطِ، وَيُعِيدُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ، وَاَلَّذِي خَلْفَهُ الصَّلَاةَ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَلَوْ كَانَ بَالِغًا حُرًّا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَيَجْلِسُ فِي صَلَاتِهِ جُلُوسَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةً، وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا بِجُلُوسِهِ جُلُوسَ الرِّجَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُبْتَاعُ لَهُ أَمَةٌ تَخْتِنُهُ) يَعْنِي بِمَالِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَمْلُوكَتِهِ النَّظَرُ إلَيْهِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ ذَكَرًا، وَلِلضَّرُورَةِ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْتِنَهُ رَجُلٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى أَوْ امْرَأَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى لِأَنَّ فِي الْجِنْسِ نَظَرَ الْجِنْسِ أَخَفُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ تُبَاعُ) لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أُعِدَّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ فَتَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَهِيَ حَاجَةُ الْخِتَانِ فَإِذَا خَتَنَتْهُ تُبَاعُ، وَيُرَدُّ ثَمَنُهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ زُوِّجَ امْرَأَةً فَخَتَنَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا جَازَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا صَحَّ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَنَظَرُ الْجِنْسِ أَخَفُّ ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، وَتَطْلُقُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا فَتَحْصُلُ الْفُرْقَةُ ثُمَّ تَعْتَدُّ إنْ خَلَا بِهَا احْتِيَاطًا وَيُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالْحُلِيِّ، وَأَنْ يَنْكَشِفَ قُدَّامَ الرِّجَالِ أَوْ قُدَّامَ النِّسَاءِ، وَأَنْ يَخْلُوَ بِهِ غَيْرُ مَحْرَمٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، وَأَنْ يُسَافِرَ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ مَعَ امْرَأَةٍ مِنْ مَحَارِمِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَيَكُونُ سَفَرَ امْرَأَتَيْنِ بِلَا مَحْرَمٍ كُلُّ ذَلِكَ احْتِرَازٌ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ، وَإِنْ أَحْرَمَ، وَهُوَ مُرَاهِقٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا عِلْمَ لِي فِي لِبَاسِهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا يُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْمَخِيطِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْبَسُ لِبَاسَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ تَرْكَ لُبْسِ الْمَخِيطِ، وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّ قَاضِيًا) هُوَ عَامِرُ بْنُ الظَّرِبِ الْعَدْوَانِيُّ وَالْقَائِلَةُ لَهُ أَمَتُهُ خَصِيلَةُ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ فَقَالَ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ حِينَ أَخْبَرَهُ بِجَوَابِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بَالِغًا حُرًّا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ) قَالَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ مُشْكِلًا بَعْدَ الْبُلُوغِ قُلْت هَذَا كَلَامٌ بِلَا فِكْرٍ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ إذَا لَمْ تَظْهَرْ إحْدَى الْعَلَامَاتِ أَوْ تَعَارَضَتْ كَانَ مُشْكِلًا وَبِهِ صَرَّحَ الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ قُبَيْلَ هَذَا الْفَصْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ قُبَيْلَ هَذَا الْفَصْلِ يَعْنِي بِهِ الْفَصْلَ الَّذِي عَقَدَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَحْكَامِ الْخُنْثَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ زُوِّجَ امْرَأَةً فَخَتَنَتْهُ إلَخْ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَسَمِعْت ابْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَقُولُ الْقِيَاسُ عِنْدِي فِي الْخُنْثَى إذَا احْتَاجَ إلَى الْخِتَانِ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْإِمَامُ امْرَأَةً فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا كَانَتْ زَوْجَتَهُ وَخَتَنَتْهُ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى كَانَ مُبَاحًا لَهَا ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ مَا حَكَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَصْحَابِنَا هُوَ أَصَحُّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ أَصَحُّ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي عِمْرَانُ قَالَ لِأَنَّا إنْ زَوَّجْنَاهُ كَانَ عَقْدُ النِّكَاحِ مَشْكُوكًا فِيهِ فَإِنْ صَحَّ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعَلَّقَةً لَا يُمْكِنُهَا الْخَلَاصُ مِنْهُ وَلَا يُتَيَقَّنُ أَيْضًا وُجُوبُ الْمَهْرِ بِالْعَقْدِ وَلَا وُجُوبُ الْمِيرَاثِ إنْ مَاتَ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَلَا يُدْرَى هَلْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ أَمْ لَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ [لَبِسَ الْخُنْثَى لِلْحَرِيرِ وَالْحِلِّي] (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا يُكْرَهُ لَهُ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ

[حلف بطلاق أو عتاق إن كان أول ولد تلديه غلاما فولدت خنثى]

امْرَأَةٍ أَفْحَشُ مِنْ لُبْسِهِ، وَهُوَ رَجُلٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغْ. وَلَوْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِيهِ غُلَامًا فَوَلَدَتْ خُنْثَى لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لِأَنَّ الْخِنْثَ لَمْ يَثْبُتْ بِالشَّكِّ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ أَوْ قَالَ كُلُّ أَمَةٍ لِي حُرَّةٌ، وَلَهُ مَمْلُوكٌ خُنْثَى لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ قَالَ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا عَتَقَ لِلتَّيَقُّنِ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُهْمَلٍ وَإِنْ قَالَ الْخُنْثَى أَنَا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إذَا كَانَ مُشْكِلًا لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ إنْ قَالَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ أَنَا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَمِينٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ مَا قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ إذَا قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ قَوْلِهَا بِأَنْ قَالَتْ فِي مُدَّةٍ لَا تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ، وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لَمْ يُغَسِّلْهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ لِأَنَّ حِلَّ الْغُسْلِ غَيْرُ ثَابِتٍ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَيُتَوَقَّى لِاحْتِمَالِ الْحُرْمَةِ، وَيُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ لِتَعَذُّرِ الْغُسْلِ، وَلَا يَحْضُرُ هُوَ غُسْلَ رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَجَّى قَبْرُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى أُقِيمَ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا لَا تَضُرُّهُ التَّسْجِيَةُ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَعَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وُضِعَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالْخُنْثَى خَلْفَهُ، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الْخُنْثَى فَيُؤَخَّرُ عَنْ الرَّجُلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ، وَلَوْ دُفِنَ مَعَ رَجُلٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِلْعُذْرِ جُعِلَ خَلْفَ الرَّجُلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ صَعِيدٍ لِيَكُونَ فِي حُكْمِ الْقَبْرَيْنِ، وَكَذَا فِي الرَّجُلَيْنِ إذَا دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ دُفِنَ مَعَ امْرَأَةٍ قُدِّمَ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ، وَإِنْ جُعِلَ عَلَى السَّرِيرِ نَعْشُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ أَحَبُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عَوْرَةٌ، وَيُكَفَّنُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ كَمَا تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فَهُوَ أَحَبُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى، وَيَدْخُلُ قَبْرَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ) أَيْ لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ كَانَ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ نَصِيبِ الذَّكَرِ، وَمِنْ نَصِيبِ الْأُنْثَى فَإِنَّهُ يُنْظَرُ نَصِيبُهُ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ، وَعَلَى أَنَّهُ أُنْثَى فَيُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَحْرُومًا عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِثَالُهُ أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَحَدُهُمَا خُنْثَى مُشْكِلٌ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِلْأَخِ الثُّلُثَانِ، وَلِلْخُنْثَى الثُّلُثُ فَيُقَدَّرُ أُنْثَى لِأَنَّهُ أَقَلُّ، وَلَوْ قُدِّرَ ذَكَرًا كَانَ لَهُ النِّصْفُ، وَلَوْ تَرَكَتْ امْرَأَةٌ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هِيَ خُنْثَى كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْخُنْثَى مَا بَقِيَ، وَهُوَ السُّدُسُ عَلَى أَنَّهُ عَصَبَةٌ. لِأَنَّهُ أَقَلُّ، وَلَوْ قُدِّرَ أُنْثَى كَانَ لَهُ النِّصْفُ، وَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ تَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ، وَلَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأَخَوَيْنِ مِنْ أُمٍّ وَأَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هُوَ خُنْثَى كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ، وَلَا شَيْءَ لِلْخُنْثَى لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ، وَلَمْ يَفْضُلْ لَهُ شَيْءٌ، وَلَوْ قُدِّرَ أُنْثَى كَانَ لَهُ النِّصْفُ، وَعَالَتْ الْمَسْأَلَةُ إلَى تِسْعَةٍ، وَلَوْ تَرَكَ الرَّجُلُ وَلَدَ أَخٍ هُوَ خُنْثَى، وَعَمًّا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ كَانَ الْمَالُ لِلْعَمِّ، وَيُقَدَّرُ الْخُنْثَى أُنْثَى لِأَنَّ بِنْتَ الْأَخِ لَا تَرِثُ، وَلَوْ قُدِّرَ ذَكَرًا كَانَ الْمَالُ لَهُ دُونَ الْعَمِّ. لِأَنَّ ابْنَ الْأَخِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَمِّ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ لِلْخُنْثَى نِصْفُ مِيرَاثِ ذَكَرٍ، وَنِصْفُ مِيرَاثِ أُنْثَى، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِثْلُهُ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَالتَّوْزِيعُ عَلَى الْأَحْوَالِ عَنْ الْقِسْمَةِ طَرِيقٌ مَعْهُودٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ وَالطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ إذَا تَعَذَّرَ الْبَيَانُ فِيهِ بِمَوْتِ الْمُوقِعِ قَبْلَ الْبَيَانِ، وَلَنَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْمَالِ ابْتِدَاءً فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الشَّكُّ فِي وُجُوبِ الْمَالِ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الْمِيرَاثِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ. لِأَنَّ فِيهِ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ مُتَيَقَّنٌ بِهِ، وَهُوَ الْإِنْشَاءُ السَّابِقُ، وَمَحَلِّيَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ لِحُكْمِ ذَلِكَ السَّبَبِ ثَابِتَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ الشَّكُّ وَقَعَ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ وَصْفَ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ الْمُقَدَّرِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْقَرَابَةِ سَبَبًا لِأَصْلِ الْإِرْثِ. وَالْمُزَاحِمُ لِلْخُنْثَى مُتَيَقَّنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ حَلَفَ بِطَلَاقِ أَوْ عِتَاق إِن كَانَ أَوَّل وَلَد تلديه غُلَامًا فَوَلَدَتْ خُنْثَى] قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ الْخُنْثَى أَنَا رَجُلٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي فَإِنْ قَالَ الْخُنْثَى أَنَا رَجُلٌ أَوْ قَالَ أَنَا امْرَأَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إذَا كَانَ عُلِمَ أَنَّهُ مُشْكِلٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُجَازِفٌ فِيمَا يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا يَعْلَمُ غَيْرُهُ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَكُونُ إذَا ظَهَرَتْ فِيهِ إحْدَى الْعَلَامَاتِ فَبَعْدَ ظُهُورِهَا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. [مَاتَ الْخُنْثَى قَبْل أَنْ يستبين أمره] (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ) وَقَدْ رَاهَقَ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَبِالْمَوْتِ لَا تَنْكَشِفُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ إلَّا أَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ فَلِأَجْلِ الضَّرُورَةِ أُبِيحَ النَّظَرُ لِلْجِنْسِ عِنْدَ الْغُسْلِ وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ فِي وُجُوبِ سَتْرِ عَوْرَتِهِ فَإِذَا كَانَ مُشْكِلًا لَا يُوجَدُ لَهُ جِنْسٌ أَوْ لَا يُعْرَفُ جِنْسُهُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الرِّجَالِ أَوْ مِنْ جِنْسِ النِّسَاءِ فَتَعَذَّرَ غُسْلُهُ لِانْعِدَامِ مَنْ يُغَسِّلُهُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ لِانْعِدَامِ مَا يُغَسَّلُ بِهِ فَيُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ وَهُوَ نَظِيرُ امْرَأَةٍ تَمُوتُ بَيْنَ الرِّجَالِ لَيْسَ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ فَإِنَّهَا تُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُيَمِّمُ أَجْنَبِيًّا يَمَّمَهَا مَعَ الْخِرْقَةِ وَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا يَمَّمَهَا بِغَيْرِ الْخِرْقَةِ وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسَاءٍ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ فَإِنَّ النِّسَاءَ يُيَمِّمْنَهُ بِالصَّعِيدِ مِنْ غَيْرِ خِرْقَةٍ إنْ كُنَّ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَبِخِرْقَةٍ إنْ كُنَّ أَجَانِبَ مِنْهُ فَهَذَا مِثْلُهُ. (فَرْعٌ) وَلَا يُقْسَمُ لَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا فَأُسِرَ لَا يُقْتَلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَلَا يُقَرَّرُ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ وَلَوْ ارْتَدَّ لَا يُقْتَلُ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقَسَامَةِ وَلَا يَرِثُ مِنْ مَوْلَى أَبِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ جُعِلَ عَلَى السَّرِيرِ نَعْشُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ أَحَبُّ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِنْ جُعِلَ نَعْشُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السَّتْرِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْأَمْرِ وَالنَّعْشُ شِبْهُ الْمِحَفَّةِ مُشَبَّكٌ يُطْبِقُ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا وُضِعَتْ عَلَى الْجِنَازَةِ وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

[قبل رجل الخنثى المشكل بشهوة]

بِسَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ، وَلَا تَنْقِيصُهُ بِالشَّكِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ مَاتَ أَبُوهُ، وَتَرَكَ ابْنًا لَهُ سَهْمَانِ، وَلِلْخُنْثَى سَهْمٌ) لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ، وَهُوَ مُتَيَقِّنٌ بِهِ فَيَسْتَحِقُّهُ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نِصْفُ مِيرَاثِ ذَكَرٍ، وَنِصْفُ مِيرَاثِ أُنْثَى، وَاخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُم لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ اُعْتُبِرَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالَةَ انْفِرَادِهِ. فَإِنَّ الذَّكَرَ لَوْ كَانَ وَحْدَهُ كَانَ لَهُ كُلُّ الْمَالِ، وَالْخُنْثَى لَوْ كَانَ وَحْدَهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا كَانَ لَهُ كُلُّ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى كَانَ لَهُ نِصْفُ الْمَالِ فَيَأْخُذُ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ نِصْفَ الْكُلِّ وَنِصْفَ النِّصْفِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ، وَلِلِابْنِ كُلُّ الْمَالِ فَيُجْعَلُ كُلُّ رُبُعٍ سَهْمًا فَبَلَغَ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الِابْنَ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَالْخُنْثَى ثَلَاثَةَ الْأَرْبَاعِ، وَلَيْسَ لِلْمَالِ كُلٌّ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ فَيُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ اعْتِبَارًا لِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا سَبْعَةٌ لِلِابْنِ، وَخَمْسَةٌ لِلْخُنْثَى يَعْتَبِرُ هُوَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَالَةِ الِاجْتِمَاعِ فَيَقُولُ لَوْ كَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى كَانَ أَثْلَاثًا فَالْقِسْمَةُ عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ مِنْ اثْنَيْنِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَيُضْرَبُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ يَبْلُغُ سِتَّةً لِلْخُنْثَى عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى سَهْمَانِ. وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ ثَلَاثَةٌ فَلَهُ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ، وَلَيْسَ لِلثَّلَاثَةِ نِصْفٌ صَحِيحٌ فَتُضْرَبُ السِّتَّةُ فِي اثْنَيْنِ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ لِلْخُنْثَى سِتَّةٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى فَيَأْخُذُ نِصْفَ النَّصِيبَيْنِ خَمْسَةً لِأَنَّ نِصْفَ السِّتَّةِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفَ الْأَرْبَعَةِ اثْنَانِ وَهُوَ اعْتَبَرَ الْأَحْوَالَ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ فِي حَقِّ الْخُنْثَى، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ أَيْضًا مِنْ الْوَرَثَةِ حَتَّى يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ نِصْفَ مَا يُصِيبُهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ يَأْخُذُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَبْعَةً لِأَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْخُنْثَى ذَكَرٌ سِتَّةٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى ثَمَانِيَةٌ فَنِصْفُ النَّصِيبَيْنِ سَبْعَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ مَعَهُمَا بِنْتٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تِسْعَةٍ لِأَنَّ نَصِيبَ الْبِنْتِ النِّصْفُ حَالَةَ انْفِرَادِهَا، وَلِلِابْنِ الْكُلُّ، وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ حَالَةَ انْفِرَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيُجْعَلُ كُلُّ رُبُعٍ سَهْمًا يَبْلُغُ تِسْعَةً، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ خُمُسٌ وَثُمُنٌ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ كَانَ لَهُ خُمُسَانِ فَلَهُ نِصْفُهُ، وَهُوَ الْخُمُسُ. وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى كَانَ لَهُ رُبُعٌ فَلَهُ نِصْفُهُ، وَهُوَ الثُّمُنُ فَمَخْرَجُ الْخُمُسِ مِنْ خَمْسَةٍ، وَمَخْرَجُ الثُّمُنِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَتُضْرَبُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَبْلُغُ أَرْبَعِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ فَلِلْخُنْثَى خُمُسُهَا ثَمَانِيَةٌ وَثُمُنُهَا خَمْسَةٌ فَاجْتَمَعَ لَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَلِلْبِنْتِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْخُنْثَى أُنْثَى الرُّبُعُ عَشَرَةٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ الْخُمُسُ ثَمَانِيَةٌ فَيَكُونُ لَهَا نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ تِسْعَةٌ. وَلِلْخُنْثَى عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ خُمُسَانِ، وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى رُبُعٌ، وَهُوَ عَشَرَةٌ فَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَلِلِابْنِ خُمُسَانِ عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ، وَنِصْفٌ عَلَى تَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ فَلَهُ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ لَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ فَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجْعَلُ لِكُلِّ بِنْتٍ سَهْمَيْنِ. وَلِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةً، وَلِكُلِّ خُنْثَى ثَلَاثَةً، وَلَوْ كَانَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ مِائَةُ نَفْسٍ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْسِمُ الْمَالَ بَيْنَهُمْ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْحَادِثَةِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَيُعْطِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصْفَ نَصِيبِهِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ ذُو سَهْمٍ أَخَذَ سَهْمَهُ، وَقَسَمَ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِثْلُ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ قَالُوا رَجَعَ إلَيْهِ آخِرًا، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ خَرَّجَا قَوْلَ الشَّعْبِيِّ، وَلَمْ يَأْخُذَا بِهِ. وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ كَانَ ذَكَرًا، وَبِخَمْسِمِائَةٍ إنْ كَانَ أُنْثَى فَوَلَدَتْ خُنْثَى أُعْطِيَ الْأَقَلَّ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ لَهُ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ نِصْفُ الْوَصِيَّتَيْنِ، وَعِنْدَنَا يُعْطَى الْأَقَلَّ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ. [قَبَلَ رَجُل الْخُنْثَى الْمُشْكِل بشهوة] وَمِنْ أَحْكَامِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ أَنَّهُ لَوْ قَبَّلَهُ رَجُلٌ بِشَهْوَةٍ لَمْ يَتَزَوَّجْ أُمَّهُ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ ذَكَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى فَيَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ. وَكَذَا إذَا قَبَّلَتْهُ امْرَأَةٌ لَا تَتَزَوَّجُ بِأَبِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ أَوْ مَوْلَاهُ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[تزوج الخنثى من خنثى]

أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا زُوِّجَ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ كَانَ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَبَاطِلٌ لِعَدَمِ مُصَادَفَةِ الْمَحِلِّ [تَزَوَّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى] وَكَذَا إذَا زُوِّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى آخَرَ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا ذَكَرٌ، وَالْآخَرَ أُنْثَى، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُمَا ذَكَرَانِ أَوْ أُنْثَيَانِ بَطَلَ النِّكَاحُ، وَلَا يَتَوَارَثَانِ إذَا مَاتَ قَبْلَ التَّبَيُّنِ لِأَنَّ الْإِرْثَ لَا يَجْرِي إلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ. وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْبُوبِ وَالرَّتْقَاءِ إذَا قُذِفَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ رَجُلًا فَهُوَ كَالْمَجْبُوبِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُجَامِعَ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَهُوَ كَالرَّتْقَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُجَامَعُ وَإِذَا قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ قَطَعَ هُوَ يَدَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ هُوَ يَدَ عَبْدٍ أَوْ قَطَعَهُ عَبْدٌ أَوْ كَانَ هُوَ رَقِيقًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ أَوْ قُتِلَ هُوَ بَعْدَ الْبُلُوغِ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ بِالرِّقِّ وَلَا بِالْأُنُوثَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَفِي الشَّهَادَةِ يُجْعَلُ أُنْثَى لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسَائِلُ شَتَّى) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إيمَاءُ الْأَخْرَسِ، وَكِتَابَتُهُ كَالْبَيَانِ بِخِلَافِ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ فِي وَصِيَّةٍ وَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَقَوَدٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجُوزُ كِتَابَتُهُ وَإِيمَاؤُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ إنَّمَا هُوَ الْعَجْزُ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْفَصْلَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا أَوْ عَارِضًا كَالْوَحْشِيِّ وَالْمُتَوَحِّشِ مِنْ الْأَهْلِيِّ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ، وَالْفَرْقُ لَنَا أَنَّ الْإِشَارَةَ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الْعِبَارَةِ إذَا صَارَتْ مَعْهُودَةً، وَذَلِكَ فِي الْأَخْرَسِ دُونَ الْمُعْتَقَلِ لِسَانُهُ حَتَّى لَوْ امْتَدَّ ذَلِكَ، وَصَارَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَعْلُومَةٌ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْرَسِ. ، وَلِأَنَّ التَّفْرِيطَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ حَيْثُ أَخَّرَ الْوَصِيَّةَ إلَى هَذَا الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْأَخْرَسِ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهِ، وَلِأَنَّ الْعَارِضَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ دُونَ الْأَصْلِيِّ فَلَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَفِي الْآبِدِ عَرَّفْنَاهُ بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ بَعِيرًا مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ نَدَّ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَسَمَّى فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ لَهَا أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَإِذَا فَعَلَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْعَلُوا بِهَا كَمَا فَعَلْتُمْ بِهَذَا ثُمَّ كُلُوهُ» ثُمَّ قَدَّرَ الِامْتِدَادُ هُنَا التُّمُرْتَاشِيُّ بِسَنَةٍ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ إنْ دَامَتْ الْعَقْلَةُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ، وَيَجُوزُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِمَعْنًى لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَانَ كَالْأَخْرَسِ قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِذَا كَانَ إيمَاءُ الْأَخْرَسِ، وَكِتَابَتُهُ كَالْبَيَانِ، وَهُوَ النُّطْقُ بِاللِّسَانِ تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ بِالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ حَتَّى يَجُوزَ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ. لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَكُونُ بَيَانًا مِنْ الْقَادِرِ فَمَا ظَنُّك مِنْ الْعَاجِزِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ أَفْصَحَ الْعَرَبِ، وَمَعَ هَذَا أَنْبَأَ بِالْإِشَارَةِ بِقَوْلِهِ «الشَّهْرُ هَكَذَا» الْحَدِيثَ، وَالْكِتَابَةُ مِمَّنْ نَأَى بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ مِمَّنْ دَنَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلَّغَ الرِّسَالَةَ إلَى الْغُيَّبِ بِالْكِتَابَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ كَمَا إذَا بَلَّغَهُمْ بِالْعِبَارَةِ فَإِذَا كَانَ الْكِتَابُ كَالْخِطَابِ عِنْدَ الْعَجْزِ فَفِي حَقِّ الْأَخْرَسِ أَوْلَى لِأَنَّ عَجْزَهُ أَظْهَرُ وَأَلْزَمُ عَادَةً لِأَنَّ الْغَائِبَ يَقْدِرُ عَلَى الْحُضُورِ بَلْ يَحْضُرُ ظَاهِرًا، وَالْأَخْرَسُ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّطْقِ. وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ عَلَى الدَّوَامِ ثُمَّ الْكِتَابُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ مُسْتَبِينٌ مَرْسُومٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا أَيْ مُصَدَّرًا بِالْعِنْوَانِ، وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِي صَدْرِهِ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي تَسْيِيرِ الْكِتَابِ فَيَكُونُ هَذَا كَالنُّطْقِ فَلَزِمَ حُجَّةً، وَمُسْتَبِينٌ غَيْرُ مَرْسُومٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْجُدْرَانِ وَأَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ أَوْ عَلَى الْكَاغَدِ لَا عَلَى وَجْهِ الرَّسْمِ فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ لَغْوًا لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِي إظْهَارِ الْأَمْرِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِانْضِمَامِ شَيْءٍ آخَرَ إلَيْهِ كَالنِّيَّةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى الْغَيْرِ حَتَّى يَكْتُبَهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلتَّحْقِيقِ. وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَتَعَيَّنُ الْجِهَةُ، وَقِيلَ الْإِمْلَاءُ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ لَا يَكُونُ حُجَّةً، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَغَيْرُ مُسْتَبِينٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْهَوَاءِ أَوْ الْمَاءِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كَلَامٍ غَيْرِ مَسْمُوعٍ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَإِنْ نَوَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا فِي حَدٍّ) أَيْ لَا تَكُونُ إشَارَتُهُ وَكِتَابَتُهُ كَالْبَيَانِ فِي الْحُدُودِ لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ لِكَوْنِهَا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهَا. وَلَعَلَّهُ كَانَ مُصَدِّقًا لِلْقَاذِفِ إنْ قُذِفَ هُوَ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِطَلَبِهِ الْحَدَّ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقَاذِفَ فَقَذْفُهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَالْحَدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ مِيرَاث الْخُنْثَى] قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا زُوِّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى آخَرَ إلَخْ) قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ لَوْ زُوِّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ آخَرَ فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُمَا. اهـ. [حَدّ قاذف الْخُنْثَى] (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُجَامِعُ) وَلَا حَدَّ فِي قَذْفِ الرَّتْقَاءِ اهـ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا قُطِعَتْ يَدُهُ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَ الْقَاطِعُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً. اهـ. [مَسَائِلُ شَتَّى] [إيمَاءُ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَتُهُ] (قَوْلُهُ مَسَائِلُ شَتَّى) أَيْ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ كُلِّ بَابٍ يُقَالُ شَتَّى وَشَتَّانَ قَالَ تَعَالَى {وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14] أَيْ مُتَفَرِّقَةٌ وَإِيرَادُ مَسَائِلَ شَتَّى فِي آخِرِ الْكُتُبِ مِنْ دَأْبِ الْمُصَنِّفِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ مُسْتَبِينٌ) وَهُوَ صَرِيحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَرْسُومٌ) الْمَقْصُودُ مِنْ الْمَرْسُومِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فِي إظْهَارِ الْأَمْرِ عُرْفًا كَالْكُتُبِ الْمُعَنْوَنَةِ وَالْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ وَالْقِصَصِ وَنَحْوِهَا اهـ يَحْيَى (قَوْلُهُ وَمُسْتَبِينٌ غَيْرُ مَرْسُومٍ) وَهُوَ كِنَايَةٌ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الرَّسْمِ) أَيْ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُعْتَادِ فِي إثْبَاتِ الْمَقَاصِدِ كَمَا يُكْتَبُ عَلَى الْكَاغَدِ لِتَجْرِبَةِ الْمِدَادِ أَوْ الْقَلَمِ أَوْ الْخَطِّ وَنَحْوِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ كَالنِّيَّةِ) فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا يُبَيِّنُ نِيَّتَهُ بِلِسَانِهِ وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ يُبَيِّنُ نِيَّتَهُ بِكِتَابَتِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ

[لف ثوب نجس في آخر طاهر]

لَا يَجِبُ إلَّا بِالْقَذْفِ بِصَرِيحِ الزِّنَا، وَفِي الْقِصَاصِ اُعْتُبِرَ طَلَبُهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظٍ دُونَ لَفْظٍ. وَقَدْ يَثْبُتُ بِدُونِ اللَّفْظِ كَالتَّعَاطِي، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ بِبَيَانٍ فِيهِ شُبْهَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ الْمُطْلَقِ أَوْ أَقَرَّ بِمُطْلَقِ الْقَتْلِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَفْظُ التَّعَمُّدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لِأَنَّهُ شُرِعَ جَابِرًا فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ مَعَ الشُّبْهَةِ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْعَبْدِ. أَمَّا الْحُدُودُ الْخَالِصَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى شُرِعَتْ زَاجِرَةً، وَلَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْبَدَلِيَّةِ أَصْلًا فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي قِصَاصٍ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْأَخْرَسِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ فِي الْغَائِبِ وَالْأَخْرَسِ رِوَايَتَانِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُفَارِقًا لِذَلِكَ لِأَنَّ الْغَائِبَ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ فِي الْجُمْلَةِ فَيُعْتَبَرُ بِالنُّطْقِ. وَلَا كَذَلِكَ الْأَخْرَسُ لِتَعَذُّرِ النُّطْقِ فِي حَقِّهِ لِلْآفَةِ الَّتِي بِهِ فَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ مُعْتَبَرَةٌ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِشَارَةَ لَا تُعْتَبَرُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ قَالُوا لِأَنَّ الْإِشَارَةَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ، وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ قُلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَفِي الْكِتَابَةِ زِيَادَةُ بَيَانٍ لَمْ تُوجَدْ فِي الْإِشَارَةِ لِأَنَّ قَصْدَ الْبَيَانِ فِي الْكِتَابَةِ مَعْلُومٌ حِسًّا وَعِيَانًا. وَفِي الْإِشَارَةِ زِيَادَةُ أَثَرٍ لَمْ تُوجَدْ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيَانِ هُوَ الْكَلَامُ لِأَنَّهُ وُضِعَ لَهُ، وَالْإِشَارَةُ أَقْرَبُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ الْحَاصِلَ بِهَا حَاصِلٌ بِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْمُتَكَلِّمِ، وَهُوَ إشَارَتُهُ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ فَصَارَتْ أَقْرَبَ إلَى النُّطْقِ مِنْ آثَارِ الْأَقْلَامِ فَاسْتَوَيَا، وَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الْآخَرِ بَلْ يُخَيَّرُ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ أَوْ، وَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ، وَقَالُوا فِيمَنْ صَمَتَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ الْحُكْمُ كَالْمُعْتَقَلِ لِسَانُهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ بِالْإِيمَاءِ وَالْكِتَابَةِ بِهِ إقْرَارُهُ، وَقِيلَ هَذَا تَفْسِيرٌ لِمُعْتَقَلِ اللِّسَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (غَنَمٌ مَذْبُوحَةٌ وَمَيِّتَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ تَحَرَّى وَأَكَلَ، وَإِلَّا لَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ بِالتَّحَرِّي، وَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ دَلِيلٌ ضَرُورِيٌّ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ، وَلَنَا أَنَّ الْغَلَبَةَ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ فِي إفَادَةِ الْإِبَاحَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَسْوَاقَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَخْلُو عَنْ الْمُحَرَّمِ مِنْ مَسْرُوقٍ وَمَغْصُوبٍ، وَمَعَ ذَلِكَ يُبَاحُ التَّنَاوُلُ اعْتِمَادًا عَلَى الظَّاهِرِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، وَلَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَقَلِيلِ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَيِّتَةُ أَكْثَرَ أَوْ اسْتَوَيَا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ لِقِلَّتِهِ فَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لُفَّ ثَوْبٌ نَجِسٌ رَطْبٌ فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ يَابِسٍ فَظَهَرَتْ رُطُوبَتُهُ عَلَى ثَوْبٍ طَاهِرٍ لَكِنْ لَا يَسِيلُ لَوْ عُصِرَ لَا يَتَنَجَّسُ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَقَاطَرْ مِنْهُ بِالْعَصْرِ لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَبْتَلُّ مَا يُجَاوِرُهُ بِالنَّدَاوَةِ، وَبِذَلِكَ لَا يَتَنَجَّسُ بِهِ، وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ إنْ كَانَ الْيَابِسُ هُوَ الطَّاهِرَ يَتَنَجَّسُ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ بَلَلًا مِنْ النَّجِسِ الرَّطْبِ، وَإِنْ كَانَ الْيَابِسُ هُوَ النَّجِسَ وَالطَّاهِرُ الرَّطْبَ لَا يَتَنَجَّسُ لِأَنَّ الْيَابِسَ النَّجِسَ يَأْخُذُ بَلَلًا مِنْ الطَّاهِرِ، وَلَا يَأْخُذُ الرَّطْبُ مِنْ الْيَابِسِ شَيْئًا، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّطْبُ يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَفِي لَفْظِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ نَصَّ عَلَى أَخْذِ الْبِلَّةِ، وَعَلَى هَذَا إذَا نُشِرَ الثَّوْبُ الْمَبْلُولُ عَلَى حَبْلٍ نَجِسٍ، وَهُوَ يَابِسٌ لَا يَتَنَجَّسُ الثَّوْبُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى، وَقَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ إذَا نَامَ الرَّجُلُ عَلَى فِرَاشٍ فَأَصَابَهُ مَنِيٌّ وَيَبِسَ وَعَرِقَ الرَّجُلُ، وَابْتَلَّ الْفِرَاشُ مِنْ عَرَقِهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَثَرُ الْبَلَلِ فِي بَدَنِهِ لَا يَتَنَجَّسُ جَسَدُهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَرَقُ كَثِيرًا حَتَّى ابْتَلَّ الْفِرَاشُ ثُمَّ أَصَابَ بَلَلُ الْفِرَاشِ جَسَدَهُ، وَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي جَسَدِهِ يَتَنَجَّسُ بَدَنُهُ، وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا غَسَلَ رِجْلَهُ فَمَشَى عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ بِغَيْرِ مُكَعَّبٍ فَابْتَلَّ الْأَرْضُ مِنْ بَلَلِ رِجْلِهِ، وَاسْوَدَّ وَجْهُ الْأَرْضِ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ بَلَلِ الْأَرْضِ فِي رِجْلِهِ فَصَلَّى جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ بَلَلُ الْمَاءِ فِي رِجْلِهِ كَثِيرًا حَتَّى ابْتَلَّ بِهِ وَجْهُ الْأَرْضِ، وَصَارَ طِينًا ثُمَّ أَصَابَ الطِّينُ رِجْلَهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ مَشَى عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ رَطْبَةٍ، وَرِجْلُهُ يَابِسَةٌ تَتَنَجَّسُ. [لف ثَوْب نجس فِي آخِر طَاهِر] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (رَأْسُ شَاةٍ مُتَلَطِّخٌ بِالدَّمِ أُحْرِقَ، وَزَالَ عَنْهُ الدَّمُ فَاتُّخِذَ مِنْهُ مَرَقَةٌ جَازَ وَالْحَرْقُ كَالْغُسْلِ) لِأَنَّ النَّارَ تَأْكُلُ مَا فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ أَوْ تُحِيلُهُ فَيَصِيرُ الدَّمُ رَمَادًا فَيَطْهُرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَفِي الْقِصَاصِ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوَدَ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِشَارَةُ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ فَلَا يُعْتَبَرُ وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْقَوَدَ فِيهِ شُبْهَةُ الْعِوَضِيَّةِ. لِأَنَّهُ شُرِعَ جَابِرًا وَالْأَعْوَاضُ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَالْحَدُّ لَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْأَخْرَسِ كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَكُونُ حُجَّةً. اهـ. [غنم مذبوحة وميتة حُكْم الْأَكْل مِنْهَا] (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى مَا قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ. اهـ

[سلطان جعل الخراج لرب الأرض]

بِالِاسْتِحَالَةِ وَلِهَذَا لَوْ أُحْرِقَتْ الْعَذِرَةُ، وَصَارَتْ رَمَادًا طَهُرَتْ لِلِاسْتِحَالَةِ كَالْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ وَكَالْخِنْزِيرِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَمْلَحَةِ وَصَارَ مِلْحًا، وَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا تَنَجَّسَ التَّنُّورُ يَطْهُرُ بِالنَّارِ حَتَّى لَا يَتَنَجَّسَ الْخُبْزُ، وَكَذَلِكَ إذَا تَنَجَّسَتْ مِمْسَحَةُ الْخَبَّازِ تَطْهُرُ بِالنَّارِ. [سُلْطَان جَعَلَ الخراج لِرَبِّ الْأَرْض] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سُلْطَانٌ جَعَلَ الْخَرَاجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ جَازَ وَإِنْ جَعَلَ الْعُشْرَ لَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا فَيْءٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ صَاحِبَ الْخَرَاجِ لَهُ حَقٌّ فِي الْخَرَاجِ فَصَحَّ تَرْكُهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ صِلَةٌ مِنْ الْإِمَامِ. وَالْعُشْرُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْخُلُوصِ كَالزَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفَتْوَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ دَفَعَ الْأَرَاضِيَ الْمَمْلُوكَةَ إلَى قَوْمٍ لِيُعْطُوا الْخَرَاجَ جَازَ) مَعْنَاهُ أَنَّ أَصْحَابَ الْخَرَاجِ إذَا عَجَزُوا عَنْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَأَدَاءِ الْخَرَاجِ دَفَعَ الْإِمَامُ الْأَرَاضِيَ إلَى غَيْرِهِمْ بِالْأُجْرَةِ أَيْ يُؤَجِّرُ الْأَرَاضِيَ لِلْقَادِرِينَ عَلَى الزِّرَاعَةِ، وَيَأْخُذُ الْخَرَاجَ مِنْ أُجْرَتِهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ أُجْرَتِهَا يَدْفَعُهُ إلَى أَصْحَابِهَا، وَهُمْ الْمُلَّاكُ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إزَالَةِ مُلْكِهِمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَا وَجْهَ إلَى تَعْطِيلِ حَقِّ الْمُقَاتِلَةِ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا بَاعَهَا الْإِمَامُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الزِّرَاعَةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبِعْهَا يُفَوِّتُ حَقَّ الْمُقَاتِلَةِ فِي الْخَرَاجِ أَصْلًا، وَلَوْ بَاعَ يُفَوِّتُ حَقَّ الْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ، وَالْفَوَاتُ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ فَيَبِيعُ تَحْقِيقًا لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهَا غَيْرَهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ إذَا بَاعَهَا يَأْخُذُ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَ مِنْ الثَّمَنِ إنْ كَانَ عَلَيْهِمْ خَرَاجٌ، وَرَدَّ الْفَضْلَ إلَى أَصْحَابِهَا ثُمَّ قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقَاضِي يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ الْمَدْيُونِ فِي الدَّيْنِ وَالنَّفَقَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَلَا يَبِيعُهَا لَكِنْ يَأْمُرُ مُلَّاكَهَا بِبَيْعِهَا، وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ أَنَّ فِي هَذَا إلْزَامَ ضَرَرٍ خَاصٍّ لِنَفْعِ الْعَامِّ، وَلِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ الْعَامِّ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الطَّبِيبِ الْمَاجِنِ، وَالْمُفْتِي الْجَاهِلِ، وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْعَامَّةِ فَكَذَا ضَرَرُ تَعْطِيلِ الْخَرَاجِ يَرْجِعُ إلَى الْعَامَّةِ فَجَازَ مَا ذَكَرْنَا لِدَفْعِهِ، وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْأَرْضِ فَصَارَ كَدَيْنِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَدَيْنِ الْمَيِّتِ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ فِيهِمَا لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالرَّقَبَةِ فَكَذَا هَذَا، وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أَهْلَ الْخَرَاجِ إذَا هَرَبُوا إنْ شَاءَ الْإِمَامُ عَمَرَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَالْغَلَّةُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إلَى قَوْمٍ، وَأَطْعَمَهُمْ عَلَى شَيْءٍ فَكَانَ مَا يَأْخُذُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ فِيهِ حِفْظَ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْمِلْكَ عَلَى أَرْبَابِهَا فَإِذَا عَمَرَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يَكُونُ قَدْرُ مَا يُنْفِقُ فِي عِمَارَتِهَا قَرْضًا لِأَنَّ الْإِمَامَ مَأْمُورٌ بِتَثْمِيرِ بَيْتِ الْمَالِ بِأَيِّ وَجْهٍ يَتَهَيَّأُ لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيَوْمَ صَحَّ، وَلَوْ عَنْ رَمَضَانَيْنِ كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ أَوَّلَ صَلَاةٍ أَوْ آخِرَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ) مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَقَضَاهُ نَاوِيًا عَنْهُ، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ عَنْ يَوْمِ كَذَا جَازَ، وَكَذَا لَوْ صَامَ، وَنَوَى عَنْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ أَيْضًا يَجُوزُ، وَكَذَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ أَيْضًا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ وَيَوْمَهَا، وَلَمْ يَنْوِ أَوَّلَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي رَمَضَانَ وَاحِدٍ. وَلَا يَجُوزُ فِي رَمَضَانَيْنِ مَا لَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ سَنَةً كَذَا عَلَى مَا تَبَيَّنَ، وَكَذَا فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ وَيَوْمَهَا بِأَنْ يُعَيِّنَ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا مَثَلًا، وَلَوْ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ جَازَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَعَيَّنَتْ بِتَعْيِينِهِ، وَكَذَا الْوَقْتُ تَعَيَّنَ بِكَوْنِهِ أَوَّلًا أَوْ آخِرًا، فَإِنْ نَوَى أَوَّلَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ وَصَلَّى فَمَا يَلِيهِ يَصِيرُ أَوَّلًا أَيْضًا فَيَدْخُلُ فِي نِيَّتِهِ أَوَّلُ ظُهْرٍ عَلَيْهِ ثَانِيًا، وَكَذَا ثَالِثًا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، وَكَذَا الْآخِرُ، وَهَذَا مَخْلَصُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوْقَاتِ الَّتِي فَاتَتْهُ أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَرَادَ التَّسْهِيلَ عَلَى نَفْسِهِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْفُرُوضَ مُتَزَاحِمَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْهُ لِأَنَّ فَرْضًا مِنْ الْفُرُوضِ لَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ فَرْضٍ آخَرَ فَلِهَذَا وَجَبَ التَّعْيِينُ بِالنِّيَّةِ، وَالشَّرْطُ تَعْيِينُ الْجِنْسِ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلِهَذَا يَكُونُ التَّعْيِينُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَالتَّصَرُّفُ إذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحِلَّهُ يَكُونُ لَغْوًا. وَيُعْرَفُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ، وَالصَّلَوَاتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ صَاحِبَ الْخَرَاجِ) أَيْ صَاحِبَ الْأَرْضِ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْخَرَاجِ بِأَنْ كَانَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ مَثَلًا صَحَّ تَرْكُ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَحِلُّهُ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ دَفَعَ الْأَرَاضِيَ الْمُمَلَّكَةَ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ دَفَعَ الْإِمَامُ الْأَرَاضِيَ إلَخْ) الْإِمَامُ يَدْفَعُهُمَا مُزَارَعَةً فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَأْخُذُهَا مُزَارَعَةً يُؤَجِّرُهَا وَيَكُونُ الْأَجْرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ يُؤَدِّي مِنْهُ الْخَرَاجَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا يَبِيعُهَا وَيَكُونُ الثَّمَنُ لِرَبِّ الْأَرْضِ يُؤَدِّي مِنْهُ الْخَرَاجَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيهَا يَدْفَعُ إلَى رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِقْدَارَ مَا يَعْمُرُهَا بِهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَثْمِيرِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِأَيِّ وَجْهٍ يَتَهَيَّأُ فَإِنْ أَرَادَ السُّلْطَانُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ يَبِيعُهَا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرِي كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ. (قَوْلُهُ يَأْخُذُ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ يَأْخُذُ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى الطَّبِيبِ وَالْمُفْتِي الْجَاهِلِ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَطْعَمَهُمْ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. [نَوَى قَضَاء رَمَضَان وَلَمْ يعين الْيَوْم] (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنْ يَجُوزَ فِي رَمَضَانَ إلَخْ) لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَصَامَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ جَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ جَازَ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ

[ابتلع الصائم ريق غيره]

كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُخْتَلِفِ حَتَّى الظُّهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ أَوْ الْعَصْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ غَيْرُ وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِوَقْتٍ يَجْمَعُهُمَا بَلْ بِدُلُوكِ الشَّمْسِ وَنَحْوِهِ، وَالدُّلُوكُ فِي يَوْمٍ غَيْرُ الدُّلُوكِ فِي يَوْمٍ آخَرَ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِشُهُودِ الشَّهْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَهُوَ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَلِذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَعْيِينِ صَوْمِ يَوْمِ كَذَا حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَهُ بِنِيَّةِ يَوْمٍ آخَرَ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَصَامَ نَاوِيًا عَنْ قَضَاءِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ أَوْ عَنْ رَمَضَانَ آخَرَ. حَيْثُ لَا يَجُوزُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ فَصَارَ كَمَا لَوْ نَوَى ظُهْرَيْنِ أَوْ ظُهْرًا عَنْ عَصْرٍ أَوْ نَوَى ظُهْرَ يَوْمِ السَّبْتِ، وَعَلَيْهِ ظُهْرُ يَوْمِ الْخَمِيسِ، وَعَلَى هَذَا أَدَاءُ الْكَفَّارَاتِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّعْيِينِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ عَيَّنَ لَغَا، وَفِي الْأَجْنَاسِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفَاصِيلَهَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تُشْتَرَطْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَاجِبَ مُخْتَلِفٌ مُتَعَدِّدٌ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ إلَّا بِنِيَّةِ التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ تَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ لَا غَيْرُ. وَهَذَا مُشْكِلٌ، وَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا مِثْلُ قَاضِيخَانْ، وَغَيْرُهُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَجَازَ مَعَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَيْضًا لِإِمْكَانِ صَرْفِهِ إلَى الْأَوَّلِ إذْ لَا يَجِبُ التَّعْيِينُ عِنْدَهُ، وَلَا يُفِيدُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ابْتَلَعَ بُزَاقَ غَيْرِهِ كَفَّرَ لَوْ صَدِيقَهُ، وَإِلَّا لَا) أَيْ إذَا ابْتَلَعَ الصَّائِمُ رِيقَ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ بُزَاقَ صَدِيقِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَدِيقَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الرِّيقَ تَعَافُهُ النَّفْسُ وَتَسْتَقْذِرُهُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ صَدِيقِهِ فَصَارَ كَالْعَجِينِ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَعَافُهُ الْأَنْفُسُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ صَدِيقِهِ لَا تَعَافُهُ فَصَارَ كَالْخُبْزِ وَالثَّرِيدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَتْلُ بَعْضِ الْحُجَّاجِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْحَجِّ) لِأَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ شَرْطُ الْوُجُوبِ أَوْ شَرْطُ الْأَدَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَنَاسِكِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ قَتْلِ بَعْضِ الْحُجَّاجِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ فَكَانَ مَعْذُورًا فِي تَرْكِ الْحَجِّ فَلَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا مُسْتَوْفَاةً فِي الْمَنَاسِكِ، وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهَا فَلَا نُعِيدُهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْعُهَا زَوْجَهَا عَنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا، وَهُوَ يَسْكُنُ مَعَهَا فِي بَيْتِهَا نُشُوزٌ) لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لَهَا مَا دَامَتْ عَلَى مَنَعَة فَيَتَحَقَّقُ النُّشُوزُ مِنْهَا فَصَارَ كَحَبْسِهَا نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِ غَيْرِهَا هَذَا إذَا مَنَعَتْهُ، وَمُرَادُهَا السُّكْنَى فِي مَنْزِلِهَا. وَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ لِيَنْقُلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً لِأَنَّ السُّكْنَى وَاجِبَةٌ لَهَا عَلَيْهِ فَكَانَ حَبْسُهَا نَفْسَهَا مِنْهُ بِحَقٍّ فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَبَسَتْ بِسَبَبِ دَيْنٍ عَلَيْهَا أَوْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ وَذَهَبَ بِهَا لِأَنَّ الْفَوَاتَ لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ سَاكِنَةً مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ كَرْهًا غَالِبًا فَلَا يُعَدُّ مَنْعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَكَنَ فِي بَيْتِ الْغَصْبِ فَامْتَنَعَتْ لَا) أَيْ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً لِأَنَّهَا مُحِقَّةٌ إذْ السُّكْنَى فِيهِ حَرَامٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَتْ لَا أَسْكُنُ مَعَ أَمَتِك، وَأُرِيدُ بَيْتًا عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِمَّنْ يَخْدُمُهُ فَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَتْ مرا طَلَاق ده فَقَالَ داذه كير، وكرده كير أَوْ داذه باذ وكرده باذ يُنَوَّى، وَلَوْ قَالَ داذه است كرده است يَقَعُ نَوَى أَوْ لَا، وَلَوْ قَالَ داذه أنكار كرده أنكار لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى وى مرانشا يذتا قيامت أَوْ همه عمر لَا يَقَعُ إلَّا بِنِيَّةِ حيله زنان كن إقْرَارٌ بِالثَّلَاثِ حيله خويش كن لَا كابين ترابخشيذم مارا ازجنك بإردار إنْ طَلَّقَهَا سَقَطَ الْمَهْرُ وَإِلَّا لَا) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ لِعَبْدِهِ يَا مَالِكِي أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنَا عَبْدُك لَا يَعْتِقُ). لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ لِلْعِتْقِ وَلَا كِنَايَةٍ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يَقْتَضِي الْعِتْقَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا مَوْلَايَ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ تُنْبِئُ عَنْ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَى الْعَبْدِ، وَذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَيَعْتِقُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَوْلُهُ يَا مَالِكِي أَوْ أَنَا عَبْدُك حَقِيقَتُهُ تُنْبِئُ عَنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى لَا مَقْصُودًا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ الْعَصْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ) سُئِلَ عُمَرُ الْحَافِظُ عَنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ هَلْ عَلَيْهِ التَّعْيِينُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ لَا بَلْ عَلَيْهِ حِفْظُ الْعَدَدِ. اهـ. قُنْيَةٌ [ابْتَلَعَ الصَّائِم ريق غَيْره] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ خويشتن رازن إلَخْ) مَسَائِلُ الْفَارِسِيَّةِ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا الشَّارِحُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِيَنْقُلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ) أَوْ لِيَكْتَرِيَ لَهَا مَنْزِلًا. اهـ. قَاضِيخَانْ سَقَطَ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ الَّتِي بِأَيْدِينَا بَعْدَ هَذَا جُمْلَةُ مَسَائِلُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَقَدْ نَبَّهَ الْمُحَشِّي عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا فَأَثْبَتْنَاهَا بِالْهَامِشِ كَمَا تَرَى اهـ مُصَحَّحَةً تُوزَنُ مِنْ شذى فَقَالَتْ شذم لَمْ يَنْعَقِدْ خويشتن رَازَنَ مِنْ كردا نيذى فَقَالَتْ كردا نيذم وَقَالَ بذيرفتم يَنْعَقِدُ دختر خويشتن رابيسر مِنْ أرزاني داشتي فَقَالَ داشتم لَا يَنْعَقِدُ مَنْعُهَا زَوْجَهَا عَنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَهُوَ يَسْكُنُ مَعَهَا فِي بَيْتِهَا نُشُوزٌ، وَلَوْ سَكَنَ فِي بَيْتِ الْغَصْبِ فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ لَا، قَالَتْ لَا أَسْكُنُ مَعَ أَمَتِك وَأُرِيدُ بَيْتًا عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. قَالَتْ مرا طَلَاق ده فَقَالَ داذه كير وكرده كير أَوْ داذه باذو كرده باذ يُنَوَّى وَلَوْ قَالَ داذه است كرده است يَقَعُ نَوَى أَوْ لَا وَلَوْ قَالَ داذه أنكار كرده أنكار لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى وى مرا نشايذ تاقيامت أَوْهَمَهُ عُمْر لَا يَقَعُ إلَّا بِنِيَّةٍ حيله زنان كن إقْرَارٌ بِالثُّلُثِ حيله خويش كن لَا كابين ترا بخشيذم مارا أزجنك بازدار إنْ طَلَّقَهَا سَقَطَ الْمَهْرُ وَإِلَّا لَا قَالَ لِعَبْدِهِ يَا مَالِكِي أَوْ لِأَمَتِهِ أَنَا عَبْدُك لَا يَعْتِقُ برآمن سوكند است اير كارنكنم إقْرَارٌ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَالَ برآمن سوكند است بِطَلَاقٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ قُلْت ذَلِكَ كَذِبًا لَا يُصَدَّقُ وَلَوْ قَالَ مرا سوكند خانه است كَيْ ابْن كارنكنم فَهُوَ إقْرَارٌ بِالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ قَالَ لِلْبَائِعِ بِهَا رايا زده فَقَالَ الْبَائِعُ بِدِرْهَمٍ يَكُونُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ.

[العقار المتنازع فيه لا يخرج من يد ذوي اليد]

مُقْتَضَى لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَثْبُتَ الْمُقْتَضِي فَيَثْبُتَ فِي ضِمْنِهِ الْمُقْتَضِي، وَثُبُوتُ الْمُقْتَضَى، وَهُوَ الْمِلْكُ مُتَعَذَّرٌ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَثْبُتُ الْمُقْتَضَى بِدُونِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْعَقَارُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِ ذِي الْيَدِ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعِي) أَيْ إذَا ادَّعَى عَقَارًا لَا يُكْتَفَى بِذِكْرِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَبِتَصْدِيقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ دَعْوَاهُ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ يَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى عَلَيْهِ إذْ هُوَ شَرْطٌ فِيهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَبِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ تَنْتَفِي تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ فَأَمْكَنَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ يَدِهِ لِتَحْقِيقِ يَدِهِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهَا بِالْبَيِّنَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَقَارٌ لَا فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ هَلْ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ أَوْ الْأَهْلُ فَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْأَهْلُ حَتَّى لَا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الْمَكَانَ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَهْلِ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الْأَهْلَ، وَإِنْ خَرَجَ الْقَاضِي مَعَ الْخَلِيفَةِ مِنْ الْمِصْرِ جَازَ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ خَرَجَ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِهِ مَنْ اعْتَبَرَ الْمَكَانَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ أَعْلَامِ الدَّيْنِ فَيَكُونُ الْمِصْرُ شَرْطًا فِيهِ كَالْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمِصْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ أَيْضًا فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فَقَالَ إنَّ الْمِصْرَ شَرْطٌ لِنُفُوذِ الْقَضَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا قَضَى الْقَاضِي فِي حَادِثَةٍ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ قَالَ رَجَعْت عَنْ قَضَائِي أَوْ بَدَا لِي غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ وَقَعْتُ فِي تَلْبِيسِ الشُّهُودِ أَوْ أَبْطَلْتُ حُكْمِي، وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ، وَالْقَضَاءُ مَاضٍ إنْ كَانَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَشَهَادَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ) لِأَنَّ رَأْيَهُ الْأَوَّلَ قَدْ تَرَجَّحَ بِالْقَضَاءِ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادِ مِثْلِهِ، وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ، وَلَا إبْطَالَهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُدَّعِي أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاهِدَ لَمَّا اتَّصَلَ بِشَهَادَتِهِ الْقَضَاءُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ، وَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهَا لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا الْقَاضِي، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي بِالْقَضَاءِ ثُمَّ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ بَعْدَ الَّذِي قَضَى بِخِلَافِهِ فَلَا يَرُدُّ قَضَاءَهُ، وَيَسْتَأْنِفُ»، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِالِاجْتِهَادِ فِي حَادِثَةٍ لَا نَصَّ فِيهَا ثُمَّ تَحَوَّلَ عَنْ رَأْيِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ عِنْدَهُ، وَلَا يُنْقَضُ مَا مَضَى مِنْ قَضَائِهِ لِأَنَّ حُدُوثَ الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ دُونَ نُزُولِ الْقُرْآنِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْقُضْ الْقَضَاءَ الَّذِي قَضَى بِالرَّأْيِ بِالْقُرْآنِ الَّذِي نَزَلَ بَعْدَهُ فَهَذَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ ذَلِكَ الْقَضَاءَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِاجْتِهَادِهِ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْقُضْ قَضَاءَهُ الْأَوَّلَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ حَالَ مَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فَالنَّصُّ الَّذِي هُوَ مُخَالِفٌ لِاجْتِهَادِهِ كَانَ مَوْجُودًا مُنْزَلًا إلَّا أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ فَكَانَ الِاجْتِهَادُ فِي مَحِلِّ النَّصِّ فَلَا يَصِحُّ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَ مَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ كَانَ الِاجْتِهَادُ فِي مَحِلٍّ لَا نَصَّ فِيهِ فَصَحَّ، وَصَارَ ذَلِكَ شَرِيعَةً لَهُ فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ صَارَ نَاسِخًا لِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (خَبَّأَ قَوْمًا ثُمَّ سَأَلَ رَجُلًا عَنْ شَيْءٍ فَأَقَرَّ بِهِ، وَهُمْ يَرَوْنَهُ وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ، وَهُوَ لَا يَرَاهُمْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ) أَيْ إذَا خَبَّأَ رَجُلٌ جَمَاعَةً فِي مَكَان ثُمَّ سَأَلَ رَجُلًا آخَرَ عَنْ شَيْءٍ مِثْلِ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِهِ الْمَسْئُولُ، وَالْجَمَاعَةُ يَرَوْنَهُ وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ، وَالْمُقِرُّ لَا يَرَاهُمْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ عَلِمُوهُ، وَهُوَ الرُّكْنُ فِي إطْلَاقِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ، وَإِلَّا فَدَعْ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَمِعُوا كَلَامَهُ، وَلَمْ يَرَوْهُ لَا) أَيْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ غَيْرَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَّا إذَا كَانُوا دَخَلُوا الْبَيْتَ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ سِوَاهُ ثُمَّ جَلَسُوا عَلَى الْبَابِ، وَلَيْسَ لِلْبَيْتِ مَسْلَكٌ غَيْرَهُ ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ فَسَمِعُوا إقْرَارَ الدَّاخِلِ، وَلَمْ يَرَوْهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْعِلْمَ حَصَلَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بَاعَ عَقَارًا، وَبَعْضُ أَقَارِبِهِ حَاضِرٌ يَعْلَمُ الْبَيْعَ ثُمَّ ادَّعَى لَا تُسْمَعُ) أَيْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لَمْ يُعَيِّنْ الْقَرِيبَ هُنَا، وَفِي الْفَتَاوَى لِأَبِي اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَيَّنَّهُ فَقَالَ لَوْ بَاعَ عَقَارًا، وَابْنُهُ أَوْ امْرَأَتُهُ حَاضِرٌ يَعْلَمُ بِهِ، وَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ الْعَقَار الْمُتَنَازِع فِيهِ لَا يَخْرَج مِنْ يَد ذَوِي الْيَد] قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَقَارٌ لَا فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي إلَخْ) وَفِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِي لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ دَارًا فِي بَلْدَةٍ غَيْرِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَقُضِيَ بِهَا لِلْمُدَّعِي وَجَازَ قَضَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ فِي وِلَايَةِ هَذَا الْقَاضِي هَكَذَا ذَكَرَ فِي فَصْلِ دَعْوَى الدُّورِ وَالْأَرَاضِي مِنْ دَعْوَى فَتَاوَى قَاضِيخَانْ وَفِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ وَذَكَرَ عَلَاءُ الدِّينِ الدِّينَارِيُّ فِي مُتَفَرِّقَاتِ فَتَاوَاهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ يَجُوزُ حُكْمُ الْقَاضِي إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي وِلَايَةِ مَنْ قَلَّدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ هَلْ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ أَوْ الْأَهْلُ) أَيْ أَهْلُ الْمَكَانِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ مَحِلِّ وِلَايَةِ الْقَاضِي وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لَوْ كَانَ الْعَقَارُ لَا فِي مَحِلِّ وِلَايَتِهِ وَالْأَهْلُ لَيْسُوا مِنْ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ حَالَ الْمُطَالَعَةِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ رَأْيَهُ الْأَوَّلَ قَدْ تَرَجَّحَ بِالْقَضَاءِ فَلَا يُنْتَقَضُ) الْحَاصِلُ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَا يُنْتَقَضُ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ كَمَا لَوْ قَضَى بِمَوْتِ شَخْصٍ ثُمَّ جَاءَ حَيًّا وَنَصُّ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَلَوْ تَبَيَّنَ نَصُّ الْوَاقِفِ عَلَى خِلَافِ الْقَضَاءِ اُعْتُبِرَ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَلَزِمَ إبْطَالُهُ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ لَوْ بَاعَ عَقَارًا وَابْنُهُ أَوْ امْرَأَتُهُ حَاضِرٌ) قَالَ قَاضِيخَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي. وَفِيمَا إذَا بَاعَ الرَّجُلُ شَيْئًا بِحَضْرَةِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ سَاكِتَةٌ ثُمَّ ادَّعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُسْمَعُ اهـ

[باع ضيعة ثم ادعى أنها وقف عليه وعلى أولاده]

زَمَانًا ثُمَّ ادَّعَى الِابْنُ أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَلَمْ يَكُنْ مِلْكَ أَبِيهِ وَقْتَ الْبَيْعِ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ مِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَهُوَ تَلْبِيسٌ مَحْضٌ، وَحُضُورُهُ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَتَرْكُهُ فِيمَا يَصْنَعُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ، وَأَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ، وَجَعَلَ سُكُوتَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْإِفْصَاحِ بِالْإِقْرَارِ قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ لِأَهْلِ الْعَصْرِ فِي الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْقَرِيبِ يَنْفِي جَوَازَ ذَلِكَ مَعَ الْغَرِيبِ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ قَبِيلَ الْفَصْلِ فِي الضَّمَانِ فَقَالَ وَمَنْ بَاعَ دَارًا، وَكَفَلَ عَنْهُ رَجُلٌ بِالدَّرْكِ فَهُوَ تَسْلِيمٌ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَوْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ فَتَمَامُهُ بِقَبُولِهِ ثُمَّ بِالدَّعْوَى يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فِيهِ فَالْمُرَادُ بِهَا إحْكَامُ الْبَيْعِ، وَتَرْغِيبُ الْمُشْتَرِي فِيهِ إذْ لَا يَرْغَبُ فِيهِ دُونَ الْكَفَالَةِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَوْ شَهِدَ وَخَتَمَ، وَلَمْ يَكْفُلْ لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا، وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ أَيْ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ، وَلَا هِيَ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَرَّةً يُوجَدُ مِنْ الْمَالِكِ، وَتَارَةً مِنْ غَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ كَتَبَ لِتُحْفَظَ الْحَادِثَةُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَقَالُوا إذَا كَتَبَ فِي الصَّكِّ بَاعَ، وَهُوَ يَمْلِكُهُ أَوْ بَاعَ بَيْعًا بَاتًّا نَافِذًا وَهُوَ كَتَبَ شَهِدَ بِذَلِكَ فَهُوَ تَسْلِيمٌ إلَّا إذَا كَتَبَ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. [بَاعَ ضيعة ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقَفَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَاده] وَلَوْ بَاعَ ضَيْعَةً ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ، وَعَلَى أَوْلَادِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِلتَّنَاقُضِ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْبَيْعِ إقْرَارٌ مِنْهُ، وَإِنْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ تُقْبَلُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْوَقْفِ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْحِسْبَةِ فَإِذَا قُبِلَتْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ، وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ، وَهُوَ أَصْوَبُ وَأَحْوَطُ لِأَنَّهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الضَّيْعَةَ وَقْفٌ عَلَيْهِ يَدَّعِي فَسَادَ الْبَيْعِ وَحَقًّا لِنَفْسِهِ فَلَا تُسْمَعُ لِلتَّنَاقُضِ. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ إذَا بِيعَ مَتَاعُ إنْسَانٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يَنْظُرُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ سُكُوتَهُ يَحْتَمِلُ الرِّضَا وَالسُّخْطَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى سُكُوتُهُ يَكُونُ إجَازَةً مِنْهُ لِلْبَيْعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَبَتْ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا فَمَاتَتْ فَطَالَبَ وَرَثَتُهَا مَهْرَهَا مِنْهُ، وَقَالُوا كَانَتْ الْهِبَةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا، وَقَالَ بَلْ فِي الصِّحَّةِ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْهِبَةَ حَادِثَةٌ، وَالْحَوَادِثُ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى سُقُوطِ الْمَهْرِ عَنْ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تُفِيدُ الْمِلْكَ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْوَارِثِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا وَهَبَ عَبْدًا لِوَارِثِهِ فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ أَوْ بَاعَهُ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إنْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ رَدًّا لِلْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْمَهْرُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْوَارِثُ يَدَّعِي الْعَوْدَ عَلَيْهِ، وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَقَرَّ بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ كُنْتُ كَاذِبًا فِيمَا أَقْرَرْتُ حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ مَا كَانَ كَاذِبًا فِيمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا) أَيْ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ وَأَمَّا مَشَايِخُ بُخَارَى فَقَالُوا تُسْمَعُ فَيَنْظُرُ الْمُفْتِي فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ لِاشْتِهَارِ الْمُدَّعِي بِالْحِيَلِ وَالتَّلْبِيسِ. وَأَفْتَى بِهِ كَانَ حَسَنًا سَدًّا لِبَابِ التَّزْوِيرِ. اهـ. فُصُولٌ (قَوْلُهُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْقَرِيبِ يَنْفِي جَوَازَ ذَلِكَ مَعَ الْغَرِيبِ) أَيْ إذَا رَأَى أَجْنَبِيًّا يَبِيعُ مَالَهُ فَسَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِسُكُوتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) رَجُلٌ بَاعَ أَرْضًا ثُمَّ قَالَ إنِّي كُنْت وَقَفْتُهَا أَوْ قَالَ هُوَ وَقْفٌ عَلَيَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ مُرَتَّبٌ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ. وَالدَّعْوَى هُنَا لَمْ تَصِحَّ لِمَكَانِ التَّنَاقُضِ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ وَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّ الدَّعْوَى لَوْ لَمْ تَصِحَّ بَقِيَتْ الشَّهَادَةُ بِلَا دَعْوَى إلَّا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْوَقْفِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي وَاقِعَاتِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَلَكِنَّا لَا نَأْخُذُ بِهِ. فَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْوَقْفِ صَحِيحَةٌ بِدُونِ الدَّعْوَى مُطْلَقًا. وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى الْإِطْلَاقِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ وَقْفٍ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ صَحِيحَةٌ بِدُونِ الدَّعْوَى وَكُلُّ وَقْفٍ هُوَ حَقُّ الْعِبَادِ فَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الدَّعْوَى. اهـ. وَقْفُ الذَّخِيرَةِ وَقَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ رَجُلٌ بَاعَ أَرْضًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ وَقَفَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ فَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْكُلِّ. لِأَنَّ التَّحْلِيفَ يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الدَّعْوَى وَدَعْوَاهُ لَمْ تَصِحَّ لِمَكَانِ التَّنَاقُضِ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ يَمْنَعُ الدَّعْوَى وَعَلَى قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّعْوَى لَا تُشْتَرَطُ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَقْفِ لِأَنَّ الدَّعْوَى حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ التَّصَدُّقُ بِالْغَلَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى كَالشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلَاقِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ مَخْصُوصٌ وَلَمْ يَدَّعِ لَا يُعْطَى مِنْ الْغَلَّةِ شَيْئًا. وَيُصْرَفُ جَمِيعُ الْغَلَّةِ إلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قُبِلَتْ لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَقَالَ مَوْلَانَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ: إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِدُونِ الدَّعْوَى عِنْدَ الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى الْمَسْجِدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ اهـ قَالَ قَاضِيخَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ رَجُلٌ بَاعَ دَارًا أَوْ عَقَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهَا بَعْدَ مَا وَقَفَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ وَهُوَ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ حُرٌّ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَعْتَقَهُ ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَصْوَنُ وَأَحْوَطُ) تَبِعَهُ فِيهِ الْعَيْنِيُّ وَبَاكِيرٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ إذَا بِيعَ مَتَاعُ إنْسَانٍ إلَخْ) قَالَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ مَا نَصُّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا سَكَتَ عِنْدَمَا رَأَى الْأَجْنَبِيُّ يَبِيعُ مَالَهُ. لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَالْوَكِيلُ يَتَصَرَّفُ لِلْمُوَكِّلِ لَا لِنَفْسِهِ وَالتَّوْكِيلُ لَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ. اهـ.

[قال لآخر وكلتك ببيع هذا فسكت]

أَقَرَّ بِهِ، وَلَسْت بِمُبْطِلٍ فِيمَا تَدَّعِيهِ عَلَيْهِ) مِنْ الْإِقْرَارِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ، وَعِنْدَهُمَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الْمُقَرِّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ شَرْعًا فَلَا يُصَارُ مَعَهُ إلَى الْيَمِينِ كَالْبَيِّنَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهِ أَبْعَدُ لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ الصَّكَّ إذَا أَرَادُوا الِاسْتِدَانَةَ قَبْلَ الْأَخْذِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ الْمَالَ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ دَلِيلًا عَلَى اعْتِبَارِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَحْلِفُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِتَغْيِيرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ الْخِدَاعِ وَالْخِيَانَاتِ، وَهُوَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ، وَالْمُدَّعِي لَا تَضُرُّهُ الْيَمِينُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَيُصَارُ إلَيْهِ [قَالَ لِآخِرِ وكلتك ببيع هَذَا فسكت] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَوْ قَالَ لِآخَرَ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ هَذَا فَسَكَتَ صَارَ وَكِيلًا) لِأَنَّ سُكُوتَهُ وَعَدَمَ رَدِّهِ مِنْ سَاعَتِهِ دَلِيلُ الْقَبُولِ عَادَةً، وَنَظِيرُهُ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّهُ إذَا سَكَتَ صَحَّتْ الْهِبَةُ، وَسَقَطَ الدَّيْنُ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ قَالَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا أَقْبَلُ بَطَلَ وَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْتُ أَرْضِي عَلَيْكَ وَقْفًا فَسَكَتَ صَحَّ، وَلَوْ قَالَ لَا أَقْبَلُ بَطَلَ، وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ الْوَقْفُ لَا يَبْطُلُ بِقَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَقَفْت دَارِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَّلَهَا بِطَلَاقِهَا لَا يَمْلِكُ عَزْلَهَا) لِأَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِفِعْلِهَا فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْيَمِينِ، وَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ جِهَتِهَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ، وَهِيَ عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَلَا تَكُونُ وَكِيلَةً بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَّلْتُكَ بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي يَقُولُ فِي عَزْلِهِ عَزَلْتُك ثُمَّ عَزَلْتُك) أَيْ ثُمَّ يَقُولُ عَزَلْتُك لِأَنَّ الْوَكَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالْعَزْلِ عَنْ الْوَكَالَةِ فَإِذَا عَزَلَهُ انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَة وَتَنَجَّزَتْ الْمُعَلَّقَةُ فَصَارَ وَكِيلًا جَدِيدًا ثُمَّ بِالْعَزْلِ الثَّانِي انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي يَقُولُ رَجَعْتُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ، وَعَزَلْتُكَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَةِ) لِأَنَّهُ لَوْ عَزَلَهُ عَنْ الْمُنَجَّزَةِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ لَصَارَ وَكِيلًا مِثْلَ مَا كَانَ وَلَوْ عَزَلَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تَقْتَضِي تَكْرَارَ الْأَفْعَالِ لَا إلَى نِهَايَةٍ فَلَا يُفِيدُ الْعَزْلَ إلَّا بَعْدَ الرُّجُوعِ حَتَّى لَوْ عَزَلَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ يَحْتَاجُ إلَى عَزْلٍ آخَرَ لِأَنَّهُ كَمَا عَزَلَهُ صَارَ وَكِيلًا فَلَا يُفِيدُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى عَزْلٍ آخَرَ بَعْدَ الرُّجُوعِ، وَقِيلَ يَقُولُ فِي عَزْلِهِ كُلَّمَا وَكَّلْتُك فَأَنْتَ مَعْزُولٌ لِأَنَّهُ كَمَا صَارَ وَكِيلًا انْعَزَلَ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَهَذَا لَا يُفِيدُ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ كُلَّمَا تَوَكَّلَ لِأَجْلِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ بِتَوْكِيلٍ أَيْضًا كُلَّمَا انْعَزَلَ لِأَجْلِ الْيَمِينِ الْأُولَى فَيَبْقَى دَائِمًا وَكِيلًا مُنْعَزِلًا فَلَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِالرُّجُوعِ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَبْضُ بَدَلِ الصُّلْحِ شَرْطٌ إنْ كَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ) بِأَنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى دَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ أَوْ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الدَّائِنُ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ، وَهُوَ مَالٌ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ فَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ صَارَ صَرْفًا أَوْ بَيْعًا، وَفِيهِ لَا يَجُوزُ الِافْتِرَاقُ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ»، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا بِدَيْنٍ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ مُتَعَيِّنٍ لَا يَبْقَى دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ الِافْتِرَاقُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَالَ الرِّبَا كَمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى شَعِيرٍ بِعَيْنِهِ عَنْ حِنْطَةٍ فِي الذِّمَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى صَبِيٍّ دَارًا فَصَالَحَهُ أَبُوهُ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ جَازَ إنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَادِلَةٍ لَا) لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، وَكَانَ الصُّلْحُ عَلَى مِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ كَانَ لِلصَّبِيِّ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، وَهِيَ سَلَامَةُ الْعَيْنِ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَالِحْ يَسْتَحِقُّهُ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ فَيَأْخُذُهُ فَيَكُونُ هَذَا الصُّلْحُ مِنْ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ مِنْ الْمُدَّعِي فَيُقَيَّدُ بِالْمِثْلِ، وَبِقَدْرِ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ عَادَةً لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَادِلَةٍ صَارَ الْأَبُ مُتَبَرِّعًا بِمَالِ الصَّبِيِّ بِالصُّلْحِ لَا مُشْتَرِيًا لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُدَّعِي شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لَوْلَا الصُّلْحُ فَلَا مَنْفَعَةَ لِلصَّبِيِّ فِي هَذَا الصُّلْحِ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَإِنْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُدَّعِي لِلصَّغِيرِ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ وهبت مهرها لزوجها فَمَاتَتْ فطالب ورثتها بِهِ وقالوا كَانَتْ الْهِبَة فِي مَرَض موتها] قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْتُ أَرْضِي إلَخْ) قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ أَقَرَّ بِمِلْكٍ لِرَجُلٍ فَصَدَّقَهُ يَمْلِكُهُ ظَاهِرًا أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا إنْ لَمْ يَسْبِقْ بَيْنَهُمَا مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُقِرُّ الْمُقَرَّ بِهِ بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً وَفِي الْمُنْتَقَى لَك عَلَيَّ أَلْفٌ وَلَا يَعْلَمُ الْمُقَرُّ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فَكَبُرَ وَفِي حِيلَ الْحَلْوَانِيِّ بِالْإِقْرَارِ كَاذِبًا هَلْ يَكُونُ نَاقِلًا لِلْمِلْكِ فِيهِ اخْتِلَافٌ. وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي ادَّعَى أَنَّ ذَا الْيَدِ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لَهُ قِيلَ لَا تُسْمَعُ مَا لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ مِلْكِي وَقَالَتْ الْعَامَّةُ تُسْمَعُ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ مِلْكُهُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَقُولُ رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَةِ إلَخْ) وَإِنَّمَا يَقُولُ رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَةِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ عِنْدَهُ الْعَزْلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا يَصِحُّ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ الْعَزْلُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ عَزَلْتُك عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَاتِ فَيَنْصَرِفُ الْحَجْرُ ذَلِكَ إلَى الْمُعَلَّقِ وَالْمُنَجَّزِ. اهـ. فَتَاوَى قَاضِيخَانْ

لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلصَّبِيِّ فِيمَا ادَّعَاهُ الْأَبُ لَهُ مِلْكٌ وَلَا مَعْنَى الْمِلْكِ، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْأَخْذِ فَكَانَ مُحَصِّلًا لَهُ مَالًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مِلْكِ الصَّبِيِّ شَيْئًا بِمُقَابِلَتِهِ فَكَانَ نَفْعًا مَحْضًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمِثْلِ، وَبِأَقَلِّ قَدْرِ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي مَعْنَى الْمِلْكِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَخْذِ مِنْهُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، وَوَصِيُّ الْأَبِ فِي هَذَا كَالْأَبِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي فَبَرْهَنَ أَوْ لَا شَهَادَةَ لِي فَشَهِدَ تُقْبَلُ) وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ عَلَى دَعْوَايَ هَذَا الْحَقَّ ثُمَّ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ تُقْبَلُ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِأَنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَنَسِيَهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ عَلِمَهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ بَيِّنَتَهُ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ لَا شَهَادَةَ لِفُلَانٍ عِنْدِي فِي حَقٍّ بِعَيْنِهِ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ بِهِ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَقُولُ نَسِيت، وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي لَيْسَ لِي عِنْدَ فُلَانٍ شَهَادَةٌ ثُمَّ جَاءَ بِهِ فَشَهِدَ لَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ قَدْ نَسِيَهَا أَوْ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ عَلِمَهَا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ لِي حَقًّا عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقًّا تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ الْخَفَاءِ عَلَيْهِ فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا حَيْثُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْمُنَاقَضَةَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالدَّعْوَى ثَابِتَةٌ فَلَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا، وَنَفْيُ الْحُجَّةِ فِي هَذَا كَنَفْيِ الشَّهَادَةِ لَا كَنَفْيِ الْحَقِّ حَتَّى إذَا قَالَ لَا حُجَّةَ لِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَتَى بِحُجَّةٍ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَقُولُ نَسِيَتْ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَيْسَتْ لِي أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدٍ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الدَّارَ أَوْ الْعَبْدَ لَهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ حَقًّا لِأَحَدٍ، وَكُلُّ إقْرَارٍ لَمْ يُثْبِتْ بِهِ لِغَيْرِهِ حَقًّا كَانَ لَغْوًا، وَلِهَذَا تَصِحُّ دَعْوَى الْمُلَاعِنِ نَسَبَ وَلَدٍ نَفَى بِلِعَانِهِ نَسَبَهُ لِأَنَّهُ حِينَ نَفَاهُ لَمْ يُثْبِتْ بِهِ حَقًّا لِأَحَدٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لِلْإِمَامِ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يَقْطَعَ إنْسَانًا مِنْ طَرِيقِ الْجَادَّةِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ) لِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ فِيمَا فِيهِ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَهُمْ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْحِقَ ضَرَرًا بِأَحَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَأَى أَنْ يُدْخِلَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَالْإِمَامُ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيفَةِ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ فَكَانَ فِيهِ مِثْلَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ، وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ فَبَاعَ مَالَهُ صَحَّ) أَيْ جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا بَاعَ بِاخْتِيَارِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ صَارَ مُحْتَاجًا إلَى بَيْعِهِ لِإِيفَاءِ مَا طُلِبَ مِنْهُ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْكُرْهَ كَالْمَدِينِ إذَا حُبِسَ بِالدَّيْنِ فَبَاعَ مَالَهُ لِيَقْضِيَ بِثَمَنِهِ دَيْنَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْكُرْهُ فِي الْإِيفَاءِ لَا فِي الْبَيْعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي التَّسْعِيرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (خَوَّفَهَا بِالضَّرْبِ حَتَّى وَهَبَتْهُ مَهْرَهَا لَمْ يَصِحَّ إنْ قَدِرَ عَلَى الضَّرْبَ) لِأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ عَلَيْهِ إذْ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْمَالِ يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ التَّرَاضِيَ شَرْطٌ فِي تَمْلِيكِ الْأَمْوَالِ وَالرِّضَا يَنْتَفِي بِمِثْلِهِ فَلَا يَصِحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْخُلَعِ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَا يَسْقُطُ الْمَالُ) لِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ، وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ بِهِ إذْ الرِّضَا شَرْطٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَحَالَتْ إنْسَانًا عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ وَهَبَتْ الْمَهْرَ لِلزَّوْجِ لَا يَصِحُّ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ عِنْدَ مَوْتِهَا فَيُرَدُّ تَصَرُّفُهَا فِيهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَرْهُونَ أَوْ وَهَبَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (اتَّخَذَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ بَالُوعَةً فَنَزَّ مِنْهَا حَائِطُ جَارِهِ، وَطَلَبَ تَحْوِيلَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَقَطَ الْحَائِطُ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، وَلِأَنَّ هَذَا تَسْبِيبٌ، وَبِهِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ إلَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا كَوَضْعِ الْحَجَرِ عَلَى الطَّرِيقِ، وَاِتِّخَاذُ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ فَلَا يَضْمَنُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَمَرَ دَارَ زَوْجَتِهِ بِمَالِهِ بِإِذْنِهَا فَالْعِمَارَةُ لَهَا، وَالنَّفَقَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهَا، وَقَدْ صَحَّ أَمْرُهَا بِذَلِكَ فَيَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَيْهَا فَتَكُونُ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي عَمَرَتْهُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهَا، وَهُوَ غَيْرُ مُتَطَوِّعٍ فِي الْإِنْفَاقِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا لِصِحَّةِ أَمْرِهَا فَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِنَفْسِهِ بِلَا إذْنِهَا فَلَهُ) أَيْ إذَا عَمَرَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمَرْأَةِ كَانَتْ الْعِمَارَةُ لَهُ لِأَنَّ الْآلَةَ الَّتِي بَنَى بِهَا مِلْكُهُ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ، وَيَكُونُ غَاصِبًا لِلْعَرْصَةِ، وَشَاغِلًا مِلْكَ غَيْرِهِ بِمِلْكِهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ إنْ طَلَبَتْ زَوْجَتُهُ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهَا بِلَا إذْنِهَا فَالْعِمَارَةُ لَهَا، وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) أَيْ إذَا عَمَرَهُ لَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَكْرَهَهَا إلَخْ) أَقُولُ إنْ كَانَ الْفَرْضُ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي أَكْرَهَهَا عَلَى قَبُولِ الْخُلْعِ فَكَيْفَ يُعَلِّلُ بِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ وَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيلُ إلَّا إذَا قُرِئَ إذَا أُكْرِهَا عَلَى الْخُلْعِ أَيْ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ أَيْ أَكْرَهَهُمَا إنْسَانٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ بِهِ) أَيْ بِالْإِكْرَاهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَحَالَتْ إنْسَانًا) أَيْ أَحَالَتْ بِمَهْرِهَا أَمَّا إذَا أَطْلَقَتْ الْحَوَالَةَ ثُمَّ وَهَبَتْ الْمَهْرَ صَحَّ إذْ لَا مُنَافَاةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ) أَيْ إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُحْتَالُ الْمُحَالَ بِهِ حَتَّى مَاتَ الْمُحِيلُ فَالْمُحْتَالُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي الدَّيْنِ الْمُحْتَالِ بِهِ وَقَالَ زُفَرُ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُحْتَالُ وَقَدْ تَقَدَّمَ. اهـ.

الْبِنَاءُ لَهَا، وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْبِنَاءِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي إيجَابِ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَقَدْ مَلَكَتْهُ هِيَ بِرِضَاهُ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَخَذَ غَرِيمَهُ فَنَزَعَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ لَا يَضْمَنُ النَّازِعُ إذَا هَرَبَ الْغَرِيمُ لِأَنَّ النَّزْعَ تَسْبِيبٌ، وَقَدْ دَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضَيَاعِ حَقِّهِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَهُوَ هُرُوبُهُ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ التَّلَفُ كَمَا إذَا حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ فَأَبَقَ فَإِنَّ الْحَالَّ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ بِفِعْلِ الْعَبْدِ مُخْتَارًا، وَكَدَلَالَةِ السَّارِقِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّ الدَّالَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِ السَّرِقَةِ لَا بِالدَّلَالَةِ، وَكَمَنْ أَمْسَكَ هَارِبًا مِنْ عَدُوٍّ حَتَّى قَتَلَهُ الْعَدُوُّ فَإِنَّ الْمُمْسِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَكَذَا هَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي يَدِهِ مَالُ إنْسَانٍ فَقَالَ لَهُ سُلْطَانٌ ادْفَعْ إلَيَّ هَذَا الْمَالَ، وَإِلَّا أَقْطَعْ يَدَك أَوْ أَضْرِبْك خَمْسِينَ فَدَفَعَ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ لَمْ يَضْمَنْ الدَّافِعُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَيْهِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ أَوْ عَلَى الْآخِذِ أَيَّهمَا شَاءَ الْمَالِكُ إنْ كَانَ الْآخِذُ مُخْتَارًا، وَإِلَّا فَعَلَى الْمُكْرِهِ فَقَطْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَعَ مِنْجَلًا فِي الصَّحْرَاءِ لِيَصِيدَ بِهِ حِمَارَ وَحْشٍ، وَسَمَّى عَلَيْهِ فَجَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَوَجَدَ الْحِمَارَ مَجْرُوحًا مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ) لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَذْبَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَجْرَحَهُ، وَبِدُونِ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ، وَهُوَ كَالنَّطِيحَةِ أَوْ الْمُتَرَدِّيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْيَوْمِ الثَّانِي وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَحِلُّ لِعَدَمِ شَرْطِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُرِهَ مِنْ الشَّاةِ الْحَيَاءُ وَالْخُصْيَةُ وَالْغُدَّةُ وَالْمَثَانَةُ وَالْمَرَارَةُ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَالذَّكَرُ) لِمَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ «كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الشَّاةِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالْقُبُلَ وَالْغُدَّةَ وَالْمَرَارَةَ وَالْمَثَانَةَ وَالدَّمَ» قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الدَّمُ حَرَامٌ، وَأَكْرَهُ السِّتَّةَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] الْآيَةَ فَلَمَّا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ قَطَعَ بِتَحْرِيمِهِ، وَكَرِهَ مَا سِوَاهُ لِأَنَّهُ مِمَّا تَسْتَخْبِثُهُ الْأَنْفُسُ وَتَكْرَهُهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى سَبَبُ الْكَرَاهِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سُئِلَ عَنْ الْقُنْفُذِ فَتَلَا قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَهُ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ «ذُكِرَ الْقُنْفُذُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ خَبِيثٌ مِنْ الْخَبَائِثِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ فَهُوَ كَمَا قَالَهُ» ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لِلْقَاضِي أَنْ يُقْرِضَ مَالَ الْغَائِبِ وَالطِّفْلِ وَاللَّقَطَةِ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِخْلَاصِ فَلَا يَفُوتُ الْحِفْظُ بِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُلْتَقِطِ لِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ اسْتِخْلَاصِ ذَلِكَ فَيَكُونُ تَضْيِيعًا إلَّا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا أَنْشَدَ اللَّقَطَةَ، وَمَضَى مُدَّةَ النِّشْدَاتِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْإِقْرَاضُ مِنْ فَقِيرٍ لِأَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ فَالْقَرْضُ أَوْلَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَبِيٌّ حَشَفَتُهُ ظَاهِرَةٌ بِحَيْثُ لَوْ رَآهُ إنْسَانٌ ظَنَّهُ مَخْتُونًا وَلَا يُقْطَعُ جِلْدَةُ ذَكَرِهِ إلَّا بِتَشْدِيدٍ تُرِكَ كَشَيْخٍ أَسْلَمَ وَقَالَ أَهْلُ النَّظَرِ لَا يُطِيقُ الْخِتَانَ) لِأَنَّ قَطْعَ جِلْدَةِ ذَكَرِهِ لِتَنْكَشِفَ الْحَشَفَةُ فَإِنْ كَانَتْ الْحَشَفَةُ ظَاهِرَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَطْعِ، وَإِنْ كَانَتْ تُوَارِي الْحَشَفَةَ يُقْطَعُ الْفَضْلُ، وَلَوْ خُتِنَ، وَلَمْ يُقْطَعُ الْجَلْدَةُ كُلُّهَا يُنْظَرُ فَإِنْ قُطِعَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ يَكُونُ خِتَانًا لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَإِنْ قُطِعَ النِّصْفُ فَمَا دُونَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِعَدَمِ الْخِتَانِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ، وَهُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِهِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ عَلَى تَرْكِهِ يُحَارِبُهُمْ الْإِمَامُ فَلَا يُتْرَكُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَعُذْرُ الشَّيْخِ الَّذِي لَا يُطِيقُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فَيُتْرَكُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَقْتُهُ سَبْعُ سِنِينَ) أَيْ وَقْتُ الْخِتَانِ سَبْعُ سِنِينَ، وَقِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ أَوْ عَلَى الْآخِذِ) أَيْ فِيمَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ لِإِنْسَانٍ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَذْبَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَجْرَحَهُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَجْرَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَذْبَحَهُ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ. (قَوْلُهُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْيَوْمِ الثَّانِي وَقَعَ اتِّفَاقًا) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الذَّبَائِحِ وَفِي الْأَصْلِ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الذَّبْحِ شَرْطٌ وَفِي الِاصْطِيَادِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ وَإِذَا نَصَبَ الْحَدِيدَةَ لِأَخْذِ الظَّبْيِ تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْوَضْعِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَضَعَ مِنْجَلًا لِيَصِيدَ حِمَارَ الْوَحْشِ ثُمَّ وَجَدَ حِمَارَ الْوَحْشِ مَجْرُوحًا بِهِ مَيِّتًا لَا يَحِلُّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ الطَّلَبِ لِمَا أَنَّهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اعْتَبَرَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ النَّصْبِ اهـ مَا قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. قُلْت وَمَسْأَلَةُ الْمَتْنِ هِيَ مَسْأَلَةُ الْمُحِيطِ إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ صَرِيحَةٌ فِي غَيْبَةِ الصَّائِدِ لِقَوْلِهِ فَجَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَعِبَارَةُ الْمُحِيطِ مُحْتَمَلَةٌ وَلَمَّا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ وَإِذَا نَصَبَ الْحَدِيدَةَ إلَخْ مُنَاقِضَةً لِمَسْأَلَةِ الْمُحِيطِ حَمَلَ مَسْأَلَةَ الْمُحِيطِ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ الطَّلَبِ بِعْنِي بِأَنْ غَابَ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَلَا يَخْفَى دَفْعُ التَّنَاقُضِ بِهَذَا الْحَمْلِ وَهُوَ حَمْلٌ حَسَنٌ وَعَلَى هَذَا فَفِي مَسْأَلَةِ الْكَنْزِ لَوْ لَمْ يَغِبْ الصَّائِدُ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَ بِهِ الْمِنْجَلَ لِلْحِمَارِ حَلَّ أَكْلُهُ إذَا كَانَ سَمَّى عِنْدَ وَضْعِ الْمِنْجَلِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ. لَكِنَّ تَعْلِيلَ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ إلَخْ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحِلِّ مُطْلَقًا أَعْنِي قَعَدَ الصَّائِدُ عَنْ الطَّلَبِ بِأَنْ غَابَ أَوْ لَمْ يَقْعُدْ وَقَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدَ هَذَا حَتَّى لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا مِنْ سَاعَتِهِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْحِلِّ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ الطَّلَبِ وَاقْتَضَى كَلَامُ الشَّارِحِ عَدَمَ اعْتِبَارِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي اعْتَبَرَ التَّسْمِيَةَ فِيهَا عِنْدَ النَّصْبِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ إلَخْ) قَالَ قَاضِيخَانْ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ إقْرَاضُ مَالِ الْيَتِيمِ فَإِنْ أَقْرَضَ كَانَ ضَامِنًا وَالْقَاضِي يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْأَبِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَبَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ لَا بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي اهـ

لَا يُخْتَنُ حَتَّى يَبْلُغَ لِأَنَّ الْخِتَانَ لِلطَّهَارَةِ، وَلَا طَهَارَةَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَكَانَ إيلَامًا قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَقِيلَ أَقْصَاهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ تِسْعُ سِنِينَ، وَقِيلَ وَقْتُهُ عَشْرُ سِنِينَ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ عَشْرًا اعْتِيَادًا وَتَخَلُّقًا فَيَحْتَاجُ إلَى الْخِتَانِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلطَّهَارَةِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ قَوِيًّا يُطِيقُ أَلَمَ الْخِتَانِ خُتِنَ، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا عِلْمَ لِي بِوَقْتِهِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِيهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا الْمَشَايِخُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُمَةٌ لِلرِّجَالِ لِأَنَّهُ أَلَذُّ فِي الْجِمَاعِ، وَقِيلَ سُنَّةٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّ إيصَالَ الْأَلَمِ إلَى الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ شَرْعًا إلَّا لِمَصَالِحَ تَعُودُ عَلَيْهِ، وَفِي الْخِتَانِ إقَامَةُ السُّنَّةِ، وَتَعُودُ إلَيْهِ أَيْضًا مَصْلَحَتُهُ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «الْخِتَانُ سُنَّةٌ يُحَارَبُ عَلَى تَرْكِهَا»، وَكَذَا يَجُوزُ كَيُّ الصَّغِيرِ وَبَطُّ قُرْحَتِهِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُدَاوَاةِ وَكَذَا يَجُوزُ ثَقْبُ أُذُنِ الْبَنَاتِ الْأَطْفَالِ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةَ الزِّينَةِ، وَكَانَ يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَالْحَامِلُ لَا تَفْعَلُ مَا يَضُرُّ بِالْوَلَدِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَحْتَجِمَ مَا لَمْ يَتَحَرَّكْ الْوَلَدُ فَإِذَا تَحَرَّكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ تَقْرُبْ الْوِلَادَةُ فَإِذَا قَرُبَتْ فَلَا تَحْتَجِمُ لِأَنَّهُ يَضُرُّهُ، وَأَمَّا الْفَصْدُ فَلَا تَفْعَلُهُ مُطْلَقًا مَا دَامَتْ حُبْلَى لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْهُ، وَكَذَا يَجُوزُ فَصْدُ الْبَهَائِمِ وَكَيُّهَا، وَكُلُّ عِلَاجٍ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهَا، وَجَازَ قَتْلُ مَا يَضُرُّ مِنْ الْبَهَائِمِ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْهِرَّةِ إذَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْحَمَامَ وَالدَّجَاجَ، لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ، وَيَذْبَحُهَا ذَبْحًا، وَلَا يَضْرُ بِهَا لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَيَكُونُ تَعْذِيبًا لَهَا بِلَا فَائِدَةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُسَابَقَةُ بِالْفَرَسِ وَالْإِبِلِ وَالْأَرْجُلِ وَالرَّمْيِ جَائِزَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا سَبْقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ، وَأَذِنَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنْ يُسَابِقَ رَجُلًا أَنْصَارِيًّا كَانَ لَا يَسْبِقُ، شَدًّا فَسَبَقَهُ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ»، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ كَانَتْ الْمُسَابَقَةُ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَالْأَرْجُلِ، وَلِأَنَّ الْغُزَاةَ يَحْتَاجُونَ إلَى رِيَاضَةِ خَيْلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالتَّعْلِيمُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ مُبَاحٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُرِّمَ شَرْطُ الْجُعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَّقَ بِالْخَيْلِ وَرَاهَنَ»، وَمَعْنَى شَرْطِ الْجُعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي، فَلِي عَلَيْك كَذَا وَهُوَ قِمَارٌ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِمَارَ مِنْ الْقَمَرِ الَّذِي يُزَادُ تَارَةً، وَيُنْقَصُ أُخْرَى، وَسُمِّيَ الْقِمَارُ قِمَارًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقَامِرِينَ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ مَالُهُ إلَى صَاحِبِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَفِيدَ مَالَ صَاحِبِهِ فَيَجُوز الِازْدِيَادُ وَالِانْتِقَاصُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَارَ قِمَارًا. وَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، وَلَا كَذَلِكَ إذَا شُرِطَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقْتنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، وَإِنْ سَبَقْتُكَ فَلَا شَيْءَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ النُّقْصَانَ وَالزِّيَادَةَ لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا، وَإِنَّمَا فِي أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ الزِّيَادَةُ، وَفِي الْآخَرِ النُّقْصَانُ فَقَطْ فَلَا يَكُون مُقَامَرَةً لِأَنَّ الْمُقَامَرَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْهُ فَتَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا لِمَا رَوَيْنَا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ عَلَى الْخَطَرِ. وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ كَالْبَغْلِ وَإِنْ كَانَ الْجَعْلُ، مَشْرُوطًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ خَصَّصَ هَؤُلَاءِ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِبَاقُ بِالْجُعْلِ لِأَنَّ الِاسْتِبَاقَ بِلَا جُعْلٍ يَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ مَا شُرِطَ فِيهِ الْجُعْلُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْقِمَارُ، وَالتَّعْلِيقُ بِالْخَطَرِ، وَفِي الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِالْخَطَرِ لَا غَيْرُ فَلَيْسَ بِمِثْلٍ لَهُ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ. وَشَرْطُهُ أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ مِمَّا يَحْتَمِلُهَا الْفَرَسُ، وَكَذَا شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرَسَيْنِ احْتِمَالُ السَّبْقِ أَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَسْبِقُ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ إلَى الرِّيَاضَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا إلَّا إيجَابُ الْمَالِ لِلْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ بِشَرْطٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ شَرَطَا الْجُعْلَ، مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَأَدْخَلَا ثَالِثًا مُحَلِّلًا جَازَ إذَا كَانَ فَرَسُ الْمُحَلَّلِ كُفْئًا لِفَرَسَيْهِمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ») قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ قُلْت وَتَجُوزُ أَيْضًا بِالْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ لِأَنَّ الْحَافِرَ يَشْمَلُهُمَا اهـ قُلْت يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمُخْتَارِ وَتَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْإِبِلِ وَالرَّمْيِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ». وَالْمُرَادُ بِالْخُفِّ الْإِبِلُ وَبِالنَّصْلِ الرَّمْيُ وَبِالْحَافِرِ الْفَرَسُ وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ اهـ فَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ لَكِنْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ بِأَنَّ الْمُسَابَقَةَ لَا تَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَتْنِ كَالْبَغْلِ وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مَشْرُوطًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْعَجَبُ مِنْ الْعَيْنِيِّ سَامَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ صَرَّحَ بِجَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ ثُمَّ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ ذَكَرَ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ «لَا سَبَقَ»: السَّبَقُ بِفَتْحِ الْبَاء مَا يُجْعَلُ مِنْ الْمَالِ رَهْنًا عَلَى الْمُسَابَقَةِ وَبِالسُّكُونِ مَصْدَرُ سَبَقْت أَسْبِقُ الْمَعْنَى لَا يَحِلُّ أَخْذُ الْمَالِ بِالْمُسَابَقَةِ إلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْخَيْلُ وَالسِّهَامُ وَقَدْ أَلْحَقَ بِهَا الْفُقَهَاءُ مَا كَانَ بِمَعْنَاهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ «وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنْ يُسَابِقَ رَجُلًا» إلَخْ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْأَقْدَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ سَبَّقَ بِالْخَيْلِ) سَبَّقَ بِالتَّشْدِيدِ الْتَزَمَ السَّبْقَ وَهُوَ مَا يُتَرَاهَنُ عَلَيْهِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ خَصَّصَ هَؤُلَاءِ بِهِ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ حَافِرٍ يَدْخُلُ فِيهِ الْبَغْلُ وَالْحِمَارُ فَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّخْصِيصِ عَدَا مَا ظَهَرَ لِي حَالَ الْمُطَالَعَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ

أَوْ يُسْبَقَ، وَإِنْ كَانَ يَسْبِقُ أَوْ يُسْبَقَ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ، وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُسْبَقَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ، وَهُوَ آمِنٌ أَنْ يُسْبَقَ فَهُوَ قِمَارٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُمَا، وَصُورَةُ إدْخَالِ الْمُحَلِّلِ أَنْ يَقُولَا لِلثَّالِثِ إنْ سَبَقْتَنَا فَالْمَالَانِ لَك، وَإِنْ سَبَقْنَاك فَلَا شَيْءَ لَنَا عَلَيْك وَلَكِنْ الشَّرْطُ الَّذِي شَرَطَاهُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَيُّهُمَا سَبَقَ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ عَلَى صَاحِبِهِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ فَإِنْ غَلَبَهُمَا أَخَذَ الْمَالَيْنِ، وَإِنْ غَلَبَاهُ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَيْهِ. وَيَأْخُذُ أَيُّهُمَا غَلَبَ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ لَهُ مِنْ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا لِأَنَّ الثَّالِثَ لَا يَغْرَمُ عَلَى التَّقَادِيرِ كُلِّهَا قَطْعًا وَيَقِينًا، وَإِنَّمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَ أَوْ لَا يَأْخُذَ فَخَرَجَ بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا فَصَارَ كَمَا إذَا شُرِطَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْقِمَارَ هُوَ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ الْجَانِبَانِ فِي احْتِمَالِ الْغَرَامَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُرْسَانِ أَوْ لِلِاثْنَيْنِ فَمَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ قَالَ لِلرُّمَاةِ مَنْ أَصَابَ الْهَدَفَ فَلَهُ كَذَا جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنْفِيلِ. فَإِذَا كَانَ التَّنْفِيلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالسَّلَبِ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ فَمَا ظَنُّك بِخَالِصِ مَالِهِ فَصَارَ أَنْوَاعُ السَّبْقِ أَرْبَعَةً ثَلَاثَةٌ مِنْهَا جَائِزَةٌ، وَوَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَجُوزُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْجَمِيعَ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ، وَعَلَى هَذَا الْفُقَهَاءُ إذَا تَنَازَعُوا فِي الْمَسَائِلِ، وَشُرِطَ لِلْمُصِيبِ مِنْهُمْ جُعْلٌ جَازَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْخَيْلِ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَجْمَعُ الْكُلَّ إذْ التَّعْلِيمُ فِي الْبَابَيْنِ يَرْجِعُ إلَى تَقْوِيَةِ الدِّينِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ. وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الْمُسَابَقَةِ الْحِلُّ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْمَغْلُوبُ مِنْ الدَّفْعِ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي، وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ) لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الدَّعَوَاتِ، وَهِيَ لِزِيَادَةِ الرَّحْمَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبُ. وَإِنَّمَا يُدْعَى لَهُ بِالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ إلَّا تَبَعًا بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتَلَفُوا فِي التَّرَحُّمِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ مِثْلُ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى بِهَذَا اللَّفْظِ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ مَرْحُومٌ قَطْعًا فَيَكُونُ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ، وَقَدْ اسْتَغْنَيْنَا عَنْ هَذِهِ بِالصَّلَاةِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ أَشْوَقِ الْعِبَادِ إلَى مَزِيدٍ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَمَعْنَاهَا مَعْنَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ الْأَوْلَى أَنْ يَدْعُوَ لِلصَّحَابَةِ بِالرِّضَا فَيَقُولَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَالِغُونَ فِي طَلَبِ الرِّضَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجْتَهِدُونَ فِي فِعْلِ مَا يُرْضِيهِ، وَيَرْضَوْنَ بِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ الِابْتِلَاءِ مِنْ جِهَتِهِ أَشَدَّ الرِّضَا فَهَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِالرِّضَا، وَغَيْرُهُمْ لَا يَلْحَقُ أَدْنَاهُمْ وَلَوْ أَنْفَقَ مِلْءَ الْأَرْضِ ذَهَبًا. وَلِلتَّابِعِينَ بِالرَّحْمَةِ فَيَقُولُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ فَيَقُولُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ، وَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ وَلِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِمْ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِعْطَاءُ بِاسْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ لَا يَجُوزُ) أَيْ الْهَدَايَا بِاسْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ حَرَامٌ بَلْ كُفْرٌ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَبَدَ اللَّهَ خَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ جَاءَ يَوْمُ النَّيْرُوزِ، وَأَهْدَى لِبَعْضِ الْمُشْرِكِينَ بَيْضَةً يُرِيدُ بِهِ تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَدْ كَفَرَ، وَحَبِطَ عَمَلُهُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ إذَا أَهْدَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ إلَى مُسْلِمٍ آخَرَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّعْظِيمَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَكِنْ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَكْفُرُ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خَاصَّةً، وَيَفْعَلُهُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ كَيْ لَا يَكُونَ تَشَبُّهًا بِأُولَئِكَ الْقَوْمِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ رَجُلٌ اشْتَرَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ يَشْتَرِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِهِ تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَا يُعَظِّمُهُ الْمُشْرِكُونَ كَفَرَ، وَإِنْ أَرَادَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالتَّنَعُّمَ لَا يَكْفُرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْقَلَانِسِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ قَلَانِسُ يَلْبَسُهَا»، وَقَدْ صَحَّ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ لُبْسُ السَّوَادِ وَإِرْسَالُ ذَنَبِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ إلَى وَسْطِ الظَّهْرِ) لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ حَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لُبْسَ السَّوَادِ مُسْتَحَبٌّ، وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُجَدِّدَ اللَّفَّ لِعِمَامَتِهِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْقُضَهَا كَوْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا جَائِزَةٌ) وَهِيَ اشْتِرَاطُ الْجُعْلِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جَانِبَيْنِ وَبَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ أَوْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِأَيِّهِمَا سَبَقَ اهـ. (قَوْلُهُ وَوَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَجُوزُ) وَذَلِكَ إذَا شَرَطَا الْجُعْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِلَا اشْتِرَاطِ مُحَلِّلٍ. اهـ.

[كتاب الفرائض]

كَوْرًا فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْسَنُ مِنْ رَفْعِهَا عَنْ الرَّأْسِ، وَإِلْقَائِهَا فِي الْأَرْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ إرْسَالُ ذَنَبِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الذَّنَبِ قِيلَ شِبْرٌ، وَقِيلَ إلَى وَسْطِ الظَّهْرِ، وَقِيلَ إلَى مَوْضِعِ الْجُلُوسِ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَعَمَّمُ بِالْعِمَامَةِ السَّوْدَاءِ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ يَوْمًا مَسْتُورَةٌ فَبَقِيَتْ تَنْظُرُ إلَى وَجْهِهِ، وَهِيَ مُتَحَيِّرَةٌ فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُك فَقَالَتْ أَتَعَجَّبُ مِنْ بَيَاضِ وَجْهِك تَحْتَ سَوَادِ عِمَامَتِك فَوَضَعَهَا مِنْ رَأْسِهِ، وَلَمْ يَتَعَمَّمْ بِالْعِمَامَةِ السَّوْدَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَيُكْرَهُ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ لِمَا رُوِيَ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ، وَقَالَ إيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ فَإِنَّهَا زِيُّ الشَّيْطَانِ.» وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ الثِّيَابِ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُوصِي أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ، وَيَلْبَسُ رِدَاءً بِأَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ، وَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الزِّينَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ أَحَبَّ أَنْ يَرَى آثَارَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ» وَقَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَرُبَّمَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ قِيمَتُهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلشَّابِّ الْعَالِمِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الشَّيْخِ الْجَاهِلِ) لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] وَلِهَذَا يُقَدَّم فِي الصَّلَاةِ، وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ تَالِيَةُ الْإِيمَانِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَالْمُرَادُ بِأُولِي الْأَمْرِ الْعُلَمَاءُ فِي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ، وَالْمُطَاعُ شَرْعًا مُقَدَّمٌ، وَكَيْفَ لَا يُقَدَّمُونَ، وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِحَافِظِ الْقُرْآنِ أَنْ يَخْتِمَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَهْمُ مَعَانِيهِ، وَالِاعْتِبَارُ بِمَا فِيهِ لَا مُجَرَّدُ التِّلَاوَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّأَنِّي لَا بِالتَّوَانِي فِي الْمَعَانِي فَقَدَّرَ لِلْخَتْمِ أَقَلَّهُ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا كُلَّ يَوْمٍ حِزْبًا وَنِصْفًا أَوْ ثُلُثَيْ حِزْبٍ أَوْ أَقَلَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. [كِتَابُ الْفَرَائِضِ] (كِتَابُ الْفَرَائِضِ) وَهِيَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ، وَالْفَرْضُ التَّقْدِيرُ يُقَالُ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ أَيْ قَدَّرَهَا، وَسُمِّيَ هَذَا الْعِلْمُ فَرَائِضَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُفَوِّضْ تَقْدِيرَهُ إلَى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، وَبَيَّنَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النِّصْفِ وَالرُّبُعِ وَالثُّمُنِ وَالثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا فَإِنَّ النُّصُوصَ فِيهَا مُجْمَلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [النور: 56] {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وَإِنَّمَا السُّنَّةُ بَيَّنَتْهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ أَشْرَفِ الْعُلُومِ. وَقَدْ جَاءَتْ النُّصُوصُ بِهِ، وَبِالْحَثِّ عَلَى تَعْلِيمِهِ وَتَعَلُّمِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَضْلٌ آيَةُ مُحْكَمَةٌ أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ، وَهُوَ يُنْسَى، وَهُوَ أَوَّلُ شَيْءٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ، وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ، وَالْعِلْمُ مَرْفُوعٌ، وَيُوشِكُ أَنْ يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ وَالْمَسْأَلَةِ فَلَا يَجِدَانِ أَحَدًا يُخْبِرُهُمَا» فَجَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نِصْفَ الْعِلْمِ مَعَ صِغَرِ حَجْمِهِ وَقِلَّةِ مَسَائِلِهِ. فَلَوْلَا أَنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ الْعُلُومِ لَمَا قَابَلَ الْكُلَّ، وَهَذَا كَالْحِسِّيَّاتِ فَإِنَّ الشَّيْءَ الْقَلِيلَ مِنْ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا يُقَابِلُ الْكَثِيرَ وَيُسَاوِيهِ إذَا كَانَ الْقَلِيلُ أَشْرَفَ مِنْهُ، وَمَعْنَى النِّصْفِ إمَّا بِاعْتِبَارِ أَحْوَالِ الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ، وَهَذَا الْعِلْمُ مُخْتَصٌّ بِحَالَةِ الْمَمَاتِ وَغَيْرُهُ بِالْحَيَاةِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَإِنَّهَا جَبْرِيَّةٌ أَوْ اخْتِيَارِيَّةٌ فَالْأَوَّلُ الْمِيرَاثُ، وَالثَّانِي غَيْرُهُ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِتَجْهِيزِهِ). وَالْمُرَادُ مِنْ التَّرِكَةِ مَا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ خَالِيًا عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْغَيْرِ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِهِ كَالرَّهْنِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَتَقَدَّمُ عَلَى التَّجْهِيزِ كَمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَحَاصِلٌ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ حَيَاتِهِ فَإِنَّ الْمَرْءَ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ فِي حَيَاتِهِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُوصِي أَصْحَابَهُ إلَخْ) قِيلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَلَيْسَ عُمَرُ كَانَ يَلْبَسُ قَمِيصًا عَلَيْهِ كَذَا كَذَا رُقْعَةً قَالَ ذَاكَ لِحِكْمَةٍ وَهُوَ أَنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَلَوْ لَبِسَ ثِيَابًا نَفِيسَةً أَوْ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ أَلْوَانًا مِنْ الطَّعَامِ لَاقْتَدَى بِهِ عُمَّالُهُ فِي ذَلِكَ وَرُبَّمَا لَا يَكُونُ لَهُمْ ذَلِكَ فَيَأْخُذُونَ ظُلْمًا فَاخْتَارَ ذَلِكَ لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ. اهـ. (كِتَابُ الْفَرَائِضِ) (قَوْلُهُ «فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ») كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ «وَعَلِّمُوهُ») كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَبْدَأُ بِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ

[أحوال الأب في الميراث]

مِنْ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةِ عَلَى أَصْحَابِ الدُّيُونِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْغَيْرِ بِعَيْنِ مَالِهِ فَكَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ يُقَدَّمُ تَجْهِيزُهُ مِنْ غَيْرِ تَقْتِيرٍ وَلَا تَبْذِيرٍ، وَهُوَ قَدْرُ كَفَنِ الْكِفَايَةِ أَوْ كَفَنِ السُّنَّةِ أَوْ قَدْرُ مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ مِنْ أَوْسَطِ ثِيَابِهِ أَوْ مِنْ الَّذِي كَانَ يَتَزَيَّنُ بِهِ فِي الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ وَالزِّيَارَاتِ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى. {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] وَهُوَ مُحْتَرَمٌ حَيًّا وَمَيِّتًا فَلَا يَجُوزُ كَشْفُ عَوْرَتِهِ، وَفِي الْأَثَرِ لِعِظَامِ الْمَيِّتِ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لِعِظَامِ الْحَيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ دُيُونُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] «قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ مُقَدَّمَةً عَلَى الدَّيْنِ، وَقَدْ شَهِدْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ الدَّيْنَ عَلَى الْوَصِيَّةِ»، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً، وَالْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ، وَالْبِدَايَةُ بِالْوَاجِبِ أَوْلَى. وَالتَّقْدِيمُ ذِكْرًا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّقْدِيمِ فِعْلًا، وَالْمُرَادُ بِالدَّيْنِ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ لَا دَيْنُ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهَا إلَّا إذَا أَوْصَى بِهَا أَوْ تَبَرَّعُوا بِهَا هُمْ مِنْ عِنْدِهِمْ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْعِبَادَاتِ نِيَّةُ الْمُكَلَّفِ وَفِعْلُهُ، وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْوَاجِبِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ التَّكْلِيفِ، وَالْآخِرَةَ دَارُ الْجَزَاءِ، وَالْعِبَادَةُ اخْتِيَارِيَّةٌ، وَلَيْسَتْ بِجَبْرِيَّةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْوَاجِبِ لِأَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ بِدَارِ الِابْتِلَاءِ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْفِعْلُ فِيهَا، وَلَا الْعِبَادَةَ جَبْرِيَّةٌ حَتَّى يُجْتَزَأَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا جَزَاءُ الْفِعْلِ أَوْ تَرْكُهُ ضَرُورَةً بِخِلَافِ دَيْنِ الْعِبَادِ. لِأَنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِيهِ وَلَا نِيَّتَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَوْ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ أَخَذَهُ، وَيَجْتَزِأُ بِذَلِكَ، وَلَا كَذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا فِعْلُهُ وَنِيَّتُهُ ابْتِلَاءً، وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ مَالِهِ، وَعَنْ الْعَالَمِينَ جَمِيعًا غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَى الْعَبْدِ بِثُلُثِ مَالِهِ فِي آخِرِ عُمْرِهِ يَضَعُهَا فِيمَا فَرَّطَ فِيهِ تَفَضُّلًا مِنْهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ فَإِنْ أَوْصَى بِهِ قَامَ فِعْلُ الْوَرَثَةِ مَقَامَ فِعْلِهِ لِوُجُودِ اخْتِيَارِهِ بِالْإِيصَاءِ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ وَصِيَّتُهُ) أَيْ ثُمَّ تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ لِمَا تَلَوْنَا. وَفِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ هَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيمٍ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمَعْنَى بَلْ هُوَ شَرِيكٌ لَهُمْ حَتَّى إذَا سَلِمَ لَهُ شَيْءٌ سَلِمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهُ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيمٍ فِي الْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ وَالْمُوصَى لَهُ لَا يَأْخُذُونَ إلَّا مَا فَضَلَ مِنْهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، وَهُمْ ذُو فَرْضٍ أَيْ ذُو سَهْمٍ مُقَدَّرٍ) لِمَا تَلَوْنَا. وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ فَلَأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلِلْأَبِ السُّدُسُ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] جُعِلَ لَهُ السُّدُسُ مَعَ الْوَلَدِ، وَوَلَدُ الِابْنِ وَلَدٌ شَرْعًا بِالْإِجْمَاعِ قَالَ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] وَكَذَلِكَ عُرْفًا قَالَ الشَّاعِرُ بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَلَيْسَ دُخُولُ وَلَدِ الِابْنِ فِي الْوَلَدِ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ عُرِفَ كَوْنُ حُكْمِ وَلَدِ الِابْنِ كَحُكْمِ الْوَلَدِ بِدَلِيلٍ آخَرَ. وَهُوَ الْإِجْمَاعُ، وَجَمِيعُ أَحْوَالِ الْأَبِ فِي الْفَرَائِضِ ثَلَاثٌ إحْدَاهَا الْفَرْضُ الْمُطْلَقُ، وَهُوَ السُّدُسُ، وَذَلِكَ مَعَ الِابْنِ أَوْ ابْنِ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ لِمَا تَلَوْنَا، وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ الْفَرْضُ، وَالتَّعْصِيبُ، وَذَلِكَ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ الْفَرْضُ لِمَا تَلَوْنَا، وَالتَّعْصِيبُ لِمَا رَوَيْنَا، وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ التَّعْصِيبُ الْمُطْلَقُ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ، وَلَا وَلَدُ ابْنٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11]. فَذَكْرُ فَرْضِ الْأُمِّ، وَجَعْلِ الْبَاقِيَ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَصَبَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَدُّ كَالْأَبِ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ إلَّا فِي رَدِّهَا إلَى ثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَحَجْبِ أُمَّ الْأَبِ فَيَحْجُبُ الْإِخْوَةَ) أَيْ الْجَدُّ كَالْأَبِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى، وَهُوَ الْجَدُّ الصَّحِيحُ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي رَدِّ أُمِّ الْمَيِّتِ مِنْ ثُلُثِ الْجَمِيعِ إلَى ثُلُثِ مَا يَبْقَى فِي زَوْجٍ، وَأَبَوَيْنِ أَوْ زَوْجَةٍ، وَأَبَوَيْنِ. فَإِنَّ الْأَبَ يَرُدُّهَا إلَيْهِ لَا الْجَدَّ، وَفِي حَجْبِ أُمِّ الْأَبِ فَإِنَّ الْأَبَ يَحْجُبُهَا دُونَ الْجَدِّ، وَإِنْ تَخَلَّلَ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ كَانَ فَاسِدًا فَلَا يَرِثُ إلَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّ تَخَلُّلَ الْأُمِّ فِي النِّسْبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ دَيْنُهُ) مِنْ جَمِيعِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ إنْ وَفَّتْ التَّرِكَةُ بِهِ فَبِهَا وَإِنْ لَمْ تُوفِ يُؤَخَّرُ مَا ثَبَتَ فِي الْمَرَضِ بِإِقْرَارِهِ عَنْ سَائِرِ الدُّيُونِ وَبَاقِي الدُّيُونِ سَوَاءٌ يَأْخُذُ كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَقْدِيمِ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ فِي الْآيَةِ لِأَنَّ تَقْدِيمَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِيُهْتَمَّ بِتَنْفِيذِهَا حَيْثُ تَهَاوَنَ النَّاسُ فِيهِ. اهـ. مِسْكِينٌ [أحوال الْأَب فِي الْمِيرَاث] (قَوْلُهُ الْأَبَاعِدُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الْأَجَانِبُ اهـ

[أحوال الأم في الميراث]

يَقْطَعُ النَّسَبَ إذْ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ لِأَنَّ النَّسَبَ لِلتَّعْرِيفِ وَالشُّهْرَةِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْمَشْهُورِ، وَهُوَ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ، وَقَوْلُهُ كَالْأَبِ يَعْنِي عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ لِأَنَّ الْجَدَّ يُسَمَّى أَبًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ يُوسُفَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38] وَكَانَ إِسْحَاقُ جَدَّهُ، وَإِبْرَاهِيمُ جَدَّ أَبِيهِ، وَقَالَ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27] وَهُوَ آدَم وَحَوَّاءُ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِذَا كَانَ أَبًا دَخَلَ فِي النَّصِّ إمَّا بِطَرِيقِ عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْوَلَدِ فَكَانَ لَهُ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَبِ، وَلَهُ حَالَةٌ رَابِعَةٌ، وَهُوَ السُّقُوطُ بِالْأَبِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَيُدْلِي بِهِ فَلَا يَرِثُ مَعَهُ. وَإِنَّمَا يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَقَوْلُهُ فَيَحْجُبُ الْإِخْوَةَ أَيْ الْجَدُّ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ كَالْأَبِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى [أحوال الْأُمّ فِي الْمِيرَاث] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْأُمِّ) (الثُّلُثُ) وَذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ لِمَا تَلَوْنَا، وَعِنْدَ عَدَمِ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ أَوْ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لَا) أَيْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ لَا تَرِثُ الثُّلُثَ، وَإِنَّمَا تَرِثُ السُّدُسَ لِمَا تَلَوْنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11]. فَاسْمُ الْوَلَدِ فِي الْمَتْلُوِّ أَوَّلًا يَتَنَاوَلُ الْوَلَدَ وَوَلَدَ الِابْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى. وَلَفْظُ الْجَمْعِ فِي الْإِخْوَةِ يُطْلَقُ عَلَى اثْنَيْنِ فَتُحْجَبُ بِهِمَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَا أَوْ مِنْ جِهَتَيْنِ. لِأَنَّ لَفْظَ الْإِخْوَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ لَمْ تُحْجَبْ الْأُمُّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ إلَّا بِثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْإِخْوَةَ جَمْعٌ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ. وَلِلْجُمْهُورِ أَنَّ الْجَمْعَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُثَنَّى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21] {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص: 22]. فَأَعَادَ ضَمِيرَ الْجَمْعِ فِي تَسَوَّرُوا وَدَخَلُوا وَفِي مِنْهُمْ وَقَالُوا عَلَى اثْنَيْنِ، وَهُمَا الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ دَخَلَا عَلَيْهِ فِي صُورَةِ مُتَحَاكِمَيْنِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {خَصْمَانِ} [الحج: 19] وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَعَ الْأَبِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِهِمَا) فَيَكُونُ لَهَا السُّدُسُ مَعَ الزَّوْجِ وَالْأَبِ وَالرُّبُعُ، مَعَ الزَّوْجَةِ وَالْأَبِ. لِأَنَّهُ هُوَ ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَصَارَ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ ثُلُثُ الْكُلِّ، وَثُلُثُ مَا يَبْقَى بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَالسُّدُسُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْكُلَّ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يَرَى ثُلُثَ الْبَاقِي بَلْ يُوَرِّثُهَا ثُلُثَ الْكُلِّ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ، وَخَالَفَ فِيهِ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى فَرْضَيْنِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالسُّدُسُ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ فَرْضٍ ثَالِثٍ بِالْقِيَاسِ. وَكَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا» وَالْأُمُّ صَاحِبَةُ فَرْضٍ، وَالْأَبُ عَصَبَةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْأُمِّ ثُلُثَ مَا تَرِثُهُ هِيَ وَالْأَبُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَالْإِخْوَةِ لَا ثُلُثَ الْكُلِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] أَيْ ثُلُثُ مَا يَرِثَانِهِ، وَاَلَّذِي يَرِثَانِهِ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ هُوَ الْبَاقِي مِنْ فَرْضِهِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ أَخَذَتْ ثُلُثَ الْكُلِّ يَكُونُ نَصِيبُهَا ضِعْفَ نَصِيبِ الْأَبِ مَعَ الزَّوْجِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ نَصِيبِهِ مَعَ الزَّوْجَةِ، وَالنَّصُّ يَقْتَضِي تَفْضِيلَهُ عَلَيْهَا بِالضِّعْفِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْوَلَدُ وَالْإِخْوَةُ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ مَا أَرَانِي اللَّهُ تَفْضِيلَ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ، وَقَالَ زَيْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا أُفَضِّلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ، وَمُرَادُهُمَا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْقَرَابَةِ وَالْقُرْبِ، وَأَمَّا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فَلَا يَمْتَنِعُ تَفْضِيلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ كَانَ لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْجَمِيعِ فَلَا يُبَالَى بِتَفْضِيلِهَا عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهَا ثُلُثُ الْبَاقِي أَيْضًا مَعَ الْجَدِّ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُمَا مَا كَانَا يُفَضِّلَانِ الْأُمَّ عَلَى الْجَدِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [للجدات أحوال فِي الْمِيرَاث] (وَلِلْجَدَّاتِ، وَإِنْ كَثُرْنَ السُّدُسُ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ جَدٌّ فَاسِدٌ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الْمَيِّتِ) وَكُنَّ مُتَحَاذِيَاتٍ فِي الدَّرَجَةِ، وَالْكَلَامُ فِي الْجَدَّاتِ فِي مَوَاضِعَ فِي تَرْتِيبِهِنَّ، وَمَعْرِفَةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ الْفَاسِدَةِ مِنْهُنَّ، وَفِي قَدْرِ مِيرَاثِهِنَّ، وَفِيمَا يَسْقُطْنَ بِهِ فَالْأَوَّلُ كُلُّ شَخْصٍ لَهُ جَدَّتَانِ أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ وَلِأَبِيهِ وَأُمِّهِ كَذَلِكَ، وَهَكَذَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُصُولِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى آدَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ وَفِي بَعْضِهَا السُّدُسُ بَدَلَ لَفْظِ لَا وَفِي بَعْضِهَا بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْأَخَوَاتُ لَا أَوْلَادُهُمْ السُّدُسُ اهـ كَتَبَهُ مُصَحِّحُهُ

وَحَوَّاءَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَالصَّحِيحَةُ مِنْهُنَّ مَنْ لَا يَتَخَلَّلُ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الْمَيِّتِ ذَكَرٌ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ، وَالْفَاسِدَةُ مَنْ يَتَخَلَّلُ فِي نِسْبَتِهَا ذَلِكَ إذْ كُلُّ أَبٍ يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِأُنْثَى جَدٌّ فَاسِدٍ فَمَنْ يُدْلَى بِهِ يَكُونُ فَاسِدًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. وَعِنْدَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْفَاسِدَةُ مَنْ تُدْلِي بِذَكَرٍ مُطْلَقًا، وَإِذَا أَرَدْت تَنْزِيلَ عَدَدٍ مِنْ الْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ الْمُتَحَاذِيَاتِ فَاذْكُرْ أَوَّلًا لَفْظَةَ أُمِّ أُمِّ بِمِقْدَارِ الْعَدَدِ الَّذِي تُرِيدُهُ ثُمَّ تَقُولُ ثَانِيًا أُمُّ أُمِّ، وَتَجْعَلُ مَكَانَ الْأُمِّ الْأَخِيرَةِ أَبًا ثُمَّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تُبَدِّلُ مَكَانَ الْأُمِّ أَبًا عَلَى الْوَلَاءِ إلَى أَنْ تَبْقَى لَفْظَةُ أُمٍّ مَرَّةً مِثَالُهُ إذَا سُئِلْت عَنْ أَرْبَعِ جَدَّاتٍ وَارِثَاتٍ مُتَحَاذِيَاتٍ فَقُلْ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ بِقَدْرِ عَدَدِهِنَّ لِإِثْبَاتِ الدَّرَجَةِ الَّتِي يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعْنَ فِيهَا فَإِنَّهُنَّ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعْنَ فِيهَا إلَّا إذَا ارْتَفَعْنَ قَدْرَ عَدَدِهِنَّ مِنْ الدَّرَجَاتِ فَأَرْبَعُ جَدَّاتٍ وَارِثَاتٍ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُنَّ إلَّا فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ. فَتَقُولُ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَهِيَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ جِهَتِهَا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ ثُمَّ تَأْتِي بِوَاحِدَةٍ أُخْرَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فِي دَرَجَتِهَا فَنَقُولُ أُمُّ أُمِّ أُمِّ الْأَبِ ثُمَّ تَأْتِي بِأُخْرَى مِنْ جِهَةِ الْجَدِّ فَتَقُولُ أُمُّ أُمِّ أَبِي الْأَبِ ثُمَّ تَأْتِي بِأُخْرَى مِنْ جِهَةِ جَدِّ الْأَبِ فَتَقُولُ أُمُّ أَبِي أَبِي الْأَبِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعَ الْوَارِثَاتُ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ جَدٍّ صَحِيحٍ أُمُّهُ وَارِثَةٌ وَكَذَا أُمُّ أُمِّهِ وَإِنْ عَلَتْ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ جَدَّةٌ وَارِثَةً مِنْ كُلِّ أَبٍ إلَّا وَاحِدَةً فَتَحْتَاجُ أَنْ تَأْتِيَ مِنْ الْآبَاءِ قَدْرَهُنَّ عَدَدًا إلَّا وَاحِدَةً، وَهِيَ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا لَا تُدْلِي بِذَكَرٍ. وَالثَّانِيَةُ تُدْلِي بِالْأَبِ فَلِهَذَا حُذِفَتْ فِي النِّسْبَةِ الثَّانِيَةِ أُمًّا وَاحِدَةً، وَأَبْدَلْت مَكَانَهَا أَبًا، وَالثَّالِثَةُ تُدْلِي بِالْجَدِّ فَلِهَذَا أَسْقَطْت أُمَّيْنِ، وَأَبْدَلْت مَكَانَهُمَا أَبَوَيْنِ، وَالرَّابِعَةُ تُدْلِي بِجَدِّ الْأَبِ فَلِهَذَا أَسْقَطْت ثَلَاثَ أُمَّهَاتٍ، وَأَبْدَلْت مَكَانَهُنَّ ثَلَاثَةَ آبَاءٍ فَهَذَا طَرِيقُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْهُنَّ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى هَذَا لِمَعْرِفَةِ الصَّحِيحَاتِ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ، وَإِذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ مَا بِإِزَاءِ الصَّحِيحَاتِ مِنْ الْفَاسِدَاتِ فَخُذْ عَدَدَ الصَّحِيحَاتِ، وَاجْعَلْهُ بِيَمِينِك، وَاطْرَحْ مِنْهُ اثْنَيْنِ، وَاجْعَلْهُمَا بِيَسَارِك ثُمَّ ضَعِّفْ مَا فِي يَسَارِك بَعْدَ مَا بَقِيَ فِي يَمِينِك فَالْمَبْلَغُ عَدَدُ الْجَدَّاتِ الصَّحِيحَاتِ وَالْفَاسِدَاتِ جَمِيعًا فَإِذَا أَسْقَطْت مِنْهُ عَدَدَ الصَّحِيحَاتِ فَالْبَاقِيَاتُ هِيَ الْفَاسِدَاتُ. مِثَالُهُ إذَا سُئِلْت عَنْ أَرْبَعِ جَدَّاتٍ صَحِيحَاتٍ كَمْ بِإِزَائِهِنَّ مِنْ الْفَاسِدَاتِ فَخُذْ أَرْبَعَةً بِيَمِينِك، وَاطْرَحْ مِنْهَا اثْنَيْنِ فَخُذْهُمَا بِيَسَارِك فَإِذَا ضَعَّفْت هَذَا الْمَطْرُوحَ بِعَدَدِ مَا بَقِيَ فِي يَمِينِك صَارَ ثَمَانِيَةً، وَهُوَ عَدَدُ مَبْلَغِ الْجَدَّاتِ أَجْمَعَ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ فَإِذَا أَسْقَطْت عَدَدَ الصَّحِيحَاتِ، وَهُنَّ أَرْبَعٌ بَقِيَتْ أَرْبَعٌ، وَهُنَّ الْفَاسِدَاتُ، وَمِيرَاثُهُنَّ السُّدُسُ، وَإِنْ كَثُرْنَ يَشْتَرِكْنَ فِيهِ لِمَا رَوَى عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بَيْنَ الْجَدَّتَيْنِ إذَا اجْتَمَعَتَا بِالسُّدُسِ بِالسَّوِيَّةِ» وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَرَكَ بَيْنَ الْجَدَّتَيْنِ فِي السُّدُسِ. وَسَنَذْكُرُ مَا يَسْقُطْنَ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَذَاتُ جِهَتَيْنِ كَذَاتِ جِهَةٍ) أَيْ إذَا تَرَكَ جَدَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا ذَاتُ جِهَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى ذَاتُ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَهُمَا سَوَاءٌ حَتَّى يُقْسَمَ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَسْتَحِقُّ بِالْجِهَتَيْنِ فَيُقْسَمُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِذَاتِ الْجِهَتَيْنِ، وَثُلُثُهُ لِذَاتِ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ اخْتِلَافَ جِهَةِ الْقَرَابَةِ كَاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَيْ الْعَمِّ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَخًا مِنْ أُمٍّ يُجْعَلُ الْأَخُ كَشَخْصَيْنِ حَتَّى يَأْخُذَ السُّدُسَ بِالْأُخُوَّةِ، وَخَمْسَةُ الْأَسْدَاسِ بَيْنَهُمَا بِالْعُصُوبَةِ، وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا زَوْجًا أَخَذَ بِالْجِهَتَيْنِ. وَكَذَا إذَا اجْتَمَعَ فِي الْمَجُوسِيِّ قَرَابَتَانِ وَرِثَ بِهِمَا وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ تَوْرِيثَ الْجَدَّاتِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَلَا يَتَعَدَّدُ السَّبَبُ بِتَعَدُّدِ الْجِهَةِ كَالْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ بِاعْتِبَارِ الْقَرَابَتَيْنِ لِاتِّحَادِ الْجِهَتَيْنِ، وَهِيَ قَرَابَةُ الْأُخُوَّةِ حَتَّى لَا تَأْخُذَ النِّصْفَ بِجِهَةِ الْأَبِ وَالسُّدُسَ بِجِهَةِ الْأُمِّ بَلْ تَأْخُذَ النِّصْفَ لَا غَيْرُ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ النَّظِيرِ لِأَنَّ جِهَةَ الْإِرْثِ هُنَاكَ مُخْتَلِفَةٌ. وَمِثَالُ مَا تَكُونُ الْوَاحِدَةُ ذَاتَ قَرَابَتَيْنِ أَنْ تَكُونَ أُمَّ أُمِّ الْأُمِّ، وَهِيَ أَيْضًا أُمُّ أَبِي الْأَبِ، وَالْأُخْرَى ذَاتَ قَرَابَةٍ وَاحِدَةٍ كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ مَيِّت قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبُعْدَى تُحْجَبُ بِالْقُرْبَى) سَوَاءٌ كَانَا أُمٍّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِنْ جِهَتَيْنِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْقُرْبَى أُمَّ أَبِ أُمِّ وَارِثِهِ أَوْ مَحْجُوبَةً بِالْأَبِ أَوْ بِالْجَدِّ. وَفِي رِوَايَةٍ أُمَّ أُمٍّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[أحوال الزوج في الميراث]

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَحْجُبُ الْجَدَّاتِ إلَّا الْأُمُّ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الْقُرْبَى إذَا كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، وَبِالْعَكْسِ تَحْجُبُ لِأَنَّ الْجَدَّاتِ يَرِثْنَ بِوِلَادَةِ الْأَبَوَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْطَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حُكْمَ مَنْ تَدَنَّى بِهِ، وَالْأَبُ لَا يَحْجُبُ الْجَدَّاتِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَكَذَا أُمُّهُ، وَالْأُمُّ تَحْجُبُ كُلَّ جَدَّةٍ هِيَ أَبْعَدُ مِنْهَا فَكَذَا أُمُّهَا، وَلَنَا أَنَّ الْجَدَّاتِ يَرِثْنَ بِاعْتِبَارِ الْوِلَادِ فَوَجَبَ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَدْنَى عَلَى الْأَبْعَدِ كَالْأَبِ الْأَدْنَى مَعَ الْأَبِ الْأَبْعَدِ. وَلَيْسَ كُلُّ حُكْمٍ يَثْبُتُ لِلْوَاسِطَةِ يَثْبُتُ لِمَنْ يُدْلِي بِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ الْأَبِ لَا يَزِيدُ إرْثُهَا عَلَى السُّدُسِ وَتُحْجَبُ بِالْأُمِّ، وَالْأَبُ بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكُلُّ بِالْأُمِّ) أَيْ تُحْجَبُ الْجَدَّاتُ كُلُّهُنَّ بِالْأُمِّ، وَالْمُرَادُ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ وَارِثَةً، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْجَدَّاتِ إنَّمَا يَرِثْنَ بِطَرِيقِ الْوِلَادِ، وَالْأُمُّ أَبْلَغُ حَالًا مِنْهُنَّ فِي ذَلِكَ فَلَا يَرِثْنَ مَعَهَا. وَلِأَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ فِي قَرَابَةِ الْجَدَّةِ الَّتِي مِنْ قِبَلِهَا إلَى الْمَيِّتِ، وَتُدْلِي بِهَا فَلَا تَرِثُ مَعَ وُجُودِهَا لِمَا عُرِفَ فِي بَابِ الْحَجْبِ فَإِذَا حُجِبَتْ الْجَدَّةُ الَّتِي مِنْ قِبَلِهَا كَانَتْ أَوْلَى أَنْ تُحْجَبَ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ حَالًا مِنْهَا. وَلِهَذَا تُؤَخَّرُ فِي الْحَضَانَةِ فَتُحْجَبُ بِهَا، وَكَذَا الْأَبَوِيَّاتُ مِنْهُنَّ يُحْجَبْنَ بِالْأَبِ إذَا كَانَ وَارِثًا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَبِهِ أَخَذَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَائِلَةَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهَا السُّدُسَ مَعَ الْأَبِ، وَبِهِ أَخَذَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَرَّثَ جَدَّةً، وَابْنُهَا حَيٌّ»، وَلِأَنَّهَا تَرِثُ مِيرَاثَ الْأُمِّ فَلَا يَحْجُبُهَا الْأَبُ كَمَا لَا يَحْجُبُ الْأُمَّ، وَكَمَا لَا يَحْجُبُهَا الْجَدُّ، وَلِأَنَّهَا تَرِثُ بِطَرِيقِ الْفَرْضِ فَلَا تَكُونُ الْعُصُوبَةُ حَاجِبَةً لَهَا كَمَا لَا يَحْجُبُهَا عَمُّ الْمَيِّتِ الَّذِي هُوَ ابْنُهَا. قُلْنَا إنَّ أُمَّ الْأَبِ تُدْلِي بِالْأَبِ فَلَا تَرِثُ مَعَ وُجُودِهِ كَبِنْتِ الِابْنِ مَعَ وُجُودِ الِابْنِ. وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ حِكَايَةُ حَالٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ الِابْنَ كَانَ عَمًّا لِلْمَيِّتِ لَا أَبًا، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تَرِثُ مِيرَاثَ الْأُمِّ بَلْ مِيرَاثَ الْأَبِ لِأَنَّ لَهُ السُّدُسَ فَرْضًا فَتَرِثُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَلَئِنْ كَانَ مِيرَاثَ الْأُمِّ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْحَجْبِ بِغَيْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ يَرِثْنَ مِيرَاثَ الْبَنَاتِ، وَمَعَ هَذَا يُحْجَبْنَ بِالِابْنِ، وَكَذَا الْجَدُّ يَحْجُبُ الْأَبَوِيَّاتِ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا أُمَّ الْأَبِ فَإِنَّهُ لَا يَحْجُبُهَا وَإِنْ عَلَتْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِهِ. وَكَذَا كُلُّ جَدٍّ لَا يَحْجُبُ الْجَدَّةَ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِهِ فَصَارَ لِلْجَدَّاتِ حَالَتَانِ: السُّدُسُ وَالسُّقُوطُ. [أحوال الزَّوْج فِي الْمِيرَاث] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَمَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ الرُّبُعُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12] فَيَسْتَحِقُّ كُلُّ زَوْجٍ إمَّا النِّصْفَ، وَإِمَّا الرُّبُعَ مِمَّا تَرَكَتْ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ كَقَوْلِهِمْ رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ، وَلَبِسُوا ثِيَابَهُمْ. وَلَفْظُ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الِابْنِ فَيَكُونُ مِثْلَهُ بِالنَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فَيَكُونُ لَهُ الرُّبُعُ مَعَهُ فَصَارَ لِلزَّوْجِ حَالَتَانِ النِّصْفُ وَالرُّبُعُ. [أحوال الزَّوْجَة فِي الْمِيرَاث] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلزَّوْجَةِ نِصْفُهُ) أَيْ لِلزَّوْجَةِ نِصْفُ مَا لِلزَّوْجِ فَيَكُونُ لَهَا الرُّبُعُ، وَمَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ الثُّمُنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] وَإِنْ كُنَّ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ اشْتَرَكْنَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِجْحَافُ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رُبُعًا يَأْخُذْنَ الْكُلَّ إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ بِلَا وَلَدٍ، وَالنِّصْفَ مَعَ الْوَلَدِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ فَيَكُونُ لِوَاحِدَةٍ الرُّبُعُ أَوْ الثُّمُنُ عِنْدَ انْفِرَادِهَا بِالنَّصِّ، وَإِذَا كَثُرْنَ وَقَعَتْ الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَهُنَّ فَيُصْرَفُ إلَيْهِنَّ جَمِيعًا عَلَى السَّوَاءِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ، وَادَّعَى رَجُلَانِ أَوْ أَكْثَرُ نِكَاحَهَا، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ، وَلَمْ تَكُنْ فِي بَيْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا دَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَ مِيرَاثَ زَوْجٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَكَذَا هُنَا فَصَارَ لِلزَّوْجَاتِ حَالَتَانِ الرُّبُعُ بِلَا وَلَدٍ وَالثُّمُنُ مَعَ الْوَلَدِ. [أحوال الْبِنْت فِي الْمِيرَاث] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْأَكْثَرِ الثُّلُثَانِ) وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ جَعَلَ حُكْمَ الْبِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ حُكْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[أحوال الجد في الميراث]

الْوَاحِدَةِ فَجَعَلَ لَهُمَا النِّصْفَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11]. عَلَّقَ اسْتِحْقَاقَ الثُّلُثَيْنِ بِكَوْنِهِنَّ نِسَاءً، وَهُوَ جَمْعٌ، وَصَرَّحَ بِقَوْلِهِ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ، وَأَكَّدَهُ بِضَمِيرِ الْجَمْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْبِنْتَيْنِ النِّصْفَ مَعَ الِابْنِ، وَهُوَ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ، وَحَظُّ الذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ حَظَّ الْبِنْتَيْنِ النِّصْفُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ. وَلِلْجُمْهُورِ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَك فِي أُحُدٍ شَهِيدًا، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا، وَلَا يُنْكَحَانِ إلَّا بِمَالٍ فَقَالَ يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وَأُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَك» وَمَا تَلَا لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ. لِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ حُكْمَ الْجَمْعِ بِالْكِتَابِ، وَحُكْمَ الْمُثَنَّى بِالسُّنَّةِ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ قَدْ يُرَادُ بِهِ التَّثْنِيَةُ لَا سِيَّمَا فِي الْمَوَارِيثِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَيَكُونُ الْمُثَنَّى مُرَادًا بِالْآيَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاقِعَةَ كَانَتْ لِلْبِنْتَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثُّلُثَيْنِ بِحُكْمِ الْآيَةِ، وَلَفْظَةُ {فَوْقَ} [آل عمران: 55] فِي الْآيَةِ صِلَةٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12] أَيْ اضْرِبُوا الْإِعْنَاقَ، وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِحُصُولِ التَّوْفِيقِ بِهِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْآيَةِ. وَلِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَأَدْنَى الِاخْتِلَاطِ أَنْ يَجْتَمِعَ ابْنٌ وَبِنْتٌ فَيَكُونُ لَهُ الثُّلُثَانِ، وَهُوَ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِرْ هَذَا، وَهُوَ الثُّلُثَانِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَبَدًا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ نَصِيبَ الْوَاحِدَةِ وَنَصِيبَ الْجَمْعِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ نَصِيبَ الْمُثَنَّى عَلَى مَا قَالَ فَلَا بُدَّ مِنْ إلْحَاقِ الْمُثَنَّى بِأَحَدِهِمَا. فَإِلْحَاقُهُمَا بِالْجَمْعِ أَوْلَى لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مَعْنَى الضَّمِّ، وَلِأَنَّ الْمُثَنَّى لَهُ حُكْمُ الْجَمْعِ فِي الْمِيرَاثِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ الْفَرْدِ وَحُكْمَ الْمُثَنَّى جَعَلَ حُكْمَ الْمُثَنَّى كَحُكْمِ الْجَمْعِ فِي الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ فِي اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثَيْنِ أَوْ الثُّلُثِ، وَقَوْلُهُ إنَّ الْبِنْتَيْنِ يَسْتَحِقَّانِ النِّصْفَ مَعَ الِابْنِ قُلْنَا اسْتِحْقَاقُهُمَا ذَلِكَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمَا إيَّاهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّلَاثَ مِنْهُنَّ يَأْخُذْنَ مَعَ الِابْنِ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الْمَالِ، وَعِنْدَ الِانْفِرَادِ الثُّلُثَيْنِ، وَالْوَاحِدَةِ تَأْخُذُ الثُّلُثَ مَعَ الِابْنِ وَالنِّصْفَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَعَصَبَهَا الِابْنُ، وَلَهُ مِثْلَا حَظِّهَا) مَعْنَاهُ إذَا اخْتَلَطَ الْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ عَصَبَ الْبَنُونَ الْبَنَاتِ فَيَكُونُ لِلِابْنِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَصَارَ لِلْبَنَاتِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ النِّصْفُ لِلْوَاحِدَةِ وَالثُّلُثَانِ لِلِاثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا، وَالتَّعْصِيبُ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ بِالذُّكُورِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَلَدُ الِابْنِ كَوَلَدِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ حَتَّى يَكُونَ بَنُو الِابْنِ عَصَبَةً كَالْبَنِينَ وَبَنَاتُ الِابْنِ كَالْبَنَاتِ حَتَّى يَكُونَ لِلْوَاحِدَةِ النِّصْفُ وَلِلْبِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ فَيَعْصِبُهُنَّ الذُّكُورُ عِنْدَ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالذُّكُورِ فَيَكُونُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُحْجَبُ بِالِابْنِ) أَيْ وَلَدُ الِابْنِ يُحْجَبُ بِالِابْنِ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ لِأَنَّ الِابْنَ أَقْرَبُ، وَهُوَ عَصَبَةٌ فَلَا يَرِثُونَ مَعَهُ بِالْعُصُوبَةِ، وَكَذَا بِالْفَرْضِ لِأَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ يُدْلِينَ بِهِ فَلَا يَرِثْنَ مَعَ أَصْلِهِنَّ، وَإِنْ كُنَّ لَا يُدْلِينَ بِهِ بِأَنْ كَانَ عَمَّهُنَّ فَهُوَ مُسَاوٍ لِأَصْلِهِنَّ فَيَحْجُبُهُنَّ كَمَا يَحْجُبُ أَوْلَادَهُ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِأَحَدِ الْمِثْلَيْنِ ثَبَتَ لِمُسَاوِيهِ ضَرُورَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَعَ الْبِنْتِ لِأَقْرَبِ الذُّكُورِ الْبَاقِي) أَيْ إذَا كَانَ مَعَ بِنْتِ الْمَيِّتِ لِصُلْبِهِ أَوْلَادُ الِابْنِ أَوْ أَوْلَادُ ابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ أَوْ الْمَجْمُوعُ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الْبِنْتِ الصُّلْبِيَّةِ لِأَقْرَبِ الذُّكُورِ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ فَيَحْجُبُ الْأَبْعَدَ، وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي دَرَجَتِهِ بِنْتُ ابْنٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي دَرَجَتِهِ بِنْتُ ابْنٍ فَتُشَارِكُهُ فَلَا يَكُونُ الْبَاقِي مِنْ فَرْضِ الْبِنْتِ لَهُ وَحْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْإِنَاثِ السُّدُسُ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ) أَيْ لِبَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْوَاحِدَةِ الصُّلْبِيَّةِ السُّدُسُ، وَمُرَادُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ ابْنُ ابْنٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُنَّ ابْنُ ابْنٍ يَكُنَّ عَصَبَةً مَعَهُ فَلَا يَرِثْنَ السُّدُسَ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُنَّ السُّدُسُ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ «لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بِنْتٍ، وَبِنْتِ ابْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ أحوال الْجَدّ فِي الْمِيرَاث] (قَوْلُهُ وَمَا تَلَا) أَيْ ابْنُ عَبَّاسٍ. اهـ.

وَأُخْتٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ» وَقَوْلُهُ «تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُنَّ يَدْخُلْنَ فِي لَفْظِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْأَوْلَادِ الْإِنَاثِ ثُلُثَيْنِ فَإِذَا أَخَذَتْ الصُّلْبِيَّةُ النِّصْفَ بَقِيَ مِنْهُ سُدُسٌ فَيُعْطَى لَهَا تَكْمِلَةً لِذَلِكَ فَلَوْلَا أَنَّهُنَّ دَخَلْنَ فِي الْأَوْلَادِ وَفَرْضُهُنَّ وَاحِدٌ لَمَا صَارَ تَكْمِلَةً لَهُ إلَّا أَنَّ الصُّلْبِيَّةَ أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِنَّ بِالنِّصْفِ، وَدُخُولُهُنَّ عَلَى أَنَّهُ عُمُومُ الْمَجَازِ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُجِبْنَ بِبِنْتَيْنِ) أَيْ تُحْجَبُ بَنَاتُ الِابْنِ بِبِنْتَيْنِ صُلْبِيَّتَيْنِ. لِأَنَّ إرْثَهُنَّ كَانَ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ، وَقَدْ كَمُلَ بِبِنْتَيْنِ فَسَقَطْنَ إذْ لَا طَرِيقَ لِتَوْرِيثِهِنَّ فَرْضًا وَتَعْصِيبًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ ذَكَرٌ فَيَعْصِبُ مَنْ كَانَتْ بِحِذَائِهِ، وَمَنْ كَانَتْ فَوْقَهُ مِمَّنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ سَهْمٍ، وَتَسْقُطُ مَنْ دُونَهُ) أَرَادَ بِقَوْلِهِ مَعَهُنَّ أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ فِي دَرَجَتِهِنَّ سَوَاءٌ كَانَ أَخًا لَهُنَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَهَذَا مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يَسْقُطْنَ بَنَاتُ الِابْنِ بِبِنْتَيْ الصُّلْبِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ غُلَامٌ، وَلَا يُقَاسِمُهُنَّ، وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ الصُّلْبِيَّةُ وَاحِدَةً، وَكَانَ مَعَهُنَّ غُلَامٌ كَانَ لِبَنَاتِ الِابْنِ أَسْوَأَ الْحَالَيْنِ مِنْ السُّدُسِ وَالْمُقَاسَمَةِ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَقَلَّ أُعْطِينَ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسَائِلُ الْإِضْرَارِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ، وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ بَنَاتٌ، وَمِيرَاثَهُنَّ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا الْفَرْضُ أَوْ الْمُقَاسَمَةُ، وَفَرْضُهُنَّ الثُّلُثَانِ، وَالْمُقَاسَمَةُ ظَاهِرَةٌ، وَلَيْسَ لَهُنَّ أَنْ يَجْمَعْنَ بَيْنَهُمَا فَإِذَا اسْتَكْمَلَتْ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ فَلَوْ قَاسَمْنَ لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجُوزُ، وَإِذَا كَانَتْ الصُّلْبِيَّةُ وَاحِدَةً أَخَذَتْ النِّصْفَ، وَبَقِيَ مِنْ فَرْضِ الْبَنَاتِ السُّدُسُ فَيَأْخُذْنَهُ إنْ كُنَّ مُنْفَرِدَاتٍ، وَإِنْ كُنَّ مُخْتَلِطَاتٍ مَعَ الذُّكُورِ كَانَ لَهُنَّ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ السُّدُسِ وَالْمُقَاسَمَةِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ، وَلِئَلَّا يَأْخُذَ الْبَنَاتُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ. وَلِأَنَّهُنَّ لَا مِيرَاثَ لَهُنَّ مَعَ الصُّلْبِيَّتَيْنِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لِأَنَّ مَنْ لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً عِنْدَ الِانْفِرَادِ مِنْ الْإِنَاثِ فَلَا يَعْصِبُهَا أَخُوهَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ كَالْعَمِّ مَعَ الْعَمَّةِ وَابْنِ الْأَخِ مَعَ أُخْتِهِ وَلِلْجُمْهُورِ قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَأَوْلَادُ الِابْنِ أَوْلَادٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَتَنْتَظِمُهُمْ الْآيَةُ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مَقْسُومًا بَيْنَ الْكُلِّ إلَّا أَنَّا عَلِمْنَا فِي حَقِّ أَوْلَادِ الِابْنِ بِأَوَّلِ الْآيَةِ، وَفِي حَقِّ الصُّلْبِيَّتَيْنِ أَوْ الصُّلْبِيَّةِ الْوَاحِدَةِ بِمَا بَعْدَهَا. وَلَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَلَا شُبْهَتُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ بِمُقْتَضَى كُلِّ لَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ الْبَنَاتِ الْصُلْبِيَّاتِ ذَوَاتُ فَرْضٍ، وَبَنَاتُ الِابْنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَصَبَاتٌ مَعَ أَخِيهِنَّ، وَصَاحِبُ الْفَرْضِ إذَا أَخَذَ فَرْضَهُ خَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَصَارَ الْبَاقِي مِنْ الْفَرْضِ كَجَمِيعِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْعَصَبَةِ فَيُشَارِكْنَهُ، وَلَا يَخْرُجْنَ مِنْ الْعُصُوبَةِ كَمَا لَوْ انْفَرَدُوا أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْفَرْضِ لَوْ كَانَ غَيْرَ الْبَنَاتِ كَالْأَبَوَيْنِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ كَانَ كَذَلِكَ فَكَذَا مَعَ الْبَنَاتِ بِخِلَافِ الْعَمَّةِ مَعَ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْأَخِ مَعَ أَخِيهَا. لِأَنَّهُمَا لَا يَصِرْنَ عَصَبَةً مَعَهُمَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُمَا صَاحِبُ فَرْضٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الْعُصُوبَةِ فِي مَحِلٍّ لَا يَقْبَلُهَا انْتِفَاؤُهَا فِي مَحِلٍّ يَقْبَلُهَا، وَأَخْذُهُنَّ زِيَادَةً عَلَى الثُّلُثَيْنِ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُنَّ يَأْخُذْنَهُ بِالْمُقَاسَمَةِ عِنْدَ كَثْرَتِهِنَّ بِأَنْ تَرَكَ أَرْبَعِينَ بِنْتًا وَابْنًا، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي بَنَاتِ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ بَنَاتِ الصُّلْبِ أَنَّ أَقْرَبَهُنَّ إلَى الْمَيِّتِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبِنْتِ الصُّلْبِيَّةِ، وَاَلَّتِي تَلِيهَا فِي الْقُرْبِ مَنْزِلَةَ بَنَاتِ الِابْنِ. وَهَكَذَا يُفْعَلُ وَإِنْ سَفَلْنَ، مِثَالُهُ لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنٍ بَعْضُهُنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنِ ابْنٍ آخَرَ بَعْضُهُنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنِ ابْنِ ابْنٍ آخَرَ بَعْضُهُنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ بِهَذِهِ الصُّورَةِ مَيِّت فَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ لَا يُوَازِيهَا أَحَدٌ فَيَكُونُ لَهَا النِّصْفُ، وَالْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ تُوَازِيهَا الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي فَيَكُونُ لَهُمَا السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ. وَلَا شَيْءَ لِلسُّفْلِيَّاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامُ فَيَعْصِبُهَا، وَمَنْ بِحِذَائِهَا وَمَنْ فَوْقَهَا إنْ لَمْ تَكُنْ صَاحِبَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[الأخوات لأب وأم أحوالهن في الميراث]

فَرْضٍ حَتَّى لَوْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ عَصَبَهَا وَعَصَبَ الْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي وَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ، وَسَقَطَتْ السُّفْلَيَاتُ، وَلَوْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي عَصَبَهَا وَعَصَبَ الْوُسْطَى مِنْهُ وَالْوُسْطَى وَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ وَالسُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ عَصَبَ الْجَمِيعَ غَيْرَ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ، وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُلْيَا تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبِنْتِ، وَالْبَوَاقِي مَنَازِلَ بَنَاتِ الِابْنِ. وَلَوْ كَانَ الِابْنُ مَعَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ عَصَبَ أُخْتَهُ، وَسَقَطَتْ الْبَوَاقِي كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَوْلَادِ فَصَارَ لِبَنَاتِ الِابْنِ أَحْوَالٌ سِتٌّ النِّصْفُ لِلْوَاحِدَةِ وَالثُّلُثَانِ لِلَّاثْتَيْنِ فَصَاعِدًا، وَالْمُقَاسَمَةُ مَعَ ابْنِ الِابْنِ وَالسُّدُسُ مَعَ الصُّلْبِيَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَالسُّقُوطُ بِالِابْنِ وبالصلبيتين إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ غُلَامٌ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْمَسَائِلِ يُسَمَّى فِي عُرْفِ الْفَرْضِيَّيْنِ تَشْبِيبُ بَنَاتِ الِابْنِ إذَا ذُكِرْنَ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّرَجَاتِ. وَهُوَ إمَّا مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ شَبَّبَ فُلَانٌ بِفُلَانَةَ إذَا أَكْثَرَ ذِكْرَهَا فِي شِعْرِهِ، وَتَشْبِيبُ الْقَصِيدَةِ تَحْسِينُهَا وَتَزْيِينُهَا بِذِكْرِ النِّسَاءِ أَوْ مَنْ شَبَّ النَّارَ إذَا أَوْقَدَهَا لِأَنَّ فِيهِ تَذْكِيَةً لِلْخَوَاطِرِ أَوْ مِنْ شَبَّ الْفَرَسُ يَشِبُّ وَيَشُبُّ شَبَابًا إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ جَمِيعًا، وَأَشْبَبْتُه أَنَا إذَا هَيَّجْته لِذَلِكَ لِأَنَّهُ خُرُوجُ وَارْتِفَاعٌ مِنْ دَرَجَةٍ إلَى أُخْرَى كَحَالِ الْفَرَسِ فِي نَزَوَاتِهِ أَيْ وَثَبَاتِهِ فَصَارَ لِبَنَاتِ الِابْنِ أَحْوَالٌ سِتٌّ: الثَّلَاثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَنَاتِ وَالسُّدُسُ مَعَ الصُّلْبِيَّةِ، وَالسُّقُوطُ بِالِابْنِ وبالصلبيتين إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ غُلَامٌ. . [الأخوات لِأَب وَأُمّ أحوالهن فِي الْمِيرَاث] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَبَنَاتِ الصُّلْبِ عِنْدَ عَدَمِهِنَّ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْبَنَاتِ وَبَنَاتُ الِابْنِ حَتَّى يَكُونَ لِلْوَاحِدَةِ النِّصْفُ، وَلِلثِّنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَمَعَ الْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176]. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِأَبٍ كَبَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْصُلْبِيَّاتِ) أَيْ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَبَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْصُلْبِيَّاتِ حَتَّى يَكُونَ لِلْوَاحِدَةِ مِنْ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ النِّصْفُ عِنْدَ عَدَمِ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَلِلثِّنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ فَصَاعِدًا، وَمَعَ الْإِخْوَةِ لِأَبٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَمَعَ الْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَيَسْقُطْنَ بِالْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ فَيَعْصِبُهُنَّ لِمَا تَلَوْنَا وَبَيَّنَّا. وَيَأْتِي فِيهِنَّ خِلَافُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُقَاسَمَةِ الْإِخْوَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ أُخْتٍ وَاحِدَةٍ لَهُمَا أَيْ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْبَنَاتِ وَضِرَارِهِ لَهُنَّ مَعَ الْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ إذْ الْكَلَامُ فِي الْأَخَوَاتِ كَالْكَلَامِ فِي الْبَنَاتِ، وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِيهِنَّ كَالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي الْبَنَاتِ فَاسْتَغْنَيْنَا عَنْ الْبَحْثِ فِيهِنَّ بِالْبَحْثِ فِي الْبَنَاتِ إذْ طَرِيقُ الْبَحْثِ فِيهِمَا وَاحِدٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَصَبَهُنَّ إخْوَتُهُنَّ وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ) أَيْ عَصَبَ الْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ إخْوَتُهُنَّ وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ. أَمَّا تَعْصِيبُ الْإِخْوَةِ لَهُنَّ فَظَاهِرٌ لِمَا تَلَوْنَا، وَأَمَّا تَعْصِيبُ الْبِنْتِ لَهُنَّ وَبِنْتِ الِابْنِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْعَلُوا الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً» «وَوَرَّثَ مُعَاذٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْيَمَنِ بِنْتًا وَأُخْتًا فَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ يَوْمَئِذٍ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى فِي ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسَ وَالْبَاقِيَ لِلْأُخْتِ» وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْبِنْتَ مِمَّنْ يَعْصِبُ الْأَخَوَاتِ، وَهُوَ مَجَازٌ. وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا تَعْصِبُهُنَّ، وَإِنَّمَا يَصِرْنَ عَصَبَةً مَعَهَا لَا بِهَا، وَالْبِنْتُ بِنَفْسِهَا لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَيْفَ تَعْصِبُ غَيْرَهَا بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَسْقَطَ الْأَخَوَاتِ بِالْبِنْتِ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْبِنْتِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ الْبَاقِي كُلُّهُ لِلْإِخْوَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قِيلَ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَ الْبِنْتِ أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ فِي رِوَايَةٍ الْبَاقِي لِلْأَخِ وَحْدَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بَيْنَ الْجَمِيعِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ هُوَ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] فَإِرْثُهَا مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْوَلَدِ، وَاسْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَعْصِبُهُنَّ لِمَا تَلَوْنَا وَبَيَّنَّا) وَيَسْقُطْنَ أَيْضًا بِالْأَخِ لِأَبَوَيْنِ لِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ» اهـ

الْوَلَدِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَجَبَ الزَّوْجَ مِنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبُعِ، وَالزَّوْجَةَ مِنْ الرُّبُعِ إلَى الثُّمُنِ بِالْوَلَدِ، وَالْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ فَاسْتَوَى فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَلِلْجُمْهُورِ مَا رَوَيْنَا، وَاشْتِرَاطُ عَدَمِ الْوَلَدِ فِيمَا تَلَا إنَّمَا كَانَ لِإِرْثِهَا النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَيْنِ بِطَرِيقِ الْفَرْض، وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهَا لَا تَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ فَرْضًا، وَإِنَّمَا تَرِثُ عَلَى أَنَّهَا عَصَبَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْوَلَدِ هُنَا الذَّكَرُ، وَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُهُ {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] يَعْنِي أَخَاهَا يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ذَكَرٌ لِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْأَخَ يَرِثُ تَعْصِيبًا مَعَ الْأُنْثَى مِنْ الْأَوْلَادِ أَوْ نَقُولُ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْوَلَدِ إنَّمَا كَانَ لِإِرْثِ الْأَخِ جَمِيعَ مَالِهَا، وَذَلِكَ يَمْتَنِعُ بِالْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْأَكْثَرِ الثُّلُثُ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ سَوَاءٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12]. الْمُرَادُ بِهِ أَوْلَادُ الْأُمِّ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ الْأَبُ مَذْكُورُونَ فِي آيَةِ النِّصْفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَلِهَذَا قَرَأَهَا بَعْضُهُمْ، وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ لِأُمٍّ، وَاطَلَاقُ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ كَمَا إذَا قَالَ شَرِيكِي فُلَانٌ فِي هَذَا الْمَالِ أَوْ قَالَ لَهُ شَرِكَةً فِيهِ، وَسَكَتَ عَنْ ذَلِكَ قُضِيَ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالنِّصْفِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا سَوَّى بَيْنَهُمَا حَالَةَ الِانْفِرَادِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى اسْتِوَائِهِمَا حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُجِبْنَ بِالِابْنِ وَابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَبِالْأَبِ وَالْجَدِّ) أَيْ الْأَخَوَاتُ كُلُّهُنَّ حُجِبْنَ بِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ، وَهُمْ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأَبُ وَالْجَدُّ وَإِنْ عَلَا، وَكَذَا الْإِخْوَةُ يُحْجَبُونَ بِهِمْ لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْكَلَالَةِ هَلْ هِيَ صِفَةٌ لِلْمَيِّتِ أَوْ لِلْوَرَثَةِ أَوْ لِلتَّرِكَةِ، وَقُرِئَ {يُورَثُ} [النساء: 12] بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا، وَأَيَّامَا كَانَ يُشْتَرَطُ لِتَسْمِيَتِهِ عَدَمُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ لِلْمَيِّتِ فَيَسْقُطُونَ بِهِمْ. وَالْكَلَالَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْإِحَاطَةِ، وَمِنْهُ الْإِكْلِيلُ لِإِحَاطَتِهِ بِالرَّأْسِ، وَلَفْظَةُ كُلٍّ لِإِحَاطَتِهَا بِمَا تَدْخُلُ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْكَلَالَةُ مَنْ أَحَاطَ بِالشَّخْصِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَقِيلَ أَصْلُهَا مِنْ الْبُعْدِ يُقَالُ كَلَّتْ الرَّحِمُ بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ إذَا تَبَاعَدَتْ، وَيُقَالُ حَمَلَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ كَلَّ عَنْهُ أَيْ تَرَكَهُ وَبَعُدَ عَنْهُ، وَغَيْرُ قَرَابَةِ الْوِلَادِ بَعِيدٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوِلَادِ قَالَ الْفَرَزْدَقُ وَرِثْتُمْ قَنَاةَ الْمَجْدِ لَا عَنْ كَلَالَةٍ ... عَنْ ابْنَيْ مَنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمٍ يُرِيدُ وَرِثْتُمْ مَجْدَكُمْ عَنْ أُصُولِكُمْ لَا عَنْ الْفُرُوعِ كَالْأَعْمَامِ وَالْإِخْوَةِ وَوَلَدِ الِابْنِ وَلَدٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ. فَلَا تَكُونُ كَلَالَةً مَعَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبِنْتُ تَحْجُبُ وَلَدَ الْأُمِّ فَقَطْ) أَيْ بِنْتُ الْمَيِّتِ تَحْجُبُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ وَحْدَهُمْ وَلَا تَحْجُبُ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ الْأَبِ لِمَا أَنَّ شَرْطَ إرْثِهِمْ الْكَلَالَةُ، وَلَا كَلَالَةَ مَعَ الْوَلَدِ وَالْبِنْتُ وَلَدٌ فَتَحْجُبُهُمْ، وَكَذَا بِنْتُ الِابْنِ لِمَا أَنَّ وَلَدَ الِابْنِ وَلَدٌ فَإِنْ قِيلَ وَجَبَ أَنْ لَا تَرِثَ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ الْأَبِ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ لِأَنَّ إرْثَهُمْ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ. قُلْنَا الْكَلَالَةُ شُرِطَتْ فِي حَقِّهِمْ لِإِرْثِ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ أَوْ لِإِرْثِ الْكُلِّ بِالْعُصُوبَةِ فَإِذَا انْتَفَتْ الْكَلَالَةُ انْتَفَى هَذَا الْإِرْثُ الْمَشْرُوطُ بِهَا لَا مُطْلَقُ الْإِرْثِ فَيَسْتَحِقُّونَ الْإِرْثَ بِالْعُصُوبَةِ مَعَ الْبِنْتِ بِنَصٍّ آخَرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ إرْثِ أَوْلَادِ الْأُمِّ فَإِنَّ جَمِيعَ إرْثِهِمْ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ فَيَنْتَفِي بِعَدَمِهَا فَصَارَ لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَمْسُ أَحْوَالٍ النِّصْفُ لِلْوَاحِدَةِ وَالثُّلُثَانِ لِأَكْثَرَ مِنْهَا وَالتَّعْصِيبُ بِأَخِيهِنَّ، وَمَعَ الْبَنَاتِ وَالسُّقُوطُ مَعَ الِابْنِ. وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ سَبْعُ أَحْوَالٍ ذِي الْخَمْسَةُ وَالسُّدُسُ مَعَ الْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالسُّقُوطُ بِالِاثْنَتَيْنِ مِنْ الْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَصَارَ لِأَوْلَادِ الْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ السُّدُسُ لِلْوَاحِدِ وَالثُّلُثُ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَالسُّقُوطُ بِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَصَبَةٌ) وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ذُو فَرْضٍ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ بَعْدَ ذِكْرِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، وَهُمْ ذُو فَرْضٍ وَعَصَبَةٍ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْخَبَرِ فَيَكُونُ خَبَرًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَيْ مَنْ أَخَذَ الْكُلَّ إنْ انْفَرَدَ، وَالْبَاقِي مَعَ ذِي سَهْمٍ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْعَصَبَةِ أَيْ الْعَصَبَةُ مَنْ يَأْخُذُ جَمِيعَ الْمَالِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ، وَمَا أَبْقَتْهُ الْفَرَائِضُ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ لَهُ الْفَرْضُ الْمُقَدَّرُ، وَهَذَا رَسْمٌ، وَلَيْسَ بِحَدٍّ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُعْرَفَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ، وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ الْعَصَبَةُ مِنْهُمْ فَيَكُونُ تَعْرِيفًا بِالْحُكْمِ، وَالْمَقْصُودُ مَعْرِفَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِهَذَا قَرَأَهَا بَعْضُهُمْ) أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. اهـ. (قَوْلُهُ قُضِيَ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالنِّصْفِ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَوْ بِشِرْكٍ فِي عَبْدٍ يُجْعَلُ لَهُ النِّصْفُ وَأَمَرَهُ بِالْبَيَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: 176] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} [النساء: 12]. اهـ. (قَوْلُهُ وَقُرِئَ يُورَثُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا) الَّذِي قَرَأَ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ فَمَنْ قَرَأَ بِالْكَسْرِ جَعَلَ الْكَلَالَةَ الْوَرَثَةَ وَمَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ جَعَلَ الْكَلَالَةَ الْمَيِّتَ. اهـ.

[العصبات في الميراث]

الْعَصَبَةِ حَتَّى يُعْطَى مَا ذُكِرَ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ فَنَقُولُ الْعَصَبَةُ نَوْعَانِ نَسَبِيَّةٌ وَسَبَبِيَّةٌ فَالنَّسَبِيَّةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ كُلُّ ذَكَرٍ لَا يَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى، وَهُمْ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ جُزْءُ الْمَيِّتِ وَأَصْلُهُ وَجُزْءُ أَبِيهِ، وَجُزْءُ جَدِّهِ، وَعَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ كُلُّ أُنْثَى فَرْضُهَا النِّصْفُ أَوْ الثُّلُثَانِ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِإِخْوَتِهِنَّ، وَعَصَبَةٌ مَعَ غَيْرِهِ، وَهُوَ كُلُّ أُنْثَى تَصِيرُ عَصَبَةً مَعَ أُنْثَى غَيْرِهَا كَالْبَنَاتِ مَعَ الْأَخَوَاتِ. وَالسَّبَبِيَّةُ مَوْلَى الْعَتَاقَةُ، وَالْأُنْثَى لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْعَصَبَةَ إنَّمَا سُمِّيَ عَصَبَةً لِقُوَّتِهِ، وَلِحُصُولِ التَّنَاصُرِ بِهِ، وَلَا يَحْصُلُ التَّنَاصُرُ بِالْأُنْثَى، وَإِنَّمَا صِرْنَ عَصَبَةً تَبَعًا أَوْ حُكْمًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ فَقَطْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَحَقُّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ، وَإِنْ سَفَلَ) أَيْ أَوْلَاهُمْ بِالْعُصُوبَةِ جُزْءُ الْمَيِّتِ، وَإِنْ سَفَلَ وَغَيْرُهُمْ مَحْجُوبُونَ بِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] إلَى أَنْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] فَجَعَلَ الْأَبَ صَاحِبَ فَرْضٍ مَعَ الْوَلَدِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْوَلَدِ الذَّكَرِ سَهْمًا مُقَدَّرًا فَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لَهُ فَدَلَّ أَنَّ الْوَلَدَ الذَّكَرَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ بِالْعُصُوبَةِ، وَابْنُ الِابْنِ ابْنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْقُولُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُؤْثِرُ وَلَدَ وَلَدِهِ عَلَى وَالِدِهِ، وَيَخْتَارُ صَرْفَ مَالِهِ لَهُ، وَلِأَجْلِهِ يَدَّخِرُ مَالَهُ عَادَةً عَلَى مَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ» وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بِكَسْبِهِ مَحَلَّ اخْتِيَارِهِ إلَّا أَنَّا صَرَفْنَا مِقْدَارَ الْفَرْضِ لِأَصْحَابِ الْفُرُوضِ بِالنَّصِّ فَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى قَضِيَّةِ الدَّلِيلِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْبِنْتَ أَيْضًا عَلَيْهِ، وَعَلَى كُلِّ عَصَبَةٍ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَبْطَلَ اخْتِيَارَهُ بِتَعْيِينِ الْفَرْضِ لَهَا، وَجَعَلَ الْبَاقِيَ لَأَوْلَى رَجُلٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ أَبُ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا) أَيْ ثُمَّ أَوْلَاهُمْ بِالْعُصُوبَةِ أُصُولُ الْمَيِّتِ وَإِنْ عَلَوْا وَأَوْلَاهُمْ بِهِ الْأَبُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ لِإِرْثِ الْإِخْوَةِ الْكَلَالَةَ، وَهُوَ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ ضَرُورَةً، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعَ الْإِخْوَةِ، وَهُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ بَعْدَ فُرُوعِهِ وَأُصُولِهِ فَمَا ظَنُّك مَعَ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُمْ كَأَعْمَامِهِ وَأَعْمَامِ أَبِيهِ، وَالْجَدُّ أَبٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْوِلَايَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ، وَيُقَدَّمُ عَلَى الْإِخْوَةِ فِيهِ فَكَذَا فِي الْمِيرَاثِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي الطُّفَيْلِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَمَاعَةٍ أُخَرَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ) وَإِنَّمَا قُدِّمُوا عَلَى الْأَعْمَامِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْإِرْثَ فِي الْكَلَالَةِ لِلْإِخْوَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ مُقَدَّمُونَ عَلَى الْأَعْمَامِ، وَلِأَنَّ الْإِخْوَةَ جُزْءُ الْأَبِ فَكَانُوا أَقْرَبَ مِنْ الْأَعْمَامِ لِأَنَّهُمْ جُزْءُ الْجَدِّ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِاتِّصَالِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ ذَا قَرَابَتَيْنِ فَتَرَجَّحَ بِذَلِكَ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ» وَكَذَا الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ تُقَدَّمُ إذَا صَارَتْ عَصَبَةً عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِهَذَا تُقَدَّمُ فِي الْفَرْضِ فَكَذَا فِي الْعُصُوبَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ عَلَى التَّرْتِيبِ) أَيْ أَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ بَعْدَ الْإِخْوَةِ أَعْمَامُ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُمْ جُزْءُ الْجَدِّ فَكَانُوا أَقْرَبَ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ لِكَوْنِهِمْ أَقْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ جُزْءُ الْجَدِّ ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبَ بَعْدَهُمْ، وَقَوْلُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ أَيْ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْإِخْوَةِ، وَهُوَ أَنْ يُقَدَّمَ الْعَمُّ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى الْعَمِّ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ عَلَى وَلَدِ الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَكَذَا يُعْمَلُ فِي أَعْمَامِ الْأَبِ يُقَدَّمُ مِنْهُمْ ذُو قَرَابَتَيْنِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ، وَعِنْدَ التَّفَاوُتِ فِي الدَّرَجَةِ يُقَدَّمُ الْأَعْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْمُعْتِقُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ»، وَهُوَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي أَعْتَقَ عَبْدَهُ هُوَ أَخُوكَ وَمَوْلَاكَ إنْ شَكَرَكَ فَخَيْرٌ لَهُ وَشَرٌّ لَك، وَإِنْ كَفَرَك فَشَرٌّ لَهُ وَخَيْرٌ لَك، وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا كُنْتَ أَنْتَ عَصَبَتَهُ»، وَالْمُرَادُ بِالْوَارِثِ وَارِثٌ هُوَ عَصَبَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّ «ابْنَةَ حَمْزَةَ أَعْتَقَتْ عَبْدًا لَهَا فَمَاتَ وَتَرَكَ بِنْتًا فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِصْفَ مَالِهِ لِابْنَتِهِ، وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِابْنَةِ حَمْزَةَ، وَهِيَ الْمُعْتِقَةُ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ الْعُصُبَات فِي الْمِيرَاث] قَوْلُهُ «الْوَلَدُ مَبْخَلَةٌ») هُوَ مِفْعَلَةٌ مِنْ الْبُخْلِ وَمَظِنَّةٌ لَهُ أَيْ يَحْمِلُ أَبَوَيْهِ عَلَى الْبُخْلِ وَيَدْعُوهُمَا إلَيْهِ فَيَبْخَلَانِ بِالْمَالِ لِأَجْلِهِ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ «مَجْبَنَةٌ») لِأَنَّهُ يُحِبُّ الْبَقَاءَ وَالْمَالَ لِأَجْلِهِ اهـ مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ

(ثُمَّ عَصَبَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ) أَيْ عَصَبَةُ الْمَوْلَى، وَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَا فَعَصَبَتُهُ مَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ فَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ، وَهُوَ الْمَوْلَى عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بِأَنْ يَكُون الْجُزْءُ الْمَوْلَى أَوْلَى وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ، أُصُولُهُ ثُمَّ جُزْءُ أَبِيهِ ثُمَّ جُزْءُ جَدِّهِ يُقَدَّمُونَ بِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ، وَبِعُلُوِّ الدَّرَجَةِ عِنْدَ التَّفَاوُتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاَللَّاتِي فَرْضُهُنَّ النِّصْفُ وَالثُّلُثَانِ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِإِخْوَتِهِنَّ) وَهُنَّ أَرْبَعٌ مِنْ النِّسَاءِ الْبَنَاتُ، وَبَنَاتُ الِابْنِ، وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ، وَهَؤُلَاءِ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِإِخْوَتِهِنَّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي بَيَانِ مِيرَاثِهِنَّ، وَقَوْلُهُ بِإِخْوَتِهِنَّ هَذَا فِي الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ عُصُوبَتُهُنَّ تَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا بَنَاتُ الِابْنِ فَإِنَّهُنَّ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِأَبْنَاءِ أَعْمَامِهِنَّ أَيْضًا وَإِنْ سَفَلَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي مَسَائِلِ التَّشْبِيبِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ فِي حَقِّهِنَّ بِإِخْوَتِهِنَّ أَوْ بِمَنْ لَهُ حُكْمُ إخْوَتِهِنَّ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْعَصَبَاتِ هُنَا وَاسْتَوْفَاهُ إلَّا الْعَصَبَةَ مَعَ غَيْرِهِ، وَهِيَ الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْرَهُنَّ هُنَا لِأَنَّهُ ذَكَرَهُنَّ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ شَرَحْنَاهُ هُنَاكَ فَلَا نُعِيدُهُ، وَإِنَّمَا سُمِّينَ عَصَبَةً مَعَ غَيْرِهِ، وَمَعَ إخْوَتِهِنَّ عَصَبَةً بِغَيْرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ وَهُوَ الْبَنَاتُ شَرْطٌ لِصَيْرُورَتِهِنَّ عَصَبَةً، وَلَمْ يَجْعَلْهُنَّ عَصَبَةً بِهِنَّ لِأَنَّ أَنْفُسَهُنَّ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ فَكَيْفَ يَجْعَلْنَ غَيْرَهُنَّ عَصَبَةً بِهِنَّ بِخِلَافِ مَا إذَا كُنَّ مَعَ إخْوَتِهِنَّ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ بِنَفْسِهِمْ عَصَبَةٌ فَيَصِرْنَ بِهِ عَصَبَةً تَبَعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ يُدْلِي بِغَيْرِهِ حُجِبَ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْغَيْرِ سِوَى وَلَدِ الْأُمِّ فَإِنَّهُ يُدْلِي بِالْأُمِّ، وَلَا تَحْجُبُهُ بَلْ هِيَ تُحْجَبُ بِالِاثْنَيْنِ مِنْهُمْ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنَّمَا لَا تَحْجُبُهُ الْأُمُّ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ، وَلَا يَرِثُ هُوَ إرْثَهَا لِأَنَّهَا تَرِثُ بِالْوِلَادِ، وَهُوَ بِالْأُخُوَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَجْبُ فِيهِ بِخِلَافِ الْجَدَّةِ حَيْثُ تُحْجَبُ بِالْأُمِّ لِأَنَّهَا تَرِثُ مِيرَاثَ الْأُمِّ وَالْأُمُّ أَوْلَى بِهِ مِنْهَا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ، وَبِخِلَافِ الْأَبِ حَيْثُ يَحْجُبُ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِهِ، وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ كُلُّهُمْ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ، وَكَذَلِكَ الِابْنُ يَحْجُبُ ابْنَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَجْبَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِمَنْ يُدْلِي بِهِ بِشَرْطِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوْ يَكُونُ الْحَاجِبُ أَقْرَبَ كَالْأَعْمَامِ يُحْجَبُونَ بِالْإِخْوَةِ وَبِأَوْلَادِهِمْ، وَكَأَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَالْإِخْوَةِ يُحْجَبُونَ بِأَعْلَى دَرَجَةٍ مِنْهُمْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَحْجُوبُ يَحْجُبُ كَالْأَخَوَيْنِ أَوْ الْأُخْتَيْنِ يَحْجُبَانِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ مَعَ الْأَبِ) وَهُمَا لَا يَرِثَانِ مَعَهُ لِأَنَّ إرْثَ الْإِخْوَةِ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ، وَإِرْثَ الْأُمِّ الثُّلُثَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي أَبٍ وَأُمٍّ وَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ لِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْإِخْوَةِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ فَجَعَلَ لِلْإِخْوَةِ مَا نَقَصَ مِنْ نَصِيبِ الْأُمِّ لَنَا أَنَّ آيَةَ الْكَلَالَةِ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ حَجْبَ الْأُمِّ بِهِمْ لَا يُوجِبُ لَهُمْ مَا نَقَصَ مِنْ نَصْبِهَا فَيَحْجُبُونَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمْ شَيْءٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْمَحْرُومَ بِالرِّقِّ وَالْقَتْلِ مُبَاشَرَةً وَاخْتِلَافِ الدِّينِ أَوْ الدَّارِ) أَيْ لَا يَحْجُبُ الْمَحْرُومُ عَنْ الْإِرْثِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَعِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْجُبُ حَجْبَ النُّقْصَانِ بِنَقْصِ نَصِيبِ الزَّوْجَيْنِ وَالْأُمِّ بِالْوَلَدِ الْمَحْرُومِ بِمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْوَلَدَ مُطْلَقًا، وَنَقَصَ بِهِ نَصِيبَهُمْ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا أَوْ مَحْرُومًا، وَكَذَا نَقَصَ نَصِيبُ الْأُمِّ بِالْإِخْوَةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَيُتْرَكُ عَلَى إطْلَاقِهِ. وَلَا يَحْجُبُ حَجْبَ الْحِرْمَانِ لِأَنَّهُ لَوْ حُجَبُ هَذَا الْحَجْبَ وَهُوَ لَا يَرِثُ لَأَدَّى إلَى دَفْعِهِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ مَعَ وُجُودِ الْوَارِثِ أَوْ إلَى تَضْيِيعِهِ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أَيْضًا لَا يَرِثُ مَعَ الِابْنِ أَوْ الْإِخْوَةِ وَجْهُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمَحْرُومَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ كَالْمَيِّتِ لِأَنَّهُ حُرِمَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ كَالْمَيِّتِ ثُمَّ الْمَيِّتُ لَا يَحْجُبُ فَكَذَا الْمَحْرُومُ فَصَارَ كَحَجْبِ الْحِرْمَانِ، وَالنُّصُوصُ الَّتِي تُوجِبُ نُقْصَانَ إرْثِهِمْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْأَوْلَادَ أَوَّلًا، وَأَثْبَتَ لَهُمْ مِيرَاثًا ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ حَجْبَ النُّقْصَانِ بِهِمْ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَذْكُورِينَ أَوَّلًا، وَهُمْ الْمُتَأَهِّلُونَ لِلْإِرْثِ. وَكَذَا يُقَالُ فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأَنَّ الْمَذْكُورِينَ مِنْهُمْ فِي الْإِرْثِ هُمْ الْمُتَأَهِّلُونَ لِلْإِرْثِ فَكَذَا الْمَذْكُورُونَ فِي الْحَجْبِ هُمْ الْمُتَأَهِّلُونَ لِلْإِرْثِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحْرُومَ اتَّصَلَتْ بِهِ صِفَةٌ تَسْلُبُ أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ فَأَلْحَقَتْهُ بِالْمَعْدُومِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَحْجُوبُ فَإِنَّهُ أَهْلٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ حَاجِبَهُ غَلَبَهُ عَلَى إرْثِهِ لِزِيَادَةِ قُرْبِهِ فَلَا يَبْطُلُ عَمَلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ سَبَبَ الْحِرْمَانِ بِقَوْلِهِ لَا الْمَحْرُومَ بِالرِّقِّ إلَخْ لِيُبَيِّنَ الْأَسْبَابَ الْمَانِعَةَ مِنْ الْإِرْثِ فَإِنَّ الرِّقَّ يَمْنَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ) عَصَبَة الْمُعْتِقِ تَرِثُ الْمُعْتَقَ أَمَّا عَصَبَةُ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ لَا يَرِثُ الْمُعْتَقُ بَيَانُهُ امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا وَمَاتَتْ وَتَرَكَتْ ابْنًا وَزَوْجًا ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ الْمِيرَاثُ كُلُّهُ لِابْنِ الْمُعْتِقَةِ وَلَوْ مَاتَ الِابْنُ وَتَرَكَ الْأَبَ الَّذِي هُوَ زَوْجُ الْمُعْتِقَةِ ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ لَا يَرِثُ الْأَبُ. وَإِنْ كَانَ عَصَبَةَ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ عَصَبَةُ الِابْنِ وَالِابْنُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقَةِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ عَصَبَةَ الْمُعْتِقَةِ لَا يَرِثُ. اهـ. خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجْعَلْهُنَّ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ (قَوْلُهُ بِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ الرِّقِّ وَالْقَتْلِ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالدَّارِ اهـ

الْإِرْثَ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ إلَّا الطَّلَاقَ» وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قِنًّا، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ أَصْلًا وَبَيْنَ أَنْ يَنْعَقِدَ لَهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ كَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْكُلَّ. وَهُوَ عَدَمُ تَصَوُّرِ الْمِلْكِ لَهُمْ، وَالْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ، وَهُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ فَلَا يَكُونُ أَهْلًا لِلْإِرْثِ، وَالْقَتْلُ الَّذِي يَمْنَعُ الْإِرْثَ هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ أَوْ الْكَفَّارَةُ، وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَالْقَتْلِ بِسَبَبٍ أَوْ بِقِصَاصٍ لَا يُوجِبُ الْحِرْمَانَ لِأَنَّ حِرْمَانَ الْإِرْثِ عُقُوبَةٌ فَيَتَعَلَّقُ بِمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُقُوبَةُ، وَهُوَ الْقِصَاصُ أَوْ الْكَفَّارَةُ. وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعَلِّقُهُ بِمُطْلَقِ الْقَتْلِ حَتَّى لَا يَرِثَ عِنْدَهُ إذَا قَتَلَهُ بِقِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ كَانَ الْقَرِيبُ قَاضِيًا فَحَكَمَ بِذَلِكَ أَوْ شَاهِدًا فَشَهِدَ بِهِ أَوْ بَاغِيًا فَقَتَلَهُ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ سَيْفًا فَقَتَلَهُ دَفْعًا كُلُّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْإِرْثَ عِنْدَهُ، وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ قَتْلَهُ أَوْ أَجَازَ لَهُ قَتْلَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَكَيْفَ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقَتْلِ سَائِرُ عُقُوبَاتِ الْقَتْلِ. ، فَكَذَا الْحِرْمَانُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الْمِيرَاثِ» هُوَ الْقَتْلُ بِالتَّعَدِّي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِيرَاثٌ» بَعْدَ صَاحِبِ الْبَقَرَةِ أَيْ قَاتِلٌ هُوَ كَصَاحِبِ الْبَقَرَةِ، وَهُوَ كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُبَاشَرَةً عَنْ الْقَتْلِ بِالتَّسْبِيبِ. وَاخْتِلَافُ الدِّينِ أَيْضًا يَمْنَعُ الْإِرْثَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» وَأَمَّا اخْتِلَافُ مِلَلِ الْكُفَّارِ كَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَعِبَادَةِ الْوَثَنِ فَلَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ حَتَّى يَجْرِيَ التَّوَارُثُ بَيْنَ الْيَهُودِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - النَّاسُ كُلُّهُمْ حَيِّزٌ، وَنَحْنُ حَيِّزٌ» وَاخْتِلَافُ الدَّارِ يَمْنَعُ الْإِرْثَ، وَالْمُؤَثِّرُ هُوَ الِاخْتِلَافُ حُكْمًا حَتَّى لَا تُعْتَبَرَ الْحَقِيقَةُ بِدُونِهِ حَتَّى لَا يَجْرِيَ الْإِرْثُ بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَالذِّمِّيِّ فِي دَارِنَا، وَلَا فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَيَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِهِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ إذَا دَخَلَ إلَيْنَا أَوْ إلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ دَارِهِ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا حَقِيقَةً، وَالدَّارُ إنَّمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ وَالْمِلْكِ كَدَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ، وَدَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِاخْتِلَافِ مِلْكِهِمْ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ وَالتَّنَاصُرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَالْإِرْثُ يَكُونُ بِالْوِلَايَةِ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكَافِرُ يَرِثُ بِالنَّسَبِ وَالسَّبَبِ كَالْمُسْلِمِ) لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ مُكَلَّفٌ فَيَمْلِكُ بِالْأَسْبَابِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمِلْكِ كَالْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ الْتَحَقَ بِالْمُسْلِمِ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الْمُسْلِمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حُجِبَ أَحَدُهُمَا فَبِالْحَاجِبِ) أَيْ لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي الْكَافِرِ قَرَابَتَانِ لَوْ تَفَرَّقَتَا فِي شَخْصَيْنِ حَجَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَرِثُ بِالْحَاجِبِ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْ يَرِثُ بِالْقَرَابَتَيْنِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا فَهَذَا الْوَلَدُ ابْنُهَا، وَابْنُ ابْنِهَا فَيَرِثُ مِنْهَا إذَا مَاتَتْ عَلَى أَنَّهُ ابْنٌ، وَلَا يَرِثُ عَلَى أَنَّهُ ابْنُ ابْنٍ لِأَنَّ ابْنَ الِابْنِ يُحْجَبُ بِالِابْنِ، وَلَوْ وَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا مَكَانَ الِابْنِ تَرِثُ الثُّلُثَيْنِ؛ النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ وَالسُّدُسَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتُ الِابْنِ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَتَرِثُ مِنْ أَبِيهَا عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ، وَلَا تَرِثُ عَلَى أَنَّهَا أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ لِأَنَّ الْأُخْتَ تَسْقُطُ بِالْبِنْتِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَه فَوَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا تَرِثُ مِنْ أُمِّهَا النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ، وَتَرِثُ الْبَاقِيَ عَلَى أَنَّهَا عَصَبَةٌ لِأَنَّهَا أُخْتُهَا مِنْ أَبِيهَا، وَهِيَ عَصَبَةٌ مَعَ الْبِنْتِ، وَإِنْ مَاتَ أَبُوهَا تَرِثُ النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ، وَلَا تَرِثُ عَلَى أَنَّهَا بِنْتُ بِنْتٍ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَلَا تَرِثُ مَعَ وُجُودِ ذِي سَهْمٍ أَوْ عَصَبَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ يَرِثُ بِأَثْبَتِ الْقَرَابَتَيْنِ وَآكَدِهِمَا أَيْ بِأَقْوَاهُمَا، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِيهِ إعْمَالَ السَّبَبِ، وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِغَيْرِ مَانِعٍ، وَالْمَانِعُ الْحَاجِبُ، وَلَمْ يُوجَدْ فَيَأْخُذُ بِالْجِهَتَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ إذَا اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ بِأَنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ، وَتَرَكَتْ ابْنَ عَمِّهَا، وَهُوَ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا مِنْ أُمِّهَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ، وَالْعُصُوبَةِ فَكَذَا الْكَافِرُ إذْ هُوَ لَا يُخَالِفُ الْمُسْلِمَ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَخِ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا بِالْعُصُوبَةِ، وَلَا يَرِثُ بِالْفَرْضِ عَلَى أَنَّهُ أَخٌ مِنْ أُمٍّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِهِ) حَتَّى إذَا مَاتَ الْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ أَخِيهِ الذِّمِّيِّ وَلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَخٌ وَرِثَهُ أَخُوهُ الْحَرْبِيُّ لَا أَخُوهُ الذِّمِّيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا دَخَلَ إلَيْنَا أَوْ إلَيْهِمْ) حَتَّى إذَا دَخَلَ ذِمِّيٌّ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَمَاتَ عِنْدَ أَخِيهِ الْحَرْبِيِّ وَرِثَهُ أَخُوهُ الذِّمِّيُّ لَا أَخُوهُ الْحَرْبِيُّ. اهـ.

يَرِثُ بِالْأُخُوَّةِ، وَهِيَ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ بِهَا بَلْ لِلتَّرْجِيحِ فَقَطْ عِنْدَ مُزَاحَمَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ. كَالْأَخِ لِأَبٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِنِكَاحٍ مُحَرَّمٍ) أَيْ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ بِنِكَاحٍ مُحَرَّمٍ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْمَحَارِمِ لَا يَرِثُ مِنْهَا بِالنِّكَاحِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَصِحَّ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ لَكِنْ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَ فَكَانَ كَالْفَاسِدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرِثُ وَلَدُ الزِّنَا وَاللِّعَانِ بِجِهَةِ الْأُمِّ فَقَطْ) لِأَنَّ نَسَبَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ مُنْقَطِعٌ فَلَا يَرِثُ بِهِ، وَمِنْ جِهَةِ الْأُمِّ ثَابِتٌ فَيَرِثُ بِهِ أُمَّهُ وَإِخْوَتَهُ مِنْ الْأُمِّ بِالْفَرْضِ لَا غَيْرُ، وَكَذَا تَرِثُهُ أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ مِنْ أُمِّهِ فَرْضًا لَا غَيْرُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرِثَ هُوَ أَوْ يُورَثَ بِالْعُصُوبَةِ إلَّا بِالْوَلَاءِ أَوْ الْوِلَادِ فَيَرِثُهُ مَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ أَعْتَقَ أُمَّهُ أَوْ وَلَدَهُ بِالْعُصُوبَةِ، وَكَذَا هُوَ يَرِثُ مُعْتَقَهُ أَوْ مُعْتَقَ مُعْتَقِهِ أَوْ وَلَدِهِ بِذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَقَفَ لِلْحَمْلِ حَظُّ ابْنٍ) أَيْ إذَا تَرَكَ الْمَيِّتُ امْرَأَتَهُ حَامِلًا أَوْ غَيْرَهَا مِمَّنْ يَرِثُهُ وَلَدُهَا وَقَفَ لِأَجْلِهِ نَصِيبُ ابْنٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْهُ يُوقَفُ نَصِيبُ ابْنَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ وِلَادَةَ الِاثْنَيْنِ مُعْتَادٌ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُوقَفُ نَصِيبُ أَرْبَعَةِ بَنِينَ أَوْ أَرْبَعِ بَنَاتٍ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وِلَادَةُ أَرْبَعَةٍ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَيُتْرَكُ نَصِيبُهُمْ احْتِيَاطًا، وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ وِلَادَةَ الْوَاحِدِ هُوَ الْغَالِبُ، وَالْأَكْثَرُ مِنْهُ مَوْهُومٌ، وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ، وَيُؤْخَذُ كَفِيلًا مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى قَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ وَلَدٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَلَدٌ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمْ بِكَثْرَةِ الْأَوْلَادِ وَقِلَّتِهِمْ، وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ أَوْلَادًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَوْلَادًا يُتْرَكُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعَدَدِ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ أَوْلَادًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ أَوْلَادٌ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أَوْلَادٌ يُعْطَى كُلُّ وَارِثٍ هُوَ غَيْرُ الْوَلَدِ نَصِيبَهُ ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي عَلَى الْأَوْلَادِ، وَيُتْرَكُ نَصِيبُ الْحَمْلِ مِنْهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ وَلَدٌ، وَالْحَمْلُ مِنْ الْمَيِّتِ يُعْطَى كُلُّ وَارِثٍ مِنْهُمْ نَصِيبَهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْحَمْلَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَيُّهُمَا أَقَلُّ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ يَرِثُ دُونَ الْآخَرِ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا، وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَرِثُ عَلَى تَقْدِيرِ وِلَادَتِهِ حَيًّا، وَعَلَى تَقْدِيرِ وِلَادَتِهِ مَيِّتًا يَرِثُ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا لِلِاحْتِمَالِ، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ أَكْثَرَ يُعْطَى الْأَقَلَّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرِثُ إنْ خَرَجَ أَكْثَرُهُ فَمَاتَ لَا أَقَلُّهُ) أَيْ الْحَمْلُ يَرِثُ إنْ خَرَجَ أَكْثَرُهُ، وَهُوَ حَيٌّ ثُمَّ مَاتَ وَإِنْ خَرَجَ أَقَلُّهُ وَهُوَ حَيٌّ فَمَاتَ لَا يَرِثُ لِأَنَّ انْفِصَالَهُ حَيًّا مِنْ الْبَطْنِ شَرْطٌ لِإِرْثِهِ، وَالْأَكْثَرُ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ ثُمَّ إنْ خَرَجَ مُسْتَقِيمًا فَالْمُعْتَبَرُ صَدْرُهُ، وَإِنْ خَرَجَ مَنْكُوسًا فَالْمُعْتَبَرُ سُرَّتُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى إلَّا إذَا عُلِمَ تَرْتِيبُ الْمَوْتَى) أَيْ إذَا مَاتَ جَمَاعَةٌ فِي الْغَرَقِ أَوْ الِاحْتِرَاقِ، وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلًا جُعِلُوا كَأَنَّهُمْ مَاتُوا جَمِيعًا مَعًا فَيَكُونُ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِوَرَثَتِهِ، وَلَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إلَّا إذَا عُرِفَ تَرْتِيبُ مَوْتِهِمْ فَيَرِثُ الْمُتَأَخِّرُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَزَيْدٍ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِرْثَ يُبْتَنَى عَلَى الْيَقِينِ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَشَرْطُهُ وَهُوَ حَيَاةُ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَلَا يَرِثُ بِالشَّكِّ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إلَّا مَا وَرِثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَوَجْهُهُ أَنَّ حَيَاةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَتْ ثَابِتَةً بِيَقِينٍ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا إلَى مَا بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ، وَلِأَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ فَيَرِثُ مِنْهُ إلَّا مِمَّا وَرِثَهُ مِنْهُ لِلتَّعَذُّرِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى يَرِثَهُ مَالَهُ مِنْ وَارِثِهِ مُحَالٌ قُلْنَا إذَا اسْتَحَالَ فِي حَقِّ الْبَعْضِ اسْتَحَالَ فِي حَقِّ الْكُلِّ إذْ سَبَبُ الْإِرْثَ مُتَّحِدٌ لَا يَقْبَلُ التَّجَزِّي، وَظَاهِرُ حَيَاتِهِمْ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا مَاتُوا بِانْهِدَامِ الْجِدَارِ عَلَيْهِمْ أَوْ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَذُو رَحِمٍ) وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْعَصَبَةِ أَيْ وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، وَهُمْ ذُو فَرْضٍ وَعَصَبَةٌ، وَذُو رَحِمٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ قَرِيبٌ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَعَصَبَةٍ) أَيْ ذُو الرَّحِمِ هُوَ قَرِيبٌ لَيْسَ بِوَارِثٍ بِفَرْضٍ وَلَا بِعُصُوبَةٍ، وَهَذَا عَلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ، وَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَرْضًا لَا غَيْرُ) فَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ عَنْ بِنْتٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ تَوْأَمٍ مِنْ الزِّنَا أَوْ اللِّعَانِ فَالْمَالُ لِلْبِنْتِ وَالْأُمِّ أَرْبَاعًا فَرْضًا وَرَدًّا وَلَا شَيْءَ لِلتَّوْأَمِ لِأَنَّهُ أَخُوهُ لِأُمِّهِ فَلَا يَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ شَيْئًا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرَهَا مِمَّنْ يَرِثُهُ وَلَدُهَا) كَأُمِّهِ أَوْ امْرَأَةِ أَخِيهِ أَوْ امْرَأَةِ جَدِّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ كَفِيلٌ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَيُؤْخَذُ كَفِيلًا اهـ

الْحَقِيقَةِ الْوَارِثُ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ، وَتَحْتَهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ قَرِيبٌ هُوَ ذُو سَهْمٍ، وَقَرِيبٌ هُوَ عَصَبَةٌ وَقَرِيبٌ هُوَ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَلَا عَصَبَةٍ. وَمَضَى الْكَلَامُ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَبَقِيَ فِي الثَّالِثِ فَنَقُولُ عِنْدَنَا هُمْ يَرِثُونَ عِنْدَ عَدَمِ النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ غَيْرَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَالَ لَا مِيرَاثَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ بَلْ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ هَلَكَ، وَتَرَكَ عَمَّتَهُ وَخَالَتَهُ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى حِمَارِهِ فَوَقَفَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ اللَّهُمَّ رَجُلٌ هَلَكَ، وَتَرَكَ عَمَّتَهُ وَخَالَتَهُ فَسَأَلَهُ الرَّجُلُ، وَيَفْعَلُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ لَا شَيْءَ لَهُمَا»، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ لَا أُرَى يَنْزِلُ عَلَيَّ شَيْءٌ لَا شَيْءَ لَهُمَا. وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَا أَجِدُ لَهُمَا شَيْئًا وَإِذَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالرَّأْيِ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِالرَّأْيِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] فَتَوَارَثُوا بِالنَّسَبِ» وَعَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا. «وَحِينَ مَاتَ ثَابِتُ ابْنُ الدَّحْدَاحَةِ، وَكَانَ غَرِيبًا آتِيًا لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيْنَ هُوَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ هَلْ تَعْرِفُونَ لَهُ فِيكُمْ نَسَبًا قَالَ لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا لُبَابَةَ بْنَ الْمُنْذِرِ ابْنَ أُخْتِهِ فَأَعْطَاهُ مِيرَاثَهُ»، وَعَنْ أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ «أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا خَالٌ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ هَذِهِ آثَارٌ مُتَّصِلَةٌ قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى هَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ حَتَّى رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي عَمٍّ لِأُمٍّ وَخَالَةٍ أَنَّهُ أَعْطَى الْعَمَّ الثُّلُثَيْنِ وَالْخَالَةَ الثُّلُثَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ تَرَكَ عَمَّةً وَخَالَةً: لِلْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ وَلِلْخَالَةِ الثُّلُثُ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ يَرِثُونَهُ جَمِيعًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِبَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ إلَيْهِ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ وَرِثَ مَالَهُ، وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَأَوْرَدْنَا مَا حُكِيَ عَنْ السَّلَفِ مِنْ أَفْرَادِ الْوَاقِعَاتِ، وَمَا رَوَوْهُ مُنْقَطِعٌ، وَمِنْ مَذْهَبِ الْخَصْمِ أَنْ لَا يَكُونَ حُجَّةً فَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ. وَمِثْلُهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ ثُمَّ هُوَ لَوْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَيْضًا عِنْدَنَا حُجَّةٌ فِي دَفْعِ مَوَارِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهُ يُعَارِضُ مَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُمَا أَوْ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا شَيْءَ لَهُمَا أَرَادَ بِهِ الْفَرْضَ أَيْ لَا فَرْضَ لَهُمَا مُقَدَّرٌ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي الْآيَةِ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ رَدًّا لِلتَّوَارُثِ بِالْإِيخَاءِ، وَهُوَ الْمُوَالَاةُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الْعَصَبَةَ وَأَصْحَابَ السِّهَامِ، وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا غَيْرُهُمْ قُلْنَا الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ. وَهِيَ عَامَّةٌ فَيُعْمَلُ بِعُمُومِهَا عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْهُمْ ابْنُ سُرَيْجٍ خَالَفُوهُ، وَذَهَبُوا إلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ اخْتِيَارُ فُقَهَائِهِمْ لِلْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ وَصَرْفِهِ فِي غَيْرِ الْمَصَارِفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرِثُ مَعَ ذِي سَهْمٍ وَعَصَبَةٍ سِوَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِعَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا) أَيْ لَا يَرِثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ مَعَ وُجُودِ ذِي فَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ إلَّا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْفَرْضِ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ فَيَرِثُونَ مَعَهُ لِعَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَصَبَةَ أَوْلَى مِنْهُ. وَكَذَا الرَّدُّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ أَوْلَى مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَّا الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَا قَرَابَةَ لَهُمَا مَعَ الْمَيِّتِ، وَإِرْثُهُمَا نَظِيرُ الدَّيْنِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا فَضَلَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَكَذَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا مَا فَضَلَ مِنْ فَرْضِهِمَا، عَلَى ذَلِكَ كَانَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرُدُّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَيْضًا، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَرَى الرَّدَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ، وَمَا فَضَلَ مِنْهُمْ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُ. وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَرْتِيبُهُمْ كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ) أَيْ تَرْتِيبُ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَانَ غَرِيبًا أَتِيًّا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالْأَتِيُّ وَالْأَتَاوِيُّ الْغَرِيبُ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَفِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ عَنْ ثَابِتِ ابْنِ الدَّحْدَاحَةِ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ أَتِيٌّ فِينَا أَيْ غَرِيبٌ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَأَتَى الرَّجُلُ الْقَوْمَ انْتَسَبَ إلَيْهِمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَتِيٌّ عَلَى فَعِيلٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّيْلِ يَأْتِي مِنْ مَوْضِعٍ بَعِيدٍ وَلَا يُصِيبُ تِلْكَ الْأَرْضَ أَتِيٌّ أَيْضًا اهـ

الْإِرْثِ كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ يُقَدَّمُ فُرُوعُ الْمَيِّتِ كَأَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَإِنْ سَفَلُوا، ثُمَّ أُصُولُهُ كَالْأَجْدَادِ الْفَاسِدِينَ وَالْجَدَّاتِ الْفَاسِدَاتِ وَإِنْ عَلَوْا ثُمَّ فُرُوعُ أَبَوَيْهِ كَأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَبَنِي الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ فُرُوعُ جَدَّيْهِ وَجَدَّتَيْهِ كَالْعَمَّاتِ وَالْأَعْمَامِ لِأُمٍّ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، وَإِنْ بَعُدُوا فَصَارُوا أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ. وَرَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ الْأُصُولُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْفُرُوعَ أَقْرَبُ كَمَا فِي الْعَصَبَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّرْجِيحُ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ) لِأَنَّ إرْثَهُمْ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ عَلَى الْأَبْعَدِ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ كَمَا فِي الْعَصَبَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ بِكَوْنِ الْأَصْلِ وَارِثًا إذَا اسْتَوَوْا فِي الدَّرَجَةِ فَمَنْ يُدْلِي بِوَارِثٍ أَوْلَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) لِأَنَّ الْوَارِثَ أَقْوَى قَرَابَةً مِنْ غَيْرِ الْوَارِثِ. بِدَلِيلِ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ فَكَانَ مَنْ يُدْلِي بِهِ أَقْوَى، وَلِلْقُوَّةِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقْدِيمِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَنِي الْأَعْيَانِ يُقَدَّمُونَ عَلَى بَنِي الْعَلَّاتِ فِي الْعُصُوبَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعِنْدَ اخْتِلَافِ جِهَةِ الْقَرَابَةِ فَلِقَرَابَةِ الْأَبِ ضَعْفُ قَرَابَةِ الْأُمِّ) أَيْ إذَا كَانَ بَعْضُ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَبَعْضُهُمْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَانَ لِمَنْ هُوَ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ الثُّلُثَانِ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَبِ الثُّلُثُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَضِيَّةِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلِأَنَّ قَرَابَةَ الْأَبِ أَقْوَى فَيَكُونُ لَهُمْ الثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْفُرُوعِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأُصُولِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اتَّفَقَ الْأُصُولُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَبْدَانِ) أَيْ إنْ اتَّفَقَتْ صِفَةُ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى أَبْدَانِهِمْ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالْأُصُولِ الْمُدْلَى بِهِمْ سَوَاءٌ كَانُوا أُصُولًا لَهُمْ أَوْ لَمْ يَكُونُوا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَالْعَدَدُ مِنْهُمْ، وَالْوَصْفُ مِنْ بَطْنٍ اخْتَلَفَ) أَيْ إنْ لَمْ تَتَّفِقْ صِفَةُ الْأُصُولِ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ مِنْ الْفُرُوعِ أَيْ الْمُدْلُونَ بِهِمْ. وَالصِّفَةُ مِنْ بَطْنٍ اخْتَلَفَ فَيُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى ذَلِكَ الْبَطْنِ فَيُعْتَبَرُ عَدَدُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي ذَلِكَ الْبَطْنِ بِعَدَدِ فُرُوعِهِ حَتَّى يُجْعَلَ الذَّكَرُ الَّذِي فِي ذَلِكَ الْبَطْنِ ذُكُورًا بِعَدَدِ فُرُوعِهِ، وَالْأُنْثَى الْوَاحِدَةُ إنَاثًا بِعَدَدِ فُرُوعِهَا، وَيُعْطَى الْفُرُوعُ مِيرَاثَ الْأُصُولِ، وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ بُطُونٌ مُخْتَلِفَةٌ يُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا ثُمَّ يُجْعَلُ الذُّكُورُ طَائِفَةً، وَالْإِنَاثُ طَائِفَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَمَا أَصَابَ الذُّكُورَ يُجْمَعُ، وَيُقْسَمُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَا مَا أَصَابَ الْإِنَاثَ، وَهَكَذَا يُعْمَلُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الَّذِينَ هُمْ أَحْيَاءٌ. وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُعْتَبَرُ أَبْدَانُ الْفُرُوعِ سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ صِفَةُ الْأُصُولِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ أَوْ اخْتَلَفَتْ، وَلَوْ كَانَ لِبَعْضِهِمْ جِهَتَانِ أَوْ أَكْثَرَ تُعْتَبَرُ الْجِهَتَانِ أَوْ الْجِهَاتُ فَيَرِثُ بِكُلِّ جِهَةٍ غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَبِرُهَا فِي الْفُرُوعِ وَمُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأُصُولِ بِخِلَافِ الْجَدَّةِ حَيْثُ لَا تَرِثُ إلَّا بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَذُو الرَّحِمِ يَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ. وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْجَدَّةَ تَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ بِاسْمِ الْجَدَّةِ، وَالِاسْمُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَهُنَّ، وَإِرْثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِالْقَرَابَةِ فَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهَا، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصَحُّ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ جَمِيعًا، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفُرُوضُ نِصْفٌ وَرُبُعٌ وَثُمُنٌ وَثُلُثَانِ وَثُلُثٌ وَسُدُسٌ) أَيْ الْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ السِّتَّةُ، وَهِيَ نَوْعَانِ عَلَى التَّنْصِيفِ إنْ بَدَأَتْ بِالْأَكْثَرِ أَوْ عَلَى التَّضْعِيفِ إنْ بَدَأَتْ بِالْأَقَلِّ فَتَقُولُ النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَنِصْفُ نِصْفِهِ وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُمَا وَنِصْفُ نِصْفِهِمَا أَوْ تَقُولُ الثُّمُنُ وَضِعْفُهُ وَضِعْفُ ضِعْفِهِ وَالسُّدُسُ وَضِعْفُهُ وَضِعْفُ ضِعْفِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَخَارِجُهَا اثْنَانِ لِلنِّصْفِ، وَأَرْبَعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسِتَّةٌ لِسَمِيِّهَا، وَاثْنَا عَشَرَ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ بِالِاخْتِلَاطِ) أَيْ مَخَارِجُ هَذِهِ الْفُرُوضِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ السِّتَّةُ سَبْعَةٌ اثْنَانِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ، وَأَرَادَ بِالِاخْتِلَاطِ اخْتِلَاطَ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْفُرُوضَ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ يَجِيءَ كُلُّ فَرْضٍ مِنْهَا مُنْفَرِدًا أَوْ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ فَإِنْ جَاءَ مُنْفَرِدًا فَمَخْرَجُ كُلِّ فَرْضٍ سَمِيُّهُ، وَهُوَ الْمَخْرَجُ الَّذِي يُشَارِكُهُ فِي الْحُرُوفِ إلَّا النِّصْفَ فَإِنَّهُ مِنْ اثْنَيْنِ، وَلَيْسَ بِسَمِيٍّ لَهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ الثُّمُنِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَالسُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ وَالثُّلُثُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالرُّبُعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالتَّرْجِيحُ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ) كَبِنْتِ الْبِنْتِ أَوْلَى مِنْ بِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ اهـ. (قَوْلُهُ فَمَنْ يُدْلِي بِوَارِثٍ أَوْلَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) كَبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ أَوْلَى مِنْ ابْنِ بِنْتِ الْبِنْتِ لِأَنَّهَا وَلَدُ وَارِثٍ فَإِنَّهَا وَلَدُ بِنْتِ الِابْنِ وَهِيَ صَاحِبَةُ فَرْضٍ وَابْنُ بِنْتِ الْبِنْتِ وَلَدُ بِنْتِ الْبِنْتِ وَهِيَ ذَاتُ رَحِمٍ اهـ ضَوْءٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَبْدَانِ) وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) كَمَا إذَا تَرَكَ ابْنَ بِنْتٍ وَبِنْتَ بِنْتٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ اتِّفَاقًا اهـ. (قَوْلُهُ وَالصِّفَةُ مِنْ بَطْنٍ اخْتَلَفَ) وَهَذِهِ صُورَتُهُ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ بَلْ هُوَ حَاشِيَةٌ أُلْحِقَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ) قَالَ صَاحِبُ الضَّوْءِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ يَقُولُ إنَّ مَشَايِخَ بُخَارَى أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسَائِلِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْحَيْضِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُفْتِي اهـ قَوْلُهُ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْحَيْضِ أَيْ فِي الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فَإِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِيهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى تَفَاصِيلَ مُتَعَدِّدَةٍ يَشُقُّ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي ضَبْطُهَا. وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي الْمَبْسُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[الفروض المقدرة في المواريث]

وَإِنْ جَاءَ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَخْتَلِطَ كُلُّ نَوْعٍ بِنَوْعِهِ أَوْ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ بِالنَّوْعِ الْآخَرِ، فَإِنْ اخْتَلَطَ كُلُّ نَوْعٍ بِنَوْعِهِ فَمَخْرَجُ الْأَقَلِّ مِنْهُ يَكُونُ مَخْرَجًا لِلْكُلِّ لِأَنَّ مَا كَانَ مَخْرَجًا لِجُزْءٍ يَكُونُ مَخْرَجًا لِضِعْفِهِ، وَلِضِعْفِ ضِعْفِهِ، كَالثَّمَانِيَةِ مَخْرَجٌ لِلثُّمُنِ أَوْ السِّتَّةُ مَخْرَجٌ لِلسُّدُسِ وَلِضِعْفِهِ وَلِضِعْفِ ضِعْفِهِ فَإِنْ اخْتَلَطَ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ بِالنَّوْعِ الْآخَرِ فَمَخْرَجُهُمَا مِنْ أَقَلِّ عَدَدٍ يَجْمَعُهُمَا، وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ ذَلِكَ اُنْظُرْ مَخْرَجَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرْضَيْنِ، عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ اُنْظُرْ هَلْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَجَمِيعُ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ فَالْمَبْلَغُ مَخْرَجُ الْفَرْضَيْنِ ثُمَّ إذَا اخْتَلَطَ النِّصْفُ مِنْ الْأَوَّلِ بِكُلِّ الثَّانِي أَوْ بِبَعْضِهِ فَهُوَ مِنْ سِتَّةٍ لِأَنَّ بَيْنَ مَخْرَجِ النِّصْفِ، وَالسُّدُسِ مُوَافَقَةً بِالنِّصْفِ فَإِذَا ضَرَبْت وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ بَلَغَ سِتَّةً، وَإِنْ اخْتَلَطَ بِالثُّلُثِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ فَلَا مُوَافَقَةَ بَيْنَ الْمَخْرَجَيْنِ فَاضْرِبْ أَحَدَهُمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ يَبْلُغُ سِتَّةً، وَإِذَا اخْتَلَطَ الرُّبُعُ مِنْ الْأَوَّلِ بِكُلِّ الثَّانِي أَوْ بِبَعْضِهِ فَهُوَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِأَنَّ مَخْرَجَ الرُّبُعِ، وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ يُوَافِقُ مَخْرَجَ السُّدُسِ، وَهُوَ السِّتَّةُ بِالنِّصْفِ فَإِذَا ضَرَبْت وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ بَلَغَ اثْنَيْ عَشَرَ، وَمِنْهُ يَخْرُجُ الْجُزْءَانِ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَلِطُ بِهِ الثُّلُثَ أَوْ الثُّلُثَيْنِ فَلَا مُوَافَقَةَ بَيْنَ الْمَخْرَجَيْنِ فَاضْرِبْ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ يَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَلِطُ بِالثَّانِي هُوَ الثُّمُنُ فَإِنْ كَانَ الْمُخْتَلِطُ بِهِ السُّدُسَ فَبَيْنَ الْمَخْرَجَيْنِ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَلِطُ بِهِ الثُّلُثَيْنِ فَلَا مُوَافَقَةَ بَيْنَهُمَا فَاضْرِبْ بِثَلَاثَةٍ فِي ثَمَانِيَةٍ تَبْلُغْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ فَمِنْهُ يَخْرُجُ الْجُزْءَانِ فَصَارَتْ جُمْلَةُ الْمَخَارِجِ سَبْعَةً، وَلَا يَجْتَمِعُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ فُرُوضٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَجْتَمِعُ مِنْ أَصْحَابِهَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ طَوَائِفَ، وَلَا يَنْكَسِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ طَوَائِفَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعُولُ بِزِيَادَةٍ) أَيْ تَعُولُ هَذِهِ الْمَخَارِجُ بِزِيَادَةٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَخْرَجِ إذَا اجْتَمَعَ فِي مَخْرَجِ فُرُوضٍ كَثِيرَةٍ بِحَيْثُ لَا تَكْفِي أَجْزَاءُ الْمَخْرَجِ لِذَلِكَ فَيَحْتَاجُ إلَى الْعَوْلِ بِزِيَادَةٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَخْرَجِ فَتَرْتَفِعُ الْمَسْأَلَةُ، وَالْعَوْلُ الِارْتِفَاعُ، وَمِنْهُ عَالَ الْمِيزَانُ إذَا ارْتَفَعَ فَسُمِّيَ عَوْلًا لِارْتِفَاعِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَيْلِ عَنْ الْفَرْضِ الْمُقَدَّرِ، وَالْعَوْلُ الْمَيْلُ وَالْجَوْرُ يُقَالُ عَالَ الْحَاكِمُ فِي حُكْمِهِ إذَا مَالَ وَجَارَ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} [النساء: 3] وَالْمُرَادُ بِالْعَوْلِ عَوْلُ بَعْضِهَا لِأَنَّ كُلَّهَا لَا يَعُولُ، وَإِنَّمَا يَعُولُ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا السِّتَّةُ وَاثْنَا عَشَرَ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَالْأَرْبَعَةُ الْأُخَرُ لَا تَعُولُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَسِتَّةٌ تَعُولُ إلَى عَشَرَةٍ وِتْرًا وَشَفْعًا) يُرِيدُ بِالْوِتْرِ السَّبْعَةَ وَالتِّسْعَةَ، وَبِالشَّفْعِ الثَّمَانِيَةَ وَالْعَشَرَةَ. فَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى سَبْعَةٍ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ زَوْجٌ وَجَدَّةٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى ثَمَانِيَةٍ زَوْجٌ وَأُخْتٌ مِنْ أَبٍ وَأُخْتَانِ مِنْ أُمٍّ أَوْ زَوْجٌ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ أَوْ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ مِنْ أَبٍ أَوْ زَوْجٍ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبَوَيْنِ وَأُخْتٌ مِنْ أُمٍّ أَوْ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبٍ، وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى تِسْعَةٍ زَوْجٌ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَأُمٌّ أَوْ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبٍ وَأُخْتَانِ مِنْ أُمٍّ أَوْ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ مِنْ أُمٍّ، وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى عَشَرَةٍ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبٍ وَأُخْتَانِ مِنْ أُمٍّ وَأُمٌّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَاثْنَا عَشَرَ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ وِتْرًا) أَيْ اثْنَا عَشَرَ تَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ وِتْرًا لَا شَفْعًا، وَالْمُرَادُ بِالْوِتْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ فَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ زَوْجٌ، وَبِنْتَانِ، وَأُمٌّ أَوْ زَوْجَةٌ وَأُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ أَوْ زَوْجٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَأُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ، وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ زَوْجٌ وَبِنْتَانِ وَأَبَوَانِ أَوْ زَوْجَةٌ وَأُخْتَانِ لِأَبٍ وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَمَانِي أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَجَدَّتَانِ وَثَلَاثُ زَوْجَاتٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ) أَيْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ تَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ. وَمَا فِيهَا إلَّا عَوْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْمِنْبَرِيَّةُ وَتُسَمَّى التِّسْعِيَّةَ، وَهِيَ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ وَبِنْتَانِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سُئِلَ عَنْهَا، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ عَادَ ثَمَنُهَا تُسْعًا مُرْتَجِلًا، وَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ، وَلَا تَعُولُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهَا تَعُولُ عِنْدَهُ إلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ فِيمَا إذَا تَرَكَ امْرَأَةً وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأُمًّا وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَابْنًا كَافِرًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ قَاتِلًا لَهُ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْمَحْرُومَ يَحْجُبُ حَجْبَ نُقْصَانٍ دُونَ الْحِرْمَانِ. فَيَكُونُ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ الْفُرُوض المقدرة فِي الْمَوَارِيث] قَوْلُهُ أَوْ زَوْجٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَأُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَخْ) وَانْظُرْ إلَى لُطْفِ هَذَا التَّمْثِيلِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَالَتْ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ وَعَدَدُ رُءُوسِ الْوَرَثَةِ أَيْضًا سَبْعَةَ عَشَرَ. اهـ.

وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ الثُّلُثَانِ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ. فَإِذَا فَرَغْنَا مِنْ ذَلِكَ جِئْنَا إلَى التَّصْحِيحِ فَلَا بُدَّ لِلتَّصْحِيحِ مِنْ مَعْرِفَةِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ التَّمَاثُلُ وَالتَّدَاخُلُ وَالتَّوَافُقُ وَالتَّبَايُنُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ فِي التَّصْحِيحِ فَنَقُولُ إنْ كَانَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مِثْلًا لِلْآخَرِ فَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ فَيُكْتَفَى بِضَرْبِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلًا لَهُ فَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ جُزْءًا لِلْأَكْثَرِ فَهِيَ الْمُدَاخَلَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا لَهُ فَإِنْ تَوَافَقَا فِي جُزْءٍ فَهِيَ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَوَافَقَا فِي جُزْءٍ فَهِيَ الْمُبَايَنَةُ. وَلَا يَخْلُو عَدَدَانْ اجْتَمَعَا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَتَسَاوَيَا أَوْ لَا، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ، وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَقَلُّ جُزْءًا لِلْأَكْثَرِ أَوْ، لَا فَإِنْ كَانَ جُزْءًا لَهُ فَهِيَ الْمُدَاخَلَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا لَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَّفِقَا فِي جُزْءٍ أَوْ لَا فَإِنْ اتَّفَقَا فِيهِ فَهِيَ الْمُوَافَقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا فِيهِ فَهِيَ الْمُبَايَنَةُ. وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ كُلُّهَا جَارِيَةٌ بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالرُّءُوسِ، وَكَذَا بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالسِّهَامِ إلَّا الْمُدَاخَلَةَ فَإِنَّ الْعَمَلَ فِيهَا كَالْمُوَافَقَةِ إذَا كَانَتْ الرُّءُوسُ أَكْثَرَ، وَكَالْمُمَاثَلَةِ إذَا كَانَتْ السِّهَامُ أَكْثَرَ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ كَمَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ الْمُمَاثَلَةُ. وَفَائِدَةُ التَّصْحِيحِ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْمُسْتَحَقِّينَ مِنْ أَقَلِّ عَدَدٍ يُمْكِنُ عَلَى وَجْهٍ يُسْلَمُ الْحَاصِلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَسْرِ، وَلِهَذَا سُمِّيَ تَصْحِيحًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ انْكَسَرَ خَطُّ فَرِيقٍ ضُرِبَ وَفْقُ الْعَدَدِ فِي الْفَرِيضَةِ إنْ وَافَقَ) أَيْ إذَا انْكَسَرَ نَصِيبُ طَائِفَةٍ مِنْ الْوَرَثَةِ يُنْظَرُ بَيْنَ رُءُوسِهِمْ وَسِهَامِهِمْ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ ضُرِبَ وَفْقُ عَدَدِهِمْ فِي الْفَرِيضَةِ، وَهِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَعَوْلُهَا إنْ كَانَتْ عَائِلَةً فَالْمَبْلَغُ تَصْحِيحُ الْمَسْأَلَةِ كَجَدَّةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ وَعِشْرِينَ أُخْتًا لِأَبٍ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ فَلِلْجَدَّةِ سَهْمٌ، وَكَذَا لِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ، وَلِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ أَرْبَعَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَتَوَافَقَ رُءُوسُهُنَّ بِالرُّبُعِ فَاضْرِبْ رُبُعَ رُءُوسِهِنَّ، وَهُوَ خَمْسَةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ سِتَّةٌ تَبْلُغُ ثَلَاثِينَ. وَمِنْهَا تَصِحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِلَّا فَالْعَدَدُ فِي الْفَرِيضَةِ فَالْمَبْلَغُ مَخْرَجُهُ) أَيْ إنْ لَمْ تُوَافِقْ الرُّءُوسُ السِّهَامَ فَاضْرِبْ عَدَدَ الرُّءُوسِ فِي الْفَرِيضَةِ، وَهِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَعَوْلُهَا إنْ كَانَتْ عَائِلَةً فَمَا بَلَغَ مِنْ الضَّرْبِ فَهُوَ التَّصْحِيحُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ فِي الْمُبَايَنَةِ وَالْمُوَافَقَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثَالَ الْمُوَافَقَةِ، وَمِثَالُ الْمُبَايَنَةِ زَوْجٌ، وَسَبْعُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأَخَوَاتِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ فَلَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَلَا تَوَافُقَ فَاضْرِبْ رُءُوسَهُنَّ فِي الْفَرِيضَةِ تَبْلُغُ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَعَدَّدَ الْكَسْرُ، وَتَمَاثَلَ ضُرِبَ وَاحِدٌ) أَيْ إذَا انْكَسَرَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ طَائِفَةٍ وَاحِدَةٍ، وَتَمَاثَلَ أَعْدَادُ رُءُوسِ الْمُنْكَسِرِ عَلَيْهِمْ يُضْرَبُ فَرِيقٌ وَاحِدٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إنْ كَانَتْ عَائِلَةً فَمَا بَلَغَ مِنْ الضَّرْبِ فَهُوَ تَصْحِيحُ الْمَسْأَلَةِ. مِثَالُهُ سِتُّ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَلَاثُ جَدَّاتٍ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَتَوَافَقَ بِالنِّصْفِ فَرُدَّ رُءُوسُهُنَّ إلَى النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ سَهْمَانِ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا يُوَافِقُ. وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ سَهْمٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَلَا يُوَافِقُ فَاجْتَمَعَ مَعَك ثَلَاثَةُ أَعْدَادٍ مُتَمَاثِلَةٍ فَاضْرِبْ وَاحِدًا مِنْهَا فِي الْفَرِيضَةِ تَبْلُغُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الْأَعْدَادِ مُتَمَاثِلَةً دُونَ الْبَعْضِ ضَرَبْتَ رُءُوسَ فَرِيقٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَمَاثِلِينَ فِي عَدَدِ رُءُوسِ الْفَرِيقِ الْمُبَايِنِ لَهُمْ أَوْ فِي وَفْقِهِ إنْ وَافَقَ فَمَا بَلَغَ ضَرَبْته فِي الْفَرِيضَةِ فَمَا بَلَغَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ. مِثَالُهُ لَوْ كَانَ عَدَدُ الْأَخَوَاتِ خَمْسًا مَثَلًا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ضُرِبَتْ ثَلَاثَةٌ فِي خَمْسَةٍ تَبْلُغُ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اضْرِبْ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي الْفَرِيضَةِ، وَهِيَ سَبْعَةٌ تَبْلُغُ مِائَةً، وَخَمْسَةً فَمِنْهَا تَصِحُّ، وَلَوْ تَرَكَ تِسْعَ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ، وَتِسْعَ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ، وَخَمْسَ عَشَرَةَ جَدَّةً ضُرِبَتْ التِّسْعَةُ فِي خَمْسَةٍ فَمَا بَلَغَ فِي الْفَرِيضَةِ فَمِنْهَا تَصِحُّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمُبَايِنُ أَكْثَرَ مِنْ طَائِفَةٍ وَاحِدَةٍ تَضْرِبُ مَا بَلَغَ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فِيهِ أَوْ فِي وَفْقِهِ ثُمَّ مَا بَلَغَ فِي الْفَرِيضَةِ فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ. مِثَالُهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ، وَخَمْسُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ، وَثَلَاثُ جَدَّاتٍ، وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ، وَلَا تَنْقَسِمُ عَلَى الْكُلِّ وَلَا تَوَافُقَ فَعَدَدُ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ يُمَاثِلُ الْجَدَّاتِ فَيُسْتَغْنَى بِأَحَدِهِمَا فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ تَبْلُغُ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ) لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهَا لِكُلٍّ أَرْبَعَةٌ وَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا اهـ (قَوْلُهُ تَبْلُغُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ) لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهَا لِكُلِّ سَهْمَانِ وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ سُبْعَاهَا لِكُلٍّ سَهْمَانِ وَلِلْجَدَّاتِ سُبْعُهَا لِكُلٍّ سَهْمٌ اهـ. (قَوْلُهُ تَبْلُغ مِائَةً وَخَمْسَةً إلَخْ) لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِكُلٍّ اثْنَا عَشَرَ وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ لِكُلٍّ عَشَرَةٌ وَلِلْجَدَّاتِ خَمْسَةَ عَشَرَ لِكُلٍّ. اهـ. (قَوْلُهُ تَبْلُغُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ إلَخْ) لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهَا لِكُلٍّ وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ سُبْعَاهَا لِكُلٍّ وَلِلْجَدَّاتِ سُبْعُهَا لِكُلٍّ اهـ

[التصحيح في الفرائض]

تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَر ثُمَّ فِي خَمْسَةٍ تَبْلُغُ سِتِّينَ ثُمَّ تَضْرِبُ السِّتِّينَ فِي الْفَرِيضَةِ، وَهِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ تَبْلُغُ أَلْفًا وَعِشْرِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَوَافَقَ فَالْوَفْقُ، وَإِلَّا فَالْعَدَدُ فِي الْعَدَدِ ثُمَّ وَثُمَّ ثُمَّ الْمَبْلَغُ فِي الْفَرِيضَةِ وَعَوْلِهَا) أَيْ إذَا تَوَافَقَ بَيْنَ أَعْدَادِ الرُّءُوسِ فَاضْرِبْ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ تُوَافِقْ فَاضْرِبْ جَمِيعَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ ثُمَّ اضْرِبْ مَا بَلَغَ فِي وَفْقِ الثَّالِثِ إنْ وَافَقَ الْمَبْلَغَ الثَّالِثَ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ فَاضْرِبْ كُلَّهُ فِيهِ فَمَا بَلَغَ فَاضْرِبْهُ فِي الْفَرِيضَةِ فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ. وَلَوْ كَانَ فَرِيقٌ رَابِعٌ ضَرَبْتَ فِيهِ مَا بَلَغَ مِنْ ضُرِبَ الرُّءُوسُ فِي الرُّءُوسِ إنْ لَمْ يُوَافِقْهُ، وَإِنْ وَافَقَهُ فَفِي الْوَفْقِ ثُمَّ مَا بَلَغَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا بَلَغَ مِنْهُ تَصِحُّ فَمِثَالُ الْمُوَافَقَةِ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ، وَثَمَانِي عَشْرَةَ أُخْتًا لِأُمٍّ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ جَدَّةً، وَخَمْسَ عَشْرَةَ أُخْتًا لِأَبٍ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ فَلِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَلَا تُوَافِقُ، وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَتَوَافَقَ بِالنِّصْفِ فَرُدَّ رُءُوسُهُنَّ إلَى النِّصْفِ تِسْعَةٌ، وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ سَهْمَانِ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَيُوَافِقُ بِالنِّصْفِ فَرُدَّ رُءُوسُهُنَّ إلَى النِّصْفِ سِتَّةٌ، وَلِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَلَا تُوَافِقُ فَبَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالسِّتَّةِ مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ. فَاضْرِبْ ثُلُثَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ يَبْلُغُ ثَلَاثِينَ ثُمَّ بَيْنَ الثَّلَاثِينَ وَالتِّسْعَةِ مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ فَاضْرِبْ ثُلُثَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ يَبْلُغُ تِسْعِينَ ثُمَّ بَيْنَ التِّسْعِينَ وَالْأَرْبَعَةِ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ فَاضْرِبْ نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ يَبْلُغُ مِائَةً وَثَمَانِينَ ثُمَّ اضْرِبْ الْمِائَةَ وَالثَّمَانِينَ فِي الْفَرِيضَةِ، وَهِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَسِتِّينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ، وَمِثَالُ الْمُبَايَنَةِ خَمْسُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ، وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَسَبْعُ جَدَّاتٍ وَأَرْبَعُ زَوْجَاتٍ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ فَلِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَلَا تُوَافِقَ، وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا تُوَافِقَ، وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ سَهْمَانِ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا يُوَافِقُ وَلِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا تُوَافِقَ فَالْخَمْسَةُ لَا تُوَافِقُ الثَّلَاثَةَ. فَاضْرِبْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَبْلُغُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ لَا تُوَافِقُ الْأَرْبَعَةَ فَاضْرِبْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَبْلُغُ سِتِّينَ، وَالسِّتُّونَ لَا تُوَافِقُ السَّبْعَةَ فَاضْرِبْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَبْلُغُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ اضْرِبْ أَرْبَعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فِي الْفَرِيضَةِ، وَهِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ تَبْلُغُ سَبْعَةَ آلَافٍ وَمِائَةً وَأَرْبَعِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ ثُمَّ إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ نَصِيبَ كُلِّ فَرِيقٍ عَلَى حِدَةٍ مِنْ التَّصْحِيحِ فَاضْرِبْ رُءُوسَ كُلِّ فَرِيقٍ فِيمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا بَلَغَ فَاضْرِبْهُ فِي عَدَدِ رُءُوسِ فَرِيقٍ مُخَالِفٍ لَهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْهُ فِي الْوَفْقِ فَمَا بَلَغَ فَاضْرِبْهُ فِي رُءُوسِ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ أَوْ فِي وَفْقِهِ، وَهَكَذَا تَفْعَلُ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ الرُّءُوسُ فَمَا بَلَغَ فَهُوَ نَصِيبُ ذَلِكَ الْفَرِيقِ، وَإِنْ شِئْت ضَرَبْت مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مَبْلَغِ الرُّءُوسِ فَالْمَبْلَغُ مِنْ الضَّرْبِ نَصِيبُهُمْ، وَإِذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْفَرِيقِ ضَرَبْت رَأْسَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا بَلَغَ ضَرَبْته فِي عَدَدِ رُءُوسِ الْمُخَالِفِ لَهُمْ إنْ كَانَ بَيْنَ رُءُوسِهِمَا مُبَايَنَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْهُ فِي وَفْقِهِ فَمَا بَلَغَ فَاضْرِبْهُ فِي عَدَدِ رُءُوسِ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ أَوْ فِي وَفْقِهِ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَمَا بَلَغَ فَاضْرِبْهُ فِي الرَّابِعِ أَوْ فِي وَفْقِهِ كَذَلِكَ فَمَا بَلَغَ فَهُوَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ. وَإِنْ شِئْت قَسَمْت مَبْلَغَ الرُّءُوسِ عَلَى رُءُوسِ كُلِّ فَرِيقٍ فَمَا أَصَابَ الْوَاحِدَ ضَرَبْته فِيمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا بَلَغَ فَهُوَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ. وَإِنْ شِئْت عَكَسْت بِأَنْ تَقْسِمَ مَا كَانَ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَصْلِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ فَمَا أَصَابَ الْوَاحِدَ ضَرَبْته فِي مَبْلَغِ الرُّءُوسِ فَمَا بَلَغَ فَهُوَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ، وَإِنْ شِئْت نَسَبْت سِهَامَ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ فَمَا وَجَدْت نِسْبَتَهُ أَخَذْت بِمِثْلِ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ مَبْلَغِ الرُّءُوسِ فَهُوَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ. وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. [التصحيح فِي الْفَرَائِض] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا فَضَلَ يُرَدُّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ بِقَدْرِ فُرُوضِهِمْ إلَّا عَلَى الزَّوْجَيْنِ) أَيْ يُرَدُّ مَا فَضَلَ مِنْ فَرْضِ ذَوِي الْفُرُوضِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ عَصَبَةٌ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ إلَّا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ تَبْلُغُ أَلْفًا وَعِشْرِينَ إلَخْ) كَانَ لِلزَّوْجَاتِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَضْرِبُهَا فِي يَحْصُلُ لِكُلٍّ وَكَانَ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَضْرِبُهَا فِي يَحْصُلُ لِكُلٍّ وَكَانَ لِلْجَدَّاتِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَضْرِبُهَا فِي يَحْصُلُ لِكُلٍّ وَكَانَ لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَضْرِبُهَا فِي يَحْصُلُ لِكُلٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ تَدَاخَلَ فَالْأَكْثَرُ) لَمْ يَكُنْ فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ لَهُ شَرْحًا وَلَا مِثَالًا فَلَعَلَّهُ سَهَا عَنْهُ. اهـ.

الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْفَاضِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ. وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُرَدُّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَيْضًا لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ لَوْ دَخَلَهَا نَقْصٌ بِالْعَوْلِ عَالَتْ عَلَى الْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ضِدُّهُ مِنْ الزِّيَادَةِ لِلْكُلِّ لِيَكُونَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ، وَالْغُنْمُ بِالْغُرْمِ وَجْهٌ مَنْ مَنَعَ الرَّدّ مُطْلَقًا أَنَّ النَّصَّ قَدَّرَ فَرْضَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِالرَّأْيِ فَامْتَنَعَ أَصْلًا، وَلَنَا قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] وَهُوَ االْمِيرَاثُ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ الزَّوْجَيْنِ إلَّا فِيمَا ثَبَتَ لَهُمَا بِالنَّصِّ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِجَمِيعِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي هَذَا الِاسْمِ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَ الْفَرَائِضِ قُدِّمُوا عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِقُوَّةِ قَرَابَتِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُقَدَّمُونَ فِي الْإِرْثِ فَكَانُوا أَحَقَّ بِهِ، وَمِنْ حَيْثُ السُّنَّةُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى سَعْدٍ يَعُودُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي مَالًا وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَتِي» الْحَدِيثَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَصْرَ الْمِيرَاثِ عَلَى ابْنَتِهِ، وَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ. وَلَمْ يُقِرَّهُ عَلَى الْخَطَإِ لَا سِيَّمَا فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ، وَكَذَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ فَمَاتَتْ أُمِّي، وَبَقِيَتْ الْجَارِيَةُ فَقَالَ وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَجَعَتْ إلَيْك فِي الْمِيرَاثِ» فَجَعَلَ الْجَارِيَةَ رَاجِعَةً إلَيْهَا بِحُكْمِ الْمِيرَاثِ، وَهَذَا هُوَ الرَّدُّ، وَلِأَنَّ أَصْحَابَ الْفَرَائِضِ سَاوَوْا النَّاسَ كُلَّهُمْ، وَتَرَجَّحُوا بِالْقَرَابَةِ فَيَتَرَجَّحُونَ بِذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ عَلَى بِنْتِ ابْنٍ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ، وَلَا عَلَى أُخْتٍ لِأَبٍ مَعَ الْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ، وَلَا عَلَى إخْوَةٍ مِنْ أُمٍّ مَعَ الْأُمِّ. وَلَا عَلَى جَدَّةٍ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ وَارِثٌ غَيْرَهَا، وَبِهِ أَخَذَ عَلْقَمَةُ لِأَنَّ الْفَاضِلَ مِنْ الْفَرْضِ مَأْخُوذٌ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَة فَيُقَدَّمُ فِيهِ الْأَقْرَبُ، فَالْأَقْرَبُ وَمِيرَاثُ الْجَدَّةِ السُّدُسُ كَانَ طُعْمَةً فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّةَ وَارِثٌ غَيْرَهَا فَتَكُونَ هِيَ أَوْلَى مِنْ الْأَجَانِبِ قُلْنَا هَذَا الرُّجْحَانُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا، وَلِهَذَا لَمْ يُحْجَبْ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ، وَدَخَلَ النَّقْصُ عَلَى الْكُلِّ عِنْدَ النَّقْصِ بِالْعَوْلِ غَيْرَ أَنَّهُ أَثَّرَ فِي تَفْضِيلِ النَّصِيبِ عِنْدِ الِاجْتِمَاعِ فَيُفَضَّلُ فِي الْفَاضِلِ أَيْضًا، وَإِدْخَالُ النَّقْصِ عَلَى الزَّوْجَيْنِ بِالْعَوْلِ مِمَّا يُوَافِقُ الدَّلِيلَ النَّافِيَ لِإِرْثِهِمَا. لِأَنَّ إرْثَهُمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَأَخْذُ الزِّيَادَةِ مِمَّا يُخَالِفُ النَّافِيَ لِإِرْثِهِمَا فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ، وَتَقْدِيرُ النَّصِيبِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَقَارِبِ تَخْصِيصٌ بِالذِّكْرِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الزِّيَادَةِ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا أَصْلًا لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ، فَأَثْبَتْنَاهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. ، وَلِأَنَّ النُّصُوصَ الْمَذْكُورَةَ فِي تَعْيِينِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تُثْبِتُهُ فَرْضًا، وَالْأَخْذُ بِطَرِيقِ الرَّدِّ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَة فَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْعَصَبَاتِ حَيْثُ يَأْخُذُ الْفَرْضَ بِالنَّصِّ ثُمَّ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ بِمُقْتَضَى الدَّلِيلَيْنِ، وَلَمْ نُثْبِتْهُ بِالرَّأْيِ بَلْ بِالنَّصِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا. ثُمَّ مَسَائِلُ الْبَابِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ يَكُونُوا جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ عِنْدَ عَدَمِ مَنْ لَا يُرَدَّ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَ وُجُودِهِ فَلَا تَخْرُجُ مَسَائِلُهُ عَنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي أَثْنَاءِ الْبَحْثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ جِنْسًا وَاحِدًا فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ رُءُوسِهِمْ كَبِنْتَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ) لِأَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ صَارَا كَابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ فَيُجْعَلُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَكَذَا الْجَدَّتَانِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْمُرَادُ بِالْأُخْتَيْنِ أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبَوَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَمِنْ سِهَامِهِمْ فَمِنْ اثْنَيْنِ لَوْ سُدُسَانِ، وَثَلَاثَةٍ لَوْ ثُلُثٌ وَسُدُسٌ وَأَرْبَعَةٍ لَوْ نِصْفٌ وَسُدُسٌ وَخَمْسَةٍ لَوْ ثُلُثَانِ وَسُدُسٌ أَوْ نِصْفٌ وَسُدُسَانِ أَوْ نِصْفٌ وَثُلُثٌ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ جِنْسًا وَاحِدًا بِأَنْ كَانَ جِنْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً تُجْعَلُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِهَامِهِمْ فَتُجْعَلُ مِنْ اثْنَيْنِ لَوْ اجْتَمَعَ سُدُسَانِ كَجَدَّةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ وَمِنْ ثَلَاثَةٍ إذَا اجْتَمَعَ ثُلُثٌ وَسُدُسٌ كَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَجَدَّةٍ أَوْ أُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ أَوْ أُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَمِنْ أَرْبَعَةٍ إذَا اجْتَمَعَ نِصْفٌ وَسُدُسٌ كَبِنْتٍ وَبَنَاتِ ابْنٍ، أَوْ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَأَخَوَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لِأَبٍ، أَوْ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأَخٍ لِأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ مَعَ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ مِنْ الْإِنَاثِ وَمِنْ خَمْسَةٍ إذَا اجْتَمَعَ ثُلُثَانِ وَسُدُسٌ كَأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ مَعَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْإِنَاثِ أَوْ أُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأَخٍ لِأُمٍّ أَوْ نِصْفٌ وَسُدُسَانِ كَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ أَوْ ثَلَاثِ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ أَوْ أُمٍّ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ أَوْ نِصْفٌ وَثُلُثٌ كَأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ أَوْ أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي بَابِ الرَّدِّ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ طَوَائِفَ فَإِذَا جَعَلْت الْمَسْأَلَةَ مِنْ سِهَامِهِمْ تَحَقَّقَ رَدُّ الْفَاضِلِ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ، وَهَذَانِ النَّوْعَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَا جِنْسًا وَاحِدًا، وَالْآخَرُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِهِمْ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَبَقِيَ النَّوْعَانِ الْآخَرَانِ، وَهُمَا إذَا اخْتَلَطَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ مِنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَعَ الْأَوَّلِ مَنْ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَعْطِ فَرْضَهُ مِنْ أَقَلِّ مَخَارِجِهِ ثُمَّ اقْسِمْ الْبَاقِيَ عَلَى مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ كَزَوْجٍ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ) أَيْ لَوْ كَانَ مَعَ الْأَوَّل، وَهُوَ مَا إذَا كَانُوا جِنْسًا وَاحِدًا مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَعْطِ فَرْضَ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ أَقَلِّ مَخَارِجِ فَرْضِهِ ثُمَّ اقْسِمْ الْبَاقِيَ عَلَى رُءُوسِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ إنْ اسْتَقَامَ الْبَاقِي عَلَيْهِمْ كَزَوْجٍ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ فَأَعْطِهِ مِنْ أَقَلِّ مَخَارِجِ الرُّبُعِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَإِذَا أَخَذَ رُبْعَهُ، وَهُوَ سَهْمٌ بَقِيَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَاسْتَقَامَ عَلَى رُءُوسِ الْبَنَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ فَإِنْ وَافَقَ رُءُوسَهُمْ كَزَوْجٍ وَسِتِّ بَنَاتٍ فَاضْرِبْ وَفْقَ رُءُوسِهِمْ فِي مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَاضْرِبْ كُلَّ رُءُوسِهِمْ فِي مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ كَزَوْجٍ وَخَمْسِ بَنَاتٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْبَاقِي مِنْ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَبَيْنَ رُءُوسِهِمْ مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْ وَفْقَ رُءُوسِهِمْ فِي مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ كَزَوْجٍ وَسِتِّ بَنَاتٍ فَإِنَّ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةً بِالثُّلُثِ فَرُدَّ رُءُوسَهُنَّ إلَى ثُلُثِهِ اثْنَيْنِ ثُمَّ اضْرِبْهُ فِي أَرْبَعَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ الْبَاقِي رُءُوسَهُمْ كَزَوْجٍ وَخَمْسِ بَنَاتٍ فَإِنَّهُ لَا مُوَافَقَةَ بَيْنَ الْخَمْسَةِ وَالثَّلَاثَةِ فَاضْرِبْ جَمِيعَ رُءُوسِهِنَّ، وَهُوَ الْخَمْسَةُ فِي الْأَرْبَعَةِ فَالْمَبْلَغُ فِي الْوَجْهَيْنِ تَصْحِيحُ الْمَسْأَلَةِ فَتَصِحُّ فِي الْأَوَّلِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ عِشْرِينَ لِأَنَّك فِي الْأَوَّلِ ضَرَبْت اثْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ وَفِي الثَّانِي خَمْسَةً فِي أَرْبَعَةٍ فَيَأْخُذُ الزَّوْجُ فِي الْأَوَّلِ سَهْمَيْنِ يَبْقَى سِتَّةٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَنَاتِ سَهْمٌ، وَيَأْخُذُ فِي الثَّانِي خَمْسَةً فَيُقْسَمُ الْبَاقِي عَلَى خَمْسَةٍ يُصِيبُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَعَ الثَّانِي مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ) الْمُرَادُ بِالثَّانِي أَنْ تَكُونَ طَائِفَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ أَيْ لَوْ كَانَ مَعَ الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ (فَاقْسِمْ مَا بَقِيَ مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ مِنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ) وَهُوَ سِهَامُهُمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا (كَزَوْجَةٍ وَأَرْبَعِ جَدَّاتٍ وَسِتِّ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ) لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ فَأَعْطِهَا مِنْ أَقَلِّ مَخَارِجِهِ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ تَبْقَى ثَلَاثَةٌ تَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِأَنَّ سِهَامَهُنَّ ثَلَاثَةٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ فَاضْرِبْ سِهَامَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَتِسْعِ بَنَاتٍ وَسِتِّ جَدَّاتٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ الْبَاقِي مِنْ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَلَى سِهَامِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مَسْأَلَتِهِمْ فَاضْرِبْ سِهَامَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فَمَا بَلَغَ يَخْرُجُ مِنْهُ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ كَسْرٍ، وَهَذَا الضَّرْبُ لِبَيَانِ مَخْرَجِ فُرُوضِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ أَقَلِّ عَدَدٍ يُمْكِنُ لَا لِلتَّصْحِيحِ فَسِهَامُ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ فِيمَا مَثَّلَ بِهِ خَمْسَةٌ أَرْبَعَةٌ لِلْبَنَاتِ، وَوَاحِدَةٌ لِلْجَدَّاتِ، وَمَا بَقِيَ مِنْ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ سَبْعَةٌ، وَهُوَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى خَمْسَةٍ فَاضْرِبْ الْخَمْسَةَ فِي الثَّمَانِيَةِ تَبْلُغُ أَرْبَعِينَ فَمِنْهُ يَخْرُجُ سِهَامُ كُلِّ وَاحِدٍ صَحِيحًا فَلِلزَّوْجَاتِ الثُّمُنُ خَمْسَةٌ، وَالْبَاقِي لِمَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ اضْرِبْ سِهَامَ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَسِهَامَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ) وَهَذَا لِبَيَانِ طَرِيقِ مَعْرِفَةِ سِهَامِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ هَذَا الْمَبْلَغِ فَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ سِهَامِ الزَّوْجَاتِ فِي الْمِثَالِ الَّذِي ضَرَبَهُ فَاضْرِبْ سَهْمًا فِي خَمْسَةٍ فَهُوَ نَصِيبُهُنَّ، وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ نَصِيبِ الْبَنَاتِ فَاضْرِبْ سِهَامَهُنَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فِيمَا بَقِيَ مِنْ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ سَبْعَةٌ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ فَهُوَ لَهُنَّ، وَلِلْجَدَّاتِ سَهْمٌ مَضْرُوبٌ فِي سَبْعَةٍ بِسَبْعَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ الضَّرْبُ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْخَمْسَةَ لَمَّا ضُرِبَتْ فِي الثَّمَانِيَةِ وَجَبَ أَنْ يُضْرَبَ سِهَامُ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ الثَّمَانِيَةِ فِي الْخَمْسَةِ، وَسَهْمُ الزَّوْجَاتِ وَاحِدٌ مِنْ الثَّمَانِيَةِ، وَالْبَاقِي لِمَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ سَبْعَةٌ فَيُضْرَبُ فِي الْخَمْسَةِ تَبْلُغُ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ فَصَارَتْ السَّبْعَةُ مَضْرُوبَةً فِي خَمْسَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِ مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَانِيَةِ مَضْرُوبٌ فِي خَمْسَةٍ، وَكَذَا الْخَمْسَةُ مَضْرُوبَةٌ فِي نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّمَانِيَةِ لِأَنَّ كُلَّ عَدَدٍ ضُرِبَ فِي عَدَدٍ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْرُوبًا وَمَضْرُوبًا فِيهِ، وَلِهَذَا غَيَّرَ الْعِبَارَةَ بِقَوْلِهِ وَسِهَامُ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ لَا لِتَغَيُّرِ الْعَمَلِ فَإِذَا عُرِفَ فُرُوضُ الْفَرِيقَيْنِ بِمَا ذُكِرَ يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ التَّصْحِيحِ، وَلِهَذَا بَيَّنَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ انْكَسَرَ فَصَحِّحْ كَمَا مَرَّ) أَيْ إذَا انْكَسَرَ عَلَى الْبَعْضِ أَوْ عَلَى الْكُلِّ فَصَحَّحَ الْمَسْأَلَةَ بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّصْحِيحِ لِأَنَّ السِّهَامَ إذَا لَمْ تُقْسَمْ عَلَى أَرْبَابِهَا اُحْتِيجَ إلَى التَّصْحِيحِ، وَمَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الضَّرْبِ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِتَخْرُجَ سِهَامُ كُلِّ فَرِيقٍ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ عَدَدٍ وَاحِدٍ كَمَا ذُكِرَ فِي مَخَارِجِ السِّهَامِ لَا لِتَصْحِيحِ الْمَسْأَلَةِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ ذَكَرْنَا طَرِيقَ التَّصْحِيحِ، وَطَرِيقَ مَعْرِفَةِ سِهَامِ كُلِّ فَرِيقٍ، وَطَرِيقَ مَعْرِفَةِ سِهَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْفَرِيقِ فَلَا نُعِيدُهُ، وَالْمِثَالُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ زَوْجَةٌ وَأَرْبَعُ جَدَّاتٍ وَسِتُّ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ تَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَالْمِثَالُ الثَّانِي، وَهُوَ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ، وَتِسْعُ بَنَاتٍ وَسِتُّ جَدَّاتٍ تَصِحُّ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ الْبَعْضُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) أَيْ إذَا مَاتَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْمَسَائِلِ مُنَاسَخَةً؛ مُفَاعَلَةٌ مِنْ النَّسْخِ، وَهُوَ الْإِزَالَةُ يُقَالُ نَسَخَتْ الشَّمْسُ الظِّلَّ إذَا أَزَالَتْهُ، وَمِنْهُ نَسَخْت الْكِتَابَ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِيمَا إذَا صَارَ بَعْضُ الْأَنْصِبَاءِ مِيرَاثًا قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ نَقْلِ الْعَمَلِ وَالتَّصْحِيحِ إلَى الْفَرِيضَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَصَحِّحْ مَسْأَلَةَ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ، وَأَعْطِ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ ثُمَّ صَحِّحْ مَسْأَلَةَ الْمَيِّتِ الثَّانِي، وَانْظُرْ بَيْنَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ نَصِيبُهُ مِنْ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ (وَبَيْنَ التَّصْحِيحِ الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ). أَيْ التَّوَافُقُ وَالتَّبَايُنُ وَالِاسْتِقَامَةُ. (فَإِنْ اسْتَقَامَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ عَلَى التَّصْحِيحِ الثَّانِي فَلَا ضَرْبَ، وَصَحَّتَا مِنْ تَصْحِيحِ مَسْأَلَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ) أَيْ صَحَّتْ الْفَرِيضَتَانِ فَرِيضَةُ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَى (وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ) أَيْ بَيْنَ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ نَصِيبُهُ مِنْ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ فَرِيضَتِهِ، وَهُوَ التَّصْحِيحُ الثَّانِي (فَاضْرِبْ وَفْقَ التَّصْحِيحِ الثَّانِي فِي كُلِّ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ) أَيْ بَيْنَ مَا فِي يَدِهِ وَفَرِيضَتِهِ، وَهُوَ التَّصْحِيحُ الثَّانِي (فَاضْرِبْ كُلَّ التَّصْحِيحِ الثَّانِي فِي التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ فَالْمَبْلَغُ مَخْرَجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ مَا بَلَغَ مِنْ الضَّرْبِ تَصْحِيحُ الْفَرِيضَتَيْنِ فَرِيضَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ وَفَرِيضَةِ الْمَيِّتِ الثَّانِي. وَإِنَّمَا كَانَ النَّظَرُ بَيْنَ مَا فِي يَدِ الْمَيِّتِ الثَّانِي، وَهُوَ نَصِيبُهُ مِنْ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ فَرِيضَتِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ مِنْ الِاسْتِقَامَةِ وَالْمُوَافَقَةِ وَالْمُبَايَنَةِ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ نَصِيبُهُ مِنْ الْفَرِيضَةِ الْأُولَى مَقْسُومٌ عَلَى فَرِيضَتِهِ فَصَارَتْ فَرِيضَتُهُ نَظِيرَ الرُّءُوسِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِمْ، وَنَصِيبُهُ مِنْ الْأَوَّلِ نَظِيرَ نَصِيبِهِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَكَمَا يُنْظَرُ بَيْنَ السِّهَامِ وَالرُّءُوسِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي تَصْحِيحِ الْفَرِيضَةِ فَكَذَا بَيْنَهُمَا حَتَّى إذَا انْقَسَمَ مَا فِي يَدِهِ عَلَى فَرِيضَتِهِ لَا حَاجَةَ إلَى الضَّرْبِ كَمَا إذَا انْقَسَمَ نَصِيبُ الْفَرِيقِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى رُءُوسِهِمْ. وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ فَإِنْ وَافَقَ يُضْرَبُ وَفْقُ فَرِيضَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ يُضْرَبُ كُلُّ الْفَرِيضَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْفَرِيضَةِ الْأُولَى كَمَا فِي الرُّءُوسِ كَذَلِكَ فَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ يُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ طَرِيقِ مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَرِثَةِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ فِي التَّصْحِيحِ، وَقَدْ بَيَّنَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاضْرِبْ سِهَامَ وَرِثَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ فِي التَّصْحِيحِ الثَّانِي أَوْ فِي وَفْقِهِ، وَسِهَامَ وَرِثَةِ الْمَيِّتِ الثَّانِي فِي نَصِيبِ الْمَيِّتِ الثَّانِي أَوْ فِي وَفْقِهِ) أَيْ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْفَرِيضَةِ الْأُولَى، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَرِثُ مِنْ الْمَيِّتَيْنِ ضَرَبْتَ نَصِيبَهُ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْفَرِيضَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ فِي وَفْقِهَا، وَنَصِيبَهُ مِنْ الثَّانِي فِيمَا فِي يَدِ الْمَيِّتِ الثَّانِي أَوْ فِي وَفْقِهِ. وَإِنَّمَا ضُرِبَ سِهَامُ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ فِي الْفَرِيضَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ فِي وَفْقِهَا لِأَنَّ الثَّانِيَةَ أَوْ وَفْقَهَا مَضْرُوبٌ فِي الْأُولَى فَنَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ يَكُونُ مَضْرُوبًا ضَرُورَةً فَلِذَلِكَ وَجَبَ ضَرْبُهُ فِيهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُضْرَبَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي وَفْقِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ) كَتَبَ الشَّيْخُ الشِّلْبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ هَذَا مُلْحَقَ مَا نَصُّهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْ وَفْقَ التَّصْحِيحِ الثَّانِي فِي كُلِّ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ فَاضْرِبْ كُلَّ التَّصْحِيحِ الثَّانِي فِي التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ فَالْمَبْلَغُ مَخْرَجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ. هَذَا الْمُلْحَقُ ثَابِتٌ فِي نُسْخَةِ شَيْخِنَا وَقَدْ كَتَبَ مُقَابِلُهُ عَلَى الْهَامِشِ مَا نَصُّهُ لَمْ أَجِدْ هَذَيْنِ السَّطْرَيْنِ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الشَّرْحِ وَإِنَّمَا الْمَوْجُودُ فِيهَا قَالَ: وَاضْرِبْ سِهَامَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ إلَى آخِرِ الْمَقَالَةِ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى مَتْنِ الْمُلْحَقِ مَا نَصُّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا فِي الْمَقَالَةِ قَبْلَهُ آنِفًا فَاسْتَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ هُنَا اهـ

لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ نَصِيبَهُ لَمَّا صَارَ مِيرَاثًا كَانَ مُسْتَحَقًّا لِوَرَثَتِهِ فَكَانَ مَقْسُومًا بَيْنَهُمْ فَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذَلِكَ بِضَرْبِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ فِيمَا فِي يَدِهِ أَوْ فِي وَفْقِ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا ذُكِرَ فِي الرَّدِّ أَنَّ سِهَامَ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ تُضْرَبُ فِي سِهَامِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَسِهَامَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ تُضْرَبُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَاتَ ثَالِثٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَاجْعَلْ الْمَبْلَغَ الثَّانِيَ مَقَامَ الْأُولَى، وَالثَّالِثَ مَقَامَ الثَّانِيَةِ فِي الْعَمَلِ. وَلَوْ مَاتَ رَابِعٌ فَاجْعَلْ الْمَبْلَغَ الثَّالِثَ مَقَامَ الْأُولَى وَالرَّابِعَ مَقَامَ الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا كُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ تُقِيمُهُ مَقَامَ الثَّانِيَةِ، وَالْمَبْلَغَ الَّذِي قَبْلَهُ مَقَامَ الْأُولَى إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى هَذَا إذَا مَاتَ الثَّانِي وَخَلَفَ وَرَثَةً غَيْرَ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي مِيرَاثِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ أَوْ كَانُوا هُمْ بِعَيْنِهِمْ، وَلَكِنَّ جِهَةَ إرْثِهِمْ مِنْ الْمَيِّتَيْنِ مُخْتَلِفَةٌ، وَإِنْ كَانُوا هُمْ بِعَيْنِهِمْ، وَلَمْ يَخْلُفْ غَيْرَهُمْ مِنْ الْوَرَثَةِ وَجِهَةُ إرْثِهِمْ مِنْ الْمَيِّتَيْنِ مُتَّحِدَةٌ أُلْغِيَتْ جَمِيعُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَصُحِّحَتْ فَرِيضَةُ الْمَيِّتِ الْأَخِيرِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ إلَّا هُوَ، وَلَمْ يَكُنْ وَارِثٌ غَيْرَ وَرَثَتِهِ، وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمَّى التَّنَاسُخَ النَّاقِصَ كَمَا إذَا مَاتَ شَخْصٌ، وَخَلَفَ خَمْسَةَ بَنِينَ وَخَمْسَ بَنَاتٍ ثُمَّ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَخَلَفَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الْمِيرَاثِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَخْلُفْ غَيْرَهُمْ قُسِمَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْحِيحِ فَرِيضَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ، وَلَمْ يَخْلُفْ غَيْرَهُمْ مِنْ الْوَرَثَةِ يُقْسَمُ عَلَى رُءُوسِهِمْ لَا غَيْرُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَابَ يَحْتَاجُ فِيهِ الطَّالِبُ إلَى التَّأَمُّلِ وَكَثْرَةِ التَّصْوِيرِ وَضَبْطِ الْحَاصِلِ لِكُلِّ مَيِّتٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ بَعْضِ الْمَوْتَى مُسْتَقِيمًا عَلَى مَسْأَلَتِهِ، وَمِنْ بَعْضِهِمْ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَقَدْ لَا يَنْقَسِمُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَيَنْقَسِمُ الْمَجْمُوعُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ ذَلِكَ عِنْدَ انْتِهَاءِ تَصْحِيحِ فَرِيضَةِ كُلِّ مَيِّتٍ ثُمَّ يَنْظُرَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْجَمِيعِ وَجَمْعِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ هَلْ بَيْنَ التَّصْحِيحِ وَبَيْنَ الْحَاصِلِ لِكُلِّ وَارِثٍ مُوَافَقَةٌ بِجُزْءٍ كَالنِّصْفِ وَالرُّبُعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ وَجَدْتَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةً بِجُزْءٍ رَدَدْتَ التَّصْحِيحَ إلَى جُزْءِ الْوَفْقِ، وَكَذَلِكَ الْحَاصِلُ لِكُلِّ وَارِثٍ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ. فَإِنْ وَافَقَ بِالنِّصْفِ مَثَلًا رَدَدْت الْمَسْأَلَةَ إلَى نِصْفِهَا، وَرَدَدْت نَصِيبَ كُلِّ وَارِثٍ إلَى نِصْفِهِ فَتُعْطِيهِ لَهُ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَتَّفِقُ إلَّا فِي الْمُنَاسَخَةِ ثُمَّ الْفَرْضِيُّونَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كَثَّرُوا الْأَمْثِلَةَ فِي الْمُنَاسَخَاتِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضَ الْأَمْثِلَةِ لِيَكُونَ لِلطَّالِبِ دُرْبَةٌ، وَيَسْهُلَ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْوَاقِعَاتِ فَنَقُولَ إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ، وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَبِنْتًا وَأُمًّا فَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَنْ امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ ثُمَّ مَاتَتْ الْبِنْتُ عَنْ ابْنَيْنِ وَبِنْتٍ وَجَدَّةٍ ثُمَّ مَاتَتْ الْجَدَّةُ عَنْ زَوْجٍ وَأَخَوَيْنِ فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَرْأَةِ رَدِّيَّةٌ تَصِحُّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ فَلِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبِنْتِ تِسْعَةٌ، وَلِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزَّوْجِ تَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَيَسْتَقِيمُ مَا فِي يَدِهِ عَلَيْهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الضَّرْبِ، وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مَسْأَلَةُ الْبِنْتِ تَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، وَنَصِيبُهَا مِنْ الْأُولَى تِسْعَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى مَسْأَلَتِهَا، وَتُوَافِقُ بِالثُّلُثِ فَاضْرِبْ ثُلُثَ مَسْأَلَتِهَا، وَهُوَ اثْنَانِ فِي سِتَّةَ عَشَرَ تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ الْفَرِيضَتَانِ فَمَنْ كَانَ لَهُ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ شَيْءٌ فَمَضْرُوبٌ فِي اثْنَيْنِ، وَمَنْ كَانَ لَهُ مِنْ سِتَّةٍ شَيْءٌ فَمَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ مَا فِي يَدِهَا، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، وَالْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ مَسْأَلَةُ الْجَدَّةِ تَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَسِهَامُهَا تِسْعَةٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ اجْتَمَعَ لَهَا مِنْ بِنْتِهَا سِتَّةٌ، وَمِنْ بِنْتِ بِنْتِهَا ثَلَاثَةٌ وَتِسْعَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَلَا تُوَافِقُ فَاضْرِبْ أَرْبَعَةً فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ تَبْلُغُ مِائَةً وَثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا. فَمَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مَضْرُوبٌ فِي أَرْبَعَةٍ، وَمَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَمَضْرُوبٌ فِيمَا فِي يَدِهَا، وَهُوَ تِسْعَةٌ، وَلَوْ تَرَكَ زَوْجَةً وَابْنًا وَبِنْتًا وَأُمًّا ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَخَلَفَ ابْنَتَيْنِ وَزَوْجَةً وَجَدًّا وَجَدَّةً ثُمَّ مَاتَتْ الْجَدَّةُ عَنْ بِنْتَيْ ابْنِ ابْنٍ، وَهُمَا الْبِنْتَانِ فِي الثَّانِيَةِ، وَزَوْجًا وَهُوَ الْجَدُّ فِي الثَّانِيَةِ وَأَخًا لِأَبٍ فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى تَصِحُّ مِنْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لِلْأُمِّ اثْنَا عَشَرَ لِلزَّوْجَةِ تِسْعَةٌ وَلِلْبِنْتِ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَلِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِابْنِ تَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلْبِنْتَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ أَرْبَعَةٌ، وَفِي يَدِهِ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى فَرِيضَتِهِ وَلَا تُوَافِقُ، فَاضْرِبْ فَرِيضَةَ الثَّانِي، وَهِيَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ فِي الْأُولَى، وَهِيَ اثْنَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَمَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ مَا فِي يَدِهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ) فَلِأُمِّ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ مِنْ 16 ثَلَاثَةٌ تَضْرِبُهَا فِي 2 يَبْلُغُ سِتَّة فَهِيَ لَهَا، وَلِامْرَأَةِ الْمَيِّتِ الثَّانِي سَهْمٌ تَضْرِبُهُ فِي 2 يَكُونُ سَهْمَيْنِ فَهُمَا لَهَا، وَلِأَبِ الْمَيِّتِ الثَّانِي سَهْمَانِ تَضْرِبُهُمَا فِي 2 تَبْلُغُ أَرْبَعَةً فَهِيَ لَهُ، وَلِأُمِّ الْمَيِّتِ الثَّانِي سَهْمٌ تَضْرِبُهُ فِي 2 يَكُونُ سَهْمَيْنِ فَهُمَا لَهَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ابْنَيْ الْمَيِّتِ الثَّالِثِ مِنْ السِّتَّةِ سَهْمَانِ تَضْرِبُهُمَا فِي 3 تَبْلُغُ 6 فَهِيَ لَهُ، وَلِبِنْتِ الْمَيِّتِ الثَّالِثِ سَهْمٌ تَضْرِبُهُ فِي 3 يَكُونُ 3 فَهِيَ لَهَا، وَلِجَدَّةِ الْمَيِّتِ الثَّالِثِ وَهِيَ أُمُّ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ سَهْمٌ تَضْرِبُهُ فِي 3 يَكُونُ 3 فَهِيَ لَهَا وَقَدْ كَانَ لَهَا 6 فَاجْتَمَعَ لَهَا تِسْعَةٌ فَيَصِيرُ لِامْرَأَةِ الْمَيِّتِ الثَّانِي سَهْمَانِ وَلِأَبِ الْمَيِّت الثَّانِي 4 وَلِأُمِّ الْمَيِّتِ الثَّانِي سَهْمَانِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ابْنَيْ الْمَيِّتِ الثَّالِثِ 6 وَلِبِنْتِ الْمَيِّتِ الثَّالِثِ 6 وَلِجَدَّةِ الْمَيِّتِ الثَّالِثِ 9 وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ فَمَضْرُوبٌ فِيمَا فِي يَدِهَا وَهُوَ تِسْعَةٌ) فَلِامْرَأَةِ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنْ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثِينَ سَهْمَانِ تَضْرِبُهُمَا فِي الْأَرْبَعَةِ تَبْلُغُ 8 فَهِيَ لَهَا، وَلِأَبِ الْمَيِّتِ الثَّانِي 4 تَضْرِبُهَا فِي الْأَرْبَعَةِ تَبْلُغُ 16 فَهِيَ لَهُ، وَلِأُمِّ الْمَيِّتِ الثَّانِي سَهْمَانِ تَضْرِبُهُمَا فِي الْأَرْبَعَةِ تَبْلُغُ 8 فَهِيَ لَهَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ابْنَيْ الْمَيِّتِ الثَّالِثِ سِتَّةٌ تَضْرِبُهَا فِي 4 تَبْلُغُ 24 فَهِيَ لَهُ، وَلِبِنْتِ الْمَيِّتِ الثَّالِثِ ثَلَاثَةٌ تَضْرِبُهَا فِي الْأَرْبَعَةِ تَبْلُغُ 12 فَهِيَ لَهَا، وَلِزَوْجِ الْمَيِّتِ الرَّابِعِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ سَهْمَانِ تَضْرِبُهُمَا فِي التِّسْعَةِ تَبْلُغُ 18 فَهِيَ لَهُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَخَوِيْ الْمَيِّتِ الرَّابِعِ سَهْمٌ تَضْرِبُهُ فِي التِّسْعَةِ يَكُونُ 9 فَهِيَ لَهُ اهـ

وَسَبْعُونَ تَبْلُغُ أَلْفًا وَتِسْعَمِائَةٍ وَأَرْبَعَةً، وَأَرْبَعِينَ فَلِلْبِنْتِ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ الْأُولَى مَضْرُوبَةٌ فِي جَمِيعِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ تَبْلُغُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَخَمْسِينَ، وَلِلْأُمِّ مِنْ الْأُولَى اثْنَا عَشَرَ مَضْرُوبَةٌ فِي سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ تَبْلُغُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَلِزَوْجَةِ الْأَوَّلِ تِسْعَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعِينَ، وَلِلْبِنْتَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ سِتَّةَ عَشَرَ مَضْرُوبَةٌ فِيمَا فِي يَدِ الْمَيِّتِ الثَّانِي، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ تَبْلُغُ خَمْسَمِائَةٍ وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ، وَلِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَهُوَ مَا فِي يَدِ الْمَيِّتِ الثَّانِي تَبْلُغُ مِائَةً وَاثْنَيْنِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ أَرْبَعَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ وَثَلَاثِينَ تَبْلُغُ مِائَةً وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْجَدَّةِ تَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَفِي يَدِهَا مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ، وَهِيَ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى فَرِيضَتِهَا، وَتُوَافِقُهُ بِالرُّبُعِ فَاضْرِبْ رُبُعَ فَرِيضَتِهَا، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي الْأُولَى، وَهُوَ أَلْفٌ وَتِسْعُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ تَبْلُغُ خَمْسَةَ آلَافٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ الْفَرِيضَتَانِ ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأُولَى يُضْرَبُ فِي وَفْقِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّانِيَةِ يُضْرَبُ فِي وَفْقِ مَا فِي يَدِهَا، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ لِبِنْتِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأُولَى أَرْبَعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَخَمْسُونَ مَضْرُوبَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ تَبْلُغُ أَلْفًا وَثَلَاثَمِائَةٍ وَسَبْعًا وَسَبْعِينَ، وَلِأُمِّ الْأَوَّلِ مِنْ الْأُولَى ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ مَضْرُوبَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ تَبْلُغُ تِسْعَمِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، وَلِزَوْجَةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأُولَى مِائَتَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ فِي ثَلَاثَةٍ تَبْلُغُ سَبْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَلِبِنْتَيْ الثَّانِي مِنْ الْأُولَى خَمْسُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ مَضْرُوبَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ تَبْلُغُ أَلْفًا وَسِتَّمِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَمَانِمِائَةٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ، وَلِزَوْجَةِ الثَّانِي مِنْ الْأُولَى مِائَةٌ وَاثْنَانِ مَضْرُوبَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ تَبْلُغُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتَّةً. وَلِلْجَدِّ مِنْ الْأُولَى مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ مَضْرُوبَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ تَبْلُغُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةً، وَلِبِنْتَيْ ابْنِ ابْنِ الْجَدَّةِ مِنْ فَرِيضَةِ الْجَدَّةِ، وَهِيَ الْأَخِيرَةُ ثَمَانِيَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي وَفْقِ مَا فِي يَدِ الْجَدَّةِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، وَلِزَوْجِ الْجَدَّةِ مِنْ فَرِيضَتِهَا ثَلَاثَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي وَفْقِ مَا فِي يَدِهَا، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ تَبْلُغُ مِائَةً وَاثْنَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ فِي الثَّانِيَةِ جَدًّا، وَلِأَخِ الْجَدَّةِ سَهْمٌ مِنْ فَرِيضَتِهَا مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ مَا فِي يَدِهَا تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعْرَفُ حَظُّ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ التَّصْحِيحِ بِضَرْبِ مَا لِكُلٍّ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا ضَرَبْته فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ يُعْرَفُ نَصِيبُ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ التَّصْحِيحِ بِضَرْبِ نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَبْلَغِ الرُّءُوسِ، وَهُوَ الْمَضْرُوبُ فِي الْفَرِيضَةِ فَمَا بَلَغَ فَهُوَ نَصِيبُ ذَلِكَ الْفَرِيقِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَظُّ كُلِّ فَرْدٍ بِنِسْبَةِ سِهَامِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ مُفْرَدًا ثُمَّ يُعْطَى بِمِثْلِ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ الْمَضْرُوبِ لِكُلِّ فَرْدٍ) أَيْ يُعْرَفُ نَصِيبُ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْفَرِيقِ بِأَنْ تُنْسَبَ سِهَامُ جَمِيعِ الْفَرِيقِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إلَى عَدَدِ رُءُوسِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ فَمَا وُجِدَ نِسْبَتُهُ أُعْطِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ بِمِثْلِ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ الْمَضْرُوبِ فَيَخْرُجُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ مُفْرَدًا أَنْ يُنْسَبَ إلَى فَرِيقٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ ضَمِّ فَرِيقٍ آخَرَ عِنْدَ النِّسْبَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مَوْضِعُهُمَا بَابُ التَّصْحِيحِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا هُنَاكَ، وَطَرَفًا آخَرَ فَلَا نُعِيدُهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَرَدْت قِسْمَةَ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ فَاضْرِبْ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّصْحِيحِ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ ثُمَّ اقْسِمْ الْمَبْلَغَ عَلَى التَّصْحِيحِ) وَكَذَا الدَّيْنُ بِأَنْ تَضْرِبَ دَيْنَ كُلِّ غَرِيمٍ فِي التَّرِكَةِ وَتَقْسِمَ الْخَارِجَ عَلَى مَجْمُوعِ الدَّيْنِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ التَّرِكَةِ وَالتَّصْحِيحِ، وَلَا بَيْنَ التَّرِكَةِ وَمَجْمُوعِ الدَّيْنِ مُوَافَقَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْ سِهَامَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ وَدَيْنَ كُلِّ غَرِيمٍ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ فَمَا بَلَغَ فَاقْسِمْهُ عَلَى وَفْقِ التَّصْحِيحِ أَوْ عَلَى وَفْقِ مَجْمُوعِ الدَّيْنِ فَمَا خَرَجَ مِنْ الْقَمَسَةِ فَهُوَ نَصِيبُ ذَلِكَ الْوَارِثِ أَوْ الدَّائِنِ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ دَيْنَ كُلِّ غَرِيمٍ بِمَنْزِلَةِ سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ، وَمَجْمُوعُ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ التَّصْحِيحِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ مُمَهَّدَةٍ فِي الْحِسَابِ، وَهِيَ أَنَّهُ مَتَى اجْتَمَعَ أَرْبَعَةُ أَعْدَادٍ مُتَنَاسِبَةٌ، وَكَانَ نِسْبَةُ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي كَنِسْبَةِ الثَّالِثِ إلَى الرَّابِعِ، وَعُلِمَ مِنْ تِلْكَ الْأَعْدَادِ ثَلَاثَةٌ، وَجُهِلَ وَاحِدٌ أَمْكَنَ اسْتِخْرَاجُ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ اجْتَمَعَ أَرْبَعَةُ أَعْدَادٍ مُتَنَاسِبَةٌ أَوَّلُهَا سِهَامُ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التَّصْحِيحِ، وَثَانِيهَا التَّصْحِيحُ، وَثَالِثُهَا الْحَاصِلُ لِكُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّرِكَةِ، وَرَابِعُهَا جَمِيعُ التَّرِكَةِ لِأَنَّ نِسْبَةَ السِّهَامِ إلَى التَّصْحِيحِ كَنِسْبَةِ الْحَاصِلِ مِنْ التَّرِكَةِ إلَى جَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَالثَّالِثُ مَجْهُولٌ، وَالْبَاقِي مَعْلُومٌ فَإِذَا ضَرَبْت الطَّرَفَ فِي الطَّرَفِ كَانَ كَضَرْبِ الثَّانِي فِي الثَّالِثِ فَكَذَلِكَ إذَا قَسَمْت الْمَبْلَغَ عَلَى الثَّانِي يَخْرُجُ الثَّالِثُ ضَرُورَةَ أَنَّ كُلَّ مِقْدَارٍ تَرَكَّبَ مِنْ ضَرْبِ عَدَدٍ فِي عَدَدٍ إذَا قُسِمَ عَلَى أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ خَرَجَ الْآخَرُ كَخَمْسَةِ عَشَرَ مَثَلًا لَمَّا تَرَكَّبَتْ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي خَمْسَةٍ إذَا قَسَمْتهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ خَرَجَ خَمْسَةٌ، وَإِذَا قَسَمْتهَا عَلَى خَمْسَةٍ خَرَجَ ثَلَاثَةٌ، وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ هِيَ الْأَصْلُ فِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْفَرِيقِ فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ هُنَاكَ أَيْضًا أَرْبَعَةُ أَعْدَادٍ مُتَنَاسِبَةٌ نَصِيبُ الْفَرِيقِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَدَدُ الْفَرِيقِ، وَالْحَاصِلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْفَرِيقِ مِنْ التَّصْحِيحِ وَمَبْلَغِ الرُّءُوسِ، فَنِسْبَةُ نَصِيبِ الْفَرِيقِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إلَى عَدَدِهِمْ كَنِسْبَةِ الْحَاصِلِ مِنْ التَّصْحِيحِ لِكُلِّ وَاحِدٍ إلَى مَبْلَغِ الرُّءُوسِ، وَهُوَ الْمَضْرُوبُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَالثَّالِثُ مَجْهُولٌ، وَالْبَاقِي مَعْلُومٌ، وَيُسْتَخْرَجُ الْمَجْهُولُ فِي مِثْلِ هَذَا بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّصْحِيحِ، وَكَذَا الْعَمَلُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ لَا تَفِي بِهِ فَدَيْنُ كُلِّ غَرِيمٍ بِمَنْزِلَةِ سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ، وَمَجْمُوعُ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ التَّصْحِيحِ فَبَطَلَتْ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ مَجْمُوعِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ التَّرِكَةِ ثُمَّ الْعَمَلُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ صَالَحَ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى شَيْءٍ فَاجْعَلْهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَاقْسِمْ مَا بَقِيَ عَلَى سِهَامِ مَنْ بَقِيَ) لِأَنَّ الْمُصَالِحَ لَمَّا تَرَكَ بِشَيْءٍ أَعْطَوْهُ جُعِلَ مُسْتَوْفِيًا نَصِيبَهُ، وَخَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ فَيَبْقَى الْبَاقِي مَقْسُومًا عَلَى سِهَامِهِمْ، وَقَوْلُهُ فَاجْعَلْهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَبَضَ بَدَلَ نَصِيبِهِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ جَعْلُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَلْ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْبَاقُونَ أَنْصِبَاءَهُمْ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا مَاتَتْ، وَخَلَفَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَعَمًّا فَصَالَحَ الزَّوْجُ عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ يُقْسَمُ الْبَاقِي مِنْ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْعَمِّ أَثْلَاثًا لِلْأُمِّ سَهْمَانِ وَسَهْمٌ لِلْعَمِّ، وَلَوْ جُعِلَ الزَّوْجُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَكَانَ لِلْأُمِّ سَهْمٌ لِأَنَّهُ الثُّلُثُ بَعْدَ خُرُوجِ الزَّوْجِ مِنْ الْبَيْنِ، وَلِلْعَمِّ سَهْمَانِ لِأَنَّهُ الْبَاقِي بَعْدَ الْفَرْضِ، وَلَكِنْ تَأْخُذُ هِيَ ثُلُثَ الْكُلِّ، وَهُوَ سَهْمَانِ مِنْ سِتَّةٍ، وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ بِأَخْذِ بَدَلِهِ فَبَقِيَ السُّدُسُ، وَهُوَ سَهْمٌ لِلْعَمِّ، وَكَذَا لَوْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ، وَخَلَفَتْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ، وَزَوْجًا فَصَالَحَتْ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَخَرَجَتْ مِنْ الْبَيْنِ كَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا ثَلَاثَةٌ لِلزَّوْجِ، وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ، وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ لِأُمٍّ عَلَى مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِأَنَّ أَصْلَهَا مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ فَإِذَا اسْتَوْفَتْ الْأُخْتُ نَصِيبَهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ بَقِيَ خَمْسَةٌ، وَلَوْ جُعِلَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَكَانَتْ مِنْ سِتَّةٍ، وَبَقِيَ سَهْمٌ لِلْعَصَبَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا دَائِمًا أَبَدًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ أَجْمَعِينَ وَعَنْ التَّابِعِينَ وَتَابِعِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ. (يَقُولُ خَادِمُ تَصْحِيحِ الْعُلُومِ بِدَارِ الطَّبْعِ الزَّاهِرَةِ بِبُولَاقَ مِصْرَ الْقَاهِرَةِ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْحُسَيْنِيُّ أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَى أَدَاءِ وَاجِبِهِ الْكِفَائِيِّ وَالْعَيْنِيِّ) سُبْحَانَك يَا مَنْ فَقَّهْت فِي دِينِك الْمَتِينِ مَنْ اصْطَفَيْتهمْ مِنْ عِبَادِك الْمُخْلَصِينَ حَمَّلْتهمْ كِتَابَك الْمُبِينَ، وَحَفَّظْتهمْ سُنَّةَ نَبِيِّك سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ فَاسْتَنْبَطُوا مِنْهُمَا الْأَحْكَامَ، وَبَيَّنُوا لِعِبَادِك الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ (نَحْمَدُك) وَنَشْكُرُك، وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا نَكْفُرُك، وَنُصَلِّي وَنُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّك الْأَكْرَمِ وَرَسُولِك السَّيِّدِ السَّنَدِ الْأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الَّذِي أَنْزَلْت عَلَيْهِ كِتَابَك الْمَجِيدَ، وَرَفَعْته لَدَيْك إلَى الْمَقَامِ الْحَمِيدِ فَهَدَى أُمَّتَهُ بِالشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ وَالْقَوْلِ السَّدِيدِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمُحِبِّيهِ وَحِزْبِهِ (أَمَّا بَعْدُ) فَلَمَّا كَانَ مَحِلُّ الْفَقِيهِ مِنْ الْعُلُومِ مَحِلَّ الرُّوحِ مِنْ الْجَسَدِ، وَالنُّورِ مِنْ الْعَيْنِ، وَالْقُوَّةِ مِنْ الْأَسَدِ إذْ بِهِ تُعْرَفُ أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ، وَالْمُعَامَلَةُ بَيْنَ الْخَلَائِقِ، وَفَصْلُ الْأَحْكَامِ اهْتَمَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ الرَّاسِخُونَ فَدَوَّنُوهُ وَضَبَطُوا أُصُولَهُ وَفُرُوعَهُ وَبَيَّنُوهُ. وَمِمَّنْ أَجْرَى طَرَفَهُ فِي هَذَا الْمَجَالِ فَحَازَ قَصَبَ السَّبْقِ فِي هَذَا الشَّانِ بَيْنَ الْأَبْطَالِ الرَّامِي الْمُجِيدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَبَقِيَ سَهْمٌ لِلْعَصَبَةِ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ صَحَّ وَتَعُولُ بِسَهْمٍ إلَى سَبْعَةٍ كَذَا أَصْلَحَ شَيْخُنَا قَاضِي الْقُضَاة الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نُسْخَتِهِ بَدَلَ قَوْلِهِ وَبَقِيَ سَهْمٌ لِلْعَصَبَةِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[خاتمة الكتاب]

وَالنَّاضِلُ الصِّنْدِيدُ فَقِيهُ زَمَانِهِ وَعَلَّامَةُ آنِهِ مَوْلَانَا وَسَيِّدُنَا الشَّيْخُ عُثْمَانُ الزَّيْلَعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَرْضَاهُ، وَمِنْ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ فَإِنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَلَّفَ شَرْحَهُ الشَّارِحَ لِلصُّدُورِ الْمُزِيلَ بِهَنِيِّ زُلَالِهِ غُلَّةَ الْمَصْدُورِ، الْبَحْرَ الزَّاخِرَ عُدَّةَ الْأَوَائِلِ وَالْأَوَاخِرِ يَغْتَرِفُ مِنْهُ الْوَارِدُونَ فَيَمْلَئُونَ أَسْقِيَتَهُمْ، وَيَصْدُرُ عَنْهُ النَّاهِلُونَ وَقَدْ أَفْعَمُوا أَرْوِيَتَهُمْ الْمُسَمَّى (تَبْيِينُ الْحَقَائِقِ شَرْحُ كَنْزِ الدَّقَائِقِ) فَتَحَ بِهِ أَبْوَابَ الْكَنْزِ لِطُلَّابِ نَفَائِسِهِ، وَنَصَبَ بِهِ الْمِنَصَّةَ لِجَلَاءِ عَرَائِسِهِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الشَّرْحُ الْجَلِيلُ بُغْيَةَ الطَّالِبِينَ، وَعُمْدَةَ الْمُحَصِّلِينَ انْتَهَضَ لِطَبْعِهِ رَغْبَةً فِي عُمُومِ نَفْعِهِ بِدَارِ الطَّبْعِ الْبَهِيَّةِ بِبُولَاقِ مِصْرَ الْمُعِزِّيَّةِ الْجَنَابُ الْأَمْجَدُ وَالْمَلَاذُ الْأَسْعَدُ السَّيِّدُ عُمَرُ الْخَشَّابُ التَّاجِرُ فِي الْكُتُبِ بِالسِّكَّةِ الْجَدِيدَةِ وَبِجِوَارِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ بِمِصْرَ حَفِظَهُ اللَّهُ فَتَمَّ طَبْعُهُ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى أَبْهَجِ مِثَالٍ وَأَجْمَلِ حَالٍ فِي ظِلِّ الْحَضْرَةِ الْفَخِيمَةِ الْخِدِيوِيَّةِ وَعَهْدِ الطَّلْعَةِ الْمَيْمُونَةِ الدَّاوَرِيَّةِ مَنْ بَلَغَتْ بِهِ رَعِيَّتُهُ غَايَةَ الْأَمَانِي أَفَنْدِينَا الْمُعَظَّمُ (عَبَّاسْ بَاشَا حِلْمِي الثَّانِي) أَدَامَ اللَّهُ أَيَّامَهُ وَوَالَى عَلَى رَعِيَّتِهِ إنْعَامَهُ مَلْحُوظًا هَذَا الطَّبْعُ الْجَمِيلُ عَلَى هَذَا الشَّكْلِ الْجَلِيلِ بِنَظَرِ مَنْ عَلَيْهِ أَخْلَاقُهُ تُثْنِي حَضْرَةِ وَكِيلِ الْمَطْبَعَةِ الْأَمِيرِيَّةِ مُحَمَّد بِكْ حُسْنِي فِي أَوَاخِرِ شَهْرِ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ بَعْدَ ثَلَاثِمِائَةٍ وَأَلْفٍ مِنْ هِجْرَةِ مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَى أَكْمَلِ وَصْفٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ خَاتِمَة الْكتاب] وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْمُكَرَّمِينَ، وَبَعْدُ فَهَذَا آخِرُ مَا حَرَّرَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الشُّيُوخِ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ الشَّهِيرُ بِالشِّلْبِيِّ عَلَى طِرَازِ نُسْخَتِهِ مِنْ شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْإِمَامِ الْهُمَامِ الشَّيْخِ عُثْمَانَ الشَّهِير بِالزَّيْلَعِيِّ فَجَرَّدْتهَا وَأَثْبَتهَا فِي هَذِهِ الْأَوْرَاقِ رَوْمًا لِنَفْعِهَا وَتَعْمِيمًا لِفَائِدَتِهَا عَلَى الْمُسْتَفِيدِينَ قَاصِدًا بِذَلِكَ وَجْهَهُ الْكَرِيمَ وَذُخْرًا لِيَوْمٍ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. وَحَاوَلْت نَقْلَ مَا أَفَادَهُ وَلَوْ تَكَرَّرَتْ الْكِتَابَةُ مُشِيرًا لِذَلِكَ بِكَتْبِ مَا نَصَّهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْخِيرَةِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

§1/1